الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الفرائض
يُبْدَأُ مِنْ تَرِكَةِ المَيْتِ بِمُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ
(كتاب الفرائض)
أي: مسائل قسمة المواريث، والفرائض جمع فريضة بمعنى مفروضة، مِن الفرض بمعنى: التقدير، وهو هنا شرعا: نصيب مقدر للوارث، (يبدأ) وجوبا بالحقوق المتعلقة بعين التركة عند ضيقها وإلا فندبا (من تركة الميت) وهي ما يخلف من حق كخيار وحد قذف أو اختصاص أو مال كخمر تخللت بعد موته ودية
(1)
أخذت من قاتله؛ لدخولها في ملكه، وكذا ما وقع بشبكة نصبها في حياته.
[تنبيه] لو عاش بمعجزة بعد موته لم ترجع له التركة كزوجاته
؛ لأنها حياة جديدة، وكالموت مسخ أحدهما حجرا فيثبت الإرث بخلاف مسخ أحدهما حيوانا فلا أرث ولا عدة
(2)
(بمؤنة تجهيزه
(3)
من نحو كفن وحنوط وماء وأجرة غسل وحمل وحفر
(4)
حيث لا زوج أو لا مؤنة عليه لنشوز، ثم تجهيز ممونه بما يليق بهما عرفا الآن يسرا وعسرا وإن خالف حالهما في الحياة. ولو مات هو وممونه ولم يف المال إلا بأحدهما قدم هو، أو اجتمع جمع ممن يمونهم فإن ماتوا دفعة واحدة بدأ بمن خشي تغيره ثم بأبيه
(5)
؛ لأنه أكثر حرمة ثم بأمه؛ لأن لها رحما ثم الأقرب فالأقرب، ويقدم الأكبر سنّا من أخويه مثلا، ويقرع بين زوجتيه؛ إذ لا مزية، وتقدم الزوجة على جميع الأقارب و المملوك بعدها; لأن العلقة بهما أتم، ويقدم هنا في
(1)
. والديه تثبت ابتداء للمورث؛ ولهذا خرجت منها ديونه ووصاياه كما قاله الشارح قبيل فصل اجتماع مباشرتين 8/ 391، وللوارث العفو مجانا مع فروع مهمة تأتي في فصل موجب القود 8/ 447.
(2)
. كما في فتح الجواد.
(3)
. قال الشارح في السير ((ولمن عينه الإمام أو نائبه إجباراً لتجهيز ميت أجرةٌ في التركة، ثم في بيت المال، ثم تسقط)) 9/ 240.
(4)
. نعم ما ندب في التجهيز إن أوصى به نفذت وصيته من الثلث، فإن لم يوص فمن رأس المال إن رضوا، ولا تنفذ بما كره في التجهيز كما ذكره الشارح في الجنائز 3/ 194.
(5)
. قدم في النهاية الزوجة والمملوك الخادم لها على الأب.
ثُمَّ تُقْضَى دُيُونُهُ ثُمَّ وَصَايَاهُ مِنْ ثُلُثِ الْبَاقِي، ثُمَّ يُقْسَمُ الْبَاقِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ
نحو الأخوين المستويين سنا الأفضل بنحو فقه أو ورع، و لا يقدم فرع على أصله من جنسه بخلافه من غير جنسه فيقدم أب على ابن وإن كان أفضل منه وابن على أمه؛ لفضيلة الذكورة ورجل على صبي وهو على خنثى وهو على امرأة فإن استووا أقرع بينهم، هذا إذا أمكنه القيام بأمر الجميع وإلا جري هنا نظير ما مر في الفطرة فتقدم الزوجة فالولد الصغير فالأب فالأم فالكبير
(1)
(ثم) بعد مؤنة التجهيز (تقضى ديونه
(2)
مقدما منها دين الله تعالى كزكاة وكفارة
(3)
وحج على دين الآدمي (ثم) بعد الدين وإن كان إنما ثبت بإقرار الوارث بعد ثبوت الوصية أو قبلها (تنفذ وصاياه) وما ألحق بها مما يأتي فهي متأخرة عن الدين (من) للابتداء فتدخل الوصية بالثلث أيضا (ثلث الباقي) بعد الدين إن أخذ وبقي بعده شيء، ولا يقتضي قول المصنف:((من ثلث الباقي)) عدمَ نفوذها إذا استغرق، فلو أبرأ أو تبرع أحد بوفائه بان نفوذها، ثم إن وجوب الترتيب فيما ذكر إنما هو عند المزاحمة، فلو دفع الوصي مثلا مائة للدائن ومائة للموصى له ومائة للوارث معا جاز؛ إذ لم يقارن الدفع مانع (ثم يقسم الباقي) عنها (بين الورثة
(4)
على ما يأتي يعني أنهم يتسلطون على التصرف حينئذ وإلا فالدين لا يمنع الإرث، ومن ثم فازوا بزوائد التركة، وسيعلم أن بقبول الوصية -سواء المعينة كهذا وغيرها كالثلث- يتبين ملكها بالموت فهي حينئذ مانعة للإرث في عين الأول وقدر الثاني شائعا لا قبل القبول
(1)
. كما في الإمداد.
(2)
. أفاد الشارح في الضمان صحة ضمان المريض إلا إن استغرق الدين ماله ولم يحدث له مال، وأنه لو أقر بدين مستغرق قدم على الضمان وإن تأخر عنه، وضمانه من رأس المال إلا عن معسر أو حيث لا رجوع فمن الثلث 5/ 242.
(3)
. ولو اجتمعت زكاه ونحو كفاره قدمت الزكاة إن تعلقت بالعين بأن بقي النصاب وإلا -بأن تلف بعد الوجوب والتمكن- استوت مع غيرها فيوزع عليهما كما مر قبيل فصل أداء الزكاة 3/ 338.
(4)
. ويكلفون بينة أن لا وارث سواهم كما أشار إليه الشارح في الفلس 5/ 133.
قُلْتُ: فَإِنْ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ حَقٌّ كَالزَّكَاةِ وَالْجَانِي وَالمَرْهُونِ وَالمَبِيعِ إذَا مَاتَ المُشْتَرِي مُفْلِسًا قُدِّمَ عَلَى مُؤْنَةِ تَجْهِيزِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(قلت) محل تأخر الدين عن مؤن التجهيز إذا لم يتعلق بعين التركة حق (فإن تعلق بعين التركة حق
(1)
بغير حجر في الحياة قدم (كالزكاة) الواجبة فيها قبل موته وإن كانت من غير الجنس فتقدم على مؤنة التجهيز بل على سائر الحقوق المتعلقة بالتركة؛ لما مر، ولو تلف النصاب بعد التمكن إلا قدر الزكاة كشاة من أربعين مات عنها فقط لم يقدم إلا ربع عشرها؛ لأن حق الفقراء من التالف ديون مرسلة فتؤخر؛ لما تقرر أن الكلام في زكاة متعلقة بعين موجودة (والجاني) هو كما بعده أمثلة للتركة المتعلق بها حق
(2)
، وعليه فإذا تعلق أرش الجناية برقبته -ولو بالعفو عن قوده- قدم المجني عليه بأقل الأمرين من الأرش وقيمة الجاني حتى عن المرتهن؛ لانحصار تعلقها في الرقبة، فلو قدم غيرها فاتت. أما إذا تعلق برقبته قود أو بذمته مال فلا يمنع تصرف الوارث فيه. (والمرهون) رهنا جعليا وإن حجر على الراهن بعده أو آثر به بعض غرمائه في مرض موته إن أقبضه له دون وارثه فيقدم حقه على مؤن التجهيز (والمبيع) بثمن في الذمة (إذا مات المشتري مفلسا
(3)
بثمنه ولم يكن هناك مانع من الفسخ فيمكَّن البائع منه ويفوز به حجر عليه قبل موته أم لا، ولكون الفسخ إنما يرفع العقد من حينه لم يخرج به عن كونه تركة. فإن وجد مانع كتعلق حق لازم به وكتأخير فسخه بلا عذر قدم التجهيز؛ لانتفاء التعلق بالعين حينئذ، وإنما (قدم) ذلك الحق في تلك الصور (على مؤنة تجهيزه)؛ إيثارا للأهم كما تُقدَّم تلك الحقوق على حقه في الحياة (والله أعلم). وخرج بقولي ((بغير حجر)) تعلق الغرماء بماله بالحجر فيقدم التجهيز إن تعلق بعين ماله قبل موته؛ لأنه لم يخرج عن كونه مرسلا في الذمة. ولو اجتمعت الزكاة والجناية في عبد تجارة قُدِّمت الزكاة؛ لانحصار تعلق كل في العين وتزيد الزكاة بأن فيها حقين فكانت أولى، والمستثنيات لا تنحصر فيما ذكر
(4)
.
(1)
. ومنه الخط في الكتابة الصحيحة كما يأتي في بابها 10/ 400، والحقوق المتعلقة بعين التركة لا تنحصر فيما ذكر كما سيأتي.
(2)
. أما ما قبله فإما على ظاهره أنه مثال للحق كما مر ففيه توزيع، وإما مراد به المال الزكوي.
(3)
. مر في الفلس في فصل من باع ولم يقبض الثمن فروع تتعلق بما هنا 5/ 143.
(4)
. يُنظر ما نقل ابن الجمال عن الإمداد في حاشية عبد الحميد.
وَأَسْبَابُ الْإِرْثِ أَرْبَعَةٌ: قَرَابَةٌ، وَنِكَاحٌ، وَوَلَاءٌ، فَيَرِثُ المُعْتِقُ الْعَتِيقَ وَلَا عَكْسَ، وَالرَّابِعُ: الْإِسْلَامُ فَتُصْرَفُ التَّرِكَةُ لِبَيْتِ المَالِ إرْثًا إذَا لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ بِالْأَسْبَابِ الثَّلَاثَةِ. وَالمُجْمَعُ عَلَى إرْثِهِمْ مِنْ الرِّجَالِ عَشَرَةٌ: الِابْنُ وَابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأَبُ وَأَبُوهُ وَإِنْ عَلَا، وَالْأَخُ وَابْنُهُ إلَّا مِنْ الْأُمِّ، وَالْعَمُّ إلَّا لِلْأُمِّ، وَكَذَا ابْنُهُ وَالزَّوْجُ وَالمُعْتِقُ
(وأسباب الإرث أربعة) مجمع عليها (قرابة) يأتي تفصيلها، نعم لو اشترى بعضه في مرض موته عتق عليه ولا يرث؛ لأداء توريثه إلى عدمه (ونكاح) صحيح
(1)
ولو قبل الدخول، نعم لو أعتق أمة تخرج من ثلثه في مرض موته وتزوج بها لم ترثه للدور؛ إذ لو ورثت لكان عتقها وصية لوارث فيتوقف على إجازة الورثة وهي منهم وإجازتها تتوقف على سبق حريتها وهي متوقفة على سبق إجازتها فأدى إرثها لعدم إرثها، وبه يعلم أن الكلام في غير المستولدة; لأن عتقها ولو في مرض الموت لا يتوقف على إجازة أحد; لأن الإجازة إنما تعتبر بعد الموت وهي به تعتق من رأس المال (وولاء) ويختص دون سابقيه بطرف (فيرث المعتق) ومن يدلي به (العتيق ولا عكس) إجماعا، وقد يتوارثان بأن يعتقه حربي فيستولي على سيده ثم يعتقه أو حربي أو ذمي فيرق فيشتريه ويعتقه أو يشتري أبا معتقه ثم يعتقه فله على معتقه ولاء الانجرار (والرابع الإسلام) أي جهته، ويمتنع حينئذٍ لغيره الإمام نقله
(2)
عن بلد المال كالزكاة (فتصرف التركة) أو بعضها إذا كان الميت مسلما (لبيت المال إرثا) للمسلمين بسبب العصوبة؛ لأنهم يعقلون عنه كأقاربه (إذا لم يكن) له (وارث بالأسباب الثلاثة) المتقدمة. ولا يصرف منه شيء لقن ولا كافر ولا قاتل، نعم يجوز لمن له وصية ولمن أعتق أم ولد أو أسلم بعد موته. أما الذمي الذي لا وارث له ومن له أمان نقضه واسترق ثم مات وله مال عندنا فإن مالهما يصرف لبيت المال فيأً (والمجمع على إرثهم من الرجال) أي الذكور (عشرة) بطريق الاختصار وخمسة عشر بالبسط (الابن وابنه، وإن سفل والأب وأبوه، وإن علا والأخ) مطلقا (وابنه إلا من الأم، والعم) للميت وأبيه وجده (إلا للأم وكذا ابنه والزوج والمعتق) ومن يدلي به في حكمه
(1)
. وذكر الشيخ ابن حجر قبيل الإيلاء عن الجلال في رجل تزوج امرأة بولاية أبيها وشاهدين بإذنها له فأنكرت الأذن فأثبت القاضي النكاح وأمرها بالتمكين فامتنعت، ثم مات الزوج فرجعت أن لها بعد الرجوع المطالبة بالمهر والإرث 8/ 158.
(2)
. خلافا لهما.
وَمِنَ النِّسَاءِ سَبْعٌ: الْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَإِنْ سَفَلَ، وَالْأُمُّ، وَالْجَدَّةُ وَالْأُخْتُ، وَالزَّوْجَةُ وَالمُعْتِقَةُ. وَلَوِ اجْتَمَعَ كُلُّ الرِّجَالِ وَرِثَ الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ فَقَطْ، أَوْ كُلُّ النِّسَاءِ فَالْبِنْتُ، وَبِنْتُ الِابْنِ وَالْأُمُّ، وَالْأُخْتُ لِلْأَبَوَيْنِ وَالزَّوْجَةُ. أَوِ الَّذِينَ يُمْكِنُ اجْتِمَاعُهُمْ مِنْ الصِّنْفَيْنِ فَالْأَبَوَانِ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ. وَلَوْ فُقِدُوا كُلُّهُمْ فَأَصْلُ المَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يُورَثُ ذَوُو الْأَرْحَامِ وَلَا يُرَدُّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ، بَلِ المَالُ لِبَيْتِ المَالِ،
(ومن النساء سبع) بالاختصار وبالبسط عشر (البنت وبنت الابن وإن سفل، والأم والجدة) من الجهتين بشرط إدلائها بوارث (والأخت) لأبوين أو لأب أو لأم (والزوجة والمعتقة) ومن يدلي بها في حكمها (ولو اجتمع كل الرجال) ويلزم منه كون الميت أنثى (ورث الأب والابن والزوج فقط) ; لأن من بقي محجوب بغير الزوج إجماعا ويصح أصلها من اثني عشر (أو) اجتمع (كل النساء) ويلزم كون الميت ذكرا (فـ) الوارث هو (البنت وبنت الابن والأم والأخت للأبوين والزوجة)؛ لأن غيرهن محجوب بغير الزوجة ويصح أصلها من أربعة وعشرين. (أو) اجتمع كل من (الذين يمكن اجتماعهم من الصنفين فـ) الوارث هو (الأبوان والابن والبنت وأحد الزوجين)؛ لحجبهم من عداهم، ثم هي في حال كون الميت ذكراً من أربعة وعشرين وتصح من اثنين وسبعين أو وهو أنثى من اثني عشر وتصح من ستة وثلاثين (ولو فقدوا) أي الورثة (كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الأرحام) الآتي بيانهم؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((استُفْتِي فيمن ترك عمته وخالته لا غير فرفع رأسه إلى السماء فقال اللهم رجل ترك عمته وخالته لا وارث له غيرهما، ثم قال أين السائل؟ فقال: ها أنا ذا، قال لا ميراث لهما)) (ولا) هذا استئنافٌ (يرد على أهل الفرض) فيما إذا وجد بعضهم ولم يستغرق كبنت أو أخت فلا يُرَدُّ عليهما الباقي؛ لئلا يبطل فرضهما المقدر (بل المال) وهو الكل في الأول والباقي في الثاني (لبيت المال
(1)
وإن لم ينتظم بأن جار متوليه أو لم يكن أهلا; لأن الإرث لجهة الإسلام
(1)
. ولو أخذ ناظر بيت المال حقه من تركة، ثم ظهر عاصب- بالعين المهملة- وتعذر رد ما وصل لبيت المال حسب على جميع التركة شائعا ونقضت القسمة ويقسم ما بقي منها كما لو غصب أو سرق منها شيء قبل قسمتها؛ لتبين عدم ولاية الناظر، ومن ثم كان من أقبضه طريقاً في الضمان إلا أن يكون حاكماً أو مأذونه أفاده الشارح في كتاب التفليس 5/ 134.
وَأَفْتَى المُتَأَخِّرُونَ إذَا لَمْ يَنْتَظِمْ أَمْرُ بَيْتِ المَالِ بِالرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْفَرْضِ غَيْرَ الزَّوْجَيْنِ مَا فَضَلَ عَنْ فُرُوضِهِمْ بِالنِّسْبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صُرِفَ إلَى ذَوِي الْأَرْحَامِ،
ولا ظلم من المسلمين فلم يبطل حقهم بجور الإمام، (و) من ثم (أفتى المتأخرون إذا لم ينتظم أمر بيت المال) بأن فقد الإمام أو بعض شروط الإمامة كأن جار (بالرد على أهل الفرض)؛ للاتفاق على انحصار مصرف التركة فيهم أو في بيت المال فإذا تعذر تعينوا. وما أوهمته عبارته من أنه عند فقد ذوي الأرحام وغيرهم لا يصرف على رأي المتأخرين لغير المنتظم غير مراد بل على من هو بيده صرفه لقاضي البلد الأهل ليصرفه في المصالح إن شملتها ولايته، فإن لم تشملها تخير بين صرفه له وتوليه صرفه لها بنفسه إن كان أمينا عارفا كما لو فقد الأهل، فإن لم يكن أمينا فوضه لأمين عارف (غيرَ الزوجين) إجماعا; لأنه لا رحم لهما، ومن ثم ترث زوجة تدلي بعمومة أو خؤولة بالرحم لا بالزوجية (ما فضل عن فروضهم بالنسبة) أي بنسبة فروضهم إن اجتمع أكثر من صنف وعدد سهامهم أصل المسألة؛ طلبا للعدل، فللبنت وحدها الكل ومع الأم ثلاثة أرباع وربع للأم; لأن أصلها من ستة وسهامها منها أربعة فاجعلها أصل المسألة واقسمها بينهما أرباعا، ويصح أن تقول يبقى سهمان للأم ربعهما نصف يضرب في الستة فتصح من اثني عشر وترجع بالاختصار إلى أربعة. ولو تعدد ذو فرض قسم بينهم بالسوية، فعلم أن الرد ضد العول الآتي (فإن لم يكونوا) أي ذوو الفروض (صرف إلى ذوي الأرحام) إرثا بالعصوبة فيأخذه كله من انفرد منهم ولو أنثى وغنيا؛ للحديث الصحيح ((الخال وارث من لا وارث له)). وفي إرثهم إذا اجتمعوا مذهب أهل القرابة وهو: تقديم الأقرب للميت، ومذهب أهل التنزيل: بأن يُنَزَّل كل منزلة من يدلي به فيجعل ولد البنت والأخت كأمهما وبنتا الأخ والعم كأبيهما والخال والخالة كالأم والعم للأم والعمة كالأب ففي بنت بنت وبنت بنت ابن المال بينهما أرباعا، وإذا نزل كل كما ذكر قدم الأسبق للوارث لا للميت فإن استووا قُدِّر كأن الميت خلف من يدلون به ثم يجعلون نصيب كل لمن أدلى به على حسب إرثه منه لو كان هو الميت إلا أولاد ولد الأم والأخوال والخالات منها فبالسوية
(1)
(1)
. أما أولاد ولد الأم فالأمر كما قال يقتسمون نصيبه بالسوية، وأما الأخوال والخالات منها أي من الأم فينزلون منزلتها ويرثون نصيبها لكن يقتسمونه للذكر مثل حظ الأنثيين وقد نبه على ذلك عبدالحميد نقلا عن ابن الجمال وابن قاسم 6/ 394.
وَهُمْ مَنْ سِوَى الْمَذْكُورِينَ مِنْ الْأَقَارِبِ، وَهُمْ عَشَرَةُ أَصْنَافٍ: أَبُو الْأُمِّ، وَكُلُّ جَدٍّ وَجَدَّةٍ سَاقِطَيْنِ، وَأَوْلَادُ الْبَنَاتِ، وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ، وَأَوْلَادُ الْأَخَوَاتِ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِلْأُمِّ، وَالْعَمُّ لِلْأُمِّ، وَبَنَاتُ الْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتُ وَالْأَخْوَالُ وَالْخَالَاتُ، وَالمُدْلُونَ بِهِمْ
ويراعى الحجب فيهم كالمشبَّهين بهم ففي ثلاث بنات إخوة متفرقين لبنت الأخ للأم السدس ولبنت الشقيق الباقي وتحجب بها الأخرى كما يحجب أبوها أباها، (وهم) شرعا كل قريب وفي اصطلاح الفرضيين (من سوى المذكورين من الأقارب) من كل من ليس له فرض ولا عصوبة (وهم عشرة أصناف: أبو الأم وكل جد وجدة ساقطين) كأبي أبي الأم وأم أبي الأم وإن عليا وهؤلاء صنف (وأولاد البنات) ذكورا وإناثا ومنهم أولاد بنات الابن (وبنات الإخوة) مطلقا دون ذكور غير الإخوة للأم (وأولاد الأخوات) مطلقا (وبنو الإخوة للأم)، وبناتهم ذكرت في بنات الإخوة (والعم للأم) أي أخو الأب لأمه (وبنات الأعمام والعماتُ والأخوال والخالات) وعطف على عشرة قوله (و) الفروع (المدلون بهم) أي المذكورين ما عدا الأول; لأن الأم تدلي به وهي ذات فرض.
فصل
الْفُرُوضُ المُقَدَّرَةُ فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى سِتَّةٌ، النِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ: زَوْجٌ لَمْ تُخَلِّفْ زَوْجَتُهُ وَلَدًا وَلَا وَلَدَ ابْنٍ، وَبِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ أَوْ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مُنْفَرِدَاتٍ. وَالرُّبُعُ فَرْضُ زَوْجٍ لِزَوْجَتِهِ وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ، وَزَوْجَةٍ لَيْسَ لِزَوْجِهَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا. وَالثُّمُنُ فَرْضُهَا مَعَ أَحَدِهِمَا. وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ بِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا وَبِنْتَيْ ابْنٍ فَأَكْثَرَ وَأُخْتَيْنِ فَأَكْثَرَ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ. وَالثُّلُثُ فَرْضُ أُمٍّ لَيْسَ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ وَلَا اثْنَانِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَفَرْضُ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ، وَقَدْ يُفْرَضُ لِلْجَدِّ مَعَ الْإِخْوَةِ.
(فصل) في بيان الفروض التي في القرآن الكريم وذويها
(الفروض) أي الأنصباء (المقدرة) فلا يزاد عليها ولا ينقص عنها إلا لرد أو عول (في كتاب الله تعالى) للورثة (ستة النصف فرض خمسة زوجٍ لم تخلف زوجته ولدا ولا ولد ابن) ذكرا أو أنثى وارثا؛ للآية وابن الابن وإن سفل ملحق به إجماعا (وبنت أو بنت ابن أو أخت لأبوين أو لأب منفردات) عمَّن يأتي؛ للآيات فيهن مع الإجماع على الثانية وعلى إخراج الأخت للأم من الآية (والربع فرض) اثنين (زوج لزوجته ولد أو ولد ابن) ذكر أو أنثى وارث وإن نزل؛ للآية مع الإجماع في ولد الابن، فإن فقد الولد أو كان غير وارث لنحو قتل أو ورث بعموم القرابة كفرع البنت فله النصف (وزوجة) فأكثر إلى أربع بل وإن زدن في حق نحو مجوسي (ليس لزوجها واحد منهما) كما ذكر؛ للآية (والثمن) لواحد; لأنه (فرضها) أي الزوجة فأكثر (مع أحدهما) كما ذكر؛ للآية (والثلثان فرض) أربع (بنتين فصاعدا)؛ للآية (وبنتي ابن فأكثر) إجماعا (وأختين فأكثر لأبوين أو لأب)؛ للآية في الثنتين وللإجماع فيما زاد على أنها نزلت في قصة جابر لََمَّا مرض وسأل عن إرث أخواته السبع منه، ويشترط انفرادهن عمَّن يعصبهن أو يحجبهن حرمانا أو نقصانا (والثلث فرض) اثنين، فرض (أم ليس لميتها ولد ولا ولد ابن) وارث (ولا اثنان من الإخوة والأخوات) -يقينا، فإن شك في نسب اثنين فسيأتي في الموانع-؛ للآية، وولد الولد كالولد إجماعا، (وفرض اثنين فأكثر من ولد الأم)؛ لقوله تعالى {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} النساء: 12 .. الآية أي: من أم إجماعا (وقد يفرض) الثلث (للجد مع الإخوة) فيما يأتي وبه يكون الثلث لثلاثة وإن كان الثالث ليس في القرآن.
وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ: أَبٌ وَجَدٌّ لِمَيِّتِهِمَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ وَأُمٌّ لِمَيِّتِهَا وَلَدٌ أَوْ وَلَدُ ابْنٍ أَوِ اثْنَانِ مِنِ إخْوَةِ وَأَخَوَاتِ وَجَدَّةٌ وَلِبِنْتِ ابْنٍ مَعَ بِنْتِ صُلْبٍ وَلِأُخْتٍ أَوْ أَخَوَاتٍ لِأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ وَلِوَاحِدٍ مِنْ وَلَدِ الْأُمِّ
(والسدس فرض سبعة أب وجد) لم يدل بأنثى (لميتهما ولد أو ولد ابن) وارث؛ للآية والجد كالأب فيها (وأم لميتها ولد أو ولد ابن) وارث (أو اثنان من إخوة وأخوات) وإن لم يرثا؛ لحجبهما بالشخص دون الوصف كما يعلم مما يأتي كأخ لأب مع شقيق ولأم مع جد ولو كانا ملتصقين ولكل رأس ويدان ورجلان وفرج؛ إذ حكمهما حكم الاثنين في سائر الأحكام، وظاهرٌ أن تعدد غير الرأس ليس بشرط بل متى علم استقلال كل بحياة كأن نام دون الآخر كانا كذلك، فإذا اجتمع معها ولد وأخوان فالحاجب لها الولد فقط; لأنه أقوى (وجدة) فأكثر؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((أعطاها السدس)) وأنه ((قضى به للجدتين)) (ولبنت ابن) فأكثر (مع بنت صلب) أو بنت ابن أعلى منها إجماعا (ولأخت أو أخوات لأب مع أخت لأبوين)؛ قياسا على الذي قبله (ولواحد من ولد الأم) ذكرا أو أنثى وقد يرث بعض المذكورين بالتعصيب كما يعلم مما يأتي.
فصل
الْأَبُ وَالِابْنُ وَالزَّوْجُ لَا يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ، وَابْنُ الِابْنِ لَا يَحْجُبُهُ إلَّا الِابْنُ أَوِ ابْنُ ابْنٍ أَقْرَبُ مِنْهُ، وَالْجَدُّ لَا يَحْجُبُهُ إلَّا مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَيِّتِ، وَالْأَخُ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ الْأَبُ وَالِابْنُ وَابْنُ الِابْنِ، وَللِأَبِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ، وَلِأُمٍّ يَحْجُبُهُ أَبٌ وَجَدٌّ وَوَلَدٌ وَوَلَدُ ابْنٍ،
(فصل) في الحجب
وهو لغة: المنع، وشرعا: منع من قام به سبب الإرث بالكلية أو من أوفر حظيه، ويسمى الأول حجب حرمان وهو إما بالشخص أو الاستغراق وهو المراد هنا أو الوصف وسيأتي، والثاني حجب نقصان وقد مر ومنه حجب الفرع للزوج أو الزوجة أو للأبوين (الأب والابن والزوج لا يحجبهم) من الإرث حرمانا (أحد) إجماعا؛ لأن كلا منهم يدلي للميت بنفسه وليس فرعا عن غيره بخلاف المعتق فإنه وإن أدلى بنفسه لكنه فرع عن النسب; لأنه مشبه به
(1)
فقدم عليه، (وابن الابن) وإن سفل (لا يحجبه إلا الابن) -إجماعا- أباه كان؛ لإدلائه به، أو عمه; لأنه أقرب منه (أو ابن ابن أقرب منه) كابن ابن ابن وابن ابن ابن ابن، ويحجبه أيضا أصحاب فروض مستغرقة كأبوين وبنتين، (والجد) وإن علا (لا يحجبه إلا) ذكر (متوسط بينه وبين الميت) إجماعا كالأب; لأن كل من أدلى للميت بواسطة حجبته إلا أولاد الأم. وخرج بـ ((ذكر)) من أدلى بأنثى فإنه لا يرث أصلا فلا يسمى حجبا كما علم من حده السابق (والأخ لأبوين يحجبه الأب والابن وابن الابن) وإن سفل إجماعا (و) الأخ (للأب يحجبه هؤلاء)؛ لأنهم حجبوا الشقيق فهو أولى (وأخ لأبوين) ; لأنه أقوى وأقرب منه، ويحجبه أيضا أخت لأبوين معها بنت أو بنت ابن، وهو وإن كان حجبا بالاستغراق لكنه لا يخرج عن كونه حجب بأقرب منه، (و) الأخ (لأم يحجبه أب وجد وولد وولد ابن) وإن سفل ولو أنثى؛ للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم فسر الكلالة في الآية التي فيها إرث ولد الأم كما مر بأنه ((مَن لم يخلف ولدا ولا والدا)).
(1)
. في قوله صلى الله عليه وسلم ((الولاء لحمة كلحمة النسب)).
وَابْنُ الْأَخِ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ سِتَّةٌ: أَبٌ، وَجَدٌّ، وَابْنٌ وَابْنُهُ، وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَابْنُ أَخٍ لِأَبَوَيْنِ، وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ أَخٍ لِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَعَمٌّ لِأَبَوَيْنِ، وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ، وَعَمٌّ لِأَبٍ، وَلِأَبٍ يَحْجُبُهُ هَؤُلَاءِ وَابْنُ عَمٍّ لِأَبَوَيْنِ، وَالمُعْتِقُ يَحْجُبُهُ عَصَبَةُ النَّسَبِ. وَالْبِنْتُ وَالْأُمُّ وَالزَّوْجَةُ لَا يُحْجَبْنَ، وَبِنْتُ الِابْنِ يَحْجُبُهَا ابْنٌ أَوْ بِنْتَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا مَنْ يُعَصِّبُهَا، وَالجَدَّةُ للِأُمِّ لَا يَحْجُبُهَا إلَّا الْأُمُّ، وَللِأَبِ يَحْجُبُهَا الْأَبُ أَوِ الْأُمُّ،
(وابن الأخ لأبوين يحجبه ستة: أب وجد) وإن علا; لأنه أقوى منه
(1)
(وابن وابنه وأخ لأبوين ولأب) ; لأنه أقرب منه. وذكر ((ستة)) هنا؛ ليرفع إيهام التكرر المحض عن هذا وما يليه، وليفيد أن قوله (ولأب) هذا معطوف على لأبوين الأول لا على ما يليه (يحجبه هؤلاء) الستة (وابن أخ لأبوين) ; لأنه أقرب منه. (والعم لأبوين يحجبه هؤلاء) السبعة (وابن أخ لأب) ; لأنهم أقرب منه (و) العم (لأب يحجبه هؤلاء) الثمانية (وعم لأبوين) كذلك (وابن عم لأبوين يحجبه هؤلاء) التسعة (وعم لأب و) ابن عم (لأب يحجبه هؤلاء) العشرة (وابن عم لأبوين) كذلك، والكلام كما هو ظاهر في عم الميت لا عم أبيه ولا عم جده (والمعتق يحجبه عصبة النسب) إجماعا; لأن النسب أقوى، (والبنت والأم والزوجة لا يحجبن) حرمانا إجماعا (وبنت الابن يحجبها ابن) مطلقا; لأنه أبوها أو عمها (أو بنتان إذا لم يكن معها من يعصبها)؛ لأنه لم يبق من الثلثين شيء فإن وجد معها ذلك كأخيها أو ابن عمها أخذت معه الثلث الباقي تعصيبا (والجدة للأم لا يحجبها إلا الأم)؛ لإدلائها بها ولا كذلك الأب والجد (و) الجدة (للأب يحجبها الأب)؛ لإدلائها به. وقد ترث وابن ابنها أو ابن بنتها حي من ابنه في صورة هي أن تكون جدة من جهتين بأن يموت ابنها أو بنتها وتترك ولدا متزوجا بنت عمته أو خالته وله منها ولد فيموت هذا الولد بعد موت أمه وأمها ويترك أباه وجدته العليا التي هي أم أم أمه وأم أبي أبيه أو وأم أم أبيه فترثه من جهة كونه ابن بنت بنتها لا من جهة كونه ابن ابن ابنها أو ابن ابن بنتها (والأم) إجماعا ولأنها أقرب منها في الأمومة التي بها الإرث.
(1)
. عبارة ابن الجمال مع المتن: ((أب وجد وإن علا؛ لأن جهتهما مقدمة فيكون من القاعدة الثانية .. الخ))، وكذا قوله:((لأنه أقرب)) ففيه ما تقدم، ووقع في التحفة والنهاية التعليل بأنه أقرب منه، وقد علمت أنا ما ننظر إلى القرب إلا بعد الاتحاد في الجهة
…
الخ 6/ 398.
وَالْقُرْبَى مِنْ كُلِّ جِهَةٍ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْهَا، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ كَأُمِّ أُمٍّ تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ كَأُمِّ أُمِّ أَبٍ، وَالْقُرْبَى مِنْ جِهَةِ الْأَبِ لَا تَحْجُبُ الْبُعْدَى مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ فِي الْأَظْهَرِ. وَالْأُخْتُ مِنَ الجِهَاتِ كَالْأَخِ، وَالْأَخَوَاتُ الخُلَّصُ لِأَبٍ يَحْجُبُهُنَّ أَيْضًا أُخْتَانِ لِأَبَوَيْنِ. وَالمُعْتِقَةُ كَالمُعْتِقِ،
(و) الجدة (القربى من كل جهة تحجب البعدى منها) سواء أدلت بها كأم أب وأم أم أب وأم أم وأم أم أم، أَمْ لا كأم أب وأم أبي أب، نعم إن كانت البعدى ترث من جهة أخرى لم تحجب كما في الجدة العليا في الصورة السابقة فإن بنتها التي هي أم أم الميت لا تسقطها؛ لأنها -أعني العليا- أم أم أبيه فهي مساوية لها من جهة الأب فورثت معها لا من جهتها وليس لنا جدة ترث مع بنتها الوارثة إلا هذه
(1)
. (والقربى من جهة الأم) كأم أم (تحجب البعدى من جهة الأب كأم أم أب) ; لأن لها قوَّتين: قربها بدرجة، وكون الأم كالأصل؛ لتحقق نسبة الميت لها ولا كذلك الأب والجدات كفرعها. (والقربى من جهة الأب) كأم أب (لا تحجب البعدى من جهة الأم) كأم أم الأم (في الأظهر) بل يشتركان في السدس؛ لأن الأب لا يحجبها فالجدة المدلية به أولى، والقربى من جهة أمهات الأب كأم أم أب تسقط بعدى جهة آبائه كأم أم أبي الأب وأم أبي أبي الأب، والقربى من جهة آبائه كأم أبي أبيه لا تسقط بعدى جهة أمهاته كأم أم أم الأب
(2)
(والأخت من الجهات) كلها (كالأخ) منها فيحجبها من يحجبه بتفصيله السابق، نعم الشقيقة أو التي لأبٍ لا يحجبها فروض مستغرقة حيث فُرِضَ للشقيقة أو التي للأب النصف وتعول المسألة، والتي لأبٍ لها السدس مع الشقيقة والأخ ليس كذلك (والأخوات الخُلَّص لأب يحجبهن أيضا) شقيقة مع بنت؛ لاستغراقهما، و (أختان لأبوين)؛ لأنه لم يبق من الثلثين شيء. وخرج بالخُلَّص في مسألة المتن ما لو كان معهن أخ لأب فيعصبهن ويأخذ الثلث هو وهنَّ و للذكر مثل حظ الأنثيين (والمعتقة كالمعتق) فيحجبها عصبات النسب.
(1)
. قال في المغني ((وصورتها لزينب مثلا بنتان حفصة وعمرة ولحفصة ابن ولعمرة بنت بنت فنكح ابن حفصة بنت بنت خالته عمرة فأتت بولد فلا تسقط عمرة التي هي أم أم أم الولد أمها زينب؛ لأنها أم أم أب الولد)).
(2)
. الأرجح في هذه الصورة ما نقله الشنشوري عن ابن الهائم وأقره أنها تسقطها خلافا لصريح التحفة والنهاية. حاشية عبدالحميد 6/ 401.
وَكُلُّ عَصَبَةٍ يَحْجُبُهُ أَصْحَابُ فُرُوضٍ مُسْتَغْرِقَةٍ.
فصل
الِابْنُ يَسْتَغْرِقُ المَالَ وَكَذَا الْبَنُونَ، وَلِلْبِنْتِ النِّصْفُ، وَلِبِنْتَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثَانِ، وَلَوِ اجْتَمَعَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ فَالمَالُ لَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَأَوْلَادُ الِابْنِ إذَا انْفَرَدُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ، فَلَوِ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ فَإِنْ كَانَ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ ذَكَرٌ حَجَبَ أَوْلَادَ الِابْنِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا أُنْثَى أَوْ إنَاثٌ فَلَهَا أَوْ لَهُنَّ السُّدُسُ،
(وكل عصبة) لم تنتقل للفرض -وهو غير ابن؛ لما قدمه أولاً أنه لا يحجب- (يحجبه أصحاب فروض مستغرقة) للمال كزوج وأم وأخ لأم وعم لا شيء للعم؛ للخبر المتفق عليه ((ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر)). وخرج بقولي ((لم ينتقل للفرض)) الأخ لأبوين في المشركة والأخت لأبوين أو لأب في الأكدرية فكل منهما عصبة ولم يحجبه الاستغراق; لأنه انتقل للفرض وإن لم يرث به في الأكدرية.
[تنبيه] شرط الحجب في كل ما مر الإرث فمن لا يرث لمانع مما يأتي لا يحجب غيره حرمانا ولا نقصانا
، أو لحجب فكذلك إلا في صور كالإخوة مع الأب يحجبون به ويردون الأم من الثلث إلى السدس وولديها مع الجد يحجبان به ويردانها إلى السدس ففي زوج وشقيقة وأم وأخ لأب لا شيء للأخ مع أنه مع الشقيقة يردان الأم إلى السدس.
(فصل) في إرث الأولاد وأولاد الابن اجتماعا وانفرادا
(الابن) المنفرد (يستغرق المال) بالعصوبة (وكذا البنون) إجماعا (وللبنت) المنفردة عمن يعصبها (النصف ولبنتين) كذلك (فصاعدا الثلثان) كما مر (ولو اجتمع بنون وبنات فالمال لهم للذكر مثل حظ الأنثيين)؛ للآية والإجماع، (وأولاد الابن) وإن سفلوا (إذا انفردوا كأولاد الصلب) فيما ذكر إجماعا؛ لتنزيلهم منزلتهم (فلو اجتمع الصنفان) أي أولاد الصلب وأولاد الابن (فإن كان من ولد الصلب ذكر) وحده أو مع أنثى (حجب أولاد الابن) إجماعا (وإلا) يكن منهم ذكر (فإن كان للصلب بنت فلها النصف والباقي لولد الابن الذكور أو الذكور والإناث) للذكر مثل حظ الأنثيين كأولاد الصلب (فإن لم يكن) منهم (إلا أنثى أو إناث فلها أو لهن السدس) تكملة الثلثين؛ إجماعا ولخبر مسلم ((أنه صلى الله عليه وسلم قضى به للواحدة)).
وَإِنْ كَانَ لِلصُّلْبِ بِنْتَانِ فَصَاعِدًا أَخَذَتَا الثُّلُثَيْنِ، وَالْبَاقِي لِوَلَدِ الِابْنِ الذُّكُورِ أَوِ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَلَا شَيْءَ لِلْإِنَاثِ الخُلَّصِ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَسْفَلَ مِنْهُنَّ ذَكَرٌ فَيُعَصِّبُهُنَّ، وَأَوْلَادُ ابْنِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الِابْنِ كَأَوْلَادِ الِابْنِ مَعَ أَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَكَذَا سَائِرُ المَنَازِلِ، وَإِنَّمَا يُعَصِّبُ الذَّكَرُ النَّازِلُ مَنْ فِي دَرَجَتِهِ وَيُعَصِّبُ مَنْ فَوْقَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا شَيْءٌ مِنَ الثُّلُثَيْنِ.
…
(وإن كان للصلب بنتان فصاعدا أخذتا) أو أخذن (الثلثين)؛ لما سبق (والباقي لولد الابن الذكور أو الذكور والإناث) للذكر مثل حظ الأنثيين (ولا شيء للإناث الخُلَّص) إجماعا (إلا أن يكون أسفل منهن) أو مساويهن.
[تنبيه] المتبادر من كلامهم أن المراد بالخلص أن لا يكون معهن معصب مساو أو أنزل وعليه فالاستثناء منقطع لأنهن مع وجوده لسن بخلص
. (ذكر فيعصبهن)؛ لتعذر إسقاطه لكونه عصبة ذكرا وحيازته مع بعده أو مساواته فأخذ الواحد منه مثلي نصيب الواحدة منهن ويسمى الأخ المبارك (وأولاد ابن الابن مع أولاد الابن كأولاد الابن مع أولاد الصلب) في جميع ما مر (وكذا سائر المنازل) فلكل ذي درجة نازلة مع أعلى منها حكم ما ذكر (وإنما يعصب الذكر النازل من في درجته) كأخته وبنت عمه فيأخذ مثليها استغرق الثلثان أم لا. وخرج بمن في درجته من هي أسفل منه فإنه يسقطها (ويعصب من) هي (فوقه إن لم يكن لها شيء من الثلثين) كبنتين وبنت ابن وابن ابن ابن بخلاف ما إذا كان لها منهما شيء كبنت وبنت ابن وابن ابن ابن فلها السدس وتستغني به وله الثلث الباقي، ولو كان في هذا المثال بنت ابن ابن أيضا قسم الثلث بينهما; لأن هذه لا شيء لها في السدس الذي هو تكملة الثلثين فعصبها.
فصل
الْأَبُ يَرِثُ بِفَرْضٍ إذَا كَانَ مَعَهُ ابْنٌ أَوْ ابْنُ ابْنٍ وَبِتَعْصِيبٍ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ، وَبِهِمَا إذَا كَانَ مَعَهُ بِنْتٌ أَوْ بِنْتُ ابْنٍ لَهُ السُّدُسُ فَرْضًا وَالْبَاقِي بَعْدَ فَرْضِهِمَا بِالْعُصُوبَةِ. وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ أَوْ السُّدُسُ فِي الحَالَيْنِ السَّابِقَيْنِ فِي الْفُرُوضِ وَلَهَا فِي مَسْأَلَتَيْ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الزَّوْجِ أَوِ الزَّوْجَةِ، وَالجَدُّ كَالْأَبِ إلَّا أَنَّ الْأَبَ يُسْقِطُ الْإِخْوَةَ وَالْأَخَوَاتِ، وَالجَدَّ يُقَاسِمُهُمْ إنْ كَانُوا لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، وَالْأَبَ يُسْقِطُ أُمَّ نَفْسِهِ وَلَا يُسْقِطُهَا الجَدُّ وَالْأَبَ فِي زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ وَأَبَوَيْنِ يَرُدُّ الْأُمَّ مِنَ الثُّلُثِ إلَى ثُلُثِ الْبَاقِي وَلَا يَرُدُّهَا الجَدُّ
(فصل) في كيفية إرث الأصول
(الأب يرث بفرض) فقط هو السدس غير عائل (إذا كان معه ابن أو ابن ابن) وارث أو بنتان وأم، وعائلا إذا كان معه بنتان وأم وزوج (و) يرث (بتعصيب) فقط (إذا لم يكن) معه (ولد ولا ولد ابن) سواء انفرد أو كان معه ذو فرض آخر كزوجة أو أم أو جدة (و) يرث (بهما إذا كان معه بنت أو بنت ابن) أو هما أو بنتان أو بنتا ابن (له السدس فرضا والباقي بعد فرضهما) أي فرض الأب وفرض البنت أو وفرض بنت الابن (بالعصوبة)؛ للخبر السابق آنفا (وللأم الثلث أو السدس في الحالين السابقين في الفروض) وذكر تتميما وتوطئة لقوله:(ولها في مسألتي زوج أو زوجة وأبوين ثلث ما بقي بعد الزوج) أصلها من اثنين
(1)
للزوج واحد ويبقى واحد على ثلاثة لا يصح ولا يوافق تضرب اثنين في ثلاثة للزوج ثلاثة وللأب اثنان وللأم واحد ثلث ما بقي (أو الزوجة) أصلها من أربعة; لأن فيها ربعا وثلث ما يبقى ومنها تصح للزوجة واحد وللأم ثلث الباقي وللأب الباقي (والجد كالأب) في جميع ما تقدم حتى في جمعه بينهما فيما مر (إلا أن الأب يسقط الإخوة والأخوات) للميت كما مر (والجد يقاسمهم إن كانوا لأبوين أو لأب) كما يأتي تفصيله (والأب يسقط أم نفسه) ; لأنها تدلي به (ولا يسقطها) أي أم الأب (الجد) ; لأنها لا تدلي به (والأب في زوج أو زوجة وأبوين يرد الأم من الثلث إلى ثلث الباقي ولا يردها الجد) بل تأخذ الثلث كاملا; لأنه لا يساويها فلا يلزم
(1)
. وفي المغني ستة.
وَلِلْجَدَّةِ السُّدُسُ، وَكَذَا الجَدَّاتُ وَتَرِثُ مِنْهُنَّ أُمُّ الْأُمِّ وَأُمَّهَاتُهَا المُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ خُلَّصٍ، وَأُمُّ الْأَبِ وَأُمَّهَاتُهَا كَذَلِكَ وَكَذَا أُمُّ أَبِ الْأَبِ وَأُمُّ الْأَجْدَادِ فَوْقَهُ وَأُمَّهَاتُهُنَّ عَلَى المَشْهُورِ، وَضَابِطُهُ كُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِمَحْضِ إنَاثٍ أَوْ ذُكُورٍ أَوْ إِنَاثٍ إلَى ذُكُورٍ تَرِثُ، وَمَنْ أَدْلَتْ بِذَكَرٍ بَيْنَ أُنْثَيَيْنِ فَلَا.
فصل
الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ إذا انْفَرَدُوا وَرِثُوا كَأَوْلَادِ الصُّلْبِ، وَكَذَا إنْ كَانُوا لِأَبٍ إلَّا فِي المُشَرَّكَةِ، وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَوَلَدَا أُمٍّ وَأَخٌ لِأَبَوَيْنِ، فَيُشَارِكُ الْأَخُ وَلَدَيِ الْأُمِّ فِي الثُّلُثِ،
تفضيلها عليه، وأبو الجد ومن فوقه كالجد في ذلك وكل جد يحجب أم نفسه ولا يحجبها من هو فوقه فكل ما علا الجد درجة زاد معه جدة وارثة فيرث مع الجد جدتان ومع أبي الجد ثلاث ومع جد الجد أربع وهكذا. (وللجدة السدس)؛ لما تقدم (وكذا الجدات) أي الجدتان فأكثر؛ للحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ((قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما)) (وترث منهن أم الأم وأمهاتها المدليات بإناث خلص) كأم أم الأم وإن علت اتفاقا ولا ترث من جهة الأم إلا واحدة دائما (وأم الأب وأمهاتها كذلك) أي المدليات بإناث خلص؛ لما صح عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قسم السدس بين أم الأم وأم الأب لَمَّا قيل له وقد آثر به الأولى أعطيت التي لو ماتت لم يرثها ومنعت التي لو ماتت ورثها (وكذا أم أب الأب وأم الأجداد فوقه وأمهاتهن) يرثن (على المشهور) ; لأنهن يدلين بوارث فهن كأم الأب لا كأم أبي الأم (وضابطه) أي إرثهن أن تقول:(كل جدة أدلت بمحض إناث) كأم أم أم (أو) بمحض (ذكور) كأم أبي الأب (أو) بمحض (إناث إلى ذكور) كأم أم أب (ترث ومن أدلت بذكر بين أنثيين) كأم أبي الأم (فلا) ترث وحكى ابن المنذر الإجماع على ذلك.
(فصل) في إرث الحواشي
(الإخوة والأخوات لأبوين إذا انفردوا) عن الإخوة والأخوات لأب (ورثوا كأولاد الصلب) فيأخذ الواحد فأكثر كل المال أو الباقي والواحدة نصفه والثنتان فأكثر ثلثيه والمجتمعون الذكر مثل حظ الأنثيين (وكذا إن كانوا لأب) وانفردوا عن الأشقاء فيأخذون المال كما ذكر إجماعا (إلا) استثناء مما تضمنه كلامه أن الأخوة لأب كالأشقاء (في المشرَّكة وهي زوج وأم) أو جدة (وولدا أم) فأكثر (وأخ) فأكثر (لأبوين) سواء أكانوا ذكورا أم ذكورا وإناثا (فيشارك الأخ) الشقيق فأكثر (ولدي الأم في الثلث) بأخوة الأم فيأخذ كواحد منهم الذكر والأنثى في ذلك سواء؛ لاشتراكهم في القرابة التي ورثوا بها وهي بنوة الأم.
وَلَوْ كَانَ بَدَلَ الْأَخِ أَخٌ لِأَبٍ سَقَطَ، وَلَوِ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ فَكَاجْتِمَاعِ أَوْلَادِ الصُّلْبِ وَأَوْلَادِ ابْنِهِ إلَّا أَنَّ بَنَاتِ الِابْنِ يُعَصِّبُهُنَّ مَنْ فِي دَرَجَتِهِنَّ أَوْ أَسْفَلَ، وَالْأُخْتُ لَا يُعَصِّبُهَا إلَّا أَخُوهَا، وَلِلْوَاحِدِ مِنَ الْإِخْوَةِ أَوِ الْأَخَوَاتِ لِأُمٍّ السُّدُسُ، وَلِاثْنَيْنِ فَصَاعِدًا الثُّلُثُ سَوَاءٌ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ. وَالْأَخَوَاتُ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ مَعَ الْبَنَاتِ، أوَ بَنَاتِ الِابْنِ عَصَبَةٌ كَالْإِخْوَةِ، فَتُسْقِطُ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ مَعَ الْبِنْتِ الْأَخَوَاتِ لِأَبٍ، وَبَنُو الْإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كُلٌّ مِنْهُمْ كَأَبِيهِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا لَكِنْ يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَنَّهُمْ لَا يَرُدُّونَ الْأُمَّ إلَى السُّدُسِ
(ولو كان بدل الأخ) لأبوين (أخ لأب) وحده أو مع أخته أو أختيه (سقط) هو وهن إجماعا؛ لفقد قرابة الأم ويسمى الأخ المشؤوم، أو أخت أو أختان لأب فرض لها النصف ولهما الثلثان وعالت كما لو كانت شقيقة أو شقيقتان. (ولو اجتمع الصنفان) أي الأشقاء والإخوة لأب (فكاجتماع أولاد الصلب وأولاد ابنه) فإن كان الشقيق ذكرا حجبهم إجماعا، أو أنثى فلها النصف، أو أكثر فلهما أولهن الثلثان، ثم إن كان ولد الأب ذكرا أو مع إناث أخذوا الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين، أو أنثى أو أكثر فلها أولهن مع شقيقة السدس تكملة الثلثين، ومع شقيقتين لا شيء لها أو لهن إلا إن كان معها أو معهن أخ يعصبها أو إياهن ويسمى الأخ المبارك لا ابن أخ كما قال (إلا أن بنات الابن يعصبهن من في درجتهن أو أسفل) كما مر (والأخت لا يعصبها إلا أخوها) بخلاف ابن أخيها بل الكل له دونها، والفرق أن ابن الأخ لا يعصب أخته فعمته أولى وابن الابن يعصب عمته فأخته أولى. (وللواحد من الإخوة والأخوات لأم السدس، وللاثنين فصاعدا الثلث) كما مر وذكر توطئة لقوله: (سواء ذكورهم وإناثهم) إجماعا. وهذا أحد الأحكام الخمسة التي تميزوا بها، والبقية: أن ذكرهم المنفرد كأنثاهم المنفردة وأنهم يرثون مع من يدلون به وأنهم يحجبون من يدلون به حجب نقصان وأن ذكرهم يدلي بأنثى ويرث. (والأخوات) أو الأخت (لأبوين أو لأب مع) البنت أو (البنات) ومع بنت الابن (أو بنات الابن عصبة كالأخوة) إجماعا. وإذا كن عصبة (فتسقط أخت لأبوين مع البنت) أو بنت الابن (الأخوات لأب) كما يسقط الشقيق الأخ لأب (وبنو الإخوة لأبوين أو لأب كل منهم كأبيه اجتماعا وانفرادا) فيستغرق الواحد أو الجمع المال إن انفرد وإلا أسقط ابن الشقيق ابن الأخ لأب (لكن يخالفونهم) أي آباءهم (في أنهم لا يردون الأم) من الثلث (إلى السدس) وفارقوا ولد الولد بأنه يسمى ولدا مجازا مشهورا، بل حقيقة
وَلَا يَرِثُونَ مَعَ الجَدِّ وَلَا يُعَصِّبُونَ أَخَوَاتِهِمْ وَيَسْقُطُونَ فِي المُشَرَّكَةِ. وَالْعَمُّ لِأَبَوَيْنِ أوَ لِأَبٍ كَالأَخِ مِنَ الجِهَتَيْنِ اجْتِمَاعًا وَانْفِرَادًا، وَكَذَا قِيَاسُ بَنِي الْعَمِّ وَسَائِرِ عَصَبَةِ النَّسَبِ، وَالْعَصَبَةُ مَنْ لَيْسَ لَهُ سَهْمٌ مُقَدَّرٌ مِنْ المُجْمَعِ عَلَى تَوْرِيثِهِمْ، فَيَرِثُ المَالَ أَوْ مَا فَضَلَ بَعْدَ الْفُرُوضِ.
وابن الأخ لا يسمى أخا كذلك (ولا يرثون مع الجد) إجماعا; لأنه كأخ والأخ يسقطهم (ولا يعصبون أخواتهم) ; لأنهن من ذوي الأرحام لتراخي قربهم مع ضعف الأنوثة (ويسقطون) أي أولاد الإخوة الأشقاء (في المشركة) وذلك؛ لأن مأخذ التشريك قرابة الأم وهي مفقودة في ابن الأخ، ويخالفونهم أيضا في أن أولاد الأشقاء لا يحجبون الإخوة لأب بخلاف الأشقاء، وأن الأخ لأب يحجب ابن الشقيق وابنه لا يحجبه وأن بني الإخوة لا يرثون مع الأخوات إذا كن عصبات مع البنات بخلاف آبائهم (والعم لأبوين أو لأب) سواء عم الميت وعم أبيه وعم جده وهكذا (كالأخ من الجهتين اجتماعا وانفرادا) فيأخذ الواحد فأكثر منهم المال أو ما بقي، ويسقط العم الشقيق العم للأب وهو يسقط بني الشقيق، ومر ما يعلم منه أن بني الإخوة من الجهتين يحجبون الأعمام، (وكذا قياس بني العم) لأبوين أو لأب فيحجب بنو العم الشقيق بني العم لأب (وسائر) أي باقي (عصبة النسب) كبني بني الإخوة وبني بني العم وهكذا فكل ابن منهم كأبيه. وليس بعد بني الأعمام عصبة، وبنو الأخوات العصبة ليسوا مثلهن (والعصبة) بنفسه وبغيره ومع غيره وهو يشمل الواحد والمتعدد والذكر والأنثى (من ليس له سهم مقدر) حالة تعصيبه من جهة التعصيب (من المجمع على توريثهم) خرج بمقدر ذو الفرض وبما بعده ذوو الأرحام بناء على أن من ورثهم لا يسميهم عصبة وفيه خلاف، بل على مذهب أهل التنزيل ينقسمون إلى ذوي فرض وعصبات، ودخل في الحد بمراعاة قولنا ((حالة تعصيبه إلى آخره)) البنت مع الابن والأخت مع البنت والأب والجد وابن العم الذي هو أخ لأم أو زوج فإن أخذهم للفرض ليس في حالة التعصيب (فيرث المال) المخلف كله إذا لم يكن معه ذو فرض، وذلك؛ للخبر السابق ((فما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر)) (أو ما فضل بعد الفروض) أو الفرض وهذا يعم الأنواع الثلاثة.
فصل
مَنْ لَا عَصَبَةَ لَهُ بِنَسَبٍ وَلَهُ مُعْتِقٌ فَمَالُهُ أَوِ الْفَاضِلُ عَنِ الْفُرُوضِ لَهُ رَجُلًا كَانَ أَوِ امْرَأَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِعَصَبَتِهِ بِنَسَبٍ المُتَعَصِّبِينَ بِأَنْفُسِهِمْ لَا لِبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ، وَتَرْتِيبُهُمْ كَتَرْتِيبِهِمْ فِي النَّسَبِ لَكِنِ الْأَظْهَرُ أَنَّ أَخَا المُعْتِقِ وَابْنَ أَخِيهِ يُقَدَّمَانِ عَلَى جَدِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَصَبَةٌ فَلِمُعْتِقِ المُعْتِقِ، ثُمَّ عَصَبَتُهُ كَذَلِكَ. وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مُعْتَقَهَا أَوْ مُنْتَمِيًا إلَيْهِ بِنَسَبٍ أَوْ وَلَاءٍ.
(فصل) في الإرث بالولاء
(من لا عصبة له بنسب وله معتق) استقر ولاؤه عليه، فخرج عتيق حربي رق وعتقه مسلم فإنه الذي يرثه (فماله) كله (أو الفاضل عن الفروض) أو الفرض (له رجلا كان) المعتق (أو امرأة)؛ للحديث الصحيح ((إنما الولاء لمن أعتق)) وللإجماع (فإن لم يكن) أي يوجد المعتق مطلقا أو بصفة الإرث (فـ) المال (لعصبته) أي المعتق (بنسبٍ المتعصبين بأنفسهم لا لبنته) العصبة بغيرها (وأخته) العصبة مع غيرها; لأن الولاء أضعف من النسب المتراخي، وإذا تراخى النسب لم ترث الأنثى كبنت الأخ والعم (وترتيبهم) هنا (كترتيبهم في النسب) فيقدم عند موت المعتق ابن فابنه وإن سفل الأقرب فالأقرب فأب فجد وإن علا فبقية الحواشي كما مر (لكن الأظهر أن أخا المعتق) لأبوين أو لأب (وابن أخيه) كذلك (يقدمان على جده) هنا، وفي النسب الجد يشارك الأخ ويسقط ابن الأخ، أما في الأول فلأن تعصيب الأخ يشبه تعصيب الابن؛ لإدلائه بالبنوة وهي مقدمة على الأبوة، وأما في الثانية فلقوة البنوة كما يقدم ابن الابن وإن سفل على الأب وكان قياس ذلك أنه في النسب كذلك لكن صد عنه الإجماع، ويجري الأظهر المذكور في عم المعتق أو ابنه وأبي جده فيقدم عمه أو ابن عمه، وفي كل عم اجتمع مع جد وقد أدلى ذلك العم بأب دون ذلك الجد، وضم في الروضة لتينك ما إذا كان للمعتق ابنا عم أحدهما أخ لأم فإنه يقدم وفي النسب يستويان فيما يبقى بعد فرض أخوة الأم; لأنه لما أخذ فرضها لم تصلح للتقوية وهنا لا فرض لها فتمحضت للترجيح (فإن لم يكن له عصبة فلمعتق المعتق ثم عصبته) من النسب (كذلك) أي كالترتيب السابق في عصبة المعتق فإن فقدوا فلمعتق معتق المعتق ثم لعصبته وهكذا ثم لبيت المال (ولا ترث امرأة بولاء إلا معتَقها) ومنه أبوها أو ابنها إذا ملكته فعتق قهرا (أو منتميا إليه بنسب) كابن ابنه وإن سفل (أو ولاء) كعتيقه وعتيق عتيقه وهكذا; لأن النعمة على الأصل نعمة على فروعه، فلو اشترت
فصل
إذَا اجْتَمَعَ جَدٌّ وَإِخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ ذُو فَرْضٍ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ المَالِ، وَمُقَاسَمَتِهِمْ كَأَخٍ، فَإِنْ أَخَذَ الثُّلُثَ فَالْبَاقِي لَهُمْ، وَإِنْ كَانَ فَلَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ سُدُسِ التَّرِكَةِ وَثُلُثِ الْبَاقِي وَالمُقَاسَمَةِ، وَقَدْ لَا يَبْقَى شَيْءٌ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ وَزَوْجٍ فَيُفْرَضُ لَهُ سُدُسٌ وَيُزَادُ فِي الْعَوْلِ،
امرأة أباها وعتق عليها ثم هو عبدا وأعتقه فمات الأب عنها وعن ابن مثلا ثم عتيقه عنهما فميراثه للابن دونها; لأنه عصبة معتق من النسب بنفسه وهي معتقة معتق والأولى مقدمة.
(فصل) في أحكام الجد مع الإخوة
(إذا اجتمع جد) وإن علا (وإخوة وأخوات لأبوين أو لأب) فأجمعوا على أن الجد لا يسقط ثم قال كثير من الصحابة يحجب الأخوة، وقال كثير منهم يقاسمهم على تفصيل حاصله أنه متى اجتمع معهم (فإن لم يكن معهم ذو فرض فله الأكثر من ثلث المال ومقاسمتهم كأخ) ; لأنه اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب، ووجه خصوص الثلث أنه مع الأم يأخذ مثليها والإخوة لا ينقصونها عن السدس فوجب أن لا ينقصوه عن ضعفه، ووجه المقاسمة أنه مستو معهم في الإدلاء بالأب (فإن أخذ الثلث فالباقي لهم) للذكر مثل حظ الأنثيين، ثم إن كانوا مثليه لكونهم أخوين أو أخا وأختين أو أربع أخوات استويا ثم الأرجح أنه يحكم على مأخوذه بأنه الثلث فرضا وقيل بل هو تعصيب
(1)
، وينبني عليهما ما لو أوصى بجزء بعد الفرض. أو دون مثليه بأن يكون معه أخت أو أخ أو أختان أو ثلاثُ أخوات أو أخ وأخت فالمقاسمة خير له. أو فوق مثليه -وذلك فيما عدا الأمثلة المذكورة- فالثلث خير له (وإن كان) معهم ذو فرض (فله) بعد الفرض (الأكثر من سدس) جميع (التركة وثلث الباقي والمقاسمة) وجه السدس أن الأولاد لا ينقصونه عنه فالإخوة أولى، وثلث الباقي أنه لو فقد ذو الفرض أخذ ثلث المال، والمقاسمة ما مر من تنزيله منزلة الأخ. وذوات الفرض المتصور إرثها معهم بنت، بنت ابن، أم، جدة، زوجة، زوج. فالسدس خير له في زوجة وبنتين وجد وأخ، وثلث الباقي في جدة وجد وخمسة أخوة والمقاسمة في جدة وجد وأخ. (وقد لا يبقى شيء) بعد أصحاب الفروض (كبنتين وأم وزوج فيفرض له سدس ويزاد في العول)؛ إذ هي
(1)
. مالا إليه.
وَقَدْ يَبْقَى دُونَ سُدُسٍ كَبِنْتَيْنِ وَزَوْجٍ فَيُفْرَضُ لَهُ وَيُعَالُ، وَقَدْ يَبْقَى سُدُسٌ كَبِنْتَيْنِ وَأُمٍّ فَيَفُوزُ بِهِ الجَدُّ، وَتَسْقُطُ الْإِخْوَةُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَوْ كَانَ مَعَ الجَدِّ إخْوَةٌ وَأَخَوَاتٌ لِأَبَوَيْنِ وَلِأَبٍ فَحُكْمُ الجَدِّ مَا سَبَقَ وَيُعَدُّ أَوْلَادُ الْأَبَوَيْنِ عَلَيْهِ أَوْلَادَ الْأَبِ فِي الْقِسْمَةِ، فَإِذَا أَخَذَ حِصَّتَهُ، فَإِنْ كَانَ فِي أَوْلَادِ الْأَبَوَيْنِ ذَكَرٌ فَالْبَاقِي لَهُمْ وَسَقَطَ أَوْلَادُ الْأَبِ. وَإِلَّا فَتَأْخُذُ الْوَاحِدَةُ إلَى النِّصْفِ. وَالثِّنْتَانِ فَصَاعِدًا إلَى الثُّلُثَيْنِ
من اثني عشر وعالت لثلاثة عشر فيزاد له إلى خمسة عشر (وقد يبقى دون سدس كبنتين وزوج فيفرض له ويعال)؛ إذ هي من اثني عشر يفضل واحد يزاد له عليه آخر فتعال بثلاثة عشر (وقد يبقى سدس كبنتين وأم) أصلها ستة يفضل واحد (فيفوز به الجد وتسقط الإخوة) والأخوات (في هذه الأحوال) ; لأنهم عصبة ولم يبق بعد الفروض شيء. (ولو كان مع الجد إخوة وأخوات لأبوين ولأب فحكم الجد ما سبق) من خير الأمرين حيث لا صاحب فرض، وخير الثلاثة مع ذي فرض كما لو لم يكن معه إلا أحد الصنفين المذكور أول الفصل، ومن ثم عطف ثَمَّ بأو وهنا بالواو. (ويعد أولاد الأبوين عليه أولاد الأب في القسمة) أي يدخلونهم معهم فيها إذا كانت خيرا له (فإذا أخذ حصته فإن كان في أولاد الأبوين ذكر) واحد أو أكثر معه أنثى أو أكثر أو كان الشقيق ذكرا وحده أو أنثى معها بنت أو بنت ابن وأخ لأب (فالباقي) في الأولى بأقسامها (لهم) للذكر مثل حظ الأنثيين وفي الثانية له وفي الثالثة لها أي تعصيبا؛ لما مر أنها معها عصبة مع الغير (وسقط أولاد الأب) كما في جد وشقيق وأخ لأب للجد الثلث والباقي للشقيق، وحجباه مع أن أحدهما غير وارث كما يحجبان الأم عن الثلث بجامع أن له ولادة كهي وكما يحجبها معه ولداها مع حجبهما به وكما أنهم يردونها إلى السدس والأب يحجبهم ويأخذ ما نقص من الأم (وإلا) يكن فيهم ذكر بل تمحضوا إناثا (فتأخذ الواحدة إلى النصف) أي النصف تارة كجد وشقيقة وأخ لأب من خمسة، وتصح من عشرة للجد أربعة وللشقيقة النصف خمسة أي فرضا يفضل واحد للأخ من الأب، ودونه أخرى كجد وزوجة وأم وشقيقة وأخ لأب للشقيقة هنا الفاضل وهو دون النصف; لأنه ربع وعشر (و) تأخذ (الثنتان فصاعدا إلى الثلثين) أي الثلثين تارة كجد وشقيقتين وأخ لأب من ستة ولا شيء للأخ، ودونهما أخرى كجد وشقيقتين وأخت لأب من خمسة للشقيقتين ثلاثة وهي دون الثلثين، وعدم زيادة الواحدة إلى النصف والثنتين إلى الثلثين يدل على أن ذلك تعصيب وإلا
وَلَا يَفْضُلُ عَنِ الثُّلُثَيْنِ شَيْءٌ. وَقَدْ يَفْضُلُ عَنِ النِّصْفِ فَيَكُونُ لِأَوْلَادِ الْأَبِ. وَالجَدُّ مَعَ أَخَوَاتِ كَأَخٍ فَلَا يُفْرَضُ لَهُنَّ مَعَهُ إلَّا فِي الْأَكْدَرِيَّةِ وَهِيَ زَوْجٌ وَأُمٌّ وَجَدٌّ وَأُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَلِلزَّوْجِ نِصْفٌ، وَلِلْأُمِّ ثُلُثٌ وَلِلْجَدِّ سُدُسٌ، وَلِلْأُخْتِ نِصْفٌ فَتَعُولُ ثُمَّ يَقْتَسِمُ الجَدُّ، وَالْأُخْتُ نَصِيبَيْهِمَا أَثْلَاثًا لَهُ الثُّلُثَانِ
زيد وأعيل، وظاهرٌ أن هذا تعصيب بالغير وإن لم يأخذ مثليها; لأنه لعارض هو اختلاف جهة الجدودة والأخوة (ولا يفضل عن الثلثين شيء) ; لأن الجد لا يأخذ أقل من الثلث (وقد يفضل عن النصف) شيء (فيكون لأولاد الأب) كما مر في جد وشقيقة وأخ لأب (والجد مع أخوات كأخ فلا يفرض لهن معه) ولا تعال المسألة بينهن، وأما هو فقد يفرض له وتعال كما مر; لأنه صاحب فرض فرجع إليه عند الضرورة (إلا في الأكدرية وهي زوج وأم وجد وأخت لأبوين أو لأب فللزوج نصف وللأم ثلث وللجد سدس وللأخت نصف)؛ إذ لا مسقط لها ولا معصب; لأن الجد لو عصبها نقص حقه (فتعول) المسألة بنصفها من ستة إلى تسعة (ثم يقسم الجد والأخت نصيبيهما) وهما أربعة (أثلاثا له الثلثان) لا ينقسم عليهما فتضرب ثلاثة في تسعة للزوج تسعة وللأم ستة وللجد ثمانية وللأخت أربعة وقسم الثلثان بينهما؛ لتعذر تفضيلها عليه كما في سائر صور الجد والإخوة ففرض لها بالرحم وقسم بينهما بالتعصيب؛ رعاية للجانبين، ومحل الفرض لها إذا لم يكن معها أخت أخرى لا تساويها وإلا أخذت السدس ولم تزد، وقولنا لا تساويها ليس بقيد إلا في أخذها السدس وحدها إذ لو كان معها شقيقة مثلها حجبت الأم وأخذتا السدس.
فصل
لَا يَتَوَارَثُ مُسْلِمٌ وَكَافِرٌ وَلَا يَرِثُ مُرْتَدٌّ وَلَا يُورَثُ. وَيَرِثُ الْكَافِرُ الْكَافِرَ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، لَكِنِ المَشْهُورُ أَنَّهُ لَا تَوَارُثَ بَيْنَ حَرْبِيٍّ وَذِمِّيٍّ. وَلَا يَرِثُ مَنْ فِيهِ رِقٌّ، وَالجَدِيدُ أَنَّ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ يُورَثُ
(فصل) في موانع الإرث
(1)
وما معها
(لا يتوارث مسلم وكافر
(2)
بنسب وغيره؛ للحديث المتفق عليه ((لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم))، وللإجماع على الثاني (ولا يرث) زنديق وهو من لا يتدين بدين، ولا (مرتد) حال الموت بحال وإن أسلم; لأنه لا مناصرة بينه وبين أحد؛ لإهداره (ولا يورث) بحال بل ماله فيء لبيت المال سواء ما اكتسبه في الإسلام والردة وسواء ارتد في صحته أو مرضه، وسيأتي في الجراح أن وارثه لولا الردة يستوفي قود طرفه. (ويرث الكافرُ الكافرَ وإن اختلفت ملتهما) ; لأن جميع ملل الكفر في البطلان كالملة الواحدة قال تعالى {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ} يونس: 32، وتصوير إرث اليهودي من النصراني وعكسه مع أن المنتقل من ملة لملة لا يقر ظاهرٌ في الولاء والنكاح وكذا النسب فيمن أحد أبويه يهودي والآخر نصراني فإنه يخير بينهما بعد البلوغ وكذا أولاده فلبعضهم اختيار اليهودية ولبعضهم اختيار النصرانية (لكن المشهور أنه لا توارث بين حربي وذمي) أو معاهد أو مستأمن ببلادنا
(3)
؛ لانتفاء الموالاة بينهما، ويتوارث ذمي ومعاهد ومستأمن وأحد هؤلاء ببلادهم وحربي. (ولا يرث من فيه رق
(4)
وإن قلَّ إجماعا ولأنه لو ورث ملكه السيد وهو أجنبي عن الميت (والجديد أن من بعضه حر يورث) جميع ما
(1)
. وذكر الشارح في الصلح أنه لا يصح أن يترك وارث حقه من التركة بلا بدل فإن تركه ببدل صح بشرطه 5/ 195، وذكر في الهبة أنه يصح تبرع أحد الورثة بحصته، وأن محله في أعيان رآها وعرف حصته منها 6/ 305.
(2)
. وذكر الشارح في الجنائز أن أولاد الكفار لهم حكم الكفار في الإرث وإن كانوا من أهل الجنة 3/ 159.
(3)
. خالفاه في هذا القيد.
(4)
. ولو مكاتبا كما نص عليه الشارح في باب من تلزمه الزكاة 3/ 329.
وَلَا قَاتِلٌ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُضْمَنْ وَرِثَ. وَلَوْ مَاتَ مُتَوَارِثَانِ بِغَرَقٍ أَوْ هَدْمٍ أَوْ فِي غُرْبَةٍ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَسْبَقُهُمَا لَمْ يَتَوَارَثَا،
ملكه ببعضه الحر; لأنه تام الملك عليه كالحر (ولا) يرث (قاتل) من مقتوله شيئا؛ لأخبار فيه يقوي بعضها بعضا، وسواء كان القتل بأي وجه كأن حفر بئراً بداره فسقط فيها مورثه، بل وإن وجب عليه كالقاضي يحكم به. ويرث المفتي بقتله وراوي خبر موضوع به; لأن قتله لا ينسب إليهما بوجه; لأن ما صدر عنهما لا يختص بمعين حتى يقصد به بخلاف حكم الحاكم (وقيل إن لم يضمن ورث) ; لأنه قتل بحق ويرده أن المعنى إذا لم ينضبط أنيط الحكم بوصف أعم منه مشتمل عليه منضبط غالبا كالمشقة في السفر وقصد الاستعجال هنا، وقد يرث المقتول قاتله كأن يجرحه ثم يموت هو قبله. ومن الموانع الدور الحكمي كما مر آخر الإقرار، وكون الميت نبيا ((قال صلى الله عليه وسلم نحن معاشر الأنبياء لا نورث)) ويحتاج لذلك عند موت عيسى صلى الله وسلم على نبينا وعليه وعلى سائر الأنبياء.
[تنبيهات] منها وقع في كلام الشيخين وغيرهما تقييد ما ذكر في الحفر بالعدوان فمن قتل مورثه ببئر حفرها بملكه يرثه وكذا وضع الحجر ونصب الميزاب وبناء حائط وقع عليه وغير ذلك، وكل مهلك مضمون عليه أو على عاقلته بما ذكر في الديات يمنع الإرث، ومنها أنه لا فرق بين المباشرة والسبب والشرط
(1)
، ومنها أن قولهم لا فرق بين المضمون وغيره محله في المباشرة والسبب دون الشرط فهو مقيد بالتعدي، والشرط: ما حصل التلف عنده لا به، ومنها ما لو أمسكه فقتله آخر فيرثه الممسك لا القاتل; لأن الإمساك شرط لا سبب، ومنها لا يرث شهود التزكية ولا الإحصان سواء شهدوا به قبل الزنا أو بعده، ومنها أن الزوج يرث زوجته التي أحبلها فماتت؛ لأن الوطء من باب التمتعات ومن شأنها أن لا يقصد بها قتل، ومنها اللعان والشك في النسب فلو تنازعا مجهولا ولا حجة فإن ماتا قبله وقف إلى البيان من تركة كل إرث ولد، أو عكسه وقف من تركته إرث أب.
وعدم تحقق حياة الوارث عند موت الموروث، ومن ثم قال:(ولو مات متوارثان بغرق أو هدم) أو نحوهما كحريق (أو في غربة معا أو جهل أسبقهما) ومنه أن يعلم سبق ولا يعلم عين السابق أي ولا يرجى بيانه وإلا وقف (لم يتوارثا)؛ لإجماع الصحابة عليه
(1)
. يأتي تفسير هذه الثلاثة في أول كتاب الجراح.
وَمَالُ كُلٍّ لِبَاقِي وَرَثَتِهِ. وَمَنْ أُسِرَ أَوْ فُقِدَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ تُرِكَ مَالُهُ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِمَوْتِهِ أَوْ تَمْضِيَ مُدَّةٌ - يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ فَوْقَهَا - فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي وَيَحْكُمُ بِمَوْتِهِ ثُمَّ يُعْطِيَ مَالَهُ مَنْ يَرِثُهُ وَقْتَ الحُكْمِ. وَلَوْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ المَفْقُودُ وَقَفْنَا حِصَّتَهُ وَعَمِلْنَا فِي الحَاضِرِينَ بِالْأَسْوَإ
(ومال كل) منهما (لباقي ورثته)؛ إذ لو ورثنا أحدهما كان تحكما أو كلا من الآخر تيقنا الخطأ، ولو علم السابق ثم نسي وقف للبيان أو الصلح ونفيه التوارث باعتبار الحكم والأغلب فلا يرد عليه
(1)
إيهام امتناعه في نفس الأمر ولا أن أحدهما قد يرث من الآخر دون عكسه كالعمة وابن أخيها (ومن أسر أو فقد وانقطع خبره ترك ماله حتى تقوم بينة بموته أو تمضي مدة) من ولادته (يغلب على الظن) بحيث يصير قريبا من العلم فلا يكفي أصل الظن (أنه لا يعيش فوقها) ولا تتقدر بشيء على الصحيح (فيجتهد القاضي ويحكم بموته) ; لأن الأصل بقاء الحياة فلا يورث إلا بيقين أو ما نزل منزلته، ومنه الحكم; لأنه إن استند إلى المدة فواضح أو إلى العلم وإن لم تمض مدة فهو منزل منزلة البينة المنزلة منزلة اليقين (ثم) بعد الحكم بموته (يعطى ماله من يرثه وقت الحكم) بأن يستمر حيا إلى فراغ الحكم فمن مات قبله أو معه لم يرثه. هذا إن أطلق فإن قيدته البينة أو قيده هو في حكمه بزمن سابق اعتبر ذلك الزمن ومن كان وارثه حينئذ، ولا تتضمن قسمة الحاكم الحكم بموته إلا إن وقعت بعد رفع إليه; لأن الأصح أن تصرف الحاكم ليس بحكم إلا إذا كان في قضية رفعت إليه وطلب منه فصلها، ويعلم مما تقرر أنه لا يكفي مضي المدة وحدها بل لا بد معه من الحكم (ولو مات من يرثه المفقود) كلا أو بعضا قبل الحكم بموته (وقفنا حصته) أي ما خصه من كل المال إن انفرد وبعضه إن كان مع غيره حتى يتبين أنه كان عند الموت حيا أو ميتا. ولو مات عن أخوين أحدهما مفقود وجب وقف نصفه إلى الحكم بموته، ثم إذا لم تظهر حياته في مدة الوقف يعود كل مال الميت الأول إلى الحاضر وليس لورثة المفقود منه شيء؛ إذ لا إرث بالشك؛ لاحتمال موته قبل مورثه (وعملنا في) حق (الحاضرين بالأسوإ) فمن يسقطه المفقود لا يعطى شيئا، ومن تنقصه حياته أو موته يعطى اليقين، ففي زوج مفقود وشقيقتين وعم يعطيان أربعة من سبعة ويوقف الباقي، وفي أخ لأب مفقود وشقيق وجد يقدر حيا في حق الجد وميتا في حق الآخر ويوقف
(1)
. ممن أورد عليه المغني.
وَلَوْ خَلَّفَ حَمْلًا يَرِثُ أَوْ قَدْ يَرِثُ عُمِلَ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ، فَإِنِ انْفَصَلَ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَ المَوْتِ وَرِثَ، وَإِلَّا فَلَا، بَيَانُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثٌ سِوَى الْحَمْلِ أَوْ كَانَ مَنْ قَدْ يَحْجُبُهُ وُقِفَ الْمَالُ، وَإِنْ كَانَ مَنْ لَا يَحْجُبُهُ وَلَهُ مُقَدَّرٌ أُعْطِيَهُ عَائِلًا إنْ أَمْكَنَ عَوْلٌ كَزَوْجَةٍ حَامِلٍ وَأَبَوَيْنِ لَهَا ثُمُنٌ وَلَهُمَا سُدُسَانِ عَائِلَانٌ،
السدس، ومن لا يختلف حقه بحياته وموته كزوج وابن مفقود وبنت يعطى الزوج الربع; لأنه له بكل حال، وتلف الموقوف للغائب يكون على الكل فإذا حضر استرد ما دفع لهم وقسم بحسب إرث الكل (ولو خلف حملا يرث) مطلقا لو كان منفصلا وإن لم يكن منه كأن مات من لا ولد له عن زوجة ابن حامل (أو قد يرث) بتقدير الذكورة كحمل حليلة الأخ أو الجد أو الأنوثة كمن ماتت عن زوج وشقيقة وحمل لأبيها فإنه إن كان ذكرا لم يأخذ شيئا; لأنه عصبة ولم يفضل له شيء، أو أنثى ورثت السدس وأعيلت (عمل بالأحوط في حقه) أي الحمل (وحق غيره) كما يأتي (فإن انفصل) كله (حيا) حياة مستقرة يقينا وتعرف بنحو قبض يد وبسطها، لا بمجرد نحو اختلاج; لأنه قد يقع مثله لانضغاط وتقلص عصب، ومن ثم ألغوا كل ما لا تعلم به الحياة؛ لاحتمال أنه لعارض آخر (لوقت يعلم) أو يظن إذ إلحاق الولد بالفراش ظني أقامه الشارع مقام العلم فالعلم في كلامهم المراد به الحقيقي أو المنزل منزلته (وجوده عند الموت) بأن انفصل لأقل من أكثر من مدة الحمل ولم تكن فراشا لأحد أو لدون ستة أشهر وإن كانت فراشا أو اعترف الورثة بوجوده الممكن عند الموت (ورث)؛ لثبوت نسبه. وخرج بكله موته قبل تمام انفصاله فإنه كالميت هنا وفي سائر الأحكام إلا في الصلاة عليه إذا استهل ثم مات قبل تمام انفصاله، وفيما إذا حز إنسان رقبته قبل انفصاله فإنه يقتل به
(1)
، وبحياة مستقرة ما لو انفصل وحياته ليست كذلك كأن شك فيها أو في استقرارها فهو في حكم الميت (وإلا) بأن انفصل ميتا ولو بجناية أو حيا ولم يعلم وجوده عند الموت (فلا) يرث; لأن الأول كالعدم والثاني منتف نسبه عن الميت. واعلم أن من يرث مع الحمل لا يعطى إلا اليقين (بيانه) أن تقول (إن لم يكن وارث سوى الحمل أو كان من قد يحجبه) الحمل (وقف المال) إلى انفصاله (وإن كان من لا يحجبه) الحمل (وله) سهم (مقدر أعطيه عائلا إن أمكن عول كزوجة حامل وأبوين لها ثمن ولهما سدسان عائلان)؛ لاحتمال أنه بنتان فتكون من
(1)
. بقيت مسألة مستثناة ذكرها الشارح في كتاب أمهات الأولاد 10/ 423.
وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مُقَدَّرٌ كَأَوْلَادٍ لَمْ يُعْطَوْا، وَقِيلَ أَكْثَرُ الحَمْلِ أَرْبَعَةٌ فَيُعْطَوْنَ الْيَقِينَ. وَالخُنْثَى المُشْكِلُ إنْ لَمْ يَخْتَلِفْ إرْثُهُ كَوَلَدِ أُمٍّ وَمُعْتِقٍ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَيُعْمَلُ بِالْيَقِينِ فِي حَقِّهِ وَحَقِّ غَيْرِهِ وَيُوقَفُ المَشْكُوكُ فِيهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ
أربع وعشرين وتعول لسبعة وعشرين للزوجة ثلاثة وللأبوين ثمانية ويوقف الباقي، فإن كان بنتين فهو لهما وإلا كمل الثمن والسدسان
(1)
(وإن لم يكن له مقدر كأولاد لم يعطوا) حالا شيئا؛ إذ لا ضبط للحمل.
[تنبيه] إذا لم يعطوا شيئا حالا ولم يكن لهم مال غير حصتهم من التركة فالكامل منهم الحكم فيه ظاهر وهو أنه يحصل كفاية نفسه إلى الوضع; لأن حصته الآن بمنزلة العدم، وأما المحجور فيرفع الولي -الوصي أو غيره- الأمر فيه إلى القاضي، وحينئذ يقترض القاضي له من بيت المال أو غيره فإن تعذر ألزم الأغنياء بالإنفاق عليهم قرضا، فإن تعذر القاضي -ولو بغيبته فوق مسافة العدوى أو خيف منه على المال- اقترض الولي. وله الإنفاق من ماله والرجوع إن أشهد أنه أنفق ليرجع، فإن لم يكن ولي لزم صلحاء البلد إقامة من يفعل ما ذكر، لا يقترض الحاكم هنا لإخراج زكاة الفطر بل يؤخر للوضع ثم يخرج لما مضى، وفارقت النفقة بأنها حالا ضرورية ولا كذلك الزكاة ويجري ذلك كله في سائر صور الوقف في كلامهم (وقيل أكثر الحمل أربعة) بالاستقراء (فيعطون اليقين) فيوقف ميراث أربعة ويقسم الباقي ففي ابن وزوجة حامل لها الثمن وله خمس الباقي، ويمكَّن مَن دُفع له شيء من التصرف فيه، ولا يطالب بضامن وإن احتمل تلف الموقوف ورد ما أخذه ليقسم بين الكل كما مر.
[تنبيه] يُكتفى في الوقف بقولها أنا حامل وإن ذكرت علامة خفيةٌ، بل متى احتمل لقرب الوطء وقف وإن لم تدعه
. (والخنثى المشكل
(2)
وهو من له آلتا الرجل والمرأة، وقد يكون له كثقبة الطائر. وما دام مشكلا استحال كونه أبا أو جدا أو أمَّاً أو زوجا أو زوجة (وإن لم يختلف إرثه) بذكورته أو أنوثته (كولد أم ومعتق فذاك) واضح أنه يدفع له نصيبه (وإلا) بأن اختلف إرثه بالذكورة وضدها (فيعمل باليقين في حقه وحق غيره ويوقف) الباقي (المشكوك فيه حتى يتبين)
(1)
. وهذه هي المنبرية؛ لأن عليا كرم الله وجهه سئل عنها وهو يخطب بمنبر الكوفة فقال ارتجالا: صار ثمن المرأة تسعا.
(2)
. ولو دفن وتنازع الورثة في ذكورته أو أنوثته نبش كما تقدم في الجنائز 3/ 205.
وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَتَعْصِيبٍ كَزَوْجٍ هُوَ مُعْتِقٌ أَوِ ابْنُ عَمٍّ وَرِثَ بِهِمَا. قُلْتُ: فَلَوْ وُجِدَ فِي نِكَاحِ المَجُوسِ أَوِ الشُّبْهَةِ بِنْتٌ هِيَ أُخْتٌ وَرِثَتْ بِالْبُنُوَّةِ، وَقِيلَ بِهِمَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ اشْتَرَكَ اثْنَانِ فِي جِهَةِ عُصُوبَةٍ وَزَادَ أَحَدُهُمَا بِقَرَابَةٍ أُخْرَى كَابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ فَلَهُ السُّدُسُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ،
حاله ولو بقوله وإن اتهم، فإن ورث بتقدير لم يُدفع له شيء ووقف ما يرثه على ذلك التقدير، وإن ورث عليهما لكن اختلف إرثه أعطي الأقل ووقف الباقي.
أمثلة ذلك ولد خنثى وأخ يصرف للولد النصف، ولد خنثى وبنت وعم يعطى الخنثى والبنت الثلثين بالسوية ويوقف الثلث بين الخنثى والعم، ولد خنثى وزوج وأب للزوج الربع وللأب السدس وللخنثى النصف ويوقف الباقي بينه وبين الأب. ولو مات الخنثى مدة الوقف والورثة غير الأولين أو اختلف إرثهم لم يبق إلا الصلح، ويجوز الصلح من الكُمَّل في حق أنفسهم على تفاوت وتساو وإسقاط بعضهم. ولا بد من لفظ صلح أو تواهب
(1)
واغتفر مع الجهل؛ للضرورة. ولا يصالح نحو
(2)
ولي محجور على أقل من حقه بفرض إرثه. (ومن اجتمع فيه جهتا فرض وتعصيب كزوج هو معتق أو ابن عم ورث بهما)؛ لاختلافهما فيأخذ النصف بالزوجية والباقي بالولاء أو ببنوة العم. وخرج بجهتا فرض وتعصيب إرث الأب بالفرض والتعصيب فإنه بجهة واحدة هي الأبوة (قلت: فلو وُجِد في نكاح المجوس أو الشبهة بنت هي أخت) لأب بأن وطئ بنته فأولدها بنتا ثم ماتت العليا عنها فهي أختها من أبيها وبنتها (ورثت بالبنوة) فقط; لأنهما قرابتان يورث بكل منهما بالفرض عند الانفراد فبأقواهما عند الاجتماع كالأخت لأبوين لا ترث النصف بأخوة الأب والسدس بأخوة الأم، (وقيل) ترث (بهما) النصف بالبنوة والباقي بالأخوة (والله أعلم) وهذا استدراك على إطلاق أصله أن من فيه جهتا فرض وتعصيب يرث بهما (ولو اشترك اثنان في جهة عصوبة وزاد أحدهما بقرابة أخرى كابني عم أحدهما أخ لأم) بأن يتعاقب أخوان على امرأة وتلد لكل ابنا ولأحدهما ابن من غيرها فابناه ابنا عم الآخر وأحدهما أخوه لأمه (فله السدس) فرضا بأخوةالأم (والباقي بينهما بالسوية)
(1)
. ظاهر صنيع الشارح رجوعه لكل من مسألتي الصلح والإسقاط خلافا لظاهر المغني من رجوعه للأولى فقط.
(2)
. أسقطا لفظ نحو.
فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا بِنْتٌ فَلَهَا النِّصْفُ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: يَخْتَصُّ بِهِ الْأَخُ. وَمَنِ اجْتَمَعَ فِيهِ جِهَتَا فَرْضٍ وَرِثَ بِأَقْوَاهُمَا فَقَطْ، وَالْقُوَّةُ بِأَنْ تَحْجُبَ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى أَوْ لَا تَحْجُبَ أَوْ تَكُونَ أَقَلَّ حَجْبًا فَالْأَوَّلُ كَبِنْتٍ هِيَ أُخْتٌ لِأُمٍّ بِأَنْ يَطَأَ مَجُوسِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ بِشُبْهَةٍ أُمَّهُ فَتَلِدُ بِنْتًا، وَالثَّانِي كَأُمٍّ هِيَ أُخْتٌ لِأَبٍ بِأَنْ يَطَأَ بِنْتَهُ فَتَلِدُ بِنْتًا، وَالثَّالِثُ كَأُمِّ أُمٍّ هِيَ أُخْتٌ بِأَنْ يَطَأَ هَذِهِ الْبِنْتَ الثَّانِيَةَ فَتَلِدُ وَلَدًا فَالْأُولَى أُمُّ أُمِّهِ وَأُخْتُهُ
وإنما أخذ الأخ من الأم في الولاء جميع المال؛ لأن أخوة الأم لا إرث بها فيه فتمحضت للترجيح بخلافه هنا (فلو كان معهما بنت فلها نصف والباقي بينهما) بالسوية؛ لسقوط أخوة الأم بالبنت، (وقيل يختص به الأخ)؛ لأن أخوته للأم لَمَّا حجبت تمحضت للترجيح كأخ لأبوين مع أخ لأب (ومن اجتمع فيه جهتا فرض ورث بأقواهما فقط)؛ لما مر (والقوة بأن تحجب إحداهما الأخرى) حجب حرمان أو نقصان (أو لا تحجب) أصلا والأخرى قد تحجب (أو تكون أقل حجبا) من الأخرى (فالأول كبنت هي أخت لأم بأن يطأ مجوسي أو مسلم بشبهة أمه فتلد بنتا) فالأخوة للأم ساقطة بالبنتية، وصورة حجب النقصان أن ينكح مجوسي بنته فتلد بنتا ويموت عنهما فلهما الثلثان، ولا عبرة بالزوجية; لأن البنت تحجب الزوجة من الربع إلى الثمن (والثاني كأم هي أخت لأب بأن يطأ بنته فتلد بنتا) فترث بالأمومة; لأنها لا تحجب حرمانا أصلا والأخت تحجب (والثالث كأم أم هي أخت) لأب (بأن يطأ هذه البنت الثانية فتلد ولدا فالأولى أم أمه) أي الولد (وأخته) لأبيه فترث بالجدودة; لأنها أقل حجبا إذ لا يحجبها إلا الأم والأخت يحجبها جماعة، نعم إن حجبت القوية ورثت بالضعيفة كما لو مات هنا عن الأم وأمها فأقوى جهتي العليا وهي الجدودة محجوبة بالأم فترث بالأخوة فللأم الثلث بالأمومة ولا تنقصها أخوة نفسها مع الأخرى عن الثلث إلى السدس، وللعليا النصف بالأخوة.
فصل
إنْ كَانَتِ الْوَرَثَةُ عَصَبَاتٍ قُسِّمَ المَالُ بَيْنَهُم بِالسَّوِيَّةِ إنْ تَمَحَّضُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا. وَإِنِ اجْتَمَعَ الصِّنْفَانِ قُدِّرَ كُلُّ ذَكَرٍ أُنْثَيَيْنِ وَعَدَدُ الرُءُوسِ المَقْسُومِ عَلَيْهِمْ أَصْلُ المَسْأَلَةِ. وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ ذُو فَرْضٍ أَوْ ذَوَا فَرْضَيْنِ مُتَمَاثِلَيْنِ فَالمَسْأَلَةُ مِنْ مَخْرَجِ ذَلِكَ الْكَسْرِ فَمَخْرَجُ النِّصْفِ اثْنَانِ وَالثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ وَالرُّبُعِ أَرْبَعَةٌ وَالسُّدُسِ سِتَّةٌ وَالثُّمُنِ ثَمَانِيَةٌ. وَإِنْ كَانَ فَرْضَانِ مُخْتَلِفَا المَخْرَجِ فَإِنْ تَدَاخَلَ مَخْرَجَاهُمَا فَأَصْلُ المَسْأَلَةِ أَكْبَرُهُمَا كَسُدُسٍ وَثُلُثٍ
(فصل) في أصول المسائل وما يعول منها
(إن كانت الورثة عصبات) بالنفس وتأتي فيه الأقسام الثلاثة الآتية، أو بالغير ويختص بالثالث (قُسِّم المال) يعني التركة من مال وغيره (بينهم بالسوية إن تمحضوا ذكورا) كبنين أو إخوة (أو إناثا) كثلاث نسوة أعتقن قنا بالسوية ولا يتصور في غيرهن (وإن) عطف على إن الأولى (اجتمع الصنفان) من النسب (قدر كل ذكر أنثيين، وعدد الرؤوس المقسوم عليهم) يقال له (أصل المسألة
(1)
ففي ابن وبنت هي من ثلاثة، وكذا في الولاء إن لم يتفاوتوا في الملك وإلا فأصل المسألة من مخرج المقادير كالفروض (وإن كان فيهم) أي الورثة لا العصبات؛ لفساد المعنى (ذو فرض أو ذوا فرضين) أو كانوا كلهم ذوي فرض أو ذوي فرضين، فالاقتصار على الصورة الأولى؛ للتمثيل (متماثلين فالمسألة) أصلها (من مخرج ذلك الكسر) ففي بنت وعم هي من اثنين، وفي أم وأخ لأم وأخ لأب هي من ستة، وزوج وشقيقة أو أخت لأب هي من اثنين، وتسمى اليتيمة؛ إذ ليس لنا شخصان يرثان المال مناصفة فرضا سواهما، وأختين لغير أم وأخوين لأم هي من ثلاثة. والمخرج أقل عدد يصح منه الكسر، (فمخرج النصف اثنان، والثلث) والثلثين (ثلاثة والربع أربعة والسدس ستة والثمن ثمانية وإن كان) أي وجد (فرضان مختلفا المخرج، فإن تداخل مخرجاهما فأصل المسألة أكبرهما كسدس وثلث) في أم وأخ لأم وعم، هي من ستة.
(1)
. جزم المغني بأن الأحسن إعراب أصل مبتدأ مؤخر وخالفه الشارح وفاقا للنهاية.
وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ، وَالحَاصِلُ أَصْلُ المَسْأَلَةِ كَسُدُسٍ وَثُمُنٍ فَالْأَصْلُ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. وَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ كُلٌّ فِي كُلٍّ وَالحَاصِلُ الْأَصْلُ كَثُلُثٍ وَرُبُعٍ الْأَصْلُ اثْنَا عَشَرَ، فَالْأُصُولُ سَبْعَةٌ: اثْنَانِ وَثَلَاثَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَسِتَّةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ. وَاَلَّذِي يَعُولُ مِنْهَا السِّتَّةُ إلَى سَبْعَةٍ كَزَوْجٍ وَأُخْتَيْنِ، وَإِلَى ثَمَانِيَةٍ كَهُمْ وَأُمٍّ، وَإِلَى تِسْعَةٍ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمٍّ، وَإِلَى عَشَرَةٍ كَهُمْ وَآخَرَ لِأُمٍّ. وَالِاثْنَا عَشَرَ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ كَزَوْجَةٍ وَأُمٍّ وَأُخْتَيْنِ، وَإِلَى خَمْسَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَأَخٍ لِأُمٍّ، وَسَبْعَةَ عَشَرَ كَهُمْ وَآخَرَ لِأُمٍّ ....
(وإن توافقا) بأحد الأجزاء (ضرب وفق أحدهما في الآخر، والحاصل أصل المسألة كسدس وثمن) في أم وزوجة وابن (فالأصل أربعة وعشرون) حاصلة من ضرب نصف أحدهما في كامل الآخر وهو أربعة في ستة أو ثلاثة في ثمانية (وإن تباينا ضرب كل) منهما (في كل، والحاصل الأصل كثلث وربع) في أم وزوجة وشقيق (الأصل اثنا عشر) حاصلة من ضرب ثلاثة في أربعة أو عكسه، (فالأصول) أي المخارج (سبعة اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون) ; لأن الفروض القرآنية لا يخرج حسابها عن هذه، وزاد متأخرو الأصحاب أصلين آخرين في مسائل الجد والإخوة حيث كان ثلث الباقي بعد الفروض خيرا له، فالأصل الأول ثمانية عشر كجد وأم وخمسة إخوة لغير أم; لأن أقل عدد له سدس صحيح وثلث ما يبقى هو الثمانية عشر، والأصل الثاني ستة وثلاثين كزوجة وأم وجد وسبعة إخوة لغير أم; لأن أقل عدد له ربع وسدس صحيحان وثلث ما يبقى هو الستة والثلاثون (والذي يعول منها) أي من هذه الأصول ثلاثة، ومرّ أن العول زيادة في السهام ونقص في الأنصباء، وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم عليه لَمَّا جمعهم عمر مستشكلا القسمة في زوج وأختين فأشار عليه العباس به. (الستة إلى سبعة كزوج وأختين) لغير أم فتعول بمثل سدسها ونُقِص من كل سبع ما نُطِق له به (وإلى ثمانية كهم وأم) لها السدس وكزوج وأخت لغير أم وأم وتسمى المباهلة من البهل وهو اللعن; لأن عمر لما قضى فيها بذلك خالفه ابن عباس بعد موته فجعل للأخت ما بقي بعد النصف والثلث فقيل له خالفت الناس فطلب المباهلة المذكورة في الآية (وإلى تسعة كهم وأخ لأم) له السدس (وإلى عشرة كهم وآخر لأم) له السدس وتسمى أم الفروخ والشريحية (والاثنا عشر) تعول (إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين) لغير أم فتعول بنصف سدسها (وإلى خمسة عشر كهم وأخ لأم) له السدس (وسبعة عشر كهم وآخر لأم) له السدس وكثلاث زوجات وجدتين وأربع أخوات
وَالْأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ إلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ كَبِنْتَيْنِ وَأَبَوَيْنِ وَزَوْجَةٍ. وَإِذَا تَمَاثَلَ الْعَدَدَانِ فَذَاكَ وَإِنِ اخْتَلَفَا وَفَنِيَ الْأَكْثَرُ بِالْأَقَلِّ مَرَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ كَثَلَاثَةٍ مَعَ سِتَّةٍ أَوْ تِسْعَةٍ فَمُتَدَاخِلَانِ، وَإِنْ لَمْ يُفْنِهِمَا إلَّا عَدَدٌ ثَالِثٌ فَمُتَوَافِقَانِ بِجُزْئِهِ كَأَرْبَعَةٍ وَسِتَّةٍ بِالنِّصْفِ، وَإِنْ لَمْ يُفْنِهِمَا إلَّا وَاحِدٌ تَبَايَنَا كَثَلَاثَةٍ وَأَرْبَعَةٍ، وَالمُتَدَاخَلَانِ مُتَوَافِقَانِ، وَلَا عَكْسَ ....
لأم وثمان أخوات لغير أم وتسمى أم الأرامل والدينارية (والأربعة والعشرون) تعول (إلى سبعة وعشرين) فقط (كبنتين وأبوين وزوجة) فتعول بمثل ثمنها ومر أنها تسمى المنبرية. (وإذا تماثل العددان) كثلاثة وثلاثة (فذاك) ظاهر أنه يكتفي بأحدهما (وإن اختلفا وفني الأكثر بالأقل مرتين فأكثر كثلاثة مع ستة أو تسعة) أو خمسة عشر (فمتداخلان)؛ لدخول الأقل في الأكثر حينئذ، فيكتفي بالأكبر ويجعل أصل المسألة كما مر، (وإن) اختلفا و (لم يفنهما إلا عدد ثالث فمتوافقان بجزئه كأربعة وستة) فإنهما متوافقان (بالنصف) ; لأن الأربعة لا تفني الستة بل يبقى منها اثنان يفنيان كليهما وهما عدد ثالث فكان التوافق بجزئه وهو النصف; لأن العبرة بنسبة الواحد لما وقع به الإفناء ونسبته للاثنين النصف، ونسبة الواحد للثلاثة -كتسعة واثني عشر؛ إذ لا يفنيهما إلا الثلاثة- الثلث، وإلى الأربعة -كثمانية وأربعين مع اثنين وخمسين؛ إذ لا يفنيهما إلا أربعة- الربع. ولم يعتبر هنا إفناء الاثنين; لأنه سبق مثال التوافق بالنصف، وهكذا إلى العشرة فإن كان المفنى أكثر من عشرة فالتوافق بالأجزاء كجزء من أحد عشر، ومتى تعدد المفنى فالتوافق بحسب نسبة الواحد إلى كل من ذلك المتعدد كاثني عشر مع ثمانية عشر يفنيهما ثلاثة وستة واثنان ونسبة الواحد للأولى ثلث وللثانية سدس وللثالثة نصف فتوافقهما بالأثلاث والأسداس والأنصاف، ومرّ أن حكمهما أنك تضرب وفق أحد العددين في الآخر لكن العبرة بأدق الأجزاء كالسدس هنا (وإن) اختلفا و (لم يفنهما إلا واحد) لم يقل عدد واحد; لأنه ليس بعدد عند أكثر الحساب (تباينا) ; لأن مفنيهما وهو الواحد من غير جنسهما وهو العدد (كثلاثة وأربعة) يضرب أحدهما في الآخر ويجعل الحاصل أصل المسألة كما مر (والمتداخلان متوافقان) أي كل متداخلين متوافقان بأجزاء ما في العدد الأقل كثلاثة مع ستة بينهما توافق بالأثلاث (ولا عكس) بالمعنى اللغوي أي ليس كل متوافقين متداخلين؛ لوجود التوافق حيث لا تداخل كستة مع ثمانية; لأن شرط التداخل أن لا يزيد الأقل على نصف الأكثر، والمراد بالتوافق هنا مطلقه الصادق بغير التباين لا التوافق السابق; لأنه قسيم
فرع
إذَا عَرَفْتَ أَصْلَهَا وَانْقَسَمَتِ السِّهَامُ عَلَيْهِمْ فَذَاكَ، وَإِنِ انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفٍ قُوبِلَتْ بِعَدَدِهِ، فَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ عَدَدُهُ فِي المَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا إنْ عَالَتْ، وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ عَدَدِهِ فِيهَا فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ مِنْهُ، وَإِنِ انْكَسَرَتْ عَلَى صِنْفَيْنِ قُوبِلَتْ سِهَامُ كُلِّ صِنْفٍ بِعَدَدِهِ، فَإِنْ تَوَافَقَا رُدَّ الصِّنْفُ إلَى وَفْقِهِ، وَإِلَّا تُرِكَ، ثُمَّ إنْ تَمَاثَلَ عَدَدُ الرُّءُوسِ ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي أَصْلِ المَسْأَلَةِ بِعَوْلِهَا، وَإِنْ تَدَاخَلَا ضُرِبَ أَكْبَرُهُمَا،
التداخل كما عرف من حديهما السابقين فكيف يصدق عليه ألا ترى أن الثلاثة لا توافق الستة حقيقة; لأن شرطه أن لا يفنيهما إلا ثالث والثلاثة تفني الستة.
(فرع) في تصحيح المسائل
(إذا عرفت أصلها) أي المسألة (وانقسمت السهام عليهم) أي الورثة بلا كسر كزوج وثلاثة بنين (فذاك) واضح غني عن العمل (وإن انكسرت) السهام (على صنف) منهم (قوبلت) سهامه المنكسرة (بعدده فإن تباينا) أي السهام والرءوس (ضرب عدده في المسألة بعولها إن عالت) فما اجتمع صحت منه كزوجة وأخوين لهما ثلاثة منكسرة يضرب اثنان عددهما في أربعة أصل المسألة تبلغ ثمانية ومنها تصح، وكزوج وخمس أخوات لهن أربعة لا تصح يضرب عددهن في سبعة ومنها تصح (وإن توافقا ضرب وفق عدده) أي الصنف (فيها) بعولها إن كان (فما بلغ صحت منه) كأم وأربعة أعمام لهم سهمان يوافقان عددهم بالنصف فيضرب اثنان في ثلاثة، ومنها تصح وكزوج وأبوين وست بنات تعول لخمسة عشر للبنات ثمانية توافق عددهن بالنصف فيضرب نصفهن ثلاثة في خمسة عشر تبلغ خمسة وأربعين ومنها تصح. (وإن انكسرت على صنفين قوبلت سهام كل صنف) منهما (بعدده فإن توافقا) أي سهام كل منهما وعدده (رد الصنف) الموافق أي عدد رؤوسه (إلى) جزء (وفقه وإلا) يتوافقا كذلك بأن تباينا في كل من القسمين أو إحداهما (ترك) عدد كل فريق بحاله في الأولى وترك المباين بحاله في الثانية فهذه ثلاثة أحوال: إما أن يوافق كل، أو لا يوافق واحد منهما، أو يوافق أحدهما فقط، وفي كل منهما أربع نسب بين ذوات الصنفين توافق وتداخل وقسيماهما، (ثم إن تماثل عدد الرؤوس) في تلك الأحوال (ضرب أحدهما في أصل المسألة بعولها) إن كان (وإن تداخلا ضرب أكبرهما) في
وَإِنْ تَوَافَقَا ضُرِبَ وَفْقُ أَحَدِهِمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ الحَاصِلُ فِي المَسْأَلَةِ، وَإِنْ تَبَايَنَا ضُرِبَ أَحَدُهُمَا فِي الْآخَرِ ثُمَّ الحَاصِلُ فِي المَسْأَلَةِ، فَمَا بَلَغَ صَحَّتْ المَسْأَلَةُ مِنْهُ، وَيُقَاسُ عَلَى هَذَا الِانْكِسَارُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَصْنَافٍ وَأَرْبَعَةٍ، وَلَا يَزِيدُ الكَسْرُ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ أَرَدْت مَعْرِفَةَ نَصِيبِ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ مَبْلَغِ المَسْأَلَةِ فَاضْرِبْ نَصِيبَهُ مِنْ أَصْلِ المَسْأَلَةِ فِيمَا ضَرَبْتَهُ فِيهَا فَمَا بَلَغَ فَهُوَ نَصِيبُهُ ثُمَّ تُقْسِمُهُ عَلَى عَدَدِ الصِّنْفِ
ذلك (وإن توافقا ضرب وفق أحدهما في الآخر ثم) ضرب (الحاصل في) أصل (المسألة) بعولها إن كان (وإن تباينا ضرب أحدهما في الآخر ثم) ضرب (الحاصل في) أصل (المسألة) بعولها إن كان (فما بلغ) الضرب في نوع مما ذكر (صحت المسألة منه) ويسمى المضروب في المسألة من المثل أو الأكبر أو الوفق أو الكل أو حاصل كل جزء السهم، وأمثلة تلك الأحوال الاثنا عشر ظاهرة منها للتوافق مع التماثل: أم وستة إخوة لأم وثنتا عشرة أختا لغير أم للإخوة سهمان من سبعة يوافقان عددهم بالنصف فترجع لثلاثة وللأخوات أربعة توافق عددهن بالربع فترجع لثلاثة فتماثلا فتضرب ثلاثة في سبعة ومنها تصح، ومنها للتباين ثلاث بنات وأخوان لغير أم تصح من ثمانية عشر، ومنها للتوافق في أحدهما مع التداخل أربع بنات وأربعة إخوة لغير أم يرجع عددهن لاثنين فيتداخلان فتضرب أربعة في ثلاثة تبلغ اثني عشر ومنها تصح (ويقاس على هذا) المذكور (الانكسار على ثلاثة أصناف) كجدتين وثلاثة إخوة لأم وعمين (وأربعة) كزوجتين وأربع جدات وثلاثة إخوة لأم وعمين فينظر في سهام كل صنف وعدد رؤوسهم فحيث وجدنا الموافقة رددنا الرءوس إلى جزء الوفق وإلا أبقيناها بحالها. ثم في عدد الأصناف تماثلا وتوافقا وقسيميهما فالأولى من ستة وتصح من ستة وثلاثين والثانية من اثني عشر وتصح من اثنين وسبعين (ولا يزيد الانكسار على ذلك) في غير الولاء بالاستقراء; لأن الورثة في الفريضة الواحدة عند اجتماع كل الأصناف لا يمكن زيادتهم على خمسة، ومنهم الأب والأم والزوج ولا تعدد فيهم (فإذا أردت) بعد فراغك من تصحيح المسألة (معرفة نصيب كل صنف من مبلغ المسألة فاضرب نصيبه من أصل المسألة) بعولها إن كان (فيما ضربته فيها فما بلغ فهو نصيبه ثم تقسمه على عدد الصنف) مثاله بلا عول جدتان وثلاث أخوات لأب وعم من ستة وتصح من ستة وثلاثين جزءا سهمها ستة للجدتين واحد فيها بستة وللأخوات أربعة فيها بأربعة وعشرين والباقي للعم، ومثاله بعول زوجتان وأربع جدات
فرع
مَاتَ عَنْ وَرَثَةٍ فَمَاتَ أَحَدُهُمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَإِنْ لَمْ يَرِثِ الثَّانِيَ غَيْرُ الْبَاقِينَ وَكَانَ إرْثُهُمْ مِنْهُ كَإِرْثِهِمْ مِنَ الْأَوَّلِ جُعِلَ كَأَنَّ الثَّانِيَ لَمْ يَكُنْ وَقُسِّمَ بَيْنَ الْبَاقِينَ كَإِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ أَوْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ مَاتَ بَعْضُهُمْ عَنْ الْبَاقِينَ. وَإِنْ لَمْ يَنْحَصِرْ إرْثُهُ فِي الْبَاقِينَ أَوِ انْحَصَرَ وَاخْتَلَفَ قَدْرُ الِاسْتِحْقَاقِ فَصَحِّحْ مَسْأَلَةَ الْأَوَّلِ ثُمَّ مَسْأَلَةَ الثَّانِي ثُمَّ إنِ انْقَسَمَ نَصِيبُ الثَّانِي مِنْ مَسْأَلَةِ الْأَوَّلِ عَلَى مَسْأَلَتِهِ فَذَاكَ،
وست شقيقات من اثني عشر وتعول لثلاثة عشر جزءا سهمها ستة فتصح من ثمانية وسبعين من له شيء منها أخذه مضروبا في ستة.
(فرع) في المناسخات
وهي من جملة تصحيح المسائل، وهي لغة مفاعلة من النسخ وهو لغة: الإزالة والنقل، وشرعا: هنا أن يموت أحد الورثة قبل القسمة (مات عن ورثة فمات أحدهم قبل القسمة فإن لم يرث الثاني غير الباقين وكان إرثهم) أي الباقين (منه) أي الثاني (كإرثهم من الأول جعل) الحال بالنظر للحساب (كأن الثاني) من ورثة الأول (لم يكن، وقُسِّم) المال (بين الباقين كإخوة وأخوات) لغير أم (أو بنين وبنات مات بعضهم عن الباقين) وقدم الإخوة؛ لاتحاد إرثهم من الأول والثاني؛ إذ هو بالأخوة بخلاف البنين فإنه في الأول بالبنوة وفي الثاني بالأخوة، وما أشعر به كلامه وتمثيله من اشتراط كون جميع الباقين وارثين وكونهم عصبة ليس بشرط ألا ترى أنها لو ماتت عن زوج وابنين من غيره ثم مات أحد الابنين قبل القسمة فوارث الثاني هو الابن الباقي وهو عصبة فيهما دون الزوج وهو ذو فرض في الأولى وغير وارث في الثانية فيفرض أن الميت الثاني لم يكن ويدفع ربع التركة للزوج والباقي للابن (وإن لم ينحصر إرثه في الباقين)؛ لكون الوارث غيرهم أو لكون الغير يشاركهم فيه (أو انحصر) إرثه فيهم (واختلف قدر الاستحقاق) لهم من الأول والثاني (فصحح مسألة الأول ثم مسألة الثاني ثم إن انقسم نصيب الثاني من مسألة الأول على مسألته فذاك) واضح كزوج وأختين لأب ماتت إحداهما عن الأخرى وبنت فالأولى بعولها من سبعة والثانية من اثنين ونصيب الميتة اثنان من الأولى
وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُوَافَقَةٌ ضُرِبَ وَفْقُ مَسْأَلَتِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَوَّلِ، وَإِلَّا ضُرِبَ كُلَّهَا فِيهَا فَمَا بَلَغَ صَحَّتَا مِنْهُ، ثُمَّ مَنَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْأُولَى أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِيمَا ضُرِبَ فِيهَا، وَمَنْ لَهُ شَيْءٌ مِنَ الثَّانِيَةِ أَخَذَهُ مَضْرُوبًا فِي نَصِيبِ الثَّانِي مِنَ الْأُولَى أَوْ وَفْقِهِ إنْ كَانَ بَيْنَ مَسْأَلَتِهِ وَنَصِيبِهِ وَفْقٌ
ينقسم على مسألتها (وإلا) ينقسم (فإن كان بينهما موافقة ضرب وفق مسألته في مسألة الأول) كجدتين وثلاث أخوات متفرقات ماتت الأخت لأم عن أخت لأم هي الشقيقة في الأولى وأم أم هي إحدى الجدتين وعن شقيقتين، فالأولى من ستة وتصح من اثني عشر، والثانية من ستة صحيحة، ونصيب الميتة الثانية من الأولى اثنان يوافقان مسألتها بالنصف فيضرب نصف مسألتها في الأولى تبلغ ستاً وثلاثين لكل من الجدتين في الأولى سهم في ثلاثة بثلاثة، وللجدة الوارثة في الثانية سهم في واحد بواحد، وللأخت للأب في الأولى سهمان في ثلاثة بستة، وللأخت للأبوين في الأولى ستة في ثلاثة بثمانية عشر، وفي الثانية سهم في واحد بواحد، وللشقيقتين في الثانية أربعة في واحد بأربعة (وإلا) يكن بينهما توافق بل تباين، ولا يأتي هنا التماثل والتداخل (ضرب كلها فيها فما بلغ صحتا منه، ثم) قل (من له شيء من) المسألة (الأولى أخذه مضروبا فيما ضرب فيها) وهو جميع المسألة الثانية أو وفقها، (ومن له شيء من الثانية أخذه مضروبا في نصيب الثاني من الأولى) إن تباينا (أو) في (وفقه إن كان بين مسألته ونصيبه وفق) كزوجة وثلاثة بنين وبنت ماتت البنت عن أم وثلاثة إخوة هم الباقون من ورثة الأول، فالأولى من ثمانية، والثانية تصح من ثمانية عشر، ونصيب الميتة من الأولى سهم يباين مسألتها، فتضرب الثانية في الأولى تبلغ مائة وأربعا وأربعين، للزوجة من الأولى سهم في ثمانية عشر، ومن الثانية واحد في ثلاثة
(1)
ولكل ابن من الأولى سهمان في ثمانية عشر ومن الثانية سهم واحد وما صحتا منه يصير كمسألةٍ أولى، فإذا مات ثالث عمل في مسألته ما عمل في مسألة الثاني، وهكذا.
(1)
. قال عبد الحميد لعل صواب العبارة: ((ثلاثة في واحد بثلاثة))، كما في المغني.
كتاب الوصايا
تَصِحُّ وَصِيَّةُ كُلِّ مُكَلَّفٍ حُرٍّ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى المَذْهَبِ، لَا مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ وَصَبِيٍّ، وَفِي قَوْلٍ تَصِحُّ مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَلَا رَقِيقٍ، وَقِيلَ: إنْ عَتَقَ ثُمَّ مَاتَ صَحَّتْ
(كتاب الوصايا)
لغة: الإيصال؛ لأن الموصي وصل القربة الواقعة بعد الموت بالقربات المنجزة في حياته، وشرعا: تبرع بحق مضاف ولو تقديرا لِمَا بعد الموت ليس بتدبير ولا تعليق عتق بصفة وإن التحقا بها حكما كتبرع نُجِّز في مرض الموت أو ما أُلحق به كتقديمه لنحو القتل مما سيأتي. وهي سنة مؤكدة إجماعا، وقد تباح كما يأتي، وتجب -بحضرة من يثبت الحق به- إن ترتب على تركها ضياع حق عليه أو عنده، نعم محل الوجوب إن نزل به مرض مخوفٌ، وتحرم لمن عُرف منه أنه متى كان له شيء في تركة أفسدها، وتكره بالزيادة على الثلث.
وأركانها موص وموصى له وموصى به وصيغة، وذكرها على هذا الترتيب مبتدئا بأولها; لأنه الأصل فقال:(تصح وصية كل مكلف حر) كله أو بعضه مختار عند الوصية (وإن كان) مفلسا أو سفيها لم يحجر عليه أو (كافرا) ولو حربيا وإن أسر ورق بعدها ثم مات حرا. ويأتي في الردة أن وصية المرتد موقوفة (وكذا محجور عليه بسفه
(1)
على المذهب)؛ لصحة عبارته، ومن ثم نفذ إقراره بعقوبة وطلاقه (لا مجنون ومغمى عليه وصبي)؛ إذ لا عبارة لهم بخلاف السكران وإن لم يكن له تمييز (وفي قول تصح من صبي مميز) ; لأنها لا تزيل الملك حالا، ويجاب بأنه لا نظر لذلك مع فساد عبارته حتى في غير المال، (ولا رقيق) كله عندها ولو مكاتبا لم يأذن له سيده؛ لعدم ملكه أو أهليته، (وقيل إن عتق) بعدها (ثم مات صحت) منه، ويرد بنظير ما مر في المميز. أما المبعض فتصح بما ملكه ببعضه الحر إلا بالعتق
(2)
؛ لأنه ليس من
(1)
. ولو بوقف دار كما نص عليه في الوقف 6/ 236.
(2)
. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما.
وَإِذَا وَصَّى لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، فَالشَّرْطُ أَلَّا تَكُونَ مَعْصِيَةً كَعِمَارَةِ كَنِيسَةٍ. أَوْ لِشَخْصٍ فَالشَّرْطُ أَنْ يُتَصَوَّرَ لَهُ المِلْكُ
أصل الولاء (وإذا أوصى لجهة عامة فالشرط ألا تكون معصية) ولا مكروها
(1)
أي لذاته لا لعارض، وكذا إذا أوصى لغير جهة يشترط عدم المعصية والكراهة أيضا، ومن ثم بطلت لكافر بنحو مسلم أو مصحف. وشمل عدم المعصية القربة كبناء مسجد ولو من كافر ونحو قبَّة على قبر نحو عالم في غير مسبلة وتسوية قبره ولو بها
(2)
لا بنائه ولو بغيرها؛ للنهي عنه، والمباحة كفك أسارى كفار منا -وإن أوصى به ذمي- وإعطاء غني وكافر وبناء رباط لنزول أهل الذمة أو سكناهم به وإن سماه كنيسة ما لم يأت بما يدل على أنه للتعبد وحده أو مع نزول المارة. أما إذا كانت معصية فلا تصح من مسلم ولا كافر (كعمارة) أو ترميم (كنيسة)؛ للتعبد، وكتابة نحو توراة وعلم محرم، وإعطاء أهل حرب أو ردة، ووقود كنيسة بقصد تعظيمها لا نفع مقيم بها أي لغير تعبد (أو) أوصى (لشخص) واحد أو متعدد (فالشرط أن) يكون معينا ولو بوجه، وأن يكون ممن يمكن أن (يتصور له الملك) حال الوصية بإرث أو معاقدةِ وليٍّ، ولأن العبرة بحال الوصية لا الموت بطلت الوصية لحمل سيحدث ومسجد سيبنى وإن حدث أو بني قبل موت الموصي؛ لأنها تمليك وتمليك المعدوم ممتنع فخرج المعدوم والميت والبهيمة في غير ما يأتي، نعم إن جعل المعدوم تبعا للموجود كأن أوصى لأولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الأولاد صحت تبعا لهم. وأورد عليه صحتها مع عدم ذكر جهة ولا شخص كأوصيت بثلث مالي ويصرف للفقراء والمساكين، أو بثلثه لله ويصرف في وجوه البر، ويجاب بأن من شأن الوصية أن يقصد بها أولئك فكان إطلاقها بمنزلة ذكرهم ففيه ذكر جهة ضمنا وبهذا فارقت الوقف فإنه لابد فيه من ذكر المصرف.
[فرع] تقبل الوصية التعليق
-بأن يدخل الأداة على أصل الفعل- في الحياة أو بعد الموت كأوصيت بكذا له إن تزوج بنتي أو رجع من سفره أو إن مت من مرضي هذا أو إن شاء زيد فشاء أو إن ملكت هذا فملكه، وتقبل الوصية أيضاً الشرط بأن يجزم بالأصل
(1)
. من المكروه الذبح على القبر بخلاف الوصية بإطعام المعزين على كلام فيها ذكره الشارح قبيل الزكاة 3/ 208.
(2)
. خلافا للنهاية.
فَتَصِحُّ لِحَمْلٍ وَتَنْفُذُ إنِ انْفَصَلَ حَيًّا. وَعُلِمَ وُجُودُهُ عِنْدَهَا بِأَنِ انْفَصَلَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِن انْفَصَلَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ -وَالمَرْأَةُ فِرَاشُ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ- لَمْ يَسْتَحِقَّ،
ويشترط فيه أمرا آخر، وعليه فلو أوصى لفلان بعين إلا أن يموت قبل البلوغ فهي لوارثي أو بعين إن بلغ وبمنفعتها قبل بلوغه صح وعمل بشرطه، ولا يشترط البلوغ في حياة الموصي بل لا يعتد بوجود المعلَّق به في الحياة بل بعد الموت في هذا الباب، أو أوصى له بكذا إن لم يفعل كذا فقبل وتصرف في الموصى به ثم فعل ذلك بان بطلان الوصية والتصرف فيرجع الوارث بعين الموصى به أو بدله ولو بعد مدد وأعوام وتنقله من أيد مختلفة. ويشترط إذا علق الوصية أن يوجد المعلق بعد الموت (فتصح لحمل وتنفذ إن انفصل حيا) حياة مستقرة وإلا لم يستحق شيئا كالإرث (وعلم) أو ظن (وجوده عندها) أي الوصية (بأن انفصل لدون ستة أشهر) منها وإن كانت فراشا لزوج أو سيد; لأنها أقل مدة الحمل فيعلم أنه كان موجودا عندها (فإن انفصل لستة أشهر فأكثر) منها (والمرأة فراش زوج أو سيد) وأمكن كون الولد من ذلك الفراش (لم يستحق)؛ لاحتمال حدوثه من ذلك الفراش بعد الوصية فلا يستحق بالشك، وعليه فيشترط أن يمكن غشيان ذي الفراش لها عادة فإن أحالته العادة كأن كان بين أوله والوضع دون ستة أشهر أو كان ممسوحا كان كالعدم؛ لما يأتي أن الظاهر وجوده عند الوصية إلى آخره
(1)
.
[تنبيه] إلحاقهم الستة أشهر فقط هنا بما فوقها لا يخالف ما ذكروه في الطلاق والعِدد من إلحاقها بما دونها; لأن الملحظ ثَم الاحتياط للبضع، وهو إنما يحصل بتقدير لحظة العلوق أو مع الوضع نظرا للغالب من أنه لا بد منهما فنقصوهما من الستة فصارت في حكم ما دونها. وأما هنا فالأصل عدم الوجود وعدم الاستحقاق ولا داعي للاحتياط، وذلك الغالب يمكن أن لا يقع بأن يقارن الإنزال العلوق والوضع آخر الستة فنظروا لهذا الإمكان وألحقوا الستة هنا بما فوقها.
وسيعلم من كلامه قبيل العدد أن التوأمين حمل واحد فلا يرد ما لو انفصل أحد توأمين لدون ستة أشهر ثم انفصل توأم آخر بينه وبين الأول دون ستة أشهر فإنه يستحق وإن انفصل لستة أشهر فأكثر من الوصية.
(1)
. آنفا في شرح قوله ((استحق في الأظهر)).
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فِرَاشًا وَانْفَصَلَ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ فَكَذَلِكَ أَوْ لِدُونِهِ اسْتَحَقَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَإِنْ أوَصَّى لِعَبْدٍ فَاسْتَمَرَّ رِقُّهُ فَالْوَصِيَّةُ لِسَيِّدِهِ، فَإِنْ عَتَقَ قَبْلَ مَوْتِ المُوصِي فَلَهُ، وَإِنْ عَتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ ثُمَّ قَبِلَ بُنِيَ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَ تُمْلَكُ
(فإن لم تكن فراشا) لزوج أو سيد أو كانت (وانفصل) لدون ستة أشهر منه و (لأكثر من أربع سنين) من الوصية (فكذلك) لا يستحق؛ للعلم بحدوثه بعد الوصية (أو لدونه) أي الأكثر (استحق في الأظهر) ; لأن الظاهر وجوده عند الوصية؛ إذ لا سبب هنا ظاهر يحال عليه، والكلام كله حيث عرف لها فراش سابق ثم انقطع، أما من لم يعرف لها فراش أصلا وقد انفصل لأربع سنين فأقل ولستة أشهر فأكثر فلا استحقاق قطعا؛ لانحصار الأمر حينئذ في وطء الشبهة أو الزنا وكلاهما يحتمل الحدوث فيضاف إلى أقرب زمان يمكن; لأن الأصل عدمه فيما قبله. ويقبل الوصية -ولو قبل انفصاله- وليه بتقدير خروجه (وإن أوصى لعبد) أو أمة لغيره سواء المكاتب وغيره (فاستمر رقه) إلى موت الموصي (فالوصية لسيده) عند موت الموصي وإن قصد العبد
(1)
، ويقبلها هو وإن نهاه سيده; لأن الخطاب معه لا سيده إلا إذا لم يتأهل القن لنحو صغر أو جنون، ولو أجبره السيد عليه لم يصح; لأنه ليس محض اكتساب، ولو أصر على الامتناع تأتى فيه ما يأتي من أن الموصى له يجبر على القبول أو الرد، (فإن عتق قبل موت الموصي فله) الوصية; لأنها تمليك بعد الموت وهو حرٌّ حينئذ، ولو تحقق بعضه استحق بقدر حريته والباقي للسيد، والعبرة في الوصية لمبعض وثَمَّ مهايأة بذي النوبة يوم الموت (وإن عتق بعد موته) أو معه
(2)
(ثم قبل بني) القول بملكه للموصى به (على أن الوصية بم تملك) والأصح أنها تملك بالموت بشرط القبول فتكون للسيد، ولو بيع قبل موت الموصي فللمشتري وإلا فللبائع. ومحل ذلك كله في قن عند الوصية، فلو أوصى لحر فَرُقّ لم تكن لسيده بل له إن عتق وإلا فهي فيء. وتصح لقنه برقبته، وإن أوصى له بثلث ماله نفذت في ثلث رقبته فيعتق منه ثلث ويكون بقية ثلث ماله وصية لذلك العبد الذي صار مبعضا، وتصح أيضا لقنِّ وارثه وتتوقف على الإجازة مطلقا ما لم يبعه قبل موت الموصي وإلا فهي
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. خالفوه في حالة المعية فاعتمدوا أنه ملك للموصي.
وَإِنْ أوَصَّى لِدَابَّةٍ وَقَصَدَ تَمْلِيكَهَا أَوْ أَطْلَقَ فَبَاطِلَةٌ، وَإِنْ قَالَ لِيُصْرَفَ فِي عَلْفِهَا فَالمَنْقُولُ صِحَّتُهَا. وَتَصِحُّ لِعِمَارَةِ مَسْجِدٍ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَتُحْمَلُ عَلَى عِمَارَتِهِ وَمَصَالحِهِ. وَلِذِمِّيٍّ، وَكَذَا حَرْبِيٌّ وَمُرْتَدٌّ فِي الْأَصَحِّ، وَقَاتِلٌ فِي الْأَظْهَرِ
للمشتري (وإن أوصى لدابة) سواء أصح
(1)
الوقف عليها كالخيل المسبلة أم لا (وقصد تمليكها أو أطلق فباطلة) ; لأن مطلق اللفظ للتمليك وهي لا تملك حالا ولا مآلا، وتقبل دعوى الوارث المبطل بيمينه، ولو قال ما أدري ما أراد مورثي بطلت قطعا (وإن) قصد علفها أو (قال ليصرف في علْفها فالمنقول صحتها) ; لأن مؤنتها على مالكها فهو المقصود بالوصية، ومع ذلك يتعين صرفه في مؤنها وإن انتقلت لآخر؛ رعاية لغرض الموصي، ومن ثم لو دلت قرينة ظاهرة على أنه إنما قصد به مالكها وإنما ذكرها تجملا أو مباسطة تعين له، ويتولاه الوصي وإلا فالقاضي أو مأمور أحدهما ولو المالك، ولا يسلم له بغير إذن أحدهما. ولو ماتت كان ما بقي لمالكها. ويشترط قبوله وأن لا تكون متخذة لمعصية كقطع الطريق، وذكر الدابة هنا مثال، ومثلها الوصية بشي ليصرف في مؤنة قنّ غيره، ومن ثم لو أوصى بعمارة دار غيره لزمت وتعين الصرف لعمارتها؛ رعاية لغرض الموصي (وتصح لعمارة) نحو (مسجد) ورباط ومدرسة ولو من كافر إنشاء وترميما; لأنها من أفضل القرب، ولمصالحه لا لمسجد سيبنى إلا تبعا على قياس ما مر آنفا (وكذا إن أطلق في الأصح) بأن قال أوصيت به للمسجد وإن أراد تمليكه؛ لما مر في الوقف أنه حر يملك أي منزل منزلته (وتحمل) الوصية حينئذ (على عمارته ومصالحه) ولو غير ضرورية؛ عملا بالعرف، ويصرفه الناظر للأهم والأصلح باجتهاده، وهي للكعبة وللضريح النبوي على مشرفه أفضل الصلاة والسلام تصرف لمصالحهما الخاصة بهما كترميم ما وَهِيَ من الكعبة دون بقية الحرم، ويدخل في الوصية للحرم مصالحهما، وتصح الوصية لضريح الشيخ الفلاني ويصرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرءون عليه، أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه فهي باطلة (ولذمي) ومعاهد ومستأمن ولأهل الذمة أو العهد -لكن لا بنحو مصحف- وذلك كما تحل الصدقة عليهم (وكذا حربي) بغير نحو سلاح (ومرتد) حال الوصية لم يمت على ردته (في الأصح) كالصدقة أيضا. ولا تصح لأهل الحرب والردة ولا لمن يرتد أو يحارب أو يفعل كذا وهو معصية بل أو مكروه (وقاتل) بأن يوصي لشخص فيقتله هو أو سيده ولو عمدا (في الأظهر) ; لأنها تمليك
(1)
. خلافا لهما.
وَلِوَارِثٍ فِي الْأَظْهَرِ، إنْ أَجَازَ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَلَا عِبْرَةَ بِرَدِّهِمْ وَإِجَازَتِهِمْ فِي حَيَاةِ المُوصِي، وَالْعِبْرَةُ فِي كَوْنِهِ وَارِثًا بِيَوْمِ المَوْتِ، وَالْوَصِيَّةُ لِكُلِّ وَارِثٍ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لَغْوٌ وَبِعَيْنٍ هِيَ قَدْرُ حِصَّتِهِ صَحِيحَةٌ، وَتَفْتَقِرُ إلَى الْإِجَازَةِ فِي الْأَصَحِّ
بعقد فأشبهت الهبة لا الإرث. ولا تصح لمن يقتله إلا إن جاز قتله، وتصح لقاتل فلان بعد القتل لا قبله إلا إن جاز قتله (ولوارث
(1)
من ورثة متعددين (في الأظهر إن أجاز باقي الورثة
(2)
المطلقين التصرف، وقلنا بالأصح إن إجازتهم تنفيذ لا ابتداء عطية وإن كانت الوصية ببعض الثلث؛ للخبر بذلك، وحيلة أخذه من غير توقف على إجازة أن يوصي لفلان بألف مثلا من ثلث ماله بشرط أن يعطي لولد الموصي خمسمائة أو أكثر فإذا قبِل الموصى له وأدَّى للابن ما شرط عليه أخذ الوصية ولم يشارك بقية الورثة الابن فيما حصل له. وخرج بقولي ((ورثة متعددين)) وصية من ليس له إلا وارث واحد لذلك الوارث فإنها باطلة؛ لتعذر إجازته لنفسه، وسيأتي أن الإمام تتعذر إجازته بما زاد على الثلث; لأن الحق للمسلمين، ولا تصح إجازة ولي محجور ولا يضمن بها إلا إن قبض بل توقف إلى كماله، وحينئذٍ يعمل القاضي في بقائه وبيعه وإيجاره بالأصلح. ومن الوصية للوارث إبراؤه وهبته والوقف عليه، نعم لو وقف عليهم ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم نفذ من غير إجازة فليس لهم نقضه كما مر في الوقف، ولا بد لصحة الإجازة من معرفة قدر المجاز أو عينه فإن ظن كثرة التركة فبان قلتها فسيأتي (ولا عبرة بردهم وإجازتهم في حياة الموصي)؛ إذ لا حق لهم حينئذ؛ لاحتمال برئه وموتهم، بل العبرة بما بعد موته في الواقع وإن ظنه قبله، ولو تراخى الرد عن القبول بعد الموت لم يرفع العقد إلا من حينه، ومع ذلك لا يملك الزوائد الحادثة بين الموت والرد؛ لضعف ملكه، (والعبرة في كونه وارثا بيوم الموت) أي وقته دون القبول، فلو أوصى لأخيه فحدث للموصي ابن قبل موته فوصية لأجنبي، أو أوصى لأخيه وللموصي ابن ابن فمات قبل الموصي فوصية لوارث (والوصية لكل وارث بقدر حصته) مشاعا كنصف وثلث (لغو) ; لأنه يستحقه بغير وصية، و لا يأثم بذلك; لأنه مؤكد للمعنى الشرعي لا مخالف له بخلاف تعاطي العقد الفاسد (وبعين هي قدر حصته صحيحة وتفتقر إلى الإجازة في الأصح)؛
(1)
. قيده المغني بالخاص وأفاد الشارح أنه لا حاجة للاحتراز به.
(2)
. ومن الوصية لوارث كما مر في الجنائز ما لو أوصت الزوجة أن تكفن من مالها وزوجها موسر 3/ 126.
وَتَصِحُّ بِالحَمْلِ، وَيُشْتَرَطُ انْفِصَالُهُ حَيًّا لِوَقْتٍ يُعْلَمُ وُجُودُهُ عِنْدَهَا، وَبِالمَنَافِعِ،
لاختلاف الأغراض بالأعيان، ولذا صحت ببيع عين من ماله لزيد. ولو أوصى للفقراء بشيء لم يجز للوصي أن يعطي منه شيئا لورثة الميت ولو فقراء بل وإن أجاز الغني من الورثة للفقير.
وللموصى به شروط: منها كونه قابلا للنقل بالاختيار -فلا تصح بنحو قود وحد قذف لغير من هو عليه، ولا بحق تابع للملك كخيار وشفعة لغير من هي عليه و الحال أنه لا يبطل تلك الشفعة التأخير لنحو تأجيل الثمن- وكونه مقصودا بأن يحل الانتفاع به شرعا.
(وتصح بالحمل) الموجود واللبن في الضرع وبكل مجهول ومعجوز عن تسليمه وتسلمه، ويظهر في الوصية باللبن الموجود أخذا مما ذكر في الحمل أن العبرة بما وجد عند الوصية دون ما حدث بعد، وأنه يقبل قول الوارث في قدره بيمينه، وأنه لو انفصل وضُمِّن كانت الوصية في بدله وإلا فلا (ويشترط) لصحة الوصية به (انفصاله حيا لوقت يعلم وجوده عندها) أي الوصية، أما في الآدمي فيأتي فيه ما تقرر في الوصية له وأما في غيره فيرجع لأهل الخبرة في مدة حمله. ولو انفصل حمل الآدمية بجناية مضمونة نفذت الوصية فيما ضمن به بخلاف حمل البهيمة; لأن الواجب فيه ما نقص من قيمة أمه ولا تعلق للموصى له بشيء منه. ويصح القبول قبل الوضع; لأن الحمل يعلم، وتعبيرهم بالحي للغالب؛ إذ لو ذبحت الموصى بحملها فوجد ببطنها جنين أحلَّتْهُ ذكاتُها وعلم وجوده عند الوصية ملكه الموصى له (وبالمنافع
(1)
المباحة وحدها مؤبدة
(2)
ومطلقة ولو لغير الموصى له بالعين
(3)
; لأنها أموال تقابل بالعوض كالأعيان، وإنما صحت في العين وحدها لشخص مع عدم المنفعة فيها؛ لإمكان صيرورة المنفعة له بإجارة أو إباحة أو نحو ذلك
(4)
، وإذا ردَّ ذو المنفعة انتقلت للورثة
(1)
. ذكر الشارح في الأصول والثمار أنه لو كان له بناء في أرض موصى له بمنفعتها فباعه استحق المشتري الإبقاء بلا أجرة 4/ 455.
(2)
. واستوجه الشارح في اللقطة جواز تملك الملتقط لقطة موصى بمنفعتها مؤبدا إن لم يعلم مستحقها.
(3)
. أشار الشارح قبيل كتاب إحياء الموات أن الموصى له بالمنفعة لو اشترى الرقبة ثم باعها انتقلت بمنافعها للمشتري 6/ 200.
(4)
. عبارة المغني.
وَكَذَا بِثَمَرَةٍ أَوْ حَمْلٍ سَيَحْدُثَانِ فِي الْأَصَحِّ. وَبِأَحَدِ عَبْدَيْهِ. وَبِنَجَاسَةٍ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَكَلْبٍ مُعَلَّمٍ وَزِبْلٍ وَخَمْرٍ مُحْتَرِمَةٍ،
لا للموصى له بالعين (وكذا) تصح الوصية بمملوك للغير
(1)
إن قال
(2)
إن ملكته ثم ملكه وإلا فلا، وبمرهون جعلا أو شرعا ثم إن بيع في الدين بطلت وإلا فلا، والقياس صحة قبول الموصى له بعد الموت وقبل فكّ الرهن، و (بثمرة أو حمل سيحدثان في الأصح)؛ لاحتمال وجوه من الغرر فيها رفقا بالناس، ولا حق له في الموجود عندها بأن ولدته الآدمية لدون ستة أشهر منها مطلقا أو لدون أكثر من أربع سنين وليست فراشا، أو البهيمة لزمن قال الخبراء إنه موجود عندها. ويدخل في الوصية بدابة نحو حمل وصوف ولبن موجود عند الوصية، وبشجرة ما يدخل في بيعها من غير المتأبر مثلا عند الوصية ويجب بقاؤه إلى الجذاذ، ونظير اعتبار الوصية هنا ما لو أوصى لأولاد فلان فإنه إنما يتناول المنفصل عند الوصية لا المنفصل بعد بخلاف الوقف; لأنه يراد للدوام. وإذا أوصى بما يحدث من حمل الدابة أو الشجرة هذا العام أو كلّ عام عمل به، وإن أطلق فقال أوصيت بما يحدث عمّ كل سنة
(3)
؛ لأن ما للعموم، وإذا استحق الثمرة فاحتاجت هي أو أصلها لسقي لم يلزم واحدا منهما كما مر، ويظهر أن يأتي هنا ما مر آخر فرع باع شجرة، (وبأحد عبديه) مثلا ويعينه الوارث; لأنها تحتمل الجهالة فالإبهام أولى، وإنما لم تصح لأحد الرجلين; لأنه يحتمل في الموصى به لكونه تابعا ما لا يحتمل في الموصى له، ومن ثم صحت بحمل سيحدث لا لحمل سيحدث (وبنجاسة يحل الانتفاع بها)؛ لثبوت الاختصاص فيها وانتقالها بالإرث والهبة، لا بما يحرم الانتفاع به كخمر غير محترمة وخنزير وفرعه وكلب عقور وكلب نحو صيد لمن لا يصيد
(4)
مثلا بناء على الأصح من حرمة اقتنائه له; لأنه ينافي مقصود الوصية بخلاف ما يحل (ككلب معلم) وجروٍ قابل للتعليم؛ لحل اقتنائهما ككلب يحرس الدور (وزبل) ولو من مغلظ؛ لتسميد الأرض والوقود، وميتة ولو مغلظة؛ لإطعام الجوارح (وخمر محترمة) وهي ما عصرت بقصد الخلية أو
(1)
. وتقدم في الجنائز أنه لا يصح أن يوصي بساتر العورة إن قلنا بالأصح إنه حق لله بخلاف إن قلنا إنه حق للميت.
(2)
. خلافا لهما حيث اعتمدا الصحة مطلقا.
(3)
. عبارة المغني بتصرف.
(4)
. خلافا لهما.
وَلَوْ أَوْصَى بِكَلْبٍ مِنْ كِلَابِهِ أُعْطِيَ أَحَدَهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ كَلْبٌ لَغَتْ. وَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَكِلَابٌ وَوَصَّى بِهَا أَوْ بِبَعْضِهَا فَالْأَصَحُّ نُفُوذُهَا، وَإِنْ كَثُرَتْ وَقَلَّ المَالُ. وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلٍ وَلَهُ طَبْلُ لَهْوٍ وَطَبْلٌ يَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَطَبْلِ حَرْبٍ وَحَجِيجٍ حُمِلَتْ عَلَى الثَّانِي،
…
لا بقصد شيء، ولو غير قصده قبل تخمرها تغير الحكم إليه، ولا تدفع للموصى له بل لثقة إلا إن عرفت ديانته وأمن شربه لها، ولا تصح
(1)
الوصية بها إن أيس من عودها خلا إلا بصنع آدمي-أي بعين-؛ لحرمة إمساكها (ولو أوصى) لشخص (بكلب من كلابه) المنتفع بها ثم مات وله كلاب (أعطي) الموصى له (أحدها) بخيرة الوارث إن احتاج للصيد والحراسة معا، فإن احتاج لأحدهما فقط أعطي ما يناسبه
(2)
بخلاف ما إذا لم يحتج لواحد منهما؛ لبطلان الوصية.
[تنبيه] قضية قولهم بخيرة الوارث هنا وفي مسائل تأتي، وقولهم فيما مر آنفا ((ويعينه الوارث)) أنه لا دخل للوصي في ذلك وهو محتمل; لأن الوارث المالك فلا يتصرف عليه مع كماله فيما قد يضره، والظاهر في الناقص الوقف لكماله، نعم لو قيل يتصرف الوصي أو الولي ويؤمر في التعيين بالأحوط الوارث لم يبعد (فإن لم يكن له) عند الموت؛ إذ العبرة به (كلب) ينتفع به (لغت) الوصية وإن قال من مالي؛ لتعذر شرائه، ولا يكلف الوارث إتهابه، وبه فارق عبدا من مالي ولا عبد له (ولو كان له مال
(3)
وكلاب) منتفع بها (ووصَّى بها أو ببعضها فالأصح نفوذها) في الكلاب (وإن كثرت وقل المال) وإن كان أدنى متقوم كدانق؛ إذ الشرط بقاء ضِعْف الموصى به للورثة وقليل المال خير من كثير الكلاب؛ إذ لا قيمة لها. ولو أوصى بثلث المال لواحد وبجميع الكلاب للآخر نفذت في ثلث المال وفي ثلث الكلاب، وتنفذ في ثلث الكلاب أيضا فيما لو أوصى بجميع كلابه ولم يكن لديه إلا كلاب، ويعتبر الثلث بعدد الكلاب بخلاف ما لو اختلفت أجناس غير المتمول ككلب وخمر محترمة وشحم ميتة وأوصى بواحدٍ منها فأنه ينظر إلى قيمتها بتقدير المال عند من يرى أن لها قيمة (ولو أوصى بطبل) سواء أقال من طبولي أم لا (وله طبل لهو) لا يصلح لمباح -فإن صلح تخير- (وطبل يحل الانتفاع به كطبل حرب) يقصد به التهويل (أو حجيج) يقصد به الإعلام بالنزول والرحيل (حمل على الثاني) لتصح; لأن الظاهر
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. خلافا لهما فاعتمدا تخيير الوارث.
(3)
. قال الشارح في الفتح: ((يتمول لاستلزامه أن له قيمه، بخلاف المال)).
وَلَوْ أَوْصَى بِطَبْلِ اللهْوِ لَغَتْ إلَّا أنْ يَصْلُحَ لِحَرْبٍ أَوْ حَجِيجٍ.
يَنْبَغِي أَلَّا يُوصِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ، فَإِنْ زَادَ وَرَدَّ الْوَارِثُ بَطَلَتْ فِي الزَّائِدِ، وَإِنْ أَجَازَ فَإِجَازَتُهُ تَنْفِيذٌ، وَفِي قَوْلٍ عَطِيَّةٌ مُبْتَدَأَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ بِالزِّيَادَةِ لَغْوٌ،
قصده للثواب، أو أوصى بعود من عيدانه وله عود لهو لا يصلح لمباح وعود بناءٍ وأطلق بطلت؛ لانصراف مطلقه لعود اللهو والطبل يقع على الكل إطلاقا واحدا، (ولو أوصى بطبل اللهو) وهو الكوبة الآتية في الشهادات (لغت) الوصية; لأنه معصية (إلا أن يصلح
(1)
لحرب أو حجيج) أو منفعة أخرى مباحة ولو مع تغيير لكن إن بقي معه اسم الطبل وإلا لغت
(2)
وإن كان رضاضه من نقد أو جوهر.
(فصل) في الوصية لغير الوارث وحكم التبرعات في المرض
(ينبغي) لمن ورثته أغنياء أو فقراء (ألا يوصي بأكثر من ثلث ماله) بل الأحسن أن ينقص منه شيئا; لأنه صلى الله عليه وسلم استكثره فقال: ((الثلث والثلث كثير))، فإن فعل كره، ولا يحرم ذلك وإن قصد حرمان ورثته كما مرّ (فإن زاد) على الثلث (ورد الوارث) الخاص المطلق التصرف الزيادة (بطلت) الوصية (في الزائد) إجماعا; لأنه حقه، فإن كان عاما بطلت ابتداء من غير رد; لأن الحق للمسلمين فلا مجيز. (وإن أجاز) وهو مطلق التصرف وإلا لم تصح إجازته ولا رده بل توقف لكماله، ومحله إن رجي وإلا كجنون مستحكم أيس من برئه بطلت الوصية إن غلب على الظن ذلك بأن شهد به خبيران وإلا فلا; لأن تصرف الموصي وقع صحيحا كما تقرر فلا يبطله إلا مانع قوي، وعلى كلٍّ فمتى برأ وأجاز بان نفوذها (فإجازته تنفيذ) أي إمضاء لتصرف الموصي بالزيادة على الثلث؛ لصحته كما مر (وفي قول عطية مبتدأة، والوصية بالزيادة لغو)؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص عن ((الوصية بالنصف وبالثلثين)) لكن النهي هنا لا يقتضي الفساد، وعلى الأول لا يحتاج للفظ هبة وتجديد قبول وقبض ولا رجوع للمجيز قبل القبض
(1)
. اعتمدا تقييد ذلك بحالة الإطلاق وإلا فتبطل جزما.
(2)
. ظاهر النهاية تقييده بما إذا أوصى لآدمي معين.
وَيُعْتَبَرُ المَالُ يَوْمَ المَوْتِ، وَقِيلَ يَوْمَ الْوَصِيَّةِ، ويُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ أَيْضًا عِتْقٌ عُلِّقَ بِالمَوْتِ، وَتَبَرُّعٌ نُجِّزَ فِي مَرَضِهِ كَوَقْفٍ
وتنفذ من المفلس، وعليهما لا بد من معرفته لقدر ما يجيزه مع التركة إن كانت بمشاع لا معين، ومن ثم لو أجاز وقال ظننت قلة المال أو كثرته ولم أعلم كميته وهي بمشاع حُلِّف أنه لا يعلم ونفذت فيما ظنه فقط أو بمعين لم يقبل (ويعتبر المال) حتى يعرف قدر الثلث منه (يوم الموت) أي وقته; لأن الوصية تمليك بعده وبالموت تلزم من جهة الموصي، وقضية ذلك أنه لو قتل فوجبت فيه دية ضمت لماله حتى لو أوصى بثلثه أخذ ثلثها.
[تنبيه] ذكر المصنف أن المعتبر هو المال الموجود وقت الموت ولم يتعرض للمعتبر في قيمة الموصى به، والمعتبر في قيمة المتبقى للورثة بعد إخراج الموصى به، وحينئذ فالمعتبر في قيمة الموصى به إذا نجّز الموصي الوصية بوقت التصرف ثم إن وفَّى ثلث ماله عند الموت بجميع التبرعات المنجزة في المرض فذاك واضح، وإلا نفذت الوصية فيما يفي به ثلث المال، أما إذا أوصى بشيء مضاف للموت فالعبرة بقيمته في وقت الموت، أما ما يبقى للورثة بعد الوصية فالعبرة في قيمته بأقل قيمة من الموت إلى القبض؛ لأنه إن كان يوم الموت أقل فالزيادة حصلت في ملك الوارث أو يوم القبض أقل فما نقص قبله لم يدخل في يده فلا يحسب عليه
(1)
، ومرّ أن الثلث إنما يعتبر للوصية بعد الدين وأن الوصية معه ولو مستغرقا صحيحة، (وقيل يوم الوصية. ويعتبر من الثلث أيضا عتق علق بالموت) في الصحة أو المرض، نعم لو قال صحيح لقنه أنت حر قبل مرض موتي بيوم ثم مات من مرض بعد التعليق بأكثر من يوم، أو قبل موتي بشهر مثلا ثم مرض دونه ومات بعد أكثر من شهر عتق من رأس المال; لأن عتقه وقع في الصحة، وكذا لو مات بعد أن مرض شهرا فأكثر كما لو علقه بصفة في الصحة فوجدت في مرضه بغير اختياره. ولو أوصى بعتق عن كفارته المخيّرة اعتبر جميع قيمة العبد من الثلث؛ لحصول البراءة بدفعة حتى لو لم يف الثلث بتمام قيمته ولم تجز الورثة لم تصح الوصية ويعدل إلى الإطعام أو الكسوة
(2)
(وتبرع نجز في مرضه) أي الموت (كوقف) وعارية عين سنة مثلا وتأجيل ثمن مبيع كذلك، فيعتبر من الثلث أجرة العارية وثمن العين المبيعة وإن باعها
(1)
. ذكر المغني هذه العلة.
(2)
. عبارة النهاية.
وَهِبَةٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ. وَإِذَا اجْتَمَعَ تَبَرُّعَاتٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالمَوْتِ وَعَجَزَ الثُّلُثُ فَإِنْ تَمَحَّضَ الْعِتْقُ أُقْرِعَ أَوْ غَيْرُهُ قُسِّطَ الثُّلُثُ. أَوْ هُوَ وَغَيْرُهُ قُسِّطَ بِالْقِيمَةِ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ.
بأضعاف ثمن مثلها; لأن تفويت يدهم كتفويت ملكهم (وهبة وعتق) لغير مستولدته؛ إذ هو فيه هنا من رأس المال (وإبراء)، ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض اعتبر من الثلث أيضا
(1)
إن اتفق المتهب والوارث وإلا حُلِّف المتهب أن القبض وقع في الصحة; لأن العين في يده، ولو كانت بيد الوارث وادعى المتهب أنه ردها إليه أو إلى مورثه وديعة أو عارية، أو كانت بيد المتهب وقال الوارث أخذتها غصبا أو نحو وديعة صدق الوارث بيمينه بخلاف ما لو كانت بيد المتهب ووافقه الوارث على إذنه له في قبضه لكنه قال إنك لم تقبضه عنه فيحلف المتهب، ولو أقر المتهب بقبضه ثم قال لم يكن إقراري عن حقيقة فله تحليفه
(2)
، ولو ادعى الوارث موته من مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاءه وموته من مرض آخر أو فجأة فإن كان مخوفا صدق الوارث وإلا فالآخر; لأن غير المخوف بمنزلة الصحة، فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض; لأنها ناقلة. (وإذا اجتمع تبرعات متعلقة بالموت) ترتبت أوْ لا (وعجز الثلث) عنها (فإن تمحض العتق) كأعتقتكم بعد موتي، أو سالم حر بعد موتي وغانم كذلك، أو دَبَّر عبدا وأوصى بإعتاق آخر (أقرع) فمن قرع عتق منه ما يفي بالثلث؛ للخبر الآتي، (أو) تمحض (غيره قُسِّط الثلث) على الكل باعتبار القيمة أو المقدار؛ لعدم المرجح مع اتحاد وقت الاستحقاق، فلو أوصى لزيد بمائة ولبكر بخمسين ولعمرو بخمسين وثلثه مائة أعطي الأول خمسين وكل من الآخرين خمسة وعشرين، (أو) اجتمع (هو) أي العتق (وغيره) كأن أوصى بعتق سالم ولزيد أو الفقراء بمائة أو عينٍ مثلية أو متقومة (قُسِّط) الثلث عليهما (بالقيمة) أو مع المقدار؛ لاتحاد وقت الاستحقاق، نعم لو تعدد العتق أقرع فيما يخصه أو دبر قنه وهو بمائة وأوصى له بمائة وثلث ماله مائة قدم عتقه ولا شيء له بالوصية (وفي قول يقدم العتق)؛ لقوته. ولو رتب المعلقة بالموت كأعتقوا سالما ثم غانما، وكأعطوا زيدا مائة ثم عمرا مائة، وأعتقوا سالما ثم أعطوا زيدا مائة قدم ما قدمه; لأنه هنا صرح باعتبار وقوعها من غيره كذلك فوجب امتثاله بخلافه فيما لو رتبها في الوجود فإنه لا صراحة فيه على أنها كذلك
(1)
. عبارة المغني.
(2)
. ذكره الشارح في الرهن.
أَوْ مُنَجَّزَةٌ قُدِّمَ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ حَتَّى يَتِمَّ الثُّلُثُ فَإِنْ وُجِدَتْ دُفْعَةً وَاتَّحَدَ الجِنْسُ كَعِتْقِ عَبِيدٍ أَوْ إبْرَاءِ جَمْعٍ أُقْرِعَ فِي الْعِتْقِ وَقُسِّطَ فِي غَيْرِهِ. وَإِنِ اخْتَلَفَ وَتَصَرَّفَ وُكَلَاءُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا عِتْقٌ قُسِّطَ، وَإِنْ كَانَ قُسِّطَ، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ الْعِتْقُ. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَبْدَانِ فَقَطْ سَالِمٌ وَغَانِمٌ فَقَالَ إنْ أَعْتَقْتُ غَانِمًا فَسَالِمٌ حُرٌّ ثُمَّ أَعْتَقَ غَانِمًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَتَقَ وَلَا إقْرَاعَ
بعد الموت (أو) اجتمع تبرعات (منجزة) مرتبة كأن أعتق ثم تصدق ثم وقف ثم وهب وأقبض وكقوله سالم حر وغانم حر بخلاف حران (قدم الأول فالأول حتى يتم الثلث)؛ لقوته بسبقه ويتوقف ما زاد عليه على الإجازة، ولو تقدمت الهبة وتأخر القبض اعتبر وقته كما مر؛ لتوقف الملك عليه، نعم المحاباة في نحو بيع لا تفتقر لقبض; لأنها تابعة (فإن وجدت دُفعة واتحد الجنس كعتق عبيد أو إبراء جمع) كأعتقتكم أو أبرأتكم (أقرع في العتق) خاصة؛ لخبر مسلم ((أن رجلا أعتق ستة لا يملك غيرهم عند موته فدعاهم النبي صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثا وأقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة)) (وقسط في غيره) باعتبار القيمة أو المقدار أو هما، وفيما إذا كان فيها حج تطوع يعتبر أجرة المثل; لأنها قيمة المنفعة ولا يقدم الحج على غيره (وإن اختلف) الجنس (و) صورة وقوعها معاً حينئذ بأن (تصرف وكلاء) له فيها، بأن وكل وكيلا في هبة وقبض وآخر في صدقة وآخر في إبراء وتصرفوا معا (فإن لم يكن فيها عتق قسط) الثلث على الكل (وإن كان) فيها عتق (قسط) الثلث وأقرع فيما يخص العتق كما مر، (وفي قول يقدم) العتق كما مر، ولو اجتمع منجزة ومعلقة بالموت قدمت المنجزة؛ للزومها. (ولو كان له عبدان فقط) أي لا ثالث له غيرهما، والحال أنه لا يخرج من الثلث إلا أحدهما (سالم وغانم) وكان غانم يخرج من الثلث وحده (فقال إن أعتقت غانما فسالم حر) -سواء أقال في حال إعتاقي غانما أم لا- (ثم أعتق غانما في مرض موته عتق) غانم (ولا) توزيع للثلث عليهما، ولا (إقراع)؛ لئلا يؤدي لإرقاقهما معا; لأنها قد تخرج لسالم فيرق غانم فيرق سالم; لأنه مشروط بعتق غانم، فإن لم يخرج من الثلث عتق بقسطه، أو خرج مع سالم عُتِقا، أو مع بعضه عتق وبعض سالم. ويستثنى من الإقراع أيضا ما لو قال ثلث كل حر بعد موتي فيعتق من كل ثلثه عند الإمكان ولا قرعة، وعلم مما تقرر أنه لو أوصى بأنواع فعجز الثلث عنها وزّع على قيمتها
وَلَوْ أَوْصَى بِعَيْنٍ حَاضِرَةٍ هِيَ ثُلُثُ مَالِهِ وَبَاقِيهِ غَائِبٌ لَمْ تُدْفَعْ كُلُّهَا إلَيْهِ فِي الحَالِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَسَلَّطُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الثُّلُثِ أَيْضًا
وأجرتها كإطعام عشرة وحمل آخرين إلى محل كذا والحج عنه، ولو أوصى ببيع كذا لزيد تعين وإن لم يكن فيه رفقٌ به ظاهرا; لأنه قد يكون له في ذلك غرض، فإن أبى بطلت الوصية إلا أن يقول ويتصدق بثمنه فيباع لغيره بخلاف ما لو أوصى بأنه يحج عنه بكذا فامتنع فإنه يستأجر عنه؛ توسعة في طرق العبادة ووصول ثوابها إليه بحج الغير ولا كذلك شراء الغير (ولو أوصى بعين حاضرة هي ثلث ماله وباقيه) دين أو (غائب) وليس تحت يد الوارث (لم تدفع كلها) ولا بعضها (إليه في الحال)؛ لجواز تلف الغائب فلا يحصل للورثة مثلا ما حصل له (والأصح أنه لا يتسلط) من غير إذنهم (على التصرف) كالاستخدام (في ثلث) من العين (أيضا) كثلثيها اللذين لا خلاف فيهما وذلك; لأن تسلطه يتوقف على تسلطهم على مثلي ما تسلط عليه وهو متعذر؛ لاحتمال سلامة الغائب فتكون له. ومن تصرف فيما منع منه ثم بان له صح كما علم مما مر، وعُلم من قولي دين أنه لو أوصى بثلث ماله وله عين ودين دفع للموصى له ثلث العين وكلما نض من الدين شيء دفع له ثلثه، وقياس ما تقرر أن المدين لو مات عن تركة غائبة إلا أعيانا أوصى بها وهي تخرج من الثلث أن الأمر يوقف إلى حضور الغائب، ولا تباع تلك الأعيان في الدين؛ نظرا لمنفعة الغرماء; لأن فيه ضررا لأصحابها ببيعها مع احتمال أنها ملكهم بتقدير سلامة الغائب، نعم لو ترتب على وقفها ضرر خوف تلفها أو نحوه باعها الحاكم وحفظ ثمنها إلى تبين الأمر. ولو باع الحاكم مال غائب في دينه فَقَدِم وأبطل الدين بان بطلان بيع الحاكم.
إذَا ظَنَنَّا المَرَضَ مَخُوفًا لَمْ يَنْفُذْ تَبَرُّعٌ زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، فَإِنْ بَرَأَ نَفَذَ، وَإِنْ ظَنَنَّاهُ غَيْرَ مَخُوفٍ فَمَاتَ فَإِنْ حُمِلَ عَلَى الْفُجْأَةِ نَفَذَ، وَإِلَّا فَمَخُوفٌ، وَلَوْ شَكَكْنَا فِي كَوْنِهِ مَخُوفًا لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِطَبِيبَيْنِ حُرَّيْنِ عَدْلَيْنِ،
(فصل) في بيان المرض المخوف والملحق به والصيغة
(إذا ظننا المرض مخوفا)؛ لتولد الموت عن جنسه، وفي حكم المخوف لو كان المرض غير مخوف لكن يتولد منه مخوف لا نادرا
(1)
(لم يَنْفُذ) ظاهراً (تبرع زاد على الثلث
(2)
; لأنه محجور عليه في الزيادة لحق الورثة، ومحل عدم النفوذ إذا طرأ على المرض قاطع له من نحو غرق أو حرق فحينئذ إن كُنَّا ظننا المرض مخوفا بقول خبيرين لم ينفذ تبرع زاد على الثلث حينئذ منجزا كان أو معلقا بالموت، وإن كُنَّا ظنناه غير مخوف وحملنا الموت على نحو الفجأة لكونه نحو جرب أو وجع ضرس نفذ المنجز وإن زاد على الثلث حين الطرو، (فإن برأ نفذ) أي بان نفوذه من حين تصرفه في الكل قطعا؛ لتبين أن لا مخوف، ومن صار عيشه عيش مذبوح لمرض أو جناية في حكم الأموات بالنسبة لعدم الاعتداد بقوله، (وإن ظنناه غير مخوف فمات) أي اتصل به الموت (فإن حمل على الفُجأة) لكون المرض الذي به لا يتولد منه موت كجرب ووجع عين أو ضرس (نفذ) جميع تبرعه (وإلا) يحمل على ذلك؛ لكون المرض الذي به غير مخوف لكنه قد يتولد عنه الموت كإسهال أو حمى يوم أو يومين وكان التبرع قبل أن يعرق واتصل الموت به (فمخوف) فلا ينفذ ما زاد على الثلث. وفائدة الحكم في هذا
(3)
بأنه إن اتصل به الموت مخوف وإلا فلا إذا حز عنقه أو سقط من عال كان من رأس المال بخلاف المخوف فإنه يكون من الثلث مطلقا كما تقرر (ولو شككنا) قبل الموت (في كونه) أي المرض (مخوفا لم يثبت) كونه مخوفا (إلا بـ) قول (طبيبين حرين عدلين) مقبولي الشهادة؛ لتعلق حق
(1)
. ذكره الشارح عند كلامه على طلق الحمل 7/ 34.
(2)
. ومنه ما اشتراه في صحته والغبطة في رده ويحسب النقص من الثلث كما ذكره الشارح قبيل فصل بيع مال المفلس 5/ 126، وقضية كلام الشارح في فصل موجب العمد أن له العفو مجانا عن الدية 8/ 447.
(3)
. ظاهره عوده على المرض الذي ظنناه مخوفا، وقضية كلام المغني عوده على مطلق المرض.
وَمِنَ المَخُوفِ قُولُِنْجٌ، وَذَاتُ جَنْبٍ، وَرَُِعَافٌ دَائِمٌ، وَإِسْهَالٌ مُتَوَاتِرٌ، وَدِقٌّ، وَابْتِدَاءُ فَالجٍ، وَخُرُوجُ الطَّعَامِ غَيْرَ مُسْتَحِيلٍ، أَوْ كَانَ يَخْرُجُ بِشِدَّةٍ وَوَجَعٍ، أَوْ وَمَعَهُ دَمٌ،
الموصى له والورثة بذلك فسمعت الشهادة به ولو في حياته كأن علق شيء بكونه مخوفاً. وأفهم كلامه أنه لا يثبت برجل وامرأتين ولا بمحض النسوة ومحله في غير علة باطنة بامرأة. ويقبل قول الطبيبين إنه غير مخوف أيضا. أما لو اختلف الوارث والمتبرع عليه بعد الموت بنحو غرق في المرض فيصدق الثاني وعلى الوارث البينة ويكفي فيها غير طبيبين إذا وقع الاختلاف في نحو الحمى المطبقة ووجع الضرس. ولو اختلف الأطباء رجح الأعلم فالأكثر عددا فمن يخبر بأنه مخوف.
(ومن) المرض (المخوف) وهو ما يكثر عنه الموت عاجلا وإن خالف المخوف عند الأطباء (قُولَُِنج) وهو أن تنعقد أخلاط الطعام في بعض الأمعاء فلا تنزل ويصعد بسببه بخار إلى الدماغ فيهلك، وهو أقسام عند الأطباء
(1)
ولا فرق بين معتاده وغيره (وذات جنب) وهي قروح تحدث في داخل الجنب بوجع شديد ثم تنفتح في الجنب ويسكن الوجع وذلك وقت الهلاك، وإنما كانت مخوفة؛ لقربها من الرئيسين القلب والكبد، ومن علاماتها الحمى اللازمة وشدة الوجع تحت الأضلاع وضيق النفس والسعال (ورَُِعاف دائم) أي متتابع؛ لإسقاطه القوة بخلاف غير الدائم، ولابد في تتابعه من مضي زمن يفضي مثله فيه عادة كثيرا إلى الموت، ولا يضبط بما يأتي في الإسهال; لأن القوة تتماسك معه نحو اليومين بخلاف الدم; لأنه قوام الروح (وإسهال متواتر) أي متتابع أياما؛ لذلك (ودِق) وهو قرحة في الرئة يلزمها حمّى دقيقة، والحمى الدقيقة هي التي تتشبث بالأعضاء الأصلية خاصة القلب فهي لا محالة تُفْنِي رطوبتها وغالبا تسبق هذه الحمى حمى أخرى (وابتداء فالج) والفالج عند الأطباء استرخاء عام لأحد شقي البدن طولاً، وعند الفقهاء استرخاء أي عضو من البدن (وخروج الطعام غير مستحيل)؛ لزوال القوة الماسكة، ويلزم من هذا الإسهال لكن لا يشترط تواتره فلهذا ذكره بعده، (أو كان يخرج بشدة ووجع) ويسمى الزحير، ويشترط أن يتكرر
(2)
ذلك تكراراً يفيد إسقاط القوة أو يصحبه إسهال نحو يومين، وهذا شرط أيضا في قوله:(أو) يخرج الطعام (ومعه دم) من عضو شريف
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. للسبكي كلام مخالف لما هنا ووافقه عليه المغني.
وَحُمّىً مُطْبَقَةٌ أَوْ غَيْرُهَا إلَّا الرِّبْعَ، وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ يَلْحَقُ بِالمَخُوفِ أَسْرُ كُفَّارٍ اعْتَادُوا قَتْلَ الْأَسْرَى، وَالْتِحَامُ قِتَالٍ بَيْنَ مُتَكَافِئَيْنِ، وَتَقْدِيمٌ لِقِصَاصٍ أَوْ رَجْمٍ، وَاضْطِرَابُ رِيحٍ، وَهَيَجَانُ مَوْجٍ فِي رَاكِبِ سَفِينَةٍ، وَطَلْقُ حَامِلٍ،
كالكبد -دون البواسير-; لأنه يسقط القوة (وحمى) شديدة (مطبِقة) أي لازمة لا تبرح بأن جاوزت يومين؛ لإذهابها حينئذ للقوة التي هي دوام الحياة، فإن لم تجاوزهما فقد مر حكمها (أو غيرها) من وِرد تأتي كل يوم، وغِب تأتي يوما وتقلع يوما، وثِلْث تأتي يومين وتقلع في الثالث، وحُمَّى الأخوين تأتي يومين وتنقطع يومين، ولا فرق في هذه الأربعة بين طول زمنها وقلته (إلا الرِبع) وهي التي تأتي يوما وتقلع يومين; لأنه يتقوى في يومي الإقلاع، ومحله إن لم يتصل بها الموت وإلا فقد مر فيها تفصيل بين أن يكون التبرع قبل العرق وبعده.
وبقي من المخوف أشياء منها: جرح نفذ لجوف أو على مقتل أو محل كثير اللحم أو صحبه ضربان
(1)
شديد أو تآكل أو تورم، وقيء دام أو صحبه خلط
(2)
-ويظهر أن العبر في دوامه بما مر في الإسهال لا الرعاف- والوباء والطاعون أي زمنهما فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث لكن إن وقع الموت في أمثاله، وبه يُقيد إطلاقهم حرمة دخول بلد الطاعون أو الوباء والخروج منها لغير حاجة (والمذهب أنه يلحق بالمخوف أسر كفار) أو مسلمين (اعتادوا قتل الأسرى، والتحام قتال بين) اثنين أو حزبين (متكافئين) أو قريبي التكافؤ اتحدا إسلاما وكفرا أم لا (وتقديم) بخلاف ما قبل التقديم (لـ) ـقتل بنحو (قصاص أو رجم) ولو بإقراره (واضطراب ريح، وهيجان موج) الجمع بينهما تأكيد؛ لتلازمهما عادة (في) حق (راكب سفينة) ببحر أو نهر عظيم كالنيل والفرات إلا أن أحسن السباحة وقرب من البر
(3)
. وخرج باعتادوا غيرهم كالروم، وبالالتحام -الذي هو اتصال الأسلحة- ما قبله وإن تراموا بالنشاب والحراب، وبمتكافئين الغالبة بخلاف المغلوبة، وبتقديم لذلك الحبس له. ولو مات بهدم مثلا بعد التقديم للقتل كان تبرعه بعد التقديم محسوبا من الثلث كالموت أيام الطعن بغير الطاعون (وطلق حامل) وإن تكررت ولادتها؛ لعظم خطره، ومن ثم كان موتها منه شهادة. وخرج به
(1)
. هو اشتداد الوجع.
(2)
. خالطه الداء خلاطا خامره، لسان العرب.
(3)
. وفاقا للمغني في الاستثناء وخلافا للنهاية.
وَبَعْدَ الْوَضْعِ مَا لَمْ تَنْفَصِلِ المَشِيمَةُ.
وَصِيغَتُهَا أَوْصَيْتُ لَهُ بِكَذَا أَوِ ادْفَعُوا إلَيْهِ أَوْ أَعْطُوهُ بَعْدَ مَوْتِي أَوْ جَعَلْتُهُ لَهُ أَوْ هُوَ لَهُ بَعْدَ مَوْتِي، فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى هُوَ لَهُ فَإِقْرَارٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ هُوَ لَهُ مِنْ مَالِي فَيَكُونُ وَصِيَّةً، وَتَنْعَقِدُ بِكِنَايَةٍ،
نفسُ الحملِ فليس بمخوف، ولا أثر لتولد الطلق المخوف منه; لأنه ليس بمرض (وبعد الوضع) لولد مُخَلَّق (ما لم تنفصل المشيمة)، ولا خوف في إلقاء علقة أو مضغة بخلاف موت الولد في الجوف. أما إذا انفصلت المشيمة فلا خوف، ومحله إن لم يحصل من الولادة جرح أو ضربان شديد
(1)
أو ورم وإلا فحتى يزول.
الركن الرابع الصيغة (وصيغتها) أي الوصية ما أشعر بها من لفظ أو نحوه كإشارة وكتابة صريحا كان أو كناية فمن الصريح (أوصيت له بكذا) وإن لم يقل بعد موتي؛ لوضعها شرعا لذلك (أو ادفعوا إليه) كذا (أو أعطوه) كذا وإن لم يقل من مالي، أو وهبته أو حبوته أو ملَّكتُه كذا أو تصدقت عليه بكذا (بعد موتي) -أو نحوه الآتي- راجع لما بعد أوصيت (أو جعلته له أو هو له بعد موتي) أو إن قضى الله عليّ وأراد الموت وإلا فهو لغو، وذلك؛ لأن إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية، (فلو اقتصر على) نحو وهبته له فهو هبة ناجزة، أو على نحو ادفعوا إليه كذا من مالي فتوكيل يرتفع بنحو الموت، وفي هذه وما قبلها لا تكون كناية وصية، أو على جعلته له احتمل الوصية والهبة فإن عُلِمَت نيته لأحدهما وإلا بطل أو على ثلث مالي للفقراء كان كناية وصية، أو على (هو له فإقرار) ; لأنه من صرائحه ووجد نفاذا في موضوعه فلا يجعل كناية وصية، وكذا لو اقتصر على قوله هو صدقة أو وقف على كذا فينجز من حينئذ وإن وقع جوابا ممن قيل له أوصِ; لأن مثل ذلك لا يفيد (إلا أن يقول هو له من مالي فيكون وصية) أي كناية فيها؛ لاحتماله لها والهبة الناجزة فافتقر للنية، فلو مات ولم تُعْلَم نيته بطل; لأن الأصل عدمها.
(وتنعقد بالكناية) وهي ما احتمل الوصية وغيرها، كقوله عيَّنت هذا له أو عبدي هذا له كالبيع بل أولى. وفي قوله هذا صدقة بعد موتي على فلان مثلا الكناية ليست في الوصية; لأن هذا صريح فيها، بل في قوله صدقة؛ لاحتماله الملك والوقف، فإن جهل ما أراد به بطل
(1)
. وهو اشتداد وجع كما مر.
وَالْكِتَابَةُ كِنَايَةٌ. وَإِنْ أَوَصَّى لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ لَزِمَتْ بِالمَوْتِ بَلَا قَبُولٍ، أَوْ لِمُعَيَّنٍ اُشْتُرِطَ الْقَبُولُ
ما لم يؤمر الوارث بالحلف أنه لا يعلم إرادته فينكل فيحلف المدعي أنه أراد الملك أو الوقف ويعمل به حينئذ. ويصح قوله لمدينه إن مت فأعط فلانا ديني الذي عليك أو ففرقه على الفقراء، ولا يقبل قوله في ذلك بل لا بد من بينة به، (والكتابة كناية) فتنعقد بها مع النية ولو من ناطق ولا بد من الاعتراف بها نطقا منه أو من وارثه وإن قال هذا خطي أو ما فيه وصيتي، وليس للشاهد التحمل حتى يقرأ عليه الكتاب أو يقول أنا عالم بما فيه، وإشارة من اعتقل لسانه يأتي فيها تفصيل الأخرس فإن فهمها كل أحد فصريحة وإلا فكناية، ومر أن كنايته لا بد فيها من نية، وأنه يكفي الإعلام بها بإشارة أو كتابة. ولو قال من ادعى عليَّ شيئا
(1)
أو أنه أَوْفَى ما لِيَ عنده فصدقوه بلا حجة كان وصية، فإن قال في الثانية صدقوه بيمينه بلا بينة لم يكن وصية; لأنه لم يسمح له بشيء وإنما قنع منه بحجة بدل حجة وهذا مخالف لأمر الشارع فليكن لغوا ويكلف البينة، ولو قال ما في جريدتي
(2)
قبضته كله كان إقرارا بالنسبة للشيء الذي علم أنه فيها وقته. (وإن أوصى لغير معين) يعني لغير محصور، وهم من يشق استيعابهم عادة (كالفقراء لزمت بالموت بلا) اشتراط (قبول)؛ لتعذره منهم غالبا، ومن ثم لو قال لفقراء محل كذا وانحصروا بأن سهل عادة عدهم تعين قبولهم ووجبت التسوية بينهم، ولو رَدّ غير المحصورين لم ترتد بردهم، ويجوز الاقتصار على ثلاثة من غير المحصورين ولا تجب التسوية بينهم، (أو) وصى (لمعين) محصور -لا كالعلوية; لأنهم كالفقراء- (اشترط القبول
(3)
منه إن تأهل -وإن كان الملك لغيره كما مر في الوصية للقن- وإلا فمن وليه أو سيده أو ناظر المسجد بخلاف نحو الخيل المسبلة بالثغور لا تحتاج لقبول; لأنها تشبه الجهة العامة. ولو كانت الوصية للمعين بالعتق كأعتقوا هذا بعد موتي -سواء أقال عنِّي أم لا- لم يشترط قبوله; لأن فيه حقا مؤكدا لله فكان كالجهة العامة، وكذا المدبر بخلاف أوصيت له برقبته؛ لاقتضاء هذه
(1)
. ومثله ما لو قال المريض: ((ما يدعيه فلان فصدقوه))، فمات، أي: فيكون وصية عند الشارح، وقال المغني إنه إقرار بمجهول.
(2)
. هي سعفه طويلة رطبه، قال الفارسي: هي رطبه سعفة ويابسة جريدة، لسان العرب.
(3)
. ذكر الشارح في الكتابة أنه لو أوصى بنجوم المكاتب فعجز فعجَّزه الموصى له لم ينفذ التعجيز وكان ردا منه للوصية 10/ 406.
وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ وَلَا رَدٌّ فِي حَيَاةِ المُوصِي، وَلَا يُشْتَرَطُ بَعْدَ مَوْتِهِ الْفَوْرُ. فَإِنْ مَاتَ المُوصَى لَهُ قَبْلَهُ بَطَلَتْ أَوْ بَعْدَهُ فَيَقْبَلُ وَارِثُهُ. وَهَلْ يَمْلِكُ المُوصَى لَهُ بِمَوْتِ المُوصِي أَمْ بِقَبُولِهِ أَمْ مَوْقُوفٌ،
لصيغة القبول، (ولا يصح قبول ولا رد في حياة الموصي) ولا مع موته؛ إذ لا حق له إلا بعد الموت فلمن رد حينئذ القبول بعد الموت وعكسه بخلافهما بعد الموت، نعم القبول بعد الرد لا يفيد وكذا الرد بعد القبول قبل القبض أو بعده. ومن صريح الرد رددتها أو لا أقبلها أو أبطلتها أو ألغيتها، ومن كناياته نحو لا حاجة لي بها وأنا غني عنها وهذه لا تليق بي، ولا يكفي الأخذ فقط، (ولا يشترط بعد موته الفور) في القبول; لأنه إنما يشترط في عقد ناجز يتصل قبوله بإيجابه، نعم يلزم الولي القبول أو الرد فورا بحسب المصلحة، فإن امتنع مما اقتضته المصلحة عنادا انعزل أو متأوِّلاً قام القاضي مقامه، ويصح الاقتصار على قبول البعض; لأن المطابقة بين الإيجاب والقبول إنما هي في البيع وما ألحق به كالهبة
(1)
، والوصية ليست كذلك، (فإن مات الموصَى له قبله) أي قبل موت الموصي، وكذا لو مات معه (بطلت) الوصية؛ لعدم لزومها وأيلولتها للزوم حينئذ (أو بعده) أي بعد موت الموصي وقبل القبول والرد لم تبطل (فيقبل) أو يرد (وارثه) ولو الإمام فيمن يرثه بيت المال; لأنه خليفته، ومن ثم لو قبل الوارث قضى دين مورثه -وهو الموصى له- من الموصى به، ويؤخذ منه أن وارث الموصى له لو كان وارثا للميت دون مورثه لم يكن وصية لوارث; لأن العبرة في كونه وارثا بيوم الموت. ويلزم ولي الوارث الأصلح من القبول والرد نظير ما مر آنفا، وقد يخالف قبول الموصى له قبول وارثه فيما إذا أوصى له بولده فإنه إن قبله الموصى له عتق الولد وورث من الموصى له، أو قبله وارثه -سواء حجب الموصى به القابلَ كأخي الأب أم لا كأخي الولد- فلا يرث للدور; لأنه إن حجبه بطل قبوله فيبطل عتق الولد فلا يرث فأدى إرثه لعدمه، وإن لم يحجبه فكذلك؛ إذ لو ورث لخرج أخوه عن أهلية القبول في النصف، وإذا اقُتِصر قبول الوارث على نصف الولد بقي نصف رقيقاً ومن بعضه رقيت لا يرث، (وهل يملك الموصى له) المعين الموصى به الذي ليس بإعتاق (بموت الموصي أم بقبوله أم) الملك (موقوف) ومعنى الوقف هنا عدم الحكم عليه
(1)
. خالف النهاية في الهبة.
فَإِنْ قَبِلَ بَانَ أَنَّهُ مَلَكَ بِالمَوْتِ، وَإِلَّا بَانَ لِلْوَارِثِ أَقْوَالٌ، أَظْهَرُهَا الثَّالِثُ، وَعَلَيْهَا تُبْنَى الثَّمَرَةُ، وَكَسْبُ عَبْدٍ حَصَلَا بَيْنَ المَوْتِ وَالْقَبُولِ، وَنَفَقَتُهُ وَفِطْرَتُهُ، وَيُطَالِبُ المُوصَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ إنْ تَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ وَرَدِّهِ
عقب الموت بشيء (فإن قبل بان أنه ملك بالموت وإلا) يقبل بأن رد (بان) أنه ملك (للوارث) من حين الموت؟ (أقوال أظهرها الثالث)؛ لتعذر جعله للميت مطلقا وللوارث قبل خروج الوصية وللموصى له وإلا لَمَا صح رده فتعين الوقف، (وعليها) أي الأقوال الثلاثة (تبنى الثمرة وكسب عبد حصلا بين الموت والقبول) وكذا بقية الفوائد الحاصلة حينئذ (ونفقته وفطرته) وغيرهما من المؤن، فعلى الأول له الأولان وعليه الآخران، وعلى الثاني لا ولا، بل للوارث وعليه، وعلى المعتمد هي موقوفة فإن قبل فله الأولان وعليه الآخران وإلا فلا، وإذا رد فالزوائد بعد الموت للوارث وليست من التركة فلا يتعلق بها دين.
[تنبيه] مر في الوقف في الفرق بين الواقف والمستحقين أن المدار في الواقف على التأبير وعدمه وفي المستحقين على الموجود وعدمه، وحينئذ فلو أوصى بنخله فما وجد عند الموت تركة تأبر أو لا وما حدث بعده للموصى له (ويُطَالِب) العبد (الموصى له بالنفقة إن توقف في قبوله ورده) فإن لم يقبل ولم يرد خيَّره الحاكم بينهما فإن أبى حكم عليه بالإبطال كمتحجر امتنع من الإحياء، والكلام في المطالبة حالا أما بالنسبة للاستقرار فهي على الموصى له إن قبل وإلا فعلى الوارث، والكلام أيضا في وصية التملك أما لو أوصى بإعتاق قن معين بعد موته فالملك فيه للوارث إلى عتقه قطعا، فالكسب وبدله لو قتل له
(1)
والنفقة عليه، ومثل الوصية بإعتقاق قن معين ما لو أوصى بوقف شيء فتأخر وقفه فالريع للوارث.
[تنبيه] لو أوصى بشراء عقار بثلثه ووقفه على زيد وعمرو ثم على الفقراء فمات أحدهما قبل وقفه لم يبطل الوقف في نصيب الميت الموصى له
بل ينتقل للفقراء، وفارق الوقف على هذين ثم الفقراء فإن أحدهما إذا مات انتقل نصيبه للآخر بأنه هنا مات بعد الاستحقاق وثم قبله فكأنه لم يوجد، ومن ثم لو وقف على زيد وعمرو فبان أحدهما ميتا كان الكل للآخر.
[تنبيه آخر] الوجه في أوصيت له برقبته أنه ليس كما لو أوصى بإعتاقه؛ لاقتضاء الأولى أنه ملَّكَهُ رقبته كما مر بخلاف الثانية كما تقرر، وحينئذ فلو كان غير متأهل للقبول في الأولى
(1)
. وخالفوه فاعتمدوا أنه للعبد.
إذَا أَوْصَى بِشَاةٍ تَنَاوَلَ صَغِيرَةَ الجُثَّةِ وَكَبِيرَتَهَا سَلِيمَةً وَمَعِيبَةً ضَأْنًا وَمَعْزًا وَكَذَا ذَكَرٌ فِي الْأَصَحِّ لَا سَخْلَةٌ وَعَنَاقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ أَعْطُوهُ شَاةً مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ لَغَتْ، وَإِنْ قَالَ مِنْ مَالِي اُشْتُرِيَتْ لَهُ،
لسفه أو جنون وقف كسبه وإنفاقه إلى قبوله نظير ما مر في وصية التملك فيستكسبه القاضي وينفق عليه إلى تأهله.
(فصل) في أحكام لفظية للموصى به وله
(إذا أوصى بشاة) وأطلق (تناول) لفظه (صغيرة الجثة وكبيرتها سليمة ومعيبة) وكون الإطلاق يقتضي السلامة إنما هو في غير ما أنيط بمحض اللفظ كالبيع والكفارة دون الوصية، ومن ثم لو قال: اشتروا له شاة أو عبدا تعين السليم; لأن إطلاق الأمر بالشراء يقتضيه كما في التوكيل به (ضأنا ومعزا)، وخرج بهما نحو أرنب وظبي ونعام وحمر وحش وبقره، نعم لو قال شاة من شياهي وليس له إلا ظباء أعطي ظبية (وكذا ذكر) وخنثى (في الأصح) ; لأنها اسم جنس كالإنسان وتاؤها للوحدة، ومحل الخلاف حيث لم يأت بمخصص ففي شاة يُنْزِيها على غنمه يتعين الذكر الصالح لذلك، وفي شاة يُنْزَي عليها، أو ينتفع بدرها أو نسلها تتعين الأنثى الصالحة لذلك، وفي شاة ينتفع بصوفها يتعين ضأن، أو بشعرها يتعين معز (لا سخلة) وهي الذكر أو الأنثى من ولد الضأن والمعز ما لم يبلغ سنة (وعناق) وهي أنثى المعز ما لم تبلغ سنة والجدي ذكره وهو مثلها بالأولى (في الأصح)؛ لتميز كلٍّ باسم خاص فلم يشملهما في العرف العام لفظ الشاة. (ولو قال أعطوه شاة من غنمي) بعد موتي (ولا غنم له) عند الموت (لغت) هذه الوصية وإن كان له ظباء؛ لعدم ما تتعلق به والظباء إنما تسمى شياه البر لا غنمه. أما إذا كانت له عند موته فيعطى واحدة منها فإن لم يكن له إلا واحدة أعطيها، ولو كان له نصف مثلا من واحدة ونصف من أخرى أعطي الجزأين (وإن قال) أعطوه شاة (من مالي) ولا غنم له عند الموت (اشتريت له شاة) ولو معيبة، أو وله غنم أعطي واحدة ولو على غير صفة غنمه
وَالجَمَلُ وَالنَّاقَةُ يَتَنَاوَلَانِ الْبَخَاتِيَّ وَالْعِرَابَ لَا أَحَدُهُمَا الْآخَرَ، وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُ بَعِيرٍ نَاقَةً لَا بَقَرَةٍ ثَوْرًا وَالثَّوْرُ لِلذَّكَرِ. وَالمَذْهَبُ حَمْلُ الدَّابَّةِ عَلَى فَرَسٍ وَبَغْلٍ وَحِمَارٍ
كما لو لم يقل من مالي ولا من غنمي (والجمل والناقة) قال أهل اللغة: إنما يقال جمل وناقة إذا أربعا -أي دخلا في السنة السادسة- فأما قبل ذلك فقعود وقلوص وبكر انتهى، وحينئذ فهل تعتبر هذه الأسماء ولا يتناول أحدها الآخر عملا باللغة أو ما عدا الفصيل الذكر يشمله الجمل، والأنثى تشمله الناقة للنظر فيه مجال والذي يتجه أخذا مما مر وسأذكره أنه إن عُرف عرفٌ عام بخلاف اللغة عمل به وإلا فبها (يتناولان البخاتي والعراب) السليم والصغير، وضدهما؛ لصدق الاسم عليهما، (لا أحدهما الآخر) فلا يتناول الجمل الناقة وعكسه؛ لاختصاصه بالذكر وهي بالأنثى فمن ثم لم تتناول البعير (والأصح تناول بعير ناقة) وغيرها
(1)
إلا الفصيل وهو ولد الناقة إذا فصل عنها، و (لا) تتناول بغلةٌ ذكراً، ولا (بقرة ثورا) ولا عجلة وهي ما لم تبلغ سنة؛ للعرف العام وإن اتفق أهل اللغة على إطلاقها عليه; لأنه لم يشتهر عرفا (والثور) أو الكلب أو الحمار أو البغل مصروف (للذكر) فقط؛ لذلك، نعم يتناول الفرس الذكر والأنثى بخلاف الحمار، والفرق أن حمارة مشهورٌ فاقتضى حذف التاء اختصاص محذوفها بالذكر ولا كذلك الفرس، ويتناول البقر جاموسا
(2)
لا بقر وحش، نعم إن قال من بقري وليس له إلا بقر وحش دخل كالجواميس.
[تنبيه] المقدم في الوصية العرف العام على اللغة
(3)
وإن اشتهرت -وهو قاضٍ بتخصيص البقر بالأهلي فعمل به هنا- فإن انتفى العرف العام فاللغة ما أمكن فالخاص ببلد الموصي فاجتهاد الوصي فالحاكم (والمذهب حمل الدابة) وهي لغة كل ما يدب على الأرض (على فرس وبغل وحمار) أهلي وإن لم يمكن ركوبها فيعطى أحدها في كل بلد؛ عملا بالعرف العام، ويتعين أحدها إن لم يكن له عند الموت غيره، أو إن ذكر مخصصه كالكَرِّ والفَرِّ أو القتال للفرس، وكالحمل للبغل والحمار، وحينئذ لا يعطى إلا صالحا له؛ أخذا مما مر، فإن اعتيد على البراذين أو البقر أو الجمال دخلت فيعطى أحدها، ولو لم يكن له عند موته واحد من الثلاث
(1)
. من نظير ما مر في الشاة.
(2)
. قال في النهاية وعكسه.
(3)
. خلافا للنهاية.
وَيَتَنَاوَلُ الرَّقِيقُ صَغِيرًا وَأُنْثَى وَمَعِيبًا وَكَافِرًا وَعُكُوسَهَا، وَقِيلَ إنْ أَوْصَى بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ وَجَبَ المُجْزِئُ كَفَّارَةً. وَلَوْ أَوْصَى بِأَحَدِ رَقِيقِهِ فَمَاتُوا أَوْ قُتِلُوا قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَتْ، وَإِنْ بَقِيَ وَاحِدٌ تَعَيَّنَ. أَوْ بِإِعْتَاقِ رِقَابٍ فَثَلَاثٌ، فَإِنْ عَجَزَ ثُلُثُهُ عَنْهُنَّ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَى شِقْصٌ، بَلْ يُشْتَرَى نَفِيسَتَانِ،
صحت ويعطى من غيرها إن كان له نِعَمٌ أو غيرها؛ لتعين المجاز بتعين الواقع (ويتناول الرقيق صغيرا وأنثى ومعيبا وكافرا وعكوسها) وخنثى؛ لصدق الاسم، نعم إن خصصه تخصص نظير ما مر، ففي يقاتل معه أو يخدمه في السفر يتعين الذكر وكونه في الأولى سليما من نحو عمى وزمانة ولو غير بالغ، وفي الثانية سليما مما يمنع الخدمة عرفا، ويحضن ولده تتعين الأنثى، وفي يتمتع به تتعين الأنثى أيضاً السليمة من مثبت خيار النكاح.
[فرع] لو أوصى بطعام حُمِل على عرفهم دون عرف الشرع المذكور في الربا والوكالة
؛ لأن هذا لم يشتهر فيبعد قصده (وقيل إن أوصى بإعتاق عبد) أو أمة تطوعاً (وجب المجزئ كفارةً. ولو أوصى بأحد رقيقه) مبهما (فماتوا أو قتلوا قبل موته) ولو قتلا مضمنا أو أعتقهم أو باعهم مثلا (بطلت) الوصية؛ إذ لا رقيق له عند الموت (وإن بقي واحد تعين) للوصية؛ لصدق الاسم فليس للوارث إمساكه ودفع قيمة مقتول. أما إذا قُتِلوا بعد الموت قتلا مضمنا فيصرف الوارث قيمة من شاء منهم، أو مضمنا وغيره فله تعيين الغير للوصية. هذا كله إن قيد بالموجودين وإلا أعطى واحدا من الموجودين عند الموت وإن تجدد بعد الوصية (أو) أوصى (بإعتاق رقاب) بأن قال أعتقوا عني بثلثي رقابا أو اشتروا بثلثي رقابا وأعتقوهم (فثلاث) من الرقاب يتعين شراؤها إن لم تكن بماله وعتقها عنه; لأنها أقل مسمى الجمع، ومعنى تعينها عدم جواز النقص عنها لا منع الزيادة عليها بل هي أفضل، ولو صرفه لثنتين مع إمكان الثالثة ضمنها بأقل ما يجد به رقبة، ولو فضل عن أَنْفَسِ ثلاثٍ ما لا يأتي برقبة كاملة فهو للورثة نظير ما يأتي (فإن عجز ثلثه عنهن فالمذهب أنه لا يشترى شقص) مع رقبتين; لأن ذلك لا يسمى رقابا (بل يشترى) نفيسة أو (نفيستان به) أي الثلث، نعم حيث وجد نفيستان تعين شراؤهما وإن وجد رقبة أنفس منهما. ويعتبر في النفاسة محل الموصي عند تيسر الشراء من مال الوصية
فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَنْفَسِ رَقَبَتَيْنِ شَيْءٌ فَلِلْوَرَثَةِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثِي لِلْعِتْقِ اُشْتُرِيَ شِقْصٌ. وَلَوْ أَوْصَى لِحَمْلِهَا فَأَتَتْ بِوَلَدَيْنِ فَلَهُمَا، أَوْ بِحَيٍّ وَمَيِّتٍ فَكُلُّهُ لِلْحَيِّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا أَوْ قَالَ أُنْثَى فَلَهُ كَذَا فَوَلَدَتْهُمَا لَغَتْ،
(فإن فضل) من الموصى به (عن أنفس) رقبة أو (رقبتين شيء فللورثة) وتبطل الوصية فيه، ولا يشترى شقص -وإن كان باقيه حرا- لأنه لا يسمى رقبة
(1)
.
[تنبيه] في حكم ما لو أوصى بإعتاق رقاب المذكورة في المتن ما لو قال: أعتقوا عني بثلثي رقابا أو اشتروا بثلثي رقابا وأعتقوهم
، نعم حينئذ لو زاد الثلث عن الثلاث يجب استكمال الثلث بخلاف صورة المتن فلا يجب الاستكمال، ولو أوصى أن يُشترى له عشرة أقفزة حنطة جيدة بمائتي درهم ويتصدق بها وكان ثمنها مائة اشتري بالمائتين للفقراء
(2)
، والعبرة في الأنفس بكونه أنفسا في محل الموصى به عند تيسر الشراء من مال الوصية (ولو قال ثلثي للعتق اشتري شقص) أي جاز ذلك وإن قدر على الكامل
(3)
؛ لصدق اللفظ به لكن الكامل أولى.
[فرع] لو أوصى بثلثه وقال يصرف منه كذا فصرف وبقي منه فضلة فالأوجه أنها للمساكين
؛ لما مر أنه لا يشترط في الوصية بيان المصرف; لأن غالبها لهم، وليس كمن أوصى بعتق رقبة فلم يف ثلثه بأدنى رقبة رد للورثة، ويفرق بأنه عيَّن هنا جهة مخصوصة وقد تعذرت وفي مسألتنا لم يعين للفاضل جهة فحمل على الغالب المتبادر، ولو زاد فيها لله صرف الفاضل لوجوه القُرَب. (ولو أوصى لحملها) بكذا (فأتت بولدين) حيين معا أو مرتبا وبينهما أقل من ستة أشهر (فلهما) الموصى به بالسوية بينهما الأنثى كالذكر، وكذا لو أتت بأكثر; لأنه مفرد مضاف فيعم (أو) أتت (بحي وميت فكله للحي في الأصح) ; لأن الميت كالمعدوم، (ولو قال إن كان حملك ذكرا) أو غلاما فله كذا (أو قال) إن كان حملك (أنثى فله كذا فولدتهما لغت) الوصية؛ لشرطه صفة الذكورة أو الأنوثة في جملة الحمل ولم تحصل. ولو ولدت ذكرين فأكثر أو أنثيين فأكثر قسم بينهما أو بينهم أو بينهن بالسوية. وفي إن كان حملها ابنا أو بنتا فله
(1)
. ولو أوصى بدرهم إلى عشرة لزمه تسعة، أو أوصى بما بين درهم وعشرة أو إلى عشرة لزمه ثمانية كما مر في الإقرار 5/ 385.
(2)
. خلافا للنهاية فاعتمد أنه يشتريها بمائة ويرد الباقي للورثة.
(3)
. خلافا لهما.
وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ بِبَطْنِهَا ذَكَرٌ فَوَلَدَتْهُمَا اسْتَحَقَّ الذَّكَرُ أَوْ وَلَدَتْ ذَكَرَيْنِ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهَا وَيُعْطِيهِ الْوَارِثُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا. وَلَوْ أَوْصَى لِجِيرَانِهِ فَلِأَرْبَعِينَ دَارًا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ
كذا لا يستحق إلا المنفرد. (ولو قال إن كان ببطنها ذكر فله كذا فولدتهما) أي الذكر والأنثى (استحق الذكر) ; لأن الصيغة ليست حاصرة للحمل فيه، (أو ولدت ذكرين فالأصح صحتها) ; لأنه لم يحصر الحمل في واحد وإنما حصر الوصية فيه (ويعطيه الوارث) إن لم يكن وصي، فإن كان ثمة وصي قدم على الوارث، ويقاس بالموصى به والموصى له ما في معناهما (من شاء منهما) ولا يشرك بينهما؛ لاقتضاء التنكير هنا التوحيد، أو إن ولدت ذكرا فله مائة أو أنثى فلها خمسون فولدت خنثى دفع له الأقل ووقف الباقي، ولو أوصى لمحمد ابن بنته وله بنتان لكلٍّ ابن اسمه محمد وُقف حتى يصطلحان. (ولو أوصى لجِيرانه فلأربعين دارا من كل جانب) من جوانب داره الأربعة حيث لاصقها دار في كل جانب من جوانبها الأربعة
(1)
وعمَّ ذلك الدار الملاصق جميع الجانب الذي لاصق فيه، وحيث لا ملاصق لها فيما فوقها وتحتها فهي مائة وستون دارا؛ لخبر فيه، ويجب استيعاب المائة والستين
(2)
إن وَفَى بهم بأن يحصل لكل أقل متمول وإلا قدم الأقرب، أما إن كان ثمة ملاصق لها فيما فوقها أو تحتها
(3)
فيقدم على ملاصق جوانبها ثم ما كان أقرب للملاصق; لأن الملاصق أحق باسم الجوار من غيره وأقرب إلى غرض الموصي، ومن ثم لو اتسعت جوانبها بحيث زاد ملاصقها على مائة وستين دارا صرف للكل إن وفى بهم؛ لصدق اسم الجوار على الكل صدقا واحدا من غير مرجح، ويقسم المال على عدد الدور ثم ما خص كل دار على عدد سكانها بحق عند الموت وإن كانوا كلهم في مؤنة واحد -سواء في ذلك المسلم والغني والحر والمكلف وضدهم- نعم لا يدخل أحد من ورثته وإن أجيزت وصيته أخذا مما يأتي أنه لا يوصى له عادة، وكذا يقال في كل ما يأتي من العلماء ومن بعدهم، وظاهرٌ أن ما خص القن لسيده والمبعض بينهما بنسبة الرق والحرية
(1)
. الذي يظهر للفقير أن الالتصاق شرط في تسمية المجورة كما يبدو من أمثلتهم، ثم رأيت البرماوي قال ((وصورة المسألة أن يكون في كل جانب دار ويتصل بها دور)).
(2)
. أسقطا القيد.
(3)
. وإن زاد على مائة وستين كما في حاشية البجيرمي على المنهج.
وَالْعُلَمَاءُ أَصْحَابُ عُلُومِ الشَّرْعِ مِنْ تَفْسِيرٍ، وَحَدِيثٍ، وَفِقْهٍ، لَا مُقْرِئٌ وَأَدِيبٌ وَمُعَبِّرٌ وَطَبِيبٌ، وَكَذَا مُتَكَلِّمٌ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ
حيث لا مهايأة وإلا فلمن وقع الموت في نوبته. ولو تعددت دار الموصي صرف لجيران أكثرهما سكنى ثم ما به أهله وماله دائما ثم أكثر ثم ما به أهله كذلك ثم ما به ماله كذلك به
(1)
فإن استويا فإلى جيرانهما أي مائة وستين من كلٍّ، وأهله هم حليلته ومحاجيره (والعلماء) في الوصية لهم هم الموصوفون يوم الموت -لا الوصية- بأنهم (أصحاب علوم الشرع من تفسير) وهو معرفة معنى كل آية وما أريد بها نقلا في التوقيفي واستنباطا في غيره، ومن ثم لا يصرف لمن على تفسير القرآن دون أحكامه (وحديث) وهو علم يعرف به حال الراوي قوة وضدها والمروي صحة وضدها وعِلل ذلك، ولا عبرة بمجرد الحفظ والسماع (وفقه) بأن يعرف من كل باب طرفا صالحا يهتدي به إلى معرفة باقيه مدركا واستنباطا وإن لم يكن مجتهدا؛ عملا بالعرف المطرد، ومن ثم لو أوصى للفقيه لم يشترط فيه ما ذكر بل من حصل شيئا من الفقه وإن قلَّ -أي بأن يحصل طرفا من كل باب بحيث يتأهل لفهم باقيه- ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها. ولو عين علماء بلد أو فقراءه مثلا ولا عالم أو لا فقير فيهم يوم الموت بطلت الوصية. ولو اجتمعت الثلاثة في واحد أخذ بأحدها فقط نظير ما يأتي في قسم الصدقات. ولو أوصى لأعلم الناس اختص بالفقهاء؛ لتعلق الفقه بأكثر العلوم والمتفقه من اشتغل بتحصيل الفقه وحصل شيئا منه له وقع (لا مقرئ) وإن أحسن طرق القراءات وأداءها وضبط معانيها وأحكامها (وأديب) وهو من يعرف العلوم العربية نحوا وبيانا وصرفا ولغة وشعرا ومتعلقاتها (ومعبر) للمرائي النومية (وطبيب) وهو من يعرف عوارض بدن الإنسان صحة وضدها وما يحصل أو يزيل كلا منهما (وكذا متكلم عند الأكثرين) وإن كان علمه بالنظر لمتعلقه أفضل العلوم، وأصولي
(2)
ماهر -وإن كان الفقه مبنيا على علمه-; لأنه ليس بفقيه، ومنطقي وإن توقفت كمالات العلوم على علمه، وصوفي وإن كان التصوف المبني عليه تطهير الباطن والظاهر من كل خلق دنيء وتحليتهما بكل كمال ديني هو أفضل العلوم؛ لما مر من العرف. ولو أوصى للقُرَّاء لم يُعط إلا من يحفظ كل القرآن عن ظهر قلب، أو
(1)
. كما أفاده الشارح في الحج.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
وَيَدْخُلُ فِي وَصِيَّةِ الْفُقَرَاءِ المَسَاكِينُ وَعَكْسُهُ، وَلَوْ جَمَعَهُمَا شُرِّكَ نِصْفَيْنِ، وَأَقَلُّ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ، وَلَهُ التَّفْضِيلُ، أَوْ لِزَيْدٍ وَالْفُقَرَاءِ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ كَأَحَدِهِمْ فِي جَوَازِ إعْطَائِهِ أَقَلَّ مُتَمَوَّلٍ لَكِنْ لَا يُحْرَمُ
لأجهل الناس صرف لعباد الوثن، فإن قال من المسلمين فمن يسب الصحابة، واستشكلت صحة الوصية حينئذٍ بأنها معصية وهي في الجهة مبطلة ويجاب بأن الضار ذكر المعصية لا ما قد يستلزمها أو يقارنها كما هنا، ومن ثم تعين بطلانها لو قال لمن يعبد الوثن أو يسب الصحابة وقبول شهادة الساب لا تمنع عصيانه بالسب كما يعلم مما يأتي فيه. أو للسادة فالمتبادر عرفا أنهم الأشراف الآتي بيانهم، وسيد الناس الخليفة; لأنه المتبادر منه، والشريف المنتسب من جهة الأب إلى الحسن أو الحسين; لأن الشرف وإن عمَّ كل رفيع إلا أنه اختص بأولاد فاطمة رضي الله عنهم عرفا مطردا عند الإطلاق، وأعقل الناس وأكيسهم أزهدهم في الدنيا (ويدخل في وصية الفقراء المساكين) والمراد بهما هنا ما يأتي في قسم الصدقات فيتعين المسلمون (وعكسه) ويجوز النقل هنا إلى غير فقراء بلد المال، والوصية لليتامى والعميان والزمنى ونحوهم كالحجاج تختص بفقرائهم (ولو جمعهما) أي النوعين في وصية (شرك) الموصى به بينهما أي شركه الوصي إن كان وإلا فالحاكم (نصفين) فيجعل نصف الموصى به للفقراء ونصفه للمساكين كما في الزكاة، وبه فارق ما لو أوصى لبني زيد وبني عمرو فإنه يقسم على عددهم ولا ينصف (وأقل كل صنف) من الفقراء والمساكين مثلا حيث لم يقيدوا بمحل أو قيدوا به وهم به غير محصورين (ثلاثة) ; لأنها أقل الجمع، فإن دفع الوصي أو الوارث وكذا الحاكم بغير اجتهاد أو تقليد صحيح لاثنين غرم للثالث أقل متمول، ثم إن لم يتعمد استقل بالدفع إلى الثالث؛ لبقاء عدالته، وإلا -وعلم حرمة ذلك- دفعه للقاضي وهو يدفعه لثالث، أو يرده للدافع إذا تاب
(1)
ويأمره بالدفع للثالث. ولو أعسر الدافع تعين الاسترداد من الاثنين المدفوع إليهما؛ لأنه ليس أهلا للتبرع، (وله) أي الوصي وإلا فالحاكم (التفضيل) بين آحاد كل صنف، ويتأكد تفضيل الأشد حاجة والأولى -إن لم يرد التعميم الأفضل- تقديم أرحام الموصي، ومحارمه نسباً أولى، فمحارمه رضاعا فجيرانه فمعارفه، ومر أنهم متى انحصروا وجب قبولهم واستيعابهم والتسوية بينهم وإن تفاوتت حاجاتهم. (أو) أوصى (لزيد والفقراء فالمذهب أنه كأحدهم في جواز إعطائه أقل متمول) ; لأنه ألحقه بهم (لكن لا يحرم) وإن كان غنيا؛
(1)
. ظاهر المغني عدم التقييد بهذا القيد.
