المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتاب الجراح الْفِعْلُ المُزْهِقُ ثَلَاثَةٌ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ. وَلَا قِصَاصَ - مختصر تحفة المحتاج بشرح المنهاج - جـ ٤

[مصطفى سميط]

فهرس الكتاب

‌كتاب الجراح

الْفِعْلُ المُزْهِقُ ثَلَاثَةٌ: عَمْدٌ، وَخَطَأٌ، وَشِبْهُ عَمْدٍ. وَلَا قِصَاصَ إلَّا فِي الْعَمْدِ، وَهُوَ قَصْدُ الْفِعْلِ وَالشَّخْصِ بِمَا يَقْتُلْ غَالِبًا جَارِحٌ أَوْ مُثَقَّلٌ،

(كتاب الجراح)

جمع جراحة غُلِّبت; لأنها أكثر طرق الزهوق، وأعم منها الجناية ولذا آثرها غيره؛ لشمولها القتل بنحو سحر أو سم أو مثقل، وأكبر الكبائر بعد الكفر القتل ظلما، وبالقود أو العفو لا تبقى مطالبة أخروية للمقتول، أما حق الله تعالى فلا يسقط إلا بتوبة صحيحة (الفعل) ويدخل فيه هنا القول كشهادة الزور; لأنه فعل اللسان (المزهق ثلاثة)؛ لخبر ((ألا أن في قتيل عمد الخطأ -قتيل السوط والعصا- مائة من الإبل)) الحديث (عمد وخطأ وشبه عمد) أخَّره عنهما؛ لأخذه شبها من كل منهما (ولا قصاص إلا في العمد) الآتي إجماعا بخلاف الخطأ؛ لآية ((ومن قتل مؤمنا خطأ))، وشبه العمد؛ لخبر قتيل عمد الخطأ المذكور (وهو قصد الفعل و) عين (الشخص) يعني الإنسان (بما يقتل غالباً)، فقتله هذا حدٌّ للعمد من حيث هو، فإن أريد بقيد إيجابه للقود زيد فيه:((ظلما من حيث الإتلاف))؛ لإخراج القتل بحق أو شبهة كمن أمره قاض بقتل بان خطؤه -أي القاضي- في سببه من غير تقصير كتبين رق شاهد به، وكمن رمى لمهدر أو غير مكافئ فعصم أو كافأ قبل إصابة، وكوكيل قتل فبان انعزاله أو عفو موكله، ولإخراج الظلم لا من حيث الإتلاف كأن استحق حز رقبته فقده نصفين (جارح) بدل من ما الشاملة لهما ولغيرهما كتجويع وسحر وخصاء، وإنما خص الجارح والمثقل بالتصريح; لأنهما الأغلب (أو مثقل)؛ للخبر الصحيح ((أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فأمر صلى الله عليه وسلم برضِّ رأسه كذلك)). ودخل في قولنا عين الشخص رميه لجمع بقصد إصابة أي واحد منهم بخلافه بقصد إصابة واحد فرقا بين العام والمطلق؛ إذ الحكم في الأول على كل فرد فرد مطابقة وفي الثاني على الماهية مع قطع النظر عن ذلك.

ص: 9

فَإِنْ فُقِدَ قَصْدُ أَحَدِهِمَا بِأَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ فَمَاتَ، أَوْ رَمَى شَجَرَةً فَأَصَابَهُ فَخَطَأٌ، وَإِنْ قَصَدَهُمَا بِمَا لَا يَقْتُلُ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَمِنْهُ الضَّرْبُ بِسَوْطٍ أَوْ عَصًا

(فإن فقد) قصدهما أو (قصد أحدهما) أي الفعل وعين الإنسان

(1)

(بأن) أي كأن (وقع عليه) أي الشخص المراد به الإنسان (فمات، أو رمى شجرة) مثلا أو آدميا (فأصابه) أي أصاب غير من قصده فمات، أو رمى شخصا ظنه شجرة فبان إنسانا ومات (فخطأ) وهذا مثال لفقد قصد الشخص دون الفعل.

[تنبيه] سيعلم من كلامه أن مِن الخطأ أن يتعمد رمي مهدر فيعصم قبل الإصابة؛ تنزيلا لطرو العصمة منزلة طرو إصابة من لم يقصده

(وإن قصدهما) أي الفعل والشخص أي الإنسان (بما لا يقتل غالبا) وكذا لو قصدهما بما يقتل غالبا لكنه لم يقصد عين الشخص وذلك بأن قصد واحدا غير معين (فشبه عمد

(2)

-ويسمى خطأ عمد وعمد خطأ وخطأ شبه عمد- سواء أقتل كثيرا أم نادرا كضربة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها بخلافها بنحو قلم أو مع خفتها جدا وكثرة الثياب فهدر (ومنه الضرب بسوط أو عصا) خفيفين

(3)

لم يوال ولم يكن بمقتل ولا كان البدن نضوا ولا اقترن بنحو حَرٍّ أو صِغَرٍ وإلا فعمد كما لو خنقه فضعف وتألم حتى مات؛ لصدق حده عليه، وكالتوالي ما لو فرق وبقي ألم كل إلى ما بعده، نعم إن أبيح له أول الضرب فقد اختلط شبه العمد بالعمد فلا قود، ولك أن تقول لا يرد

(4)

على طرده تعزير ونحوه فإنه إنما جعل خطأ مع صدق الحد عليه؛ لأن تجويز الإقدام له ألغى قصده، ولا على عكسه

(5)

قول شاهدين رجعا لم نعلم أنه يقتل بقولنا فإنه إنما جعل شبه عمد مع قصد الفعل والشخص بما يقتل غالبا; لأن خفاء ذلك عليهما مع عذرهما به صيَّره غير قاتل غالبا. وإذا

(1)

. وتقدم في الرهن أنه لا دية لحرة موطوءة بشبهة ماتت بالإيلاد بخلاف أمة موطوءة كذلك 5/ 76.

(2)

. ومنه ما لو أشار إلى إنسان بسكين تخويفا له فسقطت عليه من غير قصد كما يفهم من كلام الشيخ ابن حجر.

(3)

. وقيده الشارح في فصل شروط قود الأطراف بشرط أن لا يوضحه فيسري الجرح إلى الموت وإلا كان عمدا.

(4)

. وجه الورود أنه يصدق عليه أنه قصد الفعل والشخص بما لا يقتل غالبا وليس شبه عمد بل خطاء كما في المغني.

(5)

. أي لأن حكمه حكم شبه العمد مع وجود قصد الشخص والقتل بما يقتل غالبا.

ص: 10

فَلَوْ غَرَزَ إبْرَةً بِمَقْتَلٍ فَعَمْدٌ وَكَذَا بِغَيْرِهِا إنْ تَوَرَّمَ وَتَأَلَّمَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ أَثَرٌ وَمَاتَ فِي الحَالِ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَقِيلَ عَمْدٌ، وَقِيلَ لَا شَيْءَ، وَلَوْ غَرَزَهَا فِيمَا لَا يُؤْلِمُ كَجِلْدَةِ عَقِبٍ فَلَا شَيْءَ بِحَالٍ. وَلَوْ حَبَسَهُ وَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى مَاتَ، فَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ يَمُوتُ مِثْلُهُ فِيهَا غَالِبًا جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَعَمْدٌ

تقررت الحدود الثلاثة (فلو غرز إبرة) ببدن نحو همٍّ

(1)

أو نضوٍ أو صغير أو كبير وهي مسمومة

(2)

ولو بغير مقتل أو (بمقتَل) كدماغ وعين وحلق وخاصرة وإحليل ومثانة وعجاب -وهو ما بين الخصية والدبر- (فعمد) وإن لم يكن معه ألم ولا ورم؛ لصدق حده عليه نظرا لخطر المحل وشدة تأثره (وكذا) يكون عمدا غرزها (بغيرها) كألية وورك (إن تورم) ليس بقيد (وتألم) تألما شديدا دام به (حتى مات)؛ لذلك (فإن لم يظهر أثر) بأن لم يشتد الألم أو اشتد ثم زال (ومات في الحال) أو بعد زمن يسير عرفا (فشبه عمد) كالضرب بسوط خفيف (وقيل عمد) كجرح صغير، ويُردُّ بوضوح الفرق (وقيل لا شيء) من قود ولا دية إحالة للموت على سبب آخر، ويرد بأنه تحكم (ولو غرزها فيما لا يؤلم كجلدةِ عقبٍ) فمات (فلا شيء بحال) ; لأن الموت عقبه موافقة قدر. وخرج بما لا يؤلم ما لو بالغ في إدخالها فإنه عمد. وإبانة فلقة لحم خفيفة وسقي سم يقتل كثيرا لا غالبا كغرزها بغير مقتل. وقياس ما مر أن ما يقتل نادرا فيه التفصيل المذكور (ولو) منعه من سد محل الفصد أو دخن

(3)

عليه فمات، أو (حبسه) كأن أغلق بابا عليه (ومنعه الطعام والشراب) أو أحدهما (والطلب) لذلك، أو عرَّاه (حتى مات) جوعا أو عطشا أو بردا (فإن مضت مدة) من ابتداء منعه أو إعرائه (يموت مثله فيها غالبا جوعا أو عطشا) أو بردا ويختلف باختلاف حال المحبوس والزمن قوة وحرا وضدهما، وحدَّ الأطباء الجوع المهلك غالبا باثنين وسبعين ساعة متصلة، ولا عبرة بما زاد على ذلك ولو بالنسبة لمن اعتاد ذلك التقليل; لأن العبرة في ذلك بما من شأنه القتل غالبا (فعمد)؛ إحالة للهلاك على هذا السبب الظاهر. وخرج ((بحبسه)) ما لو أخذ بمفازة قوته أو لبسه أو ماءه وإن علم أنه يموت، و ((بمنعه)) ما لو امتنع من تناول ما عنده وعلم به خوفا أو حزنا، أو امتنع من طعام خوف عطش، أو امتنع من طلب ذلك، أي وقد جوَّز أنه يجاب فلا قود بل ولا ضمان في

(1)

. أي هرم.

(2)

. قيدٌ في الكبير فقط، علي الشبراملسي.

(3)

. بأن حبسه في بيت وسد منافذه فاجتمع عليه الدخان وضاق نفسه.

ص: 11

وَإِلَّا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ جُوعٌ وَعَطَشٌ سَابِقٌ فَشِبْهُ عَمْدٍ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ جُوعٍ وَعَطَشٍ، وَعَلِمَ الحَابِسُ الحَالَ فَعَمْدٌ، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَظْهَرِ. وَيَجِبُ الْقِصَاصُ بِالسَّبَبِ، فَلَوْ شَهِدَا بِقِصَاصٍ فَقُتِلَ ثُمَّ رَجَعَا وَقَالَا تَعَمَّدْنَا لَزِمَهُمَا الْقِصَاصُ

الحر; لأنه لم يحدث فيه صنعا في الأول وهو القاتل لنفسه في البقية، وكذا لو أمكنه الهرب بلا مخاطرة فتركه (وإلا) تمضي تلك المدة ومات بالجوع مثلا لا بنحو هدم (فإن لم يكن به جوع وعطش) أي أو عطش لقوله (سابق) على حبسه (فشبه عمد) وعُلم من كلامه السابق أنه لا بد من مضي مدة يمكن عادة إحالة الهلاك عليها (وإن كان) به (بعض جوع) أ (وعطش وعلم الحابس الحال فعمد)؛ لشمول حده السابق له؛ إذ الفرض أن مجموع المدتين بلغ المدة القاتلة وأنه مات بذلك (وإلا) يعلم الحال (فلا) يكون عمدا (في الأظهر) ; لأنه لم يقصد إهلاكه ولا أتى بمهلك بل شبهه، فيجب نصف ديته؛ لحصول الهلاك بالأمرين، وفارق مريضا ضربه ضربا، وكان ذلك الضرب يقتله فقط مع جهله بحاله فإنه عمد مع كون الهلاك حصل بالضرب بواسطة المرض فكأنه حصل بهما بأن الثاني هنا من جنس الأول فصح بناؤه عليه ونسبة الهلاك إليهما بخلافه ثم فإنه من غير جنسه فلم يصلح كونه متمما له، وإنما هو قاطع لأثره فتمحضت نسبة الهلاك إليه (ويجب القصاص بالسبب) -كالمباشرة وهي ما أثَّر التلف وحصله- وهو ما أثر في التلف فقط، ومنه منع نحو الطعام السابق، والشرط ما لا يؤثر في التلف ولا يحصله وإنما حصل التأثير عنده بغيره المتوقف تأثيره عليه كالحفر مع التردي فإن المفوت هو التخطي صوب البئر والمحصل هو التردي فيها المتوقف على الحفر، ومن ثم لم يجب به قود مطلقا، وسيعلم من كلامه أن السبب قد يغلبها وعكسه

(1)

وأنهما قد يعتدلان. ثم السبب إما حسي كالإكراه وإما عرفي كتقديم الطعام المسموم إلى الضيف وإما شرعي كشهادة الزور (فلو شهدا) على آخر (بقصاص) أي موجبه في نفس أو طرف أو بردة أو سرقة (فقتل) أو قطع بأمر الحاكم بشهادتهما (ثم رجعا) عنها ومثلهما المزكيان والقاضي (وقالا تعمدنا الكذب) فيها وعلمنا أنه يقتل بها أو قال كلٌّ تعمدت أو زاد ولا أعلم حال صاحبي (لزمهما القصاص) فإن عفي عنه فدية مغلظة؛ لتسببهما إلى إهلاكه بما يقتل غالبا، وموجبه مركب من

(1)

. قال الشارح في كتاب الغصب: ((ومحل قولهم المباشرة مقدمة على السبب حيث لم يكن السبب ملجأ))، وسيأتي أن محل تقديمها إذا اضمحل ما معها كالممسك على القائل.

ص: 12

إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ الْوَلِيُّ بِعِلْمِهِ بِكَذِبِهِمَا. وَلَوْ ضَيَّفَ بِمَسْمُومٍ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، أَوْ بَالِغًا عَاقِلًا وَلَمْ يَعْلَمْ حَالَ الطَّعَامِ فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ، وَفِي قَوْلٍ لَا شَيْءَ،

الرجوع والتعمد مع العلم لا الكذب، ومن ثم لو شوهد المشهود بقتله حيا لم يقتلا؛ لاحتمال غلطهما، ولو قال أحدهما تعمدت أنا وصاحبي وقال الآخر أخطأت أو أخطأنا أو تعمدت وأخطأ صاحبي قتل الأول فقط; لأنه المقر بموجب القود وحده، فإن قالا لم نعلم أنه يقتل بها قبل إن أمكن لنحو قرب إسلامهما، ووجبت دية شبه عمد في مالهم إن لم تصدقهم العاقلة، ومثل ذلك

(1)

ما لو قالا لم نعلم قبول شهادتنا لمقتضٍ لردها فينا وإنما الحاكم قصَّر لقبولها.

[تنبيه] لا بد من قولهما وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا وإن كانا عالمين عدلين

(إلا أن يعترف الولي) أي ولي المقتول (بعلمه) عند القتل (بكذبهما) في شهادتهما فلا قود عليهما، بل القود على الولي وحده، أو عليه الدية المغلظة إن عفي عن القود؛ لانقطاع تسببهما وإلجائهما بعلمه فصارا شرطا كالممسك مع القاتل، واعتراف الولي بعلمه بعد القتل لا أثر له فيقتلان واعتراف القاضي بعلمه بكذبهما حين الحكم أو القتل موجب لقتله أيضا رجعا أم لا، ومحل ذلك كله ما لم يعترف وارث القاتل بأن قتله حق. ولو رجع الولي والشهود فسيأتي في الشهادات. (ولو ضيف بمسموم) يعلم

(2)

أنه يقتل غالبا غير مميز (صبيا) غير مميز (أو مجنونا) أو أعجميا يعتقد وجوب طاعة الآمر فأكله (فمات وجب القصاص) ; -وإن لم يقل هو مسموم- لأنه ألجأه إلى ذلك (أو) ضيّف صبيا مميزا، أو (بالغا عاقلا ولم يعلم حال الطعام) فأكله فمات (فدية) لشبه العمد تجب هنا؛ لتغريره، لا قود؛ لتناوله له باختياره (وفي قول قصاص)؛ لتغريره كالإكراه، ويجاب بأن في الإكراه إلجاء دون هذا (وفي قول لا شيء)؛ تغليبا للمباشرة، ويجاب بأن محل تغليبها حيث اضمحل ما معها كالممسك مع القاتل ولا كذلك هنا. أما إذا علم الضيف حال الطعام فهدر; لأنه المهلك لنفسه. ولو قدم إليه المسمومَ مع جملة أطعمة فكما لو كان وحده. وكالتضييف ما لو ناوله إياه

(3)

أو أمره بأكله.

(1)

. يؤخذ من كلام المغني تقييد ذلك بما إذا كان حالهما معلوما، وإلا فلا إلتفات إلى قولهما.

(2)

. سكت عنه المنهج والمغني.

(3)

. اقتصرا عليه.

ص: 13

وَلَوْ دَسَّ سَُِمًّا فِي طَعَامِ شَخْصٍ الْغَالِبُ أَكْلُهُ مِنْهُ فَأَكَلَهُ جَاهِلًا فَعَلَى الْأَقْوَالِ. وَلَوْ تَرَكَ المَجْرُوحُ عِلَاجَ جُرْحٍ مُهْلِكٍ فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ لَا يُعَدُّ مُغْرِقًا كَمُنْبَسِطٍ فَمَكَثَ فِيهِ مُضْطَجِعًا حَتَّى هَلَكَ فَهَدَرٌ، أَوْ مُغْرِقٍ لَا يَخْلُصُ مِنْهُ إلَّا بِسِبَاحَةٍ، فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا أَوْ كَانَ مَكْتُوفًا أَوْ زَمِنًا فَعَمْدٌ، وَإِنْ مَنَعَهُ مِنْهَا عَارِضٌ كَرِيحٍ وَمَوْجٍ فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ أَمْكَنَتْهُ فَتَرَكَهَا فَلَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ فِي نَارٍ يُمْكِنُ الخَلَاصُ مِنْهَا فَمَكَثَ فِيهَا فَفِي الدِّيَةِ الْقَوْلَانِ، وَلَا قِصَاصَ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَفِي النَّارِ وَجْهٌ ....

(ولو دس سَُِمَّا في طعام شخص) مميز أو بالغ (الغالب أكله منه فأكله جاهلا) بالحال (فعلى الأقوال) فعليه دية شبه عمد على الأظهر؛ لما مر. وخرج بذلك ما لا يغلب أكله منه وطعام نفسه إذا دسه فيه فأكله صديقه والآكل العالم فهدر؛ إذ لا تغرير. ولو أكره جاهلا ولو بالغا على تناول سمٍّ يقتل غالبا قتل وإن ادعى الجهل بكونه قاتلا بخلاف ما لو ادعى الجهل بكونه سما وأمكن فإنه يصدق، أو عالما فلا كما لو أكرهه على قتل نفسه (ولو ترك المجروح علاج جرح مهلك فمات وجب القصاص) ; لأن البرء لا يوثق به وإن عالج، ومن ثم لو ترك عصب الفصد المجني عليه به كان هو القاتل لنفسه، وسيأتي قبيل مبحث الختان حكم تولد الهلاك من فعل الطبيب (ولو ألقاه) أي ألقى المميز القادر على الحركة (في ماء) راكد أو جارٍ (لا يعد مغْرقا كمنبسط) يمكنه الخلاص منه عادة (فمكث فيه مضطجعا) مثلا مختارا لذلك (حتى هلك فهدر) لا ضمان فيه ولا كفارة؛ لأنه المهلك لنفسه، ومن ثم وجبت الكفارة في تركته. أما إذا لم يقصر بذلك لكونه ألقاه مكتوفا مثلا فعمد (أو) في ماء (مغرق لا يخلص منه) عادة كلجة وقت هيجانها فعمد مطلقا أو (إلا بسِباحة) أي عوم (فإن لم يحسنها أو كان) مع كونه يحسنها (مكتوفا أو زمنا) أو ضعيفا فهلك (فعمد)؛ لصدق حده عليه حينئذ (وإن منعه منها) وهو يحسنها (عارض) بعد الإلقاء (كريح وموج) فمات (فشبه عمد) أو قبله فعمد; لأن إلقاءه مع عدم تمكنه منه مهلك غالبا (وإن أمكنته فتركها) خوفا أو عنادا (فلا دية) ولا كفارة (في الأظهر) ; لأنه المهلك لنفسه إذ الأصل عدم الدهشة، ومن ثم لزمته الكفارة (أو) ألقاه (في نار يمكنه الخلاص منها فمكث ففي) وجوب (الدية القولان) أظهرهما لا (ولا قصاص في الصورتين) الماء والنار (وفي النار) وكذا الماء، ومن ثم استويا في جميع التفاصيل المذكورة (وجه) بوجوبه كما لو أمكنه دواء جرحه، ويرد بوضوح الفرق للوثوق هنا لا ثَمَّ. أما إذا لم

ص: 14

وَلَوْ أَمْسَكَهُ فَقَتَلَهُ آخَرُ أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فَرَدَّاهُ فِيهَا آخَرُ، أَوْ أَلْقَاهُ مِنْ شَاهِقٍ فَتَلَقَّاهُ آخَرُ فَقَدَّهُ، فَالْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَالمُرْدِي وَالْقَادِّ فَقَطْ، وَلَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ مُغْرِقٍ فَالْتَقَمَهُ حُوتٌ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ غَيْرِ مُغْرِقٍ فَلَا. وَلَوْ أَكْرَهَهُ عَلَى قَتْلٍ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ،

يمكنه الخلاص لعظمها أو نحو زمانته فيجب القود. ولو قال الملقي كان يمكنه التخلص فأنكر الوارث صدق; لأن الظاهر معه. والماء والنار مثال، ولو ألقاه مكتوفا أو به مانع عن الحركة بالساحل فزاد الماء وأغرقه فإن كان بمحل تعلم زيادته فيه غالبا فعمد أو نادرا فشبهه أو لا تتوقع زيادة فيه فاتفق سيل فخطأ. (ولو أمسكه) أي الحُر ولو للقتل (فقتله آخر أو حفر بئرا) ولو عدوانا (فرداه فيها آخر) وهي تقتل غالبا (أو ألقاه من شاهق) أي مكان عال (فتلقاه آخر) بسيف (فقدَّه) به نصفين (فالقصاص على القاتل والمردي والقاد) الأهل (فقط) أي دون الممسك والحافر والملقي؛ لحديثٍ في الممسك، ولقطع فعله أثر فعل الأول وإن لم يتصور قود على الحافر لكن عليهم الإثم والتعزير، بل والضمان في القن وقراره على القاتل. أما غير الأهل كمجنون أو سبع ضارٍ فلا قطع لفعل الأول منه; لأنه كالآلة فعلى الأول القود كما لو ألقاه ببئر أسفلها ضار من سبع أو حية أو مجنون (ولو ألقاه في ماء مغرق) لا يمكنه التخلص منه فقده ملتزم للأحكام قتل فقط؛ لقطعه أثر الإلقاء، أو حربي فلا قود على الملقي؛ لقطعه أثر الأول، أو (فالتقمه حوت) قبل وصوله للماء أو بعده (وجب القصاص في الأظهر) وإن جهله; لأن الإلقاء حينئذ يغلب عنه الهلاك فلا نظر للمهلك كما لو ألقاه ببئر فيها سكاكين منصوبة لا يعلمها بخلاف ما لو دفعه دفعا خفيفا فوقع على سكين لا يعلمها فعليه دية شبه عمد، وفيما إذا اقتُص من الملقي فقذف الحوت من ابتلعه حيا فيتعين حينئذٍ أن القصاص لم يقع موقعه ومع ذلك لا دية للمقتول

(1)

(أو غير مغرق) فإن أمكنه الخلاص منه ولو بسباحة فالتقمه (فلا) قود بل دية شبه عمد ما لم يعلم أن به حوتا يلتقم، وإلا فالقود كما لو ألقمه إياه مطلقا، ويشترط أيضا أن لا يتوانى الملقي مع قدرته حتى يلتقمه وإلا فهدر (ولو أكرهه على) قطع أو (قتل) لشخص بغير حق كاقتل هذا وإلا قتلتك فقتله (فعليه) أي المكرِه -بالكسرولو إماما أو متغلبا، ومنه آمر خيف من سطوته لاعتياده فعل ما يحصل به الإكراه لو خولف فأمره كالإكراه (القصاص) وإن كان المكرَه نحو مخطئ. ولا يحصل

(1)

. خلافا للشهاب الرملي من وجوب دية الملقي على الولي في ماله لا على عاقلته، وتبعه النهاية.

ص: 15

وَكَذَا عَلَى المُكْرَهِ فِي الْأَظْهَرِ فَإِنْ وَجَبَتِ دِيَةٌ وُزِّعَتْ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَافَأَهُ أَحَدُهُمَا فَقَطْ فَالْقِصَاصُ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَكْرَهَ بَالِغٌ مُرَاهِقًا فَعَلَى الْبَالِغِ الْقِصَاصُ إنْ قُلْنَا: عَمْدُ الصَّبِيِّ عَمْدٌ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَلَوْ أُكْرِهَ عَلَى رَمْيِ شَاخِصٍ عَلِمَ المُكْرِهُ أَنَّهُ رَجُلٌ وَظَنَّهُ المُكْرَهُ صَيْدًا فَرَمَاهُ فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ عَلَى المُكْرِهِ، أَوْ عَلَى رَمْيِ صَيْدٍ فَأَصَابَ رَجُلًا فَلَا قِصَاصَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ عَلَى صُعُودِ شَجَرَةٍ فَزَلِقَ وَمَاتَ فَشِبْهُ عَمْدٍ،

الإكراه هنا إلا بضرب شديد فما فوقه له لا لنحو ولده

(1)

(وكذا على المكرَه) - بالفتح -ما لم يكن أعجميا يعتقد وجوب طاعة كل آمر، وما لم يكن مأمور الإمام أو زعيم بغاة لم يعلم ظلمه بأمره بالقتل (في الأظهر)؛ لإيثاره نفسه بالبقاء وإن كان كالآلة فهو كمضطر قتل غيره ليأكله ولعدم تقصير المجني عليه، ولا خلاف في إثمه كالمكره على الزنا وإن سقط الحد عنه; لأن حق الله تعالى يسقط بالشبهة وتباح به بقية المعاصي. (فإن وجبت دية) لنحو خطأ أو عدم مكافأة أو عفو وهي على المتعمد مغلظة في ماله وعلى غيره مخففة على عاقلته (وزعت عليهما) نصفين كالشريكين في القتل، نعم إن كان المأمور غير مميز أو أعجميا اختصت بالآمر وإن كان المأمور قنه فلا يتعلق برقبته شيء بل له التصرف فيه وإن أعسر; لأنه آلة محضة (فإن كافأه أحدهما فقط) كأن أكره حر قنا أو عكسه على قتل قن (فالقصاص عليه) أي المكافئ منهما وهو المأمور في الأولى والآمر في الثانية، وللولي تخصيص أحد المكافئين بالقتل أو

(2)

أخذ حصته من الدية (ولو أكره بالغ) عاقل مكافئ (مراهقا) أو صبيا أو مجنونا أو عكسه على قتل ففعله (فعلى البالغ) المذكور (القصاص إن قلنا عمد الصبي) والمجنون (عمد وهو الأظهر) إن كان لهما فهم، وإن قلنا إنه خطأ لم يقتل (ولو أكره على رمي شاخص علم المكرِه) بالكسر (أنه رجل وظنه المكرَه) بالفتح (صيدا فرماه) فمات (فالأصح وجوب القصاص على المكرِه) - بالكسر- وإن كان شريك مخطئ؛ لأن خطأه نتيجة إكراهه فجُعل معه كالآلة؛ إذ لم يوجد منه ارتكاب حرمة ولا قصد فعل ممتنع يخرجه عن الآلية، وعلى عاقلة المكرَه -بالفتح- دية مخففة وإن جعل آلة; لأنه لم يتمحض للآلية (أو) أكره (على رمي صيد) في ظنهما (فأصاب رجلا فمات فلا قصاص على أحد) منهما; لأنهما مخطئان فعلى عاقلتهما الدية نصفين (أو) أكره (على صعود شجرة) ومثلها مما يزلق غالبا (فزلق ومات فشبه عمد)

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. عبرا بالواو.

ص: 16

وَقِيلَ عَمْدٌ، أَوْ عَلَى قَتْلِ نَفْسِهِ فَلَا قِصَاصَ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ: اُقْتُلْنِي وَإِلَّا قَتَلْتُك فَقَتَلَهُ فَالمَذْهَبُ لَا قِصَاصَ، وَالْأَظْهَرُ لَا دِيَةَ، وَلَوْ قَالَ: اُقْتُلْ زَيْدًا أَوْ عَمْرًا فَلَيْسَ بِإِكْرَاهٍ

فتجب الدية على عاقلته؛ إذ لا يقصد به القتل غالبا، فإن قصد لكونها تزلق غالبا ويؤدي ذلك للهلاك غالبا فعمد، وإن لم تزلق غالبا فخطأ

(1)

(وقيل) هو (عمد) إن أزلقت غالبا مطلقا، وفارق هذا المكره على قتل نفسه بأن متعاطي قتل نفسه لا تُجوَّز معه السلامة بخلاف صعود الشجرة سواء أزلقت غالبا أم لا (أو) أكره مميزا -ولو الأعجمي السابق- (على قتل نفسه) كاقتل نفسك وإلا قتلتك فقتلها (فلا قصاص في الأظهر) ولا دية

(2)

، ولا كفارة؛ إذ ما جرى ليس بإكراه حقيقة؛ لاتحاد المأمور به والمخوف به فكأنه اختار القتل، وقضيته أنه لو أكره بما يتضمن تعذيبا شديدا كإحراق أو تمثيل إن لم يقتل نفسه كان إكراها. أما غير المميز فعلى مكرهه القود؛ لانتفاء اختياره، وأما غير النفس كاقطع يدك وإلا قتلتك فهو إكراه; لأن قطعها يُرْجَى معه الحياة (ولو قال) حر لحر أو قن اقتلني، أو (اقتلني وإلا قتلتك فقتله) المقول له (فالمذهب) أنه (لا قصاص) عليه؛ للإذن له في القتل وإن فسق بامتثاله، والقود يثبت للمورّث ابتداء كالدية ولهذا أخرجت منها ديونه ووصاياه (و) من ثم كان (الأظهر) أنه (لا دية) عليه؛ لأن المورِّث أسقطها أيضا بإذنه، نعم تلزمه الكفارة. والإذن في القطع يهدره وسرايته كما يأتي. أما لو قال ذلك قن فلا يسقط الضمان بل يسقط القود فقط. (ولو قال اقتل زيدا أو عمرا) وإلا قتلتك (فليس بإكراه) فيقتل المأمور بمن قتله منهما؛ لاختياره له وعلى الآمر الإثم فقط.

[فرع] أنهشه نحو عقرب أو حية يقتل غالبا فقتله قتل به؛ لصدق حد العمد عليه كما يقتل به أيضا فيما لو حث غير مميز كأعجمي يعتقد وجوب طاعة آمره على قتل آخر أو حثَّ غير المميز

(3)

على قتل نفسه أو ألقى عليه سبعا ضاريا يقتل غالبا أو عكسه

(4)

في مضيق

(5)

لا

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا أن ذلك شبه عمد مطلقا وإن لم تزلق غالبا.

(2)

. خلافا للنهاية.

(3)

. بخلاف ما لو حث أعجمياً على قتل نفسه فلا يقتل به؛ إذ لا يجوِّز الأعجمي وجوب الطاعة في حق نفسه.

(4)

. أي ألقي شخص على سبع ضار.

(5)

. راجع للعكس وأصله.

ص: 17

‌فصل في اجتماع مباشرتين

وُجِدَ مِنْ شَخْصَيْنِ مَعًا فِعْلَانِ مُزْهِقَانِ مُذَفِّفَانِ كَحَزٍّ وَقَدٍّ، أَوْ لَا كَقَطْعِ عُضْوَيْنِ فَقَاتِلَانِ وَإِنْ أَنْهَاهُ رَجُلٌ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ بِأَنْ لَمْ يُبْقِ إبْصَارٌ، وَنُطْقٌ وَحَرَكَةُ اخْتِيَارٍ. ثُمَّ جَنَى آخَرُ فَالْأَوَّلُ قَاتِلٌ، وَيُعَزَّرُ الثَّانِي،

يمكنه التخلص منه، أو أغراه به فيه، أما لو ألقي عليه حية فلا فيقتل به مطلقا; لأنها تنفر بطبعها من الآدمي حتى في المضيق والسبع يثب عليه فيه دون المتسع، نعم إن كان السبع المغرى في المتسع ضاريا شديد العدو ولا يتأتى الهرب منه وجب القود على المعتمد. ولو ربط ببابه أو دهليزه نحو كلب عقور ودعا ضيفا فافترسه هدر كما يأتي قبيل السِّير.; لأنه يفترس باختياره ولا إلجاء من الداعي، وبه فارق ما لو غطى بئرا بممر غير مميز بخصوصه ودعاه لمحل الغالب أنه يمر عليها فأتاه فوقع فيها ومات فإنه يقتل به; لأنه تغرير وإلجاء يفضي إلى الهلاك في شخص معين فأشبه الإكراه بخلاف ما لو غطاها ليقع بها من يمر من غير تعيين فإنه لا يقتل؛ إذ لا تتحقق العمدية مع عدم التعين كما مر. أما المميز ففيه دية شبه العمد.

(فصل في اجتماع مباشرتين)

إذا (وُجِد من شخصين معا) أي حال كونهما مقترنين في زمن الجناية بأن تقارنا في الإصابة (فعلان مزهقان) للروح (مذففان) أي مسرعان للقتل (كحزٍّ) للرقبة (وقدٍّ) للجثة (أو لا) أي غير مذففين (كقطع عضوين) أو جرحين أو جرح من واحد ومائة جرح مثلا من آخر فمات منهما (فقاتلان) فيقتلان؛ إذ ربَّ جرح له نكاية باطنا أكثر من جروح، فإن ذفف أحدهما فقط فهو القاتل فلا يقتل الآخر وإن شككنا في تذفيف جرحه; لأن الأصل عدمه والقود لا يجب بالشك مع سقوطه بالشبهة.

[تنبيه] على مقارن المذفف أرش جرحه أو قوده

؛ لاستقرار الحياة عند أول الإصابة (وإن أنهاه رجل) أي أوصله جانٍ (إلى حركة مذبوح بأن لم يُبْقِ) فيه إدراك و (إبصار ونطق وحركة اختيار ثم جنى آخر فالأول قاتل)؛ لأنه الذي صيَّره لحالة الموت، ومن ثم أعطي حكم الأموات مطلقا (ويُعزر الثاني)؛ لهتكه حرمة ميت. وأفهم التقييد بالاختيار أنه لا أثر لبقاء الاضطرار فهو معه في حكم الأموات، ومنه ما لو قد بطنه وخَرَّج بعض أحشائه عن

ص: 18

وَإِنْ جَنَى الثَّانِي قَبْلَ الْإِنْهَاءِ إلَيْهَا فَإِنْ ذَفَّفَ كَحَزٍّ بَعْدَ جُرْحٍ فَالثَّانِي قَاتِلٌ، وَعَلَى الْأَوَّلِ قِصَاصُ الْعُضْوِ أَوْ مَالٌ بِحَسَبِ الحَالِ، وَإِلَّا فَقَاتِلَانِ. وَلَوْ قَتَلَ مَرِيضًا فِي النَّزْعِ وَعَيْشُهُ عَيْشُ مَذْبُوحٍ وَجَبَ الْقِصَاصُ

محله خروجا يقطع بموته معه فإنه وإن تكلم بمنتظم كطلب -مَن وقع له ذلك- ماء فشربه ثم قال هكذا يفعل بالجيران ليس عن روية واختيار فلم يمنع الحكم عليه بالموت بخلاف ما لو بقيت أحشاؤه كلها بمحلها فإنه في حكم الأحياء; لأنه قد يعيش مع ذلك كما هو مشاهد، نعم مع استقرار الحياة لا أثر للقطع بموته بعد.

[تنبيه] تفاصيل بقاء الحياة المستقرة وعدمه الآتي في الصيد يأتي هنا

، ويرجع فيمن شك في وصوله لها إلى عدلين خبيرين (وإن جنى الثاني قبل الإنهاء إليها فإن ذفف كحز بعد جرح فالثاني قاتل)؛ لقطعه أثر الأول وإن علم أنه قاتل بعد نحو يوم (وعلى الأول قصاص العضو أو مال بحسب الحال) من عمد وضده، ولا نظر لسريان الجرح؛ لاستقرار الحياة عنده (وإلا) يذفف الثاني أيضا ومات بهما كأن قطع واحد من الكوع وآخر من المرفق أو أجافاه (فقاتلان)؛ لوجود السراية منهما (ولو قتل مريضا في النزع) وهو الوصول لآخر رمق (وعيشه عيش مذبوح وجب) بقتله (القصاص) ; لأنه قد يعيش مع أنه لا سبب يحال الهلاك عليه. ثم تخالفهما إنما هو بالنسبة لنحو الجناية عليه ومصير المال للورثة، أما الأقوال كالإسلام والردة والتصرف فهما سواء في عدم صحتها منهما.

[فرع] اندملت الجراحة واستمرت الحمى حتى مات فإن قال عدلا طبٍّ إنها من الجرح فالقود وإلا فلا ضمان

.

ص: 19

(فصل في شروط القود)

قَتَلَ مُسْلِمًا ظَنَّ كُفْرَهُ بِدَارِ الحَرْبِ فَلَا قِصَاصَ، وَكَذَا لَا دِيَةَ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَا، وَفِي الْقِصَاصِ قَوْلٌ. أَوْ مَنْ عَهِدَهُ مُرْتَدًّا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ ظَنَّهُ قَاتِلَ أَبِيهِ فَبَانَ خِلَافُهُ فَالمَذْهَبُ وُجُوبُ الْقِصَاصِ

(فصل في شروط القود)

إذا (قتل) مسلم (مسلما ظن كفره) يعني حرابته أو شك فيها أي هل هو حربي أو ذمي (بدار الحرب) كأن كان عليه زي الكفار أو رآه يعظم آلهتهم، وإثبات إسلامه مع هذين; لأن الأصح أن التزيي بزيهم غير ردة مطلقا، وكذا تعظيم آلهتهم في دار الحرب؛ لاحتمال إكراه أو نحوه، أو قتله في صفهم ولو بدارنا ولم يَعْرِف محله في صفهم وإن لم يظن كفره (فلا قصاص)؛ لوضوح عذره (وكذا لا دية) علم أن في دارهم مسلما أم لا، قصده بالرمي أم لا، عُهد حرابة من عينه أم لا كما يأتي (في الأظهر) ; لأنه أسقط حرمة نفسه، وثبوتها مع الشبهة محله في غير ذلك، نعم تجب الكفارة قطعا; لأنه مسلم باطنا ولا جناية منه تقتضي إهداره مطلقا. وخرج بظن حرابته -الصادق بعهدها وعدمه كما تقرر- ما لو انتفى ظنها وعهدها فإن عهد أو ظن إسلامه ولو بدارهم، أو شك فيه وكان بدارنا فيلزمه القود؛ لتقصيره، أو بدارهم أو بصفهم فهدر؛ لما مر. أما إذا عرف مكانه بدارنا فكقتله بها في غير صفهم حتى إذا قصد قتله قصدا معينا له قتل به، أو قتل غيره فأصابه لزمهم دية مخففة، وخرج بقولنا ((إذا قتل مسلم)) ذمي لم نستعن به فيقتل به (أو) قتل مسلما ظن كفره سواء حرابته وردته وغيرهما كأن رأى عليه زيهم أو رآه يعظم آلهتهم (بدار الإسلام) وليس في صف الحربيين (وجبا) أي القود والدية على البدل كما يأتي; لأن الظاهر من حال من بدارنا العصمة وإن كان على زيهم (وفي القصاص قول) أنه لا يجب إن رآه بزيهم مثلا. أما مجرد ظن الكفر فيجب معه القود قطعا (أو) قتل (من عهده مرتدا أو ذميا) يعني كافرا غير حربي ولو بدارهم (أو عبدا أو ظنه قاتل أبيه فبان خلافه) أي أنه أسلم أو عتق أو لم يقتل أباه (فالمذهب وجوب القصاص) عليه؛ لوجود مقتضيه، وجهله وعهده وظنه لا يبيح له ضربا ولا قتلا ولو في المرتد; لأن قتله للإمام، أما لو عهده حربيا فقتله بدارنا فلا قود به على الأرجح، ومحل الخلاف في القود أما الدية فالوجه وجوبها.

ص: 20

وَلَوْ ضَرَبَ مَرِيضًا جَهِلَ مَرَضَهُ ضَرْبًا يَقْتُلُ المَرِيضَ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَقِيلَ لَا. وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْقَتِيلِ إسْلَامٌ أَوْ أَمَانٌ، فَيُهْدَرُ الحَرْبِيُّ وَالمُرْتَدُّ، وَمَنْ عَلَيْهِ قِصَاصٌ كَغَيْرِهِ. وَالزَّانِي المُحْصَنُ إنْ قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ قُتِلَ بِهِ

ولو قتل مسلما تترس به المشركون بدارهم فإن علم إسلامه لزمته ديته وإلا فلا (ولو ضرب) من لم يبح له الضرب (مريضا جهل مرضه ضربا يقتل المريض) دون الصحيح غالبا (وجب القصاص) عليه؛ لتقصيره، فإن عفى على الدية فكلها على الضارب وإن فرض أن للمرض دخلا في القتل (وقيل لا) يجب عليه; لأن ما أتى به غير مهلك في ظنه، ويردُّ بأنه لا عبرة بظنه مع تحريم الضرب عليه، ومن ثم لم يلزم نحو مؤدب ظن أنه صحيح، وطبيب سقاه دواء على ما يأتي آخر الفصل؛ لظنه أنه محتاج إليه إلا دية شبه العمد. ولو علم بمرضه أو كان ضربه يقتل الصحيح أيضا وجب القود قطعا.

واعلم أن للقود شروطا في القتل قد مرت وفي القاتل وستأتي وفي القتيل كما قال (ويشترط لوجوب القصاص) بل والضمان من أصله على تفصيل فيه (في القتيل إسلام

(1)

مع عدم نحو صيال وقطع طريق؛ للخبر الصحيح ((فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها)) (أو أمان) يحقن دمه بعقد ذمة أو عهد أو أمان مجرد -ولو من الآحاد- أو ضرب رق; لأنه به يصير مالا للمسلمين ومالهم في أمان لعصمته حينئذ، ويشترط للقود وجود العصمة التي هي حقن الدم من أول أجزاء الجناية كالرمي إلى الزهوق كما يأتي (فيهدر) بالنسبة لكل أحد الصائل إذا تعين قتله في دفع شره، و (الحربي) ولو نحو امرأة وصبي؛ لقوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} التوبة: 5 (والمرتد

(2)

إلا على مثله كما يأتي؛ للخبر الصحيح ((من بدل دينه فاقتلوه))، ويفرق بينه وبين الحربي بأنه ملتزم فعصم على مثله ولا كذلك الحربي (ومن) مبتدأ (عليه قصاص كغيره) في العصمة في حق غير المستحق فيقتل قاتله وقاطع الطريق المتحتم قتله وتارك الصلاة ونحوهما مهدرون إلا على مثلهم كما أشار إليه بقوله:(والزاني المحصن إن قتله ذمي) -والمراد به غير الحربي- أو مرتد (قتل به)؛ إذ لا تسليط لهما على المسلم ولا حق لهما

(1)

. أفاد الشارح في باب النجاسات أن المتولد بين آدمي ومغلظ يقتل بالحر المسلم والعكس 1/ 291.

(2)

. بل ذكر الشارح في كتاب الردة أنه لو تعدى بسكره وارتد صحت ردته وعليه فإن قُتِل في سكره فلا شيء فيه.

ص: 21

أَوْ مُسْلِمٌ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَفِي الْقَاتِلِ بُلُوغٌ وَعَقْلٌ، وَالمَذْهَبُ وُجُوبُهُ عَلَى السَّكْرَانِ، وَلَوْ قَالَ: كُنْت يَوْمَ الْقَتْلِ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا صُدِّقَ بِيَمِينِهِ إنْ أَمْكَنَ الصِّبَا وَعُهِدَ الجُنُونُ،

في الواجب عليه، وأخذ منه البلقيني أن الزاني الذمي المحصن إذا قتله ذمي ولو مجوسيا ليس زانيا محصنا ولا وجب قتله بنحو قطع طريق لا يقتل به (أو مسلم) ليس زانيا محصنا (فلا) يقتل به (في الأصح)؛ لإهداره، وإنما يعزر؛ لافتياته على الإمام سواء أثبت زناه ببينة أم بإقراره بشرط

(1)

أن لا يرجع عنه وإلا قتل به إن عُلِم برجوعه. ولو قتله قبل أمر الحاكم بقتله ثم رجع الشهود وقالوا تعمدنا الكذب قتل به دونهم; لأنه لم يثبت زناه ومجرد الشهادة غير مبيح للإقدام. ولو رآه يزني وعلم إحصانه فقتله لم يقتل به قطعا لكنه لا يقبل منه ذلك بالنسبة للأحكام الظاهرة إلا ببينة أو يمين مردودة من الوارث وكذا في سائر نظائره، ولا يعزر للافتيات هنا إن قتله قبل انفصاله عن نحو حليلته؛ لعذره. وخرج بقولي ليس زانيا محصنا الزاني المحصن فيقتل به ما لم يأمره الإمام بقتله، ويظهر أن يلحق بالزاني المحصن في ذلك كل مهدر كتارك صلاة وقاطع طريق بشرطه، فالحاصل أن المهدر معصوم على مثله في الإهدار وإن اختلفا في سببه، ويد السارق مهدرة إلا على مثله سواء المسروق منه وغيره. (و) يشترط لوجوبه (في القاتل) شروط منها التكليف ومحصله (بلوغ وعقل) وذلك؛ للحديث الصحيح ((رفع القلم عن ثلاثة .. )) ولعدم تكليفهما، فلا يقتل صبي ومجنون حال القتل وإن كلف عند مقدمته كالرمي.

[تنبيه] لو كلِّف بعد الرمي وقبل الإصابة قُتل، ومثله في التفصيل المار الحربي

(2)

(والمذهب وجوبه على السكران) وكل متعدٍّ بمزيل عقله؛ لتعديه. أما غير المتعدي كأن أكره على شرب مسكر أو شرب ما ظنه دواء أو ماء فإذا هو مسكر فلا قود عليه؛ لعذره (ولو قال كنت يوم القتل) أي وقته (صبيا أو مجنونا صدق بيمينه إن أمكن الصبا) فيه (وعهد الجنون) قبله ولو متقطعا؛ لأصل بقائهما حينئذ بخلاف ما إذا انتفى الإمكان والعهد. ولو اتفقا على زوال عقله وادعى الجنون والولي السكر صدق القاتل بيمينه، ومثله ما لو قال زال بما لم أتعد

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. حقق هذا الشارح في فتح الجواد 2/ 245 ونبه على ذلك الشارح فيما بعد 8/ 411.

ص: 22

وَلَوْ قَالَ: أَنَا صَبِيٌّ الْآنَ فَلَا قِصَاصَ وَلَا يُحَلَّفُ، وَلَا قِصَاصَ عَلَى حَرْبِيٍّ. وَيَجِبُ عَلَى المَعْصُومِ وَالمُرْتَدِّ. وَمُكَافَأَةٌ، فَلَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِذِمِّيٍّ، وَيُقْتَلُ ذِمِّيٌّ بِهِ وَبِذِمِّيٍّ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَّتُهُمَا، فَلَوْ أَسْلَمَ الْقَاتِلُ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ. وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ ذِمِّيًّا وَأَسْلَمَ الجَارِحُ ثُمَّ مَاتَ المَجْرُوحُ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ، وَفِي الصُّورَتَيْنِ إنَّمَا يَقْتَصُّ الْإِمَامُ بِطَلَبِ الْوَارِثِ، وَالْأَظْهَرُ قَتْلُ مُرْتَدٍّ بِذِمِّيٍّ

به وقال الولي بل بما تعديت به. ولو جرح ثم جن ثم مات المجروح قتل المجنون (ولو قال أنا صبي الآن) وأمكن (فلا قصاص ولا يحلف) أنه صبي; لأن تحليفه على ذلك يثبت صباه والصبي لا يحلف ففي تحليفه إبطال تحليفه (و) منها عدم الحرابة فحينئذ (لا قصاص على حربي) وإن عصم بعد؛ اتباعا ولعدم التزامه (ويجب) القود (على المعصوم) بأمان أو هدنة أو ذمة؛ لالتزامه أحكامنا ولو من بعض الوجوه (والمرتد) وإن كان مهدرا؛ لذلك، نعم لو ارتدت طائفة لهم قوة وأتلفوا مالا أو نفسا ثم أسلموا لم يضمنوا

(1)

(و) منها (مكافأة) أي مساواة من المقتول لقاتله حال الجناية بأن لا يفضُل قتيله حينئذ بإسلام أو أمان أو حرية تامة أو أصالة أو سيادة (فلا يقتل مسلم) ولو مهدرا بنحو زنا (بذمي

(2)

يعني بغيره؛ ليشمل من لم تبلغه الدعوة فإنه وإن كان كالمسلم في الآخرة ليس كهو في الدنيا؛ لخبر البخاري ((ألا لا يقتل مسلم بكافر)). والعبرة في قنين، وحر وقن بهما إسلام وضده دون السيد (ويقتل ذمي) وذو أمان (به) أي المسلم (وبذمي) وذي أمان (وإن اختلفت ملتهما) كيهودي ونصراني ومعاهد ومستأمن; لأن الكفر كله ملة واحدة، (فلو أسلم القاتل لم يسقط القصاص)؛ لتكافئهما حالة الجناية فلا نظر لما حدث بعدها، ومن ثم لو زنى قن أو قذف ثم عتق لم يحد إلا حد القن (ولو جرح ذمي) أو ذو أمان (ذميا) أو ذا أمان (وأسلم الجارح ثم مات المجروح) على كفره (فكذا) لا يسقط القصاص في الطرف قطعا، ولا في النفس (في الأصح)؛ للتكافئ حال الجرح المفضي للهلاك (وفي الصورتين إنما يقتص الإمام بطلب الوارث) ولا يفوضه له؛ لئلا يسلط كافر على مسلم، ومن ثم لو أسلم فوضه إليه. (والأظهر قتل مرتد) وإن أسلم (بذمي) وذي أمان؛ لأنه

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. تقدم في اللقيط أنه إذا حكم بإسلامه وحريته فقتله حر مسلم أو غيره قتله به الأمام أو عفا على الدية، وهي لبيت المال 9/ 356.

ص: 23

وَبِمُرْتَدٍّ، لَا ذِمِّيٍّ بِمُرْتَدٍّ. وَلَا يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَنْ فِيهِ رِقٌّ. وَيُقْتَلُ قِنٌّ وَمُدَبَّرٌ وَمُكَاتَبٌ وَأُمُّ وَلَدٍ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، وَلَوْ قَتَلَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْقَاتِلُ، أَوْ جَرَحَ عَبْدٌ عَبْدًا ثُمَّ عَتَقَ الْجَارِحُ بَيْنَ الجُرْحِ وَالمَوْتِ فَكَحُدُوثِ الْإِسْلَامِ، وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ لَوْ قَتَلَ مِثْلَهُ لَا قِصَاصَ وَقِيلَ إنْ لَمْ تَزِدْ حُرِّيَّةُ الْقَاتِلِ وَجَبَ. وَلَا قِصَاصَ بَيْنَ عَبْدٍ مُسْلِمٍ وَحُرٍّ ذِمِّيٍّ. وَلَا بِقَتْلِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ، وَلَا لَهُ

حالة القتل -وهي المعتبرة كما مر- دونهما؛ إذ لا يقر بحال (وبمرتد)؛ لمساواته له، ويقدم قتله قودا على قتله بالردة حتى لو عفى عنه على مال قتل بها وأخذ من تركته، نعم عصمة المرتد على مثله إنما هي بالنسبة للقود فقط فلو عفى عنه لم تجب دية (لا ذمي) فلا يقتل (بمرتد) ; لأنه أشرف منه بتقريره بالجزية (ولا يقتل حر بمن فيه رق) -وإن قلَّ على أي وجه كان-؛ لانتفاء المكافأة، ولخبر الدارقطني ((لا يقتل حر بعبد))، وللإجماع على أنه لا يقطع طرفه بطرفه. ولو قتل مسلم من يشك في إسلامه أو حر من يشك في حريته فلا قود، ولا ينافيه وجوبه في اللقيط قبل بلوغه; لأنه لما عُلم التقاطه أجري عليه حكم الدار بخلاف هذا، نعم محل عدم القود في المشكوك في إسلامه أو حريته إذا كان بغير دارنا وإلا ساوى اللقيط. (ويقتل قن ومدبر ومكاتب

(1)

وأم ولد بعضهم ببعض)؛ لتساويهم في الرق، نعم لا يقتل مكاتب بقنه وإن ساواه رقا أو كان أصله؛ لتميزه عليه بسيادته له والفضائل لا يقابل بعضها ببعض (ولو قتل عبد عبدا ثم عتق القاتل، أو جرح عبد عبدا ثم عتق الجارح بين الجرح والموت فكحدوث الإسلام) للقاتل والجارح، فلا يسقط القود في الأصح؛ لما مر (ومن بعضه حر لو قتل مثله لا قصاص) عليه زادت حرية القاتل أوْ لا; لأنه ما من جزء حرية إلا ومعه جزء رق شائعا فلزم قتل جزء حرية بجزء رق (وقيل

(2)

إن لم تزد حرية القاتل) بأن ساوت أو نقصت (وجب) القود (ولا قصاص بين عبد مسلم وحر ذمي) المراد مطلق القن والكافر بأن قتل أحدهما الآخر؛ لما مر أن المسلم لا يقتل بالكافر ولا الحر بالقن، (ولا) قصاص (بقتل ولد) ذكر أو أنثى للقاتل الذكر والأنثى (وإن سفل) الفرع؛ للخبر الصحيح ((لا يقاد للابن من أبيه)). ولو قَتل ولده المنفي قُتل به إن أصر على نفيه

(3)

لا إن رجع عنه. (ولا) قصاص يثبت (له) أي

(1)

. يأتي في الكتابة حكم ما لو قتل المكاتب سيده 10/ 412.

(2)

. لم يستحسن في المغني تعبير المصنف بقيل، ورد عليه الشارح.

(3)

. خلافا لهما.

ص: 24

وَيُقْتَلُ بِوَالِدَيْهِ. وَلَوْ تَدَاعَيَا مَجْهُولًا فَقَتَلَهُ أَحَدُهُمَا، فَإِنْ الحَقَهُ الْقَائِفُ بِالْآخَرِ اقْتَصَّ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قَتَلَ أَحَدُ الأَخَوَيْنِ الْأَبَ، وَالْآخَرُ الْأُمَّ مَعًا فَلِكُلٍّ قِصَاصٌ، وَيُقَدَّمُ بِقُرْعَةٍ، فَإِنِ اقْتَصَّ بِهَا، أَوْ مُبَادِرًا فَلِوَارِثِ المُقْتَصِّ مِنْهُ قَتْلُ المُقْتَصِّ إنْ لَمْ نُوَرِّثْ قَاتَلَا بِحَقٍّ،

الفرع على أصله كأن قتل قنه أو عتيقه أو زوجه أو أمه; لأنه إذا لم يقتل بقتله فقتل من له فيه حق أولى، فعلم أن الجاني أو فرعه متى ملك جزءا من القود سقط. وما اقتضاه سياقه من أن الولد لا يكافئ والده متجه؛ لتميزه عليه بفضيلة الأصالة (ويقتل بوالدِيه) مع المكافأة إجماعا فبقية المحارم أولى؛ إذ لا تميز، نعم لو اشترى مكاتب أباه ثم قتله لم يقتل به؛ لشبهة السيدية (ولو تداعيا مجهولا) نسبُهُ (فقتله أحدهما فإن ألحقه القائف) بالقاتل فلا قود عليه؛ لما مر، أو ألحقه (بالآخر) الذي لم يقتل (اقْتَصَّ) ذلك الآخر -؛ لثبوت أبوته- من القاتل رجع عن الاستلحاق أم لا (وإلا) يلحقه به (فلا) يقتص ذلك الآخر بل غيره إن ألحق به وادعاه وإلا وقف. ولا يقبل رجوع مستلحِقَيْه لئلا يبطل حقه; لأنه صار ابنا لأحدهما بدعواهما. ولو قتلاه ثم رجع أحدهما وقد تعذر الإلحاق والانتساب قتل به أو ألحق بأحدهما قتل الآخر; لأنه شريك الأب، ولو لحق القاتل -بقائف أو انتساب منه- بعد بلوغه فأقام الآخر بينة بأنه ابنه قتل الأول به; لأن البينة أقوى منهما. ولو كان الفراش لكل منهما لم يكف رجوع أحدهما في لحوقه بالآخر; لأن الفراش لا يرتفع بالرجوع. (ولو قتل أحد أخوين) شقيقين حائزين (الأب و) قتل (الآخر الأم معا) ولو احتمالا بأن لم يتيقن سبق ولا معية، والعبرة في المعية والترتيب بزهوق الروح (فلكلٍّ قصاص) على الآخر; لأنه قتل مورثه مع امتناع التوارث بينهما، فإن عفا أحدهما فللمعفو عنه قتل العافي (ويقدم) أحدهما للقصاص عند التنازع (بقرعة)؛ إذ لا مزية لأحدهما على الآخر مع كونهما مقتولين، ومن ثم لو طلب أحدهما فقط أجيب ولا قرعة كما لو كان موت كلٍّ بسراية قطع عضو فلكل طلب قطع عضو الآخر حالة قطع عضوه؛ لإمكان المعية هنا بخلافها في القتل، ثم إن ماتا سراية ولو مرتبا وقع قصاصا، ولا قرعة أيضا فيما لو قتلاهما معا في قطع الطريق فللإمام قتلهما معا وإن لم يطلب منه ذلك؛ تغليبا لشائبة الحد. ولهما التوكيل قبل القرعة فيقرع بين الوكيلين، وبقتل أحدهما ينعزل وكيله; لأن الوكيل ينعزل بموت موكله، ومن ثم كان الأوجه أنهما لو قتلاهما معا لم يقع الموقع؛ لتبين انعزال كلٍّ بموت موكله فعلى كلٍّ من الوكيلين دية مغلظة (فإن اقتص بها) أي القرعة (أو مبادرا) قبلها (فلوارث المقتص منه قتل المقتص إن لم نورث قاتلا بحق)؛ لبقاء القصاص

ص: 25

وَكَذَا إنْ قَتَلَا مُرَتَّبًا وَلَا زَوْجِيَّةَ، وَإِلَّا فَعَلَى الثَّانِي فَقَطْ. وَيُقْتَلُ الجَمْعُ بِوَاحِدٍ، وَلِلْوَلِيِّ الْعَفْوُ عَنْ بَعْضِهِمْ عَلَى حِصَّتِهِ مِنَ الدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ الرُّءُوسِ

عليه ولم ينتقل له منه شيء (وكذا إن قتلا مرتبا) وعلمت عين السابق (ولا زوجية) بين الأبوين فلكل منهما القود على الآخر ويبدأ بالقاتل الأول إلا في قطع الطريق فللإمام قتلهما معا نظير ما مر، ولا يصح توكيله أعني القاتل الأول; لأن الآخر إنما يقتل بعده وبقتله تبطل الوكالة، ولا ينافيه أنه لو بادر وكيله وقتل لم يلزمه شيء; لأنه لمطلق الإذن ولا يلزم منه صحة الوكالة (وإلا) بأن كان بينهما زوجية (فعلى الثاني فقط) القصاص دون الأول؛ لأن الأول ورث الشخص الذي له على الأول بعض القود، ففيما إذا قتل واحد أباه ثم الآخر أمه لا قود على قاتل الأب; لأن قوده ثبت لأمه وأخيه فإذا قتلها الآخر انتقل ما كان لها لقاتل الأب; لأنه الذي يرثها وهو ثمن دمه فسقط عنه الكل; لأنه لا يتبعض وعليه في ماله لورثة أخيه سبعة أثمان الدية. أو قتل واحد أمه ثم الآخر أباه يقتل قاتل الأب فقط؛ لما ذكر، نعم محل هذه الصورة حيث لا مانع كالدور حتى لو تزوج بأمهما في مرض موته ثم قتل الولدان أبويهما مرتبا فلكل القود على الآخر مع وجود الزوجية، ثم إن كان المقتول أولا الأب فلكل القود على الآخر؛ لانتفاء إرثها منه، أو الأم اختص بالثاني؛ لإرثه منها

(1)

. أما إذا علم السبق وجهلت عين السابق فالوجه الوقف إلى التبين; لأن الحكم على أحدهما حينئذ بقود أو عدمه تحكم، هذا إن رجي وإلا فظاهر أنه لا طريق سوى الصلح. (ويقتل الجمع بواحد) كأن جرحوه جراحات لها دخل في الزهوق وإن فحش بعضها أو تفاوتوا في عددها وإن لم يتواطئوا، أو ضربوه ضربات وكلٌّ قاتلة لو انفردت أو غير قاتلة وتواطؤا; لأن عمر رضي الله عنه قتل خمسة أو سبعة قتلوا رجلا غيلة -أي خديعة- بموضع خال، وقال ((لو تمالأ -أي اجتمع- عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا)) ولم ينكر عليه ذلك مع شهرته فصار إجماعا. أما من ليس لجرحه أو ضربه دخل في الزهوق بقول أهل الخبرة فلا يعتبر. (وللولي العفو عن بعضهم على حصته من الدية باعتبار) عدد (الرءوس) دون الجراحات في صورتها؛ لعدم انضباط نكاياتها،

(1)

. أي بناء على ما مر أول الفرائض أن مما يمنع الإرث بالزوجية من جانب الزوجة ما لو أعتق أمته في مرض موته وتزوج بها للدور فليحمل هذا على أن التي تزوجها في مرض موته هي أمته التي أعتقها في المرض ثم طال به حتى أولدها ولدين فعاشا إلى أن بلغا ثم قتل الولدان أبويهما على الإنفراد.

ص: 26

وَلَا يُقْتَلُ شَرِيكُ مُخْطِئٍ وَشِبْهِ العَمْدِ. وَيُقْتَلُ شَرِيكُ الْأَبِ، وَعَبْدٌ شَارَكَ حُرًّا فِي عَبْدٍ، وَذِمِّيٌّ شَارَكَ مُسْلِمًا فِي ذِمِّيٍّ، وَكَذَا شَرِيكُ حَرْبِيٍّ، وَقَاطِعٍ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا، وَشَرِيكُ النَّفْسِ، وَدَافِعُ الصَّائِلِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ جَرَحَهُ جُرْحَيْنِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَمَاتَ بِهِمَا، أَوْ جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ وَجَرَحَهُ ثَانِيًا فَمَاتَ لَمْ يُقْتَلْ

وباعتبار عدد الضربات في صورتها الأولى

(1)

والثانية

(2)

، وفارقت الضربات الجراحات بأن تلك تلاقي ظاهر البدن فلا يعظم فيها التفاوت بخلاف هذه. ولو ضرب واحد ما لا يقتل غالبا كسوطين وآخر ما يقتل كخمسين وألم الأول باق ولا مواطأة فالأول شبه عمد ففيه حصة ضربه من دية شبه العمد والثاني عمد فعليه حصة ضربه من دية العمد، فإن تقدمت الخمسون قُتِلا إن علم الثاني وإلا فلا قود بل على الأول حصة ضربه من دية العمد والثاني حصته من دية شبهه (ولا يقتل) متعمد هو (شريك مخطئ) ولو حكما كغير المكلف الذي لا تمييز له، ومثله الحية والسبع لكن إن لم يقتلا غالبا وإلا فكشريك نحو الأب فيقتص منه (و) شريك صاحب (شبه العمد) ; لأن الزهوق حصل بفعلين أحدهما يوجبه والآخر ينفيه فغلب المسقط؛ لوجوب الشبهة في فعل المتعمد، وعليهما الدية على الأول نصف دية العمد والثاني نصف دية الخطأ أو شبه العمد (ويقتل شريك الأب) في قتل ولده (وعبد شارك حرا في عبد) وحر شارك حرا جرح عبدا فعتق بشرط أن يكون فعل المشارك بعد عتقه ثم مات بسرايتهما (وذمي شارك مسلما في ذمي وكذا شريك حربي) في قتل مسلم أو ذمي (و) قاطع يد مثلا هو شريك (قاطع) أخرى (قصاصا أو حدا) فسرى القطعان إليه تقدم المهدر أو تأخر (و) جارح لمن جرح نفسه قبله أو بعده، وكجرحه لنفسه أمره من لا يميز بجرحها، فهو (شريك النفس) في قتلها (و) جارح (دافع الصائل) على محترم (في الأظهر) ; لأن كلا من الفعلين في جميع الصور وقع عمدا، وإنما انتفى القود عن أحدهما لمعنى آخر خارج عن الفعل فلم يقتض سقوطه عن الآخر تقدم أو تأخر، وشريك صبي أو مجنون لهما نوع تمييز كشريك المتعمد أو لا تمييز لهما كشريك المخطئ (ولو جرحه جرحين عمدا وخطأ) أو وشبه عمد (ومات بهما، أو جرح) جرحا مضمونا وجرحا غير مضمون كأن جرح (حربيا أو مرتدا ثم أسلم) المجروح (وجرحه ثانيا فمات) بهما (لم يقتل) ; لأن الفعلين منه فإذا كان أحدهما مسقطا

(1)

. هي قوله: ((وكل قاتلة)) .. الخ.

(2)

. هي قوله: ((أو غير قاتلة)).

ص: 27

وَلَوْ دَاوَى جُرْحَهُ بِسُمٍّ مُذَفِّفٍ فَلَا قِصَاصَ عَلَى جَارِحِهِ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلِ السُّمُّ غَالِبًا فَشِبْهُ عَمْدٍ، وَإِنْ قَتَلَ غَالِبًا وَعَلِمَ حَالَهُ فَشَرِيكُ جَارِحِ نَفْسِهِ، وَقِيلَ هُوَ شَرِيكُ مُخْطِئٍ. وَلَوْ ضَرَبُوهُ بِسِيَاطٍ فَقَتَلُوهُ، وَضَرْبُ كُلِّ وَاحِدٍ غَيْرُ قَاتِلٍ فَفِي الْقِصَاصِ عَلَيْهِمْ أَوْجُهٌ: أَصَحُّهَا يَجِبُ إنْ تَوَاطَئُوا

للقود لكونه نحو خطأ أو مهدرا أثَّر شبهة في فعله، ففي الأولى عليه -مع قود الجرح الأول إن أوجبه- نصف دية مغلظة ونصف دية مخففة، وفيما بعدها عليه موجب الجرح الواقع في حال العصمة من قود أو دية مغلظة، سواء اتحد الجارح أو تعدد إلا إن قطع المتعمد طرفه فيقطع طرفه فقط. (ولو داوى جرحه بسم مذفف) أي قاتل سريعا (فلا قصاص) ولا دية - (على جارحه) في النفس; لأنه قاتل نفسه- وإن لم يعلم المجروح حال السم بل القصاص في الجرح إن أوجب حد القصاص وإلا فالمال (وإن لم يقتل السم) الذي داواه به (غالبا) أو لم يعلم حاله وإن قتل غالبا (فشبه عمد) فعله فلا قود على جارحه في النفس أيضا، بل عليه نصف الدية المغلظة مع ما أوجبه الجرح (وإن قتل) السم (غالبا وعلم حاله فـ) الجارح (شريك جارح نفسه) فعليه القود في الأظهر (وقيل هو شريك مخطئ) ; لأن الإنسان لا يقصد قتل نفسه. وخرج بقوله داوى جرحه ما لو داواه آخر غير الجارح فإن كان داواه بشيء أسرع في موته وعلمه قتل المداوي أو بما يقتل غالبا وعلم حاله ومات بهما قُتلا وإلا فدية شبه العمد.

[تنبيه] متى لم ينص المريض على دواء معين ضمنته عاقلة الطبيب فبيت المال فهو، ومتى نص على ذلك فهدر

، ومحل هذا التفصيل إن كان الطبيب غير حاذق وإلا فلا يضمن إجماعا، ومن الطبيب الجرائحي

(1)

. ومن الدواء ما لو خاط المجروحُ جرحَه لكنه إن خاط في لحم حي وعلم أنه يقتل غالبا كان الجارح حينئذ شريك جارح نفسه فعليه القود فإن آل الأمر للمال فنصف الدية، وإن خاطه ولي للمصلحة فلا قود عليه بل على الجارح

(2)

، والكي كالخياطة (ولو ضربوه بسياط فقتلوه وضربُ كل واحد غير قاتل) لو انفرد (ففي القصاص عليهم أوجه أصحها يجب إن تواطئوا) أي توافقوا على ضربه وكان ضرب كل منهم له دخل في الزهوق.

(1)

. ذكر هذا والتقييد الشارح قبيل الختان.

(2)

. خلافا للنهاية وشرح الروض.

ص: 28

وَمَنْ قَتَلَ جَمْعًا مُرَتَّبًا قُتِلَ بِأَوَّلِهِمْ، أَوْ مَعًا فَبِالْقُرْعَةِ، وَلِلْبَاقِينَ الدِّيَاتُ. قُلْتُ: فَلَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ عَصَى وَوَقَعَ قِصَاصًا، وَلِلْأَوَّلِ دِيَةٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.

فصل

جَرَحَ حَرْبِيًّا أَوْ مُرْتَدًّا أَوْ عَبْدَ نَفْسِهِ فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالجُرْحِ فَلَا ضَمَانَ،

(ومن قتل جمعا مرتبا) والعبرة في الترتيب والمعية بالزهوق كما مر (قتل بأولهم)؛ لسبق حقه (أو معا) ولو احتمالا كأن هدم عليهم جدارا وتنازعوا فيمن يقدم بقتله ولو بعد تراضيهم بتقديم أحدهم (فبالقرعة) يكون التقديم وجوبا؛ قطعا للنزاع (وللباقين) في الصور الثلاث (الديات)؛ ليأسهم من القود، فإن وفت بهم التركة وإلا وزعت (قلت فلو قتله) منهم (غير الأول) أو غير من خرجت قرعته (عصى) وعُزِّر؛ لتفويته حق غيره (ووقع قصاصا) ; لأن الأول إنما استحق التقديم فقط ألا ترى أنه لو عفا قتله مَن بعده (وللأول) ومَن بعده (دية، والله أعلم)؛ ليأسهما من القود، والمراد فيما إذا اختلفت دية القاتل والمقتول دية المقتول. ولو قتلوه كلهم وزع دمه بينهم ثم يطالب كل منهم بما بقي له من الدية ففي ثلاثة يبقى لكل ثلثا دية مورثه.

[فرع] تصارعا مثلا ضمن -بقود أو دية- كلٌّ منهما ما تولد في الآخر من صراعه; لأن كلا لم يأذن فيما يؤدي إلى نحو قتل أو تلف عضو، ولا أثر؛ لاعتياد أن لا مطالبة في ذلك بل لا بد في انتفائها من صريح الإذن والله أعلم.

(فصل) في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية إلى الموت

بحرية أو عصمة أو إهدار أو مقدار المضمون، ولنقدم على ذلك قاعدة ينبني عليها أكثر المسائل الآتية وهي أن كل جرح أوله غير مضمون لا ينقلب مضمونا بتغير الحال في الانتهاء وما ضمن فيهما يعتبر قدر الضمان فيه بالانتهاء، وأما القود فيشترط فيه العصمة والمكافأة من أول أجزاء الجناية إلى الزهوق إذا علمت ذلك علمت أنه إذا (جرح) إنسان (حربيا أو مرتدا أو عبد نفسه فأسلم) أحد الأولين أو آمن الحربي (وعتق) العبد بعد الجرح (ثم مات) أحدهم (بالجرح فلا ضمان) فيه بقود ولا دية اعتبارا بحالة الجناية; لأنه مهدر عندها، وعلم مما مر أن قاتل المرتد قد يقتل به، ومما يأتي أن على قاتل عبده كفارة دون قاتل

ص: 29

وَقِيلَ: تَجِبُ دِيَةٌ، وَلَوْ رَمَاهُمَا فَأَسْلَمَ وَعَتَقَ فَلَا قِصَاصَ، وَالمَذْهَبُ وُجُوبُ دِيَةِ مُسْلِمٍ مُخَفَّفَةٍ عَلَى الْعَاقِلَةِ. وَلَوِ ارْتَدَّ المَجْرُوحُ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَالنَّفْسُ هَدَرٌ، وَيَجِبُ قِصَاصُ الجُرْحِ فِي الْأَظْهَرِ، يَسْتَوْفِيهِ قَرِيبُهُ المُسْلِمُ، وَقِيلَ الْإِمَامُ، فَإِنِ اقْتَضَى الجُرْحُ مَالًا وَجَبَ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ: مِنْ أَرْشِهِ وَدِيَةٍ، وَقِيلَ أَرْشُهُ، وَقِيلَ هَدَرٌ. وَلَوِ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ، وَقِيلَ إنْ قَصُرَتِ الرِّدَّةُ وَجَبَ، وَتَجِبُ الدِّيَةُ وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهَا،

أحد الأولين؛ لإهداره عند استقرار الجناية (وقيل تجب دية) لحر مسلم مخففة على العاقلة؛ اعتبارا بالانتهاء (ولو رماهما) أي الحربي أو المرتد -وجُعلا قسما واحدا; لأن المراد أحدهما- والعبد (فأسلم) أحد الأولين (وعتق) الثالث قبل إصابة السهم ثم ماتا بها (فلا قصاص)؛ لانتفاء العصمة والمكافأة أول أجزاء الجناية (والمذهب وجوب دية مسلم مخففة على العاقلة)؛ اعتبارا بحالة الإصابة; لأنها حالة اتصال الجناية، لا الرمي; لأنه كالمقدمة التي تسبب بها إلى الجناية كما لو كان مهدرا عند الحفر معصوما عند التردي. ولو جرح حربي معصوما ثم أسلم الجارج ثم مات المجروح لم يضمنه وإن أسلم بعد الرمي وقبل الإصابة قتل به (ولو ارتد المجروح ومات بالسراية) مرتدا (فالنفس) بالنسبة لغير الجارح المرتد (هدر) فلا شيء فيها (ويجب قصاص الجرح) الذي فيه قصاص كالموضحة (في الأظهر)؛ لاستقراره فلم يتغير بما حدث بعد، ثم هذا القصاص (يستوفيه قريبه) أو معتقه الذي يرثه لولا الردة (المسلم) الكامل وإلا فحتى يكمل; لأن ذلك للتشفي وهو للقريب ونحوه. ولو لم يكن له قريب ولا معتق استوفاه الإمام (وقيل) لا يستوفيه إلا (الإمام)؛ لأنه لا وارث للمرتد (فإن اقتضى الجرح مالا) لا قودا كجائفة (وجب أقل الأمرين من أرشه ودية) للنفس؛ لأنه المتيقن والردة إنما تسقط ما يحدث بعدها لا ما يستقر قبلها، وهو فيء لا شيء لقريبه فيه (وقيل) الواجب (أرشه) أي الجرح بالغا ما بلغ وإن زاد على دية النفس; لأنه إنما يندرج في نفس تضمن (وقيل هدر) لا شيء فيه; لأن الجرح إذا سرى صار تابعا للنفس. (ولو ارتد) المجروح (ثم أسلم ومات بالسراية فلا قصاص)؛ لتخلل المهدِر فصار شبهة دارئة للقود (وقيل إن قصرت الردة) أي زمنها بحيث لا يظهر للسراية أثر فيه (وجب) القود؛ لانتفاء تأثير السراية فيها، (و) على الأول (تجب الدية) كاملة مغلظة حالة في ماله؛ لوجود العصمة حال الجناية والموت (وفي قول نصفها)؛ توزيعا

ص: 30

وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمٌ ذِمِّيًّا فَأَسْلَمَ أَوْ حُرٌّ عَبْدًا فَعَتَقَ وَمَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلَا قِصَاصَ. وَتَجِبُ دِيَةُ مُسْلِمٍ، وَهِيَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ، فَإِنْ زَادَتْ عَلَى قِيمَتِهِ فَالزِّيَادَةُ لِوَرَثَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَ عَبْدٍ فَعَتَقَ ثُمَّ مَاتَ بِالسِّرَايَةِ فَلِلسَّيِّدِ الأَقَلُّ مِنَ الدِّيَةِ الْوَاجِبَةِ وَنِصْفِ قِيمَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ الْأَقَلُّ مِنَ الدِّيَةِ وَقِيمَتِهِ، وَلَوْ قَطَعَ يَدَهُ فَعَتَقَ فَجَرَحَهُ آخَرَانِ وَمَاتَ بِسِرَايَتِهِمْ فَلَا قِصَاصَ عَلَى الْأَوَّلِ إنْ كَانَ حُرًّا وَيَجِبُ عَلَى الْآخَرَيْنِ

على العصمة والإهدار (ولو جرح مسلم ذميّا فأسلم) بعد الإصابة (أو حرٌّ عبدا فعتق) بعدها (ومات بالسراية فلا قصاص)؛ لانتفاء المكافأة حال الجناية (وتجب دية مسلم) أو حر مغلظة حالة في ماله؛ لأنه مضمون أوّلا وانتهاء فاعتبر الانتهاء؛ لما مر أنه المعتبر في قدر الضمان (وهي) في الأخيرة (لسيد العبد)؛ لأنه استحقها بالجناية الواقعة في ملكه، نعم للجاني أن يجبره على قبول قيمة الإبل ولو مع وجودها؛ لأن حقه إنما هو في قيمتها وإن لم يطالب إلا بالإبل نفسها (فإن زادت على قيمته فالزيادة لورثته)؛ لأنها إنما وجبت بسبب الحرية، ويتعين في حقهم الإبل (و) محل ذلك إذا لم يكن للجرح أرش مقدر وإلا اعتبر هو، فحينئذ (لو قطع) الحر (يد عبد) أو فقأ عينه (فعتق ثم مات بالسراية) وأوجبنا كمال الدية كما هو الأصح (فللسيد الأقل من الدية الواجبة) في نفسه (ونصف قيمته) الذي هو أرش الجرح الواقع في ملكه لو اندمل، والسراية لم تحصل في الرق فلم يتعلق بها حق له، فإن كان الأقل الدية فلا واجب غيره أو أرش الجرح فلا حق للسيد في غيره والزائد للورثة، وذكره النصف لفرضه أن المقطوع يد وإلا فكل مثال (وفي قول) الواجب للسيد (الأقل من الدية وقيمته) كلها; لأنَّا نظرنا للسراية في دية النفس فلننظر إليها في حق السيد حتى يقدر موته قنا (ولو قطع) إنسان (يده فعتق فجرحه آخران) كأن قطع أحدهما يده الأخرى والآخر رجله (ومات بسرايتهم فلا قصاص على الأول إن كان حرا)؛ لعدم المكافأة حال الجناية (ويجب على الآخرين) قصاص الطرف والنفس; لأنهما كفؤان، وتوزع الدية إن وجبت أثلاثا; لأن جناياتهم صارت نفسا بالسراية الناشئة عنهم، ولا حق للسيد فيما على الأخيرين بل فيما على الأول; لأنه الجاني على ملكه فله أقل الأمرين من ثلث الدية وأرش الجناية في ملكه وهو نصف القيمة. ولو عاد الأول وجرحه بعد العتق فللسيد الأقل من سدس الدية؛ توزيعا لثلثه على جرحيه ونصف القيمة.

ص: 31

فصل

يُشْتَرَطُ لِقِصَاصِ الطَّرَفِ وَالجُرْحِ مَا شُرِطَ لِلنَّفْسِ. وَلَوْ وَضَعُوا سَيْفًا عَلَى يَدِهِ وَتَحَامَلُوا عَلَيْهِ دَُفْعَةً فَأَبَانُوهَا قُطِعُوا. وَشِجَاجُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ عَشْرٌ:

حَارِصَةٌ: مَا شَقَّ الجِلْدَ قَلِيلًا، وَدَامِيَةٌ تُدْمِيهِ، وَبَاضِعَةٌ تَقْطَعُ اللَّحْمَ، وَمُتَلَاحِمَةٌ تَغُوصُ فِيهِ، وَسِمْحَاقٌ تَبْلُغُ الجِلْدَةَ الَّتِي بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْعَظْمِ، وَمُوضِحَةٌ تُوضِحُ الْعَظْمَ، وَهَاشِمَةٌ تَهْشِمُهُ، وَمُنَقِّلَةٌ تَنْقُلُهُ، وَمَأْمُومَةٌ تَبْلُغُ خَرِيطَةَ الدِّمَاغِ، وَدَامِغَةٌ تَخْرِقُهَا

(فصل) في شروط قود الأطراف والجراحات والمعاني مع ما يتعلق بذلك

(يشترط لقصاص الطرَف والجرح) والمعاني (ما شرط للنفس) مما مر بتفصيله (ولو وضعوا) أو بعضهم (سيفا) مثلا (على يده وتحاملوا) كلهم (عليها دَُفعة فأبانوها) ولو بالقوة كما يأتي (قطعوا) كما لو اجتمعوا على قتل نفس. وخرج بتحاملوا ما لو تميّز فعل بعضهم عن بعض كأن حزّ كل من جانب حتى التقت الحديدتان وجذب أحدهما المنشار ثم الآخر فلا قود؛ لعدم انضباط فعل كلٍّ، بل على كلٍّ حكومة تليق بجنايته بحيث يبلغان دية لليد.

(وشِجاج) أي جروح (الرأس والوجه عشر

(1)

باستقراء كلام العرب (حارصة ما شق الجلد قليلا) كالخدش

(2)

(و داميَة تُدميه) أي الشق بلا سيلان دم وإلا فهي الدامعة (وباضعة تقطع اللحم) بعد الجلد أي تشقه شقا خفيفا (ومتلاحمة تغوص فيه) أي اللحم ولا تبلغ الجلدة بعده (وسِمحاق تبلغ الجلدة التي بين اللحم والعظم) وهي المسماة بالسمحاق حقيقة من سماحيق البطن وهي الشحم الرقيق (وموضحة) ولو بغرز إبرة (توضح العظم) بعد خرق تلك الجلدة أي تكشفه بحيث يقرع بنحو إبرة وإن لم يُرَ (وهاشمة تهشمه) أي تكسره وإن لم توضحه (ومنقِّلة تنقله) من محله لغيره وإن لم توضحه وتهشمه (ومأمومة تبلغ خريطة الدماغ) المحيطة به المسماة بأم الرأس (ودامغة) بمعجمة (تخرقها) أي خريطة الدماغ

(1)

. هي إحدى عشر؛ لأن الجائفة قد تتصور فيه كما يأتي في فصل الديات الواجبة فيما دون النفس 8/ 460.

(2)

. ومر في الحج أنه يعزر من أزال شعرا من آخر 4/ 172.

ص: 32

وَيَجِبُ الْقِصَاصُ فِي المُوضِحَةِ فَقَطْ، وَقِيلَ وَفِيمَا قَبْلَهَا سِوَى الحَارِصَةِ. وَلَوْ أَوْضَحَ فِي بَاقِي الْبَدَنِ أَوْ قَطَعَ بَعْضَ مَارِنٍ أَوْ أُذُنٍ وَلَمْ يُبِنْهُ وَجَبَ الْقِصَاصُ فِي الْأَصَحِّ. وَيَجِبُ فِي الْقَطْعِ مِنْ مَفْصِلٍ حَتَّى فِي أَصْلِ فَخِذٍ وَمَنْكِبٍ إنْ أَمْكَنَ بِلَا إجَافَةٍ، وَإِلَّا فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ. وَيَجِبُ فِي فَقْءِ عَيْنٍ وَقَطْعِ أُذُنٍ وَجَفْنٍ وَمَارِنٍ وَشَفَةٍ وَلِسَانٍ وَذَكَرٍ وَأُنْثَيَيْنِ،

وتصله وهي مذففة غالبا، ويتصور الكل في الجبهة وما عدا الأخيرتين في الخد وقصبة الأنف واللحي الأسفل، بل وسائر البدن على ما يأتي (ويجب القصاص في الموضحة فقط)؛ لتيسر ضبطها واستيفاء مثلها بخلاف غيرها (وقيل) يجب فيها (وفيما قبلها)؛ لإمكان معرفة نسبتها من الموضحة (ما سوى الحارصة) فلا قود فيها جزما إذ لم يفت بها شيء له وقع (ولو أوضح) يؤخذ منه أن الموضحة ومثلها البقية ما عدا الأخيرتين مشتركة بين جرح الرأس والوجه وسائر البدن بخلاف الشجة فإنها خاصة (في باقي البدن) كصدر وساعد (أو قطع بعض مارن) وهو ما لانَ من الأنف (أو) بعض (أذن) أو شفة أو إطارها المحيط بها

(1)

أو بعض لسان أو حشفة (ولم يبنه) بأن صار معلقا بجلدة، والتقييد بعدم الإبانة؛ لجريان الخلاف (وجب القصاص في الأصح)؛ لتيسر ضبط كل مع بطلان فائدة العضو وإن لم يبنه، وفيما إذا اقتص في المعلق بجلدة يقطع من الجاني إليها ثم يسأل أهل الخبرة في الأصلح من إبقاء أو ترك ويقدر ما عدا الموضحة بالجزئية كثلث وربع; لأن القود وجب فيها بالمماثلة بالجملة فامتنعت المساحة فيها؛ لئلا يؤدي إلى أخذ عضو ببعض عضو وهو ممتنع ولا كذلك في الموضحة فقدرت بالمساحة. أما إذا أبانه فيجب القود جزما (ويجب) القصاص (في القطع من مَفصِل) وهو موضع اتصال عضوين على منقطع عظمين برباطات بينهما مع تداخل كركبة ومرفق أو تلاصق ككوع وأنملة (حتى في أصل فخذ) وسيأتي أنه ما فوق الورك (ومنكب) وهو مجمع ما بين العضد والكتف (إن أمكن) القطع (بلا) حصول (إجافة وإلا) يمكن إلا مع حصولها (فلا) قود (على الصحيح) ; لأن الجوائف لا تنضبط، نعم إن مات بالقطع قطع الجاني وإن حصلت الإجافة (ويجب في فقء عين) أي تعويرها (وقطع أُذن وجَفن ومارن وشفة ولسان وذكر وأنثيين) أي بيضتين بقطع جلدتيهما; لأن لها نهايات مضبوطة فألحقت بالمفاصل

(1)

. خلافا للمغني في إطارها، نعم إطار الدبر متفقون على إنه لا قود فيه؛ لأنه لا نهاية له.

ص: 33

وَكَذَا أَلْيَانِ وَشُفْرَانِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا قِصَاصَ فِي كَسْرِ الْعِظَامِ. وَلَهُ قَطْعُ أَقْرَبِ مَفْصِلٍ إلَى مَوْضِعِ الْكَسْرِ، وَحُكُومَةُ الْبَاقِي. وَلَوْ أَوْضَحَهُ وَهَشَمَ أَوْضَحَ وَأَخَذَ خَمْسَةَ أَبْعِرَةٍ. وَلَوْ أَوْضَحَ وَنَقَلَ أَوْضَحَ، وَلَهُ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ. وَلَوْ قَطَعَهُ مِنَ الْكُوعِ فَلَيْسَ لَهُ الْتِقَاطُ أَصَابِعِهِ، فَإِنْ فَعَلَهُ عُزِّرَ وَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ قَطْعَ الْكَفِّ بَعْدَهُ

بخلاف قطع البيضتين دون جلدتيهما بأن سلَّهما منه مع بقائه فلا قود فيهما؛ لتعذر الانضباط حينئذ. ويجب القصاص أيضا في إشلال ذكر وأنثيين أو إحداهما إن قال خبيران إن الأخرى تسلم، أما دقّهما فككسر العظام فلا قصاص فيه.

[تنبيه] سيأتي أن في الأنثيين كمال الدية سواء أقطعهما أم سلهما أم دقهما وزالت منفعتهما

(وكذا أَليان) وهما اللحمان الناتئان بين الظهر والفخذ (وشُفران) وهما حرفا الفرج المحيطان به إحاطة الشفتين بالفم (في الأصح) ; لأن لها نهايات تنتهي إليها (ولا قصاص في كسر العظام)؛ لعدم انضباطه فيها إلا السن على ما يأتي (وله) أي المقطوع بعض ساعده أو فخذه سواء أسبق القطع كسر أم لا (قطع أقرب مفصل إلى موضع الكسر) وإن تعدد ذلك المفصل ليستوفي بعض حقه (وحكومة الباقي) ; لأنه لم يأخذ عوضا عنه، وفيما إذا كسر من الكوع له التقاط أصابعه وأناملها وإن تعددت المفاصل؛ لعدم قدرته على محل الجناية ومفصل غير ذلك. وأفهم قوله ((أبانه

(1)

أنه لا بد في وجوب القود من الفصل بعد الكسر، فلو كسر بلا فصل لم يقتص منه بقطع أقرب مفصل، نعم في حكم الفصل ما لو هشم العظم بحيث صيَّره معلقا بجلدة (ولو أوضحه وهشم) أي الجاني (أوضح) المجني عليه؛ لإمكان القود في الموضحة (وأخذ خمسة أبعرة) أرش الهشم (ولو أوضح ونقل أوضح) لما مر (وله عشرة أبعرة) أرش التنقيل المشتمل على الهشم غالبا. ولو أوضح وأمَّ أوضح وأخذ ما بين الموضحة والمأمومة وهو ثمانية وعشرون بعيرا وثلث (ولو قطعه من الكُوع) وهو ما يلي الإبهام من المفصل وما يلي الخنصر كرسوع، وما يلي إبهام الرجل من العظم هو البوع، أما الباع فهو مد اليدين يمينا وشمالا (فليس له التقاط أصابعه) بل ولا أنملة منها؛ لقدرته على القطع من محل الجناية، (فإن فعله عزر)؛ لعدوله عن حقه مع قدرته عليه (ولا غرم عليه) ; لأنه يستحق إتلاف الكل (والأصح أن له قطع الكف بعده) ; لأنه من جملة حقه، وإنما لم يُمكَّن مِن قطعه مَن قُطِع

(1)

. أي الآتي، ابن قاسم.

ص: 34

وَلَوْ كَسَرَ عَضُدَهُ وَأَبَانَهُ قُطِعَ مِنْ المِرْفَقِ، وَلَهُ حُكُومَةُ الْبَاقِي، فَلَوْ طَلَبَ الْكُوعَ مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَوْضَحَهُ فَذَهَبَ ضَوْؤُهُ أَوْضَحَهُ فَإِنْ ذَهَبَ الضَّوْءُ وَإِلَّا أَذْهَبَهُ بِأَخَفِّ مُمْكِنٍ كَتَقْرِيبِ حَدِيدَةٍ مُحْمَاةٍ مِنْ حَدَقَتِهِ. وَلَوْ لَطَمَهُ لَطْمَةً تُذْهِبُ ضَوْءَهُ غَالِبًا فَذَهَبَ لَطَمَهُ مِثْلَهَا، فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أُذْهِبَ. وَالسَّمْعُ كَالْبَصَرِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيهِ بِالسِّرَايَةِ. وَكَذَا الْبَطْشُ وَالذَّوْقُ وَالشَّمُّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَطَعَ إِصْبَعًا فَتَأَكَّلَ غَيْرُهَا فَلَا قِصَاصَ فِي المُتَأَكِّلِ

من نصف ساعده فلَقَطَََ أصابعه; لأنه لا يصل بالتمكين لتمام حقه لبقاء فضلة له من الساعد لم يأخذ في مقابلتها شيئا فلم يتم له التشفي المقصود بخلافه هنا. ولو عفا عن الكف للحكومة لم يُجَب؛ لاستيفائه الأصابع المقابلة للدية الداخل فيها الكف كما لا يجاب من قطع يدي الجاني إلى دية نفسه؛ لاستيفائه مقابلها. (ولو كسر عضده وأبانه) أي المكسور مع ما بعده ولو بالقوة كما مر (قطع) إن شاء (من المرفق) ; لأنه أقرب مفصل للمكسور (وله حكومة الباقي) نظير ما مر، (فلو طلب) لقط الأصابع لم يُمَكَّن أو أصبع مُكِّن وله أخذ دية أربع أصابع وحكومة الباقي أو (الكوع مكِّن) منه (في الأصح)؛ لمسامحته مع عجزه عن محل الجناية، وله حكومة الساعد مع الباقي من العضد. (ولو أوضحه فذهب ضوؤه) مع بقاء حدقته (أوضحه فإن ذهب الضوء) فذاك (وإلا أذهبه بأخف ممكن كتقريب حديدة محماة من حدقته) أو وضع كافور فيها، ومحله في الإيضاح واللطم الآتي والمعالجة فيهما إن أمن بقول خبيرين إذهاب حدقته وإلا تعين الأرش. (ولو لطمه لطمة تذهب ضوءه غالبا فذهب) ضوء عينيه وبقيت حدقته (لطمه مثلها) إن انضبطت (فإن لم يذهب أذهب) بالمعالجة مع بقاء الحدقة. أما لو ذهب ضوء عين المجني عليه فقط فلا يُلطم الجاني إن خُشي

(1)

إذهاب ضوء عينيه أو إحداهما مبهمة أو مخالفة لعين المجني عليه بل تتعين المعالجة فإن تعذرت فالأرش (والسمع كالبصر يجب القصاص فيه بالسراية) ; لأن له محلا ينضبط (وكذا البطش) ولم يذكروا معه اللمس; لأن الغالب زواله بزواله فإن فرض زواله مع بقاء البطش لم يجب فيه إلا حكومة لا قود (والذوق والشم) والكلام يجب القصاص فيها بالسراية (في الأصح) ; لأن لها محال مضبوطة ولأهل الخبرة طرق في إبطالها (ولو قطع إصبعا فتآكل غيرها) كإصبع أخرى (فلا قصاص في المتآكل)

(1)

. مفهومه جواز لطمه إن لم يخش ما ذكر، خلافا لصنيعهما.

ص: 35

باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

لَا تُقْطَعُ يَسَارٌ بِيَمِينٍ، وَلَا شَفَةٌ سُفْلَى بعُلْيَا وَعَكْسُهُ، وَلَا أَنْمُلَةٌ بِأُخْرَى، وَلَا زَائِدٌ بِزَائِدٍ فِي مَحَلٍّ آخَرَ. وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ كِبَرٍ وَطُولٍ وَقُوَّةِ بَطْشٍ فِي أَصْلِيٍّ،

بالسراية، وفارق ما تقرر في المعاني كالضوء بأنها لا توجد مستقلة بل تابعة لغيرها فلا يقصد بالجناية عليها إلا محلها أو مجاورة فكانت الجناية عليه تعد قصدا لتفويتها فتحققت العمدية فيها والأجرام توجد مستقلة فلم يقصد بالجناية عليها غيرها ولم تعد قصدا لتفويتها فلم ينظر للسراية فيها لعدم تحقق العمدية حينئذ، ومن ثم لم تقع سراية جسم لجسم قصاصا فلو قطع أصبعا فسرت للبقية فقطعت أصبعه فسرت كذلك لزمه أربعة أخماس دية العمد; لأنها سراية جناية عمدا، وإنما جعلت خطأ في سقوط القصاص فقط، وتدخل في الأربعة الأخماس حكومةُ منابت الكف، وفارق ما هنا وجوب القود فيما لو ضرب يده فتورمت ثم سقطت بعد أيام بأن الجناية على جميع اليد قصدا فلا سراية.

(باب كيفية القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه) والعفو عنه

(لا تقطع) عَبَّر به للغالب، والمراد لا تؤخذ؛ ليشمل المعاني أيضا (يسار بيمين) من سائر الأعضاء والمعاني؛ لاختلافهما محلا ومنفعة فلم توجد المساواة التي هي المقصودة من القصاص (ولا شفة سفلى بعليا) ولا جفن أسفل بأعلى (وعكسه)؛ لذلك وإن تراضيا ففي المأخوذ بدلا الدية ويسقط القود في الأول؛ لتضمن التراضي العفو عنه (ولا أَنمُلة بأخرى) ولا أصبع بأخرى، ولا أصلي بزائد مطلقا (ولا زائد) بأصلي أو (بزائد) دونه مطلقا، أو مثله ولكنه (في محل آخر) غير محل ذلك الزائد؛ لذلك أيضا بخلاف ما إذا ساوى الزائد الزائد، أو الأصلي وكان بمحله؛ للمساواة حينئذ، ولا يؤخذ حادث بعد الجناية بموجود فلو قلع سنا ليس له مثلها ثم نبت له مثلها لم يقلع. (ولا يضر) مع اتحاد المحل ونحوه مما مر (تفاوت كبر وطول وقوة بطش) ونحوها (في أصلي)؛ لإطلاق النصوص، نعم لو قطع مستوي اليدين يدا أقصر من أختها لم تقطع يده بها؛ لنقصها بالنسبة لأختها وإن كانت كاملة في نفسها، ومن ثم وجبت فيها دية ناقصة حكومة، ومحل عدم ضرر التفاوت فيما ذكر في تفاوت خلقي أو بآفة، أما نقص نشأ عن جناية مضمونة فيمنع أخذ الكاملة ويوجب نقص الدية.

ص: 36

وَكَذَا زَائِدٌ فِي الْأَصَحِّ. وَيُعْتَبَرُ قَدْرُ المُوضِحَةِ طُولًا وَعَرْضًا. وَلَا يَضُرُّ تَفَاوُتُ غِلَظِ لَحْمٍ وَجِلْدٍ. وَلَوْ أَوْضَحَ كُلَّ رَأْسِهِ وَرَأْسُ الشَّاجِّ أَصْغَرُ اسْتَوْعَبْنَاهُ، وَلَا نُتِمُّهُ مِنَ الْوَجْهِ وَالْقَفَا، بَلْ يُؤخُذُ قِسْطَ الْبَاقِي مِنْ أَرْشِ المُوضِحَةِ لَوْ وُزِّعَ عَلَى جَمِيعِهَا. وَإِنْ كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ أُخِذَ مِنْهُ قَدْرُ رَأْسِ المَشْجُوجِ فَقَطْ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ الِاخْتِيَارَ فِي مَوْضِعِهِ إلَى الجَانِي. وَلَوْ أَوْضَحَ نَاصِيَةً، وَنَاصِيَتُهُ أَصْغَرُ تُمِّمَ مِنْ بَاقِي الرَّأْسِ

(وكذا زائد) كإصبع وسن فلا يضر التفاوت فيه أيضا حيث لم يقتض تفاوت الحكومة سواء تفاوتا في المفصل أم لا (في الأصح، ويعتبر قدر الموضحة) في قصاصها بالمساحة (طولا وعرضا) فيقاس مثلهما من رأس الشاج ويعلم ثم يمسك؛ لئلا يضطرب ثم يوضح بحاد كالموسى لا نحو سيف أو حجر وإن أوضح به؛ لتعذر أمن الحيف فيه، وإنما لم يعتبر بالجزئية؛ لما مر قبيل الباب (ولا يضر) هنا (تفاوت) نحو شعر و (غلظ لحم وجلد) نظير ما مر في تفاوت نحو الطول وقوة البطش، وفيما إذا كان برأسهما شعر يحلق شعر الجاني وجوبا حيث كثف ولم يستحق إيضاح جميع رأسه

(1)

؛ ليسهل الاستيفاء، أما إذا اختص الشعر برأس الجاني فلا قود عليه إن كان عدم الشعر برأس المشجوج لفساد منبته، أما لو كان عدمه بنحو حلق فعلى الجاني القود. (ولو أوضح كل رأسه ورأس الشاج أصغر استوعبناه) ولا يكتفى به (ولا نتممه من) خارج الرأس نحو (الوجه والقفا)؛ لخروجه عن محل الجناية (بل يؤخذ قسط الباقي من أرش الموضحة لو وزَّع على جميعها) فإن بقي نصف مثلا أخذ نصف أرشها، (وإن كان رأس الشاج أكبر أخذ منه قدر رأس المشجوج فقط)؛ لحصول المماثلة، (والصحيح أن الاختيار في موضعه) أي المأخوذ (إلى الجاني) ; لأن جميع الرأس محل للإيضاح وهو حق عليه فيؤديه من أي محل شاء كالدين، لكن المعتمد مقابل الصحيح

(2)

وهو أن الاختيار في ذلك للمجني عليه إن لم يطلب أزيد من حقه، وعليه يمنع من أخذ بعض المقدم وبعض المؤخر؛ لئلا يأخذ موضحتين بموضحة، وفارق الدين بتعلقه بالذمة وهذا متعلق بعين رأس الجاني فتخير المستحق في أخذه من أي محل شاء؛ ليتم له التشفي. (ولو أوضح ناصيته وناصيته أصغر) تعينت الناصية للإيضاح و (تمم) عليها (من باقي الرأس) من أي محل شاء; لأن

(1)

. فإن استحقه لم يجب.

(2)

. خلافا للروض والمغني والمنهج والنهاية.

ص: 37

وَلَوْ زَادَ المُقْتَصُّ فِي مُوضِحَةٍ عَلَى حَقِّهِ لَزِمَهُ قِصَاصُ الزِّيَادَةِ، فَإِنْ كَانَ الزَّائِدُ خَطَأً أَوْ عَفَا عَلَى مَالٍ وَجَبَ أَرْشٌ كَامِلٌ، وَقِيلَ قِسْطٌ. وَلَوْ أَوْضَحَهُ جَمْعٌ أَوْضَحَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِثْلَهَا، وَقِيلَ قِسْطُهُ. وَلَا تُقْطَعُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ، وَإِنْ رَضِيَ الجَانِي، فَلَوْ فَعَلَ لَمْ يَقَعْ قِصَاصًا بَلْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا،

الرأس كله محل للإيضاح فهو عضو واحد (ولو زاد المقتص) لا ينافي ما يأتي أن المستحق لا يُمكَّن من استيفاء الطرف ونحوه بنفسه لفرض هذا فيما إذا رضي المقتص منه بتمكينه أو وكَّل فزاد وكيله أو فيما إذا بادر المجني عليه (في موضحة على حقه) عمدا (لزمه) بعد اندمال موضحته (قصاص الزيادة)؛ لتعديه (فإن كان الزائد) باضطراب المقتص منه فهدر، أو باضطرابهما فعليهما

(1)

فيهدر النصف مقابل اضطراب المقتص منه، نعم إن تولد اضطراب المقتص من اضطراب المقتص منه اتجه إهدار لكل أو عكسه اتجه ضمان الكل، فإن اختلفا صُدِّق المقتص منه; لأن الأصل ضمان الزيادة وعدم ضمان اضطرابه، أو (خطأ) كأن اضطربت يده أو شبه عمد (أو) عمدا ولكنه (عفا على مال وجب) له (أرش كامل) ; لأن الزائد إيضاح كامل (وقيل قِسْط) منه بعد توزيع الأرش عليهما. (ولو أوضحه جمع) بأن تحاملوا على آلة وجروها معا (أوضح من كل واحد مثلها) أي مثل جميعها؛ إذ ما من جزء إلا وكل منهم جان عليه، فإن وجب مال وزع الأرش عليهم

(2)

(وقيل) يوضح (قسطه) من الموضحة. (ولا تقطع صحيحة) من نحو يد (بشلاء)؛ لأنها أعلى منها كما لا تؤخذ عين بصيرة بعمياء (وإن رضي الجاني)؛ لمخالفته للشرع، ومحله في غير أنف وأذن أما هما فيؤخذ صحيحهما بأشلهما ومجذومهما إن لم يسقط منه شيء؛ لبقاء منفعتهما من جمع الصوت والريح، وفيما إذا لم تستحق نفس الجاني وإلا أخذت صحيحته من أي نوع كانت بالشلاء والناقصة وشلاء بشلاء وإن لم يؤمن نزف الدم; لأن النفس ذاهبة بكل تقدير. وأفهم المتن قطع الشلاء بالشلاء وهو الأصح إن استوى شللهما أو زاد شلل القاطع وأمن فيهما نزف الدم، ومر أنه لا عبرة بما حدث بعد الجناية فلو جنى سليم على يد شلاء ثم شل لم تقطع (فلو فعل) أي أخذ صحيحة بشلاء بلا إذنه (لم يقع قصاصا)؛ لأنها غير مستحقة له (بل عليه ديتها) وله حكومة.

(1)

. أفاد ابن قاسم أن قياس كلام الشهاب الرملي أنه يلزم المقتص أرش كامل.

(2)

. خلافا لهما من وجوب الأرش الكامل على كل.

ص: 38

فَلَوْ سَرَى فَعَلَيْهِ قِصَاصُ النَّفْسِ، وَتُقْطَعُ الشَّلَّاءُ بِالصَّحِيحَةِ إلَّا أَنْ يَقُولَ أَهْلُ الخِبْرَةِ لَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ، وَيَقْنَعَ بِهَا مُسْتَوْفِيهَا. وَيُقْطَعُ سَلِيمٌ بِأَعْسَمَ وَأَعْرَجَ، وَلَا أَثَرَ لِخُضْرَةِ أَظْفَارٍ، وَسَوَادِهَا، وَالصَّحِيحُ قَطْعُ ذَاهِبَةِ الْأَظْفَارِ بِسَلِيمَتِهَا دُونَ عَكْسِهِ. وَالذَّكَرُ صِحَّةً وَشَلَلًا كَالْيَدِ، وَالْأَشَلُّ: مُنْقَبِضٌ لَا يَنْبَسِطُ أَوْ عَكْسُهُ، وَلَا أَثَرَ لِلِانْتِشَارِ وَعَدَمِهِ، فَيُقْطَعُ فَحْلٌ بِخَصِيٍّ، وَعِنِّينٍ. وَأَنْفٌ صَحِيحٌ بِأَخْشَمَ. وَأُذُنُ سَمِيعٍ بِأَصَمَّ

(فلو سرى) قطعها لنفسه (فعليه) حيث لم يأذن له الجاني في القطع كما تقرر (قصاص النفس)؛ لتفويتها بغير حق. أما إذا أذن فلا قود في النفس، ثم إن أطلق كاقطع يدي جعل المقتص مستوفيا لحقه ولم يلزمه شيء وإلا كاقطعها عوضا أو قودا لزمه ديتها وله حكومة والنفس هدر على كل حال كما تقدم؛ لوجود الإذن. (وتقطع الشلاء بالصحيحة) ; لأنها دون حقه (إلا أن يقول أهل الخبرة) أي اثنان منهم (لا ينقطع الدم) لو قطعت بأن لم تنسد أفواه العروق بحسم نار ولا غيرها أو شك في انقطاعه لترددهم أو فقدهم فلا تقطع بها وإن رضي الجاني؛ حذرا من استيفاء نفس بطرف، وتجب دية الصحيحة (ويقنعُ بها) لو قطعت بأشل أو بصحيح (مستوفيها) ولا يطلب أرش الشلل؛ لاستوائهما جرما، واختلافهما صفة لا يؤثر; لأنها بمجردها لا تقابل بمال (ويقطع سليم) يدا أو رجلا (بأعسم وأعرج) خلقة أو نحوها كما علم مما مر؛ إذ لا خلل في العضو والعَسَم تشنج في المرفق أو قصر في الساعد أو العضد وقيل هو ميل واعوجاج في الرسغ وقيل الأعسر وهو من بطشه بيساره أكثر وكلها صحيحة هنا (ولا أثر لخضرة أظفارها وسوادها) وغيرهما مما يزيل نضارتها حيث كان لغير آفة ولم يجف الظفر؛ إذ لا خلل حينئذ في العضو (والصحيح قطع ذاهبة الأظفار) خلقة أوْ لا (بسليمتها) وله حكومة الأظفار (دون عكسه) ; لأنها أعلى منها، وهذا هو محل الخلاف نظرا إلى أن الأظفار تابعة (والذكر صحة وشللا كاليد) فيما مر فيقطع أشله بصحيحه وبأشل بشرطه لا صحيحه بأشل والشلل في كل عضو بطلان عمله المقصود منه وإن بقي حسه وحركته (و) أما الذكر (الأشل) فهو ما يلزم حالة واحدة كـ (منقبض لا ينبسط وعكسه، ولا أثر للانتشار وعدمه فيقطع) ذكر (فحل بـ) ذكر (خصي) وهو من قطع أو سل خصيتاه (و) ذكر (عنين)؛ إذ لا خلل في نفس العضو، وإنما هو في العنين؛ لضعف في القلب أو الدماغ أو الصلب (و) يقطع (أنف صحيح) شَمُّهُ (بأخشم) لا يشم (وأذن سميع بأصم) ; لأن السمع والشم ليسا

ص: 39

لَا عَيْنٌ صَحِيحَةٌ بِحَدَقَةٍ عَمْيَاءَ. وَلَا لِسَانٌ نَاطِقٌ بِأَخْرَسَ. وَفِي قَلْعِ السِّنِّ قِصَاصٌ، لَا فِي كَسْرِهَا، وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ لَمْ يُثْغَرْ فَلَا ضَمَانَ فِي الحَالِ، فَإِنْ جَاءَ وَقْتُ نَبَاتِهَا بِأَنْ سَقَطَتِ الْبَوَاقِي وَعُدْنَ دُونَهَا، وَقَالَ أَهْلُ الْبَصَرِ: فَسَدَ المَنْبِتُ وَجَبَ الْقِصَاصُ، وَلَا يُسْتَوْفَى لَهُ فِي صِغَرِهِ. وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَنَبَتَتْ لَمْ يَسْقُطِ الْقِصَاصُ فِي الْأَظْهَرِ.

في جرمهما، وتقطع أذن صحيحة بمثقوبة لا مخرومة ذهب بعضها وكالخرم ثقب أو شق أورث نقصاً (لا عين صحيحة بحدقة عمياء) وإن بقيت صورتها; لأنها أعلى والضوء في نفس جرمها، وتؤخذ عمياء بصحيحة رضي بها المجني عليه، وجفن أعمى بجفن بصير وعكسه ما لم يتميز جفن الجاني بالهدب (ولا لسان ناطق بأخرس) ; لأنه أعلى منه مع أن النطق في جرم اللسان، ويقطع أخرس بناطق إن رضي المجني عليه، والأخرس هنا من بلغ أوان النطق ولم ينطق فإن لم يبلغه قطع به لسان الناطق إن ظهر فيه أثر النطق بتحريكه عند نحو بكاء، وكذا إن لم يظهر هو ولا ضده على الأوجه; لأن الأصل السلامة. (وفي قلع السن) التي لم يبطل نفعها ولا نقص (قصاص)؛ للآية فيقطع كل من العليا والسفلى بمثلها (لا في كسرها)؛ لما مر أنه لا قود في كسر العظام لكن المعتمد أنه إن أمكن استيفاء مثله بلا زيادة ولا صدع في الباقي فعل. أما صغيرة لا تصلح للمضغ وناقصة بما ينقص أرشها كثنية قصيرة عن أختها وشديدة الاضطراب لنحو هرم فلا يقلع بها إلا مثلها (ولو قلع) شخص ولو غير مثغور (سن صغير) أو كبير وذكر الصغير للغالب (لم يُثْغَر) أي لم تسقط أسنانه الرواضع التي من شأنها أن تسقط ومنها المقلوعة. (فلا ضمان) بقود ولا دية (في الحال)؛ لعودها غالبا كالشعر، نعم يعزر (فإن جاء وقت نباتها بأن سقطت البواقي وعُدن دونها، وقال أهل البصر) أي اثنان من أهل البصيرة والمعرفة (فسد المنبت وجب) حيث لم يقصد قالعها الاستصلاح (القصاص) أو يتوقع نباتها وقت كذا انتظر فإن جاء ولم تنبت وجب القصاص. ولو عادت بعد القصاص بان أنه لم يقع الموقع فتجب دية المقلوعة قصاصا (ولا يستوفى له في صغره) بل يؤخر لبلوغه؛ لاحتمال عفوه، فإن مات قبله وأيس من عودها اقتص وارثه إن شاء فورا أو أخذ الأرش، ولو عادت ناقصة اقتص في الزيادة إن أمكن. أما إذا مات قبل اليأس فلا قود، وكذا لو نبتت ولو نحو سوداء لكن فيها حكومة (ولو قلع سن مثغور فنبتت لم يسقط القصاص في الأظهر)

ص: 40

وَلَوْ نَقَصَتْ يَدُهُ أُصْبُعًا فَقَطَعَ كَامِلَةً قُطِعَ وَعَلَيْهِ أَرْشُ إِصْبَعٍ، وَلَوْ قَطَعَ كَامِلٌ نَاقِصَةً فَإِنْ شَاءَ المَقْطُوعُ أَخَذَ دِيَةَ أَصَابِعِهِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ شَاءَ لَقَطَهَا، وَالْأَصَحُّ أَنَّ حُكُومَةَ مَنَابِتِهِنَّ تَجِبُ إنْ لَقَطَ، لَا إنْ أَخَذَ دِيَتَهُنَّ، وَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي الحَالَيْنِ حُكُومَةُ خُمُسِ الْكَفِّ. وَلَوْ قَطَعَ كَفًّا بِلَا أَصَابِعَ فَلَا قِصَاصَ إلَّا أَنْ تَكُونَ كَفُّهُ مِثْلَهَا. وَلَوْ قَطَعَ فَاقِدُ الْأَصَابِعِ كَامِلَهَا قَطَعَ كَفَّهُ وَأَخَذَ دِيَةَ الْأَصَابِعِ،

; لأن عودها لندرته نعمة جديدة فلا يسقط ما وجب للمجني عليه من القود أو الدية حالا

(1)

من غير انتظار. ولو قلع بالغ غير مثغور سن بالغ غير مثغور فلا قود حالا، ثم إن نبتت فلا شيء غير التعزير وإلا -وقد دخل وقته- فللمجني عليه قود أو دية، فإن اقتص ولم تعد سن الجاني فذاك وإلا قلعت ثانيا وهكذا

(2)

إلى أن يفسد منبتها، وبه فارق ما لو قلع غير مثغور سن بالغ مثغور فرضي بأخذ سنه وقلعها فنبتت فلا يقلعها؛ لرضاه بدون حقه فلم يكن قصده إفساد المنبت بخلافه في الأولى فإنه إنما اقتص؛ لإفساد منبت الجاني كما أفسد منبته فإذا بان عدم فساده قلع حتى يفسده. (ولو نقصت يده أصبعا فقطع كاملة قطع وعليه أرش أصبع)؛ لعدم استيفاء قودها، وللمجني عليه أخذ دية اليد كلها ولا قطع (ولو قطع كامل ناقصة) أصبعا (فإن شاء المقطوع أخذ دية أصابعه الأربع وإن شاء لقطها) وليس له قطع يد الكامل كلها لزيادتها (والأصح أن حكومة منابتهن) أي الأربع (تجب إن لقط) ; لأنها ليست من جنس القود فلا تستتبعها (لا إن أخذ ديتهن)؛ لأنها من جنسها فاستتبعتها (و) الأصح (أنه يجب في الحالين) حال القود وأخذ دية الأربع (حكومة خمس الكف) الباقي; لأنه لم يؤخذ له بدل ولا استوفى في مقابلته شيء يتخيل اندراجه فيه (ولو قطع كفا بلا أصابع فلا قصاص) عليه؛ لفقد المساواة (إلا أن يكون كفه مثلها) حالة الجناية فعليه القود فيها للمماثلة، نعم إن سقطت أصابع الجاني بعد الجناية قطعت كفه أيضا (ولو قطع فاقد الأصابع كاملها قطع كفه) قصاصا (وأخذ دية الأصابع) ناقصة حكومة الكف; لأن دية الأصابع تستتبع الكف، وقد أخذ مثلها فلزم إسقاط مقابلها من دية الأصابع.

(1)

. قيد لوجب.

(2)

. خلافا لظاهر النهاية من أنها لو نبتت ثالثا لا تقلع.

ص: 41

وَلَوْ شَلَّتْ إِصْبَعَاهُ فَقَطَعَ يَدًا كَامِلَةً، فَإِنْ شَاءَ المَقْطُوعُ لَقَطَ الثَّلَاثَ السَّلِيمَةَ وَأَخَذَ دِيَةَ إِصْبَعَيْنِ، وَإِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَقَنَعَ بِهَا.

فصل

قَدَّ مَلْفُوفًا نِصْفَيْنِ وَزَعَمَ مَوْتَهُ صُدِّقَ الْوَلِيُّ بِيَمِينِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَطَعَ طَرَفًا وَزَعَمَ نَقْصَهُ فَالمَذْهَبُ تَصْدِيقُهُ إنْ أَنْكَرَ أَصْلَ السَّلَامَةِ فِي عُضْوٍ ظَاهِرٍ، وَإِلَّا فَلَا

(ولو شَلَّت أصبعاه فقطع يدا كاملة فإن شاء) المجني عليه (لقط) الأصابع (الثلاث السليمة وأخذ) مع حكومة ناقصتها كما علم مما مر (دية أصبعين وإن شاء قطع يدا وقنع بها) نظير ما مر في أخذ الشلاء عوض الصحيحة.

(فصل) في اختلاف مستحق الدم والجاني

ومثله وارثه، إذا (قدَّ) مثلا (ملفوفا) في ثوب ولو على هيئة الموتى (نصفين) مثلا (وزعم موته) حين القد وادعى الولي حياته (صدق الولي)؛ لأن الأصل استمرار حياته (بيمينه) -أنه كان حيا مضمونا (في الأظهر) وإن قال أهل الخبرة إن دمه السائل من القد دم ميت- وهي يمين واحدة لا خمسون. وإذا حلف وجبت الدية؛ لأن القود يسقط بالشبهة إذ الاختلاف في الإهدار، نعم محل الخلاف إن عهدت له حياة وإلا كسقط لم تعهد له صدق الجاني، وتقبل البينة بحياته ولهم الجزم بها حالة القد إذا رأوه يتلفف، ولا يقبل قولهم رأيناه يتلفف; لأنه لازم بعيد والشهادة لا بد من المطابقة فيها للمُدَّعى (ولو قطع طرفا) عبر بهما

(1)

للغالب، والمراد أزال جرما أو معنى (وزعم نقصه) كشلل والمقطوع تمامه (فالمذهب تصديقه) أي الجاني

(2)

(إن أنكر أصل السلامة في عضو ظاهر) كاليد واللسان؛ لسهولة إقامة البينة بسلامته، ويكفي قولها كان سليما وإن لم تتعرض لوقت الجناية (وإلا) بأن اتفقا على سلامته وادعى الجاني حدوث نقصه، أو كان إنكار أصل السلامة في عضو باطن وهو ما يعتاد ستره مروءة (فلا) يصدق الجاني بل المجني عليه; لأن الأصل عدم حدوث النقص؛ ولعسر إقامة

(1)

. أي بالقطع والطرف.

(2)

. وتقدم في الجنائز جواز نبشه عند تنازع الجاني مع ورثته فيه 3/ 205.

ص: 42

أَوْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ وَزَعَمَ سِرَايَةً، وَالْوَلِيُّ انْدِمَالًا مُمْكِنًا أَوْ سَبَبًا فَالْأَصَحُّ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ. وَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ وَزَعَمَ سَبَبًا وَالْوَلِيُّ سِرَايَةً. وَلَوْ أَوْضَحَهُ مُوضِحَتَيْنِ وَرَفَعَ الحَاجِزَ وَزَعَمَهُ قَبْلَ انْدِمَالِهِ صُدِّقَ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا حُلِّفَ الجَرِيحُ وَثَبَتَ لَهُ أَرْشَانِ. قِيلَ: وَثَالِثٌ ..

البينة في الباطن، وهنا يجب القود

(1)

; لأن الاختلاف لم يقع في المهدر فلا شبهة (أو) قطع (يديه ورجليه فمات وزعم) الجاني (سراية) للنفس، أو أنه قتله قبل الاندمال حتى تجب دية واحدة (والولي اندمالا ممكنا) قبل موته (أو سببا) آخر للموت وقد عينه ولم يمكن اندمال، أو أبهمه وأمكن اندمال

(2)

حتى تجب ديتان (فالأصح تصديق الولي) بيمينه؛ لوجوبهما بالقطع والأصل عدم سقوطهما. أما لو لم يمكن اندمال لقصر زمنه كيومين فيصدق الجاني بلا يمين، نعم فيما إذا أبهم السبب ولم يمكن اندمال

(3)

وادعى الجاني أنه قتله لا بد من يمينه; لأن الأصل عدم حدوث فعل منه يقطع فعله بخلاف دعوى السراية; لأنها الأصل فلم يحتج ليمين كما تقرر (وكذا لو قطع يده) ومات (وزعم) الجاني (سببا) آخر لموته غير السراية ولم يمكن اندمال

(4)

سواء أعين السبب أم أبهمه حتى يلزمه نصف دية (و) زعم (الولي سراية) حتى تجب كل الدية فالأصح تصديق الولي; لأن الأصل استمرار السراية. ولو قال الجاني مات بعد الاندمال وأمكن صُدِّق؛ لضعف السراية مع إمكان الاندمال بخلافه ما إذا لم يمكن يصدق الولي بلا يمين (ولو أوضح موضحتين ورفع الحاجز) بينهما واتحد الكل عمدا أو غيره (وزعمه) أي رفعه (قبل اندماله) أي الإيضاح حتى لا يلزمه إلا أرش واحد وقال المجني عليه بعده فعليك ثلاث أروش (صدق) الجاني بيمينه أنه قبل الاندمال ولزمه أرش واحد (إن أمكن) عدم الاندمال بأن بعد الاندمال عادة لقصر الزمن بين الإيضاح والرفع; لأن الظاهر معه، (وإلا) يمكن عدم الاندمال حين رفع الحاجز بأن أمكن الاندمال أي قرب احتماله؛ لطول الزمن (حلف الجريح) أنه بعد الاندمال (وثبت له أرشان) ويمينه إنما قصد بها منع النقص عن أرشين فلا تصلح لإيجاب الثالث (قيل وثالث)؛ عملا بقضية يمينه.

(1)

. وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية.

(2)

. خلافا للأسنى والمغني فخصَّا ذلك بدعوى القتل، أما في دعوى السراية فيصدق بلا يمين.

(3)

. ظاهره أنه إن أمكن الاندمال اختلف الحكم خلافا لشرح الروض والمغني.

(4)

. ظاهره أنه أمكن الاندمال أختلف الحكم خلافا لشرح الروض من أن المصدق الولي أيضا وهو ما يقتضيه إطلاق المغني.

ص: 43

فصل

الصَّحِيحُ ثُبُوتُهُ لِكُلِّ وَارِثٍ. وَيُنْتَظَرُ غَائِبُهُمْ وَكَمَالُ صَبِيِّهِمْ، وَمَجْنُونِهِمْ. وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ وَلَا يُخَلَّى بِكَفِيلٍ، وَلْيَتَّفِقُوا عَلَى مُسْتَوْفٍ

[تنبيه] قضية المتن أن الجاني في هذه لا يحتاج ليمين وليس مرادا بل لا بد من يمينه أنه قبل الاندمال، وحينئذ فحلف الجاني أفاد سقوط الثالث وحلف الجريح أفاد دفع النقص عن أرشين كما تقرر.

(فصل) في مستحق القود ومستوفيه وما يتعلق بهما

يسن في قود غير النفس التأخير للاندمال، ولا يجوز العفو قبله على مال؛ لاحتمال السراية. واتفقوا في قود غير النفس على ثبوته لكل الورثة واختلفوا في قود النفس هل يثبت لكل وارث أم لا؟ و (الصحيح ثبوته لكل وارث) على حسب الإرث ولو مع بعد القرابة كذي رحم إن ورَّثْنَاه، أو عدمها كأحد الزوجين والمعتق وعصبته والإمام فيمن لا وارث له مستغرق، ومر أن وارث المرتد لولا الردة يستوفي قود طرفه (ويُنتظر) وجوبا (غائبهم) إلى أن يحضر، أو يأذن (وكمال صبيهم) ببلوغه (ومجنونهم) بإفاقته; لأن القود للتشفي ولا مدخل لغير المستحق فيه، نعم المجنون الفقير -بأن لم يكن له مال ولا من تلزمه مؤنته- لوليه الأب أو الجد وكذا الوصي

(1)

والقيم العفو على الدية; لأنه ليس لإفاقته أمد ينتظر يقينا بخلاف الصبي؛ إذ لبلوغه أمد ينتظر (ويحبس القاتل) أي يجب على الحاكم حبس الجاني على نفس أو غيرها إلى حضور المستحق، أو كماله من غير توقف على طلب ولي ولا حضور غائب؛ ضبطا للحق مع عذر مستحقه (ولا يُخلَّى بكفيل) ; لأنه قد يهرب فيفوت الحق، والكلام في غير قاطع الطريق أما هو إذا تحتم قتله فيقتله الإمام مطلقا (وليتفقوا) أي مستحقو القود المكلفون الحاضرون (على مستوفٍ) له مسلم في المسلم، ولا يجوز اجتماعهم على قتله أو نحو قطعه ولا تمكينهم من ذلك; لأن فيه تعذيبا له، ومن ثم لو كان القود بنحو تغريق جاز اجتماعهم. وفي قود نحو طرف يتعين توكيل واحد من غيرهم; لأن بعضهم ربما بالغ في ترديد الحديدة فشدد عليه.

(1)

. خلافا لهم.

ص: 44

وَإِلَّا فَقُرْعَةٌ. يَدْخُلُهَا الْعَاجِزُ وَيَسْتَنِيبُ، وَقِيلَ لَا يَدْخُلُ. وَلَوْ بَدَرَ أَحَدُهُمْ فَقَتَلَهُ فَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَلِلْبَاقِينَ قِسْطُ الدِّيَةِ مِنْ تَرِكَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ مِنْ المُبَادِرِ. وَإِنْ بَادَرَ بَعْدَ عَفْوِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ، وَقِيلَ لَا إنْ لَمْ يَعْلَمْ، وَيَحْكُمْ قَاضٍ بِهِ، وَلَا يُسْتَوْفَى قِصَاصٌ إلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ

(وإلا) يتفقوا على مستوف وأراد كل استيفاءه بنفسه (فقرعة) يجب على الحاكم فعلها بينهم، ومن خرجت القرعة له لا يستوفي إلا بإذن من بقي; لأن له منعه وطلب الاستيفاء بنفسه بأن يقول لا تستوفِ وأنا أستوفي (يدخلها العاجز) عن الاستيفاء كالشيخ الهرم والمرأة; لأنه صاحب حق (ويستنيب) إذا قرع وإن كانت

(1)

المرأة قوية جلدة، (وقيل) بل هو المعتمد (لا يدخل) ـها; لأنها إنما تجري بين المستوين في الأهلية، فلو خرجت لقادر فعجز أعيد بين الباقين. (ولو بدر أحدهم) أي المستحقين (فقتله) عالما تحريم المبادرة (فالأظهر أنه لا قصاص عليه) ; لأن له حقا في قتله، نعم لو حكم حاكم بمنعه من المبادرة قتل جزما أو باستقلاله لم يقتل جزما كما لو جهل تحريم المبادرة. ولو بادر أجنبي فقتله فحق القود لورثته لا لمستحقي قتله (وللباقين) فيما ذكر، وكذا فيما إذا لزم المبادر القود وقتل (قسط الدية)؛ لفوات القود بغير اختيارهم (من تركته) أي الجاني المقتول; لأن المبادر فيما وراء حقه كأجنبي. ولو قتله أجنبي أخذ الورثة الدية من تركة الجاني لا من الأجنبي فكذا هنا، ولوارث الجاني على المبادر ما زاد من ديته على نصيبه من دية مورثه؛ لاستيفائه ما عدا ذلك بقتله الجاني هذا ما قاله جمع وانتصر له ابن الرفعة وغيره وقال الشيخان

(2)

يسقط عنه تقاصا بما له على تركة الجاني، ويظهر التفاوت بين القولين فيما لو اختلفت الديتان (وفي قول من المبادر) ; لأنه صاحب حق فكأنه استوفى الكل (وإن بادر بعد) عفو نفسه، أو بعد (عفو غيره لزمه القصاص) وإن لم يعلم بالعفو؛ لتبين أن لا حق له (وقيل لا) قصاص (إن لم يعلم) بالعفو (و) لم (يحكم قاض به) أي بنفيه؛ لشبهة الخلاف (ولا يستوفى) حد أو تعزير أو (قصاص) في نفس أو غيرها (إلا بإذن الإمام) وذلك لخطر

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. حاصل الاختلاف بين العبارتين أن مفاد الأولى أن المبادر يجعل بنفس مبادرته مستوفيا لحصته ويبقى عليه ما زاد لورثة الجاني، ومفاد الثانية أنه بمبادرته يترتب عليه لورثة الجاني جميع ديته فيسقط منها قدر حصته في نظير الحصة التي استحقها في تركة الجاني تقاصا، رشيدي.

ص: 45

فَإِنِ اسْتَقَلَّ عُزِّرَ، وَيَأْذَنُ لِأَهْلٍ فِي نَفْسٍ، لَا فِي طَرَفٍ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فِي ضَرْبِ رَقَبَةٍ فَأَصَابَ غَيْرَهَا عَمْدًا عُزِّرَ وَلَمْ يَعْزِلْهُ، وَإِنْ قَالَ: أَخْطَأْت وَأَمْكَنَ عَزْلَهُ لَمْ يُعَزَّرْ ..

الاستيفاء واحتياجه للنظر؛ لاختلاف العلماء في شروطه، وفي حكم إذن الإمام إذن نائبه كالقاضي، فإن الأصح تناول ولايته لإقامة الحدود لكنها في حقوق الله تعالى لا تتوقف على طلب وفي حق الآدمي تتوقف على طلب المستحق المتأهل. ويسن حضور الحاكم به له مع عدلين ليشهدا إن أنكر المستحق، ولا يحتاج للقضاء بعلمه. ويلزم الإمام تفقد آلة الاستيفاء

(1)

والأمر بضبطه في قود غير النفس؛ حذرا من الزيادة باضطرابه.

ويستثنى السيد من اعتبار إذن الإمام إذا أقام نحو الحد على قنه، والمستحق يحتاج لأكل من له عليه قود؛ لاضطراره، والقاتل في الحرابة لكل من الإمام والولي الانفراد بقتله، وما لو انفرد بحيث لا يرى لاسيما إن عجز عن إثباته (فإن استقل) مستحقه باستيفائه في غير ما ذكر (عزِّر) وإن وقع الموقع؛ لافتياته على الإمام (ويأذن

(2)

الإمام (لأهل) من المستحقين (في) استيفاء (نفس) طلب فعله بنفسه وقد أحسنه ورضي به البقية أو خرجت له القرعة (لا في) استيفاء (طرف) أو إيضاح أو معنى كقلع عين (في الأصح) ; لأنه قد يحيف، ومن ثم لم يجز له الإذن للمستحق في استيفاء تعزير أو حد قذف. أما غير الأهل كشيخ وامرأة وذمي له قود على مسلم لكونه أسلم بعد استقرار الجناية كما مر وفي نحو الطرف فيأمره بالتوكيل لأهل غير عدو للجاني؛ لئلا يعذبه. ولو قال جانٍ ((أنا أقتص من نفسي)) لم يُجَب; لأن التشفي لا يتم بفعله على أنه قد يتوانى فيعذب نفسه، فإن أجيب أجزأ في القطع لا الجلد; لأنه قد يوهم به الإيلام ولا يؤلم، ومن ثم أجزأ بإذن الإمام قطع السارق لا جلد الزاني أو القاذف لنفسه (فإن أذن له) أي الأهل (في ضرب رقبة فأصاب غيرها عمدا) بقوله؛ إذ لا يعرف إلا منه (عزِّر)؛ لتعديه (ولم يعزله) لأهليته، (وإن قال أخطأت وأمكن) كأن ضرب رأسه أو كتفه مما يلي عنقه (عزله)؛ إذ حاله يشعر بعجزه، ومن ثم لو عرفت مهارته لم يعزله (ولم يعزر) إذا حلف أنه أخطأ؛ لعدم تعديه. أما لو لم يمكن كأن ضرب وسطه فكالمتعمد.

(1)

. استثنى المغني ما لو قتل بكال فيقتل به.

(2)

. قال الشارح في الوكالة: ((وتصح الوكالة في استيفاء عقوبة لله تعالى، لكن من الإمام أو السيد لا في إثباتها مطلقا))، ثم استثنى صورة من القذف 5/ 307.

ص: 46

وَأُجْرَةُ الجَلَّادِ عَلَى الجَانِي عَلَى الصَّحِيحِ. وَيُقْتَصُّ عَلَى الْفَوْرِ، وَفِي الحَرَمِ وَ الحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالمَرَضِ. وَتُحْبَسُ الحَامِلُ فِي قِصَاصِ النَّفْسِ وَالطَّرَفِ حَتَّى تُرْضِعَهُ اللِّبَأَ وَيَسْتَغْنِيَ بِغَيْرِهَا، أَوْ فِطَامٍ لِحَوْلَيْنِ. وَالصَّحِيحُ تَصْدِيقُهَا فِي حَمْلِهَا بِغَيْرِ مَخِيلَةٍ

(وأجرة الجلاد) -حيث لم يرزق من سهم المصالح- وهو من نُصب لاستيفاء قود وحد وتعزير (على الجاني) الموسر على نفس أو غيرها سواء حق الله تعالى وحق الآدمي وإن قال أنا أقتص من نفسي (على الصحيح) ; لأنها مؤنة حق لزمه أداؤه. أما المعسر ولا بيت مال فيظهر أن المؤنة على أغنياء المسلمين. (ويُقتص

(1)

في النفس والطرف، ومثلهما هنا وفيما يأتي جلد القذف (على الفور) أي للمستحق ذلك، ويلزم الإمام إجابته إليه (و) يقتص فيهما (في الحرم) وإن التجأ إليه أو إلى مسجده أو الكعبة فيخرج من المسجد ويقتل مثلا لخبر ((إن الحرم لا يعيذ فارا بدم))، ويخرج أيضا من ملك الغير ومن مقابرنا إن خشي تنجيس بعضها، فإن اقتص في نحو المسجد وأمن التلويث كره. (و) يقتص فيهما في (الحر والبرد والمرض) وإن لم تقع الجناية فيها؛ لبناء حق الآدمي على المضايقة، وبه فارق التأخير في نحو قطع السرقة. (وتحبس) وجوبا بطلب المجني عليه إن تأهل وإلا فبطلب وليه (الحامل) ولو من زنا وإن حدث الحمل بعد استحقاق قتلها (في قصاص النفس و) نحو (الطرف) وجلد القذف (حتى ترضعه اللبأ) وهو ما ينزل عقب الولادة; لأن الولد لا يعيش بدونه غالبا والمرجع في مدته العرف (ويستغني بغيرها) كبهيمة يحل لبنها صيانة له. ولو امتنعت المراضع ولم يوجد ما يعيش به غير اللبن أجبر الحاكم إحداهن بالأجرة، ولا يؤخر الاستيفاء. ولو لم يوجد إلا زانية محصنة قتلت تلك وأخرت الزانية; لأن الزنا أدون (أو) بوقوع (فطام) له (لحولين) إن أضره النقص عنهما وإلا نقص، ولو احتاج لزيادة عليهما زيد، ولا عبرة بتوافق الأبوين أو المالك على فطم يضره. ولو قتلها المستحق قبل وجود ما يعنيه فمات قتل به. هذا كله في حق الآدمي؛ لبنائه على المضايقة أما حق الله تعالى فلا تحبس فيه بل تؤخر مطلقا إلى تمام مدة الرضاع ووجود كافل (والصحيح تصديقها) بلا يمين

(2)

; لأن الحق للجنين وتصديق مستفرشها لكن إن ارتابت (في حملها) الممكن بأن لم تكن آيسة، ولو (بغير مخيلة) أي أمارة

(1)

. بالبناء للمفعول، وقضية صنيع المغني أنها بالبناء للفاعل.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا تصديقها باليمين حيث لا قرينه وبلا يمين مع القرينة.

ص: 47

وَمَنْ قَتَلَ بِمُحَدَّدٍ أَوْ خَنِقٍ أَوْ تَجْوِيعٍ وَنَحْوِهِ اُقْتُصَّ بِهِ، أَوْ بِسِحْرٍ فَبِسَيْفٍ. وَكَذَا خَمْرٌ وَلِوَاطٌ فِي الْأَصَحِّ

ظاهرة تدل عليه; لأنها قد تجد من نفسها من الأمارات ما لا يطلع عليه غيرها، ويصبر المستحق إلى وقت ظهور الحمل لا إلى انقضاء أربع سنين

(1)

؛ لبعده بلا ثبوت ويمنع الزوج وطأها

(2)

. ولو قتلها المستحق أو الجلاد بإذن الإمام فألقت جنينا ميتا فالغرة على عاقلة الإمام ما لم يجهل هو وحده الحمل فعلى عاقلتهما، والإثم تابع للعلم بخلاف الضمان (ومن قتل) هو مثال؛ إذ غير القتل مثله إن أمكنت المماثلة فيه لا كقطع طرف بمثقل وإيضاح به أو بسيف لم تؤمن فيه الزيادة بل يتعين نحو الموسى كما مر (بمحدد) كسيف أو غيره كحجر (أو خَنِقٍ أو تجويع ونحوه) كتغريق وإلقاء من شاهق (اقتص) إن شاء (به) أي بمثله مقدارا ومحلا وكيفية؛ مراعاة للمماثلة المحصلة للتشفي، ومحل جواز الاقتصاص بمثل ما ذكر إذا عزم على أنه إن لم يمت بذلك قتله، فإن قال إن لم يمت عفوت عنه لم يُمكَّن؛ لما فيه من التعذيب

(3)

. ولو كانت الضربات التي قتل بها لا تؤثر فيه ظنا؛ لضعف المقتول وقوة القاتل قتل بالسيف، وله العدول في الماء عن الملح للعذب; لأنه أخف لا عكسه كما لو كان المثل مُحرَّما كما قال:(أو بسحر) ومثله إنهاش نحو حية

(4)

؛ (فبسيف)؛ إذ لا ينضبط ذلك مع حرمة عمل السحر فيتعين ضرب عنقه بسيف غير مسموم ما لم يقتله الجاني بالمسموم -أي وليس سمه مهريا- (وكذا خمر) أو بول أو جره حتى مات (ولواط) بصغير يقتل مثله غالبا ونحوهما من كل محرم يتعين فيه السيف (في الأصح)؛ لتعذر المماثلة بتحريم الفعل وإيجار نحو المائع ودس خشبة قريبة من ذكر اللائط في دبره لا تحصل المماثلة فلا فائدة له، ويتعين السيف جزما فيما لا مثل له كما لو جامع صغيرة في قبلها فقتلها. وله قتله بمثل السم الذي قتل به ما لم يكن مهريا يمنع الغسل. ولو أوجره ماء متنجسا أوجر ماء طاهرا. ولو رجع شهود زنا بعد رجمه رجموا.

(1)

. خلافا لما يميل إليه المغني.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. عبارة المغني.

(4)

. خلافا لهما.

ص: 48

وَلَوْ جُوِّعَ كَتَجْوِيعِهِ فَلَمْ يَمُتْ زِيدَ حَتَّى يَمُوتَ، وَفِي قَوْلٍ السَّيْفُ. وَمَنْ عَدَلَ إلَى سَيْفٍ فَلَهُ. وَلَوْ قَطَعَ فَسَرَى فَلِلْوَلِيِّ حَزُّ رَقَبَتِهِ، وَلَهُ الْقَطْعُ ثُمَّ الحَزُّ، وَإِنْ شَاءَ انْتَظَرَ السِّرَايَةَ. وَلَوْ مَاتَ بِجَائِفَةٍ أَوْ كَسْرِ عَضُدٍ فَالحَزُّ، وَفِي قَوْلٍ كَفِعْلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَمُتْ لَمْ تَزِدِ الجَوَائِفُ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوِ اقْتَصَّ مَقْطُوعٌ ثُمَّ مَاتَ بِسِرَايَةٍ فَلِلْوَلِيِّ حَزٌّ، وَلَهُ عَفْوٌ بِنِصْفِ دِيَةٍ

(ولو جُوِّع كتجويعه) أو ألقي في النار مثل مدته أو ضرب عدد ضربه (فلم يمت زيد) من ذلك الجنس (حتى يموت)؛ ليقتل بما قتل به (وفي قول السيف) وقيل يفعل به الأهون من الزيادة والسيف

(1)

(ومن عَدَل) عن المثل (إلى سيف) بأن يضرب العنق به، لا بأن يذبح كالبهيمة (فله) ذلك وإن لم يرض الجاني; لأنه أسهل (ولو قطع فسرى) القطع للنفس (فللولي حزُّ رقبته)؛ تسهيلا عليه (وله القطع)؛ طلبا للمماثلة (ثم الحز) للرقبة، (وإن شاء انتظر) بعد القطع (السراية)؛ لتكمل المماثلة، وليس للجاني في الأولى طلب الإمهال بقدر مدة حياة المجني عليه بعد جنايته، ومن ثم جاز أن يوالي عليه قطع أطراف فرقها، ولا في الثانية طلب القتل أو العفو. (ولو مات بجائفة أو كسر عضد فالحزُّ) متعين؛ لتعذر المماثلة حينئذ (وفي قول) يفعل به (كفعله) وهو المعتمد، ويؤخذ منه أنه لو قطع أو كسر ساعده فسرى للنفس جاز قطع أو كسر ساعده. ولو أجافه مثلا ثم عفا فإن طرأ له العفو بعد الإجافة لم يعزر وإلا عزر (فإن) فعل به كفعله و (لم يمت لم تزد الجوائف) فلا توسع ولا تفعل في محل آخر بل تحز رقبته (في الأظهر)؛ لاختلاف تأثيرها باختلاف محالها.

[تنبيه] يمنع من إجافة وكل ما لا قود فيه إن كان قصده العفو بعد فيعزر عفا أو قتل، وذلك; لأن فيه تعذيبا مع الإفضاء إلى القتل الذي هو نقيض العفو (ولو اقتص مقطوعٌ) -عضوُهُ الذي فيه نصف دية- من قاطعه (ثم مات) المقتص (بسراية فللولي حزٌّ) لرقبة الجاني في مقابلة نفس مورثه (وله عفو بنصف دية) فقط؛ لأخذه ما قابل نصفها الآخر وهو العضو الذي قطعه، ومحله إن استوت الديتان وإلا فبالنسبة، فلو قطعت امرأة يد رجل فقطع يدها ثم مات سراية فالعفو على ثلاثة أرباع الدية; لأنه استحق دية رجل سقط منها ما يقابل ربع دية رجل، ولا شيء لها في عكس ذلك وهو ما لو قطع يدها فقطعت يده ثم ماتت سراية فإذا أراد

(1)

. واعتمده الشارح في الفتح وكلامه في التحفه لعله يشير إلى اعتماده، أما النهاية والمغني وشرح المنهج فقد اعتمدوا القود بالسيف.

ص: 49

وَلَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ فَاقْتَصَّ ثُمَّ مَاتَ فَلِوَلِيِّهِ الحَزُّ، فَإِنْ عَفَا فَلَا شَيْءَ لَهُ. وَلَوْ مَاتَ جَانٍ مِنْ قَطْعِ قِصَاصٍ فَهَدَرٌ وَإِنْ مَاتَا سِرَايَةً مَعًا أَوْ سَبَقَ المَجْنِيُّ عَلَيْهِ فَقَدِ اقْتَصَّ، وَإِنْ تَأَخَّرَ فَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ قَالَ مُسْتَحِقُّ يَمِينٍ أَخْرِجْهَا فَأَخْرَجَ يَسَارَهُ وَقَصَدَ إبَاحَتَهَا فَمُهْدَرَةٌ

وليها العفو لم يكن له شيء (ولو قطعت يداه فاقتص ثم مات) المقتص بالسراية (فلوليه الحز) بنفس مورثه (فإن عفا فلا شيء له)؛ لاستيفائه ما يقابل الدية الكاملة، ومحله إن استوت الديتان أيضا ففي صورة المرأة السابقة يبقى له نصف الدية (ولو مات جانٍ) بالسراية (من قطع قصاص فهدر) ; لأنه قطع بحق (وإن ماتا سراية) بعد الاقتصاص في اليد (معا أو سبق المجني عليه فقد اقتص) بالقطع والسراية ولا شيء على الجاني; لأن السراية لما كانت كالمباشرة في الجناية وجب أن تكون كذلك في الاستيفاء (وإن تأخر) موت المجني عليه عن موت الجاني بالسراية (فله) أي لولي المجني عليه في تركة الجاني (نصف الدية) إن استوت الديتان نظير ما مر (في الأصح) ; لأن القود لا يسبق الجناية وإلا كان في معنى السلم في القود وهو ممتنع. ولو كانت الصورة في قطع يدين فلا شيء له. (ولو قال مستحق) قود (يمين) وهو مكلف لجانٍ حر مكلف (أخرجها) أي يمينك لأقطعها قودا (فأخرج يسارا) له (وقصد إباحتها) عالما أو جاهلا فقطعها المستحق (فمهدرة) لا ضمان فيها ولا في سرايتها وإن لم يتلفظ بالإذن في القطع ولو علم القاطع أنها اليسار وأنها لا تجزئ; لأن إخراجها بقصد إباحتها بذل لها مجانا، نعم يعزر العالم منهما بالتحريم، وكنيِّة إباحتها ما لو علم أن المطلوب منه اليمين فأخرج اليسار مع علمه بأنها لا تجزئ ولم يقصد العوضية، ويبقى قود اليمين، ومحله إن لم يظن القاطع إجزاءها وإلا سقط؛ لتضمن رضاه باليسار بدلا العفوَ وله دية يمينه، وكذا لو علم عدم إجزائها شرعا لكن جعلها عوضا، ولا نظر لقصد الإباحة حينئذ; لأن رضا المستحق بالعوضية متضمن للعفو عن القطع وإن فسد العوض. أما المستحق المجنون أو الصبي فالإخراج له يهدرها; لأنه تسليط له عليها، وأما المخرج القن فقصده الإباحة لا يهدر يساره; لأن الحق لسيده لكن الأوجه أنه يسقط قودها إذا كان القاطع قنَّا، وأما المخرج المجنون أو الصبي فلا عبرة بإخراجه ثم إن عَلِم المقتص قطع وإلا لزمته الدية.

ص: 50

وَإِنْ قَالَ: جَعَلْتُهَا عَنِ الْيَمِينِ وَظَنَنْتُ إجْزَاءَهَا فَكَذَّبَهُ فَالْأَصَحُّ لَا قِصَاصَ فِي الْيَسَارِ، وَتَجِبُ دِيَةٌ، وَيَبْقَى قِصَاصُ الْيَمِينِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ دَُهِشْتُ فَظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ. وَقَالَ الْقَاطِعُ ظَنَنْتُهَا الْيَمِينَ

(وإن قال) المخرج بعد قطعها (جعلتها) حالة الإخراج عوضا (عن اليمين وظننت إجزاءها) عنها (فكذبه) القاطع في ظنه الذي رتب عليه الجعل المذكور وقال بل عرفتَ أنها لا تجزئ، وسيأتي أن هذا

(1)

مجرد تصوير

(2)

(فالأصح) أنه (لا قصاص في اليسار) على قاطعها سواء أظن أنه أباحها أو أنها اليمين أو علمها اليسار وأنها لا تجزئ أو قطعها عن اليمين ظانا إجزاءها; لأن مخرجها سلطه عليها بجعلها عوضا، ومن ثم لا قود فيها وإن صدقه في الظن المذكور، بل وإن انتفى الظن المذكور من أصله، فتفريعه ذلك على التكذيب مجرد تصوير لا مفهوم له (وتجب دية) لليسار; لأن الجعل المذكور منع كونه يبذلها مجانا (ويبقى) حيث لم يظن القاطع إجزاءها ولا جعلها عوضا (قصاص اليمين) في الأولى كما مر وفي هذه; لأنه لم يستوفه ولا عفا عنه، نعم يلزمه الصبر به إلى اندمال يساره؛ لئلا تهلكه الموالاة. أما إذا ظن إجزاءها أو جعلها عوضا فلا يبقى قصاص اليمين؛ لما مر أن ذلك متضمن للعفو، ولكل على الآخر دية (وكذا لو قال) المخرج (دَُهِشت) عن كونها اليسار (فظننتها اليمين) أو لم أسمع إلا أخرج يسارك أو ظننته قال ذلك (وقال القاطع ظننتها اليمين) فلا قود في اليسار على الأصح; لأن هذا الاشتباه قريب، وتجب ديتها ويبقى قود اليمين. وخرج بقول القاطع ذلك ما لو قال علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ أو دهشت فلم أدر ما قطعت أو ظننت أنه أباحها بالإخراج فيجب على القاطع القود في اليسار، وفي جميع هذه الصور لا يسقط قود اليمين إلا إن ظن القاطع الإجزاء أو جعلها عوضا، وحيث سقط قود اليسار بغير الإباحة أو القائم مقامها وجبت ديتها وهي في ماله لا على عاقلته؛ لتعمده، وأخذ الدية ممن قال له خذها عن اليمين عفوٌ عن قودها، ويصدق كل في علمه وظنه; لأنه لا يُعلم إلا منه.

(1)

. أي قول المتن فكذبه.

(2)

. هنا اعتراض على المتن رده الشارح وأقره المغني.

ص: 51

فصل

مُوجَبُ الْعَمْدِ الْقَوَدُ، وَالدِّيَةُ بَدَلٌ عِنْدَ سُقُوطِهِ، وَفِي قَوْلٍ أَحَدُهُمَا مُبْهَمًا، وَعَلَى الْقَوْلَيْنِ لِلْوَلِيِّ عَفْوٌ عَلَى الدِّيَةِ بِغَيْرِ رِضَا الجَانِي، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ أَطْلَقَ الْعَفْوَ فَالمَذْهَبُ لَا دِيَةَ

(فصل) في موجب العمد وفي العفو

وهو سنة مؤكدة وبغير مال أفضل، وذلك للآيات والأحاديث منها خبر البيهقي وغيره ((ما رفع إليه صلى الله عليه وسلم قصاص قط إلا أمر فيه بالعفو)) (موجَب العمد) المضمون في نفس أو غيرها (القوَد) بعينه، وهو القصاص (والدية) في النفس وأرش غيرها (بدل) عنه (عند سقوطه

(1)

بنحو موت أو عفو عنه عليها (وفي قول) موجبه (أحدهما مبهما) فالواجب هو القدر المشترك بينهما في ضمن أي معين منهما، وقد يتعين القود ولا دية كما مر في قتل مرتد مرتدا وفيما لو استوفى ما يقابل الدية ولم يبق له إلا حزّ الرقبة، وقد تتعين الدية كما في قتل الوالد لولده والمسلم لذمي، وقد لا يجب إلا التعزير والكفارة كما في قتل قنه (وعلى القولين للولي) يعني المستحق (عفو) عن القود في نفس، أو طرف (على الدية)، أو نصفها مثلا (بغير رضا الجاني) ; لأنه مستوفىً منه كالمحال عليه والمضمون عنه. ولأحد المستحقين العفو بغير رضا الباقين; لأن القود لا يتجزأ، ومن ثم لو عُفِي عن بعض أعضاء الجاني سقط عن كله كما أن تطليق بعض المرأة تطليق لكلها، ومنه يؤخذ أن كل ما يقع الطلاق بربطه به من غير الأعضاء يقع العفو بربطه به وما لا فلا. ولو قال الحاني للمستحق خذ الدية بدل القود فأخذها ولو ساكتا سقط حقّه منه؛ لرضاه ببدله

(2)

، (وعلى الأول) الأظهر (لو أطلق العفو) عن القود ولم يتعرض للدية ولا اختارها عقب العفو (فالمذهب لا دية) ; لأن القتل لا يوجبها والعفو إسقاط ثابت لا إثبات معدوم، وقوله تعالى {فَاتِّبَاعٌ} البقرة: 178 أي للمال محمول على العفو

(1)

. ولذا لم تكن نحو يد وجب قطعها قودا غير محترمه؛ لاحتمال العفو كما ذكره الشارح في التيمم 1/ 344.

(2)

. عبارة علي الشبراملسي.

ص: 52

وَلَوْ عَفَا عَنِ الدِّيَةِ لَغَا، وَلَهُ الْعَفْوُ بَعْدَهُ عَلَيْهَا، وَلَوْ عَفَا عَلَى غَيْرِ جِنْسِ الدِّيَةِ ثَبَتَ إنْ قَبِلَ الجَانِي، وَإِلَّا فَلَا، وَلَا يَسْقُطُ الْقَوَدُ فِي الْأَصَحِّ، وَلَيْسَ لِمَحْجُورِ فَلَسٍ عَفْوٌ عَنْ مَالٍ إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا، وَإِلَّا فَإِنْ عَفَا عَلَى الدِّيَةِ ثَبَتَتْ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَكَمَا سَبَقَ، وَإِنْ عَفَا عَلَى أَنْ لَا مَالَ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ، وَالمُبَذِّرُ فِي الدِّيَةِ كَمُفْلِسٍ، وَقِيلَ كَصَبِيٍّ

عليها. أما إذا اختارها عقب العفو فتجب؛ تنزيلا لاختيارها عقبه منزلته عليها بقرينة المبادرة إليها، ويظهر ضبط التعقيب هنا بما مر في البيع من عدم تخلل لفظ أجنبي وإن قلَّ أو سكوت طويل يعد فاصلا عرفا. ولو عفا بعض المستحقين وأطلق سقطت حصته ووجب حصة الباقين من الدية وإن لم يختاروها; لأن السقوط قهري عليهم كما في قتل الوالد. ولو استحال ثبوت المال كما لو قتل أحدُ قِنَّيه قنه الآخرَ فعفا عن القود أو عن حقه أو موجب الجناية ولو بعد العتق

(1)

لم يثبت له عليه مال جزما، (و) على الأول أيضا (لو عفا عن الدية لغا) هذا العفو لوقوعه عما لا يستحقه (وله العفو) عن القود (بعده) وإن تراخى (عليها) ; لأن حقه لم يتغير بالعفو; لأن اللاغي كالعدم. ولو اختار القود ثم الدية وجبت مطلقا. (ولو عفا على غير جنس الدية ثبت) ذلك الغير على القولين وإن كان أكثر من الدية (إن قَبِل الجاني) ذلك وسقط القود (وإلا فلا) يثبت; لأنه اعتياض فاشترط رضاهما (ولا يسقط القود في الأصح) ; لأنه إنما رضي بسقوطه على عوض ولم يحصل، وليس كالصلح على عوض فاسد; لأن الجاني فيه قبل والتزم (وليس لمحجور فلس) ومثله المريض في الزائد على الثلث ووارث المديون (عفو عن مال إن أوجبنا أحدهما) ; لأنه ممنوع من تفويت المال لحق الغرماء (وإلا) نوجب ذلك بل القود بعينه وهو الأظهر (فإن عفا) عنه (على الدية ثبتت) كغيره (وإن أطلق) العفو (فكما سبق) من أنه لا دية (وإن عفا على أن لا مال فالمذهب أنه لا يجب شيء) ; لأن القتل لم يوجب مالا والمفلس لا يكلف الاكتساب، وقضيته أنه لو عصى بالاستدانة لزمه العفو على الدية; لأنه حينئذ يكلف الاكتساب، وهو ظاهرٌ ومع ذلك يصح عفوه على أن لا مال؛ إذ غاية الأمر أنه ارتكب محرما وهو لا يؤثر في صحة العفو (والمبذر) المحجور عليه بسفه (في) العفو مطلقا، أو عن (الدية) أو عليها (كمفلس) في تفصيله المذكور (وقيل كصبي) فلا يصح عفوه عن

(1)

. ظاهر المغني تقييده بما إذا عفا مطلقا بخلاف ما إذا عفا عنه بعد العتق على مال فإنه يثبت.

ص: 53

وَلَوْ تَصَالحَا عَنِ الْقَوَدِ عَلَى مِائَتَيْ بَعِيرٍ لَغَا إنْ أَوْجَبْنَا أَحَدَهُمَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ الصِّحَّةُ، وَلَوْ قَالَ رَشِيدٌ: اقْطَعْنِي فَفَعَلَ فَهَدَرٌ، فَإِنْ سَرَى أَوْ قَالَ اُقْتُلْنِي فَهَدَرٌ وَفِي قَوْلٍ تَجِبُ دِيَةٌ. وَلَوْ قُطِعَ فَعَفَا عَنْ قَوَدِهِ وَأَرْشِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْرِ فَلَا شَيْءَ، وَإِنْ سَرَى فَلَا قِصَاصَ. وَأَمَّا أَرْشُ الْعُضْوِ فَإِنْ جَرَى لَفْظُ وَصِيَّةٍ كَأَوْصَيْتُ لَهُ بِأَرْشِ هَذِهِ الجِنَايَةِ فَوَصِيَّةٌ قَاتِلٍ،

المال بحال. وخرج بقوله في الدية القود فهو فيه كالرشيد فلا يجري فيه هذا الوجه، ومر أن للسفيه المهمل حكم الرشيد. (ولو تصالحا عن القود على) أكثر من الدية لكنه من جنسها نحو (مائتي بعير) من جنس الواجب وصفته (لغا) الصلح (إن أوجبنا أحدهما) ; لأنه زيادة على الواجب فهو كالصلح من مائة على مائتين (وإلا) بأن أوجبنا القود عينا (فالأصح الصحة) ويثبت المال، وكذا لو عفا من غير تصالح على ذلك إن قبل الجاني وإلا فلا يثبت ويبقى القود؛ لما مر أنه اعتياض فيتوقف على رضاهما. أما غير الجنس الواجب فقد مر. (ولو قال) حر مكلف مختار (رشيد) أو سفيه لآخر (اقطعني ففعل فهدر) لا قود فيه ولا دية كما لو قال له اقتلني أو أتلف مالي. وإذن القن يسقط القود لا المال، وإذن غير المكلف والمكره لا يسقط شيئا (فإن سرى) القطع إلى النفس (أو قال) ابتداء (اقتلني فقتله فهدر) كما ذكر؛ للإذن ولأن الأصح أن الدية تثبت للمورث ابتداء; لأنها بدل عن القود البدل عن نفسه كما علم مما مر، نعم تجب الكفارة ويعزر (وفي قول تجب دية)؛ بناء على الضعيف أنها تثبت للورثة ابتداء. (ولو قُطع) أي عضوه (فعفا عن قوده وأرشه فإن لم يسر فلا شيء) من قود ودية; لأن المستحق أسقط الحق بعد ثبوته فسقط (وإن سرى) إلى النفس (فلا قصاص) في نفس وطرف؛ لتولد السراية من معفو عنه. وخرج بقوله قطع -إذ هو من جنس ما فيه قود- نحو جائفة -مما لا يوجب قودا- عفا المجني عليه عن القود فيها ثم سرت الجناية لنفسه فلوليه أن يقتص في النفس; لأنه عفا عن القود فيما لا قود فيه فلم يؤثر العفو، وبقوله عن قوده وأرشه ما لو قال عفوت عن هذه الجناية ولم يزد فإنه عفو عن القود دون الأرش فله أن يعفو عقبه عليه وليس المراد بقولنا دون الأرش أن الأرش يجب بالعفو عن القود بدون أن يختار الأرش عقب العفو المطلق الفوري، (وأما أرش العضو فإن جرى) في صيغة العفو عنه (لفظ وصية كأوصيت له بأرش هذه الجناية فوصية لقاتل) وهي صحيحة على الأصح، ثم إن خرج الأرش

ص: 54

أَوْ لَفْظُ إبْرَاءٍ أَوْ إسْقَاطٍ، أَوْ عَفْوٍ سَقَطَ، وَقِيلَ وَصِيَّةٌ، وَتَجِبُ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ إلَى تَمَامِ الدِّيَةِ، وَفِي قَوْلٍ إنْ تَعَرَّضَ فِي عَفْوِهِ لِمَا يَحْدُثُ مِنْهَا سَقَطَتْ الزِّيَادَةُ. فَلَوْ سَرَى إلَى عُضْوٍ آخَرَ وَانْدَمَلَ ضَمِنَ دِيَةَ السِّرَايَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ لَهُ قِصَاصُ نَفْسٍ بِسِرَايَةِ طَرَفٍ لَوْ عَفَا عَنِ النَّفْسِ فَلَا قَطْعَ لَهُ، أَوْ عَنِ الطَّرَفِ فَلَهُ حَزُّ الرَّقَبَةِ فِي الْأَصَحِّ

من الثلث أو أجاز الوارث سقط وإلا نفذت منه في قدر الثلث (أو) جرى (لفظ إبراء أو إسقاط أو عفو سقط) قطعا إن خرج من الثلث أو أجاز الوارث وإلا فبقدره; لأنه إسقاط ناجز (وقيل) هو (وصية)؛ لاعتباره من الثلث اتفاقا فيجري فيها خلاف الوصية للقاتل، والخلاف المذكور إنما هو في أرش العضو لا ما زاد عليه كما قال (وتجب الزيادة عليه) أي على أرش العضو (إلى تمام الدية)؛ للسراية وإن تعرض في عفوه لما يحدث لبطلان إسقاط الشيء قبل ثبوته (وفي قول إن تعرض في عفوه) عن الجناية (لما يحدث منها سقطت الزيادة)؛ بناء على الضعيف أن الإبراء عما لا يجب صحيح إذا جرى سبب وجوبه ومحل الخلاف في غير لفظ الوصية، أما إذا عفا عما يحدث بلفظها كأوصيت له بأرش هذه الجناية وما يحدث منها فهي وصية بجميع الدية لقاتل فيأتي فيها ما مر

(1)

. ولو ساوى الأرش الدية صح العفو عنه ولم يجب للسراية شيء، ففي قطع اليدين لو عفا عن أرش الجناية وما يحدث منها سقطت الدية بكمالها إن وفّى بها الثلث وإن لم نصحح الإبراء عما يحدث; لأن أرش اليدين دية كاملة فلا يزاد بالسراية شيء، وبذلك يعلم أنه لو عفا عن القاتل على الدية بعد قطع يده لم يأخذ إلا نصفها، أو بعد قطع يديه لم يأخذ شيئا إن ساواه فيها وإلا وجب التفاوت. (فلو سرى) قطع ما عفي عن قوده وأرشه (إلى عضو آخر واندمل) كأن قطع أصبعا فتآكل كفه واندمل الجرح الساري إليه (ضمن دية السراية في الأصح) وإن تعرض في عفوه بغير لفظ وصية لما يحدث; لأنه إنما عفا عن موجب جناية موجودة فلم يتناول غيرها وتعرضه لما يحدث باطل; لأنه إبراء عما لم يجب، (ومن له قصاص نفس بسراية طرف) كأن قطعت يده فمات سراية (لو عفا) الولي (عن النفس فلا قطع له) ; لأن القطع طريق للقتل المستحق له وقد عفا عنه (أو) عفا (عن الطرف فله حز الرقبة في الأصح) ; لأن كلا منهما مقصود في نفسه كما لو تعدد المستحق. وخرج بقوله

(1)

. أي من أنَّا إن صححنا الوصية للقاتل-وهو الأصح- نفذ في الدية كلها إن خرجت من الثلث أو أجاز الوارث وإلا ففي قدر ما يخرج منه، علي الشبراملسي.

ص: 55

وَلَوْ قَطَعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْ النَّفْسِ مَجَّانًا، فَإِنْ سَرَى الْقَطْعُ بَانَ بُطْلَانُ الْعَفْوِ، وَإِلَّا فَيَصِحُّ. وَلَوْ وَكَّلَ ثُمَّ عَفَا فَاقْتَصَّ الْوَكِيلُ جَاهِلًا فَلَا قِصَاصَ عَلَيْهِ، وَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ دِيَةٍ، وَأَنَّهَا عَلَيْهِ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الْعَافِي. وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا قِصَاصٌ فَنَكَحَهَا عَلَيْهِ جَازَ وَسَقَطَ، فَإِنْ فَارَقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ رَجَعَ بِنِصْفِ الْأَرْشِ، وَفِي قَوْلٍ بِنِصْفِ مَهْرِ مِثْلٍ

بسراية طرف ما لو استحقهما بالمباشرة فإن اختلف المستحق كأن قطع عبد يد عبد ثم عتق ثم قتله فللسيد قود اليد وللورثة قود النفس ولا يسقط حق أحدهما بعفو الآخر، وكذا إن اتحد المستحق فلا يسقط الطرف بالعفو عن النفس وعكسه.

ولمَّا كان من له قصاص نفس بسراية طرف تارة يعفو وتارة يقطع وذكر حكم الأول تمم بذكر الثاني فقال (ولو قطعه) المستحق (ثم عفا عن النفس مجانا) مثلا إذ العفو بعوض كذلك (فإن سرى القطع) إلى النفس (بان بطلان العفو) ووقعت السراية قصاصا؛ لترتب مقتضى السبب الموجود قبل العفو عليه فبان أن لا عفو حتى لو كان وقع بمال بان أن لا مال (وإلا) يسرِ بأن اندمل (فيصح) العفو فلا يلزمه لقطع العضو شيء; لأنه حال قطعه كان مستحقا لجملته فانصب عفوه لغيره. (ولو وكل

(1)

آخر في استيفاء قوده (ثم عفا فاقتص الوكيل جاهلا) بعفوه (فلا قصاص عليه)؛ إذ لا تقصير منه بوجه. أما إذا علم بالعفو فيقتل قطعا، ويظهر أن المراد بالعلم هنا الظن كأن أخبره ثقة أو غيره ووقع في قلبه صدقه. ويقتل أيضا فيما لو صرف القتل عن موكله إليه بأن قال قتلته بشهوة نفسي، أو قال لا عن الموكل، (والأظهر وجوب دية) عليه; لأن عدم تثبته تقصير منه بالنسبة للمال، ويجب كونها مغلظة؛ لتعمده، وإنما سقط عنه القود؛ لعذره، (و) من ثم كان الأظهر أيضا (أنها عليه لا على عاقلته، والأصح أنه) أي الوكيل الغارم للدية (لا يرجع بها على العافي) ; لأنه محسن بالعفو ما لم ينسب

(2)

لتقصير في الإعلام وإلا رجع عليه; لأنه غره، ولم ينتفع بشيء (ولو وجب) لرجل (عليها) أي المرأة (قصاص فنكحها عليه جاز) النكاح وهو واضح، والصداق; لأن كل ما صح عنه صح جعله صداقا (وسقط) القصاص لملكها له، (فإن فارق) ها (قبل الوطء رجع بنصف الأرش) لتلك الجناية; لأنه البدل لما وقع العقد به (وفي قول نصف مهر المثل) ; لأنه البدل للبضع.

(1)

. ولو وكله في العفو بنصف الدية امتنع عليه أن يعفو بالدية ذكره الشارح في الوكالة 5/ 330.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 56

‌كتاب الديات

فِي قَتْلِ الحُرِّ المُسْلِمِ ماِئَةُ بَعِيرٍ مُثَلَّثَةٌ فِي الْعَمْدِ: ثَلَاثُونَ حِقَّةً، وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَةً، أَيْ: حَامِلًا وَمُخَمَّسَةٌ فِي الخَطَأِ: عِشْرُونَ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَكَذَا بَنَاتُ لَبُونٍ وَبَنُو لَبُونٍ وَحِقَاقٌ، وَجِذَاعٌ

(كتاب الديات)

وهي شرعا مال وجب على حر بجناية في نفس أو غيرها. والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع (في قتل الحر المسلم

(1)

الذكر المعصوم غير الجنين إذا صدر من حر (مائة بعير) إجماعا سواء أوجبت بالعفو أو ابتداء كقتل نحو الوالد، أما الرقيق والذمي والمرأة والجنين فسيأتي ما فيهم، نعم الدية لا تختلف بالفضائل بخلاف قيمة القن. وخرج بالمعصوم المهدر كزانٍ محصن وتارك صلاة وقاطع طريق وصائل فلا دية فيهم، وأما إذا كان القاتل قنا لغير القتيل أو مكاتبا ولو له فالواجب أقل الأمرين من قيمة القن والدية كما يأتي، أو مبعضا وبعضه القن ملك لغير القتيل فالواجب مقابل الحرية من الدية والرق من أقل الأمرين أما القن للقتيل فلا يتعلق به شيء; لأن السيد لا يجب له على قنه شيء (مثلثة) أي ثلاثة أقسام فلا نظر لتفاوتها عددا (في العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خَلِفة أي حاملا)؛ لخبر الترمذي بذلك فهي مغلظة من هذا الوجه، ومن كونها على الجاني دون عاقلته وحالة لا مؤجلة. (ومخمسة في الخطأ عشرون بنت مخاض وكذا بنات لبون) عشرون (وبنو لبون) كذلك (وحقاق) إناث كذلك (وجذاع) إناث كذلك؛ لحديث فيه. فدية الخطأ مخففة من ثلاثة أوجه تخميسها وتأجيلها وكونها على العاقلة.

(1)

. ولو تولد بين آدمي ومغلظ؛ لأن الدية تعتبر بأشرف الأبوين أفاده الشارح في باب النجاسات 1/ 292.

ص: 59

فَإِنْ قَتَلَ خَطَأً فِي حَرَمِ مَكَّةَ، أَوِ فِي الْأَشْهُرِ الحُرُمِ -ذِي الْقَعْدَةِ وَذِي الحِجَّةِ وَالمُحَرَّمِ وَرَجَبٍ- أَوْ مَحْرَمًا ذَا رَحِمٍ فَمُثَلَّثَةٌ. وَالخَطَأُ وَإِنْ تَثَلَّثَ فَعَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ. وَالْعَمْدُ عَلَى الجَانِي مُعَجَّلَةٌ. وَشِبْهُ الْعَمْدِ مُثَلَّثَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ مُؤَجَّلَةٌ. وَلَا يُقْبَلُ مَعِيبٌ وَمَرِيضٌ إلَّا بِرِضَاهُ، وَيَثْبُتُ حَمْلُ الخَلِفَةِ بِأَهْلِ خِبْرَةٍ،

(فإن قتل خطأ) حال كون القاتل أو المقتول -ولو ذميا

(1)

أو جنيناً

(2)

- (في حرم مكة) وإن خرج المجروح فيه منه ومات خارجه بخلاف عكسه. ولو رمى من بعضه في الحل ولم يعتمد عليه وحده وبعضه في الحرم أو من الحل إنسانا فيه فمرَّ السهم في هواء الحرم غُلِّظا (أو) قتل (في الأشهر الحرم ذي القَعدة وذي الحِجة والمحرم ورجب) ويعتبر الجرح في الأشهر الحرم وإن وقع الموت خارجها بخلاف عكسه

(3)

(أو) قتل (مَحْرَما ذا رحم) كأم وأخت (فمثلثة) كما فعله جمع من الصحابة رضي الله عنهم وأقرهم الباقون. وخرج بالخطأ ضداه فلا يزيد واجبهما بهذه الثلاثة؛ اكتفاء بما فيهما من التغليظ ويأتي التغليظ بما ذكر والتخفيف في غير النفس الكاملة كنفس المرأة والذمي

(4)

والمجوسي والجنين والأطراف والمعاني والجراحات بحسابها بخلاف نفس القن (و) دية (الخطأ -وإن تثلث) لأحد هذه الأسباب- (فعلى العاقلة مؤجلةًٌ)؛ لما يأتي فغلظت من وجه واحد وخففت من وجهين كدية شبه العمد (والعمد) أي ديته (على الجاني معجلةًٌ) ; لأنها قياس بدل المتلفات (وشبه العمد) أي ديته (مثلثة على العاقلة مؤجلة)؛ لما يأتي فهو لأخذه شبها من العمد والخطأ ملحق بكل منهما من وجه (ولا يقبل معيب) بعيب البيع السابق بيانه فيه (و) منه (مريض) وإن كانت إبل الجاني كلها كذلك; لأن الشارع أطلقها فاقتضت السلامة (إلا برضاه) أي المستحق الأهل للتبرع; لأن الحق له (ويثبت حمل الخلفة) عند إنكار المستحق له (بأهل خبرة) أي عدلين منهم، فإن كان التنازع فيه بعد موتها عند المستحق وقد أخذها بقولهما أو تصديقه شق جوفها فإن بان عدم الحمل غرمها وأخذ بدلها خلفة. ولو قال الدافع أسقطت عندك فإن لم يمض زمن يحتمله ردت عليه وإلا فإن أخذت

(1)

خلافا للمغني.

(2)

خلافا لهما.

(3)

خلافا للمغني.

(4)

مطلقا عند الشارح وفي غير الحرم عندهما.

ص: 60

وَالْأَصَحُّ إجْزَاؤُهَا قَبْلَ خَمْسِ سِنِينَ، وَمَنْ لَزِمَتْهُ وَلَهُ إبِلٌ فَمِنْهَا، وَقِيلَ مِنْ غَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ، وَإِلَّا فَغَالِبِ إبِلِ بَلَدِهِ أَوْ قَبِيلَةِ بَدَوِيٍّ، وَإِلَّا فَأَقْرَبِ بِلَادٍ، وَلَا يَعْدِلُ إلَى نَوْعٍ وَقِيمَةٍ إلَّا بِتَرَاضٍ،

منه بقول الدافع صدق المستحق بيمينه، أو بقول خبيرين صدق الدافع (والأصح إجزاؤها قبل خمس سنين)؛ لصدق الاسم عليها وإن ندر فيجبر المستحق على قبولها (ومن لزمته) الدية من العاقلة أو الجاني (وله إبل فمنها) -أي نوعها

(1)

إن اتحد وإلا فالأغلب فلا تجب عينها- تؤخذ لا من غالب إبل محله (وقيل) يتعين (من غالب إبل بلده) أو قبيلته إذا كانت إبله من غير ذلك; لأنها بدل متلف، لكن المعتمد

(2)

تخييره بين إبله أي إن كانت سليمة وغالب إبل محله فله الإخراج منه وإن خالف نوع إبله، ويجبر المستحق على قبوله (وإلا) يكن له إبل (فغالبِ إبل بلدة) لبلدي (أو قبيلة بدوي) ; لأنها بدل متلف، وظاهر كلامهم وجوبها من الغالب وإن لزمت بيت المال الذي لا إبل فيه فيمن لا عاقلة له سواه، وعليه فيلزم الإمام دفعها من غالب إبل الناس من غير اعتبار محل مخصوص; لأن الذي لزمه ذلك هو جهة الإسلام التي لا تختص بمحل. ولو لم يغلب في محله نوع تخير في دفع ما شاء منها (وإلا) يكن في البلد، أو القبيلة إبل بصفة الإجزاء (فأقربِ بلاد) أو قبائل إلى محل المؤدي. ويلزمه النقل إن قربت المسافة وسهل نقلها فإن بعدت وعظمت المؤنة في نقلها فالقيمة، فإن استوى في القرب محال واختلف إبلها تخير الدافع، والمراد بالبعد مسافة القصر

(3)

. ولو اختلف محال العاقلة أخذ واجب كلٍّ من غالب محله وإن كان فيه تشقيص; لأنها هكذا وجبت، ومر قبيل فصل الشجاج فيمن لزمه أقل الأمرين ما يعلم منه أنه لا تتعين الإبل بل إن كان الأقل القيمة فالنقد أو الأرش تخير الدافع بين النقد والإبل (ولا يعدل) عما وجب من الإبل (إلى نوع) ولو أعلى إلا بتراضٍ من الدافع والمستحق كسائر أبدال المتلفات (و) لا إلى (قيمة إلا بتراضٍ) منهما أيضا كذلك، ومحله إن علما قدر الواجب وصفته وسنه، وقولهم لا يصح الصلح عن إبل الدية محله إن جهل واحد مما ذكر.

(1)

. ولو معيبة.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني والمنهج.

(3)

. على المعتمد كما في الفتح والإمداد.

ص: 61

وَلَوْ عُدِمَتْ فَالْقَدِيمُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوِ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ. وَالجَدِيدُ قِيمَتُهَا بِنَقْدِ بَلَدِهِ. وَإِنْ وُجِدَ بَعْضٌ أُخِذَ وَقِيمَةَ الْبَاقِي، وَالمَرْأَةُ وَالخُنْثَى كَنِصْفِ رَجُلٍ نَفْسًا وَجُرْحًا. وَيَهُودِيٌّ وَنَصْرَانِيٌّ ثُلُثُ مُسْلِمٍ. وَمَجُوسِيٌّ ثُلُثَا عُشُرِ مُسْلِمٍ، وَكَذَا وَثَنِيٌّ لَهُ أَمَانٌ. وَالمَذْهَبُ أَنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ إنْ تَمَسَّكَ بِدِينٍ لَمْ يُبَدَّلْ فَدِيَةُ دِينِهِ،

(ولو عدمت) الإبل من المحل الذي يجب تحصيلها منه حسا، أو شرعا بأن وجدت فيها بأكثر من ثمن مثلها (فالقديم) الواجب في النفس الكاملة (ألف دينار) أي مثقال ذهبا (أو اثنا عشر ألف درهم) فضة؛ لحديث صحيح فيه وهو دال على تعين الذهب على أهله والفضة على أهلها، ولا تغليظ في الدنانير والدراهم بما مر من نحو الحرم (والجديد قيمتها

(1)

أي الإبل بالغة ما بلغت يوم وجوب التسليم؛ لحديث فيه (بنقد بلده) أي بغالب نقد محل الفقد الواجب تحصيلها منه لو كان به إبل بصفات الواجب من التغليظ وغيره يوم وجوب التسليم، فإن غلب فيه نقدان تخيَّر الدافع، ويجاب مستحق صبر إلى وجودها (وإن وجد بعض) من الواجب (أخذ) الموجود (وقيمة الباقي) من الغالب كما تقرر (والمرأة) الحرة (والخنثى) المشكل (كنصف رجل نفسا وجرحا) وأطرافا إجماعا في نفس المرأة وقياسا في غيرها. ويستثنى من أطراف الخنثى الحلمة فإن فيها أقل الأمرين من دية المرأة والحكومة وكذا مذاكيره وشفراه على تفصيل مبسوط فيه في الروضة

(2)

وغيرها (ويهودي ونصراني) له أمان وتحل مناكحته (ثلث) دية (مسلم) نفسا وغيرها؛ لقضاء عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما به ولم ينكر مع انتشاره فكان إجماعا. أما من لا أمان له فهدر وأما من لا تحل مناكحته فديته كدية مجوسي (ومجوسي) له أمان (ثلثا عُشُر) وثلث خُمُس دية (مسلم) وهي ستة أبعرة وثلثان؛ لقضاء عمر به أيضا كما ذكر (وكذا وثني) أي عابد وثن وهو الصنم من حجر وغيره، وكذا عابد نحو شمس وزنديق وغيرهم ممن (له أمان) منا لنحو دخوله رسولا كالمجوسي ودية نساء كل وخناثاهم على النصف من رجالهم، ويُراعَى هنا التغليظ وضده كما مر، والمتولد بين كتابي ونحو مجوسي يلحق بالكتابي أباً كان أو أمَّاً (والمذهب أن من لم تبلغه دعوة) نبينا صلى الله عليه وسلم إلى (الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل فدية) نفسه وغيرها دية (دينه) الذي هو نصرانية، أو تمجس

(1)

. اقتصر عليه المنهج.

(2)

. الروضة 9/ 156 - 158، ط المكتب الإسلامي.

ص: 62

وَإِلَّا فَكَمَجُوسِيٍّ.

فصل

فِي مُوضِحَةِ الرَّأْسِ أَوِ الْوَجْهِ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَهَاشِمَةٍ مَعَ إيضَاحٍ عَشَرَةٌ، وَدُونَهُ خَمْسَةٌ، وَقِيلَ حُكُومَةٌ. وَمُنَقِّلَةٍ خَمْسَةَ عَشَرَ وَمَأْمُومَةٍ ثُلُثُ الدِّيَةِ. وَلَوْ أَوْضَحَ فَهَشَمَ آخَرُ، وَنَقَّلَ ثَالِثٌ، وَأَمَّ رَابِعٌ فَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ خَمْسَةٌ، وَالرَّابِعِ تَمَامُ الثُّلُثِ ..

مثلا من ثلث دية أو ثلث خمسها; لأنه بذلك ثبت له نوع عصمة فألحق بالمؤمن من أهل دينه (وإلا) يتمسك بدين كذلك أو جهل دينه أو واجبه أو شك هل بلغته دعوة نبي أوْ لا

(1)

(فكمجوسي) ففيه دية مجوسي.

(فصل) في الديات الواجبة فيما دون النفس

من الجروح والأعضاء والمعاني. تجب (في موضحة الرأس)، ومنه هنا -لا في نحو الوضوء- العظم الذي خلف أواخر الأذن متصلا بها وما انحدر عن آخر الرأس إلى الرقبة (والوجه)، ومنه هنا -لا ثم أيضا- ما تحت المقبل من اللحيين (لحر) أي من حر (مسلم) ذكر معصوم غير جنين (خمسة أبعرة) إن لم توجب قودا، أو عفي عنه على الأرش. وفي غيره بحسابه، وضابطه أن في موضحة كلٍّ وهاشمته بلا إيضاح ومنقلته بدونهما نصف عشر ديته، وورد في الموضحة في خمس من الإبل وغير الموضحة يقاس عليها. أما غير الوجه والرأس ففي موضحته الحكومة فقط. (و) في (هاشمة مع إيضاح) ولو بسراية، أو نحوها كأن هشم بلا إيضاح فاحتيج للشق لإخراج العظم أو تقويمه (عشرة) رواه البيهقي (و) في هاشمة (دونه) أي الإيضاح (خمسة)؛ لأن للموضحة من العشرة خمسة فتعين الباقي للهاشمة. ولو وصلت هاشمة الوجنة الفم أو موضحة قصبة الأنف الأنف لزمه حكومة أيضا (وقيل حكومة) ; لأنه كسر عظم بلا إيضاح (و) في (منقلة) مسبوقة بهما (خمسة عشر) إجماعا (و) في (مأمومة ثلث الدية)؛ لخبر صحيح به، ومثلها الدامغة فلا يزاد لها حكومة (ولو أوضح) واحد (فهشم آخر) في محله ولو متراخيا أو عكسه (ونقل ثالث وأمَّ رابع) والمجني عليه كامل (فعلى كلٍّ من الثلاثة خمسة) إن لم توجب الموضحة قودا، أو عفي عنه على الأرش (و) على (الرابع تمام الثلث) وهو ثمانية عشر بعيرا وثلث. ولو دمغ خامس فإن ذفف لزمه دية النفس وإلا

(1)

. وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا في الأخيرة للنهاية.

ص: 63

وَالشِّجَاجُ قَبْلَ المُوضِحَةِ إنْ عُرِفَتْ نِسْبَتُهَا مِنْهَا وَجَبَ قِسْطٌ مِنْ أَرْشِهَا، وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ لَا تَبْلُغُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ كَجُرْحِ سَائِرِ الْبَدَنِ. وَفِي جَائِفَةٍ ثُلُثُ دِيَةٍ، وَهِيَ جُرْحٌ يَنْفُذُ إلَى جَوْفٍ كَبَطْنٍ وَصَدْرٍ، وَثُغْرَةِ نَحْرٍ وَجَبِينٍ وَخَاصِرَةٍ. وَلَا يَخْتَلِفُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ بِكِبَرِهَا. وَلَوْ أَوْضَحَ مَوْضِعَيْنِ بَيْنَهُمَا لَحْمٌ وَجِلْدٌ قِيلَ أَوْ أَحَدُهُمَا فَمُوضِحَتَانِ

وجبت ديتها أخماسا عليهم بالسوية وزال النظر لتلك الجراحات. (والشجاج قبل الموضحة) السابق تفصيلها (إن عرفت نسبتها منها) بأن تكون ثم موضحة فيقاس عمق الباضعة مثلا فيوجد ثلث عمق الموضحة (وجب قسط من أرشها) بالنسبة كثلثه في هذا المثال، وما شك فيه يعمل فيه باليقين. هذا ما جرى عليه المصنف والأصح

(1)

وجوب الأكثر من الحكومة والقسط من الموضحة فإن استويا تخير واعتبار الحكومة أولى; لأنها الأصل فيما لا مقدر له (وإلا) تعرف نسبتها منها (فحكومة لا تبلغ أرش موضحة كجرح سائر البدن) ولو بنحو إيضاح وهشم وغيرهما ففيه حكومة فقط; لأنه لم يرد هنا توقيف ولأن ما في الرأس والوجه أشد خوفا وشينا فميِّز، نعم يستثنى من ذلك الجائفة كما قال (وفي جائفة ثلث دية) لصاحبها؛ لخبر صحيح فيه (وهي جرح) ولو بغير حديد (ينفذ إلى جوف) باطن محيل للغذاء أو الدواء أو طريق للمحيل (كـ) داخل (بطن وصدر وثغرة نحر) ومن الطريق ما نزل عن مخرج الحاء المهملة إلى هذه الثغرة (وجبين وخاصرة) وورك

(2)

ومثانة وعجان وهو ما بين الخصية والدبر، وكذا لو أدخل دبره شيئا فخرق به حاجزا في الباطن كما يأتي. ولو نفذت في بطن وخرجت من محل آخر فجائفتان، فإن خرقت جائفة نحو البطن الأمعاء، أو لذعت كبدا، أو طحالا، أو كسرت جائفة الجنب الضلع ففيها مع ذلك حكومة بخلاف ما لو كان كسرها له لنفوذها منه؛ لاتحاد المحل. وخرج بالباطن المذكور داخل فم وأنف وعين وفخذ

(3)

وذكر ففيها حكومة فقط، (ولا يختلف أرش موضحة بكبرها) وصغرها ولا ببروزها وخفائها ولا بشينها وعدمه; لأن المدار على اسمها (ولو أوضح موضعين بينهما) حاجز هو (لحم وجلد، قيل أو) بينهما (أحدهما فموضحتان) ما لم يتآكل الحاجز أو يزله الجاني أو يخرقه في الباطن -دون

(1)

. اعتمده الشارح في الفتح وهو ظاهر التحفة.

(2)

. هو المتصل بمحل القعود من الألية.

(3)

. هو أعالي الورك.

ص: 64

وَلَوِ انْقَسَمَتْ مُوضِحَتُهُ عَمْدًا وَخَطَأً أَوْ شَمِلَتْ رَأْسًا وَوَجْهًا فَمُوضِحَتَانِ، وَقِيلَ مُوضِحَةٌ، وَلَوْ وَسَّعَ مُوضِحَتَهُ فَوَاحِدَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ غَيْرُهُ فَثِنْتَانِ. وَالجَائِفَةُ كَمُوضِحَةٍ فِي التَّعَدُّدِ. وَلَوْ نَفَذَتْ مِن بَطْنٍ وَخَرَجَتْ مِنْ ظَهْرٍ فَجَائِفَتَانِ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَوْصَلَ جَوْفَهُ سِنَانًا لَهُ طَرَفَانِ فَثِنْتَانِ. وَلَا يَسْقُطُ الأَرْشٌ بِالْتِحَامِ مُوضِحَةٍ وَجَائِفَةٍ.

الظاهر- قبل الاندمال

(1)

وإن كانتا عمدا

(2)

والإزالة خطأ. وتتعدد الموضحات بتعدد ما ذكر وإن زادت على دية النفس (ولو انقسمت موضحته عمدا وخطأ) أو وشبه عمد (أو شمِلت رأسا ووجها فموضحتان)؛ لاختلاف الحكم أو المحل بخلاف شمولها وجها وجبهة أو رأسا وقفا فواحدة لكن مع حكومة في الأخيرة (وقيل موضحة)؛ لاتحاد الصورة (ولو وسع موضحته) وإن لم يتحد

(3)

عمدا مثلا

(4)

(فواحدة على الصحيح) كما لو أتى بها ابتداء كذلك (أو) وسعها (غيره فثنتان) مطلقا; لأن فعله لا يبنى على فعل غيره (والجائفة كموضحة في التعدد) المذكور وعدمه صورة وحكما ومحلا وفاعلا وغير ذلك، فلو أجافه بمحلين بينهما لحم وجلد وانقسمت -عمدا أو خطأ- فجائفتان ما لم يرفع الحاجز أو يتآكل قبل الاندمال، نعم لا يجب دية جائفة على موسع جائفة غيره إلا إن كان من الظاهر والباطن، أما إن كان من أحدهما فحكومة. ولو قطع ظاهرا في جانب وباطنا في آخر وكملا جائفة فأرشها فإن لم يكملاها فقسط أرش الجائفة بأن ينظر في ثخانة اللحم والجلد ويقسط على المقطوع من الجانبين، ولا يقال بهذا التفصيل في الموضحة؛ لأن ما قبلها له أسماء مخصوصة كما مر ففيه الحكومة أو الأكثر على الخلاف السابق وما هنا ليس كذلك. ولو أدخل في دبره ما خرق به حاجزا في الباطن كان جائفة (ولو نفذت من بطن وخرجت من ظهر فجائفتان في الأصح) كما قضى به أبو بكر رضي الله عنه؛ اعتبارا للخارجة بالداخلة (ولو أوصل جوفه سنانا له طرفان) يعني طعنه به فوصلا جوفه والحاجز بينهما سليم (فثنتان) فإن خرجا من ظهره فأربع. (ولا يسقط الأرش بالتحام موضحة وجائفة) ; لأنه في مقابلة الجزء الفائت والألم الحاصل -ولا قود وأرش بعود

(1)

. راجع ليتآكل وما عطف عليه.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. أي التوسع مع الإيضاح.

(4)

. خلافا لهما.

ص: 65

وَالمَذْهَبُ أَنَّ فِي الْأُذُنَيْنِ دِيَةً لَا حُكُومَةً، وَبَعْضٌ بِقِسْطِهِ، وَلَوْ أَيْبَسَهُمَا فَدِيَةٌ، وَفِي قَوْلٍ حُكُومَةٌ. وَلَوْ قَطَعَ يَابِسَتَيْنِ فَحُكُومَةٌ، وَفِي قَوْلٍ دِيَةٌ. وَفِي كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ، وَلَوْ عَيْنَ أَحْوَلَ وَأَعْمَشَ وَأَعْوَرَ، وَكَذَا مَنْ بِعَيْنِهِ بَيَاضٌ لَا يَنْقُصُ الضَّوْءَ،

لسان; لأنه محض نعمة جديدة والتصاق أذن بعد إبانة جميعها، ويجب قلعها أي حيث لم يخش مبيح تيمم بخلاف معلقة بجلدة التصقت وذلك; لأن الدم وإن قل لَمَّا انفصل معها ثم عاد بعد انفصالها عن البدن بالكلية بلا حاجة لمحله الذي صار ظاهرا على وجه يدوم لم يلحق بالمعفو عنه في غير ذلك; لأن هذا أفحش- بخلاف عود المعاني; لأن به يتبين أن لا خلل.

[تنبيه] سبق أن للمعلق بجلدة حكم المبان حتى يجب فيه القود أو كمال الدية، ولا ينافيه ما تقرر في الأذن المعلقة بجلدة; لأنها بالنسبة لعدم وجوب إزالتها لا غير; لأنها لم تصر أجنبية عن البدن بالكلية، أما بالنسبة للقود أو الدية فلا شيء فيها حيث قطع قاطع تلك الجلدة المعلقة بها بخلاف قطع التصاق ما بقي منها غير الجلدة فإنه يوجب حكومة على الجاني الأول، وقودا أو دية على الثاني الذي قطعها بعد التصاقها، والسن كالأذن فيما تقرر، نعم لو قلعها فتعلقت بعرق ثم أعادها وثبتت وجب فيها حكومة لا دية؛ لعدم إبانتها (والمذهب أن في) قطع أو قلع (الأذنين دية) كدية نفس المجني عليه، وكذا في كل ما يأتي (لا حكومة)؛ لخبر فيه (و) في (بعض) منهما أو من أحدهما (بقسطه) ففي واحدة نصف دية وفي بعضها بنسبته إليها بالمساحة (ولو أيبسهما) بالجناية (فدية) فيهما؛ لإبطال منفعتهما المقصودة من دفع الهوام لزوال الإحساس (وفي قول حكومة)؛ لبقاء جمع الصوت ومنع دخول الماء (ولو قطع يابستين) وإن كان يبسهما أصليا (فحكومة) كقطع يد شلاء أو جفن أو أنف استحشف

(1)

(وفي قول دية)؛ لإزالة تينك المنفعتين العظيمتين. ولو أوضح مع قطع الأذن وجبت دية موضحة أيضا؛ إذ لا يتبع مقدرٌ مقدرَ عضوٍ آخر (وفي) إزالة جرم (كل عين) صحيحة (نصف دية) إجماعا؛ لخبر صحيح فيه (ولو) هي (عين) أخفش أو أعشى أو (أحول) وهو من بعينه خلل دون بصره (وأعمش) وهو من يسيل دمعه غالبا مع ضعف بصره، نعم لو تولد العمش من آفة أو جناية على غير العين لم تكمل فيها الدية (وأعور) وهو فاقد ضوء إحدى عينيه؛ لبقاء أصل المنفعة في الكل (وكذا من بعينه بياض) على ناظرها أو غيره (لا يَنقُص الضوءَ) -

(1)

. استحشفت الأذن إذا يبست، الصحاح.

ص: 66

فَإِنْ نَقَصَ فَقِسْطٌ، فَإِنْ لَمْ يَنْضَبِطْ فَحُكُومَةٌ. وَفِي كُلِّ جَفْنٍ رُبْعُ دِيَةٍ، وَلَوْ لِأَعْمَى. وَفِي مَارِنٍ دِيَةٌ، وَفِي كُلٍّ مِنْ طَرَفَيْهِ وَالحَاجِزِ ثُلُثٌ، وَقِيلَ فِي الحَاجِزِ حُكُومَةٌ، وَفِيهِمَا دِيَةٌ. وَفِي كُلِّ شَفَةٍ نِصْفُ. وَلِسَانٍ وَلَوْ لِأَلْكَنَ وَأَرَتَّ وَأَلْثَغَ وَطِفْلٍ دِيَةٌ، وَقِيلَ شَرْطُ الطِفْل ظُهُورُ أَثَرِ نُطْقٍ بِتَحْرِيكِهِ لِبُكَاءٍ وَمَصٍّ، وَلِأَخْرَسَ حُكُومَةٌ

مفعول- ففيها نصف الدية (فإن نقص) وانضبط النقص بالنسبة للصحيحة (فقسط) منه يجب فيها (فإن لم ينضبط) النقص (فحكومة، وفي) قطع أو إيباس (كل جفن) استؤصل قطعه -وليتنبه له فإنه قد يتقلص مع بقاء بعضه حتى يشبه المستأصل- (ربع دية)؛ لما فيه من الجمال والمنفعة التامة (ولو) كان (لأعمى) وتندرج فيها حكومة الأهداب; لأنها تابعة لها (وفي) قطع أو إشلال (مارن) وهو ما لان من الأنف ويشتمل على طرفين وحاجز (دية)؛ لخبر صحيح فيه. ولو قطع معه القصبة دخلت حكومتها في ديته; لأنها تابعة بخلاف الموضحة الحاصلة من قطع الأذنين، وفي تعويجه حكومة كتعويج الرقبة أو نحو تسويد الوجه (وفي كل من طرفيه والحاجز ثلث) من الدية; لما مر في الأجفان (وقيل في الحاجز حكومة وفيهما دية) ; لأن الجمال والمنفعة فيهما دونه ويرد بالمنع (وفي) قطع أو إشلال (كل شفة) وهي كما في بعض نسخ المتن في عرض الوجه إلى الشدقين وفي طوله إلى ما يستر اللثة (نصف) من الدية؛ لخبر فيه، فإن كانت مثقوبة نقص منها قدر حكومة وفي بعضها بقسطه كسائر الأجرام (و) في (لسان) ناطق (ولو لألكن وأرت وألثغ وطفل) وإن فقد ذوقه

(1)

؛ لذهاب النطق الذي فيه الدية (دية)؛ لخبر صحيح فيه (وقيل شرط) الوجوب في لسان (الطفل ظهور أثر نطق بتحريكه لبكاء ومص) وإلا فحكومة؛ لعدم تيقن سلامته، والأصح لا فرق؛ أخذا بظاهر السلامة كما تجب في يده ورجله وإن فقد البطش حالا، ومن ثم لو بلغ أوان النطق أو التحريك ولم يظهر أثره تعينت الحكومة، وكذا

(2)

لو ولد أصم فقطع لسانه الذي ظهر منه أمارة النطق لليأس منه; لأنه إنما ينطق بما يسمعه (و) في لسانٍ (لأخرس) أصالة أو لعارض (حكومة)؛ لذهاب أعظم منافعه، نعم إن ذهب بقطعه الذوق وجبت الدية، أي إن قلنا بالراجح أن الذوق في جرمه وإلا فحكومة له أيضا، ولو عادت فلقة من اللسان بعد قطعها لم يسقط واجبها؛ لأنها نعمة

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا لظاهر المغني.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا لظاهر النهاية.

ص: 67

وَكُلِّ سِنٍّ لِذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ سَوَاءٌ كَسَرَ الظَّاهِرَ مِنْهَا دُونَ السِّنْخِ أَوْ قَلَعَهَا بِهِ. وَفِي سِنٍّ زَائِدَةٍ حُكُومَةٌ، وَحَرَكَةُ السِّنِّ إنْ قَلَّتْ فَكَصَحِيحَةٍ، وَإِنْ بَطَلَتِ المَنْفَعَةُ فَحُكُومَةٌ، أَوْ نَقَصَتْ فَالْأَصَحُّ كَصَحِيحَةٍ

جديدة

(1)

(و) في (كل سن) أصلية تامة مثغورة نصف عشر دية صاحبها أو قيمته ففي كل سن كذلك (لذكر حر مسلم خمسة أبعرة) ولأنثى نصف ذلك، ولذمي ثلثه ولقن نصف عشر قيمته؛ لخبر فيه، نعم إن كانت إحدى ثنيتيه أقصر من الأخرى أو ثنيته مثل رباعيته أو أقصر نقص من الخمس ما يليق بنقصها؛ إذ الغالب طول الثنية على الرباعية. ولو انتهى صغر السن فلم تصلح للمضغ تعينت فيها الحكومة كما لو غير لون سن أو فلقها وبقيت منفعتها، والأسنان العليا متصلة بعظم الرأس، فإذا قلع مع بعضها شيئا منه فحكومة أيضا؛ إذ لا تبعية (سواء كسر الظاهر منها دون السِّنْخ) وهو أصلها المستتر باللحم، والمراد بالظاهر البادي خلقة فلو ظهر بعض السنخ لعارض كملت الدية في الأول (أو قلعها به) معا من أصلها; لأنه تابع فأشبه الكف مع الأصابع. أما لو كسر الظاهر ثم قلع السنخ ولو قبل الاندمال فتجب فيه حكومة كما لو اختلف قالعهما، ويأتي هذا في قصبة الأنف وغيرها من التوابع السابقة والآتية. ولو قلعها إلا عرقا فعادت فنبتت لم يلزمه إلا حكومة كما مر. ولو جنى اثنان على سن فاختلف هو والثاني في الباقي منها حال جنايته صدق المجني عليه بيمينه (وفي سن زائدة حكومة) والمراد بها الشاغية وهي التي تخالف بنيتها بنية الأسنان لا التي من ذهب فإن فيها التعزير فقط ولا الزائدة على الغالب في الفطرة وهو اثنان وثلاثون; لأن الأرجح فيها حيث كانت على سنن البقية وجوب الأرش لا الحكومة، (وحركة السن) المتولدة من نحو مرض أو كبر (إن قلَّت) ولم تنقص منفعتها (فكصحيحة) في وجوب القود أو الدية؛ لبقاء الجمال والمنفعة (وإن بطلت المنفعة) يعني منفعة المضغ؛ لشدة الحركة مثلا (فحكومة) فقط؛ للشَّيْن الحاصل بزوال المنفعة (أو نقصت) بأن بقي فيها أصل منفعة المضغ (فالأصح كصحيحة) فيجب القود أو الدية كما يجب مع ضعف البطش والمشي. أما المتولدة من جناية ثم سقطت بجناية ثانية ففيها الأرش لكن لا يكمل إن ضمنت تلك الجناية؛ لئلا يتضاعف الغرم في الشيء الواحد، أو عادت كما كانت ففيها الحكومة، أو نقصت لزم الأرش، فعليه لو قلعها

(1)

. ذكره الشارح آخر الفصل.

ص: 68

وَلَوْ قَلَعَ سِنَّ صَغِيرٍ لَمْ يُثْغَرْ فَلَمْ تَعُدْ وَبَانَ فَسَادُ المَنْبَتِ وَجَبَ الْأَرْشُ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْبَيَانِ فَلَا شَيْءَ، وَأَنَّهُ لَوْ قَلَعَ سِنَّ مَثْغُورٍ فَعَادَتْ لَا يَسْقُطُ الْأَرْشُ، وَلَوْ قُلِعَتْ الْأَسْنَانُ فَبِحِسَابِهِ، وَفِي قَوْلٍ لَا تُزِيدُ عَلَى دِيَةٍ إنِ اتَّحَدَ جَانٍ وَجِنَايَةٌ. وَكُلِّ لَحْيٍ نِصْفُ دِيَةٍ وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَكُلِّ يَدٍ نِصْفُ دِيَةٍ إنْ قَطَعَ مِنْ كَفٍّ، فَإِنْ قَطَعَ فَوْقَهُ فَحُكُومَةٌ أُيْضَاً. وَفِي كُلِّ إِصْبَعٍ عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ، وَأُنْمُلَةٍ ثُلُثُ الْعَشَرَةِ، وَأَنْمُلَةِ إِبْهَامٍ نِصْفُهَا. وَالرِّجْلَانِ كَالْيَدَيْنِ

آخر لزمته حكومة دون حكومة التي تحركت بهرم أو مرض; لأن النقص الذي فيها قد غرمه الجاني الأول بخلافه في الهرم والمرض (ولو قلع سن صغير) أو كبير (لم يثغر فلم تعد) وقت العود (وبان فساد المنبت) بقول خبيرين -أي أو بوصوله لسن يقطع فيه عادة بفساده- (وجب الأرش) كسن المثغور، فإن عادت فلا شيء إلا إن بقي شين (والأظهر أنه لو مات قبل البيان) للحال (فلا شيء)؛ لأصل براءة الذمة مع أن الظاهر العود لو بقي، نعم له حكومة كما لو مات قبل تمام نباتها (و) الأظهر (أنه لو قلع سن مثغور فعادت لا يسقط الأرش) ; لأن العود نعمة جديدة (ولو قلعت الأسنان) كلها (فبحسابه) أي المقلوع ففيها حيث كانت كالغالب اثنين وثلاثين مائة وستون بعيرا (وفي قول لا تزيد على دية إن اتحد جان وجناية) كالأصابع (و) في (كل لَحي نصف دية) كالأذنين (ولا يدخل أرش الأسنان) التي عليها وهي السفلى أثغرت أم لا (في دية اللحيين في الأصح)؛ لاستقلال كل بنفع وبدل واسم خاص، ولزوال منبت غير المثغرة بالكلية (و) في (كل يد نصف دية)؛ لخبر به في أبي داود (إن قطع من كف) يعني من كوع (فإن قطع فوقه فحكومة أيضا) ; لأنه ليس بتابع. هذا إن اتحد القاطع وإلا فعلى الثاني وهو القاطع ما عدا الأصابع حكومة (وفي) قطع أو إشلال (كل أصبع) عشر دية صاحبها موزعا على أنامله الثلاثة إلا الإبهام فعلى أنملتيه. ولو زادت الأنامل على العدد الغالب مع التساوي أو نقصت قُسِّط الواجب عليها وكذا الأصابع

(1)

، ويؤيده قولهم لو انقسمت أصابعه إلى ست متساوية قوة وعملا وأخبر أهل الخبرة بأنها أصلية فلها حكم الأصلية، وإذا تقرر أن في كل أصبع عشر دية صاحبه ففي أصبع الذكر الحر المسلم (عشرة أبعرة و) في كل (أنملة) له (ثلث العشر و) في (أنملة إبهام) له (نصفها)؛ عملا بالتقسيط الآتي (والرجلان كاليدين) في كل ما ذكر حتى

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه لو زادت الأصابع أو نقصت لا ينقص واجبها، بل يجب في الزائد حكومة.

ص: 69

وَفِي حَلَمَتَيْهَا دِيَتُهَا، وَحَلَمَتَيْهِ حُكُومَةٌ، وَفِي قَوْلٍ دِيَةٌ. وَفِي أُنْثَيَيْنِ دِيَةٌ، وَكَذَا ذَكَرٌ وَلَوْ لِصَغِيرٍ وَشَيْخٍ وَعِنِّينٍ. وَحَشَفَةٌ كَذَكَرٍ، وَبَعْضُهَا بِقِسْطِهِ مِنْهَا وَقِيلَ مِنْ الذَّكَرِ، وَكَذَا حُكْمُ بَعْضِ مَارِنٍ، وَحَلَمَةٍ

الأنامل، وذلك؛ للخبر الصحيح به. ولو تعددت اليد فإن علمت الزائدة لنحو قصر فاحش ففيها الحكومة وإلا تعرف الزائدة لاستوائهما في سائر ما يأتي أو للتعارض الآتي فهما كيد واحدة ففيهما القود أو الدية; لأنهما في الأولى أصليتان وفي الثانية مشتبهتان ولا مرجح فأعطيتا حكم الأصليتين، وتجب مع كلٍّ حكومة لزيادة الصورة وتعرف الأصلية ببطش أو قوته

(1)

وإن انحرفت عن سمت الكف أو نقصت أصبعا وباعتدال فالمنحرفة هي الزائدة إلا إن زاد بطشها فهي الأصلية، فإن تميزت إحداهما باعتدال والأخرى بزيادة أصبع فلا تمييز، فإن استوتا بطشا ونقصت إحداهما وانحرفت الأخرى فالمنحرفة الأصلية، أو زاد جرم إحداهما فهي الأصلية. وفي أصبع أو أنملة زائدة -وتعرف بنحو انحراف عن سمت الأصلية كما تقرر- حكومة ويأتي آخر السرقة

(2)

ما له تعلق بذلك (وفي) قطع أو إشلال (حلمتيها) أي المرأة (ديتها) ففي كل منهما وهي رأس الثدي نصف دية؛ لتوقف منفعة الإرضاع عليهما وتدخل حكومة بقيته فيها، وفي حلمتي الخنثى الأقل من دية المرأة والحكومة (و) في (حلمتيه) أي الرجل (حكومة) ; لأنه ليس فيها غير الجمال ولا تدخل فيها الثندوة

(3)

من غير المهزول وهي ما حواليها من اللحم; لأنهما عضوان بخلاف بقية ثدي المرأة مع حلمتها. (وفي قول دية) كالمرأة (وفي الأنثيين دية، وكذا ذكر) غير أشل ففيه قطعا وإشلالا الدية؛ للخبر الصحيح فيهما (ولو) كان الذكر (لصغير وشيخ وعنين)؛ لكماله في نفسه، (وحشفة كذكر) ففيها وحدها دية; لأن اللذة المقصودة منه بها وحدها (وبعضها) فيه (بقسطه منها)؛ لكمال الدية فيها فقسطت على أبعاضها (وقيل من الذكر) ; لأنه الأصل، فإن اختل بقطع بعضها مجرى البول وجب الأكثر من قسط الدية وحكومة فساد المجرى (وكذا حكم بعض مارن وحلمة) ففي بعض كلٍّ قسطه منهما لا من القصبة والثدي.

(1)

. أي قوة البطش.

(2)

. التحفة 9/ 155 - 156.

(3)

. أي ففيها حكومة أخرى مغني.

ص: 70

وَفِي الْأَلْيَيْنِ الدِّيَةُ، وَكَذَا شُفْرَاهَا، وَكَذَا سَلْخُ جِلْدٍ إنْ بَقِيَ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَحَزَّ غَيْرُ السَّالخِ رَقَبَتَهُ.

فصل

فِي الْعَقْلِ دِيَةٌ

(وفي الأليين) من الرجل وغيره وهما محل القعود (الدية)؛ لعظم نفعهما، وفي بعض أحدهما قسطه من النصف إن عرف وإلا فحكومة، ولا عبرة في عود الأليين أو بعضهما في سقوط الدية (وكذا شفراها) أي حرفا فرجها المنطبقان عليه فيهما قطعا وإشلالا الدية، وفي كل نصفها (وكذا سلخ جلد) لم ينبت بدله فيه دية المسلوخ منه، فإن نبت استردت; لأنه ليس محض نعمة جديدة لجريان العادة في نحو الجلد واللحم بذلك ثم إن بقي شيء بعد عود الجلد وجبت حكومة وإلا فلا.

[تنبيه] سائر الأجسام لا يسقط واجبها بعودها؛ لأنه نعمة جديدة كعود اللسان والأليين، ويستثنى من هذا سن غير المثغور والإفضاء والجلد هنا؛ لأنه يلتئم كثيراً فهو كالإفضاء (إن بقي فيه حياة مستقرة) وهو نادر وليس من السلخ تمزع الجلد بحرارة، (و) مات بسبب آخر غير السلخ بأن (حزَّ غير السالخ رقبته) بعد السلخ، أو مات بنحو هدم، أو حزه السالخ واختلفت الجنايتان عمدا وغيره وإلا فالواجب دية النفس. وتجب الدية أيضا

(1)

بقطع اللحمين الناتئين بجنب سلسلة الظهر كالأليين. وفي كسر عضو أو ترقوة حكومة، ويحط من دية العضو ونحوه بعض جرم له مقدر وواجب جناية غيره.

(فرع) في موجب إزالة المنافع

وهي ثلاثة عشر (في) إزالة بنحو لطمة (العقل) الغريزي والمراد به هنا العلم بالمدركات الضرورية الذي به التكليف (دية) كالتي في نفس المجني عليه، وكذا في سائر ما مر ويأتي؛ إجماعا لا القود؛ للاختلاف في محله، وإن كان الأصح عندنا كأكثر أهل العلم أنه في القلب؛ للآية. أما المكتسب وهو ما به حسن التصرف والخُلُق ففيه حكومة لا تبلغ دية الغريزي، وكذا بعض الأول إن لم ينضبط، فإن انضبط بالزمن أو بمقابلة المنتظم بغيره فالقسط، ولو توقع عوده وقَدَّر له خبيران مدة يعيش إليها غالبا انتظر فإن مات قبل العود

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 71

فَإِنْ زَالَ بِجُرْحٍ لَهُ أَرْشٌ أَوْ حُكُومَةٌ وَجَبَا، وَفِي قَوْلٍ يَدْخُلُ الْأَقَلُّ فِي الْأَكْثَرِ. وَلَوِ ادُّعِيَ زَوَالُهُ فَإِنْ لَمْ يَنْتَظِمْ قَوْلُهُ وَفِعْلُهُ فِي خَلَوَاتِهِ فَلَهُ دِيَةٌ بِلَا يَمِينٍ. وَفِي السَّمْعِ دِيَةٌ، وَمِنْ أُذُنٍ نِصْفٌ، وَقِيلَ قِسْطُ النَّقْصِ. وَلَوْ أَزَالَ أُذُنَيْهِ وَسَمْعَهُ فَدِيَتَانِ. وَلَوِ ادَّعَى زَوَالَهُ فَإِنْ انْزَعَجَ لِصِيَاحٍ فِي نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَكَاذِبٌ، وَإِلَّا حَلَفَ وَأَخَذَ دِيَةً. وَإِنْ نَقَصَ فَقِسْطُهُ إنْ عُرِفَ

وجبت الدية كما في البصر والسمع (فإن زال بجرح له أرش) مقدر كالموضحة (أو حكومة وجبا) أي الدية والأرش أو الحكومة كما لو أوضحه فذهب سمعه (وفي قول يدخل الأقل في الأكثر) كأرش الموضحة، وكذا إن تساويا كأرش اليدين (ولو ادُّعِيَ زواله) لم تسمع دعواه إلا إن كان مثل تلك الجناية مما يزيله عادة وإلا حُمِل على الاتفاق كالموت من ضربة بقلم خفيف، وإذا سمعت دعواه وأنكر الجاني اختبر المجني عليه في غفلاته إلى أن يغلب على الظن صدقه أو كذبه (فإن لم ينتظم) بالبينة أو بعلم القاضي (قوله وفعله في خلواته فله دية)؛ لقيام القرينة الظاهرة على صدقه (بلا يمين) ; لأنها تثبت جنونه والمجنون لا يحلف، نعم إن كان يجن وقتا ويفيق وقتا حلف زمن إفاقته. وإن انتظما فلا دية؛ لظن كذبه وحَلَف الجاني؛ لاحتمال أنهما صدرا اتفاقا أو عادة، وترد ديته كسائر المعاني بعوده. وخرج بزواله نقصه فيحلف مدعيه؛ إذ لا يُعلم إلا منه (وفي) إبطال (السمع دية) إجماعا (و) في إزالته (من أذن نصف) من الدية (وقيل قسط النقص) من الدية. ومحل وجوب الدية هنا حيث لم يشهد خبيران ببقائه في مقره ولكن ارتتق داخل الأذن وإلا فحكومة دون الدية إن لم يرج فتقه وإلا بأن رجي في مدة يعيش إليها غالبا فلا شيء (ولو أزال أذنيه وسمعه فديتان) ; لأنه ليس في جرم الأذنين بل في مقرهما من الرأس كما مر (ولو ادعى) المجني عليه (زواله)، وأنكر الجاني اختبر بنحو صوت مزعج مهول متضمن للتهديد في غفلاته حتى يعلم صدقه أو كذبه (فإن انزعج لصياح) أو نحو رعد (في نوم وغفلة فكاذب) ظنا بمقتضى هذه القرينة ولكن يحتمل الموافقة، فلذا يحلف الجاني أنه باقٍ (وإلا) ينزعج (حلف)؛ لاحتمال تجلده، ولا بد من تعرضه في حلفه لذهاب سمعه ((من جناية هذا)) (وأخذ دية) وينتظر عوده إن شهد به خبيران بعد مدة يظن أنه يعيش إليها وكذا البصر ونحوه كما مر (وإن نقص) السمع من الأذنين (فقسطه) أي النقص من الدية (إن عرف) قدره منه، أو من غيره بأن عرف أو قال إنه كان يسمع من كذا فصار يسمع من نصفه

ص: 72

وَإِلَّا فَحُكُومَةٌ بِاجْتِهَادِ قَاضٍ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ سَمْعُ قَرْنِهِ فِي صِحَّتِهِ، وَيُضْبَطُ التَّفَاوُتُ. وَإِنْ نَقَصَ مِنْ أُذُنٍ سُدَّتْ وَضُبِطَ مُنْتَهَى سَمَاعِ الْأُخْرَى ثُمَّ عُكِسَ وَوَجَبَ قِسْطُ التَّفَاوُتِ. وَفِي ضَوْءِ كُلِّ عَيْنٍ نِصْفُ دِيَةٍ، فَلَوْ فَقَأَهَا لَمْ تَزِدْ. وَإِنِ ادَّعَى زَوَالَهُ سُئِلَ أَهْلُ الخِبْرَةِ، أَوْ يُمْتَحَنُ بِتَقْرِيبِ عَقْرَبٍ أَوْ حَدِيدَةٍ مِنْ عَيْنِهِ بَغْتَةً، وَنُظِرَ هَلْ يَنْزَعِجُ؟ وَإِنْ نَقَصَ فَكَالسَّمْعِ

ويحلف في قوله ذلك; لأنه لا يعرف إلا منه (وإلا) يعرف قدر النسبة (فحكومة) تجب فيه (باجتهاد قاض)؛ لتعذر الأرش. ولا تسمع دعوى النقص هنا وفي جميع ما يأتي إلا إن عين المدعي قدر النقص، وطريقه أن يعين المتيقن، نعم لو ذكر قدرا فدلَّ الامتحان على أكثر منه لم يجب له إلا ما ذكره ما لم يجدد دعوى في الثاني ويطلبه (وقيل يعتبر سمع قَرْنه) وهو من سنه كسنه; لأنه أقرب (في صحته ويضبط التفاوت) بين سمعيهما ويؤخذ بنسبته من الدية، (وإن نقص) السمع (من أذن سدت وضبط منتهى سماع الأخرى ثم عكس ووجب قسط التفاوت) من الدية، فإن كان بين مسافتي السامعة والأخرى النصف فله ربع الدية; لأنه أذهب ربع سمعه، فإن لم ينضبط فحكومة كما علم مما مر (وفي) إبطال (ضوء كل عين) ولو عين أخفش وهو من يبصر ليلا فقط، وأعشى وهو من يبصر نهارا فقط؛ لما مر أن من بعينه بياض لا ينقص الضوء يكمل فيها الدية (نصف دية) كالسمع.

[تنبيه] لو أعشاه بأن جنى عليه فصار يبصر نهارا فقط لزمه نصف دية

(1)

؛ توزيعا على إبصاره بها نهارا وليلا، وإن أخفشه بأن صار يبصر ليلا فقط لزمته حكومة

، (فلو فقأها) بالجناية المذهبة للضوء (لم تزد) لها حكومة; لأن الضوء في جرمها (وإن ادعى) المجني عليه (زواله) وأنكر الجاني (سئل) أوّلا (أهل الخبرة) هنا -ولا يمين- لا في السمع؛ إذ لا طريق لهم فيه وهنا لهم طريق فيه بقلب حدقته إلى الشمس مثلا فيعرفون هل فيها قوة الضوء أوْ لا (أو يمتحن) بعد فقد خبيرين منهم أو توقفهم عن الحكم بشيء (بتقريب) نحو (عقرب أو حديدة من عينه بغتة وينظر هل ينزعج) فيحلف الجاني؛ لظهور كذب خصمه، أو لا ينزعج فيحلف الخصم؛ لظهور صدقه (وإن نقص فكالسمع) ففي نقص البصر من العينين معا إن عرف بأن كان يرى لحد فصار يرى لنصفه قسطه وإلا فحكومة، ومن عين تعصب هي ويوقف شخص

(1)

. خلافا للمغني والأسنى من وجوب الدية كاملة، وجمع بين كلامهما السيد عمر.

ص: 73

وَفِي الشَّمِّ دِيَةٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَفِي الْكَلَامِ دِيَةٌ، وَفِي بَعْضِ الحُرُوفِ بِقِسْطُهُ، وَالمُوَزَّعُ عَلَيْهَا ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ لَا تُوَزَّعُ عَلَى الشَّفَهِيَّةِ وَالحَلْقِيَّةِ. وَلَوْ عَجَزَ عَنْ بَعْضِهَا خِلْقَةً أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَدِيَةٌ، وَقِيلَ قِسْطٌ، أَوْ بِجِنَايَةٍ فَالمَذْهَبُ لَا تُكَمَّلُ دِيَةٌ

في محل يراه، ويؤمر بالتباعد حتى يقول لا أراه فتعرف المسافة ثم تعصب الصحيحة وتطلق العليلة ويؤمر بأن يقرب راجعا إلى أن يراه فيضبط ما بين المسافتين ويجب قسطه من الدية. ولو اتهم بزيادة الصحيحة ونقص العليلة امتحن في الصحيحة بتغيير ثياب ذلك الشخص وبالانتقال لبقية الجهات، فإن تساوت الغايات فصادق وإلا فلا، ويأتي نحو ذلك في السمع وغيره لكنهم في السمع صوَّروه بأن يجلس بمحل ويؤمر برفع صوته من مسافة بعيدة عنه بحيث لا يسمعه ثم يقرب منه شيئا فشيئا إلى أن يقول سمعته فيعلم (وفي الشم دية على الصحيح) كالسمع ففي إذهابه من أحد المنخرين نصف دية ولو نقص فقسطه إن أمكن وإلا فحكومة، ويأتي في الارتتاق هنا ما مر في السمع. ولو ادعى زواله امتحن فإن هش أو عبس حلف الجاني وإلا حلف هو، ولا يسأل الخبراء هنا؛ لأنه لا طريق لهم في معرفة زواله (وفي) إبطال (الكلام دية)، ويأتي هنا في الامتحان وانتظار العود ما مر، وفي إحداث عجلة أو نحو تمتمة حكومة وهو من اللسان كالبطش من اليد فلا تجب زيادة لقطع اللسان وكون مقطوعه قد يتكلم نادر جدا فلا يعول عليه (وفي بعض الحروف بقسطه) إن بقي له كلام مفهم وإلا فالدية؛ لزوال منفعة الكلام (و) الحروف (الموزع عليها ثمانية وعشرون حرفا في لغة العرب) فلكلِّ حرف ربع سبع الدية وأسقطوا ((لا)) لتركبها من الألف واللام. وتوزع في لغة غير العرب إذا كان المجني عليه منهم على حروفها قلَّت أو كثرت كأحد وعشرين في لغة وأحد وثلاثين في أخرى. ولو تكلم بهاتين وزِّع على أكثرهما (وقيل لا توزع على الشفهية) وهي الباء والفاء والميم والواو (والحلقية) -وهي الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء- بل على اللسانية; لأنها التي بها النطق. ولو أذهب حرفا له فعاد له حرف لم يكن يحسنه وجب للذاهب قسطه من الحروف التي يحسنها قبل الجناية (ولو عجز عن بعضها خلقة أو بآفة سماوية) وله كلام مفهم فجنى عليه فذهب كلامه (فدية)؛ لوجود نطقه وضعفه لا يمنع كمال الدية فيه كضعف البطش والبصر (وقيل) فيه (قسط) من الدية، (أو) عجز عن بعضها (بجناية فالمذهب لا يكمل) فيها (دية)؛ لئلا يتضاعف الغرم فيما أبطله الجاني الأول، وقضيته أنه لا أثر

ص: 74

وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكَسَ فَنِصْفُ دِيَةٍ. وَفِي الصَّوْتِ دِيَةٌ.

فَإِنْ بَطَلَ مَعَهُ حَرَكَةُ لِسَانٍ فَعَجَزَ عَنِ التَّقْطِيعِ وَالتَّرْدِيدِ فَدِيَتَانِ، وَقِيلَ دِيَةٌ. وَفِي الذَّوْقِ دِيَةٌ، وَتُدْرَكُ بِهِ حَلَاوَةٌ وَحُمُوضَةٌ وَمَرَارَةٌ وَمُلُوحَةٌ وَعُذُوبَةٌ، وَتُوَزَّعُ عَلَيْهِنَّ، فَإِنْ نَقَصَ فَحُكُومَةٌ. وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي المَضْغِ. وَقُوَّةِ إمْنَاءٍ بِكَسْرِ صُلْبٍ. وَقُوَّةِ حَبَلٍ وَذَهَابِ جِمَاعٍ،

لجناية الحربي وهو متجه، ومثله السيد (ولو قطع نصف لسانه فذهب ربع) أحرف (كلامه أو عكس فنصف دية)؛ اعتبارا بأكثر الأمرين المضمون كل منهما بالدية; لأنه لو انفرد لكان ذلك واجبه فدخل فيه الأقل، ومن ثم اتجه دخول المساوي فيما إذا قطع النصف فذهب النصف. ولو قطع بعض لسانه فذهب كلامه وجبت الدية، أو فلم يذهب شيء من كلامه وجبت الحكومة (وفي) إبطال (الصوت دية

(1)

إن بقيت قوة اللسان بحالها؛ لخبر فيه (فإن أبطل معه حركة لسانه فعجز عن التقطيع والترديد فديتان)؛ لاستقلال كلٍّ منهما بدية لو انفرد (وقيل دية. وفي) إبطال (الذوق دية) كالسمع ويمتحن إن أنكر الجاني بالأشياء الحادة والمرَّة وغيرها حتى يظن صدقه وكذبه نظير ما مر. ولو أبطل معه نطقه أو حركة لسانه السابقة فدية واحدة

(2)

للسان كما لو قطعه فذهب نطقه; لأن النطق من اللسان كالبطش من اليد كما مر، ومن ثم كان الأوجه فيمن قطع الشفتين فزالت الميم والباء أنه لا يجب لهما أرش; لأنهما منهما كالبطش من اليد أيضا

(3)

(وتدرك به حلاوة وحموضة ومرارة وملوحة وعذوبة وتوزع) الدية (عليهن) ففي كلٍّ خُمُسَها (فإن نقص) إدراكه الطعوم على كمالها (فحكومة) إن لم يتقدر وإلا فقسطه (وتجب الدية في) إبطال (المضغ) بأن يجني على أسنانه فتنحدر وتبطل صلاحيتها للمضغ، أو بأن يتصلب مغرس اللحيين فتمتنع حركتهما مجيئا وذهابا; لأنه المنفعة العظمى للأسنان وفيها الدية فكذا منفعتها كالبصر مع العين والبطش مع اليد، فإن نقص فحكومة (وفي) إبطال (قوة إمناء بكسر صلب)؛ لفوات المقصود الأعظم وهو النسل. ولو قطع أنثييه فذهب منيه لزمه ديتان. (و) في إبطال (قوة حبل) من المرأة، أو إحبال من الرجل؛ لفوات النسل أيضا (و) في (ذهاب) لذة (جماع) ولو مع بقاء المني وسلامة

(1)

. وبحث المغني والأسنى إيجاب حكومة لتعطيل النطق.

(2)

. وفاقا للأسنى والمغني وعند الروض ديتان.

(3)

. خلافا لهم فاعتمدوا وجوب أرش الحرفين أيضا.

ص: 75

وَفِي إفْضَائِهَا مِنَ الزَّوْجِ وَغَيْرِهِ دِيَةٌ، وَهُوَ رَفْعُ مَا بَيْنَ مَدْخَلِ ذَكَرٍ وَدُبُرٍ، وَقِيلَ ذَكَرٍ وَبَوْلٍ. فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْوَطْءُ إلَّا بِإِفْضَاءٍ فَلَيْسَ لِلزَّوْجِ. وَمَنْ لَا يَسْتَحِقُّ افْتِضَاضَهَا فَإِنْ أَزَالَ الْبَكَارَةَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَأَرْشُهَا، أَوْ بِذَكَرٍ لِشُبْهَةٍ أَوْ مُكْرَهَةً فَمَهْرُ مِثْلٍ ثَيِّبًا وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَقِيلَ مَهْرُ بِكْرٍ،

الصلب والذكر; لأنه من المنافع المقصودة، ومثله إذهاب لذة الطعام أو سدُّ مسلكه ففي كل دية، ويصدق

(1)

المجني عليه في ذهاب كل منهما ما عدا الأخيرة بيمينه; لأنه لا يعرف إلا منه ما لم يقل الخبراء إن مثل جنايته لا تذهب ذلك. (وفي إفضائها) أي المرأة (من الزوج، و) كذا من (غيره) بوطء شبهة، أو زنا أو أصبع، أو خشبة (دية) لها. وخرج بإفضائها إفضاء الخنثى ففيه حكومة (وهو) أي الإفضاء (رفع ما بين مدخل ذكر ودبر) فيصير سبيل الجماع والغائط واحدا؛ لفوات المنفعة به بالكلية، فإن لم يستمسك الغائط فحكومة أيضا (وقيل) رفع ما بين مدخل (ذكر و) مخرج (بول) وهو ضعيف، فعلى الأول في هذا حكومة، فإن لم يستمسك البول فحكومة أيضا، فإن أزالهما

(2)

فدية وحكومة. ولو التحم وعاد لما كان فلا دية بل حكومة (فإن لم يمكن الوطء) من الزوج للزوجة (إلا بإفضاء)؛ لكبر آلته أو ضيق فرجها (فليس للزوج) الوطء، ولا لها تمكينه؛ لإفضائه إلى محرم (ومن لا يستحق افتضاضها) أي البكر (فإن أزال البكارة بغير ذكر) كأصبع أو خشبة (فأرشها) يلزمه وهو الحكومة الآتية، نعم إن أزالتها بكر وجب القود (أو بذكر لشبهة) منها كظنها كونه حليلها (أو مكرهة) أو نحو مجنونة (فمهر مثل) يجب لها حال كونها (ثيبا وأرش البكارة) يلزمه لها وهو الحكومة، ولم تدخل في المهر; لأنه لاستيفاء منفعة البضع وهي لإزالة تلك الجلدة فهما جهتان مختلفتان. أما لو كان بزنا وهي حرة مطاوعة فلا شيء، أو أمة فلا مهر؛ إذ لا مهر لبغي بل حكومة; لأنها لفوات جزء من بدنها وبدنها للسيد (وقيل مهر بكر) ; لأن القصد التمتع وتلك الجلدة تذهب ضمنا ويرده ما تقرر، نعم مر أن افتضاض البكر المبيعة قبل القبض من أجنبي يوجب عليه مهر مثلها

(1)

. ظاهره الرجوع إلى ذهاب لذة الجماع ولذة الطعام أو سد مسلكه، وقضية صنيع الروض وشرحه أنه راجع لقوله وفي إبطال قوة إمناء إلى هنا.

(2)

. أي الحاجز بين القبل والدبر والحاجز بينه وبين مخرج البول.

ص: 76

وَمُسْتَحِقُّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ إنْ أَزَالَ بِغَيْرِ ذَكَرٍ فَأَرْشٌ. وَفِي الْبَطْشِ دِيَةٌ وَكَذَا المَشْيُ، وَنَقْصُهُمَا: حُكُومَةٌ. وَلَوْ كَسَرَ صُلْبَهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَجِمَاعُهُ أَوْ وَمَنِيُّهُ فَدِيَتَانِ، وَقِيلَ دِيَةٌ

للمشتري

(1)

(ومستحقه) أي الافتضاض وهو الزوج (لا شيء عليه) وإن أزاله بغير الذكر؛ لأنه مأذون له في استيفائه وإن أخطأ في طريقه (وقيل إن أزال بغير ذكر فأرش) ; لأنه لما عدل عما أُذن له صار كأجنبي، ويردُّ بمنع ذلك (وفي) إبطال (البطش) بأن ضرب يديه فزالت قوة بطشهما (دية) ; لأنه من المنافع المقصودة (وكذا المشي) في إبطاله بنحو كسر الصلب مع سلامة الرجلين دية؛ لذلك، وإنما يؤخذان بعد اندمال؛ إذ لو عادا لم يجب إلا حكومة إن بقي شين (و) في (نقصهما) يعني في نقص كل على حدته (حكومة) بحسب النقص قلة وكثرة، نعم إن عرفت نسبته وجب قسطه من الدية (ولو كسر صلبه فذهب مشيه وجماعه) أي لذته (أو) فذهب مشيه (ومنيه فديتان)؛ لاستقلال كل بدية لو انفرد مع اختلاف محليهما، وفي قطع رجليه وذكره حينئذ ديتان أيضا; لأنهما صحيحان، ومع سلامة الرجلين أو الذكر لا حكومة لكسر الصلب; لأن له دخلا في إيجاب الدية، مع إشلالهما تجب; لأن الدية للإشلال فأفرد حينئذ بحكومة (وقيل دية)؛ بناء على أن الصلب محل المشي لابتدائه منه، ويردُّ بمنع ذلك كما هو مشاهد.

(1)

. ذكره الشارح آخر خيار البيع مع الفرق بينه وبين ما هنا.

ص: 77

فرع

أَزَالَ أَطْرَافًا وَلَطَائِفَ تَقْتَضِي دِيَاتٍ فَمَاتَ سِرَايَةً فَدِيَةٌ. وَكَذَا لَوْ حَزَّهُ الجَانِي قَبْلَ انْدِمَالِهِ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ حَزَّ عَمْدًا وَالجِنَايَةُ خَطَأٌ أَوْ عَكْسُهُ فَلَا تَدَاخُلَ فِي الْأَصَحِّ وَلَوْ حَزَّ غَيْرُهُ تَعَدَّدَتْ

(فرع) في اجتماع جنايات مما مر على شخص واحد

إذا (أزال) جان (أطرافا) كأذنين ويدين ورجلين (ولطائف) كعقل وسمع وشم (تقتضي ديات فمات سراية) من جميعها (فدية) واحدة تلزمه; لأن الجناية صارت نفسا. وخرج بجميعها ما لو اندمل بعضها فلا يدخل واجبه في دية النفس (وكذا لو حزه الجاني قبل اندماله) لا تجب إلا دية واحدة إن اتحد الحَزّ والفعل الأول عمدا أو غيره (في الأصح)؛ لوجوب دية النفس قبل استقرار ديات غيرها فتدخل فيها كالسراية؛ إذ لا تستقر إلا باندمالها، ومن ثم لو حزه بعد الاندمال وجبت ديات غيرها قطعا (فإن حزَّه) الجاني قبل الاندمال (عمدا والجناية) بإزالة ما ذكر (خطأ) أو شبه عمد (أو عكسه) بأن حز خطأ أو شبه عمد والجناية عمد، وكذا لو حز خطأ والجناية شبه عمد، أو عكسه (فلا تداخل في الأصح) بل يجب كل من واجب النفس والأطراف؛ لاختلافهما حينئذ باختلاف حكمهما (ولو حزَّ) رقبته قبل الاندمال (غيره) أي غير الجاني تلك الجنايات، أو مات بالسقوط من نحو سطح (تعددت) الجنايات فلا تداخل; لأن فعل الإنسان لا يبنى على فعل غيره.

ص: 78

فصل

تَجِبُ الحُكُومَةُ فِيمَا لَا مُقَدَّرَ فِيهِ، وَهِيَ جُزْءٌ نِسْبَتُهُ إلَى دِيَةِ النَّفْسِ، وَقِيلَ إلَى عُضْوِ الجِنَايَةِ نِسْبَةُ نَقْصِهَا مِنْ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ رَقِيقًا بِصِفَاتِهِ. فَإِنْ كَانَتْ لِطَرَفٍ لَهُ مُقَدَّرٌ اُشْتُرِطَ أَلَا تَبْلُغَ مُقَدَّرَهُ

(فصل) في الجناية التي لا تقدير لأرشهاوفي الجناية على الرقيق

(تجب الحكومة فيما) أي جرح أو نحوه أوجب مالا من كل ما (لا مقدر فيه) من الدية، ولا تعرف نسبته من مقدر وإلا بأن كان بقربه موضحة أو جائفة وجب الأكثر من قسطه وحكومة. وسمِّيت حكومة؛ لتوقف استقرارها على حكم الحاكم أو المحكم، ومن ثم لو اجتهد فيه غيره لم يستقر (وهي جزء) من عين الدية (نسبته إلى دية النفس) ; لأنها الأصل (وقيل إلى عضو الجناية) ; لأنه أقرب، ومحل الخلاف في عضو له مقدر وإلا كصدر وفخذ اعتبرت من دية النفس قطعا (نسبة) أي مثل نسبة (نقصها) أي ما نقص بالجناية (من قيمته) إليها (لو كان رقيقا بصفاته) التي هو عليها؛ إذ الحر لا قيمة له فتعين فرضه قنا مع رعاية صفاته حتى يعلم قدر الواجب في تلك الجناية فإذا كانت قيمته بدونها عشرة وبها تسعة وجب عُشْر الدية. والتقويم بالنقد، ويجوز بالإبل لكن في الحر ففي الحكومة في القن الواجب النقد قطعا. وتجب الحكومة في الشعور وإن لم يكن فيها جمال

(1)

لكن بشرط فساد منبتها وإلا فالتعزير، ولا قود في نتفها; لأنه لا ينضبط. وقد لا تعتبر النسبة كما لو قطع أنملة لها طرف زائد فإنه يجب دية أنملة وحكومة للزائدة باجتهاد القاضي ولا تعتبر النسبة؛ لعدم إمكانها (فإن كانت) الحكومة (لطرف) مثلا (له مقدر) أو تابع لمقدر أي لأجل الجناية عليه (اشترط ألا تبلغ) الحكومة (مقدره)؛ لئلا تكون الجناية عليه مع بقائه مضمونة بما يضمن به العضو نفسه فتنقص حكومة جرح أنملة عن ديتها وجرح الأصبع بطوله عن ديته وقطع كف بلا أصابع وجرح بطنها أو ظهرها عن دية الخمس لا بعضها وجرح البطن عن جائفة وجرح الرأس عن أرش موضحة، فإن بلغ أرشَ الموضحة نقصُ سمحاق ونقصُ متلاحمة نقص كل منهما عن أرش الموضحة ونقص المتلاحمة عن السمحاق؛ لئلا يستويا مع تفاوتهما.

(1)

. خلافا لهما.

ص: 79

فَإِنْ بَلَغَتْهُ نَقَّصَ الْقَاضِي شَيْئًا بِاجْتِهَادِهِ، أَوْ لَا تَقْدِيرَ فِيهِ كَفَخِذٍ فَأَلَّا تَبْلُغَ دِيَةَ نَفْسٍ، وَيُقَوَّمُ بَعْدَ انْدِمَالِهِ فَإِنْ لَمْ يَبْقَ نَقْصٌ اُعْتُبِرَ أَقْرَبُ نَقْصٍ إلَى الِانْدِمَالِ، وَقِيلَ يُقَدِّرُهُ قَاضٍ بِاجْتِهَادِهِ، وَقِيلَ لَا غُرْمَ. وَالجُرْحُ المُقَدَّرُ كَمُوضِحَةٍ يَتْبَعُهُ الشَّيْنُ حَوَالَيْهِ. وَمَا لَا يَتَقَدَّرُ يُفْرَدُ بِحُكُومَةٍ فِي الْأَصَحِّ

(فإن بلغته) أي الحكومة مقدر ذلك العضو أو متبوعه (نقص القاضي شيئا) منه (باجتهاده) أكثر من أقل متمول; لأن أقله لا يلتفت إليه لوقوع التغابن والمسامحة به عادة، وذلك؛ لئلا يلزم المحذور السابق. (أو) كانت الجناية بمحل (لا تقدير فيه) ولا تابع لمقدر كما مر (كفخذ) وكتف وظهر وعضد وساعد (فـ) الشرط (ألا تبلغ) الحكومة (دية نفس) في الأولى، أو متبوعه في الثانية وإن بلغت الأولى دية عضو مقدر أو زادت، فإن بلغت ذلك نقص القاضي منه كما مر.

(و) إنما (يقوّم) المجني عليه؛ لمعرفة الحكومة (بعد اندماله) أي اندمال جرحه; لأن الجناية قبله قد تسري إلى النفس أو إلى ما فيه مقدر فيكون هو واجب الجناية (فإن لم يبق) بعد الاندمال (نقص) في الجمال ولا في المنفعة ولا تأثرت به القيمة (اعتبر أقرب نقص) فيه من حالات نقص قيمته (إلى) وقت (الاندمال)؛ لئلا تحبط الجناية (وقيل يقدره قاض باجتهاده) ويوجب شيئا؛ حذرا من إهدار الجناية، (وقيل لا غرم) كما لو تألم بضربة ثم زال الألم. ولو لم يظهر نقص إلا حال سيلان الدم اعتبرت القيمة حينئذ، فإن لم تؤثر الجناية نقصا حينئذ أوجب فيه القاضي

(1)

شيئا باجتهاده (والجرح المقدر) أرشه (كموضحة يتبعه الشين) ومر بيانه في التيمم (حواليه) إن كان بمحل الإيضاح فلا يفرد بحكومة; لأنه لو استوعب جميع محله بالإيضاح لم يلزمه إلا أرش موضحة، نعم إن تعدى شينها للقفا مثلا أفرد، وكذا لو أوضح جبينه فأزال حاجبه فعليه الأكثر من أرش موضحة حكومة الشين وإزالة الحاجب، وكالموضحة المتلاحمة؛ نظرا إلى أن أرشها مقدر بالنسبة للموضحة، وإنما يتضح بناء على ما مر أنه يجب فيها قضية هذه النسبة فعلى المعتمد أن الواجب فيها الأكثر

(2)

يظهر أن يقال إن كان الأكثر النسبة فهي كالموضحة أو الحكومة فلا وعلى هذا التفصيل يحمل قوله (وما لا يتقدر) أرشه (يفرد) الشين حوله (بحكومة في الأصح)؛ لضعف

(1)

. خلافا للمغني مع إيجابه التعزير فقط.

(2)

. أي الأكثر من الحكومة والقسط من الموضحة كما مر في فصل الديات الواجبة فيما دون النفس.

ص: 80

وَفِي نَفْسِ الرَّقِيقِ قِيمَتُهُ، وَفِي غَيْرِهَا مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ إنْ لَمْ يَتَقَدَّرْ فِي الحُرِّ، وَإِلَّا فَنِسْبَتُهُ مِنْ قِيمَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجِبُ إلَّا مَا نَقَصَ. وَلَوْ قُطِعَ ذَكَرُهُ وَأُنْثَيَاهُ فَفِي الْأَظْهَرِ قِيمَتَانِ، وَالثَّانِي مَا نَقَصَ، فَإِنْ لَمْ يَنْقُصْ فَلَا شَيْءَ

الحكومة عن الاستتباع بخلاف الدية، وقضية إفراد الشين بحكومة غير حكومة الجرح أنه يقدر سليما بالكلية ثم جريحا بدون الشين ويجب ما بينهما من التفاوت فهذه حكومة للجرح ثم يقدر جريحا بلا شين ثم جريحا بشين ويجب ما بينهما من التفاوت وهذه حكومة للشين (و) يجب (في نفس الرقيق) المتلف ولو مكاتبا وأم ولد (قيمته) بالغة ما بلغت كسائر الأموال المتلفة (وفي غيرها) أي النفس من الأطراف واللطائف -ولم يكن تحت يد عادية ولا مبيعا قبل قبضه؛ لما مر فيهما- (ما نقص من قيمته) سليما (إن لم يتقدر) ذلك الغير (في الحر وإلا) بأن يقدر في الحر كموضحة وقطع طرف (فنسبته) أي مثلها من الدية (من قيمته) ففي يده نصفها وموضحته نصف عشرها (وفي قول لا يجب) هنا (إلا ما نقص) أيضا; لأنه مال فأشبه البهيمة (ولو قطع ذكره وأنثياه ففي الأظهر) تجب (قيمتان) كما تجب فيهما من الحر ديتان، نعم لو جنى عليه اثنان وقيمته ألف وقطع كل منهما يدا وجناية الثاني قبل اندمال الأولى ثم اندملت لزم الثاني مائتان وخمسون نصف ما لزم الأول لا أربعمائة لو صار بالقطع الأول يساوي ثمانمائة; لأن الجناية الأولى لم تستقر وقد أوجبنا فيها نصف القيمة فكأن الأول انتقص نصفها (والثاني يجب ما نقص) من قيمته لما مر (فإن لم ينقص) على الضعيف (فلا شيء)، وخرج بالرقيق المبعض ففي مقدره بالنسبة مَن الدية والقيمة ففي يد من نصفه حر ربع ديته وربع قيمته وفي أصبعه نصف عشر ديته ونصف عشر قيمته. أما غير المقدرة فيفرد كلُّ جزء بحكمه فيقدر نصفه الحر قنا وحده ونوجب ما يقابل نصف الجناية من الدية ويُقَوَّم نصفه القن وحده ونوجب نصف ما نقصته الجناية منه.

ص: 81

باب موجبات الدية، والعاقلة والكفارة

صَاحَ عَلَى صَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ عَلَى طَرَفِ سَطْحٍ فَوَقَعَ بِذَلِكَ فَمَاتَ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي قَوْلٍ قِصَاصٌ. وَلَوْ كَانَ بِأَرْضٍ، أَوْ صَاحَ عَلَى بَالِغٍ بِطَرَفِ سَطْحٍ فَلَا دِيَةَ فِي الْأَصَحِّ. وَشَهْرُ سِلَاحٍ كَصِيَاحٍ، وَمُرَاهِقٌ مُتَيَقِّظٌ كَبَالِغٍ وَلَوْ صَاحَ عَلَى صَيْدٍ فَاضْطَرَبَ صَبِيٌّ وَسَقَطَ فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ

(باب موجبات الدية، والعاقلة والكفارة) وجناية القن والغرة

.

إذا (صاح) بنفسه أو بآلة معه (على صبي لا يميز) أو يميز لكنه غير متيقظ، أو صاح على مجنون أو معتوه أو نائم أو ضعيف عقل وهو واقف أو جالس أو مضطجع أو مستلقٍ (على طرف سطح) أو شفير بئر أو نهر صيحة منكرة (فوقع) عقبها (بذلك) الصياح

(1)

(فمات) منها. ولا تشترط فورية الموت إن بقي الألم إلى الموت (فدية مغلظة على العاقلة)؛ لأنه شبه عمد لا قود؛ لانتفاء غلبة إفضاء ذلك إلى الموت لكنه لما كثر إفضاؤه إليه أحلنا الهلاك عليه وجعلناه شبه عمد. ولو لم يمت بل ذهب مشيه أو بصره أو عقله مثلا ضمنته العاقلة كذلك أيضا بأرشه المار فيه، وخرج بقوله على طرف سطح نحو وسطه إلا أن يكون الطرف أخفض منه بحيث يتدحرج الواقع بالوسط إلى الطرف (وفي قول قصاص)، فإن عفي عنه فدية مغلظة على الجاني، (ولو كان) غير المميز ونحوه (بأرض) ولو غير مستوية فصاح عليه فمات (أو صاح على بالغ) ولو غير متماسك في نحو وقوفه (بطرف سطح) أو نحوه فسقط ومات (فلا دية في الأصح)؛ لندرة الموت بذلك حينئذ فتكون موافقة قدر، أما لو ذهب عقله فتجب ديته؛ لأن تأثير الصيحة في زواله أشد منه في الهلاك فاشترط فيه نحو سطح (وشهر سلاح) على بصير رآه (كصياح) في تفصيله المذكور (ومراهق متيقظ كالبالغ) فيما ذكر فيه، واستفيد من متيقظ أن المدار على قوة التمييز دون المراهقة (ولو صاح) مُحْرِم أو حلال في الحرم أو غيره (على صيد فاضطرب صبي) غير قوي التمييز أو نحوه ممن مر وهو على طرف سطح لا أرض (وسقط) ومات منه (فدية مخففة على العاقلة)؛ لأن فعله حينئذ خطأ، ولو زاله عقله

(1)

. ولا يشترط أن يرتعد أو يضطرب خلافا لهم.

ص: 82

وَلَوْ طَلَبَ سُلْطَانٌ مَنْ ذُكِرَتْ بِسُوءٍ فَأُجْهِضَتْ ضُمِنَ الجَنِينُ. وَلَوْ وَضَعَ صَبِيًّا فِي مَسْبَعَةٍ فَأَكَلَهُ سَبُعٌ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتِقَالٌ ضَمِنَ

وجبت ديته على العاقلة وإن كان بأرض. ولو صاح بدابة إنسان أو هيجها بثوبه فسقطت في ماء أو وهدة فهلكت ضمنها في ماله وإن كان على ظهرها إنسان فسقط ومات فعلى عاقلته ويكون حينئذ شبه عمد. نعم شرط الضمان هنا كون الإتلاف متصلا بالصياح، وأن تكون الدابة بطبعها تنفر من الصياح (ولو طلب سلطان) أو نحوه ممن يُخشى سطوته ولو قاضيا بنفسه أو برسوله أو كاذب عليه بنفسه أو برسوله كذلك (من ذُكرت) عنده (بسوء) هو للغالب؛ لأن مثله ما لو لم تذكر به كأن طلبت بدين -وهي مخدرة مطلقا أو غيرها وهو ممن يخشى سطوته- أو لإحضار نحو ولدها أو طُلِبَ من هو عندها (فأجهضت) أي ألقت جنينا؛ فزعا منه (ضُمن الجنين) بالغرة المغلظة أي ضمنتها عاقلته كما لو فزعها إنسان بشهر نحو سيف. وخرج بأجهضت موتها فزعا فلا يضمنها ولا ولدها الشارب للبنها بعد الفزع؛ لأنه لا يفضي إليه عادة، نعم إن ماتت بالإجهاض ضمنت عاقلته ديتها كالغرة؛ لأن الإجهاض قد يفضي للموت. ولو قذفت فأجهضت فعلى عاقلة القاذف أو ماتت فلا؛ لذلك. ولو جاآها برسول الحاكم لتدلهما على أخيها فأخذاها فأجهضت من غير أن يوجد من واحد منهما نحو إفزاع مما يقتضي الإجهاض عادة فهدر ويتعين حمله على من لا يتأثر بمجرد رؤية الرسول أما من هي كذلك لاسيما والفرض أنهما أخذاها فتضمن الغرة عاقلتهما، وينبغي لحاكم تُطلب منه امرأة أن يسأل عن حملها ثم يتلطف في طلبها (ولو وضع) جان (صبيا) -والتقييد به لجريان الوجه الآتي- حرا (في مَسْبَعة) أي محل السباع ولو زبية

(1)

سبع غاب عنها (فأكله سبع فلا ضمان) عليه؛ لأن الوضع ليس بإهلاك ولم يلجئ السبع إليه، ومن ثم لو ألقى أحدهما على الآخر في زبية مثلا ضمنه بالقود أو الدية؛ لأنه يثب في المضيق وينفر بطبعه من الآدمي في المتسع (وقيل إن لم يمكنه انتقال) عن المهلك من محله (ضمن)؛ لأنه إهلاك له عرفا، فإن أمكنه فتركه أو كان بالغا أو وضعه بغير مسبعة فاتفق أن سبعا أكله هدر قطعا

(2)

كما لو فصده فلم يعصب جرحه حتى مات، أما القن فيضمنه باليد مطلقا.

(1)

. هي بئر أو حفرة تحفر للأسد، لسان العرب.

(2)

. استثنى الرملي ما لو كتَّفه- أي الحر- وقيده ووضعه في المسبعة فيضمنه.

ص: 83

وَلَوْ تَبِعَ بِسَيْفٍ هَارِبًا مِنْهُ فَرَمَى نَفْسَهُ بِمَاءٍ أَوْ نَارٍ أَوْ مِنْ سَطْحٍ فَلَا ضَمَانَ، فَلَوْ وَقَعَ جَاهِلًا لِعَمًى أَوْ ظُلْمَةٍ ضَمِنَ، وَكَذَا لَوِ انْخَسَفَ بِهِ سَقْفٌ فِي هَرَبِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ سُلِّمَ صَبِيٌّ إلَى سَبَّاحٍ لِيُعَلِّمَهُ فَغَرِقَ وَجَبَتْ دِيَتُهُ. وَيَضْمَنُ بِحَفْرِ بِئْرٍ عُدْوَاناً،

(ولو تبع بسيف) أو نحوه مميزا

(1)

(هاربا منه فرمى نفسه بماء أو نار أو من سطح) أو عليه فانكسر بثقله ووقع ومات (فلا ضمان) عليه فيه؛ لأنه أو قع بنفسه ما خشيه منه فهو كما لو أكرهه على قتل نفسه ففعل، أما غير المميز فيضمنه تابعه؛ لأن عمده خطأ (فلو وقع) بشيء مما ذكر (جاهلا) به (لعمى أو ظلمة) مثلا أو وقع في نحو بئر مغطاة (ضمنه) تابعه؛ لإلجائه له إلى الهرب المفضي لهلاكه، ومن ثم لزم عاقلته دية شبه العمد (وكذا لو انخسف به سقف) لم يرم نفسه عليه (في هربه)؛ لضعف السقف وقد جهله الهارب فهلك فإن تابعه يضمنه (في الأصح)؛ لما ذكر (ولو سُلِّم صبي) ولو مراهقا من وليه أو أجنبي

(2)

(إلى سباح ليعلمه) السباحة -أي العوم- فتسلمه بنفسه لا بنائبه أو أخذه من غير أن يسلمه له أحد فعلمه أو علمه الولي بنفسه (فغرق وجبت ديته) دية شبه عمد على عاقلته؛ لتقصيره بإهماله له حتى غرق مع كون الماء من شأنه الإهلاك. ولو أمره السباح بدخول الماء فدخل مختارا فغرق ضمنه أيضا؛ لالتزامه الحفظ. ولو رفع مختارا يده من تحته ولو بالغا لا يحسن السباحة فغرق لزمه القود. وخرج بالصبي البالغ فلا يضمنه مطلقا إلا في رفع يده من تحته كما تقرر؛ لأن عليه الاحتياط لنفسه (ويضمن بحفر بئر عدوان

(3)

-بأن كانت بملك غيره بغير إذنه أو بشارع ضيق أو واسع لمصلحة نفسه بغير إذن الإمام- ما تلف بها ليلا ونهارا من مال عليه، وحر أو قن بقيده الآتي على عاقلته، وكذا في جميع المسائل الآتية والسابقة؛ لتعديه، ويشترط أن لا يتعمد الوقوع فيها وإلا أهدر، ويشترط دوام التعدي إلى السقوط فلو زال كأن رضي المالك ببقائها أو ملك البقعة فلا ضمان؛ لزوال التعدي، نعم لا يقبل قول المالك بعد التردي حفر بإذني. ولو تعدى الواقع بالدخول كان مهدرا. ولو أذن له المالك ولم يعرِّفه بها ضمن هو لا الحافر؛ لتقصيره ما لم ينسها فعلى الحافر كما يأتي ويضمن القن ذلك في رقبته، فإن عتق فمن

(1)

. عبارة المغني مكلفا بصيرا أو مميزا.

(2)

. ولا يشارك الأجنبي السباح حينئذ خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.

(3)

. ولو بعد موت الحاضر كما مر في فصل تعلق الدين بالتركة 5/ 116.

ص: 84

لَا فِي مِلْكِهِ وَمَوَاتٍ. وَلَوْ حَفَرَ بِدِهْلِيزِهِ بِئْرًا وَدَعَا رَجُلًا فَسَقَطَ فَالْأَظْهَرُ ضَمَانُهُ، أَوْ بِمِلْكِ غَيْرِهِ أَوْ مُشْتَرَكٍ بِلَا إذْنٍ فَمَضْمُونٌ. أَوْ بِطَرِيقٍ ضَيِّقٍ يَضُرُّ المَارَّةَ فَكَذَا،

حين العتق على عاقلته. ولو عرض للواقع بها مزهق ولم يؤثر فيه الوقوع شيئا لم يضمن الحافر شيئا؛ لانقطاع سببيته (لا) محفورة (في ملكه) وما استحق منفعته بوقف أو وصية

(1)

أو إجارة وإن تعدى بالحفر (وموات) لتملك أو ارتفاق أو عبثا فلا يضمن الواقع فيها؛ لعدم تعديه

(2)

، وعلى الموات حملوا الخبر الصحيح ((البئر جرحها جبار)). ولو تعدى بالحفر في ملكه لكونه وسَّعَه بقرب جدار جاره ضمن ما وقع بمحل التعدي. وليس من التعدي الحفر بملكه المرهون المقبوض أو المستأجر، ويضمن الصيد الواقع ببئر حفرها بملكه في الحرم إجماعاً، (ولو حفر بدِهليزه

(3)

بئرا) أو كان بالدهليز -أو بمحل من الدار غيره- بئر لم يتعد حافرها (ودعا رجلا) أو صبيا مميزا إلى داره أو إلى محل البئر فدخل باختياره وكان الغالب أنه يمر عليها (فسقط) فيها جاهلا بها لنحو ظلمة أو تغطية لها فهلك (فالأظهر ضمانه) إياه بدية شبه العمد؛ لأنه غره ولم يقصد هو إهلاك نفسه فلم يكن فعله قاطعا، أما غير المميز فيقتل به بشرط أن يكون الوقوع بها مهلكا وأن يعلم الداعي بنحو الظلمة وإن المار حينئذ يقع فيها غالبا. وأما إذا لم يدعه فهو مهدر مطلقا، وكذا إن دعاه وأعلمه بها وإن كانت مغطاة. وخرج بالبئر نحو كلب عقور بدهليزه فلا يضمن من دعاه فأتلفه؛ لأنه يفترس باختياره مع كونه ظاهرا يمكن دفعه، وبقوله حفر ما لو حفرت عدوانا فإن دعاه المالك ضمنه -لا الحافر

(4)

-؛ لأنه المقصر بعدم إعلامه، ومن ثم لو نسي كان على الحافر، وإن لم يدعه بأن تعدى بدخوله فهدر، (أو) حفر بئرا (بملك غيره أو) في (مشترك) بينه وبين آخر (بلا إذن) من الغير أو من شريكه له في الحفر (فمضمون) ذلك الحفر فعليه أو على عاقلته بدل ما تلف به من قيمة أو دية شبه عمد. ولو تعدى بحفر وتعدى غير الحافر بتوسعته فالضمان عليهما نصفين لا بحسب الحفر (أو) حفر (بطريق ضيق يضر المارة فكذا) هو مضمون وإن أذن فيه الإمام لتعديهما.

(1)

. وإن لم تكن مؤبدة وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. قيده المغني بما إذا عرَّفه المالك أن هناك بئرا أو كانت مكشوفة والداخل- أي بالأذن- متمكن من التحرز، فأما إذا لم يعرفه والداخل أعمى فإنه يضمن.

(3)

. الدهليز مابين الباب والدار، تاج العروس.

(4)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 85

أَوْ لَا يَضُرُّ وَأَذِنَ الْإِمَامُ فَلَا ضَمَانَ، وَإِلَّا فَإِنْ حَفَرَ لِمَصْلَحَتِهِ فَالضَّمَانُ، أَوْ مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ، وَمَسْجِدٌ كَطَرِيقٍ. وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ جَنَاحٍ إلَى شَارِعٍ فَمَضْمُونٌ

(أو) حفر بطريق (لا يضر) المارة لسعتها أو لانحراف البئر عن الجادة

(1)

(وأذن) له (الإمام) في الحفر (فلا ضمان) عليه ولا على عاقلته للتالف بها وإن كان الحفر لمصلحة نفسه (وإلا) يأذن له وهي غير ضارة (فإن حفر لمصلحته فالضمان) عليه أو على عاقلته؛ لافتياته على الإمام (أو مصلحة عامة) كالاستقاء أو جمع ماء المطر ولم ينهه الإمام (فلا) ضمان (في الأظهر)؛ لما فيه من المصلحة العامة وقد تعسر مراجعة الإمام، نعم محله إذا أحكم رأسها فإن لم يحكمها وتركها مفتوحة ضمن مطلقا؛ لتقصيره، وتقرير الإمام بعد الحفر بغير إذنه يرفع الضمان كتقرير المالك السابق، ومثل الإمام في ذلك القاضي إن لم يخص الإمام غيره بالنظر فيها (ومسجد كطريق) أي الحفر فيه كهو فيها فيجوز

(2)

لمصلحة نفسه إن لم يضر بالمسجد ولا بمن فيه وأذن فيه الإمام وللمصلحة العامة إن لم يضر كما ذكر وإن لم يأذن فيه الإمام، ويمتنع إن ضر مطلقا أو لم يضر لمصلحة نفسه بلا إذنه.

[فرع] استأجره لجذاذ أو حفر نحو بئر أو معدن فسقط أو انهارت عليه لم يضمنه

(وما تولد) من فعله في ملكه كالعادة لا يضمنه كجرَّة سقطت بالريح أو ببل محلها وحطب كسَّره بملكه فطار بعضه فأتلف شيئا ودابة ربطها فيه فرفست إنسانا خارجه وإن لم يأذن فيه الإمام؛ لأنه لا نظر له في الملك، أو لا كالعادة كالمتولد من نار أوقدها بملكه وقت هبوب الريح أو جاوز في إيقادها العادة أو من سقي أرضه وقد أسرف أو كان بها شق يخرج منه الماء وعلمه ولم يحتط بشده أو من رشه للطريق لمصلحة نفسه مطلقا أو للمسلمين وجاوز العادة ولم يُتَعَمَّد المشي عليه مع علمه به يضمنه. وتنحية أذى الطريق كحجر فيها إن قصد به مصلحة المسلمين لم يضمن ما تولد منه، أو (من جناح) أي خشب خارج من ملكه (إلى شارع) ولو بإذن الإمام فسقط وأتلف شيئا، أو من تكسير حطب في شارع ضيق، أو من مشي أعمى بلا قائد

(3)

وإن أحسن المشي بالعصا، أو من عَجْن طين فيه وقد جاوز العادة، أو من حَطِّ متاعه بالشارع لا على باب حانوته كالعادة (فمضمون)

(1)

. الجادة معظم الطريق، لسان العرب.

(2)

. وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية.

(3)

. مفهومه أنه إذا كان بقائد فلا ضمان، وفي نقل ابن قاسم عن الرملي ما يخالفه.

ص: 86

وَيَحِلُّ إخْرَاجُ المَيَازِيبِ إلَى شَارِعٍ، وَالتَّالِفُ بِهَا مَضْمُونٌ فِي الجَدِيدِ، فَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ فِي الجِدَارِ فَسَقَطَ الخَارِجُ فَكُلُّ الضَّمَانِ، وَإِنْ سَقَطَ كُلُّهُ فَنِصْفُهُ فِي الْأَصَحِّ

لكنه في الجناح على ما يأتي في الميزاب من ضمان الكل بالخارج والنصف بالكل وإن جاز إشراعه بأن لم يضر المارة؛ لأن الارتفاق بالشارع مشروط بسلامة العاقبة. أما إذا لم يسقط فلا يضمن

(1)

ما انصدم به ونحوه كما لو سقط وهو خارج إلى ملكه -وإن سبّل ما تحته شارعا- أو إلى ما سبله بجنب داره مستثنيا ما يشرع إليه، أو إلى ملك غيره، ومنه سكة غير نافذة بإذن جميع الملاك وإلا ضمن (ويحل) للمسلم دون الذمي بالنسبة لشوارعنا (إخراج الميازيب) العالية التي لا تضر المارة (إلى شارع) وإن لم يأذن الإمام؛ لعموم الحاجة إليها وصح ((أن عمر قلع ميزابا للعباس رضي الله عنهما قطَّر عليه فقال له أتقلع ميزابا نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال والله لا ينصبه إلا من يرقى على ظهري وانحنى للعباس حتى يرقى عليه وأعاده لمحله)) (والتالف بها) وبما قطر منها (مضمون في الجديد)؛ لما مر في الجناح وكما لو وضع ترابا بالطريق ليطين به سطحه مثلا فإن واضعه يضمن من يزلق به إن خالف العادة، (فإن كان بعضه) أي ما ذكر من الجناح والميزاب (في الجدار فسقط الخارج) أو بعضه فأتلف شيئا (فكل الضمان) على واضعه أو عاقلته؛ لوقوع التلف بما هو مضمون عليه خاصة. وخرج بقوله بعضه ما لو لم يكن منه شيء فيه بأن سمَّره فيه فيضمن الكل بسقوط بعضه أو كله وما لو كان كله فيه فلا ضمان بشيء منه كالجدار (وإن سقط كله) أو الخارج وبعض الداخل أو عكسه فأتلف شيئا بكله أو بأحد طرفيه (فنصفه) أي الضمان على من ذكر (في الأصح)؛ لأن التلف حصل بالداخل أيضا وهو غير مضمون فوُزِّع عليهما نصفين من غير نظر لوزن ولا مساحة. ولو سقط كله وانكسر في الهواء فإن أصابه الخارج ضمن أو الداخل فلا كما لو شك؛ لأن الأصل براءة الذمة. ولو أصاب الماء النازل من الميزاب شيئا فأتلفه ضمنه مطلقا وإن اتصل ماء الميزاب بالأرض. ولا يبرأ واضع جناح وميزاب وباني جدار مائلا بانتقاله عن ملكه، نعم إن بناه مائلا لملك الغير عدوانا وباعه منه وسلمه له برئ. والمراد بالواضع والباني المالك الآمر لا الصانع، نعم إن كانت عاقلته يوم التلف غيرها يوم الوضع أو البناء اختص الضمان به.

(1)

. خلافا للمغني.

ص: 87

وَإِنْ بَنَى جِدَارَهُ مَائِلًا إلَى شَارِعٍ فَكَجَنَاحٍ. أَوْ مُسْتَوِيًا فَمَالَ وَسَقَطَ فَلَا ضَمَانَ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ هَدْمُهُ وَإِصْلَاحُهُ ضَمِنَ، وَلَوْ سَقَطَ بِالطَّرِيقِ فَعَثَرَ بِهِ شَخْصٌ أَوْ تَلِفَ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ طَرَحَ قُمَامَاتٍ وَقُشُورَ بِطِّيخٍ بِطَرِيقٍ فَمَضْمُونٌ عَلَى الصَّحِيحِ

(وإن بنى جداره مائلا إلى شارع) أو ملك غيره بغير إذنه ومنه كما مر السكة غير النافذة (فكجناح) فيضمن الكل إن وقع التلف بالمائل والنصف إن وقع بالكل، ويؤخذ منه أنه لو بناه مائلا من أصله ضمن كلَّ التالف مطلقا وهو ظاهر أو إلى ملكه أو موات فلا ضمان؛ لأن له التصرف فيه كيف شاء، نعم إن كان ملكه مستحق المنفعة للغير بإجارة مثلا ضمن

(1)

؛ لأنه استعمل الهواء المستحق للغير (أو) بناه (مستويا فمال) إلى ما مر (وسقط) وأتلف شيئا حال سقوطه (فلا ضمان)؛ لأن الميل لم يحصل بفعله (وقيل إن أمكنه هدمه وإصلاحه ضمن)؛ لتقصيره بترك الهدم والإصلاح (ولو سقط) ما بناه مستويا ومال (بالطريق فعثر به شخص أو تلف) به (مال فلا ضمان) وإن أمره الوالي برفعه (في الأصح)؛ لأن السقوط لم يحصل بفعله نظير ما مر، نعم إن قصَّر في رفعه ضمن

(2)

؛ لتعديه بالتأخير. ولو استهدم

(3)

الجدار لم يطالب بنقضه ولم يضمن ما تولد منه وإن مال (ولو طرح قُمامات) أي كناسات (وقشور) نحو (بطيخ) ورمان (بطريق) أي شارع (فمضمون) بالنسبة للجاهل بها (على الصحيح

(4)

؛ لما مر في الجناح، نعم إن كانت في منعطف عن الشارع لا تحتاج إليه المارة أصلا فلا ضمان؛ لأن هذا وإن فرض عده منه فالتقصير من المار فقط. وخرج بالشارع ملكه والموات فلا ضمان فيهما مطلقا وبطرحها ما لو وقعت بنفسها بريح أو نحوه فلا ضمان ما لم يقصر

(5)

في رفعها، وأما حكم ما يترك بأرض الحمام من نحو سدر فإن نهى

(6)

الحمامي عنه ضمن الواضع، وكذا إن لم

(1)

. وفاقا للأسنى وخلافا لهما كالشهاب الرملي.

(2)

. وفاقا للأسنى وخلافا لهما كالشهاب الرملي.

(3)

. أي قرب إلى الهدم الجدار الذي بناه مستويا، كردي.

(4)

. قيد المغني محل الخلاف بما إذا طرحها في غير المزابل والمواضع المعدة لذلك.

(5)

. خالفوه في هذا التقييد.

(6)

. ولكن أعتمد المغني أنه متى ألقى ذلك على الممر ضمن، وإلا فلا.

ص: 88

وَلَوْ تَعَاقَبَ سَبَبَا هَلَاكٍ فَعَلَى الْأَوَّلِ؛ بِأَنْ حَفَرَ وَوَضَعَ آخَرُ حَجَرًا عُدْوَانًا فَعُثِرَ بِهِ وَوَقَعَ الْعَاثِرُ بِهَا فَعَلَى الْوَاضِعِ الضَّمَانُ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَدَّ الْوَاضِعُ فَالمَنْقُولُ تَضْمِينُ الحَافِرِ. وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا وَآخَرَانِ حَجَرًا فَعُثِرَ بِهِمَا فَالضَّمَانُ أَثْلَاثٌ، وَقِيلَ نِصْفَانِ. وَلَوْ وَضَعَ حَجَرًا فَعُثَرَ بِهِ رَجُلٌ فَدَحْرَجَهُ فَعُثَرَ بِهِ آخَرُ ضَمِنَهُ المُدَحْرِجُ، وَلَوْ عَثَرَ مَاشٍ بِقَاعِدٍ أَوْ نَائِمٍ أَوْ وَاقِفٍ بِالطَّرِيقِ وَمَاتَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَلَا ضَمَانَ إنِ اتَّسَعَ الطَّرِيقُ،

يأذن ولا نهي لكن جاوز في استكثاره العادة (ولو تعاقب سببا هلاك فعلى الأول) أي هو أو عاقلته الضمان؛ لأنه المهلك بنفسه أو بواسطة الثاني (بأن حفر) واحد بئرا عدوانا أوْ لا (ووضع آخر) أهلا للضمان قبل الحفر أو بعده (حجرا) وضعا (عدوانا فعُثر به ووقع العاثر بها) فهلك (فعلى الواضع) الذي هو السبب الأول -لأن المراد به الملاقي أولا للتالف، لا المفعول أوَّلا- (الضمان)؛ لأن التعثر هو الذي أوقعه فكأن واضعه أخذه ورداه فيها، أما إذا لم يكن الواضع أهلا فسيأتي (فإن لم يتعد الواضع) الأهل بأن وضعه بملكه وحفر آخر عدوانا قبله أو بعده فعثر رجل ووقع بها (فالمنقول تضمين الحافر)؛ لأنه المتعدي، نعم لو لم يكن واضع الحجر من أهل الضمان كسيل وحربي فهدر. ولا ينافي المتن ما لو حفر بئرا بملكه ووضع آخر فيها سكينا فإنه لا ضمان على أحد أما المالك فظاهر وأما الواضع فلأن السقوط في البئر هو الذي أفضى إلى السقوط على السكين فكان الحافر كالمباشر والآخر كالمتسبب (ولو وضع حجرا) عدوانا بطريق مثلا (و) وضع (آخران حجرا) كذلك بجنبه (فعُثر بهما فالضمان أثلاث) وإن تفاوت فعلهم؛ نظرا إلى رءوسهم كما لو اختلفت الجراحات (وقيل) هو (نصفان) نصف على الواحد ونصف على الآخرين نظرا للحجرين (ولو وضع حجرا) عدوانا

(1)

(فعُثر به رجل فدحرجه فعثر به آخر) فهلك (ضمنه المدحرج) الذي هو العاثر الأول؛ لأن انتقاله إنما هو بفعله (ولو عثر ماش بقاعد أو نائم أو واقف بالطريق) لغير غرض فاسد (وماتا أو أحدهما فلا ضمان) يعني على المعثور به من أحد الثلاثة المذكورين لو مات العاثر سواء البصير والأعمى (إن اتسع الطريق) -بأن لم يعسر عرفا على المار تجنب نحو القاعد والنائم فيه- أو كان بموات؛ لأنه غير متعد والعاثر كان يمكنه التحرز فهو الذي قتل

(1)

. خلافا للأسنى والمغني فسويا بين العدوان وغيره.

ص: 89

وَإِلَّا فَالمَذْهَبُ إهْدَارُ قَاعِدٍ وَنَائِمٍ، لَا عَاثِرٍ بِهِمَا وَضَمَانُ وَاقِفٍ لَا عَاثِرٍ بِهِ.

فصل

اصْطَدَمَا بِلَا قَصْدٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ دِيَةٍ مُخَفَّفَةٍ. وَإِنْ قَصَدَا فَنِصْفُهَا مُغَلَّظَةً،

نفسه، أما العاثر فيضمن هو أو عاقلته

(1)

من مات من أولئك؛ لتقصيره (وإلا) يتسع الطريق كذلك أو اتسع ووقف مثلا لغرض فاسد -ويجب إقامة من ضيق على الناس بنومه أو قعوده أو وقوفه في الشارعـ (فالمذهب إهدار قاعد ونائم

(2)

؛ لأن الطريق للطروق فهما المقصران بالنوم والقعود والمهلكان لنفسيهما (لا عاثر بهما) بل عليهما أو على عاقلتهما بدله (وضمان واقف)؛ لأن المار يحتاج للوقوف كثيرا فهو من مرافق الطريق (لا عاثر به)؛ لأنه لا حركة منه فالهلاك حصل بحركة الماشي، نعم إن وجد من الواقف فعل بأن انحرف للماشي لما قرب منه فأصابه في انحرافه وماتا فهما كماشيين اصطدما وسيأتي. ولو عثر بجالس بمسجد هدر العاثر بخلاف المعثور به فيضمنه العاثر إن كان جلوسه لنحو اعتكاف مما لا ينزه المسجد عنه، ونائم به معتكفا كجالس، وجالس لما ينزه عنه ونائم غير معتكف كقائم بطريق فيفصل فيه بين الواسع والضيق.

[فرع] تجارحا خطأ أو شبه عمد فعلى عاقلة كلٍّ دية الآخر ولا يقبل قول كلٍّ قصدت الدفع

.

(فصل) فيما يوجب الاشتراك في الضمان كالاصطدام

إذا (اصطدما) أي كاملان ماشيان أو راكبان مقبلان أو مدبران أو مختلفان (بلا قصد) لنحو ظلمة فماتا (فعلى عاقلة كل نصف دية مخففة) لوارث الآخر؛ لأن كلا منهما هلك بفعله وفعل صاحبه فيهدر النصف المقابل لفعله كما لو جرح نفسه وجرحه آخر فمات بهما، ووجبت مخففة على العاقلة؛ لأنه خطأ محض (وإن قصدا) الاصطدام (فنصفها مغلظة) على عاقلة كل؛ لأنه شبه عمد لا عمد؛ لعدم إفضاء الاصطدام للموت غالبا. ولو ضعف أحد الماشيين

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا تضمين العاقلة فقط.

(2)

. قيده في النهاية بما إذا كان في وسط الطريق، قال: أما لو كان بمنعطف ونحوه بحيث لا ينسب إلى تعد أو تقصير فلا.

ص: 90

أَوْ أَحَدُهُمَا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّ عَلَى كُلٍّ كَفَّارَتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَا مَعَ مَرْكُوبَيْهِمَا فَكَذَلِكَ، وَفِي تَرِكَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ قِيمَةِ دَابَّةِ الْآخَرِ، وَصَبِيَّانِ أَوْ مَجْنُونَانِ كَكَامِلَيْنِ، وَقِيلَ إنْ أَرْكَبَهُمَا الْوَلِيُّ تَعَلَّقَ بِهِ الضَّمَانُ،

بحيث يقطع بأنه لا أثر لحركته مع حركة الآخر هدر القوي وعلى عاقلته دية الضعيف نظير ما يأتي (أو) قصد (أحدهما) فقط الاصطدام (فلكل حكمه) فعلى عاقلة القاصد نصف دية مغلظة وغيره نصفها مخففة (والصحيح أن على كل كفارتين) كفارة لقتل نفسه وأخرى لقتل صاحبه؛ إذ الأصح أن الكفارة لا تتجزأ وأنها تجب على قاتل نفسه (وإن ماتا مع مركوبيهما فكذلك) الحكم في الدية والكفارة (وفي) مال كل إن عاشا وإلا ففي (تركة كل منهما) إن كانا ملكين للراكبين (نصف قيمة دابة الآخر) أي مركوبه وإن غلباهما والباقي هدر؛ لاشتراكهما في إتلاف الدابتين فوُزِّع البدل عليهما وإن كانت إحداهما فيلا والأخرى كبشا- أي كبشا لحركته تأثير ما في القتل وإلا لم يتعلق بحركته حكم -أما المملوكة لغير الراكب ولو مستأجرة فلا يهدر منها شيء، وكذا يضمن كل نصف ما على الدابة من مال الأجنبي. ولو تجاذبا حبلا فانقطع فسقطا وماتا فعلى عاقلة كل نصف دية الآخر، نعم إن كان الحبل لأحدهما هدر الآخر؛ لأنه ظالم وعلى عاقلته نصف دية المالك ولو أرْخَاه أحد المتجاذبين فسقط الآخر ومات فعلى عاقلته نصف دية الميت. ولو قطعه غيرهما فعلى عاقلته دية كل منهما. ولو ذهب ليقوم فأخذ غيره بثوبه ليقعد فتمزق بفعلهما لزمه نصف قيمته، وكذا لو مشى على نعلِ ماشٍ فانقطع بفعلهما كما يأتي (وصبيان أو مجنونان) أو صبي ومجنون (ككاملين

(1)

في تفصيلهما المذكور، ومنه وجوب الدية مغلظة إن كان لهما نوع تمييز؛ لأن الأصح أن عمدهما حينئذ عمد (وقيل إن أركبهما الولي) لغير ضرورة

(2)

(تعلق به) أو بعاقلته (الضمان)؛ لما فيه من الخطر وجوازه مشروط بسلامة العاقبة والأصح المنع إن أركبهما لمصلحتهما وإلا لامتنع الأولياء عن تعاطي مصالح المولى، نعم إن أركبه ما يعجز عن ضبطها عادة لكونها جموحا أو لكونه ابن سنة مثلا ضمنه، وهو هنا ولي المال

(3)

.

(1)

. للمغني تقييد هنا.

(2)

. عبَّر في المغني بالحاجة.

(3)

. خلافا لهما فاعتمد المغني أنه ولي الحضانة، والنهاية أنه من له ولاية تأديبية من أب وغيره.

ص: 91

وَلَوْ أَرْكَبَهُمَا أَجْنَبِيٌّ ضَمِنَهُمَا وَدَابَّتَيْهِمَا. أَوْ حَامِلَانِ وَأَسْقَطَتَا فَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ، وَعَلَى كُلٍّ أَرْبَعُ كَفَّارَاتٍ عَلَى الصَّحِيحِ، وَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ نِصْفُ غُرَّتَيْ جَنِينَيْهِمَا. أَوْ عَبْدَانِ فَهَدَرٌ،

(ولو أركبهما أجنبي) بغير إذن الولي ولو لمصلحتهما (ضمنهما ودابتيهما) إجماعا؛ لتعديه فتضمنهما عاقلته ويضمن هو دابتيهما في ماله، نعم إن تعمد الاصطدام وهما مميزان ومثلهما يضبط الدابة أحيل الهلاك عليهما

(1)

؛ لأن عمدهما عمد (أو) اصطدم (حاملان وأسقطتا) وماتتا (فالدية كما سبق) من أن على عاقلة كل نصف دية الأخرى (وعلى كل أربع كفارات على الصحيح) واحدة لنفسها وأخرى لجنينها وأخريان لنفس الأخرى وجنينها؛ لأنهما اشتركا في إهلاك أربعة أنفس (وعلى عاقلة كل نصف غرتي جنينيهما)؛ لأن الحامل إذا جنت على نفسها فأجهضت لزم عاقلتها الغرة كما لو جنت على أخرى، وإنما لم يهدر من الغرة شيء؛ لأن الجنين أجنبي عنهما، ومن ثم لو كانتا مستولدتين والجنينان من سيديهما سقط عن كل منهما نصف غرة جنين مستولدته؛ لأنه حقه إلا إذا كان للجنين جدة لأم وارثة ولا يرث معه غيرها وكانت قيمة كل تحتمل نصف غرة فأكثر إذ السيد لا يلزمه الفداء بالأقل كما يأتي فلها السدس وقد أهدر النصف؛ لأجل عدم استحقاق سيد بنتها أرش جنايتها فيتمم لها السدس من ماله

(2)

(أو) اصطدم (عبدان) اتفقت قيمتهما أم لا وماتا (فهدر)؛ لأن جناية القن تتعلق برقبته وقد فاتت، نعم إن امتنع بيعهما كمستولدتين أو موقوفتين أو منذور عتقهما فعلى سيد كل الأقل من نصف قيمة كل وأرش جنايته على الآخر؛ لأنه بنحو الإيلاد مُنِع من البيع، أو كان ثم موصى به أو موقوف على أرش ما يجنيه القن أعطى سيد كلٍّ نصف قيمة قنه، أو كانا مغصوبين فعلى الغاصب فداء كل نصف منهما بأقلِّ الأمرين.

أما لو مات أحدهما فقط فيجب نصف قيمته متعلقا برقبة الحي، فإن أثَّر فعل الميت فيه نقصا تعلق غرمه بذلك النصف وتقاصا فيه. ولو اصطدم حر وقن وماتا وجب على العاقلة نصف قيمة القن، ويتعلق بنصف قيمة القن نصف دية الحر؛ لأنه بدل الرقبة التي هي محل التعلق فيأخذ السيد من العاقلة نصف القيمة ويدفع منه أو من غيره للورثة نصف الدية ولا تقاص إلا إن كان الورثة هم العاقلة وعدمت الإبل وحلَّ ما عليهم قبل الطلب، أو مات القن

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا تضمين الأجنبي.

(2)

. للمغني هنا اعتراض على المتن ردَّه الشارح.

ص: 92

أَوْ سَفِينَتَانِ فَكَدَابَّتَيْنِ، وَالمَلَّاحَانِ كَرَاكِبَيْنِ إنْ كَانَتَا لَهُمَا، فَإِنْ كَانَ فِيهِمَا مَالُ أَجْنَبِيٍّ لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ ضَمَانِهِ، وَإِنْ كَانَتَا لِأَجْنَبِيٍّ لَزِمَ كُلًّا نِصْفُ قِيمَتِهِمَا. وَلَوْ أَشْرَفَتْ سَفِينَةٌ عَلَى غَرَقٍ جَازَ طَرْحُ مَتَاعِهَا،

فقط فنصف قيمته على عاقلة الحر أو الحر فقط فنصف ديته في رقبة القن (أو) اصطدم (سفينتان) وغرقتا (فكدابتين، والملاحان) فيهما وهما المجريان لهما اتحدا أو تعددا، والمراد بالمجري لها من له دخل في سيرها ولو بإمساك نحو حبل (كراكبين

(1)

فيما مر (إن كانتا) أي السفينتان وما فيهما (لهما) فنصف قيمة كل سفينة ونصف متاعها مهدر والنصف الآخر على صاحب الأخرى إن بقي وإلا ففي تركته، ونصف دية كل مهدر وما بقي على عاقلة الآخر بتفصيله السابق، (فإن كان فيهما مال أجنبي لزم كلا) من الملاحين (نصف ضمانه) وإن كان بيد مالكه الذي بالسفينة؛ لتعديهما، ويعلم مما يأتي أنه مخيَّر بين أخذ جميع بدل ماله من أحد الملاحين ثم هو يرجع بنصفه على الآخر وبين أخذ نصفه منه ونصفه من الآخر (وإن كانتا لأجنبي) وهما أجيرا المالك أو أميناه (لزم كلا نصف قيمتهما)؛ لأن مال الأجنبي لا يهدر منه شيء، ولمالك كلٍّ أن يأخذ جميع قيمة سفينته من ملاحه ثم يرجع هو بنصفها على الملاح الآخر أو نصفا من هذا ونصفا من هذا. ولو كانا قنين تعلق الضمان برقبتهما، هذا كله إذا اصطدمتا بفعلهما أو تقصيرهما كأن قصرا في الضبط مع إمكانه أو سيرا في ريح شديدة لا تسير في مثلها السفن أو لم يكملا عدتيهما وإلا بأن غلبتهما الريح- ويصدقان فيه بيمينهما -لم يضمنا؛ لتعذر الضبط هنا لا في الدابة؛ لإمكان ضبطها باللجام، ومحل كونهما كالراكبين ما لم يقصدا الاصطدام بما يعده الخبراء مفضيا للهلاك غالبا وإلا لزم نصفُ دية كلٍّ منهما في تركة الآخر، ومن ثم لو بقي أحدهما قتل بالميت أو بقيا وغرق راكب قتلا به أو ركاب قتلا بواحد بقرعة إن لم يترتبوا وإلا فبالأول ووجب في مال كل نصف دية الباقين، فإن كان لا يهلك غالبا فدية شبه عمد له على عاقلتهما (ولو أشرفت سفينة) بها متاع وراكب (على غرق) وخيف غرقها بما فيها (جاز) عند توهم النجاة بأن اشتد الأمر وقرب اليأس ولم يفد الإلقاء إلا على ندور أو عند غلبة ظن النجاة بأن لم يخش من عدم الطرح إلا نوع خوف غير قوي (طرح متاعها)؛ حفظا

(1)

. ظاهره ولو كان الملاحان صبيين وأقامهما الولي أو الأجنبي وفاقا للنهاية ووالده، وخلافا للأسنى والمغني من عدم تعلق الضمان بالولي أو الأجنبي.

ص: 93

وَيَجِبُ لِرَجَاءِ نَجَاةِ الرَّاكِبِ، فَإِنْ طَرَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنٍ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قَالَ: أَلْقِ مَتَاعَك وَعَلَيَّ ضَمَانُهُ، أَوْ عَلَى أَنِّي ضَامِنٌ ضَمِنَ

للروح يعني ما يندفع به الضرر في ظنه من الكل أو البعض (ويجب) طرح ذلك (لرجاء نجاة الراكب) أي لظنها مع قوة الخوف لو لم يطرح، وينبغي

(1)

أي للمالك فيما إذا تولى الإلقاء بنفسه أو تولاه غيره كالملاح بإذنه العام له تقديم الأخف قيمة إن أمكن. ويجب إلقاء حيوان أيضا لظن نجاة آدمي محترم فالمهدر كحربي وزان محصن لا يلقى لأجله مال مطلقا، بل ينبغي أن يلقى هو لأجل المال، ويحتاج إلى إذن المالك في الإلقاء في حالة جوازه، ومثل المالك كل من له بالعين تعلق حق كالمرتهن وغرماء المفلس، أما في حالة الوجوب فلا يحتاج إلى إذن المالك أو غيره (فإن طرح) ملاح أو غيره (مال غيره) ولو في حالة الوجوب، ولا ينافيه عدم الاحتياج إلى الإذن؛ لأن الإثم وعدمه يتسامح فيهما ما لا يتسامح في الضمان؛ لأنه من باب خطاب الوضع (بلا إذن) منه له فيه (ضمن) ـه كأكل مضطر طعام غيره بغير إذنه (وإلا) بأن طرحه بإذن مالكه المعتبر الإذن (فلا) يضمنه ولو تعلق به حق للغير كمرتهن اشترط إذنه أيضاً (ولو قال) لغيره عند الإشراف على الغرق أو القرب منه (ألق متاعك) في البحر (وعليَّ ضمانه أو على أني ضامن) له أو على أني أضمنه ونحو ذلك فألقاه وتلف (ضمنـ) ـه المستدعي وإن لم تحصل النجاة؛ لأنه التماس لغرض صحيح بعوض فلزمه، ثم إن سمَّى الملتمس عوضا حالا أو مؤجلا لزمه وإلا ضمنه بالقيمة

(2)

قبل هيجان الموج مطلقا؛ لتعذر ضمانه بالمثل؛ إذ لا مثل لمشرف على الهلاك إلا مشرف عليه وذلك بعيد. ولو قال لعمرو ألق متاع زيد وعليَّ ضمانه فألقاه ضمن الملقي؛ لأنه المباشر للإتلاف، نعم إن كان المأمور أعجميا يعتقد وجوب طاعة آمره ضمن الآمر؛ لأن ذاك آلة له، ثم إن الملتمس لا يملك المُلْقَى فلو لفظه البحر فهو لمالكه، ويرد ما أخذه بعينه إن بقي وإلا فبدله، ويضمن الملتمس نقصه إن أنقصه البحر؛ لأنه السبب فيه، ولابد في الضمان من الإشارة لما يلقيه فيقول هذا أو يكون المتاع معلوما للملتمس وإلا لم يضمن إلا ما ألقاه بحضرته ومن أن يلقي المتاع صاحبه فلو ألقاه غيره بلا إذنه أو سقط بنحو ريح لم يضمنه الملتمس ومن استمراره على الضمان فلو رجع عنه قبل الإلقاء لم يلزمه شيء أو

(1)

. للرملي تقييد لذلك.

(2)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي فاعتمدوا وجوب المثل في المثلي والقيمة في المتقوم.

ص: 94

وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى أَلْقِ فَلَا عَلَى المَذْهَبِ. وَإِنَّمَا يَضْمَنُ مُلْتَمِسٌ لِخَوْفِ غَرَقٍ، وَلَمْ يَخْتَصَّ نَفْعُ الْإِلْقَاءِ بِالمُلْقِي. وَلَوْ عَادَ حَجَرُ مَنْجَنِيقٍ فَقَتَلَ أَحَدَ رُمَاتِهِ هُدِرَ قِسْطُهُ، وَعَلَى عَاقِلَةِ الْبَاقِينَ الْبَاقِي، أَوْ غَيْرِهِمْ وَلَمْ يَقْصِدُوهُ فَخَطَأٌ أَوْ قَصَدُوهُ فَعَمْدٌ فِي الْأَصَحِّ إنْ غَلَبَتْ الْإِصَابَةُ

في أثنائه ضمن ما قبله، فإن لم يعلم بالرجوع ضمن الملتمس نظير رجوع الضرة. وفي قوله أنا والركاب ضامنون أو ضمناء عليه حصته، وكذا عليهم إن رضوا بقوله وقد قصد الإخبار عنها فإن أراد إنشاءه لم يؤثر رضاهم؛ لأن العقود لا توقف، وحيث لزمته الحصة فقط فباشر الإلقاء بالإذن لزمه الكل

(1)

، أو أنا ضامن له والركاب أو على أني أضمنه أنا والركاب أو أنا ضامن له وهم ضامنون يلزمه الجميع (ولو اقتصر على) قوله (ألق) متاعك ولم يقل وعلي ضمانه أو على أني ضامن (فلا) يضمنه (على المذهب)؛ لعدم الالتزام (وإنما يضمن ملتمس لخوف غرق) فلو قال في الأمن ((ألقه وعليَّ ضمانه)) لم يضمنه؛ إذ لا غرض ويظهر أن خوف القتل ممن يقصدهم إذا غلب كخوف الغرق (ولم يختص نفع الإلقاء بالملقي) بأن اختص بالملتمس أو به وبالمالك أو بغيرهما أو بالمالك وأجنبي أو بالملتمس وأجنبي أو عمَّ الثلاثة بخلاف ما لو اختص بالمالك وحده بأن أشرفت سفينته وبها متاعه على الغرق فقال له من بالشط أو سفينة أخرى ألق متاعك وعليَّ ضمانه فلا يضمنه؛ لأنه وقع لحظ نفسه فكيف يستحق به عوضا (ولو عاد حجر مَنجَنيق فقتل أحد رماته) وهم عشرة مثلا (هدر قسطه) وهو عشر الدية (وعلى عاقلة الباقين الباقي) من دية الخطأ؛ لأنه مات بفعله وفعلهم فسقط ما يقابل فعله. ولو تعمدوا إصابته بأمر صنعوه وقصدوه بسقوطه عليه وغلبت إصابته كان عمدا في أموالهم، ولا قود؛ لأنهم شركاء مخطئ (أو) قتل (غيرهم ولم يقصدوه فخطأ) قتلهم له ففيه دية مخففة على العاقلة (أو قصدوه) بعينه وتصور (فعمد في الأصح إن غلبت الإصابة) ففيه القود، فإن عفي عنه فدية عمد في مالهم فإن لم يغلب فشبه عمد، ثم الضمان يختص بمن مدَّ الحبال ورمى الحجر؛ لأنهم المباشرون دون واضعه وماسك الخشب؛ إذ لا دخل لهم في الرمي أصلا، ومنه يؤخذ أنه لو كان لهم دخل فيه ضمنوا أيضا.

(1)

. وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية.

ص: 95

فصل

دِيَةُ الخَطَإِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ، وَهُمْ عَصَبَتُهُ إلَّا الْأَصْلَ وَالْفَرْعَ، وَقِيلَ يَعْقِلُ ابْنٌ هُوَ ابْنُ ابْنِ عَمِّهَا، وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ، فَإِنْ بَقِيَ شَيْءٌ فَمَنْ يَلِيهِ، وَمُدْلٍ بِأَبَوَيْنِ، وَالْقَدِيمُ التَّسْوِيَةُ، ثُمَّ مُعْتِقٌ ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُهُ ثُمَّ عَصَبَتُهُ

(فصل) في العاقلة وكيفية تحملهم

(دية الخطأ وشبه العمد تلزم) الجاني أولا على الأصح ثم (العاقلة) تحملا إجماعا. ولو أقر بأحدهما فكذبته عاقلته وحلفوا على نفي العلم لزمته وحده (وهم عصبته) الذين يرثونه بنسب أو ولاء إذا كانوا ذكورا مكلفين بشروطهم الآتية، وتضرب على الغائب الأهل حصته فإذا حضر أخذت منه. وشرط تحمل العاقلة أن تكون صالحة لولاية النكاح ولو بالقوة كالفاسق، فلو تخلل بين الرمي والإصابة رِدَّة أو إسلام وجبت الدية في ماله. ولو حفر قن أو ذمي بئرا عدوانا فعتق هو أو أبوه وانجر ولاؤه لموالي أبيه، أو أسلم ثم تردى رجل في البئر ضمنه الحافر في ماله. ولو جرح خطأ فارتد فمات المجروح فالأقل من أرش الجرح والدية على عاقلته المسلمين فإن بقي شيء ففي ماله فإن أسلم قبل موت الجريح لزم عاقلته أرش الجرح والزائد في ماله (إلا الأصل) للجاني وإن علا (والفرع) له وإن سفل؛ لما ورد فيهما؛ ولأنهم أبعاضه فأعطوا حكمه (وقيل يعقل ابن هو ابن ابن عمها) أو معتقها كما يلي نكاحها (ويقدم الأقرب) منهم على الأبعد في التحمل كالإرث وولاية النكاح فينظر في الأقربين آخر الحول والواجب (فإن) وفوا به لقلته أو لكثرتهم فذاك، وإن (بقي) منه (شيء فمن يليه) أي الأقرب يوزع عليه ذلك الباقي (و) تقدم الإخوة ففروعهم فالأعمام ففروعهم فأعمام الأب ففروعهم وهكذا كالإرث و (مدلٍ بأبوين) على مدل بأب في الجديد كالإرث (والقديم التسوية)؛ لأن الأنوثة لا دخل لها في التحمل ويجاب بمنع ذلك. ولا يتحمل ذوو الأرحام إلا إذا ورثناهم فيحمل ذكر منهم لم يدل بأصل ولا فرع عند عدم العصبة أو عدم وفائهم بالواجب ويقدم عليهم الأخ للأم؛ للإجماع على إرثه (ثم) بعد عصبة النسب لفقدهم أو عدم وفائهم (معتق) للجاني (ثم عصبته) من النسب ولو في حياته خلا أصوله وفروعه (ثم معتقه) أي المعتق (ثم عصبته) - إلا من ذكر -ثم معتق معتق معتقه ثم عصبته وهكذا.

ص: 96

وَإِلَّا فَمُعْتِقُ أَبِي الجَانِي ثُمَّ عَصَبَتُهُ ثُمَّ مُعْتِقُ مُعْتِقِ الْأَبِ وَعَصَبَتُهُ، وَكَذَا أَبَدًا، وَعَتِيقُهَا يَعْقِلُهُ عَاقِلَتُهَا، وَمُعْتِقُونَ كَمُعْتِقٍ، وَكُلُّ شَخْصٍ مِنْ عَصَبَةِ كُلِّ مُعْتِقٍ يَحْمِلُ مَا كَانَ يَحْمِلُهُ ذَلِكَ المُعْتِقُ. وَلَا يَعْقِلُ عَتِيقٌ فِي الْأَظْهَرِ، فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِلُ أَوْ لَمْ يَفِ عَقَلَ بَيْتُ المَالِ عَنْ المُسْلِمِ، فَإِنْ فُقِدَ فَكُلُّهُ عَلَى الجَانِي فِي الْأَظْهَرِ

(وألا) يوجد من له ولاء على الجاني ولا عصبته (فمعتق أبي الجاني ثم عصبته) إلا من ذكر (ثم معتق معتق الأب و) بعده (عصبته) إلا من ذكر (وكذا) المذكور يكون الحكم فيمن بعده (أبدا) فإذا لم يوجد من له ولاء على أبي الجاني فمعتق جده فعصبته وهكذا فإن لم يوجد معتق من جهة الآباء فمعتق الأم فعصبته إلا من ذكر ثم معتق الجدات للأم والجدات للأب ومعتق ذكر أدلى بأنثى كأبي الأم ونحوه، (وعتيقها) أي المرأة (يعقله عاقلتها) - كما يزوج عتيقها من يزوجها -لا هي؛ لأن المرأة لا تعقل إجماعا (ومعتقون كمعتق)؛ لاشتراكهم في الولاء فعليهم ربع دينار أو نصفه، فإن اختلفوا غنى وتوسطا فعلى الغني حصته من النصف لو فرض الكل أغنياء والمتوسط حصته من الربع لو فرض الكل متوسطين والتوزيع عليهم بقدر الملك لا الرءوس (وكل شخص من عصبة كلِّ معتقٍ يحمل ما كان يحمله ذلك المعتق) فإن اتحد المعتق ضرب على كل من عصبته ربع أو نصف، وإن تعدد نُظر لحصته من الربع أو النصف وضرب على كل واحد من عصبته قدرها، ومعلوم أن النظر في الربع والنصف إلى غنى المضروب عليه، فالمراد بقوله ما كان يحمله أي من حيث الجملة لا بالنظر لعين ربع أو نصف فلو كان المعتق متوسطا وعصبته أغنياء ضرب على كل النصف لأنه الذي يحمله لو كان مثلهم وعكسه (ولا يعقل عتيق في الأظهر) كما لا يرث ولا عصبته قطعا ولا عتيقه (فإن فقد العاقل) ممن ذكر (أو لم يف) بالواجب (عقل بيت المال عن المسلم) الكل أو ما بقي؛ للخبر الصحيح ((أنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرثه))، دون غير المسلم بل تجب الدية في ماله إن كان غير حربي؛ لأن ماله ينتقل لبيت المال فيئا لا إرثا، والمرتد لا عاقلة له فما وجب بجنايته خطأ أو شبه عمد في ماله. ولو قتل لقيط خطأ أو شبه عمد أخذ بيت المال ديته من عاقلة قاتله فإن فقدوا لم يعقل عنه؛ إذ لا فائدة لأخذها منه ثم ردها إليه (فإن فقد) بيت المال أو منع متوليه جورا (فكله) أي المال الواجب بالجناية، وكذا بعضه إن لم تف العاقلة ولا بيت المال به (على الجاني) لا بعضه (في الأظهر)؛ بناء على ما مر أنها تلزمه ابتداء.

ص: 97

وَتُؤَجَّلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَةُ نَفْسٍ كَامِلَةٍ ثَلَاثَ سِنِينَ فِي كُلِّ سَنَةٍ ثُلُثٌ. وَذِمِّيٍّ سَنَةً، وَقِيلَ ثَلَاثًا، وَامْرَأَةٍ سَنَتَيْنِ فِي الْأُولَى ثُلُثٌ، وَقِيلَ ثَلَاثًا. وَتَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَبْدَ فِي الْأَظْهَرِ، فَفِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ فِي ثَلَاثٍ. وَلَوْ قَتَلَ رَجُلَيْنِ فَفِي ثَلَاثٍ، وَقِيلَ سِتٍّ، وَالْأَطْرَافُ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَدْرُ ثُلُثِ دِيَةٍ، وَقِيلَ كُلُّهَا فِي سَنَةٍ

[تنبيه] لا يعود التحمل لغيره بعود صلاحيته له

؛ لأن الجاني هو الأصل فمتى خوطب به من حيث الأداء استقر عليه. ولو عدم ما في بيت المال فأخذ من الجاني ثم غني بيت المال لا يؤخذ منه بخلاف عاقلة أنكروا الجناية فأخذت من الجاني ثم اعترفوا يرجع عليهم؛ لأنهم هنا حالة الأخذ من أهل التحمل بخلاف بيت المال ثَمَّ (وتؤجل) يعني تثبت مؤجلة من غير تأجيل أحد (على العاقلة) وكذا على بيت المال أو الجاني (دية نفس كاملة) بإسلام وحرية وذكورة (ثلاث سنين في) آخر (كل سنة ثلث) من الدية؛ لقضائه صلى الله عليه وسلم بذلك كما قاله الشافعي رضي الله عنه. وإذا وجبت على الجاني مؤجلة فمات أثناء الحول سقط وأُخذ الكل من تركته؛ لأنه واجب عليه أصالة، وإنما لم تؤخذ من تركة من مات من العاقلة؛ لأنها مواساة (و) تؤجل عليهم دية (ذمي) أو نحو مجوسي (سنة)؛ لأنها ثلث أو أقل منه (وقيل) تؤجل (ثلاثا)؛ لأنها بدل نفس (و) دية (امرأة) مسلمة وخنثى مسلم (سنتين في) السنة (الأولى ثلث) للدية الكاملة والباقي آخر السنة الثانية (وقيل) تؤجل (ثلاثا)؛ لأنها بدل نفس (وتحمل العاقلة قدر العبد) أي قيمته إذا أتلفه من غير وضع يده عليه خطأ أو شبه عمد وأراد به ما يشمل الأمة (في الأظهر)؛ لأنها بدل نفس (ففي كل سنة) يجب (قدر ثلث دية) زادت على الثلاث أم نقصت فإن وجب دون ثلث أخذ في سنة أيضا (وقيل) يجب (في ثلاث) من السنين نقصت عن دية أم زادت (ولو قتل رجلين) مسلمين (ففي ثلاث) من السنين تجب ديتهما؛ لاختلاف المستحق (وقيل) تجب في (ست) من السنين لكل نفس ثلاث وما يؤخذ آخر كل سنة يقسم على مستحق الديتين وعكس ذلك لو قتل ثلاثة واحدا فعلى عاقلة كل واحد ثلث دية تؤجل عليه في ثلاث سنين؛ نظرا لاتحاد المستحق (والأطراف) والمعاني والأروش والحكومات (في كل سنة ثلث دية) فإن كانت نصف دية ففي الأولى ثلث وفي الثانية سدس، أو ثلاثة أرباعها ففي الأولى ثلث وفي الثانية ثلث وفي الثالثة نصف سدس، أو ديتين ففي ست سنين- (وقيل) تجب (كلها في سنة) بالغة ما بلغت؛ لأنها ليست بدل نفس -، أو ربع دية ففي سنة قطعا.

ص: 98

وَأَجَلُ النَّفْسِ مِنَ الزُّهُوقِ وَغَيْرِهَا مِنَ الجِنَايَةِ، وَمَنْ مَاتَ بِبَعْضِ سَنَةٍ سَقَطَ. وَلَا يَعْقِلُ فَقِيرٌ وَرَقِيقٌ وَصَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُسْلِمٌ عَنْ كَافِرٍ وَعَكْسُهُ. وَيَعْقِلُ يَهُودِيٌّ عَنْ نَصْرَانِيٍّ وَعَكْسُهُ فِي الْأَظْهَرِ. وَعَلَى الْغَنِيِّ نِصْفُ دِينَارٍ، وَالمُتَوَسِّطِ رُبُعٌ

(وأجل) واجب (النفس من) وقت (الزهوق) للروح بمذفف أو سراية جرح؛ لأنه مال يحل بانقضاء الأجل فكان ابتداء أجله من وقت وجوبه كسائر الديون المؤجلة (و) أجل واجب (غيرها من) حين (الجناية)؛ لأنها حالة الوجوب وإن توقفت المطالبة على الاندمال، ومحل ذلك إن لم تسر لعضو آخر وإلا كأن قطع أصبعه فسرت لكفه كان ابتداء أجل الأصبع من القطع والكف من السقوط (ومن مات) من العاقلة بعد سنة وهو موسر أو متوسط استقر عليه واجبها وأخذ من تركته مقدما على الوصايا والإرث، أو (ببعض سنة سقط) عنه واجبها وواجب ما بعدها؛ لما مر أنها مواساة كالزكاة (ولا يعقل فقير) ولو كسوبا؛ لأنه ليس من أهل المواساة (ورقيق)؛ لذلك وملك المكاتب ضعيف لا يحتمل المواساة كالمبعض ويعقل المبعض عن بعضه الحر، ولا تعقل امرأة وخنثى، نعم إن بان ذكرا غرم للمستحق حصته التي قد أداها غيره ولو قبل رجوع غيره على المستحق (وصبي ومجنون) ولو متقطعا وإن قل

(1)

؛ لأنهم ليسوا من أهل النصرة بوجه بخلاف نحو زَمِن؛ لأن له رأيا وقولا. ولو مضت سنة ولم يجن فيها تحمل من واجبها، وبه يعلم أنه يعتبر الكمال بالتكليف والتوافق في الدين والحرية في المتحمل من الفعل إلى مضي أجل كل سنة (ومسلم عن كافر وعكسه)؛ إذ لا مناصرة كالإرث (ويعقل) ذمي (يهودي) أو معاهد أو مستأمن زادت مدة عهده على أجل الدية ولم تنقطع قبل مضي الأجل، نعم يكفي في تحمل كل حول على انفراده زيادة مدة العهد عليه (عن) ذمي (نصراني) أو معاهد أو مستأمن (وعكسه في الأظهر) كالإرث، ومن ثم اختص ذلك بما إذا كانوا بدارنا؛ لأنهم حينئذ تحت حكمنا. أما الحربي فلا يعقل عن نحو ذمي وعكسه؛ لانقطاع النصرة بينهما باختلاف الدار (وعلى الغني نصف دينار) أي مثقال ذهب خالص؛ لأنه أقل ما يجب في الزكاة (والمتوسط ربع) منه؛ لأنه واسطة بين الفقير الذي لا شيء عليه والغني الذي عليه نصف. ولا يتعين الذهب ولا الدراهم بل يكفي مقدار أحدهما لأن الواجب هو الإبل إن وجدت عند الأداء بالنسبة لواجب كل نجم، ولا يعتبر بعض النجوم ببعض، وما يؤخذ

(1)

. خلافا للمغني في ما إذا كان يجن في العام يوما واحدا ليس هو آخر السنة.

ص: 99

كُلَّ سَنَةٍ مِنْ الثَّلَاثِ، وَقِيلَ هُوَ وَاجِبُ الثَّلَاثِ، وَيُعْتَبَرَانِ آخِرَ الحَوْلِ، وَمَنْ أَعْسَرَ فِيهِ سَقَطَ.

فصل

مَالُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ يَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ،

يصرف إليها. ولو زاد عددهم وقد استووا في القرب على قدر واجب السنة قسط عليهم ونقص كل منهم من النصف أو الربع، وضابط الغني والمتوسط أن من ملك قدر عشرين دينارا آخر الحول فاضلا عن كل ما لا يكلف بيعه في الكفارة غنيّ، ومن ملك آخره فاضلا عن ذلك دون العشرين وفوق ربع الدينار متوسط ومن عداهما فقير

(1)

(كل سنة من الثلاث)؛ لأنها مواساة تتعلق بالحول فتكررت بتكرره ولم تتجاوز الثلاث؛ للنص كما مر فجميع ما على كل غني في الثلاث دينار ونصف وما على المتوسط نصف وربع (وقيل هو) أي النصف والربع (واجب الثلاث) فيؤدي الغني آخر كل سنة سدسا والمتوسط نصف سدس (ويعتبران) أي الغنى والتوسط (آخر الحول) كالزكاة فالمعسر آخره لا شيء عليه -وإن كان أوله أو بعده غنيا- وعكسه عليه واجبه، أما غيرهما من الشروط فلا يعتبر بآخر الحول فالكافر والقن والصبي والمجنون أول الأجل لا شيء عليهم مطلقا؛ لأنهم ليسوا أهلا للنصرة ابتداءً (ومن أعسر فيه) أي في آخر الحول (سقط) عنه واجب ذلك الحول وإن أيسر بعده، ولو طرأ جنون أثناء حول سقط واجبه فقط دون ما قبل وكذا الرق بأن حارب الذمي ثم استرق.

(فصل) في جناية الرقيق

(مال جناية العبد

(2)

أي الرقيق الخطأ، وشبه العمد، والعمد إذا عفي عنه على مال وإن فدي من جنايات سابقة (يتعلق برقبته) إجماعا ولأنه العدل إذ السيد لم يجن والتأخير إلى عتقه فيه تفويت على المستحق بخلاف معاملة غيره له؛ لرضاه بذمته، وإنما ضمن مالك البهيمة أو عاقلته جنايتها؛ لأنه لا اختيار لها فصار كأنه الجاني، ومن ثم لو كان القن غير مميز أو أعجميا يعتقد وجوب الطاعة فأمره سيده بالجناية لزمه أو عاقلته أرشها بالغا ما بلغ ولم

(1)

. قال الشارح في فتح الجواد، وهذا هو المعتمد.

(2)

. ذكر الشارح في شروط القود أن من نصفه قن لو قطع يد نفسه لزمه لسيده ثمن قيمته فيأخذه من ماله أو حتى يوسر 8/ 402.

ص: 100

وَلِسَيِّدِهِ بَيْعُهُ لَهَا، وَفِدَاؤُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَأَرْشِهَا، وَفِي الْقَدِيمِ بِأَرْشِهَا، وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذِمَّتِهِ مَعَ رَقَبَتِهِ فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوْ فَدَاهُ ثُمَّ جَنَى سَلَّمَهُ لِلْبَيْعِ أَوْ فَدَاهُ،

تتعلق بالرقبة، وكذا لو أمره أجنبي يلزم الأجنبي أيضا بخلاف أمر السيد أو غيره للمميز فإنه لا يمنع التعلق برقبته؛ لأنه المباشر، ومن ثم لم تتعلق الجناية بغير الرقبة من مال الآمر. ولو لم يأمر غير المميز أحد تعلقت برقبته فقط؛ لأنه من جنس ذوي الاختيار بخلاف البهيمة، ومعنى التعلق بها أنه يباع ويصرف ثمنه للمجني عليه -فلا يملكه هو ولا وارثه؛ لئلا يبطل حق السيد من الفداء- ويتعلق مال الجانية بجميع رقبته وإن كان الواجب حبة وقيمته ألفا. ولو أبرأ المستحق من بعضها المعين انفك منه بقسطها (ولسيده

(1)

بنفسه أو نائبه (بيعه) أو بيع ما يملكه منه إذا كان مبعضا إذ الواجب عليه من واجب جنايته بنسبة حريته، وما فيه من الرق يتعلق به باقي واجب الجناية (لها) أي لأجلها بإذن المستحق وتسليمه ليباع فيها

(2)

(وفداؤه) كالمرهون ويقتصر في البيع على قدر الحاجة ما لم يختر السيد بيع الجميع أو يتعذر وجود راغب في البعض، وإذا اختار فداءه لم يلزمه إلا (بالأقل من قيمته) يوم الفداء

(3)

؛ لأن الموت قبل اختياره لا يلزم السيد به شيء فأولى النقص، نعم إن منع من بيعه ثم نقصت قيمته عن وقت الجناية اعتبرت قيمته وقتها (وأرشها)؛ لأن الأرش إن كان أقل فلا واجب غيره وإلا لم يلزم السيد غير الرقبة فقبل منه قيمتها (وفي القديم بأرشها) بالغا ما بلغ، (ولا يتعلق) مال الجناية الثابتة بالبينة أو إقرار السيد ولا مانع (بذمته) ولا بكسبه وحدهما، ولا (مع رقبته في الأظهر) وإن أذن له سيده في الجناية، فما بقي عن الرقبة يضيع على المجني عليه؛ لأنه لو تعلق بالذمة لما تعلق بالرقبة كديون المعاملات، أما لو أقر بها السيد وثم مانع كرهن فأنكر المرتهن وحلف فإنه يباع في الدين ولا شيء على السيد، أو العبد وكذبه السيد ولا بينة فتتعلق بذمته فقط. ولو لم ينزع لقطة علمها بيده فتلفت ولو بغير فعله تعلقت برقبته وسائر أموال السيد. (ولو فداه ثم جنى سلمه للبيع) أي ليباع أو باعه كما مر (أو فداه) مرة أخرى وإن تكرر

(1)

. فيجبر على أحدهما ولا حبس للسيد أو العبد كما أفاده الشارح في الفلس 5/ 142.

(2)

. ولو أذن السيد للمجني عليه في بيع العبد الجاني فإن باعه بحضرة السيد صح وإلا فلا نظير ما مر في الرهن كما أشار إليه الشارح هناك 5/ 84.

(3)

. وفاقا للأسنى والمغني ورجح النهاية اعتبار وقت الجناية مطلقا.

ص: 101

وَلَوْ جَنَى ثَانِيًا قَبْلَ الْفِدَاءِ بَاعَهُ فِيهِمَا أَوْ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشَيْنِ، وَفِي الْقَدِيمِ بِالْأَرْشَيْنِ، وَلَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ بَاعَهُ وَصَحَّحْنَاهُمَا أَوْ قَتَلَهُ فَدَاهُ بِالْأَقَلِّ، وَقِيلَ الْقَوْلَانِ. وَلَوْ هَرَبَ أَوْ مَاتَ بَرِئَ سَيِّدُهُ إلَّا إذَا طُلِبَ فَمَنَعَهُ، وَلَوِ اخْتَارَ الْفِدَاءَ فَالْأَصَحُّ أَنَّ لَهُ الرُّجُوعَ وَتَسْلِيمَهُ. وَيَفْدِي أُمَّ وَلَدِهِ بِالْأَقَلِّ،

ذلك مرارا؛ لأنه الآن لم يتعلق به غير هذه الجناية (ولو جنى ثانيا قبل الفداء باعه) أو سلمه ليباع (فيهما) ووزِّع الثمن على أرش الجنايتين، ومحله حيث لم تكن إحدى الجنايتين موجبة للقود أو عفا مستحقه على مال

(1)

وإلا قُدِّم ذو المال حيث استمر ذو القود على طلبه ولم يوجد من يشتريه مع تعلق القود به

(2)

(أو فداه بالأقل من قيمته والأرشين) على الجديد (وفي القديم) يفديه (بالأرشين)، ومحل الخلاف إن لم يمنع من بيعه مختارا للفداء وإلا لزمه فداء كلٍّ منهما بالأقل من أرشها وقيمته (ولو أعتقه أو باعه وصححناهما) بأن أعتقه موسرا أو باعه بعد اختيار الفداء (أو قتله فداه) وجوبا؛ لأنه فوَّت محل التعلق، فإن تعذر الفداء لنحو إفلاسه أو غيبته أو صبره على الحبس فسخ البيع وبيع في الجناية، وفداؤه هنا (بالأقل) من قيمته والأرش جزما؛ لتعذر البيع (وقيل) يجري هنا أيضا (القولان) السابقان. (ولو هرب) العبد الجاني (أو مات) قبل اختيار سيده الفداء (برئ سيده) من علقته؛ لفوات الرقبة (إلا إذا طلب) منه ليباع (فمنعه)؛ لتعديه بالمنع ويصير بذلك مختارا للفداء بخلاف ما لو لم يطلب منه أو طلب فلم يمنعه فإنه لا يلزم به

(3)

وإن علم محله وقدر عليه، نعم يلزمه الإعلام به ككل من علم به (ولو اختار الفداء) بالقول؛ إذ لا يحصل بفعل كوطء الأمة (فالأصح أن له الرجوع وتسليمه) ليباع؛ لأن اختياره مجرد وعد لا يلزم ولم يحصل اليأس من بيعه، ومن ثم لو مات أو قتل لم يرجع جزما وكذا لو نقصت قيمته بعد اختياره إلا إن غرم ذلك النقص. ولو باعه بإذن المستحق بشرط الفداء لزمه وامتنع رجوعه وكذا يمتنع لو كان البيع يتأخر تأخراً يضر المجني عليه وللسيد أموال غيره فيلزم بالفداء؛ حذرا من ضرر المجني عليه (ويفدي أم ولده) حتما؛ لمنعه بيعها، ومن ثم لم تتعلق الجناية بذمتها بل بذمته (بالأقل) من الأرش ومن قيمتها يوم

(1)

. أسقط قوله ((على مال)) في المغني.

(2)

. للمغني كلام هنا عن ابن القطان يخالف كلام الشارح.

(3)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني فقال بوجوب تسليمه.

ص: 102

وَقِيلَ الْقَوْلَانِ، وَجِنَايَاتُهَا كَوَاحِدَةٍ فِي الْأَظْهَرِ.

فصل

فِي الجَنِينِ غُرَّةٌ إنِ انْفَصَلَ مَيِّتًا بِجِنَايَةٍ فِي حَيَاتِهَا أَوْ مَوْتِهَا،

الجناية وإن تأخر الإحبال عنها، ومحله

(1)

إن منع بيعها يوم الجناية وإلا فالتفويت إنما وقع بالإحبال المتأخر فليعتبر دون ما قبله (وقيل) فيها (القولان) السابقان في القن؛ لجواز بيعها في صور، ومن ثم لو جاز لكونه استولدها مرهونة وهو معسر لم يجب فداؤها بل يقدم حق المجني عليه على حق المرتهن، ومثلها فيما ذكر الموقوف والمنذور عتقه، ومر أن نحو الإيلاد بعد الجناية إنما ينفذ من الموسر دون المعسر (وجناياتها كواحدة في الأظهر) فيلزمه للكل فداء واحد؛ لأن الاستيلاد بمنزلة الإتلاف فيشترك المستحقون فيها بقدر جناياتهم، ومن قبض أرشا حوصص فيه كغرماء المفلس إذا اقتسموا ثم ظهر غيرهم، وكلما تجددت جناية تجدد الاسترداد فإذا كانت قيمتها ألفا وأرش الجناية ألف أخذها المستحق فإذا جنت ثانيا والأرش ألف استرد خمسمائة يأخذها المستحق فإذا جنت ثالثا والأرش ألف استرد من كلٍّ ثلث ما معه وهكذا أو ألفا وأرش الجناية الأولى خمسمائة فأخذها ثم جنت والأرش ألف استرد الخمسمائة الباقية عند السيد ثلث الخمسمائة التي أخذها الأول

(2)

.

(فصل) في الغرة

(في الجنين) الحر المعصوم عند الجناية وإن لم تكن أمُهُ معصومة عندها ذكرا كان أو نسيبا أو تام الخلقة أو مسلما أو ضد كلٍّ (غرة) إجماعا (إن انفصل ميتا بجناية) على أمه الحية تؤثر تلك الجانية فيه عادة ولو نحو تهديد أو طلب ذي شوكة لها أو لمن عندها كما مر أو تجويع أثر إسقاطا بقول خبيرين لا نحو لطمة خفيفة (في حياتها أو) بعد (موتها) متعلق بانفصل لا بجناية، وفي الصحيحين ((أنه صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة)). وخرج بتقييد الجنين بالعصمة ما لو جنى على حربية حامل من حربي أو مرتدة حملت بولد في حال ردتها فأسلمت ثم أجهضت أو على أمته الحامل من غيره فعتقت ثم أجهضت والحمل ملكه فإنه لا شيء فيه؛ لإهداره.

(1)

. وفاقا للمغني وشرح البهجة وخلافا للنهاية.

(2)

. وذكر الشارح قبيل زكاة الفطر أن فداء جناية العبد تحسب من الربح 3/ 304.

ص: 103

وَكَذَا إنْ ظَهَرَ بِلَا انْفِصَالٍ فِي الْأَصَحِّ وَإِلَّا فَلَاغُرَّةَ، أَوْ حَيًّا وَبَقِيَ زَمَانًا بِلَا أَلَمٍ ثُمَّ مَاتَ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ مَاتَ حِينَ خَرَجَ أَوْ دَامَ أَلَمُهُ فَمَاتَ فَدِيَةُ نَفْسٍ. وَلَوْ أَلْقَتْ جَنِينَيْنِ فَغُرَّتَانِ، أَوْ يَدًا فَغُرَّةٌ،

(وكذا إن ظهر) بالجناية على أمه في حياتها أو موتها على ما مر (بلا انفصال) كأن ضرب بطنها فخرج رأسه وماتت أو أخرج رأسه فجنى عليها وماتت ولم ينفصل (في الأصح)؛ لتحقق وجوده. ولو أخرج رأسه وصاح فحزَّ آخر رقبته قبل انفصاله قتل به

(1)

؛ لتيقن استقرار حياته (وإلا) ينفصل ولا ظهر بعضه (فلا غرة) وإن زالت حركة البطن وكبرها؛ لعدم تيقن وجوده (أو) انفصل (حيا) بالجناية على أمه (وبقي زمانا بلا ألم ثم مات فلا ضمان)؛ لأن ظاهر موته بسبب آخر (وإن مات حين خرج) أي تم خروجه (أو دام ألمه) وإن لم يكن به ورم (فمات فدية نفس) فيه إجماعا؛ لتيقن حياته وإن لم يستهل؛ لأن الفرض أنه وجد فيه أمارة الحياة كنَفَس وامتصاص ثدي وقبض يد وبسطها، وحينئذ لا فرق بين انتهائه لحركة المذبوحين وعدمه، ومن ثم لم يؤثر انفصاله لدون ستة أشهر وإن علم أنه لا يعيش فمن قتله وقد انفصل بلا جناية قتل به كقتل مريض مشرف على الموت فإن انفصل بجناية وحياته مستقرة فكذلك وإلا عزر الثاني فقط ولا عبرة بمجرد اختلاج. ويصدق الجاني بيمينه في عدم الحياة؛ لأنه الأصل وعلى المستحق البينة (ولو ألقت) المرأة بالجناية عليها (جنينين) ميتين (فغرتان) أو ثلاثا فثلاث وهكذا؛ لتعلق الغرة باسم الجنين أو ميتا وحيا فمات فغرة في الميت ودية في الحي (أو) ألقت (يدا) أو رجلا أو رأسا أو متعددا من ذلك وإن كثر ولو لم ينفصل الجنين وماتت الأم (فغرة

(2)

واحدة؛ للعلم بوجود الجنين، والظاهر أن نحو اليد انقطع بالجناية، وتعدد ما ذكر لا يستلزم تعدد البدن فقد وجد رأسان لبدن واحد، نعم إن ألقت أكثر من بدن ولم يتحقق اتحاد الرأس تعددت بعدده؛ لأن الشخص الواحد لا يكون له بدنان بحال. أما إذا عاشت ولم تلق جنينا فلا يجب في اليد أو الرجل إلا نصف غرة كما أن يد الحي لا يجب فيها إلا نصف ديته، ولا يضمن باقيه لأنا لم نتحقق تلفه بهذه الجناية فإن ألقته ميتا كامل الأطراف وجبت

(1)

. هذا مستثنى من قاعدة أن المنفصل بعضه لا يعطى حكم المنفصل كله ذكره الشارح في الجنائز.

(2)

. ظاهره كلام الشارح عدم وجوب الحكومة للعضو الزائد وفاقا للنهاية والشهاب الرملي وخلافا للمغني.

ص: 104

وَكَذَا لَحْمٌ قَالَ الْقَوَابِلُ فِيهِ صُورَةٌ خَفِيَّةٌ، قِيلَ أَوْ قُلْنَ لَوْ بَقِيَ لَتَصَوَّرَ. وَهِيَ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ، مُمَيِّزٌ سَلِيمٌ مِنْ عَيْبِ مَبِيعٍ، وَالْأَصَحُّ قَبُولُ كَبِيرٍ لَمْ يَعْجَزْ بِهَرَمٍ، وَيُشْتَرَطُ بُلُوغُهَا نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ. فَإِنْ فُقِدَتْ فَخَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فَلِلْفَقْدِ قِيمَتُهَا. وَهِيَ لِوَرَثَةِ الجَنِينِ،

حكومة في اليد لا غير؛ لاحتمال أنها كانت زائدة لهذا الجنين وانمحق أثرها، هذا

(1)

إن كان بعد الاندمال وإلا فغرة ولا شيء في اليد لهذا الاحتمال (وكذا لحم قال القوابل) أي أربع منهن (فيه صورة) ولو لنحو عين أو يد (خفية) لا يعرفها غيرهن فتجب الغرة؛ لوجوده (قيل أو قلن) ليس فيه صورة، لكن (لو بقي لتصور) والأصح أنه لا أثر لذلك.

(وهي) أي الغرة في الكامل وغيره (عبد أو أمة) كما نطق به الخبر بخيرة الغارم لا المستحق. ولا تجزئ الخنثى؛ لأن الخنوثة عيب (مميز) بلغ سبع سنين

(2)

فأكثر

(3)

(سليم من عيب مبيع) فلا يجبر على قبول معيب كأمة حامل وخصي وكافر بمحل تقل الرغبة فيه؛ لأنه ليس من الخيار (والأصح قبول كبير لم يعجز) عن شيء من منافعه (بهرم)؛ لأنه من الخيار بخلاف ما إذا عجز به بأن صار كالطفل (ويشترط بلوغها) أي قيمة الغرة (نصف عشر الدية) أي دية أب الجنين إن وجد الأب وإلا -كولد الزنا- فعشر دية الأم والتعبير به أولى، ففي الكامل بالحرية والإسلام -ولو حال الإجهاض- رقيق تبلغ قيمته خمسة أبعرة كما رُوي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم ولا مخالف لهم، وتعتبر قيمة الإبل المغلظة إذا كانت الجناية شبه عمد (فإن فقدت) حسا أو شرعا بأن لم توجد إلا بأكثر من قيمتها ولو بما قلَّ وجب نصف عشر دية الأب فإن كان كاملا (فخمسة أبعرة) تجب فيه؛ لأن الإبل هي الأصل (وقيل لا يشترط) بلوغها نصف عشر الدية؛ لإطلاق الخبر (فـ) عليه (للفقد) تجب (قيمتها) بالغة ما بلغت، وإذا وجبت الإبل والجناية شبه عمد غلظت ففي الخمس تؤخذ حقة ونصف وجذعة ونصف وخلفتان، فإن فقدت الإبل وجبت قيمتها، (وهي) أي الغرة (لورثة الجنين) بتقدير انفصاله حيا ثم موته؛ لأنها فداء نفسه. ولو تسببت الأم لإجهاض نفسها كأن صامت أو

(1)

. أي وجوب الكفارة لا غير.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(3)

. كما في الفتح.

ص: 105

وَعَلَى عَاقِلَةِ الجَانِي، وَقِيلَ إنْ تَعَمَّدَ فَعَلَيْهِ. وَالجَنِينُ الْيَهُودِيُّ أَوِ النَّصْرَانِيُّ قِيلَ كَمُسْلِمٍ، وَقِيلَ هَدَرٌ، وَالْأَصَحُّ غُرَّةٌ كَثُلُثِ غُرَّةِ مُسْلِمٍ. وَالرَّقِيقُِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ يَوْمَ الجِنَايَةِ، وَقِيلَ الْإِجْهَاضُ لِسَيِّدِهَا، فَإِنْ كَانَتْ مَقْطُوعَةً وَالجَنِينُ سَلِيمٌ قُوِّمَتْ سَلِيمَةً فِي الْأَصَحِّ، وَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ فِي الْأَظْهَرِ

شربت دواء لم ترث منها شيئا؛ لأنها قاتلة (و) الغرة (على عاقلة الجاني)؛ للخبر (وقيل إن تعمد) بأن قصد الحامل بما يجهض غالباً (فعليه) الغرة دون عاقلته. (والجنين) المعصوم (اليهودي أو النصراني) أو المتولد بين كتابي ونحو وثني (قيل كمسلم)؛ لعموم الخبر (وقيل هدر)؛ لتعذر التسوية والتجزئة (والأصح) أنه يجب فيه (غرة كثلث غرة مسلم)؛ قياسا على الدية وفي المجوسي ونحوه ثلثا عشر غرة مسلم (و) الجنين (الرقيقُِ عشر قيمة أمه)؛ قياسا على الجنين الحر فإن غرته عشر دية أمه وسواء فيه الذكر والأنثى وفيها المكاتبة والمستولدة وغيرهما، نعم إن كانت هي الجانية على نفسها لم يجب فيه للسيد شيء؛ إذ لا شيء للسيد على قنه، وتعتبر قيمتها (يوم الجناية) عليه؛ لأنه وقت الوجوب (وقيل) يوم (الإجهاض)؛ لأنه وقت الاستقرار، والأصح اعتبار أكثر القيم من يوم الجناية إلى الإجهاض مع تقدير إسلام الكافرة وسلامة المعيبة ورق الحرة بأن يعتقها مالكها والجنين لآخر

(1)

بنحو وصية، وذلك؛ تغليظا عليه كالغاصب، ما لم ينفصل حيا ثم يموت من أثر الجناية وإلا ففيه قيمة يوم الانفصال قطعا. والقيمة في القن (لسيدها، فإن كانت) الأم القنة (مقطوعة) أطرافها يعني زائلتها ولو خلقة وهذا مثال وإلا فالمدار على كونها ناقصة (والجنين سليم) أو هي سليمة والجنين ناقص (قومت سليمة في الأصح)؛ لسلامته أو سلامتها وكما لو كانت كافرة وهو مسلم تقوم مسلمة (وتحمله) أي بدل الجنين القن (العاقلة في الأظهر)؛ لما مر أنها تحمل العبد ويدخل أرش الألم لا الشين في الغرة.

(1)

. أي لغير مالك الأم.

ص: 106

فصل

تَجِبُ بِالقَتْلِ كَفَّارَةٌ وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَعَبْدًا وَ ذِمِّيًّا وَعَامِدًا وَمُخْطِئًا وَمُتَسَبِّبًا بِقَتْلِ مُسْلِمٍ وَلَوْ بِدَارِ حَرْبٍ، وَذِمِّيٍّ

(فصل) في الكفارة

والقصد بها تدارك ما فرط من التقصير وهو في الخطأ الذي لا إثم فيه ترك التثبت مع خطر الأنفس (يجب بالقتل كفارة

(1)

على القاتل غير الحربي الذي لا أمان له والجلاد الذي لم يعلم خطأ الإمام إجماعا؛ للآية، ويجب الفور في العمد وشبهه؛ تداركا لإثمهما بخلاف الخطأ. وخرج بالقتل ما عداه فلا يجب فيه؛ لأنه لم يرد (وإن كان القاتل) المذكور (صبيا أو مجنونا)؛ لأن غاية فعلهما أنه خطأ وهي تجب فيه فيعتق الولي عنهما من مالهما فإن فقد مالهما فصاما

(2)

وهما مميزان أجزأهما، وكذا من ماله إن كان أبا أو جدا وكذا وصي وقيم وقد قبل لهما القاضي التمليك (وعبدا) فيكفر بالصوم (وذميا) -قتل مسلما أو غيره نقض العهد أو لا- ومعاهدا ومستأمنا ومرتدا وسفيها، ولا يجزئه غير عتق الولي عنه إن أيسر (وعامدا) كالمخطئ بل أولى (ومخطئا) إجماعا -ولم يتعرض لشبه العمد؛ لأنه معلوم مما ذكره لأخذه شبها منهما- ومأذونا له من المقتول (ومتسببا) كمكره وآمر لغير مميز وشاهد زور وحافر عدوانا وإن حصل التردي بعد موت الحافر، فالمراد بالمتسبب ما يشمل صاحب الشرط. أما الحربي الذي لا أمان له والجلاد القاتل بأمر الإمام ظلما وهو جاهل بالحال فلا كفارة عليهما؛ لعدم التزام الأول ولأن الثاني سيف الإمام وآلة سياسته (بقتل) معصوم عليه نحو (مسلم ولو بدار حرب) وإن لم يجب فيه قود ولا دية في صوره السابقة أول الباب؛ لقوله تعالى {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} النساء: .. الآية أي فيهم (وذمي) كمعاهد ومستأمن كما في آخر الآية وكمرتد بأن قتله مرتد مثله؛ لما مر أنه معصوم عليه، ويقاس به نحو زان محصن وتارك صلاة وقاطع طريق بالنسبة لمثله؛ لأنه معصوم عليه بخلاف هؤلاء بالنسبة لغير مثلهم؛ لإهدارهم، نعم قاطع الطريق لا بد فيه من إذن الإمام وإلا وجبت كالدية.

(1)

. يأتي في الأيمان جواز تقديم كفارة القتل على الموت وبعد وجود سببه من جرح ونحوه 10/ 16.

(2)

. عبارة النهاية فصام الصبي المميز أجزأه.

ص: 107

وَجَنِينٍ وَعَبْدِ نَفْسِهِ وَنَفْسِهِ، وَفِي نَفْسِهِ وَجْهٌ. لَا امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيَّيْنِ وَبَاغٍ وَصَائِلٍ وَمُقْتَصٍّ مِنْهُ. وَعَلَى كُلٍّ مِنَ الشُّرَكَاءِ كَفَّارَةٌ فِي الْأَصَحِّ. وَهِيَ كَظِهَارٍ لَكِنْ لَا إطْعَامَ فِيْهَا فِي الْأَظْهَرِ

(وجنين) مضمون؛ لأنه آدمي معصوم (وعبد نفسه)؛ لذلك ولأن الكفارة حق لله تعالى (ونفسه) فتخرج من تركته وإن أهدر

(1)

(وفي) قتل (نفسه وجه) أنها لا تجب فيها كما لا ضمان (لا) في قتل (امرأة وصبي حربيين) وإن حرم؛ لأنه ليس لعصمتهما بل لتفويت إرقاقهم على المسلمين وكالصبي الحربي والمجنون الحربي (وباغ) قتله عادل حال القتال وعكسه (وصائل) قتله مَن صال عليه؛ لإهدارهما بالنسبة لقاتلهما حينئذ (ومقتص منه) قتله المستحق ولو لبعض القود

(2)

؛ لأنه مهدر بالنسبة إليه وإن أثم بتفويته تشفى غيره. ولا تجب على عائن وإن كانت العين حقا؛ لأنها لا تعد مهلكا عادة

(3)

(وعلى كل من الشركاء كفارة في الأصح)؛ لأنها حق يتعلق بالقتل فلا يتبعض كالقصاص (وهي كـ) كفارة (ظهار

(4)

في جميع ما مر فيها فيعتق من يجزئ ثَم، ثم يصوم شهرين متتابعين كما مر ثَم أيضا؛ للآية (لكن لا إطعام فيها) عند العجز عن الصوم (في الأظهر)؛ إذ لا نص فيه والمتبع في الكفارات النص لا القياس

(5)

، ولو مات قبله أُطعم عنه.

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. ظاهره مطلقا أي فلا تجب الكفارة ولو كان قتل البعض بدون أذن الباقين خلافا للمغني.

(3)

. وذكر الشارح في كتاب دعوى الدم أن مثله صاحب الحال.

(4)

. ولو علم وجوب عتق عليه وشك أهو نذر أو كفارة ظهار أو قتل أجزأه بنية الواجب قاله الشارح في كتاب الكفارة 8/ 189.

(5)

. ذكر الشارح في الفلس جواز الحبس في كفارة مالية تعين فيها الحبس ما لم يثبت إعساره 5/ 142.

ص: 108

‌كتاب دعوى الدم والقسامة

يُشْتَرَطُ أَنْ يُفَصِّلَ مَا يَدَّعِيهِ مِنْ عَمْدٍ وَخَطَأٍ وَانْفِرَادٍ وَشِرْكَةٍ، فَإِنْ أَطْلَقَ اسْتَفْصَلَهُ الْقَاضِي وَقِيلَ يُعْرِضُ عَنْهُ

(كتاب دعوى الدم والقَسامة)

عبَّر بالدم عن القتل للزومه له غالبا، والقَسامة لغة اسم لأولياء الدم ولأيمانهم واصطلاحا اسم لأيمانهم (يشترط) لصحة دعوى الدم كغيره ستة شروط:

الأول (أن) تعلم غالبا بأن (يفصِّل) المدعي ما يدعيه مما يختلف به الفرض فيفصل هنا مدعي القتل (ما يدعيه من عمد وخطأ) وشبه عمد ويصف كلا منها بما يناسبه ما لم يكن فقيها متيقظا موافقا لمذهب القاضي ولا يتطرق إليه تهمة ولا جزم بحكم فيه خلاف

(1)

(وانفراد وشركة) بين مَن يمكن اجتماعهم وعدد الشركاء إن وجبت الدية ولو بأن يقول أعلم أنهم لا يزيدون على عشرة مثلا فتسمع ويطالب بحصة المدعى عليه، فإن كان واحدا طالبه بعُشر الدية؛ لاختلاف الأحكام بذلك، ومن ثم لم يجب ذكر عدد الشركاء في القود؛ لأنه لا يختلف، ولا يشترط تفصيل السحر؛ لخفائه (فإن أطلق) المدعي (استفصله القاضي) ندبا بما ذكر؛ لتصح دعواه وله أن يعرض عنه (وقيل يعرض عنه) وجوبا؛ لأنه نوع من التلقين، وردوه بأن التلقين أن يقول له قل قتله عمدا مثلا لا كيف قتله عمدا أم غيره، والحاصل أن الاستفصال عن وصف أطلقه سائغ وعن شرط أغفله ممتنع، ولا تكفي

(2)

كتابة رقعة وقوله ((أدعي بما فيها)) إلا بعد معرفة القاضي والخصم ما فيها.

الثاني أن تكون ملزمة ففي دعوى هبة شيء لا بد من وأقبضنيه أو قبضته بإذنه وبيع أو إقرار لابد من قوله ويلزمه التسليم إليَّ أو إلى وليي.

(1)

. اعتمده الشارح أواخر الشهادات، ولكن اعتمد بعدُ استثناء الجرح وبعض المسائل فيجب فيها التفصيل مطلقا.

(2)

. خلافا للنهاية فاعتمد الاكتفاء بذلك إذا أقرها القاضي أو قرئت عليه بحضرة الخصم قبل الدعوى.

ص: 111

وَأَنْ يُعَيِّنَ المُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ قَالَ قَتَلَهُ أَحَدُهُمْ لَمْ يُحَلِّفْهُمُ الْقَاضِي فِي الْأَصَحِّ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى غَصْبٍ وَسَرِقَةٍ وَإِتْلَافٍ، وَإِنَّمَا تُسْمَعُ مِنْ مُكَلَّفٍ مُلْتَزِمٍ عَلَى مِثْلِهِ، وَلَوِ ادَّعَى انْفِرَادَهُ بِالْقَتْلِ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى آخَرَ لَمْ تُسْمَعِ الثَّانِيَةُ، أَوْ عَمْدًا وَوَصَفَهُ بِغَيْرِهِ، لَمْ يَبْطُلْ أَصْلُ الدَّعْوَى فِي الْأَظْهَرِ

(و) الثالث (أن يعين المُدَّعى عليه، فلو قال) في دعواه على حاضرين (قتله أحدهم) أو قتله هذا أو هذا، أو هذا وطلب تحليفهم (لم) تسمع دعواه أصلا

(1)

وعليه فلا (يحلفهم القاضي في الأصح)؛ لانبهام المدعى عليه (ويجريان) أي الأصح ومقابله (في دعوى) نحو (غصب وسرقة وإتلاف) وغيرها من كلِّ ما يتصور فيه انفراد المدعى عليه بسبب الدعوى فلا تسمع فيه على مبهم.

(و) الرابع والخامس أهلية كل من المتداعيين للخطاب وردّ الجواب، فحينئذ (إنما تسمع) الدعوى في الدم وغيره (من مكلف) أو سكران (ملتزم) ولو لبعض الأحكام كالمعاهد والمستأمن (على مثله) ولو محجورا عليه بسفه أو فلس أو رق -لكن لا يقول الأول استحق تسليم المال وإنما يقول ويستحقه وليي، ولا تسمع على الأخير هنا إلا لقود أو إقسام- بخلاف صبي أو مجنون عند الدعوى -؛ لإلغاء عبارتهما فتسمع من الولي أو عليه- وحربي لا أمان له مدعيا كان أو مدعى عليه إلا في صور تعلم مما يأتي في السير وذلك؛ لعدم التزامه لشيء من الأحكام، ومر قبول إقرار سفيه بموجب قود ومثله نكوله وحلف المدعي لا مال، لكن تسمع الدعوى عليه؛ لإقامة البينة فقط لا لحلف مدع لو نكل؛ لأن النكول مع اليمين كالإقرار وإقراره به لغو كما تقرر.

(و) الشرط السادس أن لا يناقضها دعوى أخرى، فحينئذ (لو ادعى) على شخص (انفراده بالقتل ثم ادعى على آخر) انفرادا أو شركة (لم تسمع الثانية)؛ لتكذيب الأولى لها، نعم إن صدقه الثاني أوخذ أيضا؛ لأن الحق لا يعدوهما ويحتمل كذبه في الأولى وصدقه في الثانية. وخرج بالثانية الأولى فإن ادعى ذلك قبل الحكم له بأخذ المال لم يأخذه لبطلان الأولى أو بعده مُكِّن من العود إليها فإن قال إن الأول ليس بقاتل رد عليه ما أخذه منه (أو) ادعى (عمدا ووصفه بغيره) من شبهة أو خطأ أو عكسه (لم يبطل أصل الدعوى) وإن لم يذكر تأويلا (في الأظهر) بل يعتمد

(1)

. أي وإن كان هناك لوث خلافا لهما كالشهاب الرملي.

ص: 112

وَتَثْبُتُ الْقَسَامَةُ، فِي الْقَتْلِ بِمَحَلِّ لَوْثٍ، وَهُوَ قَرِينَةٌ تُصَدِّقُ المُدَّعِي بِأَنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ لِأَعْدَائِهِ، أَوْ تَفَرَّقَ عَنْهُ جَمْعٌ،

تفسيره (و) إنما (تثبت القسامة في القتل) دون غيره كما يأتي؛ وقوفا مع النص (بمحل لوث) وشرطه

(1)

أن لا يُعْلم القاتل ببينة أو إقرار أو علم قاض (وهو) أي اللوث (قرينة) مؤيدة (تصدق المدعي) بأن توقع في القلب صدقه في دعواه ويشترط ثبوت هذه القرينة ويكفي فيها علم القاضي.

[تنبيه] التعبير بالمحل هنا ليس المراد به حقيقته؛ لأن اللوث قد لا يرتبط بالمحل كالشهادة الآتية

(بأن) بمعنى كأن (وجد قتيل) أو بعضه وتحقق موته (في محلة) منفصلة عن بلد كبير (أو) في (قرية صغيرة) لمن لا يطرقها غيرهم وإن كان أهلها أصدقاءه؛ لأن كلا منهما حينئذ كدار أو مسجد تفرق فيه جمع عن قتيل، فإن طرقها غيرهم اشترط كونها (لأعدائه) أو أعداء قبيلته دينا أو دنيا وإن خالهم غيرهم

(2)

؛ لأن قرينة عداوتهم قاضية بنسبته إليهم من غير معارض قوي وبه فارق ما لو ساكنهم غيرهم فإنه غير لوث؛ لأن المساكنة أقوى من المخالطة فكانت النسبة إلى الكل متقاربة، والمراد بالغير مَن لم تعلم صداقته للقتيل ولا كونه من أهله أي ولا عداوة بينهما وإلا فاللوث موجود، ووجوده بقربها -الذي ليس به عمارة ولا مقيم ولا جادة كثيرة الطروق- كهو فيها. ولو وجد بعض القتيل في محلة أعدائه وبعض في أخرى لأعداء له آخرين فللولي أن يعين أحدهما ويدعي عليها ويقسم، وله أن يدعي عليهما ويقسم. وخرج بالصغيرة الكبيرة فلا لوث إن وجد فيها قتيل؛ لأن المراد بها مَن أهله غير محصورين وعند عدم حصرهم لا تتحقق عداوتهم فلم توجد قرينة فإن عيّن أحدا منهم وادعى عليه حلف المدعى عليه.

وأصل ذلك ما في خبر الصحيحين أن بعض الأنصار قتل بخيبر فقال صلى الله عليه وسلم لأوليائه ((أتحلفون وتستحقون دم قاتلكم، قالوا كيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا قالوا كيف نأخذ بأيمان قوم كفار فعقله صلى الله عليه وسلم من عنده)) أي درأً للفتنة (أو تفرق عنه جمع) -ولو غير أعدائه- في نحو دار أو ازدحموا على الكعبة أو بئر، ويشترط تصور

(1)

. أي شرط العمل بمقتضى اللوث.

(2)

. خلافا لشيخ الإسلام وظاهر كلامهما.

ص: 113

وَلَوْ تَقَابَلَ صَفَّانِ لِقِتَالٍ وَانْكَشَفُوا عَنْ قَتِيلٍ، فَإِنِ الْتَحَمَ قِتَالٌ فَلَوْثٌ فِي حَقِّ الصَّفِّ الْآخَرِ، وَإِلَّا فَلَوْثٌ فِي حَقِّ صَفِّهِ. وَشَهَادَةُ الْعَدْلِ لَوْثٌ. وَكَذَا عَبِيدٌ وَ نِسَاءٌ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَفَرُّقُهُمْ. وَقَوْلُ فَسَقَةٍ وَصِبْيَانٍ وَكُفَّارٍ لَوْثٌ فِي الْأَصَحِّ

اجتماعهم عليه وإلا فلا قسامة حتى يعيِّن محصورين منهم ويدعي عليهم وحينئذ يُمكَّن من القسامة كما لو ثبت لوث على محصورين فخصص بعضهم، ولابد من وجود أثر قتل وإن قل وإلا فلا قسامة وكذا في سائر الصور (ولو تقابل صفان لقتال وانكشفوا عن قتيل فإن التحم قتال) ولو بأن وصل سلاح أحدهما للآخر (فلوث في حق الصف الآخر) -إن ضمنوا لا كأهل عدل مع بغاة-؛ لأن الظاهر أن أهل صفه لا يقتلونه، (وإلا) يصل السلاح (فلوث في حق صفه)؛ لأن الظاهر حينئذ أنهم الذين قتلوه. ومن اللوث إشاعة قتل فلان له، وقوله أمرضته بسحري واستمر تألمه حتى مات، ورؤية من يحرك يده عنده بنحو سيف، أو رؤية من سلاحه أو نحو ثوبه ملطخ بدم ما لم يكن بقرب القتيل نحو سبع أو رجل آخر

(1)

وكذا ترشش دم أو أثر قدمٍ في غير جهة ذي السلاح، وفيما لو كان هناك رجل آخر ينبغي أنه لوث في حقهما ما لم يكن الملطخ بالدم عدوه وحده ففي حقه فقط. ولا أثر لوجود عدو عنده لا سلاح معه ولا تلطخ وإن كان بالقتيل أثر قتل (وشهادة العدل) الواحد أي إخباره ولو قبل الدعوى بأن فلانا قتله (لوث)؛ لإفادته غلبة ظن الصدق

(2)

، وشهادته بأن أحد هذين قتله لوث في حقهما، فله أن يدعي عليهما، وله أن يعين أحدهما ويدعي عليه لغرض الإقسام بخلاف شهادته بقوله ((قتل أحد هذين))؛ لتعدد الولي هنا فلا مجال لتعيينه ولا لكونه لوثا في حق كل، ومن ثم لو اتحد الولي كان لوثا كالأول (وكذا عبيد ونساء) يعني إخبار اثنين

(3)

فأكثر أن فلانا قتله؛ لأن ذلك يفيد غلبة الظن أيضا؛ لأن الفرض عدالتهما (وقيل يشترط تفرقهم)؛ لاحتمال التواطؤ، (وقول فسقة وصبيان وكفار) ولو غير ذميين ثلاثة فأكثر (لوث في الأصح)؛ لأن اجتماعهم على ذلك يؤكد ظنه.

(1)

. لم يعتبر في الرجل الآخر أن يكون معه سلاح بخلاف عبارة شرح الروض.

(2)

. أي مطلقا وفاقا للنهاية وعند المغني أنه مقيد بالعمد الموجب للقود.

(3)

. خلافا لهما من الاعتداد بخبر الواحد منهم.

ص: 114

وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ فَقَالَ أَحَدُ ابْنَيْهِ: قَتَلَهُ فُلَانٌ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ بَطَلَ اللَّوْثُ، وَفِي قَوْلٍ لَا وَقِيلَ لَا يَبْطُلُ بِتَكْذِيبِ فَاسِقٍ، وَلَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ زَيْدٌ وَمَجْهُولٌ، وَقَالَ الْآخَرُ عَمْرٌو وَمَجْهُولٌ حَلَفَ كُلٌّ عَلَى مَنْ عَيَّنَهُ وَلَهُ رُبُعُ الدِّيَةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ المُدَّعَى عَلَيْهِ اللَّوْثَ فِي حَقِّهِ فَقَالَ لَمْ أَكُنْ مَعَ المُتَفَرِّقِينَ عَنْهُ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَلَوْ ظَهَرَ لَوْثٌ بِأَصْلِ قَتْلٍ دُونَ عَمْدٍ وَخَطَأٍ فَلَا قَسَامَةَ فِي الْأَصَحِّ،

(و) للَّوث مسقطات منها (لو ظهر لوث) في قتيل (فقال أحد ابنيه) مثلا (قتله فلان وكذبه) الابن (الآخر) صريحا (بطل اللوث) فلا يحلف المستحق؛ لانخرام ظن الصدق بالتكذيب الدال على أنه لم يقتله بخلاف ما إذا لم يكذبه كذلك بأن صدقه أو سكت أو قال لا أعلم أنه قتله. ولو شهد عدل بعد دعوى أحدهما خطأ أو شبه عمد أو عمداً لم تبطل

(1)

شهادته بتكذيب الآخر قطعا فللوارث الذي لم يكذِّب العدل أن يحلف معه خمسين ويستحق، (وفي قول لا

(2)

يبطل كسائر الدعاوى، (وقيل لا يبطل بتكذيب فاسق) ورُدَّا. ولو عين كلٌّ غير معين الآخر من غير تعرض لتكذيب صاحبه أقسم كل الخمسين على من عينه

(3)

وأخذ حصته (ولو قال أحدهما) وقد ظهر اللوث (قتله زيد ومجهول) عندي (وقال الآخر) قتله (عمرو ومجهول) عندي لم يبطل اللوث بذلك، وحينئذ (حلف كلٌّ) خمسين (على من عيَّنه)؛ لاحتمال أن مبهم كل هو معين الآخر (وله ربع الدية)؛ لاعترافه بأن واجب معينه النصف وحصته منه النصف (ولو أنكر المدعى عليه اللوث في حقه فقال لم أكن مع المتفرقين عنه) أي القتيل أو كنت غائبا عند القتل أو لست الذي رئي معه سكين ملطخ على رأسه أو نحو ذلك مما مر (صدق بيمينه)؛ لأن الأصل عدم حضوره وبراءة ذمته فعلى المدعي عدلان بالإمارة التي ادعاها فإن لم يوجدا حلف المدعى عليه على نفيها وسقط اللوث وبقي أصل الدعوى (ولو ظهر لوث بأصل قتل دون عمد وخطأ) كأن أخبر عدل بأصله بعد دعوى مفصلة (فلا قسامة في الأصح)؛ لأنها حينئذ لا تفيد مطالبة قاتل ولا عاقلة، ويؤخذ منه أنه ليس له الحلف

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. للمغني هنا تقيد لمحل الخلاف.

(3)

. خلافا للنهاية حيث جعل الحلف على ما عُيِّن أي من عمد أو خطأ وخلافا لشرح الروض حيث عبر بأن لكل من الوارثين تحليف من عيَّنه.

ص: 115

وَلَا يُقْسَمُ فِي طَرَفٍ وَإِتْلَافِ مَالٍ إلَّا فِي عَبْدٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَهِيَ أَنْ يَحْلِفَ المُدَّعِي عَلَى قَتْلٍ ادَّعَاهُ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَلَا يُشْتَرَطُ مُوَالَاتُهَا عَلَى المَذْهَبِ، وَلَوْ تَخَللهَا جُنُونٌ أَوْ إغْمَاءٌ بَنَى، وَلَوْ مَاتَ لَمْ يَبْنِ وَارِثُهُ عَلَى الصَّحِيحِ،

مع شاهده؛ لأنه لم يطابق دعواه، وأن القسامة على قتل موصوف بكونه عمداً أو خطأً تستدعي ظهور اللوث في قتل بموصوف بذلك.

(ولا يقسم في طرف) وجرح (وإتلاف مال)؛ وقوفا مع النص ولحرمة النفس، فيصدق المدعى عليه بيمينه ولو مع اللوث لكنها في الأولين تكون خمسين (إلا في عبد) ولو مدبرا أو مكاتبا أو أم ولد (في الأظهر) فإذا قتل عبد ووجد لوث أقسم السيد فيه؛ بناء على الأصح أن قيمته تحملها العاقلة (وهي) أي القسامة (أن يحلف المدعى) غالبا ابتداء (على قتل ادعاه

(1)

ولو لنحو امرأة وكافر وجنين؛ لأن منعه تهيئة للحياة في معنى قتله (خمسين يمينا

(2)

؛ للخبر السابق في قصة خيبر. ويجب التعرض في كل يمين إلى عين المدعى عليه بالإشارة إن حضر وإلا فبذكر اسمه ونسبه وإلى ما يجب بيانه مفصلاً

(3)

في الدعوى

(4)

في الأصح، ويجب اتفاقا التعرض إلى ما يجب بيانه إجمالا فلا يكفي تكرير والله خمسين مرة ثم يقول لقد قتلته بل يقول والله لقد قتلته في كل مرة. وخرج بقول المتن المدعي حلف المدعى عليه ابتداء أو لنكول المدعي أو حلف المدعي لنكول المدعى عليه أو الحلف على غير القتل فلا يسمى قسامة (ولا يشترط موالاتها) أي الأيمان (على المذهب)؛ لحصول المقصود مع تفريقها كالشهادة (فلو تخللها جنون أو إغماء) أو عزل قاض وإعادته -بخلاف إعادة غيره- (بنى) إذا أفاق ولم يلزمه الاستئناف؛ لما تقرر (ولو مات) الولي المقسم في أثناء الأيمان (لم يبن وارثه) بل يستأنف (على الصحيح)؛ لأنها كحجة واحدة فإذا بطل بعضها بطل كلها بخلاف موته بعد إقامة شاهد؛ لأنه مستقل فلوارثه ضم آخر إليه وبخلاف موت المدعى عليه فيبني وارثه؛ لما مر.

(1)

. فلا قسامة في قد الملفوف خلافا للمغني.

(2)

. ويأتي في الأيمان أن الكفارة تتكرر بتكرار أيمان القسامة 10/ 19.

(3)

. من عمد أو خطأ أو شبه عمد.

(4)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 116

وَلَوْ كَانَ لِلْقَتِيلِ وَرَثَةٌ وُزِّعَتْ بِحَسَبِ الْإِرْثِ، وَجُبِرَ المُنْكَسِرُ، وَفِي قَوْلٍ يَحْلِفُ كُلٌّ خَمْسِينَ، وَلَوْ نَكَلَ أَحَدُهُمَا حَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ، أوْ غَابَ حَلَفَ الْآخَرُ خَمْسِينَ وَأَخَذَ حِصَّتَهُ، وَإِلَّا صَبَرَ لِلْغَائِبِ، وَالمَذْهَبُ أَنَّ يَمِينَ المُدَّعَى عَلَيْهِ بِلَا لَوْثٍ

(ولو كان للقتيل ورثة وزِّعت) الخمسون عليهم (بحسب الإرث) غالبا؛ لأنهم يقتسمون ما وجب بها بحسب إرثهم فوجب كونها كذلك. وخرج بغالبا زوجة مثلا وبيت المال فإنها تحلف الخمسين مع أنها لا تأخذ إلا الربع -كما لو نكل بعض الورثة أو غاب- وزوجة وبنت فتحلف الزوجة عشرة والبنت الباقي؛ توزيعا على سهامهما فقط وهي خمسة من ثمانية، ولا يثبت حق بيت المال هنا بيمين من معه بل بنصب مدعى عليه ويفعل ما يأتي قبيل الفصل. ولو كان ثَم عولٌ اعتبر ففي زوج وأم وأختين لأب وأختين لأم أصلها من ستة وتعول لعشرة فيحلف الزوج خمس عشرة وكل من الأختين لأب عشرة ولأم خمسة والأم خمسة (وجُبِر الكسر)؛ لأن اليمين الواحدة لا تتبعض فلو خلَّف تسعة وأربعين ابنا حلف كل ابن يمينين، وفي ابن وخنثى مثلا يوزع بحسب الإرث المحتمل لا الناجز فيحلف الابن ثلثيها ويأخذ النصف والخنثى نصفها ويأخذ الثلث ويوقف السدس؛ احتياطا للحلف والأخذ (وفي قول يحلف كل) من الورثة (خمسين)؛ لأن العدد هنا كيمين واحدة (ولو نكل أحدهما) أي الوارثين (حلف الآخر خمسين) وأخذ حصته (أو غاب) أحدهما أو كان صغيرا أو مجنونا (حلف الآخر خمسين وأخذ حصته)؛ لأن شيئا من الدية لا يستحق بأقل من الخمسين (وإلا) يحلف (صبر للغائب) ليحلف كل حصته ولا يبطل حق الحاضر بنكوله عن الحلف على الكل فإذا حضر الغائب كمل معه، فعلم أنهم لو كانوا ثلاثة إخوة حضر أحدهم وأراد الحلف حلف خمسين فإذا حضر ثان حلف خمسة وعشرين فإذا حضر الثالث حلف سبعة عشر. ولو مات نحو الغائب أو الصبي بعد حلف الآخر وورثه

(1)

حلف حصته أو بان أنه عند حلفه كان ميتا فلا (والمذهب أن يمين المدعى عليه) القتل (بلا لوث) -وإن تعدد- خمسون كما لو كان لوث؛ لأن التعدد ليس للوث بل لحرمة الدم.

(1)

. أي ذلك الآخر ورث الغائب.

ص: 117

وَالمَرْدُودَةَ عَلَى المُدَّعِي أَوْ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ مَعَ لَوْثٍ، وَالْيَمِينَ مَعَ شَاهِدٍ خَمْسُونَ. وَيَجِبُ بِالْقَسَامَةِ فِي قَتْلِ الخَطَأِ، وَشِبْهِ الْعَمْدِ دِيَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَفِي الْعَمْدِ عَلَى المَقْسَمِ عَلَيْهِ، وَفِي الْقَدِيمِ قِصَاصٌ. وَلَوِ ادَّعَى عَمْدًا بِلَوْثٍ عَلَى ثَلَاثَةٍ حَضَرَ أَحَدُهُمْ أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ وَأَخَذَ ثُلُثَ الدِّيَةِ، فَإِنْ حَضَرَ آخَرُ أَقْسَمَ عَلَيْهِ خَمْسِينَ، وَفِي قَوْلٍ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إنْ لَمْ يَكُنْ ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ، وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهَا بِنَاءً عَلَى صِحَّةِ الْقَسَامَةِ فِي غَيْبَةِ المُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَمَنِ اسْتَحَقَّ بَدَلَ الدَّمِ أَقْسَمَ وَلَوْ مُكَاتَبٌ لِقَتْلِ عَبْدِهِ،

(و) أن اليمين (المردودة) من المدعى عليه القتل (على المدعي) خمسون؛ لأنها اللازمة للراد (أو) المردودة من المدعي (على المدعى عليه مع لوث) خمسون؛ لأنها اللازمة للراد، ومن ثم

(1)

لو تعدد المدعى عليهم حلف كل الخمسين كاملة (و) أن (اليمين مع شاهد) بالقتل (خمسون)؛ احتياطا للدم، وبه يتجه أنه لا فرق

(2)

بين العمد وغيره كما مر. ولو نكل المدعي عن يمين القسامة أو اليمين مع الشاهد ثم نكل المدعى عليه رُدَّت على المدعي وإن نكل؛ لأن يمين الرد غير يمين القسامة لأن سبب تلك النكول وهذه اللوث أو الشاهد (ويجب بالقسامة في قتل الخطأ وشبه العمد دية على العاقلة)؛ لقيام الحجة بذلك (وفي العمد) دية (على المقسم عليه) لا قود؛ للخبر الصحيح ((إما أن تدوا صاحبكم أو تأذنوا بحرب من الله)) (وفي القديم قصاص. ولو ادعى عمدا بلوث على ثلاثة حضر أحدهم أقسم عليه خمسين وأخذ ثلث الدية)؛ لتعذر الأخذ بها قبل تمامها، (فإن حضر آخر) أي الثاني فادعى عليه فأنكر (أقسم عليه خمسين)؛ لأن الأيمان السابقة لم تتناوله وأخذ ثلث الدية، وفي حكم مجيء الثاني مجيء الثالث بعد ذلك (وفي قول) يقسم عليه (خمسا وعشرين) كما لو حضرا معا، ومحل احتياجه للإقسام (إن لم يكن ذكره) أي الثاني (في الأيمان) السابقة (وإلا) بأن ذكره فيها (فينبغي الاكتفاء بها بناء على صحة القسامة في غيبة المدعى عليه وهو الأصح)؛ قياسا على سماع البينة في غيبته

(3)

(ومن استحق بدل الدم أقسم) -هو غالبا- ولو كافرا ومحجورا عليه وسيدا في قتل قنه بخلاف مجروح ارتد ومات لا يقسم قريبه؛ لأن ماله فيء، ويقسم المستحق البدل (ولو) هو (مكاتب لقتل عبده)؛ لأنه

(1)

. أسقطه النهاية.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(3)

. للمغني هنا اعتراض على المتن رده الشارح.

ص: 118

وَمَنِ ارْتَدَّ فَالْأَفْضَلُ تَأْخِيرُ أَقْسَامِهِ لِيُسْلِمَ، فَإِنْ أَقْسَمَ فِي الرِّدَّةِ صَحَّ عَلَى المَذْهَبِ، وَمَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لَا قَسَامَةَ فِيهِ.

فصل

إنَّمَا يَثْبُتُ مُوجِبُ الْقِصَاصِ بِإِقْرَارٍ أَوْ عَدْلَيْنِ، وَالمَالِ بِذَلِكَ أَوْ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ وَيَمِينٍ، وَلَوْ عَفَا عَنْ الْقِصَاصِ لِيَقْبَلَ لِلْمَالِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ شَهِدَ هُوَ وَهُمَا بِهَاشِمَةٍ قَبْلَهَا إيضَاحٌ لَمْ يَجِبْ أَرْشُهَا عَلَى المَذْهَبِ

استحق، فإن عجز قبل نكوله أقسم السيد أو بعده فلا كالوارث (ومن ارتد) بعد موت مورثه (فالأفضل تأخير إقسامه ليسلم) ثم يقسم؛ لأنه لا يتورع عن اليمين الكاذبة (فإن أقسم في الردة صح على المذهب) وأخذ الدية لأنه صلى الله عليه وسلم اعتد بأيمان اليهود في القصة السابقة. ولو أسلم اعتد بها قطعا (ومن لا وارث له) خاصا (لا قسامة فيه) ولو مع لوث؛ لتعذر حلف بيت المال بل ينصب الإمام مدعيا، فإن حلف المدعى عليه فواضح وإلا حبس حتى يقر أو يحلف.

(فصل) فيما يثبت به موجب القود والمال بسبب الجناية

(إنما يثبت موجِب القصاص) في نفس أو غيرها من قتل أو جرح أو إزالة (بإقرار) صحيح من الجاني (أو) شهادة (عدلين) أو بعلم القاضي

(1)

أو بنكول المدعى عليه مع حلف المدعي (و) إنما يثبت موجب (المال) مما مر (بذلك) أي الإقرار أو شهادة العدلين وما في معناهما (أو برجل وامرأتين أو) برجل (ويمين) مفردة أو متعددة كما مر آنفا أو بالقسامة كما علم، وشرط ثبوته بالحجة الناقصة أن يدعي به لا بالقود وإلا لم يثبت المال بها (ولو عفا) المستحق (عن القصاص) قبل الدعوى والشهادة على مال (ليقبل للمال رجل وامرأتان) أو شاهد ويمين (لم يقبل في الأصح)؛ إذ لا يثبت المال إلا بعد ثبوت القود. أما بعدهما وقبل الثبوت فلا يقبل قطعا؛ لأن الشهادة غير مقبولة حين أقيمت (ولو شهد هو وهما) أي رجل وامرأتان وفي معناهما رجل معه يمين (بهاشمة قبلها إيضاح لم يجب أرشها على المذهب)؛ لاتحاد الجناية، فإذا اشتملت على موجب قود لم يثبت إلا بحجة كاملة، وبه فارق رمي سهم لزيد مَرَقَ منه لغيره فإن الثاني يثبت بالناقصة؛ لأنهما جنايتان مستقلتان، ومن ثم لو اختلف الجاني أو الضربة في الأولى ثبت الهشم بها؛ لانفراده حينئذ.

(1)

. وإن لم يكن مجتهدا كما يأتي خلافا للنهاية.

ص: 119

وَلْيُصَرِّحِ الشَّاهِدُ بِالمُدَّعَى، فَلَوْ قَالَ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يَثْبُتْ حَتَّى يَقُولَ فَمَاتَ مِنْهُ أَوْ فَقَتَلَهُ، وَلَوْ قَالَ ضَرَبَ رَأْسَهُ فَأَدْمَاهُ أَوْ فَأَسَالَ دَمَهُ ثَبَتَتْ دَامِيَةٌ، وَيُشْتَرَطُ لِمُوضِحَةٍ ضَرَبَهُ فَأَوْضَحَ عَظْمَ رَأْسِهِ، وَقِيلَ يَكْفِي فَأَوْضَحَ رَأْسَهُ، وَيَجِبُ بَيَانُ مَحَلِّهَا وَقَدْرِهَا لِيُمْكِنَ قِصَاصٌ. وَيَثْبُتُ الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ بِإِقْرَارِهِ بِهِ، لَا بِبَيِّنَةٍ

(وليصرِّح) وجوبا (الشاهد بالمُدَّعى) به الذي هو إضافة التلف للفعل، (فلو قال) أشهد أنه (ضربه بسيف فجرحه فمات لم يثبت) المُدَّعى به وهو الموت الناشئ عن فعله (حتى يقول فمات منه) أي من جرحه (أو فقتله) أو فمات مكانه; لأنه لمَّا احتمل موته بسبب آخر غير جراحته تعينت إضافة الموت إليها؛ دفعا لذلك الاحتمال، ويكفي أشهد أنه قتله وإن لم يذكر ضربا ولا جرحا (ولو قال ضرب رأسه فأدماه أو فأسال دمه ثبتت دامية)؛ لتصريح كلامه بها بخلاف فسال دمه؛ لاحتمال حصول السيلان بسبب آخر. (ويشترط لموضحة) أي للشهادة بها قول الشاهد (ضربه فأوضح عظم رأسه)؛ إذ لا احتمال حينئذ، (وقيل يكفي فأوضح رأسه) وهو المعتمد؛ لفهم المقصود منه عرفا، نعم الأوجه في شاهد عامي لا يعرف مدلول نحو الإيضاح شرعا أنه لا بد من الاستفصال فإن تعذر وقف الأمر هنا إلى البيان أو الصلح، (ويجب بيان محلها) أي الموضحة الموجبة للقود (وقدرها) فيما إذا كان على رأسه مواضح أو تعيينها بالإشارة إليها سواء أكان على رأسه موضحة أو مواضح (ليمكن قصاص) ; لأنهم متى لم يبينوا ذلك فلا قود -وإن لم يكن برأسه إلا موضحة واحدة-؛ لاحتمال أنها وُسِّعت، بل يتعين الأرش؛ لأنه لا يختلف، ومنه يؤخذ أن حكومة باقي البدن لا بد من تعيينها ولو بالنسبة للمال وإلا لم تجب حكومتها؛ لاختلافها باختلاف قدرها ومحلها (ويثبت القتل بالسحر بإقراره به) حقيقة أو حكما ((كقتلته بسحري وهو يقتل غالبا أو بنوع كذا)) وشهد عدلان تابا

(1)

بأنه يقتل غالبا فعمد فيه القود أو نادرا فشبه عمد أو ((أخطأت من اسم غيره له)) فخطأ وهما

(2)

على العاقلة إن صدقوه وإلا فعليه أو ((مرض بسحري ولم يمت به)) أقسم الولي; لأنه لوث، وفي حكم الإقرار نكوله مع يمين المدعي (لا ببينة)؛ لتعذر مشاهدة قصد الساحر وتأثير سحره.

(1)

. أي من تعلُّمِ السحر.

(2)

. أي دية شبه العمد والخطأ.

ص: 120

وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ لَمْ يُقْبَلْ، وَبَعْدَهُ يُقْبَلُ، وَكَذَا تُقْبَلُ بِمَالٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَاقِلَةِ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ يَحْمِلُونَهُ. وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى اثْنَيْنِ بِقَتْلِهِ فَشَهِدَا عَلَى الْأَوَّلَيْنِ بِقَتْلِهِ فَإِنْ صَدَّقَ الْوَلِيُّ الْأَوَّلَيْنِ حُكِمَ بِهِمَا، أَوِ الْآخَرَيْنِ أَوِ الجَمِيعَ أَوْ كَذَّبَ الجَمِيعَ بَطَلَتَا،

[تنبيه] تعلُّم السحر وتعليمه حرامان مفسقان مطلقا على الأصح

، ومحل الخلاف حيث لم يكن فعل مكفر ولا اعتقاده. ويحرم فعله ويفسق به أيضا، ولا يظهر إلا على فاسق إجماعا فيهما، أما حلّ السحر عن المسحور فإن كان بسحر حرم وإلا جاز، وللسحر حقيقة عند أهل السنة، ويؤثر نحو مرض وبغضاء وفرقة. ويحرم تعلم وتعليم كهانة وضرب برمل وشعير وحصى وشعبذة

(1)

والتفرج على فاعل شيء من ذلك؛ لأنه إعانة على معصية. ولا يقتل من قتل شخصا بعين أو حال، (ولو شهد لمورثه) غير أصل وفرع (بجرح) يمكن إفضاؤه للهلاك (قبل الاندمال لم يقبل) وإن كان عليه دين مستغرق؛ لتهمته إذ لو مات كان الأرش له، ولا نظر لوجود الدين؛ لأنه لا يمنع الإرث. والعبرة بكونه مورثه حال الشهادة فإن كان عندها محجوبا ثم زال المانع فإن كان قبل الحكم بالشهادة بطلت أو بعده فلا، (وبعده يقبل)؛ إذ لا تهمة، (وكذا تقبل) شهادته لمورثه (بمال في مرض موته في الأصح) ; لأنه لم يشهد بالسبب الناقل للشاهد بتقدير الموت بخلاف الجرح ولأن المال يجب هنا حالا ويتصرف فيه المريض كيف أراد وثَمَّ لا يجب إلا بالموت فيكون للوارث (ولا تقبل شهادة العاقلة بفسق شهود قتل) أو نحوه (يحملونه) أو بتزكية شهود الفسق؛ لدفعهم بذلك الغرم عن أنفسهم، وكذا إن لم يحملوه لفقرهم لا لكون الأقربين يفون بالواجب؛ لأن الغنى قريب في الفقير بخلاف موت الفقير. أما قتل لا يحملونه كبينة بإقراره أو بأنه قتل عمدا فتقبل شهادتهم بنحو فسقهم؛ إذ لا تهمة. (ولو شهد اثنان على اثنين بقتله) أي المدعى به (فشهدا على الأولين بقتله) مبادرين في المجلس أو بعده (فإن صدق الولي) المدعي (الأولين) يعني استمر على تصديقهما -حتى بأن سكت الولي عن تصديق الآخرين- جاز للحاكم الحكم بها، أي بعد أن يطلب الولي الحكم بها (حكم بهما)؛ لانتفاء التهمة عنهما وتحققها في الأخيرين؛ لأنهما يدفعان بها عن أنفسهما (أو) صدق (الآخرين أو) صدق (الجميع أو كذب الجميع) بطل حق الولي في الدعوى، و (بطلتا)

(1)

. هي الشعوذة، الصحاح.

ص: 121

وَلَوْ أَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِعَفْوِ بَعْضٍ سَقَطَ الْقِصَاصُ. وَلَوِ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ أَوْ آلَةٍ أَوْ هَيْئَةٍ لَغَتْ، وَقِيلَ لَوْثٌ

أي الشهادتان أما في تكذيب الكل فواضح وأما في تصديق الكل فلأن تصديق كل فريق يستلزم تكذيب الآخر؛ لاقتضاء كل من الشهادتين أن لا قاتل غير المشهود عليهما وأما في تصديق الآخرين فلاستلزامه تكذيب الأولين وشهادة الآخرين مردودة؛ لما مر، ويندب للحاكم أن يراجع الولي كما أفهمه المتن، ومحله إن بادر المشهود عليهما في مجلس الدعوى (ولو أقر بعض الورثة بعفو بعض) عن القود ولو مبهما (سقط القصاص)؛ لتعذر تبعيضه فكأنه أقر بسقوط حقه منه، وللجميع الدية إن لم يعين العافي، وكذا إن عينه فأنكر، فإن أقر سقطت حصته من الدية، فإن عيّن المقر وشهد عليه بالعفو عن القصاص والدية جميعا بعد دعوى الجاني قبلت شهادته في الدية ويحلف الجاني مع الشاهد أن العافي عفا عن الدية لا عنها وعن القصاص؛ لأن القصاص سقط بالإقرار فسقط من الدية حصة العافي

(1)

. (ولو اختلف شاهدان في زمان أو مكان أو آلة أو هيئة) للفعل كقتله بكرة أو بمحل كذا أو بسيف أو حز رقبته وخالفه الآخر (لغت) شهادتهما؛ للتناقض، (وقيل) هي (لوث)؛ لاتفاقهما على أصل القتل. وخرج بالفعل الإقرار فلو قال أحدهما أقر به يوم السبت وقال الآخر يوم الأحد فلا تناقض؛ لاحتمال أنه أقر به في كل من اليومين، نعم إن عينا زمنا في مكانين يستحيل عادة الوصول من أحدهما للآخر فيه كأن شهد أحدهما أنه أقر بقتله بمكة يوم كذا والآخر بأنه أقر به بمصر ذلك اليوم لغت شهادتهما، أو قال أحدهما قتل وقال الآخر أقر بقتله لغت؛ لعدم اتفاقهما وهو لوث حينئذ.

(1)

. عبارة الروض وشرحه.

ص: 122

‌كتاب البغاة

هُمْ مُخَالِفُو الْإِمَامِ بِخُرُوجٍ عَلَيْهِ وَتَرْكِ الِانْقِيَادِ، أَوْ مَنْعِ حَقٍّ تَوَجَّهَ عَلَيْهِمْ بِشَرْطِ شَوْكَةٍ لَهُمْ وَتَأْوِيلٍ، وَمُطَاعٍ فِيهِمْ، قِيلَ وَإِمَامٍ مَنْصُوبٍ، وَلَوْ أَظْهَرَ قَوْمٌ رَأْيَ الخَوَارِجِ كَتَرْكِ الجَمَاعَاتِ وَتَكْفِيرِ ذِي كَبِيرَةٍ وَلَمْ يُقَاتِلُوا تُرِكُوا،

(كتاب البغاة)

لا يعتبر الباغي عاصيا فاسقا إلا إذا لم يكن فيه أهلية الاجتهاد أوْ لا تأويل له أو له تأويل قطعي البطلان وقد عزم على قتالنا في كل مما مر، وكذا لو كان له تأويل ظني البطلان لأهليته للاجتهاد لكن خروجه عن الإمام لأجل جور الإمام بعد الصدر الأول.

(هم) مسلمون فالمرتدون إذا خرجوا لا تثبت لهم تلك الأحكام بل يقتلون من غير استتابة (مخالفو الإمام) ولو جائرا؛ لحرمة الخروج عليه بعد استقرار الأمر المتأخر عن زمن الصحابة والسلف رضي الله عنهم (بخروج عليه وترك) عطف تفسير (الانقياد) له، أو عدم الانقياد له ابتداء (أو منع حق) طلبه منهم وقد (توجه عليهم) الخروج منه كزكاة أو حد أو قود (بشرط شوكة لهم) بحيث لا يندفعون إلا بجمع جيش

(1)

. وكالشوكة تحصنهم بحصن استولوا بسببه على ناحية (وتأويل) غير قطعي البطلان يجوزون به الخروج عليه كتأويل أهل الجمل وصفين خروجهم على علي رضي الله عنه بأنه يعرف قتلة عثمان ويقدر على قتلهم ويمنعهم منهم. أما إذا خرجوا بلا تأويل كمانعي حق الشرع كالزكاة عنادا أو بتأويل يقطع ببطلانه كتأويل المرتدين أو لم يكن لهم شوكة فليس لهم حكم البغاة كما يأتي بتفصيله (و) يشترط لحصول الشوكة وجود (مطاع فيهم) تصدر أفعالهم عن رأيه وإن لم يكن منصوبا، (قيل و) المطاع وإن كان شرطا لكن لا يكتفى في قيام شوكتهم بكل مطاع بل لا توجد شوكتهم إلا إن وجد المطاع وهو (إمام) لهم (منصوب) منهم عليهم للحكم بينهم، ولا يشترط على الأصح جعلهم لأنفسهم حُكْما غير حكم الإسلام ولا انفرادهم

(2)

بنحو بلد. (ولو أظهر قوم رأي الخوارج كترك الجماعات)؛ لأن الأئمة لما أقروا على المعاصي كفروا بزعمهم فلم يصلوا خلفهم (وتكفير ذي كبيرة) أي فاعلها فيحبط عمله ويخلد في النار عندهم (ولم يقاتلوا) أهل العدل وهم في قبضتهم (تُرِكوا) فلا

(1)

. خلافا للمغني والروض من ضبط ذلك بشوكه يمكن معها مقاومة الأمام.

(2)

. خلافا للمغني.

ص: 125

وَإِلَّا فَقُطَّاعُ طَرِيقٍ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْبُغَاةِ وَقَضَاءُ قَاضِيهِمْ فِيمَا يُقْبَلُ فِيْه قَضَاءُ قَاضِينَا إلَّا أَنْ يَسْتَحِلَّ دِمَاءَنَا، وَيُنَفِّذُ كِتَابُهُ بِالحُكْمِ وَيُحْكَمُ بِكِتَابِهِ بِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَقَامُوا حَدًّا وَأَخَذُوا زَكَاةً وَجِزْيَةً وَخَرَاجًا وَفَرَّقُوا سَهْمَ المُرْتَزِقَةِ عَلَى جُنْدِهِمْ صَحَّ،

نتعرض لهم؛ إذ لا يكفرون بذلك بل ولا يفسقون ما لم يقاتلوا، نعم إن تضررنا بهم تعرضنا لهم حتى يزول الضرر كما يعزرون إن صرحوا بسب بعض أهل العدل (وإلا) بأن قاتلوا أو كانوا في غير قبضتنا (فـ) هم (قطاع طريق) في حكمهم الآتي في بابهم لا بغاة، نعم لو قَتَلُوا لم يتحتم قتلهم; لأنهم لم يقصدوا إخافة الطريق، ومن ثم لو قصدوها تحتم. (وتقبل شهادة البغاة

(1)

؛ لعدم فسقهم كما مر، نعم الخطابية

(2)

منهم ومن غيرهم لا تقبل شهادتهم لموافقيهم كما يأتي ولا ينفذ قضاؤهم (و) يقبل أيضا وجوبا (قضاء قاضيهم)؛ لذلك لكن (فيما يقبل فيه قضاء قاضينا) لا في غيره كمخالف النص أو الإجماع أو القياس الجلي، ومحل الوجوب هنا في الحكم الذي يتصل به أثره أما إذا لم يتصل به أثره فلا يجب تنفيذه كما يأتي

(3)

(إلا) راجع للأمرين قبله (أن يستحل) -بلا تأويل محتمل- ولو على احتمال بأن لم يُدرَ أنه ممن يستحل أو لا (دماءنا) أو أموالنا؛ لفقد عدالته حينئذ، والمراد استحلال خارج الحرب، أما لو استحل بتأويل محتمل فتقبل شهادته وقضائه (وينفَّذ كتابه بالحكم) إلينا جوازا؛ لصحته بشرطه (ويحكم) جوازا أيضا (بكتابه) إلينا (بسماع البينة في الأصح)؛ لصحته أيضا، ويندب عدم تنفيذهِ والحكمِ به استخفافا بهم لكن إن لم يترتب عليه ضرر المحكوم له بأن انحصر تخليص حقه في ذلك وإلا وجب تنفيذه. (ولو أقاموا حدا) أو تعزيرا (وأخذوا زكاة وجزية وخراجا وفرقوا سهم المرتزقة على جندهم صح) فننفذه إذا عاد إلينا ما استولوا عليه وفعلوا فيه ذلك؛ تأسيا بعلي كرم الله وجهه، نعم محله إذا كان فاعل ذلك هو مطاعهم لا آحادهم ولا فرقة منعت واجبا عليها من غير خروج وفي زكاة غير معجلة

(4)

ومعجلة استمرت شوكتهم

(1)

. وأفاد الشارح في صلاة الخوف أن البغي ليس صفة ذم عند تكلمه عن جواز صلاة الخوف لأهل العدل فقط 3/ 14.

(2)

. هم صنف من الرافضة يشهدون بالزور ويقضون به لموافقيهم بتصديقهم.

(3)

. خلافا للنهاية فاعتمد أن قبول الحكم واجب على القاضي ولا يجب عليه تنفيذه.

(4)

. خلافا للنهاية حيث سوَّى بين المعجلة وغيرها.

ص: 126

وَفِي الْأَخِيرِ وَجْهٌ. وَمَا أَتْلَفَهُ بَاغٍ عَلَى عَادِلٍ وَعَكْسُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي قِتَالٍ ضَمِنَ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي قَوْلٍ يَضْمَنُ الْبَاغِي. وَالمُتَأَوِّلُ بِلَا شَوْكَةٍ يَضْمَنُ، وَعَكْسُهُ كَبَاغٍ. وَلَا يُقَاتِلُ الْبُغَاةَ حَتَّى يَبْعَثَ إلَيْهِمْ أَمِينًا فَطِنًا نَاصِحًا يَسْأَلُهُمْ مَا يَنْقِمُونَه، فَإِنْ ذَكَرُوا مَظْلَِمَةً أَوْ شُبْهَةً أَزَالَهَا، وَإِنْ أَصَرُّوا نَصَحَهُمْ ثُمَّ آذَنَهُمْ بِالْقِتَالِ،

لدخول وقتها وإلا لم يعتد بقبضهم لها; لأنهم عند الوجوب غير متأهلين للأخذ (وفي الأخير) وهو تفرقتهم ما ذكر بل فيما عدا الحد (وجه) أنه لا يعتد به؛ لئلا يتقووا به علينا. (وما أتلفه باغ على عادل وعكسه إن لم يكن في قتال) ولم يكن من ضرورته (ضمن) نفسا ومالا لكن إذا قصد أهل العدل التشفي والانتقام لا إضعافهم وهزيمتهم، (وإلا) بأن كان في قتال لحاجته أو خارجه وهو من ضرورته (فلا) ضمان لأمر العادل بقتالهم، (وفي قول يضمن الباغي)؛ لتقصيره. ولو وطئ أحدهما أمة الآخر بلا شبهة يُعتدُّ بها لزمه الحد، وكذا المهر إن أكرهها والولد رقيق (و) المسلم (المتأول بلا شوكة) لا يثبت له شيء من أحكام البغاة، فحينئذ (يضمن) ما أتلفه ولو في القتال كقاطع الطريق ولئلا يحدث كل مفسد تأويلا وتبطل السياسات (وعكسه) وهو مسلم له شوكة لا تأويل (كباغ) في عدم الضمان لما أتلفه في الحرب أو لضرورتها؛ لوجود معناه فيه من الرغبة في الطاعة ليجتمع الشمل ويقل الفساد، لا في تنفيذ قضاء واستيفاء حق أو حد، أما مرتدون لهم شوكة فهم كقطاع

(1)

مطلقا وإن تابوا وأسلموا؛ لجنايتهم على الإسلام. ويجب على الإمام قتال البغاة لإجماع الصحابة عليه، وكذا مَن في حكمهم (و) لكن (لا يقاتل البغاة) أي لا يجوز له ذلك (حتى يبعث إليهم أمينا) أي عدلا (فطنا) أي ظاهر المعرفة بالعلوم والحروب وسياسة الناس وأحوالهم، نعم إن عُلم الأمر الذي ينقمون فيه على الإمام اعتبر كونه فطنا في ذلك الأمر فقط (ناصحا) لأهل العدل (يسألهم ما ينقمونه) على الإمام أي يكرهونه منه؛ تأسيا بعلي في بعثه ابن عباس رضي الله عنهم إلى الخوارج بالنهروان، وكون المبعوث عارفا فطنا واجب إن بُعث للمناظرة، وإلا فمندوب، (فإن ذكروا مظلَِمة أو شبهة أزالها) عنهم الأمين بنفسه في الشبهة وبمراجعة الإمام في المظلمة (وإن أصروا) على بغيهم بعد إزالة ذلك (نصحهم) ندبا (ثم) إن أصروا دعاهم للمناظرة فإن امتنعوا أو انقطعوا وكابروا (آذنهم) أي أعلمهم (بالقتال) ; لأنه تعالى أمر بالإصلاح ثم القتال. هذا إن كان

(1)

. وفاقا للمغني وشيخ الإسلام وخلافا للنهاية ووالده من أنهم كالبغاة.

ص: 127

فَإِنْ اسْتَمْهَلُوا اجْتَهَدَ وَفَعَلَ مَا رَآهُ صَوَابًا، وَلَا يُقَاتِلُ مُدْبِرَهُمْ وَلَا مُثْخَنَهُمْ وَأَسِيرَهُمْ وَلَا يُطْلَقُ، وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوِامْرَأَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ الحَرْبُ وَيَتَفَرَّقَ جَمْعُهُمْ إلَّا أَنْ يُطِيعَ بِاخْتِيَارِهِ، وَيَرُدُّ سِلَاحَهُمْ وَخَيْلَهُمْ إلَيْهِمْ إذَا انْقَضَتِ الحَرْبُ وَأُمِنَتْ غَائِلَتُهُمْ، وَلَا يُسْتَعْمَلُ فِي قِتَالٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ،

بعسكره قوة وإلا انتظرها، وينبغي له أن لا يظهر لهم ذلك بل يرهبهم ويوري وعند القوة يجب القتال (فإن استمهلوا) في القتال (اجتهد) في الإمهال (وفعل ما رآه صوابا) فإن ظهر له أن غرضهم إيضاح الحق أمهلهم ما يراه ولا يتقيد بمدة، أو احتيالهم لنحو جمع عسكر بادرهم. ويكون قتالهم كدفع الصائل سبيله الدفع بالأدنى فالأدنى، وظاهرٌ عدم جوب هرب أمكن، (ولا يقاتل

(1)

إذا وقع القتل (مدبرهم) الذي لم يتحرف لقتال ولا تحيز إلى فئة قريبة لا بعيدة؛ لأمن غائلته فيها، والمراد بها هنا هي التي يؤمن عادة مجيئها إليهم قبل انقضاء القتال، أما إذا لم يؤمن ذلك بأن غلب على الظن مجيئها إليهم والحرب قائمة فينبغي أن يقاتل حينئذ (ولا) يقتل تارك القتال منهم وإن لم يلق سلاحه، ولا (مُثخَنهم

(2)

ولا من ألقى سلاحه أو أغلق بابه (و) لا (أسيرهم)؛ لخبر الحاكم والبيهقي بذلك، نعم لو ولَّوا مجتمعين تحت راية زعيمهم اتبعوا حتى يتفرقوا، ولا قود بقتل أحد هؤلاء؛ لشبهة أبي حنيفة رضي الله عنه، ويسن أن يتجنب قتل رَحِمِهِ ما أمكنه فيكره ما لم يقصد قتله (ولا يطلق) أسيرهم إن كان فيه منعة (وإن كان صبيا أو امرأة) وقنا (حتى تنقضي الحرب ويتفرق جمعهم) تفرقا لا يتوقع جمعهم بعده، وهذا في رجل حر وكذا في مراهق وامرأة وقن قاتلوا وإلا أطلقوا بمجرد انقضاء الحرب (إلا أن يطيع) الحرُّ الكاملُ الإمامَ بمتابعته له (باختياره) أي وتقوم قرينة على صدقه فيطلق وإن بقيت الحرب؛ لأمن ضرره (ويردُّ) وجوبا مالهم و (سلاحهم وخيلهم إليهم إذا انقضت الحرب وأمنت غائلتهم) أي شرهم بعودهم للطاعة أو تفرق شملهم تفرقا لا يلتئم (ولا يستعمل) ما أخذ منهم من نحو سلاح وخيل (في قتال) أو غيره أي لا يجوز ذلك (إلا لضرورة) كخوف انهزام أهل العدل أو نحو قتلهم لو لم يستعملوا ذلك، وحكم الأجرة

(1)

. للمغني اعتراض على تعبير المصنف رده الشارح.

(2)

. هو من أضعفته الجراح.

ص: 128

وَلَا يُقَاتَلُونَ بِعَظِيمٍ كَنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ إلَّا لِضَرُورَةٍ كَأَنْ قَاتَلُوا بِهِ أَوْ أَحَاطُوا بِنَا، وَلَا يُسْتَعَانُ عَلَيْهِمْ بِكَافِرٍ، وَلَا بِمَنْ يَرَى قَتْلَهُمْ مُدْبِرِينَ، وَلَوِ اسْتَعَانُوا عَلَيْنَا بِأَهْلِ الحَرْبٍ وَآمَنُوهُمْ لَمْ يَنْفُذْ أَمَانُهُمْ عَلَيْنَا، وَنَفَذَ عَلَيْهِمْ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَعَانَهُمْ أَهْلُ الذِّمَّةِ عَالِمِينَ بِتَحْرِيمِ قِتَالِنَا انْتَقَضَ عَهْدُهُمْ،

حينئذٍ

(1)

أنّ استعمالها إن كان في القتال أو لضرورته لم يضمنها ولا منفعتها وإلا ضمنهما (ولا يقاتلون بعظيم) يعم (كنار ومنجنيق) وتغريق وإلقاء حيات; لأن القصد ردهم للطاعة وقد يرجعون فلا يجدون للنجاة سبيلا (إلا لضرورة بأن قاتلوا به أو أحاطوا بنا) ولم يندفعوا إلا به، ويندب حينئذٍ أن يقصد الخلاص منهم لا قتلهم. ويلزم الواحد منا مصابرة اثنين منهم ولا يولي إلا متحرفا أو متحيزا. وتجري الأحكام الآتية في مصابرة الكفار هنا (ولا يستعان عليهم بكافر) ذمي أو غيره إلا إن اضطررنا لذلك (ولا بمن يرى قتلهم مدبرين) أو أسراء أو التذفيف على جريحهم لعداوة أو اعتقاد كالحنفي، أي لا يجوز لنحو شافعي الاستعانة بأولئك; لأن القصد ردهم للطاعة وأولئك يتدينون بقتلهم، نعم إن احتجنا لذلك جاز إن كان لهم نحو جراءة وحسن إقدام وأمكننا دفعهم لو أرادوا قتل واحد ممن ذكر من نحو المدبر. ويُشتَرط

(2)

أن يَشرط عليهم الامتناع من ذلك ويثق بوفائهم به. ويأتي ذلك في الاستعانة بالكافر نعم إن ألجأتنا الضرورة إلى الكافر ومن يرى قتل هؤلاء لم تشرط هذه الشروط (ولو استعانوا علينا بأهل الحرب

(3)

وآمنوهم) أي عقدوا لهم أمانا ليقاتلونا معهم (لم ينفذ أمانهم علينا)؛ للضرر فنعاملهم معاملة الحربيين (ونفذ) الأمان (عليهم في الأصح) ; لأنهم آمنوهم من أنفسهم. ولو قالوا وقد أعانوهم ظننا أنه يجوز إعانة بعضكم على بعض أو أنهم المحقون ولنا إعانة الحق أو أنهم استعانوا بنا على كفار وأمكن صدقهم بلغناهم المأمن وأجرينا عليهم فيما صدر منهم أحكام البغاة، أما لو آمنوهم تأمينا مطلقا فينفذ علينا أيضا فإن قاتلونا معهم انتقض الأمان في حقنا وحقهم (ولو أعانهم أهل الذمة) أو معاهدون أو مستأمنون مختارين (عالمين بتحريم قتالنا انتقض عهدهم) حتى بالنسبة للبغاة كما لو انفردوا بالقتال فيصيرون

(1)

. خلافا للنهاية فاعتمد لزوم الأجرة مطلقا، وللمغني والأسنى فاعتمدا أنها لا تلزم مطلقا.

(2)

. خلافا للنهاية.

(3)

. ومن قتله أهل الحرب مِنَّا فشهيد بخلاف من قتله البغاة كما مر في الجنائز 3/ 165.

ص: 129

أَوْ مُكْرَهِينَ فَلَا، وَكَذَا لَو قَالُوا ظَنَنَّا جَوَازَهُ أَوْ أَنَّهُمْ مُحِقُّونَ عَلَى المَذْهَبِ، وَيُقَاتَلُونَ كَبُغَاةٍ.

فصل

شَرْطُ الْإِمَامِ كَوْنُهُ مُسْلِمًا مُكَلَّفًا حُرًّا ذَكَرًا قُرَشِيًّا مُجْتَهِدًا شُجَاعًا

حربيين يقتلون ولو مع نحو الإثخان والإدبار (أو مكرهين) ولو بقولهم بالنسبة لأهل الذمة وببينة بالنسبة لغيرهم (فلا) ينتقض عهدهم؛ لشبهة الإكراه، (وكذا) لا ينتقض عهدهم (لو) حاربوا البغاة; لأنهم حاربوا من على الإمام محاربته أو (قالوا ظننا جوازه) أي ما فعلوه من إعانة بعض المسلمين على بعض (أو) ظننا (أنهم) استعانوا بنا على كفار أو أنهم (محقون) وأن لنا إعانة المحق وأمكن جهلهم بذلك (على المذهب)؛ لأنهم معذورون (ويقاتلون كبغاة) لا كحربيين لحقن دمائهم، ولا يلحقون بهم في عدم ضمان ما يتلف في الحرب فيُضمَّنون المال ويُقتلون إن قَتلوا; لأنه ثم لردهم للطاعة لئلا ينفرهم الضمان وهذا غير موجود في نحو الذميين.

(فصل) في شروط الإمام الأعظم وبيان طرق الإمامة

هي فرض كفاية كالقضاء فيأتي فيها أقسامه الآتية من الطلب والقبول (شرط الإمام

(1)

كونه مسلما) ليراعي مصلحة الإسلام والمسلمين (مكلفا) ; لأن غيره في ولاية غيره وحجره فكيف يلي أمر الأمة (حرا) ; لأن من فيه رق لا يُهاب (ذكرا)؛ لضعف عقل الأنثى وعدم مخالطتها للرجال مع خبر ((لا يفلح قدم ولَّوا أمرهم امرأة))، وأُلحق بها الخنثى احتياطا فلا تصح ولايته، وإن بان ذكرا كالقاضي بل أولى (قرشيا) -أي من ولد النظر بن كنانة

(2)

بن خزيمة؛ لطيب معدنهم

(3)

-؛ لخبر ((الأئمة من قريش)) لا هاشميا اتفاقا، فإن فقد قرشي جامع للشروط فكناني فرجل من ولد إسماعيل صلى الله على نبينا وعليه وسلم فجرهمي; لأن جرهما أصل العرب ومنهم تزوج إسماعيل فمن ولد إسحاق صلى الله على نبينا وعليه وسلم (مجتهدا) كالقاضي (شجاعا)؛ ليغزو بنفسه ويدبِّر الجيوش ويفتح الحصون ويقهر الأعداء.

(1)

. تقدم في صلاة الاستسقاء كلام مهم في طاعة ولي الأمر.

(2)

. كما مر في الفيء.

(3)

. كما قاله الشيخ في الكفاءة.

ص: 130

ذَا رَأْيٍ وَسَمْعٍ وَبَصَرٍ وَنُطْقٍ. وَتَنْعَقِدُ الْإِمَامَةُ بِالْبَيْعَةِ، وَالْأَصَحُّ بَيْعَةُ أَهْلِ الحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَالرُّؤَسَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ الَّذِينَ يَتَيَسَّرُ اجْتِمَاعُهُمْ، وَشَرْطُهُمْ صِفَةُ الشُّهُودِ وَبِاسْتِخْلَافِ الْإِمَامِ،

(ذا رأي) يسوس به الرعية ويدبر مصالحهم الدينية والدنيوية، وأدناه أن يعرف أقدار الناس (وسمع) وإن قل (وبصر) وإن ضعف بحيث لم يمنع التمييز بين الأشخاص، أو كان أعور، أو أعشى (ونطق) يُفهَم وإن فقد الذوق والشم، وذلك؛ ليتأتى منه فصل الأمور، وعدلا كالقاضي بل أولى، فلو اضطر لولاية فاسق جاز، ومن ثم لو تعذرت العدالة في الأئمة والحكام قدمنا أقلهم فسقا، وسليما من نقص يمنع استيفاء الحركة وسرعة النهوض. وتعتبر هذه الشروط في الدوام أيضا إلا العدالة فلا ينعزل بالفسق وإلا الجنون إذا كان زمن الإفاقة أكثر وتمكن فيه من أموره وإلا قطع يد أو ةرجل فيغتفر دواما لا ابتداء بخلاف قطع اليدين أو الرجلين لا يغتفر مطلقا. (وتنعقد الإمام) بطرق:

أحدها (بالبيعة) كما بايع الصحابة أبا بكر رضي الله تعالى عنهم، (والأصح) أن المعتبر هو (بيعة أهل الحل والعقد من العلماء والرؤساء ووجوه الناس الذين يتيسر اجتماعهم) حالة البيعة بأن لم يكن فيه كلفة عرفا، ويكفي بيعة واحد انحصر الحل والعقد فيه، أما بيعة غير أهل الحل والعقد من العوام فلا عبرة بها، ويشترط عدم رده لبيعتهم، فإن امتنع لم يجبر إلا إن لم يصلح غيره، (وشرطهم) أي المبايعين (صفة الشهود) من العدالة وغيرها مما يأتي أول الشهادات، ويشترط كون المبايع أيضا ذا رأي وعلم ليعلم وجود الشروط والاستحقاق فيمن يبايعه، ويشترط شاهدان إن اتحد المبايع؛ لأنه لا يقبل قوله وحده فربما ادُّعِي عقدٌ سابق وطال الخصام فيه لا إن تعدد أي لقبول شهادتهم بها حينئذ فلا محذور.

(و) ثانيها (باستخلاف الإمام) واحدا بعده ولو فرعه أو أصله، ويعبّر عنه بعهده إليه كما عهد أبو بكر إلى عمر رضي الله عنهما وانعقد الإجماع على الاعتداد بذلك، وصورته أن يعقد له الخلافة في حياته ليكون هو الخليفة بعده فهو وإن كان خليفة في حياته لكن تصرفه موقوف على موته، ويشترط قبوله لفظا، ووقته من العهد إلى الموت، فلو أخَّره

(1)

إلى ما بعد الموت لم

(1)

. أي القبول عند الشارح والمغني، ومرجع الضمير عند النهاية هو عقد الخلافة.

ص: 131

فَلَوْ جَعَلَ الْأَمْرَ شُورَى بَيْنَ جَمْعٍ فَكَاسْتِخْلَافٍ فَيَرْتَضُونَ أَحَدَهُمْ. وَبِاسْتِيلَاءِ جَامِعِ الشُّرُوطِ، وَكَذَا فَاسِقٌ وَجَاهِلٌ فِي الْأَصَحِّ

لم يصح

(1)

. ويجوز العهد لجمع مترتبين، نعم للأول مثلا بعد موت العاهد العهد بها إلى غيرهم; لأنه لَمَّا استقل صار أملك بها. ولو أوصى بها لواحد جاز

(2)

لكن قبول الموصى له واجتماع الشروط فيه إنما يعتبران بعد موت الموصي (فلو جعل) الإمام (الأمر شورى بين جمع فكاستخلاف) في الاعتداد به ووجوب العمل بقضيته (فيرتضون) بعد موته أو في حياته بإذنه (أحدهم) ; لأن عمر جعل الأمر شورى بين ستة فاتفقوا بعد موته على عثمان رضي الله عنهم. ولو امتنعوا من الاختيار لم يجبروا كما لو امتنع المعهود إليه من القبول وكأنَّه لم يَعهَد ولم جعل شورى.

[تنبيه] الاستخلاف بقسميه يختص بالإمام الجامع للشروط

.

(و) ثالثها (باستيلاء جامع الشروط) بالشوكة؛ لانتظام الشمل به هذا إن مات الإمام أو كان متغلبا أي ولم يجمع الشروط (وكذا فاسق وجاهل

(3)

وغيرهما

(4)

وإن اختلت فيه الشروط كلها (في الأصح) وإن عصى بما فعل؛ حذرا من تشتت الأمر وثوران الفتن.

[فرع] لا يجوز عقدها لاثنين في وقت واحد، ثم إن ترتبا يقينا تعين الأول وإلا بطلا ولا يأتي هنا الوقف إن خشي منه ضرر؛ لما يترتب عليه من المفاسد، بل يتعين على أهل الحل والعقد تولية أحدهما; لأن لهما فيها شبهة ألغت النظر لغيرهما

(5)

.

[تنبيه] لا نظر للضعف وزوال الشوكة عن الإمام

; لأن عروضهما إن صحت ولايته لا يبطلها، بل لا تصح تولية غيره حتى يُخلع نفسه مطلقا أو يخلع لسبب، ولا ينعزل بأسر كفار له إلا إن أيس من خلاصه ومثلهم بغاة لهم إمام، فإن لم يكن لهم إمام لم ينعزل وإن أيس من خلاصه; لأنه نادر.

(1)

. وفاقا للنهاية وشرح المنهج، وقال الشيخ زكريا في شرح الروض أنه يرجع ذلك إلى الإيصاء وفي المغني مثله.

(2)

. أفاد الشارح في الإيصاء أن باب الإمامة وباب الوصية واحد فما كان صريحا هناك يكون صريحا هنا وعكسه فيصح أن يقول أوصيت أو فوضت أو ولَّيت فلانا الإمامة بعد موتي 7/ 91.

(3)

. وتقدم في النكاح أنه لو بلينا بإمامة امرأة نفذ تزويجها.

(4)

. ظاهره ولو كافرا خلافا للخطيب.

(5)

. خلافا لشرح المنهج فيجوز عقدها لغيرهما.

ص: 132

قُلْتُ: وَ لَوِ ادَّعَى دَفْعَ زَكَاةٍ إلَى الْبُغَاةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، أَوْ دَفَعَ جِزْيَةٍ فَلَا عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا خَرَاجٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيُصَدَّقُ فِي حَدٍّ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِبَيِّنَةٍ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبدَنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

(قلت لو ادعى) من لزمته زكاة ممن استولى عليهم البغاة (دفع الزكاة إلى البغاة) أي إمامهم أو منصوبه (صدق) بلا يمين وإن اتهم؛ لبنائها على التخفيف، ويسن أن يستظهر على صدقه إذ اتهم (بيمينه)؛ خروجا من الخلاف في وجوبها (أو) ادعى (دفع جزية فلا) يصدق (على الصحيح)؛ لأنها كالأجرة (وكذا خراج في الأصح) ; لأنه أجرة أو ثمن ولا يقبل ذلك من الذمي جزما، (ويصدق في) إقامة (حد) أو تعزير عليه بلا يمين؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات (إلا أن يثبت ببينة ولا أثر له في البدن) أي وقد قرب الزمن بحيث لو كان لوجد أثره فلا يصدق، (والله أعلم).

[فائدة] للسلطان أن يقضي بين المتخاصمين خلافا لأبي حنيفة

.

ص: 133

‌كتاب الردة

هِيَ: قَطْعُ الْإِسْلَامِ بِنِيَّةٍ أَوْ قَوْلِ كُفْرٍ أَوْ فِعْلٍ، سَوَاءٌ قَالَهُ اسْتِهْزَاءً

(كتاب الردة)

أعاذنا الله تعالى منها (هي قطع) من يصح طلاقه دوام (الإسلام)، ومن ثم كانت أفحش أنواع الكفر وأغلظها حكما وإنما تحبط العمل عندنا إن اتصلت بالموت؛ لآية البقرة، فلا تجب إعادة عباداته قبل الردة وإن حبط ثوابها. وخرج بـ ((قطع)) الكفر الأصلي، ولا يشمل الحد كفر المنافق; لأنه لم يوجد منه إسلام حتى يقطعه، ولا يرد على الحد المنتقلُ من كفر لكفر; لأن الصحيح أنه يجاب لتبليغ المأمن ولا يجبر على الإسلام بخلاف المرتد، ووصف ولد المرتد بالردة أمر حكمي فلا يرد على ما نحن فيه أيضاً.

ثم قطع الإسلام إما (بنية) لكفر حالا أو مآلا فيكفر بها حالا كما يأتي (أو قول كفر) عن قصد وروية فلا أثر لسبق لسان أو إكراه واجتهاد وحكاية كفر

(1)

وشطح ولي حال غيبته أو تأويله بما هو مصطلح عليه بينهم وإن جهله غيرهم، ولو شككنا في حاله عزرناه؛ فطماً له ولا يحكم عليه بالكفر، ويمنع غير المشتهر بالتصوف الصادق من التكلم بكلماتهم المشكلة إلا مع نسبتها إليهم غير معتقد لظواهرها؛ لأن فيه مفاسد لا تخفى.

[تنبيه] يدخل في قول الكفر تعليقه

(2)

ولو بمحال عادي وكذا شرعي أو عقلي إلا إذا لم يقصد التعليق قطعا

(أو فعل سواء) في الحكم عليه عند قوله الكفر (قاله استهزاء) كأن قيل له قص أظفارك فإنه سنة فقال لا أفعله وإن كان سنة، وكأن قال لو جاءني النبي ما قبلته ما لم يرد المبالغة

(3)

في تبعيد نفسه عن فعله، فإن أطلق كفر

(4)

على الأوجه، ويفارق ما مر من سئل فقال لو جاءني النبي ما فعلته بأن هذه تدل على تعظيمه عنده ولا تشعر باستخفاف بخلاف العبارة

(1)

. أي مطلقا واعتمده المغني تقييده بما إذا كان في مجلس الحكم فقط.

(2)

. أي الكفر.

(3)

. راجعه للمقالين.

(4)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي.

ص: 137

أَوْ عِنَادًا أَوِ اعْتِقَادًا. فَمَنْ نَفَى الصَّانِعَ أَوِ الرُّسُلَ أَوْ كَذَّبَ رَسُولًا أَوْ حَلَّلَ مُحَرَّمًا بِالْإِجْمَاعِ كَالزِّنَا وَعَكْسُهُ،

السابقة، ولا يكفر

(1)

من قيل له اصبر عليَّ بدينك فقال لو جاءني ربي ما صبرت

(2)

، أو من أمر آخر بتنظيف بيته فقال ذلك الآخر له نظف بيتنا مثل {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} الطارق: 1; لأنه من باب المبالغة في التشبيه المقصودة للبلغاء الدالة على تعظيم قدر المشبه دون احتقار المشبه به (أو عنادا) بأن عرف بباطنه أنه الحق وأبى أن يقر به (أو اعتقادا) وهذه الثلاثة تأتي في النية أيضا كالفعل الآتي. وإضمار التورية فيما لا يحتملها لا يفيد فيكفر باطنا أيضا؛ لحصول التهاون منه (فمن) اعتقد أن الكوكب فاعل، أو (نفى الصانع) -أخذوه من الإجماع النطقي به إن سُلِّم، أو من قوله صلى الله عليه وسلم ((اتقوا الله فإن الله فاتح لكم وصانع)) - أو اعتقد حدوثه أو قدَم العالم أو نفى ما هو ثابت للقديم إجماعا وعلم من الدين بالضرورة كأصل العلم مطلقا أو بالجزيئات أو أثبت له ما هو منفي عنه إجماعا وعلم من الدين بالضرورة كذلك كاللون أو الاتصال بالعالم أو الانفصال عنه -فمدعي الجسمية أو الجهة إن زعم واحدا من هذه كفر وإلا فلا; لأن الأصح أن لازم المذهب ليس بمذهب- (أو) نفى (الرسل) أو أحدهم أو أحد الأنبياء المجمع عليه أو جحد حرفا مجمعا عليه من القرآن كالمعوذتين أو صفة من وجوه الأداء المجمع عليها، أو زاد حرفا فيه مجمعا على نفيه معتقدا أنه منه، أو نقص حرفا مجمعا على أنه منه (أو كذَّب رسولا) أو نبيا أو نقصه بأي منقص كأن صغَّر اسمه مريدا تحقيره أو جوز نبوة أحد بعد وجود نبينا -وعيسى نبي قبل فلا يرد- ومنه تمني النبوة بعد وجود نبينا صلى الله عليه وسلم كتمني كفر مسلم بقصد الرضا به لا التشديد عليه، ومنه أيضا لو كان فلان نبيا آمنت أو ما آمنت به إن جوز ذلك

(3)

. وخرج بكذَّبه كذبه عليه (أو حلل محرما بالإجماع) وعلم تحريمه من الدين بالضرورة -بأن يشترك في معرفته الخاص والعام- ولم يجز أن يخفى عليه (كالزنا) واللواط وشرب الخمر والمكس؛ إذ في هذا وما بعده تكذيب له صلى الله عليه وسلم (وعكسه) أي حرم حلالا مجمعا عليه

(1)

. ولا يكفر من قال إن فعلت كذا فأنا يهودي أو برئ من الإسلام أو مستحل الخمر إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه أو أطلق، فإن علق أو أراد الرضا بذلك إذا فعل كفر حالا، ولو مات مثلا ولم يعرف قصده لم يحكم بكفره كما ذكر ذلك الشارح في الأيمان 10/ 12.

(2)

. ذكر الشارح في العقيقة حرمة التسمية بجار الله ورفيق الله ونحوها؛ لإيهامه المحذور وحرمة قول بعض العامة إذا حمل ثقيلا الحملة على الله 9/ 373.

(3)

. حذف قوله ((إن جوز ذلك)) النهاية.

ص: 138

أَوْ نَفَى وُجُوبَ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ أَوْ عَكْسَهُ أَوْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ غَدًا أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ كَفَرَ. وَالْفِعْلُ المُكَفِّرُ مَا تَعَمُّدُهُ اسْتِهْزَاءٌ صَرِيحًا بِالدِّينِ أَوْ جُحُودًا لَهُ كَإِلْقَاءِ المُصْحَفٍ بِقَاذُورَةٍ أَوْ سُجُودٍ لِصَنَمٍ أَوْ شَمْسٍ

- وإن كره- كذلك كالبيع والنكاح (أو نفى وجوب مجمع عليه) معلوما كذلك كسجدة من الخمس (أو عكسه) أي أوجب مجمعا على عدم وجوبه معلوما كذلك كصلاة سادسة أو نفى مشروعية مجمع على مشروعيته معلوم كذلك كالرواتب وكالعيد. أما ما لا يعرفه

(1)

إلا الخواص كاستحقاق بنت الابن السدس مع بنت الصلب وكحرمة نكاح المعتدة للغير، وما لمنكره أو مثبته تأويل غير قطعي البطلان كما مر في النكاح أو بَعُد عن العلماء بحيث يخفى عليه ذلك فلا كفر بجحده; لأنه ليس فيه تكذيب.

[تنبيه] ينبغي للمفتي أن يحتاط في التكفير ما أمكنه لعظيم خطره وغلبة عدم قصده سيما من العوام وما زال أئمتنا على ذلك قديما وحديثا بخلاف أئمة الحنفية فإنهم توسعوا بالحكم بمكفرات كثيرة مع قبولها التأويل بل مع تبادره منها.

[تنبيه ثانٍ] من زعم أن له مع الله حالاً أسقط عنه نحو الصلاة أو تحريم الخمر وجب قتله وخُلِّد في النار

. (أو عزم على الكفر غدا) مثلا (أو تردد فيه) أيفعله أو لا (كفر) في الحال في كل ما مر؛ لمنافاته للإسلام، وكذا من أنكر صحبة أبي بكر أو رمى ابنته عائشة رضي الله عنهما بما برأها الله منه.

[تنبيه] ذَكَر مسألة العزم؛ ليبين أنه المراد من النية في كلامهم; لأنها قصد الشيء مقترنا بفعله وهو غير شرط هنا

(والفعل المكفر ما تعمدُه استهزاءٌ صريحا بالدين) أو عنادا له (أو جحودا له كإلقاء المصحف) أو نحوه مما فيه شيء من القرآن بل أو اسم معظم أو من الحديث أو من العلم الشرعي (بقاذورة) أو قذر طاهر كمخاط وبصاق ومني; لأن فيه استخفافا بالدين. وخرج بـ ((إلقاءه)) مماسته لشيء من ذلك فلا بد للحكم بكفره من قرينة تدل على الاستهزاء (أو سجود لصنم أو شمس) أو مخلوق آخر وسحر فيه نحو عبادة كوكب، نعم إن دلت قرينة قوية على عدم دلالة الفعل على الاستخفاف كأن كان الإلقاء؛ لخشية أخذ كافر، أو كان السجود من أسير في دار الحرب بحضرتهم فلا كفر. وخرج بالسجود الركوع؛ لأن

(1)

. ظاهره وإن علمه ثم أنكره، وفاقا للمغني وخلافا لشيخ الإسلام.

ص: 139

وَلَا تَصِحُّ رِدَّةُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ. وَلَوِ ارْتَدَّ فَجُنَّ لَمْ يُقْتَلْ فِي جُنُونِهِ. وَالمَذْهَبُ صِحَّةُ رِدَّةِ السَّكْرَانِ وَإِسْلَامِهِ

صورته تقع في العادة للمخلوق كثيرا بخلاف السجود، نعم محل الفرق بينهما عند الإطلاق بخلاف ما لو قصد تعظيم مخلوق بالركوع كما يعظم الله به فإنه لا شك في الكفر حينئذ.

[تنبيه] اختلفوا هل الإيمان التصديق فقط كما عليه المتكلمون؟ أو التصديق مع الكلمتين كما عليه الفقهاء

، وعلى الأول فالإيمان له حيثيتان النجاة في الآخرة وشرطها التصديق فقط وإجراء أحكام الدنيا ومناطها النطق بالشهادتين مع عدم السجود لغير الله ورمي المصحف بقاذورة وغير ذلك من الصور التي حكم الفقهاء بأنها كفر فالنطق غير داخل في حقيقة الإيمان وإنما هو شرط لإجراء الأحكام الدنيوية، فالنطق بالشهادتين شرط على قول المتكلمين شطر على قول الفقهاء، نعم ليس مراد الفقهاء بذلك أن النطق ركن حقيقي وإلا لم يسقط عند العجز والإكراه، بل أن دال على الحقيقة التي هي التصديق؛ إذ لا يمكن الاطلاع علي، وقيل إن قول المتكلمين هو أنها ليست شرطاً ولا شطراً بل التارك لها مؤمن عاصي، وقيل إن قول الفقهاء هو إن التارك للنطق مخلد في النار سواء قلنا شطر أو شرط فالمعتمد أنه لا بد في الإسلام وفي النجاة من الخلود في النار من النطق بالشهادتين

(1)

. (ولا تصح) يعني توجد؛ إذ الردة معصية كالزنا لا توصف بصحة ولا بعدمها (ردة صبي ومجنون)؛ لرفع القلم عنهما (ومكره) على مكفِّر قلبه مطمئن بالإيمان؛ للآية، وكذا إن تجرد قلبه عنهما؛ لإطلاقهم أن المكره لا تلزمه التورية (ولو ارتد فجن) أمهل احتياطا; لأنه قد يعقل ويعود للإسلام و (لم يقتل في جنونه) وجوبا؛ لوجوب الاستتابة المستلزم لوجوب التأخير إلى الإفاقة، ولا شيء على قاتله غير التعزير. وخرج بالفاء ما لو تراخى الجنون عن الردة واستتيب فلم يتب ثم جنَّ فلا يجب التأخير (والمذهب صحة ردة السكران) المتعدي بسكره وإن كان غير مكلف كطلاقه تغليظا عليه وقد اتفق الصحابة رضوان الله عليهم على مؤاخذته بالقذف وهو دليل على اعتبار أقواله. ويستتاب في حال سكره؛ لاحتمال موته فيه، ثم بعد إفاقته؛ خروجا من خلاف من منع استتابته حال سكره، ومن ثم لم تجب إلا بعد إفاقته، فإن قتل في سكره فلا شيء فيه. أما غير المتعدي بسكره فلا تصح ردته كالمجنون (وإسلامه) سواء ارتد في سكره أم قبله؛ لما

(1)

. الترجيح ذكره الشارح بعد كلامه على إشارات الصوفية 9/ 97.

ص: 140

وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالرِّدَّةِ مُطْلَقًا، وَقِيلَ يَجِبُ التَّفْصِيلِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ شَهِدُوا بِرِدَّةٍ فَأَنْكَرَ حُكِمَ بِالشَّهَادَةِ فَلَوْ قَالَ: كُنْتُ مُكْرَهًا وَاقْتَضَتْهُ قَرِينَةٌ كَأَسْرِ كُفَّارٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ قَالَا: لَفَظَ لَفْظَ كُفْرٍ فَادَّعَى إكْرَاهًا صُدِّقَ مُطْلَقًا

تقرر أنه بأقواله كالصاحي فلا يحتاج

(1)

لتجديده بعد الإفاقة، نعم يندب ذلك، (وتقبل الشهادة بالردة مطلقا) فلا يحتاج الشاهد لتفصيلها; لأنها لخطرها لا يَقدُم العدل على الشهادة بها إلا بعد مزيد تَحَرٍّ، (وقيل يجب التفصيل) بأن يذكر موجبها وإن لم يقل عالما مختارا، وهذا القيل هو القياس

(2)

لاسيما في العامي ومن رأيه يخالف رأي القاضي في هذا الباب، ويتعين ترجيحه في خارجي لاعتقاده أن ارتكاب الكبيرة ردة مطلقا. ومحل الخلاف

(3)

إن قالا ارتد عن الإيمان أو كفر بالله أما مجرد ارتد أو كفر فلا يقبل قطعا؛ لاحتماله، (فعلى الأول لو شهدوا بردة) إنشاءً (فأنكر) بأن قال كذبا أو ما ارتددت (حكم بالشهادة) ولم ينظر لإنكاره فيستتاب ثم يقتل ما لم يسلم، وكذا على الثاني إذا فصلوا فأنكر. أما لو شهدوا بإقراره بها فهو كالأول

(4)

(فلو) لم ينكر، وإنما (قال كنت مكرها واقتضته قرينة كأسر كفار) له (صدق بيمينه)؛ تحكيما للقرينة، وحلف

(5)

؛ لاحتمال أنه مختار، فإن قتل قبل اليمين لم يضمن؛ لوجود المقتضي والأصل عدم المانع (وإلا) تقتضيه قرينة (فلا) يصدق فيحكم ببينونة زوجته التي لم يطأها ويطالب بالإسلام فإن أبى قتل (ولو قالا لَفَظ لَفْظ كفر

(6)

أو فعل فعله (فادعى إكراها صدق) بيمينه (مطلقا) أي من القرينة وعدمها; لأنه لم يكذبهما إذ الإكراه إنما ينافي الردة دون نحو التلفظ بكلمتها لكن الحزم أن يجدد كلمة الإسلام، ثم المعتمد هنا أنه يجب بيان اللفظ ولا يكفي الإطلاق كسابقه، وأما إذا قالا ابتداء لفظ بكذا فليس في دعوى الإكراه تكذيب

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. وفاقا للمغني وشيخ الإسلام وخلافا للنهاية.

(3)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(4)

. رد الشارح ما اعتمده المغني من قبول إنكاره، قال كما لو شهدوا بإقراره الزنا فأنكره، وفرق الشارح بسهولة التدارك هنا بالإسلام.

(5)

. قال المغني إن هذه اليمين مستحبه.

(6)

. ظاهره أن يكفي في الدعوى عليه أن يقولا ذلك وإن لم يُفصِّلا سبب الردة، ويظهر من كلام الشارح في موضع آخر الميل إلى وجوب البيان فليراجع 9/ 94.

ص: 141

وَلَوْ مَاتَ مَعْرُوفٌ بِالْإِسْلَامِ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا: ارْتَدَّ فَمَاتَ كَافِرًا، فَإِنْ بَيَّنَ سَبَبَ كُفْرِهِ لَمْ يَرِثْهُ، وَنَصِيبُهُ فَيْءٌ، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَظْهَرِ. وَتَجِبُ اسْتِتَابَةُ المُرْتَدِّ وَالمُرْتَدَّةِ، وَفِي قَوْلٍ تُسْتَحَبُّ كَالْكَافِرِ، وَهِيَ فِي الحَالِ، وَفِي قَوْلٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ أَصَرَّا قُتِلَا،

لهما. ولو شهدا بكفره وفصلاه لم يكف قوله أنا مسلم بل لا بد من الشهادتين مع الاعتراف ببطلان ما كفر به أو البراءة من كل ما يخالف دين الإسلام. (ولو مات معروف بالإسلام عن ابنين مسلمين فقال أحدهما ارتد فمات كافرا، فإن بين سبب كفره) كسجود لصنم (لم يرثه ونصيبه فيء) لبيت المال; لأنه مرتد بزعمه، (وكذا إن أطلق في الأظهر)؛ معاملة له بإقراره، وهذا جريٌ على ما مر من قبول الشهادة المطلقة لكن الأظهر أنه يستفصل فإن ذكر ما هو ردة فنصيب فيء أو ذكر غير الردة كقوله كان يشرب الخمر صرف نصيب المقر بالارتداء إليه، نعم لا يقبل

(1)

قوله هذا إلا إن كان عالما بالمكفر من غيره، وإن لم يذكر شيئا وقف

(2)

. (وتجب استتابة المرتد

(3)

والمرتدة

(4)

-ولو كانا حربيين

(5)

-؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك، ولاحترامهما بالإسلام قبلُ (وفي قول تستحب) كالكافر الأصلي، (وهي) على القولين (في الحال)؛ للخبر الصحيح ((من بدل دينه فاقتلوه)) ومر ندب تأخيرها إلى صحو السكران، (وفي قول ثلاثة أيام)؛ لأثر فيه عن عمر رضي الله عنه، (فإن أصرا) أي الرجل والمرأة على الردة (قتلا)؛ للخبر المذكور. وللسيد قتل قنه والقتل هنا بضرب العنق دون ما عداه، ولا يتولاه في الحر إلا الإمام أو نائبه فإن افتات عليه أحد عزر

(6)

. ولو قال عند القتل عرضت لي شبهة فأزيلوها لأتوب ناظرناه- بعد إسلام أو قبله

(7)

-وجوبا ما لم يظهر منه تسويف. ولا يدفن في مقابرنا لكفره ولا في مقابر المشركين؛ لما

(1)

. خلافا لظاهر إطلاقهما.