أَوْ لِجَمْعٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ مُنْحَصِرٍ كَالْعَلَوِيَّةِ صَحَّتْ فِي الْأَظْهَرِ وَلَهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى ثَلَاثَةٍ. أَوْ لِأَقَارِبِ زَيْدٍ دَخَلَ كُلُّ قَرَابَةٍ وَإِنْ بَعُدَ إلَّا أَصْلًا وَفَرْعًا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا تَدْخُلُ قَرَابَةُ الأُمِّ فِي وَصِيَّةِ الْعَرَبِ فِي الْأَصَحِّ،
لنصه عليه، ولو وصفه بصفتهم كزيد الفقير فإن كان غنيا فنصيبه لهم أو فقيرا فكما مر، أو بغيرها كزيد الكاتب أخذ النصف، فلو أوصى أن يحط من دينه على فلان أربعة مثلا، وأن يحط جميع ما على أقاربه وفلان منهم لم يحط عنه غير الأربعة؛ لأنه أخرجه بإفراده ولأن العدد له مفهوم عنه الشافعي رضي الله عنه. ولو أوصى لزيد بدينار وللفقراء بثلث ماله لم يصرف لزيد -ولو فقيرا- غيره; لأنه بتقديره قَطَع اجتهاد الوصي. ولو أوصى لشخص وقد أسند وصيته إليه بألف، ثم أسند وصيته لجمع هو منهم وأوصى لكل من يقبل وصيته منهم بألفين فإن صرح أو دلت قرينة ظاهرة على أن الألف المذكورة أوّلاً مرتبطة بقبول الإيصاء لم يستحق سوى ألفين; لأن الأولى حينئذ من جملة إفراد الثانية وإلا استحق ألفا ثم إن قبل استحق ألفين أيضا; لأنهما حينئذ وصيتان متغايرتان الأولى محض تبرع لا في مقابل والثانية نوع جعالة في مقابلة القبول والعمل (أو) أوصى (لجمع معين غير منحصر كالعلوية) -وهم المنسوبون لعلي وإن لم يكونوا من فاطمة كرم الله وجههما- وبني تميم (صحت في الأظهر، وله الاقتصار على ثلاثة) كالوصية للفقراء، أو لزيد ولله كان لزيد النصف والباقي لوجوه الخير أو لزيد ونحو جبريل أو الجدار مما لا يوصف بملك وهو مفرد فلزيد النصف وبطلت في الباقي، نعم لو أضاف الجدار لمسجد أو دار زيد صحت له وصرفت في عمارته، أو لزيد ونحو الرياح فله أقل متمول وبطلت فيما عداه، ولو أوصى بثلثه لله تعالى صرف في وجوه البر ويأتي آخر الباب بيانهم، ومثلهم وجوه الخير ولا يدخل فيهم ورثته نظير ما مر ويأتي، فإن لم يقل لله تعالى صح وصرف للمساكين (أو) أوصى (لأقارب زيد دخل كل قرابة) له ومنهم الأجداد والجدات والأحفاد (وإن بعد) وارثا وكافرا وغنيا وضدهم فيجب استيعابهم والتسوية بينهم وإن كثروا وشق استيعابهم، وإن لم يكن إلا واحد صرف إليه الكل (لا أصلا) أي أبا أو أمَّا (وفرعا) أي ولدا (في الأصح) وذلك؛ لأنهم لا يسمون أقارب عرفا أي بالنسبة للوصية فلا ينافي تسميتهما أقارب في غير ذلك، فعلم أنه لو لم يكن له هنا قريب غير أولئك صرف إليهم (ولا تدخل قرابة الأم في وصية العرب في الأصح) لكن المعتمد دخولها; لأن العرب يفتخرون بها. ويدخلون في الرحم
وَالْعِبْرَةُ بِأَقْرَبِ جَدٍّ يُنْسَبُ إلَيْهِ زَيْدٌ، وَتُعَدُّ أَوْلَادُهُ قَبِيلَةً، وَيَدْخُلُ فِي أَقْرَبِ أَقَارِبِهِ الْأَصْلُ وَالْفَرْعُ، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ ابْنٍ عَلَى أَبٍ وَأَخٍ عَلَى جَدٍّ، وَلَا يُرَجَّحُ بِذُكُورَةٍ وَوِرَاثَةٍ بَلْ يَسْتَوِي الْأَبُ وَالْأُمُّ وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ، وَيُقَدَّمُ ابْنُ الْبِنْتِ عَلَى ابْنِ ابْنِ الِابْنِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَقَارِبِ نَفْسِهِ لَمْ تَدْخُلْ وَرَثَتُهُ فِي الْأَصَحِّ
اتفاقا، (والعبرة) في ضبط الأقارب (بأقرب جد ينسب إليه زيد) أو أمه؛ بناء على دخول أقاربها (وتُعَد أولاده) أي ذلك الجد (قبيلة) واحدة، ولا يدخل أولاد جد فوقه أو في درجته، فلو أوصى لأقارب حَسَني لم تدخل الحسينيون وإن انتهوا كلهم إلى علي كرم الله وجهه، أو لأقارب الشافعي دخل كل من ينسب لشافع; لأنه أقرب جد عرف به الشافعي، لا من ينسب لجد بعد شافع كأولاد أخوي شافع علي والعباس; لأنهم إنما ينسبون للمطلب، أو لأقارب بعض أولاد الشافعي دخل فيها أولاده دون أولاد جده شافع، (ويدخل في أقرب أقاربه) أي زيد (الأصل) أي الأبوان (والفرع) أي الولد، ثم غيرهما عند فقدهما على التفصيل الآتي؛ رعاية لوصف الأقربية المقتضي لزيادة القرب أو قوة الجهة (والأصح تقديم) الفروع وإن سفلوا ولو من أولاد البنات الأقرب فالأقرب فيقدم ولد الولد على ولد ولد الولد، ثم الأبوة، ثم الأخوة ولو من الأم، ثم بنوة الإخوة، ثم الجدودة من قبل الأب أو الأم القربى فالقربى؛ نظرا في الفروع إلى قوة الإرث والعصوبة في الجملة، وفي الأخوة إلى قوة البنوة فيها في الجملة، ثم بعد الجدودة العمومة والخؤولة فيستويان، ثم بنوَّتهما ويستويان أيضا، نعم يقديم العم والعمة على أبي الجد، ويقدم الخال والخالة على جد الأم وجدتها، وكالعم في ذلك ابنه. إذا تقرر ذلك عُلِم منه تقديم (ابن) وبنت وذريتهما (على أب و) تقديم (أخ) وذريته من أي جهاته (على جد) من أي جهاته، (ولا يرجح بذكورة ووراثة بل يستوي الأب والأم والابن والبنت) والأخ والأخت؛ لاستواء الجهة في كل، نعم يقدم الشقيق على غيره ويستوي الأخ للأب والأخ للأم (ويقدم ابن البنت على ابن ابن الابن) ; لأنه أقرب منه في الدرجة.
[فرع] أوصى لجماعة من أقرب أقارب زيد وجب استيعاب الأقربين
. (ولو أوصى لأقارب نفسه) أو أقرب أقارب نفسه (لم تدخل ورثته في الأصح) وإن صححنا الوصية للوارث; لأنه لا يوصى له عادة فتختص بالباقين فإن لم يوجد غيرهم أُعطوا. ولو أوصى لأهله فهم من تلزمه نفقتهم من غير الورثة. ولو أوصى بزكاة أو كفارة عليه جاز للوصي
فصل
تَصِحُّ بِمَنَافِعِ عَبْدٍ وَدَارٍ وَغَلَّةِ حَانُوتٍ،
والقاضي الصرف للوارث في هذه; لأن الآخذ فيها لم يأخذ بجهة الوصية إليه قصدا
(1)
؛ لأن المصرف هنا غير مقصود وإنما المقصود بيان ما اشتغلت به ذمته لتبرأ لا غير.
(فصل) في أحكام معنوية للموصى به مع بيان ما يفعل عن الميت وما ينفعه
(تصح الوصية بمنافع) نحو (عبد ودار) كما قدمه ووطأ به هنا لِمَا بعده (وغلة) عطف على منافع (حانوت) ودار مؤبدة ومؤقتة ومطلقة وهي للتأبيد.
[تنبيه] تطلق المنفعة على ما يقابل العين وهذا الإطلاق هو المتبادر منها هنا فمن ثم حملوها عليه، وقد تطلق على ما هو أعمُّ من ذلك فتشمل حتى الغلة التي هي الفوائد العينية الحاصلة لا بفعل أحد وهذا لا يعمل به هنا إلا لقرينة
(2)
، فالغلة قسمان: قسم يحصل بدل استيفاء منفعة فتتناوله المنفعة بلا قرينة وقسم يحصل بنفسه فهو أجنبي عن المنفعة فاحتاج تناولها له إلى قرينة، ومن هذا يعلم أنه لا يصح الإيصاء بدراهم يتجر فيها الوصي ويتصدق بما يحصل من ربحها; لأن الربح بالنسبة لها لا يسمى غلة ولا منفعة للعين الموصى بها; لأنه لا يحصل إلا بعد زوالها، والذي يتجه في نحو النخلة والشاة أنه إن أوصى بفوائدهما أو بغلتهما اختص بنحو الثمرة واللبن والصوف أو بمنافعهما لم يدخل نحو الثمرة إلا إن قامت قرينة ظاهرة على إرادة ما يشمل الغلة بأن لم يكن لها منفعة تقصد غير نحو ثمرتها أو اطرد عرف الموصي بذلك.
[تنبيه آخر] لو أوصى بخدمة عبده سنة غير معينة كان تعيينها للوارث
بخلاف ما لو أوصى بمنفعة داره سنة فتحمل على السنة التي تلي الموت، ويفرق بأنه هنا أبقى للوارث شركة في المنافع؛ إذ ما عدا الخدمة من نحو كتابة وبناء له وعند بقاء حق للوارث تكون الخيرة
(1)
. ذكر الشارح في الوقف أنه لو أوصى للضيف صرف للوارد على ما يقتضيه العرف ولا يزاد على ثلاثة أيام مطلقا 6/ 271.
(2)
. أي لا يتناول المنفعة هنا إلا لقرينة.
وَيَمْلِكُ المُوصَى لَهُ مَنْفَعَةَ الْعَبْدِ، وَأَكْسَابَهُ المُعْتَادَةَ. وَكَذَا مَهْرُهَا فِي الْأَصَحِّ، لَا وَلَدُهَا فِي الْأَصَحِّ،
في تسليم ما عداه إليه; لأنه أصلي والموصى له عارض فلقُوَّة حقه كان التعيين إليه، وأما ثم فلم يبق له حقا في المنفعة فلم يعارض حق الموصى له فانصرف حقه لأول سنة تلي الموت؛ إذ لا معارض له فيها، ويؤيده أنه لو أوصى بثمرة هذا البستان سنة ولم يعينها فتعيينها للوارث; لأنه بقيت له المنافع غير الثمرة فهو كالوصية بالخدمة فيما ذكر (ويملك الموصى له) بالمنفعة وكذا بالغلة إن قامت قرينة على أن المراد بها مطلق المنفعة أو اطرد العرف بذلك (منفعة) نحو (العبد) الموصى بمنفعته فليست إباحة ولا عارية؛ للزومها بالقبول، ومن ثم جاز له أن يؤجر ويعير ويوصي بها ويسافر به عند الأمن، ويده يد أمانة وورثت عنه، ومحل ذلك
(1)
في غير مؤقتة بنحو حياة الموصى له وإلا كانت إباحة فقط كما لو أوصى له بأن ينتفع أو يسكن أو يركب أو يخدمه فلا يملك شيئا مما مر ويأتي؛ لأنه لما عبر بالفعل وأسنده إلى المخاطب اقتضى قصوره على مباشرته بخلاف منفعته أو خدمته أو سكناها أو ركوبها، والتعبير بالاستخدام كهو بأن يخدمه بخلاف الخدمة. ويستقل الموصى له
(2)
بتزويج العبد إن كانت الوصية مؤبدة وإلا احتيج إلى إذن الوارث أيضا كما أنه لا بد من رضاهما في الأمة مطلقا (و) يملك أيضا (أكسابه المعتادة) كاحتطاب واصطياد وأجرة حرفة; لأنها أبدال المنافع الموصى بها (لا النادرة) كهبة ولقطة؛ إذ لا تقصد بالوصية (وكذا) يملك الموصى له بمنفعة أمةٍ (مهرها) إذا وطئت بشبهة أو نكاح (في الأصح) ; لأنه من نماء الرقبة كالكسب. ولو أُبِّدَت
(3)
المنفعة لا يحد لو وطئ بخلاف الموقوف عليه؛ لأن ملكه أضعف، والأوجه في أرش البكارة أنه للورثة; لأنه بدل إزالة جزء من البدن الذي هو ملك لهم، ولو عينت المنفعة كخدمة قن أو كسبه أو غلة دار أو سكناها لم يستحق غيرها كما مر فليس له في الأخيرة عمل الحدادين والقصارين إلا إن دلت قرينة على أن الموصي أراد ذلك (لا ولدها) أي الموصى بمنفعتها أمة كانت -والحال أنه من زوج أو زنا- أو غيرها فلا يملكه الموصى له (في الأصح،
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(2)
. خلافا لهما ووفاقا للشهاب الرملي.
(3)
. خلافا لهما حيث اعتمدا أنه لا حد ولو كانت مؤقتة.
بَلْ هُوَ كَالْأُمِّ مَنْفَعَتُهُ لَهُ، وَرَقَبَتُهُ لِلْوَارِثِ. وَلَهُ إعْتَاقُهُ، وَعَلَيْهِ نَفَقَتُهُ إنْ أُوْصِي بِمَنْفَعَتِهِ مُدَّةً وَكَذَا أَبَدًا فِي الْأَصَحِّ
بل هو) إن كانت حاملا به عند الوصية; لأنه كالجزء منها، أو حملت به بعد موت الموصي; لأنه الآن من فوائد ما استحق منفعته بخلاف الحادث بعد الوصية وقبل الموت وإن وجد عنده؛ لحدوثه فيما لم يستحقه إلى الآن (كالأم) في حكمها فتكون (منفعته له ورقبته للوارث) ; لأنه جزء منها. ولو نص في الوصية على الولد دخل قطعا، ولو قُتل المُوصى بمنفعته فوجب مال وجب شراء مثله به؛ رعاية لغرض الموصي، فإن لم يف بكامل فشقص والمشتري الوارث، ولو جنى الموصى بمنفعته وبيع في الجناية بطل حق الموصى له بخلاف ما إذا فُدي، (وله) أي الوارث، ومثله موصى له برقبته دون منفعته (إعتاقه) يعني القن الموصى بمنفعته ولو مؤبدا; لأنه خالص ملكه، نعم يمتنع إعتاقه عن الكفارة وكتابته؛ لعجزه عن الكسب، ومنه يؤخذ
(1)
أنها لو أُقتت بزمن قريب لا يحتاج فيه لنفقة أو بقي من المدة ما لا يحتاج فيه لذلك صح إعتاقه عنها وكتابته؛ لعدم عجزه حينئذ، وكالكفارة النذر; لأنه يسلك به مسلك الواجب. والوصية بحالها بعد العتق. ومؤنته في بيت المال وإلا فعلى مياسير المسلمين. وللوارث أيضا وطؤها إن أمن حبلها ولم يفوِّت به على الموصى له منفعة يستحقها فإن لم يأمنه امتنع خوف الهلاك بالطلق والنقص والضعف بالحمل، أما ولدها من الوارث فحر نسيب وعليه قيمته يشترى بها مثله؛ لينتفع به الموصى له وتصير أم ولد فتعتق بموته مسلوبة المنفعة، وظاهرٌ أن الواطئ بشبهة يلحقه الولد ويكون حرا وتلزمه قيمته ليشتري بها مثله كما ذكر (وعليه) أي الوارث ومثله الموصى له برقبته (نفقته) يعني مؤنة الموصى بمنفعته قنا كان أو غيره، ومنها فطرة القن (إن أُوْصِيَ بمنفعته مدة) ; لأنه مالك الرقبة والمنفعة فيما عدا تلك المدة. وفيما إذا أوصي بمنفعة عبد
(2)
أو دار سنة تحمل على السنة الأولى، وعلى تعين الأولى لو كان الموصى له غائبا عند الموت وجب له إذا قبل الوصية بدل منفعة تلك السنة التي تلي الموت -وإن تراخى القبول عنها; لأن به يتبين استحقاقه من حين الموت- على من استولى عليها من وارث أو غيره (وكذا أبدا في الأصح) ; لأنه ملكه وهو متمكن من دفع الضرر عنه بالإعتاق
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. تأمل هذا مع ما مر في التنبيه.
وَبَيْعُهُ إنْ لَمْ يُؤَبَّدْ كَالمُسْتَأْجَرِ، وَإِنْ أَبَّدَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ لِلْمُوصَى لَهُ دُونَ غَيْرِهِ. وَأَنَّهُ تُعْتَبَرُ قِيمَةُ الْعَبْدِ كُلُّهَا مِنَ الثُّلُثِ إنْ وَصَّى بِمَنْفَعَتِهِ أَبَدًا،
أو غيره، (وبيعه) أي الموصى بمنفعته من قِبَل الوارث (إن لم يُؤَبِّد) أي الموصي المنفعة (كـ) ـبيع الشيء (المستأجر) فيصح البيع -ولو لغير الموصى له- وأفهم التشبيه أنه لا بد هنا من العلم بالمدة وهو كذلك
(1)
، فإن جهلت المدة كالمقدرة بحياته لم يصح بيعه
(2)
أي إلا للموصى له كما علم من قوله (وإن أبد) المنفعة ولو بإطلاقها؛ لما مر أنه يقتضي التأبيد (فالأصح أنه يصح بيعه للموصى له دون غيره)؛ إذ لا فائدة ظاهرة لغيره فيه، ومن ثم إن اجتمعا على بيعه من ثالث صح؛ لوجود الفائدة حينئذ. وإذا لم يصح بيعه إلا للموصى له فأسلم القن والموصى له والوارث كافران حيل بينهما وبينه، ويستكسب -عند مسلم ثقة- للموصى له، ولا يجبران على بيعه لثالث; لأنه لا يدرى ما يخص كلا من الثمن، ولو أوصى بمنفعة كافر لمسلم أبدا فأسلم القن أجبر الوارث الكافر على بيعه للموصى له إن رضي به؛ تخليصاً له من ذل بقائه في ملكه الموجب لاستيلائه عليه في غير وقت الانتفاع به. ولو أوصى أن يدفع من غلة أرضه كل سنة كذا لمسجد كذا مثلا وخرجت من الثلث لم يصح بيع بعضها وترك ما يحصل منه المعين؛ لاختلاف الأجرة فقد تستغرقها فيكون الجميع للموصى له، نعم يصح بيعها لمالك المنفعة، وإذا قال بمائة من غلتها فلم تأت الغلة إلا مائة أُعطيت للموصى له. ولو أوصى بمنفعة مسلم لكافر صحت الوصية، وعليه فيجبر على نقلها لمسلم كما لو استأجر كافر مسلما عينا. وقد يُفْهِم المتن أنه لا يصح بيع الموصى له بالمنفعة المؤبدة إلا للوارث وهو كذلك
(3)
. ولو أوصى بأمة لرجل وبحملها لآخر فأعتقها مالكها لم يعتق الحمل; لأنه لما انفرد بالملك صار كالمستقل، أو أوصى بما تحمله -وقلنا بما مر أن الوصية تستغرق كل حمل وجد في المستقبل- فأعتقها الوارث وتزوجت ولو بحر فأولادها أرقاء؛ لأن تعلق حق الموصى له بالحمل يمنع سريان العتق إليه فيبقى على ملكه، (و) الأصح (أنه تعتبر قيمة العبد) مثلا (كلها) أي مع منفعته (من الثلث إن أوصى بمنفعته أبدا) أو مدة مجهولة; لأنه حال بينها وبين
(1)
. وفاقا للمنهج والمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية.
(2)
. على حسب الخلاف السابق.
(3)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
وَإِنْ أَوْصَى بِهَا مُدَّةً قُوِّمَ بِمَنْفَعَتِهِ ثُمَّ مَسْلُوبَهَا تِلْكَ المُدَّةَ، وَيُحْسَبُ النَّاقِصُ مِنَ الثُّلُثِ. وَتَصِحُّ بِحَجٍّ تَطَوُّعٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ المِيقَاتِ كَمَا قَيَّدَ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَمِنْ المِيقَاتِ فِي الْأَصَحِّ
الوارث، ولتعذر تقويم المنفعة بتعذر الوقوف على آخر عمره فيتعين تقويم الرقبة مع منفعتها، فإن احتملها الثلث لزمت الوصية في الجميع وإلا ففيما يحتمله فلو ساوى العبد بمنافعه مائة وبدونها عشرة اعتبرت المائة كلها من الثلث فإن وفى بها فواضح وإلا كأن لم يف إلا بنصفها صار نصف المنفعة للوارث، والذي يتجه في كيفية استيفائها أنهما يتهايآنها (وإن أوصى بها مدة) معلومة (قوم بمنفعته ثم) قوم (مسلوبها تلك المدة، ويحسب الناقص من الثلث) ; لأن الحيلولة له بصدد الزوال فإذا ساوى بالمنفعة مائة وبدونها تلك المدة تسعين فالوصية بعشرة فإن وفى بها الثلث فواضح وإلا كأن وفى بنصفها فكما مر. والكلام في الوصية بجميع المنافع فلو أوصى له ببعضها كلبن شاة فقط قومت بلبنها ثم خلية عنه أبدا أو إلى المدة المعلومة إن ذكرها ونُظر في التفاوت أيسعه الثلث أم لا. ولو أوصى بالرقبة فقط لم تحسب من الثلث; لأن الرقبة الخالية من المنافع كالتالفة فلا قيمة لها، أو بالمنفعة لواحد وبالرقبة لآخر فرد الأول رجعت المنفعة للوارث. ولو أعاد الدار بآلاتها عاد حق الموصى له بمنافعها.
[فرع] لو أوصى بأن يُعطى خادم تربته أو أولاده مثلا كل يوم أو شهر أو سنة كذا أعطيه كذلك إن عيّن إعطاءه من ريع ملكه وإلا أعطيه اليوم الأول إن خرج من الثلث وبطلت الوصية فيما بعده; لأنه حينئذ لا يعرف قدر الموصى به في المستقبل حتى يعلم أيخرج من الثلث أو لا، ومن ذلك ما لو أوصى لوصِيِّه كل سنة بمائة دينار ما دام وصيا فيصح بالمائة الأولى إن خرجت من الثلث لا غير (وتصح) الوصية (بحج تطوع) أو عمرته أو هما (في الأظهر)؛ بناء على الأظهر من جواز النيابة فيه، ويحسب من الثلث. أما الفرض فيصح قطعا (ويحج من بلده أو) من (الميقات) أو من غيرهما إن كان أبعد من الميقات (كما قيد)؛ عملا بوصيته. هذا إن وَفَى ثلثه بالحج مما عينه قبل الميقات وإلا فمن حيث يفي، نعم لو لم يف بما يمكن الحج به من الميقات -أي ميقات الميت كما علم مما مر في الحج- بطلت
(1)
الوصية وعاد للورثة قطعا; لأن الحج لا يتبعض (وإن أطلق) الوصية (فمن الميقات) يحج عنه (في الأصح)؛
(1)
. خلافا للرملي.
وَحَجَّةُ الْإِسْلَامِ مِنْ رَأْسِ المَالِ، فَإِنْ أَوْصَى بِهَا مِنْ رَأْسِ المَالِ أَوِ الثُّلُثِ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْوَصِيَّةَ بِهَا فَمِنْ رَأْسِ المَالِ، وَقِيلَ مِنَ الثُّلُثِ وَيُحَجُّ مِنَ المِيقَاتِ
حملا على أقل الدرجات (وحجة الإسلام) أو النذر -أي في حال الصحة وإلا فمن الثلث- (من رأس المال) وإن لم يوصِ بها كسائر الديون. ويحج عنه من الميقات، فإن قيد بأبعد منه ووفى به الثلث فعل. ولو عين شيئا ليحج به عنه حجة الإسلام لم يكف إذن الورثة ولا الوصي لمن يحج عنه بل لا بد من الاستئجار; لأن هذا عقد معاوضة لا محض وصية، وظاهرٌ أن الجعالة كالإجارة، نعم لو قال الوارث لشخص إذا أحججت له غيرَك فلك كذا فاستأجر لم يستحق ما عينه الميت ولا أجرة للمباشر بإذنه على التركة كما لو حج عن غيره بغير عقد بل على مستأجره (فإن أوصى بها من رأس المال أو) من (الثلث عمل به) أي بقوله. ويكون في الأول للتأكيد وفي الثاني لقصد الرفق بورثته إذا كان هناك وصايا أخر; لأن حجة الإسلام تزاحمهما حينئذ، فإن وفى بها ما خصها وإلا كملّت من رأس المال فإن لم يكن وصايا فلا فائدة في نصه على الثلث. ولو أضاف الوصية الزائدة على أجرة المثل إلى رأس المال كأحجوا عني من رأس مالي بخمسمائة والأجرة من الميقات مائتان فهما من رأس المال والثلاثمائة من الثلث (وإن أطلق الوصية بها فمن رأس المال، وقيل من الثلث. ويحج) عنه (من الميقات) ; لأنه الواجب، فإن عيّن أبعد منه ووسعه الثلث فعل وكذلك لو لم يسع الثلث الأبعد حينئذ بل وسع أقرب منه، فإن لم يسع ما مر حج عنه من الميقات. ولو قال أحجوا عني زيدا بكذا لم يجز نقصه عنه حيث خرج من الثلث وإن استأجره الوصي بدونه أو وجد من يحج بدونه، ومحله إن كان المعين أكثر من أجرة المثل؛ لظهور إرادة الوصية له والتبرع عليه حينئذ وإلا جاز نقصه عنه. ولو كان المُعَيَّن وارثا فالزيادة على أجرة المثل وصية لوارث متوقفة على الإجازة. ولو حج غير المعين أو استأجر الوصي المعين بمال نفسه أو بغير جنس الموصى به أو صفته رجع القدر الذي عينه الموصي لورثته وعليه في الثانية بأقسامها أجرة الأجير من ماله. ولو عين قدرا فقط فوجد من يرضى بأقل منه فإن كان المعين هو أجرة المثل عادة جاز إحجاجه والباقي للورثة، أما إن زاد عنها فيصرف الجميع له. لو عيّن الأجير فقط أُحِجّ عنه بأجرة المثل فأقل إن رضي ذلك المعين، أو عيّن شخصا لا سنة فأراد التأخير إلى قابل ففيه تفصيل حاصله أنه إن مات عاصيا لتأخيره متهاونا حتى مات أنيب غيره؛ رفعا لعصيان الميت ولوجوب الفورية في الإنابة عنه وإلا أخرت إلى اليأس من حجه; لأنها كالتطوع، ولو امتنع أصلا -وقد عُيِّن له
وَلِلْأَجْنَبِيِّ أَنْ يَحُجَّ عَنِ المَيْتِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَيُؤَدِّي الْوَارِثُ عَنْهُ الْوَاجِبَ المَالِيَّ وَلَوْ فِي كَفَّارَةٍ مُرَتَّبَةٍ، وَيُطْعِمُ وَيَكْسُو فِي المُخَيَّرَةِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُعْتِقُ أَيْضًا، وَأَنَّ لَهُ الْأَدَاءَ مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَرِكَةٌ، وَأَنَّهُ يَقَعُ عَنْهُ لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ، لَا إعْتَاقٍ فِي الْأَصَحِّ
قدرٌ أوْ لا- أَحجَّ الوصيُّ غيرَ الممتنع بأقل ما يوجد ولو في التطوع. وفيما إذا عين قدرا إن خرج من الثلث فواضح وإلا فمقدار أقل ما يوجد من أجرة مثل حجه من الميقات من رأس المال والزائد من الثلث.
[فرع] حيث استأجر وصي أو وارث أو أجنبي من يحج عن الميت امتنعت الإقالة
; لأن العقد وقع للميت فلم يملك أحد إبطاله وهو محمول على ما لا مصلحة في إقالته وإلا كأن عجز الأجير أو خيف حبسه أو فلسه أو قلة ديانته جازت. ويقبل قول الأجير -إلا إن رُئي يوم عرفة بالبصرة مثلا- حججت أو اعتمرت بلا يمين، ووارث الأجير مثله. وفي إن حججتَ عني فلك كذا لا يقبل إلا ببينة وإلا حلف القائل أنه ما يعلمه حج عنه (وللأجنبي) فضلا عن الوارث (أن يحج عن الميت) الحج الواجب كحجة الإسلام وإن لم يستطعها الميت في حياته; لأنها لا تقع عنه إلا واجبة فألحقت بالواجب (بغير إذنه) يعني الوارث (في الأصح) كقضاء دينه بخلاف حج التطوع لا يجوز عنه من وارث أو أجنبي إلا بإيصائه. و محل الخلاف حيث لم يأذن الوارث في الحج الواجب وإلا صح قطعا وإن لم يوص الميت. ويجوز كون أجير التطوع لا الفرض ولو نذرا قنا ومميزا، ومثل الحج -في كونه من رأس المال وصحة فعل الأجنبي له من غير إذن- زكاةُ المال والفطر، ثم ما فعل عنه بلا وصية لا يثاب عليه إلا إن عذر في التأخير. (ويؤدي الوارث) ولو عاما (عنه) من التركة (الواجب المالي ولو في كفارة مرتبة) ككفارة قتل وظهار ودم نحو تمتع ويكون الولاء في العتق للميت، وكذا البدني إن كان صوما (ويطعم) أ (ويكسو في المخيرة) ككفارة يمين ونحو حلق محرم ونذر لحاج، (والأصح أنه يعتق) عنه من التركة (أيضا) كالمرتبة; لأنه نائبه شرعا فجاز له ذلك وإن كان الواجب من الخصال في حقه أقلها قيمة (و) الأصح (أن له) أي الوارث (الأداء من ماله) في المرتبة والمخيرة (إذا لم يكن له تركة) سواء العتق وغيره كقضاء الدين، وكذا مع وجود التركة أيضا، (و) الأصح (أنه) أي ما فعل عنه من طعام أو كسوة (يقع عنه لو تبرع أجنبي) وهو هنا غير الوارث كما مر (بطعام أو كسوة) كقضاء دينه (لا إعتاق) في مُرَتَّبة أو مخيرة (في الأصح)؛
وَيَنْفَعُ المَيْتَ صَدَقَةٌ وَدُعَاءٌ مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ.
لَهُ الرُّجُوعُ عَنِ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ بَعْضِهَا بِقَوْلِهِ: نَقَضْتُ الْوَصِيَّةَ أَوْ أَبْطَلْتهَا أَوْ رَجَعْتُ فِيهَا أَوْ فَسَخْتُهَا
لاجتماع بُعْد العبادة عن النيابة وبُعْد إثبات الولاء للميت من غير نائبه الشرعي. (وينفع الميت صدقة) عنه، ومنها وقف لمصحف وغيره وحفر بئر وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته (ودعاء) له (من وارث وأجنبي) إجماعا، وصح في الخبر ((إن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له)). وأفهم المتن أنه لا ينفعه غير ذينك من سائر العبادات ولو القراءة
(1)
، نعم ينفعه نحو ركعتي الطواف تبعا للحج والصوم عنه السابق في بابه، وفارق كالحج القراءة؛ لاحتياجه فيهما لبراءة ذمته مع أن للمال فيهما دخلا، ومن ثم لو مات وعليه قراءة منذورة جازت عنه. ولو أوصى بوقف أرض على من يقرأ على قبره حكم العرف في غلة كل سنة بسنتها فمن قرأ بعضها استحق بالقسط أو كلها استحق غلة السنة كلها، أو بنفس الأرض فإن عيَّن مدة لم يستحق الأرض إلا من قرأ جميع المدة، وإن لم يعين مدة حُمل على قراءته على قبره جميع حياته. وخرج بالأرض ما أوصى بغلة فإن عيّن لكلّ سنة غلة اتبع وإلا بطل؛ لأنها لا تنفذ إلا من الثلث ومعرفة مساواة هذه الوصية وعدمها متعذر
(2)
.
(فصل) في الرجوع عن الوصية
(له الرجوع عن الوصية) إجماعا وكالهبة قبل القبض بل أولى، ومن ثم لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه وإن اعتبر من الثلث; لأنه عقد تام إلا إن كان لفرعه (وعن بعضها) ككلها، ولا تقبل بيِّنة الوارث به إلا إن تعرضت لكونه بعد الوصية، ولا يكفي عنه قولها رجع عن جميع وصاياه. ويحصل الرجوع (بقوله نقضت الوصية أو أبطلتها أو رجعت فيها أو فسختها) أو رددتها أو أزلتها أو رفعتها، وكلها صرائح كهو حرام على الموصى له. والأوجه صحة تعليق
(1)
. أي لا يصل إليه ثوابها وإن انتفع بالقراءة.
(2)
. قاله الشيخ في الوقف.
أَوْ لِوَارِثِي. وَبِبَيْعٍ وَإِعْتَاقٍ وَإِصْدَاقٍ وَكَذَا هِبَةٌ أَوْ رَهْنٌ مَعَ قَبْضٍ وَكَذَا دُونَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَبِوَصِيَّةٍ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ، وَكَذَا تَوْكِيلٌ فِي بَيْعِهِ وَعَرْضُِهُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ
…
الرجوع عنها على شرط؛ لجواز التعليق فيها فأولى في الرجوع عنها (أو) بقوله: -إشارة إلى الموصى به- (لوارثي) أو ميراث عني وإن لم يقل بعد موتي -سواء أنسي الوصية أم ذكرها-؛ لأنه لا يكون كذلك إلا وقد أبطل الوصية فيه فصار كقوله رددتها، ويفرق بينه وبين ما لو أوصى بشيء لزيد ثم به لعمرو فإنه يشرَّك بينهما؛ لاحتمال نسيانه للأولى بأن الثاني هنا لمَّا ساوى الأول في كونه موصى له وطارئا استحقاقه لم يمكن ضمه إليه صريحا في رفعه فأثر فيه احتمال النسيان وشَرَّكنا؛ إذ لا مرجح بخلاف الوارث فإنه مغاير له واستحقاقه أصلي فكان ضمه إليه رافعا؛ لقوته. وعُلِم من قولنا إذ لا مرجح أنه لو قال بما أوصيت به لعمرو أو أوصى بشيء للفقراء ثم أوصى ببيعه وصرف ثمنه للمساكين أو أوصى به لزيد ثم بعتقه أو عكسه كان رجوعا؛ لوجود مرجح الثانية وهو النص على الأولى الرافع؛ لاحتمال النسيان المقتضي للتشريك، ومن ثم لو كان ذاكرا للأولى اختص بها الثاني. ولو أوصى بثلث ماله إلا كتبه ثم بعد مدة أوصى له بثلث ماله عُمل بالأولى; لأنها نص في إخراج الكتب والثانية محتملة، ويفرق بينه وبين ما يأتي فيما لو أوصى له بمائة ثم بخمسين بأن الثانية ثم صريحة في مناقضة الأولى. ولو أوصى بأمة -وهي حامل- لواحد وأوصى بحملها لآخر أو عكس شرك بينهما في الحمل بناء على أن الوصية بالحامل تسري لحملها; لأنه حينئذ تواردت عليه وصيتان لاثنين فشركنا بينهما فيه، وإنكارها بعد أن سئل عنها رجوع إن كان لغير غرض (وببيع) وإن فسخ في المجلس (وإعتاق) وتعليقه وإيلاد وكتابة (وإصداق) لِمَا وصَّى به، وكل تصرف ناجز لازم؛ إجماعا ولأنه يدل على الإعراض عنها (وكذا هبة أو رهن) له (مع قبض)؛ لزوال الملك في الهبة وتعريضه للبيع في الرهن (وكذا دونه في الأصح)؛ لدلالتهما على الإعراض وإن لم يوجد قبول، بل وإن فسدا من وجه آخر (وبوصية بهذه التصرفات) البيع وما بعده؛ لإشعارها بالإعراض (وكذا توكيل في بيعه وعرضُِه عليه في الأصح) بخلاف نحو تزويج لمن
(1)
لم ينص له على التسري بها ووطء وإن أنزل، ولا نظر لإفضائه لما به الرجوع لبعده بخلاف العرض؛ لأنه يوصل غالبا لما به الرجوع، ومرّ أنه لو أوصى له بمنفعة شيء سنة ثم آجره سنة ومات
(1)
. أسقط هذا القيد المغني والروض وشرحه.
وَخَلْطُ حِنْطَةٍ مُعَيَّنَةٍ رُجُوعٌ. وَلَوْ أوْصَى بِصَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ فَخَلَطَهَا بِأَجْوَدَ مِنْهَا فَرُجُوعٌ أَوْ مِثْلِهَا، فَلَا، وَكَذَا بِأَرْدَأَ فِي الْأَصَحِّ. وَطَحْنُ حِنْطَةٍ وَصَّى بِهَا وَبَذْرُهَا وَعَجْنُ دَقِيقٍ وَغَزْلُ قُطْنٍ
عقب الإجارة بطلت الوصية; لأن المستحق بها هي السنة التي تلي الموت وقد صرفها لغيرها، فإن مات بعد نصفها بقي له نصفها الثاني. ولو حبسه الوارث السنة بلا عذر غرم للموصى له أجرة مثله تلك المدة، ومن العذر حبسه من غير انتفاعٍ لإثبات الوصية، وكذا لطلب الوارث من القاضي شخصا آخر تكون العين تحت يده خوف خيانة الموصى له فيها لقرينة (وخلطه) أي الموصي أو مأذونه (حنطة معينة) -وصَّى بها- بمثلها أو أجود أو أردأ بحيث لا يمكن التمييز (رجوع)؛ لتعذر التسليم بما أحدثه في العين بخلاف ما إذا أمكن التمييز أو اختلطت بنفسها أو كان الخلط من غيره بغير إذنه.
[تنبيه] ما هنا مفروض في خلطٍ لا يقتضي ملك المخلوط للخالط
(1)
وإلا بطلت الوصية، وفي خلطٍ لا يقتضي شركة
(2)
وإلا بطلت في نصفه
(3)
؛ لاستلزام الشركة خروج نصف الموصى به عن ملك الموصي أو وارثه إلى ملك الخالط، وفي حالة عدم الرجوع
(4)
تدخل في الوصية الزيادة غير المتميزة الحاصلة بالجودة إذا لم تزد القيمة بذلك الخلط، فإن زادت به وجب لمالك الجيد المختلط التفاوت بين ما حصل للموصى له بتقدير غلط غير الجيد به وما حصل له بتقدير خلط الجيد به. (ولو أوصى بصاع من صبرة) معينة (فخلطها) هو أو مأذونه (بأجود منها) خلطا لا يمكن معه التمييز (فرجوع) ; لأنه أحدث بالخلط زيادة لم يرض بتسليمها ولا يمكن بدونها (أو مثلها فلا) قطعا; لأنه لم يحدث تغييرا؛ إذ لا فرق بين المثلين (وكذا بأردأ في الأصح) قياسا على تعييب الموصى به أو إتلاف بعضه، ولو تلفت إلا صاعا تعين ذلك الصاع للوصية علمت صيعانها أوْ لا (وطحن حنطة) معينة (وصِّى بها) أو ببعضها (وبذرها وعجن دقيق) وطبخ لحم وشيه، وجعله -وهو لا يفسد- قديدا (وغزل قطن) أو جعله حشوا ما لم يتحد
(1)
. أي بأن كان الخالط غير غاصب أو كان غاصبا وخلط مال الموصي بماله الآخر.
(2)
. كأن يخلط الأجنبي ملكه بالموصى به من غير استيلاء عليه.
(3)
. خلافا للنهاية والشهاب الرملي فاعتمدا أن الزيادة الحاصلة بالجودة غير متميزة فتدخل في الوصية.
(4)
. أي فيما إذا خلطها غيره أو اختلطت بنفسها ولو بأجود.
وَنَسْجُ غَزْلٍ وَقَطْعُ ثَوْبٍ قَمِيصًا وَبِنَاءٌ وَغِرَاسٌ فِي عَرْصَةٍ رُجُوعٌ
الموصى له بالثوب والقطن، ويُلحق به نظائره بشرط أن لا يزول اسم أحد العينين بما فعله، وجعل خشبة بابا، وخبز فتيتا، وعجين خبزا، نعم له تجفيف الرطب؛ إذ هو يقصد به البقاء. (ونسج غزل وقطع ثوب قميصا) مثلا (وبناء وغراس في عرصة رجوع) إن كان بفعله أو بفعل مأذونه -سواء أسماه باسمه حال الوصية به كأن قال أوصيت بهذه الحنطة أم قال بهذا أو بما في هذا البيت مثلاـ؛ لإشعار ذلك كله بالإعراض. هذا كله في المعين كما تقرر فلو أوصى بنحو ثلث ماله ثم تصرف في جميعه ولو بما يزيل الملك لم يكن رجوعا؛ لأن العبرة بثلث ماله الموجود عند الموت لا الوصية. ولو اختص نحو الغراس ببعض العرصة اختص الرجوع بمحله، وقد يراعى تغيير الاسم كما إذا أوصى بدار ثم انهدمت في حياته بنفسها أو بفعل الغير فإنه رجوع في النقض دون العرصة والأس، أو بفعله فإنه رجوع في الكل؛ لزوال الاسم عنه بالكلية بخلافه فيما مر في نحو طحن الحنطة; لأنه يقال دقيق حنطة فلم يؤثر فيه إلا فعله أو فعل مأذونه. والحاصل أنه مع أحد هذين يقدم المشعر بالإعراض إشعارا قويا وإن لم يزل الاسم ومع عدمهما لا ينظر إلا لزوال الاسم عنه بالكلية. وخرج بالبناء والغراس الزرع، وبقطع الثوب لبسه؛ لضعف إشعارهما بذلك، ومن ثم لو دام بقاء أصول الزرع- بأن كان يُجَزّ مرارا ولو في دون سنة -كان كالغراس، ومرّ أنه لو أوصى بشيء لزيد ثم لعمرو شرك بينهما; لأن الجملة اثنان ونسبة كل إليها النصف فإن رد أحدهما أخذ الآخر الجميع بخلاف ما لو أوصى به لهما ابتداء فرد أحدهما يكون النصف للوارث دون الآخر; لأنه لم يوجد له إلا النصف نصا. ولو أوصى بها لواحد ثم بنصفها لآخر كانت أثلاثا للأول ثلثاها وللثاني ثلثها كالعول، أي فيضاف أحد المالين للآخر وينسب كلٌّ منهما للمجموع، فإن كان الوصية للآخر بالثلث كان له الربع. وفي المسألة الأولى لو رَدّ الثاني فالكل للأول أو الأول فالنصف للثاني. ولو أوصى له مرة ثم مرة فإن لم يختلفا جنسا ولا صفة فوصية واحدة وإلا فثنتان. ثم إن محل قولهم لو أوصى لزيد بشيء ثم أوصى به لعمرو تناصفاه ما لم يوص لزيد ثانيا بما هو أقل من حصته في الأولى وإلا بطلت في الحصة ولم يكن له سوى الثانية، ثم ما بطلت فيه يعود للورثة لا لعمرو. ولو أوصى لزيد بعين ثم لعمرو بثلث ماله كان لعمرو ربعها; لأنها من جملة ماله الموصى له بثلثه فهو كما لو أوصى لإنسان بعين ولآخر بثلثها فيكون للآخر ربعها.
فصل
يُسَنُّ الْإِيصَاءُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا
(فصل في الإيصاء)
وهو لغة: الإيصال، وشرعا: إثبات تصرف مضاف لِمَا بعد الموت (يسن) لكل أحد (الإيصاء بقضاء الدين
(1)
الذي لله كالزكاة أو لآدمي و رَدِّ المظالم كالمغصوب وأداء الحقوق كالعواري والودائع إن كانت ثابتة بفرض إنكار الورثة وإلا وجب أن يعلم بها غير وارث تثبت بقوله ولو واحدا ظاهر العدالة، أو يردها حالا؛ خوفا من خيانة الوارث، ويكفي خَطُّه بها إن كان في البلد من يثبته بخلاف من كان بإقليم يتعذر فيه من يثبت بالخط أو يقبل الشاهد واليمين (وتنفيذ الوصايا) إن أوصى بشيء، وإنما صحت في نحو رد عين وفي دفعها حالا والوصية بها لمعين وإن كان لمستحقها الاستقلال بأخذها من التركة- بل لو أخذها أجنبي من التركة ودفعها إليه لم يضمنهاـ; لأن الوارث قد يخفيها أو يتلفها. وليطالب الوصي الوارث بنحو ردها؛ ليبرأ الميت ولتبقى تحت يد الوصي لا الحاكم لو غاب مستحقها. وهي قبل قبول الموصى له ملك للوارث -أي بفرض عدم القبول- فله الامتناع من دفعها للوصي فيأخذها الحاكم إلى أن يستقر أمرها. وإذا أوصى للفقراء مثلا فإن عيَّن لذلك وصيا لم يكن للقاضي دخل فيه إلا من حيث المطالبة بالحساب ومنع إعطاء من لا يستحق وإلا تولى التصرف هو أو نائبه. ولو أخرج الوصي الوصية من ماله ليرجع في التركة رجع إن كان وارثا وإلا فلا -أي إلا إن أذن له الحاكم أو جاء وقت الصرف الذي عينه الميت وفُقد الحاكم ولم يتيسر بيع التركة فأشهد بنية الرجوع- ولو أوصى ببيع بعض التركة وإخراج كفنه من ثمنه فاقترض الوصي دراهم وصرفها فيه امتنع عليه البيع ولزمه وفاء الدين من ماله لكن محله حيث لم يضطر إلى الصرف من ماله وإلا كأن لم يجد مشتريا رجع إن أذن له حاكم أو فقده وأشهد بنية الرجوع نظير ما تقرر. ولو أوصى بقضاء الدين من عين بتعويضها فيه وهي تساويه أو تزيد وقَبِل الوصية بالزائد، أو من ثمنها تعين فليس للورثة إمساكها، ومنه يؤخذ أنه لا يلزم استئذانهم
(1)
. ونقل الشارح في فصل بيان حرية اللقيط عن العبادي أنه لو ادعى الوصي دينا على الميت أخرجت الوصية عن يده؛ لئلا يأخذها إلا أن يبري 6/ 359.
وَالنَّظَرِ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ. وَشَرْطُ الْوَصِيِّ تَكْلِيفٌ وَحُرِّيَّةٌ وَعَدَالَةٌ وَهِدَايَةٌ إلَى التَّصَرُّفِ المُوصَى بِهِ،
فيها بخلاف ما إذا لم يعين لا يتصرف حتى يستأذنهم; لأنها ملكهم فإن غابوا استأذن الحاكم. ولو قال إذا مت ففرق ما لي عليك من الدين للفقراء صحّ ويكون وصيا. وللمشتري من نحو وصي وقيم ووكيل وعامل قراض أن لا يسلمه الثمن حتى تثبت ولايته عند القاضي، ولو قال ضع ثلثي حيث شئت لم يجز له الأخذ لنفسه -أي وإن نص له على ذلك-؛ لاتحاد القابض والمقبض، ولا لمن تقبل شهادته له أي إلا أن ينص الموصي -بقدر مستقلٍ- على الأخذ لمن تقبل شهادته له؛ إذ لا اتحاد ولا تهمة حينئذ (والنظر في أمر الأطفال
(1)
والمجانين والسفهاء، وكذا الحمل الموجود عند الإيصاء
(2)
ولو مستقلا
(3)
. ويدخل من حدث بعد الإيصاء على أولاده تبعا. بل يجب الإيصاء في أمر نحو الأطفال إلى ثقة مأمون وجيه كاف إذا وجده وغلب على ظنه أن تركه يؤدي إلى استيلاء خائن من قاض أو غيره على أموالهم.
وأركانه أربعة موص ووصي وموصى فيه وصيغة (وشرط الوصي) تعيين و (تكليف) أي بلوغ وعقل; لأن غيره لا يلي أمر نفسه فغيره أولى، وسيذكر أنه لو أوصى لفلان حتى يبلغ ولده فإذا بلغ فهو الوصي جاز ولا يرد على هذا; لأنه في الإيصاء المنجز وذاك إيصاء معلق (وحرية) كاملة ولو مآلا كمدبر ومستولدة; لأن الوصاية تستدعي فراغا ومنه فيه رقٌّ ليس من أهله، ولذا يمنع
(4)
الإيصاء لمن آجر نفسه في عمل مدة لا يمكنه التصرف فيها بالوصاية (وعدالة) ولو ظاهرة فلا تصح لفاسق إجماعا; لأن الإيصاء ولاية، ولو وقع نزاع في عدالته اشترط ثبوت العدالة الباطنة (وهداية إلى التصرف الموصى به
(5)
فلا يجوز لمن لا يهتدي إليه لسفه أو هرم أو تغفل؛ إذ لا مصلحة فيه. ولو فرق فاسق مثلا ما فوض له تفرقته غرمه وله استرداد بدل ما دفعه ممن عرفه؛ لتبين أنه لم يقع الموقع فإن بقيت عين المدفوع استرده القاضي
(1)
. وقدم الشارح في الوصية أنه لا يصح الإيصاء بدراهم يتجر فيها الوصي ويتصدق بما يحصل من ربحها 7/ 61.
(2)
. ومعنى ذلك كما ذكره الشارح في الحجر أنه إذا ولد بان صحة الإيصاء 5/ 179.
(3)
. أي بأن كان الإيصاء في حق الحمل فقط.
(4)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(5)
. وتقدم قبيل المساقاة أنه لو أخذ ما لا يمكنه القيام به فتلف بعضه ضمنه 6/ 104.
وَإِسْلَامٌ لَكِنِ الْأَصَحُّ جَوَازُ وَصِيَّةِ ذِمِّيٍّ إلَى ذِمِّيٍّ. وَلَا يَضُرُّ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ، وَأُمُّ الْأَطْفَالِ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهَا. وَيَنْعَزِلُ الْوَصِيُّ بِالْفِسْقِ،
وأسقط عنه من الغرم بقدره (وإسلام) فلا يصح من مسلم لكافر؛ لتهمته، بل وإن كان المسلمُ وصيَّ ذميٍّ فَوَّض إليه وصاية على أولاده الذميين فلا يجوز له الإيصاء عليهم إلا لمسلم
(1)
، فأن لم تجتمع الشروط في مسلم واجتمعت في ذمي جاز (لكن الأصح جواز وصية ذمي) أو نحوه ولو حربيا (إلى) كافر معصوم (ذمي) أو معاهد أو مستأمن فيما يتعلق بأولاده الكفار، بشرط كون الوصي عدلا في دينه كما يجوز أن يكون وليا لأولاده. وتعرف عدالته بتواترها من العارفين بدينه أو بإسلام عارفين وشهادتهما بها، ويشترط أيضا أن لا يكون الوصي عدوا للموصي عليه عداوة دنيوية، وتصور وقوع العداوة للطفل والمجنون من صغره بأن يكون قد عرف من الوصي كراهتهما لموجب أو غيره. والعبرة في هذه الشروط بوقت الموت; لأنه وقت التسلط على القبول فلا يضر فقدها قبله ولو عند الوصية، ولذا لا يحرم الإيصاء لنحو فاسق عندها; لأنه لم يتحقق فساده؛ لاحتمال عدالته عند الموت ولا إثم مع الشك، (ولا يضر العمى في الأصح) ; لأن الأعمى كامل ويمكنه التوكيل فيما لا يمكنه. وتصح لأخرس له إشارة مفهمة إذا وجدت فيه بقية الشروط (ولا تشترط الذكورة) إجماعا (وأم الأطفال) المستجمعة للشروط عند الوصية -ثم إن استجمعت الشروط عند الموت بقيت على وصايتها وإلا فلا- (أولى) بإسناد الوصية إليها بل وبتفويض القاضي -حيث لا وصي- أمرهم إليها، ولا يبطل تزوجها وصايتها إلا إن نص عليه الموصي (من غيرها) ; لأنها أشفق عليهم، وإنما يظهر كونها أولى إن ساوت الرجل في الاسترباح ونحوه من المصالح التامة (وينعزل الوصي) وقيم الحاكم بل والأب والجد (بالفسق) وإن لم يعزله الحاكم؛ لزوال أهليته، نعم تعود ولاية الأب والجد بعود العدالة; لأن ولايتهما شرعية بخلاف غيرهما؛ لتوقفها على التفويض فإذا زالت احتاجت لتفويض جديد، وكذا ينعزلون بالجنون والإغماء لا باختلال الكفاية، بل يضم له القاضي معينا، بل يجوز له ضم آخر للوصي عند قوة الريبة، ومحل ما مر في متبرع أما من يتوقف ضمه على جُعْل فلا يعطاه إلا عند غلبة الظن؛ لئلا يضيع مال اليتيم بالتوهم من غير
(1)
. ورد الشارح هنا ما بحث واعتمداه من أنه لو كان لمسلم ولد بالغ ذمي سفيه لا يجوز أن يوصي به إلى ذمي.
وَكَذَا الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ لَا الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ. وَيَصِحُّ الْإِيصَاءُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُكَلَّفٍ. وَيُشْتَرَطُ فِي أَمْرِ الْأَطْفَالِ مَعَ هَذَا أَنْ تَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ لِوَصِيٍّ إيصَاءٌ فَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ جَازَ لَهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ: أَوْصَيْتُ إلَيْك إلَى بُلُوغِ ابْنِي أَوْ قُدُومِ زَيْدٍ فَإِذَا بَلَغَ أَوْ قَدِمَ فَهُوَ الْوَصِيُّ جَازَ
دليل ظاهر. ويعزل القاضي قيمه بمجرد اختلال كفايته; لأنه الذي ولاه (وكذا القاضي) ينعزل بما ذكر (في الأصح)؛ لزوال أهليته أيضا. ويتجه في فاسق ولاهُ ذو شوكة مع علمه بفسقه أنه لا يؤثر إلا طرو مفسق آخر أقبح; لأن موليه قد لا يرضى به (لا الإمام الأعظم) فإنه لا ينعزل بما ذكر؛ لتعلق المصالح الكلية بولايته. (ويصح الإيصاء بقضاء الدين) ورد الحقوق (وتنفيذ
(1)
الوصية من كل حر) سكران أو (مكلف) مختار نظير ما مر في الموصي بالمال، ومن ثم يأتي هنا نظير ما مر هناك فلو أوصى السفيه بمال وعيَّن من ينفذه تعين، (ويشترط) في الموصي (في أمر الأطفال) والمجانين والسفهاء (مع هذا) المذكور من الحرية والتكليف وغيرهما مما أشرنا إليه (أن تكون له ولاية عليهم) مبتدأة من الشرع وهو الأب أو الجد المستجمع للشروط وإن علا دون الأم وسائر الأقارب والوصي والحاكم وقيمه ومنه أب أو جد نصبه الحاكم على مال من طرأ سفهه; لأن وليه الآن الحاكم دونهما (وليس لوصي
(2)
توكيل إلا فيما يعجز عنه أو لا يتولاه مثله على ما مر في الوكالة، ولا (إيصاء) استقلالا قطعا (فإن أذن له فيه) من الموصي وعين له شخصا أو فوضه لمشيئته بأن قال له أوص بتركتي فلانا أو من شئت، فإن لم يقل بتركتي لم يصح (جاز في الأظهر) ; لأنه استنابه فيه كالوكيل يوكل بالإذن، ثم إن قال له أوص عني أو عنك فواضح وإلا وصَّى عن الموصي لا عن نفسه
(3)
. (و) يأتي جواز التعليق والتأقيت فعليه (لو قال
(4)
أوصيت) لزيد ثم من بعده لعمرو أو (إليك إلى بلوغ ابني أو قدوم زيد فإذا بلغ أو قدم فهو الوصي جاز) بخلاف
(1)
. ويستوي في الأفضلية بالياء وبدونه خلافا للمغني من أن ذات الياء أولى.
(2)
. نعم تقدم في الوديعة أنه لو مرض مرضا مخوفا يلزمه ردها إلى المالك أو وكيله، فإن لم يمكنه ردها للحاكم الثقة الأمين، فإن فقد فأمين 7/ 108 - 109.
(3)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(4)
. أجاب الشارح عمَّا أقره المغني من أولوية تأخير هذا عقب قوله الآتي ((ويجوز فيه التوقيت والتعليق)).
وَلَا يَجُوزُ نَصْبُ وَصِيٍّ وَالجَدُّ حَيٌّ بِصِفَةِ الْوِلَايَةِ. وَلَا الْإِيصَاءُ بِتَزْوِيجِ طِفْلٍ وَبِنْتٍ. وَلَفْظُهُ أَوْصَيْتُ إلَيْكَ أَوْ فَوَّضْتُ وَنَحْوُهُمَا، وَيَجُوزُ فِيهِ التَّوْقِيتُ وَالتَّعْلِيقُ. وَيُشْتَرَطُ بَيَانُ مَا يُوصِي فِيهِ
أوصيت إليك فإذا مت فقد أوصيت إلى من أوصيت إليه أو فوصيك وصيي; لأن الموصى إليه مجهول من كل وجه. ولو بلغ الابن أو قدم زيد غير أهل لم ينعزل الأول; لأن المراد إذا بلغ أو قدم أهلا لذلك. (ولا يجوز) للأب (نصب وصي) على الأولاد (والجد حي بصفة الولاية) عليهم حال الموت أي لا يعتد بمنصوبه إذا وجدت ولاية الجد حينئذ; لأن ولايته ثابتة بالشرع كولاية التزويج، أما لو وجدت حال الإيصاء ثم زالت عند الموت فيعتد بمنصوبه، نعم يجوز نصبه عند غيبة الجد إلى حضوره إذا خاف من أكل ظالم له؛ للضرورة. وخرج بحال الموت حال الوصية فلا عبرة بها بل يجوز نصب غيره وإن كان هو بصفة الولاية حينئذ ثم ينظر عند الموت لتأهل الجد وعدمه، أما على الديون والوصايا فيجوز مع وجود الجد فإن لم يوص بها فالجد أولى بأمر الأطفال، والحاكم أولى بتنفيذ الوصايا ووفاء الدين
(1)
ونحوه، (ولا) يجوز (الإيصاء بتزويج طفل وبنت) ولو مع عدم ولي; لأن الوصي لا يعتني بدفع العار عن النسب، وسيأتي توقف نكاح السفيه على إذن الولي ومنه الوصي.
(ولفظه) أي الإيصاء (أوصيت إليك أو فوضت) إليك (ونحوهما) كأقمتك مقامي، وقياس ما مر اشتراط بعد موتي فيما عدا أوصيت، ويظهر أن وكلتك بعد موتي في أمر أطفالي كناية بخلاف وليّتك
(2)
؛ لأنه أقرب إلى مدلول فوضت إليك الصريح من وكلتك. وتكفي إشارة الأخرس
(3)
المفهمة وكتابته وكذا الناطق إذا سكت وأشار برأسه أنْ نعم وقد قرئ عليه كتاب الوصية، ولا يكفي من غير قراءة، وإشارة من اعتقل لسانه يأتي فيها تفصيل الأخرس، (ويجوز فيه التوقيت) كأوصيت إليك سنة، أو إلى بلوغ ابني (والتعليق) كإذا مت أو إذا مات وصيي فقد أوصيت إليك كما مر (ويشترط بيان ما يوصى فيه)، وكونه تصرفا ماليا مباحا كأوصيت إليك في قضاء ديوني أو في التصرف في أمر أطفالي أو في رد آبقي أو ودائعي أو في
(1)
. خالفاه في وفاء الدين فاعتمدا أولوية أن يقضيها الجد.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(3)
. كما ذكره الشارح في الوصية.
فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى أَوْصَيْتُ إلَيْكَ لَغَا. وَالْقَبُولُ، وَلَا يَصِحُّ فِي حَيَاتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَصَّى لاثْنَيْنِ لَمْ يَنْفَرِدْ أَحَدُهُمَا
تنفيذ وصاياي، فإن جمع الكل ثبت له أو خصصه بأحدها لم يتجاوزه، ولو أطلق كأوصيت إليك في أمري أو تركتي أو في أمر أطفالي ولم يذكر التصرف صح، ثم إن قوله أوصيت إليك في أمري أو تركتي عام في ذلك وقوله في أمر أطفالي ينصرف للحفظ والتصرف في مالهم بخلاف ما لو قال القاضي وليتك مال فلان فينصرف للحفظ فقط. ولو أطلق ثم أوصى لآخر في معين فالقياس أن ذلك يصير عزلاً للأول عنه فيتصرف الثاني فيما عيّن له، ويبقى الأول على ما عداه، فإن وصَّى لثانٍ فيما وصَّى به للأول ولم يتعرض له شاركه ووجب اجتماعهما; لأنه الأحوط. ومر آخر الحجر بيان أن قاضي بلد المال يتصرف فيه بالحفظ ونحوه وقاضي بلد المحجور يتصرف فيه بالبيع وغيره
(1)
، وسيأتي جواز النقل في الوصية فليست كالزكاة حتى يعتبر فيها بلد المال (فإن اقتصر على أوصيت إليك لغا) كوكلتك ولأنه لا عرف يحمل عليه (و) يشترط (القبول) من الوصي; لأنها عقد تصرف كالوكالة، ومن ثم اكتفي هنا بالعمل كهو ثم (ولا يصح) القبول ولا الرد (في حياته في الأصح) ; لأنه لم يدخل وقت تصرفه كالموصى له بالمال بخلافه بعد الموت، ولا يشترط بعده الفور في القبول ما لم يتعين تنفيذ الوصايا أو يعرضها عليه الحاكم بعد ثبوتها عنده أو يكون هناك ما تجب المبادرة إليه (ولو وصى لاثنين) وشرط اجتماعهما أو أطلق بأن قال أوصيت إليكما أو إلى فلان ثم قال ولو بعد مدة أوصيت إلى فلان أو قال عن شخصٍ هذا وصيي ثم قال عن آخر هذا وصيي، ولو قال أوصيت إليه فيما أوصيت فيه لزيد كان رجوعا (لم ينفرد أحدهما) فيما إذا قبل بتصرف، بل لا بد من اجتماعهما عليه بأن يصدر عن رأيهما ولو بإذن أحدهما للآخر أو يأذنا لثالث فيه أو بأن يشتري أحدهما لأحد الطفلين من الآخر شيئا للطفل الآخر فيما إذا شرط عليهما الاجتماع في تصرف كل منهما؛ عملا بالأحوط فيه وهو الاجتماع; لأن أحدهما قد يكون أعرف والآخر أوثق، وإنما يجب الاجتماع فيما يتعلق بالطفل وماله وتفرقة وصية غير معينة وقضاء دين ليس في التركة جنسه بخلاف رد وديعة وعارية ومغصوب وقضاء دين في التركة جنسه فلكل
(1)
. ولو لم يوص بقضاء ديونه كان للقاضي قضائها إذا كان في الورثة محجور عليه أو غائب كما أفاده الشارح قبيل التفليس 5/ 116.
إلَّا إِنْ صَرَّحَ بِهِ. وَلِلْمُوصِي وَالْوَصِيِّ الْعَزْلُ مَتَى شَاءَ
الانفراد به; لأن لصاحبه الاستقلال بأخذه، والأوجه -مع الاعتداء بذلك الرد- جواز الإقدام عليه. أما إذا قبل أحدهما فقط أو قبلاه ثم رد أحدهما ففي الصورتين الأخيرتين
(1)
للباقي التصرف ولا يعوض الحاكم بدل الراد؛ لأن التشريك مأخوذ في احتمال إرادة التشريك وليس من تصريح الموصي بخلاف ما لو رد أحدهما في نحو أوصيت إليكما فيعوض بدله; لأن الموصي جعل لكل النصف صريحا فلم يبطل برجوع الآخر لكنه لم يرض بنظره وحده فوجب التعويض. ولو اختلفا وصِيَّا التصرف المستقلان فيه نفذ تصرف السابق، أو غير المستقلين أُلزِما العمل بالمصلحة التي رآها الحاكم، فإن امتنعا أو أحدهما أو خرجا أو أحدهما عن أهلية التصرف أناب عنهما أو عن أحدهما أمينين أو أمينا، أو في المصرف أو الحفظ والمال مما لا ينقسم
(2)
-استقلا أوْ لا- تولاه القاضي فإن انقسم قسمه بينهما ولكل التصرف بحسب الإذن، فإن تنازعا في عين النصف المحفوظ أقرع بينهما. فإن نص على اجتماعهما في الحفظ لم ينفرد أحدهما بحال (إلا إن صرح به) أي الانفراد فيجوز حينئذ كالوكالة، وكذا لو قال إلى كل منكما أو كل منكما وصي في كذا أو أنتما وصياي في كذا، ويفرق بين هذا وأوصيت إليكما بأنه هنا أثبت لكلٍّ وصف الوصاية فدل على الاستقلال بخلافه ثم. ولو جعل عليه أو عليهما مشرفا أو ناظرا لم يثبت له تصرف وإنما يتوقف على مراجعته إلا في نحو شراء بقل مما لا يحتاج لنظر. ولو فوض لاثنين صرف ثلثه لقراءة ختمات معلومة فقسما ثلثه نصفين واستأجر كلٌّ الآخر لقراءة النصف جاز إن استقل كلٌّ منهما وإلا فلا (وللموصي والوصي العزل) أي للموصي عزل الوصي وللوصي عزل نفسه لكن يلزمه إعلام الحاكم فورا وإلا ضمن (متى شاء)؛ لجوازها من الجانبين كالوكالة، نعم إن تعين على الوصي بأن لم يوجد كاف غيره أو غلب على ظنه تلف المال باستيلاء ظالمٍ أو قاضي سوءٍ لم يجز له عزل نفسه ولم ينفذ لكن لا يلزمه ذلك مجانا بل بالأجرة، بل له أن يتولى أخذ تلك الأجرة إن خاف من إعلام قاض جائر -؛ لتعذر التحكيم والرفع إليه- لكن بشرط إخبار عدلين عارفين له بقدر أجرة مثله ولا يعتمد معرفة نفسه؛ احتياطا، ويلزمه القبول في هذه الحالة، ويمتنع عزل الموصي له حينئذ؛ لما
(1)
. هما قوله: ((أو إلى فلان ثم قال)) .. الخ، وقوله:((أو قال عن شخص)) .. الخ.
(2)
. قيد للحفظ فقط، كما في الفتح.
وَإِذَا بَلَغَ الطِّفْلُ وَنَازَعَهُ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ صُدِّقَ الْوَصِيُّ،
فيه من ضياع نحو ودائعه أو مال أولاده، ويمتنع عليه عزل نفسه أيضا إذا كانت إجارة بعوض فإن كانت بعوض من غير عقد فهي جعالة، وصورة الإجارة هنا أن يستأجره الموصي على أعمال لنفسه في حياته ولطفله بعد موته أو يستأجره القاضي على الاستمرار على الوصية لمصلحة رآها بعد موت الموصي. وإذا لزمت الوصاية بإجارة وعجز عنها استؤجر عليه من ماله من يقوم مقامه فيما عجز عنه.
[تنبيه] بما تقرر في مسألة الإجارة يُعْلَم بطلان جعله لمن يتجر لطفله شيئا أجرة، وكذا تبطل الوصية له كل سنة بكذا أو ما دام وليا على ولده في غير السنة الأولى كما مر؛ لأن الجهل بآخر مدة استحقاقه يصيرها مجهولة لا يمكن اعتبارها من الثلث. ولو جعل لوصيه جعلا قدر أجرة المثل لم يجز العدول عنه لمتبرع، نعم محله إن كان الوصي كافيا والجعل يفي به الثلث فإن لم يكف أو زاد الجعل على الثلث ولم يرض بالثلث جاز العدول للمتبرع (وإذا بلغ الطفل) أو أفاق المجنون أو رشد السفيه (ونازعه) أي الوصي (في) أصل أو قدر نحو (الإنفاق) اللائق بحاله (عليه) أو على ممونه (صدق الوصي) بيمينه، وكذا قيم الحاكم
(1)
؛ لأن كلا منهما أمين ويتعذر عليه إقامة البينة عليه بخلاف البيع للمصلحة
(2)
. أما غير اللائق فيصدق الولد فيه قطعا بلا يمين إن عُلِم أنه غير لائق، ثم إن كان من مال الولي فلغو أو من مال الولد ضمنه. ولو تنازعا في الإسراف وعين القدر نظر فيه وصدق من يقتضي الحال تصديقه، وإن لم يعين صدق الوصي، ولو اختلفا في شيء أهو لائق أوْ لا؟ ولا بينة صدق الوصي بيمينه; لأن الأصل عدم خيانته، أو في تاريخ موت الأب وأوَّلِ ملكه للمال المنفق عليه منه صدق الولد بيمينه، وكالوصي في ذلك وارثه. وللأصل الإنفاقُ من ماله؛ للمصلحة، ويصدق بيمينه في قصده الرجوع فيرجع بخلاف نحو الوصي لا يرجع إلا إن أذن له القاضي، وكذا إذا وفّى الوصايا أو مؤن التجهيز من ماله لا يرجع إلا إن أذن له فيه أو قصد الرجوع وأشهد عليه عند فقد الحاكم كما مر وكان ذلك لمصلحة تعود على المولى ككساد ماله ورجاء ربحه بتأخير بيعه،
(1)
. ولابد من يمين الحاكم أيضا كما يأتي، نعم المصدق بيمينه في دفع المال الحاكم الثقة عند الشارح والمغني والأسنى، وعند النهاية المصدق هو الولد.
(2)
. وقد قدم الشارح في الحجر أن الحاكم يسجل ما باعه، أي: يحكم بصحته من غير ثبوت عدالة ولا حاجة أو غبطة بخلاف نحو الوصي 5/ 178.
أَوْ فِي دَفْعٍ إلَيْهِ بَعْدَ الْبُلُوغِ صُدِّقَ الْوَلَدُ
نعم إن دفع الوصي -ولو وارثا- بإذن الورثة في الأولى وبقيتهم في الثانية رجع عليه (أو) تنازعا (في دفع) المال (إليه بعد البلوغ) أو الإفاقة أو الرشد أو في إخراجه الزكاة من ماله
(1)
(صدق الولد) بيمينه ولو على الأب; لأنه لا تعسر إقامة البينة عليه. ويصدق الولي والقيم في عدم الخيانة وتلف بنحو غصب أو سرقة كالوديع لا في نحو بيع لحاجة أو غبطة أو ترك أخذ بشفعة لمصلحة إلا ببينة بخلاف الأب والجد يصدقان بيمينهما، والأوجه أن الحاكم الثقة الأمين مثلهما
(2)
وإلا فكالوصي.
ولا يطالب أمين كوصي ومقارض وشريك ووكيل بحساب بل إن ادعى عليه خيانة حلف. ولو لم يندفع نحو ظالم إلا بدفع نحو مال لزم الولي دفعه ويجتهد في قدره ويصدق فيه بيمينه ولو بلا قرينة، أو إلا بتعييبه جاز له بل يلزمه أيضا لكن لا يصدق فيه؛ لسهولة إقامة البينة عليه. ولو أراد وصي شراء شيء من مال الطفل رفع للحاكم ليبيعه أو اشترى من وصي آخر مستقل. ولا يجوز له أن يبيع ممن لا يبيع له الوكيل، وينعزل بما ينعزل به، ولا تقبل شهادته لموليه فيما هو وصي فيه إن قبل الوصاية وإلا قبل -وإن قال أوصى إلي فيه- وكذا لو عزل نفسه قبل الخوض فيه. ولو اشترى شيئا من وصي وسلمه الثمن فكَمُل المولى عليه وأنكر كون البائع وصيا عليه واسترد منه المبيع رجع المشتري على الوصي بما أداه إليه وإن وافقه على أنه وصي، وكذا لو اشترى شيئا من وكيل وسلمه الثمن وصدقه على الوكالة ثم أنكرها الموكل ونزع منه المبيع فيرجع على الوكيل. ومن اعترف أن عنده مالا لفلان الميت وزعم أنه قال له هذا لفلان أو أنت وصيي في صرفه في كذا لم يصدق إلا ببينة، نعم يلزمه باطنا دفعه للمقر له. ولو أوصى بثلث تركته لمن يصرفها في وجوه البر وهي مشتملة على أجناس مختلفة باع الوصي الثلث بنقد البلد، ولو أوصى بأنه نذر بشيء ليصرف في وجوه البر والقربات صرف في ذلك، ووجوه البر ما تضمنه قوله تعالى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} البقرة: 177 .. الآية والقربات كل نفقة في واجب أو مندوب. وإذا فوض للوصي التفرقة بحسب ما يراه لزمه تفضيل أهل الحاجة لاسيما من محارم الميت الذين لا يرثونه. ولو أوصى لإنسان بجزء من
(1)
. خلافا للنهاية والشهاب الرملي فلا بد عندهما من بينة.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
ماله يصرفه فيما أوصى به و في جهات الخير فمات ولم يعلم ما أوصى به بطلت الوصية في نصف ما عينه إذا أيس من معرفة وصيته، ولك أن تقول ينبغي الصحة; المطرد الغالب في الوصية أنها لا تكون إلا في جهة خير فإذا جهل ما أوصى به حُمِل على أنه من جملة جهات الخير التي ذكرها.
كتاب الوديعة
مَنْ عَجَزَ عَنْ حِفْظِهَا حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا، وَمَنْ قَدَرَ وَلَمْ يَثِقْ بِأَمَانَتِهِ كُرِهَ لَهُ،
(كتاب الوديعة)
هي: لغة ما وضع عند غير مالكه لحفظه، وشرعا: العقد المقتضي للاستحفاظ أو العين المستحفظة فهي حقيقة فيهما. ثم عقدها في الحقيقة توكيل من جهة المودع وتوكل من جهة الوديع في حفظ مال أو اختصاص كنجس منتفع به فخرجت اللقطة والأمانة الشرعية كأن طَيَّر نحو ريح شيئا إليه أو إلى محله وعلم به، والحاجة بل الضرورة داعية إليها.
وأركانها بمعنى الإيداع أربعة وديعة ومودع ووديع وصيغة. وشرط الوديعة -كما علم مما تقرر- كونها محترمة كنجس يقتنى وحبة بر بخلاف نحو كلب لا ينفع وآله اللهو (من عجز عن حفظها حرم عليه قبولها) أي أخذها; لأنه يعرضها للتلف وإن وثق بأمانة نفسه (ومن قدر) على حفظها (و) هو أمين ولكنه (لم يثق بأمانته) فيها حالا أو مستقبلا بأن جوَّز وقوع الخيانة منه فيها مرجوحا أو على السواء، ويؤخذ منه الكراهة بالأولى إذا شك في قدرته وإن وثق بأمانة نفسه (كره له) أخذها من مالكها الرشيد الجاهل بحاله حيث لم يتعين عليه قبولها، أما لو غلب على ظنه وقوع الخيانة فيحرم قبوله. وأما غير مالكها كوليه فيحرم عليه إيداع من لم يثق بأمانته وإن ظن عدم الخيانة ويحرم عليه قبولها منه، وأما إذا علم المالك الرشيد بحال من قدر على الحفظ ولم يثق بأمانة نفسه فلا حرمة وكراهة في قبولها، أو علم المالك بحال العاجز عن الحفظ حرم
(1)
عليه الإيداع وعلى الوديع القبول إن كان في ذلك إضاعة مال محرمة؛ لما يأتي، وبقيت كراهة القبول في غير ظن الخيانة وحرم فيها، وأما إذا تعين عليه قبولها فلا يكره القبول في غير الأولى
(2)
ويحرم فيها
(3)
؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وحيث قبل مع الحرمة أثم ولم يضمن إن أودعه المالك الجائز التصرف، أما إذا أودعه وديع له
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. وهي حالة القدرة على الحفظ وعدم الوثوق بأمانة نفسه.
(3)
. أي الأولى وهي العجز عن الحفظ.
فَإِنْ وَثِقَ اُسْتُحِبَّ. وَشَرْطُهُمَا شَرْطُ مُوَكِّلٍ وَوَكِيلٍ. وَيُشْتَرَطُ صِيغَةُ المُودِعِ كَاسْتَوْدَعْتُكَ هَذَا أَوِ اسْتَحْفَظْتُكَ أَوْ أَنَبْتُكَ فِي حِفْظِهِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَيَكْفِي الْقَبْضُ
الإيداع وولي فيضمن الدافع والآخذ بمجرد القبض، (فإن وثق) بأمانة نفسه وقدر على حفظها (استحب) له قبولها; لأنه من التعاون المأمور به، ومحله إن لم يخف المالك من ضياعها لو تركها عنده -أي غلب على ظنه ذلك- وإلا لزمه قبولها حيث لم يخش منه ضررا يلحقه لكن لا مجانا بل بأجرة لعمله وحرزه; لأن الأصح جواز أخذ الأجرة على الواجب العيني
(1)
كإنقاذ غريق وتعليم نحو الفاتحة. ولو تعدد الأمناء القادرون فالأوجه تعينها على كل من سأله منهم؛ لئلا يؤدي التواكل إلى تلفها، ولو علموا حاجته إلى الإيداع لكنه لم يسأل أحدا منهم فلا وجوب هنا; لأنه لا تواكل حينئذ، ويستحب لكل منهم أن يُعَرِّض له بقبوله الإيداع إن أراده.
(وشرطهما شرط موكل ووكيل)؛ لما مر أنها توكيل في الحفظ، فلا يجوز إيداع مُحْرِم صيداً، ولا كافر نحو مصحف. ويجوز إيداع مكاتب لكن بأجرة؛ لامتناع تبرعه بمنافعه من غير إذن السيد (ويشترط) المراد بالشرط هنا ما لا بد منه (صيغة المودع) بلفظ أو إشارة أخرس مفهمة صريحة كانت (كاستودعتك هذا أو استحفظتك) ـه (أو أنبتك في حفظه) أو أودعتكه أو أستودعه أو أستحفظه، أو كناية كخذه وككتاية مع النية، فلا يجب على حمامي حفظ ثياب من لم يستحفظه ولا يضمنها بخلاف ما إذا استحفظه وقبل منه أو أعطاه أجرة لحفظها فيضمنها إن فرط كأن نام أو نعس أو غاب ولم يستحفظ غيره -أي وهو مثله- وإن فسدت الإجارة. وليس من التفريط فيهما ما لو كان يلاحظه كالعادة فتغفله سارق أو خرجت الدابة في بعض غفلاته; لأنه لم يقصر في الحفظ المعتاد، وظاهرٌ أنه يقبل قوله فيه بيمينه; لأن الأصل عدم التقصير (والأصح أنه لا يشترط القبول) من الوديع لصيغة العقد أو الأمر (لفظا، و يكفي) مع عدم اللفظ والرد منه (القبض) ولو على التراخي كما في الوكالة، والمراد بالقبض هنا حقيقته السابقة في البيع؛ لقولهم لا يكفي الوضع هنا بين يديه مطلقا، أي حيث لم يقل مثلا ضعه؛ لما يأتي فيه، ولا يشترط مع القبول قبض، فلو قال هذا وديعتي عندك أو احفظه
(1)
. للشارح بسط في ذلك في القضاء 10/ 137.
وَلَوْ أَوْدَعَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ مَالًا لَمْ يَقْبَلْهُ فَإِنْ قَبِلَهُ ضَمِنَ. وَلَوْ أَوْدَعَ صَبِيًّا مَالًا فَتَلِفَ عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ. وَالمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهٍ كَصَبِيٍّ
أو هذا وديعة لكن إن قامت حينئذ قرينة على المراد فقال الوديع قبلت أو ضعه فوضعه في موضع بحيث عُدَّ مستوليا عليه كان إيداعا، أما نحو انظر إلى متاعي في دكاني فقال نعم فليس بإيداع، وعلى ذلك فلو قال لآخر عن متاعه الذي بمسجد أو دار بابُهُ مفتوحٌ احفظه فقال: نعم ثم خرج المالك ثم الآخر وترك الباب مفتوحا ضمنه إن عد مستوليا عليه بخلاف ما لو أغلق المالك الباب ثم قال لآخر: احفظه وانظر إليه فأهمله فسرق فلا يضمنه، ومتى لم يقبلها بل ردها المطلوب منه الحفظ ثم ضيع كأن ذهب وتركها ولم يكن قبضها، أو قبضها حسبة -بأن صانها عن ضياع عرضت له ولو من مالكها الرشيد- لم يضمنها، ومن الرد ما لو ذهب بدونها والمالك حاضر ولا إثم عليه هنا مطلقا; لأنه بعد الرد الذي علم به المالك لا ينسب إليه تقصير بوجه بخلافه فيما إذا لم يقبل ولم يقبض فإنه يأثم إن ذهب وتركها بعد غيبة المالك; لأنه غره. ولو وجد لفظ من الوديع وأعطاءٌ من المودع كان إيداعا أيضا فالشرط هذا من أحدهما وفعل من الآخر. ويدخل ولد الوديعة تبعا لها، فلا يجب رده إلا بالطلب. ولا يصح تعليق الوديعة بشرط فإن نجزها وشرط للتصرف شرطا جاز كما مرّ في الوكالة (ولو أودعه صبيٌّ) ولو مراهقا كامل العقل (أو مجنون مالا لم يقبله) أي لم يجز له قبوله; لأن فعله كالعدم (فإن قبله ضمن) ـه بأقصى القيم إذا قبضه ولم يبرأ إلا برده لمالك أمره; لأنه كالغاصب لوضعه يده عليه بغير إذن معتبر، والكلام حيث لم يخف ضياعها فإن خافه وأخذها حسبة لم يضمن كما مر، وكذا لو أتلف نحوُ صبيٍّ مودِع وديعة نفسه; لأن فعله لا يمكن إحباطه وتضمينه مال نفسه محال فتعينت براءة الوديع (ولو أودع) مالك كامل (صبيا) أو مجنونا (مالا فتلف عنده) ولو بتفريطه (لم يضمن) ـه؛ إذ لا يصح التزامه للحفظ (وإن أتلفه) وهو متمول؛ إذ غيره لا يضمن (ضمن
(1)
ـه (في الأصح) وإن قلنا إنه عقد; لأنه من أهل الضمان ولم يسلطه على إتلافه، أما لو أودعه غير مالك أو ناقص فإن الصبي يضمن بمجرد الاستيلاء التام (والمحجور عليه لسفه كالصبي) مودعا ووديعا فيما ذكر فيهما بجامع عدم الاعتداد بفعل
(1)
. ومعنى ضمانه ثبوته في ذمته ووجوب إخراجه من ماله على وليه، فإن بقي إلى كماله -وإن تلف المال- لزمه إخراجها كما أفاده الشارح في كتاب الصلاة 1/ 452.
وَتَرْتَفِعُ بِمَوْتِ المُودِعِ أَوِ المُودَعِ وَجُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ، وَلَهُمَا الِاسْتِرْدَادُ وَالرَّدُّ كُلَّ وَقْتٍ. وَأَصْلُهَا الْأَمَانَةُ، وَقَدْ تَصِيرُ مَضْمُونَةً بِعَوَارِضَ مِنْهَا أَنْ يُودِعَ غَيْرَهُ بِلَا إذْنٍ وَلَا عُذْرٍ فَيَضْمَنُ
كلٍّ وقوله. أما السفيه المهمل فالإيداع منه وإليه كسائر تصرفاته فيصح، والقن بغير إذن مالكه كالصبي فلا يضمن بالتلف
(1)
وإن فرط
(2)
بخلاف ما إذا أتلف فيتعلق برقبته (وترتفع) الوديعة أي ينتهي حكمها بما ترتفع به الوكالة مما مر فترتفع (بموت المودِع أو المودَع وجنونه وإغمائه) -إن استغرق إغمائه وقت صلاة- وبالحجر عليه لسفه، أما حجر الفلس فإن كان على المالك فلا ترتفع به؛ لبقاء أهلية المفلس وتسلم للحاكم حينئذ، أو كان على الوديع فترتفع به، وترتفع أيضا بعزل الوديع لنفسه وبعزل المالك له وبالإنكار لغير غرض; لأنها وكالة في الحفظ وهي ترتفع بذلك، وبكل فعل مضمن، وبالإقرار بها لآخر، وبنقل المالك الملك فيها ببيع أو نحوه، وفائدة الارتفاع أنها تصير أمانة شرعية فعليه الرد لمالكها أو وليه إن عرفه أي إعلامه بها أو بمحلها فورا عند التمكن وإن لم يطلبه كضالة -ومنها طائر- وجدها وعرف مالكها فإن غاب ردها للحاكم الأمين وإلا ضمن، ومن الضالة قنٌّ أو حيوان هرب من مالكه ودخل في داره وعلم به ومالكه فيجب عليه حفظه إن لم يُعلم مالكه فخرج ضمنه (ولهما) يعني للمالك (الاسترداد و) للوديع (الرد كل وقت)؛ لجوازها من الجانبين، نعم يحرم الرد حيث وجب القبول ويكون خلاف الأولى حيث ندب القبول ولم يرض المالك الرد.
(وأصلها) ولو بجعل، أو فاسدة إن قبضت بإذنٍ معتبر (الأمانة
(3)
لقوله تعالى {فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} البقرة: 283. وعُلم من قولي ((أو فاسدة)) أنه لو شرط ركوبها أو لبسها كانت قبل ذلك أمانة وبعده عارية فاسدة، ومن كلامه أنها لو بقيت في يده مدة بعد التعدي لزمه أجرتها؛ لارتفاع الأمانة به (وقد تصير مضمونة بعوارض منها أن يودع غيره
(4)
ولو ولده وزوجته وقنه، نعم له كما سيأتي الاستعانة بهم حيث لم تزل يده؛ لجريان العرف به (بلا إذن ولا عذر)
(1)
. خلافا لظاهر المغني فقيده بعدم التفريط.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(3)
. وتقدم أن المبيع قبل قبضه من ضمان البائع وإن أودعه له المشتري 4/ 393.
(4)
. ذكر الشارح في الوكالة أن من المضمنات أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع أو أن يضعه بمحل ثم ينساه 5/ 333، ومن المضمنات أيضا ما ذكره الشارح قبيل المساقاة أنه لو أخذ ما لا يمكنه القيام به فتلف بعضه ضمنه.
وَقِيلَ إنْ أَوْدَعَ الْقَاضِيَ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِذَا لَمْ يُزِلْ يَدَهُ عَنْهَا جَازَتِ الِاسْتِعَانَةُ بِمَنْ يَحْمِلُهَا إلَى الحِرْزِ أَوْ يَضَعُهَا فِي خِزَانَةٍ مُشْتَرَكَةٍ. وَإِذَا أَرَادَ سَفَرًا فَلْيَرُدَّ إلَى المَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ
أما مع العذر كسفر مباح ومرض وخوف فلا يضمن بإيداعها عند تعذر المالك ووكيله لقاض أمين ثم لعدل (فيضمن) الوديعة; لأن المالك لم يرض بأمانة غيره ولا يده، أي يصير طريقا في ضمانها، فعُلم أن القرار على من تلفت عنده ما لم يكن الثاني جاهلا; لأن يده يد أمانة، وللمالك تضمين من شاء فإن ضمن الثاني وهو جاهل رجع -وإن كان التلف عنده- على الأول، أو عالمٌ فلا; لأنه غاصب، أو ضمّن الأول رجع على الثاني إن علم لا إن جهل (وقيل إن أودع القاضي لم يضمن) ; لأنه نائب الشرع، والأصح أنه لا فرق وإن غاب المالك; لأنه قد لا يرضى به، نعم إن طالت غيبته عرفا -وإن كان لدون مسافة القصر- جاز إيداعها للقاضي، ومحل ذلك في قاضٍ ثقة أمين
(1)
. ويلزم القاضي قبول عين الغائب إن كانت أمانة بخلاف الدين والمضمونة; لأن بقاءهما في ذمة المدين ويد الضامن أحفظ
(2)
(وإذا لم يُزِل يده عنها جازت) له (الاستعانة بمن يحملها) ولو خفيفة أمكنه حملها من غير مشقة (إلى الحرز) أو يحفظها ولو أجنبيا إن بقي نظره عليها كالعادة، نعم يشترط كونه ثقة إن غاب عنه لا إن لازمه كالعادة، ويؤيده قولهم متى كانت بمخزنه فخرج واستحفظ عليها ثقة يختص به -أي بأن يقضي العرف بغلبة استخدامه له- لم يضمن وإن لم يلاحظه بخلاف ما إذا استحفظ غير ثقة، أو من لا يختص به، أو وضعها بغير مسكنه ولم يلاحظها
(3)
(أو يضعها في خِزانة) من خشب أو بناء مثلاً (مشتركة) بينه وبين الغير. ويظهر أنه يشترط ملاحظته لها وعدم تمكين الغير منها إلا إن كان ثقة (وإذا أراد سفرا) مباحا كما مر وإن قصُر، والتقييد بالمباح هنا ليس بالنسبة للرد للمالك أو وكيله بل لمن بعدهما (فليرد) الوديع بنفسه لا وكيله إلا إن كان من عيال الموكل وكان ثقة مأمونا
(4)
(إلى المالك) أو وليه (أو وكيله) العام أو الخاص بها حيث لم يعلم رضاه
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. والكلام في مدين ثقة وحيث لم يخف الفوات، وإلا وجب الأخذ عينا أو دينا.
(3)
. صريح المغني أنه راجع إلى قوله: ((أو وضعها)) .. الخ فقط.
(4)
. ذكره الشارح في الوكالة.
فَإِنْ فَقَدَهُمَا فَالْقَاضِي، فَإِنْ فَقَدَهُ فَأَمِينٌ. فَإِنْ دَفَنَهَا وَسَافَرَ ضَمِنَ فَإِنْ أَعْلَمَ بِهَا أَمِينًا يَسْكُنُ المَوْضِعَ لَمْ يَضْمَنْ فِي الْأَصَحِّ
ببقائها عنده، لاسيما أن قصر السفر كالخروج لنحو ميل مع سرعة العود، ومتى ردها -مع وجود أحدهم
(1)
- لقاضٍ أو عدل ضمن، نعم لا يجوز الرد للوكيل إذا علم فسقه وجهله الموكل وعلم من حاله أنه لو علم فسقه لم يوكله (فإن فقدهما) لغيبة أو حبس مع عدم تمكن الوصول لهما (فالقاضي) يردها إليه إن كان ثقة مأمونا; لأنه نائب الغائب، ويلزمه القبول كما مر والإشهاد على نفسه بقبضها
(2)
. ولو أمره القاضي بدفعها لأمين كفى؛ إذ لا يلزمه تسلمها بنفسه (فإن فقده فأمين) بالبلد يدفعها إليه؛ لئلا يتضرر بتأخير السفر، ويلزمه الإشهاد
(3)
على الأمين بقبضها، وتكفي فيه العدالة الظاهرة ما لم يتيسر عدل باطنا. ومتى ترك هذا الترتيب مع قدرته عليه ضمن، وبه يعلم أنه لا عبرة بوجود القاضي الجائر، نعم محل العدول بها عن الحاكم الجائر ما لم يخش منه على نحو نفسه أو ماله وحينئذ يظهر أن سفره بها مع الأمن خير من دفعها للجائر. ولو عاد الوديع من السفر جاز له استردادها. ولو أذن له المالك في السفر بها إلى بلد كذا في طريق كذا فسافر في غير تلك الطريق مع إمكان السفر فيما نص له عليه ووصل لتلك البلد فنهبت منها ضمنها؛ لدخولها في ضمانه بمجرد عدوله عن الطريق المأذون فيها، ولو كان للبلد طريقان تعين سلوك آمنهما فإن استويا ولا غرض له في الأطول فأقصرهما (فإن دفنها) ولو في حرز (وسافر ضمن) ; لأنه عرَّضها للضياع (فإن أعلم بها أمينا) -ولو امرأة لم تحضر الدفن- وإن لم يره إياها (يسكن الموضع) وهو حرز مثلها، أو يراقبه -من سائر الجوانب أو من فوق- مراقبة الحارس، واكتفى جمع بكونه في يده (لم يضمن) -ولا بد أن يشهد
(4)
عليه إن تمكن الأمين من أخذها وإلا فلا- (في الأصح) ; لأن ما في الموضع في يد ساكنه فكأنه أودعه إياه، ومنه يؤخذ أن محل ذلك عند تعذر القاضي الأمين وإلا ضمن.
(1)
. أي المالك ووليه ووكيله.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(3)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(4)
. خلافا للنهاية.
وَلَوْ سَافَرَ بِهَا ضَمِنَ إلَّا إذَا وَقَعَ حَرِيقٌ أَوْ غَارَةٌ وَعَجَزَ عَمَّنْ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ كَمَا سَبَقَ، وَالحَرِيقُ وَالْغَارَةُ فِي الْبُقْعَةِ وَإِشْرَافُ الحِرْزِ عَلَى الخَرَابِ أَعْذَارٌ كَالسَّفَرِ. وَإِذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا فَلْيَرُدَّهَا إلَى المَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ، وَإِلَّا فَالحَاكِمِ أَوْ أَمِينٍ أَوْ يُوصِي بِهَا،
(ولو سافر) من أُوْدِعها في الحضر ولم يعلم المالك أن من عادته السفر أو الانتجاع (بها) وقدر على دفعها لمن مر بترتيبه (ضمن) وإن كان في بر آمن; لأن حرز السفر دون حرز الحضر. أما إذا أودعها في السفر فاستمر مسافرا، أو أودع بدويا -ولو في الحضر- أو منتجعا فانتجع بها فلا ضمان؛ لرضا المالك بذلك حين أودعه عالما بحاله، ومن ثم لو دلت قرينة حاله على أنه إنما أودعه فيه؛ لقربه من بلده امتنع إنشاؤه لسفر ثان (إلا إذا وقع حريق أو غارة وعجز عمن يدفعها إليه) من المالك أو وكيله ثم الحاكم ثم أمين (كما سبق) قريبا فلا يضمن؛ للعذر، بل إذا علم أنه لا ينجيها من الهلاك إلا السفر لزمه بها وإن كان مخوفا، فإن لم يعلم ذلك فإن كان احتمال الخوف في الحضر أقرب وجب. وتجب مؤنة نحو حملها هنا على المالك; لأن المصلحة له لا غير، ويأتي في الرجوع بها ما يأتي قريبا في النفقة. وما اقتضاه سياقه أنه لا بد في نفي الضمان من العذر والعجز المذكورين غير مراد بل العجز كاف كما علم من كلامه قبل (والحريق والغارة في البقعة وإشراف الحرز على الخراب) ولم يجد في الكل ثم حرزا ينقلها إليه (أعذار كالسفر) في جواز إيداع من مر بترتيبه. (وإذا مرض) مرضا (مخوفا فليردها إلى المالك) أو وليه (أو وكيله) العام أو الخاص بها (وإلا) يمكنه ردها لأحدهما (فالحاكم) الثقة المأمون يردها إليه (أو أمين) يردها إليه إن فقد القاضي، وسواء فيه هنا وفي الوصية الوارث وغيره. ولو ظنه أمينا فكان غير أمين ضمن; لأن الجهل لا يؤثر في الضمان مع تقصيره في البحث عنه، ومحله إن وضع المظنون أمانته يده عليها وإلا لم يضمن الوديع; لأنه لم يحدث فيها فعلا (أو يوصي بها) إلى الحاكم فإن فقد فإلى أمين، والمراد بالوصية الأمر بردها بعد موته من غير أن يسلمها للوصي وإلا كان إيداعا فيضمن به إن كان الوصي غير أمين أو أمكن الرد إلى قاض أمين. ويشترط الإشهاد على ما فعله من ذلك؛ صونا لها عن الإنكار، وأن يشير لعينها أو يصفها بمميزها، وحينئذ فإن لم يوجد في تركته ما أشار إليه أو وصفه فلا ضمان على الورثة، فعُلم أن قوله ((عندي وديعة لفلان أو ثوب له)) لا يدفع الضمان عن المورث سواء وجد في
فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ، إلَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ بِأَنْ مَاتَ فَجْأَةً. وَمِنْهَا إذَا نَقَلَهَا مِنْ مَحَلَّةٍ أَوْ دَارٍ إلَى أُخْرَى دُونَهَا فِي الحِرْزِ ضَمِنَ
الثانية
(1)
في تركته ثوب واحد أو أثواب أو لم يوجد، وكذا لو وصفه ووجد عنده أثواب بتلك الصفة؛ لتقصيره في البيان، ولا يُعطى شيئا مما وجد في هذه الصور بل يكون الواجب له البدل الشرعي فيعينه الوارث مما شاء. ولا ضمان فيما إذا علم تلفها بعد الوصية بلا تفريط في حياته أو بعد موته وقبل تمكن الوارث من الرد، نعم يُضمّن وارث قصّر بعدم إعلام مالك جهل ذلك المالك الإيصاء، أو بعدم الرد بعد طلبه وتمكنه منه. وإن وجد ما هو بتلك الصفة من غير تعدد لم يقبل قول الوارث أنها غير الوديعة؛ لمخالفته لما أقر به مورثه أن ما بهذه الصفة ليس له. وكالمرض المخوف ما أُلحق به مما مر، نعم الحبس للقتل في حكم المرض هنا لا ثم (فإن لم يفعل) كما ذكر (ضمن) إن لم تكن بها بينة باقية؛ لتقصيره بتعريضها للفوات; لأن الوارث يعتمد ظاهر اليد ويدعيها له وإن وجد خط مورثه; لأنه كناية، ومحل الضمان إذا لم تكن بها بينة باقية كما هو معلوم (إلا) منقطع; لأن المقسم ((مَرِضَ مخوفا)) (إذا لم يتمكن بأن مات فجأة) أو قتل غيلة؛ لانتفاء التقصير. ولو أوصى بها على الوجه المعتبر فلم توجد بتركته لم يضمنها كما مر، وكذا لو لم يوص فادعى المودِع أنه قصر وقال الوارث لعلها تلفت قبل أن ينسب لتقصير فيصدق الوارث. وتقبل دعوى الوارث تلفها عند مورثه بلا تعدٍّ أو رد مورثه لها. ولو جهل حالها ولم يقل الوارث شيئا بل قال لا أعلم وأجوِّز أنها تلفت على حكم الأمانة فلم يوص بها لذلك ضمنها
(2)
; لأنه لم يدع مسقطا، هذا كله إن لم يثبت تعديه فيها، أو يوجد في تركته ما هو من جنسها أو ما يمكن أن يكون اشتراه بمال القراض في صورته، ولم يكن قاضيا أمينا أو نائبه; لأنه أمين الشرع فلا يضمن إلا إن تحققت خيانته أو تفريطه سواء مات عن مرض أوْ لا. ولا يقبل قول وارث الأمين أنه رد بنفسه أو تلفت عنده إلا ببينة، وسائر الأمناء كالوديع فيما ذكر، (ومنها) ما تضمَّنه قوله (إذا نقلها) لغير ضرورة (من محلة) إلى محلة أخرى (أو دار إلى) دار (أخرى دونها في الحرز) وإن كانت حرز مثلها
(3)
(ضمن) ; لأنه
(1)
. هي قوله: ((أو ثوب)).
(2)
. وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية فاعتمد عدم الضمان.
(3)
. صوَّر الرملي المتن في النهاية تبعا لأبيه بما إذا عين المالك حرزا، فإن لم يعين فلا ضمان بنقله إلى الأدون حيث كان حرز مثلها خلافا للشارح والمغني وشيخ الإسلام بالضمان في النقل إلى الأدون مطلقا.
وَإِلَّا فَلَا. وَمِنْهَا أَلَّا يَدْفَعَ مُتْلَفَاتِهَا. فَلَوْ أَوْدَعَهُ دَابَّةً فَتَرَكَ عَلْفَهَا ضَمِنَ،
عرضها للتلف سواء أتلفت بسبب النقل أم لا، نعم إن نقلها بظن الملك لم يضمن بخلاف ما لو انتفع بها بظنه; لأن التعدي هنا أعظم (وإلا) يكن دونه بأن تساويا فيه أو كان المنقول إليه أحرز (فلا) يضمن وإن كان النقل لقرية أخرى لا سفر بينهما ولا خوف. ولو حصل الهلاك
(1)
بسبب النقل فلا ضمان؛ لعدم التفريط من غير مخالفة. وخرج بإلى أخرى نقلها بلا نية تعدٍّ من بيت لبيت في دار وخان واحد فلا ضمان به حيث كان الثاني حرز مثلها، هذا كله حيث لم يعين المالك حرزا ولا نهى عن النقل ولا كان الحرز مستحقا له أما إذا عينه فلا أثر لنقلها لمثله أو أعلى منه إحرازا ولو في قرية أخرى بقيده السابق
(2)
؛ حملا لتعينه على اعتبار الحرزية دون التخصيص؛ إذ لا غرض فيه بخلافه من غير ضرورة لدونه وإن كان حرز مثلها فإنه يضمن، وكذا بأحد الأولين
(3)
إن هلكت بسبب النقل كأن انهدم عليها المنقول إليه وكذا إن سرقت أو غصبت منه، وأما مع النهي أو كون الحرز مستحقا للمالك فيضمن بالنقل لغير ضرورة حتى للأحرز؛ لتعديه بخلافه لضرورة نحو غرق أو أخذ لص فإنه يجب ويضمن بتركه. ويتعين مثل الحرز الأول إن وجد، نعم إن نهاه عنه ولو مع الخوف فلا وجوب ولا ضمان بتركه ولا بفعله، ولا أثر لنهي نحو ولي. ويطالب الوديع بإثبات الضرورة الحاملة له على النقل، (ومنها ألا يدفع متلفاتها) التي يتمكن من دفعها على العادة; لأنه من أصول حفظها، فعلم أنه لو وقع بخزانته حريق فبادر لنقل أمتعته فاحترقت الوديعة لم يضمنها إلا إن أمكنه إخراج الكل دفعة من غير مشقة لا تحتمل لمثله عادة. ولو تعددت الودائع لم يضمن ما أخره منهما ما لم يكن الذي أخره يسهل عادة الابتداء به، أو جمعه مع ما أخذه منها (فلو أودعه دابة فترك علْفها) أو سقيها مدة يموت مثلها فيها جوعا أو عطشا ولم ينهه عنه (ضمن) ـها أي صارت مضمونة عليه وإن لم تمت؛ لتسببه إلى تلفها، حتى لو تلفت بسبب آخر غرم قيمتها.
(1)
. وفاقا لإطلاق النهاية وشرح الروض وخلافا لإطلاق المغني.
(2)
. أي لا سفر بينهما ولا خوف.
(3)
. أي مثل الحرز وأعلى منه.
فَإِنْ نَهَاهُ عَنْهُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ أَعْطَاهُ المَالِكُ عَلَفًا عَلَفَهَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَيُرَاجِعُهُ أَوْ وَكِيلُهُ، فَإِنْ فُقِدَا فَالحَاكِمُ،
وموتها قبل تلك المدة لا شيء فيه ما لم يكن بها جوع أو عطش سابق ويعلمه وحينئذ يضمن الكل.
[فرع] لو رأى أمين كوديع وراع مأكولا تحت يده وقع في مهلكة فذبحه جاز، وإن تركه حتى مات فإن كان ثَم من يشهده على سبب الذبح فتركه ضمن وإلا فلا؛ لعذره
(1)
؛ لأن قوله ذبحتها لذلك لا يقبل، ولا يقبل
(2)
قوله بعد ذبحها لم أجد شهودا على سببه وكذا بعد البيع لنحو السوس؛ احتياطا لإتلاف مال الغير (فإن نهاه) المالك (عنه) أي علفها (فلا) ضمان عليه (في الأصح) وإن أثم كما لو أذن له في الإتلاف، ولا أثر لنهي نحو ولي إن علم الوديع الحال. ويجب عليه أن يأتي الحاكم ليجبر مالكها إن حضر أو ليأذن له في الإنفاق ليرجع عليه إن غاب. ولو نهاه لنحو تخمة امتثل وجوبا فإن علفها مع بقاء العلة ضمن إن علم بها
(3)
(فإن أعطاه المالك علَفا علفها منه، وإلا) بأن لم يعطه شيئا (فيراجعه أو وكيله) ليردها أو ينفقها، وإذا أعطاه علفا لم يحتج لتقديره بل له العمل فيه بالعادة (فإن فقدا فالحاكم) يراجعه ليؤجرها وينفقها من أجرتها، فإن عجز اقترض على المالك حيث لا مال له حاضر أو باع بعضها أو كلها بالمصلحة. والذي ينفقه على المالك هو الذي يحفظها من التعيب لا الذي يسمنها، ولو كانت سمينة عند الإيداع وجب علفها بما يحفظ نقصها عن عيب ينقص قيمتها. ولو فقد الحاكم أنفق بنفسه ثم إن أراد الرجوع أشهد على ذلك إن أمكن وإلا نوى الرجوع
(4)
، نعم يجوز له نحو البيع أو الإيجار أو الاقتراض كالحاكم عند تعذر الإنفاق عليها مطلقا إلا بذلك. هذا كله في معلوفة أما الراعية فيجب تسريحها مع ثقة إن كان الزمن أمنا ووجد ثقة متبرعا أو بأجرة مثله ولم تزد على قيمة العلف، وحينئذ يأتي فيها ما تقرر في العلف، فلو ترك ذلك وأنفق عليها لم يرجع، أما لو كان الزمن مخوفا أو لم يجد الثقة المذكور وتعذرت مراجعة المالك
(1)
. وظاهر النهاية عدم الضمان مطلقا وجد شهودا يشهدهم أو لا.
(2)
. خلافا لظاهر النهاية.
(3)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(4)
. خلافا لهما فاعتمدا عدم الرجوع عند عدم الإشهاد.
وَلَوْ بَعَثَهَا مَعَ مَنْ يَسْقِيهَا لَمْ يَضْمَنْهَا فِي الْأَصَحِّ. وَعَلَى المُودَعِ تَعْرِيضُ ثِيَابِ الصُّوفِ لِلرِّيحِ كَيْلَا يُفْسِدَهَا الدُّودُ، وَكَذَا لُبْسُهَا عِنْدَ حَاجَتِهَا. وَمِنْهَا أَنْ يَعْدِلَ عَنِ الحِفْظِ المَأْمُورِ بِهِ وَتَلِفَتْ بِسَبَبِ الْعُدُولِ فَيَضْمَنُ،
فتساوي حينئذ المعلوفة فيما مر فيها
(1)
. ولو اعتيد رعيها بلا راع مع غلبة سلامتها كان له ذلك؛ مراعاة للعادة، وخرج بالدابة نحو النخل إذا لم يأمره بسقيه فتركه ومات فإنه لا يضمنه
(2)
بخلافها؛ لحرمة الروح، وعليه فلو أمره به لزمه لا مجانا فإن تركه حينئذ ضمن. (ولو بعثها) في زمن الأمن (مع من يسقيها) وهو ثقة أو غيره ولاحظه كما علم مما مر (لم يضمنها في الأصح) وإن لاق به مباشرته بنفسه; لأنه العادة. وهو استنابة لا إيداع. أما في زمن الخوف أو مع غير ثقة ولم يلاحظه فيضمن قطعا. (وعلى المودَع تعريض ثياب الصوف) ونحوها من شعر ووبر وغيرهما (للريح) وإن لم يأمره المالك به فيخرجها حتى من صندوق مقفل علم بها فيه فيفتحه لنشرها، ويظهر أنه إن أعطاه مفتاحه لزمه الفتح وإلا جاز (كي لا يفسدها الدود، وكذا لبسها عند حاجتها) إليه ولو في نحو نوم توقف الدفع عليه بأن تعين طريقا لدفع الدود بسبب عبق ريح الآدمي بها، نعم إن لم يلق به لبسها ألبسها من يليق به بهذا القصد قدر الحاجة مع ملاحظته ولو كان ثقة، فإن ترك ذلك ضمن ما لم ينهه، ولابد من نية نحو اللبس لأجل ذلك. ولو لم يندفع نحو الدود إلا بلبس تنقص به قيمتها نقصانا فاحشا تعين فعل الأصلح من ذلك أو بيعها. ولو خاف من نحو النشر أو اللبس ظالما عليها ولم يتيسر دفعها لنحو مالكها تعين البيع. وأفهم قوله ((كي لا إلى آخره)) وجوب ركوب دابة أو تسييرها خوفا عليها من الزمانة. ولو تركها لكونها بنحو صندوق ولم يعلم بها أو لم يعطه مفتاحه لم يضمنها. ولو ترك الوديع شيئا مما لزمه لجهله بوجوبه عليه وعذر لنحو بعده عن العلماء لم يبعد
(3)
أن يقال أنه لو علم المالك بجهله ولم ينبهه فهو المقصر فلا ضمان وإلا فالمقصر الوديع فيضمن. (ومنها أن يعدل عن الحفظ المأمور) به من المودع (وتلفت بسبب العدول) المقصر هو به (فيضمن)؛ لحصول التلف
(1)
. من أنه يراجع الحاكم ليؤجرها وينفقها من أجرتها .. الخ.
(2)
. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني وشرح الروض.
(3)
. اعتمد النهاية الضمان.
فَلَوْ قَالَ لَا تَرْقُدْ عَلَى الصُّنْدُوقِ فَرَقَدَ وَانْكَسَرَ بِثِقَلِهِ وَتَلِفَ مَا فِيهِ ضَمِنَ، وَإِنْ تَلِفَ بِغَيْرِهِ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لَا تُقْفِلْ عَلَيْهِ قُفْلَيْنِ فَأَقْفَلَهُمَا. وَلَوْ قَالَ ارْبِطِ الدَّرَاهِمَ فِي كُمِّك فَأَمْسَكَهَا فِي يَدِهِ فَتَلِفَتْ فَالمَذْهَبُ أَنَّهَا إنْ ضَاعَتْ بِنَوْمٍ وَنِسْيَانٍ ضَمِنَ، أَوْ بِأَخْذِ غَاصِبٍ فَلَا، وَلَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ بَدَلًا عَنِ الرَّبْطِ فِي الْكُمِّ لَمْ يَضْمَنْ،
من جهة مخالفته وتقصيره (فلو قال لا ترقد على الصُّندوق فرقد وانكسر بثقله وتلف ما فيه ضمن)؛ لذلك (وإن تلف بغيره) أي العدول أو الثقل كأن سرق وهو في بيت محرز من أي جانب كان، أو صحراء من رأس الصندوق (فلا) يضمن (على الصحيح) ; لأنه زاد خيرا ولم يأت التلف مما عدل إليه. أما إذا سرق من جانب صندوق من نحو صحراء فيضمن لكن إن سرق من جانبٍ كان يرقد فيه عادة لو لم يرقد فوقه; لأنه بالرقاد فوقه أخلى جانبه فنسب التلف لفعله بخلاف ما لو سرق من غير مرقده أو في بيت محرز أوْ لا مع نهي -وإن سرق من محل مرقده-; لأنه زاد احتياطا ولم يحصل التلف بفعله، ويضمن أيضا لو أمره بالرقاد أمامه فرقد فوقه فسرق من أمامه. (وكذا لو قال لا تقفل عليه) فأقفل، أو لا تقفل (قُفلين فأقفلهما) فلا ضمان؛ لما مر (ولو قال اربِط الدراهم في كمك فأمسكها في يده فتلفت فالمذهب أنه) أي الشأن (إن ضاعت بنوم) أ (ونسيان ضمن)؛ لحصول التلف من جهة المخالفة إذ لو ربطت لم تضع بأحد ذينك (أو) تلفت (بأخذ غاصب فلا) ضمان; لأن اليد أمنع له من الربط، نعم إن نهاه عن أخذها بيده ضمن مطلقا. ولو امتثل الربط فإن جعل الخيط من خارج الكم ضمن إن أخذها الطرار
(1)
; لأنه أغراه عليها بإظهارها له، وإن استرسلت فلا إن أحْكم الربط، وإن جعله داخله انعكس الحكم (ولو جعلها) وقد قال له اربطها في كمك (في جيبه) وهو المعروف، أو الذي بإزاء الحلق (بدلا عن الربط في الكم) فضاعت من غير ثقب فيه؛ لما يأتي (لم يضمن) ; لأنه أحرز ما لم يكن واسعا غير مزرور.
[تنبيه] صريح كلامهم أن الواسع غير المزرور لا يكتفى به وإن سُتر بثوب فوقه وأن الضيق
(2)
أو المزرور يكفي وإن لم يستر
وللنظر فيهما مجال; لأن ستر الأول يمنع الأخذ منه غالبا لكنه لا يمنع السقوط منه بنوم أو نحوه وظهور الثاني مغر للطرار عليه وإن منع سقوطه
(1)
. هو الذي يقطع الهمايين أو يشق كم الرجل ويسل ما فيه، لسان العرب.
(2)
. ظاهر المغني اعتماد إطلاقهما وظاهر النهاية اعتماد إطلاق الثاني وتقييد الأول بعدم الستر.
وَبِالْعَكْسِ يَضْمَنُ. وَلَوْ أَعْطَاهُ دَرَاهِمَ بِالسُّوقِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ الحِفْظِ فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ وَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ أَوْ جَعَلَهَا فِي جَيْبِهِ لَمْ يَضْمَنْ، وَإِنْ قَالَ احْفَظْهَا فِي الْبَيْتِ فَلْيَمْضِ إلَيْهِ وَيُحْرِزْهَا، فَإِنْ أَخَّرَ بَلَا عُذْرٍ ضَمِنَ
ولو قيل في الأول يضمن إن سقط لا إن أخذه طرار وفي الثاني بالعكس لم يبعد (وبالعكس) بأن أمره بوضعها في الجيب فربطها في الكم (يضمن) قطعا؛ لما تقرر أن الجيب بشرطه أحرز منه (ولو أعطاه دراهم بالسوق) مثلا (ولم يبين كيفية الحفظ) فإن عاد بها إلى بيته لزمه إحرازها فيه وإلا اتبعت العادة في الإحراز.
وإن لم يعد بها إلى بيته (فربطها في كمه وأمسكها) مثلا (بيده) فإن ربطها فيه ولم يمسكها أتى فيه ما مر فيما لو أمره بربطها في كمّه
(1)
(أو جعلها في جيبه) المذكور بشرطه (لم يضمن
(2)
; لأنه احتاط في الحفظ بخلاف ما إذا كان الجيب واسعا غير مزرور، أو مثقوبا قبل الوضع وإن جهله، ولا يضمن إن حدث الثقب بعد الوضع إن كان حدوثه لا بسبب الوضع ولا بسبب آخر يظن حصوله عادة بخلاف ما لو وضعها في كمه بلا ربط فسقطت فإنه يضمن الخفيفة; لأنه لا يشعر بها إذا سقطت بخلاف الثقيلة أي مما يعتاد وضع مثله في الكم. ولو ربطها في التكة
(3)
أو وضعها في كور
(4)
عمامته وشدها لم يضمن، ومحله إن أخذت من غير طرّ وإلا وقد ظهر جرمها ضمن; لأنه أغراه عليها حينئذ، (وإن قال) له وقد أعطاها له في السوق مثلا (احفظها في البيت) فقبل (فليمض إليه) حالا (ويحرزها) عقب وصوله (فإن أخر) شيئا من ذلك (بلا عذر ضمن)؛ لتفريطه وإن كانت خسيسة أو كان في سوقه وحانوته وهو حرز مثلها ولو لم تجر عادته بالقيام منه إلا عِشاء، والمراد بالعذر هنا الضروري أو القريب منه وليس هو الآتي في التأخير بعد الطلب; لأن ما هنا أضيق. ولو قال له وقد أعطاها له في البيت احفظها
(1)
. أي من النظر لكيفية الربط وجهة التلف كما في النهاية والمغني.
(2)
. سقط من نسخة الشيخ ابن حجر في المنهاج قوله: ((وإن أمسكها بيده لم يضمن إن أخذها غاصب، ويضمن إن تلفت بغفلة أو نوم)).
(3)
. وهي رباط السراويل، لسان العرب.
(4)
. هو تدوير العمامة على الرأس، لسان العرب.
وَمِنْهَا أَنْ يُضَيِّعَهَا بِأَنْ يَضَعَهَا فِي غَيْرِ حِرْزِ مِثْلِهَا، أَوْ يَدُلُّ عَلَيْهَا سَارِقًا أَوْ مَنْ يُصَادِرُ المَالِكَ. فَلَوْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ حَتَّى سَلَّمَهَا إلَيْهِ فَلِلْمَالِكِ تَضْمِينُهُ فِي الْأَصَحِّ
في البيت فخرج بها، أو لم يخرج وربطها في نحو كمه مع إمكان حفظها في نحو صندوق ضمن بخلاف ما إذا لم يجد مفتاحه مثلا، لا إن شدَّها مما يلي أضلاعه فلا يضمن -إن لم يكن التلف في زمن الخروج بسبب المخالفة-; لأن هذا أحرز من البيت، فإن لم يقل شيئا اتبعت العادة. ولو نام ومعه الوديعة فضاعت فإن كان بحضرة من يحفظها أو في محل حرز لها لم يضمن وإلا ضمن. (ومنها أن يضيعها) ولو لنحو نسيان (بأن) بمعنى كأن؛ إذ أنواع الضياع كثيرة: منها أن ينام عنها إلا إن كانت بِرَحْله ورفقته حوله أي مستيقظين؛ إذ لا تقصير بالنوم حينئذ، وأن (يضعها في غير حرز مثلها) بغير إذن مالكها وإن قصد إخفاءها كما لو هجم عليه قطاع فألقاها بِمَضِيْعَة
(1)
أو غيرها إخفاءً لها فضاعت.
[تنبيه] ضابط الحرز هنا كما فصلوه في السرقة بالنسبة لأنواع المال والمحال
، وعليه فالدار المغلقة ليلا ولا نائم فيها غير حرز هنا أيضا وإن كانت ببلد آمن، ولو قال -أي لمن معه في الدار- احفظ داري فأجاب فذهب المالك وبابها مفتوح ثم الآخر ضمن بخلاف المغلقة على التفصيل الآتي ثَمّ، ولو سرق الوديعة من الحرز من يساكنه فيه ضمن الوديع مطلقاً حيث وضعها في غير حرز مثلها، ولو ذهب بها فأر من حرزها في جدار لم يجز لمالكها حفره مجانا; لأن مالكه لم يتعد بخلاف ما إذا تعدى نظير ما قالوه في دينار وقع بمحبرة، أو فصيل ببيت ولم يمكن إخراجه إلا بكسرها أو هدمه يكسر ويهدم بالأرش إن لم يتعد مالك الظرف وإلا فلا أرش (أو يدل) لكن الضمان إن تلفت بسبب الدلالة (عليها) مع تعيين محلها (سارقا) أو نحوه (أو من يصادر المالك) ; لأنه أتى بنقيض ما التزمه من الحفظ، ومن ثم كان طريقا في الضمان وإن أكره على الدلالة. ولو قال لا تخبر بها فخالف فإن أخذها مخبره أو مخبر مخبره ضمن وإن لم يعين موضعها وإلا فلا.
[فرع] أعطاه مفتاح حانوته أو بيته فدفعه لأجنبي أو ساكنٍ معه ففتح وأخذ المتاع لم يضمنه
; لأنه إنما التزم حفظ المفتاح لا المتاع، ومن ثم لو التزمه ضمنه أيضا (فلو أكرهه ظالم) وإن كانت ولايته عامة (حتى سلمها إليه) أو لغيره (فللمالك تضمينه) أي الوديع (في الأصح)؛
(1)
. هي المفازة المنقطعة.
ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الظَّالِمِ. وَمِنْهَا أَنْ يَنْتَفِعَ بِهَا بِأَنْ يَلْبَسَ أَوْ يَرْكَبَ خِيَانَةً، أَوْ يَأْخُذَ الثَّوْبَ لِيَلْبَسَهُ أَوِ الدَّرَاهِمَ لِيُنْفِقَهَا فَيَضْمَنَ. وَلَوْ نَوَى الْأَخْذَ وَلَمْ يَأْخُذ لَمْ يَضْمَنْ عَلَى الصَّحِيحِ
لمباشرته للتسليم، ولو مضطرا؛ إذ لا يؤثر ذلك في ضمان المباشرة (ثم يرجع) الوديع (على الظالم) -وإن علم أنه لا يتسلمها لو لم يسلمها إليه-؛ لأنه استولى عليها حقيقة. أما لو أخذها الظالم قهرا من غير فعل من الوديع فلا ضمان عليه قطعا، ويلزم الوديع دفع الظالم بما أمكنه أي ولو بتعييبه لها، فإن لم يندفع إلا بالحلف بالله -دون الطلاق- جاز وكفَّر، نعم يجب الحلف بالله إن كانت الوديعة حيوانا يريد قتله أو قنا يريد الفجور به، ومتى حلف بالطلاق حنث; لأنه لم يكرهه عليه بل خيّره بينه وبين التسليم بخلاف ما لو أخذ قطاعٌ مالَ رجلٍ ولم يتركوه حتى يحلف به أنه لا يخبر بهم فأخبر بهم; لأنهم أكرهوه على الحلف عينا. (ومنها أن ينتفع بها) بعد أخذها لا بِنِيَّةِ ذلك (بأن يلبس) نحو الثوب أو يجلس عليه مثلا (أو يركب) الدابة، أو يطالع في الكتاب (خيانة) أي لغير ما أذن له فيه فيضمن لتعديه بخلاف الخاتم إذا لبسه الرجل في غير الخنصر فإنه لا يعد استعمالا له، وكذا في لخنصر بقصد الحفظ، ويصدّق فيه؛ إذ لا يعلم إلا منه، نعم لو اعتاد لبسه في غير الخنصر كالإبهام مثلا لم يضمن إلا بلبسه في الإبهام من غير نية الحفظ، وإنما صدّق المالك فيما لو اختلفا في وقوع الخوف؛ لسهولة البينة به، ولا يرد عليه ما لو استعملها ظانا أنها ملكه فإن ضمانها مع عدم الخيانة معلوم من كلامه في الغصب فإن لم يستعملها لم يضمنها (أو) بأن (يأخذ الثوب) مثلا (ليلبسه، أو الدراهم لينفقها فيضمن) قيمة المتقوم بأقصى القيم، ومثل المثلي إن تلف، وأجرة المثل إن مضت مدة عنده لمثلها أجرة وإن لم يلبس وينفق; لأن العقد أو القبض لَمَّا اقترن بنية التعدي صار كقبض الغاصب. وخرج بقوله ((الدراهم)) أخذ بعضها كدرهم فيضمنه فقط ما لم يفضّ ختما أو يكسر قفلا فإن رده لم يزل ضمانه حتى لو تلف الكل ضمن درهما، أو النصف ضمن نصف درهم ولا يضمن الباقي بخلطه به وإن لم يتميز بخلاف رد بدله إذا لم يتميز أو نقصت به; لأنه ملكه فجرى فيه ما لو خلطها بماله، (ولو نوى) بعد القبض (الأخذ) أي قصده قصدا مصمما (ولم يأخذ لم يضمن على الصحيح) ; لأنه لم يحدث فعلا ولا وضْعَ يدٍ تعديا لكنه يأثم. أما إذا أخذ فيضمن بالأخذ لا بالنية السابقة عليه; لأن مجرد النية لا يُضَمِّن، ويجري الخلاف السابق فيما إذا نوى عدم
وَلَوْ خَلَطَهَا بِمَالِهِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ ضَمِنَ، وَلَوْ خَلَطَ دَرَاهِمَ كِيسَيْنِ لِلْمُودِعِ ضَمِنَ فِي الْأَصَحِّ. وَمَتَى صَارَتْ مَضْمُونَةً بِانْتِفَاعٍ وَغَيْرِهِ ثُمَّ تَرَكَ الخِيَانَةَ لَمْ يَبْرَأْ، فَإِنْ أَحْدَثَ لَهُ المَالِكُ اسْتِئْمَانًا بَرِئَ فِي الْأَصَحِّ. وَمَتَى طَلَبَهَا المَالِكُ لَزِمَهُ الرَّدُّ بِأَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا. فَإِنْ أَخَّرَ بَلَا عُذْرٍ ضَمِنَ
الرد وإن طلب المالك. (ولو خلطها) عمدا أو سهوا (بماله) أو مال غيره ولو أجود (ولم يتميز) بأن عسر تمييزها كبر بشعير (ضمن) ضمان الغصب بأقصى قيم المتقوم ومثل المثلي؛ لأن المالك لم يرض بذلك، ولدخولها في ملكه بمجرد الخلط الذي لا يمكن فيه التمييز، أما لو تميزت بنحو سكة فلا يضمنها إلا إن نقصت بالخلط. (ولو خلط دراهم كيسين للمودع) ولم تتميز وقد أودعهما غير مختومين (ضمن) تلك الدراهم بما مر (في الأصح)؛ لتعديه، أما لو كانا مختومين فيضمن ما في كل بفض الخاتم فقط كفتح الصندوق المقفل بخلاف حل خيط يشد به رأس الكيس، أو رزمة القماش; لأن القصد هنا منع الانتشار لا كتمه عنه، (ومتى صارت مضمونة بانتفاع وغيره ثم ترك الخيانة لم يبرأ) كما لو جحدها ثم أقر بها ويلزمه ردها فورا (فإن أحدث له المالك) الرشيد قبل أن يردها له (استئمانا) أو إذنا في حفظها أو إبراء أو إيداعا (برئ) الوديع من ضمانها (في الأصح) ; لأنه أسقط حقه. ولو أتلفها فأحدث له استئمانا أو نحوه في البدل لم يبرأ. وخرج بأحدث قوله له قبل الخيانة ((إن خنت ثم تركت عدت أمينا)) فلا يبرأ به قطعا; لأنه إبراء عما لم يجب، وكذا لو أبرأه نحو وكيل وولي (ومتى طلبها) لا على وجهٍ يلوح بجحدها كأن طالبه بحضرة ظالم متشوف إليها (المالك) لكلها المطلقُ التصرف ولو سكران (لزمه الرد) على الفور، ولا يجوز له التأخير للإشهاد وإن سلمها له بإشهاد؛ لقبول قوله في الرد (بأن يخلي بينه وبينها) ومؤنة الرد على المالك. أما مالك حجر عليه لنحو سفه أو فلس فلا يرد إلا لوليه وإلا ضمن كالرّد لأحد شريكين أو دعاه فإن أبى إلا أخذ حصته رفعه لقاضٍ أو محكم يقسمها له، وعُلم من ذلك أن من أعطى غيره خاتمه مثلا أمارة لقضاء حاجة وأمره برده إذا قضيت فتركه بعد قضائها في حرزه فضاع لم يضمنه؛ لما تقرر أنه إنما يلزمه التخلية لا غير وهي لا تكون إلا بعد الطلب، (فإن أخر) التخلية بعد الطلب، أو أخرّ إعلام المالك
(1)
بحصول ماله بيده بنحو هبوب ريح إن لم يعلمه، أو بحصوله في حرز كذا إن علمه لا بقيد كونه في ذلك الحرز (بلا عذر) أثم، و (ضمن
(2)
؛ لتعديه بخلافه لنحو صلاة وطهر
(1)
. ويكون الإعلام بقصده إلى محله أو إرسال خبرها له مع من يثق به كما في كتاب السير 9/ 227.
(2)
. وتقدم في الوكالة أن الوديع لا ينعزل إلا ببلوغ الخبر 5/ 348.
وَإِنِ ادَّعَى تَلَفَهَا وَلَمْ يَذْكُرْ سَبَبًا أَوْ ذَكَرَ خَفِيًّا كَسَرِقَةٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ ذَكَرَ ظَاهِرًا كَحَرِيقٍ فَإِنْ عُرِفَ الحَرِيقُ وَعُمُومُهُ صُدِّقَ بَلَا يَمِينٍ، وَإِنْ عُرِفَ دُونَ عُمُومِهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ جُهِلَ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ، ثُمَّ يُحَلَّفُ عَلَى التَّلَفِ بِهِ
وأكل دخل وقتها وهي بغير مجلسه، وملازمة غريم، ومن العذر أيضاً التأخير للإشهاد على التسليم إلى وكيل
(1)
أو ولي أو حاكم طلب الوديعة ممن أودعه إياها؛ لاحتمال عزله فلا يقبل قول الوديع في الدفع إليه حينئذ فكان تأخيره الدفع إليه حتى يشهد على نفسه بالأخذ منه عذرا. ولو طال زمن العذر كنَذْرِ اعتكاف شهر متتابع لزمه توكيل أمين يردها إن وجده متبرعا وإلا يوكل رَفَعَ المودِع الأمرَ للحاكم ليلزمه ببعث من يسلمها له، فإن أبى الوديع البعث وكان خروجه لذلك يقطع تتابع اعتكافه أرسل الحاكم أمينه ليسلمها له كما لو غاب الوديع، فإن عجز عن التوكيل لزمه الخروج ولا ينقطع به تتابعه، وحينئذ يلزمه الحاكم بالخروج بنفسه. ومتى ترك ما لزمه هنا مع القدرة عليه ضمن وأثم.
[تنبيه] محل ما ذكر من الإثم والضمان إن دلت قرينة على إرادة الفور كما هنا
؛ إذ طلب المالك أو وكيله وقوله مثلاً لأحد: أعطها أين أو من قدرت عليه من وكلائي فقدر على أحدهما أو أحدهم ظاهر في احتياجه لها أو في نزعها منه، ومن ثم ضمن بالتأخير بخلاف ما لو قال ادفعها لمن شئت من ذين أو من وكلائي فأبى فلا ضمان ولا إثم (وإن ادعى) الوديع (تلفها
(2)
ولم يذكر سببا) له أو ذكر سببا (خفيا كسرقة) وغصب (صدق بيمينه) إجماعا، ولا يلزمه بيان السبب، نعم يلزمه الحلف له أنها تلفت بغير تفريط منه، ولو نكل عن اليمين على السبب الخفي حلف المالك أنه لا يعلمه وغرَّمه البدل (وإن ذكر ظاهرا كحريق) وموت (فإن عُرِف) بالبينة أو الاستفاضة (الحريق وعمومه صدق بلا يمين)؛ لإغناء ظاهر الحال عنها، نعم إن اتهم بأن احتمل سلامتها حلف وجوبا (وإن عرف دون عمومه) واحتمل سلامتها (صدق بيمينه)؛ لاحتمال ما ادعاه (وإن جهل طولب ببينة) على وقوعه (ثم بحلف على التلف به)؛ لاحتمال سلامتها، وإنما لم يكلف ببينة على التلف به; لأنه مما يخفى، فإن نكل حلف مالكها
(1)
. وتقدم في الوكالة أنه يلزم وكيل أمره موكله بإيداع ماله عند معين أو مبهم الإشهاد عليه 5/ 348.
(2)
. أشار الشارح في فصل مستحق القود أنه لو أتلف وديعة أحد مالكيها رجع على الآخر لا على الوديع 8/ 436.
وَإِنِ ادَّعَى رَدَّهَا عَلَى مَنْ ائْتَمَنَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ عَلَى غَيْرِهِ كَوَارِثِهِ أَوِ ادَّعَى وَارِثُ المُودَعِ الرَّدَّ عَلَى المَالِكِ أَوْ أَوْدَعَ عِنْدَ سَفَرِهِ أَمِينًا فَادَّعَى الْأَمِينُ الرَّدَّ عَلَى المَالِكِ طُولِبَ بِبَيِّنَةٍ، وَجُحُودُهَا بَعْدَ طَلَبِ المَالِكِ مُضَمِّنٌ
على نفي العلم بالتلف ورجع عليه (وإن ادعى) وديع لم يضمن الوديعة بتفريط أو تعد (ردها على من ائتمنه) وهو أهل للقبض حال الرد مالكا كان أو وليه أو وكيله أو قيما أو حاكما (صدق بيمينه) ; لأنه رضي بأمانته فلم يحتج لإشهاد عليه به، كما يصدق جابٍ ادعى تسليم ما جباه لمستأجره على الجباية كوكيل بجعل ادعى تسليم الثمن لموكله (أو) ادعى الوديع الرد (على غيره) أي غير من ائتمنه (كوارثه، أو ادعى وارث المودَع الرد) منه (على المالك) للوديعة (أو أودع) الوديع (عند سفره أمينا) لم يعينه المالك (فادعى الأمين الرد على المالك طولب) كل ممن ذكر (ببينة) كما لو ادعى من طيرت الريح ثوبا لنحو داره وملتقط الرد على المالك; لأن الأصل عدم الرد ولم يأتمنه. أما لو ادعى وارث الوديع أن مورثه ردها على المودع أو أنها تلفت في يد مورثه أو يده قبل التمكن من الرد من غير تفريط فيصدق بيمينه كما مر; لأن الأصل عدم حصولها في يد الوارث وعدم تعديهما. وأفهم المتن تصديق الأمين في الأخيرة في ردها على الوديع وهو كذلك; لأنه ائتمنه؛ بناء على أن للوديع أخذها منه بعد عوده من السفر كما مر، (وجحودها) بأن قال لم تودعني (بعد طلب المالك) لها يمنع قبول دعواه الرد أو التلف المسقط للضمان قبل ذلك؛ للتناقض، لا طلبه تحليف المالك، ولا البينة بأحدهما؛ لاحتمال نسيان الوديع أصل الإيداع بخلاف قوله لا وديعة لك عندي فيقبل منه الكل أي دعوى الرد أو التلف أو البينة. هذا كله حيث تلفت وإلا فهو بقسميه (مضمن
(1)
-وإن ادعى غلطا أو نسيانا لم يصدقه فيه المالك-; لأنه خيانة، نعم إن طلبها منه بحضرة ظالم خشي عليها منه فجحدها؛ دفعا للظالم لم يضمن; لأنه محسن بالجحد حينئذ. وخرج بطلب المالك قوله ابتداء أو جوابا لسؤال غير المالك -ولو بحضرته- أو لقول المالك ((لي عندك وديعة)) ((لا وديعة لأحد عندي)) ; لأن إخفاءها أبلغ في حفظها. ولو أنكر أصل الإيداع الثابت بنحو بينة حبس، ويكفي جوابه بلا تستحق علي شيئا؛ لتضمنه دعوى تلفها أو ردها.
(1)
. تقدم في القراض أن لو ادعى المالك القرض والآخر الوديعة صدق الآخذ 6/ 105.
[تنبيه] من كان عنده وديعة أيس من مالكها بعد البحث التام أو كان عنده لقطة من الحرم صرفها في أهم المصالح إن عرف وإلا سأل عارفا، ويقدم الأحوج
؛ لأنه مال ضائع فمتى لم ييأس من مالكه أمسكه له أبدا مع التعريف ندبا أو أعطاه للقاضي الأمين فيحفظه له كذلك، ومتى أيس منه -أي بأن يبعد في العادة وجوده- صار من جملة أموال بيت المال فيصرفه في مصارفها من هو تحت يده أو يدفعه للإمام ما لم يكن جائرا. والأفضل أن لا يبني به مسجدا
(1)
.
(1)
. ((فرع)) حيث كانت يد الوديع يد أمانه فمؤنة الرد على المودع، أو ضمان فعلى الوديع كما مر في البيع 4/ 375.
كتاب قَسم الفيء والغنيمة
الفَيءُ مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بَلَا قِتَالٍ وَإِيجَافِ خَيْلٍ وَرِكَابٍ كَجِزْيَةٍ وَعُشْرِ تِجَارَةٍ وَمَا جَلَوْا عَنْهُ خَوْفًا وَمَالِ مُرْتَدٍّ قُتِلَ أَوْ مَاتَ وَذِمِّيٍّ مَاتَ بَلَا وَارِثٍ فَيُخَمَّسُ. وَخُمْسُهُ لِخَمْسَةٍ: أَحَدُهَا مَصَالحُ المُسْلِمِينَ كَالثُّغُورِ وَالْقُضَاةِ
(كتاب قَسم الفيء والغنيمة)
القسم النصيب والقيمة الربح والمشهور تغايرهما (الفيء مال) أو اختصاص (حصل) لنا (من كفار) حربيين أو غيرهم، نعم يشترط كونه ملكهم ليخرج ما استولوا عليه لنحو مسلم فإنه يجب رده إليه كما يأتي قريبا، وخرج به نحو صيدُ دارِهم الذي لم يستولوا عليه فإنه مباح فيملكه آخذه كما في أرضنا (بلا قتال وإيجاف) أي إسراع نحو (خيل وركاب) أي إبلٍ وبلا مؤنة لها وقع، فالكلام في حصول ذلك بغير عقد ونحوه مما لا منة فيه للمأخوذ فلا يدخل نحو إهداء الكافر (كجزية) وخراج وغيره مما هو في حكم الأجرة حتى لا يسقط بإسلامهم ويؤخذ من مال من لا جزية عليه; لأنه وإن كان أجرة يصدق عليه حد الفيء، ومنه نحو صبي دخل دارنا فأخذه مسلم وضالة حربي ببلادنا بخلاف كامل دخل دارنا فأخذ; لأن أخذه يحتاج لمؤنة أي غالبا (وعُشْر تجارة) يعني ما أخذه من أهلها ساوى العشر أوْ لا، وما صولح عليه أهل بلد من غير نحو قتال (وما جلوا) أي هربوا (عنه خوفا) ولو من غيرنا، بل ما تركوه لا لمعنى أو لنحو عجز دوابهم عن حمله هو فيء أيضا، وما جلوا عنه بعد تقابل الجيشين غنيمة (ومال) واختصاص (مرتد قتل أو مات) على الردة (و) مال واختصاص (ذمي) أو معاهد أو مستأمن (مات بلا وارث) مستغرق بأن لم يترك وارثا أصلا أو ترك وارثا غير حائز فجميع ماله في الأول وما فضل عن وارثه في الثاني لبيت المال، فإن خلَّف مستغرقين لميراثه بمقتضى شرعنا ولم يترافعوا إلينا لم نتعرض لهم في قسمته (فيخمس) جميع الفيء خمسة أسهم متساوية (وخُمُسُهُ لخمسة) متساوية:
(أحدها مصالح المسلمين كالثغور) وهي محال الخوف من أطراف بلادنا فتشحن بالعدة والعدد (والقضاة) أي قضاة البلاد، لا قضاة العسكر وهم الذين يحكمون لأهل الفيء في مغزاهم فيرزقون من الأخماس الأربعة -لا من خمس الخمس- كأئمة العسكر ومؤذنيهم
وَالْعُلَمَاءِ يُقَدَّمُ الْأَهَمّ فَالْأَهَمُّ، وَالثَّانِي بَنُو هَاشِمٍ وَالمُطَّلِبِ يَشْتَرِكُ الْغَنِيُّ وَالْفَقِيرُ وَالنِّسَاءُ وَيُفَضَّلُ الذَّكَرُ كَالْإِرْثِ، وَالثَّالِثُ الْيَتَامَى، وَهُوَ صَغِيرٌ لَا أَبَ لَهُ، وَيُشْتَرَطُ فَقْرُهُ عَلَى المَشْهُورِ،
(والعلماء) يعني المشتغلين بعلوم الشرع وآلاتها ولو مبتدئين، والأئمة والمؤذنين ولو أغنياء، وسائر من يشتغل عن نحو كسبه بمصالح المسلمين؛ لعموم نفعهم، وأُلحق بهم العاجزون عن الكسب. والعطاء إلى رأي الإمام معتبرا سعة المال وضيقه، ولثبوت الاستحقاق من هذا الخمس لابد من بينة.
[فائدة] منع السلطان المستحقين حقوقهم من بيت المال جاز للمستحق أن يأخذ ما يعطى إذا كان قدر حقه والباقون مظلومون
; لأن المال ليس مشتركا بين المسلمين، ومن ثم من مات وله فيه حق لا يستحقه وارثه، وأفتى المصنف بأن من غصب أموالا لأشخاص وخلطها ثم فرقها عليهم بقدر حقوقهم جاز لكل أخذ قدر حقه، أو على بعضهم لزم من وصل له شيء قسمته عليه وعلى الباقين بنسبة أموالهم. ولا يعارض ما مر هذا الإفتاء; لأن أعيان الأموال يحتاط لها ما لا يحتاط لمجرد تعلق الحقوق (يقدم الأهم فالأهم) وجوبا وأهمها سد الثغور.
(والثاني بنو هاشم و) بنو (المطلب) المسلمون; لأنه صلى الله عليه وسلم وضع سهم ذوي القربى الذي في الآية فيهم. والعبرة بالانتساب للآباء دون الأمهات; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يعط الزبير وعثمان رضي الله عنهما شيئا مع أن أميهما هاشميتان (يشترك) فيه (الغني والفقير)؛ لإطلاق الآية، نعم محله إن وسع المال وإلا قُدِّم الأحوج (والنساء) ; لأن فاطمة وصفية عمة أبيها رضي الله عنهما كانا يأخذان منه (ويُفَضَّل الذكر كالإرث) بجامع أنه استحقاق بقرابة الأب فله مثل حظي الأنثى بخلاف الوصية، فإن قلت ينافي ذلك أخذ الجد مع الأب، وابن الابن مع الابن واستواء مدلٍ بجهتين ومدل بجهة قلت: لا ينافيه; لأن التشبيه بالإرث من حيث الجملة لا بالنسبة لكل على انفراده، نعم الخنثى يعطى كالأنثى ولا يوقف له شيء.
(والثالث اليتامى)؛ للآية (وهو) أي اليتيم (صغير) لم يبلغ بسن أو احتلام؛ لخبر ((لا يتم بعد احتلام)) (لا أب له) وإن كان له جد ولو لم يكن من أولاد المرتزقة، ويدخل فيه ولد الزنا والمنفي لا اللقيط. أما فاقد الأم فيقال له منقطع، ويتيم البهائم فاقد أمه، والطيور فاقدهما، (ويشترط) إسلامه و (فقره) أو مسكنته (على المشهور) ; لأن لفظ اليتم يشعر
وَالرَّابِعُ وَالخَامِسُ المَسَاكِينُ وَابْنُ السَّبِيلِ، وَيَعُمُّ الْأَصْنَافَ الْأَرْبَعَةَ المُتَأَخِّرَةَ، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِالحَاصِلِ فِي كُلِّ نَاحِيَةٍ مَنْ فِيهَا مِنْهُمْ، وَأَمَّا الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا لِلْمُرْتَزِقَةِ، وَهُمُ الْأَجْنَادُ المُرْصَدُونَ لِلْجِهَادِ، فَيَضَعُ الْإِمَامُ دِيوَانًا، وَيَنْصِبُ لِكُلِّ قَبِيلَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ عَرِيفًا، وَيَبْحَثُ عَنْ حَالِ كُلِّ وَاحِدٍ وَعِيَالِهِ
بالحاجة. ولا بد في ثبوت اليتم والإسلام والفقر هنا من البينة، وكذا تشترط البينة في إعطاء القسم الأول، فلو ادعى شخص القيام بشيء من مصالح المسلمين كالاشتغال بالعلم وكونه إماماً طولب ببينة تُثبت دعواه، أما في الهاشمي والمطلبي فلا بد مع البينة فيهما من الاستفاضة لنسبه.
(والرابع والخامس المساكين وابن السبيل) -ولو بقولهم بلا يمين وإن اتهموا، نعم يظهر في مدعي تلفِ مالٍ له عُرِف، أو مدعي عيالٍ أنه يكلف بينة- وذلك؛ للآية، ويأتي بيانهما، والمساكين يشملون الفقراء، ولهما مال ثان وهو الكفارة وثالث وهو الزكاة. ويشترط الإسلام في الكل والفقر في ابن السبيل أيضا. ولو اجتمع وصفان في واحد أعطي بأحدهما إلا الغزو مع نحو القرابة فيعطى بهما. (ويعم) الإمام أو نائبه (الأصناف الأربعة) وجميع آحادهم (المتأخرة) بالعطاء -غائبهم عن محل الفيء وحاضرهم- وجوبا؛ لظاهر الآية، نعم يجوز التفاوت بين آحاد الصنف غير ذوي القربى؛ لاتحاد القرابة وتفاوت الحاجة المعتبرة في غيرهم لا بين الأصناف. ولو قلَّ الحاصل بحيث لو عمَّ لم يسد مسدا خص به الأحوج؛ للضرورة (وقيل يخص بالحاصل في كل ناحية من فيها منهم. وأما الأخماس الأربعة فالأظهر أنها للمرتزقة) وقضاتهم وأئمتهم ومؤذنيهم وعمالهم ما لم يوجد متبرع (وهم الأجناد المرصدون) في الديوان (للجهاد)؛ لحصول النصرة بهم بعده صلى الله عليه وسلم. وخرج بهم المتطوعة بالغزو إذا نشطوا فيعطون من الزكاة دون الفيء عكس المرتزقة أي ما لم يعجز سهمهم عن كفايتهم فيكمل لهم الإمام من سهم سبيل الله؛ أخذا من قولهم أنه إذا عدم مال الفيء من يد الإمام والمرتزقة مفقود فيهم شرط استحقاق سهم سبيل الله لم يجز صرفه إليهم، فإن لم يفقد فيهم ولو لم يكفهم لضاعوا ورأى صرفه إليهم وأن انتهاضهم للقتال أقرب من انتهاض المتطوعة لم يعترض عليه (فيضع) ندبا (الإمام ديوانا) أي دفترا؛ اقتداء بعمر رضي الله عنه، فإنه أول من وضعه؛ لَمَّا كثر المسلمون (وينصب) ندبا (لكل قبيلة، أو جماعة عريفا) يعرفه بأحوالهم ويجمعهم عند الحاجة (ويبحث) الإمام وجوبا بنفسه أو نائبه الثقة (عن حال كل واحد) من المرتزقة (وعياله) وهم
وَمَا يَكْفِيهِمْ فَيُعْطِيهِ كِفَايَتَهُمْ وَيُقَدِّمُ فِي إثْبَاتِ الِاسْمِ وَالْإِعْطَاءِ قُرَيْشًا، وَهُمْ وَلَدُ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، وَيُقَدِّمُ مِنْهُمْ بَنِي هَاشِمٍ وَالمُطَّلِبِ ثُمَّ عَبْدِ شَمْسٍ ثُمَّ نَوْفَلٍ ثُمَّ عَبْدِ الْعُزَّى ثُمَّ سَائِرَ الْبُطُونِ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ الْأَنْصَارَ، ثُمَّ سَائِرَ الْعَرَبِ، ثُمَّ الْعَجَمَ وَلَا يُثْبِتُ فِي الدِّيوَانِ أَعْمَى وَلَا زَمِنًا وَلَا مَنْ لَا يَصْلُحُ لِلْغَزْوِ،
من تلزمه نفقتهم (وما يكفيهم فيعطيه) ولو غنيا (كفايتهم) من نفقة وكسوة وسائر مؤنهم مراعيا الزمن والغلاء والرخص وعادة المحل والمروءة وغيرها لا نحو علم ونسب؛ ليتفرغ للجهاد، ويزيد من زاد له عيال ولو زوجة رابعة، ويعطي لأمهات أولاده وإن كثرن، ولعبيد خدمته الذين يحتاجهم لا لِمَا زاد على حاجته إلا إن كان لحاجة الجهاد، وتُلحق إماؤه الموطوآت بعبيد الِخدْمَة فلا يُعطى إلا لمن يحتاجهن؛ لعفة أو دفع ضرر، ثم ما يدفع إليه لزوجته وولده وأصوله وسائر فروعه يملكه المرتزق ويصيّر إليهم من جهته (ويقدم) ندبا (في إثبات الاسم) في الديوان (والإعطاء قريشا)؛ لخبر الشافعي ((قدموا قريشا ولا تقدموها))، ولا يلحق بهم مواليهم هنا (وهم ولد النضر بن كنانة) بن خزيمة (ويقدم منهم بني هاشم)؛ لشرفهم بكونه صلى الله عليه وسلم منهم (و) بعدهم (المطلب) ; لأنه صلى الله عليه وسلم قرنهم بهم (ثم) بني (عبد شمس) ; لأنه شقيق هاشم (ثم) بني (نوفل) ; لأنه أخوه لأبيه (ثم) بني (عبد العزى) ; لأن خديجة رضي الله عنها منهم (ثم سائر البطون) من قريش (الأقرب فالأقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعد بني عبد العزى بني عبد الدار ثم بني زهرة بن كلاب أخوال النبي صلى الله عليه وسلم ثم بني تميم; لأن أبا بكر وعائشة منهم وهكذا (ثم) بعد قريش يقدم (الأنصار)؛ لآثارهم الحميدة في الإسلام (ثم سائر العرب)، نعم يقدم من كان أقرب منه صلى الله عليه وسلم وهو من غير قريش على الأنصار، ويقدم أيضا بعد الأنصار مضر ثم ربيعة ثم ولد عدنان ثم ولد قحطان
(1)
(ثم العجم) معتبرا فيهم النسب كالعرب، فإن لم يجتمعوا على نسب اعتبر ما يرونه أشرف فإن استوى هنا اثنان فكما يأتي، وذلك; لأن العرب أقرب منهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشرف. ومتى استوى اثنان قربا قدم السبق للإسلام ثم بالدين ثم بالسن ثم بالهجرة ثم بالشجاعة ثم يتخير الإمام (ولا يثبت) وجوبا (في الديوان) مع المرتزقة (أعمى ولا زمنا ولا من لا يصلح للغزو) لنحو جبن أو فقد
(1)
. عبارة المغني، وهو ما مال إليه الشيخ ابن حجر.
وَلَوْ مَرِضَ بَعْضُهُمْ أَوْ جُنَّ وَرُجِيَ زَوَالُهُ أُعْطِيَ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُعْطَى، وَكَذَا زَوْجَتُهُ وَأَوْلَادُهُ إذَا مَاتَ فَتُعْطَى الزَّوْجَةُ حَتَّى تَنْكِحَ وَالْأَوْلَادُ حَتَّى يَسْتَقِلُّوا. فَإِنْ فَضَّلَتِ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَنْ حَاجَاتِ المُرْتَزِقَةِ وُزِّعَ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ مُؤْنَتِهِمْ،
يد أو جهل بالقتال وصفة الإقدام؛ لعجزهم، ومحله في مرتزق كذلك أما عيال مرتزق بهم ذلك فيثبتون تبعا له. ويجوز إثبات أخرس وأصم وكذا أعرج إن كان يقاتل فارسا لا راجلا (ولو مرض بعضهم أو جن ورجي زواله) ولو بعد مدة طويلة (أعطي) -وإن لم يكن مسكينا- وبقي اسمه في الديوان؛ لئلا يرغب الناس عن الجهاد (فإن لم يرج فالأظهر أنه يعطى) أيضا؛ لذلك لكن يمحى اسمه من الديوان وجوبا، والذي يعطاه كفاية ممونه اللائقة به الآن، (وكذا) يعطى ممون المرتزق ما يليق بذلك الممون وهو:(زوجته) وإن تعددت ومستولداته (وأولاده
(1)
وإن سفلوا وأصوله الذين تلزمه مؤنتهم في حياته، ولا يشترط إسلامهم
(2)
؛ لاغتفارهم في التابع المحض ما لم يغتفروا في المتبوع (إذا مات) وإن لم يرج كونهم من المرتزقة بعدُ؛ لئلا يعرضوا عن الجهاد إلى الكسب لإغناء عيالهم، والأوجه إعطاء ممون العالم من مال المصالح إلى الاستغناء (فتعطى) المستولدة (والزوجة حتى تنكح) أو تستغني بكسب أو غيره، فإن لم تنكح فإلى الموت
(3)
(والأولاد) الذكور والإناث (حتى يستقلوا) أي يستغنوا ولو قبل البلوغ بكسب أو نحو وصية أو وقف أو نكاح للأنثى أو جهاد للذكر، وكذا بقدرته على الكسب إذا بلغ; لأنه بالبلوغ صلح للجهاد فإذا تركه وله قدرة على الكسب لم يعط. ثم الخيرة في وقت العطاء إلى الإمام كجنس المعطى، نعم لا يفرق الفلوس وإن راجت، وله إسقاط بعضهم لكن بسبب، ويجيب من طلب إثبات اسمه إن رآه أهلا وفي المال سعة، ولبعضهم إخراج نفسه لعذر مطلقا ولغيره إلا إن احتجنا إليه، ويظهر أن المراد بالعذر المقدم على حاجتنا إليه ما يترتب عليه ضرر لنا أو له أعظم مما يترتب على ترك حاجتنا إليه (فإن فضَّلت الأخماس الأربعة عن حاجات المرتزقة) أي ما يحتاجونه في المدة المضروبة للتفرقة عليهم من نحو شهر أو سنة (وزّع) الفاضل (عليهم) ولا يختصّ بالرجال المقاتلة
(4)
(على قدر مؤنتهم) ; لأنه حقهم
(1)
. ولا يثبت اسم ولد مرتزق طلبه إلا بيمينه كما هو قضية كلام الشارح في الإقرار 5/ 355.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية وشرح الروض.
(3)
. هنا غاية اعتمداها وتبرأ منها الشارح.
(4)
. كما في فتح الجواد.
وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُصْرَفَ بَعْضُهُ فِي إصْلَاحِ الثُّغُورِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ، هَذَا حُكْمُ مَنْقُولِ الْفَيْءِ. فَأَمَّا عَقَارُهُ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ يُجْعَلُ وَقْفًا، وَتُقَسَّمُ غَلَّتُهُ كَذَلِكَ
(والأصح أنه يجوز) له (أن يصرف بعضه) أي الفاضل لا كله (في إصلاح الثغور و) في (السلاح والكراع) وهو الخيل; لأنه معونة لهم، ولا يدخر من الفيء في بيت المال شيئا ما وجد له مصرفا ولو نحو بناء رباطات ومساجد اقتضاها رأيه وإن خاف نازلة؛ تأسيا بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فإن نزلت فعلى أغنياء المسلمين القيام بها
(1)
. ولا خلاف في جواز صرفه للمرتزقة عن السنة القابلة، وله صرف مال الفيء في غير مصرفه وتعويض المرتزقة إذا رآه مصلحة. (هذا حكم منقول الفيء فأما عقاره) من بناء أو أرض (فالمذهب أنه) لا يصير وقفا بنفس الحصول، بل الإمام مخير بين أنه (يُجْعَل وقفا وتقسم غلته) في كل سنة مثلا (كذلك) أي على المرتزقة بحسب حاجاتهم; لأنه أنفع لهم، أو تقسم أعيانه عليهم، أو يباع ويقسم ثمنه بينهم. والأخماس الأربعة من الخمس الخامس حكمها ما مر بخلاف الخمس الخامس الذي للمصالح فإنه لا يقسم بل يباع أو يوقف -وهو أولى- ويصرف ثمنه أو غلته فيها. ومن مات من المرتزقة بعد جمع المال وتمام المدة المضروبة للتفرقة كالحول مثلا فنصيبه لوارثه، أو قبل تمام الحول كان لورثته قسط المدة، أو بعد الحول وقبل الجمع فلا شيء لوارثه. ولو ضاق المال عنهم بأن لم يسد بالتوزيع مسدا بدئ بالأحوج وإلا وزع عليهم بنسبة ما كان لهم، ويصير الفاضل هنا ونصيب من لم يعط في الأولى دينا لهم على بيت المال لا على ناظره.
(1)
. كما في فتح الجواد أيضاً.
فصل
الْغَنِيمَةُ: مَالٌ حَصَلَ مِنْ كُفَّارٍ بِقِتَالٍ وَإِيجَافٍ. فَيُقَدَّمُ مِنْهُ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ، وَهُوَ ثِيَابُ الْقَتِيلِ وَالخُفُّ وَالرَّانُ وَآلَاتُ الحَرْبِ كَدِرْعٍ وَسِلَاحٍ وَمَرْكُوبٍ وَسَرْجٍ وَلِجَامٍ
(فصل) في الغنيمة وما يتبعها
(الغنيمة مال) وكذا اختصاص وإن كانت له أحكام خاصة (حصل من) مالكين له (كفار) أصليين حربيين (بقتال) أ (و إيجاف) لنحو خيل أو إبل منا، لا من ذميين فإنه لهم ولا يخمس، وأما ما أخذه الكافر من مسلم قهرا فيجب رده لمالكه كفداء الأسير يُردُّ إليه إن كان من ماله وإلا ردّ لمالكه. وأما ما حصل من مرتدين ففيء كما مر، ومن ذميين يرد إليهم، وكذا ممن لم تبلغه الدعوة أصلا، أو لم تبلغه دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم ولو لم يتمسك بدين حق
(1)
(2)
. ولا يرد على التعريف ما هربوا عنه عند الالتقاء وقبل شهر السلاح وما صالحونا به أو أهدوه لنا عند القتال فإن القتال لما قرب وصار كالمتحقق الموجود صار كأنه موجود هنا بطريق القوة المنزلة منزلة الفعل بخلاف ما تركوه بسبب حصول نحو خيلنا في دارهم فإنه فيء; لأنه لما لم يقع تلاق لم تقو شائبة القتال فيه (فيقدم منه) أي من أصل المال (السّلَب للقاتل) المسلم ولو نحو صبي وقن وإن لم يشترط له وإن كان المقتول نحو قريبه وإن لم يقاتل، أو نحو امرأة أو صبي إن قاتلا ولو أعرض عنه؛ للخبر المتفق عليه ((من قتل قتيلا له عليه بيَّنة فله سلبه))، نعم القاتل المسلم القن لذمي لا يستحقه وإن خرج بإذن الإمام وكذا نحو مخذل وعين (وهو ثياب القتيل) التي عليه (والخف والران) وهو خف طويل لا قدم له يلبس للساق (وآلات الحرب كدرع) وهو المسمى اللامة (وسلاح)، قضيته أن الدرع غير سلاح وهو كذلك، وقد يطلق عليه (ومركوب) ولو بالقوة كأن قاتل راجلا وعنانه بيده مثلا، ولا يكفي إمساك غلامه له حينئذ وإن نزل لحاجة (وسرج ولجام) ومقود
(3)
(1)
. الظاهر رجوعه للمعطوف فقط، وعبارة المغني صريحة في رجوعه للمعطوف عليه أيضاً.
(2)
. خلافا للمغني فعنده تفصيل في ذلك.
(3)
. المقود الحبل يشد في الزمام أو اللجام تقاد به الدابة، الصحاح.
وَكَذَا سِوَارٌ وَمِنْطَقَةٌ وَخَاتَمٌ، وَنَفَقَةٌ مَعَهُ وَجَنِيبَةٌ تُقَادُ مَعَهُ فِي الْأَظْهَرِ، لَا حَقِيبَةٌ مَشْدُودَةٌ عَلَى الْفَرَسِ عَلَى المَذْهَبِ. وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِرُكُوبِ غَرَرٍ يَكْفِي بِهِ شَرَّ كَافِرٍ فِي حَالِ الحَرْبِ، فَلَوْ رَمَى مِنْ حِصْنٍ أَوْ مِنَ الصَّفِّ أَوْ قَتَلَ نَائِمًا أَوْ أَسِيرًا أَوْ قَتَلَهُ وَقَدِ انْهَزَمَ الْكُفَّارُ فَلَا سَلَبَ،
ومهماز
(1)
ولثبوت يده على ذلك لأجل القتال حسا (وكذا سوار ومنطقة
(2)
وهميان
(3)
بما فيه وطوق
(4)
(وخاتم ونفقة معه وجنيبة) فرس أو غيره ولو من غير جنس مركوبه كراكب فرس معه نحو ناقة أو بغل جنيب، لا أكثر من واحدة ولا ولد مركوبة، والخيرة في واحد من الجنائب للمستحق (تقاد) وإن لم يقدها هو (معه) أمامه أو خلفه أو بجنبه، ويلحق بها سلاح مع غلامه يحمله له (في الأظهر)؛ لاتصال هذه الأشياء به مع احتياجه للجنيبة (لا حقيبة مشدودة على الفرس) وما فيها من نقد ومتاع (على المذهب)؛ لانفصالها عن فرسه مع عدم الاحتياج إليها، نعم لو جعلها وقاية لظهره اتجه دخولها (وإنما يستحق) القاتل السلب (بركوب غرر يكفي به) أي الركوب أو الغرر المسلمين (شر كافر) أصلي مقبل على القتال (في حال الحرب) كأن أغرى به كلبا أو أعجميا
(5)
يعتقد وجوب طاعته ووقف في مقابلته حتى قتله بمغراه; لأنه خاطر بروحه حيث صبر في مقابلته حتى عقره الكلب (فلو رمي من حصن أو من الصف أو قتل نائما) أو غافلا أو مشغولا أو نحو شيخ هم (أو أسيرا) لغيره وإلا فسيأتي (أو قتله وقد انهزم الكفار) بالكلية بخلاف ما إذا تحيزوا أو قصدوا نحو خديعة؛ لبقاء القتال، ولو انهزم واحد فتبعه حتى قتله مرتكبا الغرر فيه أن له سلبه وإن بَعُد عن الجيش وانقطعت نسبته عنه بخلاف المنهزم بانهزام جيشه؛ لاندفاع شره (فلا سلب)؛ لعدم التغرير بالنفس الذي جعل له السلب في مقابلته. ولو أثخنه واحد وقتله آخر فهو للمثخن؛ لما يأتي، فإن لم يثخنه فللثاني أو أمسكه واحد ولم يمنعه الهرب فقتله آخر فلهما، فإن منعه فهو الآسر.
(1)
. وهو حديدة في مؤخرة خلف الرائض، الصحاح.
(2)
. انتطق الرجل لبس المنطق، وهو كل ما شدت به وسطه، لسان العرب.
(3)
. وهو كيس الدراهم.
(4)
. وهو حلي العنق.
(5)
. خلافا لهما.
وَكِفَايَةُ شَرِّهِ أَنْ يُزِيلَ امْتِنَاعَهُ بِأَنْ يَفْقَأَ عَيْنَيْهِ أَوْ يَقْطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ أَسَرَهُ أَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يُخَمَّسُ السَّلَبُ عَلَى المَشْهُورِ. وَبَعْدَ السَّلَبِ يُخْرَجُ مُؤْنَةُ الحِفْظِ وَالنَّقْلِ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ يُخَمَّسُ الْبَاقِي فَخُمُسُهُ لِأَهْلِ خُمُسِ الْفَيْءِ يُقَسَّمُ كَمَا سَبَقَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّ النَّفَلَ يَكُونُ مِنْ خُمُسِ الخُمُسِ المُرْصَدِ لِلْمَصَالحِ إنْ نَفَلَ مِمَّا سَيُغْنَمُ فِي هَذَا الْقِتَالِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُنَفِّلَ مِنْ مَالِ المَصَالحِ الحَاصِلِ عِنْدَهُ،
ولو كان أحدهما لا سلب له كمخذل كان ما يثبت له لولا المانع غنيمة
(1)
(وكفاية شره أن يزيل امتناعه بأن يفقأ) يعني يزيل ضوء (عينيه) أو العين الباقية له (أو يقطع يديه ورجليه) ; لأنه صلى الله عليه وسلم ((أعطى سلب أبي جهل لعنه الله لمثخنيه ابني عفراء دون قاتله ابن مسعود رضي الله عنهم)(وكذا لو أسره) فقتله الإمام أو مَنَّ عليه أو أرقه أو فداه، نعم لا حق للآسر في رقبة المأسور وفدائه; لأن اسم السلب لا يقع عليهما (أو قطع يديه أو رجليه) أو قطع يدا أو رجلا (في الأظهر) ; لأنه أزال أعظم امتناعه، وفرض بقائه مع هذا أو ما قبله نادر (ولا يخمس السلب على المشهور)؛ للاتباع (وبعد السلب يخرج) من رأس مال الغنيمة حيث لا متطوع (مؤنة الحفظ والنقل وغيرهما) من المؤن اللازمة؛ للحاجة إليها، ولا يجوز له إخراجها وثم متطوع ولا بأكثر من أجرة المثل; لأنه كولي اليتيم (ثم يخمس الباقي) وإن شرط عليهم عدم تخميسه فيجعل خمسة أقسام متساوية ويكتب على رقعة لله أو للمصالح وعلى أربعة للغانمين وتدرج في بنادق ويقرع فما خرج لله جعل خمسه للخمسة السابقين في الفيء كما قال:(فخمسه لأهل خمس الفيء يقسم كما سبق) والأربعة الباقية للغانمين وتقدم قسمتها بينهم لحضورهم، ويكره تأخيرها لدارنا بل يحرم إن طلبوا تعجيلها ولو بلسان الحال. ولا يصح شرط الإمام من غَنِم شيئا فهو له (والأصح أن النفَْل يكون من خمس الخمس المرصد للمصالح) ; لأنه المأثور كما جاء عن ابن المسيب، وإنما يجري هذا الخلاف (إن نَفَل) بأن شرط الإمام الثلث مثلا (مما سيغنم في هذا القتال) وغيره، ويغتفر الجهل؛ للحاجة، وأفهمت السين امتناع التنفيل مع الجهل بالقدر مما غُنِم وهو كذلك بخلاف ما إذا علم كما قال: (ويجوز أن ينفل من مال المصالح الحاصل
(2)
عنده) في بيت المال. ويجب تعيين قدره؛ إذ لا حاجة لاغتفار الجهل
(1)
. للسبكي هنا إيراد على المتن أقره المغني ورده الشارح.
(2)
. ومثله المتجدد كما في المغني.
وَالنَّفَْلُ زِيَادَةٌ يَشْتَرِطُهَا الْإِمَامُ أَوْ الْأَمِيرُ لِمَنْ يَفْعَلُ مَا فِيهِ نِكَايَةٌ فِي الْكُفَّارِ وَيَجْتَهِدُ فِي قَدْرِهِ، وَالْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ عَقَارُهَا وَمَنْقُولُهَا لِلْغَانِمِينَ. وَهُمْ مَنْ حَضَرَ الْوَقْعَةَ بِنِيَّةِ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ
حينئذ، وما اقتضاه كلام المتن من تخييره بين الخمس ومال المصالح يحمل على ما إذا لم يظهر له أن أحدهما أصلح وإلا لزمه فعله (والنفَْل زيادة) على سهم الغنيمة (يشرطها الإمام أو الأمير) عند الحاجة لا مطلقا (لمن يفعل) ولو غير معين (ما فيه نكاية في الكفار) زائدة على نكاية الجيش كدلالة على قلعة وتجسس وحفظ مكمن سواء استحق سلبا أم لا. وللنفل قسم آخر وهو أن يزيد الإمام من صَدَر منه أثر محمود في الحرب كبراز وحسن إقدام وهو من سهم المصالح الذي عنده أو من هذه الغنيمة (ويجتهد) الإمام أو الأمير (في قدره) بحسب قلة العمل وخطره وضدهما. (والأخماس الأربعة) أي الباقي منها بعد السلب والمؤن (عقارها ومنقولها للغانمين)؛ للآية وفعله صلى الله عليه وسلم (وهم من حضر الوقعة
(1)
يعني قبل الفتح ولو بعد الإشراف عليه (بنية القتال) بخلاف المخذل والمرجف
(2)
(وإن لم يقاتل) أو قاتل وإن حضر بنية أخرى؛ لقول أبي بكر وعمر رضي الله عنهما إنما الغنيمة لمن شهد الوقعة ولا مخالف لهما من الصحابة، فعُلم أنه لو هرب أسير من كفار فحضر بنية خلاص نفسه دون القتال لم يستحق إلا إن قاتل لكن إن كان من غير هذا الجيش وإلا استحق. ولو انهزم حاضر غير متحرف ولا متحيزا إلى فئة قريبة لم يستحق شيئا مما غنم في غيبته، ولا يَرِد; لأن انهزامه أبطل نية القتال، فإن عاد أو حضر شخص الوقعة في الأثناء لم يستحق إلا مما غنم بعد حضوره. ويصدق متحرف لقتال أو متحيز لفئة قريبة بيمينه إن عاد قبل انقضاء الحرب فيشارك في الجميع. والسرايا المبعوثة من دار الحرب شركاء فيما غنمه كل الجيش وإن اختلفت الجهة وفَحُش البعد بينهم. أما المبعوثة من دارنا فلا يشاركون إلا إن تعاونوا واتحد أميرهم والجهة؛ إذ لا يكونون كجيش واحد إلا فيما ذكر، ويلحق بكل جاسوسها وحارسها وكمينها
(3)
; لأنهم في حكم
(1)
. وذكر الشارح في الإقرار أنه لا يُعطى صبيٌّ غازٍ ادعى الاحتلام قبل انقضاء الحرب فأنكره أمير الجيش إلا بيمينه 5/ 355.
(2)
. ولا يردان خلافا للمغني.
(3)
. ولا يرد واحد من هؤلاء خلافا للمغني.
وَلَا شَيْءَ لِمَنْ حَضَرَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْقِتَالِ، وَفِيمَا قَبْلَ حِيَازَةِ المَالِ وَجْهٌ. وَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُمْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ وَالحِيَازَةِ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ وَكَذَا بَعْدَ الِانْقِضَاءِ وَقَبْلَ الحِيَازَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ مَاتَ فِي الْقِتَالِ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ. وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْأَجِيرَ لِسِيَاسَةِ الدَّوَابِّ وَحِفْظِ الْأَمْتِعَةِ، وَالتَّاجِرَ وَالمُحْتَرِفَ يُسْهَمُ لَهُمْ إذَا قَاتَلُوا. وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ ثَلَاثَةٌ
الحاضرين (ولا شيء لمن حضر بعد انقضاء القتال)؛ لما مر، (وفيما) لو حضر (قبل حيازة المال) جميعه وبعد انقضاء الوقعة (وجه) أنه يُعطى، (ولو مات بعضهم بعد انقضائه والحيازة فحقه) أي حق تملكه؛ لِمَا سيذكر أن الغنيمة لا تملك إلا بالقسمة أو اختيار التملك (لوارثه) كسائر الحقوق (وكذا) لو مات بعضهم (بعد الانقضاء) للقتال (وقبل الحيازة في الأصح)؛ لوجود المقتضي للتملك وهو انقضاء القتال (ولو مات في) أثناء (القتال) قبل حيازة شيء (فالمذهب أنه لا شيء له) فلا حق لوارثه في شيء. أو بعد حيازة شيء فله حصته منه، وفارق استحقاقه لسهم فرسه الذي مات أو خرج عن ملكه في الأثناء ولو قبل الحيازة بأنه أصل والفرس تابع فجاز بقاء سهمه للمتبوع. ومرضه وجرحه في الأثناء لا يمنع استحقاقه وإن لم يرج برؤه. والجنون والإغماء كالموت
(1)
(والأظهر أن الأجير) إجارة عين (لسياسة الدواب وحفظ الأمتعة والتاجر والمحترف) كالخياط (يسهم لهم إذا قاتلوا) ; لأنهم أولى ممن حضر بنية القتال ولم يقاتل. أما أجير الذمة فيستحق جزما إن قاتل أو نوى القتال كتاجر نوى القتال، وأجير الجهاد المسلم لا سهم له ولا رضخ ولا أجرة؛ لبطلان الإجارة له مع إعراضه عن القتال بالإجارة المنافية له (وللراجل سهم وللفارس) وإن غصب الفرس لكن من غير حاضر وإلا فلمالك الفرس كما لو ضاع فرسه في الحرب فوجده آخر فقاتل عليه فيسهم لمالكه (ثلاثة) واحد له واثنان لفرسه؛ للاتباع، وإن لم يقاتل عليه بأن كان معه أو بقربه متهيئا لذلك ولكنه قاتل راجلا، أو في سفينة بقرب الساحل واحتمل أن يخرج ويركب; لأنه قد يحتاج إليها. ولو حضرا بفرس مشترك أعطيا سهمه شركة بينهما فإن ركباها وكان فيها قوة الكر والفر بهما أعطيا أربعة أسهم سهمان لهما وسهمان للفرس وإلا فسهمان لهما فقط، نعم ينبغي أن لها الرضخ كما لا غناء فيه. ولو غزا نحو صبيان وعبيد ونساء قسم بينهم ما عدا الخمس بحسب ما
(1)
. خلافا للمغني.
وَلَا يُعْطَى إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ عَرَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، لَا لِبَعِيرٍ وَغَيْرِهِ. وَلَا يُعْطَى لِفَرَسٍ أَعْجَفَ وَمَا لَا غَنَاءَ فِيهِ، وَفِي قَوْلٍ يُعْطَى إنْ لَمْ يُعْلَمْ نَهْيُ الْأَمِيرِ عَنْ إحْضَارِهِ. وَالْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ وَالمَرْأَةُ وَالذِّمِّيُّ إذَا حَضَرُوا فَلَهُمْ الرَّضْخُ وَهُوَ دُونَ سَهْمٍ يَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي قَدْرِهِ
يقتضيه الرأي من تساوٍ وتفضيل ما لم يحضر معهم كامل وإلا فلهم الرضخ وله الباقي، فلو حضر ذميون مع مسلم كان لهم بعد الخمس الرضخ والباقي للمسلم (ولا يعطى) من معه أكثر من فرس (إلا لفرس واحد)؛ للاتباع (عربيا كان أو غيره)؛ لصلاح الكل للكرِّ والفرِّ (لا لبعير وغيره) كفيلٍ وبغل؛ إذ لا تصلح صلاحية الخيل، نعم يرضخ لها ولا يبلغ بها سهم فرس ويفاوت بينها وأعلاها الفيل فالبعير، قيل إلا الهجين فيقدم على الفيل وفيه نظر فالبغل فالحمار على الأوجه (ولا يعطى لفرس) لا نفع فيه كصغير وهو ما لم يبلغ سنة، و (أعجف) أي مهزول، ومثله الحرون
(1)
الجموح
(2)
(وما لا غَناء) أي نفع (فيه) لنحو كبر وهرم؛ لعدم فائدته (وفي قول يعطي إن لم يعلم نهي الأمير عن إحضاره) كالشيخ الهم، وفرق الأول بأن هذا ينتفع برأيه ودعائه. والكلام في السهم أما الرضخ فيعطى له أي ما لم يعلم النهي عن إحضاره؛ إذ لا يدخل الأمير دار الحرب إلا فرسا كاملا، ولا يؤثر طرو عجفه ومرضه وجرحه أثناء القتال (والعبد والصبي) والمجنون ولو غير مميزين (والمرأة) ومثلها الخنثى ما لم تبن ذكورته والأعمى والزمن وفاقد الأطراف والتاجر والمحترف إذا لم يقاتلا ولا نويا القتال (والذمي) وألحق به معاهد ومستأمن وحربي بشرطهم الآتي (إذا حضروا) ولو بغير إذن سيد وزوج وولي (فلهم) إن كان فيهم نفع ولم يكن
(3)
للمسلم منهم سلب (الرضخ) وجوبا؛ للاتباع في ذلك، وما للقن لسيده. أما المبعض فالرضخ بينه وبين سيده ما لم تكن مهايأة ويحضر في نوبته فيكون الرضخ له أو في نوبة سيده فلسيده (وهو دون سهم يجتهد الإمام في قدره) ; لأنه لم يرد فيه تحديد، ويفاوت بين مستحقيه بحسب تفاوت نفعهم ولا يبلغ برضخ راجل أو فارس سهم راجل، ولا برضخ الفرس سهمي الفرس الكامل وإن بلغ سهم الفارس؛ اعتباراً لكلّ
(1)
. فرس حرون لا ينقاد وإذا اشتد به الجري وقف، تاج العروس.
(2)
. جمح الفرس إذا اعتز فارسه وغلبه، تاج العروس.
(3)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي حيث اعتمدوا أن المسلم منهم يستحق الرضخ وإن استحق السلب.
وَمَحِلُّهُ الْأَخْمَاسُ الْأَرْبَعَةُ فِي الْأَظْهَرِ.
قُلْتُ: إنَّمَا يَرْضَخُ لِذِمِّيٍّ حَضَرَ بَلَا أُجْرَةٍ، وَبِإِذْنِ الْإِمَامِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
…
…
بجنسه (ومحله الأخماس الأربعة في الأظهر) ; لأنه سهم من الغنيمة بسبب استحقاقه حضور الوقعة (قلت إنما يرضخ لذمي) ومن ألحق به (حضر بلا أجرة) ولو بجعالة وإلا فلا شيء له غيرها جزما وإن زادت على سهم راجل وجازت الاستعانة به (وبإذن الإمام) أو الأمير (على الصحيح) وإلا فلا شيء له بل يعزره إن رأى ذلك؛ لتعديه (والله أعلم) وباختياره وإلا فإن أكرهه الإمام أو الأمير على الحضور فله أجرة مثله، ولو زال نقص ذي الرضخ بنحو إسلام وعتق وبلوغ أثناء القتال أسهم لهم ولو مما حيز قبل زوال نقصه، أو بعده فلا ولو قبل الحيازة.
كتاب قسم الصدقات
الْفَقِيرُ مَنْ لَا مَالَ لَهُ وَلَا كَسْبَ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ حَاجَتِهِ، وَلَا يَمْنَعُ الْفَقْرَ مَسْكَنُهُ وَثِيَابُهُ
(كتاب قسم الصدقات)
أي الزكوات لمستحقيها (الفقير من لا مال له
(1)
، ولا كسب) حلال لائق به (يقع) جميعهما أو مجموعهما (موقعا من حاجته) من مطعم وملبس ومسكن وسائر ما لا بد منه لنفسه وممونه الذي تلزمه مؤنته -لا غيره وإن اقتضت العادة إنفاقه- على ما يليق به وبهم من غير إسراف ولا تقتير كمن يحتاج عشرة ولا يجد إلا درهمين، وقضية الحد أن الكسوب غير فقير وإن لم يكتسب وهو كذلك إن وجد من يستعمله وقدر عليه أي بأن لم يكن عليه فيه مشقة لا تحتمل عادة، وحل له تعاطيه ولاق به كما يأتي وإلا أعطي. وقضيته أيضا أن من كان لديه مال وعليه دين بقدر ذلك المال أو أكثر
(2)
غير فقير أيضا فلا يعطى من سهم الفقراء حتى يصرف ما معه في الدين. ومن له عقار ينقص دخله عن كفايته فقير أو مسكين بناء على ما يأتي أنه يعطى كفاية العمر الغالب، نعم إن كان نفيسا ولو باعه حصل به ما يكفيه دخله لزمه بيعه. (ولا يمنع الفقر) والمسكنة كما يأتي (مَسْكَنُهُ) الذي يحتاجه ولاق به وإن اعتاد السكن بالأجرة
(3)
بخلاف ما لو نزل في موقوف يستحقه; لأن هذا كالملك بخلاف ذاك. ولا تكلف مكفية بإسكان زوجها بيع دارها لو احتاجت لنحو نفقة لعسر زوجها مثلا (وثيابه) -ولو للتجمل بها في بعض أيام السنة وإن تعددت إن لاقت به كالمسكين، ولذا فحليّ المرأة اللائق بها المحتاجة للتزين به عادة لا يمنع فقرها، وقنه المحتاج لخدمته، ولو لمروءته لكن إن اختلت مروءته بخدمته لنفسه أو شقت عليه مشقة لا تحتمل عادة، وكتبه التي يحتاجها ولو نادرا لعلم شرعي أو آلة له كتواريخ المحدثين وأشعار نحو اللغويين ولو مرة في السنة أو كطب أو وعظ
(1)
. خلافا للمغني أن هذا مفلس ورده الشارح.
(2)
. مثله بالأولى من كان عليه دين أقل من ماله لكن إن كان الأكثر- وهو المتبقي من المال بعد قدر الدين- لا يخرجه عن حد الفقر، وإلا فهو غير فقير قطعاً.
(3)
. خلافا لهما.
وَمَالُهُ الْغَائِبُ فِي مَرْحَلَتَيْنِ، وَالمُؤَجَّلُ وَكَسْبٌ لَا يَلِيقُ بِهِ. وَلَوِ اشْتَغَلَ بِعِلْمٍ وَالْكَسْبُ يَمْنَعُهُ فَهُوَ فَقِيرٌ. وَلَوِ اشْتَغَلَ بِالنَّوَافِلِ فَلَا
لنفسه أو غيره. ولو تكررت عنده كتب من فن واحد بقيت كلها لمدرس والمبسوط لغيره فيبيع الموجز إلا إن كان فيه ما ليس في المبسوط، أو تكررت نسخ من كتاب بقي له الأصح لا الأحسن، فإن كانت إحدى النسختين كبيرة الحجم والأخرى صغيرته بقيتا لمدرس; لأنه يحتاج لحمل هذه إلى درسه، وغير المدرس يبقى له أصحهما كما مر. وآلة المحترف كخيل جندي مرتزق وسلاحه إن لم يعطه الإمام بدلهما من بيت المال، ومتطوع احتاجهما وتعين عليه الجهاد، ولو استغنى بموقوف من كتب بِيع ما عنده، ويباع مصحف مطلقا؛ لأنه تسهل مراجعته
(1)
. وثمن ما ذكر ما دام معه يمنع إعطاءه بالفقر حتى يصرفه فيه.
[تنبيه] قولهم ((أيام السنة)) و ((لو مرة في السنة)) مبني على المرجوح أنه يُعطى كفاية سنة والمعتمد العمر الغالب فعليه لو احتاج لبعض الثياب أو الكتب مرة مثلاً في كل سنتين أو أكثر بقيت له
(وماله الغائب في مرحلتين) أو الحاضر وقد حيل بينه وبينه (و) ماله (المؤجل) ; لأنه معسر الآن فيهما، فيأخذ حتى يصله أو يَحِلّ ما لم يجد من يقرضه; لأنه غني (وكسب لا يليق) شرعا أو عرفا (به) لحرمته أو لإخلاله بمروءته; لأنه حينئذ كالعدم كما لو لم يجد من يستعمله إلا مَن مالُهُ حرام أو فيه شبهة قوية
(2)
، والأولى لمن أخل الكسب بمرؤته أن يكتسب فإن لم يكتسب أعطي. (ولو اشتغل) بحفظ قرآن أو (بعلم) شرعي -ومنه بل أهمه في حق من لم يرزق قلبا سليما علم الباطن المطهر للنفس عن أخلاقها الرديئة- أو آلة له وأمكن عادة أن يتأتى منه تحصيل فيه، ويلحق بذلك الاشتغال بالصلاة على الجنائز بجامع أنه فرض كفاية أيضا (والكسب) الذي يحسنه (يمنعه) من أصل العلم أو كماله (فهو فقير) فيعطى ويترك الكسب؛ لتعدي نفعه وعمومه، (ولو اشتغل بالنوافل) من صلاة وغيرها (فلا) يعطى شيئا من الزكاة من سهم الفقراء وإن استغرق بذلك جميع وقته; لأن نفعه قاصر عليه سواء الصوفي وغيره، نعم لو نذر صوم الدهر وانعقد نذره -بأن كان الصوم لا يضره- ومنعه صومه عن كسبه أعطي؛ للضرورة حينئذ كما لو احتاج للنكاح ولا شيء معه فيعطى ما
(1)
. ذكر الشارح ذلك في التفليس.
(2)
. فسرها الشارح في الوليمة بأن يعلم أن في ماله حراما ولا يعلم عينه 7/ 427.
وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الزَّمَانَةُ وَلَا التَّعَفُّفُ عَنِ المَسْأَلَةِ عَلَى الجَدِيدِ. وَالمَكْفِيُّ بِنَفَقَةِ قَرِيبٍ أَوْ زَوْجٍ لَيْسَ فَقِيرًا فِي الْأَصَحِّ. وَالمِسْكِينُ: مَنْ قَدَرَ عَلَى مَالٍ أَوْ كَسْبٍ يَقَعُ مَوْقِعًا مِنْ كِفَايَتِهِ وَلَا يَكْفِيهِ. وَالْعَامِلُ سَاعٍ وَكَاتِبٌ وَقَاسِمٌ وَحَاشِرٌ يَجْمَعُ ذَوِي الْأَمْوَالِ،
يصرفه فيه (ولا يشترط فيه) أي الفقير (الزَّمانة) والمراد بها هنا ما يمنع الكسب من مرض ونحوه (ولا التعفف عن المسألة على الجديد) فيهما؛ لصدق اسم الفقر مع ذلك. (والمكفي بنفقة قريب) أصل أو فرع (أو زوج ليس فقيرا) ولا مسكينا (في الأصح)؛ لاستغنائه، وللمنفق وغيره الصرف إليه بغير الفقر والمسكنة، نعم لا يعطي المنفق قريبه من سهم المؤلفة ما يغنيه عنه؛ لأنه بذلك يسقط النفقة عن نفسه ولا ابن السبيل إلا ما زاد بسبب السفر. وللمزكي أن يعطي المكفي بنفقة من مر ليصرفها على نحو أولاده وعبيده
(1)
المساكين أو الفقراء بشرط أن لا يكون هؤلاء الأولاد ممن يلزم المزكي الإنفاق عليهم. ولو سقطت نفقتها بنشوز لم تُعط؛ لقدرتها على النفقة حالا بالطاعة، ومن ثم لو سافرت بلا إذن أو مع الزوج مع منعه لها من السفر أعطيت من سهم الفقراء أو المساكين حيث لم تقدر على العود حالا؛ لعذرها، وكذا من سهم ابن السبيل إذا تركت السفر وعزمت على الرجوع؛ لانتهاء المعصية. وأفهم قوله ((المكفي)) أنّ الكلام في زوج موسر، أما معسر لا يكفي فتأخذ تمام كفايتها بالفقر، ويؤخذ منه أن من لا يكفيها ما وجب لها على الموسر؛ لكونها أكولة تأخذ تمام كفايتها بالفقر ولو مِنْهُ، وأن الغائب زوجها ولا مال له ثَم تقدر على التوصل إليه وعجزت عن الاقتراض تأخذ وهو متجه، والمعتدة التي لها النفقة كالتي في العصمة. ويسن لها أن تعطي زوجها من زكاتها ولو بالفقر وإن أنفقها عليها (والمسكين من قَدَر على مال أو كسب) حلال لائق به (يقع موقعا من كفايته) وكفاية ممونه من مطعم وغيره مما مر (ولا يكفيه) كمن يحتاج عشرة فيجد ثمانية أو سبعة وإن ملك نصابا أو نُصُبا. ولا يمنع المسكنة المسكن وما معه مما مر مبسوطا. والمعتمد أن المراد بالكفاية هنا وفيما مر كفاية العمر الغالب لا سنة فحسب. (والعامل) المستحق للزكاة -بأن فرق الإمام أو نائبه ولم يجعل له أجرة من بيت المال- هو (ساع) يجيبها (وكاتب) ما وصل من ذوي الأموال وما عليهم، وحاسب (وقاسم وحاشر) وهو الذي (يجمع ذوي الأموال) أو يجمع من لهم الزكاة، وحافظ، وعريف وهو كالنقيب
(1)
. الضمير فيهم وفيما قبله للمكفي.
لَا الْقَاضِي وَالْوَالِي. وَالمُؤَلَّفَةُ مَنْ أَسْلَمَ وَنِيَّتُهُ ضَعِيفَةٌ أَوْ لَهُ شَرَفٌ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إسْلَامُ غَيْرِهِ، وَالمَذْهَبُ أَنَّهُمْ يُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ. وَالرِّقَابُ المُكَاتَبُونَ
للقبيلة، وجندي وهو المشد
(1)
على الزكاة إن احتيج إليه، وكيال ووزَّان وعدَّاد يميز بين الأصناف (لا) الذي يميز نصيب المستحقين من مال المالك بل أجرته عليه، ولا نحو راع وحافظ بعد قبض الإمام لها بل أجرته من أصل الزكاة لا من خصوص سهم العامل، ولا (القاضي والوالي) على الإقليم إذا قاما بذلك بل يرزقهما الإمام من خمس الخمس المرصد للمصالح; لأن عملهما عام، وقضية المتن دخول قبض الزكاة وصرفها في عموم ولاية القاضي وهو كذلك إلا أن ينصب لها ناظرا
(2)
خاصا. وإذا مُنِع القاضي حقه في بيت المال جاز له الأخذ بنحو الفقر والغرم مطلقا (والمؤلفة من أسلم) أما المؤلفة قلوبهم من الكفار فلا يعطون من الزكاة ولا من غيرها (ونيته ضعيفة) في أهل الإسلام أو في الإسلام نفسه، فيعطى ولو امرأة؛ ليتقوى إيمانه (أو) من نيته قوية لكن (له شرف) بحيث (يتوقع بإعطائه إسلام غيره) ولو امرأة. (والمذهب أنهم يعطون من الزكاة)؛ لنص الآية عليهم، فلو حرموا لزم أن لا محمل لها. والذي يعطي المؤلفة قلوبهم بسائر أقسامه الإمام وكذا المالك، نعم يتعين على الإمام أن يعطي مِن سهم المؤلفة مَن يقاتل أو يخوف مانعي الزكاة حتى يحملها منهم إلى الإمام، ومَن
(3)
يقاتل من يليه من الكفار أو البغاة فيعطيان إن كان إعطاؤهما أسهل من بعث جيش (والرقاب المكاتبون) كما فسر بهم الآية أكثر العلماء. وشرطهم صحة كتابتهم كما سيذكره فخرج من علق عتقه بإعطاء مال فإن عتق بما اقترضه وأداه فهو غارم وأن لا يكون معهم وفاء بالنجوم وإن قدروا على الكسب، لا حلول النجم، ولا إذن للسيد في الإعطاء. ولا يَعطي مكاتبه من زكاته، ويُسترد منه ما أخذه من زكاة غيره إن رُق وكذا إن أُعتق بغير ما أخذه من الزكاة -في غير ما يأتي في التنبيه الآتي- نعم حينئذٍ إن أتلف شيئا قبل العتق من ما أخذه من الزكاة لم يغرم بدله; لأنه حال إتلافه كان ملكه.
(1)
. في اللسان المشد الذي دوابه شديدة قوية اهـ تأمل المراد.
(2)
. عبر به المغني.
(3)
. وهذا قسم من المؤلفة قلوبهم.
وَالْغَارِمُ إنِ اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أُعْطِيَ أَوْ لِمَعْصِيَةٍ فَلَا. قُلْتُ: الْأَصَحُّ يُعْطَى إذَا تَابَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ حَاجَتِهِ دُونَ حُلُولِ الدَّيْنِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ حُلُولِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(والغارم) المدين، ومنه كما مر مكاتب استدان للنجوم وعتق، ثم (إن استدان لنفسه) أي لغرضها الأخروي والدنيوي (في غير معصية أعطي) -وإن صرفه فيها ولو لم يتب- إذا عُلم قصدُهُ الإباحةَ عند الاستدانة، لكنا لا نصدقه في قصده بل لا بد من بينة (أو) استدان (لمعصية) يعني أو لزم ذمته دين بسبب عصى به وقد صرفه فيها كأن اشترى خمرا في ذمته كذا ذكره الرافعي وهو مشكل; لأنه إذا اشتراها وأتلفها لا يلزم ذمته شيء إلا أن يحمل على كافر اشتراها وقبضها في الكفر ثم أسلم فيستقر بدلها في ذمته، أو يراد من ذلك أنه استدان شيئا بقصد صرفه في تحصيل خمر وصرفه فيها فالاستدانة بهذا القصد معصية، وتعبيره بالاستدانة جري على الغالب فلو أتلف مال غيره عمدا أو أسرف في النفقة كان كذلك، والمراد بالإسراف هنا الزائد على الضرورة، أما الاقتراض للضرورة فلا حرمة فيه (فلا) يعطى شيئا؛ لتقصيره بالاستدانة للمعصية مع صرفا فيها (قلت: الأصح يعطى إذا تاب) حالا إن غلب ظن صدقه في توبته (والله أعلم)، وكذا إذا صرفه في مباح كعكسه السابق، والعبرة في المعصية بعقيدة المدين لا غيره كالشاهد بل أولى. ولا يعطى غارم مات ولا وفاء معه; لأنه إن عصى به فواضح وإلا فهو لا يحبس بسببه عن مقامه الكريم
(1)
وإن أخذ الدائن من حسناته، نعم يعطى المستدين لنفع عام لو مات ولا وفاء معه كبقية أقسام الغارم الآتية، ومحل ما تقدم فيمن لم يملك حصته قبل موته؛ لكونه من المحصورين (والأظهر اشتراط حاجته) بأن يكون بحيث لو قضى دينه مما معه تمسكن فيترك له مما معه ما يكفيه أي الكفاية السابقة للعمر الغالب، ثم إن فضل معه شيء صرفه في دينه وتمم له باقيه وإلا قضى عنه الكل. ولا يكلف كسوب الكسب هنا; لأنه لا يقدر على قضاء دينه منه غالبا إلا بتدريج وفيه حرج شديد بل وظاهر كلامهم هنا أنه لا يكلفه عاصٍ بالاستدانة صرفه في مباح أو تاب (دون حلول الدين) ; لأنه يسمى الآن مدينا (قلت: الأصح اشتراط حلوله والله أعلم)؛ لعدم
(1)
. ومحل الخلاف في الحبس في غير الأنبياء، كما أفاده الشارح أول الرهن.
أَوْ لِإِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ أُعْطِيَ مَعَ الْغِنَى، وَقِيلَ: إنْ كَانَ غَنِيًّا بِنَقْدٍ فَلَا. وَسَبِيلُ اللهِ تَعَالَى غُزَاةٌ لَا فَيْءَ لَهُمْ فَيُعْطَوْنَ مَعَ الْغِنَى. وَابْنُ السَّبِيلُ مُنْشِئُ سَفَرٍ أَوْ مُجْتَازٌ، وَشَرْطُهُ الحَاجَةُ وَعَدَمُ المَعْصِيَةِ،
حاجته إليه الآن (أو) استدان (لإصلاح ذات البين) بأن يخاف فتنة بين شخصين أو قبيلتين فيستدين ما تسكن به الفتنة (أعطي) إن حل الدين هنا أيضا (مع الغنى) ولو بنقد وإلا لامتنع الناس من هذه المكرمة. أما لو أعطى من ماله فلا يُعطى، ومثله ما لو استدان ووفَّى من ماله (وقيل إن كان غنيا بنقد فلا) يعطى. ومن أقسام الغارم الضامن لغيره فيعطى إن كان المضمون حالا وقد أعسر هو والأصيل وإن ضمن بالإذن، أو أعسر هو وحده إن لم يضمن بالإذن، ومن أقسامه أيضا من استدان لنحو عمارة مسجد وقرئ ضيف، ويعطى حينئذ مع الغنى ولو بنقد كمصلح ذات البين
(1)
.
[تنبيه] لا يتعين على مكاتب اكتسب قدر ما أخذ الصرف فيما أخذ له كما مر
، وكذا الغارم وابن السبيل بخلاف ما إذا أرادوا ذلك قبل اكتساب ما يفي وإن توقع لهم كسب يفي، ومحل هذا بالنسبة للآخذ أما الدافع فيبرأ بمجرد الدفع وإن لم يصرفه الآخذ فيما أخذ له. (وسبيل الله تعالى غزاة لا فيء لهم) أي لا سهم لهم في ديوان المرتزقة بل هم متطوعة يغزون إذا نشطوا إلا فهم في حرفهم وصنائعهم (فيعطون مع الغنى)؛ إعانة لهم على الغزو، ومرّ أنه لا حظَّ لهم في الفيء كما لا حظ لأهل الفيء في الزكاة، فإن عدم الفيء واضطررنا للمرتزقة لزم أغنياءنا إعانتهم من غير الزكاة، فإن امتنعوا ولم يجبرهم الإمام على الإعطاء حلّ لأهله -أي الفيء- الذين لم يحصل لهم منه كفايتهم الأخذ من الزكاة (وابن السبيل) وبنته (منشئ سفر) من بلد الزكاة وإن لم تكن وطنه (أو مجتاز) به. (وشرطه) من جهة الإعطاء لا التسمية (الحاجة) بأن لا يجد ما يقوم بحوائج سفره وإن كان له مال بغيره ولو دون مسافة القصر وإن وجد من يقرضه أو قدر على الكسب بلا مشقة (وعدم المعصية) الشامل لسفر الطاعة والمكروه والمباح ولو سفر نزهة بخلاف سفر المعصية بأن عصى به لا فيه كسفر الهائم; لأن إتعاب النفس والدابة بلا غرض صحيح حرام، وذلك؛ لأن القصد بإعطائه إعانته ولا يعان على المعصية، فإن تاب أعطيَ لبقية سفره.
(1)
. خلاف لهما فاعتمدا أنه يلحق بمن استدان لنفسه.
وَشَرْطُ آخِذِ الزَّكَاةِ مِنْ هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْإِسْلَامُ وَأَلَّا يَكُونَ هَاشِمِيًّا وَلَا مُطَّلِبِيًّا وَكَذَا مَوْلَاهُمْ فِي الْأَصَحِّ
(وشرط آخذ الزكاة
(1)
من هذه الأصناف الثمانية) الحرية الكاملة إلا المكاتب فلا يعطى مبعض ولو في نوبته، و (الإسلام) فلا يدفع منها لكافر إجماعا، نعم يجوز استئجار كافر وعبد كيال أو حامل أو حافظ أو نحوهم من سهم العامل; لأنه أجرة لا زكاة بخلاف نحو ساعٍ وإن كان ما يأخذه أجرة أيضا; لأن الكافر لا أمانة له، ويؤخذ من ذلك جواز استئجار ذوي القربى والمرتزقة من سهم العامل لشيء مما ذكر بخلاف عمله فيه بلا إجارة; لأن فيما يأخذه حينئذ شائبة زكاة، وبهذا يخص عموم قوله:(وألا يكون هاشميا ولا مطلبيا) -وإن منعوا حقهم من الخمسـ؛ لخبر مسلم ((إنما هي أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد))، وبنو المطلب من الآل كما مر. وكالزكاة كل واجب كالنذر والكفارة ومنها دماء النسك بخلاف التطوع. وحُرم عليه صلى الله عليه وسلم الكل; لأن مقامه أشرف وحلت له الهدية; لأنها شأن الملوك بخلاف الصدقة (وكذا مولاهم في الأصح)؛ للخبر الصحيح ((مولى القوم منهم))، وأن لا يكون ممونا للمزكي على ما مر فيه من التفصيل، وأن لا يكون لهم سهم في الفيء كما مر بما فيه آنفا، وأن لا يكون محجورا عليه، ومن ثم أفتى المصنف في بالغ تارك للصلاة كسلا أنه لا يقبضها له إلا وليه أي كصبي ومجنون فلا يعطى له وإن غاب وليه بخلاف ما لو طرأ تركه أي أو تبذيره ولم يحجر عليه فإنه يقبضها. ويجوز دفعها لفاسق -إلا إن علم أنه يستعين بها على معصية فيحرم الدفع له وإن أجزأ كما علم مما تقرر- ولأعمى كأخذها منه، والأولى أن يوكل.
(1)
. ولا يشترط أن يعلم أنها زكاة، ومحله عند عدم الصارف من الآخذ أما معه كأن قصد بالأخذ جهة أخرى فلا تجزئ كما أفاده الشارح في زكاة النبات 3/ 242.
فصل
مَنْ طَلَبَ زَكَاةً وَعَلِمَ الْإِمَامُ اسْتِحْقَاقَهُ أَوْ عَدَمَهُ عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَّا فَإِنِ ادَّعَى فَقْرًا أَوْ مَسْكَنَةً لَمْ يُكَلَّفْ بَيِّنَةً، فَإِنْ عُرِفَ لَهُ مَالٌ وَادَّعَى تَلَفَهُ كُلِّفَ، وَكَذَا إنِ ادَّعَى عِيَالًا فِي الْأَصَحِّ. وَيُعْطَى غَازٍ وَابْنُ سَبِيلٍ بِقَوْلِهِمَا،
(فصل) في بيان مستند الإعطاء وقدر المُعْطَى
(من طلب زكاة)، أو لم يطلب وأريد إعطاؤه وآثر الطلب; لأنه الأغلب (وعلم) أي ظنّ (الإمام) أو غيره ممن له ولاية الدفع (استحقاقه) لها (أو عدمه عمل بعلمه) ولا يُخرَّج على خلاف القضاء بالعلم؛ لبناء أمر الزكاة على السهولة، وليس فيها إضرار بالغير، وبه يعلم أنه لا يأتي هنا ما سيذكر ثَم أن القاضي إذا قامت عنده بينة بخلاف علمه لا يعمل بواحد منهما (وإلا) يعلم شيئا من حاله (فإن ادعى فقرا أو مسكنة) أو أنه غير كسوب وإن كان جلدا قويا (لم يكلف بينة)؛ لعسرها وكذا لا يُحلَّف وإن اتهم؛ لما صح ((أنه صلى الله عليه وسلم أعطى من سألاه الصدقة بعد أن أعلمهما أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ولم يحلفهما مع أنه رآهما جلدين)) ويسن أن يتأسى مخرِج الزكاة به عليه عليه السلام في ذلك الإنذار فيمن يشك في استحقاقه
(فإن عرف له مال) يغنيه (وادعى تلفه كلف) بينة رجلين أو رجلا وامرأتين بتلفه وإن لم يكونا من أهل الخبرة الباطنة بحاله; لأن الأصل بقاؤه سواء
(1)
ادعى سببا ظاهراً أم خفياً (وكذا إن ادعى عيالاً) وهم من تلزمه مؤنتهم -أما غيرهم فيسألون أو يسأل هو لهم- (في الأصح) يكلف بينة بذلك؛ لسهولتها. (ويعطى) مؤلف بقوله بلا يمين إن ادعى ضعف نيته دون شرف أو قتال؛ لسهولة إقامة البينة عليهما وتعذرها على الأول، و (غاز وابن سبيل) بقسميه (بقولهما) بلا يمين; لأنه لأمر مستقبل، وإنما يعطيان عند الخروج؛ ليتهيآ له
(1)
. خلافا لهما فاعتمدا التفريق بينهما كالوديعة.
فَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا اُسْتُرِدَّ، وَيُطَالَبُ عَامِلٌ وَمُكَاتَبٌ وَغَارِمٌ بِبَيِّنَةٍ، وَهِيَ: إخْبَارُ عَدْلَيْنِ، وَيُغْنِي عَنْهَا الِاسْتِفَاضَةُ، وَكَذَا تَصْدِيقُ رَبِّ الدَّيْنِ وَالسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ. وَيُعْطَى الْفَقِيرُ وَالمِسْكِينُ كِفَايَةَ سَنَةٍ
(فإن) أعطيا فخرجا ثم رجعا استُرِدَّ فاضلُ ابنِ السبيلِ مطلقا، وكذا فاضلُ الغازي بعد غزوه إن كان شيئا له وقع عرفا ولم يقتِّر على نفسه؛ لتبين أنهما أعطيا فوق حاجتهما.
[تنبيه] مر أن لابن السبيل صرف ما أخذه من الزكاة لغير حوائج السفر -أي بعد أن يكتسب قدر ما أخذه- وحينئذ لا يتأتى استرداد منه; لأنه لا يعرف لو بقي ما أعطيه وصرف منه هل كان يفضل منه شيء، أوْ لا؟، فليحمل كلامهم على ما لو صرف في غير حوائج السفر من غير ما أعطيه، وإن (لم يخرجا) بأن مضت ثلاثة أيام تقريبا ولم يترصدا للخروج ولا انتظرا رفقة ولا أهبة (استُردّ) منهما ما أخذاه أي إن بقي وإلا فبدله، وكذا لو خرج الغازي ولم يغز ثم رجع، نعم لو وصل بلادهم ولم يقاتل لبعد العدو لم يسترد منه; لأن القصد الاستيلاء على بلادهم وقد وُجد. وخرج بقولنا ((رجع)) ما لو مات أثناء الطريق أو في المقصد فإنه لا يسترد منه إلا ما بقي، وكذا يسترد من مكاتب كما مر وغارم استغنيا عن المأخوذ بنحو إبراء أو أداء من الغير، (ويطالب عامل ومكاتب وغارم) ولو لإصلاح ذات البين (ببينة)؛ لسهولتها بما ادعوه، واستشكل تصوير دعوى العامل بأن الإمام يعلم حاله؛ إذ هو الذي يبعثه، ويجاب بتصوير ذلك بما إذا طلب من الإمام حصته من زكاة وصلت إليه من نائبه بمحل كذا لكون ذلك النائب استعمله عليها حتى أوصلها إليه، أو قال له الإمام أنسيت أنك العامل، أو مات مستعمله فطلب ممن تولى محله حصته (وهي) أي البينة فيما ذكر (إخبار عدلين) أو عدل وامرأتين ولو بغير لفظ شهادة واستشهاد ودعوى عند قاض. (ويغني عنها) في سائر الصور التي يحتاج للبينة فيها (الاستفاضة) بين الناس من قوم يبعد تواطؤهم على الكذب، وقد يحصل ذلك بثلاثة (و) إخبار من وقع في القلب صدقه ولو فاسقا، و (كذا تصديق رب الدين والسيد في الأصح) بلا بينة ولا يمين، ومحل الخلاف في الغريم والسيد إذا وثق بقولهما وغلب على الظن الصدق وإلا لم يفد قطعا.
(ويعطى الفقير والمسكين) اللذان لا يحسنان التكسب بحرفة ولا تجارة (كفاية سنة) ; لأن وجوب الزكاة لا يعود إلا بمضيها.
قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ، وَقَوْلُ الجُمْهُورِ كِفَايَةَ الْعُمْرِ الْغَالِبِ فَيَشْتَرِي بِهِ عَقَارًا يَسْتَغِلُّهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(قلت: الأصح المنصوص) في الأم (وقول الجمهور) يعطى (كفاية العمر الغالب) أي ما بقي منه; لأن القصد إغناؤه ولا يحصل إلا بذلك، فإن زاد عمره عليه أُعطى سنة؛ إذ لا حد للزائد على العمر الغالب، أما مَن يحسن حرفة تكفيه الكفاية اللائقة به -كما مر أول الباب- فيعطى ثمن آلة حرفته وإن كثر، ويأذن له في شراء ذلك، أو يشتري له. وإن أحسن تجارة أعطى رأس مال يكفيه كذلك ربحه غالبا باعتبار عادة بلده، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والنواحي، ولو أحسن أكثر من حرفة والكل يكفيه أعطي ثمن أو رأس مال الأدنى، وإن كفاه بعضها فقط أعطي له، وإن لم يكفه واحدة منها أعطي لواحدة وزيد له شراء عقار يتم دخله بقية كفايته.
[تنبيه] العمر الغالب ما بين الستين والسبعين من الولادة، والعبرة هنا بالستين فقط; لأنها المتيقن دخولها
.
وليس المراد بإعطاء من لا يحسن ذلك إعطاء نقد يكفيه تلك المدة؛ لتعذره، بل ثمن ما يكفيه دخلُه (فيشتري) من لا يحسن تجارة ولا حرفة (به) إن أذن له الإمام -ولا يكفي إذن المالك- وكان رشيدا وإلا فوليه (عقارا) أو نحو ماشية إن كان من أهلها (يستغله) ويغتني به عن الزكاة فيملكه ويورث عنه (والله أعلم)؛ للمصلحة العائدة عليه وعلى بقية المستحقين بإغنائه عنهم، وللإمام إلزامه بالشراء وعدم إخراجه عن ملكه؛ لما في ذلك من المصلحة العامة، وحينئذ ليس له إخراجه فلا يحل ولا يصح. ولو ملك من لا يحسن الكسب دون كفاية العمر الغالب كُمِّل له من الزكاة كفايته.
[تنبيه] معلوم أن العقارات مختلفة في البقاء عادة وعند أهل الخبرة لكن ليس المراد هنا منع إعطاء عقار يزيد بقاؤه على العمر الغالب، بل منع إعطاء ما ينقص عنه، وأما ما يساويه أو يزيد عليه فإن وجدا تعين الأول، أو وجد الثاني فقط اشتري له ولا أثر للزيادة؛ للضرورة، ولو عرض انهدام عقاره المُعْطَى أثناء المدة أُعطِي ما يعمره به عمارة تبقى بقية المدة، نعم إن فرض وجود مبنيٍّ أخفَّ من عمارة ذاك تعين شراؤه له ويباع ذاك ويصرف ثمنه في هذا، هذا كله في غير محصورين أما المحصورون فسيأتي أنهم يملكونه أي يملكون ما يكفيهم على قدر حاجاتهم وما زاد يحفظ لوجودهم.