(2)

. وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية.

(3)

. ومنه تارك الصلاة جحودا، أما تاركها كسلا فتندب فقط استتابته كما اعتمده الشارح في بابه 3/ 87.

(4)

. للمغني اعتراض على المتن رده الشارح.

(5)

. خلافا للمغني.

(6)

. نعم تقدم في شروط القود أن المهدر معصوم على مثله في الإهدار وإن اختلف سببه 8/ 399.

(7)

. خالفاه في المناظرة قبل الإسلام.

ص: 142

وَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّ وَتُرِكَ. وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ إسْلَامُهُ إنِ ارْتَدَّ إلَى كُفْرٍ خَفِيٍّ كَزَنَادِقَةٍ وَبَاطِنِيَّةٍ. وَوَلَدُ المُرْتَدِّ إنِ انْعَقَدَ قَبْلَهَا، أَوْ بَعْدَهَا وَأَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ فَمُسْلِمٌ، أَوْ مُرْتَدَّانِ فَمُسْلِمٌ، وَفِي قَوْلٍ مُرْتَدٌّ، وَفِي قَوْلٍ كَافِرٌ أَصْلِيٌّ

سبق له من حرمة الإسلام (وإن أسلم

(1)

صح) إسلامه (وتُرِك) لقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الأنفال: 38، وشمل كلامه من كفر بسبِّه صلى الله عليه وسلم أو بسب نبي غيره (وقيل لا يقبل إسلامه إن ارتد إلى كفر خفي كزنادقة وباطنية) ; لأن التوبة عند الخوف عين الزندقة، والزنديق من لا ينتحل دينا، والباطني من يعتقد أن للقرآن باطنا غير ظاهره وأنه المراد منه وحده أو مع الظاهر

(2)

وليس منه إشارات الصوفية التي في تفاسيرهم كتفسير السلمي والقشيري; لأن أحدا منهم لم يدع أنها مرادة من لفظ القرآن وإنما هي من باب أن الشيء يتذكر بذكر ماله به نوع مشابهة وإن بعدت. ولا بد في الإسلام مطلقا وفي النجاة من الخلود في النار من التلفظ بالشهادتين من الناطق فلا يكفي ما بقلبه من الإيمان; لأن تركه للتلفظ بهما مع قدرته عليه وعلمه بشرطيته أو شطريته لا يقصر عن نحو رمي مصحف بقذر، فيتلفظ ولو بالعجمية وإن أحسن العربية- والفرق بينه وبين تكبيرة الإحرام جلي -بترتيبهما

(3)

، ثم الاعتراف برسالته صلى الله عليه وسلم ممن ينكرها- أو البراءة من كل دين يخالف دين الإسلام -وبرجوعه عن الاعتقاد الذي ارتد بسببه. ولا يعزر مرتد تاب على أول مرة خلافا لما يفعله جهلة القضاة، ومن جهلهم أيضا أن من ادعي عليه عندهم بردة أو جاءهم يطلب الحكم بإسلامه يقولون له تلفظ بما قلت وهذا غلط فاحش.

[فرع] لا يشترط في صحة الإسلام تكرير لفظ أشهد

(4)

. (وولد المرتد إن انعقد قبلها) أي الردة (أو بعدها وأحد أبويه) من جهة الأب أو الأم وإن علا أو مات (مسلم فمسلم)؛ تغليبا للإسلام (أو) وأبواه (مرتدان) وليس في أصوله مسلم (فمسلم) فلا يسترق ويرثه قريبه المسلم، ويجزئ عتقه عن الكفارة إن كان قنا؛ لبقاء علقة الإسلام في أبويه (وفي قول) هو (مرتد)؛ تبعا لهما (وفي قول) هو (كافر أصلي)؛ لتولده بين كافرين ولم يباشر إسلاما حتى يغلظ عليه فيعامل

(1)

. قال المغني إن الأحسن التعبير بأسلما وردَّ عليه الشارح.

(2)

. خلافا للمغني فقصر الباطني على الأول.

(3)

. قضية صنيعه عدم اعتبار الموالاة بينهما وفاقا للمغني وخلافا للنهاية ووالده.

(4)

. أما أشهد الأولى فواجب ذكرها إلا في إيمان الاحتياط. تحفة 10/ 12.

ص: 143

قُلْتُ: الْأَظْهَرُ مُرْتَدٌّ، وَنَقَلَ الْعِرَاقِيُّونَ الِاتِّفَاقَ عَلَى كُفْرِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَفِي زَوَالِ مِلْكِهِ عَنْ مَالِهِ بِهَا أَقْوَالٌ، وَأَظْهَرُهَا إنْ هَلَكَ مُرْتَدًّا بَانَ زَوَالُ مِلْكِهِ، وَإِنْ أَسْلَمَ بَانَ أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ، وَعَلَى الْأَقْوَالِ يُقْضَى مِنْهُ دَيْنٌ لَزِمَهُ قَبْلَهَا، وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ غُرْمُ إتْلَافِهِ فِيهَا، وَنَفَقَةُ زَوْجَاتٍ وُقِفَ نِكَاحُهُنَّ وَقَرِيبٍ،

معاملة ولد الحربي؛ إذ لا أمان له، نعم لا يقر بجزية؛ لأن كفره لم يستند لشبهة دين كان حقا قبل الإسلام (قلت: الأظهر) هو (مرتد، ونقل العراقيون الاتفاق) من أهل المذهب (على كفره والله أعلم) فلا يسترق بحال ولا يقتل حتى يبلغ ويمتنع عن الإسلام، أما إذا كان في أحد أصوله مسلم وإن بعد ومات فهو مسلم تبعا له اتفاقا، أو أحد أبويه مرتد والآخر كافر أصلي فكافر أصلي. والكلام كله في أحكام الدنيا، أما في الآخرة فكل من مات قبل البلوغ من أولاد الكفار الأصليين والمرتدين في الجنة على الأصح (وفي زوال ملكه عن ماله بها) أي الردة (أقوال) أحدها يزول مطلقا حقيقة، ثانيهما لا مطلقا (و) ثالثها وهو (أظهرها إن هلك مرتدا بان زوال ملكه وإن أسلم بان أنه لم يزل) ; لأن بطلان عمله يتوقف على موته مرتدا فكذا زوال ملكه. ومحل الخلاف في غير ما ملكه في الردة بنحو اصطياد فهو إما فيء أو باق على إباحته، وفي مال معرض للزوال لا نحو مكاتب وأم ولد، ثم معنى الحجر عليه بعد الردة أن ما لا يقبل الوقف- كتعليق البيع- يبطل مطلقا سواء حجر عليه من الحاكم أوْ لا، وأن ما يقبله إن حجر عليه بطل وإلا وقف

(1)

، (وعلى الأقوال) كلها (يقضى منه دين لزمه قبلها) أي الردة بإتلاف أو غيره أو فيها بإتلاف كما سيذكره أما على بقاء ملكه فواضح وأما على زواله فهي لا تزيد على الموت والدين مقدم على حق الورثة فعلى حق الفيء أولى، ومن ثم لو مات مرتدا وعليه دين وُفِّي ثم ما بقي فيء، وظاهر كلامهم أن المال انتقل جميعه لبيت المال متعلقا به الدين، (وينفق عليه منه) في مدة الاستتابة كما يجهز الميت من ماله وإن زال ملكه عنه بالموت. (والأصح)؛ بناء على زوال ملكه (أنه يلزمه غرم إتلافه فيها) كمن حفر بئرا عدوانا يضمن في تركته ما تلف بها بعد موته (ونفقة) يعني مؤنة (زوجات وقف نكاحهن) نفقة الموسرين (وقريب) أصل أو فرع وإن تعدد وتجدد بعد الردة وأم ولد؛ لتقدم سبب وجوبها، أما على الوقف فيجب ذلك قطعا كنفقة القن.

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه كحجر المفلس مطلقاً.

ص: 144

وَإِذَا وَقَفْنَا مِلْكَهُ فَتَصَرُّفُهُ إنْ احْتَمَلَ الْوَقْفَ -كَعِتْقٍ وَتَدْبِيرٍ وَوَصِيَّةٍ مَوْقُوفٌ- إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ، وَإِلَّا فَلَا، وَبَيْعُهُ وَرَهْنُهُ وَهِبَتُهُ وَكِتَابَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَفِي الْقَدِيم مَوْقُوفَةٌ، وَعَلَى الْأَقْوَالِ يُجْعَلُ مَالُهُ مَعَ عَدْلٍ، وَأَمَتُهُ عِنْدَ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، وَ يُؤَجَّرُ مَالُهُ وَيُؤَدِّي مُكَاتَبُهُ النُّجُومَ إلَى الْقَاضِي

(وإذا وقفنا ملكه فتصرفه) فيها (إن احتمل الوقف) بأن يقبل قوليُّه ومقصودُ فعليِّه التعليقَ (كعتق وتدبير ووصية موقوف إن أسلم نفذ) أي بان نفوذه (وإلا فلا) ولو أوصى قبل الردة ومات مرتدا بطلت وصيته أيضا (وبيعه) ونكاحه (ورهنه وهبته وكتابته) ونحوها من كل ما لا يقبل الوقف؛ لعدم قبوله للتعليق (باطلة) في الجديد؛ لبطلان وقف العقود (وفي القديم موقوفة)؛ بناء على صحة وقف العقود، فإن أسلم حكم بصحتها وإلا فلا، (وعلى الأقوال) كلها (يجعل ماله مع عدل وأمته عند) نحو (امرأة ثقة) أو محرم (ويؤجر ماله) كعقاره وحيوانه؛ صيانة له عن الضياع، وللقاضي بيعه إن هرب ورآه مصلحة (ويؤدي مكاتبه النجوم إلى القاضي) ويعتق؛ لعدم الاعتداد بقبض المرتد كالمجنون، وذلك احتياطا له؛ لاحتمال إسلامه وللمسلمين؛ لاحتمال موته مرتدا.

ص: 145

‌كتاب الزنا

إيلَاجُ الذَّكَرِ بِفَرْجٍ مُحَرَّمٍ لَعَيْنِهِ خَالٍ عَنِ الشُّبْهَةِ مُشْتَهًى يُوجِبُ الحَدَّ

(كتاب الزنا

(1)

)

وهو أكبر الكبائر بعد القتل على الأصح، وهو (إيلاج) أي إدخال (الذكر) الأصلي المتصل ولو أشل أي جميع حشفته المتصلة به -وللزائد والمشقوق ونحوهما هنا حكم الغسل

(2)

- أو قدرها من فاقدها لا مطلقا ولو مع حائل وإن كثف من آدمي واضح ولو ذكر نائم استدخلته امرأة بل وإن لم يمكن انتشاره.

[تنبيه] لو قُطع بعض الحشفة فلا حد بدخول باقيها ولو مع بقية الذكر، نعم يتجه الحد فيما إذا قطع من جانبها قطعة صغيرة ثم برئ وصارت تسمى مع ذلك حشفة ويحس ويلتذ بها كالكاملة

(بفرج) أي قبل آدمية واضح ولو غوراء، أو جنية تشكلت بشكل الآدمية

(3)

؛ لأن الطبع لا ينفر منها حينئذ كما لو تشكل جني بشكل آدمية، ومحله فيهما إن قلنا بحل نكاحهم وإلا فعلى المعتمد لا حد

(4)

(محرم لعينه خال عن الشبهة) -التي يعتد بها- كوطء أمة بيت المال وإن كانت من سهم المصالح الذي له فيه حق; لأنه لا يستحق فيه الإعفاف بوجه وحربية لا بقصد قهر أو استيلاء

(5)

ومملوكة غيره بإذنه بتفصيله السابق في الرهن

(6)

(مشتهى طبعا) راجع كالذي قبله لكل من الذكر والفرج.

[تنبيه] المدار على كون الموطوء لا ينفر الطبع منه من حيث ذاته، ولذا وجب الحد بوطء الصغيرة والمحرم بخلاف الميتة (يوجب الحد) الجلد والتغريب أو الرجم إجماعا،

(1)

. اعتمد الشارح في كتاب النفقات عدم وجوب ماء غسل من أكره امرأة على الزنا 8/ 313.

(2)

. فيجب الحد بدخول حشفة الذكر الزائد إن عمل أو كان على سنن الأصلي بخلاف المشقوق فلا حد به إلا إن أدخل كلا الشقين، نعم يجب الحد بمقطوع بعض الحشفة طولا إن لم تختل اللذة كما مر في باب الغسل.

(3)

. عبَّر في النهاية ((بتحققت أنوثتها)).

(4)

. كما رجحه الشارح في باب ما يحرم من النكاح.

(5)

. أي فإن وطئها بقصدهما لا يحد لدخولها في ملكه.

(6)

. أي من أنه إذا وطئ المرتهن المرهونة بلا شبهة فزانٍ، ولا يقبل قوله جهلت تحريمها إلا أن يقرب إسلامه أو ينشأ ببادية بعيدا عن العلماء، وإن وطئ بإذن الراهن قبل دعواه جهل التحريم في الأصح فلا حدّ بخلاف ما إذا علم التحريم.

ص: 149

وَدُبُرُ ذَكَرٍ وَأُنْثَى كَقُبُلٍ عَلَى المَذْهَبِ، وَلَا حَدَّ بِمُفَاخَذَةٍ وَوَطْءِ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ فِي حَيْضٍ وَصَوْمٍ وَإِحْرَامٍ. وَكَذَا أَمَتُهُ المُزَوَّجَةُ وَالمُعْتَدَّةِ، وَكَذَا مَمْلُوكَتِهِ المَحْرَمِ

وسيأتي محترزات هذه كلها. وحكم الخنثى هنا كالغسل فإن وجب الغسل وجب الحد

(1)

وإلا فلا

(2)

(ودبر ذكر وأنثى كقبل على المذهب) ففيه رجم الفاعل المحصن وجلد وتغريب غيره وإن كان دبر عبده; لأنه زنا وروى البيهقي خبر ((إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان))، وفارق دبر عبده وطء محرمه المملوكة له في قبلها بأن الملك يبيح إتيان القبل في الجملة ولا يبيح هذا المحل بحال، ومن ثم لو وطئها في دبرها حد

(3)

. وأما الحليلة فسائر جسدها مباح للوطء فانتهض شبهةً في الدبر وأمته المزوجة تحريمها لعارض فلم يعتد به. هذا حكم الفاعل أما الموطوء في دبره فإن أكره أو لم يكلف

(4)

فلا شيء له

(5)

ولا عليه، وإن كان مكلفا مختارا جلد وغرب ولو محصنا -امرأة كان أو ذكرا-; لأن الدبر لا يتصور فيه إحصان، وفي وطء دبر الحليلة التعزير فيما عدا المرة الأولى

(6)

(ولا حد بمفاخذة) وغيرها مما ليس فيه تغييب حشفة كالسحاق؛ لعدم الإيلاج السابق، ومن ثم لا حد بتمكينها نحو قرد وإيلاجها ذكره بفرجها ولا بإيلاج مبان وكذا زائد لكن بتفصيله في الغسل كما مر (ووطء زَوْجِهِ وأمته) يظنها أجنبية أو (في) نحو دبر و (حيض) أو نفاس (وصوم وإحرام) ; لأن التحريم ليس لعينه بل لأمر عارض كالأذى وإفساد العبادة، ومثله وطء حليلته يظن أنها أجنبية فهو وإن أثم إثم الزنا باعتبار ظنه لا يحد; لأن الفرج ليس محرما لعينه (وكذا أمته المزوجة والمعتدة)؛ لعروض التحريم هنا أيضا (وكذا مملوكته المَحْرَم) بنسب أو مصاهرة أو رضاع؛ لشبهة الملك وللخبر الصحيح ((ادرءوا الحدود بالشبهات)) ولا يرد عليه نحو أُمِّه؛ لزوال ملكه بمجرد ملكه فليست ملكه حال الوطء على

(1)

. أي بأن أولج وأولج فيه.

(2)

. أي بأن أولج فقط أو أولج فيه فقط.

(3)

. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما.

(4)

. قضية صنيعه أن المكره مكلف بخلاف صنيع المغني.

(5)

. وعليه لا يجب مهر المثل لو كانت الموطوءة أنثى خلافا لصنيع المغني.

(6)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية، قال وفي وطء الحليلة التعزير إن عاد له بعد نهي الحاكم.

ص: 150

وَمُكْرَهٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَكَذَا كُلُّ جِهَةٍ أَبَاحَ بِهَا عَالِمٌ كَنِكَاحٍ بِلَا شُهُودٍ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا بِوَطْءِ مَيْتَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا بَهِيمَةٍ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُحَدُّ فِي مُسْتَأْجَرَةٍ. وَمُبِيحَةٍ وَمَحْرَمٍ، وَإِنْ كَانَ تَزَوَّجَهَا

أنه يتصور ملكه لها كما يأتي فلا اعتراض أيضا، وكذا من ظنها حليلته أو مملوكته -غير المحرم- كُلاّ لا بعضا. ويصدق في ظنه الحل بيمينه وإن كذبه ظاهر حاله (ومكره في الأظهر

(1)

؛ لشبهة الإكراه، ولأن الأصح تصور الإكراه في الزنا؛ لأن الانتشار عند نحو الملامسة أمر طبعي لا اختيار للنفس فيه، ولو لم يحصل انتشار فلا حد قطعا كما إذا كان المُكْرَه امرأة، ويُنسب الولدُ للمكرَه (وكذا كل جهة أباح) الوطء (بها عالم) يعتد بخلافه؛ لشبهة إباحته وإن لم يقلده الفاعل (كنكاح بلا شهود على الصحيح

(2)

كمذهب مالك رضي الله عنه كذا قالوا والمعروف من مذهبه أنه لا بد منهم أو من الشهرة حالة الدخول فينبغي إذا انتفيا أن يجب الحد

(3)

، وأُلحق به ما إذا وجد الإعلان وفقد الولي، أو بلا ولي كمذهب أبي حنيفة رضي الله عنه، أو مع التأقيت وهو نكاح المتعة ولو لغير مضطر كمذهب ابن عباس رضي الله عنهما بخلافه بلا ولي وشهود أو مع انتفاء أحدهما لكن حكم بإبطاله أو بالتفرقة بينهما من يراه ووقع الوطء بعد علم الواطئ به؛ إذ لا شبهة حينئذ، ولا يعتد بخلاف الشيعة في إباحة ما فوق الأربع ولا في غيره، (ولا بوطء ميتة) ولو أجنبية (في الأصح) ; لأنه مما ينفر الطبع عنه فلا يحتاج للزجر عنه فهو غير مشتهى طبعا، (ولا بهيمة في الأظهر) ; لأنها غير مشتهاة كذلك ولا يجوز قتلها ولا يجب ذبح المأكولة فإذا ذبحت أكلت. (ويحد في مستأجرة) للزنا بها؛ إذ لا شبهة لعدم الاعتداد بالعقد الباطل بوجه، وقول أبي حنيفة أنه شبهة ينافيه الإجماع على إنه لو اشترى حرة فوطئها وجب عليه الحد، ومن ثم ضعف مدركه ولم يراع خلافه بخلافه في نكاح بلا ولي، فلو رُفع حنفي زنا بمستأجرة لشافعي حدَّ (ومبيحة) ; لأن الإباحة هنا لغو (ومحرم) ولو بمصاهرة ومحرَّمة لتوثن أو لنحو بينونة كبرى ولو في عدته أو لعان أو ردة (وإن كان) قد (تزوجها)

(1)

. للمغني هنا اعتراض على المتن ردَّه الشارح.

(2)

. ومن الشبهة المسقطة للحد أيضا ما لو ادعى ملك أو زوجية المزني بها كما أفاده الشارح في كتاب السرقة 9/ 129.

(3)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي ووفاقا لشيخ الإسلام.

ص: 151

وَشَرْطُهُ التَّكْلِيفُ إلَّا السَّكْرَانَ، وَعِلْمُ تَحْرِيمِهِ. وَحَدُّ المُحْصَنِ: الرَّجْمُ، وَهُوَ: مُكَلَّفٌ حُرٌّ، وَلَوْ ذِمِّيٌّ غَيَّبَ حَشَفَتَهُ بِقُبُلٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ، لَا فَاسِدٍ فِي الْأَظْهَرِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ التَّغْيِيبِ حَالَ حُرِّيَّتِهِ وَتَكْلِيفِهِ،

خلافا لأبي حنيفة أيضا; لأنه لا عبرة بالعقد الفاسد نظير ما مر في الإجارة فيأتي فيه حد الشافعي للحنفي به. أما مجوسية تزوجها فلا يحد بوطئها؛ للاختلاف في حل نكاحها.

(وشرطه) التزام الأحكام فلا يحد حربي ومستأمن بخلاف المرتد؛ لالتزامه لها حكما، و (التكليف) فلا يحد غير مكلف؛ لرفع القلم عنه (إلا السكران) المتعدي بسكره فيحد وإن كان غير مكلف على الأصح؛ تغليظا عليه (وعلم تحريمه) فلا يحد جاهله أصلا أو بعقد كنكاح نحو مَحْرَم رضاع إن عذر؛ لبعده عن المسلمين لا مَحْرَم نسب؛ إذ لا يجهله أحد، ومرَّ حد من علم تحريمه وجهل وجوب الحد فيه، ويصدق جاهل نحو نسب وتحريم مزوجة أو معتدة إن أمكن جهله بذلك (وحد المحصن) الرجل والمرأة (الرجم) حتى يموت إجماعا ولأنه صلى الله عليه وسلم ((رجم ماعزا والغامدية))، ولا يجلد مع الرجم، (وهو مكلف) وإن طرأ تكليفه أثناء الوطء فاستدامه، ويلحق بالمكلف هنا أيضا السكران (حر) كله فمن فيه رق غير محصن؛ لنقصه، نعم إن عتق بعد التغييب فاستدام كان محصنا بخلاف ما لو نزع مع العتق (ولو) هو (ذمي) ; لأنه (صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين)) رواه الشيخان زاد أبو داود ((وكانا قد أحصنا)) فالذمة شرط لحده؛ لما مر أن نحو الحربي لا يحد، لا لإحصانه؛ إذ لو وطئ نحو حربي في نكاح فهو محصن؛ لصحة أنكحتهم فإذا عقدت له ذمة فزنى رجم (غيَّب حشفته) كلها أو قدرها من فاقدها بشرط كونها من ذكر أصلي عامل

(1)

، أو مشتبه به، وكذا زائد إن عمل أو كان على سنن الأصلي

(2)

(بقبل في نكاح صحيح) ولو مع نحو حيض وعدة شبهة; لأن حقه بعد أن استوفى تلك اللذة الكاملة اجتنابها بخلاف من لم يستوفها أو استوفاها في دبر أو ملك أو وطء شبهة أو نكاح فاسد كما قال (لا فاسد في الأظهر)؛ لحرمته لذاته فلا تحصل به صفة كمال، وكما يعتبر ذلك في إحصان الواطئ يعتبر في إحصان الموطوءة، (والأصح اشتراط التغييب) وكذا الزنا (حال حريته وتكليفه) ولو مع الإكراه، فلا إحصان لصبي أو مجنون أو قن وطئ في نكاح صحيح؛

(1)

. اقتصر عليه النهاية.

(2)

. كما مر في نقض الوضوء وأول الكتاب.

ص: 152

وَأَنَّ الْكَامِلَ الزَّانِيَ بِنَاقِصٍ مُحْصَنٌ. وَالْبِكْرِ الحُرِّ مِائَةُ جَلْدَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ إلَى مَسَافَةِ القَصْرِ فَمَا فَوْقَهَا، وَإِذَا عَيَّنَ الْإِمَامُ جِهَةً فَلَيْسَ لَهُ طَلَبُ غَيْرِهَا فِي الْأَصَحِّ

لأن شرطه الإصابة بأكمل الجهات وهو النكاح الصحيح فاشترط حصولها من كامل أيضا، ولا يرد على اشتراط التكليف حصول الإحصان مع تغييبها حال النوم; لأن التكليف موجود حينئذ بالقوة وإن كان النائم غير مكلف بالفعل؛ لرجوعه إليه بأدنى تنبيه. وعلم من قولي ((وكذا الزنا)) أنه لو أحصن ذمي ثم حارب وأرق ثم زنى أنه لا يرجم، وأن من وطئ ناقصا ثم زنى كاملا لا يرجم بخلاف من كمل في الحالين وإن تخللهما نقص كجنون ورق (وأن الكامل الزاني بناقص) أي أن الزاني الذي صار كاملا في الإحصان بسبب ناقص (محصن) ; لأنه حر مكلف وطئ في نكاح صحيح فلم يؤثر نقص الموطوءة كعكسه؛ لوجود المقصود وهو التغييب حال كمال المحكوم عليه بالإحصان منهما، فلو وطء الحر المكلف أمة أو صبية أو مجنونة بنكاح صحيح ثبت له الإحصان دونها وكذلك العكس. (و) حد المكلف ومثله السكران (البكر) وهو غير المحصن السابق (الحر) الذكر والمرأة (مائة جلدة)؛ للآية (وتغريب عام

(1)

أي سنة هلالية، وذلك؛ لخبر مسلم به. وعَطَف بالواو؛ لإفادة أنه لا ترتيب بينهما وإن كان تقديم الجلد أولى فيعتد بتقديم التغريب وتأخر الجلد. ولا بد من تغريب الحاكم فلو غرب نفسه لم يكف؛ إذ لا تنكيل فيه، وابتداء العام من ابتداء السفر

(2)

، ويصدق في أنه مضى عليه عام حيث لا بينة ويُحلَّف ندبا إن اتهم؛ لبناء حق الله تعالى على المسامحة. وتغرب معتدة ومدين لا مستأجر العين إن تعذر عمله في الحبس كما لا يحبس لغريمه إن تعذر عمله في الحبس، وإنما يجوز التغريب (إلى مسافة القصر) من محل زناه (فما فوقها) مما يراه الإمام بشرط أمن الطريق والمقصد، وأن لا يكون بالبلد طاعون؛ لحرمة دخوله ذلك

(3)

اقتداء بالخلفاء الراشدين ولأن ما دونها في حكم الحضر (وإذا عين الإمام جهة فليس له طلب غيرها في الأصح) ; لأنه قد يكون له غرض فيه فلا يحصل الزجر المقصود. ويُلزم بالإقامة فيما غرب

(1)

. وتغرب معتدة كما مر في بابها 8/ 263.

(2)

. وفاقا للأسنى وخلافا لظاهر المغني من اعتبار الابتداء من حصوله في بلد التغريب.

(3)

. كالخروج أي لغير حاجه فيهما -أي في الدخول والخروج- ومثل الطاعون الوباء، ذكر الشارح ذلك في المرض المخوف، وردَّ احتمالاً بتقييد الحرمة بمن وقع الموت في أمثاله.

ص: 153

وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ مِنْ بَلَدِ الزِّنَا إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ، فَإِنْ عَادَ إلَى بَلَدِهِ مُنِعَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُغَرَّبُ امْرَأَةٌ وَحْدَهَا فِي الْأَصَحِّ، بَلْ مَعَ زَوْجٍ أَوْ مَحْرَمٍ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ. فَإِنِ امْتَنَعَ بِأُجْرَةٍ لَمْ يُجْبَرْ فِي الْأَصَحِّ

إليه حتى يكون كالحبس له

(1)

، وله استصحاب أمة يتسرى بها دون أهله وعشيرته. ولا يُمكَّن

(2)

من حمل مال زائد على نفقته، ولا يقيد إلا إن خيف من رجوعه ولم تفد فيه المراقبة أو من تعرضه لإفساده النساء أو الغلمان مثلاً أي ولم ينزجر إلا بحبسه. وإذا رجع قبل المدة أُعيد لما يراه الإمام، واستأنفها؛ إذ لا يتم التنكيل إلا بموالاة مدة التغريب (ويغرب غريب) له وطن (من بلد الزنا إلى غير بلده) أي وطنه ولو حلة بدوي؛ إذ لا يتم الإيحاش إلا بذلك، ومن ثم وجب بُعْد ما غرب إليه عن وطنه مسافة القصر (فإن عاد) المغرب (إلى بلده) الأصلي أو الذي غرب منه أو إلى دون المسافة منه (منع في الأصح)؛ معاملة له بنقيض قصده، ويستأنف السنة. أما غريب لا وطن له كأن زنى من هاجر لدارنا عقب وصولها فيمهل حتى يتوطن محلا ثم يغرب منه، وفارق تغريب مسافر زنى لغير مقصده -وإن فاته الحج مثلا؛ لأن القصد تنكيله وإيحاشه ولا يتم إلا بذلك- بأن هذا له وطن فالإيحاش حاصل ببعده عنه وذاك لا وطن له فاستوت الأماكن كلها بالنسبة إليه فتعين إمهاله ليألف ثم يغرب ليتم الإيحاش. ولو زنى فيما غُرِّب له غُرِّب لغيره البعيد عن وطنه ومحل زناه ودخل في مدته بقية الأول (ولا تغرب امرأة وحدها في الأصح بل مع زوج أو محرم) أو نسوة ثقات عند أمن الطريق والمقصد بل أو واحدة ثقة أو ممسوح كذلك أو عبدها الثقة إن كانت هي ثقة أيضا بأن حسنت توبتها؛ لما مر في الحج أن السفر الواجب يكفي فيه ذلك، وذلك؛ لحرمة سفرها وحدها كما مر ثَم بتفصيله. ولا يلزم نحو المَحْرم السفر معها إلا برضاه (ولو بأجرة) طلبها منها فتلزمها كأجرة الجلاد، فإن أعسرت ففي بيت المال، فإن تعذر أخر التغريب حتى توسر كأمن الطريق، ومثلها في ذلك كله أمرد حسن فلا يغرب إلا مع مَحْرم أو سيد.

[تنبيه] مؤنة تغريب الحر عليه، أما القن فمؤن تغريبه في بيت المال وإلا فعلى السيد ومؤن الإقامة على السيد

(فإن امتنع) حتى بالأجرة (لم يجبر في الأصح) ; لأن في إجباره

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني والأسنى فاعتمدا أنه له الانتقال إلى بلد آخر، لا بلده.

(2)

. خلافا للأسنى والمغني.

ص: 154

وَالْعَبْدِ خَمْسُونَ، وَيُغَرَّبُ نِصْفَ سَنَةٍ، وَفِي قَوْلٍ سَنَةً، وَفِي قَوْلٍ لَا يُغَرَّبُ. وَيَثْبُتُ بِبَيِّنَةٍ. أَوْ إقْرَارٍ مَرَّةً. وَلَوْ أَقَرَّ ثُمَّ رَجَعَ سَقَطَ

تعذيب من لم يذنب (و) حد (العبد) يعني من فيه رق وإن قل سواء الكافر وغيره (خمسون وتغريب نصف سنة) على النصف من الحر؛ لآية {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} النساء: 25 أي غير الرجم; لأنه لا ينصف. ويأتي هنا جميع فروع التغريب السابقة وغيرها، ومنه خروج نحو محرم مع الأمة والعبد الأمرد، (وفي قول) يغرب (سنة)؛ لتعلقه بالطبع فلا يختلفان فيه كمدة الإيلاء، (و) في (قول لا يغرب)؛ لتفويت حق السيد. (ويثبت) الزنا (ببينة) فصَّلَت بِذِكْر المزني بها، وكيفية الإدخال، ومكانه، ووقته كأشهد أنه أدخل حشفته أو قدرها في فرج فلانة بمحل كذا وقت كذا على سبيل الزنا. ويجب التفصيل مطلقا

(1)

ولو من عالم موافق (أو إقرار

(2)

-حقيقي مفصل نظير ما تقرر في الشهادة- ولو بإشارة أخرس إن فهمها كل أحد؛ للأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم ((رجم ماعزا والغامدية بإقرارهما)). وخرج بالحقيقي اليمين المردودة بعد نكول الخصم فلا يثبت بها زنا لكن تسقط حد القاذف، ويكفي الإقرار حال كونه (مرة) ولا يشترط تكرره أربعا خلافا لأبي حنيفة رضي الله عنه; لأنه صلى الله عليه وسلم علق الرجم بمطلق الاعتراف. ولا يحكم القاضي فيه بعلمه، نعم للسيد استيفاؤه من قنه بعلمه؛ لمصلحة تأديبه. (ولو أقر) به (ثم رجع) عنه قبل الشروع في الحد أو بعده بنحو كذبت أو رجعت أو ما زنيت -وإن قال بعده كذبت في رجوعي- أو كنت فاخذت فظننته زنا وإن شهد حاله بكذبه بخلاف ما أقررت; لأنه مجرد تكذيب للبينة الشاهدة به (سقط) الحد; لأنه (صلى الله عليه وسلم عرَّض لماعز بالرجوع))، بل يسن له الرجوع وإن رجع لم يُحد قاذفه

(3)

. ولو وجد إقرار وبينة

(4)

اعتبر الأسبق ما لم يحكم بالبينة وحدها

(5)

ولو متأخرة فلا يقبل الرجوع، وكالزنا في قبول الرجوع

(1)

. وفاقا للنهاية وشيخ الإسلام وخلافا للمغني.

(2)

. ولو قال زنى بدني لم يكن إقرارا بالزنا، ذكره الشارح في كتاب اللعان.

(3)

. ويسن لكل من ارتكب معصية لله الستر على نفسه إلا إن اطلع على زناه مثلا مَن لا يثبت الزنا بشهادته فيسن له أن يأتي للأمام ليقيم الحد عليه، كما ذكره الشارح في كتاب الشهادات 10/ 244.

(4)

. أي ثم رجع عن الإقرار.

(5)

. يدخل ما لو حكم بهما أو بالإقرار وحده وتأخر، ونقل ابن قاسم عن الرملي أن المعتبر البينة مطلقا ما لم يستند الحكم إلى الإقرار.

ص: 155

وَلَوْ قَالَ لَا تَحُدُّونِي أَوْ هَرَبَ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهَا وَأَرْبَعُ أَنَّهَا عَذْرَاءُ لَمْ تُحَدَّ هِيَ وَلَا قَاذِفُهَا. وَلَوْ عَيَّنَ شَاهِدٌ زَاوِيَةً لِزِنَاهُ، وَالْبَاقُونَ غَيْرَهَا لَمْ يَثْبُتْ.

عنه كل حد لله تعالى كشرب وسرقة بالنسبة للقطع. وإذا ثبت الزنا بالبينة لا يتطرق إليه رجوع لكنه يتطرق إليه السقوط بغيره كدعوى زوجية وملك أمة كما يأتي في السرقة وظن كونها حليلة ونحو ذلك وكإسلام ذمي بعد ثبوت زناه ببينة فإنه يسقط حده

(1)

(ولو قال) المقر اتركوني أو (لا تحدوني أو هرب) قبل حده أو في أثنائه (فلا) يكون رجوعا (في الأصح) ; لأنه لم يصرح به، نعم يُخلَّى وجوبا حالا فإن صرح فذاك وإلا أقيم عليه؛ للخبر السابق ((هلا تركتموه)). فإن لم يخل لم يُضمن; لأنه صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم شيئا. ولو أقر زان بنحو بلوغ أو إحصان ثم رجع وقال أنا صبي أو بكر لم يقبل. ولو ادعى المقر أن إماما استوفى منه الحد قُبِل وإن لم ير له ببدنه أثر، وعلى قاتل الراجع دية لا قود؛ لشبهة الخلاف في سقوط الحد بالرجوع (و) مما يسقط الحد الثابت بالبينة أيضا ما (لو شهد أربعة) من الرجال (بزناها وأربع) من النسوة أو رجلان أو رجل وامرأتان (أنها عذراء) أي بكر، وإنما (لم تحد هي)؛ لشبهة بقاء العذرة الظاهرة في أنها لم تزن، وبه يعلم أنه لا يحد الزاني بها أيضا (ولا قاذفها) ولا الشهود عليها؛ لاحتمال عود البكارة لترك المبالغة في الإيلاج، ومن ثم لو قَصُر الزمن بحيث لا يمكن عود البكارة فيه حد قاذفها لكن محله إن لم تكن غوراء يمكن غيبة الحشفة فيها مع بقاء بكارتها وإلا حُدَّت؛ لثبوت الزنا وعدم وجود ما ينافيه. ولو شهدوا بالرتق أو بالقرن فكالشهادة بأنها عذراء وأولى. ولو أقامت أربعة أنه أكرهها على الزنا وطلبت المهر وشهد أربع أنها بكر وجب المهر -؛ إذ لا يسقط بالشبهة- لا الحد؛ لسقوطه بها (ولو عين شاهد) من الأربعة (زاوية) أو زمنا مثلا (لزناه و) عيّن (الباقون غيرها) أو غير ذلك الزمن لذلك الزنا (لم يثبت)؛ للتناقض المانع من تمام العدد بزنية واحدة فيحد القاذف والشهود.

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 156

وَيَسْتَوْفِيهِ الْإِمَامُ أَوِ نَائِبُهُ مِنْ حُرٍّ وَمُبَعَّضٍ. وَيُسْتَحَبُّ حُضُورُ الْإِمَامِ، وَشُهُودِهِ. وَيَحُدُّ الرَّقِيقَ سَيِّدُهُ أَوِ الْإِمَامُ

(ويستوفيه) أي الحد (الإمام

(1)

أو نائبه

(2)

من حر)؛ للاتباع، ويشترط عدم قصده لصارفٍ كظلم، وليس منه حده بظن شرب فبان زنا؛ لقصده الحد في الجملة (ومبعض)؛ لتعلق الحد بجملته وليس للسيد إلا بعضها، وقن كله أو بعضه موقوف أو لبيت المال، وموصى بعتقه زنى بعد موت موص وهو يخرج من الثلث؛ بناء على أن أكسابه له وهو الأصح، وقن محجور لا ولي له، وقن مسلم لكافر. أما استيفاء الإمام من مبعض هو مالك بعضه فبطريق الملك فيما يملكه والحكم في غيره. ويستوفيه من الإمام بعض نوابه (ويستحب حضور) جمع من المسلمين سواء ثبت بإقرار أو ببينة؛ لقوله تعالى {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} النور: 2، وحضور (الإمام) مطلقا أيضا (وشهوده) -أي الزنا- إقامة الحد؛ خروجا من خلاف مَن أوجبه، وحضور كل من مر هو الأكمل وإلا فتحصل السنة بحضور البينة فقط، ويندب للبينة البداءة بالرجم فإن كان بالإقرار بدأ الإمام (ويحد الرقيق) للزنا وغيره كقطع أو قتل أو حد خمر أو قذف (سيده

(3)

ولو أنثى إن علم شروطه وكيفيته وإن لم يأذن له الإمام؛ لخبر مسلم ((إذا زنت أمة أحدكم فليحدها))، نعم المحجور يقيمه وليه ولو قيما. ولو كان بين السيد وقنه عداوة ظاهرة لم يقمه عليه. ويسن له بيع أمة زنت مرّة ثالثة؛ لخبر فيه. ولو زنى ذمي ثم حارب وأرق لم يحده إلا الإمام; لأنه لم يكن مملوكا يوم زناه، وبه يفرق بينه وبين من زنى ثم بيع فإن للمشتري حده; لأنه كان مملوكا حال الزنا فحَلَّ المشتري محل البائع كما يحل محله في تحليله من إحرامه وعدمه بخلاف الأول لما زنى كان حراً فلم يتولَّ حده إلا الإمام، وبهذا يتضح الفرق بين ما مر في المبعض وحد الشركاء للمشترك على قدر ملكهم، ويستنيبون في المنكسر، ويجوز استقلال أحدهم بحده حصته وإن لم تأذن البقية، وعليه فيضمنه لو تلف بذلك; لأنه مشروط بسلامة العاقبة (أو الإمام)؛ لعموم

(1)

. والأصح تناول ولاية القاضي لإقامة الحدود لكنها في حقوق الله تعالى لا تتوقف على طلب وفي حق الآدمي تتوقف على طلب المستحق المتأهل كما مر في مستحق القود 8/ 436.

(2)

. وتقدم في شروط القود أن المهدر معصوم على مثله في الإهدار وإن اختلف سببه، وتقدم هناك أيضا أنه لو رآه يزني وعلم إحصانه فقتله لم يقتل به قطعا لكنه لا يقبل منه ذلك بالنسبة للأحكام الظاهرة إلا ببينة أو يمين مردودة من الوارث 8/ 398.

(3)

. استثنى المغني السفيه.

ص: 157

فَإِنْ تَنَازَعَا فَالْأَصَحُّ الْإِمَامُ. وَأَنَّ السَّيِّدَ يُغَرِّبُهُ، وَأَنَّ المُكَاتَبَ كَحُرٍّ، وَأَنَّ الْفَاسِقَ وَالْكَافِرَ وَالمُكَاتَبَ يَحُدُّونَ عَبِيدَهُمْ، وَأَنَّ السَّيِّدَ يُعَزِّرُ وَيَسْمَعُ الْبَيِّنَةَ بِالْعُقُوبَةِ. وَالرَّجْمُ بِمَدَرٍ وَحِجَارَةٍ مُعْتَدِلَةٍ، وَلَا يُحْفَرُ لِلرَّجُلِ، وَالْأَصَحُّ اسْتِحْبَابُهُ لِلْمَرْأَةِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ، ..

ولايته، ومع ذلك الأولى السيد؛ لثبوت الخبر فيه فلم يراع مخالفه (فإن تنازعا) فيمن يتولاه (فالأصح الإمام)؛ لعموم ولايته، (و) الأصح (أن السيد يغربه) كما يجلده; لأن التغريب من جملة الحد المذكور في الخبر، (و) الأصح (أن المكاتب) كتابة صحيحة (كحر) فلا يحده إلا الإمام وإن عجز؛ أخذا مما تقرر في ذمي زنى ثم حارب وأرق اعتبارا بحال الزنا (و) الأصح (أن) السيد (الكافر والفاسق و) المبعض، و (المكاتَب) والجاهل العارف بما مر (يحدون عبيدهم)؛ لعموم الخبر الثاني، والأصح أن إقامته من السيد إنما هي بطريق الملك لغرض الاستصلاح كالفصد والحجامة، ومن ثم حده بعلمه بخلاف القاضي. نعم المسلم المملوك لكافر يحده الإمام كما مر دون سيده; لأنه لا يقر ملكه عليه فلا استصلاح منه، (و) الأصح (أن السيد يعزره)؛ لحق الله تعالى كما يحده. إما لحق نفسه فيجوز قطعا (و) أنه (يَسْمَع البينة) وتزكيتها (بـ) موجب (العقوبة) المقتضية للحد أو التعزير؛ لملكه الغاية فالوسيلة أولى، نعم لا يسمعها

(1)

إلا السيد الحر العدل العارف بصفات الشهود وشروطهم وأحكام العقوبة. (والرجم) الواجب في الزنا يكون (بمدر) أي طين متحجر (و) نحو خشب وعظم، والأولى كونه بنحو (حجارة معتدلة) بأن يكون كل منها يملأ الكف، نعم يحرم بكبير مذفف؛ لتفويته المقصود من التنكيل وبصغير ليس له كبير تأثير؛ لطول تعذيبه، والأولى أن لا يبعد عنه فيخطئه ولا يدنو منه فيؤلمه أي إيلاما يؤدي إلى سرعة التذفيف، وأن يتوقى الوجه؛ إذ جميع بدنه محل للرجم، وأن يُخَلّى والاتقاء بيده، وتعرض عليه التوبة؛ لتكون خاتمة أمره، ولتُستر عورته وجميع بدنها، ويؤمر بصلاة دخل وقتها، ويجاب لشرب لا أكل، ولصلاة ركعتين، ويجهز، ويدفن في مقابرنا. ويعتد بقتله بالسيف لكن فات الواجب (ولا يحفر للرجل) عند رجمه وإن ثبت زناه ببينة، وظاهر المتن امتناع الحفر والأصح التخيير بين الحفر وعدمه. (والأصح استحبابه للمرأة) بحيث يبلغ صدرها (إن ثبت) زناها (ببينة

(2)

أو لعان -؛ لئلا

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. اقتصر عليها في المغني.

ص: 158

وَلَا يُؤَخَّرُ لِمَرَضٍ وَحَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ، وَقِيلَ يُؤَخَّرُ إنْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ. وَيُؤَخَّرُ الجَلْدُ لِمَرَضٍ، فَإِنْ لَمْ يُرْجَ بُرْؤُهُ جُلِدَ لَا بِسَوْطٍ بَلْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ غُصْنٍ، فَإِنْ كَانَ خَمْسُونَ ضُرِبَ بِهِ مَرَّتَيْنِ، وَتَمَسُّهُ الْأَغْصَانُ أَوْ يَنْكَبِسُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ لِيَنَالَهُ بَعْضُ الْأَلَمِ، فَإِنْ بَرَِأَ أَجْزَأَهُ. وَلَا جَلْدَ فِي حَرٍّ وَبَرْدٍ مُفْرِطَيْنِ،

تنكشف- لا إقرار؛ ليمكنها الهرب إن رجعت (ولا يؤخر الرجم لمرض) يرجى برؤه (وحر وبرد مفرطين) ; لأن نفسه مستوفاة بكل تقدير (وقيل يؤخر) أي ندبا (إن ثبت بإقرار) ; لأنه بسبيل من الرجوع، ويردُّ بأن الأصل عدمه، أما ما لا يرجى برؤه فلا يؤخر له قطعا، وكذا لو ارتد أو تحتم قتله في المحاربة، نعم يؤخر لوضع الحمل والفطام، ولزوال جنون طرأ بعد الإقرار (ويؤخر الجلد لمرض) أو نحو جرح يرجى برؤه منه أو لكونها حاملا; لأن القصد الردع لا القتل (فإن لم يرج برؤه جلد)؛ إذ لا غاية تنتظر (لا بسوط)؛ لئلا يهلك (بل) بنحو نعال

(1)

، وأطراف ثياب، و (بعِثكال) أي عرجون

(2)

(عليه مائة غصن) وهي الشماريخ

(3)

فيضرب به الحر مرة؛ لخبر أبي داود بذلك، (فإن كان) عليه (خمسون) غصنا (ضرب به مرتين)؛ لتكميل المائة، وعلى هذا القياس فيه وفي القن (وتمسه الأغصان) جميعا (أو ينكبس بعضها على بعض ليناله بعض الألم)؛ لئلا تتعطل حِكْمَة الجلد من الزجر. أما إذا لم تمسه ولم ينكبس بعضها على بعض أو شك في ذلك فلا يكفي (فإن برَِأ) بعد ضربه بذلك (أجزأه)، وفارق معضوبا حج عنه ثم شفي بأن الحدود مبنية على الدرء، أو قبله حد كالأصحاء قطعا، أو في أثنائه اُعْتُد بما مضى وحد الباقي كالأصحاء. (ولا جلد في حر وبرد مفرطين) بل يؤخر مع الحبس

(4)

لوقت الاعتدال ولو ليلا، وكذا قطع السرقة بخلاف القود وحد القذف؛ لأنهما حق آدمي، ويستثنى من ببلد لا ينفك حره أو برده فلا يؤخر ولا ينقل لمعتدلة؛ لتأخر الحد والمشقة، ويقابل إفراط الزمن بتخفيف الضرب؛ ليسلم من القتل.

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. هو أصل العذق الذي يعوج وتقطع منه الشماريخ فيبقى على النخل يابسا، تاج العروس.

(3)

. هو العثكال الذي عليه بسر، وأصله في العذق، الصحاح.

(4)

. خلافا للنهاية.

ص: 159

وَإِذَا جَلَدَ الْإِمَامُ فِي مَرَضٍ أَوْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى النَّصِّ فَيَقْتَضِي أَنَّ التَّأْخِيرَ مُسْتَحَبٌّ

(وإذا جلد الإمام) أو نائبه (في مرض أو حر أو برد) أو نضو خلق

(1)

لا يحتمل السياط (فلا ضمان على النص)؛ لحصول التلف من واجب أقيم عليه (فيقتضي) هذا النص (أن التأخير مستحب) وليس كذلك بل المعتمد وجوبه، وعليه لا ضمان أيضا.

(1)

. خلافا للمغني.

ص: 160

‌كتاب حد القذف

شَرْطُ حَدِّ الْقَاذِفِ: التَّكْلِيفُ إلَّا السَّكْرَانَ وَ الِاخْتِيَارُ، وَيُعَزَّرُ المُمَيِّزُ، وَلَا يُحَدُّ أًصْلٌ بِقَذْفِ الْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ. فَالحُرُّ حّدُّهُ ثَمَانُونَ، وَالرَّقِيقُ أَرْبَعُونَ

(كتاب حد القذف)

القذف هو هنا الرمي بالزنا في معرض التعيير لا الشهادة، وهو لرجل أو امرأة من أكبر الكبائر وإن أوجب التعزير لا الحد، ومرت تفاصيل القذف في اللعان.

(شرط حد القاذف) الالتزام وعدم إذن المقذوف وفرعيته للقاذف فلا يحد حربي وقاذف أذن له، وإن أثم ولا أصل وإن علا كما يأتي، و (التكليف) فلا يحد صبي ومجنون؛ لرفع القلم عنهما (إلا السكران) فإنه يحد وإن كان غير مكلف؛ تغليظا عليه كما مر (والاختيار) فلا يحد مكره عليه؛ لرفع القلم عنه أيضا مع عدم التعيير. ويجب لدفع الحد التلفظ بما أكره به، فإن زاد أو تلفظ بغيره وجب الحد، وكون التلفظ لداعية الإكراه لا لنحو تشفٍّ، ولا حد على مكرهه أيضا بل يعزر، وكذا لا يحد جاهل بتحريمه لقرب إسلامه أو بعده عن عالمي ذلك (ويعزر) القاذف (المميز) الصبي أو المجنون؛ زجرا له وتأديبا، ومن ثم سقط بالبلوغ والإفاقة (ولا يحد أصل) أب أو أم وإن علا (بقذف الولد) ومن ورثه الولد (وإن سفل) كما لا يقتل به ولكنه يعزر؛ للإيذاء. ولو قال لولده أو ولد غيره يا ولد الزنا كان قاذفا لأمه فيحد لها بشرطه. وإذا وجب حد القذف (فالحر) حالة القذف (حده ثمانون) جلدة؛ للآية، فدخل فيه ما لو قذف ذمي ثم حارب وأرق فيجلد ثمانين؛ اعتبارا بحالة القذف (والرقيق) حالة القذف أيضا -ولو مبعضا ومكاتبا وأم ولد- حده (أربعون) جلدة

(1)

إجماعا وبه خُصَّت الآية. ويُغَلَّب حق الآدمي في توقف استيفاء القذف على طلبه اتفاقا، وسقوطه بعفوه -ولو على مال لكن لا يثبت المال- وكذا بثبوت زنا المقذوف ببينة أو إقرار أو يمين مردودة أو بلعان. ومن قذف غيره ولم يسمعه إلا الله والحَفَظَة لم يكن كبيرة موجبة للحد؛ لخلوِّه عن مفسدة الإيذاء ولا يعاقب في الآخرة إلا عقاب كذب لا ضرر فيه، أي إن كان كذبا وإلا لم يعاقب.

(1)

. ويجلد فور طلب المستحق كما أفاده الشارح في مستحق القود مع فروع أخرى 8/ 438.

ص: 163

وَالمَقْذُوفِ: الْإِحْصَانُ، وَسَبَقَ فِي اللِّعَانِ. وَلَوْ شَهِدَ دُونَ أَرْبَعَةٍ بِزِنًا حُدُّوا فِي الْأَظْهَرِ. وَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ وَعَبِيدٍ وَكَفَرَةٍ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى إقْرَارِهِ فَلَا حَدَّ، وَلَوْ تَقَاذَفَا فَلَيْسَ تَقَاصًّا

وإلا لم يعاقب. (و) شرط (المقذوف) ليحد قاذفه (الإحصان)؛ للآية (وسبق في اللعان

(1)

بيان شروطه وشروط المقذوف، نعم لا يجب على الحاكم البحث عن إحصان المقذوف بل يقيم الحد على القاذف لظاهر الإحصان؛ تغليظا عليه لعصيانه بالقذف. (ولو شهد) عند قاض رجال أحرار مسلمون (دون أربعة بالزنا حُدُّوا) حد القذف (في الأظهر)؛ لما في البخاري أن عمر رضي الله عنه حدَّ الثلاثة الذين شهدوا بزنا المغيرة بن شعبة رضي الله عنه ولم يخالفه أحد. ولهم تحليفه أنه لم يزن فإن نكل لم يحدوا إن حلفوا، وكذا لو كان الزوج رابعهم؛ لتهمته في شهادته بزناها. أما لو شهدوا لا عند قاض فقَذَفَة قطعا. ولا يُحدُّ شاهد جَرَحَ بزنا

(2)

وإن انفرد; لأن ذلك فرض كفاية عليه، ويندب لشهود الزنا فعل ما يظنونه مصلحة من ستر أو شهادة، والعبرة في المصلحة بحال المشهود عليه دون حال الشاهد (وكذا لو شهد أربع نسوة و) أربع (عبيد و) أربع (كَفَرَة) أهل ذمة أو أكثر في الكل فيحدون (على المذهب) ; لأنهم ليسوا من أهل الشهادة فتمحضت شهادتهم للقذف، ومحله إن كانوا بصفة الشهود ظاهرا وإلا لم يصغ إليهم فيكونون قَذَفَة قطعا، ولا تقبل إعادتها من الأوَّلِين إذا تموا؛ لبقاء التهمة كفاسق رُدّ فتاب بخلاف نحو الكفرة والعبيد؛ لظهور نقصهم فلا تهمة (ولو شهد واحد على إقراره) بالزنا (فلا حدّ) كما لو قال له أقررت بالزنا قاصدا به قذفه وتعييره بل أولى.

[تنبيه] استشكل أنه لو علَّق الطلاق بزناها وعلم به اثنان، فإن شهدا به ترتب عليهم الحد والفسق، وإن لم يشهدا صارا مقرين للزوج على وطئها زنا، ويجاب بأنهما يشهدان وجوبا ولا شيء عليهما؛ لأن قصدهما إيقاع الطلاق يمنع عنهما توهم القذف بصورة الشهادة (ولو تقاذفا فليس تقاصا) فلكل واحد الحد على الآخر; لأن شرط التقاص اتحاد الجنس والصفة وهو متعذر هنا؛ لاختلاف تأثير الحدين باختلاف البدنين غالبا، نعم لمن سُبّ أن يرد على

(1)

. ومنه أنه باللعان تسقط حصانتها في حقه فقط إن لم تلتعن أو التعنت فقذفها بذلك الزنا أو أطلق 8/ 222.

(2)

. وذلك بأن شهد في قضية فادعى المشهود عليه أنه زانٍ وأقام من شهد بذلك، فلا حد على الشاهد بالزنا; لأن ذلك فرض كفاية عليه، ولا على المشهود عليه؛ لأن غرضه الدفع عن نفسه، لا التعيير.

ص: 164

وَلَوِ اسْتَقَلَّ المَقْذُوفُ بِالِاسْتِيفَاءِ لَمْ يَقَعِ المَوْقِعَ

سابه بقدر سبه مما لا كذب فيه ولا قذف كيا ظالم يا أحمق؛ لخبر أبي داود ((أن زينب لما سبت عائشة رضي الله عنهما قال لها النبي صلى الله عليه وسلم سبيها))، ولا يحل له أن يتجاوز لنحو أبيه، فإذا رد عليه لم يبقى على الساب الأول إلا الإثم المتعلق بحقه تعالى، فإذا مات ولم يتب عوقب عليه إن لم يعف عنه (ولو استقل المقذوف بالاستيفاء) للحد ولو بإذن الإمام أو القاذف (لم يقع الموقع

(1)

؛ لاختلاف ألم الجلدات مع عدم أمن الحيف، فإن مات به قتل المقذوف ما لم يكن بإذن القاذف، وإن لم يمت لم يجلد حتى يبرأ من ألم الأول، نعم لسيد قذفه قنه أن يحده، وكذا لمن قُذف وتعذر عليه الرفع للسلطان أن يستوفيه إذا أمكنه من غير مجاوزة للمشروع.

(1)

. قال الشارح في الوكالة ويصح التوكيل في استيفاء عقوبة لله تعالى لكن من الإمام أو السيد لا في إثباتها مطلقا، نعم للقاذف أن يوكل في ثبوت زنا المقذوف ليسقط الحد عنه فتسمع دعواه عليه أنه زنا 5/ 307.

ص: 165

‌كتاب قطع السرقة

يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ فِي المَسْرُوقِ: كَوْنُهُ رُبُعَ دِينَارٍ خَالِصًا أَوْ قِيمَتَهُ، وَلَوْ سَرَقَ رُبُعًا سَبِيكَةً لَا يُسَاوِي رُبُعًا مَضْرُوبًا فَلَا قَطْعَ فِي الْأَصَحِّ

(كتاب قطع السرقة)

هي لغة: أخذ الشيء خفية، وشرعا أخذ مال خفية من حرز مثله بشروطه الآتية. والأصل فيها الكتاب والسنة والإجماع. وأركان السرقة الموجبة للقطع سرقة- أي مطلق الأخذ خفية -وسارق ومسروق (يشترط لوجوبه في المسروق) أمور:

(كونه ربع دينار) أي مثقال ذهبا مضروبا كما في الخبر المتفق عليه (خالصا) وإن تحصَّل من مغشوش بخلاف الربع المغشوش؛ لأنه ليس ربع دينار حقيقة (أو) كونه -فضة كان أو غيرها- يساوي (قيمته) بالذهب المضروب الخالص حال الإخراج من الحرز؛ لأنه صلى الله عليه وسلم قطع في مجن قيمته عشرة دراهم، وكان الدينار إذ ذاك اثنا عشر درهما، فإن لم تُعْرَف قيمته بالدنانير قُوِّم بالدراهم ثم هي بالدنانير، فإن لم يكن بمحل السرقة دنانير انتقل لأقرب محل إليها فيه ذلك كما هو قياس نظائره، ولو اختلفت قيمة نقدين خالصين اعتبر أدناهما

(1)

؛ لوجود الاسم، ويفرق بينه وبين ما لو شهدت بينة بأنه نصاب وأخرى بأنه دونه فلا قطع بأن هنا تعارضا أوجب إلغاءهما في الزائد على الأقل فلم يوجد الاسم بخلافه في مسألتنا. ولا بد من قطع المقوِّم بأن يقول

(2)

قيمته كذا قطعا وإن كان مستند شهادته الظن ككل شهادة بقيمة، وأن لا يتعارض بينتان وإلا أخذ بالأقل. (ولو سرق ربعاً) ذهباً (سبيكة لا يساوي ربعاً مضروباً فلا قطع) به (في الأصح)؛ لأن الدينار المذكور في الخبر اسم للمضروب، ولا يقطع أيضا لو سرق خاتما ذهبا تبلغ قيمته الربع لا وزنه؛ لأن الوزن لا بد منه، و يعتبر مع الوزن في غير المضروب -كالقراضة

(3)

والتبر

(4)

والحلي- أن تبلغ قيمته ربع دينار مضروب.

(1)

. اعتمد في المغني اعتبار القيمة بالأغلب منهما في زمان السرقة، فإن استويا استعمالا قدم الأعلى.

(2)

. في شرح الروض ما يشعر باشتراط عدم التصريح بالاستناد إلى الظن، لا أنه يشترط ذكر لفظ القطع.

(3)

. القراضة ما سقط بالقرض ومنه قراضة الذهب، تاج العروس.

(4)

. رجح ابن منظور أنه الذهب كله، ونقل عن ابن الأعرابي أنه الفتات من الذهب والفضة، لسان العرب.

ص: 169

وَلَوْ سَرَقَ دَنَانِيرَ ظَنَّهَا فُلُوسًا لَا تُسَاوِي رُبُعًا قُطِعَ، وَكَذَا ثَوْبٌ رَثٌّ فِي جَيْبِهِ تَمَامُ رُبُعٍ جَهِلَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ أَخْرَجَ نِصَابًا مِنْ حِرْزٍ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَخَلَّلَ عِلْمُ المَالِكِ وَإِعَادَةُ الحِرْزِ فَالْإِخْرَاجُ الثَّانِي سَرِقَةٌ أُخْرَى، وَإِلَّا قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ ثَقَبَ وِعَاءَ حِنْطَةٍ وَنَحْوِهَا فَانْصَبَّ نِصَابٌ قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوِ اشْتَرَكَا فِي إخْرَاجِ نِصَابَيْنِ قُطِعَا، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ سَرَقَ خَمْرًا وَخِنْزِيرًا وَكَلْبًا وَجِلْدَ مَيْتَةٍ بِلَا دَبْغٍ فَلَا قَطْعَ،

(ولو سرق دنانير ظنها فلوسا) مثلا (لا تساوي ربعاً قطع)؛ لوجود سرقة الربع مع قصد أصل السرقة ولا عبرة بالظن، ومن ثم لو سرق فلوسا لا تساوي ربعاً لم يقطع وإن ظنها دنانير، وكذا ما ظنه له؛ لأنه لم يقصد أصل السرقة (وكذا ثوب رث في جيبه تمام ربع جهله في الأصح) لما مر وكونه هنا جهل جنس المسروق لا يؤثر؛ لما تقرر أنه قصد أصل السرقة فلم يفترق الحال بين الجهل بالجنس هنا وبالصفة. (ولو أخرج نصابا من حرز مرتين) بأن تممه في المرة الثانية (فإن تخلل) بينهما (علم المالك) بذلك (وإعادة الحرز) بنحو إصلاح نقب وغلق باب من المالك أو نائبه دون غيرهما

(1)

وإن لم يكن الحرز المعاد كالأول حيث وجد الإحراز (فالإخراج الثاني سرقة أخرى)؛ لاستقلال كلٍّ حينئذ فلا قطع به كالأول (وإلا) يتخلل

(2)

علم المالك ولا إعادته الحرز أو تخلل أحدهما فقط (قطع في الأصح) اشتهر هتك الحرز أم لا؛ لبقاء الحرز بالنسبة إليه لهتكه له فانبنى فعله على فعله. (ولو ثَقَبَ وعاء حنطة ونحوها) كجيب أو كم أو أسفل غرفة (فانصب) منه (نصاب) -أي مقوَّم به- على التدريج (قطع) به (في الأصح)؛ لأنه هتك الحرز وفوت المال فعُدَّ سارقا. أما لو انصب دفعة فيقطع قطعا. (ولو اشتركا) أي اثنان (في إخراج نصابين) من حرز (قُطِعَا)؛ لأن كلا منهما سرق نصابا توزيعا للمسروق عليهما بالسوية (وإلا) يبلغ نصابين (فلا) قطع على واحد منهما؛ توزيعا للمسروق كذلك، نعم محله فيما إذا بلغ نصابا إذا استقل كلٌّ وإلا فإن كان أحدهما غير مكلف فهو آلة له فيقطع المكلف فقط، ويؤخذ من كونه آلة له أنه أَمَرَهُ أو أَذِنَ له. (ولو سرق) مسلم أو غيره (خمرا) ولو محترمة (وخنزيرا وكلبا) ولو مقتنى (وجلد ميتة بلا دبغ فلا قطع)؛ لأنه ليس بمال بخلاف ما إذا دبغ أو تخللت الخمر ولو بفعله في الحرز.

(1)

. خلافا لما نقله ابن قاسم عن الرملي.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 170

فَإِنْ بَلَغَ إنَاءُ الخَمْرِ نِصَابًا قُطِعَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَا قَطْعَ فِي طُنْبُورٍ وَنَحْوِهِ، وَقِيلَ: إنْ بَلَغَ مُكَسَّرُهُ نِصَابًا قُطِعَ. قُلْتُ: الثَّانِي أَصَحُّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.

الثَّانِي: كَوْنُهُ مِلْكًا لِغَيْرِهِ. فَلَوْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ الحِرْزِ، أَوْ نَقَصَ فِيهِ عَنْ نِصَابٍ بِأَكْلٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يُقْطَعْ. وَكَذَا لَوِ ادَّعَى مِلْكَهُ عَلَى النَّصِّ

(فإن بلغ إناء الخمر نصابا) ولم يقصد بإخراجه إراقتها وقد دخل بقصد سرقته (قطع) به (على الصحيح)؛ لأنه أخذه من حرزه ولا شبهة كإناء بول. أما لو قصد بإخراجه تيسر إفسادها وإن دخل بقصد سرقته فلا قطع كما لو دخل بقصد إفساده وإن أخرجه بقصد سرقته. (ولا قطع في) سرقة (طنبور ونحوه) من آلات اللهو وكل آلة معصية كصليب وكتاب لا يحل الانتفاع به كالخمر (وقيل إن بلغ مُكَسَّرُهُ) أو نحو جلده (نصابا) ولم يقصد بدخوله أو بإخراجه تيسر إفساده (قطع، قلت: الثاني أصح، والله أعلم)؛ لسرقته نصابا من حرزه ولا شبهة له فيه. ولو كانت لذمي قطع قطعا.

الشرط (الثاني كونه) أي المسروق الذي هو نصاب (ملكا لغيره) أي السارق فلا قطع بما له فيه ملك وإن تعلق به نحو رهن واستحقاق ولو على قول ضعيف أي ما لم يعارضه ما هو أقوى منه، وذلك

(1)

كمبيع بزمن خيار سرقه بائع أو مشتر، وموقوف وموهوب قبل قبض سرقه موقوف عليه أو متهب (فلو ملكه بإرث أو غيره) كهبة وإن لم يقبضه (قبل إخراجه من الحرز) أو بعده وقبل الرفع للحاكم -فلا يفيد ملكه بعد الرفع ولو قبل الثبوت؛ لأن القطع إنما يتوقف على الدعوى وقد وجدت- (أو نقص فيه عن نصاب بأكل وغيره) كإحراق (لم يقطع) المخرج؛ لملكه له المانع من الدعوى بالمسروق

(2)

المتوقف عليها القطع. (وكذا) لا قطع (لو ادعى) السارق (ملكه) للمسروق قبل الإخراج أو بعده، أو للمسروق منه المجهولة حريته، أو للحرز، أو ملك من له في ماله شبهة كأبيه أو سيده، أو أقر المسروق منه بأنه ملكه وإن كذبه (على النص)؛ لاحتماله وإن قامت بينة بل أو حجة قطعية بكذبه. ولو أنكر السرقة الثابتة بالبينة قطع؛ لأنه مكذب للبينة صريحا بخلاف دعوى الملك.

(1)

. أي ماله فيه ملك .. الخ.

(2)

. قضيته إرجاع ضمير ملكه للسارق وجرى المغني على رجوعه للمسروق.

ص: 171

وَلَوْ سَرَقَا وَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا لَهُ أَوْ لَهُمَا وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ لَمْ يُقْطَعِ المُدَّعِي، وَقُطِعَ الْآخَرُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ سَرَقَ مِنْ حِرْزِ شَرِيكِهِ مُشْتَرَكًا فَلَا يُقْطَعُ فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ قَلَّ نَصِيبُهُ.

الثَّالِثُ: عَدَمُ شُبْهَةٍ فِيهِ، فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَالِ أَصْلٍ وَفَرْعٍ وَسَيِّدٍ. وَالْأَظْهَرُ قَطْعُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِالْآخَرِ

(ولو سرقا) شيئا يبلغ نصابين (وادعاه أحدهما له) أو لصاحبه وأنه أذن له (أو لهما وكذبه الآخر لم يقطع المدعي)؛ لاحتمال صدقه (وقطع الآخر في الأصح)؛ لأنه مقر بسرقة نصاب لا شبهة له فيه. أما إذا صدقه فلا يقطع كالمدعي، وكذا إن لم يصدقه ولا كذبه أو قال لا أدري؛ لاحتمال ما يقوله صاحبه (وإن سرق من حرز شريكه مشتركا) بينهما (فلا يقطع) عليه (في الأظهر وإن قل نصيبه)؛ لأن له في كل جزء حقا شائعا فأشبه وطء أمة مشتركة. وخرج بمشتركا سرقة ما يخص الشريك فإن اتحد حرزهما لم يقطع ما لم يدخل بقصد سرقة غير المشترك وإلا قطع، ولا يقطع بسرقة ما قَبِل هبته ولم يقبضه كما مر بخلاف سرقته ما أُوصي له به بعد الموت وقبل القبول؛ لأن العقد لم يتم فضعفت الشبهة.

الشرط (الثالث عدم الشبهة) له (فيه)؛ للخبر الصحيح ((ادرءوا الحدود بالشبهات)(فلا قطع بسرقة مال أصل) للسارق وإن علا (وفرع

(1)

له وإن سفل؛ لشبهة استحقاق النفقة في الجملة. ولو نذر إعتاق قنه غير المميز فسرقه أصله أو فرعه قطع؛ لانتفاء شبهة استحقاق النفقة عنه بامتناع تصرف الناذر فيه مطلقا. (و) لا قطع بسرقة من فيه رق -ولو مبعضا ومكاتبا- مال (سيد) أو أصله أو فرعه أو نحوهما من كل من لا يقطع السيد بسرقة ماله إجماعا ولشبهة استحقاق النفقة ولأن يده كيد سيده. ولو ادعى القن أو القريب أن المسروق أو حرزه ملك أحد ممن ذكر لم يقطع وإن كذبه كما لو ظن أنه ملك لمن ذكر، أو سرق سيده ما ملكه ببعضه الحر فكذلك؛ للشبهة. (والأظهر قطع أحد الزوجين بالآخر) أي بسرقة ماله

(1)

. ولو سرق الأصلَ ولدُهُ المنفيُّ قطع إن أصر على نفيه، وإلا فلا، كما ذكره الشارح في شروط القود 8/ 403.

ص: 172

وَمَنْ سَرَقَ مَالَ بَيْتِ المَالِ، إنْ أُفْرِزَ لِطَائِفَةٍ لَيْسَ هُوَ مِنْهُمْ قُطِعَ، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ حَقٌّ فِي المَسْرُوقِ كَمَالِ المَصَالحِ وَكَصَدَقَةٍ وَهُوَ فَقِيرٌ فَلَا، وَإِلَّا قُطِعَ. وَالمَذْهَبُ قَطْعُهُ بِبَابِ مَسْجِدٍ وَجِذْعِهِ

المحرز عنه

(1)

؛ لعموم الأدلة، وشبهة استحقاقها النفقة والكسوة في ماله لا أثر لها؛ لأنها مقدرة محدودة، وبه فارقت البعض والقن، وأيضا فالفرض أنه ليس لها عنده شيء منهما، ومن ثم لو كان لها عنده شيء منهما حين السرقة فأخذته بقصد الاستيفاء لم تقطع كدائن سرق مال مدينه بقصد الاستيفاء- سواء جنس دينه وغيره -إن حلَّ وجحد الغريم أو ماطل، ولا يشترط توفر بقية شروط الظفر؛ لأنه يُعد شبهة وإن لم يبح الأخذ. ولا يقطع بسرقة طعام في زمن قحط لم يقدر عليه ولو بثمن غالٍ لم يسمح به مالكه. (ومن سرق مال بيت المال) وهو مسلم (إن أفرز لطائفة ليس هو منهم قطع)؛ إذ لا شبهة، نعم متى لم يعلم الإفراز وكان له فيه حق لا يقطع؛ لأن له فيه حينئذ شبهة باعتبار ظنه (وإلا) يفرز (فالأصح أنه إن كان له حق في المسروق كمال مصالح) ولو غنيا (وكصدقة) أي زكاة أفرزت (وهو فقير) أي مستحق لها بوصف فقر أو غيره (فلا) يقطع للشبهة وإن لم يجر فيها ظفر كما يأتي (وإلا) يكن له فيه حق كغني أخذ مال صدقة وليس غارما لإصلاح ذات البين ولا غازيا (قطع)؛ لانتفاء الشبهة بخلاف أخذه مال المصالح؛ لأنها قد تصرف لما ينتفع به كعمارة المساجد، ومن ثم يقطع الذمي بمال بيت المال مطلقا؛ لأنه لا ينتفع به إلا تبعا لنا والإنفاق عليه منه عند الحاجة مضمون عليه.

[تنبيه] مشى المصنف في هذا على الضعيف والمعتمد أنه لا قطع بسرقة مسلم مال بيت المال مطلقا؛ لأن له فيه حقا في الجملة إلا إن أفرز لمن ليس هو منهم، وإيهامه تخصيص ذلك ببعض أموال بيت المال غير مراد كما أن إيهامه أن مال الصدقة بسائر أنواعها من أموال بيت المال غير مراد أيضاً. (والمذهب قطعه بباب مسجد وجذعه) ونحو منبره وسقفه وسواريه وقناديله التي للزينة وتآزيره

(2)

أي التي للزينة أو التحصين؛ لأن ذلك معد لتحصينه وعمارته

(1)

. أي بأن يكون في بيت آخر غير الذي هما فيه، أما لوكانا في بيت واحد فلا قطع ولو كان المال في صندوق مقفل، هذا على مقتضى كلام الشارح والنهاية، أما على مقتضى كلام المغني فالصندوق المقفل يكون حرزا وإن كان الموضع واحدا.

(2)

. أزر به الشيء أحاط، لسان العرب.

ص: 173

لَا حُصْرِهِ، وَقَنَادِيلَ تُسْرَجُ. وَالْأَصَحُّ قَطْعُهُ بِمَوْقُوفٍ. وَأُمِّ وَلَدٍ سَرَقَهَا نَائِمَةً، أَوْ مَجْنُونَةً.

الرَّابِعُ: كَوْنُهُ مُحْرَزًا بِمُلَاحَظَةِ أَوْ حَصَانَةِ مَوْضِعِهِ،

وأبهته لا لانتفاع الناس به، والكلام في غير منبر الخطيب؛ لأنه ليس لتحصين المسجد ولا لزينته بل لانتفاع الناس بسماعهم الخطيب عليه؛ لأنهم ينتفعون به حينئذ ما لم ينتفعوا به لو خطب على الأرض، ويقطع بسرقة ستر الكعبة إن أحرز بالخياطة عليها (لا) بنحو (حصره وقناديل تسرج) فيه؛ لأنه معد لانتفاع المسلمين به فكان كمال بيت المال، ومن ثم قطع بها الذمي مطلقا، وكذا يقطع من لم توقف عليه بأن خصه بطائفة ليس هو منهم، ولا يقطع بسرقة مصحف موقوف للقراءة فيه في المسجد ولو غير قارئ؛ لشبهة الانتفاع به بالاستماع للقارئ فيه كقناديل الإسراج (والأصح قطعه بموقوف) على غيره ممن ليس نحو أصله ولا فرعه ولا مشاركا له في صفة من صفاته المعتبرة في الوقف؛ إذ لا شبهة له فيه حينئذ، ومن ثم لا قطع بسرقة موقوف على جهة عامة كبكرة بئر مسبلة لمن ينتفع بها وإن سرقه ذمي. أما غلة الموقوف المذكور فيقطع بها قطعا؛ لأنها ملك الموقوف عليه اتفاقا بخلاف الموقوف، وظاهر كلامهم قطع البطن الثانية في وقف الترتيب؛ لأنهم حال السرقة ليسوا من الموقوف عليهم باعتبار الاستحقاق. (وأم ولد سرقها) من حرز حال كونها معذورة كأن كانت (نائمة أو مجنونة) أو مكرهة أو أعجمية تعتقد وجوب الطاعة أو عمياء؛ لأنها مضمونة بالقيمة كالقن بخلاف عاقلة متيقظة مختارة بصيرة؛ لقدرتها على الامتناع، ويجري خلافها في ولدها الصغير التابع لها ونحو منذور عتقه لا في نحو قن صغير أو نحو نائم بل يقطع به قطعا إذا كان محرزا. ولا قطع بسرقة مكاتب ومبعض قطعا؛ لما فيه من مظنة الحرية.

الشرط (الرابع كونه محرزا) إجماعا وإنما يتحقق الإحراز (بملاحظة) للمسروق من قوي متيقظ (أو حصانة موضعه) وحدها

(1)

أو مع ما قبلها؛ لأن الشرع أطلق الحرز ولم يبينه ولا ضبطته اللغة فرجع فيه إلى العرف وهو يختلف باختلاف الأموال والأحوال والأوقات، واشترط؛ لأن غير المحرز مضيع فمالكه هو المقصر.

(1)

. وفاقا للمنهج وخلافا للمغني.

ص: 174

فَإِنْ كَانَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ اُشْتُرِطَ دَوَامُ لِحَاظٍ، وَإِنْ كَانَ بِحِصْنٍ كَفَى لِحَاظٌ مُعْتَادٌ، وَإِصْطَبْلٌ حِرْزُ دَوَابَّ، لَا آنِيَةٍ وَثِيَابٍ، وَعَرْصَةُ دَارٍ، وَصُفَّتُهَا حِرْزُ آنِيَةٍ وَثِيَابِ بِذْلَةٍ، لَا حُلِيٍّ، وَنَقْدٍ. وَلَوْ نَامَ بِصَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ عَلَى ثَوْبٍ أَوْ تَوَسَّدَ مَتَاعًا فَمُحْرَزٌ،

(فإن كان بصحراء أو مسجد) أو شارع أو سكة منسدة أو نحوها وكل منها لا حصانة له (اشترط) في الإحراز (دوام لِحاظ) إلا في الفترات العارضة عادة، فلو تغفله وأخذ فيها قطع، ويشترط

(1)

رؤية السارق للملاحظ؛ لأنه لا يمتنع من السرقة -من غير تغفله- إلا حينئذ، (وإن كان بحصن كفى لحاظ معتاد) ولا يشترط دوامه؛ عملا بالعرف، فيختلف اللحاظ هنا عما مر لاشتراط الدوام ثَمَّ إلا في الفترات القليلة جداً التي لا يخلو عنها أحدٌ عادة (وإصطبل حرز دواب) ولو نفيسة إن اتصل بالعمران وأغلق وإلا فمع اللحاظ (لا آنية وثياب) ولو خسيسة؛ عملا بالعرف ولأن إخراج الدواب مما يظهر ويبعد الاجتراء عليه بخلاف نحو الثياب، نعم يستثنى منها ما اعتيد وضعه به نحو السطل

(2)

وآلات الدواب كسرج وبرذعة ورحل وراوية وثياب غلام؛ عملا بالعرف، ومنه يؤخذ تقييد ذلك بالخسيسة (وعرصة

(3)

نحو خان

(4)

و (دار وصفتها

(5)

لغير نحو السكان (حرز آنية) خسيسة (وثياب بذلة لا) آنية أو ثياب نفيسة ونحو (حلي ونقد) بل حرزها البيوت المحصنة ولو من نحو خان وسوق؛ عملا بالعرف فيهما (ولو نام بصحراء) أي موات أو مملوك غير مغصوب (أو مسجد) أو شارع (على ثوب أو توسد متاعا) يعد التوسد له محرزا له لا ما فيه نحو نقد إلا إن شده بوسطه تحت الثياب أي بأن يكون الخيط المشدود به تحتها بخلافه فوقها؛ لسهولة قطعه حينئذ (فمحرز) إن حفظ به لو كان متيقظا؛ للعرف، وكذا إذا أخذ عمامته أو مداسه من رأسه أو

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للشهاب الرملي وكذا النهاية هنا.

(2)

. هي طسيسة صغيره يقال أنها على هيئة التور لها عروة كعروة المرجل كما في الصحاح، وفيه إن التور إناء من صفر كالإجانة وقد يتوضأ منه.

(3)

. أي صحن.

(4)

. هو الحانوت، لسان العرب.

(5)

. تقدم شرح الصفَّة في الوليمة.

ص: 175

فَلَوْ انْقَلَبَ فَزَالَ عَنْهُ فَلَا. وَثَوْبٌ وَمَتَاعٌ وَضَعَهُ بِقُرْبِهِ بِصَحْرَاءَ إنْ لَاحَظَهُ مُحْرَزٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَشَرْطُ المُلَاحِظِ قُدْرَتُهُ عَلَى مَنْعِ سَارِقٍ بِقُوَّةٍ أَوِ اسْتِعَانَةٍ. وَدَارٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنِ الْعِمَارَةِ إنْ كَانَ بِهَا قَوِيٌّ يَقْظَانُ حِرْزٌ مَعَ فَتْحِ الْبَابِ وَإِغْلَاقِهِ، وَإِلَّا فَلَا

رجله، أو كيس نقد شده بوسطه، وكذا إذا أخذ خاتمه من إصبعه لكن بشرط أن لا يكون متخللا

(1)

في إصبعه وان لا يكون في الأنملة العليا وإلا فلا قطع، وظاهر في نحو سوار المرأة أو خلخالها أنه لا يحرز بجعله في يدها أو رجلها إلا إن عسر إخراجه بحيث يوقظ النائم غالبا (فلو انقلب) بنفسه أو بفعل السارق (فزال عنه) ثم أخذه (فلا) قطع عليه؛ لزوال الحرز قبل أخذه، وفارق قلب السارق نحو نقب الحرز بأنه هنا رفعه بإزالته من أصله بخلافه ثَمَّ. ولو وجد جملا صاحبه نائم عليه فألقاه عنه وهو نائم وأخذ الجمل فلا قطع؛ لأنه رفع الحرز ولم يهتكه، ولذا لو أسكره فغاب فأخذ ما معه لم يقطع؛ لأنه لا حرز حينئذ. (وثوب ومتاع وضعه بقربه) بحيث يراه السارق ويمتنع إلا بتغفله (بصحراء) أو مسجد أو شارع (إن لاحظه) لحاظا دائما كما مر (محرز) بخلاف وضعه بعيدا عنه بحيث لا ينسب إليه فإنه مضيع له، ومع قربه منه لا بد من انتفاء ازدحام الطارقين وإلا اشترط كثرة الملاحظين بحيث يعادلونهم. ويجري ذلك في زحمة على دكان نحو خباز (وإلا) يلاحظه كأن نام أو ولاّه ظهره أو ذهل عنه (فلا) إحراز؛ لأنه يعد مضيعا حينئذ. ولو أذن للناس في دخول نحو داره لشراءٍ قُطِع مَن دَخَل سارقا لا مشتريا، وإن لم يأذن قطع كل داخل. (وشرط الملاحظ قدرته على منع سارق بقوة أو استعانة) فإن ضعف بحيث لا يبالي السارق به وبَعُد محله عن الغوث فلا إحراز بخلاف ما إذا بالى به، ومن ثم لو لاحظ متاعه ولا غوث فإن تغفله أضعف منه وأخذه قطع أو أقوى فلا (ودار منفصلة عن العمارة) وهي حينئذ غير حصينة لما مر لكن (إن كان بها قوي يقظان) فهي (حرز مع فتح الباب وإغلاقه)؛ لاقتضاء العرف ذلك (وإلا) يكن بها أحد أو كان بها ضعيف وبعدت عن الغوث أو قوي لكنه نائم (فلا) حرز ولو مع إغلاق الباب. هذا ما جريا عليه هنا والمعتمد أنها حرز بملاحظ قوي بها يقظان مع فتحه وإغلاقه ونائم مع إغلاقه أو رده ونومه خلفه بحيث يصيبه وينتبه به لو فتح أو أمامه بحيث ينتبه بصرير فتحه أو فيه ولو مع فتحه بحيث يعد محرزا به، ويظهر فيمن بدار كبيرة مشتملة على محال لا يسمع من

(1)

. قال الكسائي: خل لحمه يخل خلا وخلولا أي قل ونحف، تاج العروس.

ص: 176

وَمُتَّصِلَةٌ حِرْزٌ مَعَ إغْلَاقِهِ وَحَافِظٍ وَلَوْ نَائِمٍ، وَمَعَ فَتْحِهِ وَنَوْمِهِ غَيْرُ حِرْزٍ لَيْلًا، وَكَذَا نَهَارًا فِي الْأَصَحِّ. وَكَذَا إذَا كَانَ بِهَا يَقْظَانُ تَغَفَّلَهُ سَارِقٌ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ خَلَتْ فَالمَذْهَبُ أَنَّهَا حِرْزٌ نَهَارًا زَمَنَ أَمْنٍ وَإِغْلَاقِهِ، فَإِنْ فُقِدَ شَرْطٌ فَلَا. وَخَيْمَةٌ بِصَحْرَاءَ إنْ لَمْ تُشَدَّ أَطْنَابُهَا وَتُرْخَى أَذْيَالُهَا فَهِيَ وَمَا فِيهَا كَمَتَاعٍ بِصَحْرَاءَ،

بأحدها من يدخل الآخر أنه لا يحرز به إلا ما هو فيه وأن من ببابها لا يحرز به ظهرها إلا إن كان يشعر بمن يصعد إليها منه بحيث يراه وينزجر به (و) دار (متصلة) بالعمارة

(1)

أي بدور مسكونة وإن لم تحط العمارة بجوانبها (حرز مع إغلاقه وحافظ) بها (ولو) هو (نائم) ضعيف ولو ليلا، بل ولو في زمن خوف إن اندفع السارق باستغاثة الجيران، (ومع فتحه) أي الباب (ونومه) -أي الحافظ-، هي بالنسبة لما فيها من الأمتعة (غير حرز ليلا)؛ لأنه ضائع ما لم يكن النائم بالباب أو بقربه، (وكذا نهارا في الأصح)؛ لذلك، ونظر الجيران والطارقين لا يفيد بمفرده في هذا بخلافه في أمتعة بأطراف الدكاكين؛ لوقوع نظرهم عليها بخلاف أمتعة الدار، ومحل الخلاف في زمن النهب أما زمن الخوف فهي غير حرز قطعا كما لو كان الباب بمنعطف لا يمر به الجيران، أما بالنسبة لها نفسها وأبوابها المنصوبة وحلقها المسمرة ونحو سقفها ورخامها فهي حرز مطلقا (وكذا) تكون غير حرز أيضا (إذا كان بها يقظان) لكن (تغفله سارق في الأصح) لذلك؛ لتقصيره بعدم المراقبة مع الفتح، ومن ثم لو بالغ في الملاحظة فانتهز السارق الفرصة وأخذ قطع قطعا (فإن خلت الدار) المتصلة عن حافظ بها (فالمذهب أنها حرز نهارا) وأُلحق به ما بعد الغروب إلى انقطاع الطارق أي كثرته عادة (زمن أمن وإغلاقه) أي معه ما لم يوضع مفتاحه بشق قريب منه؛ لأنه مضيع له (فإن فقد شرط) من هذه الثلاثة بأن فتح أو الزمن زمن نهب أو ليل، وأُلحق به ما بعد الفجر إلى الإسفار (فلا) يكون حرزا. (وخيمة بصحراء إن لم تُشد أطنابها

(2)

وتُرخى أذيالها

(3)

بأن انتفيا معا (فهي وما فيها كمتاع) موضوع (بصحراء) فيشترط في إحرازها دوام لحاظ من قوي أو بين العمارات فهي كمتاع بسوق فيشترط لحاظ معتاد.

(1)

. وهي حينئذ حصينة كما تقدم في كلام الشارح.

(2)

. الأطناب ما شدوا به البيت من الحبال بين الأرض والطرائق، الصحاح.

(3)

. الذيل آخر كل شيء، الصحاح.

ص: 177

وَإِلَّا فَحِرْزٌ بِشَرْطِ حَافِظٍ قَوِيٍّ فِيهَا وَلَوْ نَائِمٍ. وَمَاشِيَةٌ بِأَبْنِيَةٍ مُغْلَقَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِالْعِمَارَةِ مُحْرَزَةٌ بِلَا حَافِظٍ. وَبِبَرِّيَّةٍ يُشْتَرَطُ حَافِظٌ وَلَوْ نَائِمٌ. وَإِبِلٌ بِصَحْرَاءَ مُحْرَزَةٌ بِحَافِظٍ يَرَاهَا

(وإلا) بأن وجدا معا (فحرز) بالنسبة لما فيها (بشرط حافظ قوي

(1)

فيها) أو بقربها (ولو) هو (نائم)، نعم اليقظان لا يشترط قربه بل ملاحظته ورؤية

(2)

السارق له بحيث ينزجر به. وإذا نام بالباب أو بقربه بحيث ينتبه بالدخول منه لم يشترط إسباله؛ للعرف، فإن ضعف من فيها اشترط أن يلحقه غوث من يتقوى به ولو نحّاه السارق عنها فكما مر فيما لو نحاه عما نام عليه، أما بالنسبة لنفسها فيكفي مع اللحاظ -وإن نام ولو بقربها- شَدُّ أطنابها وإن لم تُرْخَ أذيالها.

[تنبيه] إن وُجد أحد هذين

(3)

فقط فإن كان الإرخاء وحده لم يكف مطلقا إلا مع دوام لحاظ الحارس، أو الشد كفى مع الحارس وإن نام بالنسبة لها فقط

(وماشية) نِعَم أو غيرها (بأبنية) ولو من نحو حشيش بحسب العادة (مغلقة) أبوابها (متصلة بالعمارة محرزة بلا حافظ) نهارا

(4)

زمن أمن، وذلك؛ للعرف، هذا إن أحاطت بها العمارة من جوانبها كلها وإلا فكما في قوله:(و) بأبنية مغلقة (ببرية يشترط) في إحرازها (حافظ ولو) هو (نائم). وخرج بالمغلقة فيهما المفتوحة فيشترط حافظ يقظ قوي أو يلحقه الغوث، نعم يكفي نومه بالباب. ونحوُ الإبل بالمراح المعقولة محرزةٌ بنائم عندها؛ لأن في حل عقلها ما يوقظه، فإن لم تعقل اشترطت يقظته أو ما يوقظه عند أخذها من نحو كلب أو جرس (وإبل) وغيرها من الماشية (بصحراء) ترعى فيها مثلا وألحق بها المحال المتسعة بين العمران (محرزة بحافظ يراها) جميعها و يبلغها

(5)

صوته. أما ما لم يره منها فغير محرز كما إذا تشاغل عنها بنوم أو غيره ولم تكن مقيدة أو معقولة، نعم يكفي طروق المارة للمرعى.

(1)

. قال المغني ((أو ضعيف يبالى به)).

(2)

. خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.

(3)

. أي شد الأطناب وإرخاء الذيول.

(4)

. وفاقا للنهاية ولم يقيد بذلك في المغني.

(5)

. خلافا لهما.

ص: 178

وَمَقْطُورَةٌ يُشْتَرَطُ الْتِفَاتُ قَائِدِهَا إلَيْهَا كُلَّ سَاعَةٍ بِحَيْثُ يَرَاهَا، وَأَلَّا يَزِيدَ قِطَارٌ عَلَى تِسْعَةٍ. وَغَيْرُ مَقْطُورَةٍ لَيْسَتْ مُحْرَزَةً فِي الْأَصَحِّ. وَكَفَنٌ فِي قَبْرٍ بِبَيْتٍ مُحْرَزٍ مُحْرَزٌ. وَكَذَا بِمَقْبَرَةٍ بِطَرَفِ الْعِمَارَةِ فِي الْأَصَحِّ، لَا بِمَضْيَعَةٍ فِي الْأَصَحِّ

(و) الشرط في إحراز (مقطورة) وغير مقطورة تساق في العمران رؤية سائقها أو راكب آخرها لجميعها، وأما إذا كانت تقاد فـ (يشترط التفات قائدها) أو راكب أولها (إليها كل ساعة) بأن لا يطول زمن عرفا بين رؤيتين (بحيث يراها) جميعها وإلا فما يراه فقط، ويكفي عن التفاته مروره بالناس في نحو سوق، ولو ركب غير الأول والآخر فهو سائق لما أمامه قائد لما خلفه (و) يشترط مع ذلك في إبل وبغال أن تكون مقطورة؛ لأنها لا تسير إلا كذلك غالبا، و (ألا يزيد قطار) منهما (على تسعة)؛ للعرف فما زاد كغير المقطورة فيشترط في إحرازهما ما مر لكن المعتمد أنه لا يتقيد في الصحراء بعدد وفي العمران يتقيد بالعرف وهو من سبعة إلى عشرة (وغير مقطورة) منها تساق أو تقاد (ليست محرزة) بغير ملاحظ (في الأصح)؛ لأنها لا تسير كذلك غالبا، ومن ثم اشترط في إحراز غير الإبل والبغال نظرها.

[تنبيه] للبنها ونحو صوفها أو متاع عليها حكمها في الإحراز أو عدمه، وعليه فضرعها وحده ليس حرزا للبن وإنما حرزه حرزها، فلو حلب من اثنين فأكثر حتى بلغ نصابا قطع، لكن إن كانت كلها لواحد أو مشتركة، وإلا لم يقطع إلا بنصاب لمالك واحد؛ إذ الوجه أن من سرق من حرز واحد عينين كلٍّ لمالك ومجموعهما نصاب لا يقطع لأن دعوى كلٍّ بدون نصاب. (وكفن) من مال الميت أو غيره ولو بيت المال ولو غير مشروع (في قبر ببيت محرزٍ) ذلك البيت بما مر فيه (محرَزٌ) ذلك الكفن فيقطع سارقه سواء أجرَّد الميت في قبره أم خارجه

(1)

؛ لخبر البيهقي ((من نبش قطعناه)) (وكذا) إن كان وهو مشروع في قبر أو بوجه الأرض وجعل عليه أحجار؛ لتعذر الحفر -بخلاف ما إذا لم يتعذر- (بمقبرة بطرف العمارة) فيكون محرزا (في الأصح) بخلاف غير المشروع كأن زاد على خمسة أو كفن به حربي (لا) إن كان (بمضيعة) ولا ملاحظ فلا يكون محرزا (في الأصح)؛ للعرف فيهما، فإن حُفّت المقبرة بالعمارة وندر تخلف الطارقين عنها في زمن يتأتى فيه النبش أو كان بها جرس كانت حرزا ولو لغير مشروع جزما. ولو سرقه حافظ البيت أو المقبرة أو بعض الورثة أو نحو فرع أحدهم لم يقطع، نعم إن كفن من بيت المال وبلي الميت كانت سرقة حينئذٍ كسرقة بيت المال، وإلا فهو

(1)

. خلافا للمغني.

ص: 179

فصل

يُقْطَعُ مُؤَجِّرُ الحِرْزِ، وَكَذَا مُعِيرُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ غَصَبَ حِرْزًا لَمْ يُقْطَعْ مَالِكُهُ، وَكَذَا أَجْنَبِيٌّ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ غَصَبَ مَالًا وَأَحْرَزَهُ بِحِرْزِهِ فَسَرَقَ المَالِكُ مِنْهُ مَالَ الْغَاصِبِ،

ملك لمالكه أوّلاً من وارث أو أجنبي. ولو غُولِي فيه بحيث لم يخل مثله بلا حارس لم يكن محرزا إلا بحارس.

(فصل) في فروع تتعلق بالسرقة

(يقطع مؤجر الحرز) المالك له أو المستحق لمنفعته بسرقته منه مال المستأجر؛ إذ لا شبهة لانتقال المنافع -التي منها الإحرازللمستأجر إذ الفرض صحة الإجارة، و محل ذلك إن استحق الإحراز به وإلا كأن استعمله فيما نُهِي عنه أو في أضر مما استأجر له كأن استأجر أرضا للزراعة فآوى فيها مواشيه لم يقطع أي بخلاف إدخال مواشي نحو الحرث؛ لتوقف الزراعة عليها فكانت كالمأذون فيها. ويقطع بسرقته منه في مدة الإجارة وإن ثبت له الفسخ وبعد مدتها

(1)

(وكذا معيره) يقطع إذا سرق منه مال المستعير المستعمل للحرز فيما أذن له فيه وإن دخل بنية الرجوع (في الأصح)؛ إذ لا شبهة أيضا؛ لاستحقاقه منفعته وإن جاز للمعير الرجوع، ومن ثم لو رجع وعلم المستعير برجوعه واستعمله أو امتنع من الرد تعديا لم يقطع. وطَرُّه

(2)

لجيب قميص أعاره وأخذ ما فيه يقطع به قطعا؛ إذ لا شبهة هنا بوجه، ومثله نقب جدار. (ولو غصب حرزا لم يقطع مالكه) بسرقة ما أحرزه الغاصب فيه؛ لخبر ((ليس لعرق ظالم حق))، وكالغاصب هنا من وضع ماله بحرز غيره من غير علمه ورضاه (وكذا) لا يقطع (أجنبي) بسرقة مال الغاصب منه (في الأصح)؛ لأن الإحراز من المنافع والغاصب لا يستحقها (ولو غصب) أو سرق اختصاصا، أو (مالا) ولو فلسا (وأحرزه بحرزه فسرق المالك منه مال الغاصب) أو السارق فلا قطع عليه في الأصح؛ لأن له دخول الحرز وهتكه لأخذ ماله أو اختصاصه فلم يكن حرزا بالنسبة إليه ولم يفترق الحال بين المتميز عن ماله

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. أي الشق والقطع.

ص: 180

أَوْ أَجْنَبِيٌّ المَغْصُوبَ فَلَا قَطْعَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُقْطَعُ مُخْتَلِسٌ وَمُنْتَهِبٌ وَجَاحِدٌ وَدِيعَةٍ. وَلَوْ نَقَبَ وَعَادَ فِي لَيْلَةٍ أُخْرَى فَسَرَقَ قُطِعَ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: هَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمِ الِمَالِكُ النَّقْبَ، وَلَمْ يَظْهَرْ لِلطَّارِقِينَ، وَإِلَّا فَلَا يُقْطَعُ قَطْعًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ

والمخلوط به، ولا ينافي هذا قطع دائن سَرَق مال مدينه لا بقصد الاستيفاء بشرطه؛ لأنه محرز بحق والدائن مقصر بعدم مطالبته أو نيته الأخذ للاستيفاء على ما مر، ومن ثم قطع راهن ومؤجر ومعير ومودع ومالك مال قراض بسرقته مع مال نفسه نصابا آخر دخل بقصد سرقته أي أو اختلف حرزهما، فقولهم لا يقطع مشتر وفَّى الثمن بأخذ نصاب مع المبيع محله إن دخل لا لسرقته وقد اتحد حرزهما (أو) سرق (أجنبي) منه المال (المغصوب) أو المسروق (فلا قطع) عليه (في الأصح) وإن أخذه لا بنية الرد على المالك؛ لأن المالك لم يرض بإحرازه فيه فكأنه غير محرز، وقد يؤخذ منه أن كلَّ ما تعدى بوضع اليد عليه كالمبيع فاسدا ليس كالمغصوب من حيث إن مالك هذا لا يقال أنه لم يرض بإحرازه وإن كان مثله في الضمان.

(و) الركن الثاني السرقة

ومرّ أنها أخذ المال خفية من حرز مثله، فحينئذ (لا يقطع مختلس ومنتهب وجاحد وديعة) أو عارية مثلا؛ لخبر الترمذي بذلك، والأولان يأخذان المال عيانا وأولهما يتعمد الهرب وثانيهما القوة فيسهل دفعهما بنحو السلطان بخلاف السارق لا يتأتى منعه فقطع؛ زجرا له (ولو نقب) في ليلة (وعاد في ليلة أخرى فسرق) من ذلك النقب (قطع في الأصح) كما لو نقب أول الليل وسرق آخره؛ إبقاء للحرز بالنسبة إليه أما، إذا أعيد الحرز أو سرق عقب النقب فيقطع قطعا (قلت: هذا إذا لم يعلم المالك النقب ولم يظهر للطارقين، وإلا) بأن علم أو ظهر لهم (فلا يقطع قطعا، والله أعلم)؛ لانتهاك الحرز فصار كما لو نقب وأخرج غيره، وفارق إخراج نصاب من حرز دفعتين بأنه ثَم متمم لأخذه الأول الذي هتك به الحرز فوقع الأخذ الثاني تابعا فلم يقطعه عن متبوعه إلا قاطع قوي- وهو العلم والإعادة السابقان دون أحدهما ودون مجرد الظهور لأنه يؤكد الهتك الواقع فلا يصلح قاطعا له -وهنا مبتدئ سرقة مستقلة لم يسبقها هتك الحرز بأخذ شيء منه لكنها مترتبة على فعله المركب من جزأين مقصودين هما نقب سابق وإخراج لاحقن، وإنما يتركب منهما إن لم يقع بينهما فاصل أجنبي عنهما وإن ضعف فكفى تخلل علم المالك أو الظهور.

ص: 181

وَلَوْ نَقَبَ وَأَخْرَجَ غَيْرُهُ فَلَا قَطْعَ. وَلَوْ تَعَاوَنَا فِي النَّقْبِ وَانْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْإِخْرَاجِ أَوْ وَضَعَهُ نَاقِبٌ بِقُرْبِ النَّقْبِ وَأَخْرَجَهُ آخَرُ قُطِعَ المُخْرِجُ. وَلَوْ وَضَعَهُ بِوَسَطِ نَقْبِهِ فَأَخَذَهُ خَارِجٌ وَهُوَ يُسَاوِي نِصَابَيْنِ لَمْ يُقْطَعَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ رَمَاهُ إلَى خَارِجِ حِرْزٍ أَوْ وَضَعَهُ بِمَاءٍ جَارٍ أَوْ ظَهْرِ دَابَّةٍ سَائِرَةٍ أَوْ عَرَّضَهُ لِرِيحٍ هَابَّةٍ فَأَخْرَجَتْهُ قُطِعَ

(ولو نقب واحد وأخرج غيره) ولو بأمره ما لم يكن غير مميز أو أعجميا يعتقد وجوب الطاعة بخلاف نحو قرد معلم؛ لأن له اختيارا وإدراكا (فلا قطع) على واحد منهما؛ لأن الأول لم يسرق شيئاً من داخل الحرز والثاني أخذ من غير حرز، نعم إن ساوى ما أخرجه بالنقب من آلات الجدار نصابا قطع الناقب وإن لم يقصد سرقة الآلة؛ لأن الجدار حرز لآلة البناء. ولو كان بإزاء النقب ملاحظ يقظان فتغفله المخرج قطع أيضا (ولو تعاونا في النقب) ولو بأن أخرج هذا لَبِنات وهذا لَبِنات (وانفرد أحدهما بالإخراج) لنصاب فأكثر (أو وضعه ناقب بقرب النقب وأخرجه آخر) ناقب أيضا؛ إذ المقسم أنهما تعاونا في النقب (قطع المخرج) فيهما؛ لأنه السارق. (ولو) تعاونا في النقب ثم أخذه أحدهما و (وضعه بوسَط نقبه) أي موضع نقبه (فأخذه خارج وهو يساوي نصابين) أو أكثر (لم يقطعا في الأظهر)؛ لأن كلا منهما لم يخرجه من تمام الحرز، وكذا لو ناوله الداخل للخارج فيه بخلاف ما لو وضعه أو ناوله له خارجه فإن الداخل يقطع؛ لأنه الذي أخرجه من تمام الحرز. (ولو رماه إلى خارج حرز

(1)

من نقب أو باب أو فوق جدار ولو إلى حرز آخر لغير المالك أو إلى نحو نار فأحرقته علم بها أم لا (أو وضعه بماء جار) إلى جهة مخرج الحرز فأخرجه منه، أو وضعه بماء راكدٍ أو جارٍ إلى غير جهة مخرجه وحركه حتى أخرجه منه -وإن كان المُحَرَّك خارج الحرز- بخلاف ما إذا لم يحركه وإنما طرأ عليه نحو سيل أو حركه غيره فإن الغير هو الذي يقطع، وما إذا رمى حجرا لنحو ثمر فسقط في ماء وخرج؛ لأنه لم يستول عليه (أو) وضعه على (ظهر دابة سائرة) إلى جهة مخرجه أو سَيَّرها حتى أخرجته منه (أو عرضه لريح هابة) حالة التعريض فلا أثر لهبوبها بعده (فأخرجته) منه (قطع) وإن لم يأخذه، أو أخذه آخر قبل أن يقع على الأرض؛ لأن الإخراج في الجميع بفعله ومنسوب إليه، ومرّ أنه لو أتلف نصابا فأكثر في الحرز لم يقطع ما لم يبلع جوهرة فيه فتخرج منه خارجه وبلغت قيمتها حالة الإخراج ربع دينار بخلاف ما لو

(1)

. هنا اعتراض للمغني على المتن رده الشارح.

ص: 182

أَوْ وَاقِفَةٍ فَمَشَتْ بِوَضْعِهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُضْمَنُ حُرٌّ بِيَدٍ، وَلَا يُقْطَعُ سَارِقُهُ. وَلَوْ سَرَقَ صَغِيرًا بِقِلَادَةٍ فَكَذَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ نَامَ عَبْدٌ عَلَى بَعِيرٍ فَقَادَهُ وَأَخْرَجَهُ عَنِ الْقَافِلَةِ قُطِعَ

تحصل مما على بدنه من نحو طيب نصاب فلا قطع (أو) وضعه بظهر دابة (واقفة فمشت بوضعه) ومثله ما لو مشت لإشارته بنحو حشيش (فلا) قطع (في الأصح)؛ لأنه إذا لم يسقها مشت باختيارها. (ولا يضمن حر) ومكاتب كتابة صحيحة ومبعض (بيدٍ ولا يقطع سارقه) وإن صغر

(1)

، أما الأرقاء فإن أخذ غير مميز من حرزه كفناء دار سيده الذي ليس بمطروق يقطع وإن تبعه ثم أخذه خارج الحرز لم يقطع إلا إن دعاه للخروج بخلاف ما لو أشار إليه بمأكول فلا يقطع، وفي حكم غير المميز مميز به نحو نوم أو أكرهه حتى تبعه، فإن خدعه

(2)

فتبعه مختارا لم يقطع كما لو حمله وهو قوي قادر على الامتناع. (ولو سرق) حرا ولو

(3)

(صغيرا) أو مجنونا أو نائما (بقلادة

(4)

أو حلي يليق به ويبلغ نصابا أو معه مال آخر (فكذا) لا يقطع سارقه وإن أخذه من حرز (في الأصح)؛ لأن للحر يدا على ما معه فهو محرز ولهذا لا يضمن من سرق حراً ما عليه لو تلف بغير السرقة، ثم إن نزع السارق نحو تلك القلادة منه خفية أو مجاهرة ولم يمكنه منعه من النزع قطع، أو نزعها منه مجاهرة وأمكنه منعه فلا قطع. أما إذا لم يلق به نحو الحلي، ومثله ما لو كانت ملكا لغير الصبي فإن أخذه من حرز مثلها قطع قطعا أو من حرز يليق بالصبي دون الحلي فلا قطعا، وأما إذا سرق ما عليه أو ما على قن دونه -أي القن- فإن كان بحرزه كفناء الدار قطع وإلا فلا، وقلادة كلب بحرز دواب يقطع بها إن لاقت به سواء أخذها وحدها أو مع كلب. (ولو نام عبد) ولو صغيرا أو مجنونا (على بعير) عليه أمتعة أوْ لا (فقاده وأخرجه عن القافلة) إلى مضيعة (قطع) في الأصح؛ لأنه أخرجهما من حرزهما بخلاف ما لو أخرجه إلى قافلة أو بلد متصلة بالأولى، أما لو كان بينهما مضيعة فإنه بإخراجه إليها أخرجه من تمام حرزه فلا يفيده إحرازه بعد.

(1)

. أي الحر والمكاتب والمبعض، وأعاده المغني وشرح المنهج على الحر.

(2)

. أي خدع المميز.

(3)

. قضيته أن الكبير من محل الخلاف خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.

(4)

. هي التي في العنق، تاج العروس.

ص: 183

أَوْ حُرٌّ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ نَقَلَ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ إلَى صَحْنِ دَارٍ بَابُهَا مَفْتُوحٌ قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ إنْ كَانَا مُغْلَقَيْنِ قُطِعَ. وَبَيْتُ خَانٍ وَصَحْنُهُ كَبَيْتٍ دَارٍ فِي الْأَصَحِّ.

فصل

لَا يُقْطَعُ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ وَمُكْرَهٌ

(أو) نام (حر) أو مكاتب كتابة صحيحة أو مبعض على بعير فقاده وأخرجه عن القافلة سواء أكان الحر مميزا أو بالغا أو غيرهما (فلا) قطع (في الأصح)؛ لأنه بيده. وخرج بنام ما لو كان العبد مستيقظا وهو قادر على الامتناع فلا قطع؛ لأنه بمنزلة الحر حينئذ. (ولو نقله من بيت مغلق إلى صحن

(1)

دار) مشتملة على ذلك البيت (بابها مفتوح) بفتح غيره (قطع)؛ لأنه أخرجه من حرزه إلى محل الضياع بخلاف ما لو كان هو الفاتح؛ لأنه كالمغلق في حقه فلم يخرجه من تمام الحرز كما في قوله (وإلا) بأن كان الأول مفتوحا والثاني مغلقا أو كانا مفتوحين ولا ملاحظ أو مغلقين ففتحهما (فلا) يقطع؛ لانتفاء الحرز في الثانية أو تمامه في الأولى والثالثة كما لو رماه من دار المالك إلى أخرى له (وقيل إن كانا مغلقين قطع)؛ لأنه أخرجه من حرز. (وبيت) نحو (خان

(2)

ورباط ومدرسة من كل ما تعدد ساكنو بيوته (وصحنه كبيت) وصحن (دار) لواحد (في الأصح) فيقطع في الحال الأول دون الأحوال الثلاثة بعده، نعم لو سرق أحد السكان ما في الصحن لم يقطع؛ لأنه ليس محرزا عنه وإن كان له بواب، أو ما في حجرة مغلقة قطع؛ لإحرازه عنه وكما مر فيما لو نقله من بيت مغلق إلى صحن دار بابها مفتوح.

(فصل) في شروط الركن الثالث

وهو السارق وفيما يثبت السرقة ويقطع بها وما يتعلق بذلك

شروط السارق الذي يقطع هي: التكليف وعلم التحريم وعدم الشبهة والإذن والتزام الأحكام والاختيار، وعليه فـ (لا يقطع صبي ومجنون) وجاهل بحرمة السرقة وقد عذر (ومكرَه)؛ لرفع القلم عنهم، وحربي ومن أذن له المالك وذو شبهة مما مر؛ لعذرهم، نعم

(1)

. صحن الدار وسطها، تاج العروس.

(2)

. هو الحانوت أو صاحب الحانوت، لسان العرب.

ص: 184

وَيُقْطَعُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ بِمَالِ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ، وَفِي مُعَاهَدٍ أَقْوَالٌ: أَحْسَنُهَا إنْ شُرِطَ قَطْعُهُ بِسَرِقَةٍ قُطِعَ، وَإِلَّا فَلَا. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ عِنْدَ الجُمْهُورِ لَا قَطْعَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَتَثْبُتُ السَّرِقَةُ بِيَمِينِ المُدَّعِي المَرْدُودَةِ فِي الْأَصَحِّ، وَ بِإِقْرَارِ السَّارِقِ، وَالمَذْهَبُ قَبُولُ رُجُوعِهِ. وَمَنْ أَقَرَّ بِعُقُوبَةٍ للهِ تَعَالَى فَالصَّحِيحُ أَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِالرُّجُوعِ،

يعزر المميز، وأُلحق به كل من سقط عنه القطع لشبهة. ولا يقطع مكرِه -بالكسر- أيضا؛ لما مر أن التسبب لا يقتضي حدا، ومن ثم لو كان المكرَه -بالفتح- غير مميز أو أعجميا يعتقد الطاعة كان آلة للمكرِه فيقطع فقط. (ويقطع مسلم وذمي) ولو سكران (بمال مسلم وذمي) إجماعا في مسلم بمسلم ولعصمة الذمي (وفي معاهد) ومستأمن (أقوال أحسنها إن شرط قطعه بسرقة قطع)؛ لالتزامه (وإلا) يشرط ذلك (فلا) يقطع؛ لعدم التزامه (قلت: الأظهر عند الجمهور لا قطع) بسرقته مال مسلم أو غيره مطلقا كما لا يحد إن زنى (والله أعلم)؛ لأنه لم يلتزم الأحكام فأشبه الحربي، نعم يطالب قطعا برد ما سرقه أو بدله. ولا يقطع أيضا مسلم أو ذمي بسرقتهما ماله؛ لاستحالة قطعهما بماله دون قطعه بمالهما. (وتثبت السرقة بيمين المدعي المردودة) فيقطع (في الأصح)؛ لأنها كالإقرار، والمنقول المعتمد لا قطع كما لا يثبت بها حد الزنا (وبإقرار السارق

(1)

بعد الدعوى عليه إن فصله بما يأتي في الشهادة بها

(2)

وإن لم يتكرر كسائر الحقوق. أما إقراره قبل الدعوى عليه فلا يقطع به حتى يدعي المالك ويثبت المال أخذا من قولهم لو شهدا بسرقة مال غائب أو حاضر حسبة قبلا لكن لا قطع حتى يدعي المالك بماله ثم تعاد الشهادة لثبوت المال؛ لأنه لا يثبت بشهادة الحسبة، لا للقطع؛ لأنه يثبت بها، وإنما انتظر؛ لتوقع ظهور مسقط ولم يظهر، فعلم أن شرط القطع دعوى المالك أو وليه أو وكيله بالمال ثم ثبوت السرقة بشروطها (والمذهب قبول رجوعه) عن الإقرار بالسرقة كالزنا لكن بالنسبة للقطع فقط. (ومن أقر بعقوبة لله تعالى) أي بموجبها كزنا وسرقة وشرب مسكر ولو بعد دعوى (فالصحيح أن للقاضي) أي يجوز له (أن يُعرِّض له) وإن كان عالما بوجوب الحد (بالرجوع) عن الإقرار وإن علم جوازه، فيقول لعلك قَبَّلْتَ، فاخَذْتَ، أخذتَ من غير حرزٍ، غصبتَ، انتهبتَ، لم تعلم أن ما شربته مسكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عرَّض به لماعز، وللقاضي أيضا أن

(1)

. ومر في السفيه أنه لو أقر بسرقة قطع ولا يثبت المال 5/ 174.

(2)

. فيبين السرقة والمسروق منه وقدر السرقة والحرز بتعيين أو وصف.

ص: 185

وَلَا يَقُولُ: ارْجِعْ. وَلَوْ أَقَرَّ بِلَا دَعْوَى أَنَّهُ سَرَقَ مَالَ زَيْدٍ الْغَائِبِ لَمْ يُقْطَعْ فِي الحَالِ، بَلْ يُنْتَظَرُ حُضُورُهُ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ أَنَّهُ أَكْرَهَ أَمَةَ غَائِبٍ عَلَى زِنًا حُدَّ فِي الحَالِ فِي الْأَصَحِّ. وَتَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، فَلَوْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ثَبَتَ المَالُ وَلَا قَطْعَ،

يُعرِّض له بالإنكار عمَّا أقر به، بل يجوز للقاضي أيضاً إن لم يكن ثَمة إقرار من السارق أن يحمله بالتعريض على الإنكار لكن بشرط أن لا توجد بينة بسرقته ولا يَخْشَى أن يحمله ذلك على إنكار المال. وأفهم قوله ((لله)) أن حق الآدمي لا يجوز التعريض بالرجوع عنه وإن لم يفد الرجوع فيه شيئا ويوجه بأن فيه حملا على محرم إذ هو كتعاطي العقد الفاسد (و) قطعوا بأنه (لا يقول) له (ارجع) عنه أو اجحده فيأثم به؛ لأنه أمر بالكذب، وله أن يعرِّض للشهود بالتوقف في حد الله تعالى إن رأى المصلحة في الستر وإلا فلا، وبه يعلم أنه لا يجوز له التعريض ولا لهم التوقف إن ترتب على ذلك ضياعُ المسروق أو حدُّ الغير. (و) يشترط للقطع أيضا كما مر طلب من المالك أو وكيله للمال، فعليه (لو أقر بلا دعوى

(1)

أو بعد دعوى وكيل الغائب الشاملة وكالته لهذه من غير شعور للمالك بها أو شهد بها حسبة (أنه سرق مال زيد الغائب) أو مال غير مكلف، وأُلحق به السفيه (لم يقطع في الحال، بل) يحبس و (ينتظر حضوره) وكماله ومطالبته (في الأصح)؛ لأنه ربما يقر له بالإباحة والملك فإنه يسقط القطع وإن كذبه كما مر، أما بعد دعوى عن موكل علم ذلك فلا انتظار؛ لعدم احتمال الإباحة هنا، ونحو الصبي يمكن أن يُملِّكه عقب البلوغ والرشد وقبل الرفع للقاضي فيسقط القطع أيضا. ولو مات الغائب عن نحو طفل حبس المُقِرُّ; لأن للحاكم بل عليه المطالبة به حينئذ. (أو) أقر (أنه أكره أمة غائب على زنا) أو زنى بها (حد في الحال في الأصح) ; لأنه لا يتوقف على طلب ولا يباح بالإباحة، ومن ثم توقف المهر على حضوره; لأنه يسقط بالإسقاط. (ويثبت) القطع (بشهادة رجلين) كسائر العقوبات غير الزنا (فلو) ادعى المالك أو وكيله، ثم (شهد رجل وامرأتان) أو رجل وحلف معه (ثبت المال ولا قطع) كما يثبت بذلك الغصب المعلق به طلاق أو عتق دونهما إن كان التعليق قبل ثبوت الغصب وإلا وقعا بخلاف ما لو شهدوا قبل الدعوى فإنه لا يثبت شيء؛ لعدم قبول شهادة الحسبة في المال كما مر.

(1)

. وإذا استحقت اليد القطع صارت غير محترمه كما ذكره الشارح في التيمم ومثل السرقة المحاربة 1/ 344.

ص: 186

وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ الشَّاهِدِ شُرُوطُ السَّرِقَةِ. وَلَوِ اخْتَلَفَ شَاهِدَانِ كَقَوْلِهِ: سَرَقَ بُكْرَةً، وَالْآخَرِ عَشِيَّةً فَبَاطِلَةٌ. وَعَلَى السَّارِقِ رَدُّ مَا سَرَقَ، فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَهُ. وَتُقْطَعُ يَمِينُهُ.

(ويشترط) للقطع (ذكر الشاهد) ين (شروط السرقة) السابقة؛ إذ قد يظنان ما ليس بسرقة سرقة فيُبَيِّنَان المسروق منه والمسروق -وإن لم يذكرا أنه نِصاب؛ لأن النظر فيه وفي قيمته للحاكم بهما أو بغيرهما، ولا أنه

(1)

ملك لغير السارق بل للمالك إثباته بغيرهما- وكونها من حرز بتعيينه أو وصفه، ويقولان لا نعلم له فيه شبهة وغير ذلك، ويشيران للسارق إن حضر، أما إن غاب متوارياً مثلا بعد الدعوى عليه فيذكر الشاهدان اسمه ونسبه. (و) يشترط اتفاق الشاهدين، وحينئذٍ (لو اختلف شاهدان) فيما بينهما (كقوله) أي أحدهما (سرق) هذه العين أو ثوبا أبيض أو (بكرة و) قول (الآخر) سرق هذه مشيرا لأخرى أو ثوبا أسود أو (عشية فباطلة)؛ للتناقض فلا يترتب عليها قطع، نعم للمسروق منه أن يحلف مع أحدهما في الأولى ومع كل منهما في الثانية إن وافقت شهادة كلٍّ دعواه والحقَّ في زعمه ويأخذ المال، ولو شهد واحد بكيس وآخر بكيسين ثبت واحد وقطع إن بلغ نصابا وله الحلف مع الذي زاد ويأخذه، أو اثنان أنه سرق هذه بكرة وآخران أنه سرقها عشية تعارضتا ولم يحكم بواحدة منهما فإن لم يتواردا على شيء واحد ثبتتا وقطع؛ إذ لا تعارض. (وعلى السارق رد ما سرق) وإن قطع؛ للخبر الحسن ((على اليد ما أخذت حتى تؤديه))، ولا يسقط الضمان والقطع عنه برده المال للحرز (فإن تلف ضمنه) كمنافعه بمثله في المثلي وأقصى قيمة في المتقوم. (وتقطع

(2)

يمينه

(3)

-أي السارق الذي له أربع؛ إذ هو الذي يتأتى فيه الترتيب الآتي- إجماعا ولو شلاء إن أمن نزف الدم، وقاطعها في غير القن

(4)

هو الإمام أو نائبه، فلو فوَّض القطع للسارق

(5)

أو لغيره أجزأ؛ لأن القطع تعلق بعين اليمين فأجزأ قطعها بأي وجه، بل يكفي قطع السارق ليده وإن

(1)

. عطف على أنه نصاب.

(2)

. إذا أخرج السارق يده اليسرى للقاطع أجزأت إن قال دهشت أو ظننت إجزاءها بخلاف ما إذا قصد إباحتها 8/ 445.

(3)

. لو قطعت يده ثم التصقت مع حرارة الدم فقياس ما مر في فصل الديات الواجبة في ما دون النفس وجوب إزالتها لعدم العفو عن الدم المنفصل الذي عاد معها.

(4)

. أما القن فقد تقدم في كتاب الزنا أن للسيد أن يحده بشرطه 9/ 116.

(5)

. خلافا للنهاية.

ص: 187

فَإِنْ سَرَقَ ثَانِيًا بَعْدَ قَطْعِهَا فَرِجْلُهُ الْيُسْرَى، وَثَالِثًا يَدُهُ الْيُسْرَى، وَرَابِعًا رِجْلُهُ الْيُمْنَى، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُعَزَّرُ. وَيُغْمَسُ مَحَلُّ الْقَطْعِ بِزَيْتٍ أَوْ دُهْنٍ مُغْلًى، قِيلَ: هُوَ تَتِمَّةٌ لِلْحَدِّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ حَقُّ المَقْطُوعِ، فَمُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ

لم يفوضه الإمام

(1)

، أما بقية الحدود فمع كونها يمتنع التوكيل في استيفائها لا تقع موقعاً لو استوفت حينئذٍ (فإن سرق ثانيا بعد قطعها) واندمل القطع الأول (فرجله اليسرى) هي التي تقطع (و) إن سرق (ثالثا) قطعت (يده اليسرى، و) إن سرق (رابعا) قطعت (رجله اليمنى)؛ لخبر الشافعي بذلك، أما قبل قطعها فسيأتي. هذا كله حيث لا زائدة وشبهها على معصمه وإلا قطعت أصلية إن تميزت وأمكن استيفاؤها بدون الزائدة، أما إن لم تتميز الأصلية من غيرها فتقطع أحدهما، أو لم يمكن استيفاء الأصلية بدون الزائدة فتقطعان

(2)

، نعم قولهم ((ثم فإن لم تتميز الزائدة عن الأصلية بأن كانتا أصليتين أو إحداهما ولم تتميز)) غامض إذ كيف يعلم مع عدم التميز أنهما أصليتان تارة أو إحداهما فقط تارة أخرى؟ وقد يجاب بتصور ذلك بأن يخلقا معا أو مرتبا ويستويا فيحكم على كل من الأوليين بالأصالة وعلى إحدى الأخريين بالأصالة فقط، وليس مجرد التقدم مقتضيا للأصالة فإن لم يكن له إلا زائدة قطعت وإن فقدت أصابعها. وتقطع إحدى أصليتين في سرقة والأخرى في أخرى كزائدة صارت بعد قطع الأصلية أصلية بأن صارت عاملة فتقطع في سرقة أخرى، وتُعرف الزيادة بنحو فحش قصر ونقص أصبع وضعف بطش، (وبعد ذلك) أي قطع الأربع إذا سرق، أو سرق أولا ولا أربع له (يعزر)؛ لأنه لم يرد فيه شيء يُعْتَدُّ به. أما إذا لم يكن له الأربع فيقطع في الأولى ما يؤخذ في الثانية، بل الرابعة بأن لم يكن له إلا رجل يمنى; لأنه لما لم يوجد ما قبلها تعلق الحق بها. (ويغمس) ندبا (محل قطعه بزيت) خُصَّ كأنه لكونه أبلغ (أو دهن) آخر (مُغْلَى

(3)

؛ لصحة الأمر به (قيل هو) أي الحسم (تتمة للحد) فيلزم الإمام فعله هنا لا في القود؛ لأن فيه مزيد إيلام يحمل المقطوع على تركه (والأصح أنه حق المقطوع) ; لأنه تداو يدفع الهلاك بنزف الدم، ومن ثم لم يجبر على فعله (فمؤنته عليه) هنا، وكذا على الأول ما لم يجعله الإمام

(1)

. وتقدم أن يد السارق معصومة على مثلها سواء المسروق منه وغيره 8/ 399.

(2)

. خلافا لهما فاعتدا أنه لا تقطع يدان مطلقا بسرقة واحدة حتى إذا لم يمكن قطع أحدهما بدون الأخرى انتقل لما بعدهما.

(3)

. ومال المغني إلى جعل الزيت للحضري والنار للبدوي.

ص: 188

وَلِلْإِمَامِ إهْمَالُهُ. وَتُقْطَعُ الْيَدُ مِن كُوعِ، وَالرِّجْلُ مِنْ مَفْصِلِ الْقَدَمِ. وَمَنْ سَرَقَ مِرَارًا بِلَا قَطْعٍ كَفَتْ يَمِينُهُ. وَإِنْ نَقَصَتْ أَرْبَعَ أَصَابِعَ قُلْتُ: وَكَذَا لَوْ ذَهَبَتِ الخَمْسُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَتُقْطَعُ يَدٌ زَائِدَةٌ إِصْبَعًا فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ سَرَقَ فَسَقَطَتْ يَمِينُهُ بِآفَةٍ سَقَطَ الْقَطْعُ، أَوْ يَسَارُهُ فَلَا عَلَى المَذْهَبِ

من بيت المال كأجرة الجلاد (وللإمام إهماله) ما لم يؤدِّ تركه لتلفه؛ لتعذر فعله من المقطوع بنحو إغماء، وعليه إن تركه الإمام لزم كل من علم به وقدر عليه أن يفعله به. (وتقطع اليد من كوع)؛ للاتباع (و) تقطع (الرجل من مفصل القدم) وهو الكعب كما فعله عمر رضي الله عنه. (ومن سرق مرارا بلا قطع) لم يلزمه إلا حد واحد، وإنما (كفت يمينه) عن الكل؛ لاتحاد السبب فتداخلت؛ لوجود الحكمة وهي الزجر وكما لو زنى بكرا أو شرب مرارا. ولو سرق بعد قطع اليمنى مرارا كفى قطع الرجل عن الكل وهكذا على قياس ما ذكر. ويكفي قطع اليمين أو غيرها مما يجب قطعه (وإن نقصت أربع أصابع، قلت: وكذا) تجزئ و (لو ذهبت الخمس) الأصابع منها (والله أعلم)؛ لإطلاق اسم اليد عليها حينئذ مع وجود الزجر بما حصل له من الإيلام والتنكيل، ومن ثم أجزأت وإن سقط بعض كفها أيضا (وتقطع يد) أو رجل (زائدة أصبعا) فأكثر (في الأصح)؛ لشمول اسم اليد لها. (ولو سرق فسقطت يمينه بآفة) أو ظلما أو قودا أو شلت وخشي من قطعها نزف الدم (سقط القطع) ولم تقطع رجله؛ لتعلق الحق بعينها فسقط بفواتها، (أو) سقطت (يساره) بذلك مع بقاء اليمين (فلا) يسقط القطع (على المذهب)؛ لبقاء محل القطع

(1)

.

(1)

. انظر اختلاف الشراح فيما لو أخرج السارق يساره للجلاد فقطعها في حاشية عبد الحميد.

ص: 189

‌باب قاطع الطريق

هُوَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ لَهُ شَوْكَةٌ، لَا مُخْتَلِسُونَ يَتَعَرَّضُونَ لِآخِرِ قَافِلَةٍ يَعْتَمِدُونَ الهَرَبَ، وَاَلَّذِينَ يَغْلِبُونَ شِرْذِمَةً بِقُوَّتِهِمْ قُطَّاعٌ فِي حَقِّهِمْ، لَا لِقَافِلَةٍ عَظِيمَةٍ، وَحَيْثُ يَلْحَقُ غَوْثٌ لَيْسَ بِقُطَّاعٍ،

(باب قاطع الطريق

(1)

)

الأصل فيه قوله تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} المائدة: 33 .. الآية (هو مسلم) لا حربي وهو واضح; لأنه غير ملتزم لأحكامنا فلا يضمن نفسا ولا مالا، ومثله في عدم كونه قاطعا المعاهد والمستأمن، ولا ذمي ولا مرتد (مكلف) أو سكران مختار ولو قنا وامرأة، فلا عقوبة على صبي ومجنون ومكره وإن ضمنوا النفس والمال (له شوكة) أي قوة وقدرة ولو واحدا يغلب جمعا أو يساويهم وقد تعرَّض للنفس أو البضع أو المال مجاهرا (لا مختلسون يتعرضون لآخر قافلة) مثلا (يعتمدون الهرب)؛ لانتفاء الشوكة فحكمهم قودا وضمانا كغيرهم، والفرق أن ذا الشوكة يُعَزُّ دفعه بغير السلطان فغلظت عقوبته؛ ردعا له بخلاف نحو المختلس. (والذين يغلبون شرذمة بقوتهم قطاع في حقهم)؛ لاعتمادهم على الشوكة بالنسبة إليهم (لا لقافلة عظيمة)؛ إذ لا قوة لهم بالنسبة إليهم فالشوكة أمر نسبي، فلو فقدت الشوكة بالنسبة لجمع يقدرون على دفعهم لكن استسلموا لهم حتى قتلوهم وأخذوا أموالهم لم يكونوا قطاعا; لأنهم مضيعون فلم يصدر ما فعله أولئك عن شوكتهم بل عن تفريط الآخرين كذا أطلقوه والمعتمد أنهم قطاع؛ لأن الأوجه أنّ مجرد العدد والعدة لا تحصل الشوكة بل لا بد معه من اتفاق الكلمة ومطاع وعزم على القتال وهذا شأن القطاع لا القوافل، وعليه فالشوكة يكفي فيها فرض المقاومة بتقدير اجتماع الكلمة وما مر معه، فمتى كان احتمال غلبة القطاع غير نادرة في حقهم كفى في إثبات عقوبة القاطع في حقهم غَلبوا أم غُلبوا؛ لحصول إخافة السبيل بهم، (وحيث يلحق غوث) يمنع شوكتهم لو استغاثوا (ليسوا بقطاع) بل منتهبون

(1)

. ولبعض القافلة أن يشهدوا على قطاع الطريق أنهم قطعوا الطريق وتقبل شهادتهم ما لم يقولوا: ((علينا))، ذكره الشارح قبيل الشركة 5/ 281.

ص: 190

وَفَقْدُ الْغَوْثِ يَكُونُ لِلْبُعْدِ أَوْ لِضَعْفٍ وَقَدْ يَغْلِبُونَ وَالحَالَةُ هَذِهِ فِي بَلَدٍ فَهُمْ قُطَّاعٌ. وَلَوْ عَلِمَ الْإِمَامُ قَوْمًا يُخِيفُونَ الطَّرِيقَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا وَلَا نَفْسًا عَزَّرَهُمْ بِحَبْسٍ وَغَيْرِهِ. وَإِذَا أَخَذَ الْقَاطِعُ نِصَابَ السَّرِقَةِ قَطَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى، فَإِنْ عَادَ فَيُسْرَاهُ وَيُمْنَاهُ

(وفقد الغوث يكون للبعد) عن العمران أو السلطان (أو لضعف) بأهل العمران أو بالسلطان أو بغيرهما كأن دخل جمع دارا وشهروا السلاح ومنعوا أهلها من الاستغاثة فهم قطاع في حقهم وإن كانوا بحضرة السلطان وقوته (وقد يغلبون والحالة هذه) أي وقد ضعف السلطان أو بَعُد هو أو أعوانه (في بلد)؛ لعدم من يقاومهم من أهلها (فهم قطاع) كالذين بالصحراء وأولى؛ لعظم جراءتهم. (ولو علم الإمام قوما يخيفون الطريق) أو واحدا (ولم يأخذوا مالا) نصابا (ولا) قتلوا (نفسا عزرهم) وجوبا ما لم ير المصلحة في تركه (بحبس وغيره)؛ ردعا لهم عن هذه الورطة العظيمة، وبالحبس فسر النفي في الآية، ومن ثم كان أولى من غيره فلا يتعين، وله جمع غيره معه. ويرجع في قدره وقدر غيره وجنسه لرأي الإمام، والأولى أن يستديمه إلى أن تظهر توبته وأن يكون بغير بلده. وأفهم قوله ((عَلِمَ)) أن له الحكم بعلمه هنا لما فيه من حق الآدمي (وإذا أخذ القاطع) مع توفر شروط السرقة كخُلُوٍّ عن شبهة وأخذ من الحرز، أي كأن يكون مع المسروق أو بقربه ملاحظ بشرطه السابق من قوته أو قدرته على الاستغاثة (نصاب السرقة) ولو لجمع اشتركوا فيه واتحد حرزه وتعتبر قيمة محل الأخذ -بفرض أن لا قطاع ثَم- إن كان محل بيع وإلا فأقرب محل بيع إليه. ويثبت قطع الطريق برجلين لا بغيرهما إلا بالنسبة للمال وطلب المالك نظير ما مر في السرقة (قطع يده اليمنى)؛ للمال كالسرقة (ورجله اليسرى)؛ للمحاربة، ومع ذلك هو حد واحد، وخولف بينهما؛ لئلا تفوت المنفعة كلها من جانب واحد. ولو فقدت إحداهما -ولو قبل أخذ المال ولو لشللها وعدم أمن نزف الدم- اكتفى بالأخرى. ولو عكس ذلك بأن قطع يده اليسرى ورجله اليمنى أساء واعتد به؛ لصدق الآية به بخلاف ما لو قطع مع يمناه رجله اليمنى فيلزمه قودها بشرطه وإلا فديتها فتقطع رجله اليسرى بعد الاندمال (فإن) فقدتا قبل الأخذ أو (عاد) ثانيا بعد قطعهما إلى أخذ المال (فيسراه ويمناه) يقطعان؛ للآية.

ص: 191

وَإِنْ قَتَلَ قُتِلَ حَتْمًا. وَإِنْ قَتَلَ وَأَخَذَ مَالًا قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ ثَلَاثًا ثُمَّ يُنَزَّلُ، وَقِيلَ يَبْقَى حَتَّى يَسِيلَ صَدِيدُهُ، وَفِي قَوْلٍ يُصْلَبُ قَلِيلًا ثُمَّ يُنَزَّلُ فَيُقْتَلُ. وَمَنْ أَعَانَهُمْ وَكَثَّرَ جَمْعَهُمْ عُزِّرَ بِحَبْسٍ وَتَغْرِيبٍ وَغَيْرِهِمَا، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ التَّغْرِيبُ إلَى حَيْثُ يَرَاهُ. وَقَتْلُ الْقَاطِعِ يُغَلَّبُ فِيهِ مَعْنَى الْقِصَاصِ، وَفِي قَوْلٍ الحَدِّ. فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُقْتَلُ بِوَلَدِهِ وَ ذِمِّيٍّ. وَلَوْ مَاتَ فَدِيَةٌ. وَلَوْ قَتَلَ جَمْعًا قُتِلَ بِوَاحِدٍ، وَلِلْبَاقِينَ دِيَاتٌ

(وإن قتل) قتلا يوجب القود وإن كان القتل بجرح مات منه بعد أيام قبل الظفر به والتوبة (قُتِل حتما

(1)

; لأن المحاربة تفيد زيادة ولا زيادة هنا إلا التَّحَتُّم فلا يسقط بعفو مستحق القود، ويستوفيه الإمام؛ لأنه حق الله تعالى. (وإن قتل) قتلا يوجب القود (وأخذ مالا) يقطع به في السرقة (قتل) بلا قطع (ثم) غسل ثم كفن ثم صلي عليه ثم (صلب) مكفنا معترضا على نحو خشبة، ولا يقدم الصلب على القتل; لأنه زيادة تعذيب (ثلاثا) من الأيام بلياليها وجوبا؛ ليشتهر الحال ويتم النكال (ثم ينزل) إن لم يخف تغيره قبلها وإلا أنزل حينئذ، (وقيل يبقى) وجوبا (حتى) يتهرى و (يسيل صديده)؛ تغليظا عليه، ويندب أن يكون محل قتله وصلبه محل محاربته إلا أن لا يمر به من ينزجر به فأقرب محل إليه (وفي قول يصلب) حيا (قليلا) أي أدنى زمن ينزجر به عرفا غيره (ثم ينزل فيقتل) ; لأن الصلب عقوبة فيفعل به حيا. وأفهم ترتيبه الصلب على القتل أنه يسقط بموته حتف أنفه وبقتله لغير هذه الجهة كقود في غير المحاربة؛ لسقوط التابع بسقوط متبوعه. (ومن أعانهم وكثَّر جمعهم) ولم يزد على ذلك (عُزِّر بحبس وتغريب) أو أحدهما أو (وغيرهما) كسائر المعاصي (وقيل يتعين التغريب إلى حيث يراه) الإمام وما تقتضيه المصلحة (وقتل القاطع) المتحتم (يغلب فيه معنى القصاص) ; لأن الأصل فيما اجتمع فيه حق الله وحق الآدمي تغليب حق الآدمي؛ لبنائه على الضيق (وفي قول الحد)؛ إذ لا يصح العفو عنه ويستقل الإمام باستيفائه (فعلى الأول) الأصح تلزمه الكفارة. و (لا يقتل بولده وذمي) وقن؛ للأصالة أو لعدم الكفاءة بل تلزمه الدية أو القيمة (و) على الأول أيضا (لو مات) القاتل بلا قتل (فدية) للمقتول في ماله إن كان حرا وإلا فقيمته، (و) عليه أيضا (لو قتل جمعا) معا (قتل بواحد وللباقين ديات) فإن قتلهم مرتبا قتل بالأول.

(1)

. نعم تقد م في كتاب البغاة أنه لو أظهر قوم رأي الخوارج وقاتلونا فهم قطاع طريق ومع ذلك لو قتلوا شخصا لم يتحتم قتلهم 9/ 68.

ص: 192

وَلَوْ عَفَا وَلِيُّهُ بِمَالٍ وَجَبَ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ وَيُقْتَلُ حَدًّا. وَلَوْ قَتَلَ بِمُثْقَلٍ أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ فُعِلَ بِهِ مِثْلُهُ. وَلَوْ جَرَحَ فَانْدَمَلَ لَمْ يَتَحَتَّمْ قِصَاصٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَتَسْقُطُ عُقُوبَاتٌ تَخُصُّ الْقَاطِعَ بِتَوْبَتِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، لَا بَعْدَهَا عَلَى المَذْهَبِ، وَلَا تَسْقُطُ سَائِرُ الحُدُودِ بِهَا فِي الْأَظْهَرِ

(و) عليه أيضا (لو عفا وليه بمال وجب وسقط القصاص ويقتل حدا) كما لو وجب قود على مرتد فعفا عنه وليه (و) عليه أيضا لو تاب قبل القدرة عليه لم يسقط القتل، و (لو قتل بمثقل أو بقطع عضو فُعِل به مثله، و) يختص التحتم بالقتل والصلب دون غيرهما، فحينئذ (لو جرح) جرحا فيه قود كقطع يد (فاندمل) أو قتل عقبه (لم يتحتم قصاص) فيه في ذلك الجرح (في الأظهر) بل يتخير المجروح بين القود والعفو على مال أو غيره; لأن التحتم تغليظ لحق الله تعالى فاختص بالنفس كالكفارة. أما إذا سرى إلى النفس فيتحتم القتل كما مر. (وتسقط عقوبات تخص القاطع) من تحتم قتل وصلب وقطع رجل وكذا يد (بتوبة) عن قطع الطريق (قبل القدرة عليه) وإن لم يصلح عمله؛ للآية بخلاف ما لا يخصه كالقود وضمان المال، (لا بعدها) وإن صلح عمله (على المذهب)؛ لمفهوم الآية وإلا لم يكن لـ ((قبل)) فيها فائدة، والفرق أنها قبلها لا تهمة فيها وبعدها فيها تهمة دفع الحد. ولو ادعى بعد الظفر به سبق توبة قبله وظهرت أمارة صدقه لم يصدق؛ للتهمة، نعم إن أقام بها بينة قبل. (ولا تسقط سائر الحدود) المختصة بالله تعالى كحد زنا وسرقة وشرب مسكر (بها) أي بالتوبة قبل الرفع وبعده ولو في قاطع الطريق (في الأظهر)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((حد من ظهرت توبته)) بل من أخبر عنها بعد قتلها أنها تابت، نعم تارك الصلاة يسقط حده بها عليهما

(1)

، وكذا ذمي

(2)

زنى ثم أسلم. والخلاف في الظاهر أما فيما بينه وبين الله تعالى فحيث صحت توبته سقط بها سائر الحدود قطعا، ومن حُدَّ في الدنيا لم يعاقب في الآخرة على ذلك الذنب بل على الإصرار عليه إن لم يتب.

(1)

. أي الأظهر ومقابله.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 193

فصل

مَنْ لَزِمَهُ قِصَاصٌ وَقَطْعٌ وَحَدُّ قَذْفٍ وَطَالَبُوهُ جُلِدَ ثُمَّ قُطِعَ ثُمَّ قُتِلَ، وَيُبَادَرُ بِقَتْلِهِ بَعْدَ قَطْعِهِ لَا قَطْعِهِ بَعْدَ جَلْدِهِ إنْ غَابَ مُسْتَحِقُّ قَتْلِهِ، وَكَذَا إنْ حَضَرَ وَقَالَ عَجِّلُوا الْقَطْعَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ النَّفْسِ حَقَّهُ جُلِدَ فَإِذَا بَرِأَ قُطِعَ، وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ طَرَفٍ جُلِدَ، وَعَلَى مُسْتَحِقِّ النَّفْسِ الصَّبْرُ حَتَّى يُسْتَوْفَى الطَّرَفُ فَإِنْ بَادَرَ فَقَتَلَ فَلِمُسْتَحِقِّ الطَّرَفِ دِيَةٌ، وَلَوْ أَخَّرَ مُسْتَحِقُّ الجَلْدِ حَقَّهُ فَالْقِيَاسُ صَبْرُ الْآخَرِينَ

(فصل) في اجتماع عقوبات على شخص واحد

(من لزمه قصاصٌ) في النفس (وقطعٌ) لطرف قصاصا (وحدُّ قذفٍ) وتعزير لأربعة (وطالبوه) عُزِّر وإن تأخر، ثم (جلد) للقذف (ثم قطع ثم قتل)؛ تقديما للأخف فالأخف؛ لأنه أقرب إلى استيفاء الكل، (ويبادر بقتله بعد قطعه) بلا مهلة بينهما فتجب الموالاة; لأن الفرض أن المستحق مطالِب والنفس مستوفاة، (لا قطعه بعد جلده) فلا تجوز المبادرة به (إن غاب مستحق قتله) ; لأنه قد يهلك بالموالاة فيفوت قود النفس، (وكذا إن حضر وقال عجلوا القطع) وأنا أبادر بعده بالقتل وخيف موته بالموالاة بين الجلد والقطع (في الأصح)؛ لأنه قد يهلك بالموالاة فيفوت القتل قودا مع أن له مصلحة هي سقوط العقاب عنه به في الآخرة. أما لو لم يخف موته بالموالاة فيعجل جزما، وأما لو كان به مرض مخوف يخشى منه موته بالجلد إن لم يبادر بالقطع فيبادر به وجوبا. وخرج بطالبوه ما لو طالبه بعضهم فله أحوال، فحينئذ (إذا أخر مستحق النفس حقه) وطالب الآخران (جلد فإذا برَِأ قطع) ولا يُوالى بينهما خوف الموت فيفوت قود النفس (ولو أخر مستحق طرف) وطالب الآخران (جلد وعلى مستحق النفس الصبر حتى يستوفى الطرف)؛ لئلا يفوت حقه (فإن بادر) مستحق النفس (فقتل) فقد استوفى حقه ولكنه يعزر؛ لتعديه، وحينئذ (فلمستحق الطرف دية) في تركة المقتول؛ لفوات محل الاستيفاء (ولو أخر مستحق الجلد حقه) وطالب الآخران (فالقياس صبر الآخرين) وجوبا حتى يستوفي حقه وإن تقدم استحقاقهما؛ لئلا يفوت حقه باستيفائهما أو استيفاء أحدهما ولو

ص: 194

وَلَوِ اجْتَمَعَ حُدُودٌ للهِ تَعَالَى قُدِّمَ الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ. أَوْ عُقُوبَاتٌ للهِ تَعَالَى، وَلِآدَمِيِّينَ قُدِّمَ حَدُّ قَذْفٍ عَلَى زِنًا، وَالْأَصَحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى حَدِّ الشُّرْبِ، وَأَنَّ الْقِصَاصَ قَتْلًا وَقَطْعًا يُقَدَّمُ عَلَى الزِّنَا

قطع نحو أنملة؛ لأن الجرح عظيم الخطر وربما أدى إلى الزهوق. (ولو اجتمع حدود لله تعالى) كأن زنى بكرا وسرق وشرب وارتد (قُدِّم) وجوبا (الأخف) منها (فالأخف)؛ حفظا لمحل القتل كحد الشرب ثم بعد برئه منه الجلد ثم بعد برئه القطع فالقتل، ويقدم التغريب على قطع السرقة

(1)

. ولو اجتمع قطع سرقة وقطع محاربة قطعت يده اليمنى لهما ثم رجله للمحاربة، أو قتل زنا وقتل ردة فعل الإمام

(2)

الأصلح من الرجم للزنا أو السيف للردة. ولو اجتمعا قتل الزنا وقتل الردة وقتل قطع الطريق قدم قتل قطع الطريق وإن قلنا أنه حد; لأنه حق آدمي. (أو) اجتمع (عقوبات) لله تعالى أو للآدمي واستوت خِفة أو غلظا قدم الأسبق فالأسبق وإلا فبالقرعة أو عقوبات (لله تعالى ولآدميين) كأن كان مع هذه حد قذف وكأن شرب وزنى وقذف وقطع وقتل (قدم) حق الآدمي إن لم يفوت حق الله تعالى أو كانا قتلا فيقدم (حد قذف) وقطع (على) حد (زنا)؛ لأن حق الآدمي مبني على المضايقة، ومن ثم قدم ولو أغلظ كما قال:(وإلا صح تقديمه) أي حد القذف وكذا القطع (على حد الشرب، و) الأصح (أن القصاص قتلا وقطعا يقدم على) حد (الزنا) إن كان رجما بالنسبة للقتل لا القطع كما تقرر تقديما لحق الآدمي بخلاف جلد الزنا وتغريبه وحد الشرب فإنهما يقدمان على القتل؛ لئلا يفوتا. ولو اجتمع مع الحدود تعزير قدم عليها كلها كما علم مما مر; لأنه أخفُّ وحقُّ آدميٍّ.

(1)

. خلافا للشيخ زكريا في شرح المنهج حيث اعتمد العكس.

(2)

. واعتمد النهاية الرجم والمغني القتل للردة.

ص: 195

‌كتاب الأشربة

كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ. وَحُدَّ شَارِبُهُ إلَّا صَبِيًّا وَمَجْنُونًا وَحَرْبِيًّا وَذِمِّيًّا وَمُوجَرًا

(كتاب الأشربة)

حقيقة الخمر عند أكثر أصحابنا المسكر من عصير العنب وإن لم يَقذِف بالزبد فتحريم غيرها قياسي، و لا يكفر مستحل المسكر

(1)

من عصير غير العنب؛ للخلاف فيه من حيث الجنس؛ لحل قليله على قول جماعة، أما المسكر بالفعل فهو حرام إجماعا بخلاف مستحله من عصير العنب الصرف الذي لم يطبخ ولو قطرة; لأنه مجمع عليه بل ضروري. (كل شراب أسكر كثيره) من خمر أو غيرها ومنه المتخذ من لبن الرمكة

(2)

فإنه مسكر مائع كما مر في النجاسات (حَرُم قليله

(3)

وكثيره؛ لخبر الصحيحين ((كل شراب أسكر فهو حرام)) (وحُدَّ شاربه) وإن لم يسكر أي متعاطيه؛ لما يأتي أن الحد لا يتوقف على الشرب وإن اعتقد إباحته؛ لضعف أدلته ولأن العبرة في الحدود بمذهب القاضي لا المتداعيين. وخرج بالشراب ما حرم من الجامدات فلا حد فيها وإن حرمت وأسكرت بل التعزير؛ لانتفاء الشدة المطربة عنها ككثير البنج والزعفران والعنبر والجوزة والحشيشة المعروفة، ولا حد بمذابها الذي ليس فيه شدة مطربة بخلاف جامد الخمر؛ نظرا لأصلهما بل التعزير الزاجر له عن هذه المعصية الدنيئة. ومن أقبح الكبائر استعمال نحو النباتات التي تمسخ البدن والعقل، ولا حجة لمستعملي ذلك في قولهم إن تركنا له يؤدي للقتل فصار واجبا علينا; لأنه يجب عليهم التدرج في تنقيصه شيئا فشيئا وإلا فهم فسقة آثمون لا عذر لهم ولا لأحد في إطعامهم إلا قدر ما يحيي نفوسهم لو فرض فوتها بفقده، وحينئذ يجب على من رأى فاقده وخشي عليه ذلك إطعامه ما يحيا به لا غير كإساغة اللقمة بالخمر الآتية. ويحرم شرب ما ذكر ويحد شاربه (إلا صبيا ومجنونا)؛ لرفع القلم عنهما لكن ينبغي تعزير المميز على قياس ما مر (وحربيا) أو معاهدا؛ لعدم التزامه (وذميا) ; لأنه لم يلتزم بالذمة مما لا يعتقده إلا ما يتعلق بالآدميين (وموجرا) مسكرا مقهرا؛ إذ لا صنع له.

(1)

. ظاهره ولو كثيرا وفاقا لإطلاق المغني وخلافا للنهاية حيث عبَّر بقدر لا يسكر.

(2)

. أي الفرس في أول نتاجها.

(3)

. وذكر الشارح في باب ما يحرم من النكاح أن للحنفي منع زوجته الحنفية من تناول نبيذ تعتقد حله 7/ 297.

ص: 199

وَكَذَا مُكْرَهٌ عَلَى شُرْبِهِ عَلَى المَذْهَبِ. وَمَنْ جَهِلَ كَوْنَهَا خَمْرًا لَمْ يُحَدَّ، وَلَوْ قَرُبَ إسْلَامُهُ فَقَالَ: جَهِلْتُ تَحْرِيمَهَا لَمْ يُحَدَّ، أَوْ جَهِلْتُ الحَدَّ حُدَّ. وَيُحَدُّ بِدُرْدِيِّ خَمْرٍ، لَا بِخُبْزٍ عُجِنَ دَقِيقُهُ بِهَا، وَمَعْجُونٍ هِيَ فِيهِ، وَكَذَا حُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ غَصَّ بِلُقْمَةٍ أَسَاغَهَا بِخَمْرٍ إنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا. وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُهَا لِدَوَاءٍ

(وكذا مكره على شربها على المذهب)؛ لرفع القلم عنه، ويلزمه -ككل آكل أو شارب- حرام تقيؤه إن أطاقه

(1)

، ولا نظر إلى عذره وإن لزمه التناول; لأن استدامته في الباطن انتفاع به وهو محرم وإن حل ابتداؤه؛ لزوال سببه. ومن حُدَّ ثم شرب المسكر حال سكره في الشرب الأول حُدَّ ثانيا

(2)

. (ومن جهل كونها خمرا) فشربها ظانا إباحتها (لم يحد)؛ لعذره، ويصدق بعد صحوه بيمينه إذا ادعى هذا أو الإكراه أي وبَيَّن معنى الإكراه إن لم يعلم منه أنه يعرفه (ولو قرب إسلامه فقال جهلت تحريمها لم يحد) ; لأنه قد يخفى عليه ذلك والحد يدرأ بالشبهة، ويؤخذ منه

(3)

أن من نشأ بين أظهرنا بحيث تقضي قرينة حاله بأن تحريمها لا يخفى عليه حُدَّ (أو) قال علمت التحريم و (جهلت الحد حُدَّ)؛ إذ كان عليه -إذ علم التحريمَ- أن يتجنبها. (ويحد بدردي خمر) أو مسكر آخر وهو ما يبقى آخر إنائها؛ لأنه منها، وكذا بثخينها إذا أكله (لا بخبز عجن دقيقه بها) ; لأن عينها اضمحلت بالنار ولم يبق إلا أثرها وهو النجاسة (ومعجون هي فيه) وماء فيه بعضها والماء غالب بصفاته؛ لاستهلاكها (وكذا حقنة وسَعوط) لا يحد بهما (في الأصح) وإن حصل منهما إسكار; لأن الحد للزجر ولا حاجة إليه هنا إذ لا تدعو إليه النفس. (ومَن غَص بلقمة) وخاف الهلاك منها إن لم تنزل إلى الجوف ولم يمكنه إخراجها، وخصوص الهلاك شرط للوجوب الآتي لا لمجرد الإباحة (أساغها) وجوبا (بخمر إن لم يجد غيرها)؛ إنقاذا للنفس من الهلاك ولا حد. (والأصح تحريمها) صرفا

(4)

(لدواء) لمكلف أو صبي أو مجنون؛ لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم ((قال لمن سأله أنه يصنعها للدواء أنه ليس بدواء ولكنه داء))، أما مستهلكة مع دواء آخر فيجوز التداوي بها كصرف بقية النجاسات إن عرف

(1)

. ضبطه الشارح في كتاب الأطعمة أن لا يحصل منه مشقة لا تحمل عادة.

(2)

. عبارة المغني.

(3)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(4)

. أي خالصة.

ص: 200

وَعَطَشٍ، وَحَدُّ الحُرِّ أَرْبَعُونَ، وَرَقِيقٍ عِشْرُونَ، بِسَوْطٍ أَوْ يَدٍ أَوْ نِعَالٍ أَوْ أَطْرَافِ ثِيَابٍ، وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ سَوْطٌ. وَلَوْ رَأَى الْإِمَامُ بُلُوغَهُ ثَمَانِينَ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَالزِّيَادَةُ تَعْزِيرَاتٌ، وَقِيلَ حَدٌّ. وَيُحَدُّ بِإِقْرَارِهِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، لَا بِرِيحِ خَمْرٍ وَسُكْرٍ وَقَيْءٍ،

أو أخبره عدلُ طِبٍّ بنفعها وتعينها بأن لا يغني عنها طاهر، ويظهر في متنجس بخمر ونجس غيره أنه يجب تقديم هذا. ولو احتيج في نحو قطع يد متآكلة إلى زوال عقله جاز بغير مسكر مائع (و) جوع و (عطش) لمن ذكر ولو لبهيمة; لأنها لا تزيله، بل تزيده حرا؛ لحرارتها ويبوستها، نعم تجوز لمن أشرف على التلف عطشا. ومع تحريمها للدواء والعطش لا حَدَّ بها وإن وجد غيرها؛ للشبهة.

[تنبيه] يحرم إسقاؤها الحيوان؛ لأنها تضره سواء للعطش وغيره، والقياس حل إطعامها نحو حشيش وبنج للجوع وإن تخدرت، ويظهر جوازه لآدمي جاع ولم يجد غير ذلك وإن تخدر; لأن المخدر لا يزيد في الجوع.

(وحد الحر أربعون)؛ لخبر مسلم الدال على ذلك (ورقيق) أي من فيه رق وإن قل (عشرون) ; لأنه على النصف من الحر، ويجلد ما ذكر القوي السليم (بسوط أو أيد أو نعال أو أطراف ثياب)؛ للاتباع، ولا بد في طرف الثوب من فتله وشده حتى يؤلم، (وقيل يتعين سوط) ; لأن غيره لا يحصل به الزجر. أما النضو ولو خلقة فيجلد بنحو عثكال ولا يجوز بسوط (ولو رأى الإمام بلوغه) أي حد الحر (ثمانين) جلدة (جاز في الأصح)؛ لما مر عن عمر رضي الله عنه لكن الأولى أربعون (والزيادة) على الأربعين (تعزيرات)؛ إذ لو كانت حدا لم يجز تركها لكن لو كانت تعزيرات جازت زيادتها فالوجه

(1)

أن فيها شائبة من كل منهما، (وقيل حد) أي ومع ذلك لو مات بها ضمن

(2)

. (ويحد بإقراره أو شهادة رجلين) - وإن لم يقل

(3)

مختاراً عالماً -أو علم السيد دون غيره نظير ما مر في السرقة (لا بريح خمر، و) هيئة (سكر وقيء)؛ لاحتمال أنه احتقن أو استعط بها أو أنه شربها مع عذر لغلط أو إكراه وحد عثمان رضي الله عنه بالقيء اجتهاد له.

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا ما في المتن.

(2)

. خلافا للنهاية.

(3)

. أي المقر أو الشاهد.

ص: 201

وَيَكْفِي فِي إقْرَارٍ وَشَهَادَةٍ شَرِبَ خَمْرًا، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ وَهُوَ عَالِمٌ بِهِ مُخْتَارٌ. وَلَا يُحَدُّ حَالَ سُكْرِهِ، وَسَوْطُ الحُدُودِ بَيْنَ قَضِيبٍ وَعَصًا وَ رَطْبٍ وَيَابِسٍ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْأَعْضَاءِ إلَّا المَقَاتِلَ وَالْوَجْهَ، قِيلَ وَالرَّأْسَ، وَلَا تُشَدُّ يَدُهُ، وَلَا تُجَرَّدُ ثِيَابُهُ،

(ويكفي في إقرار وشهادة (شَرِب خمرا) أو شربتُ أو شرب مما شرب منه فلان فسكر وساغ له ذلك في شرب النبيذ; لأنه قد يسمى خمرا شرعا، (وقيل يشترط) في كل من المقر والشاهد أن يقول شربها (وهو عالم) به (مختار) كالشهادة بالزنا، ويزيد أيضا (من غير ضرورة)، ومحل الخلاف حيث لم يَرْتَبْ الحاكم في الشهود وإلا وجب الاستفصال جزما، وقياسه أنه إذا ارتاب في عقل الشارب لزمه ذلك أيضا. (ولا يحد حال سكره) فيحرم ذلك؛ لفوات مقصوده من الزجر مع فوات رجوعه إن كان أقر، فإن حد والحال أنه لم يصر ملقى لا حركة فيه اعتد به، وكذا يجزئ في المسجد وإن كره فيه

(1)

. (وسوط

(2)

الحدود) والتعازير يكون (بين قضيب) أي غصن رقيق جدا (وعصا) غير معتدلة (و) بين (رطب ويابس) بأن يعتدل عرفا جرمه ورطوبته؛ ليحصل به الزجر مع عدم خشية نحو الهلاك فيمتنع كونه ليس كذلك; لأنه إما يخشى منه الضرر الشديد أو لا يؤلم (ويفرقه) أي السوط من حيث العدد (على الأعضاء) وجوبا؛ لئلا يعظم ألمه بالموالاة في موضع واحد، ومن ثم لا يرفع عضده حتى يرى بياض إبطه كما لا يضعه وضعا لا يؤلم (إلا المَقَاتِل) كثغرة نحر وفرج؛ لأن القصد زجره لا إهلاكه (والوجه) فيحرم ضربهما؛ لأمر علي كرم الله وجهه بالأول ونهيه عن الأخيرين والرأس فإن جلده على مقتل فمات فلا ضمان، (قيل والرأس)؛ لشرفه، وردَّ بأنه مستور بالشعر غالباً، ومحل الخلاف إن لم يقل طبيب عدل رواية بإضراره ضررا يبيح التيمم وإلا حرم جزما; لأن الحد لا يتوقف عليه، (ولا تشدُّ يده) بل تترك؛ ليتقي بها إن شاء وليضرب غير ما وضعها عليه; لأن وضعها بمحل يدل على شدة تألمه بضربه، ويجلد الرجل قائما والمرأة جالسة، ويحرم إلقاؤه على وجهه بخلاف مده فيكره (ولا تجرد ثيابه) التي لا تمنع ألم الضرب أي يكره ذلك أيضا بخلاف نحو جبة محشوة بل ينبغي وجوب تجريدها إن منعت وصول الألم المقصود، وتؤمر وجوبا أيضا امرأة أو محرم بشد ثياب المرأة عليها كلما تكشفت ولا يتولى الجلد إلا رجل

(1)

. قيد النهاية الكراهة بعدم التلويث.

(2)

. وهو المتخذ من سيور تلوى وتلف.

ص: 202

وَيُوَالِي الضَّرْبَ بِحَيْثُ يَحْصُلُ زَجْرٌ وَتَنْكِيلٌ.

فصل

يُعَزَّرُ فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ لَهَا وَلَا كَفَّارَةَ

ويحسن أن يضرب المتهافت على المعاصي في الملأ وذا الهيئة يضرب في الخلاء. والخنثى كالمرأة لكن لا يتولى نحو شد ثيابها إلا محرم فقط (ويوالى الضرب) عليه (بحيث يحصل) له (زجر وتنكيل) بأن يضرب في كل مرة ما يؤلمه ألماً له وقع ثم يضرب الثانية وقد بقي ألم الأول، فإن فات شرط من ذلك لم يعتد به وحرم.

(فصل) في التعزير

(يُعَزَّرُ في كل معصية

(1)

لله أو لآدمي (لا حد فيها) أراد به ما يشمل القود ليدخل نحو قطع طرف (ولا كفارة) سواء كانت تلك المعصية مقدمة لما فيه حد وغيرها إجماعا ولأمره تعالى الأزواج بالضرب عند النشوز ولما صح من فعله صلى الله عليه وسلم. وما ذكره المصنف هو الأصل، وقد ينتفي هذا الأصل بأن يفعل معصية لا حد فيها ولا كفارة ولا يعزر عليها كذوي الهيئات -وهم من لم يُعْرف بالشر- على الصغائر فيحرم تعزيرهم؛ للحديث المشهور ((أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود))، وكمن رأى زانيا بأهله وهو محصن فقتله؛ لعذره بالحمية والغيظ، هذا إن ثبت ذلك وإلا حلّ له قتله باطنا وأقيد به ظاهرا، وكقطع الشخص أطراف نفسه. ولو دخل قوي ما حماه الإمام للضعفة فرعاه حرم وعُزِّر ومنع من الرعي و لكنه لا يغرم، ويؤيده تعزير مخالف تسعير الإمام وإن حرم على الإمام التسعير فهذا أولى، ومثله ما لو حمى أحد الرعية حمى ورعاه فلا يغرم؛ لأنه أحد المستحقين، وكمن قال لمخاصمه ابتداء ظالم فاجر أو نحوه؛ لأن أحدا لا يخلو عنها، وكردة

(2)

وقذفه لمن لاعنها وتكليفه قنه ما لا يطيق وضربه تعديا حليلته ووطئها في دبرها أول مرة في الكل، وكالأصل لحق فرعه ما عدا قذفه كما مر، وكتأخير قادر نفقة زوجة طلبتها أول النهار فإنه لا يحبس ولا يُوَكِّل به وإن أثم،

(1)

. والشرط في التعزير أن يعتقد الفاعل التحريم ويعتقده الحاكم أيضا، كما أفاده الشارح في كتاب الرجعة 8/ 153.

(2)

. أي ثم أسلم فلا يعزر إن كانت تلك المرة الأولى.

ص: 203

بِحَبْسٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ صَفْعٍ أَوْ تَوْبِيخٍ، وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي جِنْسِهِ وَقَدْرِهِ،

وكتعريض أهل البغي بسب الإمام. وقد يجامع التعزير الكفارة كمجامع حليلته نهار رمضان، وكالمظاهر، وحالف يمين غموس، وكقتل من لا يقاد به. وقد يجامع الحد وحده أو مع الكفارة كتعليق يد السارق في عنقه ساعة زيادة في نكاله، وكالزيادة على الأربعين في حد الشرب، وكمن زنى بأمه في الكعبة صائما رمضان معتكفا محرما فيلزمه الحد والعتق والبدنة ويعزر لقطع رحمه وانتهاك حرمة الكعبة. وقد يوجد التعزير حيث لا معصية كغير مكلف فعل ما يعزر به المكلف أو يحد، وكمن يكتسب باللهو المباح فيعزر المحتسب الآخذ والمعطي؛ للمصلحة، وكنفي المخنث للمصلحة وإن لم يرتكب معصية. ثم التعزير يكون

(1)

(بحبس أو ضرب) غير مبرح فإن علم أنه لا يزجره إلا المبرح لم يحل المبرح ولا غيره، وعليه فينبغي أنه ينتقل به إلى نوع آخر أعلى من الضرب فإن فرض أن جميع أنواع التعزير لا تفيد فيه كان نادرا فيفعل به أعلاها من غير نظر لذلك (أو صفع) وهو الضرب بجمع الكف أو بسطها (أو توبيخ) باللسان أو تغريب أو كشف رأس أو قيام من المجلس أو تسويد وجه أو حلق رأس أو لحية

(2)

وإركابه الحمار منكوسا والدوران به كذلك بين الناس وتهديده بأنواع العقوبات، ويتعين على الإمام أن يفعل من هذه الأنواع في حق كل مُعَزَّرٍ ما يراه لائقا به وبجنايته وأن يراعي في الترتيب والتدريج ما يراعيه في دفع الصائل فلا يرقى لرتبة وهو يرى ما دونها كافيا فـ ((أو)) التي في المتن للتنويع ويصح كونها لمطلق الجمع؛ إذ للإمام الجمع بين نوعين أو أكثر منها بحسب ما يراه. (ويجتهد الإمام في جنسه وقدره) كما تقرر؛ لأنه غير مقدر شرعا فوكل إلى رأيه واجتهاده؛ لاختلافه باختلاف مراتب الناس والمعاصي. وأفهم كلامه أنه ليس لغير الإمام استيفاؤه، نعم للأب والجد تأديب ولده الصغير والمجنون والسفيه للتعلم وسوء الأدب، ومثلهما الأم ومن نحو الصبي في كفالته. وللسيد تأديب قنه ولو لحق الله تعالى وللمعلم تأديب المتعلم منه لكن بإذن ولي المحجور، وللزوج تعزير زوجته لحقه كالنشوز لا لحق الله تعالى إن كان لا يبطل أو ينقص شيئا من حقوقه، نعم يلزمه

(3)

أمر زوجته بالصلاة في

(1)

. وذكر الشارح في باب ما يحرم النكاح أنه يعزر من قال أنه رأى الجن، أو منع التفضيل بين الأنبياء 7/ 297.

(2)

. خالفوه في اللحية.

(3)

. نعم ذكر الشارح في كتاب الصلاة أن الوجوب في الصغيرة على أبويها أوَّلا فالزوج 1/ 452.

ص: 204

وَقِيلَ إنْ تَعَلَّقَ بِآدَمِيٍّ لَمْ يَكْفِ تَوْبِيخٌ. فَإِنْ جُلِدَ وَجَبَ أَنْ يَنْقُصَ فِي عَبْدٍ عَنْ عِشْرِينَ جَلْدَةً وَحُرٍّ عَنْ أَرْبَعِينَ، وَقِيلَ مِنْ عِشْرِينَ، وَيَسْتَوِي فِي هَذَا جَمِيعُ المَعَاصِي فِي الْأَصَحِّ. وَلَوْ عَفَا مُسْتَحِقُّ حَدٍّ فَلَا تَعْزِيرَ لِلْإِمَامِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ تَعْزِيرٍ فَلَهُ فِي الْأَصَحِّ

أوقاتها وضربها

(1)

عليها إن توقف الفعل عليه ولم يخش أن يترتب عليه مشوش للعشرة يعسر تداركه كما أن له تأديب صغيرة للتعلم أو اعتياد الصلاة واجتناب المساوئ (وقيل إن تعلق بآدمي لم يكف توبيخ)؛ لتأكد حقه، وأفتى ابن عبد السلام بإدامة حبس من يكثر الجناية على الناس ولم ينفع فيه التعزير حتى يموت (فإن جلد وجب أن ينقص) عن أقل حدود المعزر فينقص (في عبد عن عشرين جلدة) ونصف سنة في الحبس والتغريب (وحر عن أربعين) جلدة وسنة فيهما (وقيل) يجب النقص فيهما (عن عشرين)؛ لخبر ((من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين)(ويستوي في هذا) أي النقص عما ذكر في كل قول (جميع المعاصي في الأصح. ولو عفا مستحق حد فلا تعزير

(2)

يجوز (للإمام في الأصح)؛ إذ لا نظر له فيه (أو) مستحق (تعزير فله) أي الإمام التعزير (في الأصح)؛ لتعلقه بنظره وإن كان لا يستوفيه إلا بعد طلب مستحقه، والفرق أنه بالعفو يسقط فيبقى حق الإصلاح لينكف عن نظير ذلك وقبل الطلب الإصلاح منتظر فلو أقيم لفات على المستحق حق الطلب وحصول التشفي.

[خاتمة] للإمام ترك التعزير لحق الله تعالى إن رآه مصلحة، ولا يجوز تركه إن كان لآدمي عند طلبه كالقصاص

.

(1)

. خلانا للأسنى والمغنى.

(2)

. ومر أن رجاء العفو عذر من أعذار الصلاة 2/ 274.

ص: 205

كتاب الصيال وضمان الولاة

لَهُ دَفْعُ كُلِّ صَائِلٍ عَلَى نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ أَوْ بُضْعٍ أَوْ مَالٍ. فَإِنْ قَتَلَهُ فَلَا ضَمَانَ. وَلَا يَجِبُ الدَّفْعُ عَنْ مَالٍ، وَيَجِبُ عَنْ بُضْعٍ،

(كتاب الصيال وضمان الولاة) والختان وضمان الدابة

الأصل فيه قوله تعالى {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة: 194. (له) أي الشخص المعصوم، وكذا غيره بالنسبة للدفع عن غير المعصوم، وكذا عن نفسه إن كان الصائل غير معصوم أيضا (دفع كل صائل

(1)

مكلف وغيره عند غلبة ظن صياله (على) معصوم له أو لغيره من (نفس أو طرف) أو منفعة (أو بضع) أو نحو قُبْلة محرمة. (أو مال) وإن لم يتمول واختصاص، وذلك؛ لما في الحديث الصحيح ((أن من قُتِل دون دمه أو ماله أو أهله فهو شهيد)). وإذا صيل على الكل قدم النفس وما يسري إليها كالجرح فالبضع فالمال الخطير فالحقير إلا أن يكون لذي الخطير غيره، أو صيل على صبي بلواط وامرأة بزنا قدّم الثاني

(2)

، ولو قيل إن كانت المرأة في مظنة الحمل قدم الدفع عنها; لأن خشية اختلاط الأنساب أغلظ في نظر الشارع من غيرها وإلا قدم الدفع عنه لم يبعد. (فإن قتله) بالدفع على التدريج الآتي (فلا ضمان) بشيء وإن كان صائلا على نحو مال الغير; لأنه مأمور بدفعه وذلك لا يجامع الضمان غالبا، نعم يحرم دفع المضطر لماء أو طعام ويلزم صاحب المال تمكينه والمكره على إتلاف مال الغير بل يلزم مالكه أن يقي روحه أي مثلا بماله، نعم إن عُدَّ المُكْرَه به حقيرا محتملا عرفا في جنب قتل الحيوان لم يجز قتله حينئذ (ولا يجب الدفع عن مال) غير ذي روح لنفسه من حيث كونه مالا; لأنه يباح بالإباحة، نعم يجب الدفع عن مال نفسه إذا تعلق به حق للغير كرهن وإجارة، وأما ذو الروح فيجب دفع مالكه وغيره عن نحو إتلافه؛ لتأكد حقه، ويلزم الإمام ونوابه الدفع عن أموال رعاياهم (ويجب) إن لم يخف على نحو نفسه أو عضوه أو منفعته الدفع (عن بضع) ولو لأجنبية مهدرة; إذ لا سبيل لإباحته، بل يجب ولو

(1)

. ذكر الشارح في كتاب الصيد والذبائح أنه يدفع الجراد عن الزرع بالأخف الأخف فإن لم يندفع إلا بالحرق جاز، وكذا نحو القمل 9/ 318.

(2)

. وفاقا للنهاية واعتمد المغني التخيير.

ص: 209

وَكَذَا نَفْسٍ قَصَدَهَا كَافِرٌ، أَوْ بَهِيمَةٌ، لَا مُسْلِمٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَالدَّفْعُ عَنْ غَيْرِهِ كَهُوَ عَنْ نَفْسِهِ، وَقِيلَ يَجِبُ قَطْعًا. وَلَوْ سَقَطَتْ جَرَّةٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ عَنْهُ إلَّا بِكَسْرِهَا ضَمِنَهَا فِي الْأَصَحِّ

على نحو قبلة، ومر أن الزنا لا يباح بالإكراه فيحرم عليها الاستسلام لمن صال عليها ليزني بها مثلا وإن خافت على نفسها. (وكذا نفس قصدها كافر) محترم أو مهدر فيجب الدفع عنها; لأن الاستسلام له ذل ديني

(1)

فالأوجه اشتراط إسلام المصول عليه -ووجوب الدفع عن الذمي إنما يخاطب به الإمام لا الآحاد- لا احترامه

(2)

(أو بهيمة) ; لأنها تذبح لاستبقاء المهجة فكيف يستسلم لها!! (لا مسلم) محترم ولو غير مكلف فلا يجب دفعه (في الأظهر) بل يسن الاستسلام له؛ للخبر الصحيح ((كن خير ابني آدم))، أما غير المحترم كزان محصن وتارك صلاة وقاطع تحتم قتله فكالكافر. ويجب الدفع عن العضو عند ظن السلامة وعن نفس ظن بقتلها مفاسد في الحريم والمال. (والدفع عن غيره) مما مر بأنواعه (كهو عن نفسه) جوازا ووجوبا ما لم يخش على نفسه، نعم لو صال كافر على كافر لم يلزم المسلم دفعه عنه وإن لزمه دفعه عن نفسه. ولو صيل على ما بيده كوديعة لزمه الدفع عنه; لأنه التزم حفظه (وقيل يجب) الدفع عن الغير إذا كان آدميا محترما ولم يخش على نفس (قطعا) ; لأن له الإيثار بحق نفسه دون حق غيره، ومحل الخلاف في غير النبي فيجب الدفع عنه قطعاً، وفي غير الإمام ونوابه؛ لوجوب ذلك عليهم قطعا. ولا يختص الخلاف بالصائل بل من أقدم على محرم فللآحاد منعه حتى بالقتل ما لم يخش فتنة من والٍ جائر; لأن التغرير بالنفس والتعرض لعقوبة ولاة الجور ممنوع (ولو سقطت جرة) مثلا من عُلْو على إنسان (ولم تندفع عنه إلا بكسرها) -هذا قيد للخلاف- فَكَسَرَها (ضمنها في الأصح) وإن كان كسرها واجبا عليه لو لم تندفع عنه إلا به; إذ لا اختيار لها يحال عليه بخلاف البهيمة فصار كمضطر لطعام يأكله ويضمنه; لأنه لمصلحة نفسه، نعم لو وضعها صاحبها بمحل يضمن كروشن أو مائلة أو على وجه يغلب على الظن سقوطها لم يضمنها كاسرها قطعا; لأن واضعها هو الذي أتلفها. ولو حالت بهيمة بينه وبين طعامه لم تكن صائلة عليه; لأنها لم تقصده فلا يلزمه دفعها ويضمنها.

(1)

. قيد المغني امتناع جواز استسلام المسلم للكافر إذا لم يجوز الأسر فان جوزه لم يحرم.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا لشرح الروض.

ص: 210

وَيُدْفَعُ الصَّائِلُ بِالْأَخَفِّ، فَإِنْ أَمْكَنَ بِكَلَامٍ وَاسْتِغَاثَةٍ حَرُمَ الضَّرْبُ، أَوْ بِضَرْبٍ بِيَدٍ حَرُمَ سَوْطٌ، أَوْ بِسَوْطٍ حَرُمَ عَصًا، أَوْ بِقَطْعِ عُضْوٍ حَرُمَ قَتْلٌ، فَإِنْ أَمْكَنَ هَرَبٌ فَالمَذْهَبُ وُجُوبُهُ، وَتَحْرِيمُ قِتَالٍ

(ويدفع الصائل) المعصوم على شيء مما مر، ومنه أن يدخل دار غيره بغير إذنه ولا ظن رضاه (بالأخف) فالأخف باعتبار غلبة ظن المصول عليه، ويجوز هنا العض، ومحله بعد الضرب وقبل قطع العضو (فإن أمكن) الدفع (بكلام) يزجره به

(1)

(أو استغاثة حرم الضرب) وظاهره استواء الزجر والاستغاثة وهو متجه إن لم يترتب على الاستغاثة إلحاق ضرر به أقوى من الزجر كإمساك حاكم جائر له وإلا وجب الترتيب بينهما. وواضح أنا وإن أوجبناه فهو بالنسبة لغير الضمان لما علم مما مر أنه لا ضمان بمثل ذلك كالإمساك للقاتل (أو بضرب بيده حرم سوط أو بسوط حرم عصا أو بقطع عضو حرم قتل) ; لأنه جُوِّز للضرورة ولا ضرورة للأغلظ مع إمكان الأسهل، ومتى انتقل لمرتبة مع الاكتفاء بدونها ضمن، فيجب الترتيب ولو لمن رأى مولجا في أجنبية لكن إن كان الواطئ غير محصن، نعم له الدفع بالقتل إن أدى الدفع بغيره إلى مضي زمن وهو متلبس بالفاحشة، أما المحصن فله قتله باطنا

(2)

. ولو لم يجد المصول عليه إلا سيفا جاز له الدفع به وإن كان يندفع بالعصا; إذ لا تقصير منه في عدم استصحابها، ولذلك من أحسن الدفع بطرف السيف من غير جرح ضمن إن دفع بحد السيف بخلاف من لا يحسن. ولو التحم القتال بينهما خرج الأمر عن الضبط سيما لو كان الصائلون جماعة؛ إذ رعاية الترتيب حينئذ تؤدي إلى إهلاكه. أما المهدر كزان محصن وتارك صلاة بشرطه، فلا تجب مراعاة هذا الترتيب فيه، (فإن) صال محترم على نفسه و (أمكن) ـه (هرب) أو تحصُّن منه بشيء وظن النجاة به وإن لم يتيقنها (فالمذهب وجوبه وتحريم قتال) ; لأنه مأمور بتخليص نفسه بالأهون فالأهون، فإن لم يهرب وقتله لزمه القود. ولو صيل على ماله ولم يمكنه الهرب به لم يلزمه أن يهرب ويدعه له، أو على بضعه وجب على البضع الهرب فإن لم يمكنه ثبت صاحب البضع إن أمن على نفسه. ولو صال عليه مرتد أو حربي لم يجب هرب بل لا يجوز حيث حرم الفرار. ولو أمكنه الهرب لم يحرم عليه الزجر بالكلام إن كان غير شتم فإن لم ينزجر

(1)

. ولو بالحلف كما أشار إليه الشارح في الوديعة 7/ 121.

(2)

. نص عليه في الفتح وهو ظاهر التحفه.

ص: 211

وَلَوْ عُضَّتْ يَدُهُ خَلَّصَهَا بِالْأَسْهَلِ مِنْ فَكِّ لَحْيَيْهِ وَضَرْبِ شِدْقَيْهِ، فَإِنْ عَجَزَ فَسَلَّهَا فَنَدَرَتْ أَسْنَانُهُ فَهَدَرٌ. وَمَنْ نُظَرَ إلَى حُرَمِهِ فِي دَارِهِ مِنْ كَوَّةٍ أَوْ ثَقْبٍ عَمْدًا فَرَمَاهُ بِخَفِيفٍ كَحَصَاةٍ فَأَعْمَاهُ، أَوْ أَصَابَ قُرْبَ عَيْنِهِ فَجَرَحَهُ فَمَاتَ فَهَدَرٌ،

إلا بالشتم وجب الهرب

(1)

، (ولو عضت يده) مثلا (خلصها) بفك لحي فضرب فم فسل يد فعض ففقء عين فقلع لحي فعصر خصية فشق بطن. ومتى انتقل لمرتبة مع إمكان أخف منها ضمن نظير ما مر، وقد أشار إلى هذا الترتيب بقوله (بالأسهل من فك لحييه) أي رفع أحدهما عن الآخر من غير جرح ولا كسر (وضرب شدقيه) ولا يلزمه تقديم الإنذار بالقول، ومعلوم أن الأسهل منهما هو فك لحييه، وحينئذٍ فيقدم على ضرب شدقيه. (فإن عجز) عن واحد منهما بل أو لم يعجز (فسلّها) المعصوم أو غيره (فندرت أسنانه) أي سقطت (فهدر) ; لما في الصحيحين ((أنه صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بعدم الدية)) والعاض المظلوم كالظالم; لأن العض لا يجوز بحال

(2)

، ولو تنازعا في أنه أمكنه الدفع بشيء فعدل لأغلظ منه صُدِّق المعضوض، والحكم كذلك في كل صائل، نعم إن اختلفا في أصل الصيال لم يقبل قول نحو القاتل إلا ببينة أو قرينة ظاهرة

(3)

كدخوله عليه بالسيف مسلولا وإشرافه على حرمه (ومن نُظِر إلى) واحدة من (حُرَمِهِ) أي زوجاته وإمائه ومحارمه ولو إماء، وكذا ولده الأمرد الحسن ولو غير متجرد، وكذا إليه في حال كشف عورته، ومثله خنثى مشكل أو مَحْرَم للناظر مكشوفها (في داره) الجائز له الانتفاع بها ولو بنحو إعارة وإن كان الناظر المعير، وكداره بيته من نحو خان أو رباط دون نحو مسجد وشارع ومغصوب (من كوة أو ثَقب) صغير كل منهما (عمدا) ولو امرأة -لرجل مطلقا أو امرأة متجردة- أو مراهقا لا مميزا. ولم يكن الناظر إليه

(4)

حالة تجرده أحد أصوله كما لا يحد بقذفه، ولم يكن للناظر شبهة في النظر (فرماه) أي ذو الحُرَم ولو غير صاحب الدار، أو رمته المنظور إليها في حال نظره لا إن ولّى (بخفيف كحصاة) أو ثقيل لم يجد غيره (فأعماه أو أصاب قرب عينه) مما يخطئ إليه منه غالبا ولم يقصد الرمي لذلك المحل ابتداء (فجرحه فمات فهدر) وإن أمكن زجره

(1)

. وتحمتل عبارة ابن حجر في التحفة إن لم يمكنه الهرب وجب الزجر.

(2)

. نعم تقدم آنفا عن الشارح جوازه في دفع الصائل.

(3)

. ظاهره أن القرينة كافيه ولو بدون بينة خلافا للمغني وشرح الروض.

(4)

. أي لا إلى حرمه خلافا لقضية صنيعهما.

ص: 212

بِشَرْطِ عَدَمِ زَوْجَةٍ وَمَحْرَمٍ لِلنَّاظِرِ، قِيلَ وَاسْتِتَارِ الحُرَمِ، قِيلَ: وَإِنْذَارٍ قَبْلَ رَمْيِهِ

بالكلام؛ لخبر الصحيحين ((من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه))، ولا نظر لكون المراهق غير مكلف; لأن الرمي لدفع مفسدة النظر وهي حاصلة به؛ لما أمر أنه في النظر كالبالغ، ومن ثم من يرى أنه ليس مثله فيه لا يجوز رميه هنا، وإنما يجوز له رميه (بشرط عدم) حل النظر -بخلافه لنحو خطبة بشرطه وعدم شبهة كما مر- بأن لا يكون ثم نحو متاع أو (زوجة) أو أمة ولو مجردتين، أ (ومحرم) مستور ما بين سرتها وركبتها (للناظر) وإلا لم يحز رميه؛ لعذره حينئذ، ويكفي كون المحل مسكن أحد من ذكر وإن كان ليس فيه حيث لم يعلم ذلك; لأن الشبهة موجودة حينئذ، (قيل و) بشرط عدم (استتار الحُرَم) والأصح لا فرق؛ لعموم الأخبار، ومر أن نحو الرجل لا بد أن يكون متجردا، وحينئذ فلا يشترط استتار المنظور أيضا فذلك الرجل المنظور -وإن كان في منعطف بحيث لا يراه الناظر- يجوز له أن يرمي ذلك الناظر الذي لا يراه؛ اكتفاء بالنظر بالقوة، (قيل و) بشرط (إنذار قبل رميه)؛ تقديما للأخف، نعم ما يوثق بكونه دافعا كتخويف أو زعقة مزعجة لا خلاف في وجوبه حيث لم يخف مبادرة الصائل، ولا ينافي ما هنا قولهم لا يجوز له دفع من دخل داره تعديا قبل إنذاره; لأن ما هنا منصوص عليه وذاك مجتهد فيه فأجري على القياس. وخرج ((بنُظِرَ)) الأعمى ونحوه ومسترق السمع فلا يجوز رميهما؛ لفوات الاطلاع على العورات الذي يعظم ضرره، وبالكوة وما معها النظر من باب مفتوح -ولو بفعل الناظر إن تمكن رب الدار من إغلاقه- أو كوة أو ثقب واسع بأن ينسب صاحبهما التفريط; لأن تفريطه بذلك صيره غير محترم فلم يجز له الرمي قبل الإنذار، نعم النظر من نحو سطح ولو للناظر أو منارة كهو من كوة ضيقة; إذ لا تفريط من ذي الدار حينئذ، وبعمدا النظر خطأ أو اتفاقا فلا يجوز رميه إن علم الرامي ذلك، نعم يصدق في أن الناظر تعمد; لأن الاطلاع حصل والقصد أمر باطن، ويكفي لجواز الرمي أن يظن تعمده، وبالخفيف الثقيل الذي وجد غيره كحجر ونشاب فيضمن حتى بالقود. ثم المعتمد أنه لا يقصد غير العين إذا أمكنه إصابتها، وأنه إذا أصاب غيرها البعيد بحيث لا يخطئ من العين إليه ضمن وإلا فلا، نعم إن لم يمكن قصدها ولا ما قرب منها أو لم يندفع به جاز رمي عضو آخر. ولو لم يندفع بالخفيف استغاث عليه فإن فقد مغيث سُنَّ أن ينشده بالله تعالى فإن أبى دفعه ولو بالسلاح وإن قتله.

ص: 213

وَلَوْ عَزَّرَ وَلِيٌّ وَوَالٍ وَزَوْجٌ وَمُعَلِّمٌ فَمَضْمُونٌ. وَلَوْ حَُدَّ مُقَدَّرًا فَمَاتَ فَلَا ضَمَانَ. وَلَوْ ضُرِبَ شَارِبٌ بِنِعَالٍ وَثِيَابٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا أَرْبَعُونَ سَوْطًا عَلَى المَشْهُورِ. أَوْ أَكْثَرُ وَجَبَ قِسْطُهُ بِالْعَدَدِ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُ دِيَةٍ،

(ولو عَزَّر) من غير إسراف (ولي) محجوره وأُلحق بوليه كافله كأُمِّه (ووالٍ) مَن رفع إليه ولم يعاند (وزوج) زوجته الحرة لنحو نشوز (ومعلم) المتعلم منه الحر بما له دخل في الهلاك وإن ندر (فمضمون) تعزيرهم ضمان شبه العمد على العاقلة إن أدى إلى هلاك أو نحوه; لتبين مجاوزته للحد المشروع بخلاف ضرب دابة من مستأجرها أو رائضها إذا اعتيد; لأنهما لا يستغنيان عنه والآدمي يغني عنه فيه القول، أما ما لا دخل له في ذلك كصفعة خفيفة وحبس أو نفي فلا ضمان به، وأما قن أذن سيده لمعلمه أو لزوجها في ضربها فلا يضمن به كما إذا أقر كامل بموجب تعزير وطلبه بنفسه من الوالي وعيّن له نوعه وقدره، وأما معاند بأن توجه عليه حق وامتنع من أدائه مع القدرة عليه ولا طريق للتوصل لماله إلا عقابه فيعاقب بالضرب والحبس حتى يؤدي، ويكرر ضربه لكن يمهل في كل مرّة حتى يبرأ من ألم الأولى حتى لا يؤدي إلى قتله

(1)

. وأما إذا أسرف وظهر منه القتل فإنه يلزمه القود إن لم يكن والدا أو الدية المغلظة في ماله (ولو حَُدَّ

(2)

أي الإمام أو نائبه ولو في نحو مرض أو شديد حر وبرد كما مر (مقدرا) لا مفهوم له؛ إذ الحد لا يكون إلا كذلك (فمات فلا ضمان) إجماعا; ولأن الحق قتله (ولو ضرب شارب) للخمر الحدَّ (بنعال وثياب) فمات (فلا ضمان على الصحيح، وكذا أربعون سوطا) ضربها فمات لا يضمن (على المشهور)؛ لصحة الخبر كما مر بتقديره بذلك وأجمعت الصحابة عليه، ومحل الخلاف إن منعناه بالسياط وإلا -وهو الأصح- لم يضمن قطعا. ويجري هذا الخلاف في حد القذف وجلد الزنا. (أو) حد شارب (أكثر) من أربعين بنحو نعل أو سوط (وجب قسطه بالعدد) ففي أحد وأربعين جزءٌ من أحد وأربعين جزأً من الدية، وفي ثمانين نصفها، وتسعين خمسة أتساعها; لوقوع الضرب بظاهر البدن فيقرب تماثله فيقسط العدد عليه، (وفي قول نصف دية)؛ لموته من مضمون وغيره، ومحل ذلك إن ضربه

(1)

. كما اعتمده الشارح في كتاب التفليس.

(2)

. يصح البناء للمعلوم والبناء للمجهول.

ص: 214

وَيَجْرِيَانِ فِي قَاذِفٍ جُلِدَ أَحَدًا وَثَمَانِينَ. وَلِمُسْتَقِلٍّ قَطْعُ سِلْعَةٍ إلَّا مَخُوفَةً لَا خَطَرَ فِي تَرْكِهَا، أَوْ الخَطَرُ فِي قَطْعِهَا أَكْثَرُ، وَلِأَبٍ وَجَدٍّ قَطْعُهَا مِنْ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَعَ الخَطَرِ إنْ زَادَ خَطَرُ التَّرْكِ، لَا لِسُلْطَانٍ، وَلَهُ وَلِسُلْطَانٍ قَطْعُهَا بِلَا خَطَرٍ، وَفَصْدٌ وَحِجَامَةٌ، فَلَوْ مَاتَ بِجَائِزٍ مِنْ هَذَا فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ،

الزائد وبقي ألم الأول وإلا ضمن ديته كلها قطعا. (ويجريان) أي القولان (في قاذف جلد أحدا وثمانين) سوطا فمات، وكذا في بكر زنى جلد مائة وعشرا.

(ولمستقل) وهو الحر والمكاتب البالغ العاقل ولو سفيها (قطع سِلعة) -وهي ما يخرج بين الجلد واللحم من الحمصة إلى البطيخة- فيه بنفسه أو مأذونه؛ إزالة لشينها من غير ضرر كالفصد، ومثلها في جميع ما يأتي العضو المتآكل (إلا مخوفة) من حيث قطعها (لا خطر في تركها) أصلا، بل في قطعها ولو احتمالا، (أو) في كل من قطعها وتركها خطر لكن (الخطر في قطعها أكثر) منه في تركها فيمتنع القطع في هاتين الصورتين; لأنه يؤدي إلى الهلاك بخلاف ما إذا استويا، أو كان الترك أخطر، أو الخطر فيه فقط أو لم يكن في القطع خطر وجهل حال الترك، أو لا خطر في واحد منهما فيجوز قطعها; لأن فيه غرضا من غير أدائه إلى الهلاك، بل يجب

(1)

إذا قال طبيب ولو عدل رواية ((إن عدمه يؤدي إلى الهلاك))، ويكفي علم الولي فيما يأتي أي وعلم صاحب السلعة إن كان فيهما أهلية ذلك (ولأب وجد) لأب وإن علا، وأُلحق بهما السيد في قنه والأم إذا كانت قَيِّمَةً (قطعها من صبي ومجنون مع الخطر) في كلٍّ لكن (إن زاد خطر الترك) على القطع؛ لصونهما ماله فبدنه أولى بخلاف ما إذا انحصر الخطر في القطع أو زاد خطره اتفاقا أو استويا، (لا) قطعها مع خطر فيه (لسلطان) ونوابه ووصي فلا يجوز؛ إذ ليس لهم شفقة الأب والجد، (وله) أي الأصل الأب والجد (ولسلطان) ونوابه والوصي (قطعها) إذا كان (بلا خطر) فيه أصلا وإن لم يكن في الترك خطر؛ لعدم الضرر، وليس للأجنبي وأب لا ولاية له ذلك بحال فإن فعله فسرى للنفس اقتص من الأجنبي.

(و) لمن ذكر (فصد وحجامة) ونحوهما من كل علاج سليم عادة أشار به طبيب لنفعه له (فلو مات) المولى (بجائز من هذا) الذي هو قطع السلعة أو الفصد أو الحجامة، ومثلها ما في معناها (فلا ضمان) بدية ولا كفارة (في الأصح) ; لئلا يُمْتَنع من ذلك فيتضرر المولى. ويظهر

(1)

. خلافا للمغني فاعتمد الاستحباب.

ص: 215

وَلَوْ فَعَلَ سُلْطَانٌ بِصَبِيٍّ مَا مُنِعَ فَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ فِي مَالِهِ. وَمَا وَجَبَ بِخَطَأِ إمَامٍ فِي حَدٍّ وَ حُكْمٍ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَفِي قَوْلٍ فِي بَيْتِ المَالِ. وَلَوْ حَدَّهُ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا عَبْدَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ أَوْ مُرَاهِقَيْنِ فَإِنْ قَصَّرَ فِي اخْتِبَارِهِمَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَالْقَوْلَانِ، فَإِنْ ضَمَّنَّا عَاقِلَةً أَوْ بَيْتَ المَالِ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْعَبْدَيْنِ وَالذِّمِّيَّيْنِ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ حَجَمَ أَوْ فَصَدَ بِإِذْنٍ لَمْ يَضْمَنْ

في خرق الأنف بحلقة تعمل فيه من فضة أو ذهب أنه حرام مطلقا; لأنه لا زينة في ذلك يغتفر لأجلها إلا عند فرقة قليلة ولا عبرة بها مع العرف العام بخلاف تخريق الآذان فإنه زينة للنساء فيجوز فعله بالصبية دون الصبي فيحرم

(1)

; لأنه لا حاجة فيه يغتفر لأجلها ذلك التعذيب (ولو فعل سلطان) إمام أو نائبه أو غيرهما ولو أبا (بصبي) أو مجنون (ما مُنِع) منه فمات (فدية مغلظة في ماله) ; لتعديه، لا قود؛ لشبهة الإصلاح إلا إذا كان

(2)

الخوف في القطع أكثر والقاطع غير أب. (وما وجب بخطأ إمام) أو نوابه (في حد) أو تعزير (وحكم) في نفس أو نحوها (فعلى عاقلته) كغيره، (وفي قول في بيت المال) إن لم يظهر منه تقصير; لأن خطأه يكثر لكثرة الوقائع بخلاف غيره، والكفارة في ماله قطعا وكذا خطؤه في المال. (ولو حده بشاهدين) فمات منه (فبانا) غير مقبولي الشهادة كأن بانا (عبدين أو ذميين أو مراهقين) أو فاسقين أو امرأتين أو بان أحدهما كذلك (فإن قصر في اختبارهما) بأن تركه بالكلية (فالضمان عليه) قودا و غيره إن تعمد وإلا فعلى عاقلته، (وإلا) يقصر في اختبارهما بل بحث عنه (فالقولان) أظهرهما أن الضمان على عاقلته، والثاني في بيت المال، (فإن ضمنا عاقلة أو بيت مال فلا رجوع) لأحدهما (على العبدين والذميين في الأصح) ; لزعمهما الصدق والمتعدي هو الإمام بعدم بحثه عنهما، وكذا المراهقان والفاسقان غير المتجاهرين بخلافهما فيرجع عليهما; لأن الحكم بشهادتهما يشعر بتدليس وتغرير منهما حتى قبلا; لأن الفرض أنه لم يقصر في البحث عنهما (ومن) عالج كأن (حجم أو فصد بإذن) معتبر ممن جاز له تولي ذلك فحصل تلف (لم يضمن) وإلا لما تولى أحد ذلك. ولو سرى

(1)

. خلافا للمغني فاعتمد التحريم فيهما.

(2)

. خلافا للمغني.

ص: 216

وَقَتْلُ جَلَّادٍ وَضَرْبُهُ بِأَذْنِ الْإِمَامِ كَمُبَاشَرَةِ الْإِمَامِ إنْ جَهِلَ ظُلْمَهُ وَخَطَأَهُ وَإِلَّا فَالْقِصَاصُ وَالضَّمَانُ عَلَى الجَلَّادِ إنْ لَمْ يَكُنْ إكْرَاهٌ. وَيَجِبُ خِتَانُ المَرْأَةِ بِجُزْءٍ مِنَ اللَّحْمَةِ بِأَعْلَى الْفَرْجِ،

من فعل الطبيب هلاك وهو من أهل الحذق

(1)

في صنعته لم يضمن إجماعا وإلا ضمن قود أو غيره؛ لتغريره

(2)

، نعم إن عيّن المريض الدواء فلا ضمان مطلقا وإن كان الطبيب غير حاذق، وكالطبيب فيما ذكر الجرائحي بل هو من أفراده كالكحال (وقتل جلاد وضربه بأمر الإمام كمباشرة الإمام إن جهل ظلمه) كأن اعتقد الإمام تحريمه والجلاد حله (وخطأه) فيضمن الإمام لا الجلاد; لأنه آلته ولئلا يرغب الناس عنه، نعم يسن له أن يكفر في القتل. ولو اعتقد وجوب طاعة الإمام في المعصية وجب على الجلاد المال لا القود، وليس على الإمام شيء إلا إن أكرهه كما في قوله (وإلا) بأن علم ظلمه أو خطأه كأن اعتقدا حرمته أو اعتقدها الجلاد وحده وقتله امتثالا لأمر الإمام (فالقصاص والضمان على الجلاد) وحده (إن لم يكن إكراه) من جهة الإمام لتعديه، فإن أكرهه ضمنا المال وقتلا.

(ويجب) قطع سُرَّة المولود بعد ولادته بعد نحو ربطها؛ لتوقف إمساك الطعام عليه، والمخاطب هنا الولي إن حضر وإلا فمن علم به عينا تارة وكفاية أخرى كإرضاعه; لأنه واجب فوري لا يقبل التأخير، فإن فرَّط فلم يُحْكِم القطع أو نحو الربط ضمن، وكذا الولي.

ويجب أيضا (ختان

(3)

المرأة والرجل حيث لم يولدا مختونين؛ لقوله تعالى ((أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا))، ومنها الختان. ثم كيفيته في (المرأة بـ) قطع (جزءٍ) يقع عليه الاسم

(4)

(من اللحمة) الموجودة (بأعلى الفرج) فوق ثقبة البول تشبه عرف الديك ويسمى البَظْر، وتقليله أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم للخاتنة ((أشمي

(5)

ولا تنهكي فإنه أحظى للمرأة وأحب للبعل)).

(1)

. ضبطه الشارح هنا بأنه الذي اتفق أهل فنِّه على إحاطته به بحيث يكون خطؤه فيه نادراً جداً، وضبطه في الإجارة بمن يكون خطؤه نادرا وإن لم يكن ماهرا في العلم، وذكر ثَمَّ تفاريع في أجرته مهمة 6/ 163.

(2)

. على حسب تفصيله المار عند قول المصنف ((وقيل هو شريك المخطئ)).

(3)

. انظر كلام الشارح في هدايا الختان قبيل اللقطة 6/ 316.

(4)

. وتسن مواراته كما مر في الجنائز 3/ 161.

(5)

. من الإشمام، أي: خذي من البظر قليلا.

ص: 217

وَالرَّجُلِ بِقَطْعِ مَا يُغَطِّي حَشَفَتَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ. وَيُنْدَبُ تَعْجِيلُهُ فِي سَابِعِهِ، فَإِنْ ضَعُفَ عَنِ احْتِمَالِهِ أُخِّرَ، وَمَنْ خَتَنَهُ فِي سِنٍّ لَا يَحْتَمِلُهُ لَزِمَهُ القِصَاصُ إلَّا وَالِدًا،

(و) في (الرجل بقطع) جميع (ما يُغطي حشفته) حتى تنكشف كلها، وبه يعلم أن غرلته

(1)

لو تقلصت حتى انكشف جميع الحشفة فإن أمكن قطع شيء مما يجب قطعه في الختان منها دون غيرها وجب وإلا سقط الوجوب كما لو ولد مختونا، وإنما يجب الختان في حي (بعد البلوغ) والعقل; إذ لا تكليف قبلهما، فيجب بعدهما فورا إلا إن خيف عليه منه فيؤخر حتى يغلب على الظن سلامته منه، ويأمره به حينئذ الإمام فإن امتنع أجبره ولا يضمنه إن مات إلا أن يفعله به في شدة حر أو برد فيلزمه نصف ضمانه، ولو بلغ مجنونا لم يجب ختانه. وأفهم ذكره الرجل والمرأة أنه لا يجب ختان الخنثى المشكل بل لا يجوز؛ لامتناع الجرح مع الإشكال. ومن له ذكران عاملان يختنان فإن تميز الأصلي منهما فهو فقط فإن شك فكالخنثى. (ويندب تعجيله في سابعه) أي سابع يوم ولادته؛ للخبر الصحيح ((أنه صلى الله عليه وسلم ختن الحسنين رضي الله عنهما يوم سابعهما))، ويكره قبل السابع فإن أخر عنه ففي الأربعين وإلا ففي السنة السابعة; لأنها وقت أمره بالصلاة، ولا يحسب من السبع يوم ولادته; لأنه كلما أخر كان أخف إيلاما، وبه فارق العقيقة; لأنها بر فندب الإسراع به. ويسن إظهار ختان الذكور وإخفاء ختان الإناث، ولا يلزم من ندب وليمة الختان إظهاره في المرأة (فإن ضعف عن احتماله) في السابع (أخرّ) وجوبا إلى أن يحتمله. (ومن خَتَنَهُ في سن) أي حال يحتمله وهو ولي ولو قيما فلا ضمان، أو وهو أجنبي قتل؛ لتعديه، وإن قصد إقامة الشعار

(2)

; لأن ظن ذلك لا يبيح له الإقدام بوجه فلا شبهة، نعم إن ظن الجواز وعذر بجهله، فالقياس أنه لا قود عليه، وكذا خاتن بإذن أجنبي ظنه ولياً، أو في حال (لا يحتمله) لنحو ضعف أو شدة حر أو برد فمات (لزمه القصاص) ; لتعديه بالجرح المهلك. نعم إن ظن أنه يحتمله لم يلزمه قصاص؛ لعدم تعديه. (إلا والدا) وإن علا؛ لما مر أنه لا يقتل بولده، نعم عليه الدية مغلظة في ماله; لأنه عمد محض وكذا مسلم في كافر وحر لقن; لما مر أنه لا يقتل به أيضا.

(1)

. هي القلفة، تاج العروس.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للأسنى والمغني.

ص: 218

فَإِنِ احْتَمَلَهُ وَخَتَنَهُ وَلِيٌّ فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ. وَأُجْرَتُهُ فِي مَالِ المَخْتُونِ.

فصل

مَنْ كَانَ مَعَ دَابَّةٍ أَوْ دَوَابَّ ضَمِنَ إتْلَافَهَا نَفْسًا وَمَالًا لَيْلًا وَنَهَارًا

(فإن احتمله وختنه ولي) ولو وصيا أو قيما (فلا ضمان في الأصح)؛ لإحسانه بتقديمه لأنه أسهل عليه ما دام صغيرا بخلاف الأجنبي؛ لتعديه كما مر. (وأجرته) وبقية مؤنة (في مال المختون) فإن لم يكن له مال فعلى من عليه مؤنته

(1)

كالسيد.

(فصل) في حكم إتلاف الدواب

(من كان مع) غير طير; إذ لا ضمان بإتلافه مطلقا -; لأنه لا يدخل تحت اليد- ما لم يرسل الطائر المعلَّم على شيء صار إتلاف المعلّم لذلك الشيء طبعا فيضمن حينئذ، وأفتى البلقيني في نحلٍ قتل جملا بأنه هدر؛ لتقصير صاحبه دون صاحب النحل؛ إذ لا يمكنه ضبطه. ولو شرب ماء فلا ضمان على صاحبه وإن أرسله، أما لو شرب عسل غير صاحبه فإن قصر الزمن بحيث تحيل العادة أن النازل منه غير الأول فهو لمالكه وإلا فهو لمالكها; لأن نزوله منها سبب ظاهر في ملك مالكها (دابة أو دواب) في الطريق مثلا مقطورة أو غيرها سائقا أو قائدا أو راكبا مثلا، سواء أكانت يده عليها بحق أم غيره ولو غير مكلف، وقنا أذن سيده أم لا فيتعلق متلفها برقبته فقط (ضمن إتلافها) بجزء من أجزائها (نفسا) على العاقلة (ومالا) في ماله (ليلا ونهارا) ; لأن فعلها منسوب إليه وعليه حفظها وتعهدها، فإن كان معها سائق وقائد أو عليها راكبان ضمنا نصفين

(2)

، أو هما أو أحدهما وراكب ضمن وحده; لأن اليد له. وخرج بقوله مع دابة ما لو انفلتت بعد إحكام نحو ربطها وأتلفت شيئا فإنه لا يضمن، ويستثنى من إطلاقه ما لو نخسها غير من معها فضمان إتلافها على الناخس ولو

(1)

. أي فإن لم يكن للصبي مال فعلى أبيه وإن على ثم على أمه وإن علت، ومعنى الوجوب في مال الصبي ثبوتها في ذمته ووجوب إخراجها من ماله على وليه، فإن بقيت إلى كماله -وإن تلف المال- لزمه إخراجها أفاده الشارح في كتاب الصلاة.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية ووالده فاعتمدا أنها على المقدم دون الرديف.

ص: 219

رموحا

(1)

بطبعها ما لم يأذن له من معها فعليه

(2)

. ولو كانت ذاهبة فردها آخر تعلق ضمان ما أتلفته بعد الرد به لكن إن كان

(3)

رده بنحو ضربها نظير النخس. أما إذا أشار إليها فارتدت فيحتمل أن لا ضمان؛ إذ لا إلجاء حينئذ، وما لو غلبته فاستقبلها آخر فردها كما ذكر فإن الراد يضمن ما أتلفته في انصرافها، وما لو سقط هو أو مركوبه ميتا على شيء فأتلفه فلا يضمنه كما لو انتفخ ميت فانكسر به قارورة بخلاف طفل سقط عليها; لأن له فعلا

(4)

، وما لو كان راكبها يقدر على ضبطها فاتفق أنها غلبته لنحو قطع عنان وثيق وأتلفت شيئا فلا يضمنه على ما أخذ من كلامهم والأوجه الضمان، وما لو أركب أجنبي بغير إذن الولي صبيا أو مجنونا دابة لا يضبطها مثلهما فإنه يضمن متلفها، وما لو كان مع دواب راع فتفرقت لنحو هيجان ريح وظلمة لا لنحو نوم وأفسدت زرعا فلا يضمنه كما لو ند بعيره أو انفلتت دابته من يده وأفسدت شيئا، وما لو ربطها بطريق متسع بإذن الإمام أو نائبه كما لو حفر فيه لمصلحة نفسه. وخرج بقولنا في الطريق مثلا من دخل دارا بها كلب عقور فعقره أو دابة فرفسته فلا يضمنه صاحبهما إن علم الداخل بهما وإن أذن له في دخولها بخلاف ما إذا جهل فإن أذن له في الدخول ضمنه وإلا فلا، وبخلاف الخارج منهما عن الدار ولو بجانب بابها; لأنه ظاهر يمكن الاحتراز عنه، ومحله فيما ليس تحت يده أو تحتها ولم يعرف بالضراوة أو ربطه. وخرج به أيضا ربطها بموات أو ملكه فلا يضمن به متلفها اتفاقا. ولو أجره دارا إلا بيتا معينا فأدخل دابته فيه وتركه مفتوحا فخرجت وأتلفت مالا للمكتري لم يضمنه

(5)

. ولو نطحت دابةً أخرى ضمن صاحبها إن كان النطح طبعها وعرفه وإن لم يقصِّر في ربطها، ولا فرق بين أن يعلم واضع اليد عليها ضراوتها أوْ لا، والكلام في غير ما بيده وإلا ضمن مطلقا

(6)

كما علم مما مر،

(1)

. دابة رموح عضاضة، الصحاح.

(2)

. اعتمد الشارح في موجبات الدية أنه لو نخس شخص دابة وحدها ضمن بشرط أن كون الإتلاف متصلا بالنخس وأن يكون طبعها الإتلاف 9/ 4.

(3)

. سكت النهاية عن هذا التقييد.

(4)

. ولا يلحق بالموت سقوطه بنحو مرض أو ريح شديد خلافا للمغني.

(5)

. أي إلا إن غابا وظنا أن البيت مغلق كما قيده الشارح في الغصب.

(6)

. أي عن القيود المذكورة بقوله إن كان النطح طبعها.

ص: 220

وَلَوْ بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ بِطَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ فَلَا ضَمَانَ. وَيَحْتَرِزُ عَمَّا لَا يُعْتَادُ كَرَكْضٍ شَدِيدٍ فِي وَحْلٍ فَإِنْ خَالَفَ ضَمِنَ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَمَنْ حَمَلَ حَطَبًا عَلَى ظَهْرِهِ، أَوْ بَهِيمَةٍ فَحَكَّ بِنَاءً فَسَقَطَ ضَمِنَهُ، وَإِنْ دَخَلَ سُوقًا فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ أَوْ مَالٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ زِحَامٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَتَمَزَّقَ ثَوْبٌ فَلَا، إلَّا ثَوْبَ أَعْمَى وَمُسْتَدْبِرِ الْبَهِيمَةِ فَيَجِبُ تَنْبِيهُهُ،

وصرح العبادي فيمن ربط دابة بشارع فربط آخر أخرى بجانبها فعضت إحداهما الأخرى بأن العاض إن كان هو الثانية ضمن صاحبها أو الأولى فلا إلا أن يحضر صاحبها فقط ولم يمنعها مع قدرته فيضمن متلفها. ولو اكترى من ينقل متاعه على دابته وعادتها الضراوة بشيء من أعضائها ولم يعلمه بها فأتلفت شيئا مع الأجير فالدعوى عليه; لأنها بيده لكن المالك غره بعدم إعلامه بها فيرجع بما ضمنه عليه، فإن أنكر الأجير إتلافها حلف على البت; لأن فعل الدابة منسوب لمن هي بيده. ولو ربط فرسه في خان فقال لصغير خذ من هذا التبن واعلفها ففعل فرفسته فمات وهو حاضر ولم يحذره منها وكانت رموحا ضمنه على عاقلته (ولو بالت أو راثت بطريق فتلف به نفس أو مال فلا ضمان

(1)

وإلا لامتنع الناس من المرور ولا سبيل إليه. (ويحترز) المار بطريق (عما لا يعتاد) فيها (كركض شديد في وحل) أو في مجمع الناس (فإن خالف ضمن ما تولد منه) ; لتعديه كما لو ساق الإبل غير مقطورة أو البقر والغنم في السوق أو رَكِب فيه ما لا يركب مثله إلا في صحراء وإن لم يكن ركض، أما الركض المعتاد فلا يضمن ما تولد منه. (ومن حمل حطبا على ظهره أو بهيمة) وهو معها، وسيأتي حكم ما لو أرسلها (فحك بناء فسقط

(2)

ضمنه) ليلا ونهارا; لوجود التلف بفعله أو فعل دابته المنسوب إليه، نعم إن كان مستحق الهدم ولم يتلف من الآلة شيء فلا ضمان كبناء بني مائلا وأضر بالمارة بخلاف ما كان مستويا ثم مال (وإن دخل) حامل الحطب (سوقا فتلف به نفس أو مال) مستقبلا كان أو مستدبرا (ضمن) ـه (إن كان زحام) أو لم يجد منعطفا لضيق؛ لتقصيره بفعل ما لا يعتاد، (وإن لم يكن) زحام أو حدث وقد توسط السوق (وتمزق) به (ثوب) مثلا (فلا) يضمنه إذا كان لابسه مستقبل البهيمة; لأن عليه الاحتراز منها (إلا ثوب) أو متاع أو بدن (أعمى) أو معصوب العين (ومستدبر البهيمة فيجب تنبيهه) أي مَن ذكر، فإن لم يفعل ضمن

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمنهج.

(2)

. قيده المغني بكونه سقط حالا.

ص: 221

وَإِنَّمَا يَضْمَنُهُ إذَا لَمْ يُقَصِّرْ صَاحِبُ المَالِ، فَإِنْ قَصَّرَ بِأَنْ وَضَعَهُ بِطَرِيقٍ أَوْ عَرَّضَهُ لِلدَّابَّةِ فَلَا. وَإِنْ كَانَتِ الدَّابَّةُ وَحْدَهَا فَأَتْلَفَتْ زَرْعًا أَوْ غَيْرَهُ نَهَارًا لَمْ يَضْمَنْ صَاحِبُهَا، أَوْ لَيْلًا ضَمِنَ،

الكل إلا إن كان من صاحب الثوب أو المتاع فعل كأن وطئ هو أو بهيمته ثوبه أو مداسه فجذبه صاحبه ولو مع زحام فالنصف; لأنه بفعلهما، وبه يعلم أنه لا ضمان على الواطئ إلا فيما علم أن لفعله تأثيرا فيه مع فعل اللابس، فإن تمحض فعل أحدهما فالحكم له وحده، ولو علم تأثير أحدهما وشك في تأثير الآخر اعتبر الأول فقط. وإن نبهه فلم يحترز فلا ضمان، وكعدم التنبيه الأصمُّ وإن لم يعلم أنه أصم; لأن الضمان لا يختلف بالعلم وعدمه (وإنما يضمنه) أي ما ذكرَ الحاملُ أو مَن مع البهيمة (إذا لم يقصر صاحب المال، فإن قصر بأن وضعه بطريق) ولو واسعا وإن أذن الإمام; لأن الملحظ هنا تعريضه متاعه للضياع وهو موجود (أو عرضه للدابة) ولو بغير طريق (فلا) يضمنه; لأنه المضيع لماله، ومثله ما لو مر إنسان بحمار الحطب يريد التقدم عليه فمزق ثوبه فلا يضمنه سائقه; لأنه المقصر بمروره عليه، وكذا لو وُضع حطبٌ بطريق واسع فمر به إنسان فتمزق به ثوبه. (وإن كانت الدابة وحدها) وقد أرسلها في الصحراء (فأتلفت زرعا أو غيره نهارا لم يضمن صاحبها) أي من يده عليها بحق كوديع أو أجير أو غيره كغصب (أو ليلا ضمن)؛ للحديث الصحيح بذلك الموافق للعادة الغالبة في حفظ نحو الزرع نهارا والدابة ليلا، ومن ثم لو جرت عادة بلد بعكس ذلك انعكس الحكم أو بحفظها فيهما ضمن فيهما. ولو جرت بعدمه فيهما لم يضمن فيهما، أما لو أرسلها في البلد فيضمن مطلقا -ليلا أو نهارا- وإن اطردت العادة بإرسالها في البلد وحدها، واستثني من عدم الضمان نهارا المذكور في المتن ما إذا توسطت المراعي المزارع فأرسلها بلا راع فإنه يضمن ما أفسدته ليلا أو نهارا; لأن العادة حينئذ أنها لا ترسل بلا راع، ومن ثم لو اعتيد إرسالها بدونه فلا ضمان، وحينئذ فلا استثناء؛ لأن المدار في كلٍّ على ما اعتيد، وما لو تكاثرت فعجز أصحاب الزروع عن ردها فيضمن أصحابها؛ لمخالفته للعادة، وما لو ربط دابة بطريق فيضمن متلفها نهارا وإن اتسع الطريق ما لم يأذن له الإمام في الواسع، وما لو أرسلها في موضع مغصوب فانتشرت منه لغيره وأفسدته فيضمنه مرسلها ولو نهارا. وإذا أخرجها عن

ص: 222

إلَّا أَلَّا يُفَرِّطَ فِي رَبْطِهَا. أَوْ حَضَرَ صَاحِبُ الزَّرْعِ وَتَهَاوَنَ فِي دَفْعِهَا، وَكَذَا إنْ كَانَ الزَّرْعُ فِي مُحَوَّطٍ لَهُ بَابٌ تَرَكَهُ مَفْتُوحًا فِي الْأَصَحِّ. وَهِرَّةٌ تُتْلِفُ طَيْرًا أَوْ طَعَامًا إنْ عُهِدَ ذَلِكَ مِنْهَا ضَمِنَ مَالِكُهَا فِي الْأَصَحِّ لَيْلًا وَ نَهَارًا، وَإِلَّا فَلَا فِي الْأَصَحِّ

ملكه فضاعت، أو رمى عنها متاعا حمل عليها تعديا -لا في نحو مفازة

(1)

- فلا ضمان عليه إن خشي من بقائها بملكه إتلافها لشيء وإن قل بخلاف ما إذا لم يخش ذلك ولم يسيبها مالكها به فيضمن; لأنها حينئذ كثوب طيرته الريح إلى داره فيلزمه حفظها وإعلامه بها فورا. وظاهرٌ أن خشية الإتلاف مع العجز عن حفظها كالإتلاف (إلا أن لا يفرط في ربطها) بأن أحكمه وأغلق الباب واحتاط على العادة فخرجت ليلا لنحو حلها أو فتح لص للباب؛ لعدم تقصيره، وكذا لا يضمن لو خلاها بمحل بعيد لم يعتد ردها منه للمنزل، ويؤيده قولهم لو بَعُد المرعى عن المزارع وفرض انتشار البهائم إلى أطرافها فلا ضمان على مرسلها إليه لما أتلفته مطلقا؛ لانتفاء تقصيره (أو) فرط مالك ما أتلفته كأن عرضه أو وضعه بطريقها أو (حضر صاحب الزرع) مثلا (وتهاون في دفعها) عنه؛ لتفريطه، نعم إن حُفَّ محله بالمزارع ولزم من إخراجها منه دخولها لها لزمه إبقاؤها بمحله ويضمن صاحبها ما أتلفته حينئذ لكن قبل تمكن صاحب الزرع من نحو ربط فمها وإلا فهو المتلف لماله. ولو كان الذي بجانبه زرع مالكها لم يخرجها إليه

(2)

; لأنه لا ضرر عليه في إبقائها بمحله، بسبب ضمان مالكها وأفهم قوله ((وتهاون)) أن له تنفيرها عن زرعه بقدر الحاجة

(3)

بحيث يأمن من عودها، فإن زاد ولو داخل ملكه ضمن ما لم يكن مالكها سيبها كما مر (وكذا إن كان الزرع في مُحَوَّط له باب تركه مفتوحا في الأصح) ; لأنه مقصر بعدم غلقه (وهرة تتلف طيرا أو طعاما إن عهد ذلك منها) أي عرفا فلا يتقيد بعدد

(4)

(ضمن مالكها) يعني من يأويها ما دام من لم يملكها مؤويا لها أي قاصدا إيواءها بخلاف ما إذا أعرض عنها (في الأصح ليلا ونهارا) إن أرسلها أو قصر في ربطها; إذ مثل هذه ينبغي أن يربط ويكف شره ليلا ونهارا فعدم إحكام ربطه تقصير، ومن ثم كان مثلها في ذلك كل حيوان عرف بالإضرار وإن لم يملك، فيضمن ذو جمل أو كلب عقور ما يتلفه إن أرسله أو قصر في ربطه، (وإلا) يعهد ذلك منها (فلا) يضمن وإن كانت حاملا (في الأصح) ; لأن العادة حفظ الطعام عنها لا ربطها، ولا يجوز قتل التي عهد منها ذلك إلا حالة عدوها فقط أي إن لم يمكن دفعها بدون القتل كالصائل.

(1)

. ظاهره الضمان فيها وفاقا لشرح الروض وخلافا للمغني.

(2)

. قيده في النهاية بعند تساوي الزرعين في القيمة.

(3)

. خلافا لشرح الروض.

(4)

. كما رجحه الشارح في تعلم الجارحة وقاس ما هنا عليه وخالفه في النهاية فاعتمد الاكتفاء بمرة.

ص: 223

‌كتاب السير

كَانَ الجِهَادُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَرْضَ كِفَايَةٍ، وَقِيلَ فَرْضُ عَيْنٍ. وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِلْكُفَّارِ حَالَانِ: أَحَدُهُمَا يَكُونُونَ بِبِلَادِهِمْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ

(كتاب السير)

جمع سيرة وهي الطريقة والمقصود منها هنا أصالة الجهاد

(1)

. والأصل فيه الآيات الكثيرة والأحاديث الصحيحة الشهيرة (كان الجهاد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة ممتنعا; لأن الذي أمر به صلى الله عليه وسلم أول الأمر هو التبليغ والإنذار والصبر على أذى الكفار تألفا لهم، ثم بعدها أذن الله تعالى للمسلمين في القتال -بعد أن نُهيَ عنه في نيف وسبعين آية- إذا ابتدأهم الكفار به فقال {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} البقرة: 190، فهو من حين الهجرة كان (فرض كفاية

(2)

لكن على التفصيل المذكور إجماعا بالنسبة لفرضيته (وقيل فرض عين)؛ لقوله تعالى {إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} التوبة: 39، والقاعدون في الآية كانوا حُراساً. (وأما بعده فللكفار) الحربيين (حالان:

أحدهما يكونون) أي كونهم (ببلادهم) مستقرين فيها غير قاصدين شيئا (فـ) الجهاد حينئذ (فرض كفاية) إجماعا، ويحصل إما بتشحين الثغور -وهي محال الخوف التي تلي بلادهم- بمكافئين لهم لو قصدوها مع إحكام الحصون والخنادق وتقليد ذلك للأمراء المؤتمنين المشهورين بالشجاعة والنصح للمسلمين، وإما بأن يدخل الإمام أو نائبه بشرطه دارهم بالجيوش لقتالهم. وظاهرٌ أنه إن أمكن بعثها في جميع نواحي بلادهم وجب، وأقله مرة في كل سنة فإذا زاد فهو أفضل، وأما ادعاء إيجاب الجهاد كل سنة مرة مع تحصين الثغور فهو وإن أفهمته عبارات لكنه إنما يتجه حيث لا عذر في تركه مرة في السنة، وقيل يجب أكثر من مرة فيها عند الإمكان، ومحل الخلاف إذا لم تدع الحاجة إلى أكثر من مرة وإلا وجب، وشرطه كالمرة أن لا يكون بنا ضعف أو نحوه كرجاء إسلامهم وإلا أخر حينئذ، ويسن أن يبدأ بقتال

(1)

. للزركشي هنا مقولة نقلها المغني وردها الشارح.

(2)

. تقدم قبيل الاعتكاف حرمة قطع فرض كفاية هو جهاد أو نسك أو صلاة جنازة 3/ 460، وذكر الشارح في اللقيط أن التقاط المنبوذ فرض كفاية إن علم به جمع وإلا فرض عين 6/ 342.

ص: 227

إذَا فَعَلَهُ مَنْ فِيهِمْ كِفَايَةٌ سَقَطَ الحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ. وَمِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الْقِيَامُ بِإِقَامَةِ الحُجَجِ وَحَلِّ المُشْكِلَاتِ فِي الدِّينِ. وَ بِعُلُومِ الشَّرْعِ كَتَفْسِيرٍ وَحَدِيثٍ، وَالْفُرُوعِ بِحَيْثُ يَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ

من يلونا إلا أن يكون الخوف من غيرهم أكثر فتجب البداءة بهم، وأن يكثره ما استطاع ويثاب على الكل ثواب فرض الكفاية. وحكم فرض الكفاية -الذي هو مهم يقصد حصوله من غير نظر بالذات لفاعله- أنه (إذا فعله من فيهم كفاية) وإن لم يكونوا من أهل فرضه كذوي صبا أو جنون أو أنوثة إلا في مسائل كصلاة الجماعة (سقط الحرج) عنه إن كان من أهله و (عن الباقين

(1)

؛ رخصة وتخفيفا عليهم، ومن ثم كان القائم به أفضل

(2)

من القائم بفرض العين، وأفهم السقوط أنه يخاطب به الكل وهو الأصح، وأنه إذا تركه الكل أثم أهل فرضه كلهم وإن جهلوا أي وقد قصروا في جهلهم به. (ومن فروض الكفاية القيام بإقامة الحُجج) العلمية والبراهين القاطعة في الدين على إثبات الصانع سبحانه وما يجب له من الصفات ويستحيل عليه منها والنبوات وصدق الرسل وما أرسلوا به من الأمور الضرورية والنظرية. (وحل المشكلات في الدين)؛ لتندفع الشبهات وتصفو الاعتقادات عن تمويهات المبتدعين ومعضلات الملحدين، ولا يحصل كمال ذلك إلا بإتقان قواعد علم الكلام المبنية على الحكميات والإلهيات. ويجب على من لم يرزق قلبا سليما أن يتعلم أدوية أمراض القلب من كبر وعجب ورياء ونحوها كما يجب -لكن كفاية- تعلم علم الطب. (و) القيام (بعلوم الشرع كتفسير وحديث والفروع) الفقهية زائدا على ما لا بد منه (بحيث) متعلق بعلوم

(3)

(يصلح للقضاء) والإفتاء بأن يكون مجتهدا مطلقا، وما يتوقف عليه ذلك من علوم العربية وأصول الفقه وعلم الحساب المضطر إليه في المواريث والإقرارات والوصايا وغير ذلك مما يأتي في باب القضاء، فتجب الإحاطة بذلك كله؛ لشدة الحاجة إلى ذلك. ولا يكفي في إقليم مفت وقاض واحد؛ لعسر مراجعته بل لا بد من تعددهما بحيث لا يزيد ما بين كل مفتيين على

(1)

. ومع ذلك من فعله بعد سقوط الفرض أثيب عليه ثواب الفرض لبقاء الخطاب به ندبا كما أفاده الشارح في الجنائز 3/ 191.

(2)

. وفاقا للأسنى وخلافا لهما كالمحلي.

(3)

. خلافا للمغني والمحلي.

ص: 228

وَالْأَمْرُ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ

مسافة القصر وقاضيين على مسافة العدوى؛ لكثرة الخصومات، أما ما يحتاج إليه في فرض عيني أو في فعل آخر أراد مباشرته ولو بوكيله فتَعَلُّم ظواهر أحكامه غير النادرة فرض عين. ويجبر الحاكم وجوبا أهل كل بلد تركوا تعلم ذلك عليه. وإنما يتوجه فرض الكفاية في العلم على كل مكلف حر ذكر غير بليد مكفي ولو فاسقا لكن لا يسقط به; إذ لا تقبل فتواه ويسقط بالعبد والمرأة، ولا إثم على الناس اليوم بتعطيل فرض الاجتهاد المطلق؛ لأن الناس كلهم صاروا بلداء بالنسبة إليها (و) منها إجماعا على قادر أمن على نفسه وعضوه وماله وإن قلّ بل وعِرضه، وعلى غيره بأن لم يخف مفسدة عليه أكثر من مفسدة المنكر الواقع. ويحرم مع الخوف على الغير، ويسن مع الخوف على النفس، والنهي عن الإلقاء باليد إلى التهلكة مخصوص بغير الجهاد ونحوه كمكره على فعل حرام غير -زنا وقتل- ولو فعلٍ مُكَفِّرٍ، وأمِنَ أيضا أن المُنْكَر عليه لا يقطع نفقته وهو محتاج إليها، ولا يزيد عنادا ولا ينتقل لما هو أفحش منه بأن لم يغلب على ظنه شيء من ذلك وإن ظن أنه لا يمتثل. ولا يشترط في الأمر بالمعروف العدالة فينهى عن المنكر وإن ارتكب مثل ما ارتكب أو أقبح منه (الأمر) باليد فاللسان فالقلب سواء الفاسق وغيره (بالمعروف) أي الواجب (والنهي عن المنكر

(1)

أي المحرم لكن محله في واجب أو حرام مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل بالنسبة لغير الزوج؛ إذ له شافعيا منع زوجته الحنفية من شرب النبيذ مطلقا والقاضي; إذ العبرة باعتقاده كما يأتي، ومقلد مَن لا يجوز تقليده؛ لكونه مما يُنْقَض فيه قضاء القاضي. ويجب الإنكار على معتقد التحريم وإن اعتقد المنكر إباحته; لأنه يعتقد أنه حرام بالنسبة لفاعله باعتبار عقيدته. وليس لعامي يجهل حكم ما رآه أن ينكره حتى يخبره عالم بأنه مجمع عليه أو في اعتقاد الفاعل، ولا لعالم أن ينكر مختلفا فيه حتى يعلم من الفاعل أنه حال ارتكابه معتقد لتحريمه; لاحتمال أنه حينئذ قلد من يرى حله أو جهل حرمته، أما من ارتكب ما يرى إباحته بتقليد صحيح فلا يجوز الإنكار عليه لكن لو ندب للخروج من الخلاف برفق فلا بأس، والكلام في غير المحتسب أما هو فينكر وجوبا على من أخل بشيء من الشعائر الظاهرة ولو سنة كصلاة العيد والأذان، ويلزمه الأمر بهما ولكن لو

(1)

. قال الشارح في كتاب الغصب ويختص وجوبه بكل مكلف قادر ولو أنثى وقن وفاسق ويثاب عليه المميز كما يثاب عليه البالغ 6/ 29.

ص: 229

وَإِحْيَاءُ الْكَعْبَةِ كُلَّ سَنَةٍ بِالزِّيَارَةِ. وَدَفْعُ ضَرَرِ المُسْلِمِينَ كَكِسْوَةِ عَارٍ، وَإِطْعَامِ جَائِعٍ إذَا لَمْ يَنْدَفِعْ بِزَكَاةٍ، وَبَيْتِ مَالٍ

احتيج إنكار ذلك لقتال لم يفعله إلا على أنه فرض كفاية. وليس لأحد البحث والتجسس واقتحام الدور بالظنون، نعم إن غلب على ظنه وقوع معصية ولو بقرينة ظاهرة كإخبار ثقة جاز له بل وجب عليه التجسس إن فات تداركها كالقتل والزنا وإلا فلا. ولو توقف الإنكار على الرفع للسلطان وجب

(1)

.

[تنبيه] الوجه أن الأمر والنهي بالقلب فرض عين; لأن المراد منهما به الكراهة والإنكار به وهذا لا يتصور فيه أن يكون إلا فرض عين

. (وإحياء الكعبة كل سنة بالزيارة) بالحج والعمرة

(2)

، ويكفي الحج عن العمرة، نعم لا تغني الصلاة ولا الاعتكاف ولا الطواف عن أحدهما

(3)

; لأنهما القصد الأعظم من بناء البيت وفي الأول

(4)

إحياء تلك المشاعر.

[تنبيه] يتصور وقوع النسك غير فرض كفاية ممن لا يخاطب به كالأرقاء والصبيان والمجانين، لكن الأوجه أنه مع ذلك يسقط به كما مر فرض الكفاية كما تسقط صلاة الجنازة عن المكلفين بفعل الصبي، والأوجه أنه لا بد في القائمين بذلك من عدد يحصل بهم الشعار عرفا وإن كانوا من أهل مكة (ودفع ضرر) المعصوم من (المسلمين) وأهل الذمة والأمان على القادرين وهم من عنده زيادة على كفاية سنة لهم ولممونهم; لأن الفرض في المحتاج لا في المضطر (ككسوة عارٍ) ما يستر عورته أو يقي بدنه من مضر (وإطعام جائع إذا لم يندفع) ذلك الضرر (بزكاة و) سهم المصالح من (بيت مال)؛ لعدم شيء فيه أو لمنع متوليه ولو ظلما ونذر وكفارة ووقف ووصية صيانة للنفوس، ولذا لو سئل قادر في دفع ضرر لم يجز له الامتناع وإن كان هناك قادر آخر؛ لئلا يؤدي إلى التواكل بخلاف المفتي له الامتناع إذا كان ثم غيره. و الواجب سد الضرورة دون الزيادة التي تلزم القريب

(5)

، ويلحق بالطعام والكسوة ما في معناهما كأجرة طبيب وثمن أدوية وخادم منقطع.

(1)

. عبَّر النهاية بالجواز.

(2)

. كما يقتضيه سبر كلامه في التحفه وهو صريح كلامه في فتح الجواد.

(3)

. أي الحج أو العمرة.

(4)

. أي الحج.

(5)

. خلافا لهما.

ص: 230

وَتَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ، وَأَدَاؤُهَا، وَالحِرَفُ وَالصَّنَائِعُ، وَمَا يَتِمُّ بِهِ الْمَعَاشُ، وَ جَوَابُ سَلَامٍ عَلَى جَمَاعَةٍ

[تنبيه] يجب البذل هنا بلا بدل لا مطلقا بل مما زاد على كفاية السنة، ويأتي أن المالك لا يلزمه بذل طعامه للمضطر إلا ببدله

، وعليه فيجب البذل ما لم يحتجه حالا ولو على فقير لكن بالبدل، ويفرق بأن غرض إحياء النفوس ثمّ أوجب حمل الناس على البذل بأن لا يكلفوه مجانا وإلا لامتنعوا من البذل وإن عصوا فيؤدي إلى أعظم المفسدتين، وهنا لا فوات للنفس فلا موجب لمسامحتهم في ترك المواساة، ومما يندفع به ضرر المسلمين والذميين فك أسرائهم بتفصيله الآتي في الهدنة وعمارة نحو سور البلد، وكفاية القائمين بحفظها فمؤنة ذلك على بيت المال ثم على القادرين المذكورين. ولو تعذر استيعابهم خَصَّ به الوالي من شاء منهم. (وتَحَمُّل الشهادة) على أهلٍ له حضر إليه المشهود عليه أو طلبه إن عذر الطالب بنحو قضاء أو عذرِ جُمْعةٍ أي ولم يعذر المطلوب ولو بنحو عذر جمعة أيضا (وأداؤها) على من تحملها إن كان أكثر من نصاب وإلا فهو فرض عين على ما يأتي (والحرف والصنائع) كالتجارة والحجامة؛ لتوقف قيام الدين على قيام الدنيا وقيامها على ذينك

[تنبيه] صرحوا بكراهة فعل بعض الحرف كالحجامة مع تصريحهم هنا بفرضيتها وهو مشكل وقد يجاب عنه أن المكروه أكل كسبها للحر لا فعلها. (وما يتم به المعاش) عطف مرادف; لأنه لا يخرج عن ذينك

.

[تنبيه] لا يحتاج في هذه لأمر الناس بها; لأن فطرهم مجبولة عليها لكن لو تمالئوا على ترك واحدة منها أثموا وقوتلوا كما هو قياس بقية فروض الكفاية. (وجواب سلام) مسنون وإن كرهت صيغته ولو مع رسول، أو في كتاب لكن هنا يكفي جوابه كتابة ويجب فيها -إن لم يَرُدَّ لفظا- الفور. ويسن الرد على المبلغ والبداءة به، فيقول وعليك وعليه السلام؛ للخبر المشهور فيه، من مسلم

(1)

مميز غير متحلل به من الصلاة (على جماعة) أي اثنين فأكثر مكلفين أو سكارى

(2)

لهم نوع تمييز سمعوه، أما وجوبه فإجماع ولا يؤثر فيه إسقاط المسلم لحقه; لأن الحق لله تعالى، وفي الأذكار: يسن أن يحلله بنحو أبرأته من حقي فإنه يسقط به حق الآدمي. اهـ.

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. متعلق بسلام أو صفة له.

ص: 231

ويختص الراد بالثواب فإن ردوا كلهم ولو مرتبا أثيبوا ثواب الفرض كالمصلين على الجنازة. ولو ردت امرأة عن رجل أجزأ إن شرع السلام عليها وإلا فلا، أو ردّ صبي أو من لم يسمع منهم لم يسقط بخلاف نظيره في الجنازة وتشميت العاطس; لأن القصد الدعاء وهو منه أقرب للإجابة. ولو سلم جمع مترتبون على واحد فرد مرة قاصدا جميعهم، أو أطلق أجزاه ما لم يحصل فصل ضار

(1)

. ودخل في قولي مسنون

(2)

سلام امرأة على امرأة أو نحو محرم أو سيد أو زوج، وكذا على أجنبي وهي عجوز لا تشتهى، ويلزمها في هذه الصور رد سلام الرجل، أما مشتهاة ليس معها امرأة أخرى فيحرم عليها رد سلام أجنبي ومثله ابتداؤه، ويكره له رد سلامها ومثله ابتداؤه أيضا، والفرق أن ردها وابتداءها يطمعه فيها أكثر بخلاف ابتدائه ورده، والخنثى مع الرجل كامرأة ومع المرأة كرجل في النظر فكذا هنا. ولو سلم على جمع نسوة وجب رد إحداهن؛ إذ لا يخشى فتنة حينئذ، ومن ثم حلت الخلوة بامرأتين، والظاهر أن الأمرد هنا كالرجل ابتداء وردا. وسلام ذمي فيجب رده بعليك، وسلام صبي أو مجنون مميز

(3)

فيجب رده أيضا، وكذا سكران مميز

(4)

لم يعص بسكره، أما المتعدي ففاسق، وأما غير المميز فليس فيه أهلية للخطاب كالمجنون، وخرج بقولي مسنون السلام على قاضي الحاجة ومن معه ممن يأتي فلا يجب رده، وإنما يجزئ الرد إن اتصل بالسلام كاتصال قبول البيع بإيجابه، وخرج بغير متحلل .. الخ سلام التحلل من الصلاة إذا نوى الحاضر عنده فلا يلزمه رده، وكذا لا يلزم رد سلام فاسق أو مبتدع؛ زجرا له أو لغيره وإن شرع سلامه، وخرج بجماعة الواحد فالرد فرض عين عليه. ولا بد في الابتداء والرد من رفع الصوت بقدر ما يحصل به السماع بالفعل ولو في ثقيل السمع، نعم إن مر عليه سريعا بحيث لم يبلغه صوته لزمه الرفع وسعه دون العدو خلفه، وظاهرٌ أنه لا بد من سماع جميع الصيغة ابتداء وردا، وحيث

(1)

. ولو سلم على قاض خصمان قال للآخر سلِّم لأرد عليكما، ويغتفر كلامه هذا ولا يكون قاطعا للرد كما يأتي في كتاب القضاء 10/ 151.

(2)

. وتقدم في الجمعة أنه يكره للداخل أن يسلم -وإن لم يأخذ لنفسه مكانا-، فإن سلم لزمهم الرد؛ لأن الكراهة لأمر خارج 2/ 454.

(3)

. خلافا لهما.

(4)

. خلافا لهما.

ص: 232

وَيُسَنُّ ابْتِدَاؤُهُ إلَا عَلَى قَاضِي حَاجَةٍ وَآكِلٍ وَفِي حَمَّامٍ،

زالت الفورية فلا قضاء. ويجب في الرد على الأصم الجمع بين اللفظ والإشارة بنحو اليد ولا يلزمه الرد إلا إن جمع له المُسَلِّم عليه بين اللفظ والإشارة، ويغني عن الإشارة في الأول العلم بأن الأخرس فهم -بقرينة الحال والنظر إلى فمه- الرد عليه، وتكفي إشارة الأخرس ابتداء وردا، وصيغته ابتداء وجوابا عليك السلام وعكسه، ويجوز تنكير لفظه وإن حذف التنوين، ويجزئ سلاما عليكم، وكذا سلام الله أو سلامي عليك وعكسه. والأفضل في الرد واو قبله، وتضر في الابتداء كالاقتصار في أحدهما على أحد جزأي الجملة إلا وعليك رداً لسلام الذمي وإن نوى إضمار الآخر. ويسن عليكم في الواحد نظرا لمن معه من الملائكة، وزيادة ورحمة الله وبركاته ومغفرته ولا تجب وإن أتى المسلم بها، ويظهر إجزاء سلمت عليك وأنا مسلم عليك ونحو ذلك. (ويسن

(1)

عينا للواحد وكفاية للجماعة كالتسمية للأكل وتشميت العاطس وجوابه (ابتداؤه

(2)

به عند إقباله أو انصرافه على مسلم؛ للخبر الحسن ((إن أولى الناس بالله من بدأهم بالسلام)). ولو أتى بالسلام بعد تكلم لم يعتد به، نعم يحتمل في تكلم سهوا أو جهلا وعذر به أنه لا يفوت الابتداء به فيجب جوابه، أما الذمي فيحرم ابتداؤه بالسلام. ولو أرسل سلامه لغائب يشرع له السلام عليه بصيغة مما مر كقل له فلان يقول السلام عليك أو سلم لي عليه لزم الرسول أن يبلغه بنحو فلان يسلم عليك

(3)

، فإنه أمانة ويجب أداؤها أي إن رضي بحمل السلام -بخلاف ما لو ردها

(4)

أو سكت-، وعليه فيلزمه قصد محل المُسَلَّم عليه حيث لا مشقة شديدة عرفا عليه; لأن أداء الأمانة ما أمكن واجب (إلا على) نحو (قاضي حاجة) بول أو غائط أو جماع؛ للنهي عنه (و) شارب و (آكل) في فمه اللقمة؛ لشغله عن الرد (و) كائن (في حمام)؛ لاشتغاله بالاغتسال بخلاف غير المشتغل به، ولا يكره السلام على من بمسلخة، وإلا على فاسق بل يسن تركه على مجاهر بفسقه ومرتكب ذنب عظيم لم يتب منه

(1)

. أي لمن سلم على مخاطب لما قدمه الشارح في الزكاة من كراهة إفراد الغائب بالسلام إلا في نحو المكاتبات 3/ 239.

(2)

. الضمير راجع للشخص وأرجعه المغني للسلام.

(3)

. ظاهر كلامه أنه لا يشترط وجود صيغه معتبرة مما مر من المرسل ولا من الرسول وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(4)

. قيد الرملي اعتبار الرد بما إذا كان بحضرة المرسل.

ص: 233

وَلَا جَوَابَ عَلَيْهِمْ

ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة، وإلا على مصلٍّ وساجد ومُلبٍّ ومؤذن ومقيم وناعس وخطيب ومستمعه ومستغرق القلب بدعاء -إن شق عليه الرد أكثر من مشقة الرد على الآكل- ومتخاصمين بين يدي قاضٍ، (ولا جواب) يجب (عليهم) -إلا مستمع الخطيب فإنه يجب عليه- وذلك؛ لوضعه السلام في غير محله، بل يكره لقاضي حاجة ونحوه كالمجامع، ويسن للآكل، نعم يسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بالفم ويلزمه الرد، ولمن بالحمام ومُلَبٍّ ونحوهما باللفظ ولمصل ومؤذن بالإشارة وإلا فبعد الفراغ إن قرب الفصل. ويحرم على من سلم عليه نحو حربي أو مرتد. والأرجح ندبه على القارئ وإن اشتغل بالتدبر ووجوب الرد عليه، نعم إن استغرق التدبر قلبه وقد شق عليه ذلك لم يسن ابتداء ولا جواب; لأنه الآن بمنزلة غير المميز، بل ينبغي فيمن استغرقه هم كذلك أن يكون حكمه ذلك. ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير، وماشٍ على واقف أو مضطجع، وراكب عليهم، وقليلين على كثيرين; لأن نحو الماشي يخاف من نحو الراكب، ولزيادة مرتبة نحو الكبير على نحو الصغير. وخرج بالتلاقي الجالس والواقف والمضطجع فكل من ورد على أحدهم يسلم عليه مطلقا، ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا، أما إن كانا معاً فيلزم كُلاً الرد.

[تتمة] لا يستحق مبتدئ بنحو صبحك الله بالخير أو قواك الله جوابا، ودعاؤه له في نظيره حسن إلا أن يقصد بإهماله تأديبه; لتركه سنة السلام

، وحني الظهر مكروه ومثله الانحناء بالرأس وتقبيل نحو رأس أو يد أو رجل لاسيما لنحو غني; لحديث ((من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه))، ويندب ذلك لنحو صلاح أو علم أو شرف; لأن أبا عبيدة قبَّل يد عمر رضي الله عنهما، ويسن القيام لمن فيه فضيلة ظاهرة من نحو صلاح أو علم أو ولادة أو نسب أو ولاية مصحوبة بصيانة عن مخالفة الشرع، أو لمن يُرجى خيره أو يُخشى من شره ولو كافرا خشي منه ضررا عظيما لا يحتمل عادة، ويكون على جهة البر والإكرام لا الرياء والإعظام، ويحرم على الداخل أن يحب قيامهم له; للحديث الحسن ((من أحب أن يتمثل الناس له قياما فليتبوأ مقعده من النار))، أي أحب قيامهم واستمراره وهو جالس، أو طلباً للتكبر على غيره، أما من أحبه جودا منهم عليه لما أنه صار شعارا للمودة فلا حرمة فيه. ولا بأس بتقبيل وجه طفل رحمة ومودة; لخبر البخاري ((أنه صلى الله عليه وسلم قبل ابنه إبراهيم))، ومحرم كذلك; لأن أبا بكر قبل

ص: 234

وَلَا جِهَادَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَ امْرَأَةٍ وَمَرِيضٍ وَذِي عَرَجٍ بَيِّنٍ، وَأَقْطَعَ، وَأَشَلَّ، وَعَبْدٍ، وَعَادِمِ أُهْبَةِ قِتَالٍ،

خدَّ عائشة لحُمىً أصابتها. ويسن تقبيل قادم من سفر ومعانقته؛ للاتباع الصحيح في جعفر رضي الله عنه لمّا قدم من الحبشة. ويحرم نحو تقبيل الأمرد الحسن غير نحو المحرم ومس شيء من بدنه بلا حائل كما مر. ويسن تشميت العاطس إذا حمد بيرحمك الله أو ربك، ولصغير بنحو أصلحك الله، أو بارك فيك، ويكره قبل الحمد، فإن شك قال يرحم الله من حمده أو يرحمك الله إن حمدته، ويسن تذكيره الحمد؛ للخبر المشهور فيه، وتكرير التشميت إلى ثلاث ثم بعدها يدعو له بالشفاء، ولو لم تتابع عرفا سُن التشميت بتكررها مطلقا. ويسن للعاطس وضع شيء على وجهه وخفض صوته ما أمكنه; للحديث الحسن ((العطسة الشديدة من الشيطان))، وإجابة مشمته بنحو يهديكم الله، ولم يجب؛ لأنه لا إخافة بتركه بخلاف رد السلام، وقوله إن لم يُشَمَّتْ يرحمني الله، ومر أن المصلي يحمد سرا ونحو قاضي الحاجة يحمد في نفسه بلا لفظ (ولا جهاد على صبي

(1)

ومجنون) ; لعدم تكليفهما (وامرأة)؛ لخبر البخاري ((جهادكن الحج والعمرة)) ولأنها جبلت على الضعف، ومثلها الخنثى (ومريض) مرضا يمنعه الركوب أو القتال بأن يحصل له مشقة لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم، ومثله بالأولى الأعمى، وكالمريض من له مريض لا متعهد له غيره، وكالأعمى ذو رمد وضعيف بصر لا يمكنه معه اتقاء السلاح. (وذي عرج بَيِّن) ولو في رجل وإن قدر على الركوب؛ للآية في الثلاثة. وخرج ببَيِّنِهِ يسيره الذي لا يمنع العدو (وأقطع وأشل) ولو لمعظم أصابع يد واحدة; إذ لا بطش لهما ولا نكاية، ومثلهما فاقد الأنامل. وبحث عدم تأثير قطع أصابع الرجلين إذا أمكنه المشي بلا عرج بيِّن (وعبد) ولو مبعضا ومكاتبا لنقصه وإن أمره سيده، والقياس أن مستأجر العين كذلك، وذمي; لأنه بذل الجزية لنذُبَّ عنه لا ليذب عنا، نعم يجب عليه بالنسبة لعقاب الآخرة كما مر (وعادم أهبة قتال) كسلاح ومؤنة نفسه أو ممونه ذهابا أو إيابا، وكذا مركوب والمقصد مسافة قصر مطلقا أو دونه ولا يطيق المشي، ويلزمه قبول بذلها من بيت المال دون غيره. ولو طرأ عليه فَقْدُ ذلك جاز له الرجوع ولو من الصف ما لم يفقد السلاح ويمكنه الرمي بحجر مثلا، أو يورث انصرافه فشلا في المسلمين وإلا حرم، ومحله إن لم يظن الموت

(1)

. ومع ذلك يجوز إحضاره فقط كما ذكره الشارح في الحجر 5/ 181.

ص: 235

وَكُلُّ عُذْرٍ مَنَعَ وُجُوبَ حَجٍّ مَنَعَ الجِهَادَ إلَّا خَوْفَ طَرِيقٍ مِنْ كُفَّارٍ، وَكَذَا مِنْ لُصُوصِ المُسْلِمِينَ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالدَّيْنُ الحَالُّ يُحَرِّمُ سَفَرَ جِهَادٍ وَغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِ غَرِيمِهِ، وَالمُؤَجَّلُ لَا، وَقِيلَ يَمْنَعُ سَفَرًا مَخُوفًا. وَيَحْرُمُ جِهَادٌ إلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ إنْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ، لَا سَفَرُ تَعَلُّمِ فَرْضِ عَيْنٍ

جوعا أو نحوه لو لم ينصرف (وكل عذر منع وجوب حج منع الجهاد) أي وجوبه (إلا خوف طريق من كفار) فإنه وإن منع وجوب الحج إن عم لا يمنع وجوب الجهاد إن أمكنت مقاومتهم (وكذا) خوفها (من لصوص مسلمين) يمنع وجوب الحج إن عم ولا يمنع وجوب الجهاد (على الصحيح)؛ لذلك (والدَّين الحال) ولو لذمي وإن كان به رهن وثيق أو كفيل موسر (يحرم) على من هو في ذمته -ولو والدا- وهو موسر بأن كان عنده أزيد مما يبقى للمفلس، وأُلحق بالمدين وليه (سفر جهاد وغيرِه) وإن قصر -بأن بلغ ميلا أو نحوه-؛ رعاية لحق الغير، ومن ثم جاء في مسلم ((القتل في سبيل الله يكفر كل شيء إلا الدين)) (إلا بإذن غريمه) أو ظن رضاه وهو من أهل الإذن والرضا لرضاه بإسقاط حقه، نعم يندب أن لا يتعرض للشهادة بل يقف وسط الصف أو حاشيته؛ حفظا للدَّين، ولا يحرم سفره أيضا إن استناب من يقضيه من مال حاضر، ومثله دين ثابت على مليء، ولا أثر لإذن ولي الدائن; إذ لا مصلحة له في ذلك. (والمؤجل لا) يمنع سفرا مطلقا وإن قرب حلوله بشرط وصوله لما يحل له فيه القصر، وهو مؤجل؛ إذ لا مطالبة لمستحقه الآن، نعم له الخروج معه ليطالبه به عند حلوله. (وقيل يمنع سفرا مخوفا) كالجهاد وركوب البحر؛ صيانة لحق الغير (ويحرم) على حُر ومبعض ذكر وأنثى (جهاد) ولو مع عدم سفر (إلا بإذن أبويه) وإن عليا من سائر الجهات ولو مع وجود الأقرب وإن كانا قنين; لأن برهما فرض عين. هذا (إن كانا مسلمين) وإلا لم يجب استئذان الكافر; لاتهامه بمنعه له حمية لدينه وإن كان عدوا للمقاتلين. ويلزم المبعض استئذان سيده أيضا، والقن يحتاج لإذن سيده لا أبويه، ويحرم عليه أيضا بلا إذن سفر مع الخوف وإن قصر

(1)

مطلقا وطويل ولو مع الأمن إلا لعذر كما قال: (لا سفر تعلم فرض عين) ومثله كل واجب عيني وإن اتسع وقته لكن لهما منعه من الخروج لحجة الإسلام قبل خروج قافلة أهل بلده أي وقته في العادة لو أرادوه; لأنه إلى الآن لم يخاطب بالوجوب. وإن كان

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 236

وَكَذَا كِفَايَةٌ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ أَذِنَ أَبَوَاهُ وَالْغَرِيمُ ثُمَّ رَجَعُوا وَجَبَ الرُّجُوعُ إنْ لَمْ يَحْضُرِ الصَّفَّ، فَإِنْ شَرَعَ فِي القِتَالِ حَرُمَ الِانْصِرَافُ فِي الْأَظْهَرِ

الأوجه أنهما ليس لهما منع من أراد حجة الإسلام ولم تجب عليه (وكذا كفاية) من علم شرعي أو آلة له فلا يحتاج إلى إذن الأصل (في الأصح) إن كان السفر آمنا أو قل خطره وإلا كخوف أسقط وجوب الحج احتيج لإذنه حينئذ؛ لسقوط الفرض عنه حينئذ، ولم يجد ببلده من يصلح لكمال ما يريده أو رجي بقرينة زيادة فراغ أو إرشاد أستاذ كما يكتفي في سفره الآمن لتجارة بتوقع زيادة أو رواج وإن لم يأذن الأصل، وسواء أخرج وحده أو مع غيره كان ببلده متعددون يصلحون للإفتاء أم لا، وفارق الجهاد لخطره، نعم ينبغي أن يتوقع فيه بلوغ ما قصده وإلا كبليد لا يتأتى منه ذلك فلا ينبغي أن يجوز له السفر لأجل ذلك; لأنه كالعبث. ويشترط لخروجه -ولو للفرض- رشده، وأن لا يكون أمرداً جميلا إلا إن كان معه نحو محرم يأمن به على نفسه. ولو لزمته نفقة الأصل احتاج لإذنه أو إنابة من يمونه من مال حاضر، وأخذ منه البلقيني أن الفرع لو لزمت الأصل نفقته امتنع سفره إلا بإذن الفرع الأهل أو إنابة كذلك، ثم بحث أنه لو أدى نفقة يوم حل له السفر فيه كالدين المؤجل، وفيه نظر

(1)

، والأوجه منعه فيهما، وكذا في الزوجة إلا بإذن أو إنابة، ولا فرق في المنع من السفر المخوف كبحر -وإن غلبت فيه السلامة- وكسلوك بادية مخطرة ولو لعلم أو تجارة، ومنها السفر لحجة استؤجر عليها ذمة أو عينا بين الأصل المسلم وغيره إذ لا تهمة، (فإن أذن أبواه) أو سيده (والغريم) في الجهاد (ثم) بعد خروجه (رجعوا) أو كان الأصل كافرا ثم أسلم وصرح بالمنع (وجب) عليه إن علم ولم يخش خوفا ولا انكسار قلوب المسلمين برجوعه ولم يكن خرج بجعل (الرجوع) كما لو خرج بلا إذن (إن لم يحضر الصف) -وإلا حرم إلا على العبد بل يستحب- وذلك؛ لأن طرو المانع كابتدائه، فإن لم يمكنه الرجوع لنحو خوف على معصوم وأمكنه أن يسافر لمأمن أو يقيم به حتى يرجع مع الجيش أو غيرهم لزمه. ولو حدث عليه دين في السفر لم يمنع استمراره فيه إلا إن صرح الدائن بمنعه، وفارق ما مر في الابتداء بأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفره فيه، ومنه يؤخذ أن حلول المؤجل في الإثناء كذلك فلا يحرم عليه استمرار السفر إلا إن صرح له بالمنع (فإن) التقى الصفان أو (شرع في القتال) ثم طرأ ذلك وعلمه (حرم الانصراف في الأظهر) ; لعموم الأمر

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا بحث البلقيني.

ص: 237

الثَّانِي يَدْخُلُونَ بَلْدَةً لَنَا فَيَلْزَمُ أَهْلَهَا الدَّفْعُ بِالمُمْكِنِ، فَإِنْ أَمْكَنَ تَأَهُّبٌ لِقِتَالٍ وَجَبَ المُمْكِنُ حَتَّى عَلَى فَقِيرٍ وَوَلَدٍ وَمَدِينٍ وَعَبْدٍ بِلَا إذْنٍ، وَقِيلَ: إنْ حَصَلَتْ مُقَاوَمَةٌ أَحْرَارٍ اُشْتُرِطَ إذْنُ سَيِّدِهِ، وَإِلَّا فَمَنْ قُصِدَ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِالمُمْكِنِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ قُتِلَ، وَإِنْ جَوَّزَ الْأَسْرَ وَالْقَتْلَ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْلِمَ. وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ الْقَصْرِ مِنْ الْبَلَدِ ....

بالثبات ولانكسار القلوب بانصرافه، نعم يكون وقوفه آخر الصف ليحرس وينبغي حمله على ما مر

(1)

.

(الثاني) من حالي الكفار (يدخلون) أي: دخولهم عمران الإسلام أو خرابه أو جباله، ثم إن دخلوا (بلدة لنا) أو صار بينهم وبينها دون مسافة القصر كان خطبا عظيما (فيلزم أهلها) عينا (الدفع) لهم (بالممكن) من أي شيء أطاقوه، ثم في ذلك تفصيل (فإن أمكن تأهب لقتال) بأن لم يهجموا بغتة (وجب الممكن) في دفعهم على كل منهم (حتى على) من لا يلزمه الجهاد نحو (فقير) بما يقدر عليه (وولد ومدين وعبد) وامرأة فيها قوة (بلا إذن) ممن مر، (وقيل إن حصلت مقاومة أحرار) منا لهم (اشترط إذن سيده) أي العبد للغنية عنه، والأصح لا؛ لتقوى القلوب، (وإلا) يمكن تأهب لهجومهم بغتة (فمن قُصِد) منا (دفع عن نفسه بالممكن) وجوبا (إن علم أنه إن أخذ قتل) وإن كان ممن لا جهاد عليه; لامتناع الاستسلام لكافر (وإن جوز الأسر والقتل فله) أن يدفع، و (أن يستسلم) إن ظن أنه إن امتنع منه قتل; لأن ترك الاستسلام حينئذ تعجيل للقتل.

[تنبيه] من ظنّ في حالة عدم التمكن من التأهب أن من أخذ قتل عينا امتنع عليه الاستسلام، وكذا إن جوز الأسر والقتل ولم يعلم أنه يقتل إن امتنع عن الاستسلام; لأنه حينئذ ذل ديني من غير خوف على النفس بخلاف ما إذا علم أنه يقتل إذا امتنع عن الاستسلام، فيجوز له الاستسلام؛ لأن المكافحة والحالة هذه استعجال للقتل. ويلزم الدفع امرأة علمت وقوع فاحشة بها الآن بما أمكنها وإن أدى إلى قتلها; لأنها لا تباح بخوف القتل. (ومن هو دون مسافة القصر من البلد) وإن لم يكن من أهل الجهاد (كأهلها) في تعين وجوب القتال وخروجه بلا إذن من مر إن وجد زادا، و يلزمه مشي أطاقه وإن كان في أهلها كفاية; لأنهم في حكمهم.

(1)

. أي في شرح إلا بأذن غريمه من أنه مندوب لا واجب.

ص: 238

وَمَنْ هُوَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ مِنَ الْبَلْدَةِ كَأَهْلِهَا، وَمَنْ عَلَى المَسَافَةِ يَلْزَمُهُمْ المُوَافَقَةُ بِقَدْرِ الْكِفَايَةِ إنْ لَمْ يَكْفِ أَهْلُهَا وَمَنْ يَلِيهِمْ. قِيلَ: وَإِنْ كَفَوْا. وَلَوْ أَسَرُوا مُسْلِمًا فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ النُّهُوضِ إلَيْهِمْ لِخَلَاصِهِ إنْ تَوَقَّعْنَاهُ.

فصل

يُكْرَهُ غَزْوٌ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ

(ومن) هم (على المسافة) المذكورة فما فوقها (يلزمهم) -الأقرب فالأقرب- إن وجدوا زادا وسلاحا ومركوبا، وإن أطاقوا المشي (الموافقة) لأهل ذلك المحل في الدفع (بقدر الكفاية إن لم يكف أهلها ومن يليهم)؛ دفعا عنهم وإنقاذا لهم، ولا يلزم الكل الخروج بل يكفي في سقوط الحرج عنهم خروج قوم منهم فيهم كفاية. (قيل وإن كفوا) أي أهل البلد ومن يليهم في الدفع؛ لعظم الخطب، فيجب على الأقرب فالأقرب حتى يصل الخبر بأنهم قد كُفوا. (ولو أسروا مسلما فالأصح وجوب النهوض إليهم) فورا على كل قادر ولو نحو قن بغير إذن (لخلاصه إن توقعناه) ولو على ندور وجوب عين كدخولهم دارنا بل أولى; لأن حرمة المسلم أعظم، ويسن للإمام بل وكل موسر

(1)

عند العجز عن خلاصه مفاداته بالمال، فمن قال لكافر أطلق أسيرك وعليّ كذا فأطلقه لزمه ولا يرجع به على الأسير إلا إن أذن له في مفاداته فيرجع عليه وإن لم يشرط له الرجوع كما مر قبيل الشركة

(2)

.

(فصل) في مكروهات ومحرمات ومندوبات في الغزو

(يكره غزو) وهو لغة: الطلب; لأن الغازي يطلب إعلاء كلمة الله تعالى. (بغير إذن الإمام أو نائبه) ; لأن أحدهما أعرف منه بالحاجة الداعية للقتال ولم يحرم لحل التغرير بالنفس في الجهاد. وليس لمرتزق استقلال بذلك; لأنه بمنزلة أجير لغرض مهم يرسل إليه. ولا كراهة إن فوّت الاستئذان المقصود أو عطل الإمام الغزو أو ظن أنه لا يأذن له ولم يخش منه فتنة.

(1)

. معه الفاضل عن يوم وليلة كالفطرة، أما إن كانوا يعذبون الأسرى فيجب على من مر ذلك، ومحله أيضا أن توقع خلاصهم وإلا وجب عينا ولا يملك الكفار المُفْدَى به، ذكر ذلك الشارح في الهدنة.

(2)

. تحفة 5/ 277.

ص: 239

وَيُسَنُّ إذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَنْ يُؤَمِّرَ عَلَيْهِمْ وَيَأْخُذَ الْبَيْعَةَ بِالثَّبَاتِ. وَلَهُ الِاسْتِعَانَةُ بِكُفَّارٍ تُؤْمَنُ خِيَانَتُهُمْ، وَيَكُونُونَ بِحَيْثُ لَوِ انْضَمَّتْ فِرْقَتَا الْكُفْرِ قَاوَمْنَاهُمْ. وَ بِعَبِيدٍ بِإِذْنِ السَّادَةِ وَ مُرَاهِقِينَ أَقْوِيَاءَ. وَلَهُ بَذْلُ الْأُهْبَةِ وَالسِّلَاحِ مِنْ بَيْتِ المَالِ وَمِنْ مَالِهِ. وَلَا يَصِحُّ اسْتِئْجَارُ مُسْلِمٍ لِجِهَادٍ

(ويسن) للإمام أو نائبه منع مخذل ومرجف من الخروج وحضور الصف وإخراجه منه ما لم يخش فتنة، ويظهر وجوب ذلك عليه فيمن علم منه ذلك وأن وجوده مضر لغيره، و (إذا بعث سرية

(1)

مثلا (أن يؤمر عليهم) من يوثق بدينه وخبرته ويأمرهم بطاعة الله ثم الأمير ويوصيه بهم، فإن أمّر نحو فاسق حرم (ويأخذ البَيعة) عليهم وهي اليمين بالله تعالى (بالثبات) على الجهاد وعدم الفرار؛ للاتباع فيهما كما صح عنه صلى الله عليه وسلم. ويسن التأمير لجمع قصدوا سفرا. وتجب طاعة الأمير فيما يتعلق بما هم فيه. (وله) أي الإمام أو نائبه (الاستعانة بكفار) ولو حربيين (تؤمن خيانتهم) كأن يَعرف حسن رأيهم فينا، وبه يُعلم أنه لا بد

(2)

أن يخالفوا العدو في معتقدهم، (ويكونون حيث لو انضمت فرقتا الكفر قاومناهم)؛ لأمن ضررهم حينئذ. ويشترط في جواز الإعانة بهم الاحتياج إليهم ولو لنحو خدمة أو قتال لقِلَّتنا، والضابط أن يكونوا بحيث لو انضموا إليهم لم يزيدوا على ضعفنا، ونفعل بالمستعان بهم الأصلح من أفرادهم وتفريقهم في الجيش، (وبعبيد بإذن السادة) -ولو مكاتبين ووصى بمنفعتهم لبيت المال- ونساء بإذن الأزواج ومدين وفرع بإذن دائن وأصل. (ومراهقين أقوياء) بإذن الأولياء والأصول ولو نساء أهل الذمة وصبيانهم; لأن لهم نفعاً ولو بسقي الماء وحراسة الأمتعة، ومن ثم جاز بمميز -ولو غير قوي- لا مجنون; لأنه لا يهتدي لنفع. (وله) أي الإمام أو نائبه (بذل الأهبة والسلاح من بيت المال ومن ماله)؛ لينال ثواب الإعانة وكذا للآحاد ذلك، نعم إن بذل ليكون الغزو للباذل لم يجز. (ولا يصح) من إمام أو غيره (استئجار) لعين أو ذمة (مسلم) مكلف

(3)

ولو قنا ومعذورا بناء على الأصح أنه لو دخل الكفار بلدنا تعين عليهما (لجهاد) كما قدمه في الإجارة؛ لتعينه عليه، ولأنه لا يصح التزامه في

(1)

. وهم من مائة إلى خمسمائة وقال المغني أقصاها أربع مائة.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(3)

. لا غيره خلافا للنهاية.

ص: 240

وَيَصِحُّ اسْتِئْجَارُ ذِمِّيٍّ لِلْإِمَامِ، قِيلَ: وَلِغَيْرِهِ. وَيُكْرَهُ لِغَازٍ قَتْلُ قَرِيبٍ وَ مَحْرَمٍ أَشَدُّ، قُلْتُ: إلَّا أَنْ يَسْمَعَهُ يَسُبُّ اللهَ تَعَالَى أَوْ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى مُشْكِلٍ. وَيَحِلُّ قَتْلُ رَاهِبٍ وَأَجِيرٍ وَشَيْخٍ وَأَعْمَى وَزَمِنٍ لَا قِتَالَ فِيهِمْ وَلَا رَأْيٍ فِي الْأَظْهَرِ،

الذمة. ومن أكره على الغزو لا أجرة له إن تعين عليه وإلا استحقها من خروجه إلى حضوره الوقعة، نعم المكره الغير المكلف ينبغي استحقاقه الأجرة مطلقا; لأنه لا يتعين عليه وإن حضر، ونحو الذمي المكرَه أو المستأجر بمجهول إذا قاتل استحق أجرة المثل وإلا فللذهاب فقط من خمس الخمس. ولمن عينه إمام أو نائبه إجبارا لتجهيز ميت أجرة في التركة، ثم في بيت المال ثم تسقط. (ويصح استئجار ذمي) ومعاهد ومستأمن بل وحربي لجهاد (للإمام) حيث تجوز الاستعانة به من خمس الخمس دون غيره؛ لأنه لا يقع عنه، واغتفرت جهالة العمل؛ للضرورة، فإن لم يخرج ولو لنحو صلح فسخت واسترد منه ما أخذه، وإن خرج ودخل دار الحرب وكان ترك القتال بغير اختيار فلا. ولو استؤجرت عين كافر فأسلم لم تنفسخ، (قيل ولغيره) من المسلمين استئجار الذمي كالأذان، نعم لو أذن الإمام له فيه جاز قطعا. (ويكره) تنزيها (لغازٍ قتل قريب) ; لأن فيه نوعا من قطع الرحم. (و) قتل قريب (محرم أشد) كراهة; لأنه صلى الله عليه وسلم منع أبا بكر من قتل ابنه عبد الرحمن رضي الله عنهما يوم أُحُد، (قلت إلا أن يسمعه) يعني يعلمه ولو بغير سماع (يسب) أي يذكر بسوء (الله تعالى) أو نبيا من الأنبياء (أو رسوله) محمدا صلى الله عليه وسلم أو الإسلام أو المسلمين. (والله أعلم) فلا كراهة حينئذ؛ تقديما لحق الله تعالى ولحق أنبيائه. (ويحرم)؛ لما ورد من نهي (قتل صبي ومجنون وامرأة) وإن لم يكن لها كتاب

(1)

. (وخنثى مشكل) ومن به رق، نعم إذا قاتل أحدٌ منهم قتل كما لو سب مكلف منهم الإسلامَ أو أحد المسلمين، ومحل قتلهم إن لم ينهزموا وإلا لم نتبعهم أو تترس بهم الكفار وإن أمكن دفعهم بغير القتل، نعم للمضطر قتل هؤلاء لأكلهم (ويحل قتل) ذكر (راهب) -وهو عابد النصارى- وسُوْقَة (وأجير) ; لأن فيهم رأيا وقتالا. (وشيخ وأعمى وزمن لا قتال فيهم ولا رأي في الأظهر)؛ لعموم قوله تعالى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} التوبة: 5، نعم الرسل لا يجوز قتلهم كما استمر عليه عمله صلى الله عليه وسلم وعمل الخلفاء الراشدين، ومحل الخلاف فيمن تقدم إن

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 241

فَيُسْتَرَقُّونَ، وَتُسْبَى نِسَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ. وَيَجُوزُ حِصَارُ الْكُفَّارِ فِي الْبِلَادِ وَالْقِلَاعِ وَإِرْسَالُ المَاءِ عَلَيْهِمْ وَرَمْيُهُمْ بِنَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ وَتَبْيِيتُهُمْ فِي غَفْلَةٍ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ جَازَ ذَلِكَ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوِ الْتَحَمَ حَرْبٌ فَتَتَرَّسُوا بِنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ جَازَ رَمْيُهُمْ، وَإِنْ دَفَعُوا بِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ فَالْأَظْهَرُ تَرْكُهُمْ. وَإِنْ تَتَرَّسُوا بِمُسْلِمِينَ فَإِنْ لَمْ تَدْعُ ضَرُورَةٌ إلَى رَمْيِهِمْ تَرَكْنَاهُمْ،

لم يكن أحدهم ذا رأي أو قتال وإلا جاز قتله قطعا. وإذا جاز قتل هؤلاء (فيسترقون) أي يضرب الإمام عليهم الرق إن شاء، (وتُسْبى نساؤهم) وصبيانهم (و) تغنم (أموالهم)؛ لإهدارهم (ويجوز حصار الكفار في البلاد والقلاع) وغيرها (وإرسال الماء عليهم) وقطعه عنهم (ورميهم بنار ومنجنيق) وغيرهما وإن كان فيهم نساء وصبيان ولو قدرنا عليهم بدون ذلك، وذلك؛ لقوله تعالى {وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} التوبة: 5 ولأنه (صلى الله عليه وسلم حصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق))، نعم لو تحصَّن حربيون بمحل من حرم مكة لم يجز حصارهم ولا قتالهم بما يعم تعظيما للحرم، وظاهرٌ أن محله حيث لم يضطر لذلك. (وتبييتهم) أي الإغارة عليهم ليلا. (في غفلة)؛ للاتباع، وقال عن نسائهم وذراريهم لَمَّا سئل عنهم ((هم منهم))، نعم يكره ذلك حيث لا حاجة إليه; لأنه لا يؤمن من قَتْل مسلم يظن أنه كافر. ولا يقاتل من علمنا أنه لم تبلغه الدعوة بهذا ولا بغيره حتى يُعْرَض عليه الإسلام وإلا ضمن، أما من بلغته فله قتله ولو بما يعُم وسبي تابعيه إلى أن يسلم ويلتزم الجزية إن كان من أهلها (وإن كان فيهم مسلم) واحد فأكثر (أسير أو تاجر جاز ذلك) أي إحصارهم وقتلهم بما يعم وتبييتهم في غفلة وإن علم قتل المسلم بذلك لكن يجب توقيه ما أمكن (على المذهب)؛ لئلا يعطلوا الجهاد علينا بحبس مسلم عندهم، نعم يكره ذلك حيث لم يضطر إليه كأن لم يحصل الفتح إلا به؛ تحرزا من إيذاء المسلم ما أمكن، ومثله في ذلك الذمي. ولا ضمان هنا في قتله; لأن الفرض أنه لم تعلم عينه. (ولو التحم حرب فتترسوا بنساء) وخناثى (وصبيان) ومجانين وعبيد منهم. (جاز رميهم) إذا اضطررنا إليه؛ للضرورة، (وإن دفعوا بهم عن أنفسهم) التحم حرب أوْ لا (ولم تدع ضرورة إلى رميهم فالأظهر تركهم) وجوبا؛ لئلا يؤدي إلى قتلهم من غير ضرورة لكن المعتمد الكراهة فقط. ويشترط أن يقصد بذلك التوصل إلى رجالهم. (وإن تترسوا بمسلمين) أو ذميين (فإن لم تدع ضرورة إلى رميهم تركناهم) وجوبا؛ صيانة لهم.

ص: 242

وَإِلَّا جَازَ رَمْيُهُمْ فِي الْأَصَحِّ. وَيَحْرُمُ الِانْصِرَافُ عَنْ الصَّفِّ إذَا لَمْ يَزِدْ عَدَدُ الْكُفَّارِ عَلَى مِثْلَيْنَا إلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ يَسْتَنْجِدُ بِهَا، وَيَجُوزُ إلَى فِئَةٍ بَعِيدَةٍ فِي الْأَصَحِّ

(وإلا) بأن تترسوا بهم في حال التحام الحرب واضطررنا لرميهم بأن كنا لو انكففنا عنهم ظفروا بنا أو عظمت نكايتهم فينا (جاز) وقيل يجب (رميهم في الأصح) ويُتَوَقَّوْنَ بحسب الإمكان; لأن مفسدة الكف عنهم أعظم ويحتمل هلاك طائفة للدفع عن بيضة الإسلام، ومع الجواز أو الوجوب يضمن المسلم ونحو الذمي بالدية أو القيمة والكفارة إن علم وأمكن توقيه

(1)

. (ويحرم الانصراف) على من هو من أهل فرض الجهاد الآن لا غيره ممن مر (عن الصف) بعد التلاقي وإن غلب على ظنه أنه إذا ثبت قتل؛ لقوله تعالى {فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} الأنفال: 15. وخرج بالصف ما لو لقي مسلم كافرين فطلبهما أو طلباه فلا يحرم عليه الفرار; لأن فرض الثبات إنما هو في الجماعة. ولأهل بلد قُصِدُوا التحصن منهم; لأن الإثم إنما هو فيمن فر بعد اللقاء. ولو ذهب سلاحه وأمكنه الرمي بالحجارة لم يجز له الانصراف، وكذا من مات فرسه وأمكنه القتال راجلا، نعم إذا غلب ظن الهلاك بالثبات من غير نكاية فيهم وجب الفرار (إذا لم يزد عدد الكفار على مثلينا)؛ للآية. أما إذا زادوا على المثلين فيجوز الانصراف مطلقا (إلا متحرفا لقتال) أي منتقلا عن محله ليكمن أو لأرفع منه أو أصون عن نحو شمس أو ريح أو عطش (أو متحيزا) أي ذاهبا (إلى فئة) من المسلمين وإن قلَّت (يستنجد بها) على العدو وهي قريبة بأن يكون بحيث يدرك غوثها المتحيز عنهما عند الاستغاثة؛ للآية، ولا يلزم تحقيق قصده بالرجوع للقتال; لأن الجهاد لا يجب قضاؤه، والكلام فيمن تحرف أو تحيز بقصد ذلك ثم طرأ له عدم العود، أما جعله وسيلة لذلك فشديد الإثم؛ إذ لا تمكن مخادعة الله في العزائم (ويجوز) التحيز (إلى فئة بعيدة) حيث لا أقرب منهم أي تطيعه في ظنه (في الأصح)؛ لإطلاق الآية وإن انقضى القتال قبل عوده أو مجيئهم اكتفاءً باجتماعهم في دار الحرب بل وإن كان فيه انكسار لقلب من انهزم منهم

(2)

. ولا يشترط لحله استشعاره عجزا محوجا إلى الاستنجاد.

(1)

. صريح في أن الكفارة أنما تجب بالقيدين المذكورين خلافا لشرح الروض والمغني.

(2)

. كما في الفتح.

ص: 243

وَلَا يُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى بَعِيدَةٍ الجَيْشَ فِيمَا غَنِمَ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ، وَيُشَارِكُ مُتَحَيِّزٌ إلَى قَرِيبَةٍ فِي الْأَصَحِّ. فَإِنْ زَادَ عَلَى مِثْلَيْنِ جَازَ الِانْصِرَافُ إلَّا أَنَّهُ يَحْرُمُ انْصِرَافُ مِائَةِ بَطَلٍ عَنْ مِئَتَيْنِ وَوَاحِدٍ ضُعَفَاءَ فِي الْأَصَحِّ. وَتَجُوزُ المُبَارَزَةُ فَإِنْ طَلَبَهَا كَافِرٌ اُسْتُحِبَّ الخُرُوجُ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تَحْسُنُ مِمَّنْ جَرَّبَ نَفْسَهُ وَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ

(ولا يشارك) متحرف لمحل بعيد إلا إن غاب القريب غيبة اضطر إليها لأجل التحرف، ولا (متحيز إلى) فئة (بعيدة الجيشَ فيما غنم بعد مفارقته، ويشارك متحيز إلى) فئة (قريبة في الأصح)؛ لبقاء نصرته، ويصدق بيمينه أنه قصد التحرف أو التحيز وإن لم يعد إلا بعد انقضاء القتال

(1)

. ومن أُرسل جاسوسا شارك فيما غنم في غيبته مطلقا; لأنه مع كونه في مصلحتهم خاطر بنفسه أكثر من بقائه. (فإن زادوا على مثلينا جاز الانصراف) مطلقا؛ للآية، (إلا أنه يحرم انصراف مائة بطل عن مائتين وواحد ضعفاء) ويجوز انصراف مائة ضعفاء عن مائة وتسعة وتسعين أبطالا. (في الأصح)؛ اعتبارا بالمعنى لجواز استنباط معنى من النص يخصصه; لأنهم يقاومونهم لو ثبتوا لهم، وإنما يراعى العدد عند تقارب الأوصاف، ومن ثم لم يختص الخلاف بزيادة الواحد ونقصه ولا براكب وماش بل الضابط أن يكون في المسلمين من القوة ما يغلب على الظن أنهم يقاومون الزائد على مثليهم ويرجون الظفر بهم أو من الضعف ما لا يقاومونهم. وإذا جاز الانصراف فإن غلب الهلاك بلا نكاية وجب أو بها استحب. (وتجوز) أي تباح (المبارزة) كما وقعت ببدر وغيرها، نعم تمتنع

(2)

على مدين وذي أصل رجعا عن إذنهما وقن لم يؤذن له في خصوصها. (فإن طلبها كافر استحب الخروج إليه)؛ لما في تركها حينئذ من استهتارهم بنا (وإنما تحسن) أي تباح

(3)

أو تسن المبارزة

(4)

(ممن جرب نفسه) فعرف قوته وجراءته (وبإذن الإمام) أو أمير الجيش; لأنه أعرف بالمصلحة من غيره، فإن اختل شرط من ذلك كرهت ابتداء وإجابة، وجازت بلا إذنه؛ لجواز التغرير بالنفس في الجهاد. ويعتبر في الاستحباب أن لا يدخل بقتله ضرر علينا كهزيمة تحصل لنا لكونه كبيرنا، وأن لا يكون عبدا

(1)

. خلافا للمغني في المتحرف.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا الكراهة.

(3)

. أي عند طلب الكافر.

(4)

. أي عند طلبه.

ص: 244

وَيَجُوزُ إتْلَافُ بِنَائِهِمْ وَشَجَرِهِمْ لِحَاجَةِ الْقِتَالِ وَالظَّفَرِ بِهِمْ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُرْجَ حُصُولُهَا لَنَا، فَإِنْ رُجِيَ نُدِبَ التَّرْكُ. وَيَحْرُمُ إتْلَافُ الحَيَوَانِ إلَّا مَا يُقَاتِلُونَ عَلَيْهِ لِدَفْعِهِمْ أَوْ ظَفْرٍ بِهِمْ أَوْ غَنِمْنَاهُ وَخِفْنَا رُجُوعَهُ إلَيْهِمْ وَضَرَرَهُ.

فصل

نِسَاءُ الْكُفَّارِ وَصِبْيَانُهُمْ إذَا أُسِرُوا رَقُّوا، وَكَذَا الْعَبِيدُ

ولا فرعا مأذونا لهما في الجهاد من غير تصريح بالإذن في المبارزة وإلا فتكره لهما ابتداء وإجابة مثلهما المَدِين (ويجوز إتلاف بنائهم وشجرهم لحاجة القتال والظفر بهم)؛ للاتباع في نخل بني النضير النازل فيه أول الحشر لَمَّا زعموه فسادا رواه الشيخان، (وكذا) يجوز إتلافها (إن لم يرج حصولها لنا)؛ إغاظة وإضعافا لهم، (فإن رجي) أي ظن حصولها لنا (ندب الترك) وكره الفعل؛ حفظا لحق الغانمين (ويحرم إتلاف الحيوان) المحترم بغير ذبح يُجَوِّز أكله؛ رعاية لحرمة روحه، ومن ثم منع مالكه من إجاعته وتعطيشه بخلاف نحو الشجر (إلا ما يقاتِلون عليه) فيجوز إتلافه. (لدفعهم أو ظفر بهم)؛ قياسا على ما مر في ذراريهم بل أولى (أو غنمناه وخفنا رجوعه إليهم وضرره) فيجوز إتلافه أيضا؛ دفعا لهذه المفسدة، أما خوف رجوعه فقط فلا يجوز إتلافه بل يذبح للأكل، وأما غير المحترم كخنزير فيجوز بل يسن إتلافه مطلقا إلا إن كان يتعدى على الناس فيجب.

(فصل) في حكم الأسر وأموال الحربيين

(نساء الكفار) غير المرتدات وإن لم يكن لهن كتاب، أو كن حاملات بمسلم ومثلهن الخناثى (وصبيانهم

(1)

ومجانينهم حالة الأسر وإن تقطع جنونهم (إذا أُسروا رقوا) بنفس الأسر فخمسهم لأهل الخمس وباقيهم للغانمين، (وكذا العبيد) ولو مسلمين يرقون بالأسر أي يدام عليهم حكم الرق المنتقل إلينا فيخمسون أيضا وكالعبد فيما ذكر المبعض

(2)

بالنسبة لبعضه القن، وأما بعضه الحر فيتخير فيه بين الرق والمن والفداء. ولإمام قتلُُ امرأة وقن قتلا

(1)

. وتقدم في الحجر كيفية معرفة بلوغ صبيانهم 5\ 164 - 165.

(2)

. اقتصر المغني على هذا الإطلاق خلافا لتفصيل الشارح.

ص: 245

وَيَجْتَهِدُ الْإِمَامُ فِي الْأَحْرَارِ الْكَامِلِينَ، وَيَفْعَلُ الْأَحَظَّ، لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ قَتْلٍ وَمَنٍّ وَفِدَاءٍ بِأَسْرَى أَوْ مَالٍ وَاسْتِرْقَاقٍ، فَإِنْ خَفِيَ الْأَحَظُّ حَبَسَهُمْ حَتَّى يَظْهَرَلَهُ. وَقِيلَ لَا يُسْتَرَقُّ وَثَنِيٌّ، وَكَذَا عَرَبِيٌّ فِي قَوْلٍ

مسلما؛ تنفيرا لهم عن قتل المسلم ما أمكن

(1)

، وليس ذلك بقَوَدٍ؛ لما تقدم أنه لا قود على حربي (ويجتهد الإمام) أو أمير الجيش (في) الذكور (الأحرار الكاملين) أي المكلفين إذا أسروا (ويفعل) وجوبا (الأحظ للمسلمين) باجتهاده لا بتشهيه (من قتل) بضرب العنق لا غير؛ للاتباع. (ومَنٍّ) عليهم بتخلية سبيلهم من غير مقابل (وفداء بأسرى) منا أو من الذميين ولو واحدا في مقابلة جمع منا أو منهم (أو مال) -فيخمس وجوبا- أو بنحو سلاحنا ويفادي سلاحهم بأسرانا لا بمال إلا إن ظهرت فيه المصلحة ظهورا تاما من غير ريبة. (واسترقاق) ولو لنحو وثني وعربي وبعض شخص ولا يسري لكله. (فإن خفي) عليه (الأحظ) حالا (حبسهم) وجوبا. (حتى يظهر له) الصواب فيفعله، (وقيل لا يسترق وثني) كما لا يُقرُّ بجزية، ويرد بوضوح الفرق، (وكذا عربي في قول)؛ لخبر فيه. ومَن قتل أسيرا غير كامل لزمته قيمته أو كاملا قبل التخير فيه عزر فقط.

[تنبيه] لو اختار الإمام خصلة ظهر له بالاجتهاد أنها الأحظ ثم ظهر له به أن الأحظ غيرها فإن كانت رقا لم يجز له الرجوع عنها مطلقا; لأن الغانمين وأهل الخمس ملكوا بمجرد ضربه الرق فلم يملك إبطاله عليهم، أو قتلا جاز له الرجوع عنه؛ تغليبا لحقن الدماء ما أمكن، أو فداء أو مَنَّا لم يعمل بالثاني؛ لاستلزامه نقض الاجتهاد بالاجتهاد من غير موجب، نعم إن كان اختياره أحدهما لسبب ثم زال ذلك السبب وتعينت المصلحة في الثاني عمل بقضيته. وليس هذا نقض اجتهاد باجتهاد بل بما يشبه النص؛ لزوال موجب الأول بالكلية.

ولا بد في الاسترقاق من لفظ يدل عليه ولا يكفي فيه مجرد الفعل كالاستخدام; لأنه لا يستلزمه وكذا الفداء، نعم يكفي فيه لفظ ملتزم البدل مع قبض الإمام له من غير لفظ بخلاف الخصلتين الأخريين؛ لحصولهما بمجرد الفعل.

(1)

. ظاهر الشارح والنهاية عدم الضمان حينئذ خلافا للمغني والأسنى من أن الإمام يضمن قيمتهم للغائمين.

ص: 246

وَلَوْ أَسْلَمَ أَسِيرٌ عُصِمَ دَمُهُ وَبَقِيَ الخِيَارُ فِي الْبَاقِي، وَفِي قَوْلٍ يَتَعَيَّنُ الرِّقُّ. وَإِسْلَامُ كَافِرٍ قَبْلَ ظَفَرٍ بِهِ، يَعْصِمُ دَمَهُ وَمَالَهُ وَصِغَارَ وَلَدِهِ، لَا زَوْجَتَهُ عَلَى المَذْهَبِ، فَإِنِ اسْتُرِقَّتِ انْقَطَعَ نِكَاحُهُ فِي الحَالِ، وَقِيلَ إنْ كَانَ بَعْدَ دُخُولٍ بِهَا اُنْتُظِرَتِ الْعِدَّةُ فَلَعَلَّهَا تَعْتِقُ فِيهَا. وَيَجُوزُ إرْقَاقُ زَوْجَةِ ذِمِّيٍّ، وَكَذَا عَتِيقُهُ فِي الْأَصَحِّ

(ولو أسلم أسير) كامل

(1)

أو بذل الجزية قبل أن يختار الإمام فيه شيئا (عُصِم دمه)؛ للحديث الآتي، ولم يذكر هنا ((وماله)) ; لأنه لا يعصمه إذا اختار الإمام رقه، ولا صغار ولده؛ للحكم بإسلامهم تبعا له وإن كانوا بدار الحرب أو أرقاء والأصلُ المسلمُ قِنا، وعليه إذا تبعه أولاده في الإسلام وهم أحرار لم يرقوا؛ لامتناع طرو الرق على من قارن إسلامه حريته، ومن ثم أجمعوا على أن الحر المسلم لا يسبى ولا يسترق، أو أرقاء لم ينقض رقهم، ومن ثم لو ملك حربي صغيرا ثم حكم بإسلامه تبعا لأصله جاز سبيه واسترقاقه (وبقي الخيار في الباقي) أي باقي الخصال السابقة، أو بعد أن اختار المن أو الفداء أو الرق تعين ما اختاره الإمام، ومحل جواز المفاداة مع إرادة الإقامة في دار الكفر إن كان له ثم عشيرة يأمن معها على نفسه ودينه (وفي قول يتعين الرق) بنفس الإسلام كالذرية بجامع حرمة القتل (وإسلام كافر) مكلف (قبل ظفر به) أي قبل وضع أيدينا عليه (يعصم دمه) أي نفسه عن كل ما مر (وماله) جميعه بدارنا ودارهم؛ لما مر في الخبر المتفق عليه ((فإذا قالوها أي الشهادة عصموا مني دماءهم وأموالهم)). (وصغار) ومجانين (ولده) الأحرار وإن سفلوا -ولو كان الأقرب حيا كافرا- عن الاسترقاق; لأنهم يتبعونه في الإسلام، ومن ثم كان الحمل كمنفصل والبالغ العاقل الحر كمستقل، (لا زوجته على المذهب) ولو حاملا منه فلا يعصمها عن الاسترقاق؛ لاستقلالها (فإذا استرقت) أي حكم برقها بأن أسرت إذ هي ترق بنفس الأسر (انقطع نكاحه في الحال) ولو بعد وطء؛ لزوال ملكها عن نفسها فملك الزوج عنها أولى (وقيل إن كان) أسرها (بعد دخول انتظرت العدة فلعلها تعتق فيها) فيدوم النكاح كالردة (ويجوز إرقاق زوجة ذمي) بمعنى أنها ترق بنفس الأسر وينقطع نكاحه إذا كانت حربية حادثة بعد عقد الذمة أو خارجة عن طاعتنا حين عقدها، (وكذا عتيقه) الصغير والكبير والعاقل والمجنون (في الأصح) إذا لحق بدار الحرب يجوز استرقاقه؛ لجوازه في سيده لو لحق بها فهو أولى.

(1)

. ظاهر كلام الشارح أن المراد بالكامل المكلف ولو كان قنا واشترط شرح الروض كونه حرا مكلفا.

ص: 247

لَا عَتِيقُ مُسْلِمٍ وَزَوْجَتُهُ الحَرْبِيَّةُ عَلَى المَذْهَبِ، وَإِذَا سُبِيَ زَوْجَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا انْفَسَخَ النِّكَاحُ إنْ كَانَا حُرَّيْنِ قِيلَ أَوْ رَقِيقَيْنِ. وَإِذَا أُرِقَّ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَسْقُطْ فَيُقْضَى مِنْ مَالِهِ إنْ غُنِمَ بَعْدَ إرْقَاقِهِ

(لا عتيق مسلم) حال الأسر وإن كان كافرا قبله فلا يجوز إرقاقه إذا حارب؛ لأن الولاء بعد ثبوته لا يرتفع (و) لا (زوجته الحربية) فلا يجوز إرقاقها أيضا (على المذهب) والمعتمد فيها الجواز

(1)

كزوجة حربي أسلم (وإذا سبي زوجان أو أحدهما انفسخ النكاح) بينهما (إن كانا حرين) وإن كان الزوج مسلما

(2)

؛ لما في خبر مسلم أنهم لمّا امتنعوا يوم أوطاس من وطء المسبيات المتزوجات نزل {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} النساء: 24، ومحل الانفساخ في سبي الزوج إذا كان صغيرا أو مجنونا أو مكلفا واختار الإمام رقه، فإن منّ عليه أو فادى به استمر نكاحه. أما لو كان أحدهما حرا فقط وقد سبيا أو الحر وحده وأرقه الإمام فيهما إذا كان زوجا كاملا فينفسخ النكاح أيضا؛ لحدوث الرق بخلاف ما لو سبي الرقيق وحده؛ لعدم حدوثه كما لو كانا رقيقين (قيل أو رقيقين. وإذا أرق) الحربي (وعليه دين) لمسلم أو ذمي أو معاهد أو مستأمن (لم يسقط) ; لأن له ذمة أو لحربي سقط كما لو رق حربي وله دين على حربي فيسقط بخلافه على ذمي أو مسلم أو معاهد أو مستأمن

(3)

، فلا يملك سيده ذلك الدين ولا يطالب به؛ لأن ملكه لرقبته لا يستلزم ملكه لماله، وحينئذ يوقف ذلك الدين فإن عتق فله وإن مات قِنا فهو فيء، ومثل الدين الذي له أعيان ماله، نعم إذا عتق ولم يأخذهما الإمام كان هو -أي العتيق- أحق بهما. ولو كان الدين للسابي سقط بناء على أن من ملك قنّ غيره وله عليه دين سقط، ومحل السقوط فيما يختص بالسابي دون ما يقابل الخمس; لأنه ملك لغيره. وإذا لم يسقط (فيُقضى من ماله إن غُنِم) أي غنم الغانمون مال الرقيق (بعد إرقاقه)؛ تقديما له على الغنيمة كالوصية وإن حكم بزوال ملكه بالرق كما يُقضى دين المرتد إن حكم بزوال ملكه بالردة. أما إذا لم يكن له مال فيبقى في ذمته إلى عتقه، وأما إذا غنم قبل إرقاقه أو معه فلا يقضى

(1)

. وفاقا للروض والمنهج وخلافا للنهاية والمغني.

(2)

. عبارة المغني: ((ومحل الانفساخ في سبي الزوجة إذا كان الزوج كافرا، فان كان مسلماً بني على الخلاف المتقدم هل تسبى أوْ لا)).

(3)

. خالفه النهاية في المعاهد والمستأمن ووافقه المغني والأسنى.

ص: 248

وَلَوِ اقْتَرَضَ حَرْبِيٌّ مِنْ حَرْبِيٍّ أَوِ اشْتَرَى مِنْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ قَبِلَا جِزْيَةً دَامَ الحَقُّ. وَلَوْ أَتْلَفَ حَرْبِيٌّ عَلَيْهِ فَأَسْلَمَا فَلَا ضَمَانَ فِي الْأَصَحِّ. وَالمَالُ المَأْخُوذُ مِنْ أَهْلِ الحَرْبِ قَهْرًا غَنِيمَةٌ، وَكَذَا مَا أَخَذَهُ وَاحِدٌ أَوْ جَمْعٌ مِنْ دَارِ الحَرْبِ سَرِقَةً، أَوْ وُجِدَ كَهَيْئَةِ اللُّقَطَةِ عَلَى الْأَصَحِّ،

نه; لأن الغانمين ملكوه أو تعلق حقهم بعينه فكان أقوى (ولو اقترض حربي من حربي) أو غيره (أو اشترى منه) شيئا أو كان له عليه دين معاوضة غير ذلك. (ثم أسلما) أو أحدهما (أو قبلا) أو أحدهما (جزية) أو أُمِّانا معا أو مرتبا ولم يمتنع منه

(1)

وهما حربيان قاصداً الاستيلاء عليه (دام الحق) الذي يصح طلبه؛ لالتزامه بعقد صحيح بخلاف نحو خمر وخنزير. (ولو أتلف حربي

(2)

عليه) أي الحربي شيئا أو غصبه منه في حال الحرابة (فأسلما) أو أسلم المتلف (فلا ضمان في الأصح) ; لأنه لم يلتزم شيئا بعقد حتى يستدام حكمه. ولو استأجر مسلم مال حربي أو نفسه لم تبطل برقه، أو قهر حربي دائنه أو سيده أو عتيقه أو زوجه ملكه، وكذا بعضه فيعتق عليه (والمال) أو الاختصاص (المأخوذ) أي الذي أخذه مسلمون (من أهل الحرب) وليس لمسلم وإلا لم يزل ملكه بأخذهم له قهرا منه فعلى من وصل إليه ولو بشراء رده إليه (قهرا) لهم حتى سلموه أو جلوا عنه (غنيمة، وكذا ما أخذه واحد) مسلم (أو جمع) مسلمون (من دار الحرب) أو من أهله ولو ببلادنا حيث لا أمان لهم (سرقة) أو اختلاسا أو سوما

(3)

، (أو وجد كهيئة اللقطة) مما يظن

(4)

أنه لكافر فأخذ فالكل غنيمة مخمسة أيضا (في الأصح

(5)

؛ لأن تغريره بنفسه قائم مقام القتال، ومن ثم لو أخذه سوما ثم هرب أو جحده اختص به

(6)

، فإن كان المأخوذ ذكرا كاملا تخير الإمام فيه، أما ما أخذه ذمي أو ذميون كذلك فإنه مملوك كله

(1)

. أي المديون من الدين وأدائه.

(2)

. قال المنهج: ((أو غيره)).

(3)

. خالف في السوم الروض والروضة.

(4)

. عبَّر المحلي والمغني بالعلم.

(5)

. استثنى المغني استثناءين من المتن.

(6)

. قضية كلام الشارح أنه إذا علم آخذها أنها لحربي دخل دارنا بلا أمان منا يختص به فلا تخمس، وعبارة شرح الروض تفيد أنها فيء.

ص: 249

فَإِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ لِمُسْلِمٍ وَجَبَ تَعْرِيفُهُ. وَلِلْغَانِمِينَ التَّبَسُّطُ فِي الْغَنِيمَةِ بِأَخْذِ الْقُوتِ وَمَا يَصْلُحُ بِهِ وَلَحْمٍ وَشَحْمٍ وَكُلِّ طَعَامٍ يُعْتَادُ أَكْلُهُ عُمُومًا،

لآخذه. (فإن أمكن كونه) -أي المُلْتَقَط- لذمي أو (لمسلم) ثَمّ تاجرٍ أو مقاتلٍ مثلا (وجب تعريفه) سنة ما لم يكن حقيرا فدونها كلقطة دار الإسلام، وبعد التعريف يكون غنيمة.

[فرع] حاصل المعتمد في الأرقاء المجلوبين أن من لم يعلم كونه من غنيمة لم تخمس يحل شراؤه وسائر التصرفات فيه؛ لاحتمال أن آسره البائع له أوّلاً حربي أو ذمي فإنه لا يخمس عليه، وهذا كثير لا نادر، فإن تحقق أن آخذه مسلم بنحو سرقة أو اختلاس لم يجز شراؤه إلا على الضعيف أنه لا يخمس عليه، وطريق من وقع بيده غنيمة لم تخمس ردها لمستحق عُلِم وإلا فللقاضي كالمال الضائع أي الذي لم يقع اليأس من صاحبه وإلا كان ملك بيت المال فلمن له فيه حق الظفر به، ومن ثم كان من وصل له شيء يستحقه حل له أخذه وإن ظُلِم الباقون، نعم الورع لمريد التسري أن يشتري ثانيا من وكيل بيت المال; لأن الغالب عدم التخميس واليأس من معرفة مالكها فتكون ملكا لبيت المال

(1)

. (وللغانمين) ولو أغنياء وبغير إذن الإمام سواء من له سهم أو رضخ إلا الذمي

(2)

(التبسط) أي التوسع (في الغنيمة) قبل القسمة واختيار التملك على سبيل الإباحة لا الملك فهو مقصور على انتفاعه، نعم للغانم أن يضيف به من له التبسط وإقراضه بمثله من المغنم بل وبيع المطعوم بمثليه ولا ربا فيه; لأنه ليس بيعا حقيقيا وإنما هو كتناول الضيفان لقمة بلقمتين فأكثر، فلو أقرض غانمٌ غانماً من المغنم فله مطالبته بعينه أو بمثله من المغنم ما لم يدخلوا دار الإسلام، ولا يطالبه من خالص ماله وذلك؛ لأنه إذا أخذه صار أحق به ولم تزل يده عنه إلا ببدل، وليس ذلك قرضا محققا؛ لأن الآخذ لا يملك المأخوذ حتى يملكه لغيره فلو رد عليه من ماله لم يأخذه؛ لأن غير المملوك لا يقابل بمملوك (بأخذ) ما يحتاجه لا أكثر منه وإلا أثم وضمنه كما لو أكل فوق الشبع سواء أخذ (القوت وما يصلح به) كزيت وسمن (ولحم وشحم) لنفسه لا لنحو طيره (و) كل (طعام يعتاد أكله عموما) أي على العموم؛ لفعل الصحابة رضي الله عنهم لذلك، وخرج بالقوت وما بعد غيره كمركوب وملبوس، نعم إن اضطر لسلاح يقاتل به أو نحو فرس يقاتل عليها

(1)

. يُراجَع الفرع قبل كتاب الصيد والذبائح.

(2)

. خالفاه في الذمي.

ص: 250

وَعَلَْفِ الدَّوَابِّ تِبْنًا وَشَعِيرًا وَنَحْوَهُمَا، وَذَبْحِ مَأْكُولٍ لِلَحْمِهِ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الْفَاكِهَةِ، وَأَنَّهُ لَا تَجِبُ قِيمَةُ المَذْبُوحِ، وَأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ الجَوَازُ بِمُحْتَاجٍ إلَى طَعَامٍ وَعَلَفٍ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ لِمَنْ لَحِقَ الجَيْشَ بَعْدَ الحَرْبِ وَالحِيَازَةِ، وَأَنَّ مَنْ رَجَعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ بَقِيَّةٌ لَزِمَهُ رَدُّهَا إلَى المَغْنَمِ

أخذه بلا أجرة، ثم رده وبعموم ما يندر الاحتياج إليه كسكر ودواء فلا يأخذ شيئا من ذلك، فإن احتاجه فبالقيمة أو يحبسه من سهمه، (وعلَْف الدواب) التي يحتاجها للحرب أو الحمل وإن تعددت دون الزينة ونحوها (تبنا وشعيرا ونحوهما) كفول; لأن الحاجة تمس إليه كمؤنة نفسه (وذبح) حيوان (مأكول للحمه) أي لأكل ما يقصد أكله منه ولو غير لحم ككرش وشحم وجلد وإن تيسر بسوق؛ للحاجة إليه أيضا، نعم ينبغي في خيل الحرب المحتاج إليها فيها منع ذبحها بدون اضطرار; لأن من شأنه إضعافنا. ويجب رَدُّ جلده الذي لا يؤكل معه عادة إلى المغنم، وكذا ما اتخذه منه كسقاء وحذاء وإن زادت قيمته بالصنعة؛ لوقوعها هدرا، بل إن نقص بها أو استعمله لزمه النقص أو الأجرة. أما إذا ذبحه لأجل جلده الذي لا يؤكل فلا يجوز وإن احتاجه لنحو خف ومداس. (والصحيح جواز الفاكهة) رطبها ويابسها (و) الصحيح (أنه لا تجب قيمة المذبوح)؛ لأجل نحو لحمه كما لا تجب قيمة الطعام (و) الصحيح (أنه لا يختص الجواز بمحتاج إلى طعام وعلَف) بل يجوز أخذ ما يحتاج إليه منهما إلى وصول دار الإسلام وإن كانا معه؛ لورود الرخصة بذلك من غير تفصيل، نعم إن قل الطعام وازدحموا عليه آثر الإمام به ذوي الحاجات، وله التزود إلى رجوعه من سفره إلى دارنا

(1)

، (و) الصحيح (أنه لا يجوز ذلك لمن لَحِق الجيش بعد الحرب والحيازة) ; لأنه أجنبي عنهم كغير الضيف مع الضيف. ويجوز ذلك

(2)

لِمَن لحق بعد الحرب وقبل الحيازة أو معها (و) الصحيح (أن من رجع إلى دار الإسلام) ووجد حاجته بلا عزة -وهي ما في قبضتنا وإن سكنها أهل ذمة أو عهد- (ومعه بقية لزمه ردها إلى المغنم) أي محل اجتماع الغنائم قبل قسمتها، وذلك؛ لتعلق حق الجميع به وقد زالت الحاجة إليه، أما بعد قسمتها فيرد للإمام ليقسمه إن أمكن وإلا رده للمصالح.

(1)

. خلافا لظاهر المغني حيث عبَّر بأن له التزود لمسافة بين يديه ولم يذكر الرجوع.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 251

وَمَوْضِعُ التَّبَسُّطِ دَارُهُمْ، وَكَذَا مَا لَمْ يَصِلْ عُمْرَانَ الْإِسْلَامِ فِي الْأَصَحِّ. وَلِغَانِمٍ حُرٍّ رَشِيدٍ -وَلَوْ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ بِفَلَسٍ- الْإِعْرَاضُ عَنِ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُهُ بَعْدَ فَرْزِ الخُمُسِ وَجَوَازُهُ لِجَمِيعِهِمْ، وَبُطْلَانُهُ مِنْ ذَوِي الْقُرْبَى وَسَالِب. وَالمُعْرِضُ كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ،

(وموضع التبسط دارهم) أي الحربيين; لأنها محل العزة أي من شأنها ذلك، فلا ينافي حل التبسط مع وجود الطعام معروضا للبيع، فإذا رجعوا لدارنا وتمكنوا من الشراء أمسكوا. ولو كان الجهاد بدارنا ولم يتيسر شراء طعام جاز التبسط، (وكذا) في غير دارهم كخراب دارنا (ما لم يصل عمران الإسلام) وهو ما يجدون فيه الطعام والعلف -لا مطلق عمرانه- (في الأصح)؛ لبقاء الحاجة إليه والوصول لنحو أهل هدنة في دارهم ولم يمتنعوا من مبايعة من مر بهم كهو لعمراننا (ولغانم حر رشيد ولو) هو (محجور عليه بفلس الإعراض عن الغنيمة) بقوله أسقطت حقي منها لا وهبت مريدا به التمليك (قبل القسمة) واختيار التملك; لأنه به يحقق الإخلاص المقصود من الجهاد. وخرج بحر القن فلا يصح إعراضه وإن كان رشيدا أو مكاتبا

(1)

بل لا بد من إذن سيده، نعم يصح إعراض مبعض وقع في نوبته وإلا ففيما يخص حريته فقط

(2)

، وليس لسيد

(3)

إعراض عن مكاتبه وقنه المأذون إذا أحاطت به الديون، وبرشيد صبي ومجنون وسفيه كسكران لم يتعد فلا يصح إعراضهم، نعم يجوز ممن كمل قبل القسمة، أما بعد القسمة وقبولها فيمتنع؛ لاستقرار الملك وكذا بعد اختيار التملك (والأصح جوازه) أي الإعراض لمن ذكر (بعد فرز الخمس) وقبل قسمة الأخماس الأربعة; لأن إفرازه لا يتعين به حق كل منهم (و) الأصح (جوازه لجميعهم)؛ لما مر في جواز إعراض بعضهم ويصرف مصرف الخمس (و) الأصح (بطلانه من ذوي القربى) وإن انحصروا في واحد; لأنهم لا يستحقونه بعمل فهو كالإرث، وخصّهم; لأن بقية مستحقي الخمس جهات عامة لا يتصور فيها إعراض (و) من (سالب) ; لأنه يملك السلب قهرا. (والمعرض) عن حقه (كمن لم يحضر) أي فإن كان إعراضه قبل القسمة بالكلية أخذ أهل الخمس خمسهم وقسمت

(1)

. خلافا للمنهج حيث جزم بإطلاق صحة إعراضه.

(2)

. دخل في قوله ((وإلا)) ما وقع في نوبة سيده فقط، أي: فيصح الأعراض، خلافا لمقتضى كلام شرح المنهج والنهاية.

(3)

. خلافا لشرح المنهج.

ص: 252

وَمَنْ مَاتَ فَحَقُّهُ لِوَارِثِهِ، وَلَا تُمْلَكُ إلَّا بِقِسْمَةٍ. وَلَهُمْ التَّمَلُّكُ قَبْلَهَا، وَقِيلَ يَمْلِكُونَ، وَقِيلَ إنْ سَلِمَتْ إلَى الْقِسْمَةِ بَانَ مِلْكُهُمْ، وَإِلَّا فَلَا، وَيُمْلَكُ الْعَقَارُ بِالِاسْتِيلَاءِ كَالمَنْقُولِ. وَلَوْ كَانَ فِيهَا كَلْبٌ أَوْ كِلَابٌ تَنْفَعُ وَأَرَادَهُ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُنَازَعْ أُعْطِيَهُ، وَإِلَّا قُسِّمَتْ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا أُقْرِعَ. وَالصَّحِيحُ أَنْ سَوَادَ الْعِرَاقِ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِّمَ ثُمَّ بَذَلُوهُ وَوُقِفَ عَلَى المُسْلِمِينَ،

الأخماس الأربعة على الباقين، أو بعدها فإن أخذ كل حصته وأفرزت حصة آخر له فأعرض عنها ردت على أهل الأخماس الأربعة لا غير. ولو أعرض الكل فاز أهل الخمس به، ولا أثر لرجوعه عن الإعراض مطلقا (ومن مات) من الغانمين ولم يعرض (فحقه لوارثه) كسائر الحقوق فله طلبه والإعراض عنه، (ولا تملك) الغنيمة (إلا بقسمة) مع الرضا بها باللفظ لا بالاستيلاء وإلا لامتنع الإعراض وتخصيص كل طائفة بنوع منها (ولهم) أي الغانمين (التملك قبلها) باللفظ بأن يقول كل بعد الحيازة وقبل القسمة ((اخترت ملك نصيبي)) فيملك بذلك أيضا، (وقيل يملكون) بمجرد الحيازة؛ لزوال ملك الكفار بالاستيلاء، (وقيل) الملك موقوف، فحينئذ (إن سلمت) الغنيمة (إلى القسمة بان ملكهم) على الإشاعة، (وإلا) بأن تلفت أو أعرضوا عنها (فلا) ; لأن الاستيلاء لا يتحقق إلا بالقسمة، (ويملك العقار بالاستيلاء) مع القسمة وقبولها أو اختيار التملك بدليل قوله (كالمنقول. ولو كان فيها كلب أو كلاب تنفع) لصيد أو حراسة (وأراده بعضهم) أي الغانمين أو أهل الخمس (ولم ينازَع) فيه (أعطيه)؛ إذ لا ضرر فيه على غيره، (وإلا) بأن نوزع فيه (قسمت) عددا (إن أمكن وإلا) يمكن قسمها عددا (أقرع) بينهم؛ قطعا للنزاع. أما ما لا نفع فيه فلا يجوز اقتناؤه.

(والصحيح أن سواد العراق) -من إضافة الجنس إلى بعضه؛ إذ السواد أزيد من العراق- سُمي سوادا؛ لكثرة زرعه وشجرة والخضرة ترى من البعد سوادا، وعراقا؛ لاستواء أرضه وخلوها عن الجبال والأودية إذ أصل العراق الاستواء (فُتح) في زمن عمر رضي الله عنه (عَنوة) أي قهرا؛ لما صح عنه أنه قسمه في جملة الغنائم ولو كان صلحا لم يقسمه (وقسم) بينهم كما تقرر (ثم) بعد ملكهم له بالقسمة واستمالة عمر رضي الله عنه قلوبهم (بذلوه) له أي الغانمون وذووا القربى، وأما أهل أخماس الخمس الأربعة فالإمام لا يحتاج في وقف حقهم إلى بذل; لأن له أن يعمل في ذلك بما فيه المصلحة لأهله (ووقف) ما عدا مساكنه وأبنيته أي وقفه عمر (على المسلمين)

ص: 253

وَخَرَاجُهُ أُجْرَةٌ تُؤَدَّى كُلَّ سَنَةٍ لِمَصَالحِ المُسْلِمِينَ. وَهُوَ مِنْ عَبَّادَانَ إلَى حَدِيثَةِ المَوْصِلِ طُولًا، وَمِنَ الْقَادِسِيَّةِ إلَى حُلْوَانَ عَرْضًا، قُلْتُ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْبَصْرَةَ وَإِنْ كَانَتْ دَاخِلَةً فِي حَدِّ السَّوَادِ فَلَيْسَ لَهَا حُكْمُهُ إلَّا فِي مَوْضِعِ غَرْبِيِّ دَِجْلَتِهَا وَمَوْضِعِ شَرْقِيِّهَا. وَأَنَّ مَا فِي السَّوَادِ مِنْ الدُّورِ وَالمَسَاكِنِ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَفُتِحَتْ مَكَّةُ صُلْحًا، فَدُورُهَا وَأَرْضُهَا المُحْيَاةُ مِلْكٌ يُبَاعُ

وأجَّره لأهله إجارة مؤبدة؛ للمصلحة الكلية بخراج معلوم يؤدونه كل سنة، فجريب الشعير درهمان والبر أربعة والشجر وقصب السكر ستة والنخل ثمانية والعنب عشرة والزيتون اثنا عشر وجملة مساحة الجريب ثلاثة آلاف وستمائة ذراع. والباعث له على وقفه خوف اشتغال الغانمين بفلاحته عن الجهاد (وخراجه

(1)

زرعا أو غرسا (أجرة) منجمة (تؤدى كل سنة) مثلا

(2)

(لمصالح المسلمين) يقدم الأهم فالأهم فعلى هذا يمتنع بيع شيء مما عدا أبنيته ومساكنه (وهو) أي السواد (من) أول (عبّادان إلى) آخر (حَديثة المَوصل طولا ومن) أول (القادسية) ومن عُذَيبها وهو قريب من الكوفة (إلى) آخر (حُلوان عرضا) بإجماع المؤرخين، (قلت: الصحيح أن البَصرة وإن كانت داخلة في حد السواد فليس لها حكمه) ; لأنها كانت سبخة أحياها عثمان بن أبي العاص وعتبة بن غزوان في زمن عمر رضي الله عنهم سنة سبعة عشر بعد فتح العراق (إلا في موضع غربي دَِجلتها وموضع شرقيها) أي الدجلة ويسمى الفرات، (و) الصحيح (أن ما في السواد من الدور والمساكن يجوز بيعه) ; لأنه لم يدخل في وقفه كما مر (والله أعلم)، ومحله في البناء دون الأرض؛ لشمول الوقف لها. وليس لمن بيده أرض من السواد تناول ثمر أشجارها؛ لما مر أنها في أيديهم بالإجارة فيصرفه أو ثمنه الإمام لمصالح المسلمين، وفي البويطي ((أن أسفلها فتحه خالد عنوة وأعلاها فتحه الزبير رضي الله عنهما ودخل صلى الله عليه وسلم من جهته فصار الحكم له)). (وفتحت مكة صلحا) كما دلت عليه عدة أدلة كقوله تعالى {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} الفتح: 22 أي أهل مكة (فدورها وأرضها المحياة ملك تباع) كما دلت عليه الأخبار ولم

(1)

. قدم الشارح في الزكاة جواز أخذ الأمام الخراج بدلا عن الزكاة إن كان باجتهاد أو تقليد، أو ظلما لم يجزِ عنها.

(2)

. ذكر الشارح في الوديعة تصديق جاب ادعى تسليم ما جباه لمستأجره على الجباية 7/ 126، ونبَّه في الإجارة على بطلان ما اعتيد من جعل أجرة الجابي العشر من ما يستخرجه 6/ 129.

ص: 254

فصل

يَصِحُّ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ أَمَانُ حَرْبِيٍّ وَعَدَدٍ مَحْصُورٍ فَقَطْ. وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَسِيرٍ لِمَنْ هُوَ مَعَهُمْ فِي الْأَصَحِّ

يزل الناس يتبايعونها، نعم الأولى عدم بيعها وإجارتها؛ خروجا من خلاف من منعهما في الأرض، أما البناء فلا خلاف في حل بيعه وإجارته. وفتحت دمشق عنوة، ومدن الشام صلحا وأرضها عنوة

(1)

.

[تنبيه] النواحي التي يؤخذ الخراج من أرضها ولا يُعلم أصله يُحكم بجواز أخذه؛ لأن الظاهر أنه بحق، وبملك أهلها لها، فلهم التصرف فيها بالبيع وغيره؛ لأن الظاهر في اليد الملك، وفي حكم ما تقدم أرض مصر على الأوجه

(2)

.

(فصل) في أمان الكفار

الذي هو قسيم الجزية والهدنة. وأصله قوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} التوبة: 6 .. الآية، وقوله صلى الله عليه وسلم ((ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم فمن أخفر مسلما -أي نقض عهده- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) رواه الشيخان، والذمة العهد والأمان والحرمة والحق وكلٌّ صحيح هنا (يصح من كل مسلم مكلف) وسكران (مختار) ولو أمة لكافر وسفيها وفاسقا وهرما؛ لقوله في الخبر ((يسعى بها أدناهم)) لا كافرا؛ لاتهامه، وصبيا ومجنونا ومكرها كسائر العقود، نعم من جهل فساد أمان أولئك يُعَرَّف ليبلغ مأمنه (أمان حربي) ولو قنا وامرأة لا أسيرا إلا مِن آسِرِه ما بقي بيده ومن الإمام (وعدد محصور) من الحربيين كالمائة (فقط) أي دون غير المحصور كأهل بلد كبير; لأن هذه هدنة وهي لا تجوز لغير الإمام ولو أمن مائة ألف منا مائة ألف منهم وظهر بذلك سد باب الجهاد أو بعضه بطل الكل إن وقع ذلك معا وإلا فما ظهر الخلل به فقط (ولا يصح أمان أسير لمن هو معهم) ولا لغيرهم (في الأصح) ; لأنه مقهور

(1)

. نقل الشارح هذا عن الرافعي عن الروياني لكنه اعتمد في الشفعة أن أراضي الشام ليست موقوفة 6/ 58.

(2)

. حاصل ما في هذا التنبيه مأخوذ من كلام الشارح في زكاة النبات 3/ 243، ويميل الشارح هنا إلى أن مصر فتحت عنوة.

ص: 255

وَيَصِحُّ بِكُلِّ لَفْظٍ يُفِيدُ مَقْصُودُهُ، وَبِكِتَابَةٍ وَرِسَالَةٍ. وَيُشْتَرَطُ عِلْمُ الْكَافِرِ بِالْأَمَانِ. فَإِنْ رَدَّهُ بَطَلَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يُقْبَلْ فِي الْأَصَحِّ. وَتَكْفِي إشَارَةٌ مُفْهِمَةٌ لِلْقَبُولِ. وَيَجِبُ أَلَّا تَزِيدَ مُدَّتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَفِي قَوْلٍ يَجُوزُ مَا لَمْ تَبْلُغْ سَنَةً. وَلَا يَجُوزُ أَمَانٌ يَضُرُّ المُسْلِمِينَ كَجَاسُوسٍ

معهم فهو كالمكره ولأنه غير آمن منهم، والمراد بمن معهم المقيد أو المحبوس، فلو أُطلق وأمنوه على أن لا يخرج من دارهم صح أمانه كالتاجر منا بدراهم، وعليه إنما يكون مؤمَّنه آمنا بدارهم لا غير إلا أن يصرح بالأمان في غيرها (ويصح) الأمان (بكل لفظ يفيد مقصوده) صريح كأجرتك أو أمنتك أو لا بأس أو لا خوف أو لا فزع عليك أو كناية بنية ككن كيف شئت أو أنت على ما تحب (وبكتابة) مع النية; لأنها كناية (ورسالة) بلفظ صريح أو كناية مع النية ولو مع كافر وصبي موثوق بخبره

(1)

؛ توسعة في حقن الدم (ويشترط) لصحة الأمان (علم الكافر بالأمان) كسائر العقود فإن لم يعلمه جازت المبادرة بقتله ولو من مؤمنه (فإن رده) كقوله ما قبلت أمانك أو لا آمنك (بطل، وكذا إن لم يقبل) بأن سكت (في الأصح

(2)

; لأنه عقد كالهبة (وتكفي) كتابة أو (إشارة) أو أمارة كتركه القتال أو طلبه الإجارة (مفهمة للقبول) أو الإيجاب، ثم هي كناية من ناطق مطلقا وكذا أخرس إن اختص بفهمها فطنون، وذلك؛ لبناء الباب على التوسعة، ومن ثم جاز تعليقه بالغرر كأن جاء زيد فأنت آمن، أما غير المفهمة فلغو. (ويجب ألا تزيد مدته) في الذكر المحقق (على أربعة أشهر) سواء أكان المؤمن الإمام أم غيره؛ للآية (وفي قول يجوز ما لم تبلغ) المدة (سنة) فإن بلغتها امتنع قطعا؛ لئلا تترك الجزية، ومن ثم جاز في المرأة والخنثى من غير تقييد، فإن زاد على الجائز بطل في الزائد فقط؛ تفريقا للصفقة. هذا إن لم يكن بنا ضعف وإلا كان الزائد للضعف -المنوط بنظر الإمام- كهو في الهدنة. ولو أطلق الأمان حمل على الأربعة الأشهر وبلغ بعدها المأمن بخلاف الهدنة; لأن بابها أضيق (ولا يجوز) ولا ينفذ ولو من إمام (أمان يَضر المسلمين كجاسوس) وطليعة كفار؛ لخبر ((لا ضرر ولا ضرار في الإسلام))، ولا يستحق تبليغ المأمن; لأن دخول مثله خيانة، أما

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. خلافا للمغني فاعتمد المقابل وهو الاكتفاء بالسكوت، لكن يشترط مع السكوت ما يشعر بالقبول وهو الكف عن القتال.

ص: 256

وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ نَبْذُ الْأَمَانِ إنْ لَمْ يَخَفْ خِيَانَةً. وَلَا يَدْخُلُ فِي الْأَمَانِ مَالُهُ وَأَهْلُهُ بِدَارِ الحَرْبِ، وَكَذَا مَا مَعَهُ مِنْهُمَا فِي الْأَصَحِّ إلَّا بِشَرْطٍ. وَالمُسْلِمُ بِدَارِ كُفْرٍ إنْ أَمْكَنَهُ إظْهَارُ دِينِهِ اسْتُحِبَّ لَهُ الهِجْرَةُ،

ما لا يضر فيجوز وإن لم تظهر فيه مصلحة، وهذا في أمان الآحاد أما أمان الإمام فشرطه المصلحة. (وليس للإمام) فضلا عن غيره (نبذ الأمان) الصادر منه أو من غيره (إن لم يخف خيانة) ; لأنه لازم من جهتنا، أما مع خوفها فينبذه الإمام أو المؤمِّن أما المؤمَّن فله نبذه متى شاء. وحيث بطل أمانه وجب تبليغه المأمن (ولا يدخل في الأمان ماله وأهله) أي فرعه غير المكلف وزوجته الموجودان (بدار الحرب) ; لأن القصد تأمين ذاته من قتل ورق دون غيره فيغنم ماله وتسبى ذراريه ثَم، نعم إن شرط دخول ماله وأهله في دار الحرب على الإمام أو نائبه دخلوا (وكذا ما معه) بدار الإسلام (منهما) ومثلها ما معه لغيره فلا يدخل ذلك كله (في الأصح)؛ لما ذكر (إلا بشرط)، ومحل ذلك إن كان المؤمِّن غير الإمام أو نائبه، أما إن كان الإمام أو نائبه فيدخل جميع ما معه بلا شرط، نعم ما لا بد منه غالبا -كثيابه ومركوبه وآلة استعماله ونفقة مدة أمانة الضروريات- تدخل مطلقا سواء كان المؤمِّن الإمام أو غيره. ولو انعكس ما تقرر -بأن أُمِّن وهو بدارهم- دخل أهله وماله بها ولو بلا شرط إن أمنه الإمام أو نائبه وإلا لم يدخل أهله وما لا يحتاجه من ماله إلا بشرط فإن كانا بدارنا دخلا إن شرط الإمام لا غيره.

[تنبيه] يبقى أمان ماله وأهله عندنا وإن نقض ما بقي حيا، وله دخول دارنا لأخذه ولو متكررا لكن إن لم يتمكن من أخذ الكل دفعة وإلا

(1)

جاز قتله وأسره

. (والمسلم بدار كفر) أي حرب أو دار إسلام استولوا عليها (إن أمكنه إظهار دينه)؛ لشرفه أو شرف قومه وأمن فتنة في دينه ولم يرج ظهور الإسلام هناك بمقامه (استحب له الهجرة) إلى دار الإسلام؛ لئلا يُكَثِّر سوادهم وربما كادوه، ولم تجب؛ لقدرته على إظهار دينه، ولم تحرم; لأن من شأن المسلم بينهم القهر والعجز، ومن ثم لو رجا ظهور الإسلام بمقامه ثَم كان مقامه أفضل، أو قدر على الامتناع والاعتزال ثَم ولم يرج نصرة المسلمين بالهجرة كان مقامه واجبا; لأن محله دار إسلام فلو هاجر لصار دار حرب، ثم إن قدر على قتالهم ودعائهم للإسلام لزمه وإلا فلا.

(1)

. أي وإن تمكن من ذلك وأخذ شيئا وعاد لأخذ الباقي.

ص: 257

وَإِلَّا وَجَبَتْ إنْ أَطَاقَهَا، وَلَوْ قَدَرَ أَسِيرٌ عَلَى هَرَبٍ لَزِمَهُ، وَلَوْ أَطْلَقُوهُ بِلَا شَرْطٍ فَلَهُ اغْتِيَالُهُمْ، أَوْ عَلَى أَنَّهُمْ فِي أَمَانِهِ حَرُمَ، فَإِنْ تَبِعَهُ قَوْمٌ فَلْيَدْفَعْهُمْ وَلَوْ بِقَتْلِهِمْ،

[تنبيه] يؤخذ من قولهم ((لأن محله دار إسلام)) أن كل محل قدر أهله فيه على الامتناع من الحربيين صار دار إسلام

وحينئذ الظاهر أنه يتعذر عوده دار كفر وإن استولوا عليه كما صرح به الخبر الصحيح ((الإسلام يعلو ولا يعلى عليه))، فقولهم لصار دار حرب المراد به صيرورته كذلك صورة لا حكما، فما حكم بأنه دار إسلام لا يصير بعد ذلك دار كفر مطلقا (وإلا) يمكنه إظهار دينه أو خاف فتنة في دينه (وجبت) الهجرة (إن أطاقها) وأثم بالإقامة ولو امرأة وإن لم تجد محرما لكن إن أمنت على نفسها أو كان خوف الطريق دون خوف الإقامة، فإن لم يطقها فمعذور، وذلك لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ} النساء: 97 .. الآية.

[تنبيه] قد تجب الهجرة من دار الإسلام إن أظهر بها واجبا ولم يقبل منه ولا قدر على إظهاره بشروط وهي أن لا يكون في إقامته مصلحة للمسلمين، وأن يقدر على الانتقال إلى بلدة سالمة من ذلك، وأن تكون عنده المؤن المعتبرة في الحج، وأن تظهر المعاصي

(1)

المجمع عليها في ذلك المحل بحيث لا يستحيي أهله كلهم من ذلك لتركهم إزالتها مع القدرة; لأن الإقامة حينئذ معهم تُعَدُّ إعانة وتقريرا لهم على المعاصي. (ولو قدر أسير على هرب لزمه) وإن أمكنه إظهار دينه؛ تخليصا لنفسه من رق الأسر، أما إن أطلقوه من الأسر فلا يلزمه ذلك إلا إن لم يمكنه إظهار دينه -بأن أباحوا له ما شاء من مكث عندهم وعدمه-، (ولو أطلقوه بلا شرط فله اغتيالهم) قتلا وسبيا وأخذا للمال; لأنهم لم يستأمنوه، وليس المراد هنا حقيقة الغيلة وهي أن يخدعه فيذهب به لمحل خال ثم يقتله (أو) أطلقوه (على أنهم في أمانه) أو عكسه (حرم) عليه اغتيالهم; وفاء بما التزمه ولأنهم إذا أمنوه وجب أن يكونوا في أمان منه

(2)

، نعم إن قالوا أمَّنَّاك ولا أمان لنا عليك أي ولا أمان يجب لنا عليك جاز له اغتيالهم، (فإن تبعه قوم) أو واحد منهم بعد خروجه (فليدفعهم) وجوبا إن حاربوه وإلا فندبا (ولو بقتلهم) ابتداء ولا يراعى

(3)

(1)

. يخالف هذا ما أطلقه الأسنى والمغني من وجوب الهجرة على كل من كان ببلد تعمل فيه المعاصي ولا يمكنه تغييرها.

(2)

. علل بذلك المغني.

(3)

. خالفه المغني في هذا التفصيل فاعتمد وجوب مراعاة ترتيب الصائل مطلقا.

ص: 258

وَلَوْ شَرَطُوا أَلَّا يَخْرُجَ مِنْ دَارِهِمْ لَمْ يَجُزِ الْوَفَاءُ. وَلَوْ عَاقَدَ الْإِمَامُ عِلْجًا يَدُلُّ عَلَى قَلَْعَةٍ وَلَهُ مِنْهَا جَارِيَةٌ جَازَ فَإِنْ فُتِحَتْ بِدَلَالَتِهِ أُعْطِيَهَا، أَوْ بِغَيْرِهَا فَلَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ تُفْتَحْ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَقِيلَ إنْ لَمْ يُعَلِّقْ الجُعْلَ بِالْفَتْحِ فَلَهُ أُجْرَةُ مِثْلٍ،

فيهم ترتيب الصائل إن أرادوا نحو قتله؛ لانتقاض أمانهم بذلك، أما إن أرادوا مجرد رده فيراعى ذلك الترتيب (ولو شرطوا) عليه (ألا يخرج من دارهم لم يجز) له (الوفاء) بهذا الشرط بل يلزمه الخروج حيث أمكنه فرارا بدينه من الفتن وبنفسه من الذل ما لم يمكنه إظهار دينه وإلا فلا يلزمه الخروج على ما مر

(1)

بل يسن. ولو حلّفوه على ذلك بطلاق أو غيره مكرها على الحلف فيمينه لغو، أو غير مكره حنث وإن كان حين الحلف محبوسا، ومن الإكراه أن يقولوا له لا نتركك حتى تحلف أنك لا تخرج بل هنا إكراه ثان شرعي على الخروج؛ لوجوبه كما تقرر. (ولو عاقد الإمام علجا) هو الكافر الغليظ الشديد (يدلـ) ـه (على) نحو بلد أو (قلَْعة) -معينة، أو مبهمة من قلاع محصورة- أي على أصل طريقها أو أسهل أو أرفق طريقيها (وله منها جارية) مثلا ولو حرة مبهمة ويعينها الإمام (جاز) وإن كان الجعل مجهولا غير مملوك؛ للحاجة مع أن الحرة ترق بالأسر، ويُسْتَحق بالدلالة الموصلة إلى الفخ ولو من غير كلفة

(2)

كأن يكون تحتها فيقول له هي هذه؛ للحاجة أيضا. والأوجه أنه لا فرق بين العلج والمسلم هنا، وعليه فيعطاها إن وجدت حية وإن أسلمت، فلو ماتت بعد الظفر فله قيمتها. وخرج بقوله منها قوله مما عندي فلا يصح؛ للجهل بالجعل بلا حاجة (فإن فتحت) عنوة (بدلالته) -والحال أن فاتحها معاقده- ولو في مرة أخرى وفيها الأمة المعينة أو المبهمة ولم تُسْلِم أصلا أو أسلمت معه أو بعده لا عكسه كما يأتي (أعطيها) وإن لم يوجد سواها وإن تعلق بها حق لازم من معاملتهم مع بعضهم؛ إذ لا اعتداد بمعاملتهم في مثل ذلك، وذلك; لأنه استحقها بالشرط قبل الظفر (أو) فتحها معاقده (بغيرها) أي دلالته، أو غير معاقده ولو بدلالته (فلا) شيء له (في الأصح)؛ لفقد الشرط وهو دلالته، نعم إن كان الفاتح بدلالته نائبا عن معاقده استحق الدال. (وإن لم تفتح فلا شيء له، وقيل إن لم يعلق الجعل بالفتح فله أجرة مثلٍ)؛ لوجود الدلالة. هذا إذا كان الجعل فيها وإلا لم يُشْتَرط في استحقاقه فتحها.

(1)

. من التفصيل.

(2)

. وفاقا للمغني والروض وخلافا للنهاية.

ص: 259

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَارِيَةٌ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْعَقْدِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، أَوْ بَعْدَ الظَّفَرِ وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ وَجَبَ بَدَلٌ، أَوْ قَبْلَ الظَّفَرِ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ فَالمَذْهَبُ وُجُوبُ بَدَلٍ، وَهُوَ أُجْرَةُ مِثْلٍ، وَقِيلَ قِيمَتُهَا

(فإن) فتحها معاقده بدلالته، و (لم يكن فيها جارية) أصلا أو بالوصف المشروط (أو ماتت قبل العقد فلا شيء له)؛ لفقد المشروط، (أو) ماتت (بعد الظفر وقبل التسليم) إليه (وجب بدل) ; لأنها حصلت في قبضة الإمام فالتلف من ضمانه (أو) ماتت (قبل ظفر فلا) شيء له (في الأظهر) كما لو لم تكن فيها؛ إذ الميتة ومثلها الهاربة غير مقدور عليها، (وإن أسلمت) -المعينة، أو المبهمة إن أسلم كل الجواري- سواء أكان إسلامها قبل العقد

(1)

أم بعده، قبل الظفر وبعده. هذا كله إن لم يسلم وإلا أعطيها ما لم يكن إسلامه بعدها؛ لانتقال حقه لبدلها (فالمذهب وجوب بدل) ; لأن إسلامها يمنع رقها واستيلاءه عليها فيعطي البدل من أخماس الغنيمة الأربعة، فإن لم تكن غنيمة وجب من بيت المال (وهو) أي البدل (أجرة مثل، وقيل قيمتها) وهو المعتمد، ومحل الخلاف المعينة أما المبهمة إذا مات كل من فيها وأوجبنا البدل فيرجع بأجرة المثل

(2)

قطعا؛ لتعذر تقويم المجهول. وخرج بعنوة ما لو فتحت صلحا بدلالته ودخلت في الأمان فإن امتنع من قبول بدلها وامتنع أصحاب القلعة من تسليمها إليه نقضنا العهد وبُلّغوا المأمن -بأن يُردوا إلى القلعة- ثم يُستأنف القتال، فإن رضوا بتسليمها ببدلها أعطوه من محل الرضخ

(3)

.

(1)

. خلافا للأسنى والمغني فاعتمدوا أنها لو أسلمت قبل العقد فلا شيء له إن علم بذلك وبأنها فاتته.

(2)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه يسلم إليه قيمة من تسلم إليه قبل الموت فيعين له واحدة ويعطيه قيمتها.

(3)

. أي من الأخماس الأربعة، لا من أصل القيمة ولا من سهم المصالح.

ص: 260

‌كتاب الجزية

صُورَةُ عَقْدِهَا: أُقِرُّكُمْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ أَذِنْتُ فِي إقَامَتِكُمْ بِهَا عَلَى أَنْ تَبْذُلُوا جِزْيَةً وَتَنْقَادُوا لِحُكْمِ الْإِسْلَامِ، وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ ذِكْرِ قَدْرِهَا، لَا كَفُّ اللِّسَانِ عَنِ اللهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَدِينِهِ. وَلَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مُؤَقَّتًا عَلَى المَذْهَبِ،

(كتاب الجزية)

عقبها للقتال; لأنه مُغيَّاً بها في الآية التي هي -مع أخذه صلى الله عليه وسلم إياها من أهل نجران وغيرهم- الأصل في الجزية قبل الإجماع.

وأركانها عاقد ومعقود له ومكان ومال وصيغة ولأهميتها بدأ بها فقال: (صورة عقدها) مع الذكور أن يقول لهم الإمام أو نائبه: (أقركم) أو أقررتكم (بدار الإسلام) أي غير الحجاز، ولا يشترط استثناؤه في العقد اكتفاءً باستثنائه شرعا وإن جهله العاقدان، على أن قوله ((بدار الإسلام)) من أصله قد لا يشترط، فقد نقرهم بها في دار الحرب ويقول حينئذ أقركم في داركم على أن تبذلوا جزية وتأمنوا منا ونأمن منكم (أو أذنت في إقامتكم بها) أو نحو ذلك (على أن تبذلوا) أي تعطوا (جزية) في كل حول (وتنقادوا لحكم الإسلام) أي لكل حكم من أحكامه غير نحو العبادات مما لا يرونه كالزنا والسرقة لا كشرب المسكر ونكاح المجوس للمحارم ومن عدم التظاهر بما يبيحونه، وبهذا الالتزام فسروا الصغار في الآية، ثم إن ما ذكره المصنف هو صورة عقد الجزية الأصلي من الموجب، فيصح أن يقول الكافر ((أقروني بكذا .. الخ)) فيقول الإمام ((أقررتك)). أما النساء فيكفي فيهن الانقياد لحكم الإسلام؛ إذ لا جزية عليهن، وظاهر كلامهم أن ما ذكر صريح وأنه لا كناية هنا لفظا ولو قيل إن كنايات الأمان إذا ذكر معها على أن تبذلوا الخ تكون كناية هنا لم يبعد. (والأصح اشتراط ذكر قدرها) أي الجزية كالثمن والأجرة وسيأتي أقلها (لا كف اللسان) منهم (عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ودينه) بسوء فلا يشترط ذكره; لأنه داخل في الانقياد (ولا يصح العقد) للجزية معلقا، ولا (مؤقتا على المذهب) ; لأنه بدل عن الإسلام في العصمة وهو لا يؤقت فلا يكفي أقركم ما شاء الله أو ما أقركم الله أو ما شئت أو ما شاء فلان بخلاف ما شئتم; لأنها لازمة من جهتنا جائزة من جهتهم بخلاف الهدنة.

ص: 263

وَيُشْتَرَطُ لَفْظُ قَبُولٍ، وَلَوْ وُجِدَ كَافِرٌ بِدَارِنَا فَقَالَ دَخَلْتُ لِسَمَاعِ كَلَامِ اللهِ تَعَالَى، أَوْ رَسُولًا، أَوْ بِأَمَانِ مُسْلِمٍ صُدِّقَ، وَفِي دَعْوَى الْأَمَانِ وَجْهٌ. وَيُشْتَرَطُ لِعِقْدِهَا الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ، وَعَلَيْهِ الْإِجَابَةُ إذَا طَلَبُوا إلَّا جَاسُوسًا نَخَافُهُ. وَلَا تُعْقَدُ إلَّا لِلْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالمَجُوس وَأَوْلَادِ مَنْ تَهَوَّدَ أَوْ تَنَصَّرَ قَبْلَ النَّسْخِ أَوْ شَكَكْنَا فِي وَقْتِهِ

(ويشترط لفظ قبول) من كل منهم لما أوجبه العاقد ولو بنحو رضيت وبإشارة أخرس مفهمة، وبكناية، ومنها الكتابة، وكذا يشترط هنا سائر ما مر في البيع من نحو اتصال القبول بالإيجاب والتوافق فيهما. وأفهم اشتراط القبول أنه لو دخل حربي دارنا ثم علمناه لم يلزمه شيء بخلاف من سكن دارا مدة غصبا; لأن عماد الجزية القبول. ولو فسد عقدها من الإمام أو نائبه لزم لكل سنة دينار; لأنه أقلها بخلاف ما لو بطل كأن صدر من الآحاد فإنه لا يلزم شيء (ولو وُجِد كافر بدارنا فقال دخلت لسماع كلام الله تعالى) أو لأسلم أو لأبذل جزية (أو) دخلت (رسولا) ولو بما فيه مضرة لنا (أو) دخلت (بأمان مسلم) يصح أمانه (صُدِّق) وحُلِّف ندبا إن اتهم؛ تغليبا لحقن الدم، نعم إن أُسِر لم يصدق في ذلك إلا ببينة، وفي الأولى يُمكَّن من الإقامة وحضور مجالس العلم قدرا تقضي العادة بإزالة الشبهة فيه ولا يزاد على أربعة أشهر. (وفي دعوى الأمان وجه) أنه لا يصدق إلا ببينة؛ لسهولتها. (ويشترط لعقدها الإمام أو نائبه) العام أو في عقدها; لأنها من المصالح العظام فاختصت بمن له النظر العام، (وعليه) أي أحدهما (الإجابة إذا طلبو) ها؛ للأمر به في خبر مسلم، ومن ثم لم يشترط هنا مصلحة بخلاف الهدنة (إلا) أسيرا أو (جاسوسا) منهم وهو صاحب سر الشر (نخافه) فلا تجب إجابتهما بل لا يقبل من الجاسوس؛ للضرر، ومن ثم لو ظهر له أن طلبها مكيدة منهم لم يجبهم (ولا تعقد إلا لليهود والنصارى) وصابئة وسامرة لم يعلم أنهم يخالفونهم في أصل دينهم سواء العرب والعجم; لأنهم أهل الكتاب في آيتها (والمجوس) ; لأنه صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر، (وأولاد) أي الفروع وإن سفلوا (من تهود أو تنصر قبل النسخ) أو معه ولو بعد التبديل وإن لم يجتنبوا المبدل؛ تغليبا لحقن الدم بخلاف ولد من تهود بعد بعثة عيسى أو تنصر بعد بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم، والضار دخول كل من الأبوين بعد النسخ لا أحدهما، إن محل ما ذكره المصنف في الأولاد إن لم ينتقلوا عن دين آبائهم بعد البعثة وإلا فلا يعقد لهم، (أو شككنا في وقته) أي دخول الأبوين هل هو قبل النسخ أو بعده تغليبا للحقن أيضا، وبه حكمت الصحابة رضوان الله عليهم في نصارى العرب.

ص: 264

وَكَذَا زَاعِمُ التَّمَسُّكِ بِصُحُفِ إبْرَاهِيمَ وَزَبُورِ دَاوُد صَلَّى اللهُ عَلَيهِمَا وَسَلَّمَ. وَمَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كِتَابِيٌّ وَالْآخَرُ وَثَنِيٌّ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَخُنْثَى، وَمَنْ فِيهِ رِقٌّ وَصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ، فَإِنْ تَقَطَّعَ جُنُونُهُ قَلِيلًا كَسَاعَةٍ مِنْ شَهْرٍ لَزِمَتْهُ، أَوْ تَقَطَّعَ كَثِيرًا كَيَوْمٍ وَيَوْمٍ فَالْأَصَحُّ تُلَفَّقُ الْإِفَاقَةُ، فَإِذَا بَلَغَتْ سَنَةً وَجَبَتْ،

(وكذا زاعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داود صلى الله) على نبينا و (عليهما وسلم) وصحف شيث وهو ابن آدم لصلبه صلى الله عليه وسلم; لأنها تسمى كتبا فاندرجت في قوله تعالى {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} التوبة: 29 (ومن أحد أبويه كتابي

(1)

ولو الأم اختار الكتابي أم لم يختر شيئا (والآخر وثني على المذهب)؛ تغليبا لذلك أيضا، نعم إن بلغ ابن وثني من كتابية ودان بدين أبيه لم يقر جزما، ومنه يؤخذ أن محل عقدها لمن بلغ من أولاد نصراني توثن -سواء كانوا من زوجته النصرانية أو الوثنية؛ تغليبا لما ثبت لهم من شبهة التنصر- إذا لم يختر دين الوثني، ويقبل قولهم أنهم ممن تعقد لهم الجزية; لأنه لا يعرف غالبا إلا من جهتهم، وينبغي ندب تحليفهم. ولا تعقد لغير من ذكر كعابد وثن أو شمس أو ملك وأصحاب الطبائع والفلاسفة والمعطلين والدهريين وغيرهم كما مر في النكاح (ولا جزية على امرأة) إجماعا (وخنثى)؛ لاحتمال أنوثته، فلو بذلاها أُعلما أنها ليست عليهم فإن رغبا بها فهي هبة، فلو بان ذكرا أخذ منه لما مضى. والمأخوذ منه دينار لكل سنة

(2)

(ومن فيه رق) -ولو مبعضا-؛ لنقصه، ولا على سيده بسببه (وصبي

(3)

ومجنون)؛ لعدم التزامهما (فإن تقطع جنونه قليلا كساعة من شهر) ونحو يوم من سنة (لزمته) ويظهر ضبطه بأن تكون أوقات الجنون في السنة لو لُفِّقت لم تقابل بأجرة غالبا (أو تقطع كثيرا كيوم ويوم فالأصح تلفيق الإفاقة) إن أمكن (فإذا بلغت) أيام الإفاقة (سنة وجبت) الجزية لسكناه سنة بدارنا وهو كامل، فإن لم يمكن أجري عليه حكم الجنون في الكل، وكذا لو قلَّت إفاقته بحيث لم يقابل مجموعها بأجرة، وطرو جنون أثناء الحول كطرو موت أثناءه.

(1)

. فالمعتبر هنا عموما أشرفهما من حيث الدين كما ذكره الشارح في النجاسات 1/ 290.

(2)

. ورد الشارح ما اعتمدوه من تصويره بما إذا عقدت له الجزية حال خنوثته.

(3)

. ولا يقبل قول صبي نبتت عانته استعجلته بدواء، بل يطالب بالجزية كما أفاده الشارح في الحجر 5/ 165.

ص: 265

وَلَوْ بَلَغَ ابْنُ ذِمِّيٍّ وَلَمْ يَبْذُلْ جِزْيَةً أُلحِقَ بِمَأْمَنِهِ، فَإِنْ بَذْلَهَا عُقِدَ لَهُ، وَقِيلَ عَلَيْهِ كَجِزْيَةِ أَبِيهِ، وَالمَذْهَبُ وُجُوبُهَا عَلَى زَمِنٍ وَشَيْخٍ هَرِمٍ وَأَعْمَى وَرَاهِبٍ وَأَجِيرٍ وَفَقِيرٍ عَجَزَ عَنْ كَسْبٍ فَإِذَا تَمَّتْ سَنَةٌ وَهُوَ مُعْسِرٌ فَفِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يُوسِرَ. وَيُمْنَعُ كُلُّ كَافِرٍ مِنْ اسْتِيطَانِ الحِجَازِ، وَهِيَ مَكَّةُ وَالمَدِينَةُ وَالْيَمَامَةُ وَقُرَاهَا، وَقِيلَ لَهُ الْإِقَامَةُ فِي طُرُقِهِ المُمْتَدَّةِ،

(ولو بلغ ابن ذمي) أو أفاق أو عتق قن ذمي أو مسلم. (ولم يبذل جزية ألحق بمأمنه) ولا يغتال; لأنه كان في أمان أبيه أو سيده تبعا (فإن بذلها) ولو سفيها (عُقِد له) عقد جديد؛ لاستقلاله حينئذ، فلو مضت عليهم مدة بلا عقد لزمهم لما مضى أجرة المثل وهي هنا أقلُ الجزية، (وقيل عليه كجزية أبيه) ويكتفى بعقد أبيه. (والمذهب وجوبها على زمن وشيخ هرم) لا رأي لهما (وأعمى وراهب وأجير) ; لأنها أجرة فلم يفارق المعذور فيها غيره، أما من له رأي فتلزمه جزما (وفقير عجز عن كسب) أصلا أو لم يفضل به عن قوت يومه وليلته آخر الحول ما يدفعه فيها وذلك؛ لما مر (فإذا تمت سنة وهو معسر ففي ذمته) تبقى حولا فأكثر (حتى يوسر) كسائر الديون. (ويمنع كل كافر من استيطان الحجاز

(1)

يعني الإقامة به ولو من غير استيطان، وله شراء أرض فيه لم يقم بها

(2)

(وهو مكة والمدينة و) بعض (اليمامة) وذلك البعض هو ما بينه وبين الطائف مرحلتان، أما بقية اليمامة فله الاستيطان فيها؛ لأن اليمامة تمتد عشرين مرحلة من الطائف (وقراها) أي الثلاث كالطائف وجدة وكخيبر و الينبع وما أحاط بذلك من مفاوزه وجباله وغيرها (وقيل له الإقامة في طرقه الممتدة) بين هذه البلاد; لأنها لم تعتد فيها، نعم التي بحرم مكة يمنعون منها قطعا; لأن الحرمة للبقعة، وفي غيره لخوف اختلاطهم بأهله. ولا يمنعون ركوب بحر خارج الحرم بخلاف جزائر البحر الذي في الحجاز

(3)

، ولا يمكنون من المقام في المراكب أكثر من ثلاثة أيام كالبر أي إن أقام بموضع واحد، ثم محل ما مر عند إذن الإمام، أما إن لم يأذن فلا يمكنون من ركوب البحر فضلا عن

(1)

. ويمنع أيضا من دخول مسجد ولو غير جنب إلا لحاجة مع إذن مسلم مكلف أو جلوس قاض للحكم به أو مفتٍ كذلك كما ذكره الشارح في باب الغسل 1/ 273.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. أي ولو غير مسكونة خلافا للمغني وظاهر الروض ووفاقا للنهاية والأسنى.

ص: 266

وَلَوْ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَخْرَجَهُ وَعَزَّرَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ، مِنْهُ، فَإِنْ اسْتَأْذَنَ أَذِنَ لَهُ إنْ كَانَ دُخُولُهُ مَصْلَحَةً لِلْمُسْلِمِينَ كَرِسَالَةٍ وَحَمْلِ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ لِتِجَارَةٍ لَيْسَ فِيهَا كَبِيرُ حَاجَةٍ لَمْ يَأْذَنْ إلَّا بِشَرْطِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهَا. وَلَا يُقِيمُ إلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ. وَيُمْنَعُ دُخُولَ حَرَمِ مَكَّةَ، فَإِنْ كَانَ رَسُولًا خَرَجَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبِهِ لِيَسْمَعَهُ. فَإِنْ مَرِضَ فِيهِ نُقِلَ وَإِنْ خِيفَ مَوْتُهُ، فَإِنْ مَاتَ لَمْ يُدْفَنْ فِيهِ، فَإِنْ دُفِنَ نُبِشَ وَأُخْرِجَ،

الإقامة. (ولو دخل) كافر الحجاز (بغير إذن الإمام) أو نائبه (أخرجه وعزره إن علم أنه ممنوع منه)؛ لتعديه بخلاف ما إذا جهل ذلك فإنه يخرجه ولا يعزره، (فإن استأذن) في دخوله (أذن له) وجوبا (إن كان دخوله مصلحة للمسلمين كرسالة وحمل ما يحتاج إليه) كثيراً من طعام وغيره، وكإرادة عقد جزية أو هدنة لمصلحة وهنا لا يأخذ منه شيئا في مقابلة دخوله. أما مع عدم المصلحة فيحرم الإذن، (فإن كان) دخوله ولو مرة (لتجارة ليس فيها كبير حاجة) كعطر (لم يأذن) أي لم يجز له أن يأذن في دخول الحجاز (إلا) إن كان ذميا

(1)

، و (بشرط أخذ شيء منها) أي من متاعها أو من ثمنه فيمهلهم للبيع. ولا يكلفون بدون ثمن المثل، وحينئذ فيؤخذ منهم بدله إن رضوا وإلا فبعض أمتعتهم عوضا عنه ويجتهد في قدره كما كان عمر رضي الله عنه يأخذ من المتجرين منهم إلى المدينة، ولا يؤخذ في السنة إلا مرة كالجزية (ولا يقم) بالحجاز حيث دخله ولو لتجارته ولو المضطر إليها في موضع واحد بعد الإذن له في دخوله (إلا ثلاثة أيام فأقل) غير يومي الدخول والخروج؛ اقتداء بعمر رضي الله عنه، فإن أقام بمحل ثلاثة فأقل ثم بآخر مثلها وهكذا لم يمنع إن كان بين كلِّ محلين مسافة قصر.

(ويمنع) كل كافر (دخول حرم مكة) ولو لمصلحة عامة؛ لقوله تعالى {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ} التوبة: 28 أي الحرم إجماعا (فإن كان رسولا) إلى مَن بالحرم من الإمام أو نائبه (خرج إليه الإمام أو نائبه ليسمعه) ويَخْبِر الإمام

(2)

، فإن قال لا أؤديها إلا مشافهة تعين خروج الإمام إليه لذلك، أو مناظرا خرج له من يناظره، (فإن مرض فيه) أي الحرم (نقل وإن خيف موته) بالنقل؛ لظلمه بدخوله ولو بإذن الإمام، (فإن مات) وهو ذمي (لم يدفن فيه)؛ تطهيرا للحرم عنه، (فإن دفن نبش وأخرج)؛

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني وظاهر الروض والمنهج.

(2)

. ظاهر صنيعه أن المراد بنائبه المذكور في المتن نائبه في خصوص الخروج والسماع، وظاهر المغني أن المراد نائبه العام.

ص: 267

وَإِنْ مَرِضَ فِي غَيْرِهِ مِنَ الحِجَازِ وَعَظُمَتِ المَشَقَّةُ فِي نَقْلِهِ تُرِكَ وَإِلَّا نُقِلَ، فَإِنْ مَاتَ وَتَعَذَّرَ نَقْلُهُ دُفِنَ هُنَاكَ.

‌فصل

أَقَلُّ الجِزْيَةِ دِينَارٌ لِكُلِّ سَنَةٍ

، وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ مُمَاكَسَةٌ حَتَّى يَأْخُذَ مِنْ مُتَوَسِّطٍ دِينَارَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَغَنِيٍّ أَرْبَعَةً

لأن بقاء جيفته فيه أشد من دخوله له حيا، نعم إن تقطع ترك. وما مر من الأحكام مندوبة فقط في حرم المدينة (وإن مرض في غيره) أي الحرم (من الحجاز وعظمت المشقة في نقله) أو خيف نحو زيادة مرضه (ترك) وجوبا؛ تقديما لأعظم الضررين، (وإلا) تعظم فيه (نُقل) وجوبا؛ لحرمة المحل (فإن مات) فيه (وتعذر نقله) منه لنحو خوف تغير (دفن هناك)؛ للضرورة، فإن لم يتعذر نقل. أما الحربي أو المرتد فلا يجري ذلك فيه؛ لجواز إغراء الكلاب على جيفته، فإن أذَّى ريحُهُ غُيِّبت جيفته.

(فصل)

(أقل الجزية) من غني أو فقير عند قوَّتنا (دينار) خالص مضروب فلا يجوز العقد إلا به، وإن جاز أخذ قيمته وقت الأخذ (لكل سنة)؛ للخبر الصحيح ((خذ من كل حالم دينارا أو عَدله)) أي مساوي قيمته، ولا حدَّ لأكثرها، أما عند ضعفنا فيجوز بأقل من دينار إن اقتضته مصلحة ظاهرة وإلا فلا. وتجب بالعقد وتستقر بانقضاء الزمن بشرط الذب عنهم في جميعه حيث وجب، فلو مات أو لم نَذُب عنهم إلا أثناء السنة وجب القسط كما يأتي، أما الحي فلا يُطالَب أثناء السنة بالقسط. (ويستحب للإمام) عند قوتنا (مماكسته) أي طلب زيادة على دينار من رشيد ولو وكيلا حين العقد وإن علم أن أقلها دينار (حتى) يعقد بأكثر من دينار كدينارين لمتوسط وأربعة لغني؛ ليخرج من خلاف أبي حنيفة فإنه لا يجيزها إلا بذلك، بل حيث أمكنته الزيادة بأن علم أو ظن إجابتهم إليها وجبت عليه إلا لمصلحة، وحيث علم أو ظن أنهم لا يجيبونه لأكثر من دينار فلا معنى للمماكسة؛ لوجوب قبول الدينار وعدم جواز إجبارهم على أكثر منه حينئذ. والمماكسة كما تكون في العقد كما ذكر تكون في الأخذ، فحينئذ يسن أن يماكسهم ويفاوت بينهم حتى (يأخذ من) كل (متوسط) آخر الحول ولو بقوله ما لم يثبت خلافه (دينارين فأكثر و) من كل (غني) كذلك (أربعة) من الدنانير فأكثر، وقد يشكل

ص: 268

وَلَوْ عُقِدَتْ بِأَكْثَرَ ثُمَّ عَلِمُوا جَوَازَ دِينَارٍ لَزِمَهُمْ مَا الْتَزَمُوهُ، فَإِنْ أَبَوْا فَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ نَاقِضُونَ. وَلَوْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ أَوْ مَاتَ بَعْدَ سِنِينَ أُخِذَتْ جِزْيَتُهُنَّ مِنْ تَرِكَتِهِ مُقَدَّمَةً عَلَى الْوَصَايَا، وَيُسَوَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ دَيْنِ الآدَمِيِّ عَلَى المَذْهَبِ، أَوْ فِي خِلَالِ سَنَةٍ فَقِسْطٌ،

على هذا نصه في الأم في سير الواقدي على أنها إذا انعقدت لهم بشيء لا يجوز أخذ زائد عليه وقد يجاب

(1)

بفرض جواز المماكسة في الأخذ فيما إذا اعتبر الغنى وضده وقت الأخذ -لا وقت طروهما ولا وقت العقد- ومحل اعتبار الغنى وضده وقت الأخذ إن شرط في العقد أن على كل فقير كذا وغني كذا ومتوسط كذا ولم يقيد اعتبار هذه الأحوال بوقت فإن العبرة هنا بوقت الأخذ فعنده يسن له أن يماكس المتوسط حتى يأخذ منه دينارين فأكثر والغني حتى يأخذ منه أربعة فأكثر; لأن هذا العقد لما خلا عن اعتبار تلك الأوصاف عنده كان مفيدا للعصمة فقط وليس مقررا لمال معلوم فسنت المماكسة عند الأخذ بخلاف ما إذا عقد بشيء مخصوص مع التقييد لنحو غناء بوقت العقد فإنه قد تعين بما عقد به من غير اعتبار وصف عند الأخذ فلم تمكن المماكسة حينئذ في الأخذ، وضابط الغني والفقير هنا وفي الضيافة كالنفقة، أي بحيث يزيد دخله على خرجه. أما السفيه فيمتنع عقده أو عقد وليه بأكثر من دينار، فإن عقد رشيدا بأكثر ثم سفه أثناء الحول لزمه ما عقد به. ولو شرط على قوم في عقد الصلح أن على متوسطهم كذا وغنيهم كذا جاز وإن كثر. (ولو عقدت بأكثر) من دينار (ثم علموا جواز دينار لزمهم ما التزموه) كمن غبن في الشراء، (فإن أبوا) من بذل الزيادة (فالأصح أنهم ناقضون) للعهد بذلك فيختار الإمام فيهم ما يأتي. (ولو أسلم ذمي) أو جُنَّ (أو مات) أو حجر عليه بسفه أو فلس كانت الجزية اللازمة له كدين آدمي في حكمه فتؤخذ من ماله في غير حجر الفلس ويضارب بها مع الغرماء فيه، وإذا وقع ذلك (بعد) سنة أو (سنين أخذت جزيتهن من تركته مقدمة على الوصايا) والإرث إن خلف وارثا وإلا فتركته فيء، فإن كان الوارث غير مستغرق أخذ الإمام من نصيبه بقسطه وسقط الباقي، (ويسوي بينها وبين دين الآدمي على المذهب) ; لأنها أجرة فإن لم تف التركة بالكل ضاربهم الإمام بقسط الجزية (أو) أسلم أو جن أو مات

(2)

(في خلال سنة فقسط) لما مضى يجب في ماله أو تركته كالأجرة.

(1)

. في النهاية ما يوافقه وفي المغني ما قد يخالفه.

(2)

. وليس مثلهم المحجور عليه بسفه كما مال إليه الشارح خلافاً لشرح المنهج.

ص: 269

وَتُؤْخَذُ الجِزْيَةُ بِإِهَانَةٍ فَيَجْلِسُ الْآخِذُ وَيَقُومُ الذِّمِّيُّ وَيُطَأْطِئُ رَأْسَهُ وَيَحْنِي ظَهْرَهُ وَيَضَعُهَا فِي المِيزَانِ، وَيَقْبِضُ الْآخِذُ لِحْيَتَهُ، وَيَضْرِبُ لِهْزِمَتَيْهِ، وَكُلُّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ، فَعَلَى الْأَوَّلِ لَهُ تَوْكِيلُ مُسْلِمٍ بِالْأَدَاءِ وَ حَوَالَةٌ عَلَيْهِ وَأَنْ يَضْمَنَهَا، قُلْتُ: هَذِهِ الهَيْئَةُ بَاطِلَةٌ وَدَعْوَى اسْتِحْبَابِهَا أَشَدُّ خَطَأً. وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِمْ إذَا صُولِحُوا فِي بَلَدِهِمْ ضِيَافَةَ مَنْ يَمُرُّ بِهِمْ مِنَ المُسْلِمِينَ

ويصدق في وقت إسلامه بيمينه إذا حضر وادعاه. ولو حجر عليه بفلس في خلالها ضارب الإمام مع الغرماء بحصة ما مضى

(1)

(وتؤخذ الجزية) ما لم تؤد باسم الزكاة (بإهانة فيجلس الآخذ ويقوم الذمي ويطأطئ رأسه ويحني ظهره ويضعها في الميزان ويقبض الآخذ لحيته ويضرب) بكفه مفتوحة (لِهزِمتيه) وهما مجتمع اللحم بين الماضغ والأذن من الجانبين أي كلا منهما ضربة واحدة، ويقول له يا عدو الله أدِّ حق الله، (وكله) أي ما ذكر (مستحب، وقيل واجب) ; لأن بعض المفسرين فسر الصغار في الآية بهذا، (فعلى الأول له توكيل مسلم) وذمي (بالأداء) لها (وحوالة) بها (عليه) أي المسلم (و) للمسلم (أن يضمنها) عن الذمي، وعلى الثاني يمتنع كل ذلك؛ لفوات الإهانة الواجبة حتى في توكيل الذمي; لأن كلا مقصود بالصغار، (قلت: هذه الهيئة باطلة)؛ إذ لا أصل لها من السنة ولا فعلها أحد من الخلفاء الراشدين، ومن ثم نص في الأم على أخذها بإجمال أي برفق من غير ضرر أحد ولا نيله بكلام قبيح قال: والصغار أن يجري عليهم الأحكام لا أن يضربوا ويؤذوا (ودعوى استحبابها) فضلا عن وجوبها (أشد خطأ والله أعلم) فيحرم فعلها

(2)

؛ لما فيها من الإيذاء من غير دليل (ويستحب للإمام) أو نائبه (إذا أمكنه) شرط الضيافة عليهم لقوتنا مثلا (أن يشرط عليهم إذا صولحوا في بلدهم) أو بلادنا (ضيافة من يمر بهم من المسلمين) ولو غنيا غير مجاهد؛ للاتباع، ولا يدخل عاص بسفره; لأنه ليس من أهل الرخص، بل ولا من كان سفره دون ميل; لأنه حينئذ لا يسمى ضيفا. وذكر المسلمين قيد في الندب لا الجواز. ولو صالحوا عن الضيافة بمال فهو لأهل الفيء، وإنما يشرط ذلك حال كونه.

(1)

. خلافاً لهما كالشهاب الرملي من أن الإمام يضارب مع الغرماء حالاً إن قسم المال، وإلا فآخر الحول؛ إذ ظاهر كلامهم أنه يجوز تأخير القسمة إلى آخر الحول، وهذا حسب ما يظهر لي من عباراتهم.

(2)

. اقتصر عليه المغني وزاد النهاية إن غلب على الظن تأذيه بها وإلا فتكره.

ص: 270

زَائِدًا عَلَى أَقَلِّ جِزْيَةٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ مِنْهَا، وَتُجْعَلُ عَلَى غَنِيٍّ وَمُتَوَسِّطٍ، لَا فَقِيرٍ فِي الْأَصَحّ، وَيَذْكُرُ عَدَدَ الضِّيفَانِ رِجَالًا وَفُرْسَانًا، وَجِنْسَ الطَّعَامِ وَالْأُدْمِ وَقَدْرُهُمَا، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ كَذَا، وَعَلَفَ الدَّوَابِّ، وَمَنْزِلَ الضِّيفَانِ مِنْ كَنِيسَةٍ وَفَاضِلِ مَسْكَنٍ

(زائدا على أقل جزية) فلا يجوز جعله من الأقل; لأن القصد من الجزية التمليك ومن الضيافة الإباحة، (وقيل يجوز منها) أي الجزية التي هي أقل; لأنه ليس عليهم غيرها، (وتجعل) الضيافة (على غني ومتوسط) أي عند نزول الضيف بهم، (لا فقير) فلا يجوز جعلها عليه (في الأصح) ; لأنها تتكرر فيعجز عنها، (ويذكر) العاقد عند اشتراط الضيافة (عدد الضيفان رجالا وفرسانا) أي ركبانا، وذلك; لأنه أقطع للنزاع وأنفى للغرر فيقول على كل عني

(1)

أو متوسط جزية كذا وضيافة عشرة مثلا كل يوم أو سنة مثلا خمسة رجالة وخمسة فرسان أو عليكم ضيافة ألف مسلم كل سنة مثلا رجالة كذا وفرسان كذا يتوزعونهم فيما بينهم بحسب تفاوتهم في الجزية. ويشترط فيما إذا قال على كل غني أو متوسط عدد كذا أو عليكم عدد كذا ولم يقل كل يوم أن يبين عدد أيام الضيافة في الحول مع ذكر قدر ومدة الإقامة، (و) يذكر (جنس الطعام والأدم) كالبر والسمن وغيرهم بحسب العادة الغالبة في قوتهم، وقد يدخل في الطعام الفاكهة والحلوى لكن محل جواز ذكرهما إن غلبا ثَمّ. وأجرة الطبيب والخادم مثلهما في ذلك إلا إذا سكت عنه أو لم يعتد في محلتهم

(2)

(وقدرهما، و

(3)

يذكر أن (لكل واحد) من الأضياف (كذا) منهما بحسب العرف ويفاوت بينهم في قدر ذلك لا صفته بحسب تفاوت جزيتهم. وليس لضيف تكليفهم ذبح نحو دجاجهم ولا غير الغالب من أقواتهم، (و) يذكر (علف الدواب) ولا يشترط ذكر جنسه وقدره فيكفي الإطلاق ويحمل على تبن وحشيش بحسب العادة لا على نحو شعير، نعم إن ذكر الشعير في وقتٍ اشتُرط بيان قدره. ولا يجب عند عدم تعيين عدد دواب كلٍّ علف

(4)

أكثر من دابة لكل واحد، (و) يذكر (منزل الضيفان) وكونه يدفع الحر والبرد (من كنيسة وفاضل مسكن) وبيت فقير ولا يُخرِجون أهل منزل منه، ويشترط عليهم إعلاء أبوابهم ليدخلها المسلمون ركبانا

(1)

. مرَّ ضابطة آنفا.

(2)

. خلافا للمغني والروض فاعتمدا عدم اللزوم.

(3)

. قال المغني إن الواو لا معنى لها هنا، وردَّ كلامه الشارح.

(4)

. فاعل يجب.

ص: 271

وَمُقَامَهُمْ، وَلَا يُجَاوِزُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَلَوْ قَالَ قَوْمٌ نُؤَدِّي الجِزْيَةَ بِاسْمِ صَدَقَةٍ لَا جِزْيَةٍ فَلِلْإِمَامِ إجَابَتُهُمْ إذَا رَأَى. وَيُضَعِّفُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةَ فَمِنْ خَمْسَةِ أَبْعِرَةٍ شَاتَانِ، وَ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ بِنْتَا مَخَاضٍ، وَ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارٌ، وَماِئَتَيْ دِرْهَمٍ عَشَرَةٌ، وَخُمُسُ المُعَشَّرَاتِ، وَلَوْ وَجَبَ بِنْتَا مَخَاضٍ مَعَ جُبْرَانٍ لَمْ يُضَعِّفْ الجُبْرَانَ فِي الْأَصَحِّ،

كما شرطه عمر على أهل الشام (و) يذكر (مقامهم) أي مدة إقامتهم (ولا يجاوز ثلاثة أيام) أي لا يندب له ذلك; لأنها غاية الضيافة كما في الأحاديث، فإن شرط عليهم أكثر جاز. ويشترط تزويد الضيف كفاية يوم وليلة ولو امتنع قليل منهم أجبروا أو كلهم أو أكثرهم فناقضون، ولضيفهم حمل الطعام من غير أكل

(1)

، ولا يطالبهم بعوض إن لم يمر بهم ضيف ولا بطعام ما بعد اليوم الحاضر، ولو لم يأتوا بطعام اليوم لم يطالبهم به في الغد لكن محله إن شرط عليهم أياما معلومة، أما لو شرط على كلهم أو بعضهم ضيافة عشرة مثلا كل يوم ففوت ضيافة القادمين في بعض الأيام فيؤخذ بدلها لأهل الفيء. (ولو قال قوم) عرب أو عجم (نؤدي الجزية باسم صدقة لا جزية) وقد عرفوا حكمها (فللإمام إجابتهم

(2)

إذا رأى) ذلك. (ويضعف عليهم الزكاة)؛ اقتداء بفعل عمر رضي الله عنه ذلك مع من تنصر من العرب قبل بعثته صلى الله عليه وسلم (فمن خمسة أبعرة شاتان و) من (خمسة وعشرين) بعيرا (بنتا مخاض) ومن ست وثلاثين بنتا لبون وهكذا (و) من (عشرين دينارا دينار و) من (مائتي درهم) فضة (عشرة، وخُمُس المعشرات) المسقية بلا مؤنة وإلا فعشرها؛ لما مر عن عمر رضي الله عنه، ويجوز غير تضعيفها كتربيعها على ما يراه بل لو لم يف التضعيف بقدر دينار لكل واحد وجبت الزيادة إلى بلوغ ذلك يقينا كما أنه لو زاد جاز النقص عنه إلى بلوغ ذلك يقينا أيضا.

[تنبيه] محل التضعيف في غير زكاة الفطر وهو ظاهر وإلا في المعلوفة; لأنها ليست زكوية الآن، (ولو وجبت بنتا مخاض مع جبران) كما في ست وثلاثين عند فقد بنتي اللبون (لم يضعف الجبران في الأصح) فيأخذ مع كل بنت مخاض شاتين أو عشرين درهما; لأنه لو ضعف أخذ الضعف علينا فيما إذا رددناه إليهم، والخيرة فيه هنا للإمام دون المالك.

(1)

. عبارة المغني.

(2)

. للمغني وشرح الروض تقييد لذلك.

ص: 272

وَلَوْ كَانَ بَعْضَ نِصَابٍ لَمْ يَجِبْ قِسْطُهُ فِي الْأَظْهَرِ، ثُمَّ المَأْخُوذُ جِزْيَةٌ، فَلَا تُؤخَذُ مِنْ مَالِ مَنْ لَا جِزْيَةَ عَلَيهِ.

فصل

يَلْزَمُنَا الْكَفُّ عَنْهُمْ وَضَمَانُ مَا نُتْلِفُهُ عَلَيْهِمْ نَفْسًا وَمَالًا وَدَفْعُ أَهْلِ الحَرْبِ عَنْهُمْ وَقِيلَ إنْ انْفَرَدُوا لَمْ يَلْزَمْنَا الدَّفْعُ

(ولو كان) المال الزكوي (بعض نصاب) كعشرين شاة (لم يجب قسطه في الأظهر)؛ إذ لا يجب فيه شيء على المسلم، ومن ثم يجب القسط في الخلطة الموجبة للزكاة، (ثم المأخوذ جزية) حقيقة فيصرف مصرفها (فلا تؤخذ من مال من لا جزية عليه) ولو زاد المجموع على أقل الجزية فسألوا إسقاط الزيادة وإعادة اسم الجزية أجيبوا.

(فصل) في جملة من أحكام عقد الذمة

(يلزمنا) عند إطلاق العقد فعند الشرط أولى (الكف عنهم

(1)

نفسا ومالا وعرضا واختصاصا وعما معهم كخمر وخنزير لم يظهروه؛ لخبر أبي داود ((ألا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)) (وضمان ما نتلفه عليهم نفسا ومالا

(2)

و رَدَّ ما نأخذه من اختصاصاتهم كالمسلم; لأن ذلك هو فائدة الجزية كما أفادته آيتها (ودفع أهل الحرب) والذمة والإسلام (عنهم) إن كانوا بدارنا; لأنه يلزمنا الذب عنها، فإن كانوا بدار الحرب لم يلزمنا الدفع عنهم إلا إن شرطوه علينا أو انفردوا بجِوارنا، وأُلحق بدارنا دار حرب فيها مسلم، بمعنى أنه يلزمنا دفع المسلم عنهم أو أن المراد أنه لم يمكن الدفع عن المسلم إلا بالدفع عنهم، ولا يلزمنا دفع الحربيين عنهم، (وقيل إن انفردوا لم يلزمنا) ببلد (الدفع عنهم) كما لا يلزمهم الذب عنا، والأصح أنه يلزمنا الدفع عنهم مطلقا. أما عند شرط أن لا نذب عنهم فإن كانوا معنا أو بمحل

(3)

إذا قصدوهم مروا علينا

(1)

. ولا نطالبهم بإقامة عبادة وإن كانوا يعاقبون على تركها كسائر الفروع المجمع عليها في الآخرة كما مر في كتاب الصلاة 1/ 446، ومع ذلك يمنع علينا معاونتهم في معصية فيحرم إطعامهم في نهار رمضان كما مر في كتاب الصيام 3/ 428.

(2)

. ويجب إطعامهم إذا عجزوا كما أفاده الشارح في الجنائز 3/ 159.

(3)

. صادق بمحل دار الحرب وكلام شرح الروض يخالفه.

ص: 273

وَنَمْنَعُهُمْ إحْدَاثَ كَنِيسَةٍ فِي بَلَدٍ أَحْدَثْنَاهُ أَوْ أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً لَا يُحْدِثُونَهَا فِيهِ، وَلَا يُقَرُّونَ عَلَى كَنِيسَةٍ كَانَتْ فِيهِ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ صُلْحًا بِشَرْطِ الْأَرْضِ لَنَا، وَشَرْطِ إسْكَانِهِمْ، وَإِبْقَاءِ الْكَنَائِسِ لَهُم جَازَ، وَإِنْ أُطْلِقَ فَالْأَصَحُّ المَنْعُ، أَوْ لَهُمْ قُرِّرَتْ، وَلَهُمُ الْإِحْدَاثُ فِي الْأَصَحِّ

فسد العقد؛ لتضمنه تمكين الكفار منا وإلا فلا (ونمنعهم) وجوبا (إحداث كنيسة) وبيعة وصومعة للتعبد ولو مع غيره كنزول المارة (في بلد أحدثناه) كالبصرة والقاهرة (أو أسلم أهله) حال كونهم مستقلين ومتغلبين (عليه) بأن كان من غير قتال ولا صلح كاليَمَن

(1)

، وذلك؛ لخبر ((لا تُبنى كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها))، ويهدم وجوبا ما أحدثوه وإن لم يشرط عليهم هدمه، والصلح على تمكينهم منه باطل، وما وجد من ذلك ولم يعلم أحد أنه بعد الإحداث أو الإسلام أو الفتح يبقى؛ لاحتمال أنه كان ببرية أو قرية واتصل به العمران، وكذا يقال فيما يأتي في الصلح، أما ما بني من ذلك لنزول المارة فقط ولو منهم فيجوز، (وما فتح عنوة) كبلاد المغرب (لا يحدثونها فيه) أي لا يجوز تمكينهم من ذلك، ويجب هدم ما أحدثوه فيه; لأن المسلمين ملكوها بالاستيلاء. (ولا يقرون على كنيسة كانت فيه) حال الفتح يقينا (في الأصح) لذلك، ومحل الخلاف في القائمة عند الفتح، أما المنهدمة أو التي هدمها المسلمون قبل الفتح فلا يقرون عليها قطعا، (أو) فتح (صلحا بشرط الأرض لنا، وشرط إسكانهم) بخراج (وإبقاء الكنائس) ونحوها (لهم جاز) ; لأن الصلح إذا جاز بشرط كل البلد لهم فبعضها أولى، ولهم حينئذ ترميمها، وقضية قوله ((وإبقاء)) منع الإحداث وهو كذلك، وليس منه إعادتها وترميمها ولو بآلة جديدة، ونحو تطيينها وتنويرها من داخل وخارج.

[تنبيه] لو شرطوا علينا الإحداث جاز

(2)

. (وإن أطلق) شرط الأرض لنا وسكت عن نحو الكنائس (فالأصح المنع) من إبقائها وإحداثها فتهدم كلها (أو) بشرط أن تكون الأرض (لهم)، ويؤدون خراجها (قررت) كنائسهم ونحوها، (ولهم الإحداث في الأصح) ; لأن الأرض لهم.

(1)

. والمدينة عند المغني خلافا للشارح، قال: لأنها من الحجاز وهم لا يمكَّنون من سكناه مطلقا.

(2)

. مطلقا خلافا للنهاية حيث حمل الجواز على ما إذا دعت إليه ضرورة وإلا منع.

ص: 274

وَيُمْنَعُونَ وُجُوبًا، وَقِيلَ نَدْبًا مِنْ رَفْعِ بِنَاءٍ عَلَى بِنَاءِ جَارٍ مُسْلِمٍ،

[تنبيه] ما فتح من ديار الحربيين بشرط مما ذكر لو استولوا عليه بعدُ ثم فتح بشرط يخالف ذلك فالعبرة بالشرط الأول

; لأنه بالفتح الأول صار دار إسلام فلا يعود دار كفر.

[تنبيه] معنى ((لهم)) هنا وفي نظائره -الموهمة حل ذلك لهم، واستحقاقهم له- عدم المنع منه فقط; لأنه من جملة المعاصي في حقهم أيضا; لأنهم مكلفون بالفروع، وعليه فلا يجوز لحاكم الإذن لهم فيه، ولا لمسلم إعانتهم عليه ولا إيجار نفسه للعمل فيه، فإن رُفِع إلينا فسخناه. ولا يجوز دخول كنائسهم المستحقة الإبقاء إلا بإذنهم فيجوز حينئذٍ ما لم يكن فيها صورة معظمة.

[تتمة] ما فتح عنوة أو على أنه لنا للإمام رده عليهم بخراج معين يؤدونه كل سنة وتؤخذ الجزية معه; لأنه أجرة لا تسقط بإسلامهم، ومن ثم أُخذ من أرض نحو صبي، ولهم الإيجار لا نحو البيع، ولا يشترط بيان المدة بل يكون مؤبدا كما مر في أرض العراق، والأراضي التي عليها خراج لا يعرف أصله يحكم بحل أخذه؛ لاحتمال أنه وضع بحق كما تقرر، أو على أنه لهم بخراج معلوم يؤدونه كل سنة يفي بالجزية عن كل حالم منهم صح، وأجريت عليهم أحكامها فيؤخذ وإن لم يزرعوا ويسقط بإسلامهم، فإن اشتراها أو استأجرها مسلم صح والخراج على البائع والمؤجر (ويمنعون) وإن لم يشرط منعهم في عقد الذمة (وجوبا، وقيل ندبا من رفع بناء) لهم ولو لخوف سراق يقصدونهم فقط (على بناء جارٍ مسلمٍ) وإن كان في غاية القصر وقدر على تعليته من غير مشقة، نعم محله إذا اعتيد مثله للسكنى وإلا لم يكلف الذمي النقص عن أقل المعتاد وإن عجز المسلم عن تتميم بنائه، وذلك؛ لحق الله تعالى وتعظيما لدينه فلا يباح برضا الجار، وخرج بقوله ((جارٍ مسلمٍ)) جار ذمي فلا منع وإن اختلفت ملتهما. وخرج برفع شراؤه لدار عالية لم تستحق الهدم فلا يمنع إلا من الإشراف منها كصبيانهم فيمنع من طلوع سطحها إلا بعد تحجيره

(1)

، وله استئجارها أيضا وسكناها بالقيد المار

(2)

، ويغتفر بقاء الروشن هنا. والأوجه أن الجار هنا أربعون من كل جانب كما في الوصية

(3)

.

(1)

. أي نصب ما يمنع الإشراف.

(2)

. أي من منع طلوع سطحها إلا بعد تحجيره.

(3)

. خلافا لهم فاعتمدوا أن المراد أهل محلته، لا كل بلده.

ص: 275

وَالْأَصَحُّ المَنْعُ مِنْ المُسَاوَاةِ، وَأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا بِمَحَلَّةٍ مُنْفَصِلَةٍ لَمْ يُمْنَعُوا. وَيُمْنَعُ الذِّمِّيُّ رُكُوبَ خَيْلٍ لَا حَمِيرٍ، وَبِغَالٍ نَفِيسَةٍ، وَيَرْكَبُ بِإِكَافٍ وَرِكَابِ خَشَبٍ، لَا حَدِيدٍ، وَلَا سَرْجٍ، وَيُلْجَأُ إلَى أَضْيَقِ الطُّرُقِ. وَلَا يُوَقَّرُ، وَلَا يُصَدَّرُ فِي مَجْلِسٍ

(والأصح المنع من المساواة) أيضا تمييزا بينهما (و) الأصح (أنهم لو كانوا بمحلة منفصلة) عن المسلمين كطرف متقطع عن العمارة بأن كان داخل السور مثلا وليس بحارتهم مسلم يشرفون عليه لبعد ما بين البناءين (لم يمنعوا) من رفع البناء; إذ لا ضرر هنا بوجه. ولو لاصقت أبنيتهم دورا لبلد من جانب جاز الرفع من بقية الجوانب حيث لا إشراف منه. ولو رفع على بناء المسلم لم يسقط هدمه بتعلية المسلم، وكذا بيعه لمسلم

(1)

، نعم لو أسلم قبل الهدم أُبقي

(2)

؛ ترغيبا في الإسلام (ويمنع الذمي) أي الذكر المكلف ومثله معاهد ومستأمن (ركوب خيل

(3)

؛ لما فيها من العز والفخر، وألحق بها تعليم من لم يرج إسلامه علوم الشرع، وآلاتها إلا نحو علوم العربية (لا) براذين خسيسة، ولا من ركوب نفيسة زمن قتال استعنا بهم فيه، ولا ركوب (حمير) نفيسة (وبغال نفيسة)؛ لخستهما (ويركبـ) ـها عرضا بأن يجعل رجليه من جانب واحد، نعم محله في مسافة قريبة من البلد (بإكاف) أو برذعة (وركاب خشب، لا حديد) أو رصاص (ولا سرج)؛ لكتاب عمر بذلك، وليتميزوا عنا بما يحقرهم، ومن ثم كان ذلك واجبا، ويمنع من الركوب مطلقا في مواطن زحمتنا؛ لما فيه من الإهانة، ويمنعون من حمل السلاح وتختم ولو بفضة، واستخدام مملوك فارِه كتركي، ومن خدمة الأمراء. وغير الذكر المكلف لا يلزم بصغار مما مر ويأتي، وعليه يستثنى نحو الغيار؛ لضرورة التمييز (ويلجأ) وجوبا عند ازدحام المسلمين بطريق (إلى أضيق الطرق)؛ لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك لكن بحيث لا يتأذى بنحو وقوع في وهدة أو صدمة جدار، وقضية المتن حرمة إيثار الواسع عن اجتماعهما في طريق، ومحله إن قصد بذلك تعظيمه أو عُدَّ تعظيماً له عرفاً، ولا يمشون إلا أفرادا متفرقين (ولا يوقر ولا يصدر في مجلس) به مسلم أي: يحرم علينا ذلك؛ إهانة له، وتحرم موادته أي

(1)

. ظاهره وإن لم يحكم بالهدم حاكم قبل البيع خلافا للمغني.

(2)

. خلافا للنهاية ووالده فيما نقله عنه.

(3)

. وظاهر كلام الشارح المنع ولو في محلة انفردوا فيها غير دارنا خلافا لصريح كلامهم.

ص: 276

وَيُؤْمَرُ بِالْغِيَارِ وَالزُّنَّارِ فَوْقَ الثِّيَابِ. وَإِذَا دَخَلَ حَمَّامًا فِيهِ مُسْلِمُونَ أَوْ تَجَرَّدَ عَنْ ثِيَابِهِ جُعِلَ فِي عُنُقِهِ خَاتَمُ حَدِيدٍ أَوْ رَصَاصٍ وَنَحْوُهُ. وَيُمْنَعُ مِنْ إسْمَاعِهِ المُسْلِمِينَ شِرْكًا، وَقَوْلَهُمْ فِي عُزَيْرٍ وَالمَسِيحِ، وَمِنْ إظْهَارِ نَحْوِ خَمْرٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَاقُوسٍ وَعِيدٍ

الميل إليه -لا من حيث وصف الكفر وإلا كانت كفرا بالقلب- ولو نحو أب وابن، وتكره

(1)

بالظاهر ولو بالمهاداة إن لم يرج إسلامه أو يكن لنحو رحِم أو جوار كعيادته وتعزيته وتعليمه القرآن أو نحوه، وأُلحق بالكافر في ذلك كل فاسق، وفي عمومه نظر والذي يتجه حمل الحرمة على ميل مع إيناس له (ويؤمر) وجوبا عند اختلاطهم بنا وإن دخل دارنا لرسالة أو تجارة وإن قصرت مدة اختلاطه بنا (بالغِيار) وهو تغيير اللباس كأن يخيط فوق أعلى ثيابه بموضع لا يعتاد الخياطة عليه كالكتف ما يخالف لونها، ويكفي عنه نحو منديل معه، والعمامة المعتادة لهم اليوم، والأولى باليهود الأصفر، وبالنصارى الأزرق، وبالمجوس الأسود، وبالسامرة الأحمر; لأن هذا هو المعتاد في كلٍّ بعد الأزمنة الأولى، ولو أرادوا التمييز بغير المعتاد منعوا خوف الاشتباه، وتؤمر ذمية خرجت بتخالف خُفَّيْها، وأُلحق بها الخنثى (والزُّنار فوق الثياب) وهو خيط غليظ فيه ألوان يشد بالوسط، نعم المرأة وألحق بها الخنثى تشده تحت إزارها لكن تظهر بعضه وإلا لم يكن له فائدة، ويمنع إبداله بنحو منطقة أو منديل، والجمع بينهما

(2)

تأكيد ومبالغة في الشهرة وهو المنقول عن عمر رضي الله عنه فللإمام الأمر بأحدهما فقط، ولا يمنعون من نحو ديباج أو طيلسان (وإذا دخل حمّاما فيه مسلمون) أو مسلم (أو تجرد) في غيره (عن ثيابه) وثَم مسلم (جعل في عنقه) أو نحوه (خاتم) أي طوق (حديد أو رَصاص ونحوُِه) -بالرفع أي الخاتم كجلجل، وبالكسر أي الحديد أو الرصاص كنحاس- وجوبا؛ ليتميز، وتمنع الذمية من حمام به مسلمة فلا يتأتى ذلك فيها (ويمنع) وجوبا -وإن لم يشرط عليه- من التسمية بمحمد وأحمد، وكذا ما يشعر برفعة المسمى، ويمنع (من إسماعه المسلمين شركا) كثالث ثلاثة (و) يمنع من (قولهم) القبيح (في عزير والمسيح) صلى الله على نبينا وعليهما وسلم أنهما ابنا الله والقرآن أنه ليس من الله تعالى (ومن) ابتذال مسلم في مهنة بأجرة أوْ لا، وإرسال نحو الضفائر; لأنه شعار الأشراف غالبا، ومن (إظهار) منكر بيننا (نحو خمر وخنزير وناقوس) وهو ما يضرب به النصارى لأوقات الصلاة (وعيد) ونحو لطم ونوح،

(1)

. عبَّر شرح الروض بالجواز.

(2)

. أي الغيار والزنار.

ص: 277

وَلَوْ شُرِطَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فَخَالَفُوا لَمْ يَنْتَقِضِْ الْعَهْدُ. وَلَوْ قَاتَلُونَا أَوِ امْتَنَعُوا مِنَ الجِزْيَةِ أَوْ مِنْ إجْرَاءِ حُكْمِ الْإِسْلَامِ انْتَقَضَ. وَلَوْ زَنَى ذِمِّيٌّ بِمُسْلِمَةٍ أَوْ أَصَابَهَا بِنِكَاحٍ، أَوْ دَلَّ أَهْلَ الحَرْبِ عَلَى عَوْرَةٍ لِلْمُسْلِمِينَ، أَوْ فَتَنَ مُسْلِمًا عَنْ دِينِهِ، أَوْ طَعَنَ فِي الْإِسْلَامِ أَوْ الْقُرْآنِ، أَوْ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسُوءٍ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إنْ شُرِطَ انْتِقَاضُ الْعَهْدِ بِهَا اُنْتُقِضَ، وَإِلَّا فَلَا،

وقراءة نحو توراة وإنجيل ولو بكنائسهم; لأن في ذلك مفاسد كإظهار شعار الكفر، فإن انتفى الإظهار فلا منع. وتراق خمر لهم أظهرت، ويتلف ناقوس لهم أظهر، وضابط الإظهار أن يمكن الإطلاع عليه بلا تجسس، ويحدون لنحو زنا أو سرقة لا خمر (ولو شرطت) عليهم (هذه الأمور) التي يمنعون منها أي شُرط عليهم الامتناع منها، أو إن فعلوا كانوا ناقضين (فخالفوا) ذلك مع تدينهم بها (لم ينتقض العهد) ; إذ ليس فيها كبير ضرر علينا لكن يبالغ في تعزيرهم حتى يمتنعوا منها

(1)

. (ولو قاتلونا) بلا شبهة كأن صال عليه مسلم فقتله دفعا، وقتالهم لنحو ذميين يلزمنا الذب عنهم قتال لنا في المعنى فله حكمه (أو امتنعوا) تغلبا (من) بذل (الجزية) التي عقد بها لغير عجز وإن كانت أكثر من دينار (أو من إجراء حكم الإسلام) عليهم (انتقض) عهد الممتنع وإن لم يشرط عليه ذلك؛ لإتيانه بنقيض عهد الذمة من كل وجه. أما الموسر الممتنع بغير نحو قتال فتؤخذ منه قهرا ولا انتقاض، وكذا الممتنع من الأخير (ولو زنى ذمي بمسلمة) وأُلحق به اللواط بمسلم (أو أصابها بنكاح) أي بصورته مع علمه بإسلامها فيهما (أو دلَّ أهل الحرب على عورة) أي خلل (للمسلمين) كضعف (أو فتن مسلما عن دينه) أو دعاه للكفر (أو طعن في الإسلام أو القرآن أو ذكر) جهرا الله تعالى، أو (رسول الله صلى الله عليه وسلم أو القرآن أو نبياً (بسوء) مما لا يتدينون به أو قتل مسلما عمدا أو قذفه (فالأصح أنه إن شرط انتقاض العهد بها انتقض)؛ لمخالفة الشرط (وإلا) يشرط ذلك أو شك

(2)

هل شرط أوْ لا (فلا) ينتقض; لأنها لا تخل بمقصود العقد، وسواء انتقض أم لا يقام عليه موجب فعله من حد أو تعزير، فلو رجم وقلنا بالانتقاض صار ماله فيئا، أما ما يتدين به كزعمهم أن القرآن ليس من عند الله أو أن الله ثالث ثلاثة فلا نقض به مطلقا قطعا.

(1)

. ظاهره أنه عند عدم الشرط لا تعزير خلافا للمغني وشرح المنهج.

(2)

. خلافا للمغني.

ص: 278

وَمَنِ انْتَقَضَ عَهْدُهُ بِقِتَالٍ جَازَ دَفْعُهُ وَقِتَالُهُ، أَوْ بِغَيْرِهِ لَمْ يَجِبْ إبْلَاغُهُ مَأْمَنَهُ فِي الْأَظْهَرِ، بَلْ يَخْتَارُ الْإِمَامُ فِيهِ قَتْلًا وَرِقًّا وَمَنًّا وَفِدَاءً، فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ امْتَنَعَ الرِّقُّ. وَإِذَا بَطَلَ أَمَانُ رِجَالٍ لَمْ يَبْطُلْ أَمَانُ نِسَائِهِمْ وَالصِّبْيَانِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا اخْتَارَ ذِمِّيٌّ نَبْذَ الْعَهْدِ وَاللُّحُوقَ بِدَارِ الحَرْبِ بُلِّغَ المَأْمَنَ

(ومن انتقض عهده بقتال جاز) بل وجب (دفعه وقتاله) ولا يبلغ المأمن؛ لعظم جنايته، ومن ثم جاز قتله وإن أمكن دفعه بغيره، نعم محله في كامل ففي غيره يدفع بالأخف; لأنه إذا اندفع به كان مالا للمسلمين ففي عدم المبادرة إلى قتله مصلحة لهم فلا تفوت عليهم (أو بغيره) أي القتال (لم يجب إبلاغه مأمنه في الأظهر بل يختار الإمام فيه) إن لم يطلب تجديد عقد الذمة وإلا وجبت إجابته (قتلا) أ (ورقا) أ (ومنّا) أ (وفداء) ; لأنه حربي لإبطاله أمانه، وبه فارق من دخل بأمان نحو صبي اعتقده أمانا (فإن أسلم) المنتقض عهده (قبل الاختيار امتنع الرق) والقتل كما هو معلوم، والفداء كما يعلم من امتناع الرق بخلاف الأسير; لأنه لم يحصل في يد الإمام بالقهر وله أمان متقدم فخفَّ أمره. (وإذا بطل أمان رجال) الحاصل بجزية أو غيرها (لم يبطل أمان) ذراريهم من نحو (نسائهم والصبيان في الأصح) ; إذ لا جناية منهم تناقض أمانهم، وإنما تبعوا في العقد لا النقض؛ تغليبا للعصمة فيهما. ولو طلبوا دار الحرب أجيب النساء لا الصبيان; إذ لا اختيار لهم (وإذا اختار ذمي نبذ العهد واللحوق بدار الحرب بلغ المأمن) أي المحل الذي هو أقربُ بلادِهِم من دارنا مما يأمن فيه على نفسه وماله; لأنه لم يظهر منه خيانة.

ص: 279

‌باب الهدنة

عَقْدُهَا لِكُفَّارِ إقْلِيمٍ يَخْتَصُّ بِالْإِمَامِ وَ نَائِبِهِ فِيهَا، وَلِبَلْدَةٍ يَجُوزُ لِوَالِي الْإِقْلِيمِ أَيْضًا. وَإِنَّمَا يَعْقِدُهَا لِمَصْلَحَةٍ كَضَعْفِنَا بِقِلَّةِ عَدَدٍ وَأُهْبَةٍ أَوْ رَجَاءِ إِسْلَامٍ جِزْيَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ جَازَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، لَا سَنَةً، وَكَذَا دُونَهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَلِضَعْفٍ تَجُوزُ عَشْرَ سِنِينَ فَقَطْ،

(باب الهدنة)

هي لغة: المصالحة، وشرعا: مصالحة الحربيين على ترك القتال المدة الآتية بعوض أو غيره. وأصلها قبل الإجماع أول سورة براءة، ومهادنته صلى الله عليه وسلم قريشا عام الحديبية، والأصل فيها الجواز (عقدها) لجميع الكفار، أو (لكفار إقليم) كالهند (يختص بالإمام) ومثله مطاع بإقليم لا يصله حكم الإمام (ونائبه فيها) وحدها أو مع غيرها ولو بطريق العموم؛ لما فيها من الخطر، ووجوب رعاية مصلحتنا، (و) عقدها (لبلدة) أو أكثر من إقليم لا كله

(1)

(يجوز لوالي الإقليم أيضا) أي كما يجوز للإمام أو نائبه؛ لاطلاعه على مصلحة، وتجوز مع بلدة مجاورة لإقليمه إذا رأى المصلحة فيها لأهل إقليمه; لأنها حينئذ من متعلقات إقليمه. وإذا تردد والي الإقليم في وجه المصلحة تعيّن عليه استئذان الإمام إن أمكن (وإنما يعقدها لمصلحة)؛ لما فيها من ترك القتال، ولا يكفي انتفاء المفسدة قال تعالى {فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ} محمد: 35 والمصلحة (كضعفنا بقلة عدد وأهبة) ; لأنه الحامل على المهادنة عام الحديبية (أو رجاء إسلام أو بذل جزية) أو إعانتهم لنا أو كفهم عن الإعانة علينا أو بُعْد دارهم وإن كنا أقوياء في الكل؛ للاتباع في الأول، (فإن لم يكن) بنا ضعف ورأى الإمام المصلحة فيها (جازت أربعة أشهر) ولو بلا عوض؛ للآية السابقة، (لا سنة) ; لأنها مدة الجزية، فلا يجوز تقريرهم فيها بدون جزية، (وكذا دونها) وفوق أربعة أشهر (في الأظهر)؛ للآية أيضا، نعم لا يتقيد عقدها لنحو نساء ومال بمدة (ولضعف) بنا (تجوز عشر سنين) فما دونها بحسب الحاجة (فقط) ; لأنها مدة مهادنة

(1)

. وفاقا للمغني والمنهج والروض وخلافا للنهاية.

ص: 280

وَمَتَى زَادَ عَلَى الجَائِزِ فَقَوْلَا تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، وَإِطْلَاقُ الْعَقْدِ يُفْسِدُهُ، وَكَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ عَلَى الصَّحِيحِ بِأَنْ شُرِطَ مَنْعُ فَكِّ أَسْرَانَا، أَوْ تَرْكُ مَا لَنَا لَهُمْ، أَوْ لِتُعْقَدَ لَهُمْ ذِمَّةٌ بِدُونِ دِينَارٍ، أَوْ بِدَفْعِ مَالٍ إلَيْهِمْ. وَتَصِحُّ الهُدْنَةُ عَلَى أَنْ يَنْقُضَهَا الْإِمَامُ مَتَى شَاءَ ....

قريش، ومتى احتيج لأقل من العشر لم تجز الزيادة عليه

(1)

، نعم إن انقضت المدة والحاجة باقية استؤنف عقد آخر وهكذا. ولو زال نحو خوف أثناء المدة وجب إبقاؤها، ويجتهد الإمام عند طلبهم لها ولا ضرر ويفعل الأصلح وجوبا. ولو دخل دارنا بأمان لسماع كلام الله تعالى فتكرر سماعه له بحيث ظن عناده أُخرج ولا يمهل أربعة أشهر (ومتى زاد) العقد (على الجائز) من أربعة أشهر أو عشر سنين مثلا (فقولا تفريق الصفقة) فيصح في الجائز ويبطل فيما زاد عليه، (وإطلاق العقد) عن ذكر المدة في غير نحو النساء؛ لما مر (يفسده)؛ لاقتضائه التأبيد الممتنع، (وكذا شرط فاسد) اقترن بالعقد فيفسده أيضا (على الصحيح بأن) أي كأن (شرط) فيه (منع فك أسرانا) منهم (أو ترك ما) استولوا عليه (لنا) أو لأحدنا أو لذمي

(2)

(لهم) أو لأحدهم بل شرط تركه لذمي أو مسلم كذلك، أو رَدُّ مسلم أسير أفلت منهم، أو سكناهم الحجاز، أو إظهارهم الخمر بدارنا، أو أن نبعث لهم من جاءنا منهم لا التخلية بينهم وبينه (أو) فعلت (لتعقد لهم ذمة بدون دينار) لكل واحد (أو) لأجل أن (يدفع مال) منا (إليهم)؛ لمنافاة ذلك كله لعزة الإسلام، نعم إن اضطررنا لبذل مال لفداء أسرى يعذبونهم أو لإحاطتهم بنا وخوف استئصالنا وجب بذله، ولا يملكونه؛ لفساد العقد حينئذ، وقولهم يسن فك الأسرى محله في غير المعذبين إذا أمن قتلهم، نعم محل بذل المال لهم لفداء الأسرى إن لم يتوقع خلاصهم منهم بقتال ولو على ندور وإلا وجب عينا على كل من توقعه وقدر عليه وإن لم يعذبوهم، فالحاصل أن من عَجَزْنا عن خلاصه إن عُذِّب لزم الإمام من بيت المال فداؤه وإلا سن، ويجب على كل موسر معه الفاضل عن يوم وليلة كالفطرة فداء المعذب حيث غلب على ظنه خلاصه بما يبذله فيه (وتصح الهدنة على أن ينقضها الإمام) أو مسلم ذكر معين عدل ذو رأي في الحرب يعرف مصلحتنا في فعلها وتركها (متى شاء) وتحرم عليه مشيئته أكثر من أربعة أشهر عند قوتنا أو أكثر من عشر سنين عند ضعفنا. وخرج بذلك ما شاء الله أو ما

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. خالف الأسنى في الذمي.

ص: 281

وَمَتَى صَحَّتْ وَجَبَ الْكَفُّ عَنْهُمْ حَتَّى تَنْقَضِيَ أَوْ يَنْقُضُوهَا بِتَصْرِيحٍ أَوْ قِتَالِنَا، أَوْ مُكَاتَبَةِ أَهْلِ الحَرْبِ بِعَوْرَةٍ لَنَا، أَوْ قَتْلِ مُسْلِمٍ، وَإِذَا انْتَقَضَتْ جَازَتِ الْإِغَارَةُ عَلَيْهِمْ وَبَيَاتُهُمْ، وَلَوْ نَقَضَ بَعْضُهُمْ وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَاقُونَ بِقَوْلٍ وَلَا فِعْلٍ انْتَقَضَ فِيهِمْ أَيْضًا، فَإِنْ أَنْكَرُوا بِاعْتِزَالِهِمْ أَوْ بِإعْلَامِ الْإِمَامِ بِبَقَائِهِمْ عَلَى الْعَهْدِ فَلَا، وَلَوْ خَافَ خِيَانَتَهُمْ فَلَهُ نَبْذُ عَهْدِهِمْ إلَيْهِمْ

أقركم الله. ولإمام تولَّى بعد عاقدها نقضها إن كانت فاسدة بنص أو إجماع، (ومتى) فسدت بُلِّغوا مأمنهم وجوبا، وأنذرناهم قبل أن نقاتلهم إن لم يكونوا بدارهم وإلا فلنا قتالهم بلا إنذار، ومتى (صحت وجب) علينا (الكف) لأذانا أو أذى الذميين الذين ببلادنا بخلاف أذى الحربيين وبعض أهل الهدنة (عنهم) وفاء بالعهد; إذ القصد كف من تحت أيدينا عنهم لا حفظهم بخلاف أهل الذمة (حتى تنقضي) مدتها -وحينئذ يردهم إلى مأمنهم- أو ينقضها من عُلِّقت بمشيئته أو إمامنا أو نائبه عند خوف الخيانة كما يأتي (أو ينقضوها) هم (بتصريح) منهم بنقضها (أو) بنحو (قتالنا

(1)

أو مكاتبة أهل الحرب بعورة لنا أو قتل مسلم) أو ذمي بدارنا عمدا، أو فعل شيء مما اختلف في نقض عقد الذمة به مما مر وغيره؛ لعدم تأكدها ببذل جزية، أو إيواء عين للكفار، أو أخذ مالنا وإن جهلوا أن ذلك ناقض؛ لقوله تعالى {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ} التوبة: 12، (وإذا انتقضت) بغير قتال (جازت الإغارة عليهم) نهارا (وبياتهم) أي الإغارة عليهم ليلا إن كانوا ببلادهم، فإن كانوا ببلادنا بلغوا مأمنهم أي محلا يأمنون فيه منا ومن أهل عهدنا ولو بطرف بلادنا. ومن له مأمنان يتخير الإمام ولا يلزمه إبلاغ مسكنه

(2)

(ولو نقض بعضهم الهدنة ولم يُنكِر الباقون) عليه (بقول ولا فعل) بل استمروا على مساكنتهم وسكتوا (انتقض فيهم أيضا)؛ لإشعار سكوتهم برضاهم بالنقض (فإن أنكروا) عليهم (باعتزالهم أو بإعلام الإمام) أو نائبه (ببقائهم على العهد فلا) نقض في حقهم؛ لقوله تعالى {أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ} الأعراف: 165 ثم ينذر المُعْلِمين بالتَّميُّز عنهم فإن أبوا فناقضون أيضا. (ولو خاف) الإمام أو نائبه (خيانتهم) بشيء مما ينقض إظهاره بأن ظهرت أمارة بذلك (فله نبذ عهدهم إليهم)؛ لقوله تعالى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً} الأنفال: 58 الآية، فإن لم تظهر أمارة حرم

(1)

. قيده المغني بما إذا لم تكن ثمة شبهة.

(2)

. خلافا للنهاية.

ص: 282

وَيُبَلِّغُهُمُ المَأْمَنَ، وَلَا يَنْبُذُ عَقْدَ الذِّمَّةِ بِتُهَمَةٍ. وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ رَدِّ مُسْلِمَةٍ تَأْتِينَا مِنْهُمْ، فَإِنْ شُرِطَ فَسَدَ الشَّرْطُ وَكَذَا الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ شَُرِطَ رَدُّ مَنْ جَاءَ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ رَدٌّ فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ لَمْ يَجِبْ دَفْعُ مَهْرٍ إلَى زَوْجِهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَا يُرَدُّ صَبِيٌّ وَمَجْنُونٌ، وَكَذَا عَبْدٌ وَحُرٌّ لَا عَشِيرَةَ لَهُ عَلَى المَذْهَبِ. وَيُرَدُّ مَنْ لَهُ عَشِيرَةٌ طَلَبَتْهُ إلَيْهَا لَا إلَى غَيْرِهَا إلَّا أَنْ يَقْدِرَ المَطْلُوبُ عَلَى قَهْرِ الطَّالِبِ وَالْهَرَبِ مِنْهُ،

النقض; لأن عقدها لازم، وبعد النبذ ينتقض عهدهم لا بنفس الخوف (و) بعد النقض واستيفاء ما وجب عليهم من الحقوق (يبلغهم المأمن) وجوبا؛ وفاء بالعهد، (ولا ينبذ عقد الذمة بتهَمة) ; لأنه آكد لتأبيده ومقابلته بمال. (ولا يجوز شرط رد مسلمة تأتينا منهم) مسلمة أو كافرة ثم تسلم؛ لقوله تعالى {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} الممتحنة: 10، ويجوز شرط رد كافرة، ومسلم، فإن شرط رد من جاءنا مسلما منهم صح، ولم يجز به رد مسلمة؛ احتياطا لأمرها لخطره، (فإن شرط) رد المسلمة (فسد الشرط) ; لأنه أحل حراما، (وكذا العقد في الأصح)؛ لاقترانه بشرط فاسد (وإن شَُرط رد-من جاء) منهم إلينا- أي التخلية بينهم وبينه (أو لم يذكر رد) ولا عدمه (فجاءت امرأة) مسلمة (لم يجب) علينا لأجل ارتفاع نكاحها بإسلامها (دفع مهر إلى زوجها في الأظهر) ; لأن البضع غير متقوم فلا يشمله الأمان، والأمر به في الآية للندب (و) عند شرط ما ذكر من الرد (لا يرد صبي ومجنون) -وصفا الإسلام أم لا

(1)

- كامرأة وخنثى أسلما، أي لا يجوز ردهم ولو للأب أو نحوه؛ لضعفهم، فإن كمل أحدهما واختارهم مكنّاه منهم، ومحل قولهم تسن الحيلولة بين صبي أسلم وأبويه فيمن هم بدارنا; لأنا ندفع عنه، (وكذا) لا يرد لهم (عبد) بالغ عاقل أو أمة

(2)

ولو مستولدة جاء إلينا مسلما ثم إن أسلم بعد الهجرة أو قبل الهدنة عتق، أو بعدهما وأعتقه سيده فواضح وإلا باعه الإمام لمسلم أو دفع لسيده قيمته من المصالح وأعتقه عن المسلمين والولاء لهم (وحر) كذلك (لا عشيرة له) أو له عشيرة ولا تحميه فلا يجوز رد أحدهما (على المذهب)؛ لئلا يفتنوه (ويرد) عند شرط الرد -لا عند الإطلاق; إذ لا يجب فيه رد مطلقا- (مَن) أي حر ذكر بالغ عاقل ولو مسلما (له عشيرة) تحميه وقد (طلبته) أو واحد منها ولو بوكيله (إليها لا إلى غيرها) أي عشيرته الطالبة له فلا يُرد ولو بإذنهم، (إلا أن يقدر المطلوب على قهر الطالب والهرب منه) فيرد

(1)

. خلافا للمنهج والأسنى والنهاية فاقتصروا على وصف الإسلام.

(2)

. ظاهره أنها كالمستولدة لا ترد على الخلاف وصرح المغني أنهما لا تردان قطعا.

ص: 283

وَمَعْنَى الرَّدِّ: أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ طَالِبِهِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ، وَلَا يَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ، وَلَهُ قَتْلُ الطَّالِبِ، وَلَنَا التَّعْرِيضُ لَهُ بِهِ لَا التَّصْرِيحُ. وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَرُدُّوا مَنْ جَاءَهُمْ مُرْتَدًّا مِنَّا لَزِمَهُمُ الْوَفَاءُ، فَإِنْ أَبَوْا فَقَدْ نَقَضُوا، وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ شَرْطِ أَلَّا يَرُدُّوا

إليه (ومعنى الرد) هنا (أن يخلي بينه، وبين طالبه) كما في الوديعة ونحوها، (ولا يجبر على الرجوع) مع طالبه؛ لحرمة إجبار المسلم على إقامته بدار الحرب، (ولا يلزمه) أي المطلوب (الرجوع) مع طالبه، بل يجوز له إن خشي فتنة، وذلك; لأنه لم يلتزمه إذا العاقد غيره، ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وسلم على أبي بصير امتناعه ولا قتله لطالبه بل سَرّه ذلك، ومن ثم سُن أن يُقال له سِرا لا ترجع وإن رجعت فاهرب متى قدرت، (و) جاز (له قتل الطالب) كما فعل أبو بصير، (ولنا التعريض له به) كما عرَّض عمر لأبي جندل رضي الله عنهما بذلك (لا التصريح) ; لأنهم في أمان، نعم من جاءنا مسلما بعد الهدنة يجوز له التصريح للمطلوب بقتل طالبه; لأنه لم يتناوله الشرط. (ولو شرط) عليهم (أن يردوا من جاءهم مرتدا منا لزمهم الوفاء) به حرا كان أو ذكرا أو ضده؛ عملا بالتزامهم (فإن أبوا فقد نقضوا) العهد؛ لمخالفتهم الشرط، والرد هنا أيضا بمعنى التخلية، (والأظهر جواز شرط ألا يردوا) من جاءهم مرتدا منا من الرجال والنساء; لأنه صلى الله عليه وسلم شرط في صلح الحديبية ((من جاءنا منكم رددناه ومن جاءكم منا فسحقا سحقا))، وحينئذ لا يلزمهم الرد وكذا إن أطلق العقد.

[فرع] يجوز شراء أولاد المعاهدين منهم لا سبيهم، ومر أن المشتري لا يملكهم بشرائه بل بالاستيلاء عليهم فما بذله إنما هو في مقابلة تمكينه لا غير، وعليه فيلزم تخميسه أو تخميس فدائه إن اختاره الإمام بخلاف نحو شراء نحو أخيه ممن لا يعتق عليه بذلك منه فيصح ويملكه المشتري ولا يلزم تخميس.

[تنبيه] لو كان بيد الكفار أسير للمسلمين وجب للصلح معهم أن يشترط عليهم رده وإلا لم يصح إلا إن اضطررنا إليه. أما لو كان ثمة أسير عند غيرهم وهم قادرون على تخليصه وجب اشتراط ما مر إلا أنه يصح عقد الصلح معهم وإن لم نضطر إليه، فإن قبلوا شرطنا ثم أبوا تخليصه انتقض عهدهم.

ص: 284

‌كتاب الصيد الذبائح

ذَكَاةُ الحَيَوَانِ المَأْكُولِ بِذَبْحِهِ فِي حَلْقٍ أَوْ لَبَّةٍ إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَبِعَقْرٍ مُزْهِقٍ حَيْثُ كَانَ. وَشَرْطُ ذَابِحٍ وَصَائِدٍ حِلُّ مُنَاكَحَتِهِ، وَتَحِلُّ ذَكَاةُ أَمَةٍ كِتَابِيَّةٍ،

(كتاب الصيد الذبائح)

أصلهما الكتاب والسنة والإجماع. وأركانهما فاعل ومفعول به وفعل وآلة (ذكاة الحيوان) البري (المأكول) المبيحة لحل أكله إنما تحصل (بذبحه في حلق) وهو أعلى العنق (أو لَبَّة) وهي أسفله، ولا يرد على المتن حل الجنين بذبح أمه وإن أخرج رأسه وبه حياة مستقرة أو وهو ميت

(1)

؛ لأن الشارع جعل ذبحها ذكاة له (إن قدر عليه، وإلا) يقدر عليه (فبعقر مزهق حيث كان) أي بأي موضع منه وجد تحصل ذكاته؛ لما يأتي. (وشرطُ ذابحٍ وصائد

(2)

وعاقر؛ ليحل نحر مذبوحه (حل مناكحته) أي نكاحنا لأهل ملته؛ لإسلامهم أو كتابيتهم بشروطهم وتفاصيلهم السابقة في النكاح؛ لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} المائدة: 5 أي ذبائحهم وإن لم يعتقدوا حلها كالإبل، فعلم أن من لم يُعْلم كونه إسرائيليا وشك في دخول أول أصوله قبل ما مر ثم لا تحل ذبيحته، ومر قبيل نكاح المشرك ما له تعلق بذلك. فخرج نحو مرتد وصابئ وسامري خالف في الأصول ومجوسي ووثني ونصارى العرب، ويعتبر هذا الشرط من أول الفعل إلى آخره فلو تخلله رد مسلم أو إسلام مجوسي لم يحل (وتحل ذكاة) وصيد وعقر (أمة كتابية) وإن لم يحل نكاحها; لأن الرق لا تأثير له في منع نحو الذبح بخلاف النكاح؛ لما يلزم عليه من نحو رق الولد. وتحرم مذبوحة ملقاة وقطعة لحم بإناء إلا بمحل يغلب فيه مَن تحل ذكاته وإلا إن أخبر من تحل ذبيحته -ولو كافرا- بأنه ذبحها. أما غير الملقاة

(3)

فتحل إن لم يتمحض نحو المجوس بمحلها. وخرج بالتي في إناء الملقاة فتحرم مطلقا.

(1)

. خلافا للرملي.

(2)

. أي لغير سمك وجراد، مغني.

(3)

. ظاهر كلام النهاية عدم الفرق بين الملقاة وغيرها، وأن المدار على الشك في ذابحها أهو من تحل ذكاته أو غيره.

ص: 287

وَلَوْ شَارَكَ مَجُوسِيٌّ مُسْلِمًا فِي ذَبْحٍ أَوِ اصْطِيَادٍ حَرُمَ، وَلَوْ أَرْسَلَا كَلْبَيْنِ أَوْ سَهْمَيْنِ فَإِنْ سَبَقَ آلَةُ المُسْلِمِ فَقَتَلَ أَوْ أَنْهَاهُ إلَى حَرَكَةِ مَذْبُوحٍ حَلَّ، وَلَوِ انْعَكَسَ أَوْ جَرَحَاهُ مَعًا أَوْ جُهِلَ أَوْ مُرَتَّبًا وَلَمْ يُذَفِّفْ أَحَدُهُمَا حَرُمَ. وَيَحِلُّ ذَبْحُ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ، وَكَذَا غَيْرُ مُمَيِّزٍ وَمَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ فِي الْأَظْهَرِ، وَتُكْرَهُ ذَكَاةُ أَعْمَى، وَيَحْرُمُ صَيْدُهُ بِرَمْيٍ وَكَلْبٍ فِي الْأَصَحِّ. وَتَحِلُّ مَيْتَةُ السَّمَكِ وَالجَرَادِ، ....

(ولو شارك مجوسي) أو نحوه ممن تحرم ذبيحته (مسلما) أو كتابيا ولو احتمالا في غير الملقاة وقطعة اللحم المذكورين (في ذبح أو اصطياد) قاتل كأن أمرّا سكينا على مذبح شاة، أو قتلا صيدا بسهم أو كلب واحد (حَرُم) المذبوح أو المصيد؛ تغليبا للمحرم، أما اصطياد لا قتل فيه فلا أثر للشركة فيه، (ولو أرسلا كلبين، أو سهمين) أو أحدهما سهما والآخر كلبا على صيد (فإن سبق آلة المسلم فقتل) الصيد (أو أنهاه إلى حركة مذبوح حل) كما لو ذبح مسلم شاة فقدَّها مجوسي، فإن لم ينهه لذلك فأصابته آلة المجوسي فأنهته إليه حرم وضمنه المجوسي للمسلم بقيمته وقت إصابة آلته; لأنه أفسد ملكه بجعله ميتة، (ولو انعكس) بأن سبق آلة المجوسي فقتل أو أنهاه لذلك (أو جرحاه معا) وحصل الهلاك بهما ولو بأن كان أحدهما مذففا والآخر غير مذفف لكنه يعين على المذفف (أو جهل) أسبقهما القاتل أو لم يعلم أيهما قتله (أو) جرحاه (مرتبا ولم يذفف أحدهما) أي لم يقتله سريعا (حرم)؛ تغليبا للتحريم، وكذا لو سبق كلب مجوسي فأمسكه فقط فقتله كلب مسلم; لأنه بإمساكه صار مقدورا عليه فلم يحل بقتل كلب المسلم. ويحل ما اصطاده مسلم بكلب مجوسي قطعا. (ويحل) بلا كراهة (ذبح صبي مميز) مسلم، أو كتابي؛ لصحة قصده وعبادته (وكذا غير مميز) يطيق الذبح (ومجنون وسكران) لا تمييز لهما أصلا فيحل ذبحهم (في الأظهر) ; لأن لهم قصدا في الجملة بخلاف النائم، نعم يكره خوفا من خطئهم في المذبح، (وتكره ذكاة أعمى)؛ خوفا من ذلك، (ويحرم صيده) وقتله لغير مقدور عليه (برمي) لنحو سهم (و) بنحو (كلب) وقد دلَّه على نحو الصيد بصير (في الأصح)؛ لعدم صحة قصده; لأنه لا يرى الصيد فصار كاسترسال نحو الجارح بنفسه. أما إذا لم يدله عليه أحد فلا يحل قطعا، نعم البصير إذا أحس به في نحو ظلمة فرماه حل إجماعا؛ لأنه مبصر بالقوة بخلاف الأعمى. ويحل صيد من ذكر قبل الأعمى برمي أو جارحة، أما المميز فيحل اصطياده قطعا. (وتحل ميتة السمك) والمراد به كل ما في البحر على ما يأتي في الأطعمة من تفصيل، وإن طفا; لأنه صلى الله عليه وسلم ((أكل من العنبر بالمدينة وهو الحوت الذي طفا)) رواه مسلم (والجراد)؛ للخبر الصحيح ((أُحِلَّ لنا ميتتان الحوت والجراد)). ولا يجب تنقية ما في جوف

ص: 288

وَلَوْ صَادَهُمَا مَجُوسِيٌّ. وَكَذَا الدُّودُ المُتَوَلِّدُ مِنْ طَعَامٍ كَخَلٍّ وَفَاكِهَةٍ إذَا أُكِلَ مَعَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا يُقْطَعُ بَعْضُ سَمَكَةٍ حَيَّة،

الجراد وصغار السمك؛ لعسره. ويسن ذبح سمك كبير يطول بقاؤه، والمراد بذبحه قتله كما يرشد إليه تعليلهم بالإراحة له، نعم إن كان في توقف حله على خصوص ذبحه خلاف اتجه تعين خصوص ذبحه؛ خروجا من ذلك الخلاف، أما ذبح غيره فخلاف الأولى. ولو تغيرت سمكة وتقطعت بجوف أخرى حرمت بخلاف مجرد التغير

(1)

(ولو صادهما) أو ذبح السمك (مجوسي)؛ لحل ميتتهما فلم يؤثر فيهما فعله. ويحل جراد قتله المحرم أو بيض صيد كَسَره. (وكذا) يحل (الدود المتولد من الطعام) وإن أُلقي وكان تولده منه بعد إلقائه; لأن إلقاءه وتولده منه حينئذ لا وجه لكونه سببا في تحريمه ولا نجاسته (كخل وفاكهة) ومثله نحو التمر والحب (إذا أكل معه) ولو حيّا يعني إذا لم ينفرد، وآثر ذلك; لأن الغالب في غير المفرد أنه يؤكل معه (في الأصح)؛ لأن من شأنه عسر تمييزه

(2)

. ولو نقله أو نَحّاه من موضع من الطعام إلى آخر فإن كان

(3)

بذلك النقل فصله عن الطعام ثم عاد إليه حرم وإلا فلا، ولا أثر لما مر أن ما نشؤه منه إذا انفصل وعاد لا ينجس؛ لأن العلة هنا غيرها ثَمَّ. وأما المنفرد عن الطعام فيحرم وإن أكل معه؛ لنجاسته إن مات وإلا فلاستقذاره. ولو وقع في عسلٍ أو لحمٍ نملٌ جاز أكله إن أخرجه

(4)

، نعم إن تعذر تخليصه ولم يظن منه ضررا حل أكله معه، أو وقع في حار نحو ذبابة أو قطعة لحم آدمي يسيرة

(5)

وتهرت واستهلكت فيه لم يحرم كما يأتي في الأطعمة (ولا يقطع) الشخص (بعض سمكة) أو جرادة (حية) أي يكره له ذلك، ويكره أيضا قليها وشيها حية بلا حاجة، أما إحراقها لحاجة فيجوز بلا كراهة، فلو هجم جراد على زرع دفع بالأخف فالأخف، فلو لم يندفع إلا بالإحراق جاز بلا كراهة، وكذا نحو القمل

(6)

.

(1)

. خلافا للمغني فعنده مجرد التغير كاف في التحريم.

(2)

. ولا يحرم وإن كثر وغيَّر خلافا للنهاية ووفاقا للمغني.

(3)

. خلافا لهما فأطلقا التحريم.

(4)

. خلافا للمغني حيث اعتمد جواز أكل العسل حينئذ وإن لم يخرجها.

(5)

. قيد لها بذلك في الأطعمة.

(6)

. نعم ذكر الشارح في قسم الصدقات أنه لا يجوز التعذيب بالنار إلا إن ورد أو كان لضرورة توقفت عليه 7/ 176، ولعل ما هنا مستثنى من ذلك.