وَالمُكَاتَبِ وَالْغَارِمِ قَدْرَ دَيْنِهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ مَا يُوْصِلُهُ مَقْصِدَهُ أَوْ مَوْضِع مَالِهِ، وَالْغَازِي قَدْرَ حَاجَتِهِ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ ذَاهِبًا وَرَاجِعًا وَمُقِيمًا هُنَاكَ وَفَرَسًا وَسِلَاحًا، وَيَصِيرُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ، وَيُهَيَّأُ لَهُ وَلِابْنِ السَّبِيلِ مَرْكُوبٌ إنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا أَوْ كَانَ ضَعِيفًا لَا يُطِيقُ المَشْيَ،
(و) يُعطى (المكاتب والغارم) -لغير نحو إصلاح ذات البين؛ لما مر أنه يعطى مع الغنى
(1)
- أي كل منهما (قدر دينه) ما لم يكن معه وفاءً لبعضه وإلا فما يوفيه فقط. (وابن السبيل ما يوصله مقصِده) إن لم يكن له في طريقه إليه مال (أو موضع ماله) إن كان له في طريقه مال، فإن كان ببعضه بعض ما يكفيه كُمِّل له كفايته، ويعطى لرجوعه أيضا إن عزم عليه. والأحوط تأخير ما يعطاه لرجوعه إلى شروعه فيه إن تيسر، ووجد شرط نقل الزكاة إن كان المفرق المالك، وكان يبقى في مقصده مدة إقامة المسافرين وهي أربعة أيام لا ثمانية عشر
(2)
; لأن شرطها قد لا يوجد (و) يعطى (الغازي قدر حاجته) اللائقة به وبممونه لـ (نفقة وكسوة) له ولهم (ذاهبا وراجعا ومقيما هناك) أي في الثغر أو نحوه إلى الفتح وإن طال؛ لبقاء اسم الغزو مع الطول بخلاف السفر في ابن السبيل، ويعطيان جميع المؤنة -لا ما زاد بسبب السفر فقط- ومؤنة من تلزمهما مؤنته، نعم المُعطَى في مدة إقامة الغازي هو أقلّ ما يظن إقامته ثَمَّ، فإن زاد زيد له ويغتفر له نقل الزكاة حينئذ لدار الحرب؛ للحاجة (و) يعطيه الإمام -لا المالك؛ لامتناع الإبدال في الزكاة عليه- (فرسا) إن كان ممن يقاتل فارسا (وسلاحا) ولو بغير شراء؛ لما يأتي (ويصير ذلك) أي الفرس والسلاح (ملكا له) إن أعطي الثمن فاشترى لنفسه أو دفعهما له الإمام ملكا إذا رآه بخلاف ما إذا استأجرهما له أو أعاره إياهما؛ لكونهما موقوفين عنده؛ إذ له شراؤهما من هذا السهم وإبقاؤهما ووقفهما، وتسمية ذلك عارية مجازٌ؛ إذ الإمام لا يملكه والآخذ لا يضمنه لو تلف بل يُقبل قوله فيه بيمينه كالوديع (ويهيأ) من جهة الإمام (له ولابن السبيل مركوب) وهو غير فرس الغازي (إن كان السفر طويلا أو) كان السفر قصيرا، ولكنه (كان ضعيفا لا يطيق المشي) -بأن تلحقه مشقة شديدة لا تحتمل عادة- بخلاف ما إذا قصر وهو قوي.
(1)
. أي يعطى قدر دينه وإن كان معه وفاء.
(2)
. وفاقا لشرح الروض وخلافا لهما كالشهاب الرملي.
وَمَا يَنْقُلُ عَلَيْهِ الزَّادَ وَمَتَاعَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْرًا يَعْتَادُ مِثْلُهُ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ، وَمَنْ فِيهِ صِفَتَا اسْتِحْقَاقٍ يُعْطَى بِإحْدَاهُمَا فَقَطْ فِي الْأَظْهَرِ
(وما ينقل عليه الزاد ومتاعه)؛ لحاجته إليه (إلا أن يكون قدرا يعتاد مثله حمله بنفسه)؛ لانتفاء الحاجة، وأفهم التعبير بيهيئ أنه يسترد منهما جميع ذلك إذا عادا، ومحله في الغازي إن لم يملّكه له الإمام إذا رآه; لأنه لحاجتنا إليه أقوى استحقاقا من ابن السبيل، فلذا استرد من ابن السبيل ولو ما ملكه إياه. ويعطى المؤلف ما يراه الدافع كما مر، والعامل أجرة عمله فإن زاد سهمه عليها رد الفاضل على بقية الأصناف، وإن نقص كمل من مال الزكاة أو من سهم المصالح. (ومن فيه صفتا استحقاق) للزكاة كالفقر والغرم أو الغزو (يعطى) من زكاة واحدة أي باعتبار ما وجبت فيه لا من وجبت عليه، فلو كان على واحد زكوات أجناس كانت زكوات متعددة، ولو اشترك جماعة في زكاة جنس واحد كانت متحدة (بإحداهما فقط) والخيرة إليه (في الأظهر) ; لأنه مقتضى العطف في الآية، نعم إن أخذ بالغرم أو الفقر مثلا فأخذه غريمه وبقي فقيرا أخذ بالفقر، فالممتنع إنما هو الأخذ بهما دفعة واحدة أو مرتبا قبل التصرف
(1)
في المأخوذ، أما من زكاتين فيجوز أن يأخذ من واحدة بصفة ومن الأخرى بصفة أخرى كغازٍ هاشمي يأخذ بهما من الفيء كما مر.
[تنبيه] مرادهم بما يأتي أن الزكوات كلها في يد الإمام كزكاة واحدة جواز النقل وعدم الاستيعاب ونحوهما مما يقتضي التسهيل عليه
، فلا يمتنع عليه إعطاء واحد بصفة من زكاة وبأخرى من زكاة أخرى.
(1)
. يفهم من كلامهما تقييده بما إذا كفاه المأخوذ أوَّلا، وإلا جاز الأخذ بالأخرى إلى تمام الكفاية قبل التصرف في المأخوذ أوَّلا.
فصل
يَجِبُ اسْتِيعَابُ الْأَصْنَافِ إنْ قَسَّمَ الْإِمَامُ وَهُنَاكَ عَامِلٌ، وَإِلَّا فَالْقِسْمَةُ عَلَى سَبْعَةٍ، فَإِنْ فُقِدَ بَعْضُهُمْ فَعَلَى المَوْجُودِينَ، وَإِذَا قَسَمَ الْإِمَامُ اسْتَوْعَبَ مِنَ الزَّكَوَاتِ الحَاصِلَةِ عِنْدَهُ آحَادَ كُلِّ صِنْفٍ، وَكَذَا يَسْتَوْعِبُ المَالِكُ إنْ انْحَصَرَ المُسْتَحِقُّونَ فِي الْبَلَدِ وَوَفَّى بِهِمُ المَالُ، ..
(فصل) في قسمة الزكاة بين الأصناف ونقلها وما يتبعهما
(يجب استيعاب الأصناف) الثمانية بالزكاة
(1)
-؛ لإضافتها إليهم جميعاً- ولو زكاة الفطر لكن اختار جمع جواز دفعها لثلاثة فقراء أو مساكين مثلا
(2)
(إن قَسَّم الإمام) أو نائبه (وهناك عامل) لم يجعل الإمام له شيئا من بيت المال، فيستحق العامل حينئذ وإن وجد متبرع أو إن شرط أن لا يأخذ شيئا; لأنه يستحق ذلك بالعمل فريضة من الله تعالى فلا يحتاج لشرط من المخلوق (وإلا) يقسم الإمام بل المالك أو قسم الإمام ولا عامل هناك -بأن حملها أصحابها إليه- أو جعل للعامل أجرة من بيت المال (فالقسمة على سبعة) منهم المؤلف كما مر بما فيه (فإن فقد بعضهم) -أي السبعة أو الثمانية- أي صنف فأكثر أو بعض صنف من البلد بالنسبة للمالك، ومنه ومن غيره بالنسبة للإمام (فعلى الموجودين) تكون القسمة فيعطى فيما إذا وجد بعض صنف حصة الصنف كله لمن وجد من أفراده; لأن المعدوم لا سهم له، والموجود غالباً فقير ومسكين وغارم وابن السبيل، (وإذا قسم الإمام) أو عامله الذي فوض إليه الصرف (استوعب) وجوبا (من الزكوات الحاصلة عنده) إن سدت أدنى مسد لو وزعت على الكل (آحاد كل صنف)؛ لسهولة ذلك عليه، ومن ثم لم يلزمه استيعابهم مِن كل زكاة على حدتها؛ لعسره بل له إعطاء زكاة واحد لواحد; لأن الزكوات كلها في يده كزكاة واحدة
(3)
(وكذا يستوعب) وجوبا (المالك) أو وكيله الآحاد (إن انحصر المستحقون في البلد) بأن سهل عادة ضبطهم أو معرفة عددهم (ووفى بهم) أي بحاجاتهم الناجزة (المال)؛ لسهولته عليه
(1)
. المراد بالزكاة الجنس لا العموم والاستغراق كما نبه عليه الشارح عند قول المصنف ((كل صنف)).
(2)
. ظاهره أن الشارح مائل إلى هذا الاختيار بخلاف عبارة النهاية، نعم جزم الشارح بما عليه المتن وأنه لابد من إعطائها اثنين وعشرين في كتاب الصيام 3/ 446.
(3)
. مر في التنبيه قبيل الفصل معنى ذلك.
وَإِلَّا فَيَجِبُ إعْطَاءُ ثَلَاثَةٍ، وَتَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْأَصْنَافِ. لَا بَيْنَ آحَادِ الصِّنْفِ، إلَّا أَنْ يُقَسِّمَ الْإِمَامُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ التَّفْضِيلُ مَعَ تَسَاوِي الحَاجَاتِ
حينئذ (وإلا) ينحصروا أو انحصروا ولم يف بهم المال (فيجب إعطاء ثلاثة) فأكثر من كل صنف; لأنهم ذكروا في الآية بلفظ الجمع -وأقله ثلاثة- إلا ابن السبيل فإضافته للمعرفة أوجبت عمومه فكان في معنى الجمع، وكذا قوله في سبيل الله. نعم يجوز اتحاد العامل فإن أخلَّ بصنف غرم له حصته أو ببعض الثلاثة مع القدرة عليه غرم له أقل متمول، نعم الإمام إنما يضمن مما عنده من الزكاة لا من ماله. ثم التفصيل بين المحصور المذكور وغيره إنما هو بالنسبة للتعميم وعدمه أما بالنسبة للملك فمتى وجد وقت الوجوب من كل صنف ثلاثة فأقل ملكوها وإن كانوا ورثة المزكي بنفس الوجوب ملكا مستقرا يورث عنهم -وإن كان الوارث غنياً، أو كان الوارث هو المالك
(1)
- ولم يشاركهم من حدث، ولهم التصرف فيه قبل قبضه إلا بالاستبدال عنه والإبراء منه. ولو انحصر صنف أو أكثر دون البقية أعطي كل حكمه. ويجوز للمستحق الغير محصور ما دام في البلد أن يوكل غيره في قبض زكاة له، أما المنحصر فيجوز له التوكيل وإن خرج من البلد، ويملك الموكِّل غير المحصور بقبض وكيله إن نوى الدافعُ والوكيلُ الموكلَ أو نواه الوكيل ولم ينو الدافع شيئا، فإن قصد الوكيل نفسه وهو مستحق وقصد الدافع موكله لم يملكه واحد منهما، وإن قصد الدافع الوكيل ولم يقصد الوكيل شيئا ملكه، أو قصد موكله لم يملكه واحد منهما
(2)
، ومر أنهم يملكون على قدر كفايتهم; لأنها المرجحة في هذا الباب كما علمته مما مر ويأتي (وتجب التسوية) لأنه مقتضى الشريك بالواو في الآية (بين الأصناف) سواء أقسم المالك أم العامل وإن تفاوتت حاجتهم، نعم حيث استحق العامل لم يزد على أجرة مثله فإن زاد الثمن عليها ردَّ الزائد للباقي، أو نقصت تمم من الزكاة، أو من بيت المال كما مر، ولو نقص سهم صنف آخر عن كفايتهم وزاد سهم صنف آخر رد فاضل هذا على أولئك (لا بين آحاد الصنف) فلا تجب التسوية إن قسم المالك؛ لعدم انضباط الحاجات التي من شأنها التفاوت، لكن يسن التساوي إن تساوت حاجتهم (إلا أن يقسم الإمام) أو نائبه وهناك ما يسد مسدا لو وزِّع (فيحرم عليه التفضيل مع تساوي الحاجات)؛ لسهولة التساوي
(1)
. وحينئذ تسقط الزكاة عنه.
(2)
. ذكر الشارح ذلك في كتاب الوكالة.
وَالْأَظْهَرُ مَنْعُ نَقْلِ الزَّكَاةِ
عليه; ولأن عليه التعميم كما مر، فكذا التسوية بخلاف المالك فيهما. أما لو اختلفت الحاجات فيراعيها، وإذا لم تجب التسوية فالمتوطنون أولى، (والأظهر منع نقل الزكاة) -لغير الغازي على ما مر فيه- عن محل المؤدَّى عنه الذي وجبت فيه مع وجود مستحق به إلى محل آخر به مستحق لتصرف إليه ما لم يقرب منه أي: بأن نسب إليه عرفا بحيث يعد معه بلدا واحدا وإن خرج
(1)
عن سوره وعمرانه. وإذا منعنا النقل حرم ولم يجز؛ لخبر الصحيحين ((تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم)).
[تنبيه] يستثنى من منع نقل الزكاة الدين الذي في الذمة فللمالك أن يخرج زكاته في أي بلد شاء
(2)
، ومحل ذلك إن كان الدين حالا وتيسر تحصيله وإلا فيحتمل اعتبار محل القبض ويحتمل التخيير المار
.
والكلام في المالك المقيم ببلد أو بادية لا يظعن عنها، أما الإمام فله نقلها مطلقا؛ لما مر أن الزكوات كلها في يده كزكاة واحدة، وكذا الساعي بل يلزمه نقلها للإمام إذا لم يأذن له في تفرقتها، ومثله قاض له دخل فيها بأن لم يولها الإمام غيره، ولمن جاز له النقل أن يأذن للمالك فيه لكن لا ينقل إلا في عمله لا خارجه، وقد يجوز للمالك أيضا كما إذا كان له بكل محل عشرون شاة فله مع الكراهة إخراج شاة بأحدهما؛ حذرا من التشقيص، وكأن حال الحول والمال ببادية لا مستحق بها فيفرقه في أقرب محل إليه به مستحق
(3)
. وللمنتجعين من أهل الخيام الذين لا قرار لهم صرفها لمن معهم ولو بعض صنف كمن بسفينة في اللجة فإن فقدوا فلمن بأقرب محل إليهم عند تمام الحول فإن تعذر الوصول للأقرب فإن رجا الوصول عن قرب انتظر وإلا نقل للأقرب إلى ذلك الأقرب وهكذا، ولو استوى بلدان في القرب إليه صارا كبلد واحدة فيجري في مستحقيهما ما مر في مستحق بلد واحدة، والحلل المتمايزة بنحو ماء ومرعى لكلٍّ كلُّ حلة منها كبلد فيحرم النقل إليها، وغير المتمايزة له النقل إليها لمن بدون
(1)
. خلافا للمغني.
(2)
. خلافا للشهاب الرملي فأفتى باعتبار بلد المديون.
(3)
. محله كما مر إن كان المالك أو وكيله مسافرا مع المال، أما إن لم يكن معه لم يجب الإخراج حتى يصل لمالكه.
وَلَوْ عُدِمَ الْأَصْنَافُ فِي الْبَلَدِ وَجَبَ النَّقْلُ، أَوْ بَعْضُهُمْ وَجَوَّزْنَا النَّقْلَ وَجَبَ، وَإِلَّا فَيُرَدُّ عَلَى الْبَاقِينَ، وَقِيلَ يُنْقَلُ. وَشَرْطُ السَّاعِي كَوْنُهُ حُرًّا عَدْلًا فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ فَإِنْ عُيِّنَ لَهُ أَخْذٌ وَدَفْعٌ لَمْ يُشْتَرَطِ الْفِقْهُ، وَلْيُعْلِمْ شَهْرًا لِأَخْذِهَا
مسافة القصر من محل الوجوب (ولو عدم الأصناف في البلد) أي بلد الوجوب أو فضل عنهم شيء (وجب النقل) -لها أو للفاضل- إلى مثلهم بأقرب محل لمحل المال، فإن جاوزه حرم ولم يجز كالنقل ابتداء. وإذا جاز النقل فمؤنه على المالك قبل قبض الساعي، وبعده في الزكاة فيباع منها ما يفي بذلك كما لو خشي وقوعها في خطر أو احتاج لرد جبران (أو) عدم (بعضهم) من بلد المال ووجد بغيره، أو فضل عنه شيء بأن وجدوا كلهم وفضل عن كفاية بعضهم شيء، أو وجد بعضهم وفضل عن كفاية بعضه شيء (وجوزنا النقل) مع وجودهم (وجب) النقل لذلك الصنف بأقرب بلد إليه (وإلا) نجوزه -كما هو الأصح- (فَيَرُدَّ) وجوبا نصيب المفقود من البعض، أو الفاضل عنه أو عن بعضه (على الباقين) إن نقص نصيبهم عن كفايتهم ولا ينقل إلى غيرهم؛ لانحصار الاستحقاق فيهم، فإن لم ينقص نقله لذلك الصنف بأقرب بلد إليه (وقيل ينقل) إلى أقرب محل إليه؛ للنص على استحقاقهم فيقدم على رعاية المكان الناشئة عن الاجتهاد؛ إذ لا اجتهاد مع النص.
[فرع] إذا امتنع المستحقون من أخذ الزكاة قوتلوا؛ لتعطيلهم هذا الشعار العظيم كتعطيل الجماعة
. ولو قال فرِّق هذا على المساكين لم يدخل المخاطب فيهم ولا ممونه وإن نص على ذلك (وشرط الساعي) وهو العامل (كونه حرا) ذكرا (عدلا) -في الشهادة; لأنها ولاية- ليس من ذوي القربى ولا من مواليهم ولا من المرتزقة، ومرَّ أنه يغتفر في بعض أنواع العامل كثير من هذه الشروط; لأن عمله لا ولاية فيه بوجه فكأن ما يأخذه محض أجرة (فقيها بأبواب الزكاة) فيما تضمنته ولايته؛ ليعرف ما يأخذه ومن يدفع له (فإن عُيِّن له أخذ ودفع) بأن نص له على مأخوذ بعينه ومدفوع إليه بعينه (لم يشترط) فيه كأعوانه من نحو كاتب وحاسب ومشرف (الفقه) ولا الحرية ولا الذكورة؛ لأنها وكالة لا ولاية، نعم لا بد من الإسلام كغيره من بقية الشروط -إلا إن عيّن له المأخوذ والمأخوذ منه والمدفوع إليه-؛ لأن فيه نوع ولاية. ويجب على الإمام أو نائبه بعث السعاة لأخذ الزكوات (وليعلم) الإمام أو الساعي ندبا (شهرا لأخذها) -أي: الزكاة؛ ليتهيأ ذوو الأموال لدفعها والمستحقون لقبضها- وشهر المحرَّم أولى; لأنه أول السنة الشرعية، ومحل ذلك فيما يعتبر فيه الحول المختلف في حق الناس
وَيُسَنُّ وَسْمُ نَعَمِ الصَّدَقَةِ وَالْفَيْءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَكْثُرُ شَعْرُهُ، وَيُكْرَهُ فِي الْوَجْهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ يَحْرُمُ وَبِهِ جَزَمَ الْبَغَوِيّ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَعْنُ فَاعِلِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
…
بخلاف نحو زرع وثمر لا يسن فيه ذلك، بل يبعث العامل وقت وجوبه من اشتداد الحب وإدراك الثمر وهو لا يختلف غالبا في الناحية الواحدة كثير اختلاف. ومعلوم مما مر أن من تم حوله ووجد المستحق ولا عذر له يلزمه الأداء فورا ولا يجوز التأخير للمُحَرَّم ولا لغيره (ويسن وَسْم) وهو التأثير بنحو كي (نعم الصدقة والفيء) وخيله وحُمُرِهِ وبغاله وفيلته؛ للاتباع في بعضها وقياسا في الباقي، ولئلا يتملكها المتصدق بعدُ؛ فإنه يكره لمن تصدق بشيء أن يتملكه ممن دفعه له بغير نحو إرث، أما نحو نعم غيرهما فيباح وسمه، ويكون الوسم ندبا (في موضع) ظاهر صَلْب (لا يكثر شعره)؛ ليظهر، والأولى وسم الغنم في الأذن وغيرها في الفخذ، ويسن كون ميسم الغنم ألطف وفوقه البقر وفوقه الإبل وفوقه الفيل، وكتب صدقة أو زكاة في الزكاة وكذا الله بل هو أبرك وأولى; لأن الغرض منه مع التبرك التمييز لا الذكر. وكتب جزية أو صِغَار في الجزية. وكتب في نعم بقية الفيء ((فيء))، ويكفي كتب حرف كبير ككاف الزكاة (ويكره) الوسم لغير آدمي (في الوجه)؛ للنهي عنه (قلت الأصح تحريمه) أي وسم وجهها (وبه جزم البغوي، وفي صحيح مسلم) خبر فيه (لعنُ فاعله والله أعلم)، أما وسم الآدمي فيحرم مطلقا في الوجه أو في غيره; لأن التعذيب بالنار أو غيرها لا يجوز إلا إن ورد كما في الوسم هنا، أو كان لضرورة توقفت عليه فقط كالتداوي بالنجاسة بل أولى، وكذا يحرم ضرب وجه الآدمي كما يأتي في الأشربة، ويحرم الخصاء إلا لصغار المأكول ويظهر ضبط الصغر بالعرف أو بما يسرع معه البرء ويخف الألم. ويحرم كل إنزاء مضر ضررا لا يحتمل عادة كإنزاء الخيل البقر؛ لكبر آلتها، ويجوز بدون كراهة إنزاء الحمير على الخيل
(1)
، وبكراهة عكسه نعم إن لم يحتمل الأتانُ الفرسَ لمزيد كبر جثته اتجهت الحرمة.
(1)
. خلافا للمغني فاعتمد الكراهة هنا أيضاً.
فصل
صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ سُنَّةٌ: وَتَحِلُّ لِغَنِيٍّ،
(فصل) في صدقة التطوع
(1)
(صدقة التطوع سنة
(2)
مؤكدة؛ للآيات والأحاديث الكثيرة الشهيرة فيها، وقد تحرم كأن علم أو ظنَّ من الآخذ أنه يصرفها في معصية. ولا تجب للمضطر؛ لعدم وجوب البذل له إلا بثمن ولو في الذمة لمن لا شيء معه، نعم قد تجب له إن لم يكن المضطر أهلا للالتزام ولم ينو الرجوع. وسيأتي في السير أنه يلزم المياسير على الكفاية نحو إطعام المحتاجين (وتحل لغني) -بأن وجد ما يكفيه هو وممونه يومهم وليلتهم وسترتهم وآنية يحتاجون إليها-؛ للخبر الصحيح به، ويكره للغني -وإن لم يكفه ماله أو كسبه إلا يوما وليلة- التعرض لأخذها كما يكره له أخذها إن لم يظهر الفاقة أو يسأل، فإن أظهر الغنيُّ الفقرَ أو سأل حرم عليه قبولها، ولا عبرة في اعتبار غناه بكسب حرام أو غير لائق به، نعم يستثنى من تحريم سؤال القادر على الكسب ما إذا كان مستغرق الوقت في طلب العلم، والأوجه جواز سؤال ما يحتاج إليه بعد يوم وليلة إن كان السؤال غير متيسر عند نفاد ذلك وإلا امتنع، وعلى الجواز له أن يطلب ما يحتاج إليه إلى وقت يعلم عادة تيسر السؤال والإعطاء فيه. ولا يحرم على من علم غِنَى سائل أو مظهر للفاقة الدفع إليه. وظاهر أن سؤال ما اعتيد سؤاله بين الأصدقاء ونحوهم مما لا يشك في رضا باذله وإن علم غنى آخذه كقلم وسواك لا حرمة فيه؛ لاعتياد المسامحة به. ومن أعطي لوصف يظن به كفقر أو صلاح أو نسب -بأن توفرت القرائن أنه إنما أعطي بهذا القصد أو صرح له المعطي بذلك- وهو باطنا بخلافه حرم عليه الأخذ مطلقا، ومثله ما لو كان به وصف باطنا لو اطلع عليه المعطي لم يعطه، ويجري ذلك في الهدية أيضا، ومثلها سائر عقود التبرع كهبة ووصية ووقف ونذر، ويندب للفقير
(3)
التنزه عن قبول صدقه التطوع إن شك في الحل أو كان فيه هتك للمرؤة أو دناءة في التناول، ومتى أذل نفسه أو ألحَّ في السؤال أو آذى المسئول حرم اتفاقا وإن كان محتاجا، وفي الإحياء ((متى أخذ من جوزنا له المسألة عالما بأن
(1)
. ذكر الشارح في كتاب الأضحية أنها أفضل من صدقة التطوع 9/ 344.
(2)
. ويسن لمعطي صدقه أن يقول: ((ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم))، كما مر في الزكاة 3/ 239.
(3)
. فرضه المغني وشرح المنهج في الغني.
وَكَافِرٍ. وَدَفْعُهَا سِرًّا، وَفِي رَمَضَانَ، وَلِقَرِيبٍ، وَجَارٍ أَفْضَلُ
باعث المعطي الحياء منه أو من الحاضرين ولولاه لما أعطاه فهو حرام إجماعا ويلزمه رده)) ا هـ، وحيث حرم الأخذ لم يملك ما أخذه; لأن مالكه لم يرض ببذله له. و يكره سؤال مخلوق بوجه الله؛ لخبر ((لا يسأل بوجه الله إلا الجنة))، نعم سؤال المخلوق بوجه الله ما يؤدي إلى الجنة كتعليم خير لا يكره، وسؤال الله بوجهه ما يتعلق بالدنيا يكره، (وكافر) ولو حربيا؛ لخبر الصحيحين ((في كل كبد رطبة أجر)). (ودفعها سرا) أفضل منه جهرا؛ لآية {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} البقرة:271. وإبداؤها ليقتدي به غيره لا لغرض آخر حسن بل قال ابن عبد السلام إنه لمقصد صالح أفضل، وسبقه إليه الغزالي بشرط أن لا يتأذى الآخذ بالإظهار، أما الزكاة فإظهارها أفضل إجماعا (و) دفعها (في رمضان) لاسيما عَشْره الأُخر أفضل؛ لخبر أبي داود ((أيُّ صدقة)) أفضل قال ((في رمضان)) ولعجز الفقراء عن التكسب فيه، ويليه عشر الحجة، وفي الأماكن الشريفة كمكة ثم المدينة وعند الأمر المهم كغزو وحج ومرض وسفر وكسوف واستسقاء أفضل، وليس المراد بذلك أن من أراد صدقة يسن له تأخيرها لشيء مما ذكر بل الاعتناء عند وجود ذلك بالإكثار منها فيه; لأنه أعظم أجرا وأكثر فائدة (أو) دفعها (لقريب) سواء لزمته نفقته أوْ لا، والأفضل تقديم الأقرب فالأقرب من المحارم ثم الزوج أو الزوجة ثم غير المحرم -والرحم من جهة الأب ومن جهة الأم سواء- ثم محرم الرضاع ثم المصاهرة ثم المولى من أعلى ثم من أسفل، ويجري ذلك في نحو الزكاة أيضا إذا كانوا بصفة الاستحقاق، والعدو من الأقارب أولى؛ لخبر فيه، وألحق به العدو من غيرهم (و) دفعها بعد القريب إلى (جار أفضل) منه لغيره، فعلم أن القريب البعيد الدار في البلد أفضل من الجار الأجنبي، وفي غيرها الجار أولى منه؛ بناء على منع نقل الزكاة، وأهل الخير والمحتاجون أولى من غيرهم مطلقا.
[فرع] يكره الأخذ ممن بيده حلال وحرام كالسلطان الجائر
، وتختلف الكراهة بقلة الشبهة وكثرتها، ولا يحرم إلا إن تيقن أن هذا من الحرام الذي يمكن معرفة صاحبه أي ليرده عليه وإلا فبدله، وإنما لم يحرم وإن غلب على الظن أنه ربا; لأن الأصل المعتمد في الأملاك اليد ولم يثبت لنا فيه أصل آخر يعارضه فاستصحب ولم يبال بغلبة الظن، ويجوز الأخذ من الحرام بقصد رده على مالكه إلا إن كان مفتيا أو حاكما أو شاهدا فيلزمه التصريح بأنه إنما يأخذه للرد على مالكه؛ لئلا يسوء اعتقاد الناس في صدقه ودينه فيردون فتياه وحكمه وشهادته
وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ يُسْتَحَبُّ أَلَّا يَتَصَدَّقَ حَتَّى يُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ. قُلْت الْأَصَحُّ تَحْرِيمُ صَدَقَتِهِ بِمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِنَفَقَةِ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، أَوْ لِدَيْنٍ لَا يَرْجُو لَهُ وَفَاءً، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي اسْتِحْبَابِ التَّصَدُّقِ بِمَا فَضَلَ عَنْ حَاجَتِهِ أَوْجُهٌ: أَصَحُّها إنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّبْرُ اسْتُحِبَّ، وَإِلَّا فَلَا
(ومن عليه دين) لله أو لآدمي (أو له من تلزمه نفقته يستحب) له (ألا يتصدق حتى يؤدي ما عليه)؛ تقديما للأهم، والمراد أن المسارعة لبراءة الذمة أولى وأحق من التطوع على الجملة. (قلت الأصح تحريم صدقته) ومنها إبراء مدين له موسر مقرٍّ أو له به بينة (بما يحتاج إليه) حالا، أي يومهم وليلتهم (لنفقة) ومؤنة (من تلزمه نفقته، أو لدين) ولو مؤجلا لله
(1)
، أو لآدمي (لا يرجو) أي يظن (له وفاء) حالا في الحال، وعند الحلول في المؤجل من جهة ظاهرة. (والله أعلم) ; لأن الواجب لا يجوز تركه لسُنَّة، ومع حرمة التصدق يملكه الآخذ، نعم يجوز التصدق إذا كان من تلزمه نفقته بالغا عاقلا وعُلم منه الرضا والصبر والإيثار، وأما ما يحتاجه لنفقة نفسه فإن صبر على الإضاقة جاز به التصدق به وإلا فلا. و أما إذا ظن وفاء الدين من جهة ظاهرة ولو عند حلول المؤجل فلا بأس بالتصدق حالا، بل قد يسن، نعم إن وجب أداؤه فورا لطلب صاحبه له أو لعصيانه بسببه مع عدم علم رضا صاحبه بالتأخير حرمت الصدقة قبل وفائه مطلقا كما تحرم صلاة النفل على من عليه فرض فوري (وفي استحباب التصدق بما فضل عن حاجته) السابقة من حاجة نفسه وممونه يومهم وليلتهم وكسوة فصلهم ووفاء دينه (أوجه) أحدها يسن مطلقا ثانيها لا يسن مطلقا ثالثها، وهو (أصحها) أنه (إن لم يشق عليه الصبر استحب) ; لأن ((الصِّدِّيْقَ رضي الله عنه وكرم وجهه تصدق بجميع ماله وقبله منه النبي صلى الله عليه وسلم)(وإلا) بأن شق عليه الصبر (فلا) يستحب له بل يكره
(2)
؛ للخبر الصحيح ((خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى)) أي: غنى النفس وهو صبرها على الفقر. أما التصدق ببعض الفاضل عن ذلك فيسن اتفاقا، نعم المقارب للكل كالكل. وخرج بالصدقة الضيافة فلا يشترط فضلها عن مؤنة من ذكر، ومحله إذا لم يؤدِّ إيثارُها إلى إلحاق أدنى ضرر بممونه الذي لا رضا له بذلك.
[فرع] يكره إمساك الفضل وغير المحتاج إليه، وهو ما زاد على كفاية سنة
.
(1)
. ولو قال هذه الزكاة عن مالي الغائب فبان تالفا وقع صدقة ذكره الشارح في تعجيل الزكاة 3/ 360.
(2)
. حملها في شرح الروض على كراهة التحريم.
كتاب النكاح
هُوَ مُسْتَحَبُّ لِمُحْتَاجٍ إلَيْهِ يَجِدُ أُهْبَتَهُ، فَإِنْ فَقَدَهَا اُسْتُحِبَّ تَرْكُهُ، وَيَكْسِرُ شَهْوَتَهُ بِالصَّوْمِ، فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ كُرِهَ إنْ فَقَدَ الْأُهْبَةَ،
(كتاب النكاح)
وهو: لغة الضم والوطء، وشرعا: عقد يتضمن إباحة وطء باللفظ الآتي. وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء. والأصل فيه قبل الإجماع الآيات والأخبار الكثيرة.
(هو مستحب لمحتاج إليه) أي تائق له بتوقانه للوطء ولو خصيا (يجد أهبته) -من مهر وكسوة فَصْلِ التمكين ونفقة يومه- وإن اشتغل بالعبادة؛ للخبر المتفق عليه ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة -أي الجماع مع المؤن- فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج))، نعم حيث ندب لوجود الحاجة والأهبة وجب بالنذر
(1)
، كما يجب أيضاً إذا طلّقَ
(2)
مظلومة في القسم؛ ليوفيها حقها من نوبة المظلوم لها. و لا يسن لمن في دار الحرب النكاح مطلقا؛ خوفا على ولده من التدين بدينهم والاسترقاق، نعم محله إن لم يغلب على ظنه الزنا لو لم يتزوج؛ إذ المصلحة المحققة الناجزة مقدمة على المفسدة المستقبلة المتوهمة، ويلحق التسري بالنكاح في ذلك; لأن ما علل به يأتي فيه، (فإن فقدها استحب تركه)؛ لقوله تعالى {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} النور: 33 الآية. (ويكسر) إرشادا، ومع ذلك يثاب; لأن الإرشاد الراجع إلى تكميل شرعي كالعفة هنا كالشرعي (شهوته بالصوم)؛ للحديث المذكور، فإن لم تنكسر به تزوج ولا يكسرها بنحو كافور فيكره، بل يحرم على الرجل والمرأة إن أدى إلى اليأس من النسل. ويحرم التسبب إلى إلقاء النطفة بعد استقرارها في الرحم
(3)
(فإن لم يحتج) أي يتق النكاح بعدم توقانه للوطء خلقة أو لعارض ولا علة به (كره) له (إن فقد الأهبة)؛ لالتزامه ما لا يقدر عليه بلا حاجة.
(1)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني، بل كلام المغني هو الذي يظهر أن الشارح معتمده كما يأتي في القسم والنشوز والطلاق البدعي والسني.
(3)
. خلافا للنهاية في باب العدة وأمهات الأولاد.
وَإِلَّا فَلَا لَكِنِ الْعِبَادَةُ أَفْضَلُ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَتَعَبَّدْ فَالنِّكَاحُ أَفْضَلُ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَجَدَ الْأُهْبَةَ وَبِهِ عِلَّةٌ كَهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ دَائِمٍ أَوْ تَعْنِينٍ كُرِهَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيُسْتَحَبُّ دَيِّنَةٌ بِكْرٌ نَسِيبَةٌ لَيْسَتْ قَرَابَةً قَرِيبَةً،
(وإلا) يفقد الأهبة مع عدم حاجته له (فلا) يكره له؛ لقدرته عليه ومقاصده لا تنحصر في الوطء، بل بحث جمع ندبه
(1)
لحاجة صلة وتآنس وخدمة، وعليه فيفرق بينه وبين ما يأتي فيمن به علة مزمنة بأن هذا قادر على الوطء فلا يخشى فساد زوجته بخلاف ذاك (لكن العبادة) أي التخلي لها من المتعبد (أفضل) منه; لأن ذات العبادة أفضل من ذات النكاح قطعا، وإن أمكن كون النكاح عبادة؛ إذ يثاب متى سن له فعله ولم يوجد منه صارف، أو لم يسن له وقصد به طاعة كولد وإلا فلا (قلت: فإن لم يتعبد فالنكاح أفضل) -أي فاضل؛ لأنه لا فضل في البطالة- (في الأصح) من البطالة؛ لئلا تفضي به إلى الفواحش (فإن وجد الأهبة وبه علة كهرم أو مرض دائم أو تعنين) كذلك بخلاف من يعن وقتا دون وقت (كره) له النكاح (والله أعلم)؛ لعدم حاجته مع عدم تحصين المرأة المؤدي غالبا إلى فسادها. ولو طرأت هذه الأحوال بعد العقد لم تلحق بالابتداء؛ لقوة الدوام.
[تنبيه] ما اقتضاه سياق المتن من أن تلك الأحكام لا تأتي في المرأة غير مراد فيندب لمحتاجة له لنحو توقان أو حاجة للنفقة أو خوف من اقتحام فجرة وإلا كره، ومَن لا يندفع عنها الفجرة إلا به يجب في حقّها، ولا دخل للصوم فيها. ولو علمت من نفسها عدم القيام بحقوق الزوج ولم تحتج للنكاح حرم عليها (ويستحب دَيِّنَة) بحيث توجد فيها صفة العدالة لا العفة عن الزنا فقط؛ للخبر المتفق عليه ((فاظفر بذات الدين تربت يداك)). وهل الأَولى مسلمة تاركة للصلاة أو كتابية المتجه أن الأَولى لقوي الإيمان والعلم الكتابية؛ لأمنه من فتنتها وقرب سياسته لها إلى أن تسلم، ولغيره تلك؛ لئلا تفتنه (بكرٌ)؛ للأمر به، نعم الثيب أولى لعاجز عن الافتضاض ولمن عنده عيال يحتاج لكاملة تقوم عليهن. ويسن أن لا يزوج بنته البكر
(2)
إلا من بكر لم يتزوج قط; لأن النفوس جبلت على الإيناس بأول مألوف، ولا ينافيه ما تقرر من ندب البكر ولو للثيب؛ لأن ذاك فيما يسن للزوج وهذا فيما يسن للولي (نسيبةٌ) أي معروفة الأصل طيبته؛ لنسبتها إلى العلماء والصلحاء، وتكره بنت الزنا والفاسق (ليست قرابة قريبة)؛ لأن الولد يأتي نحيفاً، والمراد بالقريبة من هي في
(1)
. اعتمده المغني لا النهاية.
(2)
. أسقط المغني والأسنى قوله: ((البكر)).
وَإِذَا قَصَدَ نِكَاحَهَا سُنَّ نَظَرُهُ إلَيْهَا قَبْلَ الخِطْبَةِ وَإِنْ لَمْ تَأْذَنْ،
أول درجات الخؤولة أو العمومة. وكل مما ذكر مستقل بالندب خلافا لما يوهمه ظاهر العبارة. ويسن أيضا كونها ودودا ولودا -ويعرف في البكر بأقاربها- ووافرة العقل
(1)
وحسنة الخلق وكذا بالغة وفاقدة ولد من غيره -إلا لمصلحة- وحسناء أي بحسب طبعه
(2)
; لأن القصد العفة وهي لا تحصل إلا بذلك، نعم تكره ذات الجمال البارع; لأنها تزهو به وتتطلع إليها أعين الفجرة، وخفيفة المهر وأن لا تكون شقراء، والأشقر من غلب الحمرة فيه البياض وقهرته بحيث تصير كلهب النار الموقدة؛ إذ هذا هو المذموم بخلاف مجرد تشرب البياض بالحمرة فإنه أفضل الألوان في الدنيا; لأنه لونه صلى الله عليه وسلم الأصلي، ولا ذات مطلِّقٍ لها إليه رغبة أو عكسه، ولا من في حلها له خلاف كأن زنى أو تمتع بأمها أو بها فرعه أو أصله، أو شك بنحو رضاع. ولو تعارضت تلك الصفات قُدِّم الدين مطلقا ثم العقل وحسن الخلق ثم الولادة ثم أشرفية النسب ثم البكارة ثم الجمال ثم ما المصلحة فيه أظهر بحسب اجتهاده.
[تنبيه] كما يسن له تحري هذه الصفات فيها كذلك يسن لها ولوليها تحريها فيه
. (وإذا قصد نكاحها) ورجا الإجابة رجاء ظاهرا، ويشترط أيضا علمه بخلوها عن نكاح وعدة تحرم التعريض كالرجعية، فإن لم تُحرمه جاز النظر وإن علمت به; لأن غايته أنه كالتعريض (سن) ولو مع خوف الفتنة لكن بدون شهوة
(3)
(نظره إليها)؛ للأمر به في الخبر الصحيح مع تعليله بأنه أحرى أن يؤدم بينهما أي تدوم المودة والألفة. وخرج بـ ((إليها)) نحو ولدها الأمرد فلا يجوز له نظره
(4)
وإن بلغه استواؤهما في الحسن. أما لو انتفى شرط مما ذكر فيحرم النظر؛ لعدم وجود مسوغه. وبعد القصد الأَوْلَى كون النظر (قبل الخطبة)؛ لخبر ((إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها))، ولا يندب النظر بعد الخطبة
(5)
; لأنه قد يعرض فتتأذى هي أو أهلها، ومع ذلك يجوز; لأن فيه مصلحة أيضا (وإن لم تأذن) هي
(1)
. خلافا لصريح الرملي في النهاية تبعا لوالده ولظاهر المغني من أن المراد بالجمال هنا الوصف القائم بالذات المستحسن عند ذوي الطباع السليمة.
(2)
. ظاهر كلام الشارح كالنهاية أن يراد بالعقل هنا العقل العرفي وهو زيادة على مناط التكليف، واعتمد المغني أن المراد أعم من ذلك.
(3)
. خلافا لهما في الاستدراك.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. وفاقا لظاهر المغني وشرحي المنهج والروض وخلافا للنهاية.
وَلَهُ تَكْرِيرُ نَظَرِهِ وَلَا يَنْظُرُ غَيْرَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ، وَيَحْرُمُ نَظَرُ فَحْلٍ بَالِغٍ إلَى عَوْرَةِ حُرَّةٍ كَبِيرَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ وَكَذَا وَجْهُهَا وَكَفُّهَا عِنْدَ خَوْفِ الفِتْنَةِ،
ولا وليها؛ اكتفاءً بإذن الشارع، بل الأولى عدم علمها; لأنها قد تتزين له بما يغره (وله تكرير) وإن خاف الفتنة
(1)
(نظره) -ولو أكثر من ثلاثة- ما دام يظن أن له حاجة إلى النظر؛ لعدم إحاطته بأوصافها، ومن ثم لو اكتفى بنظرة حرم الزائد عليها; لأنه نظر أبيح لضرورة فليتقيد بها (ولا ينظر) من الحرة (غير الوجه والكفين) من رؤس الأصابع إلى الكوع ظهرا وبطنا بلا مس شيء منهما؛ لدلالة الوجه على الجمال والكفين على خصب البدن، ويمتنع نظر غيرهما، أو نظرهما إن أدى إلى نظر غيرهما. ورؤيتهما لا تستلزم تعمد رؤية ما عداهما. أما من فيها رق فينظر ما عدا ما بين سرتها وركبتها. وإذا لم تعجبه سُنَّ له أن يسكت ولا يقول لا أريدها، ولا يترتب عليه منع خطبتها; لأن السكوت إذا طال وأشعر بالإعراض جازت الخطبة كما يأتي. ومن لا يتيسر له النظر أو لا يريده بنفسه يسن له أن يرسل من يحل له نظرها ليتأملها ويصفها له ولو ما لا يحل له نظره فيستفيد بالبعث ما لا يستفيد بالنظر، وهذا لمزيد الحاجة إليه مستثنى من حرمة وصف امرأة لرجل (ويحرم نظر فحل) وخصي ومجبوب بخلاف الممسوح، أما الخنثى فيحرم نظره للرجال أو النساء أو خنثى مثله والعكس في الجميع احتياطاً (بالغ) -ولو شيخا هَمَّا ومخنثا وهو المتشبه بالنساء- عاقل مختار (إلى عورة حرة) خرج مثالها فلا يحرم نظره في نحو مرآة. ومحل ذلك حيث لم يخش فتنة ولا شهوة، وليس من العورة الصوت فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة وكذا إن التذَّ به
(2)
، ومثلها في ذلك الأمرد (كبيرة) ولو شوهاء بأن بلغت حَدَّاً تُشتهى فيه لذوي الطباع السليمة لو سلمت من مشوه بها كما يأتي (أجنبية)، وعورتها حينئذ هي ما عدا وجهها وكفيها بلا خلاف؛ لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} النور: 30 (وكذا وجهها) أو بعضه ولو بعض عينها أو من وراء نحو ثوب يَحكى ما وراءه (وكفها) -أو بعضه أيضا- وهو من رأس الأصابع إلى الكوع (عند خوف الفتنة) -إجماعا- من داعية نحو مس لها أو خلوة بها، وكذا عند النظر بشهوة بأن يلتذ به وإن أمن الفتنة قطعاً.
(1)
. لكن بدون شهوة خلافا لهما.
(2)
. وفاقا للنهاية، وفهم علي الشبراملسي من عبارته المخالفة.
وَكَذَا عَنْدَ الْأَمْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا يَنْظُرُ مِنْ مَحْرَمِهِ بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ، وَيَحِلُّ مَا سِوَاهُ، وَقِيلَ مَا يَبْدُو فِي المُِهْنَةِ فَقَطْ، وَالْأَصَحُّ حِلُّ النَّظَرِ بِلَا شَهْوَةٍ إلَى الْأَمَةِ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ. وَإِلَى صَغِيرَةٍ إلَّا الْفَرْجَ
(وكذا) بلا شهوة، بل و (عند الأمن) من الفتنة فيما يظنه من نفسه، وإن كانت عجوزاً (على الصحيح)؛ لاتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه
(1)
ولو حلَّ النظر لَكُنَّ كالمرد ولأن النظر مظنة الفتنة أو الشهوة ففطم الناس عنه؛ احتياطا، ثم محل وجوب الستر عليهن إن منعهن الإمام من كشف وجوههن، نعم من تحققت نظر أجنبي لها
(2)
يلزمها ستر وجهها عنه وإلا كانت مُعِيْنةً له على حرام
(3)
فتأثم، ومحل ما مر في الوجه أما بقية البدن فيحرم كشفه حتى اليد؛ لأنه لا حاجة لكشفها (ولا ينظر من محرمه) بنسب أو رضاع أو مصاهرة (بيْن سرة وركبة) ; لأنه عورة، ويُلحق به
(4)
هنا وفيما يأتي نفس السرة والركبة؛ احتياطا (ويحل) نظر (ما سواه) حيث لا شهوة ولو كافرا لا يرى نكاح المحارم; لأن المحرمية تحرم المناكحة فكانا كرجلين أو امرأتين (وقيل) يحل نظر (ما يبدو في المُِهنة) وهو الرأس والعنق واليدان إلى العضدين والرجلان إلى الركبتين (فقط)؛ إذ لا ضرورة لنظر ما عداه (والأصح حل النظر بلا) خوف فتنة ولا (شهوة) القيد لجميع ما في كلام المصنف (إلى الأمة) خرج بها المبعضة فهي كالحرة قطعا (إلا ما بين سرة وركبة) ; لأنه عورتها في الصلاة فأشبهت الرجل وسيصحح أنها كالحرة (و) الأصح حل النظر بدون شهوة (إلى صغيرة) لا تُشتهى لذوي الطباع السليمة كما عليه الناس في الأعصار والأمصار، فإن لم تشته لهم لتشوه بها قدّر زوال تشوهها فإن اشتهوها حينئذ حرم نظرها وإلا فلا (إلا الفرج) فيحرم اتفاقا، نعم يجوز نظره ومسه لنحو الأم زمن الرضاع والتربية؛ للضرورة. أما الصبي فيحل
(5)
نظر فرجه ما لم يميز.
(1)
. ومع ذلك فستر الوجه سنة إن لم يأمر به الأمام، وعلى الرجال غض البصر؛ لأنه لا يلزم من منع الإمام لهن من الكشف وجوب الستر عليهن بدون منع، وخالفاه في هذا التفصيل واعتمدا الحرمة مطلقا.
(2)
. يؤخذ من كلام الشارح في موضع آخر أن محله ما إذا ظنت تعمده.
(3)
. ورد الشارح ما اعتمد المغني من حل نظر وجه وكف يؤمن من نظرهما الفتنة.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. خلافا لهما.
وَأَنَّ نَظَرَ الْعَبْدِ إلَى سَيِّدَتِهِ وَنَظَرَ مَمْسُوحٍ كَالنَّظَرِ إلَى مَحْرَمٍ، وَأَنَّ المُرَاهِقَ كَالْبَالِغِ. وَيَحِلُّ نَظَرُ رَجُلٍ إلَى رَجُلٍ إلَّا مَا بَيْنَ سُرَّةٍ وَرُكْبَةٍ. وَيَحْرُمُ نَظَرُ أَمْرَدَ بِشَهْوَةٍ
(و) الأصح (أن نظر العبد) العدل -ولا تكفي العفة عن الزنا فقط- غير المشترك والمبعض وغير المكاتب (إلى سيدته) المتصفة بالعدالة أيضا (و) الأصح أن (نظر ممسوحٌ) ذكرُهُ كُلُّهُ وأنثياه. بشرط أن لا يبقى فيه ميل للنساء أصلا، وبشرط إسلامه في المسلمة، وعدالته ولو أجنبيا لأجنبية متصفة بالعدالة أيضا (كالنظر إلى محرم) فينظران منها ما عدا ما بين السرة والركبة وتنظر منهما ذلك؛ لقوله تعالى {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} النور: 31، ويلحقان بالمحرم أيضا في الخلوة والسفر
(1)
، لا في نحو حل المس وعدم نقض الوضوء به، وإنما حل نظره لأمته المشتركة; لأن ملحظ نظر السيدة الحاجة، وهي منتفية مع الكتابة أو الاشتراك ولا كذلك في السيد، وقد اتفقوا على أن العبد لا يلزمه الاستئذان إلا في الأوقات الثلاثة؛ لكثرة حاجته إلى الدخول والخروج والمخالطة، ومثله في ذلك مراهق أجنبي ومحرم بالغ (و) الأصح (أن المراهق) وهو من قارب الاحتلام أي باعتبار غالب سنه وهو قرب الخمسة عشر
(2)
لا التسع ولو كان مجنونا متيقضاً (كالبالغ) فيلزمها ستر ما عدا وجهها وكفيها منه بل والوجه والكفين إن علمت منه تعمد النظر إليها. ويلزم وليه منعه النظر كما يلزمه منعه من سائر المحرمات، ولو ظهر منه تشوف للنساء فكالبالغ قطعا، والمراهقة كالبالغة. وخرج بالمراهق غيره، ثم إن كان بحيث يحكي ما يراه على وجهه فكالمحرم وإلا فكالعدم. (ويحل نظر رجل إلى رجل) مع أمن الفتنة بلا شهوة اتفاقا (إلا ما بين سرة وركبة) ونفسهما
(3)
كما مر، فيحرم نظره مطلقا ولو من محرم; لأنه عورة والمراهق كالرجل ناظراً ومنظوراً. ويجوز للرجل دلك فخذ الرجل بشرط حائل وأمن فتنة، وأُخذ منه حل مصافحة الأجنبية مع ذينك بخلاف مس غير وجهها وكفيّها بحائل؛ لأنه مظنة للفتنة والشهوة، ويلحق بها الأمرد في ذلك. (ويحرم) ولو على أمرد (نظر) شيء من بدن (أمرد) -وهو من لم يبلغ أوان طلوع اللحية غالبا، ويظهر ضبط ابتدائه بأن يكون بحيث لو كان صغيرة لاشتهيت للرجال- مع خوف فتنة بأن لم يندر وقوعها، أو (بشهوة)
(1)
. قيد الشارح ذلك في الحج بما إذا كان كل من المرأة والممسوح ثقة.
(2)
. ونص الشارح على الثلاثة عشر سنة في السلم 5/ 23.
(3)
. خلافا لهما.
قُلْتُ: وَكَذَا بِغَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ المَنْصُوصِ. وَالْأَصَحُّ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ أَنَّ الْأَمَةَ كَالحُرَّةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَالْمَرْأَةُ مَعَ الْمَرَأَةٍ كَرَجُلٍ وَرَجُلٍ. وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ نَظَرِ ذِمِّيَّةٍ إلَى مُسْلِمَةٍ. وَجَوَازُ نَظَرِ المَرْأَةِ إلَى بَدَنِ أَجْنَبِيٍّ سِوَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ إنْ لَمْ تَخَفْ فِتْنَةً. قُلْتُ: الْأَصَحُّ التَّحْرِيمُ كَهُوَ إلَيْهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ
إجماعا، وكذا كل منظور إليه، وضابط الشهوة أن يتأثر بجمال صورته بحيث يدرك من نفسه فرقا بينه وبين الملتحي (قلت: وكذا) يحرم نظره (بغيرها) أي الشهوة ولو مع أمن الفتنة (في الأصح المنصوص
(1)
وذلك; لأنه مظنة الفتنة كالمرأة. وشرط الحرمة مع أمن الفتنة وانتفاء الشهوة أن لا يكون الناظر محرما بنسب وكذا رضاع
(2)
ولا سيدا، ويظهر حل نظر مملوكِهِ وممسوح إليه بشرطهما السابق وأن يكون المنظور جميلا بحسب طبع الناظر; لأن الحسن يختلف باختلاف الطباع. وخرج بالنظر المس
(3)
والخلوة به فتحرم لكن إن حرم النظر (والأصح عند المحققين أن الأمة كالحرة والله أعلم)؛ لاشتراكهما في الأنوثة وخوف الفتنة (والمرأة مع المرأة كرجل ورجل) فيحل حيث لا خوف فتنة ولا شهوة لها نظر ما عدا سرتها وركبتها وما بينهما; لأنه عورة (والأصح تحريم نظر ذمية) وكل كافرة ولو حربية (إلى) ما لا يبدو في المهنة من (مسلمة) غير سيدتها ومحرمها؛ لمفهوم قوله تعالى {أَوْ نِسَائِهِنَّ} النور: 31، وقضية المتن أنها معها كأجنبي، نعم ولا يحرم نظر المسلمة لها، ومثلها
(4)
فاسقة بسحاق أو غيره كزنا أو قيادة فيحرم التكشف لها (و) الأصح (جواز نظر المرأة إلى بدن أجنبي سوى ما بين سرته وركبته) وسوى السرة والركبة
(5)
أيضاً كما مر (إن لم تخف فتنة) ولا نظرت بشهوة (قلت: الأصح التحريم كهو) أي كنظره (إليها والله أعلم)؛ للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ((أمر ميمونة وأم سلمة وقد رآهما ينظران لابن أم مكتوم بالاحتجاب منه فقالت له أم سلمة: أليس هو أعمى لا يبصر فقال أفعمياوان أنتما ألستما تبصرانه)). ومر ندب نظرها إليه للخطبة كهو إليها.
(1)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي فاعتمدا كلام الرافعي.
(2)
. بخلاف المصاهرة كما في الفتح.
(3)
. فقد يحرم مس بعض ما حل نظره نظير ما يأتي في المحرم.
(4)
. خلافا لهما.
(5)
. خلافا لهما.
وَنَظَرُهَا إلَى مَحْرَمِهَا كَعَكْسِهِ. وَمَتَى حَرُمَ النَّظَرُ حَرُمَ المَسُّ. وَيُبَاحَانِ لِفَصْدٍ وَحِجَامَةٍ وَعِلَاجٍ
(ونظرها إلى محرمها كعكسه) أي كنظره إليها فتنظر منه ما عدا ما بين السرة والركبة، ومر إلحاقهما
(1)
بما بينهما، (ومتى حرم النظر حرم المس) بلا حائل، وكذا معه إن خاف فتنة بل وإن أمنها. ويحرم مس شيء من الأمرد على ما مر ومن عورة المماثل، أو المحرم، ويحرم مس ونظر عضو أجنية مُبان. وقد يحرم النظر دون المس كأن أمكن طبيبا معرفة العلة بالمس فقط. وحيث حل النظر حل المس كدبر الحليلة، وهذا أغلبي أيضا
(2)
فلا يحل لرجل مس وجه أجنبية وإن حل نظره لنحو خطبة أو شهادة أو تعليم، ولا لسيدة مس شيء من بدن عبدها وعكسه وإن حل النظر وكذا الممسوح. وما حل نظره من المحرم قد لا يحل مسه كبطنها ورجلها وتقبيلها بلا حائل لغير حاجة ولا شفقة
(3)
بخلاف يدها (ويباحان) أي النظر والمس (لفصد وحجامة وعلاج)؛ للحاجة لكن بحضرة مانع خلوة كمحرم أو زوج أو امرأة ثقة؛ لحل خلوة رجل بامرأتين ثقتين يحتشمهما، وليس الأمردان كالمرأتين
(4)
; لأن ما عللوا به فيهما من استحياء كل بحضرة الأخرى لا يأتي في الأمردين، وبشرط عدم امرأة تحسن ذلك كعكسه، وأن لا يكون غير أمين مع وجود أمين، ولا ذميا مع وجود مسلم، أو ذمية مع وجود مسلمة، ويتحصَّل أنه يقدم في المرأة مسلمة فصبي مسلم غير مراهق فممسوح فمراهق فكافر غير مراهق فممسوح فمراهق فمحرم مسلم فمحرم كافر فامرأة كافرة، نعم يقدم أمهر ولو من غير الجنس، والدَّيِّن على غيره. ووجود من لا يرضى إلا بأكثر من أجرة المثل كالعدم. ويتأتى في الأمرد نظير ذلك الترتيب فيقدم من يحل نظره إليه فغير مراهق فمراهق فمسلم ثقة فكافر بالغ، ويعتبر في الوجه والكف أدنى حاجة وفيما عداهما مبيح تيمم إلا الفرج وقريبه فيعتبر زيادة على ذلك وهي أن تشتد الضرورة حتى لا يعد الكشف لذلك هتكا للمروءة.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. وتقدم في الجنائز أنه ليس للسيد أن يغسل أمته المزوجة أو المعتدة أو المستبرأة أو المشتركة أو الوثنية وإن جاز له نظر ماعدا مابين السرة والركبة، ولا زوجته المعتدة وإن حل نظرها 3/ 108، وأيضا ذكر الشارح في الحجر حل النظر لعورة الحربي لمعرفة بلوغه أي أما المس فلا 5/ 165.
(3)
. قضيته عدم الجواز عند عدم القصد مع انتفائهما وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(4)
. خلافا لهما.
قُلْتُ: وَيُبَاحُ النَّظَرُ لِمُعَامَلَةٍ وَشَهَادَةٍ وَتَعْلِيمٍ وَنَحْوِهَا بِقَدْرِ الحَاجَةِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلِلزَّوْجِ النَّظَرُ إلَى كُلِّ بَدَنِهَا
(قلت ويباح النظر) للوجه فقط (لمعاملة) كبيع وشراء ليرجع بالعهدة ويطالب بالثمن مثلا (وشهادة) تحملا وأداء لها أو عليها، كنظر الفرج للشهادة بزنا أو ولادة أو عبالة أو التحام إفضاء، والثدي للرضاع؛ للحاجة. وتعمد النظر للشهادة لا يضر وإن تيسر وجود نساء أو محارم يشهدون، والنظر لغير ما ذكر من الأمور المجوزة له غير مفسق
(1)
لأنه صغيرة. وتُكَلَّف الكشف للتحمل والأداء فإن امتنعت أُمرت امرأة أو نحوها بكشفها، وعند نكاحها لا بد أن يعرفها الشاهدان بالنسب أو بكشف وجهها. ولو عرفها الشاهدان في النقاب لم يحتج للكشف، فعليه يحرم الكشف حينئذ؛ إذ لا حاجة إليه، ومتى خشي فتنة أو شهوة لم ينظر إلا إن تعين، ومع ذلك يأثم بالشهوة إن كانت باختياره وإلا فلا (وتعليم) لأمرد وأنثى، ويشرط في تعليم الأنثى كونه فيما يجب تعلمه وتعليمه كالفاتحة وما يتعين فيه ذلك من الصنائع المحتاج إليها، وفقد جنس ومحرم صالح، وتعذره من وراء حجاب ووجود مانع خلوة
(2)
لا فيما لا يحب
(3)
. ولا تشترط هذه الشروط في الأمرد كما عليه الإجماع الفعلي، ويتجه اشتراط العدالة فيهما كالمملوك بل أولى (ونحوها) كأمة يريد شراءها فينظر ما عدا عورتها، وحاكم يحكم لها أو عليها أو يحلفها. وإنما يجوز النظر في جميع ما مر (بقدر الحاجة والله أعلم) فلا يجوز أن يجاوز ما يحتاج إليه; لأن ما حل لضرورة يقدر بقدرها، ومن ثم لو عرفها الشاهد بنظرة لم تجز ثانية أو برؤية بعض وجهها لم يجز له رؤية كله. وكل ما حلَّ له نظره منها للحاجة يحل لها نظره منه للحاجة أيضا كالمعاملة وغيرها مما مر
(4)
.
[فرع] يجوز بلا كراهة وطئ حليلته متفكرا في محاسن أجنبية، ولا يأثم بذلك إلا إن صمم على فعل المعصية بتلك المتخيَّلة لو ظفر بها في الخارج أو تمنى الزنا بها (و للزوج) والسيد في حال الحياة (النظر إلى كل بدنها) -أي الزوجة والمملوكة التي تحل وعكسه وإن
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(2)
. والأصح حل خلوة رجل بامرأتين كما مر في الحج 4/ 25.
(3)
. خلافا لهما فأجازاه في المندوب أيضا.
(4)
. وتقدم في شروط الصلاة وجوب ستر سوأتي الرجل والأمة في الخلوة ومابين سرة وركبة الحرة وكراهة نظر سوأة نفسه بلا حاجه 2/ 110.
فصل
تَحِلُّ خِطْبَةُ خَلِيَّةٍ عَنْ نِكَاحٍ وَعِدَّةٍ،
منعها
(1)
- ولو الفرج وحلقة دبرها لكن مع الكراهة، وباطن الفرج أشد، وذلك; لأنها محل استمتاعه وعكسه وللخبر الصحيح ((احفظ عورتك إلا من زوجتك وأمتك)) أي فهي أولى أن لا تحفظ منه; لأن الحق له لا لها، ومن ثم لزمها تمكينه من التمتع ولا عكس، وخرج بالنظر المس فلا خلاف في حله ولو للفرج، وبحال الحياة ما بعد الموت فهو كالمحرم، وبالتي تحل زوجة معتدة عن شبهة ونحو أمة مجوسية فلا يحل له إلا نظر ما عدا ما بين سرتها وركبتها.
[تنبيه] كل ما حرم نظره منه أو منها متصلا حرم نظره منفصلا كقلامة يد أو رِجل وشعر امرأة وعانة رجل فتجب مواراتهما، وكدم فصد مثلا
.
وتحرم مضاجعة رجلين أو امرأتين عاريين في ثوب واحد وإن لم يتماسا. وإذا بلغ الصبي أو الصبية عشر سنين وجب التفريق بينه وبين أمه وأبيه
(2)
وأخته وأخيه، وعليه فيحرم تمكينهما من التلاصق ولو مع عدم التجرد
(3)
ومن التجرد ولو مع البعد وقد جمعهما فراش واحد. ويكره للإنسان نظر فرج نفسه عبثا.
(فصل) في الخِطبة
وهي التماس النكاح (تحل خطبة) وهي بمعنى الالتماس وسيلة للنكاح لها حكمه في ندبه أو وجوبه أو غيره، وبمعنى الإتيان لأوليها مع الخطبة سنة (خلية عن) جميع الموانع كـ (نكاح وعدة) تصريحا وتعريضا. وتحرم خطبة المنكوحة كذلك إجماعا فيهما، وسيعلم من كلامه أنه يشترط خلوها أيضا من بقية موانع النكاح ومن خطبة الغير
(4)
. ولا يحل خطبة الأمة المستفرشة ما لم تقم قرينة ظاهرة على إعراض السيد عنها ومحبته لتزويجها، ويحرم على ذي أربع الخطبة إلا إذا كان قصده أنها إذا أجابت أبان واحدة وكذا في نحو أخت زوجته،
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. خلافا للمغني في الأب والأم.
(3)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي.
(4)
. هنا إيراد على المتن أقره المغني ورده الشارح.
لَا تَصْرِيحٌ لِمُعْتَدَّةٍ، وَلَا تَعْرِيضٌ لِرَجْعِيَّةٍ، وَيَحِلُّ تَعْرِيضٌ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ وَكَذَا لِبَائِنٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَيَحْرُمُ خِطْبَةٌ عَلَى خِطْبَةِ مَنْ صُرِّحَ بِإِجَابَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ،
وتحل خطبة نحو مجوسية لينكحها إذا أسلمت. وخرج بالخلية المزوجة فتحرم خطبتها تصريحا وتعريضا كما مر (لا تصريح) من غير ذي العدة لمستبرأة، أو (لمعتدة) عن وفاة أو شبهة أو فراق بطلاق بائن أو رجعي أو بفسخ أو انفساخ فلا يحل إجماعا; لأنها قد ترغب فيه فتكذب على انقضاء العدة. أما ذو العدة فتحل له إن حل له نكاحها بخلاف ما إذا لم يحل كأن طلقها ثلاثا والحال أنها في عدته، وكأن وطئ معتدة بشبهة فحملت فإن عدته تقدم، ولا يحل له خطبتها؛ إذ لا يحل له نكاحها (ولا تعريض لرجعية) ومعتدة عن ردة; لأنهما في معنى الزوجة؛ لعودهما للنكاح بالرجعة والإسلام (ويحل تعريض) بغير جماع (في عدة وفاة) ولو حاملا؛ لآيتها وهي {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ} البقرة: 235 (وكذا) يحل التعريض (لبائن) بطلاق أو فسخ معتدة بالأقراء أو الأشهر (في الأظهر)؛ لعموم الآية، وأورد عليه بائن بثلاث أو رضاع أو لعان فإنه لا خلاف في حل التعريض لها وقد يجاب بأن بعضهم أجراه أيضا فلعل المصنف يرتضيه، ولجواب الخطبة حكمها في التفصيل المذكور. ثم التصريح ما يقطع بالرغبة في النكاح كإذا انقضت عدتك نكحتك والتعريض ما يحتمل ذلك وعدمه كأنت جميلة، من يجد مثلك، إن الله سائق إليك خيرا، لا تَبْقَي أيِّما، رُبَّ راغب فيك، إني راغب فيك، والتعريض بالجماع حرام كعندي جماع مُرْضٍ وأنا قادر على جماعك بخلاف التعريض به في غير نحو هذه الصورة فإنه مكروه. ونحو الكناية -وهي الدلالة على الشيء بذكر لازمه- قد تفيد ما يفيده الصريح كأريد أن أنفق عليه نفقة الزوجات وأتلذذ بك فتحرم، وقد لا فيكون تعريضاً كذكر ذلك ما عدا وأتلذذ بك.
(ويحرم) على عالم بالخطبة وبالإجابة وبصراحتها وبحرمة الخطبة على الخطبة (خطبة على خطبة من) جازت خطبته وإن كرهت، و (قد صرح) لفظا (بإجابته) ولو كافرا محترما؛ للنهي الصحيح عن ذلك. ويحصل التصريح بالإجابة بأن يقول له المجبر
(1)
-ومنه السيد في
(1)
. ومنه السيد في أمته غير المكاتبة والسلطان في مجنونة بالغة لا أب لها ولا جد.
فَإِنْ لَمْ يُجَبْ وَلَمْ يُرَدَّ لَمْ تَحْرُمْ فِي الْأَظْهَرِ. وَمَنِ اسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ ذَكَرَ مَسَاوِئَهُ بِصِدْقٍ.
أمته غير المكاتبة والسلطان في مجنونة بالغة لا أب لها ولا جد- أو تقول هي والولي
(1)
ولو مُجْبَرةً في غير الكفء، أو تقول غير المجبرة وحدها
(2)
في الكفء أو وليها وقد أذنت في إجابته أو في تزويجها -ولو من غير معين كزوجني ممن شئتـ، أو تقول مكاتبة كتابة صحيحة مع سيدها وكذا مبعضة لم تجبر- وإلا فهو ووليهاـ ((أجبتك أو رضيتك زوجا مثلا)) وذلك; لأن القصد إجابة لا يتوقف العقد بعدها على أمر متقدم عليه، وسكوت البكر غير المجبرة ملحق بالصريح
(3)
(إلا بإذنه) -أي الخاطب له من غير خوف ولا حياء- أو إلا أن يترك أو يُعْرِض عنه المجيب، أو يعرض هو كأن يطول الزمن بعد إجابته حتى تشهد قرائن أحواله بإعراضه، ومنه سفره البعيد المنقطع (فإن لم يجب ولم يرد) صريحا بأن لم يذكر له واحد منهما أو ذكر له ما أشعر بأحدهما أو بكل منهما (لم يحرم في الأظهر) المقطوع به في السكوت
(4)
؛ إذ لم يبطل بها شيء مقرر، وكذا إن أجيب تعريضا مطلقا، أو تصريحا ولم يعلم الثاني بالخطبة أو علم بها ولم يعلم بالإجابة، أو علم بها ولم يعلم كونها بالصريح، أو علم كونها به ولم يعلم بالحرمة، أو علم بها لكن وقع إعراض من أحد الجانبين كما مر، أو حرمت الخطبة، أو نكح من يحرم جمع المخطوبة معها، أو طال الزمن بعد الإجابة بحيث يعد معرضا كما مر أيضا، أو كان الأول حربيا أو مرتدا؛ لأصل الإباحة مع سقوط حقه بنحو إذنه أو إعراضه والمرتد لا ينكح فلا يخطب وطروّ ردته قبل الوطء يفسخ العقد فالخطبة أولى. ومن خطب خمسا معا أو مرتبا لم تجز خطبة إحداهن حتى يحصل نحو إعراض، أو يعقد على أربع.
ويسن خطبة أهل الفضل من الرجال فمن خُطِبَ وأجاب والخاطبة مكملة للعدد الشرعي أو لم يرد إلا واحدة حرم على امرأة ثانية خطبته بالشروط السابقة، فإن لم يكمل العدد ولا أراد الاقتصار على واحدة فلا حرمة مطلقا؛ لإمكان الجمع. (ومن استشير في خاطب) أو نحو عالم لمن يريد الاجتماع به أو معاملته هل يصلح أوْ لا يصلح، بل يجب عليه ذكر ذلك ولو لم يستشر (ذكر) وجوبا (مساوئه) أي عيوبه الشرعية وكذا العرفية، والمراد أنه يقول له أولاً لا يصلح لك فإن لم ينزجر بذلك ذكر من عيوبه ما ينزجر به (بصدق) ليحذر؛ بذلا للنصيحة
(1)
. في الكفء.
(2)
. ولو مجبرة في غير الكفء.
(3)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(4)
. فالتعبير بالأظهر على سبيل التغليب.
وَيُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُ خُطْبَةٍ قَبْلَ الخِطْبَةِ، وَيُسْتَحَبُّ أُخْرَى قَبْلَ الْعَقْدِ، وَلَوْ خَطَبَ الْوَلِيُّ فَقَالَ الزَّوْجُ: الحَمْدُ للهِ وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ قَبِلْتُ صَحَّ النِّكَاحُ عَلَى الصَّحِيحِ،
الواجبة، وصحَّ ((أنه صلى الله عليه وسلم استشير في معاوية وأبي جهم، فقال: أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك لا مال له))، نعم إن علم أن الذكر لا يفيد أمسك كالمضطر لا يباح له إلا ما اضطر إليه، وقد يؤخذ منه أنه يجب ذكر الأخف فالأخف من العيوب.
وهذا أحد أنواع الغيبة الجائزة، وهي: ذكر الغير بما فيه أو في نحو ولده أو زوجته أو ماله مما يكره عرفا أو شرعا، لا بنحو صلاح وإن كرهه ولو بإشارة أو إيماء، بل وبالقلب بأن أصرَّ فيه على استحضار ذلك، ومن أنواعها الجائزة أيضا التظلم لذي قدرة على إنصافه، أو الاستعانة به على تغيير منكر أو دفع معصية، والاستفتاء بأن يذكر حاله وحال خصمه مع تعيينه للمفتي وإن أغنى إجماله; لأنه قد يكون في التعيين فائدة، ومجاهرته -بفسق أو بدعة أو صغيرة- بأن لم يبال بما يقال فيه من جهة ذلك؛ لخلعه جلباب الحياء فلم يبق له حرمة لكن لا يذكره بغير ما تجاهر به، وشهرته بوصف يكرهه فيذكر للتعريف -وإن أمكن تعريفه بغيره-، وليس له ذكره للتنقيص بخلاف ذكره بذلك مطلقا عن قصد فيجوز. ولو استشير في نفسه وفيه مَسَاوٍ قال لا أصلح لكم فإن رضوا به مع ذلك فواضح وإلا لزمه الترك أو الإخبار بما فيه من كل مذموم شرعا أو عرفا، بل يلزمه ذكر ذلك ولو لم يستشر. والنص على أنها لو أذنت في العقد لم يجز ذكر المساوي محمول على ما إذا ظهر بقرائن الأحوال عدم رجوعها عنه وإن ذكرت. (ويستحب) للخاطب أو نائبه إن جازت الخطبة بالتصريح لا بالتعريض (تقديم خُطبة قبل الخِطبة)؛ لخبر ((كل أمر ذي بال)) السابق، فيبدأ بالحمد والثناء على الله تعالى ثم بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوصي بالتقوى ثم يقول: جئتكم، وإن كان وكيلا قال: جاءكم موكلي أو جئتكم عنه خاطبا كريمتكم أو فتاتكم، فيخطب الولي أو نائبه كذلك، ثم يقول لست بمرغوب عنك، أو نحوه (ويستحب) خطبة (أخرى) كما ذكر (قبل العقد) عند إرادة التلفظ به سواء الولي أو نائبه، والزوج أو نائبه وأجنبي، وهي آكد من الأولى (ولو خطب الولي) كما ذكر، ثم قال زوجتك إلى آخره (فقال الزوج الحمد لله والصلاة) والسلام (على رسول الله قبلت) إلى آخره (صح النكاح) وإن تخلل ذلك (على الصحيح) ; لأنه مقدمة القبول مع قصره فليس أجنبيا عنه.
بَلْ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ لَا يُسْتَحَبُّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ طَالَ الذِّكْرُ الْفَاصِلُ لَمْ يَصِحَّ
(بل يستحب ذلك)؛ للخبر السابق (قلت: الصحيح لا يستحب والله أعلم) بل يستحب تركه؛ خروجا من خلاف من أبطل به لكن المعتمد الاستحباب
(1)
بزيادة الوصية بالتقوى، ويسن كون التي أمام العقد أطول من خُطبة الخطبة (فإن طال الذكر الفاصل) بينهما بأن يكون زمنه لو سكتا فيه لخرج الجواب عن كونه جوابا (لم يصح) النكاح جزما؛ لإشعاره بالإعراض، وكونه مقدمة للقبول لا يستدعي اغتفار طوله. ويؤخذ مما مر في البيع أن الفصل بأجنبي ممن طلب جوابه يضر وإن قصر وممن انقضى كلامه لا يضر
(2)
إلا إن طال، والفصل بالسكوت يضر إن طال. ويشترط ما يتأتى مجيئه هنا من شروط البيع، نعم يصح الجواب هنا بعد تمام الصيغة الصحيحة وإن لم يفرغ الأول من ذكر المهر وصفاته.
[تتمة] يندب التزوج في شوال والدخول فيه؛ للخبر الصحيح فيهما، وكون العقد في المسجد ويوم الجمعة، وأول النهار؛ لخبر ((اللهم بارك لأمتي في بكورها))، نعم إن أخره إلى عقب الجمعة وقصد بالتأخير إليه كثرة حضور الناس لاسيما العلماء والصالحون له في هذا الوقت دون غيره كان أولى، وقول الولي قبيل العقد أزوجك على ما أمر الله تعالى به من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، والدعاء لكل من الزوجين عقبه ببارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير؛ لصحة الخبر به، نعم لا يسن قوله كيف وجدت أهلك بارك الله لك إلا لعالم بالسنة، ويكره الدعاء بالرفاء والبنين، والأخذ بناصيتها أول لقائها ويقول بارك الله لكل منا في صاحبه، ثم إذا أراد الجماع تغطيا بثوب وقدَّما قبيله التنظف والتطيب والتقبيل ونحوه مما ينشط له؛ للأمر به، وقال كل منهما -ولو مع اليأس من الولد- بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا، وليتحر استحضار ذلك بصدق في قلبه عند الإنزال فإن له أثرا بيِّنا في صلاح الولد وغيره، ولا يكره الجماع للقِبْلَة ولو بصحراء، ويكره تكلم أحدهما أثناءه لا شيء من كيفياته حيث اجتنب الدبر إلا ما يقضي طبيب عدل بضرره، ويحرم ذكر تفاصيله بل صح ما يقتضي أنه كبيرة. ويندب إذا تقدم إنزاله أن يمهل لتنزل، وأن يتحرى به
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. خلافا لهما، وللشهاب الرملي تفريع هنا رده الشارح.
فصل
إنَّمَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِإِيجَابٍ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ زَوَّجْتُكَ أَوْ أَنْكَحْتُك، وَقَبُولٍ: بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ تَزَوَّجْتُ أَوْ نَكَحْتُ أَوْ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا أَوْ تَزْوِيجَهَا،
وقت السحر؛ للاتباع وحكمته انتفاء الشبع والجوع المفرطين حينئذ إذ هو مع أحدهما مضر غالبا كالإفراط فيه مع التكلف، وفعله يوم الجمعة قبل الذهاب إليها
(1)
أو ليلتها، وأن لا يتركه عند قدومه من سفر. والتقوي له بأدوية مباحة مع رعاية القوانين الطبية بقصد صالح كعفة أو نسل وسيلة لمحبوب فليكن محبوبا. ووطء الحامل والمرضع منهي عنه فيكره إن خشي منه ضرر الولد بل إن تحققه حرم.
(فصل) في أركان النكاح وتوابعها
وهي أربعة زوجان وولي وشاهدان
(2)
وصيغة، (إنما يصح النكاح بإيجاب) ولو من هازل وكذا القبول (وهو أن يقول) العاقد (زوجتك أو أنكحتك) موليتي فلانة مثلا. أما إن قال أزوجك أو أنكحك فالشرط أن ينسلخ عن معنى الوعد كأن يقول الآن (وقبول) مرتبط بالإيجاب كما مر آنفا (بأن يقول الزوج) ومثله وكيله كما سنذكره (تزوجت) ـها (أو نكحت) ـها، فلا بد من دالٍّ عليها من نحو اسم أو ضمير أو إشارة (أو قبلت
(3)
أو رضيت، لا فعلت (نكاحها) بمعنى إنكاحها؛ ليطابق الإيجاب (أو تزويجها) أو النكاح أو التزويج، لا قبلت ولا قبلتها. و ((أو)) في كلامه للتخيير مطلقا؛ إذ لا يشترط توافق اللفظين. ولا يضر من عامي نحو فتح تاء متكلم وإبدال الزاي جيما وعكسه والكاف همزة، ولا يضر زوجت لك أو إليك; لأن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى ينبغي أن يكون كالخطأ في الإعراب والتذكير والتأنيث، بل يغتفر كل ما لا يخل بالمعنى، ومن ثم قال أبو شكيل في نحو فتح تاء المتكلم هذا لحن لا يخل بالمعنى فلا يخرج به الصريح عن موضوعه. وسيعلم مما يأتي صحة النكاح مع نفي الصداق فيشترط للزومه هنا ذكره في كل من شِقَّي العقد مع توافقهما فيه كتزوجتها به وإلا
(1)
. وهو الأفضل كما مر في الجمعة.
(2)
. عد الشيخ ابن حجر الشاهدين ركناً، وعدهما النهاية ركنين.
(3)
. أفاد المغني أنه كان ينبغي أن يقدم قوله: ((قبلت))، ورده الشارح.
وَيَصِحُّ تَقَدُّمُ لَفْظِ الزَّوْجِ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ وَكِيلِهِ، وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِلَفْظِ التَّزْوِيجِ أَوِ الْإِنْكَاحِ. وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِكِنَايَةٍ قَطْعًا، وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُكَ فَقَالَ قَبِلْتُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: زَوِّجْنِي بِنْتَك فَقَالَ زَوَّجْتُكَ أَوْ قَالَ الْوَلِيُّ تَزَوَّجْهَا فَقَالَ تَزَوَّجْتُ صَحَّ
وجب مهر المثل (ويصح تقديم لفظ الزوج) أو وكيله سواء قبلتُ وغيرها (على) لفظ (الولي أو وكيله)؛ لحصول المقصود (ولا يصح) النكاح (إلا بلفظ التزويج أو الإنكاح) أي ما اشتق منهما، وذلك؛ لخبر مسلم ((اتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله))، وكلمة الله ما ورد في كتابه ولم يرد فيه غيرهما. وما في المتن ليس مكررا مع ما مر
(1)
؛ لإيهامه حصر الصحة في تلك الصيغ فيصح نحو أنا مزوجك إلى آخره، ولا يشترط زيادة لفظة الآن هنا. وينعقد نكاح الأخرس بإشارته التي لا يختص بفهمها الفطن، ولا ينعقد بكتابته إلا إذا لم تكن له إشارة مفهمة وتعذر توكيله؛ لاضطراره حينئذ، ويُلحق بكتابته في ذلك إشارته التي يختص بفهمها الفطن. (ويصح بالعجمية في الأصح) وإن أحسن العربية، وهي ما عداها اعتبارا بالمعنى؛ إذ لا يتعلق به إعجاز. ويشترط أن يأتي بما يعدُّه أهل تلك اللغة صريحا في لغتهم، هذا إن فهم كلٌّ كلام نفسه والآخر ولو بأن أخبره ثقة بالإيجاب أو القبول بعد تقدمه من عارف به ولو بإخبار الثقة له بمعناه قبل تكلمه به فقبله أو أجاب فورا، ويشترط فهم الشاهدين أيضا كما يأتي. (لا بكناية) في الصيغة كأحللتك بنتي، فلا يصح النكاح (قطعا) وإن قال نويت بها النكاح وتوفرت القرائن على ذلك; لأنه لا مطلع للشهود المشترط حضورهم لكل فرد جزء جزء منه على النية. ولو استخلف قاضٍ فقيها في تزويج امرأة صح بما يصح به تولية القضاء مما سيأتي فيه من اشتراط اللفظ الصريح. وخرج بقولنا ((في الصيغة)) الكناية في المعقود عليه كما لو قال أبو بناتٍ زوجتك إحداهن أو بنتي أو فاطمة ونويا معينة ولو غير المسماة فإنه يصح، ولا يكفي زوجت بنتي أحدكما مطلقا، (ولو قال) الولي (زوجتك) إلى آخره (فقال) الزوج (قبلت) مطلقا أو قبلته (لم ينعقد) النكاح (على المذهب)؛ لانتفاء لفظ النكاح أو التزويج كما مر (ولو قال) الزوج للولي (زوجني بنتك فقال) الولي (زوجتك) بنتي (أو قال الولي) للزوج (تزوجها) أي بنتي (فقال) الزوج (تزوجت) ـها (صحَّ) النكاح فيهما بما ذكر؛ للاستدعاء الجازم الدال على الرضا. وخرج بزوجني
(1)
. ووجه المغني عدم التكرار بقوله: ((لأن الكلام هناك في اشتراط الصيغة وهنا في تعيينها)).
وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُهُ، وَلَوْ بُشِّرَ بِوَلَدٍ فَقَالَ إنْ كَانَتْ أُنْثَى فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا، أَوْ قَالَ إنْ كَانَتْ بِنْتِي طَلُقَتْ وَاعْتَدَّتْ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَالمَذْهَبُ بُطْلَانُهُ. وَلَا تَوْقِيتُهُ. وَلَا نِكَاحُ الشِّغَارِ وَهُوَ زَوَّجْتُكَهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي بِنْتَكَ وَبُضْعُ كُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقُ الْأُخْرَى فَيَقْبَلُ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلِ الْبُضْعَ صَدَاقًا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ،
تزوِّجني أو زوَّجتني أو زوَّجتها مني، وخرج بتزوجها تتزوجها أو تزوجتها فلا يصح؛ لعدم الجزم، نعم إن قَبِل أو أوجب ثانيا صحَّ، ولا يصح أيضا قل تزوجتها أو زوجتها; لأنه استدعاء للفظ دون التزويج، ولا زوجت نفسي أو ابني من بنتك; لأن الزوج غير معقود عليه، ولا زوجت بنتي فلانا ثم كتب أو أرسل إليه فقبل (ولا يصح تعليقه) فيفسد به كالبيع بل أولى؛ لمزيد الاحتياط هنا، (ولو بُشِّر بولد فقال) لمن عنده (إن كانت أنثى فقد زوجتكها) فقبل ثم بان أنثى (أو قال) شخص لآخر (إن كانت بنتي طلقت واعتدت فقد زوجتكها) فقبل ثم بان انقضاء عدتها وأنها أذنت له، أو بان أنها كانت بكرا والعدة لاستدخال ماء أو وطء في دبر، أو قال لمن تحته أربع إن كانت إحداهن ماتت زوجتك بنتي فقبل (فالمذهب بطلانه)؛ لفساد الصيغة بالتعليق. وخرج بولد ما لو بشر بأنثى فقال بعد تيقنه أو ظنه صدق المُخْبِر ((إن صدق المخبر فقد زوجتكها)) فإنه يصح; لأنه غير تعليق بل تحقيق إذ ((إن)) حينئذ بمعنى إذ، ومثله ما لو أخبر بموت زوجته وتيقن أو ظن صدق المخبِر فقال إن صدق المخبِر فقد تزوجت بنتك. ولو قال زوجتك إن شئت صحَّ إن لم يقصد التعليق (ولا توقيته) بمدة معلومة أو مجهولة فيفسد؛ لصحة النهي عن نكاح المتعة (و) لا يصح (نكاح الشِّغار)؛ للنهي عنه في خبر الصحيحين (وهو) شرعا (زوجتكها) أي بنتي (على أن تزوجني) أو تزوج ابني مثلا (بنتك وبضع كل واحدة) منهما (صداق الأخرى فيقبل) ذلك بأن يقول تزوجتها وزوجتك مثلا، وعلة البطلان التشريك في البضع، (فإن لم يجعل البضع صداقا) بأن قال زوجتك بنتي على أن تزوجني بنتك ولم يزد فقبل كما ذكر (فالأصح الصحة) للنكاحين بمهر المثل؛ لعدم التشريك في البضع، ولا يحتاج قوله على أن تزوجني بنتك إلى قبول؛ لأنه استيجاب قائم مقام زوجني، ولو جعل البضع صداقا لإحداهما بطل فيمن جعل بضعها صداقا فقط ففي زوجتكها على أن تزوجني بنتك وبضع بنتك صداق بنتي يصح الأول فقط، وفي عكسه يبطل الأول فقط.
وَلَوْ سَمَّيَا مَالًا مَعَ جَعْلِ الْبُضْعِ صَدَاقًا بَطَلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يَصِحُّ إلَّا بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، وَشَرْطُهُمَا حُرِّيَّةٌ، وَذُكُورَةٌ وَعَدَالَةٌ وَسَمْعٌ وَبَصَرٌ،
(ولو سميا) أو أحدهما (مالا مع جعل البضع صداقا) كأن قال وبضع كل وألف صداق الأخرى (بطل في الأصح)؛ لبقاء معنى التشريك، وسيعلم من كلامه وغيره أنه لا بد في الزوج من علمه أي ظنه حل المرأة له، فلو جهل حلها لم يصح نكاحها؛ احتياطا لعقد النكاح.
[تنبيه] يشترط العلم بشروط النكاح حال العقد وهو شرط لجواز مباشرته العقد لا لصحته حتى إذا كانت الشروط محققة في نفس الأمر كان النكاح صحيحا وإن كان المباشر مخطئا في مباشرته ويأثم إن أقدم عالما بامتناعه.
ولابدَّ في الولي من ظن فقد نحو رقٍّ وصِبَى وأنوثة أو خنوثة وغيرها مما يأتي، ولابد في الزوجة من الخلو عن نكاح وعدة. ولو أشار لحاضرة وقال زوجتك هذه صحَّ إلا إن أيس من العلم بها أبدا، وعموما
(1)
فمتى علم -ولو بعد العقد- أنها المشار إليها عند العقد بانت صحته وإلا فلا، أما الشهود فلا يشترط معرفتهم لها بل الواجب حضورهم وضبط صيغة العقد. وفيما إذا كان الولي غير الأب والجد يشترط في الغائبة رفع نسبها حتى ينتفي الاشتراك، ويكفي ذكر الأب وحده إذا لم يكن في البلد مشارك له. ولابد في الثلاثة -أي الزوج والولي والزوجة- من تعيينٍ إلا فيما مر في إحدى بناتي، واختيارٍ إلا في المجبرة، وعدم إحرام.
(ولا يصح) النكاح (إلا بحضرة شاهدين
(2)
قصدا أو اتفاقا بأن يسمعا الإيجاب والقبول -أي الواجب منهما المتوقف عليه صحة العقد لا نحو ذكر المهر- للخبر الصحيح ((لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل))، ويسن إحضار جمع من أهل الصلاح (شرطهما حرية) كاملة فيهما (وذكورة) محققة وكونهما إنسيين، فلا ينعقد بمن فيه رق ولا بجني إلا إن علمت عدالته الظاهرة، ولا بامرأة ولا بخنثى إلا إن بان ذكرا كالولي بخلاف ما لو عقد على خنثى أوله وإن بان أن لا خلل، والفرق أن الشهادة والولاية مقصودان لغيرهما بخلاف المعقود عليه فاحتيط له أكثر، ومن ثم لو عقد على من شك في كونها محرمه فبانت غير محرمه لم يصح. (وعدالة) ومن لازمها الإسلام والتكليف (وسمع) ; لأن المشهود عليه قول فاشترط سماعه حقيقة (وبصر) -؛ لما يأتي
(1)
. واعتمد الرملي عدم اشتراط معرفتهم لها.
(2)
. ولا يشترط معرفة الشهود للزوجة.
وَفِي الْأَعْمَى وَجْهٌ وَالْأَصَحُّ انْعِقَادُهُ بِابْنَيِ الزَّوْجَيْنِ وَعَدُوَّيْهِمَا، وَيَنْعَقِدُ بِمَسْتُورَيِ الْعَدَالَةِ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا مَسْتُورِ الْإِسْلَامِ وَالحُرِّيَّةِ،
أن الأقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع- ونطق ورشد وعدم حرفة دنيئة تخل بمروءته وعدم اختلال ضبطه لغفلة أو نسيان ومعرفة لسان المتعاقدين، فلا بد من فهم الشاهد له حالة التكلم، فلا يكفي ترجمته له بعد ولو قبل الشق الآخر (وفي الأعمى وجه)، ومثله من بظلمة شديدة وفي الأصم أيضا وجه، (والأصح انعقاده) ظاهرا وباطنا بمحرمين ولكن الأولى أن لا يحضراه، و (بابني الزوجين) أي ابني كلٍّ أو ابن أحدهما وابن الآخر، أ (وعدويهما) كذلك -وبجديهما وبجدها وأبيه لا أبيها; لأنه العاقد أو موكله، نعم يتصور شهادته لاختلاف دين أو رق بها- وذلك؛ لانعقاد النكاح بهما في الجملة. ولو كان لها إخوة فزوجها أحدهم وشهد الآخران صح; لأن العاقد ليس نائبهما بخلاف ما لو وكَّل أب أو أخ تعين للولاية وحضر مع آخر; لأنه العاقد حقيقة إذ الوكيل في النكاح سفير محض فكانا بمنزلة رجل واحد (وينعقد) ظاهرا (بمستوري العدالة) وهما من لم يعرف لهما مفسق، أو من عرف ظاهرهما بالعدالة ولم يزكيا، ومن ثم بطل الستر بتجريح عدل ولم يلحق الفاسق إذا تاب عند العقد بالمستور، وتسن استتابة المستور عند العقد (على الصحيح)؛ لجريانه بين أوساط الناس والعوام فلو كلفوا بمعرفة العدالة الباطنة ليحضر المتصف بها لطال الأمر وشق، نعم لو كان الحاكم هو العاقد لم يكن له أن يتولى العقد
(1)
إلا بحضرة من ثبتت عنده عدالتهما باطنا، وليس ذلك شرط؛ للصحة بل لجواز الإقدام، فلو عقد بمستورين فبانا عدلين صح أو عقد غيره بهما فبانا فاسقين لم يصح؛ لأن العبرة في العقد بما في نفس الأمر، نعم الأصح أن تصرف الحاكم ليس حكما إلا في قضية وقعت إليه ليطلب منه فصل الأمر فيها، ومن ثم لو رفع إليه نكاح لم يحكم بصحته اتفاقا إلا بعد ثبوت عدالتهما عنده، ولو اختصم زوجان -أقرا عنده بنكاح بينهما بمستورين- في نحو نفقة حكم بينهما ما لم يعلم فسق الشاهد; لأن الحكم هنا في تابع بخلافه فيما قبله.
[تنبيه] يجوز للزوج الإقدام على العقد حيث لم يظن وجود مفسد له في الولي أو الشاهد، ثم إن بان مفسد بان فساد النكاح وإلا فلا
(لا) بشاهد (مستور الإسلام) أ (والحرية) بأن لم يُعرف حاله في أحدهما باطنا وإن كان بمحل كل أهله مسلمون أو أحرار؛ لسهولة
(1)
. خلافا لهما.
وَلَوْ بَانَ فِسْقُ الشَّاهِدِ عِنْدَ الْعَقْدِ فَبَاطِلٌ عَلَى المَذْهَبِ، وَإِنَّمَا يَتَبَيَّنُ بِبَيِّنَةٍ أَوِ اتِّفَاقِ الزَّوْجَيْنِ،
الوقوف على الباطن فيهما، وكذا البلوغ ونحوه مما مر، نعم إن بان مسلما أو حرا أو بالغا مثلا بان انعقاده كما لو بان الخنثى ذكرا (ولو بان
(1)
فِسْقُ) الولي أو (الشاهدين) العدلين أو المستورين، أو غيره من موانع النكاح كصغر أو جنون ادعاه وارثه أو وارثهما، وقد عُهد أو أثبته (عند العقد فباطل على المذهب) كما لو بانا كافرين; لأن العبرة في العقود بما في نفس الأمر. وخرج بعند العقد تبينه قبله -نعم تبينه قبل مضي زمن الاستبراء كتبينه عنده- وتبينه بعده في الحال؛ لاحتمال حدوثه (وإنما يتبين) الفسق أو غيره بعلم القاضي فيلزمه التفريق بينهما وإن لم يترافعا إليه
(2)
ما لم يحكم حاكم يراه بصحته، أو (ببينة) حسبة أو غيرها تشهد به مفسَّرا سواء أكان الشاهد مستورا أم عدلا (أو اتفاق الزوجين) -أي الزوج والزوجة إلا إن كانت أمة أو سفيهة وأبطلت بإقرارها ما ثبت لها من مال- على فسقهما عند العقد سواء أعلما به عنده أم بعده ما لم يُقرَّا قبلُ عند حاكم أنه بعدلين ويحكم بصحته، وإلا لم يلتفت لاتفاقهما أي بالنسبة لحقوق الزوجية لا لتقرير النكاح. ثم بطلانه باتفاقهما إنما هو فيما يتعلق بحقهما دون حق الله تعالى، فلو طلقها ثلاثا ثم توافقا وأقاما أو الزوج بينة بفساد النكاح بذلك أو بغيره لم يلتفت لذلك بالنسبة لسقوط التحليل; لأنه حق الله تعالى فلا يرتفع بذلك، نعم إن علما المفسد جاز لهما العمل بقضيته باطنا لكن إذا علم بهما الحاكم فرَّق بينهما، نعم تقبل بينته إذا لم يرد نكاحا بل التخلص من المهر
(3)
أي ولم يسبق منه إقرار بصحته، وبينتها إذا أرادت بعد الوطء مهر المثل وكان أكثر من المسمى ولم يسبق منها إقرار بصحته، وعليه
(4)
لو أقيمت البينة لذلك وحكم بفساده لم يرتفع ما وجب من التحليل. وخرج بأقاما أو الزوج ما لو قامت حسبة ووجدت شروط قيامها فتسمع
(5)
.
(1)
. عند التحمل، أما تبين ذلك عند الأداء أو قبله بدون مضي مدة الاستبراء عند الحكم فسيأتي في كتاب الشهادات 10/ 240.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. ولا يسقط التحليل خلافا لهما.
(5)
. ورد الشارح ما اعتمداه من أن شرط سماعها الضرورة وهي لا تتأتى هنا.
وَلَا أَثَرَ لِقَوْلِ الشَّاهِدَيْنِ كُنَّا فَاسِقَيْنِ، فَلَوِ اعْتَرَفَ بِهِ الزَّوْجُ وَأَنْكَرَتْ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَعَلَيْهِ نِصْفُ المَهْرِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، وَإِلَّا فَكُلُّهُ. وَيُسْتَحَبُّ الْإِشْهَادُ عَلَى رِضَا المَرْأَةِ حَيْثُ يُعْتَبَرُ رِضَاهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ
(ولا أثر لقول الشاهدين كُنَّا) عند العقد (فاسقين) مثلا; لأنهما مقران على غيرهما، نعم له أثر في حقهما، فلو حضرا عقد أختهما مثلا ثم ماتت وورثاها سقط المهر قبل الوطء وفسد المسمى بعده فيجب مهر المثل أي إن كان دون المسمى أو مثله لا أكثر؛ لئلا يلزم أنهما أوجب بإقرارهما حقا لهما على غيرهما (فلو اعترف به الزوج وأنكرت) بطل النكاح، و (فرق بينهما)؛ مؤاخذة له بقوله (وعليه) أي الزوج المقر بالفسق (نصف المهر) المسمى (إن لم يدخل بها، وإلا) بأن دخل بها (فكله) عليه ولا يرثها; لأن حكم اعترافه مقصور عليه، ومن ثم ورثته لكن بعد حلفها أنه عقد بعدلين. وخرج باعترافه اعترافها بخلل ولي أو شاهد فلا يفرق به بينهما; لأن العصمة بيده وهي تريد رفعها والأصل بقاؤها، ولكن لو مات لم ترثه، وإن ماتت أو طلقها قبل وطء فلا مهر أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل ما لم تكن محجورا عليها بسفه فلا سقوط؛ لفساد إقرارها في المال كما مر
(1)
. ولو قالت وقع العقد بغير ولي ولا شهود وقال بل بهما صدقت بيمينها
(2)
; لأن ذلك إنكار لأصل العقد (ويستحب الإشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها) بالنكاح بأن تكون غير مجبرة؛ احتياطا ليؤمن إنكارها، بل حتى على المجبرة البالغة؛ لئلا ترفعه لمن يرى إذنها وتجحده فيبطله (ولا يشترط) ذلك لصحة النكاح; لأن الإذن ليس ركنا للعقد، بل شرط فيه، فلم يجب الإشهاد عليه ورضاها الكافي في العقد يحصل بإذنها أو ببينة أو بإخبار وليها مع تصديق الزوج أو عكسه، نعم لو كان المزوِّج هو الحاكم لم يجز له أن يباشره -أي وإن صحّ- إلا إن ثبت إذنها عنده، ويكفي أن يقع في قلبه صدق المخبر له بأنها أذنت. ولو أقرت بالإذن ثم ادعت أنها إنما أذنت بشرط صفة في الزوج ولم توجد ونفى الزوج ذلك صدقت بيمينها.
(1)
. للإسنوي بحث هنا رده الشارح وأقراه.
(2)
. خلافا لهما.
فصل
لَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا بِإِذْنٍ، وَلَا غَيْرَهَا بِوَكَالَةٍ، وَلَا تَقْبَلُ نِكَاحًا لِأَحَدٍ، وَالْوَطْءُ فِي نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ يُوجِبُ مَهْرَ المِثْلِ، لَا الحَدَّ،
(فصل) فيمن يعقد النكاح وما يتبعه
(لا تزوج امرأة نفسها) ولو (بإذن) من وليها (ولا غيرها) ولو (بوكالة) من الولي بخلاف إذنها لقنها أو محجورها
(1)
، وذلك؛ لآية {فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ} البقرة: 232؛ إذ لو جاز لها تزويج نفسها لم يكن للعضل تأثير،؛ لخبر ((لا نكاح إلا بولي .. )) الحديث، نعم لو لم يكن لها ولي أصلا جاز لها أن تفوض مع خاطبها أمرها إلى مجتهد عدل فيزوجها ولو مع وجود الحاكم المجتهد، أو إلى عدل غير مجتهد ولو مع وجود مجتهد غير قاض فيزوجها لا مع وجود حاكم ولو غير أهل، نعم إن كان الحاكم لا يزوج إلا بدراهم لها وقع كما حدث الآن كان لها أن تولي عدلا مع وجوده، ولا يشترط حينئذٍ أن يكون المفوَّض إليه في محلها، وخرج بتزوج ما لو وكل امرأة لتوكل من يزوج موليته، أو وكل موليته لتوكل من يزوجها ولم يقل لها عن نفسك -سواء أقال عني أم أطلق- فوكلت وعقد الوكيل فإنه يصح؛ لأنها سفيرة محضة، ولو ابتلينا بولاية امرأة الإمامة نفذ حكمها؛ للضرورة، وقياسه تصحيح تزويجها، وكذا لو زوجت كافرة كافرة بدار الحرب فيقر الزوجان عليه بعد إسلامهما، ويجوز إذنها لوليها بلفظ الوكالة كما يأتي، (ولا تقبل نكاحا لأحد) بولاية ولا وكالة; لأن محاسن الشريعة تقتضي فطمها عن ذلك بالكلية، والخنثى مثلها فيما ذكر ما لم تتضح ذكورته ولو بعد العقد كما مر (والوطء في نكاح) ولو في الدبر (بلا ولي
(2)
بأن زوجت نفسها بحضرة شاهدين ولم يحكم حاكم ببطلانه وإلا فهو زنا فيه الحد لا المهر ولو مع الإعلان; لأن مالكا رضي الله عنه لا يقول بالاكتفاء به إلا مع الولي (يوجب) على الزوج الرشيد دون السفيه كما يأتي بتفصيله آخر الباب (مهر المثل) لا المسمى؛ لفساد النكاح -ومن ثم لو حكم حاكم بصحته وجب- ولا أرش للبكارة; لأنه مأذون له في إتلافها هنا كما في النكاح الصحيح (لا الحد) وإن اعتقد التحريم؛
(1)
. بأن كانت وصيَّا لطفل فبلغ سفيها.
(2)
. قال في المغني ((أو بولي بلا شهود، وأما في نكاح بلا ولي ولا شهود فإنه يوجب الحد جزماً))، وخالفه في الأخير النهاية.
وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْوَلِيِّ بِالنِّكَاحِ إنِ اسْتَقَلَّ بِالْإِنْشَاءِ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُقْبَلُ إقْرَارُ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ بِالنِّكَاحِ عَلَى الجَدِيدِ
لشبهة اختلاف العلماء، نعم يعزر معتقد التحريم إلا إن حكم حاكم يراه بصحته، ولا يجوز نقض حكم حنفي به. ولو طلَّق هنا معتقد التحريم أو معتقد الإباحة ثلاثا قبل حكم حاكم بالصحة لم يقع ولم يحتج لمحلل. ولو نكح مختلفا فيه فإن قلد القائل بصحته أو حكم بها من يراها ثم طلق ثلاثا تعين التحليل وليس له تقليد من يرى بطلانه; لأنه تلفيق
(1)
للتقليد في مسألة واحدة وهو ممتنع قطعا، وإن انتفى التقليد والحكم لم يحتج لمحلل، نعم يتعين أنه لو ادعى بعد الثلاث عدم التقليد لم يقبل منه; لأنه يريد بذلك رفع التحليل الذي لزمه، وكحكم الحنفي بالصحة مباشرته للتزويج إن كان مذهبه أنَّ تصرف الحاكم حكم بالصحة، ولشافعي حضر هذا العقد الشهادة بجريانه لا بالزوجية إلا إن قلد القائل بصحته تقليدا صحيحا، وكذلك ليس له حضوره والتسبب فيه إلا بعد ذلك التقليد (ويقبل إقرار الولي بالنكاح) على موليته (إن استقل) حالة الإقرار (بالإنشاء) وهو المجبر من أب أو جد أو سيد أو قاضٍ في مجنونة بشرطها الآتي وإن لم تصدقه البالغة؛ لما مر أن من ملك الإنشاء ملك الإقرار به غالبا (وإلا) يستقل به؛ لانتفاء إجباره حالة الإقرار -كأن ادعى وهي ثيب أنه زوجها حين كانت بكرا- أو لانتفاء كفاءة الزوج (فلا) يقبل؛ لعجزه عن الإنشاء بدون إذنها. (ويقبل إقرار) الحرة (البالغة العاقلة) ولو سفيهة فاسقة سكرانة (بالنكاح) ولو لغير كفء (على الجديد) إذا صدقها الزوج وإن كذبها الولي وشهود عينتهم؛ لاحتمال نسيانهم. ولا بد أن تفصِّل في إقرارها -ولو كان ضمنيا- بذكر تزويج وليها وحضور الشاهدين العدلين ورضاها إن اشترط. ولو أقر المجبر لواحد وهي لآخر قدم السابق، فإن وقعا معا قُدِّم إقرارها؛ لتعلق ذلك ببدنها، وفيما إذا احتمل الحال فهو كالمعية، وكذا لو علم السبق دون عين السابق، وأحد الزوجين القن لا بد مع تصديقه من تصديق سيده، وإذا لم يصدقها الزوج فالمعتمد أنه ليس لها أن تتزوج؛ اعتبارا بقولها في حق نفسها وطريق حلها أن يطلقها. ولو قال رجل هذه زوجتي فسكتت، أو قالت امرأة هذا زوجي فسكت ومات المقر ورثه الساكت لا عكسه، وفي الأولى لو أنكرت صدقت بيمينها ومع ذلك يقبل رجوعها ولو بعد موته; لأنها مقرة بحق عليها له وقد مات
(1)
. منعا ذلك.
وَلِلْأَبِ تَزْوِيجُ الْبِكْرِ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَيُسْتَحَبُّ اسْتِئْذَانُهَا، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ثَيِّبٍ إلَّا بِإِذْنِهَا، فَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَمْ تُزَوَّجْ حَتَّى تَبْلُغَ، وَالجَدُّ كَالْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ، وَسَوَاءٌ زَالَتِ الْبَكَارَةُ بِوَطْءٍ حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ،
وهو مقيم على المطالبة، أما الثانية فلو أنكر سقط حكم الإقرار في حقه حتى لو رجع بعد ذلك وادعى نكاحا لم يسمع (وللأب) وإن لم يَلِ المال لطروِّ سفهٍ بعد البلوغ; لأن العار عليه (تزويج البكر صغيرة وكبيرة) عاقلة ومجنونة (بغير إذنها
(1)
؛ لخبر الدارقطني ((الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها))، وأجمعوا عليه في الصغيرة، ويشترط لصحة ذلك كفاءة الزوج، ويساره بمهر المثل، وعدم عداوة بينها وبينه، وعدم عداوة ظاهرة -أي بحيث لا تخفى على أهل محلتها- بينها وبين الأب، نعم الشرط في وكيل المجبر عدم العداوة مطلقا ولو باطنة. ويشترط لجواز مباشرته لذلك -لا لصحته- كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد، ولو اعتاد نساؤها التأجيل لم يؤجل على المعتمد
(2)
، (ويستحب استئذانها) أي البالغة العاقلة ولو سكرانة؛ تطييبا لخاطرها. أما الصغيرة فلا إذن لها، ويسن أن لا يزوجها حينئذ إلا لحاجة أو مصلحة، وأن يرسل لموليته ثقة لا تحتشمها -والأم أولى- ليعلم ما في نفسها، (وليس له تزويج ثيب) عاقلة (إلا بإذنها)؛ لخبر مسلم ((الثيب أحق بنفسها من وليها)).
[فرع] لو قلب الزوج اسمه فاستؤذنت المرأة فيمن اسمه كذا وليس هو اسمه صح نكاحه إن أشارت إليه الآذنة كزوجني بهذا فخاطبه الولي بالنكاح وإلا فلا، وأُلحق بإشارتها إليه نيتها التزويج ممن خطبها إذا كان تقدم له خطبتها، (فإن كانت) الثيب (صغيرة) عاقلة حرة (لم تزوج حتى تبلغ)؛ لوجوب إذنها وهو متعذر مع صغرها. أما المجنونة فتزوج كما يأتي، وأما القنَّة فيزوجها السيد مطلقا (والجد) أبو الأب وإن علا (كالأب عند عدمه) أو عدم أهليته; لأن له ولادة وعصوبة كالأب بل أولى، ومن ثم اختص بتوليه للطرفين، ووكيلُ كلٍّ مثلُه
(3)
(وسواء) في وجود الثيوبة المقتضية لاعتبار إذنها (زالت بكارتها بوطء حلال أو حرام)
(1)
. ويستفاد من كلام الشارح قبيل اللقطة أنه لو امتنع شخص من فعل أو تسليم ما هو عليه إلا بمال كتزويج بنته حرم ولم يملكه.
(2)
. ذكره الشارح عند كلامه على مهر المثل.
(3)
. لكن الجد يوكل فيهما وكيلين كما في النهاية والمغني.
وَلَا أَثَرَ لِزَوَالِهَا بِلَا وَطْءٍ كَسَقْطَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ عَلَى حَاشِيَةِ النَّسَبِ كَأَخٍ وَعَمٍّ لَا يُزَوِّجُ صَغِيرَةً بِحَالٍ، وَتُزَوَّجُ الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ بِصَرِيحِ الْإِذْنِ، وَيَكْفِي فِي الْبِكْرِ سُكُوتُهَا فِي الْأَصَحِّ
وإن عادت وكان الوطء حالة النوم أو نحوه، أو من نحو قرد; لأنها في ذلك تسمى ثيبا (ولا أثر)؛ لخلقها بلا بكارة، و لا (لزوالها بلا وطء كسقطة) وحِدَّة حيض وأصبع (في الأصح)، ولا لوطئها في الدبر; لأنها لم تمارس الرجال بالوطء في محل البكارة وهي على غباوتها وحيائها، وقضيته أن الغوراء إذا وطئت في فرجها ثيب
(1)
وإن بقيت بكارتها بل هي أولى من نحو النائمة (ومن على حاشية النسب) أي طرفه (كأخ وعم لا يزوج صغيرة) ولو مجنونة (بحال) أما الثيب فواضح، وأما البكر فللخبر السابق، وليسوا في معنى الأب؛ لوفور شفقته (وتزوَّج الثيب) العاقلة (البالغة) الخرساء بإشارتها المفهمة، فإن لم تكن لها إشارة مفهمة ولا كتابة فهي كالمجنونة، أما الناطقة فتزوج (بصريح الإذن) ولو بلفظ الوكالة للأب أو غيره أو بقولها أذنت له أن يعقد لي وإن لم تذكر نكاحا، ويكفي قولها رضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي -وهم في ذكر النكاح- لا إن رضيت أمي أو بما تفعله مطلقا، ولا إن رضي أبي إلا أن تريد به مما يفعله. فلا يكفي سكوتها؛ لخبر مسلم السابق، وصحَّ خبر ((ليس للولي مع الثيب أمر)).
[تنبيه] يُعلم مما يأتي أواخر الفصل الآتي أن قولها رضيت أن أُزوَّج أو رضيت فلانا زوجا متضمن للإذن للولي فله أن يزوجها به بلا تجديد استئذان، ويشترط عدم رجوعها عنه قبل كمال العقد لكن لا يقبل قولها فيه إلا ببينة، ولو أذنت له ثم عزل نفسه لم ينعزل
(2)
; لأن ولايته بالنص فلم يؤثر فيها عزله لنفسه (ويكفي) للمجبر قطعا ولغيره على الأصح كما يأتي (في البكر) البالغة العاقلة إذا استؤذنت وإن لم تعلم الزوج سواء أعلمت أن سكوتها إذن أم لا (سكوتها) الذي لم يقترن بنحو بكاء مع صياح أو ضرب خد، ومحل الاكتفاء بالسكوت بالنسبة للنكاح ولو لغير كفؤ، لا لدون مهر المثل أو كونه من غير نقد البلد (في الأصح)؛ لخبر مسلم السابق ولقوة حيائها، وكسكوتها قولها ((لِمَ لا يجوز أن آذن؟)) جوابا لقوله: ((أيجوز أن
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. يفهم من كلام الشارح أن ذلك مقيد بعدم الرد أو العضل.
وَالمُعْتِقُ. وَالسُّلْطَانُ كَالْأَخِ. وَأَحَقُّ الْأَوْلِيَاءِ أَبٌ ثُمَّ جَدٌّ ثُمَّ أَبُوهُ ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ ثُمَّ ابْنُهُ وَإِنْ سَفَلَ ثُمَّ عَمٌّ ثُمَّ سَائِرُ الْعَصَبَةِ كَالْإِرْثِ، وَيُقَدَّمُ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ عَلَى أَخٍ لِأَبٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَا يُزَوِّجُ ابْنٌ بِبُنُوَّةٍ، فَإِنْ كَانَ ابْنَ ابْنِ عَمٍّ أَوْ مُعْتِقًا أَوْ قَاضِيًا زَوَّجَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ نَسِيبٌ زَوَّجَ المُعْتِقُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ، كَالْإِرْثِ،
أزوجك أو تأذنين)). أما إذا لم تستأذن وإنما زوَّج غير المجبر بحضرتها فلا يكفي سكوتها، والخرساء هنا حكمها كما مر آنفاً، (والمعتق) وعصبته (والسلطان كالأخ) فيزوجون الثيب البالغة بصريح الإذن والبكر البالغة بسكوتها. (وأحق الأولياء) بالتزويج (أب) ; لأنه أشفقهم (ثم جد) أبو الأب (ثم أبوه) وإن علا؛ لتميزه بالولادة (ثم أخ لأبوين أو لأب) أي ثم لأب؛ لإدلائه بالأب (ثم ابنه وإن سفل) كذلك (ثم عم) لأبوين ثم لأب (ثم سائر العصبة كالإرث) قوله ((كالإرث)) متعلق بـ ((سائر))؛ لأن الابن يقدم في الميراث ولا ولاية له هنا والجد في الإرث يشارك الأخ وهنا يقدم عليه
(1)
(ويقدم) مُدْلٍ بأبوين على مدل بأب لم يتميز بما هو أقوى من ذلك في سائر المنازل، فحينئذ يقدم (أخ لأبوين على أخ لأب في الأظهر) كالإرث ولأنه أقرب وأشفق، وقرابة الأم مرجحة وإن لم يكن لها دخل هنا. وخرج بقولي لم يتميز إلى آخره ابنا عمٍّ أحدهما لأبوين والآخر لأب لكنه أخوها لأمها فهو الولي؛ لإدلائه بالجد والأم والأول إنما يدلي بالجد والجدة بخلاف ما لو كان الذي للأب معتقا فإن الشقيق يقدم عليه؛ لأن المتعارض حينئذ الأقربية والولاء والأولى مقدمة، ومن ثم لو كان أحد ابني عم مستويين معتقا فيقدم، لا خالاً بل هما سواء ولو كان أحدهما ابنا والآخر أخا لأم قدم الابن. (ولا يزوج ابن ببنوة)؛ إذ لا مشاركة بينهما في النسب فلا يعتني بدفع العار عنه، ولهذا لا يزوج الأخ للأم (فإن كان) ابنها (ابن ابن عم) لها، أو نحو أخ بوطء شبهة، أو نكاح مجوس (أو معتقا) لها، أو عصبة لمعتقها، (أو قاضيا زوَّج به) أي بذلك السبب، لا بالبنوة فهي غير مقتضية لا مانعة (فإن لم يوجد نسب زوج المعتق) الرجل (ثم عصبته) ولو أنثى؛ لخبر ((الولاء لحمة كلحمة النسب))، وسيأتي حكم عتيقة الخنثى (كالإرث) بالولاء في ترتيبهم فيقدم بعد عصبة المعتق معتق المعتق ثم عصبته وهكذا، ويقدم أخو المعتق وابن أخيه على جده، وكذا العم على أبي الجد، ويقدم ابن المعتق في تزويج أمه على أبي المعتق; لأن التعصيب له.
(1)
. عبارة المغني.
وَيُزَوِّجُ عَتِيقَةَ المَرْأَةِ مَنْ يُزَوِّجُ المُعْتِقَةَ مَا دَامَتْ حَيَّةً، وَلَا يُعْتَبَرُ إذْنُ المُعْتِقَةِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِذَا مَاتَتْ زَوَّجَ مَنْ لَهُ الْوَلَاءُ، فَإِنْ فُقِدَ المُعْتِقُ وَعَصَبَتُهُ زَوَّجَ السُّلْطَانُ، وَكَذَا يُزَوِّجُ إذَا عَضَلَ الْقَرِيبُ وَالمُعْتِقُ،
ولو تزوج عتيق بحرة الأصل فأتت ببنت زوجها موالي أبيها
(1)
(ويزوج عتيقة المرأة) بعد فقد عصبة العتيقة من النسب (من يزوج المعتقة ما دامت حية)؛ تبعا للولاية عليها كأبي المعتقة فجدها بترتيب الأولياء لا ابنها، ويكفي سكوتها إن كانت بكرا (ولا يعتبر إذن المعتقة في الأصح)؛ إذ لا ولاية لها ولا إجبار، وأمة المرأة كعتيقتها لكن يشترط إذن السيدة الكاملة نطقا ولو بكرا؛ إذ لا تستحي، فإن كانت عاقلة صغيرة ثيبا امتنع على أبيها تزويج أمتها (فإذا ماتت) المعتقة (زوَّج من له الولاء) مِن عصباتها، فيقدم ابنها وإن سفل على أبيها وإن علا. وعتيقة الخنثى المشكل يزوجها بإذنه وجوبا من يزوجه بفرض أنوثته؛ ليكون وكيلا أو وليا، والمبعضة يزوجها مالك بعضها مع قريبها وإلا فمع معتق بعضها وإلا فمع السلطان والمكاتبة يزوجها سيدها بإذنها فإن كانت بكرا مبعضة احتيج لإذنها في سيدها لا في أبيها. ويزوج الحاكم أمة كافر أسلمت بإذنه والموقوفة بإذن الموقوف عليهم، أي إن انحصروا وإلا لم تزوج; لأنه لا بد من إذن الموقوف عليه وهو متعذر (فإن فقد المعتق وعصبته زوج السلطان) -وهو هنا وفيما مر ويأتي من شملها ولايته عاما كان أو خاصا كالقاضي، والمتولي لعقود الأنكحة أو هذا النكاح بخصوصه- مَن هي حالة العقد بمحل ولايته ولو مجتازة به وإن كان إذنها له وهي خارجه كما يأتي، لا خارجة عنه بل لا يجوز له أن يكتب بتزويجها (وكذا يزوج) السلطان (إذا عضل القريب أو المعتق) أو عصبته إجماعا لكن بعد ثبوت العضل عنده بامتناعه منه، أو سكوته بحضرته بعد أمره به والخاطب والمرأة حاضران أو وكيلهما، أو بينة عند تعززه أو تواريه، نعم إن فسق بعضله؛ لتكرره منه مع عدم غلبة طاعاته على معاصيه زوَّج الأبْعَد وإلا فلا; لأن العضل صغيرة، وسيعلم مما يأتي أن السلطان يزوج أيضا عند غيبة الولي وإحرامه ونكاحه لمن هو وليها فقط وجنون بالغة فقدت المجبر وتعزز الولي أو تواريه أو حبسه ومنع الناس من الاجتماع به وفقده حيث لا يقسم ماله أي بأن انقطع خبره ولم يثبت موته، وكذا يزوج السلطان إن كان لها أقارب ولا يعلم أيهم أقرب إليها لكن محل هذا إن امتنعوا من الإذن
(1)
. خلافا للمغني.
وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعَضْلُ إذَا دَعَتْ بَالِغَةٌ عَاقِلَةٌ إلَى كُفْءٍ وَامْتَنَعَ، وَلَوْ عَيَّنَتْ كُفْئاً وَأَرَادَ الْأَبُ غَيْرَهُ فَلَهُ ذَلِكَ فِي الْأَصَحِّ
واحد منهم بعد إذنها لمن هو الولي منهم مجملا إذا كان الإذن يكفي مع ذلك، ومن ثم لو أذنت لوليها من غير تعيين فزوجها وليها باطنا وإن لم تعرفه ولا عرفها، أو قالت أذنت لأحد أوليائي أو مناصيب الشرع صحَّ، وزوجها في الأخيرة كل منهم. وتزويجه أعني القاضي أو نائبه بنيابة اقتضتها الولاية فلا يصح إذنها لحاكم غير محلتها، نعم إن أذنت له وهي في غير محل ولايته ثم زوجها وهي بمحل ولايته صحَّ، ومن باب أولى ما لو أذنت له ثم خرجت لغير محل ولايته ثم عادت ثم زوجها صح وتحلل الخروج منها أو منه لا يبطل الإذن. ولو زوجها هو والولي الغائب في وقت واحد وثبتت المعية بالبينة قُدِّم الولي، ولو قَدِم وقال كنت زوجتها قبل الحاكم لم يقبل إن لم يصدقه الزوجان إلا ببينة. ولو ثبت رجوع العاضل قبل ترويج الحاكم بان بطلانه، (وإنما يحصل العضل إذا دعت بالغة عاقلة إلى كفؤٍ) ولو عِنِّيْنا ومجبوبا، وقد خطبها وعينته ولو بالنوع بأن خطبها أكفاء فدعت إلى أحدهم، أو ظهرت حاجة مجنونة للنكاح (وامتنع) ولو لنقص المهر في الكاملة، أو قال لا أزوج إلا من هو أكفأ منه، أو قال هو أخوها من الرضاع، أو حلفت بالطلاق أني لا أزوجها، أو مذهبي لا يرى حلها لهذا الزوج، وذلك؛ لوجوب إجابتها حينئذ كإطعام المضطر. ولا نظر لإقراره بالرضاع ولا لحلفه ولا لمذهبه; لأنه إذا زوج لإجبار الحاكم لم يأثم ولم يحنث، (ولو عينت) مجبرة (كفؤا وأراد الأب) أو الجد المجبر كفؤا (غيره فله ذلك) وإن كان معينها يبذل أكثر من مهر المثل (في الأصح) ; لأنه أكمل نظرا منها، والوجه الثاني يلزم إجابتها قال الأذرعي ويظهر الجزم في إن زاد معينها بنحو حسن أو مال. أما غير المجبرة فيتعين معينها قطعا؛ لتوقف نكاحها على إذنها.
[تنبيه] لا يأثم باطنا بعضل لمانع مخل بالكفاءة علمه منه باطنا ولم يمكنه إثباته
.
فصل
لَا وِلَايَةَ لِرَقِيقٍ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُخْتَلِّ النَّظَرِ بِهَرَمٍ أَوْ خَبَلٍ، وَكَذَا مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ عَلَى المَذْهَبِ، وَمَتَى كَانَ الْأَقْرَبُ بِبَعْضِ هَذِهِ الصِّفَاتِ فَالْوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ، وَالْإِغْمَاءُ إنْ كَانَ لَا يَدُومُ غَالِبًا اُنْتُظِرَ إفَاقَتُهُ، وَإِنْ كَانَ يَدُومُ أَيَّامًا اُنْتُظِرَ، وَقِيلَ وَقِيلَ تَنْتَقِلُ الوِلَايَةُ لِلْأَبْعَدِ.
(فصل) في موانع ولاية النكاح
(لا ولاية لرقيق) كله أو بعضه وإن قلَّ؛ لنقصه، نعم له تزويج أمة ملكها ببعضه الحر؛ بناء على الأصح أن السيد يزوج بالملك لا بالولاية (وصبي ومجنون)؛ لنقصهما أيضا، وإن تقطع الجنون؛ تغليبا لزمنه المقتضي لسلب العبارة فيزوج الأبعد حال زمن الجنون فقط ولا ينتظر إفاقته، فإن انتظرها صح فيها وإن قلَّت، نعم لو قلَّ زمن الجنون جدا كيوم في سنة وجب انتظار الإفاقة كالإغماء. ويشترط بعد إفاقته صفاؤه من آثار خبل يحمله على حدة في الخلق كما أفهمه قوله (ومختل) يؤثر اختلاله في (النظر) في الأكفاء والمصالح وإن قلَّ (بهرم أو خبل) أصلي أو طارئ أو بأسقام شغلته عن اختيار الأكفاء ولم ينتظر زوال مانعه؛ لأنه لا حَدَّ له يعرفه الخبراء، (وكذا محجور عليه بسفه)؛ لبلوغه غير رشيد مطلقا أو بتبذيره بعد رشده وحجر عليه (على المذهب)؛ لأنه لا يَلي أمر نفسه فغيره أولى، ويصح توكيل هذا والقن في قبول النكاح دون إيجابه. أما إذا لم يحجر عليه فيلي، وأما محجور عليه بفلس فيلي؛ لأنه كامل، وإنما الحجر عليه لحق الغير. (ومتى كان) المعتق أو (الأقرب) من عصبة النسب أو الولاء متصفا (ببعض هذه الصفات فالولاية) في الأولى لأقرب عصبات المعتق كالإرث، وفي الثانية (للأبعد) نسبا فولاءً، فلو أعتق أمة ومات عن ابن صغير وأب أو أخ كبير زوَّج الأب أو الأخ لا الحاكم، وإنما انتقلت في الولاية للأبعد؛ لأن الأقرب حينئذ كالعدم، ولأنه صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة من ابن عم أبيها؛ لكفر أبيها، وقيس بالكفر غيره، وتعود الولاية إذا زالت الموانع.
(والإغماء) والسكر بلا تعد (إن كان لا يدوم غالبا) يعني بأن قلَّ جدا (انتظر إفاقته) قطعا؛ لقرب زواله كالنوم (وإن كان يدوم) يوما أو يومين، أو (أياما انتظر) -وإن احتاجت إلى النكاح- على الأصح ولو شهرا؛ لأن من شأنه أنه قريب الزوال كالنوم (وقيل تنتقل الولاية للأبعد) كالجنون.
وَلَا يَقْدَحُ الْعَمَى فِي الْأَصَحِّ. وَلَا وِلَايَةَ لِفَاسِقٍ عَلَى المَذْهَبِ. وَيَلِي الْكَافِرُ الْكَافِرَةَ. وَإِحْرَامُ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ أَوِ الزَّوْجَةِ يَمْنَعُ صِحَّةَ النِّكَاحِ،
(ولا يقدح) الخرس إن كان له كتابة أو إشارة مفهمة وإلا زوَّج الأبعد، ومر أنه لا يصح تزويجه وتزوجه بالكتابة إلا إذا لم تكن له إشارة مفهمة وتعذر توكيله، ولا (العمى في الأصح)؛ لقدرته على البحث عن الأكفاء، نعم لا يجوز لقاضٍ تفويض ولاية العقود إليه؛ لأنها نوع من ولاية القضاء، بل العقد الواحد كذلك، وعُلم مما مر أن عقده بمهر معين لا يثبت ذلك المعين بل يثبت مهر المثل كشرائه بمعين أو بيعه له، (ولا ولاية لفاسق) غير الإمام الأعظم (على المذهب) -بل تنتقل للأبعد- للحديث الصحيح ((لا نكاح إلا بوليٍّ مرشد)) أي عدل عاقل
(1)
، نعم تثبت الولاية للفاسق فيما تثبت الولاية للفاسق فيما لو كان بحيث لو سلبها انتقلت لحاكم فاسق لا ينعزل بفسقه وإلا فلا؛ لأن الفسق عمَّ. أما الإمام الأعظم فلا ينعزل بالفسق فيزوج بناته إن لم يكن لهُنَّ ولي خاص وبنات غيره بالولاية العامة وإن فسق؛ تفخيما لشأنه، ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوَّج حالا؛ لأن الشرط عدم الفسق، لا العدالة وبينهما واسطة، ولذا زوج المستور الظاهر العدالة، وزوج الصبي إذا بلغ والكافر إذا أسلم ولم يصدر منهما مفسق وإن لم يحصل لهما ملكة تحْملهما الآن على ملازمة التقوى. (ويلي الكافر) الأصلي غير الفاسق في دينه (الكافرة) وإن اختلف دينهما سواء أكان الزوج مسلما أم ذميا وهي مجبرة أو غير مجبرة؛ لقوله تعالى {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} الأنفال: 73، ولا يلي الكافر المسلمة إجماعا ولا المسلم الكافرة إلا الإمام ونائبه فإنه يزوج من لا ولي لها ومن عضلها وليها بعموم الولاية، ولا يزوج حربي ذمية وعكسه كما لا يتوارثان، والمعاهد كالذمي ويزوج نصراني يهودية وعكسه كالإرث. (وإحرام أحد العاقدين
(2)
لنفسه أو غيره بولاية أو وكالة (أو الزوجة) أو الزوج أو الولي الغير العاقد إحراما مطلقا أو بأحد النسكين ولو فاسدا (يمنع صحة النكاح) وإذنه فيه لقنه الحلال أو لموليه السفيه، وذلك؛ لخبر مسلم ((لا يَنكِح المحرم ولا يُنكِح))، ويجوز أن يزوج حلال لحلالٍ أمةَ محجوره المحرم؛ لأن العاقد ليس نائبه، وأن تزف المحرمة لزوجها المحرم، وأن يراجع؛ تغليبا لكون الرجعة استدامة كما يأتي.
(1)
. لكنهم اعتمدوا ما اقتضاه المتن.
(2)
. بخلاف الشاهدين كما مر.
وَلَا يَنْقُلُ الْوِلَايَةَ فِي الْأَصَحِّ، فَيُزَوِّجُ السُّلْطَانُ عِنْدَ إحْرَامِ الْوَلِيِّ، لَا الْأَبْعَدُ. قُلْتُ: وَلَوْ أَحْرَمَ الْوَلِيُّ أَوِ الزَّوْجُ فَعَقَدَ وَكِيلُهُ الحَلَالُ لَمْ يَصِحَّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ غَابَ الْأَقْرَبُ إلَى مَرْحَلَتَيْنِ زَوَّجَ السُّلْطَانُ، وَدُونَهُمَا لَا يُزَوِّجُ إلَّا بِإِذْنِهِ فِي الْأَصَحِّ،
(ولا تنتقل الولاية) إلى الأبعد (في الأصح فيزوج السلطان عند إحرام الولي)؛ لبقاء رشد المحرم ونظره وإنما مُنِع؛ تعظيما لِمَا هو فيه (لا الأبعد، قلت: ولو أحرم الولي أو الزوج فعقد وكيله الحلال لم يصح) قبل التحللين (والله أعلم)؛ لأن الموكل لا يملكه ففرعه أولى، بل بعدهما؛ لأنه لا ينعزل به. ولو أحرم الإمام أو القاضي فلنوابه تزويج مَن في ولايته حال إحرامه؛ لأن تصرفهم بالولاية لا بالوكالة، ومن ثم جاز لنائب القاضي الحكم له. (ولو غاب الأقرب إلى مرحلتين) أو أكثر ولم يحكم بموته ولا وكَّل من يزوج موليته إن خُطِبت في غيبته (زوج السلطان) لا الأبعد وإن طالت غيبته وجُهل محله وحياته؛ لبقاء أهلية الغائب والأصل إبقاؤها، والأولى أن يأذن للأبعد أو يستأذنه؛ ليخرج من الخلاف. ولو بان -ببينة
(1)
- كونه بدون مسافة القصر عند تزويج القاضي بان بطلانه، أما إذا كان له وكيل فهو مقدم على السلطان، نعم محل تقدمه في المجبر، وكذا في غيره لكن إن أذنت له. ولو قَدِم فقال: كنت زوجتها لم يقبل بدون بينة؛ لأن الحاكم هنا ولي إذ الأصح أنه يزوج بنيابة اقتضتها الولاية، والولي الحاضر لو زوج فقدم آخر غائب وقال كنت زوجت لم يقبل إلا ببينة بخلاف بيع الحاكم عبد الغائب لدين عليه مثلا؛ لأن الحاكم وكيل عن الغائب والوكيل لو باع فقدم الموكل وقال: كنت بعت مثلا يقبل بيمينه
(2)
، وليس للحاكم عند غيبة الولي أن يزوج الصغير بحال. (ودونهما) إذا غاب الأقرب إليه (لا يزوج) السلطان (إلا بإذنه في الأصح)؛ لأنه حينئذ كالمقيم بالبلد فإن تعذر إذنه لخوف أو نحوه زوَّج الحاكم
(3)
أو تعسر فلا. وتصدق في غيبة وليها وخلوها من الموانع، ويسن طلب بينة منها بذلك وإلا فيحلفها فإن ألَحَّت في الطلب بلا بينة ولا يمين أجيبت وإن رأى القاضي التأخير؛ لما يترتب عليه حينئذ من المفاسد التي لا
(1)
. لا حلفه خلافا للنهاية.
(2)
. خلافا للمغني.
(3)
. اقتصر عليه في النهاية.
وَلِلْمُجْبِرِ التَّوْكِيلُ فِي التَّزْوِيجِ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الزَّوْجِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيَحْتَاطُ الْوَكِيلُ فَلَا يُزَوِّجُ غَيْرَ كُفْءٍ،
تتدارك، ومحل ذلك ما لم يعرف تزوجها بمعين وإلا اشترط في صحة تزويج الحاكم لها دون الولي الخاص إثباتُها لفراقه سواء أغاب أم حضر.
[فرع] إذا عُدِم السلطان لزم أهل الشوكة الذين هم أهل الحل والعقد ثَمَّ أن ينصبوا قاضيا فتنفذ حينئذ أحكامه
؛ للضرورة الملجئة لذلك. (وللمجبر التوكيل في التزويج بغير إذنها) كما يزوجها بغير إذنها، نعم يسن للوكيل استئذانها ويكفي سكوتها (ولا يشترط تعيين الزوج) للوكيل فيما ذكر، ولا تعيينه من الآذنة لوليها (في الأظهر)؛ لأن وفور شفقته تدعوه إلى أن لا يوكل إلا من يثق بنظره واختياره، ولا ينافيه اشتراط تعيين الزوجة لمن وكله أن يتزوج له؛ لأنه لا ضابط هنا يرجع إليه وثم يتقيد بالكفء، ويكفي ((تزوج لي من شئت أو إحدى هؤلاء))؛ لأن عمومه الشامل لكل من إفراده مطابقة بنفي الغرر بخلاف تزوج لي امرأة. (ويحتاط الوكيل) وجوبا عند الإطلاق (فلا يزوج) بمهر مثل وثَمَّ من يبذل أكثر منه أي يحرم عليه ذلك وإن صح العقد، ولا ينافيه البطلان في ((زوِّجها بشرط أن يضمن فلان أو يرهن بالمهر شيئا)) فلم يشترط ذلك؛ لأن المخالفة هنا صريحة بخلافها في الأول، ومثل ذلك زوِّجها ولا تزوجها حتى يضمن فلان، فلابد من أن يشترط ذلك عليه. ولو وكَّل في تزويجها بنحو خمر فزوج بقدر مهر المثل صحَّ أي ولا نظر للمخالفة هنا؛ لأن حقيقتها لم توجد إذ تسمية الخمر موجبة لمهر، ويقاس بذلك ما في معناه كأن يزوجها في صورة اشتراط العوض الفاسد بمهر المثل. ولو وكَّل في تزويجها بشرط أن يحلف الزوج بطلاقها بعد العقد أنه لا يشرب الخمر صح التوكيل والتزويج بخلاف لا تزوجها إذا لم يحلف فلا يصح التزويج إذا لم يحلف، ويفرق بأنه في الأول لم يشرط عليه شيئا في العقد ولا قبله بل بعده وهو غير لازم فلم يجب امتثاله بخلاف الثاني، ولا نظر لعدم إمكان هذا الشرط قبل التزويج؛ لأن كلامه متضمن للتعليق به فاشترط لنفوذ تصرفه وجوده ولو فاسدا، ولا يزوج أيضا (غير كفء) بل لو خطبها أكفاءٌ متفاوتون لم يجز تزويجها ولم يصح بغير الأَكفاء منهم؛ لأن تصرفه بالمصلحة وهي منحصرة في ذلك، وإنما لم يلزم الولي الأَكفاء؛ لأن نظره أوسع. ولو استويا كفاءة وأحدهما متوسط والآخر موسر تعين الثاني إن لم يكن الأول أصلح لحمق الثاني أو شدة بخله مثلا، ولو قالت لوليها: زوجني من شئت جاز له أن يزوج من غير الكفء كما لو قال لوكيله زوجها من
وَغَيْرُ المُجْبِرِ إنْ قَالَتْ لَهُ وَكِّلْ وَكَّلَ، وَإِنْ نَهَتْهُ فَلَا، وَإِنْ قَالَتْ زَوِّجْنِي فَلَهُ التَّوْكِيلُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ وَكَّلَ قَبْلَ اسْتِئْذَانِهَا فِي النِّكَاحِ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلْيَقُلْ وَكِيلُ الْوَلِيِّ زَوَّجْتُك بِنْتَ فُلَانٍ، وَلْيَقُلْ الْوَلِيُّ لِوَكِيلِ الزَّوْجِ زَوَّجْتُ ابْنَتِي فُلَانًا، فَيَقُولُ وَكِيلُهُ قَبِلْتُ نِكَاحَهَا لَهُ
شاءت فزوجها بغير كفء برضاها. (وغير المجبر) كالأب في الثيب (إن قالت له وكِّل وكَّل) وله التزويج بنفسه، فإن قالت له وكل ولا تزوج فسد الإذن؛ لأنه صار للأجنبي ابتداء، نعم إن دلت قرينة ظاهرة على أنها إنما قصدت إجلاله صح، (وإن نهته) عن التوكيل (فلا) يوكل؛ عملا بإذنها كما يراعى إذنها في أصل التزويج، (وإن قالت) له (زوجني) وأطلقت فلم تأمره بتوكيل ولا نهته عنه (فله التوكيل في الأصح)؛ لأنه بالإذن صار وليا شرعا أي متصرفا بالولاية الشرعية فملك التوكيل عنه. ويلزم الوكيل الاحتياط هنا نظير ما مر. ولو عينت للولي زوجا ذكره للوكيل فإن أطلق فزوج ولو مِنْه لم يصح؛ لأن التفويض المطلق مع أن المطلوب معين فاسد. (ولو وكل) غير الحاكم (قبل استئذانها) يعني إذنها (في النكاح لم يصح) النكاح (على الصحيح)؛ لأنه لا يملك التزويج بنفسه حينئذ فكيف يفوضه لغيره، أما بعد إذنها وإن لم يعلم به حال التوكيل فإنه يصح؛ اعتبارا بما في نفس الأمر. أما الحاكم فله تقديم إنابة من يزوج موليته على إذنها له؛ بناء على الأصح أن استنابته في شغل معين استخلاف لا توكيل. ولو ذكر له دنانير انصرفت للغالب وإلا وجب التعيين إن اختلفت قيمتها كالبيع. ويصح إذنها لوليها أن يزوجها إذا طلقها زوجها وانقضت عدتها، وكذا يصح إذن ولي لمن يزوج موليته كذلك
(1)
. (وليقل وكيل الولي) للزوج (زوجتك بنت فلان) ابن فلان ويرفع نسبه إلى أن يتميز، ثم يقول: موكلي أو وكالةً عنه مثلا إن جهل الزوج أو الشاهدان أو أحدهما وكالته عنه وإلا لم يحتج لذلك، وكذا لا بد من تصريح الوكيل بها فيما يأتي إن جهلها الولي أو الشهود، ويكفي في العلم هنا قول الوكيل.
[تنبيه] التصريح بالوكالة فيما ذكر شرط لحل التصرف لا غير
(وليقل الولي لوكيل الزوج: زوجت ابنتي فلانا) ابن فلان كذلك (فيقول وكيله قبلت نكاحها له) أو تزوجتها له مثلا، ولو حذف قوله ((له)) هنا لم يصح وإن نوى الموكل؛ لأن الشهود لا مطلع لهم على النية،
(1)
. كما رجحه الشارح عند كلامه على تنجيز الوكالة بشرطه.
وَيَلْزَمُ المُجْبِرَ تَزْوِيجُ مَجْنُونَةٍ بَالِغَةٍ وَمَجْنُونٍ ظَهَرَتْ حَاجَتُهُ، لَا صَغِيرَةٍ وَصَغِيرٍ. وَيَلْزَمُ المُجْبِرَ وَغَيْرَهُ إنْ تَعَيَّنَ إجَابَةُ مُلْتَمِسَةِ التَّزْوِيجِ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَإِخْوَةٍ فَسَأَلَتْ بَعْضَهُمْ لَزِمَهُ الْإِجَابَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا اجْتَمَعَ أَوْلِيَاءُ فِي دَرَجَةٍ اُسْتُحِبَّ أَنْ يُزَوِّجَهَا أَفْقَهُهُمْ وَأَسَنُّهُمْ بِرِضَاهُمْ
وللوكيل أن يقبل أوّلاً مع التصريح بوكالته إن جهلت ثم يجيبه الولي. ولو كانا وكيلين قال وكيل الولي زوجت بنت فلان من فلان وقال وكيل الزوج ما ذكر. (ويلزم المجبر) أي الأب والجد وإن لم يكن لهما الإجبار في بعض الصور الآتية، ومثله الحاكم عند عدمه أي أصلا أو بأن لم يمكن الرجوع إليه (تزويج مجنونة) أطبق جنونها (بالغة) ولو ثيبا محتاجة للوطء أو للمهر والنفقة (ومجنون) أطبق جنونه بالغ (ظهرت حاجته) بظهور أمارات توقانه بدورانه حول النساء، أو بتوقع الشفاء بقول عدلي طبٍّ، أو باحتياجه لمن يخدمه وليس له نحو محرم يخدمه ومؤن النكاح أخف من ثمن أمة ومؤنها، وذلك؛ للحاجة.
[تنبيه] الشرط هنا في المجنون والمجنونة الحاجة للنكاح، وذكر الظهور في المجنون لظهور التوقان فيه واستحيائها. أما إذا تقطع جنونهما فإن عهد ندر الإفاقة وتحققت الحاجة زُوِّجا وإلا فلا يزوجان حتى يفيقا ويأذنا وتستمر إفاقتهما إلى تمام العقد. وعلم مما مر أن هذا في غير البكر بالنسبة للمجبر (لا صغيرة وصغير) فلا يلزمه
(1)
تزويجهما ولو مجنونين كما يأتي وإن ظهرت الغبطة في ذلك؛ لعدم الحاجة حالا مع ما في النكاح من الأخطار أو المؤن. (ويلزم المجبر وغيره إن تعين) كأخ واحد (إجابة) بالغة (ملتمسة التزويج) دعت إلى كفء؛ تحصينا لها، (فإن لم يتعين كإخوة) أشقاء أو لأب (فسألت بعضهم) أن يزوجها (لزمه الإجابة في الأصح)؛ لئلا يؤدي إلى التواكل، فإن امتنع الكل زوج السلطان بالعضل. (وإذا اجتمع أولياء) من النسب (في درجة) ورتبة واحدة كإخوة أشقاء وقد أذنت لكلٍّ، أو قالت ((أذنتُ لمن شاء منكم أو من مناصيب الشرع أو لأحدهم في تزويجي من فلان أو رضيتُ أن أُزوَّج أو رضيتُ فلانا زوجا))، وتعيينها
(2)
لأحدهم بعد ليس عزلا لباقيهم (استحب أن يزوجها أفقههم) بباب النكاح وأورعهم (وأسنهم برضاهم) أي باقيهم؛ لأن الأفقه أعلم بشروط
(1)
. وإن جاز كما يأتي.
(2)
. ظاهر المغني وشرح الروض تخصيص عدم العزل بما إذا كان الإذن السابق مطلقا.
فَإِنْ تَشَاحُّوا أُقْرِعَ، فَلَوْ زَوَّجَ غَيْرُ مَنْ خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ وَقَدْ أَذِنَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمْ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ زَيْدًا وَآخَرُ عَمْرًا، فَإِنْ عُرِفَ السَّابِقُ مِنْهُمَا فَهُوَ الصَّحِيحُ، وَإِنْ وَقَعَا مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّبْقُ وَالمَعِيَّةُ فَبَاطِلَانِ،
العقد والأورع أبعد عن الشبهة والأسن أخبر بالأكفاء، واحتيج لرضاهم؛ لأنه أجمع للمصلحة، فإن تعارضت الصفات قدم الأفقه فالأورع فالأسن. ولو زوج المفضول صحَّ، أما لو أذنت لأحدهم فلا يزوج غيره إلا وكالة عنه، وأما لو قالت زوجوني فإنه يشترط اجتماعهم. وخرج بأولياء النسب المعتقون فيشترط اجتماعهم أو توكيلهم، نعم عصبة المعتق كأولياء النسب فيكفي أحدهم فإن تعدد المعتق اشترط واحد من عصبة كلٍّ (فإن تشاحوا) واتحد الخاطب (أقرع) الإمام أو نائبه بينهم وجوبا؛ قطعا للنزاع، فمن قرع منهم زوج، ويصح أن يقرع غير الإمام أو نائبه، وحينئذ فإن اتفقوا على العمل بالقرعة فذاك وإلا رفع الخاطب الأمر إليه ليلزمهم بها. وإن تعدد الخاطب فمن ترضاه فإن رضيت الكل أمر الحاكم بالتزويج من أصلحهم، ثم محل القرعة فيما لو تشاح غير الحكام، أما لو تشاح الحكام فلا قرعة بل من سبق بالتزويج اعتد به فإن أمسكوا رُجع إلى مُوَلِّيْهم (فلو زوج غير من خرجت قرعته وقد أذنت لكل منهم) كره إن كان القارع الإمام أو نائبه، و (صح) النكاح (في الأصح)؛ لأن القرعة قاطعة للنزاع لا سالبة للولاية، ولو بادر قبل القرعة صح قطعا ولا كراهة. (ولو زوجها أحدهم) أي الأولياء وقد أذنت لكلٍّ منهم (زيدا وآخر عمرا) أو وكَّل الولي فزوِّج هو ووكيله، أو وكل وكيلين فزوج كلٌّ -وقد كان الزوجان كفؤان أو أسقطوا
(1)
الكفاءة وإلا بطلا مطلقا إلا إن كان أحدهما كفؤا أو معينا في إذنها فنكاحه الصحيح وإن تأخر- (فإن) سبق أحد العقدين، و (عرف السابق منهما) ببينة أو تصادق معتبر ولم يُنْس (فهو الصحيح) والآخر باطل وإن دخل المسبوق بها؛ للخبر الصحيح ((أيما امرأة زوجها وليان فهي للأول منهما)) (وإن وقعا معا) فباطلان وهو واضح (أو جهل السبق والمعية فباطلان)؛ لتعذر الإمضاء والأصل في الأبضاع الحرمة حتى يتحقق السبب المبيح، نعم يسن للحاكم أن يقول: إن كان قد سبق أحدهما فقد حكمت ببطلانه؛ ليكون نكاحها بعد على الصحة
(2)
، وتثبت له
(1)
. أي الأولياء والمرأة.
(2)
. عبارة المغني.
وَكَذَا لَوْ عُرِفَ سَبْقُ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَى المَذْهَبِ، وَلَوْ سَبَقَ مُعَيَّنٌ ثُمَّ اشْتَبَهَ وَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ، فَإِنِ ادَّعَى كُلُّ زَوْجٍ عِلْمَهَا بِسَبْقِهِ سُمِعَتْ دَعْوَاهُمَا بِنَاءً عَلَى الجَدِيدِ، وَهُوَ قَبُولُ إقْرَارِهَا بِالنِّكَاحِ، فَإِنْ أَنْكَرَتْ حُلِّفَتْ،
هذه الولاية؛ للحاجة، (وكذا) يبطلان (لو علم سبق أحدهما ولم يتعين) وأيس من تعينه (على المذهب)؛ لما ذكر، ويسن للحاكم هنا أيضا نظير ما مر فيقول: فسخت السابق منهما. ثم الحكم ببطلانهما إنما هو في الظاهر حتى لو تعين السابق بعدُ فهو الزوج، ومحله إن لم يجر من الحاكم فسخ وإلا انفسخ باطنا أيضا حتى لو تعين السابق فلا زوجية. أما إذا لم يقع يأس من تعين السابق فيجب التوقف إلى تعينه (ولو سبق معين ثم اشتبه)؛ لنسيانه (وجب التوقف حتى يتبين)؛ لتحقق صحة العقد فلا يرتفع إلا بيقين فيمتنعان عنها ولا تنكح غيرهما وإن طال عليها الأمر كزوجة المفقود حتى يطلقاها أو يموتا أو يطلق واحد ويموت الآخر، نعم بُحث عند اليأس من التبين عرفاً يجيب الحاكم طلبها الفسخ؛ للضرورة
(1)
، ولا يطالب واحد منهما بمهر عند التوقف، والنفقة عليهما نصفان بحسب حالهما؛ لحبسهما لها ثم يرجع المسبوق على السابق إن أذن له الحاكم في النفقة أو أشهد على نية الرجوع إن لم يجد حاكما، ولو مات أحدهما وقف إرث زوجة أو هي فإرث زوج. (فإن ادعى كلُّ زوجٍ) عليها (علمها بسبقه) أي بسبق نكاحه على التعيين -وإلا لم تسمع الدعوى- (سمعت دعواهما) كدعوى أحدهما إن انفرد (بناء على الجديد) الأصح كما مر (وهو قبول إقرارها بالنكاح)؛ لأن لها حينئذ فائدة. وتسمع أيضا على وليها إن كان مجبرا؛ لقبول إقراره به أيضا، لا دعوى أحدهما أو كلٍّ منهما على الآخر أنه السابق ولو للتحليف؛ لأن الزوجة من حيث هي زوجة ولو أمةً لا تدخل تحت اليد. وتسمع دعوى النكاح في غير هذه الصورة على المجبر في الصغيرة، فإن أقر فذاك وإن أنكر حُلِّف فإن نكل حَلَف الزوج وأخذها، وفي الكبيرة لكن للزوج بعد تحليفه تحليفها إن أنكرت، ولا تسمع دعواه على ولي ثيب صغيرة وإن قال نكحتها بكرا؛ لأن وليها الآن لا يملك إنشاءه فلا يقبل إقراره به عليه (فإن) أقرت لهما فكعدمه، أو (أنكرت حُلِّفت) هي، أو أنكر وليها المجبر حُلِّف وإن كانت رشيدة على نفي العلم
(2)
بالسبق؛ لتوجه اليمين عليهما
(1)
. اعتمد المغني البحث، وقال الشيخ ابن حجر أنه أقوى مدركا مما اقتضاه المتن من استمرار الوقف.
(2)
. متعلق بكل من حلفت وحلف، وخصها النهاية وشرح الروض بالأول.
وَإِنْ أَقَرَّتْ لِأَحَدِهِمَا ثَبَتَ نِكَاحُهُ وَسَمَاعُ دَعْوَى الْآخَرِ، وَتَحْلِيفُهَا لَهُ يُبْنَى عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِيمَنْ قَالَ: هَذَا لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو هَلْ يَغْرَمُ لِعَمْرٍو إنْ قُلْنَا نَعَمْ، فَنَعَمْ. وَلَوْ تَوَلَّى طَرَفَيْ عَقْدٍ فِي تَزْوِيجِ بِنْتِ ابْنِهِ بِابْنِ ابْنِهِ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْأَصَحِّ
بسبب فعل غيرهما لكل واحد منهما يمينا انفردا أو اجتمعا وإن رضيا بيمين واحدة، وإذا حلفت لهما لم يتحالفا، بل يبطل النكاحان (وإن أقرت لأحدهما) على التعيين بالسبق وهي ممن يصح إقرارها (ثبت نكاحه) بإقرارها، (وسماع دعوى الآخر وتحليفها له) أي لأجله أنها لا تعلم سبق نكاحه (يبنى) أي السماع وأفرده؛ لأن التحليف تابع له (على القولين) السابقين في الإقرار (فيمن قال هذا لزيد بل لعمرو هل يغرم لعمرو) بدله؟ (إن قلنا نعم) وهو الأظهر (فنعم) تسمع الدعوى، وله تحليفها رجاء أن تقر له أو تنكل فيحلف ويغرمها مهر مثلها؛ لأنها حالت بينه وبين بضعها بإقرارها الأول الدال على عدم صدقها فيه إقرارها الثاني أو امتناعها من اليمين، نعم محل أن إقرارها له لا يفيده زوجية إذا لم يمت الأول أو يطلق بائنا وإلا صارت زوجة للثاني. وخرج بقوله ((علمها بسبقه)) ما لو لم يتعرضا للسبق ولا لعلمها به بأن ادعى كلٌّ زوجيتها وفصّل فتحلف بتَّاً لكلٍّ أنها ليست زوجته، فإن كانت الدعوى على المجبر حلف بتَّا أيضا وإن حلفت، فإن نكلت حلف المدعي منهما أوّلا وثبت نكاحه كما لو أقرت له وإن حلف الولي فلا يقدح حلفه. (ولو تولى جد طرفي عقد في تزويج بنت ابنه) البكر أو المجنونة (بابن ابنه الآخر) المحجور له والأب فيهما ميت أو ساقط الولاية (صح في الأصح)؛ لقوة ولايته وشفقته دون سائر الأولياء وكالبيع فيجب عليه الإتيان بالإيجاب والقبول كزوجتها وقبلت نكاحها له بالواو فلا يجوز حذفها
(1)
، ويشترط أن يكون الجد مجبراً، ولذا امتنع ذلك في بنت الابن الثيب البالغة العاقلة. ولا يتولاهما غير الجد حتى وكيله -بخلاف وكيليه أو وكيله وهو- وحتى الحاكم في تزويج مجنونة بمجنون
(2)
، وللعم تزويج ابنة أخيه بابنه البالغ، أما الصغير فيزوجها الحاكم ويقبل له أبوه.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. أي فلا يصح وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
وَلَا يُزَوِّجُ ابْنُ الْعَمِّ نَفْسَهُ بَلْ يُزَوِّجُهُ ابْنُ عَمٍّ فِي دَرَجَتِهِ، فَإِنْ فُقِدَ فَقَاضٍ، فَلَوْ أَرَادَ الْقَاضِي، نِكَاحَ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا زَوَّجَهُ مَنْ فَوْقَهُ مِنْ الْوُلَاةِ أَوْ خَلِيفَتُهُ، وَكَمَا لَا يَجُوزُ لِوَاحِدٍ تَوَلِّي الطَّرَفَيْنِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُوَكِّلَ وَكِيلًا فِي أَحَدِهِمَا أَوْ وَكِيلَيْنِ فِيهِمَا فِي الْأَصَحِّ.
فصل
زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ غَيْرَ كُفْءٍ بِرِضَاهَا أَوْ بَعْضَ الْأَوْلِيَاءِ المُسْتَوِينَ بِرِضَاهَا وَرِضَا الْبَاقِينَ صَحَّ،
(ولا يزوج ابن العم) مثلا؛ إذ مثله في ذلك المعتق وعصبته (نفسه) من موليته التي لا ولي لها أقرب منه؛ لاتهامه في أمر نفسه ولأنه ليس كالجد (بل يزوجه ابن عم في درجته)؛ لاشتراكه معه في الولاية، لا أبعد منه؛ لحجبه به (فإن فقد) من في درجته (فقاضٍ) لبلدها يزوجها منه بالولاية العامة كفقد وليها، وفي قولها له: زوجني من نفسك يجوز للقاضي أن يزوجها له بهذا الإذن
(1)
؛ إذ معناه فوض أمري إلى من يزوجك إياي بخلاف زوجني فقط أو بمن شئت؛ لأن المفهوم منه تزويجها بأجنبي. (فلو أراد القاضي نكاح من لا ولي لها) غيره لنفسه أو لمحجوره (زوجه من) هو في عمله سواء من (فوقه من الولاة) ومن هو مثله (أو خليفته)؛ لأن حكمه نافذ عليه وإن أراده الإمام الأعظم زوجه خليفته (وكما لا يجوز لواحد تولي الطرفين) غير الجد كما مر (لا يجوز أن يوكل وكيلا في أحدهما) ويتولى هو الآخر (أو وكيلين فيهما) أي واحد في الإيجاب وواحد في القبول (في الأصح)؛ لأن فعل وكيله كفعله بخلاف القاضي وخليفته فإن تصرفهما بالولاية العامة.
(فصل) في الكفاءة
وهي معتبرة في النكاح، لا لصحته مطلقا، بل حيث لا رضا من المرأة وحدها في جب أو عنَّة ومع وليها الأقرب فقط فيما عداهما. (زوَّجها الولي) المنفرد كأب أو أخ (غير كفؤ برضاها أو) زوجها (بعض الأولياء) ولو (المستوين) في درجة واحدة كإخوة غير كفؤ (برضاها) ولو سفيهة وإن سكتت البكر بعد استئذانها فيه معينا أو بوصف كونه غير كفؤ (ورضا الباقين) صريحا (صحَّ)؛ لأن الكفاءة حقها وحقهم وقد رضوا به بإسقاطها وقد زوج صلى الله عليه وسلم
(1)
. ظاهره أنه لا يتوقف على إذن الولي، ولعل المغني حذفه لهذا.
وَلَوْ زَوَّجَهَا الْأَقْرَبُ بِرِضَاهَا فَلَيْسَ لِلْأَبْعَدِ اعْتِرَاضٌ، وَلَوْ زَوَّجَهَا أَحَدُهُمْ بِهِ بِرِضَاهَا دُونَ رِضَاهُمْ لَمْ يَصِحَّ، وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ، وَلَهُمُ الْفَسْخُ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِي تَزْوِيجِ الْأَبِ بِكْرًا صَغِيرَةً أَوْ بَالِغَةً غَيْرَ كُفْءٍ بِغَيْرِ رِضَاهَا فَفِي الْأَظْهَرِ بَاطِلٌ، وَفِي الْآخَرِ يَصِحُّ، وَلِلْبَالِغَةِ الخِيَارُ، وَلِلصَّغِيرَةِ إذَا بَلَغَتْ،
فاطمة بنت قيس أسامة، ومع الصحة فالتزويج حينئذ مكروه، وتشتد الكراهة في تزويجها من الفاسق لكن حيث لا ريبة تنشأ من عدم تزويجها به كخوف زناه بها.
[تنبيه] لو ترافع إلينا ذميون في عدم الكفاءة فرقنا بينهم دفعا للعار ولا نظر لاعتقادهم
(1)
. وخرج بقوله المستوين الأبعد فلا حق له فيها
. (ولو زوجها الأقرب) غير كفؤ (برضاها فليس للأبعد اعتراض)؛ إذ لا حق له الآن في الولاية (ولو زوجها أحدهم) أي المستوين (به) أي غير الكفؤ لغير جب أو عنة (برضاها دون رضاهم) أي الباقين ولم يرضوا به أول مرة (لم يصح) وإن جهل العاقد عدم كفاءته؛ لأن الحق لجميعهم (وفي قول يصح ولهم الفسخ)؛ لأن النقص يقتضي الخيار فقط كعيب المبيع، ويجاب بوضوح الفرق. أما المجبوب أو العنين فيكفي رضاها وحدها به؛ لأن الحق فيه لها فقط. و إذا رضوا به أوَّلاً ثم بانت ثم زوجها أحدهم به برضاها فقط لم يصح
(2)
؛ لأن هذه عصمة جديدة. (ويجري القولان في تزويج الأب) وإن علا (بكرا صغيرة أو) تزويج الأب أو غيره (بالغة غير كفؤٍ بغير رضاها) أي بغير رضا البالغة المُجْبَرة بالنكاح، وبغير رضا غير المجيرة بعدم الكفؤ ويتصور بأن تأذن لوليها في تزويجها من غير تعيين زوج (ففي الأظهر) التزويج (باطل)؛ لأنه على خلاف الغبطة (وفي الآخر يصح وللبالغة الخيار) حالا (وللصغيرة) الخيار (إذا بلغت)؛ لما مر أن النقص إنما يقتضي الخيار، وسيأتي في باب الخيار ما يعلم منه أنه حيث كان هناك إذن في معين منها أو من الأولياء كفى ذلك في صحة النكاح وإن كان غير كفؤ، ثُمّ أن ظُنَّت كفاءته فلا خيار إلا إن بان معيبا أو رقيقا وإلا فتتخير. ولو زوجها المجبر بغير الكفؤ ثم ادعى صغرها الممكن صدق بيمينه وبان بطلان النكاح، وإنما لم يكن القول قول الزوج مع أنه يدعي الصحة؛ لأن الأصل استصحاب الصغر حتى يثبت خلافه، ولأنه لا بد من تحقق انتفاء المانع، وكذا تصدق الزوجة
(1)
. ذكره الشارح في آخر كتاب نكاح المشرك.
(2)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي.
وَلَوْ طَلَبَتْ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا السُّلْطَانُ بِغَيْرِ كُفْءٍ فَفَعَلَ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ.
وَخِصَالُ الْكَفَاءَةِ: سَلَامَةٌ مِنْ الْعُيُوبِ المُثْبِتَةِ لِلْخِيَارِ
إذا بلغت ثم ادعت صغرها حال عقد المجبر عليها بغير الكفؤ، ولو زوج الحاكم امرأة ظانا بلوغها ثم مات الزوج فادعى وارثه صغرها عند العقد حتى لا ترث وأنكرت صدق بيمينه كما لو ادعى البائع صغره عند العقد
(1)
وأمكن (ولو طلبت من لا ولي لها) غير القاضي؛ لعدم غيره أو لفقد شرطه (أن يزوجها السلطان) الشامل حيث أطلق للقاضي ونائبه ولو في معين كما مر (بغير كفؤ ففعل لم يصح) التزويج من غير مجبوب وعنين (في الأصح)؛ لما فيه من ترك الاحتياط ممن هو كالنائب عن الولي الخاص، بل وعن المسلمين ولهم حظ في الكفاءة، وقيل يصح تزويجه حينئذ، ومحله إذا لم يكن تزويجه لنحو غيبة
(2)
الولي أو عضله أو إحرامه وإلا لم يصح قطعا؛ لبقاء حقه وولايته، وعلى الأصح لو طلبت من لا ولي لها غير القاضي ولم يجبها القاضي فإن كان في البلد حاكم يرى تزويجها من غير الكفؤ تعين، فإن فقد ووجدت عدلا تُحكِّمه ويزوجها تعيَّن، فإن فقدا ولم تجد كفؤا وخافت العنت لزم القاضي إجابتها قولا واحدا؛ للضرورة.
(وخصال الكفاءة) أي الصفات المعتبرة فيها ليعتبر مثلها في الزوج خمس والعبرة فيها بحالة العقد، نعم ترك الحرفة الدنيئة قبله لا يؤثر إلا إن مضت سنة وتلبَّس بغيرها بحيث زال عنه اسمها ولم ينسب إليها البتة، وإلا فلا بد من مضي زمن يقطع نسبتها عنه بحيث صار لا يعيَّر بها، وتعتبر السنة في الفاسق إذا تاب كالحرفة، نعم إن كان فسقه بالزنا
(3)
لم يكن كفؤا لعفيفة مطلقا ولو تاب؛ لأن وصمة عاره لا تزول.
أحدها (سلامة) للزوج، وكذا لآبائه على أحد وجهين الأوجه مقابله
(4)
: وزعم الأطباء الأعداء في الولد لا يعول عليه (من العيوب المثبتة للخيار) فمن به جُنون أو جذام أو
(1)
. وذكر الشارح في اللقيط أنا لو رأينا صغيرة بيد من يدعي نكاحها فبلغت وأنكرت كان على من يدعي نكاحها البينة 6/ 360.
(2)
. أسقط لفظ نحو المغني.
(3)
. خلافا للرملي في النهاية ووالده فاعتمدا مطلق الفسق.
(4)
. خلافا لهما.
وَحُرِّيَّةٌ، فَالرَّقِيقُ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ، وَالْعَتِيقُ لَيْسَ كُفْئًا لِحُرَّةٍ أَصْلِيَّةٍ، وَنَسَبٌ، فَالْعَجَمِيُّ لَيْسَ كُفْءَ عَرَبِيَّةٍ، وَلَا غَيْرُ قُرَشِيٍّ قُرَشِيَّةً، وَلَا غَيْرُ هَاشِمِيٍّ وَمُطَّلِبِيٍّ لَهُمَا،
برص لا يكافئ ولو من بها ذلك وإن اتحد النوع
(1)
وكان ما بها أقبح؛ لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعافه من نفسه، ومن به جبٌّ أو عِنَّة لا يكافئ ولو رتقاء أو قرناء، ومر أن الولي لا حق له في هذا بخلاف الثلاثة الأول. أما العيوب التي لا تثبت الخيار فلا تؤثر كعمى وقطع أطراف وتشوه صورة، نعم ينبغي أن لا يزوجها ممن فيه عيب يكسر التوقان أو من شيخ وهي شابة.
(و) ثانيها (حرية فالرقيق) أي من به رقٌّ وإن قلَّ (ليس كفئا لحرة) ولو عتيقة، ولا لمبعضة؛ لأنها مع تعيرها به تتضرر بإنفاقه نفقة المعسرين (والعتيق ليس كفئا لحرة أصلية)؛ لنقصه عنها، وعروض نحو إمرة أو ملك له لا ينفي
(2)
وصمة الرق. وكذا لا يكافئ من عتق بنفسه من عتق أبوها ولا من مس الرق أحد آبائه أو أباً له أقرب من لم يمس أحد آبائها أو مس لها أبا أبعد ولا أثر لمسه للأم، ومن طرأ رقه بطل نكاحه.
(و) ثالثها (نسب) والعبرة فيه بالآباء كالإسلام، فلا يكافئ من أسلم بنفسه أو له أبوان في الإسلام من أسلمت بأبيها أو من لها ثلاثة آباء فيه، وحينئذ (فالعجمي) أبا وإن كانت أمُّه عربية (ليس كفء عربية) وإن كانت أمها عجمية؛ لأن الله تعالى اصطفى العرب على غيرهم وميَّزهم عنهم بفضائل جمَّة. (ولا غير قرشي) من العرب (قرشية) أي كفؤُ قرشيةٍ؛ لأن الله تعالى اصطفى قريشا مِن ((كنانة)) المصطفين من العرب كما يأتي (ولا غير هاشمي ومطلبي) كفؤا (لهما)؛ لخبر مسلم ((إن الله اصطفى من العرب كنانة واصطفى من كنانة قريشا واصطفى من قريش بني هاشم))، وصح خبر ((نحن وبنو المطلب شيء واحد)) فهما متكافئان، نعم أولاد فاطمة منهم لا يكافئهم غيرهم من بقية بني هاشم؛ لأن من خصائصه صلى الله عليه وسلم أن أولاد بناته ينسبون إليه في الكفاءة وغيرها، وغير قريش أكفاء
(3)
، وقد يتصور تزويج هاشمية برقيق ودنيء نسب بأن يتزوج هاشمي أمة بشرطه فتلد بنتا فهي ملك لمالك أمها فيزوجها من رقيق
(1)
. كذا في النهاية وفي التحفة: ((وإن اختلف الجنس)).
(2)
. خلافا للمغني.
(3)
. خلافا للمغني.
وَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ النَّسَبِ فِي الْعَجَمِ كَالْعَرَبِ، وَعِفَّةٌ فَلَيْسَ فَاسِقٌ كُفْءَ عَفِيفَةٍ، وَحِرْفَةٌ فَصَاحِبُ حِرْفَةٍ دَنِيئَةٍ، لَيْسَ كُفْءَ أَرْفَعَ مِنْهُ، فَكَنَّاسٌ وَحَجَّامٌ وَحَارِسٌ وَرَاعٍ وَقَيِّمُ حَمَّامٍ لَيْسَ كُفْءَ بِنْتِ خَيَّاطٍ،
ودنيء نسب؛ لأن وصْمة الرق الثابت من غير شك ألغت اعتبار كل كمال معه مع كون الحق في النسب لسيدها لا لها (والأصح اعتبار النسب في العجم كالعرب)؛ قياسا عليهم فالفرس أفضل من النبط وبنو إسرائيل أفضل من القبط، ولا عبرة بالانتساب للظَلَمَة بخلاف الرؤساء بإمرة جائزة ونحوها؛ لأن أقل مراتبها أن تكون كالحرف
(1)
، وللعجم عرف في النسب غير ما ذكر فيعتبر أيضاً.
(و) رابعها (عفة) عن الفسق فيه وفي آبائه
(2)
(فليس فاسق) ولو ذميا فاسقا في دينه أو مبتدع، ولا ابن أحدهما وإن سفل (كفء عفيفة) أو سنيَّة، ولا محجور عليه كفؤ رشيدة، وذلك؛ لقوله تعالى {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} السجدة: 18، وغير الفاسق ولو مستورا كفؤ لها، وغير مشهور بالصلاح كفؤ للمشهورة به، وفاسق كفؤ لفاسقة مطلقا إلا إن زاد فسقه
(3)
أو اختلف نوع فسقهما، ويجري ذلك في مبتدع ومبتدعة.
(و) خامسها (حرفة) -فيه أو في أحد من آبائه- وهي ما يتحرف به لطلب الرزق من الصنائع وغيرها، وقد يؤخذ منه أن من باشر صنعة دنيئة لا على جهة الحرفة بل لنفع المسلمين من غير مقابل لا يؤثر ذلك فيه وهو محتمل ويؤيده ما يأتي أن من باشر نحو ذلك اقتداء بالسلف لا تنخرم به مروءته (فصاحب حرفة دنيئة) وهي ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة وسقوط النفس. ثم ما نصوا على أنه حرفة دنيئة فواضح وما لم ينصوا عليه يُرجع فيه لعرف بلد الزوجة التي هي فيه حال العقد (ليس) هو أو ابنه وإن سفل (كفء أرفع منه)؛ لقوله تعالى {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} النحل: 71 (فكنَّاس وحجَّام
(4)
وحارس) وبيطار ودباغ (وراع) لغيره بأجرة، أما المتبرع أو راعي مال نفسه فلا يؤثر إن فعل ذلك؛ لينعزل به عن الناس ويتأسى بالسلف (وقيِّم حمام) هو أو أبوه (ليس كفء بنت خياط)، بل كل ذي حرفة فيها مباشرة نجاسة كالجزارة
(1)
. وتعتبر الكفاءة بين الذميين إن ترافعوا إلينا كما يأتي قبيل فصل أحكام زوجات الكفار 7/ 336.
(2)
. قال الرشيدي إن قضية هذا السياق أن ابن الفاسق مثلا وإن كان عفيفا لا يكافئ العفيفة وإن كانت بنت فاسق وفي شرح الروض ما قد يخالفه.
(3)
. خلافا للمغني.
(4)
. قال الشارح في كتاب السير بكراهة أكل كسب الحجامة للحر لا فعلها 9/ 222.
وَلَا خَيَّاطٌ بِنْتَ تَاجِرٍ أَوْ بَزَّازٍ، وَلَا هُمَا بِنْتَ عَالِمٍ أوَ قَاضٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْيَسَارَ لَا يُعْتَبَرُ، وَأَنَّ بَعْضَ الخِصَالِ لَا يُقَابَلُ بِبَعْضٍ، وَلَيْسَ لَهُ تَزْوِيجُ ابْنِهِ الصَّغِيرِ أَمَةً، وَكَذَا مَعِيبَةٌ عَلَى المَذْهَبِ، وَيَجُوزُ مَنْ لَا تُكَافِئُهُ بِبَعْضِ الخِصَالِ
(1)
فِي الْأَصَحِّ
ليس كفؤا لذي حرفة لا مباشرة فيها لها، وبقية الحرف التي لم يذكروا فيها تفاضلا متساويةٌ إلا إن اطرد في العرف التفاوت كما مر (ولا خياط) كفؤ (بنت تاجر) وهو من يقلِّب المال لغرض الربح. و من له حرفتان دنيئة ورفيعة تُغلَّب الدنيئة (أو بزاز) وهو بائع البز (ولا هما) أي كل منهما كفؤ (بنت عالم أو قاض)؛ لاقتضاء العرف ذلك، و المراد بها مَن في آبائها المنسوبة إليهم أحدهما وإن علا؛ لأنها مع ذلك تفتخر به. نعم الجاهل يكافئ العالمة، ولا أثر للعلم ولا للقضاء مع الفسق
(2)
.
[تنبيه] المراد بالعالم هنا من نُسب إلى علم يفتخر به عرفا ولو غير فقيه ومحدث ومفسر
(3)
. (والأصح أن اليسار) عرفا (لا يعتبر، و أن بعض الخصال لا يقابل ببعض) فلا يكافئ معيب نسيب سليمة دنيئة، ولا عجمي عفيف عربية فاسقة، ولا فاسق حر عفيفة عتيقة، ولا قن عفيف عالم حرة فاسقة دنيئة بل يكفي صفة النقص في المنع من الكفاءة؛ إذ الفضيلة لا تجبرها ولا تمنع التعير بها. (وليس له تزويج ابنه الصغير أمة)؛ لأنه مأمون العنت (وكذا معيبة) بعيب يثبت الخيار فلا يصح النكاح (على المذهب)؛ لأنه على خلاف الغبطة، وكذا عمياء وعجوز ومقطوعة طرف (ويجوز) تزويجه (من لا تكافئه ببعض الخصال في الأصح)؛ لأن الرجل لا يتغير باستفراش من لا تكافئه على أنه إذا بلغ يثبت له الخيار.
(1)
. في نسخة ((بِبَاقِي الخِصَالِ)).
(2)
. ورد الشارح ما اعتمد النهاية من أن فسق الأمة وحرفتها الدنيئة تؤثر هنا.
(3)
. رد الشارح هنا ما اعتمده النهاية كالشهاب الرملي من أن حافظ القرآن عن ظهر قلب مع عدم معرفته معناه أن من لا يحفظه كذلك لا يكافئ بنته.
فصل
لَا يُزَوَّجُ مَجْنُونٌ صَغِيرٌ، وَكَذَا كَبِيرٌ إلَّا لِحَاجَةٍ فَوَاحِدَةً. وَلَهُ تَزْوِيجُ صَغِيرٍ عَاقِلٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، وَيُزَوِّجُ المَجْنُونَةَ أَبٌ أَوْ جَدٌّ إنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَةٌ، وَلَا يُشْتَرَطُ الحَاجَةُ وَسَوَاءٌ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ ثَيِّبٌ وَبِكْرٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبٌ وَجَدٌّ لَمْ تُزَوَّجْ فِي صِغَرِهَا، فَإِنْ بَلَغَتْ زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ فِي الْأَصَحِّ
(فصل) في تزويج المحجور عليه
(لا يُزوَّج مجنون صغير) أي لا يجوز ولا يصح تزويجه؛ إذ لا حاجة به إليه حالا وبعد البلوغ لا يُدْرَى حاله بخلاف صغير عاقل فإن الظاهر حاجته إليه بعده، نعم يجوز تزويج
(1)
مجنون مراهق للخدمة؛ لأنه في النظر كالبالغ، (وكذا) لا يزوج مجنون (كبير) أي بالغ؛ لأنه يغرم المهر والنفقة (إلا لحاجة) لشيء مما مر في مبحث وجوب تزويجه فيزوجه -إن أطبق جنونه
(2)
- الأب فالجد فالسلطان إذا علم أن تزويجه للحاجة (فواحدة) يجب الاقتصار عليها؛ لاندفاع الحاجة بها، فإن لم تعفَّه أو تكفه للخدمة زيد عليها
(3)
وكالمجنون. (وله) أي الأب فالجد (تزويج صغير) وإن كان بينه وبين وليّه عداوة ظاهرة (عاقل) غير ممسوح (أكثر من واحدة) ولو أربعا إن رآه مصلحة؛ لأن له من سعة النظر والشفقة ما يحمله على أن لا يفعل ذلك إلا لغرض صحيح. (ويزوج) جوازا (المجنونة) إن أطبق جنونها نظير ما مر (أب أو جد) إن فقد الأب أو انتفت ولايته (إن ظهرت) فلا يكفي أصلها (مصلحة) كزيادة مهر (ولا يشترط الحاجة) إلا في الوجوب كما مر بخلاف المجنون؛ لأن تزويجه يُغرِّمه (وسواء) في جواز تزويج الأب فالجد المجنونة للمصلحة (صغيرة وكبيرة ثيب وبكر) بلغت مجنونة أو عاقلة ثم جنت؛ لأنه لا يُرجى لها حالة تستأذن فيها والأب والجد لهما ولاية الإجبار في الجملة (فإن لم يكن) للصغيرة المجنونة (أب وجد لم تزوج في صغرها) ولو لغبطة؛ إذ لا إجبار لغيرهما ولا حاجة في الحال (فإن بلغت زوجها) ولو ثيبا (السلطان) الشامل لمن مر (في الأصح) كما يلي
(1)
. خلافا لما نقله ابن قاسم عن الرملي ولظاهر المغني.
(2)
. أما إن تقطع فإن تحققت الحاجة وندرت الإفاقة زُوِّج، وإلا فلا.
(3)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
لِلْحَاجَةِ، لَا لِمَصْلَحَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ لَا يَسْتَقِلُّ بِنِكَاحٍ بَلْ يَنْكِحُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ أَوْ يَقْبَلُ لَهُ الْوَلِيُّ،
مالها، ويسن له مراجعة أقاربها -ولو نحو خال- وأقارب المجنون فيما مر؛ تطييبا لقلوبهم (للحاجة) المار تفصيلها (لا لمصلحة) كنفقة، ويؤخذ من جعل هذا مثالا للمصلحة أن الفرض فيمن لها منفق أو مال يغنيها عن الزوج وإلا كان الإنفاق حاجة أي حاجة (في الأصح)، وسيأتي أن الزوج ولو معسرا يلزمه إخدام نحو المريضة مطلقا، وغيرها إن خدمت في بيت أبيها. أما المجنونة فإن احتيج لإخدامها ولم تندفع حاجتها إلا بالزوج كان للسلطان تزويجها لحاجة الخدمة إن جعلناها كالمريضة أو إن كانت تخدم؛ لوجوب خدمتها على الزوج. وإذا زوجت ثم أفاقت لم تتخير، وقضية كلامه أن الوصي لا يزوج وهو المعتمد لقصور ولايته وبه فارق السلطان (ومن حجر عليه بسفه) لبلوغه سفيها، والحجر في هذا بمعنى دوامه وإن اختلف جنسه فإنه لا يحتاج لإنشائه، أو طرو تبذير عليه بعد رشده، ولا بد في هذا من إنشاء حجر وإلا صحّ تصرفه ومنه نكاحه (لا يستقل بنكاح) كي لا يفني ماله في مؤنه، ولا يصح إقرار وليه عليه به، ولا إقراره هو حيث لم يأذن له فيه وليه (بل ينكح بإذن وليه أو يقبل له الولي) النكاح بإذنه؛ لصحة عبارته فيه بعد إذن الولي له
(1)
. وولي من بلغ سفيها الأب فالجد
(2)
، وولي من طرأ تبذيره القاضي أو نائبه، ويشترط حاجته للنكاح بنحو ما مر في المجنون، ولا يُكتفى فيها بقوله بل لا بد من ثبوتها في الخدمة وظهور قرائن عليها في الشهوة. ولا يزوج إلا واحدة، فإن كان مطلاقا بأن طلق بعد الحجر أو قبله ثلاث زوجات أو ثنتين، وكذا ثلاث مرات ولو في زوجة واحدة سُرِّي أمة، فإن تضجر منها أبدلت، ولا يزاد له على حليلة وإن اتسع ماله، نعم يأتي هنا ما مر في المجنون
(3)
. والذي يتجه أنه يتعين الأصلح من التسري أو التزويج ما لم يرد التزويج بخصوصه؛ لأن التحصين به أقوى منه بالتسري.
(1)
. أي أنه يشترط إذن الولي للسفيه في النكاح ثم إذن السفيه للولي أن يزوجه فإن أذن صح أن يقبل له الولي، وهذا مقتضى كلام الشارح، خلافا لهما فاعتمدا أنه لا يتوقف قبول الولي وإذن السفيه على إذن الولي.
(2)
. لا وصي أذن له في التزويج خلافا للمغني.
(3)
. من أن الواحدة لو لم تعفه أو تكفه للخدمة زيد ما يحصل به الإعفاف.
فَإِنْ أَذِنَ لَهُ وَعَيَّنَ امْرَأَةً لَمْ يَنْكِحْ غَيْرَهَا، وَيَنْكِحُهَا بِمَهْرِ المِثْلِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ، فَإِنْ زَادَ عَلَيْهِ فَالمَشْهُورُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ المِثْلِ مِنَ المُسَمَّى، وَلَوْ لَهُ: قَالَ انْكِحْ بِأَلْفٍ وَلَمْ يُعَيِّنِ امْرَأَةً نَكَحَ بِالْأَقَلِّ مِنْ أَلْفٍ وَمَهْرِ مِثْلِهَا، وَلَوْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ فَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَيَنْكِحُ بِمَهْرِ المِثْلِ مَنْ تَلِيقُ بِهِ،
[تنبيه] ظاهر كلامهم هنا أن المطلاق يُسَرَّى وإن تكرر طلاقه لعذر، نعم يتجه أن العذر لو ظهر بقرائن قطعية أنه يبدل زوجة كإعفاف الأب
. (فإن أذن له) الولي (وعين امرأة) تليق به دون مهر (لم ينكح غيرها)، فإن فعل لم يصح ولو بدون مهر المعينة بخلاف ما لو عيَّن مهرا فنكح بأزيد منه أو أنقص؛ لأنه تابع (وينكحها) أي المعينة (بمهر المثل)؛ لأنه المردُّ الشرعي (أو أقل منه)؛ لأن فيه رفقا به (فإن زاد عليه فالمشهور صحة النكاح بمهر المثل) أي بقدره (من المسمى) الذي نكح بعينه المأذون له في النكاح منه ويلغو ما زاد؛ لأنه تبرع من سفيه، ويأتي في الصداق أنه لو نكح لطفله بفوق مهر المثل أو أنكح موليته القاصرة أو التي لم تأذن بدونه فسد المسمى وصح النكاح بمهر المثل أي في الذمة من نقد البلد فيوافق ما هنا. (ولو قال له: انكح بألف ولم يعين امرأة نكح بالأقل من ألف ومهر مثلها)؛ لامتناع الزيادة على إذن الولي وعلى مهر المنكوحة، فإذا نكح امرأة بألف وهو مساوٍ لمهر مثلها أو ناقص عنه صحَّ به، أو أزيد منه صح بمهر المثل منه ولغا الزائد وإن كانت الزوجة سفيهة، أو نكحها بأكثر من الألف بطل النكاح إن نقص الألف عن مهر مثلها؛ لتعذر صحته بالمسمى وبمهر المثل؛ لأن كلا منهما أزيد من المأذون فيه وإلا صَحَّ بمهر المثل؛ لأنه أقل من المأذون فيه أو مساوٍ له، أو بأقل من ألف والألف مهر مثلها أو أقل صحَّ بالمسمى؛ لأنه أقل من مهر المثل، أو أكثر صح بمهر المثل إن نكح بأكثر منه وإلا فبالمسمى. أما إذا عين له قدرا وامرأة كأنكح فلانة بألف فإن كان الألف مهر مثلها أو أقل فنكحها به أو بأقل منه صح بالمسمى؛ لأنه لم يخالف الإذن بما يضره، أو بأكثر منه لغا الزائد في الأولى؛ لزيادته على مهر المثل وانعقد به؛ لموافقته للمأذون فيه وبطل النكاح في الثانية؛ لتعذره بالمسمى وبمهر المثل؛ لأن كلا منهما أزيد من المأذون فيه نظير ما مر، أوكان أكثر منه فالإذن باطل من أصله (ولو أطلق الإذن) بأن قال: انكح ولم يعين امرأة ولا قدرا (فالأصح صحته)؛ لأن له مردَّا كما قال: (وينكح بمهر المثل) -لأنه المأذون فيه شرعا- أو بأقل منه فإن زاد لغا الزائد (من تليق به) من حيث المصرف المالي، فلو نكح من يستغرق مهر مثلها ماله لم يصح النكاح؛ لانتفاء المصلحة فيه، وهذا من حيث الغالب وإلا
فَإِنْ قَبِلَ لَهُ وَلِيُّهُ اُشْتُرِطَ إذْنُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَقْبَلُ بِمَهْرِ المِثْلِ فَأَقَلَّ، فَإِنْ زَادَ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ المِثْلِ، وَفِي قَوْلٍ يَبْطُلُ. وَلَوْ نَكَحَ السَّفِيهُ بِلَا إذْنٍ فَبَاطِلٌ، فَإِنْ وَطِئَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلٍ، وَقِيلَ أَقَلُّ مُتَمَوَّلٍ. وَمَنْ حُجِرَ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ صَحَّ نِكَاحُهُ،
فلو كان كسوبا أو المهر مؤجلا صح، نعم المتجه النظر إلى القرائن أيضاً فإن شهدت باضطراره لنكاحها مع عدم تأثره بفقد ما بيده صح النكاح أيضاً، ولو لم يستغرق مهر مثلها ماله وكان الفاضل تافها بالنسبة إليه عرفا كان كالمستغرق. ولو زوج الولي المجنون بهذه لم يصح؛ لاعتبار الحاجة فيه كالسفيه وهي تندفع بدون هذه. ولو قال له: انكح من شئت بما شئت لم يصح؛ لأنه رَفْعٌ للحجر بالكلية فبطل الإذن من أصله، ومن ثم لم يتأت فيه تفريق الصفقة. وليس لسفيهٍ أُذِنَ له في نكاح توكيل فيه؛ لأن حجره لم يُرفع إلا عن مباشرته. (فإن قبل له وليه اشترط إذنه في الأصح)؛ لما مر من صحة عبارته هنا (ويقبل) له (بمهر المثل فأقل) كالشراء له (فإن زاد صح النكاح بـ) قدر (مهر المثل) من المسمى ولغت الزيادة؛ لأنه ليس أهلا للتبرع (وفي قول يبطل) النكاح. (ولو نكح السفيه) السابق وهو المحجور عليه (بلا إذن) من وليه الشامل للحاكم عند فقد الأصل أو امتناعه وإن تعذرت مراجعة السلطان (فباطل) نكاحه؛ لإلغاء عبارته، فيفرق بينهما، نعم محله إن لم ينته إلى خوف العنت وإلا فالأصح
(1)
صحة نكاحه كامرأة لا ولي لها بل أولى (فإن وطئ) منكوحته الرشيدة المختارة (لم يلزمه شيء) أي حدٌّ قطعا؛ للشبهة، ومن ثم لحقه الولد، ولا مهر -ولو بعد فك الحجر عنه أو لم تعلم سفهه- ظاهرا بخلافه باطنا
(2)
، وخرج ((بالرشيدة المختارة)) صغيرة ومجنونة ومكرهة ومزوجة
(3)
بالإجبار ونائمة فيجب مهر المثل؛ إذ لا يصح تسليطهن، ومن ثم لو كَمُلت بعد العقد وعلمت سفهه ومكنته مطاوعة لم يجب لها شيء، وكذا سفيهة حالة الوطء فيجب لها مهر المثل أيضا وإن علمت الفساد وطاوعته، (وقيل) يلزمه (مهر المثل)؛ لئلا يخلو الوطء عن مقابل، (وقيل) يلزمه (أقل متمول)؛ حذرا من الخلو المذكور. (ومن حجر عليه بفلس صح نكاحه)؛
(1)
. خلافا للنهاية والشهاب الرملي.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(3)
. خلافا لهما.
وَمُؤَنُ النِّكَاحِ فِي كَسْبِهِ، لَا فِيمَا مَعَهُ. وَنِكَاحُ عَبْدٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ بَاطِلٌ، وَبِإِذْنِهِ صَحِيحٌ، وَلَهُ إطْلَاقُ الْإِذْنِ، وَلَهُ تَقْيِيدُهُ بِامْرَأَةٍ أَوْ قَبِيلَةٍ أَوْ بَلَدٍ، وَلَا يَعْدِلُ عَمَّا أُذِنَ فِيهِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ وَلَا عَكْسُهُ، وَلَهُ إجْبَارُ أَمَتِهِ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَتْ ..
لصحة عبارته (ومؤن النكاح في كسبه لا فيما معه)؛ لتعلق حق الغرماء به مع اختياره لإحداثها بخلاف الولد المتجدد، فإن لم يكن له كسب ففي ذمته ولها الفسخ بإعساره بشرطه. (ونكاح عبد) ولو مدبرا ومبعضا ومكاتبا ومعلقا عتقه بصفة (بلا إذن سيده) ولو أنثى (باطل)؛ للحجر عليه، وللخبر الصحيح ((أيما مملوك تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر
(1)
، وعليه فالموقوف كله أو بعضه على جهة
(2)
يتعذر تزويجه. وإذا بطل النكاح؛ لعدم الإذن تعلق مهر المثل بذمته فقط، نعم محله في غير نحو الصغيرة وإلا تعلق برقبته نظير ما مر في السفيه (و) نكاحه (بإذنه) -أي السيد الرشيد غير المحرم- نطقا ولو أنثى بكرا (صحيح)؛ لمفهوم الخبر (وله إطلاق الإذن) فينكح حرَّة أو أمة ببلده وغيرها، نعم للسيد منعه من الخروج إليها (وله تقييده بامرأة) معينة (أو قبيلة أو بلد ولا يعدل عمَّا أذن فيه) وإلا بطل وإن كان مهر المعدول إليها أقلَّ من مهر المعينة، نعم لو قدَّر له مهرا فزاد، أو زاد العبد الرشيد على مهر المثل عند الإطلاق صحت الزيادة ولزمت ذمته فيتبع بها إذا عتق؛ لأن له ذمة صحيحة بخلاف ما مر في السفيه، ومحل صحة النكاح فيما لو قدَّر لها مهراً فزاد إن لم ينهه عن الزيادة وإلا بطل النكاح؛ لأنه غير مأذون فيه حينئذ ولا يحتاج إلى إذن في الرجعة بخلاف إعادة البائن. ولو نكح فاسدا جاز له أن ينكح ثانيا نكاحا صحيحا بلا إنشاء إذن؛ لأن الفاسد لم يتناوله الإذن الأول و رجوعه عن الإذن كرجوع الموكل وكذا ولي السفيه. (والأظهر أنه ليس للسيد إجبار عبده على النكاح) صغيرا
(3)
كان أو كبيرا بسائر أقسامه السابقة؛ لأنه يلزم ذمته مالا كالكتابة (ولا عكسه) أي لا يجبر السيد على نكاح قنه بأقسامه السابقة أيضا إذا طلبه منه في الأظهر؛ لأنه يشوش عليه مقاصد الملك وفوائده كتزويج الأمة، (وله إجبار أمته) التي يملك جميعها ولم يتعلق بها حق لازم على النكاح لكن ممن يكافئها في جميع ما مر وإلا لم يصح بغير رضاها، نعم له إجبارها على رقيق ودنيء النسب؛ إذ لا نسب لها (بأي صفة كانت)؛ لأن
(1)
. للأذرعي هنا بحث أقره المغني ورده الشارح.
(2)
. قضيته خروج الموقوف على معين خلافا للشهاب الرملي.
(3)
. خلافا للمغني فاعتمد في الصغير مقابل الأظهر.
فَإِنْ طَلَبَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ تَزْوِيجُهَا، وَقِيلَ إنْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ لَزِمَهُ، وَإِذَا زَوَّجَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ بِالمِلْكِ لَا بِالْوِلَايَةِ فَيُزَوِّجُ مُسْلِمٌ أَمَتَهُ الْكَافِرَةَ وَفَاسِقٌ وَمُكَاتَبٌ، وَلَا يُزَوِّجُ وَلِيٌّ عَبْدَ صَبِيٍّ وَيُزَوِّجُ أَمَتَهُ فِي الْأَصَحِّ
النكاح يَرِدُ على منافع البضع وهي ملكه ولانتفاعه بمهرها ونفقتها بخلاف العبد. أما المبعضة والمكاتبة فلا يجبرهما كما لا يجبرانه. ومر أنه ليس للراهن تزويج مرهونة لزم رهنها إلا من مرتهن، ومثلها جانية تعلق برقبتها مال وهو معسر وإلاّ صحّ وكان اختيارا للفداء، وإنما لم يصح البيع حينئذ؛ لأنه مفوت للرقبة، وصح العتق؛ لتشوف الشارع إليه، وكذا لا يجوز لمفلس تزويج أمة بغير إذن الغرماء، ولا لسيد تزويج أمة تجارةِ عاملِ قراضِهِ بغير إذنه؛ لأنه ينقص قيمتها فيتضرر به العامل وإن لم يظهر به ربح، و تجارة قنه المأذون له المدين بغير إذنه وإذن الغرماء (فإن طلبت) منه أن يزوجها (لم يلزمه تزويجها) مطلقا؛ لنقص قيمتها ولفوات استمتاعه بمن تحل له، (وقيل إن حرمت عليه) مؤبدا، وأُلحق به ما إذا كان امرأة (لزمه) إجابتها؛ تحصينا لها. (وإذا زوجها) أي الأمة سيدها (فالأصح أنه بالملك لا بالولاية)؛ لأن التصرف فيما يملك استيفاؤه ونقله إلى الغير إنما يكون بحكم الملك كاستيفاء المنافع ونقلها بالإجارة (فيزوج) على الأول مبعض أمته، و (مسلم أمته الكافرة) التي تحل من قن وحر كتابي بخلاف المرتدة؛ إذ لا تحل بحال، نعم المجوسية والوثنية له إن يزوجهما بكافر قنٍّ أو حرٍّ كما يزوج السيد محرمه بنحو رضاع وإن لم يكن له عليها ولاية من جهة أخرى. أما الكافر فلا يزوج أمته المسلمة على ما مر؛ لأنه ممنوع من كل تصرف فيها إلا إزالة ملكه عنها (وفاسق) أمته كما يؤجرها (ومكاتب) كتابة صحيحة أمته لكن بإذن سيده، وليس للسيد الاستقلال بتزويجها كعبده. (ولا يزوج ولي عبد) موليه من (صبي) ومجنون وسفيه ذكرا وأنثى؛ لعدم المصلحة فيه بانقطاع كسبه عنه، ولم ينظروا إلى أنها ربما تظهر مع تزويجه؛ لندرته (ويزوج) ولي النكاح والمال وهو الأب فالجد فالسلطان (أمته) إجبارا التي يزوجها المولى بتقدير كماله (في الأصح) إذا ظهرت الغبطة فيه؛ اكتسابا للمهر والنفقة، نعم لا بد من إذن السفيه في نكاح أمته. وخرج بوليهما -أي النكاح والمال- أمةُ صغيرةٍ عاقلةٍ ثيبٍ فلا تزوَّج؛ لأنه لا يلي أحدٌ نكاحا تلك الصغيرة، وأمةُ صغير وصغيرة مجنونة
(1)
فلا يزوجها السلطان، ولا يَجبِر الولي على نكاح أمة المولى.
(1)
. أسقطا لفظ مجنونة.
باب
تَحْرُمُ الْأُمَّهَاتُ، وَكُلُّ مَنْ وَلَدَتْك أَوْ وَلَدَتْ مَنْ وَلَدَكَ فَهِيَ أُمُّك، وَالْبَنَاتُ،
(باب ما يحرم من النكاح)
أي النكاح المحرم لذاته لا لعارض كالإحرام، وبمعنى آخر موانع النكاح، ومنها اختلاف الجنس فلا يصح لإنسي نكاح جنية
(1)
وعكسه، نعم العبرة في الإنسيين إذا اختلف مقلدهما وتعارض غرضاهما ولم يترافعا لحاكم باعتقاد الزوج لا الزوجة، ومحل هذا في نحو التمتع وما يحصل به من نحو النشوز والتقذر المنافي لكمال التمتع، لا فيما عدا ذلك مما يترتب عليه ضررها الذي لا يحتمل ككونه مالكيا يمس الكلب رطبا ثم يريد مسها وهي شافعية فيمنع من ذلك؛ لأنه لا حاجة به إليه مع سهولة إزالته.
[فائدة] لا يسقط عنا ما كلفنا به من نحو إقامة الجمعة أو فروض الكفايات بفعل الجن
؛ لأن لهم تكاليف اختصوا بها لا نعلم تفاصيلها، ولا ينافي هذا إجراء غير واحد عليهم بعض الأحكام كانعقاد الجمعة بهم معنا وصحة إمامتهم لنا.
ثم إن التحريم إما مؤبد وإما غيره، وأسباب المؤبد قرابة ورضاع ومصاهرة؛ لآية النساء {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} النساء: 23 مع آية الأحزاب {وَبَنَاتِ عَمِّكَ} الأحزاب: 50 إلى آخرهما. وأخصر ضابط للقرابة أنه يحرم جميع من شملته القرابة ما عدا ولد العمومة وولد الخؤولة، فحينئذ (تحرم الأمهات) أي نكاحهن (وكل من ولدتك أو ولدت من ولدك) وهي الجدة من الجهتين وإن علت (فهي أمك) حقيقة عند عدم الواسطة ومجازا عند وجودها (والبنات) ولو احتمالا كالمنفية باللعان، ومن ثم لو أكذب نفسه لحقته، ومع النفي لا يثبت لها من أحكام النسب سوى تحريم نكاحها
(2)
سواء في تحريمه أَعُلِم دخوله
(1)
. وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية ووالده.
(2)
. خلافا لهما.
وَكُلُّ مَنْ وَلَدْتَهَا أَوْ وَلَدْتَ مَنْ وَلَدَهَا فَهِيَ بِنْتُك. قُلْتُ: وَالمَخْلُوقَةُ مِنْ زِنَاهُ تَحِلُّ لَهُ، وَيَحْرُمُ عَلَى المَرْأَةِ وَلَدُهَا مِنْ زِنًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَالْأَخَوَاتُ وَبَنَاتُ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَإِنْ سَفُلْنَ، وَالْعَمَّاتُ وَالخَالَاتُ، وَكُلُّ مَنْ هِيَ أُخْتُ ذَكَرٍ وَلَدَكَ فَعَمَّتُك، أَوْ أُخْتُ أُنْثَى وَلَدَتْك فَخَالَتُك. وَيَحْرُمُ هَؤُلَاءِ السَّبْعُ بِالرَّضَاعِ أَيْضًا، وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ أَرْضَعَتْ مَنْ أَرْضَعَتْك أَوْ مَنْ وَلَدَكَ أَوْ وَلَدَتْ مُرْضِعَتَك أَوْ ذَا لَبَنِهَا فَأُمُّ رَضَاعٍ، وَقِسِ الْبَاقِي.
بأمها أم لا (وكل من ولدتها أو ولدت من ولدها) وإن سفل (فهي بنتك) حقيقة ومجازا نظير ما مر (قلت: والمخلوقة من) ماء (زناه تحل له)؛ لأنها أجنبية عنه إذ لا يثبت لها توارث ولا غيره من أحكام النسب، نعم يكره له نكاحها؛ للخلاف فيها (ويحرم على المرأة) وعلى سائر محارمها (ولدها من زنا والله أعلم) إجماعا؛ لأنه بعضها وانفصل منها إنسانا ولا كذلك المني، ومن ثم أجمعوا هنا على إرثه (والأخوات) من جهة أبويك أو أحدهما، نعم لو زوجَّه الحاكم مجهولة ثم استلحقها أبوه بشرطه ولم يصدقه هو ثبتت أخوتها له وبقي نكاحه، ولو أبانها حينئذ لم تحل له، (وبنات الإخوة والأخوات وإن سفلن، والعمات والخالات وكل من هي أخت ذكر ولدك) وإن علا من جهة الأب أو الأم سواء أخته لأبويه أو أحدهما (فعمتك أو أخت أنثى ولدتك) وإن علت من جهة الأب أو الأم سواء أختها لأبويها أو أحدهما (فخالتك. ويحرم هؤلاء السبع بالرضاع أيضا) أي كما حرمن بالنسب؛ للنص على الأمهات والأخوات في الآية، وللخبر المتفق عليه ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) (وكل من أرضعتك أو أرضعت من أرضعتك أو) أرضعت (من وَلَدَك) ولو بواسطة (أو ولدت مرضعتك أو) ولدت أو أرضعت (ذا) أي صاحب (لبنها) شرعا كحليل المرضعة الذي اللبن له وإن ولدته بواسطة (فأم رضاع وقس) بذلك (الباقي) من السبع المحرمة بالرضاع، فالمرتضعة بلبنك أو بلبن فرعك ولو رضاعا وبنتها كذلك وإن سفلت بنت رضاع، والمرتضعة بلبن أبيك أو أمك ولو رضاعا ومولودة أحدهما رضاعا أخت رضاع، وبنت ولد المرضعة أو الفحل نسبا أو رضاعا وإن سفلت ومرتضعة بلبن أخيك أو أختك وبنتها نسبا أو رضاعا وإن سفلت وبنت ولد أرضعته أمك أو ارتضع بلبن أبيك نسبا أو رضاعا وإن سفلت بنت أخ أو أخت رضاع، وأخت فحل أو مرضعة وأخت أصلهما نسبا أو رضاعا ومرتضعة بلبن أصل نسبا أو رضاعا عمة رضاع أو خالته.
وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْك مَنْ أَرْضَعَتْ أَخَاك وَنَافِلَتَك، وَلَا أُمُّ مُرْضِعَةِ وَلَدِك وَبِنْتُهَا، وَلَا أُخْتُ أَخِيكَ بِنَسَبٍ وَلَا رَضَاعٍ، وَهِيَ أُخْتُ أَخِيك لِأَبِيك لِأُمِّهِ وَعَكْسُهُ، وَيَحْرُمُ زَوْجَةُ مَنْ وَلَدْتَ أَوْ وَلَدَكَ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ وَأُمَّهَاتُ زَوْجَتِك مِنْهُمَا
(ولا تحرم عليك من أرضعت أخاك) أو أختك، وإنما حرمت أم أخيك نسبا؛ لأنها أمك أو موطوءة أبيك (و) لا من أرضعت (نافلتك) أي ولد ولدك؛ لأنها كالتي قبلها أجنبية عنك، وحرمت أمه نسباً؛ لأنها بنت أو موطوءة ابن، (ولا أم مرضعة ولدك)؛ لذلك، وهي نسبا أم موطوءتك (وبنتها) أي المرضعة لذلك، وهي نسبا بنت أو ربيبة، وزيد على الأربعة المذكورة في المتن أم العم وأم العمة وأم الخال وأم الخالة وابن الأخ فهؤلاء أيضا يَحرُمنَ نسبا لا رضاعا؛ لما تقرر، وصورة الأخيرة امرأة لها ابن ارتضع من أجنبية ذات ابن فلها نكاح أخي ابنها رضاعا وإن حرم نسبا؛ لكونه ابنها أو ابن زوجها. (ولا) يحرم عليك أيضا (أخت أخيك) الذي من النسب أو الرضاع (بنسب ولا رضاع) متعلق بأخت بدليل قوله:(وهي) نسبا (أخت أخيك لأبيك لأمه) بأن كان لأم أخيك لأبيك بنت من غير أبيك (وعكسه) أي أخت أخيك لأمك لأبيه بأن كان لأبي أخيك لأمك بنت من غير أمك، ورضاعا أخت أخيك لأب أو أم رضاعا بأن أرضعتهما أجنبية عنك.
[فرع] ادعت أمة أنها أخته رضاعا فإن كان قبل أن يملكها حرمت عليه، وكذا بعده وقبل التمكين
(1)
، بل وبعد تمكين مع نحو صغر بخلافه بعد تمكينٍ معتبر إلا إن ادعت غلطا أو نسيانا، وبخلاف ما لو ادعت أنها أخته نسبا، وفُرِّق بأن النسب لا يثبت بقول النساء بخلاف الرضاع فكذا التحريم به. (ويحرم) عليك بالمصاهرة (زوجة من ولدت) وإن سفل من نسب أو رضاع (أو ولدك) وإن علا (من نسب أو رضاع)؛ لقوله تعالى {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} النساء:23. (و) يحرم عليك (أمهات زوجتك منهما) أي النسب أو الرضاع ولو لطفلة طلقتها وإن علون وإن لم تدخل بها؛ لإطلاق قوله تعالى {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} النساء: 23، وتحرم كسابقتيها بنفس العقد، نعم يشترط حيث لا وطء صحة العقد؛ لأن الفاسد لا حرمة له ما لم ينشأ عنه وطء أو استدخال؛ لأنه حينئذ وطء شبهة واستدخال وهو محرم كما
(1)
. خلافا للشهاب الرملي.
وَكَذَا بَنَاتُهَا إنْ دَخَلْتَ بِهَا، وَمَنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِمِلْكٍ حَرُمَ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا وَبَنَاتُهَا وَحَرُمَتْ عَلَى آبَائِهِ وَأَبْنَائِهِ، وَكَذَا المَوْطُوءَةُ بِشُبْهَةٍ فِي حَقِّهِ، قِيلَ أَوْ حَقِّهَا، لَا المَزْنِيُّ بِهَا،
يأتي (وكذا بناتها) أي زوجتك ولو بواسطة -سواء بنات ابنها وبنات بنتها وإن سفلن- (إن دخلت بها) بأن وطئتها في حياتها ولو في الدبر وإن كان العقد فاسدا، وكذا إن استدخلت ماءك المحترم في حال نزوله وإدخاله؛ إذ هو كالوطء في أكثر أحكامه في هذا الباب وغيره؛ لقوله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} النساء: 23 .. الآية.
[تنبيه] لم يُنَزِّلوا الموت هنا منزلة الوطء بخلافه في الإرث وتقرير المهر
ويوجه بأن التنزيل هنا يلزم عليه أن العقد محرم وهو خلاف النص ولا كذلك ثَم؛ للنص فيه على أن الموت موجب للإرث والتقرير. (ومن وطئ امرأة) حية وهو واضح الذكورة (بملك) ولو في الدبر وإن كانت مُحرَّمة عليه أبدا (حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت على آبائه وأبنائه) إجماعا وتثبت هنا المحرمية أيضا (وكذا) الحية (الموطوءة) ولو في الدبر (بشبهة) إجماعا أيضا لكن لا يثبت بها محرمية؛ لعدم الاحتياج إليها، ثم المعتبر هنا أي في تحريم المصاهرة وفي لحوق النسب ووجوب العدة أن تكون شبهة (في حقه) -كأن وطئها بفاسد نكاح، وكظنها حليلته وكونها مشتركة أو أمة فرعه، وكوطئها بجهة قال بها عالم يعتد بخلافه- وإن علمت، (قيل أو) توجد شبهة في (حقها) -كأن ظنته حليلها، أو كان بها نحو نوم- وإن علم، فعلى هذا بأيهما قامت الشبهة أثرت، نعم المعتبر في المهر شبهتها فقط، ومنها أن توطأ في نكاح بلا ولي وإن اعتقدت التحريم فليست مستثناة؛ لما مر أن معتقد تحريمه لا يحد للشبهة. ولا أثر لوطء خنثى؛ لاحتمال زيادة ما أُوْلج به أو فيه
(1)
.
[تنبيه] الاستدخال كالوطء بشرط احترامه حالة الإنزال ثم حالة الاستدخال
(2)
بأن يكون لها شبهة فيه، نعم لا يثبت بالاستدخال بشرطه إلا النسب والمصاهرة والعدة وكذا الرجعة بخلاف نحو الإحصان والتحليل، وغير المحترم كماء زنا الزوج لا يثبت به شيء (لا المزني بها) فلا يثبت لها ولا لأحد من أصولها وفروعها حرمة مصاهرة بالزنا الحقيقي بخلافه
(1)
. أسقط المغني قوله: ((أو فيه)).
(2)
. خلافا للنهاية ووالده فاعتمدا أنه لا يشترط الاحترام إلا في حالة الإنزال.
وَلَيْسَتْ مُبَاشَرَةٌ بِشَهْوَةٍ كَوَطْءٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوِ اخْتَلَطَتْ مَحْرَمٌ بِنِسْوَةِ قَرْيَةٍ كَبِيرَةٍ نَكَحَ مِنْهُنَّ، لَا بِمَحْصُورَاتٍ، وَلَوْ طَرَأَ مُؤَبَِّدُ تَحْرِيمٍ عَلَى نِكَاحٍ قَطَعَهُ كَوَطْءِ زَوْجَةِ أَبِيهِ بِشُبْهَةٍ
من نحو مجنون أو مكره عليه
(1)
؛ لأن الله تعالى امتَّن على عباده بالنسب والصهر ولأنه لا حرمة له (وليست مباشرة) بسبب مباح كمفاخذة (بشهوة كوطء في الأظهر)؛ لأنها لا توجب عدة فكذا لا توجب حرمة. (ولو اختلطت محرم) بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو محرمة بسبب آخر كلعان أو توثن (بنسوة قرية كبيرة) بأن كن غير محصورات (نكح) إن شاء (منهن) وإن قدر بسهولة على متيقنة الحل مطلقا؛ رخصة له من الله تعالى، وينكح إلى أن يبقى محصور
(2)
على ما رجحه الروياني وعليه فلا يخالفه ترجيحهم في الأواني أنه يأخذ إلى بقاء واحدة؛ لأن النكاح يحتاط له أكثر من غيره (لا بمحصورات) فلا ينكح منهن فإن فعل بطل؛ احتياطا للأبضاع مع عدم المشقة في اجتنابهن بخلاف الأول. ولا مدخل للاجتهاد هنا، نعم لو تيقن صفة بمحرمه كسواد نكح غير ذات السواد مطلقا واجتنبها إن انحصرن. ثم ما عسر عده بمجرد النظر -كالألف- غير محصور، وما سهل -كالمائة- محصور، وبينهما
(3)
أوساط تلحق بأحدهما بالظن، وما يشك فيه فحرام
(4)
. ولو اختلطت عشرون من محارمه بغير محصور لكنه لو قُسِّم عليهن صار ما يخص كلا منهن محصورا لم يحرمن؛ نظرا للجملة. ولو اختلطت زوجته بأجنبيات لم يجز وطء واحدة منهن مطلقا؛ لأن الوطء إنما يُباح بالعقد دون الاجتهاد. (ولو طرأ مؤبَِّد تحريم على نكاح قطعه كوطء زوجة أبيه) بالياء أو النون (بشبهة) وكوطء الزوج أم أو بنت زوجته بشبهة فينفسخ النكاح؛ إلحاقا للدوام بالابتداء؛ لأنه معنى يوجب تحريما مؤبدا فإذا طرأ قطع كالرضاع، وبهذا يتضح أنه لا فرق بين كون الموطوءة مَحرَما للواطئ وغيرها، فلو وطئ بنت أخيه أو بنت خالته التي تحت ولده بشبهة حرمت على ولده أبدا. وخرج بطروه على نكاح طروُّه على ملك يمين كوطء أب جارية ابنه فإنها -وإن حرمت به
(1)
. قضيته ثبوت النسب من المكره وخالف في ذلك الشهاب الرملي.
(2)
. ظاهره أنه غير معتمد له واعتمداه.
(3)
. أي بين المائة والألف وفاقا للنهاية، وبين العشرين والألف عند المغني.
(4)
. كما رجحه الشارح في فصل الصيغة.
وَيَحْرُمُ جَمْعُ المَرْأَةِ وَأُخْتِهَا أَوْ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا مِنْ رَضَاعٍ أَوْ نَسَبٍ، فَإِنْ جَمَعَ بِعَقْدٍ بَطَلَ، أَوْ مُرَتَّبًا فَالثَّانِي. وَمَنْ حَرُمَ جَمْعُهُمَا بِنِكَاحٍ حَرُمَ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكٍ، لَا مِلْكُهُمَا فَإِنْ وَطِئَ وَاحِدَةً حَرُمَتِ الْأُخْرَى حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُولَى
على الابن أبدا- لا ينقطع به ملكه حيث لا إحبال، ولا شيء عليه بمجرد تحريمها؛ لبقاء المالية ومجرد الحل هنا غير متقوم. (ويحرم جمع المرأة وأختها أو عمتها أو خالتها من رضاع أو نسب
(1)
ولو بواسطة لأبوين أو أب أو أم ابتداء ودواما؛ للآية في الأختين وللخبر الصحيح في الباقي. وضبطوا من يحرم جمعهما بكل امرأتين بينهما قرابة أو رضاع يحرم تناكحهما لو قدرت إحداهما ذكرا، فخرج بالقرابة والرضاع المصاهرة فيحل الجمع بين امرأة وأم أو بنت زوجها أو زوجة ولدها؛ إذ لا رحم هنا يخشى قطعه، والملك فيحل الجمع بين امرأة وأمتها بأن يتزوجها بشرطها الآتي ثم يتزوج سيدتها أو يكون قنا وإن حرمت كل بتقدير ذكورة الأخرى؛ إذ العبد لا ينكح سيدته والسيد لا ينكح أمته، ويحل الجمع أيضا بين بنت الرجل وربيبته وبين المرأة وربيبة زوجها من امرأة أخرى وبين أخت الرجل من أمه وأخته من أبيه؛ إذ لا تحرم المناكحة بينهما بتقدير ذكورة إحداهما، (فإن جمع) بين نحو أختين (بعقد) واحد (بطل) النكاحان؛ إذ لا مرجح (أو) بعقدين يأتي هنا ما مر في نكاح اثنين فإن وقعا معا أو عرف سبق ولم تتعين سابقة ولم يرج معرفتها أو جهل السبق والمعية بطلا، أو وقعا (مرتبا) وعرفت السابقة ولم تُنس (فالثاني) هو الباطل إن صح الأول؛ لأن الجمع حصل به، فإن نسيت ورجيت معرفتها وجب التوقف حتى يتبين، والأوجه أنه لا يحتاج لفسخ الحاكم وأنه لو أراد العقد على إحداهما امتنع حتى يطلق الأخرى بائنا؛ لاحتمال أنها الزوجة فتحل الأخرى يقينا من غير مشقة عليه في ذلك بوجه، أما إذا فسد الأول فالثاني هو الصحيح سواء أعلم بذلك أم لا، وفي حكم الجمع بين الأختين فيما مر جمع أكثر من أربع. (ومن حرم جمعهما بنكاح) كأختين (حرم) جمعهما (في الوطء بملك)؛ لأنه إذا حرم العقد فالوطء أولى؛ لأنه أقوى (لا ملكهما) إجماعا؛ لأن الملك قد يقصد به غير الوطء، ولهذا جاز له ملك نحو أخته (فإن وطئ) في فرج واضح أو دبر ولو مكرها أو جاهلا (واحدة) غير محرمة عليه بنحو رضاع وإن ظنها تحل له، وليس الاستدخال هنا كالوطء (حرمت الأخرى حتى يحرم الأولى)؛ لئلا
(1)
. وذكر الشارح عند كلامه على التحليل أنه لو غاب بزوجته ثم رجع وزعم موتها حل لأختها نكاحه بخلاف ما لو غابت زوجته وأختها فرجعت وزعمت موتها لم تحل له 7/ 313.
بِبَيْعٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ كِتَابَةٍ لَا حَيْضٍ وَإِحْرَامٍ، وَكَذَا رَهْنٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ مَلَكَهَا ثُمَّ نَكَحَ أُخْتَهَا أَوْ عَكَسَ حَلَّتِ المَنْكُوحَةُ دُونَهَا. وَلِلْعَبْدِ امْرَأَتَانِ. وَلِلْحُرِّ أَرْبَعٌ فَقَطْ، فَإِنْ نَكَحَ خَمْسًا مَعًا بَطَلْنَ أَوْ مُرَتَّبًا فَالخَامِسَةُ. وَتَحِلُّ الْأُخْتُ، وَالخَامِسَةُ فِي عِدَّةِ بَائِنٍ لَاجْعِيَّةٍ
يحصل الجمع المنهي عنه، ولا يؤثر وطؤها -وإن حبلت- تحريم الأولى؛ إذ الحرام لا يحرم الحلال، ثم التحريم يحصل بمزيل الملك (ببيع) ولو لبعضها إن لزم أو شرط الخيار فيه للمشتري، وهبة ولو لبعضها مع قبضها بإذنه (أو) بمزيل الحل نحو (نكاح أو كتابة) صحيحة؛ لارتفاع الحل، فإن عاد حِلُّ الأولى بنحو فسخ أو طلاق قبل وطء الثانية تخيَّر في وطء أيتهما شاء بعد استبراء للعائدة إن أرادها، أو بعد وطئها لم يطأ العائدة حتى يحرم الأخرى. وعلم مما مر أنه لو ملك أُمَّا وبنتها حرمت إحداهما مؤبدا بوطء الأخرى (لا حيض وإحرام) ونحو ردة وعدة؛ لأنها أسباب عارضة قريبة الزوال (وكذا رهن) مقبوض (في الأصح)؛ لبقاء الحل لو أذن له المرتهن. (ولو ملكها) أي امرأة وطئها أم لا (ثم نكح أختها) أو عمتها أو خالتها الحرة أو الأمة بشرطه (أو عكس) أي نكح امرأة ثم ملك نحو أختها أو تقارن الملك والنكاح (حلَّّت المنكوحة دونها)؛ لأن فراش النكاح أقوى للحوق الولد فيه بالإمكان ولا يجامعه الحل للغير بخلاف فراش الملك فيهما. (وللعبد) ولو مبعضا (امرأتان)؛ لإجماع الصحابة عليه و لأنه على النصف من الحر (وللحر أربع فقط)؛ للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال لمن أسلم على أكثر من أربع ((أمسك أربعا وفارق سائرهن)). وقد تتعين الواحدة كما مر في نكاح السفيه والمجنون. (فإن نكح) الحر (خمسا) أو أكثر (معا بطلن) أي نكاحهن؛ إذ لا مرجح، ومن ثم لو كان فيهن من يحرم جمعه بطل فيه فقط وصح في الباقيات إن كن أربعا فأقل أو نحو مجوسية أو ملاعنة أو أمة بطل فيها فقط لذلك (أو مرتبا فالخامسة) هي التي يبطل فيها ويأتي هنا ما مر آنفاً في جمع نحو الأختين من بقية الأقسام، ويأتي نظير ذلك في جمع العبد ثلاثا فأكثر. (وتحل الأخت) ونحوها (والخامسة) للحر والثالثة لغيره (في عدة بائن)؛ لأنها أجنبية منه (لا رجعية) ومتخلفة عن الإسلام ومرتدة بعد وطء وقبل انقضاء العدة؛ لأنها في حكم الزوجات.
وَإِذَا طَلَّقَ الحُرُّ ثَلَاثًا أَوِ الْعَبْدُ طَلْقَتَيْنِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ، وَتَغِيبَ بِقُبُلِهَا حَشَفَتُهُ أَوْ قَدْرُهَا، بِشَرْطِ الِانْتِشَارِ، وَصِحَّةِ النِّكَاحِ، وَكَوْنِهِ مِمَّنْ يُمْكِنُ جِمَاعُهُ لَا طِفْلًا عَلَى المَذْهَبِ فِيهِنَّ
(وإذا طلق) قبل الوطء أو بعده (الحر ثلاثا
(1)
والعبد) ولو مبعضا (طلقتين) وكان قنا عند الثانية، وإلا كأن عُلِّقت الثانية بعتقه ثبتت له الثالثة (لم تحل له) تلك المطلقة (حتى تنكح) زوجا غيره ولو كان صبيا حرا عاقلا، أو عبدا بالغا عاقلا كان أو مجنونا، أو خصيا أو ذميا في ذمية لكن إن وطئ في نكاح لو ترافعوا إلينا أقررناهم عليه، وكالذمي نحو المجوسي (وَتِغيْبَ
(2)
بقبلها حَشَفَتُهُ) ولو مع نوم ولو منهما مع زوال بكارتها -ولو غوراء- وإن لف على الحشفة خرقة كثيفة ولم ينزل أو قارنها نحو حيض أو صوم أو عدة شبهة عرضت بعد نكاحه، نعم لو لم تزل بكارة الغوراء لرقة الذكر أجزأ في التحليل (أو قدرها) من فاقدها الذي يراد تغييبه، فالعبرة بقدر حشفته التي كانت دون حشفة غيره فكل ما أوجب دخوله الغسل مما مر أجزأ هنا وما لا فلا
(3)
، ثم بعد أن يغيب ذلك يطلقها وتنقضي عدتها؛ لقوله تعالى {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} البقرة: 230 أي ويطأها؛ للخبر المتفق عليه ((حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك))، وقيس بالحر غيره. وخرج بـ ((تنكح)) وطء السيد بالملك، بل لو اشتراها المطلق لم تحل له، وبقبلها وطء الدبر، وبقدرها أقل منه كبعض حشفة السليم وكإدخال المني (بشرط الانتشار) بالفعل وإن قلَّ أو أعين بنحو أصبع (وصحة النكاح) فلا يؤثر فاسد وإن وقع وطء فيه؛ لأن النكاح في الآية لا يتناوله، ومن ثم لو حلف لا ينكح لم يحنث به، ويشترط أيضا عدم اختلاله فلا يكفي وطء مع ردة أحدهما أو في عدة طلاق رجعي بأن استدخلت ماء وإن راجع أو أسلم المرتد (وكونه ممن يمكن جماعه) أي يتشوف إليه منه عادة بأن يُشْتَهَى طبعا
(4)
(لا طفلاً) وإن انتشر ذكره؛ لأنه لا أهلية فيه لذوق عسيلة، وهو هنا من لم يشتهى طبعا (على المذهب فيهن)
(1)
. ذكر الشارح في أركان النكاح أنه لو وطئ في نكاح بلا ولي وطلق ثلاثا قبل حكم حاكم بالصحة لم يقع ولم يحتج لمحلل 7/ 239.
(2)
. جزم في النهاية بفتح أوله وحكاه الشارح بصيغة تضعيف.
(3)
. وحاصله أنه يحصل التحليل بدخول حشفة الذكر الزائد إن عمل أو كان على سنن الأصلية بخلاف المشقوق فلا يجزئ إلا إن أدخل كلا الشقين، نعم يجزئ إن قطعت بعض الحشفة طولا إن لم تختل اللذة ويأتي في الزنا ما يتعلق بذلك 9/ 101.
(4)
. خلافا للنهاية فاعتمد أنه المراهق دون غيره.
وَلَوْ نَكَحَ بِشَرْطِ إذَا وَطِئَ طَلَّقَ أَوْ بَانَتْ أَوْ فَلَا نِكَاحَ بَطَلَ، وَفِي التَّطْلِيقِ قَوْلٌ
أي الانتشار وما بعده. (ولو نكح) مريد التحليل (بشرط) وليها وموافقته هو أو عكسه في صلب العقد (أنه إذا وطئ طلق أو) أنه إذا وطئ (بانت) منه (أو) أنه إذا وطئ (فلا نكاح) بينهما أو نحو ذلك (بطل) النكاح؛ لمنافاة الشرط فيهن لمقتضى العقد، وعلى ذلك حمل الحديث الصحيح ((لعن الله المحلل والمحلل له)) (وفي التطليق قول) أنه لا يضر. وخرج بشرط ذلك إضماره فلا يؤثر وإن تواطآ عليه قبل العقد لكنه مكروه؛ لأن كل ما لو صرح به أبطل يكره إضماره. ويكره تزوُّج من ادعت التحليل
(1)
لزمن إمكان ولم يقع في قلبه صدقها ومع ذلك فهو صحيح وإن كذبها زوج محلل عينته في النكاح أو الوطء وإن صدقناه في نفيه حتى لا يلزمه مهر أو نصفه ما لم ينضم لتكذيبه في أصل النكاح تكذيب الولي والشهود بخلاف نحو الشهود والزوج فقط. ومرَّ أنه يقبل إقرارها بالنكاح لمن صدقها وإن كذبها الولي والشهود. ولو أنكر الزوج الثاني الطلاق صدق ما لم يعلم الزوج الأول كذبه، ولو كذبها ثم رجع قُبِل. ومر أنها متى أقرت للحاكم بزوج معين لم يقبلها في فراقه إلا ببينة. ولو أخبرته بالتحليل ثم رجعت فإن كان قبل الدخول -يعني قبل العقد- لم تحل أو بعده لم يرتفع، ولو اعترف الثاني بالإصابة وأنكرتها لم تحل أيضاً بخلاف عكس كما تقدم.
[تنبيه] ظاهر ما تقرر أن للمطلق قبول قولها هنا بلا يمين
، نعم لو تزوجته فرفعا لقاضٍ فادعت التحليل الممكن فتحلف هي حينئذ ويمكنه منها، و يقبل قولها أيضا بيمينها عند الإمكان في انقضاء عدتها، ولو نكح بلا ولي ثم طلقها ثلاثا قبل حكم حاكم بالصحة لم يقع ولم يحتج لمحلل
(2)
.
(1)
. وتقدم في باب الخيار في النكاح أنه لو تنازعا في الوطء صدقت هي حتى تحل للأول، وصدق هو حتى يتشطر المهر وأن تصديقها مستثنى من قاعدة أن القول قول نافي الوطء 7/ 351.
(2)
. ذكره الشارح في فصل أركان النكاح.
فصل
لَا يَنْكِحُ مَنْ يَمْلِكُهَا أَوْ بَعْضَهَا، وَلَوْ مَلَكَ زَوْجَتَهُ أَوْ بَعْضَهَا بَطَلَ نِكَاحُهُ، وَلَا تَنْكِحُ مَنْ تَمْلِكُهُ أَوْ بَعْضَهُ. وَلَا الحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ إلَّا بِشُرُوطٍ: أَلَّا تَكُونَ تَحْتَهُ حُرَّةٌ تَصْلُحُ لِلِاسْتِمْتَاعِ، قِيلَ وَلَا غَيْرُ صَالحَةٍ، وَأَنْ يَعْجِزَ عَنْ حُرَّةٍ تَصْلُحُ، قِيلَ أَوْ لَا تَصْلُحُ،
…
(فصل) في نكاح من فيها رق وتوابعه
(لا ينكح من يملكها) ولو مستولدة ومكاتبة (أو) يملك (بعضها)؛ لتناقض أحكام الملك والنكاح. ومملوكة مكاتبه كمملوكته؛ لأنه عبد ما بقي عليه درهم، وكذا مملوكة فرعه الموسر
(1)
؛ لأنه يلزمه إعفافه بخلاف المعسر. ويجوز للمرأة تزوج عبد فرعها؛ لأنه لا يلزمه إعفافها كما يأتي (ولو ملك) هو أو مكاتبه لا فرعه؛ لأن تعلق السيد بمال مكاتبه أقوى منه بمال فرعه (زوجته أو بعضها) ملكا تاما (بطل نكاحه)؛ لأن النكاح أضعف من الملك. أما لو لم يتم كأن اشتراها بشرط الخيار له ثم فسخ فإنه يستمر نكاحه، وكذا في عكسه الذي تضمنه قوله:(ولا تنكح) المرأة (من تملكه أو بعضه) ملكا تاما؛ لتضاد أحكامهما هنا أيضا. وخرج بمن تملكه عبد أبيها أو ابنها فيحل لها نكاحه (ولا الحر) كله (أمة غيره) ويُلحق بها حرَّة ولدها رقيق بأن أوصى لرجل بحمل أمة دائما فأعتقها الوارث (إلا بشروط) أربعة بل أكثر.
أحدها: (ألا تكون تحته حرة) أو أمة (تصلح للاستمتاع) ولو كتابية؛ للنهي عن نكاح الأمة على الحرة. وخرج بالحر كله العبد والمبعض فله نكاح الأمة؛ لأن إرقاق ولده غير عيب، (قيل ولا غير صالحة) للاستمتاع لنحو هرم؛ لعموم النهي السابق.
(و) ثانيها (أن يعجِز عن حرة) ولو كتابية بأن لم يفضل عما معه أو مع فرعه الذي يلزمه إعفافه مما لا يباع في الفطرة ما يفي بمهر مثلها وقد طلبته أو لم ترض إلا بزيادة عليه وإن قلَّت وقدر عليها (تصلح) للاستمتاع عرفا وكانت تحتمل الوطء، وليس بها عيب خيار ولا هرمة ولا زانية ولا غائبة
(2)
ولا معتدة، وكذا ليست متحيرة؛ لمنع وطئها شرعا
(3)
(قيل أو لا تصلح)؛ نظير ما مر.
(1)
. لم يقيد بذلك الرملي ولا شرح المنهج.
(2)
. إن لحقه مشقة ظاهرة في قصدها أو خاف زنا مدته.
(3)
. خلافا للنهاية في هذه الأخيرة.
فَلَوْ قَدَرَ عَلَى غَائِبَةٍ حَلَّتْ لَهُ أَمَةٌ إنْ لَحِقَهُ مَشَقَّةٌ ظَاهِرَةٌ فِي قَصْدِهَا أَوْ خَافَ زِنًا مُدَّتَهُ، وَلَوْ وَجَدَ حُرَّةً بِمُؤَجَّلٍ أَوْ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلٍ فَالْأَصَحُّ حِلُّ أَمَةٍ فِي الْأُولَى، دُونَ الثَّانِيَةِ، وَأَنْ يَخَافَ زِنًا،
[تنبيه] في المعتدة تفصيل حاصله أن الرجعية والمتخلفة عن الإسلام والمرتدة بعد الوطء كالزوجة كما مر آنفا فلا تحل له الأمة قبل انقضاء العدة وإن وجدت فيه شروطها، وأما البائن فتحل له في عدتها الأمة كأختها وأربع سواها، ومثلها الموطوءة بشبهة (فلو قدر على) حرة (غائبة حلت له أمة إن لحقه مشقة ظاهرة) وهي ما ينسب متحملها في طلب زوجة إلى مجاوزة الحد (في قصدها، أو خاف زنا) بالاعتبار الآتي (مدته) أي مدة قصدها وإلا لم تحل له ولزمه السفر لها إن أمكن انتقالها معه لبلده وإلا فكالعدم؛ لأن في تكليفه التغريب أعظم مشقة، ولا يلزم قبول هبة مهر أو أمة؛ للمنة.
[تنبيه] التفصيل المذكور في الحرة الغائبة التي يريد تزوجها يأتي فيما لو غابت زوجته وكذا يأتي فيما لو غاب ماله، نعم لا فرق في المال بين أن يكون على مرحلتين أو أقل؛ احتياطا لخوف الوقوع في الزنا.
[فرع] ليس للمحجور عليه بفلس نكاح أمة
؛ لأنه متهم في دعواه خوف الزنا لأجل الغرماء، نعم تحل له باطنا؛ لعجزه. (ولو وجد حرة) ترضى (بمؤجل) ولم يجد المهر وهو يتوقع القدرة عليه عند المحل ولو من جهة ظاهرة (أو بدون مهر مثل) وهو يجده (فالأصح حل أمة في الأولى)؛ لأنه قد لا يجد وفاءً فتصير ذمته مشغولة. ولا يكلف بيع ما يبقى في الفطرة، ومنه مسكنه وخادمه الذي يحتاج إليه ولو أمة لا تحل أو لا تصلح للخدمة، نعم يتجه في نحو خادم أو مسكن نفيس قدر على بيعه وتحصيل خادم ومسكن لائق ومهر حرة أنه يلزمه (دون الثانية)؛ لاعتياد المسامحة في المهور فلا منة بخلاف المسامحة به كله؛ لأنه لم يعتد مع لزومه له بالوطء.
(و) ثالثها (أن يخاف) ولو خصيا (زنا) بأن يتوقعه لا على الندور
(1)
بأن تغلب شهوته تقواه بخلاف من غلبت تقواه أو مروءته المانعة منه أو اعتدلا، وذلك؛ لقوله تعالى {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ} النساء: 25 أي الزنا، والمرعي عندنا عمومه فلو خافه من أمة بعينها لقوة ميله إليها
(1)
. خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.
فَلَوْ أَمْكَنَهُ تَسَرٍّ فَلَا خَوْفَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِسْلَامُهَا، وَتَحِلُّ لِحُرٍّ وَعَبْدٍ كِتَابِيَّيْنِ أَمَةٌ كِتَابِيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، لَا لِعَبْدٍ مُسْلِمٍ فِي المَشْهُورِ، وَمَنْ بَعْضُهَا رَقِيقٌ كَرَقِيقَةٍ. وَلَوْ نَكَحَ حُرٌّ أَمَةً بِشَرْطِهِ ثُمَّ أَيْسَرَ أَوْ نَكَحَ حُرَّةً لَمْ تَنْفَسِخِ الْأَمَةُ،
لم تحل له وإن فقد الطول. ولا تحلّ للمجبوب
(1)
أو العنين أو الممسوح
(2)
بخلاف المجنون فيتزوجها إذا أعسر وخيف عليه العنت. وليس لمن توفرت فيه شروط نكاح الأمة نكاح أمة لا تصلح للوطء كصغيرة لا توطأ ورتقاء وقرناء؛ لأنه لا يأمن به العنت (فلو) كان معه مال لا يقدر به على حرة، و (أمكنه تسرٍّ) بشراء صالحة للاستمتاع به بأن قدر عليها بثمن مثلها فاضلا عما مر (فلا خوف) من الزنا حينئذ فلا تحل له الأمة (في الأصح)؛ لأمنه العنت به فلا حاجة لإرقاق ولده، فإن كانت بملكه فكذلك قطعا.
(و) رابعها (إسلامها) فلا يحل لمسلم نكاح أمة كتابية؛ لقوله تبارك وتعالى {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ} النساء: 25، بل أمة مسلمة وإن كانت لكافر، (وتحل لحر وعبد كتابيين أمة كتابية على الصحيح)؛ لتكافئهما في الدين. ويشترط عند ترافعهم إلينا -لا مطلقا؛ لصحة أنكحتهم- خوف العنت وفقد طول الحرة؛ لأنهم جعلوه كالمسلم إلا في نكاح أمة كافرة (لا لعبد مسلم في المشهور)؛ لأن مدرك المنع فيها كفرها فاستوى فيها المسلم الحر والقن كالمرتدة، ويحل لمسلم وطء كتابية بالملك لا نحو مجوسية كما يأتي.
وخامسها: أن لا تكون موقوفة
(3)
عليه ولا موصى له بخدمتها على التأبيد، ولا مملوكة لمكاتبه أو ولده (ومن بعضها رقيق كرقيقة) فلا ينكحها الحر إلا بالشروط السابقة؛ لأن إرقاق بعض الولد محذور أيضا، ومن ثم لو قدر على مبعضة وأمة لم تحل له الأمة. (ولو نكح حر أمة بشرطه ثم أيسر أو نكح حرة لم تنفسخ الأمة) أي نكاحها؛ لأنه يغتفر في الدوام لقوته بوقوع العقد صحيحا ما لا يغتفر في الابتداء، نعم طروُّ رق على كتابية زوجة حر مسلم يقطع نكاحها؛ لأن الرق أقوى تأثيرا من غيره.
(1)
. استوجه ذلك في المجبوب الشارح في الفتح ولم يجزم بشيء في التحفة.
(2)
. لابن عبد السلام بحث أقره المغني ورده الشارح.
(3)
. وذكر الشارح في الوقف أنه لا يزوجها إلا القاضي لغير الواقف وغير الموقوف عليه 6/ 278.
وَلَوْ جَمَعَ مَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ أَمَةٌ حُرَّةً وَأَمَةً بِعَقْدٍ بَطَلَتِ الْأَمَةُ، لَا الحُرَّةُ فِي الْأَظْهَرِ
(ولو جمع من) أي حر (لا تحل له أمة) أمتين بطلتا قطعا، أو (حرة وأمة بعقد) وقدم الحرة كزوجتك بنتي وأمتي بكذا، أو يكون وكيلا فيهما، أو وليا في واحد ووكيلا في الآخر فقبلهما (بطلت الأمة) قطعا؛ لأن شرط نكاحها فقد القدرة على الحرة (لا الحرة في الأظهر)؛ تفريقا للصفقة. أو جمعهما من تحل له كأن وجد حرة بمؤجل أو بلا مهر بطلت الأمة قطعا أيضا وفي الحرة طريقان والراجح عدم بطلانها فالتقييد بمن لا تحل له؛ لأن الأظهر إنما يأتي فيه، أما من فيه رق فيصح جمعهما إلا أن تكون الأمة كتابية وهو مسلم، وأما بعقدين كزوجتك بنتي بألف وأمتي بمائة فقبل البنت ثم الأمة فإنه يصح في الحرة قطعا وفي هذه
(1)
لو قدم الأمة إيجابا وقبولا وهي تحل له صحّ نكاحهما؛ لأنه لم يقبل الحرة إلا بعد صحة نكاح الأمة، ولو فصل في الإيجاب فجمع في القبول أو عكس فكذلك
(2)
.
[فرع] نكاح الأمة الفاسد كالصحيح في أن الولد رقيق ما لم يشرط في أحدهما عتقه بصيغة تعليق لا مطلقا
، ومع هذا الشرط بصيغة التعليق لا تحل الأمة؛ لأن بقاءها بملك الشارط المقتضي لحرية الولد غير متيقن
(3)
.
(1)
. أي في صورة الجمع بعقدين.
(2)
. قضية كلام الشارح في أركان النكاح أنه لو نكح أمة ثم أقر بأنه كان قادرا على حرة بطل النكاح 7/ 234.
(3)
. وذكر الشارح في اللقيط أنه لو أقرت متزوجة بالرق والزوج ممن لا تحل له الأمة لم ينفسخ النكاح .. الخ.
فصل
يَحْرُمُ نِكَاحُ مَنْ لَا كِتَابَ لَهَا كَوَثَنِيَّةٍ وَمَجُوسِيَّةٍ. وَتَحِلُّ كِتَابِيَّةٌ، لَكِنْ يُكْرَهُ حَرْبِيَّةٌ وَكَذَا ذِمِّيَّةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالْكِتَابِيَّةُ يَهُودِيَّةٌ أَوْ نَصْرَانِيَّةٌ لَا مُتَمَسِّكَةٌ بِالزَّبُورِ وَغَيْرِهِ،
(فصل) في حل نكاح الكافرة وتوابعه
(يحرم) على مسلم وكذا كتابي ووثني ومجوسي ونحوهما (نكاح من لا كتاب لها كوثنية) أي عابدة وثن أي صنم (ومجوسية) وعابدة نحو شمس وقمر وصورة، ووطؤها بملك اليمين
(1)
؛ لقوله تعالى {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} البقرة: 221 خرجت الكتابية؛ لما يأتي فيبقى من عداها على عمومه. (وتحل كتابية
(2)
لمسلم وكتابي وكذا مجوسي، وذلك؛ لقوله تعالى {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} المائدة: 5 أي حِلٌّ لكم، نعم الأصح حرمتها عليه صلى الله عليه وسلم نكاحا لا تسريا، (لكن يكره) للمسلم حيث لم يخش العنت كتابية (حربية) ولو تسريا؛ لئلا يرق ولدها إذا سبيت حاملا فإنها لا تصدق أن حملها من مسلم ولأن في الإقامة بدار الحرب تكثير سوادهم، ومن ثَمَّ كرهت مسلمة مقيمة ثَمَّ (وكذا ذمية على الصحيح)؛ لئلا تفتنه -بفرط ميله إليها- أو ولده وإن كان الغالب ميل النساء إلى دين أزواجهن وإيثارهم على الآباء والأمهات، نعم الكراهة في الذمة أخف منها في الحربية، نعم قد يندب نكاحها إذا رجي به إسلامها ولم يخش فتنة بها بوجه، ومحل الكراهة إن وَجَدَ مسلمة أي تصلي وإلا فهي أولى من مسلمة لا تصلي إن كان قوي الإيمان والعلم
(3)
(والكتابية يهودية أو نصرانية)؛ لقوله تعالى {أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا} الأنعام: 156 (لا متمسكة بالزبور وغيره) فلا تحل وإن أقروا بالجزية سواء أثبت تمسكها بذلك بقولها أم بالتواتر أم بشهادة عدلين أسلما؛ لأنه أوصي إليهم
(1)
. مال الشارح في باب النجاسة إلى استثناء أمته المتولدة بين آدمي أو آدمية ومغلظ عند خوف العنت 1/ 291.
(2)
. وتقدم في الباب السابق أن طرو رق على كتابية زوجة حر مسلم يقطع نكاحها.
(3)
. كما مر، أي وإلا فالأولى لغيره مسلمة لا تصلي؛ لئلا تفتنه الكتابية.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْكِتَابِيَّةُ إسْرَائِيلِيَّةً فَالْأَظْهَرُ حِلُّهَا إنْ عُلِمَ دُخُولُ قَوْمِهَا فِي ذَلِكَ الدِّينِ قَبْلَ نَسْخِهِ وَتَحْرِيفِهِ، وَقِيلَ يَكْفِي قَبْلَ نَسْخِهِ. وَالْكِتَابِيَّةُ المَنْكُوحَةُ كَمُسْلِمَةٍ فِي نَفَقَةٍ وَقَسْمٍ وَطَلَاقٍ، وَتُجْبَرُ عَلَى غُسْلِ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ،
معانيها لا ألفاظها أو لكونها حِكَما ومواعظ لا أحكاما وشرائع (فإن لم تكن الكتابية) أي لم يتحقق كونها (إسرائيلية) بأن عرف أنها غير إسرائيلية أو شك أهي إسرائيلية أو غيرها؟ (فالأظهر حلها) للمسلم والكتابي (إن علم) بالتواتر أو ظن ظنا قويا بشهادة عند قاضٍ من عدلين أسلما لا بقول المتعاقدين، ثم إن اشتراط نحو شهادة العدلين إنما هو للحل ظاهرا، أما باطناً فيكفي ولو إخبار شاهدٍ عدل (دخول قومها) أي أول آبائها (في ذلك الدين) أي دين موسى أو عيسى صلى الله على نبينا وعليهما وسلم (قبل نسخه وتحريفه) أو قبل نسخه وبعد تحريفه واجتنبوا المحرف يقينا؛ لتمسكهم به حين كان حقا فالحل لفضيلة الدين وحدها، (وقيل يكفي) دخولهم بعد تحريفه وإن لم يجتنبوا المحرف إذا كان ذلك (قبل نسخه)؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم تزوجوا منهم ولم يبحثوا. وخرج بعلم ما لو شك هل دخلوا قبل التحريف أو بعده أو قبل النسخ أو بعده فلا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم؛ أخذا بالأحوط، وبـ ((قبل ذلك)) -الذي ذكره وذكرناه- ما لو دخلوا بعد التحريف ولم يجتنبوا ولو احتمالا أو بعد النسخ كمن تهود أو تنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم أو تهود بعد بعثة عيسى؛ بناء على الأصح أنها ناسخة لشريعة موسى صلى الله عليهما وسلم. أما الإسرائيلية يقينا بالتواتر أو بقول عدلين لا المتعاقدين فتحل مطلقا؛ لشرف نسبها ما لم يتيقن دخول أول آبائها في ذلك الدين -أي دين موسى أو عيسى- بعد بعثته صلى الله عليه وسلم فقط؛ لأن بعثته صلى الله عليه وسلم ناسخة قطعا ولا يؤثر هنا تمسكهم بالمحرف قبل النسخ.
[تنبيه] المراد بقولهم هنا في الإسرائيلية وغيرها ((أول آبائها)) أول المنتقلين منهم، ويكفي في تحريمها دخول واحد من آبائها بعد النسخ أو التحريف
على ما مر وإن لم ينتقل أحد منهم غيره؛ لأنها حينئذ صارت متولدة بين من يحل ومن تحرم، بل يكفي هنا بعض آبائها من جهة الأم. (والكتابية المنكوحة) الإسرائيلية وغيرها (كمسلمة) منكوحة (في نفقة) وكسوة ومسكن (وقسم وطلاق) وغيرها -ما عدا نحو التوارث والحد بقذفها-؛ لاشتراكهما في الزوجية المقتضية لذلك (وتجبر) كحليلة مسلمة أي له إجبارها (على غسل حيض ونفاس) عقب الانقطاع؛ لتوقف حل الوطء عليه، بل للحنفي أن يجبرها؛ لأنه احتياط عنده، فإن أبت
وَكذَا جَنَابَةٌ، وَتَرْكِ أَكْلِ خِنْزِيرٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَتُجْبَرُ هِيَ وَمُسْلِمَةٌ عَلَى غَسْلِ مَا نَجُسَ مِنْ أَعْضَائِهَا. وَتَحْرُمُ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ وَثَنِيٍّ وَكِتَابِيَّةٍ، وَكَذَا عَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ خَالَفَتِ السَّامِرَةُ الْيَهُودَ وَالصَّابِئُونَ النَّصَارَى فِي أَصْلِ دِينِهِمْ حَرُمْنَ،
غسَّلها، وتشترط أن تنوي استباحة التمتع إذا اغتسلت اختيارا كمغسل المجنونة والممتنعة، ولا يشترط ذلك في مكرهة على غسلها؛ للضرورة مع عدم مباشرته للفعل، (وكذا جنابة) أي غسلها ولو فورا وإن كانت غير مكلفة (وترك أكل خنزير) وشرب ما يسكر وإن اعتقدت حله، ونحو بصل نيئ، وإزالة وسخ وشعر ولو بنحو إبط وظفر ككلِّ منفِّرٍ عن كمال التمتع (في الأظهر)؛ لما في مخالفة كل مما ذكر من الاستقذار (وتجبر هي ومسلمة على غسل ما تنجَّس من أعضائها) وشيء من بدنها ولو بمعفو عنه؛ لتوقف كمال التمتع على ذلك، وغسل نجاسة ملبوس ظهر ريحها أو لونها، وعلى عدم لبس نجس أو ذي ريح كريه، وخروج ولو لمسجد أو كنيسة، واستعمال دواء يمنع الحمل، وإلقاء أو إفساد نطفة استقرت في الرحم؛ لحرمته ولو قبل تخلقها، وعلى فعل ما اعتاده منها حال التمتع مما يدعو إليه ويرغب فيه، نعم لا تجبر على مكروه ككلام حال جماع
(1)
. (وتحرم متولدة من وثني) أو مجوسي وإن علا (وكتابية) جزما؛ لأن الانتساب إلى الأب وهو لا تحل مناكحته (وكذا عكسه) فتحرم متولدة من كتابي ونحو وثنية (في الأظهر)؛ تغليبا للتحريم إلا إن بلغت واختارت دين الكتابي منهما؛ لاستقلالها حينئذ
(2)
.
[تنبيه] المتولد بين آدمي أو آدمية ومغلظ لا يحلُّ مناكحته ولو لمن هو مثله وإن استويا في الدين
(3)
. ولو وطئ آدمي بهيمة فولدها الآدمي مملوك لمالكها ولا يلحق نسبه بنسب الواطئ حتى يرثه
(4)
. (وإن خالفت السامرة اليهود) وهم طائفة منهم، أصلهم السامري عابد العجل (والصابئون) من صبأ إذا رجع (النصارى) وهم طائفة منهم (في أصل دينهم) ولو احتمالا كأن نفوا الصانع أو عبدوا كوكبا (حرمن) كالمرتدين؛ لخروجهم عن ملتهم إلى نحو
(1)
. قيده في النهاية بغير كلام في نحو الجماع.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية فاعتمد التحريم.
(3)
. نعم مال الشارح في باب النجاسة إلى استثناء تسري أمته حينئذ إن خشي العنت 1/ 291.
(4)
. هذا حاصل ما ذكره الشارح في باب النجاسة، قاله ابن القاسم.
وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ تَهَوَّدَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ عَكْسُهُ لَمْ يُقَرَّ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَمْ تَحِلَّ لِمُسْلِمٍ، وَإِنْ كَانَتْ مَنْكُوحَتَهُ فَكَرِدَّةِ مُسْلِمَةٍ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا الْإِسْلَامُ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ دِينُهُ الْأَوَّلُ، وَلَوْ تَوَثَّنَ لَمْ يُقَرَّ، وَفِيمَا يُقْبَلُ الْقَوْلَانِ، وَلَوْ تَهَوَّدَ وَثَنِيٌّ أَوْ تَنَصَّرَ لَمْ يُقَرَّ، وَيَتَعَيَّنُ الْإِسْلَامُ كَمُسْلِمٍ ارْتَدَّ. وَلَا تَحِلُّ مُرْتَدَّةٌ لِأَحَدٍ، وَلَوِ ارْتَدَّ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتْ الْفُرْقَةُ،
رأي القدماء الآتي (وإلا) يخالفوهم في ذلك بأن وافقوهم فيه يقينا وإنما خالفوهم في الفروع (فلا) يحرمن إن وجدت فيهم الشروط السابقة ما لم تكفرهم اليهود والنصارى كمبتدعة ملتنا، نعم قد تطلق الصابئة على المنسوبين لصابئ عم نوح عليه السلام ولكن هؤلاء لا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم ولا يقرون بجزية وهم يعبدون الكواكب السبعة ويقولون أن الفلك حي ناطق. (ولو تهود نصراني أو عكسه) أي تنصر يهودي في دار الحرب أو دارنا (لم يقر في الأظهر)؛ لأنه أقر ببطلان ما انتقل عنه وكان مقرا ببطلان ما انتقل إليه فلم يُقرَّ كمسلم ارتد، وهذا التعلل من حيث الغالب وإلا فلو انتقل عقب بلوغه من يهودية إلى نصرانية لم يقر أيضا وإن كان لم يقر ببطلان النصرانية، (فإن كانت) المنتقلة (امرأة لم تحل لمسلم)؛ لأنها لا تقر كالمرتدة (وإن كانت) المنتقلة (منكوحته) أي المسلم، ومثله كافر لا يرى حل المنتقلة (فكردة مسلمة) فتتنجز الفرقة قبل الوطء، وكذا بعده إن لم تسلم قبل انقضاء العدة (ولا يقبل منه إلا الإسلام
(1)
إن لم يكن له أمان فنقتله إن ظفرنا به وإلا بُلِّغ مأمنه وفاء بأمانه (وفي قول) لا يقبل منه إلا الإسلام (أو) أي فيطلب منه الإسلام فإن أبى ورجع لـ (دينه الأول) لم يتعرض له؛ لأنه كان مُقَرَّا عليه (ولو توثن) كتابي (لم يقر)؛ لما مر (وفيما يقبل) منه (القولان) المذكوران، أظهرهما تعيُّن الإسلام، فإن أبى فكما مر من التفصيل بين من له أمان وغيره (ولو تهود وثني أو تنصر لم يقرَّ)؛ لذلك (ويتعين الإسلام كمسلم ارتد) ولم يجرِ هنا القولان؛ لأن المنتقل عنه أدون، فإن أبى فكما مر من التفصيل أيضا. (ولا تحل مرتدة لأحد) مسلم؛ لإهدارها، وكافر؛ لعلقة الإسلام، ومرتد؛ لإهداره أيضا. (ولو ارتد زوجان) معا (أو أحدهما قبل دخول) أي وطء أو وصول مني محترم لفرجها (تنجزت الفرقة)؛ لأن النكاح لم
(1)
. قيد ذلك المغني فاعتمد أنه لو تهود نصراني بدار الحرب ثم جاء وقبل الجزية فإنه يقر لمصلحة قبولها وخالفه النهاية وظاهر كلام الشارح.
أَوْ بَعْدَهُ وُقِفَتْ، فَإِنْ جَمَعَهُمَا الْإِسْلَامُ فِي الْعِدَّةِ دَامَ النِّكَاحُ، وَإلَّا فَالفُرْقَةُ مِنَ الرِّدَّةِ وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ فِي التَّوَقُّفِ وَلَا حَدَّ.
باب نكاح المشرك
أَسْلَمَ كِتَابِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ وَتَحْتَهُ كِتَابِيَّةٌ دَامَ نِكَاحُهُ أَوْ وَثَنِيَّةٌ أَوْ مَجُوسِيَّةٌ فَتَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ، أَوْ بَعْدَهُ وَأَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ دَامَ نِكَاحُهُ، وَإِلَّا فَالْفُرْقَةُ مِنْ إسْلَامِهِ، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَأَصَرَّ فَكَعَكْسِهِ. وَلَوْ أَسْلَمَا مَعًا دَامَ النِّكَاحُ،
يتأكد لفقد غايته (أو) ارتدا أو أحدهما (بعده) أي الدخول (وقعت) الفرقة كطلاق وظهار وإيلاء، (فإن جمعهما الإسلام في العدة دام النكاح) بينهما؛ لتأكده ونفذ ما ذكر من نحو الطلاق (وإلا فالفرقة من) حين (الردة) منهما أو من أحدهما ولا ينفذ ما ذكر من نحو الطلاق (ويحرم الوطء في) مدة (التوقف)؛ لتزلزل ملك النكاح بإشرافه على الزوال (ولا حَدَّ) فيه؛ لشبهة بقاء النكاح، ومن ثم وجبت له عدة، نعم يعزَّر فليس له في زمن التوقف نكاح نحو أختها.
[تتمة] من قال لزوجته يا كافرة مريدا حقيقة الكفر جرى فيها ما تقرر في الردة، أو الشتم فلا، وكذا إن لم يرد شيئا؛ لأصل بقاء العصمة
.
(باب نكاح المشرك)
هو هنا الكافر على أي ملة كان. لو (أسلم كتابي أو غيره) كمجوسي أو وثني (وتحته كتابية) حرة يحلُّ له نكاحها ابتداء، أو أمة وعتقت في العدة أو أسلمت فيها وهو ممن يحل له نكاح الأمة كما يعلم مما يأتي (دام نكاحه) إجماعا (أو) أسلم وتحته كتابية لا تحل، أو (وثنية أو مجوسية) مثلا (فتخلفت) عنه بأن لم تسلم معه (قبل دخول) أو استدخال ماء محترم (تنجزت الفرقة) بينهما؛ لما مر في الردة (أو) تخلفت (بعده) أي الدخول أو نحوه (وأسلمت في العدة دام نكاحه) إجماعا (وإلا) تسلم فيها بل أصرت لانقضائها وإن قارن الانقضاء إسلامها؛ تغليبا للمانع (فالفرقة) بينهما حاصلة (من) حين (إسلامه) إجماعا. (ولو أسلمت) زوجة كافر (وأصرَّ) زوجها على كفره كتابيا كان أو غيره (فكعكسه) المذكور، فإن كان قبل نحو وطء تنجزت الفرقة أو بعده وأسلم في العدة دام نكاحه وإلا فالفرقة من حين إسلامها، والفرقة في هذه وما قبلها فرقة فسخ لا طلاق؛ لأنها بغير اختيارهما. (ولو أسلما معا) قبل وطء أو بعده (دام النكاح)
وَالمَعِيَّةُ بِآخِرِ اللَّفْظِ. وَحَيْثُ أَدَمْنَا لَا تَضُرُّ مُقَارَنَةُ الْعَقْدِ لِمُفْسِدٍ هُوَ زَائِلٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ وَكَانَتْ بِحَيْثُ تَحِلُّ لَهُ الْآنَ، وَإِنْ بَقِيَ المُفْسِدُ فَلَا نِكَاحَ فَيُقَرُّ عَلَى نِكَاحٍ بِلَا وَلِيٍّ وَلا شُهُودٍ، وَفِي عِدَّةٍ هِيَ مُنْقَضِيَةٌ عِنْدَ الْإِسْلَامِ، وَمُؤَقَّتٍ، إنِ اعْتَقَدُوهُ مُؤَبَّدًا،
بينهما إجماعا على أي كفر كانا (والمعية) في الإسلام إنما تعتبر (بآخر اللفظ) المحصل له؛ لأن المدار في حصوله عليه دون أوله ووسطه.
[تنبيه] يجرى ما ذكر في غير هذا المحل، وعليه فلو شرع في كلمة الشهادة فمات مورثه بعد أولها وقبل آخرها لم يرثه، نعم لو أسلمت الزوجة البالغة وكان إسلامها مع أسلام أبي زوجها الصغير أو المجنون والحال أن زوجها لم يدخل بها دام النكاح
(1)
؛ لأن الشارع نزَّل نطق الأب منزلة نطق الطفل والمجنون فكأن نطقهما وقع في زمن واحد، فإن أسلمت عقب إسلام الأب بطل، ويأتي ذلك في إسلام أبي الزوجة الطفلة أو المجنونة مع الزوج البالغ قبل نحو الوطء. (وحيث أدمنا النكاح لا تضر مقارنة العقد) أي عقد النكاح الواقع في الكفر (لمفسد) من مفسدات النكاح (هو زائل عند الإسلام)؛ لأن الشروط لما أُلغي اعتبارُها حال نكاح الكافر رخصة وجب اعتبارها حال التزام أحكامنا بالإسلام؛ لئلا يخلو العقد عن شرطه في الحالين معا، نعم إن اعتقدوا إفساد المفسد الزائل فلا تقرير. ولو اختلف دين قوم الزوج والزوجة اعتبر الأول (وكانت بحيث تحل له الآن) أي يحل له ابتداء نكاحها وقت الإسلام (وإن بقي المفسد) المقارن لعقد الكفر إلى وقت إسلام أحدهما بحيث كانت محرمة عليه وقته كنكاح مَحْرَم وملاعنة ومطلقة ثلاثا قبل تحليل. (فلا نكاح) بينهما؛ لامتناع ابتدائه حينئذ، إذا تقرر ذلك (فيقر على نكاح بلا ولي ولا شهود) أو مع إكراه أو نحوه؛ لحل نكاحها الآن، فالضابط أن تكون الآن بحيث يحل ابتداء نكاحها مع تَقَدُّم ما تسمى به زوجة عندهم (و) يقر على نكاح وقع (في عدة) للغير سواء عدة الشبهة وغيرها (هي منقضية عند الإسلام) بخلافها إذا بقيت؛ لما تقرر (و) يقر على غصب حربي أو ذمي لحربية إن اعتقدوه نكاحا، وعلى نكاح (مؤقت إن اعتقدوه مؤبدا)؛ إلغاء لذكر الوقت بخلاف ما إذا اعتقدوه مؤقتا فإنهم لا يقرون عليه وإن أسلما قبل تمام المدة؛ لأن بعدها لا نكاح في اعتقادهم وقبلها يعتقدونه مؤقتا ومثله لا
(1)
. خلافا لهما فاعتمدا تنجيز الفرقة.
وَكَذَا لَوْ قَارَنَ الْإِسْلَامَ عِدَّةُ شُبْهَةٍ عَلَى المَذْهَبِ، لَا نِكَاحُ مَحْرَمٍ. وَلَوْ أَسْلَمَ ثُمَّ أَحْرَمَ ثُمَّ أَسْلَمَتْ وَهُوَ مُحْرِمٌ أُقِرَّ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ نَكَحَ حُرَّةً وَأَمَةً وَأَسْلَمُوا تَعَيَّنَتِ الحُرَّةُ وَانْدَفَعَتِ الْأَمَةُ عَلَى المَذْهَبِ. وَنِكَاحُ الْكُفَّارِ صَحِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيلَ فَاسِدٌ، وَقِيلَ إنْ أَسْلَمَ وَقُرِّرَ تَبَيَّنَّا صِحَّتَهُ، وَإِلَّا فَلَا، فَعَلَى الصَّحِيحِ لَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا ثُمَّ أَسْلَمَا لَمْ تَحِلَّ بِمُحَلِّلٍ
يحل ابتداؤه. (وكذا) يقر (لو قارن الإسلام) من أحدهما أو منهما (عدة شبهة) كأن أسلم فوطئت بشبهة ثم أسلمت أو عكسه، أو وطئت بشبهة ثم أسلما في عدتها (على المذهب) وإن امتنع ابتداء نكاح المعتدة؛ لأن طرو عدة الشبهة لا يقطع نكاح المسلم فهذا أولى، نعم إن حَرَّمها وطء ذي الشبهة عليه لكونه أباه أو ابنه فلا تقرير، وحيث لم يقترن بمفسد لا يؤثر اعتقادهم لفساده؛ لأنه لا رخصة في رعاية اعتقادهم حينئذ (لا نكاح محرم) كبنته وزوجة أبيه فإنه لا يقر عليه إجماعا، نعم لا نتعرض لهم فيه إلا إن ترافعوا إلينا، ولا نكاح زوجةٍ لآخر لكن حيث لم يقصد الاستيلاء عليها وهي حربية وإلا ملكها وانفسخ نكاح الأول، ولا نكاح بشرط الخيار ولو لأحدهما قبل انقضاء المدة إلا إن اعتقدوا إلغاء الشرط وأنه لا أثر له. (ولو أسلم ثم أحرم) بنسك (ثم أسلمت) في العدة (وهو محرم) أو أسلمت ثم أحرمت ثم أسلم في العدة وهي محرمة (أُقرَّ) النكاح بينهما (على المذهب)؛ لأن طرو الإحرام لا يؤثر في نكاح المسلم فهذا أولى نظير ما مر. أما لو أسلما معا ثم أحرم أحدهما فيقر جزما. (ولو نكح حرة) صالحة للتمتع (وأمة) معا أو مرتبا (وأسلموا) أي الثلاثة معا ولو قبل وطء أو أسلمت الحرة قبله أو بعده في العدة (تعينت الحرة واندفعت الأمة على المذهب)؛ لامتناع نكاحها مع وجود حرة صالحة تحته، وكذا تندفع الأمة بيسار أو إعفاف طارئ قارن إسلامهما معا وإن فقد ابتداءً وإلا فلا وإن وجد ابتداء؛ لأن وقت اجتماعهما فيه هو وقت جواز نكاح الأمة. (ونكاح الكفار) الأصليين الذي لم يستوف شروطنا (صحيح) أي محكوم بصحته لكن لا نقرهم عليه لو ترافعوا إلينا
(1)
، وإنما صحّ؛ رخصة وتخفيفا (على الصحيح)؛ لما مر من التخيير بين إحدى الأختين. أما ما استوفى شروطنا فهو صحيح جزما (وقيل فاسد، وقيل إن أسلم وقُرِّر) عليه (تَبَيَّنَا صحته وإلا فلا، فعلى الصحيح) وهو الحكم بصحة أنكحتهم (لو طلق) كتابية (ثلاثا) في الكفر ثم أسلم هو، أو غيرها (ثم أسلما) ولم تتحلل في الكفر (لم تحل) له (إلا بمحلل)
(1)
. خلافا للمغني في هذا الاستدراك.
وَمَنْ قُرِّرَتْ فَلَهَا المُسَمَّى الصَّحِيحُ. وَأَمَّا الْفَاسِدُ كَخَمْرٍ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَإِنْ قَبَضَتْ بَعْضَهُ فَلَهَا قِسْطُ مَا بَقِيَ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ. وَمَنِ انْدَفَعَتْ بِإِسْلَامٍ بَعْدَ دُخُولٍ فَلَهَا المُسَمَّى الصَّحِيحُ إنْ صُحِّحَ نِكَاحُهُمْ، وَإِلَّا فَمَهْرُ مِثْلٍ
بشروطه السابقة وإن لم يعتقدوا وقوع الطلاق؛ إذ لا أثر لاعتقادهم مع الحكم بالصحة وعلى الأخيرين لا يقع. ولو نكحها في الشرك من غير محلل ثم أسلما لم يقر. ولو طلق أختين أو حرة وأمة ثلاثا ثلاثا قبل إسلام الكل لم ينكح واحدة إلا بمحلل، أو بعد إسلام لم ينكح مختارة الأختين للنكاح أو الحرة إلا بمحلل. (و) اعلم أنه كلما ثبتت الصحة للنكاح ثبت المسمى على غير قول الفساد، فحينئذ (من قررت فلها المسمى الصحيح)، أما على قول الفساد فالأوجه أن لها مهر المثل. (وأما) المسمى (الفاسد كخمر) معينة أو في الذمة (فإن قبضته) أي الرشيدة، أو قبضه ولي غيرها، أما إن قبضته غير الرشيدة بنفسها فيرجع لاعتقادهم (قبل الإسلام فلا شيء لها)؛ لانفصال الأمر بينهما قبل أن يجري عليهم حكمنا، نعم إن أصدقها حرا مسلما استرقوه فلها مهر المثل وإن قبضته قبل الإسلام؛ لأنا لا نقرهم في كفرهم عليه بخلاف نحو الخمر، وكالمسلم سائر ما يختص به كأم ولده. ويظهر أن الحر الذمي الذي بدارنا وما يختص به كذلك؛ لأنه يلزمنا الدفع عنهم، (وإلا) تقبضه قبل الإسلام (فلها مهر مثل)؛ لتعذر المطالبة بالخمر (وإن قبضت بعضه) في الكفر (فلها قسط ما بقي من مهر مثل)؛ لتعذر قبض البعض الآخر بالإسلام، نعم لو كانت حربية ومنعها من قبض ذلك البعض أو من قبض المسمى الصحيح قاصدا تملكه سقط كما لو نكحوا تفويضا واعتقادهم أن لا مهر للمفوضة بحال ثم أسلموا بعد وطء أو قبله فلا مهر؛ لأنه استحق وطئا بلا مهر. والاعتبار في تقسيط قدرها في صورة مثلي كخمر بالكيل، وفي صورة متقوم كخمرين زادت إحداهما بوصف يقتضي زيادة قيمتها وكخنزيرين بالقيمة عند من يراها، وبها أيضاً في صورة اجتماع المثلي والمتقوم كخمر وكلبين وثلاثة خنازير وقبضت أحد الأجناس أو بعضه. (ومن اندفعت بإسلام) منها أو منه (بعد دخول) أو استدخال مني محترم بأن أسلم أحدهما ولم يسلم الآخر في العدة (فلها المسمى الصحيح إن صحح نكاحهم)؛ لاستقراره بالدخول (وإلا) يصحح أو كان قد سمَّى فاسدا ولم تقبضه في الكفر (فمهر مثل) لها في مقابلة الوطء، فإن قبضت بعضه في الكفر فكما مر آنفا،
أَوْ قَبْلَهُ وَصُحِّحَ، فَإِنْ كَانَ الِانْدِفَاعُ بِإِسْلَامِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا، أَوْ بِإِسْلَامِهِ فَنِصْفُ مُسَمًّى إنْ كَانَ صَحِيحًا، وَإِلَّا فَنِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ. وَلَوْ تَرَافَعَ إلَيْنَا ذِمِّيٌّ وَمُسْلِمٌ وَجَبَ الحُكْمُ، أَوْ ذِمِّيَّانِ وَجَبَ فِي الْأَظْهَرِ، وَنُقِرُّهُمْ عَلَى مَا نُقِرُّ لَوْ أَسْلَمُوا، وَنُبْطِلُ مَا لَا نُقِرُّ
(أو) اندفعت بإسلام (قبله) أي الدخول (وصحح) النكاح؛ لاستيفائه شرائطه أو على الأصح أنه محكوم بصحته (فإن كان الاندفاع بإسلامها فلا شيء لها)؛ لأن الفرقة من جهتها، وإذا لم يجب لها شيء مع صحته فأولى مع فساده؛ إذ الفرض أن لا وطء فقوله ((وصحح)) غير قيد هنا بل فيما بعده (أو بإسلامه) وصحح النكاح (فنصف مسمى إن كان) المسمى (صحيحا وإلا) يصح كخمر (فنصف مهر مثل) ككل تسمية فاسدة فإن لم يسم شيء فمتعة. أما إذا لم يصحح النكاح فلا شيء لها؛ لأن الموجب في النكاح الفاسد إنما هو الوطء أو نحوه ولم يوجد. (ولو ترافع إلينا) في نكاح أو غيره (ذمي) أو معاهد (ومسلم وجب) علينا (الحكم) بينهما جزما (أو ذميان) كيهوديين أو نصرانيين أو ذمي ومعاهد (وجب) الحكم بينهما (في الأظهر) قال تعالى {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} المائدة: 49 وهي ناسخة كما صح عن ابن عباس رضي الله عنهما لقوله {أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} المائدة: 42، أما بين يهودي ونصراني فيجب جزما وقيل على الخلاف، لا معاهدان؛ لأنا لم نلتزم دفع بعضهم عن بعض وعليهما حمل التخيير فلا نسخ وهو أولى، وحيث وجب الحكم بينهما لم يشترط رضا الخصمين بل رضا أحدهما، ويعان الطالب منهما على إحضار خصمه، ولا يجب في الرضا الصراحة بل حضور أحدهما
(1)
وطلبه حضور الآخر كافي في اعتبار الرضا (ونقرهم) أي الكفار فيما ترافعوا فيه إلينا (على ما نقرهم) عليه (لو أسلموا ونبطل ما لا نقر) هم عليه لو أسلموا، فنقرهم على نحو نكاح خلا عن ولي وشهود لا على نحو نكاح مَحْرَم بخلاف ما لو علمناه فيهم ولم يترافعوا إلينا فيه فلا نتعرض لهم. ولو جاءنا من تحته أختان لطلب فرض النفقة مثلا أعرضنا عنه إلا إن رضي بحكمنا فنأمره باختيار إحداهما، ويجيبهم حاكمنا في تزويج كتابية لا ولي لها بشهود مِنَّا، ومن ثبت عليه منهم زنا أو سرقة يحدُّ -وإن لم يرض- أو شرب خمر لم يحد -وإن رضي-؛ لاعتقادهم حِلَّها. ولو تحاكموا إلينا بعد القبض في بيع فاسد أو قبله وقد اعتقدوه صحيحا لم نتعرض لهم وإلا
(1)
. إنما سردت العبارات السابقة؛ لوقوع تشويش فيهن في النسخة الشهيرة.
فصل
أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَوْ كُنَّ كِتَابِيَّاتٍ لَزِمَهُ اخْتِيَارُ أَرْبَعٍ،
نقضناه، والحاصل أنهم متى نكحوا نكاحا أو عقدوا عقدا مختلا عندنا لم نتعرض لهم فيه، ثم إن ترافعوا إلينا فيه أو في شيء من آثاره وعلمنا اشتماله على المفسد نظرنا فإن كان سبب الفساد منقضيا أثره عند الترافع كالخلو عن الولي والشهود وكمقارنته لعدة انقضت وغير ذلك من كل مفسد انقضى وكانت بحيث تحل له الآن أقررناهم، وإن كانت بحيث لا تحل له عندنا فإن قوي المانع كنكاح أمة بلا شروطها ومطلقة ثلاثا قبل التحليل لم ننظر لاعتقادهم وفرقنا بينهم؛ احتياطا لرق الولد وللبضع، ومنه عدم الكفاءة؛ دفعا للعار، وإن ضعف المانع كمؤقت اعتقدوه مؤبدا ومشروط فيه نحو خيار ونكاح مغصوبة نظرنا لاعتقادهم فيه، وليس لنا البحث عن المفسد؛ لأن الأصل في أنكحتهم الصحة.
(فصل) في أحكام زوجات الكافر إذا أسلم وهُنَّ زائدات على العدد
الشرعي
إذا (أسلم) كافر حر (وتحته أكثر من أربع) من الزوجات الحرائر (وأسلمن معه) ولو قبل وطء (أو) أسلمن قبله ثم أسلم هو أو عكسه بعد نحو وطء وهن (في العدة أو كن كتابيات) يحل للمسلم نكاحهن وإن لم يسلمن (لزمه) لزوما حتما
(1)
إن تأهل للاختيار؛ لكونه مكلفا أو سكرانا مختارا غير مرتد ولو مع إحرام وعدة شبهة (اختيار أربع) -ولو ضمنا بأن يختار الفسخ فيما زاد عليهن لحرمة الزائد عليهن- لا إمساكهن فله بعد اختيارهن فراقهن (منهن) ولو ميتات فيرثهن تقدمن أو تأخرن استوفى نكاحهن الشروط أم لم يستوفها كأن عقد عليهن معا؛ للخبر الصحيح السابق ((أنه صلى الله عليه وسلم أمر من أسلم وتحته عشر نسوة أن يختار أربعا)) ولم يفصِّل له فدل على العموم، وإسلام من فيه رق على أكثر من ثنتين كإسلام الحر على أكثر من أربع هنا وفي جميع ما يأتي. ولو أسلم معه أو في العدة ثنتان ثم عتق ثم أسلمت الباقيات فيها لم يختر إلا ثنتين ولو من المتأخرات؛ لاستيفائه عدد العبيد قبل عتقه، أما من لم يتأهل كغير مكلف أسلم تبعا فيوقف اختياره لكماله، ونفقتهن في ماله وإن كن ألفا؛ لأنهن محبوسات
(1)
. خلافا للمغني حيث زعم إن معنى لزم في المتن أن له ذلك.
وَيَنْدَفِعُ مَنْ زَادَ، وَإِنْ أَسْلَمَ مَعَهُ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ فِي الْعِدَّةِ أَرْبَعٌ فَقَطْ تَعَيَّنَ. وَلَوْ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ أُمٌّ وَبِنْتُهَا كِتَابِيَّتَانِ أَوْ أَسْلَمَتَا فَإِنْ دَخَلَ بِهِمَا حَرُمَتَا أَبَدًا، أَوْ لَا بِوَاحِدَةٍ تَعَيَّنَتِ الْبِنْتُ، وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ، أَوْ بِالْبِنْتِ تَعَيَّنَتْ، أَوْ بِالْأُمِّ حَرُمَتَا أَبَدًا، وَفِي قَوْلٍ تَبْقَى الْأُمُّ.
لحقه (ويندفع) باختياره الأربع نكاح (من زاد) منهن على الأربع المختارة لكن من حين الإسلام إن أسلموا معا وإلا فمن إسلام السابق من الزوج والمندفعة فتحسب العدة من حينئذ؛ لأنه السبب في الفرقة لا من حين الاختيار، وفرقتهن فرقة فسخ لا فرقة طلاق. ولو أسلمت على أكثر من زوج لم يكن لها اختيار، ثم إن ترتب النكاحان مثلا فهي للأول، وكذا تكون للأول إن كانت كتابية وأسلم الزوجان دونها أو الأول وحده، فإن مات الأول ثم أسلمت مع الثاني أقرَّت معه إن اعتقدوا صحته، أما إن وقع النكاحان معا فلا تقر مع واحد منهما مطلقا. (وإن أسلم) منهن (معه قبل دخول، أو) أسلم منهن بعده أو قبله
(1)
بعد الدخول (في العدة أربع فقط) بأن اجتمع إسلامه وإسلامهن قبل انقضائها وليس تحته كتابية (تَعَيَّن) واندفع نكاح من بقي؛ لتعذر إمساكهن بتخلفهن عنه في الأولى وعن العدة في الثانية. ولو أسلم أربع ثم هو قبل انقضاء عدتهن وتخلفت الباقيات حتى انقضت عدتهن من حين إسلامه أو مُتْن مشركات تعينت الأوليات؛ لما ذكر، فإن لم يتخلفن بل أسلمن قبل انقضاء عدتهن من حين إسلامه اختار أربعا كيف شاء؛ لاجتماع إسلامه وإسلام الكل قبل انقضاء عدتهن. (ولو أسلم وتحته أم وبنتها كتابيتان أو) غير كتابيتين ولكن (أسلمتا فإن دخل بهما) أو شك في عين المدخول بها (حرمتا أبدا) وإن قلنا بفساد أنكحتهم؛ لأن وطء كلٍّ بشبهة يحرم الأخرى ولكلٍّ المسمى إن صح وإلا فمهر مثل (أوْ لا) دخل (بواحدة) منهما أو شك هل دخل بواحدة منهما أوْ لا (تعينت البنت) واندفعت الأم؛ لحرمتها أبدا بالعقد على البنت؛ بناء على صحة أنكحتهم، (وفي قول يتخير)؛ بناء على فسادها. (أو) دخل (بالبنت) فقط (تعينت) البنت أيضا؛ لحرمة الأم أبدا بالعقد على البنت أو بوطئها (أو) دخل (بالأم حرمتا أبدا) الأم بالعقد على البنت؛ بناء على صحة أنكحتهم، وهي بوطء الأم، ولها مهر المثل بالوطء إن فسد المسمى (وفي قول تبقى الأم)؛ بناء على فساد أنكحتهم، ومن اندفعت منهما بلا وطء لها نصف المهر
(2)
(1)
. زادا ((أو معه)).
(2)
. كما مال إليه الشارح في بحث نكاح الكفار.
أَوْ وَتَحْتَهُ أَمَةٌ وأَسْلَمَتْ مَعَهُ، أَوْ فِي الْعِدَّةِ أُقِرَّ إنْ حَلَّتْ لَهُ الْأَمَةُ، وَإِنْ تَخَلَّفَتْ قَبْلَ دُخُولٍ تَنَجَّزَتِ الْفُرْقَةُ، أَوْ إمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ اخْتَارَ أَمَةً إنْ حَلَّتْ لَهُ عِنْدَ اجْتِمَاعِ إسْلَامِهِ وَإِسْلَامِهِنَّ، وَإِلَّا انْدَفَعْنَ. أَوْ حُرَّةٌ وَإِمَاءٌ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ أَوْ فِي الْعِدَّةِ تَعَيَّنَتْ وَانْدَفَعْنَ، وَإِنْ أَصَرَّتْ فَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا اخْتَارَ أَمَةً، وَلَوْ أَسْلَمَتْ وَعَتَقْنَ ثُمَّ أَسْلَمْنَ فِي الْعِدَّةِ فَكَحَرَائِرَ فَيَخْتَارُ أَرْبَعًا
(أو) أسلم حر (وتحته أمة) فقط (وأسلمت معه) قبل دخول أو بعده (أو) أسلمت بعده أو قبله (في العدة أقر) النكاح (إن حلت له الأمة) عند اجتماع إسلامه وإسلامها؛ لإعساره مع خوفه العنت حينئذ؛ لأنه يقر على ابتداء نكاحها حينئذ بخلاف ما إذا لم تحل له الآن، ولو طلقها في الحالة الأولى ثم أيسر حلت له رجعتها؛ لأن الرجعية زوجة (وإن تخلفت) عن إسلامه أو عكسه (قبل دخول تنجزت الفرقة)؛ لأن النكاح قبل الدخول لم يتأكد، والكتابية هنا كغيرها؛ لما مر من حرمة الأمة الكافرة على المسلم مطلقا. (أو) أسلم وتحته (إماء وأسلمن معه) ولو قبل وطء (أو) أسلمن قبله أو بعده (في العدة اختار أمة) واحدة منهن (إن حلت له) لوجود شروط نكاحها فيه (عند اجتماع إسلامه وإسلامهن) قيد في اختيار أمة من الكل، وذلك؛ لحل ابتداء نكاحها حينئذ وينفسخ نكاح البواقي، هذا إن كان حرا كله وإلا اختار ثنتين (وإلا) بأن لم تحل له الأمة عند اجتماع إسلامه وإسلامهن (اندفعن) كلهن من حين الإسلام؛ لحرمة ابتداء نكاح واحدة منهن حينئذ. ولو اختص الحلُّ بوجوده في بعضهن تعيَّن، فلو أسلم ذو ثلاثِ إماءٍ فأسلمت واحدة وهي تحل له ثم الأخريان وهما لا يحلان تعينت الأولى، أو الأولى والثالثة وهما يحلان دون الثانية اختار واحدة منهما. (أو) أسلم حر وتحته (حرة) تصلح للتمتع (وإماء وأسلمن) أي الحرة والإماء (معه) ولو قبل وطء (أو) أسلمن قبله أو بعده (في العدة تعينت) الحرة وإن ماتت أو ارتدت سواء أسلم الإماء قبلها أم بعدها أم بين إسلام الزوج وإسلامها (واندفعن) أي الإماء؛ لأنها تمنعهن ابتداء فكذا دواما، ومن ثم لو لم تصلح اختار واحدة منهن، (وإن أصرت) الحرة على الكفر وهي غير كتابية (فانقضت عدتها) وهي مصرة (اختار أمة) إن حلت له حينئذ؛ لتبين اندفاع الحرة من حين إسلامه فالحال حينئذ كما لو تمحضت الإماء، أما لو اختار أمة قبل انقضاء عدة الحرة فهو باطل وإن بان اندفاع الحرة؛ لوقوعه في غير وقته فيجدده بعد انقضاء عدتها (ولو أسلمت) الحرة (وعتقن) أي الإماء (ثم أسلمن في العدة فكحرائر) أصليات؛ لكمالهن قبل انقضاء عدتهن (فيختار) الحر منهن (أربعا)، وكذا لو أسلمن ثم عتقن ثم أسلم، أو عتقن ثم أسلمن ثم
وَالِاخْتِيَارُ اخْتَرْتُكِ أَوْ قَرَّرْتُ نِكَاحَكِ أَوْ أَمْسَكْتُكِ أَوْ ثَبَّتُّكِ، وَالطَّلَاقُ اخْتِيَارٌ، لَا الظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَصِحُّ تَعْلِيقُ اخْتِيَارٍ وَلَا فَسْخٍ. وَلَوْ حَصَرَ الِاخْتِيَارَ فِي خَمْسٍ انْدَفَعَ مَنْ زَادَ،
أسلم، وضابطه أن يعتقن قبل اجتماع إسلامه وإسلامهن، فإن تأخر عتقهن عن الإسلامين تعيَّنت الحرة إن كانت وصلحت وإلا اختار أمة تحل، وأُلحق مقارنة العتق لإسلامهن بتقدمه عليه.
(و) ألفاظ (الاختيار) منها (اخترتك) أو اخترت نكاحك أو تقريره أو حَبْسَك أو عقدك أو قررتك (أو قررت نكاحك أو أمسكتك) أو أمسكت نكاحك (أو ثبتك) أو ثبت نكاحك أو حبستك على النكاح، وكلها صرائح إلا ما حذف منه لفظ النكاح ومثله مرادفه كالزواج فكناية؛ بناء على جواز الاختيار بها نظرا إلى أنه إدامة ومجرد اختيار الفسخ للزائدات على الأربع يعيِّن الأربع للنكاح كما لو قال لهن أريدكن وإن لم يقل للزائدات لا أريدكن، نعم ((أريدكن للنكاح)) صريح ومع حذف النكاح كناية، ونحو فسخت أو أزلت أو رفعت أو صرفت نكاحك صريح فسخ، ونحو فسختك أو صرفتك كناية (والطلاق) بصريح أو كناية ولو معلقا كأن نوى بالفسخ طلاقا (اختيار) للمطلقة؛ إذ لا يخاطب به إلا الزوجة فإن طلق أربعا تَعَيَّنَّ للنكاح واندفع الباقي شرعا، نعم لفظ الفراق هنا فسخ وليس باختيار؛ لأن المتبادر منه الفسخ (لا الظهار والإيلاء) فليس أحدهما اختيارا (في الأصح)؛ لأن كلا من الظهار والإيلاء بالأجنبية أليق منه بالمنكوحة؛ لتحريمهما، فإن اختار المولى منها، أو المظاهر منها للنكاح حسبت مدة الإيلاء والظهار من وقت الاختيار؛ لأنها قبله كانت مترددة بين الزوجية وضدها، فيصير في الظهار عائدا إن لم يفارقها حالا. وليس الوطء اختيارا؛ لأن الاختيار ابتداء أو استدامة للنكاح وكل منهما لا يحصل به. (ولا يصح تعليق اختيارٍ، ولا فسخٍ) كإن دخلت فقد اخترت نكاحك أو فسخته
(1)
؛ لما تقرر أنه ابتداء أو استدامة للنكاح وكل منهما يمتنع تعليقه، نعم يصح تعليق الاختيار للنكاح ضمنا كإن دخلت فأنت طالق أو من دخلت فهي طالق؛ لأنه يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المستقل، وتصح نية الطلاق بلفظ الفسخ، وحينئذ يصح تعليقه؛ لكونه طلاقا كما مر. (ولو حصر الاختيار في خمس) مثلا (اندفع من زاد)
(1)
. علة للمعطوف عليه وعند شرح المنهج والمغني أنها علة للمعطوف والمعطوف عليه.
وَعَلَيْهِ التَّعْيِينُ وَنَفَقَتُهُنَّ حَتَّى يَخْتَارَ، فَإِنْ تَرَكَ الِاخْتِيَارَ فِي النِّكَاحِ حُبِسَ. فَإِنْ مَاتَ قَبْلَهُ اعْتَدَّتْ حَامِلٌ بِهِ، وَذَاتُ أَشْهُرٍ وَغَيْرُ مَدْخُولٍ بِهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ، وَذَاتُ أَقْرَاءٍ بِالْأَكْثَرِ مِنَ الْأَقْرَاءِ وَأَرْبَعَةِ وَعَشْرٍ، وَيُوقَفُ نَصِيبُ زَوْجَاتٍ حَتَّى يَصْطَلِحْنَ
على تلك المحصورات (وعليه التعيين) هنا، بل مطلقا لأربع في الحر وثنتين في غيره (ونفقتهن) أي الخمس وكذا كل من أسلم عليهن إذا لم يختر منهن شيئا وأراد بالنفقة ما يعم سائر المؤن (حتى يختار) الحر منهن أربعا وغيره ثنتين؛ لأنهن محبوسات بحكم النكاح، (فإن ترك الاختيار) أو التعيين (حبس) بأمر الحاكم وإن لم يطلبن ذلك؛ تعزيرا له إلى أن يأتي بالاختيار أو التعيين؛ لامتناعه من واجب لا يقوم غيره مقامه فيه، فإن استنظَر أنظره ثلاثة أيام؛ لأنها مدة التروي شرعا، فإن لم يفد فيه الحبس عزره بما يراه من ضرب وغيره، فإذا برئ من ألم الأول كرره وهكذا إلى أن يختار، ولا يجوز الابتداء بالضرب قبل الحبس. ويُخَلَّى نحو مجنون حتى يفيق ولا ينوب الحاكم عن الممتنع هنا؛ لأنه خيار شهوة. (فإن مات قبله) أي الاختيار (اعتدت حامل به) أي بوضع الحمل وإن كانت ذات أقراء (وذات أشهر وغير مدخول بها) وإن كانت ذات أقراء (بأربعة أشهر وعشر)؛ احتياطا لاحتمال الزوجية في كل منهن (وذات أقراء بالأكثر من) الباقي وقت الموت من (الأقراء) المحسوب ابتداؤها من حين إسلامهما إن أسلما معا وإلا فمن إسلام السابق (وأربعة) من الأشهر (وعشر) من الموت؛ لأن كلا يحتمل كونها زوجة فتلزمها عدة الوفاة، ومفارقة في الحياة فعليها الأقراء فوجب الاحتياط؛ لتحل بيقين (ويوقف) فيما إذا مات قبل الاختيار (نصيب زوجات) أسلمن كلهن من ربع أو ثمن بعول أو دونه؛ للعلم بأن فيهن أربع زوجات لكن جهلنا أعيانهن (حتى يصطلحن) على ذلك بتساوٍ أو تفاضلٍ لا من غير التركة، نعم إن كان فيهن محجور عليها لم يجز لوليها أن يصالح على أقل من حصتها من عددهن كالثمن إذا كن ثمانية؛ لأنا وإن لم نتيقن أنه حقها لكنها صاحبة يد على ثمن الموقوف. ولو طلب بعضهن شيئا قبل الصلح أعطي اليقين وإن لم يبرأ من الباقي، فلو كن ثمانيا فطلب أربع لم يعطين شيئا، أو خمس أعطين ربع الموقوف؛ لتيقن أن فيهن زوجة، أو ست فالنصف وهكذا. ولهنَّ قسمة ما أخذنه والتصرف فيه ولا ينقطع به تمام حقهن. أما إذا أسلم بعض والباقيات يصلحن للنكاح كثمان كتابيات أسلم منهن أربع، أو أربع كتابيات وأربع وثنيات وأسلم الوثنيات فلا شيء للمسلمات؛ لاحتمال أن الكتابيات هن الزوجات.
[تنبيه] لا يتوقف هذا الصلح على إقرار.
فصل
أَسْلَمَا مَعًا اسْتَمَرَّتِ النَّفَقَةُ، وَلَوْ أَسْلَمَ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ فَلَا، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا لَمْ تَسْتَحِقَّ لِمُدَّةِ التَّخَلُّفِ فِي الجَدِيدِ. وَلَوْ أَسْلَمَتْ أَوَّلًا فَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ أَوْ أَصَرَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِنِ ارْتَدَّتْ فَلَا نَفَقَةَ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِي الْعِدَّةِ، وَلَوْ ارْتَدَّ فَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ
(فصل)
في مؤنة المسلمة أو المرتدة
لو (أسلما معا) قبل دخول أو بعده (استمرت النفقة)؛ لبقاء النكاح (ولو أسلم وأصرت حتى انقضت العدة) وليست كتابية (فلا) نفقة لها؛ لإساءتها بتخلفها عن الإسلام الواجب فورا من غير رخصة فلم يكن من جهته منع بوجه (وإن أسلمت فيها لم تستحق) نفقة (لمدة التخلف في الجديد)؛ لإساءتها بالتخلف أيضا وإن بان بإسلامها أنها زوجة، بل لو كان تخلفها لنحو صغر لم تستحق شيئا أيضا؛ لأن التخلف بمنزلة النشوز. ولو اختلفا فيمن سبق إسلامه منهما صدقت؛ لأنه يدعي مسقطا للنفقة التي كانت واجبة والأصل عدمه. (ولو أسلمت أوَّلا فأسلم في العدة أو أصرَّ) إلى انقضائها (فلها نفقة العدة على الصحيح)؛ لإحسانها وإساءته بالتخلف (وإن ارتدت) أو ارتدا معا (فلا نفقة) لها في مدة الردة (وإن أسلمت في العدة) كالناشز بل أولى، وتستحق النفقة من حين إسلامها ولو في غيبته بخلاف ما لو رجعت عن النشوز في غيبته؛ لزوال موجب السقوط بالإسلام هنا، وثم لا يزول النشوز إلا بالتمكين، ولا يحصل إلا بما يأتي في النفقات (ولو ارتد فلها نفقة العدة)؛ لأن المانع من جهته.
باب الخيار في النكاح
وَجَدَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ جُنُونًا أَوْ جُذَامًا أَوْ بَرَصًا، أَوْ وَجَدَهَا رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ وَجَدَتْهُ عِنِّينًا أَوْ مَجْبُوبًا ثَبَتَ الخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ،
(باب الخيار في النكاح) والإعفاف ونكاح العبد وغير ذلك مما ذكر تبعا
إذا (وجد أحد الزوجين بالآخر جنونا) -ولو متقطعا وإن قلَّ
(1)
أو لم يستحكم؛ لأنه يفضي للجناية- وهو مرض يزيل الشعور من القلب مع بقاء قوة الأعضاء وحركتها، ومثله الإغماء المأيوس من زواله (أو جذاما أو برصا) وإن قلّّ إن استحكم بقول خبيرين، وعلامة الأول اسوداد العضو، والثاني عدم احمراره وإن بولغ في قبضه (أو وجدها رتقاء) أي منسدا محل جماعها بلحم، ومثله ضيق المنفذ بحيث يتعذر دخول ذكر من بدنه كبدنها نحافة وضدها فرجها سواء أدَّى لإفضائها أم لا، وكما يخير بذلك فكذلك تتخير هي بكبر آلته بحيث يفضي كل موطوءة (أو قرناء) أي منسدا ذلك منها بعظم
(2)
(أو وجدته) وهو بالغ عاقل (عنينا) أي به داء يمنع انتشار ذكره عن قبلها وإن قدر على غيرها، أو علمت بعنته قبل النكاح، ومنه من به مرض مأيوس من زواله ولا يمكن معه الجماع (أو مجبوبا) أي مقطوعا ذكره أو إلا دون قدر ذكر حشفة نفسه، فإن بقي قدرها وعجز عن الوطء به ضربت له المدة الآتية كالعنين (ثبت) للسليم الكاره لعيب الآخر، سواء الجاهل بالعيب، أو العالم به إذا انتقل لأفحش منه منظرا كأن كان باليد فانتقل للوجه لا لليد الأخرى (الخيار في فسخ النكاح) إن بقي العيب إلى الفسخ ولم يمت الآخر؛ كما ذهب إليه أكثر العلماء وصح عن عمر رضي الله عنه في الثلاثة الأُوَل المشتركة بين الزوجين والقرن، ومثله لا يُفعل إلا عن توقيف، ولإجماع الصحابة رضي الله عنهم عليه في الجب والعنة. وخرج بهذه الخمسة غيرها كالعِذْيَُوط وهو فيهما من يُحْدِث عند الجماع، وفيه من ينزل قبل الإيلاج فلا خيار به مطلقا، وسيأتي الفسخ بالرق والإعسار، ولا يشكل ثبوت الخيار بما ذكر مع ما مر أنه شرط للكفاءة وأن شرط الفسخ الجهل به؛ لأن الفرض أنها أذنت
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. ولا يتخير إن وجدها متحيرة كما مر في أحكام المستحاضة 1/ 407.
وَقِيلَ إنْ وَجَدَ بِهِ مِثْلَ عَيْبِهِ فَلَا. وَلَوْ وَجَدَهُ خُنْثَى وَاضِحًا فَلَا خِيَارَ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ تَخَيَّرَتْ إلَّا عُنَّةً بَعْدَ دُخُولٍ، أَوْ بِهَا تَخَيَّرَ فِي الجَدِيدِ. وَلَا خِيَارَ لِوَلِيٍّ بِحَادِثٍ، وَكَذَا بِمُقَارِنٍ جَبٍّ وَعُنَّةٍ، وَيَتَخَيَّرُ بِمُقَارِنٍ جُنُونٍ، وَكَذَا جُذَامٌ وَبَرَصٌ فِي الْأَصَحِّ
في النكاح من معين أو من غير كفؤ فزوجها الولي منه بناء على أنه سليم فإذا هو معيب فيصح النكاح وتتخير هي وكذا هو كما يأتي، (وقيل إن وجد) أحدهما (به) أي الآخر (مثل عيبه) قدرا ومحلا وفحشا (فلا) خيار؛ لتساويهما حينئذ، والأصح أنه يتخير وإن كان ما به أفحش؛ لأن الإنسان يعاف من غيره ما لا يعاف من نفسه، والكلام في غير المجنونين المطبق جنونهما؛ لتعذر الفسخ حينئذ. ولو كان مجبوبا وهي رتقاء فلا خيار
(1)
. (ولو وجده) أي أحد الزوجين الآخر (خنثى واضحا) بعلامة ظنية كالميل أو قطعية كالولادة (فلا خيار) له (في الأظهر)؛ لأنه لا يفوت مقصود النكاح، أما المشكل فلا يصح نكاحه كما مر. (ولو حدث) بعد العقد (به) أي الزوج (عيب) مما مر قبل الدخول أو بعده ولو بفعلها كأن جبت ذكره (تخيرت) بين فسخ النكاح وإدامته؛ لتضررها به كالمقارن (إلا عنَّة) حدثت به (بعد دخول) أي وطء بالمعنى السابق في التحليل فإنها لا تتخير؛ لأنها عرفت قدرته على الوطء ووصلت لحقها منه كتقرير المهر ووجود الإحصان مع رجاء زوالها وبه فارقت الجب، (أو) حدث (بها) عيب مما مر قبل دخول أو بعده (تخير في الجديد) كما لو حدث فيه، ولا نظر إلى أنه يمكنه الطلاق؛ لأن الفسخ يدفع عنه التشطير قبل الوطء ونقص العدد مطلقا. (ولا خيار لولي بحادث) بالزوج بعد عقد النكاح؛ لأن حقه في الكفاءة في الابتداء دون الدوام؛ لانتفاء العار فيه، ولهذا لو عتقت تحت قن ورضيت به لم يتخير، (وكذا) لا خيار له (بمقارن جب وعنة) للنكاح؛ إذ لا عار والضرر عليها فقط فيلزمه إجابتها إلى من فيه هذان العيبان المقارنان للنكاح وإلا كان عاضلا. وتتصور
(2)
معرفة العنة المقارنة مع كونها لا تثبت إلا بعد العقد بأن يخبر بها معصوم مطلقا أو عن هذه بخصوصها (ويتخيَّر) الولي لا السيد
(3)
(بمقارن جنون) وإن رضيت؛ لأنه يُعيَّر به (وكذا جذام وبرص) فيتخير بأحدهما إذا قارن (في الأصح)؛ لذلك وإن كانت مثل الزوج في
(1)
. خلافا للروض والرملي.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. لكنهما صوراه بما رده الشارح عليهما.
وَالخِيَارُ عَلَى الْفَوْرِ، وَالْفَسْخُ قَبْلَ دُخُولٍ يُسْقِطُ المَهْرَ وَبَعْدَهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ فُسِخَ بِمُقَارِنٍ أَوْ بِحَادِثٍ بَيْنَ الْعَقْدِ وَالْوَطْءِ جَهِلَهُ الْوَاطِئُ، وَالمُسَمَّى إنْ حَدَثَ بَعْدَ وَطْءٍ. وَلَوِ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ بَعْدَ وَطْءٍ فَالمُسَمَّى. وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ بَعْدَ الْفَسْخِ بِالمَهْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي الجَدِيدِ
العيب أو أزيد كما علم مما مر. (والخيار) المقتضي للفسخ بعيب مما مر بعد تحققه وهو في العنة بمضي السنة الآتية، وفي غيرها بثبوته عند الحاكم (على الفور) كما في البيع بجامع أنه خيار عيب فيبادر بالرفع للحاكم على الوجه السابق ثم وفي الشفعة، ثم بالفسخ بعد ثبوت سببه عنده وإلا سقط خياره، وتقبل دعواه الجهل بأصل ثبوت الخيار أو بفوريته إن أمكن بأن لا يكون مخالطا للعلماء مخالطة تستدعي عرفا معرفة ذلك، والمراد بالعلماء عارف بهذه المسألة وكذا يقال في نظائر ذلك. (والفسخ) بعيبه أو عيبها المقارن أو الحادث (قبل دخول يسقط المهر) والمتعة؛ لأنها إن كانت هي الفاسخة فواضح وإلا فهو بسببها فكأنها الفاسخة، (و) الفسخ (بعده) أي الدخول أو معه (الأصح أنه يجب) به (مهر مثل إن فُسِخ بـ) ـعيب به أو بها (مقارن) للعقد؛ لأنه إنما بذل المسمى ليستمتع بسليمة ولم توجد فكأن لا تسمية (أو) إن فسخ معه أو بعده (بحادث بين العقد والوطء) أو فسخ معه أو بعده بحادث معه (جهله الواطئ)؛ لما ذكر. أما إذا علمه ثم وطئ فلا خيار؛ لرضاه به. (و) الأصح أنه يجب (المسمى إن) فسخ بعد وطء وقد (حدث) العيب (بعد وطء)؛ لأنه لَمَّا استمتع بسليمة استقر ولم يعيَّر، والفسخ هنا يرفع العقد من حين وجود سبب الفسخ؛ لأن المعقود عليه المنافع وهي لا تقبض إلا بالاستيفاء. (ولو انفسخ) النكاح (بردة بعد وطء) بأن لم يجمعهما الإسلام في العدة (فالمسمى)؛ لأن الوطء قبلها قرره وهي لا تستند لسبب سابق، أما لو انفسخ النكاح بردة قبل الوطء فإن كانت منها فلا شيء لها أو منه تشطر المسمى، ثم إن وطئها جاهلة -أي بفسخ النكاح بالردة قبل الوطء- وكان ذلك الوطء في ردتها فلها مهر المثل أو في ردته فلها المثل وشطر المسمى.
[تنبيه] مر ما يعلم منه أن استدخال الماء المحترم ليس كالوطء هنا
. (ولا يرجع الزوج بعد الفسخ بالمهر) الذي غرمه سواء المسمى ومهر المثل (على من غرَّه) من الولي أو الزوجة، وصورة التغرير من الزوجة أن يسكت الولي عن عيبها؛ لأنها أظهرت له أن الخاطب يعرف ذلك العيب، أو أن تعقد بنفسها ويحكم به حاكم يراه (في الجديد)؛ لاستيفائه منفعة البضع.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْعُنَّةِ رَفْعٌ إلَى حَاكِمٍ، وَكَذَا سَائِرُ الْعُيُوبِ فِي الْأَصَحِّ، وَتَثْبُتُ الْعُنَّةُ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَلَى إقْرَارِهِ، وَكَذَا بِيَمِينِهَا بَعْدَ نُكُولِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا ثَبَتَتْ ضَرَبَ الْقَاضِي لَهُ سَنَةً، بِطَلَبِهَا، فَإِذَا تَمَّتْ رَفَعَتْهُ إلَيْهِ فَإِنْ قَالَ وَطِئْتُ حُلِّفَ،
(ويشترط في) الفسخ لأجل (العنة رفع إلى الحاكم) جزما؛ لتوقف ثبوتها على مزيد نظر واجتهاد، ويغني عنه المُحكَّم بشرطه
(1)
ولو مع وجود القاضي، (وكذا سائر العيوب) أي باقيها يشترط في الفسخ بكل منها ذلك (في الأصح)؛ لأنه مجتهد فيه كالفسخ بالإعسار، فلو تراضيا بالفسخ بواحد منها من غير حاكم لم ينفذ، نعم لو لم تجد حاكما ولا محكما نفذ فسخها؛ للضرورة، (وتثبت العنة) إن سمعت دعواها بها بأن يكون مكلفا وهي غير رتقاء ولا قرناء كما علم مما مر
(2)
، وغير أمة وإلا لزم بطلان نكاحها إن ادعت عنة مقارنة للعقد؛ لأن شرطه خوف العنت وهو لا يتصور من عنين (بإقراره) بها بين يدي الحاكم كسائر الحقوق (أو ببينة على إقراره) لا عليها؛ لتعذر اطلاع الشهود عليها، ومن ثم لم تسمع دعوى امرأة غير مكلف عليه بها؛ لعدم صحة إقراره بها، (وكذا) تثبت (بيمينها بعد نكوله) عن اليمين المسبوق بإنكاره (في الأصح)؛ لأنها تعرفها منه بقرائن حاله (وإذا ثبتت) العنة بوجه مما مر (ضرب القاضي له) ولو قنا كافرا؛ إذ ما يتعلق بالطبع لا يفترق فيه القن وغيره (سنة)؛ لقضاء عمر رضي الله عنه بها (بطلبها)؛ لأن الحق لها ويكفي قولها ((أنا طالبة حقي بموجب الشرع)) وإن جهلت تفصيله، ولا يضرب القاضي ذلك بسكوتها، فإن ظنه لنحو دهش أو جهل نبهها إن شاء (فإذا تمت السنة) ولم يطأها (رفعته إليه) فورا؛ لامتناع استقلالها بالفسخ (فإن قال وطئت) فيها أو بعدها وهي ثيب أو بكر غوراء ولم تصدقه (حلف) إن طلبت يمينه أنه وطئها كما ادعى؛ لتعذر إثبات الوطء مع أن الأصل السلامة، أما بكر غير غوراء شهد أربع نسوة ببقاء بكارتها فتصدق هي؛ لأن الظاهر معها، نعم إن طلب الزوج اليمين حلِّفت. وكيفية حلفها أنه لم
(1)
. أي بأن يكون مجتهدا أو لا يوجد قاض مجتهد، والشرط عند الرملي أن يكون مجتهد أو لا يوجد قاضي ولو قاضي ضرورة.
(2)
. أي في شرح وقيل إن وجد به مثل عيبه، وتقدم عن النهاية والروض أنه يثبت الخيار حينئذ خلافا للشارح.
فَإِنْ نَكَلَ حُلِّفَتْ فَإِنْ حَلَفَتْ أَوْ أَقَرَّ اسْتَقَلَّتْ بِالْفَسْخِ، وَقِيلَ تَحْتَاجُ إلَى إذْنِ الْقَاضِي أَوْ فَسْخِهِ، وَلَوِ اعْتَزَلَتْهُ أَوْ مَرِضَتْ أَوْ حُبِسَتْ فِي المُدَّةِ لَمْ تُحْسَبْ، وَلَوْ رَضِيَتْ بَعْدَهَا بِهِ بَطَلَ حَقُّهَا، وَكَذَا لَوْ أَجَّلَتْهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ نَكَحَ وَشُرِطَ فِيهَا إسْلَامٌ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا نَسَبٌ أَوْ حُرِّيَّةٌ أَوْ غَيْرُهُمَا، فَأُخْلِفَ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ،
يصبها وأن بكارتها أصلية، ولو لم تزل البكارة -في غير الغوراء-؛ لرقة الذكر فهو وطٌء كاملٌ، وعليه فتجزئ في التحليل
(1)
، ولو امتهل أمهل يوما فأقل.
[تنبيه] تصديقه في الوطء مستثنى من قاعدة أن القول قول نافي الوطء
، (فإن نكل) عن اليمين (حلفت) هي أنه لم يطأها؛ إذ النكول كالإقرار (فإن حلفت) أنه لم يطأها (أو أقر) هو بذلك (استقلت) هي (بالفسخ). لكن بعد قول القاضي ثبتت العنة أو حق الفسخ فاختاري (وقيل يحتاج إلى إذن القاضي) لها في الفسخ (أو فسخه) بنفسه؛ لأنه محل نظر واجتهاد (ولو اعتزلته أو مرضت أو حبست في المدة) جميعها (لم تحسب) المدة؛ إذ لا أثر لها حينئذ فتستأنف سنة أخرى بخلاف ما لو وقع ذلك له فإنها تحسب عليه، نعم لا تحسب في مرضه وحبسه وسفره كرها؛ لعدم تقصيره. وخرج بجميعها بعضها كفصل منها فلا يجب الاستئناف بل ينتظر ذلك الفصل الذي وقع لها ذلك فيه فتكون معه فيه، ولا يضر انعزالها عنه فيما عداه، ولو كان الانعزال عنه يوما مثلا معينا من فصل قضت نظير ذلك اليوم (ولو رضيت بعدها) أي السنة (به بطل حقها) من الفسخ؛ لرضاها بالعيب. وخرج ببعدها رضاها قبل مضيها؛ لأنه إسقاط للحق قبل ثبوته (وكذا لو أجَّلته) زمنا آخر بعد المدة (على الصحيح)؛ لأنه على الفور والتأجيل مفوت له. (ولو نكح وشُرِطَ) في العقد (فيها إسلام) -أو فيه
(2)
- إذا أراد تزوج كتابية (أو في أحدهما نسب أو حرية أو غيرهما) من الصفات الكاملة كبكارة أو ثيوبة، أو الناقصة ككونه قنا أو كونها قنة، أو التي لا ولا ككون أحدهما أبيض مثلا (فأخلف) المشروط، وقد أذن السيد فيما إذا بان قنا، وكان الزوج ممن تحل له الأمة إذا بانت قنة، وكانت الكافرة كتابية يحل نكاحها (فالأظهر صحة النكاح)؛ لأن خلف الشرط إذا لم يفسد البيع المتأثر بالشروط الفاسدة فالنكاح أولى. أما خلف العين كزوجني من زيد فزوجها من عمرو
(1)
. خلافا للنهاية في التحليل فقط.
(2)
. فلو شرطت الكتابية إسلام الزوج فبان كتابيا تخيرت.
ثُمَّ إنْ بَانَ خَيْرًا مِمَّا شُرِطَ فَلَا خِيَارَ، وَإِنْ بَانَ دُونَهُ فَلَهَا الخِيَارُ، وَكَذَا لَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ ظَنَّهَا مُسْلِمَةً أَوْ حُرَّةً فَبَانَتْ كِتَابِيَّةً أَوْ أَمَةً وَهِيَ تَحِلُّ لَهُ فَلَا خِيَارَ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ أَذِنَتْ فِي تَزْوِيجِهَا بِمَنْ ظَنَّتْهُ كُفْئًا فَبَانَ فِسْقُهُ أَوْ دَنَاءَةُ نَسَبِهِ أَوْ حِرْفَتِهِ فَلَا خِيَارَ لَهَا. قُلْتُ: وَلَوْ بَانَ مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا فَلَهَا الخِيَارُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمَتَى فُسِخَ بِخُلْفٍ فَحُكْمُ المَهْرِ وَالرُّجُوعِ بِهِ عَلَى الْغَارِّ مَا سَبَقَ فِي الْعَيْبِ،
فيبطل جزما (ثم) إذا صح (إن بان) الموصوف -في غير العيب؛ لما مر فيه- مثل ما شرط، أو (خيرا مما شرط) كإسلام وبكارة وحرية بدل أضدادها صحَّ النكاح، وحينئذ (فلا خيار)؛ لأنه مساو أو أكمل (وإن بان دونه) أي المشروط (فلها الخيار)؛ للخلف، نعم إذا بان نسبه مثل نسبها أو أفضل لم تتخير وإن كان دون المشروط؛ إذ لا عار، وكذا لو شرطت حريته
(1)
فبان قنا وهي أمة، وأُخذ مما تقرر أنه متى بان مثل الشارط أو فوقه فلا خيار وإن كان دون المشروط، (وكذا له
(2)
الخيار إن بانت دون ما شرط سواء هنا أيضا صفة الكمال وغيرها (في الأصح)؛ للغرر، نعم حكم النسب هنا وكونها أمة وهو عبد كالحكم في اشتراط نسبه وحريته، فلكل منهما الفسخ فورا ولو بغير قاضٍ
(3)
. (ولو ظنها مسلمة أو حرة) مثلا ولم يشرط ذلك (فبانت كتابية أو أمة وهي تحل له فلا خيار) له (في الأظهر)؛ لتقصيره بترك البحث أو الشرط. (ولو أذنت في تزويجها بمن ظنته كفؤا فبان فسقه أو دناءة نسبه أو حرفته فلا خيار لها)؛ لتقصيرها كوليها بترك ما ذكر (قلت: لو بان معيبا أو عبدا) وهي حرة (فلها الخيار والله أعلم) أما لو بان معيباً فلموافقة ما ظنته من السلامة للغالب في الناس، وأما في حالة ما لو بان عبداً فلأن نقص الرق يؤدي إلى تضررها بإشغال سيده له عنها بخدمته وبأنه لا ينفقها إلا نفقة المعسرين ويتعير ولدها برق أبيه. (ومتى فسخ) العقد (بخلف) لشرط أو ظن (فحكم المهر والرجوع به على الغار ما سبق) في الفسخ بالعيب فيسقط المهر قبل الوطء، لا معه، ولا بعده، ولا يرجع به لو غرمه على الغار، وحكم مؤن الزوجة في مدة العدة أنها لا تجب هنا وثم ككل مفسوخ
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. وذكر الشارح عند كلامه على التنبيه السابق أنه لو شرطت بكارتها فوجدت ثيبا فقالت: افتضني، وأنكر صدقت لدفع الفسخ وهو لدفع كمال المهر 7/ 353.
(3)
. عبارة النهاية.
وَالمُؤَثِّرُ تَغْرِيرٌ قَارَنَ الْعَقْدَ، وَلَوْ غُرَّ بِحُرِّيَّةِ أَمَةٍ وَصَحَّحْنَاهُ فَالْوَلَدُ قَبْلَ الْعِلْمِ حُرٌّ، وَعَلَى المَغْرُورِ، قِيمَتُهُ لِسَيِّدِهَا وَيَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْغَارِّ، وَالتَّغْرِيرُ بِالحُرِّيَّةِ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ سَيِّدِهَا، بَلْ مِنْ وَكِيلِهِ أَوْ مِنْهَا،
نكاحها ولو حاملا على تناقض لهما في سكناها كما يأتي (والمؤثر) للفسخ بخلف الشرط (تغرير قارن العقد) بأن وقع شرطا في صلبه كزوجتك هذه الحرة أو على أنها حرة أو بشرط كونها حرة وهو وكيل عن سيدها؛ لأن الشروط إنما تؤثر في العقود إذا كانت في صلب العقد. أما المؤثر للرجوع بقيمة الولد الآتية فلا تشترط مقارنته لصلب العقد ويكتفى في قيمة الولد بتقديم التغرير على العقد وإن لم يتصل به ولم يقصد الترغيب في النكاح. (ولو غُرَّ بحرية أمة) في نكاحه إياها كأن شرطت فيه (وصححناه) أي النكاح بأن قلنا إن خُلْفَ الشرط لا يبطله مع وجود شروط نكاح الأمة فيه، أو لم نصححه بأن قلنا إن الخلف يبطله أو لفقد بعضها (فالولد) الحاصل (قبل العلم) بأنها أمة (حر) وإن كان الزوج عبدا؛ عملا بظنه فإن الولد يتبعه، ومن ثم لو وطئ عبد أمة يظن أنها زوجته الحرة كان الولد حرا، ولو وطئ زوجته الحرة يظن أنها زوجته الأمة فالولد حر ولا أثر لظنه. أما ما علقت به بعد علمه بأنها أمة فهو قن بأن ولدته بعد أكثر من ستة أشهر من أولِّ وطءٍ كائن بعد علمه بكونها أمة، ويصدق في ظنه بيمينه وكذا وارثه فيحلف أنه لا يعلم أن مورثه علم رقها. (وعلى المغرور) في ذمته ولو قنا (قيمته) يوم ولادته؛ لأنه أول أوقات إمكان تقويمه (لسيدها) -وإن كان السيد أباً للزوج-؛ لتفويته رقه من أصله التابع لرقها بظنه حريتها ما لم يكن الزوج قنا لسيدها؛ إذ السيد لا يثبت له على قنه مال. وخرج بقولي من أصله ما لو وطئ أمة أبيه يظن أنها زوجته القنة فلا قيمة؛ لأنه هنا لم يفوت الرق لانعقاده قنا، وعتقه عليه عقب ذلك قهري لا دخل للولد فيه (ويرجع بها) الزوج إذا غرمها، لا قبله كالضامن (على الغار) غير السيد؛ لأنه الموقع له في غرامتها (والتغرير بالحرية لا يتصور من سيدها) غالبا؛ لعتقها بقوله: زوَّجتُك هذه الحرة أو على أنها حرة؛ مؤاخذة له بإقراره، ومن ثم لم تعتق باطنا إذا لم يقصد إنشاء العتق ولا سبق منه، (بل) يتصور (من وكيله) أو وليه في نكاحها، وحينئذ يكون خلف ظن أو شرط (أو منها) وحينئذ يكون خلف ظن فقط، ولا عبرة بقول من ليس بعاقد ولا معقود عليه. وقد يتصور التغرير من سيدها بالحرية على خلاف الغالب كأن تكون مرهونة أو جانية والحال أن سيدها معسر وقد أذن له المستحق في تزويجها، أو اسمها حرة، أو سيدها مفلسا أو سفيها أو مكاتبا
فَإِنْ كَانَ مِنْهَا تَعَلَّقَ الْغُرْمُ بِذِمَّتِهَا، وَلَوِ انْفَصَلَ الْوَلَدُ مَيْتًا بِلَا جِنَايَةٍ فَلَا شَيْءَ فِيهِ. وَمَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ رَقِيقٍ أَوْ مَنْ فِيهِ رِقٌّ تَخَيَّرَتْ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ عَلَى الْفَوْرِ
ويزوجها بإذن الغرماء أو الولي أو السيد، أو مريضا وعليه دين مستغرق، أو يريد بالحرية العفة عن الزنا؛ لظهور القرينة فيه، أو يتلفظ بالمشيئة بحيث يسمع نفسه فقط (فإن كان) التغرير (منها تعلق الغرم بذمتها) فتطالب به غير المكاتبة بعد عتقها، ولا يتعلق الغرم بكسبها ولا برقبتها، وإن كان من وكيل السيد تعلق بذمته فيطالب به حالا كالمكاتبة؛ بناء على الأصح أن قيمة الولد لسيدها، أو منهما فعلى كلٍّ نصفها. ولو استند تغرير الوكيل لقولها رجع عليها بما غرمه، نعم لو ذكرت حريتها للزوج أيضا رجع الزوج عليها ابتداء دونه؛ لأنها لَمَّا شافهته خرج الوكيل عن كونه وسيطا، وصورة الرجوع عليهما أن يذكرا حريتها للزوج معا بأن لا يستند تغريره لتغريرها، ولو استند تغريرها لتغرير الوكيل كأن أخبرها أن سيدها أعتقها رجع عليها ثم ترجع عليه ما لم يشافه الزوج أيضا فيرجع عليه وحده. (ولو انفصل الولد ميتا بلا جناية) أو بجناية غير مضمونة (فلا شيء فيه)؛ لأن حياته غير متيقنة. أما إذا انفصل ميتا بجناية مضمونة ففيه -؛ لانعقاده حُرَّاً- غرة لوارثه، فإن كان الجاني حرا أجنبيا لزم عاقلته غرة للمغرور الحر؛ لأنه أبوه ولا يتصور أن يرث معه إلا أم الأم الحرة، وعلى المغرور عشر قيمة الأم للسيد وإن زادت على قيمة الغرة؛ لأن الجنين القن إنما يضمن بهذا، أو قنا أجنبيا تعلقت الغرة برقبته ويضمنه المغرور لسيدها بعشر قيمتها؛ لما ذكر، أو المغرور فالغرة على عاقلته لوارث الجنين وللسيد عليه العشر، أو قنه فالعشر على المغرور، ولا يجب هنا شيء من الغرة إلا إن وجدت جدة الجنين فسدسها في رقبة القن، أو السيد فالغرة على عاقلته والعشر على المغرور، أو قنه فالغرة برقبته والعشر على المغرور. (ومن عتقت) قبل وطء أو بعده (تحت رقيق أو من فيه رق تخيرت) هي دون سيدها (في فسخ النكاح) أو تحت حر فلا إجماعا في الأول وخلافا لأبي حنيفة في الثاني؛ لأن بريرة عتقت تحت مغيث وكان قنا كما في البخاري فخيرها صلى الله عليه وسلم بين المقام والفراق فاختارت نفسها متفق عليه، ولتضررها به عارا ونفقة وغيرهما نظير ما مر بخلاف الحر. ولو عتق قبل فسخها سقط خيارها أو معه لم ينفذ؛ لزوال الضرر، نعم لو لزم من تخييرها دور -كأن أعتقها من هو في مرض الموت قبل وطء زوجها وهي تساوي مع صداقها ثلث مال سيدها- لم تتخير؛ لسقوط المهر بفسخها فينقص الثلث فلا تعتق كلها فلا تتخير، ولا يحتاج هنا إلى رفع لحاكم لما تقرر من النص والإجماع (والأظهر أنه) أي هذا الخيار (على الفور)
فَإِنْ قَالَتْ جَهِلْت الْعِتْقَ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا إنْ أَمْكَنَ: بِأَنْ كَانَ المُعْتِقُ غَائِبًا، وَكَذَا إنْ قَالَتْ جَهِلْتُ الخِيَارَ بِهِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ فَسَخَتْ قَبْلَ وَطْءٍ فَلَا مَهْرَ، وَبَعْدَهُ بِعِتْقٍ بَعْدَهُ وَجَبَ المُسَمَّى، أَوْ قَبْلَهُ فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَقِيلَ المُسَمَّى، وَلَوْ عَتَقَ بَعْضُهَا أَوْ كُوتِبَتْ أَوْ عَتَقَ عَبْدٌ تَحْتَهُ أَمَةٌ فَلَا خِيَارَ
كخيار العيب فيعتبر هنا بما مر في الشفعة كما سبق آنفا، نعم غير المكلفة تؤخر لكمالها؛ لتعذره من الولي، والعتيقة في عدة طلاق رجعي لها انتظار بينونتها؛ لتستريح من تعب الفسخ (فإن قالت) بعد أن أخرت الفسخ وقد أرادته (جهلت العتق صدقت بيمينها إن أمكن) جهلها به عادة بأن لم يكذبها ظاهر الحال (بأن كان المعتق غائبا) عن محلها وقت العتق؛ لعذرها بخلاف ما إذا كذبها ظاهر الحال كأن كانت معه في بيته ولا قرينة على خوفه ضررا من إظهار عتقها فإنها لا تصدق بل يصدق الزوج بيمينه ويبطل خيارها (وكذا إن قالت جهلت الخيار به) فتصدق بيمينها (في الأظهر)؛ لأنه مما يخفى على غالب الناس ولا يعرفه إلا الخواص. ولو علم صدقها كعجمية صدِّقت جزما، أو كذبها كفقيهة لم تصدق جزما، وتصدق أيضا في دعوى الجهل بالفورية إن أمكن جهلها بها كما في الرد بالعيب (فإن فسخت قبل وطء فلا مهر) ولا متعة وإن كان الحق للسيد؛ لأن الفسخ من جهتها (و) إن فسخت (بعده) أي الوطء (بعتق بعده وجب المسمى)؛ لاستقراره به (أو) فسخت بعد الوطء بعتق (قبله) أو معه والفرض أنها إنما مكنته؛ لجهلها به (فمهر مثل)؛ لاستناد الفسخ للعتق السابق للوطء أو المقارن له فصار كوطء في نكاح فاسد (وقيل المسمى)؛ لاستقراره بالوطء وما وجب منهما للسيد. (ولو عتق بعضها أو كوتبت أو عتق عبد تحته أمة فلا خيار)؛ لبقاء أحكام الرق في الأولين ولأنه لا يعير بها في الثالث مع أنه يمكنه الخلاص بالطلاق بخلافها.
فصل
يَلْزَمُ الْوَلَدَ إعْفَافُ الْأَبِ وَالْأَجْدَادِ عَلَى المَشْهُورِ: بِأَنْ يُعْطِيَهُ مَهْرَ حُرَّةٍ، أَوْ يَقُولَ انْكِحْ وَأُعْطِيَكَ المَهْرَ، أَوْ يَنْكِحَ لَهُ بِإِذْنِهِ وَيُمْهِرَ أَوْ يُمَلِّكَهُ أَمَةً أَوْ ثَمَنَهَا ثُمَّ عَلَيْهِ مُؤْنَتُهُمَا
(فصل) في الإعفاف
(يلزم الولد) الحر الأقرب ثم الوارث وإن سفل ولو أنثى وغير مكلف وكافرا اتحد أو تعدد، فإن استوى اثنان فأكثر قربا وإرثا وزع عليهم بالسوية
(1)
، ثم إنه إنما يلزم الموسر أي بأن يفضل معه المهر أو الثمن عن كفاية نفسه وعياله يوما وليلة (إعفاف الأب) الحر المعصوم ولو كافرا (والأجداد) ولو من جهة الأم (على المشهور)؛ لأنه من وجوه حاجاته المهمة كالنفقة. ولو قدر على إعفاف أحد أصوله قَدَّم عصبته وإن بعد كأبي أبي أبيه على أبي أمه، فإن استويا عصوبة أو عدمها قدم الأقرب كأب على جد وأبي أم على أبيه، فإن استويا قربا فقط بأن كانا في جهة الأم كأبي أبي أم وأبي أم أم أقرع بينهما؛ لتعذر التوزيع. وإعفافه يحصل في الرشيد (بأن يعطيه) بعد النكاح ولا يلزمه قبله (مهر) مثل (حرَّة) تليق به ولو كتابية ولو كان بعد أن نكحها موسرا ثم أعسر قبل وطئها وامتنعت من التسليم حتى يسلمه، بل لو نكحها معسرا ولم يطالب ولده بالإعفاف ثم طالبه لزمه مهرها إن أرادت الفسخ فيلزم الفرع حينئذ المهر وإن تمكن بفسخها أن يحصل لأبيه زوجة مثلها بدون ذلك (أو يقول) له (انكح وأعطيك المهر) أي مهر مثل المنكوحة اللائقة به، فلو زاد ففي ذمة الأب (أو ينكح له بإذنه ويمهر أو يملكه أمة) تحل له (أو ثمنها) بعد الشراء؛ لحصول الغرض بواحد من ذلك، ولا يكفي صغيرة ومن بها مثبت خيار وشوهاء ولو شابة كعمياء وجذماء، وتزوجه أو ملكه لواحدة من هؤلاء لا يمنع وجوب إعفافه. وخرج بـ ((يُملِّكه)) إنكاحه أمة له أو لغيره فلا يجوز؛ لأنه غني بمال فرعه، ومن ثم لو لم يقدر إلا على مهر أمة لزمه بذله ويتزوجها الأب؛ للضرورة. أما غير الرشيد فعلى وليه أقل هذه الخمسة إلا أن يرفع لحاكم يرى غيره. والخيرة في ذلك للفرع ما لم يتفقا على مهر كما يأتي (ثم) إذا زوجه أو ملَّكه (عليه مؤنتهما) أي الأب وحليلته؛ لأنها من
(1)
. خلافا لهما فاعتمدا أنه بحسب الإرث.
وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَعْيِينُ النِّكَاحِ دُونَ التَّسَرِّي وَلَا رَفِيعَةٍ، وَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى مَهْرٍ فَتَعْيِينُهَا لِلْأَبِ. وَيَجِبُ التَّجْدِيدُ إذَا مَاتَتْ أَوِ انْفَسَخَ بِرِدَّةٍ أَوْ فَسَخَهُ بِعَيْبٍ، وَكَذَا إنْ طَلَّقَ بِعُذْرٍ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنَّمَا يَجِبُ إعْفَافُ فَاقِدِ مَهْرٍ مُحْتَاجٍ إلَى نِكَاحٍ
تتمة الإعفاف. ولا يلزم الفرع أدم
(1)
لزوجة أصله ولا نفقة خادمها؛ لأنها لا تخير بالعجز عنهما، ولو كان بعصمته أخرى كشوهاء أنفق على التي تعفه فقط
(2)
(وليس للأب تعيين النكاح دون التسري) ولا عكسه (ولا) تعيين لنكاح أو شراء (رفيعة) -من جهة المهر ومؤنة أو الثمن- بجمال أو شرف أو يسار؛ لما فيه من الإجحاف بالفرع (ولو اتفقا على مهر) أو ثمن (فتعيينها للأب)؛ إذ لا ضرر فيه على الفرع وهو أعلم بغرضه. (ويجب التجديد إذا ماتت) الزوجة أو الأمة بغير فعله (أو انفسخ) نكاحه بنحو رضاع، أو (بردة) منها، لا منه كالطلاق بلا عذر (أو فسخه بعيب) بها أو عكسه؛ لبقاء الحاجة للإعفاف مع عدم التقصير (وكذا إن طلق) ولو بلا مال أو أعتق الأمة المستولدة
(3)
(بعذر) كنشوز أو ريبة (في الأصح) بخلافه لغير عذر؛ لأنه المفوِّت على نفسه، نعم لو ظن صدقه في عزمه على أن لا يعود لذلك وخشي عليه نحو زنا أو مرض مهلك وجب. ولا يجب التجديد في عدة الرجعية، ويُسَرَّى المطلاق
(4)
، ويسأل القاضي الحجر عليه حتى لا ينفذ منه إعتاقها والأوجه أنه ينفك عنه بمجرد قدرته على إعفاف نفسه من غير قاض. (وإنما يجب إعفاف فاقد مهر) وثمن أمة، لا واجد أحدهما ولو بقدرته على كسب يحصله لكن
(5)
في زمن قصير عرفا بحيث لا يحصل له من التعزب فيه مشقة لا تحتمل غالبا (محتاج إلى نكاح) أي وطء؛ لشدة توقانه بحيث يشق الصبر عليه وإن لم يخف عنتا، أو إلى عقده؛ لخدمة لنحو مرض إن تعيَّن طريقا لذلك لكنه لا يسمى إعفافا
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(3)
. كما هو ظاهر التحفه وصريح الإمداد؛ إذ هي التي يتصور فيها العتق بعذر.
(4)
. وهو من طلق ثلاث زوجات أو اثنتين وكذا ثلاث مرات ولو في زوجة واحدة، ويظهر من كلامه في تزويج المحجور أن فرضه إذا كان يطلق لعذر أما إذا كان يطلق لغير عذر فيُسَرَّى ولو كانت المرة الأولى.
(5)
. لم يقيده بذلك في المغني.
وَيُصَدَّقُ إذَا ظَهَرَتِ الحَاجَةُ بِلَا يَمِينٍ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ وَطْءُ أَمَةِ وَلَدِهِ، وَالمَذْهَبُ وُجُوبُ مَهْرٍ لَا حَدٍّ، فَإِنْ أَحْبَلَ فَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، فَإِنْ كَانَتْ مُسْتَوْلَدَةً لِلِابْنِ لَمْ تَصِرْ مُسْتَوْلَدَةً لِلْأَبِ، وَإِلَّا فَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تَصِيرُ، وَأَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا مَعَ مَهْرٍ،
(ويصدق إذا ظهرت الحاجة) أي أظهرها ولو بمجرد قوله وإن لم تحفَّها قرائن؛ إذ لا تعلم إلا من جهته (بلا يمين)؛ إذ لا يليق بحرمته تحليفه على ذلك، ويأثم الأصل بطلبه مع عدمها. ولو كذبه ظاهر حاله كذي فالج فالأوجه تصديقه بيمينه إن احتمل صدقه ولو على ندور. (ويحرم عليه وطء أمة ولده) الذكر والأنثى وإن سفل إجماعا (والمذهب) فيما إذا وطئها عالما بتحريمها (وجوب) تعزير عليه لحق الله تعالى إن رآه الإمام، وأرش بكارة، و (مهر) للولد في ذمة الحر ورقبة غيره، نعم المكاتب كالحر؛ لأنه يملك وإن طاوعته؛ للشبهة الآتية، ومحله إن لم يحبلها أو أحبلها لكن تأخر إنزاله عن تغييب حشفته، فإن أحبلها وتقدم إنزاله على تغييب الحشفة أو قارنه فلا مهر ولا أرش؛ لأن وطأه وقع بعد أو مع انتقالها إليه؛ لما يأتي أنه يملكها قبيل الإحبال. والقول في التقدم وعدمه قول الأب بيمينه؛ إذ لا يعلم إلا منه، فإن شك فلا شيء عليه (لا حَدٍّ)؛ لأن له بمال ولده شبهة الإعفاف المجانس لما فعله، نعم لو وطء مستولدة ابنه وجب الحد قطعا
(1)
؛ إذ لا شبهة له فيها بوجه؛ لعدم تصور ملكه لها بحال، ولو وطئ الأمة في دبرها حُدَّ
(2)
كما يأتي في الزنا، ويؤخذ من قولهم ((لعدم الخ)) أن محرم الأب المملوكة للولد ليست كالمستولدة. (فإن أحبل) ـها الأب (فالولد حر نسيب)؛ للشبهة وإن الأصل كان قنا فيطالب بقيمة الولد بعد عتقه، نعم المكاتب يطالب بها حالا؛ لأنه يملك، والمبعض بقدر الحرية حالا وبقدر الرق بعد عتقه. (فإن كانت مستولدة للابن لم تصر مستولدة للأب)؛ لأنها لا تقبل النقل (وإلا) تكن مستولدة له (فالأظهر أنها تصير) مستولدة للأب الحر ولو معسرا؛ لقوة الشبهة هنا. ولو ملك الولد بعضها والباقي حر نفذ استيلاد الأب في نصيب ولده، أو قن نفذ فيه مطلقا، وكذا في نصيب الشريك إن أيسر وولده حر كله فعليه قيمته لهما، أما القن كله أو بعضه فلا تصير مستولدة له؛ لتعذر ملك غير المكاتب والمبعض (وأن عليه قيمتها) يوم الإحبال ما لم يستول عليها قبل الوطء وإلا فأقصى القيم من الاستيلاء إلى الإحبال (مع مهر) بشرطه السابق كما يلزم أحد لَا
(1)
. خلافا لهما فعندهما لا حد.
(2)
. خلافا للنهاية.
قِيمَةَ وَلَدٍ فِي الْأَصَحِّ. وَيَحْرُمُ عَلَيهِ نِكَاحُهَا، فَلَوْ مَلَكَ زَوْجَةَ وَالِدِهِ الَّذِي لَا تَحِلُّ لَهُ الْأَمَةُ لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَيْسَ لَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ، فَإِنْ مَلَكَ مُكَاتَبٌ زَوْجَةَ سَيِّدِهِ انْفَسَخَ النِّكَاحُ فِي الْأَصَحِّ
شريكين استولد المشتركة نصف كل من القيمة والمهر، ووجبا؛ لاختلاف سببيهما فالمهر للإيلاج والقيمة للاستيلاد. وقد يلزمه مهران كأن زوَّج أمته لأخيه فوطئها الأب فعليه مهر للزوج؛ لأنه حرمها عليه أبدا بوطئه، ومهر للمالك؛ لاستيفائه منفعة بضعه المملوك له فالجهة مختلفة (لا قيمة ولد) فلا يلزمه وإن انفصل حيا أو ميتا بجناية مضمونة (في الأصح)؛ لانتقال ملكها له قبيل العلوق حتى يسقط ماؤه في ملكه صيانة لحرمته، ومن ثم لو استولد مستولدة ابنه لزمه قيمة الولد؛ لأنه لا يتصور ملكه لأمه ولا قيمة عليه لها حتى تندرج قيمته فيها، (ويحرم عليه) أي الأصل من النسب الحر (نكاحها) أي أمة ولده المعسر وإن لم يجب إعفافه؛ لأن قوة شبهته في ماله -الكائنة من استحقاقه الإعفاف عليه- صَيَّرته كالشريك، ومن ثم لم تحرم على أصلٍ قنٍ كأمة أصل على فرعه وأمة فرع رضاع على أصله قطعا. أما أمة فرعه الموسر فله أن ينكحها كما مر؛ لأنه يلزمه إعفافه (فلو ملك زوجة والده الذي لا تحل له الأمة) حال ملك الولد وكان نكحها قبل ذلك بشرطه (لم ينفسخ النكاح في الأصح)؛ لأنه يغتفر دواما لقوته ما لا يغتفر ابتداءً، أما إذا حلت له حينئذ؛ لكونه قنَّا، أو الولد معسرا لا يلزمه إعفافه، أو مكاتبا وأذن له سيده في تزويجها من أبيه فلا ينفسخ بطرو ملك الولد قطعا. (وليس له نكاح أمة مكاتبه)؛ لأن شبهته في ماله أقوى من شبهة الولد، ومن ثم قال (فإن ملك مكاتب زوجة سيده انفسخ النكاح في الأصح).
فصل
السَّيِّدُ بِإِذْنِهِ فِي نِكَاحِ عَبْدِهِ لَا يَضْمَنُ
مَهْرًا وَنَفَقَةً فِي الجَدِيدِ، وَهُمَا فِي كَسْبِهِ بَعْدَ النِّكَاحِ المُعْتَادِ وَالنَّادِرِ، فَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ فَفِيمَا بِيَدِهِ مِنْ رِبْحٍ وَكَذَا رَأْسُ مَالٍ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُكْتَسِبًا وَلَا مَأْذُونًا لَهُ فَفِي ذِمَّتِهِ، وَفِي قَوْلٍ عَلَى السَّيِّدِ. وَلَهُ المُسَافَرَةُ بِهِ وَيَفُوتُ الِاسْتِمْتَاعُ، وَإِذَا لَمْ يُسَافِرْ لَزِمَهُ تَخْلِيَتُهُ لَيْلًا لِلِاسْتِمْتَاعِ
(فصل)
(السيد بإذنه في نكاح عبده لا يضمن) بذلك الإذن (مهرا ونفقة) أي مؤنة (في الجديد)؛ لأنه لم يلتزمهما تصريحا ولا تعريضا، بل لو ضمن ذلك عند إذنه لم يضمنه؛ لتقدم ضمانه على وجوبه بخلافه بعد العقد فإنه يصح في المهر إن علمه، لا النفقة إلا فيما وجب منها قبل الضمان وعلمه. (وهما في كسبه) كذمته؛ لأنه بالإذن رضي بصرف كسبه فيهما، ولا يعتبر كسبه الحادث بعد الإذن في النكاح، بل الحادث (بعد النكاح) ووجوب الدفع، وهو في مهر مفوضة بفرض صحيح أو وطء، ومهر غير المفوضة الحال بالعقد، والمؤجل بالحلول، وفي النفقة بالتمكين (المعتاد) كالحرفة (والنادر) كلقطة ووصية ويصرف الكسب عما شاء من المهر والنفقة فإن فضل شيء صرف للسيد ولا يدخر شيء فيما يكون مستقبلا من النفقة أو مؤجلا من المهر؛ لعدم وجوبهما (فإن كان مأذونا له في التجارة فـ) يجبان (فيما بيده من ربح) ولو قبل الإذن في النكاح (وكذا رأس مال في الأصح)؛ لأنه لزمه بعقد مأذون فيه فكان كدين التجارة. ويجبان في كسبه هنا أيضا فإذا لم يف أحدهما به كمل من الآخر (وإن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا له) أو زاد على ما قدر له (ففي ذمته) يطالب به إذا عتق؛ لوجوبه برضا مستحقه (وفي قول على السيد)؛ لأن الإذن لمن هذا حاله التزام للمؤن، (وله المسافرة به) إن تكفل المهر والنفقة، ولم يتعلق به حق للغير كرهن وإلا اشترط رضاه (ويفوت الاستمتاع) عليه؛ لملكه الرقبة فقُدِّم حقه، نعم للعبد استصحاب زوجته معه والكراء من كسبه، فإن لم يطلبها للسفر معه فنفقتها باقية بحالها (وإذا لم يسافر) به أو سافر به معها (لزمه تخليته ليلا) أي بعضه الآتي في الأمة ووقت فراغ شغله بعد النزول في السفر (للاستمتاع)؛ لأنه وقت الاستراحة، ومن ثم لو كان عمله ليلا انعكس الحكم، نعم إن كانت بمنزل سيده وكان يدخل عليها كل وقت لم يلزمه
وَيَسْتَخْدِمُهُ نَهَارًا إنْ تَكَفَّلَ المَهْرَ وَالنَّفَقَةَ وَإِلَّا فَيُخْلِيهِ لِكَسْبِهِمَا وَإِنِ اسْتَخْدَمَهُ بِلَا تَكَفُّلٍ لَزِمَهُ الْأَقَلُّ مِنْ أُجْرَةِ مِثْلٍ وَكُلِّ المَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، وَقِيلَ يَلْزَمُهُ المَهْرُ وَالنَّفَقَةُ. وَلَوْ نَكَحَ فَاسِدًا وَوَطِئَ فَمَهْرُ مِثْلٍ فِي ذِمَّتِهِ، وَفِي قَوْلٍ فِي رَقَبَتِهِ. وَإِذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ اسْتَخْدَمَهَا نَهَارًا وَسَلَّمَهَا لِلزَّوْجِ لَيْلًا،
تخليته ليلا، (ويستخدمه نهارا إن تكفل المهر والنفقة) أي تحملهما وهو موسر، أو أداهما ولو معسرا (وإلا فيخليه لكسبهما)؛ لإحالته حقوق النكاح على كسبه، (وإن استخدمه) نهارا (بلا تكفل) أو حبسه بلا استخدام (لزمه الأقل من أجرة مثل) له مدة الاستخدام أو الحبس أي من ابتدائه إلى وقت المطالبة (وكل المهر) الحال (والنفقة) أي المؤنة مدة أحد ذينك أيضا، فإن لم يكن مهر أو كان وهو مؤجل فالأقل من الأجرة والنفقة، وذلك؛ لأن أجرته إن زادت فالزيادة للسيد وإن نقصت لم يلزمه الإتمام، والحاصل أنه في صورتي السفر والاستخدام إن تكفل بالمهر والنفقة لزماه، وإن لم يتكفل أو تكفل بالأقل السابق لم يلزمه إلا الأقل، وأن الخيرة في ذلك إليه. وخرج بنهارا ما لو استخدمه ليلا أو ليلاً ونهاراً فلا يلزمه في مقابلة الليل شيء إن كان عمله نهارا ولم يعطله شغل الليل عن شغل النهار، أما إن كان عمله ليلا فلا يطالب بخدمة النهار ويلزمه أقل الأمرين من أجرة خدمة الليل وكل المهر والنفقة، وأما إن عطله شغل الليل عن شغل النهار فيلزمه في الليل الأقلُّ أيضا وفي النهار ما مر، (وقيل يلزمه المهر والنفقة) مطلقا، وعلى الوجهين المراد نفقته مدة الاستخدام كما مر. (ولو نكح فاسدا)؛ لعدم الإذن أو لفقد شرط كمخالفة لمأذون (ووطئ فمهر مثل) يجب (في ذمته)؛ لحصوله برضا مستحقه، نعم لو أذن له السيد في الفاسد بخصوصه تعلق بكسبه ومال تجارته بخلاف ما لو أطلق؛ لانصرافه للصحيح فقط (وفي قول في رقبته)؛ لأنه إتلاف، ومحل الخلاف في حرة بالغة عاقلة رشيدة مستيقظة سلمت نفسها باختيارها أو أمة سلمها سيدها، فإن فقد شرط من ذلك تعلق برقبته؛ لأنه جناية محضة. (وإذا زوج) السيد (أمته) غير المكاتبة كتابة صحيحة سواء محرمه وغيرها (استخدمها) بنفسه أو نائبه، أما هو فلأنه يحل له نظر ما عدا ما بين السرة والركبة
(1)
، وأما نائبه الأجنبي فلأنه لا يلزم من الاستخدام نظر ولا خلوة (نهارا) أو آجرها إن شاء؛ لبقاء ملكه وهو لم يَنقِل للزوج إلا منفعة الاستمتاع فقط (وسلمها للزوج ليلا) أي
(1)
. لا الخلوة وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية.
وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ حِينَئِذٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَخْلَى فِي دَارِهِ بَيْتًا وَقَالَ لِلزَّوْجِ تَخْلُو بِهَا فِيهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلِلسَّيِّدِ السَّفَرُ بِهَا وَلِلزَّوْجِ صُحْبَتُهَا. وَالمَذْهَبُ أَنَّ السَّيِّدَ لَوْ قَتَلَهَا أَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا قَبْلَ دُخُولٍ سَقَطَ مَهْرُهَا،
وقت فراغ الخدمة في عادة أهل ذلك المحل، فإن كانت حرفته ليلا لم يلزم السيد تسليمها له نهارا إلا إن كانت حرفة السيد التي يريدها منها ليلا أيضا، ولو سلمها له نهارا فامتنع أجبر إن كانت حرفته ليلا، ولو كانت حرفتها ليلا والسيد لا يستخدمها إلا فيه وحرفة الزوج نهارا أُجبر السيد على تسليمها له ليلا وإن ضاع حقه. ولو لم يمكن استخدامها في شيء وطلب الزوج تسلمها ليلا ونهارا أجبر السيد على ذلك، أما المكاتبة -كتابة صحيحة- فتسلم ليلا ونهارا إن لم يفوِّت ذلك عليها تحصيل النجوم وإلا فللسيد منعها من النهار، والمبعضة في نوبتها كحرة وفي نوبة السيد كقنَّة، فإن لم تكن مهايأة فكقنة (ولا نفقة على الزوج حينئذ) أي حين إذ سلمت له تسليما ناقصا كالليل فقط (في الأصح)؛ لعدم التمكين التام كما لو سلمت الحرة نفسها ليلا واشتغلت عن الزوج نهارا. أما المهر فيلزمه تسليمه بذلك؛ لأن سببه الوطء وقد وجد، وأما لو سلمت له ليلا ونهارا فتلزمه النفقة؛ لتمام التمكين حينئذ. (ولو أخلى) السيد (في داره) أو جواره، بل ولو كان بعيدا عنه (بيتا وقال للزوج تخلو بها فيه لم يلزمه) ذلك (في الأصح)؛ لأن الحياء والمروءة يمنعانه، ومع ذلك لا نفقة عليه. (وللسيد السفر بها) إن لم يخلُ بها
(1)
ولم يتعلق بها نحو رهن أو إجارة؛ تقديما لحقه الأقوى على حق الزوج، ومن ثم امتنع عليه السفر بها إلا بإذن السيد، فإن تعلق بها ذلك اشترط إذن من له الحق (وللزوج) تركها، و (صحبتها)؛ ليستمتع بها وقت فراغها، ولا نفقة عليه؛ لعدم التمكين التام. وله استرداد مهر سلمه قبل وطء لا تبرعا
(2)
. (والمذهب أن السيد لو قتلها أو قتلت نفسها قبل دخول سقط مهرها) الواجب له؛ لتفويته محله قبل تسليمه، وأُلحق به تفويتها له وتفويته بغير قتلها كذلك كإرضاع السيدة لأمتها المزوجة بولدها أي القن؛ إذ الحر لا يتزوج القنة الطفلة مطلقا، وكقتل سيد زوج أمته أي أو قتل الأمة لزوجها.
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. بأن سلمه ظانا وجوب التسليم عليه كما في النهاية.
وَأَنَّ الحُرَّةَ لَوْ قَتَلَتْ نَفْسَهَا، أَوْ قَتَلَ الْأَمَةَ أَجْنَبِيٌّ أَوْ مَاتَتْ فَلَا، كَمَا لَوْ هَلَكَتَا بَعْدَ دُخُولٍ. وَلَوْ بَاعَ مُزَوَّجَةً فَالمَهْرُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ طُلِّقَتْ قَبْلَ دُخُولٍ فَنِصْفُهُ لَهُ. وَلَوْ زَوَّجَ أَمَتَهُ بِعَبْدِهِ لَمْ يَجِبْ مَهْرٌ
(وأن الحرة لو قتلت نفسها أو قتل الأمة أجنبي) كالزوج (أو ماتت فلا) يسقط المهر قبل الدخول؛ لأن الحرة كالمُسَلّمة للزوج بنفس العقد. وخرج بقتل الحرة نفسها قتل الزوج، أو غيره لها ولم يكن مالكا للمهر
(1)
فلا يسقط قطعا (كما لو هلكتا بعد دخول) فإنه لا يسقط قطعا؛ لاستقراره بالدخول. (ولو باع مزوجة) تزوجا صحيحا وهي غير مفوضة، أو أعتقها قبل دخول أو بعده (فالمهر) أي المسمى إن صح وإلا فمهر المثل (للبائع) أو المعتق؛ لوجوبه بالعقد الواقع في ملكه، نعم لا يحبسها سيدها البائع لتَسَلُّم المهر؛ لخروجها عن ملكه، وكذا لا يحبسها المشتري ولا تحبس العتيقة نفسها؛ لأن كلا منهما غير مستحق للمهر. أما المزوجة تزويجا فاسدا أو المفوضة فليس الاعتبار فيهما بالعقد؛ لأنه غير موجب لشيء، بل بالوطء فيهما والفرض أو الموت في المفوضة فمن وقع أحدهما في ملكه فهو المستحق للمهر، (فإن طلقت) بعد البيع أو العتق و (قبل دخول فنصفه له)؛ لما مر. (ولو زوَّج أمته بعبده) غير المكاتب (لم يجب مهر)؛ لأن السيد لا يثبت له على عبده دين بإتلاف ولا غيره فلا يطالبه به بعد عتقه، ولا تسن تسمية مهر. أما مكاتبه كتابة صحيحة فيجب له عليه؛ لأنه معه كأجنبي، وأما المبعض فيلزمه بقدر حريته.
(1)
. احترازا عن نحو ما إذا أعتق أمته المزوجة بعد الدخول ثم قتلها عبدالحميد.
كتاب الصداق
يُسَنُّ تَسْمِيَتُهُ فِي الْعَقْدِ، وَيَجُوزُ إخْلَاؤُهُ مِنْهُ. وَمَا صَحَّ مَبِيعًا صَحَّ صَدَاقًا
(كتاب الصَّداق)
هو ما وجب بعقد نكاح أو وطء أو تفويت بضع قهرا
(1)
كرضاع. والأصل فيه الكتاب والسنة والإجماع (يسن) إلا في تزويج أمته بعبده (تسميته في العقد
(2)
؛ للاتباع، وأن لا ينقص عن عشرة دراهم خالصة؛ لأن أبا حنيفة رضي الله عنه لا يجوِّز عند التسمية أقل منها، وترك المغالاة فيه، وأن لا يزيد على خمسمائة درهم فضة خالصة أصدقة بناته صلى الله عليه وسلم وأزواجه ما عدا أم حبيبة فإن المصدق لها عنه صلى الله عليه وسلم هو النجاشي أصحمة رضي الله عنه؛ إكراما له صلى الله عليه وسلم أربعمائة مثقال ذهبا، وأن يكون من الفضة؛ للاتباع، (ويجوز إخلاؤه منه) أي من تسميته إجماعا لكنه يكره، نعم إن كان محجورا ورضيت رشيدة بدون مهر مثل وجبت تسميته كما لو كانت محجورة أو مملوكة لمحجور، أو كانت رشيدة فأذنت لوليها في تزويجها وأطلقت، أو كان وليا فأذن لوكيله في تزويج موليته وأطلق ورضي الزوج بأكثر من مهر المثل. (وما صح مبيعا) -يعني ثمنا؛ إذ هو المشبه به الصداق- بأن وجدت فيه شروطه السابقة (صح صداقا) فتلغو تسمية غير متمول وما لا يقابل بمتمول كنواة وترك شفعة وحد قذف
(3)
، بل وتسمية أقل متمول في مبعضة ومشتركة؛ إذ لا بد فيهما من تسمية ما يمكن قسمته بين المستحقين
(4)
بأن يحصل لكل أقل متمول، وتلغو أيضا تسمية جوهرة في الذمة؛ لما مر من امتناع السلم فيها بخلاف المعينة؛ لصحة بيعها، ويصح الصداق بدين عليها أو على غيرها بشروطه السابقة، ولو عقد بنقد ثم تغيرت المعاملة وجب هنا وفي البيع وغيره كما مر ما وقع العقد به زاد سعره أو نقص أو عزَّ وجوده، فإن فقد وله مثل وجب وإلا فقيمته ببلد العقد وقت المطالبة، نعم يمتنع جعل رقبة
(1)
. كما مر في كتاب الغصب تصويرات له.
(2)
. أي في ما مر قبيل الكتاب.
(3)
. ويأتي قبيل كتاب الديات أنه لو وجب عليها قصاص فنكحها عليه أنه يجوز؛ لأن كل ما صح الصلح عنه صح جعله صداقا، وسقط القصاص، فإن فارق قبل الوطء رجع بنصف الأرش 8/ 451.
(4)
. أي من السيد والأمة في المبعضة والسادة في المشتركة.
وَإِذَا أَصْدَقَ عَيْنًا فَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ ضَمِنَهَا ضَمَانَ عَقْدٍ، وَفِي قَوْلٍ ضَمَانَ يَدٍ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَيْسَ لَهَا بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، فَلَوْ تَلِفَ فِي يَدِهِ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ. وَإِنْ أَتْلَفَتْهُ فَقَابِضَةٌ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ تَخَيَّرَتْ عَلَى المَذْهَبِ، فَإِنْ فَسَخَتِ الصَّدَاقَ أَخَذَتْ مِنْ الزَّوْجِ مَهْرَ مِثْلٍ وَإِلَّا غَرَّمَتِ المُتْلِفَ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ الزَّوْجُ، فَكَتَلَفِهِ وَقِيلَ كَأَجْنَبِيٍّ، وَلَوْ أَصْدَقَ عَبْدَيْنِ فَتَلِفَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ قَبْضِهِ انْفَسَخَ فِيهِ لَا فِي الْبَاقِي عَلَى المَذْهَبِ، وَلَهَا الخِيَارُ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَإِلَّا فَحِصَّةُ التَّالِفِ مِنْهُ
العبد صداقا لزوجته الحرة بل يبطل النكاح؛ لما بينهما من التضاد كما يمتنع جعل أحد أبوي الصغيرة صداقا لها، وجعل الأب أم ابنه صداقا لابنه، ويرد على عكس المتن صحة إصداقها ما لزمها أو قنها من قود مع عدم صحة بيعه.
(وإذا أصدق عينا فتلفت في يده ضمنها ضمان عقد)؛ لأنها مملوكة بعقد معاوضة كالمبيع بيد بائعه فيضمنها بمهر المثل؛ إذ ضمان العقد هو وجوب المقابل الذي وقع العقد عليه. (وفي قول ضمان يد) كالمستام؛ لبقاء النكاح فيضمن المثلي بمثله والمتقوم بقيمته، ومن ثم لو تعذرا كقن أو ثوب غير موصوف وجب مهر المثل قطعا (فعلى الأول ليس لها بيعه) أي المعين ولا التصرف فيه (قبل قبضه) ويجوز التقايل فيه ولها الاعتياض عما في الذمة كالثمن، (فلو تلف) على الأول (في يده) بآفة لزمه مؤنة نقله وتجهيزه، و (وجب مهر مثل) وإن طالبته بالتسليم فامتنع لبقاء النكاح والبضع كالتالف فيرجع لبدله وهو مهر المثل كما لو رد المبيع والثمن تالف يجب بدله، (وإن أتلفته) الزوجة وهي رشيدة لغير نحو صيال (فقابضة) لحقها على القولين، ويبرأ الزوج منه نظير ما مر في المبيع، (وإن أتلفه أجنبي) أهل للضمان (تخيرت على المذهب) بين فسخ الصداق وإبقائه كنظيره ثَم (فإن فسخت الصداق أخذت من الزوج مهر مثل) على الأول، وهو يرجع على المتلف (وإلا) تفسخه (غرمت المتلف) مثله في المثلي وقيمته في المتقوم، ولا مطالبة لها على الزوج (وإن أتلفه الزوج فكتلفه) بآفة؛ بناء على الأصح أن إتلاف البائع كذلك، فينفسخ الصداق وترجع هي عليه بمهر المثل، (وقيل كأجنبي) فتتخير. (ولو أصدق عبدين) مثلا (فتلف أحدهما) بآفة أو إتلاف الزوج (قبل قبضه انفسخ) عقد الصداق (فيه لا في الباقي على المذهب)؛ تفريقا للصفقة في الدوام، (ولها الخيار) فيه لتلف بعض المعقود عليه (فإن فسخت فمهر مثل) على الأول (وإلا) تفسخه (فـ) لها (حصة) أي قسط قيمة (التالف منه) أي مهر المثل، فلو كانت
وَلَوْ تَعَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهِ تَخَيَّرَتْ عَلَى المَذْهَبِ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا وَالمَنَافِعُ الْفَائِتَةُ فِي يَدِ الزَّوْجِ لَا يَضْمَنُهَا، وَإِنْ طَلَبَتِ التَّسْلِيمَ فَامْتَنَعَ عَلَى ضَمَانِ الْعَقْدِ، وَكَذَا الَّتِي اسْتَوْفَاهَا بِرُكُوبٍ وَنَحْوِهِ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَهَا حَبْسُ نَفْسِهَا لِتَقْبِضَ المَهْرَ المُعَيَّنَ وَالحَالَّ لَا المُؤَجَّلَ، فَلَوْ حَلَّ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَلَا حَبْسَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ كُلٌّ لَا أُسَلِّمُ حَتَّى تُسَلِّمَ فَفِي قَوْلٍ يُجْبَرُ هُوَ
قيمته ثلث قيمة مجموع قيمتيهما فلها ثلث المثل، وإن أتلفته فقابضة لقسطه من الصداق أو أجنبي تخيرت كما مر. (ولو تعيب) الصداق في يد الزوج (قبل قبضه) بغير فعلها كعمى القن (تخيرت على المذهب فإن فسخت) عقد الصداق (فمهر مثل) يلزم الزوج لها على الأول، وهو يرجع على الأجنبي المعيِّب بموجب جنايته (وإلا) تفسخ (فلا شيء لها) غير المعيب كمشتر رضي بالمعيب، نعم إن كان المعيب أجنبيا فلها عليه الأرش. والزوائد في يد الزوج أمانة فلا يضمنها إلا إن امتنع من التسليم. (والمنافع الفائتة في يد الزوج لا يضمنها وإن طلبت التسليم فامتنع على ضمان العقد) كما لو اتفق ذلك من البائع (وكذا) لا يضمن المنافع (التي استوفاها بركوب ونحوه على المذهب. ولها) أي المالكة لأمرها التي لم يدخل بها (حبس نفسها
(1)
للفرض والقبض إن كانت مفوضة كما سيذكره وإلا فلها الحبس (لتقبض المهر) الذي ملكته بالنكاح (المعين و) الدين (الحال) -سواء أكان بعضه أم كله- إجماعا؛ دفعا لضرر فوات بضعها بالتسليم. وخرج بملكته بالنكاح ما لو زوج أم ولده فعتقت بموته أو أعتقها أو باعها وصححناه في بعض الصور الآتية؛ لأنه ملك للوارث أو المعتق أو البائع لا لها، وما لو زوج أمة ثم أعتقها وأوصى لها بمهرها؛ لأنها ملكته لا عن جهة النكاح. ويحبس الأمة سيدها المالك للمهر أو وليه، والمحجورة وليها ما لم ير المصلحة في التسليم، نعم لولي السفيهة منعها من تسليم نفسها حيث لا مصلحة، ولسيد مكاتبة كتابة صحيحة منعها من تسليم نفسها
(2)
كسائر تبرعاتها (لا المؤجل)؛ لرضاها بذمته (ولو حل) الأجل (قبل التسليم فلا حبس) لها (في الأصح)؛ لوجوب التسليم عليها قبل القبض؛ لرضاها بذمته فلا يرتفع بالحلول. (ولو قال كلٌّ لا أسلم حتى تسلم، ففي قول يجبر هو)؛ لإمكان استرداد الصداق
(1)
. وعدم السفر معه كما نص عليه الشارح في فصل موجب المؤن 8/ 328.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
وَفِي قَوْلٍ لَا إجْبَارَ، فَمَنْ سَلَّمَ أُجْبِرَ صَاحِبُهُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُمَا يُجْبَرَانِ فَيُؤْمَرُ بِوَضْعِهِ عِنْدَ عَدْلٍ، وَتُؤْمَرُ بِالتَّمْكِينِ فَإِذَا سَلَّمَتْ أَعْطَاهَا الْعَدْلُ. وَلَوْ بَادَرَتْ فَمَكَّنَتْ طَالَبَتْهُ، فَإِنْ لَمْ يَطَأِ امْتَنَعَتْ حَتَّى يُسَلِّمَ، وَإِنْ وَطِئَ فَلَا. وَلَوْ بَادَرَ فَسَلَّمَ فَلْتُمَكِّنْ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ بِلَا عُذْرٍ اسْتَرَدَّ إنْ قُلْنَا إنَّهُ يُجْبَرُ. وَلَوِ اسْتُمْهَلَتْ لِتَنَظُّفٍ وَنَحْوِهِ أُمْهِلَتْ مَا يَرَاهُ قَاضٍ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ لَا لِيَنْقَطِعَ حَيْضٌ
دون البضع (وفي قول لا إجبار فمن سلم أجبر صاحبه، والأظهر أنهما يجبران فيؤمر بوضعه عند عدل وتؤمر) هي (بالتمكين فإذا سلمت) وإن لم يطأها من غير امتناع منها (أعطاها العدل)، فإن امتنعت استرد منها؛ لأن ذلك هو الإنصاف بينهما، والعدل هنا نائب عن الشرع؛ لقطع الخصومة بينهما، ولو تلف المهر في يد العدل كان من ضمان الزوج نظير الرهن (ولو بادرت فمكنت طالبته) على كل قول لبذلها ما في وسعها، (فإن لم يطأ) ـها (امتنعت حتى يسلمـ) ـها المهر؛ لأن القبض هنا إنما هو بالوطء (وإن وطئ) ـها مختارة (فلا) تمتنع؛ لسقوط حقها بوطئه باختيارها، ومن ثم لو أكرهها أو كانت غير مكلفة حال الوطء ثم كملت بعده -ولم يكن الولي سلمها لمصلحتها
(1)
- كان لها الامتناع والاستمتاع بنحو الرتقاء في حكم وطء السليمة فلها الامتناع قبل الاستمتاع منها لا بعده، (ولو بادر فسلم فلتمكنـ) ـه وجوبا إذا طلب؛ لأنه فعل ما عليه (فإن منعت) ـه، ولو (بلا عذر استرد إن قلنا إنه يجبر)، والأصح لا فيكون متبرعا بالتسليم فلا يسترد. ومحل التسليم هو منزل الزوج غالبا؛ إذ لو رضي بمحلها أو محل نحو أبيها كان كذلك. والكلام هنا في زوجة عُقد عليها وهي ببلد العقد كالزوج به أيضا، وحينئذ فمؤنة وصولها للمنزل الذي يريده الزوج من تلك البلد عليها، وسيأتي حكم ما لو كانت بغيره، (ولو استمهلت) هي أو وليها (لتنظيف ونحوه) كإزالة وسخ (أمهلت) وجوبا وإن قبضت المهر؛ للخبر المتفق عليه ((لا تطرقوا النساء ليلا حتى تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة)). ويندب للغائب عدم مفاجأة أهله ليلا (ما) أي زمنا (يراه قاضٍ ولا يجاوز ثلاثة أيام)؛ لأن غرض نحو التنظيف ينتهي فيها غالبا (لا) لجهاز وسمن وكذا تزين، ولا (لينقطع حيض) ونفاس وإن لم تزد المدة الباقية منهما على ثلاثة أيام
(2)
؛ لإمكان التمتع بها في
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. كما في فتح الجواد وفاقا للنهاية.
وَلَا تُسَلَّمُ صَغِيرَةٌ وَلَا مَرِيضَةٌ حَتَّى يَزُولَ مَانِعُ وَطْءٍ. وَيَسْتَقِرُّ المَهْرُ بِوَطْءٍ، وَإِنْ حَرُمَ كَحَائِضٍ. وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا
الجملة، ولو خشيت الزوجة الحائض أو النفساء أن يطأها قبل النقاء سلمت نفسها وعليها الامتناع، فإن علمت أن امتناعها لا يفيد وقضت القرائن بالقطع بأنه يطؤها كان عليها الامتناع حينئذ (ولا تُسَلَّم صغيرة) لا تحتمل الجماع ولو لثقة قال لا أقربها (ولا مريضة) وهزيلة بهزال عارض لا يطيقان الوطء، أي يكره للولي والأخيرتين ذلك (حتى يزول مانع وطء)؛ إذ المدار هنا على العرف ولم يتعارف تسليم هؤلاء. ويحرم وطؤها ما دامت لم تحتمله ويرجع فيه لشهادة نحو أربع نسوة، نعم لو طلب ثقة تسليم مريضة فإن دلت قرينة حاله على قوة شبقه لم يجب وإلا وجب
(1)
، وتسلم له نحيفة لا بمرض عارض وإن لم تحتمل الجماع؛ إذ لا غاية تنتظر وتمكنه مما عدا وطء لا منه إن خشيت إفضاءها وله الامتناع من تسلم صغيرة لا مريضة.
[فرع] العبرة فيما إذا غابت الزوجة عن محل العقد بمحله -أي العقد- إن كان الزوج به، فلو تزوج امرأة في الكوفة ببغداد لزمها المؤنة لنفسها وطريقها ونحو محرم معها من الكوفة إلى بغداد لا إلى الموصل لو خرج إليه، أما إن لم يكن الزوج به -كأن عقد بوكيله- فالعبرة ببلد الزوج حالة العقد، ثم محل وجوبه في الحالة الأولى إن علمت محل الزوج وإلا لم يجب عليها ذلك، ولو لم يصلح بلد العقد للتسليم اعتبر أقرب محل صالح إليه. (ويستقر المهر بوطء
(2)
وإنما يحصل بتغييب الحشفة أو قدرها من فاقدها وإن لم تزل البكارة (وإن حرم كـ) وطء دبر أو نحو (حائض) كما دلت النصوص القرآنية، ولا يستقر المهر باستمتاع وإدخال ماء وإزالة بكارة بغير ذكر، والمراد باستقراره الأمن من سقوط كله أو بعضه بنحو طلاق أو فسخ (وبموت أحدهما) في نكاح صحيح لا فاسد قبل وطء؛ لإجماع الصحابة ولبقاء آثار النكاح بعده من التوارث وغيره، وقد لا يستقر بالموت كما مر فيما لو قتلت أمة نفسها أو قتلها سيدها، وقد لا يجب بالكلية كأن أعتق مريض أمة لا يملك غيرها وتزوجها وأجاز الورثة عتقها فإنه
(1)
. خلافا للمغني حيث اعتمد عدم الوجوب مطلقا وللنهاية حيث اعتمد الوجوب مطلقا.
(2)
. أشار الشارح في أواخر الإقرار أنه يستقر مهر مستفرشة رجل أتت بولد يلحقه وإن أنكر الوطء 5/ 404.
لَا بِخَلْوَةٍ فِي الجَدِيدِ.
فصل
نَكَحَهَا بِخَمْرٍ أَوْ حُرٍّ أَوْ مَغْصُوبٍ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ أَوْ بِمَمْلُوكٍ وَمَغْصُوبٍ بَطَلَ فِيهِ، وَصَحَّ فِي المَمْلُوكِ فِي الْأَظْهَرِ وَتَتَخَيَّرُ، فَإِنْ فَسَخَتْ فَمَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُمَا، وَإِنْ أَجَازَتْ فَلَهَا مَعَ المَمْلُوكِ حِصَّةُ المَغْصُوبِ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ بِحَسَبِ قِيمَتِهِمَا، وَفِي قَوْلٍ تَقْنَعُ بِهِ. وَلَوْ قَالَ زَوَّجْتُك بِنْتِي وَبِعْتُك ثَوْبَهَا بِهَذَا الْعَبْدِ صَحَّ النِّكَاحُ وَكَذَا المَهْرُ وَالْبَيْعُ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُوَزَّعُ الْعَبْدُ عَلَى الثَّوْبِ وَمَهْرِ مِثْلٍ
يستقر النكاح ولا مهر؛ للدور إذ لو وجب رُقَّ بعضُها
(1)
فبطل نكاحها فبطل المهر (لا بخلوة في الجديد)؛ لمفهوم قوله تعالى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} البقرة: 237 .. الآية، والمس الجماع. ولا يستقر بالخلوة في نكاح فاسد إجماعا.
(فصل) في بيان أحكام المسمى الصحيح والفاسد
(نكحها) بما لا يملكه كأن نكحها (بخمر أو حر أو مغصوب) أو ما لا يقصد كدم -سواء علم ما مر أو جهله- (وجب مهر مثل)؛ لفساد التسمية وبقاء النكاح، هذا في أنكحتنا أما أنكحة الكفار فقد مر حكمها في نكاح المشرك، (وفي قول قيمته) أي بدله بتقدير الحر قنا والمغصوب مملوكا والخمر خلا أو عصيرا (أو بمملوك ومغصوب بطل فيه وصح في المملوك في الأظهر)؛ تفريقا للصفقة فيصح بشروطها المارة وإلا كأن قدم الباطل بطلت التسمية ووجب مهر المثل (وتتخير) إن جهلت؛ لأن المسمى كله لم يسلم لها، (فإن فسخت فمهر مثل) يجب لها، (وفي قوله قيمتهما) أي بدلهما (وإن أجازت فلها مع المملوك حصة المغصوب من مهر مثل بحسب قيمتهما)؛ عملا بالتوزيع، فلو ساوى كلٌّ مائة فلها نصف مهر المثل بدلا عن المغصوب، (وفي قول تقنع به) أي المملوك ولا شيء لها معه (ولو قال زوَّجتك بنتي وبعتك ثوبها بهذا العبد) وهو ولي مالها أيضا أو وكيل عنها فيه (صح النكاح)؛ لأنه لا يفسد بفساد المسمى (وكذا المهر والبيع في الأظهر) كما قدمه في تفريق الصفقة. وخرج بـ ((ثوبها)) ثوبي فإن المهر يفسد كبيع عبدَيْ اثنين بثمن واحد (ويوزع العبد) أي قيمته (على) قيمة (الثوب ومهر مثل) فلو ساوى كلٌّ ألفا
(1)
. قال ابن قاسم: ((لأن وجوبه يثبت دينا يرق به بعضها)).
وَلَوْ نَكَحَ بِأَلْفٍ عَلَى أَنَّ لِأَبِيهَا أَوْ أَنْ يُعْطِيَهُ أَلْفًا فَالمَذْهَبُ فَسَادُ الصَّدَاقِ وَوُجُوبُ مَهْرِ مِثْلٍ. وَلَوْ شَرَطَ خِيَارًا فِي النِّكَاحِ بَطَلَ النِّكَاحُ، أَوْ فِي المَهْرِ فَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ لَا المَهْرِ، وَسَائِرُ الشُّرُوطِ إنْ وَافَقَ مُقْتَضَى النِّكَاحِ أَوْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ غَرَضٌ لَغَا، وَصَحَّ النِّكَاحُ وَالمَهْرُ. وَإِنْ خَالَفَ وَلَمْ يُخِلَّ بِمَقْصُودِهِ الْأَصْلِيِّ كَشَرْطِ أَلَّا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَوْ لَا نَفَقَةَ لَهَا صَحَّ النِّكَاحُ وَفَسَدَ الشَّرْطُ، وَالمَهْرُ
كان نصف العبد ثمنا ونصفه صداقا فيرجع إليه بطلاق قبل وطء ربعه، ويرجع إليه بفسخ نصفه، هذا إن كان ما خص مهر المثل لا ينقص عن مهر المثل فإن نقص عنه وجب مهر المثل قطعا (ولو نكح) بألف بعضها مؤجل لمجهول فسد ووجب مهر المثل لا ما يقابل المؤجل؛ لتعذر التوزيع مع الجهل بالأجل، أو (بألف) مثلا (على) أو بشرط (أن لأبيها) أو غيره ألف من الصداق أو غيره (أو) على أو بشرط (أن يعطيه) هو أو غيره أو تعطيه هي
(1)
(ألفا) كذلك (فالمذهب فساد الصداق ووجوب مهر المثل) في صورتي المتن؛ لأن الألف إن لم تكن من المهر فهو شرط عقد في عقد وإلا فقد جعل بعض ما التزمه في مقابلة البضع لغير الزوجة ففسد كما في البيع. (ولو شرط) في صلب العقد؛ إذ لا عبرة بما يقع قبله أو بعده ولو في مجلسه (خيارا في النكاح بطل النكاح)؛ لمنافاته لوضع النكاح من الدوام واللزوم (أو) شرط خيارا (في المهر فالأظهر صحة النكاح)؛ لأنه لاستقلاله لا يؤثر فيه فساد غيره (لا المهر)؛ لأن الصداق لم يتمحض للعوضية بل فيه شائبة النِّحْلَة فلم يلق به الخيار؛ لأنه إنما يكون في المعاوضة المحضة فيجب مهر المثل. (وسائر الشروط) أي باقيها (إن وافق مقتضى النكاح) كشرط القسم والنفقة (أو لم يتعلق به غرض) كأن لا تأكل إلا كذا (لغا) الشرط أي لم يؤثر في صحة النكاح والمهر لكنه في الأول مؤكد لمقتضى العقد، فليس المراد بالإلغاء فيه بطلانه بخلاف الثاني (وصح النكاح والمهر) كالبيع، (وإن خالف) مقتضاه (ولم يخل بمقصوده الأصلي) وهو الاستمتاع سواء أكان لها (كشرط ألا يتزوج عليها أو) كان عليها كشرط أن (لا نفقة لها صح النكاح)؛ لأنه إذا لم يفسد بفساد العوض فلأن لا يفسد بفساد الشرط المذكور أولى، ومثل ذلك
(2)
ما لو شرط النفقة على الغير أو أن لا ترثه أو أن لا يرثها (وفسد الشرط)؛ لأنه مخالف للشرع، وصح خبر ((كل شرط ليس في كتاب الله تعالى فهو باطل)) (والمهر)؛
(1)
. خالف في هذا الأخير المغني.
(2)
. خلافا لهما.
وَإِنْ أَخَلَّ كَأَلَّا يَطَأَ أَوْ يُطَلِّقَهَا بَطَلَ النِّكَاحُ. وَلَوْ نَكَحَ نِسْوَةً بِمَهْرٍ فَالْأَظْهَرُ فَسَادُ المَهْرِ، وَلِكُلٍّ مَهْرُ مِثْلٍ. وَلَوْ نَكَحَ لِطِفْلٍ بِفَوْقِ مَهْرِ مِثْلٍ أَوْ أَنْكَحَ بِنْتًا لَا رَشِيدَةً أَوْ رَشِيدَةً بِكْرًا بِلَا إذْنٍ بِدُونِهِ فَسَدَ المُسَمَّى، وَالْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ بِمَهْرِ المِثْلِ. وَلَوْ تَوَافَقُوا عَلَى مَهْرٍ سِرًّا وَأَعْلَنُوا بِزِيَادَةً فَالمَذْهَبُ وُجُوبُ مَا عُقِدَ بِهِ
لأن الزوج لم يرض ببذل المسمى إلا عند سلامة ما شرطه فوجب الرجوع لمهر المثل، (وإن أخل) الشرط بمقصود النكاح الأصلي (كـ) شرط ولي الزوجة على الزوج (ألا يطأها) مطلقا أو في نحو نهار وهي محتملة له، أو أن لا يستمتع بها (أو) شرط الولي أو الزوج أن (يطلقها) بعد زمن معين أوْ لا (بطل النكاح)؛ للإخلال المذكور. أما إذا كان الشارط لعدم الوطء هو الزوج فلا بطلان؛ لأنه حقه فله تركه وأما إذا لم تحتمله فشرطت عدمه مطلقا إن أيس من احتمالها له كرتقاء -لا متحيرة؛ لاحتمال الشفاء- أو إلى زمن احتماله أو شفاء المتحيرة فلا يضر؛ لأنه تصريح بمقتضى الشرع. (ولو نكح نسوة بمهر) واحد كأن زوجه بهن جدهن أو عمهن أو معتقهن أو وكيل أوليائهن (فالأظهر فساد المهر)؛ للجهل بما يخص كلا منهن حالا مع اختلاف المستحق، ومن ثم لو زوج أمتيه بقن صح بالمسمى (ولكل مهر مثل. ولو نكح) ولي أب أو جد (لطفل) أو مجنون أو سفيه (بفوق مهر مثل) بما لا يتغابن بمثله من مال المولى ومهر مثلها يليق به على ما مر في مبحث نكاح السفيه وغيره (أو أنكح بنتا) له (لا) بمعنى غير (رشيدة) كمجنونة وبكر صغيرة أو سفيهة بدون مهر المثل (أو) أنكح بنتا له (رشيدة بكرا بلا إذن) منها له في النقص عن مهر المثل (بدونه) أي مهر المثل بما لا يتغابن به (فسد المسمى)؛ لانتفاء الحظ المشترط في تصرف الولي بالزيادة في الأولى والنقص فيما بعدها. أما من مال الولي فيصح؛ لأن في إفساده إضرارا بالابن بإلزامه بكمال المهر في ماله، (والأظهر صحة النكاح بمهر المثل)؛ لأن فساد الصداق لا يفسده كما مر (ولو توافقوا) أي الزوج والولي والزوجة الرشيدة
(1)
(على مهر سرا وأعلنوا بزيادة فالمذهب وجوب ما عقد به) أوَّلا إن تكرر عقد، ومجرد موافقة الزوج على صورة عقد ثان مثلا -لاحتياط أو تجمل
(2)
- لا يكون اعترافا
(1)
. قال في النهاية ((وإن كان موافقة الولي حينئذ لا مدخل لها)).
(2)
. بأن عقدا سراً بألف ثم أعيد العقد علانية بألفين تجملا أو أعيد احتياطا.
وَلَوْ قَالَتْ لِوَلِيِّهَا زَوِّجْنِي بِأَلْفٍ فَنَقَصَ عَنْهُ بَطَلَ النِّكَاحُ، فَلَوْ أَطْلَقَتْ فَنَقَصَ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ بَطَلَ
(1)
. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ صِحَّةُ النِّكَاحِ فِي الصُّورَتَيْنِ بِمَهْرِ المِثْلِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
فصل
قَالَتْ رَشِيدَةٌ: زَوِّجْنِي بِلَا مَهْرٍ فَزَوَّجَ وَنَفَى المَهْرَ أَوْ سَكَتَ فَهُوَ تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ
…
بانقضاء العصمة الأولى بل ولا كناية فيه. (ولو قالت لوليها زوجني بألف فنقص عنه بطل النكاح، فلو أطلقت) له الإذن بأن لم تتعرض فيه لمهر (فنقص عن مهر مثل بطل)؛ لأن الإذن المطلق محمول على مهر المثل، وكذا لو زوجها بلا مهر (قلت: الأظهر صحة النكاح في الصورتين) صورة التقييد وصورة الإطلاق (بمهر المثل والله أعلم)؛ كما في سائر الأسباب المفسدة للصداق ولأن البضع له مرد شرعي يرد إليه، نعم لو كانت سفيهة فسمى دون مأذونها لكنه زائد على مهر مثلها انعقد بالمسمى
(2)
؛ لأنه لا مدخل لإذنها في الأموال فكأنها لم تأذن في شيء بخلاف الرشيدة؛ لأن إذنها معتبر في المال فيجب مهر المثل فيها. وخرج بنقص عنه ما لو زاد عليه فينعقد بالزائد، نعم إذا عينت الزوج والقدر أو نهت عن الزيادة امتنعت الزيادة، ويجب حينئذ مهر المثل.
(فصل) في التفويض
وهو لغة: رد الأمر للغير، وشرعا: إما تفويض بضع وهو إخلاء النكاح عن مهر المثل الحال من نقد البلد، وإما تفويض مهر كزوجني بما شئت أو شاء فلان والمراد هنا الأول. إذا (قالت) حرة (رشيدة) بكر أو ثيب أو سفيهة مهملة، ولا يدخل في الرشيدة الصبية لوليها (زوجني بلا مهر) أو على أن لا مهر لي (فزوج ونفى المهر أو سكت) عنه أو زوج بدون مهر المثل أو بغير نقد البلد أو بمهر مؤجل أو قال زوجتكها وعليك لها مائة، ويوجه بأن ذكر المهر ليس شرطا لصحة النكاح فلم يكن في قوله وعليك إلزام بل طلب وَعْدٍ منه لا يلزم (فهو تفويض صحيح) وخرج بقوله ((بلا مهر)) قولها زوجني فقط فليس تفويضا؛ لأن إذنها محمول
(1)
. في نسخة زيادة: ((وَفِي قَوْلٍ يَصِحُّ بِمَهْرِ مِثْلٍ)).
(2)
. خلافا لهما.
وَكَذَا لَوْ قَالَ سَيِّدُ أَمَةٍ زَوَّجْتُكَهَا بِلَا مَهْرٍ، وَلَا يَصِحُّ تَفْوِيضُ غَيْرِ رَشِيدَةٍ. وَإِذَا جَرَى تَفْوِيضٌ صَحِيحٌ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِنْ وَطِئَ فَمَهْرُ مِثْلٍ. وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْعَقْدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ مُطَالَبَةُ الزَّوْجِ بِأَنْ يَفْرِضَ مَهْرًا، وَحَبْسُ نَفْسِهَا لِيَفْرِضَ، وَكَذَا لِتَسْلِيمِ المَفْرُوضِ فِي الْأَصَحِّ، وَيُشْتَرَطُ رِضَاهَا بِمَا يَفْرِضُهُ الزَّوْجُ
على مقتضى الشرع والعرف من المصلحة؛ لاستحيائها من ذكر المهر غالبا، وبـ ((نفي إلى آخره)) ما لو أنكحها بمهر المثل حالا من نقد البلد فإنه يصح بالمسمى، ولو قالت زوجني بلا مهر حالا ولا مآلا وإن وقع وطء فهو تفويض صحيح (وكذا لو قال سيد أمة زوجتكها بلا مهر)؛ إذ هو المستحق كالرشيدة، وكذا لو سكت. ولو أذن لآخر في تزويج أمته وسكت عن المهر فزوجها الوكيل وسكت عنه لم يكن تفويضا؛ لأن الوكيل يلزمه الحط لموكله فينعقد بمهر المثل، والمكاتبة كتابة صحيحة كحرة. وخرج بقوله زوجتكها بلا مهر وما ألحق به ما لو زوَّجه بدونه أو بمؤجل أو من غير نقد البلد فينعقد به ولا تفويض، (ولا يصح تفويض غير رشيدة) كغير مكلفة وسفيهة محجور عليها؛ لأنها ليست من أهل التبرع، أما إذنها في النكاح المشتمل على التفويض فصحيح. (وإذا جرى تفويض صحيح فالأظهر أنه لا يجب شيء بنفس العقد) وإلا لتشطر بطلاق قبل وطء وقد دل القرآن على أنها لا تستحق إلا المتعة، نعم إن سمَّى مهر المثل حالا من نقد البلد انعقد به، (فإن وطئ) المفوضة ولو باختيارها (فمهر مثل)؛ لأن البضع حق لله تعالى إذ لا يباح بالإباحة، ومر في نكاح المشرك أن الحربيين -لا الذميين- لو اعتقدوا أن لا مهر لمفوضة مطلقا عملنا به وإن أسلما قبل الوطء؛ لسبق استحقاقه وطئاً بلا مهر، وكذا لو زوج أمته عبده ثم أعتقها أو أحدهما أو باعها لآخر ثم دخل بها الزوج فلا مهر لها ولا للبائع (ويعتبر) مهر المثل أي صفاتها المراعاة فيه كما يأتي بـ (حال العقد في الأصح
(1)
؛ لأنه السبب للوجوب كما يأتي (ولها قبل الوطء مطالبة الزوج بأن يفرض) لها (مهرا) لمثلها؛ لتكون على بصيرة من تسليم نفسها (و) لها (حبس نفسها ليفرض)؛ لما مر، (وكذا لتسليم المفروض في الأصح) كما لها ذلك في المسمى في العقد؛ إذ ما فرض بعده بمنزلة ما سُمِّي فيه، ولو خافت الفوت بالتسليم جاز لها ذلك قطعا (ويشترط رضاها بما يفرضه الزوج) وإلا فكما
(1)
. خلافا لهما فاعتمدا وجوب مهر من العقد إلى الوطء وإن مات قبل العقد خلافا للشارح.
لَا عِلْمُهُمَا بِقَدْرِ مَهْرِ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَيَجُوزُ فَرْضُ مُؤَجَّلٍ فِي الْأَصَحِّ. وَفَوْقَ مَهْرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ لَا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ. وَلَوِ امْتَنَعَ مِنَ الْفَرْضِ أَوْ تَنَازَعَا فِيهِ فَرَضَ الْقَاضِي نَقْدَ الْبَلَدِ حَالًّا. قُلْتُ: وَيَفْرِضُ مَهْرَ مِثْلٍ وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِهِ وَاَللهُ أَعْلَمُ
لو لم يفرض؛ لأن الحق لها، نعم إن فرض لها مهر مثلها باعترافها حالا من نقد بلدها لم يشترط رضاها؛ لأنها إذا رفعته لقاض لم يفرض غير ذلك فامتناعها عبث وتعنت، (لا علمهما) أي الزوجين (بقدر مهر مثل في الأظهر)؛ لأن ما يتفقان عليه ليس بدلا عن مهر المثل، بل الواجب أحدهما، (ويجوز فرض مؤجل في الأصح) بالتراضي كما يجوز تأجيل المسمى ابتداء (و) يجوز فرض (فوق مهر المثل) ولو من جنسه؛ لما مر أنه غير بدل (وقيل لا إن كان من جنسه)؛ لأنه بدل عنه فلا يزاد عليه (ولو امتنع) الزوج (من الفرض أو تنازعا فيه) أي قدر المفروض ورُفع الأمر للقاضي بدعوى صحيحة (فرض القاضي) وإن لم يرضيا بفرضه؛ لأنه حكم منه لأن منصبه فصل الخصومات (نقد البلد) أي بلد الفرض، والمعتبر نقد بلد الفرض يوم العقد، نعم لو اعتبر محل العقد يومه لم يبعد، ولا ينافي قولنا بلد الفرض من عبَّر ببلد المرأة؛ لاستلزام الفرض حضورها أو حضور وكيلها فالتعبير ببلد الفرض؛ لتدخل هذه الصورة أولى، والعبرة في قدر المهر وصفته
(1)
ببلد المرأة إن كان بها نساء قراباتها أو بعضهن
(2)
وإلا اعتبر بلدهن إن جمعهن بلد وإلا اعتبر أقربهن لبلدها، فإن تعذرت معرفتهن اعتبرت أجنبيات بلدها (حالا) وإن رضيت بغيرهما أو اعتيد ذلك؛ لما مر أن في البضع حقا لله تعالى، بل لو اعتاد نساؤها التأجيل لم يؤجل بل يفرض مهر مثلها حالا وينقص منه ما يقابل الأجل
(3)
، (قلت: ويفرض مهر مثل) حالة العقد بلا زيادة ولا نقص؛ لأنه قيمة البضع، نعم يغتفر يسير يقع في محل الاجتهاد بأن يتغابن به، بل تمتنع الزيادة والنقص وإن رضيا (ويشترط علمه به) أي بقدر مهر المثل (والله أعلم) حتى لا يزيد عليه ولا ينقص منه؛ لأنه متصرف
(1)
. خلافا للنهاية في حالة صفة المهر فالعبرة عنده ببلدها أو بلد وكيلها فقط فلا يكون إلا من نقد تلك البلد.
(2)
. ظاهره ولو كانت أبعد وكان الأقرب غائبا بغير بلدها خلافا للرملي.
(3)
. ويأتي أن الشارح استظهر أن محل هذا عند الفرض أما عند العقد فيجوز العقد بمؤجل بشروط تأتي.
وَلَا يَصِحُّ فَرْضُ أَجْنَبِيٍّ مِنْ مَالِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَالْفَرْضُ الصَّحِيحُ كَمُسَمًّى فَيَتَشَطَّرُ بِطَلَاقٍ قَبْلَ وَطْءٍ، وَلَوْ طَلَّقَ قَبْلَ فَرْضٍ وَوَطْءٍ فَلَا شَطْرَ. وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَهُمَا لَمْ يَجِبْ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْت: الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
فصل
مَهْرُ المِثْلِ مَا يُرْغَبُ بِهِ فِي مِثْلِهَا، وَرُكْنُهُ الْأَعْظَمُ نَسَبٌ، فَيُرَاعَى أَقْرَبُ مَنْ تُنْسَبُ إلَى مَنْ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَأَقْرَبُهُنَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ ثُمَّ لِأَبٍ ثُمَّ بَنَاتُ أَخٍ ثُمَّ عَمَّاتٌ كَذَلِكَ،
لغيره، والعلم بذلك شرط لجواز التصرف ونفوذه. (ولا يصح فرض أجنبي) ولو (من ماله) بغير إذن الزوج سواء العين والدين (في الأصح. والفرض الصحيح) منهما أو من القاضي (كمسمى فيتشطر بطلاق قبل وطء) كالمسمى في العقد. أما الفاسد كخمر فلغو فلا يجب شيء حتى يتشطر (ولو طلق قبل فرض ووطء فلا شطر)؛ لمفهوم قوله تعالى {وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً} البقرة: 237، ولها المتعة كما يأتي (وإن مات أحدهما قبلهما) أي الفرض والوطء (لم يجب مهر مثل في الأظهر) كالفرقة بالطلاق (قلت: الأظهر وجوبه والله أعلم)؛ للخبر الصحيح بقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك لبروع رضي الله عنها.
(فصل) في بيان مهر المثل
(مهر المثل ما يرغب به) عادة (في مثلها) نسبا وصفة، (وركنه الأعظم) في النسيبة (نسب) ولو في العجم؛ لأن التفاخر إنما يقع به غالبا فتختلف الرغبات به مطلقا (فيراعى) من أقاربها حتى تقاس هي عليها (أقرب من تنسب) من نساء العصبة (إلى من تنسب) هذه التي تطلب معرفة مهرها (إليه) كأخت وعمة، لا أم وجدة وخالة؛ لقضائه صلى الله عليه وسلم لبروع بمهر نساء في الخبر السابق، أما مجهولة النسب فركنه الأعظم فيها نساء الأرحام كما يعلم مما يأتي (وأقربهن أخت لأبوين)؛ لإدلائها بجهتين (ثم) إن فقدت أو جهل مهرها أو كانت مفوضة ولم يفرض لها مهر مِثْلِ أختٍ (لأب ثم بنات أخ
(1)
فابنه وإن سفل (ثم عمات) لا بناتهن (كذلك) أي لأبوين
(1)
. المراد جهة الأخوة.
فَإِنْ فُقِدَ نِسَاءُ الْعَصَبَةِ أَوْ لَمْ يَنْكِحْنَ أَوْ جُهِلَ مَهْرُهُنَّ فَأَرْحَامٌ كَجَدَّاتٍ وَخَالَاتٍ، وَيُعْتَبَرُ سِنٌّ وَعَقْلٌ وَيَسَارٌ وَبَكَارَةٌ وَثُيُوبَةٌ وَمَا اخْتَلَفَ بِهِ غَرَضٌ، فَإِنِ اخْتَصَّتْ بِفَضْلٍ أَوْ نَقْصٍ زِيدَ أَوْ نُقِصَ لَائِقٌ فِي الحَالِ، وَلَوْ سَامَحَتْ وَاحِدَةٌ لَمْ تَجِبْ مُوَافَقَتُهَا، وَلَوْ خَفَضْنَ لِلْعَشِيرَةِ فَقَطْ اُعْتُبِرَ
ثم لأب ثم بنات عم ثم بنات ابنه وإن سفل كذلك
(1)
(فإن فقد نساء العصبة) بأن لم يوجدن وإلا فالميتات يعتبرن أيضا (أو لم ينكحن، أو جهل مهرهن فأرحام) أي قرابات للأم من جهة الأب أو الأم (كجدات)، نعم تقدم أم فأخت لأم عليهن (وخالات)؛ لأنهن أولى بالاعتبار من الأجانب تقدم القربى فالقربى من جهات أو جهة، فإن اجتمع أم أب أم وأم أم استويا ثم الخالة ثم بنات الأخوات أي للأم ثم بنات الأخوال. ولو لم يكن في نساء عصباتها من بصفتها اعتبر النسب ثم ينقص ويزاد لفقد الصفات ما يليق بها، وتعتبر الحاضرات منهن فإن غبن كلهن اعتبرن دون أجنبيات بلدها، فإن تعذر أرحامها فنساء بلدها ثم أقرب بلد إليها، نعم يقدم منهن من ساكنها في بلدها قبل انتقالها للأخرى، ويعتبر في المتفرقات أقربهن لبلدها ثم أقرب النساء بها شبها، وتعتبر عربية بعربية مثلها، وأمة وعتيقة بمثلها مع اعتبار شرف السيد وخسته، وقروية وبلدية وبدوية بمثلها.
[تنبيه] علم من ضبط نساء العصبة ونساء الأرحام بما ذكر أن مَن عدا هذين من الأقارب كبنت الأخت من الأب في حكم الأجنبيات، (ويعتبر) مع ذلك (سن وعقل ويسار) وضدها (وبكارة وثيوبة، و) كل (ما اختلف به غرض) كجمال وعفة وفصاحة وعلم فمن شاركتهن في شيء منها اعتبر، وإنما لم يعتبر نحو المال والجمال في الكفاءة؛ لأن مدارها على دفع العار ومدار المهر على ما تختلف به الرغبات (فإن اختصت) عنهن (بفضل) بشيء مما ذكر (أو نقص) بشيء من ضده (زيد) عليه (أو نقص) عنه (لائق بالحال) بحسب ما يراه قاض باجتهاده، (ولو سامحت واحدة) -هي مثال للقلة والندرة لا قيد- من نسائها (لم تجب موافقتها)؛ اعتبارا بغالبهن، نعم إن كانت مسامحتها لنقص دخل في النسب وفتر الرغبة فيه اعتبر. (ولو خفضن) كلهن أو غالبهن (للعشيرة) أي الأقارب (فقط اعتبر) في حقهم دون غيرهم -سواء مهر وطء الشبهة وغيرها- بل لو خفضن لدناءتهن لغير العشيرة فقط اعتبر أيضا، وكذا لو خفضن لذوي صفة كشباب أو علم، ومرَّ أنهن لو اعتدن التأجيل فرض الحاكم حالا ونقص لائقا
(1)
. هنا إيراد على المتن أقره المغني ورده الشارح.
وَفِي وَطْءِ نِكَاحٍ فَاسِدٍ مَهْرُ مِثْلٍ يَوْمَ الْوَطْءِ، فَإِنْ تَكَرَّرَ فَمَهْرٌ فِي أَعْلَى الْأَحْوَالِ. قُلْتُ: وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءٌ بِشُبْهَةٍ وَاحِدَةٍ فَمَهْرٌ، فَإِنْ تَعَدَّدَ جِنْسُهَا تَعَدَّدَ المَهْرُ. وَلَوْ كَرَّرَ وَطْءَ مَغْصُوبَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً عَلَى زِنًا تَكَرَّرَ المَهْرُ. وَلَوْ تَكَرَّرَ وَطْءُ الْأَبِ وَالشَّرِيكِ وَسَيِّدٌ مُكَاتَبَةً فَمَهْرٌ،
بالأجل فإذا اعتدن التأجيل في كله أو بعضه نقص للتعجيل ما يليق بالأجل، وإذا اعتيد التأجيل بأجل معين مطرد جاز للولي -ولو حاكما- العقد به، وذلك النقص الذي ذكروه محله في فرض الحاكم؛ لأنه حكم بخلاف مجرد العقد به، وعليه فيشترط هنا ما في الولي إذا باع بمؤجل للمصلحة من يسار المشتري وعدالته وغيرهما، ويشترط أيضا فيمن يعتدنه أن يعتدن أجلا معينا مطردا، (وفي وطء نكاح فاسد) يجب (مهر المثل)؛ لاستيفائه منفعة البضع. ويعتبر مهرها (يوم الوطء) أي وقته؛ لأنه وقت الإتلاف، لا العقد لفساده، (فإن تكرر) ذلك (فمهر) واحد ولو في نحو مجنونة؛ لاتحاد الشبهة في الكل، ثم إن اتحدت صفاتها في كل تلك الوطآت فواضح وإلا كأن كانت في بعض الوطآت مثلا سليمة سمينة وفي بعضها بضد ذلك اعتبر مهرها (في أعلى الأحوال)؛ إذ لو لم توجد إلا بتلك الوطأة وجب ذلك العالي، فإن لم تقتضِ البقية زيادة لم تقتض نقصا. (قلت: ولو تكرر وطء بشبهة واحدة فمهر) واحد؛ لشمول الشبهة هنا للكل أيضا، نعم
(1)
محله إذا لم يطأ بعد أداء المهر وإلا وجب لما بعد أدائه مهر آخر. ولا يجب مهر لحربية أو مرتدة -ماتت مرتدة- أو أمة سَيِّدِهِ التي وطئها بشبهة (فإن تعدد جنسها) كأن وطئها بنكاح فاسد ثم فُرِّق بينهما ثم وطئها مرة أخرى يظنها أمته، أو اتحد جنسها وتعددت هي -أي الشبهة- كأن وطئها بظنها زوجته ثم انكشف الحال ثم وطئها بذلك الظن (تعدد المهر)؛ لأن تعددها كتعدد النكاح (ولو كرر وطء مغصوبة) غير زانية كنائمة أو مكرهة أو مطاوعة لشبهة اختصت بها (أو مكرهة على زنا) وإن لم تكن مغصوبة؛ إذ لا يلزم من الوطء ولو مع الإكراه الغصب
(2)
(تكرر المهر)؛ لأن سببه الإتلاف وقد تعدد بتعدد الوطآت. (ولو تكرر وطء الأب) جارية ابنه ولم تحمل (والشريك) الأمة المشتركة (وسيدٌ مكاتبة
(3)
له أو لمكاتبه (فمهر) واحد فيهن وإن طال الزمان بين كل
(1)
. اعتمد المغني جريان ذلك فيما تقدم.
(2)
. ورد الشارح ما اعتمده المغني من اختصاص الأولى بالمكرهة وأنه لا وجه لعطف هذه عليها.
(3)
. قيدا الكلام على المكاتبة بما رده الشارح عليهما.
وَقِيلَ مُهُورٌ، وَقِيلَ إنِ اتَّحَدَ المَجْلِسُ فَمَهْرٌ، وَإِلَّا فَمُهُورٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
فصل
الْفُرْقَةُ قَبْلَ وَطْءٍ مِنْهَا أَوْ بِسَبَبِهَا كَفَسْخِهِ بِعَيْبِهَا تُسْقِطُ المَهْرَ. وَمَا لَا كَطَلَاقٍ وَإِسْلَامِهِ وَرِدَّتِهِ وَلِعَانِهِ وَإِرْضَاعِ أُمِّهِ أَوْ أُمِّهَا يُشَطِّرُهُ
وطأتين؛ لاتحاد الشبهة في جميعهن (وقيل مهور)؛ لتعدد الإتلاف في ملك الغير مع العلم بالحال (وقيل إن اتحد المجلس فمهر وإلا فمهور، والله أعلم)؛ لانقطاع كل مجلس عن الآخر.
[تنبيه] العبرة في الشبهة الموجبة للمهر بظنها كما مر، ويفصّل في المعتبر في التعدد بين أن تكون الشبهة منهما فيعتبر ظنه؛ لأنه أقوى، أو منها فقط فيعتبر ظنها.
(فصل) في تشطير المهر وسقوطه
(الفرقة) في الحياة (قبل وطء) في قبل أو دبر ولو بعد استدخال مني (منها) كفسخها بعيبه أو بإعساره أو بعتقها، وكردتها أو إسلامها -لا تبعا لأحد أبويها
(1)
- أو إرضاعها له أو لزوجة أخرى له أو ملكها له أو ارتضاعها كأن دبَّت وارتضعت من أمه (أو بسببها كفسخه بعيبها) ولو الحادث أو منهما كأن ارتدا
(2)
معا، أو من سيدها كأن وطئ أمته المزوجة لبعضه
(3)
، أو أرضعت أمتها مع زوجها (تسقط المهر) المسمى ابتداء والمفروض بعدُ ومهر المثل؛ لأن فسخها إتلاف للمعوض قبل التسليم فأسقط عوضه كإتلاف البائع المبيع قبل القبض. وفسخه الناشئ عن عيبها كفسخها، وجعل عيبها كفسخها ولم يجعل عيبه كفراقه؛ لأنه بذل العوض في مقابلة منافع سليمة ولم تتم بخلافها (وما لا) يكون منها ولا بسببها (كطلاق) ولو خلعا أو رجعيا بأن استدخلت ماءه
(4)
(وإسلامه) ولو تبعا (وردته
(5)
ولعانه وإرضاع أمه) لها وهي صغيرة (أو) إرضاع (أمها) له وهو صغير، وملْكه لها (يشطره) أي
(1)
. خلافا لهما فاعتمدا عدم الفرق.
(2)
. خلافا لهم.
(3)
. أي أصله أو فرعه.
(4)
. تصوير للرجعي قبل الوطء فيتشطر بمجرد الطلاق.
(5)
. ولو معها عندهم خلافا للشارح.
ثُمَّ قِيلَ: مَعْنَى التَّشْطِيرِ أَنَّ لَهُ خِيَارَ الرُّجُوعِ، وَالصَّحِيحُ عَوْدُهُ بِنَفْسِ الطَّلَاقِ، فَلَوْ زَادَ بَعْدَهُ فَلَهُ. وَإِنْ طَلَّقَ وَالمَهْرُ تَالِفٌ فَنِصْفُ بَدَلِهِ مِنْ مِثْلٍ أَوْ قِيمَةٍ. فَإِنْ تَعَيَّبَ فِي يَدِهَا، فَإِنْ قَنِعَ بِهِ وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَتِهِ سَلِيمًا، وَإِنْ تَعَيَّبَ قَبْلَ قَبْضِهَا فَلَهُ نِصْفُهُ نَاقِصًا بِلَا خِيَارٍ،
ينصفه؛ للنص عليه في الطلاق بقوله تعالى {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} البقرة: 237 وقياسا عليه في الباقي، ومر أنه لو زوج أمته بعبده فلا مهر فلو عتقا ثم طلق قبل وطء فلا شطر. وخرج بقيد الحياة الفرقة بالموت فلا تشطير فيها؛ لأنه مقرر لجميع المهر وكالموت -عدةً ومهراً وإرثاً- مسخُ أحدهما حجراً فإن مسخ الزوج حيوانا فكذلك مهراً لا عدة وإرثا؛ نظرا لحياته أو الزوجة فلا تشطير أيضا؛ لحصول الفرقة من جهتها وعاد كل المهر للزوج
(1)
(ثم قيل معنى التشطير أن له خيار الرجوع، والصحيح عوده) أي النصف إليه إن كان هو المؤدِّي عن نفسه أو أداه عنه وليه وهو أب أو جد وإلا عاد للمؤدِّي (بنفس الطلاق) يعني الفراق وإن لم يختره؛ للآية، نعم لو سلمه العبد من كسبه أو مال تجارته ثم فسخ أو طلق قبل وطء عاد الكل في حالة الفسخ أو النصف في حالة الطلاق للسيد عند الفراق لا الإصداق، فإن عتق ولو مع الفراق عاد له. وإذا فرعنا على الصحيح أو كان الفراق منها، (فلو زاد) الصداق (بعده) أي الفراق (فله) كل الزيادة المتصلة والمنفصلة في حالة الفسخ؛ لحدوثها من ملكه، وله نصف الزيادة في حالة الطلاق؛ لحدوثها من مشترك بينهما، أما لو نقص الصداق بعد الفراق في يدها فتضمن الأرش كله أو نصفه إن تعدَّت بأن طالبها فامتنعت، وكذا إن لم تتعد؛ لأن يدها عليه يد ضمان وملكه له بنفس الفراق مستقر، وبه يفرق بين هذا وما مر فيما لو تعيب الصداق بيده قبل قبضها، أما إن نقص بعد الفراق في يده وقد جنى عليه أجنبي أو هي فللزوج أيضا كل الأرش أو نصفه. (وإن طلَّق) مثلا (والمهر) الذي قبضته (تالف) ولو حكما (فـ) له (نصف بدله من مثل) في مثلي (أو قيمة) في متقوم كما لو رد المبيع فوجد ثمنه تالفا، (فإن تعيب في يدها) قبل نحو الطلاق (فإن قنع) الزوج (به) أي بنصفه معيبا أخذه بلا أرش (وإلا) يقنع به (فنصف قيمته سليما) في المتقوم ونصف مثله سليما في المثلي. (وإن تعيب قبل قبضها) له بآفة ورضيت به (فله نصفه ناقصا بلا خيار) ولا أرش؛ لأنه حالة
(1)
. كما في فتح الجواد بتصرف.
فَإِنْ عَابَ بِجِنَايَةٍ وَأَخَذَتْ أَرْشَهَا فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ نِصْفَ الْأَرْشِ. وَلَهَا زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ، وَلَهَا خِيَارٌ فِي مُتَّصِلَةٍ، فَإِنْ شَحَّتْ فَنِصْفُ قِيمَةٍ بِلَا زِيَادَةٍ، وَإِنْ سَمَحَتْ لَزِمَهُ الْقَبُولُ. وَإِنْ زَادَ وَنَقَصَ كَكِبَرِ عَبْدٍ وَطُولِ نَخْلَةٍ وَتَعَلُّمِ صَنْعَةٍ مَعَ بَرَصٍ فَإِنِ اتَّفَقَا بِنِصْفِ الْعَيْنِ،
نقصه من ضمانه (فإن عاب بجناية وأخذت أرشها) يعني وكان الجاني ممن يضمن الأرش -وإن لم تأخذه، بل وإن أبرأته عنه، ولو ردته للزوج سليما- (فالأصح أن له نصف الأرش) مع نصف العين؛ لأنه بدل الفائت، وبه فارق الزيادة المنفصلة، (ولها) إذا فارق ولو بسببها (زيادة) قبل الفراق (منفصلة) كثمرة وولد وأجرة ولو في يده فيرجع -في الأصل أو نصفه أو بدله- دونها؛ لحدوثها في ملكها، نعم في ولد الأمة الذي لم يميز تتعين قيمة الأم أو نصفها حذرا من التفريق المحرم. ولو كان الولد حملا عند الإصداق فإن رضيت رجع في نصفهما وإلا فله قيمة نصفه يوم الانفصال مع نصف قيمتها إن لم يميز ولد الأمة، فإن ميز أخذه مع نصفها؛ لجواز تفريق الصفقة، ثم محل ما مر إن لم تنقص بالولادة في يدها وإلا تخير فإن شاء أخذ نصفها ناقصا أو رجع بنصف قيمتها حينئذ، فإن كان النقص في يده رجع في نصفها، وإنما نظروا هنا لمن النقص بالولادة في يده؛ لأن الولد ملكهما معا فلم ينظروا لسببه -وهو الحمل-؛ إذ لا مرجح، وبه يفرق بين هذا وما لو حدث الولد بعد الإصداق في يده ثم ولدت في يدها فإن النقص من ضمانه؛ لأن الحمل وجد في يده وإن كان الولد لها (ولها) فيما إذا فارقها بعد زيادة متصلة (خيار في متصلة) كسمن وحرفة وليس منها ارتفاع سوق (فإن شحت) فيها وكان الفراق لا بسببها (فـ) له -ولو معسرة- (نصف قيمة) للمهر، بأن يقوَّم (بلا زيادة)، ومنع المتصلة للرجوع من خصائص هذا المحل؛ لأن العودَ هنا ابتداءُ تملك لا فسخ (وإن سمحت) بالزيادة وهي رشيدة (لزمه القبول)؛ لأنها لكونها تابعة لا تظهر فيها المنة فليس له طلب القيمة، هذا كله إن لم يعد إليه كل الصداق وإلا فإن كان بسبب مقارن للعقد كعيب أحدهما رجع إليه بزيادته المتصلة وإن لم ترض هي كفسخ البيع بالعيب، وإن كان بسبب عارض كردتها تخيرت بين أن تسلمه زائدا وأن تسلم قيمته غير زائد، (وإن) فارق لا بسببها وقد (زاد) من وجه (ونقص) من وجه (ككبر عبد) كبرا يمنع دخوله على الحريم وقبوله للرياضة والتعليم ويقوى به على الأسفار والصنائع فالأول نقص والثاني زيادة. فخرج مصير ابن سنة ابن نحو خمس فزيادة محضة ومصير شاب شيخا فنقص محض (وطول نخلة) بحيث قلَّ به ثمرها وكثر به حطبها (وتعلّم صنعة مع) حدوث نحو (برص فإن اتفقا) على أنه يرجع (بنصف العين) فظاهر؛ لأن الحق لا
وَإِلَّا فَنِصْفُ قِيمَةٍ، وَزِرَاعَةُ الْأَرْضِ نَقْصٌ، وَحَرْثُهَا زِيَادَةٌ، وَحَمْلُ أَمَةٍ وَبَهِيمَةٍ زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ. وَقِيلَ: الْبَهِيمَةُ زِيَادَةٌ، وَإِطْلَاعُ نَخْلٍ زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ. وَإِنْ طَلَّقَ وَعَلَيْهِ ثَمَرٌ مُؤَبَّرٌ لَمْ يَلْزَمْهَا قَطْفُهُ، فَإِنْ قُطِفَ تَعَيَّنَ نِصْفُ النَّخْلِ، وَلَوْ رَضِيَ بِنِصْفِ النَّخْلِ وَتَبْقِيَةِ الثَّمَرِ إلَى جِذَاذِهِ أُجْبِرَتْ فِي الْأَصَحِّ، وَيَصِيرُ النَّخْلُ فِي يَدِهَا،
يعدوهما (وإلا فنصف قيمة للعين) مجردة عن زيادة ونقص؛ لأنه الأعدل، ولا يجبر هو على أخذ نصف العين للنقص ولا هي على إعطائه للزيادة (وزراعة الأرض نقص) محض؛ لأنها تُذْهِب قوتها غالبا (وحرثها زيادة) فإن اتفقا على نصفها محروثة أو مزروعة وترك الزرع للحصاد فواضح، وإلا رجع بنصف قيمتها مجردة عن حرث وزرع، هذا إن اتخذت للزراعة وكان في وقته وإلا فهو نقص محض (وحمل أمة وبهيمة) وُجد بعد العقد ولم ينفصل عند الفراق (زيادة)؛ لتوقع الولد (ونقص)؛ لأن فيه الضعف حالا وخوف الموت مآلا، (وقيل البهيمة) حملها (زيادة) محضة؛ لأنها لا تهلك به غالبا بخلاف الأمة، (وأطلاع نخل) لم يؤبر عند الفراق (زيادة متصلة) فيمنع الزوج من الرجوع القهري؛ لحدوثها بملكها، ولو رضيت بأخذه له مع النخل أجبر على قبوله. وظهور النَّوْر في غير النخل بدون نحو تساقطه كبدو الطلع من غير تأبير، (وإن طلق) مثلا (وعليه ثمر مؤبر) -بأن تشقق طلعه، أو وجد نحو تساقط نور غيره- وقد حدث بعد الإصداق ولم يدخل وقت جذاذه (لم يلزمها قطفه) -أي قطعه- ليرجع هو لنصف نحو النخل؛ لأنه حدث في ملكها، بل لها إبقاؤه إلى جذاذه وإن اعتيد قطفه أخضر (فإن قُطِف) أو قالت ارجع وأنا أقطفه (تعين نصف) نحو (النخل) حيث لا نقص في الشجر حدث منه ولا زمن للقطف يقابل بأجرة؛ إذ لا ضرر عليه حينئذ بوجه (ولو رضي بنصف) نحو (النخل وتبقية الثمر إلى جذاذه) وقبض النصف شائعا بحيث برئت من ضمانه (أجبرت) على ذلك (في الأصح)؛ إذ لا ضرر عليها فيه. (ويصير النخل في يدهما) كسائر الأموال المشتركة، ومن ثم كانا في السقي كشريكين في الشجر انفرد أحدهما بالثمر. أما إذا لم يقبضه كذلك كأن قال أرضى بنصف النخل وأؤخر الرجوع إلى بعد الجذاذ، أو أرجع في نصفه حالا ولا أقبضه إلا بعد الجذاذ، أو وأعيرها نصفي فلا يجاب لذلك قطعا وإن قال لها أبرأتك من ضمانه؛ لإضرارها لأنها لا تبرأ بذلك، فإن قال أقبضه ثم أودعها إياه ورضيت بذلك أجبرت؛ إذ لا ضرر عليها حينئذ وإلا فلا.
وَلَوْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَهُ الِامْتِنَاعُ وَالْقِيمَةُ. وَمَتَى ثَبَتَ خِيَارٌ لَهُ أَوْ لَهَا لَمْ يَمْلِكْ هُوَ نِصْفَهُ حَتَّى يَخْتَارَ ذُو الِاخْتِيَارِ. وَمَتَى رَجَعَ بِقِيمَةٍ اُعْتُبِرَ الْأَقَلُّ مِنْ يَوْمَيِ الْإِصْدَاقِ وَالْقَبْضِ. وَلَوْ أَصْدَقَ تَعْلِيمَ قُرْآنٍ وَطَلَّقَ قَبْلَهُ، فَالْأَصَحُّ تَعَذُّرُ تَعْلِيمِهِ
(ولو رضيت به) أي الرجوع في نصف الشجر وترك ثمرها للجذاذ (فله الامتناع) منه (والقيمة) أي طلبها؛ لأن حقه ناجز في العين أو القيمة فلا يؤخر إلا برضاه. ولو وهبته نصف الثمر لم يجبر على القبول لزيادة المنة هنا بخلافه فيما مر في الطلع فإن قبل اشتراكا فيهما (ومتى ثبت خيار له) لنقص (أو لها) لزيادة أو لهما لاجتماعهما (لم يملك هو نصفه حتى يختار ذو الاختيار) من أحدهما أو منهما وإلا لبطلت فائدة التخيير، وهو على التراخي؛ لأنه ليس خيار عيب ما لم يطلب فتكلف هي اختيار أحدهما فورا، ولا يُعيِّن في طلبه عينا ولا قيمة؛ لأن التعيين ينافي تفويض الأمر إليها بل يطالبها بحقه عندها، فإن امتنعت لم تحبس بل تنزع منها وتمنع من التصرف فيها، فإن أصرت على الامتناع باع القاضي منها بقدر الواجب من القيمة، فإن تعذر بيعه باع الكل وأعطيت ما زاد، ومع مساواة ثمن نصف العين لنصف القيمة يأخذ نصف العين؛ إذ لا فائدة في البيع ظاهرة؛ لأن الشقص لا راغب فيه غالبا، نعم يتوقف
(1)
ملك نصف العين ذلك على قضاء القاضي به (ومتى رجع بقيمة) للمتقوم لنحو زيادة أو نقص أو زوال ملك (اعتبر الأقل من يومي الإصداق والقبض)؛ لأنها إن كانت يوم الإصداق أقلَّ فما زاد حدث بملكها فلم تضمنه له، أو يوم القبض أقلَّ فما نقص قبله من ضمانه فلم تضمنه له أيضا، ومحل ما في المتن إذا حدثت الزيادة والنقص بعد العقد وقبل القبض، أما لو حصلا بعد القبض فالعبرة بيوم القبض. ولو تلف في يدها بعد الفراق وجبت قيمة يوم التلف؛ لتلفه على ملكه تحت يد ضامنة له (ولو أصدقـ) ـها (تعليم) ما فيه كلفة عرفا كـ (قرآن) صحّ ولو كان تعليم القرآن لكتابية رجي إسلامها أو كان القرآن دون ثلاث آيات، وكنحو شِعْر فيه كلفة ومنفعة تقصد شرعا؛ لاشتماله على علم أو مواعظ مثلا، سواء كان ذلك التعليم عينا أو ذمة ولو لنحو عبدها
(2)
أو ولدها الذي يلزمها إنفاقه، (و) متى (طلق) مثلا (قبله) أي تعليمها هي دون نحو عبدها، ولم تصر زوجة أو محرما له بحدوث رضاع أو بأن ينكح بنتها ولا كانت صغيرة لا تشتهى، وكان التعليم بنفسه (فالأصح تعذر تعليمه) وإن وجب كالفاتحة قبل الدخول وبعده؛ لأنها صارت أجنبية
(1)
. خلافا لشرح الروض والمغني.
(2)
. ظاهره ولو لم يجب عليها تعليمه إياه خلافا لما توهمه عبارة شرح الروض ولصريح عبارة المغني.
وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ بَعْدَ وَطْءٍ، وَنِصْفُهُ قَبْلَهُ. وَلَوْ طَلَّقَ وَقَدْ زَالَ مِلْكُهَا عَنْهُ فَنِصْفُ بَدَلِهِ. فَإِنْ كَانَ زَالَ وَعَادَ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَهَبَتْهُ لَهُ ثُمَّ طَلَّقَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ لَهُ نِصْفَ بَدَلِهِ،
فلم تؤمن المفسدة؛ لما وقع بينهما من مقرب الألفة وامتداد طمع كل إلى الآخر، فعلم أنه لو أمكنه أن يعلمها ما استحقته في مجلس واحد
(1)
من وراء حجاب بحضرة مانع خلوة رضي بالحضور كمحرم أو زوج أو امرأة أخرى وهما ثقتان يحتشمهما فلا تعذر.
[تنبيه] إذا لم يتعذر كأن كان لنحو قنها وتشطر أعتبر النصف المتقارب عرفا
(2)
بالآيات أو الحروف والخيرة إليه لا إليها
، نعم لا يجاب لنصف ملفق من سور أو آيات لا على ترتيب المصحف؛ لأنه لا يفهم من إطلاق النصف. (ويجب) فيما إذا تعذر تعليم ما أصدقه (مهر مثل) إن فارق (بعد وطء ونصفه) إن فارق لا بسببها (قبله)؛ جريا على القاعدة في تلف الصداق قبل القبض، ولو علَّمها ثم فارقها بعد وطء فلا شيء له، وإلا رجع عليها بأجرة مثل الكل إن لم يجب شطر وإلا فبأجرة مثل نصفه. أما لو أصدقها تعليما لها في ذمته فلا يتعذر، بل يستأجر نحو امرأة أو مَحْرَم يعلمها ما وجب لها. (ولو طلق) مثلا قبل الدخول وبعد قبضها للصداق (وقد زال ملكها عنه) ولو بهبة مقبوضة، أو تعلق به حق لازم كرهن مقبوض وإجارة وتزويج ولم يصبر لزوال ذلك الحق ولا رضي بالرجوع مع تعلقه به، أو علقت عتقه أو دبرته موسرة؛ تنزيلا لهذا منزلة اللازم لتعذر رجوعها فيه بالقول (فنصف بدله) أي قيمة المتقوم ومثل المثلي كما لو تلف، وليس له نقض تصرفها، ولو صبر لزواله وامتنع من تسلمه فبادرت بدفع البدل إليه لزمه القبول؛ لدفع خطر ضمانها له، (فإن كان زال وعاد) أو زال الحق اللازم ولو بعد الطلاق قبل أخذ البدل (تعلق) الزوج (بالعين في الأصح)؛ لأنه لا بد له من بدل فعين ماله أولى. (ولو وهبته) وأقبضته (له) بعد أن قبضته أو قبله وصححناه (ثم طلق) مثلا قبل وطء (فالأظهر أن له نصف بدله) من مثل أو قيمة لا بدل نصفه كما مر، وذلك؛ لعوده إليه بملك جديد.
(1)
. قال الرملي: ((أو مجالس)).
(2)
. خلافا للشهاب الرملي فاعتمد وجوب نصف مهر المثل.
وَعَلَى هَذَا لَوْ وَهَبَتْهُ النِّصْفَ فَلَهُ نِصْفُ الْبَاقِي وَرُبُعُ بَدَلِ كُلِّهِ، وَفِي قَوْلٍ النِّصْفُ الْبَاقِي وَفِي قَوْلٍ يَتَخَيَّرُ بَيْنَ بَدَلِ نِصْفِ كُلِّهِ أَوْ نِصْفِ الْبَاقِي وَرُبُعِ بَدَلِ كُلِّهِ،
(وعلى هذا) الأظهر (لو وهبته النصف) ثم أقبضته له (فله نصف الباقي) وهو الربع (وربع بدله كله)؛ لأن الهبة وردت على مطلق النصف فتشيع فيما أخرجته وما أبقته (وفي قول النصف الباقي، وفي قول يتخير بين بدل نصف كله) المراد نصف بدل كله (أو) بمعنى الواو (نصف الباقي وربع بدل كله)؛ لئلا يلحقه ضرر التشطير إذ هو عيب.
[تنبيه] ما صححوه هنا من الإشاعة هو من جزئيات قاعدة الحصر والإشاعة، وهي قاعدة مهمة تحتاج لمزيد تأمل؛ لدقة مداركهم التي حملتهم على ترجيح الحصر تارة والإشاعة أخرى، ويتضح بذكر مثال لكل من جزئياتها مع توجيهه بما يتضح به نظائره، فهي أربعة أقسام:
ما نزلوه على الإشاعة قطعا كأن يكون له في ذمته عشرة وَزْناً فيعطيها له عَدَّاً فيزيد واحدا غلطاً فيشيع في الكل الإحدى عشر ويضمنه
(1)
؛ لأنه قبضه لنفسه، ولذا فمن طلب اقتراض ألف وخمسمائة فوزن له ألفا وثمانمائة غلطا ثم ادعى المقترض تلف الثلاثمائة بلا تقصير لكون يده يد أمانة لزمه منها مائتان وخمسون؛ لأن جملة الزائد أشيع في الباقي فصار المضمون من كلٍّ مائة خمسة أسداسها، وسدسها أمانة، فالأمانة من الزائد خمسون لا غير، ويوجه القطع بالإشاعة هنا بأن ليد المستولية على الزائد المنبهم لا يمكن تخصيصها ببعضه؛ لعدم المرجح إذ لا مقتضى للضمان أو الأمانة قبلها حتى يحال الأمر عليه.