ص: 289

فَإِنْ فَعَلَ أَوْ بَلِعَ سَمَكَةً حَيَّةً حَلَّ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا رَمَى صَيْدًا مُتَوَحِّشًا، أَوْ بَعِيرًا نَدَّ، أَوْ شَاةً شَرَدَتْ بِسَهْمٍ، أَوْ أَرْسَلَ عَلَيْهِ جَارِحَةً فَأَصَابَ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ وَمَاتَ فِي الحَالِ حَلَّ. وَلَوْ تَرَدَّى بَعِيرٌ وَنَحْوُهُ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ قَطْعُ حُلْقُومِهِ وَمَرِيئِهِ فَكَنَادٍّ، قُلْتُ: الْأَصَحُّ لَا يَحِلُّ بِإِرْسَالِ الْكَلْبِ، وَصَحَّحَهُ الرُّويَانِيُّ وَالشَّاشِيُّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَمَتَى تَيَسَّرَ لُحُوقُهُ بِعَدْوٍ أَوِ اسْتِعَانَةٍ بِمَنْ يَسْتَقْبِلُهُ فَمَقْدُورٌ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي فِي النَّادِّ وَالمُتَرَدِّي جُرْحٌ يُفْضِي إلَى الزُّهُوقِ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ مُذَفِّفٌ

(فإن فعل) أي قطع بعضها حل أكله; لأن ما أبين من حي كميتته، وإنما حرم المنفصل من الصيد; لأن جميعه لا يحل إلا بمزهق، وقطع البعض ليس كذلك بخلاف السمك فإنه يحل وإن مات حتف أنفه (أو بلِع) مع مضغ أوْ لا (سمكة) أو جرادة (حية حل) بلعها (في الأصح) ; لأنه ليس فيه أكثر من قتله وهو جائز، أما الميتة الكبيرة فيحرم بلعها؛ لسهولة تنقية ما في جوفها من النجاسة بخلاف الصغير. ولو زالت الحياة بقطع البعض أو بَلَعَها لِتداوٍ حل قطعا. (وإذا رمى) بصير -لا غيره- (صيدا متوحشا أو بعيراً نَدَّ أو شاة شردت بسهم) أو غيره من كل محدد يجرح ولو غير حديد (أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئا من بدنه ومات في الحال) بأن لم يبق فيه حياة مستقرة وإلا اشترط ذبحه إن قدر عليه، وسيذكر أنه يكفي جرح يفضي إلى الزهوق وإن لم يذفف (حل) إجماعا في المستوحش، ولخبر الصحيحين في رمي البعير الناد بالسهم وقيس بما فيه غيره. والعبرة بعدم القدرة عليه حال الإصابة فلو رمى نادا فصار مقدورا عليه قبلها لم يحل إلا إن أصاب مذبحه، أو مقدورا عليه فصار نادا عندها حل وإن لم يصب مذبحه. أما صيد تأنس فكمقدور عليه لا يحل إلا بذبحه. (ولو تردى بعير ونحوه في) نحو (بئر ولم يمكن قطع حلقومه ومريئه فكناد) في حله بالرمي؛ لحديث فيه حمل على ذلك، وكذا بإرسال الكلب، (قلت: الأصح لا يحل) المتردي (بإرسال الكلب) الجارح عليه (وصححه الروياني والشاشي، والله أعلم) وفارق السهم بأنه تباح به الذكاة مع القدرة بخلاف نحو الكلب، (ومتى تيسر) يعني أمكن ولو بعسر (لحوقه) أي الصيد أو الناد (بعدو أو استعانة بمن يستقبله فمقدور عليه) فلا يحل إلا بذبحه في مذبحة. أما إذا تعذر لحوقه حالا فيحل بأي جرح كان كما مر، (ويكفي في) الصيد المتوحش (الناد والمتردي جرح يفضي إلى الزهوق) كيف كان؛ للحديث الصحيح ((لو طعنت في فخذها لأجزأك)) أي المتردية أو المتوحشة، والناد في معنى المتوحش (وقيل يشترط) جرح (مذفف) أي قاتل حالا، نعم إرسال

ص: 290

وَإِذَا أَرْسَلَ سَهْمًا أَوْ كَلْبًا أَوْ طَائِرًا عَلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَمَاتَ فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ فِيهِ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً أَوْ أَدْرَكَهَا وَتَعَذَّرَ ذَبْحُهُ بِلَا تَقْصِيرٍ بِأَنْ سَلَّ السِّكِّينَ فَمَاتَ قَبْلَ إمْكَانٍ أَوْ امْتَنَعَ بِقُوَّتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ حَلَّ، وَإِنْ مَاتَ لِتَقْصِيرِهِ بِأَلَّا يَكُونَ مَعَهُ سِكِّينٌ أَوْ غُصِبَتْ أَوْ نَشِبَتْ فِي الْغِمْدِ حَرُمَ. وَلَوْ رَمَاهُ فَقَدَّهُ نِصْفَيْنِ حَلَّا، وَلَوْ أَبَانَ مِنْهُ عُضْوًا بِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ حَلَّ الْعُضْوُ وَالْبَدَنُ، أَوْ بِغَيْرِ مُذَفِّفٍ ثُمَّ ذَبَحَهُ أَوْ جَرَحَهُ جُرْحًا آخَرَ مُذَفِّفًا حَرُمَ الْعُضْوُ وَحَلَّ الْبَاقِي،

الجارحة لا يشترط فيه تذفيف جزما. ولو تردى بعير فوق بعير فنفذ الرمح من الأعلى للأسفل حلا وإن جهل ذلك كما لو نفذ من صيد إلى آخر (وإذا أرسل سهما أو كلبا أو طائرا على صيد) أو نحو ناد مما مر (فأصابه ومات

(1)

فإن لم يدرك فيه حياة مستقرة) قبل موته (أو أدركها) قبل موته (وتعذر ذبحه بلا تقصير) منه (بأن سل السكين) أو اشتغل بطلب المذبح أو بتوجيه للقبلة أو وقع مُنكَّسا فاحتاج لقلبه ليقدر على الذبح (فمات قبل إمكان) لذبحه (أو امتنع) منه (بقوته) أو حال بينه وبينه حائل كسبع (ومات قبل القدرة عليه حل)؛ لعذره، وكذا لو شك هل تمكن من ذبحه أوْ لا أي إحالة على السبب الظاهر. ويستحب فيما إذا لم يدرك فيه حياة مستقرة أن يمر السكين على مذبحه

(2)

، وتعرف بأمارات كحركة شديدة بعد القطع أو الجرح أو تفجر الدم وتدفقه أو صوت الحلق أو بقاء الدم على قوامه وطبيعته، وتكفي الأولى وحدها وما يغلب على الظن بقاؤها من الثلاث الأخر، فإن شك فكعدمها، ولا يشترط عَدْوٌ بعد إصابة سهم أو كلب (وإن مات لتقصيره بألا يكون معه سكين أو غصبت) منه ولو بعد الرمي (أو نَشِبت في الغمد) أي الغلاف بأن علقت فيه وعسر إخراجها منه ولو لعارض بعد لكن المعتمد فيه وفي الغصب بعد الرمي أنه غير تقصير (حرم)؛ لتقصيره. (ولو رماه فقدَّه نصفين) يعني قطعتين ولو متفاوتتين، وأفهم تعبيره بالقد أنه لم يبق في أحدهما حياة مستقرة (حلا)؛ لحصول الجرح المذفف (ولو أبان منه عضوا) كيد (بجرح مذفف) أي قاتل له حالا (حل العضو والبدن) أي باقيه؛ لما مر أن محل ذكاته كل البدن (أو) أبانه (بغير مذفف) ولم يزمنه (ثم ذبحه أو جرحه جرحا آخر مذففا حرم العضو) ; لأنه أبين من حي (وحل الباقي)؛

(1)

. للمغني اعتراض على المتن رده الشارح.

(2)

. كذا في النهاية وعبارة المغني أن يذبحه.

ص: 291

فَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ذَبْحِهِ وَمَاتَ بِالجُرْحِ حَلَّ الجَمِيعُ، وَقِيلَ يَحْرُمُ الْعُضْوُ. وَذَكَاةُ كُلِّ حَيَوَانٍ قَدَرَ عَلَيْهِ بِقَطْعِ كُلِّ الحُلْقُومِ، وَهُوَ مَخْرَجُ النَّفَسِ، وَالمَرِيءِ، وَهُوَ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَيُسْتَحَبُّ قَطْعُ الْوَدَجَيْنِ، وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيِ الْعُنُقِ، وَلَوْ ذَبَحَهُ مِنْ قَفَاهُ عَصَى، فَإِنْ أَسْرَعَ بِأَنْ قَطَعَ الحُلْقُومَ وَالمَرِيءَ وَبِهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا

لوجود ذكاته بالذبح أو التذفيف. أما إذا أزمنه فيتعين الذبح (فإن لم يتمكن من ذبحه ومات بالجرح) الأول (حل الجميع) ; لأن الجرح السابق كذبح الجملة، (وقيل يحرم العضو) وهو الأصح; لأنه أبين من حي. (وذكاة كل حيوان) بري وحشي أو إنسي (قدر عليه بقطع كل الحلقوم، وهو مخرج النفس) يعني مجراه دخولا وخروجا، ومنه المستدير الناتئ المتصل بالفم، فمتى وقع القطع فيه حل إن لم يُبْق جزءٌ لم تمر السكين عليه ولم ينفصم بها بخلاف ما إذا وقع القطع في آخر اللسان أي الخارج عن المستدير إلى جهة الفم، (و) كل (المريء، وهو مجرى الطعام) والشراب، وهو تحت الحلقوم; لأن الحياة إنما تنعدم حالا بانعدامهما، ويشترط تمحض القطع فلو ذبح بسكين مسموم بسم موح

(1)

حرم، ووجود الحياة المستقرة عند ابتداء الذبح خاصة

(2)

. وخرج بالقطع خطف رأس بنحو بندقة، وبقدر عليه غيره وقد مرّ، وبكل ذلك بعضه وانتهى إلى حركة المذبوح ثم قطع الباقي فلا يحل، فعلم أنه يضر بقاء يسير من الحلقوم أو المريء لا الجلدة التي فوقهما. ومَن ذبح بكالٍ

(3)

فقطع بعض الواجب ثم أدركه فورا آخر فأتمه بسكين أخرى قبل رفع الأول يده حل سواء أوجدت الحياة المستقرة عند شروع الثاني أم لا. ولو رفع يده لنحو اضطرابها فأعادها فورا وأتم الذبح حل أيضا (ويستحب قطع الوَدَجين، وهما عِرقان في صحفتي العنق) يحيطان بالحلقوم؛ لأنه من الإحسان المأمور به. (ولو ذبحه من قفاه) أو من صفحة عنقه (عصى)؛ لما فيه من التعذيب (فإن أسرع) في ذلك (بأن قطع الحلقوم والمريء وبه حياة مستقرة) ولو ظنا بقرينة كما مر (حل) ; لأن الذكاة صادفته وهو حي، (وإلا) تكن به حياة مستقرة حينئذ بأن وصل لحركة مذبوح لمّا انتهى إلى قطع المريء (فلا) يحل; لأنه صار ميتة قبل الذبح، وما اقتضته العبارة من اشتراط وجود

(1)

. أي مسرع للموت ومسهل له.

(2)

. ولا يشترط بقائها إلى تمامه خلافا للنهاية.

(3)

. أي غير حاد.

ص: 292

وَكَذَا إدْخَالُ سِكِّينٍ بِأُذُنِ ثَعْلَبٍ، وَيُسَنُّ نَحْرُ إبِلٍ وَذَبْحُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ، وَيَجُوزُ عَكْسُهُ، وَأَنْ يَكُونَ الْبَعِيرُ قَائِمًا مَعْقُولَ الرُّكْبَةِ، وَالْبَقَرَةُ وَالشَّاةُ مُضْجَعَةً لِجَنْبِهَا الْأَيْسَرِ،

الحياة المستقرة عند قطعهما جميعهما غير مراد بل الشرط وجودها عند ابتداء القطع هنا أيضا فحينئذ لا يضر انتهاؤه لحركة مذبوح لما ناله بسبب قطع القفا; لأن أقصى ما وقع التعبد به وجودها عند ابتداء قطع المذبح، نعم لو تأنى بحيث ظهر انتهاؤه لحركة مذبوح قبل تمام قطعهما لم يحل؛ لتقصيره، ومن أنه لو شرع في قطعهما مع الشروع في قطع القفا مثلا حتى التقى القطعان حل غير مراد أيضا بل لا يحل كما لو قارن ذبحه نحو إخراج حشوته، بل أو غيره مما له دخل في الهلاك وإن لم يكن مذففا; لأنه اجتمع مع المبيح ما يَمْكُن أن يكون له أثر في الإزهاق، والأصل التحريم بخلاف مسألة المتن; لأن التذفيف وجد منفردا حال تحقق الحياة المستقرة أو ظن وجودها بقرينة، نعم لو انتهى لحركة مذبوح بمرض -وإن كان سببه

(1)

أكل نبات مضر- كفى ذبحه; لأنه لم يوجد ما يحال عليه الهلاك، فإن وجد كأن أكل نباتا يؤدي إلى الهلاك، أو انهدم عليه سقف أو جرحه سبع أو هرة اشترط وجود الحياة المستقرة فيه عند ابتداء الذبح، فعلم أن النبات المؤدي لمجرد المرض لا يؤثر بخلاف المؤدي للهلاك غالبا (وكذا إدخال سكين بإذن ثعلب) مثلا لقطعهما داخل الجلد حفظا لجلده فإنه حرام؛ للتعذيب، ثم إن ابتدأ قطعهما مع الحياة المستقرة حل وإلا فلا (ويسن نحر إبل) -أي طعنها بما له حد في منحرها- وهو الوهدة

(2)

التي في أسفل عنقها المسمى باللبة؛ للأمر به في سورة الكوثر، ولأنه أسرع لخروج الروح لطول العنق، ومن ثم كان مثلها كل ما طال عنقه كالإوز كالإبل (وذبح بقر وغنم) وخيل وحمار وحش وسائر الصيود؛ للاتباع، (ويجوز عكسه) أي ذبح نحو الإبل، ونحر نحو البقر من غير كراهة

(3)

، (و) سن (أن يكون البعير قائما) فإن لم يتيسر فباركا، وأن يكون (معقول ركبة) وكونها اليسرى؛ للاتباع (و) أن تكون (البقرة والشاة) ونحوهما (مضجعة لجنبها الأيسر)؛ لما صح في الشاة وقيس بها غيرها، ولكون الأيسر أسهل على الذابح، ويسن للأعسر إنابة غيره ولا يضجعها على يمينها.

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. الوهدة المطمئن من الأرض والمكان المنخفض كأنه حفرة، لسان العرب.

(3)

. أورد الشارح هنا اعتراضا من المغني على المتن وردَّه.

ص: 293

وَتُتْرَكُ رِجْلُهَا الْيُمْنَى، وَتُشَدُّ بَاقِي الْقَوَائِمِ. وَأَنْ يُحِدَّ شَفْرَتَهُ، وَيُوَجِّهَ لِلْقِبْلَةِ ذَبِيحَتَهُ. وَأَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ، وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يَقُولُ: بِسْمِ اللهِ، وَاسْمِ مُحَمَّدٍ.

(وتترك رجلها اليمنى) بلا شد؛ لتستريح بتحريكها (وتشد باقي القوائم)؛ لئلا تضطرب فيخطئ المذبح. ويجب الاحتراز عن حركتها ما أمكن حتى لا تحصل، فإن فُرِض اضطراب يسير لا يمكن الاحتراز عنه عادة عفي عنه (وأن يُحد) آلته (شَفرته) -أو غيرها-وهي السكين العظيمة، و في خبر مسلم ((وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته))، فإن ذبح بكال

(1)

أجزأ إن لم يحتج القطع لقوة الذابح، وقطع الحلقوم والمريء قبل انتهائه لحركة مذبوح، وندب سقيها وسوقها برفق وإمرار السكين بقوة

(2)

وتحامل يسير ذهابا وإيابا لكن إن لم يكن بتأنيه في القطع ينتهي الحيوان قبل تمام الذبح إلى حركة مذبوح وإلا وجب الإسراع، فإن تأنى حينئذ حرم؛ لتقصيره

(3)

. ويكره حد الآلة وذبح أخرى قبالتها وقطع شيء منها وتحريكها وسلخها وكسر عنقها ونقلها قبل خروج روحها (و) أن (يوجه للقبلة ذبيحته-)؛ للاتباع، وهو في الهدي والأضحية آكد- أي مذبحها لا وجهها؛ ليمكنه هو الاستقبال المندوب له أيضا (وأن يقول) عند الذبح، وكذا عند رمي الصيد ولو سمكا وجرادا وإرسال الجارحة ونصب الشبكة وعند الإصابة (بسم الله) والأفضل بسم الله الرحمن الرحيم، وإنما كره تعمد ترك التسمية ولم يحرم; لأنه تعالى أباح ذبائح الكتابيين وهم لا يسمون غالبا. ويسن في الأضحية أن يُكَبِّر قبل التسمية ثلاثا وبعدها كذلك، وأن يقول اللهم هذا منك وإليك فتقبل مني، ويأتي ذلك في كل ذبح هو عبادة (و) أن (يصلي) ويسلم (على النبي صلى الله عليه وسلم ; لأنه محل يسن فيه ذكر الله تعالى (ولا يقول بسم الله، واسم محمد) أي يحرم عليه ذلك للتشريك; لأن من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه فقط كما في اليمين باسمه، نعم إن أراد أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد كره فقط، ولو قال بسم الله ومحمدٌ رسولُ الله بالرفع فلا بأس إن كان نحويا، أما غير النحوي فيحرم عليه الرفع والجر، ومن ذبح تقربا لله تعالى لدفع شر الجن عنه لم يحرم، أو بقصدهم حرم، وكذا يقال في الذبح للكعبة أو قدوم السلطان. ولو ذبح مأكولا لغير أكله لم يحرم وإن أثم بذلك.

(1)

. أي غير حاد.

(2)

. كذا في المغني ولكن عبارة النهاية برفق.

(3)

. كما ذكره الشارح عند قول المصنف ((وهو مجرى الشراب)).

ص: 294

فصل

يَحِلُّ ذَبْحُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ وَجَرْحُ غَيْرِهِ بِكُلِّ مُحَدَّدٍ يَجْرَحُ كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ وَذَهَبٍ وَخَشَبٍ وَقَصَبٍ وَحَجَرٍ وَزُجَاجٍ إلَّا ظُفْرًا وَسِنًّا وَسَائِرَ الْعِظَامِ. فَلَوْ قُتِلَ بِمُثَقَّلٍ أَوْ ثِقَلِ مُحَدَّدٍ كَبُنْدُقَةٍ وَسَوْطٍ وَسَهْمٍ بِلَا نَصْلٍ وَلَا حَدٍّ أَوْ بسَهْمٍ وَبُنْدُقَةٍ أَوْ جَرَحَهُ سَهْمٌ وَأَثَّرَ فِيهِ عُرْضُ السَّهْمِ فِي مُرُورِهِ وَمَاتَ بِهِمَا، أَوِ انْخَنَقَ بِأُحْبُولَةٍ، أَوْ أَصَابَهُ سَهْمٌ فَوَقَعَ بِأَرْضٍ أَوْ جَبَلٍ ثُمَّ سَقَطَ مِنْهُ حَرُمَ، وَلَوْ أَصَابَهُ السَهْمُ بِالْهَوَاءِ فَسَقَطَ بِأَرْضٍ وَمَاتَ حَلَّ

(فصل) في بعض شروط الآلة والذبح والصيد

(يحل ذبح مقدور عليه وجرح غيره بكل محدَّد) أي شيء له حد (يجرح كحديد) ولو في قلادة كلب أرسله على صيد فجرحه بها وقد عُلِّم الضربَ بها وإلا لم يحل (ونحاس) ورصاص (وذهب) وفضة (وخشب وقصب وحجر وزجاج) ; لأن ذلك أسرع لإزهاق الروح (إلا ظفرا وسنا وسائر العظام)؛ للحديث المتفق عليه ((ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكلوا ليس السن والظفر، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) أي وهم كفار وقد نهينا عن التشبه بهم أي لمعنى ذاتي في الآلة التي وقع التشبه بها، نعم ناب الكلب وظفره لا يؤثر كما يأتي (فلو قتل) بمدية كالة أو (بمثقَّل أو ثقل محدد كبندقة

(1)

، وسوط، وسهم بلا نصل، ولا حد) أمثلة للأول، ومن أمثلة الثاني القتل بثقل سهم له نصل أو حد (أو) قتل (بسهم وبندقة أو جرحه سهم وأثر فيه عُرض السهم) أي جانبه (في مروره ومات بهما) أي الجرح والتأثير (أو انخنق بأحبولة) وهي حبال تشد للصيد ومات (أو أصابه سهم) جرحه أوْ لا (فوقع بأرض) عالية كسطح (أو جبل ثم سقط منه) فيهما ومات (حرم) في الكل؛ لقوله تعالى ((والمنخنقة والموقوذة)) أي المقتولة بنحو حجر أو ضرب (ولو أصابه السهم بالهواء) أو على شجرة فجرحه وأثر فيه (فسقط بأرض ومات حل) إن لم يصبه شيء من أغصان الشجرة حال سقوطه عنه ولا أثر لتأثير الأرض فيه ولا لتدحرجه عليها من جنب إلى جنب; لأن الوقوع

(1)

. البندق الذي يرمى به، والواحدة بندقة، لسان العرب.

ص: 295

وَيَحِلُّ الِاصْطِيَادُ بِجَوَارِحِ السِّبَاعِ وَالطَّيْرِ كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينِ بِشَرْطِ كَوْنِهَا مُعَلَّمَةً بِأَنْ يَنْزَجِرَ جَارِحَةُ السِّبَاعِ بِزَجْرِ صَاحِبِهِ وَيَسْتَرْسِلَ بِإِرْسَالِهِ، وَيُمْسِكَ الصَّيْدَ وَلَا تَأْكُلَ مِنْهُ

عليها ضروري، ومن ثم لو وقع ببئر بها ماء أو صدمه جدارها حرم، أما إذا لم يؤثر فيه فلا يحل جَرَحَهُ أوْ لا. والماء لطيره

(1)

كالأرض إن أصابه وهو فيه وإن كان الرامي بالبر أو في هوائه والرامي بسفينة مثلا، فإن كان خارجه ثم وقع فيه، أو بهوائه والرامي بالبر حرم. هذا كله حيث لم ينهه السهم لحركة مذبوح وإلا لم يؤثر شيء مما ذكر، وحيث لم يغمسه السهم أو ينغمس لثقل جثته في الماء قبل انتهائه لحركة مذبوح وإلا فهو غريق.

[تنبيه] يحل رمي طير كبير لا يقتله البندق غالبا كالإوز بخلاف صغير

؛ لأنه يقتلها غالبة وقتل الحيوان عبثا حرام، والكلام في البندق المعتاد قديما -وهو ما يصنع من الطين- أما البندق المعتاد الآن -وهو ما يصنع من الحديد ويرمى بالنار- فيحرم مطلقا; لأنه محرق مذفف سريعا غالبا ولو في الكبير، نعم إن علم حاذق أنه إنما يصيب نحو جناح كبير فيثبته فقط احتمل الحل (ويحل الاصطياد) المستلزم لحل المصاد المدرك ميتا أو في حكمه (بجوارح السباع والطير ككلب وفهد) ونمر قَبِلا التعليم وإلا فلا (وباز وشاهين)؛ لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} المائدة: 4 أي مصيده، أما الاصطياد بمعنى إثبات الملك على الصيد فيحصل بأي طريق تيسر كما يأتي (بشرط كونها معلمة)؛ للآية (بأن ينزجر جارحة السباع بزجر صاحبه) أي مَن هو بيده ولو غاصبا، أي يقف بإيقافه ولو بعد شدة عدوه (ويسترسل بإرساله) أي يهيج بإغرائه؛ لقوله تعالى {مُكَلِّبِينَ} المائدة: 4 أي: مؤتمرين بالأمر منتهين بالنهي، ومن لازم هذا أن ينطلق بإطلاقه فلو انطلق بنفسه لم يفسد تعليمه لكن لا يحل الصيد (ويمسك الصيد) أي يحبسه لصاحبه فإذا جاء تخلى عنه (ولا يأكل منه) بعد إمساكه -قبل قتله أو بعده

(2)

- ولو من نحو جلده لا نحو شعره، واشترط ما مر؛ للنهي الصحيح عن الأكل مما أكلت منه، وكأكله منه مقاتلته دونه، وكذا لو هرَّ

(3)

في وجه صاحبه عند أخذه الصيد منه إن كان هره لطمعه فيها؛

(1)

. أي لطير الماء وفاقا للمغني وظاهر النهاية أن الشرط كونه على وجه الماء وإن لم يكن طير ماء.

(2)

. عبَّرا بـ ((عقبه)).

(3)

. الهرير صوت دون النباح.

ص: 296

وَيُشْتَرَطُ تَرْكُ الْأَكْلِ فِي جَارِحَةِ الطَّيْرِ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُشْتَرَطُ تَكَرُّرُ هَذِهِ الْأُمُورِ بِحَيْثُ يُظَنُّ تَأَدُّبُ الجَارِحَة، وَلَوْ ظَهَرَ كَوْنُهُ مُعَلَّمًا ثُمَّ أَكَلَ مِنْ لَحْمِ صَيْدٍ لَمْ يَحِلَّ ذَلِكَ الصَّيْدُ فِي الْأَظْهَرِ. فَيُشْتَرَطُ تَعْلِيمٌ جَدِيدٌ، وَلَا أَثَرَ لِلَعْقِ الدَّمِ، وَمَعَضُّ الْكَلْبِ مِنَ الصَّيْدِ نَجِسٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنْهُ، وَأَنَّهُ يَكْفِي غَسْلُهُ بِمَاءٍ وَتُرَابٍ، وَلَا يَجِبُ أَنْ يُقَوَّرَ وَيُطْرَحَ.

لأن من شرائط التعليم في الابتداء أن لا يهُِر في وجه صاحبه. ولو أكل منه ولم يقتله أو قتله ثم انصرف وعاد إليه فأكل بعد طول الفصل فلا يضر (ويشترط ترك الأكل في جارحة الطير في الأظهر) كجارحة السباع، وكذا يشترط فيها بقية الشروط حتى انزجارها بزجر صاحبها ابتداء لا بعد العدو

(1)

؛ لاستحالته (ويشترط تكرر هذه الأمور) المعتبرة في التعليم (بحيث يُظَنُّ) في عادة أهل الخبرة بالجوارح (تأدب الجارحة) ولا يضبط بعدد (ولو ظهر كونه معلما) فأرسله صاحبه فلم يسترسل أو زجره فلم ينزجر، أو استرسل (ثم أكل من لحم صيد) أو حشوته أو جلده أو أذنه أو عظمه قبل قتله أو عقبه (لم يحل ذلك الصيد في الأظهر)؛ للنهي السابق، ولأن عدم الأكل شرط في التعليم ابتداء فكذا دواما. أما إذا أطعمه صاحبه منه، أو أكل منه بعد ما قتله وانصرف بأن طال الفصل عرفا فهو حلال. وخرج بـ ((ذلك الصيد)) ما اصطاده قبله مما لم يأكل منه فلا يحرم، ولا يؤثر في كونه معلما أكله مما استرسل عليه بنفسه. وإذا حرَّم ما ذكر الصيدَ (فيشترط تعليم جديد)؛ لفساد التعليم الأول من حين الأكل (ولا أثر لِلَعْق الدم) ; لأنه لا يسمى أكلا مع عدم قصده الدم للصائد (ومعض الكلب من الصيد نجس) نجاسة مغلظة كغيره مما أصابه بعض أجزاء الكلب مع رطوبة. (والأصح أنه لا يعفى عنه)؛ لندرته، (و) الأصح (أنه يكفي غسله بماء) سبعا (وتراب) في إحداهن كغيره، (ولا يجب أن يقور ويطرح) ; لأنه لم يرد، وتشرب اللحم بلعابه لا أثر له; لأنه لا نجاسة على الأجواف.

(1)

. وفاقا لظاهر النهاية وخلافا للمغني والمنهج.

ص: 297

وَلَوْ تَحَامَلَتِ الجَارِحَةُ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَتْهُ بِثِقَلِهَا حَلَّ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ سِكِّينٌ فَسَقَطَ وَانْجَرَحَ بِهِ صَيْدٌ أَوِ احْتَكَّتْ بِهِ شَاةٌ وَهُوَ فِي يَدِهِ فَانْقَطَعَ حُلْقُومُهَا وَمَرِيئُهَا أَوِ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ بِنَفْسِهِ فَقَتَلَ لَمْ يَحِلَّ، وَكَذَا لَوِ اسْتَرْسَلَ كَلْبٌ فَأَغْرَاهُ صَاحِبُهُ فَزَادَ عَدْوُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ أَصَابَهُ سَهْمٌ بِإِعَانَةِ رِيحٍ حَلَّ

[فرع] يحرم اقتناء

(1)

كلب

(2)

ضار وما لا نفع فيه مطلقا

، وكذا ما فيه نفع إلا إن أراد به الصيد حالا ليصطاد به إن تأهل له

(3)

، أو حفظ نحو زرع، أو دار بعد ملكهما لا قبله، ويجوز تربية جرو لذلك، وكذا اقتناء كبير لتعليمه إن شرع فيه حالا. ومتى حرم الاقتناء نقص من أجره كل يوم قيراطان كما صح به الخبر، وتتعدد القراريط بتعدد الكلاب (ولو تحاملت الجارحة على صيد فقتلته) أو أنهته لحركة مذبوح (بثقلها) أو بصدمتها أو بَعضِّها أو بقوة إمساكها (حل في الأظهر)؛ لإطلاق قوله تعالى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} المائدة:4. ولو مات بجرح مع الثقل حل قطعا، أو فزعا منها أو بشدة عدوها حرم قطعا (و) يشترط في الذبح قصد العين أو الجنس بالفعل فحينئذ (لو كان بيده سكين فسقط وانجرح به صيد) ومات (أو احتكت به شاة وهو في يده فانقطع حلقومها ومريئها) لم تحل؛ لفقد القصد (أو استرسل كلب) مثلا (بنفسه فقتل لم يحل) ; لأن الإرسال شرط كما في الحديث الصحيح، ولا يؤثر أكله هنا في فساد تعليمه، (وكذا لو استرسل كلب) مثلا بنفسه (فأغراه صاحبه) أو غيره (فزاد عدوه) لا يحل الصيد (في الأصح)؛ لاجتماع الإغراء المبيح والاسترسال المحرم فغُلِّب، فإن لم يزد عدوه حرم جزما. ولو زجره فانزجر

(4)

ثم أغراه فاسترسل حل جزما. ولو أرسله مسلم فزاد عدوه بإغراء نحو مجوسي حل (وإن أصابه) أي الصيد (سهم بإعانة ريح) طرأ هبوبها بعد الإرسال أو قبله وكان يقصر عنه لولا الريح (حلَّ)؛ لتعذر الاحتراز

(1)

. ومثل الكلب في حرمة الاقتناء الفواسق الخمس وإناء الذهب والفضة وآلة اللهو كما ذكره الشارح في كتاب الطهارة 1/ 121.

(2)

. أما الخنزير فيحرم اقتناؤه إلا لضرورة كان اضطر لحمل متاع عليه كما ذكر هـ الشارح في اللباس 3/ 32.

(3)

. عبارة الشارح في كتاب الوصية ((ويؤخذ من حل اقتناء قابل للتعليم حل الاقتناء لمن يريد تعلم الصيد وهو قابل لذلك)) 7/ 19.

(4)

. وإن لم ينزجر ومضى على وجهه حرم جزما عند النهاية، وعلى أرجح الوجهين عند المغني.

ص: 298

وَلَوْ أَرْسَلَ سَهْمًا لِاخْتِبَارِ قُوَّتِهِ أَوْ إلَى غَرَضٍ فَاعْتَرَضَ صَيْدٌ فَقَتَلَهُ حَرُمَ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ رَمَى صَيْدًا ظَنَّهُ حَجَرًا حَلَّ، أَوْ سِرْبَ ظِبَاءٍ فَأَصَابَ وَاحِدَةً حَلَّ، فَإِنْ قَصَدَ وَاحِدَةً فَأَصَابَ غَيْرَهَا حَلَّ فِي الْأَصَحِّ. فَلَوْ غَابَ عَنْهُ الْكَلْبُ وَالصَّيْدُ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا حَرُمَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ جَرَحَهُ وَغَابَ ثُمَّ وَجَدَهُ مَيْتًا حَرُمَ فِي الْأَظْهَرِ

عنها فلم يتغير بها حكم الإرسال، وكذا لو أصابه مع انقطاع وتره، أو صدمه بحائط مثلا; لأن أثر الرامي باق مع ذلك بخلاف ما لو وقع بالأرض ثم ازدلف

(1)

منها إليه وقتله فإنه يحرم

(2)

؛ لانقطاع حكمه بوقوعه عليها. وخرج بإعانتها تمحض الإصابة بها فلا يحل (ولو أرسل سهما) أو كلبا (لاختبار قوته أو إلى غرض) أو إلى ما لا يؤكل أو لا لغرض (فاعترض صيد) أو كان موجودا (فقتله حرم في الأصح) ; لأنه لم يقصد الصيد بوجه، وبه فارق ما في قوله (ولو رمى صيدا ظنه حجرا) مثلا، أو حيوانا لا يؤكل فأصاب ذلك الصيد لا غيره; لأنه قصد مُحرَّما (حل) ولا أثر لظنه كما لو قطع حلق شاة يظنها ثوبا أو حيوانا لا يؤكل. ولو رمى نحو خنزير أو حجر ظنه صيدا فأصاب صيدا حل; لأنه قصد مباحا (أو) رمى (سِرب) أي قطيع (ظباء) أو نحو قَطَا (فأصاب واحدة حل) ; لأنه في الأولتين أزهقه بفعله ولا اعتبار بالقصد، وفي الأخيرة قصده إجمالا (فإن قصد واحدة) من السرب (فأصاب غيرها) منه أو من سرب آخر (حل في الأصح) ; لأنه قصد الصيد في الجملة، وكذا لو أرسل كلبا على صيد فعدل لغيره ولو في غير جهة الإرسال كما في السهم، نعم إن ظهر للكلب صيد آخر بعد إرساله فاستدبر المرسل إليه وقصد آخر حرم؛ لمعاندته للصائد من كل وجه، ومن ثم لو كان عدوله لفوت الأول له لم يؤثر كما لو أمسك صيدا أرسل عليه ثم عَنَّ له آخر ولو بعد الإرسال فأمسكه; لأن المعتبر أن يرسله على صيد وقد وجد (فلو غاب عنه الكلب) مثلا (والصيد) قبل أن يجرحه الكلب (ثم وجده ميتا حرم) وإن كان الكلب ملطخا بدم (على الصحيح)؛ لاحتمال موته بسبب آخر والدم من جرح آخر مثلا والتحريم يحتاط له; لأنه الأصل هنا (وإن جرحه) الكلب أو أصابه بسهم فجرحه جرحا يمكن إحالة الموت عليه ولم ينهه لحركة مذبوح (وغاب) عنه (ثم وجده ميتا حرم في الأظهر)؛ لما ذكر، ومحل التحريم إن لم

(1)

. في القاموس أن معنى أزدلف دنا وتقرب وأزلفه أدناه إلى هلكة 20/ 19.

(2)

. خلافا للمغني والروض مع شرحه.

ص: 299

فصل

يُمْلَكُ الصَّيْدَ بِضَبْطِهِ بِيَدِهِ، وَبِجُرْحٍ مُذَفِّفٍ، وَبِإِزْمَانٍ وَكَسْرِ جَنَاحٍ، وَبِوُقُوعِهِ فِي شَبَكَةٍ نَصَبَهَا، وَبِالجَائِهِ إلَى مَضِيقٍ لَا يُفْلِتُ مِنْهُ

يعلم أو يظن ظنا قويا أن نحو سهمه قتله وحده وإلا حل. ولو وجده بماء أو فيه أثر آخر كصدمة أو جرح حرم جزما.

(فصل) فيما يملك به الصيد وما يتبعه

(يُملك) لغير نحو

(1)

محرم ومرتد، ولمرتد عاد للإسلام (الصيد) الذي يحل اصطياده، وليس عليه أثر ملك بإبطال منعته -ولو حكما- مع القصد، ويحصل ذلك (بضبطه) أي الإنسان ولو غير مكلف، نعم إن لم يكن له نوع تمييز وأمره غيره فهو لذلك الغير; لأنه آلة له محضة (بيده) كسائر المباحات وإن لم يقصد تملكه كأن أخذه لينظر إليه، فإن قصده لغيرهِ الآذِن له ملكه الغيرُ، (و) يملكه وإن لم يضع يده عليه (بجرح مذفف، وبإزمان، و) نحو (كسر جناح) وقَصِّه بحيث يعجز عن الطيران والعدو جميعا، أو بحيث يسهل لحوقه وأخذه، وبعطشه بعد الجرح لا لعدم الماء بل لعجزه عن وصوله، (وبوقوعه) وقوعا لا يقدر معه على الخلاص (في شبكة) ولو مغصوبة (نصبها) للصيد وإن غاب; لأنه يعد بذلك مستوليا عليه بخلاف ما لو لم ينصبها، أو نصبها لا له. أما إذا قدر معه على ذلك فلا يملكه ما دام قادرا فمن أخذه ملكه، وبإرسال جارح عليه سَبُعَاً كان أو كلبا ولو غير معلم فأمسكه وزال امتناعه بأن لم ينفلت منه فيملكه إن كان له عليه يدا ولو يد غصب. ولو زجر نحو الكلب المسترسل بإرسال صاحبه فضولي فوقف ثم أغراه كان ما صاده للفضولي بخلاف ما لو زاد عدوه بإغرائه من غير وقوف، (وبإلجائه إلى مضيق لا يُفلِت منه) كبيت أو برج أغلق بابه عليه ولو مغصوبا; لأنه صار مقدورا عليه، وأفهم قوله ((مضيق)) أنه لا بد من أن يمكنه أخذه منه من غير كلفة، وبتعشيشه في بنائه الذي قصده له كدار أو برج فيملك بيضه وفرخه، وكذا هو على المعتمد، فإن لم يقصده له لم يملك واحدا من الثلاثة لكنه يصير أحق به، أما ما عليه أثر ملك كوَسْم وقص جناح وخضب وقرط فهو لقطة، وكذا دُرَّة وجدها بسمكة اصطادها وهي مثقوبة

(1)

. أسقطوا لفظ نحو.

ص: 300

وَلَوْ وَقَعَ صَيْدٌ فِي مِلْكِهِ وَصَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ بِتَوَحُّلٍ وَغَيْرِهِ لَمْ يَمْلِكْهُ فِي الْأَصَحِّ، وَمَتَى مَلَكَهُ لَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ بِانْفِلَاتِهِ، وَكَذَا لَا يَزُولُ بِإِرْسَالِ المَالِكِ لَهُ فِي الْأَصَحِّ

وإلا فللصائد لكن إن اصطادها من بحر الجواهر

(1)

. وإذا حكم بأنها له لم تنتقل عنه

(2)

ببيع السمكة جاهلا بها كبيع دار أحياها وبها كنز جهله فإنه له. ولو دخل سمك حوضه -ولو مغصوبا- فسده بسد منفذه ومنعه من الخروج منه ملكه إن صغر بحيث يمكن تناول ما فيه باليد وإلا صار أحق به فيحرم على غيره صيده لكنه يملكه. (ولو وقع صيد في ملكه) اتفاقا، أو بما يحل له الانتفاع به ولو بعارية كسفينة كبيرة (وصار مقدورا عليه بتوحل

(3)

وغيره) صار أحق به فيحرم على غيره أخذه لكنه يملكه، وإنما (لم يملكه) من وقع في نحو ملكه (في الأصح) ; لأن مثل هذا لا يقصد به الاصطياد، نعم إن قصد بسقي الأرض ولو مغصوبة توحل الصيد بها فتوحل وصار لا يقدِر على الخلاص منها ملكه، ومحله إن كانت مما يقصد بها ذلك عادة وعلم مما قررته أن الغصب ينافي التحجر

(4)

لا الملك، وأن السفينة إن أعدت للاصطياد بها وأزال الوقوع فيها امتناع الصيد وصغرت بحيث يسهل أخذه منها ملكه من هي بيده ولو غاصبا بمجرد وقوعه فيها (ومتى ملكه لم يزل ملكه بانفلاته) ومن أخذه لزمه رده له وإن توحش، نعم إن قطع الشبكة هو لا غيره وانفلت منها صار مباحا، وملكه من أخذه، وكذا لو أفلته الكلب ولو بعد إدراك صاحبه، ولا أثر لتقطعها بنفسها. فلو ذهب بها وبقي على امتناعه بأن يعدو ويمتنع بها فهو على إباحته وإلا فلصاحبها. ولو سعى خلف صيد فوقف إعياءً لم يملكه حتى يأخذه (وكذا لا يزول) ملكه (بإرسال المالك) المطلق التصرف (له في الأصح) كما لو سيب بهيمته بل لا يجوز ذلك; لأنه يشبه سوائب الجاهلية، نعم إن قال عند إرساله أبحته لمن يأخذه أبيح لآخذه أكله فقط إن علم بقول المالك ذلك. وله إطعام غيره إن علم رضاه

(5)

، أو قال أعتقته لم يبح ذلك. أما غير مطلق التصرف كمكاتب لم يأذن له سيده فلا يزول بإرساله قطعا. ومر أن من أحرم وبملكه صيد زال ملكه عنه فيلزمه إرساله، يستثنى

(1)

. أما إن اصطادها من بحر لا توجد به جواهر فهي لقطة.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية والشهاب.

(3)

. وحِل: وقع في الوحل، لسان العرب.

(4)

. خلافا للمغني.

(5)

. وأطلق النهاية الحرمة وشيخ الإسلام والمغني الحل.

ص: 301

وَلَوْ تَحَوَّلَ حَمَامُهُ إلَى بُرْجِ غَيْرِهِ لَزِمَهُ رَدُّهُ،

من عدم الجواز ما إذا خشي على ولد له لم يُصَد، أو على أمِّ ولدٍ صاده دونها. ومن معه طير أو غيره ولم يجد ما يذبحه به ولا ما يطعمه إياه يلزمه إرساله أيضا، ويحل إرسال معتاد العَود. ويجب -على احتمال- إرسال ما نُهي عن قتله كالخطاف والهدهد -إلا إن حبسه لنحو صوته أو لونه كما يأتي-; لأنه لَمَّا حرم التعرض له بالاصطياد حرم حبسه كصيد الحرم. ويحرم حبس شيء من الفواسق الخمس على وجه الاقتناء. ويحل حبس ما ينتفع بصوته أو لونه.

[فرع] يزول ملكه بالإعراض عن نحو كسرة خبز من رشيد وعن سنابل الحصادين وبرادة الحدادين ونحو ذلك مما يُعرض عنه عادة، فيملكه آخذه وينفذ تصرفه فيه؛ أخذا بظاهر أحوال السلف، ومحله

(1)

إن لم تتعلق به الزكاة; لأنها تتعلق بجميع السنابل والمالك مأمور بجمعها وإخراج نصيب المستحقين منها; إذ لا يحل له التصرف قبل إخراجها كالشريك في المشترك بغير إذن شريكه فلا يصح إعراضه، ولعل الجواز محمول على ما لا زكاة فيه، أو على ما إذا زادت أجرة جمعها على ما يؤخذ منها، أو على ما قد علم أنه زكي، ومحل الجواز أيضا ما لم تدل قرينة من المالك على عدم رضاه كأن وكلّ من يلقطه له. والأوجه حل التقاط سنابل محجور كحل دخول سكة أحد ملاكها محجور. ويحرم أخذ ثمر متساقط إن حُوِّط عليه وسقط داخل الجدار، وكذا إن لم يُحوط عليه، أو سقط خارجه لكن لم تعتد المسامحة بأخذه. ومن أخذ جلد ميتة أُعْرِض عنه فدبغه ملكه؛ لزوال ما فيه من الاختصاص الضعيف بالإعراض (ولو تحول حمامُه) من برجه إلى صحراء واختلط بمباح محصور حرم الاصطياد منه

(2)

، أو بمباح دخل برجه ولم يملكه لكبر البرج صار أحق به. ولو شك في إباحته فالورع تركه، أو (إلى برج غيره) الذي له فيه حمام فوضع يده عليه بأن أخذه (لزمه رده) إن تميَّز؛ لبقاء ملكه. أما إذا لم يأخذه فهو أمانة شرعية يلزمه الإعلام بها فورا والتخلية بينها وبين مالكها، فإن حصل بينهما فرخ، أو بيض فهو لمالك الأنثى.

(1)

. معتمد، بل قال الشارح في الزكاة إنه متعين، وخالفاه في ذلك فاعتمدا عدم الفرق.

(2)

. وقد مر في النكاح أن ما عسر عدّه بمجرد النظر غير محصور، وما سهل كالمائة محصور، وبينهما أوساط تلحق بأحدهما بالظن وما يشك فيه فحرام.

ص: 302

فَإِنِ اخْتَلَطَ وَعَسُرَ التَّمْيِيزُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُ أَحَدِهِمَا وَهِبَتُهُ شَيْئًا مِنْهُ لِثَالِثٍ، وَيَجُوزُ لِصَاحِبِهِ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ بَاعَاهُمَا وَالْعَدَدُ مَعْلُومٌ لَهًمَا وَالْقِيمَةُ سَوَاءٌ صَحَّ، وَإِلَّا فَلَا

(فإن اختلط) حمام أحد البرجين بالآخر أو حمام كل منهما بالآخر (وعسر التمييز لم يصح بيع أحدهما وهبته) ونحوهما من سائر التمليكات (شيئا منه) أو كلَّه (لثالث)؛ لعدم تحقق ملكه لذلك الشيء بخصوصه، (ويجوز) لأحدهما أن يملك ما له (لصاحبه في الأصح) وإن جهل كلٌّ عينَ ملكه؛ للضرورة، (فإن باعاهما) أي باع المالكان الحمامين المختلطين لثالث وكلٌّ لا يدري عين ماله (والعدد معلوم لهما) كمائة ومائتين (والقيمة سواء صح) البيع ووُزِّع الثمن على أعدادهما، وتحتمل الجهالة في المبيع؛ للضرورة، وكذا يصح لو باعا له بعضه المعين بالجزئية (وإلا) بأن جهلا أو أحدهما العدد أو تفاوتت القيمة (فلا) يصح; لأن كلا يجهل ما يستحقه من الثمن، نعم إن قال كلٌّ بعتك الحمام الذي لي

(1)

في هذا بكذا صح؛ لعلم الثمن وتحتمل جهالة المبيع؛ للضرورة. ولو وكل أحدهما صاحبه فباع للثالث كذلك فإن بيَّن

(2)

ثمن نفسه وثمن موكله صح أيضا؛ لما ذكر.

[فرع] لو اختلط مثلي حرام كدرهم أو دهن أو حَبٍّ بمثله لشخص جاز له أن يعزل قدر الحرام بنية القسمة ويتصرف في الباقي

، ويُسَلَّم الذي عزله لصاحبه إن وجد وإلا فلناظر بيت المال، واستقل بالقسمة على خلاف المقرر في الشريك؛ للضرورة; إذ الفرض الجهل بالمالك، وله أن يصرف قدر الحرام إلى ما يجب صرفه فيه ويتصرف في الباقي بما أراد، ومن هذا اختلاط أو خلط نحو دراهم لجماعة ولم تتميز فطريقه أن يقسم الجميع بينهم على قدر حقوقهم.

(1)

. وقوله ((لي)) لابد منه خلافا لهما.

(2)

. خلافا لقضية كلام المغني والروض أنه لا يشترط البيان بل يقتسمانه.

ص: 303

وَلَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ اثْنَانِ مُتَعَاقِبَانِ فَإِنْ ذَفَّفَ الثَّانِي أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الْأَوَّلِ فَهُوَ لِلثَّانِي، وَإِنْ ذَفَّفَ الْأَوَّلُ فَلَهُ، وَإِنْ أَزْمَنَ فَلَهُ، ثُمَّ إنْ ذَفَّفَ الثَّانِي بِقَطْعِ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ فَهُوَ حَلَالٌ، وَعَلَيْهِ لِلْأَوَّلِ مَا نَقَصَ بِالذَّبْحِ، وَإِنْ ذَفَّفَ لَا بِقَطْعِهِمَا أَوْ لَمْ يُذَفِّفْ وَمَاتَ بِالجُرْحَيْنِ فَحَرَامٌ، وَيَضْمَنُهُ الثَّانِي لِلْأَوَّلِ،

(ولو جَرَح الصيد اثنان متعاقبان فإن) أزمناه بمجموع جرحيهما

(1)

فهو للثاني، ولا ضمان على الأول؛ لما يأتي، فإن جرحه الأول ثانيا أيضا ولم يذفف وتمكن الثاني من ذبحه ولم يذبحه ضمن الأول ربع قيمته؛ توزيعا للنصف على جرحيه المهدر أحدهما، أو ذفف فإن أصاب المذبح حل وعليه ما نقص من قيمته بالذبح وإلا حرم وعليه قيمته مجروحا بالجرحين الأولين، وكذا إن لم يذفف ولم يتمكن الثاني من ذبحه فعلى الأول قيمة الصيد مجروحاً بالجرحين الأولين، وإن (ذفف الثاني أو أزمن دون الأول) أي لم يوجد منه تذفيف ولا إزمان (فهو للثاني) ; لأنه المؤثر في امتناعه ولا شيء على الأول; لأنه جرحه وهو مباح (وإن ذفف الأول فـ) هو (له)؛ لذلك لكن على الثاني أرش ما نقص بجرحه من لحمه وجلده; لأنه جنى على ملك الغير، (وإن أزمن) الأول (فـ) هو (له)؛ لذلك، (ثم إن ذفف الثاني بقطع حلقوم ومريء فهو حلال، وعليه للأول ما نقص بالذبح) وهو ما بين قيمته زَمِنَاً ومذبوحا كذبحه شاة غيره متعديا، وإنما يظهر التفاوت في مستقر الحياة (وإن ذفف لا بقطعهما) أي الحلقوم والمريء فحرام; لأنه مقدور عليه وهو لا يحل إلا بذبحه (أو لم يذفف ومات بالجرحين فحرام)؛ لاجتماع المبيح والمُحَرَّم (ويضمنه الثاني للأول) ; لأنه أفسد ملكه، أي يضمن له في التذفيف قيمته مزمنا، والأوجه في الجرحين غير المذففين إن لم يتمكن الأول من ذبحه أنه إذا ساوى سليما عشرة، ومزمنا تسعة، ومذبوحا ثمانية أنه يلزمه ثمانية ونصف؛ لحصول الزهوق بفعليهما فيوزع الدرهم الفائت بهما عليهما. أما إذا تمكن من ذبحه فتركه فله قدر ما فوته الثاني لا جميع قيمته مزمنا; لأنه بتفريطه جعل فعل نفسه إفسادا ففي هذا المثال تجمع قيمتاه سليما وزمنا وتبلغ تسعة عشر فيقسم عليهما ما فوتاه وهو عشرة فحصة الأول لو ضمن عشرة أجزاء من تسعة عشر جزأ من عشرة وحصة الثاني تسعة أجزاء من ذلك فهي اللازمة له.

(1)

. بأن لا يكون واحد منهما على حاله مزمناً.

ص: 304

وَإِنْ جَرَحَا مَعًا وَذَفَّفَا أَوْ أَزْمَنَا فَلَهُمَا، وَإِنْ ذَفَّفَ أَحَدُهُمَا أَوْ أَزْمَنَ دُونَ الْآخَرِ فَلَهُ، وَإِنْ ذَفَّفَ وَاحِدٌ وَأَزْمَنَ الآخَرُ وَجُهِلَ السَّابِقُ حَرُمَ عَلَى المَذْهَبِ

(وإن جرحا) هـ (معا، وذففا) هـ بجرحهما (أو أزمنا) هـ به، أو ذففه أحدهما وأزمنه الآخر، أو احتمل كون الإزمان بهما أو بأحدهما (فـ) هو (لهما) وإن تفاوت جرحاهما، أو كان أحدهما في المذبح؛ لاشتراكهما في سبب الملك لكن ظاهرا في صورة الاحتمال، ومن ثم نُدب لكلِّ أن يستحل الآخر. ولو علم تذفيف أحدهما وشك في تأثير جرح الآخر سلم النصف للأول ووقف النصف الآخر، فإن بان الحال أو اصطلحا فواضح وإلا قسم بينهما نصفين، ويسن حينئذ لكل أن يستحل الآخر فيما خصه بالقسمة (وإن ذفف أحدهما أو أزمن دون الآخر) وقد جرحاه معا (فـ) هو (له)؛ لانفراده بسبب الملك ولا ضمان على الآخر; لأنه جَرَح مباحاً ويحل المذفف ولو بغير المذبح، (وإن ذفف واحد) لا بذبح شرعي (وأزمن الآخر) فيما إذا ترتبا (وجهل السابق) منهما (حرم على المذهب)؛ تغليبا للمحرم; لأنه الأصل كما مر فإنه يحتمل سبق التذفيف فيحل وتأخره فلا إلا بالذبح، ومن ثم لو ذبحه المُذَفِّف حل قطعا، والاعتبار في الترتيب والمعية بالإصابة دون ابتداء الرمي.

ص: 305

‌كتاب الأضحية

هِيَ سُنَّةٌ لَا تَجِبُ إلَّا بِالْتِزَامٍ. وَيُسَنُّ لِمُرِيدِهَا أَنْ لَا يُزِيلَ شَعْرَهُ وَلَا ظُفْرَهُ فِي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ حَتَّى يُضَحِّيَ

(كتاب الأَُضحية)

(هي) ما يذبح من النعم تقربا إلى الله تعالى في الزمن الآتي. والأصل في مشروعيتها الكتاب والسنة وإجماع الأمة (سنة) -في حقنا لحر أو مبعض مسلم مكلف رشيد، نعم للولي الأب أو الجد لا غير التضحية عن موليه من مال نفسه كما يأتي، قادرٍ بأن فضل عن حاجة ممونه ما مر في صدقة التطوع

(1)

ولو مسافرا وبدويا وحاجا بمنى وإن أهدى- مؤكدة؛ لخبر الترمذي ((أمرت بالنحر وهو سنة لكم))، ثم إن تعدد أهل البيت كانت سنة كفاية فتجزئ من واحد رشيد منهم

(2)

؛ لما صح عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه ((كُنَّا نضحي بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته)) وإلا فسنة عين. ويكره تركها للخلاف في وجوبها، ومن ثم كانت أفضل من صدقة التطوع (لا تجب إلا بالتزام) كسائر المندوبات، وأراد مطلق الالتزام، ولا يرد عليه ما لو قال ((التزمت الأضحية)) أو ((هي لازمة لي)) فلا وجوب حينئذٍ إلا بالنية؛ لأنهما كنايتا نذر، ولا قوله ((إن اشتريت هذه الشاة فلله عليّ أن أجعلها أضحية))؛ لأنها لا تصير أضحية بالشراء بل بالجعل بعده فيلزمه إن قَصَدَ

(3)

الشكر على حصول نعمة الملك وإلا كان نذر لَجاج، ويصح أن يريد خصوص النذر، ولا يرد عليه حينئذٍ ((جعلت هذه أضحية)) و ((هذه أضحية)) مع أنهما ليسا بنذر؛ للعلم بهما مما يأتي. (ويسن لمريدها) غير المحرم ولا يقوم نذره بلا إرادة لها مقام إرادته لها؛ لأنه قد يخل بالواجب (ألا يزيل شعره) ولو بنحو عانته وإبطه (ولا ظفره) ولا غيرهما من سائر أجزاء البدن حتى الدم (في عشر ذي الحجة حتى يضحي)؛ للأمر بالإمساك

(1)

. ظاهره أنه يكفي أن تكون فاضلة عما يحتاجه في يومه وليلته وكسوة فصله، وقال المغني ينبغي أن تكون فاضلة عن يوم العيد وأيام التشريق ونقل العناني عن الرملي مثله.

(2)

. خلافا لما نقله علي الشبراملسي عن الرملي من ظاهر كلامه أن شرط المضحي عنهم أن يكون هو الذي تلزمه النفقة حتى لو ضحى بعض عياله لم يقع عن غير ذلك البعض.

(3)

. محله عند المغني والروض وشرحه في ما لو قال اشتريت شاة

الخ بالتنكير، لا بالتعريف.

ص: 309

وَأَنْ يَذْبَحَهَا بِنَفْسِهِ، وَإِلَّا فَيَشْهَدَهَا. وَلَا تَصِحُّ إلَّا مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ. وَشَرْطُ إبِلٍ أَنْ يَطْعُنَ فِي السَّنَةِ السَّادِسَةِ، وَبَقَرٍ وَمَعْزٍ فِي الثَّالِثَةِ، وَضَأْنٍ فِي الثَّانِيَةِ. وَيَجُوزُ ذَكَرٌ وَأُنْثَى وَخَصِيٌّ

عن ذلك في خبر مسلم، فإن فعل كره ما لم يحتج إليه وإلا فقد يجب كقطع يد سارق وختان بالغ، وقد يستحب كختان صبي لا لنحو تنظيف لمريد إحرام أو حضور جمعة، وقد يباح كقلع سن وجعةٍ وسلعةٍ.

[تنبيه] لا اعتراض على التمثيل بختان الصبي

(1)

؛ لتصور الأضحية من نحو مال الولي أو بأن يشركه بالغ معه؛ لأنها تحرم من ماله. ويضم على الأوجه لعشر ذي الحجة ما بعده من أيام التشريق إلى أن يضحي، بل ولو فاتت أيام التشريق إن شرع القضاء بأن أخر الناذر التضحية بمعينٍ فإنه يلزمه ذبحها قضاء. ولو تعددت أضحيته انتفت الكراهة بالأول كما لو نواها متعددة (وأن يذبحها بنفسه) إن أحسن؛ للاتباع، نعم الأفضل للخنثى وللأنثى أن يوكلا (وإلا) يرد الذبح بنفسه (فيشهدها) ندبا؛ لما في الخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ((أمر فاطمة رضي الله عنها بذلك، وأن تقول {إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ} الأنعام: 162 - 163 وأنا من المسلمين)). ويسن لغير الإمام أن يضحي في بيته بمشهد أهله، وله إذا ضحى عن المسلمين أن يذبح بنفسه في المصلى عقب الصلاة ويخليها للناس؛ للاتباع (ولا تصح) التضحية (إلا من إبل وبقر) أهلية عراب أو جواميس دون بقر وحش (وغنم)؛ للاتباع وكالزكاة فلا يكفي متولد بين واحد من هذه وغيرها بخلاف متولد بين نوعين منها، ويعتبر سِنُّه بأعلاهما سنا كسنتين في متولد بين ضأن ومعز أو بقر، ويظهر أنه لا يجزئ إلا عن واحد؛ لأنه المتيقن (وشرط إبل أن يطعُن في السنة السادسة) ويعبر عنه بتمام الخامسة؛ إذ من لازمه الطعن فيما يليها (و) شرط (بقر ومعز) أن يطعن (في) السنة (الثالثة) ويعبر عنه بتمام الثانية؛ لذلك، وكلٌّ من هذه الثلاثة تسمى ثنية ومسنة (و) شرط (ضأن) أن يطعُن (في) السنة (الثانية) ويعبر عنه بتمام السنة لذلك أيضا. هذا إن لم يجذع قبلها وإلا كفى، وفي خبر مسلم ما حاصله أن جذعة الضأن لا تذبح إلا إن عجز مسنة (ويجوز ذكر وأنثى) إجماعا لكن الذكر ولو بلون مفضول أفضل; لأن لحمه أطيب إلا إذا كثر نزوانه فأنثى لم تلد أفضل منه، ويجزئ خنثى؛ إذ لا يخلو عنهما، والذكر أفضل منه؛ لاحتمال أنوثته وهو أفضل من الأنثى؛ لاحتمال ذكورته (وخصيٌّ)؛ للاتباع ولأن لحمه أطيب والخصيتان

(1)

. خلافا للمغني.

ص: 310

وَالْبَعِيرُ وَالْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ. وَالشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ. وَأَفْضَلُهَا بَعِيرٌ ثُمَّ بَقَرَةٌ ثُمَّ ضَأْنٌ ثُمَّ مَعْزٌ، وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَعِيرٍ، وَشَاةٌ أَفْضَلُ مِنْ مُشَارَكَةٍ فِي بَعِيرٍ

غير مقصودتين بالأكل عادة بل حَرَّم غير واحد أكلهما بخلاف الأذن (و) يجزئ (البعير والبقرة) الذكر والأنثى منهما، أي كل منهما (عن سبعة) من البيوت هنا ومن الدماء وإن اختلفت أسبابها كتحلل المحصر؛ لخبر مسلم به، ويستوي في ذلك لو أراد السبعة التضحية أو أرادها بعضهم وأراد الآخرون مجرد اللحم، ويجوز لهم قسمة اللحم؛ بناء على أنها قسمة إفراز

(1)

، وليس لهم ذلك بناء على إنها بيع؛ لما مر أن بيع اللحم بمثله لا يجوز. ولا تجزئ في الصيد البدنة عن سبعة ظباء; لأن القصد المماثلة. وخرج بسبعة ما لو ذبحها ثمانية ظنوا أنهم سبعة فلا تجزئ عن أحد منهم (و) تجزئ (الشاة) الضائنة والماعزة (عن واحد) فقط اتفاقا لا عن أكثر بل لو ذبحا عنهما شاتين مشاعتين بينهما لم يجز; لأن كلا لم يَذبح شاةً كاملة وخبر ((اللهم هذا عن محمد وأمة محمد)) محمول على التشريك في الثواب أي لمن مات منهم

(2)

. (وأفضلها) عند الانفراد (بعير)؛ لأنه أكثر لحما من البقرة (ثم بقرة)؛ لأنها أكثرها لحما مما بعدها (ثم ضأن) ; لأن لحمه أطيب (ثم معز) وبعد المعز المشاركة كما يأتي (وسبع شياه) لا أقل (أفضل من بعير) ومن بقرة وإن كان كل من هذين أكثر لحما من السبع; لأن لحمهن أطيب مع تعدد إراقة الدم (وشاة أفضل من مشاركة في بعير) -وإن كان الشرك أكثر البعير

(3)

- وذلك؛ للانفراد بإراقة الدم مع طيب اللحم. والأكمل من كل منها الأسمنُ فسمينة أفضل من هزيلتين

(4)

وإن كانتا بلون أفضلٍ أو ذكرين، وكثرة لحم غير رديء ولا خشن أفضل من كثرة الشحم، وأفضلها البيضاء؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((ضحى بكبشين أملحين)) -والأملح الأبيض- فالصفراء فالعفراء وهي ما لم يصفُ بياضها فالحمراء فالبلقاء

(5)

فالسوداء.

(1)

. تردد الشارح هنا في الجواز وعدمه، ويفهم من كلامه في القسمة الامتناع 10/ 207.

(2)

. خلافا لقضية إطلاقهما.

(3)

. خلافا للمغني.

(4)

. قال الشافعي رضي الله عنه: ((استكثار قيمة الأضحية أحب إليَّ من استكثار عددها))، نقله الشارح عنه عند كلامه على صلاة النفل 2/ 233.

(5)

. البلق سواد وبياض، تاج العروس.

ص: 311

وَشَرْطُهَا سَلَامَةٌ مِنْ عَيْبٍ يَنْقُصُ لَحْمًا فَلَا تُجْزِي عَجْفَاءُ، وَمَجْنُونَةٌ، وَمَقْطُوعَةُ بَعْضِ أُذُنٍ،

(وشرطها) أي الأضحية لتجزئ حيث لم يلتزمها ناقصة (سلامة) وقت الذبح حيث لم يتقدمه إيجاب وإلا فوقت خروجها عن ملكه (من عيب يَنْقُصُ لحما) حالا كقطع فلقة كبيرة من نحو فخذ، أو مآلا كعرج بيِّن؛ لأنه ينقص رعيها فتنهزل والقصد هنا اللحم فاعتبر ضبطها بما لا يُنْقِصْهُ كما اعتبرت في عيب المبيع بما لا ينقص المالية؛ لأنها المقصودة ثَم، ويلحق باللحم ما في معناه من كل مأكول فلا يجزئ مقطوع بعض ألية أو أذن كما يأتي. أما لو التزمها ناقصة كأن نذر الأضحية بمعيبة أو صغيرة أو قال جعلتها أضحية فإنه يلزمه ذبحها ولا تجزئ أضحية وإن اختص ذبحها بوقت الأضحية وجرت مجراها في الصرف. وأفهم قولنا ((وإلا الخ)) أنه لو نذر التضحية بهذا وهو سليم ثم حدث به عيب ضحى به وثبتت له أحكام التضحية، وأفهم المتن عدم إجزاء التضحية بالحامل وهو كذلك بخلاف قريبة العهد بالولادة

(1)

، ويفرق بينها وبين الحامل بأن الحمل يفسد الجوف ويُصيِّر اللحم رديئا، وبالولادة زال هذا المحذور (فلا تجزئ عجفاء) وهي التي ذهب مخها من الهزال بحيث لا يرغب في لحمها غالب طالبي اللحم في الرخاء؛ للخبر الصحيح ((أربع لا تجزئ في الأضاحي العوراء البيِّن عورها، والمريضة البيِّن مرضها، والعرجاء البيِّن عرجها، والكسيرة))، وفي رواية ((العجفاء التي لا تُنقى)) أي لا مخ لها (ومجنونة) -أي تولاء؛ إذ حقيقة الجنون ذهاب العقل- وذلك؛ للنهي عنها ولأنها تترك الرعي أي الإكثار منه فتهزل، فلا تجزئ ولو سمينة؛ لأنها مع ذلك تسمى معيبة (ومقطوعة بعض) ضرع أو ألية أو ذنب أو بعض (أذن) أبين وإن قل حتى لو لم يلح للناظر من بُعْد؛ لذهاب جزء مأكول ولما في خبر الترمذي ((أنه صلى الله عليه وسلم أمر باستشراف العين والأذن)) أي بتأملهما؛ لئلا يكون فيهما نقص وعيب، و ((نهى عن المقابلة)) أي مقطوع مقدم أذنها، ((والمدابرة)) أي مقطوعة جانبها، ((والشرقاء)) أي مثقوبتها، ((والخرقاء)) أي مشقوقتها. وأفهم المتن عدم إجزاء مقطوعة كل الأذن وكذا فاقدتها بخلاف فاقدة الألية; لأن المعز لا ألية له، والضرع; لأن الذكر لا ضرع له والأذن عضو لازم غالبا، وألحقا الذنب بالألية.

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 312

وَذَاتُ عَرَجٍ وَعَوَرٍ وَمَرَضٍ وَجَرَبٍ بَيِّنٍ، وَلَا يَضُرُّ يَسِيرُهَا وَلَا فَقْدُ قَرْنٍ، وَكَذَا شَقُّ أُذُنٍ وَخَرْقُهَا وَثَقْبُهَا فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ المَنْصُوصُ يَضُرُّ يَسِيرُ الجَرَبِ وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَدْخُلُ وَقْتُهَا إذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ كَرُمْحٍ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ مُضِيُّ قَدْرُ رَكْعَتَيْنِ وَخُطْبَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ

[تنبيه] لا يضر قطع فلقة يسيرة من نحو عضو كبير إن قلّت جدا

وبه يُقيد ما مر في الأذن، ويعلم جواز قطع طرف الألية لتكبر بالشرط السابق

(1)

(وذات عرج) بيِّن بأن يوجب تخلفها عن الماشية في المرعى الطيب، وإذا ضر ولو عند اضطرابها عند الذبح فكسر العضو وفقده أولى (و) ذات (عور) بيِّن بأن يذهب ضوء إحدى عينيها ولو ببياض عمه أو أكثره، نعم لا يضر ضعف البصر ولا عدمه ليلا (و) ذات (مرض) بيِّن وهو ما يظهر بسببه الهزال (و) ذات (جرب بَيِّنٍ)؛ للخبر السابق فيهن، وسواء أنقصت بهذه العيوب أم لا (ولا يضر يسيرها) أي الأربع؛ لأنه لا يؤثر كفقد قطعة يسيرة من عضو كبير كفخذ (ولا فقد قرن) وكسره؛ إذ لا يتعلق به كبير غرض وإن كانت القرناء أفضل؛ للخبر فيه، نعم إن أثَّر انكساره في اللحم ضر. ولا تجزئ

(2)

فاقدة جميع الأسنان بخلاف فقد معظمها فإنه لا يضر إن لم يؤثر في الاعتلاف ونقص اللحم، (وكذا شق أذن وخرقها وثقبها) تأكيد؛ لترادفهما (في الأصح) إن لم يذهب منها شيء؛ لبقاء لحمها بحاله بخلاف ما إذا ذهب بذلك شيء (قلت: الصحيح المنصوص يضر يسير الجرب والله أعلم)؛ لأنه يفسد اللحم والودك وألحق به البثور والقروح، وشلل الأذن كجربها (ويدخل وقتها) أي التضحية (إذا ارتفعت الشمس كرمح يوم النحر) وهو عاشر الحجة (ثم مضي قدر ركعتين وخطبتين خفيفتين) راجع لكل من الركعتين والخطبتين. وضابط ما في المتن أن يشتمل على أقل مجزئ من ذلك فإن ذبح قبل ذلك لم يجزِ وكان تطوعا كما في الخبر المتفق عليه أو بعده أجزأ وإن لم يذبح الإمام.

[تنبيه] لو وقفوا العاشر غلطا حسبت أيام التشريق على الحقيقة لا على حسب وقوفهم

(3)

فيذبحون بعد مضي أيام التشريق

.

(1)

. للزركشي هنا بحث رده الشارح واعتمده المغني.

(2)

. ونقل علي الشبراملسي عن الجمال الرملي الإجزاء إذا كان الفقد خلقيا.

(3)

. خلافا للمغني من حسابها على الحقيقة.

ص: 313

وَيَبْقَى حَتَّى تَغْرُبَ آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ. قُلْتُ: ارْتِفَاعُ الشَّمْسِ فَضِيلَةٌ، وَالشَّرْطُ طُلُوعُهَا ثُمَّ مُضِيُّ قَدْرِ الرَّكْعَتَيْنِ وَالخُطْبَتَيْنِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ نَذَرَ مُعَيَّنَةً فَقَالَ للهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ لَزِمَهُ ذَبْحُهَا فِي هَذَا الْوَقْتِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ....

(ويبقى) وقت التضحية -وإن كره الذبح ليلا إلا لحاجة أو مصلحة- (حتى تغرب) الشمس (آخر) أيام (التشريق)؛ للخبر الصحيح ((عرفة كلها موقف وأيام منى كلها منحر)) وفي رواية ((في كل أيام التشريق ذبح)) وهي ثلاثة أيام بعد يوم النحر (قلت: ارتفاع الشمس فضيلة

(1)

والشرط طلوعها ثم) عقبه (مضي قدر) أقل مجزئ من (الركعتين والخطبتين، والله أعلم)؛ بناء على أن وقت العيد يدخل بالطلوع وهو الأصح كما مر (ومن نذر) واحدة من النعم مملوكة له (معينة) وإن لم تجز أضحية كمعيبة وفصيل لا كظبية، وألحقت بالأضحية في تعين زمنها لا بالصدقة المنذورة

(2)

; لأن شبهها بالأضحية أقوى (فقال لله عليَّ) أو عليَّ وإن لم يقل لله (أن أضحي بهذه) أو جعلتها أضحية أو هذه أو هي أضحية أو هدي زال ملكه عنها بمجرد التعيين كما لو نذر التصدق بمال بعينه، و (لزمه ذبحها

(3)

وإن كانت مجزئة فحدث فيها ما يمنع الإجزاء كما مر (في هذا الوقت) السابق أداء وهو أول وقت يلقاه بعد النذر؛ لأنه التزمها أضحية فتعين لذبحها وقت الأضحية. وخرج بقوله ((قال)) نية ذلك فهي لغو كنية النذر. وأفهم أنه مع ذلك القول لا يحتاج لنية بل لا عبرة بنية خلافه؛ لأنه صريح. وأفهم قولنا أداء أنه متى فات ذلك الوقت لزمه ذبحها بعده قضاء وهو كذلك فيصرفه مصرفها، (فإن تلفت) الأضحية المنذورة المعينة أو ضلت أو سرقت أو تعيبت بعيب يمنع الإجزاء (قبله) أي وقت الأضحية بغير تفريط أو فيه قبل تمكنه من ذبحها وبغير تفريط أيضا (فلا شيء عليه) فلا يلزمه بدلها؛ لزوال ملكه عنها بالالتزام فهي كوديعة عنده. ولو ضلت بلا تقصير لم يلزمه طلبها إلا إن لم يكن له مؤنة لها كبير وقع عرفا. وتأخيره الذبح بعد دخول وقته بلا عذر فتلفت تقصيرٌ

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. يفيد أنه لا يتعين فيها الزمن وفي شرح البهجة أنها كالزكاة.

(3)

. ولو نذر التضحية بهذه الشاة على أن لا يفرق لحمها لغا النذر من أصله ذكره الشارح في كتاب النذر 10/ 87.

ص: 314

فَإِنْ أَتْلَفَهَا لَزِمَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِقِيمَتِهَا مِثْلَهَا وَيَذْبَحَهَا فِيهِ

فيضمنها أو فضَلَّت غير تقصير

(1)

، ويفرق بين الظلال والتلف بأن الضلال أخف؛ لبقاء العين معه فلا يتحقق التقصير فيه إلا بمضي الوقت

(2)

بخلاف التلف. ولو اشترى شاة وجعلها أضحية ثم وجد بها عيبا قديما امتنع ردها وتعين الأرش؛ لزوال ملكه عنها كما مر وهو للمضحي، ولو زال عيبها لم تصر أضحية; لأن السلامة إنما وجدت بعد زوال ملكه عنها. ولو عيَّب معينة ابتداء صرفها مصرفها وضحى بسليمة أو تعيبت فضحية ولا شيء عليه. ولو عين سليما عن نذره ثم عيبه أو تعيب أو تلف أو ضل أبدله بسليم، وله اقتناء تلك المعيبة والضالة؛ لانفكاكها عن الاختصاص وعودها لملكه من غير إنشاء تملك (فإن أتلفها) أو قصر حتى تلفت أو ضلت -أي وقد فات الوقت وأيس منها- أو سرقت (لزمه) أكثر الأمرين من قيمتها يوم تلفها أو نحوه

(3)

، ومن قيمة مثلها يوم النحر؛ لأنه بالتزامه ذلك التزم النحر وتفرقة اللحم، ففيما إذا تساويا أو زادت القيمة يلزمه (أن يشتري بقيمتها) يوم نحو الإتلاف (مثلها

(4)

جنسا ونوعا وسنا (و) أن (يذبحها فيه) أي الوقت؛ لتعديه ويصير المُشْتَرى متعينا للأضحية إن اشتراه بعين القيمة أو في الذمة لكن بنية كونه عنها وإلا فيجعله بعد الشراء بدلا عنها. ولا يتعين الشراء بالقيمة بل إن كان عنده مثلها أجزأ. وفيما إذا زاد المثل يُحصِّل مثلها. ولو كانت قيمتها يوم الإتلاف أكثر فرخص الغنم وفضل عن مثلها شيء تخير بين أن يشتري كريمة أو يشتري مثلا للمتلفة ويأخذ بالفاضل أخرى أو أكثر، فإن لم يجد كريمة وفضل ما لا يكفي لأخرى -ولو بأي صفة كانت- أخذ بالفاضل شقصا بأن يشارك في ذبيحة أخرى وإن لم يجزِ

(5)

، فإن لم يجده أخذ به لحما، فإن لم يجده تصدق بالدراهم على فقير أو أكثر ولا يؤخرها لوجوده. ولو أتلفها أجنبي أخذ منه الناذر قيمتها أو ذبحها في وقتها ولم يتعرض للحمها أخذ منه أرش ذبحها واشترى بالقيمة في الصورة الأولى وبالأرش في الصورة الثانية مثلَ الأولى ثم

(1)

. خلافا لهم.

(2)

. قضيته أنه يضمن إذا مضى الوقت خلافا لظاهر شرح الروض.

(3)

. أي من الضلال والسرقة.

(4)

. ولو عين ثمنا يشتري به أضحية فلا يحتاج لإبدالها لو اشترى بعين ذلك الثمن كما لو اشترى بما في الذمة بنيتها، أفاده الشارح في الرهن 5/ 92.

(5)

. قالوا أو يتصدق به دراهم وهو يخالف كلام الشارح هنا.

ص: 315

وَإِنْ نَذَرَ فِي ذِمَّتِهِ ثُمَّ عَيَّنَ لَزِمَهُ ذَبْحُهُ فِيهِ، فَإِنْ تَلِفَتْ قَبْلَهُ بَقِيَ الْأَصْلُ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عِنْدَ الذَّبْحِ إنْ لَمْ يَسْبِقْ تَعْيِينٌ، وَكَذَا إنْ قَالَ: جَعَلْتُهَا أُضْحِيَةً فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ وَكَّلَ بِالذَّبْحِ نَوَى عِنْدَ إعْطَاءِ الْوَكِيلِ أَوْ ذَبْحِهِ

دونها ثم شقصا ثم لحماً ثم أخرج دراهم كما تقرر. ولو أتلف اللحم أو فرقه وتعذر استرداده ضمن قيمتها عند ذبحها ككل من ذبح شاة إنسان مثلا بغير إذنه ثم أتلف اللحم (وإن نذر في ذمته) أضحية كعليَّ أضحية (ثم عين) المنذور بنحو عَيَّنتُ هذه الشاة لنذري، ويلزمه تعيين سليمة إلا أن يلتزم معيبة، تعين وزال ملكه عنها بمجرد التعيين (لزمه ذبحه فيه) أي الوقت؛ لأنه التزم أضحية في الذمة وهي مؤقتة ومختلفة باختلاف أشخاصها فكان في التعيين غرضٌ أيُّ غرضٍ. أما إذا التزم معيبة ثم عين معيبة فلا تتعين بل له أن يذبح سليمة وهو الأفضل، فعلم أن المعيب يثبت في الذمة (فإن تلفت) المعينة ولو (قبله) أي الوقت (بقي الأصل عليه) كما كان (في الأصح)؛ لبطلان التعيين بالتلف إذ ما في الذمة لا يتعين إلا بقبض صحيح.

[فرع] عيَّن عما بذمته من هدي أو أضحية تعين كما علم مما مر، فلو ذبح غير المعين مع وجوده كاملا لم يجزه

. (وتشترط النية) هنا؛ لأنها عبادة وكونها (عند الذبح

(1)

; لأن الأصل اقترانها بأول الفعل، هذا (إن لم يسبق) إفراز أو (تعيين) وإلا فسيأتي، (وكذا) تشترط النية عند الذبح (إن قال: جعلتها أضحية في الأصح)، ولا يكتفي عنها بما سبق من الجعل; لأن الذبح قربة في نفسه فاحتاج إليها، نعم لو اقترنت بالجعل كفت عنها عند الذبح كما يكفي اقترانها بإفراز أو تعيين ما يضحي به في مندوبة وواجبة معينة عن نذر في ذمته كما تجوز في الزكاة عند الإفراز وبعده وقبل الدفع. ولا تجب نية أصلا في المعينة ابتداء بنذر. ولو عين عما في ذمته بنذر لم يحتج لنية عند الذبح.

[تنبيه] أطبقوا في الأضحية والهدي على أن النية فيهما حيث وجبت أو ندبت تكون عند الذبح ويجوز تقديمها عليه لا تأخيرها عنه. أما دماء النسك فالأوجه فيها أن النية فيها عند التفرقة، وعليه يجوز تقديمها عليها كالزكاة، نعم حيث وجدت عند التفرقة لا بد من فقد الصارف عند الذبح، (وإن وكَّل بالذبح نوى عند إعطاء الوكيل) -ولو كافرا- ما يضحي به وإن لم يعلم أنه أضحية (أو) عند (ذبحه) -ولو كافرا كتابيا- كوكيل تفرقة الزكاة. وأفهم المتن

(1)

. ومر في كتاب الصيد والذبائح أنه يسن أن يكبر قبل التسمية ثلاثا، وبعدها كذلك، وأن يقول اللهم هذا منك وإليك فتقبل، ويأتي ذلك في كل ذبح هو عبادة 9/ 326.

ص: 316

وَلَهُ الْأَكْلُ مِنْ أُضْحِيَةِ تَطَوُّعٍ، وَإِطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ، لَا تَمْلِيكُهُمْ، وَيَأْكُلُ ثُلُثًا، وَفِي قَوْلٍ نِصْفًا، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِبَعْضِهَا،

أنه لا يصح تفويض النية للوكيل وليس على إطلاقه بل له تفويضها لمسلم مميز وكيل في الذبح أو غيره لا كافر ولا نحو مجنون وسكران؛ لأنهم ليسوا من أهلها، ويكره استنابة كافر وصبي في الذبح (وله) أي المضحي عن نفسه ما لم يرتد؛ إذ لا يجوز لكافر الأكل منها مطلقا، ويؤخذ منه أن الفقير والمهدى إليه لا يطعمه منها

(1)

(الأكل من أضحية تطوعٍ) وهديه بل يسن؛ لقوله تعالى {فَكُلُوا مِنْهَا} الحج: 36. أما الواجبة فلا يجوز الأكل منها سواء المعينة ابتداء أو عما في الذمة. ولا يجوز الأكل من نذر المجازاة قطعا؛ لأنه كجزاء الصيد وغيره من جبران الحج (و) له (إطعام الأغنياء) المسلمين منه نيئا ومطبوخا؛ لقوله تعالى {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} الحج: 36 والقانع السائل والمعتر المتعرض للسؤال (لا تمليكهم) شيئا منها للبيع مثلا، بل يرسل إليهم على سبيل الهدية فلا يتصرفون فيه بنحو بيع وهبة بل بنحو أكل وتصدق وضيافة لغني أو فقير مسلم; لأن غايته أنه كالمضحي، نعم يملكون ما أعطاه الإمام لهم من ضحية بيت المال (ويأكل ثلثا) أي يسن لمن ضحى لنفسه أن لا يزيد في الأكل عليه، ثم الأكمل كما يأتي أن لا يأكل منها إلا لقما يسيرة تبركا بها؛ للاتباع، ودونه أكل ثلث والتصدق بثلثين، ودونه أكل ثلث والتصدق بثلث وإهداء ثلث؛ قياسا على هدي التطوع

(2)

(وفي قول) قديمٍ يأكل (نصفا) أي يسن أن لا يزيد عليه ويتصدق بالباقي، (والأصح وجوب تصدق) أي إعطاء ولو من غير لفظ مملك (ببعضها) مما ينطلق عليه الاسم؛ لأنها شرعت رفقا بالفقير، والمراد بالبعض المذكور ما يخرج عن القدر التافه إلى ما جرى في العرف أن يتصدق به فيها من القليل الذي يؤدي الاجتهاد إليه. ويجب أن يُملِّكه نيئا طريا لا قديدا، ولا يجزئ ما لا يسمى لحما مما يأتي في الأيمان، ومنه جلد ونحو كبد وكرش؛ إذ ليس طيبها كطيبه، وكذا ولد بل له أكل كله وإن انفصل قبل ذبحها، ولا يكفي التصدق بالشحم. وللفقير التصرف فيه ببيع وغيره لمسلم. ولو أكل الكل أو أهداه غرم قيمة ما يلزم التصدق به. ولا يصرف شيء منها لكافر على النص ولا لقن إلا

(1)

. أي لا يطعم الكافر منها.

(2)

. ظاهره أنه علة للمرتبتين الأخيرتين، وجعله المغني وشيخ الإسلام علة لسن مطلق الأكل من أضحية تطوع.

ص: 317

وَالْأَفْضَلُ بِكُلِّهَا إلَّا لُقَمًا يَتَبَرَّكُ بِأَكْلِهَا. وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَنْتَفِعُ بِهِ، وَوَلَدُ الْوَاجِبَةِ يُذْبَحُ، وَلَهُ أَكْلُ كُلِّهِ وَشُرْبُ فَاضِلِ لَبَنِهَا

لمبعض في نوبته ومكاتب

(1)

كتابة صحيحة (والأفضل) أن يتصدق (بكلها)؛ لأنه أقرب للتقوى (إلا لقما يتبرك بأكلها)؛ للآية والاتباع، ومنه يؤخذ أن الأفضل الكبد؛ لخبر البيهقي ((أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل من كبد أضحيته))، وإذا تصدق بالبعض وأكل الباقي أثيب على التضحية بالكل والتصدق بما تصدق به. ويجوز ادخار لحمها ولو في زمن الغلاء والنهي عنه منسوخ (ويتصدق بجلدها) ونحو قرنها أي المتطوع بها وهو الأفضل؛ للاتباع (أو ينتفع به) أو يعيره لغيره. ويحرم عليه وعلى نحو وارثه بيعه كسائر أجزائها وإجارته وإعطاؤه أجرةً للذابح بل هي عليه؛ للخبر الصحيح ((من باع جلد أضحيته فلا أضحية له)). و لورثته ولاية القسمة والنفقة كهو. أما الواجبة فيلزمه التصدق بنحو جلدها (وولد الواجبة) المنفصل (يذبح) وجوبا -سواء المعينة ابتداء أو عما في الذمة عَلِقَت به قبل النذر أم معه أم بعده-؛ لأنه تبع لها، فإن ماتت بقي أضحية (وله أكل كله) إذا ذبحه معها؛ لأنه جزء منها، وبه يعلم بناء هذا على جواز الأكل منها وقد مر أن المعتمد حرمته مطلقا فيحرم

(2)

من ولدها كذلك. وعلم من المتن بالأولى حكم جنينها إذا ذبحت فمات بموتها أو ذبح

(3)

.

[تنبيه] كلامهم ليس مفروضاً في الأضحية؛ لما مر أن الحمل عيب بل المراد هنا أن الحامل إذا عينت بنذر تعينت ولا يلزم من ذلك وقوعها أضحية، ويمكن فرضه في الأضحية إذا حملت بعد النذر ووضعت قبل الذبح. ولا يجوز الأكل قطعا من ولد واجبة في دم من دماء النسك (و) له -مع الكراهة- (شرب فاضل لبنها) أي الواجبة، ومثلها بالأولى المندوبة عن ولدها وهو ما لا يضره فقده ضررا لا يحتمل كمنعه نموه كأمثاله كما أن له ركوبها لكن لحاجة بأن عجز عن المشي ولم يجد غيرها بأجرة وجدها، ولا أثر لقدرته على الاستعارة؛ لما فيها من المنة والضمان، وإركابها لمحتاج بلا أجرة لكن يضمن المضحي نقصها بذلك إلا إن حصل في

(1)

. ظاهرهما مطلقا.

(2)

. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما كالشهاب الرملي.

(3)

. أي فعلى ما اعتمده الشارح يكون هذا حراماً بالأولى، وعلى ما اعتمده المنهاج والنهاية والمغني يكون مباحاً.

ص: 318

وَلَا تَضْحِيَةَ لِرَقِيقٍ، فَإِنْ أَذِنَ سَيِّدُهُ وَقَعَتْ لَهُ. وَلَا يُضَحِّي مُكَاتَبٌ بِلَا إذْنٍ. وَلَا تَضْحِيَةَ عَنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ. وَلَا عَنْ مَيْتٍ إنْ لَمْ يُوصِ بِهَا

يد مستعير فهو الذي يضمنه

(1)

; لأن معيره يضمن النقص باستعماله كما تقرر فكذا هو. ويحرم عليه نحو بيع اللبن ويسن له التصدق به، وله جز صوفها إن أضر بها والانتفاع به. (ولا تضحية لرقيق) بسائر أنواعه؛ لعدم ملكه، ومن ثم كان المبعض فيما يملكه كالحر (فإن أذن سيده) له ولو عن نفسه (وقعت له) أي السيد؛ لأنه نائب عنه، ولا تشترط نية السيد حينئذٍ، ولا من العبد نيابة عنه، (ولا يضحي مكاتب بلا إذن) من السيد؛ لأنها تبرع وهو ممنوع منه لحق السيد، فإن أذن له فيها وقعت للمكاتَب (ولا تضحية) تجوز ولا تقع (عن الغير) الحي (بغير إذنه)؛ لأنها عبادة والأصل منعها عن الغير إلا لدليل، وذبح الأجنبي للمعينة بالنذر لا يمنع وقوعها عن التعيين فتقع الموقع؛ لما مر أنه لا يشترط لها نية. ويفرِّق صاحبها لحمها. وللولي -الأب فالجد لا غير؛ لأنه لا يستقل بتمليكه فتضعف ولايته عنه في هذا- التضحية من ماله عن محجوره كما له إخراج الفطرة من ماله عنه. وحيث امتنعت عن الغير فإن كانت معينة وقعت عن المضحي وإلا فلا، أما بإذنه فتجزئ، وحينئذٍ فلا يشترط هنا كون المذبوح ملكاً للآذن، بل يكفي قوله ضحِّ عني ويكون ذلك متضمنا لاقتراضه منه ما يجزئ أضحية أي أقل مجزئ؛ لأنه المحقق، ومتضمنا لإذنه له في ذبحها عنه بالنية منه (ولا) تجوز ولا تقع أضحية (عن ميت إن لم يوصِ بها)؛ لما مر، أما إذا أوصى بها فتصح؛ لما صح عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم ((أمره أن يضحي عنه كل سنة)). ويجب على مضحٍّ عن ميت بإذنه سواء وارثه وغيره من مال عينه -سواء ماله ومال مأذونه- التصدق بجميعها؛ لأنه نائبه في التفرقة لا على نفسه وممونه؛ لاتحاد القابض والمقبض. ولا تصرُّف هنا للوارث غير الوصي في شيء منها، نعم للوصي إطعام الوارث منها ومر أن للولي -الأب فالجد- التضحية عن موليه، وعليه فلا يقدر انتقال الملك فيها للمولى، وللولي إطعام المولى منها.

(1)

. خلافا للمغني.

ص: 319

فصل

يُسَنُّ أَنْ يَعُقَّ عَنْ غُلَامٍ بِشَاتَيْنِ، وَجَارِيَةٍ بِشَاةٍ

(فصل) في العقيقة

وهي لغةً: شعر رأس المولود حين ولادته، وشرعاً: ما يذبح عند حلق شعره. والأصل فيها الخبر الصحيح ((الغلام مرتهن بعقيقته)) أي فمع تركها لا ينمو نمو أمثاله. وكره الشافعي

(1)

تسميتها عقيقة أي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((كان يكره الفأل القبيح))، بل تسمى نسيكة أو ذبيحة. وذبحها أفضل من التصدق بقيمتها. ولو نوى بشاةٍ الأضحيةَ والعقيقةَ لم تحصل واحدة منهما

(2)

; لأن كلا منهما سنة مقصودة (يسن) سنة مؤكدة (أن يعق عن) الولد بعد تمام انفصاله وإن مات بعده

(3)

لا قبل الانفصال، نعم تحصل أصل السنة به

(4)

; لأن المدار على علم وجوده وقد وُجِد. ويخاطب بندب العقيقة من تلزمه نفقة المولود بتقدير فقره فيعق عنه وليه من مال نفسه بشرط يسار الولي أي بأن يكون ممن تلزمه زكاة الفطر قبل مضي مدة أكثر النفاس وإلا لم تشرع له. وتسن للولد بعد بلوغه إن لم يعق عنه؛ لأنه حينئذ مستقل فلا ينتفي الندب في حقه بانتفائه في حق أصله. وممن تلزمه النفقة الأمهات

(5)

في ولد زنا ولا يلزم من ندبها إظهارها المنافي لإخفائه. والولد القن ينبغي لأصله الحر العق عنه

(6)

وإن لم تلزمه نفقته؛ لأنه لعارض دون السيد؛ لأنها خاصة بالأصول. والأفضل أن يعق عن (غلام) أي ذكر (بشاتين) ويسن تساويهما (و) يسن أن يعق عن (جارية) أي أنثى، ومثلها الخنثى

(7)

، نعم الأكمل من الشاة بالنسبة للخنثى الشاتان، ويفارق الذكر أن الواحدة في حقه ليست كمالا أصلا وإن أجزأت (بشاة)؛ للخبر

(1)

. وهذه كراهة أدبيه لا شرعيه؛ لصحة ذكر العقيقة في الأحاديث كما أفاده الشارح في الحج 4/ 88.

(2)

. خلافا للمغني.

(3)

. ظاهره مطلقا خلافا لهم حيث قيدوه بمن مات قبل السابع.

(4)

. خلافا لظاهر النهاية والروض وصريح الأسنى والمغني.

(5)

. فعليه يسن العق خلافا للمغني.

(6)

. خلافا للنهاية.

(7)

. وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية والشهاب الرملي.

ص: 320

وَسِنُّهَا وَسَلَامَتُهَا، وَالْأَكْلُ وَالتَّصَدُّقُ كَالْأُضْحِيَّةِ، وَيُسَنُّ طَبْخُهَا، وَلَا يُكْسَرُ عَظْمٌ. وَأَنْ تُذْبَحَ يَوْمَ سَابِعِ وِلَادَتِهِ، وَيُسَمَّى فِيهِ

الصحيح بذلك. وتجزئ شاة أو شِرك من إبل أو بقر عن الذكر؛ لأنه صلى الله عليه وسلم عق عن كل من الحسنين رضي الله عنهما بشاة. وآثر الشاة تبركا بلفظ الوارد، وإلا فالأفضل هنا نظير ما مر من سبع شياه ثم الإبل ثم البقر ثم الضأن ثم المعز ثم شِرك في بدنة ثم بقرة (وسنها) وجنسها (وسلامتها) عن العيوب والنية (والأكل والتصدق) والإهداء والادخار وقدر المأكول وامتناع نحو البيع وغير ذلك مما مر (كالأضحية)؛ لأنها شبيهة بها في الندب، (و)؛ لكونها فداء عن النفس قد تفارقها في أحكام قليلة جدا منها أن ما يهدى منها للغني يملكه ويتصرف فيه بما شاء؛ لأنها ليست ضيافة عامة بخلاف الأضحية، ومنها أنه (يسن طبخها)؛ لأنه السنة، نعم الأفضل إعطاء رجلها -أي إلى أصل الفخذ والأفضل اليمين أيضا- للقابلة نيئة؛ للخبر الصحيح به. هذا إن لم تُنْذَر وإلا وجب التصدق بكلها نيئا

(1)

. وإرسالها مع مرقها على وجه التصدق للفقراء أفضلُ من دعائهم إليها، والأفضل ذبحها عند طلوع الشمس وأن يقول عند ذبحها ((بسم الله والله أكبر اللهم لك

(2)

وإليك اللهم هذه عقيقة فلان))؛ لخبر البيهقي به، وأن يطبخها بحلوٍ؛ تفاؤلا بحلاوة أخلاق الولد (ولا يكسر عظم)؛ تفاؤلا بسلامة أعضاء المولود، فإن فعل لم يكره لكنه خلاف الأولى (وأن تذبح يوم سابع ولادته) فيحسب يومها كما مر في الختان مع الفرق بينهما، ولا تحسب الليلة بل اليوم الذي يليها (و) أن (يُسمَّى فيه)؛ للخبر الصحيح بهما وإن مات قبله

(3)

بل تسن تسمية سِقْطٍ نُفخت فيه الروح، فإن لم يعلم أذكر أو أنثى سمي بما يصلح لهما كهند وطلحة، نعم إن لم يرد العق سمّى المولود في يوم الولادة؛ لما ورد في ذلك. ويسن تحسين الأسماء وأحبها عبد الله وعبد الرحمن، ولا يكره اسم نبي أو ملك، بل جاء في التسمية بمحمد فضائل عليَّة وهو خير الأسماء بعد الأوليين؛ لخبر مسلم ((أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن)). ويكره قبيح كشهاب وحرب ومُرة، وما

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. عبارتهما ((منك)).

(3)

. ظاهره أنه يسمى في السابع وإن مات قبله فتؤخر التسمية للسابع وصريح المغني أنها غاية في أصل التسمية لا بقيد كونها في السابع.

ص: 321

وَيُحْلَقَ رَأْسُهُ بَعْدَ ذَبْحِهَا، وَيُتَصَدَّقَ بِزِنَتِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً

يتطير بنفيه كيسار ونافع وبركة ومبارك، ويحرم ملك الملوك; لأن ذلك ليس لغير الله تعالى، وكذا عبد النبي

(1)

أو الكعبة أو الدار أو علي أو الحسين؛ لإيهام التشريك، ومنه يؤخذ حرمة التسمية بجار الله ورفيق الله ونحوهما؛ لإيهامه المحذور أيضا، وحرمة قول بعض العامة إذا حمل ثقيلا الحملة على الله. ويجوز

(2)

بقاضي القضاة؛ لأنه أشهر في المخلوقين، وحاكم الحكام؛ لأنه محتمل. ويجوز التسمية والوصف بالطبيب ونحوه كما يجوز بدون كراهة التسمية والوصف بغير لفظ الله والرحمن. ولا بأس باللقب الحسن إلا ما توسع فيه الناس حتى سموا السفلة بفلان الدين. ويكره كراهة شديدة نحو ست الناس أو العرب أو القضاة أو العلماء؛ لأنه من أقبح الكذب ولا تعرف الست إلا في العدد ومرادهم سيدة. ويحرم التكني بأبي القاسم مطلقا والحرمة خاصة بمن وضع تلك الكنية أوّلا

(3)

(و) أن (يحلق رأسه

(4)

كله ولو أنثى

(5)

في اليوم السابع؛ للخبر الصحيح به، وفيه منافع طيبة له. ويكره تلطيخه بدم من الذبيحة؛ لأنه فعل الجاهلية. ويكره القزع وهو حلق بعض الرأس من محل أو محال. ويسن لطخه بالخلوق

(6)

والزعفران، وأن يكون الحلق (بعد ذبحها) كما أشار إليه الخبر (و) سن بعد الحلق في الذكر والأنثى أن (يتصدق بزنته ذهبا أو فضة)؛ للخبر الصحيح ((أنه صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أن تزن شعر الحسنين رضي الله عنهما وتتصدق بوزنه فضة))، وأُلحق بها الذهب بالأولى، ومن ثم كان أفضل.

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. خلافا للمغني فيهما.

(3)

. هذا ما اعتمده النووي واعتمد الرافعي تخصيص الحرمة بمن اسمه محمد كما مر في خطبة الكتاب.

(4)

. ويسن دفنه كما مر في الجنائز 3/ 161. ومر في الصيال سنية الختان وجواز تخريق أذن الصبية 9/ 196.

(5)

. ولا يشرع حلق رأس الأنثى إلا هنا وإلا لتداو واستخفاء من فاسق يريد فجورا بها، ذكره الشارح في الحج 4/ 119.

(6)

. هو ضرب من الطيب يتخذ من الزعفران وغيره وتغلب عليه الحمرة والصفرة، الصحاح.

ص: 322

وَيُؤَذَّنَ فِي أُذُنِهِ الْيُمْنَى حِينَ يُولَدُ، وَيُحَنَّكَ بِتَمْرٍ

[فرع] ذكروا هنا في اللحية ونحوها خصالا مكروهة منها نتفها وحلقها وكذا الحاجبان. ويجوز الأخذ من اللحية وإن كانت السنة ترك اللحية وعدم أخذ شيء منها مطلقا

(و) يسن أن (يؤذن في أذنه اليمنى) ثم يقام في اليسرى (حين يولد)؛ للخبر الحسن ((أنه صلى الله عليه وسلم أذَّن في أذن الحسين حين وُلِد)). ويسن أن يقرأ في أذنه اليمنى {وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} آل عمران: 36، ويريد في الذكر النسمة، وورد ((أنه صلى الله عليه وسلم قرأ في أذن مولود الإخلاص)) فيسن ذلك أيضا (و) أن (يحنك بتمر) بأن يمضغه ويدلك به حنكه ويفتحه حتى يصل بعضه لجوفه؛ للخبر الصحيح فيه، فإن فقد تمر فحلو لم تمسه النار نظير فطر الصائم، والرطب مقدم على التمر

(1)

، والأنثى كالذكر هنا، وينبغي أن يكون المحنِّك من أهل الصلاح ليحصل للمولود بركة مخالطة ريقه لجوفه. ويسن تهنئة الوالد أي ونحوه كالأخ أخذا مما مر في التعزية عند الولادة بـ ((بارك الله لك في الموهوب لك وشكرتَ الواهب وبلغ أشده ورُزقت برَّهُ))، ويسن الرد عليه بنحو ((جزاك الله خيرا))، وينبغي امتداد زمنها ثلاثا بعد العلم كالتعزية أيضا.

[خاتمة] المعتمد أن العَتِيرة وهي ما يذبح في العشر الأول من رجب، والفَرَع وهي أول نتاج البهيمة يذبح رجاء بركتها وكثرة نسلها مندوبتان; لأن القصد بهما ليس إلا التقرب إلى الله بالتصدق بلحمهما على المحتاجين فلا تثبت لهما أحكام الأضحية.

(1)

. هذا ظاهر التحفة وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 323

‌كتاب الأطعمة

حَيَوَانُ الْبَحْرِ السَّمَكُ مِنْهُ حَلَالٌ كَيْفَ مَاتَ، وَكَذَا غَيْرُهُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ لَا، وَقِيلَ إنْ أُكِلَ مِثْلُهُ فِي الْبَرِّ حَلَّ، وَإِلَّا فَلَا: كَكَلْبٍ وَحِمَارٍ. وَمَا يَعِيشُ فِي بَرٍّ وَبَحْرٍ: كَضِفْدَعٍ وَسَرَطَانٍ وَحَيَّةٍ حَرَامٌ

(كتاب الأطعمة)

ومعرفتهما من آكد مهمات الدين؛ لما في تناول الحرام من الوعيد الشديد. والأصل فيها قوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الأعراف: 157. (حيوان البحر

(1)

أي ما يعيش فيه بأن يكون عيشه خارجه عيش مذبوح أو حي لكنه لا يدوم (السمك منه حلال كيف مات) بسبب أو غيره طافيا أو راسبا؛ لقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} المائدة: 96، ومرّ ((أنه صلى الله عليه وسلم أكل من العنبر وكان طافيا))، نعم إن انتفخ الطافي وأضر حرم كما مر أنه يحل أكل الصغير ويتسامح بما في جوفه ولا يتنجس به الدهن وأنه يحل شيه وقليه وبلعه ولو حيا

(2)

(وكذا) يحل كيف مات (غيره في الأصح) مما ليس على صورة السمك المشهور، ومنه القرش وهو اللَّخَم ولا نظر إلى تقويه بنابه (وقيل لا) يحل غير السمك؛ لتخصيص الحل به في خبر ((أحل لنا ميتتان السمك والجراد)) (وقيل إن أُكِل مثله في البر) كالبقر (حل وإلا) يؤكل مثله فيه (فلا) يحل (ككلب وحمار)؛ لتناول الاسم له أيضا. (وما يعيش) دائما (في بر وبحر كضفدع وسرطان) وتمساح ونَِسناس (وحية) وسائر ذوات السموم وسلحفاة والترسة وهي اللجاة (حرام)؛ لاستخباثه وضرره مع صحة النهي عن قتل الضفدع اللازم منه حرمته.

[تنبيه] جرى المتن على الضعيف والمعتمد

(3)

أن جميع ما في البحر تحل ميتته إلا الضفدع وما فيه سم وما ذكره الأصحاب أو بعضهم من تحريم السلحفاة والحية والنسناس محمول

(1)

. أفاد الشارح في باب النجاسة أن العنبر يحل أكله؛ بناءً على أنه نبات في البحر، لا أنه روث.

(2)

. ومر أنه لو وجد سمكه في جوف أخرى حل أكلها إلا أن تكون تغيرت وتقطعت عند الشارح فتحرم وعند المغني والنهاية يكفي في الحرمة تغيرها.

(3)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية حيث اعتمد ما في المتن.

ص: 327

وَحَيَوَانُ الْبَرِّ يَحِلُّ مِنْهُ الْأَنْعَامُ وَالخَيْلُ، وَبَقَرُ وَحْشٍ وَحِمَارُهُ، وَظَبْيٌ وَضَبُعٌ وَضَبٌّ وَأَرْنَبٌ وَثَُِعْلَبٌ وَيَرْبُوعٌ وَفَنَكٌ وَسَمُّورٌ، وَيَحْرُمُ بَغْلٌ وَحِمَارٌ أَهْلِيٌّ، وَكُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ

على ما في غير البحر، وأما الدنيلس فحرام

(1)

؛ لأنه أصل السرطان لتولده منه (وحيوان البر يحل منه الأنعام

(2)

إجماعا وهي الإبل والبقر والغنم (والخيل) العربية وغيرها؛ لصحة الأخبار بحلها. والمراد في جميع ما مر ويأتي الذكر والأنثى (وبقر وحش وحماره) وإن تأنسا؛ لطيبهما وأكله صلى الله عليه وسلم من الثاني وأمره بالأكل منه رواه الشيخان، وقيس به الأول (وظبي) إجماعا (وضبُع)؛ لصحة الخبر بأنه يؤكل ونابه ضعيف لا يتقوى به (وضبٌّ)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أقر آكليه بحضرته ثم بيَّن حله وأنه إنما تركه؛ لأنه لم يألفه متفق عليه (وأرنب)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أكل منه رواه البخاري (وثَُِعلب)؛ لأنه طيب (ويربوع) وهو قصير اليدين جدا طويل الرجلين لونه كلون الغزال؛ لأنه طيب أيضا ونابهما ضعيف، ومثلهما قنفذ ووبر

(3)

وأم حُبَين تشبه الضب وهي أنثى الحرابى (وفَنَك

(4)

وسنجاب وقاقم

(5)

وحوصل

(6)

(وسَمُّور) وهو والسنجاب نوعان من ثعالب الترك (ويحرم) وشق و (بغل)؛ للنهي الصحيح عنه كالحمار يوم خيبر ولتولده بين حلال وحرام، ومن ثم لو تولد بين فرس وحمار وحشي مثلا حل اتفاقا (وحمار أهلي)؛ لما ذكر، (وكل ذي ناب) قوي بحيث يعدو به (من السباع ومِخْلب) وهو للطير كالظفر للإنسان (من الطير)؛

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. تقدم في النجاسات حل أكل جلدة المرارة دون ما فيها كالكرش وأنه تؤكل جلدة الأنفحة من مأكول طاهر وكذا ما فيها إن أخذت من مذبوح لم يأكل غير اللبن وإن جاوز سنتين كما أفاده الشارح في باب النجاسة وذكر في موضع آخر هناك جواز أكل الجبن الشامي المشتهر عمله بأنفحة الخنزير 1/ 308.

(3)

. هو دويبة كالسنور غبراء أو بيضاء من دواب الصحراء حسنتا العينين تكون بالغور، الصحاح.

(4)

. حيوان كالثعلب، الصحاح.

(5)

. قال في حياة الحيوان دويبة تشبه السنجاب إلا أنه أبرد منه مزاجا وأرطب؛ ولهذا فهو أبيض 2/ 239.

(6)

. طائر كبير له حوصلة عظيمة يتخذ منها الفرو ويعرف بالبجع كما في حياة الحيوان.

ص: 328

كَأَسَدٍ وَنَمِرٍ وَذِئْبٍ وَدُبٍّ وَفِيلٍ وَقِرْدٍ وَبَازٍ وَشَاهِينٍ وَصَقْرٍ وَنَسْرٍ وَعُقَابٍ وَكَذَا ابْنُ آوَى وَهِرَّةُ وَحْشٍ فِي الْأَصَحِّ. وَيَحْرُمُ مَا نُدِبَ قَتْلُهُ كَحَيَّةٍ وَعَقْرَبٍ وَغُرَابٍ أَبْقَعَ وَحِدَأَةٍ وَفَأْرَةٍ وَكُلِّ سَبُعٍ ضَارٍ، وَكَذَا رَخَمَةٌ وَبُغَاثَةٌ،

للنهي الصحيح عنهما، فالأول (كأسد) وفهد (ونمر وذئب ودب وفيل وقرد، و) الثاني نحو (باز

(1)

وشاهين

(2)

وصقر) عام بعد خاص؛ لشموله للبزاة والشواهين وغيرها من كل ما يصيد (ونَسر) نعم العلة فيه الاستخباث؛ لأن ظفره كالدجاجة

(3)

(وعُقاب) وجميع جوارح الطير (وكذا ابن آوى) وهو كريه الريح طويل المخالب والأظفار يعوي ليلا إذا استوحش بما يشبه صياح الصبيان فيه شبه من الذئب والثعلب وهو فوقه ودون الكلب؛ لاستخباثه وعدوه بنابه (وهرة وحش في الأصح)؛ لعدوها، وكذا أهلية، وكذا النمس

(4)

(ويحرم ما ندب قتله

(5)

؛ إذ لو جاز أكله لحل اقتناؤه (كحية وعقرب وغراب أبقع) أي فيه سواد وبياض (وحِدَأة وفأرة وكلِّ سبُع ضَارٍ) أي عاد؛ للخبر الصحيح في الفواسق الخمس ((أنهن يقتلن في الحل والحرم)) وهي غراب أبقع وحدأة وفأرة وعقرب وكلب عقور، وقيَّد الغراب بالأبقع تبعا للخبر وللاتفاق على تحريمه وإلا فالأسود -وهو الغداف الكبير ويسمى الجبلي؛ لأنه لا يسكن إلا الجبال- حرام أيضا على الأصح، وكذا العقعق وهو ذو لونين أبيض وأسود طويل الذنب قصير الجناح صوته العقعقة. وخرج بضار نحو ضبع وثعلب؛ لضعف نابه كما مر، (وكذا رخمة

(6)

؛ للنهي عنها وخبثها (وبغاثة) وهي طائر أبيض

(7)

أو أغبر بطيء الطيران أصغر من الحدأة يأكل الجيف.

(1)

. هو ضرب من الصقور، لسان العرب.

(2)

. من سباع الطير، لسان العرب.

(3)

. كما جزم به في الفتح هو والصقر.

(4)

. سبع من أخبث السبع، وقال ابن قتبه: دويبة تقتل الثعبان يتخذها الناظر إذا اشتد خوفه من الثعابين، لسان العرب.

(5)

. ولا تستثنى البهيمة الموطوءة؛ لأن قتلها وجه ضعيف خلافا للمغني من استثنائها.

(6)

. طائر أبقع على شكل النسر خلقه إلا أنه مبقع بسواد وبياض، لسان العرب.

(7)

. اقتصر عليه المغني.

ص: 329

وَالْأَصَحُّ حِلُّ غُرَابِ زَرْعٍ وَتَحْرِيمُ بَبَّغَاء وَطَاوُوسٍ، وَتَحِلُّ نَعَامَةٌ وَكُرْكِيٌّ وَبَطٌّ وَإِوَزٌّ وَدَجَاجٌ وَحَمَامٌ وَهُوَ كُلُّ مَا عَبَّ وَهَدَرَ وَمَا عَلَى شَكْلِ عُصْفُورٍ، وَإِنٍ اخْتَلَفَ لَوْنُهُ وَنَوْعُهُ كَعَنْدَلِيبٍ وَصَعْوَةٍ وَزُرْزُورٍ، لَا خُطَّافٌ، وَنَمْلٌ وَنَحْلٌ وَذُبَابٌ وَ حَشَرَاتٌ كَخُنْفَُسَاءَ وَدُودٍ

(والأصح حل غراب زرع) وهو أسود صغير يقال له الزاغ وقد يكون مُحْمرَّ المنقار والرجلين؛ لأنه مستطاب، ويحرم

(1)

الغداف الصغير وهو أسود أو رمادي (وتحرم بَبَّغا وطاووس)؛ لخبثهما (وتحل نعامة) إجماعا (وكركي وبط) وهو الإوز الذي لا يطير (وإوَز ودَجاج)؛ لطيبها كسائر طيور الماء إلا اللقلق

(2)

(وحمام وهو كل ما عبَّ) أي شرب الماء بلا تنفس ومص (وهدر) أي رجع صوته وغرد، ويكفي العب وحده أو الهدر وحده كالنغر

(3)

من العصافير يعب ولا يهدر (وما على شكل عُصفور وإن اختلف لونه ونوعه كعندليب وصَعْوة) وهو عصفور أحمر الرأس (وزُرزور

(4)

؛ لأنها من الطيبات، (لا خطاف)؛ للنهي عن قتله، وهو طائر أسود الظهر أبيض البطن أي وهو المسمى الآن بعصفور الجنة، وهو ليس خفّاشا؛ لأن الخفاش طائر صغير لا ريش له يشبه الفأرة يطير بين المغرب والعشاء وإن كان الاثنان حرام (ونمل ونحل)؛ لصحة النهي عن قتلهما، وحملوه على النمل السليماني وهو الكبير؛ إذ لا أذى فيه بخلاف الصغير؛ لأذاه فيحل قتله بل وحرقه إن لم يندفع إلا به كالقمل (وذُباب وحشرات) وهي صغار دواب الأرض (كخُنفَُسا ودود) منفرد؛ لما مر فيه في الصيد والذبائح، ووزغ بأنواعها وذوات سموم وإبر والصرارة

(5)

وذلك؛ لاستخباثها، نعم يحل من الحشرات نحو يربوع

(6)

ووبر وأم حبين

(7)

وقنفذ وبنت عرس

(8)

وضب.

(1)

. خلافا لهما كالشهاب الرملي.

(2)

. طائر أعجمي طويل يأكل الحيات، لسان العرب.

(3)

. طير كالعصافير حمر المناقير، لسان العرب.

(4)

. طائره كالقنبرة، الصحاح.

(5)

. صرّ الجندب إذا صاح، وكل صوت شبه ذلك فهو صرير إذا امتد فإذا كان فيه تخفيف وترجيع في إعادة ضوعف كقولك صرصر الأخطب، لسان العرب.

(6)

. هو حيوان من الفصيلة اليربوعية صغير على هيئة الجرذ الصغير وله ذنب طويل ينتهي بخصلة من الشعر، وهو قصير اليدين طويل الرجلين.

(7)

. دويبة على خلقة الحرباء عريضة الصدر عظيمة البطن، لسان العرب.

(8)

. دويبة معروفه دون السنور أشتر أصلم أصك له ناب، لسان العرب.

ص: 330

وَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ. وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ إنِ اسْتَطَابَهُ أَهْلُ يَسَارٍ، وَ طِبَاعٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الْعَرَبِ فِي حَالِ رَفَاهِيَةٍ حَلَّ، وَإِنِ اسْتَخْبَثُوهُ فَلَا، وَإِنْ جُهِلَ اسْمُ حَيَوَانٍ سُئِلُوا وَعُمِلَ بِتَسْمِيَتِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اسْمٌ عِنْدَهُمْ اُعْتُبِرَ بِالْأَشْبَهِ بِهِ

(وكذا) يحرم كل (ما تولد) يقينا (من مأكول وغيره) كسِمْع؛ لتولده بين ذئب وضبع وكزرافة فتحرم بلا خلاف. وخرج بيقينا ما لو ولدت شاة كلبة ولم يتحقق نزو كلب عليها فإنها تحل؛ لأنه قد يحصل الخلق على خلاف صورة الأصل لكن الورع تركها. ويجوز شرب لبن فرس ولدت بغلا وشاة كلبا؛ لأنه منها لا من الفحل.

[فرع] مُسخ حيوان يحل إلى ما لا يحل أو عكسه فأن بُدِّلَت ذاته لذات أخرى اعتبر الممسوخ إليه وإلا بأن لم تبدل إلا صفته فقط اعتبر ما قبل المسخ، نعم الآدمي الممسوخ لا يجوز أكله مطلقا. ولو قُدِّم لولي مال مغصوب فقلب كرامة له دما ثم أعيد إلى صفته أو غير صفته لم يحل؛ لأنه بعوده إلى المالية يعود لملك مالكه، ولا ضمان على الولي بقلبه إلى الدم (وما لا نص فيه) من كتاب ولا سنة خاص ولا عام بتحريم أو تحليل ولا بما يدل على أحدهما كالأمر بقتله أو النهي عنه (إن استطابه أهل يسار) بشرط أن لا تغلب عليهم العيافة الناشئة عن التنعم (وطباع سليمة من العرب) الساكنين في البلاد والقرى دون البوادي؛ لأنهم يأكلون ما دب ودرج

(1)

(في حال رفاهية حل) سواء ما ببلاد العرب أو العجم (وإن استخبثوه فلا) يحل؛ لأنه تعالى أناط الحل بالطيب والحرمة بالخبث ومحال عادة اجتماع العالم على ذلك؛ لاختلاف طباعهم فتعين أن المراد بعضهم والعرب أولى؛ لأنهم الأفضل الأعدل طباعا والأكمل عقولا، ومن ثم أرسل صلى الله عليه وسلم منهم ونزل القرآن بلغتهم بل وكلام أهل الجنة بها، وعليه فيرجع في كل عصر إلى أكمل الموجودين فيه وهم من جمعوا ما ذكر. ولو استطابه البعض واستخبثه البعض أخذ بالأكثر، فإن استووا رجح قريش؛ لأنهم أكمل العرب عقلا وفتوة، فإن اختلف القرشيون ولا مرجح أو شكوا أو سكتوا أو لم يوجدوا هم ولا غيرهم من العرب ألحق بأقرب الحيوان به شبها كما يأتي. أما إذا اختل شرط مما ذكر فلا عبرة بهم؛ لعدم الثقة بهم حينئذ (وإن جهل اسم حيوان سئُلوا) عنه (وعمل بتسميتهم) حلا وحرمة (وإن لم يكن له اسم عندهم اعتبر بالأشبه به) من الحيوانات صورة أو طبعا من عَدْوٍ أو ضده أو طعما للحم،

(1)

. أي ما عاش ومات.

ص: 331

وَإِذَا ظَهَرَ تَغَيُّرُ لَحْمِ جَلَّالَةٍ حَرُمَ أَكْلُهُ، وَقِيلَ يُكْرَهُ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ يُكْرَهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، فَإِنْ عُلِفَتْ طَاهِرًا فَطَابَ لَحْمُهَا حَلَّ. وَلَوْ تَنَجَّسَ طَاهِرٌ كَخَلٍّ وَدُبْسٍ ذَائِبٍ حَرُمَ.

ويظهر تقديم الطبع؛ لقوة دلالة الأخلاق على المعاني الكامنة في النفس فالطعم فالصورة، فإن استوى الشبهان أولم نجد له شبها حل؛ لقوله تعالى {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} الأنعام: 145 .. الآية.

[تنبيه] يتعين حمل قولهم ((أو طعما)) على ما إذا وجدنا عدلا ولو عدل رواية يخبر بمعرفة طعم هذا وأنه يشبه طعم حيوان يحل أو يحرم فيعمل بخبره ويقدم حينئذ على الأشبه به صورة، أما إذا لم يوجد هذا فلا يعول إلا على المشابهة الطبيعية

(1)

فالصورية، وسبب حملنا هذا إن القول بالطعم يتوقف على أكلنا من حيوانات تحل وحيوانات تحرم إلى أن نجد الأشبه وهذا متعذر، (وإذا ظهر تغير) طعم أو لون أو ريح (لحم جلالة) وهي آكلة الجَلة أي النجاسة كالعذرة (حرم أكله) كسائر أجزائها وما تولد منها كلبنها وبيضها. ويكره إطعام مأكولة نجاسة، وأفهم ربط التغير باللحم أنه لا أثر لتغير نحو اللبن وحده؛ لأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع (وقيل يكره، قلت: الأصح يكره والله أعلم) ; لأن النهي لتغير اللحم وهو لا يحرم كما لو نتن لحم المذكاة أو بيضها، ويكره ركوبها بلا حائل، ومثلها سخلة ربِّيت بلبن كلبة إذا تغير لحمها، لا زرع وثمر سقي أو رَبَى بنجس بل يحل اتفاقا ولا كراهة فيه؛ لعدم ظهور أثر النجس فيه، ومنه أُخذ أنه لو ظهر ريحه أي مثلا فيه كره، ومعلوم أن ما أصابه منه متنجس يطهر بالغسل (فإن علفت طاهرا) أو متنجسا أو نجسا أو لم تعلف (فطاب لحمها حل) هو وبيضها ولبنها بلا كراهة، وذلك؛ لزوال العلة ولا تقدير لمدة العلف. أما طيبه بنحو غسل أو طبخ فلا أثر له. ولا تحرم شاة غذيت بحرام. (ولو تنجس طاهر كخل ودبس

(2)

ذائب حرم) تناوله

(3)

؛ لتعذر تطهيره. أما الجامد فيزيل النجس وما حوله ويأكل باقيه؛ للخبر. ولا يكره أكل بيض سلق في ماء نجس. ولا يحرم تناول شيء من الطاهر إلا نحو حجر وتراب، ومنه مدر وطفل لمن يضره بخلاف من لا يضره، وسم وإن قل إلا لمن لا يضره ونبت ولبن جوِّز

(1)

. نسخه عبدالحميد ((الطبعية)).

(2)

. هو عسل التمر وعصارته.

(3)

. بخلاف تناول دابته كما مر في التيمم 1/ 341، ومر في اللباس جواز الاستصباح بالدهن النجس 3/ 32.

ص: 332

وَمَا كُسِبَ بِمُخَامَرَةِ نَجِسٍ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ مَكْرُوهٌ، وَيُسَنُّ أَلَّا يَأْكُلَهُ وَيُطْعِمَهُ رَقِيقَهُ وَنَاضِحَهُ

أنه سم أو من غير مأكول ومسكر ككثير أفيون وحشيش وجوزة وعنبر وزعفران وجلد دبغ ومستقذر أصالة بالنسبة لغالب ذوي الطباع السليمة

(1)

كمخاط ومني وبصاق وعرق لا لعارض كغسالة يد ولحم مثلا أنتن. وخرج بالبصاق وهو ما يُرمَى من الفم الريق وهو ما فيه فلا يحرم؛ لأنه غير مستقذر ما دام فيه، ومن ثم ((كان صلى الله عليه وسلم يمص لسان عائشة)). ولو وقعت ميتة لا نفس لها سائلة ولم تكثر بحيث تستقذر أو قطعة يسيرة من لحم آدمي في طبيخ لحم مذكى لم يحرم أكل الجميع

(2)

. وإذا وقع بول في قلتي ماء ولم يغيره جاز استعمال جميعه؛ لأنه لمَّا استهلك فيه صار كالعدم (وما كسب بمخامرة نجس كحجامة وكنس مكروه

(3)

للحُرِّ وإن كسبه قن؛ للنهي الصحيح عن كسب الحجام، ولم يحرم؛ لأنه (صلى الله عليه وسلم أعطى حاجمه أجرته)) رواه البخاري ولو حرم لم يعطه؛ لأنه حيث حرم الأخذ حرم الإعطاء كأجرة النائحة إلا لضرورة كإعطاء شاعر أو ظالم أو قاض خوفا منه فيحرم الأخذ فقط، وعلة خبث كسب الحجامة مباشرته للنجاسة، ومن ثَمّ كان مثله الزبال والدباغ والقصاب، نعم لا يكره كسب الفصَّاد؛ لقلة مباشرته للنجاسة. ولا يكره لحر وغيره مكسوب بحرفة دنيئة. وحرَّم الحَسَن كسب الماشطة؛ لأنه لا يخلو غالبا عن حرام أو تغيير لخلق الله (ويسن) للحر (ألا يأكله) بل يكره له أكله وهو مثال إذ سائر وجوه الإنفاق حتى التصدق به كذلك (و) أن (يطعمه رقيقه وناضحه) أي بعيره الذي يستقي عليه؛ لنهيه صلى الله عليه وسلم من استأذنه في أجرة الحجام عنها فلا زال يسأله حتى قال له اعلفه ناضحك وأطعمه رقيقك، والمراد ويمون به ما يملكه من قن وغيره.

[فرع] يسن للإنسان أن يتحرى في مؤنة نفسه وممونه ما أمكنه، فإن عجز ففي مؤنة نفسه. ولا تحرم معاملة من أكثر ماله حرام

(4)

ولا الأكل منها

.

(1)

. نعم يجوز أن يسقي غير المميز ما فيه مستقذر طاهر، كما مر في التيمم 1/ 341.

(2)

. ظاهره وإن لم تستهلك وتميزت خلافا لظاهر المغني، لكن الشارح قيد بالاستهلاك في كتاب الصيد والذبائح.

(3)

. رجح الشارح في كتاب السير أن المكروه أكل كسب الحجامة ونحوها للحر، لا فعلها، 9/ 222.

(4)

. بل لا يؤثر التيقن من ذلك إذا لم يعرف عين الحرام، كما أفاده الشارح في صلاة الخوف 3/ 24.

ص: 333

وَيَحِلُّ جَنِينٌ وُجِدَ مَيْتًا فِي بَطْنِ مُذَكَّاةٍ. وَمَنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مَوْتًا أَوْ مَرَضًا مَخُوفًا وَوَجَدَ مُحَرَّمًا لَزِمَهُ أَكْلُهُ

[فرع] أفضل المكاسب الزراعة؛ لأنها أعمُّ نفعا وأقرب للتوكل وأسلم من الغش، ثم الصناعة; لأن فيها تعبا في طلب الحلال أكثر ثم التجارة (ويحل جنين وُجِد ميتا في بطن مذكاة) وإن أشعر؛ للخبر الصحيح ((يا رسول الله إنا ننحر الإبل ونذبح البقر والشاة فنجد في بطنها الجنين -أي الميت- فنلقيه أم نأكله فقال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه)) أي وذكاتها التي أحلتها أحلته تبعا لها ما لم يتم انفصاله وفيه حياة مستقرة وإلا اشترط ذبحه، فعلم أنه لو خرج وبه حياة مستقرة أو ميتا

(1)

فذبحت قبل انفصاله حلَّ; لأن للمنفصل بعضه حكم المتصل كله غالبا، ولا أثر لخروجه بعد ذبحها حيا لكن حركته حركة مذبوح وإن طالت

(2)

بخلاف ما لو بقي ببطنها يضطرب زمنا طويلا، ويشترط أيضا أن لا يوجد سبب يحال عليه الموت ولو احتمالا وإلا كأن ضرب بطنها لم يحل، وأن لا يكون علقة؛ لأنه دم أو مضغة لم تبن فيه صورة (ومن) اضطر وهو معصوم بأن لم يجد حلالا أو لم يتمكن منه إلا بعد نحو زناً به كما يأتي، و (خاف على نفسه موتا أو مرضا مخوفا) أو غير مخوف أو نحوهما

(3)

من كل مبيح للتيمم (ووجد محرَّما) غير مسكر كميتة ولو مغلظة ودم

(4)

(لزمه

(5)

أي غير العاصي بسفره ونحوه والمشرف على الموت -بأن وصل لحالة تقضي العادة أن صاحبها لا يعيش وإن أكل- (أكله) أو شربه؛ لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} البقرة: 173 .. الآية مع قوله {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} النساء: 29، وكذا خوف العجز عن نحو المشي أو التخلف عن الرفقة إن حصل به ضرر لا نحو وحشة، وكذا إذا أجهده الجوع وفقد صبره، ويكفي غلبة ظن حصول ذلك بل لو جوَّز التلف والسلامة على السواء حلّ له تناول المحرم. ولو امتنع مالك طعام من بذله لمضطرة إلا بعد

(1)

. خلافا لهم في الميت.

(2)

. خلافا لهم.

(3)

. أفاده الشارح في التيمم أنه له أكل الميتة لو توهم سُما في طعام 1/ 346.

(4)

. فلا يجوز شرب نجس مادام معه طاهر على المعتمد، بل يشرب الطاهر ويتيمم، كما أفاده الشارح في التيمم 1/ 341.

(5)

. أفاد الشارح في التيمم أن الواجب ليس رخصه محضة فهو رخصه من حيث قيام سبب الحكم الأصلي وعزيمة من حيث وجوبه وتحتمه 1/ 381.

ص: 334

وَقِيلَ يَجُوزُ. فَإِنْ تَوَقَّعَ حَلَالًا قَرِيبًا لَمْ يَجُزْ غَيْرُ سَدِّ الرَّمَقِ، وَإِلَّا فَفِي قَوْلٍ يَشْبَعُ، وَالْأَظْهَرُ سَدُّ الرَّمَقِ فَقَطْ، إلَّا أَنْ يَخَافَ تَلَفًا إنِ اقْتَصَرَ. وَلَهُ أَكْلُ آدَمِيٍّ مَيْتٍ

وطئها زنا لم يجز لها تمكينه بناء على الأصح أن الإكراه بالقتل لا يبيح الزنا واللواط. وظاهرٌ أن الاضطرار لغير القوت والماء كسترة خشي بتركها ما مر يأتي فيه جميع أحكام المضطر السابقة والآتية (وقيل يجوز) كما يجوز الاستسلام للمسلم. ولو وجد ميتة يحل مذبوحها وأخرى لا يحل أي كآدمي غير محترم تخيَّر، أو مغلظة وغيرها تعين غيرها. أما المسكر فلا يجوز تناوله لجوع ولا عطش كما مر، وأما العاصي بسفره ونحوه فلا يجوز له تناول المحرم حتى يتوب، وكذا مرتد وحربي حتى يسلما وتارك صلاة وقاطع طريق حتى يتوبا، نعم إن كانت لا تسقط توبته قتله كزانٍ محصن جاز له الأكل؛ لأنه لا يؤمر بقتل نفسه، وأما المشرف على الموت فلا يجوز له تناوله أيضا؛ لأنه لا ينفعه. ولو وجد لقمة حلالا لزمه تقديمها على الحرام (فإن توقع) أي ظن (حلالا) يجده (قريبا) أي على قرب بأن لم يخش محذورا قبل وصوله (لم يجز غير سد الرمق) وهو بقية الروح (وإلا) يتوقعه (ففي قول يشبع) -لإطلاق الآية- أي يكسر سورة الجوع بحيث لا يسمى جائعا لا أن لا يجد للطعام مساغا، أما ما زاد على ذلك فحرام قطعا. ولو شبع

(1)

ثم قدر على الحل لزمه -ككل من تناوله محرما ولو مكرها- التقيؤ

(2)

إن أطاقه بأن لم يحصل له منه مشقة لا تحتمل عادة (والأظهر سد الرمق فقط)؛ لأنه بعده غير مضطر، نعم إن توقف قطعه لبادية مهلكة على الشبع وجب (إلا أن يخاف تلفا) أي محذور تيمم (إن اقتصر) على سد الرمق فيلزمه أن يشبع أي يكسر سورة الجوع قطعا لبقاء الروح، ويجب التزود إن لم يرج وصول حلال وإلا جاز بل لا يمنع من حمل ميتة لم تلوثه ولو لغير ضرورة (وله) أي المعصوم بل عليه (أكل آدمي ميت) محترم إذا لم يجد ميتة غيره ولو مغلظة; لأن حرمة الحي أعظم، ومن ثم لو كانت ميتة نبي امتنع الأكل منها قطعا، وكذا ميتة مسلم والمضطر ذمي. وحيث اتحدا إسلاما وعصمة لم ينظر لأفضلية الميت. وإذا جاز أكله حرم نحو

(1)

. لم يقيد بالشبع في المغني.

(2)

. ظاهره لزوم التقيؤ وإن كان أكل المحرم حال حله له خلافا لظاهر النهاية حيث قيد بحال امتناعه عليه.

ص: 335

وَقَتْلُ نَحْوِ مُرْتَدٍّ وَحَرْبِيٍّ، لَا ذِمِّيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ وَصَبِيٍّ حَرْبِيٍّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ حِلُّ قَتْلِ الصَّبِيِّ وَالمَرْأَةِ الحَرْبِيَّيْنِ لِلْأَكْلِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ وَجَدَ طَعَامَ غَائِبٍ أَكَلَ وَغَرِمَ، أَوْ حَاضِرٍ مُضْطَرٍّ لَمْ يَلْزَمْهُ بَذْلُهُ إنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ. فَإِنْ آثَرَ مُسْلِمًا جَازَ، أَوْ غَيْرَ مُضْطَرٍّ لَزِمَهُ إطْعَامُ مُضْطَرٍّ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ،

طبخه إن كان محترما

(1)

و أمكن أكله نيئا (و) له بل عليه (قتل) مهدر (نحو مرتد وحربي) وزان محصن ومحارب وتارك صلاة بشرطه ومن له عليه قود من غير إذن الإمام؛ للضرورة، ومن هذا يعلم أن هؤلاء لو كانوا مضطرين لم يجب على أحد بذل الطعام لهم (لا ذمي ومستأمن)؛ لعصمتهما (وصبي حربي) وامرأة حربية؛ لحرمة قتلهما (قلت الأصح حل قتل الصبي والمرأة الحربيين) كذا الخنثى والمجنون ورقيقهم (للأكل والله أعلم)؛ لعدم عصمتهم، و محله ما لم يُستولَ عليهم وإلا حرم؛ لأنهم صاروا أرقاء معصومين للغانمين. ويحرم قتل صبي حربي مع وجود حربي بالغ، وليس لوالد قتل ولده للأكل ولا للسيد قتل قنه. (ولو وجد) مضطر (طعام غائب) ولم يجد غيره (أكل) وجوبا منه ما يسد رمقه فقط أو ما يشبعه بشرطه وإن كان معسرا؛ للضرورة (وغرم) إذا قدر قيمته إن كان متقوما وإلا فمثله لحق الغائب، نعم يمنع أكله إذا اضطر الغائب أيضا وهو يحضر عن قرب بحيث يتمكن من زوال اضطراره بهذا دون غيره، وغيبة ولي محجور كغيبة مستقل وحضوره كحضوره، وله بيع ماله حينئذ نسيئة ولمعسر بلا رهن؛ للضرورة (أو) وجد وهو غير نبي طعام (حاضر مضطر لم يلزمه بذله) له (إن لم يَفضُل عنه) بل هو أولى؛ لخبر ((ابدأ بنفسك)). أما النبي فيجب على غيره إيثاره على نفسه ولو من غير طلب، وأما ما فضل عنه عن سد رمقه فيلزمه بذله وإن احتاج إليه مآلا (فإن آثر) في هذه الحالة وهو ممن يصبر على الإضافة على نفسه مضطرا (مسلما) معصوما (جاز) بل سُن؛ لقوله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الحشر:9. أما المسلم غير المضطر والذمي والبهيمة وأُلحق بهما المسلم المهدر فيحرم إيثارهم (أو) وجد طعام حاضر (غير مضطر لزمه) أي مالك الطعام (إطعام) أي سد رمق (مضطر) أو إشباعه بشرطه معصوم (مسلم أو ذمي) أو مستأمن وإن احتاجه مالكه مآلا؛ للضرورة الناجزة، وكذا بهيمةُ الغيرِ المحترمةُ بخلاف نحو حربي ومرتد وزان محصن وكلب عقور. ويلزمه ذبح شاته لإطعام

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 336

فَإِنْ مَنَعَ فَلَهُ قَهْرُهُ، وَإِنْ قَتَلَهُ. وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ بِعِوَضٍ نَاجِزٍ إنْ حَضَرَ، وَإِلَّا فَبِنَسِيئَةٍ، وَلَوْ أَطْعَمَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ عِوَضًا فَالْأَصَحُّ لَا عِوَضَ

كلبه الذي فيه منفعة. ويجب إطعام نحو صبي وامرأة حربيين اضطرا قبل الاستيلاء عليهما وبعده (فإن منع) المالك غير المضطر

(1)

بذله للمضطر مطلقا أو إلا

(2)

بزيادة على ثمن مثله بما لا يتغابن بها (فله) أي المضطر، ولا يلزمه وإن أمن (قهره) على أخذه (وإن قتله)؛ لإهداره بالمنع، فإن قتل المضطر قتل به أو مات جوعا بسبب امتناعه لم يضمنه؛ لأنه لم يحدث فيه فعلا. وللمضطر الذمي قتل المسلم المانع له

(3)

، ولا يضمنه

(4)

، وعليه يفرق بين هذا وعدم حل أكله لميتة المسلم بأنه لا تقصير ثم من المأكول بوجه. أما إذا رضي ببذله له بثمن مثله ولو بزيادة يتغابن بها فيلزمه قبوله بذلك ولا يجوز له قهره (وإنما يلزم) المالك بذل ما ذكر للمضطر (بعوض ناجز) هو ثمن مثله زمانا ومكانا (إن حضر) معه (وإلا) يحضر معه عوض بأن غاب ماله (فـ) لا يلزمه بذله مجانا مع اتساع الوقت بل بعوض (نسيئة) ممتدة لزمن وصوله إليه; لأن الضرر لا يزال بالضرر. أما إذا لم يكن له مال أصلا فلا معنى لوجوب الأجل؛ لأنه لا حد لليسار يؤجل إليه، ثم إن قدَّر العوض وأفرز له المعوض ملكه به كائنا ما كان وإن كان المضطر محجورا وقدره وليه بأضعاف ثمن مثله؛ للضرورة، وإن لم يقدره أو لم يفرزه له لزمه مثل المثلي وقيمة المتقوم في ذلك الزمن والمكان. أما مع ضيق الوقت عن تقدير عوض بأن كان لو قدر مات فيلزمه إطعامه مجانا

(5)

، (ولو أطعمه ولم يذكر عوضا فالأصح لا عوض) له؛ لتقصيره فإن صرح بالإباحة فلا عوض قطعا، وكذا لو ظهرت قرينتها ولو اختلفا في ذكر العوض صدق المالك بيمينه، ومرّ قبيل الوليمة وأول القرض ماله تعلق بذلك.

(1)

. أي حالا كما قيده الشارح في التيمم 1/ 326.

(2)

. سكت عن هذا المغني.

(3)

. خلافا لهما.

(4)

. خلافا لهما.

(5)

. وفاقا للنهاية والأسنى وخلافا للمغني.

ص: 337

وَلَوْ وَجَدَ مُضْطَرٌّ مَيْتَةً وَطَعَامَ غَيْرِهِ، أَوْ مُحْرِمٌ مَيْتَةً وَصَيْدًا فَالمَذْهَبُ أَكْلُهَا. وَالْأَصَحُّ تَحْرِيمُ قَطْعِ بَعْضِهِ لِأَكْلِهِ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ جَوَازُهُ، وَشَرْطُهُ فَقْدُ المَيْتَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَنْ يَكُونَ الخَوْفُ فِي قَطْعِهِ أَقَلَّ،

(ولو وجد مضطر ميتة) غير آدمي محترم (وطعام غيره) الغائب فالمذهب أنه يلزمه أكلها؛ لأنها مباحة له بالنص الأقوى من الاجتهاد المبيح له مال الغير بلا إذنه. أما الحاضر فإن بذله ولو بثمن مثله أو بزيادة يتغابن بها وهو معه ولو ببذل سائر عورته إن لم يخف هلاكا بنحو برد أو رضي بذمته لم تحل الميتة، أو لا يتغابن بها حلت، ولا يقاتله هنا لو امتنع مطلقا (أو) وجد مضطر (مُحرِم) أو بالحرم (ميتة وصيدا) حيا، وأُلحق به لبنه وبيضه (فالمذهب) أنه يلزمه (أكلها) ; لأن في الصيد تحريم ذبحه المقتضي لكونه ميتة ولوجوب الجزاء وتحريم أكله وفيها تحريم واحد فكانت أخف، نعم لو وجد المحرم حلالا يذبح الصيد حرمت وإن ذبحه له; لأن هذا يُحرِّمه عليه وحده فهو أخف منها؛ لحرمتها على العموم، أو وجد ميتة ولحم صيد ذبحه محرم يخير بينهما، أو صيدا حيا وميتة وطعام الغير فالأصح تعين الميتة أيضا. ولو لم يجد مُحرِم أو من بالحرم إلا صيدا ذبحه وأكله وافتدى، أو ميتة أكلها ولا فدية، أو صيدا وطعام الغير أكل الصيد

(1)

; لأن حق الله تعالى مبني على المسامحة ما لم يحضر مالك الطعام ويبذله له ولو بثمن مثله.

[فرع] عمّ الحرام الأرض جاز أن يستعمل منه ما تمس حاجته إليه دون ما زاد، هذا إن توقع معرفة أربابه، وإلا صار مال بيت المال فيأخذ منه بقدر ما يستحقه فيه

. (والأصح تحريم قطع بعضه) أي بعض نفسه (لأَكْلِهِ)؛ لتوقع الهلاك منه (قلت: الأصح جوازه) لما يسد به رمقه أو لما يشبعه بشرطه؛ لأنه قطع بعض لاستبقاء كل فهو كقطع يد متآكلة، (وشرطه) أي حل قطع البعض (فقد الميتة ونحوها) كطعام الغير فمتى وجد ما يأكله حرم ذاك قطعا (وأن) لا يكون في قطعه خوف أصلا أو (يكون الخوف في قطعه أقلّ) منه في تركه، فإن كان مثله أو أكثر أو الخوف في القطع فقط حرم قطعا، وإنما جاز قطع السلعة عند تساوي الخطرين؛ لأنها لحم زائد وبقطعها يزول شينها ويحصل الشفاء وهذا تغيير وإفساد للبنية الأصلية فضويق فيه، ومن ثم لو كان ما يراد قطعه نحو سلعة أو يد متآكلة جاز هنا حيث يجوز قطعها في حالة

(1)

. وفاقا للأسنى والمغني وخلافا لبعض نسخ النهاية.

ص: 338

وَيَحْرُمُ قَطْعُهُ لِغَيْرِهِ وَمِنْ مَعْصُومٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

الاختيار بالأولى (ويحرم قطعه) أي البعض من نفسه (لغيره) ولو مضطرا؛ لفقد استبقاء الكل هنا، نعم يجب قطعه لنبي (و) يحرم على مضطر قطع البعض (من معصوم) لأجل نفسه (والله أعلم)؛ لما ذكر والمعصوم هنا من لا يجوز قتله للأكل. أما غير المعصوم كحربي ومرتد ومحارب وزان محصن وتارك صلاة فيجوز قطع البعض منه لأكله، ومتى قدر على قتله حرم عليه أكله حيا.

ص: 339

‌كتاب المسابقة والمناضلة

هُمَا سُنَّةٌ. وَيَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا. وَتَصِحُّ المُنَاضَلَةُ عَلَى سِهَامٍ، وَكَذَا مَزَارِيقُ وَرِمَاحٌ وَرَمْيٌ بِأَحْجَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ، وَكُلِّ نَافِعٍ فِي الحَرْبِ عَلَى المَذْهَبِ

(كتاب المسابقة والمناضلة)

والأولى على نحو الخيل وتسمى الرهان والثانية على نحو السهام. والأصل فيهما قبل الإجماع قوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} الأنفال: 60 صحّ أنه صلى الله عليه وسلم ((فسَّرها بالرمي))، وأنه ((سابق بين الخيل الجيدة إلى خمسة أميال وغيرها إلى ميل)) (هما) أي كل منهما بقصد التأهب للجهاد (سنة) للرجال المسلمين؛ لما ذكر دون النساء والخناثى؛ لعدم تأهلهما لهما أي تحرم بمال لا بغيره. ويكره كراهة شديدة لمن عرف الرمي تركه؛ لخبر مسلم ((من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا أو قد عصى))، والمناضلة آكد؛ للآية ولخبر السنن ((ارموا أو اركبوا وأن ترموا خير لكم من أن تركبوا

(1)

. إما بقصد مباح فمباحان، أو حرام كقطع طريق فحرامان (ويحل أخذ عوض عليهما)؛ لأخبار فيه ويأتي بيانه. وشرط باذله -لا قابله- إطلاق التصرف فيمتنع على الولي صرف شيء من مال موليه فيه؛ لأنه ليس مظنة للتعلم بخلاف تعلم صنعة أو نحو قرآن، وصح خبر ((لا سَبَق إلا في خف أو حافر أو نصل)) (وتصح المناضلة على سهام) عربية وهي النبل وعجمية وهي النشاب وعلى جميع أنواع القسي والمسلات

(2)

والإبر (وكذا مزاريق) وهي رماح قصار (ورماح) عطف عام على خاص (ورمي بأحجار) بيد أو مقلاع

(3)

(ومَنجَنيق

(4)

عطف خاص على عام (وكل نافع في الحرب) غير ما ذكر كالتردد بالسيوف والرماح (على المذهب) ; لأن كل نافع فيه في معنى السهم المنصوص عليه فحل بعوض وغيره، وإنما يحل الرمي إلى غير الرامي أما رمي كلٌّ لصاحبه فحرام قطعا؛ لأنه يؤذي كثيرا، ومحله إن لم يكن عندهما حذق يغلب على ظنهما سلامتهما وإلا حل.

(1)

. وليسا فرضا كفاية خلافا للمغني.

(2)

. جمع مسلة وهي الإبرة العظيمة، تاج العروس.

(3)

. هو الذي يرمي به الحجر، الصحاح.

(4)

. هو القذاف التي ترمى بها الحجارة.

ص: 343

لَا عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ وَبُنْدُقٍ وَسِبَاحَةٍ وَشَِطْرَنْجٍ وَخَاتَمٍ، وَوُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ، وَمَعْرِفَةِ مَا بِيَدِهِ، وَتَصِحُّ المُسَابَقَةُ عَلَى خَيْلٍ، وَكَذَا فِيلٌ وَبَغْلٌ وَحِمَارٌ فِي الْأَظْهَرِ، لَا طَيْرٌ وَصِرَاعٌ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَقْدَهُمَا لَازِمٌ -لَا جَائِزٌ- فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ،

[فرع] يحل أنواع اللعب الخطرة من الحذاق بها الذين تغلب سلامتهم منها ويحل التفرج عليهم حينئذ كما يحل سماع الأعاجيب والغرائب من كل ما لا يتيقن كذبه بقصد الفرجة بل وما يتيقن كذبه لكن قصد به ضرب الأمثال والمواعظ وتعليم نحو الشجاعة على ألسنة آدميين أو حيوانات. وخرج برميه إشالته باليد ومراماته

(1)

فهو حرام بمال (لا) مسابقة بمال (على كرة صولجان) أي محجن وهو خشبة محنية الرأس (وبندق

(2)

أي رمي به بيد أو قوس (وسباحة) وغطس بماء اعتيد الاستعانة بذلك الغطس في الحرب (وشَِطرنج وخاتم ووقوف على رجل) وكذا شباك (ومعرفة ما بيده) من زوج أو فرد، وكذا سائر أنواع اللعب كمسابقة بسفن أو أقدام؛ لعدم نفع كل ذلك في الحرب أي نفعا له وقع يقصد فيه. أما بغير مال فيباح كل ذلك (وتصح المسابقة) بعوض (على خيل) وإبل تصلح لذلك وإن لم تكن مما يسهم لها (وكذا فيل وبغل وحمار في الأظهر)؛ لعموم الخف والحافر في الخبر لكل ذلك، أما بغير عوض فيصح قطعا (لا) على بقر أي بعوض، وبه يعلم جواز ركوب البقر، ولا على نحو مهارشة ديكة ومناطحة كباش ولو بلا عوض اتفاقا؛ لأنه سَفَه، ولا على (طير وصِراع) بعوض فيهما (في الأصح)؛ لعدم نفعهما في الحرب. أما بلا عوض فيصح جزما (والأظهر أن عقدهما) المشتمل على إيجاب وقبول أي المسابقة والمناضلة بعوض منهما أو من أحدهما أو من غيرهما (لازم) كالإجارة لكن من جهة ملتزم العوض فقط، وتجب أجرة المثل في الفاسدة (لا جائز) من جهته بخلاف غيره كالمحلل الآتي، أما بلا عوض فجائز جزما، وعلى لزومه، (فليس لأحدهما) الذي هو ملتزمه، ولا للأجنبي الملتزم أيضا (فسخه) إلا إذا ظهر عيب في عوض معين وقد التزم كل منهما كما في الأجرة، نعم لا يجب التسليم هنا قبل المسابقة بخلاف الإجارة؛ لأن في الإجارة عوضا يقبضه حالا فلزمه الإقباض قبل الاستيفاء ولا كذلك هنا،

(1)

. بأن يرمي كل منهما الحجر على صاحبه.

(2)

. هو الذي يرمى به، لسان العرب.

ص: 344

وَلَا تَرْكُ الْعَمَلِ قَبْلَ شُرُوعٍ وَبَعْدَهُ، وَلَا زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ فِيهِ، وَلَا فِي مَالٍ. وَشَرْطُ المُسَابَقَةِ عِلْمُ المَوْقِفِ وَالْغَايَةِ، وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا، وَتَعْيِينُ الْفَرَسَيْنِ وَيَتَعَيَّنَانِ، وَإِمْكَانُ سَبْقِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا،

أما هما

(1)

فلهما الفسخ مطلقا (ولا ترك العمل قبل شروع وبعده) من منضول مطلقا وناضل أمكن أن يدرك ويسبق وإلا جاز له؛ لأنه ترك حق نفسه (ولا زيادة ونقص فيه) أي العمل (ولا في مال) ملتزم بالعقد وإن وافقه الآخر إلا أن يفسخاه ويستأنفا عقدا، (وشرط المسابقة) من اثنين مثلا (علم) المسافة بالذرع أو المشاهدة و (الموقف) الذي يجريان منه (والغاية

(2)

التي يجريان إليها. هذا إن لم يغلب عرف وإلا لم يشترط شيء فما غلب فيه العرف وعرفه المتعاقدان يحمل المطلق عليه كما يأتي في نظيره (وتساويهما فيهما) فلو شرط تقدم أحدهما فيهما أو في أحدهما امتنع؛ لأن القصد معرفة الأسبق وهو لا يحصل مع ذلك، ويجوز أن يعينا غاية إن أتفق سبق عندها وإلا فغاية أخرى عيناها بعدها، لا أن يتفقا على أنه إن وقع سبق في نحو وسط الميدان وقفا عن الغاية؛ لأن السابق قد يُسْبَق، ولا أن المال لمن سبق بلا غاية (وتعيين) الراكبين كالراميين بإشارة لا وصف و (الفرسين) مثلا بإشارة أو وصفِ سلمٍ; لأن القصد امتحان سيرهما (و) لهذا (يتعينان) إن عينا بالعين، وكذا الراكبان والراميان كما يأتي فيمتنع إبدال أحدهما، فإن مات أو عمي أو قطعت يده مثلا أبدل الموصوف وانفسخ في المعين، نعم في موت الراكب يقوم وارثه ولو بنائبه مقامه فإن أبى استأجر عليه الحاكم، وظاهرٌ أن محله إن كان مورثه لا يجوز له الفسخ لكونه ملتزما. وعند نحو مرض أحدهما ينتظر إن رجي أي وإلا جاز الفسخ إلا في الراكب فيبدل (وإمكان) قطعهما المسافة، و (سبق كل واحد منهما) لا على ندور، وكذا في الراميين، فإن ضعف أحدهما بحيث يُقطع بتخلفه أو يندر سبقه نظرنا فإن أخرج المال مَن يقطع بتخلفه أو سبقه جاز؛ لأنه كالباذل جعلا

(3)

-أي في نحو قوله لغيره إرمِ كذا فلك هذا المال-، أما إن أخرجاه معا ولا محلل وأحدهما يقطع بسبقه فالسابق كالمحلل؛ لأنه لا يغرم شيئا وشرط المال من جهته لغوٌ، وعُلم من هذا اشتراط اتحاد الجنس لا النوع وإن

(1)

. أي من المتعاقدان الملتزمان وهو محترز قول المتن لأحدهما.

(2)

. ظاهره اشتراط علم الوقف والغاية مع علم المسافة، وفي المغني أن الشرط أحدهما.

(3)

. علل بذلك الروض والأسنى.

ص: 345

وَالْعِلْمُ بِالمَالِ المَشْرُوطِ. وَيَجُوزُ شَرْطُ المَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ: مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ المَالِ أَوْ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا. وَمِنْ أَحَدِهِمَا فَيَقُولُ إنْ سَبَقَتْنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا أَوْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ عَلَيْك فَإِنْ شُرِطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ فَرَسُهُ كُِفْءٌ لِفَرَسَيْهِمَا، فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ المَالَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ،

تباعد النوعان إن وجد الإمكان المذكور، نعم يجوز بين بغل وحمار؛ لتقاربهما، ومنه يؤخذ أن الكلام في بغل أحد أبويه حمار (والعلم بالمال المشروط) برؤية المعين ووصف الملتزم في الذمة كما مر في الثمن، فإن جهل فسد واستحق السابق أجرة المثل، وركوبهما لهما، فلو شرطا جريهما بأنفسهما فسد، واجتناب شرط مفسد كإطعام السبق لأصحابه أو إن سبقه لا يسابقه إلى شهر، وإسلامهما; لأن مبيحه غرض الجهاد، وإطلاق التصرف في مُخْرِج المال فقط كما مر; لأن الآخر إما آخذ أو غير غارم (ويجوز شرط المال من غيرهما بأن يقول الإمام أو أحد الرعية من سبق منكما فله في بيت المال) كذا هذا -خاص بالإمام- (أو فله عليَّ كذا) -هذا عام فيهما

(1)

-؛ لما في ذلك من الحث على الفروسية وبذل مال في قربة، ومنه يؤخذ ندب ذلك (و) يجوز شرطه (من أحدهما فيقول إن سبقتني فلك عليَّ كذا أو سبقتك فلا شيء) لي (عليك)؛ إذ لا قمار (فإن شرط أن من سبق منهما فله على الآخر كذا لم يصح)؛ لتردد كل بين أن يغنم أو يغرم وهو القمار المحرم (إلا بمحلل) يكافئهما في المركوب وغيره، و (فرسه) مثلا المعين (كَُِفء) أي مساوٍ (لفرسهما) إن سَبَق أخذ مالهما وإن سُبِق لم يغرم شيئا، فحينئذ يصح؛ للخبر الصحيح ((من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يؤمن أن يسبق فليس بقمار ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار))، فإذا كان قمارا عند الأمن من سبق فرس المحلل فعند عدم المحلل أولى، وقوله فيه بين فرسين للغالب فيجوز كونه بجنب أحدهما إن رضيا وإلا تعين التوسط، ويكفي محلل واحد بين أكثر من فرسين. أما إذا لم يكافئ فرسه فرسيهما فلا يصح نظير ما مر (فإن سبقهما أخذ المالين) سواء أجاءا معا أو مرتبا (وإن سبقاه وجاءا معا) أولم يسبق أحد (فلا شيء لأحد).

(1)

. خلافا للمغني حيث خصه بغير الإمام.

ص: 346

وَإِنْ جَاءَ مَعَ أَحَدِهِمَا فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ، وَمَالُ المُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَالَّذِي مَعَهُ، وَقِيلَ لِلْمُحَلِّلِ فَقَطْ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ المُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا، وَشُرِطَ لِلثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ فَسَدَ، وَدُونَهُ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ. وَسَبْقُ إبِلٍ بِكَتِفٍ، وَخَيْلٍ بِعُنُقٍ، وَقِيلَ بِالْقَوَائِمِ فِيهِمَا. وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ مُبَادَرَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبْدُرَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ المَشْرُوطِ،

(وإن جاء مع أحدهما) وتأخر الآخر (فمال هذا) الذي جاء معه (لنفسه)؛ لأنه لم يسبق (ومال المتأخر للمحلل والذي معه)؛ لأنهما سبقاه (وقيل للمحلل فقط)؛ بناء على أنه محلل لنفسه فقط والأصح أنه محلل لنفسه وغيره (وإن جاء أحدهما ثم المحلل ثم الآخر) أو سبقاه وجاءا مرتبين أو سبقه أحدهما وجاء مع المتأخر (فمال الآخر للأول في الأصح)؛ لسبقه لهما فعلم من كلامه حكم جميع الصور الثمانية التي ذكروها أن يسبقهما وهما معا أو مرتبا أو يسبقاه وهما معا أو مرتبا أو يتوسطهما أو يصاحب أولهما أو ثانيهما أو يأتي الثلاثة معا (وإن تسابق ثلاثة فصاعدا وشرط) من رابع (للثاني) عليه (مثل الأول فسد) العقد; لأن كلا لا يجتهد في السبق لوثوقه بالمال سَبَقَ أو سُبِقَ، والمعتمد الصحة؛ لأن كلا يجتهد أن يكون أولا أو ثانيا؛ ليفوز بالعوض، ومن ثم لو كانا اثنين فقط وشرط للثاني مثل الأول أو ثلاثة وشرط للثاني أكثر من الأول فسد (و) إذا شرط للثاني (دونه) أي الأول (يجوز في الأصح) ; لأن كلا يجتهد أن يكون أولا ليفوز بالأكثر. ولو كانوا عشرة وشرط لكلِّ واحد سوى الأخير مثل أو دون من قبله لم يجز

(1)

. (وسبق إبل) وكل ذي خف كفيل عند إطلاق العقد (بكتف) أو بعضه عند الغاية (وخيل) وكل ذي حافر (بعنق) أو بعضه عند الغاية؛ لأنها لا ترفعه، ومن ثم لو رفعته اعتبر فيها الكتف. ولو اختلف طول عنقهما فسَبْقُ الأطول بتقدمه بأكثر من قدر الزائد، أما لو سبق الأقصر حينئذٍ فيكفي أن يجاوز عنقه بعض زيادة الأطول لا كلها (وقيل) السبق (بالقوائم فيهما) أي الإبل والخيل; لأن العدو بها، والعبرة بالسبق عند الغاية لا قبلها. ولو عثر أو ساخت قوائمه بالأرض أو وقف لمرض فتقدم الآخر لم يكن سابقا.

(ويشترط للمناضلة) أي فيها (بيان أن الرمي مبادرة وهي أن يبدُر) أي يسبق (أحدهما بإصابة) الواحد أو (العدد المشروط) إصابته من عدد معلوم كعشرين من كلٍّ مع استوائهما في

(1)

. خلافا لهم.

ص: 347

أَوْ مُحَاطَّةٌ، وَهِيَ أَنْ تُقَابَلَ إصَابَاتُهُمَا، وَيُطْرَحَ المُشْتَرَكُ فَمَنْ زَادَ بِعَدَدِ كَذَا فَنَاضِلٌ، وَبَيَانُ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ،

العدد المرمي أو اليأس من استوائهما في الإصابة، فلو شرط أن من سبق لخمسة من عشرين فله كذا فرمى كلٌّ عشرين أو عشرة وتميز أحدهما بإصابة الخمسة فهو الناضل وإلا فلا، فإن أصاب أحدهما خمسة من عشرين والآخر أربعة من تسعة عشر تممها؛ لجواز أن يصيب في الباقي أو ثلاثة فلا ليأسه من الاستواء في الإصابة مع استوائهما في رمي عشرين (أو محاطّة وهي أن تقابل إصاباتهما) من عدد معلوم كعشرين من كل (ويطرح المشترك) بينهما من الإصابات (فمن زاد) منهما بواحد أو (بعدد كذا) كخمس (فناضل) للآخر والمعتمد أنه لا يشترط؛ لصحة العقد بيان ما ذكر

(1)

، بل يكفي إطلاقه ويحمل على المبادرة وإن جهلاها؛ لأنها الغالب (و) يشترط للمناضلة؛ بناء على خلاف المعتمد المذكور (بيان عدد نُوب الرمي) في كل من المحاطة والمبادرة؛ لينضبط العمل إذ هذا وما بعده هنا كالميدان في المسابقة وذلك كأربع نوب كل نوبة خمسة أسهم وكسهم سهم أو اثنين اثنين، ويجوز شرط تقدم واحد بجميع سهامه فإن أطلقا حمل على سهم سهم. أما بيان عدد ما يرميه كل فهو شرط

(2)

مطلقا

(3)

(و) بيان عدد (الإصابة) كخمسة من عشرين; لأن الاستحقاق بها وبها يتبين حذق الرامي، وعلى المعتمد لا يشترط ذلك وعليه أيضا لو قالا نرمي عشرة فمن أصاب أكثر من صاحبه فناضل صح. ويشترط إمكانها فإن ندر كعشرة أو تسعة من عشرة وكشِدَّة صغر الغرض أو بعده فوق مائتين وخمسين ذراعا بذراع اليد المعتدلة لم يصح. والتحديد بذلك إنما يأتي على عرف السلف وأما الآن فقد أتقنت القسي حتى صار الحاذق يرمي أضعاف ذلك العدد فلا يبعد التقدير لكل قوم بما هو الغالب في عرفهم، أو تيقن كواحد من مائة لحاذق فكذلك على الأوجه؛ لأنها عبث. ويشترط اتحاد جنس ما يرمى به لا كسهم مع مزراق

(4)

، والعلم بمال شُرِط وتقارب المتناضلين في الحذق وتعيينها كالموقف والاستواء فيه، أي: الموقف.

(1)

. أي من كون الرمي مبادرة أو محاطة.

(2)

. استثنى المغني وشرح الروض ما إذا توافقا على رمية واحدة وشرط المال لمصيبها فيصح.

(3)

. أي سواء كان هنا عرف غالب في ذلك أم لا.

(4)

. هو رمح قصير، تاج العروس.

ص: 348

وَمَسَافَةِ الرَّمْيِ، وَقَدْرِ الْغَرَضِ طُولًا وَعَرْضًا إلَّا أَنْ يُعْقَدَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرَضٌ مَعْلُومٌ، فَيُحْمَلُ المُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الرَّمْيِ مِنْ قَرْعٍ، وَهُوَ إصَابَةُ الشَّنِّ بِلَا خَدْشٍ، أَوْ خَزْقٍ وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ، أَوْ خَسْقٍ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ، أَوْ مَرْقٍ، وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ، فَإِنْ أَطْلَقَا اقْتَضَى الْقَرْعَ، وَيَجُوزُ عِوَضُ المُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ عِوَضُ المُسَابَقَةِ بِشَرْطِهِ،

(و) بيان علم الموقف والغاية و (مسافة الرمي) بالذرع أو المشاهدة حيث لا عادة وقصدا غرضا وإلا لم يحتج لبيان ذلك ويُنَزَّل على عادة الرماة الغالبة، ثم إن عرفاها وإلا اشترط بيانها. ولو تناضلا على أن يكون السبق لأبعدهما رميا ولم يقصدا غرضا صح إن استوى السهمان خفة ورزانة والقوسان شدة ولينا (وقدر الغرض) المرمي إليه من نحو خشب أو قرطاس أو دائرة (طولا وعرضا) وسمكا وارتفاعا من الأرض؛ لاختلاف الغرض بذلك (إلا أن يعقد بموضع فيه غرض معلوم فيحمل) العقد (المطلق) عن بيان غرض (عليه) أي الغرض المعتاد نظير ما مر في المسافة، ويُبيِّنان أيضا موضع الإصابة أهو الهدف أم الغرض المنصوب فيه أم الدارة

(1)

في الشن أم الخاتم

(2)

في الدارة إن قلنا بصحة شرطه، (وليبينا) ندبا (صفة الرمي) المعلق بإصابة الغرض (من قرْع وهو إصابة الشَّن) المعلق وهو الجلد البالي، والمراد هنا مطلق الغرض (بلا خدش) له أي أنه يكفي فيه ذلك لا إن ما بعده يضر، وكذا في الباقي (أو خَزْق وهو أن يثقبه ولا يثبت فيه أو خَسْق وهو أن يثبت فيه) أو في بعض طرفه -ويسمى خرما- وإن سقط بعد (أو مرق وهو أن ينفذ) منه ويخرج من الجانب الآخر، والحوابي وهو أن يقع السهم بين يدي الغرض ثم يثب إليه، ولا يتعين ما عيناه من هذه مطلقا بل كل يغني عنها ما بعدها كما مر فالقرع يغني عنه الخزق وما بعده والخزق يغني عنه الخسق وما بعده وهكذا والعبرة بإصابة النصل كما يأتي، (فإن أطلقا) العقد عن ذكر واحد من هذه (اقتضى القرع)؛ لأنه المتعارف، وبه يعلم أن الأمر في قوله وليبينا للندب كما مر دون الوجوب وإلا لم يصح مع الإطلاق. (ويجوز عوض المناضلة من حيث يجوز عوض المسابقة بشرطه) فيجوز من غيرهما، ومن أحدهما وكذا منهما بمحلل كفء لهما فإن كانا حزبين فكل حزب

(1)

. هي نقش مستدير كالقمر قبل استكماله قد يجعل بدل الرقعة وسط الغرض.

(2)

. هو نقش يجعل وسط الدارة.

ص: 349

وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ قَوْسٍ وَسَهْم، فَإِنْ عُيِّنَ لَغَا، وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ شُرِطَ مَنْعُ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ بِالرَّمْيِ. وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ يَخْتَارَانِ أَصْحَابًا جَازَ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا بِقُرْعَةٍ، فَإِنْ اخْتَارَ غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَسَقَطَ مِنْ الحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ، وَفِي بُطْلَانِ الْبَاقِي قَوْلَا تَفْرِيقُ الصَّفْقَةِ،

كشخص، (ولا يشترط تعيين قوس وسهم) بعينه ولا نوعه; لأن الاعتماد على الرامي بخلاف الفرس فإن أطلقا واتفقا على شيء فذاك وإلا فسخ العقد، (فإن عين) قوس أو سهم بعينه (لغا) تعيينه (وجاز إبداله بمثله) من ذلك النوع وإن لم يحدث فيه خلل بخلاف الفرس، أما بغير نوعه فلا يجوز إلا بالرضا، (فإن شرط منع إبداله فسد العقد)؛ لأنه يخالف مقتضاه إذ قد يعرض للرامي أمر خفي يحوجه إليه ففي منعه منه تضييق (والأظهر اشتراط بيان البادئ بالرمي) مطلقا؛ لاشتراط الترتيب بينهما فيه لئلا يشتبه المصيب بالمخطئ لو رميا معا، (ولو حضر جمع للمناضلة فانتصب) منهم برضاهم (زعيمان) فلا يكفي واحد (يختاران) قبل العقد (أصحابا) أي هذا واحدا ثم هذا واحدا وهكذا؛ لئلا يستوعب أحدهما الحذاق، ويبدأ بالتعيين من رضياه وإلا فالقرعة ثم يتوكل كلٌّ عن حزبه في العقد ثم يعقدان (جاز)؛ إذ لا محذور فيه، وكل حزب إصابةً وخطأً كشخص واحد في جميع ما مر فيه فمن ذلك أنه يشترط حزب ثالث محلل كفء لكل منهما عددا ورميا إن بذلا مالا وتساويهما في عدد الإرشاق والإصابات وانقسام المجموع عليهم صحيحا فإن تحزبوا ثلاثة وثلاثة أو أربعة وأربعة اشترط أن يكون للعدد ثلث أو ربع صحيح كالثلاثين والأربعين، (ولا يجوز شرط تعيينهما) الأصحاب (بقرعة)؛ لأنها قد تجمع الحذاق في جانب فيفوت المقصود، نعم إن ضم حاذق إلى غيره وفي كل جانب وأقرع فلا بأس، (فإن اختار) أحد الزعيمين (غريبا ظنه راميا فبان خلافة) أي غير محسن لأصل الرمي (بطل العقد فيه وسقط من الحزب الآخر واحد) في مقابلته؛ ليتساويا. أما لو بان ضعيف الرمي فلا فسخ لحزبه أو فوق ما ظنوه فلا فسخ للحزب الآخر (وفي بطلان) العقد في (الباقي قولا تفريق الصفقة) وأصحهما الصحة فيصح هنا

ص: 350

فَإِنْ صَحَّحْنَا فَلَهُمْ جَمِيعًا الخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازُوا وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يَسْقُطُ بَدَلُهُ فَسَخَ الْعَقْدُ. وَإِذَا نَضَلَ حِزْبٌ قُسِمَ المَالُ بِحَسَبِ الْإِصَابَةِ، وَقِيلَ بِالسَّوِيَّةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِصَابَةِ المَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّضْلِ، فَلَوْ تَلِفَ وَتَرٌ أَوْ قَوْسٌ أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ بِهِ حُسِبَ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَقَلَتِ رِيحٌ الْغَرَضَ فَأَصَابَ مَوْضِعَهُ حُسِبَ لَهُ، وَإِلَّا فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ. وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ فَثَقَبَ وَثَبَتَ ثُمَّ سَقَطَ، أَوْ لَقِيَ صَلَابَةً فَسَقَطَ حُسِبَ لَهُ

(فإن صححنا فلهم جميعا الخيار) بين الفسخ والإجازة؛ للتبعيض (فإن أجازوا وتنازعوا فيمن يسقط بدله فسخ العقد

(1)

؛ لتعذر إمضائه.

(وإذا نضل حزب قسم المال) بينهم (بحسب الإصابة)؛ لأنهم استحقوا بها (وقيل) وهو الأصح يقسم بينهم (بالسوية)؛ لأنهم كشخص واحد كما أن المنضولين يغرمون بالسوية (ويشترط في الإصابة المشروطة أن تحصل بالنصل) الذي في السهم دون فوقه وعُرضه؛ لأنه المتعارف، نعم إن قارن ابتداء رمية ريح عاصفة لم يحسب له إن أصاب ولا عليه إن أخطأ؛ لقوة تأثيرها (فلو تلف وتر أو قوس) ولو مع خروجه بلا تقصيره ولا سوء رمية كأن حدثت ريح عاصفة أو علة بيده (أو عرض شيء) كبهيمة (انصدم به السهم وأصاب) الغرض في كل ذلك (حسب له) ; لأن الإصابة مع ذلك تدل على جودة الرمي وقوة الساعد (وإلا) يصبه (لم يحسب عليه)؛ لعذره فيعيد رمية، إما بتقصيره أو سوء رميه فيحسب عليه، (ولو نقلت) بعد الرمي (ريح الغرض) عن محله (فأصاب موضعه حسب له)؛ إذ لو كان فيه لأصابه، (وإلا) يصب موضعه (فلا يحسب عليه)؛ إحالة على السبب العارض، أما إذا نقلته الريح قبل الرمي فلا يحسب له مطلقا؛ لتقصيره

(2)

(ولو شرط خسق فثقب) السهم الغرض (وثبت) فيه (ثم سقط أو لقي صلابة) منعته من ثقبه (فسقط حُسِب له)؛ لعذره. ويسن جعل شاهدين عند الغرض ليشهدا على ما يريانه من إصابة وغيرها، وليس لهما ولا لغيرهما مدح أو ذم أحدهما مطلقا؛ لأنه يخل بالنشاط.

(1)

. خلافا للمغني فلا فسخ عنده وأول المتن.

(2)

. التفصيل بين نقل الريح قبل الرمي وبعده هو الذي ارتضاه الشارح في تأويل عبارة المنهاج، ومال المغني إلى تأويل آخر.

ص: 351

‌كتاب الأيمان

لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ كَقَوْلِهِ: وَاَللهِ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ، وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سبحانه وتعالى

(كتاب الأيمان)

بالفتح جمع يمين، ويرادفه الإيلاء والقسم. وهي شرعا بالنظر لوجوب تكفيرها تحقيق أمر محتمل بما يأتي، وبعضهم أبدل ((محتمل)) بـ ((غير ثابت)) فيدخل الممتنع

(1)

، ويسمى الحلف بنحو الطلاق يمينا شرعية وإن لم يكن فيه تكفير. فخرج بالتحقيق لغو اليمين الآتي، وبالمحتمل نحو لأموتن أو لا أصعد السماء؛ لعدم تصور الحنث فيه بذاته فلا إخلال فيه بتعظيم اسمه تعالى بخلاف لا مُتُّ ولأصعدن السماء ولأقتلن الميت فإنه يمين يجب تكفيرها حالا ما لم يقيد بوقت كغد فيكفر غدا وذلك؛ لهتكه حرمة الاسم، والفرق أن امتناع الحنث لا يخل بتعظيم اسم الله وامتناع البر يخل به فيحوج إلى التكفير

(2)

. وشرط الحالف أن يكون مكلفا أو سكرانا مختارا قاصدا فخرج صبي ومجنون ومكره ولاغ. (لا تنعقد) اليمين (إلا بذات الله تعالى) أي اسم دال عليها وإن دل على صفة معها وهي في اصطلاح المتكلمين الحقيقة (أو صفة له) وستأتي، والمعنى أن كل يمين منعقدة لا تكون إلا باسم ذات أو صفة، لا أن كل ما هو باسم الله أو صفته يكون منعقداً.

فالأول بقسميه (كقوله والله ورب العالمين) أي مالك المخلوقات; لأن كل مخلوق علامة على وجود خالقه (والحي الذي لا يموت ومن نفسي بيده) -أي قدرته يصرفها كيف شاء- ومن فَلَقَ الحبة (وكل اسم مختص به) الله سبحانه وتعالى غير ما ذكر ولو مشتقا ومن غير أسمائه الحسنى كالإله ومالك يوم الدين والذي أعبده أو أسجد له ومقلب القلوب، فلا تنعقد بمخلوق كنبي وملك؛ للنهي الصحيح عن الحلف بالآباء، وللأمر بالحلف بالله، فإن

(1)

. كالروض والمغني.

(2)

. أفاده الشارح في تعليق الطلاق.

ص: 355

وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ: لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ. وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالرَّحِيمِ، وَالخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، وَالرَّبِّ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ. وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ: كَالشَّيْءِ وَالمَوْجُودِ وَالْعَالِمِ وَالحَيِّ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةِ، وَالصِّفَةُ كَوَعَظَمَةِ اللهِ وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَمِينٌ،

حلف بمخلوق كره إلا إن قصد تعظيمه كتعظيم الله فيكفر، ويحرم الحلف بما لا حرمة له كالطلاق، نعم للمحتسب التحليف بالطلاق دون القاضي، بل يعزله الإمام به.

[تنبيه] لا تنعقد

(1)

اليمين الغموس وهي أن يحلف على ماض كاذبا عامدا; لأن الحنث اقترن بها ظاهرا وكذا باطنا على الأصح

، (ولا يقبل) ظاهرا ولا باطنا

(2)

(قوله لم أرد به اليمين) يعني لم أرد بما سبق من الأسماء والصفات الله تعالى; لأنها نص في معناها لا تحتمل غيره. أما لو قال في نحو بالله أو والله لأفعلن أردت بها غير اليمين كبالله أو والله المستعان أو وثقت أو استعنت بالله، ثم ابتدأت بقولي لأفعلن فإنه يقبل ظاهرا لكن بالنسبة لحق الله تعالى دون طلاق وإيلاء وعتق فلا يقبل ظاهرا؛ لتعلق حق الغير به، (وما انصرف إليه سبحانه عند الإطلاق) غالبا وإلى غيره بالتقييد (كالرحيم والخالق والرازق) والمصور والجبار والمتكبر والحق والقاهر والقادر (والرب تنعقد به اليمين) ; لانصراف الإطلاق إليه تعالى، وأل فيها للكمال (إلا أن يريد) بها (غيره) تعالى بأن أراده تعالى أو أطلق بخلاف ما لو أراد بها غيره; لأنه قد يستعمل في ذلك كرحيم القلب وخالق الكذب. (وما استعمل فيه وفي غيره) تعالى (سواء كالشيء والموجود والعالِم والحي) والسميع والبصير والعليم والحليم والغني (ليس بيمين إلا بنية) بأن أراده تعالى بها بخلاف ما إذا أراد بها غيره أو أطلق; لأنها لَمَّا أطلقت عليهما سواء أشبهت الكنايات والاشتراك إنما يمنع الحرمة والتعظيم عند عدم النية. ولا تنعقد بالجناب الرفيع وإن نوى به الله؛ لاستحالة ذلك عليه.

(و) الثاني ويختص من الصفات بما لا شركة فيه وهو (الصفة) الذاتية وهي (كوعظمة الله وعزته وكبريائه وكلامه وعلمه وقدرته ومشيئته) وإرادته، والفرض أنه أتى بالظاهر بدل الضمير في الكل (يمين) وإن أطلق; لأنه تعالى لَمَّا لم يَزَل موصوفا بها أشبهت أسماءه المختصة به.

(1)

. هذا ظاهر الشارح خلافا للمغني وشرح الروض والشهاب الرملي.

(2)

. قيد المغني والروض مع شرحه ذلك بما إذا لم تكن هناك قرينه تدل على قصده اليمين وإلا لم يصدق ظاهرا.

ص: 356

إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْعِلْمِ المَعْلُومَ، وَبِالْقُدْرَةِ المَقْدُورَ. وَلَوْ قَالَ وَحَقِّ اللهِ فَيَمِينٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعِبَادَاتِ. وَحُرُوفُ الْقَسَمِ بَاءٌ وَوَاوٌ وَتَاءٌ: كَبِاللهِ وَوَاللهِ وَتَاللهِ، وَتَخْتَصُّ التَّاءُ بِاَللهِ. وَلَوْ قَالَ اللهُ مَثَلًا لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ

[تنبيه] عُلم مما فسَّر به الصفة أن المراد بالاسم جميع الأسماء الحسنى التسعة والتسعين وما في معناها مما مر، سواء اشتق من صفة ذاته كالسميع أو فعله كالخالق

(إلا أن ينوي بالعلم المعلوم وبالقدرة المقدور) وبالعظمة وما بعدها ظهور آثارها كأن يريد بالكلام الحروف الدالة عليه، وإطلاق كلام الله تعالى عليها حقيقة شائعة في الكتاب والسنة فلا يكون يمينا; لأن اللفظ محتمل لذلك. وتنعقد بكتاب الله والآيات المنسوخة وبنحو التوراة ما لم يرد الألفاظ، وبالقرآن ما لم يرد به نحو الخطبة، وبالمصحف ما لم يرد به ورقه وجلده; لأنه عند الإطلاق لا ينصرف عرفا إلا لما فيه من القرآن، ولذا فلا فرق بين قوله والمصحف وقوله وحق المصحف. (ولو قال وحق الله) أو وحرمته لأفعلن أو ما فعلت كذا (فيمين) وإن أطلق؛ لغلبة استعماله فيها ولأن معناه وحقيقة الإلهية، نعم لا بد مع الإطلاق من جر حق وإلا كان كناية (إلا أن يريد) بالحق (العبادات) فلا يكون يمينا قطعا; لأنه يطلق عليها. وليست الطالب والغالب والمدرك والمهلك صرائح في اليمين؛ لأن أسماءه تعالى توقيفية ولم يرد شيء من منها. (و حروف القسم) المشهورة (باء وواو وتاء كبالله ووالله وتالله) فهي صريحة فيه جُرَّ أو نُصب أو رُفع أو سُكِّن; لأن اللحن لا يمنع الانعقاد. والأصح أن الألف في أالله ليست حرف قسم، (وتختص التاء بالله) أي بلفظ الجلالة. وشذ ترب الكعبة وتالرحمن، ويظهر أنها لا تنعقد بهما إلا بنية

(1)

، ومثلهما يالله وفالله وآلله بالاستفهام. (ولو قال الله مثلا لأفعلن كذا) ويجوز مد الألف وعدمه؛ إذ حكمهما واحد (ورفع أو نصب أو جر) أو سكن، أو قال أشهد بالله أو لعمر الله أو عليَّ عهد الله وميثاقه وذمته وأمانته وكفالته لأفعلن كذا (فليس بيمين إلا بنية) للقسم; لاحتماله لغيره احتمالا ظاهرا، ولا فرق هنا بين النحوي وغيره. وبِلّه بتشديد اللام وحذف الألف لغو

(2)

وإن نوى بها اليمين; لأن هذه كلمة غير الجلالة إذ هي الرطوبة.

(1)

. وفاقاً للنهاية وخلافاً للمغني.

(2)

. خلافاً لهما.

ص: 357

وَلَوْ قَالَ أَقْسَمْتُ أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ حَلَفْتُ أَوْ أَحْلِفُ بِاَللهِ لَأَفْعَلَنَّ فَيَمِينٌ إنْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ، وَلَو قَالَ قَصَدْتُ خَبَرًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا صُدِّقَ بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ بِاَللهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللهِ لَتَفْعَلَنَّ وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنَ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ. وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ لَمْ تَنْعَقِدْ

(ولو قال أقسمت أو أقسم أو حلفت أو أحلف) أو آليت أو أولي (بالله لأفعلن) كذا (فيمين إن نواها)؛ لاطراد العرف باستعمالها يمينا وأيده بنيتها (أو أطلق)؛ للعرف المذكور، وبه فارق شهدت أو أشهد بالله فإنه محتاج لنية اليمين به; لأنه لم يشتهر في اليمين، نعم هو في اللعان صريح كما مر، أما مع حذف بالله فلغو وإن نوى اليمين (ولو قال قصدت) بما ذكرت (خبرا ماضيا) في نحو أقسمت (أو مستقبلا) في نحو أقسم (صدق باطنا) ; فلا تلزمه كفارة (وكذا ظاهرا) ولو في نحو أقسمت

(1)

بالله لا وطئتك (على المذهب)؛ لاحتمال ما يدعيه، بل ظهوره. ولو عرفت له يمين سابقة قُبِل في نحو أقسمت جزما. (ولو قال لغيره أقسمت عليك بالله أو أسألك بالله لتفعلن) كذا (وأراد يمين نفسه فيمين)؛ لصلاحية اللفظ لها مع اشتهاره على ألسنة حملة الشرع. ويندب للمخاطب إبراره في غير معصية أو مكروه، فإن أبى كفر الحالف، (وإلا) يقصد يمين نفسه بل الشفاعة أو يمين المخاطب أو أطلق (فلا) تنعقد اليمين; لأنه لم يحلف هو ولا المخاطب. وظاهر صنيعه حيث سوى بين حلفت وغيرها فيما مر لا هنا أن حلفت عليك ليست كأقسمت وآليت عليك، ويوجه بأن هذين قد يستعملان لطلب الشفاعة بخلاف حلفت. ويكره رد السائل بالله أو بوجهه في غير المكروه والسؤال بذلك. (ولو قال إن فعلتُ كذا فأنا يهودي) أو نصراني (أو بريء من الإسلام) أو من الله أو من النبي أو مستحل الخمر (فليس بيمين) ; لانتفاء الاسم والصفة، ولا كفارة وإن حنث، نعم يحرم ذلك، ولا يَكْفُر به إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه أو أطلق، فإن علّق أو أراد الرضا بذلك إذا فعل كَفَرَ حالا. ولو مات مثلا ولم يعرف قصده لم يحكم بكفره، وإذا لم يُكَفَّر سن له أن يستغفر الله ويقول لا إله إلا الله محمد رسول الله (ومن سبق لسانه إلى لفظها) أي اليمين (بلا قصد) كبلى والله ولا والله في نحو غضب أو صلة كلام (لم تنعقد)؛ لقوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} البقرة: 225 .. الآية.

(1)

. أي مما بصيغة الماضي.

ص: 358

وَتَصِحُّ عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ. وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا فِي طَاعَةٍ. فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ عَصَى وَلَزِمَهُ الحِنْثُ وَكَفَّارَةٌ

[تنبيه] المراد تفسير اليمين بلا والله وبلى والله على البدل لا على الجمع

. أما لو قال لا والله وبلى والله في وقت واحد فإن قصد

(1)

الثانية أو شك في قصدها وقع -؛ لأنها استدراك فكانت مقصودة- وإلا فلغو. ولو قصد الحلف على شيء فسبق لسانه لغيره فهو من لغوها

(2)

. ولا تقبل ظاهرا دعوى اللغو في طلاق أو عتق أو إيلاء كما مر. (وتصح) اليمين (على ماضٍ) كما فعلت كذا أو فعلته إجماعا (و) على (مستقبل) كلأفعلن كذا أو لا أفعله; للخبر الصحيح ((والله لأغزون قريشا)). (وهي) أي اليمين (مكروهة)؛ لقوله تعالى {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} البقرة: 224 (إلا في طاعة) من فعل واجب أو مندوب وترك حرام أو مكروه فطاعة؛ اتباعا للخبر السابق ((والله لأغزون قريشا)) وإلا لحاجة كتوكيد كلام كقوله صلى الله عليه وسلم ((فوالله لا يمل الله حتى تملوا)) أو تعظيم أمر كقوله ((والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا)) وإلا في دعوى عند حاكم فلا يكره، بل يسن الأولان -أي التوكيد والتعظيم- إن كانا دينيين كما في الحديثين، وفي الأخير إن قصد صون المستحلف له عن الحرام لو رَدَّ عليه ومع ذلك فتعففه عن اليمين وتحليله أكمل. (فإن حلف على ترك واجب أو فعل حرام عصى) بالحلف، نعم لا يعصي من حلف على ترك واجب على الكفاية لم يتعين عليه أو يمكن سقوطه كالقود يسقط بالعفو (ولزمه الحنث

(3)

; لأن الإقامة على هذه الحالة معصية (وكفارة)، ومثله لو حلف بالطلاق ليصومن العيد فيلزمه الحنث ويقع عليه الطلاق لكن مع غروبه؛ لاحتمال موته قبله. ولو كان له طريق غير الحنث كما لو حلف أن لا ينفق على زوجته لم يلزمه الحنث؛ إذ يمكنه إعطاؤها من صداقها أو يقرضها ثم يبرئها.

(1)

. خلافاً لظاهر النهاية من انعقادها مطلقاً.

(2)

. وليس منه ما إذا دخل على صاحبه فأراد أن يقوم له فقال: ((والله لا تقم لي))، وفاقاً للنهاية وخلافاً للمغني.

(3)

. قال الشارح في الطلاق بعد كلام له: ((والحاصل أنه حيث خص يمينه بالمعصية أو أتى بما يعمها قاصداً دخولها أو دلت عليه قرينة حنث بخلاف من أطلق ولا قرينه فيحمل على الجائز؛ لأنه الممكن شرعاً والسابق إلى الفهم، ومنه أن يحلف لا يفارقه ظاناً يساره فبان إعساره فلا يحنث بمفارقته))، ثم ذكر بعده كلاماً يتعين الوقوف عليه.

ص: 359

أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ، أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ. أَوْ تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ الحِنْثِ، وَقِيلَ الحِنْثُ. وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ قِيلَ: وَحَرَامٍ، قُلْتُ: هَذَا أَصَحُّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

(أو) على (ترك مندوب) كنافلة (أو فعل مكروه) كاستعمال متشمس (سن حنثه، وعليه كفارة) ; لأنه صلى الله عليه وسلم قال ((من حلف على يمين ورأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه)) (أو) على فعل مندوب أو ترك مكروه كره حنثه، أو على (ترك مباح أو فعله) كدخول دار وأكل طعام كلا آكله أنا (فالأفضل ترك الحنث)؛ إبقاءً لتعظيم الاسم، نعم إن كان من شأنه تعلق غرض ديني بفعله أو تركه كلا يأكل طيبا أو لا يلبس ناعما، فإن قصد التأسي بالسلف أو الفراغ للعبادة فهي طاعة فيكره الحنث فيها وإلا فهي مكروهة فيندب فيها الحنث، (وقيل) الأفضل (الحنث)؛ لينتفع المساكين بالكفارة، نعم لو كان في عدم الحنث أذى للغير كأن حلف لا يدخل أو لا يأكل أو لا يلبس كذا ونحو صديقه يكرهه كان الأفضل الحنث قطعا.

[تنبيه] قد تجب اليمين

(1)

إذا تعينت للدفع عن ما لا يباح بالإباحة كنفس أو بضع

(2)

. (وله) أي الحالف بعد اليمين (تقديم كفارة بغير صوم على حنث جائز) -أي غير حرام؛ ليشمل الأقسام الخمسة الباقية- للخبر الصحيح ((فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير)) ; لأن سبب وجوبها اليمين والحنث جميعا والتقديم على أحد السببين

(3)

جائز، نعم الأولى تأخيرها عنهما خروجا من الخلاف، ومرَّ أن من حلف على ممتنع البر يكفر حالا بخلافه على ممكنه، فإن وقت الكفارة فيه يدخل بالحنث. أما الصوم فيمتنع تقديمه على الحنث; لأنه عبادة بدنية، (قيل و) على حنث (حرام، قلت: هذا أصح، والله أعلم) فلو حلف لا يزني فكفر ثم زنى لم تلزمه كفارة أخرى; لأن الحظر في الفعل ليس من حيث اليمين؛ لحرمة المحلوف عليه قبلها وبعدها فالتكفير لا يتعلق به استباحة. وشرط إجزاء العتق المعجلة كفارته بقاء العبد حيا مسلما

(1)

. مال الشارح في الوديعة إلى تقييد ذلك بالحلف بالله دون الطلاق 7/ 121.

(2)

. ولا تجب لدفع يمين خصمه الغموس على مالٍ خلافاً للنهاية، وذكر الشارح في الوديعة جوازها لنحو رد ظالم كي لا يأخذ نحو وديعة 7/ 121.

(3)

. هما هنا الحلف و الحنث.

ص: 360

وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ عَلَى الْعَوْدِ. وَقَتْلٍ عَلَى المَوْتِ. وَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ.

فصل

يَتَخَيَّرُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بَيْنَ عِتْقٍ كَالظِّهَارِ، وَإِطْعَامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ كُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ حَبٍّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ البَلَدِ،

إلى الحنث. ولو قدمها ولم يحنث استرجع إن شرط أو علم القابض التعجيل وإلا فلا. ولو أعتق ثم مات مثلا قبل حنثه وقع العتق تطوعا; لتعذر الاسترجاع فيه؛ لأنه لَمِّا لم يقع هنا حنثٌ بان أن العتق تطوع من غير سبب (و) يجوز تقديم (كفارة ظهار على العود) إذا كفر بغير صوم كأن ظاهر من رجعية ثم كفَّر ثم راجعها، وكأن طلق رجعيا عقب ظهاره ثم كفر ثم راجع، أما عتقه عقب ظهاره فهو تكفير مع العود; لأن اشتغاله بالعتق عود وذلك لوجود أحد السببين، ومن ثم امتنع تقديمها على الظهار (و) يجوز تقديم كفارة (قتل على الموت) وبعد وجود سببه من جرح أو نحوه (و) يجوز تقديم (منذور مالي) على ثاني سببيه كما إذا نذر تصدقا أو عتقا إن شفي مريضه أو عقب شفائه بيوم فأعتق أو تصدق قبل الشفاء.

(فصل) في بيان كفارة اليمين

(يتخير) الرشيد

(1)

الحر ولو كافرا (في كفارة اليمين بين عتق كالظهار) -أي كإعتاق عن كفارته- وهو إعتاق رقبة

(2)

كاملة مؤمنة بلا عيب يخل بالعمل أو الكسب ولو نحو غائب علمت حياته أو بانت كما مر. وهو

(3)

أفضلها ولو في زمن الغلاء (وإطعام عشرة مساكين كلِّ مسكين مد حب) أو غيره مما يجزئ في الفطرة (من غالب قوت البلد) في غالب السنة أي بلد المكفِّر، فلو أذن لأجنبي أن يكفر عنه اعتبر بلده لا بلد الآذن

(4)

.

(1)

. أما السفيه فقد تقدَّم في باب الحجر أنه يصوم في الكفارة المرتبة إن لم يأثم بها، أما إن أثم بها فيكفِّر بالمال.

(2)

. وذكر الشارح الأضحية أنها لا تتعين بالتعيين 9/ 360.

(3)

. أي العتق.

(4)

. خلافا لهما.

ص: 361

أَوْ كِسْوَتِهِمْ بِمَا يُسَمَّى كِسْوَةً كَقَمِيصٍ أَوْ عِمَامَةٍ أَوْ إزَارٍ لَا خُفٍّ وَقُفَّازَيْنِ وَمِنْطَقَةٍ، وَلَا يُشْتَرَطُ صَلَاحِيَتُهُ لِلْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَيَجُوزُ سَرَاوِيلُ صَغِيرٍ لِكَبِيرٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ، وَقُطْنٌ وَكَتَّانٌ وَحَرِيرٌ لِامْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَلَبِيسٌ لَمْ تَذْهَبْ قُوَّتُهُ،

ولا يجوز صرف أقلّ من مد لكل واحد ولا لدون عشرة ولو في عشرة أيام (أو كسوتهم

(1)

بما يسمى كسوة) ويعتاد لبسه بأن يعطيهم ذينك على جهة التمليك وإن فاوت بينهم في الكسوة (كقميص) ولو بلا كم (أو عمامة) وإن قلّت (أو إزار) أو مقنعة

(2)

أو رداء أو منديل يحمل في اليد أو الكم؛ لقوله تعالى ((فكفارته إطعام عشرة مساكين)) الآية (لا) ما لا يسمى كسوة، ولا ما لا يعتاد كالجلود فإن اعتيدت أجزأت، فمن الأول نحو (خف وقفازين) ودرع من نحو حديد ومداس ونعل وجورب وقلنسوة وقبع

(3)

وطاقية

(4)

(ومنطقة) وتكة

(5)

وفصادية وخاتم وتبان

(6)

لا يصل للركبة وبساط وهميان

(7)

وثوب طويل أعطاه للعشرة قبل تقطيعه بينهم; لأنه ثوب واحد، وبه فارق ما لو وضع لهم عشرة أمداد وقال ملكتكم هذا بالسوية أو أطلق؛ لأنها أمداد مجتمعة. وأفهم التخيير امتناع التبعيض كأن يطعم خمسة ويكسو خمسة. (ولا يشترط) كونه مخيطا ولا ساترا للعورة، ولا (صلاحيته للمدفوع إليه فيجوز سراويل) ونحو قميص (صغير) أي دفعه (لكبير لا يصلح له وقطن وكتان وحرير) وصوف ونحوها (لامرأة ورجل) ; لوقوع اسم الكسوة على الكل ولو متنجسا لكن عليه أن يعرفهم به؛ لئلا يُصَلُّوا فيه، وقضيته أن كل من أعطى غيره ملكا أو عارية مثلا ثوبا به نجس خفي غير معفو عنه بالنسبة لاعتقاد الآخذ عليه إعلامه به؛ حذرا من أن يوقعه في صلاة فاسدة (ولبيس) -أي ملبوس كثيرا- إن (لم تذهب) عرفا (قوته) باللبس كالحَبِّ العتيق بخلاف ما ذهبت قوته -كالمهلهل النسيج الذي لا يقوى على الاستعمال ولو جديدا- ومرقع لبلىً ومنسوج من جلد

(1)

. فلا يجوز إطعام خمسه وكسوة خمسة كما ذكره الشارح في الزكاة 3/ 222.

(2)

. هي ما تقنع به المرأة رأسها أي تغطي، الصحاح.

(3)

. قبع الرجل أدخل رأسه في قميصه، تاج العروس.

(4)

. الطاق ضرب من الملابس، قيل هو الطيلسان، لسان العرب. فتأمل.

(5)

. هي رباط السراويل.

(6)

. هو سروال قصير مقدار شبر يستر العورة المغلظة.

(7)

. اسم لكيس الدراهم.

ص: 362

فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الثَّلَاثَةِ لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ غَابَ مَالُهُ انْتَظَرَهُ وَلَا يَصُمْ، وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً، وَقُلْنَا يَمْلِكُ، وَلَا يَجِبُ تَتَابُعُهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ غَابَ مَالُهُ انْتَظَرَهُ وَلَمْ يَصُمْ، وَلَا يُكَفِّرُ عَبْدٌ بِمَالٍ إلَّا إذَا مَلَّكَهُ سَيِّدُهُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً، وَقُلْنَا إنَّهُ يَمْلِكُ، بَلْ يُكَفِّرُ بِصَوْمٍ، فَإِنْ ضَرَّهُ وَكَانَ حَلَفَ وَحَنِثَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ صَامَ بِلَا إذْنٍ، أَوْ وُجِدَا بِلَا إذْنٍ لَمْ يَصُمْ إلَّا بِإِذْنٍ، وَإِنْ أَذِنَ فِي أَحَدِهِمَا فَالْأَصَحُّ اعْتِبَارُ الحَلِفِ،

ميتة وإن اعتيد. (فإن عجز) بالطريق السابق

(1)

في كفارة الظهار (عن) كل من (الثلاثة) المذكورة (لزمه صوم ثلاثة أيام)؛ للآية إذ هي مخيرة ابتداء مرتبة انتهاء (ولا يجب تتابعها في الأظهر)؛ لإطلاق الآية (وإن غاب ماله) لمسافة القصر أو دونها (انتظره، ولا يصم) ; لأنه واجد. ولا حاجة هنا إلى التعجيل; لأنها واجبة على التراخي أصالة، وحيث لم يأثم بالحلف وإلا لزمه الحنث والكفارة فورا. (ولا يكفر) محجور عليه بسفه

(2)

أو فلس بالمال بل بالصوم; لأنه ممنوع من التبرع. ولو زال حجره قبل الصوم امتنع; لأن العبرة بوقت الأداء لا الوجوب. ولا يكفر عن ميت بأزيد الخصال قيمة بل يتعين أقلها أو إحداها إن استوت قيمها، ولا (عبد بمال)؛ لعدم ملكه (إلا إذا ملَّكه سيده) أو غيره (طعاما أو كسوة) ليكفر بهما أو مطلقا (وقلنا) بالضعيف (إنه يملك) ثم أذن له في التكفير فإنه يكفر، نعم لسيده بعد موته أن يكفر عنه بغير العتق من إطعام أو كسوة; لأنه حينئذ لا يستدعي دخوله في ملكه بخلافه في الحياة، ولزوال الرق بالموت، ولسيد المكاتب أن يكفر عنه بذلك بإذنه، وللمكاتب بإذن سيده التكفير بذلك أيضا، وفارق العتق بأن القن ليس من أهل الولاء (بل يكفر) حتى في المُرَتَّبة كالظهار (بصوم)؛ لعجزه عن غيره (فإن ضره) الصوم في الخدمة (وكان حلف وحنث بإذن سيده صام بلا إذن) وليس له منعه؛ لإذنه في سببه، (أو وجدا) أي الحلف والحنث (بلا إذن لم يصم إلا بإذن) ; لأنه لم يأذن في سببه والفرض أنه يضره، فإن شرع فيه جاز له تحليله، أما إذا لم يضره ولا أضعفه فلا يجوز له منعه منه مطلقا، (وإن أذن في أحدهما فالأصح اعتبار الحلف)

(1)

. أي بأن لم يملك زيادة على كفاية العمر الغالب ما يخرجه في الكفارة.

(2)

. ذكر الشارح في الحجر أنه يكفِّر بالصوم حتى في الكفارة المرتبة التي سببها فعل، وأن محله في كفارة مرتبة لا إثم فيها، أما ما فيها إثم فيكفر بالمال 5/ 171.

ص: 363

وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَلَهُ مَالٌ يُكَفِّرُ بِطَعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ لَا عِتْقٍ

; لأن إذنه فيه إذن فيما يترتب عليه لكن المعتمد اعتبار الحنث; لأن اليمين مانعة منه فليس إذنه فيها إذنا في التزام الكفارة. وخرج بالعبد الأمة التي تحل له فلا يجوز لها بغير إذنه صوم مطلقا تقديما لاستمتاعه; لأنه ناجز أما أمة لا تحل له فكالعبد فيما مر (ومن بعضه حر وله مال يكفر بطعام أو كسوة) لا صوم; لأنه واجد، و (لا عتق)؛ لنقصه عن أهلية الولاء، نعم إن علق سيده عتقه بتكفيره بالعتق كإن أعتقت عن كفارتك فنصيبي منك حر قبله أو معه صح؛ لزوال المانع به، أما إذا لم يكن له مال فيكفر بالصوم أي في نوبته بغير إذن وفي نوبة سيده أو حيث لا مهايأة بالإذن.

[فرع] تتكرر الكفارة بتكرر أيمان القسامة كتكرر اليمين الغموس

(1)

; لأن كلا منها مقصود في نفسه بخلاف تكريرها في نحو لا أدخل وإن تفاصلت ما لم يتخللها تكفير، وبتعدد الترك في نحو لأسلمن عليك كلما مررت؛ عملا بقضية كلما، ولأعطينك كذا كل يوم، ولو جمع بين النفي والإثبات كوالله لآكلن ذا ولا أدخل الدار اليوم لم يحنث إلا بترك المثبت وفعل المنفي معا.

(1)

. تقدم أول كتاب الأيمان أن اليمين الغموس لا تنعقد عند الشارح.

ص: 364

فصل

حَلَفَ لَا يَسْكُنُهَا أَوْ لَا يُقِيمُ فِيهَا فَلْيَخْرُجْ فِي الحَالِ، فَإِنْ مَكَثَ بِلَا عُذْرٍ حَنِثَ، وَإِنْ بَعَثَ مَتَاعَهُ،

(فصل) في الحلف على السكنى والمساكنة وغيرهما

الأصل في هذا وما بعده

(1)

أن الألفاظ تحمل على حقائقها

(2)

إلا أن يتعارف المجاز أو يريد دخوله فيدخل أيضا، فلا يحنث أمير حلف لا يبني داره وأطلق إلا بفعله بخلاف ما لو أراد منع نفسه وغيره فيحنث بفعل غيره أيضا; لأنه بنيته ذلك صيّر اللفظ مستعملا في حقيقته ومجازه. وفي أصل الروضة:((الأصل في البر والحنث اتباع مقتضى اللفظ، وقد يتطرق إليه التقييد والتخصيص بنية تقترن به أو باصطلاح خاص أو قرينة))، وهذا الأصل الذي ذكره عكس للأصل المتقدم أول الفصل

(3)

؛ لأن في الأصل الأول تغليظا بالتعميم بالنية

(4)

.

إذا (حلف لا يسكنها) أي هذه الدار أو دارا (أو لا يقيم فيها) وهو فيها عند الحلف (فليخرج) -إن أراد السلامة من الحنث- بنية التحول في كل من مسألة الإقامة والسكنى أي إن كان متوطنا فيه قبل حلفه فلو دخله لنحو تفرج فحلف لا يسكنه لم يحتج لنية التحول قطعا (في الحال) ببدنه فقط; لأنه المحلوف عليه ولا يكلف الهرولة ولا الخروج من أقرب البابين، نعم إن عدل لباب من السطح مع القدرة على غيره حنث; لأنه بالصعود في حكم المقيم، أما بغير نية التحول فيحنث; لأنه مع ذلك ساكن أو مقيم عرفا، (فإن مكث) ولو لحظة (بلا عذر) بخلافه لنحو عطش لا يحتمل عادة (حنث وإن بعث متاعه) وأهله; لأنه مع ذلك يسمى

(1)

. ذكر الشارح في الوصية أن اللغة فيها إن اشتهرت مقدمة على العرف، وإلا فالعرف المطرد، فالخاص بعرف الحالف 7/ 44.

(2)

. ولذا ذكر الشارح في كتاب الظهار أنه لو حلف لا يكلم ذا الصبي فكلمه شيخا لم يحنث 8/ 181.

(3)

. قال علي الشبراملسي ((هذا مع ما ذكره الشارح في أول الفصل يفيد أن اللفظ تارة يحمل على مقتضاه وذلك عند الإطلاق; لأنه الأصل، وتارة على ما هو أعم منه وذلك إذا تعارف المجاز، أو أريد دخوله فيه، وتارة على ما هو أخص منه وذلك إذا قيد أو خصص بقرينة أو نية أو عرف)).

(4)

. ويحمل المطلق على عرف الشرع، فلو أضاف في حلفه لفظ العقد إلى نحو الخمر كـ:((لا أبيعها)) لم يحنث ببيعها كما ذكره الشارح في الخلع 7/ 471.

ص: 365

وَإِنِ اشْتَغَلَ بِأَسْبَابِ الخُرُوجِ: كَجَمْعِ مَتَاعٍ وَإِخْرَاجِ أَهْلٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ لَمْ يَحْنَثْ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَاكِنُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا فِي الحَالِ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا لَوْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا جِدَارٌ وَلِكُلِّ جَانِبٍ مَدْخَلٌ فِي الْأَصَحِّ

ساكنا ومقيما. أما إذا مكث لعذر كأن أغلق عليه الباب أو طرأ عليه عقب الحلف نحو مرض منعه من الخروج ولم يجد من يخرجه أو خاف على نحو ماله لو خرج فمكث ولو ليلة أو أكثر فلا حنث. وضابط المرض أن يشق معه الخروج مشقة لا تحتمل عادة وإن لم تبح التيمم، نعم متى أمكنه استئجار من يحمله بأجرة مثل وجدها فترك حنث، وقليل المال ككثيره، ومن العذر الخوف على الاختصاص إن كان له وقع عرفا، وكذا لو ضاق وقت فرض بحيث لو خرج قبل أن يصليه لم يدركه كاملا في الوقت; لأن الإكراه الشرعي كالحسي كما مر

(1)

. ولو خرج ثم عاد إليها لنحو زيارة أو عيادة لم يحنث ما دام يسمى عرفا زائرا أو عائدا وإلا حنث

(2)

. وخرج بقولنا وهو فيها عند الحلف ما لو حلف كذلك وهو خارجها فينبغي حنثه بدخولها مع إقامته لحظة يحصل بها الاعتكاف بغير عذر (وإن) نوى التحول لكنه (اشتغل بأسباب الخروج) -ولم تمكنه الاستنابة

(3)

- (كجمع متاع وإخراج أهل ولبس ثوب) يليق بالخروج لا غير (لم يحنث) ; لأنه لا يعد مع ذلك ساكنا وإن طال مقامه لأجله، ويراعى في لبثه لذلك ما اعتيد من غير إرهاق. ولو وجد من ينيبه ولكنه لم يرضَ بأجرة المثل أو رضي بها ولم يقدر الحالف عليها بأن لم يكن معه ما يبقى له مما مر في باب التفليس لم يحنث؛ لعذره (ولو حلف لا يساكنه في هذه الدار فخرج أحدهما) بنية التحول (في الحال لم يحنث) ; لانتفاء المساكنة، وفي المكث هنا لعذر واشتغال بأسباب الخروج ما مر. (وكذا لو بُني بينهما جدار) من طين أو غيره (ولكل جانب مدخل في الأصح) ; للاشتغال برفع المساكنة، ولكن الأصح الحنث

(4)

; لحصول المساكنة إلى تمام البناء من غير ضرورة، هذا إن كان البناء بفعل الحالف أو

(1)

. نعم استوجه الشارح في الطلاق عدم الحنث إن أخذت حقك مني فأكرهه السلطان حتى أعطى بنفسه 8/ 31، وقيده في مكان آخر بما إذا لم تكن له مندوحة عنه 8/ 35، وللشارح حاصل جميل ذكره في فصل تعليق الطلاق بالحمل 8/ 120.

(2)

. اعتمد المغني عدم الحنث سواء طال المكث أم لا.

(3)

. خلافا للمغني فاعتمد إطلاق المصنف.

(4)

. وهو الذي أعتمده الشارح في فتح الجواد 4/ 374.

ص: 366

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا وَهُوَ فِيهَا أَوْ لَا يَخْرُجُ وَهُوَ خَارِجٌ فَلَا حِنْثَ بِهَذَا، أَوْ لَا يَتَزَوَّجُ أَوْ لَا يَتَطَهَّرُ أَوْ لَا يَلْبَسُ أَوْ لَا يَرْكَبُ أَوْ لَا يَقُومُ أَوْ لَا يَقْعُدُ فَاسْتَدَامَ هَذِهِ الْأَحْوَالَ حَنِثَ

أمره وحده أو مع الآخر وإلا حنث قطعا. وخرج بهذه الدار ما لو أطلق المساكنة، فإن نوى معينا اختص به كأن نوى أنه لا يساكنه في بلد كذا، وإن لم ينو معينا حنث بالمساكنة في أي موضع كان، وليس من المساكنة تجاورهما ببيتين من خان وإن صغر واتحد مرقاه

(1)

ولو لم يكن لكلٍّ باب

(2)

ولا من دار كبيرة إن كان لكل باب وغلق، وكذا لو انفرد أحدهما بحجرة انفردت بجميع مرافقها وإن اتحدت الدار والممر (ولو حلف لا يدخلها) أي الدار (وهو فيها أو لا يخرج) منها (وهو خارج) أوْ لا يملك هذه العين وهو مالكها فاستدام ملكها (فلا حنث بهذا) ; لأن حقيقة الدخول الانفصال من خارج لداخل والخروج عكسه ولم يوجدا في الاستدامة ولأنهما لا يتقدران بمدة، نعم لو نوى بعدم الدخول الاجتناب فأقام أو بعدم الخروج أن لا ينقل أهله مثلا فنقلهم حنث، (أو) حلف (لا يتزوج) أو لا يتسرى (أو لا يتطهر أو لا يلبس أو لا يركب أو لا يقوم أو لا يقعد) أو لا يشارك فلانا

(3)

أو لا يستقبل القبلة (فاستدام هذه الأحوال حنث) ; لأنها تقدر بزمان كلبست يوما وركبت ليلة وشاركته شهرا وكذا البقية. وإذا حنث باستدامة شيء ثم حلف أن لا يفعله فاستدامه لزمه كفارة أخرى؛ لانحلال اليمين الأولى بالاستدامة الأولى، فلو حلف كلما لبستِ فأنتِ طالق تكرر الطلاق بتكرر الاستدامة فتطلق بمضي ثلاث لحظات وهي لابسة، ولو حلف وهو لابس أن لا يلبس إلى وقت كذا حنث باستدامة اللبس ولو لحظة؛ حملا على أن لا يوجد لبس قبل ذلك الوقت، نعم لو حلف لا يتختم وهو لابس الخاتم فاستدامه لم يحنث؛ لأن صيغة التفعل تقتضي إيجاد معناه للفاعل والاستدامة ليس فيها ذلك فلم يمكن التقدير هنا بمدة بخلاف صيغة أصل الفعل كاللبس، وعليه فلو حلف لا يلبس هذا الخاتم وهو لابسه حنث بالاستدامة ويستوي

(1)

. أي مصعده.

(2)

. خلافا للمغني والأسنى حيث اشترطا الباب لكل من البيتين مطلقا، وإنما الفرق بين الخان والدار الكبيرة باشتراط غلق ومرقى لكل منهما في الثاني دون الأول.

(3)

. المراد بالشركة هنا الشركة بدون عقد كالإرث لما يأتي آنفا.