وما نزلوه على الإشاعة على الأصح كما هنا ويوجه بأن التشطير وقع بعد الهبة فرفع بعضها فلزمت الإشاعة؛ لعدم المرجح، وكبيع صاع من صبرة تعلم صيعانها فينزل على الإشاعة كما مر؛ لأن البعضية المنبثة في الصبرة التي أفادتها ((مِن)) ظاهرة في ذلك، وقيل على الحصر حتى لو صبت عليها صبرة أخرى ثم تلف الكل إلا صاعا تعين، وكما إذا أقر بعض الورثة بدين فيشيع حتى لا يلزمه إلا قدر حصته؛ عملا بقضية كون الإقرار إخبارا عما لزم الميت فلم يلزمه منه إلا بنسبة إرثه إلى مجموع التركة.
(1)
. أي الواحد الشائع في الكل فيصير المضمون من كل واحد جزأ من أجزائه.
وَلَوْ كَانَ دَيْنًا فَأَبْرَأَتْهُ مِنْهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا عَلَى المَذْهَبِ. وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ عَفْوٌ عَنْ صَدَاقٍ عَلَى الجَدِيدِ.
فصل
يَجِبُ لِمُطَلَّقَةٍ قَبْلَ وَطْءٍ مُتْعَةٌ إنْ لَمْ يَجِبْ شَطْرُ مَهْرٍ
وما نزلوه على الحصر قطعا كأعطوه عبدا من رقيقي فمات وماتوا كلهم إلا واحدا تعينت الوصية فيه أي؛ رعاية لغرض الموصي من بقاء وصيته بحالها حيث لم يعارضها شيء كما راعوه في تعين ما عينه لقضاء دينه منه، وكما راعوه في صحتها إذا ترددت بين مفسد ومصحح كالطبل يحمل على المباح.
وما نزلوه على الحصر على الأصح كما لو وكَّّل شريكه في قن في عتق نصيبه فقال له أعتقت نصفك وأطلق فيحمل على ملكه فقط؛ لأنه الأقوى فاحتاج لصارف ولم يوجد، ومن ثم لو ملك نصف عبد وقال بعتك نصف هذا اختص بملكه، وكذا لو أقر بنصف عبد مشترك ينحصر في حصته كما مر قبيل فصل النسب (ولو كان دينا فأبرأته) -ولو بهبة- (منه) ثم فارق قبل وطء (لم يرجع عليها) بشيء (على المذهب)؛ لأنه لم يغرم شيئا كما لو شهدا بدين وحكم به ثم أبرأ منه المحكوم له ثم رجعا لم يغرما للمحكوم عليه شيئا (وليس لولي عفو عن صداق على الجديد) كسائر ديونها وحقوقها، والذي بيده عقدة النكاح في الآية هو الزوج؛ لأنه الذي يتمكن من رفعها بالفرقة أي إلا أن تعفو هي فيسلم الكل له أو يعفو هو فيسلم الكل لها، لا الولي؛ إذ لم يبق بيده بعد العقد عقدة.
(فصل) في المُِتعة
وهي مال يجب دفعه لمن فارقها أو سيدها بشروط تأتي. (يجب) على مسلم وحر وضدهما (لمطلقة) ولو ذمية أو أمة (قبل وطء متعة إن لم يجب) لها (شطر مهر) بأن فوضت ولم يفرض لها شيء صحيح؛ لقوله تعالى {وَمَتِّعُوهُنَّ} البقرة: 236. وخرج بمطلقة المُتوَّفى عنها زوجها؛ لأن سبب وجوبها إيحاش الزوج لها وهو منتف هنا، وكذا لو ماتت هي أو ماتا؛ إذ لا إيحاش، ((وبلم الخ)) مَن وجب لها شطر بتسميته أو بفرض في التفويض؛ لأنه يجبر الإيحاش، نعم لو زوج أمته بعبده لم يجب شطر ولا متعة.
وَكَذَا لِمَوْطُوءَةٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَفُرْقَةٌ لَا بِسَبَبِهَا كَطَلَاقٍ. وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا تَنْقُصَ عَنْ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا، فَإِنْ تَنَازَعَا قَدَّرَهَا الْقَاضِي بِنَظَرِهِ مُعْتَبِرًا حَالَهُمَا، وَقِيلَ حَالُهُ، وَقِيلَ حَالَهَا، وَقِيلَ أَقَلَّ مَالٍ
(وكذا) تجب (لموطوءة) طلقت طلاقا بائنا مطلقا أو رجعيا وانقضت عدتها
(1)
؛ لأن الرجعية زوجة في أكثر الأحكام والمتعة للإيحاش ولا يتحقق إلا بانقضاء عدتها من غير رجعة أي وهو حي فلو مات فيها فلا؛ لما نقل من الإجماع على منع الجمع بين المتعة والإرث، وبهذا يعلم أن المتعة لا تتكرر بتكرر الطلاق في العدة
(2)
؛ لأن الإيحاش لم يتكرر (في الأظهر)؛ لعموم قوله تعالى {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة: 241 وخصوص {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ} الأحزاب: 28 وهن مدخول بهن (وفرقة) قبل وطء أو بعده (لا بسببها كطلاق) في إيجاب المتعة سواء أكانت من الزوج كإسلامه وردته ولعانه أم من أجنبي كوطء بعضه زوجته بشبهة، وإرضاع نحو أمها له، وإرضاع نحو أمه لها، وصورة هذا مع توقف وجوب المتعة على وطء أو تفويض وكلاهما مستحيل في الطفلة أن يزوج أمته الطفلة لعبد تفويضا. أما ما بسببها كإسلامها ولو تبعا وفسخه بعيبها وعكسه، أو بسببهما كأن ارتدا معا فلا متعة، وكذا لو سبيا معا والزوج صغير أو مجنون فلا متعة كما لا شطر
(3)
بالأولى بخلاف الكبير العاقل فإنه بسببها فقط؛ لأنها تملك بالحيازة بخلافه فينسب الفراق إليها فقط، ولو ملكها فلا متعة أيضا مع أنها فرقة لا بسببها (ويستحب ألا تنقص عن ثلاثين درهما) أو ما قيمته ثلاثون درهما يعني أن تكون ثلاثين، ويسن أن لا تبلغ نصف مهر المثل، وقد يتعارضان بأن يكون الثلاثون أضعاف المهر فالذي يتجه رعاية الأقل من نصف المهر والثلاثين. والواجب فيها ما يتراضيان عليه، وأقلُّ مجزئ فيه متمولٌ. ثم إن تراضيا على شيء فذاك (فإن تنازعا قدرها القاضي بنظره) أي اجتهاده وإن زاد على مهر المثل
(4)
(معتبرا حالهما) أي ما يليق بيساره ونحو نسبها وصفاتها السابقة في مهر المثل، (وقيل حاله، وقيل حالها، وقيل) المعتبر (أقل مال) يجوز جعله صداقا.
(1)
. خلافا للنهاية ووالده.
(2)
. خلافا للنهاية ووالده.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. خلافا لهما.
فصل
اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَهْرٍ أَوْ صِفَتِهِ تَحَالَفَا، وَيَتَحَالَفُ وَارِثَاهُمَا وَوَارِثُ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ ثُمَّ يُفْسَخُ المَهْرُ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ. وَلَوِ ادَّعَتْ تَسْمِيَةً فَأَنْكَرَهَا تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوِ ادَّعَتْ نِكَاحًا وَمَهْرَ مِثْلٍ فَأَقَرَّ بِالنِّكَاحِ وَأَنْكَرَ المَهْرَ أَوْ سَكَتَ فَالْأَصَحُّ تَكْلِيفُهُ الْبَيَانَ،
(فصل) في الاختلاف في المهر والتحالف فيما سمي منه
إذا (اختلفا) أي الزوجان (في قدر مهر) مسمى وكان ما يدعيه الزوج أقل (أو) في (صفته) من نحو جنس كدنانير وحلول وقدر أجل وصحة وضدها ولا بينة لأحدهما أو تعارضت بينتاهما (تحالفا) كما مر في البيع في كيفية اليمين، نعم يبدأ هنا بالزوج؛ لقوة جانبه ببقاء البضع له. وخرج بمسمى ما لو وجب مهر مثل لنحو فساد تسمية ولم يعرف لها مهر مثل فاختلفا فيه فيصدق بيمينه؛ لأنه غارم ويكون ما يدعيه أقل، أما لو كان أكثر فتأخذ ما ادعته ويبقى الزائد في يده كمن أقر لشخص بشيء فكذبه (ويتحالف وارثاهما ووارث واحد) منهما (والآخر) إذا اختلفا في شيء مما ذكر؛ لقيامه مقام مورثه لكن الوارث إنما يحلف في النفي فقط على نفي العلم كلا أعلم أن مورثي نكح بألف إنما نكح بخمسمائة بخلاف المورث فإنه يحلف على البت في حالة النفي وحالة الإثبات (ثم) بعد التحالف (يفسخ المهر) المسمى؛ لمصيره بالتحالف مجهولا، ولا ينفسخ بالتحالف كالبيع، ثم الذي يفسخ المهر هنا المتحالفان، أو أحدهما أو الحاكم، ولا ينفذ الفسخ باطنا إلا من المحق فقط؛ (ويجب مهر مثل) وإن زاد على ما ادعته؛ لأن التحالف يوجب رد البضع وهو متعذر فوجبت قيمته. (ولو ادعت تسمية) لقدر (فأنكرها) من أصلها ولم يدع تفويضا (تحالفا في الأصح)؛ لأن حاصله الاختلاف في قدر المهر، ومحله إن كان مدعاها أكثر من مهر المثل أو من غير نقد البلد أو معينا ولو أنقص من مهر المثل؛ لتعلق الفرض بالعين. ولو ادعى تسمية وأنكرت الزوجة التسمية من أصلها ومدعاه دون مهر المثل أو من غير نقد البلد أو معينٌ تحالفا في الأصح أيضا (ولو ادعت نكاحا ومهر مثل)؛ لعدم جريان تسمية صحيحة (فأقر بالنكاح وأنكر المهر) بأن قال نكحتها ولا مهر لها عليَّ أي لكونه نفى في العقد (أو سكت) عنه بأن قال نكحتها ولم يزد أي ولم يدع تفويضا ولا إخلاء النكاح عن ذكر المهر (فالأصح تكليفه البيان) لمهر؛ لأن النكاح
فَإِنْ ذَكَرَ قَدْرًا وَزَادَتْ تَحَالَفَا، وَإِنْ أَصَرَّ مُنْكِرًا حُلِّفَتْ وَقُضِيَ لَهَا. وَلَوِ اخْتَلَفَ فِي قَدْرِهِ زَوْجٌ وَوَلِيُّ صَغِيرَةٍ أَوَمَجْنُونَةٍ تَحَالَفَا فِي الْأَصَحِّ
يقتضيه، (فإن ذكر قدرا وزادت) عليه (تحالفا)؛ لأنه اختلاف في قدر المهر
(1)
، وهذا غير ما مر من أن القول قوله في قدر مهر المثل؛ لأنهما ثَم اتفقا على أنه الواجب وأن العقد خلا عن التسمية بخلافه هنا. (فإن أصر منكرا) للمهر أو ساكتا (حلفت) يمين الرد أنها تستحق عليه مهر مثلها (وقضي لها) به عليه، ولا يقبل قولها ابتداء؛ لأن النكاح قد يعقد بأقل متمول. وخرج بقوله ((ومهر مثل)) ما لو ادعت نكاحا بمسمى -قدر المهر أو لا- فقال لا أدري أو سكت فإنه لا يكلف بيانا؛ لأن المُدَّعى به هنا معلوم بل يحلف على نفي ما ادعته فإن نكل حلفت وقضي لها، والوارث في هذه المسائل كالمورث. ولو ادعى أحدهما تفويضا والآخر أنه لم يذكر مهرا صدق الثاني فيجب مهر المثل، أو ادعى أحدهما تفويضاً والآخر تسمية فالأصل عدمهما فيحلف كلٌّ على نفي مُدَّعَى الآخر، فإذا حلفت وجب لها مهر المثل، نعم دعواها التفويض قبل الوطء لا تسمع إلا بالنسبة لطلب الفرض لا غير
(2)
(ولو اختلف في قدره) أي المسمى (زوج وولي صغيرة أو مجنونة) ومثله الوكيل
(3)
وقد ادعى زيادة على مهر المثل والزوج مهر المثل، أو زوجة وولي صغير أو مجنون وقد أنكرت نقص الولي عن مهر مثل، أو ولياهما
(4)
(تحالفا في الأصح)؛ لأن الولي لمباشرته للعقد قائم مقام المولى كوكيل المشتري مع البائع أو عكسه، فلو كَمُل المولى قبل حلف وليه حلف دون الولي. أما إذا اعترف الزوج بزيادة على مهر المثل فلا تحالف، بل يؤخذ بقوله بلا يمين؛ لئلا يؤدي للانفساخ الموجب لمهر المثل فتضيع الزيادة عليها، وكذا لو ادعى الزوج دون مهر المثل فيجب مهر المثل بلا تحالف
(5)
. وخرج بالصغيرة والمجنونة البالغة العاقلة فهي التي تحلف.
(1)
. خلافا لشيخ الإسلام والمغني فقالا في قدر مهر المثل.
(2)
. وفاقا لشرح الروض وخلافا للنهاية من سماعها فيجب مهر المثل بشرطه.
(3)
. يفهم من كلام الشارح في اختلاف المتبايعين أن غير الولي والوكيل هنا ليس مثليهما 4/ 474.
(4)
. بأن كان الصداق من مال ولي الزوج وهو الأب والجد؛ لأنه حينئذ تجوز الزيادة فيه على مهر المثل، إما من مال الزوج فوليه لا تجوز له الزيادة على مهر المثل، ووليها لا يجوز له النقص عنه فلا يتصور اختلافهما في القدر وحينئذ فلا يتصور التحالف. تحفة 7/ 42.
(5)
. خلافا لهما من أن الزوج يحلف رجاء أن ينكر فيحلف الولي ويثبت مدعاه الأكثر من مدَّعى الزوج.
وَلَوْ قَالَتْ نَكَحَنِي يَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ، وَيَوْمَ كَذَا بِأَلْفٍ وَثَبَتَ الْعَقْدَانِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ لَزِمَ أَلْفَانِ، فَإِنْ قَالَ لَمْ أَطَأْ فِيهِمَا أَوْ فِي أَحَدِهِمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَسَقَطَ الشَّطْرُ، وَإِنْ قَالَ كَانَ الثَّانِي تَجْدِيدَ لَفْظٍ لَا عَقْدًا لَمْ يُقْبَلْ
(ولو قالت نكحني يوم كذا بألف ويوم كذا بألف، و) طالبته بالألفين، فإن (ثبت العقدان بإقراره أو ببينة) أو بيمينها بعد نكوله (لزمه ألفان) وإن لم تتعرض لتخلل فرقة ولا لوطء؛ لأن العقد الثاني لا يكون إلا بعد ارتفاع الأول (فإن قال لم أطأ فيهما أو في أحدهما صدق بيمينه)؛ لأنه الأصل (وسقط الشطر) في النكاحين أو أحدهما؛ لأنه فائدة تصديقه وحلفه (و) إنما تقبل دعواه عدم الوطء في الثاني (إن) ادعى الفراق منه فإن (قال كان الثاني تجديد لفظ لا عقدا لم يقبل
(1)
؛ لأنه خلاف الظاهر من صحة العقود، وله تحليفها على نفي ما ادعاه؛ لإمكانه
(2)
.
[فرع] خطب امرأة ثم أرسل أو دفع بلا لفظ إليها مالا قبل العقد ولم يقصد التبرع، ثم وقع الإعراض منها أو منه رجع بما وصلها منه
-سواء كان المهدي من جنس الصداق أو من غير جنسه-؛ لأن قرينة سبق الخطبة تغلب على الظن أنه إنما بعث أو دفع إليها لتتم تلك الخطبة ولم تتم. ولو دفع لمخطوبته مالاً وقال جعلته من الصداق الذي سيجب بالعقد أو من الكسوة التي ستجب بالعقد والتمكن وقالت بل هدية فالذي يتجه تصديقها؛ إذ لا قرينة هنا على صدقه في قصده، ولو طلَّق في مسألتنا بعد العقد لم يرجع بشيء؛ لأنه إنما أعطى لأجل العقد وقد وجد
(3)
.
(1)
. محله كما أشار إليه الشارح في قبيل التفويض ما إذا لم يطلب تجديد عقد وافق عليه الزوج 7/ 391.
(2)
. وذكر الشارح قبيل الإيلاء أنه لو تزوج رجل امرأة بولاية أبيها وشاهدين بإذنها له فأنكرت الأذن فأثبت القاضي النكاح وأمرها بالتمكين فامتنعت ثم مات الزوج فرجعت كان لها بعد الرجوع المطالبة بالمهر والإرث 8/ 158.
(3)
. ذكر الشارح في الضمان أنه تصدق الصغيرة المزوجة إجبارا بيمينها في جهلها بمهرها، وكذا الكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها 5/ 254.
فصل
وَلِيمَةُ الْعُرْسِ سُنَّةٌ. وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ وَاجِبَةٌ. وَالْإِجَابَةُ إلَيْهَا فَرْضُ عَيْنٍ، وَقِيلَ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ سُنَّةٌ
(فصل) في وليمة العرس
من الولم وهو الاجتماع، وهي -أعني الوليمة- اسم لكل دعوة أو طعام يتخذ لحادث سرور أو غيره. (وليمة العرس سنة) مؤكدة بعد عقد النكاح الصحيح للزوج الرشيد ولولي غير أبيه أو جده من مال نفسه كما يأتي، فلو عملها غيرهما كأبي الزوجة أو هي عنه فالذي يتجه أن الزوج إن أذن تأدت السنة عنه فتجب الإجابة إليها وإن لم يأذن فلا، وتندب لسيد عبد -ولو امرأة- أذن له في نكاح فنكح، وتندب للمتسري أيضا ولو لغير ذات شرف. وقد ثبتت وليمة العرس عنه صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، ويدخل وقتها بالعقد فلا تجب الإجابة لما تقدمه وإن اتصل بها. والأفضل فعلها عقب الدخول؛ للاتباع، ولا تفوت بطلاق ولا موت ولا بطول الزمن كالعقيقة، وتجب الإجابة إليها وإن فعلت في الوقت المفضول، (وفي قول أو وجه) والقياس أنه قول (واجبة) عينا؛ للخبر المتفق عليه ((أولم ولو بشاة))، ويحصل أصل السنة بأي شيء أطعمة أو موسرا، وأقل الكمال شاة. ويسن في المذبوح هنا ما يسن في العقيقة كندب عدم كسر عظامها، وتتعدد بتعدد الزوجات
(1)
، نعم لا يسن هنا أن تولم هي إذا لم يولم الزوج؛ لأنها ليست مقصودة بالوليمة. (والإجابة إليها)؛ بناء على أنها سنة
(2)
(فرض عين)؛ لخبر مسلم ((شر الطعام طعام الوليمة تدعى إليها الأغنياء وتترك الفقراء ومن لم يجب الدَُّعوة فقد عصى الله ورسوله))، والمراد وليمة العرس; لأنها المعهودة عندهم. ولا تجب إجابة لغير وليمة عرس، ومنه وليمة التسري، (وقيل) فرض (كفاية، وقيل سنة).
(1)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية فعنده أنها لو اتحدت وتعددت الزوجات وقصدها منهن كفت.
(2)
. أما على أنها واجبة فتجب الإجابة قطعا.
وَإِنَّمَا تَجِبُ أَوْ تُسَنُّ بِشَرْطِ أَلَّا يَخُصَّ الْأَغْنِيَاءَ
(وإنما تجب) الإجابة على الصحيح (أو تسن) على مقابله أو عند فقد بعض شروط الوجوب أو في بقية الولائم (بشرط أن) يخصه بدعوة -ولو بكتابة أو رسالة مع ثقة أو مميز لم يجرب عليه الكذب- جازمة، لا إن فتح بابه وقال ليحضر من شاء إلا إن دعاه بخصوصه مع ذلك، أما مجرد فتح الباب فلا أثر له، أو قال له أحضر إن شئت أو إن شئت أن تحضر فاحضر إلا أن تظهر القرينة فيهما على أنه إنما قاله تأدبا وتعطفا مع ظهور رغبته في حضوره كظهورها في إن شئت أن تجملني
(1)
فإن فيه طلب الحضور والاحتياج إليه؛ للتجمل به. وأن يكون مسلما فلا تجب إجابة ذمي، بل تسن إن رجي إسلامه أو كان نحو قريب أو جار، وسيأتي في الجزية حرمة الميل إليه بالقلب، ولا يلزم ذميا إجابة مسلم. وأن لا يكون في مال الداعي شبهة قوية بأن يعلم أن في ماله حراما
(2)
ولا يعلم عينه وإن لم يكن أكثر ماله حراما. وأن لا تدعوه امرأة أجنبية إلا إن كان ثم نحو محرم له أنثى يحتشمها، أو لها وأذن زوج المزوجة وسن لها الوليمة وإلا
(3)
لم تجب الإجابة وإن لم تكن خلوة محرمة؛ خشية الفتنة والريبة، ومن ثم لو كان كسفيان وهي كرابعة وجبت الإجابة، ويظهر أن دعوتها أكثر من رجل كذلك ما لم يحصل جمع تحيل العادة معهم أدنى فتنة أو ريبة، ومن صور وليمة المرأة أن تولم عن الرجل بإذنه في الوليمة وفي الدعوة. وأن لا يعذر بمرخص في الجماعة مما مر. وأن لا يكون الداعي فاسقا أو شريرا طالبا للمباهاة والفخر، بل كل مَن جاز هجره لا تجب إجابته. وأن لا يُدعَى قبل أي وتجب الإجابة؛ إذ الدعوة التي لا تجب إجابتها كالعدم، بل يجيب الأسبق، فإن جاءا معا قدم ندبا في الإجابة الأقرب رحما فدارا فإن استويا أقرع. وأن يكون الداعي مطلق التصرف فلا يجيب غيره وإن أذن له وليه؛ لعصيانه بذلك، نعم إن أذن لعبده في أن يولم كان كالحر لكن إن أذن له في الدعوة أيضا، ولو اتخذها الولي من مال نفسه وهو أب أو جد وجب الحضور. وأن يكون المدعو حرا -ولو سفيها، أو عبدا بإذن سيده، أو مكاتبا لم يضر حضوره بكسبه أو أذِن سيدُه، أو مبعضا في نوبته- وغير ذي ولاية عامة كقاض في محل ولايته لكن يسن له ما لم يخص بها بعض الناس إلا مَن كان يخصهم قبل الولاية فلا بأس باستمراره على ذلك، وبُحث
(1)
. ظاهره أن الصيغة هنا تكفي ولا تشترط قرينة خلافا للنهاية.
(2)
. كذا في النهاية وعبر في المغني بأن يغلب على الظن أن في مال الداعي شبهة.
(3)
. نفي لما بعد إلا في قوله: ((إلا إن كان ثم محرم)) إلى هنا.
وَأَنْ يَدْعُوَهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، فَإِنْ أَوْلَمَ ثَلَاثَةً لَمْ تَجِبْ فِي الثَّانِي، وَتُكْرَهُ فِي الثَّالِثِ، وَأَلَّا يُحْضِرَهُ لِخَوْفٍ أَوْ طَمَعٍ فِي جَاهِهِ، وَأَلَّا يَكُونَ ثَمَّ مَنْ يَتَأَذَّى بِهِ أَوْ لَا تَلِيقُ بِهِ مُجَالَسَتُهُ وَلَا مُنْكَرٌ، فَإِنْ كَانَ يَزُولُ بِحُضُورِهِ فَلْيَحْضُرْ
استثناء أبعاضه ونحوهم أي فيلزمه إجابتهم; لأن حكمه لا ينفذ لهم. وأن لا يعتذر للداعي فيعذره أي عن طيب نفس لا عن حياء بحسب القرائن. وأن (لا يخص الأغنياء) مثلا بالدعوة، أي أن لا يظهر منه قصد التخصيص بهم عرفا؛ لأجل غناهم أو غيره لغير عذر كقلِّة ما عنده، فإن ظهر منه ذلك كذلك لم تجب عليهم فضلا عن غيرهم، أما إذا خصهم لا لغناهم مثلا بل لجوارٍ أو اجتماعِ حرفة أو قلة ما عنده فيلزمهم كغيرهم الإجابة، والمراد بالجيران هنا أهل محلته ومسجده دون أربعين دارا من كل جانب. (وأن يدعوه) بخصوصه كما مر (في اليوم الأول، فإن أولم ثلاثة) من الأيام (لم تجب في) اليوم (الثاني) بل تستحب وهو دون سنيتها في الأول في غير العرس، (وتكره في) اليوم (الثالث)؛ للخبر الصحيح ((الوليمة في اليوم الأول حق وفي الثاني معروف وفي الثالث رياء وسُمْعة))، وظاهر أن تعدد الأوقات كتعدد اليوم، وأنه لو كان لعذر كضيق منزل وجبت الإجابة مطلقا، (وألا يُحْضِره) أي يدعوه (لخوف) منه (أو طمع في جاهه) أو ليعاونه على باطل، بل للتقرب والتودد المطلوب، أو لنحو علمه أو صلاحه وورعه أوْ لا بقصد شيء. ويسن أن يقصد بالإجابة الاقتداء بالسنة حتى يثاب، وزيارة أخيه وإكرامه حتى يكون من المتحابين المتزاورين في الله تعالى، أو صيانة نفسه عن أن يُظن بها كبر أو احتقار لمسلم (وألا يكون ثَم) أي بالمحل الذي يحضر فيه (من يتأذى) المدعو (به)؛ لعداوة الداعي للمدعو عدواة ظاهرة، أو لحسد الداعي له دون عكسه، نعم إن كان حضوره يحرك حسدا عند المدعو لمن يراه ثَم، ولا يقدر على دفعه لم يلزمه الحضور، (أو لا يليق به مجالسته) كالأراذل؛ للضرر، وليس كثرة الزحمة عذرا إن وجد سعة لمدخله ومجلسه وأمن على نحو عرضه وإلا عُذر (و) أن (لا) يكون بمحل حضوره أو غيره من البيوت الأخرى التي في الدار التي حضر فيها (منكر) أي مُحَرَّم ولو صغيرة كوجود آنية نقد، وكنظر رجل لامرأة أو عكسه، وبه يعلم أن إشراف النساء على الرجال عذر، وكآلة طرب محرمة كذي وتر أو شعر، وكزَمْر ولو بشبابة، وكطبل كوبة، وكداعية لبدعة، وكمن يضحك بفحش أو كذب، (فإن كان) المنكر (يزول بحضوره) لنحو علم أو جاه (فليحضر) وجوبا؛ ليُحصِّل فرضي الإجابة وإزالة المنكر، ووجود من يزيله غيره لا يمنع الوجوب عليه; لأنه ليس للإجابة فقط
وَمِنَ المُنْكَرِ فِرَاشُ حَرِيرٍ وَصُورَةُ حَيَوَانٍ عَلَى سَقْفٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ وِسَادَةٍ أَوْ سِتْرٍ أَوْ ثَوْبٍ مَلْبُوسٍ،
كما تقرر. ولو لم يعلم به إلا بعد حضوره نهاهم، فإن عجز خرج، فإن عجز عن الخروج لنحو خوف قعد كارها ولا يجلس معهم إن أمكن. (ومن المنكر فراش حرير) في دعوة اتخذت للرجال، والعبرة في الذي ينكر باعتقاد المدعو؛ كي يسقط الوجوب، وإذا سقط فأراد الحضور اعتبر حينئذ اعتقاد الفاعل، فإن ارتكب أحد محرما في اعتقاده
(1)
لزم هذا المتبرع بالحضور الإنكارُ، فإن عجز لزمه الخروج إن أمكنه، وكفراش الحرير سَتْر الجُدُرِ به، بل أولى; لأن هذا يحرم حتى على النساء، وفرش جلود السباع وعليها الوبر; لأنه شأن المتكبرين (وصورة حيوان) مشتملة على ما لا يمكن بقاؤه بدونه دون غيره وإن لم يكن لها نظير كفرس بأجنحة، ومحل سقوط الإجابة بوجود صورة حيوان إن كانت بمحل حضوره، لا نحو باب وممر -قدر على إزالتها أم لا-، ولزوم الإزالة مع القدرة معلوم، وكانت (على سقف أو جدار أو وسادة) -أي مخدة- منصوبة (أو سِتر) عُلِّق لزينة أو منفعة (أو ثوب ملبوس) ولو بالقوة
(2)
فيدخل الموضوع بالأرض، وذلك؛ لما في خبر مسلم عن عائشة ((أنه صلى الله عليه وسلم قدم من سفر وقد سترت على صفة
(3)
لها سترا فيه الخيل ذوات الأجنحة فأمر بنزعها)).
[تنبيه] المعتمد ما اقتضاه المتن والخبر من حرمة
(4)
دخول محل هذه الصور المعظمة ككل محل به معصية، نعم مر أن محله ما لم يحتج لدخوله بحيث يفقد ما له وقع عرفا، وأن محل حرمة دخول المحل الذي به معصية إن كان حال دخوله تفعل المعصية
(5)
، وورد إن البيت الذي فيه صورة -أي وإن لم تحرم
(6)
- لا تدخله الملائكة.
(1)
. خلافا للنهاية فحمله على ما إذا كان المتعاطي له يعتقد تحريمه أيضا، وعبارة شرح الروض تشعر بذلك.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(3)
. الصفة من البنيان البهو الواسع الطويل السمك، والبهو البيت المقدم أمام البيوت، لسان العرب.
(4)
. خلافا لهما من اعتماد الكراهة.
(5)
. كما ذكره الشارح في آداب القضاء.
(6)
. خلافا للشهاب الرملي.
وَيَجُوزُ مَا عَلَى أَرْضٍ وَبِسَاطٍ وَمِخَدَّةٍ وَمَقْطُوعُ الرَّأْسِ وَصُورُ شَجَرٍ. وَيَحْرُمُ تَصْوِيرُ حَيَوَانٍ. وَلَا تَسْقُطُ إجَابَةٌ بِصَوْمٍ، فَإِنْ شَقَّ عَلَى الدَّاعِي صَوْمُ نَفْلٍ فَالْفِطْرُ أَفْضَلُ. وَيَأْكُلُ الضَّيْفُ مِمَّا قُدِّمَ لَهُ بِلَا لَفْظٍ،
[فرع] لا يؤثر
(1)
حمل النقد الذي عليه صورة كاملة
; لأنه للحاجة (ويجوز) حضور محل فيه (ما) أي صورة (على أرض وبساط) يداس (ومخدة) ينام أو يتكأ عليها، وما على طبق وخُِوان وقصعة وكذا إبريق
(2)
فيجوز ما مر ولو رُفع للزينة؛ لأن ذلك موضوع لما يمتهن (ومقطوع الرأس)؛ لزوال ما به الحياة فصار كما في قوله (وصور شجر) وكل ما لا روح له كالقمرين; لأن ابن عباس رضي الله عنهما أذن لمصور في ذلك. (ويحرم) ولو على نحو أرض، وما مر من الفرق إنما هو في الاستدامة (تصوير حيوان) وإن لم يكن له نظير كما مر، بل هو كبيرة لما فيه من الوعيد الشديد كاللعن، نعم يجوز تصوير لعب البنات; لأن ((عائشة رضي الله تعالى عنها كانت تلعب بها عنده صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم، وحكمته تدريبهن أمر التربية. وخرج بحيوان تصوير ما لا رأس له فيحل
(3)
، وكفقد الرأس فقد ما لا حياة بدونه، نعم لا يضر فقد الأعضاء الباطنة كالكبد وغيره; لأن الملحظ المحاكاة وهي حاصلة بدون ذلك. ولا أجرة لمصور ولا أرش على كاسره. (ولا تسقط إجابة بصوم)؛ لخبر مسلم به، وفيه أمر الصائم بالصلاة أي الدعاء لهم بالبركة، وفيه أيضا أمر المفطر بالأكل وهو محمول على الندب ويحصل بلقمة. ولا يكره لمن دعي وهو صائم أن يقول إني صائم إن أمن الرياء، (فإن شق على الداعي صوم نفل) ولو مؤكدا (فالفطر أفضل)؛ لإمكان تدارك الصوم لندب قضائه، ويندب أن ينوي بفطره إدخال السرور عليه. أما إذا لم يشق عليه فالإمساك أفضل، وأما الفرض ولو موسعا فيحرم الخروج منه مطلقا. (ويأكل الضيف) جوازا، والمراد به هنا كل من حضر طعام غيره وحقيقته الغريب، ومن ثم تأكدت ضيافته وإكرامه من غير تكلف؛ خروجا من خلاف من أوجبها (مما قدم له) أي لا جميعه إلا إذا دلت قرينة على ذلك (بلا لفظ) -دعاه أو لم يدعه-؛ اكتفاء بالقرينة، نعم إن انتظر غيره لم يجز قبل حضوره إلا بلفظ. ويحرم الأكل فوق الشبع
(1)
. أي وإن منع دخول الملائكة خلافا للشهاب الرملي.
(2)
. خلافا للنهاية.
(3)
. خلافا للنهاية.
وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهِ إلَّا بِأَكْلٍ. وَلَهُ أَخْذُ مَا يَعْلَمُ رِضَاهُ بِهِ
من مال غيره -لا من مال نفسه، إلا إن ضرَّه- ويضمنه لصاحبه ما لم يعلم رضاه به. ولو كان يأكل قدر عشرة والمضيف جاهل به لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف في مقدار الأكل؛ لانتفاء الإذن اللفظي والعرفي فيما وراءه، وكذا لا يجوز له أكل لقم كبار مسرعا في مضغها وابتلاعها إذا قل الطعام; لأنه يأكل أكثره ويُحْرِم غيره، ولا لرذيل أكل من نفيس بين يدي كبير خُصَّ به؛ إذ لا دلالة على الإذن له فيه بل العرف زاجر له عنه، وبه يعلم أنه يجب عليه مراعاة القرائن القوية والعرف المطرد ولو بنحو لقمة فلا تجوز الزيادة عليها، والنصفة مع الرَُِفقة فلا يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به لا حياءً، وكذا يقال في قران نحو تمرتين. (ولا يتصرف فيه) أي ما قدم له (إلا بأكل) لنفسه; لأنه المأذون له فيه دون ما عداه كإطعام سائل أو هرة وكتصرفه فيه بنقل له إلى محله أو بنحو بيع أو هبة، نعم له -وإن لم يملكه- تلقيم من معه ما لم يفاوت المالك بينهم، فيحرم على ذي النفيس تلقيم ذي الخسيس دون عكسه، والمفاوتة بينهم مكروهة إن خشي منها ضغينة. والمعتمد أن الضيف يملك الطعام بالازدراد
(1)
أي يتبين به ملكه له قبيله فله الرجوع قبله، والمراد بالملك هنا الملك المقيد؛ لأنه يمتنع عليه بيعه
(2)
، نعم ضيف الذمي المشروط عليه الضيافة يملك ما قدم له اتفاقا فله الارتحال به. (وله) أي الضيف مثلا (أخذ ما) يشمل الطعام والنقد وغيرهما (يعلم) أو يظن أي بقرينة قوية بحيث لا يتخلف الرضا عنها عادة (رضاه به) ; لأن المدار على طيب نفس المالك، فإذا قضت القرينة القوية به حلَّ وتختلف قرائن الرضا في ذلك باختلاف الأحوال ومقادير الأموال. وإذا جوزنا له الأخذ وظن الأخذ بالبدل كان قرضا ضمينا، أو بلا بدل توقف الملك على ما ظنه. ويحرم التطفل وهو الدخول إلى محل الغير لتناول طعامه بغير إذنه ولا علم رضاه أو ظنه بقرينة معتبرة بل يفسق بهذا إن تكرر منه؛ للحديث المشهور أنه ((يدخل سارقا ويخرج مغيرا))، ومنه أن يدعي -ولو صوفيا مُسَلِّكا وعالما مدرسا- فيستصحب جماعته من غير إذن
(1)
. خلافا لهما من أنه يملكه بوضعه في فمه.
(2)
. خلافا لشرح الروض.
وَيَحِلُّ نَثْرُ سُكَّرٍ وَغَيْرِهِ فِي الْإِمْلَاكِ، وَلَا يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحِلُّ الْتِقَاطُهُ، وَتَرْكُهُ أَوْلَى
الداعي ولا ظن رضاه بذلك. (ويحل) لكن الأولى الترك (نثر سكر) وهو رميه مفرقا (وغيره) كلوز ودنانير ودراهم (في الإملاك) أي عقد النكاح وكذا سائر الولائم كالختان.
[تنبيه] قولهم الأولى الترك هنا خاص بالنثر، أما تقديم طعام للحاضرين فهو مندوب، ويحصل ولو قبيل العقد، وهذا غير وليمة العرس (ولا يكره في الأصح)؛ لخبر فيه. (ويحل التقاطه)؛ للعلم برضا مالكه، (وتركه أولى)؛ لأنه دناءة، نعم إن علم أن الناثر لا يؤثر به ولم يقدح أخذه في مروءته لم يكن تركه أولى. ويكره أخذه من الهواء بإزار أو غيره، فإن أخذه من الهواء أو التقطه أو بسط ثوبه لأجله فوقع فيه ملكه بالأخذ ولو صبيا، وإن أخذه قن ملكه سيده، فإن وقع بحجره من غير أن يبسط له فسقط منه قبلَ قصد أخذه -بعذر أو غيره- زال اختصاصه به وإلا بقي ولا يملكه; لأنه لم يوجد منه عند وقوعه بحجره قصد تملك ولا فعل لكنه أولى به فيحرم على غيره أخذه منه ولا يملكه.
كتاب القسم والنشوز
يَخْتَصُّ الْقَسْمُ بِزَوْجَاتٍ. وَمَنْ بَاتَ عِنْدَ بَعْضِ نِسْوَتِهِ لَزِمَهُ عِنْدَ مَنْ بَقِيَ. وَلَوْ أَعْرَضَ عَنْهُنَّ أَوْ عَنْ الْوَاحِدَةِ لَمْ يَأْثَمْ. وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يُعَطِّلَهُنَّ
(كتاب القَسْم والنشوز
(1)
)
من نشز ارتفع فهو ارتفاع عن أداء الحق (يختص القسم) أي وجوبه (بزوجات) حقيقة فلا يتجاوزهن للرجعية ولا للإماء ولو مستولدات كما أشعر به قوله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} النساء: 3، لكن يندب أن لا يعطل الإماء وأن يسوي بينهن. (ومن) له زوجات لا يلزمه أن يبيت عندهن كما يأتي، نعم إن (بات) في الحضر أي صار ليلا أو نهارا فالتعبير ببات; لأن شأن القسم الليل (عند بعض نسوته
(2)
بقرعة أو دونها وإن أثم إن لم يفعل قرعة (لزمه) فورا هنا وفيما مر لاسيما إن كان عصى بأن لم يقرع; لأنه حق لازم وهو مُعَرَّض للسقوط بالموت فلزمه الخروج منه ما أمكنه (عند من بقي) منهم تسوية بينهن؛ للخبر الصحيح ((إذا كان عند الرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه مائل أو ساقط)). وخرج بفي الحضر ما لو سافر وحده ونكح جديدة في الطريق وبات عندها فلا يلزمه قضاء للمتخلفات، والأولى أن يسوي بينهن في سائر الاستمتاعات ولا يجب؛ لتعلقها بالميل القهري، وكذا في التبرعات المالية؛ خروجا من خلاف من أوجب التسوية فيها أيضا. (ولو أعرض
(3)
عنهن أو عن الواحدة) ابتداء أو عند استكمال النوبة بالنسبة لهن (لم يأثم
(4)
; لأن المبيت حقه، ولأن في داعية الطبع ما يغني عن إيجابه، (و) لكن (يستحب ألا يعطلهن) أي من ذكرن -الشامل للواحدة وأكثر- من الجماع والمبيت؛ تحصينا لهن لئلا يؤدي إلى فسادهن أو إضرارهن. ويستحب أن لا يخلي الزوجة عن ليلة من كل أربع اعتبارا بمن له
(1)
. وأفاد المغني أنه كان ينبغي أن يزيد وعشرة النساء رده الشارح.
(2)
. هنا إيراد على المتن أقره المغني ورده الشارح.
(3)
. رد الشارح ما اعتمده النهاية من عدم جواز الإعراض لعارض كأن ظلمها ثم بان منه المظلوم لهن فيلزمه أن يقضي.
(4)
. قال المغني أن قول أصله لم يكن لهن الطلب أحسن ورده الشارح.
وَتَسْتَحِقُّ الْقَسْمَ مَرِيضَةٌ وَرَتْقَاءُ وَحَائِضٌ وَنُفَسَاءُ، لَا نَاشِزَةٌ. فَإِنْ لَمْ يَنْفَرِدْ بِمَسْكَنٍ دَارَ عَلَيْهِنَّ فِي بُيُوتِهِنَّ، وَإِنِ انْفَرَدَ فَالْأَفْضَلُ المُضِيُّ إلَيْهِنَّ، وَلَهُ دُعَاؤُهُنَّ،
أربع زوجات، وأن يناما في فراش واحد حيث لا عذر في الانفراد سيما إن حرصت على ذلك. (وتستحق القسم مريضة) ما لم يسافر بهن وتتخلف لأجل المرض فلا قسم لها وإن استحقت النفقة (ورتقاء) وقرناء ومجنونة لا يخاف منها ومراهقة (وحائض ونفساء) ومُحرِمة ومُولَىً أو مُظاهَرٌ منها وكل ذات عذر شرعي أو طبعي; لأن المقصود الأنس -لا الوطء- وكما تستحق كل منهن النفقة (لا ناشزة) -أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه أو تمنعه من التمتع بها أو تغلق الباب في وجهه ولو مجنونة أو تدعي الطلاق كذبا- ومعتدة عن وطء شبهة وصغيرة لا تطيق الوطء ومغصوبة ومحبوسة وأمة لم يكمل تسليمها ومسافرة بإذنه وحدها لحاجتها؛ كما لا نفقة لهن ولحرمة الخلوة بالمعتدة، ولا يسقط قسم أو نفقة من ظهر زناها في عصمته. والمستحق عليه القسم زوج سكران أو عاقل ولو مميزا يمكنه الوطء، وإثم جوره على وليه إن علم به أو قصر، بل غير المميز لو نام عند بعضهن وطلب الباقيات بياته عندهن لزم وليه إجابتهن لذلك، أو سفيها وإثمه عليه; لأنه مكلف. أما المجنون فإن لم يؤمن ضرره أو آذاه الوطء فلا قسم، وإن أمن ضرره
(1)
وعليه بقية دور وطلبن زوجاته استكماله لزم الولي الطواف به عليهن كما لو نفعه الوطء أو مال إليه، هذا كله إن أطبق جنونه أو لم ينضبط وقت إفاقته وإلا راعى هو أوقات الإفاقة ووليه أوقات الجنون بشرطه ليكون لكل واحدة نوبة من هذه ونوبة من هذه، وفيما لم ينضبط لو قسم لواحدة زمن الجنون وأفاق في نوبة أخرى قضى للأولى ما جرى في زمن الجنون؛ لنقصه. وعلى محبوس وحده وقد مُكِّن من النساء القسم ومن امتنعت منهن سقط حقها إن صلح محله لسكنى مثلها، ومنه أن لا يشارك غيره في مرفق من المرافق الآتية. (فإن لم ينفرد بمسكن) وأراد القسم (دار عليهن في بيوتهن)؛ توفية لحقهن. (وإن انفرد) بمسكن (فالأفضل المضي إليهن)؛ صونا لهن، (وله دعاؤهن
(2)
لمسكنه، وعليهن الإجابة; لأن ذلك حقه، فمن امتنعت -أي وقد لاق مسكنه بها- فهي ناشزة إلا نحو معذورة بنحو مرض فيذهب أو يرسل لها مركبا إن أطاقت مع ما يقيها من نحو مطر.
(1)
. ظاهر المغني أنه ليس بقيد.
(2)
. ولو ذات شرف لم تعتد البروز خلافا لهما.
وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ ذَهَابِهِ إلَى بَعْضٍ وَدُعَاءِ بَعْضٍ، إلَّا لِغَرَضٍ كَقُرْبِ مَسْكَنِ مَنْ مَضَى إلَيْهَا أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهَا. وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ بِمَسْكَنِ وَاحِدَةٍ وَيَدْعُوهُنَّ إلَيْهِ. وَأَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ ضَرَّتَيْنِ فِي مَسْكَنٍ إلَّا بِرِضَاهُمَا. وَلَهُ أَنْ يُرَتِّبَ الْقَسْمَ عَلَى لَيْلَةٍ وَيَوْمٍ قَبْلَهَا أَوْ بَعْدَهَا ....
(والأصح تحريم ذهابه إلى بعضهن ودعاء بعض) إلى مسكنه؛ لما فيه من الإيحاش (إلا) بالقرعة أو (لغرض) ظاهر عرفا له أو لها (كقرب مسكن من مضى إليها أو خوف عليها)؛ لنحو شباب -سواء كان الخائف هو أو هي- فلا يحرم؛ إذ لا إيحاش حينئذ، ويشترط أن تنفرد من مضى إليها بما مر من قرب مسكن أو الخوف، أما إن شاركتها الزوجة الثانية فيحرم التمييز بينها من المضي والدعوة أيضا، وإن ادعى الخوف والزوجة عدمه أو العكس رُجع لغيرهما، ومن امتنعت بلا عذر -ومن العذر كونها ذات مرض وشق عليها الركوب مشقة لا تحتمل عادة- فناشز. ولو كان الغرض ذهابه للبعيدة؛ للخوف عليها ودعاء القريبة؛ للأمن عليها اعتبر. (ويحرم أن يقيم بمسكن واحدة) سواء ملكها وملكه وغيرهما وإن لم تكن هي فيه حال دعائهن (ويدعوهن) أي الباقيات (إليه) بغير رضاهن؛ لما مر فإن أَجَبْنَ فلصاحبة المسكن المنع. (وأن يجمع ضرتين) أو حرة وسَرية (في مسكن) متحد المرافق أو بعضها كخيمة في حضر ولو ليلة أو دونها؛ لما بينهما من التباغض (إلا برضاهما) ; لأن الحق لهما، ولهما الرجوع، وإلا برضا الحرة، وللحرة الرجوع هنا أيضا. أما خيمة السفر فله جمعهما فيها؛ لعسر إفراد كل بخيمة مع عدم دوام الإقامة، ومنه يؤخذ أنه لا يجمعهما بمحل واحد من سفينة إلا إن تعذر إفراد كلٍّ بمحل؛ لصغرها مثلا، وأما إذا تعدد المسكن وانفرد كل بجميع مرافقه نحو مطبخ وحش وسطح ودرجته وبئر ماء ولاق فلا امتناع لهما حينئذ وإن كانا من دار واحدة كعلو وسفل وإن اتحدا غلقاً ودهليزاً; لأن المراد أن لا يشتركا فيما قد يؤدي للتخاصم ونحو الدهليز الخارج عن المسكنين لا يؤدي اتحاده إليه كاتحاد الممر من أول باب إلى باب كل منهما. ويكره وطء واحدة مع علم الأخرى
(1)
به ولا تلزمها الإجابة; لأن الحياء والمروءة يأبيان ذلك. (وله أن يرتب القسم على ليلة) ليلة، وأولها هنا يختلف باختلاف ذوي الحرف فيعتبر في حق أهل كل حرفة عادتهم الغالبة، وآخرها الفجر (ويوم قبلها أو بعدها)؛ لحصول المقصود بكل، لكن
(1)
. عبارة النهاية: ((بحضرة الأخرى، بل يحرم إن قصد إيذاء الأخرى أو لزم منه رؤية محرمة للعورة))، وقوله ولا تلزمها الإجابة أي ولا تصير بالامتناع ناشزة كما في مغني.
وَالْأَصْلُ اللَّيْلُ، وَالنَّهَارُ تَبَعٌ، فَإِنْ عَمِلَ لَيْلًا وَسَكَنَ نَهَارًا كَحَارِسٍ فَعَكْسُهُ. وَلَيْسَ لِلْأَوَّلِ دُخُولٌ فِي نَوْبَةٍ عَلَى أُخْرَى لَيْلًا إلَّا لِضَرُورَةٍ كَمَرَضِهَا المَخُوفِ، وَحِينَئِذٍ إنْ طَالَ مُكْثُهُ قَضَى وَإِلَّا فَلَا
الأولى تقديم الليل خروجا من خلاف من عينه; لأنه الذي عليه التواريخ الشرعية. (والأصل) لمن عمله بالنهار (الليل) ; لأن الله جعله سكنا (والنهار تبع)؛ لأنه وقت التردد (فإن عمل ليلا وسكن نهارا كحارس فعكسه) بعكس ما ذكر، فإن كان يعمل تارة ليلا وتارة نهارا لم يجزِ نهاره عن ليله ولا عكسه، أي والأصل في حقه وقت السكون؛ لتفاوت الغرض. ولو كان يعمل بعض الليل وبعض النهار فالظاهر أن محل السكون هو الأصل والعمل هو التبع، وأنه لا يجزئ أحدهما عن الآخر. ولا يعتبر عمل من كان عمله في بيته ليلا كخياط؛ لأن القصد الأنس وهو حاصل. هذا كله في الحاضر أما المسافر فعماده وقت نزوله ما لم تكن خلوته في سيره فهو العماد، والأصل في حق المجنون غيره وإلا إن لم ينضبط جنونه فالعماد في حقه حينئذ وقت الإفاقة. والسنة أن لا يخرج
(1)
لمندوب كجماعة ليالي الزفاف؛ تقديما لحقها. وتجب التسوية بينهن في الخروج لنحو جماعة، فإن خص به لَيْلَةَ وَاحِدَةٍ منهن حَرُمَ. (وليس للأول) وهو من عماده الليل، ويقاس به في جميع ما يأتي مَن عماده النهار أو وقت النزول أو السكون أو الإفاقة (دخول في نوبة على أخرى ليلا) ولو لحاجة (إلا لضرورة كمرضها المخوف) ولو ظنا وإن طالت مدته، أو احتمالا؛ ليعرف الحال. ولو اختص مسكن أحداهن بخوف ولم تأمن على نفسها إلا به جاز له البيتوتة عندها ما دام الخوف موجودا ويقضي، نعم إن سهل نقلها لمنزل لا خوف فيه تعين عليه (وحينئذ) أي حين إذ دخل لضرورة (إن طال مكثه) عرفا، أي فوق ما من شأنه أن يحتاج إليه عند الدخول؛ لتفقد الأحوال عادة، فهذا القدر لا يقضيه مطلقا وما زاد عليه يقضيه مطلقا وإن فرض أن الضرورة امتدت فوق ذلك (قضى) من نوبتها مثله; لأنه مع الطول لا يسمح به وحق الآدمي لا يسقط بالعذر (وإلا) يطل مكثه عرفا (فلا) يقضي; لأنه يتسامح به، ومرّ أن الفرض دخوله لضرورة أما إن تعدى
(1)
. خلافا للمغني أي فيحرم الخروج عنده وعبارته: ((تنبيه لا يتخلف بسبب الزفاف عن الخروج للجماعات وسائر أعمال البر كعيادة المرضى وتشييع الجنائز مدة الزفاف إلا ليلا فيتخلف وجوبا تقديما للواجب وهذا ما جرى عليه الشيخان وإن خالف فيه بعض المتأخرين)).
وَلَهُ الدُّخُولُ نَهَارًا لِوَضْعِ مَتَاعٍ وَنَحْوِهِ وَيَنْبَغِي أَلَّا يَطُولَ مُكْثُهُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَقْضِي إذَا دَخَلَ لِحَاجَةٍ وَأَنَّ لَهُ مَا سِوَى وَطْءٍ مِنِ اسْتِمْتَاعٍ، وَأَنَّهُ يَقْضِي إنْ دَخَلَ بِلَا سَبَبٍ. وَلَا يَجِبُ تَسْوِيَةٌ فِي الْإِقَامَةِ نَهَارًا. وَأَقَلُّ نُوَبِ الْقَسْمِ لَيْلَةٌ، وَهُوَ أَفْضَلُ، وَتَجُوزُ ثَلَاثًا، وَلَا زِيَادَةَ عَلَى المَذْهَبِ. وَالصَّحِيحُ وُجُوبُ قُرْعَةٍ لِلِابْتِدَاءِ،
بالدخول فيأثم وإن قلَّ مكثه ومع ذلك لا يقضي إلا إن طال مكثه، وكذا يجب القضاء عند طول
(1)
زمن الخروج ليلا ولو لغير بيت الضرة وإن أكره، لكنه هنا يقضيه عند فراغ النوبة لا من نوبة إحداهن، وعند فراغ زمن القضاء يلزمه الخروج إن أمن لنحو مسجد. وله قضاء الفائت في أي جزء من الليل والأولى قضاءُ مثل ذلك الجزء الفائت، (وله الدخول نهارا) لحاجة; لأنه يتسامح فيه ما لا يتسامح في الليل فيدخل (لوضع) أو أخذ (متاع ونحوه) كتسليم نفقة وتعرُّف خبرٍ؛ للخبر الصحيح عن ((عائشة كان صلى الله عليه وسلم يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ إلى التي هي نوبتها فيبيت عندها)). (وينبغي) أي يجب
(2)
(ألا يطول مكثه) على قدر الحاجة. (والصحيح أنه لا يقضي إذا دخل لحاجة) إلا إن طال فوق قدر الحاجة (و) الصحيح (أن له ما سوى وطء من استمتاع)؛ للخبر إذ المسيس فيه الجماعُ، (و) الصحيح (أنه يقضي) زمن إقامته إن طال (إن دخل بلا سبب)؛ لتعديه (ولا يجب تسوية في الإقامة) في غير الأصل كأن كانت الإقامة (نهارا) أي في قدرها; لأنه وقت التردد وهو يقل ويكثر بخلاف أصل الإقامة فيجب التسوية فيه بعدم تخصيص إحداهن به قصداً، أما الأصل -وهو الليل حينئذ- فتجب التسوية في قدر الإقامة فيه حتى لو خرج في ليلة إحداهن فقط ولو للجماعة حرم. (وأقل نوب القسم ليلةٌ) ليلةٌ، ونهارٌ نهارٌ في نحو الحارس، فلا يجوز تبعيضهما في النهار وقطعا في الليل; لأنه ينغص العيش، ومن ثم جاز برضاهن، وعليه حملوا طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه في ليلة واحدة (وهو أفضل) من الزيادة عليها؛ للاتباع، وليقرب عهده بهن، (وتجوز ثلاثا) ثلاثا، وليلتين ليلتين، وإن كرهن ذلك؛ لقربها (ولا زيادة) على الثلاث فتحرم بغير رضاهن (على المذهب) وإن تفرقن في البلاد؛ لما فيها من الإيحاش والإضرار. (والصحيح) فيما إذا لم يرضين في الابتداء بواحدة بلا قرعة (وجوب قرعة) بينهن (للابتداء) في القسم بواحدة منهن؛ تحرزا عن الترجيح من غير
(1)
. لا إن قصر خلافا لما صوره في النهاية ورده الشارح.
(2)
. خلافا لهما فاعتمدا الأولوية فقط.
وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ. وَلَا يُفَضِّلُ فِي قَدْرِ نَوْبَةٍ لَكِنْ لِحُرَّةٍ مِثْلَا أَمَةٍ، وَتَخْتَصُّ بِكْرٌ جَدِيدَةٌ عِنْدَ زِفَافٍ بِسَبْعٍ بِلَا قَضَاءٍ، وَثَيِّبٌ بِثَلَاثٍ، وَيُسَنُّ تَخْيِيرُهَا بَيْنَ ثَلَاثٍ بِلَا قَضَاءٍ، وَسَبْعٍ بِقَضَاءٍ
مرجح فيبدأ بمن خرجت قرعتها، ثم يقرع للباقيات وهكذا، فإذا تمت النوبة راعى الترتيب من غير قرعة، نعم لو بدأ بواحدة ظلما أقرع للباقيات; لأن الأول لغو فإذا تم العدد أقرع للابتداء (وقيل يتخير) فيبدأ بمن شاء بلا قرعة; لأنه الآن لا يلزمه قسم. ولو أراد الابتداء بما ليس قسما كدون ليلة فالأوجه وجوب القرعة فيه (ولا يفضل) بعض نسائه (في قدر نوبة) ولو مسلمة على كتابية فيحرم عليه ذلك; لأنه خلاف العدل المشروع له القسم (لكن لحرة مِثْلا أمة) تجب نفقتها، أي لها ليلتان وللأمة ليلة لا غير؛ لما قدمه من امتناع الزيادة على ثلاث والنقص عن ليلة، بل لو جعل للحرة ثلاثا وللأمة ليلة ونصفا لم يجز، وذلك؛ لخبر فيه مرسل اعتضد بقول علي كرم الله وجهه بل لا يعرف له مخالف. والمراد بالأمة من فيها رق بسائر أنواعها ولو مبعضة. ومن عتقت قبل تمام نوبتها التحقت بالحرائر، فلو لم تعلم هي بالعتق إلا بعد أدوار لم تستحق إلا من حين العلم، نعم محله إن جهل الزوج هنا أيضاً وإلا وجب؛ لتعديه. ولو بات عند الحرة ليلتين استقر للأمة ليلة في مقابلتهما وإن سافر بها سيدها فيقضيها إياها إذا عادت كما يأتي. (وتختص بكر) وجوبا، وهي (جديدة عند) ظرفٌ لبكر وجديدة (زفاف) وفي عصمته غيرها يريد المبيت عندها (بسبع) ولاء (بلا قضاء) فخرج بكر عند العقد ثيب عند الدخول فلها ثلاث فقط وبكر جديدة عند العقد غير جديدة عند الدخول بأن استدخلت ماءه فطلقها رجعيا ثم دخل فلا حق لها
(1)
، والمراد بالحق المنفي حق يترتب على الرجعة وحينئذ فهي مستحقة للسبع قبل الطلاق فإن وفَّاها تلك السبع فذاك وإلا قضاها لها (وثيب) بذلك المعنى أيضا عند زفاف (بثلاث) ولاء بلا قضاء ولو أمة فيهما؛ للخبر الصحيح ((سبع لبكر وثلاث للثيب)). ولو نكح جديدتين وأراد المبيت عندهما وجب لهما حق الزفاف، فإن زفتا مرتبا بدأ بالأولى وإلا -وهو مكروه- أقرع، ولا حق للرجعية بخلاف بائن أعادها ومستفرشة أعتقها ثم تزوجها. أما لو لم يوال فلا تحسب بل يجب لها سبع أو ثلاث متوالية، ثم يقضي ما للباقيات من نوبتها ما باته عندها مفرقا. (ويسن تخييرها) أي الثيب (بين ثلاث بلا قضاء) للأخريات (وسبع بقضاء) أي قضاء السبع لهن؛ تأسيا بتخييره صلى الله عليه وسلم أم سلمة
(1)
. خلافا لقضية كلام شرح الروض.
وَمَنْ سَافَرَتْ وَحْدَهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ نَاشِزَةٌ، وَبِإِذْنِهِ لِغَرَضِهِ يَقْضِي لَهَا، وَلِغَرَضِهَا لَا فِي الْجَدِيدِ. وَمَنْ سَافَرَ لِنُقْلَةٍ حَرُمَ أَنْ يَسْتَصْحِبَ بَعْضَهُنَّ، وَفِي سَائِرِ الْأَسْفَارِ الطَّوِيلَةِ -وَكَذَا الْقَصِيرَةُ فِي الْأَصَحِّ- يَسْتَصْحِبُ بَعْضَهُنَّ بِقُرْعَةٍ،
كذلك فاختارت التثليث، نعم إن خيَّرها فسكتت أو فوضت الأمر إليه تخير هو، فإن أقام السبع بغير اختيارها أو اختارت دون السبع لم يقض إلا الزائد على الثلاث; لأنها لم تطمع في حق غيرها وهي البكر ولو زاد البكرَ على السبع قضى الزائد فقط -سواء طلق أم لا-؛ لأنها لم تطمع في الحق المشروع لغيرها
(1)
. (ومن سافرت وحدها بغير إذنه) ولو لحاجته (ناشزة) فلا قسم لها، نعم
(2)
لو ارتحلت لخراب البلد وارتحال أهلها واقتصرت على قدر الضرورة قضى لها ما استقر قبل سفرها إذا رجعت (وبإذنه لغرضه يقضي لها) ; لأنه المانع لنفسه منها (ولغرضها) كحج وكذا لغرضهما
(3)
؛ تغليبا للمانع (لا) يقضي لها (في الجديد) ; لأنها المفوتة لحقه وإذنه إنما يرفع الإثم فقط. وخرج بوحدها ما لو سافرت معه بإذنه أو بلا إذن ولا نهي ولو لغرضها فإنها تستحقه. (ومن سافر لنقلة حرم) عليه (أن يستصحب بعضهن) فقط ولو بقرعة كما لا يجوز للمقيم أن يخصص بعضهن بقرعة فيقضي للمتخلفات ولمن أرسلهن مع وكيله، نعم لا يجوز له استصحاب بعضهن وإرسال بعضهن مع وكيله إلا بقرعة. ويحرم عليه أيضا ترك الكل؛ لانقطاع أطماعهن من الوقاع كالإيلاء، وظاهرٌ أن محله
(4)
حيث لم يرضين (وفي سائر الأسفار) لا لنقلة (الطويلة وكذا القصيرة في الأصح يستصحب) غير المُغَرَّب للزنا كما سيأتي (بعضهن) واحدة أو أكثر (بقرعة) وإن كانت غير صاحبة النوبة؛ للاتباع، فإن استصحب واحدة بلا قرعة أثم وقضى للباقيات من نوبتها إذا عادت، وإن لم يبت عندها إلا إن رضين فلا إثم ولا قضاء ولهن الرجوع قبل سفرها. ولو خرجت القرعة لصاحبة النوبة لم تدخل نوبتها، بل إذا رجع وفّاها إياها، ويشترط في السفر هنا كونه مرخصا، ففي نحو سفر معصية
(1)
. هذا ما علل به المغني.
(2)
. واستثنى في النهاية أيضا ما لو سافر بها السيد وقد بات عند الحرة ليلتين فيقضي لها إذا رجعت ورده الشارح.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. خلافا لإطلاق المغني والأسنى.
وَلَا يَقْضِي مُدَّةَ سَفَرِهِ. فَإِنْ وَصَلَ المَقْصِدَ وَصَارَ مُقِيمًا قَضَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ، لَا الرُّجُوعِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ وَهَبَتْ حَقَّهَا لَمْ يَلْزَمِ الزَّوْجَ الرِّضَا، فَإِنْ رَضِيَ وَوَهَبَتْ لِمُعَيَّنَةٍ بَاتَ عِنْدَهَا لَيْلَتَيْهِمَا، وَقِيلَ يُوَالِيهِمَا،
متى سافر ببعضهن أثم مطلقا وقضى للباقيات، ويلزم من عينتها القرعة له الإجابة ولو محجورة بل وإن أراد السفر بها في بحر لكن إن غلبت فيه السلامة ولم يُخش من ركوبه ضررٌ يبيح التيمم أو يشق معه مشقة لا تحتمل عادة
(1)
، نعم إن كان فاسقا قليل الغيرة لم تلزمها الإجابة.
[تنبيه] لا يقرع هنا إلا بين الصالحات للسفر
. (ولا يقضي) للمقيمات (مدة) ذهاب (سفره) ; لأنه لم يُنْقَل، ولأن المسافرة قد لحقها من المشقة ما يزيد على ترفهها بصحبته (فإن وصل المقصِد) أو غيره (وصار مقيما) بنية إقامة أربعة أيام صحاح (قضى مدة الإقامة) إن لم يعتزلها فيها؛ لامتناع الترخص حينئذ، فإن أقام بلا نية قضى الزائد على مدة إقامة المسافرين، فلو أقام لحاجة يتوقعها كل وقت لم يقض إلا ما زاد على ثمانية عشر يوما، والحاصل أن كل زمن حل له الترخص فيه لا يقضيه وإلا قضاه. ولو كتب للباقيات يستحضرهن عند قصده الإقامة ببلد قضى من حين الكتابة (لا الرجوع في الأصح) ; لأنه من بقية سفره المأذون له فيه فلا نظر لتخلل إقامة قاطعة للسفر، وقضيته أنه لو أقام أثناء السفر إقامة طويلة ثم سافر للمقصد لم يقض مدة السفر بعد تلك الإقامة لعين ما ذكروه في الرجوع. ولو أقام بمقصده مدة ثم أنشأ سفرا منه أمامه فإن كان نوى ذلك أوَّلاً فلا قضاء، وإلا فإن كان سفره بعد انقطاع ترخصه قضى، وإلا فلا. (ومن وهبت حقها) من القسم لغيرها (لم يلزم الزوج الرضا) ; لأن الاستمتاع حقه فيبيت عندها في ليلتها (فإن رضي) بالهبة (ووهبت لمعينة) منهن (بات عندها) وإن لم ترض هي بذلك (ليلتيهما)؛ للاتباع لَمَّا وهبت سودة نوبتها لعائشة رضي الله عنهما، ولا يواليهما إن كانتا متفرقتين؛ لما فيه من تأخير حق من بينهما، ومن ثم لو تقدمت ليلة الواهبة وأراد تأخيرها جاز له، وكذا لو تأخرت فأخر نوبة الموهوب لها برضاها (وقيل) في المنفصلتين (يواليهما) إن شاء.
(1)
. ذكره الشارح في النفقات.
أَوْ لَهُنَّ سَوَّى أَوْ لَهُ فَلَهُ التَّخْصِيصُ، وَقِيلَ يُسَوِّي.
فصل
ظَهَرَتْ أَمَارَاتُ نُشُوزِهَا وَعَظَهَا بِلَا هَجْرٍ، فَإِنْ تَحَقَّقَ نُشُوزٌ وَلَمْ يَتَكَرَّرْ وَعَظَ وَهَجَرَ فِي المَضْجَِعِ
(أو) وهبت (لهن) أو أسقطت حقها (سوى) بين الباقيات وجوبا; لأنها صارت كالمعدومة (أو) وهبت (له فله التخصيص) بواحدة منهن; لأن الحق صار له فيضعه حيث شاء مراعيا ما مر في الموالاة (وقيل يسوي) ; لأن التخصيص يورث الإيحاش. وعلم مما تقرر أن هذه الهبة ليست على قواعد الهبات، ومن ثم لم يشترط رضا الموهوب لها وجاز
(1)
للواهبة الرجوع متى شاءت فيخرج لها إذا رجعت أثناء ليلتها وإلا قضى من حين الرجوع. ولو أخذت على حقها عوضا لزمها رده; لأنه ليس عينا ولا منفعة فلا يقابل بمال لكن يقضي لها; لأنها لم تسقط حقها مجانا، ومر أن ما فات قبل علم الزوج برجوعها لا يُقضَى، وواضح أنه لا تصح هبة رجعية قبل رجعتها.
(فصل) في بعض أحكام النشوز وسوابقه ولواحقه
إذا (ظهر أمارات نشوزها) كخشونة جواب بعدَ لينٍ، وتعبيس بعد طلاقة، وإعراض بعد إقبال (وعظها) ندبا، أي حذَّرها عقاب الدنيا بالضرب وسقوط المؤن والقسم، وعقاب الآخرة بالنار قال تعالى {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ} النساء: 34، ويذكر لها أن الملائكة تلعنها إذا هجرت زوجها (بلا هجر) ولا ضرب؛ لاحتمال أن لا يكون نشوزا فلعلها تعتذر أو تتوب، وحَسُن أن يستميلها بشيء، والمراد نفي هجر يفوتها حقها من نحو قسم؛ لحرمته حينئذ بخلاف هجرها في المضجع فإنه يجوز; لأنه حقه كما مر. (فإن تحقق نشوز) كمنع تمتع وخروج لغير عذر (ولم يتكرر وعظ وهجر) ندبا (في المضجَِع) أي الوطء أو الفراش؛ لظاهر الآية، لا في الكلام؛ لحرمته لكل أحد فيما زاد على ثلاثة أيام إلا إن قصد به ردها عن المعصية وإصلاح
(1)
. ظاهره أنه عطف على قوله: ((لم يشترط))، لكن ذكراه على وجه الاستئناف.
وَلَا يَضْرِبُ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ يَضْرِبُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ تَكَرَّرَ ضَرَبَ. فَلَوْ مَنَعَهَا حَقًّا كَقَسْمٍ وَنَفَقَةٍ أَلْزَمَهُ الْقَاضِي تَوْفِيَتَهُ، فَإِنْ أَسَاءَ خُلُقَهُ وَآذَاهَا بِلَا سَبَبٍ نَهَاهُ، فَإِنْ عَادَ عَزَّرَهُ. فَإِنِ قَالَ كُلٌّ: إنَّ صَاحِبَهُ مُتَعَدٍّ تَعَرَّفَ الْقَاضِي الحَالَ بِثِقَةٍ يَخْبُرْهُمَا وَمَنَعَ الظَّالِمَ،
دينها -لا حظَّ نفسه، ولا الأمرين- لجواز الهجر بل ندبه لعذر شرعي ككون المهجور نحو فاسق أو مبتدع وكصلاح دينه أو دين الهاجر، ومن ثم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين خلفوا
ونهى الصحابة عن كلامهم، (ولا يضرب في الأظهر)؛ لعدم تأكد الجناية بالتكرر (قلت: الأظهر يضرب
(1)
إن شاء بشرط أن يعلم إفادة الضرب (والله أعلم) كما هو ظاهر القرآن (فإن تكرر
(2)
ضرب) إن علم ذلك أيضا مع الوعظ والهجر، والأولى العفو، ولا يجوز ضرب مدم أو مبرح وهو ما يعظم ألمه بأن يخشى منه مبيح تيمم كضرب بسوط أو عصا بل يضرب بمنديل ملفوف أو بيده، وإن لم تنزجر إلا به فيحرم المبرح وغيره، ولا يضرب على وجه أو مهلك ولا لنحو نحيفة لا تطيقه ولا أن يبلغ ضرب حرة أربعين وغيرها عشرين أما إذا علم أنه لا يفيد فيحرم; لأنه عقوبة بلا فائدة. ولو ادعى أن سبب الضرب النشوز وأنكرت صدق بيمينه; لأن الشرع جعله وليا فيه، نعم محله فيمن لم تعلم جراءته واستهتاره وإلا لم يصدق، (فلو منعها حقا كقسم ونفقة ألزمه القاضي توفيته) إذا طلبته، فإن لم يتأهل للحجر عليه ألزم وليه بذلك، وله بالشروط السابقة في ضربها للنشوز تأديبها لحقه كشتمه؛ لمشقة الرفع للحاكم (فإن أساء خلقه وأذاها) بنحو ضرب (بلا سبب نهاه) من غير تعزير (فإن عاد) إليه (عزره) بطلبها بما يراه (فإن قال كلٌّ) من الزوجين (إن صاحبه متعدٍّ) عليه (تعرَّف) وجوبا إن لم يظن فراقه لها ولم يندفع ما ظنه بينهما من الشر إلا بالتعرف (القاضي الحال) بينهما (بثقة) أي ولو عدل رواية (يَخبُرهما) بمجاورته لهما، فإن لم يكن لهما جار ثقة أسكنهما بجنب ثقة وأمره بتعرف حالهما وإنهائها إليه؛ لعسر إقامة البينة على ذلك. (ومنع الظالم)
(1)
. وذكر الشارح في كتاب الصلاة أن للزوج أن يضرب لترك نحو الصلاة ما لم يخف نشوزا 1/ 452، وقيده قبل الصيال بما إذا توقف عليه الفعل ولم يخش أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه 9/ 180.
(2)
. أفاد المغني أنه لو قدم قوله فإن تكرر وقيد الضرب في الزيادة بعدم التكرار كأن أقعد ورده الشارح.
فَإِنِ اشْتَدَّ الشِّقَاقُ بَعَثَ الْقَاضِي حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا، وَهُمَا وَكِيلَانِ لَهُمَا، وَفِي قَوْلٍ مُوَلَّيَانِ مِنَ الحَاكِمِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا فَيُوَكِّلُ حَكَمَهُ بِطَلَاقٍ وَقَبُولِ عِوَضِ خُلْعٍ، وَتُوَكِّلُ حَكَمَهَا بِبَذْلِ عِوَضٍ وَقَبُولِ طَلَاقٍ بِهِ
من ظلمه بنهيه للزوج أول مرة بغير تعزير وثانيا بالتعزير وبتعزيرها مطلقا، فإن لم يمتنع حال بينهما إلى أن يرجع، بل لو علم من جراءته وتهوره أنه لو اختلى بها أفرط في إضرارها حال وجوبا بينه وبينها ابتداء
(1)
; لأن الإسكان بجنب الثقة لا يفيد حينئذ، (فإن اشتد الشقاق) أي الخلاف (بعث القاضي) وجوبا (حكما) ويسن كونه (من أهله وحكما) ويسن كونه (من أهلها)؛ للآية فلا يكفي حكم واحد بل لا بد من حكمين ينظران في أمرهما بعد اختلاء حكمَ كلٍّ به ومعرفة ما عنده (وهما وكيلان لهما) ; لأنهما رشيدان فلا يُولَّى عليهما في حقهما؛ إذ البضع حقه والمال حقها (وفي قول) حاكمان (موليان من الحاكم)؛ لتسميتهما في الآية حكمين، (فعلى الأول يشترط رضاهما) ببعثهما (فيوكل) هو (حكمه بطلاق وقبول عوض خلع، وتوكل) هي (حكمها ببذل عوض وقبول طلاق به) ثم يفعلان الأصلح من صلح أو تفريق، فإن اختلف رأيهما بعث القاضي اثنين غيرهما ليتفقا على شيء. ولتعلق وكالتهما بنظر القاضي اشترط في الحكمين ما في أمينه من حرية وعدالة واهتداء للمقصود، ويسن ذكورتهما. فإن عجزا عن توافقهما أدَّب القاضي الظالم واستوفى حق المظلوم، ولا يجوز لوكيل في طلاق أن يخالع; لأنه وإن أفاد موكله مالاً فوَّت عليه الرجعة، ولا لوكيل في خلع أن يطلق مجانا.
(1)
. مقتضى كلامها ما صرح به الشيخ زكريا من أنه لا يحال بينهما إلا بعد التعزير والإسكان.
كتاب الخلع
هُوَ فُرْقَةٌ بِعِوَضٍ
(كتاب الخُلع)
أصله قبل الإجماع قوله تعالى {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} البقرة: 229، {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} النساء: 4، وخبر البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال لثابت بن قيس وقد سألته زوجته أن يطلقها على حديقتها التي أصدقها إياها ((خذ الحديقة وطلقها تطليقة))، وهو أول خلع في الإسلام. وأصله مكروه
(1)
، وقد يستحب كالطلاق، ويباح لمن حلف بالثلاث على شيء لا بد له من فعله -وحينئذ فيتخلص بالخلع من يمينه- إن كانت الصيغة لا أفعل وإن لم أفعل بخلاف لأفعلن
(2)
، وإذا فعل الخلع في هذه الصورة فليشهد عليه فإنه إذا أعادها بنكاح جديد لا يقبل قوله في الخلع وإن صدقته بل وإن أتى ببينة ويؤيد ذلك أن اتفاقهما على مفسد للعقد بعد الثلاث لا يفيد رفع التحليل. ولو منعها نحو نفقة لتختلع منه بمال أوْ لا بقصد شيء فخالعته صحّ الخلع ووقع بائنا ويأثم في الحالين (هو فرقة بعوض) مقصود -كميتة وقَوَدٍ لها عليه- راجع للزوج أو سيده ولو كان العوض تقديرا كأن خالعها على ما في كفها عالمين بأنه لا شيء فيه فإنه يجب مهر المثل، وكذا على البراءة من صداقها أو بقيته ولا شيء لها عليه، وعليه فلو قال لزوجته قبل الدخول إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق فأبرأته صح الإبراء ووقع الطلاق; لأنها مالكة لكل المهر حال الإبراء وإذا صح الإبراء لم يرتفع. أما فرقة بلا عوض أو بعوض غير مقصود كدم أو بمقصود راجع لغير من مر كأن علَّق طلاقها على إبرائها زيدا عمَّا لها عليه فإنه لا يكون خلعا بل يقع رجعيا
(3)
. ولو خالعها على إبرائه وإبراء زيد فأبرأتهما براءة صحيحة
(1)
. ويأتي في الطلاق السني والبدعي أنه يجوز خلع حائض أو من طهرت وكان قد جامعها في حيضها 8/ 76 - 79.
(2)
. كما يأتي في الطلاق.
(3)
. ذكر الشارح في الكتابة أن الخلع أحد مواضع أربعة يفارق فيها الباطل الفاسد، والبقية هي الكتابة والحج والعارية 10/ 415.
بِلَفْظِ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ. شَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ، فَلَوْ خَالَعَ عَبْدٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِسَفَهٍ صَحَّ، وَوَجَبَ دَفْعُ الْعِوَضِ إلَى مَوْلَاهُ وَوَلِيُّهُ
وقع بائنا؛ نظرا لرجوع بعضه للزوج (بلفظ طلاق) أي بلفظ محصل له صريح أو كناية، ومن ذلك لفظ المفاداة الآتي (أو خلع).
وأركانه زوج وملتزم وبضع وعوض وصيغة. (شرطه) أي الذي لا بد منه لصحته فلا ينافي كونه ركنا (زوج) أي صدوره من زوج
(1)
، وشرط الزوج أن يكون بحيث (يصح طلاقه) ; لأنه طلاق فلا يصح ممن لا يصح طلاقه ممن يأتي في بابه. (فلو خالع عبد أو محجور عليه بسفه) زوجته معها أو مع غيرها (صحَّ) ولو بأقل شيء وبلا إذن; لأن لكل منهما أن يطلق مجانا فبعوض أولى (ووجب) على المختلع (دفع العوض) العين أو الدين (إلى مولاه) أي العبد; لأنه ملكه قهرا ككسبه، نعم المأذون له يسلم له وكذا المكاتب؛ لاستقلاله، وكذا مبعض خالع في نوبته، فإن لم تكن مهايأة فما تخص حريته (ووليه
(2)
أي السفيه كسائر أمواله، فإن دفعه له فإن كان بغير إذنه ففي العين يأخذها الولي إن علم فإن قصر حتى تلفت ضمنها الولي، أو لم يعلم بها وتلفت في يد السفيه رجع على المختلع بمهر المثل لا البدل; لأنه ضامنه ضمان عقد لا يد، وفي الدين يرجع الولي على المختلع بالمسمى؛ لبقائه في ذمته؛ لعدم القبض الصحيح. ويسترد المختلع من السفيه ما سلمه، فإن تلف في يده لم يطالبه به ظاهرا كما مر في الحجر، وكذا في العبد لكن له مطالبته إذا عتق، نعم لو قيد أحدهما الطلاق بالدفع أو نحو إعطاء أو قبض أو إقباض إليه جاز لها أن تدفع إليه ولا ضمان عليها; لأنها مضطرة للدفع إليه ليقع الطلاق. وإن كان بإذنه صح في القن في العين والدين وفي السفيه في العين، وحينئذ متى لم يبادر الولي إلى أخذها منه فتلفت في يده ضمنها; لأنه المقصر بالإذن له في قبضها، بل يعتد بقبضه في العين.
(1)
. ويشترط أن يكون الزوج عالما بمعنى الخلع فلا يصح من عامي خفي عليه ذلك كما أشار إليه الشارح في النذر 10/ 97.
(2)
. نعم ذكر الشارح في الحجر أن ما علق بإعطائه كأن أعطيتني كذا فأنت طالق لابد في الوقوع من أخذه له ولو بغير إذن وليه ولا تضمن الزوجة بتسليمه لاضطرارها إليه ولأنه لا يملكه إلا بالقبض 5/ 173.
وَشَرْطُ قَابِلِهِ إطْلَاقُ تَصَرُّفِهِ فِي المَالِ، فَإِنِ اخْتَلَعَتْ أَمَةٌ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنِ مَالِهِ بَانَتْ، وَلِلزَّوْجِ فِي ذِمَّتِهَا مَهْرُ مِثْلٍ فِي صُورَةِ الْعَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهَا، وَفِي صُورَةِ الدَّيْنِ المُسَمَّى، وَفِي قَوْلٍ مَهْرُ مِثْلٍ، وَإِنْ أَذِنَ وَعَيَّنَ عَيْنًا لَهُ أَوْ قَدَّرَ دَيْنًا فَامْتَثَلَتْ تَعَلَّقَ بِالْعَيْنِ وَبِكَسْبِهَا فِي الدَّيْنِ، وَإِنْ أَطْلَقَ الْإِذْنَ اقْتَضَى مَهْرَ مِثْلٍ مِنْ كَسْبِهَا
(وشرط قابله) أو ملتمسه من زوجة أو أجنبي ليصح خلعه من أصله التكليف والاختيار وبالمسمى (إطلاق تصرفه في المال) بأن يكون غير محجور عليه لسفه أو رق; لأن الاختلاع التزام للمال فهو المقصود منه. (فإن اختلعت أمة) رشيدة ولو مكاتبة
(1)
، أما أمة غير رشيدة فيقع رجعيا ولا مال
(2)
كالسفيهة الحرة (بلا إذن سيد) لها رشيدٍ (بدين أو عين ماله) أو مال غيره أو عين اختصاص كذلك (بانت)؛ لوقوعه بعوض، نعم إن قيد بتمليكها العين له لم تطلق، (وللزوج في ذمتها مهر مثل) يتبعها به بعد العتق واليسار (في صورة العين) ; لأنه المراد حينئذ. ولو خالعته بمال وشرطته لوقت العتق فسد ورجع بمهر المثل بعد العتق، (وفي قول قيمتها) إن تقومت وإلا فمثلها، (و) له (في صورة الدين المسمى) كما يصح التزام الرقيق بطريق الضمان ويتبع به بعد العتق واليسار، (وفي قول مهر مثل) ويفسد المسمى. (وإن أذن) السيد لها في الاختلاع (وعين عينا له) أي للخلع من ماله (أو قدَّر دينا) في ذمتها كألف درهم (فامتثلت تعلق) الزوج (بالعين) في الأولى؛ عملا بإذنه، نعم إن أذن لها أن تخالع برقبتها وهي تحت حر أو مكاتب لم يصح; لأن الملك يقارن الطلاق فيمنعه (وبكسبها) الحادث بعد الخلع ومال تجارتها الذي لم يتعلق به دين (في الدين) في الثانية؛ عملا بإذنه أيضا، فإن لم تكن مكتسبة ولا مأذونة ففي ذمتها تتبع به بعد عتقها ويسارها. وخرج بامتثلت ما لو زادت على المأذون فيه فإنها تتبع بالزائد في الدين وبدله في العين بعد العتق. (وإن أطلق الإذن) بأن لم يذكر فيه دينا ولا عينا (اقتضى مهر مثل) أي مثلها (من كسبها) المذكور وما بيدها من مال التجارة كما لو أطلقه لعبده في النكاح، فإن زادت عليه فكما مر. أما مبعضة فإن اختلعت بملكها نفذ به أو بملك السيد فكما مر في الأمة، أو بهما أعطي كلٌّ حكمه المذكور.
(1)
. خالفا لهما فظاهرهما التفصيل، فإن خالعت المكاتبة بدين بغير إذن السيد وجب مهر المثل، أما بالعين فهي مساوية لمتمحضة الرق.
(2)
. خلافا للمغني وشرح الروض من وقوعه بائنا.
وَإِنْ خَالَعَ سَفِيهَةً أَوْ قَالَ طَلَّقْتُكِ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَتْ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا. فَإِنْ لَمْ تَقْبَلْ لَمْ تَطْلُقْ
(وإن خالع سفيهة) أي محجورا عليها بسفه بألف (أو قال طلقتك على ألف) أو على هذا (فقبلت) أو بألف إن شئت فشاءت فورا، أو قالت له طلقني بألف فطلقها (طلقت رجعيا) ولغا ذكر المال وإن أذن لها الولي فيه؛ لعدم أهليتها لالتزامه، وليس للولي صرف مالها في هذا ونحوه وإن تعينت المصلحة فيه، نعم يجوز للولي أن يخالع بمالها إن خشي على مالها من الزوج ولم يمكن دفعه إلا بالخلع، ومحل قول المصنف ((وإن خالع سفيهة الخ)) فيما بعد الدخول وإلا بانت ولا مال
(1)
، وفيما إذا لم يعلق الطلاق بنحو إبرائها من صداقها وإلا لم يقع
(2)
، وإن أبرأته لا يبرأ. وليست المراهقة كالسفيهة في ذلك فلا يقع عليها مطلقا; لأن السفيهة متأهلة للالتزام بالرشد حالا ولا كذلك الصبية، (فإن لم تقبل لم تطلق) ; لأن الصيغة تقتضي القبول، نعم إن نوى بالخلع الطلاق ولم يضمر التماس قبولها وقع رجعيا. ولو علق بإعطاء السفيهة فأعطته لم يقع؛ لأنه يقتضي التمليك ولم يوجد. وليس من التعليق قولها بذلت لك -أو بذلت من لفظ غير لك- صداقي على طلاقي فقال أنت طالق فيقع رجعيا
(3)
; لأن التعليق إنما تضمنه كلامها لا كلامه، وحينئذ لا يبرأ وإن كانت رشيدة; لأن هذا البذل لغو; لأنه لا يستعمل إلا في الأعيان، أما لو قال بعد البذل أنت طالق على ذلك فقبلت -أي وهي رشيدة- وقع بائنا بمهر المثل; لأنه لم يعلق بالبراءة حتى يقتضي فسادها عدم الوقوع، بل بالبذل وهو لا يصح فوجب مهر المثل، نعم إذا نويا بذل مثل الصداق وجعلاه عوضا وقع بائنا بلا شك، ثم إن علما الصداق وجب وإلا فمهر المثل بخلاف ما إذا لم ينويا ذلك فلا يقع بائناً. ولو قال أنت طالق على صحة البراءة فإن أبرأت براءة صحيحة وقع وإلا فلا، ويظهر أنه يقع هنا رجعيا كما هو التحقيق في طلاقك بصحة براءتك. ولو قالت بذلت صداقي على طلاقي وتخلي لي بيتك فقال أنت طالق على ذلك ولا أخلي لك البيت وقع بائنا إن قبلت وإلا فلا. ولو قال إن أبرأتني من صداقك فقالت نذرت لك به لم يقع شيء والنذر صحيح لكن
(1)
. مطلقا خلافا للأسنى حيث قيده بما إذا علم الزوج سفهها وإلا لم يقع الطلاق.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(3)
. قيده في النهاية بما إذا علم بفساد البراءة فإن جهله وقع بائنا بمهر المثل خلافا للشارح.
وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ المَرِيضَةِ مَرَضَ المَوْتِ، وَلَا يُحْسَبُ مِنَ الثُّلُثِ إلَّا زَائِدٌ عَلَى مَهْرِ مِثْلٍ. وَرَجْعِيَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ، لَا بَائِنٍ. وَيَصِحُّ عِوَضُهُ قَلِيلًا وَكَثِيرًا دَيْنًا وَعَيْنًا وَمَنْفَعَةً، وَلَوْ خَالَعَ بِمَجْهُولٍ أَوْ خَمْرٍ بَانَتْ بِمَهْرِ المِثْلِ،
محله حيث لم ينو سقوط الدين عن ذمته وإلا بانت بذلك وبرئ. (ويصح اختلاع المريضة مرض الموت) ; لأن لها صرف مالها في شهواتها بخلاف السفيهة (ولا يحسب من الثلث إلا زائد على مهر مثل) ; لأن الزائد عليه هو التبرع، وليس هذا الزائد تبرعا على وارث؛ لخروج الزوج بالخلع عن الإرث، ومن ثم لو ورث ببنوة عمومة مثلا توقف الزائد على الإجازة مطلقا. أما مهر المثل فأقل فمن رأس المال. ويصح خلع الزوج المريض مرض الموت وإن خالع بأقلِّ شيء; لأنه يصح طلاقه مجانا فأولى بشيء، ولأن البضع لا تعلق للوارث به ويصح أيضا خلع الأجنبي المريض من ماله، ويعتبر من الثلث مطلقا; لأنه تبرع محض. (و) يصح اختلاع (رجعية في الأظهر) ; لأنها في حكم الزوجات، نعم من عاشرها معاشرة الأزواج بلا وطء
(1)
وانقضت عدتها لا يصح خلعه إياها مع وقوع الطلاق عليها; لأن وقوعه بعد العدة تغليظ عليه فلا عصمة يملكها حتى يأخذ في مقابلتها مالا كما في قوله: (لا بائن) بخلع أو غيره؛ إذ لا يملك بضعها. (ويصح عوضه قليلا وكثيرا دينا وعينا ومنفعة) كالصداق، ومن ثم اشترط فيه شروط الثمن فلو خالع الأعمى على عين لم تثبت، نعم الخلع على أن تعلمه بنفسها سورة من القرآن ممتنع؛ لما مر من تعذره بالفراق، وكذا على أنه بريء من سكناها؛ لحرمة إخراجها من المسكن فلها السكنى وعليها فيهما مهر المثل. وتُحمَل الدراهم في الخلع المُنَجَّز على نقد البلد، وفي المعلق على دراهم الإسلام الخالصة ما لم يرد المعلق على غير الإسلامي إن اعتيد التعامل به
(2)
. ولو أعطته مغشوشا يبلغ خالصه المعلق به بانت وملك الغش؛ لأنه تابع لحقارته
(3)
. (ولو خالع بمجهول) كثوب من غير تعيين ولا وصف، أو بمعلوم ومجهول، أو بما في كفها ولا شيء فيه وإن علم ذلك كما مر (أو) نحو مغصوب، أو (خمر) ولو معلومة وهما مسلمان أو غير ذلك من كل فاسد يقصد والحال أن الخلع معها (بانت بمهر المثل) ; لأنه عقد
(1)
. كما في المغني.
(2)
. كما في النهاية.
(3)
. كما في فتح الجواد.
وَفِي قَوْلٍ بِبَدَلِ الخَمْرِ
على منفعة بضع فلم يفسد بفساد عوضه ورجع إلى مقابله كالنكاح، ومن صرح بفساده مراده من حيث العوض (وفي قول ببدل الخمر) المعلومة، ومحل البينونة ووقوع الطلاق في الخلع بالمجهول إذا كان بغير تعليق أو معلقاً بإعطاء المجهول ونحوه مما يمكن اعطاؤه مع الجهل بخلاف إن أبرأتني من صداقك ومتعتك مثلا أو دينك فأنت طالق فأبرأته جاهلة به أو بما ضم إليه فلا تطلق; لأنه إنما علق بإبراء صحيح ولم يوجد، وكذلك لا تطلق إن ضم للبراءة إسقاطها لحضانة ولدها; لأنها لا تسقط بالإسقاط، وجهل الزوج بالمبرأ منه كجهل المرأة به فيمنع وقوع الطلاق، فإن علماه ولم تتعلق به زكاة وأبرأته رشيدة في مجلس التواجب وقع بائنا، فإن تعلقت به زكاة فلا طلاق; لأن المستحقين ملكوا بعضه فلم يبرأ من كله. وظاهرٌ أن العبرة بالجهل به حالا وإن أمكن العلم به بعد البراءة. ويصحُّ أن تخالعه على مائة درهم من دراهم البلد التي قيمة عشرين منها دينار؛ لأنها معينة حينئذٍ
(1)
. ولو أبرأته ثم ادعت الجهل بقدر الصداق فإن زوِّجت صغيرة صدقت بيمينها أو بالغة ودلَّ الحال على جهلها به ككونها مجبرة لم تستأذن فكذلك وإلا صدق بيمينه. ولو قال إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق وقد أقرت به لثالث فأبرأته لم يقع الطلاق ولم يبرأ من الصداق إلا إن كانت كاذبة في إقرارها، ويجري ذلك فيما لو أحالت به ثم طلقها على البراءة منه فأبرأته ثم طالبه المحتال وأقام بحوالتها له قبل الإبراء بينة فيغرمه إياه ويرجع الزوج عليها بمهر المثل، وإنما لم يقع الطلاق في الصورتين؛ لأن الإبراء حيث أطلق إنما ينصرف للصحيح، وحينئذ لم يبق حال التعليق دين حتى يبرأ منه، نعم إن أراد التعليق على لفظ البراءة وقع رجعيا. ومر أنه لو علق بإبراء سفيهة فأبرأته لم يقع وإن علم سفهها فقياسه هنا عدم الوقوع وإن علم إقرارها أو حوالتها. ولو أصدق ثمانين فقبضت منها أربعين ثم قال لها إن أبرأتني من مهرك الذي تستحقينه في ذمتي وهو ثمانون فأنت طالق فأبرأته منها برئ وبانت إن علم الحال. ولو قال إن أبرأتني هي وأبوها فأبرآه معا أو مرتبا لم يقع؛ لأن التعليق بإبراء الأب كهو بإبراء السفيهة. ولو قال إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق بعد شهر فأبرأته برئ مطلقا، ثم إن عاش إلى مضي الشهر
(1)
. ذكره الشارح في البيع.
وَلَهُمَا التَّوْكِيلُ، فَلَوْ قَالَ لِوَكِيلِهِ خَالِعْهَا بِمِائَةٍ لَمْ يَنْقُصْ مِنْهَا، وَإِنْ أَطْلَقَ لَمْ يَنْقُصْ عَنْ مَهْرِ مِثْلٍ، فَإِنْ نَقَصَ فِيهِمَا لَمْ تَطْلُقْ، وَفِي قَوْلٍ يَقَعُ بِمَهْرِ المِثْلِ، وَلَوْ قَالَتْ لِوَكِيلِهَا اخْتَلِعْ بِأَلْفٍ فَامْتَثَلَ نَفَذَ، وَإِنْ زَادَ فَقَالَ اخْتَلَعْتُهَا بِأَلْفَيْنِ مِنْ مَالِهَا بِوَكَالَتِهَا بَانَتْ، وَيَلْزَمُهَا مَهْرُ المِثْلِ، وَفِي قَوْلٍ الْأَكْثَرُ مِنْهُ وَمِمَّا سَمَّتْهُ،
طلقت وإلا فلا. ولو قال أنت طالق إن أبرأتني وإن لم تبرئيني وقوع حالا وجدت براءة أوْ لا ما لم يقصد التعليق فيرتب عليه حكمه. ولو قالت أبرأتك من مهري بشرط أن تطلقني فطلق وقع بائنا بمهر المثل. والأوجه في أنت طالق على صحة البراءة وقوعه رجعيا. أما خلع الكفار بنحو خمر فيصح؛ نظرا لاعتقادهم، فإن أسلما قبل قبض كله وجب مهر المثل أو قسطه نظير ما مر في نكاح المشرك، وأما الخلع مع غيرها كأب أو أجنبي على هذا الخمر أو المغصوب أو قنها أو صداقها ولم يصرح بنيابة ولا استقلال فيقع رجعيا، ومر صحته بميتة لا دم فيقع رجعيا ككل عوض لا يقصد، وكذا الحشرات مع أن لها خواص كثيرة. ولو خالع بمعلوم ومجهول فسد ووجب مهر المثل كما مر، أو بصحيح وفاسد معلوم صح في الصحيح ووجب في الفاسد ما يقابله من مهر المثل. (ولهما التوكيل) في الخلع (فلو قال لوكيله خالعها بمائة) من نقد كذا (لم ينقص منها) وله الزيادة عليها ولو من غير جنسها؛ لوقوع الشقاق هنا فلا محاباة (وإن أطلق) كخالعها بمال، وكذا خالعها؛ بناء على أن ذكر الخلع وحده يقتضي المال (لم ينقص عن مهر مثل) وله أن يزيد (فإن نقص فيهما) أي نقص في الأولى أيَّ نقص كان
(1)
، أو خالع فيها بمؤجل أو بغير الجنس أو الصفة، ونقص في الثانية نقصاً فاحشاً أو خالع فيها بمؤجل أو بغير نقد البلد (لم تطلق) للمخالفة كالبيع (وفي قول يقع بمهر المثل) كالخلع بخمر وهو المعتمد في حالة الإطلاق. (ولو قالت لوكيلها اختلع بألف فامتثل) أو نقص عنها (نفذ) لموافقته الإذن (وإن زاد) أو ذكر غير الجنس أو الصفة كغير نقد البلد (فقال اختلعتها بألفين من مالها بوكالتها) أو أطلقت فزاد على مهر المثل وأضاف إليها هنا أيضا (بانت ويلزمها مهر المثل) ولا شيء عليه; لأنه قضية فساد العوض بزيادته فيه مع إضافته إليها (وفي قول) يلزمها (الأكثر منه) أي مهر المثل (ومما سمته) ; لأن الأكثر إن كان المهر فهو الواجب عند فساد المسمى، أو
(1)
. خلافا للمغني فقيد النقص في الصورتين بالفاحش.
وَإِنْ أَضَافَ الْوَكِيلُ الخُلْعَ إلَى نَفْسِهِ فَخُلْعُ أَجْنَبِيٍّ وَالمَالُ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَلَيْهَا مَا سَمَّتْ وَعَلَيْهِ الزِّيَادَةُ. وَيَجُوزُ تَوْكِيلُهُ ذِمِّيًّا. وَعَبْدًا وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ، وَلَا يَجُوزُ تَوْكِيلُ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ فِي قَبْضِ الْعِوَضِ
المسمى فقد رضيت به، (وإن أضاف الوكيل الخلع إلى نفسه) بأن قال من مالي (فخلع أجنبي) وسيأتي صحته (والمال) كله (عليه) دونها; لأن إضافته لنفسه إعراض عن التوكيل واستبداد بالخلع مع الزوج. (وإن أطلق) بأن لم يضفه لنفسه ولا إليها وقد نوى الزوجة فقال: اختلعت فلانة بألفين (فالأظهر أن عليها ما سمته) ; لأنها التزمته (وعليه الزيادة)؛ لأنها لم ترض بها فكأنه افتداها بما سمَّته وزيادة من عنده، وهذا باعتبار استقرار الضمان وإلا فقد علم مما قدمه في الوكالة أن للزوج مطالبة الوكيل بالكل، فإذا غرمه رجع عليها بقدر ما سمته، والحاصل أنه فيما إذا امتثل مقدرها أو نقص منه طولبت فقط إن صرح بالوكالة عنها وإلا طولب أيضا، نعم يرجع عليها بعد غرمه ما لم ينو التبرع، فإن لم يمتثل في المال بأن زاد على مقدرها أو ذكر غير جنسه وقال من مالها بوكالتها بانت بمهر المثل ولا يطالب به إلا إن ضمن فبمسماه ولو أزيد من مهر المثل، ولها هنا الرجوع عليه بما زاد على مسماها إن غرمته; لأن الزيادة تولدت من ضمانه، أو قال من مالي ولم ينوها فخلع أجنبي فيلزمه المسمى جميعه، ولا يرجع عليها بشيء، وإن نواها طولب بمسماه ولو أزيد من مسماها، ويرجع عليها بما سمته كما لو أضاف لها مسماها وله الزائد عليه فإن غرم الكل رجع عليها بمسماها، وفيما إذا أطلقت التوكيل ليس عليها إلا مهر المثل، فإن سمى أزيد لزمه الزائد، فإن غرم الكل رجع بمهر المثل. (ويجوز) أي يحل ويصح (توكيله) أي الزوج في الخلع (ذميا) وحربيا وإن كانت الزوجة مسلمة; لأنه قد يخالع المسلمة فيما لو أسلمت أو تخلف ثم أسلم فإنه يحكم بصحة الخلع. (وعبدا ومحجورا عليه بسفه) وإن لم يأذن السيد والولي؛ إذ لا عهدة تتعلق بوكيله (ولا يجوز) أي لا يصح (توكيل محجور عليه) بسفه، ومثله العبد هنا أيضا (في قبض العوض) العين والدين; لأنه ليس أهلا له، فإن فعل وقبض برئ المخالع بالدفع له وكان الزوج هو المضيع لماله بإذنه في الدفع إليه
(1)
، نعم محل عدم صحة القبض هنا إن لم يأذن له وليُه أو سيده وإلا فيصح؛ لأنه
(1)
. نقلا حمل هذا الإطلاق على عوض معين أو غير معين وعلق الطلاق بدفعه وإلا لم يصح القبض فإذا تلف كان على الملتزم وبقي حق الزوج في ذمته.
وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَوْكِيلِهِ امْرَأَةً بِخُلْعِ زَوْجَتِهِ أَوْ طَلَاقِهَا. وَلَوْ وَكَّلَا رَجُلًا تَوَلَّى طَرَفًا، وَقِيلَ الطَّرَفَيْنِ.
فصل
الْفُرْقَةُ بِلَفْظِ الخُلْعِ طَلَاقٌ، وَفِي قَوْلٍ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدًا، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَفْظُ الْفَسْخِ كِنَايَةٌ.
صح قبضه دين نفسه بالإذن فدين غيره كذلك
(1)
. ويجوز أيضا توكيلها كافرا وعبدا، وفيما إذا أطلق
(2)
ولم يأذن السيد في الوكالة للزوج مطالبته بالمال بعد العتق ثم بعد غرمه يرجع عليها إن قصد الرجوع، ومع إذن السيد فيها يتعلق بكسبه ومال تجارته ويرجع السيد عليها هنا بما غرم وإن لم يقصد رجوعا؛ لوجود القرينة الصارفة عن التبرع هنا أيضا؛ لجواز مطالبة القن عقب الخلع، ولا يجوز أن توكل سفيها وإن أذن الولي فلو فعل وقع رجعيا إن أطلق أو أضافه إليه فإن أضاف المال إليها بانت ولزمها المال، وإنما صح هنا; لأنه لا ضرر فيه على السفيه؛ لأنه لا يطالب (والأصح صحة توكيله امرأة بخلع زوجته أو طلاقها) ; لأنه يجوز أن يفوض طلاق زوجته إليها، وتوكيل امرأة تختلع عنها صحيح قطعا. ومر أنه لو أسلم على أكثر من أربع لم يصح توكيله امرأة في طلاق بعضهن. (ولو وكلا) أي الزوجان معا (رجلا) في الخلع وقبوله (تولى طرفاً) أراده منهما مع الآخر أو وكيله كسائر العقود، (وقيل) يتولى (الطرفين) ; لأن الخلع يكفي فيه اللفظ من جانب كما لو علق بالإعطاء فأعطته.
(فصل) في الصيغة وما يتعلق بها
(الفرقة بلفظ الخلع) إن قلنا إنه صريح، أو كناية ونواه به (طلاق) ينقص العدد (وفي قول) الفرقة بلفظ الخلع، أو المفاداة إذا لم يقصد به طلاقا
(3)
(فسخ لا يُنْقِص عددا) فيجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر. أما الفرقة بلفظ الطلاق بعوض فطلاق ينقص العدد قطعا كما لو قصد بلفظ الخلع الطلاق (فعلى الأول) الأصح (لفظ الفسخ) كفسخت نكاحك بكذا فقبلت
(4)
(كناية) في الطلاق أي الفرقة بعوض المعبر عنها بلفظ الخلع فيحتاج لنية; لأنه
(1)
. ذكر ذلك الشارح أول الخلع.
(2)
. أي العبد بأن لم يضفه له ولا لها.
(3)
. فإن قصد به طلاقاً فيكون طلاقا قطعاً.
(4)
. كما في المغني.
وَالمُفَادَاةُ كَخُلْعٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَفْظُ الخُلْعِ صَرِيحٌ، وَفِي قَوْلٍ كِنَايَةٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ جَرَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَالٍ وَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَصَحِّ. وَيَصِحُّ بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ مَعَ النِّيَّةِ وَبِالْعَجَمِيَّةِ. وَلَوْ قَالَ بِعْتُكِ نَفْسَكِ بِكَذَا فَقَالَتِ اشْتَرَيْتُ فَكِنَايَةُ خُلْعٍ، وَإِذَا بَدَأَ بِصِيغَةِ مُعَاوَضَةٍ كَطَلَّقْتُكِ أَوْ خَالَعْتُكِ بِكَذَا، وَقُلْنَا: الخُلْعُ طَلَاقٌ فَهُوَ مُعَاوَضَةٌ فِيهَا شَوْبُ تَعْلِيقٍ،
لم يرد في القرآن (والمفاداة) أي وما اشتق منها (كخلع) على القولين السابقين، وكذا اللفظان الآتيان فيه (في الأصح)؛ لورودها في الآية السابقة (ولفظ الخلع) وما اشتق منه (صريح) في الطلاق; لأنه تكرر على لسان حملة الشرع لإرادة الفراق فكان كالمتكرر في القرآن (وفي قول كناية) يحتاج للنية; لأن صرائح الطلاق ثلاثة ألفاظ تأتي لا غير، (فعلى الأول) الأصح (لو جرى) ما اشتق من لفظ الخلع، أو المفاداة مع الزوجة أو وكيلها (بغير ذكر مال) ونوى بقوله خالعتك التماسَ قبولها فقبلت كان صريحا وطلقت جزما، و (وجب مهر مثل في الأصح)؛ لاطراد العرف بجريانه بمال فرجع عند الإطلاق لمهر المثل; لأنه المردُّ كالخلع بمجهول. أما إذا نفى العوض ونوى الطلاق فيقع رجعيا وإن قبلت ونوى التماس قبولها، ويقع رجعيا كذلك فيما لو أطلق لفظ خالعتك بنية الطلاق دون التماس قبولها وإن قبلت، فعلم أن محل صراحته
(1)
بغير ذكر مال إذا قبلت ونوى التماس قبولها، وأن مجرد لفظ الخلع لا يوجب عوضا
(2)
جزما وإن نوى به طلاقا. وخرج بـ ((معها)) ما لو جرى مع أجنبي فإنها تطلق مجانا كما لو جرى معه بنحو خمر. (ويصح) الخلع بصرائح الطلاق مطلقا كما علم مما مر، و (بكنايات الطلاق مع النية)؛ بناء على أنه طلاق، وكذا على أنه فسخ إن نويا (وبالعجمية) قطعا؛ لانتفاء اللفظ المتعبد به، (ولو قال بعتك نفسك بكذا فقالت اشتريت) أو قبلت مثلا (فكناية خلع) وهو الفرقة بعوض بناء على قولَي الطلاق والفسخ
(3)
(وإذا بدأ) الزوج (بصيغة معاوضة كطلقتك أو خالعتك بكذا، وقلنا الخلع طلاق) وهو الأصح (فهو معاوضة)؛ لأخذه عوضا في مقابلة البضع المستحق له (فيها شوب تعليق)؛ لترتب وقوع الطلاق على قبول المال
(1)
. خلافا للرملي حيث اعتمد أنه كناية مطلقا.
(2)
. خلافا للرملي فنظََّر في ذلك واعتمد تفصيلا فراجعه.
(3)
. وليس من قاعدة ما كان صريحا في بابه خلافا للمغني.
وَلَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ قَبُولِهَا. وَيُشْتَرَطُ قَبُولُهَا بِلَفْظٍ غَيْرِ مُنْفَصِلٍ. فَلَوِ اخْتَلَفَ إيجَابٌ وَقَبُولٌ كَطَلَّقْتُكِ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ بِأَلْفَيْنِ وَعَكْسِهِ أَوْ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِثُلُثِ أَلْفٍ فَلَغْوٌ، وَلَوْ قَالَ طَلَّقْتُك ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَاحِدَةً بِأَلْفٍ فَالْأَصَحُّ وُقُوعُ الثَّلَاثِ وَوُجُوبُ أَلْفٍ. وَإِنْ بَدَأَ بِصِيغَةِ تَعْلِيقٍ كَمَتَى أَوْ مَتَى مَا أَعْطَيْتِنِي فَتَعْلِيقٌ فَلَا رُجُوعَ لَهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ لَفْظًا وَلَا الْإِعْطَاءُ فِي المَجْلِسِ، وَإِنْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَعْطَيْتِنِي فَكَذَلِكَ
كترتب الطلاق المعلق بشرط عليه، أما إذا قلنا فسخ فهو معاوضة محضة كالبيع (وله الرجوع قبل قبولها) ; لأن هذا شأن المعاوضات. (ويشترط قبولها بلفظ) -كقبلت، أو اختلعت، أو ضمنت- لا بالفعل
(1)
كإعطائه الألف، وتكفي إشارة خرساء مفهمة (غير منفصل) بكلام أجنبي إن طال
(2)
، وكذا السكوت كما مر في البيع، ومن ثم اشترط توافق الإيجاب والقبول هنا أيضا (فلو اختلف إيجاب وقبول كطلقتك بألف فقبلت بألفين وعكسه، أو طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بثلث الألف فلغو) كما في البيع فلا طلاق ولا مال (ولو قال: طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بالألف فالأصح وقوع الثلاث ووجوب الألف) ; لأنهما لم يتخالفا هنا في المال المعتبر قبولها لأجله بل في الطلاق في مقابلته والزوج مستقل به فوقع ما زاده عليها (وإن بدأ بصيغة تعليق كمتى، أو متى ما) أو أي وقت أو زمن أو حين (أعطيتني) كذا فأنت طالق (فتعليق) من جانبه فيه شوب معاوضة لكن لا نظر إليها هنا غالبا; لأن لفظه المذكور من صرائحه فلم ينظر لما فيه من نوع معاوضة (فلا) طلاق إلا بعد تحقق الصفة، ولا يبطل بطرو جنونه عقبه، ولا (رجوع له) عنه قبل الإعطاء كسائر التعليقات (ولا يشترط القبول لفظا) ; لأن صيغته لا تقتضيه (ولا الإعطاء في المجلس) بل يكفي وإن تفرقا عنه؛ لدلالته على استغراق كل الأزمنة منه صريحا فلم تقو قرينة المعاوضة على إيجاب الفور، وإنما وجب في قولها متى طلقتني فلك ألف وقوعه فورا; لأن الغالب على جانبها المعاوضة بخلافه وأفهم مثاله أن متى -أي ونحوها- إنما يكون للتراخي إثباتا أما نفيا كمتى لم تعطني ألفا فأنت طالق فللفور فتطلق بمضي زمن يمكن فيه الإعطاء فلم تعطه. (وإن قال إن) بالكسر (أو إذا) ومثلهما كل ما لم يدل على الزمن الآتي (أعطيتني فكذلك)
(1)
. هذا قضية التبري في التحفة وظاهر الفتح ووفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. وإنما اغتفر اليسير مطلقا لشائبة التعليق أو الجعالة كما أفاده الشارح في البيع 4/ 224.
لَكِنْ يُشْتَرَطُ إعْطَاءٌ عَلَى الْفَوْرِ. وَإِنْ بَدَأَتْ بِطَلَبِ طَلَاقٍ فَأَجَابَ فَمُعَاوَضَةٌ مَعَ شَوْبِ جَعَالَةٍ فَلَهَا الرُّجُوعُ قَبْلَ جَوَابِهِ، وَيُشْتَرَطُ فَوْرٌ لِجَوَابِهِ،
أي لا رجوع له، ولا يشترط القبول لفظا; لأنهما حرفا تعليقٍ كمتى. أما أن المفتوحة وإذ فالطلاق مع أحدهما يقع بائنا حالا، وينبغي تقييده بالنحوي، وحينئذٍ إذا بانت فلا مال له عليها وإن كان له تحليفها أنها أعطته (لكن يشترط) إن كانت حرة وألحق بها المبعضة والمكاتبة -سواء الحاضرة، والغائبة عقب علمها- (إعطاء على الفور)؛ لأن ذكر العوض قرينة للتعجيل؛ إذ الأعواض تتعجل في المعاوضات، والمراد بالفور في هذا الباب مجلس التواجب السابق بأن لا يتخلل كلام، أو سكوت طويل عرفا، ومحل التسوية بين إن وإذا في الإثبات أما النفي فإذا للفور بخلاف إن كما يأتي. أما الأمة فمتى أعطت طلقت وإن طال الزمن؛ لتعذر إعطائها حالا; إذ لا ملك لها، ومن ثم لو كان التعليق بإعطاء نحو خمر اشترط الفور؛ لقدرتها عليه حالا، وفي غير نحو الخمر إذا أعطته من كسبها أو غيره بانت، ويرد الزوج ما قبضه من الزوجة الأمة لمالكه، وله عليها مهر المثل إذا عتقت. والإبراء فيما ذكر كالإعطاء ففي إن أبرأتني لا بد من إبرائها فورا براءة صحيحة عقب علمها وإلا لم يقع، فعلم أن ((تصدقتُ عليكَ بصداقي على أن تطلقني)) خلع إن أرادت جعل البراءة التي تضمنها التصدق عوضا للطلاق، لا تعليقها به فيشترط طلاقه على الفور، وفي ((إن أبرأت فلانا من دينك أو أعطيته كذا)) يقع رجعيا كما مر فلا فورية، ويكفي التعليق الضمني ففي أنتِ طالق وتمام طلاقك ببراءتك لا بد من براءتها فورا; لأن الكلام لا يتم إلا بآخره. ولو قال إن أبرأَتْنِي فأنتَ وكيل في طلاقها فأبرأته برئ، ثم الوكيل مخير فإن طلق وقع رجعيا; لأن الإبراء وقع في مقابلة التوكيل وتعليقه إنما يفيد بطلان خصوصه كما مر. ولو قال أنت طالق إلا إن أبرأتني من كذا لم تطلق إلا باليأس من البراءة بنحو إيفاء أو موت، وكذا إلا إن أعطيتني كذا مثلا (وإن بدأت بطلب طلاق) كطلقني بكذا، أو إن أو إذا أو متى طلقتني فلك عليَّ كذا (فأجاب) ـها الزوج (فمعاوضة) من جانبها؛ لملكها البضع في مقابلة ما بذلته (مع شوب جعالة)؛ لبذلها العوض له في مقابلة تحصيله لغرضها وهو الطلاق الذي يستقل به كالعامل في الجعالة (فلها الرجوع قبل جوابه) كسائر الجعالات والمعاوضات. (ويشترط فور) إلا إن صرحت بالتراخي (لجوابه) في مجلس التواجب؛ نظرا لجانب المعاوضة وإن علقت بمتى بخلاف جانب الزوج كما مر، فلو طلقها بعد زوال الفورية حُمِل على الابتداء فيقع رجعيا بلا عوض. ولا يشترط
وَلَوْ طَلَبَتْ ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ طَلْقَةً بِثُلُثِهِ فَوَاحِدَةٌ بِثُلُثِهِ. وَإِذَا خَالَعَ أَوْ طَلَّقَ بِعِوَضٍ فَلَا رَجْعَةَ، فَإِنْ شَرَطَهَا فَرَجْعِيٌّ وَلَا مَالَ، وَفِي قَوْلٍ بَائِنٌ بِمَهْرِ المِثْلِ. وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي بِكَذَا وَارْتَدَّتْ فَأَجَابَ إنْ كَانَ قَبْلَ دُخُولٍ أَوْ بَعْدَهُ وَأَصَرَّتْ حَتَّى انْقَضَتِ الْعِدَّةُ بَانَتْ بِالرِّدَّةِ، وَلَا مَالَ،
توافق؛ نظرا لشائبة الجعالة، فلو قالت طلقني بألف فطلق بخمسمائة وقع بها كرُدَّ عبدي بألف فرده بأقل (ولو طلبت) واحدة بألف فطلق نصفها مثلا بانت بنصف المسمى
(1)
، أو يدها مثلا بانت بمهر المثل؛ للجهل بما يقابل اليد، أو (ثلاثا بألف) وهو يملكهن عليها (فطلق طلقة بثلثه
(2)
يعني لم يقصد بها الابتداء سواء أقال بثلثه أم سكت عنه ولم ينو ذلك
(3)
(فواحدة) تقع لا غير (بثلثه) أو طلقتين فطلقتان بثلثيه؛ تغليبا لشوب الجعالة إذ لو قال رُد عبيدي الثلاثة ولك ألف فردَّ واحدا استحق ثلث الألف. ولو أجابها بـ ((أنت طالق)) ولم يذكر عددا ولا نواه وقعت واحدة فقط، أو بـ ((أنت طالق طلقة ونصفها)) استحق نصف الألف؛ نظراً للملفوظ (وإذا خالع، أو طلق بعوض) ولو فاسدا (فلا رجعة) له; لأنها إنما بذلت المال لتملك بضعها كما أنه إذا بذل الصداق لا تملك هي رفعةَ، (فإن شرطها) كطلقتك أو خالعتك بكذا على أن لي عليك الرجعة فقبلت، أو إن أبرأتني من صداقك فأنت طالق طلقة رجعية فأبرأت (فرجعي ولا مال) له; لأن شرطي الرجعة والمال -أي أو والبراءة- متنافيان فيتساقطان ويبقى مجرد الطلاق وهو يقتضي الرجعة (وفي قول بائن بمهر المثل) ; لأن الخلع لا يفسد بفساد العوض. ولو خالعها بعوض على أنه متى شاء رده وكان له الرجعة بانت بمهر مثل; لأنه رضي هنا بسقوط الرجعة ومتى سقطت لا تعود. (ولو قالت طلقني بكذا وارتدت) أو ارتد هو، أو ارتدا (فأجاب) ـها الزوج فورا بأن لم تتراخ الردة ولا الجواب فـ (إن كان) الارتداد (قبل دخول أو بعده وأصرت) هي أو هو أو هما على الردة (حتى انقضت العدة بانت بالردة ولا مال) ولا
(1)
. وذكر الشارح في فصل تعدد الطلاق أنها لو قالت له طلقني ثلاثا بألف فطلق واحدة ونصفا وقع ثنتان، واختلف هل هو من باب التعبير بالبعض عن الكل فيستحق ثلثي الألف أو من باب السراية وهو الأصح فيستحق نصفه 8/ 58.
(2)
. قول المصنف: ((بثلثه)) قيد مضر عند المغني خلافا للشارح.
(3)
. أي الابتداء.
وَإِنْ أَسْلَمَتْ فِيهَا طَلُقَتْ بِالمَالِ، وَلَا يَضُرُّ تَخَلُّلُ كَلَامٍ يَسِيرٍ بَيْنَ إيجَابٍ وَقَبُولٍ.
فصل
قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَعَلَيْكِ أَوْ وَلِي عَلَيْكِ كَذَا، وَلَمْ يَسْبِقْ طَلَبُهَا بِمَالٍ وَقَعَ رَجْعِيًّا قَبِلَتْ أَمْ لَا وَلَا مَالَ،
طلاق؛ لانقطاع النكاح بالردة في الحالين. أما إذا أجاب قبل الردة فإنها تبين حالا بالمال بخلاف ما لو وقع الجواب والردة معا فإنها تبين بالردة ولا مال أي إن لم يقع إسلام (وإن أسلمت) هي أو هو أو هما (فيها) أي العدة (طلقت بالمال) المسمى; لأنا تبيَّنا صحة الخلع، وتحسب العدة من حين الطلاق (ولا يضر تخلل) سكوت أو (كلام يسير) ولو أجنبيا من المطلوب جوابه (بين إيجاب وقبول) ; لأنه لا يعد إعراضا هنا؛ نظرا لشائبة التعليق أو الجعالة وبه فارق البيع، نعم الكثير هنا لا يضر إلا من المطلوب جوابه.
[فرع] قولها خالعتُك بألف لغو وإن قبل
; لأن الإيقاع إليه دونها، ولا ينافيه بينونتها إذا قالت أبرأت ذمتك من صداقي على طلاقي فطلق أو قال قبلت الإبراء; لأنه ليس هنا إيقاع منها، نعم محل كونها تبين في الصورة الثانية ما إذا نوت جعل الإبراء عوضا للطلاق فطلق على ذلك بأن تلفظ به بخلاف ما إذا نوته الزوجة ونواه الزوج أيضا; لأن هذا في معنى تعليق الإبراء وتعليقه باطل فلا عوض حينئذ كما مر، ومحل كونها تبين الصورة في الثالثة
(1)
ما إذا قال قبلت بذلك ونوى به إيقاع الطلاق في مقابلة الإبراء وإلا فالتزام الطلاق بغير لفظ صريحٍ فيه ولا كناية مع النية لا يوقعه. ولو علق بالبراءة فأتت بلفظ البذل لم يكف وإن نوته به; لأنه لا يحتمله، أما إذا نويا جعل مثله عوضا فيقع بائنا إن علم وإلا فبمهر المثل بخلاف ما لو جعلا نفس الصداق الدين; لأن الدين ما دام دينا لا يقبل العوضية، ولا يصح استعمال البذل فيه كما تقرر، والنذر له بالمهر في إن أبرأتني مر حكمه، والأوجه في إن نذرتِ لي بكذا فأنتِ طالق فنذرت له به أنه يقع بائنا.
(فصل) في الألفاظ الملزمة للعوض وما يتبعها
لو (قال أنت طالق وعليك) كذا (أو) أنت طالق (ولي عليك كذا) أو عكسه كعليك كذا وأنت طالق (ولم يسبق طلبها بمال وقع رجعيا قبلت أم لا ولا مال) ; لأنه أوقع الطلاق
(1)
. هي قول الزوج ((قبلت الإبراء)).
فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ مَا يُرَادُ بِطَلَّقْتُك بِكَذَا وَصَدَّقَتْهُ فَكَهُوَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ سَبَقَ بَانَتْ بِالمَذْكُورِ، وَإِنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ عَلَى أَنَّ لِي عَلَيْكِ كَذَا فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ كَطَلَّقْتُكِ بِكَذَا، فَإِذَا قَبِلَتْ بَانَتْ وَوَجَبَ المَالُ
مجانا ثم أخبر أن ((له عليها كذا)) بذكر جملة خبرية معطوفة على جملة الطلاق غير صالحة للشرطية أو العوضية فلم يلزمها؛ لوقوعها ملغاة في نفسها، وفارق قولها طلقني وعليَّ أو لك عليَّ ألف فأجابها فإنه يقع بائنا بالألف بأن المتعلق بها من عقد الخلع هو الالتزام فحمل لفظها عليه وهو ينفرد بالطلاق فإذا خلا لفظه عن صيغة معاوضة حمل لفظه على ما ينفرد به، نعم إن شاع عرفا أن ذلك للشرط كعلي صار مثله إن قصده به، وأفتى أبو زرعة فيمن قال أبريني وأنت طالق وقصد تعليق الطلاق بالبراءة بأنه يتعلق بها أي؛ لغلبة ذلك وتبادر التعليق منه، ومثله أعطيني ألفا وأنت طالق، أما إذا سبق طلبها بمال فيأتي حكمه في المتن (فإن قال أردت به ما يراد بطلقتك بكذا) وهو الإلزام (وصدقته) وقبلت (فكهو في الأصح) فيقع بائنا بالمسمى; لأن المعنى حينئذ وعليك كذا عوضا. أما إذا لم تصدقه وقبلت فيقع بائنا؛ مؤاخذة له بإقراره، ثم إن حلفت أنها لا تعلم أنه أراد ذلك لم يلزمها له مال، فإن لم تحلف وحلف هو يمين الرد لزمها. وأما إذا لم تقبل فلا يقع شيء إن صدقته، أو كذبته وحلف يمين الرد، فإن لم يحلف وقع رجعيا ولا حلف عليها; لأنه لَمَّا لم يُقبَل قوله في هذه الإرادة صار كأنه قال ذلك ولم يرده، ومر أنه رجعي، نعم إن قصد نحوي واو الحال في قوله وعليك كذا المار قبل قوله بيمينه (وإن سبق) ذلك طلبها بمال وقصد جوابها، أو أطلق (بانت بالمذكور) في كلامها إن عينته; لأنه لو حذف وعليك لزم فمع ذكرها أولى، فإذا أبهمته وعينه فهو كالابتداء بـ ((طلقتك على ألف)) فإن قبلت بانت بالألف وإلا فلا طلاق، وإن أبهمه أيضا أو اقتصر على طلقتك بانت بمهر المثل، ومحل البينونة فيما إذا سبق طلبها إذا قصد جوابها، فإن قال قصدت ابتداء الطلاق وقع رجعياً
(1)
، ويقبل قوله قصدت الابتداء إذا لم تصدقه
(2)
، وكذا في كل سؤال وجواب (وإن قال أنت طالق على أن لي عليك كذا فالمذهب أنه كطلقتك بكذا فإذا قبلت) فورا في مجلس التواجب بنحو قبلت أو ضمنت (بانت ووجب المال) ; لأن على للشرط فإذا قبلت طلقت
(1)
. عبارة المغني.
(2)
. عبارة الروض.
وَإِنْ قَالَ إنْ ضَمِنْتِ لِي أَلْفًا فَأَنْتِ طَالِقٌ فَضَمِنَتْ فِي الْفَوْرِ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الْأَلْفُ. وَإِنْ قَالَ مَتَى ضَمِنْتِ فَمَتَى ضَمِنَتْ طَلُقَتْ، وَإِنْ ضَمِنَتْ دُونَ الْأَلْفِ لَمْ تَطْلُقْ، وَلَوْ ضَمِنَتْ أَلْفَيْنِ طَلُقَتْ، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَكِ إنْ ضَمِنْت لِي أَلْفًا فَقَالَتْ: طَلَّقْتُ وَضَمِنْتُ أَوْ عَكْسَهُ بَانَتْ بِأَلْفٍ، وَإِنِ اقْتَصَرَتْ عَلَى أَحَدِهِمَا فَلَا، وَإِذَا عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ مَالٍ فَوَضَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهِ طَلَقَتْ، وَالْأَصَحُّ دُخُولُهُ فِي مِلْكِهِ،
(وإن قال إن ضمنت لي ألفا فأنت طالق) أو عكس (فضمنت) بلفظ الضمان; لأنه المعلق عليه، وبُحث إلحاق
(1)
مرادفه به وهو التزمت (في الفور) أي مجلس التواجب (بانت ولزمها الألف)؛ لوجود العقد -المقتضي للإلزام إيجابا وقبولا- وشرطه. وخرج بلفظ الضمان غيره كقبلت أو شئت أو رضيت فلا طلاق ولا مال، وكذا لو أعطته من غير لفظ. ولو قالت طلقني على كذا فقال أنت طالق إن شئت كان ابتداء منه فلا يقع إلا إن شاءت ولا مال حينئذ، (وإن قال متى ضمنتِ) لي ألفا فأنت طالق (فمتى ضمنت) بلفظ الضمان ومرادفه
(2)
دون غيره (طلقت) ; لأن متى للتراخي ولا رجوع له كما مر (وإن ضمنت دون ألف لم تطلق)؛ لعدم وجود المعلق عليه (ولو ضمنت ألفين طلقت) بألف؛ لوجود المعلق عليه في ضمنهما بخلاف طلقتك على ألف فقبلت بألفين; لأن تلك صيغة معاوضة تقتضي التوافق كما مر، وإذا قبض الألف الزائدة فهي عنده أمانة. (ولو قال طلقي نفسك إن ضمنت لي ألفا فقالت) في مجالس التواجب كما اقتضته الفاء (طلقت وضمنت أو عكسه) أي ضمنت وطلقت (بانت بألف) ; لأن أحدهما شرط في الآخر يعتبر اتصاله به فهما قبول واحد فاستوى التقديم والتأخير (وإن اقتصرت على أحدهما) بأن ضمنت ولم تطلق، أو عكسه (فلا) طلاق؛ لعدم وجود المعلق عليهما، ويُلحق بذلك عكسه وهو إن ضمنت لي ألفا فقد ملكتك أن تطلقي نفسك. (وإذا علق بإعطاء مال) أو إيتائه أو مجيئه كإن أعطيتني كذا (فوضعته) أو أكثر منه فورا -في غير نحو متى- بنفسها أو بوكيلها مع حضورها مختارة قاصدة دفعه عن جهة التعليق (بين يديه) بحيث يعلم به ويتمكن من أخذه؛ لعقله وعدم مانع له منه (طلَقت) وإن لم يأخذه; لأنه إعطاء عرفا (والأصح دخوله في ملكه) قهرا بمجرد الوضع؛ لضرورة دخول المعوض في
(1)
. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.
(2)
. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.
وَإِنْ قَالَ إنْ أَقْبَضْتِنِي فَقِيلَ كَالْإِعْطَاءِ، وَالْأَصَحُّ كَسَائِرِ التَّعْلِيقِ فَلَا يَمْلِكُهُ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلْإِقْبَاضِ مَجْلِسٌ. قُلْتُ: وَيَقَعُ رَجْعِيًّا، وَيُشْتَرَطُ لِتَحَقُّقِ الصِّفَةِ أَخْذٌ بِيَدِهِ مِنْهَا، وَلَوْ مُكْرَهَةً، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ عَلَّقَ بِإِعْطَاءِ عَبْدٍ وَوَصَفَهُ بِصِفَةِ سَلَمٍ فَأَعْطَتْهُ لَا بِالصِّفَةِ لَمْ تَطْلُقْ أَوْ بِهَا طَلَقَتْ، وَإِذَا بَانَ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَمَهْرُ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ قِيمَتُهُ سَلِيمًا
ملكها بالإعطاء; لأن العوضين يتقارنان في الملك (وإن قال إن أقبضتني) أو أديت أو سلمت أو دفعت إليَّ كذا فأنت طالق (فقيل كالإعطاء) فيما ذكر فيه (والأصح) أنه (كسائر التعليق فلا يملكه) ; لأن الإقباض لا يقتضي التمليك فهو صفة محضة بخلاف الإعطاء يقتضيه عرفا، نعم إن دلت قرينة على أن القصد بالإقباض التمليك كأن قالت له قبل ذلك التعليق طلقني، أو قال الزوج في التعليق إن أقبضتني كذا لنفسي أو لأصرفه في حوائجي كان كالإعطاء فيما يقصد به فيعطى حكمه السابق. (ولا يشترط للإقباض مجلس) أي إقباض في مجلس التواجب، وهذا تفريعٌ على عدم الملك; لأنه صفة محضة (قلت: ويقع رجعيا)؛ لما تقرر أن الإقباض لا يقتضي التمليك (ويشترط لتحقق الصفة) في صيغة إن قبضت منك لا إن أقبضتني
(1)
(أخذه) مختارا (بيده منها) أو من وكيلها بشرطيه السابقين
(2)
فلا يكفي وضعه بين يديه; لأنه لا يسمى قبضا ويسمى إقباضا (ولو مكرهة) وحينئذ يقع الطلاق رجعيا هنا أيضا (والله أعلم)؛ لوجود الصفة وهي القبض دون الإقباض; لأن فعل المكره لغو شرعا، ومن ثَمَّ لا حنث به في نحو إن دخلت فدخلت مكرهة. (ولو علق بإعطاء عبد) مثلا (ووصفه بصفة سلم) أو غيرها ككونه كاتبا (فأعطته) عبدا (لا بالصفة) المشروطة (لم تطلق)؛ لعدم وجود المُعَلَّق عليه (أو) أعطته عبدا (بها) أي الصفة (طلقت) بالعبد الموصوف بصفة السلم، وبمهر المثل في الموصوف بغيرها؛ لفساد العوض فيها بعدم استيفاء صفة السلم، (وإذا بان) الذي وصفه بصفة السلم (معيبا) لم يؤثر في وقوع الطلاق؛ لوجود الصفة، لكنه يتخير; لأن الإطلاق يقتضي السلامة (فله) إمساكه ولا أرش له، وله (رده ومهر مثل) بدله؛ بناء على الأصح أنه مضمون عليها ضمان عقد، لا ضمان يد، (وفي قول قيمته سليما)؛ بناء على مقابله،
(1)
. وفاقا للمغني وشرح المنهج وخلافا للمحلي، أما كلام النهاية فأوله موافق للمحلي وآخره موافق للشارح.
(2)
. أي شرطي الوكيل السابقين بقوله: ((مختارة قاصدة دفعه))، ويحتمل أنهما كونه ليس صبيا ولا مجنونا.
وَلَوْ قَالَ عَبْدًا طَلُقَتْ بِعَبْدٍ إلَّا مَغْصُوبًا فِي الْأَصَحِّ وَلَهُ مَهْرُ مِثْلٍ. وَلَوْ مَلَكَ طَلْقَةً فَقَطْ فَقَالَتْ طَلِّقْنِي ثَلَاثًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ الطَّلْقَةَ فَلَهُ أَلْفٌ، وَقِيلَ ثُلُثُهُ، وَقِيلَ إنْ عَلِمَتْ الحَالَ فَأَلْفٌ وَإِلَّا فَثُلُثُهُ
وليس له طلب عبد سليم بتلك الصفة بخلاف ما لو لم يعلق بأن خالعها على عبد موصوف وقبلته وأحضرت له عبدا بالصفة فقبضه ثم علم عيبه فله رده وأخذ بدله سليما بتلك الصفة; لأن الطلاق وقع قبل الإعطاء بالقبول على عبد في الذمة بخلاف ذاك (ولو قال) إن أعطيتني (عبدا) ولم يصفه بصفة (طلقت بعبد) على أي صفة كان ولو مدبرا؛ لوجود الاسم، ولا يملكه; لأن ما هنا معاوضة وهي لا يملك بها مجهول فوجب مهر المثل كما يأتي (إلا مغصوبا) أو مكاتبا أو مشتركا أو جانيا تعلق برقبته مال أو موقوفا أو مرهونا مثلا، والضابط من لا يصح بيعها له (في الأصح) فلا تطلق به; لأن الإعطاء يقتضي التمليك وهو متعذر فيما ذكر كالمغصوب ما دام مغصوبا بخلاف المجهول، نعم إن قال مغصوبا طلقت به; لأنه تعليق بصفة حينئذ فيلزمها مهر المثل; لأنه لم يطلق مجانا، ولو أعطته عبدا لها مغصوبا طلقت به; لأنه بالدفع خرج عن كونه مغصوبا (وله مهر مثل) راجع لما قبل إلا; لأنه لم يطلق مجانا، ولو علق بإعطاء هذا العبد المغصوب أو هذا الحر أو نحوه فأعطته بانت بمهر المثل كما لو علق بخمر، هذا كله في الحرة أما الأمة إذا لم يعين لها عبدا فالأوجه فيها وقوعه بمهر المثل كما لو عينه (ولو ملك طلقة) أو طلقتين (فقط فقالت طلقني ثلاثا بألف فطلق الطلقة) أو الطلقتين (فله الألف) وإن جهلت الحال; لأنه حصل غرضها من الثلاث، وهو البينونة الكبرى، (وقيل ثلثه) أو ثلثاه؛ توزيعا للألف على الثلاث
(1)
، (وقيل إن علمت الحال فألف وإلا فثلثه) أو ثلثاه. ولو طلقها نصف الطلقة كان له سدس الألف؛ أخذا من قولهم لو أجابها ببعض ما سألته وزع على المسئول. أما لو ملك الثلاث فيستحق بواحدة ثلثه وبواحدة ونصف نصفه كما مر.
[تنبيه] الضابط في هذه المسائل أنه إن ملك العدد المسئول كله فأجابها به فله المسمى، أو ببعضه فله قسطه، وإن ملك بعض المسئول وتلفظ بالمسئول، أو حصل مقصودها بما أوقع
(1)
. أصل هذا الخلاف ما ذكره الشارح في باب سجود التلاوة من أنه إذا تم تركب السبب من متعدد هل يضاف الحكم للأخير أو للمجموع 2/ 209.
وَلَوْ طَلَبَتْ طَلْقَةً بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ بِمِائَةٍ وَقَعَ بِمِائَةٍ، وَقِيلَ بِأَلْفٍ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ شَيْءٌ، وَلَوْ قَالَتْ طَلِّقْنِي غَدًا بِأَلْفٍ فَطَلَّقَ غَدًا أَوْ قَبْلَهُ بَانَتْ بِمَهْرِ مِثْلٍ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ بِالمُسَمَّى. وَإِنْ قَالَ: إذَا دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ بِأَلْفٍ فَقَبِلَتْ وَدَخَلْت طَلُقَتْ عَلَى الصَّحِيحِ بِالمُسَمَّى، وَفِي وَجْهٍ، أَوْ قَوْلٍ بِمَهْرِ المِثْلِ. وَيَصِحُّ اخْتِلَاعُ أَجْنَبِيٍّ، وَإِنْ كَرِهَتِ الزَّوْجَةُ وَهُوَ كَاخْتِلَاعِهَا لَفْظًا وَحُكْمًا
فله المسمى، وإلا فيوزع المسمى على المسئول. (ولو طلبت طلقة بالألف فطلق) بألف، أو لم يذكر الألف طلقت بالألف، أو (بمائة وقع بمائة)؛ لقدرته على الطلاق مجانا فبعوض وإن قلَّ أولى، وبه فارق أنت طالق بألف فقبلت بمائة، (وقيل بألف)؛ حملا على ما سألته، (وقيل لا يقع شيء)؛ للمخالفة (ولو قالت طلقني غدا) مثلا (بألف) أو إن طلقتني غدا فلكَ ألف (فطلق غدا أو قبله) غير قاصد الابتداء (بانت) وإن علم بفساد العوض كما لو خالع بخمر; لأنه حصل مقصودها بالتعجيل فيما إذا طلقها بعد غد (بمهر المثل)؛ لفساد العوض بجعله -أي العوض- سلما من الزوجة للزوج في الطلاق، وهو محال فيه؛ لعدم ثبوت الطلاق في الذمة، ولفساد الصيغة بتصريحها بتأخير الطلاق وهو لا يقبل التأخير من جانبها لأن المغلَّب فيه المعاوضة، أما لو قصد الابتداء -وحُلِّف إن اتهم- أو طلق بعده فيقع رجعيا; لأنها لو سألته الناجز بعوض فقال قصدت الابتداء صدق بيمينه فهذا أولى، فإن ذكر مالا اشترط قبولها (وقيل في قول بالمسمى. وإن قال إذا) أو إن (دخلت الدار فأنت طالق بألف فقبلت) فورا (ودخلت) ولو على التراخي، ومثل ذلك ما لو دخلت ثم قبلت فورا (طلقت على الصحيح) -؛ لوجود المعلق عليه مع القبول- طلاقا بائنا (بالمسمى)؛ لجواز الاعتياض عن الطلاق المعلق كالمنجز، ويلزمها تسليمه له حالا كسائر الأعواض المطلقة، والمعوض تأخر بالتراضي لوقوعه في ضمن التعليق بخلاف المنجز يجب فيه تقارن العوضين في الملك، (وفي وجه أو قول بمهر المثل) ; لأن المعاوضة لا تقبل التعليق، ويُردُّ بأن هذه معاوضة غير محضة (ويصح اختلاع أجنبي وإن كرهت الزوجة) ; لأن الطلاق يستقل به الزوج، والالتزام يتأتى من الأجنبي; لأن الله تعالى سمَّى الخلع فداء كفداء الأسير، ولو قصد بفدائها منه أنه يتزوجها صحَّ لكنه يأثم بل لو أعلمها بذلك فسق كما دل عليه الحديث الصحيح (وهو كاختلاعها لفظا) أي في ألفاظ الالتزام السابقة (وحكما) في جميع ما مر، فهو من جانب الزوج ابتداء
وَلِوَكِيلِهَا أَنْ يَخْتَلِعَ لَهُ، وَلِأَجْنَبِيٍّ تَوْكِيلُهَا فَتَتَخَيَّرُ هِيَ،
صيغة معاوضة بشوب تعليق، فله الرجوع قبل القبول؛ نظرا لشوب المعاوضة، ومن جانب الأجنبي ابتداء معاوضة بشوب جعالة ففي طلقت امرأتي بألف في ذمتك فقَبِل، وطلِّق امرأتك بألف في ذمتي فأجابه تبين بالمسمى، ويستثنى من قوله حكما نحو طلقها على ذا المغصوب أو الخمر أو قن زيد هذا فيقع رجعيا. ولو خالع عن زوجَتَي رجلٍ بألف صحَّ من غير تفصيل؛ لاتحاد الباذل بخلاف
(1)
ما لو اختلعتا به. ويحرم اختلاعه في الحيض بخلاف اختلاعها كما سيذكره، ومن خلع الأجنبي قول أمها مثلا خالعها على مؤخر صداقها في ذمتي فيجيبها فيقع بائنا بمثل المؤخر في ذمة السائلة
(2)
; لأن لفظة مثل مقدرة في نحو ذلك وإن لم تنو، فلو قالت وهو كذا لزمها ما سمته زاد أو نقص; لأن المثلية المقدرة تكون حينئذ من حيث الجملة.
[تنبيه] أفهم قولهم ((لفظا)) من غير استثناء منه مع استثنائهم من الحكم أنه لو قال إن أبرأني فلان من كذا له عليَّ فأنتِ طالق فأبرأه وقع بائنا وهو الوجه؛ لأن كل تعليق للطلاق تضمن مقابلة البضع بعوض مقصود راجع لجهة الزوج يقع الطلاق به بائنا، ثم إن صح العوض فبه وإلا فبمهر المثل على ما مر. (ولوكيلها) في الاختلاع (أن يختلع له) أي لنفسه ولو بالقصد كما مر فيكون خلع أجنبي والمال عليه بخلاف ما إذا نواها وما إذا أطلق فيقع الخلع لها والمال عليها بشرط أن لا يخالفها فيما سمته في حالة الإطلاق (ولأجنبي توكيلها) في اختلاع نفسها بماله أو بمال عليه، وكذا أجنبي آخر، فإن قال لها سلي زوجك أن يطلقك بألف
(3)
أو قال لأجنبي سل فلانا أن يطلق زوجته بألف اشترط في لزوم الألف له أن يقول عليَّ بخلاف سل زوجي أن يطلقني على كذا فإنه توكيل وإن لم تقل عليَّ. ولو قال طلق زوجتك على أن أطلق زوجتي ففعلا بانتا; لأنه خلع فاسد; لأن العوض فيه مقصود فلكلٍّ على الآخر مهر مثل زوجته. وإذا وكلها الأجنبي في الخلع (فتتخير هي) بين أن تخالع عنها أو عنه بالصريح أو النية، فإن أطلقت -ولم تخالفه فيما سماه- وقع عنها قطعا، فإن خالفته وقع عنها بالأولى، وحيث صرح باسم الموكل طولب الموكل فقط وإلا فالمباشر، فإذا غرم رجع على
(1)
. مقتضاه أنه لا يصح عند عدم التفصيل ولعل المراد عدم الصحة بالمسمى كما يفيده صنيع المغني.
(2)
. وكانا عالمين أي الزوج والسائلة بالمؤخر.
(3)
. راجع لما قبل وكذا، وقوله ((أو قال لأجنبي سل .. الخ)) راجع لما بعدها.
وَلَوِ اخْتَلَعَ رَجُلٌ وَصَرَّحَ بِوَكَالَتِهَا كَاذِبًا لَمْ تَطْلُقْ وَأَبُوهَا كَأَجْنَبِيٍّ فَيَخْتَلِعُ بِمَالِهِ، فَإِنْ اخْتَلَعَ بِمَالِهَا وَصَرَّحَ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ لَمْ تَطْلُقْ، أَوْ بِاسْتِقْلَالٍ فَخُلْعٌ بِمَغْصُوبٍ
موكله إن وقع الخلع عنه وإلا فلا. (ولو اختلع رجل) بماله
(1)
أو مالها (وصرح بوكالتها كاذبا) عليها (لم تطلق) ; لأنه مربوط بالتزام المال ولم يلتزمه هو ولا هي، نعم إن اعترف الزوج بالوكالة أو ادعاها بانت بقوله ولا شيء له، (وأبوها كأجنبي فيختلع بماله) يعني بمعين أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة (فإن اختلع) الأب أو الأجنبي (بمالها وصرح بوكالة) منها كاذبا (أو ولاية) له عليها (لم تطلق) ; لأنه ليس بولي في ذلك ولا وكيل فيه، والطلاق مربوط بالمال ولم يلتزمه أحد، ولأنه ليس له صرف مالها في الخلع، ومن ثم لم يمتنع عليه بموقوف على من يختلع; لأنها لم تملكه قبل الخلع (أو) صرح (باستقلال) كاختلعتها لنفسي أو عن نفسي (فخلع بمغصوب) ; لأنه غاصب لمالها فيقع بائنا وإن علم الزوج، وله عليه مهر المثل. ولو لم يصرح بأنه عنه ولا عنها فيفصَّل بين أن لا يذكر أنه من مالها فتبين بمهر المثل، أو يذكر أنه مالها كأن قال طلقها على عبدها
(2)
فيقع رجعيا; إذ ليس له تصرف في مالها بما ذكر كما مر فأشبه خلع السفيه، كما لو قال الأب أو الأجنبي بهذا المغصوب أو الخمر فيقع رجعياً أيضاً; لأنه صرح بما منع التبرع الذي قصده الأب أو الأجنبي من الخلع. ولو اختلع بصداقها أو على أن الزوج بريء منه، أو قال طلقها وأنت بريء منه، أو على أنك بريء منه وقع رجعيا ولا يبرأ من شيء منه، نعم إن ضمن له الأب أو الأجنبي الدرك، أو قال عليَّ ضمان ذلك وقع بائنا بمهر المثل على الأب أو الأجنبي، وكذا لو أراد بالصداق مثله وثَم قرينة تؤيده كحوالة الزوج على الأب وقبول الأب لها
(3)
بحكم أنها تحت حجره فيقع بائنا بمثل الصداق.
(1)
. مخالف لما في شرح الروض.
(2)
. مثَّل بذلك المغني.
(3)
. فيقول: ((أحلتك لبنتك على ذمتك بما وجب لها عليَّ))، ولا يصح أحلت بنتك بكذا إلى آخره، ويشترط في صحة الحوالة على أبيها أو غيره أن يكون لها مصلحة في ذلك، ومنها أن تعلم منه أنه يصرف عليها ما لزمه لها بالحوالة كما ذكره الشارح في باب الحوالة.
فصل
ادَّعَتْ خُلْعًا فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ قَالَ طَلَّقْتُك بِكَذَا فَقَالَتْ مَجَّانًا بَانَتْ وَلَا عِوَضَ، وَإِنِ اخْتَلَفَا فِي جِنْسِ عِوَضِهِ، أَوْ قَدْرِهِ وَلَا بَيِّنَةَ تَحَالَفَا وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ، وَلَوْ خَالَعَ بِأَلْفٍ وَنَوَيَا نَوْعًا لَزِمَ،
(فصل) في الاختلاف في الخلع أو في عوضه
لو (ادعت خلعا فأنكر) أو قال طال الفصل بين لفظينا بأن سألته الطلاق بعوض فطلقها بدون ذكره ثم اختلفا فقالت طلقتني متصلا فبنت وقال بل منفصلا فلي الرجعة، أو نحو ذلك ولا بينة (صدق بيمينه) ; لأن الأصل عدمه مطلقا. أو في الوقت الذي تدعيه فيه فإن أقامت به بينة -ولا تكون إلا رجلين- بانت ولم يطالبها بالمال; لأنه ينكره، ولا عبرة
(1)
بعوده للاعتراف به، بل لا بل أن تدعي الخلع مرّة أخرى (وإن قال طلقتك بكذا فقالت) لم تطلقني أو طلقتني (مجانا) أو طال الفصل بين لفظي ولفظك، أو نحو ذلك (بانت) بإقراره (ولا عوض) عليها إذا حلفت; لأن الأصل براءة ذمتها ما لم يقم شاهدا ويحلف معه، أو تصدقه فيثبت المال، وإذا حلفت ولا بينة له وجبت نفقتها وكسوتها زمن العدة ولا يرثها بل ترثه، (وإن اختلفا) أي المتخالعان الزوج أو وكيله وهي أو وكيلها أو الأجنبي (في جنس عوض أو قدره) أو نوعه أو صفته أو أجله أو قدر أجله أو في عدد الطلاق، بأن قالت طلقتني ثلاثا بألف فقال بل واحدة بألف أو سكت عن العوض (ولا بينة) لأحدهما، أو لكل منهما بينة وتعارضتا بأن أطلقتا أو إحداهما (تحالفا) كالمتبايعين في كيفية الحلف ومن يبدأ به، ومن ثم اشترط أن يكون مدعاه أكثر، فإن أقام أحدهما بينة قضي له (ووجب) بعد فسخهما أو فسخ أحدهما أو الحاكم للعوض (مهر مثل) وإن كان أكثر مما ادعاه; لأنه بدل البضع الذي تعذر رده إليه، وأما البينونة فواقعة بكل تقدير، وأثر التحالف إنما هو في العوض خاصة. والقول في عدد الطلاق الواقع قوله بيمينه، ومن ثم لو قالت سألتك ثلاثا فطلقتَ واحدةً فلك ثلثه فقال بل ثلاثا فلي الألف طلقت ثلاثا؛ عملا بإقراره، وتحلف أنها لا تعلم أنه طلقها ثلاثا وحينئذ له ثلث الألف، نعم إن أوقع الثلاث وقال ما طلقتها قَبْلُ ولم يطل فصل استحق الألف (ولو خالع بألف ونويا نوعا) أو جنسا أو صفة (لزم) وإن كان من غير الغالب؛ جَعْلا للمنوي
(1)
. خلافا لهما.
وَقِيلَ مَهْرُ مِثْلٍ، وَلَوْ قَالَ أَرَدْنَا دَنَانِيرَ فَقَالَتْ بَلْ دَرَاهِمَ أَوْ فُلُوسًا تَحَالَفَا عَلَى الْأَوَّلِ، وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ بِلَا تَحَالُفٍ فِي الثَّانِي
كالملفوظ بخلاف البيع; لأنه يحتمل هنا ما لا يحتمل ثَم، فإن لم ينويا شيئا وجب مهر مثل
(1)
(وقيل) يلزم (مهر مثل) مطلقا؛ للجهل بالعوض. (ولو قال أردنا) بالألف التي أطلقناها (دنانير فقالت بل) أردنا (دراهم أو فلوسا) أو قال أحدهما أطلقنا وقال الآخر عيَّنَّا نوعا آخر (تحالفا على الأول) المعتمد كما لو اختلفا في الملفوظ، ثم يجب مهر المثل (ووجب مهر مثل بلا تحالف في) القول (الثاني)، أما لو اختلفت نيتاهما وتصادقا فلا فرقة؛ لعدم صحة العقد، وأما لو قال أردت الدراهم وقالت أردت الفلوس بلا تصادق وتكاذب فتبين وله مهر المثل بلا تحالف، وأما لو صدَّق أحد الزوجين الآخر على ما أراده وكذبه الآخر فيما أراده فتبين ظاهرا ولا شيء له عليها؛ لإنكار أحدهما الفرقة، بل لا شيء له وإن عاد المُكَذِّب وصدق
(2)
. وإذا أطلقت الدراهم في الخلع المنجز نزِّلت على غالب نقد البلد، أو المعلق نزِّلت على الدراهم الإسلامية كما مر.
[تنبيه] عُلم مما مر ضبط مسائل الباب بأن الطلاق إما أن يقع بائنا بالمسمى إن صحت الصيغة والعوض، أو بمهر المثل إن فسد العوض فقط، أو رجعيا إن فسدت الصيغة وقد نجز الزوج الطلاق، أو لا يقع أصلا إن تعلق بما لم يوجد
(3)
، فعلم أن من علَّق طلاق زوجته بإبرائها إياه من صداقها لم يقع عليه إلا إن وجدت براءة صحيحة من جميعه فيقع بائنا بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره ولم يتعلق به زكاة. ولو قال إن أبرأتني من صداقك عليَّ فأنت طالق فقالت له أبرأتك اشترط علمهما وأن لا تريد إبراءً آخر غير الإبراء من الصداق المعلق به. ولو علق بالإبراء تناول الإبراء عن الغير وكالة كما لو حلف لا يبيع يحنث ببيعه عن غيره وكالة، ولو طلب منها الإبراء فأبرأته براءة فاسدة فنجز الطلاق وزعم أنه إنما أوقعه لظنه صحة البراءة لم يقبل قوله ويقع الطلاق. ولو قالت جعلت مهري على تمام طلاقي كان كناية
(1)
. ظاهره مطلقا لكنهم اعتمدوا أنه في حالة ما لم ينو شيئا يجب غالب نقد البلد فإن لم يكن بها غالب فمهر المثل.
(2)
. خلافا للروض.
(3)
. كأن علَّق بإبرائها ولم يوجد أو وجد ولم يصح.
في الإبراء. ولو قال إن أبرأتني من آخر أقساط من صداقك حُمل على القسط الأخير لا غير. ولو قال أبريني وأعطيك كذا فأبرأته فلم يعطها صحت البراءة كما لو علق الطلاق بما يقتضي الفورية فأبرأته لا فورا ظانة أنها طلقت، وعليه فالوجه في قوله أنت طالق بعد قولها بذلت صداقي على صحة طلاقي وقوعه رجعيا
(1)
وإن ظن أن ما جرى منها التماس للطلاق بعوض صحيح؛ لأنه لا عبرة مع الصريح بظن يقتضي خلافه. ولو قال أنت طالق إن أخَّرْت دينك إلى آخر السنة لم تطلق إلا إن مضت السنة ولم تطالبه; إذ المراد بالتأخير التزامه لا مجرد قولها أخَّرْتُ، فإن أراد بالتأخير صيرورته مؤجلا فأجلته بالنذر وقع وإلا فلا. ولو قال إن أبرأتني من مهرك وهو عشرة فأبرأته منه فبان أقل مما ذكره أو أكثر فيقع الطلاق في صورة تبين النقص; لأن الشرط علمهما؛ وقد صرحوا بأن الإبراء من الأكثر يستلزمه من الأقل فصار لشمول كلامه له كأنه يعلمه، ولا يقع في صورة تبين الكثرة; لأنه حينئذ جاهل به ومع جهله به لا وقوع; لأن الطلاق بالإبراء معاوضة وهي لا بد فيها من علمهما بالعوض. ولو كان لها في ذمته معلوم ومجهول فقال إن أبرأتني من جميع ما في ذمتي فأنت طالق فأبرأته من المعلوم وحده أو منهما برأت، ويأتي ذلك فيما لو طلقها ثلاثا ثم علَّق طلاقها بالإبراء فأبرأته ظانة أنها في عصمته.
(1)
. خلافا للنهاية من وقوعه بائنا.
كتاب الطلاق
يُشْتَرَطُ لِنُفُوذِهِ التَّكْلِيفُ إلَّا السَّكْرَانَ
(كتاب الطلاق
(1)
)
هو لغة: حل القيد، وشرعا: حل قيد النكاح باللفظ الآتي. والأصل فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة بل سائر الملل. وهو إما واجب كطلاق مولٍ لم يرد الوطء، وحَكَمَيْن رأياه، أو مندوب كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها، أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها، ومن ثم ((أمر صلى الله عليه وسلم من قال له إن زوجتي لا ترد يد لامس بإمساكها))؛ خشية من ذلك، ويُلحق بخشية الفجور بها حصول مشقة له بفراقها تؤدي إلى مبيح تيمم، وكون مقامها عنده أمنع لفجورها، أو سيئة الخلق أي بحيث لا يُصْبَر على عشرتها عادة، أو يأمره به أحد والديه -من غير نحو تعنت- بطلاقها مع عدم خوف فتنة أو مشقة، أو حرام كالبدعي، أو مكروه
(2)
بأن سَلِم الحال عن ذلك كله؛ للخبر الصحيح ((ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق))، أو مباح إذا لم يشتهها شهوة كاملة ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع بها.
وأركانه زوج وصيغة وقصد على ما يأتي فيه ومحل وولاية عليه.
(يشترط لنفوذه) -أي لصحة تنجيزه أو تعليقه- كونه من زوج أما وكيله أو الحاكم في المولى فلا يصح منهما تعليقه، و (التكليف) فلا يصح تعليق ولا تنجيز من نحو صبي ومجنون ومغمى عليه ونائم؛ لرفع القلم عنهم، لكن لو علقه بصفة فوجدت وبه نحو جنون وقع. والاختيار فلا يقع من مكره كما يأتي (إلا السكران) وهو من زال عقله
(3)
بمسكر تعديا، وسيذكر أن مثله كل من زال عقله بما أثم به من نحو شراب أو دواء فإنه يقع طلاقه مع عدم تكليفه -على الأصح- أي مخاطبته حال السكر؛ لعدم فهمه الذي هو شرط التكليف، وأما نفوذ تصرفاته له وعليه الدال عليه إجماع الصحابة رضي الله عنهم على مؤاخذته بالقذف فمن باب خطاب
(1)
. الطلاق يرفع النكاح ولا يدفعه لحل ارتجاع المطلقة فخرج عن قاعدة أن الدفع أقوى من الرفع أفاده الشارح في كتاب الطهارة 1/ 84.
(2)
. وهو الأصل فيه كما صرح به الشارح فيه في الخلع 7/ 458.
(3)
. أي زال تمييزه عرفا كما يأتي.
وَيَقَعُ بِصَرِيحِهِ بِلَا نِيَّةٍ، وَبِكِنَايَةٍ بِنِيَّةٍ،
الوضع -وهو ربط الأحكام بالأسباب- تغليظا عليه; لتعديه، ومن أطلق تكليف السكران أراد أنه بعد صحوه مكلف بقضاء ما فاته، أو أنه يجري عليه أحكام المكلفين وإلا لزم صحة نحو صلاته وصومه، وتقدم أنه لو اتصل بالسكر جنون لم يتولد ذلك الجنون عن السكر وقع عليه المدة التي ينتهي إليها السكر غالبا. (ويقع) الطلاق (بصريحه) وهو ما لا يحتمل ظاهره غير الطلاق، ومن ثم وقع إجماعا. ولو قال تالق فإن كان
(1)
من قوم يبدلون الطاء تاءً واطردت لغتهم بذلك كان على صراحته وإلا فهو كناية; لأن ذلك الإبدال له أصل في اللغة، وليس من هذا قول قوم طلَقة -بفتح اللام- لا أفعل كذا، بل هو لغو كطالق لا أفعل كذا بل أولى بخلاف عليَّ طلقة لا أفعل فكناية (بلا نية) لإيقاع الطلاق من العارف بمدلول لفظه، فلا ينافيه ما يأتي أنه يشترط قصد لفظ الطلاق لمعناه، فلا يكفي قصد حروفه فقط كأن لُقِّنَهُ أعجمي لا يعرف مدلوله فقصد لفظه فقط، أو مع مدلوله عند أهله. وسيعلم من كلامه أن الإكراه يجعل الصريح كناية (وبكناية) وهي ما يحتمل الطلاق وغيره وإن كان في بعضها أظهر (مع النية) لإيقاعه ومع قصد حروفه أيضا، فإن لم ينو لم يقع إجماعا سواء الظاهرة المقترن بها قرينة كأنت بائن بينونة محرمة لا تحلين لي أبدا
(2)
، وغيرها كلست بزوجتي إلا إن وقع في جواب دعوى فإقرار به. ويقع على السكران الطلاقُ بالكناية وإن لم تعلم نيته؛ تغليظا عليه. وشرط وقوعه بصريح أو كناية رفع صوته بحيث يسمع نفسه لو كان صحيح السمع ولا عارض، ولا يقع بغير لفظ عند أكثر العلماء ورأى مالك رضي الله عنه وقوع النفساني.
[تنبيه] أطلقوا في لست بزوجتي -الذي ليست في جواب دعوى- أنه كناية فشمل إن فعلت كذا فلست بزوجتي، وعليه فإن نوى معنى فأنت طالق الذي هو إنشاء الطلاق عند وجود المعلق عليه وقع وإلا فلا، ويوجه بأن نفي الزوجية في هذا التركيب قد يراد به النفي المترتب على الإنشاء الذي نواه، وقد يراد به نفي بعض آثار الزوجية كترك إنفاقها أو وطئها فاحتاج لنية الإيقاع، ومثله إن فعلت كذا ما أنت لي بزوجة أو ما تكونين لي زوجة أو ما
(1)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي حيث اعتمدا أنه كناية سواء لغته كذلك أم لا.
(2)
. إنما لم يكن صريحا؛ لاحتماله غير الطلاق كالتحريم بالفسخ بنحو رضاع، أفاده الشارح في الوقف 6/ 250.
وَصَرِيحُهُ الطَّلَاقُ، وَكَذَا الْفِرَاقُ وَالسَّرَاحُ عَلَى المَشْهُورِ كَطَلَّقْتُك
تصلحين لي زوجة؛ لاحتماله لذينك
(1)
، ومما يصرح بذلك إفتاء البلقيني في إن شكاني أخوك لست لي بزوجة بأنه إن قصد أنها طالق عند حصول الشكوى طلقت أو أنه يطلقها فإن نوى الفورية
(2)
ففاتت طلقت، وإلا لم تطلق إلا باليأس، والذي يتجه في ((ما عاد تكونين لي بزوجة)) أنه كناية أيضا؛ لأن لفظ ((عاد)) زائد، ومثله ما لو حلف بالطلاق ثلاثا ما عاد زوج بنتي يكون زوجاً لها.
(وصريحه الطلاقُ) أي ما اشتق منه إجماعا، (وكذا) الخلع والمفاداة وما اشتق منهما على ما مر فيهما
(3)
. ولو قال خالعتك على مذهب أحمد ووجدت شروط الخلع الذي يكون فسخا بها عنده لم يكن ذلك قرينة صارفة؛ لصراحة الخلع في الطلاق عندنا، فهو كأنت طالق طلاقا لا يقع، فعلم أن القرينة المخالفة لوضع اللفظ لغو كقوله لموطوءته أنت طالق طلاقا بائنا تملكين به نفسك فإنه مع ذلك يقع رجعيا ولا نظر لقوله بائنا إلى آخره؛ لمخالفته لموضوع الصيغة من كل وجه. وكذا (الفراق والسَّراح
(4)
أي ما اشتق منهما (على المشهور)؛ لاشتهارهما في معنى الطلاق وورودهما في القرآن مع تكرر الفراق فيه، وإلحاق ما لم يتكرر بما تكرر وما لم يرد من المشتقات بما ورد; لأنه بمعناه، نعم هما ليسا صريحين في نحو أعجمي لم يعلم إلا الطلاق ولم يدر مدلول الفراق والسراح ولم يخالط أهله مدة يظن بها كذبه وإلا فجهله بالصراحة لا يؤثر فيها؛ لما يأتي أن الجهل بالحكم لا يؤثر وإن عذر به. والعبرة في الكفار بالصريح والكناية عندهم لا عندنا; لأنا نعتبر اعتقادهم في عقودهم فكذا في طلاقهم، ومحله
(5)
إن لم يترافعوا إلينا كما مر (كطلقتك) وطَلَّقْتُ -سواء من الزوج بعد أن قيل له طلقها
(1)
. أي نفي الزوجية أو نفي بعض آثارها.
(2)
. أي أنه يطلقها عقب الشكوى.
(3)
. أي في باب الخلع من التفصيل فيما إذا ذكر مالا في الصراحة وعدمها أو نوى التماس قبولها وعدمه 7/ 478.
(4)
. ويحكم القاضي بالطلاق إن شهد أنه سرحها وإن احتمل أنه سرح رأسها، ومثل التسريح ما يشبهه من الصريح المحتمل، أفاده الشارح في فصل ما يثبت به موجب القود 9/ 60.
(5)
. وفاقا للنهاية وسكت المغني عن هذا التقييد، فإن ترافعوا إلينا حكمنا باعتقادنا .. الخ كما مر قبيل فصل أسلم وتحته أكثر من أربع 7/ 336 - 337.
وَأَنْتِ طَالِقٌ وَمُطَلَّقَةٌ وَيَا طَالِقُ، لَا أَنْتِ طَلَاقٌ وَالطَّلَاقُ فِي الْأَصَحِّ
ومنها بعد طلقي نفسك- وكطلقت هنا الطلاق لازم لي وطالق بعد إن فعلت كذا فزوجتك طالق بخلاف طالق فقط أو طلقت فقط ابتداء فإنه لا يقع به شيء وإن نواها; لأنه لم يسبق قرينة لفظية تربط الطلاق بها (وأنت) طوالق لكنه صريح في طلقة واحدة فقط كأنت كلُّ طالق أو نصف طالق، وأنت (طالق) وإن قال ثلاثا على سائر المذاهب
(1)
فيقعن
(2)
(ومطلَّقة) ومفارقة ومسرحة (ويا طالق) -لمن ليس اسمها ذلك- ويا مفارقة ويا مسرحة، وأوقعت عليك طلقة أو الطلاق وكذا وضعت عليك طلقة أو الطلاق وعليَّ الطلاق، وكذا قوله الطلاق يلزمني أو طلاقك لازم لي أو واجب عليَّ لا أفعل كذا
(3)
فكلُّ ذلك صريح بخلاف قوله ((بالطلاق أو والطلاق لا أفعل أو ما فعلت كذا)) فلغو
(4)
؛ لأن الطلاق لا يحلف به. ولو جمع بين ألفاظ الصريح الثلاثة بنية التأكيد لم يتكرر وكذا في الكناية بخلاف ما إذا نوى الاستئناف أو أطلق.
[فرع] يقع من كثير ((عليَّ الطلاق من فرسي أو سيفي مثلا)) وحكمه أنه ظاهراً كناية وباطناً صريح ما لم ينو من فرسي قبل فراغ لفظ اليمين فحينئذ يكون كناية تتوقف على النية سواء في ذلك العامي وغيره. ولو قال أنت طالق من وثاق خرج عن الصريح إلى الكناية في ظاهر الحكم أما فيما بينه وبين الله تعالى فلابدّ أن يعزم على الإتيان بالزيادة قبل فراغ طالق، فحينئذ إن نوى الإيقاع به وقع وإلا فلا بخلاف ما إذا بدت له تلك الزيادة بعد الفراغ فإنه يقع مطلقا، وكذلك نية الزيادة في التديين لا بد أن توجد قبل فراغ طالق أيضا ولو قال نسائي طوالق وأراد أقاربه لم يقبل إلا باطناً (لا أنت طلاق و) أنت (الطلاق في الأصح) بل هما كنايتان كإن فعلت كذا ففيه طلاقك أو فهو طلاقك; لأن المصدر لا يستعمل في العين إلا
(1)
. هذا من قول المطلق.
(2)
. على تفصيل يأتي.
(3)
. قوله: ((لا أفعل كذا)) راجع لما بعد كذا المارة وهذا ليس قيدا عند الروض والمغني.
(4)
. خلافا للنهاية فاعتمد نظيرها مما يأتي في النذر هنا.
وَتَرْجَمَةُ الطَّلَاقِ بِالْعَجَمِيَّةِ صَرِيحٌ عَلَى المَذْهَبِ وَأَطْلَقْتُكِ وَأَنْتِ مُطْلَقَةٌ كِنَايَةٌ، وَلَوِ اشْتَهَرَ لَفْظٌ لِلطَّلَاقِ كَالحَلَالُ أَوْ حَلَالُ اللهِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَصَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَكِنَايَتُهُ كَأَنْتِ خَلِيَّةٌ، بَرِيَّةٌ، بَتَّةٌ، بَتْلَةٌ، بَائِنٌ
توسعا
(1)
، وكذا أنت طال ترخيم طالق فليس صريحا؛ لأنه يصلح ترخيما لطالب وطالع ولا مخصص إلا النية، وكذا أنت طلقة أو نصف طلقة أو أنت وطلقة أو مع طلقة أو فيها ولك طلقة أو الطلاق وعليك الطلاق. وعُلم مما مر أن الخطأ في الصيغة إذا لم يخل بالمعنى لا يضر كهو بالإعراب، ومنه ما لو خاطب زوجته بقوله أنتن أو أنتما طالق، وأن تقول له طلقني فيقول هي مطلقة فلا يقبل إرادة غيرها; لأن تقدم سؤالها يصرف اللفظ إليها، ومن ثم لو لم يتقدم لها ذكر رجع لنيته في نحو أنت طالق وهي غائبة، وهي طالق وهي حاضرة. ولو قال ما كدت أن أطلقك كان إقرارا بالطلاق (وترجمة الطلاق) ولو ممن أحسن العربية (بالعجمية) وهي ما عدا العربية (صريح على المذهب)؛ لشهرة استعمالها عندهم في معناها شهرة العربية عند أهلها، أما ترجمة الفراق والسراح فكناية؛ لبعدها عن الاستعمال، ولا ينافي تأثير الشهرة هنا عدمه في أنتِ عليَّ حرام; لأن ما هنا موضوع للطلاق بخصوصه بخلاف ذاك وإن اشتهر فيه، ولا يقبل ظاهرا صرف هذه الصرائح عن موضوعها بنية كقوله أردت إطلاقها من وثاق أو مفارقتها للمنزل أو بالسراح التوجه إليه أو أردت غيرها فسبق لساني إليها، نعم إن قال الأول وهو يحلها من وثاق قُبِل ظاهرا. ولو قال طاء ألف لام قاف فكناية (وأطلقتك وأنت مُطْلقة كناية)؛ لعدم اشتهاره. ولو قال طالق فلغو وإن نوى ((أنت)) والإيقاع وكرره (ولو اشتهر لفظ للطلاق كالحلالُ) عليَّ حرام (أو حلال الله عليَّ حرام) أو أنت عليَّ حرام أو حرمتك أو علي الحرام أو الحرام يلزمني (فصريح في الأصح)؛ لغلبة الاستعمال وحصول التفاهم (قلت: الأصح أنه كناية والله أعلم) ; لأنه لم يتكرر في القرآن للطلاق ولا على لسان حملة الشريعة، وأنت حرام كناية اتفاقا كتلك عند من لم تشتهر عندهم، والذي يتجه على الأول المرجوح معاملة الحالف بعرف بلده ما لم يطل مقامه عند غيرهم ويألف عادتهم. (وكنايته) أي الطلاق ألفاظ كثيرة، بل لا تنحصر (كأنت خلية) أي من الزوج (برية) أي منه (بتة) أي مقطوعة الوصلة إذ البت القطع (بتلة) أي متروكة النكاح، ومثلها مُثْلة (بائن) من
(1)
. خلافا لشرح الروض فاعتمد الصراحة.
اعْتَدِّي، اسْتَبْرِئِي رَحِمَكِ، الحَقِي بِأَهْلِكِ، حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، لَا أَنْدَهُ سَِرْبَكِ، اُعْزُبِي، اُغْرُبِي، دَعِينِي، وَدِّعِينِي، وَنَحْوِهَا،
البين وهو الفرقة وإن زاد بعده بينونة لا تحلين بعدها لي أبدا كما مر (اعتدي استبرئي رحمك) -ولو لغير موطوءة- طلقت نفسي (إلحَقي
(1)
بأهلك) أي; لأني طلقتك (حبلك على غاربك) أي خليت سبيلك كما يخلى البعير بإلقاء زمامه في الصحراء على غاربه وهو ما تقدم من الظهر وارتفع عن العنق (لا أنده) أي أزجر (سَِرْبك) والسرب الإبل وما يرعى من المال (أعزبي) أي تباعدي عني (أغربي) أي صيري غريبة أجنبية مني (دعيني) أي اتركيني (ودِّعيني ونحوها) من كلِّ ما يشعر بالفرقة إشعارا قريبا كتجردي تزودي اخرجي سافري تقنعي تستري برئت منك الزمي أهلك لا حاجة لي فيك أنت وشأنك أنت ولية نفسك وسلام عليك وكلي واشربي وأوقعت الطلاق في قميصك وبارك الله لك لا فيك. وخرج بنحوها نحو اقعدي، قُوْمِي، أغناك الله -ويفرق بينه وبين لعل الله يسوق إليك الخير بأن هذا أقرب إلى إرادة الطلاق به; لأن ترجي سوق الخير يستعمل في ترجي حصول زوج ولا كذلك الغنى- أحسن الله جزاءك اقعدي اغزلي بخلاف اعزلي -أي نفسك عني- فكناية، ومن الكناية أيضاً قُتل نكاحُك وقتلت نكاحَك وقُطع نكاحُك وقطعته. ولو قالت له أنا مطلقة فقال ألف مرة كان كناية في الطلاق والعَدَدِ فإن نوى الطلاق وحده وقع أو والعدد وقع ما نواه أخذا من قول الروضة وغيرها في أنت واحدة أو ثلاث أنه كناية، ومثله ما لو قيل له هل هي طالق فقال ثلاثا. ولو طلقها رجعيا ثم قال جعلتها ثلاثا فإن لم يَفْصِل في ((ثلاثا)) بأكثر من سكتة التنفس والعي أثَّر مطلقا ومتى فصل بذلك ولم تنقطع نسبته عنه عرفا كان كالكناية فإن نوى أنه من تتمة الأول وبيان له أثرَّ وإلا فلا، وإن انقطعت نسبته عنه عرفا لم يؤثر مطلقا كما لو قال لها ابتداء ثلاثا. ولو قالت له بذلت صداقي على طلاقي فقال طالق لم يقع شيء، ولو قيل لمن أنكر شيئا امرأتك طالق إن كنت كاذبا فقال طالق وقال أردت طلاق غير امرأتي قبل; لأنه لم يوجد منه إشارة إليها ولا تسمية، وإن ادعى طلاق امرأته أو أطلق طلقت. ولو قال متى طلقتها فطلاقي معلق على إعطائها لي كذا ثم طلقها وقع; لأنه إذا وقع لا يعلق وإلا لزم صحة قصده أنه إذا وقع منه لفظ طلاق لا يقع مدلوله وليس كذلك، نعم إن قصد في هذه الصورة ذلك
(1)
. بكسر ثم فتح ويجوز عكس هذا الضبط عند الشارح، وفي المغني أن المطرزي جعله خطأً.
وَالْإِعْتَاقُ كِنَايَةُ طَلَاقٍ وَعَكْسُهُ، وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كِنَايَةَ ظِهَارٍ وَعَكْسُهُ
التعليق عند الإيقاع قُبِل ظاهرا؛ لاعتضاد ذلك القصد بالقرينة السابقة. (والإعتاق) أي كلُّ لفظ صريح له أو كناية (كناية طلاق وعكسه) أي كل لفظ للطلاق صريح أو كناية كناية في العتق؛ لدلالة كل منهما على إزالة ما يملكه، نعم هذا أغلبي فقوله أنا منك حر أو أعتقت نفسي لعبد أو أمة أو اعتدي أو استبرئي رحمك لعبد لغوٌ وإن نوى العتق؛ لعدم تصور معناها فيه بخلاف نظائرها هنا؛ إذ على الزوج حَجْر من جهتها، وكذا قوله تَقَنَّع وتَسَتَّر للعبد؛ لبعد مخاطبته به عادة، ونحو أنت لله ويا مولاي ويا مولاتي لا يكون كناية هنا. وقول السيد بانت مني أو حَرُمَت عليَّ كناية في الإقرار بالعتق. وقوله لوليها زوِّجها إقرار بالطلاق، أي وبانقضاء العدة إن لم تكذبه فإن كذبته لزمتها العدة؛ مؤاخذة لها بإقرارها. وقول الزوج للزوجة تزوجي ولوليها زوجنيها كناية بخلاف زوِّجها فإنه صريح، نعم مجرد طلب الزوج على صورة عقد ثانٍ لاحتياط مثلا لا يكون صريحا بل ولا كناية فيه
(1)
. ولو قيل له يا زيد فقال امرأة زيد طالق لم تطلق زوجته إلا إن أرادها، ولو قال امرأة مَن في السكة طالق وهو فيها طلقت
(2)
. وأفتى ابن الصلاح في إن غبت عنها سنة فما أنا لها بزوج بأنه إقرار في الظاهر بزوال الزوجية بعد غيبة السنة فلها بعدها ثم بعد انقضاء عدتها تزوج غيره، وأفتى أبو زرعة في الطلاق ثلاثا من زوجتي تفعل كذا بأنه إن نوى إيقاعه بتقدير عدم الفعل وقع; لأن اللفظ يحتمله بتقدير كائن أو واقع عليَّ وإلا فلا، ونظير ما أفتى به أبو زرعة ما لو قال ((الطلاق منك ما تزوجت عليك)) فهو كناية بتقدير الطلاق واقع علي منك إن تزوجت عليك؛ إذ هذا يحتمله اللفظ احتمالا ظاهرا. ولو طلبت الطلاق فقال اكتبوا لها ثلاثا فكناية كقوله زوجتي الحاضرة طالق وهي غائبة، (وليس الطلاق كناية ظهار وعكسه) وإن اشتركا في إفادة التحريم؛ لإمكان استعمال كلٍّ في موضوعه فلا يخرج عنه للقاعدة المشهورة أن ما كان صريحا في بابه ووجد نفاذا في موضوعه لا يكون صريحا ولا كناية في غيره، وسيأتي في أنت طالق كظهر أمي أنه لو نوى بظهر أمي طلاقا آخر وقع; لأنه وقع تابعا فمحل ما هنا في
(1)
. هذا حاصل ما ذكره الشارح قبيل التفويض.
(2)
. خلافا للنهاية.
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ حَرَّمْتُكِ وَنَوَى طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا حَصَلَ، أَوْ نَوَاهُمَا، تَخَيَّرَ وَثَبَتَ مَا اخْتَارَهُ، وَقِيلَ طَلَاقٌ، وَقِيلَ ظِهَارٌ، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا لَمْ تَحْرُمْ، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ،
لفظ ظهار وقع مستقلا (فلو قال لزوجته أنت) أو نحو يدك (عليَّ حرام أو حرمتك) أو كالخمر أو الميتة أو الخنزير (ونوى طلاقا) وإن تعدد (أو ظهارا حصل) ما نواه؛ لاقتضاء كلٍّ منهما التحريم فجاز أن يكني عنه بالحرام، ولا ينافي هذا القاعدة المذكورة؛ لأن موضوع لفظ التحريم يصدق بكلٍّ من الثلاثة لكنه عند الإطلاق اشتهر استعماله في تحريم الوطء فقط فجعل صريحا فيما اشتهر فيه وكناية فيما لم يشتهر فيه، وما في القاعدة إنما هو في استعمال لفظ في غير موضوعه مع صلاحيته لموضوعه (أو نواهما) أي الطلاق والظهار معا (تخيَّر وثبت ما اختاره) منهما، لا هما؛ لتناقضهما إذ الطلاق يرفع النكاح والظهار يثبته (وقيل طلاق) ; لأنه أقوى لإزالته الملك (وقيل ظهار) ; لأن الأصل بقاء النكاح.
[تنبيه] لا يكفي الاختيار هنا بالنية، بل لا بد من اللفظ أو نحو الإشارة المفهمة هنا
، وعليه فيتصور فيه كناية وصريح، فالأول كجعلتُكِ في العدة فهو كناية في اختيار الطلاق، والثاني كاخترتُكِ للظهار أو اخترت الظهار، ولو اختار شيئا لم يجز له الرجوع عنه إلى غيره، أما لو نواهما مترتبتين -أي بناء على أن نية الكناية يكفي قرنها بجزء من لفظها- فأن كان
(1)
المنوي أوَّلا الظهار صحَّا معا فيتخير ويثبت ما اختاره، أو الطلاق وهو بائن لغا الظهار، أو رجعي وقف الظهار فإن راجع صار عائدا ولزمته الكفارة وإلا فلا. (أو) نوى (تحريم عينها) أو نحو فرجها أو وطئها (لم تحرم)؛ لما روى النسائي أن ابن عباس سأله مَنْ قال ذلك فقال: كذبت (وعليه) في غير نحو
(2)
رجعية ومعتدة ومحرمة (كفارة يمين) أي مثلها حالا وإن لم يطأ كما لو قاله لأمته؛ أخذا من قصة مارية رضي الله عنها النازل فيها قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} التحريم: 1 الآية، ومعنى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} التحريم: 2 أي أوجب عليكم كفارة كالكفارة التي تجب في الأيمان، وقوله هذا مكروه، ولو قال لأربع أنتن عليَّ حرام بلا نية طلاق ولا ظهار فكفارة واحدة كما لو كرره في واحدة وأطلق أو بنية التأكد وإن تعدد المجلس كاليمين
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني وشرح الروض.
(2)
. حذف لفظ نحو المغني وشرح المنهج.
وَكَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ نِيَّةٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَالثَّانِي لَغْوٌ وَإِنْ قَالَهُ لِأَمَتِهِ وَنَوَى عِتْقَهَا ثَبَتَ، أَوْ تَحْرِيمَ عَيْنِهَا أَوْ لَا نِيَّةَ فَكَالزَّوْجَةِ. وَلَوْ قَالَ هَذَا الثَّوْبُ أَوِ الطَّعَامُ أَوِ الْعَبْدُ حَرَامٌ عَلَيَّ فَلَغْوٌ. وَشَرْطُ نِيَّةِ الْكِنَايَةِ اقْتِرَانُهَا بِكُلِّ اللَّفْظِ، وَقِيلَ يَكْفِي بِأَوَّلِهِ. وَإِشَارَةُ نَاطِقٍ بِطَلَاقٍ لَغْوٌ، وَقِيلَ كِنَايَةٌ، وَيُعْتَدُّ بِإِشَارَةِ أَخْرَسَ فِي الْعُقُودِ وَالحُلُولِ،
(وكذا) عليه كفارة (إن لم يكن له نية في الأظهر) ; لأن لفظ التحريم ينصرف شرعا لإيجاب الكفارة (والثاني) هو (لغو) ; لأنه كناية في ذلك. وخرج بأنتِ عليَّ حرام ما لو حذف عليَّ فإنه كناية هنا فلا تجب الكفارة فيه إلا بالنية (وإن قاله لأمته ونوى عتقا ثبت) قطعا; لأنه كناية فيه إذ لا مجال للطلاق والظهار فيها (أو) نوى (تحريم عينها أو لا نية) له (فكالزوجة) فيما مر فتلزمه الكفارة، نعم لا كفارة في مُحَرَّمة أبدا، وكذا معتدة ومزوجة ومرتدة ومُحْرِمَة ومجوسية
(1)
بخلاف نحو نفساء وحائض وصائمة؛ لقرب زوال مانعهن، ومن ثم لو نوى بتحريمها تحريم وطئها لهذا العارض لم يلزمه شيء (ولو قال هذا الثوب أو الطعام أو العبد حرام عليَّ) أو نحوه (فلغو) لا شيء فيه؛ لتعذره فيه بخلاف الحليلة؛ لإمكانه فيها بطلاق أو عتق. (وشرط) تأثير (نية الكناية اقترانها بكل اللفظ) وهو أنت بائن (وقيل يكفي بأوله)؛ استصحابا لحكمها في باقيه دون آخره; لأن انعطافها على ما مضى بعيد، والمعتمد من ذلك الاكتفاء باقترانها ببعض اللفظ مطلقا، ويأتي هذا الخلاف في الكناية التي ليست لفظا كالكتابة. ولو أتى بكناية ثم بعد مضي قدر العدة أوقع ثلاثا ثم زعم أنه نوى بالكناية الطلاق لم يقبل؛ لرفعه الثلاث الموجبة للتحليل اللازم له. ولو أنكر نيتها صدق بيمينه وكذا وارثه أنه لا يعلمه نوى فإن نكل حلفت هي أو وارثها أنه نوى; لأن الاطلاع على نيته ممكن بالقرائن. (وإشارة ناطق بطلاق لغو) وإن نواه وأفهم بها كل أحد (وقيل كناية)؛ لحصول الإفهام بها كالكتابة، ويرد بأن تفهيم الناطق إشارته نادر، نعم لو قال أنت طالق وهذه مشيرا لزوجة له أخرى طلقت; لأنه ليس فيه إشارة محضة، هذا إن نواها أو أطلق; لأن اللفظ ظاهر في قصد طلاق الأخرى مع احتماله لغيره احتمالا قريبا أي وهذه ليست كذلك. وخرج بالطلاق غيره فقد تكون إشارته كعبارته كهي بالأمان وكذا الإفتاء ونحوه فلو قيل له أيجوز كذا فأشار برأسه مثلا أي نعم جاز العمل به ونقله عنه. (ويعتد بإشارة أخرس في العقود) كبيع وهبة (والحلول) كطلاق وفسخ وعتق
(1)
. وفاقا لشرح المنهج وخلافا للنهاية في المحرمة وسكت عنها المغني والأسنى.
فَإِنْ فَهِمَ طَلَاقَهُ بِهَا كُلُّ أَحَدٍ فَصَرِيحَةٌ، وَإِنِ اخْتَصَّ بِفَهْمِهِ فَطِنُونَ فَكِنَايَةٌ. وَ لَوْ كَتَبَ نَاطِقٌ طَلَاقًا، وَلَمْ يَنْوِهِ فَلَغْوٌ، وَإِنْ نَوَاهُ فَالْأَظْهَرُ وُقُوعُهُ. فَإِنْ كَتَبَ إذَا بَلَغَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَإِنَّمَا تَطْلُقُ بِبُلُوغِهِ. وَإِنْ كَتَبَ إذَا قَرَأْتِ كِتَابِي وَهِيَ قَارِئَةٌ فَقَرَأَتْهُ طَلُقَتْ وَإِنْ قُرِئَ عَلَيْهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ قَارِئَةً فَقُرِئَ عَلَيْهَا طَلُقَتْ
والأقارير والدعاوى وغيرها وإن أمكنته الكتابة؛ للضرورة، نعم لا تصح بها شهادته ولا تبطل بها صلاته ولا يحنث بها من حلف لا يتكلم ثم خرس
(1)
(فإن فهم طلاقه) وغيره (بها كل أحد فصريحة وإن) لم يفهمها أحد
(2)
، أو (اختص بفهمه) أي الطلاق منها (فطنون) أي أهل فطنة وذكاء (فكناية) -وإن انضم إليها قرائن- وذلك كما في لفظ الناطق، وتعرف نيته فيما إذا أتى بإشارة أو كتابة بإشارة أو كتابة أخرى. وسيأتي في اللعان أنهم ألحقوا بالأخرس من اعتقل لسانه ولم يرج برؤه (ولو كتب ناطق) أو أخرس (طلاق) ومثله كل عقد وحَلٍّ وغيرهما ما عدا النكاح (ولم ينوه فلغو)؛ إذ لا لفظ ولا نية (وإن نواه) ولم يتلفظ بما كتبه (فالأظهر وقوعه)؛ لإفادتها حينئذ، وإن تلفظ به ولم ينوه عند التلفظ ولا الكتابة وقال إنما قصدت قراءة المكتوب فقط صدق بيمينه (فإن كتب إذا بلغك كتابي فأنت طالق) ونوى الطلاق (فإنما تطلق ببلوغه) -إن كان فيه صيغة الطلاق كهذه الصيغة- بأن أمكن قراءتها وإن انمحت; لأنها المقصود الأصلي بخلاف ما عداها من السوابق واللواحق، فإن انمحى سطر الطلاق فلا وقوع. وخرج بكتب ما لو أمر غيره فكتب ونوى هو فلا يقع شيء بخلاف ما لو أمره بالكتابة أو كناية أخرى وبالنية فامتثل ونوى، ولو كتب كناية كأنت خلية ونوى وقع ونقدر أنه تلفظ بالمكتوب (وإن كتب إذا قرأتِ كتابي وهي قارئة فقرأته) أي صيغة الطلاق منه وإن لم تفهمها، أو طالعتها وفهمتها وإن لم تتلفظ بشيء منها (طلقت)؛ لوجود المُعَلَّق عليه، ولا فرق هنا بين ظن كونها أميَّة وعدمه (وإن قرئ عليها فلا) طلاق (في الأصح)؛ لعدم قراءتها مع إمكانها (وإن لم تكن قارئة فقرئ عليها طلقت) إن علم حالها; لأن القراءة في حق الأمي محمولة على الاطلاع، ومنه يؤخذ أنها لو تعلمت وقرأته طلقت، وأن القارئ لو طالعه وأخبرها بما فيه طلقت أيضاً; لأن القصد الاطلاع وقد وجد، فإن لم يعلم كونها قارئة لم تطلق إلا إن تعلمت وقرأته.
(1)
. نعم قياس ما يأتي في الأيمان أنه لو نوى حنث.
(2)
. كلامهما يشير أنها لا تقع حينئذ.
فصل
لَهُ تَفْوِيضُ طَلَاقِهَا إلَيْهَا، وَهُوَ تَمْلِيكٌ، فِي الجَدِيدِ فَيُشْتَرَطُ لِوُقُوعِهِ تَطْلِيقُهَا فَوْرَاً. فَإِنْ قَالَ طَلِّقِي نَفْسَكِ بِأَلْفٍ فَطَلَّقَتْ بَانَتْ وَلَزِمَهَا الأَلْفُ، وَفِي قَوْلٍ تَوْكِيلٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فَوْرٌ فِي الْأَصَحِّ، وَفِي اشْتِرَاطِ قَبُولِهَا خِلَافُ الْوَكِيلِ، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لَهُ الرُّجُوعُ قَبْلَ تَطْلِيقِهَا، وَلَوْ قَالَ: إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَطَلِّقِي لَغَا عَلَى التَّمْلِيكِ
(فصل) في تفويض الطلاق إليها
ومثله تفويض العتق للقن (له تفويض طلاقها) يعني المكلفة، لا غيرها (إليها) إجماعا بنحو طلقي نفسك إن شئتِ، ولو قال لها طلقيني فقالت أنت طالق ثلاثا فكناية فإن نوى التفويض إليها ونوت الزوجة تطليق نفسها طلقت وإلا فلا، ثم إن نوى مع التفويض إليها عددا فسيأتي (وهو تمليك) للطلاق (في الجديد) ; لأنه يتعلق بغرضها فساوى غيره من التمليكات (فيشترط لوقوعه تطليقها فورا) -وإن أتى بنحو متى
(1)
- بأن لا يتخلل فاصل بين تفويضه وإيقاعها; لأن التطليق هنا جواب التمليك فكان كقبوله وقبوله فوري، نعم لا يضر الفاصل اليسير ولو أجنبيا كالخلع (فإن قال) لَمُطْلَقَةِ التصرف، لا لغيرها (طلقي نفسك بألف فطلقت بانت ولزمها الألف) وإن لم تقل بألف، ويكون تمليكا بعوض كالبيع وما قبله كالهبة (وفي قول توكيل) كما لو فوض طلاقها لأجنبي (فلا يشترط) على هذا القول (فور) في تطليقها (في الأصح) نظير ما مر في الوكالة، ولو أتى هنا بمتى جاز التأخير قطعا (وفي اشتراط قبولها) على هذا القول أيضا (خلاف الوكيل) ومر أن الأصح منه أنه لا يشترط القبول مطلقا بل عدم الرد (وعلى القولين له الرجوع) عن التفويض (قبل تطليقها) ; لأن كلا من التمليك والتوكيل يجوز لموجبه الرجوع قبل قبوله ويزيد التوكيل بجواز ذلك بعده أيضا، فلو طلقت قبل علمها برجوعه لم ينفذ. (ولو قال إذا جاء رمضان فطلقي) نفسك (لغا على) قول (التمليك) ; لأنه لا يصح تعليقه، ويصح مع الحرمة
(2)
على قول التوكيل؛ لما مر فيه أن التعليق
(1)
. خلافا لهما هنا فاعتمدوا عدم اشتراط الفورية في نحو متى، ووفاقا في أدوات التعليق في نحو: أنت طالق متى شِئْتِ.
(2)
. لحرمة تعاطي العقد الفاسد.
وَلَوْ قَالَ أَبِينِي نَفْسَك فَقَالَتْ أَبَنْتُ وَنَوَيَا وَقَعَ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي فَقَالَتْ أَبَنْتُ وَنَوَتْ، أَوْ أَبِينِي وَنَوَى فَقَالَتْ طَلَّقْتُ وَقَعَ. وَلَوْ قَالَ طَلِّقِي وَنَوَى ثَلَاثًا فَقَالَتْ طَلَّقْتُ وَنَوَتْهُنَّ فَثَلَاثٌ وَإِلَّا فَوَاحِدَةٌ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا فَوَحَّدَتْ أَوْ عَكْسُهُ فَوَاحِدَةٌ
يبطل خصوصه لا عموم الإذن. (ولو قال أبيني نفسك فقالت أبنت ونويا) أي هو التفويض بما قاله وهي الطلاق بما قالته (وقع) ; لأن الكناية مع النية كالصريح (وإلا) ينويا معا بأن لم ينويا أو أحدهما ذلك (فلا) يقع الطلاق؛ لوقوع كلام غير الناوي لغوا (ولو قال طلقي) نفسك (فقالت أبنت) نفسي (ونوت أو) قال (أبيني ونوى فقالت طلقت) نفسي (وقع) كما لو تبايعا بلفظ صريح من أحدهما وكناية مع النية من آخر، ولو حذفا لفظ نفسي من الكناية أو الصريح وقع إن نوت نفسها -سواء أنوى هو ذلك أم لا- وأفهم كلامه أنه لا يشترط توافق لفظيهما صريحا ولا كناية، نعم لو قال لها طلقي نفسك بصريح الطلاق أو بكنايته أو بالتسريح أو نحو ذلك فعدلت عن المأذون فيه لم تطلق
(1)
(ولو قال طلقي) نفسك (ونوى ثلاثا فقالت طلقت ونوتهن) وإن لم تعلم نيته بأن وقع ذلك منها اتفاقا (فثلاث) ; لأن اللفظ يحتمل العدد وقد نوياه (وإلا) ينويا ذلك أصلا أو نواه أحدهما (فواحدة) تقع لا أكثر (في الأصح) ; لأن صريح الطلاق كناية في العدد فاحتاج لنيته منهما، نعم فيما إذا لم ينو واحد منهما لا خلاف في وقوع الواحدة وكذا إذا نوت هي فقط. ولو نوت واحدة أو اثنين ونوى هو ثلاثاً وقع ما نوته اتفاقا; لأنه بعض المأذون فيه، وضابط تخالفهما في نية العدد أنهما متى تخالفا فيها وقع ما توافقا فيه فقط. وخرج بقوله ونوى ثلاثا ما لو تلفظ بهن فإنها إذا قالت طلقت ولم تذكر عددا ولا نوته تقع الثلاث. (ولو قال ثلاثا فوحدت) أي قالت طلقت نفسي واحدة (أو عكسه) أي وَحَّد فثلثت (فواحدة) تقع فيهما؛ لدخولها في الثلاث التي فوضها في الأولى ولعدم الإذن في الزائد عليها في الثانية، ومن ثم لو قال لرجل طلق زوجتي وأطلق فطلق الوكيل ثلاثا لم يقع إلا واحدة، ولها في الأولى أن تثني وتثلث فورا راجع أوْ لا. وسيأتي في مبحث الناسي قبول قولها في الكناية لم أنو وإن كذَّبها.
(1)
. عبارة المغني.
فصل
مَرَّ بِلِسَانِ نَائِمٍ طَلَاقٌ لَغَا، فَلَوْ سَبَقَ لِسَانُهُ بِطَلَاقٍ بِلَا قَصْدٍ لَغَا، وَلَا يُصَدَّقُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ
(فصل) في بعض شروط الصيغة والمطلق
منها أنه يشترط في الصيغة -عند عروض صارفها لا مطلقا- قصد لفظها مع معناه بأن يقصد استعماله فيه وذلك مستلزم لقصدهما، فحينئذ إذا (مر بلسان نائم
(1)
أو زائِلِ عقلٍ بسبب لم يعص به -وإلا فكالسكران فيما مر- (طلاق لغا) وإن أجازه وأمضاه بعد يقظته؛ لرفع القلم عنه حال تلفظه به. ولو ادعى أنه حال تلفظه به كان صبيا وأمكن -ومثله مجنون عُهد له جنون- صدِّق بيمينه بخلاف ما لو ادعى أنه نائم
(2)
؛ لأنه لا أمارة على النوم (فلو سبق لسانه بطلاق من غير قصد لغا) كلغو اليمين، ومثله تلفظه به حَاكياً، وتكرير الفقيه للفظه في تصويره ودرسه (ولا يُصدَّق ظاهرا) في دعواه سبق لسانه أو غيره مما يمنع الطلاق؛ لتعلق حق الغير به ولأنه خلاف الظاهر الغالب من حال العاقل (إلا بقرينة) كما يأتي فيمن التف بلسانه حرف بآخر فيصدق ظاهرا في السبق؛ لظهور صدقه حينئذ، أما باطنا فيصدق مطلقا، وكذا لو قال لها طلقتك ثم قال أردت أن أقول طلبتك، ولها قبول قوله هنا وفي نظائره إن ظنت صدقه بأمارة، ولمن ظن صدقه أيضا أن لا يشهد عليه به بخلاف ما إذا علمه
(3)
، ومن القرينة ما لو قال لها أنت حرام عليَّ وظن أنها طَلُقت به ثلاثا فقال لها أنت طالق ثلاثا ظانا وقوع الثلاث بالعبارة الأولى
(4)
، ولو قيل له طلقت امرأتك فقال نعم طلقتها ثم قال ظننت أن ما جرى بيننا طلاق وقد أُفتيت بخلافه لم يقبل إلا بقرينة.
(1)
. لشيخ الإسلام والمغني إيراد على المتن رده الشارح.
(2)
. خلافا للمغني.
(3)
. أي يجوز لمن ظن صدقه أن لا يشهد عليه بالطلاق، ويجوز له أن يشهد عليه به أيضا، بخلاف ما إذا علم صدقه فلا يجوز أن يشهد عليه به أصلا وهو مخالف لكلام المغني.
(4)
. ولو قيل له: أطلقت امرأتك، فقال: نعم طلقتها، ثم قال: ظننت أن ما جرى بيننا طلاقا وقد أُفتيت بخلافه لم يقبل منه إلا بقرينه، كما ذكره الشارح في الكتابة 10/ 404.
وَلَوْ كَانَ اسْمُهَا طَالِقًا فَقَالَ يَا طَالِقْ وَقَصَدَ النِّدَاءَ لَمْ تَطْلُقْ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ كَانَ اسْمُهَا طَارِقًا أَوْ طَالِبًا فَقَالَ يَا طَالِقُ وَقَالَ أَرَدْتُ النِّدَاءَ فَالْتَفَّ الحَرْفُ صُدِّقَ. وَلَوْ خَاطَبَهَا بِطَلَاقٍ هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا أَوْ وَهُوَ يَظُنُّهَا أَجْنَبِيَّةً بِأَنْ كَانَتْ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ نَكَحَهَا لَهُ وَلِيُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَلَمْ يَعْلَمْ وَقَعَ
(ولو كان اسمها طالقا وقال) لها (يا طالقْ وقصد النداء) لها باسمها (لم تطلق)؛ للقرينة الظاهرة على صدقه; لأنه صرفه بذلك عن معناه مع ظهور القرينة في صدقه (وكذا إن أطلق) بأن لم يقصد شيئا فلا تطلق (في الأصح)؛ حملا على النداء؛ لتبادره وغلبته، ومن ثم لو غُيِّر اسمها عند النداء -بحيث هجر الأول- طلقت كما لو قصد طلاقها وإن لم يغير، ولا يؤثر اللحن في الوقوع وعدمه، نعم إن كان نحويا وسكَّن قوله يا طالق فكما تقرر أو ضمَّها لم يقع مطلقا أو قال يا طالقا وقع مطلقا، والقن المسمى حرّا فيه هذا التفصيل (فإن كان اسمها طارقا أو طالبا) أو طالعا (فقال يا طالقُ وقال أردت النداء) باسمها (فالتف الحرف) بلساني (صُدِّق) ظاهرا؛ لظهور القرينة، فإن لم يقل ذلك طلقت. ولو مات ولم يُعلم مراده حُكم عليه بالطلاق؛ عملا بظاهر الصيغة، ومنه يؤخذ أن مثله في هذا كل من تلفظ بصيغة ظاهرة في الوقوع لكنها تقبل الصرف بالقرينة فيكون مثله كما تقدر وإن وجدت القرينة (ولو خاطبها بطلاق) معلق أو منجَّز، ومثله أمره لمن يطلقها (هازلا أو لاعبا) -بأن قصد اللفظ دون المعنى- وقع ظاهرا وباطنا إجماعا، وللخبر الصحيح ((ثلاث جدهن جد وهزلهن جد الطلاق والنكاح والرجعة)) وخُصَّت؛ لتأكد أمر الأبضاع وإلا فكل التصرفات كذلك (أو وهو يظنها أجنبية بأن كانت في ظلمة أو نكحها له وليه أو وكيله ولم يعلم) أن له زوجة بخلاف ما لو نسي ذلك
(1)
(وقع) ظاهرا لا باطنا
(2)
، نعم مَن قال ولم يعلم له زوجة في البلد إن كان لي في البلد زوجة فهي طالق وكانت في البلد فهي من مسائل التعليق التي يأتي فيها أنه إن قصد أن الأمر كذلك في ظنه أو اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه -أي ولا يعلم خلافه- أو لم يقصد شيئا فلا حنث، وإن قصد إن الأمر كذلك في نفس الأمر بأن يقصد به ما يقصد بالتعليق عليه حنث، ويُفرق بين ما في المتن وبين عدم وقوعه على من طلب من الحاضرين أو الحاضرات شيئا فلم
(1)
. فلا يقع شيئا خلافا للنهاية والمغني.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
وَلَوْ لَفَظَ عَجَمِيٌّ بِهِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَمْ يَعْرِفْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ، وَقِيلَ إنْ نَوَى مَعْنَاهَا وَقَعَ. وَلَا يَقَعُ طَلَاقُ مُكْرَهٍ، فَإِنْ ظَهَرَ قَرِينَةُ اخْتِيَارٍ بِأَنْ أُكْرِهَ عَلَى ثَلَاثٍ، فَوَحَّدَ، أَوْ صَرِيحٍ أَوْ تَعْلِيقٍ فَكَنَّى أَوْ نَجَّزَ أَوْ عَلَى طَلَّقْتُ فَسَرَّحَ أَوْ بِالْعُكُوسِ وَقَعَ،
يعطوه فقال طلقتكم ثلاثا وامرأته فيهم ولا يعلمها
(1)
بأنه هنا لم يقصد بالطلاق معناه الشرعي بل نحو معناه اللغوي وقامت القرينة على ذلك فمن ثم لم يوقعوا عليه شيئا. (ولو لفظ عَجَمِيٌّ به) أي الطلاق (بالعربية) مثلا إذ الحكم يعم كل من تلفظ به بغير لغته (ولم يعرف معناه لم يقع) كمتلفظ بكلمة كفر لا يعرف معناها، ويُصدَّق في جهله معناه؛ للقرينة، ومن ثم لو كان مخالطا لأهل تلك اللغة بحيث تقضي العادة بعلمه به لم يصدق ظاهرا ويقع عليه (وقيل إن نوى معناها) عند أهلها (وقع) وردوه بأن المجهول لا يصح قصده. (ولا يقع طلاق مُكْرَهٍ) بباطل -ولا ينافيه ما يأتي في التعليق من أن المعلق بفعله لو فعل مكرها بباطل أو بحق لا يحنث
(2)
; لأن الكلام هنا فيما يحصل به الإكراه على الطلاق فاشترط تعدي المكره به؛ ليعذر المكره والكلام ثَمَّ في أن فعل المكره هل هو مقصود بالحلف عليه أوْ لا كالناسي والجاهل والأصح الثاني فلا يتقيد بحق ولا باطل- وذلك؛ للخبر الصحيح برفع القلم عنه. ومن الإكراه ما لو حلف ليطأنها قبل نومه فغلبه النوم بحيث لم يستطع رده بشرط أن لا يتمكن منه قبل غلبته له بوجهٍ. أما الإكراه بحق كما لو قتل الزوج أب شخص فقال له ذلك الشخص طلق زوجتك وإلا قتلتك بقتلك أبي فيقع معه وكذا في إكراه القاضي للمُوْلِي بشرطه الآتي، نعم لو أكرهه على طلاق زوجة نفسه وقع; لأنه أبلغ في الإذن. ولو نوى الشخص المكرَه إيقاع الطلاق وقع
(3)
؛ لأنه لا يعدُّ مكرها كما في قوله (فإن ظهر قرينة اختيار بأن) هي بمعنى كأن (أكره) على طلاق إحدى امرأتيه مبهما فعيَّن، أو معينا فأبهم، أو (على ثلاث فوحدَّ، أو صريح أو تعليق فكنَّى أو نجَّز، أو على) أن يقول (طلقت فسرح أو بالعكوس) أي على واحدة فثلث أو كناية فصرح أو تنجيز فعلق أو تسريح فطلق (وقع) ; لأنه مختار لما أتى به، ويظهر أن نيته استعمال لفظ الطلاق في معناه كافٍ هنا وإن لم يقصد الإيقاع
(4)
.
(1)
. ومثله لو علمها عند النهاية.
(2)
. خلافا لهم كالشهاب الرملي.
(3)
. بل نية استعمال الطلاق في معناه يكفي في الوقوع كما يأتي.
(4)
. خلافا لظاهر عبارة شرح الروض.
وَشَرْطُ الْإِكْرَاهِ قُدْرَةُ المُكْرِهِ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ بِوِلَايَةٍ أَوْ تَغَلُّبٍ، وَعَجْزُ المُكْرَهِ عَنْ دَفْعِهِ بِهَرَبٍ أَوْغَيْرِهِ، وَظَنِّهِ أَنَّهُ إنِ امْتَنَعَ حَقَّقَهُ. وَيَحْصُلُ بِتَخْوِيفٍ بِضَرْبٍ شَدِيدٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ إتْلَافِ مَالٍ وَنَحْوِهَا،
[تنبيه] الإكراه الشرعي كالحسي
، فلو حلف ليطأن زوجته الليلة فوجدها حائضا، أو لتصومن غدا فحاضت فيه، أو ليبيعن أمته اليوم فوجدها حُبلى منه لم يحنث، وكذا لو حلف ليقضين زيدا حقه في هذا الشهر فعجز عنه ويحنث إن خصَّ يمينه بالمعصية أو أتى بما يعمها قاصدا دخولها أو دلت عليه قرينة بخلاف من أطلق ولا قرينة فيحمل على الجائز. ولو أراد بالوطء ما يعمُّ الحرام حنث بتركه للحيض كما لو حلف لا يفعل عامدا ولا ناسيا ولا جاهلا ولا مكرها فيحنث مطلقا. وليس من الإكراه الشرعي قوله إن لم أدخل الدار فأنت طالق، والدار لغيره -أي الذي لا يعلم رضاهـ؛ لأنه حلف على فعل المعصية قصدا فلا إكراه فيه نظير ما مر، نعم يكون إكراها إن ظن رضاه بدخوله ثم بان خلافه وأنه منعه من الدخول، وإجبار الحاكم على فعل المعلق عليه يمنع الوقوع إن لم يكن له مندوحة عنه، فلو أكرهه على الإعطاء اشترط أن يجبره على الإعطاء بنفسه فإن أمكنه التوكيل فتركه فذلك تقصير يحنث به، ولا يشترط قدرة الحاكم على إجبار المحكوم عليه لو امتنع؛ لأن الفرض أن المحكوم عليه فعل ذلك لداعية الشرع. (وشرط) حصول (الإكراه قدرة المكرِه على تحقيق ما) أي مؤذٍ غير مستحق (هدد) المكره (به) عاجلا سواء أكانت قدرته عليه (بولاية أو تغلب) أو فرط هجوم
(1)
، (وعجزُ المكرَه عن دفعه بهرب أو غيره) كالاستغاثة، (وظنه) بقرينةِ عادةٍ مثلا (أنه إن امتنع حققه) أي فَعَلَ ما خوفه به؛ إذ لا يتحقق العجز بدون اجتماع ذلك كله. وخرج بغير مستحق قوله لمَن له عليه قود طلقها وإلا اقتصصت منك كما مر، وبعاجلا لأقتلنك غدا فيقع طلاقه اليوم وغداً وإن علم من عادته المطردة أنه إذا لم يمتثل أمره الآن تحقق القتل غدا. ولو خوَّف آخرَ بما يحسبه مهلكا فبان خلافه لم يقع طلاقه؛ لأنه ساقط الاختيار. (ويحصل) الإكراه (بتخويف بضرب شديد) كصفعة لذي مروءة في الملإ (أو حبس) طويل عرفا، نعم القليل لذي المروءة إكراه (أو إتلاف مال) غير تافه بخلاف تخويف موسر بأخذ خمسة دراهم، ولا عبرة بالاختصاص وإن كَثُر، والموسر هنا مَن تقضي العادة بأنه يسمح ببذل ما طلب منه ولا يُطَلِّق (ونحوها) من كل ما يُؤْثر العاقل الإقدام على الطلاق دونه
(1)
. وذكر الشارح في الوديعة أنه لا يجب أن يحلف بالطلاق لدفع من صال على نفس أو بضع 7/ 21.