ص: 367

قُلْتُ: تَحْنِيثُهُ بِاسْتِدَامَةِ التَّزَوُّجِ، وَالتَّطَهُّرِ غَلَطٌ لِذُهُولٍ، وَاسْتِدَامَةُ طِيبٍ لَيْسَتْ تَطَيُّبًا فِي الْأَصَحِّ، وَكَذَا وَطْءٌ وَصَوْمٌ وَصَلَاةٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَمَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارًا حَنِثَ بِدُخُولِ دِهْلِيزٍ دَاخِلَ الْبَابِ، أَوْ بَيْنَ بَابَيْنِ لَا بِدُخُولِ طَاقٍ قُدَّامَ الْبَابِ،

في ذلك النحوي وغيره (قلت: تحنيثه

(1)

باستدامة التزوج والتطهر غلط لذهول) ; إذ لا يقدران بمدة كالدخول والخروج فلا يقال تزوجت ولا تسريت ولا تطهرت شهرا مثلا بل منذ شهر، ومحل عدم الحنث فيهما إن لم ينو استدامتهما وإلا حنث بها جزما، (واستدامة طيب ليست تطيبا في الأصح)؛ إذ لا يُقَدَّر عادة بمدة، (وكذا وطء) وغصب (وصوم

(2)

وصلاة

(3)

فلا يحنث باستدامتها في الأصح، (والله أعلم) وكل عقد أو فعل يحتاج لنية لا تكون استدامته كابتدائه. ولو حلف لا يغصب فاستدام فلا يحنث؛ إذ استدامة الغصب ليست غصباً حقيقة بل حكماً، واستدامة السفر سفر ولو بالعود منه، نعم إن حلف على الامتناع منه لم يحنث بالعود. وعُلم مما تقرر أن كل ما يُقَدَّر عرفا بمدة من غير تأويل يكون دوامه كابتدائه فيحنث باستدامته وما لا فلا. ولو حلف لا يقيم بمحل ثلاثة أيام وأطلق فأقام به يومين ثم سافر ثم عاد فأقام به يوما لم يحنث

(4)

. ولو حلف لا تمكث زوجته في الضيافة أكثر من ثلاثة أيام فخرجت منها الثلاث فأقل ثم رجعت إليها فلا حنث نظير ما مر. (ومن حلف لا يدخل دارا) عيَّنها ومثلها نحو المدرسة والرباط والمسجد (حنث بدخول دِهليز) وإن طال (داخل الباب أو بين بابين) ; لأنه حينئذ من الدار، ومحله إن لم يكن فيه باب دار أخرى وإلا فحكمه ما يأتي في الدرب أمام الباب المسقف الذي عليه باب (لا بدخول طاق

(5)

معقود (قدام الباب) ; لأنه ليس منها عرفا وإن كان مبنيا على تربيعها ويدخل في بيعها، نعم إن جعل عليه باب حنث

(1)

. وعليه فلا يحنث باستدامة التسري خلافا للنهاية ووالده.

(2)

. ولو قال: ((متى وجب عليكِ صوم فأنتِ طالق)) فحاضت لم تطلق؛ لأن الأصح أن الصوم لم يجب عليها أصلا وإن وجب قضاؤه كما ذكره الشارح في باب الحيض 1/ 387.

(3)

. ولو حلف لا يصلي حنث بصلاة فاقد الطهورين كما ذكره الشارح قبيل باب الحيض 1/ 378.

(4)

. كما أفهمه كلام الشارح آخرا، وذلك؛ لأن التتابع هو المتبادر عرفا، بل جزم به الشارح في تعليق الطلاق خلافا للنهاية فاعتمد الحنث.

(5)

. فسره الشارح بأنه ثخانة الحائط المعقود عليه-أي الحائط- قدام أبواب دور الأكابر، وقال ابن منظور: هو ما عطف من الأبنية، لسان العرب.

ص: 368

وَلَا بِصُعُودِ سَطْحٍ غَيْرِ مُحَوَّطٍ وَكَذَا مُحَوَّطٌ فِي الْأَصَحِّ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يَحْنَثْ، فَإِنْ وَضَعَ رِجْلَيْهِ فِيهَا مُعْتَمِدًا عَلَيْهِمَا حَنِثَ، وَلَوِ انْهَدَمَتْ الدَّارُ فَدَخَلَ وَقَدْ بَقِيَ أَسَاسُ الحِيطَانِ حَنِثَ، وَإِنْ صَارَتْ فَضَاءً أَوْ جُعِلَتْ مَسْجِدًا أَوْ حَمَّامًا أَوْ بُسْتَانًا فَلَا

بدخوله ولو غير مسقف. ولا يحنث بدخول إصطبل خارج عن حدودها، وكذا إن دخل فيها وليس فيه باب إليها (ولا) بدخول بستان بلصقها إن لم يعدَّ من مرافقها، ولا (بصعود سطح غير محوط) من خارجها; لأنه ليس من داخلها لغة ولا عرفا، وبه يعلم أنه لو حلف لا يخرج منها فصعده حنث أو ليخرجن فصعده بر (وكذا محوط) من الجوانب الأربعة بحجر أو غيره (في الأصح)؛ لما ذكر، نعم إن كان مسقفا كله أو بعضه ودخل

(1)

تحت السقف حنث إن كان يصعد إليه منها; لأنه كبيت منها، (ولو أدخل يده أو رأسه أو رجله) أو رجليه غير معتمد (لم يحنث) ; لأنه لا يسمى داخلا، (فإن وضع رجليه فيها معتمدا عليهما) أو رجلا واحدة واعتمد عليها وحدها بأن كان لو رفع الأخرى لم يقع وباقي بدنه خارج (حنث) ; لأنه يسمى داخلا بخلاف ما إذا لم يعتمد كذلك كأن اعتمد على الداخلة والخارجة معا. ولو أدخل جميع بدنه لكن لم يعتمد على شيء منهما لتعلقه بنحو حبل حنث أيضا، ويقاس بذلك الخروج. ولو تعلق بغصن شجرة في الدار فإن أحاط به بناؤها بأن علا عليه

(2)

حنث وإلا فلا، (ولو انهدمت الدار) المحلوف عليها بأن قال هذه الدار (فدخل وقد بقي) شيء من بارز من (أساس الحيطان) أو بعضه وإن قلّ (حنث) ; لأنها منها فكأنه دخلها، وأما إذا صارت ساحة فلا حنث وكالساحة ما إذا صارت تسمى طريقا وإن بقي بعض حيطانها، وأما لو قال دارا فكذلك

(3)

على الأوجه. ولو قال هذه -أي بدون لفظ الدار- حنث مطلقا (وإن صارت فضاء) وهو الساحة الخالية من البناء (أو جعلت مسجدا أو حماما أو بستانا فلا) حنث؛ لزوال مسمى الدار بحدوث اسم آخر لها، ومن ثم انحلت اليمين، فلو أعيدت لم يعد الحنث إلا إن اعيدت بآلتها الأولى أي أعيد منها بها ولو الأساس فقط.

(1)

. لم يقيدا بهذا القيد.

(2)

. مثله عندهم ما لو ساواه.

(3)

. خلافا لهما فعندهما لا يحنث بفضاء ما كان داراً وإن بقي رسومها.

ص: 369

وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ حَنِثَ بِدُخُولِ مَا يَسْكُنُهَا بِمِلْكٍ، لَا بِإِعَارَةٍ وَإِجَارَةٍ وَغَصْبٍ، إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ، وَيَحْنَثُ بِمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَسْكُنُهُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَسْكَنَهُ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ زَيْدٍ أَوْ لَا يُكَلِّمُ عَبْدَهُ أَوْ زَوْجَتَهُ فَبَاعَهُمَا أَوْ طَلَّقَهَا فَدَخَلَ وَكَلَّمَهُ لَمْ يَحْنَثْ إلَّا أَنْ يَقُولَ دَارَهُ هَذِهِ أَوْ زَوْجَتَهُ هَذِهِ أَوْ عَبْدَهُ هَذَا فَيَحْنَثُ

(ولو حلف لا) يأكل طعام زيد وأطلق فأضافه لم يحنث؛ بناء على الأصح السابق أن الضيف يتبين بازدراده أنه ملكه به، أوْ لا (يدخل دار زيد) أو حانوته (حنث بدخول ما يسكنها بملك، لا بإعارة وإجارة وغصب) وإيصاء بمنفعتها له ووقف عليه; لأن الإضافة إلى من يملك تقتضي ثبوت الملك حقيقة، ومن ثم لو قال هذه لزيد لم يقبل تفسيره بأنه يسكنها - (إلا أن يريد مسكنه) فيحنث بكل ذلك; لأنه مجاز قريب، نعم لا تقبل إرادته هذه في حلف بطلاق وعتاق ظاهرا- (ويحنث بما يملكه) جميعه، وإن طرأ له بعد الحلف (ولا يسكنه) إلا أن يريد مسكنه فلا يحنث به؛ عملا بقصده. ولو اشتهرت الإضافة للتعريف في نحو دار أو سوق حنث بدخولها مطلقا كدار الأرقم بمكة وسوق يحيى ببغداد؛ لتعذر حمل الإضافة على الملك، وفارق المتجدد هنا لا أكلم ولد فلان فإنه يحمل على الموجود دون المتجدد; لأن اليمين تُنَزَّل على ما للحالف قدرة على تحصيله.

(ولو حلف لا يدخل دار زيد أو لا يكلم عبده أو) لا يكلم (زوجته فباعهما) -أي الدار والعبد بيعا بتا أو بشرط الخيار للمشتري، وكذا لهما إن أجيز البيع- وهو مثال والمراد فأزال ملكه عنهما أو عن بعضهما وإن قل (أو طلقها) بائنا; إذ الرجعية زوجة (فدخل) الدار (وكلمه) أي العبد أو الزوجة (لم يحنث)؛ تغليبا للحقيقة؛ لزوال الملك بالبيع والزوجية بالطلاق. ولو اشترى بعد بيعهما غيرهما فإن أطلق أو أراد أي دار أو عبد ملكه حنث بالثاني أو التقييد بالأول فلا (إلا أن يقول داره هذه أو زوجته هذه أو عبده هذا) أو يريد أي دار أو عبد جرى عليه ملكه أو أي امرأة جرى عليها نكاحه (فيحنث)؛ تغليبا للإشارة على الإضافة، وأُلحق بالتلفظ بالإشارة نيتها. ولو حلف لا يأكل لحم هذه السخلة فكبرت وأكله لم يحنث، وفارقت نحو دار زيد هذه بأن الإضافة فيها عارضة فلم ينظر إليها بل لمجرد الإشارة الصادقة بالابتداء والدوام، وفي تلك لازمة؛ للزوم الاسم أو الصفة ولأن زوالها يتوقف على تغيير بعلاج أو خلقة فاعتبرت مع الإشارة وتعلقت اليمين بمجموعهما، فإذا زال أحدهما ككونهما سخلة في ذلك المثال زال المحلوف عليه، وبهذا يعلم أنه لو زال اسم العبد بعتقه واسم الدار بجعلها مسجدا لم يحنث وإن أشار

ص: 370

إلَّا أَنْ يُرِيدَ مَا دَامَ ملكَُه. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُهَا مِنْ ذَا الْبَابِ فَنُزِعَ وَنُصِبَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهَا لَمْ يَحْنَثْ بِالثَّانِي، وَيَحْنَثُ بِالْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ لَا يَدْخُلُ بَيْتًا حَنِثَ بِكُلِّ بَيْتٍ مِنْ طِينٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ آجُرٍّ أَوْ خَشَبٍ أَوْ خَيْمَةٍ وَلَا يَحْنَثُ بِمَسْجِدٍ وَحَمَّامٍ وَكَنِيسَةٍ وَغَارِ جَبَلٍ

(إلا أن يريد) الحالف بقوله هذه أو هذا (ما دام ملكَُه) فلا يحنث بدخول أو تكليم بعد زواله بملك أو طلاق; لأنها إرادة قريبة، ويأتي في قبول هذا في الحلف بطلاق أو عتق ما مر آنفا

(1)

. ولو قال ما دام في إجارته وأطلق فالمتبادر منه عرفا ما دام مستحقا لمنفعته فتنحل الديمومة بإيجاره لغيره ثم استئجاره منه. ولو حلف لا يدخل هذا ما دام فلان فيه فخرج فلان ثم دخل الحالف ثم فلان لم يحنث باستدامة مكثه; لأن استدامة الدخول ليست بدخول ويحنث بعوده إليه وفلان فيه؛ لبقاء اليمين إن أراد بمدة دوامه فيه ذلك الدوام وما بعده بخلاف ما إذا أطلق فلا يحنث. (ولو حلف لا يدخلها من ذا الباب فنزع) بابها الخشب مثلا (ونصب في موضع آخر منها لم يحنث بالثاني) وإن سد الأول (ويحنث بالأول في الأصح) ; لأن الباب إذا أطلق انصرف للمنفذ; لأنه المحتاج إليه في الدخول دون الخشب، وقوله ونصب إلى آخره قيد للخلاف؛ إذ لو طرح أو أتلف ودخل من الثاني لم يحنث قطعا. ولو أراد الخشب قُبِل قطعا، أما لو لم يشر

(2)

فقال من بابها فإنه يحنث بالثاني أيضا; لأنه يسمى بابا لها. (أو) حلف (لا يدخل بيتا حنث بكل بيت من طين أو حجر أو آجر أو خشب) أو قصب، ويشترط في بيت القصب أن يكون مُحْكَماً (أو خيمة) اتخذت مسكنا

(3)

أو بيت شَعَرٍ أو جلد وإن كان الحالف حضريا; لأن البيت يطلق على جميع ذلك حقيقة لغة كما يحنث بجميع أنواع الخبز أو الطعام وإن اختص بعض النواحي بنوع أو أكثر منه; إذ العادة لا تخصص. ولو ذكر البيت بالفارسية لم يحنث بنحو الخيمة; لأنهم لا يطلقونه إلا على المبني، ويظهر في غير الفارسية والعربية أنه يتبع عرفهم أيضا، (ولا يحنث بمسجد) بخلاف خلوة فيه (وحمام وكنيسة) أي محل العبادة، أما لو دخل بيتا فيها فيحنث (وغار) غير متخذٍ للسكنى (جبل) وبيت الرحا; لأنها لا تسمى بيوتا

(1)

. في شرح ((إلا أن يريد مسكنه)).

(2)

. أي لم يأت بالإشارة وهي ((ذا)) في المتن.

(3)

. بخلافها لدفع أذى نحو مسافر.

ص: 371

أَوْ لَا يَدْخُلُ عَلَى زَيْدٍ فَدَخَلَ بَيْتًا فِيهِ زَيْدٌ وَغَيْرُهُ حَنِثَ، وَفِي قَوْلٍ أنَّهُ إنْ نَوَى الدُّخُولَ عَلَى غَيْرِهِ دُونَهُ لَمْ يَحْنَثْ، فَلَوْ جَهِلَ حُضُورَهُ فَخِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي. قُلْتُ: وَلَوْ حَلَفَ لَا يُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ هُوَ فِيهِمْ وَاسْتَثْنَاهُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِنْ أَطْلَقَ حَنِثَ فِي الْأَظْهَرِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ.

فصل

حَلَفَ لَا يَأْكُلُ الرُّءُوسَ وَلَا نِيَّةَ لَهُ حَنِثَ بِرُءُوسٍ تُبَاعُ وَحْدَهَا،

عرفا مع حدوث أسماء خاصة لها. ولا يحنث أيضا بساحة نحو المدرسة والرباط وأبوابها بخلاف بيت فيها.

[تنبيه] يُعلم مما تقرر أن البيت غير الدار، ومن ثم قالوا لو حلف لا يدخل بيت فلان فدخل داره دون بيته لم يحنث، أوْ لا يدخل داره فدخل بيته فيها حنث (أو) حلف (لا يدخل على زيد فدخل بيتا فيه زيد وغيره حنث) إن علم به وذكر الحلف واختار الدخول. وخرج ببيتا دخوله عليه في نحو مسجد وحمام مما لا يختص به عرفا، (وفي قول أنه إن نوى الدخول على غيره دونه لم يحنث) كما يأتي في السلام عليه، (ولو جهل حضوره فخلاف حنث الناسي) والجاهل، والأصح عدم حنثهما كالمكره، نعم لو قال لا أدخل عليه عالما ولا جاهلا حنث مطلقا، وكذا في سائر الصور، (قلت: ولو حلف لا يسلم عليه فسلم على قوم هو فيهم) وكان بحيث يسمعه وإن لم يسمعه أو كان به نحو جنون بشرط أن يكون بحيث يعلم بالكلام (واستثناه) ولو بقلبه (لم يحنث) ; لما مر، (وإن أطلق حنث) إن علم به (في الأظهر والله أعلم) ; لأن العام يجري على عمومه ما لم يخصص. ولا يحنث بالسلام عليه من الصلاة.

(فصل) في الحلف على الأكل والشرب وما تتناوله بعض المأكولات

لو (حلف لا يأكل

(1)

رءوس الشوى اختص بالغنم، أوْ لا يأكل (الرءوس) أو لا يشتريها مثلا (ولا نية له حنث برءوس) بل أو رأس أو بعضه

(2)

(تباع وحدها) أي من شأنها

(1)

. ولو حنث لا يأكل طعام لم يحنث بالدواء كما ذكره الشارح في الربا 4/ 276، وذكر في كتاب الرضاع أن من حلف لا يأكل في اليوم إلا مرة لو أكل لقمة ثم أعرض واستغل بشغل طويل ثم عاد وأكل حنث، ولو طال الأكل فهو مرة واحدة وإن صحبه حديث أو انتقال من طعام لآخر أو قيام ليأتي ببدل ما نفذ فمرة وإن طال الزمن في الأخيرة 8/ 289.

(2)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 372

لَا طَيْرٍ وَحُوتٍ وَصَيْدٍ إلَّا بِبَلَدٍ تُبَاعُ فِيهِ مُفْرَدَةً، وَالْبَيْضُ يُحْمَلُ عَلَى مُزَايِلِ بَائِضِهِ فِي الحَيَاةِ كَدَجَاجٍ وَنَعَامٍ وَحَمَامٍ لَا سَمَكٍ وَجَرَادٍ

ذلك وافق عرف بلد الحالف أوْ لا، وهي رءوس الغنم وكذا الإبل والبقر; لأن ذلك هو المتعارف (لا طير) وخيل (وحوت وصيد) برِّي أو بحري كالظباء; لأنها لا تفرد بالبيع فلا تفهم من اللفظ عند الإطلاق (إلا) إن كان الحالف (ببلد) أي من أهل بلد علم أنها

(1)

(تباع فيه مفردة) عن أبدانها وإن حلف خارجه; لأنه يسبق إلى فهمه عرف بلده فيحنث بأكلها فيه قطعا; لأنها حينئذ كرءوس الأنعام، وكذا يحنث في أكلها في غير ذلك البلد على الأقوى. وخرج بـ ((لا نية له)) ما لو نوى شيئا من ذلك فإنه يعمل به، وإنما اتبع هنا العرف وفي البيت اللغة كما مر؛ عملا بالقاعدة أن اللغة متى شملت واشتهرت ولم يعارضها عرف أشهر منها اتبعت، وهو الأصل فإن اختل أحد الأولين اتبع العرف إن اشتهر واطرد وإلا فيرجع إلى اللغة، ومحله حيث لا قرينة ترشد للمقصود (والبيض

(2)

إذا حلف لا يأكله ولا نية له (يحمل على مزايل) أي مفارق (بائضه في الحياة) بأن يكون من شأنه أنه يفارقه فيها ويؤكل منفردا (كدجاج ونعام وحمام) وإوز وبط وعصافير; لأنه المفهوم عند الإطلاق، ولا فرق بين مأكول اللحم وغيره; لحل أكله مطلقا، فعلم أنه يحنث بمتصلب خرج بعد الموت، وأنه لا فرق في الحنث بين أكله وحده أو مع غيره إذا ظهر فيه بخلاف ما إذا أكله في شيء لا تظهر صورته فيه كالناطف

(3)

. ولو حلف ليأكلن مما في كمه وحلف لا يأكل البيض فكان ما في كمه بيضا فجعل في ناطف وأكله برَّ. ولو قال ليأكلن هذا البيض لم يبر بجعله في ناطف (لا) بيض (سمك) ; لأنه إنما يزايله بعد الموت بشق البطن (وجراد)؛ لأنه لا يؤكل منفردا، أما إذا نوى شيئا فيعمل به، ولا يدخل في السمك ما لا يسمى سمكا عرفاً نحو الدنيلس.

(1)

. خلافا لقضية كلام المغني ولما نقله ابن قاسم عن الرملي من الحنث مطلقا سواء كان الحالف من أهل ذلك البلد أو لا، حلف فيه أو خارجه، ووافق الشارح المنهج.

(2)

. ذكر الشارح في كتاب الطلاق أنه لو حلف لا يأكل البيظ- بالظاء المشالة- حنث بنحو بيض الدجاج إن كان من قوم ينطقون بالمشالة في هذا أو نحوه 8/ 5.

(3)

. وهو حلاوة تعقد ببياض البيض.

ص: 373

وَاللَّحْمُ عَلَى نَعَمٍ وَخَيْلٍ وَوَحْشٍ وَطَيْرٍ لَا سَمَكٍ وَشَحْمِ بَطْنٍ، وَكَذَا كَرِشٌ وَطِحَالٌ وَكَبِدٌ وَقَلْبٌ فِي الْأَصَحّ، وَالْأَصَحُّ تَنَاوُلُهُ لَحْمَ رَأْسٍ وَلِسَانٍ وَشَحْمَ ظَهْرٍ وَجَنْبٍ، وَأَنَّ شَحْمَ الظَّهَرِ لَا يَتَنَاوَلُهُ الشَّحْمُ، وَأَنَّ الْأَلْيَةَ وَالسَّنَامَ لَيْسَا شَحْمًا وَلَا لَحْمًا، وَالْأَلْيَةُ لَا تَتَنَاوَلُ سَنَامًا وَلَا يَتَنَاوَلُهَا، وَالدَّسَمُ يَتَنَاوَلُهُمَا، وَشَحْمَ ظَهْرٍ وَبَطْنٍ وَكُلَّ دُهْنٍ، وَلَحْمُ الْبَقَرِ يَتَنَاوَلُ جَامُوسًا

(واللحم) إذا حلف لا يأكله يحمل عند الإطلاق نظير ما قبله (على) مذكى (نعم) وهي الإبل والبقر والغنم (وخيل ووحش وطير)؛ لوقوع اسم اللحم عليها حقيقة دون ما يحرم في اعتقاد الحالف

(1)

(لا سمك) وجراد; لأنه لا يسمى لحما عرفا أي من غير قيد وإن سميه لغة كما في القرآن كما لا يحنث بالجلوس في الشمس المسماة سراجا وعلى الأرض المسماة بساطا في القرآن مَن حلف لا يجلس في سراج أو على بساط (و) لا (شحم بطن) وعين؛ لمخالفتهما اللحم اسما وصفة، (وكذا كرش وطحال وكبد وقلب) وأمعاء ورئة ومخ، (في الأصح) ; لأنها ليست لحما حقيقة، ولا يحنث بقانصة

(2)

الدجاجة قطعا ولا بجلد إلا إن رق بحيث يؤكل غالباً، (والأصح تناوله) أي اللحم (لحم رأس و) لحم (لسان) وخد وأكارع؛ لصدق اسمه على ذلك كله (وشحم ظهر وجنب) وهو الأبيض الذي لا يخالطه الأحمر; لأنه لحم سمين ولهذا يَحْمَرُّ عند الهزال. (و) الأصح (أن شحم الظهر لا يتناوله الشحم) ; لما تقرر أنه لحم بخلاف شحم العين والبطن يتناوله الشحم (وأن الألية والسَّنام ليسا) أي كل منهما (شحما ولا لحما) ; لمخالفتهما كلا منهما اسما وصفة، (والأليةُ لا تتناول سناما ولا يتناولها)؛ لاختلافهما كذلك (والدسم) وهو الودك

(3)

إذا حلف لا يأكله وأطلق (يتناولهما و) يتناول (شحم ظهر) وجنب (وبطن) وعين (وكل دهن) مأكول سواء حيواني أو نباتي، فلا يحنث بنحو دهن خروع

(4)

ودهن ميتة ولبن (ولحم البقر يتناول) البقر العراب

(5)

والبقر الوحشي و (جاموسا

(6)

لصدق

(1)

. وفاق للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. هي للطير بمنزلة المصارين لغيرها، تاج العروس.

(3)

. دسم اللحم أو دهنه الذي يستخرج منه، المعجم الوسيط.

(4)

. وهي شجرة تحمل حبا كأنه بيض العصافير يسمى السمسم الهندي، الصحاح.

(5)

. الإبل العراب والخيل العراب خلاف البخاتي والبراذين، تاج العروس.

(6)

. هو نوع من البقر، الصحاح.

ص: 374

وَلَوْ قَالَ مُشِيرًا إلَى حِنْطَةٍ لَا آكُلُ هَذِهِ حَنِثَ بِأَكْلِهَا عَلَى هَيْئَتِهَا وَبِطَحْنِهَا وَخُبْزِهَا، وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذِهِ الحِنْطَةَ حَنِثَ بِهَا مَطْبُوخَةً وَنِيئَةً وَمَقْلِيَّةً لَا بِطَحِينِهَا وَسَوِيقِهَا وَعَجِينِهَا وَخُبْزِهَا، وَلَا يُتَنَاوَلُ رُطَبٌ تَمْرًا وَلَا بُسْرًا، وَلَا عِنَبٌ زَبِيبًا، وَكَذَا الْعَكُوسُ

اسم البقر على الكل. ولا يتناول الضان المعز هنا وعكسه وإن اتحادا جنسا؛ لأن اسم أحدهما لا يطلق على الآخر لغة ولا عرفاً وإن شملهما اسم الغنم.

[فرع] الزفر في عرف العامة يشمل كل لحم ودهن حيواني وبيض ولو من سمك فينبغي حمله على ذلك. ولا تتناول ميتة سمكا وجرادا

(1)

ولا دم كبد أو طحالا

. (ولو قال مشيرا إلى حنطة لا آكل هذه) ولا نية له (حنث بأكلها على هيئتها وبطحنها وخبزها)؛ تغليبا للإشارة.

[تنبيه] محل ما في المتن من الحنث إن أكل الحنطة كلها بأن لم يبقِ شيئاً أصلا أو بقي ما لا يمكن التقاطه فيجب لكي يقع الحنث أن لا يبقى في الرحا دقيق يمكن التقاطه أو في اليد عجين كذلك أو بعض حبة يمكن إدراكها

(2)

بل يأكله كله، ولو حلف شخص لا يلبس هذا الثوب لا يحنث إن نزع منه خيطاً يحس ويدرك كطول أصبع، (ولو قال لا آكل هذه الحنطة) فصرح بالاسم مع الإشارة (حنث بها مطبوخة) إن بقيت حباتها (ونيئة ومقلية)؛ لوجود الاسم كلا آكل هذا اللحم فجعله شواء (لا) إذا هرست بأن دُقَّت حتى تفتت لا إن زال قشرها فقط، ولا (بطحينها وسويقها وعجينها وخبزها) ; لزوال الاسم والصورة. (ولا يتناول رُطَب تمرا ولا بسرا) ولا بلحا ولا خَلالا ولا طلعا (ولا عنب زبيبا) ولا حصرما

(3)

(وكذا العكوس)؛ لاختلافها اسما وصفة.

[فائدة] أول التمر طلع ثم خَلال ثم بلح ثم بسر ثم رطب ثم تمر. ولو حلف لا يأكل رطبا ولا بسرا حنث بالمُنَصِّف، أو رطبة أو بسرة لم يحنث بمُنَصِّفة; لأنها لا تسمى رطبة ولا بسرة

.

(1)

. أي فلا يحنث بهما حينئذ.

(2)

. نص على هذا الشارح في أول الفصل الآتي 10/ 44.

(3)

. هو أول العنب ولا يزال العنب مادام أخضرا حصرما، لسان العرب.

ص: 375

وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ هَذَا الرُّطَبَ فَتَتَمَّرَ فَأَكَلَهُ، أَوْ لَا أُكَلِّمُ ذَا الصَّبِيَّ فَكَلَّمَهُ شَيْخًا فَلَا حِنْثَ فِي الْأَصَحِّ. وَالخُبْزُ يَتَنَاوَلُ كُلَّ خُبْزٍ كَحِنْطَةٍ وَشَعِيرٍ وَأَرُزٍّ وَبَاقِلَّا وَذُرَةٍ وَحِمَِّصٍ، فَلَوْ ثَرَدَهُ فَأَكَلَهُ حَنِثَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ سَوِيقًا فَسَفَّهُ أَوْ تَنَاوَلَهُ بِإِصْبَعٍ حَنِثَ، وَإِنْ جَعَلَهُ فِي مَاءٍ فَشَرِبَهُ فَلَا، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ. أَوْ لَا يَأْكُلُ لَبَنًا أَوْ مَائِعًا آخَرَ فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ حَنِثَ، أَوْ شَرِبَهُ فَلَا، أَوْ لَا يَشْرَبُهُ فَبِالْعَكْسِ. أَوْ لَا يَأْكُلُ سَمْنًا فَأَكَلَهُ بِخُبْزٍ جَامِدًا أَوْ ذَائِبًا حَنِثَ،

(ولو قال) ولا نية له (لا آكل هذا الرطب فتتمر فأكله، أو لا أكلم ذا الصبي فكلمه) بالغا شابا أو (شيخا فلا حنث في الأصح) ; لزوال الاسم كما في الحنطة، وكذا لا أكلم هذا العبد فعتق، أوْ لا آكل لحم هذه السخلة فصارت كبشا، أو هذا البسر فصار رطبا. (والخبز يتناول كل خبز كحنطة وشعير وأرز وباقلا وذرة وحِمَِّص) وسائر المتخذ من الحبوب وإن لم يعهد ببلده كما لو حلف لا يلبس ثوبا فإنه يحنث بكل ثوب وإن لم يعهده ببلده، (فلو ثرده فأكله حنث) ; لصدق الاسم، نعم لو صار في المرقة كالحسو فتحساه لم يحنث كما لو دق الخبز اليابس ثم سفه; لأنه استجد اسما آخر. (ولو حلف لا يأكل سويقا فسفه أو تناوله بأصبع) مثلا (حنث) ; لأن ذلك يعد أكلا له، وقضيته أن الابتلاع في نحو خبز وسكر بلا مضغ أكل وهو المعتمد، (وإن جعله في ماء فشربه فلا) حنث إلا إن خثر

(1)

; لأنه ليس بشرب (أو) حلف (لا يشربه فبالعكس) فيحنث في الثانية بقيدها

(2)

لا الأولى. ولو حلف لا يذوق حنث بإدراك طعمه وإن مجه ولم ينزل منه شيء إلى جوفه، أوْ لا يتناول أوْ لا يطعم حنث حتى بالشرب. (أو) حلف (لا يأكل لبنا) حنث بكل أنواعه من مأكول ولو صيدا حتى نحو الزبد إن ظهر فيه لا نحو جبن وأقط ومصل

(3)

(أو مائعا آخر فأكله بخبز حنث) ; لأنه كذلك يؤكل (أو شربه فلا)؛ لعدم الأكل (أو) حلف (لا يشربه فبالعكس) فيحنث في الثانية دون الأولى. ولو حلف لا يأكل نحو عنب لم يحنث بشرب عصيره ولا بمصه ورمي ثفله، أوْ لا يشرب خمرا لم يحنث بالنبيذ وعكسه. (أو) حلف (لا يأكل سمنا فأكله بخبز جامدا) كان (أو ذائبا حنث) ; لأنه أتى

(1)

. أي تخثر بحيث صار يؤخذ منه باليد.

(2)

. وهو أن لا يكون خاثرا.

(3)

. هو ما سال من الأقط إذا طبخ ثم عصر، الصحاح.

ص: 376

وَإِنْ شَرِبَهُ ذائِبًا فَلَا، وَإِنْ أَكَلَهُ فِي عَصِيدَةٍ حَنِثَ إنْ كَانَتْ عَيْنُهُ ظَاهِرَةً. وَيَدْخُلُ فِي فَاكِهَةٍ رُطَبٌ وَعِنَبٌ وَرُمَّانٌ وَأُتْرُجٌّ وَرَطْبٌ وَيَابِسٌ. قُلْتُ: وَلَيْمُونٌ وَنَبِْقٌ وَبِطِّيخٌ وَلُبُّ فُسْتَُقٍ وَ بُنْدُقٍ وَغَيْرِهِمَا فِي الْأَصَحِّ، وَلَا قِثَّاءٌ وَخِيَارٌ وَبَاذِنْجَانٌ وَجَِزَرٌ، وَلَا يَدْخُلُ فِي الثِّمَارِ يَابِسٌ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ أُطْلِقَ بِطِّيخٌ وَتَمْرٌ وَجَوْزٌ لَمْ يَدْخُلْ هِنْدِيٌّ. وَالطَّعَامُ يَتَنَاوَلُ قُوتًا وَفَاكِهَةً وَأُدْمًا وَحَلْوَى

بالمحلوف عليه وزيادة، وبه فارق عدم الحنث في لا آكل مما اشتراه زيد فأكل مما اشتراه زيد وعمرو; لأنه لم يأكل مما اشتراه المحلوف عليه خاصة (وإن شربه ذائبا فلا) يحنث; لأنه لم يأكله، (وإن أكله في عصيدة حنث إن كانت عينه ظاهرة) أي مرئية متميزة في الحس; لوجود اسمه حينئذ بخلاف ما إذا لم تكن متميزة كذلك. (ويدخل في فاكهة) حلف لا يأكلها ولا نية له (رطب وعنب ورمان وأُترُجّ) وتين ومشمش و (رَطْب ويابس) من كل ما يتناوله، سواء استجد له اسم كتمر وزبيب أم لا كتين; لوقوع اسمها على هذه كلها; لأنها مما يتفكه أي يتنعم بأكله مما ليس بقوت. ويدخل فيها موز رطب لا يابس، ولا حنث بما لم ينضج ويطب كحصرم وبلح إلا إن صار البلح بسرا حاليا أو ترطب بعضه، (قلت: و) نارج و (ليمون

(1)

طريان (ونَبِْق وبطيخ) أصفر أو هندي (ولب فستَُق وبندق وغيرهما) كجوز ولوز (في الأصح، ولا قِثاء

(2)

وخيار

(3)

وباذِنجان وجَِزر) ; لأنها تعد من الخضراوات لا الفواكه (ولا يدخل في الثمار يابس، والله أعلم) ; لأن الثمر اسم للرطب (ولو أطلق) في الحلف (بطيخ وتمر وجوز لم يدخل هندي) في الجميع

(4)

؛ للمخالفة في الصورة والطعم. والهندي من البطيخ هو الأخضر (والطعام يتناول قوتا وفاكهة وأدما وحلوى) -; لوقوعه على الجميع- لا الدواء; لأنه لا يتناوله عرفا.

(1)

. هي شجره مثمره من الفصيلة السذابية دائمة الخضرة تنمو بضعة أمتار أوراقها جلدية خضر لامعة لها رائحة عطرية أزهارها بيض عبقة الرائحة تظهر في الربيع، المعجم الوسيط.

(2)

. تقدم تفسيره في الربا.

(3)

. قضية صنيع المغني أن القثاء هو الخيار.

(4)

. خلافا لهما في البطيخ فيحنث عندهما به بخلافه عند الشارح وشيخ الإسلام.

ص: 377

وَلَوْ قَالَ لَا آكُلُ مِنْ هَذِهِ الْبَقَرَةِ تَنَاوَلَ لَحْمَهَا دُونَ وَلَدٍ وَلَبَنٍ، أَوْ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَثَمَرٌ دُونَ وَرَقٍ وَطَرَفِ غُصْنٍ.

فصل في صور منثورة

حَلَفَ لَا يَأْكُلُ هَذِهِ التَّمْرَةَ فَاخْتَلَطَتْ بِتَمْرٍ فَأَكَلَهُ إلَّا تَمْرَةً لَمْ يَحْنَثْ،

[فرع] الحلو لا يتناول ما بجنسه حامض كعنب وإجاص ورمان، والحلوى تختص بالمعمول من حُلْو بالمعنى المذكور

. (ولو قال لا آكل من هذه البقرة تناول لحمها) ; لأنه المفهوم من ذلك (دون ولد ولبن) نعم يتناول اللحم هنا شحماً وكرشاً وسائر ما مر معهما، (أو) لا يأكل (من هذه الشجرة) والشجر من النبات ما قام على ساق أو ما سما بنفسه دق أو جل قاوم الشتاء أو عجز عنه (فثمر) لها مأكول هو الذي يحنث به (دون ورق وطرف غصن)؛ حملا على المجاز المتعارف؛ لتعذر الحقيقة عرفا، نعم يلحق بالثمر الجمّار

(1)

وورق اعتيد أكله، وعليه فيعتبر عرف بلد الحالف في ذلك حينئذٍ كرأس نحو حوت. أما إذا لم تتعذر الحقيقة فيحمل عليها مع المجاز الراجح كما لو حلف لا يشرب من ماء النهر الحقيقة الكرع بالفم وكثير يفعلونه والمجاز المشهور الأخذ باليد أو الإناء فيحنث بالكل; لأنهما لمّا تكافآ إذ في كل قوة ليست في الآخر استويا فوجب العمل بهما إذ لا مرجح.

[فرع] لوحلف أن لا يلبس خاتما فالوجه انه يحنث بلبسه في أي أصبع أو أنملة رجلا كان أوامرأة

(2)

.

(فصل) في صور منثورة ليقاس بها غيرها

لو (حلف) لا يتغدى أوْ لا يتعشى حنث بأكله زيادة يقينا على نصف عادته، ولو اختلفت عادته في الأكل زمانا أو مكانا اعتبر في كل زمان أو مكان ما هو عادته فيه

(3)

، أو (لا يأكل هذه التمرة فاختلطت بتمر فأكله إلا تمرة) أو بعضها وشك هل هي المحلوف عليها أو غيرها؟ (لم يحنث) ; لأن

(1)

. الجمار واحده جمارة، وجمارة النخل شحمته التي في قمة رأسه وهي رخصة تؤكل بالعسل، لسان العرب.

(2)

. خلافا للمغني من حنث المرأة لا الرجل.

(3)

. ذكره الشارح في فصل الإعسار بالنفقة.

ص: 378

أَوْ لَيَأْكُلَنَّهَا فَاخْتَلَطَتْ لَمْ يَبَرَّ إلَّا بِالجَمِيعِ. أَوْ لَيَأْكُلَنَّ هَذِهِ الرُّمَّانَةَ فَإِنَّمَا يَبَرُّ بِجَمِيعِ حَبِّهَا. أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَيْنِ لَمْ يَحْنَثْ بِأَحَدِهِمَا، فَإِنْ لَبِسَهُمَا مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا حَنِثَ، أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا وَلَا هَذَا حَنِثَ بِأَحَدِهِمَا،

الأصل براءة ذمته من الكفارة، والورع أن يكفر، فإن أكل الكل حنث لكن من آخر جزء أكله فتعتد في حلف بطلاق من حينئذ; لأنه المتيقن (أو) حلف (ليأكلنها فاختلطت) بتمر وانبهمت (لم يبَر إلا بالجميع) أي أكله؛ لاحتمال أن المتروكة هي المحلوف عليها فاشترط تيقن أكلها، ومن ثم لو اختلطت بجانب من الصبرة أو بما هو بلونها وغيره لم يحتج إلا إلى أكل ما في جانب الاختلاط وما هو بلونها فقط. (أو ليأكلن هذه الرمانة فإنما يبر بجميع) فلا يترك حبة، أما بعض حبة فإن دقّ مدركها لم يؤثر وإلا أثّر (حبها) أي أكله؛ لتعلق اليمين بالكل، ولهذا لو قال لا آكلها فترك حبة لم يحنث (أوْ لا يلبس) هذا أو الثوب الفلاني، أو قيل له البسه فقال والله لا ألبسه فسل منه خيط يُحس ويدرك

(1)

-كمقدار أصبع- لم يحنث، وفارق لا أساكنك في هذه الدار فانهدم بعضها وساكنه في الباقي بأن المدار هنا على صدق المساكنة ولو في جزء من الدار وثَمَّ على لبس الجميع ولم يوجد، أو لا أركب أو لا أكلم هذا فقطع أكثر بدنه بأن القصد هنا النفس وفي اللبس جميع الأجزاء (هذين لم يحنث بأحدهما) ; لأنه حلف عليهما، فإن نوى لا ألبس منهما شيئا حنث بأحدهما (فإن لبسهما معا أو مرتبا حنث)؛ لوجود لبسهما المحلوف عليه (أوْ لا يلبس هذا ولا هذا حنث بأحدهما) ; لأنهما يمينان حتى لو لبس واحدا ثم واحدا لزمه كفارتان; لأن العطف مع تكرر لا يقتضي ذلك، فإن أسقط لا نحو لا آكل هذا وهذا أو لآكلن هذا وهذا أو اللحم والعنب تعلق الحنث في الأولى والبر في الثانية بهما -وإن فرقهما- لا بأحدهما. أوْ لألبسن هذا أو هذا برّ بلبس واحد; لأن أو إذا دخلت بين إثباتين اقتضت ثبوت أحدهما، أو لا ألبس هذا أو هذا لم يحنث إلا بلبسهما; لأن أو إذا دخلت بين نفيين كفى للبر أن لا يلبس واحدا منهما ولا يضر لبسه لأحدهما كما أنها إذا دخلت بين إثباتين كفى للبر أن يلبس أحدهما ولا يضر أن لا يلبس الآخر، ولو عطف بالفاء أو ثم عمل بقضية كلٍّ من ترتب بمهلة أو عدمها ولو غير نحوي كما أطلقوه لكن قضية ما مر له في أن دخلت بالفتح خلافه وعليه فيتجه في عامي لا نية له أن لا يعتبر ترتيب فضلا عن قيده.

(1)

. هذا القيد مذكور في الفصل السابق 10/ 37.

ص: 379

أَوْ لَيَأْكُلَنَّ ذَا الطَّعَامَ غَدًا فَمَاتَ قَبْلَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ تَلِفَ الطَّعَامُ فِي الْغَدِ تَمَكُّنِهِ مِنْ أَكْلِهِ حَنِثَ، وَقَبْلَهُ قَوْلَانِ كَمُكْرَهٍ، وَإِنْ أَتْلَفَهُ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ الْغَدِ حَنِثَ، وَإِنْ تَلِفَ أَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ فَكَمُكْرَهٍ

(أو ليأكلن ذا الطعام) أو ليقضينه حقه أو ليسافرن (غدا فمات) بغير قتله لنفسه أو نسي (قبله) أي الغد ومثله موته أو نسيانه بعد مجيء الغد وقبل تمكنه (فلا شيء عليه) ; لأنه لم يبلغ زمن البر والحنث (وإن مات) أو نسي (أو تلف الطعام) أو بعضه (في الغد بعد تمكنه) من قضائه أو السفر أو (من أكله) بأن أمكنه إساغته وإن كان شبعان، أي حيث لا ضرر (حنث

(1)

؛ لتفويته البر حينئذ باختياره، ومن ثم ألحق قتله لنفسه قبل الغد بهذا؛ لأنه به مفوِّت لذلك أيضا، وكذا لو تلف الطعام قبله بتقصيره كأن أمكنه دفع آكله فلم يدفعه، (و) في موته أو نسيانه (قبله) أي التمكن من ذلك جرى في حنثه (قولان كمكره) والأظهر عدمه؛ لعذره. وحيث أطلقوا قولَي المكره أرادوا الإكراه على الحنث فقط، أما إذا أكره على الحلف فلا خلاف في عدم الحنث، (وإن أتلفه) عامدا عالما مختارا (بأكل أو غيره) كأدائه الدين في الصورة التي ذكرتها ما لم ينو أنه لا يؤخر أداءه عن الغد (قبل الغد) أو بعده وقبل تمكنه منه (حنث) ; لتفويته البر باختياره، ومر أن تقصيره في تلفه كإتلافه له. ثم الأصح أنه إنما يحنث بعد مجيء الغد ومضي وقت التمكن فلو مات قبل ذلك لم يحنث (وإن تلف) الطعام بنفسه (أو أتلفه أجنبي) قبل الغد أو التمكن ولم يقصر فيهما كما مر (فكمكره) فلا يحنث؛ لعدم تفويته البر.

[تنبيه] اختلف كلامهم في ضبط التمكن في أبواب فالتمكن من الماء في التيمم بتوهمه بحد الغوث أو تيقنه بحد القرب وأمن ما مر وظاهره أنه يلزمه مشي لذلك أطاقه لا ذهاب لما فوق ذلك ولو راكبا، وفي الجمعة بالقدرة على الذهاب إليها ولو قبل الوقت إذا بعدت داره ولو ماشيا ولو بنحو مركوب وقائد قدر على أجرتهما، وفي الحج بما مر فيه في مبحث الاستطاعة، ومنه أنه يلزمه مشي قدر عليه إذا كان دون مرحلتين، وفي الرد بالعيب والأخذ

(1)

. كما لو حلف أنها تصلي اليوم الظهر فحاضت في وقته بعد تمكنها من فعله ولم تصل، وكما لو حلف ليشربن ماء هذا الكوز فانصب بعد إمكان شربه فإنه يحنث، كما أشار إليه الشارح في الطلاق 8/ 44.

ص: 380

بالشفعة بما مر فيهما، وحينئذ فضابط التمكن هنا أنه إن خشي من فعل المحلوف عليه مبيح تيمم لم يكن متمكنا منه، فإن لم يخش ذلك لم يكفِ توهم وجود المحلوف عليه بل لا بد من

ص: 381

أَوْ لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك عِنْدَ رَأْسِ الهِلَالِ فَلْيَقْضِ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ آخِرَ الشَّهْرِ فَإِنْ قُدِّمَ أَوْ مَضَى بَعْدَ الْغُرُوبِ قَدْرُ إمْكَانِهِ حَنِثَ،

ظن وجوده بلا مانع مما مر في التيمم، والمشي والركوب هنا كالحج، وإن لم يفعل الوكيل بنفسه فكما في الرد بالعيب فيعد متمكنا إذا قدر عليه ولو بأجرة مثل طلبها الوكيل فاضلة عما يعتبر في الحج، وقائد الأعمى ونحو محرم المرأة والأمرد كما في الحج فيجب ولو بأجرة، وعذر الجمعة ونحو الرد بالعيب أعذار هنا فوجود أحدهما يمنع التمكن إلا في نحو أكل كريه مما لا أثر له هنا بخلافه في نحو الشهادة على الشهادة كما يأتي، ومر في النفي الواجب للولد أن الأعذار المعتبرة فيه هي الأضيق في كل من أعذار الجمعة والشفعة والرد بالعيب

(1)

، وحينئذ متى وجد التمكن من المحلوف عليه بأن لم يكن له عذر مما مر يمنعه عنه كمشي فوق مرحلتين وإن أطاقه لم يحنث بتلف المحلوف عليه وإلا حنث (أو لأقضين حقك) ساعة بيعي لكذا فباعه مع غيبة الدائن حنث وإن أرسله إليه حالا؛ لتفويته البر باختياره للبيع مع غيبة الدائن وإن لم يعلم بغيبته، أو إلى زمن فمات لكن بعد تمكنه من قضائه حنث قبيل موته; لأن لفظ الزمن لا يعين وقتا فكان جميع العمر مهلته، وإنما وقع الطلاق بعد لحظة في أنت طالق بعد حين أو إلى زمن; لأنه تعليق فتلعق بأول ما يسمى زمنا وما هنا وعد وهو لا يختص بأول ما يقع عليه الاسم، وقضيته أنه لا فرق هنا بين الحلف بالله والطلاق، أو إلى أيام فثلاثة

(2)

أو (عند) أو مع (رأس الهلال

(3)

أو أول الشهر (فليقض) ـه (عند غروب الشمس آخر) ظرف لغروب (الشهر) الذي وقع الحلف فيه

(4)

-أو آخر الشهر الذي هو كائن قبل الشهر الذي عينه لقضاء الحق- لاقتضاء عند ومع المقارنة فاعتبر ذلك ليقع القضاء مع أول جزء من الشهر، والمراد الأولية الممكنة عادة; لاستحالة المقارنة الحقيقية (فإن قُدِّم) القضاء على ذلك (أو مضى بعد الغروب قدر إمكانه) العادي ولم يقض فيه (حنث)؛ لتفويته البر باختياره. هذا إن لم تكن

(1)

. تحفة 8/ 244.

(2)

. أي فيحنث قبيل موته إذا تمكن من قضائه قبل مضي ثلاثة أيام.

(3)

. ولو حلف لا يكمله شهر تعين التوالي، ذكره الشارح في الاعتكاف 3/ 477.

(4)

. وقضية المغني والمنهج أنه لو تمكن من إعداد المال قبل الوقت المحلوف عليه ولم يفعل حنث، وقياسه أنه إذا علم أنه لا يصل لصاحب الحق إلا بالذهاب من أول اليوم مثلا، ولم يفعل الحنث بفوات الوقت المحلوف على الأداء فيه وإن شرع في الذهاب لصاحب الحق عند وجود الوقت المذكور، وقوله وقياسه .. الخ مخالف لكلام الشارح والنهاية والمغني.

ص: 382

وَلَوْ شَرَعَ فِي الْكَيْلِ حِينَئِذٍ وَلَمْ يَفْرُغْ لِكَثْرَتِهِ إلَّا بَعْدَ مُدَّةٍ لَمْ يَحْنَثْ. أَوْ لَا يَتَكَلَّمُ فَسَبَّحَ أَوْ قَرَأَ قُرْآنًا فَلَا حِنْثَ. أَوْ لَا يُكَلِّمُهُ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ حَنِثَ،

له نية وإلا كأن نوى أن لا يأتي رأس الهلال إلا وقد خرج من حقه، أو نوى بلفظ عند أو مع معنى إلى لم يحنث بالتقديم، (ولو شرع في) العد أو الذرع أو (الكيل) أو الوزن أو غير ذلك من المقدمات (حينئذ) أي حين إذ غربت الشمس (ولم يفرغ لكثرته إلا بعد مدة لم يحنث) ; لأنه أخذ في القضاء عند ميقاته، ويعتبر تواصل نحو الكيل فيحنث بتخلل فئران تمنع تواصله بلا عذر، ولو حُمل إليه حقه من الغروب ولم يصل إلا بعد ليلة لم يحنث كما لا يحنث بالتأخير لشكّه في الهلال

(1)

(أو لا يتكلم فسبح) أو هلل أو حمد أو دعا بما لا يبطل الصلاة كأن لا يكون محرما ولا مشتملا على خطاب غير الله ورسوله (أو قرأ) ولو خارج الصلاة (قرآنا) ولو جنبا

(2)

(فلا حنث) بخلاف ما عدا ذلك فإنه يحنث به إن أسمع نفسه أو كان بحيث يسمع لولا العارض; لانصراف الكلام عرفا إلى كلام الآدميين في محاوراتهم، ولا يحنث بنحو التوراة والإنجيل، نعم إن قرأها كلها أو أكثرها حنث؛ لتحقق أن فيها مبدلا كثيرا، (أوْ لا يكلمه فسلم عليه) ولو من صلاة، أو قال له قم مثلا أو دق عليه الباب فقال -وقد علمه- مَن (حنث

(3)

إن سمعه، وكذا لو لم يسمعه لعارضٍ وكان بحيث لو زال لسمع. ويشترط أيضا فهم السامع لِمَا سمعه ولو بوجه، ولا يحنث بتكليم أصمٍّ لا يسمع أصلا. ولو عرَّض له كأن خاطب جدارا بحضرته بكلام ليُفهمه به أو ذكر كلاما من غير خطاب أحد به إتّجه أنه يأتي فيه التفصيل الآتي في قراءة الآية.

(1)

. عبارة النهاية.

(2)

. وذكر الشارح في الإجارة أنه لو حلف أن يقرأ قرآنا مطلقا أو يقرأ وهو جنب بر بقراءته وهو جنب 6/ 160.

(3)

. نعم ذكر الشارح في الطلاق أن من حلف لا يكلم فلانا فأجبره القاضي على كلامه لا يحنث، لكن محله فيما فعله لداعية الإكراه وهو ما يزول به الهجر المحرم، أما الزائد عليه فيحنث به؛ لأنه ليس مكرها عليه، فإن فرض أن القاضي أجبره على كلامه وإن زال الهجر قبله لم يحنث أيضا؛ لأن المكره بباطل لا يحنث 8/ 32. وذكر في كتاب القضاء أن مثل القاضي في ذلك المحكَّم 10/ 117.

ص: 383

وَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بِيَدٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلَا حِنْثَ فِي الجَدِيدِ. وَإنْ قَرَأَ آيَةً أَفْهَمَهُ بِهَا مَقْصُودَهُ وَقَصَدَ قِرَاءَةً لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ. أَوْ لَا مَالَ لَهُ حَنِثَ بِكُلِّ نَوْعٍ، وَإِنْ قَلَّ حَتَّى ثَوْبِ بَدَنِهِ، وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ، وَمَا وَصَّى بِهِ، وَدَيْنٍ حَالٍّ، وَكَذَا مُؤَجَّلٌ فِي الْأَصَحِّ، لَا مُكَاتَبِهِ فِي الْأَصَحِّ

(ولو كاتبه أو راسله أو أشار إليه بيد أو غيرها فلا حنث

(1)

عليه وإن كان أصم أو أخرس (في الجديد) ; لأن هذه ليست بكلام عرفا، نعم إن نوى شيئا منها حنث به; لأن المجاز تقبل إرادته بالنية (وإن قرآ آية أفهمه بها مقصوده وقصد قراءة) ولو مع الإفهام (لم يحنث) ; لأنه لم يكلمه (وإلا) بأن قصد الإفهام وحده أو أطلقه

(2)

(حنث) ; لأنه كلمه. ولو حلف ليثنينّ على الله أفضل الثناء لم يبر إلا بيا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك

(3)

، أو ليصلين على النبي صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة برّ بصلاة التشهد فقط وإن لم تقترن بالسلام عليه (أوْ لا مال له) وأطلق أو عمم (حنث بكل نوع) من أنواع المال له (وإن قلّ) ولو لم يتمول

(4)

(حتى ثوب بدنه)؛ لصدق اسم المال به، نعم لا يحنث بملكه لمنفعة; لأنها لا تسمى مالا عند الإطلاق (ومدبّر) له لا لمورثه إذا تأخر عتقه

(5)

(ومعلق عتقه بصفة) وأم ولد (وما وَصَّى به) لغيره; لأن الكل ملكه (ودين حال) ولو على معسر جاحد بلا بينة

(6)

(وكذا مؤجل في الأصح)؛ لثبوته في الذمة وصحة الاعتياض والإبراء عنه ولوجوب الزكاة فيه، وعليه فلا حنث

(7)

بدينه على مكاتبه؛ لأنه لم يوجد فيه شيء من هاتين العلتين (لا مكاتبه) كتابة صحيحة (في الأصح) ; لأنه لعدم ملكه لمنافعه وأرش جنايته كالأجنبي عرفا، وبهذا يعلم أنه لا أثر

(1)

. وذكر الشارح في الطلاق أنه لا يحنث بالإشارة مَن حلف لا يتكلم ثم خرس، قال ابن قاسم مفهومه أنه يحنث بها الأخرس إذا حلف لا يتكلم 8/ 21.

(2)

. خلافا للمغني في الإطلاق.

(3)

. ظاهر النهاية أنه يقول: سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك.

(4)

. خلافا لهما.

(5)

. وإن منع من التصرف بما يزيل الملك فاعتمد الشهاب الرملي الحنث والمغني عدمه.

(6)

. أي مطلقا وفاقا للشهاب الرملي وخلافا للأسنى والمغني فاستثنيا تبعا للبلقيني ما لو مات.

(7)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 384

أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ فَالْبِرُّ بِمَا يُسَمَّى ضَرْبًا، وَلَا يُشْتَرَطُ إيلَامٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ ضَرْبًا شَدِيدًا، وَلَيْسَ وَضْعُ سَوْطٍ عَلَيْهِ، وَعَضٌّ، وَخَنِقٌ، وَنَتْفُ شَعَرٍ ضَرْبًا، قِيلَ وَلَا لَطْمٌ وَوَكْزٌ، أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ ماِئَةَ سَوْطٍ أَوْ خَشَبَةٍ فَشَدَّ مِائَةً وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً أَوْ بِعِثْكَالٍ عَلَيْهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ، بَرَّ إنْ عَلِمَ إصَابَةَ الْكُلِّ، أَوْ تَرَاكَمَ بَعْضٌ عَلَى بَعْضٍ فَوَصَلَهُ أَلَمُ الْكُلِّ قُلْتُ: وَلَوْ شَكَّ فِي إصَابَةِ الجَمِيعِ بَرَّ عَلَى النَّصِّ، وَاَللهُ أَعْلَمُ،

لتعجيزه بعد اليمين، وكذا زوجة واختصاص بل ومغصوب

(1)

لم يقدر على نزعه ولا على بيعه من قادر على نزعه وغائب انقطع خبره (أو ليضربنه فالبر) إنما يحصل (بما يسمى ضربا) فلا يكفي مجرد وضع اليد عليه، (ولا يشترط إيلام)؛ لصدق الاسم بدونه (إلا أن يقول) أو ينوي (ضربا شديدا) أو موجعا مثلا فيشترط حينئذ الإيلام عرفا، وواضح أنه يختلف بالزمن وحال المضروب (وليس وضع سوط عليه وعض) وقرص

(2)

(وخنِق ونتف شعر ضربا) ; لأنه لا يسمى بذلك عرفا (قيل ولا لطم) لوجه بباطن الراحة مثلا (ووكز) وهو الضرب باليد مطبقة أو الدفع ولو بغير اليد، ورفس ولكم وصفع; لأنها لا تسمى ضربا عادة، ولكن الأصح أن جميعها ضرب وأنها تسماه عادة، ومثلها الرمي بنحو حجر أصابه (أو ليضربنه مائة سوط أو خشبة فشد مائة) من السياط في الأولى ومن الخشب في الثانية ولا يقوم أحدهما مقام الآخر (وضربه بها ضربة أو) ضربه (بعثكال) وهو الضغث في الآية (عليه مائة شمراخ بر إن علم إصابة الكل أو) علم (تراكم بعض) منها (على بعض فوصله) بسبب هذا التراكم (ألم

(3)

الكل) لكن المعتمد أن العثكال لا يجزئ في المائة سوط؛ لأنه أخشاب لا سياط (قلت: ولو شك) أي تردد باستواء أو مع ترجيح الإصابة لا مع ترجيح

(4)

عدمها (في إصابة الجميع بر على النص، والله أعلم)؛ إذ الظاهر الإصابة. ولو قال إن ضربتُكِ فأنت طالق فقصد ضرب غيرها فأصابها طلقت، ولا يقبل قوله لم أقصدها ظاهرا إلا ببينة تشهد بقرينة على أنه لم يقصدها.

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. هو أخذ لحم الإنسان بإصبعيك حتى يؤلمه ذلك، الصحاح.

(3)

. فالإيلام شرط هنا خلافا للنهاية.

(4)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

ص: 385

أَوْ لَيَضْرِبَنَّهُ مِائَةَ مَرَّةٍ لَمْ يَبِرَّ بِهَذَا. أَوْ لَا أُفَارِقُك حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي فَهَرَبَ وَلَمْ يُمْكِنْهُ اتِّبَاعُهُ لَمْ يَحْنَثْ، قُلْتُ: الصَّحِيحُ لَا يَحْنَثُ إذَا أَمْكَنَهُ اتِّبَاعُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ فَارَقَهُ أَوْ وَقَفَ حَتَّى ذَهَبَ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَكَانَا مَاشِيَيْنِ أَوْ أَبْرَأَهُ أَوِ احْتَالَ عَلَى غَرِيمٍ ثُمَّ فَارَقَهُ أَوْ أَفْلَسَ فَفَارَقَهُ لِيُوسِرَ حَنِثَ،

(أو ليضربنه مائة مرة) أو ضربة (لم يبر بهذا) أي المشدودة أو العثكال; لأنه جعل العدد مقصودا، ولا يشترط هنا تواليها (أوْ لا) أخليك تفعل كذا حُمِل على نفي تمكينه منه بأن يعلم به ويقدر على منعه منه. أوْ لا (أفارقك حتى أستوفي حقي) منك (فهرب) يعني ففارقه المحلوف عليه ولو بغير هرب كما يعلم مما يأتي (ولم يمكنه اتباعه لم يحنث) بخلاف ما إذا أمكنه اتباعه فإنه يحنث (قلت الصحيح لا يحنث إذا أمكنه اتباعه والله أعلم) ; لأنه إنما حلف على فعل نفسه فلم يحنث بفعل الغريم سواء أمكنه اتباعه أم لا. ولو فارقه هنا بإذنه لم يحنث أيضا، ولو أراد بالمفارقة ما يعمهما حنث.

[تنبيه] لو حلف لا يُطْلِق غريمه حنث بإذنه له في المفارقة

(1)

بخلاف عدم إتباعه المقدور عليه إذا هرب (وإن فارقه

(2)

الحالف بما يقطع خيار المجلس ولو بمشيه بعد وقوف الغريم مختارا ذاكرا (أو وقف) الحالف (حتى ذهب المحلوف عليه وكانا ماشيين) حنث؛ لأن المفارقة حينئذ منسوبة للحالف، أما إذا كانا ساكنين فابتدأ الغريم بالمشي فلا حنث مطلقا كما مر

(3)

(أو أبرأه) حنث; لأنه فوَّت البر باختياره (أو احتال) به (على غريم) لغريمه أو أحال به على غريمه (ثم فارقه) أو حلف ليعطينه دينه يوم كذا ثم أحاله به أو عوضه عنه حنث; لأن الحوالة ليست استيفاء ولا إعطاء حقيقة وإن أشبهته، نعم إن نوى أنه لا يفارقه وذمته مشغولة بحقه لم يحنث كما لو نوى بالإعطاء أو الإيفاء براءة ذمته من حقه، ويقبل في ذلك ظاهرا وباطنا، ولو تعوّض أو ضمنه له ضامن ثم فارق لظنه أن التعويض أو الضمان كاف حنث؛ لأن جهله بالحكم لا يعذر به (أو أفلس ففارقه ليوسر حنث)؛ لوجود المفارقة منه وإن لزمته كما لو قال لا أصلي الفرض فصلاَّه فإنه يحنث، نعم لو ألزمه الحاكم بمفارقته لم يحنث

(1)

. ومثله كما مر في الطلاق ما لو أخرجه من الحبس.

(2)

. قضيته أنه لا حنث بمجرد الإبراء والحوالة خلافا لشرح الروض في الأول ولصنيع المنهج فيهما.

(3)

. خلافا للنهاية.

ص: 386

وَإِنِ اسْتَوْفَى وَفَارَقَهُ فَوَجَدَهُ نَاقِصًا إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ، لَكِنَّهُ أَرْدَأُ لَمْ يَحْنَثْ، وَإِلَّا حَنِثَ عَالِمٌ، وَفِي غَيْرِهِ الْقَوْلَانِ

كالمكره، وإنما أثر العذر في نحو لا أسكن فمكث لنحو مرض; لأن الحنث فيها باستدامة الفعل لا بإنشائه وهي أضعف فتأثرت به بخلاف ما هنا، والحاصل أن من خص يمينه بفعل المعصية أو أتى بما يعمها قاصدا دخولها أو قامت قرينة عليه حنث بها وإلا فلا، ومن ذلك ما لو حلف لا يفارقه ظانا يساره فبان إعساره فلا يحنث بمفارقته.

[فرع] لو حلف لا يرافقه من مكة إلى مصر فرافقه في بعض الطريق حنث حيث لا نية; لأن المتبادر من هذه الصيغة ما اقتضاه وضعها اللغوي؛ إذ الفعل في حد النفي كالنكرة في حيزه. ولو حلف لا يكلمه مدة عمره فإن أراد مدة معلومة دُيِّن وإلا اقتضى ذلك استغراق المدة من انتهاء الحلف إلى الموت فمتى كلمه في هذه المدة حنث (وإن استوفى وفارقه فوجده) أي ما أخذه منه (ناقصا) نُظِر (إن كان جنس حقه لكنه أردأ) منه (لم يحنث) ; لأن الرداءة لا تمنع الاستيفاء (وإلا) يكن جنس حقه كأن كان دراهم فخرج المأخوذ مغشوشا (حنث عالم) بذلك عند المفارقة; لأنه فارقه قبل الاستيفاء (وفي غيره) وهو الجاهل به حينئذ (القولان) في حنث الجاهل أظهرهما لا حنث. ولو حلف ليقضين فلانا دينه يوم كذا فأعسر ذلك اليوم لم يحنث إن لم يقدر على الوفاء بوجه من الوجوه من أول المدة التي حلف عليها إلى آخرها كاليوم في مسألتنا. والأوجه فيما لو سافر الدائن قبلها وقد قال لأقضينك أو لأقضين فلانا عدم الحنث؛ لفوات البر بغير اختياره، ولا يكلف إعطاء وكيله أو القاضي; لأنه مجاز فلا يحمل الحلف عليه من غير قرينة، ولا ينافيه ما لو قال لأقضينك حقك إلى الحادي عشر فإن الحالف يحنث إذا سافر الدائن بعد التمكن من الإيفاء مطلقا

(1)

؛ لأنه يتبادر من اللفظ أن المدة كلها من حين الحلف إلى تمام الحادي عشر ظرف للإيفاء المحلوف عليه، نعم إن قال أردت أن الحادي عشر هو الظرف للاستيفاء صدق بيمينه؛ لاحتماله، ووجه عدم المنافاة; أن لأقضينك غدا صريح في أن الغد هو الظرف للإيفاء بخلاف صورتي الحادي عشر فلم يؤثر السفر قبل الغد في تلك وأثر في هاتين على ما تقرر. والأوجه أن موت الدائن كسفره فيما مر فيه، فإن كان بعد التمكن حنث وإلا فلا، ولا أثر لقدرته على الدفع للوارث; لأنه خلاف المحلوف عليه، ومن

(1)

. أي سافر قبل الحادي عشر أو فيه.

ص: 387

أَوْ لَا رَأَى مُنْكَرًا إلَّا رَفَعَهُ إلَى الْقَاضِي فَرَأَى وَتَمَكَّنَ فَلَمْ يَرْفَعْ حَتَّى مَاتَ حَنِثَ، وَيُحْمَلُ عَلَى قَاضِي الْبَلَدِ، فَإِنْ عُزِلَ فَالْبِرُّ بِالرَّفْعِ إلَى الثَّانِي، أَوْ إلَّا رَفَعَهُ إلَى قَاضٍ بَرَّ بِكُلِّ قَاضٍ، أَوْ إلَى الْقَاضِي فُلَانٍ فَرَآهُ ثُمَّ عُزِلَ فَإِنْ نَوَى مَا دَامَ قَاضِيًا حَنِثَ إنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُهُ فَتَرَكَهُ

ثم كان الذي يتجه في لأقضين حقك أنه لا يفوت البر بالسفر والموت؛ لإمكان القضاء هنا مع غيبته، وإبراء الدائن قبل التمكن مانع منه، وتقبل دعواه بيمينه العجز لإعسار

(1)

أو نسيان بل لو ادعى الأداء فأنكره الدائن قُبِل بالنسبة لعدم الحنث. (أو) حلف (لا رأى منكرا) أو نحو لقطة (إلا رفعه إلى القاضي فرأى) منكرا (وتمكن) من رفعه له (فلم يرفعه) أي لم يوصل بنفسه أو غيره بلفظ أو نحو كتابة للقاضي خبره في محل ولايته -لا غيره؛ إذ لا فائدة له- (حتى مات) الحالف (حنث) أي من قبيل الموت; لأنه فوَّت البر باختياره، ويظهر أن العبرة في المنكر باعتقاد الحالف دون غيره. وظاهرٌ أن الرؤية من أعمى تحمل على العلم ومن بصير تحمل على رؤية البصر (ويحمل) القاضي في لفظ الحالف حيث لا نية له (على قاضي البلد) أي بلد فعل المنكر

(2)

; لأنه المعهود بالنسبة لإزالته، ومحل ذلك في منكر محسوس لا نحو زنا انقضى وإلا اعتبر قاضي البلد التي فيها فاعل المنكر حالة الرفع; لأن القصد من هذه اليمين إزالة المنكر وهي في كل من المحسوس والمنقضي بما ذكر (فإن عزل فالبر بالرفع إلى) القاضي (الثاني) ; لأن التعريف بأل يعمه ويمنع التخصيص بالموجود حالة الحلف، فإن تعدد في البلد تخير ما لم يختص

(3)

كلٌّ بجانب فيتعين القاضي الموجود في شقِّ فاعلِ المنكر; لأنه الذي يلزمه إجابته إذا دعاه. ولو رآه بحضرة القاضي فالأوجه أنه لا بد من إخباره به; لأنه قد يتيقظ له بعد غفلته عنه. ولو كان فاعل المنكر القاضي فإن كان ثم قاض آخر رفعه إليه وإلا لم يكلف بقوله رفعت إليك نفسك; لأن هذا لا يراد عرفا من لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى القاضي (أو إلا رَفَعَهُ إلى قاضٍ بر بكل قاض) بأي بلد كان لصدق الاسم وإن كان ولايته بعد الحلف (أو إلى القاضي فلان فرآه) أي الحالف المنكر (ثم) لم يرفعه إليه حتى (عزل فإن نوى ما دام قاضيا حنث) بعزله (إن أمكنه رفعه) إليه قبله (فتركه)؛ لتفويته البر باختياره ولا فورية هنا، وأما لو

(1)

. ومحله كما في التفليس إذا لم يعهد له مال.

(2)

. وفاقا لهما وخلافا لشرح الروض.

(3)

. خلافا لهما.

ص: 388

وَإِلَّا فَكَمُكْرَهٍ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ بَرَّ بِرَفْعِ إلَيْهِ بَعْدَ عَزْلِهِ.

‌فصل

حَلَفَ لَا يَبِيعُ أَوْ لَا يَشْتَرِي فَعَقَدَ لِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ حَنِثَ

، وَلَا يَحْنَثُ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ، أَوْ لَا يُزَوِّجُ أَوْ لَا يُطَلِّقُ أَوْ لَا يَعْتِقُ أَوْ لَا يَضْرِبُ فَوَكَّلَ مَنْ فَعَلَهُ لَا يَحْنَثُ

لم يعزل ولم يرفع له حتى مات أحدهما فإنه يحنث إن تمكن منه. (وإلا) يتمكن منه لنحو مرض أو حبس أو تَحَجُّبِ القاضي ولم يمكنه مراسلة ولا مكاتبة (فكمكره) فلا يحنث، (وإن لم ينو) ما دام قاضيا (بر برفع) ـه (إليه بعد عزله) نوى عينه أو أطلق؛ لتعلق اليمين بعينه، وذكر القضاء للتعريف فهو كلا أدخل دار زيد هذه فباعها ثم دخلها حنث تغليبا للعين مع أن كلا من الوصف والإضافة يطرأ ويزول.

[فرع] حلف لا يسافر بحرا شمل النهر العظيم؛ لأنه يسمى به لغة، ويبرُّ من حلف ليسافرن بقصير السفر أي بمجرد مجاوزة ما مر في صلاة المسافر بنية السفر.

(فصل)

لو (حلف) لا يشتري عينا بعشرة فاشترى نصفها بخمسة ثم نصفها بخمسة لم يحنث; لأنه لم يصدق عليه عند شراء كلِّ جزء الشراءُ بالعشرة، أو (لا يبيع أو لا يشتري فعقد) عقدا صحيحا لا فاسدا (لنفسه أو غيره) بوكالة أو ولاية (حنث) أما الأول فواضح، وأما الثاني فلأن إطلاق اللفظ يشمله، نعم الحج يحنث بفاسده -ولو ابتداء بأن أحرم بعمرة فأفسدها ثم أدخله عليها; لأنه كصحيحه- لا بباطله، ولا يلحق بالحج فيما ذُكر العارية والخلع والكتابة. ولو قال لا أبيع فاسدا فباع فاسدا فإن أراد حقيقة البيع أو أطلق لم يحنث؛ لانصراف لفظ البيع إلى حقيقته وقوله فاسدا مناف لما قبله فألغي، ويحنث إذا أراد بالبيع صورته لا حقيقته (ولا يحنث بعقد وكيله له) ; لأنه لم يعقد (أو) حلف (لا يزوّج أو لا يطلق أو لا يعتق أو لا يضرب فوكل من فعله لم يحنث) ; لأنه إنما حلف على فعل نفسه ولم يوجد سواء ألاق بالحالف فعل ذلك هنا وفيما قبله أم لا وسواء أحضر حال فعل الوكيل أم لا. ولو حلف لا يطلق زوجته ثم فوّض إليها طلاقها فطلقت نفسها لم يحنث بخلاف ما لو قال إن فعلت كذا فأنت طالق

ص: 389

إلَّا أَنْ يُرِيدَ أَلَّا يَفْعَلَ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ، أَوْ لَا يَنْكِحُ حَنِثَ بِعَقْدِ وَكِيلِهِ لَهُ لَا بِقَبُولِهِ هُوَ لِغَيْرِهِ. أَوْ لَا يَبِيعُ مَالَ زَيْدٍ فَبَاعَهُ بِإِذْنِهِ حَنِثَ، وَإِلَّا فَلَا. أَوْ لَا يَهَبُ لَهُ فَأَوْجَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ لَمْ يَحْنَثْ، وَكَذَا إنْ قَبِلَ وَلَمْ يَقْبِضْ فِي الْأَصَحِّ،

ففعلت

(1)

. ولو حلف لا يعتق عبداً فكاتبه وعتق بالأداء حنث

(2)

(إلا أن يريد ألا يفعل هو ولا غيره) فيحنث بالتوكيل في كل ما ذكر; لأن المجاز المرجوح يصير قويا بالنية والجمع بين الحقيقة والمجاز. ولو حلف لا يبيع ولا يوكل لم يحنث

(3)

ببيع وكيله قبل الحلف; لأنه بعده لم يباشر ولم يوكل بخلاف ما لو حلف أن لا تخرج زوجته إلا بإذنه وكان أذن لها قبل الحلف في الخروج فخرجت بعد اليمين

(4)

فيحنث

(5)

، وكذا لو أذن له في الخروج إلى محل معين قبل الحلف فخرجت إليه بعده (أوْ لا ينكح) ولا نية له (حنث بعقد وكيله له) ; لأن الوكيل في النكاح سفير محض، ولهذا تجب إضافة القبول له كما مر. ولو حلفت لا تتزوج لم تحنث المجبرة بتزويج مجبرها لها وتحنث غيرها بتزويج وليها لها بإذنها، نعم لو حلف لا يراجع زوجته فوكَّل لم يحنث؛ لأنه يغتفر في الاستدامة ما لا يغتفر في الابتداء

(6)

(لا بقبوله هو لغيره)؛ لما مر أنه سفير محض فلم يصدق عليه أنه نكح، نعم إن نوى لا ينكح لنفسه ولا لغيره حنث كما علم مما مر، أما إذا نوى الوطء فلا يحنث بعقد وكيله له لما مر أن المجاز يتقوى بالنية (أو لا يبيع) أو يؤجر مثلا (مال زيد) أو لزيد مالا (فباعه) عالما بأنه مال زيد (بإذنه) أو إذن نحو ولي أو حاكم أو لظفر (حنث)؛ لصدق الاسم (وإلا) يبع بإذن صحيح (فلا) حنث؛ لما مر أن العقد إذا أطلق اختص بالصحيح، وكذا العبادات إلا الحج كما مر (أوْ لا) يبره وأطلق شمل كل تبرع من نحو صدقة وإبراء وعتق ووقف لا نحو زكاة، أوْ لا (يهب له) أي لزيد (فأوجب له) العقد (فلم يقبل لم يحنث) ; لأن الهبة لم تتم ويجري هذا في كل عقد يحتاج لإيجاب وقبول (وكذا إن قبل ولم يقبض في الأصح) لا يحنث; لأن مقتضى الهبة المطلقة والغرض منها نقل

(1)

. عبارة المغني بتصرف.

(2)

. خلافا للمغني.

(3)

. خلافا للأسنى.

(4)

. خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.

(5)

. والفرق أن المحلوف عليه وجد هنا بعد الحلف بخلاف المسألة السابقة كما في حاشية عبد الحميد.

(6)

. وفاقا للأسنى والمغني وخلافا للنهاية.

ص: 390

وَيَحْنَثُ بِعُمْرَى وَرُقْبَى، وَصَدَقَةٍ، لَا إعَارَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَوَقْفٍ، أَوْ لَا يَتَصَدَّقُ لَمْ يَحْنَثْ بِهِبَةٍ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا اشْتَرَاهُ زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِمَا اشْتَرَاهُ مَعَ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ مِنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ زَيْدٌ فِي الْأَصَحِّ، وَيَحْنَثُ بِمَا اشْتَرَاهُ سَلَمًا، وَلَوِ اخْتَلَطَ مَا اشْتَرَاهُ بِمُشْتَرَى غَيْرِهِ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَكْلَهُ مِنْ مَالِهِ

الملك ولم يوجد. (ويحنث) من حلف لا يهب (بعُمْرَى ورُقْبَى وصدقة) مندوبة لا واجبة كزكاة وكفارة ونذر، وبهدية مقبوضة; لأنها أنواع من الهبة (لا إعارة)؛ إذ لا ملك فيها وضيافة (ووصية)؛ لأنها جنس مغاير للهبة (ووقف) ; لأن الملك فيه لله تعالى، (أوْ لا يتصدق) حنث بصدقة فرض وتطوع ولو على غني ذمي وبعتق ووقف -; لأنه يسمى صدقة لا تقتضي التمليك- وإبراء، و (لم يحنث) بهدية وعارية وضيافة وقرض وقراض وإن حصل فيه ربح، ولا (بهبة في الأصح) ; لأنها لتوقفها على الإيجاب والقبول لا تسمى صدقة، ولهذا حلت له صلى الله عليه وسلم بخلاف الصدقة، نعم إن نوى بالصدقة الهبة حنث (أوْ لا يأكل طعاما اشتراه زيد لم يحنث بما اشتراه) زيد (مع غيره) يعني هو وغيره معا أو مرتبا مشاعا ولو بعد إفراز حصته على ما اقتضاه إطلاقهم

(1)

؛ لأن كل جزء منه لم يختص زيد بشرائه واليمين محمولة على ما يتبادر منها من اختصاص زيد بشرائه، ومن ثم لو حلف لا يدخل دار زيد لم يحنث بدخول دار شركة بينه وبين غيره. وخرج بالإفراز ما لو اقتسما قسمة رَدٍّ كأن اشتريا بطيخة أو رمانة فتراضيا برد أخذ النفيسة فيحنث

(2)

؛ لأن هذه القسمة بيع فيصدق أن زيدا اشتراه وحده، (وكذا لو قال) في يمينه لا آكل (من طعام اشتراه زيد في الأصح)؛ لما تقرر (ويحنث بما اشتراه) زيد (سلما) أو تولية أو إشراكا؛ لأنها أنواع من الشراء، صورة الحنث في الاشتراك أن يشتري بعده الباقي، وبما اشتراه لغيره بوكالة لا بما اشتراه له وكيله أو عاد إليه بنحو رد بعيب أو إقالة أو صلح أو قسمة ليس فيها لفظ بيع; لأنها لا تسمى بيوعا على الإطلاق (ولو اختلط) فيما إذا حلف لا يأكل طعاما

(3)

أو من طعام اشتراه زيد (ما اشتراه) زيد وحده (بمشترى غيره) يعني بمملوكه ولو بغير شراء (لم يحنث حتى يتيقن) أي يظن (أكله من ماله) أي مشترى زيد بأن يأكل منه نحو الكف

(1)

. الذي يظهر من التبري أن معتمد الشارح هو معتمد شرح الروض من أنه حيث أفرز حصته حنث إن كانت قسمة إفراز، ولذا عبر الشارح في شرح الإرشاد بالأوجه.

(2)

. خلافا للمغني.

(3)

. خلافا للمغني.

ص: 391

أَوْ لَا يَدْخُلُ دَارًا اشْتَرَاهَا زَيْدٌ لَمْ يَحْنَثْ بِدَارٍ أَخَذَهَا بِشُفْعَةٍ

لظن أن فيه مما اشتراه بخلاف نحو عشر حبات، ويفرق بينه وبين تمرة حلف لا يأكلها واختلطت بتمر فأكله إلا واحدة بأنه لا يقين هنا بل ولا ظن ثم عادة ما بقيت تمرة بخلاف ما نحن فيه. هذا كله عند الاطلاق فلو قال أردت طعاما يشتريه شائعا أو خالصا حنث به؛ لأنه غلَّظ على نفسه

(1)

. (أوْ لا يدخل دارا اشتراها زيد لم يحنث بـ) دخول (دار أخذها) زيد أو بعضها (بشفعة) ; لأن الأخذ بها لا يسمى شراء عرفا ولا شرعا. ويتصور أخذ كلها بالشفعة بأن يكون بشفعة جوار ويحكم بها من يراها، وبغيرها لكن لا في مرة واحدة بأن يملك شخص نصف دار ويبيع شريكه نصفه فيأخذه بها ثم يبيع ما يملكه بها لآخر ثم يبيعه الآخر فيأخذه الشريك بها فيصدق حينئذ أنه أخذ كلها بشفعة لكن في عقدين.

(1)

. عبارة المغني.

ص: 392

‌كتاب النذر

هُوَ ضَرْبَانِ نَذْرُ لَجَاجٍ: كَإِنْ كَلَّمْتُهُ فَللهِ عَلَيَّ عِتْقٌ أَوْ صَوْمٌ، وَفِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ،

(كتاب النذر)

وهو لغة: الوعد بخير أو شر، وشرعا الوعد بخير بالتزام القربة الآتية على الوجه الآتي، فلا يحصل بالنية وحدها لكن يتأكد له إمضاء ما نواه؛ للذم الشديد لمن نوى فعل خير ولم يفعله. والأصل فيه الكتاب والسنة، والأصح أنه في اللجاج الآتي مكروه، وفي القربة المنجزة أو المعلقة مندوب.

وأركانه ناذر ومنذور وصيغة. وشرط الناذر إسلام، واختيار، ونفوذ تصرفه فيما ينذره فيصح نذر سكران لا كافر؛ لعدم أهليته للقربة وغير مكلف ومكره؛ لرفع القلم عنهم ومحجور فلس أو سفه في قربة مالية عينية، وكذا القن فيصح نذره المال في ذمته ولو بغير إذن سيده

(1)

بخلاف الضمان; لأن المغلب هنا حق الله تعالى، ومن ثم اختص بالقُرَب

(2)

، وزيد إمكان الفعل فلا يصح نذره صوما لا يطيقه ولا بعيد عن مكة حجا هذه السنة كما يأتي أوائل الفصل.

والصيغة لفظ أو كتابة أو إشارة أخرس تدل أو تشعر بالالتزام مع النية في الكتابة، وكذا إشارة لم يفهمها كل أحد لا النية وحدها كسائر العقود، ومن الأول نذرت لله أو لك أو عليَّ لك كذا أو لهذا ومثله انتذرت أو أنذرت من عامي لغته ذلك. ولو نوى بنذرت لك الإخبار عن نذر سابق عُرِف فواضح، أو اليمين في نذرت لأفعلن فيمين

(3)

.

[تنبيه] تقدم أنّ عليّ لك كذا صريح في الإقرار، وعليه فصرفه للنذر أو الإقرار بالقرينة

.

(هو ضربان نذر لَجاج) وهو أن يمنع نفسه أو غيرها من شيء أو يحث عليه أو يحقق خبرا غضبا

(4)

بالتزام قربة (كإن كلمته) أو إن لم أكلمه أو إن لم يكن الأمر كما قلته (فلله عليّ) أو فعلي (عتق أو صوم) أو عتق وصوم وحج (وفيه) عند وجود المعلق عليه (كفارة يمين)؛ لخبر

(1)

. وفاقا للأسنى والمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. خلافا للمغني.

(3)

. تقدم في الأيمان أنه يجوز تقديم منذور مالي على ثاني سببيه 10/ 16.

(4)

. راجع للجميع.

ص: 395

وَفِي قَوْلٍ مَا الْتَزَمَ، وَفِي قَوْلٍ أَيُّهُمَا شَاءَ. قُلْتُ: الثَّالِثُ أَظْهَرُ وَرَجَّحَهُ الْعِرَاقِيُّونَ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَلَوْ قَالَ إنْ دَخَلْتُ فَعَلَيَّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ نَذْرٍ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ بِالدُّخُولِ، وَنَذْرُ تَبَرُّرٍ بِأَنْ يَلْتَزِمَ قُرْبَةً إنْ حَدَثَتْ نِعْمَةٌ أَوْ ذَهَبَتْ نِقْمَةٌ

مسلم ((كفارة النذر كفارة يمين))، ولا كفارة في نذر التبرر قطعا فتعين حمله على نذر اللجاج، (وفي قول ما التزم)؛ لخبر ((من نذر وسمى فعليه ما سمى))، (وفي قول أيهما شاء) ; لأنه يشبه النذر من حيث إنه التزم قربة واليمين من حيث إن مقصوده مقصود اليمين ولا سبيل للجمع بين موجبيهما ولا لتعطيلهما فوجب التخيير. (قلت: الثالث أظهر ورجحه العراقيون، والله أعلم)؛ لما قلنا، أما إذا التزم غير قربة كلا آكل الخبز فيلزمه كفارة يمين بلا نزاع، ومن نذر اللجاح ما يعتاد على ألسنة الناس العتق يلزمني أو يلزمني عتق عبدي فلان أو والعتقِ

(1)

لا أفعل أو لأفعلن كذا، فإن لم ينو التعليق فلغو وإن نواه تخير، ثم إن اختار العتق أو عتق المعين أجزأه مطلقا، أو الكفارة وأراد عتق المعين عنها اعتبر فيه صفة الإجزاء. ولو قال إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله عتق قطعا; لأن هذا محض تعليق ليس فيه التزام بنحو عليَّ، وقوله العتق أو عتقُ قني فلان يلزمني أو والعتق ما فعلت كذا لغو; لأنه لا تعليق فيه ولا التزام والعتق لا يحلف به إلا على أحد ذينك وهما هنا غير متصورين. (ولو قال إن دخلت) الدار مثلا (فعليَّ كفارة يمين أو) فعليَّ كفارة (نذرٍ لزمه) في الصورتين (كفارة بالدخول)؛ تغليبا لحكم اليمين في الأولى ولخبر مسلم في الثانية. أما إذا قال فعلي يمين فلغو; لأنه لم يأت بصيغة نذر ولا حلف وليست اليمين مما يلتزم في الذمة، أو فعليّ نذر تخيّر بين قربة ما من القرب -كتسبيح وصلاة ركعتين- وكفارة يمين. (ونذر تبرر) سُميَّ به; لأنه لطلب البر أو التقرب إلى الله تعالى (بأن يلتزم

(2)

قربة

(3)

أو صفتها المطلوبة فيها كما يأتي آخر الباب (إن حدثت نعمة) تقتضي سجود الشكر (أو ذهبت نقمة) تقتضي ذلك أيضا، ومر بيانهما في بابها لكن المعتمد أنهما لا يتقيدان بذلك بل بكل ما يجوز -من غير كراهة- أن يدعى الله تعالى به.

(1)

. صريحه بالجر كالنهاية خلافا لما جزم به المغني.

(2)

. بل يكفي الوعد بالالتزام، فلو قال إن سلم مالي أعتقت عبدي انعقد نذره إن نوى به الالتزام، ذكره الشارح في باب الضمان.

(3)

. وذكر الشارح في كتاب النكاح انعقاد النذر بالنكاح إن ندب؛ لوجود الحاجة والأهبة 7/ 184.

ص: 396

كَإِنْ شُفِيَ مَرِيضِي فَللهِ عَلَيَّ أَوْ فَعَلَيَّ كَذَا فَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا حَصَلَ المُعَلَّقُ عَلَيْهِ،

والحاصل أن الفرق بين نذري اللجاج والتبرر أن الأول فيه تعليق بمرغوب عنه والثاني بمرغوب فيه، ومن ثم ضبط بأن يعلق بما يقصد حصوله فنحو إن رأيت فلانا فعلي صوم يحتمل النذرين ويتخصص أحدهما بالقصد، وكذا قول امرأة لآخر إن تزوجتني فعليّ أن أبرئك من مهري وسائر حقوقي فهو تبرر إن أرادت الشكر على تزوجه.

[تنبيه] عُلم من هذا الحاصل أنه لو قال المشتري لبائعه إن جئتني بمثل عوضي فعليّ أن أقيلك أو أفسخ البيع لزمه أحدهما إن ندم البائع -؛ لأنه بندمه تندب له الإقالة- وأحبَّ المشتري إحضار مثل عوضه، وإلا كان لجاجا. ولو قال إن خرج المبيع مستحقا فعليّ لك كذا فلغو

(1)

؛ لعدم إمكان التبرر ولا اللجاج

(2)

، وإذا قلنا بلزوم نذر الإقالة فقيَّدها بمدة فالقياس تقيد اللزوم بها فإن أخر عنها -لغير نحو نسيان وإكراه- أُلغي (كإن شُفي مريضي فلله عليَّ أو فعليَّ كذا) أو ألزمت نفسي كذا أو فكذا لازم لي أو واجب عليَّ ونحو ذلك من كل ما فيه التزام.

[تنبيه] المعتمد بطلان نذر إن شفي مريضي فلله علي ألف أو فعلي ألف أو لله علي ألف ولم يذكر مصرفا ولا نواه بخلاف ما لو قال لله عليَّ أو عليَّ التصدق أو التصدق بشيء فيصح، ويجزيه أدنى متمول، والفرق أنه في تلك لم يعين مصرفا ولا ما يدل عليه من ذكر مسكين أو تصدق أو نحو ذلك فكان الإبهام فيها من سائر الوجوه بخلاف هذه; لأن التصدق ينصرف للمساكين غالبا فكان الفارق ذكر القصد وعدمه، ويؤخذ منه صحة

(3)

نذر التصدق بألف ويعين ألفا مما يريده. ولو كرر إن شُفِي مريضي فعلي كذا لم يتكرر النذر إلا إن نوى الاستئناف

(4)

. ويجوز إبدال كافر أو مبتدع بمسلم أو سني لا درهم بدينار ولا موسر بفقير

(5)

؛ لأنهما مقصودان، ومن ثم لو عيّن شيئا أو مكانا للصدقة تعين

(6)

(فيلزمه ذلك) أي ما التزمه فوراً (إذا حصل المعلق عليه

(7)

؛

(1)

. خلافا لشيخ الإسلام والمغني.

(2)

. لأنه جعل الهبة في مقابلة الاستحقاق المكروه له دائماً، وهي في مقابلة العوض غير قربة.

(3)

. خلافا لظاهر المغني.

(4)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه يتكرر إلا إن أراد التأكيد.

(5)

. خلافا للمغني.

(6)

. وإذا كان النذر فوريا كان للناذر أن يوكِّل في إخراج المنذور أو يصرفه إلى الإمام كما أفاده الشارح في الزكاة بتفصيله.

(7)

. وقدَّم الشارح في الجنائز أنه لو علَّق النذر بصفة في شخص نبش ليعلم بها.

ص: 397

وَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهُ بِشَيْءٍ كَللهِ عَلَيَّ صَوْمٌ لَزِمَهُ فِي الْأَظْهَرِ،

لخبر البخاري ((مَن نذر أن يطيع الله فليطعه))، وفي نحو إن شفي فعبدي حر لا يطالب بشيء; لأنه بمجرد الشفاء يعتق من غير احتياج لإعتاق بخلاف فعليَّ أن أعتقه، ويظهر أن المراد بالشفاء زوال العلة من أصلها وأنه لا بد فيه من قول عدلي طب، أو معرفة المريض ولو بالتجربة، وإنه لا يضر بقاء آثاره من ضعف الحركة ونحوه. ولو قال إن شُفي فعلي أن أعتق هذا امتنع بيعه بعد الشفاء

(1)

ووجب على الوصي فالقاضي إعتاقه عقب موته، فإن زاد على قوله المار بعد موتي فوصية. وخرج بيلتزم

(2)

نحو إن شُفِي مريضي عمرت دار فلان أو مسجد كذا فهو لغو; لأنه وعد لا التزام فيه، نعم إن نوى به الالتزام انعقد. ولو شك بعد الشفاء في الملتزَم أهو صدقة أو عتق أو صوم أو صلاة اجتهد، فإن أيس من ظهور شيء وجب الكل، (وإن لم يعلقه بشيء كلله عليَّ صوم) أو علي صوم أو صدقة لفلان أو أن أعطيه كذا ولم يرد الهبة

(3)

(لزمه) ما التزم حالا (في الأظهر)؛ للخبر السابق، وهذا من نذر التبرر إذ هو قسمان معلق وغيره، ولا يشترط في نذر التبرر التصريح بالله ويسمى المعلق نذر المجازاة أيضا. ولو قال لله عليّ أضحية أو عند نحو شفاءٍ لله علي عتق لنعمة الشفاء لزمه ذلك جزما تنزيلا للثاني منزلة المجازاة؛ لوقوعه شكرا في مقابلة نعمة الشفاء. ولا يشترط قبول المنذور له في قسمي النذر بل عدم ردّه، فإن رده فإن كان المنذور به ملتزما في الذمة بطل النذر

(4)

، أما إن نذر التصدق بشيء معين فلا يتأثر بالرد؛ لأنه يزول ملكه عنه بالنذر.

[فروع] يقع لبعض العوام جعلت هذا للنبي صلى الله عليه وسلم فيصح; لأنه اشتهر في النذر في عرفهم، ويصرف لمصالح الحجرة النبوية بخلاف متى حصل لي كذا أجيء له بكذا فإنه لغو ما لم يقترن به لفظ التزام أو نذر أو نيته، ولا نظر إلى أن النذر لا ينعقد بها; لأنه لا يلزم من النظر إليها في التوابع النظر إليها في المقاصد. ولا يشترط معرفة الناذر ما نذر به كخمس ما يخرج له من معشر ككل ولد أو ثمرة تخرج من أمتي هذه أو شجرتي هذه وكعتق عبد إن ملكته، والحاصل أنه يشترط في المال المعين لنحو صدقة أو عتق أن يملكه أو يعلقه بملكه ما لم ينو الامتناع منه فهو

(1)

. ولو أتلفه الناذر لم يضمنه بخلاف الأضحية المنذورة كما مر في بابها 9/ 356 - 357.

(2)

. أي في المتن.

(3)

. فإن أرادها فلغوٌ، والمراد بالهبة هنا ما قابل الصدقة.

(4)

. واعتمد الشارح في الوقف أنه لا أثر للرد بعد القبول كعكسه.

ص: 398

نذر لجاج. ويصح النذر للجنين -كالوصية له؛ لمشاركته للوصية في قبول التعليق والخطر وصحته بالمجهول والمعدوم، ومن ثم اتجهت صحته للقن كهي والهبة فيأتي فيه أحكامهما فلا يملك السيد ما بالذمة إلا بقبض القن- لا للميت إلا لقبر الشيخ الفلاني وأراد به قربة ثَمَّ كإسراج ينتفع به أو اطرد عرف بحمل النذر له على ذلك كما يأتي

(1)

، ومن النذر بالمعدوم المجهول نذرها لزوجها بما سيحدث لها من حقوق الزوجية، والنذر في الصحة بمثل نصيب ابنه بعد موته فيوقف لموته ويخرج النذر من رأس المال; لأنه لم يعلقه به وإنما المعلق به معرفة قدر النصيب فهو حينئذ نذر منجز، نعم محله إن كان ((بعد)) ظرفا لنصيب، أما إن كان ظرفا للنذر فيصح ويخرج من الثلث، ويجوز الرجوع فيه كوقفت داري بعد موتي على كذا بل أولى; لأن النذر يحتمل التعليق دون الوقف، وكذا إذا لم يُعرف مراده؛ لأنه المتبادر. ويبطل بالتأقيت الصريح

(2)

كنذرت له هذا يوما؛ لمنافاته للالتزام السابق الذي هو موضوع النذر إلا في المنفعة فيأتي في نذرها ما مر في الوصية بها وإلا في نذرت لك بهذا مدة حياتك فيتأبد كالعمرى. ويصح بما في ذمة المدين ولو مجهولا له فيبرأ حالا وإن لم يقبل، وليس كبيعه ولا هبته منه; لأن النذر لا يتأثر بالغرر بخلاف نحو البيع ولا يتوقف على قبض بخلاف الهبة، وحيث لزم النذر وجب وفاؤه فوراً

(3)

. ولو قرن النذر بإلا أن يبدو لي ونحوه بطل؛ لمنافاته الالتزام من كل وجه بخلاف عليّ أن أتصدق بمالي إلا إن احتجته فلا يلزمه ما دام حيا؛ لتوقع حاجته، فإذا مات تصدق بكل ما كان يملكه وقت النذر إلا إن أراد كل ما يكون بيده إلى الموت فيتصدق بالكل، وأُخذ من ذلك صحة النذر بماله لفلان قبل مرض موته إلا أن يحدث لي ولد فهو له أو إلا أن يموت قبلي فهو لي. ولو نذر لبعض ورثته بماله قبل مرض موته بيوم ملكه كله من غير مشارك؛ لزوال ملكه عنه إليه قبل مرضه. ولو قال نذرت أن أتصدق بهذا على فلان قبل موتي أو مرضي ملكه المنذور له حالا. وينعقد معلقا في نحو إذا مرضت فهو نذر له قبل مرضي بيوم، وللناذر التصرف هنا قبل حصول المعلق عليه؛ لضعف النذر حينئذ. وأفتى جمع فيمن أرادا أن يتبايعا فاتفقا على أن

(1)

. قال الشارح قبيل اللقطة: ((ولو نذر لوليٍّ ميت بمال فإن قصد أنه يملكه لغا، وإن أطلق فإن علا قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه صرف لها، وإلا فإن كان عند قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي صُرِف لهم)).

(2)

. لا الضمني كما يأتي.

(3)

. واختلفوا هل تتوقف الفورية على الطلب، وليس من محل النزاع إن زال الملك بالنذر.

ص: 399

وَلَا يَصِحُّ نَذْرُ مَعْصِيَةٍ، وَلَا وَاجِبٍ،

ينذر كل للآخر بمتاعه ففعلا صح وإن زاد المبتدئ إن نذرت لي بمتاعك وكثيرا ما يفعل ذلك فيما لا يصح بيعه ويصح نذره. ويصح تعجيل المنذور المعلق بعد التعليق وقبل وجود الصفة كما مر. ويصح إبراء المنذور له الناذر عما في ذمته وإن لم يملكه حيث جاز له المطالبة به كما يصح إسقاط حق الشفعة، وسيأتي أنه لا يصح ممن لا يدري معناه، ومحله إن جهله بالكلية بخلاف ما إذا عرف أنه يفيد نوع عطية مثلا. ونذر قراءة جزء قرآن أو علم مطلوب كل يوم صحيح ولا حيلة في حَلِّه، ولا يجوز له تقديم وظيفة يوم عليه فإن فاتت قضى. ولو نذر عمارة هذا المسجد وكان خرابا فعمره غيره بطل نذره؛ لتعذر نفوذه، نعم إن نوى عمارته وإن خرِب بعد لزمته (ولا يصح نذر معصية

(1)

؛ لخبر مسلم ((لا نذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم))، وكأن سبب انعقاد نذر عتق المرهون من موسر مع حرمة إعتاقه له وإن نفذ أن الخلاف في عدم الحرمة قوي; لأن حق الغير ينجبر بالقيمة والملك للمعتق فأي وجه للحرمة حينئذ. ولو نذر أن يصلي في مغصوب لم ينعقد، وكالمعصية المكروه لذاته أو لازمه -كصوم الدهر الآتي، وكنذر ما لا يملك غيره وهو لا يصبر على الإضاقة- لا لعارض

(2)

كصوم يوم الجمعة، وكنذره لأحد أبويه أو أولاده فقط، وقيل لا يصح، ومحل الخلاف حيث لم يسن إيثار بعضهم، أما إذا نذر للفقير أو الصالح أو البار منهم فيصح اتفاقا.

[تنبيه] لو نذر مقترض مالا معينا لمقرضه كل يوم ما دام دينه في ذمته فالأوجه

(3)

أنه لا يصح إن قصد أن نذره ذلك في مقابلة الربح الحاصل له؛ لأنه حينئذٍ ليس قربة بل وسيلة إلى الربا، أما إذا جعله في مقابلة حدوث نعمة ربح القرض إن اتجر فيه، أو اندفاع نقمة المطالبة إن احتاج لبقائه في ذمته لإعسار أو إنفاق فيصح كما لو أطلق (ولا) نذر (واجب) عيني كصلاة الظهر، أو مخير كأحد خصال كفارة اليمين مبهما بخلاف خصلة معينة منها

(4)

، أو واجب

(5)

على

(1)

. وأشار الشارح في الإجارة إلى بطلان إن نذر أن يقرأ جنبا، ولو نذر القراءة فقرأ جنبا لم يجزه 6/ 160.

(2)

. خلافا للمغني.

(3)

. خلافا للنهاية تبعا لوالده فاعتمد الصحة مطلقا.

(4)

. تبرأ من ذلك في التحفة، وجزم به في الفتح، واعتمد النهاية أنه لا ينعقد إلا أعلاها والمغني أنه لا ينعقد بالكلية.

(5)

. عطف على واجب عيني.

ص: 400

وَلَوْ نَذَرَ فِعْلَ مُبَاحٍ، أَوْ تَرْكَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ، لَكِنْ إنْ خَالَفَ لَزِمَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ عَلَى المُرَجَّحِ. وَلَوْ نَذَرَ صَوْمَ أَيَّامٍ نُدِبَ تَعْجِيلُهَا، فَإِنْ قَيَّدَ بِتَفْرِيقٍ أَوْ مُوَالَاةٍ وَجَبَ، وَإِلَّا جَازَ. أَوْ سَنَةٍ مُعَيَّنَةٍ صَامَهَا وَأَفْطَرَ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقَ

الكفاية تعين بخلاف إذا لم يتعين فيصح نذره -احتيج في أدائه لمال كجهاد وتجهيز ميت أم لا كصلاة جنازة- وذلك; لأنه لزم عينا بإلزام الشرع قبل النذر فلا معنى لالتزامه. ولو نذر ذو دين حال أن لا يطالب غريمه فإن كان معسرا لغا; لأن إنظاره واجب، أو موسرا وفي الصبر عليه فائدة له كرجاء غلو سعر بضاعته لزمه; لأن القربة فيه ذاتية حينئذ، أو ليس فيه ذلك لغا؛ إذ لا قربة فيه كذلك حينئذ. وله فيما إذا قيد بأن لا يطالبه أن يحيل عليه وأن يوكل من يطالبه وأن يبيعه لغيره على القول به وأن يطالب ضامنه، ولو أسقط المدين حقه من هذا النذر لم يسقط. ولو نذر أن لا يطالبه مدة فمات قبلها فلوارثه مطالبته. (ولو نذر فعل مباح أو تركه) كأكل ونوم من كلِّ ما استوى فعله وتركه في الأصل وإن رجح أحدهما بنية عبادة به كالأكل للتقوي على الطاعة (لم يلزمه)؛ لخبر أبي داود ((لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله تعالى)) (لكن إن خالف لزمه كفارة يمين على المرجح) في المذهب، نعم المعتمد أن لا كفارة فيه مطلقا

(1)

كالفرض والمعصية والمكروه. (ولو نذر صوم أيام

(2)

وأطلق لزمه ثلاثة كما يأتي، وإن عيَّن عددها فما عينه وفي الحالين (ندب تعجيلها)؛ مسارعة لبراءة ذمته، نعم إن عرض له ما هو أهم كسفر يشق فيه الصوم كان التأخير أولى، أو كان عليه صوم كفارة سبقت النذر سُن تقديمها عليه إن كانت على التراخي وإلا وجب، (فإن قيد بتفريق أو موالاة وجب) ما قيد به منهما؛ عملا بما التزمه، أما الموالاة فواضح وأما التفريق فلأن الشارع اعتبره في صوم التمتع، فإن نذر عشرة مفرقة فصامها ولاءً حُسب له منها خمسة (وإلا) يقيد بتفريق ولا موالاة (جاز) كل منهما لكن الموالاة أفضل (أو) نذر صوم (سنة معينة) كسنة كذا أو سنة من الغد أو من أول شهر أو يوم كذا (صامها وأفطر العيد) الفطر والأضحى (والتشريق)

(1)

. أي سواء نوى اليمين أم لا خلافا للأسنى والمغني فاعتمدا أن محل عدم لزومها إن لم ينو به اليمين.

(2)

. وتقدَّم في الصيام وجوب التعيين في النذر بأن ينوي صومه عن النذر، وأنه لو تيقن أن عليه صوم يوم وشك أهو نذر أم قضاء أم كفاره أجزأه نية الصوم الواجب 3/ 390، وأنه لو مات وعليه صوم نذر أخرج من تركته لكل يوم مد 3/ 439، ومثل الصوم الصلاة بخلاف الاعتكاف فيكفي فيه الفرضية كما ذكره الشارح في بابه 3/ 471.

ص: 401

وَصَامَ رَمَضَانَ عَنْهُ وَلَا قَضَاءَ، وَإِنْ أَفْطَرَتْ لِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ وَجَبَ الْقَضَاءُ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ لَا يَجِبُ، وَبِهِ قَطَعَ الجُمْهُورُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا بِلَا عُذْرٍ وَجَبَ قَضَاؤُهُ وَلَا يَجِبُ اسْتِئْنَافُ سَنَةٍ، فَإِنْ شَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ فِي الْأَصَحِّ. أَوْ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ وَشَرَطَ التَّتَابُعَ وَجَبَ، وَلَا يَقْطَعُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ عَنْ فَرْضِهِ وَفِطْرُ الْعِيدَ وَالتَّشْرِيقِ وَيَقْضِيهَا تِبَاعًا مُتَّصِلَةً بِآخِرِ السَّنَةِ،

وجوبا؛ لحرمة صومها، والمراد عدم نية صوم ذلك لا تعاطي مفطر (وصام رمضان عنه) ; لأنه لا يقبل غيره (ولا قضاء)؛ لأنها لا تقبل صوما فلم تدخل في نذره، (وإن أفطرت لحيض أو نفاس وجب القضاء في الأظهر، قلت الأظهر لا يجب) القضاء (وبه قطع الجمهور والله أعلم) ; لأن أيام أحدهما لمّا لم تقبل الصوم -ولو لعروض ذلك المانع- لم يشملها النذر، (وإن أفطر يوما) منها (بلا عذر وجب قضاؤه)؛ لتفويته البر باختياره (ولا يجب استئناف سنة) بل له الاقتصار على قضاء ما أفطره; لأن التتابع كان للوقت لا لكونه مقصودا في نفسه كما في قضاء رمضان، ومن ثم لو أفطرها كلها لم يجب الولاء في قضائها، ويتجه وجوبه من حيث أن ما تعدى بفطره يجب قضاؤه فورا. وخرج بقوله بلا عذر ما أفطره بعذر فلا يجب قضاؤه، نعم إن أفطر لعذر مرض أو سفر لزمه القضاء

(1)

; لأن زمنهما يقبل الصوم فشمله النذر بخلاف نحو الحيض، والحاصل أن كل ما قبل الصوم عن النذر فأفطره يقضيه وما لا فلا (فإن شرط التتابع) في نذر السنة المعينة ولو في نيته (وجب

(2)

بفطره يوما -ولو لعذر سفر ومرض- الاستئناف (في الأصح) ; لأن التتابع صار مقصودا. (أو) نذر صوم سنة (غير معينة وشرط التتابع) في نذره ولو بالنية (وجب) التتابع وفاء بما التزمه

(3)

، (ولا يقطعه صوم رمضان عن فرضه و) لا (فطر العيد والتشريق) لاستثناء ذلك شرعا، ومن ثم لم يدخل في المعينة كما مر. وخرج بـ ((عن فرضه)) صومه عن نذر أو قضاء أو تطوع فإنه باطل وينقطع به التتابع (ويقضيها) أي رمضان والعيد والتشريق; لأنه التزم صوم سنة ولم يصمها (تباعا) أي متوالية (متصلة بآخر السنة)؛ عملا

(1)

. وفاقا للمغني والروض وخلافا للنهاية.

(2)

. ولو نذر أن يصوم الأشهر الحرم متتابعة بدأ بالقعدة كما أشار إليه الشارح قبيل فصل الديات الواجبة 8/ 453.

(3)

. ولو شرط الخروج لعارض صح كما أفاده الشارح في الاعتكاف 3/ 479.

ص: 402

وَلَا يَقْطَعُهُ حَيْضٌ، وَفِي قَضَائِهِ الْقَوْلَانِ، وَإِنْ لَمْ يَشْرِطْهُ لَمْ يَجِبْ. أَوْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ أَبَدًا لَمْ يَقْضِ أَثَانِيَ رَمَضَانَ، وَكَذَا الْعِيدُ وَالتَّشْرِيقُ فِي الْأَظْهَرِ، فَلَوْ لَزِمَهُ صَوْمُ شَهْرَيْنِ تِبَاعًا لِكَفَّارَةٍ صَامَهُمَا، وَيَقْضِي أَثَانِيهِمَا، وَفِي قَوْلٍ لَا يَقْضِي إنْ سَبَقَتِ الْكَفَّارَةُ النَّذْرَ. قُلْتُ: ذَا الْقَوْلُ أَظْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَتَقْضِي زَمَنَ حَيْضٍ وَنِفَاسٍ فِي الْأَظْهَرِ. أَوْ يَوْمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَصُمْ قَبْلَهُ. أَوْ يَوْمًا مِنْ أُسْبُوعٍ ثُمَّ نَسِيَهُ صَامَ آخِرَهُ وَهُوَ الجُمُعَةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُوَ وَقَعَ قَضَاءً

بشرطه التتابع، هذا إن أطلق فإن نوى ما يقبل الصوم من سنة متتابعة لم يلزمه القضاء قطعا وإن نوى عدد أيام سنة لزمه القضاء قطعا، ويحمل مطلقها على الهلالية (ولا يقطعه حيض) ونفاس؛ لتعذر الاحتراز عنهما (وفي قضائه القولان) السابقان في المعينة، والأرجح هنا القضاء (وإن لم يشرطه) أي التتابع (لم يجب)؛ لعدم التزامه فيصوم سنة هلالية أو ثلاثمائة وستين يوما (أو) نذر صوم (يوم الاثنين أبدا لم يقض أثاني رمضان) الأربعة; لأن النذر لا يشملها لسبق وجوبها (وكذا) الاثنين الخامس من رمضان و (العيد والتشريق في الأظهر) إن صادفت يوم الاثنين؛ قياسا على أثاني رمضان، وليس مثلها

(1)

يوم الشك؛ لقبوله لصوم النذر وغيره كما مر، (فلو لزمه صوم شهرين تباعا لكفارة) أو نذر (صامهما، ويقضي أثانيهما) ; لأنه أدخل على نفسه صوم الشهرين، (وفي قول لا يقضي إن سبقت الكفارة) أي موجبها أو سبق نذر الشهرين المتتابعين (النذر) للأثاني بأن لزمه صوم الشهرين أوّلا ثم نذر صوم الاثنين; لأن الأثاني الواقعة فيها حينئذ مستثناة بقرينة الحال كما لا يقضي أثاني رمضان (قلت: ذا القول أظهر، والله أعلم. وتقضي) المرأة (زمن حيض ونفاس) وقع في الأثاني، والناذر زمن نحو مرض وقع فيها (في الأظهر) ; لأنه لم يتحقق وقوعه فيه فلم يخرج عن نذرها، لكن المعتمد أنه لا قضاء فيهما (أو) نذر (يوما بعينه) أي صومه (لم يصم قبله) فإن فعل أثم ولم يصح كتقديم الصلاة على وقتها، ولا يجوز تأخيره عنه بلا عذر فإن فعل صح وكان قضاء. ولو نذر صوم خميس ولم يعين كفاه أيُّ خميس كان وإذا مضى خميس يمكنه صومه استقر في ذمته حتى لو مات فُدي عنه (أو) نذر (يوما من أسبوع) بمعنى جمعة (ثم نسيه صام آخره وهو الجمعة فإن لم يكن) المنذور (هو) أي يوم الجمعة (وقع قضاء) وإن كان فقد وفّى بما التزمه.

(1)

. أي أيام العيد والتشريق فيصح صومه.

ص: 403

وَمَنْ شَرَعَ فِي صَوْمِ نَفْلٍ فَنَذَرَ إتْمَامَهُ لَزِمَهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَإِنْ نَذَرَ بَعْضَ يَوْمٍ لَمْ يَنْعَقِدْ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ يَوْمٌ. أَوْ يَوْمَ قُدُومِ زَيْدٍ فَالْأَظْهَرُ انْعِقَادُهُ، فَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا أَوْ فِي يَوْمِ عِيدٍ أَوْ فِي رَمَضَانَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ أَوْ نَهَارًا وَهُوَ مُفْطِرٌ أَوْ صَائِمٌ قَضَاءً أَوْ نَذْرًا وَجَبَ يَوْمٌ آخَرُ عَنْ هَذَا، أَوْ وَهُوَ صَائِمٌ نَفْلًا فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ يَجِبُ تَتْمِيمُهُ وَيَكْفِيه. وَلَوْ قَالَ: إنْ قَدِمَ زَيْدٌ فَللهِ عَلَيَّ صَوْمُ الْيَوْمِ التَّالِي لِيَوْمِ قُدُومِهِ، وَإِنْ قَدِمَ عَمْرٌو فَللهِ عَلَيَّ صَوْمُ أَوَّلِ خَمِيسٍ بَعْدَهُ فَقَدِمَا فِي الْأَرْبَُِعَاءِ وَجَبَ صَوْمُ يَوْمَ الخَمِيسِ عَنْ أَوَّلِ النَّذْرَيْنِ وَيَقْضِي الْآخَرَ ....

(ومن) نذر إتمام كل نافلة دخل فيها لزمه الوفاء بذلك؛ لأنه قربة، ومن ثم لو (شرع في صوم نفل) بأن نوى ولو قبل الزوال (فنذر إتمامه لزمه على الصحيح)؛ لأن صومه صحيح فصح التزامه بالنذر ولزمه الإتمام، وهذا صريح في صحة نذر المكروه لا لذاته ولا للازمه كما مر؛ إذ المكروه إفراده بالصوم لا صومه

(1)

. (وإن نذر بعض يوم لم ينعقد)؛ لأنه ليس بقربة (وقيل يلزمه يوم)؛ لأن صوم بعض اليوم لا يمكن شرعا فلزمه يوم كامل. ويجري ذلك في نذر بعض ركعة (أو) نذر (يوم قدوم زيد فالأظهر انعقاده)؛ لإمكان الوفاء به بأن يعلمه قبل فينويه ليلا، ونيته حينئذ واجبة، (فإن قدم ليلا أو في يوم عيد) أو تشريق (أو في رمضان) أو حيض أو نفاس (فلا شيء عليه)؛ لأنه قيد باليوم ولم يوجد القدوم في زمن قابل للصوم، نعم يسن في الأولى صوم صبيحة ذلك الليل؛ خروجا من خلاف من أوجبه، أو يوم آخر؛ شكرا لله تعالى (أو) قدم (نهارا) قابلا للصوم (وهو مفطر أو صائم قضاء أو نذرا وجب يوم آخر عن هذا) أي نذره؛ لقدومه كما لو نذر صوم يوم معين ففاته. وخرج بقضاء وما بعده ما لو صامه عن القدوم بأن ظن قدومه فيه -أي بإحدى الطرق السابقة فيما لو تحدث برؤية رمضان ليلا فنوى- فبيّت النية ليلته فيصح ولا شيء عليه؛ لأنه بناه على أصل صحيح (أو) قدم ولو قبل الزوال (وهو صائم نفلا فكذلك) يلزمه صوم يوم آخر عن نذره؛ لأنه لم يأت بالواجب عليه بالنذر (وقيل يجب تتميمه) بقصد كونه عن النذر (ويكفيه) عن نذره، نعم لو نذر اعتكاف يوم قدومه لم يلزمه إلا من حين القدوم، ولا يلزمه قضاء ما مضى من منه؛ لإمكان تبعيضه. (ولو قال إن قدم زيد فلله عليَّ صوم اليوم التالي ليوم قدومه) أي التابع له من غير فاصل، (وإن قدم عمرو فلله علي صوم أول خميس بعده) أي يوم قدومه (فقدما) معا أو مرتبا (في الأربَُِعاء وجب صوم يوم الخميس عن أول النذرين)؛ لسبقه (ويقضي الآخر)؛

(1)

. خلافا للمغني.

ص: 404

فصل

نَذَرَ المَشْيَ إلَى بَيْتِ اللهِ تَعَالَى أَوْ إتْيَانَهُ فَالمَذْهَبُ وُجُوبُ إتْيَانِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، فَإِنْ نَذَرَ الْإِتْيَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ مَشْيٌ، وَإِنْ نَذَرَ المَشْيَ أَوْ أَنْ يَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ مَاشِيًا فَالْأَظْهَرُ وُجُوبُ المَشْيِ،

لتعذر الإتيان به في وقته، نعم يصح مع الإثم صوم الخميس عن النذر الثاني ويقضي يوما آخر عن النذر الأول. ولو قال إن قدم فعليَّ أن أصوم أمس يوم قدومه لم يصح نذره

(1)

. ولو قال إن شفى الله مريضي فعليّ عتق هذا ثم قال إن قدم غائبي فعلي عتقه فحصل الشفاء والقدوم فحكمه

(2)

أنه موقوف فإن وجدت الأولى عتق عنها مطلقا

(3)

وإلا فعن الثانية.

(فصل) في نذر النسك والصدقة والصلاة وغيرها

إذا (نذر المشي إلى بيت الله تعالى) وقيده بكونه الحرام، أو نواه أو نوى ما يختص به كالطواف، ومن ثم كان ذكر بقعة من الحرم كدار أبي جهل كذكر البيت الحرام في جميع ما يأتي فيه (أو إتيانه) أو الذهاب إليه مثلا -وإن قال ذلك وهو في الكعبة أو المسجد حولها- (فالمذهب وجوب إتيانه بحج أو عمرة) أو بهما وإن نفى ذلك في نذره، وذلك؛ لأنه لا قربة في إتيان الحرم إلا بذلك فلزم حملا للنذر على المعهود الشرعي، ومن ثم لو نذر إتيان مسجد المدينة أو بيت المقدس لم يلزمه شيء كسائر المساجد، أما إذا ذكر البيت ولم يقيده بذلك ولا نواه فيلغو نذره؛ لأن المساجد كلها بيوت الله تعالى، (فإن نذر الإتيان لم يلزمه مشي)؛ لأنه لا يقتضيه فله الركوب (وإن نذر المشي) إلى الحرم أو جزء منه (أو) نذر (أن يحج أو يعتمر ماشيا فالأظهر وجوب المشي) من المكان الآتي بيانه إلى الفساد أو الفوات أو فراغ التحللين وإن بقي عليه رمي بعدهما أو فراغ جميع أركان العمرة، وله الركوب في حوائجه خلال النسك، وإنما لزمه المشي في ذلك؛ لأنه التزم جعله وصفا للعبادة كما لو نذر أن يصلي قائما، وكون الركوب أفضل لا ينافي ذلك؛ لأن المشي

(1)

. وفاقا للنهاية وشرح الروض والمنهج وخلافا للمغني.

(2)

. وفاقا لشرح الروض والمغني وخلافا للنهاية حيث رجَّح انعقاد النذر الثاني وعتقه عن السابق منهما، ولا يجب للآخر شيء؛ إذ لا يمكن القضاء فيه بخلاف الصوم، فإن وقعا معا أقرع بينهما.

(3)

. أي سواء وجدت الثانية معها أو قبلها أو بعدها.

ص: 405

فَإِنْ كَانَ قَالَ أَحُجُّ مَاشِيًا فَمِنْ حَيْثُ يُحْرِمُ، وَلَوْ قَالَ أَمْشِي إلَى بَيْتِ اللهِ تَعَالَى فَمِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَإِذَا أَوْجَبْنَا المَشْيَ فَرَكِبَ لِعُذْرٍ أَجْزَأَهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ فِي الْأَظْهَرِ، أَوْ بِلَا عُذْرٍ أَجْزَأَهُ عَلَى المَشْهُورِ وَعَلَيْهِ دَمٌ. وَمَنْ نَذَرَ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَزِمَهُ فِعْلُهُ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْضُوبًا اسْتَنَابَ. وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ فِي أَوَّلِ سِنِي الْإِمْكَانِ،

قربة مقصودة في نفسها. ومع كون الركوب أفضل لا يجزيء عن المشي فيلزمه بالمشي إذا نذر الركوب دمُ تمتع كعكسه؛ لأنهما جنسان متغايران فلم يجز أحدهما عن الآخر كذهب عن فضة وعكسه، ويفرق بين هذا ونذر الصلاة قاعدا فإنه يجزئه القيام بأن القيام قعود وزيادة، وكلاهما من أجزاء الصلاة الملتزمة فأجزأ الفاضل عن المفضول. ولو أفسد نسكه أو فاته لم يلزمه فيه مشي بل في قضائه؛ لأنه الواقع عن نذره، (فإن كان قال أحج) أو أعتمر (ماشيا) أو عكسه (فـ) يلزمه المشي (من حيث يحرم) من الميقات أو قبله، وكذا من حيث عَنَّ له بعده فيما إذا جاوزه غير مريد نسكا ثم عَنَّ له، فإن جاوزه مريدا نسكاً غير محرم راكبا فينبغي لزوم دمين للمجاوزة والركوب؛ تنزيلا لما وجب فعله منزلة فعله (ولو قال أمشي إلى بيت الله) بقيده السابق (فـ) يلزمه المشي مع النسك (من دويرة أهله في الأصح)؛ لأن قضية لفظه أن يخرج من بيته ماشيا (وإذا أوجبنا المشي فركب لعذر) يبيح ترك القيام في الصلاة (أجزأه) نسكه عن نذره؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم ((أمر من عجز عنه بالركوب))، أي لعجز بها، (وعليه دم) كدم التمتع (في الأظهر)؛ لما صح أنه صلى الله عليه وسلم أمر أخت عقبة بن عامر أن تركب وتهدي هديا، نعم محل وجوب الدم إذا ركب بعد الإحرام مطلقا أو قبله وبعد مجاوزة الميقات مسيئا وإلا فلا؛ إذ لا خلل في النسك يوجب دما، وفارق ذلك ما لو نذر الصلاة قائما فقعد؛ لعجز بأنه لم يعهد جبرها بمال (أو) ركب (بلا عذر أجزأه على المشهور) وإن عصى كترك الإحرام من الميقات (وعليه دم) على المشهور أيضا كدم التمتع؛ لأنه إذا وجب مع العذر فمع عدمه أولى. ولو نذر الحفا لم يلزمه؛ لأنه ليس بقربة، نعم يلزم فيما يسن فيه كعند دخول مكة (ومن نذر حجا أو عمرة لزمه فعله بنفسه) إن كان صحيحا ويخرج عن نذره الحج بالإفراد والتمتع والقران. ويجوز له كل من الثلاثة ولا دم من حيث النذر، (فإن كان معضوبا استناب) ولو بمال كما في حجة الإسلام، فيأتي في استنابته ونائبه ما ذكروه فيهما في الحج من التفصيل فلا يستنيبُ من على دون مرحلتين من مكة، ولا يستنيبُ عَيْنَ مَن عليه حجة الإسلام أو نحوها، (ويستحب تعجيله في أول سني الإمكان)؛ مبادرة لبراءة الذمة، فإن خشي نحو عضب أو تلف مال لزمته المبادرة.

ص: 406

فَإِنْ تَمَكَّنَ فَأَخَّرَ فَمَاتَ حُجَّ مِنْ مَالِهِ. وَإِنْ نَذَرَ الحَجَّ عَامَهُ وَأَمْكَنَهُ لَزِمَهُ، فَإِنْ مَنَعَهُ مَرَضٌ وَجَبَ الْقَضَاءُ، أَوْ عَدُوٌّ فَلَا فِي الْأَظْهَرِ. أَوْ صَلَاةً أَوْ صَوْمًا فِي وَقْتٍ فَمَنَعَهُ مَرَضٌ أَوْ عَدُوٌّ وَجَبَ الْقَضَاءُ

(فإن تمكن) لتوفر شروط الوجوب السابقة فيه (فأخر فمات حج) عنه (من ماله)؛ لاستقراره عليه بتمكنه منه في حياته بخلاف ما إذا لم يتمكن (وإن نذر الحج) أو العمرة (عامه) أو عاما بعده معينا (وأمكنه لزمه) في ذلك العام إن لم يكن عليه حج إسلام أو قضاء أو عمرته؛ تفريعا على الأصح أن زمن العبادة يتعين بالتعيين فيمتنع تقديمه عليه. أما إذا لم يعين العام فيلزمه في أي عام شاء، وأما إذا عينه ولم يتمكن من فعله فيه كأن لم يبق من سنة عينها ما يمكن الذهاب فيه -ولو بأن كان يقطع أكثر من مرحلة في بعض الأيام- فلا ينعقد نذره. ولو حج عن النذر وعليه حجة الإسلام وقع عنها

(1)

، (فإن) تمكن من الحج ولكن (منعه) منه (مرض) أو خطأ طريق أو وقت أو نسيان لأحدهما أو للنسك بعد الإحرام في الكل أي بعد تمكنه منه (وجب القضاء)؛ لاستقراره بتمكنه منه بخلاف ما إذا لم يتمكن بأن عرض له بعض ذلك قبل تمكنه منه؛ لأن المنذور نسك في ذلك العام ولم يقدر عليه (أو) منعه قبل الإحرام أو بعده (عدو) أو سلطان أو ربُّ دَيْنٍ ولم يمكنه الوفاء حتى مضى إمكان الحج تلك السنة (فلا) يلزمه القضاء (في الأظهر) كما في نسك الإسلام إذا صدّ عنه في أول سني الإمكان. (أو) نذر (صلاة أو صوما في وقت) يصحان فيه تعين في ذلك الوقت (فـ) إن (منعه مرض أو عدوٌّ) كأسير يخاف إن لم يأكل قتل وكأن يكره على التلبس بمنافي الصلاة جميع وقتها (وجب القضاء)؛ لوجوبها مع العجز بخلاف الحج شرطه الاستطاعة. ولا يتعين وقت مكروه عُيِّن لصلاة لا تنعقد فيه؛ لأنه معصية.

(1)

. ذكر الشارح في كتاب المواريث أنهم صرحوا في مَن عليه حجة الإسلام وغيرها بوجوب الترتيب، وأن المراد به أن لا يتقدم على حجة الإسلام غيرها، لا أن لا يقارنها غيرها. اهـ، ولعل مراد الشارح أنه لو نذر أن يحج هذه السنة ولم يكن عليه حج حجة الإسلام فإنه يقع حجه حينئذ عنهما 6/ 383.

ص: 407

أَوْ هَدْيًا لَزِمَهُ حَمْلُهُ إلَى مَكَّةَ وَالتَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مَنْ بِهَا

(أو) نذر (هديا

(1)

لنعم أو غيره

(2)

مما يصح التصدق به حتى نحو دهن نجس

(3)

وعيَّنه في نذره

(4)

(لزمه حمله) إن كان مما يحمل ولم يكن بمحله أزيد قيمة كما في الصورة الآتية (إلى) حرم (مكة) أي إلى ما عينه منه إن عين وإلا فالتعيين مفوض إلى رأية (والتصدق به على من) هو مقيم أو مستوطن (بها) من الفقراء والمساكين السابقين في قسم الصدقات. ويجب التعميم في المحصورين بأن سهل عدهم على الآحاد، ويجوز في غيرهم الاقتصار على ثلاثة. ويجب عند إطلاق الهدي كونه مجزيا في الأضحية؛ لأن الأصح أن النذر يسلك به مسلك الواجب الشرعي غالبا، وعليه إطعامه ومؤنة حمله إليها فإن لم يكن له مال بيع بعضه لذلك سواء أقال أهْدِي هذا أم جعلته هديا أم هديا للكعبة، ثم إذا حصل الهدي في الحرم إن كان حيوانا يجزي أضحية وجب ذبحه وتفرقته عليهم ويتعين الحرم لذبحه، أوكان لا يجزي أضحية أعطاه لهم حيا، فإن ذبحه فرقه وغرم ما نقص بالذبح. ولو نوى غير التصدق كالصرف لستر الكعبة أو طيبها تعين صرف المحتاج له منه فيما نواه والزائد يباع ويصرف للمصالح. ولو عسر التصدق بعينه كلؤلؤ باعه وفرق ثمنه عليهم ثم إن استوت قيمته ببلده والحرم تخير في بيعه فيما شاء منهما وإلا لزمه بيعه في الأزيد قيمة وإن كان بين بلده والحرم، أما ما لا يمكن حمله أو يعسر كعقار ورحى فيباع ويفرق عليهم ثمنه، وتلف المعين في يده لا يضمنه إلا إن قصَّر

(5)

. والمتولي لجميع ذلك هو الناذر وليس لقاضي مكة نزعه منه، والأرجح أنه ليس له إمساكه بقيمته؛ لأنه متهم في محاباة نفسه ولاتحاد القابض والمقبض. ولو قال إن قضى الله حاجتي فعليّ للكعبة كذا تعين لمصالحها ولا يصرف لفقراء الحرم.

(1)

. أي مطلقا وفاقا للنهاية وحمل المغني المتن على ما إذا ذكر في نذره مكة أو الحرم.

(2)

. قضيته كالنهاية أن لو نذر إهداء -من الهدي- هذا الثوب مثلا يلزمه حمله إلى مكة وإن لم يذكرها في نذره، خلافا لقضية شرح المنهج والمغني والمحلي.

(3)

. خلافا للمغني.

(4)

. لا بعده خلافا لشرح المنهج.

(5)

. أطلق المغني الضمان.

ص: 408

أَوِ التَّصَدُّقَ عَلَى أَهْلِ بَلَدٍ مُعَيَّنٍ لَزِمَهُ. أَوْ صَوْمًا فِي بَلَدٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ، وَكَذَا صَلَاةً إلَّا المَسْجِدَ الحَرَامَ، وَفِي قَوْلٍ: وَمَسْجِدَ المَدِينَةِ وَالْأَقْصَى. قُلْتُ: الْأَظْهَرُ تَعْيُّنُهُمَا كَالمَسْجِدِ الحَرَامِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. أَوْ صَوْمًا مُطْلَقًا فَيَوْمٌ، أَوْ أَيَّامًا فَثَلَاثَةٌ. أَوْ صَدَقَةً فَبِمَا كَانَ

(أو) نذر (التصدق

(1)

أو الأضحية

(2)

وكذا النحر إن ذكر التصدق به أو نواه بالنسبة لغير الحرم (على أهل بلد) ولو غير مكة (معين لزمه) وتعين للمساكين المسلمين منهم وفاء بالملتزم، وقياس ما مر في قسم الصدقات أنه يعمم به المحصورين، وله تخصيص ثلاثة به في غير المحصورين (أو) نذر (صوما) أو نحوه (في بلد) ولو مكة (لم يتعين) فيلزمه الصوم ويفعله في أي محل شاء؛ لأنه لا قربة فيه في محل بخصوصه، ولا نظر لزيادة ثوابه فيها

(3)

ولذا لم يجب صوم الدم فيها بل لم يجز في بعضه، (وكذا صلاة) -أو أعتكاف كما مر- نَذَرَها ببلد أو مسجد لا يتعين لذلك، نعم لو عين المسجد للفرض لزمه، وله فعله في مسجد غيره وإن لم يكن أكثر جماعة. ويظهر أن ما يسن فيه من النوافل كالفرض (إلا المسجد الحرام) فيتعين للصلاة بالنذر؛ لعظيم فضله وتعلق النسك به. والمراد به الكعبة والمسجد حولها

(4)

مع ما زيد فيه

(5)

(وفي قول) إلا المسجد الحرام (ومسجد المدينة والأقصى)؛ لمشاركتهما له في بعض الخصوصيات (قلت: الأظهر تعينهما كالمسجد الحرام والله أعلم)، ويقوم مسجد مكة مقامهما ومسجد المدينة مقام الأقصى ولا عكس فيهما، وبحث الزركشي تعين مسجد قبا؛ لصحة الخبر أن ركعتين فيه كعمرة

(6)

(أو) نذر (صوما مطلقا) بأن لم يقيده بعدد لفظا ولا نية (فيوم)؛ لأنه أقل ما يتصور فيه فهو المتيقن وإن وصفه بطويلا أو كثيرا أو حينا أو دهرا، (أو) نذر (أياما) أو الأيام (فثلاثة) منها يجب صومها؛ لأنها أقل الجمع، ومرّ وجوب التبييت في كل صوم واجب (أو) نذر (صدقة فـ) يجزئه التصدق وإن قال بمال عظيم (بما) أي بأي شيء (كان) وإن

(1)

. ولو نذر التصدق زمن كذا جاز أن يقدمه عنه كالزكاة المعجلة كما أفاده الشارح في الوقف 6/ 289.

(2)

. تقدم في كتاب الأضحية حكم ما لو نوى الأضحية وأنها تتعين في وقتها 8/ 354.

(3)

. يؤخذ منه أن الصوم يزيد ثوابه في مكة على ثوابه في غيرها، ثم إن قضية كلام الشارح أنها مجرد زيادة لاتصل لحد مضاعفة الصلاة فيه، وقضية كلام المغني مضاعفته قدر مضاعفة الصلاة.

(4)

. وفي حكم المسجد حريم زمزم كما ذكره الشارح في باب الغسل 1/ 168.

(5)

. خلافا للمغني فاعتمد أن المراد جميع الحرم.

(6)

. ظاهر سكوت الشارح عنه اعتماده خلافا لهما.

ص: 409

أَوْ صَلَاةً فَرَكْعَتَانِ، وَفِي قَوْلٍ رَكْعَةٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَجِبُ الْقِيَامُ فِيهِمَا مَعَ الْقُدْرَةِ، وَعَلَى الثَّانِي لَا

قلَّ -مما يتمول؛ إذ لا يكفي غيره- لإطلاق الاسم؛ لأن أحد الشركاء في الخلطة قد تجيء حصته كذلك

(1)

.

[فروع] لو نذر التصدق بجميع ماله لزمه إلا بساتر عورته وإن كان عليه دين مستغرق من غير حجر، ومرّ أنه لو نذر التصدق بمال بعينه زال عن ملكه بمجرد النذر، فلو قال عليَّ أن أتصدق بعشرين دينارا -وعيّنها- على فلان، أو إن شُفِي مريضي فعليّ ذلك فشفي ملكها وإن لم يقبضها ولا قبلها لفظا، بل وإن ردّ كما مر فله التصرف فيها وينعقد حول زكاتها من حين النذر، وكذا إن لم يعينها ولم يردها المنذور له فتصير دينا له عليه ويثبت لها أحكام الديون من زكاة وغيرها كالاستبدال عنها وكذا الإبراء منها، وكذا له الدعوى والمطالبة بها، والحلف لو نكل الناذر، ويورث عنه كما في مستحقي الزكاة إذا انحصروا. ولو كان له في دار نصف فنذر لفلان بنصفها نُزِّل على الحصر

(2)

كالوصية بجامع القربة فيصح النذر بجميع نصفه. ولو سأل عامي دائنه أن يلقنه صيغة رهن داره بدينه فلقنه صيغة النذر بها له ثم ادعى بها عليه فقال إنما رهنتها وأنا جاهل بما لقنه لي قُبِل بيمينه إن خفي عليه ذلك؛ لعدم مخالطته للفقهاء. ولو قال إن شفى الله مريضي فعليّ عتق هذا لم يصح بيعه قبل الشفاء، نعم إن بان عدم الشفاء كإن مات تبين صحة البيع؛ لأن العبرة بما في نفس الأمر. ولو نذر التصدق بعشرين دينارا مثلا في ذمته ولم يُعَيِّن المُتَصَدَّق عليه لزم الإمام مطالبته

(3)

، (أو) نذر (صلاة فركعتان) تجزيانه؛ حملا على ذلك. ويجب فعلهما بتسليمة واحدة، أو صلاتين وجب التسليم في كل ركعتين (وفي قول ركعة)؛ حملا على جائزه، ولا يكفيه سجدة تلاوة أو شكر، (فعلى الأول يجب القيام فيهما مع القدرة)؛ لأنهما ألحقا بواجب الشرع (والثاني لا)؛ إلحاقا

(1)

. تقدم قبيل كفالة البدن أنه لو نذر لفلان من درهم إلى عشره أنه يلزمه تسعة 5/ 256، بخلاف ما لو نذر ما بين درهم إلى عشرة فلا يلزمه إلا ثمانية كما مر في الإقرار 5/ 385.

(2)

. أي في نصيبه لا على الإشاعة أي على النصف الشائع بينه وبين شريكه حتى يصح النذر في نصف نصيبه فقط.

(3)

. وذكر الشارح في الإيصاء أنه لو أوصى بأنه نذر بشيء أن يصرف في وجوه البر والقربات صرف في ذلك، ووجوه البر ما تضمنه قوله تعالى {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى} البقرة: 177 .. الآية، والقربات كل نفقه في واجب أو مندوب 7/ 97.

ص: 410

أَوْ عِتْقًا فَعَلَى الْأَوَّلِ رَقَبَةُ كَفَّارَةٍ، وَعَلَى الثَّانِي رَقَبَةٌ، قُلْتُ: الثَّانِي هُنَا أَظْهَرُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، أَوْ عِتْقَ كَافِرَةٍ مَعِيبَةٍ أَجْزَأَهُ كَامِلَةٌ، فَإِنْ عَيَّنَ نَاقِصَةً تَعَيَّنَتْ. أَوْ صَلَاةً قَائِمًا لَمْ تَجُزْ قَاعِدًا، بِخِلَافِ عَكْسِهِ. أَوْ طُولَ قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ. أَوْ سُورَةً مُعَيَّنَةً، أَوِ الجَمَاعَةَ لَزِمَهُ. وَالصَّحِيحُ انْعِقَادُ النَّذْرِ بِكُلِّ قُرْبَةٍ لَا تَجِبُ ابْتِدَاءً كَعِيَادَةٍ، وَتَشْيِيعِ جِنَازَةٍ، وَالسَّلَامِ

بجائزه (أو) نذر (عتقا

(1)

، فعلى الأول) تجب (رقبة كفارة) وهي رقبة مؤمنة سليمة من عيب يخل بالعمل

(2)

(وعلى الثاني رقبة) وإن لم تجز كمعيبة وكافرة؛ حملا على جائزه (قلت الثاني هنا أظهر والله أعلم)؛ لأن الأصل براءة الذمة فاكتفي بما يقع عليه الاسم

(3)

(أو) نذر (عتق كافرة معيبة أجزأه كاملة)؛ لأنها أفضل مع اتحاد الجنس (فإن عيّن ناقصة) بنحو كفر أو عيب كعليّ عتق هذا أو هذا الكافر (تعينت) ولم يجز إبدالها ولو بخير منها؛ لتعلق النذر بعينها وإن لم يزل ملكه عنها به (أو) نذر (صلاة قائما لم تجز قاعدا)؛ لأنه دون ما التزم (بخلاف عكسه) بأن نذرها قاعدا فله القيام؛ لأنه أفضل مع اتحاد الجنس ولا يلزمه وإن قدر (أو) نذر (طول قراءة الصلاة) المكتوبة أو غيرها أو تطويل نحو ركوعها أو القيام في نافلة أو نحو تثليث وضوء (أو) نذر (سورة معينة) يقرؤها في صلاته ولو نفلا (أو) نذر (الجماعة) فيما تشرع فيه من فرض أو نفل (لزمه) ذلك؛ لأنه قربة مقصودة. وتقييدهما هذه الثلاثة بالفرض إنما هو للخلاف.

[تنبيه] يجزؤه عن التطويل المنذور أدنى زيادة على ما يسن لإمام غير محصورين الاقتصار عليه

(4)

(والصحيح انعقاد النذر بكل قربة لا تجب ابتداء كعيادة) لمريض تسن عيادته (وتشييع جنازة والسلام) -على الغيرأي ابتدائه حيث شرع، وكذا جوابه ما لم يتعين، أما السلام على نفسه فلا يجب إلا بنية أو قرينة تدل عليه؛ لأنه لا يفهم من نذر السلام، وكتشميت العاطس

(1)

. هنا اعتراض على المتن أقره المغني ورده الشارح.

(2)

. فلا يصح عتق عبد موصى بنفقته إلا إن أُقتت بزمن قريب لا يحتاج فيه لنفقه أو بقي من المدة ما لا يحتاج فيه لذلك.

(3)

. عبارة الشارح في الأضحية: ((ولو عيَّن سليما عن نذره ثم عيَّبه أو تعيب أو تلف أو ظل أبدله بسليم)) 9/ 357.

(4)

. للبلقيني هنا بحث ردَّه الشارح واعتمد المغني.

ص: 411

وزيارة القادم وتعجيل مؤقتة أول وقتها؛ لأن الشارع رغّب فيها فكانت كالعبادات الذاتية، ومنها التزوج فيصح نذره حيث سُنَّ له، ومنها التصدق على ميت أو قبره إن لم يرد تمليكه واطرد العرف بأن ما يحصل له يقسم على نحو فقراء هناك، فإن لم يكن عرف هناك بطل. ومن خرج من ماله عن شيء للكعبة أو الحجرة الشريفة أو المساجد الثلاثة، بل أو مسجد غيرها واقتضى العرف صرفه في جهة من جهاتها صرف إليها واختصت به، فإن لم يقتض العرف شيئا رُجع في تعيين المصرف لرأي ناظرها، ومنها إسراج نحو شمع أو زيت بمسجد أو غيره كمقبرة إن كان ثَمَّ من ينتفع به ولو على نذور فيجب الوفاء به وإلا فلا. وخرج بلا تجب ابتداء ما وجب جنسه شرعا كصلاة وصدقة وصوم وحج وعتق فيجب بالنذر قطعا، والواجب العيني والمخير وما على الكفاية إذا تعين فلا ينعقد كما مر، ولا بد في الضابط من زيادة أن لا تبطل رخصة الشرع؛ ليخرج نذر عدم الفطر في السفر من رمضان ونذر الإتمام فيه إذا كان الأفضل الفطر والقصر فإنه لا ينعقد

(1)

.

(1)

. ويسن لمعطي نذر أن يقول: (({رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} البقرة: 127))، ذكره الشارح في الزكاة 3/ 239.

ص: 412

‌كتاب القضاء

هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. فَإِنْ تَعَيَّنَ لَزِمَهُ طَلَبُهُ

(كتاب القضاء)

وهو لغة: إحكام الشيء وإمضاؤه، وشرعا: الولاية الآتية أو الحكم المترتب عليها، أو إلزام

(1)

من له الإلزام بحكم

(2)

الشرع

(3)

فخرج الإفتاء. والأصل فيه الكتاب والسنة وإجماع الأمة. والحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية إظهار حكم الشرع وإمضاؤه فيما رفع إليه بخلاف المفتي فإنه مظهر لا ممض، ومن ثم كان القضاء بحقه أفضل من الإفتاء; لأنه إفتاء وزيادة

(4)

(هو) أي قبوله من متعددين صالحين (فرض كفاية) بل هو أسنى فروض الكفايات، حتى قال الغزالي: إنه أفضل من الجهاد وذلك؛ للإجماع مع الاضطرار إليه، فإن امتنع الصالحون له منه أثموا وأجبر الإمام أحدهم، أما تقليده ففرض عين على الإمام فورا في قضاء الإقليم، وعلى قاضي الإقليم فيما عجز عنه كما يأتي، ولا يجوز إخلاء مسافة العدوى عن قاض أو خليفة له; لأن الإحضار من فوقها مشق، وبه فارق اعتبار مسافة القصر بين كل مفتيين. ومن صريح التولية وليتك أو قلدتك القضاء، ومن كنايتها عولت أو اعتمدت عليك فيه، ويشترط عدم الرد لا القبول، وخرج ((بقبوله)) إيقاعها للقاضي من الإمام فإنها فرض عين عليه؛ لدخولها في عموم ولايته (فإن تعيّن) له واحد بأن لم يصلح غيره (لزمه طلبه) ولو ببذل مال

(5)

إن قدر عليه فاضلا عما يعتبر في الفطرة وإن خاف الميل أو علم أن الإمام عالم به ولم يطلبه منه، بل عليه الطلب والقبول والتحرز ما أمكنه، فإن امتنع أجبره الإمام، وليس امتناعه مفسقا; لأنه غالبا إنما يكون بتأويل، والأقرب وجوب الطلب وإن ظنّ أو علم عدم

(1)

. اقتصر عليه المغني.

(2)

. ويكون الحكم على معين مقصود، ولذا لم يكن قول القاضي حكمت بشهادة فلان الذي رأى الهلال حكما كما أفاده الشارح في الصيام 3/ 376.

(3)

. للسبكي إشكال بديع في تصور ثبوت القيمة قبل البيع في الفلس 5/ 132.

(4)

. اعتمد الشارح قبيل الردة أن للسلطان أن يقضي بين المتخاصمين 9/ 79.

(5)

. وفاقا للنهاية وخلافا لقضية المغني والأسنى.

ص: 415

وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَصْلَحَ، وَكَانَ يَتَوَلَّاهُ فَلِلْمَفْضُولِ الْقَبُولُ، وَقِيلَ: لَا، وَيُكْرَهُ طَلَبُهُ، وَقِيلَ: يَحْرُمُ، وَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ فَلَهُ الْقَبُولُ. وَيُنْدَبُ الطَّلَبُ إنْ كَانَ خَامِلًا يَرْجُو بِهِ نَشْرَ الْعِلْمِ أَوْ مُحْتَاجًا إلَى الرِّزْقِ، وَإِلَّا فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ. قُلْتُ: وَيُكْرَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَاَللهُ أَعْلَمُ

الإجابة (وإلا) يتعين عليه نُظِر (فإن كان غيره أصلح) سن للأصلح طلبه وقبوله إن وثق بنفسه، فإن سكت (وكان يتولاه) أي يقبله إذا وليه (فللمفضول القبول) إذا بذل له من غير طلب، وتنعقد توليته كالإمامة العظمى، (وقيل لا) يجوز له القبول فلا تنعقد توليته. وخرج بـ ((يتولاه)) غيره فهو كالعدم، ولا يجبر الفاضل هنا، ومحل الخلاف حيث لم يتميز المفضول بكونه أطوع في الناس أو أقرب إلى القلوب أو أقوى في القيام في الحق أو ألزم لمجلس الحكم وإلا جاز له القبول بلا كراهة وانعقدت ولايته قطعا، (و) على الأول (يكره طلبه) أي المفضول وقبوله مع وجود الفاضل الغير الممتنع؛ لخطره وتقدمه على من هو أحق منه، (وقيل يحرم) طلبه، أما على الثاني فيحرم طلبه جزما، (وإن كان) غيره (مثله) وسُئِل بلا طلب منه (فله القبول) بل يندب له; لأنه من أهله وقد أتاه من غير مسألة فيعان عليه كما في الحديث، نعم إن خاف على نفسه لزمه الامتناع. (ويندب) له القبول و (الطلب) للقضاء حيث أمن على نفسه منه (إن كان خاملا) أي غير مشهور بين الناس بعلم (يرجو به نشر العلم) ونفع الناس به (أو) كان غير الخامل (محتاجا إلى الرزق) من بيت المال على الولاية، وكذا إن ضاعت حقوق الناس بتولية جاهل أو ظالم فقصد بطلبه أو قبوله تداركها (وإلا) يوجد أحد هذه الأسباب الثلاثة (فالأولى تركه) أي الطلب كالقبول؛ لما فيه من الخطر من غير حاجة (قلت: ويكره) له الطلب والقبول (على الصحيح والله أعلم) ; لورود نهي مخصوص فيه. ويحرم الطلب على جاهلٍ مطلقاً وعالمٍ قصد انتقاما أو ارتشاء أومباهاة أواستعلاء، هذا كله حيث لا قاضي متول أو كان المتولي جائرا، أما صالح متول فيحرم السعي في عزله على كل أحد ولو أفضل، ويفسق به الطالب، ولا يؤثر بذل مال مع الطلب ممن تعين عليه أو نُدب له لكن الآخذ ظالم، فإن لم يتعين ولا ندب حرم عليه بذله ابتداء لا دواما فلا يحرم إن خاف أن يعزل إن لم يبذله. ويسن بذله لعزل غير صالح. وينفذ العزل -وإن أثم به العازل والتولية وإن حرم

ص: 416

وَالِاعْتِبَارُ فِي التَّعْيِينِ وَعَدَمِهِ بِالنَّاحِيَةِ. وَشَرْطُ الْقَاضِي مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ حُرٌّ ذَكَرٌ عَدْلٌ سَمِيعٌ بَصِيرٌ

الطلب والقبول- مطلقا

(1)

؛ خشية الفتنة. (والاعتبار في التعين) السابق (وعدمه بالناحية) ويظهر ضبطها بوطنه ودون مسافة العدوى منه؛ بناء على أنه يجب في كل مسافة عدوى نصب قاض -فيجري في المتعين وغيره ما مر من أحكام التعيين وعدمه في الطلب والقبول- في وطنه ودون مسافة العدوى منه دون الزائد على ذلك; لأن إيجاب القبول لِمَا فوق مسافة العدوى تعذيب لِمَا فيه من ترك الوطن بالكلية; لأن عمل القضاء لا غاية له بخلاف سائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر كالجهاد، نعم لو عيَّن الإمام قاضيا وأرسله إلى ناحية لزمه الامتثال والقبول وإن بعدت; لأن الإمام إذا عيَّن أحدا لمصالح المسلمين تعين.

[تنبيه] المُوَلِّي للقاضي الإمام أو نائبه، نعم الناحية الخارجة عن حكمه يوليه بها من يرجع أمرهم إليه اتحد أو تعدد، فإن فقد فأهل الحل والعقد منهم كما مر، وقد يؤخذ من ذلك أن السلطان أو نائبه لو عزل قاضيا من بلد بعيدة عنه ولم يولِّ غيره، أو ولَّى من لم يصل للبلد لتعويقه في الطريق، أو مات القاضي فتعطلت أمور الناس بانتظاره أن لأهل الحل والعقد تولية من يقوم بذلك إلى حضور المتولي، وينفذ حكمه ظاهرا و باطنا؛ للضرورة.

(وشرط القاضي

(2)

أي من تصح توليته للقضاء (مسلم) ; لأن الكافر ليس أهلا للولاية ونصبه على مثله مجرد رياسة لا تقليد حكم وقضاء، ومن ثم لا يلزمون بالتحاكم عنده ولا يلزمهم حكمه إلا إن رضوا به (مكلف)؛ لنقص غيره

(3)

(حر) كله؛ لنقص غيره بسائر أقسامه (ذكر) فلا تُوَلَّى امرأة ولو فيما تقبل فيه شهادتها، ولا خنثى؛ لخبر البخاري وغيره ((لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة)) (عدل) فلا يُوَلَّى فاسق; لعدم قبول قوله، ومثله نافي الإجماع أو خبر الواحد أو الاجتهاد ومحجور عليه بسفه (سميع) فلا يولى أصم وهو مَن لا يسمع بالكلية بخلاف من يسمع بالصياح (بصير) فلا يُوَلَّى أعمى ومن يرى الشبح ولا يميز

(1)

. أي سواء عند القدرة أم لا خلافا لشرح الروض من تخصيص ذلك بما إذا كان عند الضرورة أي وإلا فالتولية باطلة والمعزول على قضائه.

(2)

. واعتمد الشارح في باب النجاسة فطم المتولد بين آدمي ومغلظ عن مراتب الولايات 1/ 191.

(3)

. وظاهر كلام الشارح اعتماد بحث الماوردي باشتراط عقل اكتسابي.

ص: 417

نَاطِقٌ كَافٍ مُجْتَهِدٌ وَهُوَ مَن يَعْرِفَ مِنَ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ، وَعَامَّهُ وَخَاصَّهُ، وَمُجْمَلَهُ وَمُبَيَّنَهُ، وَنَاسِخَهُ وَمَنْسُوخَهُ، وَمُتَوَاتِرَ السُّنَّةِ وَغَيْرَهُ،

الصورة وإن قربت بخلاف من يميزها إذا قربت بحيث يعرفها ولو بتكلف ومزيد تأمل وإن عجز عن قراءة المكتوب. ومَن اطردت عادته أن يُبصر نهارا فقط صحت توليته إذا وُلِّي في النهار، وينفذ حكمه فيه دون الليل، ومن يبصر ليلا فقط تصح توليته إذا وُلِّي في الليل، وينفذ حكمه فيه دون النهار. ويتجه في بصير عَرَض له نحو رمد صيَّره لا يميز إلا بنحو الصوت أنه لا يصح قضاؤه في زمن عدم التمييز، وظاهرٌ أنه لا ينعزل به؛ لقرب زواله مع كمال من طرأ له (ناطق) فلا يُوَلَّى أخرس وإن فهم إشارته كل أحد؛ لعجزه عن تنفيذ الأحكام كسابقيه (كافٍ)؛ للقيام بمنصب القضاء بأن يكون ذا نهضة ويقظة تامة وقوة على تنفيذ الحق، فلا يُوَلَّى مغفل ومختل نظر بكبر أو مرض وجبان ضعيف النفس، والمراد باليقظة التامة العقل الاكتسابي، أي أن يخرج عن التغفل واختلال الرأي، أما الزائد على ذلك -بحيث يرجع إليه العقلاء في رأيه وتدبيره- فمندوب كما يندب كونه ذا حلمٍ وتثبت ولين وصحة حواس وأعضاء وعلمٍ بالكتابة (مجتهد) فلا يصح تولية جاهل ومقلد وإن حفظ مذهب إمامه؛ لعجزه عن إدراك غوامضه وتقرير أدلته; إذ لا يحيط بهما إلا مجتهد مطلق. ويشترط

(1)

علمه بالحساب المحتاج إليه في المسائل الغالب وقوعها لا غير، ولا يشترط معرفته بلغة أهل ولايته وعكسه، ومحلهما إن كان ثَمَّ عدل يُعَرِّفه بلغتهم ويُعَرِّفُهم بلغته. ولو وُلِّي من لم يُعلم اجتماع تلك الشروط فيه ثم بانت فيه صحت توليته

(2)

، وللمُوَلِّي إن لم يعلم أن يعتمد في الصالح على شهادة عدلين عارفين بما ذكر. ويسن له اختباره؛ ليزداد فيه بصيرة (وهو) أي المجتهد (من يعرف من الكتاب والسنة ما يتعلق بالأحكام) وإن لم يحفظ ذلك عن ظهر قلب، ولا ينحصر في خمسمائة آية ولا خمسمائة حديث، ويكفي اعتماده فيها على أصل مصحح عنده يجمع غالب أحاديث الأحكام -كسنن أبي داود- مع معرفة اصطلاحه وما للناس فيه من نقد ورد (وعامه وخاصه) ومطلقه ومقيده (ومجمله ومبينة وناسخه ومنسوخه) والنص والظاهر والمحكم (ومتواتر السنة وغيره) وهو آحادها; إذ لا يتمكن من الترجيح عند تعارضها إلا بمعرفة ذلك

(1)

. خلافا للمغني فاعتمد عدم الاشتراط مطلقا.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

ص: 418

وَ المُتَّصِلَ وَالمُرْسَلَ، وَحَالَ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا، وَلِسَانَ الْعَرَبِ لُغَةً وَنَحْوًا، وَأَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ إجْمَاعًا وَاخْتِلَافًا وَالْقِيَاسَ بِأَنْوَاعِهِ

(و) الحديث (المتصل) باتصال رواته إلى الصحابي فقط ويسمى الموقوف، أو إليه صلى الله عليه وسلم ويسمى المرفوع (والمرسل) وهو ما يسقط فيه الصحابي (وحال الرواة قوة وضعفا) ; لأنه بذلك يتوصل إلى تقرير الأحكام، نعم ما تواتر ناقلوه أو أجْمع السلف على قبوله لا يُبحث عن عدالة ناقليه، وله الاكتفاء بتعديل إمام عرف صحة مذهبه في الجرح والتعديل (ولسان العرب لغة، ونحوا) وصرفا وبلاغة; إذ لا بد منها في فهم الكتاب والسنة (وأقوال العلماء من الصحابة فمن بعدهم إجماعا واختلافا) لا في كل مسألة بل في المسألة التي يريد النظر فيها بأن يعلم أن قوله فيها لا يخالف إجماعا ولو بأن يغلب على ظنه أنها مولدة لم يتكلم فيها الأولون، وكذا يقال في معرفة الناسخ والمنسوخ (والقياس بأنواعه) -من جلي وهو ما يقطع فيه بنفي الفارق كقياس ضرب الوالد على تأفيفه، أو مساو وهو ما يبعد فيه الفارق كقياس إحراق مال اليتيم على أكله، أو أدون وهو ما لا يبعد فيه ذلك كقياس التفاح على البر في الربا بجامع الطعم- صحة وفسادا وجلاء وخفاء وطرق استخراج العلل والاستنباط، ولا يشترط نهايته في كلِّ ما ذكر بل تكفي الدرجة الوسطى في ذلك مع الاعتقاد الجازم بأمور العقائد وإن لم يحسن قوانين علم الكلام المدونة الآن. واجتماع ذلك كله إنما هو شرط للمجتهد المطلق الذي يفتي في جميع أبواب الفقه، أما مقيد لا يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه غير معرفة قواعد إمامه، وليراع فيها ما يراعيه المطلق في قوانين الشرع فإنه مع المجتهد كالمجتهد مع نصوص الشرع، ومن ثم لم يكن له العدول عن نص إمامه كما لا يجوز الاجتهاد مع النص

(1)

.

[فروع] في التقليد

يضطر إليها مع كثرة الخلاف فيها وحاصل المعتمد من ذلك أنه يجوز تقليد كل من الأئمة الأربعة، وكذا من عداهم ممن حفظ مذهبه في تلك المسألة ودُوِّن حتى عرفت شروطه وسائر معتبراته فالإجماع الذي نقله غير واحد على منع تقليد الصحابة يحمل على ما فقد فيه شرط من ذلك. ويشترط لصحة التقليد أيضا أن لا يكون مما ينقض فيه قضاء القاضي، هذا بالنسبة لعمل نفسه لا لإفتاء أو قضاء فيمتنع تقليد غير الأربعة فيه إجماعا

(1)

. وقضية كلام الشارح في الخلع أنه لا يجوز للحاكم الحكم بالشاذ في مذهبه وإن تأهل لترجيحه 7/ 464.

ص: 419

كما يعلم مما يأتي; لأنه محض تشبه وتغرير، ومن ثم إذا قصد به المفتي مصلحة دينية جاز إن بيّن للمستفتي قائل ذلك. ويشترط أيضا اعتقاد أرجحية مقلده أو مساواته لغيره لكن المشهور الذي رجحاه جواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل، ولا ينافي ذلك كونه عاميا جاهلا بالأدلة; لأن الاعتقاد لا يتوقف على الدليل؛ لحصوله بالتسامع ونحوه، قال الهروي: مذهب أصحابنا أن العامي لا مذهب له

(1)

-أي معين يلزمه البقاء عليه- وحيث اختلف عليه متبحران -أي في مذهب إمامه- فكاختلاف المجتهدين. انتهى، وقضيته جواز تقليد المفضول من أصحاب الأوجه مع وجود أفضل منه، نعم محله في عامل عامي لم يتأهل للنظر في الدليل ولم يعلم الراجح من غيره، أما المفتي والعامل المتأهل فليس لأحدهما الاعتماد في مسألة ذات قولين أو وجهين على أحدهما بلا نظر فيه بلا خلاف، بل يبحث عن أرجحهما بنحو تأخره إن كانا لواحد، فإن كانا لأكثر من واحد تخير؛ لتضمن ذلك ترجيح كل منهما من قائله الأهل، ولا يجوز تقليد ما ينقض فيه الاجتهاد مطلقاً. ويشترط أيضا أن لا يتتبع الرخص بأن يأخذ من كل مذهب بالأسهل منه; لانحلال ربقة التكليف من عنقه حينئذ، ومن ثم كان الأوجه أنه يفسق

(2)

به. ويشترط أيضا أن لا يلفق بين قولين يتولد منهما حقيقة مركبة لا يقول بها كل منهما، وأن لا يعمل بقول في مسألة ثم بضده في عينها

(3)

.

[فائدة] من ارتكب ما اختلف في حرمته من غير تقليد أثم بترك تعلم أمكنه، وكذا بالفعل إن كان مما لا يعذر أحد بجهله لمزيد شهرته، أما إذا عجز عن التعلم -ولو لنُقْلَةٍ

(4)

أو اضطرار إلى تحصيل ما يسد رمقه أو رمق ممونه- فيرتفع تكليفه كما قبل ورود الشرع. ومن أدى عبادة مختلفا في صحتها من غير تقليد للقائل بها لزمه إعادتها; لأن إقدامه على فعلها عبث، وبه يعلم أنه حال تلبسه بها عالم بفسادها; إذ لا يكون عابثا إلا حينئذ. فخرج من مسَّ فرجه فنسي وصلى فله تقليد أبي حنيفة في إسقاط القضاء إن كان مذهبه صحة صلاته مع عدم

(1)

. قال الشارح في باب من تلزمه الزكاة: ((وزعم أن العامي لا مذهب له ممنوع، بل يلزمه تقليد مذهب معتبر وذاك إنما كان قبل تدوين المذاهب واستقرارها)) 3/ 330.

(2)

. خلافا لشرح الروض من أنه لا يفسق بتتبعها من المذاهب المدونة.

(3)

. مثَّل ذلك الشارح مع زيادة إيضاح في شرحه لخطبة الكتاب.

(4)

. بأن لم يستطع الانتقال إلى بلد يتعلم فيه.

ص: 420

فَإِنْ تَعَذَّرَ جَمْعُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَوَلَّى سُلْطَانٌ لَهُ شَوْكَةٌ فَاسِقًا أَوْ مُقَلِّدًا نَفَذَ قَضَاؤُهُ لِلضَّرُورَةِ

تقليده له عند الصلاة وإلا فهو عابث عنده أيضا، وكذا لمن أقدم معتقدا صحتها على مذهبه جهلا وقد عذر به، (فإن تعذر جمع هذه الشروط)، أو لم يتعذر (فولى سلطان) أو من (له شوكة) غيره بأن يكون بناحية انقطع غوث السلطان عنها ولم يرجعوا إلا إليه.

[تنبيه] ظاهر المتن أن السلطنة لا تستلزم دوام الشوكة فلو زالت شوكة سلطان بنحو حبس أو أسر ولم يخلع نفذت أحكامه

(فاسقا أو مقلدا) ولو جاهلا (نفذ قضاؤه

(1)

الموافق لمذهبه المعتد به وإن زاد فسقه (للضرورة) ; لئلا تتعطل مصالح الناس. وتنفذ تَوْلِيَة امرأة وأعمى فيما يضبطه وقن وكافر

(2)

، ولا يبعد نفاذ

(3)

قضاء عامي محض لا ينتحل مذهبا ولا يُعَوِّل على رأي مجتهد إذا ولاه ذو شوكة وعجز الناس عن عزله فينفذ منه ما وافق الحق؛ للضرورة. ولو تعارض فقيه فاسق وعامي دَيِّن فإن كان فسق العالم لحق الله تعالى فهو أولى بالتقديم، أو بالظلم والرشا فالدَّيِّن أولى ويُراجِع العلماء. وخرج بقوله سلطان القاضي الأكبر فلا تنفذ توليته من ذكر إلا إن كان بعلم السلطان، وتجب عليه رعاية الأمثل فالأمثل; رعاية لمصلحة المسلمين، وما ذكر في المقلد محله إن كان ثَمَّ مجتهد وإلا نفذت تولية المُقَلِّد ولو من غير ذي شوكة، وكذا الفاسق فإن كان هناك عدل اشترطت شوكة وإلا فلا. ومن ولاه ذو شوكة انعزل بزوال شوكة موليه؛ لزوال المقتضي لنفوذ قضائه بخلاف مقلد أو فاسق مع فقد المجتهد والعدل فلا تزول ولايته بذلك; لعدم توقفها على الشوكة.

[تنبيه] يلزم قاضي الضرورة -وهو من فقد فيه بعض الشروط السابقة- بيان مستنده في سائر أحكامه، ولا يقبل قوله حكمت بكذا من غير بيان لمستنده فيه؛ لضعف ولايته، ومثله المحكَّم بل أولى، ومحله في الأول إن لم يمنع موليه من طلب بيان مستنده. ويجوز أن يخص النساء بقاض، وبحث في الرجل والمرأة أن العبرة بالطالب منهما.

(1)

. تقدم في الإيصاء أنه حينئذ لا يؤثر إلا طرو مفسق آخر أقبح 7/ 88، ويأتي الإشارة إليه في الفصل الآتي.

(2)

. خالفاه كالشهاب الرملي في الكافر.

(3)

. خلافا لهم فاشترطوا في غير الأهل معرفة طرف من الأحكام.

ص: 421

وَيُنْدَبُ لِلْإِمَامِ إذَا وَلَّى قَاضِيًا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، فَإِنْ نَهَاهُ لَمْ يَسْتَخْلِفْ، وَإِنْ أَطْلَقَ اسْتَخْلَفَ فِيمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ لَا غَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ، وَشَرْطُ المُسْتَخْلَفِ كَالْقَاضِي، إلَّا أَنْ يُسْتَخْلَفَ فِي أَمْرٍ خَاصٍّ كَسَمَاعِ بَيِّنَةٍ فَيَكْفِي عِلْمُهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَيَحْكُمَ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ بِاجْتِهَادِ مُقَلَّدِهِ إنْ كَانَ مُقَلِّدًا،

(ويندب للإمام) ومن أُلحق به (إذا ولى قاضيا أن يأذن له في الاستخلاف)؛ ليكون أسهل له وأقرب لفصل الخصومات، ويتأكد ذلك عند اتساع الخطة (وإن نهاه) عنه (لم يستخلف) استخلافا عاما; لأنه لم يرض بنظر غيره. ولو فوض له حينئذ ما لا يمكنه القيام به نفذ فيما يمكنه ولا يستخلف. وله إذا ولَّاه بلدتين متباعدتين كبغداد والبصرة أن يختار مباشرة القضاء في إحداهما. وأما الاستخلاف الخاص كتحليف وسماع بينة فقضية كلام الأكثرين منعه أيضا، وقال جمع متقدمون يجوز واختاره الأذرعي إلا أن ينص على المنع منه، نعم التزويج والنظر في أمر اليتيم ممتنع حتى عند هؤلاء كالاستخلاف العام. (وإن أطلق) الاستخلاف استخلف مطلقا -فيما لايقدر عليه وغيره-، أو أطلق التولية فيما لا يقدر إلا على بعضه (استخلف) إن كان بمحل ولايته (فيما لا يقدر عليه)؛ لحاجته إليه (لا غيره في الأصح)؛ تحكيما لقرينة الحال. ولو طرأ عدم القدرة بعد التولية لنحو مرض أو سفر استخلف جزما إن نهاه عن الاستخلاف نهياً مطلقاً، أما إن نهاه عن الاستخلاف ولو بعذر فلا يستخلف. (وشرط المُسْتَخْلَف كالقاضي) ; لأنه قاض (إلا أن يُسْتَخْلَف في أمر خاص كسماع بينة) وتحليف (فيكفي علمه بما يتعلق به) من شرط البينة أو التحليف مثلا ولو عن تقليد، ومن ذلك نائب القاضي في القرى إذا فوَّض له سماع البينة فقط يكفيه العلم بشروطها ولو عن تقليد، وليس مثله من نصب للجرح والتعديل; لأنه حاكم. وللقاضي استخلاف ولده ووالده

(1)

كما أن للإمام توليتهما، نعم لو فوَّض الإمام اختيار قاض أو توليته لرجل لم يجز له اختيارهما; لأن التهمة هنا أقوى؛ للفرق الواضح بين القاضي المستقل والنائب في التولية، نعم محل جواز تولية القاضي لهما إن صحت توليته -أي القاضي- وحمدت سيرته وكانا كذلك (ويحكم) الخليفة (باجتهاده أو اجتهاد مقلَّده) لا غير (إن كان مقلدا) فلا يجوز له الحكم بغير مذهب إمامه وإن تأهل للنظر والترجيح، بل لا يجوز لغير متبحر حكم بغير معتمد مذهبه،

(1)

. قيده في المغني بما إذا ثبتت عدالتهما عند غيره.

ص: 422

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَ عَلَيْهِ خِلَافَهُ. وَلَوْ حَكَّمَ خَصْمَانِ رَجُلًا فِي غَيْرِ حَدِّ للهِ تَعَالَى جَازَ مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ، وَفِي قَوْلٍ لَا يَجُوزُ. وَقِيلَ: بِشْتَرَطُ عَدَمُ قَاضٍ فِي الْبَلَدِ. وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِمَالٍ دُونَ قِصَاصٍ وَنِكَاحٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ إلَّا عَلَى رَاضٍ بِهِ

ولا لمتبحر إذا شرط عليه ذلك ولو عرفا، (ولا يجوز أن يشترط عليه خلافه) ; لأنه يعتقده غير الحق والله تعالى إنما أمر بالحكم بالحق، فإن شرط ذلك عليه بطل الاستخلاف.

[تنبيه] منصب سماع الدعوى والبينة والحكم بها شامل للإمام الأعظم كالقاضي

. (ولو حكَّم خصمان) أو اثنان من غير خصومة -كفي نكاح- أو حكَّم أكثر من اثنين (رجلا في غير حد) أو تعزير (لله تعالى جاز مطلقا) أي مع وجود قاض أهل وعدمه (بشرط أهلية القضاء) المطلقة لا في خصوص تلك الواقعة فقط; لأن ذلك وقع لجمع من الصحابة ولم ينكر مع اشتهاره فكان إجماعا. أما حد الله تعالى أو تعزيره فلا يجوز التحكيم فيه; إذ لا طالب له معين، وأُخذ منه أن حق الله تعالى المالي الذي لا طالب له معين لا يجوز التحكيم فيه. وأما غير الأهل فلا يجوز تحكيمه مع وجود الأهل وإلا جاز

(1)

ولو في النكاح. ولا يجوز لوكيل من غير إذن موكله تحكيم ولا لولي إن أضر مذهب المحكِّم بموليه، وكوكيلٍ مأذونٌ له في التجارة وعامل قراض ومفلس إن ضرّ غرماءه ومكاتب إن أضر به. وتحكيم السفيه لغو إلا إن أذن الولي، (وفي قول لا يجوز) التحكيم; لما فيه من الافتيات على الإمام ونوابه، ويجاب بأنه ليس له حبس ولا ترسيم ولا استيفاء عقوبة آدمي ثبت موجبها عنده فلا افتيات، (وقيل بشرط عدم قاض في البلد)؛ للضرورة، (وقيل يختص) الجواز (بمال دون قصاص ونكاح ونحوهما) كلعان وحد قذف (ولا ينفذ حكمه إلا على راضٍ) لفظا لا سكوتا. ويعتبر رضا الزوجين معا في النكاح، نعم يكفي سكوت البكر إذا استؤذنت في التحكيم (به) أي بحكمه الذي سيحكم به من ابتداء التحكيم إلى تمام الحكم; لأنه المثبت للولاية، نعم إن كان أحد الخصمين القاضي الذي له الاستخلاف واستمر رضاه لم يؤثر عدم رضا خصمه; لأن المحكم نائبه فالتحاكم حينئذ تولية أي إذا جرى بلفظ يفيد التفويض كاحكم بيننا. ولو كان أحدهما بعضه أو عدوه نفذ حكمه على بعضه ولعدوه; لعدم التهمة دون عكسه؛ لوجودها مع عدم القدرة على رده; لأنه لا يفيد بعد الحكم، وكونه رضي به أوّلاً قد يكون لظن عدم التهمة. وللمحكم

(1)

. وفاقا لشرح المنهج وخلافا لإطلاق المغني والنهاية.

ص: 423

فَلَا يَكْفِي رِضَا قَاتِلٍ فِي ضَرْبِ دِيَةٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ، فَإِنْ رَجَعَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الحُكْمِ امْتَنَعَ الحُكْمُ، وَلَا يُشْتَرَطُ الرِّضَا بَعْدَ الحُكْمِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ نَصَبَ قَاضِيَيْنِ بِبَلَدٍ وَخَصَّ كُلًّا بِمَكَانٍ أَوْ زَمَنٍ أَوْ نَوْعٍ جَازَ، وَكَذَا إنْ لَمْ يَخُصَّ فِي الْأَصَحِّ، إلَّا أَنْ يَشْرِطَ اجْتِمَاعَهُمَا عَلَى الحُكْمِ

أن يحكم

(1)

بعلمه، نعم لا بد من بيان مستنده كما مر، وكونه مشهور الديانة والصيانة. وإذا اشترط رضا المحكوم عليه (فلا يكفي رضا قاتل في ضرب دية على عاقلته) بل لا بد من رضاهم; لأنهم لا يؤاخذون بإقراره فكيف برضاه (فإن رجع أحدهما قبل الحكم) ولو بعد استيفاء شروط البينة (امتنع الحكم) ; لعدم استمرار الرضا (ولا يشترط الرضا بعد الحكم في الأظهر) كحكم المُوَلَّى من جهة الإمام، ولا ينقض حكمه إلا حيث ينقض حكم القاضي. وله أن يشهد على إثباته وحكمه في مجلسه خاصة؛ لانعزاله بالتفرق. وإذا تولى القضاء بعد سماع بينة حكم بها بعده من غير إعادتها (ولو نصب) الإمام أو نائبه (قاضيين) أو أكثر (ببلد وخص كلا بمكان) منه (أو زمن أو نوع) كأن جعل أحدهما يحكم في الأموال أو بين الرجال، والآخر في الدماء أو بين النساء (جاز) ; لعدم المنازعة بينهما، فإن كان رجل وامرأة وليس ثََمَّ إلا قاضي رجال أو قاضي نساء لم يحكم بينهما بخلاف ما إذا وجدا فإن العبرة بالطالب على ما مر

(2)

(وكذا إن لم يخص في الأصح) كنصب الوصيين والوكيلين في شيء. وإذا كان في بلدة قاضيان فإن كان أحدهما أصلا أجيب داعيه وإلا فمن سبق داعيه، فإن جاءا معا أقرع، فإن تنازع المتخاصمان في اختيار القاضيين أجيب المدعي

(3)

، فإن كان كلٌّ طالبا ومطلوبا كأن اختلفا فيما يقتضي تحالفا فأقربهما يجاب طلبه، فإن استويا في القرب فالقرعة. وقضية المتن أنه حيث لم يشرط اجتماعا ولا استقلالا حُمل على الاستقلال (إلا أن يشرط اجتماعهما على الحكم) فلا يجوز قطعا; لاختلاف اجتهادهما غالبا فلا تنفصل الخصومات، وقضيته أنهما لو كانا مقلدين لإمام واحد ولا أهلية لهما في نظر ولا ترجيح، أو شرط اجتماعهما على المسائل المتفق

(1)

. وفاقا لشرح المنهج وخلافا للأسنى والنهاية.

(2)

. قبيل قول المتن ((ويندب للإمام)).

(3)

. قيده الشهاب الرملي بما إذا لم يطلب المدعى عليه القاضيَ الأصيلَ، وإلا فهو المجاب.

ص: 424

فصل

جُنَّ قَاضٍ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ عَمِيَ أَوْ ذَهَبَتْ أَهْلِيَّةُ اجْتِهَادِهِ وَضَبْطِهِ بِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ لَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ، وَكَذَا لَوْ فَسُقَ فِي الْأَصَحِّ، فَإِنْ زَالَتْ هَذِهِ الْأَحْوَالُ لَمْ تَعُدْ وِلَايَتُهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلِلْإِمَامِ عَزْلُ قَاضٍ ظَهَرَ مِنْهُ خَلَلٌ،

عليها صح شرط اجتماعهما; لأنه لا يؤدي إلى تخالف اجتهاد ولا ترجيح. ولو حكَّما اثنين اشترط اجتماعهما بخلاف ما ذكر في القاضيين؛ لظهور الفرق.

[فرع] يشترط تعيين ما يُوَلَّي فيه، نعم إن اطرد عرف بتبعية مزارع وبساتين البلدة لها أو بتبعية بلاد لبلاد في توليتها دخلت تبعا لها وإلا اقتصر على ما في البلد دون نحو مزارعها وبساتينها

(1)

. ويستفيد بتولية القضاء العام سائر الولايات وأمور الناس حتى نحو زكاة

(2)

وحسبة لم يفوضا لغيره، والأوجه في ((احكم بين الناس)) أنه خاص بالحكم لا يتجاوز لغيره.

(فصل) فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله

إذا (جن قاض أو أغمي عليه) -ولو لحظة- أو مَرِض مرضا لا يرجى زواله وقد عجز معه عن الحكم (أو عمِي) أو صار كالأعمى كما عرف مما مر في قوله بصير (أو ذهبت أهلية اجتهاده) المطلق أو المقيد بنحو غفلة (و) كذا إن لم يكن مجتهدا وصححنا ولايته فذهب (ضبطه بغفلة أو نسيان) بحيث إذا نبه لا ينتبه

(3)

(لا ينفذ حكمه)؛ لانعزاله بذلك، وكذا إن خرس أو صم. ولو عمي بعد ثبوت أمر عنده ولم يبق إلا الحكم الذي لا يحتاج معه إلى إشارة نفذ حكمه به (وكذا لو فسق) أو زاد فسق من لم يعلم موليه بفسقه الأصلي أو الزائد حال توليته فلا ينفذ حكمه (في الأصح)؛ لوجود المنافي، هذا إن قلنا بالمرجوح أنه لا ينعزل بالفسق وإلا لم ينفذ جزما (فإن زالت هذه الأحوال لم تعد ولايته في الأصح) إلا بتولية جديدة كالوكالة (و) يجوز (للإمام عزل قاض) لم يتعين (ظهر منه خلل) لا يقتضي انعزاله ككثرة

(1)

. كما أشار إليه الشارح في الفصل الآتي 10/ 126.

(2)

. وحينئذ يقوم مقام العامل في جميع ما تقدم في الزكاة، كما أشار إليه الشارح هناك 3/ 247.

(3)

. ظاهر صنيعه أن هذا لا يشترط في غفلة المجتهد؛ لأن أصل الغفلة مخل بالاجتهاد وتوقف فيه الشهاب الرملي والمغني.

ص: 425

أَوْ لَمْ يَظْهَرْ وَهُنَاكَ أَفْضَلُ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ وَفِي عَزْلِهِ بِهِ مَصْلَحَةٌ كَتَسْكِينِ فِتْنَةٍ، وَإِلَّا فَلَا لَكِنْ يَنْفُذُ الْعَزْلُ فِي الْأَصَحِّ. وَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَنْعَزِلُ قَبْلَ بُلُوغِهِ خَبَرَ عَزْلِهِ. وَإِذَا كَتَبَ الْإِمَامُ إلَيْهِ إذَا قَرَأْتَ كِتَابِي فَأَنْتَ مَعْزُولٌ فَقَرَأَهُ انْعَزَلَ،

الشكاوى منه، أو ظن أنه ضعف، أو زالت هيبته في القلوب، وذلك; لما فيه من الاحتياط. أما ظهور ما يقتضي انعزاله فإن ثبت انعزل ولم يحتج لعزل (أو لم يظهر) منه خلل (وهناك أفضل منه) فله عزله من غير قيد مما يأتي في المثل; رعاية للأصلح للمسلمين (أو) هناك (مثله) أو دونه (وفي عزله به مصلحة كتسكين فتنة) ; لما فيه من المصلحة للمسلمين (وإلا) يكن فيه مصلحة (فلا) يجوز عزله; لأنه عبث وتصرف الإمام يصان عنه

(1)

(لكن) مع الإثم على المولي والمتولي (ينفذ العزل في الأصح)؛ لطاعة السلطان. أما إذا تعين بأن لم يكن ثَمَّ من يصلح غيره فيحرم على موليه عزله ولا ينفذ، وكذا عزله لنفسه حينئذ بخلافه في غير هذه الحالة ينفذ عزله لنفسه وإن لم يعلم موليه كالوكيل. وللمستخلف عزل خليفته ولو بلا موجب، ولو ولَّى آخر ولم يتعرض للأول ولا ظن نحو موته لم ينعزل، نعم إن اطردت العادة بأن مثل ذلك المحل ليس فيه إلا قاض واحد احتمل الانعزال حينئذ (والمذهب أنه لا ينعزل قبل بلوغه خبر عزله)؛ لعظم الضرر في نقض أقضيته لو انعزل. وينفذ حكمه قبل علمه هو بالعزل ظاهرا وباطنا وإن علم المتخاصمان عزله. ولا بد في العزل من عدلي الشهادة

(2)

أو الاستفاضة كالتولية، ولا يكفي كتاب مجرد وإن حفته قرائن يبعد التزوير بمثلها، ولا قول إنسان وُلِّيْت، نعم الوجه أنه إن صدقه المدعي و المدعى عليه نفذ حكمه لهما وعليهما كالمحكم بل أولى بخلاف ما إذا صدقه أحدهما، أو صدقه أهل الحل والعقد; لأن تصديقهم لا يثبت تولية عامة بخلاف توليتهم. ولا ينعزل نوَّاب القاضي حتى يبلغهم خبر عزله بعدلي الشهادة أو الاستفاضة، ولو بلغ الخبر المستنيب دون النائب أو بالعكس

(3)

انعزل مَن بلغه ذلك دون غيره، والعبرة في بلوغ خبر العزل للنائب بمذهبه لا بمذهب منوبه. (وإذا كتب الإمام إليه إذا قرأت كتابي فأنت معزول فقرأه) أو طالعه وفهم ما فيه وإن لم يتلفظ به، والمراد سطر العزل (انعزل)؛ لوجود

(1)

. هنا إيراد على المتن أقره المغني ورده الشارح.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني فاكتفى بخبر الواحد مقبول الرواية.

(3)

. خالف في هذا العكس المغني.

ص: 426

وَكَذَا إنْ قُرِئَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ. وَيَنْعَزِلُ بِمَوْتِهِ وَانْعِزَالِهِ مَنْ أَذِنَ لَهُ فِي شُغْلٍ مُعَيَّنٍ كَبَيْعِ مَالِ مَيْتٍ وَالْأَصَحُّ انْعِزَالُ نَائِبِهِ المُطْلَقِ إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي الِاسْتِخْلَافِ، أَوْ قِيلَ لَهُ: اسْتَخْلِفْ عَنْكَ أَوْ أَطْلَقَ، فَإِنْ قَالَ اسْتَخْلِفْ عَنِّي فَلَا. وَلَا يَنْعَزِلُ قَاضٍ بِمَوْتِ الْإِمَامِ وَلَا نَاظِرُ يَتِيمٍ وَوَقْفٍ بِمَوْتِ قَاضٍ

الشرط، (وكذا إن قرئ عليه) وإن كان قارئا (في الأصح) ; لأن القصد إعلامه بالعزل لا قراءته (وينعزل بموته وانعزاله من أذن له في شغل معين كبيع مال ميت) أو غائب وكسماع شهادة في معين كالوكيل (والأصح انعزال نائبه) أي القاضي، ومن نائبه قاضي الإقليم إلا إذا صرح الإمام بكونه نائبا عنه أو اقتضاه العرف (المطلق إن لم يؤذن له في الاستخلاف) ; لأن القصد باستنابته معاونته وقد زالت (أو) إن (قيل له) من جهة موليه (استخلف عنك)؛ لما ذكر (أو أطلق)؛ لظهور غرض المعاونة حينئذ، نعم إن عيَّن له الخليفة كان قاطعا لنظره فيكون كما في قول (فإن قال) له موليه (استخلف عني فلا) ينعزل الخليفة بموته; لأنه ليس نائبه (ولا ينعزل قاض) غير قاضي ضرورة، ولا قاضي ضرورة إذا لم يوجد مجتهد صالح رُجي توليه، ولا من ولايته عامة كنظر بيت المال والجيش والحسبة والأوقاف (بموت الإمام) الأعظم ولا بانعزاله; لعظم الضرر بتعطيل الحوادث، ومن ثم لو ولَّاه للحكم بينه

(1)

وبين خصمه انعزل بفراغه منه، ولأن الإمام إنما يولي القضاة نيابة عن المسلمين بخلاف تولية القاضي لنوابه فإنه عن نفسه، ومن ثم كان له عزلهم بغير موجب كما مر بخلاف الإمام يحرم عليه إلا بموجب.

[تنبيه] العادة في الأزمنة السابقة أن تولية الخليفة العباسي للسلطان ثم السلطان يستقل بتولية القضاة وغيرها، وحينئذٍ فالمدار على صحة ولاية الخليفة

(2)

فإن صححناها -بأن استجمع الشروط وإن ضعفت أو زالت الشوكة- أتى التفصيل المار في الإذن في الاستخلاف عنه أو عن الخليفة أو يطلق، أو حكمنا ببطلان الخلافة فالقضاة نواب السلطان لا غير

(3)

. (ولا) ينعزل (ناظر يتيم) ومسجد (ووقف بموت قاض) نصبهم، وكذا بانعزاله; لئلا تختل

(1)

. أي الأمام.

(2)

. يؤخذ هذا التفصيل من كلام الشارح في كتاب البغاة.

(3)

. إذا آل نظر وقف لقاض فولى النظر لشخص انعزل بموت ذلك القاضي خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.

ص: 427

وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَعْدَ انْعِزَالِهِ: حَكَمْتُ بِكَذَا، فَإِنْ شَهِدَ مَعَ آخَرَ بِحُكْمِهِ لَمْ يُقْبَلْ عَلَى الصَّحِيحِ، أَوْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ جَائِزِ الحُكْمِ قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ. وَيُقْبَلُ، قَوْلُهُ قَبْلَ عَزْلِهِ: حَكَمْتُ بِكَذَا. فَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ وِلَايَتِهِ فَكَمَعْزُولٍ. وَلَوِ ادَّعَى شَخْصٌ عَلَى مَعْزُولٍ أَنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ بِرِشْوَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَبْدَيْنِ مَثَلًا أُحْضِرَ وَفُصِلَتْ خُصُومَتُهُمَا ....

المصالح، نعم لو شرط النظر لحاكم المسلمين انعزل بتولية قاض جديد؛ لصيرورة النظر إليه بشرط الواقف (ولا يقبل قوله) وإن كان انعزاله بالعمى

(1)

(بعد انعزاله) ولا قول المحكم بعد مفارقة مجلس حكمه (حكمت بكذا) ; لأنه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ، (فإن شهد) وحده، أو (مع آخر بحكمه لم يقبل على الصحيح) ; لأنه يشهد بفعل نفسه. وخرج بحكمه شهادته بإقرار صدر في مجلسه فيقبل جزما، (أو) شهد (بحكم حاكم جائز الحكم

(2)

لا كحاكم الشرطة مثلا (قبلت) شهادته (في الأصح)؛ لانتفاء الشهادة بفعل نفسه، واحتمال المبطل لا أثر له، ومن ثم لو علم أنه حكمه لم يقبله. (ويقبل قوله قبل عزله حكمت بكذا) وإن قال بعلمي؛ لقدرته على الإنشاء حينئذ حتى لو قال قاض مجتهد -ولو في مذهب إمامه- على سبيل الحكم نساء هذه القرية طوالق من أزواجهن قُبِل إن كنّ محصورات وإلا فهو كاذب، ولا ينفذ من جاهل أو فاسق. ولو حكم بطلاق امرأة بشاهدين فقالا إنما شهدنا بطلاق مقيد بصفة ولم توجد، وقال بل أطلقتما قُبِل قوله إن لم يتهم في ذلك؛ لعلمه وديانته. (فإن كان في غير محل ولايته) وهو خارج عمله لا مجلس حكمه إلا إن قيده موليه بذلك المجلس (فكمعزول) ; لأنه لا يملك إنشاء الحكم حينئذ فلا ينفذ إقراره به، وعلى ما تقرر فليس له

(3)

قبل أن يصل لمحل ولايته أن يستخلف من يحكم في محل ولايته إلا إن اطردت العادة باستنابة المتولي قبل وصوله وعلم بها منيبه. (ولو ادعى شخص على معزول) أي ذَكَر للقاضي الجديد (أنه أخذ ماله برشوة) أي على سبيل الرشوة (أو شهادة عبدين مثلا) وأعطاه لفلان ومذهب المعزول أنه لا تجوز شهادتهما (أحضر وفصلت خصومتهما)؛ لتعذر إثبات ذلك بغير حضوره،

(1)

. خلافا للمغني والأسنى، وتقدم أول الفصل أنه لو عمي بعد ثبوت أمر عنده ولم يبق إلا الحكم الذي لا يحتاج معه إلى إشارة نفذ حكمه به فليقيد ما هنا به.

(2)

. وليس قول المتن هذا مجرد تأكيد خلافا للمغني.

(3)

. خلافا للنهاية ووالده.

ص: 428

وَإِنْ قَالَ حَكَمَ بِعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَالًا أُحْضِرَ. وَقِيلَ: لَا حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِدَعْوَاهُ، فَإِنْ حَضَرَ وَأَنْكَرَ صُدِّقَ بِلَا يَمِينٍ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ بِيَمِينٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ ادُّعِيَ عَلَى قَاضٍ جَوْرٌ فِي حُكْمٍ لَمْ تُسْمَعْ، وَيُشْتَرَطُ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَتَعَلَّقْ بِحُكْمِهِ حَكَمَ بَيْنَهُمَا خَلِيفَتُهُ أَوْ غَيْرُهُ

وله أن يوكل ولا يحضر. ومن حضر لجديد وتَظَلَّم من معزول لم يحضره قبل استفصاله عن دعواه; لئلا يقصد ابتذاله (وإن قال حكم بعبدين) أو نحو فاسقين، وإنما سمعت هذه الدعوى مع أنها ليست على قواعد الدعاوى الملزمة إذ ليست بنفس الحق; لأن القصد منها التدرج إلى إلزام الخصم (ولم يذكر مالا أحضر) ليجيب عن دعواه (وقيل لا) يحضره (حتى تقوم بينة بدعواه) ; لأنه كان أمين الشرع (فإن حضر) بعد البينة، أو من غير بينة (وأنكر) بأن قال لم أحكم عليه أصلا، أو لم أحكم إلا بشهادة حرين عدلين (صدق بلا يمين في الأصح)؛ صيانة عن الابتذال، نعم من ظهر فسقه وجوره وعلمت خيانته حلف قطعا فمحل فرض ذلك هنا وفيما يأتي في قاضٍ محمود السيرة لم يظهر فسقه وجوره (قلت: الأصح) أنه لا يصدق إلا (بيمين والله أعلم)؛ لعموم خبر ((واليمين على من أنكر)). (ولو ادُّعِيَ على قاضٍ) متولٍّ (جورٌ في حكم لم تسمع) الدعوى عليه لأجل أنه يحلف له، وكذا لو ادعي على شاهد أنه شهد زورا وأراد تغريمه; لأنهما أمينا الشرع، (ويشترط) لسماع الدعوى عليهما بذلك (بينة) يحضرها بين يدي القاضي المدعى عنده؛ لتخبره حتى يحضره؛ إذ لو فتح باب تحليفهما لكل مدع لاشتد الأمر. (وإن) ادعي على متول بشيء (لم يتعلق بحكمه) كغصب أو دين أو بيع (حكم بينهما خليفته أو غيره) كواحد من الرعية يُحكِّمانه. وخرج بما ذكر الدعوى على متول في محل ولايته عند قاض أنه حكم بكذا فلا تسمع بخلافه في غير محلها وبخلاف المعزول فتسمع الدعوى والبينة ولا يحلف.

ص: 429

فصل

لِيَكْتُبِ الْإِمَامُ لِمَنْ يُوَلِّيهِ. وَيُشْهِدْ بِالْكِتَابِ شَاهِدَيْنِ يَخْرُجَانِ مَعَهُ إلَى الْبَلَدِ يُخْبِرَانِ بِالحَالِ، وَتَكْفِي الِاسْتِفَاضَةُ فِي الْأَصَحِّ لَا مُجَرَّدُ كِتَابٍ عَلَى المَذْهَبِ. وَيَبْحَثُ الْقَاضِي عَنْ حَالِ عُلَمَاءِ الْبَلَدِ وَعُدُولِهِ، وَيَدْخُلُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ، وَيَنْزِلُ وَسَطَ الْبَلَدِ

(فصل) في آداب القضاء وغيرها

(ليكتب الإمام) أو نائبه كالقاضي الكبير ندبا (لمن يوليه) كتابا بالتولية وما فوضه إليه وما يحتاج إليه القاضي، ويعظمه فيه ويعظه ويبالغ في وصيته بالتقوى ومشاورة العلماء والوصية بالضعفاء؛ اتباعا له صلى الله عليه وسلم في عمرو بن حزم لمَّا ولَّاه اليمن (ويُشْهِد بالكتاب) يعني لا بد إن أراد العمل بذلك الكتاب أن يشهد بما فيه من التولية (شاهدين يخرجان معه إلى البلد) أي محل التولية وإن قرب (يخبران بالحال) حتى يلزم أهل البلد قضاؤه والاعتماد على ما يشهدان به دون ما في الكتاب. ولا بد أن يسمعا التولية من المولِّي. وإذا قرئ الكتاب بحضرة المولِّي فليعلما أن ما فيه هو الذي قرئ; لئلا يقرأ غير ما فيه، ثم إن كان في البلد قاض أدَّيا عنده وأثبت ذلك بشروطه، ومنها كون الشاهدين بصفات عدول الشهادة، أما إن لم يكن ثمة قاضٍ فيكفى إخبارهما لأهل الحل والعقد من البلد، ويكفي حينئذ أن يكون ظاهرا العدالة (وتكفي الاستفاضة) عن الشهادة (في الأصح)؛ لحصول المقصود (لا مجرد كتاب) فلا يكفي (على المذهب)؛ لإمكان تزويره وإن احتفت القرائن بصدقه، ولا يكفي إخبار القاضي وإن صدقوه

(1)

؛ لاتهامه. (ويبحثُ القاضي) ندبا (عن حال علماء البلد) أي محل ولايته (وعدوله) -إن لم يعرفهم قبل دخوله، فإن تعسر فعقبه- ليعاملهم بما يليق بهم (ويدخل) وعليه عمامة سوداء كما فعل صلى الله عليه وسلم لمَّا دخل مكة يوم الفتح. والأولى دخوله (يوم الاثنين) صبيحته; لأنه صلى الله عليه وسلم دخل المدينة فيه حين اشتد الضحى، فإن تعسر فالخميس فالسبت، وعقب دخوله يقصد الجامع فيصلي ركعتين ثم يأمر بعهده ليقرأ ثم بالنداء مَن كانت له حاجة فليحظر; ليأخذ في العمل ويستحق الرزق

(2)

(وينزل) حيث لا موضع مهيأ للقضاء (وسَط البلد)؛ ليتساوى

(1)

. وتقدم أنه لو صدَّقه المدعي والمدعى عليه نفذ قضاؤه لهما وعليهما.

(2)

. وعليه فلا يستحق شيئا من حين التولية.

ص: 430

وَيَنْظُرُ أَوَّلًا فِي أَهْلِ الحَبْسِ، فَمَنْ قَالَ حُبِسْتُ بِحَقٍّ أَدَامَهُ، أَوْ ظُلْمًا فَعَلَى خَصْمِهِ حُجَّةٌ، فَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ. ثُمَّ فِي الْأَوْصِيَاءِ، فَمَنِ ادَّعَى وِصَايَةً سَأَلَ عَنْهَا وَعَنْ حَالِهِ وَتَصَرُّفِهِ، فَمَنْ وَجَدَهُ فَاسِقًا أَخَذَ المَالَ مِنْهُ، أَوْ ضَعِيفًا عَضَدَهُ بِمُعِينٍ

الناس في القرب منه (وينظر أوّلا) ندبا بعد أن يتسلم من الأول ديوان الحكم وهو الأوراق المتعلقة بالناس، وأن ينادي في البلد متكررا أن القاضي يريد النظر في المحابيس يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر (في أهل الحبس) حيث لا أحوج بالنظر منهم هل يستحقونه أو لا؟ لأنه عذاب، ويقرع في البداءة فمن قرع أُحضر خصمه ويفصل بينهما وهكذا (فمن قال حُبست بحق أدامه) إلى أدائه، أو ثبوت إعساره وبعده ينادى عليه؛ لاحتمال ظهور غريم آخر ثم يطلقه، أو إلى استيفاء حد حبس له، أو إلى ما يناسب جريمة معزَّر إن لم ير ما مضى كافيا، (أو) قال حُبست (ظلما فعلى خصمه حجة) إن حضر، فإن أقامها أدامه، وإلا حلفه وأطلقه من غير كفيل إلا أن يراه فحسن (فإن كان) خصمه (غائبا) عن البلد (كتب إليه ليحضر)؛ لفصل الخصومة بينهما أو يوكل; لأن القصد إعلامه ليلحن بحجته، فإن علم ولم يحضر ولا وكَّل حُلِّف وأُطلق; لتقصير الغائب، (ثم في الأوصياء) وكل متصرف على الغير بعد ثبوت ولايتهم عنده; لأن ذا المال لا يملك المطالبة بماله فناب القاضي عنه; لأنه وليه العام إن كان ببلده وإن كان ماله ببلد آخر; لما مر أن الولاية العامة لصاحب بلد المالك. (فمن ادعى وصاية سأل) الناس (عنها) ألها حقيقة وما كيفية ثبوتها؟ (وعن حاله) هل هو مستجمع للشروط؟ (وتصرفه؟ فمن) قال فرقت الوصية، أو تصرفت للموصى عليه لم يعترضه

(1)

إن وجده عدلا، وإن (وجده فاسقا أخذ المال منه) وجوبا أي: بدل ما فوته وعين غيره، ومن شك في حاله ولم تثبت عدالته عند الأول ينتزعه منه

(2)

. أما إذا ثبتت عدالته عند الأول فلا يؤثر الشك وإن طال الزمن؛ لاتحاد القضية (أو) وجده (ضعيفا) عن القيام بها مع أمانته (عضده بمعين) ولا ينزع المال منه. ثم بعد الأوصياء ينظر في أمناء القاضي بما ذكر في الأوصياء، نعم له عزل من شاء منهم ولو بلا جنحة; لأنهم صاروا نوابه بخلاف الأوصياء. وليس له كشف عن أب

(1)

. للمغني تفصيل في ذلك يخالف بعضه ما هنا.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 431

وَيَتَّخِذُ مُزَكِّيًا وَكَاتِبًا، وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ مُسْلِمًا عَدْلًا عَارِفًا بِكِتَابَةِ مَحَاضِرَ وَسِجِلَّاتٍ، وَيُسْتَحَبُّ فِقْهٌ، وَوُفُورُ عَقْلٍ، وَجَوْدَةُ خَطٍّ. وَمُتَرْجِمًا، وَشَرْطُهُ عَدَالَةٌ، وَحُرِّيَّةٌ، وَعَدَدٌ، وَالْأَصَحُّ جَوَازُ أَعْمَى، وَ اشْتِرَاطُ عَدَدٍ فِي إسْمَاعِ قَاضٍ بِهِ صَمَمٌ

وجد إلا بعد ثبوت موجب

(1)

قادح عنده، ثم ينظر في الأوقاف العامة

(2)

ونحوها كاللقطات وعليه الأحظ من بقائها مفردة وخلطها بمال بيت المال وبيعها وحفظ ثمنها. (ويتخذ) ندبا (مزكيا) بصفته الآتية، وأراد به الجنس وكذا ما بعده; إذ لا يكفي واحد (وكاتبا)؛ اتباعا ولأنه يحتاج إليه لكثرة أشغاله، وإنما يندب هذا إن لم يطلب أجرا، أو رُزِق من بيت المال وإلا لم يندب اتخاذه إلا إن تعين كالقاسم والمقوم والمترجم والمسمع والمزكي؛ لئلا يغالوا في الأجرة

(3)

. (ويشترط كونه) أي الكاتب حرا ذكرا (مسلما عدلا)؛ لتؤمن خيانته (عارفا بكتابة محاضر وسجلات) ; لأن الجاهل بذلك يفسد ما يكتبه (ويستحب) فيه (فقه) فيما يكتبه أي زيادته من التوسع في معرفة الشروط ومواقع اللفظ والتحرز عن الموهم والمختل; لئلا يؤتى من الجهل. ومن اشترط فقهه أراد المعرفة بما لا بد منه من أحكام الكتابة، وعفة عن الطمع; لئلا يستمال (ووفور عقل) اكتسابي؛ ليزيد ذكاؤه وفطنته فلا يخدع (وجودة خط) وإيضاحه مع ضبط الحروف وترتيبها وتضييقها; لئلا يقع فيها إلحاق، وتبيينها حتى لا تشتبه نحو سبعة بتسعة، ومعرفته بحساب المواريث وغيرها؛ لاضطراره إليه، وفصاحته وعلمه بلغات الخصوم (و) يتخذ ندبا أيضا (مترجما) ; لأنه قد يجهل لسان الخصوم أو الشهود (وشرطه عدالة وحرية وعدد) أي اثنان ولو في زنا وإن كان شهوده كلهم أعجميين، نعم يكفي رجل وامرأتان فيما يثبت بهما وقيس بهما أربع نسوة فيما يثبت بهن وذلك; لأنه ينقل للقاضي قولا لا يعرفه فأشبه المزكي والشاهد (والأصح جواز أعمى) إن لم يتكلم غير الخصم; لأن الترجمة تفسير لِمَا يسمع فلم يحتج لمعاينة وإشارة بخلاف الشهادة. (و) الأصح (اشتراط عدد) ولا يضر العمى هنا أيضا (في إسماع قاض به صمم) لم يبطل سمعه كالمترجم فإنه ينقل عين اللفظ كما أن ذاك ينقل معناه. وشرطهما ما مر في المترجمين. وشرط كلٍّ من الفريقين الإتيان بلفظ

(1)

. أسقط النهاية قوله موجب.

(2)

. قال الأسنى والمغني ((وفي الخاصة أيضاً)).

(3)

. عبارة النهاية.

ص: 432

وَيَتَّخِذُ دِرَّةً لِلتَّأْدِيبِ، وَ سِجْنًا لِأَدَاءِ حَقٍّ وَتَعْزِيرٍ. وَيُسْتَحَبُّ كَوْنُ مَجْلِسِهِ فَسِيحًا بَارِزًا مَصُونًا مِنْ أَذَى حَرٍّ وَبَرْدٍ لَائِقًا بِالْوَقْتِ وَالْقَضَاءِ لَا مَسْجِدًا. وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْضِيَ فِي حَالِ غَضَبٍ وَجُوعٍ وَشِبَعٍ مُفْرِطَيْنِ، وَكُلِّ حَالٍ يَسُوءُ خُلُقُهُ فِيهِ،

الشهادة وانتفاء التهمة فلا يقبل ذلك من نحو أصل أو فرع إن تضمن حقا لهما. وخرج بإسماع القاضي إسماع الخصم ما يقوله القاضي أو خصمه فيكفي فيه واحد; لأنه إخبار محض (ويتخذ) ندبا (دِرّة للتأديب)؛ اقتداء بعمر رضي الله عنه، ويضرب بها الأراذل لا المستورين. وله التأديب بالسوط (وسجنا لأداء حق وتعزير) كما فعله عمر رضي الله عنه بدار اشتراها بمكة وجعلها سجنا. (ويستحب كون مجلسه) الذي يقضي فيه (فسيحا

(1)

; لئلا يتأذى به الخصوم (بارزا) أي ظاهرا؛ ليعرفه كل أحد، ويكره اتخاذ حاجب لا مع زحمة أو في خلوة (مصونا من أذى) نحو (حر وبرد) وريح كريه وغبار ودخان (لائقا بالوقت) أي الفصل كمهب الريح وموضع الماء في الصيف، والكِن في الشتاء، والخضرة في الربيع

(2)

(و) لائقا بوظيفة (القضاء) التي هي أعظم المناصب وأجل المراتب بأن يكون على غاية من الأبهة والحرمة والجلالة فيجلس مستقبل القبلة داعيا بالتوفيق والعصمة والتسديد متعمما متطيلسا على عالٍ به فرش ووسادة؛ ليتميز به وليكون أهيب وإن كان من أهل الزهد والتواضع؛ للحاجة إلى قوة الرهبة والهيبة، ومن ثم كره جلوسه على غير هذه الهيئة (لا مسجدا) أي لا يتخذه مجلسا للحكم فيكره ذلك; لأن مجلس القاضي يغشاه نحو الحِيَّض

(3)

والدواب ويقع فيه اللغط والتخاصم، والمسجد يصان عن ذلك، نعم إن اتفق عند جلوسه فيه قضية أو قضايا فلا بأس بفصلها، وكذا إذا جلس فيه لعذر نحو مطر، وإقامة الحدود فيه أشد كراهة، وأُلحق بالمسجد بيته ويتعين حمله على ما إذا كان بحيث يحتشم الناس دخوله بأن أعده مع حالة يحتشم الناس الدخول عليه لأجلها، أما إذا أعده وأخلاه من نحو عيال وصار بحيث لا يحتشمه أحد في الدخول عليه فلا معنى للكراهة حينئذ. (ويكره أن يقضي) بحكم -سواء أكان للاجتهاد فيه مجال أوْ لا- (في حال غضب) لا لله تعالى (وجوع وشبع مفرطين وكل حال يسوء خلقه فيه) كمرض ومدافعة

(1)

. أفاد الأسنى والمغني أن محله إن اتحد الجنس.

(2)

. هنا رد الشارح على من استحسن عبارة الرافعي كالمغني.

(3)

. وحينئذ يجوز أن يدخل كافر للمسجد للتقاضي كما أفاده الشارح في باب الغسل 1/ 273.

ص: 433

وَيُنْدَبُ أَنْ يُشَاوِرَ الْفُقَهَاءَ. وَأَلَّا يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ بِنَفْسِهِ. وَلَا يَكُونَ لَهُ وَكِيلٌ مَعْرُوفٌ، فَإِنْ أَهْدَى إلَيْهِ مَنْ لَهُ خُصُومَةٌ أَوْ لَمْ يُهْدِ قَبْلَ وِلَايَتِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ قَبُولُهَا،

حدث وشدة حزن أو خوف أو هم أو سرور؛ لصحة النهي عنه في الغضب وقيس به الباقي ولاختلال فِكْرِه وفهمه بذلك، ومع ذلك ينفذ حكمه، ولا فرق في ذلك بين المجتهد وغيره، أما إذا غضب لله تعالى وكان يملك نفسه -بحيث لا يتشوش فكره- فلا كراهة

(1)

; لأنه يؤمن معه التعدي، بخلافه لحظ نفسه (ويندب) عند تعارض الأدلة والمدارك (أن يشاور) المجتهد ولو في الفتوى، وغيره حيث لا معتمد متيقن في مذهبه في تلك الواقعة بسائر توابعها ومقاصدها (الفقهاء) العدول -ولو دونه- الموافقين والمخالفين؛ لقوله تعالى {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} آل عمران: 159 (وألا يشتري ويبيع

(2)

ويعامل مع وجود من يوكله (بنفسه) في عمله بل يكره له; لئلا يُحابَى (ولا يكون له وكيل معروف) ; لئلا يُحابى أيضا (فإن) بيع له شيء بدون ثمن المثل حرم القبول، أو (أهدى إليه) أو ضيَّفه أو وهبه أو تصدق عليه فرضا أو نفلا على ما يأتي (مَن له خصومة) أو من أحس منه أنه سيخاصم -وإن كان بعضه أو كان يهدي قبل الولاية- (أو) من لا خصومة له و (لم يهد) إليه شيئا (قبل ولايته) أو كان يهدي إليه قبلها لكنه زاد في القدر أو الوصف (حرم عليه قبولها) ولا يملكها; لأنها في الأولى توجب الميل إليه وفي الثانية سببها الولاية، وقد صرحت الأخبار الصحيحة بتحريم هدايا العمال بل صح عن تابعي: أخذه الرشوة يبلغ به الكفر، أي إن استحل أو أنها سبب له، وسواء أكان المهدي من أهل عمله أم من غيره وقد حملها إليه; لأنه صار في عمله، فلو جهزها له مع رسوله وليس له محاكمة حرم أيضا. ولا يحرم عليه

(3)

قبولها في غير عمله و إن كان المهدي من أهل عمله ما لم يستشعر بأنها مقدمة لخصومة، ومتى بذل له مال ليحكم بغير حق أو ليمتنع من حكم بحق فهو الرشوة المحرمة إجماعا، ومثله ما لو امتنع من الحكم بالحق إلا بمال لكنه أقل إثما، وقد قال صلى الله عليه وسلم ((لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم)) وفي رواية ((والرائش)) وهو الماشي بينهما، ومحله في

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. مطلقا خلافا للنهاية حيث استثنى بيع أصوله أوفروعه.

(3)

. خلافا لإطلاق المغني.

ص: 434

وَإِنْ كَانَ يُهْدِي وَلَا خُصُومَةَ جَازَ بِقَدْرِ الْعَادَةِ، وَالْأَوْلَى أَنْ يُثِيبَ عَلَيْهَا

راشٍ لباطل، أما من علم أَخْذَ ماله بباطل لولا الرشوة فلا ذم عليه. وحكم الرائش حكم موكله فإن توكل عنهما عصى مطلقا.

[تنبيه] محل قولنا لكنه أقل إثما ما إذا كان له رزق من بيت المال وإلا -وكان ذلك الحكم مما يصح الاستئجار عليه وطلب أجرة مثل عمله فقط- جاز له طلبها وأخذها. ويجوز لمفتٍ وإن تعين الامتناع من الإفتاء إلا بجعل كالمحكم، ومحل ذلك إن كان ما يأخذه عليه فيه كلفة تقابل بأجرة

(1)

(وإن كان) من عادته أنه (يهدي) إليه -قبل الولاية والترشح لها لنحو قرابة أو صداقة- ولو مرة فقط (ولا خصومة) له حاضرة ولا مترقبة (جاز) قبول هديته إن كانت (بقدر العادة)؛ لانتفاء التهمة حينئذ بخلافها بعد الترشح أو مع الزيادة فيحرم قبول الكل إن كانت الزيادة في الوصف كأن اعتاد الكتان فأهدي إليه الحرير، وكذا في القدر، ولا يأتي فيه تفريق الصفقة; لأن محله إن تميز الحرام، ومن ثم إذا تميزت الزيادة حرمت فقط. ولو أهدي له بعد الحكم مهدٍ معتاد حرم القبول أيضا إن كان مجازاة له وإلا فلا. ويجوز له قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة إذا لم يعرف المتصدق أنه القاضي وعكسه

(2)

.

[تنبيه] كالأعيان المنافعُ المقابلة بمال عادة كسكنى دار بخلاف غيرها كاستعارة كتاب علم وأكله طعام بعض أهل ولايته ضيفا كقبول هديتهم كما علم مما مر

. والذي يتجه في الوقف عليه وفي النذر له من أهل عمله أنه إن عينه باسمه وشرطنا القبول كان كالهدية له، وكذا لو وقف على تدريس هو شيخه فإن عين باسمه امتنع وإلا فلا. ويصح إبراؤه عن دينه; إذ لا يشترط فيه قبول وكذا أداؤه عنه بغير إذنه بخلافه بإذنه بشرط عدم الرجوع. وخِلَع الملوك التي من أموالهم ليست كالهدية بشرط اعتيادها لمثله، وأن لا يتغير بها قلبه عن التصميم على الحق. وسائر العمال مثله في نحو الهدية لكنه أغلظ (والأولى) لمن جاز له قبول الهدية (أن يثيب عليها) أو يردها لمالكها أو يضعها في بيت المال، وأولى من ذلك سد باب القبول مطلقا؛ حسما للباب.

(1)

. وتقدم في الإجارة أنه لا يجوز الاستئجار للقضاء إلا إن عيَّن ما يقضي به وعليه 6/ 157.

(2)

. أي بأن لم يعرف القاضي أنه من أهل ولايته.

ص: 435

وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ لِنَفْسِهِ وَرَقِيقِهِ وَشَرِيكِهِ فِي المُشْتَرَكِ، وَكَذَا أَصْلُهُ وَفَرْعُهُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيْحُكُمْ لَهُ وَلِهَؤُلَاءِ الْإِمَامُ أَوْ قَاضٍ آخَرُ، وَكَذَا نَائِبُهُ عَلَى الصَّحِيحِ. وَإِذَا أَقَرَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ نَكَلَ فَحَلَفَ المُدَّعِي وَسَأَلَ الْقَاضِيَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى إقْرَارِهِ عِنْدَهُ أَوْ يَمِينِهِ أَوِ الحُكْمَ بِمَا ثَبَتَ وَالْإِشْهَادَ بِهِ لَزِمَهُ

(ولا ينفذ حكمه) ولا سماعه لشهادة

(1)

(لنفسه) ; لأنه متهم، وإنما جاز له تعزير من أساء أدبه عليه في حكمه كحكمتَ عليَّ بالجور; لئلا يستخف ويستهان به فلا يسمع حكمه. وله أيضا أن يحكم لمحجوره وإن كان وصيا عليه قبل القضاء وإن تضمن حكمه استيلاءه على المال المحكوم به وتصرفه فيه، وكذا بإثبات وقف شرط نظره لقاض هو بصفته وإن تضمن حكمه وضع يده عليه، وبإثبات مال لبيت المال وإن كان يرزق منه، ولا يصح من القاضي الحكم بما آجره هو أو مأذونه من وقف هو ناظره إن كانت نظارته له قبل ولايته للقضاء، نعم إن كان متبرعاً فينفذ حكمه حينئذ كالوصي، (ورقيقه)؛ لذلك، نعم له الحكم بجناية عليه قبل رقه ويوقف ما ثبت له حينئذ إلى عتقه، فإن مات قنَّا صار فيئا، وكذا لمن وَرِث موصى بمنفعته الحكم بكسبه؛ لأن كسبه الحاصل قبل عتقه ليس للوارث الحاكم بل بالموصى له بالمنفعة (وشريكه) أو شريك مكاتبه (في المشترك)؛ لذلك أيضا، نعم لو حكم له بشاهد ويمينه جاز، ولا يشاركه القاضي حينئذ، وعليه فيشترط أن يعلم القاضي أنه لا يشاركه وإلا فالتهمة موجودة (وكذا أصله وفرعه) ولو لأحدهم على الآخر (على الصحيح) ; لأنهم أبعاضه فكانوا كنفسه، ومن ثم امتنع قضاؤه لهم بعلمه قطعا. أما الحكم عليهم كقنه وشريكه بل ونفسه فيجوز عكس العدو. وحكمه على نفسه حكم لا إقرار. وله تنفيذ حكم بعضه والشهادة على شهادته; إذ لا تهمة (ويحكم له) أي القاضي (ولهؤلاء الإمام أو قاض آخر) مستقل; إذ لا تهمة، (وكذا نائبه على الصحيح) كبقية الحكام (وإذا) ادعي عنده بدين حال أو مؤجل، أو بعين مملوكة أو وقف أو غير ذلك، ثم (أقر المدعى عليه أو نكل فحلف المدعي) أو حلف بلا نكول بأن كانت اليمين في جهته لنحو لوث، أو إقامة شاهد مع إرادة الحلف معه (وسأل) المدعي (القاضي أن يشهد على إقراره عنده أو يمينه، أو) سأل (الحكم) له عليه (بما ثبت والإشهاد به لزمه) إجابته; لما ذكر،

(1)

. ذكر الشارح قبيل فصل ما يقتضي انعزال القاضي أن سبب عدم سماع الشهادة تضمن ذلك الحكم بالتعديل، ومن ثم لو ثبتت العدالة عند قاض غيره جاز له سماعها 10/ 116.

ص: 436

وكذا لو حلف مدعى عليه وسأل الإشهاد ليكون حجة له فلا يطالبه مرة أخرى وذلك; لأنه قد ينكر بعد فيفوت الحق لنحو نسيان القاضي أو انعزاله. ولو أقام بينة بدعواه وسأله الإشهاد عليه بقبولها لزمه أيضا; لأنه يتضمن تعديل البينة وإثبات حقه. وخرج بقوله سأل ما إذا لم يسأله؛ لامتناع الحكم للمدعي قبل أن يسأل فيه كامتناعه قبل دعوى صحيحة إلا فيما تقبل فيه شهادة الحسبة. وصيغة الحكم الصحيح

(1)

-الذي هو الإلزام النفساني المستفاد من جهة الولاية- حكمت أو قضيت له به أو نفذت الحكم به أو ألزمت خصمه الحق. ولو حكم في نفسه في مختلف فيه وأشهد بالحكم لم يتأثر بعد ذلك بنقض مخالف له. وإذا عُدِّلت البينة لم يجز الحكم إلا بطلب المدعي كما تقرر، فإذا طلبه قال لخصمه ألك دافع في هذه البينة أو قادح؟ فإن قال لا، أو نعم ولم يثبته حَكََمَ عليه وإن وجد فيها ريبة لم يجد لها مستندا. وقوله ثبت عندي كذا، أو صح بالبينة العادلة ليس بحكم وإن توقف على الدعوى أيضا سواء أكان الثابت الحق أم سببه؛ لانتفاء الإلزام فيه، وإنما هو بمعنى سمعت البينة وقبلتها ويجري في الصحيح والفاسد، نعم يستثنى من جريان الثبوت المجرد فيما قصد إثبات فساده إثباتُ وضبط الفسق عند عدم الحاجة إليه وإلا -كإبطال نظره- فالأوجه الجواز، ثم إن الثبوت ليس حكما بالثابت وإنما هو حكم بتعديل البينة وقبولها وجريان ما شهدت به، وفائدته عدم احتياج حاكم آخر إلى النظر فيها. ولو ثَبَّتَ الحق -كإن قال ثبت عندي وَقْفُ هذا على الفقراء- لم يكن حكما لكنه في معناه فلا يصح رجوع الشاهد بعده بخلاف ثبوت سببه كوقف فلان؛ لتوقفه على نظر آخر، ومن ثم يمتنع على الحاكم الحكم به حتى ينظر في شروطه، وتنفيذ الحكم لا يكون حكما من المنفذ إلا إن وجدت فيه شروط الحكم عنده وإلا كان إثباتا لحكم الأول فقط.

(1)

. قال الشارح في موانع الإرث أن تصرف الحاكم ليس بحكم إلا إذا كان في قضية رُفعت إله وطلب منه فصلها 6/ 422.

ص: 437

والفرق بين الحكم بالموجب والحكم بالصحة

(1)

أن الحكم بالموجب يتناول الآثار الموجودة والتابعة لها

(2)

بخلافه بالصحة

(3)

فإنه إنما يتناول الموجودة فقط، فلو حكم شافعي بموجب الهبة للفرع لم يكن للحنفي الحكم بمنع رجوع الأصل؛ لشمول حكم الشافعي للحكم بجوازه، أو بصحتها لم يمنعه من ذلك، ولو حكم حنفي بصحة التدبير لم يمنع الشافعي من الحكم بصحة بيع المدبر، أو بموجبه منعه، أو مالكي بصحة البيع لم يمنع الشافعي من الحكم بخيار المجلس مثلا أو بموجبه منعه

(4)

ومنع العاقدين من الفسخ به; لاستلزامه نقض حكم الحاكم مع نفوذه ظاهرا وباطنا كما يأتي. ولو حكم شافعي بموجب إقرار بعدم الاستحقاق منع الحنفي من الحكم بعدم قبول دعوى السهو; لأن موجبه مفرد مضاف لمعرفة فيعم فكأنه قال حكمت بكل مقتضى من مقتضياته، ومنها

(5)

سماع دعوى السهو أو بموجب بيع فبان أن البائع وقفه قبل البيع على نفسه فضمن حكمه إلغاء الوقف فيمتنع على الحنفي الحكم بصحته. ولو حكم شافعي بصحة البيع لم يمنع الحنفي من الحكم بشفعة الجوار في المبيع أو بموجبه منعه، أو مالكي بصحة قرض لم يمنع الشافعي من الحكم بجواز رجوع المقرض في عينه ما دامت باقية بيد المقترض، أو بموجبه منعه، وذلك; لأن الحكم بما ذكر بعد الحكم بالصحة في الكل لا ينافيه بل يترتب عليه فليس فيه نقض له بخلافه بعد الحكم بالموجب، ولهذا آثره الأكثرون وإن كان الأول

(6)

أقوى من حيث إنه يستلزم الحكم بملك العاقد مثلا، ومن ثم امتنع على الحاكم الحكم بالصحة إلا بحجة تفيد الملك

(1)

. يستفاد من كلام الشارح في الإقرار أن كل حكم أجمله القاضي يُحمل على الصحة 5/ 406.

(2)

. نقل الشارح في النفقات عن أبي زرعة في شافعي حكم لبائن حائل أنه لا نفقة لها بأن حكمه إنما يتناول يوم الدعوى وما قبله دون ما بعده؛ لأنه لم يدخل وقته، قال الشارح: ومحله إن حكم بموجب البينونة لا بالسقوط؛ لأنه إنما يتناول ما وجب بخلاف الموجب.

(3)

. ذكر الشارح قبيل شروط المرهون به ما تستحسن مراجعته هنا 5/ 62.

(4)

. ذكر الشارح في الطلاق أنه لو علق شخص طلاق أجنبية بنكاح وحكم بصحة تعليقه قبل وقوعه حاكم يراه نقض؛ لأنه إفتاء لا حكم؛ إذ شرطه إجماعا وقوعه قبل دعوى ملزمه 8/ 42.

(5)

. أي من مقتضيات الإقرار.

(6)

. أي الحكم بالصحة.

ص: 438

أَوْ أَنْ يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ أَوْ سِجِلًّا بِمَا حَكَمَ اُسْتُحِبَّ إجَابَتُهُ، وَقِيلَ: يَجِبُ. وَيُسْتَحَبُّ نُسْخَتَانِ: إحْدَاهُمَا لَهُ، وَالْأُخْرَى تُحْفَظُ فِي دِيوَانِ الحُكْمِ. وَإِذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ بَانَ خِلَافَ نَصِّ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْإِجْمَاعِ أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ،

بخلاف الحكم بالموجب. ولو وهب آخر شقصا مشاعا فباعه المتهب فرفعه الواهب لحنفي فحكم ببطلان الهبة فرفع المشتري البائع لشافعي وطالبه بالثمن فحكم بصحة البيع نفذ وامتنع على الحنفي إلزام البائع بالثمن؛ لأن ما حكم به الشافعي قضية أخرى لم يشملها حكم الحنفي الأول فلم يكن له نقض حكم الشافعي. ولو حكم بالصحة ولم يعلم هل استند لحجة بالملك أو لا؟ حملنا حكمه على الاستناد; لأنه الظاهر، نعم لو قيل بأن محله في قاض موثوق بدينه وعلمه لم يبعد. ويجري ذلك في كل حكم أجمل ولم يعلم استيفاؤه لشروطه فلا يقبل إلا ممن ذكر

(1)

. (أو) سأله المدعي، ومثله المدعى عليه نظير ما مر (أن يكتب له) بقرطاس أحضره من عنده حيث لم يكن من بيت المال (مَحضرا بما جرى من غير حكم أو سجلا بما حكم استحب إجابته) ; لأنه مُذَكِّر، وإنما لم يجب; لأن الحق يثبت بالشهود لا بالكتاب (وقيل يجب)؛ توثقةً لحقه، نعم إن تعلقت الحكومة بصبي أو مجنون له أو عليه وجب التسجيل جزما، وأُلحق بهما الغائب ونحو الوقف مما يحتاط له. وأشار المتن إلى أن المحضر ما تحكى فيه واقعة الدعوى والجواب وسماع البينة بلا حكم والسجل ما تضمن إشهاده على نفسه أنه حكم بكذا أو نفذه (ويستحب نسختان) أي كتابتهما (إحداهما) تدفع (له) بلا ختم (والأخرى تحفظ في ديوان الحكم) مختومة مكتوب عليها اسم الخصمين وإن لم يطلب الخصم ذلك; لأنه طريق للتذكر لو ضاعت تلك.

(وإذا حكم باجتهاد) وهو من أهله أو باجتهاد مقلده (ثم بان) أن ما حكم به (خلاف نص الكتاب أو السنة) المتواترة أو الآحاد (أو) بان خلاف (الإجماع)، ومنه ما خالف شرط الواقف (أو) خلاف (قياس جلي) وهو ما يعم الأولى والمساوي، أو خالف القواعد الكلية، أو خالف المذاهب الأربعة; لأنه كالمخالف للإجماع (نقضه) أي أظهر بطلانه وجوبا، وإن لم يرفع إليه (هو وغيره) -بنحو نقضته أو أبطلته أو فسخته-؛ إجماعا في مخالف الإجماع وقياسا في

(1)

. ذكر الشارح في الوليمة أن الحاكم يجب عليه رعاية اعتقاده دون اعتقاد المرفوع إليه، نعم في التعزير ذكر الشارح أنه يراعي اعتقاده واعتقاد المرفوع إليه 8/ 153.

ص: 439

لَا خَفِيٍّ. وَالْقَضَاءُ يَنْفُذُ ظَاهِرًا لَا بَاطِنًا

غيره، والمراد بالنص هنا الظاهر. أما مجرد التعارض لقيام بينة بعد الحكم -بخلاف ما قامت به البينة التي حكم بها- فإن قطع بما يوجب بطلان الحكم الأول أبطل وإلا فلا. ويدخل في قوله باجتهاد ما لو حكم بنص ثم بان نسخه أو خروج تلك الصورة عنه بدليل. وينقض أيضا حكم مقلد

(1)

بما يخالف نص إمامه; لأنه بالنسبة إليه كنص الشارع بالنسبة للمجتهد، ومثله حكم غير متبحر بغير المعتمد

(2)

عند أهل المذهب؛ لأنه لم يرتق عن رتبة التقليد. وينقض حكم من لا يصلح للقضاء وإن وافق المعتمد أي: ما لم يكن قاضي ضرورة; لما مر أنه ينفذ حكمه بالمعتمد في مذهبه. ويجب نقض حكم من حكم بخلاف الراجح في مذهبه. وينفذ حكم من له أهلية الترجيح إذا رجَّح قولا ولو مرجوحا في مذهبه بدليل جيد، وليس له أن يحكم بشاذ أو غريب في مذهبه إلا إن ترجح عنده ولم يشرط عليه التزام مذهب باللفظ أو العرف كقول موليه في عقد التولية ((على قاعدة من تقدمه)). ولو حكم حاكم بالصحة في قضية من بعض وجوه اشتملت عليها فلمخالفه الحكم بفسادها من وجه آخر كصغيرة زوجها غير مجبر بغير كفء، ويلزمه التسجيل بالنقض إن سجل بالمنقوض، ومتى نقض حكم غيره سئل عن مستنده، وقولهم لا يسأل القاضي عن مستنده محله إذا لم يكن حكمه نقضا أي ومحله أيضا إذا لم يكن فاسقا أو جاهلا (لا) ما بان خلاف قياس (خفي) وهو ما لا يبعد احتمال الفارق فيه كقياس الذرة على البر في الربا بجامع الطعم فلا ينقضه؛ لاحتماله. (والقضاء) أي الحكم الذي يستفيده القاضي بالولاية فيما باطن الأمر فيه بخلاف ظاهره تنفيذا كان أو غيره (ينفذ ظاهرا لا باطنا

(3)

فالحكم بشهادة كاذبين ظاهرهما العدالة لا يفيد الحل باطنا لمال، ولا لبضع؛ لخبر الصحيحين ((لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع منه فمن قضيت له من حق أخيه بشيء فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار)). ويلزم المحكوم عليها بنكاح كاذب الهرب بل والقتل إن قدرت عليه كالصائل على البضع، ولا نظر لكونه

(1)

. أي ولو لغير ضرورة خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.

(2)

. بل وكذلك المتبحر إذا اشترط عليه-ولو عرفا- الحكم بالمعتمد كما يفهم من كلام الشارح أول الكتاب.

(3)

. ذكر الشارح في الوقف أن الأصح أن حكم الحاكم في محل اختلاف المجتهدين ينفذ باطنا بمعنى ترتب الآثار عليه من حل وحرمة ونحوهما 6/ 246.

ص: 440

وَلَا يَقْضِي بِخِلَافِ عِلْمِهِ بِالْإِجْمَاعِ،

يعتقد الإباحة كما يجب دفع الصبي عنه وإن كان غير مكلف، فإن أكرهت فلا إثم، وإن وطئت فوطء شبهة; لأن أبا حنيفة رضي الله عنه يجعلها منكوحة بالحكم. أما ما باطن الأمر فيه كظاهره فإن لم يكن في محل اختلاف المجتهدين كالتسليط على الأخذ بالشفعة الذي لم يترتب على أصل كاذب نفذ باطنا أيضا، وكذا إن اختلف فيه كشفعة الجوار فينفذ باطنا أيضا، ومن ثم حل للشافعي طلبها من الحنفي وإن لم يقلد أبا حنيفة; لأن من عقيدة الشافعي أن النفوذ باطنا يستلزم الحل فلم يأخذ محرما في اعتقاده، ومن ثم لم يجز للحنفي منعه من طلبها وجاز للشافعي الشهادة بها لكن لا بصيغة أشهد أنه يستحقها; لأنه كذب كما أن له حضور نكاح بلا ولي إن قلد أو أراد حفظ الواقعة، نعم ليس له دعوى ولا شهادة على مرتد عند من لا يرى قبول توبته; لأن أمر الدماء أغلظ، وجاز أيضا لحاكم شافعي أُنْهِِي إليه ما لا يراه من أحكام مخالفيه تنفيذها وإلزام العمل بها، فلو فسخ نكاح امرأة أو خولعت مرارا وحكم حنبلي بصحة أحدهما ثم رفعت أمرها للشافعي ليزوجها في الأولى من آخر و في الثانية من زوجها من غير محلل جاز ذلك. و كحكم المخالف فيما ذكر إثباته إن كان معتقده أنه حكم. ولا أثر لكون المخالف يعتقد أن الحكم إنما ينفد ظاهرا فقط بل العبرة في هذا باعتقاد المُنْهَى إليه كالشافعي، ويفرق بأن هذا هو المبيح للإقدام على العمل بقضية حكم المخالف فنظر لاعتقاد الثاني في هذا بخصوصه دون ما عداه (ولا يقضي) أي لا يجوز له القضاء (بخلاف علمه

(1)

بالإجماع) وذلك كما إذا شهدا برِق أو نكاح أو ملك من يعلم حريته أو بينونتها أو عدم ملكه; لأنه قاطع ببطلان الحكم به حينئذ، والحكم بالباطل محرم، ولا يجوز له القضاء في هذه الصورة بعلمه; لمعارضة البينة له مع عدالتها ظاهرا، ولا يلزم من علمه خلاف ما شهدا به تعمدهما المفسق لهما.

[فرع] عُلم مما مر أن مَن قال إن تزوجت فلانة فهي طالق ثلاثا فتزوجها وحكم له شافعي بصحة النكاح أو موجبه تضمن الحكم إبطال ذلك التعليق وإن لم يذكره في حكمه؛

(1)

. اعتمد الشارح في الفتح أن المراد به ظنه المؤكد 4/ 404، ولعل مراد الشارح في التحفة إذ تبرأ من هذا أن المراد ما يشمل العلم والظن.

ص: 441

وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَقْضِي بِعِلْمِهِ إلَّا فِي حُدُودِ اللهِ تَعَالَى

لأن المعتمد أن الحكم بالصحة كالحكم بالموجب في تناول جميع الآثار المختلف فيها لكن إن دخل وقت الحكم بها كما هنا، فإن من آثارهما هنا أن الطلاق السابق تعليقه على النكاح لا يرفعه. ولو حكم حنفي مثلا قبل العقد بصحة ذلك التعليق جاز للشافعي

(1)

عقب العقد أن يحكم بإلغائه; لأنه في الحقيقة فتوى لا حكم؛ لعدم دخول وقته فليس الغاؤه نقضا للحكم; إذ الحكم الحقيقي الممتنع نقضه إنما يكون في واقع وقته دون ما سيقع; لعدم تصور دعوى ملزمة به. والحكم في غير الحسبة إنما يعتد به بعدها، نعم إن ثبت ما قيل عن المالكية أو الحنابلة أنه قد لا يتوقف عليها وأنه قد يسوغ على قواعدهم مثل هذا الحكم لم يبعد امتناع نقضه حينئذ. (والأظهر أنه) أي القاضي ولو قاضي ضرورة

(2)

(يقضي بعلمه) -إن شاء- أي بظنه المؤكد الذي يجوز له الشهادة مستندا إليه وإن استفاده قبل ولايته كأن يدعى عنده بمال وقد رآه أقرضه إياه قبل أو سمعه قبل أقر له به مع احتمال الإبراء أو غيره. ولو سمع دائنا أبرأ مدينه فأخبر القاضي المدين بالإبراء فقال مع إبرائه ((دينه باق عليَّ)) عمل به، وليس عمله هذا حكم على خلاف العلم; لأن إقراره المتأخر عن الإبراء دافع له، ولا بد أن يصرح بمستنده فيقول علمت أن له عليك ما ادعاه وقضيت أو حكمت عليك بعلمي، فإن ترك أحد هذين اللفظين لم ينفذ حكمه، ويندب كونه ظاهر التقوى والورع

(3)

. ويقضي بعلمه في الجرح والتعديل والتقويم قطعا، وكذا على من أقر بمجلسه واستمر على إقراره لكنه قضاء بالإقرار دون العلم، فإن أنكر كان قضاء بالعلم. ولو رأى وحده هلال رمضان قضى به قطعا؛ بناء على ثبوته بواحد (إلا في حدود) أو تعازير (الله تعالى) كحد زنا أو محاربة أو سرقة أو شرب؛ لسقوطها بالشبهة مع ندب سترها في الجملة، نعم من ظهر منه في مجلس حكمه ما يوجب تعزيرا عزره وإن كان قضاء بالعلم. وقد يحكم بعلمه في حد لله تعالى كما إذا علم من مكلف أنه أسلم ثم أظهر الردة فيقضي عليه بموجب ذلك، وكما إذا اعترف في مجلس الحكم بموجب حد و لم يرجع عنه فيقضي فيه بعلمه وإن كان إقراره سرا، وكما إذا ظهر منه في مجلس الحكم على رءوس الأشهاد نحو ردة وشرب خمر. أما حدود الآدميين فيقضي فيها سواء المال والقود

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. وفاقا للأسنى والمغني في غير الفاسق وخلافا للنهاية.

(3)

. وفاقا للنهاية وخلافا للأسنى والمغني فاعتمدا الوجوب.

ص: 442

وَلَوْ رَأَى وَرَقَةً فِيهَا حُكْمُهُ أَوْ شَهَادَتُهُ أَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّك حَكَمْتَ أَوْ شَهِدْتَ بِهَذَا لَمْ يَعْمَلْ بِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَتَذَكَّرَ، وَفِيهِمَا وَجْهٌ فِي وَرَقَةٍ مَصُونَةٍ عِنْدَهُمَا. وَلَهُ الحَلِفُ عَلَى اسْتِحْقَاقِ حَقٍّ أَوْ أَدَائِهِ اعْتِمَادًا عَلَى خَطِّ مُوَرِّثِهِ إذَا وَثِقَ بِخَطِّهِ وَأَمَانَتِهِ. وَالصَّحِيحُ جَوَازُ رِوَايَةِ الحَدِيثِ بِخَطٍّ مَحْفُوظٍ عِنْدَهُ

وحد القذف. (ولو رأى) إنسان (ورقةً فيها حكمه أو شهادته أو شهد) عليه أو أخبره (شاهدان أنك حكمت أو شهدت بهذا لم يعمل به) القاضي (ولم يشهد) به الشاهد أي لا يجوز لكل منهما ذلك (حتى يتذكر) الواقعة بتفصيلها، ولا يكفي تذكره أن هذا خطه فقط، وذلك؛ لاحتمال التزوير. والمطلوب علم الحاكم والشاهد ولم يوجد. وخرج بيعمل به عمل غيره إذا شهدا عنده بحكمه، (وفيهما وجه) إذا كان الحكم والشهادة مكتوبين (في ورقة مصونة عندهما) ووثق بأنه خطه ولم يداخله فيه ريبة أنه يعمل به. والأصح لا فرق؛ لاحتمال الريبة، ولا ينافي ذلك نص الشافعي على جواز اعتماده للبينة فيما لو نسي نكول الخصم; لأنه يغتفر في الوصف ما لا يغتفر في الأصل، ويؤخذ منه أنه يلحق بالنكول في ذلك كل ما في معناه.

[فائدة] كان السبكي في زمن قضائه يكتب على ما ظهر بطلانه أنه باطل بغير إذن مالكه، ويقول لا يعطى لمالكه بل يحفظ في ديوان الحكم ليراه كل قاض

(وله الحلف على استحقاق حق أو أدائه اعتمادا على) إخبار عدل، وعلى (خط) نفسه، وعلى خط نحو مكاتبه ومأذونه ووكيله وشريكه (مورثه إذا وثق بخطه) بحيث انتفى عنه احتمال تزويره (وأمانته) بأن علم منه أنه لا يتساهل في شيء من حقوق الناس؛ اعتضادا بالقرينة. ودليل حل الحلف بالظن حلف عمر رضي الله عنه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم أن ابن صياد هو الدجال ولم ينكر عليه (والصحيح جواز رواية الحديث بخط) كتبه هو أو غيره وإن لم يتذكر قراءة ولا سماعا ولا إجازة (محفوظ عنده) أو عند غيره; لأن باب الرواية أوسع، ولذا عمل به السلف والخلف. ولو رأى خط شيخه له بالإذن في الرواية وعرفه جاز له الاعتماد عليه أيضا.

ص: 443

فصل

لِيُسَوِّ بَيْنَ الخَصْمَيْنِ فِي دُخُولٍ عَلَيْهِ، وَ قِيَامٍ لَهُمَا، وَاسْتِمَاعٍ، وَطَلَاقَةِ وَجْهٍ، وَجَوَابِ سَلَامٍ وَمَجْلِسٍ، وَالْأَصَحُّ رَفْعُ مُسْلِمٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فِيهِ. وَإِذَا جَلَسَا فَلَهُ أَنْ يَسْكُتَ، وَلَهُ أَنْ يَقُولَ لِيَتَكَلَّمِ المُدَّعِي. فَإِذَا ادَّعَى طَالَبَ خَصْمَهُ بِالجَوَابِ،

(فصل) في التسوية

(ليسوِ) وجوبا (بين الخصمين) وإن وكَّلا، نعم إذا استويا في مجلس أرفع ووكيلاهما في مجلس أدون، أو جلسا مستويين وقام وكيلاهما مستويين جاز (في دخول عليه) بأن يأذن لهما فيه معا لا لأحدهما فقط، ولا قبل الآخر (وقيام لهما) أو تركه (واستماع) لكلامهما ونظر إليهما (وطلاقة وجه) أو عبوسة (وجواب سلام) إن سلما معا (ومجلس) بأن يكون قربهما إليه فيه على السواء أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره أو بين يديه وهو الأولى؛ لخبر فيه، والأولى أيضا أن يكون على الرُّكَب; لأنه أهيب، نعم الأولى للمرأة التربع; لأنه أستر، ويبعد الرجل عنها، وسائر أنواع الإكرام فلا يجوز له أن يؤثر أحدهما بشيء من ذلك، ولا يمزح معه وإن شرف بعلم أو حرية أو والِدِيَّه أو غيرها؛ لكسر قلب الآخر وإضراره، والأولى ترك القيام لشريف ووضيع; لأنه يعلم أن القيام لأجل الشريف. ولو قام لمن لم يظنه مخاصما فبان قام لخصمه أو اعتذر له. أما إذا سلم أحدهما فقط فليسكت حتى يسلم الآخر ويغتفر طول الفصل؛ للضرورة، أو يقول للآخر سَلِّم حتى أرد عليكما، واغتفر له هذا التكلم بأجنبي ولم يكن قاطعا للرد؛ لذلك. والأولى أن لا يتركهما قائمين. ولو قرب أحدهما من القاضي وبعُد الآخر منه وطلب الأول مجيء الآخر إليه وعكس الثاني فالذي يتجه الرجوع للقاضي من غير نظر لشرف أحدهما أو خسته (والأصح) جواز

(1)

(رفع مسلم على ذمي فيه) أي المجلس بل وفي سائر وجوه الإكرام؛ لخبر ((لا تساووهم في المجالس)) (وإذا جلسا) أو قاما بين يديه (فله أن يسكت)؛ لئلا يُتَّهَم (وله أن يقول ليتكلم المدعي) منكما; لأنهما ربما هاباه، فإن عرف عين المدعي قال له: تكلم (فإذا ادعى) دعوى صحيحة (طالب) جوازا (خصمه بالجواب) بنحو أخرج من دعواه وإن لم يسأله المدعي؛ لتنفصل الخصومة، نعم لو قال له الخصم طالبه لي

(1)

. كما هو ظاهر صنيعه في فتح الجواد خلافا للشهاب الرملي وأول النهاية التعبير بالجواز.

ص: 444

فَإِنْ أَقَرَّ فَذَاكَ، وَإِنْ أَنْكَرَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةٌ، وَأَنْ يَسْكُتَ، فَإِنْ قَالَ لِي بَيِّنَةٌ وَأُرِيدُ تَحْلِيفَهُ فَلَهُ ذَلِكَ، أَوْ لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ أَحْضَرَهَا قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ

بجواب دعواي وجب على القاضي ذلك وإلا لزم بقاؤهما متخاصمين (فإن أقر) حقيقة أو حكما (فذاك) ظاهر فيلزمه ما أقر به؛ لثبوت الحق بالإقرار من غير حكم؛ لوضوح دلالته بخلاف البينة، ومن ثم لو كانت صورة الإقرار مختلفا فيها احتيج للحكم. وله أن يدفع المال عن أحد الخصمين؛ لعود النفع إليهما، وأن يشفع له إن ظن قبوله لا عن حياء وإلا أثم. ويحرم عليه أن يقول عليّ ضمانه إن قويت قرينة ذلك الاتهام (وإن أنكر فله أن يقول للمدعي ألك بينة؟)؛ لخبر مسلم به، أو شاهد مع يمينك إن ثبت الحق بهما. وإن كانت اليمين بجانب المدعي لنحو لوث قال له أتحلف، (و) له -وهو الأولى- (أن يسكت)؛ لئلا يُتَّهم بميله للمدعي، نعم إن سكت المدعي لجهل وجب إعلامه. ولو شك هل سكوته مع علم أو جهل فالقول أولى، وإنما لم يجز له تعليم المدعي كيفية الدعوى ولا الشاهد كيفية الشهادة؛ لقوة الاتهام بذلك، فإن تعدى وفعل فأدى الشاهد بتعليمه اعتد به إن كان الشاهدان مشهورين بالديانة

(1)

. ولا يلزمه سؤال من التمس منه إحضار من بالبلد عن كيفية دعواه

(2)

إلا في المعزول كما مر

(3)

وإلا إن عُدّ ذلك ابتذالا للحاضر أواضرارا له (فإن قال لي بينة وأريد تحليفه فله ذلك) ; لأنه إن تورع وأقرَّ سهل الأمر وإلا أقام البينة عليه لتشتهر خيانته وكذبه، نعم الذي يتصرف عن غيره، أو عن نفسه وهو محجور عليه بنحو سفه أو فلس تتعين فيه إقامة البينة؛ لئلا يحتاج الأمر للدعوى بين يدي من لا يرى البينة بعد الحلف فيحصل الضرر، (أو) قال (لا بينة لي) وأطلق، أو قال لا حاضرة ولا غائبة أو كلّ بينة أقيمها زور (ثم أحضرها قبلت في الأصح)؛ لاحتمال نسيانه أو عدم علمه بتحملها، نعم من ادُّعِي عليه بقرض مثلا فأنكر أَخْذَهُ من أصله ثم أراد إقامة بينة بأداء أو إبراء لم تقبل

(4)

بخلاف نظيرها في الوديعة. ولو قال شهودي فسقة أو عبيد ثم أحضر بينة فالأوجه أنه إن اعترف أنهم هم الذين قال

(1)

. لم يقيد النهاية بهذا القيد.

(2)

. أي دعوى الملتمس.

(3)

. قبيل آداب القضاء بما فيه من تفصيل.

(4)

. خلافا للنهاية.

ص: 445

وَإِذَا ازْدَحَمَ خُصُومٌ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ، فَإِنْ جُهِلَ أَوْ جَاءُوا مَعًا أُقْرِعَ، وَيُقَدَّمُ مُسَافِرُونَ مُسْتَوْفِزُونَ، وَ نِسْوَةٌ، وَإِنْ تَأَخَّرُوا مَا لَمْ يَكْثُرُوا، وَلَا يُقَدَّمُ سَابِقٌ وَقَارِعٌ إلَّا بِدَعْوَى. وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُ شُهُودٍ مُعَيَّنِينَ، لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُمْ

عنهم ذلك اشترط مضي زمن يمكن فيه العتق والاستبراء؛ لإمكان قبولهم حينئذ بإقامة البينة بذلك، وإن قال هؤلاء آخرون جهلتهم أو نسيتهم قبلوا وإن قرب الزمن، فإن تعذرت مراجعته وقال الوارث لا أعلم بذلك فالذي يظهر الوقف إلى بيان الحال; لأن قوله فسقة أو عبيد مانع فلا بد من تيقن انتفائه. (وإذا ازدحم خصوم) أي مُدَّعون (قُدِّم الأسبق) فالأسبق المسلم وجوبا إن تعين عليه فصل الخصومة; لأنه العدل، والعبرة بسبق المدعي; لأنه ذو الحق. ولو جاء مدَّعٍ وحده ثم مدع مع خصمه ثم خصم الأول قدم من جاء مع خصمه

(1)

. أما الكافر فيقدم عليه المسلم المسبوق، وأما إذا لم يتعين عليه فصلها فيقدم من شاء كمدرس في علم غير فرض ولو كفاية كالعروض وزيادة التبحر على ما يشترط في الاجتهاد المطلق وأما فيه فهو كالقاضي، وكذا يقال في المفتي، (فإن جُهِل) السابق (أو جاءوا معا أقرع)؛ إذ لا مرجح، ومنه أن يكتب أسماءهم برقاع بين يديه ثم يأخذ رقعة رقعة فكل من خرج اسمه قدمه، والأولى لهم تقديم مريض يتضرر بالتأخير، فإن امتنعوا قدمه القاضي إن كان مطلوبا; لأنه مجبور، (ويقدم) ندبا (مسافرون) أي مريدون للسفر المباح وإن قصر على مقيمين (مستوفزون) -مدعون أو مدعى عليهم- بأن يتضرروا بالتأخر عن رفقتهم (ونسوة) كذلك على رجال، وكذا على خناثى (وإن تأخروا)؛ لدفع الضرر عنهم (ما لم يكثروا) أي النوعان، وغلَّب الذكور؛ لشرفهم، فإن كثروا بأن كانوا قدر المتخاصمين من أهل البلد أو أكثر فكالمقيمين. والمسافرون فيما بينهم والنسوة كذلك يقدم منهم بالسبق ثم يقرع. ولو تعارض مسافر وامرأة قدم؛ لأن الضرر فيه أقوى (ولا يقدم سابق وقارع إلا بدعوى) واحدة؛ لئلا يزيد ضرر الباقين، ويقدم المسافر بدعاويه إن خفَّت بحيث لم تضر بغيره إضرارا بيِّنا لا يحتمل عادة وإلا فبدعوى واحدة، وأُلحق به المرأة. (ويحرم اتخاذ شهود معينين لا يقبل غيرهم)؛ لما فيه من التضييق وضياع كثير من الحقوق، وله أن يعين من يكتب الوثائق إن تبرع أو رزق من بيت المال وإلا حرم; لأنه يؤدي إلى تعنت المعين ومغالاته في الأجرة وتعطيله الحقوق أو

(1)

. خلافا للنهاية.

ص: 446

وَإِذَا شَهِدَ شُهُودٌ فَعَرَفَ عَدَالَةً أَوْ فِسْقًا عَمِلَ بِعِلْمِهِ، وَإِلَّا وَجَبَ الِاسْتِزْكَاءُ بِأَنْ يَكْتُبَ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ الشَّاهِدُ وَالمَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ وَكَذَا قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ،

تأخيرها (وإذا شهد شهود) بين يدي قاض بحق أو تزكية (فعرف عدالة أو فسقا عمل بعلمه) قطعا، ولم يحتج لتزكية إن علم عدالة وإن طلبها الخصم، نعم أصله وفرعه لا تقبل تزكيته لهما فلا يعمل فيهما بعلمه (وإلا) يعلم فيهم شيئا (وجب) عليه (الاستزكاء

(1)

أي طلب من يزكيهم وإن اعترف الخصم بعدالتهم كما يأتي; لأن الحق لله تعالى، نعم إن صدَّقهما فيما شهدا به عمل به من جهة الإقرار لا الشهادة. ولو عرف عدالة مُزكِّي المُزكِّي فقط كفى

(2)

. وله الحكم بسؤال المدعي عقب ثبوت العدالة، والأولى أن يقول للمدعى عليه هل لك دافع في البينة أو غيرها؟، ويمهله ثلاثة أيام فأقل حيث طلب المدعى عليه ذلك ورضي الخصم. ويجاب مدعٍ طلب الحيلولة -بين المدعى عليه والعين المدعاة- بعد البينة

(3)

، وله حينئذ ملازمته بنفسه أو بنائبه، وبعد الحيلولة لا ينفذ تصرف واحد منهما، نعم من بان الحكم له صححنا تصرفه بالنفاذ، وللحاكم الحيلولة بلا طلب إن رآه. ولا يجيب طالب استيفاء أو حجر أو حبس قبل الحكم (بأن) بمعنى كأن (يكتب ما يتميز به الشاهد) اسما وصفة وشهرة؛ لئلا يشتبه، ويكفي مميز (والمشهود له وعليه)؛ لئلا يكون قريبا أو عدوا، وهذا ليس من الاستزكاء بل مما يريح من النظر بعده في مانع آخر من نحو عداوة أو قرابة (وكذا قدر الدين على الصحيح

(4)

; لأنه قد يغلب على الظن صدق الشاهد في القليل دون الكثير ولا بُعْد في كون العدالة تختلف بذلك وإن كانت مَلَكَة.

(1)

. ذكر الشارح أول كتاب القضاء أنه لو زكِّي شاهد ثم شهد بعد طول زمن كان لا بد من استزكائه 10/ 132.

(2)

. صورته ما لو شهد اثنان عند القاضي ولم يعلم حالهما فزكاهما اثنان ولم يعرف القاضي حالهما أيضا فزكى المزكيين آخران عرف القاضي عدالتهما.

(3)

. لشرح المنهج تقييد لذلك.

(4)

. خلافا للمغني حيث قال أنه لا يحسن التعبير بالصحيح، بل بالأصح.

ص: 447

وَيَبْعَثَ بِهِ مُزَكِّيًا ثُمَّ يُشَافِهُهُ المُزَكِّيَ بِمَا عِنْدَهُ، وَقِيلَ تَكْفِي كِتَابَتُهُ. وَشَرْطُهُ كَشَاهِدٍ مَعَ مَعْرِفَتِةِ الجَرْحِ وَالتَّعْدِيلَ، وَخِبْرَةُِ بَاطِنِ مَنْ يُعَدِّلُهُ لِصُحْبَةٍ أَوْ جِوَارٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ، ..

(ويبعث به) أي المكتوب (مزكيا

(1)

أي اثنين مع كلٍّ نسخةٌ مخفية عن الآخر. ويسن أن يكون بعثهما سرا، وأن لا يعلم كلا بالآخر.

[تنبيه] المراد بالمزكي هنا مبعوث الإمام ويسمى صاحب المسألة، وليس هو المزكي للشهود الآتي في قول المصنف

(ثم) بعد السؤال والبعث (يشافهه المزكي بما عنده) من جرح فيسن له إخفاؤه، ويقول زدني في شهودك، وتعديل فيعمل به، ثم هذا المزكي إن كان شاهد أصل فواضح وإلا اشترط في الأصل عذر يُجَوِّز الشهادة على الشهادة. ولو ولي صاحب المسألة الحكم بالجرح والتعديل اكتفي بقوله فيه; لأنه حاكم، (وقيل تكفي كتابته) أي المزكي إلى القاضي بما عنده، (وشرطه كشاهد) في كل ما يشترط فيه، أما مَن نُصِب للحكم بالتعديل والجرح فشرطه كقاض، ومحله إن لم يكن في واقعة خاصة وإلا فكما مر في الاستخلاف (مع معرفة) المزكي لكل من (الجرح والتعديل) وأسبابهما؛ لئلا يجرح عدلا ويزكي فاسقا، ومثل المزكي في اشتراط المعرفة الشاهدُ بالرشد، نعم يكفي في هذا أن يشهد بأنه صالح لدينه ودنياه لكن إن عرف صلاحهما الذي يحصل به الرشد في مذهب الحاكم ولم يكن ثَمَّ احتمال يقدح في ذلك الإطلاق وإلا لم يكف ولو من الموافق للقاضي في مذهبه; لأن وظيفة الشاهد التفصيل لا الإجمال

(2)

(و) مع (خبرةُِ) المرسول إليه أيضا بحقيقة (باطن من يعدله لصحبة أو جِوار أو معاملة) قديمة كما قاله عمر رضي الله عنه لمن عدَّل عنده شاهدا. ويقبل قولهم في خبرتهم بذلك، أما غير القديمة من تلك الثلاثة كأن عرفه في أحدها من نحو شهرين فلا يكفي، ويغني عن خبره ذلك أن تستفيض عنده عدالته من الخبراء بباطنه، أو يتكرر ذلك على سمعه مرة بعد أخرى بحيث يخرج عن حد التواطؤ لا شهادة عدلين؛ لاحتمال التواطؤ إلا إن شهد على شهادتهما. وخرج بمن يعدله من يجرحه فلا يشترط خبرة باطنه؛ لاشتراط تفسير الجرح.

(1)

. اعترض المغني هنا على المتن ورد الشارح ذلك الاعتراض.

(2)

. نعم أعتمد الشارح في الشهادات أن محل قبول الإطلاق إن كان من فقيهين يقظين موافقين لمذهب الحاكم بحيث لا يتطرق إليها تهمة ولا جزم بحكم فيه خلاف في الترجيح كما يأتي 10/ 273.

ص: 448

وَالْأَصَحُّ اشْتِرَاطُ لَفْظِ شَهَادَةٍ، وَ أَنَّهُ يَكْفِي: هُوَ عَدْلٌ، وَقِيلَ يَزِيدُ عَلَيَّ وَلِي، وَيَجِبُ ذِكْرُ سَبَبِ الجَرْحِ، وَيَعْتَمِدُ فِيهِ المُعَايَنَةُ أَوِ الِاسْتِفَاضَةُ،

(والأصح اشتراط لفظ شهادة) من المزكي كبقية الشهادات (و) الأصح (أنه يكفي) قول العارف بأسباب الجرح والتعديل، أي الموافق مذهبه لمذهب القاضي فيهما نظير ما تقرر بما فيه

(1)

(هو عدل) ; لأنه أثبت له العدالة التي هي المقصود، (وقيل يزيد عليَّ ولي) ; لأنه قد يكون يُظن صدقه في شيء دون شيء. ولا يجوز أن يزكي أحد الشاهدين الآخر. ولو عرف الحاكم والخصم اسم الشاهد ونسبه وعينه جازت تزكيته في غيبته كما يأتي. (ويجب ذكر سبب الجرح) -صريحا كزانٍ، ولا يكون به قاذفا

(2)

؛ للحاجة مع أنه مسئول، أو سارق-؛ للاختلاف

(3)

في سببه فوجب بيانه ليعمل القاضي فيه باعتقاده. ولو علم له مجرحات اقتصر على واحد؛ لعدم الحاجة لأزيد منه، بل لا يجوز جرحه بالأكبر؛ لاستغنائه عنه بالأصغر، فإن لم يبين سببه لم يقبل لكن يجب التوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح كما يأتي، أما سبب العدالة فلا يحتاج لذكره لكثرة أسبابها وعسر عدها. ولا يشترط حضور المزكي والمجروح ولا الشهود له أو عليه؛ لأن الحكم بالجرح والتعديل حق لله تعالى، ومن ثم كفت فيهما شهادة الحسبة، نعم لا بد من تسمية البينة للخصم ليأتي بدافع أمكنه (ويعتمد فيه) أي الجرح (المعاينة) لنحو زناه أو السماع لنحو قذفه (أو الاستفاضة) عنه بما يجرحه وإن لم يبلغ التواتر

(4)

، ولا يجوز اعتماد عدد قليل إلا إن شهد على شهادتهم ووجد شرط الشهادة على الشهادة، ولا يشترط ذكر ما يعتمد عليه من نحو معاينة.

(1)

. في شرح قول المصنف ((مع معرفة الجرح والتعديل)).

(2)

. ذكر الشرح في اللعان أنه لو شهد عليه شاهد بحق فقال خصمي يعلم زنا شاهده أو أخبرني أنه زان فليحلف أنه لا يعلمه لم يكن قذفا، نعم يعزر في الأولى للإيذاء 8/ 203، وذكر في موضع آخر أنه لو قُذف شخص في مجلس القاضي لزمه إعلام المقذوف ليستوفيه إن شاء وفارق إقراره عنده بمال للغير بأنه لا يتوقف استيفاؤه عليه، ومحل لزوم الأعلام للقاضي عينا إذا لم يكن عنده من يقبل إخباره وإلا كان كفاية 8/ 211.

(3)

. علة لما في المتن.

(4)

. ذكر الشارح قبيل فصل تحمل الشهادة أنه يكفي أن يقول سمعت الناس يقولون فيه كذا 10/ 266.

ص: 449

وَيُقَدَّمُ عَلَى التَّعْدِيلِ. فَإِنْ قَالَ المُعَدِّلُ: عَرَفْتُ سَبَبَ الجَرْحِ وَتَابَ مِنْهُ وَصَلُحَ قُدِّمَ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَكْفِي فِي التَّعْدِيلِ قَوْلُ المُدَّعَى عَلَيْهِ: هُوَ عَدْلٌ، وَقَدْ غَلِطَ

(ويقدم) الجرح (على التعديل)؛ لزيادة علم الجارح، (فإن قال المعدل عرفت سبب الجرح و) بعد ذلك (تاب منه وصلح) أي مضت مدة الاستبراء (قُدِّم)؛ لزيادة علمه حينئذ.

[تنبيه] لا بد من ذكر مضي مدة الاستبراء إن لم يعلم تاريخ الجرح وإلا لم يحتج لذلك؛ إذ لا بد من مضيها، وكذا يقدم التعديل إن أرَّخ كل من البينتين وكانت بينة التعديل متأخرة. ولا تتوقف الشهادة بالجرح والتعديل على سؤال القاضي; لسماع شهادة الحسبة فيهما. ويقبل قول الشاهد قبل الحكم أنا فاسق أو مجروح وإن لم يذكر السبب، نعم يتجه أن محله فيمن لا يبعد عادة علمه بأسباب الجرح. ويندب للقاضي أن يتوقف عن شاهد جَرَحَهُ عدل بلا بيان سبب إن قويت الريبة لعل القادح يتضح، فإن لم يتضح حَكَمَ. (والأصح أنه لا يكفي في التعديل قول المدعى عليه هو عدل وقد غلط) في شهادته عليّ؛ لما مر أن الاستزكاء حق لله تعالى، ولهذا لا يجوز الحكم بشهادة فاسق وإن رضي الخصم، وقوله ((وقد غلط)) ليس بشرط بل هو بيان، فإن قال عدل: فيما شهد به عليَّ كان إقرارا منه به. ويسن له ولا يلزمه وإن طلب الخصم أن يفرقهم إذا ارتاب فيهم، نعم يجب التفريق إن ارتاب في غير مشهوري الديانة والضبط

(1)

، فيسأل واحداً ويستقصي ثم يسأل الثاني قبل اجتماع الأول به ويستقصي ويعمل بما غلب على ظنه، والأولى كون ذلك قبل التزكية، ولهم أن لا يجيبوه ويلزمه حينئذ القضاء إن وجدت شروطه، ولا عبرة بريبة يجدها. ولو قال لا دافع لي فيه ثم أتى ببينة بنحو عداوته أو فسقه وادعى أنه كان جاهلا بذلك قُبِل قوله بيمينه على ما ذكره بعضهم فله بعد حلفه إقامة البينة بذلك. ولو أقام بينة على إقرار المدعي بأن شاهديه شربا الخمر مثلا وقت كذا فإن كان بينه وبين الأداء دون سنة ردا وإلا فلا، ولو لم يعينا للشرب وقتا سئل المقر وحكم بما يقتضيه تعيينه، فإن أبى عن التعيين توقف عن الحكم. ولو ادعى الخصم أن المدعي أقر بنحو فسق بينته وأقام شاهدا ليحلف معه لم يحلف الخصم مع شاهده; لأن الغرض الطعن في البينة وهو لا يثبت بشاهد ويمين. ولو شهدا بأن هذا ملكه ورثه فشهد آخران بأنهما ذكرا بعد موت الأب أنهما ليسا بشاهدين في هذه الحادثة أو أنهما ابتاعا الدار منه رُدَّا.

(1)

. كما رجحه الشارح قبيل الحسبة وفي المنتقبة.

ص: 450

‌باب القضاء على الغائب

هُوَ جَائِزٌ إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ. وَادَّعَى المُدَّعِي جُحُودَهُ، فَإِنْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُسْمَعُ

(باب القضاء على الغائب)

عن البلد أو المجلس (هو جائز) في كل شيء ما عدا عقوبة لله تعالى كما يأتي وإن كان الغائب في غير عمله؛ للحاجة ولتمكنه من إبطال الحكم عليه بإثبات طاعن في البينة؛ إذ يجب تسميتها له إذا حضر بنحو فسق، أو في الحق بنحو أداء. وليس له سؤال القاضي الأهل عن كيفية الدعوى، ومثلها يمين الاستظهار وإن كان في تحريرها خفاء يبعد على غير العالم استيفاؤه; لأن تحريرها إليه، نعم إن سجلت الدعوى فله القدح بإبداء مبطل لها؛ لأنه صح عن عمر وعثمان رضي الله عنهما القضاء على الغائب ولا مخالف لهما من الصحابة، وإنما تسمع الدعوى عليه بشروطها الآتية في بابها مع زيادة شروط أخرى هنا منها أنه لا تسمع هنا إلا (إن كانت عليه) حجة يعلمها القاضي حالة الدعوى، ثم تلك الحجة إما (بينة) ولو شاهدا ويمينا فيما يقضى فيه بهما. وإما علم القاضي دون ما عداهما؛ لتعذر الإقرار واليمين المردودة (وادعى المدعي جحوده) وأنه يلزمه تسليمه له الآن وأنه يطالبه بذلك (فإن قال هو مقر) وإنما أقيم البينة استظهارا مخافة أن ينكر، أو ليكتب بها القاضي إلى قاضي بلد الغائب (لم تسمع بينته) إلا أن يقول وهو ممتنع

(1)

، وذلك; لأنها لا تقام على مقر، ولا أثر لقوله مخافة أن ينكر، ويستثنى من عدم سماع البينة ما إذا كان للغائب عين حاضرة في عمل القاضي الذي الدعوى عنده -وإن لم تكن ببلده- وأراد المدعي إقامة البينة على دينه ليوفيه منه فتسمع البينة وإن قال هو مقر، وكذا تسمع بينته لو قال أقر فلان بكذا ولي بينة بإقراره. ولو كان الغائب ممن لا يقبل إقراره كسفيه ومفلس -فيما لا يقبل إقرارهما فيه- لم يؤثر قوله هو مقر في سماع البينة أيضاً. (وإن أطلق) ولم يتعرض لجحود ولا إقرار (فالأصح أنها تسمع) ; لأنه قد لا يعلم جحوده في غيبته ويحتاج إلى إثبات الحق فيجعل غيبته كسكوته.

(1)

. وفاقا للمغني وشيخ الإسلام وخلافا للنهاية.

ص: 451

وَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبُ مُسَخَّرٍ يُنْكِرُ عَلَى الْغَائِبِ. وَيَجِبُ أَنْ يُحَلِّفَهُ بَعْدَ الْبَيِّنَةِ أَنَّ الحَقَّ ثَابِتٌ فِي ذِمَّتِهِ،

[فرع] لو غاب المحال عليه واتصل بالحاكم وثيقة بما للمحيل على الغائب ثابتة قبل الحوالة حكم بموجب الحوالة فله إذا حضر إنكار دين المحيل، ولا يحكم بصحتها؛ لعدم ثبوت محل التصرف عند غير الحاكم إذ الصورة أنه اتصل به ثبوت غيره الذي لم ينضم إليه حكم، أما إذا اتصل به حكم غيره بذلك فيحكم بالصحة وليس للمحال عليه الإنكار (و) الأصح (أنه لا يلزم القاضي نصب مسخَّر ينكر عن الغائب) ومن ألحق به ممن يأتي; لأنه قد يكون مقرا فيكون إنكار المسخر كذبا، نعم لا بأس

(1)

بنصبه؛ خروجا من خلاف من أوجبه (ويجب) فيما إذا لم يكن للغائب وكيل حاضر إن كانت الدعوى بدين أو عين أو بصحة عقد أو إبراء كأن أحال الغائب على مدين له حاضر فادعى أنه مكره عليه (أن) القاضي (يحلفه) أي أن يحلف المدعي نفسه إن كان حاضرا -لا وكيله إلا إن كان المدعي غائبا لمسافة تسمع عليه الدعوى فيها- (بعد البينة) وتعديلها (أن الحق) في الصورة الأولى (ثابت في ذمته) إلى الآن احتياطا للمحكوم عليه; لأنه لو حضر لربما ادعى ما يبريه. ويشترط أن يقول مع ذلك ((وأنه يلزمه تسليمه إليَّ)) ; لأنه قد يكون عليه ولا يلزمه أداؤه لتأجيل أو نحوه، نعم ما ذكر في المتن لا يأتي في الدعوى بعين بل يحلف فيها على ما يليق بها، وكذا نحو الإبراء كما يأتي. ويشترط أن يتعرض مع الثبوت ولزوم التسليم إلى أنه لا يعلم أن في شهوده قادحا في الشهادة مطلقا أو بالنسبة للغائب كفسق وعداوة وتهمة؛ بناء على الأصح أن المدعى عليه لو كان حاضرا وطلب تحليف المدعي على ذلك أجيب، ولا يبطل الحق بتأخير هذه اليمين، ولا ترتد بالرد; لأنها ليست مكملة للحجة، وإنما هي شرط للحكم. ولو ثبت الحق وحلف ثم نقل إلى حاكم آخر ليحكم به لم تجب إعادتها. أما إذا كان له وكيل حاضر فالأوجه توقف التحليف على طلبه. والحاصل أن الدعوى إن سمعت على الوكيل توجه الحكم إليه دون موكله إلا بالنسبة لليمين؛ احتياطا لحق الموكل، وإن لم تسمع عليه توجه الحكم إلى الغائب من كل وجه في اليمين وغيرها.

(1)

. خلافا للنهاية والروض فاعتمدا الاستحباب.

ص: 452

وَقِيلَ: يُسْتَحَبُّ، وَيَجْرِيَانِ فِي دَعْوَى عَلَى صَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ

[تنبيه] علم مما مر أن القاضي يخير فيمن له وكيل حاضر بين سماع الدعوى على الوكيل وسماعها على الغائب إذا وجدت شروط القضاء عليه، ولا يتعين عليه أحد هذين; لأن كلا منهما يتوصل به إلى الحق، فإن لم توجد شروط القضاء على الغائب وجب سماعها على الوكيل حينئذ؛ لئلا يضيع حق المدعي (وقيل يستحب) التحليف; لأنه يمكنه التدارك إن كان له دافع.

[تنبيه] لو ادعى على غائب بنحو طلاق كأن علقه بمضي شهر فمضى حكم به ولا ينتظر وإن احتمل أن تخلفه بعذر

.

[تنبيه آخر] ظاهر قول المصنف أن الحق ثابت في ذمته أنه لو لم يثبت الحق في ذمته كدعوى العتق والطلاق ونحو ذلك من حقوق الله المتعلقة بشخص معين وشهدت البينة حسبةً على إقراره لم تجب يمين الاستظهار إن لاحظ القاضي جهة الحسبة في حكمه وأعرض عن طلب نحو العبد لليمين، والأوجه وجوبها مطلقا وإن لاحظ جهة الحسبة؛ احتياطا للغائب

(1)

، وليس من محل الخلاف ما إذا علق بعدم الإنفاق عليها فتحلف أن نفقتها باقية عليه ما برئ منها بطريق من الطرق.

[فرع] لو أقر بدين وهو مريض وأوصى بقضائه وفي الورثة يتيم لزم الدائن يمين بأن الإقرار حق، وببقاء الدين وإن لم يمض مدة إمكان أدائه؛ لاحتمال الإبراء أو نحوه

، (ويجريان) أي الوجهان كما قبلهما من الأحكام (في دعوى على صبي ومجنون) لا ولي له، أو له ولي ولم يطلب فلا تتوقف اليمين على طلبه

(2)

، وميت ليس له وارث خاص حاضر كالغائب بل أولى؛ لعجزهم عن التدارك، فإذا كملا أو قدم الغائب فهم على حجتهم. أما من له وارث خاص حاضر كامل فلا بد في تحليف خصمه بعد البينة من طلبه، والفرق بينه وبين ما مر في الولي ظاهر، ومن ثم لو كان على الميت دين مستغرق لم يتوقف على طلبه إلا إن حضر معه كل الغرماء وسكتوا، نعم إن سكت عن طلبها لجهل عرَّفه الحاكم فإن لم يطلبها قضى عليه بدونها. وخرج بمن ذكر متعزز ومتوارٍ فيقضى عليهما بلا يمين كما يأتي؛ لتقصيرهما.

(1)

. خلافا للنهاية حيث جرى على ظاهر المتن.

(2)

. خلافا لشيخ الإسلام والمغني.

ص: 453

وَلَوِ ادَّعَى وَكِيلُ الْغَائِبِ عَلَى غَائِبٍ فَلَا تَحْلِيفَ. وَلَوْ حَضَرَ المُدَّعَى عَلَيْهِ وَقَالَ لِوَكِيلِ المُدَّعِي أَبْرَأَنِي مُوَكِّلُك أَمَرَ بِالتَّسْلِيمِ

[فرع] لا تسقط يمين الاستظهار بإحالة الدائن، ولا يمنع توقف طلبها من المحيل صحة الحوالة ولا سماع بينة المحتال. ولو باع القاضي مال غائب فقدم، وقال -أي الغائب-

بعتُهُ قبل بيع الحاكم قدم المالك بخلاف ما لو باع وكيله ثم ادعى سبق بيعه لا بد له من البينة; لأن ولاية الوكيل الخاص أقوى من ولاية الحاكم. والأوجه وجوب يمين الاستظهار فيما لو ادعى أن الميت أبرأه وأثبت الإبراء بالبينة؛ لاحتمال أنه كان مكرهاً على الإبراء أو الإقرار به. (ولو ادعى وكيل الغائب) أي إلى مسافة يجوز القضاء فيها على الغائب، أو في غير ولاية الحاكم وإن قربت (على غائب) أو صبي أو مجنون أو ميت وإن لم يرثه إلا بيت المال (فلا تحليف) بل يحكم بالبينة; لأن الوكيل لا يتصور حلفه على استحقاقه ولا على أن موكله يستحقه ولو وقف الأمر إلى حضور الموكل؛ لتعذر استيفاء الحقوق بالوكلاء، نعم لو وجبت يمين على الموكل لم تسقط بغيابه وتوكيله، أما الغائب إلى محل قريب وهو بولاية القاضي فتلزمه اليمين فيتوقف الأمر إلى حضوره وحلفها; لأنه لا مشقة عليه في الحضور حينئذ بخلاف ما لو بَعُد أو كان بغير ولاية الحاكم. ولو ادعى قيم صبي أو مجنون دينا له على كامل فادعى وجود مسقط كـ ((أَتْلَفَ أحدهما عليَّ من جنس ما يدعيه بقدر دينه))، وكـ ((أبرأني مورثه، أو قبضه مني قبل موته))، وكـ ((أقررت لكن على رسم القبالة

(1)

لم يؤخر الاستيفاء لليمين المتوجهة على أحدهما بعد كماله؛ لإقراره فلم يراع بخلاف من قامت عليه البينة في المسألة الآتية. ولو ادعى قيّم صبي أو مجنون على صبي أو مجنون أو غائب وُقِف الأمر إلى الكمال والحضور؛ لتوقفه على اليمين المتعذرة لكن ينبغي أن يأخذ حينئذٍ القاضي من مال المدعى عليه ما يفي بالمدعى به أو ثمنه إن خشي تلفه، ويكون ذلك تحت يد القاضي، ويحلف الولي يمين الاستظهار فيما باشره؛ بناء على ما يأتي. (ولو حضر المُدَّعى عليه وقال) بعد الدعوى عليه من وكيل غائب بدين له عليه (لوكيل المدعي) الغائب (أبرأني موكلك) أو وفيته مثلا فأخِّر الطلب إلى حضوره ليحلف لي أنه ما أبرأني لم يجب، و (أُمر بالتسليم) له، ثم يثبت الإبراء بعدُ إن كان له به حجة; لأنه لو وقف لتعذر الاستيفاء بالوكلاء، نعم له تحليف الوكيل إذا ادعى

(1)

. في المغني الرسم الكتابة، والقبالة الورقة التي يكتب فيها الحق.

ص: 454

وَإِذَا ثَبَتَ مَالٌ عَلَى غَائِبٍ وَلَهُ مَالٌ قَضَاهُ الحَاكِمُ مِنْهُ،

عليه علمه بنحو إبراء أنه لا يعلم أن موكله أبرأه مثلا؛ لصحة هذه الدعوى؛ إذ لو أقر

بمضمونها بطلت وكالته، وقياس ذلك أن القاضي يحلفه على أنه لا يعلم صدور مسقط لما يدعيه من نحو قبض وإبراء ويُحمل قولهم لا يحلف الوكيل على الحلف على البت.

[فرع] يكفي في دعوى الوكيل مصادقة الخصم له على الوكالة إن كان القصد إثبات الحق لا تسلمه; لأنه -وإن ثبت عليه- لا يلزمه الدفع إلا على وجه مبرٍ، ولا يبرأ إلا بعد ثبوت الوكالة

. (وإذا ثبت) عند حاكم (مال على غائب) أو ميت وحكم به بشروطه (وله مال) حاضر في محل عمله، أو دين ثابت على حاضر في المحل المذكور، ولا ينافيه منعهم الدعوى بالدين على غريم الغريم; لأنه محمول على ما إذا كان الغريم حاضرا أو غائبا ولم يكن دينه ثابتا على غريمه فليس له الدعوى ليقيم شاهدا ويحلف معه، نعم يجوز

(1)

لغريم الغائب

(2)

إقامة البينة لإثبات العين

(3)

فقد جزم ابن الصلاح بأن لغريم ميت لا وارث له، أو له وارث ولم يدع الدعوى على غريم الميت بعين له تحت يده لعله يقر، قال والأحسن إقامة البينة بها (قضاه الحاكم منه

(4)

إذا طلبه المدعي; لأن الحاكم يقوم مقامه، ولا يطالبه بكفيل; لأن الأصل بقاء المال، ولا يعطيه بمجرد الثبوت; لأنه ليس بحكم. أما إذا كان في غير محل عمله فسيأتي قريبا، ويستثنى مما في المتن ما إذا كان الحاضر يجبر على دفع مقابله للغائب كزوجة تدعي بصداقها الحال قبل الوطء، وبائع يدعي بالثمن قبل القبض، وما إذا تعلق بالمال الحاضر حق كبائع له لم يقبض ثمنه وطلب من الحاكم الحجر على المشتري الغائب حيث استحقه فيجيبه، ولا يوفى الدين منه، وكذلك يقدم مؤنة ممون الغائب ذلك اليوم على الدين الذي عليه وطُلِب قضاؤه من ماله. ولو كان نحو مرهون تزيد قيمته على الدين فللقاضي بطلب المدعي إجبار المرتهن

(1)

. خلافا للنهاية وشيخ السلام في عماد الرضا.

(2)

. ومثل الغريم الوارث والوصي كما ذكره الشارح في فصل كيفية الحلف.

(3)

. الفرق أن العين انحصر حقه فيها ولا تشتبه بغيرها بخلاف الدين.

(4)

. بثمن مثله ونقد البلد بتفصيله المار في الفلس كما أشار إليه الشارح هناك، ثم قال: ويشترط في ذلك أن لا يوجد للمدين نقد أو مال آخر رائج يقضي منه وإلا تعين، فمن ثم لم يُبع عقارُ غائبٍ مدين له نض أو حيوان بل يُقضى من النض فالحيوان فالعرض فالعقار 5/ 132.

ص: 455

وَإِلَّا فَإِنْ سَأَلَ المُدَّعِي إنْهَاءَ الحَالِ إلَى قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ أَجَابَهُ فَيُنْهِي إلَيْهِ سَمَاعَ بَيِّنَةٍ لِيَحْكُمَ بِهَا ثُمَّ يَسْتَوْفِيَ المَالَ، أَوْ حُكْمًا لِيَسْتَوْفِيَ. وَالْإِنْهَاءُ أَنْ يُشْهِدَ عَدْلَيْنِ بِذَلِكَ، ....

على أخذ حقه بطريقه ليبقى الفاضل للدائن. ولو باع قاضٍ مال غائب في دينه فقدم وأبطل الدين بإثبات إيفائه أو نحو فسق شاهد بطل البيع.

(وإلا) يكن له مال في محل عمله، أو لم يحكم (فإن سأل المدعي إنهاء الحال إلى قاضي بلد الغائب) أو إلى كل من يصل إليه الكتاب من القضاة (أجابه) وجوبا وإن كان المكتوب إليه قاضي ضرورة؛ مسارعة لقضاء حقه (فينهي إليه سماع بينة) ثم إن عدَّلها لم يحتج المكتوب إليه إلى تعديلها وإلا احتاج إليه (ليحكم بها ثم يستوفي) الحق. وفي حكم البينة هنا علم القاضي فيكتب به كذلك، وللقاضي أن يكتب سماع شاهد واحد ليسمع المكتوب إليه شاهدا آخر أو يحلفه ويحكم له (أو) ينهي إليه (حكما) إن حكم (ليستوفي

(1)

الحق; لأن الحاجة تدعو إلى ذلك، ولا يشترط هنا بُعْد المسافة كما يأتي. ولو كتب لمعين فشهد الشاهدان عند غيره أمضاه؛ إذ الاعتماد على الشهادة. ولو حضر الغائب وطلب من الكاتب المبهم البينة المعدل لها أن يبينها له ليقدح فيها أجيب. ولو شهدت بينة عند قاض أن القاضي فلانا ثبت عنده كذا لفلان وكان قد مات أو عُزل حكم به ولم يحتج لإعادة البينة بأصل الحق، وقولهم إذا عزل بعد سماع بينة ثُمَّ وَلِّيَ أعادها محله إذا لم يكن قد حكم بقبول البينة وإلا لم تجب استعادتها وإن لم يكن قد حكم بالإلزام بالحق. ولو فسق القاضي الكاتب والحال أن الكتاب بسماع الشهادة لم يقبل ولم يحكم به كما لو فسق الشاهد قبل الحكم، ومحله إذا كان فسقه قبل عمل المكتوب إليه بالسماع فإن كان بعده لم ينتقض.

[تنبيه] إنما يعتد بكتاب القاضي فيما لم يمكن تحصيله بغيره، فلو طلب منه أن يحكم لغريب حاضر على غائب بعين غائبة ببلد الغريب وله بينة من بلده عازمون على السفر إليه لم تسمع شهادتهم وإن سمعها لم يكتب بها بل يقول له اذهب معهم لقاضي بلدك وبلد ملكك ليشهدوا عنده (والإنهاء أن يشهد) ذكرين (عدلين بذلك) أي بما جرى عنده من ثبوت أو حكم، ولا يكفي غير رجلين ولو في مال أو هلال رمضان.

(1)

. للمغني اعتراض على المتن هنا رده الشارح.

ص: 456

وَيُسْتَحَبُّ كِتَابٌ بِهِ يَذْكُرُ فِيهِ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ المَحْكُومُ عَلَيْهِ، وَيَخْتِمُهُ، وَيَشْهَدَانِ عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ، فَإِنْ قَالَ: لَسْتُ المُسَمَّى فِي الْكِتَابِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ، وَعَلَى المُدَّعِي بَيِّنَةٌ بِأَنَّ هَذَا المَكْتُوبَ اسْمُهُ وَنَسَبُهُ، فَإِنْ أَقَامَهَا بِذَلِكَ فَقَالَ لَسْتُ المَحْكُومَ عَلَيْهِ لَزِمَهُ الحُكْمُ إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مُشَارِكٌ لَهُ فِي الِاسْمِ وَالصِّفَاتِ، وَإِنْ كَانَ أُحْضِرَ، فَإِنِ اعْتَرَفَ بِالحَقِّ طُولِبَ وَتُرِكَ الْأَوَّلُ، وَإِلَّا بَعَثَ إلَى الْكَاتِبِ لِيَطْلُبَ مِنَ الشُّهُودِ زِيَادَةَ صِفَةٍ تُمَيِّزُهُ وَيَكْتُبُهَا ثَانِيًا

(ويستحب كتاب به)؛ ليذكر الشهود الحال (يذكر فيه ما يتميز به المحكوم) أو المشهود (عليه) وله من اسم ونسب وصنعة وحلية وأسماء الشهود وتاريخه (ويختمه) ندبا؛ حفظا له وإكراما للمكتوب إليه. وختم الكتاب من حيث هو سنة متبعة، وظاهرٌ أن المراد بختمه جعل نحو شمع عليه ويختم عليه بخاتمه; لأنه يحفظ بذلك ويكرم به المكتوب إليه حينئذ. ويسن له ذكر نقش خاتمه الذي يختم به في الكتاب وأن يثبت اسم نفسه واسم المكتوب إليه في باطنه وعنوانه وقبل ختمه يقرؤه هو أو غيره بحضرته على الشاهدين، ويقول أشهدكما أني كتبت إلى فلان بما فيه، ولا يكفي أشهدكما أن هذا خطي أو أن ما فيه حكمي، ويدفع لهما نسخة أخرى غير مختومة يتذاكران بها. ولو خالفاه أو انمحى أو ضاع فالعبرة بهما (و) بعد وصوله للمكتوب إليه وإحضاره الخصم (يشهدان عليه إن أنكر) بما فيه (فإن قال لستُ المُسَمَّى في الكتاب صدق بيمينه) على ذلك; لأن الأصل براءته (وعلى المدعي بينة) ويكفي فيها العدالة الظاهرة (بأن هذا المكتوب اسمه، ونسبه)، نعم إن كان معروفا بهما حكم عليه ولم يلتفت لإنكاره (فإن أقامها بذلك فقال لست المحكوم عليه لزمه الحكم إن لم يكن هناك مشارك له في الاسم والصفات) أو كان ولم يعاصره

(1)

; لأن الظاهر أنه المحكوم عليه (وإن كان) هناك من يشاركه -بعلم القاضي أو بينة- وقد عاصره وأمكنت معاملة المدعي أو ورثته لذلك المشارك، أو أمكن إتلاف المشارك لمال المدعي ومات المشارك بعد الحكم أو قبله وقع

(2)

الإشكال فيرسل للكاتب بما يأتي، وإن لم يمت (أحضر، فإن اعترف بالحق طولب وترك الأول) إن صدق المدعي المقر وإلا فهو مقر لمنكر، ويبقى طلبه على الأول (وإلا) أي وإن أنكر (بعث) المكتوب إليه (إلى الكاتب) بما وقع من الإشكال (ليطلب من الشهود زيادة صفة تميزه ويكتبها) وينهيها لقاضي بلد الغائب (ثانيا) فإن لم يجد مزيدا وُقِف الأمر حتى ينكشف

(1)

. أي المحكوم عليه كما هو ظاهر صنيع الشارح والنهاية والمغني خلافا لشرح المنهج ففسره بالمدعي.

(2)

. جواب شرط إن.

ص: 457

وَلَوْ حَضَرَ قَاضِي بَلَدِ الْغَائِبِ بِبَلَدِ الحَاكِمِ فَشَافَهَهُ بِحُكْمِهِ فَفِي إمْضَائِهِ إذَا عَادَ إلَى وِلَايَتِهِ خِلَافُ الْقَضَاءِ بِعِلْمِهِ، وَلَوْ نَادَاهُ فِي طَرَفَيْ وِلَايَتِهِمَا أَمْضَاهُ، فَإِنِ اقْتَصَرَ عَلَى سَمَاعِ بَيِّنَةٍ كَتَبَ سَمِعْتُ بَيِّنَةً عَلَى فُلَانٍ، وَيُسَمِّيهَا إنْ لَمْ يُعَدِّلْهَا، وَإِلَّا فَالْأَصَحُّ جَوَازُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ. وَالْكِتَابُ بِالحُكْمِ يَمْضِي مَعَ قُرْبِ المَسَافَةِ، وَبِسَمَاعِ الْبَيِّنَةِ لَا يُقْبَلُ عَلَى الصَّحِيحِ إلَّا فِي مَسَافَةِ قَبُولِ شَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةٍ

الحال

(1)

. (ولو حضر قاضي بلد الغائب) سواء المكتوب إليه وغيره (ببلد الحاكم) ولو أمين الشرطة لكن بشرط أن ينحصر الخلاص في الإنهاء إليه نظير ما يأتي في الشهادة عنده (فشافهه بحكمه ففي إمضائه) أي تنفيذه (إذا عاد إلى) محل (ولايته خلاف القضاء بعلمه) والأصح جوازه; لأنه قادر على الإنشاء. وخرج به ما لو شافهه بسماع البينة دون الحكم فإنه لا يقضي بها إذا رجع إلى محل ولايته قطعا; لأنه مجرد إخبار كالشهادة. (ولو ناداه) كائنين (في طرفي ولايتهما) وقال له إني حكمت بكذا (أمضاه) أي نفذه، وكذا إذا كان في بلد قاضيان -ولو نائبا ومنيبه- وشافه أحدهما الآخر بحكمه فيمضيه وإن لم يحضر الخصم، (فإن اقتصر) القاضي الكاتب (على سماع بينة كَتَبَ سمعتُ بَيِّنَةً على فلانٍ) ويصفه بما يميزه ليحكم عليه المكتوب إليه (ويسميها) وجوبا ويرفع في نسبها (إن لم يعدلها)؛ ليبحث المكتوب له عن عدالتها، وغيرها حتى يحكم بها. و يتعين تعديلها إذا علم أنه ليس له في بلد المكتوب له من يعرفها (وإلا) بأن عدلها (فالأصح جواز ترك التسمية) -ولو في غير مشهوري العدالة- اكتفاء بتعديل الكاتب لها كما أنه إذا حكم استغنى عن تسمية الشهود، نعم إن كانت شاهدا ويمينا، أو يمينا مردودة وجب بيانها -كالحكم بالعلم

(2)

-; لأن الإنهاء قد يصل لمن لا يرى قبولها. ولو ثبت الحق بالإقرار لزمه بيانه، ولا يجزم بأنه عليه؛ لقبول الإقرار للسقوط بدعوى أنه على رسم القبالة فيطلب يمين خصمه فيردها فيحلف فيبطل الإقرار. (والكتاب) والإنهاء بلا كتاب (بالحكم) من الحاكم لا المحكم (يمضي مع قرب المسافة) وبعدها; لأن الحكم تم فلم يبق بعده إلا الاستيفاء، (وبسماع البينة لا يقبل على الصحيح إلا في مسافة قبول شهادة على شهادة) فيقبل

(1)

. هنا بحث للبلقيني رده الشارح والمغني واعتمده النهاية.

(2)

. خلافا لشرح المنهج.

ص: 458

فصل في غيبة المحكوم به عن مجلس القضاء

ادَّعَى عَيْنًا غَائِبَةً عَنِ الْبَلَدِ يُؤْمَنُ اشْتِبَاهُهَا كَعَقَارٍ وَعَبْدٍ وَفَرَسٍ مَعْرُوفَاتٍ سَمِعَ بَيِّنَتَهُ وَحَكَمَ بِهَا وَكَتَبَ إلَى قَاضِي بَلَدِ المَالِ لِيُسَلِّمَهُ لِلْمُدَّعِي وَيَعْتَمِدُ فِي الْعَقَارِ حُدُودَهُ. أَوْ لَا يُؤْمَنُ فَالْأَظْهَرُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ، وَيُبَالِغُ المُدَّعِي فِي الْوَصْفِ وَيَذْكُرُ الْقِيمَةَ،

من الحاكم لا المحكم أيضا

(1)

وهي فوق مسافة العدوى الآتية؛ لسهولة إحضار الحجة مع القرب، ومنه يعلم أنه لو تعسر إحضارها مع القرب بنحو مرض قُبِل الإنهاء، والعبرة في المسافة بما بين القاضيين لا بما بين القاضي المنهي والغريم.

[فرع] لو حضر الغريم وامتنع من بيع ماله الغائب لوفاء دينه به عند الطلب ساغ للقاضي بيعه لقضاء الدين وإن لم يكن المال بمحل ولايته، وكذا إن غاب الغريم بمحل ولايته بخلاف ما لو كان بغير محل ولايته; لأنه لا يمكن نيابته عنه في وفاء الدين حينئذ بخلافه في الصورتين الأولتين.

(فصل في غيبة المحكوم به عن مجلس القاضي)

سواء أكان بمحل ولايته أم لا، ولا فرق فيما يأتي بين حضور المدعى عليه وغيبته (ادعى عينا غائبة عن البلد) ولو في غير محل ولايته على ما مر

(2)

(يؤمن اشتباهها كعقار وعبد وفرس معروفات) ولو للقاضي وحده إن حكم بعلمه أو بالشهرة أو بتحديد العقار (سمع) القاضي (بينته) التي ليست ذاهبة لبلد العين كما مر (وحكم بها) على حاضر وغائب (وكتب إلى قاضي بلد المال ليسلمه للمدعي) كما يسمع البينة، ويحكم على الغائب فيما مر. (ويعتمد في) معرفة (العقار حدوده) الأربعة إلا إن تميزت بأقل ولو بواحد فيكفي، وتكفي أيضا الشهرة التامة للعقار عن ذكر الحدود. ويشترط أيضا ذكر بلده وسكنه ومحله منها لا قيمته؛ لحصول التمييز بدونها (أو لا يؤمن) اشتباهها كغير المعروف من نحو العبيد والدواب (فالأظهر سماع) الدعوى بها؛ اعتمادا على الأوصاف أيضا لإقامة (البينة) عليها; لأن الصفة تميزها والحاجة داعية إلى إقامة الحجة عليها كالعقار (ويبالغ) وجوبا (المدعي في الوصف) للمثلي بما يمكن الاستقصاء به؛ ليحصل التمييز به الحاصل غالبا بذلك (ويذكر القيمة) في

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. عبارة النهاية كما مر.

ص: 459

وَأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِهَا بَلْ يَكْتُبُ إلَى قَاضِي بَلَدِ المَالِ بِمَا شَهِدَتْ بِهِ فَيَأْخُذُهُ وَيَبْعَثُهُ إلَى الْكَاتِبِ لِيَشْهَدُوا عَلَى عَيْنِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يُسَلِّمُهُ للمُدَّعِي بِكَفِيلٍ بِبَدَنِهِ فَإِنْ شَهِدُوا بِعَيْنِهِ كَتَبَ بِبَرَاءَةِ الْكَفِيلِ، وَإِلَّا فَعَلَى المُدَّعِي مُؤْنَةُ الرَّدِّ. أَوْ غَائِبَةً عَنِ المَجْلِسِ لَا الْبَلَدِ أُمِرَ بِإِحْضَارِ مَا يُمْكِنُ إحْضَارُهُ لِيَشْهَدُوا بِعَيْنِهِ، وَلَا تُسْمَعُ شَهَادَةٌ بِصِفَةٍ

المتقوم وجوبا أيضا؛ إذ لا يصير معلوما إلا بها. أما ذكر قيمة المثلي والمبالغة في وصف المتقوم فمندوبان، (و) الأظهر (أنه لا يحكم بها) أي بما قامت البينة عليه; لأن الحكم مع خطر الاشتباه والجهالة بعيد والحاجة تندفع بسماع البينة بها اعتمادا على صفاتها والكتابة بها كما قال:(بل يكتب إلى قاضي بلد المال بما شهدت به) البينة، فإن أظهر الخصم هناك عينا أخرى مشاركة لها بيده، أو يد غيره أشكل الحال نظير ما مر في المحكوم عليه، وإن لم يأت بدافع عمل القاضي المكتوب إليه بالصفة التي تضمنها الكتاب، وحينئذ (فيأخذه) ممن هو عنده (ويبعثه إلى) القاضي (الكاتب ليشهدوا على عينه)؛ ليحصل اليقين (و) لكن (الأظهر أنه) لا (يسلمه للمدعي) إلا (بكفيل) ويظهر وجوب كونه ثقة مَلِيَّا قادرا؛ ليطيق السفر لإحضاره ولْيَصْدُق في طلبه (ببدنه)؛ احتياطا للمدعى عليه حتى إذا لم يعينه الشهود طولب برده، نعم الأمة التي تحرم خلوته بها لا ترسل معه بل مع أمين معه في الرفقة، ويشترط أيضا وجود نحو محرم أو امرأة ثقة تمنع الخلوة. ويسن أن يختم على العين وأن يعلق قلادة بعنق الحيوان بختم لازم لئلا يبدل بغيره (فإن) ذهب به إلى القاضي الكاتب، و (شهدوا) عنده (بعينه كتب ببراءة الكفيل) بعد تتميم الحكم وتسليم العين للمدعي ولم يحتج لإرسال ثان (وإلا) يشهدوا بعينه (فعلى المدعي مؤنة الرد) كالذهاب؛ لظهور تعديه، وعليه مع ذلك أجرة تلك المدة إن كانت له منفعة; لأنه عطلها على صاحبها بغير حق (أو) ادعى عينا غير معروفة للقاضي ولا مشهورة للناس (غائبة عن المجلس لا البلد) أو قريبة من البلد وسهل إحضارها (أمر بإحضار ما يمكن) أي يتيسر من غير كبير مشقة لا تحتمل عادة (إحضاره) ليدعي

(1)

و (ليشهدوا بعينه)؛ لتوصله به لحقه فوجب كما يجب على الخصم الحضور عند الطلب (ولا تسمع) حينئذ (شهادة بصفة) كما في الخصم الغائب عن المجلس في البلد ونحوه؛ لعدم الحاجة إلى ذلك بخلافه في الغائب عن ذلك. إما مشهور أو معروف للقاضي وأراد الحكم فيه

(1)

. قضيته أنه لا تسمع الدعوى بالصفة خلافا للمغني.

ص: 460

وَإِذَا وَجَبَ إحْضَارٌ فَقَالَ لَيْسَ بِيَدِي عَيْنٌ بِهَذِهِ الصِّفَةِ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ثُمَّ لِلْمُدَّعِي دَعْوَى الْقِيمَةِ

بعلمه

(1)

فيحكم به من غير إحضاره بخلاف ما إذا لم يحكم بعلمه لا بد من إحضاره

(2)

؛ لما تقرر أن الشهادة لا تسمع بصفة، وأما ما لا يسهل إحضاره كالعقار، فإن اشتهر أو عرفه القاضي وحكم بعلمه أو وصف وحدد

(3)

فتسمع البينة ويحكم به، فإن قالت البينة إنما نعرف عينه فقط تعين حضور القاضي أو نائبه لتقع الشهادة على عينه فإن كان هو المحدود في الدعوى حكم وإلا فلا، وأما ثقيل ومثبت

(4)

وما يورث قلعه ضررا له وقع عرفا فيأتيه القاضي، أو نائبه للدعوى على عينه

(5)

بعد وصف ما يمكن وصفه، وقد تسمع البينة بالوصف بأن شهدت بإقرار المدعى عليه باستيلائه على عين صفتها كذا، ومؤنة الإحضار على المدعى عليه إن ثبت للمدعي وإلا فهي ومؤنة الرد على المدعي كما يأتي. وعُلم مما تقرر قبول الشهادة على العين وإن غابت عن الشهود بعد التحمل، قال أبو زرعة:((والذي لا أشك فيه أن الشاهد إن كان من أهل الدين واليقظة التامة قبلت شهادته بها وتشخيصه لها ولا يقال له من أين علمتها; لأنه قد يحصل له بعينها مميز لها عن مشاركها في وصفها من قرائن وممارسة بها، وإن لم يكن كذلك فينبغي للقاضي أن يسأله فإن ذكر أنه لازَمَهَا من تحمله إلى أدائه قُبِل، وإن قال غابت عني لكنها لم تشتبه عليّ فينبغي للقاضي امتحانه بخلطها بمشابهها من جنسها فإن ميزها حينئذ علم صِدْقه وضبطه)). انتهى، نعم قوله ((ينبغي)) الأول والثاني محمول على الوجوب إن كان الشاهد ليس مشهورا بالديانة والضبط، وعلى الندب إن كان مشهورا بذلك (وإذا وجب إحضار فقال) عندي عين بهذه الصفة لكنها غائبة غرم قيمتها للحيلولة، أو (ليس بيدي عين بهذه الصفة صدق بيمينه) على حسب جوابه; لأن الأصل معه (ثم) بعد حلف المدعى عليه (للمدعي دعوى القيمة) في المتقوم والمثل في المثلي؛ لاحتمال أنها

(1)

. أي وإن لم يكن مجتهدا خلافا للنهاية.

(2)

. ظاهره رجوعه للمشهور أيضا خلافا للروض والمغني.

(3)

. ظاهر صنيعه كالنهاية والروض اشتراط الجمع بين الوصف والتحديد فلا يكفي مجرد التحديد وقضية المغني وشرح المنهج والروض الكفاية.

(4)

. قضية كلام الروض والنهاية آخرا أنه لا تسمع البينة فيما ذكر بالصفة مطلقا بخلاف كلام المغني وشرح المنهج وكلام النهاية أوَّلا.

(5)

. قضيته امتناع الدعوى بالوصف لكن عبارة الروض وشرحه مصرحة بجوازها.

ص: 461

فَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ المُدَّعِي أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً كُلِّفَ الْإِحْضَارَ وَحُبِسَ عَلَيْهِ، وَلَا يُطْلَقُ إلَّا بِإِحْضَارٍ أَوْ دَعْوَى تَلَفٍ، وَلَوْ شَكَّ المُدَّعِي هَلْ تَلِفَتِ الْعَيْنُ فَيَدَّعِي قِيمَةً أَمْ لَا فَيَدَّعِيهَا فَقَالَ غَصَبَ مِنِّي كَذَا، فَإِنْ بَقِيَ لَزِمَهُ رَدُّهُ وَإِلَّا فَقِيمَتُهُ سُمِعَتْ دَعْوَاهُ، وَقِيلَ لَا بَلْ يَدَّعِيهَا وَيُحَلِّفُهُ ثُمَّ يَدَّعِي الْقِيمَةَ وَيَجْرِيَانِ فِيمَنْ دَفَعَ ثَوْبَهُ لِدَلَّالٍ لِيَبِيعَهُ فَجَحَدَهُ وَشَكَّ هَلْ بَاعَهُ فَيَطْلُبُ الثَّمَنَ، أَمْ أَتْلَفَهُ فَقِيمَتَهُ أَمْ هُوَ بَاقٍ فَيَطْلُبُهُ، وَحَيْثُ أَوْجَبْنَا الْإِحْضَارَ فَثَبَتَ لِلْمُدَّعِي اسْتَقَرَّتْ مُؤْنَتُهُ عَلَى المُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهِيَ وَمُؤْنَةُ الرَّدِّ عَلَى المُدَّعِي

هلكت (فإن نكل) المدعى عليه عن اليمين (فحلف المدعي أو أقام بينة) بأن العين الموصوفة كانت بيده وإن قالت لا نعلم أنها ملك المدعي (كلف الإحضار)؛ ليشهد الشهود على عينه كما مر (و) ما لم يبين عذرا له فيه (حبس عليه)؛ لامتناعه من حق لزمه (ولا يطلق إلا بإحضار) للموصوف (أو دعوى تلف) له مع الحلف عليه، وحينئذ فيأخذ منه القيمة أو المثل، ويقبل دعواه التلف وإن ناقض قوله الأول؛ للضرورة، نعم لو أضاف التلف إلى جهة ظاهرة طولب ببينة بها ثم يحلف على التلف بها كالوديع (ولو شك المدعي هل تلفت العين فيدعي قيمة أم لا فيدعيها فقال غصب مني كذا فإن بقي لزمه رده وإلا فقيمته) في المتقوم، ومثله في المثلي (سمعت دعواه) وإن كانت مترددة للحاجة، ثم إن أقر بشيء فذاك وإلا حلف أنه لا يلزمه رد العين ولا بدلها، وإن نكل حلف المدعي كما ادعى

(1)

(وقيل بل يدعيها) أي العين (ويحلفه) عليها (ثم يدعي القيمة) إن تقوم وإلا فالمثل، (ويجريان فيمن دفع ثوبه لدلال ليبيعه فجحده وشك هل باعه فيطلب الثمن أم أتلفه فـ) يطلب (قيمته أم هو باق فيطلبه) فعلى الأول الأصح تسمع دعواه مترددة بين هذه الثلاثة فيدعي أن عليه رده، أو ثمنه إن باعه وأخذه، أو قيمته إن أتلفه، ويحلف الخصم يمينا واحدة أنه لا يلزمه تسليم الثوب ولا ثمنه ولا قيمته، فإن رد حلف المدعي كما ادعى ثم يكلف المدعى عليه البيان ويحلف إن ادعى التلف، فإن رد حلف المدعي أنه لا يعلم التلف ثم يحبس له (وحيث أوجبنا الإحضار فثبتت للمدعي استقرت مؤنته على المدعى عليه) ; لأنه المحوج إلى ذلك (وإلا) تثبت له (فهي) أي مؤنة الإحضار (ومؤنة الرد) للعين إلى محلها (على المدعي) ; لأنه المحوج للغرم، وعليه أيضا

(1)

. أي على التردد كما مر.

ص: 462

أجرة مثل منافع تلك المدة إن كانت غائبة عن البلد لا المجلس فقط، ونفقتها إلى أن تثبت في بيت المال ثم باقتراضٍ ثم على المدعي.

[فرع] غاب إنسان من غير وكيل وله مال فأنهى إلى الحاكم أنه إن لم يبعه اختل معظمه لزمه بيعه إن تعين طريقا لسلامته

، وقد صرح الأصحاب بأنه إنما يتسلط على أموال الغائبين إذا أشرفت على الضياع أو مست الحاجة إليها في استيفاء حقوق ثبتت على الغائب، قالوا ثم في الضياع تفصيل فإن امتدت الغيبة وعسرت المراجعة قبل وقوع الضياع ساغ التصرف، وليس من الضياع اختلال لا يؤدي لتلف المعظم ولم يكن ساريا؛ لامتناع بيع مال الغائب لمجرد المصلحة. والاختلال المؤدي لتلف المعظم ضياع، نعم الحيوان يباع بمجرد تطرق اختلال إليه؛ لحرمة الروح، ومتى أمكن تدارك الضياع بالإجارة اكتفى بها، ويقتصر على أقل زمن يحتاج إليه. ولو نهى عن التصرف في ماله امتنع إلا في الحيوان. وللقاضي بيع مال الغائب بنفسه أو قيِّمه إذا احتاج إلى نفقة، وكذا إذا خاف فوته أو كان الصلاح في بيعه، ولا يأخذ له بالشفعة. وإذا قدم لم ينقض بيع الحاكم ولا إيجاره. ولو كان للغائب دين أو عين على شخص فالأوجه أنه يجوز قبض الحاكم للعين لا الدين; لأن بقاء الدين في الذمة أحرز منه في يد الحاكم بخلاف العين

(1)

، والكلام في مدين ثقة مليء وإلا وجب أخذه منه قطعا. نعم ما غلب على الظن فواته على مالكه لفلس أو جحد أو فسق يجب أخذه عينا كان أو دينا، وكذا لو طلب مَن العين عنده قبضها منه لسفر أو نحوه، وما لا يكون كذلك يجوز في العين لا الدين، والكلام في قاض أمين كما علم مما مر في الوديعة. ولو مات الغائب وورثه محجور وليُّه القاضي لزمه قبض وطلب جميع ماله من عين ودين والله أعلم

(2)

.

(1)

. أي العين التي هي أمانه بخلاف العين المضمونة فحكمها حكم الدين كما مر في الوديعة.

(2)

. يتحصل من كلام الشارح في الإيصاء أن الحاكم يصدَّق في عدم الخيانة وتلف بنحو غضب أو سرقة كالوديع، أما في نحو بيع لحاجة أو غبطة أو ترك أخذ بشفعة لمصلحة فإن كان ثقة أمينا صدق، وإلا فلا بد من بينة 7/ 96.

ص: 463

فصل

الْغَائِبُ الَّذِي تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ وَيُحْكَمُ عَلَيْهِ مَنْ بِمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ، وَهِيَ الَّتِي لَا يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ إلَى مَوْضِعِهِ لَيْلًا،

(فصل)

(الغائب الذي تسمع) الدعوى و (البينة) عليه (ويحكم عليه

مَنْ بمسافة بعيدة

(1)

; لأن في إيجاب الحضور منها مشقة بمفارقة الأهل والوطن ليلا، أما القريب فيسهل إحضاره. ولو حكم على غائب فبان كونه حينئذ بمسافة قريبة بان فساد الحكم

(2)

، ويجري ذلك في صبي أو مجنون أو سفيه بان كماله. ولو قدم الغائب وقال -ولو بلا بينة- كنت بعت أو أعتقت قبل بيع الحاكم بان بطلان

(3)

تصرف الحاكم كما مر. ولو بان المُدَّعى موته حيا بعد بيع الحاكم ماله في دينه بان بطلانه إن كان الدين مؤجلا؛ لتبين بقائه، أما إن كان الدين حالا وبان المدين معسرا لا يملك غير المبيع فيصح البيع؛ إذ لو رفع للقاضي باع ماله حينئذ بخلاف ما إذا لم يكن كذلك إذ يتبين بطلان البيع

(4)

; لأنه لا يلزمه الوفاء من هذا المبيع بعينه. ولو بان أن لا دين بان أن لا بيع، (وهي) أي البعيدة (التي لا يرجع منها) متعلق بقوله (مبكِّر) أي خارج عقب طلوع الفجر (إلى موضعه ليلا) أي أوائله، وهي ما ينتهي إليه سفر الناس غالبا. والعبرة في ذلك باليوم المعتدل، ويعتبر في ذلك زمن المحاكمة المعتدلة من دعوى وجواب وإقامة بينة حاضرة أو حلف وتعديلها. والعبرة بسير الأثقال; لأنه المنضبط المعوَّل عليه في نحو مسافة القصر. ولو كان لمحل طريقان وهو بأحدهما على المسافة وبالآخر على دونها، فإن كانت القصيرة وعرة جدا لم تعتبر وإلا اعتبرت، أي ولا تعتبر الأبعد؛ لأن الأصل منع الحكم

(1)

. نعم يستثنى الرد بالعيب فيحكم الحاكم به في الفسخ ولو مع قرب المسافة التي غابها البائع كما مال إليه الشارح في خيار النقيصة 4/ 371.

(2)

. خلافا للشهاب الرملي.

(3)

. أي بخلاف الوكيل فلا يبطل تصرفه كما مر أيضا.

(4)

. ظاهره وإن كان صلاحه فيه، وخالف النهاية في ذلك.

ص: 464

وَقِيلَ مَسَافَةُ قَصْرٍ، وَمَنْ بِقَرِيبَةٍ كَحَاضِرٍ فَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا يُحْكَمُ بِغَيْرِ حُضُورِهِ إلَّا لِتَوَارِيهِ أَوْ تَعَزُّرِهِ. وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ الْقَضَاءِ عَلَى غَائِبٍ فِي قِصَاصٍ وَحَدِّ قَذْفٍ وَمَنْعُهُ فِي حَدٍّ للهِ تَعَالَى

على الغائب حتى يتحقق بُعد المحل من كل وجه

(1)

، (وقيل) هي (مسافة القصر) ; لأن الشرع اعتبرها في مواضع، ويرد بوضوح الفرق. هذا كله حيث كان الغائب في محل ولاية القاضي، فإن كان خارجها سمع الدعوى عليه والبينة وحكم وكاتب وإن قربت الولايتان، (ومن بـ) مسافة (قريبة) -ولو بعد الدعوى عليه في حضوره- وهو ممن يتأتى حضوره (كحاضر فلا تسمع) دعوى، ولا (بينة) عليه (ولا يحكم بغير حضوره) بل يحضره وجوبا؛ لسهولة إحضاره؛ لئلا يشتبه على الشهود، أو ليدفع إن شاء، أو يقر فيغني عن البينة والنظر فيها، أو لتمتنع الشهود إن كانوا كَذَبَة حياء أو خوفا منه، ومحل ما ذكر في منع سماع البينة إذا تيسر إحضار المدعى عليه ولم يضطر الشهود إلى السفر فورا وإلا فينبغي حينئذ جواز سماعها في غيبته؛ للضرورة وإن أمكن أن يُشْهَد على شهادتها. وإذا سمعت في غيبته وجب أن يخبر بأسمائهم؛ ليتمكن من القدح (إلا لتواريه) ولو بالذهاب لنحو السلطان زعما منه أنه يخاف جور الحاكم عليه; لأن الخصم لو مُكِّن من ذلك تعذر القضاء فوجب أن لا يلتفت لهذا العذر منه وإن اشتهر جور قاضي الضرورة وفسقه، أو حبسه بمحل لا يمكن الوصول إليه، أو هربه من مجلس الحكم (أو تعززه) أي تغلبه وقد ثبت ذلك عند القاضي فتسمع البينة ويحكم بغير حضوره من غير يمين

(2)

للاستظهار؛ تغليظا عليه وإلا لامتنع الناس كلهم، فإن لم يكن للمدعي بينة جعل الآخر في حكم الناكل

(3)

فيحلف المدعي يمين الرد ثم يحكم له لكن لا بد من تقديم النداء بأنه إن لم يحضر جعل ناكلا. (والأظهر جواز القضاء على غائب في قصاص وحد قذف) ; لأنه حق آدمي كالمال (ومنعه في حد) أو تعزير (لله تعالى)؛ لبنائهما على المسامحة والدرء ما أمكن، وما فيه الحقان كالسرقة يقضى فيه بالمال لا القطع.

(1)

. ذكره الشارح في صلاة المسافر وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية والشهاب الرملي.

(2)

. وفاقاً لشيخ الإسلام والمغني وخلافاً للنهاية والشهاب الرملي.

(3)

. وفاقا للأسنى والمغني وخلافا للنهاية.

ص: 465

وَلَوْ سَمِعَ بَيِّنَةً عَلَى غَائِبٍ فَقَدِمَ قَبْلَ الحُكْمِ لَمْ يَسْتَعِدْهَا بَلْ يُخْبِرُهُ وَيُمَكِّنُهُ مِنِ الجَرْحِ. وَلَوْ عُزِلَ بَعْدَ سَمَاعِ بَيِّنَةٍ ثُمَّ وُلِّيَ وَجَبَتِ الِاسْتِعَادَةُ. وَإِذَا اُسْتُعْدِيَ عَلَى حَاضِرٍ بِالْبَلَدِ أَحْضَرَهُ بِدَفْعِ خَتْمِ طِينٍ رَطْبٍ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ بِمُرَتَّبٍ لِذَلِكَ،

(ولو سمع بينة على غائب فقدم) ولو (قبل الحكم لم يستعدها) أي لم يلزمه لوقوع سماعها صحيحا (بل يخبره) بالحال فيتوقف حكمه على إخباره (ويمكنه من الجرح) أو نحوه كإثبات نحو عداوة ولو بعد الحكم، ويمهل ثلاثة أيام ولا بد أن يؤرخ الجرح بيوم الشهادة أو قبلها وقبل مضي مدة الاستبراء.

وقد استطرد بذكر مسائل لها نوع تعلق بالباب فقال (ولو عزل) أو انعزل (بعد سماع بينة ثم وُلِّي) ولم يكن حكم بقبولها (وجبت الاستعادة) ولا يحكم بالسماع الأول؛ لبطلانه بالانعزال بخلاف ما لو خرج عن محل ولايته ثم عاد لبقاء ولايته وبخلاف ما لو حكم بقبولها فإن له الحكم بالسماع الأول، ولا أثر لإشهاده على نفسه بسماع البينة; لأنه ليس حكما بقبولها (وإذا اسْتُعْدِي على حاضر بالبلد) -ولو يهوديا يوم سبته- أهلٍ لسماع الدعوى وجوابها، أي طلب الخصم من القاضي إحضاره ولم يعلم كذبه ولا كان أجير عين ولا نحو معاهد ولا أراد التوكيل (أحضره) وجوبا وإن أحالت العادة ما ادعاه عليه

(1)

كوزير ادعى عليه وضيع أنه استأجره سائسا أو نازحَ قذرٍ. أما إذا علم كذبه فلا يحضره، وكذا أجير عين وحضوره يعطل حق المستأجر فلا يحضره حتى تنقضي مدة الإجارة

(2)

، ويظهر ضبط التعطيل المضر بأن يمضي زمن يقابل بأجرة وإن قلَّت، وكذا من الحكم بينهما غير لازم له كمعاهد على مثله، وكذا من وكَّل فيقبل وكيله ولا يلزمه الحضور بنفسه، ويلزمه إذا لزم مخدرة يمين أن يرسل إليها من يحلفها كما يأتي (بدفع ختم طين رطب أو غيره) مكتوب فيه أجب القاضي فلانا، والعادة الآن الكتابة في الورق (أو بمرتب لذلك) وهو العون المسمى الآن بالرسول، نعم ما ذكر المتن من التخيير غير مراد؛ إذ الأصح أنه يرسل الختم أوّلا فإن امتنع فالعون.

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. ظاهره أنه لا يؤمر بالتوكيل أيضا خلافا للنهاية.

ص: 466

فَإِنِ امْتَنَعَ بِلَا عُذْرٍ أَحْضَرَهُ بِأَعْوَانِ السُّلْطَانِ وَعَزَّرَهُ. أَوْ غَائِبٍ فِي غَيْرِ وِلَايَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إحْضَارُهُ، أَوْ فِيهَا وَلَهُ هُنَاكَ نَائِبٌ لَمْ يُحْضِرْهُ بَلْ يَسْمَعُ بَيِّنَةً وَيَكْتُبُ إلَيْهِ،

[تنبيه] أجرة العون، وكذا أجرة ملازم المدين- الذي لم يثبت إعساره -تلزم المطلوب إن امتنع بعد طلب الحاكم له وإلا فالطالب، والكلام في عون من ليس له رزق من بيت المال وإلا فلا شيء له على واحد منهما

.

[تنبيه آخر] إن قال المدعي للمُدعى عليه عليك كذا فاحضر معي للقاضي لم يلزمه الحضور إلا بطلب القاضي

(1)

بخلاف ما لو قال له بيني وبينك خصومة فاحضر معي فيلزمه الحضور

(2)

، نعم متى وكّل لم يلزمه الحضور بنفسه، (فإن امتنع) من الحضور بنفسه أو وكيله

(3)

من محل تلزمه الإجابة منه (بلا عذر) من أعذار الجمعة

(4)

، وثبت ذلك عنده ولو بقول عون ثقة (أحضره بأعوان السلطان) وأجرتهم عليه حينئذ (وعزَّره) إن رأى ذلك؛ لتعديه. ولو استخفى نودي متكررا بباب داره أنه ((إن لم يحضر إلى ثلاث سُمِّر بابه أو خُتِم وسمعت الدعوى عليه وحكم بها))، فإن لم يحضر بعدها وسأل المدعي أحدهما -أي التسمير أو الختم- وأثبت أنه يأوي داره أجابه. وواضحٌ أن التسمير فيه نوع نقص فلا يفعله إلا في مملوك له بخلاف الختم، ثم تسمع البينة عليه ويحكم بها

(5)

كما لو هرب قبل الدعوى أو بعدها. وبعد الحكم عليه يزال التسمير أو الختم، نعم لا تسمر إذا كان يأويها غيره بأجرة، أما إن كانت عارية فيخرج منها وتسمر. ولو أخبر أنه بمحل نساء أرسل إليه ممسوحا أو مميزا

(6)

، وبعد الظفر يعزره بحبس وغيره مما يراه، والمعذور يرسل إليه من يسمع الدعوى بينه وبين خصمه أو يلزم بالتوكيل، وله الحكم عليه بالبينة كالغائب (أو) ادعى على (غائب في غير) محل (ولايته فليس له إحضاره)؛ إذ لا ولاية له عليه بل يسمع الدعوى والبينة ثم يُنهي كما مر، (أو فيها وله هناك نائب) ومثله متوسط يصلح بين الناس وإن لم يصلح للقضاء (لم يحضره)؛ للمشقة مع تيسر الفصل (بل يسمع بينته) عليه (ويكتب إليه)

(1)

. وقياس ما مر في الكفالة أن يكفي أن يقول القاضي للمدعي أحضره 5/ 265.

(2)

. خالفاه في هذا التفصيل فاعتمدا عدم اللزوم مطلقا إلا بطلب القاضي.

(3)

. اقتصر عليه المغني وشرح المنهج.

(4)

. أي مطلقا وفاقا للنهاية، واستثنى الأسنى والمغني نحو أكل ذي ريح كريه مما ليس فيه مشقة.

(5)

. بدون يمين عند الشارح وشيخ الإسلام والمغني، وبعد اليمين عند النهاية.

(6)

. وفي المغني والأسنى أنه ير سل النساء ثم الصبيان ثم الخصيان.

ص: 467

أَوْ لَا نَائِبَ فَالْأَصَحُّ يُحْضِرُهُ مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَقَطْ، وَهِيَ الَّتِي يَرْجِعُ مِنْهَا مُبَكِّرٌ لَيْلًا. وَأَنَّ المُخَدَّرَةَ لَا تُحْضَرُ، وَهِيَ مَنْ لَا يَكْثُرُ خُرُوجُهَا لِحَاجَاتٍ

في المسافة السابقة؛ لسهولة الفصل حينئذ (أوْ لا نائب له فالأصح) أنه (يحضره) بعد تحرير الدعوى وصحة سماعها (من مسافة العدوى فقط) -بل أو فوقها

(1)

- (وهي التي يرجع منها مبكر) إلى محله (ليلا) كما علم مما مر مبسوطا (و) الأصح (أن المخدرة لا تحضر) صرفا للمشقة عنها كالمريض، وحينئذ فيرسل القاضي لها لتوكل، أو من يفصل بينهما، ويغلظ عليها بحضور الجامع للتحليف. ولا تحضر برزة من خارج البلد إلا مع نحو محرم أو نسوة ثقات أو امرأة؛ احتياطا لحق الآدمي (وهي من لا يكثر خروجها لحاجات) متكررة كشراء قطن بأن لا تخرج أصلا، أو تخرج نادرا لنحو عزاء أو حمام أو زيارة; لأنها غير مبتذلة بهذا الخروج بخلافه لنحو مسجد

(2)

.

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. وتقدم في باب موجب الديات أنه ينبغي لحاكم تُطْلَبُ منه امرأةٌ أن يسأل عن حملها، ثم يتلطف في طلبها 9/ 5.

ص: 468

‌باب القسمة

قَدْ يَقْسِمُ الشُّرَكَاءُ أَوْ مَنْصُوبُهُمْ أَوْ مَنْصُوبُ الْإِمَامِ. وَشَرْطُ مَنْصُوبِهِ: ذَكَرٌ حُرٌّ عَدْلٌ، يَعْلَمُ المِسَاحَةَ وَالحِسَابَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا تَقْوِيمٌ وَجَبَ قَاسِمَانِ،

(باب القسمة)

وهي تمييز بعض الأنصباء من بعض. وأصلها قبل الإجماع {وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ} النساء: 8 .. الآية وقسمته صلى الله عليه وسلم للغنائم. (قد يقسم) المشترك (الشركاء) الكاملون، أما غير الكامل فلا يقسم له وليه إلا إن كان له فيه غبطة

(1)

(أو منصوبهم) أي وكيلهم (أو منصوب الإمام) أو الإمام نفسه -وإن غاب أحدهم; لأنه ينوب عنه- أو المحكم؛ لحصول المقصود بكل ممن ذكر. ولا يجوز لأحد الشريكين قبل القسمة أن يأخذ حصته إلا بإذن شريكه، أو امتناعه من المتماثل فقط؛ بناء على الأصح الآتي أن قسمته إفراز وما قبض من المشترك مشترك، نعم للحاضر أن ينفرد بأخذ نصيبه من مدع ثبت له منه حصة فكأنهم جعلوا غيبة شريكه عذرا في تمكنه منه كامتناعه، ويستثنى أيضا ما لو جُمِعَت دراهم لأمر وخلطت ثم بدا لهم تركه فلأحدهم أخذ قدر حصته بغير رضاهم، وكذا لو اختلطت دراهم أو حنطة جماعة أو غصبت وخلطت فيقسم الجميع بينهم، نعم محله كما يعلم مما مر في الغصب إذا لم يملكه الغاصب بغصبه. (وشرط منصوبه) أي الإمام ومثله محكمهم ما تضمنه قوله (ذكر حر عدل) تقبل شهادته; لأنها ولاية وفيها إلزام كالقضاء؛ إذ القسام مجتهد مساحة وتقديرا ثم يُلزِم بالإقراع (يعلم) إن نُصِب للقسمة مطلقا أو فيما يحتاج لمساحة وحساب (المِساحة) وهي علم يعرف به طرق استعلام المجهولات العددية العارضة للمقادير (والحساب) ; لأنهما آلتها كالفقه للقضاء واشترط جمع كونه نَزِهاً قليل الطمع. وخرج بمنصوبه منصوبهم فيشترط تكليفه فقط; لأنه وكيل. ويجوز كونه قنا وفاسقا أو امرأة، نعم إن كان فيهم محجورا عليه اشترط ما مر

(2)

(فإن كان فيها تقويم وجب) حيث لم يجعل حاكما في التقويم (قاسمان) أي مُقَوِّمان يقسمان بأنفسهما; لأن التقويم لا يثبت إلا باثنين فاشتراط التعدد إنما هو لأجل التقويم لا القسمة.

(1)

. محلها عند المغني والأسنى ما لم يطلبها الشريك، وإلا أجيب وإن لم يكن للصبي غبطه.

(2)

. قضيته كونه أهلا للشهادة وقضية المغني كشرح المنهج الاكتفاء بالعدالة.

ص: 469

وَإِلَّا فَقَاسِمٌ، وَفِي قَوْلٍ اثْنَانِ. وَلِلْإِمَامِ جَعْلُ الْقَاسِمِ حَاكِمًا فِي التَّقْوِيمِ فَيُعْمَلُ فِيهِ بِعَدْلَيْنِ، وَيَقْسِمُ. وَيَجْعَلُ الْإِمَامُ رِزْقَ مَنْصُوبِهِ مِنْ بَيْتِ المَالِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَأُجْرَتُهُ عَلَى الشُّرَكَاءِ، فَإِنِ اسْتَأْجَرُوهُ وَسَمَّى كُلٌّ مِنْهُم قَدْرًا لَزِمَهُ، وَإِلَّا فَالْأُجْرَةُ مُوَزَّعَةٌ عَلَى الحِصَصِ،

(وإلا) يكن فيها تقويم (فقاسم) واحد يكفي وإن كان فيها خرص; لأنه حاكم لأن قسمته تلزم بنفس قوله، ولا يحتاج وإن تعدد للفظ الشهادة; لأنها تستند إلى عمل محسوس، (وفي قول) يشترط (اثنان)؛ بناء على الضعيف أنه شاهد. ثم هذا في منصوب الإمام أما منصوبهم فيكفي اتحاده قطعا (وللإمام جعل القاسم حاكما في التقويم) وحينئذ (فيعمل فيه بعدلين) ذكرين يشهدان عنده به لا بأقل منهما (ويقسم) بنفسه وله العمل فيه بعلمه

(1)

. وعُلم من كلامه أنه لا يشترط معرفته بالقيمة فيرجع لعدلين خبيرين وقيل يشترط، نعم يستحب ذلك؛ خروجا من الخلاف (ويجعل الإمام) وجوبا (رزق منصوبه من بيت المال) من سهم المصالح; لأنه من المصالح العامة (فإن لم يكن) فيه مال أو ثَمَّ مصرف أهم أو منع ظلما (فأجرته على الشركاء) إن استأجروه لا إن عمل ساكتا وذلك; لأنه يعمل لهم مع التزامهم له عوضا، وليس للإمام حينئذ تعيين قاسم

(2)

وذلك; لأنه يتغالى في الأجرة أو يواطئه بعضهم فيحيف. أما لو استأجره بعضهم فالكل عليه

(3)

(فإن استأجروه) كلهم معا (وسمى كل منهم قدرا) كاستأجرناك لتقسم هذا بيننا بدينار على فلان ودينارين على فلان وثلاثة على فلان، أو وَكَّلُوا من عقد لهم كذلك (لزمه) أي كلا ما سماه ولو فوق أجرة المثل ساوى حصته أم لا. أما مرتبا فيجوز

(4)

(وإلا) يسم كل منهم قدرا بل أطلقوه (فالأجرة موزعة على الحصص) ; لأنها من مؤن الملك كنفقة المشترك. هذا في غير قسمة التعديل أما فيها فإنها توزع بحسب المأخوذ قلة وكثرة لا بحسب الحصص الأصلية; لأن العمل في الكثير أكثر منه في القليل، هذا إن صحت

(1)

. مطلقا عند الشارح وبشرط الاجتهاد عند النهاية.

(2)

. أي المنع من التعيين.

(3)

. خلافا للمغني والأسنى.

(4)

. وفاقا لشرح المنهج والنهاية وخلافا للروض والمغني.

ص: 470

وَفِي قَوْلٍ عَلَى الرُّءُوسِ. ثُمَّ مَا عَظُمَ الضَّرَرُ فِي قِسْمَتِهِ كَجَوْهَرَةٍ وَثَوْبٍ نَفِيسَيْنِ وَزَوْجَيْ خُفٍّ إنْ طَلَبَ الشُّرَكَاءُ كُلُّهُمْ قِسْمَتَهُ لَمْ يُجِبْهُمْ الْقَاضِي، وَلَا يَمْنَعُهُمْ إنْ قَسَمُوا بِأَنْفُسِهِمْ إنْ لَمْ تَبْطُلْ مَنْفَعَتُهُ كَسَيْفٍ يُكْسَرُ. وَمَا يَبْطُلُ نَفْعُهُ المَقْصُودُ كَحَمَّامٍ وَطَاحُونَةٍ صَغِيرَيْنِ لَا يُجَابُ طَالِبُ قِسْمَتِهِ فِي الْأَصَحّ، وَإِنْ أَمْكَنَ جَعْلُهُ حَمَّامَيْنِ أُجِيبَ، وَلَوْ كَانَ لَهُ عُشْرُ دَارٍ لَا يَصْلُحُ لِلسُّكْنَى، وَالْبَاقِي لِآخَرَ فَالْأَصَحُّ إجْبَارُ صَاحِبِ الْعُشْرِ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ دُونَ عَكْسِهِ

الإجارة وإلا وزعت أجرة المثل على قدر الحصص

(1)

مطلقا كما لو أمر القاضي من يقسم بينهم إجبارا، (وفي قول على الرءوس) ; لأن العمل في النصيب القليل كهو في الكثير.

(ثم ما عظم الضرر في قسمته كجوهرة وثوب نفيسين) وذكر النفاسة في الجوهرة قد يحترز به عن جوهرة لا نفاسة لها (وزوجي خف) أي فردتيه (إن طلب الشركاء كلهم قسمته لم يجبهم القاضي) إن بطلت منفعته المقصودة منه بالكلية بل يمنعهم من القسمة بأنفسهم; لأنه سفه (ولا يمنعهم إن قسموا بأنفسهم إن لم تبطل منفعته) المذكورة بالكلية بأن نقصت (كسيف

(2)

يكسر) ; لإمكان الانتفاع بما صار إليه منه على حاله أو باتخاذه سكينا مثلا، ولا يجيبهم إلى ذلك; لما فيه من إضاعة المال (وما يبطل نفعه المقصود) منه (كحمام وطاحونة صغيرين) لو قسم كل لم ينتفع به من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة ولو بإحداث مرافق (لا يجاب طالب قسمته) إجبارا (في الأصح) ; لما فيه من ضرر الآخر، ولا يمنعهم منها؛ لما مر، (وإن أمكن جعله حمامين) أو طاحونين (أجيب) وأجبر الممتنع؛ لانتفاء الضرر وإن احتاج إلى إحداث نحو بئر ومستوقد؛ لتيسر التدارك، وإنما بطل بيع ما لا ممر لها وإن أمكن تحصيله بعد; لأن شرط المبيع الانتفاع به حالا. (ولو كان له عشر دار) أو حمام أو أرض (لا يصلح للسكنى) أو كونه حماما أو لما يقصد من تلك الأرض لو قسم (والباقي لآخر) وإن تعدد كما يأتي وهو يصلح لذلك (فالأصح إجبار صاحب العشر) وإن بطل نفع حصته بالكلية (بطلب صاحبه)؛ لانتفاعه بحصته من الوجه الذي كان ينتفع به قبل القسمة فهو معذور (دون عكسه) ; لأنه

(1)

. ظاهره كالنهاية أن المراد الحصص الأصلية وصريح صنيع المغني والمنهج أن المراد المأخوذة.

(2)

. فرضه النهاية في سيف خسيس ورده الشارح كالمغني.

ص: 471

وَمَا لَا يَعْظُمُ ضَرَرُهُ قِسْمَتُهُ أَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا بِالْأَجْزَاءِ كَمِثْلِيٍّ وَدَارٍ مُتَّفِقَةِ الْأَبْنِيَةِ، وَأَرْضٍ مُشْتَبِهَةِ الْأَجْزَاءِ فَيُجْبَرُ المُمْتَنِعُ ..

مضيع لماله متعنت، نعم إن ملك أو أحيا ما لو ضم لعشره صلح أجيب، ويظهر أن يأتي هنا ما يأتي قريبا فيما لو طلب أن يكون نصيبه إلى جهة أرضه.

[فرع] لو كان بأرض مشتركة بناء أو شجر لهما فأراد أحدهما قسمة الأرض فقط لم يجبر الآخر، وكذا عكسه؛ لبقاء العلقة بينهما، إما برضاهما فيجوز ذلك. ولو اقتسما الشجر وتميزت حصة كل ثم اقتسما الأرض فإن كان فيما خصهما أو أحدهما شجر للآخر أتي فيه ما مر آخر العارية. ولو كانوا ثلاثة فاقتسم اثنان على أن تبقى حصة الثالث شائعة مع كل منهما لم تصح، وإنما أجبر الممتنع على قسمة الأرض مع غراس أو البناء الذي بها ولم يجبر على قسمة الأرض والزرع معا; لأن للزرع أمدا ينتظر بخلاف الغراس والبناء. وإذا تنازع الشركاء فيما لا يمكن قسمته فإن تهايئوا منفعته مياومة أو غيرها جاز ولكلٍّ الرجوع ولو بعد الاستيفاء فيغرم بدل ما استوفاه، ويدُ كلٍّ يد أمانة، وإن أبوا المهايأة أجبرهم الحاكم على إيجاره أو آجره عليهم سنة وما قاربها وأشهد كما لو غابوا كلهم أو بعضهم، فإن تعدد طالِبُو الإيجار آجره وجوبا لمن يراه أصلح، وله إيجاره من بعضهم إن رآه بأن لم يوجد من هو مثله. ولو طلب كل منهم استئجار حصة غيره فإن كان ثَمَّ أجنبي قدم وإلا أقرع بينهم، فإن تعذر إيجاره -لا لكساد يزول عن قرب عادة أي وتعذرت المهايأة

(1)

أيضا- باعه؛ لتعينه، فإن تعذر البيع وحضره كلهم أجبرهم على المهايأة إن طلبها بعضهم.

(وما لا يعظم ضرره قسمته أنواع) ثلاثة:

(أحدها بالأجزاء) وتسمى قسمة المتشابهات وقسمة الأجزاء (كمثلي

(2)

متفق النوع، ومنه نقد ولو مغشوشا؛ لجواز المعاملة به، أما إذا اختلف النوع فيجب حيث لا رضا قسمة كل نوع وحده (ودار متفقة الأبنية) بأن يكون ما بشرقيها من بيت وصفة كما بغربيها (وأرض مشتبهة الأجزاء) ونحوها ككرباس

(3)

لا ينقص بالقطع (فيجبر الممتنع) عليها استوت

(1)

. وسبب تعذرها قد يكون غيبة بعضهم أو امتناعه.

(2)

. مر في الغصب أنه ما حصره كيل أو وزن وجاز السلم فيه.

(3)

. هو ثوب من القطن، الصحاح.

ص: 472

فَتُعَدَّلُ السِّهَامُ كَيْلًا أَوْ وَزْنًا أَوْ ذَرْعًا بِعَدَدِ الْأَنْصِبَاءِ إنْ اسْتَوَتْ، وَيَكْتُبُ فِي كُلِّ رُقْعَةٍ اسْمَ شَرِيكٍ أَوْ جُزْءٌ مُمَيَّزٌ بِحَدٍّ أَوْ جِهَةٍ وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ مُسْتَوِيَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا رُقْعَةً عَلَى الجُزْءِ الْأَوَّلِ إنْ كَتَبَ الْأَسْمَاءَ فَيُعْطِي مَنْ خَرَجَ اسْمُهُ، أَوْ عَلَى اسْمِ زَيْدٍ إنْ كَتَبَ الْأَجْزَاءَ، فَإِنِ اخْتَلَفَتِ الْأَنْصِبَاءُ كَنِصْفٍ وَثُلُثٍ وَسُدُسٍ جُزِّئَتِ الْأَرْضُ عَلَى أَقَلِّ السِّهَامِ وَقُسِّمَتْ كَمَا سَبَقَ،

الأنصباء أم لا؛ للتخلص من سُوءِ المشاركة مع عدم الضرر، نعم لا إجبار في قسمة الزرع قبل اشتداده؛ لعدم كمال انضباطه، فإن اشتد ولم ير أو كان إلى الآن بذرا لم تصح قسمته؛ للجهل به (فتُعَدَّل) أي تُساوى (السهام) أي عند عدم التراضي، أو حيث كان في الشركاء محجور (كيلا) في المكيل (أو وزنا) في الموزون (أو ذرعا) في المذروع أو عدا في المعدود (بعدد الأنصباء إن استوت) فإذا كانت بين ثلاثة أثلاثا جعلت ثلاثة أجزاء ويؤخذ ثلاث رقاع متساوية (ويكتب) مثلا هنا وفيما يأتي من بقية الأنواع (في كل رقعة) إما (اسم شريك) إن كتب أسماء الشركاء؛ لتخرج على السهام (أو جزءٌ) أي هو مع مميزه كما يأتي إن كتب السهام؛ لتخرج على أسماء الشركاء (مميز) عن البقية (بحد أو جهة) مثلا (وتدرج) الرقع (في بنادق) ويندب كونها في بنادق (مستوية) وزنا وشكلا من نحو طين أو شمع؛ إذ لو تفاوتت لسبقت اليد للكبيرة وفيه ترجيح لصاحبها، ولا ينحصر في ذلك بل يجوز بنحو أقلام ومختلف كدواة وقلم (ثم يُخْرِج) الرقاع (من لم يحضرها) أي الواقعة بعد أن توضع في حِجْره وكونه مغفلا أولى، ويظهر أن كونه لم يحضرها ندب أيضا إلا إن علم من حاضرها أنه ميزها فلا يجوز التفويض إليه (رقعة) إما (على الجزء الأول إن كتب الأسماء) في الرقاع (فيعطى من خرج اسمه) ثم يؤمر بإخراج أخرى على الجزء الذي يليه، ويعطى من خرج اسمه ويتعين الآخر للآخر من غير قرعة، وكذا فيما يأتي (أو) يخرج (على اسم زيد) مثلا (إن كتب الأجزاء) أي أسماؤها في الرقاع فيخرج رقعة على اسم زيد وأخرى على اسم عمرو وهكذا. ومن به الابتداء هنا وفيما قبله من الأسماء والأجزاء منوط بنظر القاسم إذا لم تكن ثَمَّ تهمة ولا تميز (فإن اختلفت الأنصباء كنصف وثلث وسدس) في أرض أو نحوها (جزئت الأرض) أو نحوها (على أقل السهام) -كستة هنا؛ لتأدي القليل والكثير بذلك- من غير حيف ولا شطط (وقسمت كما سبق) لكن الأولى هنا كتابة الأسماء; لأنه لو كتب الأجزاء وأخرج على الأسماء فربما خرج لصاحب

ص: 473

وَيَحْتَرِزُ عَنْ تَفْرِيقِ حِصَّةِ وَاحِدٍ.

الثَّانِي بِالتَّعْدِيلِ كَأَرْضٍ تَخْتَلِفُ قِيمَةُ أَجْزَائِهَا بِحَسْبِ قُوَّةِ إنْبَاتٍ وَقُرْبِ مَاءٍ،

السدس الجزء الثاني أو الخامس فيتفرق ملك من له الثلث أو النصف (و) هو لا يجوز إذ يجب عليه أنه (يحترز عن تفريق حصة واحد) والمجوزون لكتابة الأجزاء احترزوا عن التفريق بقولهم لا يخرج اسم صاحب السدس أوّلا; لأن التفريق إنما جاء من قِبَلِه بل يبدأ بذي النصف، فإن خرج على اسمه الجزء الأول أو الثاني أعطيهما والثالث، ويثني بذي الثلث فإن خرج على اسمه الجزء الرابع أعطيه والخامس وعلى هذا القياس، وأُخذ من ذلك أنه لو كان لهما أرض مستوية الأجزاء ولأحدهما أرض بجنبها فطلب قسمتها وأن يكون نصيبه إلى جهة أرضه ليتصلا ولا ضرر على الآخر أجيب، ويوافقه قولهم لو أراد جمع من الشركاء بقاء شركتهم وطلبوا من الباقين أن يتميزوا عنهم بجانب ويكون حق المتفقين متصلا فإن كان نصيب كلٍّ من المتفقين لو انفرد لم ينتفع به بعادة الأرض أجيبوا؛ لتوقف تمام الانتفاع عليه. ولو كان نصف الدار لواحد والآخر لخمسة أجيب الأول، وحينئذ فلكل من الخمسة القسمة تبعا له وإن كان العشر الذي لكل منهم لا يصلح مسكنا له; لأن في القسمة فائدة لبعض الشركاء. ولو بقي حق الخمسة مشاعا لم يجب أحدهم للقسمة; لأنها تضر الجميع. وإن طلب أوّلا الخمسة إفراز نصيبهم مشاعا أو كانت الدار لعشرة فطلب خمسة منهم إفراز نصيبهم مشاعا أجيبوا; لأنهم ينتفعون بنصيبهم كما كانوا ينتفعون به قبل القسمة.

[تنبيه] قد يفهم مما ذكره في حالتي تساوي الأجزاء واختلافها أن الشركاء الكاملين لو تراضوا على خلاف ذلك امتنع وليس مرادا بل يجوز التفاوت برضا الكل الكاملين ولو جزافا ولو في الربوي؛ بناء على أن هذه القسمة إفراز لا بيع والربا إنما يتصور جريانه في العقد دون غيره، وبهذا يعلم أن القسمة التي هي بيع لا يجوز فيها في الربوي أخذ أحد أكثر من حقه وإن رضوا بذلك فيأتي فيه هنا جميع ما مر في باب الربا في متحدي الجنس ومختلفيه وفي قاعدة مد عجوة ودرهم. وتصح قسمة الإفراز فيما تعلقت الزكاة به قبل إخراجها ثم يخرج كل زكاة ما آل إليه ولا تتوقف صحة تصرف من أخرج على إخراج الآخر.

النوع (الثاني) القسمة (بالتعديل) بأن تُعدَّل السهام بالقيمة (كأرض تختلف قيمة أجزائها بحسب قوة إنبات وقرب ماء) ونحوهما مما يرفع قيمة أحد الطرفين على الآخر كبستان بعضه نخيل وبعضه عنب، ودار بعضها من حجر وبعضها من لَبِن فيكون الثلث -؛

ص: 474

وَيُجْبَرُ المُمْتَنِعُ عَلَيْهَا فِي الْأَظْهَرِ، وَلَوِ اسْتَوَتْ قِيمَةُ دَارَيْنِ أَوْ حَانُوتَيْنِ فَطَلَبَ جَعْلَ كُلٍّ لَوَاحِدٍ فَلَا إجْبَارَ، أَوْ عَبِيدٍ أَوْ ثِيَابٍ مِنْ نَوْعٍ أُجْبِرَ، أَوْ نَوْعَيْنِ فَلَا

لجودته- كالثلثين قيمة فيجعل سهما وهما سهما إن كانت نصفين، فإن اختلفت كنصف وثلث وسدس جعلت ستة أجزاء بالقيمة لا بالمساحة، فعلم أنه لا بد من علم القيمة عند التجزئة (ويجبر

(1)

الممتنع) منها (عليها) أي قسمة التعديل (في الأظهر)؛ إلحاقا للتساوي في القيمة به في الأجزاء، نعم إن أمكن قسمة الجيد وحده والرديء وحده لم يجبر عليها فهما كأرضين تمكن قسمة كل منهما بالأجزاء فلا يجبر على التعديل. ولا يمنع الإجبار في المنقسم الحاجة إلى بقاء طريق ونحوها مشاعة بينهم يمر كل فيها إلى ما خرج له إذا لم يمكن إفراد كلٍّ بطريق. ولو اقتسما بالتراضي السفل لواحد والعلو لآخر ولم يتعرضا للسطح بقي مشتركا بينهما; لأن السطح تابع كالطريق. (ولو استوت قيمة دارين أو حانوتين) متلاصقين أوْ لا (فطلب جعل كل لواحد فلا إجبار)؛ لتفاوت الأغراض باختلاف المحال والأبنية، نعم لو اشتركا في دكاكين صغار متلاصقة مستوية القيمة لا تحتمل آحادها القسمة فطلب أحدهما قسمة أعيانها أجيب إن زالت الشركة بها وإن نقصت القيمة بالقسمة

(2)

. وخرج بقوله ((كلٍّ لواحدٍ)) ما لو لم يطلب خصوص ذلك فيجبر الممتنع (أو) استوت قيمة متقوم نحو (عبيد أو ثياب من نوع) وصنف

(3)

واحد فطلب جعل كل لواحد كثلاثة أعبد مستوية كذلك بين ثلاثة، وكثلاثة تساوي اثنان منها واحدا بين اثنين (أجبر) إن زالت الشركة بها؛ لقلة اختلاف الأغراض فيها، (أو) من (نوعين) أو صنفين كتركي وهندي وضائنتين شامية ومصرية استوت قيمتهما أم لا وكعبد وثوب (فلا) إجبار؛ لشدة تعلق الغرض بكل نوع. وعند الرضا بالتفاوت في قسمة هي بيع فالمنقول أنه لا يشترط لفظ البيع ولا التمليك. ولمستأجري أرض تناوبها بلا إجبار، وقسمتها حيث لم تؤثر القسمة نقصا فيها، ولا يدخلها الإجبار. ولو ملكا شجرا دون أرضه فإن استحقا منفعتها دائما بنحو وقف لم يجبرا على القسمة; لأن استحقاق المنفعة الدائمة

(1)

. ومال الشارح في فصل تعلق الدين بالتركة إلى منع القسمة فيما إذا كانت التركة شائعة مع حصة شريك الميت وإن رضي الدائن؛ لما في القسمة من التبعيض وقلة الرغبة، كما مال إلى تقييد ذلك بما إذا كانت القسمة بيعا وبما إذا لم تحصل بها الرغبة في اشتراء ما يتميز أي فحينئذ تجوز القسمة لكن برضا الدائن 5/ 112.

(2)

. خلافا لهما في هذه الغاية.

(3)

. اقتصر المغني وشرح المنهج على النوع.

ص: 475

الثَّالِثُ بِالرَّدِّ بِأَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الجَانِبَيْنِ بِئْرٌ أَوْ شَجَرٌ لَا يَمْكُنُ قِسْمَتُهُ فَيَرُدُّ مَنْ يَأْخُذُهُ قِسْطَ قِيمَتِهِ، وَلَا إجْبَارَ فِيهِ، وَهُوَ بَيْعٌ، وَكَذَا التَّعْدِيلُ عَلَى المَذْهَبِ، وَقِسْمَةُ الْأَجْزَاءِ إفْرَازٌ فِي الْأَظْهَرِ

كملكها فلم تنقطع العلقة بينهما، وإن لم يستحقاها كذلك أجبرا وإن

(1)

كانت إفرازا أو تعديلا، ولا نظر لبقاء شركتهما في منفعة الأرض; لأنها بصدد الانقضاء.

النوع (الثالث) القسمة (بالرد) وهي التي يحتاج فيها لرد أحد الشريكين للآخر مالاً أجنبيا (بأن) أي كأن (يكون في أحد الجانبين) ما يتميز به عن الآخر وليس في الآخر ما يعادله إلا بضم شيء من خارج إليه ومنه (بئر أو شجر) مثلا (لا يمكن قسمته فيرد من يأخذه قسط قيمته) أي نحو البئر أو الشجر، فإذا كانت قيمة كل جانب ألفا وقيمة نحو البئر ألفا رد من أخذ جانبها خمسمائة، وما تمكن قسمته ردا وتعديلا فطلب أحدهما الرد والآخر التعديل أجيب من طلب قسمة فيها الإجبار وإلا اشترط اتفاقهما من واحدة بعينها (ولا إجبار فيه) ; لأنه دخله ما لا شركة فيه وهو المال المردود، (وهو) أي هذا النوع وهو قسمة الرد (بيع)؛ لوجود حقيقته وهو مقابلة المال بالمال فتثبت أحكامه من نحو خيار وشفعة، نعم لا يفتقر للفظ نحو بيع أو تمليك وقبول بل يقوم الرضا مقامهما، ولهما الاتفاق على من يأخذ النفيس ويرد، وأن يُحكِّما القرعة ليرد من خرج له (وكذا التعديل) أي قسمته بيع (على المذهب) ; لأن كل جزء مشترك بينهما. (وقسمة الأجزاء) بالإجبار والتراضي (إفراز

(2)

للحق أي يتبين بها أن ما خرج لكل هو الذي ملكه كالذي في الذمة لا يتعين إلا بالقبض (في الأظهر)؛ إذ لو كانت بيعا لما دخلها إجبار، ولما جاز فيها الاعتماد على القرعة. ولا تتأثر القسمة بشرط فاسد إلا إذا كانت بيعا. وقسمة الوقف من الملك لا تجوز إلا إذا كانت إفرازا، ولا رد فيها من المالك وإن كان فيها رد من أرباب الوقف بخلاف ما إذا كانت بيعا فإنها تمتنع مطلقا، وبخلاف ما إذا كانت فيها رد من المالك; لأنه حينئذ يأخذ بإزاء ملكه جزءا من الوقف وهو ممتنع، وقسمة الوقف بين أرباب الوقف تمتنع مطلقا; لأن فيه تغييرا لشرطه، نعم لا منع من

(1)

. في النهاية وفي بعض نسخ الشارح بدون واو.

(2)

. مال الشارح في الأضحية أن للفقراء السبعة قسمة لحم البدنة إن قلنا إنها قسمة إقرار، أما إن قلنا بيع فتمتنع؛ لحرمة بيع اللحم الرطب بمثله 9/ 349.

ص: 476

وَيُشْتَرَطُ فِي الرَّدِّ الرِّضَا بَعْدَ خُرُوجِ الْقُرْعَةِ، وَلَوْ تَرَاضَيَا بِقِسْمَةِ مَا لَا إجْبَارَ فِيهِ اُشْتُرِطَ الرِّضَا بَعْدَ الْقُرْعَةِ فِي الْأَصَحِّ، كَقَوْلِهِمَا رَضِينَا بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ، أَوْ بِمَا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ. وَلَوْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ غَلَطٌ أَوْ حَيْفٌ فِي قِسْمَةِ إجْبَارٍ نُقِضَتْ،

مهايأة رضوا بها كلهم؛ إذ لا تغيير فيها؛ لعدم لزومها. ولو تعدد الواقف جازت القسمة حيث لا رد فيها من أحد الجانبين؛ لاستلزامه حينئذ استبدال جزء وقف بجزء آخر وقف وهو ممتنع، ويؤخذ من هذا أن الواقف لو تعدد واتحد الموقوف عليهم جازت إفرازا بشرط عدم الرد من أحد الجانبين هنا أيضا؛ لاستلزامه الاستبدال ولو مع اتحاد المستحق بخلاف ما لو اتحد الواقف واختلف الموقوف عليهم فلا يجوز مطلقا; لأن فيها تغييرا لشرطه

(1)

. (ويشترط في) قسمة (الرد الرضا) باللفظ (بعد

(2)

خروج القرعة) ; لأنها بيع وهو لا يحصل بالقرعة فافتقر إلى التراضي بعده. (ولو تراضيا بقسمة ما لا إجبار فيه) كقسمة تعديل وإفراز (اشترط) فيما إذا كان هناك قرعة (الرضا بعد القرعة في الأصح كقولهما رضينا بهذه القسمة) أو بهذا (أو بما أخرجته القرعة) أما في قسمة التعديل فلأنها بيع كقسمة الرد، وأما في غيرها فقياسا عليها; لأن الرضا أمر خفي فأنيط بظاهر يدل عليه، ولا يشترط لفظ نحو بيع. فإن لم يُحَكِّما القرعة كأن اتفقا على أن يأخذ أحدهما أحد الجانبين والآخر الآخر، أو أحدهما الخسيس والآخر النفيس ويرد زائد القيمة فلا حاجة إلى تراض ثان، أما قسمة الإجبار فلا يعتبر فيها الرضا لا قبل القرعة ولا بعدها. (ولو ثبت) بإقرار أو علم قاض أو يمين مردودة أو (ببينة) ذكرين عدلين دون غيرهما

(3)

(غلط) ولو غير فاحش (أو حيف) وإن قل (في قسمة إجبار نقضت) كما لو ثبت ظلم قاض أو كذب شاهد، وطريقه أن يحضر قاسمين حاذقين لينظرا أو يمسحا فيعرفا الخلل ويشهدا به، ويلحق بشهادتهما ما لو كان يعرف أنه يستحق ألف ذراع فمسح ما أخذه فإذا هو دون ذلك. ولا يحلف قاسمُ قاضٍ.

(1)

. خلافا لهم فاعتمدوا الجواز فيما إذا اتحد الواقف وتعدد الموقوف عليه والمنع في عكس ذلك، وذلك عكس ما قاله الشارح.

(2)

. أي وقبله عند شيخ الإسلام والمغني.

(3)

. وفاقا للنهاية وخلافا لشيخ الإسلام والمغني.

ص: 477

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَاهُ وَاحِدٌ فَلَهُ تَحْلِيفُ شَرِيكِهِ. وَلَوِ ادَّعَاهُ فِي قِسْمَةِ تَرَاضٍ وَقُلْنَا هِيَ بَيْعٌ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْغَلَطِ، فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى. قُلْتُ: وَإِنْ قُلْنَا إفْرَازٌ نُقِضَتْ إنْ ثَبَتَ، وَإِلَّا فَيَحْلِفُ شَرِيكُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوِ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ المَقْسُومِ شَائِعًا بَطَلَتْ فِيهِ، وَفِي الْبَاقِي خِلَافُ تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ، أَوْ مِنَ النَّصِيبَيْنِ مُعَيَّنٌ سَوَاءٌ بَقِيَتْ، وَإِلَّا بَطَلَتْ

(فإن لم يكن بينة وادعاه) أي ادعى الغلط أو الحيف (واحد) من الشريكين أو الشركاء على شريكه وبيَّن قدر ما ادعاه (فله تحليف شريكه) أنه لا غلط، أو أن لا زائد معه، أو أنه لا يستحق عليه ما ادعاه ولا شيئا منه، فإن حلف مضت وإلا وحلف المدعي نقضت كما لو أقر. ولا تسمع الدعوى على القاسم من جهة الحاكم; لأنه لو أقر لم تنقض، نعم بحث الزركشي سماعها عليه رجاء أن يثبت حيفه فيرد الأجرة ويغرم كما لو قال قاض غلطت في الحكم أو تعمدت الحيف (ولو ادعاه في قسمة تراض) في غير ربوي بأن نصبا لهما قاسما أو اقتسما بأنفسهما ورضيا بعد القسمة (وقلنا هي بيع) بأن كانت تعديلا أو ردا (فالأصح أنه لا أثر للغلط فلا فائدة لهذه الدعوى) وإن تحقق الغبن؛ لرضا صاحب الحق بتركه فصار كما لو اشترى شيئا وغبن فيه. إما ربوي تحقق غلط في كيله أو وزنه فالقسمة باطلة لا محالة؛ للربا (قلت: وإن قلنا إفراز) بأن كانت بالأجزاء (نقضت إن ثبت) بحجة; لأنه لا إفراز مع التفاوت (وإلا) يثبت (فيحلف شريكه والله أعلم) نظير ما مر في قسمة الإجبار. ولو أقرا بصحة القسمة وأن كُلَّاً تسلم ما يخصه ثم ادعى أحدهما أن شريكه تعدى بأخذ أكثر من حصته لأن الحد هذا وقال المدعى عليه بل الحد هذا لم يقبل قول المدعي؛ لأن المدعى عليه صاحب يد ويدعي المدعي غصبه والأصل عدمه. (ولو استُحق بعض المقسوم شائعا) كالربع (بطلت فيه وفي الباقي خلاف تفريق الصفة) والأظهر منه أنه يصح ويتخير كل منهم (أو) استحق (من النصيبين) شيء (معين) فإن كان بينهما (سواء بقيت) القسمة في الباقي؛ إذ لا تراجع بين الشريكين (وإلا) يكن سواء بأن اختص بأحد النصيبين أو عمهما لكنه في أحدهما أكثر (بطلت) ; لأن ما يبقى لكل ليس قدر حقه بل يحتاج أحدهما إلى الرجوع على الآخر وتعود الإشاعة. ولو بان فساد القسمة وقد أنفق أو زرع أو بنى مثلا أحدهما أو كلاهما لم يلزم كل شريك هنا من أرش نحو القلع إلا قدر حصته; لأن التغرير من جهته إنما هو فيه لا غير.

ص: 478

[تنبيه] القرعة ليست شرطاً لصحة القسمة، فلو تراضى الشريكان بقسمة المشترك جاز ولو بلا قرعة. ولو قسم بعضهم في غيبة الباقين وأخذ قسطه فلما علموا قرروه صحت من حين التقرير

.

[فرع] طلب أحد الشركاء من الحاكم قسمة ما بأيديهم

(1)

لم يجبهم حتى يثبتوا ملكهم

(2)

وإن لم يكن لهم منازع

; لأن تصرف الحاكم في قضيةٍ طُلب منه فصلها حكم

(3)

وهو لا يكون بقول ذي الحق، وسمعت البينة -وهي هنا غير شاهد ويمين

(4)

- مع عدم سبق دعوى؛ للحاجة

(5)

.

(1)

. محله إذا كانت يدهم مجرده، أما لو انظم لليد تصرف طالت مدته وخلا عن منازع فيكتفي بها حينئذ كما قيده الشارح في كتاب التفليس 5/ 128، ثم أفاد أنه يشترط ثبوت الملك أو الحيازة بشرطها في بيع مال كل مدين ممتنع.

(2)

. وإن أقر من بأيديهم على التصرف فيه، والفرق أن القسمة تقتضي حكم الحاكم بثبوت الملك لهم فتوقف على البينة بخلاف التسجيل 5/ 178.

(3)

. أي فيما رفع إليه وطلب منه فصله كما فسره في الفلس بذلك 5/ 128.

(4)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني والأسنى.

(5)

. وذكر الشارح قبيل الحوالة أن ابن الصلاح أفتى فيمن له أرض وبها غراس يتصرف فيه غيره تصرف الملاك مدة طويلة بلا منازع أنه يصدق في دعوى ملكه الغراس بيمينه 5/ 225.

ص: 479

‌كتاب الشهادات

شرَْطُ الشَّاهِدِ: مُسْلِمٌ حُرٌّ مُكَلَّفٌ عَدْلٌ ذُو مُرُوءَةٍ غَيْرُ مُتَّهَمٍ

(كتاب الشهادات)

جمع شهادة، وهي: اصطلاحا إخبار الشخص بحق على غيره بلفظ خاص. والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} البقرة: 282. وأركانها شاهد ومشهود له وعليه وبه وصيغة (شرط الشاهد مسلم حر مكلف عدل

(1)

ذو مروءة غير متهم) ناطق رشيد متيقظ، فلا تقبل شهادة أضداد هؤلاء ككافر ولو على مثله; لأنه أخس الفساق، ولا من فيه رق؛ لنقصه، ومن ثم لم يتأهل لولاية مطلقا، ولا صبي ومجنون إجماعا، ولا فاسق؛ لقوله تعالى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} الطلاق: 2، ولا غير ذي مروءة; لأنه لا حياء له ومن لا حياء له يقول ما شاء؛ للخبر الصحيح ((إذا لم تستح فاصنع ما شئت))، ولا متهم؛ لقوله تعالى {وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا} البقرة: 282 والريبة حاصلة بالمتهم، ولا أخرس وإن فهم إشارته كل أحد; لأنها لا تخلو عن احتمال، ولا محجور عليه بسفه؛ لنقصه، ولا مغفل، ولا أصم في مسموع، ولا أعمى في مُبْصَر كما يأتي. ومن التيقظ ضبط ألفاظ المشهود عليه بحروفها من غير زيادة فيها ولا نقص، ومن ثم لم تجوز

(2)

الشهادة بالمعنى ولا تقاس بالرواية؛ لضيقها ولأن المدار هنا على عقيدة الحاكم لا الشاهد فقد يحذف أو يغيِّر ما لا يؤثر عند نفسه ويؤثر عند الحاكم، نعم لا يبعد جواز التعبير بأحد الرديفين عن الآخر إن ساواه من كل وجهٍ وحيث لا إيهام كما يشير لذلك قولهم لو قال شاهد وكَّله أو قال قال وَكَّلْتُهُ وقال الآخر فوَّض إليه أو أنابه قبلا، أو قال واحد:((قال وكلتُ)) وقال الآخر: ((قال فوضتُ إليه)) لم يقبلا; لأن كلا أسند إليه لفظا مغايرا للآخر وكأن الفرض أنهما اتفقا على اتحاد اللفظ الصادر منه وإلا فلا مانع أن كلا سمع ما ذكره في مرة، ويجري ذلك في قول أحدهما قال القاضي ثبت عندي طلاق فلانة والآخر قال ثبت عندي طلاق هذه فلا يكفي بخلاف قول واحد ثبت عنده طلاق فلانة وآخر ثبت عنده طلاق هذه وهي تلك فإنه يكفي اتفاقا. ولو شهد له واحد بألف وآخر بألفين ثبت الألف وله الحلف مع

(1)

. ويقبل خبر العدل وإن شك فيه كما أفاده الشارح في كتاب الصلاة 1/ 438.

(2)

. خلافا لشيخ الإسلام والغزي.

ص: 483

وَشَرْطُ الْعَدَالَةِ اجْتِنَابُ الْكَبَائِرِ، وَالْإِصْرَارِ عَلَى صَغِيرَةٍ

الشاهد بالألف الزائدة. ولو أخبر عدل الشاهد بمضاد شهادته فإن اعتقد

(1)

صدقه جاز ترك شهادته وإلا فلا، ولا يكفي الظن هنا. ومن شهد بإقرار مع علمه باطنا بما يخالفه لزمه أن يخبر به.

(وشرط العدالة اجتناب) كل كبيرة من أنواع (الكبائر) ; لأن مرتكب الكبيرة فاسق، وهي وما في معناها كل جريمة تؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين ورقة الديانة

(2)

(و) اجتناب (الإصرار على صغيرة) أو صغائر من نوع واحد أو أنواع بأن لا تغلب طاعاته صغائره، فمتى ارتكب كبيرة بطلت عدالته مطلقا، أو صغيرة داوم عليها

(3)

أو صغائر داوم عليها أوْ لا فإن غلبت طاعاته صغائره فهو عدل، ومتى استويا أو غلبت صغائره فهو فاسق. ويظهر ضبط الغلبة بالنسبة لتعداد صور هذه وصور هذه من غير نظر إلى تعدد ثواب الحسنة، ويجري ذلك

(4)

في المروءة والمخل بها بناء على اعتبار الغلبة ثَمّ كما هنا فإن غلبت أفرادها لم تؤثر وإلا ردت شهادته، نعم كل صغيرة تاب عنها لا تدخل في العد.

[تنبيه] من الكبائر

(5)

غيبة غير الفاسق بخلاف الفاسق فإن أصر بمعاصيه فغيبته صغيرة أو جاهر بها فلا تحرم غيبته، ومن الكبائر أيضاً ترك تعلم ما يتوقف عليه صحة ما هو فرض عين عليه لكن من المسائل الظاهرة لا الخفية، فمن لم يعرف بعض أركان أو شروط نحو الوضوء أو الصلاة لا تقبل شهادته، نعم محله في غير من اعتقد أن كل أفعال نحو الصلاة فرض، أو بعضها فرض ولم يقصد بفرض معيّن النفلية فتصح شهادته هذا

(6)

؛ لصحة صلاته

(1)

. أي فلا يكفي الظن خلافا للنهاية ووالده.

(2)

. خلافا للأسنى والمغني فاختارا حدها بما فيه وعيد شديد بنص الكتاب أو السنة.

(3)

. قيد بالدوام في شرح المنهج، وكلام الشارح محمول عليه.

(4)

. خلافا للنهاية.

(5)

. ومنها قتل الصيد كما بحثه الشارح في الحج 4/ 188، ومنها الغصب والمطل كما أفاده الشارح في الحوالة 5/ 226، وقال الشارح في باب ما يحرم من النكاح ((قال الشافعي رضي الله عنه ومن زعم أنه رآهم- أي الجن- ردت شهادته و عزر لمخالفته القرآن))، وكأن المصنف أخذ منه قوله ((من منع التفضيل بين الأنبياء عزر؛ لمخالفته القرآن)) 7/ 297.

(6)

. خلافا للنهاية.

ص: 484

وَيَحْرُمُ اللَّعِبُ بِالنَّرْدِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَيُكْرَهُ بِشَِطْرَنْجٍ، فَإِنْ شُرِطَ فِيهِ مَالٌ مِنْ الجَانِبَيْنِ فَقِمَارٌ مُحَرَّمٌ

كما مر، ولا تعتبر هذه كبيرة

(1)

. (ويحرم اللعب بالنرد

(2)

على الصحيح)؛ لخبر مسلم ((من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه))، وهو صغيرة، وفارق الشطرنج بأن معتمده الحساب الدقيق والفكر الصحيح ففيه تصحيح الفكر ونوع من التدبير ومعتمد النرد الحزر والتخمين المؤدي إلى غاية من السفاهة والحمق، ويقاس بهما كل ما في معناهما من أنواع اللهو فكل ما معتمده الحساب والفكر كالمنقلة -حفر أو خطوط ينقل منها وإليها حصى بالحساب- لا يحرم، ومحله في المنقلة إن لم يكن حسابهما تبعا لما يخرجه الطاب الآتي وإلا حرمت. وكل ما معتمده التخمين يحرم، ومن القسم الثاني الطاب -عِصي صغار ترمى وينظر للونها ليرتب عليه مقتضاه الذي اصطلحوا عليه- ومن ذلك أيضا الكنجفة -وهي أوراق فيها صور- ويجوز اللعب بالخاتم وبالحمام إن خليا عن مال وخلى اللعبُ بالحمام عمّا عُرف لأهله من خلعهم جلباب الحياء والمروءة والتعصب وإلا ردت شهادتهم، ويقاس بهم ما كثر واشتهر من أنواع حدثت من الجري وحمل الأحمال الثقيلة والنطاح بنحو الكباش وغير ذلك من أنواع السفه واللهو، (ويكره) اللعب (بشَِطرنج) ; لأنه يلهي عن الذكر والصلاة في أوقاتها الفاضلة بل كثيرا ما يستغرق فيه لاعبه حتى يخرج به عن وقتها، وهو حينئذ فاسق غير معذور بنسيانه؛ لأن الغفلة نشأت من تعاطيه للفعل الذي من شأنه أن يلهي عن ذلك فكان كالمتعمد؛ لتفويته، ويجري ذلك في كل لهو ولعب مكروه مشغل للنفس ومؤثر فيها تأثيرا يستولي عليها حتى تشتغل به عن مصالحها الأخروية، بل وفي حكم ذلك شغل النفس بكل مباح; لأنه كما يجب تعاطي مقدمات الواجب يجب تعاطي مقدمات ترك مفوتاته، والكلام فيمن جرب من نفسه أن اشتغاله بذلك المباح يلهيه حتى يفوت به الوقت

(3)

، ثم محل حل لعب الشطرنج إن لعب مع معتقد حله وإلا حرم; لأنه يعينه على معصية حتى في ظن الشافعي; لأنا نعتقد أنه يلزمه العمل باعتقاد إمامه (فإن شرط فيه مال من الجانبين فقمار محرم) إجماعا بخلافه من أحدهما ليبذله إن غُلب ويمسكه إن غَلَب فإنه ليس بقمار، وإنما هو عقد مسابقة فاسدة; لأنه

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. لعبة ذات صندوق وحجارة وفصين تعتمد على الخطر وتنقل فيه الحجارة على حسب ما يأتي به الفص وتعرف عند العامة بالطاولة، المعجم الوسيط.

(3)

. هنا مقولة ردها الشارح وأقرها الأسنى.

ص: 485

وَيُبَاحُ الحُِدَاءُ وَسَمَاعُهُ. وَيُكْرَهُ الْغِنَاءُ بِلَا آلَةٍ، وَسَمَاعُهُ. وَيَحْرُمُ اسْتِعْمَالُ آلَةٍ مِنْ شِعَارِ الشَّرَبَةِ كَطُنْبُورٍ وَعُودٍ وَصَنْجٍ وَمِزْمَارٍ عِرَاقِيٍّ وَ اسْتِمَاعُهَا،

على غير آلة قتال، ومع كونه ليس قمارا هو محرم من جهة أن فيه تعاطي عقد فاسد وهو صغيرة لكن أخذ المال كبيرة، وترد الشهادة به إن اقترن به أخذ مال أو فحش أو داوم عليه أو لعبه على الطريق أو كان فيه صورة حيوان (ويباح) بل يندب (الحُِداء) وهو ما يقال خلف الإبل من رجز وغيره (وسماعه) واستماعه; لأنه صلى الله عليه وسلم أقر فاعله. (ويكره الغِناء بلا آلة وسماعه) يعني استماعه لا مجرد سماعه بلا قصد؛ لما صح عن ابن مسعود أنه ينبت النفاق في القلب، نعم إن كان في الغناء وصف نحو خمر أو تشبيب بأمرد أو أجنبية ونحو ذلك مما يحمل غالبا على معصية فإنه حرام. أما ما اعتيد عند محاولة عمل وحمل ثقيل كحداء الأعراب لإبلهم وغناء النساء لتسكين صغارهم فلا شك في جوازه بل ربما يندب إذا نشط على سير أو رغَّب في خير كالحداء في الحج والغزو. ومما يحرم اتفاقا سماعه من أمرد أو أجنبية مع خشية فتنة، ثم إن اقترن الغناء بآلة فالتحريم للآلة فقط ويبقى الغناء على الكراهة

(1)

.

[فرع] يسن تحسين الصوت بقراءة القرآن

، وأما تلحينه فإن أخرجه إلى حد لا يقول به أحد من القراء حرم وإلا فلا. (ويحرم استعمال آلة من شعار الشربة كطُنبور

(2)

وعود) ورباب

(3)

وجنك

(4)

وسنطير

(5)

وكمنجة

(6)

(وصَنج) وهو صفر يجعل عليه أوتار يضرب بها، أو قطعتان من صفر تضرب إحداهما بالأخرى وكلاهما حرام (ومزمار عراقي) وسائر أنواع الأوتار والمزامير (واستماعها) ; لأن اللذة الحاصلة منها تدعو إلى فساد كشرب الخمر لاسيما من قرب عهده بها ولأنها شعار الفسقة والتشبه بهم حرام. وخرج باستماعها سماعها من غير قصد فلا يحرم، نعم يباح استماع آلة اللهو إذا نفعت من مرض فيباح لمن به ذلك المرض وتعين الشفاء في سماعه بقول طبيبين عدلين.

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للروض وشيخ الإسلام والمغني فاعتمدا حرمتها.

(2)

. آلة من آلات اللعب واللهو والطرب ذات عنق وأوتار، المعجم الوسيط.

(3)

. هي آلة وترية شعبية ذات وتر واحد، المعجم الوسيط.

(4)

. الطنبور، المعجم الوسيط.

(5)

. آلة من آلات الطرب تشبه القانون أوتارها في نحاس يضرب عليها، المعجم الوسيط.

(6)

. آلة طرب ذات أربعة أوتار وقوس، المعجم الوسيط.

ص: 486

لَا يَرَاعٍ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ تَحْرِيمُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَيَجُوزُ دُفٌّ وَاسْتِمَاعُهُ لِعُرْسٍ وَخِتَانٍ، وَكَذَا غَيْرُهُمَا فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ جَلَاجِلُ. وَيَحْرُمُ ضَرْبُ الْكُوبَةِ، وَهِيَ طَبْلٌ طَوِيلٌ ضَيِّقُ الْوَسَطِ. لَا الرَّقْصُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَكَسُّرٌ كَفِعْلِ المُخَنَِّثِ

(لا يراع) وهو الشبابة سميت بذلك؛ لخلو جوفها، ومن ثم قالوا لمن لا قلب له رجل يراع فلا يحرم (في الأصح)؛ لخبر فيها (قلت الأصح تحريمه والله أعلم) ; لأنه مطرب بانفراده (ويجوز دف) أي ضربه (واستماعه) بل يسن (لعرس) ; لأنه صلى الله عليه وسلم أقرّ جويريات ضربن به حين بنى علي بفاطمة كرم الله وجههما (وختان) ; لأن عمر رضي الله عنه كان يقره فيه كالنكاح وينكره في غيرهما (وكذا غيرهما) من كل سرور (في الأصح)؛ لخبر الترمذي أنه صلى الله عليه وسلم لمّا رجع إلى المدينة من بعض مغازيه قالت له جارية سوداء إني نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف فقال لها ((إن كنت نذرت أوفي بنذرك))، ويندب بقصد السرور بقدوم نحو عالم لنفع المسلمين؛ إذ المباح لا ينعقد نذره ولا يؤمر بوفائه، وأُخذ من الحديث ندبه في كل وسيلة لقربة عامة

(1)

، ويباح أو يسن عند من قال بندبه (وإن كان فيه جلاجل)؛ لإطلاق الخبر، وادِّعاء أنه لم يكن بجلاجل يحتاج لإثباته، وهي إما نحو حلق تجعل داخله كدف العرب أو صنوج عراض من صفر تجعل في خروق دائرته كدف العجم، ولا فرق بين ضربه من رجل أو امرأة (ويحرم ضرب الكُوبة) ويحرم استماعه أيضا (وهي طبل طويل ضيق الوسط) واسع الطرفين لكن أحدهما الآن أوسع من الآخر الذي لا جلد عليه؛ للخبر الصحيح ((إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة))، وتحل بقية الطبول عداها

(2)

(لا الرقص) فلا يحرم ولا يكره; لأنه مجرد حركات على استقامة أو اعوجاج ولأنه صلى الله عليه وسلم أقر الحبشة عليه في مسجده يوم عيد.

[تنبيه] أرباب الأحوال إن ادعوا حِلَّ شيء مما مر حكمنا بفسقهم وإن كان لهم نوع عذر، وسائر ما يُحكى عن الصوفية مما يخالف ظواهر الشرع لا يحتج به؛ لأنه إن صدر في حال تكليفهم فهم كغيرهم أو مع غيبتهم لم يكونوا مكلفين به

(3)

(إلا أن يكون فيه تكسر كفعل المخنَِّث) -فيحرم على الرجال والنساء- وهو من يتخلق بخلق النساء حركة وهيئة، وعليه

(1)

. ذكره الشارح في النذر.

(2)

. أي ولو كانت طبول لهو خلافا للمغني والأسنى ووفاقا للنهاية.

(3)

. ذكره الشارح في الردة.

ص: 487

وَيُبَاحُ قَوْلُ شِعْرٍ وَإِنْشَادُهُ إلَّا أَنْ يَهْجُوَ أَوْ يُفْحِشَ، أَوْ يُعَرِّضَ بِامْرَأَةٍ مُعَيَّنَةٍ. وَالمُرُوءَةُ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ أَمْثَالِهِ فِي زَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، فَالْأَكْلُ فِي سُوقٍ، وَالمَشْيُ مَكْشُوفَ الرَّأْسِ، ....

حملت الأحاديث بلعنه، أما من يفعل ذلك خلقة من غير تكلف فلا يأثم به (ويباح قول) أي إنشاء (شعر وإنشاده) واستماعه; لأنه صلى الله عليه وسلم كان له شعراء يصغي إليهم كحسان رضي الله عنه. ويستحب منه ما حذر عن معصية أو حث على خير (إلا أن يهجو) في شعره معينا

(1)

غير حربي -وإن تأذى قريبه المسلم بخلاف الذمي; لأنه معصوم- وغير مرتد وغير متجاهر بفسق وغير مبتدع ببدعته فيحرم هجاء غير من مر وإن كان مهدراً بنحو زنى أو صدق فيما هجاه به أو كان بتعريض، وترد به شهادته؛ للإيذاء، وإثم حاكيه دون منشئه إلا أن يكون هو المذيع له فيكون إثمه أشد (أو يُفْحِش) أي يجاوز الحد في الإطراء في المدح ولم يمكن حمله على المبالغة فيحرم أيضا; لأنه حينئذ كذب، وترد به الشهادة إن أكثر منه وإن قصد إظهار الصنعة لا إيهام الصدق (أو يُعَرِّض بامرأة معينة) بأن يذكر صفاتها من نحو طول وحسن وصدغ وغيرها فيحرم أيضا وترد به شهادته لما فيه من الإيذاء وهتك الستر إذا وصف الأعضاء الباطنة، ومحله في غير حليلته أما هي فإن ذكر منها ما حقه الإخفاء كما يتفق بينهما عند الخلوة حرم

(2)

وردت شهادته أيضا وإلا فلا; لأن كعب بن زهير رضي الله عنه شبَّب بزوجته بنت عمه سعاد في قصيدته بانت سعاد المشهورة. وفي حكم المرأة الأمرد المعين. وخرج بالمعينة غيرها فلا إثم فيه ولا ترد به الشهادة; لأن غرض الشاعر تحسين صنعته لا تحقيق المذكور فيه، ومحله إن لم يكثر منه. ويقع لبعض فسقة الشعراء نصب قرائن تدل على التعيين وهذا لا شك أنه معين (والمروءة تخلق بخلق أمثاله في زمانه ومكانه) ; لأن الأمور العرفية تختلف بذلك غالبا بخلاف العدالة فإنها مَلَكَة راسخة في النفس لا تتغير بعروض مناف لها، والمراد بخلق أمثاله المباحة غير المزرية به فلا نظر لخلق القلندرية في حلق اللحى ونحوها (فالأكل في سوق والمشي) فيه (مكشوف الرأس) أو البدن غير العورة، أو كشف ذلك فيها وإن لم يمشِ ممن لا يليق به ذلك

(3)

وإن كان الأكل ماشيا لتافه -ما لم يكن خاليا- يسقطها؛ لما ورد أن ((الأكل في السوق

(1)

. ظاهر المغني والأسنى أن كونه معينا ليس قيدا.

(2)

. خلافا لهم من اعتماد الكراهة.

(3)

. راجع لجميع ما مر.

ص: 488

وَقُبْلَةُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ بِحَضْرَةِ النَّاسِ، وَإِكْثَارُ حِكَايَاتٍ مُضْحِكَةٍ، وَلُبْسُ فَقِيهٍ قِبَاءً وَقَلَنْسُوَةٍ حَيْثُ لَا يُعْتَادُ، وَإِكْبَابٌ عَلَى لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ أَوْ غِنَاءٍ أَوْ سَمَاعِهِ، وَإِدَامَةُ رَقْصٍ يُسْقِطُهَا،

دناءة))، ومثله الشرب إلا إن صدق جوعه أو عطشه، أو كان يأكل حيث وجد لتقلله

(1)

وبراءته من التكلف العادي، أو كان صائما مثلا فقصد المبادرة بسنة الفطر؛ لعذره، نعم إن أكل في سوق مستتر في حانوت لم تسقط مروءته بشرط أن يليق به ذلك بخلاف من لا يليق به فتسقط. (وقبلة زوجة) ولو في ليلة جلائها (أو أمة) في نحو فمها -لا رأسها- أو وضع يده على نحو صدرها (بحضرة الناس) أو أجنبي يسقطها بخلافه بحضرة جواريه أو زوجاته، (وإكثار حكايات مضحكة) للحاضرين أو فعل خيالات كذلك بأن يصير ذلك عادة له بل جاء في الخبر الصحيح ((من تكلم بالكلمة يضحك بها جلساءه يهوي بها في النار سبعين خريفا)) ما يفيد أنه حرام بل كبيرة لكن يتعين حمله على كلمة في الغير بباطل يضحك بها أعداءه

(2)

; لأن في ذلك من الإيذاء ما يعادل ما في كبائر كثيرة.

[تنبيه] اختلف في خصوصية الإكثار بالحكايات فقط، والأوجه اعتبار الإكثار أيضا في نحو الأكل بسوق ومد الرجل بحضرة الناس بخلاف نحو قبلة حليلة بحضرة الناس في طريق

(ولبس فقيه قباء وقلنسوة) وهي ما يلبس على الرأس وحده، وتاجر ثوب نحو جمال وهذا ثوب نحو قاض، ونحو ذلك من كل ما يفعل (حيث) أي بمحل (لا يعتاد) مثله فيه

(3)

. (وإكباب على لعب الشطرنج) أو فعله بنحو طريق وإن قلّ، ويأتي في حضوره هذا التفصيل (أو) على (غناء) وإن كان حرفته (أو) على (سماعه) أي استماعه أو اتخاذ امرأة أو أمرد ليغني للناس ولو من غير إكباب (وإدامة رقص) أي ممن يليق به، أما غيره فيسقطها منه مرة، ومد الرجل بحضرة من يحتشمه بلا عذر (يسقطها)؛ لمنافاة ذلك كله لها.

(1)

. أي عده نفسه حقيرا، علي الشبراملسي.

(2)

. باعتبار ما يكون يوم القيامة.

(3)

. وتخرم مروءة فقيه لبس عمامة سوقي، ولو اطردت عادة محل بإزراء العمامة من أصلها لم تنخرم بها المروءة كما ذكره الشارح في اللباس 3/ 36، وذكر في موضع آخر منه أن محل سنية التطيلس إذا لم تنخرم به مروءتُهُ، وإلا كلبس سوقي طيلسان فقيه كره واختلت به مروءته به، وقد تختل المروءة بترك التطيلس فيكره بل يحرم إن كان مخلا لشهادة 3/ 38 - 39.

ص: 489

وَالْأَمْرُ فِيهِ يَخْتَلِفُ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَمَاكِنِ، وَحِرْفَةٌ دَنِيئَةٌ كَحِجَامَةٍ وَكَنْسٍ وَدَبْغٍ مِمَّنْ لَا تَلِيقُ بِهِ تُسْقِطُهَا، فَإِنْ اعْتَادَهَا وَكَانَتْ حِرْفَةَ أَبِيهِ فَلَا فِي الْأَصَحِّ. وَالتُّهَمَةُ أَنْ يَجُرَّ إلَيْهِ نَفْعًا أَوْ يَدْفَعَ عَنْهُ ضَرَّاً فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ

[تنبيه] يحرم تعاطي خارم المروءة إن تعلقت به شهادة وإلا فلا; لأنه يحرم عليه التسبب في إسقاط ما تحمله وصار أمانة عنده لغيره

(والأمر فيه) أي جميع ما ذكر (يختلف بالأشخاص والأحوال والأماكن) ; لأن المدار على العرف كما مر فقد يستقبح من شخص وفي حال أو مكان ما لا يستقبح من غيره أو فيه، نعم نحو القبلة وإكثار الضحك والشطرنج تسلبها مطلقا.

[تنبيه] من دخل بلدا فتزيا بزي أهلها لا تنخرم مروءته به، ومحله إن سُلِّم ما إذا تزيا بزي أهل حرفته ولم يعد أهل ذلك المحل أن تزييه بزي غير بلده مزرٍ به مطلقا

(وحرفة دنيئة كحجامة وكنس ودبغ) وحياكة وحراسة وقيامة

(1)

حمام وجزارة (ممن لا تليق) هذه (به تسقطها)؛ لإشعارها بقلة مبالاته (فإن اعتادها) أي لاقت به (وكانت) مباحة سواء أكانت (حرفة أبيه) أم لم تكن (فلا) تسقطها (في الأصح) ; لأنه لا يعتبر بذلك، أما ذو حرفة محرمة كمُنَجِّم ومُصَوِّر فلا تقبل شهادتهم مطلقا، (والتُّهَمَة) في الشخص التي مر أنها تمنع الشهادة (أن يجر) بشهادته (إليه) أو إلى من لا تقبل شهادته له (نفعا أو يدفع عنه) أو عمن ذكر بها (ضرا) ويضر حدوثها قبل الحكم لا بعده، فلو شهد لأخيه بمال فمات وورثه قبل استيفائه فإن كان بعد الحكم أخذه وإلا فلا، وكذا لو شهد بقتل فلان لأخيه الذي له ابن ثم مات وورثه فإن صار وارثه بعد الحكم لم يُنقض أو قبله لم يحكم له، (فترد شهادته لعبده) المأذون له في التجارة وغيره; لأن ما يشهد به هو له، وقضيته قبوله له بأن شخصا قذفه (ومكاتبه) ; لأنه ملكه وقد يعجز أو يعجزه فيعود له ماله، وشريكه بالمشترك لكن إن قال لنا أو بيننا بخلاف ما إذا قال لزيد ولي فتصح لزيد لا له. وشرطه تقدم الصحيح كما مر في تفريق الصفقة، وأن لا يعود له شيء مما يثبت لزيد كوارثين لم يقبضا فإن ما ثبت لأحدهما يشاركه فيه الآخر. ولو اقتسموا أرضا وانفرد كلٌّ بحد فتنازع اثنان في حد بينهما لم تقبل شهادة الآخرين على ما أفتى به بعضهم؛ للشركة المتقدمة ودفع ضرر فسخ القسمة لو وقع، ويؤخذ منه أن كل من باع عينا

(1)

. قيم الأمر مقيمه ومدبره، لسان العرب.

ص: 490

وَغَرِيمٍ لَهُ مَيِّتٍ أَوْ عَلَيْهِ حَجْرُ فَلَسٍ، وَبِمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ، وَبِبَرَاءَةِ مَنْ ضَمِنَهُ، وَجِرَاحَةِ مُوَرِّثِهِ، وَلَوْ شَهِدَ لِمُوَرِّثٍ لَهُ مَرِيضٍ أَوْ جَرِيحٍ بِمَالٍ قَبْلَ الِانْدِمَالِ قُبِلَتْ فِي الْأَصَحِّ.

لا تقبل شهادته فيها بما يدفع عنه ضرر فسخ البيع فيها لو وقع (وغريم له ميت) وإن لم تستغرق تركته الديون، أو مرتد (أو عليه حجر فلس) ; لأنه إذا أثبت له شيئا أثبت لنفسه المطالبة به حتى في المرتد; لأن ديونه تقضى من ماله على جميع الأقوال بخلاف غريمه الحي ولو معسرا لم يحجر عليه؛ لتعلق الحق بذمته، (و) برضاع بين موليته وخاطبها الذي عضل عنه، أو (بما) مراده فيما (هو وكيل

(1)

أو وصي أو قيم

(2)

(فيه) لموكله سواء أشهد به نفسه أم بشيء يتعلق به كوقوع عقد فيه وغيره; لأنه يثبت لنفسه سلطنة التصرف في المشهود به، وكذا وديع لمودعه ومرتهن لراهنه؛ لتهمة بقاء يدهما. ولو عزل نحو وكيل نفسه قبل الخوض في شيء من المخاصمة -التي بين يدي القاضي- قُبِل

(3)

، أو بعد الخوض في شيء منها فلا وإن طال الفصل. أما ما ليس وكيلا أو وصيا أو قيما فيه فيُقبل، ومِن حِيَل شهادة الوكيل ما لو باع الوكيل فأنكر المشتري الثمن أو اشترى فادعى أجنبي بالمبيع فله في الصورة الأولى أن يشهد لموكله بأن له عليه كذا، وله في الصورة الثانية أن يشهد بأن هذا ملكه إن جاز له أن يشهد به للبائع، ولا يذكر أنه وكيل، ويحل ذلك باطنا ولذا وجب على وكيل طلاق أنكره موكله أن يشهد حسبة أن زوجة هذا مطلقة. ويؤيد الجواز قول أبي زرعة بنظيره فيمن له دين عجز عن إثباته فاقترض من آخر قدره وأحاله به وشهد له ليحلف معه إن صدقه في أن له عليه ذلك الدين، (وببراءة من ضمنه) الشاهد أو نحو أصله أو فرعه أو عبده; لأنه يدفع بها الغرم عن نفسه أو عمن لا تقبل شهادته له، (وجراحة مورثه) غير بعضه قبل اندمالها; لأنها تفضي للموت الذي هو السبب في انتقال الأرش من المورِّث إليه، وبه فارق قبولها في قوله:(ولو شهد لمورث له مريض أو جريح بمال قبل الاندمال قبلت في الأصح)؛ لعدم التهمة كما تقرر، نعم لو مات مورثه قبل الحكم امتنع; لأنه الآن شاهد لنفسه كما مر، ولو شهد على مورثه بما

(1)

. نعم تقبل شهادته على موكله مطلقا، وله فيما لم يوكله فيه، وفيما وكل فيه إن انعزل قبل الخوض في الخصومة كما ذكره الشارح في الوكالة 5/ 306.

(2)

. ذكر الشارح في فصل آداب القضاء أنه لو شهد القاضي بمال للوقف قبل ولايته عليه قبل، أو الوصي بمال لموليه قبل الوصية لم تقبل 10/ 139.

(3)

. أي إن لم توجد عداوة بينه وبين خصم الموكل فعزل نفسه كي تقبل شهادته.

ص: 491

وَتُرَدُّ شَهَادَةُ عَاقِلَةٍ بِفِسْقِ شُهُودِ قَتْلٍ. وَغُرَمَاءِ مُفْلِسٍ بِفِسْقِ شُهُودِ دَيْنٍ آخَرَ. وَلَوْ شَهِدَا لِاثْنَيْنِ بِوَصِيَّةٍ فَشَهِدَا لِلشَّاهِدَيْنِ بِوَصِيَّةٍ مِنْ تِلْكَ التَّرِكَةِ قُبِلَتِ الشَّهَادَتَانِ فِي الْأَصَحِّ. وَلَا تُقْبَلُ لِأَصْلٍ وَلَا فَرْعٍ،

يوجب قتله قُبل وإن قلنا أنه يرثه حينئذٍ

(1)

. (وترد شهادة عاقلة بفسق شهود قتل) يحملونه (و) ترد شهادة (غرماء مفلس) حجر عليه (بفسق شهود دين آخر) ظهر عليه; لأنهم يدفعون مزاحمته لهم. وتقبل شهادة مدين بموت دائنه وإن تضمنت نقل ما عليه لوارثه; لأنه خليفته، لا بعد موته عن أخ بأن له ابنا مجهولا؛ لنقله ما استحقه الأخ عليه ظاهرا، وأُخذ منه أن من أثبت وصية له بما تحت يد الوصي فشهد بأنه وصية لآخر لم تقبل; لأنه ينقله عمن ثبت له مطالبته به. ولو شهد عدلان من الفقراء أنه أوصى بثلث ماله للفقراء قبلت أو لنا لم تقبل، ومحله إن كان في البلد فقراء غير محصورين، وحينئذ يدخل في الوصية الشاهدان، ومثل الوقف الوصية. (ولو شهدا لاثنين بوصية) مثلا (فشهدا) أي الاثنان المشهود لهما (للشاهدين بوصية من تلك التركة) ولو في عين واحدة ادعى كل نصفها (قبلت الشهادتان في الأصح)؛ لانفصال كل شهادة عن الأخرى مع أصل عدم المواطأة المانع منها عدالتهما، وأُخذ منه أنه لو كانت عين بيد اثنين فادعاها ثالث فشهد كل للآخر أنه اشترى من المدعي قُبِل؛ إذ لا يد لواحد منهما على ما ادعى به على غيره حتى يدفع بشهادته الضمان عن نفسه بخلاف من ادُّعيَ عليه بشيء فشهد به لآخر، وكذلك تجوز شهادة بعض القافلة لبعض على القطاع بشرط أن لا يقول أخذ مالنا أو نحوه، ويظهر أن مثله أخَذَ ماله ومالي؛ للتهمة هنا أيضا. وتجوز شهادة غاصب بعد الرد والتوبة بما غصبه لأجنبي فلا بد من رد العين وبدل منافعها؛ إذ لا توجد التوبة إلا بذلك لمن قدر عليه. وخرج بذلك ما إذا بقي للمغصوب منه شيء عليه; لاتهامه بدفع الضمان له عنه كما تقرر. ولو اشترى فاسدا شيئا وقبضه لم تقبل منه لغير بائعه إلا إن رده ولم يبق عليه للبائع شيء، أو صحيحا ثم فسخ فادعى آخر ملكه زمن وضع المشتري يده عليه لم يقبل منه به لبائعه لدفعه الضمان عن نفسه وإبقائه الغلة لها (ولا تقبل) الشهادة (لأصل) للشاهد وإن علا (ولا فرع

(2)

له وإن سفل ولو بالرشد أو بالتزكية له أو

(1)

. والأصح أنه لا يرثه كما مر في الفرائض.

(2)

. وقدم الشارح قبيل فصل ما يقتضي انعزال القاضي: أن القاضي لا يسمع شهادتهما؛ لأنه يتضمن الحكم لهما بالتعديل، ومن ثم لو ثبتت عدالتهما عند غيره جاز له سماعها، 10/ 116.

ص: 492

وَتُقْبَلُ عَلَيْهِمَا وَكَذَا عَلَى أَبِيهِمَا بِطَلَاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا أَوْ قَذْفِهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَإِذَا شَهِدَ لِفَرْعٍ وَأَجْنَبِيٍّ قُبِلَتْ لِلْأَجْنَبِيِّ فِي الْأَظْهَرِ. قُلْتُ: وَتُقْبَلُ لِكُلٍّ مِنَ الزَّوْجَيْنِ

لشاهده; لأنه بعضه فكأنه شهد لنفسه، وقن أحدهما ومكاتبه مثله، نعم تقبل شهادة أبٍ لبعض له على بعضه الآخر، وقد تقبل شهادة البعض لأصله ضمنا كأن قال بكر لزيد -وفي يده عبد- اشتريتُ هذا العبد الذي في يدك من عمرو وعمرو اشتراه منك وطالبه بالتسليم وأنكر زيد جميع ذلك وشهد له بذلك ابنا عمرو أو ابنا زيد قبلت شهادتهما

(1)

؛ لأنهما أجنبيان عنه وإن تضمنت الشهادة لأبيهما بالملك، وكأن شهد على ابنه بإقراره بنسب مجهول فتقبل مع تضمنها الشهادة لحفيده. ولو ادعى الإمام بشيء لبيت المال قبلت شهادة بعضه به; لأن الملك ليس للإمام، ومثله ناظر وقف أو وصي ادعى بشيء لجهة الوقف أو للمولى فشهد به بعض المدعي؛ لانتفاء التهمة بخلافها بنفس النظر أو الوصاية. ولو شهد لبعضه أو على عدوه أو الفاسق بما يعلمه الحق والحاكم يجهل المانع من الشهادة جاز; لأنهم لم يحملوا الحاكم على باطل بل على إيصال الحق لمستحقه، (وتقبل) منه (عليهما)؛ إذ لا تهمة ومحله حيث لا عداوة وإلا لم تقبل (وكذا) تقبل شهادتهما (على أبيهما بطلاق ضرة أمهما) طلاقا بائنا وأمهما تحته (أو قذفها) أي الضرة المؤدي للعان المؤدي لفراقها (في الأظهر)؛ لضعف تهمة نفع أمهما بذلك إذ له طلاق أمهما متى شاء مع كون ذلك حسبة تلزمهما الشهادة به. أما رجعي فتقبل قطعا، هذا كله في شهادة حسبة أو بعد دعوى الضرة، فإن ادعاه الأب لعدم نفقة لم تقبل شهادتهما له؛ للتهمة وكذا لو ادعته أمهما

(2)

. ولو ادعى الفرع على آخر بدين لموكله فأنكر فشهد به أبو الوكيل قُبِل وإن كان فيه تصديق ابنه؛ لما تقرر من ضعف التهمة. (وإذا شهد لفرع) أو لأصل له (وأجنبي قبلت للأجنبي في الأظهر)؛ تفريقا للصفقة، ومحله

(3)

إن قدم الأجنبي وإلا بطلت فيه أيضا (قلت: وتقبل لكل من الزوجين) من الآخر; لأن النكاح يطرأ ويزول فهما كأجير ومستأجر، نعم لا تقبل شهادته لها بأن فلانا قذفها في زمن نكاحه

(4)

؛ لأنه تعيير له في الحقيقة. وتقبل لكل

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. ولا يجوز إثبات الوكالة بشهادة بعض الموكل أو الوكيل خلافا للنهاية ووالده.

(3)

. خلافا لهم.

(4)

. إطلاقهم يخالف هذا التقييد.

ص: 493

وَلِأَخٍ وَصَدِيقٍ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَا تُقْبَلُ مِنْ عَدُوٍّ، وَهُوَ مَنْ يُبْغِضُهُ بِحَيْثُ يَتَمَنَّى زَوَالَ نِعْمَتِهِ، وَيَحْزَنُ بِسُرُورِهِ وَيَفْرَحُ بِمُصِيبَتِهِ، وَتُقْبَلُ لَهُ، وَكَذَا عَلَيْهِ فِي عَدَاوَةِ دِينٍ كَكَافِرٍ وَمُبْتَدِعٍ. وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مُبْتَدِعٍ لَا نُكَفِّرُهُ

على الآخر قطعا إلا شهادته بزناها; لأنه يشهد بجناية على محل حقه فأشبه الجناية على عبده (ولأخ وصديق والله أعلم)؛ لضعف التهمة (ولا تقبل من عدو) على عدوه عداوة دنيوية ظاهرة؛ للخبر الصحيح فيه ولأنه قد ينتقم منه بشهادة باطلة عليه، ومن ذلك أن يشهدا على ميت بعين فيقيم الوارث بينة بأنهما عدوان له -أي للوارث- فلا يقبلان عليه; لأنه الخصم في الحقيقة إذ التركة ملكه. وفي حكم عدوا الوارث عدوا الميت

(1)

؛ لأن المشهود عليه بالحقيقة الميت.

[تنبيه] تقبل الشهادة من ولد العدو الذي لم يُعْلَم حاله؛ لأنه لا يلزم من عداوة الأب عداوة الابن، أما معلوم الحال من عداوة أو عدمها فحكمه واضح (وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال نعمته ويحزن بسروره ويفرح بمصيبته)؛ لشهادة العرف بذلك. وقد تمنع العداوة الشهادة من الجانبين ومن أحدهما فلو عادى من يريد أن يشهد عليه وبالغ في خصومته فلم يجبه قبلت شهادته عليه.

[تنبيه] كل من نَسَبَ آخر إلى فسق اقتضى وقوع عداوة بينهما كزنا وقطع طريق لا تقبل من أحدهما على الآخر شهادة، بل ترد منهما إذا اغتاب أحدهما الآخر بمفسق تجوز له الغيبة به وإن أثبت السبب المجوز لذلك

، (وتقبل له) حيث لم تصل إلى حَسَدٍ مُفَسِّقٍ؛ لانتفاء التهمة (وكذا) تقبل (عليه في عداوة دين ككافر) شهد عليه مسلم (ومبتدع) شهد عليه سني; لأنها لَمَّا كانت لأجل الدين انتفت التهمة عنها. ومن أبغض فاسقا لفسقه أو قدح فيه بما هو واجب عليه كفلان لا يحسن الفتوى قبلت شهادته عليه. (وتقبل شهادة) كل (مبتدع) هو من خالف في العقائد ما عليه أهل السنة مما كان عليه أهل السنة مما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن بعدهم. والمراد بهم في الأزمنة المتأخرة إماماها أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي وأتباعهما (لا نكفره) ببدعته

(2)

وإن سب الصحابة رضي الله عنهم أو استحل أموالنا ودماءنا; لأنه على

(1)

. خلافا لظاهر سكوت النهاية عن ذلك.

(2)

. واقتضت فسقهم تعاريف الكبيرة؛ لأن ذلك بالنسبة للآخرة، لا لأحكام الدنيا كما أشار إليه الشارح في كتاب البغاة 9/ 68.

ص: 494

لَا مُغَفَّلٍ لَا يَضْبِطُ. وَلَا مُبَادِرٍ

حق في زعمه، نعم لا تقبل شهادة داعية لبدعته كروايته، نعم يستثنى من قبول شهادة المبتدع الخطابية فلا تقبل شهادتهم لموافقيهم في مذهبهم إذا لم يبينوا سبب الشهادة، فإن بينوا كإن قالوا سمعناه يقول كذا قبلت، وسبب الاستثناء أنهم يعتقدون أن موافقيهم لا يكذبون؛ لأن الكذب عندهم كفر. وأما من نكفره ببدعته كمن يسب عائشة بالزنا أو أباها رضي الله عنهما بإنكار صحبته أو ينكر حدوث العالم أو حشر الأجساد أو علم الله تعالى بالمعدوم أو بالجزئيات فلا تقبل شهادته؛ لإهداره (لا مغفل لا يضبط

(1)

أصلا أو غالبا أو على السواء؛ لعدم الثقة بقوله ككثير الغلط والنسيان بخلاف من لا يضبط نادرا; لأن أحدا لا يسلم من ذلك، ومن بيّن السبب كالإقرار وزمن التحمل ومكانه بحيث زالت التهمة بذلك. ولو راب القاضي في الشاهد أمراً، فإن كان الشاهد مشهور الديانة والضبط ندب استفصاله وإلا وجب

(2)

(ولا مبادر) بشهادته قبل الدعوى أو بعدها وقبل أن يستشهده المدعي في غير شهادة الحسبة؛ لتهمته حينئذ، ومن ثم صح أنه صلى الله عليه وسلم ذمّه، نعم لو أعادها في المجلس بعد الاستشهاد قبلت، وما صح أنه ((خَيْر الشهود)) محمول على ما تسمع فيه شهادة الحسبة كمن شهد ليتيم أو مجنون أو بزكاة أو كفارة أو على من عنده شهادة لمن لا يعلمها فيسن له إعلامه ليستشهد به، بل يجب إذا انحصر الأمر فيه.

[تنبيه] قضية إطلاقه رد المبادر أنه لا فرق بين ما يحتاج فيه لجواب الدعوى وما لا، فلو طُلِب من القاضي بيع مال من لا يعبر عن نفسه كمحجور وغائب وأخرس لا إشارة له مفهمة في حاجتهم ولهم بينة بها فالأوجه أنه ينصب من يدعي لهم ذلك ويسأل البينة الأداء ولا يجوز لهم الأداء قبل الطلب، وكذا مدعي الوكالة لا بد أن يقول أنا وكيل فلان ولي بينة ويسأله الأداء وإن لم يحتج لحضور الخصم.

[فرع] لا يقدح فيه جهله بفروض نحو صلاة ووضوء يؤديهما

(3)

كما مر بتفصيله، ولا توقفه في المشهود به إن عاد وجزم به فيعيد الشهادة، ولا قوله لا شهادة لي في هذا إن قال نسيت أو أمكن حدوث المشهود به بعد قوله وقد اشتهرت ديانته، وينبغي قبول دعوى من

(1)

. وأشار الشارح في كتاب الإقرار أنه لا يقبل قول شاهد تناقض بنحو ما مر في الإقرار 5/ 372.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني حيث اعتمد الوجوب مطلقا.

(3)

. وإن قصر في التعلم خلافا للنهاية.

ص: 495

وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الحِسْبَةِ فِي حُقُوقِ اللهِ تَعَالَى، وَفِيمَا لَهُ فِيهِ حَقٌّ مُؤَكَّدٌ كَطَلَاقٍ وَعِتْقٍ ....

هذه صفته النسيانَ حيث احتمل في غير ذلك

(1)

كأن شهد بعقد بيع وقال لا أعلم كونه للبائع ثم قال نسيت بل هو له. وحيث أدى الشاهد أداء صحيحا لم ينظر لريبة يجدها الحاكم. ويندب له استفساره وتفرقة الشهود. ولا يلزم الشاهد إجابته عما سأله عنه، نعم إن كان به نوع غفلة توقف القاضي. (وتقبل شهادة الحسبة

(2)

قبل الاستشهاد ولو بلا دعوى -بل لا تسمع في دعوى الحدود إلا إن تعلق بها حق آدمي كسرقة قبل رد مالها

(3)

، أما بقية الدعاوي غير الحدود فالمعتمد سماع دعوى الحسبة فيها

(4)

- (في حقوق الله تعالى) كصلاة وزكاة وكفارة وصوم وحج عن ميت بأن يشهد بتركها وحق لنحو مسجد (وفيما له فيه حق مؤكد) وهو ما لا يتأثر برضا الآدمي بأن يقول حيث لا دعوى أنا أشهد أو عندي شهادة على فلان بكذا وهو ينكر فأحضره لأشهد عليه، وإنما تسمع عند الحاجة إليها حالا، فلو شهدا أن فلانا أخو فلانة من الرضاع أعتبر فيه أن يقولا وهو يريد أن ينكحها، أو أنه أعتقه اعتبر فيه وهو يريد أن يسترقَّه. ولا عبرة بقولهما نشهد؛ لئلا يتناكحا بعد.

[تنبيه] يستثنى من اشتراط سماعها عند الحاجة إليها حالا كلُّ ما لا يمكن ذكر الحاجة فيها نحو الكتابة الآتية، أو وقف على ولده ثم ولد ولده ثم جهة عامة كالفقراء، وكزنى بفلانة ويذكر شروطه، وسبب الاستثناء ضرورة ثبوت الأصل ليترتب عليه ما هو حق لله بعد، (كطلاق) رجعي أو بائن -ولو خلعا لكن بالنسبة للفراق دون المال- (وعتق

(5)

بأن يشهد به أو بالتعليق مع وجود الصفة أو بالكتابة

(6)

أو بالتدبير مع الموت أو بما يستلزمه كالإيلاد

(1)

. لعله مراده في غير قوله: ((إن قال نسيت .... الخ)).

(2)

. يسمع القاضي دعوى الحسبة إلا إن اعتيد توليتها لغيره فتخرج عن ولايته إلا إن اعتيد مع ذلك بقاء نظر القاضي على الحسبة ومتوليها كما ذكره الشارح في كتاب البيع 4/ 319.

(3)

. أفاد الشارح في كتاب السرقة أنه لو شهدا حسبة بسرقة قبلا، لكن لا قطع حتى يدعي المالك بماله ثم تعاد الشهادة لثبوت المال؛ لأنه لا يثبت بشهادة الحسبة 9/ 151.

(4)

. وفاقا للنهاية والأسنى وخلافا للمغني.

(5)

. ومن ذلك ما اعتمده الشارح في البيع بشرط العتق أن للآحاد مطالبة المشتري بالعتق حسبة بخلاف شراء القريب 4/ 302.

(6)

. وفاقا للنهاية وخلافا للروض وشيخ الإسلام والمغني.

ص: 496

وَعَفْوٍ عَنْ قِصَاصٍ، وَبَقَاءِ عِدَّةٍ وَانْقِضَائِهَا، وَحَدٍّ للهِ، وَكَذَا النَّسَبُ عَلَى الصَّحِيحِ.

بخلافها بمجرد التدبير أو التعليق بصفة، ولا تسمع في شراء القريب؛ لأنها شهادة بالملك والعتق يترتب عليه. ولو ادعى قنان أن سيدهما أعتق أحدهما وقامت به بينة سمعت وإن كانت الدعوى فاسدة؛ لاستغناء بينة الحسبة عن تقدم دعوى، ومحله إذا حضر السيد أو غاب غيبة شرعية وإلا فلا بد من حضوره (وعفو عن قصاص) ; لأنها شهادة بإحياء نفس وهو حق لله تعالى (وبقاء عدة وانقضائها)؛ لما يترتب على الأول من صيانة الفرج عن استباحته بغير حق ولما في الثاني من الصيانة والتعفف بالنكاح، ومثل ذلك تحريم الرضاع والمصاهرة (وحدٍّ لله) تعالى كحد زنا وقطع طريق وسرقة، ومثله إحصان وسفه -فيحجر عليه إن كان في محل عمله- وجرح بعد الشهادة وتعديل بعد طلب القاضي له -ولو في غيبة معدل أو مجروح عرف اسمه ونسبه كما مر- وبلوغ وإسلام وكفر ووصية أو وقف لنحو جهة عامة ولو في آخره كعلى ولده ثم ولد ولده ثم الفقراء. وتسمع دعوى أجنبي على وصي خان فيحلفه الحاكم إن اتهمه (وكذا النسب على الصحيح) ; لأن الشرع أكده ومنع قطعه فضاهى الطلاق والعتق. وخرج بما مر حق الآدمي المحض كقود وحد قذف وبيع وإقرار.

[تنبيه] قد تسمع الشهادة بلا دعوى صحيحة في مسائل

(1)

أخر كتصرف حاكم في مال تحت ولايته واحتاج لمعرفة نحو قيمته أو ملكه أو يده فله سماع البينة بذلك من غير دعوى اكتفاء بطلبه كما في تعديل الشاهد أو جرحه، وكذا في نحو مال محجور شهدا أن وصيَّهُ خانه ومال غائب شهدا بفواته إن لم يقبضه الحاكم ونظير ذلك قضاؤه لنحو صبي في عمله بعد الثبوت عنده من غير طلب أحد لحكمه. وقد يتوقف الشيء على الدعوى لكن لا يحتاج لجواب خصم ولا لحضوره كدعوى توكيل شخص له ولو حاضرا بالبلد فيكفي لإثبات الوكالة تصديق الخصم له وإقامة البينة في غيبته من غير حلف، ولا يلزم الخصم في الأولى التسليم له; لأنه لو أنكر التسليم قُبِل، وكدعوى قيم محجور احتاج لبيع عقاره فيثبتها ببينة في غيبته، وكالدعوى على ممتنع من حضور مجلس القاضي ومن لا يعبر عن نفسه كمحجور وغائب وميت لا وارث له خاص وإلا لم تسمع إلا في وجه وارث له إن حضروا أو بعضهم،

(1)

. ومنها ما ذكره الشارح في النكاح من الحاجة إلى إثبات الإذن إذا كان المزوج هو الحاكم كما نص عليها ثم 7/ 136، ومنها ما ذكره أيضا قبيل كتاب الشهادات.

ص: 497

وَمَتَى حَكَمَ بِشَاهِدَيْنِ فَبَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ صَبِيَّيْنِ نَقَضَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ، وَكَذَا فَاسِقَانِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ شَهِدَ كَافِرٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ كَمَالِهِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، أَوْ فَاسِقٌ تَابَ فَلَا، وَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِغَيْرِهَا بِشَرْطِ اخْتِبَارِهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ مُدَّةً يُظَنُّ بِهَا صِدْقُ تَوْبَتِهِ، وَقَدَّرَهَا الْأَكْثَرُونَ بِسَنَةٍ،

واستحقاق وقف بيد الحاكم فإذا أقام بينة بدعواه كفى. ويشترط في سماع الدعوى على من لا يعبر عن نفسه أن يقول ولي بينة تشهد بذلك أو وأنت تعلمه، وكالدعوى بأن فلانا حكم لي بكذا فنفذه لي فلا يحتاج لدعوى في وجه الخصم ولا ليمين الاستظهار. ومر في الحوالة أن للمحال عليه إقامة بينة ببراءته قبل الحوالة لدفع مطالبة المحتال له وإن كان المحيل بالبلد. (ومتى حكم بشاهدين فبانا كافرين أو عبدين أو صبيين) أو بان أحدهما كذلك عند الأداء أو الحكم والحاكم لا يرى قبولهما (نقضه هو وغيره) كما لو حكم باجتهاد فبان خلاف النص، ومعنى النقض هنا إظهار بطلانه وأنه لم يصادف محلا، (وكذا فاسقان في الأظهر)؛ لما ذكر، ولا أثر لشهادة عدلين بالفسق من غير تاريخ؛ لاحتمال حدوثه بعد الحكم، ومر في النكاح أنه لو بان فسق الشاهد عند العقد فباطل على المذهب وهو غير ما هنا إذ المؤثر ثم تبين ذلك عند التحمل فقط وهنا عند الأداء أو قبله بدون مضي مدة الاستبراء أو عند الحكم (ولو شهد كافر) معلن بكفره (أو عبد أو صبي) فردت شهادته (ثم أعادها بعد كماله قبلت)؛ إذ لا تهمة لظهور مانعه (أو) شهد (فاسق) ولو معلنا أو كافر يخفي كفره أو عدو أو غير ذي مروءة فرُدّ، ثم (تاب) ثم أعادها (فلا) تقبل شهادته; لأن رده أظهر نحو فسقه الذي كان يخفيه أو زاد في تعييره بما أعلن به فهو متهم بسعيه في دفع عار ذلك الرد، ومن ثم لو لم يصغ القاضي لشهادته قبلت بعد التوبة، ولو شهد بما لا يطابق الدعوى ثم أعادها بمطابقها قُبل، نعم محله في مشهور بالديانة اعتيد بنحو سبق لسان أو نسيان (وتقبل شهادته بغيرها) أي في غير تلك الشهادة التي رُدَّ فيها؛ إذ لا تهمة، ومثله تائب من الكذب في الرواية (بشرط اختباره بعد التوبة مدة يظن بها) أي بسبب مضيها خاليا عن مفسق فيها (صدق توبته) ; لأنها قلبية وهو متهم بإظهارها لترويج شهادته وعود ولايته فاعتبر ذلك لتقوى دعواه (وقدَّرها الأكثرون بسنة) ; لأن للفصول الأربعة تأثيرا بيِّنا في تهييج النفوس لشهواتها فإذا مضت وهو على حاله أشعر ذلك

ص: 498

وَيُشْتَرَطُ فِي تَوْبَةِ مَعْصِيَةٍ قَوْلِيَّةٍ الْقَوْلُ فَيَقُولُ الْقَاذِفُ قَذْفِي بَاطِلٌ وَأَنَا نَادِمٌ عَلَيْهِ وَلَا أَعُودُ إلَيْهِ، وَكَذَا شَهَادَةُ الزُّورِ. قُلْت: وَغَيْرُ الْقَوْلِيَّةِ يُشْتَرَطُ إقْلَاعٌ، وَنَدَمٌ،

بحسن سريرته. والأصح أنها تقريب لا تحديد، وقد لا يحتاج لها

(1)

كشاهد بزنا حد لنقص النصاب فتقبل عقب ذلك، وكمخفي فسق أقر به ليستوفى منه فتقبل منه حالا أيضا; لأنه لم يظهر التوبة عما كان مستورا إلا عن صلاح، وكناظر وقف تاب فتعود ولايته حالا كولي النكاح، وكقاذف غير المحصن

(2)

، وكمرتد أسلم اختيارا وكان عدلا قبل الردة; لأنه لم يبق بعد إسلامه احتمال. ولا بد من السنة في التوبة من خارم المروءة وكذا من العداوة (ويشترط في) صحة (توبة) أيّ (معصية قولية) من حيث حق الآدمي كالقذف والغيبة

(3)

(القول)؛ قياسا على التوبة من الردة بالشهادتين. وخرج بالقولية الفعلية فلا يشترط فيها قول; لأن الحق فيها متمحض إلى الله تعالى فأدير الأمر فيها على الصدق باطنا (فيقول القاذف) وإن كان قذفه بصورة الشهادة لكون العدد لم يتم (قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه) أو ما كنت محقا في قذفي وقد تبت منه أو نحو ذلك، ولا يلزمه أن يتعرض لكذبه; لأنه قد يكون صادقا، ثم إن اتصل ذلك بالقاضي بإقرار أو ببينة اشترط أن يقول ذلك بحضرته وإلا فلا، نعم لا بد أن يقول بحضرة من ذكره بحضرته أوَّلا. وليس كالقذف فيما ذكر قوله لغيره يا ملعون أو يا خنزير ونحوه فلا يشترط في التوبة منه قول; لأن هذا لا يتصور إيهام أنه محق فيه حتى يبطله بخلاف القذف، (وكذا شهادة الزور) يشترط في صحة التوبة منها قول نحو ما ذكر كشهادتي باطلة وأنا نادم عليها ولا أعود إليها، ويكفي كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله. ولا يثبت الزور بالبينة؛ لاحتمال أنها زور، نعم يستفاد بها جرح الشاهد فتندفع شهادته; لأنه جرح مبهم فوجب التوقف لأجله. (قلت: و) المعصية (غير القولية) لا يشترط فيها قول كما مر، وإنما (يشترط) في صحة التوبة منها كالقولية أيضا (إقلاع) منها حالا إن كان متلبسا بها أو مصرا على معاودتها (وندم) من حيث المعصية لا لخوف عقاب لو اطلع عليه أو لغرامة مال أو نحو

(1)

. ومن ذلك الولي إذا تاب فيزوج حالا، وقاتل الصيد وهو محرم كذلك، كما ذكره الشارح في الحج 4/ 188.

(2)

. خلافا للنهاية مطلقا والروض حيث قيد كلام الشارح بما إذا لم يكن فيه إيذاء، وإلا فلا بد من استبراء.

(3)

. وتقدم في الخطبة المسائل التي تباح فيها الغيبة.

ص: 499

وَعَزْمٌ أَلَّا يَعُودَ، وَرَدُّ ظُلَامَةِ آدَمِيٍّ إنْ تَعَلَّقَتْ بِهِ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

ذلك (وعزم ألا يعود) إليها ما عاش إن تصور منه وإلا كمجبوب بعد زناه لم يشترط فيه العزم على عدم العود له اتفاقا. ويشترط أيضا أن لا يغرغر، وأن لا تطلع الشمس من مغربها (ورد ظلامة آدمي) يعني الخروج منها بأي وجه قدر عليه مالا كانت أو عرضا نحو قود وحد قذف (إن تعلقت به) سواء أتمحضت له أم كان فيها مع ذلك حق مؤكد لله تعالى كزكاة، وكذا نحو كفارة وجبت فورا (والله أعلم)؛ للخبر الصحيح ((من كانت لأخيه عنده مظلمة في عرض أو مال فليستحله اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم))، فإن أفلس لزمه الكسب كما مر، وإن تعذر وجود المالك ووارثه سلمه لقاضٍ ثقة، فإن تعذر صرفه فيما شاء من المصالح عند انقطاع خبره بنية الغرم له إذا وجده، فإن أعسر عزم على الأداء إذا أيسر، فإن مات قبله انقطع عنه الطلب في الآخرة إن لم يعص بالتزامه ويُرجى من فضل الله تعالى تعويض المستحق. وإذا بلغت الغيبة المغتاب اشترط استحلاله فإن تعذر بموته أو تعسَّر لغيبته الطويلة استغفر له، ولا أثر لتحليل وارث، ولا مع جهل المغتاب بما تحلل منه. وإن لم تبلغه كفى الندم والاستغفار له، وكذا يكفي الندم والإقلاع عن الحسد. ويسن للزاني ككل من ارتكب معصية لله الستر على نفسه بأن لا يظهرها ليحد أو يعزر، لا أن لا يتحدث بها تفكها أو مجاهرة فإن هذا حرام قطعا، وكذا يسن لمن أقر بشيء من ذلك الرجوع عن إقراره به، ولا يخالف هذا قولهم يسن لمن ظهر عليه حد لله أن يأتي الإمام ليقيمه عليه لفوات الستر; لأن المراد بالظهور هنا أن يطلع على زناه مثلا من لا يثبت الزنا بشهادته

(1)

فيسن له ذلك. أما حد الآدمي أو القود له أو تعزيره فيجب الإقرار به ليستوفى منه. ويسن لشاهد الأول الستر ما لم ير المصلحة في الإظهار، ومحله إن لم يتعلق بالترك إيجاب حد على الغير وإلا كثلاثة شهدوا بالزنا لزم الرابع الأداء وأثم بتركه. وليس استيفاء نحو القود مزيلا للمعصية -التي هي حق لله تعالى- بل لا بد معه من التوبة

(2)

بخلاف حق الآدمي فيسقط بالقود. وتصح توبته من ذنب وإن كان مرتكبا لذنوب أخرى،

(1)

. خلافا لشرح الروض من أن المراد بالظهور الشهادة، ووفاقا للمغني وشرح المنهج.

(2)

. والخلاف في الظاهر، أما فيما بينه وبين الله تعالى فحيث صحت توبته سقط بها سائر الحدود قطعاً، ومن حد في الدنيا لم يعاقب في الآخرة على ذلك الذنب، بل على الإصرار عليه إن لم يتب، ذكره الشارح في قطع الطريق.

ص: 500

فصل

لَا يُحْكَمُ بِشَاهِدٍ إلَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فِي الْأَظْهَرِ. وَيُشْتَرَطُ لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ. وَلَلْإِقْرَارِ بِهِ اثْنَانِ، وَفِي قَوْلٍ أَرْبَعَةٌ،

ومما تاب منه ثم عاد إليه، ومن مات وله دين لم يستوفه ورثته يكون هو المطالِب به في الآخرة.

(فصل) في بيان قدر النصاب في الشهود ومستند الشهادة وما يتبع ذلك

(لا يحكم بشاهد) واحد (إلا في هلال رمضان

(1)

وتوابعه دون شهر نذر صومه

(2)

(في الأظهر. ويشترط للزنا) واللواط وإتيان البهيمة ووطء الميتة (أربعة رجال) بالنسبة للحد أو التعزير؛ لقوله تعالى (({ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} النور: 4 فغلظت الشهادة فيه؛ سترا من الله تعالى على عباده. ويشترط تفسيرهم له كرأيناه أدخل مكلفا مختارا حشفته أو قدرها من مقطوعها في فرج هذه أو فلانة ويذكر نسبها بالزنا أو نحوه، ولا يشترط ذكر زمان ومكان إلا إن ذكره أحدهم فيجب سؤال الباقين؛ لاحتمال وقوع تناقض يسقط الشهادة، ولا يشترط كالمرود في المكحلة لكنه يسن. ولا يضر قولهم تعمدنا النظر لأجل الشهادة

(3)

، أما بالنسبة لسقوط حصانته وعدالته ووقوع طلاق علق بزناه فيثبت برجلين لا بغيرهما مما يأتي

(4)

، وكذا يثبت برجلين مقدماتُ الزنا ووطء شبهة قصد به النسب أو شهد به حسبة يثبت برجلين، أو المال فيثبت بهما وبرجل وامرأتين وبشاهد ويمين ولا يحتاج فيه -لما مر في الزنا- مِن ((رأيناه أدخل حشفته إلى آخره)). (و) يشترط (للإقرار به اثنان) كغيره (وفي قول أربعة) ; لأنه يترتب عليه

(1)

. هذا بالنسبة للصوم وتوابعه كصلاة التراويح والاعتكاف دون نحو طلاق وحلٍّ علق به، نعم إن تعلق بالرائي عومل به، وكذا إن تأخر التعليق عن ثبوته بعدل، قاله الشارح في كتاب الصيام 3/ 378.

(2)

. وفاقا لشيخ الإسلام وخلافا لهما.

(3)

. عبارة النهاية: ((لا لأجل الشهادة))، وفي المغني ما يوافقها.

(4)

. قال الشارح: ((وقد يشكل عليه ما مر في باب حد القذف أن شهادة دون أربعة بالزنا تفسقهم وتوجب حدهم فكيف يتصور هذا، وقد يجاب بأن صورته أن يقولا نشهد بزناه بقصد سقوط أو وقوع ما ذكر)) 10/ 246.