كالاستخفاف وَقِيلَ يُشْتَرَطُ قَتْلٌ، وَقِيلَ قَتْلٌ أَوْ قَطْعٌ أَوْ ضَرْبٌ مَخُوفٌ. وَلَا تُشْتَرَطُ التَّوْرِيَةُ بِأَنْ يَنْوِيَ غَيْرَهَا، وَقِيلَ إنْ تَرَكَهَا بِلَا عُذْرٍ وَقَعَ. وَمَنْ أَثِمَ بِمُزِيلِ عَقْلِهِ مِنْ شَرَابٍ أَوْ دَوَاءٍ نَفَذَ طَلَاقُهُ وَتَصَرُّفُهُ لَهُ وَعَلَيْهِ قَوْلًا وَفِعْلًا عَلَى المَذْهَبِ، وَفِي قَوْلٍ لَا، وَقِيلَ فِيْمَا عَلَيْهِ
بوجيهٍ بين الملإ، وكالتهديد بقتل أصله وإن علا وفرعه وإن سفل وكذا رحم محرم. ويُلحق بالقتل هنا نحو جرح وفجور به، بل لو قال له طلق زوجتك وإلا فَجَرْتُ بها كان إكراها بخلاف قول آخر -ولو نحو ولده
(1)
- له طلِّق وإلا قتلت نفسي أو كفرت (وقيل يشترط قتل) لنحو نفسه; لأنه الذي ينسلب به الاختيار (وقيل قتل أو قطع أو ضرب مخوف)؛ لإفضائها إلى القتل (ولا تشترط التورية) في الصيغة -كأن ينوي بطلقت الإخبار كاذبا أو إطلاقها من نحو قيد أو يقول عقبها سرا إن شاء الله تعالى- ولا في المرأة (بأن ينوي غيرها) ; لأنه مجبر على اللفظ فهو منه كالعدم (وقيل إن تركها بلا عذر) كغباوة أو دهشة (وقع)؛ لإشعاره بالاختيار، ومن ثم لزمت المكره على الكفر. (ومن أثم بمزيل عقله من) نحو (شراب أو دواء) أو وثبة (نفذ طلاقه وتصرفه له وعليه) مع عدم تكليفه؛ لأن ذلك من خطاب الوضع
(2)
(قولا وفعلا على المذهب) كما مر في السكران بخلاف ما إذا لم يأثم كمكره على شرب خمر وجاهل بها، ويصدق بيمينه فيه لا في جهل التحريم إذا لم يعذر، وكمتناول دواء يزيل العقل؛ لتداوٍ انحصر فيه فلا يقع طلاقه، ولا ينفذ تصرفه ما دام غير مميز لما يصدر منه؛ لرفع القلم عنه. ولو ادعى الإكراه أُمر بالبيان -بأن يفصل ما به الإكراه
(3)
-؛ لأن كثيرا من الناس يظنون أن ما ليس بإكراه أنه إكراه، ثم إن قامت قرينة عليه كحبس صدق بيمينه وإلا فلا بد من البينة المفصلة، وكذا في زوال العقل يصدق لقرينة مرض واعتياد صرع وإلا فالبينة، وله أن يُحلِّف الزوجة أنها لا تعلم ذلك (وفي قول لا) ينفذ (وقيل) ينفذ تصرفه (فيما عليه) فقط كالطلاق دون ماله كالنكاح. والأصحُّ أن السكران هو من زال تمييزه عرفا بمسكر.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. كما مر أول الكتاب.
(3)
. خلافا لهما فاعتمدا تصديقه مطلقا كما يفيده ظاهر كلامهما.
وَلَوْ قَالَ رُبْعُكِ أَوْ بَعْضُك أَوْ جُزْؤُكِ أَوْ كَبِدُكِ أَوْ شَعْرُكِ أَوْ ظُفْرُكِ طَالِقٌ وَقَعَ، وَكَذَا دَمُكِ عَلَى المَذْهَبِ، لَا فَضْلَةٌ كَرِيقٍ وَعَرَقٍ، وَكَذَا مَنِيٌّ وَلَبَنٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ لِمَقْطُوعَةِ يَمِينٍ يَمِينُك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ وَنَوَى تَطْلِيقَهَا طَلُقَتْ،
(ولو قال ربعك أو بعضك أو جزؤك) الشائع أو المعين، حتى لو أشار لشعرة منها بالطلاق طلقت (أو كبدك أو شعرك) أو شعرة منك (أو ظفرك) أو سنك أو يدك ولو زائدا (طالق وقع) إجماعا في البعض وكالعتق في الباقي، نعم لو انفصل نحو أذنها أو شعرة منها فأعادته فثبت ثم قال أذنك مثلا طالق لم يقع نظرا إلى أن الزائل العائد كالذي لم يعد، ولأن نحو الأذن يجب قطعها كما يأتي في الجراح، ثم الطلاق في ذلك يقع على المذكور أوَّلا ثم يسري للباقي، (وكذا دمك) طالق يقع به الطلاق (على المذهب) ; لأن به قوام البدن كرطوبة البدن وهي غير العرق، وكالروح والنفْس بسكون الفاء بخلافه بفتحها كالظلِّ والصحبة والصحة، (لا فضلة كريق وعرق) على الأصح; لأن البدن ظرف لهما فلا يتعلق بهما حل يتصور قطعه بالطلاق. ولو أضاف الطلاق للشحم طلقت بخلاف السِّمَن
(1)
؛ لأن الشحم جرم يتعلق به الحل وعدمه، والسمن -ومثله سائر المعاني كالسمع والبصر والعقل- معنىً لا يتعلق به ذلك، وبه يعلم أن الأوجه في حياتك أنه لا يقع به شيء إلا إن قصد بها الروح بخلاف ما لو أراد المعنى القائم بالحي وكذا إن أطلق
(2)
(وكذا مني) ومنه الجنين (ولبن في الأصح) ; لأنهما مهيئان للخروج كالفضلات بخلاف الدم. (ولو قال لمقطوعة يمين) وتطلق على ما قطعت من الكوع (يمينك طالق لم يقع
(3)
وإن التصقت (على المذهب) كما لو قال لها ذكرك أو أنثياك
(4)
طالق. (ولو قال أنا منك طالق ونوى تطليقها) أي إيقاع الطلاق عليها (طلقت) ; لأن عليه حجرا من جهتها؛ إذ لا ينكح معها نحو أختها ولا أربعا سواها، مع ما لها عليه من الحقوق والمؤن فصح حمل إضافة الطلاق إليه على حل السبب المقتضي لهذا الحجر مع النية، ولفظة
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. خلافا للمغني.
(3)
. ظاهر كلامهما تقييد عدم الوقوع بما إذا قطعت من الكتف خلافا للشارح.
(4)
. خلافا للنهاية في أنثياك.
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ طَلَاقًا فَلَا، وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْوِ إضَافَتَهُ إلَيْهَا فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ قَالَ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ اُشْتُرِطَ نِيَّةُ الطَّلَاقِ، وَفِي الْإِضَافَةِ الْوَجْهَانِ. وَلَوْ قَالَ أسْتَبْرِئُ رَحِمِي مِنْكِ فَلَغْوٌ، وَقِيلَ إنْ نَوَى طَلَاقَهَا وَقَعَ.
فصل
خِطَابُ الْأَجْنَبِيَّةِ بِطَلَاقٍ وَتَعْلِيقُهُ بِنِكَاحٍ وَغَيْرِهِ لَغْوٌ
منك ليس شرطا. ثم إن اتحدت زوجته فواضح وإلا فمن قصدها (وإن لم ينو طلاقا) أي إيقاعه (فلا) يقع عليه شيء; لأنه بإضافته لغير محله خرج عن صراحته فاشترط فيه قصد الإيقاع; لأنه صار كناية (وكذا إن لم ينو إضافته إليها) -وإن نوى أصل الطلاق أو طلاق نفسه- لا تطلق (في الأصح) ; لأنها المحل دونه واللفظ مضاف له فلا بد من نية صارفة تجعل الإضافة له إضافة لها. ولو فوَّض إليها طلاقها فقالت له أنت طالق فكناية كما مر. (ولو قال أنا منك) مر أنه غير شرط (بائن) أو نحوها من الكنايات (اشترط نية) أصل (الطلاق) وإيقاعه كسائر الكنايات (وفي) نية (الإضافة) إليها (الوجهان) في أنا منك طالق والأصح اشتراطها. (ولو قال أسْتَبْرِئُ
(1)
أي أنا (رحمي منك) أو أنا معتد منك (فلغو) وإن نوى به الطلاق؛ لاستحالته في حقه. ولو قال لآخر طلق امرأتي، فقال ذلك الأخر للزوج طلقتك ونوى وقوعه عليها لم تطلق; لأن النكاح لا تعلق له به بخلاف المرأة مع الزوج، نعم لو فوَّض إليه تلك الصيغة مع النية وقع (وقيل إن نوى طلاقها وقع) ; لأن المعنى أستبرئ الرحم التي كانت لي منك.
(فصل) في بيان محل الطلاق والولاية عليه
(خطاب) أي توجيه الكلام وإن لم يكن فيه أداة خطاب (الأجنبية بطلاق وتعليقُهُ بنكاح) كإن تزوجتها فهي طالق
(2)
(وغيره) كقوله; لأجنبية إن دخلت فأنت طالق فتزوجها ثم دخلت (لغو
(3)
إجماعا في المنجز، وللخبر الصحيح ((لا طلاق إلا بعد نكاح)). ولو حكم
(1)
. هو بلفظ المضارع كما قال الأذرعي.
(2)
. في هذه المسألة تفصيل يأتي في كتاب القضاء قبيل فصل التسوية 10/ 47.
(3)
. ولو قال نساء العالمين طوالق وأنت يا زوجتي لم تطلق لأن العطف على الممتنع ممتنع كما ذكره الشارح في تفريق الصفقة 4/ 323.
وَالْأَصَحُّ صِحَّةُ تَعْلِيقِ الْعَبْدِ ثَالِثَةً كَقَوْلِهِ: إنْ عَتَقْتُ أَوْ إنْ دَخَلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَيَقَعْنَ إذَا عَتَقَ أَوْ دَخَلَتْ بَعْدَ عِتْقِهِ. وَيَلْحَقُ الطَّلَاقُ رَجْعِيَّةً لَا مُخْتَلِعَةً، وَلَوْ عَلَّقَهُ بِدُخُولٍ فَبَانَتْ ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ دَخَلَتْ لَمْ يَقَعْ إنْ دَخَلَتْ فِي الْبَيْنُونَةِ، وَكَذَا إنْ لَمْ تَدْخُلْ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي ثَالِثٍ يَقَعُ إنْ بَانَتْ بِدُونِ ثَلَاثٍ
بصحة تعليق ذلك قبل وقوعه حاكمٌ يراه نقض; لأنه إفتاء لا حكم إذ شرطه إجماعا -كما قاله الحنفية وغيرهم- وقوع دعوى ملزمة وقبل وقوعها لا يتصور ذلك، وتعليق العتق بالملك باطل كذلك. (والأصح صحة تعليق العبد ثالثة كقوله إن عتقت) فأنت طالق ثلاثا (أو إن دخلتِ فأنتِ طالق ثلاثا فيقعن) أي الثلاث (إذا عتق أو دخلت بعد) أو مع (عتقه) ; لأنه ملك أصل الطلاق فاستتبع ولأن ملك النكاح مفيد لملك الثلاث بشرط الحرية وقد وجد. (ويلحق الطلاق رجعيةً) ; لأنها في حكم الزوجات هنا وفي الإرث وصحة الظهار والإيلاء واللعان، وهذه الخمسة عناها الشافعي رضي الله عنه بقوله الرجعية زوجة في خمس آيات من كتاب الله تعالى (لا مختلعة
(1)
؛ لانقطاع عصمتها بالكلية في تلك الخمس وغيرها. (ولو علَّقه) أي الطلاق الصادق بثلاث ودونها (بدخول) مثلا (فبانت) قبل الوطء أو بعده بفسخ أو خلع (ثم نكحها ثم دخلت لم يقع إن دخلت في البينونة) ; لأن اليمين تناولت دخولا واحدا وقد وجد في حالة لا يقع فيها فانحلت، ومن ثم لو علق بكلمّا طرقها الخلاف الآتي؛ لاقتضائها التكرار (وكذا إن لم تدخل) فيها بل بعد تجديد النكاح فلا يقع هنا أيضا (في الأظهر)؛ لامتناع أن يريد النكاح الثاني; لأنه يكون تعليق طلاق قبل نكاح فيتعين أن يريد الأول وقد ارتفع (وفي) قول (ثالث يقع إن بانت بدون ثلاث) ; لأن العائد في النكاح الثاني ما بقي من الثلاث فتعود بصفتها وهي التعليق بالفعل المعلق عليه بخلاف ما إذا بانت بالثلاث; لأن العائد طلقات جديدة، ومحل الخلاف إذا علق بدخول مطلق، أما لو حلف بالطلاق الثلاث أنها تدخل الدار مثلا في هذا الشهر
(2)
أو أنه يقضيه أو يعطيه دينه في شهر كذا ثم أبانها قبل انقضاء الشهر وبعد تمكنها من الدخول أو تمكنه مما ذكر ثم تزوجها ومضى الشهر ولم توجد الصفة
(1)
. عبر المنهج والروض بالبائن.
(2)
. بأن قال: إن لم تدخلي الدار في هذا الشهر فأنت طالق ثلاثا.
وَلَوْ طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَرَاجَعَ أَوْ جَدَّدَ وَلَوْ بَعْدَ زَوْجٍ عَادَتْ بِبَقِيَّةِ الثَّلَاثِ وَإِنْ ثَلَّثَ عَادَتْ بِثَلَاثٍ. وَلِلْعَبْدِ طَلْقَتَانِ فَقَطْ،
فالمتجه
(1)
في الصور الثلاث أن الصيغة إن كانت لا أفعل
(2)
أو إن لم أفعل تخلص
(3)
; لأنها تعليق بعدم الفعل المقيد بزمنه ولا يتحقق عدمه إلا بعد الفعل إلى آخر ذلك الزمن وقد صادف ذلك الآخر الزوجة بائناً، وإن كانت الصيغة لأفعلن، ومثلها النفي المشعر بالزمان كإذا لم أفعل كذا لم يتخلص; لأن الفعل مقصود منه وهو إثبات جزئي ولليمين جهة بر هي فعله وجهة حنث بالسلب الكلي الذي هو نقيضه والحنث يتحقق بمناقضة اليمين وتفويت البر فإذا التزم ذلك بالطلاق وفوته بخلع من جهته حنث؛ لتفويته البر باختياره
(4)
. ولو حلف بالثلاث لا يفعل كذا ثم حلف بها لا يخالع ولا يوكل فيه فخالعها بانت فلا يقع الطلاق المعلق. ولو كان له زوجات فحلف بالثلاث ما يفعل كذا ولم ينو واحدة، ثم قال ولو قبل فعل المحلوف عليه عينت فلانة لهذا الحلف تعينت ولم يصح رجوعه عنها إلى تعيينه في غيرها، وليس له قبل الحنث ولا بعده توزيع العدد; لأن المفهوم من حلفه إفادة البينونة الكبرى فلم يملك رفعها بذلك، نعم له أن يُعيِّن الطلقات الثلاث في ميتة وبائن بعد التعليق؛ لأن العبرة بوقته، لا بوقت وجود الصفة
(5)
. (ولو طلق) حر (دون ثلاث وراجع أو جدد ولو بعد زوج) وإصابة (عادت ببقية الثلاث) إجماعا إذا لم يكن زوج، ووفاقا لقول أكابر الصحابة إذا كان ولم يعرف لهم مخالف منهم (وإن ثلث) الطلاق ثم جدد بعد زوج (عادت بثلاث) إجماعا وغير الحر في الثنتين كهو فيما ذكر في الثلاث. (وللعبد) أي من فيه رق وإن قل (طلقتان فقط) وإن
(1)
. خلافا للنهاية كوالده فاعتمد الحنث مطلقا أي وقوع الثلاث.
(2)
. أي لا أفعل كذا وإلا فأنت طالق.
(3)
. أي خلصه الخلع أو الفسخ من الحنث، أي فلا تقع الثلاث.
(4)
. وأحال الشارح هنا على الإمداد في بسط ما مر وعبارته في الإمداد: ((فالصيغ أربع اثنتان يفيد فيهما الخلع وهما الحلف على النفي كلا أفعل كذا، والحلف على الإثبات مطلقا بما لا إشعار له بالزمان كأن لم أفعل كذا، واثنتان لا يفيد فيهما الخلع وهما الحلف على الإثبات مطلقا بما يشعر بزمان كإذا لم أفعل كذا، والحلف بلا أفعلن ونحوها)). وخالفه في ذلك المغني فاعتمد التخلص مطلقا.
(5)
. ذكره الشارح قبيل الرجعة 8/ 145، والذي استقر عليه رأي الشهاب الرملي في فتاويه أنه إنما يجوز في ميتة ومبانة بعد وجود الصفة لا قبله.
وَلِلْحُرِّ ثَلَاثٌ. وَيَقَعُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَيَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّةِ رَجْعِيٍّ لَا بَائِنٍ، وَفِي الْقَدِيمِ تَرِثُهُ.
فصل
قَالَ طَلَّقْتُك أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى عَدَدًا وَقَعَ، وَكَذَا الْكِنَايَةُ
تزوج حرة; لأنه المالك للطلاق فنيط الحكم به، ولخبر ((طلاق العبد ثنتان))، وقد يملك الثالثة بأن يطلق ذمي ثنتين ثم يحارب ثم يسترق فله ردها بلا محلل؛ اعتبارا بكونه حرا حال الطلاق. ولو كان طلقها واحدة فقط ثم نكحها بعد الرق عادت له بواحدة فقط; لأنه لم يستوف عدد العبيد قبل رقه (وللحر ثلاث) وإن تزوج أمة؛ لما مر، وقد صح أنه صلى الله عليه وسلم سُئل عن قوله تعالى {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} البقرة: 229 أين الثالثة فقال: {أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} البقرة: 229. (ويقع في مرض موته) ولو ثلاثا إجماعا (ويتوارثان) أي الزوجان (في عدة) طلاق (رجعي) إجماعا (لا بائن)؛ لانقطاع الزوجية (وفي القديم) ونص عليه في الجديد أيضا (ترثه) بشروط، وبه قال الأئمة الثلاثة; لأن ابن عوف طلق امرأته الكلبية في مرض موته فورثها عثمان رضي الله عنهما فصولحت من ربع الثمن على ثمانين ألفا قيل دنانير وقيل دراهم، ولأنه قد يقصد حرمانها فعومل بنقيض قصده كما لا يرث القاتل، وإذا قصد بطلاقها الفرار من إرثها كره، بل القياس التحريم.
(فصل) في تعدد الطلاق بنية العدد فيه أو ذكره وما يتعلق بذلك
(قال طلقتك أو أنت طالق) أو نحو ذلك من سائر الصرائح (ونوى عددا) ثنتين أو ثلاثا (وقع) ما نواه ولو في غير موطوءة; لأن اللفظ لَمَّا احتمله بدليل جواز تفسيره به كان كناية فيه فوقع قطعا، (وكذا الكناية) إذا نوى بها عددا وقع؛ للخبر الصحيح ((أنَّ ركانة طلق امرأته ألبتة ثم قال ما أردت إلا واحدة فحلفه صلى الله عليه وسلم على ذلك وردها إليه)) دلَّ على أنه لو أراد ما زاد عليها وقع وإلا لم يكن لاستحلافه فائدة، ونية العدد كنية أصل الطلاق فيما مر من اقترانها بكل اللفظ أو بعضه.
[فرع] قال أنت طالق ثلاثا على سائر المذاهب فإن نوى بذلك شدة العناية بالتنجيز وقطع العلائق وحسم تأويلات المذاهب في رد الثلاث عنها وقع الثلاث، وإن نوى التعليق بأن قصد إيقاع طلاق اتفقت المذاهب على وقوعه لم تطلق إلا إن اتفقت المذاهب المعتد بها على أنها ممن يقع عليها الثلاث حالة التلفظ بها، وإن أطلق وقعن الثلاث كالأول. ولو قال أنتما
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ المَنْوِيُّ. قُلْت: وَلَوْ قَالَ أَنْتِ وَاحِدَةٌٍْ وَنَوَى عَدَدًا فَالمَنْوِيُّ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
طالقان ثلاثا وأطلق وقع على كلٍّ طلقتان
(1)
أو بنية أن كلا طالق ثلاثا أو أن كل طلقة توزع عليهما طلقت كلٍّ ثلاثا، ولو قال أنت وضرتك طالق ثلاثا ولم تعلم نيته فتقع طلقتان على كلٍّ منهما
(2)
. (ولو قال أنت طالق) وقوله طالق ليس قيدا (واحدةً ونوى عددا فواحدة) هي التي تقع دون المنوي; لأن اللفظ لا يحتمله (وقيل) وهو المعتمد يقع (المنوي) كله، ومعنى واحدة متوحدة بالعدد المنوي، نعم إن أراد طلقة ملفقة من أجزاء ثلاثِ طلقاتٍ أو أراد بواحدة التوحد وقع المنوي على كلا القولين (قلت: ولو قال) أنت طالق واحدة، أو (أنت واحدةٌٍْ) بالرفع أو الجر أو السكون (ونوى) بعد نية الإيقاع في أنت واحدة؛ لما مر أنها من الكنايات (عددا فالمنوي) يقع؛ حملا للتوحيد على التوحد والتفرد عن الزوج بالعدد المنوي (وقيل) تقع (واحدة والله أعلم) ; لأن لفظ الواحدة لا يحتمل العدد. ولو قال أنت ثنتين ونوى ثلاثا وقع اثنتان فقط قولاً واحداً
(3)
، ولو قال يا مائة أو أنت مائة طالق وقع الثلاث
(4)
لتضمن ذلك اتصافها بإيقاع الثلاث بخلاف أنت كمائة طالق لا يقع إلا واحدة؛ حملا للتشبيه على أصل الطلاق دون العدد; لأنه المتيقن وبخلاف أنت طالق واحدة ألف مرة
(5)
; لأن ذكر الواحدة ينفي ما بعدها. ولو قال طلقتك ثلاثين أو طلاق فلانة ثلاثين ولم ينو الثلاث فالأوجه أنها تقع الثلاث فيهما ولا ينافيه قول أصل الروضة في أنت طالق كألف إن نوى عددا فثلاث وإلا فواحدة; لأن التشبيه فيه محتمل للأمرين على السواء فليس واحد منهما متبادرا منه. ولو قال عدد ألوان الطلاق فواحدة أو صفاته فكذلك إلا إن علم أن له صفات من بدعة وسنة ولا ولا، وتوحيد وتثليث وغيرها. أو عدد التراب فواحدة بناء على أنه اسم جنس إفرادي أو عدد الرمل فثلاث; لأنه اسم جنس جمعي. ولو قال أنت طالق على عدد ريش الجراد وقع
(6)
وإن لم
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. خلافا للنهاية أيضا.
(3)
. فلا يأتي الخلاف فيه؛ لعدم إمكان تأويل الثنتين بما يصدق بالثلاث خلافا لهما.
(4)
. ولو قال أنت طالق من واحدة إلى ثلاث طلقت ثلاثا كما أعتمده الشارح في الإقرار 5/ 385.
(5)
. ظاهره وإن نوى العدد خلافا للمغني والروض.
(6)
. أي أصل الطلاق.
وَلَوْ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا فَمَاتَتْ قَبْلَ تَمَامِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ ثَلَاثاً فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ وَاحِدَةٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ
نعلم به رشيا كما لو قال أنت طالق بعدد كل شعرة على جسد إبليس فالقياس المختار وقوع طلقة، وليس هذا تعليقا على صفة فيقال شككنا فيها بل هو تنجيز طلاق وربط للعدد بشيء شككنا فيه فنوقع أصل الطلاق ونلغي العدد فإن الواحدة ليست بعدد، ولو قال بعدد ضراط إبليس وقع ثلاث; لأن له ذلك بالحديث. ولو قال بعدد سمك هذا الحوض ولم يعلم فيه سمك وقعت واحدة كما في أنت طالق وزن درهم، أي أو ألف درهم ولم ينو عددا. ولو قال بعدد شعر فلان وكان مات من مدة وشك أكان له شعر في حياته أم لا وقع ثلاث؛ لاستحالة خلو الإنسان عادة عن ثلاث شعرات. ولو خاصمته زوجته فأخذ بيده عصاً فقال هي طالق ثلاثا مريدا العصا وقعن ولا يقبل باطنا
(1)
، ولا ينافيه ما رجحه في الروضة فيمن له امرأتان فقال مشيرا إلى إحداهما امرأتي طالق وقال أردت الأخرى من طلاق الأخرى وحدها; لأنه لم يخرج الطلاق هنا عن موضوعه بخلافه ثَمَّ. (ولو أراد أن يقول أنت طالق ثلاثا فماتت) أو ارتدت أو أسلمت قبل الوطء أو أمسك شخص فاه (قبل تمام طالق) أو معه (لم يقع)؛ لخروجها عن محل الطلاق قبل تمامه، وظاهرٌ أن إمساكه اختيارا قبل النطق بقاف طالق كذلك فلا يقع طلاق (أو) مات مثلا (بعده قبل) قوله (ثلاثا) أو معه (فثلاث) يقعن عليه؛ لقصده لهن حين تلفظه بـ ((أنت طالق))، وقصدهن حينئذ موقع لهن وإن لم يتلفظ بهن، وبه يعلم أن الصورة أنه نوى الثلاث عند تلفظه بـ ((أنت طالق)) وإنما قصد تحقيق ذلك بالتلفظ بالثلاث، فإن لم ينوهن عند أنت طالق وإنما قصد أنه إذا تم نواهن عند التلفظ بلفظهن وقعت واحدة فقط. ولو قصدهن بمجموع أنت طالق ثلاثا وقعت واحدة; لأن الثلاث والحالة هذه إنما تقع بمجموع اللفظ ولم يتم (وقيل) يقع (واحدة)؛ لوقوع ثلاثا بعد موتها (وقيل لا شيء)؛ إذ الكلام الواحد لا يتبعض. وخرج بقوله أراد إلى آخره ما لو قاله عازما على الاقتصار عليه ثم قال ثلاثا بعد موتها فواحدة.
(1)
. خلافا للشهاب الرملي وشرح الروض.
وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ أَنْتِ طَالِقٌ وَتَخَلَّلَ فَصْلٌ فَثَلَاثٌ، وَإِلَّا فَإِنْ قَصَدَ تَأْكِيدًا فَوَاحِدَةٌ أَوِ اسْتِئْنَافًا فَثَلَاثٌ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ قَصَدَ بِالثَّانِيَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى وَبِالثَّالِثَةِ اسْتِئْنَافًا أَوْ عَكَسَ فَثِنْتَانِ أَوْ بِالثَّالِثَةِ تَأْكِيدَ الْأُولَى فَثَلَاثٌ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ وَطَالِقٌ صَحَّ قَصْدُ تَأْكِيدِ الثَّانِي بِالثَّالِثِ، لَا الْأَوَّلِ بِالثَّانِي،
(وإن قال أنت طالق أنت طالق أنت طالق) أو أنت طالق طالق طالق (وتخلل فصل) بينها بسكوت بأن يكون فوق سكتة التنفس والعي أو كلام منه وإن قلَّ سواء أكان أجنبيا أم لا (فثلاث) يقعن وإن قصد التأكيد؛ لبعده مع الفصل ولأنه معه خلاف الظاهر، ومن ثم لو قصده دُيِّن، نعم يقبل منه قصد التأكيد والإخبار في معلق بشيء واحد كرره وإن طال الفصل، بل لو أطلق هنا لم يتعدد بخلاف ما إذا قصد الاستئناف (وإلا) يتخلل فصل كذلك (فإن قصد) بالأخيرتين (تأكيدا) للأولى قبل فراغها (فواحدة) ; لأن التأكيد معهود لغة وشرعا (أو استئنافا فثلاث)؛ لظهور اللفظ فيه مع تأكده بالنية (وكذا إن أطلق في الأظهر)؛ عملا بظاهر اللفظ، ويأتي هذا التفصيل في تكرير الكناية كبائن بائن بائن وفي اختلاف اللفظ كأنت طالق مفارقة مسرحة، وكأنت طالق بائن اعتدي، وفي التكرير فوق ثلاث مرات; لأنه إذا صح التأكيد بما يقع لولا قصد التأكيد فلأن يؤكد بما لا يقع عند عدم قصد التأكيد أولى (وإن قصد بالثانية تأكيد الأولى وبالثالثة استئنافا أو عكس) أي قصد بالثانية استئنافا وبالثالثة تأكيد الثانية (فثنتان)؛ عملا بقصده (أو) قصد (بالثالثة تأكيد الأولى) أو بالثانية استئنافا وأطلق الثالثة، أو بالثالثة استئنافا وأطلق الثانية (فثلاث) يقعن (في الأصح)؛ لتخلل الفاصل بين المؤكِّد والمؤكَّد وعملا بقصده وبظاهر اللفظ.
[تنبيه] صريح كلامهم في نحو أنتِ طالق طالق طالق وأطلق وقوع الثلاث وإن فصل بأزيد من سكتة التنفس والعي
، وحينئذ فيتجه ضبط ذلك الأزيد بأن يكون بحيث ينسب الثاني إلى الأول عرفا وإلا لم يقع بالثاني شيء; لأن أنتِ الذي هو خبر له كما تقرر انقطعت نسبته عنه فلم يمكن حمله عليه. (وإن قال أنت طالق وطالق وطالق صح قصد تأكيد الثاني بالثالث)؛ لتساويهما في الصفة (لا الأول بالثاني) ولا بالثالث فلا يصح ظاهرا؛ لاختصاصه بواو العطف المقتضية للمغايرة، أما باطنا فيُدَيَّن فإن لم يقصد شيئا فثلاث. وخرج
(1)
بالعطف
(1)
. خلافا للمغني.
وَهَذِهِ الصُّوَرُ فِي مَوْطُوءَةٍ، فَلَوْ قَالَهُنَّ لِغَيْرِهَا فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَالَ لِهَذِهِ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَطَالِقٌ فَدَخَلَتْ فَثِنْتَانِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ لِمَوْطُوءَةٍ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً مَعَ أَوْ مَعَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ، وَكَذَا غَيْرُ مَوْطُوءَةٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً قَبْلَ طَلْقَةٍ أَوْ بَعْدَهَا طَلْقَةٌ فَثِنْتَانِ فِي مَوْطُوءَةٍ، وَطَلْقَةٌ فِي غَيْرِهَا، فَلَوْ قَالَ طَلْقَةً بَعْدَ طَلْقَةٍ أَوْ قَبْلَهَا طَلْقَةٌ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَةٍ وَأَرَادَ مَعَ فَطَلْقَتَانِ،
…
بالواو العطف بغيرها وحده أو معها كثم والفاء فلا يفيده قصد التأكيد مطلقا. ولو حلف لا يدخلها وكرره -متواليا أوْ لا- فإن قصد تأكيد الأولى أو أطلق فطلقة أو الاستئناف فثلاث، وكذا في اليمين إن تعلقت بحق آدمي كالظهار واليمين الغموس لا بالله فلا تتكرر مطلقا؛ لبناء حقه سبحانه وتعالى على المسامحة (وهذه الصور في موطوءة) ومثلها هنا وفيما يأتي مَن في حكمها وهي التي دخل فيها ماؤه المحترم (فلو قالهن لغيرها فطلقة بكل حال) تقع فقط؛ لبينونتها بالأولى. (ولو قال لهذه) أي غير الموطوءة (إن دخلت الدار) مثلا (فأنت طالق وطالق) أو أنت طالق وطالق إن دخلت (فدخلت فثنتان) يقعان (في الأصح)؛ لوقوعهما معا مقترنتين بالدخول، ومن ثم لو عطف بثُم أو الفاء لم يقع إلا واحدة. ولو قال لها أنت طالق أحد عشر فثلاث; لأنهما مُزجا وصارا ككلمة واحدة أو إحدى وعشرين فواحدة للعطف (ولو قال لموطوءة أنت طالق طلقة مع) طلقة (أو) طلقة (معها طلقة) وكمع
(1)
فوق وتحت (فثنتان) يقعان معا، وفارق أنت طالق مع حفصة لا تطلق حفصة؛ لاحتمال المعية هنا لغير الطلاق احتمالا قريبا (وكذا غير موطوءة في الأصح)؛ لما تقرر أنهما يقعان معا كأنت طالق طلقتين. (ولو قال) أنت طالق (طلقة قبل طلقة أو) طلقة (بعدها طلقة فثنتان) يقعان مرتبا (في موطوءة) المنجزة أوَّلا ثم المضمنة ويُدَيَّن إن قال أردت أني سأطلقها (وطلقة في غيرها)؛ لبينونتها بالأولى (فلو قال طلقة بعد طلقة أو قبلها طلقة فكذا) يقع ثنتان في موطوءة مرتبا المضمنة أوَّلا ثم المنجزة ويلغو قوله قبلها، كأنت طالق أمس يلغو أمس ويقع حالا وواحدة في غيرها (في الأصح)؛ لما مر، نعم يصدق بيمينه في قوله أردت قبلها طلقة مملوكة أو ثابتة أو أوقعها زوج غيري وعرف على ما يأتي في طالق أمس فلا يقع إلا واحدة. (ولو قال) أنت طالق (طلقة في طلقة وأراد مع) طلقة (فطلقتان) ولو في غير موطوءة؛ لصلاحية اللفظ له قال
(1)
. خلافا لهما.
أَوِ الظَّرْفَ أَوِ الحِسَابَ أَوْ أَطْلَقَ فَطَلْقَةٌ، وَلَوْ قَالَ نِصْفَ طَلْقَةٍ فِي طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَوْ قَالَ طَلْقَةً فِي طَلْقَتَيْنِ وَقَصَدَ مَعِيَّةً فَثَلَاثٌ أَوْ ظَرْفًا فَوَاحِدَةٌ، أَوْ حِسَابًا وَعَرَفَهُ فَثِنْتَانِ، فَإِنْ جَهِلَهُ وَقَصَدَ مَعْنَاهُ فَطَلْقَةٌ، وَقِيلَ ثِنْتَانِ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَطَلْقَةٌ، وَفِي قَوْلٍ ثِنْتَانِ إنْ عَرَفَ حِسَابًا. وَلَوْ قَالَ بَعْضَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إِجْمَاعَاً، أَوْ نِصْفَيْ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ كُلَّ نِصْفٍ مِنْ طَلْقَةٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ نِصْفَ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَةٌ، وَثَلَاثَةَ أَنْصَافِ طَلْقَةٍ أَوْ نِصْفَ طَلْقَةٍ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ طَلْقَتَانِ، وَلَوْ قَالَ نِصْفَ وَثُلُثَ طَلْقَةٍ فَطَلْقَةٌ
تعالى {ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ} الأعراف: 38 أي معهم (أو الظرف أو الحساب أو أطلق فطلقة) ; لأنه مقتضى الأولين والأقل في الثالث (ولو قال نصف طلقة في طلقة) أو في نصف طلقة (فطلقة بكل حال) من هذه الأحوال؛ لوضوح أنه إذا قصد المعية يقع ثنتان. (ولو قال) أنت طالق (طلقة في طلقتين وقصد معية فثلاث) يقعن ولو في غير الموطوءة؛ لما مر (أو) قصد (ظرفا فواحدة) ; لأنها مقتضاه (أو حسابا وعرفه فثنتان) ; لأنهما موجبه عند أهله (فإن جهله وقصد معناه) عند أهله (فطلقة)؛ لبطلان قصد المجهول (وقيل ثنتان) ; لأنهما موجبه وقد قصده (وإن لم ينو شيئا فطلقة) عرفه أو جهله; لأنها اليقين (وفي قول ثنتان إن عرف حسابا) ; لأنه مدلوله وفي ثالثٍ ثلاث لتلفظه بهن. ولو قال لا أكتب معك في شهادة ولم ينو أنه لا يجتمع خطاهما في ورقة برَّ بأن يكتب أوَّلا ثُم رفيقه; لأن الأول لا يسمى حينئذ أنه كتب مع الثاني بخلاف العكس، ويقاس بذلك نظائره، نعم يظهر فيما استدامته كابتدائه نحو لا أقعد معك أنه لا فرق بين تقدم الحالف وتأخره. (ولو قال) أنت طالق (بعض طلقة) أو نصف طلقة أو ثلثي طلقة (فطلقة إجماعا) ; لأنه لا يتبعض فيسري الطلاق من نحو البعض إلى طلقة (أو نصفي طلقة فطلقة) ; لأنها مجموعهما (إلا أن يريد كلَّ نصف من طلقة) فيقع ثنتان؛ عملا بقصده (والأصح أن قوله) أنت طالق (نصف طلقتين) ولم يرد ذلك يقع به (طلقة) ; لأنها نصفهما (وثلاثة أنصاف طلقة) -ولم يرد ذلك- طلقتان؛ تكميلا للنصف الزائد (أو نصف طلقة وثلث طلقة طلقتان)؛ لإضافته كلَّ جزء إلى طلقة وعطفه وكل منهما يقتضي التغاير، ومن ثم لو حذف الواو وقعت طلقة فقط؛ لضعف اقتضاء الإضافة وحدها للتغاير. ولو قال خمسة أنصاف طلقة أو سبعة أثلاث طلقة فثلاث (ولو قال نصف وثلث طلقة فطلقة)؛ لضعف اقتضاء
وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ أَوْقَعْت عَلَيْكُنَّ أَوْ بَيْنَكُنَّ طَلْقَةً أَوْ طَلْقَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا وَقَعَ عَلَى كُلٍّ طَلْقَةٌ، فَإِنْ قَصَدَ تَوْزِيعَ كُلِّ طَلْقَةٍ عَلَيْهِنَّ وَقَعَ فِي ثِنْتَيْنِ ثِنْتَانِ، وَفِي ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعٍ ثَلَاثٌ، فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِبَيْنَكُنَّ بَعْضَهُنَّ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ لِأُخْرَى أَشْرَكْتُك مَعَهَا أَوْ أَنْتِ كَهِيَ، فَإِنْ نَوَى طَلَقَتْ، وَإِلَّا فَلَا، وَكَذَا لَوْ قَالَ آخَرُ ذَلِكَ لِامْرَأَتِهِ
العطف وحده للتغاير ومجموع الجزأين لا يزيد على طلقة. (ولو قال لأربع أوقعت عليكن أو بينكن طلقة أو طلقتين أو ثلاثا أو أربعا وقع على كل طلقة) ; لأن كلا يصيبهما عند التوزيع واحدة، أو بعضها فتكمل (فإن قصد توزيع كل طلقة عليهن وقع في ثنتين ثنتان، وفي ثلاث أو أربع ثلاث)؛ عملا بقصده بخلاف ما إذا أطلق؛ لبعده عن الفهم، ولذا لو قال أنتما طالقان ثلاثا وأطلق وقع على كلٍّ ثنتان
(1)
؛ توزيعا للثلاث عليهما (فإن قال أردت ببينكن بعضهن لم يقبل ظاهرا في الأصح) ; لأنه خلاف ظاهر اللفظ من اقتضاء الشركة، أما باطنا فيُدَيَّن، وعليكن كذلك. ولو أوقع بينهن ثلاثا ثم قال أردت إيقاع ثنتين على هذه وقسمة الأخرى على الباقيات قُبِل. (ولو طلقها ثم قال لأخرى أشركتك معها أو أنت كهي) أو جعلتك شريكتها أو مثلها (فإن نوى) الطلاق بقوله ذلك (طلقت وإلا فلا) ; لأنه كناية. ولو طلق هو أو غيره امرأة ثلاثا ثم قال لامرأته أشركتك معها فإن نوى أصل الطلاق فواحدة أو مع العدد فطلقتان; لأنه يخصها واحدة ونصف، ولو كان متزوجا ثلاثا فقال للأولى أنت طالق ثلاثا ثم قال للثانية أشركتك مع فلانة في هذا الطلاق ثم قال للثالثة أشركتك مع الثانية في طلاقها طلقت الثانية ثنتين
(2)
والثالثة واحدة. هذا في التنجيز فلو علَّق طلاق امرأته بدخول مثلا ثم قال ذلك لأخرى رُوجع فإن قصد أن الأولى لا تطلق حتى تدخل الأخرى لم يقبل; لأنه رجوع عن التعليق وهو لا يجوز، أو قصد تعليق طلاق الثانية بدخول الأولى أو بدخولها نفسها صح؛ إلحاقا للتعليق بالتنجيز (وكذا لو قال آخر ذلك لامرأته) فإن نوى طلقت وإلا فلا
(1)
. خلافا لهما فاعتمد وقوع الثلاث على كل منهما.
(2)
. حمله في النهاية على ما إذا نوى تشريك الثانية معها في العدد، وإلا فواحدة فيها أيضا، وقضية شرح الروض أنه لا حاجه إلى تلك النية مع ذكر ((في هذا الطلاق)) فمتى وجد أحد الأمرين من النية أو الذكر يقع ثنتان وإن فقدا معا تقع واحدة.
فصل
يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ بِشَرْطِ اتِّصَالِهِ، وَلَا يَضُرُّ سَكْتَةُ تَنَفُّسٍ وَعِيٍّ. قُلْتُ: وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَنْوِيَ الِاسْتِثْنَاءَ قَبْلَ فَرَاغِ الْيَمِينِ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُشْتَرَطُ عَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ
…
؛ لأنه كناية. ولو قال أنت طالق عشرا فقالت يكفيني ثلاث فقال البواقي لضرتك لم يقع على الضرة شيء; لأن الزيادة على الثلاث لغو، نعم إن نوى به طلاقها طلقت ثلاثا.
[فرع] جلس نساؤه الأربع صفَّاً فقال الوسطى منكن طالق وقع على الثانية أو الثالثة فيعين من شاء منهما; لأن المفهوم من الوسطى الاتحاد، ومثله ما لو قال مَن كانت منكن الوسطى فهي طالق وقع عليهما، فإن كنَّ متحلقات وقعت الطلقة على واحدة ويعينها الزوج.
(فصل) في الاستثناء
(يصح الاستثناء) -لوقوعه في القرآن والسنة وكلام العرب- وهو الإخراج بنحو إلا كأستثني وأحط، ومثل الاستثناء التعليق بالمشيئة وغيرها من سائر التعليقات كما اشتهر شرعا فكل ما يأتي من الشروط ما عدا الاستغراق عام في النوعين
(1)
(بشرط اتصاله) بالمستثنى منه عرفا بحيث يعد كلاما واحدا، (ولا يضر) في الاتصال (سكتة تنفس وعي) ونحوهما كعروض سُعال وانقطاع صوت والسكوت للتذكر، وذلك; لأن ما ذكر يسير لا يعد فاصلا عرفا بخلاف الكلام الأجنبي وإن قلَّ لا ما له به تعلق وقد قل، ولا ينافي قولنا والسكوت للتذكر اشتراط قصد الاستثناء قبل الفراغ؛ لأنه قد يقصده إجمالا ثم يتذكر العدد الذي يستثنيه (قلت: ويشترط أن ينوي) ولو إجمالا كأمر آنفاً (الاستثناء) ومثله كما مرّ التعليق كأنت طالق بعد موتي (قبل فراغ اليمين في الأصح، والله أعلم) ; لأنه رافع لبعض ما سبق فاحتيج قصده للرفع بخلافه بعد فراغ لفظ اليمين، أما إذا اقترنت بكله فلا خلاف فيه أو بأوله فقط أو آخره فقط أو أثنائه فقط فيصح، ويكفي أن يقترن بـ ((أنت)) من أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو إن دخلت، (ويشترط) أيضا أن يَعرِف معناه ولو بوجه، وأن يتلفظ به بحيث يسمع نفسه إن اعتدل سمعه ولا عارض وإلا لم يقبل، وأن لا يجمع مفرق ولا يفرق مجتمع في مستثنى أو مستثنى منه أو فيهما؛ لأجل الاستغراق أو عدمه، و (عدم استغراقه) فالمستغرق كثلاثا إلا ثلاثا
(1)
. أي الاستثناء والتعليق بالمشيئة ونحوها.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً فَوَاحِدَةٌ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، أَوْ ثِنْتَيْنِ وَوَاحِدَةً إلَّا وَاحِدَةً فَثَلَاثٌ، وَقِيلَ ثِنْتَانِ وَهُوَ مِنْ نَفْيٍ إثْبَاتٌ وَعَكْسُهُ، فَلَوْ قَالَ ثَلَاثًا إلَّا ثِنْتَيْنِ إلَّا طَلْقَةً فَثِنْتَانِ، أَوْ ثَلَاثًا إلَّا ثَلَاثًا إلَّا ثْنَتَيْنِ فَثِنْتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ طَلْقَةٌ،
باطل إجماعا فيقع الثلاث (ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين وواحدة فواحدة)؛ لما تقرر أنه لا يجمع مفرق لأجل الاستغراق بل يفرد كل بحكمه كما هو شأن المتعاطفات، وإذا لم يجمع المفرق كان المعنى إلا ثنتين لا يقعان فتقع واحدة فيصير قوله وواحدة مستغرقا فيبطل وتقع واحدة (وقيل ثلاث)؛ بناء على الجمع فيكون مستغرقا فيبطل من أصله (أو) أنت طالق (ثنتين وواحدة إلا واحدة فثلاث) ; لأنه إذا لم يجمع لأجل عدم الاستغراق كانَتْ الواحدة مستثناة من الواحدة وهو مستغرق فيبطل ويقع الثلاث (وقيل ثنتان)؛ بناء على الجمع في المستثنى منه.
[تنبيه] لو قال كل امرأة لي طالق غيرك ولا امرأة له سواها وقع عليها
-سواء قصد الاستثناء أو أطلق- ما لم يرد أن غيرك صفة أخرت من تقديم، أي أو تقم قرينة على إرادتها كأن خاطبته بتزوَّجتَ عليَّ، فقال كلُّ .. الخ، نعم لو قدم غيرك على طالق لم يقع الطلاق إن أطلق بخلاف ما لو نوى الاستثناء، ولا فرق في تقديم غير على طالق وتأخيرها عنه بين الجر وقسيميه; لأن اللحن بفرض تأتيه هنا لا يؤثر، ولا بين النحوي وغيره، ولا بين غير وسوى، (وهو) أي الاستثناء بنحو إلا (من نفي إثبات وعكسه) أي من الإثبات نفي.
[تنبيه] اختلفوا في المراد بقولهم هنا إثبات فقيل أن المراد أنه ((إثبات)) لنقيض ما دلّ عليه الملفوظ وهو الأصح، وقيل إن الثابت بعد الاستثناء نقيض الملفوظ به قبله فعلى الأصح لو قال إن لم يكن في الكيس إلا عشرة دراهم فأنت طالق فلم يكن فيه شيء فلا تطلق، ويجري الخلاف في كل حلف على مستقبل بخلافه على ماض أو حاضر
(1)
(فلو قال ثلاثا إلا ثنتين إلا طلقة فثنتان) ; لأن المعنى ثلاثا يقعن إلا ثنتين لا يقعان إلا واحدة تقع (أو) أنت طالق (ثلاثا إلا ثلاثا إلا ثنتين فثنتان) ; لأنه لما عقَّب المستغرق بغيره خرج عن الاستغراق نظرا للقاعدة المذكورة أي ثلاثا تقع إلا ثلاثا لا تقع إلا ثنتين يقعان (وقيل ثلاث) ; لأن المستغرق لغو فيلغو ما بعده (وقيل طلقة)؛ إلغاء للمستغرق وحده.
(1)
. ذكر هذا الشارح في الإيلاء 8/ 169.
أَوْ خَمْسًا إلَّا ثَلَاثًا فَثِنْتَانِ، وَقِيلَ ثَلَاثٌ، أَوْ ثَلَاثًا إلَّا نِصْفَ طَلْقَةٍ فَثَلَاثٌ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللهُ أَوْ إِنْ لَمْ يَشَأِ اللهُ وَقَصَدَ التَّعْلِيقَ لَمْ يَقَعْ، وَكَذَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ تَعْلِيقٍ وَعِتْقٍ وَيَمِينٍ وَنَذْرٍ وَكُلِّ تَصَرُّفٍ. وَلَوْ قَالَ يَا طَالِقُ إنْ شَاءَ اللهُ وَقَعَ فِي الْأَصَحِّ
(أو) أنت طالق (خمسا إلا ثلاثا فثنتان)؛ لأن الاستثناء ينصرف إلى الملفوظ
(1)
لأنه لفظ فاتبع فيه موجب اللفظ (وقيل ثلاث)؛ اعتبارا له بالمملوك فيكون مستغرقا فيبطل (أو) أنت طالق (ثلاثا إلا نصف
(2)
طلقة فثلاث على الصحيح)؛ تكميلا للنصف الباقي في المستثنى منه، ولم يعكس; لأن التكميل إنما يكون في الإيقاع تغليبا للتحريم، فإن قال إلا نصفا روجع فإن أراد نصف طلقة فكذلك أو نصف الثلاث أو أطلق فثنتان كما مر، (ولو قال أنت طالق إن) أو إذا أو متى مثلا (شاء الله) أو أراد أو رضي أو أحب أو اختار أو أنت طالق بمشيئته (أو) قال أنت طالق (إن) أو إذا مثلا (لم يشأ الله وقصد التعليق) بالمشيئة قبل فراغ اليمين ولم يفصل بينهما وأسمع نفسه كما مر (لم يقع) أما في الأول فللخبر الصحيح ((من حلف ثم قال إن شاء الله فقد استثنى)) وهو عام للطلاق وغيره. وخرج بقصد التعليق ما إذا سبق لسانه أو قصد التبرك أو أن كلَّ شيء بمشيئة الله تعالى أو لم يعلم هل قصد التعليق أو لا، وكذا إن أطلق. ولو قال أنت طالق إن شاء الله وإن لم يشأ، أو شاء أو لم يشأ، أو إن شاء أو إن لم يشأ في كلامٍ واحدٍ طلقت (وكذا يمنع) التعليق بالمشيئة (انعقاد تعليق) كأنت طالق إن دخلت إن شاء الله؛ لعموم الخبر السابق وكالتنجيز بل أولى (وعتق) تنجيزا وتعليقا (ويمين) كوالله لأفعلن كذا إن شاء الله (ونذر) كعليَّ كذا إن شاء الله (وكل تصرف) غير ما ذكر من كل عقد وحل وإقرار ونية عبادة (ولو قال يا طالق إن شاء الله وقع في الأصح) ; لأن النداء يقتضي تحقق الاسم أو الصفة حال النداء، ولا يقال في الشيء المتحقق إن شاء الله بخلاف أنت كذا فإنه قد يستعمل للقرب من الشيء كأنت واصلٌ أو صحيحٌ للمتوقع قرب وصوله أو شفائه، وفي ((يا طالق أنت طالق ثلاثا إن شاء الله)) و ((أنت طالق ثلاثا يا طالق إن شاء الله)) يرجع الاستثناء لغير النداء فيقع
(1)
. علل بذلك المغني.
(2)
. ظاهر كلام الشارح في أنت طالق ثلاثا إلا أقله وقوع طلقتين وهو صريح المغني وشرح الروض، وصريح النهاية وقوع ثلاث.
أَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللهُ تَعَالَى فَلَا فِي الْأَصَحِّ.
فصل
شَكَّ فِي الطَّلَاقٍ فَلَا، أَوْ فِي عَدَدٍ فَالْأَقَلُّ، وَلَا يَخْفَى الْوَرَعُ. وَلَوْ قَالَ إنْ كَانَ ذَا الطَّائِرُ غُرَابًا فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَقَالَ آخَرُ إنْ لَمْ يَكُنْهُ فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَجُهِلَ لَمْ يُحْكَمْ بِطَلَاقِ أَحَدٍ، فَإِنْ قَالَهُمَا رَجُلٌ لِزَوْجَتَيْهِ طَلُقَتْ إحْدَاهُمَا وَلَزِمَهُ الْبَحْثُ وَالْبَيَانُ،
واحدة، ومحل ذلك كله فيمن ليس اسمها طالقا وإلا لم يقع شيء ما لم يقصد الطلاق (أو) قال (أنت طالق إلا أن يشاء الله فلا) يقع شيء (في الأصح)؛ إذ المعنى إلا أن يشاء عدم تطليقك ولا اطلاع لنا على ذلك نظير ما مر بخلاف ما لو قال أنت طالق إلا إن يشاء زيد فمات فإنه يقع
(1)
، ومحل الخلاف إذا أطلق فإن ذكر شيئا اعتمد قوله. ولو قال لا أفعل كذا إلا أن يسبقني القضاء أو القدر ثم فعله وقال: قصدت إخراج ما قُدِّر منه عن اليمين لم يحنث.
(فصل) في الشك في الطلاق
(شكَّ في) أصل (الطلاق) -منجز أو معلق- هل وقع منه أو لا؟ (فلا) يقع إجماعا (أو في عدد) بعد تحقق أصل الوقوع (فالأقل) ; لأنه اليقين (ولا يخفى الورع) في الصورتين وهو الأخذ بالأسوأ؛ للخبر الصحيح ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك))، ففي الأول يُراجع أو يجدد إن رغب وإلا فلينجز طلاقها؛ لتحل لغيره يقينا، وفي الثاني يأخذ بالأكثر فإن كان الثلاث لم ينكحها إلا بعد زوج، فإن أراد عودها له بالثلاث أوقعهن عليها، وفيما إذا شك هل طلق ثلاثا أم لم يطلق أصلا الأولى أن يطلق ثلاثا؛ لتحل لغيره يقينا ولتعود له بعده يقينا وبالثلاث.
[تنبيه] ذكرهم ثلاثا في قولهم ((الأولى أن يطلق ثلاثا)) إنما هو ليحصل له مجموع الفوائد الثلاث المذكورة لا لتوقف كل منهن على الثلاث
(ولو قال إن كان ذا الطائر غرابا فأنت طالق وقال آخر إن لم يكنه) أي هذا الطائر غرابا (فامرأتي طالق وجهل) حاله (لم يحكم بطلاق أحد) منهما; لأن أحدهما لو انفرد بما قاله لم يحكم بطلاقه؛ لجواز أنه غير المعلق عليه فتعليق الآخر لا يغير حكمه (فإن قالهما رجل لزوجتيه طلقت إحداهما) يقينا؛ إذ لا واسطة (ولزمه البحث) عنه إن أمكن علمه لنحو علامة يعرفها فيه (والبيان) للمطلقة منهما، ويلزمه أيضا اجتنابهما إلى
(1)
. خلافا لهم.
وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَاهُمَا بِعَيْنِهَا ثُمَّ جَهِلَهَا وُقِفَ حَتَّى يَذْكُرَ، وَلَا يُطَالَبُ بِبَيَانٍ إنْ صَدَّقَتَاهُ فِي الجَهْلِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا وَلِأَجْنَبِيَّةٍ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَالَ قَصَدْتُ الْأَجْنَبِيَّةَ قُبِلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ زَيْنَبُ طَالِقٌ وَقَالَ قَصَدْتُ الأَجْنَبِيَّةَ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتَيْهِ إحْدَاكُمَا طَالِقٌ وَقَصَدَ مُعَيَّنَةً طَلُقَتْ، وَإِلَّا فَإِحْدَاهُمَا، وَيَلْزَمُهُ الْبَيَانُ فِي الحَالَةِ الْأَوْلَى، وَالتَّعْيِينُ فِي الثَّانِيَةِ،
بيان الحال. أما إذا لم يمكنه ذلك فلا يلزمه بحث ولا بيان
(1)
، وكذا إن كان الطلاق رجعيا كما يأتي; لأن الرجعية زوجة. (ولو طلق إحداهما بعينها) كأن خاطبها به أو نواها عند قوله إحداكما طالق (ثم جهلها) بنحو نسيان (وقف) وجوبا الأمر من وطء وغيره عنهما (حتى يذكر) المطلقة أي يتذكرها; لأن إحداهما حرمت عليه يقينا ولا مجال للاجتهاد هنا (ولا يطلب ببيان) للمطلقة (إن صدقتاه في الجهل) بها; لأن الحق لهما، فإن كذبتاه وبادرت واحدة وقالت أنا المطلقة طولب بيمين جازمة أنه لم يطلقها ولم يقنع منه بنحو نسيت وإن احتمل، فإن نكل حلفت وقضي لها، فإن قالت الأخرى ذلك فكذلك (ولو قال لها ولأجنبية) أو أمة (إحداكما طالق وقال قصدت الأجنبية) أو الأمة (قُبِل) قوله (في الأصح) بيمينه؛ لتردد اللفظ بينهما فصحت إرادتها. أما إذا لم يقل ذلك فتطلق زوجته
(2)
، وأما إذا قال ذلك لزوجته ورجل أو دابة فلا يقبل قوله
(3)
قصدت أحد هذين; لأنه ليس محلا للطلاق (ولو قال) ابتداء أو بعد سؤال طلاق (زينب طالق) وهو اسم زوجته واسم أجنبية (وقال قصدت الأجنبية فلا) يقبل وإن صدقته زوجته (على الصحيح) ظاهرا، بل يُدَيَّن؛ لاحتماله وإن بعد؛ إذ الاسم العلم لا اشتراك ولا تناول فيه وضعاً فالطلاق مع ذلك لا يتبادر إلا إلى الزوجة بخلاف ((أحد)) فإنه يتناولهما وضعا تناولا واحدا فأثرت نية الأجنبية حينئذ. ولو قال زوجتي فاطمة بنت محمد طالق وزوجته زينب بنت محمد طلقت؛ إلغاء للخطأ في الاسم لقوله زوجتي الذي هو القوي بعدم الاشتراك فيه (ولو قال لزوجتيه إحداكما طالق وقصد معينة) منهما (طلقت) ; لأن اللفظ صالح لكل منهما (وإلا) يقصد معينة بل أطلق أو قصد مبهمة أو طلاقهما معا (فإحداهما) يقع عليها الطلاق مع إبهامها (ويلزمه البيان في الحالة الأولى والتعيين في الثانية)؛
(1)
. ولا يجوز له قربان واحدة منهما.
(2)
. هنا استثناء تبرأ منه الشارح واعتمداه.
(3)
. لا ظاهرا ولا باطنا عند الشارح وباطنا عند شرح الروض والشهاب الرملي.
وَيُعْزَلَانِ عَنْهُ إلَى الْبَيَانِ أَوِ التَّعْيِينِ، وَعَلَيْهِ الْبِدَارُ بِهِمَا، وَنَفَقَتُهُمَا فِي الحَالِ. وَيَقَعُ الطَّلَاقُ بِاللَّفْظِ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ، فَعِنْدَ التَّعْيِينِ، وَالْوَطْءُ لَيْسَ بَيَانًا وَلَا تَعْيِينًا، وَقِيلَ تَعْيِينٌ، وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى وَاحِدَةٍ: هَذِهِ المُطَلَّقَةُ فَبَيَانٌ، أَوْ أَرَدْتُ هَذِهِ وَهَذِهِ أَوْ هَذِهِ بَلْ هَذِهِ حُكِمَ بِطَلَاقِهِمَا،
لتعلم المطلقة فيترتب عليها أحكام الفراق (ويعزلان عنه إلى البيان أو التعيين)؛ لاختلاط المحرمة بالمباحة (وعليه البدار بهما) أي بالبيان أو التعيين
(1)
؛ لرفع حبسه المفارقة منهما، فإن أخر بلا عذر أثم وعزر إن امتنع، هذا في البائن أما الرجعي فلا يجب فيه بيان ولا تعيين ما بقيت العدة; لأن الرجعية زوجة. ولو استمهل أمهل ثلاثة أيام (و) عليه (نفقتهما) وسائر مؤنهما (في الحال) فلا يؤخر إلى التعيين أو البيان؛ لحبسهما عنده حبس الزوجات وإن لم يقصر في تأخير ذلك. وإذا بيَّن أو عيَّن لم يسترد منهما شيئا (ويقع الطلاق) في قوله إحداكما طالق (باللفظ) جزما إن عين، وعلى الأصح إن لم يعين، (وقيل إن لم يعين فـ) لا يقع إلا (عند التعيين) وإلا لوقع لا في محل، وعلى الأول تعتبر العدة من اللفظ أيضا إن قصد معينة وإلا فمن التعيين (والوطء ليس بيانا) للتي قصدها قطعا; لأن الطلاق لا يقع بالفعل فكذا بيانه، فإن بين الطلاق في الموطوءة حُدَّ في البائن ولزمه المهر؛ لعذرها بالجهل، أو في غيرها قُبِل، فإن ادعت الموطوءة أنه أرادها حُلِّف فإن نكل وحلفت طلقتا وعليه المهر ولا حَدَّ؛ للشبهة (ولا تعيينا) للموطوءة للنكاح لما مر، ويلزمه المهر للموطوءة إذا عينها للطلاق (وقيل تعيين. ولو قال) في الطلاق المعين (مشيرا إلى واحدة هذه المطلقة فبيان) لها أو هذه الزوجة فهو بيان لغيرها; لأنه إخبار عن إرادته السابقة (أو) قال مشيرا إليهما (أردت هذه وهذه، أو هذه بل هذه) أو هذه مع هذه، أو هذه وأشار لواحدة هذه وأشار للأخرى (حكم بطلاقهما) ظاهرا; لأنه أقر بطلاق الأولى ثم بطلاق الثانية فيقبل إقراره لا رجوعه بذكرِ ((بل))؛ تغليظا عليه. أما باطنا فالمطلقة المنوية فإن نواهما لم يطلقا بل إحداهما; لأن نيتهما بإحداكما لا يعمل بها؛ لعدم احتمال لفظه لما نواه فبقي على إبهامه حتى يُبَيِّن. وخرج بما ذكر هذه ثم هذه أو فهذه فتطلق الأولى فقط؛ لانفصال الثانية عنها وهو مرجح قوي فلم ينظر معه لتضمن كلامه للاعتراف بهما، أو هذه بعد هذه أو هذه قبلها هذه طلقت الثانية فقط، أو قال هذه أو هذه استمر الإبهام.
(1)
. أي وإن لم تطلباه ولا أحدهما وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
وَلَوْ مَاتَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا قَبْلَ بَيَانٍ وَتَعْيِينٍ بَقِيَتْ مُطَالَبَتُهُ لِبَيَانِ الْإِرْثِ، وَلَوْ مَاتَ فَالْأَظْهَرُ قَبُولُ بَيَانِ وَارِثِهِ لَا تَعْيِينِهِ. وَلَوْ قَالَ: إنْ كَانَ غُرَابًا فَامْرَأَتِي طَالِقٌ وَإِلَّا فَعَبْدِي حُرٌّ وَجُهِلَ مُنِعَ مِنْهُمَا إلَى الْبَيَانِ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُقْبَلْ بَيَانُ الْوَارِثِ عَلَى المَذْهَبِ،
وأما في الطلاق المبهم فالمطلقة هي الأولى مطلقا; لأنه إنشاء اختيار لا إخبار، وليس له اختيار أكثر من واحدة (ولو ماتتا أو إحداهما قبل بيان وتعيين) والطلاق بائن (بقيت مطالبته) أي المطلق بالبيان أو التعيين، ويلزمه ذلك فورا (لبيان) حكم (الإرث) وإن لم يرث إحداهما بتقدير الزوجية؛ لكونها كتابية اتفاقا في البيان ولأنه قد ثبت في إحداهما يقينا، فيوقف من مال كلٍّ أو الميتة نصيب زوج إن توارثا، فإذا بين أو عين لم يرث من مطلقة بائنا بل من الأخرى، نعم إن نازعه ورثتها ونكل عن اليمين حلفوا ولم يرث (ولو مات) الزوج قبل البيان أو التعيين سواء ماتتا قبله أم بعده أم إحداهما قبله والأخرى بعده أو لم تمت واحدة منهما أم ماتت إحداهما دون الأخرى (فالأظهر قبول بيان وارثه
(1)
; لأنه إخبار يمكن وقوف الوارث عليه بخبر أو قرينة (لا) قبول (تعيينه) ; لأنه اختيار شهوة فلا دخل للوارث فيه، هذا ما مشيا عليه هنا
(2)
والذي اقتضاه كلامهما في الروضة وأصلها أنه يقوم مقامه في التعيين أيضا. وأما إذا كانت إحداهما كتابية والأخرى والزوج مسلمين وأبهمت المطلقة فلا إرث (ولو قال إن كان) ذا الطائر (غرابا فامرأتي طالق وإلا) يكن غرابا (فعبدي حر وجهل) حال الطائر وقع إحداهما مبهما، وحينئذ (منع منهما) أي من استخدامه والتصرف فيه ومن التمتع بها (إلى البيان
(3)
؛ للعلم بزوال ملكه عن أحدهما وعليه نفقتهما إلى البيان ولا يؤجره الحاكم. وإذا قال حنثت في الطلاق طلقت، ثم إن صدقه فذاك ولا يمين عليه وإن كذبه وادعى العتق حلف السيد فإن نكل حلف العبد وحكم بعتقه. أو قال حنثت في العتق عتق، ثم إن صدقته فكما مر، وإن كذبته ونكل حلفت وحكم بطلاقها (فإن مات لم يقبل بيان الوارث على المذهب) أنها المطلقة حتى يسقط إرثها ويرق العبد; لأنه متهم في ذلك، ومن ثم لو عكس قبل قطعا؛ لإضراره
(1)
. وتقدم في الجنائز جواز النبش فيما لو علق الطلاق بصفة في ميت 2/ 205.
(2)
. وهو الذي اعتمداه.
(3)
. ولو قال أنت طالق إن تخمر هذا العصير فتخلل ولم يعلم تخمره حنث نظرا للغالب أو المطرد كما ذكره الشارح في باب النجاسة 1/ 304.
بَلْ يُقْرِعُ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالمَرْأَةِ، فَإِنْ قَرَعَ عَتَقَ، أَوْ قَرَعَتْ لَمْ تَطْلُقْ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرِقُّ.
فصل
الطَّلَاقُ: سُنِّيٌّ وَبِدْعِيٌّ، وَيَحْرُمُ الْبِدْعِيُّ، وَهُوَ ضَرْبَانِ:
بنفسه، نعم محله إذا لم يكن على الميت دين وإلا أقرع؛ نظرا لحق العبد في العتق والميت في الرق ليوفى منه دينه (بل يقرع بين العبد والمرأة)؛ رجاء خروج القرعة للعبد لتأثيرها في العتق وإن لم تؤثر في الطلاق (فإن قرع) أي خرجت القرعة له (عتق) من رأس المال إن علق في الصحة وإلا فمن الثلث؛ إذ هو فائدة القرعة وترث هي إلا إذا ادعت أن الحنث فيها وهي بائن (أو قرعت لم تطلق)؛ إذ لا مدخل للقرعة في الطلاق، وإنما دخلت في العتق؛ للنص لكن الورع أن تترك الإرث
(1)
(والأصح أنه لا يَرِق) ; لأن القرعة لم تؤثر فيما خرجت عليه ففي غيره أولى فيبقى الإبهام كما كان ولا يتصرف الوارث فيه، ومحل الخلاف في الظاهر أما في الباطن فيملك التصرف فيه قطعا، وفي غير نصيب الزوجة منه أما نصيبها فلا يملكه قطعا.
(فصل) في بيان الطلاق السني والبدعي
(الطلاق سني) وهو الجائز (وبدعي) وهو الحرام فلا واسطة بينهما على أحد الاصطلاحين المشهور، فعلى ذلك المشهور لا سنة ولا بدعة في طلاق الحكمين إذا رأياه، وطلاق متحيرة إذ لم يقع في طهر محقق ولا حيض محقق، ومختلعة في نحو حيض، ومعلق طلاقها بصفة وجدت فيه كما يأتي، وصغيرة وآيسة وغير موطوءة، ومن ظهر حملها بنكاح أو شبهة. (ويحرم البدعي
(2)
؛ لإضرارها أو إضراره أو إضرار الولد بالطلاق كما يأتي (وهو ضربان):
(1)
. قضيته أنها يرث لكن الورع تركه خلافا لشرح المنهج والروض من أن الإرث موقوف.
(2)
. أفاد الشارح في الإيلاء 8/ 174 أنه ليس منه طلاق المولى في الحيض إذا طولب زمن الطهر بالفيئة فترك مع تمكنه ثم حاضت فيطالب بالطلاق حينئذ وللشارح كلام في طلاق المولي هنا.
طَلَاقٌ فِي حَيْضٍ مَمْسُوسَةٍ، وَقِيلَ إنْ سَأَلَتْهُ لَمْ يَحْرُمْ، وَيَجُوزُ خُلْعُهَا فِيهِ لَا أَجْنَبِيٍّ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ مَعَ آخِرِ حَيْضِك فَسُنِّيٌّ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ مَعَ آخِرِ طُهْرٍ لَمْ يَطَأْهَا فِيهِ فَبِدْعِيٌّ عَلَى المَذْهَبِ. وَطَلَاقٌ فِي طُهْرٍ وَطِئَ فِيهِ مَنْ قَدْ تَحْبَلُ وَلَمْ يَظْهَرْ حَمْلٌ
أحدهما (طلاق) منجز وإن سبقه
(1)
طلاق في طهر قبله (في حيض) أو نفاس (ممسوسة) أي موطوءة ولو في الدبر أو مستدخلة ماءه المحترم وقد علم ذلك إجماعا ولخبر ابن عمر الآتي، ولتضررها بطول العدة; إذ بقية دمها لا تحسب منها، ومن ثم لا يحرم في حيض حامل عدتها بالوضع
(2)
، وكالمنجز معلق بما يوجد زمن البدعة قطعا أو يوجد فيه باختياره بخلاف معلق قبله أو فيه بما لا يعلم وجوده فيه فوجد الطلاق فيه لا باختياره فلا إثم فيه
(3)
لكن يترتب عليه حكم البدعي من ندب الرجعة وغيره (وقيل إن سألته لم يحرم)؛ لرضاها بالتطويل، والأصح التحريم; لأنها قد تسأله كاذبة كما هو شأنهن، ومن ثم لو تحققت رغبتها فيه لم يحرم كما قال (ويجوز خلعها فيه) أي الحيض بعوض منها; لأن بذلها المال يشعر باضطرارها للفراق حالا (لا) خلع (أجنبي
(4)
في الأصح) ; لأن خلعه لا يقتضي اضطرارها إليه (ولو قال أنت طالق مع) أو في أو عند مثلا (آخر حيضك) أو قارن آخر صيغة طلاقه آخره (فسني في الأصح)؛ لاستعقابه الشروع في العدة (أو) أنت طالق (مع) ومثلها ما ذكر (آخر طهر) عيَّنه (لم يطأها فيه فبدعي على المذهب) ; لأنه لا يستعقب العدة.
(و) ثانيهما (طلاق في طهر
(5)
وطئ فيه) ولو في الدبر؛ بناء على إمكان العلوق منه، وكالوطء استدخال المني المحترم إن علمه نظير ما مر (من قد تحبل)؛ لعدم صغرها ويأسها (ولم يظهر حمل)؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في خبر ابن عمر الآتي ((قبل أن يجامع))، ولأنه قد يشتد ندمه إذا ظهر حمل فإن الإنسان قد يسمح بطلاق الحائل لا الحامل، وقد لا يتيسر له ردها فيتضرر هو والولد، ومن البدعي أيضا طلاق من لها عليه قسم قبل وفائها أو استرضائها، نعم يكفي في
(1)
. وفاقا لشرح الروض وقال النهاية والمغني أنه مبني على ضعيف.
(2)
. لكونه منسوبا للمطلق وإلا حرم؛ لانقضاء المدة بالحيض حينئذ، قاله الشارح في أحكام المستحاضة 1/ 412.
(3)
. كلامه يشمل ما لو علق الطلاق باختيارها فأتت به في حال الحيض باختيارها واعتمدا التحريم.
(4)
. فصَّلا فيما لو أذنت له في الخلع بأنه إن كان بمالها فكاختلاعها وإلا فهو كاختلاعه.
(5)
. وتقدم حل الطلاق بعد الطهر وإن لم تغتسل 1/ 393.
فَلَوْ وَطِئَ حَائِضًا وَطَهُرَتْ فَطَلَّقَهَا فَبِدْعِيٌّ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحِلُّ خُلْعُهَا، وَطَلَاقُ مَنْ ظَهَرَ، حَمْلُهَا. وَمَنْ طَلَّقَ بِدْعِيًّا سُنَّ لَهُ الرَّجْعَةُ، ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ بَعْدَ طُهْرٍ
إباحته سؤالها الطلاق
(1)
، ومنه أيضا ما لو نكح حاملا من زنا ووطئها وكانت لا تحيض وهي حامل; لأنها لا تشرع في العدة إلا بعد الوضع ففيه تطويل عظيم عليها، أما من تحيض كذلك فتنقضي عدتها بالأقراء، فلا يحرم طلاقها في طهر؛ إذ لا تطويل حينئذ
(2)
، نعم لو زنت وهي في نكاحه فحملت جاز له طلاقها وإن طالت عدتها؛ لعدم صبر النفس على عشرتها حينئذ. ولو وطئت زوجته بشبهة فحملت حرم طلاقها حاملا مطلقا؛ لتأخر الشروع في العدة، (فلو وطئ حائضا وطهرت فطلقها) من غير وطئها طاهرا (فبدعي في الأصح)؛ لاحتمال علوقها من ذلك الوطء وبقية الحيض مما دفعته الطبيعة، وبما تقرر علم أن البدعي على الاصطلاح الأول أن يطلق حاملا من زنا لا تحيض أو من شبهة أو يعلق طلاقها بمضي بعض نحو حيض أو بآخر طهر أو يطلقها مع آخره أو في نحو حيض قبل آخره أو يطلقها في طهر وطئها فيه أو يعلق طلاقها بمضي بعضه أو وطئها في حيض أو نفاس قبله أو في نحو حيض طلق مع آخره أو علق به، والسني طلاق موطوءة ونحوها تعتد بأقراء تبتدئها عقبه لحيالها -أي عدم حملها- أو حملها من زنا وهي تحيض وطلقها مع آخر نحو حيض أو في طهر قبل آخره أو علق طلاقها بمضي بعضه أو بآخر نحو حيض ولم يطأها في طهر طلقها فيه أو علق طلاقها بمضي بعضه ولا وطئها في نحو حيض قبله، ولا في نحو حيض طلق مع آخره أو علق بآخره (ويحل) ولو من أجنبي (خلعها) نظير ما مر في الحائض (و) يحل (طلاق من ظهر حملها)؛ لزوال الندم.
[تنبيه] يقع طلاق وكيل بدعيا لم ينص له عليه كما يقع من موكله
(ومن طلق بدعيا سُن له) ما بقي الحيض الذي طلق فيه أو الطهر الذي طلق فيه والحيض الذي بعده -لا فيما بعد ذلك؛ لانتقالها إلى حالة يحل طلاقها فيها- (الرجعة) ويكره تركها
(3)
، ومرَّ في القَسْم أن من طلق مظلومة فيه لا تلزمه إعادتها للقضاء لها وقد يشملها المتن (ثم إن شاء طلق بعد طهر)؛ لخبر الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنهما طلق امرأته حائضا فقال صلى الله عليه وسلم لعمر ((مُره فليراجعها
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. خلافا للنهاية.
(3)
. خلافا للأسنى والمغني فلا كراهة عندهما.
وَلَوْ قَالَ لِحَائِضٍ أَنْتِ طَالِقٌ لِلْبِدْعَةِ وَقَعَ فِي الحَالِ أَوْ لِلسُّنَّةِ فَحِينَ تَطْهُرُ، أَوْ لِمَنْ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمَسَّ فِيهِ أَنْت طَالِقٌ لِلسُّنَّةِ وَقَعَ فِي الحَالِ، وَإِنْ مُسَّتْ فِيهِ فَحِينَ تَطْهُرُ بَعْدَ حَيْضٍ، أَوْ لِلْبِدْعَةِ فَفِي الحَالِ إنْ مُسَّتْ فِيهِ، وَإِلَّا فَحِينَ تَحِيضُ
ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر فإن شاء أمسكها وإن شاء طلقها قبل أن يجامع؛ فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء))، وأُلحق به الطلاق في الطهر، وإذا راجع ارتفع الإثم المتعلق بحقها; لأن الرجعة قاطعة للضرر من أصله فكانت بمنزلة التوبة ترفع أصل المعصية. وقضية المتن حصول المقصود بطلاقها عقب الحيض الذي طلقها فيه قبل أن يطأها؛ لارتفاع أضرار التطويل، وقضية الخبر أنه يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ليتمكن من التمتع بها في الطهر الأول ثم يطلق في الثاني، ولا تنافي; لأن الأول لبيان حصول أصل الاستحباب والثاني لبيان حصول كماله (ولو قال لحائض) ممسوسة أو نفساء (أنت طالق للبدعة) أو للحرج أو طلاق البدعة أو الحرج (وقع في الحال)؛ لوجود الصفة (أو) أنت طالق (للسنة فـ) لا يقع إلا (حين تطهر) فيقع عقب انقطاع دمها ما لم يطأ فيه فحتى تحيض ثم تطهر
(1)
(أو) قال (لمن) أي لموطوءة (في طهر لم تُمَس فيه) ولا في حيض قبله (أنت طالق للسنة وقع في الحال)؛ لوجود الصفة، ومس أجنبي بشبهة حملت منه كمسه؛ لما مر أنه بدعي (وإن مست) أو استدخلت ماءه (فـ) لا يقع إلا (حين تطهر بعد حيض)؛ لشروعها حينئذ في حالة السنة (أو) قال لها أنت طالق (للبدعة فـ) يقع (في الحال إن مست) أو استدخلت ماءه (فيه) أو في حيض قبله ولم يظهر حملها؛ لوجود الصفة (وإلا) تمس فيه ولا استدخلت ماءه وهي مدخول بها (فـ) لا يقع إلا (حين تحيض) -أي بمجرد ظهور دمها، ثم إن انقطع قبل أقله بان أن لا طلاق- وذلك؛ لدخولها في زمن البدعة، نعم إن وطئها بعد التعليق في ذلك الطهر وقع بتغييب الحشفة فيلزمه النزع فورا وإلا فلا حد ولا مهر إن كان الطلاق بائنا
(2)
; لأن استدامة الوطء ليست وطأً، وكذا لو وطئها غيره بشبهة؛ لما مر فيها. ومحل قول المصنف ((لو قال
(1)
. ولو قال لطاهر: ((أنت طالق للسنة))، وقال: وطئت في هذا الطهر فلا طلاق حالا، وقالت: لم تطأ فوقع حالا صدق، وهذا مستثنى من قاعدة إن القول قول نافي الوطء كما ذكره الشارح في باب الخيار في النكاح 7/ 353.
(2)
. هذه عند شرح المنهج غاية وليست قيدا.
وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً حَسَنَةً أَوْ أَحْسَنَ الطَّلَاقِ أَوْ أَجْمَلَهُ فَكَلِلسُّنَّةِ، أَوْ طَلْقَةً قَبِيحَةٍ أَوْ أَقْبَحَ الطَّلَاقِ أَوْ أَفْحَشَهُ فَكَلِلْبِدْعَةِ، أَوْ سُنِّيَّةً بِدْعِيَّةً أَوْ حَسَنَةً قَبِيحَةً وَقَعَ فِي الحَالِ. وَلَا يَحْرُمُ جَمْعُ الطَّلْقَاتِ
لحائض
…
الخ)) فيمن لها سنة وبدعة أما من لا سنة لها ولا بدعة فيقع حالا (ولو قال) ولا نية له (أنت طالق طلقة حسنة أو أحسن الطلاق أو أجمله) أو أفضله أو أكمله أو أعدله ونحو ذلك (فكـ) قوله أنت طالق (للسنة) فيما مر فلا يقع في حال بدعة; لأن الأَوْلَى بالمدح ما وافق الشرع. أما إن نوى بذلك طلاق البدعة -؛ لأنه في حقها أحسن لسوء خلقها- فإن كان في زمن البدعة قُبِل؛ لأنه غلّظ على نفسه، أو السنة لم يقبل ظاهراً ويُدَيَّن (أو) قال لها ولا نية له أنت طالق (طلقة قبيحة أو أقبح الطلاق أو أفحشه) أو أسمجه; إذ السمج القبيح ونحو ذلك (فكـ) قوله لها أنت طالق (للبدعة) فيما مر; لأن الأولى بالذم ما خالف الشرع، أما لو قال وهي في زمن سنة أردت قبحه لنحو حسن عشرتها فيقع حالا; لأنه غلظ على نفسه، أو في زمن بدعة أردت أن طلاق مثل هذه في السنة أقبح فقصدت وقوعه حال السنة دُيِّن (أو) قال ولا نية له لذات سنة وبدعة أنت طالق طلقة (سنية بدعية أو حسنة قبيحة وقع في الحال)؛ لتضاد الوصفين فأُلغيا وبقي أصل الطلاق كما لو قال ذلك لمن لا سنة لها ولا بدعة. أما لو قال أردت حسنها من حيث الوقت وقبحها من حيث العدد -أي أردت ثلاثا- أو عكسه قبل وإن تأخر الوقوع في الأولى
(1)
; لأن ضرر وقوع العدد أكثر من فائدة تأخير الوقوع. ولو قال ولا نية له ((ثلاثا بعضهن للسنة وبعضهن للبدعة)) اقتضى التشطير فيقع ثنتان حالا والثالثة في الحالة الأخرى، فإن أراد غير ذلك عمل به ما لم يرد طلقة حالا وثنتين في المستقبل فإنه يديَّن. (ولا يحرم جمع الطلقات) الثلاث؛ لأن ((عويمر العجلاني لمَّا لاعن امرأته طلقها ثلاثا قبل أن يخبره صلى الله عليه وسلم بحرمتها عليه))، فلو حرم لنهاه عنه; لأنه أوقعه معتقداً بقاء الزوجية ومع اعتقادها يحرم جمع الطلاق الثلاث عند المخالف ومع الحرمة يجب الإنكار على العالم وتعليم الجاهل ولم يوجدا فدل على أن لا حرمة. أما وقوعهن معلقة كانت أو منجزة فلا خلاف فيه يعتد به.
(1)
. اختلف الشراح في متعلق الجار والمجرور وفي المراد بالأولى بما يطول ذكره فانظره في حاشية عبد الحميد.
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ، وَفَسَّرَ بِتَفْرِيقِهَا عَلَى أَقْرَاءٍ لَمْ يُقْبَلْ إلَّا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَ الجَمْعِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُدَيَّنُ، وَيُدَيَّنُ مَنْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْتُ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ أَوْ إنْ شَاءَ زَيْدٌ
وخرج بقولنا ((الثلاث)) ما لو أوقع أربعا فإنه يحرم ويعزر
(1)
؛ لأنه تعاطى نحو عقد فاسد وهو حرام (ولو قال أنت طالق ثلاثا) واقتصر عليه (أو ثلاثا للسنة وفسَّر) في الصورتين (بتفريقها على أقراء لم يقبل) ظاهرا; لأنه خلاف ظاهر لفظه من وقوعهن دفعة في الأولى، وكذا في الثانية إن كانت طاهرا، وإلا فحين تطهر، وعندنا لا سنة في التفريق
(2)
(إلا ممن يعتقد تحريم الجمع) أي جمع الثلاث في قرء واحد كالمالكي، فإذا رفع لشافعي قبله ظاهرا في كل من تينك الصورتين; لأن ظاهر حاله أنه لا يفعل محرما في معتقده (والأصح أنه) أي من لا يعتقد ذلك (يُدَيِّن) ; لأنه لو وصل ما يدعيه باللفظ لانتظم، ومعنى التديين أن يقال لها حرمتِ عليه ظاهرا وليس لكِ مطاوعته إلا إن غلب على ظنِّك صدقه بقرينة، وحينئذ يلزمها تمكينه ويحرم عليها النشوز ويُفرِّق بينهما القاضي من غير نظر لتصديقها، ويقال له لا نمكنك منها وإن حلت لك فيما بينك وبين الله تعالى إن صدقت، وهذا معنى قول الشافعي رضي الله عنه له الطلب وعليها الهرب. ولو استوى عندها صدقه وكذبه كره لها تمكينه، وإن ظنت كذبه حرم عليها تمكينه، ولا تتغير هذه الأحوال بحكم قاض بتفريق ولا بعدمه؛ تعويلا على الظاهر فقط؛ لما يأتي أن محل نفوذ حكم الحاكم باطنا إذا وافق ظاهر الأمر باطنه، ولها إذا كذبته أن تنكح بعد العدة من لم يصدق الزوج، لا من صدقه ولو بعد الحكم بالفرقة (ويدين من قال أنت طالق وقال أردت إن دخلت أو إن شاء زيد)؛ لما مر ولا يقبل منه دعوى ذلك ظاهرا. وخرج به إن شاء الله فلا يدين فيه; لأنه يرفع حكم اليمين جملة فينافي لفظها مطلقا، والنية لا تؤثر حينئذ بخلاف بقية التعليقات فإنها لا ترفعه بل تخصصه بحال دون حال.
[تنبيه] يتحصل من كلامهم أنه لو فسره بما يرفع الطلاق من أصله كأردت طلاقا لا يقع أو إن شاء الله أو إن لم يشأ أو إلا واحدة بعد ثلاثا أو إلا فلانة بعد أربعتكن لم يدين، أو ما يقيده أو يصرفه لمعنى آخر أو يخصصه كأردت إن دخلت أو من وثاق أو إلا فلانة بعد كل
(1)
. خلافا لهما في الحرمة والتعزير.
(2)
. خلافا للمغني وشرح الروض.
وَلَوْ قَالَ نِسَائِي طَوَالِقُ أَوْ كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ، وَقَالَ أَرَدْت بَعْضَهُنَّ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ ظَاهِرًا إلَّا بِقَرِينَةٍ بِأَنْ خَاصَمَتْهُ وَقَالَتْ تَزَوَّجْتَ فَقَالَ: كُلُّ امْرَأَةٍ لِي طَالِقٌ وَقَالَ أَرَدْتُ غَيْرَ المُخَاصِمَةِ
امرأة أو نسائي ديِّن، وإنما ينفعه قصده ما ذكر باطنا إن كان قبل فراغ اليمين، فإن حدث بعده لم يفده كما مر في الاستثناء. ولو زعم أنه أتى به وأسمع نفسه فإن صدقته فذاك وإلا حَلَفت وطُلقت كما لو قال عدلان حاضران إنه لم يأت بها; لأنه نفي محصور، ولا يقبل قولها ولا قولهما لم نسمعه أتى بها بل يقبل قوله بيمينه; لأنه لم يُكَذَّب، أما لو كُذِّب صريحا فإنه يحتاج للبينة. ولو حلف مشيراً لنفيس ما قيمة هذا درهم، وقال نويت ((بل أكثر)) صدق ظاهرا; لأن اللفظ يحتمله وإن قامت قرينة على أن مراده ((بل أقلَّ)) ; لأن النية أقوى من القرينة (ولو قال نسائي طوالق أو كل امرأة لي طالق وقال أردت بعضهن فالصحيح أنه لا يقبل ظاهرا) ; لأنه خلاف ظاهر اللفظ من العموم، بل يُديَّن؛ لاحتماله (إلا بقرينة بأن) أي كأن (خاصَمَته وقالت) له (تزوجتَ) عليَّ (فقال) في إنكاره المتصل بكلامها (كل امرأة لي طالق وقال أردت غير المخاصِمة)؛ لظهور صدقه حينئذ، ومثل ذلك ما لو أرادت الخروج لمكان معين فقال إن خرجت الليلة فأنت طالق فخرجت لغيره وقال لم أقصد إلا منعها من ذلك المعين فيقبل ظاهرا؛ للقرينة
(1)
، والمراد هنا القرينة اللفظية ومنها ما لو قال لها ((إن رأيت من أختي شيئا ولم تخبريني به)) فإنه يحمل على موجب الريبة، أما القرينة الحالية كما إذا دخل على صديقه وهو يتغدى فقال إن لم تتغد معي فامرأتي طالق ويقع الطلاق بمضي وقت تقتضي العادة به بانقضاء برِّ يمينه؛ لأن القرينة تقتضي أنه يتغدى معه الآن.
[فرع] أقر بطلاق أو بالثلاث ثم أنكر أو قال لم يكن إلا واحدة فإن لم يذكر عذرا لم يقبل، وإلا كظننت وكيلي طلقها فبان خلافه أو ظننت ما وقع طلاقا أو الخلع ثلاثا فأتيت بخلافه وصدقته أو أقام به بينة قبل.
(1)
. ويأتي عند قول المصنف ((أو بفعل غيره ممن يبالي بتعليقه .... )) نظير ذلك.
فصل
قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ فِي شَهْرِ كَذَا أَوْ فِي غُرَّتِهِ أَوْ أَوَّلِهِ وَقَعَ بِأَوَّلِ جُزْءٍ مِنْهُ، أَوْ فِي نَهَارِهِ أَوْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ فَيَقَعُ بِفَجْرِ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْهُ،
(فصل) في تعليق الطلاق
(1)
بالأزمنة ونحوها
إذا (قال أنت طالق في شهر كذا أو في غرَّته أو) في (أوَّله) أو في رأسه (وقع بأول جزء
(2)
ثبت في محل التعليق
(3)
كونه (منه
(4)
، أو قال) أنت طالق (في نهاره) أي شهر كذا (أو أول يوم منه
(5)
فيقع) الطلاق (بفجر أول يوم منه)؛ لأن الفجر لغة أول النهار وأول اليوم، وبه يعلم أنه لو قال لها أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم قبيل الغروب بان طلاقها من الفجر، وقياسه أنه لو قال متى قدم فأنت طالق يوم خميس قبل يوم قدومه فقدم يوم الأربعاء بان الوقوع من فجر الخميس الذي قبله، وترتيب أحكام الطلاق الرجعي أو البائن من حينئذ، ونظيره ما لو قال أنت طالق قبل موتي بأربعة أشهر وعشرة أيام فعاش أكثر من أربعة أشهر وعشرة أيام ثم مات فيتبين وقوعه من تلك المدة، ولا عدة عليها إن كان بائنا أو لم يعاشرها
(1)
. قال الشارح في الخلع إن معنى قولهم الشرط علة وصفية والطلاق معلولها فيتقارنان في الوجود كالعلة الحقيقة مع معلولها أنه إذا وجد الشرط قارنه المشروط.
(2)
. ذكر الشارح في العيد أنه لو شهدوا بعد الغروب قبلت شهادتهم بالنسبة لنحو التعاليق بخلافه بالنسبة لصلاة العيد 3/ 55، وذكر في الصوم أن رمضان لا يثبت إلا بعدلين بالنسبة لنحو الطلاق أيضا.
(3)
. تبرأ منه في التحفة وجزم به في الفتح والرملي في النهاية.
(4)
. [تنبيه] إنما وقع في أول جزء منه لصدق الاسم به؛ لأن قاعدة التعليق بالصفات أنه حيث صدق وجود اسم المعلق به وقع المعلق، ومن ثم لو علق طلاقها بموته وقع حالا لصدق الاسم أو بتكليمها لزيد في يوم الجمعة وقع بتكليمها له أثناء يومها ولم يتقيد بأوله أي فليس ما هنا من باب الوضع أو العرف كما حقق ذلك الشارح في كتاب السلم 5/ 11.
(5)
. ذكر الشارح في الصيام أنه لو قال لزوجته أنت طالق ليلة القدر فإن كان قاله أول ليلة إحدى وعشرين أو قبلها طلقت في الليلة الأخيرة من رمضان أو في إحدى وعشرين مثلا لم تطلق إلا في إحدى وعشرين من السنة الآتية.
و آخِرِهِ فَبِآخِرِ جُزْءٍ مِنَ الشَّهْرِ، وَقِيلَ بِأَوَّلِ النِّصْفِ الْآخَرِ. وَلَوْ قَالَ لَيْلًا إذَا مَضَى يَوْمٌ فَبِغُرُوبِ شَمْسِ غَدِهِ، أَوْ نَهَارًا فَفِي مِثْلِ وَقْتِهِ مِنْ غَدِهِ،
ولا إرث لها، وتحسب ابتداء تلك المدة من آخر جزء من التعليق فذلك الجزء داخل في المدة لتقارن الشرط والجزاء في الوجود ولذا تبينَّا وقوع الطلاق من تلك المدة كما في قولهم أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر. ولو قال أنت طالق إلى شهر
(1)
وقع بعد شهر مؤبدا إلا أن يريد تنجيزه وتوقيته فيقع حالا، ومثله إلى آخر يوم من عمري، وبه يعلم أنه لو قال أنت طالق آخر يوم من عمري طلقت بطلوع فجر يوم موته إن مات نهاراً، وإلا فبفجر اليوم السابق على ليلة موته، ومحل هذا إن مات في غير يوم التعليق أو في ليلة غير الليلة التالية ليوم التعليق وإلا تبين وقوعه من حين التلفظ
(2)
. ولو قال آخر يوم لموتي أو من موتي لم يقع شيء؛ لاستحالة الإيقاع والوقوع بعد الموت. ولو قال آخر يوم ولم يزد ولا نية له لم يقع به شيء
(3)
؛ لتردده بين آخر يوم من عمري أو من موتي; لأن العصمة ثابتة بيقين فلا ترفع بمحتمل. ولو قال على آخر عرق يموت مني فهو كقوله مع موتي فلا وقوع به كما يأتي. أو آخر جزء من عمري أو من أجزاء عمري وقع قبيل موته أي آخر جزء يليه موته. ولو قال قبل أن أضربك أو نحوه مما لا يقطع بوجوده فضربها بان وقوعه عقب اللفظ (أو) أنت طالق (آخره) أي شهر كذا أو انسلاخه أو نحو ذلك (فـ) يقع (بآخر جزء من الشهر)؛ لأن المفهوم منه آخره الحقيقي (وقيل) يقع (بأول النصف الآخر) منه وهو أول جزء منه ليلة سادس عشره; لأن منه إلى آخره يسمى آخره، ويُردُّ بمنع ذلك. (ولو قال ليلا إذا مضى يوم) فأنت طالق (فـ) تطلق (بغروب شمس غده)؛ إذ به يتحقق مضي يوم (أو) قاله (نهارا) بعد أوله (ففي مثل وقته من غده) يقع الطلاق; لأن اليوم حقيقة في جميعه متواصلا أو متفرقا، أما لو قاله أوله بأن فُرض انطباق آخر التعليق على أوله فتطلق بغروب شمسه. ولو قال أنت طالق كل يوم طلقة طلقت في الحال طلقة وأخرى
(1)
. ولو قال أنت طالق بعد أو إلى زمن وقع بعد لحظه أفاده الشارح في كتاب الأيمان عند قول المصنف ((أو لأقضين حقك)) مع الإشارة أن لا فرق هناك بين الحلف والطلاق 10/ 48.
(2)
. صورتهما أن يقوله نهارا ويموت في بقية اليوم أو يقوله نهارا ويموت في الليلة التالية له. أما لو قاله ليلا ومات في بقيتها فهو غير داخل تحت ذلك، وحكمه أن لا وقوع؛ لعدم وجود ما يصدق عليه اليوم.
(3)
. خلافا للنهاية.
أَوْ الْيَوْمُ فَإِنْ قَالَهُ نَهَارًا فَبِغُرُوبِ شَمْسِهِ وَإِلَّا لَغَا، وَبِهِ يُقَاسُ شَهْرٌ وَسَنَةٌ. أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ أَمْسِ، وَقَصَدَ أَنْ يَقَعَ فِي الحَالِ مُسْتَنِدًا إلَيْهِ وَقَعَ فِي الحَالِ، وَقِيلَ لَغْوٌ
أول الثاني وأخرى أول الثالث ولم ينتظر فيهما مضي ما يكمل به ساعات اليوم الأول; لأنه هنا لم يعلق بمضي اليوم حتى يعتبر كماله بل باليوم الصادق بأوله (أو) قال إذا مضى (اليوم) فأنت طالق (فإن قاله نهارا) أي أثناءه وإن بقي منه لحظة (فبغروب شمسه) ; لأن أل العهدية تصرفه إلى الحاضر منه (وإلا) يقله نهارا بل ليلا (لغا) فلا يقع به شيء؛ إذ لا نهار حتى يحمل على المعهود والحمل على الجنس متعذر؛ لاقتضائه التعليق بفراغ أيام الدنيا. وخرج بمضي اليوم قوله أنت طالق اليوم أو الشهر أو السنة أو هذا اليوم أو الشهر أو السنة فإنها تطلق حالا ولو ليلا; لأنه أوقعه وسمى الزمن بغير اسمه فلغت التسمية (وبه) أي بما ذكر (يقاس شهر وسنة) في التعريف والتنكير لكن لا يتأتى هنا إلغاء فيقع في إذا مضى الشهر أو السنة بانقضاء باقيهما، وإن قل فإن أراد الكامل دُيِّن. ويقع في ((إذا مضى شهر)) بمضيه وإن نقص لكن إن وافق آخر قوله ابتداء الشهر، فإن لم يوافقه فإن قاله ليلا وقع بمضي ثلاثين يوما ومن ليلة الحادي والثلاثين بقدر ما كان سبق من ليلة التعليق، أو نهارا فكذلك لكن من اليوم الحادي والثلاثين بعد التعليق، ومحله
(1)
إن كان في غير اليوم الأخير من الشهر فإن علَّق في اليوم الأخير أو الليلة الأخيرة من الشهر كفى بعده شهر هلالي، ويقع في ((إذا مضت سنة)) بمضي اثني عشر شهرا هلالية فإن انكسر الشهر الأول حسب أحد عشر شهرا بالأهلة وكملت بقية الأول ثلاثين يوما من الثالث عشر. والسنة للعربية، نعم يُدَيَّن مريدُ غيرها.
[فرع] حلف لا يقيم بمحل كذا شهرا فأقامه مفرقا حنث
(2)
على ما يأتي في الأيمان. ولو قال أنت طالق في أول الأشهر الحرم طلقت بأول القعدة; لأن الصحيح أنه أولها (أو) قال (أنت طالق أمس) أو الشهر الماضي أو السنة الماضية (وقصد أن يقع في الحال مستندا إليه) أي أمس أو نحوه (وقع في الحال) ; لأنه أوقعه حالا وهو ممكن وأسنده لزمن سابق وهو غير ممكن فألغي، وكذا لو قصد أن يقع أمس أو أطلق أو تعذرت مراجعته لنحو موت أو خرس ولا إشارة له مفهمة (وقيل لغو)؛ نظرا لإسناده لغير ممكن، ويُردُّ بأن الإناطة بالممكن أولى.
(1)
. أي محل تكميل الشهر بما ذكر.
(2)
. لكن المعتمد عدم الحنث كما مال إليه الشارح في الأيمان وجزم به في فصل ((علق بأكل رغيف)).
أَوْ قَصَدَ أَنَّهُ طَلَّقَ أَمْسِ، وَهِيَ الْآنَ مُعْتَدَّةٌ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ قَالَ طَلَّقْت فِي نِكَاحٍ آخَرَ، فَإِنْ عُرِفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَلَا
(أو قصد أنه طلق أمس وهي الآن معتدة) من طلاق رجعي أو بائن (صدق بيمينه)؛ لقرينة الإضافة إلى أمس، ثم إن صدقته فالعدة مما ذكر وإن كذبته أو لم تصدقه ولم تكذبه فمن حين الإقرار (أو قال) أردت أني (طلقت) ـها أمس (في نكاح آخر) فبانت مني ثم جددت نكاحها أو أن زوجا آخر طلقها كذلك (فإن عُرف) النكاح الآخر والطلاق فيه ولو بإقرارها (صدق بيمينه) في إرادة ذلك؛ للقرينة (وإلا) يعرف ذلك (فلا) يصدق ويقع حالا؛ لبعد دعواه. ولو قال أنت طالق قبل أن تخلقي طلقت حالا
(1)
، أو بين الليل والنهار فإن كان نهارا فبالغروب أو ليلا فبالفجر.
[تنبيه] ما تقرر في أنت طالق أمس من الوقوع حالا عملا بالممكن وهو الوقوع بأنت طالق وإلغاء لما لا يمكن وهو قوله أمس يوافقه الوقوع حالا في أنت طالق قبل أن تخلقي
؛ إلغاء لما لا يمكن وهو قبل أن تخلقي، وفي أنت طالق لا في زمن؛ إلغاءً للمحال وهو لا في زمن، وفي أنت طالق للبدعة ولا بدعة لها وللشهر الماضي فيقع فيهما حالا؛ إلغاء للمحال وهو ما بعد لام التعليل، وفي أنت طالق الآن طلاقا أثَّر في الماضي فيقع حالا ويلغو قوله أثر في الماضي; لأنه محال، وفي أنت طالق اليوم غدا؛ إلغاء للمحال وهو قوله غدا، وفي أنت طالق طلقة سنية بدعية وهي في حال البدعة؛ إلغاء للمحال وهو اجتماعهما من جهة واحدة. ويُلحق بهذه المسائل أنت طالق أمس غدا أو غدا أمس من غير إضافة فيقع صبيحة الغد ويلغو ذكر أمس; لأنه علَّقه بالغد وبالأمس ولا يمكن الوقوع فيهما ولا الوقوع في أمس فتعين الوقوع في غد؛ لإمكانه، وحاصل هذا إلغاء المحال والأخذ بالممكن فهو كما مر في أنت طالق أمس.
ويخالف هذه الفروع كلها عدم الوقوع أصلا؛ نظرا للمحال في أنت طالق بعد موتي أو معه، وفي أنت طالق مع انقضاء عدتك، وفي أنت طالق الطلقة الرابعة، وفي أنت طالق طلقة بائنة لمن يملك عليها الثلاث، أو رجعية لمن لا يملك عليها سوى طلقة أو لغير موطوءة، وفي أنت طالق الآن إذا دخلت الدار أو، وأنت طالق اليوم إذا جاء الغد أو إذا دخلت الدار فلا تطلق ولو بعد مجيء الغد أو دخول الدار; لأنه علقه بمجيء الغد فلا يقع قبله وإذا جاء الغد
(1)
. قيده في النهاية بما إذا لم تكن له إرادة.
وَأَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ: مَنْ، كَمَنْ دَخَلَتْ، وَإِنْ وَإِذَا، وَمَتَى، وَمَتَى مَا وَكُلَّمَا وَأَيُّ، كَأَيُّ وَقْتٍ دَخَلْتِ، وَلَا يَقْتَضِينَ فَوْرًا إنْ عَلَّقَ بِإِثْبَاتٍ فِي غَيْرِ خُلْعٍ إلَّا أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتِ،
أو دخلت الدار فقد فات اليوم أو الآن أي فلم يمكن إيقاعه بوجه، وفي أنت طالق إن جمعت بين الضدين أو نسخ رمضان أو تكلمت هذه الدابة فلا يقع؛ نظرا للمحال بأقسامه الثلاثة
(1)
.
والفرق بين هذين القسمين أن الصور الأولى غير مستقبلة فأُلغي المحال فيها ووقع الطلاق، أما صور القسم الثاني فهي مستقبلة صريحاً أو ملحقة بالمستقبل، وسبب هذا التفريق أن العرف المقتضي أن المستقبل يقصد بالتعليق به منع الوقوع فيؤثر منع الوقوع بخلاف غير المستقبل لا يقصد به أهل العرف ذلك فلم يؤثر عدم الوقوع، وتفصيل ذلك إنهم إنما منعوا الوقوع بالمحال عند التعليق به في الصور الثلاث الأخيرة، والتعليق إنما يكون بمستقبل فألحقنا به كل تنجيز كان فيه الربط بمستقبل كمع موتي أو بعده أو مع انقضاء عدتك بخلاف تنجيز ليس فيه ذلك الربط بأن ربط بماض أو حال أو لم يربط بماض ولا مستقبل فإنه لا ينظر للمحال فيه كأمس وقبل أن تخلقي ولا في زمن وللشهر الماضي وطلاقا أثر في الماضي وطلقة سنية بدعية، ويرد على هذا الفرق ((اليوم غدا)) حيث ألغوا غدا مع أنه مستقبل، ويجاب بأن إلغاءه هنا لمعارضة ضده له وهو اليوم الأقوى؛ لكونه حاضرا فقدمنا مقتضاه.
(وأدوات التعليق) كثيرة منها: (مَن، كمن دخلت) الدار من نسائي فهي طالق
(2)
(وإن) كإن دخلتِ الدار فأنتِ طالق أو أنتِ طالق، وكذا طلقتك بتفصيله الآتي قريبا، ويجري ذلك التفصيل في طلقتك إن دخلت (وإذا) وأُلحق بها إلى كإلى دخلت الدار فأنت طالق؛ لاطرادها في عرف أهل اليمن بمعناها (ومتى ومتى ما) بزيادة ما ومهما وما وإذما وأيَّاما وأين وأينما وحيث وحيثما وكيف وكيفما (وكلما وأي كأي وقت دخلتِ) الدار فأنت طالق (ولا يقتضين) أي هذه الأدوات (فورا) -إلا بقرينة خارجية- في المعلق عليه (إن علق بإثبات) أي فيه أو بمثبت كالدخول في إن دخلت (في غير خلع) ; لأنها وضعت لا بقيد دلالة على فور أو تراخٍ. وخرج بالإثبات النفي كما يأتي (إلا) إن قال (أنت طالق إن شئت) أو إذا شئت فإنه يعتبر
(1)
. أي العقلي والشرعي والعادي.
(2)
. ولو قال أنت طالق في الدار لم يقع إلا بدخولها على الأصح الذي اعتمده الشارح في الظهار 8/ 187.
وَلَا تَكَرُّرًا إلَّا كُلَّمَا، وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ طَلَّقَ أَوْ عَلَّقَ بِصِفَةٍ فَوُجِدَتْ فَطَلْقَتَانِ،
الفور في المشيئة؛ بناء على الأصح أنه تمليك بخلاف نحو متى شئت
(1)
. وخرج بخطابها إن شاءت خطاب غيرها فلا فور فيه، وفي إن شئتِ وشاء زيد يعتبر فيها لا فيه (ولا) يقتضين (تكررا) للمعلق عليه، بل إذا وجد مرة انحلت اليمين؛ لدلالتهن على مجرد وقوع الفعل الذي في حيزهن، وإن قيد بالأبد كإن خرجت أبدا إلا بإذني فأنت طالق; لأن معناه أيَّ وقت خرجت (إلا كلما
(2)
فإنها للتكرار وضعا واستعمالا.
[فرع] لو قال أنت طالق إن لم تتزوجي فلانا وقع حالا، ومثله إن لم تتزوجي فلانا فأنت طالق؛ لأنه من باب التعليق الطلاق بالتزوج المحال الشرعي
; لأنه حثٌّ على تزوجه المحال قبل الطلاق، ولو حلف بالثلاث أن زوج بنته ما عاد يكون لها زوجا ولم يُطلِّق الزوج عقب حلفه وقعن إن أراد انتفاء نكاحه بأن يطلقها وإلا فلا، ويجري هذا التقييد الأخير في إن فعلت كذا ما تصبحين أو تعودين لي بزوجة (ولو قال) لموطوءة أنت طالق كلما حللتِ حرمتِ وقعت واحدة إلا إن أراد بتكرر الحرمة تكرر الطلاق فيقع ما نواه، أو (إذا طلقتك) أو أوقعت طلاقك مثلا (فأنت طالق ثم طلق) ـها بنفسه دون وكيله من غير عوض بصريح أو كناية (أو علق) طلاقها (بصفة فوجدت فطلقتان) تقعان عليها إن ملكهما واحدة بالتطليق بالتنجيز أو التعليق بصفة وجدت، وأخرى بالتعليق بالتطليق; إذ التعليق مع وجود الصفة تطليق وقد وجدا بعد التعليق الأول، ومن ثم لو علق طلاقها أوَّلاً بصفة ثم قال إذا طلقتك فأنت طالق فوجدت الصفة لم يقع المعلق بالتطليق; لأنه لم يحدث بعد تعليق طلاقها شيئا. ولو قال لم أرد بذلك
(3)
التعليق بل إنك تطلقين بما أوقعته دُيِّن. أما غير موطوءة وموطوءة طلقت بعوض وطلاق الوكيل فلا يقع بواحد منها الطلاق المعلق؛ لبينونتها في الأولين، ولعدم وجود طلاقه في الأخيرة فلم يقع غير طلاق الوكيل وتنحل اليمين بالخلع؛ بناء على الأصح
(1)
. لكن اعتمد الشارح في فصل تفويض الطلاق في متى الفور خلافا لما هنا، وقد يفرق.
(2)
. قال الشارح في كتاب الأيمان: ((لو قال كلما لبستِ فأنتِ طالق تكرر الطلاق بتكرر الاستدامة فتطلق ثلاثا بمضي ثلاث لحظات وهي لابسته))، قال علي الشبراملسي:((لأنها بمنزلة الإيجاد)) 10/ 24.
(3)
. أي بقوله في مسألة المتن: إذا طلقتك فأنت طالق.
أَوْ كُلَّمَا وَقَعَ طَلَاقِي فَطَلَّقَ فَثَلَاثٌ فِي مَمْسُوسَةٍ وَفِي غَيْرِهَا طَلْقَةٌ. وَلَوْ قَالَ وَتَحْتَهُ أَرْبَعٌ إنْ طَلَّقْتُ وَاحِدَةً فَعَبْدٌ حُرٌّ، وَإِنْ ثِنْتَيْنِ فَعَبْدَانِ، وَإِنْ طَلَّقْتُ ثَلَاثًا فَثَلَاثَةٌ، وَإِنْ أَرْبَعًا فَأَرْبَعَةٌ فَطَلَّقَ أَرْبَعًا مَعًا أَوْ مُرَتِّبًا عَتَقَ عَشَرَةٌ، وَلَوْ عَلَّقَ بِكُلَّمَا فَخَمْسَةَ عَشَرَ عَلَى الصَّحِيح
أنه طلاق لا فسخ (أو) قال (كلما وقع طلاقي) عليك فأنت طالق (فطلَّق) هو أو وكيله (فثلاث في ممسوسة) ولو في الدبر ومستدخلة ماءه المحترم عند وجود الصفة، فإن لم يعبِّر بوقع بل بأوقعت أو بطلقتك طلقت ثنتين فقط لا ثالثة; لأن الثانية وقعت لا أنه أوقعها (وفي غيرها) عند وجود الصفة (طلقة) ; لأنها بانت بالأولى. (ولو قال وتحته) نسوة (أربع إن طلقت واحدة) من نسائي (فعبدٌ) من عبيدي (حر، وإن) طلقت (ثنتين فعبدان) حران (وإن طلقت ثلاثا فثلاثة) أحرار (وإن) طلقت (أربعا فأربعة) أحرار (فطلق أربعا معا أو مرتبا عتق عشرة) واحد بالأولى واثنان بالثانية وثلاثة بالثالثة وأربعة بالرابعة وتعيين المعتقين إليه، نعم يجب تمييز من يعتق بالأولى، ومن بما بعدها إذا طلق مرتبا؛ ليتبعهم كسبهم من حين العتق. ولو أبدل الواو بالفاء أو بثم لم يعتق فيما إذا طلق معا إلا واحد، أو مرتبا إلا ثلاثة واحد بطلاق الأولى، واثنان بطلاق الثالثة; لأنها ثانية الأولى
(1)
ولا يقع شيء بالثانية; لأنها لم توجد فيها بعد الأولى صفة اثنين، ولا بالرابعة; لأنه لم يوجد فيها بعد الثالثة صفة الثلاثة ولا صفة الأربعة. وسائر أدوات التعليق كإن في ذلك إلا كلما كما قال (ولو علق بكلما) في كل مرة أو في المرتين الأوليين (فخمسة عشر) عبدا يعتقون (على الصحيح) ; لأن صفة الواحدة تكررت أربع مرات; لأن كلا من الأربع واحدة في نفسها وصفة الثنتين لم تتكرر إلا مرتين; لأن ما عُدَّ باعتبار لا يعُدُّ ثانيا بذلك الاعتبار فالثانية عدت ثانية؛ لانضمامها للأولى فلا تعد الثالثة كذلك؛ لانضمامها للثانية بخلاف الرابعة فإنها ثانية بالنسبة للثالثة ولم تعد قبل ذلك كذلك وثلاثة وأربعة لم تتكرر، وبهذا اتضح أن كلما لا تحتاج إليها إلا في الأوليين; لأنهما المتكرران فقط، فإن أتى بها في الأولى فقط أو مع الأخيرين فثلاثة عشر أو في الثاني وحده أو معهما فاثنا عشر. ولو قال إن صليت ركعة فعبد حر وهكذا إلى عشرة عتق خمسة وخمسون; لأنها مجموع الآحاد من غير تكرار، فإن أتى بكلما عتق سبعة وثمانون.
(1)
. أي لأن قوله مثلا: ((ثم إن طلقت ثنتين فعبدان)) لم يتحقق إلا في الثالثة؛ لأنه في الثانية تحسب واحدة والثالثة واحدة فهو عند الثالثة تحقق أنه طلقها ثنتين.
وَلَوْ عَلَّقَ بِنَفْيِ فِعْلٍ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ كَإِنْ لَمْ تَدْخُلِي وَقَعَ عِنْدَ الْيَأْسِ مِنَ الدُّخُولِ، أَوْ بِغَيْرِهَا فَعِنْدَ مُضِيِّ زَمَنٍ يُمْكِنُ فِيهِ ذَلِكَ الْفِعْلُ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ أنْ دَخَلْتِ أَوْ أَنْ لَمْ تَدْخُلِي بِفَتْحِ أَنْ وَقَعَ فِي الحَالِ
(ولو علق بنفي فعل فالمذهب أنه إن علق بإن كإن لم تدخلي) الدار فأنت طالق أو أنت طالق إن لم تدخلي (وقع عند اليأس من الدخول) كأن مات أحدهما قبل الدخول فيحكم بالوقوع قبل الموت، أي إذا بقي ما لا يسع الدخول، ولا أثر هنا للجنون; لأن الدخول من المجنون كهو من العاقل. ولو أبانها بعد تمكنها من الدخول واستمرت إلى الموت ولم يتفق دخول لم يقع طلاق قبيل البينونة؛ لانحلال الصفة بدخولها لو وجد، وفي إن لم أطلقك فأنت طالق يحصل اليأس بموت أحدهما وبنحو جنونه المتصل بالموت فيقع قبيل الموت ونحو الجنون حينئذ أي بحيث لا يبقى زمن يمكن أن يطلقها فيه بخلاف مجرد الجنون؛ لتوقع الإفاقة والتطليق بعده، وبالفسخ المتصل بالموت أيضا فيقع قبيل الفسخ; لأن الفرض أنه رجعي فلا يقع اليأس قبيله؛ للدور بخلاف مجرد الفسخ; لأنه قد يجدد نكاحها وينشئ فيه طلاقا فتنحل اليمين; إذ لا يختص ما به البر والحنث هنا بحالة النكاح، فإن لم يجدده أو جدد ولم يطلق بان وقوعه قبيل الفسخ (أو) علق (بغيرها) كإذا وسائر ما مر (فـ) تطلق (عند مضي زمن يمكن فيه ذلك الفعل) وفارقت إن بأنها لمجرد الشرط
(1)
من غير إشعار لها بزمن بخلاف البقية كإذا فإنها ظرف زمان كمتى فتناولت الأوقات كلها، فمعنى إن لم تدخلي إن فاتك الدخول وفواته باليأس، ومعنى إذا لم تدخلي أي وقت فاتك الدخول فوقع بمضي زمن يمكن فيه الدخول فتركته بخلاف ما إذا لم يمكنها لإكراه أو نحوه. ويقبل ظاهرا قوله أردت بإن معنى إذا أو غيره كالتقييد بزمن قريب أو بعيد; لأنه غلَّظ على نفسه، ويقبل أيضا لو قال أردت بإذا لم تدخلي الدار أي غرَّة رمضان (ولو قال أنت طالق) إذ، أو (أن) دخلت أو إذ أو أن (لم تدخلي بفتح أن وقع في الحال) ; لأن أن المفتوحة ومثلها إذ للتعليل فالمعنى للدخول أو عدمه فلم يفترق الحال بين وجود الدخول وعدمه كما مر في لرضا زيد
(2)
، نعم محل كونها للتعليل في غير التوقيت أما فيه فلا بد من وجود الشرط كأنت طالق أن جاءت السنة أو البدعة أو للسنة أو
(1)
. يرد عليه من الشرطية وفي كلام المغني وشرح الروض ما يدل على إخراجها.
(2)
. أي من أنه يقع وأن كره 8/ 81.
قُلْتُ: إلَّا فِي غَيْرِ نَحْوِيٍّ فَتَعْلِيقٌ فِي الْأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
للبدعة فلا تطلق إلا عند وجود الصفة (قلت: إلا في غير نحوي) وهو من لا يفرق بين إن وأن (فتعليق في الأصح) فلا تطلق إلا إن وجدت الصفة (والله أعلم) ; لأن الظاهر قصده للتعليق. ومثله ما لو قال النحوي أنت طالق أن طلقتك بالفتح فإذا طلقها وقعت واحدة وكذا ثانية إن كان الطلاق رجعيا، نعم لو قال أنت طالق أن شاء الله بالفتح وقع حالا حتى من غير النحوي؛ احتياطا؛ لأن التعليل بالمشيئة يرفع حكم اليمين بالكلية فاشترط تحققه.
[فرع] لا يصح تعليق الطلاق المعلق
؛ لأن ما علقه بالشرط يتعلق به وحده فلا يقبل شركة فيه. ولو قال إن فعلت كذا طلقتك أو طلقتك إن فعلت كذا كان تعليقا لا وعدا فتطلق باليأس من التطليق، فإن نوى أنها تطلق بنفس الفعل وقع عقبه، أو أنه يطلقها عقبه وفعل وقع وإلا فلا، نعم يظهر في إن أبرأتِني طلقتُك أنه وعد. ولو قال إن خرجت حصل الطلاق لم يقع به شيء إن لم ينو به التعليق، وإلا وقع بالخروج. ولو قال عليَّ الطلاق إن طلبت الطلاق طلقتك فإن قصد تعليق طلاقها بطلبها فطلبته فأبى طلقت، وإن لم يقصد ذلك بل إنه يطلقها عقب طلبها فلم يفعل فكذلك أو بعد طلبها لم تطلق إلا باليأس. ولو قال هي طالق إن لم أو إلا أن أو بشرط أن أو على أن لا تتزوج بفلان طلقت ولغا ما شرطه؛ لاستحالة البر إذ لا يمكنها التزوج به وهي زوجة وعند استحالته يقع حالاً. ولو قال إن كلمت رجلا وأطلق شمل المحارم. ولو قال إن لم أخرج من هذه البلدة برَّ بوصوله لما يجوز القصر فيه وإن رجع حالا
(1)
، نعم لو كان اسم بلاده يطلق حتى على قُراها المضافة إليها اشترط خروجه من جميع قراها.
(1)
. ولو قال لها أنت طالق إن تخمر هذا العصير فتخلل ولم يعلم تخمره حنث نظرا للغالب أو المطرد كما ذكره الشارح في باب النجاسة 1/ 304.
فصل
عَلَّقَ بِحَمْلٍ فَإِنْ كَانَ بِهَا حَمْلٌ ظَاهِرٌ وَقَعَ، وَإِلَّا فَإِنْ وَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ التَّعْلِيقِ بَانَ وُقُوعُهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ سِنِينَ أَوْ بَيْنَهُمَا وَوُطِئَتْ وَأَمْكَنَ حُدُوثُهُ بِهِ فَلَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ وُقُوعُهُ
(فصل) في أنواع من التعليق بالحمل والولادة والحيض وغيرها
إذا (علَّق) الطلاق (بحمل) كإن كنتِ حاملا فأنت طالق (فإن كان بها حمل ظاهر) بأن ادعته وصدقها أو شهد به رجلان، فلا تكفي شهادة النسوة به كما لو علق بولادتها فشهدن بها لم تطلق وإن ثبت النسب والإرث; لأنه من ضروريات الولادة بخلاف الطلاق، نعم لو شهدن بذلك وحكم به ثم علق به وقع الطلاق، ثم الأصح عندهما أنه إذا وجد ذلك التصديق أو شهادة الرجلين (وقع) حالا (وإلا) يظهر حمل حل له الوطء; لأن الأصل عدم الحمل، نعم يندب تركه حتى يستبرئها بقرء احتياطا (فإن ولدت
(1)
لدون ستة أشهر) أو لستة أشهر فقط
(2)
؛ بناء على اعتبار لحظة للعلوق ولحظة للوضع فتكون الستة حينئذ ملحقة بما دونها (من التعليق) أي من آخره (بان وقوعه)؛ لتحقيق وجود الحمل حين التعليق؛ لاستحالة حدوثه؛ لما مر أن أقله ستة أشهر (أو) ولدته (لأكثر من أربع سنين) من التعليق وطئت أم لا (أو بينهما) أي الستة والأربع سنين
(3)
(ووطئت) بعد التعليق أو معه من زوج أو غيره (وأمكن حدوثه به) أي بذلك الوطء بأن كان بينه وبين وضعه ستة أشهر (فلا) طلاق فيهما؛ للعلم بعدمه عند التعليق في الأولى، ولجواز حدوثه في الثانية من الوطء مع أصل بقاء العصمة (وإلا) توطأ بعد التعليق أو وطئت وولدت لدون ستة أشهر من الوطء (فالأصح وقوعه)؛ لتبين الحمل ظاهرا، ولهذا ثبت نسبه منه.
[تنبيه] من أطلق إلحاق الستة أو الأربع بالدون عَدَّ لحظة العلوق منها أو بالفوق لم يعدها منها مع اعتبارها فلا خلاف في المعنى
، ثم النظر إلى الستة والأربعة إنما هو للغالب
(1)
. قيده بولد كامل في المغني.
(2)
. خلافا للنهاية.
(3)
. يقتضي إلحاق الأربعة بما فوقها وخالف في ذلك النهاية.
وَإِنْ قَالَ إنْ كُنْتِ حَامِلًا بِذَكَرٍ فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا وَقَعَ ثَلَاثٌ. أَوْ إِنْ كَانَ حَمْلُكِ ذَكَرًا فَطَلْقَةً أَوْ أُنْثَى فَطَلْقَتَيْنِ فَوَلَدَتْهُمَا لَمْ يَقَعْ شَيْءٌ أَوْإنْ وَلَدْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَوَلَدَتْ اثْنَيْنِ مُرَتَّبًا طَلُقَتْ بِالْأَوَّلِ، وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِالثَّانِي. وَإِنْ قَالَ كُلَّمَا وَلَدْتِ فَوَلَدَتْ ثَلَاثَةً مِنْ حَمْلٍ وَقَعَ بِالْأَوَّلَيْنِ طَلْقَتَانِ وَانْقَضَتْ بِالثَّالِثِ، وَلَا يَقَعُ بِهِ ثَالِثَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ
ويؤيد ذلك أنهم لم يعتبروا هنا إمكان استدخالها المني، وإنما فصَّلوا بين وقوع الوطء وعدمه بالفعل فاقتضى أنه لا نظر لذلك؛ لندرة الحمل منه جدا (وإن قال إن كنت حاملا بذكر) أو إن كان ببطنك ذكر (فـ) أنت طالق (طلقة أو) هي بمعنى الواو إن كنت حاملا بحمل (أنثى) أو إن كان ببطنك أنثى (فـ) أنت طالق (طلقتين فولدتهما) معا، أو مرتبا وبينهما دون ستة أشهر (وقع ثلاث)؛ لتحقق الصفتين كما لو علق بكلامها لرجل وبه لأجنبي وبه لطويل فكلمت من فيه الصفات الثلاث، فإن ولدت أحدهما فما علق به أو خنثى فطلقه حالا وتوقف الثانية؛ لاتضاحه، وتنقضي العدة في الكل بالولادة; لأنها طلقت باللفظ بخلافه فيما يأتي في إن ولدت (أو) قال (إن كان حملك) أو ما في بطنك (ذكرا فطلقة أو) بمعنى الواو (أنثى فطلقتين فولدتهما لم يقع شيء) ; لأن الصيغة تقتضي الحصر في أحدهما فمعهما لم يحصل الشرط، ولو تعدد الذكر أو الأنثى وقع ما علق به; لأن المفهوم من ذلك الحصر في الجنس لا الوحدة. ولو ولدت خنثى وحده فكما مر، أو مع ذكر وبان ذكرا فطلقة أو أنثى فلا طلاق، أو مع أنثى وبان أنثى فطلقتين أو ذكرا فلا طلاق (أو) قال (إن ولدت فأنت طالق) طلقت بولادة ما يثبت به الاستيلاد مما يأتي في بابه بشرط انفصال جميعه، فلو انفصل بعضه ومات أحد الزوجين قبل انفصال كله لم يقع شيء. وإذا علق بذلك (فولدت اثنين مرتبا طلقت بالأول وانقضت عدتها بالثاني) إن كان بين وضعه ووضع الأول دون ستة أشهر، وكذا إن كان من حمل آخر بأن وطئها بعد ولادة الأول وأتت بالثاني لأربع سنين فأقل، أما لو ولدتهما معا فيقع الطلاق بأحدهما ولا تنقضي العدة بالآخر بل تشرع فيها من وضعهما (وإن قال كلما ولدت) ولدا فأنت طالق (فولدت ثلاثة من حمل) واحدٍ مرتبين (وقع بالأولين طلقتان)؛ عملا بقضية كلما (وانقضت) عدتها (بالثالث)؛ لتبين براءة الرحم (ولا يقع به ثالثة) أو ولدت اثنين مرتبا فواحدة بالأول وانقضت عدتها بالثاني، ولا يقع به ثانية (على الصحيح)؛ لما مر أنه لا يقع به
وَتَعْتَدُّ بِالْأَقْرَاءِ. وَلَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ كُلَّمَا وَلَدَتْ وَاحِدَةٌ فَصَوَاحِبُهَا طَوَالِقُ فَوَلَدْنَ مَعًا طَلُقْنَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا أَوْ مُرَتَّبًا طَلُقَتِ الرَّابِعَةُ ثَلَاثًا، وَكَذَا الْأُولَى إنْ بَقِيَتْ عِدَّتُهَا، وَالثَّانِيَةُ طَلْقَةً، وَالثَّالِثَةُ طَلْقَتَيْنِ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهُمَا بِوِلَادَتِهِمَا، وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ الْأُولَى، وَتَطْلُقُ الْبَاقِيَاتُ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَإِنْ وَلَدَنَ ثِنْتَانِ مَعًا ثُمَّ ثِنْتَانِ مَعًا طَلُقَتْ الْأُولَيَانِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا، وَقِيلَ طَلْقَةً، وَالْأُخْرَيَانِ طَلْقَتَيْنِ طَلْقَتَيْنِ
إلا عند تمام انفصاله وهو وقت انقضاء العدة؛ لبراءة الرحم به، ومقارنة الوقوع لانقضائها متعذر; إذ لا عصمة حينئذ، ولهذا لو قال أنت طالق مع موتي لم يقع. ولو قال لغير موطوءة إذا طلقتك فأنت طالق فطلقها لم تقع المعلقة؛ لمصادفتها البينونة. ولو ولدت أربعة من حمل واحد مرتين طلقت ثلاثا وانقضت عدتها بالرابع، أما لو ولدتهم معا فيقع الثلاث (وتعتد بالأقراء) فإن لم يقل هنا ولدا ونواه فكذلك وإلا وقعت واحدة فقط (ولو قال لأربع) حوامل منه (كلما) فالأحكام الآتية خاصَّة بكلما فقط
(1)
دون غيرهما من الأدوات (ولدت واحدة) منكن (فصواحبها طوالق فولدن معا) أو ثلاث معا ثم الرابعة وقد بقيت عدتهن إلى ولادتها (طلقن ثلاثا ثلاثا) ; لأن لكلِّ واحدة ثلاث صواحب فيقع بولادة كلٍّ على من عداها طلقة طلقة لا على نفسها، ويعتددن جميعا بالأقراء إلا الرابعة في الصورة الثانية فبالوضع، وكرر ثلاثا؛ لئلا يُتوهم أنه لمجموعهن (أو) ولدن (مرتبا طلقت الرابعة ثلاثا) بولادة كل من الثلاث طلقة، وانقضت عدتها بولادتها (وكذا الأولى) تطلق ثلاثا (إن بقيت عدتها) عند ولادة الرابعة; لأنه وُلد بعدها ثلاث وهي في العدة، وتعتد بالأقراء ولا تستأنف للطلقة الثانية والثالثة بل تبني على ما مضى من عدتها (و) طلقت (الثانية طلقة) بولادة الأولى (و) طلقت (الثالثة طلقتين) بولادة الأولى والثانية (وانقضت عدتهما بولادتهما) فلا يلحقهما طلاق مَنْ بَعْدَهُما ما لم يلدا توأمين ويتأخر ثانيهما لولادة الرابعة فتطلقان ثلاثا ثلاثا، وسيذكر أن شرط انقضاء العدة بالولد لحوقه بالزوج، (وقيل لا تطلق الأولى وتطلق الباقيات طلقةً طلقةً) ; لأن من علَّق طلاقهن بولادتها خرجن عن كونهن صواحب لها (وإن ولدن ثنتان معا ثم ثنتان معا) وعدة الأولين باقية (طلقت الأوليان ثلاثا ثلاثا) واحدة بولادة من معها وثنتان بولادة الأخيرتين، أما إذا لم تبق عدة الأوليين لولادة الأخيرتين فلا يقع على من انقضت عدتها إلا طلقة (وقيل) تطلق كل منهما (طلقة)؛ بناء على الضعيف السابق (و) طلقت (الأخريان طلقتين طلقتين) بولادة الأوليين، ولا
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني حيث اعتمد أن مثلها أي.
وَتُصَدَّقُ بِيَمِينِهَا فِي حَيْضِهَا إذَا عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِهِ، لَا فِي وِلَادَتِهَا فِي الْأَصَحِّ
يقع على كل منهما بولادة من معها شيء؛ لانقضاء عدتيهما بولادتهما. وإن ولدن ثنتان مرتبا ثم ثنتان معا طلقت الأولى ثلاثا والثانية طلقة والأخريان طلقتين طلقتين، أو ثنتان معا ثم ثنتان مرتبا طلقت الأوليان والرابعة ثلاثا ثلاثا والثالثة طلقتين، أو واحدة ثم ثلاثا معا طلقت الأولى ثلاثا ومن بعدها طلقة طلقة، أو واحدة ثم اثنتان معا ثم واحدة طلقت الأولى والرابعة ثلاثا ثلاثا والثانية والثالثة طلقة طلقة، وتبين كل منهما بولادتها. والتعليق بالحيض أو برؤية الدم يقع الطلاق فيه برؤية أو علم أول دم يطرأ بعد التعليق ويمكن كونه حيضا، ثم إن انقطع قبل أقله بان أن لا طلاق، ومرَّ أنها لو ماتت بعد رؤيته وقبل يوم وليلة وقع؛ عملا بالظاهر، وكالحيض فيما ذكر -أنه في التعليق لا بد من ابتدائه ولا تكفي استدامته- الطهر وسائر الأوصاف غير الاختيارية، فإن علّق بالحيض في أثنائه لم يقع حتى تطهر ثم يبتدئها الحيض، فإن قال حيضة لم تطلق إلا بتمام حيضة آتية بعد التعليق، أما الأوصاف الاختيارية كالركوب فتكون الاستدامة فيها كالابتداء (وتصدق) المرأة (بيمينها في حيضها) وإن خالفت عادتها (إذا علقها) أي طلاقها (به) أي الحيض فادعته وكذبها; لأنها مؤتمنة عليه، لكن لتهمتها فيه -لنحو كراهة الزوج- حُلِّفت، وسيأتي ما يعلم منه أن هذا لا يخالف القاعدة المشار إليها فيما يأتي، وحاصلها أنه متى علق بوجود شيء يمكن إقامة الزوجة البينة عليه فادعته وأنكر صدق بيمينه أو بنفيه فادعى وجوده وأنكرت فإن لم يتعلق بفعله أو فعلها كأن لم يدخل زيد الدار صدق أيضا؛ لأصل بقاء النكاح، وإن كان الأصل عدم الفعل، وإن تعلق بأحدهما فإن لم يعرف إلا من جهة صاحبه غالبا كالحُبِّ والنية صدق صاحبه بيمينه في وجوده وعدمه، نعم إن علّق بضربه لها فضرب غيرها فأصابها وادعى أنه إنما قصد غيرها لم يقبل
(1)
إلا إن دلت القرينة على صدقه، ومتى لزمه اليمين فنكل هو أو وارثه حلفت هي أو وارثها وطلقت، وفيما إذا علق بما لا يعلم إلا من الغير كمحبته أو عدمها فادعاه الزوج وأنكر الغير حلفت هي لا الغير (لا في ولادتها) فلا تصدق فيها إذا علق طلاقها بها فادعتها وقال بل الولد مستعار (في الأصح) كسائر الصفات الظاهرة؛ لسهولة إقامة البينة عليها بخلاف الحيض فإن قيامها به متعسر؛ إذ الدم المشاهد يحتمل كونه دم استحاضة، وهو مرادهما هنا بتعذره، فلا ينافي قولهما
(1)
. أي ظاهراً كما ذكره الشارح في كتاب الأيمان 10/ 55.
وَلَا تُصَدَّقُ فِيهِ فِي تَعْلِيقِ غَيْرِهَا. وَلَوْ قَالَ إنْ حِضْتُمَا فَأَنْتُمَا طَالِقَتَانِ فَزَعَمَتَاهُ وَكَذَّبَهُمَا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ وَلَا يَقَعُ، وَإِنْ كَذَّبَ وَاحِدَةً طَلُقَتْ فَقَطْ. وَلَوْ قَالَ إنْ أَوْ إذَا أَوْ مَتَى طَلَّقْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا فَطَلَّقَهَا وَقَعَ المُنَجَّزُ فَقَطْ،
في الشهادات تقبل الشهادة به (ولا تصدق فيه) أي الحيض إذا كان من غيرها مطلقا أو من نفسها إذا كان (في تعليق) طلاق (غيرها) به كإن حضت فضرتك طالق فادعته وكذبها فيصدق هو؛ عملا بأصل تصديق المنكر، لا هي؛ إذ لا بد من اليمين وهي من الغير ممتنعة، وفارق تصديقها من غير يمينها في نحو المحبَّة بالنسبة لطلاق غيرها إن حلفت بإمكان إقامة البينة على الحيض في الجملة بخلاف المحبة. ولو قال إن علمت كذا فأنت طالق فقالت علمت لم تطلق; لأن أحد قيدي العلم المطابقة الخارجية فلم يقبل قولها فيه؛ لإمكان البينة عليه فلا بد أن يعلم من خارج وقوع ذلك الشيء، ويؤخذ من ذلك أن محله في نحو إن علمت دخول زيد الدار لا في نحو إن علمت محبته; لأن هذا لا يمكن إقامة البينة عليه، ومن ثم لو قال إن أبرأتني من مهرها فأبرأته ثم ادعى جهلها به -ليبطل البراءة- وقالت بل أعرفه صدقت بيمينها أنها تعلم قدره وصفته حال البراءة، ولا يتغير الحكم إن طلب تجربتها بذكر قدره فلم تذكره؛ لاحتمال طرو النسيان عليها (ولو قال) لزوجتيه (إن حضتما فأنتما طالقان فزعمتاه
(1)
-ولو فورا بأن ادعتا طروه عقب لفظه- وصدقهما طلقتا (و) إن (كذبهما صُدِّق بيمينه ولا يقع) طلاق واحدة منهما; لأن طلاق كل واحدة منهما معلق بشرطين
(2)
ولم يثبت بقولهما والأصل عدم الحيض وبقاء النكاح، نعم إن أقامت كلٌّ منهما بينة مكونة من رجلين
(3)
بحيضها وقع (وإن كذب واحدة طلقت فقط) إذا حلفت؛ لثبوت الشرطين في حقها حيض ضرتها باعترافه وحيضها بحلفها، ولا تطلق المصدقة؛ إذ لم يثبت حيض صاحبتها في حقها؛ لتكذيبه (ولو قال إن أو إذا أو متى طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا) في موطوءة أو غيرها أو واحدة أو ثنتين في غير موطوءة، أو إن طلقت ثلاثا فأنت طالق قبله واحدة (فطلقها وقع المنجز فقط
(4)
وهو
(1)
. المراد بالزعم هنا ما لم يقم عليها دليل خلافا لهما من أن مراده القول الصحيح، وهنا إيراد على المتن رده الشارح واقره المغني.
(2)
. أي حيضتها وحيض ضرتها.
(3)
. مبني على أ ن الحيض يثبت بشهادة الرجال وفي المغني والنهاية خلافه.
(4)
. إبطالا للدور، وقوله ((أو واحدة أو اثنتين في غير موطؤة)) مفهومه أنه في الموطؤة لا دور فيقع المنجز والمعلق إذا لم يكمل العدد قبله، كتبه الشيخ محمد بن علي باعوضان.
وَقِيلَ ثَلَاثٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ. وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْتُ مِنْكِ أَوْ آلَيْتُ أَوْ لَاعَنْتُ أَوْ فَسَخْتُ بِعَيْبِك فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ وُجِدَ المُعَلَّقُ بِهِ فَفِي صِحَّتِهِ الخِلَافُ. وَلَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك مُبَاحًا فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ ثُمَّ وَطِئَ لَمْ يَقَعْ قَطْعًا. وَلَوْ عَلَّقَهُ بِمَشِيئَتِهَا خِطَابًا اُشْتُرِطَتْ عَلَى فَوْرٍ
الثلاث في الأخيرة، لا المعلق؛ إذ لو وقع لمنع وقوع المنجز وإذا لم يقع لم يقع المعلق؛ لبطلان شرطه (وقيل ثلاث) المنجزة وطلقتان من الثلاث المعلقة (وقيل لا شيء) يقع من المنجز ولا المعلق؛ إبطالاً للدور، وعلى صحة الدور فلو أقر بعد الطلاق أنه لم يصدر منه تعليقه ثم أقام بينة به لم تقبل؛ لتكذيبه لها بإقراره الأول (ولو قال إن ظاهرت منك أو آليت أو لاعنت أو فسخت) النكاح (بعيبك) مثلا (فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وجد المعلق به) من الظهار وما بعده (ففي صحته) أي المعلق به من الظهار وما بعده (الخلاف) السابق فإن ألغينا الدور
(1)
صح جميع ذلك وإلا فلا. (ولو قال إن وطئتك) وطأً (مباحا فأنت طالق قبله) وإن لم يقل ثلاثا (ثم وطئ) ولو في نحو حيض; لأن المراد المباح لذاته فلا ينافيه الحرمة العارضة. فخرج الوطء في الدبر فلا يقع به شيء; لأنه لم يوجد الوطء المباح لذاته (لم يقع قطعا)؛ للدور إذ لو وقع لخرج الوطء عن كونه مباحا ولم يقع، ولم يأت هنا ذلك الخلاف; لأن محله إذا انسد بتصحيح الدور باب الطلاق أو غيره من التصرفات الشرعية وذلك غير موجود هنا.
[تنبيه] ليس لقاضٍ الحكمُ بصحة الدور
، نعم إن اعتقد صحته بتقليد قائله وصححناه لم يكن له الحكم به إلا بعد وجود ما يقتضي الوقوع وإلا كان حكما قبل وقته. ولو وجد ما يقتضي وقوع طلقة فحكم بإلغائها لم يكن حكما بإلغاء ثانية لو وقعت، فإن تعرض في حكمه لذلك فهو سفه وجهل؛ لإيراده الحكم في غير محله (ولو علقه) أي الطلاق (بمشيئتها خطابا) كأنت طالق إن أو إذا شئت أو إن شئت فأنت طالق (اشترطت) مشيئتها -وهي مكلفة أو سكرانة- باللفظ منجزة لا معلقة ولا مؤقتة، أو بالإشارة من خرساء ولو كان خرسها بعد التعليق. ويتعين لفظ شئت هنا فلو أبدلتها بلفظ أردت لم يقع (على فور) بأن لا يتخلل بينهما كلام أجنبي ولا سكوت طويل، نعم لو قال متى أو أي وقت
(1)
. أي أبطلناه وهو الراجح.
أَوْ غَيْبَةً، أَوْ بِمَشِيئَةِ أَجْنَبِيٍّ فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ قَالَ المُعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ شِئْتُ كَارِهًا بِقَلْبِهِ وَقَعَ، وَقِيلَ لَا يَقَعُ بَاطِنًا. وَلَا يَقَعُ بِمَشِيئَةِ صَبِيٍّ وَ صَبِيَّةٍ، وَقِيلَ يَقَعُ بِمُمَيِّزٍ وَلَا رُجُوعَ لَهُ قَبْلَ المَشِيئَةِ. وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ زَيْدٌ طَلْقَةً فَشَاءَ طَلْقَةً لَمْ تَطْلُقْ، وَقِيلَ يَقَعُ طَلْقَةً،
مثلا شئت لم يشترط فور (أو غيبة) كزوجتي طالق إن شاءت وإن كانت حاضرة سامعة (أو بمشيئة أجنبي) كإن شئتَ فزوجتي طالق (فلا) يشترط فور في الجواب (في الأصح)؛ لبعد التمليك في الأول مع عدم الخطاب، ولعدم التمليك في الثاني، نعم إن قال إن شاء زيد لم يشترط فور جزما. ولو جمع بينها وبينه فلكلٍّ حكمه (ولو قال المعلَّق بمشيئته) مِن زوجةٍ أو أجنبي (شئت) ولو سكرانا أو (كارها) للطلاق (بقلبه وقع) الطلاق ظاهرا وباطنا; لأن القصد اللفظ الدال، لا ما في الباطن؛ لخفائه (وقيل لا يقع باطنا) كما لو علقه بحيضها فأخبرته كاذبة، ورُدَّ بأن التعليق هنا على اللفظ وقد وجد، ومن ثم لو وجدت الإرادة دون اللفظ لم يقع إلا إن قال إن شئت بقلبك. ولو علق بمحبتها له أو رضاها عنه فقالت ذلك كارهة بقلبها لم تطلق باطنا (ولا يقع) الطلاق (بمشيئة صبي و) لا (صبية) ; لأن عبارتهما ملغاة في التصرفات كالمجنون (وقيل يقع بـ) مشيئة (مميز) ; لأن للمشيئة من المميز دخلا في اختياره لأبويه، ويُرَدُّ بوضوح الفرق إذ ما هنا تملك أو يشبهه، ومحل الخلاف إن لم يقل إن قلت شئت وإلا وقع بمشيئته
(1)
; لأنه بتعليقه بالقول صرف لفظ المشيئة عن مقتضاه من كونه تصرفا يقتضي الملك أو شبهه (ولا رجوع له قبل المشيئة)؛ نظرا إلى أنه تعليق ظاهرا وإن تضمن تمليكا كما لا يرجع في التعليق بالإعطاء وإن تضمن معاوضة (ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا أن يشاء زيد طلقة فشاء طلقة) أو أكثر (لم تطلق) ; لأنه استثناء من أصل الطلاق كأنت طالق إلا أن يدخل زيد الدار، فإن لم يشأ شيئا في حياته وقع الثلاث قبيل نحو موته (وقيل يقع طلقة)؛ إذ التقدير إلا أن يشاء واحدة فتقع فالإخراج من وقوع الثلاث دون أصل الطلاق، وتقبل ظاهرا إرادته هذا; لأنه غلظ على نفسه كما لو قال أردت بالاستثناء عدم وقوع طلقة إذا شاءها فتقع طلقتان.
(1)
. أي المميز، والتمييز عند المغني ليس قيداً.
وَلَوْ عَلَّقَ بِفِعْلِهِ فَفَعَلَ نَاسِيًا لِلتَّعْلِيقِ أَوْ مُكْرَهًا لَمْ تَطْلُقْ فِي الْأَظْهَرِ،
(ولو علق) الزوج الطلاق (بفعله) كدخوله الدار، وقد قصد حث نفسه أو منعها -بخلاف ما إذا أطلق أو قصد التعليق بمجرد صورة الفعل فإنه يقع مطلقا
(1)
- (ففعله ناسيا للتعليق أو مكرها) عليه بباطل
(2)
أو بحق، أو جاهلا بأنه المعلق عليه، ومن الجهل أن تُخبر -مَن حلف زوجها أنها لا تخرج إلا بإذنه- بأنه أذن لها وإن بان كذبه
(3)
، ومنه أيضا ما لو خرجت ناسية فظنت انحلال اليمين أو أنها لا تتناول إلا المرة الأولى فخرجت ثانيا، نعم لا بد من قرينة على ظنها؛ لما يأتي، فالحاصل أنه متى استند ظنها إلى أمر تُعْذَر معه لم يحنث أو إلى مجرد ظن الحكم حنث، أما إن جهل بحكم التعليق -وهو وقوع الطلاق بفعل المعلَّق عليه- فلا يعذر إلا إن اعتمد على من قال له ليس هذا هو المحلوف عليه أو على من يظنه فقيها كأن علق بشيء فقال له أو أخبره عنه من وقع في قلبه صدقه ((لا يقع بفعلك له)) ففعله معتمدا على ذلك فلا يقع به عليه شيء; لأنه الآن صار جاهلا بأنه المعلق عليه مع عذره ظاهرا (لم تطلق في الأظهر)؛ للخبر الصحيح ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) أي لا يؤاخذهم بأحكام هذه إلا ما دلَّ عليه الدليل كضمان قيم المتلفات، وعلى الأظهر لا فرق بين الحلف بالله وبالطلاق، ولا بين
(4)
أن ينسى في المستقبل فيفعل المحلوف عليه أو ينسى فيحلف على ما لم يفعله أنه فعله أو بالعكس كأن حلف على نفي شيء وقع جاهلا به أو ناسيا له وإن قصد أن الأمر كذلك في الواقع بحسب اعتقاده. والحاصل أن من حلف على أن الشيء الفلاني لم يكن أو كان أو سيكون أو إن لم أكن فعلت أو إن لم يكن فعل أو في الدار ظنا منه أنه كذلك أو اعتقادا لجهله به أو نسيانه له ثم تبين أنه على خلاف ما ظنه أو اعتقده فإن قصد بحلفه أن الأمر كذلك في ظنه أو اعتقاده أو فيما انتهى إليه علمه -أي لم يعلم خلافه- فلا حنث; لأنه إنما ربط حلفه بظنه أو اعتقاده وهو صادق فيه، وإن لم يقصد شيئا فكذلك على الأصح؛ حملا
(1)
. خلافا للرملي.
(2)
. خلافا للنهاية ووالده.
(3)
. أي الخبر أو المخبر المفهوم من السياق. اهـ، سيد عمر.
(4)
. خلافا لشرح المنهج.
أَوْ بِفِعْلِ غَيْرِهِ مِمَّنْ يُبَالِي بِتَعْلِيقِهِ وَعَلِمَ بِهِ فَكَذَلِكَ،
للفظ على حقيقته وهي إدراك وقوع النسبة أو عدمه بحسب ما في ذهنه لا بحسب ما في نفس الأمر؛ للخبر المذكور، وإن قصد أن الأمر كذلك في نفس الأمر بأن يقصد به ما يقصد بالتعليق عليه حنث -كما يقع الطلاق المعلق بوجود صفة- بخلاف ما لو قصد أنه في الواقع كذلك بحسب اعتقاده؛ إ ذ مع تلك الحيثية لا وجه لعدم الوقوع إذا بان أن ما في نفس الأمر خلاف ما علق عليه. ولو علق بفعله وإن نسي أو أكره أو قال لا أفعله عامدا ولا غير عامد حنث مطلقا اتفاقا، وأُلحق به ما لو قال لا أفعل بطريق من الطرق، أما لو علق بأنه لا ينسى فنسي فلا يحنث; لأنه لم ينس بل نُسِّي كما في الحديث.
[تنبيه مهم] محل قبول دعوى نحو النسيان ما لم يسبق منه إنكار أصل الحلف أو الفعل
، أما إذا أنكره فشهد الشهود عليه به ثم ادعى نسيانا أو نحوه فلا يقبل؛ للتناقض في دعواه فألغيت وحكم بقضية ما شهدوا به وإن ثبت الإكراه ببينة; لأنه مكذب لها بما قاله أوّلا بخلاف ما إذا أقر بذلك فيقبل دعواه لنحو النسيان؛ لعدم التناقض، ومر أن الإكراه لا يثبت إلا ببينة مفصلة (أو) علق (بفعل غيره) من زوجة أو غيرها (ممن يبالي بتعليقه) بأن تقضي العادة والمروءة بأنه لا يخالفه ويبرُّ يمينه لنحو حياء أو صداقة أو حسن خلق، فلو نزل به عظيمُ قَرْيَةٍ فحلف أن لا يرحل حتى يضيفه فهو مثال لما ذكر (وعلم) ذلك الغير (به) أي بتعليقه، أي وقصد المعلق من التعليق منع من يبالي بتعليقه من الفعل أو حثّه عليه، ويقبل قوله لم أعلم وإن تحقق علمه لكن إن طال الزمن بحيث قرب نسيانه لذلك (فكذلك) لا يحنث بفعله ناسيا للتعليق أو المعلق به أو مكرها عليه
(1)
، ومنه
(2)
أن يعلق بانتقال زوجته من بيت أبيها فيحكم القاضي على الأب أو على الزوجة به وإن كان هو المدعي، ولا يحنث كذلك بفعله جاهلا بالتعليق أو المعلق به، وتتوقف كونه ممن يبالي به على بينة، ولا يكتفى فيه بقول الزوج، ولا بقول المعلق بفعله؛ لسهولة علمه من غيره كالإكراه بخلاف دعواه النسيان أو الجهل فإنه يقبل وإن كذبه الزوج كما لو فوَّض إليها الطلاق بكناية فأتت بها وقالت لم أنو
(1)
. يؤخذ من كلام شرح المنهج تخصيصه بما إذا كان الإكراه من غير الحالف.
(2)
. خلافا للشهاب الرملي.
وَإِلَّا فَيَقَعُ قَطْعًا
وكذبها لا تطلق، وقيل تطلق باعترافه، ومحل الخلاف في مجرد تكذيبه لها، أما لو ادعت عليه بنفقتها مثلا فقال لا تلزمني لأنك نويت فلا بد من حلفها، فإن نكلت فحلف طلقت اتفاقا; لأن نكولها قرينة مسوغة لحلفه فكان كإقرارها. ويجري هذا فيما لو علق بكلٍّ ما لا يعلم إلا منها كمحبتها له وادعاها فأنكرت، ومن دعوى الجهل بالمحلوف عليه أن تريد الخروج لمحل معين فيحلف أنها لا تخرج فتخرج ثم تدعي أنه لم يحلف إلا على الخروج لذلك المحل وأنها لم تخرج إليه فلا حنث؛ لقيام القرينة على صدقها في اعتقادها المذكور وهو مستلزم لجهلها بالمحلوف عليه، وحينئذ فلا نظر هنا إلى تكذيب الزوج لها أيضا. ولو صدقه الزوج في دعوى النسيان وكذبته حلف الزوج لا المعلق بفعله. ولو ادعى المبالى بفعله المُعَلَّقُ بفعله النسيانَ ثم العلم لم يعمل بما قاله ثانيا (وإلا
(1)
بأن لم يبال بتعليقه كسلطان أو حجيج علق بقدومه -علم أوْ لا، قصد إعلامه أوْ لا- أو بالى به ولم يقصد إعلامه لحثه أو لمنعه وإن علم به (فيقع قطعا) ولو مع نحو النسيان أو الإكراه; لأن الحلف لم يتعلق به حينئذ غرض حث ولا منع وإنما هو منوط بوجود صورة الفعل.
[تنبيه] لا يقع طلاق بحصول صفة من مجنون، فلو علق بقدوم زيد فجنَّ ثم قدم لم يقع سواء كان زيد مجنونا أم عاقلا حال إنشاء التعليق
(2)
، ولا يرد على المتن عدم الوقوع في نحو طفل أو بهيمة أو مجنون عُلق بفعلهم فأكرهوا عليه؛ لأن الشارع لما ألغى فعل هؤلاء وانضم إليه الإكراه أخرجه عن أن ينسب إليهم، وبه فارق الوقوع مع الإكراه فيما ذكر آنفا.
وخرج بما ذكر في المتن ما لو أطلق فلم يقصد حثا ولا منعا ولا تعليقا محضا بل أخرجه مخرج اليمين فيقع
(3)
. وإذا لم يقع بفعل نحو الناسي لا تنحل به اليمين، ويؤخذ من عدم انحلالها بما أكره عليه أن من حلف لا يكلم غيره فأجبره القاضي على كلامه فكلمه لم يحنث بما يزول به الهجر المحرم وهو مرة في كل ثلاثة أيام
(4)
; لأن هذه هي المُكْرَه عليها بخلاف الزائد
(1)
. لا يدخل فيها ما لو بالى به ولم يعلم وقد قصد إعلامه؛ لأن المعتمد فيها عدم الوقوع، وفاقا لشرح المنهج وخلافا للنهاية.
(2)
. انظر تفريق الشارح في التنبيه 8/ 101.
(3)
. خلافا للرملي.
(4)
. خلافا لما أفتى به الشهاب الرملي من تخصيص ذلك بالثلاثة الأيام الحاضرة دون المستقبلة.
عليها في الثلاث فإن الإكراه لا يتناوله. ولا تنحل أيضا في نحو إن خرجت لابسة الحرير فخرجت لابسة غيره ثم خرجت لابسة له فيحنث; لأن الخرجة الأولى لم يتناولها اليمين أصلا؛ إذ التعليق فيها ليس له إلا جهة حنث وهي الخروج المقيد بلبس الحرير فمتى وجد حنث وخروجها غير لابسة لا يسمى جهة بر؛ لما تقرر أن اليمين لم تتناوله بخلاف إن خرجت بغير إذني فخرجت بإذنه ثم بغير إذنه لا حنث; لأن لها جهة بر وهي الأولى، وجهة حنث وهي الثانية فتناولت كلا منهما. ولو حلف لا يسافر معه فسافر وحده ثم سافر معه حنث؛ لعدم الانحلال. ولو حلف لا يرد الناشزة أحد فاكترت الناشزة دابة ورجعت مع صاحب الدابة لم تطلق; لأنه صحبها ولم يردها وانحلت، فلو خرجت
(1)
فردَّها الزوج أو غيره لم يحنث؛ إذ ليس في اللفظ ما يقتضي تكرارا، وتنحل أيضا في إن رأيت الهلال وصرح بالمعاينة، أو فسر بها وقبلناه فمضى ثلاث ليال فلم يره فيها من أول شهر يستقبله. وفي إن دخلت إن كلمت فأنت طالق يشترط تقديم الأخير
(2)
، فإن عكست أو وجدا معا لم تطلق، ومع ذلك فاليمين باقية حتى أنه لو دخلت بعد ذلك حنث لأن المحلوف عليه دخولٌ سَبَقَهُ كلام ولم يوحد إلا بعضه. ولو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم قبل أكثر من شهر من أثناء التعليق لم تطلق وانحلت، حتى لو قدم زيد بعدُ بأن سافر ثم قدم وقد مضى أكثر من شهر لم تطلق، وفي إن دخلت أو كلمت فأنت طالق تطلق بأحدهما، وكذا إن قدَّم أنت طالق على الشرط وانحلت يمينه فيهما فلا يقع بالصفة الأخرى شيء، وفي إن تركت طلاقك فأنت طالق يقع إذا لم يطلقها فورا وكذا ((إن سَكَتُّ عنه
(3)
بخلاف ((إن لم أترك أو إن لم أطلق)) فلا فور، فإن طلق فورا انحلت يمين الترك فلا تقع أخرى; لأنه لم يترك طلاقها بخلاف يمين السكوت فتقع أخرى بسكوته وانحلت يمينه.
[فرع] علق الطلاق بصفة ثم وجدت واستمر معاشرا لزوجته ثم مات لم ترث منه
؛ لوقوع الطلاق عليها بظاهر وجود الصفة، ويوافق ذلك إفتاء بعضهم فيمن حلف لا يدخل زيد الدار فدخل وشك أهو مبال أو ناس؟ وهل قصد الحالف منعه أو لا؟ بأنه يحنث بالدخول
(1)
. أي ثانياً.
(2)
؛ لأنه شرط للأول فهو تعليق للتعليق وهو يقبله.
(3)
. أي قال: إن سكت عن طلاقك فأنت طالق فهذه يمين السكوت فإذا طلق فيها فورا تقع واحدة بتطليقه وثانية بسكوته عقبه ثم تنحل اليمين.
فصل
قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَأَشَارَ بِأُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ لَمْ يَقَعْ عَدَدٌ إلَّا بِنِيَّةٍ، فَإِنْ قَالَ مَعَ ذَلِكَ هَكَذَا طَلُقَتْ فِي إِصْبَعَيْنِ طَلْقَتَيْنِ وَفِي ثَلَاثٍ ثَلَاثًا،
وإن لم يعلم حال الداخل، نعم يخالف ذلك ما في الروضة في أنت طالق أمس فقد ذكر أحوالا منوطة بإرادته بعضها يقع وبعضها لا، ثم قال فإن مات ولم يفسر حنث، وفي إن لم أصطد هذا الطائر اليوم فأصطاد طائرا وشك أهو هو أو لا؟ لا حنث، ورجح أيضا في إن لم يدخل أو إن لم يشأ اليوم وجهل دخوله أو مشيئته أنه لا حنث. ولك أن تقول لا تخالف في الحقيقة; لأن المعلق عليه تارة يوجد ويشك في مقارنة مانع له لم يدل عليه اللفظ كالنسيان وهذا لا أثر للشك فيه; لأن الأصل عدم المانع ومجرد احتمال وجوده لا أثر له؛ إذ لا بد من تحققه ومنه المسائل المذكورة قبل ما في الروضة، وتارة يشك في وجود أصل المعلق عليه وهذا لا وقوع فيه؛ إذ لا بد من تحققه ومنه ما في الروضة في مسألة الطائر وما معها. ولو علق بعدم الإنفاق عليها ثم ادعاه قُبِل لعدم وقوع الطلاق؛ لأن الأصل بقاء العصمة، ولم يُقبل لإسقاط نفقتها; لأن الأصل بقاؤها، ولو قال إن خرجت بغير إذني فخرجت وادعى الإذن وأنكرت صدقت؛ لأن الأصل عدم الإذن، وقياس ذلك أنه لو علق بلعنها لوالديه ثم ادعى أنها لعنتهما فأنكرت صدقت؛ لإمكان إقامة البينة على اللعن.
(فصل) في الإشارة إلى العدد وأنواع من التعليق
(قال) لزوجته (أنت طالق وأشار بإصبعين أو ثلاث لم يقع عدد) أكثر من واحدة (إلا بنية) له عند قوله طالق، ولا تكفي الإشارة; لأن الطلاق لا يتعدد إلا بلفظ أو نية; لأنه مما لا يؤدى بغير الألفاظ (فإن قال مع ذلك) القول المقترن بالإشارة (هكذا طلقت في إصبعين طلقتين، وفي ثلاث ثلاثا) ولا يقبل في إرادة واحدة بل يدين
(1)
; لأن الإشارة بالأصابع مع قول ذلك في العدد بمنزلة النية كما في خبر ((الشهر هكذا إلى آخره))، هذا إن أشار إشارة مفهمة للثنتين أو الثلاث لاعتيادها في مطلق الكلام فاحتاجت لقرينة تخصصها بأنها للطلاق. وخرج بمع ذلك أنت هكذا وأشار بأصبعه ولم يقل طالق فلا يقع به شيء وإن نواه؛ إذ لا
(1)
. خلافا للمغني.
فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ بِالْإِشَارَةِ المَقْبُوضَتَيْنِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ. وَلَوْ قَالَ عَبْدٌ إذَا مَاتَ سَيِّدِي فَأَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَتَيْنِ، وَقَالَ سَيِّدُهُ إذَا مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ فَعَتَقَ بِهِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا لَا تَحْرُمُ بَلْ لَهُ الرَّجْعَةُ، وَتَجْدِيدٌ قَبْلَ زَوْجٍ. وَلَوْ نَادَى إحْدَى زَوْجَتَيْهِ فَأَجَابَتْهُ الْأُخْرَى فَقَالَ أَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ يَظُنُّهَا المُنَادَاةَ لَمْ تَطْلُقِ المُنَادَاةُ وَتَطْلُقُ المُجِيبَةُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ عَلَّقَ بِأَكْلِ رُمَّانَةٍ وَعَلَّقَ بِنِصْفٍ فَأَكَلَتْ رُمَّانَةً فَطَلْقَتَانِ
إشعار للفظ بطلاق، وبه فارق أنت ثلاثا (فإن قال أردت بالإشارة) في صورة الثلاث (المقبوضتين صدق بيمينه)؛ لاحتمال اللفظ له فيقع ثنتان فقط (ولو قال عبد) لزوجته (إذا مات سيدي فأنت طالق طلقتين وقال سيده) له (إذا مت فأنت حر فعتق به) أي فعتق كل العبد بموت سيده بأن خرج من ثلثه أو أجاز الوارث، أو قال إذا جاء الغد فأنت طالق طلقتين وقال سيده إذا جاء الغد فأنت حر (فالأصح أنها لا تحرم) عليه الحرمة المحتاجة لمحلل (بل له الرجعة) في العدة (وتجديد) بعدها ولو (قبل زوج) ; لأن الطلقتين والعتق وقعا معا بالموت أو بمجيء الغد فغُلِّب حكم الحرية؛ لتشوف الشارع لها. أما لو عتق بعض العبد فيقع معه ثنتان ويحتاج لمحلل; لأن المبعض كالقن في العدد. وخرج بإذا مات سيدي ما لو علقها بآخر جزء من حياة السيد فيحتاج لمحلل؛ لوقوعهما في الرق (ولو نادى إحدى زوجتيه فأجابته الأخرى فقال أنت طالق وهو يظنها المناداة لم تطلق المناداة) ; لأنه لم يخاطبها حقيقة (وتطلق المجيبة في الأصح) ; لأنها المخاطبة به حقيقة، ولا عبرة بظن بان خطؤه. وخرج بيظنها المناداة الذي هو محل الخلاف علمه أو ظنه أن المجيبة غير المناداة فإن قصدها طلقت فقط، أو قصد المناداة طلقتا، فإن قال لم أقصد المجيبة ديِّن. ولو قال طلقتك أو أنت طالق وقال إنما خاطبت يدي أو شيئا فيها مثلا لم يقبل ظاهرا، بل ولا يدين
(1)
. (ولو علق بأكل رمانة وعلق بنصف) كإن أكلتِ رمانة فأنتِ طالق، وإن أكلتِ نصف رمانة فأنت طالق (فأكلت رمانة فطلقتان)؛ لوجود الصفتين، فإن علق بكلما فثلاث; لأنها أكلت رمانة مرة وأكلت نصفا مرتين. ولو قال رمانة فأكلت نصفي رمانتين لم يقع شيء; لأنهما لا يسميان رمانة، أو هذا ونصفه وربعه فأكلته وقع ثلاث أو نصفه فثنتان.
(1)
. خلافا للشهاب الرملي وشرح الروض وما نُقِل عن الجمال الرملي.
وَالحَلِفُ بِالطَّلَاقِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَثٌّ أَوْ مَنْعٌ أَوْ تَحْقِيقُ خَبَرٍ، فَإِذَا قَالَ إنْ حَلَفْتُ بِطَلَاقٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ قَالَ إنْ لَمْ تَخْرُجِي أَوْ إِنْ خَرَجْتِ أَوْ إِنْ لَمْ يَكُنِ الْأَمْرُ كَمَا قُلْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَ المُعَلَّقُ بِالحَلِفِ، وَيَقَعُ الْآخَرُ إنْ وُجِدَتْ صِفَتُهُ. وَلَوْ قَالَ إذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَوْ جَاءَ الحُجَّاجُ فَأَنْتِ طَالِقٌ لَمْ يَقَعِ المُعَلَّقُ بِالحَلِفِ. وَلَوْ قِيلَ لَهُ اسْتِخْبَارًا أَطَلَّقْتَهَا فَقَالَ نَعَمْ فَإِقْرَارٌ بِهِ فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ مَاضِيًا وَرَاجَعْتُ فِيْهِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فِإِنْ قِيلَ ذَلِكَ الْتِمَاسًا لِإِنْشَاءٍ فَقَالَ نَعَمْ فَصَرِيحٌ وَقِيلَ كِنَايَةٌ
(والحلف بالطلاق) وغيره إذا علق الطلاق به (ما تعلق به حث) على فعل (أو منع) منه لنفسه أو لغيره أو لهما (أو تحقيق خبر) ذكره الحالف أو غيره ليُصدَّق فيه; لأن الحلف بالله تعالى الذي الحلف بالطلاق فرعه يشتمل على ذلك (فإذا قال إن حلفت بطلاق فأنت طالق
(1)
ثم قال إن لم تخرجي) مثال للأول (أو إن خرجت) مثال للثاني (أو إن لم يكن الأمر كما قلت) مثال للثالث (فأنت طالق وقع المعلق بالحلف) في الحال; لأنه حلف (ويقع الآخر إن) كانت موطوءة و (وجدت صفته) وبقيت العدة. (ولو قال) بعد تعليقه بالحلف (إذا طلعت الشمس أو جاء الحجاج فأنت طالق) ولم يقع بينهما تنازع في ذلك (لم يقع المعلق بالحلف)؛ لخلوه عن أقسامه الثلاثة، بل هو تعليق محض بصفة فيقع بها إن وجدت وإلا فلا (ولو قيل له استخبارا أطلقتها) أي زوجتك (فقال نعم) أو مرادفها كجَيْرِ وأجل وإي بكسر الهمزة، ويظهر أن بلى هنا كذلك؛ لما مر في الإقرار أن الفرق بينهما لغوي لا شرعي (فإقرار به) ; لأنه صريح إقرار، فإن كَذَب فهي زوجته باطنا (فإن قال أردت) طلاقا (ماضيا وراجعت فيه صدق بيمينه)؛ لاحتمال ما يدعيه. وخرج براجعت جددتُ فإن عرف النكاح الآخر والطلاق فيه -ولو بإقرارها- صدق بيمنه وإلا فلا يصدق ويقع حالاً (فإن قيل) له (ذلك التماسا) أي طلبا منه (لإنشاء) لإيقاع طلاق، ومن الالتماس ما لو قيل له وقد تنازعا في فعله لشيء الطلاق يلزمك ما فعلت كذا (فقال نعم) أو نحوها (فصريح) في الإيقاع حالا (وقيل كناية) ; لأن نعم ليست من صرائح الطلاق وهو مردود، ولو قيل للزوج إن فعلت كذا فزوجتك طالق فقال نعم لم يكن شيئا؛ لأنه ليس هنا استخبار ولا التماس لإنشاء بل تعليق و ((نعم)) لا تؤدي معناه، ولو
(1)
. ولو كرر ذلك طلقت بالثانية وانحلت بها اليمين الأولى وبالرابعة وانحلت بها الثالثة وبالسادسة وانحلت بها الخامسة وهكذا كما ذكره الشارح عند تكبيرة الإحرام 2/ 15.
جهل حال السؤال هنا حمل على الاستخبار، وخرج بـ ((نعم)) ما لو أشار بنحو رأسه فإنه لا عبرة به من ناطق، وما لو قال طلقتُ فإنه كناية
(1)
، وما لو قال كان بعض ذلك فإنه لغو أيضا؛ لاحتمال سبق تعليق أو وعد يؤل إليه، أو قال أعلم أن الأمر على ما تقول فكذلك; لأنه أمره أن يعلم ولم يحصل هذا العلم. ولو أوقع ما لا يوقع شيئا أو لا يوقع إلا واحدة كأنت علي حرام فظنه ثلاثا فأقر بها بناء على ذلك الظن قُبِل منه دعوى ذلك إن كان ممن يخفى عليه، ويجري ذلك فيما لو علقها
(2)
بفعل لا يقع به مع الجهل أو النسيان فأقر بها ظانا وقوعها، وفيما لو فعل المحلوف عليه ناسيا فظن الوقوع ففعله عامدا فلا يقع به؛ لظنه زوال التعليق مع شهادة قرينة النسيان له بصدقه في هذا الظن فهو أولى من جاهل بالمعلق عليه مع علمه ببقاء اليمين كما مر. ولو قيل له قل هي طالق فقال ثلاثا فالأوجه أنه إن نوى به الطلاق الثلاث وأنه مبني على مقدر وهو هي طالق وقعن وإلا لم يقع شيء، ومثله ما لو قيل له سرحها فقال سبعين. ولو قال لمن في عصمته طلقتك ثلاثا يوم كذا فبان أنها ذلك اليوم بائن منه وقع عليه الثلاث وحُكِمَ بغلطه في التاريخ.
(1)
. وفاقا للمغني وشرح الروض وخلافا للنهاية.
(2)
. أي الطلقة أو الثلاث.
فصل
عَلَّقَ بِأَكْلِ رَغِيفٍ أَوْ رُمَّانَةٍ فَبَقِيَ لُبَابَةٌ أَوْ حَبَّةٌ لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ أَكَلَا تَمْرًا وَخَلَطَا نَوَاهُمَا فَقَالَ إنْ لَمْ تُمَيِّزِي نَوَاك فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَجَعَلَتْ كُلَّ نَوَاةٍ وَحْدَهَا لَمْ يَقَعْ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ تَعْيِينًا ....
(فصل) في أنواع أخرى من التعليق
(علَّق) بمستحيل عقلا كإن أحييت
(1)
ميتا أي أوجدت الروح فيه مع موته، أو بمستحيل شرعا
(2)
كإن نسخ صوم رمضان، أو بمستحيل عادة كإن صعدت السماء لم يقع في الحال شيء؛ فاليمين منعقدة فيحنث بها المعلق على الحلف كأن قال إن حلفت بطلاقك فأنت طالق ثم قال إن أحييت ميتا فأنت طالق فيقع الطلاق المعلق بالحلف في الحال دون الآخر. ويأتي في والله لا أصعد السماء أنها لا تنعقد لكن لا لما هنا، بل; لأن امتناع الحنث لا يخل بتعظيم اسم الله، ومن ثم انعقدت في لأقتلن فلانا وهو ميت مع تعليقها بمستحيل; لأن امتناع البر يهتك حرمة الاسم فيحوج إلى التكفير، ولو علّق بنحو دخوله فحُمِل ساكتا قادرا على الامتناع وأُدخل لم يحنث، وكذا إذا علق بجماعِهِ فَعَلت عليه ولم يتحرك، ولا أثر لاستدامتهما; لأنها ليست كالابتداء، أو علّق بإعطاء كذا بعد شهر مثلا فإن كان بلفظ ((إذا)) اقتضى الفور عقب الشهر أو ((إن)) لم يحنث إلا باليأس، أو لا يقيم بكذا مدة كذا لم يحنث إلا بإقامة ذلك متواليا; لأنه المتبادر عرفا، أو (بأكل رغيف أو رمانة) كإن أكلت هذا الرغيف أو هذه الرمانة أو رغيفا أو رمانة (فبقي) بعد أكلها المعلق به (لبابة) لا يدق مدركها بأن يسمي قطعة خبز (أو حبة لم يقع) ; لأنه لم يأكل الكل حقيقة، أما ما دق مدركه بأن لا يكون له وقع فلا أثر له في بِرٍّ ولا حنث؛ نظرا للعرف المطرد. وأُجري تفصيل اللبابة فيما إذا بقي بعض حبة في الرمانة (ولو أكلا) أي الزوجان (تمرا وخلطا نواهما فقال) لها (إن لم تميزي نواك) من نواي (فأنت طالق فجعلت كل نواة وحدها لم يقع)؛ لحصول التمييز بذلك لغة لا عرفا (إلا أن يقصد تعيينا) لنواه من نواها، فحينئذٍ إن
(1)
. أي أوجدت الروح فيه مع موته فيصير ميتا حيَّا حتى يكون من المحال عقلا. اهـ، رشيدي، وأما الإحياء بعد موته فهو من المستحيل عادة لا عقلا.
(2)
. ولو علق طلاق زوجته المملوكة لمورثه بموت المورث لم تطلق؛ لأن الملك يقارن الطلاق فيمنعه كما ذكره الشارح في كتاب الخلع 7/ 463.
وَلَوْ كَانَ بِفَمِهَا تَمْرَةٌ فَعَلَّقَ بِبَلْعِهَا ثُمَّ بِرَمْيِهَا ثُمَّ بِإِمْسَاكِهَا فَبَادَرَتْ مَعَ فَرَاغِهِ بِأَكْلِ بَعْضٍ وَرَمْيِ بَعْضٍ لَمْ يَقَعْ. وَلَوِاتَّهَمَهَا بِسَرِقَةٍ فَقَالَ إنْ لَمْ تَصْدُقِينِي فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ سَرَقْتُ مَا سَرَقْتُ لَمْ تَطْلُقْ. وَلَوْ قَالَ: إنْ لَمْ تُخْبِرِينِي بِعَدَدِ حَبِّ هَذِهِ الرُّمَّانَةِ قَبْلَ كَسْرِهَا فَالخَلَاصُ أَنْ تَذْكُرَ عَدَدًا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَنْقُصُ عَنْهُ ثُمَّ تَزِيدَ وَاحِدًا وَاحِدًا حَتَّى تَبْلُغَ مَا يُعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ،
أمكن التمييز عادة فميزت لم يقع وإلا وقع، وإن لم يمكن عادة فهو تعليق بمستحيل فلا يقع (ولو كان بفمها تمرة فعلق ببلعها ثم برميها ثم بإمساكها فبادرت مع فراغه بأكل بعض) أ (ورمي بعض لم يقع) ; لأن أكل البعض أو رمي البعض مغاير لكل من الثلاثة.
[تنبيه] البلع شامل للمضغ وغيره لكن الأكل لا يطلق إلا على ما مُضغ فقط دون ما بُلع
(1)
بدون مضغ
، وعليه لو بلعت كل التمرة بدون مضع حنث، أو مضغتها حنث لكن إن لم يزل بالمضع اسم المحلوف وإلا -بأن لم تُسَمَّ تمرة- فلا حنث؛ لأنه علّق ببلع تمرة وبعد الزوال لا تسمى تمرة. ولو عكس -بأن علق بالأكل فابتلعت- فلا حنث
(2)
. وخرج ببادرت ما لو أمسكتها لحظة فتطلق، ومن ثم كان الشرط تأخر يمين الإمساك فيحنث إن توسطت أو تقدمت، ومع تأخرها لا فرق بين العطف بالواو وثم فذكر ((ثم)) تصوير (ولو اتهمها بسرقة فقال إن لم تصدقيني فأنت طالق فقالت سرقت ما) نافية (سرقت لم تطلق)؛ لصدقها في أحدهما يقينا، فإن قال إن لم تعلميني بالصدق لم تتخلص بذلك (ولو قال إن لم تخبريني بعدد حب هذه الرمانة قبل كسرها) فأنت طالق (فالخلاص
(3)
من الحنث يحصل بطريقة هي (أن تذكر) من الواحد إلى ما يعلم أنها لا تزيد عليه، أو (عددا يعلم أنها لا تنقص عنه) عادة (ثم تزيد واحدا واحدا حتى تبلغ ما يعلم أنها لا تزيد عليه) عادة؛ ليدخل عددها في جملة ما أخبرته بعينه، ولا ينافيه قولهم لا يعتبر في الخبر صدق فلو قال إن أخبرتني بقدوم زيد
(1)
. خلافا لظاهر كلامهما من أن الابتلاع بلا مضغ أكل، نعم اعتمد هذا الظاهر الشارح في كتاب الأيمان 10/ 39.
(2)
. علله في المغني بأنه لا يقال ابتلع ولم يأكل.
(3)
. ولو حلف بالطلاق ليطأن في نهار رمضان فطريقه أن يسافر كما ذكره الشارح في كتاب الصيام 3/ 430.
وَالصُّورَتَانِ فِيمَنْ لَمْ يَقْصِدْ تَعْرِيفًا. وَلَوْ قَالَ لِثَلَاثٍ: مَنْ لَمْ تُخْبِرْنِي بِعَدَدِ رَكَعَاتِ فَرَائِضِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَهِيَ طَالِقٌ فَقَالَتْ وَاحِدَةٌ سَبْعَ عَشْرَةَ، وَأُخْرَى خَمْسَ عَشْرَةَ: أَيْ يَوْمَ الجُمُعَةِ، وَثَالِثَةٌ إحْدَى عَشْرَةَ: أَيْ لِمُسَافِرٍ لَمْ يَقَعْ. وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إلَى حِينٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ بَعْدَ حِينٍ طَلُقَتْ بِمُضِيِّ لَحْظَةٍ. وَلَوْ عَلَّقَ بِرُؤْيَةِ زَيْدٍ أَوْ لَمْسِهِ أَوْ قَذْفِهِ تَنَاوَلَهُ حَيًّا وَمَيْتًا،
فأخبرته به كاذبة طلقت; لأن ما وقع معدودا ومفعولا كرمي حجر لا بد فيه من الإخبار بالواقع بخلاف محتمل الوقوع وعدمه كالقدوم. ولو قال إن لم تعد حبها تعينت الطريقة الأولى، ويفرق بأنه هنا نص على عدد كل حبة حبة على حيالها بخلافه ثَمّ (والصورتان) في السرقة والرمانة (فيمن لم يقصد تعريفا) أي تعيينا، فإن قصده لم يتخلص بذلك; لأنه لا يحصل به. ولو وضع شيئا وسها عنه ثم قال لها -ولا علم لها به- إن لم تعطنيه فأنت طالق ثلاثا ثم تذكر موضعه فرآه فيه لم تطلق بل لا تنعقد
(1)
يمينه; لأنه بان أنه حلف على مستحيل هو إعطاؤها شيئا لم تأخذه ولم تعلم محله (ولو قال لثلاث) من زوجاته (من لم تحبرني بعدد ركعات فرائض اليوم والليلة فهي طالق فقالت واحدة سبع عشرة) أي غالبا (وأخرى خمس عشرة أي يوم الجمعة وثالثة إحدى عشرة أي لمسافر لم يقع) على واحدة منهن طلاق؛ لصدق الكل، نعم إن قصد تعيينا لم يتخلص بذلك (ولو قال أنت طالق إلى حين أو زمان) أو حقْب أو عصر (أو بعد حين) أو نحوه (طلقت بمضي لحظة) ; لأن كلا من هذه يقع على الطويل والقصير وإلى بمعنى بَعْدَ. ولو حلف بالطلاق ليقضينه حقه إلى حين لم تطلق إلا باليأس؛ لأنه وعد لا يختص بزمن (ولو علق برؤية زيد أو لمسه) أو مسِّه (أو قذفه تناوله حيا) مستيقظا أو نائما
(2)
(وميتا) فيحنث برؤية شيء من بدنه متصل به غير نحو الشعر نظير ما يأتي -لا مع إكراه عليها- ولو في ماء صاف أو من وراء زجاج شفاف دون خياله في نحو مرآة، وبلمس شيء من بدنه -لا مع إكراه عليه- من غير حائل، لا نحو شعر وظفر وسن سواء الرائي والمرئي واللامس والملموس العاقل وغيره. ولو لمسه المعلق عليه لم يؤثر. ويشترط مع رؤية شيء من بدنه صدق رؤية كله عرفا بخلاف ما لو أخرج يده مثلا من كوة فرأتها فلا
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. خلافا للمغني.
بِخِلَافِ ضَرْبِهِ. وَلَوْ خَاطَبَتْهُ بِمَكْرُوهٍ كَيَاسَفِيهُ أَوْ يَاخَسِيسُ فَقَالَ إنْ كُنْتُ كَذَا فَأَنْتِ طَالِقٌ إنْ أَرَادَ مُكَافَأَتَهَا بِإِسْمَاعِ مَا تَكْرَهُ طَلُقَتْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَفَهٌ، أَوِ التَّعْلِيقَ اُعْتُبِرَتْ الصِّفَةُ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ فِي الْأَصَحِّ، وَالسَّفَهُ مُنَافٍ إطْلَاقَ التَّصَرُّفِ، وَالخَسِيسُ: قِيلَ مَنْ بَاعَ دِينَهُ بِدُنْيَاهُ، وَيُشْبِهُ أَنْ يُقَالَ: هُوَ مَنْ يَتَعَاطَى غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ بُخْلًا
حنث. ولو قال لعمياء إن رأيت فهو تعليق بمستحيل؛ حملا لرأى على المتبادر منها (بخلاف ضربه) فإنه لا يتناول إلا الحي; لأن القصد منه الإيلام، ولا يشترط مع ذلك كونه مؤلما
(1)
؛ لأن المدار على ما من شأنه الإيلام، ومن الضرب ما لو حذفها بشيء فأصابها. ولو علق بتقبيل زوجته اختص بالحية بخلاف أمه; لأن القصد ثم الشهوة وهنا الكرامة (ولو خاطبته بمكروه كيا سفيه أو يا خسيس) أو يا حقرة (فقال إن كنت كذا فأنت طالق إن أراد مكافأتها بإسماع ما تكره) من الطلاق لكونها أغاظته بالشتم (طلقت) حالا (وإن لم يكن سفه) ولا خسة ولا حقرة؛ إذ المعنى إذا كنت كذلك في زعمك فأنت طالق، (أو) أراد (التعليق اعتبرت الصفة) كسائر التعليقات (وكذا إن لم يقصد) مكافأة ولا تعليقا (في الأصح)؛ مراعاة لقضية لفظه إذ المرعي في التعليقات الوضع اللغوي لا العرف إلا إذا قوي واطرد، ولذا فمن علَّق بغسل الثياب لا يحصل البرُّ فيه إلا بغسلها بعد استحقاقها الغسل من الوسخ; لأنه العرف في ذلك، وكالوسخ النجاسة. ومدلول ((لا يعمل عنده)) لغةً عمله بحضوره وعرفا أن يكون أجيرا له، فإن أراد أحدهما فواضح وإلا فلا يحنث إلا إذا عمل أجيرا عنده؛ تغليبا للعرف المطرد. قالوا والخياطة اسم لمجموع غرز الإبرة وجذبها بمحل واحد فلو جذبها ثم غرزها في محل آخر لم يكن خياطة. ومحل الخلاف في تقديم اللغوي أو العرفي إنما هو فيما ليس للشارع فيه عرف (والسفه مناف إطلاق التصرف) وهو ما يوجب الحجر مما مر في بابه (والخسيس قيل من باع دينه بدنياه) بأن تركه باشتغاله بها (ويشبه أن يقال هو من يتعاطى غير لائق به بخلا) ; لأن ذلك قضية العرف، لا زهدا أو تواضعا أو طرحا للتكلف، وأخس الأخساء من
(1)
. خلافا للمغني وظاهر النهاية تبعا لوالده من اشتراط الإيلام بالقوة لا بالفعل.
باع دينه بدنيا غيره، والحقرة عرفا ذاتا ضئيل الشكل فاحش القصر، ووضعا الفقير الفاسق. والبخيل من لا يؤدي الزكاة أولا يقري الضيف
(1)
.
[فروع] علَّق بغيبته مدة معينة بلا نفقة ولا منفق احتيج في إثبات ذلك جميعه إلى بينة تشهد به حتى تركها بلا نفقة ولا منفق; لأنه نفي يحيط به العلم كالشهادة بالإعسار وأنه لا مال له وبأنه لا وارث له. ولو قال لا أكلم زيدا ولا عَمْرا فكلمهما ولو متفرقين وقع عليه طلقتان؛ لإعادة ((لا)). ولو قال ((إن فعلت كذا وإن فعلت كذا بمحل كذا وإن فعلت كذا فامرأتي طالق)) ولا نية له رجع القيد الوسط إلى ما قبله وما بعده; لأن الأصل اشتراك المتعاطفات في المتعلقات
(2)
، ومن ثم أفتى بعض شراح الوسيط في إن كلمت زيدا اليوم وعَمْراً بشمول اليوم لهما، أو إن امتنعتُ من الحاكم فزوجتي طالق فهرب لا حنث بالهرب; لأن الامتناع أن يطلب فيمتنع، أو متى مضى يومُ كذا مثلا ولم أوف فلانا دينه فأعسر لم يحنث لكن بشرط الإعسار من حين التعليق إلى مضي المدة. والمراد بالإعسار هنا ما مر في الفلس، ولا أثر لقدرته على بعض الدين؛ إذ لا يتعلق به بر ولا حنث، ونقلُ المزني الإجماع على حنث العاجز مؤولٌ بما إذا قصد الحالف شمول اليمين لحالة العجز دون ما إذا لم يقصد ذلك. ولا يحنث لو سافر الغريم قبل تمكنه من وفائه؛ لفوته بغير اختياره. ولو تعارضت بينتا تعليق وتنجيز قدمت الأولى; لأن معها زيادة علم بسماع التعليق، ومحله إن لم يمكن العمل بهما. ولو قال كلُّ زوجة في عصمتي طالق دخلت الرجعية وإن ظن أنها ليست في عصمته كما لو طلق زوجته ظانا أنها أجنبية، وإنما قُبِل فيما مر في كل زوجة لي طالق وقال أردت غير المخاصمة; لأنه ثَم أخرجها بالنية مع وجود القرينة المصدقة. ولو قال متى وقع طلاقي عليها كان مُعَلَّقاً بكذا فهو لغو; لأن الواقع لا يعلق، أو قال لا وصلته عشرة أشرفية ولا نية له تعينت فلا يجزئ
(3)
غير الذهب الأشرفي. ولو علَّق على ضرب زوجته بغير ذنب فشتمته فضربها لم يحنث
(1)
. وردَّ الشارح ما اعتمده النهاية أن الكلام في غير عرف الشرع، أما فيه فهو من يمنع مالا لزمه بذله.
(2)
. أفاد الشارح في الجنائز نقلا عن الزركشي أن الظرف بعد فاعله ومفعوله في الفعل الحسي يكون لهما بخلافه بعد غير الحسي يكون للفاعل فقط، فلو قال إن قتلت زيدا في المسجد فأنت طالق فلا بد من وجودهما فيه بخلاف إن قذفته يشترط وجود القاذف فيه فقط.
(3)
. خلافا لمقتضى كلام الشهاب الرملي.
إن ثبت ذلك وإلا صدقت على ما مر فتحلف، ومر أنه لو حنث ذو زوجات لم ينو إحداهن والطلاق ثلاث عيَّنه في واحدة ولا يجوز له توزيعه؛ لمنافاته لما وقع عليه من البينونة الكبرى، وله أن يعينهن في ميتة وبائنة بعد التعليق; لأن العبرة بوقته لا بوقت وجود الصفة
(1)
. ولو حلف أنه لا يُطْلِق غريمه فهرب وأمكنه اتباعه لم يحنث؛ إذ المتبادر مِن ((أطْلِقُهُ)) أُباشِرُ إطلاقه بأن أُخْرِجْهُ من الحبس أو آذنُ له في الخروج أو في ذهابه عني. ولو قال إن خرجت مع أمي إلى الحمام فخرجتِ أوّلاً فإن قصد منعها من الاجتماع معها في الحمام طلقت وإلا فلا، ويقاس به نظائره. ولو حلف لا يأكل طعامه فأضافه لم يحنث؛ لأن الضيف يملك طعامه بالإزدراد
(2)
.
(1)
. خلافا للشهاب الرملي فاعتمد أنه إنما يجوز في ميتة ومبانة بعد وجود الصفة لا قبله.
(2)
. أفاده الشارح في كتاب الأيمان.
كتاب الرجعة
شَرْطُ المُرْتَجِعِ أَهْلِيَّةُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ طَلَّقَ فَجُنَّ فَلِلْوَلِيِّ الرَّجْعَةُ عَلَى الصَّحِيحِ حَيْثُ لَهُ ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ. وَتَحْصُلُ بِرَاجَعْتُكِ وَرَجَعْتُكِ وَارْتَجَعْتُكِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الرَّدَّ وَالْإِمْسَاكَ صَرِيحَانِ، وَأَنَّ التَّزْوِيجَ وَالنِّكَاحَ كِنَايَتَانِ، وَلْيَقُلْ رَدَدْتهَا إلَيَّ أَوْ إلَى نِكَاحِي وَالجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ الْإِشْهَادُ
(كتاب الرَِّجعة)
هي لغة: المرة من الرجوع، وشرعا: رد مطلقة لم تبن إلى النكاح بالشروط الآتية. والأصل فيها الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وأركانها محل وصيغة ومرتجع (شرط المرتجع أهلية النكاح) ; لأنها كإنشائه، فلا تصح من مكره؛ للحديث السابق ومرتد; لأن مقصودها الحل والردة تنافيه (بنفسه) فلا تصح من صبي ومجنون؛ لنقصهما، وتصح من سكران وسفيه وعبد ولو بغير إذن ولي وسيد؛ تغليبا لكونها استدامة (ولو طلَّق) الزوج (فجن فللولي الرجعة على الصحيح حيث له ابتداء النكاح) بأن احتاجه كما مر; لأن الأصح صحة التوكيل في الرجعة (وتحصل) الرجعة بالصريح والكناية ولو بغير العربية مع القدرة عليها، فمن الصريح أن يأتي (براجعتك ورجعتك وارتجعتك) أي بواحد منها؛ لشيوعها وورودها، وكذا ما اشتق منها كأنت مراجعة أو مرتجعة، ولا يشترط إضافتها إليه بنحو إليَّ أو إلى نكاحي لكنه مندوب، بل الشرط الإضافة إليها كفلانة أو لضميرها كما ذكره، أو بالإشارة كهذه فمجرد راجعت لغوٌ (والأصح أن الرد والإمساك) وما اشتق منهما (صريحان)؛ لورودهما في القرآن والأول في السنة أيضا، ومن ثم كان أشهر من الإمساك، بل المعتمد إن الإمساك كناية، وتنحصر الصرائح فيما ذكر، (وأن التزويج والنكاح كنايتان)؛ لعدم شهرتهما في الرجعة سواء أتى بأحدهما وحده كتزوجتك أو مع قبول بصورة العقد (وليقل رددتها إليَّ أو إلى نكاحي) حتى يكون صريحا; لأن الردَّ وحده المتبادر منه إلى الفهم ضد القبول فقد يفهم منه الرد إلى أهلها بسبب الفراق فاشترط ذلك في صراحته؛ لينتفي ذلك الاحتمال. ويندب ذكر ذلك في الإمساك (والجديد أنه لا يشترط)؛ لصحة الرجعة (الإشهاد) عليها؛ بناء على الأصح أنها في حكم الاستدامة، ومن ثم لم تحتج
فَتَصِحُّ بِكِنَايَةٍ، وَلَا تَقْبَلُ تَعْلِيقًا، وَلَا تَحْصُلُ بِفِعْلٍ كَوَطْءٍ. وَتَخْتَصُّ الرَّجْعَةُ بِمَوْطُوءَةٍ طُلِّقَتْ بِلَا عِوَضٍ لَمْ يُسْتَوْفَ عَدَدُ طَلَاقِهَا، بَاقِيَةٍ فِي الْعِدَّةِ،
لولي ولا لرضاها، بل يندب؛ لقوله تعالى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} الطلاق: 2 أي قاربن بلوغه {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الطلاق: 2 وصرفه عن الوجوب إجماعهم على عدمه عند الطلاق فكذا الإمساك. ويسن الإشهاد أيضا على الإقرار بها في العدة؛ خوف الإنكار، وإذا لم يجب الإشهاد عليها (فتصح بكناية) مع النية كاخترت رجعتك وأنت رجعية (ولا تقبل تعليقا) كراجعتك إن شئت ولو بفتح إن من غير نحوي
(1)
، ولا توقيتا كراجعتك شهرا، ولا إبهاما كما لو طلق إحدى زوجتيه ثم قال راجعت المطلقة; لأن ما لا يقبل التعليق لا يقبل الإبهام (ولا تحصل بفعل كوطء) وإن قصد به الرجعة; لأن ابتداء النكاح لا يحصل بالفعل، وإنما حصلت الرجعة بإشارة الأخرس المفهمة والكتابة؛ لأنهما ملحقان بالقول، وتحصل بوطء أو تمتع كافر اعتقدوه رجعة وترافعوا إلينا أو أسلموا فنقرهم عليه كما نقرهم في العقد الفاسد بل أولى (وتختص الرجعة بموطوءة
(2)
ولو في الدبر، ومثلها مستدخلة ماءه المحترم؛ إذ لا عدة على غيرها والرجعة شرطها العدة. ولا يشترط تحقق وقوع الطلاق عند الرجعة، فلو شك فيه فراجع ثم بان وقوعه صحت كما لو زوج أمة أبيه ظانا حياته فبان ميتا (طلقت) بخلاف المفسوخة; لأنها إنما أنيطت في القرآن بالطلاق والطلاق المقر به أو الثابت بالبينة يحمل على الرجعي ما لم يعلم خلافه (بلا عوض) بخلاف المطلقة بعوض; لأنها ملكت نفسها بما بذلته (لم يستوف عدد طلاقها) فإن استوفى لم تحل إلا بمحلل (باقية في العدة) فتمتنع بعدها، وكذا مع انتهائها، وذلك؛ لقوله تعالى {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ} البقرة: 232، والمراد عدة الطلاق فلو وطئها فيها لم يراجع إلا فيما بقي منها، ويُلحق بها ما قبلها فلو وطئت بشبهة فحملت ثم طلقها حلت له الرجعة في عدة الحمل السابقة على عدة الطلاق، لا ما بعد مضي صورة العدة، وذلك فيما إذا خالطها
(3)
فإنه بعد ذلك تمتنع رجعتها وإن لم تنقض عدتها
(1)
. أي فلا يستفسر عن إرادته وفاقا للنهاية وخالف في ذلك المغني والأسنى.
(2)
. نقل الشارح عن الرافعي قوله ((أنه لو قال طلقتها بعد الوطء فلي الرجعة فقالت بل قبله صدقت وهو مقر لها بالمهر فإن كانت قبضته لم ترجع به وإلا لم تطالبه إلا بنصفه)) 7/ 235.
(3)
. مخالطة الأزواج بلا وطء كما في المغني وعبر في النهاية بالمعاشرة.
مَحَلّ لِحِلٍّ، لَا مُرْتَدَّةٍ. وَإِذَا ادَّعَتِ انْقِضَاءَ عِدَّةِ أَشْهُرٍ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ أَوْ وَضْعَ حَمْلٍ لِمُدَّةِ إمْكَانٍ وَهِيَ مِمَّنْ تَحِيضُ لَا آيِسَةٌ فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا بِيَمِينٍ، وَلَوْ ادَّعَتْ وِلَادَةَ وَلَدٍ تَامٍّ فَإِمْكَانُهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَلَحْظَتَانِ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ، أَوْ سِقْطٍ مُصَوَّرٍ فَماِئَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ مُضْغَةٍ بِلَا صُورَةٍ فَثَمَانُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ،
حقيقة، ومن ثم لحقها الطلاق (محل لحل) أي قابلة لأن تحل للمراجع (لا) مطلقة أسلمت فراجعها في كفره وإن أسلم بعد، ولا (مرتدة) أسلمت بعد; لأن مقصود الرجعة الحل وتخلف الزوج أو ردتها تنافيه، وصحت رجعة المُحْرِمة؛ لإفادتها نوعا من الحل كالنظر والخلوة (وإذا ادعت انقضاء عدة أشهر)؛ لكونها آيسة أو لم تحض أصلا (وأنكر صدق بيمينه)؛ لرجوع اختلافهما إلى وقت الطلاق وهو يُقبل قوله في أصله فكذا في وقته؛ إذ من قُبل قوله في شيء قبل في صفته، وإنما صدقت بيمينها في العكس كطلقتك في رمضان فقالت بل في شوال; لأنها غلظت على نفسها بتطويل العدة عليها، نعم تقبل هي بالنسبة لبقاء النفقة، ويقبل هو بالنسبة لحل نحو أختها. ولو مات فقالت انقضت في حياته لم يقبل قولها إن كانت رجعية، بل تلزمها عدة الوفاة ولا ترثه بخلاف البائن فتقبل. ولو ماتت فقال وارثها انقضت وأنكر المطلق ليرثها صدق المطلق في الأَشْهُر والوارث فيما عداها كما في الحياة (أو وضع حمل لمدة إمكان وهي ممن تحيض لا آيسة) وصغيرة (فالأصح تصديقها بيمين) بالنسبة لانقضاء العدة فقط، دون نحو نسب واستيلاد; لأنها مؤتمنة على ما في رحمها. أما إذا لم يمكن فسيأتي في المتن، وأما الآيسة والصغيرة فإنهما لا يحبلان، وكذا من لم تحض، ولا ينافيه إمكان حبلها; لأنه نادر (ولو ادعت ولادة ولد تام) في الصورة الإنسانية (فإمكانه) أي أقله (ستة أشهر) عددية لا هلالية (ولحظتان) واحدة للوطء وواحدة للوضع، وكذا في كل ما يأتي (من وقت) إمكان اجتماع الزوجين بعد (النكاح)؛ لثبوت النسب بالإمكان، وكان أقله ذلك؛ لما استنبطه العلماء اتباعا لعلي كرم الله وجهه من قوله تعالى {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} الأحقاف: 15 مع قوله تعالى {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} لقمان: 14 (أو) ولادة (سِقط مصوَّر فمائة وعشرون يوما ولحظتان) مما ذكر؛ لخبر الصحيحين ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح)) (أو) ولادة (مضغة بلا صورة) ظاهرة (فثمانون يوما ولحظتان) مما ذكر؛ للخبر الأول. ويشترط هنا شهادة القوابل أنها أصل
أَوِ انْقِضَاءَ أَقْرَاءٍ فَإِنْ كَانَتْ حُرَّةً وَطُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ فَأَقَلُّ الْإِمْكَانَ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ، أَوْ فِي حَيْضٍ فَسَبْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ يَوْمًا وَلَحْظَةٌ، أَوْ أَمَةً وَطُلِّقَتْ فِي طُهْرٍ فَسِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا وَلَحْظَتَانِ أَوْ فِي حَيْضٍ فَأَحَدٌ وَثَلَاثُونَ وَلَحْظَةٌ، وَتُصَدَّقُ إنْ لَمْ تُخَالِفْ عَادَةً دَائِرَةً، وَكَذَا إنْ خَالَفَتْ فِي الْأَصَحِّ
آدمي وإلا لم تنقض بها (أو) ادعت (انقضاء أقراء فإن كانت حرة وطُلِّقت في طهر فأقل الإمكان اثنان وثلاثون يوما ولحظتان) بأن تطلق قبيل آخر طهرها فهذا قرء ثم تحيض الأقل ثم تطهر الأقل فهذا قرءٌ ثانٍ ثم تحيض وتطهر كذلك فهذا ثالث ثم تطعن في الحيض، واشترطنا ذلك الطعن لنتيقن الانقضاء فليست هذه اللحظة من العدة فلا تصح الرجعة فيها، وكذا في كل ما يأتي. هذا في غير مبتدأة، أما هي إذا طلقت ثم ابتدأها الحيض فلا تحسب الطهر الذي طلقت فيه قرأ؛ لأن القرء الطهر المحتوش بدمين، فأقل الإمكان في حقها ثمانية وأربعون يوما ولحظة; لأنه يزاد على ذلك قدر أقل الحيض والطهر الأولين وتسقط اللحظة الأولى، (أو) طلقت (في حيض) أو نفاس (فسبعة وأربعون يوما ولحظة) بأن تطلق آخر حيضها أو نفاسها ثم تطهر وتحيض أقلهما ثم تطهر وتحيض كذلك ثم تطهر الأقل ثم تطعن في الحيض كما مر، ولا يحتاج هنا للحظة الأولى; لأنها ليست من العدة (أو) كانت (أمة) أي فيها رق وإن قل (وطلقت في طهر فستة عشر يوما ولحظتان) بأن تطلق قبيل آخر طهرها فهذا قرء، ثم تحيض وتطهر أقله فهذا ثان، ثم تطعن كما مر. هذا في غير مبتدأة أما مبتدأة فأقله اثنان وثلاثون يوما ثم لحظة؛ لما مر (أو) طلقت (في حيض) أو نفاس (فأحد وثلاثون) يوما (ولحظة) بأن تطلق آخر حيضها أو نفاسها ثم تطهر وتحيض الأقل ثم تطهر الأقل ثم تطعن في الحيض. ولو لم يعلم هل طلقت في الحيض أو الطهر حمل على الحيض; لأنه الأحوط (وتصدق) الحرة والأمة في حيضها (إن) أمكن، وفي عدمه لتجب نفقتها وسكناها وإن تمادت لسن اليأس إن (لم تخالف) فيما ادعته (عادة) لها (دائرة) وهو ظاهر (وكذا إن خالفت) ـها (في الأصح) ; لأن العادة قد تتغير وهي مؤتمنة، وتُحلَّف إن كَذَّبها فإن نكلت حلف وراجعها. ولو قالت انقضت عدتي وجب سؤالها عن كيفية طهرها وحيضها وتحليفها عند التهمة؛ لكثرة الفساد. ولو ادعت لدون الإمكان ردت ثم تصدق عند الإمكان وإن استمرت على دعواها الأولى.
وَلَوْ وَطِئَ رَجْعِيَّتَهُ وَاسْتَأْنَفَتِ الْأَقْرَاءَ مِنْ وَقْتِ الْوَطْءِ رَاجَعَ فِيمَا كَانَ بَقِيَ. وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا، فَإِنْ وَطِئَ فَلَا حَدَّ، وَلَا يُعَزَّرُ إلَّا مُعْتَقِدُ تَحْرِيمِهِ، وَيَجِبُ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ لَمْ يُرَاجِعْ، وَكَذَا إنْ رَاجَعَ عَلَى المَذْهَبِ. وَيَصِحُّ إيلَاءٌ وَظِهَارٌ وَطَلَاقٌ وَلِعَانٌ، وَيَتَوَارَثَانِ. وَإِذَا ادَّعَى وَالْعِدَّةُ مُنْقَضِيَةٌ رَجْعَةً فِيهَا فَأَنْكَرَتْ، فَإِنِ اتَّفَقَا عَلَى وَقْتِ الِانْقِضَاءِ كَيَوْمِ الجُمُعَةِ، وَقَالَ رَاجَعْتُ يَوْمَ الخَمِيسِ، فَقَالَتْ بَلْ السَّبْتِ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا
(ولو وطئ) الزوج (رجعيتَهُ) وهي غير حامل ولو مع تعمده وعلمه (واستأنفت الأقراء) أو الأشهر وآثر الأقراء؛ لغلبتها (من وقت) الفراغ من (الوطء
(1)
كما هو الواجب عليها (راجع فيما كان بقي) فإن وطئ بعد قرء أو شهر فله الرجعة في قرأين أو شهرين دون ما زاد. ولو أحبلها بالوطء راجعها ما لم تلد؛ لوقوع عدة الحمل عن جهتين
(2)
(ويحرم الاستمتاع بها) أي الرجعية ولو بمجرد النظر; لأن النكاح يبيحه فيحرمه الطلاق; لأنه ضده (فإن وطئ فلا حدَّ) وإن اعتقد حرمته؛ للخلاف الشهير في إباحته وحصول الرجعة به (ولا يعزر) على الوطء وغيره حتى النظر (إلا معتقد تحريمه) -بخلاف معتقد حله والجاهل بتحريمه-؛ وذلك؛ لإقدامه على معصية عنده، نعم لا يعزِّره إلا حاكم اعتقد تحريمه أيضا (ويجب) عليه لها بوطئه (مهر مثل إن لم يراجع)؛ للشبهة، ولا يتكرر بتكرر الوطء؛ لاتحاد الشبهة (وكذا) يجب لها (إن راجع على المذهب) ; لأن الرجعة لا ترفع أثر الطلاق (ويصح إيلاء وظهار) منها (وطلاق) لها ولو بمال، فلو قال وله مطلقة رجعية وغير مطلقة كل زوجة لي طالق طلقت الرجعية، وكذا لو قال كل امرأة في عصمتي (ولعان) منها (ويتوارثان) أي الزوج والرجعية كما قدمه; لأن الرجعية زوجة في هذه الأحكام الخمسة بنص القرآن، وسيأتي أنه لا يثبت حكم الظهار والإيلاء إلا بعد الرجعة (وإذا ادعى -والعدة منقضية-) جملة حالية (رجعة فيها فأنكرت فإن اتفقا على وقت الانقضاء كيوم الجمعة وقال راجعتك يوم الخميس) مثلا (فقالت بل السبت) مثلا (صُدِّقت بيمينها) أنها لا تعلم أنه راجعها فيه؛ لاتفاقهما على وقت الانقضاء والأصل عدم الرجعة قبله.
(1)
. أي من تمام النزع.
(2)
. عبارة شرح المنهج.
أَوْ عَلَى وَقْتِ الرَّجْعَةِ كَيَوْمِ الجُمُعَةِ، وَقَالَتْ: انْقَضَتِ الخَمِيسَ، وَقَالَ: بَلْ السَّبْتَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، فَإِنْ تَنَازَعَا فِي السَّبْقِ بِلَا اتِّفَاقٍ فَالْأَصَحُّ تَرْجِيحُ سَبْقِ الدَّعْوَى، فَإِنِ ادَّعَتْ الِانْقِضَاءَ ثُمَّ ادَّعَى رَجْعَةً قَبْلَهُ صُدِّقَتْ بِيَمِينِهَا، أَوِ ادَّعَاهَا قَبْلَ انْقِضَاءٍ فَقَالَتْ بَعْدَهُ صُدِّقَ قُلْتُ فَإِنِ ادَّعَيَا مَعًا صُدِّقَتْ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(أو) اتفقا (على وقت الرجعة كيوم الجمعة وقالت انقضت الخميس وقال بل) انقضت (السبت صدق بيمينه) أنها ما انقضت يوم الخميس؛ لاتفاقهما على وقت الرجعة والأصل عدم انقضاء العدة قبله (فإن تنازعا في السبق بلا اتفاق) على أحد ذينك (فالأصح ترجيح سبق الدعوى)؛ لاستقرار الحكم بقول السابق (فإن ادعت الانقضاء) أوَّلا (ثم ادعى رجعة قبله صدقت بيمينها) أن عدتها انقضت قبل الرجعة; لأنها لما سبقت بادعائه وجب أن تصدق؛ لقبول قولها فيه من حيث هو فوقع قوله لغوا (أو ادعاها قبل انقضاء) للعدة (فقالت) بتراخ
(1)
عنه بل إنما راجعت (بعده صدق) بيمينه أنه راجعها قبل انقضائها; لأنه لمَّا سبق بادعائها وجب تصديقه; لأنه يملكها فصحت ظاهرا فوقع قولها بعد ذلك لغواً، ومثل ذلك ما لو علم الترتيب دون السابق منهما فيحلف هو أيضا; لأن الأصل بقاء العدة. ومحل قول المصنف والعدّة منقضية إذا لم تنكح وإلا فإن أقام بينة بالرجعة قبل الانقضاء فهي زوجته وإن وطئها الثاني ولها عليه بوطئه مهر مثل، فإن لم يقم بينة فله تحليفها وإن لم يقبل إقرارها له على الثاني، ولا تسمع دعوى المطلق على الزوج الثاني
(2)
; لأن الزوجة -من حيث هي زوجة ولو أمة- لا تدخل تحت اليد، وفيما إذا أقرت، أو نكلت فحلف تغرم له مهر المثل; لأنها أحالت بإذنها في نكاح الثاني أو بتمكينها له بين الأول وبين حقه. ولو ادعى على مزوجة أنها زوجته فقالت كنت زوجتك فطلقتني جعلت زوجة له إذا لم تعترف للثاني ولا مكنته ولا أذنت في نكاحه (قلت: فإن ادعيا معا) بأن قالت انقضت عدتي مع قوله راجعتك أو قالته عقب قوله
(3)
(صُدِّقت) بيمينها (والله أعلم) ; لأن الانقضاء يتعسر الإشهاد عليه بخلاف الرجعة. ولو قالا لا نعلم سبقا ولا معية فالأصل بقاء العدة وولاية الرجعة.
(1)
. وفاقا للأسنى والمغني وخلافا للنهاية.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. هذا محترز قوله السابق بتراخ.
وَمَتَى ادَّعَاهَا وَالْعِدَّةُ بَاقِيَةٌ صُدِّقَ، وَمَتَى أَنْكَرَتْهَا وَصُدِّقَتْ ثُمَّ اعْتَرَفَتْ قُبِلَ اعْتِرَافِهَا. وَإِذَا طَلَّقَ دُونَ ثَلَاثٍ وَقَالَ وَطِئْتُ فَلِيَ الرَّجْعَةُ وَأَنْكَرَتْ صُدِّقَتْ بِيَمِينٍ وَهُوَ مُقِرٌّ لَهَا بِالمَهْرِ، فَإِنْ قَبَضَتْهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا تُطَالِبُهُ إلَّا بِالنِّصْفِ
(ومتى ادعاها -والعدة باقية-) جملة حالية أيضا (صدق) بيمينه؛ لقدرته على إنشائها. أما بعد العدة وقد أنكرتها من أصلها فهي المصدقة إجماعا (ومتى أنكرتها وصدقت ثم اعترفت) بها له قبل أن تنكح (قُبِل اعترافها) ; لأنها جحدت حقا له ثم اعترفت به. ولو ادعت أنه طلقها فأنكر ونكل عن اليمين فحلفت ثم كذبت نفسها لم تقبل وإن أمكن؛ لاستناد قولها الأول إلى إثبات ولتأكد الأمر بالدعوى عند الحاكم. ولو طلق فقال واحدة وقالت ثلاث ثم صدقته قُبلت فترثه; لأنها لا يثبت الطلاق بقولها فقُبل رجوعُها ولأنها لا تبطل به حقا لغيرها. ولو ادعت الطلاق فأنكر وحلف ثم أكذبت نفسها لم تقبل، ولو ادعت أن زوجها طلقها ثلاثاً ثم رجعت قبلت; لأن المرأة قد تنسِب ذلك لزوجها من غير تحقق. ولو أقر بطلاق رجعي وادعت أنه ثلاث ثم صدقته وأكذبت نفسها قُبلت فإذا مات ورثته، ولا نظر لاعترافها بالثلاث; لأن الشارع ألغاه، بل لو خالعها فادعت أن طلقة الخلع هي الثالثة ثم رجعت عن قولها وزوجت منه بغير محلل ثبتت الزوجية والإرث، ويوافق ذلك قول أبي زرعة في فتاويه ((ذكرت أنه طلقها ثلاثا فأنكر ثم أبانها لم يجز إذنها في العود إليه بلا محلل إلا إن أكذبت نفسها قبل الإذن كما لو ادعت التحليل فكذبها ثم أراد العقد عليها لا بد أن يصدقها)). اهـ، نعم لا يحتاج للتلفظ بالتكذيب ثَم والتصديق هنا بل يكتفى في الظاهر بالإذن ثَم والعقد هنا؛ لتضمنهما للتكذيب والتصديق، ومرّ أنه لو قال هذه زوجتي فأنكرت ثم مات فرجعت ورثته، (وإذا طلق دون ثلاث وقال وطئت فلي الرجعة وأنكرت) وطأه (صدقت بيمين) أنه ما وطئها، ولا رجعة له ولا نفقة لها ولا سكنى; لأن الأصل عدم الوطء، وليس له نكاح أختها ولا أربع سواها؛ مؤاخذة له بإقراره (وهو مقر لها بالمهر، فإن قبضته فلا رجوع له) ; لأنه مقر باستحقاقها لجميعه (وإلا) تكن قبضته (فلا تطالبه إلا بنصف)؛ لإقرارها أنها لا تستحق غيره، فلو أخذته ثم أقرت بوطئه لم تأخذ النصف الآخر إلا بإقرار ثانٍ منه. هذا في صداق
دين، أما عين امتنع الزوج من قبول نصفها
(1)
فيلزمه القاضي بقبوله أو إبرائها منه أي تمليكه لها بطريقه بأن يتلطف القاضي به نظير ما مر في الوكالة، فإن صمم فللقاضي أن يقسمها فيعطيها نصفها ويوقف النصف الآخر تحت يده إلى الصلح أو البيان.
(1)
. بأن قال: لا أستحق فيها شيئا؛ لكون الطلاق بعد الوطء، وقالت هي: بل لك النصف لكون الطلاق قبل الوطء فالعين مشتركه كما صوَّره علي الشبراملسي.
كتاب الإيلاء
هُوَ حَلِفُ زَوْجٍ يَصِحُّ طَلَاقُهُ لَيَمْتَنِعَنَّ مِنْ وَطْئِهَا مُطْلَقًا، أَوْ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَالجَدِيدُ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالحَلِفِ بِاللهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ، بَلْ لَوْ عَلَّقَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ عِتْقًا أَوْ قَالَ: إنْ وَطِئْتُك فَللهِ عَلَيَّ صَلَاةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ عِتْقٌ كَانَ مُولِيًا،
(كتاب الإيلاء)
(هو) لغة الحلف، وشرعا:(حلف) بالله أو صفة له، أو بما أُلحق بذلك من قِبل (زوج يصح طلاقه) ومنه السكران والعبد والكافر والمريض بشرطه الأتي (ليمتنعن من وطئها) أي الزوجة ولو رجعية ومتحيرة؛ لاحتمال الشفاء، ومُحْرِمة؛ لاحتمال التحلل لنحو حصر، وصغيرة بشرطها الآتي سواء أقال في الفرج أم أطلق وسواء أقيد بالوطء الحلال أم سكت عن ذلك (مطلقا) بأن لم يقيد بمدة، وكذا إن قال أبداً أو حتى أموت أنا أو زيد أو تموتي. ولو قال لا أطأ ثم قال أردت شهرا مثلا دُيِّن (أو فوق أربعة أشهر) ولو بلحظة؛ لقوله تعالى {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ} البقرة: 226 .. الآية. فخرج بالزوج حلف سيد أو أجنبي فهو محض يمين كما يأتي، وبيصح طلاقه الصبي والمجنون والمكره، وبليمتنعَنَّ العاجز عن الوطء بنحو جَبٍّ أو شلل أو رتق أو صغر فيها بقيده الآتي فلا إيلاء؛ إذ لا إيذاء، وبوطئها حلفه على ترك التمتع بغيره، وبفي الفرج إلى آخره حلفه على الامتناع من وطئها في الدبر أو الحيض أو الإحرام فهو محض يمين، والأرجح في لا أجامعك إلا في نحو الحيض أو حيض أو نهار رمضان أو المسجد أنه إيلاء
(1)
، وبمطلقا وما بعده الأربعة فأقل; لأن المرأة تصبر على الزوج أربعة أشهر ثم يفني صبرها أو يقل.
وأركانه ستة محلوف به وعليه ومدة وصيغة وزوجان (والجديد أنه) أي الإيلاء (لا يختص بالحلف بالله تعالى وصفاته، بل لو علق به) أي الوطء (طلاقا أو عتقا، أو قال إن وطئتك فلله عليَّ صلاة أو صوم أو حج أو عتق) مما لا ينحل إلا بعد أربعة أشهر (كان موليا)؛ لأن ذلك كله يسمى يمينا لتناولها لغة الحلف بالله تعالى وبغيره فشملته الآية، وكالحلف
(1)
. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.
وَلَوْ حَلَفَ أَجْنَبِيٌّ عَلَيْهِ فَيَمِينٌ مَحْضَةٌ، فَإِنْ نَكَحَهَا فَلَا إيلَاءَ. وَلَوْ آلَى مِنْ رَتْقَاءَ، أَوْ قَرْنَاءَ، أَوْ آلَى مَجْبُوبٌ لَمْ يَصِحَّ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ: وَاَللهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللهِ لَا وَطِئْتُك أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَهَكَذَا مِرَارًا فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ: وَاَللهِ لَا وَطِئْتُك خَمْسَةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا مَضَتْ فَوَاَللهِ لَا وَطِئْتُك سَنَةً فَإِيلَاءَانِ لِكُلٍّ حُكْمُهُ
الظهار كأنت عليَّ كظهر أمي سنة فإنه إيلاء كما يأتي. أما إذا انحلَّ قبلها كإن وطئتك فعليَّ صوم هذا الشهر أو شهر كذا وهو ينقضي قبل أربعة أشهر من اليمين فلا إيلاء. (ولو حلف أجنبي) لأجنبية أو سيد لأمته (عليه) أي الوطء كوالله لا أطؤك (فيمين محضة) أي لا إيلاء فيها فيلزمه قبل النكاح أو بعده كفارة بوطئها (فإن نكحها فلا إيلاء) يحكم به عليه، فلا تضرب المدة وإن بقي من مدّة عيَّنها فوق أربعة أشهر وتأذت؛ لانتفاء الإضرار حين الحلف؛ لاختصاصه بالزوج بنصِّ {مِنْ نِسَائِهِمْ} البقرة: 226 (ولو آلى من رتقاء أو قرناء أو آلى مجبوب) لم يبق له قدر الحشفة، ومثله أشل (لم يصح) هذا الإيلاء (على المذهب)؛ إذ لا إيذاء منه حينئذ بخلاف الخصي والعاجز لمرض أو عِنَّة والعاجزة لنحو مرض أو صغر يمكن معه وطؤها في مدة قدَّرها وقد بقي منها أكثر من أربعة أشهر; لأن الوطء مرجوٌّ، ومَن طرأ نحو جَبُّهُ بعد الإيلاء فإنه لا يبطل، ومر صحة الإيلاء من الرجعية وإن حرم وطؤها؛ لإمكانه برجعتها. (ولو قال والله لا وطئتك أربعة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك أربعة أشهر وهكذا) مرتين أو (مرارا) متصلة (فليس بمول في الأصح)؛ لانحلال كلٍّ بمضي الأربعة فتتعذر المطالبة، نعم يأثم إثم مطلق الإيذاء دون خصوص إثم الإيلاء. وخرج بقوله فوالله ما لو حذفه بأن قال فلا وطئتك فهو إيلاء قطعا; لأنها يمين واحدة اشتملت على أكثر من أربعة أشهر، وبمتصلة ما لو فصل كُلاًّ عن الأخرى أي بأن تكلم بأجنبي وإن قل أو سكت بأكثر من سكتة تنفس وعي فليس إيلاء قطعا (ولو قال والله لا وطئتك خمسة أشهر فإذا مضت فوالله لا وطئتك سنة فإيلاءان لكلٍّ) منهما (حكمه) فتطالبه بموجب الأول في الخامس لا فيما بعده؛ لانحلالها بمضيه وانعقاد مدة الثانية فيطالب بذلك بعد مضي أربعة أشهر. وخرج بقوله فإذا مضت ما لو أسقطه كأن قال والله لا أجامعك خمسة أشهر ثم قال والله لا أجامعك سنة فإنهما يتداخلان؛ لتداخل مدتيهما وانحلتا بوطء واحد، وبقوله فوالله ما لو حذفه فيكون إيلاء
وَلَوْ قَيَّدَ بِمُسْتَبْعَدِ الحُصُولِ فِي الْأَرْبَعَةِ كَنُزُولِ عِيسَى صلى الله عليه وسلم فَمُولٍ، وَإِنْ ظَنَّ حُصُولَهُ قَبْلَهَا فَلَا، وَكَذَا لَوْ شَكَّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَفْظُهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ، فَمِنْ صَرِيحِهِ تَغْيِيبُ ذَكَرٍ بِفَرْجٍ وَوَطْءٌ وَجِمَاعٌ وَافْتِضَاضُ بِكْرٍ،
واحدا (ولو قيَّد) يمينه على الامتناع من الوطء (بمستبعد الحصول في) الأَشْهُر (الأربعة) عادة (كنزول عيسى صلى الله عليه وسلم قبل خروج الدجال، وكخروج الدجال أو يأجوج ومأجوج (فمول) ; لأن الظاهر تأخره عن الأربعة فتتضرر هي بقطع الرجاء، وعلم به أن محقق الامتناع كطلوع السماء كذلك بالأولى. أما لو قيدها بعد خروج الدجال
(1)
بنزوله فلا يكون إيلاء، ومحله إن كان ثاني أيامه أو أولها ولم يبق منه مع باقي أيامه الأربعين ما يكمل أربعة أشهر باعتبار الأيام المعهودة؛ إذ يومه الأول كسنة حقيقة والثاني كشهر والثالث كجمعة كذلك وبقيتها كأيامنا كما صح عنه صلى الله عليه وسلم مع إخباره بأن الأول لا يكفي فيه صلاة يوم وبأنهم يقدرون له وقيس باليوم الأول الثاني والثالث، وبالصلاة غيرها فيقدر فيها أقدار العبادات والآجال وغيرهما. (وإن ظن حصوله) أي المقيد به (قبلها) أي الأربعة كمجيء المطر في الشتاء (فلا) يكون إيلاء بل محض يمين، ومحقق الحصول كجفاف الثوب أولى (وكذا لو شكَّ) في حصول المقيد به قبل الأربعة أو بعدها كمرضه أو مرض زيد أو قدومه من محتمل الوصول منه قبل الأربعة فلا يكون إيلاء (في الأصح) حالا، ولا بعد مضي الأربعة قبل وجود المعلق به; لأنه لم يتحقق منه قصد الإيذاء أوّلا، أما لو لم يحتمل وصوله منه لبعد مسافته بحيث لا تقطع في أربعة أشهر فهو مولٍ، نعم إن ادَّعى ظن قربها حلف ولم يكن موليا بل حالفا. (ولفظه) المفيد له وإشارة الأخرس به (صريح وكناية) ومنها الكتابة كغيره (فمن صريحه تغييب) حشفة أو (ذكر) أي حشفته؛ إذ هي المرادة منه بخلاف ما لو أراد كله؛ لحصول مقصودها بتغييب الحشفة مع عدم الحنث (بفرج ووطء وجماع) ونيك أي مادة ((ن ي ك)) وكذا البقية (وافتضاض بكر) -ولو غوراء-؛ لشيوعها، نعم يُدَيَّن إن أراد بالجماع الاجتماع وبالوطء الدوس بالقدم وبالافتضاض غير الوطء، ومحله إن لم يقل بذكري وإلا لم يدين في واحد منها كالنيك مطلقا.
(1)
. في حكم أيام الدجال ما لو مكثت الشمس طالعة عند قوم مدة كما ذكره الشارح في كتاب الصلاة 1/ 428.
وَالجَدِيدُ أَنَّ مُلَامَسَةً وَمُبَاضَعَةً وَمُبَاشَرَةً وَإِتْيَانًا وَغِشْيَانًا وَقُِرْبَانًا وَنَحْوَهَا كِنَايَاتٌ. وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُك فَعَبْدِي حُرٌّ فَزَالَ مِلْكُهُ عَنْهُ زَالَ الْإِيلَاءُ، وَلَوْ قَالَ إنْ وَطِئْتُكِ فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ ظِهَارِي وَكَانَ ظَاهَرَ فَمُولٍ، وَإِلَّا فَلَا ظِهَارَ وَلَا إيلَاءَ بَاطِنًا، وَيُحْكَمُ بِهِمَا ظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ عَنْ ظِهَارِي إنْ ظَاهَرْتُ فَلَيْسَ بِمُولٍ حَتَّى يُظَاهِرَ، أَوْ إنْ وَطِئْتُكِ فَضَرَّتُكِ طَالِقٌ فَمُولٍ، فَإِنْ وَطِئَ طَلُقَتْ الضَّرَّةُ وَزَالَ الْإِيلَاءُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِأَرْبَعٍ: وَاَللهِ لَا أُجَامِعُكُنَّ فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الحَالِ فَإِنْ جَامَعَ ثَلَاثًا فَمُولٍ مِنَ الرَّابِعَةِ،
…
(والجديد أن ملامسة ومباضعة ومباشرة وإتيانا وغشيانا وقُِربانا ونحوها) كإفضاء ومس (كنايات)؛ لاستعمالها في غير الوطء أيضا مع عدم اشتهارها فيه حتى المس وإن تكرر في القرآن بمعنى الوطء. (ولو قال إن وطئتك فعبدي حر فزال ملكه) ببيع لازم من جهته أو بغيره (عنه زال الإيلاء) وإن عاد لملكه؛ لعدم ترتب شيء على وطئه (ولو قال إن وطئتك فعبدي حر عن ظهاري وكان) قد (ظاهر) وعاد (فمولٍ) ; لأنه وإن لزمه العتق عنه فتعجيله وربطه بمعين زيادة التزمها بالوطء على موجب الظهار فكان كالتزام أصل العتق، ثم إذا وطء في مدة الإيلاء أو بعدها عتق العبد عن ظهاره
(1)
(وإلا) يكن قد ظاهر (فلا ظهار ولا إيلاء باطنا)؛ لكذبه (ويحكم بهما ظاهرا)؛ لإقراره بالظهار فيحكم بإيلائه وبوقوع العتق عن الظهار. (ولو قال) إن وطئتك فعبدي حر (عن ظهاري إن ظاهرت فليس بمول حتى يظاهر) ; لأنه لا يلزمه شيء بالوطء قبل الظهار؛ لتعلق العتق به مع الوطء، فإذا ظاهر صار موليا، وحينئذ يعتق بالوطء في مدة الإيلاء وبعدها؛ لوجود المعلق به لكن لا عن الظهار اتفاقا؛ لسبق لفظ التعليق له والعتق إنما يقع عن الظهار بلفظ يوجد بعده -أي بعد الظهار- (أو) قال (إن وطئتك فضرتك طالق فمولٍ) من المخاطبة; لأن طلاق الضرة الواقع بوطء المخاطبة يضره، أما إن قال إن وطئتك فعليَّ طلاق ضرتك أو طلاقك فلا إيلاء (فإن وطئ) في المدة أو بعدها (طلقت الضرة)؛ لوجود الصفة (وزال الإيلاء)؛ إذ لا شيء عليه بوطئها بعد. (والأظهر أنه لو قال لأربع والله لا أجامعكن فليس بمول في الحال) ; لأنه لا يحنث إلا بوطء الكل؛ إذ المعنى لا أطأ جميعكن كما لو حلف لا يكلم هؤلاء، وفارقت ما بعدها بأن هذه من باب سلب العموم وتلك من باب عموم السلب كما يأتي (فإن جامع ثلاثا) منهن ولو بعد البينونة أو في الدبر; لأن اليمين يشمل الحلال والحرام (فمول من الرابعة)؛ لحنثه حينئذ
(1)
. عبارة المغني.
فَلَوْ مَاتَ بَعْضُهُنَّ قَبْلَ وَطْءٍ زَالَ الْإِيلَاءُ، وَلَوْ قَالَ: وَاللهِ لَا أُجَامِعُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ فَمُولٍ مِنْ كُلِّ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ قَالَ: لَا أُجَامِعُكِ إلَى سَنَةٍ إلَّا مَرَّةً فَلَيْسَ بِمُولٍ فِي الحَالِ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ وَطِئَ وَبَقِيَ مِنْهَا أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَمُولٍ
بوطئها (فلو مات بعضهن قبل وطء زال الإيلاء)؛ لتحقق امتناع الحنث إذ الوطء إنما يقع على ما في الحياة، أما بعد وطئها وقبل وطء الأخريات فلا يزول (ولو قال) لهنَّ (والله لا أجامع) واحدة منكن ولم يرد واحدة معينة أو مبهمة بأن أراد الكل أو أطلق كان موليا من كل منهن؛ حملا له على عموم السلب فيحنث بوطء واحدة ويرتفع الإيلاء عن الباقيات. أما إذا أراد واحدة فيختص بها ويعينها أو يبينها، أو لا أجامع (كل واحدة منكن فمول من كل واحدة)؛ لصراحة كلٍّ في عموم سلب وطئهن
(1)
، فإذا وطئ واحدة حنث وزال الإيلاء في حق الباقيات. (ولو قال) والله (لا أجامعك) سنة أو (إلى سنة) وأراد سنة كاملة أو أطلق أخذا مما مر في الطلاق (إلا مرَّة) وأطلق (فليس بمول في الحال في الأظهر) ; لأنه لا حنث بوطئه مرة لاستثنائها، أو السنة فإن بقي منها عند الحلف مدة الإيلاء فإيلاء وإلا فلا (فإن وطئ وبقي منها) أي السنة (أكثر من أربعة أشهر فمولٍ) من يومئذ؛ لحنثه به حينئذ فيمتنع منه، أو أربعة فأقل فحالف فقط. وإن لم يطأ حتى مضت السنة انحلَّ الإيلاء ولا كفارة عليه، ولا نظر لاقتضاء اللفظ وطأه مرة; لأن القصد منع الزيادة عليها لا إيجادها. قيل هذا مخالف لما مر أن الاستثناء من النفي إثبات ورد بأنه لا يخالفه؛ لأنه ليس المراد بكونه إثباتا أنه إثبات لنقيض الملفوظ بل المراد أنه إثبات لنقيض ما دل عليه الملفوظ به وحينئذ فهو موافق للقاعدة المذكورة; لأنه في هذا المثال -وهو المستقبل- منع نفسه من الوطء وأخرج المرة، فعلى الضعيف أن الثابت بعد الاستثناء نقيض الملفوظ به قبله وهو الوطء إذا لم يطأ المرة يحنث، وعلى الأصح أن الثابت نقيض ما دل عليه لفظه وهو الامتناع ينتفي الامتناع في المرة ويثبت التخيير فيها، ويجري ذلك في كل حلف على مستقبل بخلافه على ماض أو حاضر ففي لا وطئت إلا مرة يحنث إذا لم يكن قد وطئها جزما؛ لانتفاء توجبه التخيير لعدم إمكانه فلما لم يحتمل الاستثناء إلا وقوعه خارجا حنث إذا لم يكن كذلك، ولهذا جزموا في ليس له عليَّ إلا مائة بلزوم المائة ولم يخرجوه على هذا الخلاف، نعم قد لا يتأتى في بعض المستقبلات نحو لا يقوم غدا إلا زيد؛
(1)
. كما في فتح الجواد.
فصل
يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنَ الْإِيلَاءِ بِلَا قَاضٍ، وَفِي رَجْعِيَّةٍ مِنَ الرَّجْعَةِ، وَلَوِ ارْتَدَّ أَحَدُهُمَا بَعْدَ دُخُولٍ فِي المُدَّةِ انْقَطَعَتْ، فَإِذَا أَسْلَمَ اُسْتُؤْنِفَتْ. وَمَا مَنَعُ الْوَطْءَ وَلَمْ يُخِلَّ بِنِكَاحٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ لَمْ يَمْنَعِ المُدَّةَ كَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ وَمَرَضٍ وَجُنُونٍ، أَوْ فِيهَا وَهُوَ حِسِّيٌّ كَصِغَرٍ وَمَرَضٍ مَنَعَ،
إذ لا بد من قيامه غدا لكن إن كانت الجملة خبرية -أي لا نهيية- وإلا لم يتعين قيامه بل يبقى التخيير كما مر، فإذن ما ذكر ليس من عموم المستقبلات بل من خصوص الحث أو المنع.
(فصل) في أحكام الإيلاء
(يمهل) وجوبا المولي بلا مطالبة (أربعة أشهر)؛ رفقا به وللآية ولو قنا أو زوج قنة; لأن المدة شرعت لأمر جبلي هو قلة صبرها فلم تختلف بحرية ورق كمدة حيض وعِنَّة وتحسب المدة (مِن) حين (الإيلاء) ; لأنه مول من وقتئذ، ولو (بلا قاضٍ)؛ لثبوتها بالنص والإجماع، وبه فارقت نحو مدة العنة، نعم في إن جامعتك فعبدي حر قبل جماعي بشهر لا تحسب المدة من الإيلاء بل بعد مضي الشهر; لأنه لو وطئ قبله لم يعتق (و) تحسب (في رجعية) ومرتدة حال الإيلاء (من الرجعة) وزوال الردة كزوال الصغر أو المرض كما يأتي؛ لأنه بالرجعة وزوال ما ذكر يحل الوطء في الرجعية والمرتدة ويمكن الوطء في الصغيرة والمريضة، ولا تحسب المدة من اليمين. أما لو آلى ثم طلق رجعيا أو وطئت بشبهة فتنقطع المدة أو تبطل؛ لحرمة وطئها، وتستأنف من الرجعة أو انقضاء العدة إن بقي من مدة اليمين فوق أربعة أشهر; لأن الإضرار إنما يحصل بالامتناع المتوالي أربعة أشهر في نكاح سليم. (ولو ارتد أحدهما) قبل دخول انفسخ النكاح كما مر، أو (بعد دخول في المدة) أو بعدها (انقطعت)؛ لحرمة وطئها حينئذ (فإذا أسلم) المرتد منهما في العدة (استؤنفت) المدة؛ لما ذكر المعلوم منه أن محله إذا كانت اليمين على الامتناع من الوطء مطلقا أو بقي من مدة اليمين ما يزيد على أربعة أشهر وإلا فلا معنى للاستئناف. (وما منع الوطء ولم يخل بنكاح إن وجد فيه) أي الزوج (لم يمنع المدة) سواء المانع الشرعي (كصوم وإحرام، و) الحسي كحبس، و (مرض وجنون) ; لأنها ممكنة والمانع منه مع أنه المقصر بالإيلاء. (أو) وجد (فيها) أي الزوجة (وهو حسي كصغر ومرض) يمنع من إيلاج الحشفة في صورة صحة الإيلاء معهما السابقة، ونشوز (منع)
وَإِنْ حَدَثَ فِي المُدَّةِ قَطَعَهَا فَإِذَا زَالَ اُسْتُؤْنِفَتْ، وَقِيلَ تُبْنَى، أَوْ شَرْعِيٌّ كَحَيْضٍ وَصَوْمِ نَفْلٍ فَلَا، وَيَمْنَعُ فَرْضٌ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ وَطِئَ فِي المُدَّةِ، وَإِلَّا فَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِأَنْ يَفِيءَ أَوْ يُطَلِّقَ وَلَوْ تَرَكَتْ حَقَّهَا فَلَهَا المُطَالَبَةُ بَعْدَهُ. وَتَحْصُلُ الْفَِيْئَةُ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ بِقُبُلٍ،
المدة فلا يبتدئ بها حتى تزول (وإن حدث) نحو مرضها المانع من ذلك أو نشوزها، وكذا مانعها الشرعي غير نحو الحيض كتلبسها بفرض كصوم (في) أثناء (المدة قطعها) ; لأنه لم يمتنع من الوطء لأجل اليمين بل لتعذره (فإذا زال) وقد بقي فوق أربعة أشهر من اليمين (استؤنفت) المدة؛ لما مر (وقيل تبنى)؛ لبقاء النكاح هنا. وخرج بفي المدة طرو ذلك بعدها فلا يمنعها بل يطالب بالفيئة بعد زوالها؛ لوجود المضارَّة في المدة على التوالي مع بقاء النكاح على سلامته (أو) وجد فيها وهو (شرعي كحيض) أو نفاس (وصوم نفل) أو اعتكافه (فلا) يمنع المدة ولا يقطعها لو حدث فيها; لأن الحيض لا يخلو عنه شهر غالبا، فلو منع لامتنع ضرب المدة غالبا، وأُلحق به النفاس طردا للباب; لأنه من جنسه ومشارك له في أكثر أحكامه. (ويمنع) المدة ويقطعها صوم أو اعتكاف (فرض) وإحرام لا يجوز له تحليلها منه (في الأصح)؛ لعدم تمكنه معه من الوطء، ولذا كان الصوم الموسع زمنه من نحو قضاء أو نذر أو كفارة لا يمنع
(1)
; لأنه كالنفل في تمكنه معه من الوطء، (فإن وطئ في المدة انحلت) اليمين وفات الإيلاء (وإلا) يطأ فيها وقد انقضت ولا مانع بها (فلها) دون وليها وسيدها، بل توقف حتى تكمل ببلوغ أو عقل (مطالبته) وإن كان حلفه بالطلاق (بأن يفيء) أي يرجع إلى الوطء الذي امتنع منه بالإيلاء (أو يطلق) إن لم يفئ؛ لظاهر الآية، وليس لها تعيين أحدهما
(2)
. واليمين بالطلاق لا تمنع حل الإيلاج لكن يجب النزع فورا
(3)
(ولو تركت حقها فلها المطالبة بعده) أي الترك إن بقيت المدة; لأن الضرر هنا يتجدد كالإعسار بالنفقة بخلافه في العنة والعيب والإعسار بالمهر; لأنه خصلة واحدة. (وتحصل الفَِيئة بتغييب حشفة) أو قدرها من مقطوعها (بقُبُلٍ
(4)
مع زوال بكارة بكر
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني وشرح المنهج.
(3)
. اعتمدا أن محله إن كان الطلاق بائنا فإن كان رجعيا فالواجب النزع أو الرجعة.
(4)
. ويصدق في الوطء وهو مستثنى من قاعدة إن القول قول نافي الوطء كما أشار إليه الشارح في باب الخيار في النكاح 7/ 353.
وَلَا مُطَالَبَةَ إنْ كَانَ بِهَا مَانِعُ وَطْءٍ كَحَيْضٍ وَمَرَضٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ مَانِعٌ طَبِيعِيٌّ كَمَرَضٍ طُولِبَ بِأَنْ يَقُولَ: إذَا قَدَرْتُ فِئْتُ: أَوْ شَرْعِيٌّ كَإِحْرَامٍ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ يُطَالَبُ بِطَلَاقٍ، فَإِنْ عَصَى بِوَطْءٍ سَقَطَتِ المُطَالَبَةُ،
ولو غوراء. ويكون مختارا عالما عامدا؛ لأن أحكام الوطء تتعلق بذلك، نعم إن لم يصرح في إيلائه بالقبل ولا نواه
(1)
انحلّ بالوطء في الدبر فتسقط المطالبة، وسقوطها به فيه لا ينافي عدم حصول الفيئة بالوطء فيه؛ لأنه لا تلازم بين سقوط المطالبة وحصول الفيئة كما لو وطء مكرها أو ناسيا
(2)
. (ولا مطالبة) بفيئة ولا طلاق (إن كان بها مانع وطء كحيض) ونفاس وإحرام وصوم فرض بقيده السابق
(3)
أو اعتكافه (ومرض) لا يمكن معه الوطء; لأن المطالبة إنما تكون بمستحق وهي لا تستحق الوطء؛ لتعذره من جهتها، قيل قولهم طلاق المولي في الحيض غير بدعي يشكل بعدم مطالبته به، وُرُدَّ بفرضه فيما إذا طولب زمن الطهر بالفيئة فترك مع تمكنه ثم حاضت فيطالب بالطلاق حينئذ (وإن كان فيه مانع طبيعي كمرض) يضر معه الوطء ولو بنحو بطء برء (طولب) بالفيئة بلسانه (بأن يقول إذا) أو إن أو لو (قدرت فئت) ; لأن به يندفع إيذاؤه لها بالحلف بلسانه، ويزيد ندبا وندمت على ما فعلت، ثم إذا لم يفئ طالبته بالطلاق. ولو طرأ الجب بعد الإيلاء وسقط خيارها طولب بالطلاق فقط
(4)
؛ إذ لا فائدة تترقب هنا قطعا (أو شرعي كإحرام) لم يقرب تحلله منه وصوم فرض مضيق، أو موسع ولم يستمهل إلى الليل، وظهار ولم يستمهل إلى الكفارة بغير الصوم، أي من الصوم والإطعام (فالمذهب أنه يطالب بطلاق
(5)
عينا; لأن المانع منه، لا بفيئة معه ولا وحدها؛ لحرمة الفيئة عليه. أما إذا قرب التحلل بأن كان ثلاثة أيام فأقل فيمهل لها، وكذا لو استمهل في الصوم إلى الليل أو في الكفارة إلى العتق أو الإطعام فيمهل ثلاثة أيام أيضاً (فإن عصى بوطء) في القبل أو في الدبر وقد أطلق الامتناع من الوطء (سقطت المطالبة) وانحلت اليمين، وتأثم بتمكينه
(1)
. أما لو حلف لا يطأها في قبلها فلا تحصل فيئته، ويبقى الإيلاء أيضاً.
(2)
. كما في فتح الجواد.
(3)
. قال عبد الحميد: ((الأولى رجوعه لإحرام أيضا وقيده السابق أن لا يجوز للزوج تحليلها منه، وأما القيد السابق للصوم الفرض فكونه مضيفا عند الشارح خلافا للنهاية والمغني)).
(4)
. خلافا للمغني حيث اعتمد مطالبته بأن يقول لو قدرت فئتُ.
(5)
. وهو إكراه بحق فيقع معه الطلاق كما مر 8/ 33.
وَإِنْ أَبَى الْفَيْئَةَ وَالطَّلَاقَ فَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْقَاضِيَ يُطَلِّقُ عَلَيْهِ طَلْقَةً، وَأَنَّهُ لَا يُمْهَلُ ثَلَاثَةَ، وَأَنَّهُ إذَا وَطِئَ بَعْدَ مُطَالَبَةٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ
قطعا إن عمهما المانع كطلاق رجعي أو خصها كحيض، وكذا إن خصه; لأنه إعانة على معصية. (وإن أبى) بعد ترافعهما إلى القاضي -فلا يكفي ثبوت إبائه مع غيبته عن مجلسه إلا إذا تعذر إحضاره؛ لتواريه أو تعززه- (الفيئة والطلاق فالأظهر أن القاضي يطلق عليه) بسؤالها (طلقة) وإن بانت بها لعدم دخول أو استيفاء ثلاث بأن يقول أوقعت عليها طلقة عنه أو طلقتها عنه أو أنت طالق عنه، فإن حذف عنه لم يقع شيء، وذلك; لأنه لا سبيل لدوام إضرارها ولا لإجباره على الفيئة مع قبول الطلاق للنيابة فناب الحاكم عنه كما يزوج عن العاضل. وخرج بطلقة ما زاد عليها فلا يقع كما لو بان أنه طلق أو فاءَ، فإن بانا معا
(1)
وقعا؛ لإمكانهما (و) الأظهر (أنه لا يمهل) للفيئة بالفعل فيما إذا استمهل لها (ثلاثة) من الأيام؛ لزيادة إضرارها. أما للفيئة باللسان فلا يمهل قطعا كالزيادة على الثلاث، وأما ما دونها فيمهل له لكن بقدر ما ينتهي فيه مانعه كوقت الفطر للصائم والشبع للجائع والخفة للممتلئ، وقُدِّر بيوم فأقل (و) الأظهر (أنه إذا وطئ بعد مطالبة) أو قبلها بالأولى (لزمه كفارة يمين) إن كان حلفه بالله تعالى؛ لحنثه. أما إذا حلف بالتزام ما يلزم فإن كان بقربةٍ تخير بين ما التزمه وكفارة يمين، أو كأن حلف بتعليق نحو طلاق وقع بوجود الصفة.
(1)
. أي طلاق المولي وطلاق القاضي.
كتاب الظهار
يَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ مُكَلَّفٍ وَلَوْ ذِمِّيٌّ وَخَصِيٌّ، وَظِهَارُ سَكْرَانَ كَطَلَاقِهِ، وَصَرِيحُهُ أَنْ يَقُولَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ أَوْ مِنِّي أَوْ مَعِي أَوْ عِنْدِي كَظَهْرِ أُمِّي، وَكَذَا أَنْتِ كَظَهْرِ أُمِّي صَرِيحٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقَوْلُهُ: جِسْمُكِ أَوْ بَدَنُكِ أَوْ نَفْسُكِ كَبَدَنِ أُمِّي أَوْ جِسْمِهَا أَوْ جُمْلَتِهَا صَرِيحٌ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَهُ كَيَدِهَا أَوْ بَطْنِهَا أَوْ صَدْرِهَا ظِهَارٌ، وَكَذَا كَعَيْنِهَا إنْ قَصَدَ ظِهَارًا، وَإِنْ قَصَدَ كَرَامَةً فَلَا،
(كتاب الظهار)
سُمِّي به لتشبيه الزوجة بظهر نحو الأم. وهو حرام، بل كبيرة ; لأن فيه إقداما على إحالة حكم الله وتبديله.
وأركانه مظاهر ومظاهر منها ومشبه به وصيغة (يصح من كل زوج مكلف) مختار، دون أجنبي -وإن نكح بعدُ- وصبي ومجنون ومكره؛ لما مر في الطلاق، نعم لو علَّقه بصفة فوجدت وهو مجنون مثلا حصل (ولو) هو (ذمي) وحربي؛ لعموم الآية (وخصي) ونحو ممسوح، وإنما لم يصح إيلاؤه ; لأن الجماع مقصود ثَم لا هنا، وعبد وإن لم يتصور منه العتق؛ لإمكان تكفيره بالصوم (وظهار سكران) تعدى بسكره (كطلاقه) فيصح منه وإن صار كالزِّق.
(وصريحه) أي الظهار (أن يقول) أو يشير الأخرس الذي يفهم إشارته كل أحد (لزوجته) ولو رجعية قنة غير مكلفة لا يمكن وطؤها (أنت عليَّ أو مني أو) ليَّ أو إليَّ أو (معي أو عندي كظهر أمي، وكذا أنت كظهر أمي صريح على الصحيح) كما أن أنت طالق صريح وإن لم يقل مني؛ لتبادره للذهن (وقوله جسمك أو بدنك أو نفسك) أو جملتك (كبدن أمي أو جسمها) أو نفسها (أو جملتها صريح) وإن لم يقل عليَّ؛ لاشتمال كل من ذلك على الظهر (والأظهر أن قوله) أنت (كيدها أو بطنها أو صدرها) ونحوها من كل عضو لا يذكر للكرامة (ظهار) ; لأنه عضو يحرم التلذذ به فكان كالظهر (وكذا) العضو الذي يذكر للكرامة (كعينها) أو رأسها أو روحها، ومثله أنت كأمي أو مثل أمي، لكن لا مطلقا بل (إن قصد) به (ظهارا) أي معناه وهو التشبيه بتحريم نحو الأم ; لأنه نوى ما يحتمله اللفظ (وإن قصد كرامة فلا)
وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ: رَأْسُكِ أَوْ ظَهْرُكِ أَوْ يَدُكِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي ظِهَارٌ فِي الْأَظْهَرِ، وَالتَّشْبِيهُ بِالجَدَّةِ ظِهَارٌ، وَالمَذْهَبُ طَرْدُهُ فِي كُلِّ مَحْرَمٍ لَمْ يَطْرَأْ تَحْرِيمُهَا، لَا مُرْضِعَةٍ وَزَوْجَةِ ابْنٍ، وَلَوْ شَبَّهَ بِأَجْنَبِيَّةٍ وَمُطَلَّقَةٍ وَأُخْتِ زَوْجَةٍ وَبِأَبٍ وَمُلَاعَنَةٍ فَلَغْوٌ. وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ كَقَوْلِهِ:
يكون ظهارا لذلك (وكذا إن أطلق في الأصح)؛ لاحتماله الكرامة، وغُلِّب ; لأن الأصل عدم الحرمة والكفارة (وقوله رأسك أو ظهرك) أو جزؤك (أو يدك) أو فرجك أو شعرك أو نحوها من الأعضاء الظاهرة -بخلاف الباطنة
(1)
كالكبد فلا يكون ذكرها ظهارا ; لأنها لا يمكن التمتع بها حتى توصف بالحرمة- (علي كظهر أمي) أو يدها مثلا (ظهار في الأظهر) وإن لم يقل عليَّ كما مر، ويظهر أنه يلحق بالظهر كل عضو ظاهر لا باطن نظير ما ذكر في المشبه. (والتشبيه بالجدة) لأب أو أم وإن بعدت (ظهار) ; لأنها تسمى أمَّا (والمذهب طرده) أي هذا الحكم (في كل محرم) شُبِّه بها من نسب أو رضاع أو مصاهرة (لم يطرأ) على المظاهر (تحريمها) كأخته نسبا ومرضعة أمه أو أبيه وأمها وزوجة أبيه التي نكحها قبل ولادته بجامع التحريم المؤبد ابتداء. (لا مرضعة) له (وزوجة ابن) له ; لأنهما لمَّا حلتا له في وقت احتمل إرادته (ولو شبَّه) زوجته (بأجنبية ومطلقة وأخت زوجة وبأب) مثلا (وملاعنة فلغو) أما غير الأخيرين فلما مر، وأما الأب فليس محلا للاستمتاع وتأبيد حرمة الملاعنة لقطيعتها لا لوصلتها عكس المَحْرَم، ومن ثم كانت مثل الملاعنة المجوسية والمرتدة وكذا أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ; لأن حرمتهن؛ لشرفه صلى الله عليه وسلم. ولو قال أنت عليَّ حرام كما حرمت أمي فكناية طلاق أو ظهار، فإن نوى أنها كظهر أو نحو بطن أمه في التحريم فمظاهر وإلا فلا.
(ويصح) توقيته كأنت كظهر أمي يوما أو سنة كما يأتي، و (تعليقه) ; لأنه لاقتضائه التحريمَ كالطلاق والكفارةَ كاليمين وكلاهما يصح تعليقه (كقوله) إن دخلت فأنت عليَّ كظهر أمي فدخلت ولو في حال جنونه أو نسيانه لكن لا عود حتى يمسكها عقب إفاقته أو تذكره وعلمه بوجود الصفة قدر إمكان طلاقها ولم يطلقها، وكقوله إن لم أدخلها فأنت عليَّ كظهر أمي ثم مات وفي هذه يتصور الظهار لا العود ; لأنه بموته يتبين الظهار قبيله وحينئذ يستحيل العود، وكقوله:
(1)
خلافا للخطيب.
إنْ ظَاهَرْتُ مِنْ زَوْجَتِي الْأُخْرَى فَأَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَظَاهَرَ صَارَ مُظَاهِرًا مِنْهُمَا، وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْتُ مِنْ فُلَانَةَ وَفُلَانَةُ أَجْنَبِيَّةٌ فَخَاطَبَهَا بِظِهَارٍ لَمْ يَصِرْ مُظَاهِرًا مِنْ زَوْجَتِهِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ اللَّفْظَ، فَلَوْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ مِنْهَا صَارَ مُظَاهِرًا، وَلَوْ قَالَ مِنْ فُلَانَةَ الْأَجْنَبِيَّةِ فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُظَاهِرًا، وَإِنْ نَكَحَهَا وَظَاهَرَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ ظَاهَرْتُ مِنْهَا وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فَلَغْوٌ، وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ كَظَهْرِ أُمِّي وَلَمْ يَنْوِ أَوْ نَوَى الطَّلَاقَ أَوِ الظِّهَارَ أَوْ هُمَا أَوِ الظِّهَارَ بِأَنْتِ طَالِقٌ وَالطَّلَاقَ بِكَظَهْرِ أُمِّي طَلُقَتْ وَلَا ظِهَارَ،
(إن ظاهرت من زوجتي الأخرى فأنت عليَّ كظهر أمي فظاهر) منها (صار مظاهرا منهما)؛ عملا بمقتضى التنجيز والتعليق، بل قضية كلامهم هنا انعقاد الظهار وإن كان المعلق بفعله ناسيا أو جاهلا
(1)
وهو ممن يبالي بتعليقه. (ولو قال إن ظاهرت من فلانة) -ولم يقيد بشيء- فأنت عليٌ كظهر أمي (وفلانة) أي والحال أنها (أجنبية فخاطبها بظهار لم يصر مظاهرا من زوجته)؛ لعدم صحته من الأجنبية (إلا أن يريد اللفظ) أي التعليق على مجرد تلفظه بذلك فيصير مظاهرا من زوجته؛ لوجود المعلق عليه (فلو نكحها) أي الأجنبية (وظاهر منها) بعد نكاحه لها (صار مظاهرا) من تلك لوجود الصفة حينئذ (ولو قال) إن ظاهرت (من فلانة الأجنبية فكذلك) يكون مظاهرا من تلك إن نكح هذه ثم ظاهر منها وإلا فلا إلا أن يريد اللفظ. وذكر الأجنبية للتعريف لا للشرط؛ إذ وصف المعرفة لا يفيد تخصيصا بل توضيحا أو نحوه (وقيل) بل ذكرها للشرط والتخصيص، فحينئذ (لا يصير مظاهرا) من تلك (وإن نكحها) أي الأجنبية (وظاهر منها)؛ لخروجها عن كونها أجنبية. (ولو قال إن ظاهرت منها وهي أجنبية) فأنت علي كظهر أمي (فلغو) فلا شيء به مطلقا إلا إن أراد اللفظ وظاهر منها وهي أجنبية، وذلك ; لأن إتيانه بالجملة الحالية نص في الشرطية فكان تعليقا بمستحيل كإن بعت الخمر فأنت كظهر أمي ولم يقصد مجرد صورة البيع ثم باعها. (ولو قال أنت طالق كظهر أمي ولم ينو به) شيئا (أو نوى) بجميعه (الطلاق أو الظهار أو هما أو) نوى (الظهار بأنت طالق و) نوى (الطلاق بكظهر أمي) أو نوى بكلٍّ منهما على حدته الطلاق أو نواهما أو غيرهما بأنت طالق ونوى بكظهر أمي طلاقا، أو أطلق هذا ونوى بالأول شيئا مما ذكر أو أطلق الأول
(1)
خلافا لهم فاعتمدوا أنه حينئذ يعطى حكم الطلاق أي في أنه إذا علق بفعل نفسه ثم فعل ناسيا أو جاهلا فإن أراد محض التعليق وقع وإن أراد الحث أو المنع فلا وكذا إن أطلق.
أَوِ الطَّلَاقَ بِأَنْتِ طَالِقٌ، وَالظِّهَارَ بِالْبَاقِي طَلُقَتْ وَحَصَلَ الظِّهَارُ إنْ كَانَ طَلَاقَ رَجْعَةٍ
فصل
عَلَى المُظَاهِرِ كَفَّارَةٌ إذَا عَادَ، وَهُوَ أَنْ يُمْسِكَهَا بَعْدَ ظِهَارِهِ زَمَنَ إمْكَانِ فُرْقَةٍ،
ونوى بالثاني شيئا مما ذكر غير الظهار، أو نوى بهما أو بكل منهما أو بالثاني غيرهما أو كان الطلاق بائنا (طلقت)؛ لإتيانه بصريح لفظ الطلاق وهو لا يقبل الصرف (ولا ظهار) أما عند بينونتها فواضح وأما عند عدمها فلأن لفظ الظهار -؛ لكونه لم يذكر قبله ((أنت)) وفصل بينه وبينها بطالق- وقع تابعا غير مستقل ولم ينوه بلفظه. ولفظه لا يصلح للطلاق كعكسه كما مر، نعم محل عدم وقوع طلقة ثانية به إذا نوى به الطلاق وهي رجعية ما إذا نوى ذلك الطلاق الذي أوقعه أو أطلق أما إذا نوى به طلاقا آخر غير الأول فيقع
(1)
; لأنه لما خرج عن كونه صريحا في الظهار بوقوعه تابعا صح أن يكون كناية في الطلاق (أو) نوى (الطلاق بأنت طالق) أو لم ينو به شيئا أو نوى به الظهار أو غيره (و) نوى (الظهار) وحده أو مع الطلاق (بالباقي) أو نوى بكل منهما الظهار ولو مع الطلاق (طلقت)؛ لوجود لفظه الصريح (وحصل الظهار إن كان) الطلاق (طلاق رجعة)؛ لصحته من الرجعية مع صلاحية كظهر أمي لأن تكون كناية فيه بتقدير أنت قبله؛ لوجود قصده به، وكأنَّه قال أنت طالق أنت كظهر أمي، أما إذا كان بائنا فلا ظهار؛ لعدم صحته من البائن.
(فصل) فيما يترتب على الظهار
يجب (على المظاهر كفارة إذا عاد)؛ للآية السابقة، وموجب الكفارة الظهار والعود معاً، ولا ينافي ذلك وجوبها فورا
(2)
مع أن أحد سببيها وهو العود غير معصية ; لأنه إذا اجتمع حلال وحرام ولم يمكن تميُّز أحدهما عن الآخر غلب الحرام (وهو) أي العود -في غير مؤقت وفي غير رجعية؛ لما يأتي فيهما- (أن يمسكها) على الزوجية ولو جهلا ونحوه (بعد) فراغ (ظهاره) -ولو مكررا؛ للتأكيد- وبعد علمه بوجود الصفة في المعلق وإن نسي أو جن عند وجودها
(3)
كما مر (زمن إمكان فرقة) ; لأن تشبيهها بالمَحْرَم يقتضي فراقها فبعدم فعله صار عائدا فيما قال.
(1)
وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا للرملي في النهاية كوالده على ما قاله ابن قاسم.
(2)
وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
(3)
قال علي الشبراملسي ((ولا يصير عائدا إلا بالإمساك بعد الإفاقة أو التذكر)).
فَلَوِ اتَّصَلَتْ بِهِ فُرْقَةٌ، بِمَوْتٍ أَوْ فَسْخٍ أَوْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَجْعِيٍّ وَلَمْ يُرَاجِعْ أَوْ جُنَّ فَلَا عَوْدَ، وَكَذَا لَوْ مَلَكَهَا أَوْ لَاعَنَهَا فِي الْأَصَحِّ، بِشَرْطِ سَبْقِ الْقَذْفِ ظِهَارَهُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَاجَعَ أَوِ ارْتَدَّ، مُتَّصِلًا ثُمَّ أَسْلَمَ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ عَائِدٌ بِالرَّجْعَةِ، لَا الْإِسْلَامِ، بَلْ بَعْدَهُ، وَلَا تَسْقُطُ الْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْعَوْدِ بِفُرْقَةٍ وَيَحْرُمُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَطْءٌ،
[تنبيه] مرادهم هنا إمكان الفرقة شرعا فلا عود في نحو حائض إلا بالإمساك بعد انقطاع دمها
ويؤيده ما مر أن الإكراه الشرعي كالحسي. (فلو اتصل به) أي لفظ الظهار (فرقة بموت) لأحدهما (أو فسخ) منه أو منها أو انفساخ بنحو ردة قبل وطء (أو طلاق بائن أو رجعي ولم يراجع أو جن) أو أغمي عليه عقب اللفظ (فلا عود) -للفرقة
(1)
أو تعذرها- فلا كفارة، ومحله إن لم يمسكها بعد الإفاقة، وصورة الطلاق بأن يقول أنت علي كظهر أمي أنت طالق، ويغتفر التطويل في كلماته فلو قال عقب ظهاره أنت يا فلانة بنت فلان الفلاني وأطال في اسمها ونسبها طالق لم يكن عائدا، وكذا لو قال لها عقب الظهار أنت طالق على ألف فلم تقبل فقال عقبه أنت طالق بلا عوض لم يكن عائدا، وكذا يا زانية أنت طالق (وكذا لو) كان قنا أو كانت قنة فعقب الظهار ملكته أو (ملكها) اختيارا بقبول نحو وصية أو شراء من غير سوم وتقدير ثمن ; لأنه لم يمسكها على النكاح، ولا يؤثر إرثها قطعا، ويؤثر قبول هبتها؛ لتوقفها على القبض ولو تقديرا بأن كانت بيده (أو لاعنها) عقب الظهار (في الأصح)؛ لاشتغاله بموجب الفراق وإن طالت كلمات اللعان (بشرط سبق القذف) والرفع للقاضي (ظهاره في الأصح) بخلاف ما لو ظاهر فقذف أو رفع للقاضي فلاعن فإنه عائد؛ لسهولة الفراق بغير ذلك. (ولو راجع) مَن ظاهر منها حال كونها رجعية، أو مَن طلقها رجعيا عقب الظهار (أو ارتد متصلا) بالظهار وهي موطوءة (ثم أسلم فالمذهب) بعد الاتفاق على عود أحكام الظهار (أنه عائد بالرجعة) وإن طلقها عقبها (لا بإسلام بل) إنما يعود بإمساكها (بعده) زمنا يسع الفرقة، والفرق أن مقصود الرجعة استباحة الوطء لا غير ومقصود الإسلام العود للدِّين الحق والاستباحة أمر يترتب عليه.
(ولا تسقط الكفارة بعد العود بفرقة)؛ لاستقرارها بالإمساك قبلها (ويحرم قبل التكفير) بعتق أو غيره (وطء)؛ للنص عليه في غير الإطعام وقياسا فيه، نعم الظهار المؤقت إذا انقضت مدته ولم يطأ لا يحرم الوطء؛
(1)
أي في غير الأخيرتين أو تعذرها أي في الأخيرتين.
وَكَذَا لَمْسٌ وَنَحْوُهُ بِشَهْوَةٍ فِي الْأَظْهَرِ قُلْت: الْأَظْهَرُ الجَوَازُ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَصِحُّ الظِّهَارُ المُؤَقَّتُ مُؤَقَّتًا، وَفِي قَوْلٍ مُؤَبَّدًا، وَفِي قَوْلٍ لَغْوٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ الْأَصَحُّ أَنَّ عَوْدَهُ لَا يَحْصُلُ بِإِمْسَاكٍ بَلْ بِوَطْءٍ فِي المُدَّةِ وَيَجِبُ النَّزْعُ بِمُغَيِّبِ الحَشَفَةِ. وَلَوْ قَالَ: لِأَرْبَعٍ: أَنْتُنَّ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي فَمُظَاهِرٌ مِنْهُنَّ، فَإِنْ أَمْسَكَهُنَّ فَأَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ، وَفِي الْقَدِيمِ كَفَّارَةٌ،
لارتفاعه بانقضائها، ومن ثم لو وطئ فيها لزمت الكفارة وحرم عليه الوطء حتى تنقضي أو يكفر (وكذا) يحرم (لمس ونحوه) من كل مباشرة -لا نظر- (بشهوة في الأظهر)؛ لإفضائه للوطء (قلت الأظهر الجواز والله أعلم) ; لأن الحرمة ليست لمعنى يخل بالنكاح فأشبه الحيض، ومن ثم حرم فيما بين السرة والركبة ما مر في الحائض. (ويصح الظهار المؤقت)؛ للخبر الصحيح ((أنه صلى الله عليه وسلم أمر من ظاهر مؤقتا ثم وطئ في المدة بالتكفير))، وإذا صححناه كان (مؤقتا) كما التزمه وتغليبا لشبه اليمين (وقيل بل) يكون (مؤبدا)؛ تغليظا عليه وتغليبا لشبه الطلاق (وفي قول) هو (لغو، فعلى الأول) أي صحته مؤقتا (الأصح أن عوده) أي العود فيه (لا يحصل بإمساك بل بوطء) مشتمل على تغييب الحشفة أو قدرها من مقطوعها (في المدة)؛ للخبر المذكور. أما الوطء بعد المدة فلا عود به؛ لارتفاعه بها، فعلم تميُّز الظهار المؤقت عن المطلق بتوقف العود فيه على الوطء، وبحله قبل التكفير، وبحرمته كالمباشرة بعد إلى التكفير أو مضي المدة كما مرّ.
[تنبيه] لو قال أنت عليَّ كظهر أمي خمسة أشهر كان مظاهرا مؤقتا وموليا
؛ لامتناعه من وطئها فوق أربعة أشهر ; لأنه متى وطئ في المدة لزمه كفارة الظهار؛ لحصول العود، ولا يلزمه
(1)
كفارة يمين. (ويجب النزع بمغيب الحشفة) -أي عنده- كما في إن وطئتك فأنت طالق، ويصح تقييد الظهار بالمكان كالوقت فلا يعود إلا بالوطء فيه، وحينئذ تحرم
(2)
حتى يكفر
(3)
نظير المؤقت. (ولو قال لأربع أنتن عليَّ كظهر أمي فمظاهر منهن)؛ تغليبا لشبه الطلاق (فإن أمسكهن فأربع كفارات)؛ لوجود الظهار والعود في حق كل منهن، أو أمسك بعضهن وجبت فيه فقط (وفي القديم) عليه (كفارة) واحدة فقط؛ لاتحاد لفظه وتغليبا لشبه
(1)
خلافا لشرح الروض.
(2)
ظاهره ولو في غير ذلك المكان وفاقا للمغني وخلافا لشيخ الإسلام والنهاية.
(3)
وفاقا للنهاية وخلافا للمغني من تحريمها أبدا.
وَلَوْ ظَاهَرَ مِنْهُنَّ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ مُتَوَالِيَةٍ فَعَائِدٌ مِنَ الثَّلَاثِ الْأُوَلِ، وَلَوْ كَرَّرَ فِي امْرَأَةٍ مُتَّصِلًا وَقَصَدَ تَأْكِيدًا فَظِهَارٌ وَاحِدٌ، أَوِ اسْتِئْنَافًا فَالْأَظْهَرُ التَّعَدُّدُ، وَأَنَّهُ بِالمَرَّةِ الثَّانِيَةِ عَائِدٌ فِي الْأَوَّلِ
اليمين (ولو ظاهر منهن) ظهارا مطلقا (بأربع كلمات متوالية) وقوله متوالية مجرَّد تصوير
(1)
(فعائد من الثلاث الأُوَل)؛ لعوده في كلٍّ بظهار ما بعدها، فإن فارق الرابعة عقب ظهاره لزمه ثلاث كفارات وإلا فأربع. (ولو كرر) لفظ ظهار مطلق (في امرأة متصلا) كلُّ لفظ بما بعده (وقصد تأكيدا فظهار واحد) كالطلاق فيلزمه كفارة واحدة إن أمسكها عقب آخر مرة، أما مع تفاصلها بفوق سكتة تنفس وعي فلا يفيد قصد التأكيد. ولو قصد بالبعض تأكيدا وبالبعض استئنافا أُعطي كل حكمه (أو) قصد (استئنافا) ولو في إن دخلت فأنت عليَّ كظهر أمي وكرره (فالأظهر التعدد) كالطلاق لا اليمين؛ لأن المرجح في الظهار شبه الطلاق في نحو الصيغة، وإن أطلق فكالأول، وفارق الطلاق بأنه محصور مملوك فالظاهر استيفاؤه بخلاف الظهار. (و) الأظهر (أنه بالمرة الثانية عائد في) الظهار (الأول) ; لأن اشتغاله بها إمساك، أما المؤقت فلا تعدد فيه مطلقا؛ لعدم العود فيه قبل الوطء فهو كتكرير يمين على شيء واحد.
(1)
فغيرها أولى.
كتاب الكفارة
يُشْتَرَطُ نِيَّتُهَا لَا تَعْيِينُهَا
(كِتَاب الكَفَّارَة)
من الكفر وهو الستر؛ لسترها الذنب بمحوه أو تخفيف إثمه بناء على أنها زواجر كالحدود والتعازير أو جوابر للخلل، وعلى الأول الممحو هو حق الله من حيث هو حقه، وأما بالنظر لنحو الفاسق بموجبها فلا بد فيه من التوبة نظير نحو الحد
(1)
(يشترط نيتها) بأن ينوي الإعتاق مثلا عنها لا الواجب عليه وإن لم يكن عليه غيره؛ لشموله النذر، نعم إن نوى أداء الواجب بالظهار مثلا كفى وذلك; لأنها للتطهير كالزكاة، نعم هي في كافر كفَّر بالإعتاق؛ للتمييز كما في قضاء الديون
(2)
، ولا يكفر بالصوم؛ لأنه لا يصح منه الصوم; لأنه عبادة بدنية، ولا ينتقل عن الصوم للإطعام؛ لقدرته عليه بالإسلام، نعم إن كان عاجزا عن الصوم لنحو هرَم أو مرض جاز له أن يطعم وينوي حينئذٍ للتمييز أيضا، ويتصور ملك الكافر للمسلم بنحو إرث أو إسلام قنه أو يقول لمسلم أعتق قنك عن كفارتي فيجيب، فإن لم يمكنه شيء من ذلك وهو مظاهر موسر منع من الوطء؛ لقدرته على ملكه بأن يسلم فيشتريه، وأفاد قوله نيتها أنه لا يجب التعرض للفرضية; لأنها لا تكون إلا فرضا، وأنه لا تجب مقارنتها لنحو العتق، وعليه يجب قرنها بنحو عزل المال كما في الزكاة. ولو علم وجوب عتق عليه وشك أهو عن نذر أو كفارة ظهار أو قتل أجزأه بنية الواجب عليه؛ للضرورة ولأنه لو قال عن كذا أو كذا أو اجتهد وعين أحدها لم يجزئ عنه وإن بان أنه الواجب (لا تعيينها) عن ظهار مثلا; لأنها في معظم خصالها مائلة إلى الغرامات فاكتفي فيها بأصل النية، فلو أعتق من عليه كفارتا قتل
(1)
. ويلزم الإمام من عصى بسبب الكفارة بأدائها أو الدفع له، ولا يكتفي منه بوعد التفرقة؛ لأنها فورية كما أفاده الشارح في الزكاة 3/ 345، بل للإمام حبسه في كفارة فورية تعين فيها المال كما اعتمده الشارح في الفلس 5/ 142، وذكر في موضع آخر من الزكاة أنه لا يرجع في تعجيل كفارة مطلقا 3/ 360.
(2)
. قضيته اشتراط النية في قضاء الدين خلافا للمغني وتقدم أن الكافر ينوي في زكاة الفطر أيضا؛ لشبهها بالكفارة 3/ 310.
وَخِصَالُ كَفَّارَةِ الظِّهَارِ: عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ بِلَا عَيْبٍ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ وَالْكَسْبِ فَيُجْزِئُ صَغِيرٌ وَ أَقْرَعُ وَ أَعْرَجُ يُمْكِنُهُ تِبَاعُ مَشْيٍ، وَأَعْوَرُ وَأَصَمُّ وَأَخْرَسُ وَأَخْشَمُ، وَفَاقِدُ أَنْفِهِ وَأُذُنَيْهِ، وَأَصَابِعِ رِجْلَيْهِ
وظهار رقبتين بنية كفارة ولم يعين أجزأ عنهما، أو رقبة كذلك أجزأ عن إحداهما مبهما وله صرفه إلى إحداهما ويتعين فلا يتمكن من صرفه إلى الأخرى كما لو أدى من عليه ديون بعضها مبهما فإن له تعيين بعضها للأداء، نعم لو نوى غير ما عليه غلطا -كأن نوى كفارة قتل وليس عليه إلا كفارة ظهار
(1)
- لم يجزئه
(2)
.
(وخصال كفارة الظهار) ثلاث (عتق رقبة
(3)
فصوم فإطعام كما يفيده سياقه الآتي، وإنما يجزئ عنها عتق رقبة (مؤمنة) ولو تبعا لأصل أو دار أو ساب؛ حملا للمطلق في آية الظهار على المقيد في آية القتل بجامع عدم الإذن في السبب (بلا عيب يخل بالعمل والكسب) إخلالا بينا
(4)
; لأن القصد تكميل حاله ليتفرغ لوظائف الأحرار وذلك متوقف على استقلاله بكفاية نفسه والكسب (فيجزئ صغير) ولو عقب ولادته
(5)
؛ لرجاء كبره كبرء المرض بخلاف الهَرِم، ويسن بالغ؛ خروجا من خلاف إيجابه (وأقرع) لا نبات برأسه لداء (وأعرج يمكنه) من غير مشقة لا تحتمل عادة (تباع المشي)؛ لقلة تأثيرهما في العمل بخلاف ما لا يمكنه ذلك (وأعور)؛ لذلك، نعم إن ضعف نظر سليمته وأخل بالعمل إخلالا بيِّنا لم يجزئه (وأصم وأخرس) يفهم إشارة غيره ويفهم غيره إشارته بما يحتاج إليه، ومن اقتصر على أحدهما اكتفى بتلازمهما غالبا. ويشترط فيمن ولد أخرس إسلامه تبعا أو بإشارته المفهمة -وإن لم يصلِّ- وإلا لم يجزئ عتقه (وأخشم) أي فاقد الشم (وفاقد أنفه وأذنيه وأصابع رجليه) جميعها وأسنانه وعنين ومجبوب ورتقاء وقرناء وأبرص ومجذوم وضعيف بطش ومن لا يحسن
(1)
. الجملة المعترضة من شرح المنهج.
(2)
. يأتي في الأيمان جواز تقديم كفارة الظهار على العود إذا كفر بغير الصوم وأنه لا يجوز تقديمها على الظهار نفسه 10/ 16.
(3)
. ويكفر المبعض بغير العتق كما يستفاد من كلام الشارح في الزكاة 3/ 332 والعتق.
(4)
. وتقدم في الوصية عدم صحة التكفير بالموصى بمنفعته إلا إن أقتت بزمن قريب لا يحتاج فيه لنفقه أو بقي من المدة ما لا يحتاج فيه لذلك 7/ 64.
(5)
. أي كله فلا يجزئ بعد انفصال بعضه كما صرح به الشارح في أمهات الأولاد 10/ 423.
لَا زَمِنٌ وَلَا فَاقِدُ رِجْلٍ أَوْ خِنْصِرٍ وَبِنْصِرٍ مِنْ يَدٍ أَوْ أَنْمُلَتَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا قُلْت: أَوْ أُنْمُلَةِ إبْهَامٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلَا هَرِمٌ عَاجِزٌ، وَ لَا مَنْ أَكْثَرُ وَقْتِهِ مَجْنُونٌ وَ لَا مَرِيضٌ لَا يُرْجَى، فَإِنْ بَرِئَ بَانَ الْإِجْزَاءُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُجْزِئُ شِرَاءُ قَرِيبٍ بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا أُمِّ وَلَدٍ وَذِي كِتَابَةٍ صَحِيحَةٍ،
صنعة وفاسق وولد زنا وأحمق -وهو من يضع الشيء في غير محله مع علمه بقبحه- وآبق ومغصوب وغائب علمت حياتهم أو بانت وإن جهلت حالة العتق (لا زمن) وجنين وإن انفصل لدون ستة أشهر من الإعتاق; لأنه -وإن أعطي حكم المعلوم- لا يعطى حكم الحي؛ لما يأتي في الغرة (ولا فاقد رجل) أو يد أو أشل أحدهما؛ لإضرار ذلك بعمله إضرارا بيِّنا (أو) فاقد (خنصر وبنصر من يد)؛ لذلك بخلاف فقد أحدهما أو فقدهما من يدين (أو) فاقد (أنملتين من غيرهما) وهو الإبهام أو السبابة أو الوسطى، وخصَّهما; لأن فقدهما من خنصر أو بنصر لا يضر كما علم بالأولى مما قبله (قلت: أو أنملة إبهام والله أعلم)؛ لتعطل منفعتها حينئذ بخلاف أنملة من غيرها ولو العليا من أصابعه الأربع، نعم يظهر أن غير الإبهام لو فقد أنملته العليا خلقة ضر قطع أنملة منه; لأنه حينئذ كالإبهام. (ولا هرم عاجز) بخلاف من يحسن مع الهرم صنعة تكفيه فيجزئ، نعم مَن صرحوا فيه بعدم إجزائه لا نظر فيه لقدرته على العمل كما إن مَن صرحوا بإجزائه لا نظر فيه لعدم قدرته على العمل حالا (ولا من أكثر وقته مجنون) بخلاف ما إذا لم يكن أكثر وقته كذلك بأن قل زمن جنونه عن زمن إفاقته، أو استويا أي والإفاقة في النهار وإلا لم يجزئ; لأن غالب الكسب إنما يتيسر نهارا، ويؤخذ منه أنه لو كان يتيسر له ليلا أجزأ، وأن من يبصر وقتا دون وقت كالمجنون في تفصيله المذكور وهو متجه، وبقاء نحو خبل بعد الإفاقة يمنع العمل في حكم الجنون، نعم لو اطردت العادة بتكرره في أكثر الأوقات لم يجزئ. (ولا مريض لا يُرجى) عند العتق برء مرضه كفالج وسل، ولا من قُدِّم للقتل بخلاف من تحتم قتله في المحاربة أي قبل الرفع للإمام، أما إذا رُجي برؤه فيجزئ وإن اتصل به الموت؛ لجواز أن يكون لهجوم علة، بل لو تحقق موته بذلك المرض أجزأ في الأصح؛ نظرا للغالب وهو الحياة من ذلك المرض (فإن برئ) من لا يرجى برؤه بعد إعتاقه (بان الإجزاء في الأصح)؛ لخطأ الظن؛ لأن الغالب هنا البرء بخلاف ما لو أعتق أعمى فأبصر؛ لتحقق يأس إبصاره فكان محض نعمة جديدة. (ولا يجزئ شراء) أو تملك (قريب) أصل أو فرع (بنية كفارة) ; لأن عتقه مستحق بغير جهة الكفارة فهو كدفع نفقته الواجبة إليه بنية الكفارة. (ولا) عتق (أم ولد و) لا (ذي كتابة صحيحة) -قبل تعجيزه- ومشروطٌ عتقُهُ
وَيُجْزِئُ مُدَبَّرٌ وَمُعَلَّقٌ بِصِفَةٍ، فَإِنْ أَرَادَ جَعْلَ الْعِتْقِ المُعَلَّقِ كَفَّارَةً لَمْ يَجُزِئ، وَلَهُ تَعْلِيقُ عِتْقِ الْكَفَّارَةِ بِصِفَةٍ، وَإِعْتَاقُ عَبْدَيْهِ عَنْ كَفَّارَتَيْهِ عَنْ كُلٍّ نِصْفُ ذَا وَنِصْفُ ذَا، وَلَوْ أَعْتَقَ مُعْسِرٌ نِصْفَيْنِ عَنْ كَفَّارَةٍ فَالْأَصَحُّ الْإِجْزَاءُ إنْ كَانَ بَاقِيهِمَا حُرًّا. وَلَوْ أَعْتَقَ بِعِوَضٍ لَمْ يَجُزِئ عَنْ كَفَّارَةٍ، وَالْإِعْتَاقُ بِمَالٍ كَطَلَاقٍ بِهِ، فَلَوْ قَالَ أَعْتِقْ أُمَّ وَلَدِكَ عَلَى أَلْفٍ فَأَعْتَقَ نَفَذَ وَلَزِمَهُ الْعِوَضُ،
في شرائه، للعلة السابقة. (ويجزئ) ذو كتابة فاسدة و (مدبر ومعلق) عتقه (بصفة) غير التدبير؛ لصحة تصرفه فيه، ومحله إن نجَّز عتقه عن الكفارة أو علقه بصفة تسبق الأولى بخلاف ما إذا علقه بالأولى كما قال (فإن أراد) بعد التعليق بصفة (جعل العتق المعلق كفارة) كأن قال إن دخلت هذه فأنت حر ثم قال إن دخلتها فأنت حر عن كفارتي عتق بالدخول و (لم يجزئ) عتقه عن الكفارة; لأنه استحق العتق بالتعليق الأول، (وله تعليق عتق) مجزئ حال التعليق عن (الكفارة بصفة) كإن دخلت فأنت حر عن كفارتي فإذا دخل عتق عنها؛ إذ لا مانع، أما غير المجزئ ككافر علق عتقه عنها بإسلامه فيعتق إذا أسلم، لا عنها بل مجاناً. (و) له (إعتاق عبديه عن كفارتيه) ككفارة قتل وكفارة ظهار وإن صرح بالتشقيص بأن قال أعتقت (عن كل) منهما (نصف ذا) العبد (ونصف ذا) العبد الآخر؛ لتخليص رقبة كلٍّ عن الرق ويقع العتق موزعا كما ذكره، فإذا ظهر أحدهما معيبا لم يجزئ واحد منهما، فإن لم يذكره فلا تشقيص. (ولو أعتق معسر نصفين) له من عبدين (عن كفارة فالأصح الإجزاء إن كان باقيهما) أو باقي أحدهما (حرَّا)؛ لحصول الاستقلال المقصود ولو في أحدهما بخلاف ما إذا كان باقيهما لغيره؛ لعدم السراية عليه فلم يحصل مقصود العتق من التخلص من الرق، وأما الموسر -ولو بباقي أحدهما- فيجزئ إن نوى عتق الكل عنها; لأنه للسراية عليه كأنه باشر عتق الجميع، نعم يشترط هنا علمه بأنه يسري عليه (ولو أعتق) قِنا عن كفارته (بعوض) على القن أو أجنبي كأعتقتك عنها بألف عليك وكأعتقه عنها بألف علي (لم يجزئ عن كفارة)؛ لعدم تجرد العتق لها، ومن ثم استحق العوض على الملتمس. ولَمَّا ذكروا حكم الإعتاق عن الكفارة بعوض استطردوا ذكر حكمه في غيرها وتبعهم كأصله فقال (والإعتاق بمال كطلاق به) فيكون معاوضة فيها شوب تعليق من المالك وشوب جعالة من الملتمس، ويجب الفور في الجواب وإلا عتق على المالك مجانا (فلو قال) لغيره (أعتق أم ولدك على ألف) ولم يقل عني سواء أقال عنك أو أطلق (فأعتق) ـها فورا (نفذ) عتقه (ولزمه) أي الملتمس (العوض) ;
وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتِقْ عَبْدَكَ عَلَى كَذَا فَأَعْتَقَ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ قَالَ أَعْتِقْهُ عَنِّي عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ عَنِ الطَّالِبِ وَعَلَيْهِ الْعِوَضُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَمْلِكُهُ عَقِبَ لَفْظِ الْإِعْتَاقِ ثُمَّ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَمَنْ مَلَكَ عَبْدًا أَوْ ثَمَنَهُ فَاضِلًا عَنْ كِفَايَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ نَفَقَةً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى وَأَثَاثًا لَا بُدَّ مِنْهُ لَزِمَهُ الْعِتْقُ
لأنه افتداء من جهته كاختلاع الأجنبي. أما إذا قال عني فأعتقها عنه فتعتق ولا عوض؛ لاستحالته (وكذا لو قال أعتق عبدك على كذا) ولم يقل عني سواء أقال عنك أم أطلق (فأعتق) فورا فينفذ العتق جزما، ويستحق المالك الألف (في الأصح) ; لأنه منه افتداء كأم الولد (فإن قال أعتقه عني على كذا) أو أطعم ستين مسكينا ستين مدا عني بكذا أو اكس عشرة كذا عني بكذا (ففعل) فورا (عتق عن الطالب) وأجزأه عن كفارة عليه نواها به؛ لتضمن ما ذكر للبيع؛ لتوقف العتق عنه على ملكه له (وعليه العوض) المسمى إن ملكه وإلا فقيمة العبد كالخلع، فإن قال مجانا لم يلزمه شيء بخلاف ما إذا سكتا عن العوض فإن المعتمد أنه إن قال عن كفارتي أو عني وعليه عتق ولم يقصد المعتق العتق عنه يلزمه قيمته كما لو قال له اقض ديني وإلا فلا، نعم لو قال ذلك لمالك بعضه عتق عنه بالعوض
(1)
ولا يجزئه عنها; لأنه بملكه له استحق العتق بالقرابة (والأصح أنه) أي الطالب (يملكه) أي القن المطلوب إعتاقه (عقب لفظ الإعتاق) الواقع بعد الاستدعاء; لأنه الناقل للملك (ثم) عقب ذلك (يعتق عليه) أي الطالب فيقعان في زمنين لطيفين متصلين بلفظ الإعتاق؛ لاستدعاء عتقه عنه ذلك إذ الشرط يترتب على المشروط لكن الأصح حصول العتق والملك معا (ومن) لزمته كفارة مرتبة وهو رشيد أو غير رشيد
(2)
، وقد (ملك عبدا) أي قنا (أو ثمنه) أي ما يساويه من نقد أو عرض (فاضلا) كل منهما (عن كفاية نفسه وعياله) الذين تلزمه مؤنتهم (نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا) كآنية وفرش (لا بد منه) وعن دينه ولو مؤجلا (لزمه العتق)؛ لقوله تعالى {فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ} المجادلة: 4 وهذا واجد، ويأتي في نحو كتب الفقيه وخيل الجندي وآلة المحترف وثياب التجمل هنا ما مر في قسم الصدقات. أما إذا لم يفضل القن أو ثمنه عما ذكر؛ لاحتياجه لخدمته لمنصب يأبى خدمته بنفسه أو ضخامة كذلك بحيث يحصل له بعتقه مشقة شديدة لا تحتمل
(1)
. خلافا للمغني.
(2)
. فقد رجح الشارح في الحجر أنه يجب التكفير بالمال في كل كفاره مرتبه أثم بها، وخالفاه في غير الرشيد.
وَلَا يَجِبُ بَيْعُ ضَيْعَةٍ وَرَأْسِ مَالٍ لَا يَفْضُلُ دَخْلُهُمَا عَنْ كِفَايَتِهِ، وَلَا مَسْكَنٍ وَعَبْدٍ نَفِيسَيْنِ أَلِفَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا شِرَاءٌ بِغَبْنٍ، وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ اعْتِبَارُ الْيَسَارِ بِوَقْتِ الْأَدَاءِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ عِتْقٍ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ بِالْهِلَالِ
عادة ولا أثر لفوات رفاهية، أو لمرض به أو بممونه فلا عتق عليه; لأنه فاقده شرعا كمن وجد ماء وهو يحتاجه لعطش، ويشترط فضل ذلك عن كفاية ما ذكر العمر الغالب. (ولا يجب بيع ضيعة) أي أرض (ورأس مال لا يفضل دخلهما) وهو غلة الأولى وربح الثاني ومثلهما الماشية ونحوها (عن كفايته) بحيث لو باعهما صار مسكينا; لأن المسكنة أقوى من مفارقة المألوف، أما إذا فضل أو بعضه فيباع الفاضل قطعا (ولا) بيع (مسكن وعبد) أي قن (نفيسين) بأن يجد بثمن المسكن مسكنا يكفيه وقنا يعتقه وبثمن القن قنا يخدمه وقنا يعتقه (ألفهما في الأصح) بحيث يشق عليه مفارقتهما مشقة لا تحتمل عادة؛ لمشقة مفارقة المألوف، نعم إن اتسع المسكن المألوف بحيث يكفيه بعضه وباقيه يحصل رقبة لزمه تحصيلهما. أما لو لم يألفهما فيلزمه بيعهما وتحصيل قن يعتقه قطعا، واحتياجه الأمة للوطء كهو للخدمة. (ولا) يجب (شراء) لرقبة (بغبن) أي زيادة على ثمن مثلها وإن قلَّت نظير ما مر في شراء الماء، وعليه لا يجوز العدول للصوم بل يلزمه الصبر إلى الوجود بثمن المثل، وكذا لو غاب ما له فيكلف الصبر إلى وصوله أيضا، ولا نظر إلى تضررهما بفوات التمتع مدة الصبر; لأنه الذي ورط نفسه فيه. وحيث بيع القن بثمن مثله فاضلا عمّا ذكر لا عذر له في تركه ولو بيع بوزنه ذهبا. (وأظهر الأقوال اعتبار اليسار) الذي يلزم به الإعتاق (بوقت الأداء) للكفارة؛ لأنها عبادة لها بدل من غير جنسها كوضوء وتيمم وقيام صلاة وقعودها فاعتبر وقت أدائها (فإن عجز) المظاهر مثلا (عن عتق) بأن لم يجد الرقبة وقت الأداء ولا ما يصرفه فيها فاضلا عما ذكر أو وجدها لكنه قتلها
(1)
مثلا أو كان عبدا -إذ لا يكفر إلا بالصوم; لأنه لا يملك وليس لسيده
(2)
تحليله هنا وإن أضره الصوم؛ لتضرره بدوام تحريم الوطء بخلاف نحو كفارة القتل- (صام) وله حينئذ تكلف العتق (شهرين متتابعين)؛ للآية. ولو بان بعد صومهما أن له مالا ورثه ولم يكن عالما به لم يعتد بصومه؛ اعتبارا بما في نفس الأمر
(3)
، ويعتبران (بالهلال) وإن نقصا; لأنه
(1)
. بل يصح هبتها كما أفاده الشارح في التيمم 1/ 336.
(2)
. وفاقا للروض وشرح المنهج وخلافا للنهاية والمغني.
(3)
. بخلاف ما لو وجد المكفر الرقبة بعد شروعه في الصوم فيصح التكفير بالصوم ومر في التيمم 1/ 367.
بِنِيَّةِ كَفَّارَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّةُ تَتَابُعٍ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ بَدَأَ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ حُسِبَ الشَّهْرُ بَعْدَهُ بِالْهِلَالِ وَأَتَمَّ الْأَوَّلَ مِنْ الثَّالِثِ ثَلَاثِينَ، وَيَزَولُ التَّتَابُعُ بِفَوَاتِ يَوْمٍ بِلَا عُذْرٍ وَكَذَا مَرَضٌ فِي الجَدِيدِ، لَا بِحَيْضٍ
المعتبر شرعا. ويجب تبييت نية الصوم كلَّ ليلة كما عُلم مما مر في الصوم، وأن تكون تلك النية واقعة بعد فقد الرقبة لا قبلها وأن تكون ملتبسة (بنية كفارة) في كل ليلة كما علم مما مر
(1)
وإن لم يعين جهتها
(2)
، فلو صام أربعة أشهر بنيتها وعليه كفارتا قتل وظهار ولم يعين أجزأته عنهما ما لم يجعل الأول عن واحدة والثاني عن أخرى وهكذا؛ لفوات التتابع. (ولا يشترط نية التتابع في الأصح) ; لأنه شرط وهو لا تجب نيته. ولو ابتدأ الشهرين جاهلا طرو ما يقطعهما كيوم النحر وقع صومه نفلا أو عالما لم يقع له شيء؛ لتلاعبه (فإن بدأ في أثناء شهر حسب الشهر بعده بالهلال)؛ لتمامه (وأتمَّ الأول من الثالث ثلاثين)؛ لتعذر اعتبار الهلال فيه بتلفقه من شهرين (ويزول التتابع بفوات يوم) من الشهرين ولو آخرهما (بلا عذر) كأن نسي النية؛ لنسبته لنوع تقصير (وكذا) بعذر يمكن معه الصوم كسفر مبيح للفطر وخوف حامل أو مرضع و (مرض في الجديد)؛ لإمكان الصوم مع ذلك في الجملة فهو كفطر من أجهده الصوم (لا بحيض) -ممن لم تعتد انقطاعه شهرين-; لأنه لا يخلو منه شهر غالبا، وتكليفها الصبر لسن اليأس خطر، أما إذا اعتادت ذلك فشرعت في وقت يتخلله الحيض فإنه لا يجزئ.
[تنبيه] النفاس كالحيض لا يقطع التتابع على الصحيح
، وطرو الحيض والنفاس إنما يتصور في كفارة قتل لا ظهار؛ إذ لا تجب على النساء، ومن ثم اعتُرض على المصنف ذكره الحيض هنا وكلامه في كفارة الظهار وأجيب عنه بأن كلامه في مطلق الكفارة، وأيضا قد تتصور في المرأة بأن تصوم عن قريبها الميت العاجز في كفارة الظهار بناء على القديم المختار
(3)
(1)
. في الصوم أي فيشترط التبييت 3/ 387.
(2)
. ومر في الصوم أيضا أنه لو عين وأخطاء لم يجزِ 3/ 390.
(3)
. عبارة المغني.
وَكَذَا جُنُونٌ عَلَى المَذْهَبِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الصَّوْمٍ بِهَرَمٍ أَوْ مَرَضٍ قَالَ الْأَكْثَرُونَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ أَوْ لَحِقَهُ بِالصَّوْمِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ خَافَ زِيَادَةَ مَرَضٍ كَفَّرَ بِإِطْعَامِ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ فَقِيرًا لَا كَافِرًا،
(وكذا جنون) فات به يوم فأكثر لا يضر في التتابع (على المذهب)؛ إذ لا اختيار له فيه، نعم إن تقطع جاء فيه تفصيل الحيض، ويؤخذ من العلة أنه لو اختاره بشرب دواء يجنن ليلا انقطع، ويُفرق بينه وبين من استعجل الحيض بدواء بأن الحيض يعهد كثيرا تقدمه وتأخره عن وقته فلم تمكن نسبة مجيئه لاختيارها كما في الجنون الذي لا يترتب عرفا في مثل ذلك إلا على فعلها، ومثل الجنون الإغماء المبطل للصوم (فإن عجز عن الصوم) أو تتابعه (بهرم أو مرض، قال الأكثرون لا يرجى زواله
(1)
وقال الأقلون كالإمام ومن تبعه وصححه في الروضة يعتبر دوامه في ظنه مدة شهرين بالعادة الغالبة في مثله أو بقول الأطباء، ويظهر الاكتفاء بقول عدل منهم (أو لحقه بالصوم) أو تتابعه (مشقة شديدة) أي لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم كالشبق، نعم غلبة الجوع ليست عذرا حين الشروع في الصوم -؛ لفقده عذر عليه الجوع حينئذ- فيلزمه الشروع في الصوم، فإذا عجز عنه أفطر وانتقل للإطعام بخلاف الشبق؛ لوجوده عند الشروع إذ هو شدة الغلمة (أو خاف زيادة مرض كفّر) في غير القتل؛ لما يأتي (بإطعام
(2)
أي تمليك، ويكفي الدفع للمستحقين وإن لم يوجد لفظ تمليك (ستين مسكينا)؛ للآية، لا أقل حتى لو دفع لواحد ستين مدا في ستين يوما لم يجز بخلاف ما لو جمع الستين ووضع الطعام بين أيديهم وقال ملكتكم هذا وإن لم يقل بالسوية فقبلوه، ولهم في هذه القسمة بالتفاوت بخلاف ما لو قال خذوه ونوى الكفارة فإنه إنما يجزئه إن أخذوه بالسوية وإلا لم يجزئ إلا من أخذ مدا لا دونه (أو فقيرا) -؛ لأنه أسوأ حالا- أو البعض فقراء والبعض مساكين، ولا أثر لقدرته على صوم أو عتق بعد الإطعام ولو لمدٍّ كما لو شرع في صوم يوم من الشهرين فقدر على العتق (لا كافرا) ولا من تلزمه مؤنته ولا مكفيا بنفقة غيره ولا قنا ولو للغير إلا بإذنه وهو مستحق; لأن الدفع له حقيقة.
(1)
. ظاهر الشارح اعتماده واعتمد مقابله الروض والمنهج والنهاية.
(2)
. ويسن أن يقول عند الإعطاء: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم كما مر قبيل زكاة النبات 3/ 239.
وَلَا هَاشِمِيًّا، وَمُطَّلِبِيًّا سِتِّينَ مُدًّا، مِمَّا يَكُونُ فِطْرَةً
(ولا هاشميا ومطلبيا) ونحوهم كالزكاة بجامع التطهير (ستين مدا) لكل واحد مد; لأنه صح في رواية (مما) أي من طعام (يكون فطرة
(1)
بأن يكون من غالب قوت محل المكفِّر في غالب السنة كالأقط
(2)
ولو للبلدي فلا يجزئ نحو دقيق مما مر ثَم. والمراد بالمكفر هنا المخاطب بالكفارة لا مأذونه أو وليه فيوافق ما مر ثم إن العبرة ببلد المؤدَّى عنه لا المؤدي، فإن عجز عن الجميع استقرت في ذمته فإذا قدر على خصلة فعلها كما يعلم مما قدمه في الصوم
(3)
، ولا أثر للقدرة على بعض عتق
(4)
أو صوم بخلاف بعض الطعام ولو بعض مد؛ إذ لا بدل له فيخرجه ثم الباقي إذا أيسر.
(1)
. ولو لبناً وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(2)
. هو شيء يتخذ من اللبن المخيض ثم يترك حتى يمصل، لسان العرب.
(3)
. ومر فيه أنه يجب الفورية حينئذ ككل كفارة عصى بسببها 3/ 452 ومر فيه أيضا أنه إن مات قبل التمكن من القضاء فلا تدارك ولا إثم إن فات بعذر، أو مات بعده وجب لكل يوم مد.
(4)
. لأنه لا يسمى رقبة، قاله الشارح في التيمم 1/ 335.
كتاب اللعان
يَسْبِقُهُ قَذْفٌ. وَصَرِيحُهُ الزِّنَا كَقَوْلِهِ لِرَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ: زَنَيْتَ أَوْ زَنَيْتِ أَوْ يَا زَانِي أَوْ يَا زَانِيَةُ، وَالرَّمْيُ بِإِيلَاجِ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ مَعَ وَصْفِهِ بِتَحْرِيمٍ أَوْ دُبُرٍ صَرِيحَانِ،
(كتاب اللعان)
هو قول كلمات- تأتي -جُعلت حجة لمن اضطر لقذف من لطخ فراشه وألحق العار به أو لنفي ولد عنه. وأصله قبل الإجماع أوائل سورة النور مع الأحاديث الصحيحة فيه (يسبقه قذف) أو نفي ولد; لأنه تعالى ذكره بعد القذف -أي رمي بالزنا تعييرا- (وصريحه الزنا كقوله) في معرض التعيير (لرجل أو امرأة) أو خنثى (زنيتَ) بفتح التاء في الكل (أو زنيتِ) بكسرها في الكل (أو) قوله لأحدهما (يا زاني أو يا زانية)؛ لتكرر ذلك وشهرته، واللحن بتذكير المؤنث وعكسه غير مؤثر فيه، بخلاف ما لا يفهم منه تعيير ولا يقصد به بأن قطع بكذبه كقوله ذلك لبنت سنة أو شهد عليه به نصاب أو جرحه به؛ لترد شهادته، وكذا لو شهد عليه شاهد بحق فقال خصمي يعلم زنا شاهده، أو أخبرني أنه زان فليحلف أنه لا يعلمه فلا يكون قذفا، نعم يعزر في الأولى؛ للإيذاء. وإذنه في القذف يرفع حده لا إثمه، نعم إن ظنه مبيحا وعذر بجهله فلا إثم ولا تعزير.
[فرع] قال لاثنين زنى أحدكما أو لثلاثة فهو قاذف لواحد، ولكلٍّ أن يدعي عليه أنه أراده
، نعم لو ادعى اثنان وحلف لهما انحصر الحق للثالث فيحد له من غير يمين. (والرمي بإيلاج حشفة)، أو قدرها من فاقدها أو بما رُكِّب من ن ي ك (في فرج مع وصفه) -أي الإيلاج أو النيك- بما يقتضي الزنا، ووصفه أيضا (بتحريم) سواء أقاله لرجل أم غيره كأولجت في فرج محرم، أو أولج في فرجك أو علوتِ على رجل فدخل ذكره في فرجكِ مع ذِكْر التحريم (أو) الرمي بإيلاجها في (دبر) لذكر أو خنثى -وإن لم يذكر تحريما- (صريحان) أي كلٌّ منهما صريح; لأن ذلك لا يقبل تأويلا، واحتيج لوصف الأول بالتحريم -أي لذاته احترازا من تحريم نحو الحائض فيصدق في إرادته بيمينه-; لأن إيلاج الحشفة في الفرج قد يحل وقد لا بخلافها في الدبر فإنه لا يحل بحال.
وَزَنَأْتَ فِي الجَبَلِ كِنَايَةٌ، وَكَذَا زَنَأْتَ فَقَطْ فِي الْأَصَحِّ، وَزَنَيْتِ فِي الجَبَلِ صَرِيحٌ فِي الْأَصَحِّ، وَقَوْلُهُ يَا فَاجِرُ يَا فَاسِقُ، وَلَهَا يَا خَبِيثَةُ، وَأَنْتِ تُحِبِّينَ الخَلْوَةَ، وَلِقُرَشِيٍّ: يَا نَبَطِيُّ، وَلِزَوْجَتِهِ لَمْ أَجِدْكِ عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ، فَإِنْ أَنْكَرَ إرَادَةَ قَذْفٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ،
[تنبيه] الرمي بنحو الزنا واللواط لا يحتاج للوصف بتحريم ولا اختيار ولا عدم شبهة
; لأن موضوعه يفهم ذلك بخلاف نحو النيك وإيلاج الحشفة في الفرج لا بد فيه من الثلاثة، أما الرمي بإيلاجها في دبر امرأة خلية فهي كالذكر أو مزوجة فيشترط وصفه بنحو اللياطة؛ ليخرج وطء الزوج فيه فإن الرمي به غير قذف بل فيه التعزير; لأنه لا يسمى زنا ولا لياطة. ويقبل قوله بيمينه أردت بإيلاجه في الدبر إيلاجه في دبر زوجته فيعزر، ويا لوطي صريح
(1)
وكذا مخنث وقحبة
(2)
. (وزنأت) بالهمز (في الجبل) أو في بيت وله درج (كناية) ; لأنه معنى الصعود فيه، فإن لم يكن له درج فصريح (وكذا زنأت) بالهمز (فقط) أي من غير ذكر جبل ولا غيره كناية (في الأصح) ; لأن ظاهره الصعود (وزنيت) بالياء (في الجبل صريح في الأصح)؛ لظهوره فيه، وذكر الجبل لبيان محله فلا يصرفه عن ظاهره وإنابة الياء عن الهمز خلاف الأصل، نعم يا زانية في الجبل كناية وعليه يفرق بأن النداء يستعمل كذلك كثيرا في الصعود بخلاف زنيت في الجبل. (وقوله) للرجل (يا فاجر يا فاسق) يا خبيث (ولها) أي المرأة (يا خبيثة) يا فاجرة يا فاسقة (وأنت تحبين الخلوة، ولقرشي) أو عربي (يا نبطي) وعكسه (ولزوجته لم أجدك عذراء) أي بكرا، وقوله لأجنبية لم يجدك زوجك أو لم أجدك عذراء ولم يتقدم لواحدة منهما افتضاض مباح، وقوله لإحداهما وجدت معك رجلا، وقوله لمن قذف زوجته صدقت (كناية)؛ لاحتمالها القذف وغيره وهو في الثالثة لأمِّ المخاطب؛ إذ نَسَبَهُ لغير من ينسب إليه ويحتمل أن يريد أنه لا يشبههم خلْقا وخلُقا، أما إذا تقدم لها ذلك فليس كناية. (فإن أنكر) متكلم بكناية في هذا الباب (إرادة قذف صدق بيمينه) أنه ما أراد قذفه; لأنه أعرف بمراده، ويعزر للإيذاء وإن لم يرد
(3)
سبا ولا ذما؛ لأن لفظه يوهم، ولا يجوز له الحلف كاذبا دفعا للحد لكن تجوز له التورية وإن حلَّفه الحاكم إذا علم زناه، بل يقرب إيجابها إذا علم
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. كما مال الشارح إليه في الفتح ومقتضى تبرئه في التحفه من المخنث أنه كنايه.
(3)
. خلافا للمغني.
وَقَوْلُهُ يَا ابْنَ الحَلَالِ، وَأَمَّا أَنَا فَلَسْتُ بِزَانٍ، وَنَحْوُهُ تَعْرِيضٌ لَيْسَ بِقَذْفٍ وَإِنْ نَوَاهُ، وَقَوْلُهُ زَنَيْتُ بِكِ إقْرَارٌ بِزِنًا وَقَذْفٌ، وَلَوْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ يَا زَانِيَةُ فَقَالَتْ زَنَيْتُ بِكَ أَوْ أَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَقَاذِفٌ وَكَانِيَةٌ فَلَوْ قَالَتْ زَنَيْتُ وَأَنْتَ أَزْنَى مِنِّي فَمُقِرَّةٌ وَقَاذِفَةٌ،
أنه يحد وتبطل عدالته وروايته وما تحمله من الشهادات. (وقوله) لآخر (يا ابن الحلال وأما أنا فلست بزان ونحوه) كأمي ليست بزانية وأنا لست بلائط ولا ملوط بي (تعريض ليس بقذف وإن نواه) ; لأن اللفظ إذا لم يشعر بالمنوي لم تؤثر النية فيه وفَهْمُ ذلك منه هنا إنما هو بقرائن الأحوال وهي ملغاة؛ لاحتمالها وتعارضها، والحاصل إن ما لم يحتمل غير ما وضع له من القذف وحْده صريح، وما احتمل وضعا القذف وغيره كناية، وما استعمل في غير موضوع له من القذف بالكلية وإنما يفهم المقصود منه بالقرائن تعريض، (وقوله) لرجل أو امرأة زوجة أو أجنبية، وقولها لرجل زوج أو أجنبي (زنيت بك) ولم يعهد بينهما زوجية مستمرة من حين صغره إلى حين قوله ذلك (إقرار بزنا) على نفسه؛ لإسناده الفعل له، ومحله إن قال أردت الزنا الشرعي; لأن الأصح اشتراط التفصيل في الإقرار (وقذف) للمقول له لقوله بك بخلاف ما لو قال زنيتِ مع فلان فهو قذف لها دونه، ويفرق بينه وبين ما مر بأن الباء في بك تقتضي الآلية المشعرة بأن لمدخولها تأثيرا مع الفاعل في إيجاد الفعل ككتبت بالقلم بخلاف المعية فإنها إنما تقتضي مجرد المصاحبة. (ولو قال لزوجته يا زانية) أو أنت زانية (فقالت) في جوابه (زنيت بك أو أنت أزنى مني فقاذف)؛ لصراحة لفظه فيه (وكانية)؛ لاحتمال قولها الأول ((لم أفعل كما لم تفعل)) وهذا مستعمل عرفا، ويحتمل أن تريد إثبات زناها فتكون مقرة به وقاذفة له فيسقط بإقرارها حد القذف عنه ويعزر، ولاحتمال قولها الثاني
(1)
ما وطئني غيرك ووطؤك مباح فإن كنت زانية فأنت أزنى مني لأني مُمَكِّنة وأنت فاعل -ولكون هذا المعنى محتملا منه لم يكن ذلك منها إقرارا بالزنا- ويحتمل أن تريد إثبات الزنا فتكون قاذفة فقط والمعنى أنت زان وزناك أكثر مما نسبتني إليه، وتصدَّق في إرادة شيء مما ذكر بيمينها (فلو قالت) في جوابه وكذا ابتداء (زنيت وأنت أزنى مني فمقرة) بالزنا على نفسها (وقاذفة) له كما هو صريح لفظها ويسقط بإقرارها حد القذف عنه، ويقاس بذلك قولها لزوجها يا زاني فقال زنيتُ بك أو أنتِ أزنى مني فهي قاذفة صريحا وهو كانٍ، أو زنيت و أنتِ أزنى مني فمقر وقاذف. وقول واحد لآخر
(1)
. وهو أنتِ أزنى مني.
وَقَوْلُهُ زَنَى فَرْجُكِ أَوْ ذَكَرُكَ قَذْفٌ، وَالمَذْهَبُ أَنَّ قَوْلَهُ يَدُكَ أوْ عَيْنُكَ، وَلِوَلَدِهِ لَسْتَ مِنِّي أَوْ لَسْتَ ابْنِي كِنَايَةٌ، وَلِوَلَدِ غَيْرِهِ لَسْتَ ابْنَ فُلَانٍ صَرِيحٌ إلَّا لِمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ. وَيُحَدُّ قَاذِفُ مُحْصَنٍ وَيُعَزَّرُ غَيْرُهُ،
ابتداء أنت أزنى مني أو من فلان ولم يقل وهو زان ولا ثبت زناه وقد علمه ليس بقذف إلا أن يريده وليس بإقرار به; لأن الناس في تشاتمهم لا يتقيدون بالوضع الأصلي. وقوله أنت أزنى الناس أو أهل بغداد مثلا غير قذف إلا إن قال من زناتهم أو أراده، ولا فرق في كل ذلك بين أن يعلم المخاطِب حال قوله ذلك أن المخاطَب زوج أو غيره. (وقوله) لواضح (زنى فرجك أو ذكرك) أو قبلك أو دبرك، ولخنثى زنى ذكرك وفرجك بخلاف ما لو اقتصر على أحدهما فإنه كناية (قذف)؛ لذكرِهِ آلة الوطء أو محله، وكذا زنيت في قبلك لامرأة -لا رجل فإنه كناية; لأن زناه بقبله لا فيه- وإنما كان قوله لها زنيت بقبلك صريح؛ لأن زناها قد يكون بقبلها بأن تكون هي الفاعلة لطلوعها عليه. (والمذهب أن قوله) زنى (يدك أو عينك) أو رجلك (ولولده) أي كل من له ولادة عليه وإن سفل أنت ولد زنا كان قاذفا لأمه أو (لست مني أو لست ابني) أو لأخيه لست أخي (كناية)؛ لاحتماله، وفي الخبر الصحيح إطلاق الزنا على نظر العين ونحوه، ومن ثم لو قال زنت يدي ونحوه لم يكن مقرا بالزنا قطعا، ولو قال زنى بدنك فصريح في القذف أو زنى بدني لم يكن إقرارا بالزنا (و) أن قوله (لولد غيره لست ابن فلان صريح) في قذف أمه، وفارق الأب بأنه يحتاج لزجر ولده وتأديبه بنحو ذلك فقرب احتمال كلامه له بخلاف الأجنبي، ولا يقبل قوله قصدت وطء الشبهة؛ لندرته. وخرج بقوله لست ابن فلان قوله لقرشي مثلا لست من قريش فإنه كناية (إلا) إذا قال ذلك (لمنفي) نسبه (بلعان) في حال انتفائه فلا يكون صريحا في قذف أمه؛ لاحتمال إرادته لست ابن الملاعن شرعا بل هو كناية فيستفسر فإن أراد القذف حد وإلا حلف وعزر؛ للإيذاء، أما إذا قاله بعد استلحاقه فيكون صريحا في قذفها فيحد ما لم يدع أنه أراد لم يكن ابنه حال النفي ويحلف عليه ويعزر.
(ويحد قاذف محصن)؛ لآية {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} النور: 4، نعم لو قذفه فعفا عنه ثم قذفه ثانيا لم يجب غير التعزير ويؤيد ذلك أنه لو حُدَّ ثم قذف ثانيا عزر؛ لظهور كذبه بالحد والعفو كالحد (ويُعزر غيره) أي قاذف غير المحصن؛ للإيذاء سواء في ذلك الزوج وغيره ما لم يدفعه
وَالمُحْصَنُ مُكَلَّفٌ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَفِيفٌ عَنْ وَطْءٍ يُحَدُّ بِهِ، وَتَبْطُلُ الْعِفَّةُ بِوَطْءِ مَحْرَمٍ مَمْلُوكَةٍ عَلَى المَذْهَبِ، لَا زَوْجَةٍ فِي عِدَّةِ شُبْهَةٍ وَأَمَةِ وَلَدِهِ وَمَنْكُوحَتِهِ بِلَا وَلِيٍّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ زَنَى مَقْذُوفٌ سَقَطَ الحَدُّ، أَوِ ارْتَدَّ فَلَا. وَمَنْ زَنَى مَرَّةً ثُمَّ صَلَحَ لَمْ يَعُدْ مُحْصَنًا، وَحَدُّ الْقَذْفِ يُورَثُ وَيَسْقُطُ بِعَفْوٍ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرِثُهُ كُلُّ الْوَرَثَةِ،
الزوج بلعانه كما يأتي، (والمحصن مكلف) أي بالغ عاقل ومثله السكران (حر مسلم
(1)
عفيف عن وطء يُحدُّ به) وعن وطء دبر حليلته وإن لم يحد به; لأن الإحصان المشروط في الآية الكمال وأضداد ما ذكر نقص. (وتبطل العفة) المعتبرة في الإحصان (بوطء) يوجب الحد وبوطء (مَحْرم) بنسب أو رضاع أو مصاهرة (مملوكة) له (على المذهب) إذا علم التحريم؛ لدلالته على قلة مبالاته وإن لم يحد به; لأنه لشبهة الملك (لا) بوطء (زوجة) أو أمة (في عدة شبهة) أو نحو إحرام; لأن التحريم لعارض يزول (و) لا بوطء (أمة ولده و) لا بوطء (منكوحته) أي الواطئ (بلا ولي) أو بلا شهود قلد القائل بحله أوْ لا
(2)
(في الأصح)؛ لقوة الشبهة فيهما (ولو زنى مقذوف) قبل حد قاذفه ولو بعد الحكم به بل ولو بعد الشروع في الحد (سقط الحد) عن قاذفه ولو بغير ذلك الزنا; لأن زناه هذا يدل على سبق مثله (أو ارتد فلا) يسقط الحد; لأن الردة لا تشعر بسبق أخرى; لأنها عقيدة وهي تظهر غالبا (ومن زنى) أو فعل ما يبطل عفته كوطء حليلته في دبرها (مرة) وهو مكلف (ثم) تاب و (صلح) حاله حتى صار أتقى الناس (لم يعد محصنا) أبدا; لأن العرض إذا انثلم لم تنسد ثلمته. ولو قُذِف في مجلس القاضي لزم القاضي إعلام المقذوف ليستوفيه إن شاء، ومحل تعين القاضي لإعلامه إذا لم يكن عنده من يقبل إخباره وإلا كان كفاية. (وحد القذف) وتعزيره إذا لم يعف عنه المورث (يورث) ولو للإمام عمن لا وارث له خاص كسائر الحقوق (ويسقط) حده وتعزيره (بعفوٍ) عن كله ولو بمال لكن لا يثبت المال، فلو عفا عن بعض الحد لم يسقط شيء منه، ولا يخالف سقوط التعزير بالعفو ما في بابه أنّ للإمام استيفاءه; لأن الساقط حق الآدمي والذي يستوفيه الإمام حق الله تعالى؛ للمصلحة، ويستوفي سيد قن مقذوف مات تعزيره وإن لم يرثه (والأصح أنه) إذا مات المقذوف الحر (يرثه كل الورثة) حتى الزوجين كالقصاص
(3)
(1)
. وذكر الشارح في فصل حل نكاح الكافر أن الزوج المسلم يحد بقذف زوجته الكتابية 7/ 324.
(2)
. خلافا للمغني حيث خص الخلاف بمعتقد التحريم، أما مقلد الحل فلا تبطل عفته قطعا.
(3)
. بل يرث الزوج أو الزوجة قذف الميت؛ لبقاء آثار النكاح بعد الموت خلافا لهم.
وَأَنَّهُ لَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ فَلِلْبَاقِي كُلُّهُ.
فصل
لَهُ قَذْفُ زَوْجَةٍ عَلِمَ زِنَاهَا أَوْ ظَنَّهُ ظَنًّا مُؤَكَّدًا كَشَيَاعِ زِنَاهَا بِزَيْدٍ مَعَ قَرِينَةٍ بِأَنْ رَآهُمَا فِي خَلْوَةٍ. وَلَوْ أَتَتْ بِوَلَدٍ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ لَزِمَهُ نَفْيُهُ
(و) الأصح (أنه لو عفا بعضهم) عن حقه من الحد أو كان غير مكلف (فللباقي) منهم وإن قل نصيبه (كله) أي استيفاء جميعه كما أن لأحدهم طلب استيفائه وإن لم يرض غيره أو غاب; لأنه لدفع العار اللازم للواحد كالجمع مع أنه لا بدل له وبه فارق القصاص.
(فصل) في بيان حكم قذف الزوج ونفي الولد
(له) أي الزوج (قذف زوجة) له (علم زناها) بأن رآه وهي في نكاحه، والأولى له تطليقها؛ سترا عليها ما لم يترتب على فراقه لها مفسدة لها أو له أو لأجنبي (أو ظنه ظنا مؤكدا)؛ لاحتياجه حينئذ للانتقام منها لتلطيخها فراشه والبينة قد لا تساعده (كشياع زناها بزيد مع قرينة بأن) بمعنى كأن (رآهما في خلوة) وكأن شاع زناها مطلقا ثم رأى رجلا خارجا من عندها في وقت الريبة، أو رآها خارجة من عند رجل وثَم ريبة أيضا، نعم يكفي فيها أدنى ريبة بخلافه فإنه قد يدخل لنحو سرقة أو إرادة إكراه أو إلحاق عار ولا كذلك هي، وكإخبار عدل رواية أو من اعتقد صدقه له عن معاينة بزناها وليس عدوا لها ولا له ولا للزاني وقد بيَّن كيفية الزنا؛ لئلا يظن ما ليس بزنا زنا، وكإقرارها له به واعتقد صدقها. أما مجرد الشيوع فلا يجوز اعتماده; لأنه قد ينشأ عن خبر عدو أو طامع بسوء لم يظفر، وكذا مجرد القرينة; لأنه ربما دخل عليها؛ لخوف أو نحو سرقة. (ولو أتت) أو حملت (بولد علم أنه ليس منه) أو ظنه ظنا مؤكدا وأمكن كونه منه ظاهرا (لزمه نفيه) وإلا لكان بسكوته مستلحقا لمن ليس منه وهو ممتنع كما يحرم نفي من هو منه؛ لما يأتي ولعظيم التغليظ على فاعل ذلك وقبيح ما يترتب عليهما من المفاسد كانا من أقبح الكبائر، ثم إن علم زناها أو ظنه ظنا مؤكدا قذفها ولاعن لنفيه وجوبا فيهما وإلا اقتصر على النفي باللعان؛ لجواز كونه من شبهة أو زوج سابق.
[تنبيه] مدار لزوم ما مر على لحوقه به
، ولذا لو أتت بولد علم أنه ليس منه ولكن ولدته خفية بحيث لا يلحق به كان الأولى الستر.
وَإِنَّمَا يَعْلَمُ إذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الْوَطْءِ أَوْ فَوْقَ أَرْبَعِ سِنِينَ، فَلَوْ وَلَدَتْهُ لِمَا بَيْنَهُمَا وَلَمْ تَسْتَبْرِئْ بِحَيْضَةٍ حَرُمَ النَّفْيُ. وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنَ الِاسْتِبْرَاءِ حَلَّ النَّفْيُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ وَطِئَ وَعَزَلَ حَرُمَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتُمِلَ كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنْ الزِّنَا حَرُمَ النَّفْيُ، وَكَذَا الْقَذْفُ وَاللِّعَانُ عَلَى الصَّحِيحِ
(وإنما يعلم) أنه ليس منه (إذا لم يطأ) في القبل ولا استدخلت ماءه المحترم أصلا (أو) وطئ أو استدخلت ماءه المحترم ولكن (ولدته لدون ستة أشهر من الوطء) ولو لأكثر منها من العقد (أو فوق أربع سنين) من الوطء؛ للعلم حينئذ بأنه من ماء غيره. ولو علم زناها في طهر لم يطأ فيه وأتت بولد يمكن كونه من ذلك الزنا لزمه قذفها ونفيه، ويلزم ذلك أيضا لنحو رؤيته معها في خلوة في ذلك الطهر مع شيوع زناها به (فلو ولدته لما بينهما) بأن ولدته لستة أشهر من الوطء فأكثر إلى أربع سنين، وكأنهم إنما لم يعتبروا هنا لحظة الوطء والوضع؛ احتياطا للنسب لإمكان الإلحاق مع عدمهما (ولم يستبرئ) ـها (بحيضة) بعد وطئه، أو استبرأها بها وكان بين الولادة والاستبراء أقل من ستة أشهر (حرم النفي) للولد; لأنه لاحِقٌ بفراشه ولا عبرة بريبة يجدها (وإن ولدته لفوق ستة أشهر من الاستبراء
(1)
بحيضة أي من ابتداء الحيض (حل النفي في الأصح) ; لأن الاستبراء أمارة ظاهرة على أنه ليس منه، نعم يسن له عدم النفي; لأن الحامل قد تحيض، ومحله إن كان هناك تهمة زنا وإلا لم يجز قطعا، نعم إن رأى بعد الاستبراء قرينة بزناها مما مر لزمه نفيه لغلبة الظن بأنه ليس منه حينئذ وإلا لم يجز. (ولو وطئ وعزل حرم) النفي (على الصحيح) ; لأن الماء قد يسبقه ولا يشعر به. ولو كان يطأ في الدبر أو فيما دون الفرج بحيث لا يمكن وصول الماء إليه لم يلحقه، وليس من الظن علمه من نفسه أنه عقيم. (ولو علم زناها واحتمل كون الولد منه ومن الزنا) على السواء بأن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه ومن الزنا ولا استبراء (حرم النفي)؛ لتقاوم الاحتمالين و ((الولد للفراش)) والنص على الحل يحمل على ما إذا كان احتماله من الزنا أغلب؛ لوجود قرينة تؤكد ظن وقوعه (وكذا) يحرم (القذف واللعان على الصحيح)؛ إذ لا ضرورة إليهما للحوق الولد به والفراق ممكن بالطلاق.
(1)
. خلافا للمغني فاعتمد أنها من حين الزنا بعد الاستبراء.
فصل
اللِّعَانُ قَوْلُهُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: أَشْهَدُ بِاَللهِ إنِّي لَمِنَ الصَّادِقِينَ فِيمَا رَمَيْتُ بِهِ هَذِهِ مِنَ الزِّنَا، فَإِنْ غَابَتْ، سَمَّاهَا وَرَفَعَ نَسَبَهَا بِمَا يُمَيِّزُهَا، وَالخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَاهَا بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَإِنْ كَانَ لُهُ وَلَدٌ يَنْفِيهِ ذَكَرَهُ فِي الْكَلِمَاتِ فَقَالَ وَإِنَّ الْوَلَدَ الَّذِي وَلَدَتْهُ أَوْ هَذَا الْوَلَدُ مِنْ زِنًا لَيْسَ مِنِّي، وَتَقُولُ هِيَ: أَشْهَدُ بِاَللهِ إنَّهُ لَمِنْ الْكَاذِبِينَ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَا، وَالخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِيهِ
(فصل) في كيفية اللعان وشروطه وثمراته
(اللعان قوله) أي الزوج (أربع مرات: أشهد بالله أني لمن الصادقين فيما رميت به) زوجتي (هذه) إن حضرت (من الزنا) إن قذفها بالزنا -فإن لم يقذفها بل لاعن لنفي الولد قال فيما رميتها به من إصابة غيري لها على فراشي وأن الولد منه لا منّي، ولا تلاعن هي في هذه الحالة؛ إذ لا حد عليها بلعانه. ولو ثبت ببينة قذف أنكره قال أشهد بالله أني لمن الصادقين في إنكار ثبت من قذفي إياها بالزنا- وذلك؛ للآيات أول سورة النور، وكررت لتأكد الأمر، نعم المغلب في تلك الكلمات مشابهتها للأيمان كما يأتي، ومن ثم لو كذب لزمه كفارة يمين، والأوجه أنها لا تتعدد بعددها; لأن المحلوف عليه واحد والمقصود من تكررها محض التأكيد لا غير، (فإن غابت) عن المجلس أو البلد؛ لعذر أو غيره (سمَّاها ورفع نسبها) أو ذكر وصفها (بما يميزها) عن غيرها؛ دفعا للاشتباه، ويكفي قوله زوجتي إذا عرفها الحاكم ولم يكن تحته غيرها (والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما رماها به من الزنا، وإن كان له ولد ينفيه ذكره في الكلمات) الخمس كلها؛ لينتفي عنه لا ليصح لعانه، ومن ثم لو أغفله في واحدة صح لعانه بالنسبة لصحة لعانها بعده وإن وجبت إعادته لنفي الولد (فقال) في كل واحدة منها (وأن الولد الذي وَلَدَتْه) إن غاب (أو هذا الولد) إن حضر (مِن) زوج أو شبهة أو من (زنا) و (ليس مني) وذكر ليس مني تأكيد؛ حملا للزنا على حقيقته (وتقول هي) بعده؛ لوجوب تأخر لعانها كما سيذكره (أشهد بالله أنه لمن الكاذبين فيما رماني به) وتشير إليه إن حضر وإلا ميزته نظير ما مر (من الزنا) إن رماها به ولا تحتاج لذكر الولد; لأنه لا يتعلق به في لعانها حكم (والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين فيه) أي فيما رماني به من
وَلَوْ بُدِّلَ لَفْظُ شَهَادَةٍ بِحَلِفٍ وَنَحْوِهِ أَوْ غَضَبٍ بِلَعْنٍ وَعَكْسِهِ أَوْ ذُكِرَا قَبْلَ تَمَامِ الشَّهَادَاتِ لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ. وَيُشْتَرَطُ فِيهِ أَمْرُ الْقَاضِي وَيُلَقِّنُ كَلِمَاتِهِ. وَأَنْ يَتَأَخَّرَ لِعَانُهَا عَنْ لِعَانِهِ. وَيُلَاعِنُ أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مُفْهِمَةٍ أَوْ كِتَابَةٍ. وَيَصِحُّ بِالْعَجَمِيَّةِ، وَفِيمَنْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ وَجْهٌ، وَيُغَلَّظُ بِزَمَانٍ وَهُوَ بَعْدَ عَصْرِ جُمُعَةٍ وَمَكَانٍ وَهُوَ أَشْرَفُ بَلَدِهِ،
…
الزنا (ولو بدَّل لفظ) الله بغيره كالرحمن أو لفظ (شهادة بحلف ونحوه) كأقسم أو أحلف بالله (أو) لفظ (غضب بلعن وعكسه) بأن ذكر لفظ الغضب وهي لفظ اللعن (أو ذكرا) أي اللعن والغضب (قبل تمام الشهادات لم يصح في الأصح) ; لأن المرعي هنا اللفظ ونظم القرآن. (ويشترط فيه) أي في صحة اللعان (أمر القاضي) -أو نائبه أو المُحَكَّم أو السيد إذا لاعن بين أمته وعبده- به. ولو كان اللعان لنفي الولد الغير المكلف فقط امتنع التحكيم; لأن للولد حقا في النسب فلم يسقط برضاهما (و) معنى أمره به أنه (يُلَقِّن) كلا منهما (كلماته) فيقول له قل كذا وكذا إلى آخره، فما أتى به قبل التلقين لغو؛ إذ اليمين لا يعتد بها قبل استحلافه والشهادة لا تؤدى عنده إلا بإذنه، ويشترط موالاة الكلمات الخمس لا لعانيهما. ويظهر اعتبار الموالاة هنا بما مر في الفاتحة
(1)
، ومن ثم لم يضر الفصل هنا بما هو من مصالح اللعان، ولا يثبت شيء من أحكام اللعان إلا بعد تمامها (وأن يتأخر لعانها عن لعانه) ; لأن لعانها لدرء الحد عنها وهو لا يجب قبل لعانه (ويلاعن) من اعتقل لسانه بعد القذف ولم يرج برؤه أو رجي ومضت ثلاثة أيام ولم ينطق، و (أخرس) منهما ويقذف (بإشارة مفهمة أو كتابة) أو يجمع بينهما كسائر تصرفاته. أما إذا لم تكن له إشارة مفهمة فلا يصح؛ لتعذر معرفة مراده (ويصح) اللعان والقذف (بالعجمية) أي ما عدا العربية من اللغات إن راعى ترجمة اللعن والغضب، فيصح وإن عرف العربية كاليمين والشهادة (وفيمن عرف العربية وجه) أنه لا يصح لعانه بغيرها; لأنها الواردة. ويسن حضور أربعة يعرفون تلك اللغة ويجب مترجمان لقاضٍ جهلها (ويغلظ) ولو في كافر (بزمان وهو بعد) فعل (عصر) أيِّ يوم كان إن لم يتيسر التأخير للجمعة; لأن اليمين الفاجرة حينئذ أغلظ عقوبة كما دل عليه خبر الصحيحين، فإن تيسر التأخير فبعد عصر (جمعة) ; لأن يومها أشرف الأسبوع وساعة الإجابة فيها بعد عصرها كما في رواية صحيحة (ومكان وهو أشرف بلده) أي اللعان; لأن في تلك تأثيرا في الزجر عن اليمين
(1)
. فيضر السكوت العمد الطويل واليسير الذي قصد به قطع اللعان، وذِكر ما لا يتعلق باللعان.
فَبِمَكَّةَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالمَقَامِ، وَالمَدِينَةِ عِنْدَ المِنْبَرِ، وَبَيْتِ المَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَغَيْرِهَا عِنْدَ مِنْبَرِ الجَامِعِ، وَحَائِضٌ بِبَابِ المَسْجِدِ، وَذِمِّيٌّ فِي بِيعَةٍ وَكَنِيسَةٍ، وَكَذَا بَيْتُ نَارِ مَجُوسِيٍّ فِي الْأَصَحِّ، لَا بَيْتُ أَصْنَامِ وَثَنِيٍّ، وَجَمْعٍ مِنْ الْأَعْيَانِ، وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ. وَالتَّغْلِيظَاتُ سُنَّةٌ لَا فَرْضٌ عَلَى المَذْهَبِ،
الكاذبة (فبمكة) يكون اللعان (بين الركن) الذي فيه الحجر الأسود (والمقام) أي مقام إبراهيم صلى الله على نبينا وعليه وسلم وهو المسمى بالحطيم؛ لحطم الذنوب فيه (و) في (المدينة) يكون (عند) أي على (المنبر) مما يلي القبر المكرم على مشرفه أفضل الصلاة وأفضل السلام; لأنه روضة من رياض الجنة (و) في (بيت المقدس) يكون (عند الصخرة) ; لأنها قبلة الأنبياء (و) في (غيرها) أي الأماكن الثلاثة يكون (عند منبر الجامع) أي عليه; لأنه أشرفه (و) تلاعن (حائض) ونفساء مسلمة ومسلم به جنابة ولم يمهل للغسل أو نجس يلوث المسجد (بباب المسجد) بعد خروج القاضي مثلا إليه؛ لحرمة مكث كل من أولئك فيه. ولو رأى تأخيره لزوال المانع فلا بأس. أما ذمية حائض أو نفساء أمن تلويثها وذمي جنب فيجوز تمكينها من الملاعنة في المسجد إلا المسجد الحرام (و) يلاعن (ذمي) أي كتابي ولو معاهدا أو مستأمنا (في بِيعة
(1)
للنصارى (وكنيسة) لليهود; لأنهم يعظمونها كتعظيمنا لمساجدنا (وكذا بيت نار مجوسي في الأصح)؛ لذلك. ويحضر نحو القاضي والجمع الآتي بمحالهم تلك؛ لما مر إلا ما به صور معظمة؛ لحرمة دخوله مطلقا كحرمة دخول ما ليس به صورة معظمة بلا إذنهم. وتلاعن كافرة تحت مسلم فيما ذكر لا في المسجد إلا إن رضي به (لا بيت أصنام وثني) دخل دارنا بهدنة أو أمان وترافعوا إلينا فلا يلاعن فيه بل في مجلس الحاكم؛ إذ لا أصل له في الحرمة، واعتقادهم لوضوح فساده غير مرعي، ولأن دخوله معصية ولو بإذنهم. ولا تغليظ في حق من لا يتدين بدين كدهري وزنديق بل يحلف إن لزمته يمين بالله الذي خلقه ورزقه، ويعتبر الزمن بما يعتقدون تعظيمه (و) حضور (جمع من الأعيان) والصلحاء؛ للاتباع ولأن فيه ردعا للكاذب (وأقله أربعة)؛ لثبوت الزنا بهم، ومن ثم اعتبر كونهم من أهل الشهادة ومعرفتهم لغة المتلاعنين (والتغليظات سنة لا فرض على المذهب) كما في سائر الأيمان.
(1)
. وتسمى كنيسة أيضاً، وهو المعروف اليوم.
وَيُسَنُّ لِلْقَاضِي وَعْظُهُمَا، وَيُبَالِغُ عِنْدَ الخَامِسَةِ، وَأَنْ يَتَلَاعَنَا قَائِمَيْنِ، وَشَرْطُهُ زَوْجٌ يَصِحُّ طَلَاقُهُ وَلَوْ ارْتَدَّ بَعْدَ وَطْءٍ فَقَذَفَ وَأَسْلَمَ فِي الْعِدَّةِ لَاعَنَ، وَلَوْ لَاعَنَ ثُمَّ أَسْلَمَ فِيهَا صَحَّ أَوْ أَصَرَّ صَادَفَ بَيْنُونَةً. وَيَتَعَلَّقُ بِلِعَانِهِ فُرْقَةٌ وَحُرْمَةٌ مُؤَبَّدَةٌ، وَإِنْ أَكْذَبَ نَفْسَهُ، وَسُقُوطُ الحَدِّ عَنْهُ، وَوُجُوبُ حَدِّ زِنَاهَا
(ويسن للقاضي) ولو بنائبه (وعظهما) بالتخويف من عقاب الله؛ للاتباع ويقرأ عليهما آية آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ} آل عمران: 77، وخبر ((وحسابكما على الله، الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب)) (ويبالغ) في التخويف (عند الخامسة) لعلَّه يرجع؛ لخبر أبي داود ((أنه صلى الله عليه وسلم أمر رجلا أن يضع يده على فيه عند الخامسة وقال إنها موجبة))، ويسن فعل ذلك بهما ويأتي واضع يده على الفم من ورائه (وأن يتلاعنا قائمين) وبحيث يرى كل صاحبه؛ للاتباع ولأن القيام أبلغ في الزجر، ويقعد كلٌّ وقت لعان الآخر. (وشرطه) -أي الملاعن أو اللعان؛ ليصح- ما تضمنه قوله (زوج) ولو باعتبار ما كان أو الصورة؛ ليدخل ما يأتي في البائن ونحو المنكوحة فاسدا فلا يصح من غيره كما دلت عليه الآية ولأن غيره لا يحتاج إليه؛ لما مر أنه حجة ضرورية (يصح طلاقه) كسكران وذمي وفاسق؛ تغليبا لشبه اليمين دون مكره، وغير مكلف، ولا لعان في قذف غير المكلف وإن كمل بعدُ ويعزر عليه (ولو ارتد) الزوج (بعد وطء) أو استدخال ماء (فقذف وأسلم في العدة لاعن)؛ لدوام النكاح (ولو لاعن) في الردة (ثم أسلم فيها) أي العدة (صحَّ)؛ لتبين وقوعه في صلب النكاح (أو أصر) مرتدا إلى انقضائها (صادف) اللعان (بينونة)؛ لتبين انقطاع النكاح بالردة، فإن كان هناك ولد نفاه بلعانه نفذ وإلا بان فساده وحد للقذف. وأفهم قوله فقذف وقوعه في الردة، فلو قذف قبلها صح وإن أصر كما يصح ممن أبانها بعد قذفها (ويتعلق بلعانه) -أي الزوج وإن كذب- أي بفراغه منه ولا نظر للعانها (فرقة) أي فرقة انفساخ (وحرمة) ظاهرا وباطنا (مؤبدة) فلا تحل له بعد بنكاح ولا ملك؛ لخبر الشيخين ((لا سبيل لك عليها)) (وإن أكذب) الملاعن (نفسه
(1)
فلا يفيده عود حل; لأنه حقه بل عود حد ونسب; لأنهما حق عليه (وسقوط الحد) أو التعزير الواجب لها عليه والفسق (عنه) بسبب قذفها للآية، وكذا قذف الزاني إن سماه في لعانه (ووجوب حد زناها) المضاف لحالة النكاح إن لم تلتعن ولو ذمية وإن لم ترض بحكمنا؛ لأنهم بعد الترافع
(1)
. ويأتي قبيل الدعوى أنه لو شهد بلعان وفرَّق قاض ثم رجعا دام الفراق 10/ 282.
وَانْتِفَاءُ نَسَبٍ نَفَاهُ بِلِعَانِهِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى نَفْيِ مُمْكِنٍ مِنْهُ، فَإِنْ تَعَذَّرَ بِأَنْ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الْعَقْدِ أَوْ طَلَّقَ فِي مَجْلِسِهِ، أَوْ نَكَحَ وَهُوَ بِالمَشْرِقِ وَهِيَ بِالمَغْرِبِ لَمْ يَلْحَقْهُ. وَلَهُ نَفْيُهُ مَيِّتًا،
إلينا لا يعتبر رضاهم، أما الذي قبل النكاح فسيأتي (وانتفاء نسب نفاه بلعانه
(1)
-أي فيه؛ لخبر الصحيحين بذلك، وسقوط حصانتها في حقه فقط إن لم تلتعن أو التعنت وقذفها بذلك الزنا أو أطلق; لأن اللعان في حقه كالبينة- وحل نحو أختها والتشطير قبل الوطء (وإنما يحتاج إلى نفي) ولد (ممكن) كونه (منه، فإن تعذر) لحوقه به (بأن ولدته) وهو غير تام لدون ما مر في الرجعة، أو وهو تام (لستة أشهر) فأقل (من العقد)؛ لانتفاء لحظتي الوطء والوضع (أو) لأكثر ولكن (طلق في مجلسه) أي العقد (أو نكح) صغيرا
(2)
أو ممسوحا
(3)
أو (وهو بالمشرق وهي بالمغرب) ولم يمض زمن يمكن فيه اجتماعهما ولا وصول
(4)
مائه إليها عادة فلا نظر لوصول ممكن كرامة
(5)
(لم يلحقه)؛ لاستحالة كونه منه فلم يحتج في انتفائه عنه إلى لعان (وله نفيه) أي الممكن لحوقه به (ميتا)؛ لبقاء نسبه بعد موته وتسقط مؤنة تجهيز المنفي بعد موته عنه ويرث، ولو مات الولد بعد النفي جاز له استلحاقه ويستحق إرثه ولا نظر إلى تهمته بذلك
(6)
. ولا يصح نفي من استلحقه، ولا ينتفي عنه من وُلِد على فراشه وأمكن كونه منه إلا باللعان
(7)
، ولا أثر لقول الأم حملت به من وطء شبهة أو استدخال مني غير الزوج وإن صدقها الزوج; لأن الحق للولد والشارع أناط لحوقه بالفراش حتى يوجد اللعان بشروطه
(1)
. ولا يجوز لأحد استلحاقه كما مر؛ لما مر في بابه من إبطال حق النافي 5/ 401.
(2)
. بأن لم يبلغ تسع سنين كما هو ظاهر كلام الشارح في الحجر 5/ 164.
(3)
. أما المجبوب فلا يلحقه الولد إلا إن ثبت كونه منه بإقراره أو ببينة به كما ذكره الشارح قبيل الرضاع 8/ 281.
(4)
. لا عبرة بذلك عند الرملي كما نقله ابن قاسم عنه.
(5)
. نعم ظاهر كلام الشارح في الحج أنه ينسب له لو وقعت الكرامة بالفعل، والتحقيق أنه لا نظر ظاهرا لإمكان كرامة مطلقا، أما باطنا فإذا ثبتت الولاية فيترتب الحكم على الإمكان على طريق الكرامة، بل في كل أمر موافق للشرع مكَّنه منه خرقا للعادة وفعله، كما أفاده الشارح في الرهن 5/ 107.
(6)
. عبارة المغني بحذف.
(7)
. ولا يؤثر فيه قافة ولا انتساب يخالف حكم الفراش، قاله الشارح في الاستلحاق 5/ 401.
وَالنَّفْيُ عَلَى الْفَوْرِ فِي الجَدِيدِ، وَيُعْذَرُ لِعُذْرٍ، وَلَهُ نَفْيُ حَمْلٍ وَانْتِظَارُ وَضْعِهِ، وَمَنْ أَخَّرَ وَقَالَ جَهِلْتُ الْوِلَادَةَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ كَانَ غَائِبًا وَكَذَا الحَاضِرُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ جَهْلُهُ فِيهَا، وَلَوْ قِيلَ لَهُ: مُتِّعْت بِوَلَدِك، أَوْ جَعَلَهُ اللهُ لَكَ وَلَدًا صَالحًا فَقَالَ آمِينَ أَوْ نَعَمْ تَعَذَّرَ نَفْيُهُ، وَإِنْ قَالَ جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا، أَوْ بَارَكَ عَلَيْك فَلَا. وَلَهُ اللِّعَانُ مَعَ إمْكَانِ بَيِّنَةٍ بِزِنَاهَا،
(والنفي على الفور في الجديد) ; لأنه شرع لدفع الضرر فكان كالرد بالعيب والأخذ بالشفعة فيأتي الحاكم ويعلمه بانتفائه عنه ويعذر في الجهل بالنفي أو الفورية فيصدق فيه بيمينه إن كان عاميا؛ لخفائه على العوام وإن خالطوا العلماء. وخرج بالنفي اللعان فلا يجب فيه فور (ويعذر) في تأخير النفي (لعذر)، نعم يلزمه إرسال مَن يُعْلَم الحاكم فإن عجز فالإشهاد وإلا بطل حقه كغائب أخَّر السير لغير عذر أو سار أو تأخر لعذر ولم يشهد. ثم إن الأعذار المعتبرة هنا هي أضيقُ أعذارِ كلٍّ من الجمعة والشفعة والردِّ بالعيب
(1)
، ولذا لم يكن أكل ذي ريح كريه عذرا هنا (وله نفي حمل) كما صح أنّ هلال بن أمية لاعن عن الحمل (و) له (انتظار وضعه)؛ ليعلم كونه ولدا؛ إذ ما يظن حملا قد يكون نحو ريح، أما لو انتظر وضعه رجاءَ أن تضعه ميتا فيُكْفَى اللعان فيبطل حقه من النفي ويلحقه؛ لتقصيره (ومن أخَّر) النفي (وقال جهلت الولادة صدق بيمينه إن) أمكن عادة كأن (كان غائبا) ; لأن الظاهر يشهد له، ومن ثم لو استفاضت ولادتها لم يصدق (وكذا) يصدق مدعي الجهل بها (الحاضر) إن ادعى ذلك (في مدة يمكن جهله) به (فيها) عادة كأن بَعُد محله عنها ولم يستفض عنده؛ لاحتمال صدقه حينئذ بخلاف ما إذا انتفى ذلك; لأن جهله به إذن خلاف الظاهر. ولو أخبره عدل رواية لم يقبل منه قوله لم أصدقه وإلا قبل بيمينه (ولو قيل له) وهو متوجه للحاكم، أو وقد سقط عنه التوجه إليه؛ لعذر به (مُتِّعت بولدك أو جعله الله لك ولدا صالحا فقال آمين أو نعم) ولم يكن له ولد آخر يشتبه به ويدعي إرادته (تعذر نفيه) ولحقه؛ لتضمن ذلك منه رضاه به (وإن قال) في أحد الحالين السابقين (جزاك الله خيرا أو بارك عليك فلا) يتعذر النفي؛ لاحتمال أنه قصد مجرد مقابلة الدعاء (وله اللعان)؛ لدفع حد أو نفي ولد (مع إمكان) إقامة (بينة بزناها) ; لأن كلا
(1)
. أي فيكفي في رده كونه ليس عذرا في أحد تلك.
وَلَهَا لِدَفْعِ حَدِّ الزِّنَا.
فصل
لَهُ اللِّعَانُ لِنَفْيِ وَلَدٍ
وَإِنْ عَفَتْ عَنْ الحَدِّ وَزَالَ النِّكَاحُ، وَلَهُ لِدَفْعِ حَدِّ الْقَذْفِ وَإِنْ زَالَ النِّكَاحُ، وَلَا وَلَدَ، وَلِتَعْزِيرِهِ، إِلَّا تَعْزِيرَ تَأْدِيبٍ كَقَذْفِ طِفْلَةٍ لَا تُوطَأُ، وَلَوْ عَفَتْ عَنْ الحَدِّ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِزِنَاهَا أَوْ صَدَّقَتْهُ وَلَا وَلَدَ أَوْ سَكَتَتْ عَنْ طَلَبِ الحَدِّ أَوْ جُنَّتْ بَعْدَ قَذْفِهِ فَلَا لِعَانَ فِي الْأَصَحِّ،
حجة تامة (ولها) اللعان، بل يلزمها إن صدقت (لدفع حد الزنا) المتوجه عليها بلعانه -لا بالبينة; لأنه حجة ضعيفة فلا يقاومها- ولا فائدة للعانها غير هذا.
(فصل)
(له اللعان لنفي ولد) بل يلزمه إذا علم أنه ليس منه كما مر بتفصيله (وإن) أقام بينة بزناها و (عفت عن الحد وزال النكاح) بطلاق أو غيره؛ لحاجته إليه بل هي آكد من حاجته لدفع الحد (وله) اللعان بل يلزمه إن صدق (لدفع حد القذف) إن طلبته هي أو الزاني (وإن زال النكاح ولا ولد)؛ إظهارا لصدقه ومبالغة في الانتقام منها (ولـ) دفع (تعزيره)؛ لكونها ذمية مثلا وقد طلبته (إلا تعزير تأديب)؛ لصدقه ظاهرا -كقذف من ثبت زناها ببينة أو إقرار أو لعانه مع امتناعها منه- أو لكذبه الضروري (كقذف طفلة لا توطأ) أي لا يمكن وطؤها وكقذف كبيرةٍ نحوِ قرناء أو بوطء نحو ممسوح فلا يلاعن لإسقاطه وإن بلغت وطالبته؛ إذ لا عار يلحقها به للعلم بكذبه فلا يُمَكَّن من الحلف على صدقه، وإنما زجر؛ حتى لا يعود للإيذاء والخوض في الباطل، ومن ثم يستوفيه القاضي للطفلة بخلاف الكبيرة لا بد من طلبها، ومحل ما ذكر في نحو القرناء حيث لم يرد وطء دبرها وإلا فهو من الأول، وما عدا هذين -أعني ما علم صدقه أو كذبه- يقال له تعزير التكذيب؛ لما فيه من إظهار كذبه بقيام العقوبة عليه وهو من جملة المستثنى منه ولا يستوفَى إلا بطلب المقذوف (ولو عفت عن الحد) أو التعزير (أو أقام بينة بزناها) أو إقرارها به (أو صدقته) فيه (ولا ولد) ولا حمل ينفيه (أو سكتت عن طلب الحد) بلا عفو (أو جُنَّت بعد قذفه) ولا ولد ولا حمل أيضا (فلا لعان) في المسائل الخمس ما دام السكوت أو الجنون في الأخيرتين (في الأصح)؛ إذ لا حاجة إليه في الكل سيما الثانية والثالثة؛ لثبوت قوله بحجة أقوى من اللعان. أما مع ولد أو حمل ينفيه
وَلَوْ أَبَانَهَا أَوْ مَاتَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا بِزِنًا مُطْلَقٍ أَوْ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ النِّكَاحِ لَاعَنَ إنْ كَانَ وَلَدٌ يَلْحَقُهُ فَإِنْ أَضَافَ إلَى مَا قَبْلَ نِكَاحِهِ فَلَا لِعَانَ إنْ لَمْ يَكُنْ وَلَدٌ وَكَذَا إنْ كَانَ فِي الْأَصَحِّ لَكِنْ لَهُ إنْشَاءُ قَذْفٍ وَيُلَاعِنُ، وَلَا يَصِحُّ نَفْيُ أَحَدِ تَوْأَمَيْنِ
فيلاعن جزما، وإذا لزمه حد بقذف مجنونة بزنا أضافه لحال إفاقتها أو تعزير بما لم يضفه أو بقذف صغير انتظر طلبهما بعد كمالهما، ولا تحد مجنونة بلعانه حتى تفيق وتمتنع من اللعان (ولو أبانها) بواحدة أو أكثر (أو ماتت ثم قذفها) فإن قذفها (بزنا مطلق أو مضاف إلى ما) أي زمن (بعد النكاح لاعن) للنفي (إن كان) هناك (ولد) أو حمل (يلحقه) ظاهرا وأراد نفيه في لعانه؛ للحاجة إليه حينئذ كما في صلب النكاح، وحينئذ يسقط عنه حد قذفه لها ويلزمها به حد الزنا إن أضافه للنكاح ولم تلاعن هي كالزوجة بخلاف ما إذا انتفى الولد عنه فيحد ولا لعان (فإن أضاف) الزنا الذي رماها به (إلى ما) أي زمن (قبل نكاحه) أو بعد بينونتها (فلا لعان) جائز (إن لم يكن ولد)، ويحدُّ؛ لعدم احتياجه لقذفها حينئذ كالأجنبية (وكذا) لا لعان (إن كان) ولد (في الأصح)؛ لتقصيره بالإسناد لما قبل النكاح (لكن له) بل يلزمه إن علم زناها أو ظنه (إنشاء قذف) مطلق أو مضاف لما بعد النكاح؛ بناء على أنه لا يلاعن (ويلاعن) حينئذ لنفي النسب؛ للضرورة، فإن أبى حُدَّ (ولا يصح نفي أحد توأمين) وإن ولدتهما مرتبا ما لم يكن بين ولادتهما ستة أشهر؛ لجريان العادة الإلهية بعدم اجتماع ولد في الرحم من ماء رجل وولد من ماء آخر فلم يتبعضا لحوقا ولا انتفاء، فإن نفى أحدهما واستلحق الآخر أو سكت عن نفيه أو نفاهما ثم استلحق أحدهما لحقاه، وغلبوا الاستلحاق على النفي؛ لقوته بصحته بعد النفي دون النفي بعده؛ احتياطا للنسب ما أمكن، ومن ثم لحقه ولد أمكن كونه منه بغير استلحاق، ولم ينتف عنه عند إمكان كونه من غيره إلا باللعان. أما إذا كان بين وضعيهما ستة أشهر على ما مر في تعليق الطلاق بالحمل فهما حملان كما سيذكره فيصح نفي أحدهما فقط.
كتاب العدد
عِدَّةُ النِّكَاحِ ضَرْبَانِ الأَوَّلُ مُتَعَلِّقٌ بِفُرْقَةِ حَيٍّ بِطَلَاقٍ وَفَسْخٍ، وَ إِنَّمَا تَجِبُ بَعْدَ وَطْءٍ، أَوِ اسْتِدْخَالِ مَنِيِّهِ، وَإِنْ تَيَقَّنَ بَرَاءَةَ الرَّحِمِ،
(كتاب العدد)
جمع عدة، وهي مدة تربص المرأة؛ لتعرف براءة رحمها من الحمل، أو للتعبد -وهو اصطلاحا ما لا يعقل معناه عبادة كان أو غيرها- أو لتفجعها على زوج مات. والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع، وهي من حيث الجملة معلومة من الدين بالضرورة. وكررت الأقراء الملحق بها الأشهر مع حصول البراءة بواحد؛ استظهارا (عدة النكاح) وهو الصحيح حيث أطلق (ضربان الأول يتعلق بفرقة) زوج (حي بطلاق) أ (و فسخ) بنحو عيب، أو انفساخ بنحو لعان; لأنهما في معنى الطلاق المنصوص عليه. وخرج بالنكاح الزنا فلا عدة فيه اتفاقا، ووطء الشبهة -فإنه ليس ضربين بل ليس فيه إلا ما في فرقة الحي- وهو كل ما لم يوجب حدا على الواطئ وإن أوجبه على الموطوءة كوطء مجنون أو مراهق أو مكره
(1)
كاملة ولو زنا منها فتلزمها العدة؛ لاحترام الماء (وإنما تجب بعد وطء) بذكر متصل ولو في دبر من نحو صبي تهيأ للوطء وخصي وإن كان الذكر أشل. أما قبل الوطء فلا عدة؛ للآية كزوجة مجبوب لم تستدخل منيه، وممسوح مطلقا؛ إذ لا يلحقه الولد (أو) بعد (استدخال منيه) -أي الزوج المحترم منية وقت إنزاله واستدخاله
(2)
ولو منيِّ مجبوبـ; لأنه أقرب للعلوق من مجرد إيلاج قطع فيه بعدم الإنزال. أما غير المحترم عند إنزاله بأن أنزله من زنا فاستدخلته زوجته أو استنزله بيده فلا عدة فيه ولا نسب يلحق به، واستدخالها مني محترم الخروج ممن تظنه زوجها فيه عدة ونسب كوطء الشبهة
(3)
. وتجب عدة الفراق بعد الوطء (وإن تيقن براءة الرحم)؛ لكونه علَّق الطلاق
(4)
ببراءة
(1)
. وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية.
(2)
. خلافا للنهاية.
(3)
. أفاد الشارح في كتاب الطهارة أن عدة الشبهة تدفع النكاح ولا ترفعه فخرجت عن قاعدة أن الدفع أقوى من الرفع.
(4)
. كقوله: ((متى تيقنت براءة رحمك من منيي فأنت طالق))، ووجدت الصفة، مغني وأسنى.
لَا بِخَلْوَةٍ فِي الجَدِيدِ، وَعِدَّةُ حُرَّةٍ ذَاتِ أَقْرَاءٍ ثَلَاثَةٌ. وَالْقَُرْءُ: الطُّهْرُ، فَإِنْ طُلِّقَتْ طَاهِرًا انْقَضَتْ بِالطَّعْنِ فِي حَيْضَةٍ ثَالِثَةٍ، أَوْ حَائِضًا فَفِي رَابِعَةٍ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ بَعْدَ الطَّعْنِ. وَهَلْ يُحْسَبُ طُهْرُ مَنْ لَمْ تَحِضْ قَرْءًا؟ قَوْلَانِ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَرْءَ، انْتِقَالٌ مِنْ طُهْرٍ إلَى حَيْضٍ، أَمْ طُهْرٌ مُحْتَوَشٌ بِدَمَيْنِ، وَالثَّانِي أَظْهَرُ. وَعِدَّةُ مُسْتَحَاضَةٍ، بِأَقْرَائِهَا المَرْدُودَةِ إلَيْهَا ....
الرحم فوجدت البراءة -بأن ولدت بعد التعليق- أو لكون الواطئ طفلا أو الموطوءة طفلة؛ لعموم مفهوم قوله تعالى {مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} البقرة: 237 (لا بخلوة) مجردة عن وطء أو استدخال مني فلا عدة فيها (في الجديد)؛ للمفهوم المذكور (وعدة حرة ذات أقراء) وإن اختلفت وتطاول ما بينها (ثلاثة) من الأقراء وإن استجلبتها بدواء؛ للآية، وكذا لو كانت حاملا من زنا؛ إذ حمل الزنا لا حرمة له. ولو جهل حال الحمل ولم يمكن لحوقه بالزوج حمل على أنه من زنا، أما إذا أتت به للإمكان منه فيلحقه ولم ينتف عنه إلا باللعان. ولو أقرَّت أنها من ذوات الأقراء ثم كذبت نفسها وزعمت أنها من ذوات الأشهر لم تقبل; لأن قولها الأول يتضمن أن عدتها لا تنقضي بالأشهر فلا يقبل رجوعها عنه بخلاف ما لو قالت لا أحيض زمن الرضاع ثم أكذبت نفسها وقالت أحيض زمنه فيقبل; لأن الثاني متضمن لدعواها الحيض في زمن إمكانه وهي مقبولة وإن خالفت عادتها. ولو التحقت حرة ذمية بدار الحرب ثم استرقت كملت عدة الحرة (والقَُرء الطهر) المحتوش بدمين كما قاله جماعة من الصحابة رضي الله عنهم (فإن طلقت طاهرا) وقد بقي من الطهر لحظة (انقضت بالطعن في حيضة ثالثة)؛ لإطلاق القرء على أقل لحظة من الطهر وإن وطئ فيه. أما إذا لم يبق منه ذلك كأنت طالق آخر طهرك فلا بد من ثلاثة أقراء كوامل (أو) طلقت (حائضا) وإن لم يبق من زمن الحيض شيء (فـ) تنقضي عدتها بالطعن (في) حيضة (رابعة) إذ ما بقي من الحيض لا يحسب قرءا قطعا; لأن الطهر الأخير إنما يتبين كماله بالشروع فيما يعقبه وهو الحيضة الرابعة (وفي قول يشترط يوم وليلة بعد الطعن، وهل يحسب طهر مَن لم تحض) أصلا (قرأً)؟ أو لا يحسب (قولان بناء على أن القرء) هل هو (انتقال من طهر إلى حيض) فيحسب (أم طهر محتوَش بدمين) -حيضين أو نفاسين أو حيض ونفاس- فلا يحسب (والثاني) من المبني عليه (أظهر) فيكون الأظهر في المبني عدم حسبانه قرأً، فإذا حاضت بعده لم تنقض عدتها إلا بالطعن في الرابعة كمن طلقت في الحيض (وعدة) حرة أو أمة (مستحاضة) غير متحيرة (بأقرائها المردودة) هي (إليها) حيضا وطهرا فترد معتادة لعادتها فيهما، ومميزة لتمييزها كذلك، ومبتدأة ليوم وليلة في الحيض وتسع وعشرين في الطهر فعدتها
وَمُتَحَيِّرَةٍ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ فِي الحَالِ، وَقِيلَ بَعْدَ الْيَأْسِ. وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُكَاتَبَةٍ وَمَنْ فِيهَا رِقٌّ بِقُرْأَيْنِ، وَإِنْ عَتَقَتْ فِي عِدَّةِ رَجْعَةٍ كَمَّلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بَيْنُونَةٍ فَأَمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ،
تسعون يوما من ابتداء الدم؛ لاشتماله كل شهر على حيضة وطهر غالبا (و) عدة حرة (متحيرة بثلاثة أشهر) هلالية، نعم إن وقع الفراق أثناء شهر فإن بقي منه أكثر
(1)
من خمسة عشر يوما حسب قرأ؛ لاشتماله على طهر لا محالة فتعتد بعده بهلالين، وإلا أُلغي واعتدت من انقضائه بثلاثة أهلة (في الحال)؛ لاشتمال كلِّ شهر على ما ذكر (وقيل) عدتها بالنسبة لحلها للأزواج -لا لرجعة وسكنى- ثلاثة أشهر (بعد اليأس) ; لأنها قبله متوقعة للحيض المتيقن. هذا كله إن لم تحفظ قدر دورها وإلا اعتدت بثلاثة أدوار بلغت الثلاثة الأشهر أو لا. ولو شكت في قدر دورها لكن قالت أعلم أنه لا يزيد على سنة جعلت السنة دورها إلا أن تعلم من عادتها ما يقتضي زيادة أو نقصا. أما مَن فيها رق فتعتد بشهرين؛ لأن الأشهر غير متأصلة في حقها، هذا إن طلقت أول الشهر وإلا بأن بقي أكثره
(2)
فبباقيه وأشهر الثاني، أو دون أكثره فبشهرين بعد تلك البقية (و) عدة أمة حتى (أم ولد ومكاتبة ومن فيها رق) وإن قلَّ (بقرأين) ; لأن القن على نصف ما للحر، وكُمِّل القرء؛ لتعذر تنصيفه، نعم لو تزوج لقيطة ثم أقرت بالرق ثم طلقها اعتدت عدة حرة؛ لحق الزوج، أو مات عنها اعتدت عدة أمة؛ لحق الله تعالى (وإن عتقت) أمة بسائر أحوالها (في عدة رجعة كملت عدة حرة في الأظهر) ; لأن الرجعية زوجة في أكثر الأحكام فكأنها عتقت قبل الطلاق (أو) في عدة (بينونة) أو وفاة (فـ) لتكمل عدة (أمة في الأظهر) ; لأن البائن والتي في حكمها كالأجنبية. أما لو عتقت مع العدة كأن علَّق طلاقها وعتقها بشيء واحد فتعتد عدة حرة قطعا.
[تنبيه] العبرة في كونها حرة أو أمة بظن الواطئ لا بما في الواقع حتى لو وطئ أمة غيره يظنها زوجته الحرة اعتدت بثلاثة أقراء، أو حرة يظنها أمته اعتدت بقرء، أو زوجته الأمة اعتدت بقرأين
(3)
; لأن العدة حقه فنيطت بظنه. ولو وطئ أمته يظن أنه يزني بها اعتدت بقرء
(1)
. ظاهره كالمغني ولو بلحظه واعتمد النهاية ووالده اشتراط أن يبقى ستة عشر يوما فأكثر.
(2)
. يأتي فيه الخلاف المار آنفا.
(3)
. خلافا لهم حيث قالوا ولو ظن الحرة أمته أو زوجته الأمة فإنها تعتد بثلاثة أقراء.
وَحُرَّةٍ لَمْ تَحِضْ أَوْ يَئِسَتْ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنْ طُلِّقَتْ فِي أَثْنَاءِ شَهْرٍ فَبَعْدَهُ هِلَالَانِ وَيُكَمَّلُ المُنْكَسِرَ ثَلَاثِينَ، فَإِنْ حَاضَتْ فِيهَا وَجَبَتِ الْأَقْرَاءُ، وَأَمَةٍ بِشَهْرٍ وَنِصْفٍ، وَفِي قَوْلٍ شَهْرَانِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثَةٌ، وَمَنِ انْقَطَعَ دَمُهَا لِعِلَّةٍ كَرَضَاعٍ وَمَرَضٍ تَصْبِرُ حَتَّى تَحِيضَ أَوْ تَيْأَسَ فَبِالْأَشْهُرِ، أَوْ لَا لِعِلَّةٍ فَكَذَا فِي الجَدِيدِ، وَفِي الْقَدِيمِ تَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، وَفِي قَوْلٍ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ بِالْأَشْهُرِ،
ولحقه الولد ولا أثر لظنه هنا؛ لفساده، ومن ثم لم يحد كما يأتي؛ لعدم تحقق المفسدة، بل ولا يعاقب في الآخرة عقاب الزاني بل دونه، نعم يفسق بذلك، وكذا كل فعل قدم عليه يظنه معصية فإذا هو غيرها (و) عدة (حرة لم تحض)؛ لصغرها أو لعلة أو جبلَّة منعتها رؤية الدم أصلا أو ولدت ولم تر دما (أو يئست) من الحيض بعد أن رأته (بثلاثة أشهر) بالأهلة؛ للآية، هذا إن انطبق الفراق على أول الشهر كأن علق الطلاق به أو بانسلاخ ما قبله (فإن طلقت في أثناء شهر فبعده هلالان ويكمل) الأول (المنكسر) -وإن نقص- (ثلاثين) يوما من الرابع (فإن حاضت فيها) أي أثناء الأشهر (وجبت الأقراء) إجماعا; لأنها الأصل ولم يتم البدل، ولا يحسب ما مضى للأولى بأقسامها قرأ كما مر. وخرج بفيها بعدها فلا يؤثر الحيض فيه بالنسبة للأولى بأقسامها بخلاف الآيسة كما يأتي (و) عدة (أمة) يعني من فيها رق لم تحض أو يئست (بشهر ونصف)؛ لإمكان التبعيض هنا بخلاف القرء؛ إذ لا يظهر نصفه إلا بظهور كله فوجب انتظار عود الدم (وفي قول) عدتها (شهران) ; لأنهما بدل القرأين (وفي قول) عدتها (ثلاثة) من الأشهر.
[فرع] إذا عُرف حيض المجنونة اعتدت به وإلا فبالأشهر (ومن انقطع دمها لعلة)
تُعرف (كرضاع ومرض) وإن لم يرج برؤه (تصبر حتى تحيض) فتعتد بالأقراء (أو) حتى (تيأس فـ) تعتد (بالأشهر) وإن طالت المدة وطال ضررها بالانتظار; لأن عثمان رضي الله عنه حكم بذلك في المرضع، (أو) انقطع (لا لعلة) تُعرف (فكذا) تصبر لسن اليأس إن لم تحض (في الجديد) ; لأنها لرجائها العود كالأولى، ولهذه ومن لم تحض أصلا وإن لم تبلغ خمس عشر سنة استعجال الحيض بدواء (وفي القديم تتربص تسعة أشهر) ثم تعتد بثلاثة أشهر؛ ليعرف فراغ الرحم؛ إذ هي غالب مدة الحمل (وفي قول) قديم أيضاً (أربع سنين) ; لأنها أكثر مدة الحمل فتتيقن براءة الرحم (ثم) إن لم يظهر حمل (تعتد بالأشهر).
فَعَلَى الجَدِيدِ لَوْ حَاضَتْ بَعْدَ الْيَأْسِ فِي الْأَشْهُرِ وَجَبَتِ الْأَقْرَاءُ، أَوْ بَعْدَهَا فَأَقْوَالٌ أَظْهَرُهَا إنْ نَكَحَتْ فَلَا شَيْءَ وَإِلَّا فَالْأَقْرَاءُ، وَالمُعْتَبَرُ يَأْسُ عَشِيرَتِهَا، وَفِي قَوْلٍ: كُلُّ النِّسَاءِ، قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(فعلى الجديد لو حاضت بعد اليأس في الأشهر) الثلاثة (وجبت الأقراء) ; لأنها الأصل ولم يتم البدل، ويحسب ما مضى قرءا قطعا؛ لاحتواشه بدمين (أو) حاضت (بعدها) أي الأشهر الثلاثة (فأقوال أظهرها إن نكحت) زوجا آخر (فلا شيء) عليها; لأن عدتها انقضت ظاهرا ولا ريبة مع تعلق حق الزوج بها (وإلا) تكن نكحت (فالأقراء) تجب عليها; لأنه بان أنها غير آيسة وأنها ممن يحضن مع عدم تعلق حق بها.
[تنبيه] هذا التفصيل يجري في غيرها فإذا صار أعلى اليأس في حق امرأة سبعين
مثلا ثم بلغ ذلك غيرها ممن اعتددن بعد سن اليأس الذي هو اثنان وستون بالأشهر فإن كان ذلك قبل أن ينكحن أعدن العدة بالأشهر بعد السبعين وبان أن العدة الأولى وقعت في غير محلها
(1)
، أو بعد أن ينكحن صح نكاحهن ولم يحكم عليهن بالحكم الذي ثبت لذات الدم، والعبرة في بلوغ ذلك لهن بزمن انقطاع دم التي رأت حتى ينظر أن النكاح وقع قبله أم بعده، لا بزمن بلوغ الخبر، ويشترط في البلوغ ثبوت
(2)
أن المرئي حيض ببينة وأنه في زمن سنها فيه كذا وأنه انقطع لزمن كذا، نعم مَن صدقها يقبل قولها في حقه بالنسبة لما يتعلق بها دون زوجها ونحوه (والمعتبر) في اليأس على الجديد (يأس عشيرتها) أي نساء أقاربها من الأبوين الأقرب إليها فالأقرب؛ لتقاربهن طبعا وخلقا. ويعتبر أقلهن عادة، ومن لا قريبة لها تعتبر بما في قوله (وفي قول) يأس (كل النساء) في كل الأزمنة باعتبار ما يبلغنا خبره ويعرف (قلت: ذا القول أظهر والله أعلم) ; لأن مبنى العدة على الاحتياط وطلب اليقين وحدَّدوه باعتبار ما بلغهم باثنتين وستين سنة، وفيه أقوال أخر أقصاها خمس وثمانون وأدناها خمسون. وتفصيل طرو الحيض المذكور يجري نظيره في الأمة أيضا.
(1)
. وإنما فارق هذا الحيض؛ لأن الاستقراء وإن كان في كليهما ناقص إلا إنه هناك أتم كما أفاده الشارح في باب الحيض 1/ 386.
(2)
. بالبينة.
فصل
عِدَّةُ الحَامِلِ بِوَضْعِهِ بِشَرْطِ نِسْبَتِهِ إلَى ذِي الْعِدَّةِ وَلَوِ احْتِمَالًا كَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ، وَانْفِصَالِ كُلِّهِ حَتَّى ثَانِي تَوْأَمَيْنِ وَمَتَى تَخَلَّلَ دُونَ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَتَوْأَمَانِ، وَتَنْقَضِي بِمَيْتٍ، لَا عَلَقَةٍ، وَبِمُضْغَةٍ فِيهَا صُورَةُ آدَمِيٍّ خَفِيَّةٌ أَخْبَرَ بِهَا الْقَوَابِلُ،
[تنبيه] رأت بعد سن اليأس دما وأمكن كونه حيضا صار أعلى اليأس زمن انقطاعه الذي لا عود بعده، ويعتبر بعد ذلك بها غيرها
. ولا يقبل قول المرأة أنها بلغت سن اليأس إلا ببينة
(1)
.
(فصل) في عدة الحامل
(عدة الحامل) الحرة والأمة عن فراق حي أو ميت (بوضعه) أي الحمل؛ للآية (بشرط نسبته إلى ذي العدة) من زوج أو واطئ بشبهة (ولو احتمالا كـ) ـحمل (منفي بلعان) ; لأن نفيه عنه غير قطعي؛ لاحتمال كذبه، ومن ثم لو استلحقه لحقه. أما إذا لم يمكن كونه منه فلا تنقضي العدة به كصبي لم يبلغ تسع سنين وممسوح ذكره وأنثياه مطلقا أو ذكره فقط -ولم يمكن أن تستدخل منيه وإلا لحقه وإن لم يثبت الاستدخال- ومولود لدون ستة أشهر من العقد (و) بشرط (انفصال كله
(2)
فلا أثر لخروج بعضه (حتى ثاني توأمين) ; لأنهما حمل واحد كما مر (ومتى تخلل) لستة، أو (دون ستة أشهر فتوأمان) أو ستة ولحظة الوطء فلا بل هما حملان، وتلك اللحظة
(3)
للوضع أو الاستدخال عقب وضع الأول، (وتنقضي) العدة (بميت)؛ لإطلاق الآية (لا علقة) ; لأنها تسمى دما لا حملا، ولا يعلم كونها أصل آدمي (و) تنقضي (بمضغة فيها صورة آدمي خفية) على غير القوابل (أخبر بها) بطريق الجزم أهل الخبرة ومنهم (القوابل) ; لأنها حينئذ تسمى حملا، وعبروا بـ ((أخبر)) ; لأنه لا يشترط لفظ شهادة إلا إذا وجدت دعوى عند قاض أو مُحَكَّم، وتكفي باطنا إخبار قابلة فقط.
(1)
. خلافا للنهاية ووالده من تصديقها بلا بينة.
(2)
. ولا يثبت لمن انفصل بعضه حكم المنفصل كله إلا في ثلاث مسائل ذكرها الشارح في كتاب أمهات الأولاد 10/ 423.
(3)
. خلافا للمغني والأسنى فعندهما لا يحتاج لتقدير تلك اللحظة.
فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صُورَةٌ وَقُلْنَ: هِيَ أَصْلُ آدَمِيٍّ انْقَضَتْ عَلَى المَذْهَبِ، وَلَوْ ظَهَرَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ حَمْلٌ لِلزَّوْجِ اعْتَدَّتْ بِوَضْعِهِ، وَلَوِ ارْتَابَتْ فِيهَا لَمْ تَنْكِحْ حَتَّى تَزُولَ الرِّيبَةُ، أَوْ بَعْدَهَا وَبَعْدَ نِكَاحٍ اسْتَمَرَّ إلَّا أَنْ تَلِدَ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ عَقْدِهِ. أَوْ بَعْدَهَا قَبْلَ نِكَاحٍ فَلْتَصْبِرْ لِزَوَالِ الرِّيبَةِ،
(فإن لم تكن) فيها (صورة) خفية (و) لكن (قُلن) أي القوابل مثلا -لا مع تردد- (هي أصل آدمي) ولو بقيت تخلقت (انقضت) العدة بوضعها أيضا (على المذهب)؛ لتيقن براءة الرحم بها كالدم بل أولى.
[فرع] يحرم التسبب لإسقاط ما لم يصل لحد نفخ الروح فيه وهو مائة وعشرون يوما، ولا يشكل عليه جواز العزل
؛ لوضوح الفرق بينهما بأن المني حال نزوله محض جماد لم يتهيأ للحياة بوجه بخلافه بعد استقراره في الرحم وأخذه في مبادئ التخلق ويُعرف ذلك بالأمارات، وفي حديث مسلم ((أنه يكون بعد اثنتين وأربعين ليلة)) أي ابتداؤه كما مر في الرجعة، ويحرم استعمال ما يقطع الحبل من أصله. (ولو ظهر في عدة أقراء أو أشهر) أو بعدها (حمل للزوج اعتدت بوضعه) ; لأنه أقوى بدلالته على البراءة قطعا (ولو ارتابت) أي شكت في أنها حامل؛ لوجود نحو ثقل أو حركة (فيها) أي العدة بأقراء أو أشهر (لم تنكح) آخر بعد الأقراء أو الأشهر (حتى تزول الريبة) بأمارة قوية على عدم الحمل ويرجع فيها للقوابل، وذلك; لأن العدة قد لزمتها بيقين فلا تخرج عنها إلا بيقين فإن نكحت مرتابة فباطل ظاهرا، فإن بان عدم الحمل فالقياس الصحة
(1)
(أو) ارتابت (بعدها) أي العدة (وبعد نكاح) لآخر (استمر) النكاح؛ لوقوعه صحيحا ظاهرا فلا يبطل إلا بيقين (إلا أن تلد لدون ستة أشهر من) إمكان العلوق بعد (عقده) فلا يستمر؛ لتحقق المبطل حينئذ فيحكم ببطلانه وبأن الولد للأول إن أمكن كونه منه. أما إذا ولدت لستة أشهر فأكثر فالولد للثاني; لأن فراشه ناجز ونكاحه قد صح ظاهرا فلم ينظر لإمكانه من الأول؛ لئلا يبطل ما صح بمجرد الاحتمال، وكالنكاح الثاني فيما ذكر وطء الشبهة بعد العدة فيلحقه الولد إذا أمكن منه -وإن أمكن من الأول أيضا-؛ لانقطاع النكاح والعدة عنه ظاهرا (أو) ارتابت (بعدها قبل نكاح فلتصبر) ندبا وإلا كره (لزوال الريبة)؛ احتياطا.
(1)
. خلافا لهما.
فَإِنْ نَكَحَتْ فَالمَذْهَبُ عَدَمُ إبْطَالِهِ فِي الحَالِ، فَإِنْ عُلِمَ مُقْتَضِيه أَبْطَلْنَاهُ، وَلَوْ أَبَانَهَا فَوَلَدَتْ لِأَرْبَعِ سِنِينَ لَحِقَهُ، أَوْ لِأَكْثَرَ فَلَا. وَلَوْ طَلَّقَ رَجْعِيًّا حُسِبَتِ المُدَّةُ مِنَ الطَّلَاقِ، وَفِي قَوْلٍ مِنَ انْصِرَامِ الْعِدَّةِ. وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ الْعِدَّةِ فَوَلَدَتْ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَنْكِحْ، وَإِنْ كَانَ لِسِتَّةٍ فَالْوَلَدُ لِلثَّانِي
(فإن نكحت) ولم تصبر لذلك (فالمذهب عدم إبطاله) أي النكاح (في الحال) ; لأنَّا لم نتحقق المبطل (فإن علم مقتضيه) أي البطلان بأن ولدت لدون ستة أشهر مما مر (أبطلناه) أي حكمنا ببطلانه؛ لتبين فساده وإلا فلا. ولو راجعها وقت الريبة وقفت الرجعة فإن بان حمل صحت وإلا فلا (ولو أبانها) أي زوجته بخلع أو ثلاث ولم ينف الحمل (فولدت لأربع سنين) فأقل ولم تتزوج بغيره أو تزوجت بغيره ولم يمكن كون الولد من الثاني (لحقه) وبان وجوب سكناها ونفقتها -وإن أقرت بانقضاء العدة-؛ لقيام الإمكان إذ أكثر مدة الحمل أربع سنين بالاستقراء، وابتداء الأربع السنين من وقت إمكان الوطء قبل الفراق -بتنجيز أو تعليق- فإطلاقهم أنه من الطلاق محمول على ما إذا قارنه الوطء (أو) ولدت (لأكثر) من أربع سنين مما ذكر (فلا) يلحقه؛ لعدم الإمكان (ولو طلّق) ـها (رجعيا) فأتت بولد لأربع سنين لحقه وبان وجوب نفقتها وسكناها أو لأكثر فلا، و (حسبت المدة من الطلاق
(1)
إن قارنه الوطء وإلا فمن إمكان الوطء قبله. وحذف هذا من البائن لعلمه مما هنا بالأولى؛ لأنه إذا حسب من الطلاق مع أنها في حكم الزوجة فالبائن أولى، ومن ثم وقع خلاف في الرجعية فقط كما قال:(وفي قول) ابتداؤها (من انصرام العدة) ; لأنها كالمنكوحة (ولو نكحت بعد العدة) آخر أو وطئت بشبهة (فولدت لدون ستة أشهر) من إمكان العلوق بعد العقد، أو من وطء الشبهة (فكأنها لم تنكح) ولم توطأ ويكون الولد للأول إن كان لأربع سنين فأقل من طلاقه أو إمكان وطئه قبله نظير ما مر؛ لانحصار الإمكان فيه (وإن كان) وضع الولد (لستة) من الأشهر مما ذكر (فالولد للثاني) لقيام فراشه وإن أمكن كونه من الأول.
(1)
. ولو اختلفا أن الطلاق قبل الوطء أو بعده وأتت بولد يلحقه صدقت 7/ 353.
وَلَوْ نَكَحَتْ فِي الْعِدَّةِ فَاسِدًا فَوَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنَ الْأَوَّلِ لَحِقَهُ وَانْقَضَتْ عِدَّتُهَا بِوَضْعِهِ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلثَّانِي، أَوْ لِلإمْكَانِ مِنَ الثَّانِي لَحِقَهُ، أَوْ مِنْهُمَا عُرِضَ عَلَى قَائِفٍ، فَإِنْ الحَقَهُ بِأَحَدِهِمَا فَكَالْإِمْكَانِ مِنْهُ فَقَطْ
(ولو نكحت) آخر (في العدة) نكاحا (فاسدا
(1)
وهو جاهل بالعدة أو بالتحريم وعذر لنحو بعده عن العلماء -وإلا فهو زان لا نظر إليه مطلقا- وكالنكاح الفاسد في تفصيله الآتي وطء الشبهة (فولدت للإمكان من الأول) وحده بأن ولدته لأربع سنين فأقل مما مر ولدون ستة أشهر من وطء الثاني (لحقه وانقضت عدتها بوضعه، ثم تعتد) ثانيا (للثاني) ; لأن وطأه شبهة (أو) ولدت (للإمكان من الثاني) وحده بأن ولدته لأكثر من أربع سنين من إمكان العلوق قبل فراق الأول ولستة أشهر فأكثر من وطء الثاني (لحقه)، نعم إذا كان طلاقه رجعيا عُرض على القائف
(2)
كما في قوله (أو) أتت به للإمكان (منهما) بأن كان لأربع سنين من الأول ولستة أشهر فأكثر من الثاني (عُرض على قائف فإن ألحقه بأحدهما فكالإمكان منه فقط) وقد علم حكمه أو بهما أو توقف أو فقد كأن كان بمسافة القصر انتظر بلوغ الولد وانتسابه بنفسه، أما إذا لم يمكن من واحد منهما كأن كان لدون ستة من وطء الثاني وفوق أربع من نحو طلاق الأول فهو منفي عنهما. وخرج بفاسدا نكاح الكفار إذا اعتقدوا صحته فإذا أمكن منهما فهو للثاني بلا قائف.
(1)
. قد يحترز بذلك عن أنكحة الكفار فإنهم إذا اعتقدوا ذلك صحيحا كان محكوما بصحته كما في حاشية عبدالحميد.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية فاعتمد اللحوق مطلقا.
لَزِمَهَا عِدَّتَا شَخْصٍ مِنْ جِنْسٍ بِأَنْ طَلَّقَ ثُمَّ وَطِئَ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ جَاهِلًا أَوْ عَالِمًا فِي رَجْعِيَّةٍ تَدَاخَلَتَا فَتَبْتَدِئُ عِدَّةً مِنَ الْوَطْءِ وَيَدْخُلُ فِيهَا بَقِيَّةُ عِدَّةِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا حَمْلًا وَالْأُخْرَى أَقْرَاءً تَدَاخَلَتَا فِي الْأَصَحِّ، فَيَنْقَضِيَانِ بِوَضْعِهِ، وَيُرَاجِعُ قَبْلَهُ، وَقِيلَ إنْ كَانَ الحَمْلُ مِنَ الْوَطْءِ فَلَا، أَوْ لِشَخْصَيْنِ بِأَنْ كَانَتْ فِي عِدَّةِ زَوْجٍ، أَوْ شُبْهَةٍ فَوُطِئَتْ بِشُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ كَانَتْ زَوْجَةً مُعْتَدَّةً عَنْ شُبْهَةٍ فَطُلِّقَتْ فَلَا تَدَاخُلَ
(فصل) في تداخل العدتين
(1)
إذا (لزمها عدَّتا شخص) واحد (من جنس) واحد (بأن) بمعنى كأن (طلق ثم وطئ) رجعية أو بائنا (في عدة) غير حمل من (أقراء أو أشهر) ولم تحبل من وطئه (جاهلا) بأنها المطلقة أو بتحريم وطء المعتدة وعذر لنحو بعده عن العلماء (أو عالما) بذلك (في رجعية) -لا بائن; لأنه زان- (تداخلتا) أي عدتا الطلاق والوطء (فتبتدئ عدة) بأقراء أو أشهر (مِن) فراغ (الوطء ويدخل فيها بقية عدة الطلاق) وهذه البقية واقعة عن الجهتين فله الرجعة في الرجعي في تلك البقية دون ما بعدها (فإن) كانتا من جنسين كأن (كانت إحداهما حملا والأخرى أقراء) كأن حبلت من وطئه في العدة بالأقراء أو طلقها حاملا ثم وطئها قبل الوضع وهي ممن تحيض حاملا
(2)
(تداخلتا في الأصح) أي دخلت الأقراء في الحمل وإن لم تتم الأقراء قبل الوضع; لاتحاد صاحبهما مع أن العلم باشتغال الرحم منع الاعتداد بالأقراء؛ لانتفاء فائدتها من كونها مظنة للدلالة على البراءة (فينقضيان بوضعه) ويكون واقعا عنهما، (و) من ثم جاز له أنه (يراجع قبله) في الرجعي -وإن كان الحمل من الوطء الذي في العدة- لا بعده مطلقا في الرجعي وغيره (وقيل إن كان الحمل من الوطء فلا) يراجع؛ لوقوعه عنه فقط، ويرده ما تقرر (أو) لزمها عدتان (لشخصين بأن) أي كأن (كانت في عدة زوج أو) وطء (شبهة فوطئت) من آخر (بشبهة أو نكاح فاسد، أو كانت زوجة معتدة عن شبهة فطلقت فلا تداخل)؛ لتعدد المستحق، بل تعتد
(1)
. ولو شكت هل عليها عدة طلاق أو وفاة لزمها الأكثر كما ذكره الشارح في باب الغسل 1/ 264.
(2)
. قالا إنه ليس قيدا.
فَإِنْ كَانَ حَمْلٌ قُدِّمَتْ عِدَّتَهُ، وَإِلَّا فَإِنْ سَبَقَ الطَّلَاقُ أَتَمَّتْ عِدَّتَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَتِ الْأُخْرَى، وَلَهُ الرَّجْعَةُ فِي عِدَّتِهِ فَإِذَا رَاجَعَ انْقَضَتْ وَشَرَعَتْ فِي عِدَّةِ الشُّبْهَةِ، وَلَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا حَتَّى تَقْضِيَهَا، وَإِنْ سَبَقَتِ الشُّبْهَةُ قُدِّمَتْ عِدَّةُ الطَّلَاقِ وَقِيلَ الشُّبْهَةِ.
لكل منهما عدة كاملة كما جاء عن علي وغيره ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، نعم إن كانا حربيين فأسلمت مع الثاني أو أُمِّنا فترافعا إلينا لغت بقية عدة الأول
(1)
وتكفيها واحدة من حين وطء الثاني؛ لضعف حق الحربي (فإن كان) أي وجد (حمل) من أحدهما (قدمت عدته) وإن تأخر; لأنها لا تقبل التأخير، ففيما إذا كان الحمل من المطلق ثم وطئت بشبهة تنقضي عدة الطلاق بوضعه ثم بعد مضي زمن النفاس تعتد بالأقراء؛ للشبهة، وله الرجعة قبل الوضع، لا وقت وطء الشبهة -بعقد أو غيره- أي لا رجعة في حال بقاء فراش واطئها بشبهة بأن لم يفرق بينهما وكذا فيما يأتي، وذلك; لأنها خرجت بصيرورتها فراشا للواطئ عن عدة المطلق، وسيعلم مما يأتي أن نية الواطئ بشبهةٍ عدمَ العود إليها كالتفريق.
أما إن كان الحمل من غير المطلق بأن كان من وطء الشبهة فتنقضي عدة الشبهة بوضعه ثم تعتد أو تكمل للطلاق، وله الرجعة قبل وضع وبعده إلى انقضاء عدته لا تجديد قبل وضع، نعم له التجديد بعد الوضع في زمن النفاس مع أنه من غير عدته؛ لأن المحذور كونها في عدة الغير وقد انتفى ذلك (وإلا) يكن حمل (فإن سبق الطلاق) وطء الشبهة (أتمت عدته) لسبقها (ثم) عقب عدة الطلاق (استأنفت) العدة (الأخرى) التي للشبهة (وله) استئناف غير مقيد بما قبله من عدم حمل وسبق طلاق (الرجعة في عدته) لا وقت وطء الشبهة نظير ما مر (فإذا راجع) وثَم حمل أوْ لا (انقطعت) عدة الطلاق (وشرعت) عقب الرجعة حيث لا حمل منه وإلا فعقب زمن النفاس، وله التمتع بها قبل شروعها (في عدة الشبهة) بأن تستأنفها إن سبقها الطلاق وتتمها إن سبقته (ولا يستمتع بها) أي الموطوءة بشبهة مطلقا ما دامت في عدة الشبهة حملا كانت أو غيره (حتى تقضيها) بوضع أو غيره لاختلال النكاح بتعلق حق الغير بها فيحرم عليه نظرها ولو بلا شهوة والخلوة بها، (وإن سبقت الشبهة) الطلاق (قدمت عدة الطلاق) ; لأنها أقوى باستنادها لعقد جائز (وقيل) تقدم عدة (الشبهة)؛ لسبقها، ولو وطئت
(1)
. أي وللثاني أن ينكحها فيها؛ لأنها في عدته دون الأول، فإن حبلت من الأول لم يكفها عدة واحدة .. الخ كما في حاشية عبدالحميد.
فصل
عَاشَرَهَا كَزَوْجٍ بِلَا وَطْءٍ فِي عِدَّةِ أَقْرَاءٍ أَوْ أَشْهُرٍ فَأَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا إنْ كَانَتْ بَائِنًا انْقَضَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَلَا رَجْعَةَ بَعْدَ الْأَقْرَاءِ وَالْأَشْهُرِ قُلْتُ: وَيَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ إلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَلَوْ عَاشَرَهَا أَجْنَبِيٌّ انْقَضَتْ، وَاَلله أَعْلَمُ
بنكاح فاسد ووطئت أيضاً بشبهة أخرى ولا حمل فإن كان وطء الشبهة سابقا على النكاح الفاسد قدمت عدته، وإن كان التفريق بينها بالنسبة للنكاح الفاسد سابقا على وطء الشبهة قدمت عدته فالسابق من التفريق والوطء عدته هي المقدمة.
(فصل) في حكم معاشرة المفارق للمعتدة
(عاشرها) أي المفارقة بطلاق أو فسخ معاشرة (كـ) معاشرة (زوج) لزوجته بأن كان يختلي بها ويتمكن منها ولو في بعض الزمن (بلا وطء) أو معه، والتقييد بعدمه إنما هو لجريان الأوجه الآتية (في عدة) غير حمل من (أقراء أو أشهر فأوجه) ثلاثة أولها تنقضي مطلقا، ثانيها لا مطلقا، ثالثها وهو (أصحها إن كانت بائنا انقضت) عدتها مع ذلك؛ إذ لا شبهة لفراشه، ومن ثم لو وجدت بأن جهل ذلك وعذر لم تنقض كالرجعية في قوله (وإلا) تكن بائنا (فلا) تنقضي لكن إذا زالت المعاشرة بأن نوى أنه لا يعود إليها -فما دام ناويها فهي باقية- كمَّلت على ما مضى، وذلك؛ لشبهة الفراش كما لو نكحها جاهلا في العدة لا يحسب زمن استفراشه عنها بل تنقطع من حين الخلوة
(1)
ولا يبطل بها ما مضى، فتبني عليه إذا زالت ولا تحسب الأوقات المتخللة بين الخلوات (و) في هذه (لا رجعة) له عليها (بعد) مضي (الأقراء أو الأشهر) وإن لم تنقض عدتها (قلت: ويلحقها الطلاق إلى انقضاء العدة)؛ احتياطا فيهما وتغليظا عليه؛ لتقصيره، ويبقى التوارث أيضا
(2)
لكن لا مؤنة لها (ولو عاشرها أجنبي) فيها بغير شبهة ولا وطء كمعاشرة الزوج (انقضت) العدة (والله أعلم)؛ لعدم الشبهة. أما إذا عاشرها بشبهة كأن كان سيدها فهو كمعاشرة الرجعية، وأما إذا عاشرها بوطء فإن كان زنا لم يؤثر أو بشبهة فهو كما في قوله الآتي ولو نكح معتدة إلى آخره. وخرج بأقراء أو أشهر عدة
(1)
. قضية كلام المغني وشرح المنهج أنها من حين الوطء.
(2)
. خلافا للنهاية ووالده.
وَلَوْ نَكَحَ مُعْتَدَّةً بِظَنِّ الصِّحَّةِ وَوَطِئَ انْقَطَعَتْ مِنْ حِينِ وَطِئَ، وَفِي قَوْلٍ أَوْ وَجْهٍ مِنْ الْعَقْدِ. وَلَوْ رَاجَعَ حَائِلًا ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، وَفِي الْقَدِيمِ تَبْنِي إنْ لَمْ يَطَأْ، أَوْ حَامِلًا فَبِالْوَضْعِ فَلَوْ وَضَعَتْ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يَطَأْ بَعْدَ الْوَضْعِ فَلَا عِدَّةَ. وَلَوْ خَالَعَ مَوْطُوءَةً ثُمَّ نَكَحَهَا ثُمَّ وَطِئَ ثُمَّ طَلَّقَ اسْتَأْنَفَتْ وَدَخَلَ فِيهَا الْبَقِيَّةَ
الحمل فتنقضي بوضعه مطلقا؛ لتعذر قطعها (ولو نكح معتدة) لغيره (بظن الصحة ووطئ انقطعت) عدتها (من حين وطئ)؛ لحصول الفراش بوطئه بخلاف ما إذا لم يطأ فلا تنقطع وإن عاشرها؛ لانتفاء الفراش إذ مجرد العقد الفاسد لا حرمة له (وفي قول أو وجه) وهو الأثبت (من) حين (العقد)؛ لإعراضها به عن الزوج الأول (ولو راجع حائلا ثم طلق) ـها (استأنفت) العدة وإن لم يطأها بعد الرجعة؛ لعودها بها للنكاح الذي وطئت فيه (وفي القديم تبني إن لم يطأ) ها بعد الرجعة. وخرج بـ ((راجع ثم طلق)) طلاقه الرجعية في عدتها فإنها تبني على العدة الأولى (أو) راجع (حاملا)، ثم طلقها (فبالوضع) تنقضي عدتها وإن وطئ بعد الرجعة؛ لإطلاق الآية (فلو وضعت) بعد الرجعة (ثم طلق) ـها (استأنفت) عدة وإن لم يطأ بعد الرجعة؛ لما مر أنها بها عادت لما وطئت فيه (وقيل إن لم يطأ) ـها (بعد الوضع) ولا قبله (فلا عدة، ولو خالع موطوءة ثم نكحها) في العدة (ثم وطئـ) ها (ثم طلق استأنفت) عدة لأجل الوطء (ودخل فيها البقية) من العدة الأولى لو فرض بقية شيء منها وإلا فهي قد ارتفعت من أصلها بالنكاح والوطء بعده، ومن ثم لو لم يوجد وطء بَنَت على ما سبق من الأولى وأكملتها، ولا عدة لهذا الطلاق; لأنه قبل الوطء.
فصل
عِدَّةُ حُرَّةٍ حَائِلٍ لِوَفَاةٍ وَإِنْ لَمْ تُوطَأْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشَرَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا، وَأَمَةٍ نِصْفُهَا وَإِنْ مَاتَ عَنْ رَجْعِيَّةٍ انْتَقَلَتْ إلَى وَفَاةٍ أَوْ بَائِنٍ فَلَا، وَحَامِلٍ بِوَضْعِهِ بِشَرْطِهِ السَّابِقِ، فَلَوْ مَاتَ صَبِيٌّ عَنْ حَامِلٍ فَبِالْأَشْهُرِ، وَكَذَا مَمْسُوحٌ إذْ لَا يَلْحَقُهُ عَلَى المَذْهَبِ،
(فصل) في عدة الوفاة وفي المفقود، وفي الإحداد
(عدة حرة حائل) أو حامل بحمل لا يلحق ذا العدة (لوفاة) لزوج (وإن لم توطأ) لصغر أو غيره وإن كانت ذات أقراء (أربعة أشهر وعشرة أيام بلياليها)؛ للكتاب والسنة. وتعتبر الأربعة بالأهلة ما لم يمت أثناء شهر وقد بقي منه أكثر من عشرة أيام فحينئذ ثلاثة بالأهلة وتكمل من الرابع ما يكمل أربعين يوما. ولو جَهِلت الأهلة حسبتها كاملة (و) عدة (أمة) حائل أو حامل بمن لا يلحقه أي من فيها رق قلَّ أو كثر بأي صفة كانت (نصفها) وهو شهران هلاليان بقيده السابق
(1)
وخمسة أيام بلياليها على النصف نظير ما مر في الثلاثة الأشهر
(2)
(وإن مات عن رجعية انتقلت إلى) عدة (وفاة) وسقطت بقية عدة الطلاق فتُحِدُّ وتسقط نفقتها (أو) عن (بائن) كمفسوخ نكاحها كأن اشترى زوجته ثم مات عقب الشراء (فلا) تنتقل بل تكمل عدة الطلاق أو الفسخ; لأنها ليست زوجة فلا تُحِد ولها النفقة إن كانت حاملا.
[فرع] علق الطلاق بموته ومات لم يقع الطلاق كما مرّ فتعتد عدة الوفاة وترث
(3)
(و) عدة (حامل بوضعه)؛ للآية (بشرطه السابق) وهو انفصال كله وإمكان نسبته للميت ولو احتمالا
(4)
(فلو مات صبي) لا يمكن إنزاله (عن حامل فبالأشهر) عدتها للقطع بانتفاء الحمل عنه (وكذا ممسوح) ذكره وأنثياه مات عن حامل فعدتها بالأشهر لا بالحمل (إذ لا يلحقه) الولدُ (على المذهب)؛ لتعذر
(1)
. وهو قوله: ((ما لم يمت أثناء شهر))
…
الخ.
(2)
. ورد الشارح ما بحثه الزركشي واعتمده النهاية من أنه لو ظن أنها زوجته الحرة لزمها أربعة أشهر وعشرا.
(3)
. خلافا لهما فاعتمد أنها تعتد عدة وفاه وإن أوقعنا الطلاق قبيل الموت، ولا ترث.
(4)
. خلافا للمغني.
وَيَلْحَقُ مَجْبُوبًا بَقِيَ أُنْثَيَاهُ فَتَعْتَدُّ بِهِ، وَكَذَا مَسْلُولٌ بَقِيَ ذَكَرُهُ بِهِ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ طَلَّقَ إحْدَى امْرَأَتَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَ بَيَانٍ أَوْ تَعْيِينٍ فَإِنْ كَانَ لَمْ يَطَأْ اعْتَدَّتَا لِوَفَاةٍ، وَكَذَا إنْ وَطِئَ وَهُمَا ذَوَاتَا أَشْهُرٍ أَوْ أَقْرَاءٍ وَالطَّلَاقُ رَجْعِيٌّ، فَإِنْ كَانَ بَائِنًا اعْتَدَّتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ بِالْأَكْثَرِ مِنْ عِدَّةِ وَفَاةٍ وَثَلَاثَةٍ مِنْ أَقْرَائِهَا، وَعِدَّةُ الْوَفَاةِ مِنَ المَوْتِ، وَالْأَقْرَاءِ مِنَ الطَّلَاقِ، وَمَنْ غَابَ وَانْقَطَعَ خَبَرُهُ لَيْسَ لِزَوْجَتِهِ نِكَاحٌ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ أَوْ طَلَاقُهُ،
إنزاله بفقد أنثييه، ولأنه لم يعهد لمثله ولادة (ويلحق) الولد (مجبوبا بقي أنثياه) وقد أمكن استدخالها لمنيه وإن لم يثبت كما مر؛ لبقاء أوعية المني (فتعتدُّ) زوجته (به) أي بوضعه لوفاته (وكذا مسلول) خصيتاه (بقي ذكره) فيلحقه الولد وتعتد زوجته (به) أي بوضعه (على المذهب) ; لأنه قد يبالغ في الإيلاج فينزل ماء رقيقا (ولو طلَّق إحدى امرأتيه) كإحداكما طالق ونوى معينة منهما أو لم ينو شيئا (ومات قبل بيان) للمعينة (أو تعيين) للمبهمة (فإن كان لم يطأ) واحدة منهما أو وطئ واحدة فقط وهي ذات أشهر مطلقا أو ذات أقراء في طلاق رجعي كما يعلم مما سيذكره (اعتدتا لوفاة)؛ احتياطا إذ كل منهما يحتمل أنها فورقت بطلاق فلا يجب شيء على غير الموطوءة أو موت فتجب عدته (وكذا إن وطئ) كلا منهما (وهما ذواتا أشهر) والطلاق بائن أو رجعي (أو) ذواتا (أقراء والطلاق رجعي) فتعتد كلٌّ عدة الوفاة وإن احتمل خلافها; لأنها الأحوط هنا أيضا على أن الرجعية تنتقل لعدة الوفاة كما مر، (فإن كان) الطلاق في ذواتي الأقراء (بائنا) وقد وطئهما أو إحداهما (اعتدت كل واحدة) منهما في الأولى والموطوءة منهما في الثانية (بالأكثر من عدة وفاة وثلاثة من أقرائها)؛ احتياطا، وتعتد غير الموطوءة في الثانية لوفاة. (وعدة الوفاة) ابتداؤها (من) حين (الموت والأقراء) ابتداؤها (من) حين (الطلاق) فلو مضى قبل الموت قرءان مثلا اعتدت بالأكثر من القرء الباقي وعدة الوفاة (ومن غاب) بسفر أو غيره (وانقطع خبره ليس لزوجته نكاح حتى يُتَيَقَّن) أي يُظَنُّ
(1)
بحجة كاستفاضة وحكم بموته (موته أو طلاقه) أو نحوهما كردته قبل الوطء أو بعده بشرطه
(2)
، ثم تعتد; لأن الأصل بقاء الحياة والنكاح، مع ثبوته بيقين فلم يزل إلا به أو بما ألحق به، نعم لو أخبرها عدل -ولو عدل رواية- بأحدهما حلَّ لها باطنا أن تنكح غيره ولا تُقَرُّ عليه ظاهرا،
(1)
. وأفاد المغني أن المراد بالتيقن الطرف الراجح مطلقا.
(2)
. وهو إصراره على الردة إلى انقضاء العدة.
وَفِي الْقَدِيمِ تَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ لِوَفَاةٍ وَتَنْكِحُ، فَلَوْ حَكَمَ بِالْقَدِيمِ قَاضٍ نُقِضَ عَلَى الجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ نَكَحَتْ بَعْدَ التَّرَبُّصِ وَالْعِدَّةِ فَبَانَ مَيْتًا صَحَّ عَلَى الجَدِيدِ فِي الْأَصَحِّ. وَيَجِبُ الْإِحْدَادُ عَلَى مُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ، لَا رَجْعِيَّةٍ، وَيُسْتَحَبُّ لِبَائِنٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجِبُ،
ويقاس بذلك فقد الزوجة
(1)
بالنسبة لنحو أختها أو خامسة إذا لم يرد طلاقها (وفي القديم تتربص أربع سنين) قيل من حين فقده والأصح من حين ضرب القاضي فلا يعتد بما مضى قبله (ثم تعتد لوفاة وتنكح) بعدها; لأنها أكثر مدة الحمل، (فلو حكم بالقديم قاض نقض) حكمه (على الجديد في الأصح)؛ لمخالفته القياس الجلي; لأنه جعله ميتا في النكاح دون قسمة المال الذي هو دون النكاح في طلب الاحتياط، ووجه عدم النقض الآتي في القضاء عندي أظهر، وعليه فالأصح نفوذ القضاء به باطنا وظاهرا، أما على القول بالنقض فلا ينفذ مطلقا (ولو نكحت بعد التربص والعدة) تصوير؛ إذ المدار في الصحة على نكاحها بعد العدة (فبان) الزوج (ميتا) قبل نكاحها بقدر العدة (صحَّ) النكاح (على الجديد) أيضا (في الأصح)؛ اعتبارا بما في نفس الأمر كما مر. أما إذا بان حيا فهي له وإن تزوجت بغيره وحكم به حاكم لكن لا يتمتع بها حتى تعتد للثاني; لأن وطأه بشبهة.
(ويجب الإحداد على معتدة وفاة) بأي وصف كانت؛ للخبر المتفق عليه ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا))، أي فإنه يحل لها الإحداد عليه هذه المدة أي يجب; لأن ما جاز بعد امتناعه وجب، وذكر الإيمان في الحديث للغالب فيلزم المستأمنة أيضا، ويلزم الولي أمر موليته به. وعَدَلَ عن قول غيره ((المتوفى عنها)) ليخرج حاملا من شبهة حالة الموت فلا يلزمها إحداد حالة الحمل الواقع عن الشبهة بل بعد وضعه، ولو أحبلها بشبهة ثم تزوجها ثم مات اعتدت بالوضع عنهما، و (لا) إحداد على (رجعية)؛ لبقاء معظم أحكام النكاح لها وعليها، بل الأولى أن تتزين بما يدعوه لرجعتها إن رجت عوده بالتزين ولم يتوهم أنه لفرحها بطلاقه وإلا فالسنة لها الإحداد (ويستحب) الإحداد (لبائن) بخلع أو ثلاث أو فسخ؛ لئلا يفضي تزينها لفسادها (وفي قول يجب) عليها كالمتوفى عنها
(1)
. عبارة الشارح في التحليل: ((ولو غاب بزوجته ثم رجع وزعم موتها حل لأختها نكاحه بخلاف ما لو غابت زوجته وأختها فرجعت وزعمت موتها))، 7/ 313.
وَهُوَ تَرْكُ لُبْسِ مَصْبُوغٍ لِزِينَةٍ وَإِنْ خَشُنَ، وَقِيلَ يَحِلُّ مَا صُبِغَ غَزْلُهُ ثُمَّ نُسِجَ، وَيُبَاحُ غَيْرُ مَصْبُوغٍ مِنْ قُطْنٍ وَصُوفٍ وَكَتَّانٍ، وَكَذَا إبْرَيْسَمٌ فِي الْأَصَحِّ، وَمَصْبُوغٌ لَا يُقْصَدُ لِزِينَةٍ، وَيَحْرُمُ حَلْيُ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ، وَكَذَا لُؤْلُؤٌ فِي الْأَصَحِّ، وَطِيبٌ فِي بَدَنٍ وَثَوْبٍ وَطَعَامٍ وَكُحْلٍ،
(وهو ترك لبس مصبوغ) بما يقصد (لزينة وإن خشن)؛ للنهي الصحيح عنه كالاكتحال والتطيب والاختضاب والتحلي (وقيل يحل) لبس (ما صبغ غزله ثم نسج) للإذن في ثوب العَصْب
(1)
(ويباح غير مصبوغ) لم يحدث فيه زينة كنقش (من قطن وصوف وكتان) على اختلاف ألوانها الخلقية وإن نعمت (وكذا إبريسم) -لم يصبغ ولم يحدث فيه ذلك- أي حرير (في الأصح) وإن صقل وبرق؛ لأنه لا يقصد للزينة غالبا (و) يباح (مصبوغ لا يقصد لزينة) أصلا بل لنحو احتمال وسخ أو مصيبة كأسود وما يقرب منه كالمشبع من الأخضر وكحلي وما يقرب منه كالمشبع من الأزرق. أما مصبوغ تردد بين الزينة وغيرها كالأخضر والأزرق فإن كان براقا صافي اللون حَرُم وإلا فلا (ويحرم) طراز مركب على الثوب لا منسوج معه إلا إن كثر أي بأن عُدَّ الثوب بسببه ثوب زينة، و (حلي ذهب وفضة) ولو نحو خاتم وقرط؛ للنهي عنه، ومنه مُمَوَّه بأحدهما أو مشبهه إن ستره بحيث لا يعرف إلا بتأمل، وكذا نحو نحاس وودع
(2)
وعاج وذبل
(3)
إن كانت من قوم يتحلون به، نعم يحل لبسه ليلا فقط مع الكراهة إلا لحاجة كإحرازه. وفارق حرمة اللبس والتطيب ليلا بأنهما يحركان الشهوة غالبا ولا كذلك الحلي، (وكذا) يحرم (لؤلؤ) ونحوه من الجواهر التي يتحلى بها، ومنها العقيق (في الأصح)؛ لظهور الزينة فيها (و) يحرم لغير حاجة كما يأتي (طيب) ابتداء واستدامة
(4)
، فإذا طرأت العدة عليه لزمها إزالته؛ للنهي عنه (في بدن)، نعم رخَّص صلى الله عليه وسلم لها أن تتبع لنحو حيض قليل قسط أو أظفار -نوعين من البخور-؛ للحاجة، ومثلها في ذلك المُحْرِمة
(5)
(وثوب وطعام و) في (كحل) والضابط أن كل ما حرم
(1)
. وهو نوع من البرود يصبغ ثم ينسج.
(2)
. هو خَرز بِيضٌ تخرج من البحر بيضاء تُعلَّق لدفع العين.
(3)
. شيء كالعاج.
(4)
. نعم يجوز تطييبها إذا ماتت كما يجوز تكفينها في ثياب الزينة كما مر في الجنائز 3/ 112.
(5)
. فيجوز للمحرمة أن تتبع حيضها أو نفاسها شيئا منهما خلافا للنهاية.
وَاكْتِحَالٌ بِإِثْمِدٍ إلَّا لِحَاجَةٍ كَرَمَدٍ، وَإِسْفِيذَاجٌ وَدُِمَامٌ، وَخِضَابُ حِنَّاءٍ، وَنَحْوِهِ، وَيَحِلُّ تَجْمِيلُ فِرَاشٍ وَأَثَاثٍ، وَتَنْظِيفٌ بِغَسْلِ نَحْوِ رَأْسٍ وَقَلْمٍ وَإِزَالَةِ وَسَخٍ، قُلْتُ: وَيَحِلُّ امْتِشَاطٌ وَحَمَّامٌ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيْهِ خُرُوجٌ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ تَرَكَتِ الْإِحْدَادَ عَصَتْ وَانْقَضَتِ الْعِدَّةُ كَمَا لَوْ فَارَقَتِ المَسْكَنَ،
على المحرم من الطيب والدهن لنحو الرأس واللحية حرم هنا لكن لا فدية؛ لعدم النص وكل ما حل له ثَمَّ حرم هنا (و) يحرم (اكتحال بإثمد) -ولو غير مطيب وإن كانت المرأة سوداء؛ للنهي عنه- وهو الأسود، ومثله نصا الأصفر وهو الصَِّبْر -ولو على بيضاء- لا الأبيض؛ إذ لا زينة فيه (إلا لحاجة كرمد) فتجعله ليلا وتمسحه نهارا إلا إن أضرها مسحه; لأنه صلى الله عليه وسلم ((رأى صبرا بعيني أم سلمة وهي محدة على أبي سلمة، فزجرها، فأجابت بأنه لا طيب فيه فأجابها بأنه يزيد حسن الوجه، ثم قال فلا تجعليه إلا ليلا وامسحيه نهارا))، نعم لو احتاجت للدهن أو الطيب جاز أيضا، ويظهر ضبط الحاجة هنا وفي الكحل -سواء ما في الليل والنهار- بخشية مبيح تيمم، وحيث زالت وجب مسحه أو غسله فورا كالمُحْرِم (و) يحرم (اسفيذاج) وهو من رصاص يحسن به الوجه (ودُِمام) وهو الحمرة التي يورَّد بها الخد (و) تسويد أو تصغير الحاجب وتطريف الأصابع، و (خضاب حناء) لما يظهر في المهنة غالبا كيد (ونحوه) كورس، وتجعيد صدغ، وتصفيف طرة
(1)
; لأن ذلك كله للزينة.
[تنبيه] ما نصوا على أنه زينة لو اطردَّ في محل أنه ليس زينة لم يعتبر
؛ لأنه لا عبرة بعرف حادث ولا خاص مع عرف أصلي أو عام (ويحل تجميل فراش وأثاث) وهو متاع البيت بأن تزين بيتها بأنواع الملابس والأواني ونحوهما; لأن الإحداد خاص بالبدن، ومن ثم حل لها الجلوس على الحرير لا الالتحاف به; لأنه كاللبس (و) يحل (تنظيف بغسل نحو رأس وقَلْم) لأظفار وإزالة شعر نحو عانة (وإزالة وسخ) بسِدْر أو نحوه; لأن ذلك ليس من الزينة المرادة هنا وهي التي تدعو للوطء فلا ينافي عدَّهم له في الجمعة من الزينة، (قلت: ويحل امتشاط) من غير ترجيل ولا دهن (وحمام إن لم يكن فيه خروج محرم)؛ لعدم الزينة. (ولو تركت الإحداد) الواجب كل المدة أو بعضها (عصت) الكاملة العالمة بوجوبه وولي غيرها (وانقضت العدة كما لو فارقت المسكن) اللازم لها ملازمته فإنها أو وليها تعصي وتنقضي العدة بمضي
(1)
. الطرة هي الناصية، تاج العروس.
وَلَوْ بَلَغَتْهَا الْوَفَاةُ بَعْدَ المُدَّةِ كَانَتْ مُنْقَضِيَةً، وَلَهَا إحْدَادٌ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَتَحْرُمُ الزِّيَادَةُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
فصل
تَجِبُ سُكْنَى لِمُعْتَدَّةِ طَلَاقٍ وَلَوْ بَائِنٍ، إلَّا نَاشِزَةً، وَلِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَفَسْخٍ عَلَى المَذْهَبِ، ..
المدة (ولو بلغتها الوفاة) أو الطلاق (بعد المدة) أي مدة العدة (كانت منقضية) بمضي مدتها، (ولها) أي المرأة المزوجة وغيرها (إحداد على غير زوج) من قريب وسيد، وكذا أجنبي
(1)
حيث لا ريبة. ولو منعها زوج مما ينقص به تمتعه حرُم عليها فعله (ثلاثة أيام) فأقلَّ (وتحرم الزيادة) عليها إن قصدت بها الإحداد (والله أعلم)؛ لمفهوم الخبر السابق.
(فصل) في سكنى المعتدة
(تجب سكنى لمعتدة طلاق ولو) هي (بائن) بخلع أو ثلاث إلى انقضاء عدتها ولو حائلا، بأي صفة كانت وإن تراضيا على عدمها؛ للآية (إلا ناشزة) حال الفراق أو أثناء العدة فلا سكنى لها حتى تعود للطاعة كصلب النكاح، وفي مدة النشوز يرجع عليها مؤجر المسكن بأجرته، فلو كان ملك الزوج رجع هو عليها بذلك، ومثلها كل من لا نفقة لها حالة النكاح كصغيرة لا تحتمل وطئا، ويتصور وجوب العدة عليها باستدخال الماء، وأمة لا نفقة لها، نعم للزوج أو وارثه إجبار من لا نفقة لها على ملازمة المسكن، ولا يُمكَّن من ذلك في الأمة إلا بعد فراغ خدمتها (و) تجب أيضا (لمعتدة وفاة) حيث وجدت تركة فتقدم على الديون المرسلة في الذمة (في الأظهر)؛ للخبر الصحيح به، وإنما لم تجب نفقتها كالبائن غير الحامل; لأنها للسلطنة وقد فاتت والسكنى؛ لصون مائه وهو موجود. ويجب للسلطان حيث لا تركة ولا متبرع إسكانها من بيت المال. ولو غاب المطلق ولا مسكن له اكترى الحاكم مسكنا من ماله إن كان له مال وإلا اقترض أو أذن لها أن تقترض عليه أو تكتري من مالها، وحينئذ ترجع فإن فعلته بلا إذن لم ترجع إلا إن عجزت عن استئذانه وقصدت الرجوع وأشهدت على ذلك. ولو مضت العدة أو بعضها ولم تطالب بالسكنى لم تصر دينا في الذمة بخلاف النفقة; لأنها معاوضة. ولو تبرع وارث بإسكانها لزمها الإجابة ومثله الإمام أو أجنبي ولا ريبة (و) لمعتدةِ (فسخٍ) أو انفساخٍ غير نحو ناشزة ولو حائلا (على المذهب) بخلاف معتدة عن وطء شبهة
(1)
. خلافا لظاهر كلامهما من حرمته مطلقا ولو ساعة.
وَتَسْكُنُ فِي مَسْكَنٍ كَانَتْ فِيهِ عِنْدَ الْفُرْقَةِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ وَغَيْرِهِ إخْرَاجُهَا، وَلَا لَهَا خُرُوجٌ، قُلْتُ: وَلَهَا الخُرُوجُ فِي عِدَّةِ وَفَاةٍ، وَكَذَا بَائِنٌ فِي النَّهَارِ لِشِرَاءِ طَعَامٍ وَغَزْلٍ وَنَحْوِهِ، وَكَذَا لَيْلًا إلَى دَارِ جَارَةٍ لِغَزْلٍ وَحَدِيثٍ وَنَحْوِهِمَا بِشَرْطِ أَنْ تَرْجِعَ وَتَبِيتَ فِي بَيْتِهَا. وَتَنْتَقِلُ مِنَ المَسْكَنِ لِخَوْفٍ مِنْ هَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ أَوْ عَلَى نَفْسِهَا،
كنكاح فاسد وأم ولد ولو حاملين، نعم يجب على الأولى ملازمة المسكن لحق الله تعالى (وتسكن) وجوبا (في مسكن كانت فيه عند الفرقة) بإذن الزوج إن لاق بها حينئذ وأمكن بقاؤها فيه؛ لاستحقاقه منفعته. أما إذا فورقت وهي بمسكن لم يأذن فيه فسيأتي (وليس لزوج وغيره إخراجها) ولو رجعية (ولا لها خروج
(1)
وإن رضي به الزوج فيمنعها الحاكم وجوبا لحق الله تعالى، (قلت: ولها الخروج في عدة وفاة، وكذا بائن) بفسخ أو طلاق (في النهار لشراء طعام) أ (و) بيع أو شراء (غزل ونحوه) كقطن ولنحو احتطاب إن لم تجد من يقوم لها بذلك، ونحو إقامة حد على برزة لا مخدرة فيأتي للبرزة الحاكم أو نائبه لإقامته كالتحليف، وذلك؛ لخبر مسلم ((أنه صلى الله عليه وسلم أذن لمطلقة ثلاثا أن تخرج لجذاذ نخلها)) وقيس به غيره. ويشترط كون نحو السوق والمحتطَب قريبا من البلد منسوبا إليها وإلا لم تخرج إلا للضرورة، ومحله إن أمنت كما هو ظاهر. أما الرجعية فلا تخرج إلا بإذنه أو لضرورة; لأن عليه القيام بجميع مؤنها كالزوجة، ومثلها بائن حامل لكن إذا خرجت للنفقة
(2)
; لأنها مكفية بخلاف خروجها لنحو شراء قطن أو طعام وقد أعطيت النفقة دراهم، ولا يأتي هذا في الرجعية؛ لما تقرر أنها في حكم الزوجة. أما الليل -ولو أوله- فلا تخرج فيه مطلقا لذلك; لأنه مَظِنَّة الفساد إلا إذا لم يمكنها ذلك نهارا وأمنت (وكذا) لها الخروج (ليلا إلى دار جارة) بشرط أن تأمن على نفسها يقينا، والمراد بالجار هنا الملاصق أو ملاصقه ونحوه لا ما مر في الوصية (لغزل وحديث ونحوهما) لكن (بشرط) أن يكون زمن ذلك بقدر العادة، وأن لا يكون عندها من يحدثها ويؤنسها، و (أن ترجع وتبيت في بيتها)؛ لإذنه صلى الله عليه وسلم في ذلك (وتنتقل) جوازا (من المسكن لخوف) على نفسها أو نحو ولدها أو مال ولو لغيرها كوديعة وإن قلّ أو اختصاص كذلك (من) نحو (هدم أو غرق) أو سارق (أو) لخوف (على نفسها) ما دامت فيه من ريبة؛ للضرورة، وظاهرٌ أنه يجب
(1)
. بل له حبس المحرمة حتى تنقضي العدة كما مر في الحج 4/ 209.
(2)
. خلافا للمغني في هذا التقييد.
أَوْ تَأَذَّتْ بِالجِيرَانِ، أَوْ هُمْ بِهَا أَذًى شَدِيدًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ انْتَقَلَتْ إلَى مَسْكَنٍ بِإِذْنِ الزَّوْجِ فَوَجَبَتْ الْعِدَّةُ قَبْلَ وُصُولِهَا إلَيْهِ اعْتَدَّتْ فِيهِ عَلَى النَّصِّ أَوْ بِغَيْرِ إذْنٍ فَفِي الْأَوَّلِ، وَكَذَا لَوْ أَذِنَ ثُمَّ وَجَبَتْ قَبْلَ الخُرُوجِ، وَلَوْ أَذِنَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى بَلَدٍ فَكَمَسْكَنٍ،
الانتقال حيث ظنت فتنة كخوف على نحو بضع، ومن ذلك أن ينتجع قوم البدوية وتخشى من التخلف كما يأتي (أو تأذت بالجيران) أذى لا يحتمل عادة (أو هُم) تأذوا (بها أذى شديدا) كذلك (والله أعلم)؛ للضرورة أيضا، وروى مسلم ((أن فاطمة بنت قيس كانت تبدو على أحمائها فنقلها صلى الله عليه وسلم عنهم إلى بيت ابن أم مكتوم))، فعلم أن من الجيران الأحماء وهم أقارب الزوج، نعم إن كانوا في دارها -وإن اتسعت- نقلوا هم لا هي؛ لعدم الحاجة لا الأبوان وإن اشتد الشقاق بينهم; لأنه لا يطول غالبا.
[تنبيه] يتعين حمل المتن على ما إذا كان تأذيهم بأمر لم تتعدَّ هي به وإلا أجبرت على تركه ولم يحل لها الانتقال حينئذ
. وتلزمها النقلة إذا فورقت بدار الحرب ولم تأمن بإقامتها ثَمَّ على نحو بضعها أو دينها وأمنت في الطريق، وكذا إن كان خوفها أقلَّ. ويجب تغريبها للزنا، ويلزمها النقلة أيضا إذا رجع المعير أو انقضت مدة الإجارة كما يأتي، أو كان عليها ما يلزمها أداؤه فورا وانحصر فيها، وحيث انتقلت وجب الاقتصار على أقرب مسكن صالح إلى ما كانت فيه على ما يأتي من التفصيل، وليس لها خروج لنحو استنماء مال وتعجيل حجة الإسلام (ولو انتقلت) ببدنها؛ إذ لا عبرة بالأمتعة (إلى مسكن) في البلد (بإذن الزوج فوجبت العدة) بموت أو طلاق (قبل وصولها إليه) وبعد مفارقة الأول (اعتدت) وجوبا (فيه) أي الثاني وإن كان أبعد إليها من الأول أو رجعت إليه لأخذ متاع (على النص) في الأم؛ لإعراضها عن الأول بحق قبل الفراق. أما بعد وصولها إليه فتعتد فيه قطعا (أو) انتقلت إليه (بغير إذن) من الزوج (ففي الأول) يلزمها الاعتداد وإن لم تجب العدة إلا بعد وصولها للثاني؛ لعصيانها بذلك، نعم إن أذن لها الزوج بعد وصولها إليه في المقام به كان كالنقلة بإذنه (وكذا) تعتد في الأول (لو أذن) لها في النقلة منه (ثم وجبت) العدة (قبل الخروج) منه; لأنه الذي وجبت فيه العدة (ولو أذن) لها (في الانتقال إلى بلد فكـ) الإذن لها في الانتقال من مسكن إلى (مسكن) فيأتي هنا ذلك التفصيل، ومنه تعين الأول إن وجبت قبل مفارقة بنيان بلدها، أي بأن لم تصل لما يباح القصر فيه وإلا فالثاني.
أَوْ فِي سَفَرِ حَجٍّ أَوْ تِجَارَةٍ ثُمَّ وَجَبَتْ فِي الطَّرِيقِ فَلَهَا الرُّجُوعُ وَالمُضِيُّ، فَإِنْ مَضَتْ أَقَامَتْ لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا ثُمَّ يَجِبُ الرُّجُوعُ لِتَعْتَدَّ الْبَقِيَّةَ فِي المَسْكَنِ. وَلَوْ خَرَجَتْ إلَى غَيْرِ الدَّارِ المَأْلُوفَةِ فَطَلَّقَ وَقَالَ مَا أَذِنْت فِي الخُرُوجِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ قَالَتْ: نَقَلْتَنِي فَقَالَ بَلْ أَذِنْتُ لِحَاجَةٍ صُدِّقَ عَلَى المَذْهَبِ
(أو) أذن لها (في سفر حج) ولو نفلا (أو تجارة) أو غيرهما من كل سفر مباح ولو سفر نزهة وزيارة (ثم وجبت) العدة (في الطريق فلها الرجوع) إلى مسكنها وهو الأولى (و) لها (المضي) إلى غرضها؛ لمشقة الرجوع مشقة ظاهرة. وهي معتدة مضت أو عادت (فإن مضت) وبلغت المقصد قبل انقضاء العدة أو وجبت بعد أن بلغته، فقوله في الطريق قيد للتخيير الذي ذكره لا لقوله (أقامت) فيه (لقضاء حاجتها) إن كانت وإلا فثلاثة أيام كاملة إن لم يقدِّر لها مدة وإلا فما قدره (ثم) عقب فراغ إقامتها الجائزة (يجب) عليها (الرجوع) فورا إن أمنت على نفسها ومالها ووجدت رفقة ولو قبل ثلاثة أيام في الأولى (لتعتد البقية في المسكن) الذي فورقت فيه أو بقربه؛ إذ يلزمها الرجوع فورا وإن علمت انقضاء البقية قبل وصولها إليه. وخرج بفي الطريق ما لو وجبت قبل مفارقة العمران فيلزمها العود. ولو أذن لها في النقلة لمسكن آخر في البلد وقدَّر لها مدة فانتقلت ثم لزمتها العدة اعتدت فيه ولم يجز لها العود للأول. ولو سافرت معه لحاجته ففارقها لزمها العود، نعم لها إقامة ثلاثة أيام كاملة بمحل الفرقة; لأن سفرها كان تابعا لسفره وقد فات فأمهلت ذلك لا أكثر منه; لأنه مدة تأهب المسافر غالبا (ولو خرجت إلى غير الدار) أو البلد (المألوفة) لمسكنها (فطلق وقال ما أذنت في الخروج) وقالت بل أذنت (صدق بيمينه) أنه لم يأذن ووارثه أنه لم يعلم أن مورثه أذن; لأن الأصل عدم الإذن فترجع فورا بعد حلفه للمألوفة (ولو قالت) له (نقلتني) أي أذنت لي في النقلة في هذه الدار فلا يلزمني الرجوع (فقال بل أذنت) في الخروج إليها لكن (لحاجة) أوْ لا لنقلة فيلزمك الرجوع (صدِّق) بيمينه أيضا أنه لم يأذن في النقلة (على المذهب) ; لأنه أعلم بقصده. ولو وقع هذا الاختلاف بينها وبين الوارث صدقت بيمينها
(1)
; لأنها أعرف منه بما جرى، وتصدق هي أيضا لو اتفقا على لفظ النقلة واختلفا هل ضم إليه ذكر نحو نزهة أو شهر فأنكرت هذا الضم; لأن الأصل عدمه.
(1)
. خلافا لشرح الروض.
وَمَنْزِلُ بَدَوِيَّةٍ وَبَيْتُهَا مِنْ شَعْرٍ كَمَنْزِلِ حَضَرِيَّةٍ. وَإِذَا كَانَ المَسْكَنُ لَهُ وَيَلِيقُ بِهَا تَعَيَّنَ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ إلَّا فِي عِدَّةِ ذَاتِ أَشْهُرٍ فَكَمُسْتَأْجَرٍ، وَقِيلَ بَاطِلٌ، أَوْ مُسْتَعَارًا لَزِمَتْهَا فِيهِ، فَإِنْ رَجَعَ المُعِيرُ وَلَمْ يَرْضَ بِأُجْرَةٍ نُقِلَتْ، وَكَذَا مُسْتَأْجَرٌ انْقَضَتْ مُدَّتُهُ، أَوْ لَهَا اسْتَمَرَّتْ وَطَلَبَتِ الْأُجْرَةَ
(ومنزل بدوية وبيتها من) نحو (شعر كمنزل حضرية) فيما ذكر من وجوب ملازمته في العدة، نعم لها الانتقال مع حيِّها إن انتقلوا كلهم؛ للضرورة، ولها مفارقتهم للإقامة بقرية في الطريق; لأنها أليق بها من السير، فإن ارتحل بعضهم وهو غير أهلها وفي المقيمين قوَّة أو منعة أقامت وإلا فلا، أو أهلها تخيرت -غير رجعية
(1)
اختار الزوج إقامتها-؛ لمشقة مفارقة الأهل مع خطر البادية في الجملة. ولا عبرة بالارتحال مع نية العود أو قربه عرفا إلا إن خافت لو أقامت (وإذا كان المسكن) مستحقا (له) ولم يتعلق به حق للغير (ويليق بها تعين) مكثها فيه إلا لعذر مما مر. أما إذا تعلق به حق كرهن وقد بيع في الدين لتعذر وفائه من غيره ولم يرض مشتريه بإقامتها فيه بأجرة المثل فتنتقل منه. أما ما لا يليق بها فلا تكلفه كالزوجة (ولا يصح بيعه) أي المسكن المذكور؛ لعدم انضباط المدة، نعم يظهر صحة بيعه لها (إلا في عدة ذات أشهر فـ) بيعه حينئذ (كـ) بيع (مستأجر) فيجري فيه خلافه، والأصح صحته فإن حاضت في أثنائها وانتقلت إلى الأقراء لم ينفسخ فيخير المشتري، (وقيل) بيعه في عدة الأشهر (باطل) قطعا، (أو) فورقت وهي بمسكن وكان (مستعارا لزمتها فيه) وامتنع نقلها (فإن رجع المعير) في عاريته له (ولم يرض بأجرة) لمثله أو طرأ عليه نحو جنون أو سفه أو زال استحقاقه لمنفعته لنحو انقضاء إجارة (نقلت) منه وجوبا؛ للضرورة، فإن رضي المعير بأجرة المثل لزم الزوج بذلها وامتنع خروجها ولو لملكه الملاصق له، نعم لو أعاره لسكنى معتدة عالما بذلك لزمت العارية
(2)
؛ لحق الله تعالى. والأوجه أن المعير الراجع لو رضي بسكناها بعد انتقالها لمعار أو مستأجر لم يلزمها العود للأول; لأنها لا تأمن رجوعه بعد (وكذا مستأجر انقضت مدته) فلتنقل منه إن لم يجدد المالك إجارة بأجرة المثل (أو) لزمتها العدة وهي بمسكن مستحق (لها استمرت) فيه وجوبا إن لم تطلب النقلة لغيره وإلا فجوازا (و) إذا اختارت الإقامة فيه (طلبت الأجرة) منه أو من
(1)
. خلافا لهما فاعتمدا أن الرجعية كغيرها فليس له منعها.
(2)
. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.
فَإِنْ كَانَ مَسْكَنُ النِّكَاحِ نَفِيسًا فَلَهُ النَّقْلُ إلَى لَائِقٍ بِهَا، أَوْ خَسِيسًا، فَلَهَا الِامْتِنَاعُ، وَلَيْسَ لَهُ مُسَاكَنَتُهَا وَلَا مُدَاخَلَتُهَا، فَإِنْ كَانَ فِي الدَّارِ مَحْرَمٌ لَهَا مُمَيِّزٌ ذَكَرٌ أَوْ لَهُ أُنْثَى أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى، أَوْ أَمَةٌ، أَوِ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ جَازَ
تركته إن شاءت; لأن السكنى عليه، فإن مضت مدة قبل طلبها سقطت كما لو سكن معها في منزلها بإذنها وهي في عصمته، نعم محله
(1)
إن لم تتميز أمتعته بمحل منها وإلا لزمته أجرته ما لم تصرح له بالإباحة (فإن كان مسكن النكاح) المملوك له الذي لزمتها العدة وهي فيه (نفيسا) لا يليق بها (فله النقل) لها منه (إلى) مسكن آخر (لائق بها) ; لأن ذاك النفيس غير واجب عليه. ويتحرى أقرب صالح إليه وجوبا (أو) كان (خسيسا) غير لائق بها (فلها الامتناع) ; لأنه دون حقها (وليس له مساكنتها ولا مداخلتها) أي دخول محل هي فيه وإن لم يكن على جهة المساكنة مع انتفاء نحو المحرم الآتي فيحرم عليه ذلك ولو أعمى وإن كان الطلاق رجعيا ورضيت; لأن ذلك يجر للخلوة المحرمة بها، ومن ثم يلزمها منعه إن قدرت عليه. ومحل منع المساكنة والمداخلة فيما إذا لم يزد مسكنها في السعة على مسكن مثلها؛ لما سيذكره في الدار والحجرة والعلو والسفل، (فإن كان في الدار) التي ليس فيها إلا مسكن واحد لكنها متسعة لهما بحيث لا يطلع أحدهما على الآخر (محرم لها) بصير (مميز) بأن كان ممن يُحْتَشَم ويمنع وجوده وقوع خلوة بها باعتبار العادة الغالبة (ذكر) أو أنثى (أو) محرم (له) مميز بصير (أنثى أو زوجة أخرى كذلك أو أمة أو امرأة أجنبية) كذلك وكل منهن ثقة يحتشمها بحيث يمنع وجودها وقوع فاحشة بحضرتها، وكالأجنبية ممسوح أو عبدها بشرط التمييز والبصر والعدالة، ويُلحق
(2)
بالبصير في كل ممن ذكر أعمى له فطنة يمتنع معها وقوع ريبة (جاز) مع الكراهة كل من مساكنتها إن وسعتهما الدار -وإلا وجب انتقاله عنها- ومداخلتها إن كانت ثقة؛ للأمن من المحذور حينئذ بخلاف ما إذا انتفى شرط مما ذكر.
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. خلافا للمغني.
وَلَوْ كَانَ فِي الدَّارِ حُجْرَةٌ فَسَكَنَهَا أَحَدُهُمَا وَالْآخَرُ الْأُخْرَى فَإِنْ اتَّحَدَتْ المَرَافِقُ كَمَطْبَخٍ وَمُسْتَرَاحٍ اُشْتُرِطَ مَحْرَمٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يُغْلَقَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ بَابٍ، وَأَلَّا يَكُونَ مَمَرُّ إحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى، وَسُفْلٌ وَعُلُوٌّ كَدَارٍ وَحُجْرَةٍ
(ولو كان في الدار حجرة فسكنها أحدهما والآخر الأخرى فإن اتحدت المرافق) أو بعضها (كمطبخ) أ (ومستراح
(1)
أو بئر أو بالوعة أو سطح أو مصعد أو ممر، ثم إن العبرة في اتحاد الممر بكون الدهليز
(2)
ينتفعن به بما يتعلق بالسكنى فيضر اتحاده حينئذ، أما إن كان معدَّا للزوج ورحاله فلا يضر (اشترط محرم) أو نحوه ممن ذكر. وخرج بفرضه الكلام في حجرتين ما لو لم يكن في الدار إلا بيت وصفف
(3)
فإنه لا يجوز أن يساكنها ولو مع محرم; لأنها لا تتميز من المسكن بموضع، نعم إن بني بينهما حائل وبقي لها ما يليق بها سكنا جاز (وإلا) يتحد شيء منها (فلا) يشترط نحو محرم؛ إذ لا خلوة (و) لكن (ينبغي) أي يجب (أن يغلق) ويسمر (ما بينهما من باب) وأولى من إغلاقه سدُّه (وألا يكون ممر أحدهما) يمر به (على الآخر)؛ حذرا من وقوع خلوة (وسفل وعلو كدار وحجرة) فيما ذكر فيهما والأولى أن تكون في العلو حتى لا يمكنه الاطلاع عليها.
(1)
. هو المخرج، الصحاح.
(2)
. هو مابين الباب والدار، لسان العرب.
(3)
. جمع صفه وتم شرحها في الوليمة.
باب الاستبراء
يَجِبُ بِسَبَبَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِلْكُ أَمَةٍ بِشِرَاءٍ أَوْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ سَبْيٍ أَوْ رَدٍّ بِعَيْبٍ، أَوْ تَحَالُفٍ أَوْ إقَالَةٍ وَسَوَاءٌ بِكْرٌ، وَمَنِ اسْتَبْرَأَهَا الْبَائِعُ قَبْلَ الْبَيْعِ، وَمُنْتَقِلَةٌ مِنْ صَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَغَيْرُهَا. وَيَجِبُ فِي مُكَاتَبَةٍ عُجِّزَتْ، وَكَذَا مُرْتَدَّةٌ فِي الْأَصَحِّ
(باب الاستبراء)
لغة: طلب البراءة، وشرعا: تربص بمن فيها رق مدة عند وجود سبب مما يأتي للعلم ببراءة رحمها أو للتعبد (يجب) الاستبراء لحل التمتع بالفعل، أو لحل التزويج (بسببين) باعتبار الأصل فيه فلا يرد عليه وجوبه بغيرهما كأن وطئ أمة غيره ظانا أنها أمته فإنه يلزمها قرء واحد؛ لأنها في نفسها مملوكة والشبهة شبهة ملك اليمين.
(أحدهما ملك أمة) أي حدوثه وهو باعتبار الأصل أيضا وإلا فالمدار على حدوث حل التمتع مما يخل بالملك (بشراء أو إرث أو هبة) مع قبض (أو سبي) بشرطه من القسمة أو اختيار التملك (أو رد بعيب أو تحالف أو إقالة) ولو قبل القبض أو غير ذلك من كل مُمَلِك كقبول وصية ورجوع مقرضٍ وبائعِ مفلسٍ ووالدٍ في هبته لفرعه، وكذا أمة قراض انفسخ واستقل بها المالك، وأمة تجارة
(1)
أخرج زكاتها وقلنا بالأصح أن المستحق شريك بالواجب بقدر قيمته في غير الجنس؛ لتجدد الملك والحل فيهما (وسواء) في وجوب الاستبراء فيما ذكر بالنسبة لحل التمتع (بكر) وآيسة (ومن استبرأها البائع قبل البيع ومنتقلة من صبي وامرأة وغيرها)؛ لعموم ما صح من قوله صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس ((ألا لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة)) (ويجب) الاستبراء (في) أمته إذا زوجها فطلقها زوجها قبل الوطء، وفي (مكاتبة) كتابة صحيحة وأمتها إذا انفسخت كتابتها بسبب مما يأتي في بابها كأن (عُجِّزَت) وأمة مكاتب كذلك عُجِّز؛ لعود حل الاستمتاع فيها كالمزوجة وحدوثه في الأمة بقسميها، ومن ثم لم تؤثر الفاسدة (وكذا مرتدة) أسلمت أو سيدٌ مرتدٌ أسلم فيجب الاستبراء عليها وعلى أمته (في الأصح)؛ لعود حل الاستمتاع أيضا.
(1)
. خلافا للنهاية فلا يجب عنده استبرائها.
لَا مَنْ حَلَّتْ مِنْ صَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَإِحْرَامٍ، وَفِي الْإِحْرَامِ وَجْهٌ. وَلَوِ اشْتَرَى زَوْجَتَهُ اُسْتُحِبَّ، وَقِيلَ يَجِبُ. وَلَوْ مَلَكَ مُزَوَّجَةً أَوْ مُعْتَدَّةً لَمْ يَجِبْ، فَإِنْ زَالَا وَجَبَ فِي الْأَظْهَرِ. الثَّانِي: زَوَالُ فِرَاشٍ عَنْ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ أَوْ مُسْتَوْلَدَةٍ بِعِتْقٍ أَوْ مَوْتِ السَّيِّدِ. وَلَوْ مَضَتْ مُدَّةُ اسْتِبْرَاءٍ عَلَى مُسْتَوْلِدَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ
(لا) في (من) أي أمة له حدث لها ما حرمها عليه من صوم ونحوه؛ لإذنه فيه، ثُم (حلت من صوم أو اعتكاف وإحرام) ونحو حيض ورهن؛ لأن حرمتها بذلك لا تخل بالملك بخلاف نحو الكتابة (وفي الإحرام وجه) أنه كالردة لتأكد التحريم فيه ويردُّ بوضوح الفرق. أما لو اشترى نحو مُحرِمة أو صائمة أو معتكفة واجبا بإذن سيدها فلا بد من استبرائها بعد زوال مانعها
(1)
. (ولو اشترى) حرٌّ (زوجته) الأمة فانفسخ نكاحها (استحب) الاستبراء؛ ليتميز ولد الملك المنعقد حرا عن ولد النكاح المنعقد قنا ثم يعتق فلا يكافئ حرة أصلية ولا تصير به أُمُّه مستولدةً (وقيل يجب)؛ لتجدد الملك وردوه بأن لا فائدة فيه. ومر أنه لا يحل وطؤها في زمن الخيار
(2)
؛ لأنه لا يدري أيطأ بالملك أو بالزوجية. وخرج بالحر المكاتب إذا اشترى زوجته فليس له وطؤها بالملك؛ لضعف ملكه (ولو ملك) أمة (مزوجة أو معتدة) من الغير لنكاح أو وطء شبهة وعلم بذلك، أو جهله وأجاز (لم يجب) استبراؤها حالا؛ لأنها مشغولة بحق الغير (فإن زالا) أي الزوجية والعدة وذلك بأن طلقت قبل وطء أو بعده وانقضت العدة أو انقضت عدة الشبهة (وجب) الاستبراء (في الأظهر)؛ لحدوث الحل. ولو ملك معتدة منه وجب قطعا؛ إذ لا شيء يكفي عنه هنا.
(الثاني زوال فراش) له -وهو باعتبار الأصل وإلا فالمدار على طلب التزويج- (عن أمة موطوءة) غير مستولدة (أو مستولدة بعتق) معلق أو منجز قبل موت السيد (أو موت السيد) فيجب قرء أو شهر كما صح عن ابن عمر ولا مخالف له. أما عتيقة قبل وطء فلا استبراء عليها قطعا (ولو مضت مدة استبراء على مستولدة) ليست مزوجة ولا معتدة (ثم أعتقها) سيدها (أو مات) عنها (وجب) عليها الاستبراء (في الأصح) كما تلزم العدة مِن زوال نكاحها وإن مضى أمثالها قبل زواله.
(1)
. خلافا لهما فعندهما يكفي وقوع الاستبراء في الصوم والاعتكاف للحامل وذوات الأشهر.
(2)
. مطلقا على مختار الشارح وزمن خيارهما على مختار النهاية.
قُلْتُ: وَلَوِ اسْتَبْرَأَ أَمَةً مَوْطُوءَةً فَأَعْتَقَهَا لَمْ يَجِبْ وَتَتَزَوَّجُ فِي الحَالِ؛ إذْ لَا تُشْبِهُ مَنْكُوحَةً، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَحْرُمُ تَزْوِيجُ أَمَةٍ مَوْطُوءَةٍ وَمُسْتَوْلَدَةٍ قَبْلَ الاسْتِبْرَاءِ. وَلَوْ أَعْتَقَ مُسْتَوْلَدَتَهُ فَلَهُ نِكَاحُهَا بِلَا اسْتِبْرَاءٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَعْتَقَهَا أَوْ مَاتَ، وَهِيَ مُزَوَّجَةٌ فَلَا اسْتِبْرَاءَ. وَهُوَ بِقَرْءٍ، وَهُوَ حَيْضَةٌ كَامِلَةٌ فِي الجَدِيدِ. وَذَاتُ أَشْهُرٍ بِشَهْرٍ، وَفِي قَوْلٍ بِثَلَاثَةٍ، وَحَامِلٌ مَسْبِيَّةٌ أَوْ زَالَ عَنْهَا فِرَاشُ سَيِّدٍ بِوَضْعِهِ،
(قلت: ولو استبرأ أمة موطوءة) له غير مستولدة (فأعتقها لم يجب) إعادة الاستبراء (وتتزوج في الحال؛ إذ لا تشبه) هذه (منكوحة) بخلاف تلك؛ لثبوت حق الحرية لها فكان فراشها أشبه بفراش الحرة المنكوحة (والله أعلم).
(ويحرم) ولا ينعقد (تزويج أمة موطوءة) أي وطئها مالكها (ومستولدة قبل) مضي (الاستبراء) بما يأتي (؛ لئلا يختلط الماءان). أما من لم يطأها مالكها فإن لم توطأ من غيره أيضاً زوَّجها من شاء، وإن وطئها غيره زوجها للواطئ، وكذا لغيره إن كان الماء غير محترم أو مضت مدة الاستبراء منه (ولو أعتق مستولدته) يعني موطوءته (فله نكاحها بلا استبراء في الأصح) كما يجوز أن ينكح المعتدة منه؛ إذ لا اختلاط هنا، ومن ثم لو اشترى أمة فزوجها لبائعها الذي لم يطأها غيره لم يلزمه استبراء كما لو أعتقها فأراد بائعها أن يتزوجها. وخرج بموطوءته ومثلها من لم توطأ أو وطئت زنا أو استبرأها من انتقلت منه إليه من وطئها غيره وطئا غير محرم فلا يحل للمعتق تزوجها قبل استبرائها (ولو أعتقها أو مات) عن مستولدة أو مدبرة عتقت بموته (وهي مزوجة) أو معتدة عن زوج فيهما (فلا استبراء) عليها؛ لأنها غير فراش للسيد، ولأن الاستبراء لحل ما مر وهي مشغولة بحق الزوج بخلافها في عدة وطء الشبهة؛ لأنها لم تصر به فراشا لغير السيد (وهو) أي الاستبراء في حق ذات الأقراء يحصل (بقرء وهو) هنا (حيضة كاملة في الجديد)؛ للخبر السابق، فلا يكفي بقيتها التي وجد السبب- كالشراء -في أثنائها. ولو وطئها في الحيض فحبلت منه فإن كان قبل مضي أقل الحيض انقطع الاستبراء وبقي التحريم إلى الوضع كما لو حبلت من وطئه وهي طاهر أو بعد أقله كفى في الاستبراء؛ لمضي حيض كامل لها قبل الحمل (وذات أشهر) كصغيرة وآيسة (بشهر)؛ لأنه لا يخلو في حق غيرها عن حيض وطهر غالبا (وفي قول بثلاثة) من الأشهر؛ لأن البراءة لا تعرف بدونها (وحامل مسبية أو زال عنها فراش سيد بوضعه) أي الحمل كالعدة
وَإِنْ مُلِكَتْ بِشِرَاءٍ فَقَدْ سَبَقَ أَنْ لَا اسْتِبْرَاءَ فِي الحَالِ، قُلْتُ: يَحْصُلُ الِاسْتِبْرَاءُ بِوَضْعِ حَمْلِ زِنًا فِي الْأَصَحِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ مَضَى زَمَنُ اسْتِبْرَاءٍ بَعْدَ المِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ حُسِبَ إنْ مَلَكَ بِإِرْثٍ، وَكَذَا شِرَاءٌ فِي الْأَصَحِّ، لَا هِبَةٌ. وَلَوِ اشْتَرَى مَجُوسِيَّةً فَحَاضَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَمْ يَكْفِ
(وإن ملكت بشراء) وهي حامل من زوج أو وطء شبهة (فقد سبق أن لا استبراء في الحال) وأنه يجب بعد زوال النكاح أو العدة فليس هو هنا بالوضع، (قلت: يحصل الاستبراء) في حق ذات الأقراء (بوضع حمل زنا) لا تحيض معه وإن حدث الحمل بعد الشراء وقبل مضي محصل استبراء (في الأصح والله أعلم)؛ لإطلاق الخبر وللبراءة. أما ذات أشهر فيحصل بشهر مع حمل الزنا؛ لأن حمل الزنا كالعدم (ولو مضى زمن استبراء بعد الملك قبل القبض حسب إن ملك بإرث)؛ لقوة الملك به، ولذا صح بيعه قبل قبضه (وكذا شراء) ونحوه من المعاوضات (في الأصح) حيث لا خيار؛ لتمام الملك به ولزومه، ومن ثم لم يحسب في زمن الخيار ولو للمشتري؛ لضعف ملكه (لا هبة) فلا يحسب قبل القبض؛ لتوقف الملك فيها عليه كما قدمه، ومثلها غنيمة لم تقبض. ويحسب في الوصية بعد قبولها
(1)
ولو قبل القبض للملك الكامل فيها بالقبول (ولو اشترى مجوسية) أو نحو وثنية أو مرتدة (فحاضت) مثلا (ثم) بعد فراغ الحيض أو في أثنائه -ومثله الشهر في ذات الأشهر وكذا الوضع- (أسلمت لم يكف) حيضها أو نحوه في الاستبراء؛ لأنه لم يستعقب الحل، ومن ثم لو اشترى عبدٌ مأذونٌ أمةً والحال أن عليه دين لم يعتد بالاستبراء قبل سقوط الدين فلا يحل لسيده وطؤها حينئذ، وضابط ذلك أن كل استبراء لا يتعلق به استباحة الوطء لا يعتد به، ومنه ما لو اشترى مُحْرِمَةً فحاضت ثم تحللت، نعم يعتد
(2)
باستبراء المرهونة قبل الانفكاك، ويُفرق بينها وبين ما قبلها بأنه يحل وطؤها بإذن المرتهن فهي محل للاستمتاع بخلاف غيرها حتى مشتراة المأذون، وفارقت أمة المأذون أمة مشترٍ حجر عليه بفلس فإنه يعتد باستبرائها قبل زوال الحجر بضعف التعلق في الثانية؛ لكونه يتعلق بالذمة أيضا بخلاف الأولى؛ لانحصار تعلق الغرماء بما في يد المأذون لا غير.
(1)
. لا قبله وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(2)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
وَيَحْرُمُ الِاسْتِمْتَاعُ بِالمُسْتَبْرَأَةِ إلَّا مَسْبِيَّةً فَيَحِلُّ غَيْرُ وَطْءٍ وَقِيلَ لَا. وَإِذَا قَالَتْ: حِضْت صُدِّقَتْ، وَلَوْ مَنَعَتِ السَّيِّدَ فَقَالَ: أَخْبَرْتنِي بِتَمَامِ الِاسْتِبْرَاءِ صُدِّقَ. وَلَا تَصِيرُ أَمَةٌ فِرَاشًا إلَّا بِوَطْءٍ، فَإِذَا وَلَدَتْ لِلْإِمْكَانِ مِنْ وَطْئِهِ لَحِقَهُ. وَلَوْ أَقَرَّ بِوَطْءٍ وَنَفَى الْوَلَدَ وَادَّعَى اسْتِبْرَاءً لَمْ يَلْحَقْهُ عَلَى المَذْهَبِ،
(ويحرم الاستمتاع) ولو بنحو نظر بشهوة ومس (بالمستبرأة) أي قبل مضي ما به الاستبراء؛ لأدائه إلى الوطء المحرم، نعم يحل له الخلوة بها ولا يحال بينه وبينها؛ لأن الشرع جعل الاستبراء مفوضا لأمانته إلا إذا كان السيد مشهورا بالزنا وعدم المسكة وهي جميلة (إلا مسبية فيحل غير وطء)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يحرم منها غيره، ومثل المسبية
(1)
في حل التمتع بما عدا الوطء كل من لا يمكن حملها المانع لملكها؛ لصيرورتها به أم ولد كصبية وحامل من زنا ومشتراة مزوجة فطلقها زوجها (وقيل لا) يحل التمتع بالمسبية أيضا. (وإذا قالت) مستبرأة (حضت صدقت) -؛ لأنه لا يُعلم إلا من جهتها- بلا يمين؛ لأنها لو نكلت لم يقدر السيد على الحلف على عدم الحيض. وإذا صدقناها فكذبها حل
(2)
له وطؤها (ولو منعت السيد) من تمتع بها (فقال) أنتِ حلال لي لأنك (أخبرتني بتمام الاستبراء صُدِّق) بيمينه وأبيحت له ظاهرا؛ لما تقرر أن الاستبراء مفوض لأمانته، ومع ذلك يلزمها الامتناع منه ما أمكن ما دامت تتحقق بقاء شيء من زمن الاستبراء. ولو قال حضتِ فأنكرت صدقت؛ لعسر اطلاعه عليه. (ولا تصير أمة فراشا) لسيدها (إلا بوطء) منه في قبلها أو دخول مائه المحترم فيه، ويُعلم ذلك بإقراره أو ببينة، وبه يعلم أن المجبوب متى ثبت دخول مائه المحترم لحقه الولد وإلا فلا. وخرج بذلك مجرد ملكه لها فلا يلحقه به ولد إجماعا وإن خلا بها وأمكن كونه منه؛ لأنه ليس مقصوده الوطء، أما الوطء في الدبر فلا لحوق به. وإذا تقرر أن الوطء أو دخول مائه المحترم يُصيِّرُها فراشا (فإذا ولدت للإمكان من وطئه) أو استدخال منيه ولدا (لحقه) وإن سكت عن استلحاقه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((ألحق الولد بزمعة بمجرد الفراش)) (ولو أقر بوطء ونفى الولد وادعى استبراء) بحيضة مثلا بعد الوطء وقبل الوضع بستة أشهر فأكثر ولابد من حلف على ذلك -وإن وافقته الأمة على الاستبراء-؛ لأجل حق الولد (لم يلحقه) الولد (على المذهب)؛ لأن عمر
(1)
. خلافا للنهاية.
(2)
. خلافا لأكثر نسخ النهاية.
فَإِنْ أَنْكَرَتِ الِاسْتِبْرَاءَ حُلِّفَ أَنَّ الْوَلَدَ لَيْسَ مِنْهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ تَعَرُّضُهُ لِلِاسْتِبْرَاءِ. وَلَوِ ادَّعَتِ اسْتِيلَادًا فَأَنْكَرَ أَصْلَ الْوَطْءِ وَهُنَاكَ وَلَدٌ لَمْ يُحَلَّفْ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ قَالَ: وَطِئْتُ وَعَزَلْتُ لَحِقَهُ فِي الْأَصَحِّ
وزيد بن ثابت وابن عباس رضي الله عنهم نفوا أولاد جوارٍ لهم بذلك، أما لو أتت به لدون ستة أشهر من الاستبراء فيلحقه ويلغو الاستبراء. وجمع المتن بين نفي الولد ودعوى الاستبراء تصوير؛ إذ دعوى الاستبراء كافية في نفيه عنه إذا حلف عليه (فإن أنكرت الاستبراء) وقد ادعت عليه أمية الولد (حُلِّف) السيد، ويكفي في حلفه (أن الولد ليس منه)، ولا يجب تعرضه للاستبراء، ولا يجزيه الاقتصار عليه؛ لأن المقصود هو الأول (وقيل يجب تعرضه للاستبراء)؛ ليثبت بذلك دعواه (ولو ادعت استيلادا فأنكر أصل الوطء وهناك ولد لم) يلحقه؛ لعدم ثبوت الفراش ولم (يحلف) هو (على الصحيح)؛ إذ لا ولاية لها على الولد حتى تنوب عنه في الدعوى ولم يسبق منه إقرار بما يقتضي اللحوق. أما إذا لم يكن ثَم ولد فلا يحلف جزما (ولو قال) -مَن أتت موطوءته بولد- (وطئت) ـها (وعزلت) عنها (لحقه) الولد (في الأصح)؛ لأن الماء قد يسبق من غير إحساس به.
كتاب الرضاع
إنَّمَا يَثْبُتُ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ حَيَّةٍ بَلَغَتْ تِسْعَ سِنِينَ، وَلَوْ حَلَبَتْ فَأُوجِرَ بَعْدَ مَوْتِهَا حَرَّمَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ جُبِّنَ أَوْ نُزِعَ مِنْهُ زُبْدٌ حَرَّمَ، وَلَوْ خُلِطَ بِمَائِعٍ حَرَّمَ إنْ غَلَبَ،
(كتاب الرَِّضاع)
هو لغة: اسم لمص الثدي وشرب لبنه، وشرعا: اسم لحصول لبن امرأة أو ما حصل منه في جوف طفل بشروط تأتي. والأصل فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة.
وأركانه رضيع ولبن ومرضع (إنما يثبت) الرضاع المُحَرِّم (بلبن امرأة) -لا رجل؛ لأن لبنه لا يصلح للغذاء، نعم يكره له ولفرعه نكاح من ارتضعت منه؛ للخلاف فيه، ولا خنثى إلا إن بان أنثى، ولا بهيمة فيما لو ارتضع منها ذكر وأنثى؛ لأنه لا يصلح لغذاء الولد صلاحية لبن الآدمية ولأن الأخوَّة لا تثبت بدون الأمومة أو الأبوة وإن أمكن ثبوت الأمومة دون الأبوة وعكسه كما يأتي- آدمية فلا يثبت بلبن جنية
(1)
؛ لأنه تلو النسب (حيَّة) حياة مستقرة لا مَن حركتها حركة مذبوح ولا ميتة كما لا تثبت حرمة المصاهرة بوطئها، نعم يكره كراهة شديدة؛ لقوة الخلاف فيه (بلغت تسع سنين) قمرية تقريبا -بالمعنى السابق في الحيض ولو بكرا خلية- دون من لم تبلغ ذلك؛ لأنها لا تحتمل الولادة واللبن المحرِّم فرع الولادة (ولو حلبت) لبنها المحرِّم وهو الخامسة أو حلبت لبنها خمس دفعات أو حلبه غيرها أو نزل منها بلا حلب ثم ماتت (فأوجر) طفل مرة في الصورة الأولى وخمس مرات في الصورة الثانية (بعد موتها حَرَّم في الأصح)؛ لانفصاله منها وهي غير منفكة عن الحل والحرمة (ولو جبن أو نزع منه زبد) وأطعم الطفل ذلك الجبن أو الزبد أو سقاه المنزوع منه الزبد (حَرَّم)؛ لحصول التغذي.
[تنبيه] لا يُحرِّم هنا المنزوع منه الجبن وهو ماء الأقط بعد غليانه وعصره
؛ لأنه انسلخ عنه اسم اللبن وصفاته بالكلية بخلاف المنزوع منه الزبد؛ لبقائهما فيه (ولو خلط) اللبن (بمائع) أو جامد (حَرَّم إن غَلب) اللبن على المائع بأن ظهر لونه أو طعمه أو ريحه وإن شرب البعض؛ لأنه المؤثر حينئذ.
(1)
. وفاقا للمغني وشيخ الإسلام وخلافا للنهاية.
فَإِنْ غُلِبَ وَشَرِبَ الْكُلَّ -قِيلَ أَوِ الْبَعْضَ- حَرَّمَ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُحَرِّمُ إيجَارٌ، وَكَذَا إسْعَاطٌ عَلَى المَذْهَبِ، لَا حُقْنَةٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَشَرْطُهُ: رَضِيعٌ حَيٌّ لَمْ يَبْلُغْ سَنَتَيْنِ، وخَمْسَ رَضَعَاتٍ،
(فإن غُلب) بأن زال طعمه ولونه وريحه حسا وتقديرا بالأشد فيما يأتي والحال أنه يمكن أن يأتي منه خمس دفعات (وشرب الكلَّ) على خمس دفعات، أو كان المخلوط هو الخامسة (قيل -أو البعض- حرم في الأظهر)؛ لأن اللبن في شرب الكل وصل لجوفه يقينا فحصل التغذي المقصود، وبه فارق عدم تأثير البعض هنا؛ لعدم تحقق وصول اللبن للجوف، ومن ثم لو تحققه بأن تحقق انتشاره فيما شربه أو بقي أقل من قدر اللبن حرَّم. ولو فارقت اللبن المخالط لغيره أوصافُهُ اعتبر أقوى ما يناسب لون اللبن أو طعمه أو ريحه. ولو اختلط لبن امرأتين ثبتت أمومة غالبة اللبن وكذا مغلوبته بالشرط السابق.
[تنبيه] صريح قولهم هنا يمكن أن يأتي منه خمس دفعات أن مسألة الخلط لا يشترط في اللبن فيها تعدد انفصاله
، بل لو انفصل دفعة وأمكن أن يسقى منه خمسٌ لو انفرد عن الخليط حرم
(1)
، فينافيه قولهم الآتي ولو حلب منها دفعة وأوجره خمسا أنها تحسب رضعة، ويفرق بأن الصِّرف -أي اللبن الخالص- لا صارف عن اعتبار التعدد فيه في الطرفين الحقيقيين بخلاف المختلط بغيره (ويُحرِّم إيجار) وهو صب اللبن في الحلق قهرا؛ لحصول التغذي به، ومن ثم اشترط وصوله للمعدة ولو من جائفة لا مسام فلو تقايأه قبل وصولها يقينا لم يحرم (وكذا إسعاط) بأن صب اللبن في الأنف حتى وصل للدماغ (على المذهب)؛ لذلك (لا حقنة
(2)
في الأظهر)؛ لأنها لإسهال ما انعقد في الأمعاء فلم يكن فيها تغذٍّ، ومنها صبه في نحو أذن أو قُبُل. (وشرطه رضيع حي) حياة مستقرة، فلا أثر لوصوله لجوف من حركته حركة مذبوح وميت اتفاقا؛ لانتفاء التغذي (لم يبلغ) في ابتداء الخامسة (سنتين) بالأهلة ما لم ينكسر أول شهر فيكمل ثلاثين من الشهر الخامس والعشرين، فإن بلغهما يقينا في حال ابتداء الرضعة الخامسة فلا تحريم أو في أثنائها حرم، ويحسب الحولان من تمام انفصاله لا من أثنائه وإن رضع وطال زمن الانفصال (وخمس رضعات) أو أكلات من نحو خبز عجن به أو البعض
(1)
. خلافا لهم.
(2)
. وهي ما يدخل في الدبر أو القبل من دواء.
وَضَبْطُهُنَّ بِالْعُرْفِ، فَلَوْ قَطَعَ إعْرَاضًا تَعَدَّدَ، أَوْ للهْوٍ وَعَادَ فِي الحَالِ أَوْ تَحَوَّلَ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ فَلَا. وَلَوْ حُلِبَ مِنْهَا دَفْعَةً وَأُوْجِرَهُ خَمْسًا أَوْ عَكْسُهُ فَرَضْعَةٌ، وَفِي قَوْلٍ خَمْسٌ. وَلَوْ شَكَّ هَلْ رَضَعَ خَمْسًا أَمْ أَقَلَّ، أَوْ هَلْ رَضَعَ فِي حَوْلَيْنِ أَمْ بَعْدُ؟ فَلَا تَحْرِيمَ، وَفِي الثَّانِيَةِ قَوْلٌ، أَوْ وَجْهٌ، وَتَصِيرُ المُرْضِعَةُ أُمَّهُ، وَاَلَّذِي مِنْهُ اللَّبَنُ أَبَاهُ، وَتَسْرِي الحُرْمَةُ إلَى أَوْلَادِهِ،
من هذا والبعض من هذا؛ لخبر مسلم عن عائشة رضي الله عنها بذلك
(1)
(وضبطهن بالعرف)؛ إذ لم يرد لهن ضبط لغة ولا شرعا (فلو قطع) الرضيع الرضاع (إعراضا) عن الثدي أو قطعته عليه المرضعة ثم عاد إليه فيهما ولو فورا (تعدد) الرضاع وإن لم يصل للجوف منه في كل مرة إلا قطرة (أو) قطعه (للهو) أو نحو تنفس أو ازدراد ما اجتمع منه في فمه أو قطعته المرضعة لشغل خفيف (وعاد في الحال أو تحول) أو حولته (من ثدي إلى ثدي) آخر لها أو نام خفيفا (فلا) تعدد؛ عملا بالعرف في كل ذلك بقي الثدي بفمه أم لا. أما إذا تحول أو حول لثدي غيرها فيتعدد، وأما إذا نام أو التهى طويلا فإن بقي الثدي بفمه لم يتعدد وإلا تعدد، ويعتبر التعدد في أكل نحو الجبن بنظير ما تقرر في اللبن (ولو حُلِبَ منها دفعة وأوجره خمسا أو عكسه) أي حلب خمسا وأوجره دفعة (فرضعة)؛ اعتبارا بحالة الانفصال من الثدي في الأولى ووصوله للجوف في الثانية (وفي قول) ذلك (خمس) فيهما؛ تنزيلا في الأولى للإناء منزلة الثدي ونظرا في الثانية لحالة انفصاله من الضرع. وقوله منها قيد للخلاف في الوحدة فلو حلب من خمس في إناء وأوجره طفل دفعة أو خمسا حسب من كل رضعة جزما في الأولى، وعلى الأصح في الثانية. (ولو شك هل رضع خمسا أم) الأفصح أو (أقل؟ أو هل رضع في الحولين أم بعد؟ فلا تحريم)؛ لأن الأصل عدمه، ولا يخفى الورع هنا وحيث وقع الشك؛ للكراهة حينئذ (وفي) الصورة (الثانية قول أو وجه) في التحريم؛ لأن الأصل بقاء الحولين (و) بالرضاع المستوفي للشروط (تصير المرضعة أمَّه) أي الرضيع (والذي منه اللبن أباه).
(وتسري الحرمة) من الرضيع (إلى أولاده) أي الرضيع نسبا أو رضاعا وإن سفلوا، وذلك؛ لخبر ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)). وخرج بأولاده أصوله وحواشيه فلا
(1)
. والقراءة الدالة على الخمس الرضعات من الشاذ، كما رجحه الشارح، ومن المنسوخ كما رجحه شرح الروض.
وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ مُسْتَوْلَدَاتٍ أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَأُمُّ وَلَدٍ فَرَضَعَ طِفْلٌ مِنْ كُلٍّ رَضْعَةً صَارَ ابْنَهُ فِي الْأَصَحِّ فَيَحْرُمْنَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ، وَلَوْ كَانَ بَدَلَ المُسْتَوْلَدَاتِ بَنَاتٌ أَوْ أَخَوَاتٌ فَلَا حُرْمَةَ فِي الْأَصَحِّ. وَآبَاءُ المُرْضِعَةِ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ أَجْدَادٌ لِلرَّضِيعِ، وَأُمَّهَاتُهَا جَدَّاتُهُ، وَأَوْلَادُهَا مِنْ نَسَبٍ وَ رَضَاعٍ إخْوَتُهُ وَأَخَوَاتُهُ، وَإِخْوَتُهَا وَأَخَوَاتُهَا أَخْوَالُهُ وَخَالَاتُهُ، وَأَبُو ذِي اللَّبَنِ جَدُّهُ، وَأَخُوهُ عَمُّهُ وَكَذَا الْبَاقِي، وَاللَّبَنُ لِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ وَلَدٌ نَزَلَ بِهِ بِنِكَاحٍ أَوْ وَطْءِ شُبْهَةٍ، لَا زِنًا، وَلَوْ نَفَاهُ بِلِعَانٍ انْتَفَى اللَّبَنُ عَنْهُ
تسري الحرمة منه إليهما فلهم نكاح المرضعة وبناتها ولذي اللبن نكاح أم الطفل وأخته (ولو كان لرجل خمس مستولدات أو أربع نسوة وأم ولد) ولبنهن له (فرضع طفل من كلٍّ رضعة صار ابنه في الأصح)؛ لأن لبن الكل منه ولا تصرن أمهاته رضاعا (فيحرمن عليه لأنهن موطوءات أبيه. ولو كان بدل المستولدات بنات أو أخوات) أو أم وأخت وبنت وجدة وزوجة له فرضع الطفل من كل رضعة (فلا حرمة) لهن عليه (في الأصح) وإلا لصار جداً لأم أو خالا مع عدم أمومة وهو محال بخلافه فيما مر؛ لأنه لا تلازم بين الأبوة والأمومة لثبوت الأبوة فقط فيما ذكر، والأمومة فقط فيما إذا أرضعت خلية أو مرضع من زنا، (وآباء المرضعة من نسب أو رضاع أجداد للرضيع) وفروعه، فإذا كان أنثى حرم عليهم نكاحها (وأمهاتها) من نسب أو رضاع (جداته) فإذا كان ذكرا حرم عليهن نكاحه (وأولادها من نسب أو رضاع إخوته وأخواته، وإخوتها وأخواتها) من نسب أو رضاع (أخواله وخالاته، وأبو ذي اللبن جده، وأخوه عمه، وكذا الباقي) فأمهاته جدات الرضيع وأولاده إخوة الرضيع وأخواته. (واللبن لمن نسب إليه ولد نزل) اللبن (به) أي بسببه (بنكاح) فيه دخول أو استدخال مني محترم أو بملك يمين فيه ذلك أيضا (أو وطء شبهة)؛ لثبوت النسب بذلك والرضاع تلوه (لا زنا)؛ لأنه لا حرمة له، نعم يكره له نكاح مَن ارتضعت مِن لبنه. أما حيث لا دخول بأن لحقه ولد بمجرد الإمكان فلا تثبت
(1)
الحرمة بين الرضيع وأبي الولد. وخرج بقوله ((نزل به)) ما نزل قبل حملها منه ولو بعد وطئها فلا ينسب إليه ولا تثبت به أبوته (ولو نفاه) أي الزوج الولد النازل به اللبن (بلعان انتفى اللبن عنه)؛ لما تقرر أنه تابع للنسب، ومن ثم لو استلحقه
(1)
. خلافا لهما.
وَلَوْ وُطِئْت مَنْكُوحَةٌ بِشُبْهَةٍ، أَوْ وَطِئَ اثْنَانِ بِشُبْهَةٍ فَوَلَدَتْ فَاللَّبَنُ لِمَنْ لَحِقَهُ الْوَلَدُ بِقَائِفٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلَا تَنْقَطِعُ نِسْبَةُ اللَّبَنِ عَنْ زَوْجٍ مَاتَ أَوْ طَلَّقَ، وَإِنْ طَالَتِ المُدَّةُ أَوِ انْقَطَعَ وَعَادَ، فَإِنْ نَكَحَتْ آخَرَ وَوَلَدَتْ مِنْهُ فَاللَّبَنُ بَعْدَ الْوِلَادَةِ لَهُ وَقَبْلَهَا لِلْأَوَّلِ إنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتَ ظُهُورِ لَبَنِ حَمْلِ الثَّانِي، وَكَذَا إنْ دَخَلَ، وَفِي قَوْلٍ لِلثَّانِي وَفِي قَوْلٍ لَهُمَا
بعدُ لحقه الرضيع. (ولو وطئت منكوحة بشبهة أو وطئ اثنان) امرأة (بشبهة فولدت) بعد وطئها ولدا (فاللبن) النازل به (لمن لحقه الولد) منهما (بقائف)؛ لإمكانه منهما (أو غيره) كانحصار الإمكان في واحد منهما أو لم يكن قائف أو ألحقه بهما أو نفاه عنهما أو أشكل عليه الأمر وانتسب لأحدهما بعد بلوغه أو بعد إفاقته من نحو جنون، ولو رضع شخص من ذلك اللبن كان ولد رضاع لمن لحقه الولد؛ لأن اللبن تابع للولد، فإن مات قبل الاتنساب وله ولد قام مقامه أو أولاد وانتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك دام الإشكال، فإن ماتوا قبل الانتساب أو بعده فيما ذكر أو لم يكن له ولد انتسب الرضيع، وحيث أُمر الرضيع بالانتساب لا يجبر عليه لكن يحرم عليه نكاح بنت أحدهما ونحوها بخلاف الولد
(1)
ومن يقوم مقامه فإنهم يجبرون على الانتساب
(2)
(ولا تنقطع نسبة اللبن) لزوج نزل بسبب علوق زوجته منه (عن زوج مات أو طلق وإن طالت المدة) فكل مرتضع بلبنها قبل ولادتها
(3)
من غيره يكون ابنا له كما قال (أو انقطع) اللبن (وعاد) ولو بعد عشر سنين؛ لعدم حدوث ما يقطع نسبته عن الأول؛ إذ الكلام فيمن لم تنكح غيره ولا وطئت بشبهة أو ملك (فإن نكحت آخر) أو وطئت بأحد ذينك (وولدت منه فاللبن بعد) تمام (الولادة) بأن تم انفصال الولد (له) أي الثاني (وقبلها) أو معها (للأول إن لم يدخل وقت ظهور لبن حمل الثاني، وكذا إن دخل) وقته وزاد بسبب الحمل؛ لأنه ليس غذاء للحمل فلم يصلح قاطعا له عن ولد الأول، (وفي قول) هو فيما بعد دخول وقت ذلك (للثاني) إن انقطع مدة طويلة ثم عاد؛ إلحاقا للحمل بالولادة، (وفي قول) هو (لهما)؛ لتعارض مرجحيهما.
(1)
. أي الذي نزل بسببه اللبن، وقوله:((ومن يقوم مقامه))، وهو ولده.
(2)
. عبارة شرح المنهج بتصرف.
(3)
. ولو من زنا فينقطع نسبته عن الزوج وإن لم ينسب للزاني.
فصل
تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا أُمُّهُ أَوْ أُخْتُهُ أَوْ زَوْجَةٌ أُخْرَى انْفَسَخَ نِكَاحُهُ، وَلِلصَّغِيرَةِ نِصْفُ مَهْرِهَا، وَلَهُ عَلَى المُرْضِعَةِ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ كُلُّهُ. وَلَوْ رَضَعَتْ مِنْ نَائِمَةٍ فَلَا غُرْمَ وَلَا مَهْرَ لِلْمُرْتَضِعَةِ. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ وَصَغِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْ أُمُّ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ انْفَسَخَتْ الصَّغِيرَةُ وَكَذَا الْكَبِيرَةُ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَهُ نِكَاحُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا
(فصل) في حكم الرضاع الطارئ على النكاح
(تحته صغيرة فأرضعتها) مَن تحرم عليه بنتها بنسب أو رضاع كأن أرضعتها (أمه أو أخته) أو زوجة أصله أو فرعه أو أخيه بلبن ذلك الأصل أو الفرع أو الأخ، (أو زوجة أخرى) له موطوءة (انفسخ نكاحه) من الصغيرة؛ لأنها صارت محرمة عليه أبدا، وكذا من الكبيرة في الأخيرة؛ لأنها صارت أم زوجته. وخرج بالموطوءة غيرها فتحرم المرضعة فقط إن كان الإرضاع بغير لبنه كما يأتي (وللصغيرة) عليه (نصف مهرها) المسمى إن صح وإلا فنصف مهر مثلها؛ لأنها فورقت قبل الوطء لا بسببها (وله) إن كان حرا وإلا فلسيده وإن كان الفوات إنما هو على الزوج (على المرضعة) المختارة إن لم يأذن لها ولم تكن مملوكة له أو كانت مكاتبته (نصف مهر مثل) وإن لزمها الإرضاع لتعينها؛ لأن غرامة المتلف لا تتأثر بذلك. أما المكرهة فيلزمها ذلك لكن لا بطريق الاستقرار، وإنما هي طريق في الضمان والقرار على مكرهها. ولو حلبت لبنها ثم أمرت أجنبيا يسقيه لها كان طريقا والقرار عليها، نعم إذا كان المأمور مميزا لا يرى تحتم طاعتها فالغرم عليه فقط، أو كان يرى تحتم الطاعة فالغرم عليها فقط (وفي قول) له عليها (كله) أي مهر المثل؛ لأنه قيمة البضع الذي فوتته. (ولو رضعت) رضاعا محرما (من نائمة) أو مستيقظة ساكتة، وجعله كالأصحاب التمكين من الإرضاع إرضاعا إنما هو بالنسبة للتحريم لا الغرم (فلا غرم عليها)؛ لأنها لم تصنع شيئا (ولا مهر للمرتضعة)؛ لأن الانفساخ بفعلها وهو مسقط له قبل الدخول، وله في مالها مهر مثل الكبيرة المنفسخ نكاحها أو نصفه؛ لأنها أتلفت عليه بضعها وضمان الإتلاف لا يتوقف على تمييز (ولو كان تحته كبيرة وصغيرة فأرضعت أمُّ الكبيرة الصغيرة انفسخت الصغيرة)؛ لأنها صارت أخت الكبيرة (وكذا الكبيرة في الأظهر)؛ لذلك (وله نكاح من شاء منهما) من غير جمع؛ لأنهما أختان
وَحُكْمُ مَهْرِ الصَّغِيرَةِ وَتَغْرِيمُهُ المُرْضِعَةَ مَا سَبَقَ، وَكَذَا الْكَبِيرَةُ إنْ لَمْ تَكُنْ مَوْطُوءَةً فَإِنْ كَانَتْ مَوْطُوءَةً فَلَهُ عَلَى المُرْضِعَةِ مَهْرُ مِثْلٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ أَرْضَعَتْ بِنْتُ الْكَبِيرَةِ الصَّغِيرَةَ حَرُمَتِ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَتِ الْكَبِيرَةُ مَوْطُوءَةً. وَلَوْ كَانَتْ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ فَطَلَّقَهَا فَأَرْضَعَتْهَا امْرَأَةٌ صَارَتْ أُمَّ امْرَأَتِهِ، وَلَوْ نَكَحَتْ مُطَلَّقَتُهُ صَغِيرًا وَأَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهِ حُرِّمَتْ عَلَى المُطَلِّقِ وَالصَّغِيرِ أَبَدًا. وَلَوْ زَوَّجَ أُمَّ وَلَدِهِ عَبْدَهُ الصَّغِيرَ فَأَرْضَعَتْهُ لَبَنَ السَّيِّدِ حَرُمَتْ عَلَيْهِ وَعَلَى السَّيِّدِ، وَلَوْ أَرْضَعَتْ مَوْطُوءَتُهُ الْأَمَةُ صَغِيرَةً تَحْتَهُ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ حَرُمَتَا عَلَيْهِ
(وحكم مهر الصغيرة) عليه (وتغريمه) أي الزوج (المرضعة ما سبق) أول الفصل (وكذا الكبيرة إن لم تكن موطوءة) حكمها ما سبق في الصغيرة فلها عليه نصف المسمى الصحيح وإلا فنصف مهر المثل، وله على أمها المرضعة نصف مهر المثل (فإن كانت موطوءة فله على) الأم (المرضعة) بشروطها السابقة (مهر مثل في الأظهر) كما لزمه لبنتها جميع المسمى إن صح وإلا فجميع مهر المثل. أما لو كانت الكبيرة الموطوءة هي المفسدة لنكاحها بإرضاعها الصغيرة فلا يرجع عليها بمهرها؛ لئلا يخلو نكاحها مع الوطء عن مهر (ولو أرضعت بنت الكبيرة الصغيرة حرمت الكبيرة أبدا)؛ لأنها جدة زوجته (وكذا الصغيرة) فتحرم أبدا (إن كانت الكبيرة موطوءة)؛ لأنها ربيبة بخلاف ما إذا لم تكن موطوءة؛ لأن بنت الزوجة لا تحرم إلا بالدخول وحكم الغرم هنا ما سبق أيضا (ولو كانت تحته صغيرة فطلقها فأرضعتها امرأة صارت أم امرأته) فتحرم عليه أبدا؛ إلحاقا للطارئ بالمقارن كما هو شأن التحريم المؤبد (ولو نكحت مطلقته صغيرا وأرضعته بلبنه حرمت على المطلق والصغير أبدا)؛ لأنها زوجة ابن المطلق وأم الصغير وزوجة أبيه (ولو زوَّج أم ولده عبده الصغير)؛ بناء على المرجوح أنه يزوجه إجبارا أو حكم به حاكم يراه (فأرضعته لبن السيد حرمت عليه)؛ لأنها أمه وموطوءة أبيه (وعلى السيد)؛ لأنها زوجة ابنه. وخرج بلبنه لبن غيره فإن النكاح وإن انفسخ لكونها أمه لا تحرم على السيد؛ لانتفاء سبب التحريم عليه المذكور. (ولو أرضعت موطوءته الأمة صغيرةً تحته بلبنه أو لبن غيره حرمتا عليه) أبدا؛ لأن الأمة أم زوجته والصغيرة بنته إن رضعت لبنه وإلا فبنت موطوءته.
وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ صَغِيرَةٌ وَكَبِيرَةٌ فَأَرْضَعَتْهَا انْفَسَخَتَا وَحَرُمَتْ الْكَبِيرَةُ أَبَدًا وَكَذَا الصَّغِيرَةُ إنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ بِلَبَنِهِ، وَإِلَّا فَرَبِيبَةٌ. وَلَوْ كَانَ تَحْتَهُ كَبِيرَةٌ وَثَلَاثُ صَغَائِرُ فَأَرْضَعَتْهُنَّ حَرُمَتْ أَبَدًا، وَكَذَا الصَّغَائِرُ إنْ أَرْضَعَتْهُنَّ بِلَبَنِهِ أَوْ لَبَنِ غَيْرِهِ وَهِيَ مَوْطُوءَةٌ، وَإِلَّا فَإِنْ أَرْضَعَتْهُنَّ مَعًا بِإِيجَارِهِنَّ الخَامِسَةَ انْفَسَخْنَ، وَلَا يَحْرُمْنَ مُؤَبَّدًا، أَوْ مُرَتَّبًا لَمْ يَحْرُمْنَ، وَتَنْفَسِخُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ، وَتَنْفَسِخُ الثَّانِيَةُ بِإِرْضَاعِ الثَّالِثَةِ، وَفِي قَوْلٍ لَا تَنْفَسِخُ، وَيَجْرِي الْقَوْلَانِ فِيمَنْ تَحْتَهُ صَغِيرَتَانِ أَرْضَعَتْهُمَا أَجْنَبِيَّةٌ مُرَتَّبًا أَتَنْفَسِخَانِ أَمْ الثَّانِيَةُ؟
(ولو كان تحته صغيرة وكبيرة فأرضعتها) أي الكبيرة الصغيرة (انفسختا)؛ لأنها بنتها فامتنع جمعهما (وحرمت الكبيرة أبدا)؛ لأنها أم زوجته (وكذا الصغيرة إن كان الإرضاع بلبنه)؛ لأنها بنته (وإلا) يكن بلبنه، بل بلبن غيره (فربيبة) فلا تحرم إلا إن دخل بالكبيرة (ولو كان تحته كبيرة وثلاث صغائر فأرضعتهن حرمت) عليه (أبدا)؛ لأنها أم زوجاته (وكذا الصغائر إن أرضعتهن بلبنه أو لبن غيره) معا أو مرتبا (وهي) في الإرضاع بلبن غيره (موطوءة)؛ لأنهن بناته أو بنات موطوءته، (وإلا) تكن موطوءة للزوج والحال أن اللبن للغير (فإن أرضعتهن معا)، ويتصور (بإيجارهن) الرضعة (الخامسة) في وقت واحد أو بأن تلقم اثنين ثدييها وتؤجر الثالثة لبنها المحلوب (انفسخن)؛ لاجتماعهن مع أمهن ولصيرورتهن أخوات (ولا يحرمن مؤبدا)؛ إذ لم يطأ أمهن فله نكاح كل من غير جمع في نكاح، (أو) أرضعتهن (مرتبا لم يحرمن) كما ذكر (وتنفسخ الأولى) بإرضاعها؛ لاجتماعها مع الأم في النكاح، ولا تنفسخ الثانية بمجرد إرضاعها؛ إذ لا موجب له (والثالثة) بإرضاعها لاجتماعها مع أختها الثانية الباقية في نكاحه (وتنفسخ الثانية بإرضاع الثالثة)؛ لأنهما صارتا أختين معا فأشبه ما إذا أرضعتهما معا (وفي قول لا ينفسخ) نكاح الثانية بل يختص الانفساخ بالثالثة. ولو أرضعت ثنتين معا ثم الثالثة انفسخ من عداها؛ لوقوع إرضاعها بعد اندفاع نكاح أمها وأختيها، أو واحدة ثم ثنتين معا انفسخ نكاح الكل؛ لاجتماع الأم والبنت وصيرورة الأخيرتين أختين معا (ويجري القولان فيمن تحته صغيرتان أرضعتهما أجنبية) ولو بعد طلاقهما الرجعي (مرتبا أينفسخان) وهو الأظهر؛ لما مر، ولا يحرمان مؤبدا (أم الثانية) فقط؟، فإن أرضعتهما معا انفسختا قطعا؛ لأنهما صارتا أختين معا والمرضعة تحرم مؤبدا قطعا؛ لأنها أم زوجته.
فصل
قَالَ: هِنْدٌ بِنْتِي أَوْ أُخْتِي بِرَضَاعٍ، أَوْ قَالَتْ هُوَ أَخِي حَرُمَ تَنَاكُحُهُمَا، وَلَوْ قَالَ زَوْجَانِ: بَيْنَنَا رَضَاعٌ، مُحَرِّمٌ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ المُسَمَّى وَوَجَبَ مَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ. وَإِنِ ادَّعَى رَضَاعًا فَأَنْكَرَتْ انْفَسَخَ، وَلَهَا المُسَمَّى إنْ وَطِئَ، وَإِلَّا فَنِصْفُهُ،
(فصل) في الإقرار والشهادة بالرضاع والاختلاف فيه
(قال) رجل (هند بنتي أو أختي برضاع، أو قالت) امرأة (هو أخي) أو ابني من رضاع وأمكن ذلك حسا وشرعا (حرم) وإن لم يذكر شروط الرضاع (تناكحهما) أبدا؛ مؤاخذة للمقر بإقراره ظاهرا، وباطنا إن صدق المقر وإلا فظاهرا فقط، ولا تثبت الحرمة على غير المقر من فروعه وأصوله مثلا إلا إن صدقه، ثم إنه لو طلق بعد الإقرار أوخذ به مطلقا فلا تحل له بعد فاستفدنا من قوله حرم تناكحهما تأثيره بالنسبة للتحريم خاصة؛ لأنه الأصل في الأبضاع، أما المحرمية فلا تثبت؛ عملا بالاحتياط في كليهما. (ولو قال زوجان) أي باعتبار صورة الحال (بيننا رضاع محرم فُرِّق بينهما)؛ عملا بقولهما وإن قضت العادة بجهلهما بشروط الرضاع المحرم.
[تنبيه] المتجه أنه لا يشترط في الإقرار تقييد الرضاع بكونه محرما سواء قبل أو بعد النكاح
(1)
(وسقط المسمى)؛ لتبين فساد النكاح (ووجب مهر مثل إن وطئ)؛ للشبهة، ومن ثم لو مكنته عالمة مختارة لم يجب لها شيء؛ لأنها زانية (وإن ادعى) الزوج (رضاعا) مُحَرِّما (فأنكرت) الزوجة (انفسخ)؛ لإقراره (ولها المسمى) إن صح وإلا فمهر المثل (إن وطئ وإلا) يطأ (فنصفه)؛ لأن الفرقة منه ولا يقبل قوله عليها فيه، نعم له تحليفها قبل وطء، وكذا بعده إن زاد المسمى على مهر المثل، فإن نكلت حلف ولزمه مهر المثل بعد الوطء ولم يلزمه شيء قبله، هذا في غير مفوضة رشيدة أما هي فليس لها إلا المتعة
(2)
.
(1)
. خلافا للمغني فاعتمد اشتراطه فيهما.
(2)
. تبرأ الشارح من هذا بخلاف النهاية.
وَإِنْ ادَّعَتْهُ فَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ زُوِّجَتْ بِرِضَاهَا وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُهَا وَلَهَا مَهْرُ مِثْلٍ إنْ وَطِئَ، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهَا. وَيُحَلَّفُ مُنْكِرُ رَضَاعٍ عَلَى نَفْيِ عِلْمِهِ، وَمُدَّعِيهِ عَلَى بَتٍّ، وَيَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ، وَالْإِقْرَارُ بِهِ شَرْطُهُ رَجُلَانِ
(وإن ادعته) أي الزوجة الرضاع المُحَرِّم (فأنكر) هـ الزوج (صدق بيمينه
(1)
إن زوجت) منه (برضاها) به بأن عينته في إذنها؛ لتضمنه إقرارها بحلها له (وإلا) تزوج برضاها بل إجبار أو أذنت من غير تعيين زوج (فالأصح تصديقها) بيمينها -ما لم تمكنه من وطئها مختارة-؛ لاحتمال ما تدعيه ولم يسبق منها ما يناقضه فأشبه ما لو ذكرته قبل النكاح، ويظهر أن تمكينها في نحو ظلمة مانعة من رؤيته كلا تمكين، وإقرار أمة برضاع بينها وبين سيدها قبل أن تمكنه أو بين من لم يملكها مُحَرِّم
(2)
كالزوجة (ولها مهر مثل إن وطئ) ولم تكن عالمة مختارة حينئذ، وإلا فزانية كما مر لا المسمى؛ لإقرارها بأنها لا تستحق، نعم إن كانت قبضته لم تسترده؛ لزعمه أنه لها، والورع تطليق مدعيته لتحل لغيره يقينا بفرض كذبها (وإلا) يطأ (فلا شيء لها)؛ لتبين فساده (ويحلف منكر رضاع) منهما (على نفي علمه) به؛ لأنه ينفي فعل الغير وفعله في الارتضاع لغو، نعم اليمين المردودة تكون على البت؛ لأنها مثبتة (و) يحلف (مدعيه على بت)؛ لأنه يثبت فعل الغير (ويثبت) الرضاع (بشهادة رجلين
(3)
وإن تعمدا النظر لثديها لغير الشهادة وتكرر منهما؛ لأنه صغيرة وإدمانها لا يضر إن غلبت طاعاته معاصيه (أو رجل وامرأتين وبأربع نسوة)؛ لأنهن يطلعن عليه غالبا كالولادة، ومن ثم لو كان النزاع في الشرب من ظرف لم يقبلن؛ لأن الرجال يطلعون عليه غالبا، نعم يقبلن في أن ما في الظرف لبن فلانة؛ لأن الرجال لا يطلعون على الحلب غالبا (والإقرار به شرطه) أي شرط ثبوته (رجلان)؛ لاطلاع الرجال عليه غالبا، ولا يشترط فيه تفصيل المقر ولو عاميا؛ لأن المقر يحتاط لنفسه فلا
(1)
. ومحله -كما قال الشارح فيما يحرم من النكاح- في ظاهر يحرمها عليه في اعتقادهما، وباطن لا يحرمها عليه في اعتقادهما.
(2)
. وفاقا للمغني وخالف النهاية في شطر المسألة الأول.
(3)
. ويأتي قبيل كتاب الدعوى أنه لو شهدا برضاع أو بطلاق بائن أو لعان وفرق القاضي ثم رجع الشهود دام الفراق.
وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ المُرْضِعَةِ إنْ لَمْ تَطْلُبْ أُجْرَةً، وَلَا ذَكَرَتْ فِعْلَهَا، وَكَذَا إنْ ذَكَرَتْا فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ مُحَرِّمٌ، بَلْ يَجِبُ ذِكْرُ وَقْتٍ وَعَدَدٍ وَوُصُولِ اللَّبَنِ جَوْفَهُ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ بِمُشَاهَدَةِ حَلَبٍ وَإِيجَارٍ وَازْدِرَادٍ أَوْ قَرَائِنَ كَالْتِقَامِ ثَدْيٍ وَمَصِّهِ وَحَرَكَةِ حَلْقِهِ بِتَجَرُّعٍ وَازْدِرَادٍ بَعْدَ عِلْمِهِ أَنَّهَا لَبُونٌ ....
يقر إلا عن تحقيق (وتقبل شهادة المرضعة
(1)
مع غيرها (إن لم تطلب أجرة) عليه وإلا لم تقبل؛ لأنها حينئذ متهمة (ولا ذكرت فعلها) بأن قالت بينهما رضاع محرم وذكرت شروطه. (وكذا) تقبل (إن ذكرت) ـه (فقالت أرضعته) أو أرضعتها وذكرت شروطه (في الأصح)؛ إذ لا تهمة مع أن فعلها غير مقصود بالإثبات إذ العبرة بوصول اللبن لجوفه، ولا نظر إلى إثبات المحرمية؛ لأنه غرض تافه لا يقصد كما تقبل الشهادة بعتق أو طلاق وإن استفاد بها الشاهد حل المنكوحة (والأصح أنه لا يكفي) قول الشاهد بالرضاع (بينهما رضاع محرِّم، بل يجب ذكر وقت وعدد) كخمس رضعات متفرقات في الحياة بعد التسع وقبل الحولين؛ لاختلاف العلماء في ذلك، نعم إن كان الشاهد فقيها يوثق بمعرفته وفقهه موافقا للقاضي المقلد في شروط التحريم وحقيقة الرضعة اكتُفيَ
(2)
منه بإطلاق كونه محرِّما
(3)
، ومع ذكر الشروط لا يحتاج لقوله محرم خلافا لما قد يوهمه المتن (ووصول اللبن جوفه) في كل رضعة. (ويعرف ذلك) أي وصوله للجوف وإن لم يشاهد (بمشاهدة حلَب) وهو اللبن المحلوب (وإيجار وازدراد أو قرائن كالتقام ثدي ومصه وحركة حلقه بتجرع وازدراد بعد علمه أنها لبون) أي أن في ثديها حالة الإرضاع أو قُبيله لبنا؛ لأن مشاهدة هذه قد تفيد اليقين أو الظن القوي، ولا يذكر القرائن في الشهادة بل يجزم بها؛ اعتمادا عليها. أما إذا لم يعلم أنها ذات لبن حينئذ فلا تحل له الشهادة؛ لأن الأصل عدم اللبن.
(1)
. ولو أقرت برضاع ثم ادعت أنه دون الخمس أو بعد الحولين وقالت ظننته محرما قبلت ذكره الشارح قبيل الإيلاء 8/ 158.
(2)
. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.
(3)
. كما هو ظاهر كلام الشارح في باب الشهادات، قال هناك أيضا:((بحيث لا يتطرق إليه تهمة ولا جزم بحكم فيه خلاف في الترجيح)).
كتاب النفقات
عَلَى مُوسِرٍ لِزَوْجَتِهِ كُلَّ يَوْمٍ مُدَّا طَعَامٍ، وَمُعْسِرٍ مُدٌّ، وَمُتَوَسِّطٍ مُدٌّ وَنِصْفٌ، وَالمُدُّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثُ دِرْهَمٍ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ مِائَةٌ وَأَحَدٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَماً وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمِسْكِينُ الزَّكَاةِ مُعْسِرٌ، وَمَنْ فَوْقَهُ إنْ كَانَ لَوْ كُلِّفَ مُدَّيْنِ رَجَعَ مِسْكِينًا فَمُتَوَسِّطٌ، وَإِلَّا فَمُوسِرٌ. وَالْوَاجِبُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ
…
(كتاب النفقات)
الأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع (على موسر) حر كله (لزوجته) ولو أمة وكافرة ومريضة (كل يوم) بليلته المتأخرة عنه أي من طلوع فجره (مُدَّا طعام، ومعسر)، ومنه كسوب وإن قدر زمن كسبه على مال واسع، ومكاتب وإن أيسر؛ لضعف ملكه، وكذا مبعض؛ لنقصه (مد، ومتوسط مد ونصف) ولو لرفيعة. أما أصل التفاوت فلقوله تعالى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} الطلاق: 7، وأما ذلك التقدير فبالقياس على الكفارة (والمد) والأصل في اعتباره الكيل، وإنما ذكروا الوزن استظهارا أو إذا وافق الكيل كما مر، ثم الوزن اختلفوا فيه فقال الرافعي إنه (مائة وثلاثة وسبعون درهما وثلث درهم)؛ بناء على ما مر عنه في رطل بغداد. (قلت: الأصح مائة وأحد وسبعون) درهما (وثلاثة أسباع) درهم (والله أعلم)؛ بناء على الأصح السابق فيه (ومسكين الزكاة) المار ضابطه في باب قسم الصدقات (معسر، ومَن فوقه) في التوسع بأن كان له ما يكفيه من المال لا الكسب (إن كان لو كلِّف مدين) كل يوم لزوجته
(1)
(رجع مسكينا فمتوسط وإلا) يرجع مسكينا لو كلف ذلك (فموسر) ويختلف ذلك بالرخص والغلاء. (والواجب غالب قوت البلد) أي محل الزوجة من بُرٍّ أو غيره كأقط كالفطرة
(2)
وإن لم يلق بها
(1)
. ظاهره أنه لو كان معه مال يقسط على بقية العمر الغالب فإن كان لو كلف في كل يوم منه مُدَّين رجع معسرا كان متوسطا وإلا فلا، لكن في حاشية الشارح على فتح الجواد أن الاعتبار بحاله عند فجر يوم الوجوب فإذا كان لو كلف في هذا اليوم مُدَّين كان مسكينا فمتوسط وإلا فموسر ثم يعتبر الثاني كذلك، وفي شرح البهجة والمغني ما يوافقه.
(2)
. قد يدل أن المعتبر في الغلبة جميع السنة وهو مخالف لكلام الرملي أن المعتبر فجر يوم الوجوب ثم يعتبر يوما بيوم.
قُلْتُ: فَإِنِ اخْتَلَفَ وَجَبَ لَائِقٌ بِهِ، وَيُعْتَبَرُ الْيَسَارُ وَغَيْرُهُ طُلُوعَ الْفَجْرِ وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَعَلَيْهِ تَمْلِيكُهَا حَبًّا، وَكَذَا طَحْنُهُ وَخَبْزُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ طَلَبَ أَحَدُهُمَا بَدَلَ الحَبِّ لَمْ يُجْبَرِ المُمْتَنِعُ، فَإِنِ اعْتَاضَتْ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، إلَّا خُبْزًا وَ دَقِيقًا عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ أَكَلْت مَعَهُ عَلَى الْعَادَةِ سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا فِي الْأَصَحِّ
ولا ألفته؛ إذ لها إبداله (قلت: فإن اختلف) غالب قوت محلها أو أصل قوته بأن لم يكن فيه غالب (وجب لائق به) أي بيساره أو ضده، ولا عبرة بما يتناوله توسيعا أو بخلا مثلا (ويعتبر اليسار وغيره) من التوسط والإعسار (طلوع الفجر) إن كانت ممكنة حينئذ (والله أعلم)؛ لأنها تحتاج إلى طحنه وعجنه وخبزه، ويلزمه الأداء عقب طلوعه إن قدر بلا مشقة لكنه لا يخاصم فإن شق عليه فله التأخير كالعادة. أما الممكنة بعده فيعتبر حاله عقب التمكين، ويأتي أن من أراد سفرا يكلف طلاقها أو توكيل من ينفق عليها من مال حاضر (و) الواجب (عليه تمليكها) يعني أن يدفع إليها إن كانت كاملة وإلا فلوليها أو سيد غير المكاتبة ولو مع سكوت الدافع والآخذ (حبَّا) سليما إن كان الغالب الحبَّ كالكفارة ولأنه أكمل في النفع فتتصرف فيه كيف شاءت -لا خبزا أو دقيقا مثلا-، (وكذا) عليه أو نائبه وإن اعتادت تولي ذلك بنفسها (طحنه) وعجنه (وخبزه في الأصح) بنفسه؛ لأنها في حبسه، وبهذا فارقت الكفارة حتى لو باعته أو أكلته حبا استحقت مؤن ذلك، وكذا عليه مؤنة اللحم وما يطبخ به أي وإن أكلته نيئا (ولو طلب أحدهما بدل الحب) مثلا من نحو دقيق أو قيمة بأن طلبته هي أو بذله هو بلا طلب (لم يجبر الممتنع)؛ لأنه اعتياض وشرطه التراضي، (فإن اعتاضت) عن واجبها نقدا أو عرضا من الزوج أو غيره (جاز في الأصح) كالقرض بجامع استقرار كلٍّ في الذمة لمعين. فخرج بالاستقرار المسلم فيه والنفقة المستقبلة؛ لأنها معرضة للسقوط، وقضيته جريان منع الاعتياض
(1)
في نفقة اليوم قبل مضيه، وبالمعين الكفارات. ويجوز الاعتياض عن الصداق إذا كان دينا. ويجب قبض ما تعوضته عن نفقة وغيرها إن كان ربويَّا، أما غيره فيكفي تعيينه في المجلس (إلا خبزا ودقيقا) ونحوهما فلا يجوز أن تتعوضه عن الحب الموافق له جنسا (على المذهب)؛ لأنه ربا. (ولو أكلت) مختارة من طعامه (معه كالعادة) أو وحدها، أو أرسل إليها الطعام فأكلته بحضرته أو غيبته، أو أضافها رجل؛ إكراما له (سقطت نفقتها) إن أكلت قدر الكفاية وإلا رجعت بالتفاوت، وتصدق هي في قدر ما أكلته؛ لأن الأصل عدم قبضها للزائد (في الأصح)؛
(1)
. خلافا لهما.
قُلْتُ: إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ رَشِيدَةٍ وَلَمْ يَأْذَنْ وَلِيُّهَا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَجِبُ أُدْمُ غَالِبِ الْبَلَدِ كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ وَجُبْنٍ وَتَمْرٍ، وَيَخْتَلِفُ بِالْفُصُولِ، وَيُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَيُفَاوِتُ بَيْنَ مُوسِرٍ وَغَيْرِهِ،
لإطباق الناس عليه في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده ولم ينقل خلافه (قلت: إلا أن تكون) قنَّة أو (غير رشيدة) لصغر أو جنون أو سفه وقد حجر عليها بأن استمر سفهها المقارن للبلوغ، أو طرأ وحجر عليها وإلا لم يحتج لإذن الولي (ولم يأذن) سيدها المُطْلَق التصرف وإلا فوليه أو (وليها) في أكلها معه فلا تسقط قطعا؛ لأنه متبرع (والله أعلم)، نعم محل الاكتفاء بإذن وليِّها إن كان لها فيه حظ وإلا لم يعتد بإذنه فيرجع عليه بما هو مقدر لها. ولو قالت له قصدت بإطعامي التبرع فنفقتي باقية فقال بل قصدت النفقة صدق باليمين
(1)
(ويجب) لها (أدم غالب البلد) أي محل الزوجة نظير ما مر في القوت، ومن ثم يأتي هنا ما مر في اختلاف الغالب (كزيت وسمن وجبن وتمر) وخل؛ لأنه من المعاشرة بالمعروف المأمور بها؛ إذ الطعام لا ينساغ غالبا إلا به. والواو هنا لبيان أنواع الأدم فلا يجب الجمع بين المذكورات إلا إذا اعتيد، نعم إذا كان القوت نحو لحم أو لبن اكتفي به في حق من يعتاد اقتياته وحده. ويجب لها أيضا المشروب و يقدر بالكفاية وهو إمتاع لا تمليك
(2)
فيسقط بمضي المدة؛ لأنه لا تمكن معرفة قدره بالنسبة لها ولا للخارج فاستحال وجوبه بمضي الزمان ويلزم من عدم الوجوب بمضي الزمان كونه إمتاعا لا تمليكا، ومنه يؤخذ أن ماء طهرها أو ثمنه اللازم له تمليك؛ لأنه يمكن تقديره كالكسوة. (ويختلف) الأدم (بالفصول) الأربعة فيجب في كل فصل ما يعتاده الناس فيه حتى الفواكه، فتكفي عن الأدم لكن إن اقتضى العرف ذلك. ويجب من الأدم ما يليق بالقوت بخلاف نحو خلٍّ لمن قوتها التمر وجبن لمن قوتها الأقط (ويقدره) كاللحم الآتي (قاض باجتهاده) عند تنازعهما؛ إذ لا توقيف فيه (ويفاوت) فيه قدرا وجنسا (بين موسر وغيره) فيفرض ما يليق بحاله وبالمد، أو المدين، أو المد والنصف. ولو تبرمت بجنس أدم فُرِض لها لم يبدل لرشيدة؛ إذ لها إبداله بغيره وصرفه للقوت وعكسه، وله منعها من إبدال الأشرف
(1)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
(2)
. خلافا لهما.
وَلَحْمٌ يَلِيقُ بِيَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ كَعَادَةِ الْبَلَدِ، وَلَوْ كَانَتْ تَأْكُلُ الخُبْزَ وَحْدَهُ وَجَبَ الْأُدْمُ. وَكُِسْوَةٌ تَكْفِيهَا، فَيَجِبُ قَمِيصٌ، وَسَرَاوِيلُ وَخِمَارٌ وَمُكَعَّبٌ، وَيَزِيدُ فِي الشِّتَاءِ جُبَّةً، وَجِنْسُهَا قُطْنٌ، فَإِنْ جَرَتْ عَادَةُ الْبَلَدِ لِمِثْلِهِ بِكَتَّانٍ أَوْ حَرِيرٍ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ.
بالأخس، أو من ترك التأدم إن ادى الإبدال أو الترك ذلك إلى نقص تمتعه. أما غير رشيدة ليس لها من يقوم بإبداله فيبدله لها الزوج. ويناط التسريج بالعرف
(1)
(و) يجب لها (لحم) ويقدره قاض عند تنازعهما باجتهاده معتبرا في قدره وجنسه وزمنه ما (يليق بيساره وإعساره) وتوسطه (كعادة البلد) أي محل الزوج في أكله ونوعه وقدره وزمنه، ولا يتقدر بشيء؛ إذ لا توقيف فيه (ولو كانت تأكل الخبز وحده وجب الأدم) ولم ينظر لعادتها؛ لما مر أنه من المعاشرة بالمعروف. (وكُِسوة
(2)
-معطوف على أدم- وذلك؛ لقوله تعالى {وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة: 233 (تَكفيها) بحسب بدنها، ولا عبرة باعتياد أهل بلد تقصيرها كثياب الرجال. ولو طلبت تطويلها ذراعا كما في خبر أم سلمة -أي وابتداؤه من نصف ساقها
(3)
- أجيبت وإن لم يعتده أهل بلدها؛ لما فيه من زائدة الستر لها التي حثَّ عليها الشارع. ويختلف عدد الكسوة باختلاف محل الزوجة بردا وحرا، ومن ثم لو اعتادوا ثوبا للنوم وجب. وجودتها وضدها بيساره وضده (فيجب قميص وسراويل) أو ما يقوم مقامه بالنسبة لعادة محلها (وخمار) للرأس أو ما يقوم مقامه كذلك (ومُكَعَّب) أو نحوه يداس فيه إلا إذا لم يعتادوه، وهذه في كل من فصلي الشتاء والصيف
(4)
(ويزيد في الشتاء) على ذلك في المحل البارد (جبَّة) محشوة أو نحوها فأكثر بحسب الحاجة (وجنسها) أي الكسوة (قطن)؛ لأنه لباس أهل الدين وما زاد عليه ترفه ورعونة، فعلى موسر ليِّنه ومعسر خَشَنُه ومتوسط متوسطه (فإن جرت عادة البلد) أي المحل الذي هي فيه (لمثله) مع مثلها فكل منهما معتبر هنا (بكتَّان أو حرير وجب) مفاوتا في مراتب ذلك الجنس بين الموسر وضديه كما تقرر (في الأصح)؛ عملا بالعادة المحكمة في
(1)
. خلافا للنهاية حيث أوجبه أول الليل.
(2)
. استوجه الشارح في الجنائز أن مؤن التجهيز إمتاع لا تمليك وأنها لا تصير دينا على المعسر 3/ 124.
(3)
. وفاقا للمغني وشيخ السلام وخلافا للنهاية أن الابتداء من الكعبين كما ذكروا ذلك في اللباس 3/ 35.
(4)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني فلم يوجبه في الصيف.
وَيَجِبُ مَا تَقْعُدُ عَلَيْهِ كَزِلِّيَّةٍ أَوْ لِبْدٍ أَوْ حَصِيرٍ، وَكَذَا فِرَاشٌ لِلنَّوْمِ فِي الْأَصَحِّ، وَمِخَدَّةٌ وَلِحَافٌ فِي الشِّتَاءِ. وَآلَةُ تَنْظِيفٍ كَمُشْطٍ، وَدُهْنٍ، وَمَا يُغْسِلُ بِهِ الرَّأْسَ، وَمَِرْتَكٌ وَنَحْوُهُ لِدَفْعِ صُنَانٍ، لَا كُحْلٌ وَخِضَابٌ وَمَا يَزِينُ،
مثل ذلك. ولو اعتيد بمحل لبس نوع واحد ولو أدما كفى أو لبس ثياب رفيعة لا تستر البشرة أعطيت من صفيق يقرب منها. ويجب توابع ذلك من نحو تكة سراويل وكوفية وزر نحو قميص أو جبة. وظاهرٌ أنَّ أجرة الخياط وخيطه عليه لا عليها (ويجب ما تقعد عليه) ويختلف باختلاف حال الزوج (كزِلِّيَّة) -على متوسط شتاء وصيفا- وهي مضرب
(1)
صغير، وكطنفسة بساط صغير ثخين له وبرة
(2)
كبيرة، ونطع
(3)
في الصيف على موسر، ويكونان بعد بسط زلية أو حصير فإنهما لا يبسطان وحدهما (أو لبد
(4)
شتاء (أو حصير) صيفا على فقير؛ لاقتضاء العرف ذلك (وكذا) على كل منهم مع التفاوت بينهم نظير ما تقرر في فراش النهار (فراش للنوم) غير فراش النهار (في الأصح)؛ لذلك فيجب مضربة لينة أو قطيفة وهي دثار مخمل (ومِخدة و) يجب لها مع ذلك (لحاف) أو كساء (في الشتاء) يعني وقت البرد ولو في غير الشتاء. أما في غير وقت البرد ولو وقت الشتاء ولو في البلاد الحارة فيجب لها رداء أو نحوه إن كانوا ممن يعتادون فيه غطاء غير لباسهم أو يناموا عرايا كما هو السنة. ولا يجب تجديد هذا كله كالجبة إلا في وقت تجديده عادة (و) يجب لها أيضا (آلة تنظف) لبدنها وثيابها ويرجع في قدر ذلك ووقته للعادة (كمشط) وسواك وخلال (ودهن) كزيت ولو مطيبا اعتيد ولو لكلِّ البدن (وما يغسل به الرأس) عادة من سدر أو نحوه (ومَِرتك ونحوه لدفع صنان) إن لم يندفع بنحو رماد؛ لتأذيها ببقائه (لا كحل وخضاب وما يَزين) غير ما ذكر كطيب وعطر؛ لأنه لزيادة التلذذ فهو حقه، فإن أراده هيأه ولزمها استعماله. وورد لعن المرأة التي لا تختضب والتي لا تكتحل أي ومحله في المزوجة لكراهة الخضاب أو حرمته لغيرها على ما مر فيه في باب الإحرام.
(1)
. بساط مضرب إذا كان مخيطا، الصحاح.
(2)
. من الوبر وهو صوف الإبل والأرانب ونحوها، لسان العرب.
(3)
. وهو الجلد كالفروة التي يجلس عليها.
(4)
. هو بساط معروف، الصحاح.
وَدَوَاءُ مَرَضٍ، وَأُجْرَةُ طَبِيبٍ وَحَاجِمٍ. وَلَهَا طَعَامُ أَيَّامِ المَرَضِ وَأُدْمُهَا، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ أُجْرَةِ حَمَّامٍ بِحَسَبِ الْعَادَةِ، وَثَمَنِ مَاءِ غُسْلِ جِمَاعٍ وَنِفَاسٍ، لَا حَيْضٍ وَاحْتِلَامٍ
(1)
. وَلَهَا آلَاتُ أَكْلٍ وَشَُِرْبٍ وَطَبْخٍ كَقِدْرٍ وَقَصْعَةٍ وَكُوزٍ وَجَرَّةٍ وَنَحْوِهَا. وَمَسْكَنٌ يَلِيقُ بِهَا،
[تنبيه] ليس لحامل بائن
(2)
ومن غاب زوجها إلا ما يزيل الشعث والوسخ
(ودواء مرض وأجرة طبيب وحاجم) وفاصد وخاتن؛ لأنها لحفظ الأصل (ولها طعام أيام المرض وأدمها) وكسوتها وآلة تنظفها وتصرفه للدواء أو غيره؛ لأنها محبوسة عليه (والأصح وجوب أجرة حمام) لمن اعتادته أي ولا ريبة فيه بوجه، وحينئذ تدخله كل جمعة أو شهر مثلا مرة أو أكثر (بحسب العادة) المطردة في أمثالها؛ للحاجة إليه حينئذ (وثمنُ ماء) أو ماءُ (غسل) ما تسبب فيه لنحو ملاعبة، أو (جماع) منه (ونفاس) منه يعني ولادة ولو بلا بلل؛ لأن الحاجة إليه من قِبَلِه، وبه يعلم أنه لا يلزمه إلا ماء الفرض لا السنة (لا حيض) وإن وطئ فيه أو بعد انقطاعه (واحتلام) وأُلحق به استدخالها لذكره وهو نائم؛ إذ لا صنع منه كغسل زناها ولو مكرهة وولادتها من وطء شبهة فماء هذه عليها دون الواطئ، ويلزمه أيضا ماء وضوء وجب لتسببه فيه وحده بخلاف
(3)
ما وجب لغير ذلك كأن تلامسا معا، وماء غسل ما تنجس من بدنها وثيابها وإن لم يكن بتسببه كماء نظافتها بل أولى (ولها) عليه أيضا (آلات أكل وشَُِرب وطبخ كقدر وقَصعة) ومغرفة (وكوز وجرة ونحوها) كإجانة تغسل فيها ثيابها؛ لأن المعيشة لا تتم بدون ذلك، ومثله إبريق الوضوء ومنارة السراج إن اعتيدت ويرجع في جنس ذلك للعادة
(4)
كالنحاس للشريفة والخزف لغيرها ويُفاوت فيه بين الموسر وضديه نظير ما مر. (و) لها عليه أيضا (مسكن) تأمن فيه لو خرج عنها على نفسها ومالها وإن قلَّ؛ للحاجة بل الضرورة إليه وكالمعتدة بل أولى (يليق بها) عادة
(5)
؛ لأنها لا تملك
(1)
. في بعض نسخ المنهاج زيادة ((في الأصح)).
(2)
. أي وإن وجبت نفقتها.
(3)
. خلافا لهما.
(4)
. خلافا للمغني فاعتمد الاكتفاء بالخزف ولو لشريفة.
(5)
. ولذا قال الشارح في الفلس ((ولا يلزم الزوجة إجابته للحبس إلا إذا كان بيتا لائقا بها لو طلبها للسكنى فيه))، أي إن أراد أن يتمتع بها فيه 5/ 143 أي وأن لا يشارك غيره في مرفق من المرافق الآتية كما يأتي في كتاب القسم والنشوز 7/ 442.
وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مِلْكَهُ. وَعَلَيْهِ لِمَنْ لَا يَلِيقُ بِهَا خِدْمَةُ نَفْسِهَا إخْدَامُهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لَهُ أَوْ مُسْتَأْجَرَةٍ، أَوْ بِالْإِنْفَاقِ عَلَى مَنْ صَحِبَتْهَا مِنْ حُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ لِخِدْمَةٍ
إبداله لأنه امتناع بخلاف ما مر في النفقة والكسوة؛ لأنها تملكهما وإبدالهما فاعتبرا به لا بها. ولو سكن معها في منزلها بإذنها أو لامتناعها من النقلة معه أو في منزل نحو أبيها بإذنه -أي أبيها- أو منعه من النقلة لم تلزمه أجرة
(1)
؛ لأن الإذن العَرِي عن ذكر العوض ينزَّل على الإعارة والإباحة بخلافه مع السكوت (ولا يشترط كونه ملكه)؛ لحصول المقصود بغيره كمعار. (وعليه لمن لا يليق بها خدمة نفسها) بأن كانت حرة ومثلُها تُخدم عادةً في بيت أبيها مثلا وإن لم تُخدم بالفعل لنحو بخل أبيها بخلاف غيرها التي من شأنها أنها لا تخدم كذلك وإن حصل لها شرف من زوج أو غيره يعتاد لأجله إخدامها؛ لأن الأمور الطارئة لا عبرة بها (إخدامها) ولو بدوية؛ لأنه من المعاشرة بالمعروف، فيخدمها بواحدة لا أكثر مطلقا إلا إن مرضت واحتاجت لأكثر من واحدة فيجب قدر الحاجة. وله منع من لا تُخدم من إدخال واحدة، ومن تخدم وليست مريضة من إدخال أكثر من واحدة داره سواء أكنَّ ملكها أم بأجرة، وله منع الزوجة مطلقا من زيارة أبويها وإن احتضرا وشهود جنازتهما ومنعهما من دخولهما لها كولدها من غيره. وتعيين الخادم ابتداء إليه، فله إخدامها (بحرة) ولو متبرعة (أو أمة له أو مستأجرة) أو صبي غير مراهق أو بنحو محرم لها أو مملوك وكذا كل من يحل نظره من الجانبين كممسوح لا ذمية وشيخ هم
(2)
. وهذا في الخدمة الباطنة أما الظاهرة فيتولاها الرجال والنساء من الأحرار والمماليك (أو بالإنفاق على من صحبتها من حرة أو أمة لخدمة)؛ لحصول المقصود بجميع ذلك. ويمتنع إخدام زوجة ذمية بمسلمة حرة أو أمة؛ لما فيه من الإذلال، ولها أن تمتنع إذا أخدمها أحد أصولها كما لو أراد أن يتولى خدمتها بنفسه ولو في نحو طبخ وكنس؛ لأنها تستحيي منه غالبا وتتعير به. وفي المراد بإخدامها الواجب خلاف والمعتمد منه أنه ليس على خادمها إلا ما يخصها وتحتاج إليه كحمله الماء للمستحم والشرب وصبّه على بدنها وغسل خرق الحيض والطبخ لأكلها بخلاف نحو الطبخ لأكله وغسل ثيابه فإنه عليه فله أن يفعله بنفسه وله منعها من أن تتولى خدمة نفسها لتفوز بمؤنة الخادم؛ لأنها تصير بذلك مبتذلة.
(1)
. محله كما مر قبيل الاستبراء إن لم تتميز أمتعته بمحل منها وإلا لزمته أجرته ما لم تصرح بالإباحة.
(2)
. أي الهرم.
وَسَوَاءٌ فِي هَذَا مُوسِرٌ وَمُعْسِرٌ وَعَبْدٌ، فَإِنْ أَخْدَمَهَا بِحُرَّةٍ أَوْ أَمَةٍ بِأُجْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا أَوْ بِأَمَتِهِ أَنْفَقَ عَلَيْهَا بِالمِلْكِ أَوْ بِمَنْ صَحِبَتْهَا لَزِمَهُ نَفَقَتُهَا. وَجِنْسُ طَعَامِهَا جِنْسُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ، وَهُوَ مُدٌّ عَلَى مُعْسِرٍ وَكَذَا مُتَوَسِّطٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَمُوسِرٌ مُدٌّ وَثُلُثٌ، وَلَهَا كِسْوَةٌ تَلِيقُ بِحَالِهَا، وَكَذَا أُدْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ،
وخرج بقولنا ابتداء ما إذا أخدمها من ألفتها أو حُملت مألوفة معها فليس له إبدالها من غير ريبة أو خيانة ويصدق هو بيمينه. (وسواء في هذا) أي الإخدام بشرطه (موسر ومعسر وعبد) كسائر المؤن، (فإن أخدمها بحرة أو أمة بأجرة فليس عليه غيرها) أي الأجرة (أو بأمته أنفق عليها بالملك أو بمن صحبتها) ولو أمتها (لزمه نفقتها، وجنس طعامها) أي التي صحبتها (جنس طعام الزوجة) لكن يكون أدون منه نوعا؛ لأنه المعروف، (وهو) من جهة المقدار (مد على معسر)؛ إذ النفس لا تقوم بدونه غالبا (وكذا متوسط) عليه مد (في الصحيح) كالمعسر (وموسر مد وثلث) ووجهه أن نفقة الخادمة على المتوسط ثلثا نفقة المخدومة عليه فجعل الموسر كذلك؛ إذ المد والثلث ثلثا المدين، (ولها) أي التي صحبتها (كسوة تليق بحالها) فتكون دون كسوة المخدومة جنسا ونوعا كقميص ونحو جبة شتاء كالعادة وكذا مقنعة
(1)
وملحفة
(2)
وخف لحرة وأمة شتاء وصيفا ونحو قبع
(3)
لذكر -وإنما وجبت لها الملحفة؛ لاحتياجها للخروج بخلاف المخدومة
(4)
- وما تجلس عليه كحصير صيفا وقطعة لبد شتاء ومخدة، وما تتغطى به ليلا شتاء ككساء لا نحو سراويل
(5)
، (وكذا) لها (أدم على الصحيح)؛ لأن العيش لا يتم بدونه كجنس أدم المخدومة ودونه نوعا وقدره بحسب الطعام، ويعتبر في وجوب اللحم لها عادة البلد
(6)
.
(1)
. المقنعة ما تقنع به المرأة رأسها، تاج العروس.
(2)
. هي اللباس الذي فوق سائر اللباس من دثار البرد ونحوه وكل شيء تغطيت به فقد التحفت به، لسان العرب.
(3)
. وهو ما يغطى به الرأس.
(4)
. خلافا لما استوجهاه.
(5)
. وفاقا لشيخ الإسلام والخطيب وخلافا للرملي.
(6)
. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.
لَا آلَةُ تَنْظِيفٍ فَإِنْ كَثُرَ وَسَخٌ وَتَأَذَّتْ بِقَمْلٍ وَجَبَ أَنْ تُرَفَّهَ. وَمَنْ تَخْدُمُ نَفْسَهَا فِي الْعَادَةِ إنِ احْتَاجَتْ إلَى خِدْمَةٍ لِمَرَضٍ أَوْ زَمَانَةٍ وَجَبَ إخْدَامُهَا، وَلَا إخْدَامَ لِرَقِيقَةٍ، وَفِي الجَمِيلَةِ وَجْهٌ. وَيَجِبُ فِي المَسْكَنِ إمْتَاعٌ، وَمَا يُسْتَهْلَكُ كَطَعَامٍ تَمْلِيكٌ، وَتَتَصَرَّفُ فِيهِ فَلَوْ قَتَّرَتْ بِمَا يَضُرُّهَا مَنَعَهَا، وَمَا دَامَ نَفْعُهُ كَكِسْوَةٍ وَظُرُوفِ طَعَامٍ وَمُشْطٍ تَمْلِيكٌ، وَقِيلَ إمْتَاعٌ
(لا آلة تنظف) فلا تجب لها؛ لأن اللائق بحالها عدمه؛ لئلا تمتد إليها الأعين. (فإن كثر وسخ وتأذت) الأنثى، وذُكِرَتْ؛ لأنها الأغلب وإلا فالذكر كذلك (بقمل وجب أن تُرَفَّه) بأن تعطى ما يزيل ذلك (ومن تخدم نفسها في العادة إن احتاجت إلى خدمة لمرض
(1)
أو زمانة وجب إخدامها) ولو أمة بواحدة فأكثر كما مر؛ للضرورة (ولا إخدام لرقيقة) أي من فيها رق وإن قلَّ في حال صحتها ولو جميلة؛ لأنه لا يليق بها (وفي الجميلة وجه)؛ لجريان العادة به.
[فرع] له نقل زوجته من الحضر إلى البادية وإن كان عيشها خشنا؛ لأن لها عليه نفقة مقدرة أي لا تزيد ولا تنقص
، وأما خشونة عيش البادية فيمكنها الخروج عنه بالإبدال، وله أن يغلق عليها الباب إذا خاف ضررا يلحقه في فتحه، وليس له منعها -في غير زمن الاستمتاع- من نحو غزل وخياطة في منزله إن لم تتقذر به، وليس له سدُّ الطاقات إلا إن كانت ثمة ريبة فيجب سدُّها.
(ويجب في المسكن إمتاع) إجماعا (و) في (ما يستهلك كطعام) لها أو لخادمها المملوكة لها أو الحرة (تمليك) للحرة ولسيد الأمة بمجرد الدفع من غير لفظ كما في الكفارة، (و) ينبني على كونه تمليكا أن الحرة وسيد الأمة كل منهما (يتصرف فيه) بما شاء من بيع وغيره (فلو قتَّرت) أي ضيقت على نفسها في طعام أو غيره، ومثلها في هذا سيد الأمة (بما يضرها) ولو بأن ينفره عنها أو بما يضر خادمها (منعها) لحق التمتع، (وما دام نفعه ككسوة) ومنها الفرش (وظروف طعام) لها ومنه الماء (ومشط) وما في معناه من آلات التنظيف (تمليك) كالطعام بجامع الاستهلاك واستقلالها بأخذه فيشترط كونها -أي نحو الكسوة مما مر- ملكه. وتتصرف فيها بما شاءت إلا أن تقتِّر، ولها منعه من استعمال شيء من ذلك وكذا كل ما يكون تمليكا (وقيل إمتاع) فيكفي نحو مستعار ولا تتصرف هي بغير ما أذن لها كالسكن والخادم،
(1)
. أو جنون كما أفاده الشارح في تزويج المحجور عليه 7/ 286.
وَتُعْطَى الْكِسْوَةَ أَوَّلَ شِتَاءٍ وَ صَيْفٍ، فَإِنْ تَلِفَتْ فِيهِ بِلَا تَقْصِيرٍ لَمْ تُبْدَلْ إنْ قُلْنَا تَمْلِيكٌ، فَإِنْ مَاتَتْ فِيهِ لَمْ تُرَدَّ
وظاهرٌ أنها على الأول تملكه بمجرد الدفع والأخذ من غير لفظ وإن كان زائدا على ما يجب لها لكن في الصفة دون الجنس فيقع عن الواجب بمجرد إعطائه من غير قصد صارف عنه وقبضها؛ لأن الصفة الزائدة وقعت تابعة فلم تحتج للفظ، بخلاف الجنس فلا تملكه إلا بلفظ؛ لأنه قد يعيرها قصدا لتجملها به ثم يسترجعه منها، ومن ثم لو قصد به الهدية ملكته بمجرد القبض؛ إذ لا يشترط فيها بعث ولا إكرام، وحينئذ فكسوتها الواجبة لها باقية في ذمته. ولو اشترى حُليِّا وديباجا لزوجته وزينها به لا يصير ملكها لها بذلك، ولو اختلفت هي والزوج في الإهداء والعارية صدق ومثله وارثه. ولو زوج بنته بجهاز لم تملكه إلا بإيجاب وقبول والقول قوله أنه لم يملِّكها
(1)
(وتُعطى الكسوة أول شتاء)؛ لتكون عن فصلِها وفصلِ الربيع (و) أول (صيف)؛ لتكون عنه وعن الخريف، هذا وإن وافق أول وجوبها أول فصل الشتاء وإلا أعطيت وقت وجوبها ثم جددت بعد كل ستة أشهر من ذلك، نعم ما يبقى سنة فأكثر كفُرُش وبُسُط وجبَّة يعتبر في تجديدها العادة الغالبة كما مر (فإن تلفت) الكسوة (فيه) أي أثناء الفصل (بلا تقصير لم تبدل إن قلنا تمليك) كنفقة تلفت في يدها.
[تنبيه] قوله بلا تقصير ليس شرطا لعدم الإبدال فإنه مع التقصير أولى
، ولكن شرط المفهوم قوله إن قلنا تمليك فإنه يفهم الإبدال إن قلنا: إمتاع كما تقدم بشرط عدم التقصير، ويمكن أن يقال المراد بلا تقصير من الزوج، فلو دفع إليها كسوة سخيفة فبليت لسخافتها وجب عليه إبدالها؛ لتقصيره
(2)
. (فإن) نشزت أثناء الفصل سقطت فإن عادت للطاعة كان أول فصل الكسوة ابتداء عودها، ولا حساب لما قبل النشوز من ذلك الفصل؛ لأنه بمنزلة يوم النشوز، وإن (ماتت) أو مات (فيه لم ترد) إن قلنا تمليك. وأفهم ((ترد)) أنها قبضتها فإن وقع موت أو فراق قبل قبضها وجب لها كسوة كلِّ الفصل كنفقة اليوم وإن ماتت أول
(1)
. قال الشارح في الهبة نقلا عن القاضي أنه أفتى في من بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج بأنه إن قال هذا جهاز بنتي فهو ملك لها وإلا فهو عارية ويصدق بيمينه 6/ 300.
(2)
. عبارة المغني.
وَلَوْ لَمْ يَكْسُ مُدَّةً فَدَيْنٌ.
فصل
الجَدِيدُ أَنَّهَا تَجِبُ بِالتَّمْكِينِ لَا الْعَقْدِ، فَإِنِ اخْتَلَفَا فِيهِ صُدِّقَ، فَإِنْ لَمْ تَعْرِضْ عَلَيْهِ مُدَّةً فَلَا نَفَقَةَ فِيهَا،
الفصل (ولو لم يكس) ـها أو ينفقها (مدة) هي مُمَكِّنة فيها (فـ) الكسوة والنفقة لجميع ما مضى من تلك المدة (دين) لها عليه إن قلنا تمليك؛ لأنها استحقت ذلك في ذمته.
[فرع] ادعت نفقة أو كسوة ماضية كفى في الجواب لا تستحق عليَّ شيئا وكذا نفقة اليوم وإن عُرف التمكين. وتصدق بيمينها في عدم النشوز وعدم قبض النفقة
.
(فصل) في موجب المؤن ومسقطاتها
(الجديد أنها) أي المؤن السابقة من نحو نفقة وكسوة (تجب) يوما بيوم أو فصلا بفصل، أو كل وقت اعتيد فيه التجديد، أو دائما بالنسبة للمسكن والخادم على ما مر من التفصيل (بالتمكين) التام، ومن التمكين أن تقول مكلفة أو سكرانة أو ولي غيرهما متى دفعت المهر الحال سلَّمت. ويثبت التمكين بإقراره وبشهادة البينة به أو بأنها في غيبته باذلة للطاعة ملازمة للمسكن ونحو ذلك، ولها مطالبته بالمؤنة إن أراد سفرا طويلا ويلزم القاضي إجابتها لذلك فيَلزِم الزوج بقطع السبب بفراقها أو بإبقاء كفايتها عند من يثق به لينفق عليها يوما فيوما، وكبقاء مال لذلك دينه على موسر مقر باذل وجهة ظاهرة اطردت العادة باستمرارها، ومثلها بعضه الذي يلزمه إنفاقه، فيلزمه القاضي أن يترك له ما ذكر. وخرج بالتام ما لو مكنته ليلا فقط مثلا أو في دار مخصوصة مثلا فلا نفقة لها. ولو حصل التمكين وقت الغروب وجبت بالغروب بقسطه أي باعتبار توزيعها على الزمن كله أعني من الفجر إلى الفجر فتحسب حصة ما مكنته من ذلك وتعطاها، وعليه فلو منعته من التمكين بلا عذر ثم سلمت أثناء اليوم مثلا لم توزع. ثم إن ليلة اليوم في النفقات هي التي بعده وسببه أن عَشاء الناس قد يكون بعد الغروب وقد يكون قبله فلتكن ليالي النفقة تابعة لأيامها (لا العقد) بخلاف المهر; لأن جملتها في مدة العقد مجهولة والعقد لا يوجب مالا مجهولا (فإن اختلفا فيه) أي التمكين بأن ادعته فأنكره (صدق) بيمينه; لأن الأصل عدمه، ومن ثم لو اتفقا عليه وادعى سقوطه بنشوزها فأنكرت صدقت; لأن الأصل حينئذ بقاؤه (فإن لم تَعْرِض عليه) من جهة نفسها أو وليها (مدة فلا نفقة) لها (فيها) أي تلك المدة -وإن لم يطالبها-؛ لعدم التمكين،
وَإِنْ عَرَضَتْ وَجَبَتْ مِنْ بُلُوغِ الخَبَرِ، فَإِنْ غَابَ كَتَبَ الحَاكِمُ لِحَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُعْلِمَهُ فَيَجِيءَ أَوْ يُوَكِّلَ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَمَضَى زَمَنُ وُصُولِهِ فَرَضَهَا الْقَاضِي. وَالمُعْتَبَرُ فِي مَجْنُونَةٍ وَمُرَاهِقَةٍ عَرْضُ وَلِيٍّ
وقضيته أنه لا فرق بين علمها بالنكاح وعدمه فلو عقد وليها إجبارا وهي رشيدة ولم تعلم فتركت العرض مدة، ثم علمت لم تجب لها مؤنة تلك المدة، ولذا لم تلزم النفقة على من طلّق ناشزة ثم راجعها ولم يُعلمها بالرجعة (وإن عرضت) كذلك عليه إن كان مكلفا وإلا فعلى وليِّه بأن أرسلت له غير المحجورة ((أني ممكنة)) أو أرسل ولي المحجورة ((أني ممكن لك منها)) (وجبت) النفقة والكسوة ونحوهما (من بلوغ الخبر) له; لأنه المقصر حينئذ (فإن غاب) الزوج عن بلدها ابتداء، أو بعد تمكينها ثم نشوزها كما يأتي، ثم أرادت عرض نفسها لتجب مؤنتها رفعت الأمر للحاكم وأظهرت له التسليم، وحينئذ (كتب الحاكم) وجوبا (لحاكم بلده) إن عُرف (ليعلمه) بالحال (فيجيء) لها (أو يوكل) من يتسلمها له أو يحملها إليه. وتجب مؤنتها من وصول نفسه أو وكيله
(1)
(فإن لم يفعل) ذاك مع قدرته عليه (ومضى) بعد أن بلغه ذلك (زمن) إمكان (وصوله) إليها (فرضها القاضي) في ماله من حين إمكان وصوله وجعل كالمتسلم لها; لأن الامتناع منه. أما إذا لم يُعرَف حاكم بلده فليكتب لحكام البلاد التي تردها القوافل عادة من تلك البلاد ليطلب وينادي باسمه، فإن لم يظهر فرض الحاكم نفقتها الواجبة على المعسر -ما لم يعلم أنه بخلافه- في ماله الحاضر
(2)
وأخذ منها كفيلا بما تأخذه منه؛ لاحتمال عدم استحقاقها، فإن لم يكن له مال حاضر احتمل
(3)
أن يقال إنه يقترض عليه أو يأذن لها في الاقتراض
(4)
، وأما إذا منعه من السير أو التوكيل عذر فلا يفرض عليه شيئا؛ لعدم تقصيره (والمعتبر في مجنونة ومراهقة
(5)
عرض ولي) لها لا هي; لأنه المخاطب بذلك، نعم لو
(1)
. قضيته أنه بمجرد وصوله يتحقق منه التمكين حتى فيما إذا وكله ليحملها إليه خلافا للمغني.
(2)
. ورد الشارح ما اعتمده النهاية ووالده من أن له أن يفرض دراهم.
(3)
. واعتمده النهاية وهو ظاهر كلام الشارح في الفطرة.
(4)
. ولا تقترض الفطرة كما مر في بابها 2/ 317.
(5)
. ورد الشارح ما أقره المغني من إيراد على تعبير المصنف بالمراهقة.
وَتَسْقُطُ بِنُشُوزٍ وَلَوْ بِمَنْعِ لَمْسٍ بِلَا عُذْرٍ، وَعَبَالَةُ زَوْجٍ، أَوْ مَرَضٌ يَضُرُّ مَعَهُ الْوَطْءُ عُذْرٌ، وَالخُرُوجُ مِنْ بَيْتِهِ بِلَا إذْنٍ نُشُوزٌ إلَّا أَنْ يُشْرِفَ عَلَى انْهِدَامٍ
تسلم المراهقة ولو كرها لزمته مؤنتها، وكذا تجب بتسليم بالغة نفسها لزوج مراهق فتسلمها وإن لم يأذن وليه; لأن له يدا عليها بخلاف نحو مبيع له.
(وتسقط) المؤن كلها (بنشوز) -منها إجماعا- أي خروج عن طاعة الزوج وإن لم تأثم كصغيرة ومجنونة ومكرهة وإن قدر على ردها للطاعة فترك؛ إلحاقا بذلك بالجناية فلو نشزت أثناء يوم أو ليل سقطت نفقته الواجبة بفجره، أو أثناء فصل سقطت كسوته الواجبة بأوله، ويعلم من ذلك سقوطها لما بعد يوم وفصل النشوز بالأولى. ولو جهل سقوطها بالنشوز فأنفق رجع عليها إن كان ممن يخفى عليه ذلك (ولو) بحبسها ظلما أو بحق وإن كان الحابس هو الزوج لدينه إلا إن كانت معسرة وعلم الزوج
(1)
بإعسارها، أو باعتدادها لوطء شبهة، أو بغصبها، أو (بمنع) الزوجة للزوج من نحو (لمس) أو نظر بتغطية وجهها، أو تولية عنه وإن مكنته من الجماع (بلا عذر) ; لأنه حقه كالوطء بخلافه بعذر كأن كان بفرجها قرحة وعلمت أنه متى لمسها واقعها، (وعَبالة زوج) أي كُبْر ذكره بحيث لا تحتمله (أو مرض) بها (يضر معه الوطء) أو نحو حيض (عذر) في عدم التمكين من الوطء فتستحق المؤن. وتثبت عبالته بأربع نسوة، فإن لم يمكن معرفتها إلا بنظرهن إليهما مكشوفي الفرجين حال انتشار عضوه جاز ليشهدن، وليس لها امتناع من زفاف لعبالة بخلاف المرض لتوقع شفائه (والخروج من بيته) أي من المحل الذي رضي بإقامتها فيه، ولو ببيتها أو بيت أبيها، ولو لعيادة
(2)
وإن كان غائبا بتفصيله الآتي (بلا إذن) منه ولا ظن رضاه عصيان و (نشوز)؛ إذ له عليها حق الحبس في مقابلة المؤن، ولها اعتماد العرف الدال على رضا أمثاله لمثل الخروج الذي تريده ما لم يُعلم منه غِيْرة تقطعه عن أمثاله في ذلك، ومن الإذن قوله إن لم تخرجي ضربتك فلا يسقط به حقها ما لم يطلبها للرجوع فتمتنع عبثا لا خوفا من ضربه الذي توعدها به إلا إن أمنَّها ووثقت بصدقه (إلا أن يشرف) البيت أي أو بعضه الذي يخشى منه (على انهدام) ولا بد من قرينة تدل على الانهدام عادة، أو تخاف على نفسها أو مالها أو اختصاص له وقع من فاسق أو سارق، أو تحتاج
(1)
. ظاهر المغني أنه ليس قيدا.
(2)
. في المغني بالباء.
وَسَفَرُهَا بِإِذْنِهِ مَعَهُ أَوْ لِحَاجَتِهِ لَا يُسْقِطُ وَلِحَاجَتِهَا يَسْقُطُ فِي الْأَظْهَرِ
للخروج لقاضٍ لطلب حقها، أو الخروج لتعلم أو استفتاء لم يغنها الزوج الثقة ونحو محرمها عنه. ولو احتاجت للخروج لذلك وخشي عليها منه فتنة والزوج غير ثقة، أو امتنع من أن يعلمها أو يسأل لها أجبره القاضي على أحد الأمرين ولو بأن يخرج معها أو يستأجر من يسأل لها، أو يخرجها معير المنزل، أو متعدٍّ ظلما، أو يهددها الزوج بضربِ ممتنعٍ فتخرج خوفا منه فخروجها حينئذ غير نشوز؛ للعذر فتستحق النفقة ما لم يطلبها لمنزل لائق فتمتنع. ويظهر تصديقها في عذر ادعته إن كان مما لا يعلم إلا منها كالخوف مما ذكر وإلا احتاجت إلى إثباته. ومن النشوز أيضا امتناعها من السفر معه ولو لغير نقلة لكن بشرط أمن الطريق والمقصد، وأن لا يكون السفر في البحر الملح إلا إن غلبت فيه السلامة ولم يخش من ركوبه ضررا يبيح التيمم أو يشق مشقة لا تحتمل عادة
(1)
. ولو طلبها للسفر فأقرت بدين عليها ليمنعها الدائن منه بطلب حبسها أو التكفل بها صحَّ إقرارها وكان للزوج تحليف المقر له أن الإقرار عن حقيقة، ولا تقبل بينة زوج بأنها أقرت فرارا من السفر وإن توفرت القرائن بذلك. ولو كان الإقرار صادرا عن حيلة كأن أقرضها دينارا ثم وهبته له لم يؤثر وإن شهدت بذلك بينة أو اعترف به المقر له
(2)
. وإقرارها بإجارة عين سابقة على النكاح كهو بالدين. ولو كان لها عليه مهر فلها الامتناع من السفر معه حتى يوفيها. والذي يتجه في دينها عليه الحال المهر وغيره أنه عذر في امتناعها من السفر; لأنه إذا جاز لها منعه منه فأولى منعه من إجبارها عليه، ويلحق المعسر بالموسر في ذلك. (وسفرها بإذنه معه) ولو لحاجتها، أو حاجة أجنبي، وكذا سفرها معه بدون إذنه
(3)
إن لم يمنعها
(4)
(أو) بإذنه وحدها (لحاجته) ولو مع حاجة غيره على ما يأتي (لا يسقط) مؤنها; لأنها ممكنة وهو المفوِّت لحقه في الثانية (و) سفرها (لحاجتها) أو حاجة أجنبي بإذنه لا معه (يسقط) مؤنها (في الأظهر)؛ لعدم التمكين. أما بإذنه لحاجتهما فلا تسقط به
(5)
.
(1)
. وشرط الشارح أيضا في باب القسم والنشوز أن لا يكون الزوج فاسقا قليل الغيرة.
(2)
. ذكره الشارح في التفليس.
(3)
. ولا يقيد ذلك بكونه لم يقدر على ردها خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.
(4)
. أي فإن منعها فناشزة.
(5)
. كما رجحه الشارح في الفتح والإمداد والمغني والنهاية وشيخ الإسلام والشارح في التحفه كالمتردد.
وَلَوْ نَشَزَتْ فَغَابَ فَأَطَاعَتْ لَمْ تَجِبْ فِي الْأَصَحِّ وَطَرِيقُهَا أَنْ يَكْتُبَ الحَاكِمُ كَمَا سَبَقَ. وَلَوْ خَرَجَتْ فِي غَيْبَتِهِ لِزِيَارَةٍ وَنَحْوِهَا لَمْ تَسْقُطْ، وَالْأَظْهَرُ أَنْ لَا نَفَقَةَ لِصَغِيرَةٍ وَأَنَّهَا تَجِبُ لِكَبِيرَةٍ عَلَى صَغِيرٍ
ولو امتنعت من النقلة معه لم تجب النفقة إلا إن كان يتمتع بها في زمن الامتناع فتجب ويصير تمنعه بها عفوا عن النقلة حينئذ، ويجري ذلك في سائر صور النشوز، وعليه فلا تجب النفقة إلا في زمن التمتع دون غيره، نعم يكفي في وجوب نفقة اليوم تمتع لحظة منه بعد النشوز وكذا الليل (ولو نشزت) كأن خرجت من بيته (فغاب فأطاعت) في غيبته بنحو عودها لبيته (لم تجب) مؤنها ما دام غائبا (في الأصح)؛ لخروجها عن قبضته فلا بد من تجديد تسليم وتسلم ولا يحصلان مع الغيبة، وبه فارق نشوزها بالردة فإنه يزول بإسلامها مطلقا؛ لزوال المسقط، وعليه فلو نشزت في المنزل ولم تخرج منه كأن منعته نفسها فغاب عنها ثم عادت للطاعة عادت نفقتها من غير قاضٍ، والمراد بعودها للطاعة إرسال إعلامه بذلك وإشهادها عند غيبته وعدم حاكم كإعلامه (وطريقها) في عود الاستحقاق (أن يكتب الحاكم كما سبق) في ابتداء التسليم، فإذا علم وعاد أو أرسل من يتسلمها أو ترك ذلك لغير عذر عاد الاستحقاق.
[فرع] التمست زوجة غائب من القاضي أن يفرض لها فرضا عليه اشترط ثبوت النكاح، وإقامتها في مسكنه
، وحلفها على استحقاق النفقة وأنها لم تقبض منه نفقة مستقبلة فحينئذ يفرض
(1)
لها عليه نفقة معسر حيث لم يثبت أنه غير معسر. (ولو خرجت) لا على وجه النشوز (في غيبته) عن البلد بلا إذنه (لزيارة) محرم
(2)
-لا غيره ولو قريبا- (ونحوها) كعيادة لمن ذكر بشرط أن لا يكون في ذلك ريبة بوجه (لم تسقط) مؤنها بذلك; لأنه لا يعد نشوزا عرفا، وظاهرٌ أن محل ذلك ما لم يمنعها من الخروج قبل سفره أو يرسل لها بالمنع. (والأظهر أن لا نفقة) ولا مؤنة (لصغيرة) لا تحتمل الوطء وإن سلمت له; لأن تعذر وطئها لمعنى فيها وليست أهلا للتمتع بغيره، وبه فارقت المريضة، ونحو الرتقاء (و) الأظهر (أنها تجب لكبيرة) أي: لمن يمكن وطؤها وإن لم تبلغ (على صغير) لا يمكن وطؤه إذا عرضت على وليه; لأن المانع من جهته.
(1)
. ولو دراهم عند النهاية ووالده خلافا للشارح.
(2)
. خلافا لهما من تعميم الزيارة في القريب وإن لم يكن محرما.
وَإِحْرَامُهَا بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِلَا إذْنٍ نُشُوزٌ إنْ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا، وَإِنْ مَلَكَ فَلَا حَتَّى تَخْرُجَ فَمُسَافِرَةٌ لِحَاجَتِهَا، أَوْ بِإِذْنٍ فَفِي الْأَصَحِّ لَهَا نَفَقَةٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ. وَيَمْنَعُهَا صَوْمَ نَفْلٍ، فَإِنْ أَبَتْ فَنَاشِزَةٌ فِي الْأَظْهَرِ،
(وإحرامها بحج أو عمرة) أو مطلقا (بلا إذن) منه (نشوز إن لم يملك تحليلها) على قول مرجوح في نسك الفرض; لأن المانع منها، ومع كونه نشوزا ليس تعاطيه حراما عليها؛ لخطر أمر النسك، وبه فارق ما يأتي في الصوم (وإن ملك) تحليلها بأن أحرمت ولو بفرض (فلا) يكون إحرامها نشوزا فلها المؤن; لأنها في قبضته وهو قادر على تحليلها والتمتع بها فإذا ترك فقد فوَّت على نفسه (حتى تخرج فمسافرة لحاجتها) فإن كان معها استحقت وإلا فلا تعم من أفسد حجها الذي أذن فيه بجماع يلزمها الإحرام بقضائه فورا والخروج له ولو بلا إذنه، وحينئذ يلزمه مؤنها بل والخروج معها (أو) أحرمت (بإذن) منه (ففي الأصح لها نفقة ما لم تخرج) ; لأنها في قبضته وفوات التمتع نشأ من إذنه فإن خرجت فكما تقرر. ولو آجرت عينها قبل النكاح لم يتخير، ويقدم حق المستأجر لكن لا مؤنة لها مدة ذلك وإن مكَّنه المستأجر منها؛ لأنه وعد لا يلزم مع ما فيه من المنة. (ويمنعها
(1)
إن شاء (صوم) أو نحو صلاة أو اعتكاف (نفل) ابتداء وانتهاء ولو قبل الغروب؛ لأن حقه مقدم عليه لوجوبه عليها وإن لم يرد التمتع بها; لأنه قد يطرأ له إرادته فيجدها صائمة فيتضرر (فإن أبت) وصامت، أو أتمت غير نحو عرفة وعاشوراء، أو صلت غير راتبة (فناشزة في الأظهر) فتسقط جميع مؤن ما صامته؛ لامتناعها من التمكين الواجب عليها، ولا نظر إلى تمكنه من وطئها ولو مع الصوم; لأنه قد يهاب إفساد العبادة فيتضرر، ومن ثم حرم صومها نفلا أو فرضا موسعا وهو حاضر من غير إذنه أو علم رضاه. وظاهرٌ امتناعه مطلقا إن أضرها أو ولدها الذي ترضعه، وعليه فلو اشتغلت في بيته بعمل ولم يمنعه الحياء من تبطيلها عنه كخياطة بقيت نفقتها وإن أمرها بتركه فامتنعت؛ إذ لا مانع من تمتعه بها أي وقت أراد بخلاف نحو تعليم صغار; لأنه يستحي عادة من أخذها من بينهن وقضاء وطره منها فإذا لم تنته بنهيه فهي ناشزة. أما نحو عرفة وعاشوراء فلها فعلهما بغير إذنه كرواتب الصلاة بخلاف نحو الاثنين والخميس. ولو نكحها صائمة
(1)
. في كلام الشارح إشارة بما صرح به في النهاية من تخصيص المنع بمن يمكن وقاعه بخلاف من لا يمكنه حسا أو شرعا خلافا لإطلاق المغني المنع.
وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَضَاءَهُ لَا يَتَضَيَّقُ كَنَفْلٍ فَيَمْنَعُهَا، وَأَنَّهُ لَا مَنْعَ مِنْ تَعْجِيلِ مَكْتُوبَةٍ أَوَّلَ وَقْتٍ، وَسُنَنٍ رَاتِبَةٍ. وَيَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ المُؤَنُ إلَّا مُؤْنَ تَنَظِيفٍ. فَلَوْ ظُنَّتْ حَامِلًا فَأَنْفَقَ فَبَانَتْ حَائِلًا اسْتَرْجَعَ مَا دَفَعَهُ بَعْدَ عِدَّتِهَا
تطوعا لم يجبرها على الفطر لكن تسقط مؤنها حينئذ
(1)
(والأصح أن قضاءه) أي الصوم ومثله الصلاة فيفصل في قضائها بين التضييق وغيره (لا يتضيق)؛ لكون الإفطار بعذر مع اتساع الزمن (كنفل فيمنعها) منه قبل الشروع فيه وبعده من غير إذنه; لأنه متراخ وحقه فوري بخلاف ما تضيق للتعدي بإفطاره أو لضيق زمنه بأن لم يبق من شعبان إلا ما يسعه فلا يمنعها منه ونفقتها واجبة. وله منعها من صوم نذر مطلق كمعين نذرته في نكاحه بلا إذنه وصوم كفارة ولو من إتمامه وإن شرعت فيه قبل منعه، ويؤخذ مما ذكر في المتعدية بالإفطار أن المتعدية بسبب الكفارة
(2)
لا يمنعها وتستحق النفقة. ولو سافرا في رمضان فليس له منعها من الصوم (و) الأصح (أنه لا منع من تعجيل مكتوبة أول الوقت)؛ لحيازة فضيلته، ولذا كان له المنع إذا كان التأخير أفضل، وله المنع من تطويل زائد بل تقتصر على أكمل السنن والآداب (و) لا من (سنن راتبة) ولو أول وقتها؛ لتأكدها مع قلة زمنها، ومن ثم جاز له منعها من تطويلها بأن زادت على أقل مجزئ. ومر أول محرمات النكاح أن العبرة في المسائل المختلف فيها بعقيدته لا بعقيدتها. (ويجب) إجماعا (لرجعية
(3)
حرة أو أمة ولو حائلا (المؤن) السابق وجوبها للزوجة؛ لبقاء حبس الزوج وسلطنته، نعم لو قال طَلَّقْتُ بعد الولادة فلي الرجعة وقالت بل قبلها فلا رجعة لك صدق بيمينه في بقاء العدة وثبوت الرجعة ولا مؤن لها; لأنها تنكر استحقاقها، وأخذ منه أنها لا تجب لها وإن راجعها، وكذا لو ادعت طلاقا بائنا فأنكره فلا مؤن لها
(4)
، ومحله كالذي قبله ما لم تصدقه (إلا مؤن تنظف)؛ لانتفاء موجبها من غرض التمتع (فلو ظُنَّت) الرجعية (حاملا فأنفق) عليها (فبانت حائلا استرجع) منها (ما دفعه) لها (بعد عدتها) ; لأنه بان أن لا شيء عليه بعدها، وتصدق في قدر أقرائها وإن خالفت عادتها،
(1)
. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.
(2)
. كأن حلفت على أمرٍ ماضٍ أنه لم يكن وهي عالمة بوقوعه.
(3)
. وليس له أن يحللها كما مر في الحج 4/ 209.
(4)
. خلافا للمغني.
وَالحَائِلُ الْبَائِنُ بِخُلْعٍ أَوْ ثَلَاثٍ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا كِسْوَةَ، وَيَجِبَانِ لِحَامِلٍ لَهَا، وَفِي قَوْلٍ لِلْحَمْلِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يَجِبُ لِحَامِلٍ عَنْ شُبْهَةٍ أَوْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ. قُلْتُ: وَلَا نَفَقَةَ لِمُعْتَدَّةِ وَفَاةٍ وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَنَفَقَةُ لْعِدَّةِ مُقَدَّرَةٌ كَزَمَنٍ النِّكَاحِ، وَقِيلَ تَجِبُ الْكِفَايَةُ،
وتُحلَّف إن كذبها، فإن لم تذكر شيئا وعرف لها عادة متفقة عمل بها، أو مختلفة فالأقل، أو لم يعرف لها عادة فثلاثة أشهر. ولو وقع عليه طلاق باطنا ولم يعلم به فأنفق مدة ثم علم لم يرجع بما أنفقه كما لو أنفق على من نكحها فاسدا بجامع أنها فيهما محبوسة عنده وإن لم يستمتع بها، ومحل رجوع من أنفق بظن الوجوب حيث لا حبس منه. (والحائل البائن بخلع) أو فسخ، أو انفساخ بمقارن أو عارض (أو ثلاث لا نفقة لها ولا كسوة) لها قطعا؛ للخبر المتفق عليه بذلك ولانتفاء سلطنته عليها (ويَجِبان) كالخادم والأدم (لحامل
(1)
بائن؛ لآية {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ} الطلاق: 6 ولأنه كالمستمتع برحمها؛ لاشتغاله بمائه، نعم البائن بفسخ
(2)
أو انفساخ بمقارن للعقد كعيب أو غرور لا نفقة لها مطلقا
(3)
; لأنه رفع للعقد من أصله. والوجوب إنما هو (لها) لكن بسبب الحمل; لأنها تلزم المعسر وتتقدر. وتسقط بالنشوز كإبائها عن أن تسكن فيما عينه لها وهو لائق، أو خروجها منه لغير عذر، ولا تسقط بمضي الزمان ولا بموته أثناءها؛ لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء، والقول في تأخر الولادة قول مدعيه، (وفي قول للحمل)؛ لتوقف الوجوب عليه (فعلى الأول لا يجب لحامل عن شبهة أو نكاح فاسد)؛ إذ لا نفقة لها حالة الزوجية فبعدها أولى (قلت: ولا نفقة) ولا مؤنة (لمعتدة وفاة) ومنها أن يموت الزوج وهي في عدة طلاق رجعي (وإن كانت حاملا والله أعلم)؛ لصحة الخبر بذلك. (ونفقة العدة) ومؤنتها كمؤنة زوجة في جميع ما مر فيها فهي (مقدرة كزمن النكاح) ; لأنها من لواحقه (وقيل تجب الكفاية)؛ بناء على
(1)
. ولو نفى حمل الملاعنة ثم استلحقه رجعت بما أنفقته عليه لظن الوجوب كما أفاده الشارح في القرض 5/ 45.
(2)
. اقتصر عليه المغني.
(3)
. جزم الشيخ ابن حجر بذلك في النفقة وأفاد أنهم تناقضوا في سكنى المفسوخ نكاحها، نعم تبرأ الشارح هنا من ذلك فيحتمل أنه يميل إلى التفرقة بين ما إذا كان الفسخ بمقارن فلا نفقة أو عارض فكالطلاق كما فرق بين الحالين شرح الروض والشارح في فتح الجواد.
وَلَا يَجِبُ دَفْعُهَا قَبْلَ ظُهُورِ حَمْلٍ، فَإِذَا ظَهَرَ وَجَبَ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَقِيلَ حَتَّى تَضَعُ، وَلَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ عَلَى المَذْهَبِ.
فصل
أَعْسَرَ بِهَا فَإِنْ صَبَرَتْ صَارَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَهَا الْفَسْخُ عَلَى الْأَظْهَرِ. وَالْأَصَحُّ أَنْ لَا فَسْخَ بِمَنْعِ مُوسِرٍ حَضَرَ أَوْ غَابَ،
أنها للحمل (ولا يجب دفعها) لها (قبل ظهور حمل) سواء أجعلناها لها أم له؛ لعدم تحقق سبب الوجوب، نعم اعتراف ذي العدة بوجوده كظهوره؛ مؤاخذة له بإقراره (فإذا ظهر) الحمل ولو بقول أربع نسوة (وجب) دفعها لما مضى من حين الفراق فتأخذه ولما بقي (يوما بيوم)؛ إذ لو تأخرت للوضع تضررت (وقيل حين تضع)؛ للشك فيه (ولا تسقط بمضي الزمان على المذهب) وإن قلنا إنها للحمل; لأنها المنتفعة بها.
[فرع] حَكَم حنفي لبائن بنفقة العدة وقرر لها في مقابلتها قدرا ثم ظهر بها حمل فلها
-إن لم يتناول حكمه- الكسوة عنده الرفع لشافعي ليحكم لها بها.
(فصل) في حكم الإعسار بمؤن الزوجة
إذا (أعسر) الزوج (بها) أي النفقة (فإن صبرت) زوجته ولم تمنعه تمتعاً مباحاً (صارت) كسائر المؤن -ما عدا المسكن؛ لما مر أنه أمتاع- (دينا عليه) وإن لم يفرضها قاض; لأنها في مقابلة التمكين (وإلا) تصبر ابتداء أو انتهاء بأن صبرت ثم أرادت الفسخ
(1)
(فلها الفسخ) بالطريق الآتي (على الأظهر)؛ لخبر الدارقطني والبيهقي في الرجل لا يجد شيئا ينفق على امرأته ((يفرق بينهما)). ولا فسخ بالعجز عن نفقة ماضية أو عن نفقة الخادم، نعم تثبت في ذمته إلا من تُخدم لنحو مرض فإنها في ذلك كالقريب (والأصح أنـ) ـه (لا فسخ بمنع موسر) أو متوسط (حضر أو غاب)؛ لانتفاء الإعسار المثبت للفسخ وهي متمكنة من خلاص حقها في الحاضر بالحاكم -بأن يلزمه بالحبس وغيره- وفي الغائب يبعث الحاكم إلى بلده. ولا فسخ بغيبة من جُهِل حاله يسارا أو إعسارا، بل لو شهدت بينة أنه غاب معسرا فلا فسخ ما لم تشهد بإعساره الآن وإن علم استنادها للاستصحاب أو ذكرت البينة الاستصحاب تقوية لا شكا كما يأتي
(1)
. وذكر الشارح في الفصل الآتي تفصيلاً فيما لو أنفقت على نفسها أو اقترضت وأشار أنه يأتي هنا 8/ 349.
وَلَوْ حَضَرَ وَغَابَ مَالُهُ، فَإِنْ كَانَ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ فَلَهَا الْفَسْخُ وَإِلَّا فَلَا، وَيُؤْمَرُ بِالْإِحْضَارِ، وَلَوْ تَبَرَّعَ رَجُلٌ بِهَا لَمْ يَلْزَمْهَا الْقَبُولُ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى الْكَسْبِ كَالمَالِ، وَإِنَّمَا يُفْسَخُ بِعَجْزِهِ عَنْ نَفَقَةِ مُعْسِرٍ. وَالْإِعْسَارُ بِالْكِسْوَةِ كَهُوَ بِالنَّفَقَةِ، وَكَذَا بِالْأُدْمِ، وَالمَسْكَنِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْعُ فِي الْأُدْمِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
(ولو حضر وغاب ماله) ولم ينفق عليها بنحو استدانة (فإن كان) ماله (بمسافة القصر) فأكثر من محله (فلها الفسخ) ولا يلزمها الصبر؛ للضرر. ولو قال أحضره وأمكنه في مدة الإمهال الآتية أمهل (وإلا) بأن كان على دونها (فلا) فسخ; لأنه في حكم الحاضر (ويؤمر بالإحضار) عاجلا، نعم لو تعذر إحضاره هنا للخوف لم يفسخ؛ لندرة ذلك (ولو تبرع رجل) ليس أصلا للزوج (بها) عنه وسلمها لها (لم يلزمها القبول) بل لها الفسخ؛ لما فيه من المنَّة، ومن ثم لو سلمها المتبرع له وهو سلمها لها لزمها القبول؛ لانتفاء المنة. أما إذا كان المتبرع أبا الزوج أو جده وهو تحت حجره فيلزمها القبول؛ لدخوله في ملك الزوج تقديرا، ومثل أصل الزوج ولده بخلاف سيده (وقدرته على الكسب) الحلال، اللائق وكذا غير اللائق إذا أراد تحمل المشقة بمباشرته (كالمال)؛ لاندفاع الضرورة به، فلو كان يكتسب في يوم ما يفي بثلاثة ثم يبطل ثلاثة ثم يكتسب ما يفي بها فلا فسخ؛ إذ لا تشق الاستدانة حينئذ فصار كالموسر، ومثله نحو نسَّاج ينسج في الأسبوع ثوبا تفي أجرته بنفقة الأسبوع، ومن تجمع له أجرة الأسبوع في يوم منه وهي تفي بنفقة جميعه. وليس المراد أن نصبِّرها أسبوعا بلا نفقة بل المراد أنه في حكم واجد نفقتها وينفق مما استدانه؛ لإمكان القضاء، وبه يعلم أنا مع كوننا نمكنها من مطالبته ونأمره بالاستدانة والإنفاق لا نفسخ عليه لو امتنع؛ لما تقرر أنه في حكم موسر امتنع. ولا أثر لعجزه إن رجي برؤه قبل مضي ثلاثة أيام. وخرج بالحلال الحرام فلا أثر لقدرته عليه فلها الفسخ (وإنما تفسخ بعجزه عن نفقة معسر) ; لأن الضرر إنما يتحقق حينئذ. ولو لم يجد إلا نصف مد غداء ونصفه عشاء فلا فسخ. (والإعسار بالكسوة) أو ببعضها الضروري كقميص وخمار وجبة شتاء -بخلاف نحو سراويل ومخدة وفرش وأوانٍ- (كهو بالنفقة) بجامع أن البدن لا يبقى بدونهما (وكذا) الإعسار (بالأدم والمسكن) كهو بالنفقة (في الأصح)؛ لتعذر الصبر على دوام فقدهما (قلت: الأصح المنع في الأدم والله أعلم) ; لأنه تابع مع سهولة قيام
وَفِي إعْسَارِهِ بِالمَهْرِ أَقْوَالٌ: أَظْهَرُهَا تَفْسَخُ قَبْلَ وَطْءٍ لَا بَعْدَهُ، وَلَا فَسْخَ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَ قَاضٍ إعْسَارُهُ فَيَفْسَخُهُ أَوْ يَأْذَنَ لَهَا فِيهِ، ثُمَّ فِي قَوْلٍ يُنَجَّزُ الْفَسْخُ، وَالْأَظْهَرُ إمْهَالُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَهَا الْفَسْخُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ نَفَقَتَهُ، وَلَوْ مَضَى يَوْمَانِ بِلَا نَفَقَةٍ وَأَنْفَقَ الثَّالِثَ وَعَجَزَ الرَّابِعَ بَنَتْ، وَقِيلَ تَسْتَأْنِفُ
البدن بدونه بخلاف نحو المسكن. (وفي إعساره بالمهر) الدين الواجب الحال ابتداء
(1)
، وإنما يجب في المفوضة -ما دام لم يطأ- بالفرض كما مر (أقوال أظهرها تفسخ) إن لم تقبض منه شيئا أو قبضت بعضه (قبل وطء)؛ للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض بحاله، وخيارها حينئذ عقب الرفع للقاضي فوري فيسقط بتأخيره بلا عذر كجهل (لا بعده)؛ لتلف المعوض به وصيرورة العوض دينا له في الذمة إلا أن يسلمها له الولي وهي صغيرة لغير مصلحة فتحبس بالمهر المتقدم ذكره نفسها بمجرد بلوغها فلها الفسخ حينئذ ولو بعد الوطء; لأن وجوده هنا كعدمه. (ولا فسخ) بإعسار مهر أو نحو نفقة (حتى) ترفع للقاضي أو المحكم، و (يثبت) بإقراره أو ببينة
(2)
(عند قاض) أو محكَّم (إعساره فيفسخه) بنفسه أو نائبه (أو يأذن لها فيه) -; لأنه مجتهد فيه كالعِنَّة- فلا ينفذ منها قبل ذلك ظاهرا ولا باطنا ولا تحسب عدتها إلا من الفسخ، فإن فقد قاض ومحكم بمحلها أو عجزت عن الرفع إليه -كأن قال لا أفسخ حتى تعطيني مالا- استقلت بالفسخ؛ للضرورة، وينفذ ظاهرا وكذا باطنا (ثم) بعد تحقق الإعسار (في قول ينجز الفسخ)؛ لتحقق سببه (والأظهر إمهاله ثلاثة أيام) وإن لم يستمهل; لأنها مدة قريبة يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره (ولها الفسخ صبيحة الرابع) بنفقته بلا مهلة؛ لتحقق الإعسار (إلا أن يسلم نفقته) أي الرابع فلا تفسخ بما مضى; لأنه صار دينا، ومن ثم لو اتفقا على جعلها عما مضى لم تفسخ
(3)
. ولو أعسر -بعد أن سلم نفقة الرابع- بنفقة الخامس
(4)
بَنَتْ على المدة ولم تستأنفها (ولو مضى يومان بلا نفقة وأنفق الثالث وعجز الرابع بنت) على اليومين؛ لتضررها بالاستئناف فتصبر يوما آخر ثم تفسخ فيما يليه (وقيل تستأنف) الثلاثة
(1)
. خرج به المؤجل إذا حل فلا فسخ به.
(2)
. وتقبل دعوى إعساره بالمهر بيمينه كما ذكره الشارح في صلاة الجماعة 2/ 274.
(3)
. خلافا لهم.
(4)
. لا السادس خلافا للأسنى والنهاية.
وَلَهَا الخُرُوجُ زَمَنَ المُهْلَةِ لِتَحْصِيلِ النَّفَقَةِ، وَعَلَيْهَا الرُّجُوعُ لَيْلًا. وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ أَوْ نَكَحَتْهُ عَالِمَةً بِإِعْسَارِهِ فَلَهَا الْفَسْخُ بَعْدَهُ، وَلَوْ رَضِيَتْ بِإِعْسَارِهِ بِالمَهْرِ فَلَا، وَلَا فَسْخَ لِوَلِيِّ صَغِيرَةٍ وَمَجْنُونَةٍ بِإِعْسَارٍ بِمَهْرٍ وَنَفَقَةٍ. وَلَوْ أَعْسَرَ زَوْجُ أَمَةٍ بِالنَّفَقَةِ فَلَهَا الْفَسْخُ، فَإِنْ رَضِيَتْ فَلَا فَسْخَ لِلسَّيِّدِ فِي الْأَصَحِّ،
(ولها) ولو غنية (الخروج زمن المهلة) نهارا (لتحصيل النفقة) بنحو كسب -وإن أمكنها في بيته- أو سؤال، وليس له منعها; لأن حبسه لها إنما هو في مقابلة إنفاقه عليها، نعم يتجه أن محله إن لم يكن في خروجها ريبة ثبتت هي أو قرائنها وإلا منعها، فإن اضطرت مكنها أو خرج معها (وعليها الرجوع) لبيته (ليلا) ; لأنه وقت الإيواء دون العمل، ولها منعه من التمتع بها، وعليه فتسقط عن ذمته نفقة زمن المنع، وقياسه أنه لا نفقة لها زمن خروجها للكسب.
[فرع] حضر المفسوخ نكاحه وادعى أن له بالبلد مالا وخفي على بينة الإعسار لم يكفه حتى يقيم بينة بذلك
(1)
. ولا عبرة بعقار أو عرض لا يتيسر بيعه (ولو رضيت بإعساره) بالنفقة أبدا (أو نكحته عالمة بإعساره) بذلك (فلها الفسخ بعده) ; لأن الضرر يتجدد كل يوم ورضاها بذلك وعد، نعم تسقط به المطالبة بنفقة يومه وتمهل بعده ثلاثة أيام; لأنه يبطل ما مضى من المهلة. (ولو رضيت بإعساره بالمهر) أو نكحته عالمة بذلك (فلا) تفسخ بعده; لأن الضرر لا يتجدد وكرضاها به إمساكها عن المحاكمة بعد مطالبتها بالمهر لا قبلها; لأنها تؤخرها لتوقع يسار. (ولا فسخ لولي) امرأة حتى (صغيرة ومجنونة بإعسار بمهر ونفقة) ; لأن الخيار منوط بالشهوة فلا يفوض لغير مستحقه فنفقتهما في مالهما إن كان وإلا فعلى من تلزمه مؤنتهما قبل النكاح وإن كانت دينا على الزوج، والسفيهة البالغة كالرشيدة هنا. (ولو أعسر زوج أمة) لم يلزم سيدها إعفافه (بالنفقة) أو نحوها مما مر الفسخ به (فلها الفسخ) وإن رضي السيد; لأن حق قبضها لها، و لو سلم السيد النفقة أجبرت؛ لأنه لا منة عليها فيه. وخرج بالنفقة المهر فالفسخ بسبب المهر للسيد; لأنه المستحق لقبضه، نعم المبعضة لا بد من الفسخ فيها من موافقتها هي والسيد أي بأن يفسخا معا
(2)
أو يوكل أحدهما الآخر (فإن رضيت فلا فسخ للسيد في الأصح) ; لأنه إنما يتلقى النفقة عنها.
(1)
. ولا يكلف أن يقيم البينة على أنها تعلمه وتقدر عليه خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.
(2)
. خلافا للنهاية من الاكتفاء بفسخها وحدها أو فسخ السيد وحده.
وَلَهُ أَنْ يُلْجِئَهَا إلَيْهِ بِأَلَّا يُنْفِقَ عَلَيْهَا وَيَقُولَ: افْسَخِي أَوْ جُوعِي.
فصل
تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ الْوَالِدِ، وَإِنْ عَلَا، وَالْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ، وَإِنِ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا،
(وله أن يلجئها) أي المكلفة؛ إذ لا ينفذ من غيرها (إليه) أي الفسخ (بألا ينفق عليها) ولا يمونها (ويقول) لها (افسخي أو جوعي)؛ دفعا للضرر عنه، والمكاتبة كالقنَّة فيما عدا الإجبار. ولو أعسر سيد مستولدة عن نفقتها أجبر على عتقها أو تزويجها
(1)
.
(فصل) في مؤن الأقارب
(يلزمه) أي الفرع الحر أو المبعض الذكر والأنثى
(2)
(نفقة) أي مؤنة حتى نحو دواء وأجرة طبيب (الوالد) المعصوم الحر -وقنه المحتاج له وزوجته إن وجب إعفافه- أو المبعض بالنسبة لبعضه الحر لا المكاتب
(3)
(وإن علا) ولو أنثى غير وارثة إجماعا، ولقوله تعالى {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} لقمان: 15 وللخبر الصحيح ((أن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه)) (و) يلزم الأصل الحر أو المبعض الذكر والأنثى مؤنة (الولد) المعصوم الحر أو المبعض كذلك (وإن سفل) ولو أنثى كذلك؛ لقوله تعالى {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} البقرة: 233 الآية، وقوله {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} الطلاق: 6 فإذا لزمه أجرة الرضاع فكفايته ألزم، ومن ثم أجمعوا على ذلك في طفل لا مال له، وأُلحق به بالغ عاجز كذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لهند ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف)) (وإن اختلف دينهما)؛ لعموم الأدلة. والشرط عصمة المنفق عليه كما مر لا نحو مرتد وحربي، ولا يُلحق بهما زانٍ محصن؛ لأن توبته لا تعصمه فهو ليس بقادر على إزالة مانعه بخلافهما. ثم إنه لا يشترط اتحاد محل المنفق والمنفق عليه، حتى لو أراد المنفق عليه سفرا أو كان مقيما بمحل بعيد عن المنفق لزمه إرسال كفايته له مع من يثق به لينفق عليه.
(1)
. خلافا لهم فلم يجبروه على ذلك، بل على تخليتها للكسب لتنفق منه أو على إيجارها.
(2)
. لا المكاتب لضعف ملكه عن احتمال المواساة ذكره الشارح في باب من تلزمه الزكاة 3/ 329.
(3)
. استثنى في المغني ما لو كان للمكاتب ولد من أمته أو من زوجته التي هي أمة سيده فتجب عليه نفقته.
بِشَرْطِ يَسَارِ المُنْفِقِ بِفَاضِلٍ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فِي يَوْمِهِ، وَيُبَاعُ فِيهَا مَا يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، وَيَلْزَمُ كَسُوبًا كَسْبُهَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تَجِبُ لِمَالِكٍ كِفَايَتِهِ وَلَا مُكْتَسِبِهَا، وَتَجِبُ لِفَقِيرٍ غَيْرِ مُكْتَسِبٍ إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا
وإنما تجب (بشرط يسار المنفق) ; لأنها مواساة ونفقة الزوجة معاوضة، ويصدق في إعساره بيمينه ما لم يكذبه ظاهر حاله فلا بد له من بينة تشهد له به (بفاضل عن قوته وقوت عياله) -زوجته وخادمها وأم ولده- وعن سائر مؤنهم (في يومه) وليلته التي تليه غداءً وعشاءً، ولو لم يكفه الفاضل لم يجب غيره. (ويباع فيها) أي كفاية القريب (ما) فضل عن اليوم والليلة مما (يباع في الدين) من عقار وغيره كالمسكن والخادم والمركوب ولو احتاجها; لأنها مقدمة على وفائه فبيع فيها ما يباع فيه بالأولى، وعُلم أنه بعد بيع مسكنه في كل يوم وليلة لو لم يفضل إلا ما يكفي أجرة مسكن أحدهما قدم مسكنه، وأنه لا يعتبر مؤنة وأجرة مسكن بعضه إلا إذا فضل عن مؤنه ومؤن عياله وأجرة مسكنهم يوما وليلة ما يصرفه لمؤنة بعضه، ومنها مسكنه، وكيفية بيع العقار لها أنه يستقرض لها إلى أن يجتمع ما يسهل بيعه فيباع، فإن تعذر بيع البعض ولم يوجد من يشتري إلا الكل بيع الكل، وأُلحق غير العقار به في ذلك. أما ما لا يباع فيه ما مر في باب الفلس فلا يباع فيها بل يترك له ولممونه. (ويلزم كسوبا كسبها) أي المؤن -ولو لحليلة الأصل- كالأدم والسكنى والإخدام حيث وجب، أي أقل ما يكفي منها (في الأصح) إن حَلَّ ولاق به وإن لم تجر عادته به
(1)
; لأن القدرة بالكسب كهي بالمال في تحريم الزكاة وغيره، وإنما لم يلزمه لوفاء دين لم يعصي به; لأنه على التراخي وهذه فورية، ولقلة هذه وانضباطها بخلافه، ومن ثم لو صارت دينا بفرض قاض لم يلزمه الاكتساب لها ولا يجب لأجلها سؤال زكاة ولا قبول هبة فإن فعل وفضل منه شيء عما مر أنفق عليه منه. (ولا تجب) المؤن (لمالك كفايته ولا) لشخص (مكتسبها)؛ لاستغنائه، فإن قدر على كسب ولم يكتسب كلِّفه إن كان حلالا لائقا به وإلا فلا (وتجب لفقير غير مكتسب إن كان زَمِنا) أو أعمى أو مريضا (أو صغيرا أو مجنونا)؛ لعجزه عن كفاية نفسه، ومن ثم لو أطاق صغير الكسب أو تعلمه ولاق به جاز للولي أن يَحْمِله عليه وينفق عليه منه، فإن امتنع أو هرب لزم الولي إنفاقه.
(1)
. واشترط الشارح أيضا في قسم الصدقات أن لا يكون في الكسب مشقه لا تحتمل عادة 7/ 150.
وَإِلَّا فَأَقْوَالٌ أَحْسَنُهَا تَجِبُ، وَالثَّالِثُ لِأَصْلٍ، لَا فَرْعٍ. قُلْتُ: الثَّالِثُ أَظْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَهِيَ الْكِفَايَةُ. وَتَسْقُطُ بِفَوَاتِهَا، وَلَا تَصِيرُ دَيْنًا عَلَيْهِ إلَّا بِفَرْضِ قَاضٍ، أَوْ إذْنِهِ فِي اقْتِرَاضٍ لِغَيْبَةٍ أَوْ مَنْعٍ
(وإلا) يكن غير المكتسب كذلك (فأقوال أحسنها تجب) للأصل والفرع ولا يكلفان الكسب؛ لحرمتهما، وثانيها لا تجب; لأنه غني (والثالث) تجب (لأصل) فلا يكلف كسبا (لا فرع) بل يكلف الكسب، نعم لا تكلف الأم أو البنت التزوج; لأن حبس النكاح لا غاية له بخلاف سائر الأكساب، وبتزوجها تسقط نفقتها بالعقد وإن كان الزوج معسرا ما لم تفسخ؛ لتعذر إيجاب نفقتين، نعم محله في مكلفة فغيرها لا بد من التمكين وإلا لم تسقط عن الأب (قلت الثالث أظهر والله أعلم)؛ لتأكد حرمة الأصل، ومحل ذلك إن لم يشتغل بمال الولد ومصالحه وإلا وجبت نفقته جزما. والأوجه عدم وجوبها لفرع كبير لم تجر عادته بالكسب أو شغله عنه اشتغال بالعلم.
(وهي الكفاية)؛ لخبر ((خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف))، فيجب أن يعطيه كسوة وسكنى تليق بحاله وقوتا وأدما يليق بسنه -كمؤنة الرضاع حولين- ورغبته وزهادته بحيث يتمكن معه من التردد كالعادة ويدفع عنه ألم الجوع لا تمام الشبع -أي المبالغة فيه- وأما إشباعه فواجب، وأن يخدمه ويداويه إن احتاج، وأن يبدل ما تلف بيده، وكذا إن أتلفه لكن الرشيد يضمنه إذا أيسر. (وتسقط) مؤن القريب التي لم يأذن المنفق لأحد في صرفها عنه لقريبه (بفواتها) بمضي الزمن وإن تعدى المنفق بالمنع; لأنها وجبت لدفع الحاجة الناجزة مواساة وقد زالت بخلاف نفقة الزوجة، نعم لو نفاه ثم استلحقه رجعت أمه مثلا عليه بمؤن الولد، ويوجه بأن مزيد تقصيره بالنفي الذي بان بطلانه برجوعه أوجب عقوبته بإيجاب ما فوته به، وكذا نفقة الحمل -وإن جعلت له- لا تسقط بمضي الزمان; لأن الحامل لمَّا كانت هي المنتفعة بها التحقت بنفقتها (ولا تصير دينا)؛ لما ذكر (إلا بفرض قاضٍ) وإن لم يأذن
(1)
لمن ينفق عليه، فيكفي قوله فرضت أو قدَّرت لفلان على فلان كل يوم كذا لكن يشترط أن يثبت عنده احتياج الفرع وغِنى الأصل (أو إذنه) ولو للممون إن تأهل (في اقتراض) وإن تأخر الاقتراض عن الإذن، وإنما تصير دينا بأحد هذين إن كان (لغيبة) للمنفق (أو منع) صدر منه،
(1)
. خلافا لهما.
وَعَلَيْهَا إرْضَاعُ وَلَدِهَا اللِّبَأَ. ثُمَّ بَعْدَهُ إنْ لَمْ يُوجَدْ إلَّا هِيَ أَوْ أَجْنَبِيَّةٌ وَجَبَ إرْضَاعُهُ، وَإِنْ وُجِدَتَا لَمْ تُجْبَرِ الْأُمُّ، فَإِنْ رَغِبَتْ وَهِيَ مَنْكُوحَةُ أَبِيهِ فَلَهُ مَنْعُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَيْسَ لَهُ مَنْعُهَا، وَصَحَّحَهُ الْأَكْثَرُونَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ
فحينئذ تصير دينا لتأكدها بفرضه أو إذنه
(1)
. وعلم من كلامه صيرورتها دينا باقتراض القاضي أو نائبه بالأولى، ولو فقد القاضي وغاب المنفق أو امتنع ولا مال للولد أو تعذر الإنفاق من ماله
(2)
حالا فاستقرضت الأم وأنفقت أو أنفقت من مالها ولو غير وصية رجعت عليه إن أشهدت وقصدت الرجوع، ولا يكفي قصده وحده عند تعذر الإشهاد، وهذا لا يختص بالأم بل مثلها كل منفق
(3)
، ولو طلب القاضي مالا على الإذن أو الاقتراض صار كالمفقود، وأطلق بعضهم أن لأم الطفل الإنفاق عليه من مال الطفل ويتعين فرضه
(4)
فيما إذا غاب وليه ولا قاضي تستأذنه ومثلها غيرها كما مر أواخر الحجر (وعليها) أي الأم (إرضاع ولدها اللبأ) وهو ما ينزل بعد الولادة ويرجع في مدته لأهل الخبرة، وذلك; لأن النفس لا تعيش بدونه غالبا، ومع ذلك لها طلب الأجرة عليه إن كان لمثله أجرة كما يجب إطعام المضطر بالبدل (ثم بعده) أي إرضاعه اللبأ (إن لم يوجد إلا هي أو أجنبية وجب إرضاعه) على من وجدت إبقاء له، ولها طلب الأجرة ممن تلزمه مؤنته
(5)
(وإن وجدتا لم تجبر الأم) خلية كانت أو في نكاح أبيه وإن لاق بها إرضاعه؛ لقوله تعالى {وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} الطلاق: 6 (فإن رغبت) في إرضاعه ولو بأجرة مثل (وهي منكوحة أبيه) أي الطفل (فله منعها في الأصح)؛ ليكمل تمتعه بها (قلت: الأصح ليس له منعها وصححه الأكثرون والله أعلم) ; لأن فيه إضرارا بالولد لمزيد شفقتها به وصلاح لبنها له فاغتفر لأجل ذلك نقص تمتعه بها. أما غير منكوحته بأن كانت خلية فإن تبرعت مكنت منه قطعا وإلا فكما في قوله:
(1)
. ولهما كالشهاب الرملي حَمْلٌ لكلام الشيخين لم يرتضه الشارح.
(2)
. أي مال المنفق وظاهره جواز الأخذ عند عدم التعذر وفقد الحاكم سواء من جنس مال النفقة أم لا وهو صريح المغني، نعم ظاهر النهاية جواز الأخذ من جنس النفقة وإن وجد حاكم.
(3)
. وذكر الشارح في الصلح أنه لو قال له أنفق على زوجتي أو غلامي رجع عليه، وله أجرة مثله؛ لأنه عمل طامعا 5/ 219.
(4)
. خلافا لشرح الروض فظاهره الجواز مع امتناع الأب أو غيبته بدون إذن القاضي مع وجوده.
(5)
. عبارة المغني من ماله إن كان وإلا فممن تلزمه.
فَإِنِ اتَّفَقَا وَطَلَبَتْ أُجْرَةَ مِثْلٍ أُجِيبَتْ، أَوْ فَوْقَهَا فَلَا. وَكَذَا إنْ تَبَرَّعَتْ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ رَضِيَتْ بِأَقَلَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَمَنِ اسْتَوَى فَرْعَاهُ أَنْفَقَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَقْرَبُهُمَا، فَإِنِ اسْتَوَيَ فَبِالْإِرْثِ فِي الْأَصَحِّ، وَالثَّانِي بِالْإِرْثِ ثُمَّ الْقُرْبِ، وَالْوَارِثَانِ يَسْتَوِيَانِ، أَمْ تُوَزَّعُ بِحَسَبِهِ؟ وَجْهَانِ،
(فإن اتفقا) على أن الأم ترضعه (وطلبت أجرة مثل) له
(1)
(أجيبت) وكانت أحق به؛ لوفور شفقتها، ثم إن لم ينقص إرضاعها تمتعه استحقت النفقة أيضا وإلا فلا كما لو سافرت لحاجتها بإذنه. وخرج بطلبها ما لو أرضعته ساكتة فلا أجرة لها; لأنها متبرعة بخلاف ما إذا طلبت فإنها من حين الطلب تستحق الأجرة وإن لم تُجَب لِمَا طلبته (أو) طلبت (فوقها) أي أجرة المثل (فلا) تلزمه الإجابة؛ لتضرره (وكذا) لا تلزمه الإجابة هنا
(2)
(إن) رضيت الأم بأجرة المثل أو بأقل، و (تبرعت أجنبية أو رضيت بأقل) مما طلبته الأم (في الأظهر)؛ لإضراره ببذل ما طلبته حينئذ، ومحله إن استمرأ الولد لبن الأجنبية وإلا أجيبت الأم وإن طلبت أجرة المثل حذرا من إضرار الرضيع، ومحله أيضا في ولد حر وزوجة حرة ففي ولد رقيق وأم حرة للزوج منعها كما لو كان الولد من غيره (ومن استوى فرعاه) قربا أو بعدا، وارثا أو عدمه (أنفقا) عليه سواء وإن تفاوتا يسارا أو كان أحدهما غنيا بمال والآخر بكسب؛ لاستوائهما في الموجب وهو القرابة، فإن غاب أحدهما دفع الحاكم حصته من ماله وإلا اقترض عليه، فإن لم يقدر على الاقتراض أمر الآخر بالإنفاق بنية الرجوع، ويظهر أنه لا يلزمه أن يتعرض في أمره له إليها، وإن مجرد أمره كاف فيه ما لم ينو التبرع (وإلا) يستويا في ذلك بأن كان أحدهما أقرب والآخر وارثا (فالأصح أقربهما) هو الذي ينفقه ولو أنثى غير وارثة؛ لأن القرابة هي الموجبة كما تقرر فكانت الأقربية أولى بالاعتبار من الإرث (فإن استوى) قربهما كبنت ابن وابن بنت (فـ) الاعتبار (بالإرث في الأصح)؛ لقوته حينئذ (و) الوجه (الثاني) المقابل للأصح أوَّلا الاعتبار (بالإرث) فينفقه الوارث وإن كان غيره أقرب (ثم القرب) إن استويا إرثا، (والوارثان) المستويان قربا الواجب عليهما تحصيل المؤن كابن وبنت هل (يستويان) فيه (أم توزع) المؤن عليهما (بحسبه)؟ أي الإرث (وجهان) الأرجح الأول
(3)
.
(1)
. هنا اعتراض على المتن رده الشارح وأقره المغني.
(2)
. رد الشارح بحث أبي زرعة الوارد هنا عند قول المصنف: ((فإن كان رضيعا اشترط أن ترضعه)) الخ.
(3)
. خلافا لهما.
وَمَنْ لَهُ أَبَوَانِ فَعَلَى الْأَبِ، وَقِيلَ عَلَيْهِمَا لِبَالِغٍ، أَوْ أَجْدَادٌ وَجَدَّاتٌ إنْ أَدْلَى بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ فَالْأَقْرَبُ، وَإِلَّا فَبِالْقُرْبِ، وَقِيلَ الْإِرْثِ، وَقِيلَ بِوِلَايَةِ المَالِ، وَمَنْ لَهُ أَصْلٌ وَفَرْعٌ فَفِي الْأَصَحِّ أَنَّ مُؤْنَتَهُ عَلَى الْفَرْعِ، وَإِنْ بَعُدَ. أَوْ مُحْتَاجُونَ يُقَدِّمُ زَوْجَتَهُ ثُمَّ الْأَقْرَبَ، وَقِيلَ الْوَارِثَ، وَقِيلَ الْوَلِيَّ
(ومن له أبوان) أي أب وإن علا وأم (فـ) نفقته (على الأب) ولو بالغا؛ استصحابا لما كان في صغره (وقيل) هي (عليهما لبالغ) عاقل؛ لاستوائهما فيه بخلاف الصغير والمجنون؛ لتميز الأب بالولاية عليهما (أو) اجتمع (أجداد) أ (وجدات) لعاجز (إن أدلى بعضهم ببعض فالأقرب) هو الذي ينفقه؛ لإدلاء الأبعد به (وإلا) يدل بعضهم ببعض (فـ) الاعتبار (بالقرب) فينفقه الأقرب منهم (وقيل) الاعتبار بوصف (الإرث) كما مر في الفروع (وقيل) الاعتبار (بولاية المال) أي بالجهة التي تفيدها وإن وجد مانعها كالفسق; لأنها تشعر بتفويض التربية إليه. (ومن له أصل وفرع) وهو عاجز (ففي الأصح أن مؤنته على الفرع وإن بعد) ; لأن عصوبته أولى وهو أولى بالقيام بشأن أبيه؛ لعظم حرمته (أو) له (محتاجون) من أصوله وفروعه أو أحدهما مع زوجة وضاق موجوده عن الكل (يقدم) نفسه ثم (زوجته) وإن تعددت; لأن نفقتها آكد لالتحاقها بالديون، و مثلها خادمها وأم ولده (ثم) بعد الزوجة يقدم (الأقرب) فالأقرب، نعم يقدم ولده الصغير أو المجنون على الأم وهي على الأب، كالجدة على الجد، وهو -أعني الأب- على الولد الكبير العاقل لكن الأوجه أن الأب المجنون مستوٍ مع الولد الصغير أو المجنون، ويقدم من اختص من أحد مستوين قربا بمرض أو ضعف كما تقدم بنت ابن على ابن بنت؛ لضعفها وإرثها، وأبو أب على أبي أم؛ لإرثه، وجد أو ابن ابن زمن على الأب أو ابن غير زمن، ويقدم الجد العاصب وإن بعد
(1)
على جد غير عاصب، وجدة لها ولادتان على جدة لها ولادة فقط. ولو استوى جمعٌ من سائر الوجوه وزِّع ما يجده عليهم إن سد مسدا من كل وإلا أقرع، ولا يقدم هنا بعلم ولا صلاح، (وقيل) يقدم (الوارث، وقيل) يقدم (الولي) نظير ما مر.
(1)
. وفاقا للنهاية وخالفه في هذه الغاية المغني.
فصل
الحَضَانَةُ: حِفْظُ مَنْ لَا يَسْتَقِلُّ وَتَرْبِيَتُهُ. وَالْإِنَاثُ أَلْيَقُ بِهَا، وَأَوْلَاهُنَّ أُمٌّ ثُمَّ أُمَّهَاتٌ يُدْلِينَ بِإِنَاثٍ يُقَدَّمُ أَقْرَبُهُنَّ، وَالجَدِيدُ يُقَدَّمُ بَعْدَهُنَّ أُمُّ أَبٍ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا المُدْلِيَاتُ بِإِنَاثٍ ثُمَّ أُمُّ أَبِي أَبٍ كَذَلِكَ، ثُمَّ أُمُّ أَبِي جَدٍّ كَذَلِكَ، وَالْقَدِيمُ يُقَدَّمُ الْأَخَوَاتُ وَالخَالَاتُ عَلَيْهِنَّ، ..
[فرع] أفتى ابن عجيل فيمن كسا أولاده ثم مات فهل ما عليهم تركة
؟ بأن نفقتهم إن لزمته ملكوا ذلك بالتسليم كما يملك الغريم دينه به، وإن لم يلزمه كان تركة إلا إن علم تبرعه به.
(فصل) في الحَضانة
(الحضانة حفظ من لا يستقل) بأموره ككبير مجنون (وتربيته) بما يصلحه ويقيه عما يضره، وقد مر تفصيله في الإجارة (والإناث أليق بها) ; لأنهن عليها أصبر ومؤنتها على من عليه نفقته
(1)
، ويأتي هنا في إنفاق الحاضنة مع الإشهاد وقصد الرجوع ما مر آنفا، ويكفي قول الحاكم أرضعيه واحضنيه ولك الرجوع على الأب وإن لم يستأجرها، فإن احتاج الولد الذكر أو الأنثى لخدمة زائدة على ما يتعلق بالتربية فعلى من عليه نفقته إخدامه بلائق به عرفا، ولا يلزم الحاضنة هذه الخدمة وإن وجب لها أجرة الحضانة. (وأولاهن) عند التنازع في حرٍّ (أم)؛ للخبر الصحيح في مطلقة أراد مطلقها أن ينزع ولده منها ((أنت أحق به ما لم تنكحي))، نعم يقدم عليها -ككل الأقارب- زوجة محضون يتأتى وطؤه لها وزوج محضونة تطيق الوطء؛ إذ غيرها لا تسلم إليه، ولا حق هنا لمحرم رضاع ولا لمعتق (ثم أمهات) لها (يدلين بإناث)؛ لمشاركتهن الأم إرثا وولادة (يقدم أقربهن) فأقربهن؛ لوفور شفقة الأقرب، نعم يقدم على الأمهات بنت المحضون كما يأتي بما فيه، (والجديد) أنه (يقدم بعدهن أم أب) وإن علا لذلك، وقُدِّمن عليها؛ لتحقق ولادتهن (ثم أمهاتها المدليات بإناث) تقدم القربى فالقربى؛ لذلك (ثم أم أبي أب كذلك) أي ثم أمهاتها المدليات بإناث (ثم أم أبي جد كذلك) أي ثم أمهاتها المدليات بإناث تقدم القربى فالقربى (والقديم) أنه (يقدم الأخوات والخالات عليهن) أي أمهات الأب والجد المذكورات.
(1)
. عبارة المغني والروض مع الأسنى ومؤنة الحضانة في مال المحضون فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته.
وَتُقَدَّمُ أُخْتٌ عَلَى خَالَةٍ وَخَالَةٌ عَلَى بِنْتِ أَخٍ وَأُخْتٍ، وَبِنْتُ أَخٍ وَأُخْتٍ عَلَى عَمَّةٍ، وَأُخْتٌ مِنْ أَبَوَيْنِ عَلَى أُخْتِ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُ أُخْتٍ مِنْ أَبٍ عَلَى أُخْتٍ مِنْ أُمٍّ وَخَالَةٍ وَعَمَّةٍ لِأَبٍ عَلَيْهِمَا لِأُمٍّ، وَسُقُوطُ كُلِّ جَدَّةٍ لَا تَرِثُ دُونَ أُنْثَى غَيْرِ مَحْرَمٍ كَبِنْتِ خَالَةٍ. وَتَثْبُتُ لِكُلِّ ذَكَرٍ مَحْرَمٍ وَارِثٍ عَلَى تَرْتِيبِ الْإِرْثِ، وَكَذَا غَيْرُ مَحْرَمٍ كَابْنِ عَمٍّ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَا تُسَلَّمُ إلَيْهِ مُشْتَهَاةٌ بَلْ إلَى ثِقَةٍ يُعَيِّنُهَا
(وتقدم) جزما (أخت) من أي جهة كانت (على خالة)؛ لقربها (وخالة على بنت أخ و) بنت (أخت) ; لأنها تدلي بالأم بخلاف من يأتي (و) تقدم (بنت أخ، و) بنت (أخت على عمة) ; لأن جهة الأخوة مقدمة على جهة العمومة، ومن ثم قدم ابن أخ في الإرث على عم، وتقدم بنت أخت على بنت أخ كبنت أنثى كلِّ مَرْتَبَةٍ على بنت ذكرها إن استوت مرتبتهما وإلا فالعبرة بالمرتبة المتقدمة (و) تقدم (أخت) أو خالة أو عمة (من أبوين على أخت) أو خالة أو عمة (من أحدهما)؛ لقوة قرابتها (والأصح تقديم أخت من أب على أخت من أم)؛ لقوة إرثها بالفرض تارة والعصوبة أخرى (و) تقديم (خالة وعمة لأب عليهما لأم)؛ لقوة جهة الأبوة (و) الأصح (سقوط كل جدة لا ترث) وهي من تدلي بذكر بين أنثيين كأم أب الأم; لأنها لمَّا أدلت بمن لا حق له هنا أشبهت الأجانب، ومثلها كل محرم يدلي بذكر لا يرث كبنت ابن البنت وبنت العم للأم (دون أنثى) قريبة (غير محرم) لم تدل بذكر غير وارث كما علم مما مر (كبنت خالة) وبنت عمة أو عم لغير أم فلا تسقط على الأصح. أما غير قريبة كمعتقة وقريبة أدلت بذكر غير وارث -كبنت خال
(1)
وبنت عم لأم- أو بوارث أو بأنثى والمحضون ذكر يشتهي فلا حضانة لها. (وتثبت) الحضانة (لكل ذكر محرم وارث) كأب وإن علا وأخ أو عم؛ لوفور شفقته (على ترتيب الإرث) كما مر في بابه، نعم يقدم هنا جد على أخ، وأخ لأب على أخ لأم كما في ولاية النكاح. (وكذا) وارث قريب (غير محرم كابن عم) وابن عم أب أو جد بترتيب الإرث هنا أيضا (على الصحيح)؛ لقوة قرابته بالإرث (ولا تسلم إليه) أي غير المَحْرَم (مشتهاة) ; لأنه يحرم عليه نظرها والخلوة بها (بل) تسلم (إلى) امرأة (ثقة) لكنه هو الذي (يعينها) ; لأن الحق له في ذلك، وله تعيين نحو بنته الثقة
(2)
.
(1)
. خلافا لهما كالشهاب الرملي.
(2)
. وظاهر كلام الشارح أنها تسلم لبنته فقط وظاهر كلامهما أنها تسلم إليهما.
فَإِنْ فُقِدَ الْإِرْثُ وَالمَحْرَمِيَّةُ أَوِ الْإِرْثُ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَإِنِ اجْتَمَعَ ذُكُورٌ وَإِنَاثٌ فَالْأُمُّ ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا ثُمَّ الْأَبُ، وَقِيلَ تُقَدَّمُ عَلَيْهِ الخَالَةُ وَالْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ، وَيُقَدَّمُ الْأَصْلُ عَلَى الحَاشِيَةِ، فَإِنْ فُقِدَ فَالْأَصَحُّ الْأَقْرَبُ، وَإِلَّا فَالْأُنْثَى، وَإِلَّا فَيُقْرَعُ. وَلَا حَضَانَةَ لِرَقِيقٍ وَمَجْنُونٍ،
(فإن فقد) في الذكر (الإرث والمحرمية) كابن خال أو خالة أو عمة (أو) فقد (الإرث) دون المحرمية كأبي أم وخال وابن أخت وابن أخ لأم، أو القرابة دون الإرث كمعتق (فلا) حضانة لهم (في الأصح)؛ لضعف قرابتهم بانتفاء الإرث والولاية والعقل؛ ولانتفاء القرابة في الأخيرة. (وإن اجتمع ذكور وإناث فالأم) مقدمة على الكل؛ للخبر، ولأنها زادت على الأب بالولادة المحققة والأنوثة اللائقة بالحضانة (ثم أمهاتها) المدليات بإناث وإن علون; لأنهن في معناها (ثم الأب) ; لأنه أشفق ممن يأتي ثم أمهاته وإن علون (وقيل تقدم عليه الخالة والأخت من الأم) أو هما؛ لإدلائهما بالأم كأمهاتها ويرد بضعف هذا الإدلاء.
[فرع] لبنت المجنون حضانته إذا لم يكن له أبوان فحينئذٍ تقدم على بقية أصوله
، وعليه لو اجتمعت جدة لأم وأب وبنت فالأب المحجوب بأم الأم حاجب للبنت هنا فتقدم أم الأم ثم الأب ثم البنت. (ويقدم الأصل) الذكر والأنثى وإن علا (على الحاشية) من النسب كأخت وعمة؛ لقوة الأصول (فإن فُقد) الأصل مطلقا وثَم حواشٍ (فالأصح) أنه يقدم منهم (الأقرب) فالأقرب الذكر والأنثى كالإرث، قيل هذا مخالف لما مر من تقديم الخالة على بنت أخ أو أخت، ويجاب بمنع ذلك; لأن الخالة تدلي بالأم المقدمة على الكل فكانت أقرب هنا ممن تدلي بالمؤخر عن كثيرين (وإلا) يوجد أقرب كأن استوى جمع في القرب كأخ وأخت (فالأنثى) مقدمة; لأنها أصبر وأبصر (وإلا) يكن من المستوين قربا أنثى مع ذكر كأخوين، أو أختين (فيقرع) بينهما؛ قطعا للنزاع، والخنثى هنا كالذكر ما لم يدع الأنوثة ويحلف. (ولا حضانة) على حر أو قن ابتداء ولا دواما (لرقيق) -أي لمن فيه رق وإن قلَّ؛ لنقصه وإن أذن سيده; لأنها ولاية- ولا على قن لحر غير سيده لكن ليس له نزعه من أحد أبويه الحر قبل التمييز; لأنهما أشفق منه مع كراهة التفريق حينئذ. ومن بعضه حر يشترك مالك بعضه وقريبه على الترتيب السابق في حضانته، فإن توافقا على شيء فذاك وإلا استأجر القاضي له حاضنة عليهما، وقد تثبت لأم قنة فيما إذا أسلمت أم ولد كافر فلها حضانة ولدها التابع لها في الإسلام ما لم تتزوج؛ لفراغها -إذ يمتنع على السيد قربانها- مع وفور شفقتها، ومع تزوجها لا حق للأب لكفره (ومجنون) وإن تقطع جنونه ما لم يقل كيوم في سنة؛ لنقصه.
وَفَاسِقٍ وَكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَنَاكِحَةِ غَيْرِ أَبِي الطِّفْلِ إلَّا عَمَّهُ وَابْنَ عَمِّهِ وَابْنَ أَخِيهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ كَانَ رَضِيعًا اُشْتُرِطَ أَنْ تُرْضِعَهُ عَلَى الصَّحِيحِ
[تنبيه] ينبغي في ذلك اليوم الذي يجن فيه الحاضن أن الحضانة لوليه
، وينيب القاضي عن المغمى عليه من يحضنه؛ لقرب زواله غالبا. (وفاسق) ; لأنها ولاية، نعم يكفي مستور العدالة أي حيث لا نزاع أو وقع بعد تسلم الولد وإلا فلا بد من ثبوتها عند قاضٍ
(1)
(وكافر على مسلم) لذلك بخلاف العكس; لأن المسلم يلي الكافر (وناكحة غير أبي الطفل) وإن رضي زوجها ولم يدخل بها؛ للخبر السابق ((أنت أحق به ما لم تنكحي))، وإذا سقط حق الأم بذلك انتقل لأمها ما لم يرض الزوج والأب ببقائه مع الأم. أما ناكحة أبي الطفل
(2)
وإن علا فحضانتها باقية، أما الأب فواضح و أما الجد فلأنه ولي تام الشفقة، وقضيته أن تزوجها
(3)
بأبي الأم يبطل حقها وهو المعتمد. وقد لا تسقط بالتزوج؛ لكون الاستحقاق بالإجارة بأن خالع زوجته بألف وحضانة الصغير سنة فلا يؤثر تزوجها أثناء السنة; لأن الإجارة عقد لازم (إلا) إن تزوجت من له حق في الحضانة في الجملة ورضي به كأن تزوجت (عمه وابن عمه وابن أخيه) أو أخته لأمه أخاه لأبيه (في الأصح) ; لأن هؤلاء أصحاب حق في الحضانة والشفقة تحملهم على رعاية الطفل فيتعاونان على كفالته بخلاف الأجنبي، ومن ثم اشترط أن ينضم لرضاه رضا الأب بخلاف من له حق يكفي رضاه وحده. (فإن كان) المحضون (رضيعا اشترط) في استحقاق نحو أمه للحضانة إذا كانت ذات لبن (أن ترضعه على الصحيح)؛ لعسر استئجار مرضعة تترك بيتها وتنتقل إلى بيت الحاضنة، فإن امتنعت سقط حقها، ولها إن أرضعته أجرة الرضاع والحضانة، وحينئذ يأتي هنا ما مر فيمن رضيت بدون ما رضيت به، أما إذا لم يكن لها لبن فتستحق الحضانة جزما. ويشترط أيضا سلامة الحاضنة من ألم مشغِل كفالج، أو مؤثِّر في عسر الحركة في حق من يباشرها بنفسه دون من يدبر الأمر ويباشره غيره، ولو كانت عمياء واحتاجت للمباشرة فإن لم تجد من ينوب عنها في القيام بمصالحه أثر وإلا فلا -سواء في ذلك الكبير والصغير- ومن تغفل، ومن سفه صحبه حجر،
(1)
. كما في فتح الجواد، واعتمداه وظاهر التحفه الاكتفاء بالمستور مطلقا.
(2)
. كخالة الطفل إذا نكحت أباه أو جده.
(3)
. أي الحاضنة بأبي الأم أي كأن تكون عمة المحضون وتزوجت بأبي أمه.
فَإِنْ كَمُلَتْ نَاقِصَةٌ أَوْ طَلُقَتْ مَنْكُوحَةٌ حَضَنَتْ، وَإِنْ غَابَتِ الْأُمُّ أَوْ امْتَنَعَتْ فَلِلْجَدَّةِ عَلَى الصَّحِيحِ، هَذَا كُلُّهُ فِي غَيْرِ مُمَيِّزٍ. وَالمُمَيِّزُ إنِ افْتَرَقَ أَبَوَاهُ كَانَ عِنْدَ مَنِ اخْتَارَ مِنْهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا جُنُونٌ أَوْ كُفْرٌ أَوْ رِقٌّ أَوْ فِسْقٌ أَوْ نَكَحَتْ فَالحَقُّ لِلْآخَرِ، وَيُخَيَّرُ بَيْنَ أُمٍّ وَجَدٍّ، وَكَذَا أَخٌ أَوْ عَمٌّ أَوْ أَبٌ مَعَ أُخْتٍ أَوْ خَالَةٍ فِي الْأَصَحِّ،
ومن جذام وبرص إن خالطته. (فإن كملت ناقصة) كأن عتقت أو أفاقت أو أسلمت أو رشدت (أو طلقت منكوحة) ولو رجعيا (حضنت) حالا ولو في العدة إن رضي المطلق ذو البيت بدخول الولد له، وذلك؛ لزوال المانع، ومن ثم لو أسقطت الحاضنة حقها انتقل لمن يليها، فإذا رجعت عاد حقها. (فإن غابت الأم أو امتنعت فـ) الحضانة (للجدة) أم الأم (على الصحيح) كما لو ماتت أو جنت، وقضيته أن الأم لا تجبر، ومحله إن لم يلزمها نفقته وإلا أجبرت ومثلها كل أصل يلزمه الإنفاق، ومنه الإخدام بنحو شراء خادم أو استئجاره لمن يخدم مثله، ولا يلزم الأم المستحقة للحضانة إذا لم يلزمها إنفاقه أن تخدمه فلا يلزمها وإن كان مثلها يخدم ولده. ومن استحقت الحضانة فحضنت بقصد الرجوع وأشهدت عليه فإن كان ذلك لغيبة المنفق أو امتناعه ومع فقد القاضي رجعت بأجرتها وإلا فلا نظير ما مر في النفقة.
[تنبيه] قام بكل من الأقارب مانع من الحضانة رجع في أمرها للقاضي الأمين فيضعه عند الأصلح منهن أو من غيرهن (هذا كله في غير مميز
، والمميز) وهو من يأكل ويشرب ويستنجي وحده (إن افترق) من النكاح (أبواه) مع أهليتهما ومقامهما في بلد واحد خُيِّر إن ظهر للقاضي أنه عارف بأسباب الاختيار وإذا اختار أحدهما (كان عند من اختار منهما)؛ للخبر الحسن أنه صلى الله عليه وسلم ((خيَّر غلاما بين أبيه وأمه))، وإنما يُدعى الغلامُ المميزَ ومثله الغلامة (فإن كان في أحدهما) مانع، ومنه (جنون أو كفر أو رق أو فسق أو نكحت) من لا حق له في الحضانة (فالحق للآخر)؛ لانحصار الأمر فيه (ويخيَّر) المميز الذي لا أب له (بين أم) وإن علت (وجد) وإن علا عند فقد من هو أقرب منه، أو قيام مانع به؛ لوجود الولادة في الكل (وكذا) الحواشي فهم كالجد ومنهم (أخ وعم) أو ابنه إلا ابن عم في مشتهاة ولا بنت له ثقة أي مثلا والمراد أنه لا يجد ثقة يسلمها إليها، فيتخير بين أحدهم والأم كما يتخير بين الأب والأم بجامع العصوبة (أو أب مع أخت) شقيقة أو لأم (أو خالة) حيث لا أم فيخير بينهما (في الأصح) فإن فقد الأب أيضا خُيِّر بين الأخت أو الخالة وبقية العصبة. ولا يجري التخيير بين ذكرين ولا أنثيين.
فَإِنِ اخْتَارَ أَحَدَهُمَا ثُمَّ الْآخَرَ حُوِّلَ إلَيْهِ، فَإِنِ اخْتَارَ الْأَبَ ذَكَرٌ لَمْ يَمْنَعْهُ زِيَارَةَ أُمِّهِ وَيَمْنَعُ أُنْثَى، وَلَا يَمْنَعُهَا دُخُولًا عَلَيْهِمَا زَائِرَةً، وَالزِّيَارَةُ مَرَّةً فِي أَيَّامٍ، فَإِنْ مَرِضَا فَالْأُمُّ أَوْلَى بِتَمْرِيضِهِمَا فَإِنْ رَضِيَ بِهِ فِي بَيْتِهِ، وَإِلَّا فَفِي بَيْتِهَا، وَلَوْ اخْتَارَهَا ذَكَرٌ فَعِنْدَهَا لَيْلًا، وَعِنْدَ الْأَبِ نَهَارًا، يُؤَدِّبُهُ وَيُسَلِّمُهُ لِمَكْتَِبٍ أَوْ لِحِرْفَةٍ، أَوْ أُنْثَى فَعِنْدَهَا لَيْلًا وَنَهَارًا،
(فإن اختار أحدهما) أي الأبوين ومن ألحق بهما (ثم الآخر حول إليه) ; لأنه قد يبدو له الأمر على خلاف ظنه، نعم إن ظن أن سببه قلة عقله فعند الأم وإن بلغ كما قبل التمييز (فإن اختار الأبَ ذكرٌ لم يمنعه زيارة أمه) أي لم يجز له ذلك وتكليفها الخروج لزيارته; لأنه يؤدي للعقوق وقطع الرحم (ويمنع أنثى) -ومثلها هنا وفيما يأتي الخنثى- من زيارة أمها؛ لتألف الصيانة، نعم يلزم الولي إخراجها إلى أمها إن طلبتها وكانت الأم معذورة عن الخروج للبنت لنحو تخدر
(1)
أو مرض أو مَنْعِ
(2)
نحو زوج ولم تكن ثمة ريبة قوية في الخروج. (ولا يمنعها) أي الأبُ الأمَ (دخولا عليهما) أي الابن والبنت إلى بيته (زائرة) حيث لا خلوة له بها محرمة ولا ريبة. (والزيارة مرة في أيام) على العادة لا في كل يوم ولا تطيل المكث (فإن مرضا فالأم أولى بتمريضهما) ; لأنها أصبر عليه (فإن رضي به في بيته) بالشرطين المذكورين فذاك (وإلا ففي بيتها) فهو المخير في ذلك، نعم إن أضرت المريض النقلة لبيتها امتنعت. ولو مرضت الأم فليس للأب منع الولد الذكر والأنثى من عيادتها (ولو اختارها ذكر فعندها) يكون (ليلا وعند الأب) وإن علا ومثله وصي وقيم يكون (نهارا) وهو كالليل للغالب ففي -من كان عمله ليلا- الأمر بالعكس (يؤدبه) وجوبا بتعليمه طهارة النفس من كل رذيلة وتحليها بكل محمود (ويسلمه) وجوبا (لـ) صاحب (مَكتَِب) وهو محل التعليم (ولِـ) صاحب (حرفة) وليس لأب شريف تعليم ابنه صنعة تزريه; لأن عليه رعاية حظه ولا يكله إلى أمه؛ لعجز النساء عن مثل ذلك، وأجرة ذلك في مال الولد إن وجد
(3)
وإلا فعلى من عليه نفقته (أو) اختارها (أنثى فعندها) تكون (ليلا ونهارا)؛ لاستوائهما في حقها إذ الأليق بها سترها ما أمكن.
(1)
. خلافا لهما.
(2)
. خلافا لهما.
(3)
. ذكر الشارح في كتاب الصلاة أن معنى وجوبها في ماله أنها تثبت في ذمته فإن بقيت إلى كماله لزمه إخراجها وإن تلف المال 1/ 459.
وَيَزُورُهَا الْأَبُ عَلَى الْعَادَةِ، وَإِنِ اخْتَارَهُمَا أَقُرِعَ، وَإِنِ لَمْ يَخْتَرْ فَالْأُمُّ أَوْلَى، وَقِيلَ يُقْرَعُ. وَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمَا سَفَرَ حَاجَةٍ كَانَ الْوَلَدُ المُمَيِّزُ وَغَيْرُهُ مَعَ المُقِيمِ حَتَّى يَعُودَ، أَوْ سَفَرَ نُقْلَةٍ فَالْأَبُ أَوْلَى بِشَرْطِ أَمْنِ طَرِيقِهِ وَالْبَلَدِ المَقْصُودِ، قِيلَ وَمَسَافَةُ قَصْرٍ. وَمَحَارِمُ الْعَصَبَةِ فِي هَذَا كَالْأَبِ،
(ويزورها الأب على العادة
(1)
ولا يطلبها؛ لما ذكر. ولو مات المحضون أجيب الأب إلى محل دفنه، ولها بعد البلوغ الانفراد عن نحو أبويها إلا إن ثبتت ريبة ولو ضعيفة فلولي نكاحها -وإن رضي أقرب منه ببقائها في محلها- أن يمنعها الانفراد، بل يضمها إليه إن كان محرما وإلا فإلى من يأمنها بموضع لائق ويلاحظها. ويظهر في أمرد ثبتت الريبة في انفراده أن لوليه منعه منه كما ذكر (وإن اختارهما أقرع) بينهما؛ إذ لا مرجح، (وإن لم يختر) واحداً منهما (فالأم أولى) ; لأنها أشفق واستصحابا لما كان (وقيل يقرع) بينهما؛ إذ لا أولوية حينئذ، ويرد بمنع ذلك. (ولو أراد أحدهما سفر حاجة) غير نقلة (كان الولد المميز وغيره مع المقيم حتى يعود) المسافر؛ لخطر السفر طال أو قصر، فإن أراده كل منهما واختلفا مقصدا وطريقا كان عند الأم وإن كان سفرها أطول ومقصدها أبعد (أو) أراد أحدهما (سفر نقلة فالأب أولى) به -وإن كان هو المسافر ولو كان للأب أب ببلد الأم-؛ احتياطا للنسب ولمصلحة نحو التعليم والصيانة وسهولة الإنفاق، نعم إن صحبته الأم وإن اختلف مقصدهما، أو لم تصحبه واتحد مقصدهما دام حقها كما لو عاد الأب من سفر النقلة لمحلها. وواضح فيما إذا اختلف مقصدهما وصحبته أنها تستحقها مدة صحبته لا غير. وإنما يجوز السفر به (بشرط أمن طريقه والبلد) أي المحل (المقصود) إليه، فإن كان أحدهما مخوفا امتنع السفر به وأُقِر عند المقيم، وكذا إن لم يصلح المحل المنتقل إليه عند المتولي، أو كان وقت شدة حر
(2)
أو برد، أو كان السفر به إلى دار الحرب وإن أمن، وليس خوف الطاعون مانعا وإن وجدت قرائنه بخلاف تحققه؛ لحرمة الدخول إلى محله كالخروج منه لغير حاجة ماسة. ويجوز له السفر به ببحر إن غلبت السلامة (قيل، و) شرط كون السفر بقدر (مسافة قصر. ومحارم العصبة) كالأخ والعم (في هذا) أي سفر النقلة (كالأب) فيقدمون على الأم؛ احتياطا للنسب أيضا، بخلاف محرم لا عصوبة له
(1)
. ولو ليلا خلافا لهما.
(2)
. قيداه بما إذا كان يتضرر به الولد.
وَكَذَا ابْنُ عَمٍّ لِذَكَرٍ وَلَا يُعْطَى أُنْثَى، فَإِنْ رَافَقَتْهُ بِنْتُهُ سُلِّمَ إلَيْهَا.
فصل
عَلَيْهِ كِفَايَةُ رَقِيقِهِ نَفَقَةً، وَكِسْوَةً وَإِنْ كَانَ أَعْمَى زَمِنًا وَمُدَبَّرًا وَمُسْتَوْلَدَةً مِنْ غَالِبِ قُوتِ رَقِيقِ الْبَلَدِ وَأُدْمِهِمْ وَكِسْوَتِهِمْ، وَلَا يَكْفِي سِتْرُ الْعَوْرَةِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُنَاوِلَهُ مِمَّا يَتَنَعَّمُ بِهِ مِنْ طَعَامٍ وَأُدْمٍ
كأبي أم وخال وأخ لأم
(1)
(وكذا ابن عم لذكر) فيأخذه إذا أراد النقلة؛ لما مر (ولا يعطى أنثى) مشتهاة؛ حذرا من الخلوة المحرمة (فإن رافقته بنته) أو نحوها المكلفة الثقة (سُلِّم) المحضون الذي هو أنثى (إليها)؛ لانتفاء المحذور حينئذ.
(فصل) في مؤنة المماليك وتوابعها
(عليه) أي المالك (كفاية رقيقه) إلا مكاتبا -ولو كتابة فاسدة- ومزوجة تجب نفقتها (نفقة
(2)
قوتا وأدما بلا تقدير (وكسوة) وسائر مؤنه كماء طهره في الحضر
(3)
؛ لخبر مسلم ((للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق))، وقيس بما فيه غيره (وإن كان) مُسْتَحَق المنفعة للغير بنحو وصية أو إجارة، أو آبقا، أو (أعمى زَمِنَاً) أكولا وإن زادت كفايته على كفاية مثله والواجب أول الشبع والري (ومدبرا ومستولدة)؛ لبقاء ملكه لهما. وإنما تجب (من غالب) نحو (قوت رقيق البلد وأدمهم) إن اختلف نحو قوتهم باختلاف جَمَالهم وبيسار ساداتهم وإلا اعتبر غالب قوت البلد، ولا نظر لما يأكله السيد أو يلبسه غير لائق به بخلا أو رياضة (و) من غالب (كسوتهم) أي الأرقاء كذلك، (ولا يكفي ستر العورة) وإن لم يضره; لأن فيه إذلالا له وتحقيرا، نعم إن اعتيد -ولو ببلادنا
(4)
- كفى؛ إذ لا تحقير حينئذ. (ويسن) لمن لم يفعل الأفضل من إجلاسه معه للأكل -أي حيث لا ريبة- (أن يناوله مما يتنعم به) ولو فوق اللائق به (من طعام وأدم) لاسيما ما
(1)
. ورد الشارح كالمغني ما أقره النهاية من أن الأقرب كالأخ لو أراد النقلة وكان هناك أبعد كالعم كان أولى.
(2)
. ويجوز أن يؤجر بنفقته كما مر في زكاة الفطر 3/ 314.
(3)
. وكذا في السفر عند الرملي.
(4)
. خلافا لإطلاقهما.
وَكِسْوَةٍ، وَتَسْقُطُ بِمُضِيِّ الزَّمَانِ وَيَبِيعُ الْقَاضِي فِيهَا مَالَهُ، فَإِنْ فُقِدَ المَالُ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ أَوْ إعْتَاقِهِ. وَيُجْبِرُ أَمَتَهُ عَلَى إرْضَاعِ وَلَدِهَا،
عالجه
(1)
؛ لخبر الشيخين ((إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يقعده معه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين)). ويسن أن يكون ما يناوله له يسد مسدا لا قليلا يهيج الشهوة ولا يقضي النهمة (و) من (كسوة) ; لأنه من مكارم الأخلاق. ويظهر في أمرد جميل أنه يسن أن لا ينعمه بنحو ملبوسه الناعم; لأن ذلك يؤدي إلى سوء الظن به. (وتسقط) كفاية القن (بمضي الزمان) كنفقة القريب بجامع اعتبار الكفاية فيهما، ومن ثم لم تصر دينا إلا بفرض قاض أو نحوه (ويبيع القاضي فيها ماله) أو يؤجره عند امتناعه منها ومن إزالة ملكه عنه بعد أمر القاضي له بالبيع أو الإيجار أو عند غيبته نظير ما مر ثَم، ففيما يتيسر بيع بعضه أو إيجاره شيئا فشيئا بقدر الحاجة يفعل ذلك فيه، وفي غيره كالعقار يستدين حتى يجتمع قدر صالح ثم يبيع ما يفي به أو يؤجره. ولو تعذر بيع البعض وإيجاره وتعذرت الاستدانة باع الكل أو آجره. هذا في غير محجور عليه أما هو فيجب فعل الأحظ له من بيع القن أو إجارته أو بيع مال له آخر أو الاقتراض على مغله
(2)
، (فإن فقد المال) بأن لم يكن لمالكه مال ولو ببلد القاضي فقط والمالك حاضر ممتنع من إنفاقه (أمره) القاضي بإيجاره إن وفَّى بمؤنته، أو أمره بإزالة ملكه عنه (ببيعه أو إعتاقه) أو نحوهما، فإن أبى باعه أو آجره عليه، فإن لم يجد مشتريا ولا مستأجرا أنفق عليه من بيت المال قرضا، فإن لم يكن فيه مال أو منع ناظره تعديا فعلى مياسير المسلمين. ويخير بين البيع والإجارة إذا استوت مصلحتهما في نظره وإلا وجب فعل الأصلح منهما. هذا كله في غير المستولدة، أما هي فيخليها إن لم يزوجها ولا آجرها لتكتسب كفايتها، فإن لم يكن لها كسب أو لم يفِ بها ففي بيت المال ثم المياسير.
[تنبيه] يجوز هنا أن يبيع القاضي القن المحتاج للنفقة إن امتنع سيده الذي لديه مال من الإنفاق عليه ورأى القاضي إن ذلك أصلح
. (ويجبر) إن شاء (أمته على إرضاع ولدها) ولو من غيره بزنا وغيره; لأنه يملك لبنها ومنافعها بخلاف الزوجة، ولو طلبت إرضاعه لم يجز له منعها منه; لأن فيه تفريقا بين الوالدة وولدها إلا عند تمتعه بها فيعطيه لغيرها إلى فراغ تمتعه،
(1)
. عالج الشيء معالجة وعلاجا زاوله ومارسه، لسان العرب. والمراد هنا طَبَخَهُ.
(2)
. الممغل الأرض الكثيرة الغملى وهو النبت الكثير، لسان العرب، وليراجع فلعلها الغملى.
وَكَذَا غَيْرُهُ إنْ فَضَلَ عَنْهُ، وَفَطْمِهِ قَبْلَ حَوْلَيْنِ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَإِرْضَاعِهِ بَعْدَهُمَا إنْ لَمْ يَضُرَّهَا. وَلِلْحُرَّةِ حَقٌّ فِي التَّرْبِيَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَطْمُهُ قَبْلَ حَوْلَيْنِ وَلَهُمَا إنْ لَمْ يَضُرَّهُ، وَلِأَحَدِهِمَا بَعْدَ حَوْلَيْنِ، وَلَهُمَا الزِّيَادَةُ. وَلَا يُكَلِّفُ رَقِيقَهُ إلَّا عَمَلًا يُطِيقُهُ،
وإلا إذا كان إرضاعها له يقذرها بحيث تنفر طباعه عنها، وله في الحُرِّ طلب أجرة رضاعه له والتبرع بها سواء رضيت أو أبت (وكذا غيره) أي غير ولدها فيجبرها على إرضاعه أيضا (إن فضل) لبنها (عنه) أي عن ولدها؛ لكثرته مثلا بخلاف ما إذا لم يفضل؛ لقوله تعالى {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} البقرة:233. هذا إن كان ولدها ولده أو ملكه، فإن كان ملك غيره أو حرا فله أن يرضعها من شاء; لأن إرضاع هذا على والده أو مالكه (و) على (فطمه قبل حولين إن لم يضره) أو يضرها ذلك. (و) على (إرضاعه بعدهما إن لم يضرها) أو يضره، وليس لها الاستقلال بأحد هذين؛ إذ لا حق لها في نفسها. (وللحرة) الأم، ويظهر أن يلحق بها من لها الحضانة من أمهاتها وأمهات الأب (حق في التربية) كالأب، (فليس لأحدهما) أي الأبوين الحرين، ويظهر أن غيرهما عند فقدهما ممن له حضانة مثلهما في ذلك (فطمه قبل حولين) من غير رضا الآخر؛ لأنهما تمام مدة الرضاع، نعم إن تنازعا أجيب طالب الأصلح للولد كالفطم عند حمل الأم أو مرضها ولم يوجد غيرها فيتعين (ولهما) فطمه قبلهما (إن لم يضره) ولم يضرها؛ لانتفاء المحذور (ولأحدهما) فطمه بغير رضا الآخر (بعد حولين) لمضي مدة الرضاع، ولم يقيده بعدم ضرره؛ نظرا للغالب إذ لو فرض إضرار الفطم له لضعف خلقته أو لشدة حر أو برد لزم الأب بذل أجرة الرضاع بعدهما حتى يجتزئ بالطعام. وتجبر الأم على إرضاعه بالأجرة إن لم يوجد غيرها (ولهما الزيادة) في الرضاع على الحولين حيث لا ضرر لكن السنة عدمها إلا لحاجة. (ولا يكلف رقيقه) أو بهيمته (إلا عملا يطيقه) أي لا يجوز له أن يكلفه إلا عملا يطيق دوامه؛ للخبر السابق بخلاف ما إذا كان يطيقه يومين أو ثلاثة ثم يعجز، نعم له أن يكلفه الأعمال الشاقة في بعض الأحيان حيث لم تضره بأن يخشى منه محذور تيمم. ويجب عليه إراحته وقت قيلولة الصيف وفي غير وقت الاستعمال باعتبار عادة البلد، نعم لا تحرم عدم الإراحة إن وقعت نادرا أو في بعض الأحيان. وإذا كلفه ما لا يطيق وتعين البيع لخلاصة بيع عليه.
وَتَجُوزُ مُخَارَجَتُهُ بِشَرْطِ رِضَاهُمَا وَهِيَ: خَرَاجٌ يُؤَدِّيهِ كُلَّ يَوْمٍ أَوْ أُسْبُوعٍ، وَعَلَيْهِ عَلْفُ دَوَابِّهِ، وَسَقْيُهَا، فَإِنْ امْتَنَعَ أُجْبِرَ فِي المَأْكُولِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ أَوْ ذَبْحٍ، وَفِي غَيْرِهِ عَلَى بَيْعٍ أَوْ عَلْفٍ وَلَا يَحْلُبُ مَا ضَرَّ وَلَدَهَا
(وتجوز مخارجته) أي القن كما ثبت عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم (بشرط) كون القن يصح تصرفه لنفسه لو كان حرا، وقدرته على كسب مباح، وفضله عن مؤنته إن جعلت فيه وما فضل يتصرف فيه كالحر. ويشترط (رضاهما) فليس لأحدهما إجبار الآخر عليها; لأنها عقد معاوضة كالكتابة، ومع ذلك لا تلزم من جهة السيد. ولا بد فيها من صيغة من الجانبين، و صريحها خارجتك وما اشتق منه، وكنايتها باذلتك عن كسبك بكذا ونحوه. وليس للولي مخارجة قن محجوره إلا إذا انحصر صلاحه فيها وتعذر بيعه. (وهي) أي المخارجة (خراج) معلوم أي ضربه عليه (يؤديه) إلى سيده من كسبه (كل يوم أو أسبوع) أو شهر مثلا. (وعليه) أي مالك دواب لم يرد بيعها ولا ذبح ما يحل منها (علْف دوابه) المحترمة وإن وصلت إلى حد الزمانة المانعة من الانتفاع بها بوجه (وسقيها) وسائر ما ينفعها، وكذا ما يختص به من نحو كلب محترم
(1)
، فعليه كفاية الكلب أو دفعه لمن ينفقه أو يرسله. ومحل وجوب العلف إن لم تألف الرعي ويكفيها وإلا كفى إرسالها له حيث لا مانع، وعليه أول الشبع والري لا نهايتهما، فإن لم يكفها الرعي لزمه التكميل (فإن امتنع) من علفها وإرسالها ولا مال له آخر أجبر على إزالة ملكه، أو ذبح المأكولة، أو الإيجار؛ صونا لها عن التلف، فإن أبى فعلى الحاكم الأصلح من ذلك. أو وله مال (أجبر في المأكول على) مزيل ملك بنحو (بيع) إذا لم يمكن إجارته أو يف بمؤنته (أو علْف أو ذبح وفي غيره على بيع) بشرطه (أو علف)؛ صيانة لها عن الهلاك، فإن أبى فعلى الحاكم الأصلح من ذلك أو بيع بعضها أو إيجارها، فإن تعذر ذلك كله أنفق عليها من بيت المال ثم المياسير، فإن لم يجد إلا ما يغصبه غصبه إن لم يخف مبيح تيمم. (ولا يحلب) من البهيمة المأكولة وغيرها (ما ضر) ها ولو لقلَّة العلف، أو (ولدها)؛ للنهي الصحيح عنه، وظاهرٌ ضبط الضرر بما منع من نمو أمثالهما، فلا يحلب منها إلا ما فضل عن ريه حتى يستغني عنه برعي أو علف، وليس له أن يعدل به عن لبنها لغيره إلا إن استمرأه. ويسن قص ظفر
(1)
. ذكر الشارح في كتاب الأطعمة لزوم ذبح شاته لإطعام كلبه عند الضرورة.
وَمَا لَا رُوحَ لَهُ، كَقَنَاةٍ وَدَارٍ لَا تَجِبُ عِمَارَتُهَا
الحالب وأن لا يستقصي، ويجب حلب ما ضرها بقاؤه كجزِّ نحو صوف، ويحرم حلقه من
أصله; لأنه تعذيب (وما لا روح له كقناة ودار لا تجب عمارتها) على مالكها الرشيد; لأنها تنمية للمال وهي لا تجب، نعم يكره تركها إلى أن تخرب لغير عذر كترك سقي زرع وشجر دون ترك زراعة الأرض وغرسها، ولا ينافي ما هنا من عدم تحريم إضاعة المال تصريحهم في مواضع بحرمته; لأن محل الحرمة حيث كان سببها فعلا كإلقاء مال ببحر، والكراهة حيث كان سببها تركاً كهذه الصور؛ لمشقة العمل. أما غير رشيد فيلزم وليه عمارة داره وأرضه وحفظ ثمره وزرعه، وكذا وكيل وناظر وقف. وأما ذو الروح المحترمة فيلزم مالكه رعاية مصالحه، ومنها إبقاء عسل للنحل في الكوارة إن تعين لغذائها، وعلف دود القز من ورق التوت، ويباع فيه ماله كالبهيمة فإذا استكمل جاز تجفيفه بالشمس وإن أهلكه؛ لحصول فائدته كذبح المأكول. ولا تكره عمارة لحاجة وإن طالت إلا إن كانت للخيلاء والفخر، وتكره الزيادة على بناء سبعة أذرع لغير حاجة، وصحَّ ((أن الرجل ليؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب)) أي ما لم يقصد بالإنفاق في البناء به مقصدا صالحا كما هو معلوم.
والله أعلم.