ص: 501

وَلِمَالٍ وَعَقْدٍ مَالِيٍّ كَبَيْعٍ وَإِقَالَةٍ وَحَوَالَةٍ وَضَمَانٍ وَحَقٍّ مَالِيٍّ كَخِيَارٍ وَأَجَلٍ: رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عُقُوبَةٍ للهِ تَعَالَى أَوْ لِآدَمِيٍّ وَمَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ رِجَالٌ غَالِبًا كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَرَجْعَةٍ وَإِسْلَامٍ وَرِدَّةٍ وَجَرْحٍ وَتَعْدِيلٍ وَمَوْتٍ وَإِعْسَارٍ وَوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ وَشَهَادَةٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلَانِ

الحد، وفرّق الأول بأن حده لا يتحتم (ولمال) عين أو دين أو منفعة (و) لكل ما قصد به المال من (عقد) أو فسخ (مالي) ما عدا الشركة والقراض والكفالة (كبيع وإقالة وحوالة وضمان) ووقف وصلح ورهن وشفعة ومسابقة وعوض خلع ادعاه الزوج أو وارثه (وحق مالي كخيار وأجل) وجناية توجب مالا (رجلان أو رجل وامرأتان)؛ لعموم الأشخاص المستلزم لعموم الأحوال في قوله تعالى {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} البقرة: 282 والتخيير مراد من الآية إجماعا، والخنثى كالمرأة. أما الشركة والقراض والكفالة فلا بد فيها من رجلين ما لم يرد في الأولين إثبات حصته من الربح، (ولغير ذلك) أي ما ليس بمال ولا يقصد منه المال (من عقوبة لله تعالى) كحد شرب وسرقة وقطع طريق (أو لآدمي) كقود وحد قذف ومنع إرث بأن ادعى بقية الورثة على الزوجة أن الزوج خالعها حتى لا ترث منه

(1)

(و ما يطلع عليه رجال غالبا كنكاح وطلاق) منجز أو معلق (ورجعة) وعتق (وإسلام

(2)

وردة وجرح وتعديل وموت وإعسار ووكالة) ووديعة (ووصاية وشهادة على شهادة رجلان) لا رجل وامرأتين؛ لقول الزهري مضت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح ولا في الطلاق و; لأنه تعالى نص في الطلاق والرجعة والوصاية على الرجلين، وصح به الخبر في النكاح وقيس بها ما في معناها من كل ما ليس بمال ولا هو المقصود منه، نعم يستثنى من ذلك

(3)

ما لو شهد بالسرقة رجل وامرأتان أو علق طلاقها بغصب فيثبت المال فقط دون السرقة والغصب والطلاق، وما لو قبلنا شاهدا ويمينا بالنسب إلى ميت فيثبت الإرث وإن لم يثبت النسب.

(1)

. يؤخذ منه أنه لو كان القصد من الدعوى إثبات المال كان من القسم السابق، وعليه فظاهر الأسنى أنه يثبت الطلاق ضمنا فلا ترث وظاهر الشارح والمغني خلافه.

(2)

. للمغني استثناء من ذلك.

(3)

. هنا صورة استثناها الغزالي أقرها المغني وظاهر كلام الشارح ردها.

ص: 502

وَمَا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ النِّسَاءُ أَوْ لَا يَرَاهُ رِجَالٌ غَالِبًا كَبَكَارَةٍ أَوْ وِلَادَةٍ وَحَيْضٍ وَرَضَاعٍ وَعُيُوبٍ تَحْتَ الثِّيَابِ يَثْبُتُ بِمَا سَبَقَ، وَبِأَرْبَعِ نِسْوَةٍ. وَمَا لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ لَا يَثْبُتُ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، وَمَا يَثَبَتَ بِهِمْ يَثَبَتَ بِرَجُلٍ وَيَمِينٍ، إلَّا عُيُوبَ النِّسَاءِ وَنَحْوَهَا،

[تنبيه] صورة ما ذكر في الوديعة أن يدعي مالكها غصب ذي اليد لها وذو اليد أنها وديعة فلا بد من شاهدين; لأن المقصود بالذات إثبات ولاية الحفظ له وعدم الضمان يترتب على ذلك

(وما يختص بمعرفته النساء أو لا يراه رجال غالبا كبكارة) وضدها ورتق وقرن (أوْ ولادة وحيض).

[تنبيه] إذا ثبتت الولادة بالنساء ثبت النسب والإرث تبعا; لأن كلا منهما لازم شرعا للمشهود به ولا ينفك عنه، وتثبت شهادتهن أيضا حياة المولود وإن لم يتعرضن لها في شهادتهن بالولادة؛ لتوقف الإرث عليها -أعني الحياة- فلم يمكن ثبوته قبل ثبوتها. أما لو لم يشهدن بالولادة بل بحياة المولود فظاهر أنهن لا يقبلن; لأن الحياة من حيث هي مما يطلع عليه الرجال غالبا (ورضاع)، ومحله إن كان من الثدي أما شرب اللبن من إناء فلا يقبلن فيه، نعم يقبلن في أن هذا لبن فلانة (وعيوب تحت الثياب) التي من النساء من برص وغيره حتى الجراحة (يثبت بما سبق) أي برجلين وبرجل وامرأتين (وبأربع نسوة) وحدهن؛ للحاجة إليهن هنا، ولا تثبت برجل ويمين. وخرج بتحت الثياب -والمراد ما لا يظهر منها غالبا- عيب الوجه واليد من الحرة فلا يثبت حيث لم يقصد به مال إلا برجلين، وكذا ما يبدو عند مهنة الأمة إذا قصد به فسخ النكاح مثلا. أما إذا قصد به الرد في العيب فيثبت برجل وامرأتين وشاهد ويمين; لأن القصد منه حينئذ المال. ولو أقامت شاهدا بإقرار زوجها بالدخول كفى حلفها معه ويثبت المهر، أو أقامه هو على إقرارها به لم يف الحلف معه; لأن قصده ثبوت العدة والرجعة وليسا بمال

(1)

. (وما لا يثبت برجل وامرأتين لا يثبت برجل ويمين)؛ لأنه إذا لم يثبت بالأقوى فالأضعف أولى، (وما يثبت بهم) أي برجل وامرأتين وغلَّبه؛ لشرفه (يثبت برجل ويمين)؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ((قضى بهما في الحقوق والأموال)) (إلا عيوب النساء ونحوها) فلا تثبت بهما؛ لخطرها، نعم يقبلان في عيب فيهن يقتضي المال كما مر.

(1)

. ما تقرر في وجه الحرة ويدها وما يبدو في مهنة الأمه هو المعتمد وفاقا للنهاية وخلافا لشرح الروض فقال إنما ذلك يتأتى على الضعيف من حل نظره.

ص: 503

وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ بِامْرَأَتَيْنِ وَيَمِينٍ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ المُدَّعِي بَعْدَ شَهَادَةِ شَاهِدِهِ وَتَعْدِيلِهِ، وَيَذْكُرُ فِي حَلِفِهِ صِدْقَ الشَّاهِدِ. فَإِنْ تَرَكَ الحَلِفَ وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ نَكَلَ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينَ الرَّدِّ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ أَمَةٌ وَوَلَدُهَا فَقَالَ رَجُلٌ: هَذِهِ مُسْتَوْلَدَتِي عَلِقَتْ بِهَذَا فِي مِلْكِي وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ ثَبَتَ الِاسْتِيلَادُ، لَا نَسَبُ الْوَلَدِ وَحُرِّيَّتُهُ فِي الْأَظْهَرِ

(ولا يثبت شيء بامرأتين ويمين)؛ لضعفهما. (وإنما يحلف المدعي بعد شهادة شاهده وتعديله)؛ لأن جانبه إنما يتقوى حينئذ. والأصح أن القضاء بالشهادة واليمين فإذا رجع الشاهد غرم النصف (ويذكر في حلفه) على استحقاقه للمشهود به (صدق الشاهد) وجوبا قبله أو بعده فيقول والله إن شاهدي لصادق فيما شهد لي به أو لقد شهد بحق وإني أستحقه أو وإني أستحقه وإن شاهدي إلى آخره; لأنهما مختلفا الجنس فاعتبر ارتباطهما ليصيرا كالنوع الواحد (فإن ترك الحلف) مع شاهده (وطلب يمين خصمه فله ذلك) ; لأنه قد يتورع عن اليمين، فإن حلف خصمه سقطت الدعوى فليس له الحلف

(1)

بعدُ مع شاهد; لأن اليمين إليه فلا عذر له في تركها، وبه فارق قبول بينته، نعم يبطل حقه بمجرد طلبه يمين خصمه فلا يعود للحلف مع شاهده ولو في مجلس آخر

(2)

كما يسقط بردها على خصمه بخلاف البينة الكاملة لا يسقط حقه منها بمجرد طلب يمين خصمه (فإن نكل) المدعى عليه (فله) أي المدعي (أن يحلف يمين الرد في الأظهر) ; لأنه غير التي امتنع عنها; لأن تلك لقوة جهته بالشاهد ويقضى بها في المال فقط وهذه لقوتها بنكول الخصم ويقضى بها في كل حق. (ولو كان بيده أمة وولدها) يسترقهما (فقال رجل هذه مستولدتي علقت بهذا) مني (في ملكي وحلف مع شاهد) أقامه (ثبت الاستيلاد) يعني ما فيها من المالية، وأما نفس الاستيلاد المقتضي لعتقها بالموت فإنما يثبت بإقراره فتنزع ممن هي في يده وتسلم له; لأن أم الولد مال لسيدها (لا نسب الولد وحريته

(3)

في الأظهر) فلا ينزع من ذي اليد، وفي ثبوت نسبه من المدعي بالإقرار ما مر في بابه.

(1)

. وفاقا للروضة والروض وشرحه والمغني وخلافا للنهاية.

(2)

. خلافا لشرح الروض في هذه الغاية.

(3)

. لشرح الروض تقييد هنا.

ص: 504

وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ غُلَامٌ فَقَالَ رَجُلٌ: كَانَ لِي وَأَعْتَقْتُهُ وَحَلَفَ مَعَ شَاهِدٍ فَالمَذْهَبُ انْتِزَاعُهُ وَمَصِيرُهُ حُرًّا. وَلَوِ ادَّعَتْ وَرَثَةٌ مَالًا لِمُوَرِّثِهِمْ وَأَقَامُوا شَاهِدًا وَحَلَفَ مَعَهُ بَعْضُهُمْ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَلَا يُشَارَكُ فِيهِ وَيَبْطُلُ حَقُّ مَنْ لَمْ يَحْلِفْ بِنُكُولِهِ إنْ حَضَرَ وَهُوَ كَامِلٌ،

(ولو كان بيده غلام) يسترقه وذكره مثال (فقال رجل كان لي وأعتقته وحلف مع شاهد فالمذهب انتزاعه ومصيره حرا) بإقراره وإن تضمن استحقاقه الولاء; لأنه تابع لدعواه الملك الصالحة حجته

(1)

لإثباته والعتق إنما ترتب عليه بإقراره وبه فارق ما قبله. (ولو ادعت ورثة) أو بعضهم (مالا) عينا أو دينا أو منفعة (لمورثهم) الذي مات قبل نكوله (وأقاموا شاهدا) بالمال بعد إثباتهم لموته وإرثهم وانحصاره فيهم

(2)

(وحلف معه بعضهم) على استحقاق مورثه الكل ولا يقتصر على قدر حصته

(3)

، وكذا لو حلفوا كلهم; لأنه إنما يثبت بيمينه الملك لمورثه (أخذ نصيبه ولا يشارك فيه) من جهة البقية; لأن الحجة تمت في حقه وحده، وغيره قادر عليها بالحلف ولأن يمين الإنسان لا يعطى بها غيره، وبهذين فارق ما لو ادعيا دارا إرثا فصدق المدعى عليه أحدهما في نصيبه وكذب الآخر فإنهما يشتركان فيه، وكذا لو أقر بدين الميت فأخذ بعض ورثته قدر حصته -ولو بغير دعوى ولا إذن من حاكم- فللبقية مشاركته فيه. ولو أخذ أحد شركاء في دار أو منفعتها ما يخصه من أجرتها لم يشاركه فيه البقية. ولو ادعى غريم من غرماء مدين مات على وارثه أنك وضعت يدك من تركته على ما يفي بحقي فأنكر وحلف له أنه لم يضع يده على شيء منها لم تكفه هذه اليمين للبقية بل كل من ادعى عليه منهم بعدها بوضع اليد يحلف له. ويكفي في دعوى دين على ميت حضور بعض ورثته لكن لا يتعدى الحكم لغير الحاضر. ولو أقر بدين لميت ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة إقراره سمعت دعواه لتحليف الوارث كما في الإقرار لكن لا تقبل بينته بالأداء حينئذٍ

(4)

(ويبطل حق من لم يحلف) من اليمين (بنكوله إن حضر) في البلد وقد شرع في الخصومة أو شعر بها (وهو كامل) حتى لو مات لم يحلف وارثه ولو مع شاهد يقيمه; لأنه تلقى

(1)

. أي حجة دعواه الملك.

(2)

. وفاقا للنهاية وخلافا لقضية الأسنى والمغني من أن إثباته ليس بشرط.

(3)

. خلافا للأسنى.

(4)

. خلافا للنهاية.

ص: 505

فَإِنْ كَانَ غَائِبًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يَقْبِضُ نَصِيبَهُ، فَإِذَا زَالَ عُذْرُهُ حَلَفَ وَأَخَذَ بِغَيْرِ إعَادَةِ شَهَادَةٍ. وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلٍ كَزِنًا وَغَصْبٍ وَإِتْلَافٍ وَوِلَادَةٍ إلَّا بِالْإِبْصَارِ. وَتُقْبَلُ مِنْ أَصَمَّ،

الحق عن مورثه وقد بطل

(1)

حقه بنكوله. وخرج بقولي من اليمين البينة فلا يبطل حقه منها فله إقامة شاهد ثان وضمه إلى الأول من غير تجديد شهادته كالدعوى لتصير بينته كاملة كما لو أقام مدع شاهدا ثم مات فلوارثه إقامة آخر، وفارق ذلك غير الوارث كباعني وأخي الغائب أو الصبي مورثك بكذا وأقام شاهدا أو حلف معه فإنه إذا قدم الغائب أو كمل الصبي تجب إعادة الدعوى والشهادة مع اليمين أو مع شاهد آخر بأن الدعوى في الإرث لواحد وهو الميت ولهذا تقضى ديونه من المأخوذ وفي غير الإرث الحق لأشخاص فلم تقع البينة والدعوى لغير المدعي من غير إذن ولا ولاية. وخرج بقوله بنكوله توقفه عن اليمين فلا يبطل حقه من اليمين حتى لو مات قبل النكول حلف وارثه. أما حاضر لم يشرع أو لم يشعر فكصبي ومجنون في قوله (فإن كان) من لم يحلف (غائبا أو صبيا أو مجنونا فالمذهب أنه لا يقبض نصيبه) بل يوقف الأمر على علمه أو حضوره أو كماله (فإذا زال عذره) بأن علم أو قدم أو بلغ أو أفاق (حلف وأخذ) حصته (بغير إعادة شهادة) -ما دام الشاهد باقيا بحاله- واستئناف دعوى؛ لأن الدعوى والشهادة وجدتا أوَّلا من الكامل خلافة عن الميت، ومن ثم لو كان ذلك في غير إرث كاشتريت أنا وأخي وهو غائب مثلا أو أوصى لنا بكذا وجبت إعادتهما. أما لو تغير حال الشاهد فلا يحلف; لأن الحكم لم يتصل بشهادته إلا في حق الحالف أوّلاً دون غيره، ثم محل عدم الإعادة فيما ذكر إذا كان الأول قد ادعى الكل فإن ادعى بقدر حصته فلا بد من الإعادة جزما. (ولا تجوز شهادة على فعل كزنا وغصب) ورضاع (وإتلاف وولادة) وزعم ثبوتها بالسماع محمول على ما إذا أريد بها النسب من جهة الأم (إلا بإبصار) لها ولفاعلها; لأنه يصل به إلى اليقين قال تعالى ((إلا من شهد بالحق وهم يعلمون))، نعم يأتي أن ما يتعذر فيه اليقين يكفي فيه الظن كالملك والعدالة والإعسار، وقد تقبل من الأعمى بفعل كما يأتي، ويجوز تعمد نظر فرج زان وامرأة تلد لأجل الشهادة; لأن كلا منهما هتك حرمة نفسه، (وتقبل) الشهادة على الفعل (من أصم)؛ لحصول العلم بالمشاهدة. واستفيد من المتن

(1)

. ظاهره مطلقا وحمل الأسنى البطلان على ما إذا لم يستأنف الدعوى.

ص: 506

وَالْأَقْوَالُ كَعَقْدٍ يُشْتَرَطُ سَمْعُهَا وَإِبْصَارُ قَائِلِهَا، وَلَا يُقْبَلُ أَعْمَىً إلَّا أَنْ يُقِرَّ فِي أُذُنِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَ قَاضٍ بِهِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَلَوْ حَمَلَهَا بَصِيرٌ ثُمَّ عَمِيَ شَهِدَ إنْ كَانَ المَشْهُودُ لَهُ وَعَلَيْهِ مَعْرُوفَيْ الِاسْمِ وَالنَّسَبِ، وَمَنْ سَمِعَ قَوْلَ شَخْصٍ أَوْ رَأَى فِعْلَهُ، فَإِنْ عَرَفَ عَيْنَهُ وَاسْمَهُ وَنَسَبَهُ شَهِدَ عَلَيْهِ فِي حُضُورِهِ إشَارَةً، وَعِنْدَ غَيْبَتِهِ وَمَوْتِهِ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ،

أن الشهادة بقيمة عين لا تسمع إلا ممن رآها وعرف أوصافها جميعا (والأقوال كعقد) وفسخ وإقرار (يشترط سمعها وإبصار قائلها) حال صدورها منه ولو من وراء نحو زجاج أو نقاب رقيق، فلا يكفي سماعه من وراء حجاب وإن علم صوته; لأن ما أمكن إدراكه بإحدى الحواس لا يجوز أن يعمل فيه بغلبة ظن؛ لجواز اشتباه الأصوات، نعم لو علمه ببيت وحده وعلم أن الصوت ممن في البيت جاز له اعتماد صوته وإن لم يره، وكذا لو علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان وعلم الموجب منهما من القابل؛ لعلمه بمالك المبيع أو نحو ذلك فله الشهادة بما سمعه منهما، (ولا يقبل أعمى) ومن يدرك الأشخاص ولا يميزها في مرئي؛ لانسداد طريق التمييز عليه مع اشتباه الأصوات، وإنما جاز له وطء زوجته اعتمادا على صوتها; لأنه أخف، ومن ثم نص الشافعي رضي الله عنه على حل وطئها اعتمادا على لمس علامة يعرفها فيها وإن لم يسمع صوتها وعلى أن لمن زفت له زوجته أن يعتمد قول امرأة هذه زوجتك ويطأها، و له الاعتماد أيضا على القرينة القوية أنها زوجته وإن لم يقل له أحد ذلك (إلا أن) تكون شهادته بنحو استفاضة أو ترجمة أو إسماع ولم يحتج لتعيين، أو يضع يده على ذكر بفرج فيمسكهما حتى يشهد عليهما بذلك عند قاض; لأن هذا أبلغ من الرؤية، أو يكون جالسا بفراش لغيره فيغصبه آخر فيتعلق به حتى يشهد عليه، أو (يقر) إنسان لمعروف الاسم والنسب (في أذنه) بنحو طلاق أو مال، أوْ لا في أذنه بأن كان يده بيده وهو بصير حال الإقرار ثم عمي (فيتعلق به حتى يشهد عند قاض به على الصحيح)؛ لحصول العلم بأنه المشهود عليه وإن لم يكن في خلوة، (ولو حملها) أي الشهادة (بصير ثم عمي شهد إن كان المشهود له و) المشهود (عليه معروفي الاسم والنسب) فقال: أشهد أن فلان بن فلان فعل كذا أو أقر به; لأنه في هذا كالبصير بخلاف ما إذا لم يعرف ذلك (ومن سمع قول شخص أو رأى فعله فإن عرف عينه واسمه ونسبه) أي أباه وجده (شهد عليه في حضوره إشارة) إليه، ولا يكفي مجرد ذكر الاسم والنسب (و) شهد عليه (عند غيبته) المجوِّزة للدعوى عليه وقد مرت (وموته باسمه ونسبه) معا؛ لحصول التمييز بهما دون أحدهما. أما لو لم يعرف اسم جده فيجزئه الاقتصار على ذكر

ص: 507

فَإِنْ جَهِلَهُمَا لَمْ يَشْهَدْ عَنَدَ مَوْتِهِ وَغَيْبَتِهِ. وَلَا يَصِحُّ تَحَمُّلُ شَهَادَةٍ عَلَى مُتَنَقِّبَةٍ اعْتِمَادًا عَلَى صَوْتِهَا،

اسمه واسم أبيه إن عرفه القاضي بذلك وإلا فلا، بل يكفي لقب خاص كسلطان مصر فلان ولو بعد موته.

[تنبيه مهم] كثيرا ما يعتمد الشهود في الاسم والنسب قول المشهود عليه ثم يشهد الشهود بالاسم والنسب في غيبته وذلك لا يجوز اتفاقا

. ويلزم الشاهد أن يكتب فيه أقر مثلا من ذكر أن اسمه ونسبه كذا ولا يجوز فلان بن فلان، نعم لو لم يعرفهما إلا بعد التحمل جاز له الجزم بهما. ومن طرق معرفتهما أن تقام بهما بينة حسبة؛ لما مر من ثبوت النسب بها لا أن يسمع الاسم والنسب من عدلين، وقد تساهل جهلة الشهود في ذلك حتى عظمت به البلية وأكلت به الأموال فإنهم يجيئون بمن واطئوه فيقر عند قاض بما يرومونه ويذكر اسم ونسب من يريدون أخذ ماله فيسجل الشهود بهما ويحكم به القضاة.

[تنبيه ثان] من حضر عقد بيع أو نكاح شهد بما سمع لا باستحقاق ولا ملك، ويقول حضرت العقد الجاري بينهما أو مجلسه وأشهد به وهو أولى من أشهد أني حضرته. ولو سمعه يقر بشيء ثم قال له المقر لا تشهد علي به لم يلتفت له مطلقا فله أن يشهد به

(1)

(فإن جهلهما) أي الاسم والنسب أو أحدهما (لم يشهد عند موته وغيبته)؛ إذ لا فائدة بخلاف ما إذا حضر وأشار إليه فإن مات أحضر قبل الدفن ليشهد على عينه، وكذا بعده

(2)

إن لم يتغير واشتدت الحاجة لحضوره

(3)

. (ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة) للأداء عليها (اعتمادا على صوتها) كما لا يتحمل بصير في ظلمة اعتمادا عليه؛ لاشتباه الأصوات، ولا أثر لحائل رقيق كما مر. وأفهم قوله اعتمادا أنه لو سمعها فتعلق بها إلى قاض وشهد عليها جاز كالأعمى بشرط أن يكشف نقابها ليعرف القاضي صوتها. وقال جمع لا ينعقد نكاح منتقبة إلا إن عرفها الشاهدان اسما

(1)

. ذكر الشارح في الهبة أن الشهادة بالهبة لا يستلزم القبض، وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه، لئلا يتنبه له 6/ 307.

(2)

. خلافا لهم.

(3)

. عبر في الجنائز بعظمت الواقعة.

ص: 508

فَإِنْ عَرَفَهَا بِعَيْنِهَا أَوْ بِاسْمٍ وَنَسَبٍ جَازَ، وَيَشْهَدُ عِنْدَ الْأَدَاءِ بِمَا يَعْلَمُ، وَلَا يَجُوزُ التَّحَمُّلُ عَلَيْهَا بِتَعْرِيفِ عَدْلٍ أَوْ عَدْلَيْنِ عَلَى الْأَشْهَرِ، وَالْعَمَلُ عَلَى خِلَافِهِ. وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى عَيْنِهِ بِحَقٍّ فَطَلَبَ المُدَّعِي التَّسْجِيلَ سَجَّلَ الْقَاضِي بِالحِلْيَةِ لَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ، مَا لَمْ يَثْبُتَا، وَلَهُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ عَلَى نَسَبٍ مِنْ أَبٍ وَ قَبِيلَةٍ،

ونسبا أو صورة

(1)

. أما لا للأداء عليها كان تحملا أن منتقبة بوقت كذا بمجلس كذا قالت كذا وشهد آخران أن هذه الموصوفة فلانة بنت فلان جاز وثبت الحق بالبينتين. ولو شهد على امرأة باسمها ونسبها فسألهم القاضي أتعرفون عينها أو اعتمدتم صوتها لم يلزمهم إجابته، ومحله في مشهوري الديانة والضبط وإلا لزمه سؤالهم ولزمهم الإجابة، (فإن عرفها بعينها أو باسم ونسب جاز) التحمل عليها للأداء، ولا يجوز كشف نقابها حينئذ؛ إذ لا حاجة إليه (ويشهد عند الأداء بما يعلم) مما مر من اسم ونسب وإلا أشار، فإن لم يعرف ذلك كشف وجهها وضبط حليتها، وكذا يكشفه عند الأداء (ولا يجوز التحمل عليها) أي المنتقبة (بتعريف عدل أو عدلين على الأشهر)، نعم إن قالا نشهد أن هذه فلانة بنت فلان كانا شاهدي أصل وسامعهما شاهد فرع فيشهد على شهادتهما بشرطه (والعمل) من الشهود لا الأصحاب (على خلافه) وهو الاكتفاء بالتعريف من عدل. (ولو قامت بينة على عينه بحق) أو ثبت عليها بوجه آخر كعلم القاضي (فطلب المدعي) من القاضي (التسجيل) بذلك (سجل) له (القاضي) جوازا (بالحلية لا بالاسم والنسب) فلا يجوز التسجيل بهما (ما لم يثبتا) عنده بالبينة ولو على وجه الحسبة، أو بعلمه؛ لتعذر التسجيل على الغير فيكتب حضر رجل ذكر أنه فلان بن فلان ومن حليته كذا ويذكر أوصافه الظاهرة لاسيما دقيقها. ومر أنه لا يكفي فيهما قول مدع ولا مدعى عليه فإن نسب الشخص لا يثبت بإقراره، (وله الشهادة بالتسامع) الذي لم يعارضه ما هو أقوى منه كإنكار المنسوب إليه، وكذا طعن أحد في انتسابه إن لم تقم قرينة على كذب قائله (على نسب) لذكر أو أنثى كائن (من أب أو قبيلة) كهذا ولد فلان أو من قبيلة كذا؛ لتعذر اليقين فيهما إذ مشاهدة الولادة لا تفيد إلا الظن فسومح في ذلك، أو على كونه من بلد كذا المستحق وقفا على أهلها ونحو ذلك.

(1)

. لكن الذي اعتمده الشارح في النكاح عدم اشتراط ذلك مع فروع يتعين الوقف عليها 7/ 226 - 227.

ص: 509

وَكَذَا أُمٌّ فِي الْأَصَحِّ، وَمَوْتٌ عَلَى المَذْهَبِ، لَا عِتْقٌ وَوَلَاءٌ وَوَقْفٌ وَنِكَاحٌ وَمِلْكٌ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ عِنْدَ المُحَقِّقِينَ وَالْأَكْثَرِينَ فِي الجَمِيعِ الجَوَازُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَشَرْطُ التَّسَامُعِ سَمَاعُهُ مِنْ جَمْعٍ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ،

(وكذا أم) فيقبل بالتسامع على نسب منها (في الأصح) كالأب وإن تُيُقِّن بمشاهدة الولادة (و) كذا (موت على المذهب) ; لأنه قد يتعذر إثباته بموته في قرية مثلا (لا عتق وولاء و) أصل (وقف) مطلق أو مقيد على جهة أو معين صحيح، وكذا فاسد كوقف على النفس أُنهيَ لشافعي فثبت عنده بالاستفاضة فله على ما يأتي من التصحيح إثباته بها (ونكاح وملك في الأصح)؛ لتيسر مشاهدتها (قلت: الأصح عند المحققين والأكثرين في الجميع الجواز والله أعلم) ; لأن مدتها إذا طالت عسر إثبات ابتدائها فمست الحاجة إلى إثباتها بالتسامع. وصورة الاستفاضة بالملك أن يستفيض أنه ملك فلان من غير إضافة لسبب، فإن استفاض سببه كالبيع لم يثبت بالتسامع إلا الإرث; لأنه ينشأ عن النسب والموت وكل منهما يثبت بالتسامع. وخرج بأصل الوقف شروطه وتفاصيله فلا يثبتان به إن شهد بالشروط وحدها بخلاف ما إذا شهد بها مع أصل الوقف; لأن حاصلها يرجع إلى بيان وصف الوقف وتبيين كيفيته وذلك مسموع، وإذا لم تثبت التفاصيل قسمت الغلة على أربابها بالسوية فإن كان على مدرسة تعذرت شروطها صرفها الناظر فيما يراه من مصالحها أهم كما مر في الوقف، نعم يثبت شرط يستفيض غالبا ككونه على حرم مكة.

[تنبيه] لو قال أشهد أن الدار المحدودة بكذا أقر بها مثلا فلان كان شهادة بالحدود ضمنا وبالإقرار أصلا

، ومع ذلك لا يعتد بما في المستندات من ذكر الحدود إلا إن صرح الشاهد بأنه يشهد بها ولو ضمنا كما تقرر أو يشملها الحكم كأن يقول حكمت بجميع ما فيه. وفي حكم ذلك ما يقع في المستندات من أقر فلان بن فلان بكذا فتثبت البنوة ضمنا، نعم الحق أنه لا يقبل في البنوة والحدود ما مر إلا من شاهد مشهور بمزيد التحري والضبط والمعرفة بحيث يغلب على الظن أنه لم يذكر البنوة والحدود إلا بعد أن استند بهما إلى وجه صحيح يجوز له اعتماده فيهما. ومما يثبت بالاستفاضة أيضا ولاية قاض واستحقاق زكاة ورضاع وجرح وتعديل وإعسار ورشد وغصب وأن هذا وارث فلان أو لا وارث له غيره. (وشرط التسامع) الذي يُجَوِّز الاستناد إليه في الشهادة بما ذكر (سماعه) أي المشهود به (من جمع) مسلمين (يؤمن تواطؤهم على الكذب) ويحصل الظن القوي بصدقهم. ولا يشترط فيهم حرية ولا ذكورة ولا

ص: 510

وَقِيلَ يَكْفِي مِنْ عَدْلَيْنِ، وَلَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى مِلْكٍ بِمُجَرَّدِ يَدٍ وَلَا بَيْدٍ، وَتَصَرُّفٍ فِي مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَتَجُوزُ فِي طَوِيلَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَشَرْطُهُ تَصَرُّفُ مُلَّاكٍ مِنْ سُكْنَى وَهَدْمٍ وَبِنَاءٍ وَبَيْعٍ وَرَهْنٍ.

عدالة، (وقيل يكفي) التسامع (من عدلين) إذا سكن القلب لخبرهما، وعلى الأول لا بد من تكرره وطول مدته عرفا كما يعلم مما يأتي. ويشترط أن لا يصرح بأن مستنده الاستفاضة، ومثلها الاستصحاب، نعم إن ذكره تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة ثم قال مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سُمعت شهادته بخلاف أشهد بالاستفاضة بكذا فلا تقبل، نعم إن ذكره تقوية لعلمه بأن جزم بالشهادة ثم قال مستندي الاستفاضة أو الاستصحاب سمعت شهادته وإلا كأشهد بالاستفاضة بكذا فلا. وإذا أطلق الشاهد وظهر للحاكم أن مستنده الاستفاضة لم يلجئه إلى بيان مستنده إلا إن كان عاميا; لأنه يجهل شروطها. وكيفية أدائها أشهد أن هذا ولد فلان أو وقفه أو عتيقه أو ملكه، أو هذه زوجته مثلا لا نحو أعتقه أو وقفه أو تزوجها; لأنه صورة كذب لاقتضائه أنه رأى ذلك وشاهده. (ولا تجوز الشهادة على ملك) لعقار أو منقول نقد أو غيره (بمجرد يد) ; لأنها لا تستلزمه، نعم له الشهادة بها، (ولا بيد وتصرف في مدة قصيرة)؛ لاحتمال أنه وكيل عن غيره، (وتجوز) الشهادة بالملك إذا رآه يتصرف فيه، وبالحق كحق إجراء الماء على سطحه أو أرضه أو طرح الثلج في ملكه إذا رآه الشاهد (في) مدة (طويلة) عرفا (في الأصح) حيث لا يعرف له منازع; لأن ذلك يغلب على الظن الملك أو الاستحقاق، نعم إن انضم للتصرف استفاضة

(1)

أن الملك له جازت الشهادة به وإن قصرت المدة، ولا يكفي قول الشاهد رأينا ذلك سنين

(2)

. ويستثنى من ذلك الرقيق فلا تجوز الشهادة فيه بمجرد اليد والتصرف في المدة الطويلة إلا إن انضم لذلك

(3)

السماع من ذي اليد والناس أنه له

(4)

؛ للاحتياط في الحرية وكثرة استخدام الأحرار (وشرطه) أي التصرف المفيد لما ذكر (تصرف ملاك من سكنى وهدم وبناء وبيع) وفسخ وإجارة (ورهن) ; لأن ذلك هو المغلب لظن الملك. والواو بمعنى أو إذ كل واحد منها على حدته كاف، ولا يكفي

(1)

. وصرح المنهج وشرح الروض بأن الاستفاضة وحدها كافيه.

(2)

. أشار الشارح قبيل فصل مستحق القود أنه لا تكفي الشهادة بنحو ملك سابق ككان ملكه أمس إلا إن قالوا ولا نعلم مزيلا له 8/ 430.

(3)

. قضية صنيع شرح الروض الاكتفاء بطول المدة وهو مخالف لما قاله الشارح والنهاية والمغني.

(4)

. ظاهره اشتراط الجمع بينهما كالنهاية وشرح الروض خلافا للمغني من الاكتفاء بأحدهما.

ص: 511

وَتُبْنَى شَهَادَةُ الْإِعْسَارِ عَلَى قَرَائِنَ وَمَخَايلِ الضُّرِّ و الْإِضَاقَةِ.

فصل

تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ فَرْضُ كِفَايَةٍ فِي النِّكَاحِ، وَكَذَا الإِقْرَارٌ، وَالتَّصَرُّفٌ الْمَالِيٌّ، وَكِتَابَةُ الصَّكِّ فِي الْأَصَحِّ،

التصرف ولو مرارا إن كان في مجلس واحد أو أيام قليلة. (وتبنى شهادة الإعسار على قرائن ومخايل) أي مظان (الضُّر) وهو سوء الحال (والإضاقة) أي ذهاب ماله؛ لتعذر اليقين فيه فاكتفي بما يدل عليه من قرائن أحواله في خلوته وصبره على الضيق والضرر. وهذا شرط لاعتماد الشاهد، وقدَّم في الفلس اشتراط خبرته الباطنة وهو شرط لقبول شهادته أو أن ما هنا طريق للخبرة المشترطة ثَمَّ.

(فصل) في تحمل الشهادة وأدائها وكتابة الصك

(تحمل الشهادة

(1)

أي المشهود به أي الإحاطة بما سيطلب منه الشهادة به فيه (فرض كفاية في النكاح)؛ لتوقف انعقاده عليه، ولو امتنع الكل أثموا، ولو طلب من اثنين لم يتعينا إن كان ثَمَّ غيرهما بصفة الشهادة وظن إجابة الغير وإلا تعينا، (وكذا الإقرار والتصرف المالي) وغيره كطلاق وعتق ورجعة وغيرها -إلا الحدود- (وكتابةُ

(2)

الصك) في الجملة وهو الكتاب فرض كفاية أيضا (في الأصح)؛ للحاجة إليهما

(3)

لتمهيد إثبات الحقوق عند التنازع وكتابة الصك لها أثر ظاهر في التذكر وفيها حفظ الحقوق عن الضياع. وقيدت بالجملة؛ لما مر أنه لا يلزم القاضي أن يكتب للخصم ما ثبت عنده أو حكم به. ويظهر أن المشهود له أو عليه لو طلب من الشاهدين كتابة ما جرى تعين عليهما لكن بأجرة المثل كالأداء وإلا لم يبق لكون كتابة الصك فرض كفاية أثر. ويسن للشاهد أن يبجل القاضي ويزيد في ألقابه بالحق لا الكذب، ويكره الدعاء بنحو ((أطال الله بقاءك)). ولا يلزمه الذهاب للتحمل إن كان غير

(1)

. ذكر الشارح في الوصية أن الشاهد ليس له التحمل على مكتوب حتى يقرأ الموصي عليه الكتاب أو يقول له أنا عالم بما فيه 7/ 36.

(2)

. بالرفع عطف على تحمل وعند المغني والمحلي إنه معطوف على إقرار.

(3)

. خلافا لهم فجعلوا الحاجة علة للتحمل فقط.

ص: 512

وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْقَضِيَّةِ إلَّا اثْنَانِ لَزِمَهُمَا الْأَدَاءُ، فَلَوْ أَدَّى وَاحِدٌ وَامْتَنَعَ الْآخَرُ وَقَالَ احْلِفْ مَعَهُ عَصَى، وَإِنْ كَانَ شُهُودٌ، فَالْأَدَاءُ فَرْضُ كِفَايَةٍ، فَلَوْ طَلَبَ مِنْ اثْنَيْنِ لَزِمَهُمَا فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا وَاحِدٌ لَزِمَهُ إنْ كَانَ فِيمَا يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ،

مقبول الشهادة مطلقا، وكذا مقبولها إلا إن عذر المشهود عليه بنحو مرض أو حبس أو كان مخدرة، أو دعاه قاض إلى أمر ثبت عنده ليشهده عليه، أو دعا الزوج أربعة إلى الشهادة بزنا زوجته بخلاف دون أربعة وبخلاف دعاء غير الزوج، أو لم يكن هناك ممن يقبل غيرهم

(1)

. وله طلب أجرة للكتابة وحبس الصك وأخذ أجرة للتحمل وإن تعين عليه إن كان عليه كلفة مشي ونحوه لا للأداء، نعم له أن يأخذ للأداء أجرة مركوبه -وإن مشى- ونفقة طريقه إن دُعي له من مسافة العدوى فما فوق، وكذا من دونها وله كسب عطل عنه فيأخذ قدره

(2)

بشرط أن يتذكر المشهود به على وجه لا يرده القاضي -أي لتقصير في تحمله لا لعقيدة القاضي مثلا- و له أن يقول لا أذهب معك إلى فوق مسافة العدوى إلا بكذا وإن كثر. (وإذا لم يكن في القضية إلا اثنان) كأن لم يتحمل غيرهما أو قام بالبقية مانع (لزمهما الأداء)؛ لقوله تعالى {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} البقرة: 282 أي للأداء. ويجب في الأداء حيث وجب الفور، نعم له التأخير لفراغ حمام وأكل ونحوهما (فلو أدى واحد وامتنع الآخر) بلا عذر (وقال) للمدعي (احلف معه عصى) وإن رأى القاضي الحكم بشاهد ويمين; لأن من مقاصد الإشهاد التورع عن اليمين، وكذا لو امتنع شاهدا نحو وديعة وقالا احلف على الرد (وإن كان) في الواقعة (شهود فالأداء فرض كفاية) عليهم؛ لحصول الغرض ببعضهم، فإن شهد منهم اثنان وإلا أثموا كلهم -دعاهم مجتمعين أو متفرقين- والممتنع أوّلاً أكثرهم إثما; لأنه متبوع كما أن المجيب أوّلا أكثرهم أجرا؛ لذلك، (فلو طلب) الأداء (من اثنين) بأعيانهما (لزمهما) وكذا لو طلب من واحد منهم ليحلف معه (في الأصح)؛ لئلا يفضي إلى التواكل، وفارق التحمل بأنه حمل أمانة وهذا أداؤها. ولو علما إباء الباقين لزمهما قطعا (وإن لم يكن) في القضية (إلا واحد لزمه) الأداء إذا دعي له (إن كان فيما يثبت بشاهد ويمين) والقاضي المطلوب إليه يرى الحكم بهما

(3)

؛

(1)

. ظاهره أنه حينئذ يلزمه الذهاب للتحمل مطلقا، وفي المغني ما يقيده.

(2)

. أي قدر الكسب وفاقا للنهاية وخلافا للروض وشرحه فاعتمد أنه قدر الأداء.

(3)

. خلافا لشرح البهجة فليس عنده قيدا.

ص: 513

وَإِلَّا فَلَا، وَقِيلَ لَا يَلْزَمُ الْأَدَاءُ إلَّا مَنْ تَحَمَّلَ قَصْدًا لَا اتِّفَاقًا. وَلِوُجُوبِ الْأَدَاءِ شُرُوطٌ: أَنْ يُدْعَى مِنْ مَسَافَةِ الْعَدْوَى، وَقِيلَ دُونَ مَسَافَةِ قَصْرٍ، وَأَنْ يَكُونَ عَدْلًا فَإِنْ دُعِيَ ذُو فِسْقٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ، قِيلَ أَوْ مُخْتَلَفٍ فِيهِ لَمْ يَجِبْ،

إذ لا عذر له (وإلا) يكن في ذلك (فلا) يلزمه؛ إذ لا فائدة لأدائه، (وقيل لا يلزم الأداء إلا من تحمل قصدا لا اتفاقا)؛ لأنه لم يلتزم. والأوجه أن النساء فيما يقبلن فيه كالرجال فيما ذكر وإن كان معهن في القضية رجال، نعم المخدرة لا تكلف خروجا فيرسل لها من يشهد عليها. ولو دُعِي لإشهادين واتحد الوقت فإن كان أحدهما أخوف فوتا قدمه وإلا تخير

(1)

.

(ولوجوب الأداء) ولو عينا (شروط)

أحدها (أن يُدْعَى من مسافة العدوى) فأقل؛ للحاجة إلى الإثبات مع تعذره بالشهادة على الشهادة؛ إذ لا تقبل حينئذ، فإن دعي لما فوقها لم يجب؛ للضرر مع إمكان الشهادة على الشهادة. أما لو دعي من هو في البلد فيلزمه الحضور إلا إذا لم يعتد المشي ولا مركوب له أو أحضر له مركوب وهو ممن يستنكر الناس الركوب في حقه -؛ لعدم اعتياد الركوب في حق مثله- فلا يلزم الأداء. وخرج بيُدْعَى ما إذا لم يطلب فلا يلزمه الأداء إلا في شهادة حسبة فيلزمه فورا؛ إزالة للمنكر (وقيل) أن يدعى من (دون مسافة القصر) ; لأنه في حكم الحاضر. أما من مسافة القصر فلا يجب جزما إلا إن دعاه الإمام الأعظم

(2)

.

(و) ثانيها (أن يكون عدلا فإن دُعِي ذو فسق مجمع عليه) ظاهر أو خفي لم يجب عليه الأداء; لأنه عبث، بل يحرم عليه وإن خفي فسقه

(3)

; لأنه يحمل الحاكم على حكم باطل، نعم يجوز إن انحصر خلاص الحق فيه، (قيل أو مختلف فيه) كشرب ما لا يسكر من النبيذ (لم يجب) الأداء عليه; لأنه يعرض نفسه لرد القاضي له بما يعتقده الشاهد غير قادح، والأصح أنه يلزمه وإن اعتقد هو أنه مفسق; لأن الحاكم قد يقبله، وهو ظاهرٌ في مجتهد، أما غيره المعتقد لفسقه الممتنع عليه تقليد غير إمامه بنحو شرط أو عادة من موليه فلا يلزمه الأداء عنده; لأنه

(1)

. خلافا للمغني فاعتمد الإقراع.

(2)

. خلافا للمغني فاعتمد الإطلاق.

(3)

. خلافا للمغني والأسنى فاعتمدا الجواز حينئذ، بل الوجوب إن كان فيه إنقاذ نفس أو عضو أو بضع.

ص: 514

وَأَلَّا يَكُونَ مَعْذُورًا بِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ أَوْ بَعَثَ الْقَاضِي مَنْ يَسْمَعُهَا

حينئذ كالمجمع عليه. ولا يلزم العدل الأداء مع فاسق مجمع عليه إلا إذا كان الحق يثبت بشاهد ويمين.

(و) ثالثها أن يُدْعَى لما يعتقده على أحد الوجهين أو جههما عدم اشتراطه؛ بناء على أنه يجوز للشاهد أن يشهد بما يعتقده الحاكم دونه كشفعة الجوار; لأن العبرة بعقيدة الحاكم، نعم لا يجوز له أن يشهد بصحة أو استحقاق ما يعتقد فساده، ولا أن يتسبب في وقوعه إلا إن قلد القائل بذلك.

ورابعها (ألا يكون معذورا بمرض ونحوه) من كل عذر يرخص في ترك الجمعة مما مر ونحوه كأكل ذي ريح كريه

(1)

، نعم إنما تُعْذر امرأة مخدرة دون غيرها كما مر (فإن كان) معذورا بذلك (أشهد على شهادته) ندبا بل يجب إن نزل به ما يخاف موته منه وخاف حينئذٍ فوات الحق (أو بعث القاضي من يسمعها

(2)

؛ دفعا للمشقة عنه. وأفهم اقتصاره على هذه الثلاثة أنه لا يشترط زيادة عليها فيلزمه الأداء عند نحو أمير وقاض فاسق لم تصح توليته إن توقف خلاص الحق عليه، ويأتي أول الدعاوى أنه لا يحتاج هنا لدعوى; لأن هذا إنما جاز لضرورة توقف خلاص الحق على الأداء عنده فهو بمنزلة إعلام قادر بمعصية ليزيلها. وظاهرٌ أن في معنى توقف خلاص الحق عليه ما لو كان المتولي يخلص أيضا لكن برشوة له أو لبعض أتباعه; لأنه حينئذ في حكم العدم، وعند قاض مُتَعَنِّت أو جائر أي ما لم يخش منه على نفسه. ولو قال لي عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها من غير عذر لم يجبه؛ لاعترافه بفسقه بخلاف ما إذا لم يقل من غير عذر؛ لاحتماله. ويتعين على المؤدي لفظ أشهد فلا يكفي مرادفه كأعلم

(3)

; لأنه أبلغ في الظهور. ولو عرف الشاهدان السبب كالإقرار فلهما الشهادة بالملك أو الاستحقاق لكن إن كانا

(4)

فقيهين متيقظين موافقين لمذهب الحاكم بحيث لا يتطرق إليهما

(1)

. كما أشار إليه الشارح في اللعان.

(2)

. أو يأتي له القاضي ويسمعها منه أو يرسل له القاضي من يشهد على شهادته، ولا يحتاج لحضور الخصم حينئذ، ذكره الشارح في فصل الغائب التي تسمع له البينة ويحكم عليه 10/ 187.

(3)

. نعم يجوز للشاهد الإتيان بالمرادف المساوي من كل وجهٍ كما مر أوائل الباب.

(4)

. ظاهر النهاية إطلاق القبول خلافا للشارح.

ص: 515

تهمة ولا جزم بحكم فيه خلاف في الترجيح، وكذا يقال في كل ما قلنا فيه بقبول الإطلاق. ولو شهد واحد شهادة صحيحة فقال الآخر أشهد بما أو بمثل ما شهد به لم يكف حتى يقول بمثل ما قاله ويستوفيها لفظا كالأول; لأنه موضع أداء لا حكاية، والعمل على خلاف ذلك. ولا يكفي أشْهَدُ بما وضعتُ به خطي ولا بمضمونه ونحو ذلك مما فيه إجمال وإبهام -ولو من عالم- إلا إذا عرف الشاهد ما تضمنه الكتاب، ومثل الشاهد في ذلك القاضي لو قال اشهدوا عليَّ بما وضعت به خطي مثلا. ولا يكفي أن يقول نعم لمن قال له نشهد عليك بما نسب إليك في هذا الكتاب؟ إلا إن قيل ذلك له بعد قراءته عليه وهو يسمعه وكذا المقر، نعم إن قال أعلم ما فيه وأنا مقر به كفى. ولا يجوز لمن سمع نحو إقرار أو بيع أن يشهد بما يعلم خلافه. ويجوز الشهادة على المكس من غير أخذ شيء منه إذا قصد ضبط الحقوق لترد لأربابها إن وقع عدل. والأوجه صحة شهادتهم على قوله اشهدوا أن له عليّ كذا

(1)

كما لو قال اشهدوا له على إني بعت.

[تنبيه] يستثنى مما مر مسائل يجب التفصيل في الشهادة بها

(2)

كالدعوى منها: أن يقر لغيره بعين ثم يدعيها لا بد أن يصرح كبينته بناقل من جهة المقر له، ومنها الشهادة بإكراه أو سرقة أو نظر وقف أو بأنه وارث فلان أو ببراءة مدين مما ادعي به عليه أو بجرح أو رشد أو رضاع أو نكاح

(3)

أو قتل أو طلاق أو بلوغ بسن -بخلافها بمطلق البلوغ- أو بوقف فلا بد من بيان مصرفه بخلاف الوصية، ويظهر أن محل ذلك في الوقف في غير شاهد الحسبة; لأن القصد منها رفع يد المالك فيحفظها القاضي حتى يظهر لها مستحق، أو بأن المدعي اشترى ما بيد خصمه من أجنبي فلا بد من التصريح بأنه كان يملكها أو ما يقوم مقامه أو باستحقاق الشفعة أو بأنه عَقَدَ زائلا عقله فيبين سبب زواله أو بانقضاء العدة وشهادة البينة بأن أباه مات والمُدَّعَى به في يده أو وهو ساكن فيه كالشهادة بالملك؛ لتضمنها له بخلاف مجرد مات فيه أو

(1)

. كما مال إليه الشارح في الإقرار 5/ 396.

(2)

. ذكر الشارح في فصل ما يوجب به مثبت القود أنه لو شهد أنه سرحها قضى القاضي بطلاقها وإن احتمل تسريح رأسها، وقياسه ما ذكره ثَم أنه لو كان الشاهد عامي لا يعرف مدلول التسريح وجب استفصاله 9/ 61.

(3)

. فيذكر تزويج الولي وحضور الشاهدين العدلين ورضاها إن اشترط كما مر في النكاح 7/ 241.

ص: 516

فصل

تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ عُقُوبَةٍ، وَفِي عُقُوبَةٍ لِآدَمِيٍّ عَلَى المَذْهَبِ، وَتَحَمُّلُهَا بِأَنْ يَسْتَرْعِيَهُ فَيَقُولُ: أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا، وَأُشْهِدُك أَوِ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي، أَوْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ،

كان فيه حتى مات أو مات وهو لابسه; لأنها لم تشهد بملك ولا يد، ويكفي قول شاهد النكاح أشهد أني حضرت العقد أو حضرته وأشهد به. ولو قالا لا شهادة لنا في كذا ثم شهدا في زمن يحتمل وقوع التحمل فيه لم يؤثر وإلا أثر. ولو قال لا شهادة لي على فلان ثم قال كنت نسيت قُبِل إن اشتهرت ديانته كما مر

(1)

.

(فصل) في الشهادة على الشهادة

(تقبل الشهادة على الشهادة في غير عقوبة) لله تعالى من حقوق الآدمي وحقوق الله تعالى كزكاة وحد الحاكم لفلان على نحو زناه وهلال نحو رمضان؛ للحاجة إلى ذلك بخلاف عقوبة لله تعالى كحد زنا وشرب وسرقة، وكذا إحصان من ثبت زناه أو ما يتوقف عليه الإحصان (وفي عقوبة لآدمي) كقود وحد قذف (على المذهب)؛ لبناء حقه على المضايقة.

(وتحملها) الذي يعتد به إنما يحصل بأحد ثلاثة أمور: إما (بأن يسترعيه) الأصل أي يلتمس منه رعاية شهادته وضبطها حتى يؤديها عنه; لأنها نيابة فاعتبر فيها إذن المنوب عنه أو ما يقوم مقامه مما يأتي، نعم لو سمعه يسترعي غيره جاز له الشهادة على شهادته وإن لم يسترعه هو بخصوصه (فيقول أنا شاهد بكذا) فلا يكفي أنا عالم ونحوه (وأشهدك) أو أشهدتك (أو اشهد على شهادتي) أو إذا استشهدت على شهادتي فقد أذنت لك أن تشهد ونحو ذلك (أو) بأن (يسمعه يشهد) بما يريد أن يتحمله عنه (عند قاض) أو محكم أو نحو أمير تجوز الشهادة عنده

(2)

.

(1)

. وذكر الشارح في الرهن أن من اشترى عينا بيده حال التنازع فأقام آخر بينه أنها مرهونة عنده لم تقبل إلا إن شهدت بالقبض وإلا صدق المشتري بيمينه 5/ 105، وذكر في الوكالة أنه لو شهدت بينة أن فلانا عزل وكيله فلانا عما وكله فيه قبل تصرفه لم تقبل من غير تعيين لما عزله، إلا إن فسر الموكل بهذا التصرف أو لم يوكله في غيره أو صدقه المشتري 5/ 338، وذكر في كتاب قطع السرقة أنه يشترط فيمن يشهد بالقيمة القطع أن يقول قيمته كذا قطعا 9/ 125.

(2)

. بأن توقف خلاص الحق على الأداء عنده.

ص: 517

أَوْ يَقُولَ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ أَلْفًا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَفِي هَذَا وَجْهٌ، وَلَا يَكْفِي سَمَاعُ قَوْلِهِ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا، أَوْ أَشْهَدُ بِكَذَا، أَوْ عِنْدِي شَهَادَةٌ بِكَذَا، وَلِيُبَيِّنِ الْفَرْعُ عِنْدَ الْأَدَاءِ جِهَةَ التَّحَمُّلِ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَوَثِقَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فَلَا بَأْسَ، وَلَا يَصِحُّ التَّحَمُّلُ عَلَى شَهَادَةِ مَرْدُودِ الشَّهَادَةِ، وَلَا تَحْمِلُ النِّسْوَةُ. فَإِنْ مَاتَ الْأَصْلُ أَوْ غَابَ أَوْ مَرِضَ لَمْ يَمْنَعْ شَهَادَةَ الْفَرْعِ. وَإِنْ حَدَثَ رِدَّةٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ عَدَاوَةٌ مَنَعَتْ،

(أو) بأن يبين السبب كأن (يقول) ولو عند غير حاكم (أشهد أن لفلان على فلان ألفا من ثمن مبيع أو غيره)؛ لأن إسناده للسبب يمنع احتمال التساهل فلم يحتج لإذنه أيضا. ويتعين هنا أن يسمع منه لفظ أشهد (وفي هذا) الأخير (وجه) أنه لا بد من إذنه; لأنه قد يتوسع في العبارة ولو دعي للأداء لأحجم، ويتعين ترجيحه فيما لو دلت القرائن القطعية من حال الشاهد على تساهله وعدم تحريره للعبارة، (ولا يكفي سماع قوله لفلان على فلان كذا أو أشهد بكذا أو عندي شهادة بكذا) وإن قال شهادة جازمة لا أتمارى فيها؛ لاحتمال هذه الألفاظ الوعد والتجوُّز كثيرا (وليبين الفرع عند الأداء جهة التحمل) كأشهد أن فلانا يشهد بكذا وأشهدني أو سمعته يشهد به عند قاض أو يبين سببه ليتحقق القاضي صحة شهادته إذ أكثر الشهود لا يحسنها هنا (فإن لم يبين) جهة التحمل (ووثق القاضي بعلمه) وموافقته له في هذه المسألة (فلا بأس)؛ إذ لا محذور، نعم يسن له استفصاله. (ولا يصح التحمل على شهادة مردود الشهادة) بمانع قام به مطلقا أو بالنسبة لتلك الواقعة؛ لعدم الثقة بقوله ولأن بطلان الأصل يستلزم بطلان الفرع (ولا) يصح (تحمل) الخنثى ما دام إشكاله، ولا تحمل (النسوة) ولو على مثلهن في نحو ولادة; لأن الشهادة على الشهادة مما يطلع عليه الرجال غالبا وشهادة الفرع إنما تثبت شهادة الأصل لا ما شهد به الأصل، ومن ثم لم يصح تحمل فرع واحد عن أصل واحد فيما يثبت بشاهد ويمين وإن أراد المدعي أن يحلف مع الفرع (فإن مات الأصل أو غاب أو مرض لم يمنع شهادة الفرع)؛ لأن ذلك غير نقص بل هو أو نحوه السبب في قبول شهادة الفرع كما سيذكره وإنما قدمه هنا توطئة لقوله (وإن حدث) بالأصل (ردة أو فسق أو عداوة) بينه وبين المشهود عليه أو تكذيب الأصل له كأن قال نسيت التحمل أوْ لا أعلمه قبل الحكم ولو بعد أداء الفرع (مُنِعَت

(1)

شهادة الفرع; لأن كلا من غير الأخيرة لا يهجم دفعة

(1)

. بالبناء للمفعول كما هو ظاهر النهاية، وظاهر المغني أنها بالبناء للفاعل.

ص: 518

وَجُنُونُهُ كَمَوْتِهِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَلَوْ تَحَمَّلَ فَرْعٌ فَاسِقٌ أَوْ عَبْدٌ أَوْ صَبِيٌّ فَأَدَّى وَهُوَ كَامِلٌ قُبِلَتْ. وَيَكْفِي شَهَادَةُ اثْنَيْنِ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ، وَفِي قَوْلٍ يُشْتَرَطُ لِكُلِّ رَجُلٍ أَوِ امْرَأَةٍ اثْنَانِ. وَشَرْطُ قَبُولِهَا تَعَسُّرُ أَوْ تَعَذُّرُ الْأَصِيلِ بِمَوْتٍ أَوْ عَمًى، أَوْ مَرَضٍ يَشُقُّ حُضُورُهُ، أَوْ غَيْبَةٍ لِمَسَافَةِ عَدْوَى، وَقِيلَ قَصْرٍ

فيورث ريبة فيما مضى إلى التحمل. ولو زالت هذه الأمور اشترط تحمل جديد، أما بعد الحكم فلا يؤثر

(1)

إلا إذا كان قبل استيفاء عقوبة (وجنونه

(2)

كموته على الصحيح) فلا يؤثر مطلقاً; لأنه لا يوقع ريبة في الماضي، ومثله عمى وخرس وكذا إغماء إن غاب الأصل عن البلد، فإن كان حاضرا انتظر زواله لقربه أي باعتبار ما من شأنه بخلاف نحو المرض لا ينتظر زواله; لأنه لا ينافي الشهادة. (ولو تحمل فرع فاسق أو عبد أو صبي فأدى وهو كامل قبلت) شهادته كالأصل إذا تحمل ناقصا ثم أدى كاملا (ويكفي شهادة اثنين على) كل من (الشاهدين) كما لو شهدا على إقرار كلٍّ من رجلين، فلا يكفي شهادة واحد على هذا وواحد على هذا، ولا واحد على واحد في هلال رمضان، (وفي قول يشترط لكل رجل أو امرأة اثنان)؛ لأنهما إذا شهدا على أصل كانا كشطر البينة فلا يجوز قيامهما بالشطر الثاني.

(وشرط قبولها) أي شهادة الفرع على الأصل (تعسر) الأصل (أو تعذر الأصل بموت أو عمى) فيما لا يقبل فيه الأعمى (أو مرض) غير إغماء؛ لما مر فيه (يشق) معه (حضوره) مشقة ظاهرة بأن يجوِّز ترك الجمعة، ومن ثم كانت أعذار الجمعة أعذارا هنا

(3)

; لأن جميعها يقتضي تعسر الحضور، وكذا سائر الأعذار الخاصة بالأصل

(4)

، فإن عمَّت الفرع أيضا كالمطر والوحل لم يقبل

(5)

(أو غيبة لمسافة عدوى) يعني لفوقها; لأن ما دونه في حكم البلد (وقيل) لمسافة (قصر)؛ لذلك،

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني حيث قيده في الفسق والردة بأن لا يكون في حد لآدمي أو قصاص لم يستوف فإن وجد بعد الحكم وقبل الاستيفاء لم يستوف كالرجوع بخلاف حدوث العداوة بعد الحكم أو قبله وبعد الأداء فإنه لا يؤثر.

(2)

. أي مطلقا وفاقا للنهاية وخلافا للأسنى والمغني من أنه لا يضر نحو يوم في سنة كالحضانة.

(3)

. خلافا للمغني فظاهره أنه لا يأتي منها إلا ما يشق معه الحضور لا نحو أكل ذي ريح كريه.

(4)

. قال في النهاية وليس من الأعذار الاعتكاف.

(5)

. خلافا لهم.

ص: 519

وَأَنْ يُسَمِّيَ الْأُصُولَ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُزَكِّيَهُمْ الْفُرُوعُ، فَإِنْ زَكَّوْهُمْ قُبِلَ، وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَوْ عُدُولٍ وَلَمْ يُسَمُّوهُمْ لَمْ يَجُزْ.

فصل

رَجَعُوا عَنِ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الحُكْمِ امْتَنَعَ،

ويرد بمنعه في هذا الباب. ولو حضر الأصل قبل الحكم تعينت شهادته; لأن القدرة عليه تمنع الفرع، ويتجه أن الحكم كذلك لو عاده القاضي في مرضه كما لو برئ من مرضه (وأن يسمي) الفرع (الأصول) في شهادته عليهم تسمية تميزهم؛ ليعرف القاضي حالهم ويتمكن الخصم من القدح فيهم، وشمل المتن ما لو كان الأصل قاضياً فيجب أن يسميهم كذلك، (ولا يشترط أن يزكيه الفروع) ولا أن يتعرضوا لصدقه فيما شهد به بل لهم إطلاق الشهادة والقاضي يبحث عن عدالته (فإن زكوهم قُبِل) ذلك منهم إن تأهلوا للتعديل؛ إذ لا تهمة، وإنما لم تقبل تزكية أحد شاهدين في واقعة للآخر; لأنه قام بأحد شطري الشهادة فلا يقوم بالآخر وتزكية الفرع للأصل من تتمة شهادة الفرع ولذا شرطت على وجه (ولو شهدوا على شهادة عدلين أو عدول ولم يسموهم لم يجز) أي لم يكف; لأنه يسد باب الجرح على الخصم.

(فصل) في الرجوع عن الشهادة

وشرط جريان أحكامه الآتية أن لا يكون ثَمَّ حجة غيره، فإن كانت ثم حجة كالإقرار لكن القاضي أسند الحكم للبينة جرت أحكام الرجوع فيه أو للإقرار فلا. إذا (رجعوا) أو من يكمل النصاب به أو مات مورثه الذي شهد له (عن الشهادة) التي أدوها بين يدي الحاكم (قبل الحكم) بشهادتهم ولو بعد ثبوتها؛ بناء على الأصح السابق أنه ليس بحكم مطلقا

(1)

، بأن صرحوا بالرجوع ومثله شهادتي باطلة أوْ لا شهادة لي فيه. وليس من الرجوع

(2)

قوله أبطلتها أو فسختها أو رددتها؛ إذ لا قدرة له على إنشاء إبطالها بخلاف ما لو قال هي باطلة أو منقوضة أو مفسوخة; لأنه إخبار بأنها لم تقع صحيحة من أصلها وبخلاف ما لو قال أردت بأبطلتها مثلا أنها باطلة في نفسها. وقوله للحاكم بعد شهادته عنده ((تَوَقَّفْ عن الحكم)) يوجب توقفه ما لم يقل له احكم; لأنه لم يتحقق رجوعه، نعم إن كان عاصيا وجب سؤاله عن سبب توقفه كما علم مما مر (امتنع) الحكم

(1)

. أي سواء أكان الثابت الحق أم سببه.

(2)

. خلافا لهما.

ص: 520

أَوْ بَعْدَهُ وَقَبْلَ اسْتِيفَاءِ مَالٍ اُسْتُوْفِيَ، أَوْ عُقُوبَةٍ فَلَا، أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يُنْقَضْ. فَإِنْ كَانَ المُسْتَوْفَى قِصَاصًا أَوْ قَتْلِ رِدَّةٍ أَوْ رَجْمِ زِنًا أَوْ جَلْدَهُ وَمَاتَ وَقَالُوا تَعَمَّدْنَا فَعَلَيْهِمْ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ

بها؛ لزوال سببه كما لو طرأ مانع من قبول الشهادة قبله إن كان نحو فسق أو عداوة أو صار المال له بموت المشهود له وهو وارثه كما مر لا نحو موت أو جنون أو عمى، ويفسقون ويعزرون إن قالوا تعمدنا شهادةَ الزور ويحدون للقذف إن كانت بزنا وإن ادعوا الغلط. وتقبل البينة بعد الحكم بشهادتهما برجوعهما قبله وإن كذباها كما تقبل بفسقهما وقته أو قبله بزمن لا يمكن فيه الاستبراء، ولا تقبل بعده برجوعهما من غير تعرض لكونه قبله أو بعده، فعلم أنه ليس لهما بعد الرجوع -وإن ثبت بالبينة وكذباها- العود للشهادة مطلقا; لأنهما إما فاسقان إن تعمدا أو مخطئان وقد صرحوا بأن المخطئ لا تسمع منه إعادة الشهادة، (أو) رجعوا (بعده) أي الحكم (وقبل استيفاء مال استوفي) أو قبل العمل بأثر عقد أو حل أو فسخ عمل به; لأن الحكم تم وليس هذا مما يسقط بالشبهة (أو) قبل استيفاء (عقوبة) لآدمي كقود وحد قذف أو لله كحد زنا وشرب (فلا) تستوفى; لأنها تسقط بالشبهة (أو بعد) أي بعد استيفائها (لم ينقض)؛ لجواز كذبهم في الرجوع فقط وليس عكس هذا أولى منه والثابت لا ينقض بأمر محتمل. وليس للحاكم أن يرجع عن حكمه سواء كان بعلمه أو ببينة،؛ لأن حكمه إن كان باطن الأمر فيه كظاهره نفذ ظاهرا وباطنا وإلا بأن لم يتبين الحال نفذ ظاهرا فلم يجز له الرجوع إلا إن بين مستنده فيه، ومحل ذلك في الحكم بالصحة بخلاف الثبوت والحكم بالموجب; لأن كلا منهما لا يقتضي صحة الثابت ولا المحكوم به; لأن الشيء قد يثبت عنده ثم ينظر في صحته ولأن الحكم بالصحة يتوقف على ثبوت استيفاء شروطها عنده ومنها ثبوت ملك العاقد أو ولايته فحينئذ جاز له بل لزمه أن يرجع عن حكمه بها إن ثبت عنده ما يقتضي رجوعه عنه كعدم ثبوت ملك العاقد، ويقبل قوله بان لي فسق الشاهد فينقض حكمه ما لم يتهم، وقوله أكرهت على الحكم -ولو بغير قرينة على الإكراه إن اشتهر بالعلم والديانة- لا كنت فاسقا أو عدوا للمحكوم عليه مثلا فلا يقبل؛ لاتهامه به (فإن كان المُسْتَوْفَى قصاصا) في نفس أو طرف (أو قتل ردة أو رجم زنا أو جلده) أي الزنا، ومثله جلد القذف (ومات) من القود أو الحد

(1)

ثم رجعوا (وقالوا) كلهم (تعمدنا) وعلمنا أنه يقتل بشهادتنا، أو جهلنا ذلك وهو ممن لا

(1)

. جعل المغني والأسنى الموت قيدا للجلد فقط.

ص: 521

وَعَلَى الْقَاضِي قِصَاصٌ إنْ قَالَ تَعَمَّدْتُ، وَإِنْ رَجَعَ هُوَ وَهُمْ فَعَلَى الجَمِيعِ قِصَاصٌ إنْ قَالُوا: تَعَمَّدْنَا، فَإِنْ قَالُوا أَخْطَأْنَا فَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةٍ وَعَلَيْهِمْ نِصْفٌ. وَلَوْ رَجَعَ مُزَكٍّ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ،

يخفى عليهم، أو ظننا أننا نُجْرَح

(1)

بأسباب إلا إن كانت الأسباب أو بعضها ظاهرة لكل أحد، أو قال كل منهم تعمدتُ ولا أعلم حال صاحبي، أو اقتصر كل على قوله تعمدت (فعليهم) ما لم يعترف ولي القاتل بحقيقة ما شهد به عليه (قصاص) بشرطه، ومنه أن يكون جلد الزنا يقتل غالبا، ويتصور بأن يشهدا به في زَمَنِ نحو حرٍّ ومذهب القاضي يقتضي الاستيفاء فورا وإن أهلك غالبا وعلما ذلك. وأفهم قوله قصاص أنه يراعى فيه المماثلة فيحدون في شهادة الزنا حد القذف ثم يرجمون (أو) للتنويع لا للتخيير (دية مغلظة) في مالهم موزعة على عدد رءوسهم؛ لنسبة إهلاكه إليهم. وخرج بتعمدنا أخطأنا فعليهم دية مخففة في مالهم إلا إن صدقتهم العاقلة

(2)

. أما لو قال أحدهم تعمدتُ وتعمد صاحبي وقال صاحبه أخطأتُ، أو قال تعمدت وأخطأ صاحبي

(3)

، أو قال أخطأنا فيقتل الأول فقط; لأنه أقر بموجبه دون الثاني. ولو رجع أحدهما فقط وقال تعمدنا قتل أو تعمدت فلا، ومحل وجوب القود أو الدية عليهم أو على أحدهم ما لم يقل الولي علمت تعمدهم وإلا فالقود عليه وحده (وعلى القاضي قصاص إن) رجع وحده و (قال تعمدت)؛ لاعترافه بموجبه، فإن آل الأمر للدية فكلها مغلظة في ماله; لأنه قد يستقل بالمباشرة فيما إذا قضى بعلمه بخلاف ما إذا رجع هو والشهود فإنه يشاركهم كما يأتي (وإن رجع هو وهم فعلى الجميع قصاص إن قالوا تعمدنا) وعلمنا إلى آخره؛ لنسبة هلاكه إليهم كلهم (فإن قالوا أخطأنا فعليه نصف دية) مخففة (وعليهم نصف) كذلك؛ توزيعا على المباشرة والسبب، (ولو رجع مُزَكٍّ) وحده أو مع من مر

(4)

(فالأصح أنه يضمن) بالقود أو الدية; لأنه بالتزكية يلجئ القاضي للحكم المقتضي للقتل. ولو رجع الأصل وفرعه اختص الغرم بالفرع; لأنه الملجئ كالمزكي.

(1)

. لعل المراد جرحهم في الشهادة وعدم قبولها بسبب جرحهم.

(2)

. ظاهره كالنهاية والروض أنه لو سكتوا لم تلزمهم دية خلافا للأسنى والمغني.

(3)

. وإنما لم يقتل الصاحب الآخر حينئذ؛ لأنه شريك مخطئ.

(4)

. خلافا لشرح البهجة فأفاد أنه لو رجع الشاهد وآل الأمر إلى المال وجب الدية عليهما نصفين.

ص: 522

أَوْ وَلِيٌّ وَحْدَهُ فَعَلَيْهِ قِصَاصٌ أَوْ دِيَةٌ أَوْ مَعَ الشُّهُودِ فَكَذَلِكَ، وَقِيلَ: هُوَ وَهُمْ شُرَكَاءُ. وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ رَضَاعٍ أَوْ لِعَانٍ وَفَرَّقَ الْقَاضِي فَرَجَعَا دَامَ الْفِرَاقُ وَعَلَيْهِمْ مَهْرُ المِثْلٍ، وَفِي قَوْلٍ نِصْفُهُ إنْ كَانَ قَبْلَ وَطْءٍ

(1)

. وَلَوْ شَهِدَا بِطَلَاقٍ وَفَرَّقَ فَرَجَعَا فَقَامَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُمَا رَضَاعٌ فَلَا غُرْمَ

(أو) رجع (ولي وحده) دون الشهود (فعليه قصاص أو دية) كاملة; لأنه المباشر للقتل، نعم لا أثر لرجوعه في قطع الطريق; لأن الاستيفاء لا يتوقف عليه بل لا يسقط بعفوه كما مر (أو) رجع الولي (مع الشهود) أو مع القاضي والشهود (فكذلك)؛ لأنه المباشر فهم كالممسك مع القاتل (وقيل هو وهم شركاء) لكن عليه نصف الدية إن وجبت؛ لتعاونهم على القتل. (ولو شهدا بطلاق بائن) بخلع أو ثلاث ولو لرجعية (أو رضاع) محرم (أو لعان وفرق القاضي)، ويؤخذ منه أن الكلام في حي فلا غرم في شهود ببائن على ميت (فرجعا دام الفراق)؛ لما مر أن قولهما في الرجوع محتمل والقضاء لا يرد بمحتمل (وعليهم) حيث لم يصدقهم الزوج، ولا شهدوا بعوض خلع يساوي مهر المثل، ولا كان

(2)

الزوج قنا كله; لأنه لا ملك له والسيد لا تعلق له ببضع زوجة عبده (مهر المثل) ساوى المسمى أوْ لا; لأنه بدل البضع الذي فوتاه عليه، فإن كان مجنونا أو غائبا طالب وليه أو وكيله (وفي قول) عليهم (نصفه) فقط (إن كان) الفراق (قبل وطء)؛ لأنه الذي فوتاه. وخرج بالبائن الرجعي فإن راجع فلا غرم؛ إذ لا تفويت والأوجب كالبائن. (ولو شهدا بطلاق وفرق) بينهما (فرجعا فقامت بينة) أو ثبت بحجة أخرى (أنه) لا نكاح بينهما كأن ثبت أنه (كان بينهما رضاع محرم) أو أنها بانت من قبل (فلا غرم) عليهما؛ إذ لم يفوتا عليه شيئا، فإن غُرِّما قبل البينة استردا.

(1)

. وفي نسخة من المنهاج زيادة: ((وَفِي قَوْلٍ: عَلَيهِمُ المُسَمَّى)).

(2)

. خلافا للمغني.

ص: 523

وَلَوْ رَجَعَ شُهُودُ مَالٍ غَرِمُوا فِي الْأَظْهَرِ، وَمَتَى رَجَعُوا كُلُّهُمْ وُزِّعَ عَلَيْهِمُ الْغُرْمُ، أَوْ بَعْضُهُمْ وَبَقِيَ نِصَابٌ فَلَا غُرْمَ، وَقِيلَ يَغْرَمُ قِسْطَهُ، وَإِنْ نَقَصَ النِّصَابُ وَلَمْ تَزِدِ الشُّهُودُ عَلَيْهِ فَقِسْطٌ، وَإِنْ زَادَ فَقِسْطٌ مِنَ النِّصَابِ، وَقِيلَ مِنَ الْعَدَدِ، وَإِنْ شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ فَعَلَيْهِ نِصْفٌ وَهُمَا نِصْفٌ أَوْ وَأَرْبَعٌ فِي رَضَاعٍ فَعَلَيْهِ ثُلُثٌ وَهُنَّ ثُلُثَانِ، فَإِنْ رَجَعَ هُوَ أَوْ ثِنْتَانِ فَلَا غُرْمَ فِي الْأَصَحِّ. وَإِنْ شَهِدَ هُوَ وَأَرْبَعٌ بِمَالٍ فَقِيلَ كَرَضَاعٍ

(ولو رجع

(1)

شهود مال) عين -ولو أم ولد شهدا بعتقها- أو دين -وإن قالوا غلطنا- (غرموا) للمحكوم عليه -بعد غرمه لا قبله- مثل المثلي وقيمة المتقوم، وهل يعتبر فيها وقت الشهادة؛ لأنها السبب أو الحكم; لأنه المفوت حقيقته؟ الأقرب الأول في الشاهد

(2)

والثاني في الحاكم. ولا رجوع في الشهادة بالاستيلاد إلا بعد موت السيد وبالتعليق إلا بعد وجود الصفة (في الأظهر)؛ لأنهم أحالوا بينهم وبين ماله، ومن ثم لو فوتوه ببدله كبيع بثمن يعادل المبيع لم يغرموا، (ومتى رجعوا كلهم وزع عليهم الغرم) بالسوية إن اتحد نوعهم وإن ترتب رجوعهم أو زادوا على النصاب، (أو) رجع (بعضهم وبقي نصاب) كأحد ثلاثة في غير زنا (فلا غرم)؛ لبقاء الحجة، (وقيل يغرم قسطه)؛ لأن الحكم مستند للكل، (وإن نقص النصاب ولم تزد الشهود عليه) كأن رجع أحد اثنين (فقسط) من النصاب وهو النصف يغرمه الراجع (وإن زاد) عدد الشهود على النصاب كاثنين من ثلاثة (فقسط من النصاب) فعليهما نصف؛ لبقاء نصف الحجة (وقيل من العدد) فعليهما ثلثان؛ لاستوائهم في الإتلاف، (وإن شهد رجل وامرأتان) فيما يثبت بهم ثم رجعوا (فعليه نصف وهما نصف) على كل واحدة ربع; لأنهما كرجل، والخنثى كالأنثى، (أو) شهد رجل (وأربع في رضاع) ونحوه مما يثبت بمحضهن، ثم رجعوا (فعليه ثلث وهن ثلثان)؛ لما تقرر أن كل ثنتين برجل وهن ينفردن بهذه الشهادة فلم يتعين الشطر، (فإن رجع هو أو ثنتان) فقط (فلا غرم في الأصح)؛ لبقاء النصاب، (وإن شهد هو وأربع) من النساء (بمال) ورجع الكل (فقيل كرضاع) فعليه الثلث، أو هو وحده فعليه النصف.

(1)

. ولو لم يقل الشاهدان رجعنا، ولكن قامت بينة برجوعهما غرما على المعتمد عند الشهاب الرملي، وهو مقتضى الشارح والنهاية خلافا للمغني.

(2)

. خلافا للنهاية والأسنى.

ص: 524

وَالْأَصَحُّ هُوَ نِصْفٌ وَهُنَّ نِصْفٌ، سَوَاءٌ رَجَعْنَ مَعَهُ أَوْ وَحْدَهُنَّ، وَإِنْ رَجَعَ ثِنْتَانِ فَالْأَصَحُّ لَا غُرْمَ، وَأَنَّ شُهُودَ إحْصَانٍ أَوْ صِفَةٍ مَعَ شُهُودِ تَعْلِيقِ طَلَاقٍ وَ عِتْقٍ لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا

(والأصح) أنه (هو) عليه (نصف وهن) عليهن (نصف)؛ لأنه النصف وهن وإن كثرن كنصف؛ إذ لا يقبلن منفردات في المال (سواء رجعن معه أو وحدهن) بخلاف الرضاع يثبت بمحضهن (وإن رجع ثنتان فالأصح) أنه (لا غرم) عليهما؛ لبقاء النصاب. ولو شهد رجلان وامرأة ثم رجعوا لزمها الخمس. (و) الأصح (أن شهود إحصان) مع شهود زنا (أو) شهود (صفة مع شهود تعليق طلاق وعتق لا يغرمون) إذا رجعوا بعد الرجم ونفوذ الطلاق أو العتق وإن تأخرت شهادتهم عن الزنا والتعليق، أما شهود الإحصان فلما مر فيهم أول الفصل -رجعوا مع شهود الزنا أو وحدهم- وأما شهود الصفة فلأنهم لم يشهدوا بطلاق ولا عتق وإنما أثبتوا صفة فقط هي شرط لا سبب والحكم إنما يضاف للسبب لا للشرط.

ص: 525

‌كتاب الدعوى والبينات

تُشْتَرَطُ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضٍ فِي عُقُوبَةٍ كَقِصَاصٍ وَقَذْفٍ. وَإِنِ اسْتَحَقَّ عَيْنًا فَلَهُ أَخْذُهَا إنْ لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً

(كتاب الدعوى والبينات)

الدعوى إخبار عن وجوب حق للمخبِر على غيره عند حاكم ليُلزمه به، والبينة هم الشهود; لأن بهم يتبين الحق. والأصل فيها قوله تعالى {وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} النور: 48، وخبر ((البينة على المدعي واليمين على من أنكر)).

(تشترط الدعوى عند قاض) أو محكم أو سيد (في) غير مال مما لا تسمع فيه شهادة الحسبة سواء أكان في غير عقوبة كنكاح ورجعة وإيلاء وظهار وعيب نكاح أو بيع أم في (عقوبة) لآدمي (كقصاص وحد قذف) ولا يجوز للمستحق الاستقلال به؛ لعظم خطره، أما عقوبة لله تعالى فهي وإن توقفت على القاضي أيضا لكن لا تسمع فيها الدعوى; لأنها ليست حقا للمدعي، نعم لقاذف أُريد حده الدعوى على المقذوف وطلب حلفه على أنه لم يزن ليسقط الحد عنه إن نكل. وما يوجب تعزيرا لحق الله تعالى تسمع الدعوى فيه إن تعلق بمصلحة عامة كطرح حجارة بطريق. ومر أنه لا يلزم الأداء عند نحو وزير إلا إذا توقف استيفاء الحق عليه، وحينئذ فالأداء لهذه الضرورة لا يستدعي توقفه على دعوى

(1)

، وقضية قوله ((يشترط)) أنه لو استوفاه بدون قاضٍ لم يقع الموقع وهو كذلك في حد القذف لا القود. وكل ما تقبل فيه شهادة الحسبة لا يحتاج فيه لدعوى -بل لا تسمع دعوى الحسبة في حدود الله إلا إن تعلق بها حق آدمي كما مر- ومنه قتل من لا وارث له أو قذفه؛ إذ الحق فيه للمسلمين، وقتل قاطع الطريق الذي لم يتب قبل القدرة عليه; لأنه لا يتوقف على طلب. وخرج بالعقوبة وما معها المال; لأن لمالكه ونحوه أخذه ظفرا من غير دعوى

(2)

كما قال (وإن استحق) شخص (عينا) عند آخر بملك وكذا بنحو إجارة أو وقف أو وصية بمنفعة أو ولاية كأن غصبت عين لموليه وقدر على أخذها (فله أخذها) مستقلا به (إن لم يخف فتنة) عليه أو على غيره

(1)

. خلافا للمغني.

(2)

. ذكر الشارح أن الزوجة لو كان لها عنده شيء من نفقتها أو كسوتها جاز أن تأخذه ظفرا بقصد الاستيفاء، ولا يشترط وجود بقية شروط الظفر 9/ 130 - 131.

ص: 529

وَإِلَّا وَجَبَ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ، أَوْ دَيْنًا عَلَى غَيْرِ مُمْتَنِعٍ مِنَ الْأَدَاءِ طَالَبَهُ، وَلَا يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ لَهُ، أَوْ عَلَى مُنْكِرٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ أَخَذَ جِنْسَ حَقِّهِ مِنْ مَالِهِ وَكَذَا غَيْرُ جِنْسِهِ إنْ فَقَدَهُ عَلَى المَذْهَبِ، أَوْ عَلَى مُقِرٍّ مُمْتَنِعٍ، أَوْ مُنْكِرٍ وَلَهُ بَيِّنَةٌ فَكَذَلِكَ. وَقِيلَ يَجِبُ الرَّفْعُ إلَى قَاضٍ،

سواء أكانت يده عادية أم لا كأن اشترى مغصوبا لا يعلمه، نعم من ائتمنه المالك كوديع يمتنع عليه أخذ ما تحت يده من غير علمه; لأن فيه إرعابا له بظن ضياعها، ومنه يؤخذ حرمة كل ما فيه إرعاب للغير، أي إرعابا لا يحتمل عادة بخلاف غيره كمزاح محتمل. وفي نحو الإجارة المتعلقة بالعين يأخذ العين ليستوفي المنفعة منها، وفي الذمة يأخذ قيمة المنفعة التي استحقها من ماله ويستأجر بها، وحينئذٍ يلزمه الاقتصار على ما يتيقن أنه قيمة لتلك المنفعة أو يسأل عدلين يعرفانها ويعمل بقولهما (وإلا) بأن خاف فتنة أي مفسدة تفضي إلى محرم كأخذ ماله لو اطلع عليه بأن غلب ذلك على ظنه وكذا إن استويا (وجب الرفع) ما دام مريدا للأخذ (إلى قاض) أو نحوه؛ لتمكنه من الخلاص به، (أو دينا) حالا (على غير ممتنع من الأداء طالبه) ليؤدي ما عليه (ولا يحل أخذ شيء له) ; لأن له الدفع من أي ماله شاء، فإن أخذ شيئا لزمه رده وضمنه إن تلف ما لم يوجد شرط التقاص (أو على منكر) أو من لا يقبل إقراره (ولا بينة له) عليه أو له بينة وامتنعوا أو طلبوا منه ما لا يلزمه أو كان قاضي محله جائرا لا يحكم إلا برشوة (أخذ جنس حقه من ماله) ظفرا؛ لعجزه عن حقه إلا بذلك، فإن كان مثليا أو متقوما أخذ مماثله من جنسه لا من غيره (وكذا غير جنسه) أي غير جنس حقه ولو أمة (إن فقده) أي جنس حقه (على المذهب)؛ للضرورة، نعم إن وجد نقدا تعين. ولو أنكر كون ما وجده ملكه لم يجز أخذه قطعا. ولو كان المدين محجورا عليه بفلس أو ميتا وعليه دين لم يأخذ إلا قدر حصته بالمضاربة إن علمها وإلا احتاط (أو على مقر ممتنع) ولو مماطلا (أو منكر وله بينة فكذلك) له الاستقلال بأخذ حقه؛ لما في الرفع من المؤنة والمشقة (وقيل يجب الرفع إلى قاض)؛ لإمكانه. وخرج باستحق عينا الزكاة; لأنها وإن تعلقت بعين المال شائعة فيه كما مر، فإذا امتنع المالك من أدائها لم يكن للمستحقين وإن انحصروا إذا ظفروا بجنسها من ماله الظفر بها؛ لتوقف إجزائها على النية، بل ليس لهم ذلك وإن علموه عزل قدرها ونواهم به

ص: 530

وَإِذَا جَازَ الْأَخْذُ فَلَهُ كَسْرُ بَابٍ وَنَقْبُ جِدَارٍ لَا يَصِلُ إِلَى المَالِ إلَّا بِهِ، ثُمَّ المَأْخُوذُ مِنْ جِنْسِهِ يَتَمَلَّكُهُ وَمِنْ غَيْرِهِ يَبِيعُهُ، وَقِيلَ يَجِبُ رَفْعُهُ إلَى قَاضٍ يَبِيعُهُ. وَالمَأْخُوذُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ فَيَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ قَبْلَ تَمَلُّكِهِ وَبَيْعِهِ،

; لأنه لا يتعين للزكاة بذلك؛ إذ له الإخراج من غيره (وإذا جاز الأخذ) ظفرا (فله

(1)

بنفسه لا بوكيله -وإن كان الذي له تافه القيمة أو اختصاصا

(2)

- نعم له الاستعانة بوكيل

(3)

إن كان عاجزا عن نحو الكسر بالكلية (كسر باب ونقب جدار) للمدين وليس مرهونا ولا مؤجرا مثلا ولا لمحجور عليه وغيرهما مما (لا يصل إلى المال إلا به)؛ لأن من استحق شيئا استحق الوصول إليه، ولا يضمن ما فوته كمتلف مال صائل تعذر دفعه إلا بإتلافه، نعم إن لم يتعد الآخذ كصغير وغائب معذور لم يجز هذا وإن جاز الأخذ (ثم المأخوذ من جنسه) أي جنس حقه إن كان بصفة حق أو أدون منها ملكه بمجد الأخذ، أما إن كان بصفة أعلى فلا بد أن (يتملكه) أي يتموَّله ويتصرف فيه بدلا عن حقه -؛ إذ هو كغير الجنس فيما يأتي فيه- فلا يملكه وإنما يملك ما يشتريه بثمنه بمجرد الشراء، فإذا كان دراهم مكسرة وظفر بصحاح لم يتملكها ولا يبيعها بمكسرة بل بدنانير ثم يشتري بها المكسرة فيملكها بمجرد الشراء، (و) المأخوذ (من غيره) أي الجنس أو منه وهو بصفة أرفع كما تقرر (يبيعه) بنفسه أو مأذونه للغير لا لنفسه اتفاقا، ولا لمحجوره؛ لامتناع تولي الطرفين وللتهمة. هذا إن لم يتيسر علم القاضي به لعدم علمه ولا بينة أو مع أحدهما لكنه يحتاج لمؤنة ومشقة وإلا اشترط إذنه (وقيل يجب رفعه إلى قاض يبيعه) مطلقا; لأنه غير أهل للتصرف في مال غيره بنفسه. ولا يبيعه إلا بنقد البلد، ثم إن كان من جنس حقه تملكه وإلا اشترى جنس حقه لا بصفة أرفع وملكه. (والمأخوذ) من الجنس وغيره (مضمون عليه) أي الآخذ; لأنه أخذه لحظ نفسه (في الأصح فيضمنه) حيث لم يملكه بمجرد أخذه (إن تلف قبل تملكه) أي الجنس

(4)

(و) قبل (بيعه) أي غير الجنس، بل

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. خلافا للنهاية وفاقا للمغني.

(3)

. وإن أمكنه الرفع للحاكم خلافا للمغني.

(4)

. خلافا للمغني عبارته: ((ومحل الخلاف في غير الجنس، أما المأخوذ من الجنس فإنه يضمنه ضمان يد قطعا)).

ص: 531

وَلَا يَأْخُذُ فَوْقَ حَقِّهِ إنْ أَمْكَنَهُ الِاقْتِصَارُ. وَلَهُ أَخْذُ مَالِ غَرِيمِ غَرِيمِهِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ المُدَّعِيَ مَنْ يُخَالِفُ قَوْلُهُ الظَّاهِرَ، وَالمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يُوَافِقُهُ، فَإِذَا أَسْلَمَ زَوْجَانِ قَبْلَ وَطْءٍ فَقَالَ أَسْلَمْنَا مَعًا فَالنِّكَاحُ بَاقٍ، وَقَالَتْ مُرَتَّبًا فَهُوَ مُدَّعٍ

ويضمن ثمنه إن تلف بعد البيع وقبل شراء الجنس به فليبادر بحسب الإمكان، فإن أخر فنقصت قيمته ضمن النقص. ولو نقصت وارتفعت وتلف ضمن الأكثر قبل التملك لمالكه (ولا يأخذ) المستحق (فرق حقه إن أمكن الاقتصار) على قدر حقه؛ لحصول المقصود به، فإن زاد ضمن الزيادة إن أمكن عدم أخذها وإلا كأن كان له مائة فرأى سيفا بمائتين لم يضمن الزائد؛ لعذره. ويقتصر فيما يتجزأ على بيع قدر حقه، وكذا في غيره إن أمكن وإلا باع الجميع ثم يرد الزائد مما مر لمالكه بنحو هبة إن أمكنه وإلا أمسكه إلى أن يمكنه (وله أخذ مال غريم غريمه) -بأن يكون لزيد على عمرو دين ولعمرو على بكر مثله فلزيد أخذ ما له على عمرو من مال بكر وإن رد عمرو إقرار بكر له أو جحد بكر استحقاق زيد على عمرو- والشرط في ذلك أن لا يظفر بمال الغريم وأن يكون غريم الغريم جاحدا ممتنعا أيضا أو مماطلا، ويلزمه أن يعلم الغريم بأخذه حتى لا يأخذ ثانيا وإن أخذ كان هو الظالم، ولا يلزمه إعلام غريم الغريم؛ إذ لا فائدة فيه، ومن ثم لو خشي أن الغريم يأخذ منه ظلما لزمه إعلامه ليظفر من مال الغريم بما يأخذه منه.

[فرع] له استيفاء دين له على آخر جاحد له بشهود دين آخر له عليه قُضِيَ من غير علمهم، وله جحد من جحده إذا كان له على الجاحد مثل ما له عليه أو أكثر منه فيحصل التقاص وإن لم توجد شروطه؛ للضرورة، فإن كان له دون ما للآخر عليه جحد من حقه بقدره. ولو مات مدين فأخذ غريمه دينه من بعض أقاربه ظلما فللمأخوذ منه الرجوع على تركة الميت; لأن له مالا على الظالم وللظالم دين في التركة فيأخذ منها ما له على الظالم كمن ظفر بمال غريم غريمه.

(والأظهر أن المدعي) وشرطه أن يكون معينا معصوما مكلفا أو سكرانا وإن حجر عليه بسفه فيقول ووليي يستحق تسلمه (من يخالف قوله الظاهر) وهو براءة الذمة (والمدعى عليه) وشرطه ما ذكر (من يوافقه) أي الظاهر، فنحو الوديع إذا ادعى الرد يعتبر مدعىً واكتفي منه باليمين؛ لأنهم أثبتوا أيديهم لغرض المالك. ولا يختلف الأظهر ومقابله في أغلب المسائل، وقد يختلفان كما في قوله (فإذا أسلم زوجان قبل وطء فقال) الزوج (أسلمنا معا فالنكاح باق وقالت) الزوجة بل أسلمنا (مرتبا) فلا نكاح (فهو مدع)؛ لأن إسلامهما معا

ص: 532

وَمَتَى ادَّعَى نَقْدًا اُشْتُرِطَ بَيَانُ جِنْسٍ وَنَوْعٍ وَقَدْرٍ وَصِحَّةٍ وَتَكَسُّرٍ إنِ اخْتَلَفَتْ بِهِمَا قِيمَةٌ، أَوْ عَيْنًا تَنْضَبِطُ كَحَيَوَانٍ وَصَفَهَا بِصِفَةِ السَّلَمِ. وَقِيلَ: يَجِبُ مَعَهَا ذِكْرُ الْقِيمَةَ،

خلاف الظاهر وهي مُدَّعىً عليها؛ لموافقتها الظاهر فتحلف هي ويرتفع النكاح، وفي عكس ذلك لا نكاح أيضا، ويصدق في سقوط المهر بيمينه (ومن ادعى نقدا) خالصا أو مغشوشا أو دينا مثليا أو متقوما (اشترط) فيه لصحة الدعوى وإن كان النقد غالب نقد البلد (بيان جنس ونوع وقدر وصحة) أ (وتكسر) وغيرها من سائر الصفات (إن اختلفت بهما) يعني بكل واحد من المتقابلين ومقابله (قيمة) كألف درهم فضة خالصة أو مغشوشة أشرفية أُطَالِبُهُ بها; لأن شرط الدعوى أن تكون معلومة كما مر وما علم وزنه كالدينار لا يشترط التعرض لوزنه، ولا يشترط ذكر القيمة في المغشوش؛ لأنه مثلي

(1)

. أما إذا لم يختلف بهما قيمة فلا يجب ذكرها إلا في دين السلم.

[تنبيه] لا تسمع دعوى دائن مفلس ثبت فلسه أنه وجد مالا حتى يبين سببه -كإرث واكتساب- وقدره. ومن له غريم غائب لا بد أن يقول لي غريم غائب الغيبة الشرعية ولي بينة تشهد بذلك. ويأتي أن الدعوى إنما تسمع غالبا على من لو أقر بالمُدَّعى به قُبِل. (أو) ادعى (عينا) حاضرة بالبلد يمكن إحضارها بمجلس الحكم أما غيرها فقد مر قبيل القسمة (تنضبط) بالصفات مثلية أو متقومة (كحيوان) وحبوب (وصفها) وجوبا

(2)

(بصفة السلم) ; لأنه لا تتميز التميز الكامل إلا بذلك (وقيل يجب معها ذكر القيمة)؛ احتياطا، والمعتمد أنها لا تجب في متقوم ولا مثلي منضبط لما مر

(3)

، فإن لم ينضبط بالصفات كجوهرة أو ياقوتة أو جواهر أو يواقيت وجب ذكر القيمة مع جنس ونوع ولون اختلف. ولا تسمع بأن له في ذمته نحو ياقوتة; لأنه لا يثبت فيها، نعم إن ذكر السبب كأسلمت له دينارا في ياقوتة و أطالبه به؛

(1)

. قضيته اعتبار ذكر القيمة في الدين المتقوم خلافا لقضية شرح المنهج، وذكر الشارح في البيع أنها تضمن بمثلها لا بقيمتها إلا إن فقد المثل وحينئذ فالمعتبر فيها يوم المطالبة إلا إن علم سببها الموجب لها كالغصب فيجب أقصى قيمها والإتلاف فتجب قيمة يوم التلف وحيث وجبت القيمة أخذت قيمة الدراهم ذهبا وعكسه.

(2)

. وفاقا للروض والمنهج والمغني وخلافا للنهاية حيث حمل الوجوب على المثلي، والندب على المتقوم مع وجوب ذكر القيمة فيه.

(3)

. تحفة 10/ 180.

ص: 533

فَإِنْ تَلِفَتْ وَهِيَ مُتَقَوِّمَةٌ وَجَبَ ذِكْرُ الْقِيمَةِ

لفساد السلم، أو ادعى إتلافا أو حيلولة وطلب القيمة وقدرها سمعت. ولو وجبت قيمة المغصوب للحيلولة كفى ذكرها وحدها; لأنها الواجبة الآن، ولا بد أن يصرح في مذبوحة وحامل بأن قيمتها مذبوحة أو حاملا كذا. ومر في القضاء على الغائب ما يجب في ذكر العقار

(1)

. والدعوى في مؤجَّر على المستأجر وإن كان لا يخاصم; لأنه بيده الآن دون مؤجِّره (فإن تلفت) العين (وهي متقوِّمة وجب ذكر القيمة) مع الجنس كعبد قيمته كذا; لأنها الواجبة حينئذ بخلاف المثلية لا بد من ذكر صفاتها ليجب مثلها. وقضية ذلك الاكتفاء في المتقومة التالفة بذكر القيمة وحدها، وقد تسمع الدعوى بالمجهول في صور كثيرة كوصية وإقرار

(2)

; لأن المقصود ثبوت الأصل لا غير، ودية وغرة؛ لانضباطهما شرعا، وممر أو مجرى ماء بملك الغير بل يكفي مجرد تحديد ملك الغير إن لم ينحصر حقه في جهة منه -بأن كان يستحق المرور في كافة جوانبها- وإلا وجب بيان قدره، بل قد لا تتصور إلا مجهولة وذلك فيما يتوقف تعيينه على القاضي كفرض مهر ومتعة وحكومة ورضخ ودعوى زوجة أو قريب النفقة؛ لأن نفقة الزوجة يتوقف تقديرها على النظر في إعسار الزوج وغيره وذلك خاص بالقاضي فسمعت على أن منها نحو الأدم وهو غير مقدر؛ لإناطته بالعادة ونظر القاضي، وما ذُكِر في القريب يتصور بمطالبته بنفقته الآن فتسمع دعواه بأنه امتنع من إنفاقي الآن مع احتياجي له. ويشترط للدعوى أيضا كونها ملزمة كما علم مما مر بأن يكون المدعى به لازما فلا تسمع بدين حتى يقول وهو ممتنع من أدائه، ولا بنحو بيع أو هبة أو إقرار حتى يقول وقبضته بإذن الواهب أو أقبضنيه ويلزم البائع أو المقر التسليم إلي، ويزيد المشتري إن لم ينقد الثمن وها هو ذا، أو والثمن مؤجل. ولا برهن -بأن قال هذا ملكي رهنته منه بألف- إلا إن قال وأحضرت الألف فيلزمه تسليم المرهون إلي إذا قبضه. وأن لا يناقضها دعوى أخرى

(3)

وليس من ذلك من أثبت إعساره وأنه لا مال له ظاهرا ولا باطنا ثم ادعى على آخر بمال له; لأنه إن أطلقه

(1)

. أي من الناحية والبلدة والمحلة والسكة والحدود، وأنه في يمنة داخل السكة أو يسرته.

(2)

. أي بتفصيله المذكور في بابه 5/ 390.

(3)

. ذكر الشارح قبيل الأصول أنه لو باع دارا ثم ادعى أنها وقف أو أنها كانت غير ملكه ثم ورثها فإن بينته تسمع إذا لم يكن صرح حال البيع بأنها ملكه، وكذا إذا أقام بينة الوقف غيره حسبة أنها وقف على البائع وأولاده ثم الفقراء، وتصرف له الغلة إن كذب نفسه وصدق الشهود 4/ 436.

ص: 534

أَوْ نِكَاحًا لَمْ يَكْفِ الْإِطْلَاقُ عَلَى الْأَصَحِّ، بَلْ يَقُولُ نَكَحْتُهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ، وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَرِضَاهَا إنْ كَانَ يُشْتَرَطُ

فواضح؛ لاحتمال حدوثه وإن أرَّخه بزمن قبل ثبوت الإعسار فلأن المال المنفي فيه ما يجب الأداء منه وهذا ليس كذلك; لأن الفرض أن المدعى عليه منكر، ولا تسمع دعوى دائن ميت على من تحت يده مال للميت مع حضور الوارث فإن غاب أو كان قاصرا والأجنبي مقر به فللحاكم أن يوفيه منه. ولو ادعى ولم يقل سله جواب دعواي أو نحوه جاز للقاضي سؤاله، وله أن يستفصله عن وصف أطلقه لا شرط أهمله بل يلزمه الإعراض عنه حتى يصحح دعواه

(1)

. وليس له سماع الدعوى بعقد أُجْمِع على فساده إلا لنحو رد الثمن. وله سماعها بعقد مختلف فيه ليحكم فيه بما يراه بخلاف الشفعة لا تسمع دعواه إلا فيما يراه; لأنها مجرد دعوى فتبطل برده لها بخلاف العقد الفاسد لا بد من الحكم بإبطاله. وبحث الغزي سماعها فيها إن قال المشتري إن طالبها يعارضني فيما اشتريته بلا حق فيمنعه من معارضته، وحينئذ ليس له الدعوى بها عند من يراها (أو) ادعى رجل ويأتي أن المرأة مثله (نكاحا) في الإسلام (لم يكف الإطلاق على الأصح، بل يقول نكحتها) نكاحا صحيحا (بولي مرشد) -أي عدل- أو سيد يلي نكاحها أو بهما في مبعضة (وشاهدي عدل

(2)

ويعينهما (ورضاها إن كان يشترط)؛ لكونها غير مجبرة، وبإذن وليي إن كان سفيها، أو سيدي إن كان عبدا; لأن النكاح فيه حق الله تعالى وحق الآدمي فاحتيط له كالقتل. أما إذا لم يشترط رضاها كمجبرة فلا يتعرض له بل يتعرض لمزوجها من أب أو جد أو لعلمها به إن ادعى عليها. أما نكاح الكفار فيكفي فيه الإقرار ما لم يذكر استمراره بعد الإسلام فيذكر شروط تقرير

(3)

.

[فرع] ادعت زوجية وذكرت ما مر فأنكر فحلفت ثبتت زوجيتها ووجبت مؤنها وحل له إصابتها ظاهرا; لأن إنكار النكاح ليس بطلاق، لا باطنا إن صَدَقَ في الإنكار.

(1)

. ذكر الشارح في كتاب دعوى الدم والقسامة أنه لا يكفي كتابة رقعة بالدعوى إلا بعد معرفة القاضي والخصم ما فيها 9/ 48.

(2)

. وقوله: ((عدل)) قيدٌ خلافا للمغني.

(3)

. ذكر الشارح قبيل معاملة الرقيق أنه لو ادعت نكاحا بلا ولي ولا شهود صدقت بيمينها؛ لأن ذلك إنكار لأصل العقد.

ص: 535

فَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَالْأَصَحُّ وُجُوبُ ذِكْرِ الْعَجْزِ عَنْ طَوْلٍ وَخَوْفِ عَنَتٍ، أَوْ عَقْدًا مَالِيًّا كَبَيْعٍ وَهِبَةٍ كَفَى الْإِطْلَاقُ فِي الْأَصَحِّ. وَمَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَيْسَ لَهُ تَحْلِيفُ المُدَّعِي، فَإِنِ ادَّعَى أَدَاءً أَوْ إبْرَاءً أَوْ شِرَاءَ عَيْنٍ أَوْ هِبَتَهَا وَإِقْبَاضَهَا حَلَّفَهُ عَلَى نَفْيِهِ

(فإن كانت) الزوجة (أمة) أي بها رق (فالأصح وجوب ذكر) ما مر مع ذكر إسلامها إن كان مسلما، و (العجز عن طَوْل) أي مهر لحرة (وخوف عنت) وأنه ليس تحته حرة تصلح. ولو أجابت دعواه النكاح بأنها زوجته من منذ سنة فأقام آخر بينة بأنها زوجته من شهر حكم بها للأول; لأنه ثبت بإقرارها نكاحه فما لم يثبت الطلاق لا حكم للنكاح الثاني (أو) ادعى (عقدا ماليا كبيع) ولو سلما (وهبة) ولو لأمة (كفى الإطلاق في الأصح) ; لأنه دون النكاح في الاحتياط، نعم لا بد في كل عقد نكاح أو غيره أريد إثبات صحته من وصفه بالصحة مع ما مر

(1)

.

وإذا كانت الدعوى لميت أو غائب أو محجور عليه تحت نظر الحاكم أو لبيت المال أو على أحد هؤلاء لم يتوجه على القاضي دعوى أصلا ولا على نائبه بل لا بد أن ينصب كبير القضاة مَن يدعي ومَن يُدَّعى عليه عنده أو عند غيره فيما يتعلق بوقف أو مال نحو يتيم أو بيت مال (ومن قامت عليه بينة) بحق (ليس له تحليف المدعي) على استحقاق ما ادعاه; لأنه تكليف حجة بعد حجة فهو كالطعن في الشهود، نعم له تحليف المدين مع البينة بإعساره؛ لجواز أن له مالا باطنا، وكذا لو شهدت له بينة بعين وقالوا لا نعلمه باع ولا وهب فلخصمه تحليفه أنها ما خرجت عن ملكه بوجه، أما المدعى عليه كأن أقام المدعي على المدعى عليه بينة ثم قال لا تحكم عليه حتى تحلفه فتبطل بينته؛ لاعترافه بأنها مما لا يجب الحكم بها، (فإن ادعى) عليه (أداء) له (أو إبراء) منه أو أنه استوفاه (أو شراء عين) منه (أو هبتها وإقباضها) أي أنه وهبه إياها وأقبضها له (حلَّفه) أي مدعي نحو الأداء مقيم البينة عليه (على نفيه) أي الأداء وما بعده؛ لاحتماله. هذا إن ادعى

(2)

حدوث شيء من ذلك قبل قيام البينة والحكم أو بينهما

(1)

. خص المغني والأسنى ذلك بعقد النكاح، وعليه فلا يشترط في دعوى العقد المالي غير الوصف بالصحة.

(2)

. لم يذكر مثل ذلك في قوله الآتي: ((وكذا لو ادعت علمه بفسق شاهده أو كذبه في الأصح))، وهو يقتضي التفرقة بينهما.

ص: 536

وَكَذَا لَوِ ادَّعَى عِلْمَهُ بِفِسْقِ شَاهِدِهِ أَوْ كَذِبِهِ فِي الْأَصَحِّ. وَإِذَا اسْتَمْهَلَ لِيَأْتِيَ بِدَافِعٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَلَوِ ادَّعَى رِقَّ بَالِغٍ فَقَالَ: أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ،

ومضي زمن إمكانه وإلا لم يلتفت إليه، ولم يكن المدعي حلف مع شاهده أو يمين الاستظهار وإلا لم يحلف; لأنه قد تعرض في يمينه لاستحقاقه الحق فلا يحلف بعدها على نفي ما ادعاه الخصم. ولا تسمع دعوى إبراء من الدعوى; لأنه باطل، وتقبل دعوى أجير -لم يثبت أنه بغير عَرَفَة يومها بحيث لا يمكنه وصوله إليها عادة- الحجَّ من غير بينة ولا يمين، ومطلقة ثلاثا أنها تحللت من غير بينة ولا يمين أيضا، (وكذا لو ادعى) خصمه عليه (علمه بفسق شاهده) أو نحوه من كل ما يبطل الشهادة (أو كذبه) فإنه يحلف على نفيه (في الأصح) ; لأنه لو أقر به بطلت شهادته له، وسيعلم مما يأتي أن كل ما لو أقر به نفع خصمه لخصمه تحليفه على نفيه، نعم لا يتوجه حلف على شاهد أو قاض ادعى كذبه قطعا وإن كان لو أقر نفعه; لأنه يؤدي إلى فساد عام. ولو نكل عن هذه اليمين حلف المدعى عليه وبطلت الشهادة. ومر في الإقرار أن للمقر تحليف المقر له إذا ادعى أنه إنما أشهد على رسم القبالة. ولو أجاب المدعى عليه بعين بلا أمنعك منها لم يكن له المنع ولم تقبل بينته إلا إذا حلف أنها حين قوله ذلك لم تكن بيده (وإذا استمهل) من قامت عليه البينة (ليأتي بدافع) وفسره -وإلا وجب استفساره إن كان عاميا أو مخالفا لمذهب الحاكم- (أمهل) وجوبا لكن بكفيل وإلا فبالترسيم

(1)

عليه إن خيف هربه (ثلاثة أيام) ومُكِّن من سفر ليحضره إن لم تزد المدة على الثلاث; لأنها مدة قريبة لا يعظم الضرر فيها. ولو أحضر بعد الثلاث شهود الدافع أو شاهدا واحدا أمهل ثلاثة أخرى للتعديل أو التكميل. ولو عين جهة ولم يأت ببينتها ثم ادعى أخرى عند انقضاء مدة المهلة واستمهل لها لم يمهل، أو أثناءها أمهل بقيتها. (ولو ادعى رق بالغ

(2)

عاقل مجهول النسب ولو سكرانا، ولا يشترط كونه رشيدا

(3)

(فقال أنا حر) في الأصل ولم يكن قد أقر له بالملك قبل (فالقول قوله) بيمينه

(4)

وإن تداولته الأيدي بالبيع وغيره؛ لموافقته الأصل وهو

(1)

. ترسم الرسم نظر إليه، ورسم على كذا ورشم إذا كتب، لسان العرب.

(2)

. تقدم أنه لو باع بالغا مقرا له بالرق ثم ادعى ذلك البالغ أنه حر وأقام بينه بأنه عتيق قبل البيع سمعت دعواه وإن لم يذكر لإقراره له بالرق عذرا.

(3)

. كما اعتمده الشارح في كتاب اللقيط 6/ 356، خلافا للرملي؛ ولذا كان الأنسب للرملي أن يعبر بالتبري هنا كالشارح.

(4)

. نقل ابن قاسم عن الرملي تقييده بما إذا لم تكن أمة رقيقة، وإلا فلا بد من بينة.

ص: 537

أَوْ رِقَّ صَغِيرٍ لَيْسَ فِي يَدِهِ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ فِي يَدِهِ حُكِمَ لَهُ بِهِ إنْ لَمْ يَعْرِفِ اسْتِنَادَهَا إلَى الْتِقَاطٍ. وَلَوِ أَنْكَرَ الصَّغِيرُ وَهُوَ مُمَيِّزٌ فَإِنْكَارُهُ لَغْوٌ، وَقِيلَ كَبَالِغٍ. وَلَا تُسْمَعُ دَعْوَى دَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فِي الْأَصَحِّ

الحرية، ومن ثم قدمت بينة الرق على بينة الحرية; لأن الأولى معها زيادة علم بنقلها عن الأصل. أما لو قال أعتقني هو أو غيره فيحتاج للبينة. وإذا ثبتت حريته الأصلية بقوله رجع مشتريه على بائعه بثمنه وإن أقر له بالملك; لأنه بناه على ظاهر اليد، (أو) ادعى (رق صغير) أو مجنون كبير (ليس في يده) وكذبه صاحب اليد (لم تقبل إلا ببينة) أو نحوها كعلم قاض ويمين مردودة; لأن الأصل عدم الملك، (أو في يده) أو يد غيره وصدقه (حكم له به إن) حلف؛ لعظم خطر الحرية، و (لم يعرف استنادها) فيهما (إلى التقاط) ولا أثر لإنكاره إذا بلغ; لأن اليد حجة بخلاف المستندة للالتقاط; لأن اللقيط محكوم بحريته ظاهرا كما مر في بابه، (ولو أنكر الصغير وهو مميز) كونه قنه (فإنكاره لغو) ; لأن عبارته ملغاة (وقيل كبالغ) ; لأنه يعرف نفسه، وكذا لا يؤثر إنكاره بعد كماله; لأنه حكم برقه فلا يرتفع ذلك إلا بحجة. (ولا تسمع دعوى دين مؤجل في الأصح)؛ إذ لا يتعلق بها إلزام ومطالبة في الحال، نعم إن كان بعضه حالا ادعى بكله ليطالبه ببعضه وإن قل ويكون المؤجل تبعا. وتصح الدعوى بقتل خطأ أو شبه عمد على القاتل وإن استلزمت الدية مؤجلة; لأن القصد ثبوت القتل، ومن ثم صحت دعوى عقد بمؤجل قصد بها إثبات أصل العقد. ولو ادعى دينا على معسر وقصد إثباته ليطالبه به إذا أيسر سمعت

(1)

; ووجهه أن القصد إثباتُهُ ظاهرا مع كونه مستحقا قبضه حالا بتقدير يساره القريب عادة. ومر أن من شروط الدعوى أن لا ينافيها دعوى أخرى، ومنه أن لا يكذِّب أصله فلو ثبت إقرار رجل بأنه عباسي فادعى ولده أنه حسني لم تسمع دعواه ولا بينته.

[تنبيه] هذه الشروط الثلاثة المعلومة مما سبق -العلم والإلزام وعدم المناقضة- معتبرة في كل دعوى

(2)

ويزيد عليها في الدعوى على من لا يحلف ولا يقبل إقراره ((ولي بينة أريد أن أقيمها))، فلو طلق امرأة ثم نكحت آخر فادعى الأول أنه نكحها في عدته لم تسمع دعواه حتى

(1)

. خلافا للنهاية ووالده.

(2)

. ويشترط أيضا أن يدعي بنفس الحق كما تقدم أيضا قبيل فصل آداب القضاء مع ما يستثنى منه 10/ 128.

ص: 538

فصل

أَصَرَّ المُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى السُّكُوتِ عَنْ جَوَابِ الدَّعْوَى جُعِلَ كَمُنْكِرٍ نَاكِلٍ،

يقول ولي بينة أريد أن أقيمها على أني طلقتها يوم كذا فلم تنقض عدتي، وفي الدعوى لعين بنحو بيع أو هبة على من هي بيده ((واشتريتها أو اتهبتها من فلان وكان يملكها أو وسلمنيها)) ; لأن الظاهر أنه إنما يتصرف فيما يملكه، وفي الدعوى على الوارث بدين ((ومات المدين وخلف تركة تفي بالدين أو بكذا منه وهي بيد هذا وهو يعلم الدين أو لي به بينة)). وتسمع الدعوى في عقد بيع فاسد قطعا لرد الثمن وفي مختلف فيه ليحكم بما يراه كشفعة الجوار كما مر. ولو ادعى عليه ألفا قرضا فقال بل ثمنا مثلا لزمه الألف؛ لاتفاقهما عليها فلم ينظر لاختلافهما في السبب. ولا تبطل دعواه بقوله شهودي فسقة أو مبطلون فله إقامة بينة أخرى والحلف وقول البائع:((المبيع وقفٌ)) مثلا مسموع كبينته إن لم يصرح حال البيع بملكه وإلا سمعت دعواه لتحليف المشتري أنه باعه وهو ملكه والله أعلم

(1)

.

(فصل) في جواب الدعوى وما يتعلق به

إذا (أصر المدعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى) الصحيحة وهو عارف أو جاهل أو حصلت له دهشة ونُبِّه فلم يتنبه. وتنبيهه عند ظهور كون سكوته لذلك واجب، وعرف بذلك بالأولى أن امتناعه عنه كسكوته (جعل كمنكر ناكل) فيما يأتي فيه بقيده وهو أن يحكم القاضي بنكوله أو يقول للمدعي احلف فحينئذ يحلف ولا يُمَكَّن الساكت من الحلف لو أراده، ويسن له تكرير أجبه ثلاثا، وسكوت أخرس عن إشارة مفهمة أو كتابة أحسنها كذلك، ومثله أصم لا يسمع أصلا وهو يفهم الإشارة وإلا فهو كمجنون فالدعوى على وليه حينئذٍ.

[تنبيه] يقع كثيرا أن المدعى عليه يجيب بقوله ((يثبت ما يدعيه)) فتطالب القضاة المدعي بالإثبات لفهمهم أن ذلك جواب صحيح وفيه نظر ظاهر؛ إذ طلب الإثبات لا يستلزم اعترافا ولا إنكارا فتعين أن لا يكتفى منه بذلك بل يلزم بالتصريح بالإنكار أو الإقرار.

(1)

. وتقدم في دعوى الشفعة أن يشترط تحديد الشفيع والشقص المأخوذ وتقدير الثمن وطلبها 6/ 65.

ص: 539

فَإِنِ ادَّعَى عَشَرَةً فَقَالَ لَا تَلْزَمُنِي الْعَشَرَةُ وَلَمْ يَكْفِ حَتَّى يَقُولَ وَلَا بَعْضُهَا، وَكَذَا يَحْلِفُ، فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعَشَرَةِ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فَنَاكِلٌ فَيَحْلِفُ المُدَّعِي عَلَى اسْتِحْقَاقِ دُونَ الْعَشَرَةِ بِجُزْءٍ وَيَأْخُذُهُ. وَإِذَا ادَّعَى مَالًا مُضَافًا إلَى سَبَبٍ كَأَقْرَضْتكَ كَذَا كَفَاهُ فِي الجَوَابِ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ شُفْعَةً كَفَاهُ لَا تَسْتَحِقُّ عَلَيَّ شَيْئًا، أَوْ لَا تَسْتَحِقُّ تَسْلِيمَ الشِّقْصِ.

(فإن ادعى) عليه (عشرة) مثلا (فقال لا يلزمني العشرة لم يكف) في الجواب (حتى يقول ولا بعضها، وكذا يحلف) إن توجهت اليمين عليه; لأن مدعي العشرة مدِّع بكل جزء منها فلا بد أن يطابق الإنكار واليمين دعواه وإنما يطابقانها إن نفى كل جزء منها (فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه فناكل) عما دون العشرة (فيحلف المدعي على استحقاق دون عشرة بجزء) وإن قل من غير تجديد دعوى (ويأخذه)؛ لما يأتي أن النكول مع اليمين كالإقرار، نعم إن نكل المدعى عليه عن العشرة وقد اقتصر القاضي في تحليفه على عرض اليمين عليها فقط لم يحلف المدعي على استحقاق ما دونها إلا بعد تجديد دعوى ونكول الخصم; لأنه إنما نكل عنها فلا يكون ناكلا عن بعضها، هذا إن لم يسند المُدَّعَى به لعقد وإلا كأن ادعت أنه نكحها بخمسين وطالبته بها كفاه نفي العقد بها والحلف عليه، فإن نكل لم تحلف هي

(1)

على أنه نكحها بدون الخمسين؛ لأنه ينافي دعواها أوَّلا وهو النكاح بالخمسين فيجب مهر

(2)

المثل. ولو ادعى عليه مالا فأنكر وطلب منه اليمين فقال لا أحلف وأعطي المال لم يلزمه قبوله من غير إقرار، وله تحليفه; لأنه لا يأمن أن يدعي عليه بما دفعه بعد، وكذا لو نكل عن اليمين وأراد المدعي أن يحلف يمين الرد فقال خصمه أنا أبذل المال بلا يمين فيُلْزِمه الحاكم بأن يقر وإلا حلف المدعي. (وإذا ادعى مالا مضافا إلى سبب كأقرضتك كذا كفاه في الجواب لا تستحق) أنت (عليَّ شيئا) أوْ لا يلزمني تسليم شيء إليك (أو) ادعى عليه (شفعة كفاه) في الجواب (لا تستحق علي شيئا

(3)

ولا نظر لكون العامة لا يعدون الشفعة مستحقة على المشتري (أوْ لا تستحق تسليم الشقص) ولا يشترط التعرض لنفي تلك الجهة; لأن المدعي

(1)

. قيده النهاية والأسنى وشرح البهجة بما إذا لم تجدد الدعوى وينكل المدعى عليه.

(2)

. خلافا لما نقله ابن قاسم عن الرملي من أنها حينئذ إن حلفت يمين الرد قضي لها واستحقت الخمسين وإن لم تحلف لم تستحق شيئا.

(3)

. وكذا يكفي الجواب بلا تستحق عليَّ شيئا إذا ادعت نفقة أو كسوة ماضية 8/ 321.

ص: 540

وَيَحْلِفُ عَلَى حَسَبِ جَوَابِهِ هَذَا، فَإِنْ أَجَابَ بِنَفْيِ السَّبَبِ المَذْكُورِ حَلَفَ عَلَيْهِ، وَقِيلَ لَهُ حَلِفٌ بِالنَّفْيِ المُطْلَقِ. وَلَوْ كَانَ بِيَدِهِ مَرْهُونٌ أَوْ مُكْرًى وَادَّعَاهُ مَالِكُهُ كَفَاهُ لَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمُهُ،

قد يصدق فيها ولكن عرض ما أسقطها من نحو أداء أو إبراء أو إعسار أو عفو في الثانية فإن نفاها كَذَب وإن أقر بها لم يجد بينة فاقتضت الضرورة قبول إطلاقه، ومر في باب الشفعة كيفية دعواها. وجواب دعوى الوديعة لم تودعني أوْ لا تستحق علي شيئا أو هَلَكَتْ أَوْ دفعتُها دون قوله لم يلزمني دفع أو تسليم شيء إليك; لأنه لا يلزمه ذلك بل التخلية. وجواب دعوى ألف صداقا ((لا يلزمني تسليم شيء إليها)) إن لم يقر بالزوجية وإلا لم يكفه وقُضي عليه بمهر المثل إلا إن ثبت خلافه، وقد شنعوا على جهلة القضاة بمبادرتهم إلى فرض مهر المثل بمجرد عجزها عن حجة بما ادعته والصواب سؤاله فإن ذكر قدرا غير ما ادعته تحالفا، فإن حلفا أو نكلا وجب مهر المثل أو حلف أحدهما فقط قضي له بما ادعاه. ويكفي في جواب دعوى الطلاق أنت زوجتي، والنكاح لست زوجتي ولا يكون طلاقا فلو صَدَّقها سلمت له، ولو أنكر وحلف حل له نحو أختها وليس لها تزوج غيره حتى يطلقها أو يموت وتنقضي عدتها، وينبغي للحاكم أن يرفق به ليقول ((إن كنتُ نكحتُها فهي طالق)(ويحلف على حسب جوابه هذا)؛ ليتطابق الحلف والجواب (فإن أجاب بنفي السبب المذكور حلف عليه)؛ ليطابق اليمين الجواب، (وقيل: له حلف بالنفي المطلق) كما لو أجاب به ويرده وضوح الفرق، أو بالطلاق فكذلك، ولا يكلف التعرض لنفي السبب فإن تعرض له جاز لكن لو أقام المدعي به بينة لم تسمع بينة المدعى عليه بأداء أو إبراء; لأنه كذبها بنفيه للسبب من أصله. وعُلم مما تقرر أنه لو ادعى دينا وهو مؤجل ولم يذكر الأجل كفى الجواب بلا يلزمني تسليمه الآن ويحلف عليه. ولو ادعى على من حلف ((لا يلزمني تسليم شيء إليك)) بأن حلفك إنما كان لإعسار والآن أيسرت سمعت دعواه ويحلف له ما لم تتكرر دعواه بحيث يظن منه التعنت.

[تنبيه] ما تقرر من الاكتفاء بـ ((لا تستحق عليَّ شيئا)) استثنوا منه مسائل منها: ما إذا أقر بأن جميع ما في داره ملك زوجته ثم مات فأقامت بينة بذلك فقال الوارث هذه الأعيان لم تكن موجودة عند الإقرار فإنه يحلف ((لا أعلم أن هذه ولا شيئا منها كان موجودا في البيت إذ ذاك)) ولا يكفي حلفه على أنها لا تستحقها (ولو كان بيده مرهون أو مكرى وادعاه مالكه كفاه) في الجواب (لا يلزمني تسليمه) ; لأنه جواب مفيد، ولا يلزمه التعرض للملك.

ص: 541

فَلَوِ اعْتَرَفَ بِالمِلْكِ وَادَّعَى الرَّهْنَ أَوْ الْإِجَارَةَ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا وَخَافَ أَوَّلًا إنِ اعْتَرَفَ بِالمِلْكِ جَحْدَهُ الرَّهْنِ أَوْ الْإِجَارَةِ فَحِيلَتُهُ أَنْ يَقُولَ: إِن ادَّعَيْت مِلْكًا مُطْلَقًا فَلَا يَلْزَمُنِي تَسْلِيمٌ، وَإِنِ ادَّعَيْتَ مَرْهُونًا فَاذْكُرْهُ لِأُجِيبَ. وَإِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا فَقَالَ: لَيْسَ هِيَ لِي، أَوْ هِيَ لِرَجُلٍ لَا أَعْرِفُهُ، أَوْ لِابْنِي الطِّفْلِ، أَوْ وَقْفٌ عَلَى الْفُقَرَاءِ، أَوْ مَسْجِدِ كَذَا، فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَنْصَرِفُ الخُصُومَةُ وَلَا تُنْزَعُ الْعَيْنُ مِنْهُ، بَلْ يُحَلِّفُهُ المُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّسْلِيمُ إنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ

(فلو اعترف) له (بالملك وادعى الرهن أو الإجارة) وكذبه المدعي (فالصحيح أنه لا يقبل) في دعوى الرهن والإجارة (إلا ببينة) ; لأن الأصل عدمهما (فإن عجز عنها وخاف أوَّلاً

(1)

إن اعترف بالملك) للمدعي (جَحْدَه) مفعول خاف (الرهنِ أو الإجارةِ فحيلته أن يقول) في الجواب (إن ادعيت ملكا مطلقا فلا يلزمني تسليم) لمدعاك (وإن ادعيت مرهونا) أو مؤجرا عندي (فاذكره لأجيب. وإذا ادعى عليه عينا) عقارا أو منقولا (فقال ليس هي لي أو) أضافها لمن لا تمكن مخاصمته كقوله (هي لرجل لا أعرفه أو لابني الطفل) أو المجنون أو السفيه، سواء أزاد على ذلك أنها ملكه أو وقف عليه أم لا (أو وقف على الفقراء أو مسجد كذا) وهو ناظر عليه (فالأصح أنه لا تنصرف الخصومة) عنه (ولا تنزع العين منه) ; لأن الظاهر أن ما في يده ملكه أو مستحقه وما صدر عنه ليس بمزيل ولم يظهر لغيره استحقاق، نعم لو قال شخص ابتداء من غير سبق دعوى ((بيدي مال لا أعرف مالكه)) تولى القاضي حفظه؛ لوجود قرينة لليد في صورة المتن وهي الصرف عن المخاصمة، (بل يُحَلِّفه المدعي) لا على أنها لنحو ابنه بل على (أنه لا يلزمه التسليم) للعين؛ رجاء أن يقر أو ينكل فيحلف المدعي وتثبت له العين في الأوليين في المتن والبدل للحيلولة في البقية

(2)

، وله تحليفه كذلك (إن) كان للمدعي بينة أو (لم تكن) له (بينة) كما سيعلم من كلامه الآتي وفيما إذا كان له بينة وأقامها يقضي له

(1)

. كان الأولى تأخير قوله أولا على قوله الملك.

(2)

. وفاقا للمغني والنهاية وشرح المنهج وخلافا لشرح المنهج فاعتمد أنه إذا حلف المدعي في هذه الصورة ثبتت العين.

ص: 542

وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِمُعَيَّنٍ حَاضِرٍ تَمْكِنُ مُخَاصَمَتُهُ وَتَحْلِيفُهُ سُئِلَ، فَإِنْ صَدَّقَهُ صَارَتِ الخُصُومَةُ مَعَهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ تُرِكَ فِي يَدِ المُقِرِّ، وَقِيلَ: يُسَلَّمُ إلَى يَدِ المُدَّعِي، وَقِيلَ يَحْفَظُهُ الحَاكِمُ لِظُهُورِ مَالِكٍ. وَإِنْ أَقَرَّ بِهِ لِغَائِبٍ فَالْأَصَحُّ انْصِرَافُ الخُصُومَةِ عَنْهُ، وَيُوقَفُ الْأَمْرُ حَتَّى يَقْدَمَ الْغَائِبُ فَإِنْ كَانَ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ قَضَى بِهَا، وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ، فَيَحْلِفُ مَعَهَا، وَقِيلَ عَلَى حَاضِرٍ

بها كذا أطلقوه وسيأتي فيه تفصيل

(1)

، (وإن أقر به) أي المذكور (لمعين حاضر) بالبلد (تمكن مخاصمته وتحليفه) جمع بينهما إيضاحا وإلا فأحدهما مغن عن الآخر؛ لاستلزامه له. ثم التقييد به ليس لإفادة أنه إذا أقر به لمن لا تمكن مخاصمته وهو المحجور لا تنصرف الخصومة عنه بل تنصرف عنه لوليه وإنما هو ليترتب عليه قوله (سئل فإن صدَّقه صارت الخصومة معه)؛ لصيرورة اليد له (وإن كذبه ترك في يد المقر)؛ لما مر في الإقرار، وحينئذ لا تنصرف الخصومة عنه؛ عملا بالظاهر (وقيل يسلم إلى المدعي)؛ إذ لا طالب له سواه (وقيل يحفظه الحاكم لظهور مالك) له، (وإن أقر به لـ) معين (غائب فالأصح انصراف الخصومة عنه و) حينئذ إن لم تكن للمدعي بينة (يوقف الأمر حتى يقدم الغائب) ; لأن المال بظاهر الإقرار للغائب إذ لو قَدِم وصدقه أخذه وصارت الخصومة معه (فإن كان للمدعي بينة) ووجدت شروط القضاء على الغائب (قضى) له (بها) و سلمت له العين (وهو قضاء على غائب فيحلف) المدعي (معها) يمين الاستظهار كما مر; لأن المال صار له بحكم الإقرار (وقيل) بل قضاء (على حاضر) فلا يمين.

[تنبيه] الذي يتجه في الغائب عن البلد لدون مسافة العدوى أنه كالحاضر

فإن سهل سؤاله وجب ورتب عليه ما مر وإن لم يسهل وقف الأمر إلى حضوره ولا تسمع عليه حجة إلا لنحو تعزز أو توار. ثم انصراف الخصومة عنه في الصور السابقة والوقف إلى قدوم الغائب إنما هو بالنسبة للعين المدعاة أما بالنسبة لتحليفه فلا؛ إذ للمدعي طلب يمينه أنه لا يلزمه التسليم إليه، فإن نكل حلف المدعي وأخذ بدل العين المدعاة. ولو أقام المدعي بينة بدعواه والمدعى عليه بينة بأنها للغائب عمل ببينته إن ثبتت وكالته وإلا لم تسمع بالنسبة

(1)

. حاصل التفصيل أنه إذا كان الإقرار بعد إقامة البينة وقبل الحكم بها للمدعي حكم له بها من غير إعادة البينة في وجه المقر له إن علم أن المقر متعنت في إقراره، وإلا فلا بد من إعادتها.

ص: 543

لثبوت ملك الغائب. والحاصل أن المُقِر متى زعم أنه وكيل الغائب احتاج في ثبوت الملك للغائب إلى إثبات وكالته وأن العين ملك الغائب، فإن أقامها بالملك فقط لم تسمع إلا لدفع التهمة عنه، وكذا

(1)

لو ادعى لنفسه حقا فيها كرهن مقبوض وإجارة فتسمع بينته أنها ملك فلان الغائب; لأن حقه لا يثبت إلا إن ثبت ملك الغائب فيثبت ملكه بهذه البينة.

[تنبيهان]

الأول/ قال المدعى عليه هي لي وفي يدي فأقام المدعي بينة وحكم الحاكم له بها ثم بان أنها ليست في يد المدعى عليه فالذي يتجه أنه لا ينفذ إن كان ذو اليد حاضرا وينفذ إن كان غائبا ووجدت شروط القضاء على الغائب.

الثاني/ عُلم مما مر أن من يدعي حقا لغيره وليس وكيلا ولا وليا لا تسمع دعواه، ومحله إن كان يدعي حقا لغيره غير منتقل إليه بخلاف ما إذا كان منتقلا منه إليه، أو كان عينا لمدينه له بها تعلق

(2)

، فمن الأول -أي غير المنتقل- ما لو اشترى أمة ثم أراد أن يثبت على بائعه أنه أقر بأنها مغصوبة من فلان بخلاف ما لو ادعى فساد البيع؛ لإقراره قبله بغصبها؛ لأنه هنا يثبت حقا لنفسه هو فساد البيع، وإنما سمعت بينته بإقراره قبل البيع أنها عتيقة; لأنه لا يثبت حقا لآدمي، ومنه

(3)

دعوى دائن ميتة أن لها مهرا على زوجها ودعوى زوجة دينا لزوجها فلا تسمعان وإن كان لو ثبت ذلك تعلق به حق الدائن ونفقتها في الثانية. ومن الثاني ما لو اشترى سهما شائعا من ملك وأثبت في غيبة البائع أن ما اشتراه منه هو الذي خصه من تركة أبيه فادعى أخوه أن أبانا وهبني ذلك الملك كله هبة لازمة وأقام بينة بذلك فأقام المشتري شاهدا بأن الأب رجع في الهبة سمعت دعواه وبينته -فيحلف مع شاهده-; لأنه يدعي ملكا لغيره منتقلا منه إليه كالوارث فيما يدعيه لمورثه بخلاف غريم الغريم، ومنه ما لو أقر من له أخ بملك لابنه فلان ثم مات فادعى الأخ أنه الوارث وأن المقر ببنوته وُلِد على

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للروض وشرحه والمغني.

(2)

. أي بخلاف الدين كما فرق بينهما الشارح في الفصل الآتي 10/ 318.

(3)

. نعم ذكر الشارح في كتاب التفليس جواز الحجر على غريم مفلس وكان ذلك المفلس محجوراً عليه ميتاً فيجوز الحجر من غير التماس الغرماء؛ نظراً لمصلحته، قال:((ولا ينافيه قولهم لا يحلف غريم مفلس نكل وميت نكل وارثه ولا يدعي ابتداء؛ لأن ما نحن فيه أمر تابع وهو يغتفر فيه ما لا يغتفر في المقصود)). 5/ 122 - 123.

ص: 544

وَمَا قَبِلَ إقْرَارُ عَبْدٍ بِهِ كَعُقُوبَةٍ فَالدَّعْوَى عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الجَوَابُ، وَمَا لَا كَأَرْشٍ فَعَلَى السَّيِّدِ.

فصل

تُغَلَّظُ يَمِينُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ فِيمَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ، وَفِي مَالٍ يَبْلُغُ نِصَابَ زَكَاةٍ،

فراش فلان وأثبت ذلك ثبت نسب المقر به ممن ولد على فراشه وبطل إقرار الميت ببنوته، ومنه ما لو ادعى دارا بيد بكر وأنه اشتراها من زيد المشتري لها من عمرو المشتري لها من بكر فأنكر سمعت بينته بالبيعين (وما قَبِل إقرار عبد) أي قن (به كعقوبة) لآدمي من قود أو حد قذف أو تعزير (فالدعوى عليه وعليه الجواب)؛ ليرتب الحكم على قوله لقصور أثره عليه دون سيده. أما عقوبة لله تعالى فلا تسمع الدعوى بها مطلقا كما مر (وما لا) يقبل إقراره به (كأرش) لعيب وضمان متلف (فعلى السيد) الدعوى به والجواب; لأن متعلقه الرقبة وهي حق السيد دون القن

(1)

فلا تسمع به عليه ولا يحلف كالمتعلق بذمته; لأنه في معنى المؤجل، نعم الدعوى والجواب على الرقيق في نحو قتل خطأ أو شبه عمد بمحل اللوث مع أنه لا يقبل إقراره به وذلك لتتعلق الدية برقبته إذا أقسم الولي. وقد تكون الدعوى والجواب على كل من الرقيق والسيد كما في نكاحه ونكاح المكاتبة؛ لتوقف ثبوته على إقرارهما.

(فصل) في كيفية الحلف وضابط الحالف وما يتفرع عليه

(تغلظ) ندبا وإن لم يطلبه الخصم بل وإن أسقط (يمين مدع) اليمين المردودة ومع الشاهد (و) يمين (مدعى عليه) إن لم يسبق لأحدهما حلف بنحو طلاق أنه لا يحلف يمينا مغلظة، ويصدق في ذلك من غير يمين; لأنه يلزم من حلفه طلاقه ظاهرا فساوى الثابت بالبينة (فيما ليس بمال ولا يقصد به مال) كنكاح وطلاق وإيلاء ورجعة ولعان وعتق وولاء ووكالة ولو في درهم وسائر ما مر مما لا يثبت برجل وامرأتين، وذلك; لأن اليمين موضوعة للزجر عن التعدي فغلظ مبالغة وتأكيدا للردع فيما هو متأكد في نظر الشرع وهو ما ذكر وما في قوله (وفي مال) أو حقه كخيار وأجل (يبلغ نصاب زكاة) وهو مائتا درهم أو عشرون دينارا، وما عداهما لا بد أن تبلغ قيمته أحدهما، لا في اختصاص ولا فيما دون نصاب أو حقه كأن اختلف متبايعان في ثمن فقال البائع عشرون والمشتري عشرة; لأن التنازع إنما هو في

(1)

. نعم استثنى في النهاية سماعها عليه إن كان للمدعي بينةٌ.

ص: 545

وَسَبَقَ بَيَانُ التَّغْلِيظِ فِي اللِّعَانِ. وَيَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ فِي فِعْلِهِ، وَكَذَا فِعْلُ غَيْرِهِ إنْ كَانَ إثْبَاتًا، وَإِنْ كَانَ نَفْيًا فَعَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ، وَلَوِ ادَّعَى دَيْنًا لِمُوَرِّثِهِ فَقَالَ أَبْرَأَنِي حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَوْ قَالَ جَنَى عَبْدُك عَلَيَّ بِمَا يُوجِبُ كَذَا فَالْأَصَحُّ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ

عشرة وذلك; لأنه حقير في نظر الشرع، ولهذا لم تجب فيه مواساة، نعم إن رآه لنحو جراءة الحالف فعله (وسبق بيان التغليظ في اللعان) بالزمان، وكذا المكان في غير نحو مريض وحائض، ويظهر أن يلحق بالمرض سائر أعذار الجماعة وأنَّ التغليظ به حينئذ حرام، نعم التغليظ بحضور جمع أقلهم أربعة وبتكرير اللفظ لا يعتبر هنا، ويسن بزيادة الأسماء والصفات أيضا وهي معروفة. ويسن أن تُقرأ عليه آية آل عمران {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} آل عمران: 77 وأن يوضع المصحف في حجره، ويحلف الذمي بما يعظمه مما نراه نحن لا هو. ولا يجوز التحليف بنحو طلاق أو عتق بل يلزم الإمام عزل من فعله إن لم يكن يعتقده. وقد يختص التغليظ بأحد الجانبين كما إذا ادعى قن على سيده عتقا أو كتابة فأنكره السيد فتغلظ عليه إن بلغت قيمته نصابا، فإن رد اليمين على القن غلظ عليه مطلقا; لأن دعواه ليست بمال (ويحلف على البت) وهو الجزم فيما ليس بفعله ولا فعل غيره كإن طلعت الشمس أو إن كان هذا غرابا فأنت طالق، نعم المودع إذا ادعى الوديع التلف ورد اليمين عليه يحلف على نفي العلم مع أن التلف ليس من فعل أحد، و (في فعله) نفيا أو إثباتا؛ لإحاطته بفعل نفسه أي من شأنه ذلك وإن كان ذلك الفعل وقع منه حال جنونه مثلا (وكذا فعل غيره إن كان إثباتا) كبيع وإتلاف وغصب؛ لسهولة الوقوف عليه. (وإن كان نفيا) غير محصور (فعلى نفي العلم

(1)

كلا أعلمه فعل كذا ولا أعلمك ابن أبي؛ لعسر الوقوف على العلم به، أما المحصور فيحلف عليه بتَّا، (ولو ادعى دينا لمورثه فقال أبرأني) منه أو استوفاه أو أحال به مثلا (حلف على) البت إن شاء كما مر، أو على (نفي العلم بالبراءة) ; لأنه حلف على نفي فعل الغير. ويشترط هنا وفي كل ما يحلف المنكر فيه على نفي العلم التعرض في الدعوى لكونه يعلم ذلك، (ولو قال جنى عبدك) أي قنك (عليَّ بما يوجب كذا فالأصح حلفه على البت) إن

(1)

. فمن يشهد أن لا وراث آخر للميت يقول: ((لا أعلم له وارثا آخر))، ولا يمحض النفي، فإن محضه أخطأ المعنى ولم ترد شهادته كما أشار إليه الشارح في الفلس 5/ 141.

ص: 546

قُلْتُ: وَلَوْ قَالَ جَنَتْ بَهِيمَتُك حَلَفَ عَلَى الْبَتِّ قَطْعًا، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَيَجُوزُ الْبَتُّ بِظَنٍّ مُؤَكَّدٍ يَعْتَمِدُ خَطَّهُ أَوْ خَطَّ أَبِيهِ. وَيُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقَاضِي المُسْتَحْلِفِ،

أنكر; لأن قنه ماله وفعله كفعل نفسه، ولذا سمعت الدعوى عليه. وفي قنٍّ مجنونٍ أو يعتقد وجوب طاعة الآمر يحلف بتا قطعا; لأنه كالبهيمة المذكورة في قوله (قلت: ولو قال جنت بهيمتك) على زرعي مثلا (حلف على البت قطعا، والله أعلم) ; لأنه إنما ضمن لتقصيره في حفظها فهو من فعله، ومن ثم لو كانت بيد من يضمن فعلها كمستأجر ومستعير كانت الدعوى والحلف عليه فقط (ويجوز البت بظن مؤكد يعتمد) ذلك الظن (خطه) إن تذكر وإلا فلا

(1)

(أو خط أبيه) أو مورثه الموثوق به بحيث يترجح عنده بسببه وقوع ما فيه، وظاهرٌ أن ذكر المورث تصوير فقط فلو رأى بخط موثوق به أنَّ له كذا على فلان أو عنده كذا جاز له اعتماده ليحلف عليه بخلاف ما إذا استوى الأمران، ومن القرائن المجوزة للحلف أيضا نكول خصمه -أي الذي لا يتورع مثله عن اليمين في حال كونه محقا- (ويعتبر) في اليمين موالاة كلماتها عرفا بحيث لا يفصل كلام أجنبي أو سكوت طال، ويعتبر أيضا طلب الخصم لها من القاضي وطلب القاضي لها ممن توجهت عليه و (نية القاضي) أو نائبه أو المحكم أو المنصوب للمظالم وغيرهم من كل من له ولاية التحليف (المستحلف) وعقيدته مجتهدا كان أو مقلدا دون نية الحالف وعقيدته مجتهدا كان أو مقلدا أيضا؛ لخبر مسلم ((اليمين على نية المستحلف)) وحُمِل على الحاكم; لأنه الذي له ولاية الاستحلاف ولأنه لو اعتبرت نية الحالف؛ لضاعت الحقوق. أما لو حلَّفه نحو الغريم ممن ليس له ولاية الاستحلاف أو حلف هو ابتداء فالعبرة بنيته وإن أثم بها إن أبطلت حقا لغيره.

(1)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية فاعتمد جواز ذلك وإن لم يتذكر.

ص: 547

فَلَوْ وَرَّى أَوْ تَأَوَّلَ خِلَافَهَا أَوِ اسْتَثْنَى بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ الْقَاضِي لَمْ يَدْفَعْ إثْمَ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَمَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ لَوْ أَقَرَّ بِمَطْلُوبِهَا لَزِمَهُ فَأَنْكَرَ حُلِّفَ،

[تنبيه] معنى يعتبر في غير الأخيرة

(1)

يشترط وفيها

(2)

يعتمد

(فلو ورَّى

(3)

الحالف بالله ولم يظلمه خصمه (أو تأول خلافها) أي اليمين (أو استثنى) أو وصل باللفظ شرطا مثلا (بحيث لا يسمعه القاضي لم يدفع إثم اليمين الفاجرة) وإلا لبطلت فائدة اليمين من أنه يهاب الإقدام عليها خوفا من الله تعالى

(4)

. أما من حلف بنحو طلاق فتنفعه التورية والتأويل لكن إن لم ير القاضي التحليف به. وأما من ظلمه خصمه في نفس الأمر كأن ادعى على معسر فحلف لا يستحق عليَّ شيئا، أي تسليمه الآن فتنفعه التورية والتأويل; لأن خصمه ظالم إن علم ومخطئ إن جهل، ومعنى التورية قصد مجاز لفظه دون حقيقته كـ ((ما له عندي درهم)) أي حديقة، أو ((قميص)) أي غشاء القلب، أو ((ثوب)) أي رجوع، والتأويل هنا اعتقاد خلاف ظاهر لفظه؛ لشبهة عنده. وخرج بحيث لا يسمع ما إذا سمعه فيعزره ويعيد اليمين. ولو وصل بها كلاما لم يفهمه القاضي منعه وأعادها. (و) ضابط

(5)

من تلزمه اليمين في جواب الدعوى أو النكول أنه كل (من توجهت عليه يمين) أي دعوى صحيحة، أو المراد طلبت منه يمين ولو من غير دعوى كطلب قاذف ادُّعِي عليه يمينَ المقذوف أويمين وارثه -أي المقذوف- أنه ما زنى (لو أقر بمطلوبها) أي اليمين أو الدعوى; لأن مؤداهما واحد (لزمه) وحينئذ فإذا ادعى عليه بشيء كذلك (فأنكر) هـ (حلف)؛ للخبر السابق ((واليمين على من أنكر))، ثم إن كلا من الضابطين أغلبيٌّ؛ إذ عقوبة الله تعالى كحد زنا وشرب لا تحليف فيها؛ لامتناع الدعوى بها كما مر، ولو قال أبرأتني عن هذه الدعوى لم يلزمه يمين على نفيه; لأن

(1)

. مما زاده الشارح.

(2)

. وهي التي في المتن.

(3)

. ذكر الشارح في الأيمان أن الطالب والغالب والمدرك والمهلك ليست صرائح في اليمين على الأصح، وأنهم استحسنوا أن يحلف بها في الدعوى على مقابل الأصح لما فيها من الجلالة والردع للحالف عن اليمين الغموس 10/ 8.

(4)

. فالشرط في اليمين أن تكون على وفق الدعوى بطريق المطابقة لا التضمن والالتزام كما أفاده الشارح في اختلاف المتبايعين 4/ 384.

(5)

. اعترض المغني على اطراد هذا الضابط.

ص: 548

الإبراء من الدعوى لا معنى له. ولو علق طلاقها بفعلها فادعته وأنكر فلا يحلف على نفي العلم بوقوعه بل إن ادعت فرقة حلف على نفيها وإلا فلا. ولو ادعى عليه شفعة فقال إنما اشتريت لابني لم يحلف. ولو ظهر غريم بعد قسمة مال المفلس بين غرمائه فادعى أنهم يعلمون دينه لم يحلفوا

(1)

. ولو ادعت أمة الوطء وأمية الولد فأنكر السيد أصل الوطء لم يحلف. ومر في الزكاة أنه لا يجب على المالك فيها يمين أصلا. ولو ادعى على أبيه أنه بلغ رشيدا وأنه كان يعلم ذلك وطلب يمينه لم يحلف مع أنه لو أقر به انعزل وإن لم يثبت رشد الابن بإقرار أبيه، أو على قاض أنه زوَّجه مجنونة فأنكر لم يحلف مع أنه لو أقر قبل، أو الإمام على الساعي أنه قبض زكاة فأنكر لم يحلف أيضا.

[تنبيه] للوارث والوصي والدائن المطالبة بحقوق الميت إن كانت أعياناً بخلاف الديون، فلو ثبت لزيد دين على عمرو فادعى على خالد أن هذا الذي بيدك لعمرو فقال بل لي لم يحلف؛ لاحتمال رد اليمين على زيد ليحلف فيؤدي لمحذور وهو إثبات ملك الشخص بيمين غيره، ولو قصد زيد إقامة البينة على خالد سمعت. وخرج بلو أقر إلى آخره نائب المالك كوصي ووكيل

(2)

فلا يحلف; لأنه لا يقبل إقراره، نعم لو جرى عقد بين وكيلين تحالفا كما مر، وهذا مستثنى أيضا

(3)

، وكالوصي فيما ذكر ناظر الوقف فالدعوى على أحد هؤلاء ونحوهم إنما هي لإقامة البينة إذ إقرارهم لا يقبل، ولا يحلفون إن أنكروا -ولو على نفي العلم- إلا أن يكون الوصي وارثا

(4)

. ولو أوصت غير زوجها فادعى آخر أنه ابن عمها ولا بينة له لم تسمع دعواه على الوصي والزوج; لأنها إنما تسمع غالبا على من لو أقر بالمدعى به قبل وهنا لو صدقه

(1)

. وذكر الشارح في الحجر أنه لو أقر المفلس بعين أو دين وجب قَبل الحجر قُبِل في حق الغرماء، ولو طلبوا تحليفه لم يجابوا؛ لأنه لو رجع لم يقبل بخلاف المقر له فيجابون لتحليفه 5/ 125.

(2)

. تقدم في الاختلاف في المهر أنه لو اختلف زوج وولي صغيره في قدره تحالفا، وأشار الشارح ثَمَّ إلى وجه عدم المنافاة بين هذا وبين ما هنا 7/ 421.

(3)

. وتقدم في البيع أنه لو أدعى المشتري قدم عيبين فصدقه البائع في أحدهما فقط صدق المشتري بيمينه فإن نكل لم ترد على البائع؛ لأنه لا يثبت لنفسه بحلفه حقا 4/ 383.

(4)

. ذكر الشارح قبيل فصل ما يوجب به مثبت القود أنه لو أوصى لآخر بعين فادعاها آخر حلف الوارث 9/ 59.

ص: 549

وَلَا يُحَلَّفُ قَاضٍ عَلَى تَرْكِهِ الظُّلْمَ فِي حُكْمِهِ، وَلَا شَاهِدٌ أَنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ. وَلَوْ قَالَ مُدَّعًى عَلَيْهِ: أَنَا صَبِيٌّ لَمْ يُحَلَّفْ وَوُقِفَ حَتَّى يَبْلُغَ. وَالْيَمِينُ تُفِيدُ قَطْعَ الخُصُومَةِ فِي الحَالِ لَا بَرَاءَةً، فَلَوْ حَلَّفَهُ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً حَكَمَ بِهَا. وَلَوْ قَالَ المُدَّعَى عَلَيْهِ: قَدْ حَلَّفَنِي مَرَّةً فَلْيَحْلِفْ أَنَّهُ لَمْ يُحَلِّفْنِي مُكِّنَ فِي الْأَصَحِّ

أحدهما لم يقبل; لأن النسب لا يثبت بقوله، نعم إن كان الزوج معتقا أو ابن عم أوخذ بإقراره بالنسبة للمال. وإن أنكر خصم وكالةَ مدعٍ لم يحلفه على نفي العلم بها; لأن له طلب إثباتها وإن أقر بها (و) مما يستثنى أيضا من الضابط أنه (لا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه ولا شاهد أنه لم يكذب)؛ لارتفاع منصبهما عن ذلك وإن كانا لو أقرا انتفع المدعي به. وخرج بقوله في حكمه غيره فهو فيه كغيره (ولو قال مدعى عليه أنا صبي) في وقت يحتمل ذلك (لم يحلف) ; لأن يمينه تثبت صباه والصبي لا يحلف (ووقف) الأمر (حتى يبلغ) ثم يدعى عليه وإن كان لو أقر بالبلوغ في وقت احتماله قبل، نعم لو سُبِي كافر

(1)

أنبت فادعى استعجال الإنبات بدواء حلف فإن نكل قتل. (واليمين تفيد قطع الخصومة في الحال لا براءة) من الحق؛ للخبر الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم ((أمر حالفا بالخروج من حق صاحبه)) أي كأنه علم كذبه (فلو حلفه ثم أقام بينة) بمدعاه أو شاهدا ليحلف معه (حكم بها) وكذا لو ردت اليمين على المدعي فنكل ثم أقام بينة؛ لاحتمال أن نكوله تورع، وقد لا تفيده البينة كما لو أجاب مدعى عليه بوديعة بنفي الاستحقاق وحلف عليه فلا يفيد المدعي إقامة بينة بأنه أودعه; لأنها لا تخالف ما حلف عليه من نفي الاستحقاق. ولو اشتملت الدعوى على حقوق فله التحليف على بعضها دون بعض لا على كلٍّ منها يمينا مستقلة إلا إن فرقها في دعاوى بحسبها، ولا يكلف جمعها في دعوى واحدة. ولو أقام بينة ثم قال هي كاذبة أو مبطلة سقطت هي لا أصل الدعوى. ولو ثبت لجمع حق على واحد حلف لكلٍّ يمينا ولا تكفي يمين واحدة وإن رضوا بها بخلاف ما لو أنكر ورثة ميت دعوى دين عليه وردوا اليمين على المدعي فإنه يحلف لهم يمينا واحدة؛ لأن خصمه في الحقيقة إنما هو الميت وهو واحد. (ولو قال) من توجهت له يمين أبرأتك عنها سقط حقه منها لكن في هذه الدعوى لا غير فله استئناف دعوى وتحليفه. وإن قال (المدعى عليه) الذي طلب تحليفه (قد حلفني مرة) على هذه الدعوى عند قاض آخر، أو أطلق -لكن يندب الاستفسار حينئذ- (فليحلف أنه لم يحلفني) عليها (مُكِّن) من ذلك ما

(1)

. أي حربي لا ذمي طولب بالجزية كما قدمه الشارح في الحجر 5/ 165.

ص: 550

وَإِذَا نَكَلَ حَلَفَ المُدَّعِي وَقَضَى لَهُ وَلَا يُقْضَى بِنُكُولِهِ، وَالنُّكُولُ أَنْ يَقُولَ: أَنَا نَاكِلٌ أَوْ يَقُولَ لَهُ الْقَاضِي احْلِفْ فَيَقُولُ لَا أَحْلِفُ،

لم تكن له بينة ويريد إقامتها فيمهل له ثلاثة أيام (في الأصح) ; لأن ما قاله محتمل. ولا يجاب المدعي لو قال قد حلفني أني لم أحلفه فليحلف على ذلك؛ لئلا يتسلسل الأمر، فإن نكل حلف المدعى عليه يمين الرد واندفعت الخصومة عنه، ولا يجاب لحلفه يمين الأصل إلا بعد استئناف دعوى; لأنهما الآن في دعوى أخرى، أما لو قال حلفني عندك فإن تذكَّر مَنَع خصمه عنه ولم تفده إلا البينة، وإن لم يتذكر القاضي تحليفه حلَّفه ولا تنفعه البينة بالتحليف؛ لما مر أن القاضي لا يعتمد بينة بحكمه بدون تذكره. ولو قال للمدعي قد حلَّفت أبي أو بائعي على هذا مُكِّن من تحليفه على نفي ذلك أيضا فإن نكل حلف هو، وكذا لو أقر شحص لآخر بدار مثلا ثم ادعى ثالث على المقر له بتلك الدار وكانت الدار في يد المقر فقال المدعي في دعواه هي ملكي وليست ملك المُقِرِّ لك فقال المُقَرُّ له قد حلَّفت المقر لي فاحلف أنك لم تحلفه فيُمَكَّن المُقَرُّ له من تحليف المدعي (وإذا) أنكر مدعى عليه فأمر بالحلف فامتنع و (نكل) عن اليمين (حلف المدعي) بعد أمر القاضي له اليمين المردودة إن كان مدعيا عن نفسه؛ لتحول اليمين إليه (وقُضِيَ له) بالحق أي مُكِّن منه (ولا يُقضى له بنكوله) أي الخصم وحده، وصح أنه صلى الله عليه وسلم ((رد اليمين على طالب الحق)). وترد اليمين في كل حق يتعلق بالآدمي -ولو ضمنا كما في صورة القاذف- لا في محض حق الله تعالى كما لا يحكم القاضي فيه بعلمه.

(والنكول) يحصل بأمور منها: (أن يقول) بعد عرض اليمين عليه (أنا ناكل، أو يقول له القاضي احلف فيقول لا أحلف)؛ لصراحتهما فيه، ومن ثم لو طلب المدعى عليه العود إلى الحلف بعد حكم الحاكم بالنكول

(1)

- ولو تنزيلاً -ولم يرض المدعي لم يُجَبْ بشرط أن يوجه القاضي اليمين على المدعي ولو بإقباله عليه ليحلفه

(2)

. ومن النكول أيضا أن يقول له قل بالله فيقول بالرحمن

(3)

، نعم من توسم فيه الجهل لا يعتبر ناكلا حينئذ إلا إذا أصر عليه بعد تعريفه بأنه يجب امتثال ما أمر به الحاكم. ولو قال له قل بالله فقال والله أو تالله فليس بناكل كعكسه؛

(1)

. خالفاه في التقييد ببعد حكم الحاكم بالنكول، واعتمدا إطلاق الشيخين.

(2)

. قال الشارح ((فقول شيخنا كغيره فإنه يردها وإن لم يحكم به مرادهم وإن لم يصرح بالحكم)).

(3)

. فيكفيه الحلف بالرحمن خلافا للمغني.

ص: 551

فَإِنْ سَكَتَ حَكَمَ الْقَاضِي بِنُكُولِهِ، وَقَوْلُهُ لِلْمُدَّعِي احْلِفْ حُكْمٌ بِنُكُولِهِ. وَالْيَمِينُ المَرْدُودَةُ فِي قَوْلٍ كَبَيِّنَةٍ، وَفِي الْأَظْهَرِ كَإِقْرَارِ المُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَوْ أَقَامَ المُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَهَا بَيِّنَةً بِأَدَاءٍ أَوْ إبْرَاءٍ لَمْ تُسْمَعْ

لوجود الاسم وإنما التفاوت في مجرد الصلة فلم يؤثر. ولو امتنع من التغليظ بشيء مما مر فناكل (فإن سكت) بعد عرض اليمين عليه لا لنحو دهشة (حكم القاضي بنكوله) - بأن يقول له جعلتك ناكلا أو نكَّلتك -; لامتناعه، ولا يصير هنا

(1)

ناكلا بغير حكم، ومنه ما يأتي; لأن ما صدر عنه ليس صريح نكول. ويسن للقاضي عرضها عليه ثلاثا، وهو في الساكت آكد. ولو توسم فيه جهل حكم النكول عرَّفه به وجوبا بأن يقول له إن نكولك يوجب حلف المدعي وأنه لا تسمع بينتك بعده بأداء أو نحوه، فإن حكم عليه ولم يعرفه نفذ; لأنه المقصر بعدم تعلمه حكم النكول (وقوله) أي القاضي (للمدعي) بعد امتناع المدعى عليه أو سكوته (احلف) أو أتحلف، ولو بإقباله عليه ليحلفه وإن لم يقل له احلف (حكمٌ) منه (بنكوله) أي نازل منزلة قوله حكمت بنكوله فليس للمدعى عليه أن يحلف إلا إن رضي المدعي، وبما تقرر عُلم أن للخصم بعد نكوله العود إلى الحلف وإن كان قد هرب وعاد ما لم يحكم بنكوله حقيقة أو تنزيلا وإلا لم يَعُد له إلا إن رضي المدعي، فإن لم يحلف لم يكن للمدعي حلف المردودة؛ لتقصيره برضاه بحلفه. ولو هرب الخصم من مجلس الحكم بعد نكوله وقبل عرض القاضي اليمين على المدعي امتنع على المدعي حلف المردودة كما علم مما تقرر. وله طلب يمين خصمه بعد إقامة شاهد واحد وحينئذ لا ينفعه إلا البينة الكاملة، فإن حلف الخصم سقطت الدعوى، وليس له تجديدها في مجلس آخر ليقيم البينة؛ لتقصيره. ولو نكل في جوابٍ وكيلُ المدعي ثم حضر الموكل فله أن يحلف بلا تجديد دعوى. (واليمين المردودة) من المدعى عليه أو القاضي على المدعي (في قول) أنها (كبينة) يقيمها المدعي; لأنها حجةٌ مثلها غالبا (و) في (الأظهر) إنها (كإقرار المدعى عليه) ; لأنه بنكوله توصل للحق فأشبه إقراره (فـ) عليه يجب الحق بفراغ المدعي من يمين الرد من غير افتقار إلى حكم كما مر، و (لو أقام المدعى عليه بعدها بينة) أو حجة أخرى (بأداء أو إبراء) أو نحوهما من المسقطات (لم تسمع) ; لتكذيبه لها بإقراره، نعم

(1)

. أي سواء النكول الضمني أو الصريح خلافا لهما من تخصيصه بالنكول الضمني وهو السكوت المذكور.

ص: 552

فَإِنْ لَمْ يَحْلِفِ المُدَّعِي وَلَمْ يَتَعَلَّلْ بِشَيْءٍ سَقَطَ حَقُّهُ مِنْ الْيَمِينِ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الخَصْمِ، وَإِنْ تَعَلَّلَ بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ أَوْ مُرَاجَعَةِ حِسَابٍ أُمْهِلَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ. وَقِيلَ أَبَدًا، وَإِنِ اسْتَمْهَلَ المُدَّعَى عَلَيْهِ حِينَ اسْتُحْلِفَ لِيَنْظُرَ حِسَابَهُ لَمْ يُمْهَلْ. وَقِيلَ ثَلَاثَةً،

تسمع إذا كان المُدَّعَى به عينا؛ لأنها أقوى من الدين

(1)

(فإن لم يحلف المدعي ولم يتعلل بشيء) بأن لم يبد عذرا ولا طلب مهلة، أو قال أنا ناكل مطلقا أو سكت وحكم القاضي بنكوله -نعم يلزم الحاكم هنا سؤاله عن سبب امتناعه بخلاف المُدَّعى عليه; لأن امتناعه يثبت للمدعي حق الحلف والحكم بيمينه فلا يؤخر حقه بالبحث والسؤال بخلاف امتناع المدعي، وأيضا فالمدعى عليه بمجرد امتناعه من اليمين يتحول الحق للمدعي فامتنع على القاضي التعرض لإسقاطه بخلاف نكول المدعي فإنه لا يجب به حق لغيره فيسأله القاضي عن سبب امتناعه- (سقط حقه من اليمين)؛ لإعراضه فليس له العود إليها في هذا المجلس وغيره وإلا لأضره ورفعه كل يوم إلى قاض (وليس له مطالبة الخصم) إلا أن يقيم بينة كما لو حلف المدعى عليه، ومحله إن توقف ثبوت الحق على يمين المدعي وإلا لم يحتج ليمينه كما إذا ادعى ألفا من ثمن مبيع فقال المشتري أقبضتك إياها فأنكر البائع فيصدق بيمينه، فإن نكل وحلف المشتري انقطعت الخصومة، وإن نكل المشتري أيضا أُلزم بالألف لا للحكم بالنكول بل لإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداء، ومثله ما إذا ولدت وطلقها ثم قال ولدت قبل الطلاق فاعتدي فقالت بل بعده فيصدق بيمينه فإن نكل وحلفت فلا عدة، وإن نكلت أيضا اعتدت لا للنكول بل؛ لأصل بقاء النكاح وآثاره فيعمل به ما لم يظهر دافع، (وإن تعلل) المدعي (بإقامة بينة أو مراجعة حساب) أو الفقهاءِ أو بإرادة ترَّوٍ (أمهل) وجوبا (ثلاثة أيام) فقط؛ لئلا يضر بالمدعى عليه فيسقط حقه من اليمين بعد مضي الثلاثة من غير عذر (وقيل أبدا)؛ لأن اليمين حقه فله تأخيرها كالبينة (وإن استمهل المدعى عليه حين استحلف لينظر حسابه) أو طلب الإمهال وأطلق (لم يمهل) إلا برضا المدعي; لأنه مجبور على الإقرار أو اليمين بخلاف المدعي فإنه مختار في طلب حقه فله تأخيره (وقيل) يمهل (ثلاثة) من الأيام؛ للحاجة. وخرج بينظر حسابه ما لو استمهل لإقامة حجة بنحو أداء فإنه يمهل ثلاثا كما مر.

(1)

. خلافا لهما فلم يفرقا في عدم السماع بين العين والدين.

ص: 553

وَلَوِ اسْتَمْهَلَ فِي ابْتِدَاءِ الجَوَابِ أُمْهِلَ إلَى آخِرِ المَجْلِسِ. وَمَنْ طُولِبَ بِزَكَاةٍ فَادَّعَى دَفْعَهَا إلَى سَاعٍ آخَرَ أَوِ ادَّعَى غَلَطَ خَارِصٍ وَأَلْزَمْنَاهُ الْيَمِينَ فَنَكَلَ وَتَعَذَّرَ رَدُّ الْيَمِينِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْهُ. وَلَوِ ادَّعَى وَلِيُّ صَبِيٍّ دَيْنًا لَهُ فَأَنْكَرَ وَنَكَلَ لَمْ يُحَلَّفِ الْوَلِيُّ. وَقِيلَ: يُحَلِّفُ، وَقِيلَ: إنِ ادَّعَى مُبَاشَرَةَ سَبَبِهِ حُلِّفَ

(ولو استمهل في ابتداء الجواب) لينظر في الحساب أو يسأل الفقهاء مثلا (أمهلـ) ـه القاضي إن رأى ذلك لكن إن لم يضر الإمهال بالمدعي لكون بينته على جناح سفر (إلى آخر المجلس) أي مجلس القاضي. وكالنكول ما لو أقام شاهدا ليحلف معه فلم يحلف، فإن علل امتناعه بعذر أمهل ثلاثة أيام وإلا فلا.

[تنبيه] ادعى عليه ولم يحلِّفه وطلب منه

(1)

كفيلا حتى يأتي ببينة لم يلزمه

(2)

إلا إذا خيف هربه، أما بعد إقامة شاهد وإن لم يعدل فيطالب بكفيل، فإن امتنع حبس؛ للامتناع لا لثبوت الحق، (ومن طولب) بجزية بعد إسلامه فقال وقد كان غاب ((أسلمت قبل تمام السنة)) وقال العامل ((بل بعدها)) حُلِّف المسلم فإن نكل أخذت منه؛ لتعذر ردها، فإن ادعى ذلك وهو حاضر لم يقبل وأخذت منه، أو (بزكاة فادعى دفعها إلى ساع آخر أو ادعى غلط خارص) أو مسقطا آخر ندب تحليفه، فإن نكل لم يطالب بشيء. (و) أما إذا (ألزمناه اليمين) على خلاف المعتمد السابق (فنكل وتعذر رد اليمين)؛ لعدم انحصار المستحق (فالأصح) على هذا الضعيف (أنها تؤخذ منه) لا للحكم بالنكول بل؛ لأن ذلك هو مقتضى ملك النصاب والحول. ولو ادعى ولد مرتزق البلوغ بالاحتلام ليثبت اسمه حُلِّف فإن نكل لم يعط لا للقضاء بالنكول بل; لأن الموجب لإثبات اسمه وهو الحلف لم يوجد. ولو نكل مدعى عليه بمال ميت بلا وارث أو نحو وقف عام أو على مسجد حبس إلى أن يحلف أو يقر، وكذا لو ادعى وصي ميت على وارثه أنه أوصى بثلث ماله للفقراء مثلا فأنكر ونكل عن اليمين فيحبس إلى أن يقر أو يحلف. (ولو ادعى ولي صبي) أو مجنون ولو وصيا أو قيما (دينا له) على آخر (فأنكر ونكل لم يحلف الولي) كما لا يحلف مع الشاهد؛ لبعد إثبات الحق لإنسان بيمين غيره فيوقف إلى كماله (وقيل يحلف) ; لأنه بمنزلته (وقيل إن ادعى مباشرة سببه) أي ثبوته بمباشرته لسببه (حلف)

(1)

. أي المدعي.

(2)

. أي يلزم المدعي الكفيل.

ص: 554

فصل

ادَّعَيَا عَيْنًا فِي يَدٍ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً سَقَطَتَا، وَفِي قَوْلٍ تُسْتَعْمَلَانِ، فَفِي قَوْلٍ يُقْسَمُ، وَقَوْلٍ يُقْرَعُ، وَ قَوْلٍ يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحَا، وَلَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِمَا وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ بَقِيَتْ كَمَا كَانَتْ،

لأن العهدة تتعلق به وهذا هو المعتمد

(1)

.

[فرع] لو أقام خارجٌ بينة تشهد له بالعين فادعى ذو اليد أنه اشتراها ممن اشتراها من المدعي وأقام شاهدا جاز له أن يحلف معه

لاسيما إن امتنع بائعه من الحلف; لأنه وإن أثبت بها ملكا لغيره لكنه لما انتقل منه إليه كان بمنزلة إثباته ملك نفسه.

(فصل) في تعارض البينتين

إذا (ادعيا) أي كل منهما (عينا في يد ثالث) لم يسندها إلى أحدهما قبل البينة ولا بعدها (وأقام كل منهما بينة) بها (سقطتا

(2)

؛ لتعارضهما ولا مرجح فكأن لا بينة فيحلف لكل منهما يمينا، فإن أقر ذو اليد لأحدهما قبل البينة أو بعدها رجحت بينته. ولو زاد بعض حاضري مجلس صفة أو كلاما قبلت إلا إن اختفت القرائن الظاهرة على أن البقية ضابطون له من أوله إلى آخره وقالوا لم نسمعها مع الإصغاء إلى جميع ما وقع وكان مثلهم لا ينسب للغفلة في ذلك فحينئذ يقع التعارض; لأن النفي المحصور يعارض الإثبات الجزئي (وفي قول يستعملان) وحينئذ (ففي قول يقسم) بينهما نصفين، (وفي قول يقرع، وفي قول يوقف حتى يتبين أو يصطلحا، و) على التساقط (لو كانت) العين (في يدهما وأقاما بينتين) فشهدت بينة الأول له بالكل ثم بينة الثاني له به (بقيت) بيدهما (كما كانت)؛ إذ لا أولوية لأحدهما، نعم يحتاج الأول لإعادة بينة للنصف الذي بيده؛ لتقع بعد بينة الخارج بالنسبة لذلك النصف. ولو شهدت بينة كل منهما له بالنصف الذي بيد صاحبه حكم له به وبقيت بيدهما لا بجهة سقوط. ولا ترجيح

(1)

. خلافا لهم.

(2)

. ذكر الشارح في باب الصلح انه لو ادعى اثنان وديعة بيد رجل فقال لا أعلم لأيكما هي أو دارا بيدهما وأقام كل بينة أنه يجوز الصلح مع عدم الإقرار 5/ 194.

ص: 555

وَلَوْ كَانَتْ بِيَدِهِ فَأَقَامَ غَيْرُهُ بِهَا بَيِّنَةٍ وَهُوَ بَيِّنَةً قُدِّمَ صَاحِبُ الْيَدِ،

بيدٍ؛ لانتساخ يد كل ببينة الآخر، أما إذا لم تكن بيد أحد وشهدت بينة كل له بالكل فيجعل بينهما، ومحل التساقط إذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما بمرجح وإلا قدم وهو بيان نقل الملك، ثم اليد فيه للمدعي أو لمن أقر له به أو انتقل له منه، ثم شاهدان مثلا على شاهد ويمين، ثم سبق تاريخ ملك أحدهما بذكر زمن أو بيان أنه ولد في ملكه مثلا، ثم بذكر سبب الملك، وتقدم أيضا ناقلة عن الأصل على مستصحبة له ومن تعرضت لكون البائع مالك عند البيع ومن قالت نقد الثمن أو هو مالك الآن على من لم يذكر ذلك، ولا ترجيح بوقف، ولا بينة انضم إليها الحكم بالملك على بينة ملك بلا حكم، ولا فرق هنا بين الحكم بالصحة والحكم بالموجب; لأن أصل الحكم لا يرجح به فأولى حكم فيه زيادة على الآخر، أما لو تعارض حكمان بأن أثبت كل أن معه حكم القاضي لكن أحدهما بالموجب والآخر بالصحة فالوجه تقديم الثاني; لأنه يستلزم ثبوت الملك بخلاف الأول. ومر قبيل العارية أن القاضي إذا أجمل حكما بأن لم يثبت استيفاءه بشروطه حمل حكمه على الصحة إن كان عالما ثقة أمينا، وقد ذكر المصنف أكثر هذه المرجحات بذكر مثلها فقال (ولو كانت) العين (بيده) تصرفا أو إمساكا (فأقام غيره بها) أي بملكها -من غير زيادة

(1)

- (بينة و) أقام (هو) بها (بينة) بينت سبب ملكه أم لا، أو قالت كلٌّ اشتراها أو غصبها من الآخر (قُدِّم) من غير يمين (صاحب اليد) ويسمي الداخل وإن حكم بالأولى قبل قيام الثانية; لأنه صلى الله عليه وسلم قضى بذلك، ولترجح بينته -وإن كانت شاهدا أو يمينا والأخرى شاهدين- بيده، ومن ثم لو شهدت بينة المدعي بأنه اشتراها منه أو من بائعه مثلا أو أن أحدهما غصبها قدم؛ لبطلان اليد حينئذ، ولا يكفي قول الشاهدين يد الداخل غاصبة. ولو قالت بينة الخارج يد الداخل غاصبة منه -أي الخارج- وقالت بينة الداخل اشتراها منه -أي الخارج- قدمت؛ لبيانها النقل الصحيح بخلاف

(2)

ما لو قالت يده بحق فتقدم بينة الغصب; لأن بينة الغصب معها زيادة علم فهي ناقلة وتلك مستصحبة. ولو أقام بينة بأن الداخل أقر له بالملك قدمت ولم تنفعه بينته بالملك إلا إن ذكرت انتقالا ممكنا من المقر له إليه. وتقدم من قالت اشتراه من زيد وهو يملكه على من قالت وهو

(1)

. احترازا عما يأتي من قوله ومن ثم لو شهدت

الخ.

(2)

. خلافا للرملي.

ص: 556

وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ إلَّا بَعْدَ بَيِّنَةِ المُدَّعِي، وَلَوْ أُزِيلَتْ يَدُهُ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ أَقَامَ بَيِّنَةً بِمِلْكِهِ مُسْتَنِدًا إلَى مَا قَبْلَ إزَالَةِ يَدِهِ وَاعْتَذَرَ بِغَيْبَةِ شُهُودِهِ سُمِعَتْ وَقُدِّمَتْ، وَقِيلَ: لَا

في يده أو وتسلمه منه، ومن قالت اشتراها منه وهو في يده على من قالت وتسلمه منه. ومن انتزع شيئا بحجة صار ذا يد فيه بالنسبة لغير الأول

(1)

فلو ادعى عليه آخر وأقام بينة مطلقة أعاد بينته ورجحت بيده. ولو أجاب ذو اليد باشتريتها من زيد فأثبت المدعي إقرار زيد له بها قبل الشراء فأثبت المدعى عليه إقرار المدعي بها لزيد قبل الشراء وجهل التاريخ أُقرّت بيد المدعى عليه; لأن يده لم يعارضها شيء. ولو أقامت بنت واقف وقفٍ محكومٍ به بينةً بأنه ملَّكها إياه وأقبضه لها قبل وقفه قدمت بينة البنت، ولا عبرة باليد; لأن بينة التمليك نسختها وأبطلتها وحكم الحاكم ليس مرجحا

(2)

. ولو ادعيا لقيطا بيد أحدهما وأقام كل بينة استويا; لأنه لا يدخل تحت اليد (ولا تسمع بينته إلا بعد بينة المدعي) وإن لم تعدل; لأن الحجة إنما تقام على خصم. وأفهم المتن أنها لا تسمع بعد الدعوى وقبل البينة; لأن الأصل في جانبه اليمين فلا يعدل عنها ما دامت كافية، نعم يتجه سماعها لدفع تهمة نحو سرقة ومع ذلك لا بد من إعادتها بعد بينة الخارج.

[فرع] اختلف الزوجان في أمتعة البيت -ولو بعد الفرقة- ولا بينة ولاختصاص لأحدهما بيد فلكلٍّ تحليف الآخر فإذا حلفا جُعِل بينهما وإن صلح لأحدهما فقط، أو حلف أحدهما فقط قضي له كما لو اختص باليد وحلف، وكذا وارثاهما ووارث أحدهما والآخر. (ولو أزيلت يده ببينة) حِسَّاً بأن سلَّم المال لخصمه، أو حكما بأن حكم عليه به فقط (ثم أقام بينة بملكه مستندا إلى ما قبل إزالة يده) حتى في الحالة الثانية

(3)

(واعتذر

(4)

بغيبة شهوده) أو جهله بهم أو بقبولهم مثلا (سمعت وقدمت)؛ إذ لم تزل إلا لعدم الحجة وقد ظهرت فينقض القضاء (وقيل لا) تسمع ولا ينقض الحكم، وخرج بمستندا إلى آخره شهادتها بملك غير مستند فلا تسمع.

(1)

. أي غير المنتزع منه.

(2)

. كما مال إليه الشارح عند قول المصنف ((والمذهب أن زيادة أحدهما ترجيح)).

(3)

. وفاقا للنهاية وخلافا للروض وشرحه والمغني.

(4)

. فالعذر شرط وفاقا للروض وشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية.

ص: 557

وَلَوْ قَالَ الخَارِجُ: هُوَ مِلْكِي اشْتَرَيْته مِنْك، فَقَالَ بَلْ مِلْكِي وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَ الخَارِجُ. وَمَنْ أَقَرَّ لِغَيْرِهِ بِشَيْءٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ تُسْمَعْ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ انْتِقَالًا،

(ولو قال الخارج هو ملكي اشتريته منك، فقال) الداخل (بل) هو (ملكي وأقاما بينتين) بما قالاه (قدم الخارج)؛ لزيادة علم بينته بالانتقال ولذا قدمت بينته لو شهدت أنه ملكه وإنما أودعه أو آجره أو أعاره للداخل، أو أنه باعه أو غصبه منه وأطلقت بينة الداخل. ولو قال كلٌّ للآخر اشتريته منك وأقام بينة ولا تاريخ قدم ذو اليد. ولو تداعيا دابة أو أرضا أو دارا واتفقا أو قامت بينة أن لأحدهما متاعاً عليها أو فيها أو الحمل أو الزرع قدمت بينة صاحب نحو المتاع على البينة الشاهدة بالملك المطلق؛ لانفراده بالانتفاع، فاليد له، وبه فارق ما لو كان لأحدهما على العبد ثوب; لأن المنفعة في لبسه للعبد لا لصاحبه فلا يد له، فإن اختص المتاع ببيت فاليد فيه فقط. ولو قال أخذت ثوبي من دارك فقال بل هو ثوبي أمر حيث لا بينة له برده إليه; لأنه ذو يد كما لو قال قبضت منه ألفا لي عليه أو عنده فأنكر فيؤمر برده إليه. ولو قال أسكنته داري ثم أخرجته منها فاليد للساكن؛ لإقرار الأول له بها فيحلف أنها له. وقوله زَرَعَ لي إعانةً أو إجارةً ليس فيه إقرار له بيد. ولو تنازع مكر ومكتر في متصل بالدار كرُفٍّ أو سلَّم مسمر حلف الأول، أو في منفصل كمتاع حلف الثاني؛ للعرف، وما اضطرب فيه -كغير المسمر من الأولين، والغلق

(1)

- يكون بينهما إذا تحالفا؛ إذ لا مرجح، وأفتى ابن الصلاح في شجر فيها بأن اليد للمتصرف فيه، ومن ثم لو تنازع خياط وذو الدار في مقص وإبرة وخيط حلف; لأن تصرفه فيها أكثر بخلاف القميص فيحلف عليه صاحب الدار، وبهذا أعني التصرف يفرق بين هذا وبين الأمتعة المتنازع فيها بين الزوجين وإن صلح لأحدهما. (ومن أقر لغيره بشيء) حقيقة أو حكما كأن ثبت إقراره به وإن أنكره (ثم ادعاه لم تسمع) دعواه (إلا أن يذكر انتقالا) ممكنا من المقر له إليه; لأن الإقرار يسري للمستقبل أيضا وإلا لم يكن له كبير فائدة. ويجب أن يصرح كبينته ببيان سبب الانتقال إليه من جهة المقر له

(2)

. ودخل في قولي كأن إلى آخره ما لو ادعى عليه ضيعة في يده فأنكر فأقام المدعي بينة أنه أقر له بها من شهر فأقام ذو اليد بينة أنها ملكه فلا تدفع بينة المدعي؛ لعدم ذكر الانتقال فيقدم إقراره، ومر في

(1)

. هو ما يغلق به الباب ويفتح، لسان العرب.

(2)

. كما اعتمده الشارح قبيل فصل الشهادة على الشهادة.

ص: 558

وَمَنْ أُخِذَ مِنْهُ مَالٌ بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لَمْ يُشْتَرَطْ ذِكْرُ الِانْتِقَالِ فِي الْأَصَحِّ، وَالمَذْهَبُ أَنَّ زِيَادَةَ عَدَدِ شُهُودِ أَحَدِهِمَا لَا تُرَجِّحُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا رَجُلَانِ وَلِلْآخَرِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، فَإِنْ كَانَ لِلْآخَرِ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ رُجِّحَ الشَّاهِدَانِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ شَهِدَتْ لِأَحَدِهِمَا بِمِلْكٍ مِنْ سَنَةٍ، وَلِلْآخَرِ مِنْ أَكْثَرَ، فَالْأَظْهَرُ تَرْجِيحُ الْأَكْثَرِ، وَلِصَاحِبِهَا الْأُجْرَةُ وَالزِّيَادَةُ الحَادِثَةُ مِنْ يَوْمِئِذٍ

الإقرار أنه لو قال وهبته له وملكه لم يكن إقرارا بالقبض؛ لجواز اعتقاده حصوله بمجرد العقد وحينئذ فتقبل دعواه به بعد هذا الإقرار من غير ذكر انتقال (ومن أخذ منه مال ببينة ثم ادعاه لم يشترط ذكر الانتقال في الأصح) ; لأن البينة لم تشهد إلا على التلقي حالا فلم يتسلط أثرها على الاستقبال، نعم لو أضافت لسبب يتعلق بالمأخوذ منه

(1)

كانت كالإقرار. (والمذهب أن زيادة عدد) أو نحو عدالة (شهود أحدهما لا ترجِّح) بل يتعارضان؛ لكمال الحجة من الطرفين ولأن ما قدره الشرع لا يختلف بالزيادة والنقص كدية الحر، وبه فارق تأثر الرواية بذلك; لأن مدارها

(2)

على أقوى الظنين، ومنه يؤخذ أنه لو بلغت تلك الزيادة عدد التواتر رجحت وهو واضح؛ لإفادتها حينئذ العلم الضروري وهو لا يُعَارَض، (وكذا لو كان لأحدهما رجلان وللآخر رجل وامرأتان) أو أربع نسوة فيما يقبلن فيه لكمال الحجة من الطرفين أيضا (فإن كان للآخر شاهد ويمين رجح الشاهدان) والشاهد والمرأتان والأربع النسوة فيما يقبلن فيه (في الأظهر)؛ للإجماع على قبول من ذكر دون الشاهد واليمين، نعم إن كان معهما يد قُدِّما بيَّنا سببا أوْ لا؛ لاعتضادهما بها كما مر. (ولو شهدت) البينة (لأحدهما) أي متنازعين في عين بيدهما أو يد ثالث أو لا بيد أحد (بملك من سنة و) شهدت بينة أخرى (للآخر) بملكه لها (من أكثر) من سنة وقد شهدت كل بالملك حالا، أو قالت لا نعلم مزيلا له؛ لما يأتي أن الشهادة لا تسمع بملك سابق إلا مع ذلك (فالأظهر ترجيح الأكثر) ; لأنها أثبتت الملك في وقت لا تعارضها فيه الأخرى وفي وقت تعارضها فيه فيتساقطان في محل التعارض ويعمل بصاحبة الأكثر فيما لا تعارض فيه والأصل في كل ثابت دوامه. أما إذا كانت بيد متقدمة التاريخ فيقدم قطعا أو متأخرته فسيأتي، (ولصاحبها) أي المتقدمة (الأجرة والزيادة الحادثة من يومئذ) أي

(1)

. أي كبيع وهبة صدرا منه، ابن قاسم.

(2)

. ظاهر صنيعه أن الضمير للرواية، وهو صريح صنيع المغني خلافا لما في النهاية.

ص: 559

وَلَوْ أَطْلَقَتْ بَيِّنَةٌ وَأَرَّخَتْ بَيِّنَةٌ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُمَا سَوَاءٌ

(1)

، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ لِصَاحِبِ مُتَأَخِّرَةِ التَّارِيخِ يَدٌ قُدِّمَتْ، وَ أَنَّهَا لَوْ شَهِدَتْ بِمِلْكِهِ أَمْسِ وَلَمْ تَتَعَرَّضْ لِلْحَالِ لَمْ تُسْمَعْ حَتَّى يَقُولُوا وَلَمْ يَزُلْ مِلْكُهُ أَوْ وَلَا نَعْلَمُ مُزِيلًا لَهُ

من يوم ملكه بالشهادة; لأنها فوائد ملكه، نعم لو كانت العين بيد الزوج أو البائع قبل القبض لم تلزمه أجرة (ولو أطلقت بينة) بأن لم تتعرض لزمن الملك (وأرخت بينة) ولا يد لأحدهما واستويا في أن لكل شاهدين مثلا ولم تبين الثانية سبب الملك (فالمذهب أنهما سواء) فيتعارضان، ومجرد التاريخ ليس بمرجح؛ لاحتمال أن المطلِقة لو فسرت فسرت بما هو أكثر من الأولى، نعم لو شهدت إحداهما بدين والأخرى بالإبراء من قدره رجحت هذه; لأنه إنما يكون بعد الوجوب والأصل عدم تعدد الدين. ولو أثبت إقرار زيد له بدين فأثبت زيد إقراره بأنه لا شيء له عليه لم يؤثر; لاحتمال حدوث الدين بعد و لأن الثبوت لا يرتفع بالنفي المحتمل. أما إذا كان لأحدهما يد أو شاهدان وللآخر شاهد ويمين فتقدم اليد والشاهدان، وكذا تقدم البينة المبينة لسبب الملك على البينة المطلقة وتبين السبب بنحو نَتَج أو أثمر أو نسج أو حلب من مِلْكِه أو وَرِثَهُ من أبيه، ولا أثر لقول البينة بنت دابته من غير تعرضها أنه ملك بنت الدابة تلك (وأنه لو كان لصاحب متأخرة التاريخ يد) لم يعلم أنها عادِية (قدمت) سواء أذكرتا أو إحداهما الانتقالَ لمن تشهد له من معين أم لا وإن اتحد ذلك المعين

(2)

؛ لتساوي البينتين في إثبات الملك حالا فيتساقطان وتبقى اليد في مقابلة الملك السابق وهي أقوى سواء أشهدت كل بوقف أم ملك، ومحله إن لم يظهر أن اليد عادية باعتبار ترتبها على بيع صدر من أهل الوقف أو بعضهم، وبه يعلم أنه لو ادعى في عين بيد غيره أنه اشتراها من زيد من منذ سنتين فأقام الداخل بينة أنه اشتراها من زيد من منذ سنة قدمت بينة الخارج; لأنها أثبتت أن يد الداخل عادية بشرائه من زيد ما زال ملكه عنه، نعم لا بد أن يثبت الخارج هنا أنها كانت بيد زيد حال شرائه منه وإلا بقيت بيد من هي بيده، فإن ادعى الاسترداد فعليه البينة به، ثم محل العمل باليد ما لم يعلم حدوثها وإلا كما هنا فهي في الحقيقة للأول فهو الداخل، ومن ثم لو اتحد تاريخهما أو أطلقتاهما أو إحداهما قدم ذو اليد; لأنه لم يثبت حدوث يده (وأنها لو شهدت بملكه أمس ولم تتعرض للحال لم تسمع حتى يقولوا ولم يزل ملكه أو لا نعلم مزيلا له) أو

(1)

. في نسخة من المنهاج زيادة: ((وَقِيلَ تُقَدَّمُ المُؤَرَّخَةُ)).

(2)

. خلافا للأسنى وظاهر النهاية.

ص: 560

وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِهِ الْآنَ اسْتِصْحَابًا لِمَا سَبَقَ مِنْ إرْثٍ وَشِرَاءٍ وَغَيْرِهِمَا. وَلَوْ شَهِدَتْ بِإِقْرَارِهِ أَمْسِ بِالمِلْكِ لَهُ اُسْتُدِيمَ

تبين سببه; لأن دعوى الملك السابق لا تسمع فكذا البينة ولأنها شهدت له بما لم يدعه. وقد تسمع الشهادة وإن لم تتعرض للملك حالا كما يأتي في مسألة الإقرار كأن شهدت أنها أرضه وزرعها أو دابته نتجت في ملكه أو هذا أثمرته نخلته في ملكه أو هذا الغزل من قطنه أو الطير من بيضه أمس

(1)

أو بأن هذا ملكه أمس اشتراه من المدعى عليه أو أقر له به أو ورثه أمس، وكأن شهدت بأنه اشترى هذه من فلان وهو يملكها أو نحوه فتقبل وإن لم تقل إنها الآن ملك المدعي أو بأن مورثه تركه له ميراثا، أو بأن فلانا حكم له به فتقبل وذلك; لأن الملك ثبت بتمامه فيستصحب إلى أن يعلم زواله بخلافها بأصله لا بد أن ينضم إليها إثباته حالا، وكأن ادعى رق شخص بيده فادعى آخر أنه كان له أمس وأنه أعتقه فتقبل بينته بذلك; لأن القصد بها إثبات العتق وذكر الملك السابق وقع تبعا، وكأن قال عن عين بيد غيره هي لي ورثتها من أبي ولا وارث له غيري فشهدا له بذلك وقالا نحن من أهل الخبرة الباطنة فيقضى له بها; لأنها إذا ثبتت إرثا استصحب حكمه، فإن سكتا عن نحن من أهل الخبرة ولم يعلمهما الحاكم كذلك توقف ثم إن ثبت أنه وارث وأن الدار ميراث أبيه نزعت من ذي اليد وتعرَّف الحاكم الحال حتى يتبين أنه لو كان له وارث آخر لظهر فحينئذ يسلمها إليه. ولو قال لخصمه كانت بيدك أمس لم يكن إقرارا. ولو قال من بيده عين اشتريتها من فلان من منذ شهر وأقام به بينة فقالت زوجة البائع ملكي تعوضتها منه من منذ شهرين وأقامت به بينة فإن ثبت أنها بيد الزوج حال التعويض حكم بها لها وإلا بقيت بيد من هي بيده الآن

(2)

. (وتجوز الشهادة) بل تجب إن انحصر الأمر (بملكه الآن استصحابا لما سبق من إرث وشراء وغيرهما)؛ اعتمادا على الاستصحاب لأن الأصل البقاء، وللحاجة لذلك وإلا لتعسرت الشهادة على الأملاك السابقة إذا تطاول الزمن، ومحله إن لم يصرح بأنه اعتمد الاستصحاب وإلا لم تسمع، نعم إن بتَّ شهادته وذكر ذلك تقوية لمستنده أو حكاية للحال لم يضر. ولا تجوز الشهادة بملك نحو وارث أو مشتر أو متهب إلا إن علم ملك المنتقل عنه. (ولو شهدت) بينة (بإقراره) أي المدعى عليه (أمس بالملك له) أي المدعي (استديم) حكم الإقرار وإن لم تصرح بالملك حالا؛ إذ لولاه لبطلت فائدة

(1)

. أسقط قوله أمس المغني.

(2)

. خلافا للنهاية فاعتمد تقديم بينة الزوجة مطلقا.

ص: 561

وَلَوْ أَقَامَهَا بِمِلْكِ دَابَّةٍ أَوْ شَجَرَةٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ ثَمَرَةً مَوْجُودَةً، وَلَا وَلَدًا مُنْفَصِلًا وَيَسْتَحِقُّ الحَمْلَ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوِ اشْتَرَى شَيْئًا فَأُخِذَ مِنْهُ بِحُجَّةٍ مُطْلَقَةٍ رَجَعَ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ،

الأقارير (ولو أقامها) أي الحجة (بملك دابة أو شجرة) من غير تعرض لملك سابق (لم يستحق ثمرة موجودة) يعني ظاهرة

(1)

(ولا ولدا منفصلا) عند الشهادة; لأنهما ليسا من أجزاء العين، ولذا لا يدخلان في بيعها ولأن البينة لا تثبت الملك بل تظهره فكفى تقدمه عليها بلحظة فلم يستحق ثمرا ونتاجا حصلا قبل تلك اللحظة (ويستحق الحمل) والثمر غير الظاهر الموجود عند الشهادة (في الأصح)؛ تبعا للأم والأصل كما لو اشتراها، ولا عبرة باحتمال كون ذلك لغير مالك الأم والشجرة بنحو وصية; لأنه خلاف الأصل. أما إذ تعرضت لملك سابق على حدوث ما ذكر فيستحقه، فعلم أن حكم الحاكم لا ينعطف على ما مضى؛ لجواز أن يكون ملكه لها حدث قبل الشهادة. (ولو اشترى شيئا) وأقبض ثمنه (فأُخِذ منه بحجة) أي بينة (مطلقة) بأن لم تصرح بتاريخ الملك، وقوله مطلقة ليس قيدا (رجع على بائعه) إن لم يصدق المشتري البائع أن المبيع ملكه ولم يقم البائع بينة بأنه اشترى المبيع من المدعي ولو بعد الحكم (بالثمن)؛ لمسيس الحاجة لذلك في عهدة العقود مع أن الأصل أنه لا معاملة بين المشتري والمدعي ولا انتقال منه إليه فيستند الملك المشهود به إلى ما قبل الشراء. وخرج بحجة التي هي البينة هنا كما تقرر ما لو أخذ منه بإقراره أو بحلف المدعي بعد نكوله فلا يرجع؛ لأنه المقصر; لأنه المقصر،، وبمطلقة ما لو أسندت الاستحقاق إلى حالة العقد فيرجع قطعاً، وببائعه بائع بائعه فلا رجوع له عليه; لأنه لم يتلق منه، وبلم يصدقه ما لو صدقه على أنه ملكه فلا يرجع عليه بشيء؛ لاعترافه بأن الظالم غيره، نعم لا يضر قوله ذلك له في الخصومة ولا إن قاله معتمدا فيه على ظاهر اليد وادعى ذلك فيرجع عليه مع ذلك؛ لعذره، ومن ثم لو اشترى قنا وأقر بأنه قنا ثم ادعى القن بحرية الأصل وحكم له بها رجع بثمنه ولم يضر اعترافه برقه; لأنه معتمد فيه على الظاهر. ولو أقر مشتر لمدع ملك المبيع لم يرجع على بائعه بالثمن، ولا تسمع دعوى المشتري حينئذٍ على البائع بأنه ملك للمقر له كي يقيم به بينة ويرجع عليه بالثمن، نعم له تحليفه أنه ليس ملكا للمقر له فإن أقر أوخذ به.

(1)

. عبارة النهاية مؤبرة.

ص: 562

وَقِيلَ لَا إلَّا إذَا ادَّعَى مِلْكاً سَابِقاً عَلَى الشِّرَاءِ. وَلَوِ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدُوا لَهُ مَعَ سَبَبِهِ لَمْ يَضُرَّ، وَإِنْ ذَكَرَ سَبَبًا، وَهُمْ سَبَبًا آخَرَ ضَرَّ.

فصل

قَالَ أجَرْتُكَ الْبَيْتَ بِعَشْرَةٍ، فَقَالَ بَلْ جَمِيعَ الدَّارِ بِالْعَشَرَةِ وَأَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا، وَفِي قَوْلٍ يُقَدَّمُ المُسْتَأْجِرِ

(وقيل لا إلا إذا ادعى) المدعي على المشتري (ملكا سابقا على الشراء)؛ لينتفي احتمال الانتقال من المشتري إليه، ومحل الخلاف إن قبض المشتري المبيع وإلا رجع بالثمن قطعا؛ تنزيلا لذلك منزلة هلاك المبيع قبل القبض. (ولو ادعى ملكا) لدار مثلا بيد غيره (مطلقا) بأن لم يذكر له سببا (فشهدوا له) به (مع) ذكر (سببه لم يضر) ما زادوه في شهادتهم; لأن سببه تابع له وهو المقصود وقد وافقت البينة فيه الدعوى، نعم لا يكون ذكرهم للسبب مرجحا; لأنهم ذكروه قبل الدعوى به، فإن أعاد دعوى الملك وسببه فشهدوا بذلك رجحت حينئذ. ولو ادعى شراء عين فشهدت بينة له بملك مطلق قبلت، ويؤيده قولهم إن خالف الشاهد الدعوى في الجنس -الشامل للنوع والصنف والصفة- رُدَّ، أوفي القدر حكم بالأقل من الدعوى والبينة ما لم يكذبهما المدعي (وإن ذكر سببا وهم سببا آخر ضر) في شهادتهم؛ لمناقضتها الدعوى.

[فرع] أقر الراهن بالرهن لأجنبي فإن أرخت بينة المقر له بما قبل الرهن أخذه كله، أو بما بعده لم يكن له إلا ما فضل عن الدين

، فإن أطلقت بينة الإقرار وأرخت بينة الرهن أو أطلقت تعارضتا ولم يثبت رهن ولا إقرار. ولا تقبل الشهادة بنفي إلا إن حصر كلم يكن بمحل كذا وقت أو مدة كذا فتقبل وإن لم تكن لحاجة.

(فصل في اختلاف المتداعيين)

في نحو عقد أو إسلام أو عتق

إذا اختلفا في قدر ما اكتُرِي من دار أو أجرته أو هما كأن (قال أجرتك البيت) شهر كذا مثلا (بعشرة) مثلا (فقال بل) آجرتني (جميع الدار) المشتملة عليه (بالعشرة) أو بعشرين (وأقاما بينتين) أطلقتا أو إحداهما أو اتحد تاريخهما، وكذا إن اختلف تاريخهما واتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد (تعارضتا) فيسقطان؛ لتناقضهما في كيفية العقد الواحد فيتحالفان ثم يفسخ العقد كما علم مما مر في البيع (وفي قول يقدم المستأجر) ; لاشتمال بينته على زيادة هي

ص: 563

وَلَوِ ادَّعَيَا شَيْئًا فِي يَدِ ثَالِثٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ اشْتَرَاهُ وَوَزَنَ لَهُ ثَمَنَهُ فَإِنِ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ حُكِمَ لِلْأَسْبَقِ، وَإِلَّا تَعَارَضَتَا

اكتراء جميع الدار كما لو شهدت بينة بألف وبينة بألفين يجب ألفان. أما إذا اختلف تاريخهما ولم يتفقا على ذلك فتقدم السابقة، ثم إن كانت هي الشاهدة بالكل لغت الثانية أو بالبعض أفادت الثانية صحة الإجارة في الباقي. (ولو ادعيا) أي كل من اثنين (شيئا في يد ثالث) فإن أقر به لأحدهما سُلِّم إليه، وللآخر تحليفه؛ إذ لو أقر به له أيضا غرم له بدله. وإن أنكر ما ادعياه ولا بينة حلف لكل منهما يمينا وترك في يده، (و) إن ادعيا شيئا على ثالث و (أقام كل منهما بينة) إحداهما بأنه غصبه منه والأخرى بأنه أقر أنه غصبه منه قدمت الأولى; لأنها أثبتت الغصب بطريق المشاهدة فكانت أقوى ولا يغرم شيئا للمقر له; لأن الملك للأول إنما ثبت بالبينة فهي الحائلة بين المقر له وبين حقه بزعمه، أو (أنه اشتراه) منه وهو يملكه أو سلمه إليه أو تسلمه منه والمبيع بغير يده وإلا لم يحتج لذكر ذلك كما يأتي -أما إن كان المدعى به في يده فلا يحتاج في تصحيح الدعوى لقوله ((وهو يملكه)) - (ووزَن له ثمنه) فإن لم تذكر ذلك لم تصح (فإن اختلف تاريخٌ حُكِم للأسبق) منهما تاريخا; لأن معها زيادة علم، نعم الأوجه أن من شهدت من البينتين بملك المُدَّعَى للبائع وقت البيع أو للمشتري الآن أو بنقد الثمن دون الأخرى قدمت ولو متأخرة; لأن معها زيادة علم ولأن التعرض للنقد يوجب التسليم والأخرى لا توجبه؛ لبقاء حق الحبس للبائع فلا تكفي المطالبة بالتسليم، (وإلا) يختلف تاريخهما -بأن أطلقتا أو إحداهما أو أرختا بتاريخ متحد- (تعارضتا) فيتساقطان، ثم إن أقر لهما أو لأحدهما فواضح وإلا حلف لكل يمينا ويرجعان عليه بالثمن; لثبوته بالبينة، وسقوطهما إنما هو فيما تعارضتا فيه وهو العقد فقط، ومحله إن لم يتعرضا لقبض المبيع وإلا قدمت بينة ذي اليد ولا رجوع لواحد منهما بالثمن; لأن العقد قد استقر بالقبض، ويجري ذلك في قول واحد اشتريتها من زيد وآخر اشتريتها من عمرو على الوجه المذكور وأقاما بينتين كذلك فيتعارضان ويصدق من العين بيده فيحلف لكل منهما أو يقر.

[تنبيه] لا يكفي في الدعوى كالشهادة ذكر الشراء إلا مع ذكر ملك البائع إذا كان غير ذي يد أو مع ذكر يده إذا كانت اليد له ونزعت منه تعديا أو مع قيام بينة أخرى بأحدهما

(1)

(1)

. أي بملك البائع أو يده.

ص: 564

وَلَوْ قَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِعْتُكَهُ بِكَذَا وَأَقَامَاهُمَا، فَإِنِ اتَّحَدَ تَارِيخُهُمَا تَعَارَضَتَا، وَإِنِ اخْتَلَفَ لَزِمَهُ الثَّمَنَانِ وَكَذَا إنْ أَطْلَقَتَا أَوْ إحْدَاهُمَا فِي الْأَصَحِّ

يوم البيع ويصيران كبينة واحدة، وكذا كل ما ذِكْرُه شرطٌ لو تركته بينة وقامت به أخرى كأقرت امرأة لفلان وقت كذا بمحل كذا فشهد آخران بأنها فلانة، وإنما تسمع البينة بالملك المطلق إن كان المُدَّعَى بيد المدعي أو بيد من لم يعلم ملكه ولا ملك من انتقل منه إليه أو لم يكن بيد أحد، وفيما عدا ذلك قد تسمع لكن لا يعمل بها كما لو انتزع خارج عينا من داخل

(1)

ببينة فأقام الداخل بينة بملكها مطلقا فإنها تسمع، وفائدتها معارضة بينة الخارج فقط لترد العين إلى يده. ولو أقام بينة بأن هذا رهنني وأقبضني داره في ربيع الأول سنة كذا وآخر بينة بأنه أقر لي بها تلك السنة ولم يذكر الشهود شهرا تعارضتا; لأن الرهن يمنع صحة الإقرار فلا يثبت رهن ولا إقرار. (ولو قال كل منهما) والمبيع في يد المدعى عليه (بعتكه بكذا) وهو ملكي -وإلا لم تسمع الدعوى- فأنكر (وأقاماهما) أي البينتين بما قالاه وطالباه بالثمن (فإن اتحد تاريخهما تعارضتا) وتساقطتا; لامتناع كونه ملكا في وقت واحد لكلٍّ وحده فيحلف لكل كما لو لم يكن لواحد منهما بينة، وإن كان لأحدهما بينة قضى له وحلف للآخر، (وإن اختلف) تاريخهما (لزمه الثمنان)؛ لإمكان دعواهما، ومن ثم اشترط اتساع الزمن للعقد الأول ثم الانتقال للبائع الثاني ثم العقد الثاني وإلا حلف لكل، (وكذا) يلزمه الثمنان (إن أطلقتا أو) أطلقت (إحداهما) وأرخت الأخرى (في الأصح) ; لاحتمال اختلاف الزمن وحيث أمكن الاستعمال فلا إسقاط. وشهادة البينتين على إقراره كهي على البيعين فيما ذكر. ولو شهدا أنه باع عاقلا وآخران أنه مجنون ذلك اليوم عمل بالأولى

(2)

، أو أنه باع مجنونا قُدِّما. ولو أقام بينة بأن هذه الدار التي بيدك وقفها أبي عليَّ وهو مالك حائز يومئذ فأقام ذو اليد بينة بأنها ملكه قدم ما لم تقم بينة أخرى بأنه غصبها من الواقف; لأنه ذو اليد حينئذ. ولو ظهر في موقوف محكوم بصحته بعد ثبوت ملك الواقف وحيازته مكتوب محكوم بصحته يشهد بالملك والحيازة لآخر قبل صدور الوقف لم يبطل الوقف بمجرد ذلك؛ لأنه يجوز بتقدير صحته أن يكون الملك انتقل من صاحبه إلى الواقف لاسيما واليد للواقف أو من قام مقامه. ولو شهدت

(1)

. الداخل من العين تحت يده والخارج ضده.

(2)

. خلافا لمقتضى قياس كلام الروض وشرحه من التعارض.

ص: 565

وَلَوْ مَاتَ عَنْ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: مَاتَ عَلَى دِينِي، فَإِنْ عُرِفَ أَنَّهُ كَانَ نَصْرَانِيًّا صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ مُطْلَقَتَيْنِ قُدِّمَ المُسْلِمُ، وَإِنْ قَيَّدَتْ أَنَّ آخِرَ كَلَامِهِ إسْلَامٌ وَعَكَسَتْهُ الْأُخْرَى تَعَارَضَتَا، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ دِينُهُ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ عَلَى دِينِهِ تَعَارَضَتَا

بينة على منكر الشراء له بثمن جزاف قبلا إن قالا حلال لا إن حذفاه; لأن الجزاف حلال وحرام. ولو أقام بينة بأن هذه التي بيدك ملكي فأخذها فأقام آخر أخرى بأنه اشتراها ممن كانت بيده وهي ملكه حينئذ حكم بها لهذا؛ لزيادة علم بينته. وتقدم بينةٌ قالت ملك أبيه وقد ورثه على بينة قالت ملك أبي خصمِهِ وهو وارثه؛ لأن هذا ليس فيه التنصيص على تلقي ملك هذا عن الأب; لأنه لم يشهد بإرث شيء خاص بخلاف وقد ورثه فإنه نص على أنه متلق ملكه من أبيه فلا احتمال فيه بخلاف ذاك. (ولو مات) إنسان (عن ابنين مسلم ونصراني فقال كل منهما: مات على ديني) فأَرِثُهُ ولا بينة (فإن عرف أنه كان نصرانيا صدق النصراني) بيمينه; لأن الأصل بقاء كفره (فإن أقاما بينتين مطلقتين) بما قالاه (قدم المسلم) ; لأن مع بينته زيادة علم بالانتقال والأخرى مستصحبة، وكذا كل ناقلة ومستصحبة، ومنه تقديم بينة الجرح على بينة التعديل (وإن قيدت) إحداهما (أن آخر كلامه إسلام) أي كلمته وهي الشهادتان (وعكسته الأخرى) فقيدت أن آخر كلامه النصرانية كثالث ثلاثة. ويظهر أنه لا يُكتفى هنا بمطلق الإسلام والتنصر إلا من فقيه يقظ موافق للحاكم بحيث لا يتطرق إليه تهمة ولا جزم بحكم فيه خلاف الترجيح

(1)

(تعارضتا) وتساقطتا؛ لتناقضهما إذ يستحيل موته عليهما فيحلف النصراني، وتتعارض كذلك فيما لو قيدت بينة النصراني وأطلقت بينة المسلم، نعم محل التعارض إذا قالت كلٌّ ((آخر كلمة تكلمة تكلم بها ومكثنا عنده إلى أن مات))، وأما إذا اقتُصر على ((آخر كلمة تكلم بها)) فلا تعارض؛ لاحتمال أن كلا اعتمد ما سمعه منه قبل ذهابه عنه ثم استصحب حاله بعدها. ولو قالت بينة الإسلام علمنا تنصره ثم إسلامه قدمت قطعا، (وإن لم يعرف دينه وأقام كل منهما بينة أنه مات على دينه تعارضتا) أطلقتا أم قيدتا لفظه

(2)

بمثل ما ذُكر عند الموت؛ لاستحالة أعمالهما. وإذا تعارضتا، أوْ لا بينة لأحدهما وحلف كل

(1)

. كما قيده بذلك الشارح قبيل فصل الشهادة على الشهادة.

(2)

. خلافا للمغني فاعتمد التعارض في تقييد بينة النصراني فقط.

ص: 566

وَلَوْ مَاتَ نَصْرَانِيٌّ عَنِ ابْنَيْنِ مُسْلِمٍ وَنَصْرَانِيٍّ فَقَالَ المُسْلِمُ أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَالمِيرَاثُ بَيْنَنَا، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: بَلْ قَبْلَهُ صُدِّقَ المُسْلِمُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَاهُمَا قُدِّمَ النَّصْرَانِيُّ. فَلَوِ اتَّفَقَا عَلَى إسْلَامِ الِابْنِ فِي رَمَضَانَ، وَقَالَ المُسْلِمُ مَاتَ الْأَبُ فِي شَعْبَانَ، وَقَالَ النَّصْرَانِيُّ فِي شَوَّالٍ صُدِّقَ النَّصْرَانِيُّ، وَتُقَدَّمُ بَيِّنَةُ المُسْلِمِ عَلَى بَيِّنَتِهِ

لآخر يمينا في الصورتين والمال بيدهما أو بيد أحدهما تقاسماه نصفين؛ إذ لا مرجح، أو بيد غيرهما فالقول قوله، ثم التعارض إنما هو بالنسبة لنحو الإرث بخلاف نحو الصلاة عليه وتجهيزه كمسلم ودفنه في مقابرنا، ويقول وجوبا المصلي عليه في النية والدعاء ((إن كان مسلما)). ولو قالت بينة مات في شوال وأخرى في شعبان قدمت; لأنها ناقلة ما لم تقل الأولى رأيته حيا، أو يبيع مثلا في شوال وإلا قدمت، أو برئ من مرضه الذي تبرع فيه وأخرى مات فيه قدمت الأولى; لأنها ناقلة. (ولو مات نصراني عن ابنين مسلم) حالة الاختلاف (ونصراني فقال المسلم أسلمتُ بعد موته) أي الأب (فالميراث بيننا فقال النصراني بل) أسلمتَ (قبله) فلا إرث لك (صدق المسلم بيمينه) ; لأن الأصل استمراره على دينه فيحلف ويرث، ومثله لو اتفقا على موت الأب في رمضان وقال المسلم أسلمت في شوال والنصراني في شعبان (وإن أقاماهما) أي البينتين بما قالاه (قدم النصراني) ; لأن بينته ناقلة عن الأصل الذي هو التنصر إلى الإسلام قبل موت الأب فهي أعلم، ومحله إذا لم تقل بينة المسلم علمنا تنصره حال موت أبيه وبعده ولم تستصحب، فإن قالت ذلك تعارضتا فيحلف المسلم (فلو اتفقا) أي الابنان (على إسلام الابن في رمضان وقال المسلم مات الأب في شعبان وقال النصراني) مات (في شوال صدق النصراني) بيمينه; لأن الأصل بقاء الحياة (وتقدم بينة المسلم على بينته) إن أقاما بينتين بذلك; لأنها ناقلة من الحياة إلى الموت في شعبان والأخرى مستصحبة الحياة إلى شوال، نعم إن قالت رأيناه حيا في شوال تعارضتا فيحلف النصراني

(1)

. أما إذا لم يتفقا على وقت الإسلام فيصدق المسلم كما مر؛ لأصل بقائه على دينه، وتقدم بينة النصراني; لأنها ناقلة ما لم تقل بينة المسلم عاينا الأب ميتا قبل إسلامه فيتعارضان ويحلف المسلم، ونظير ما تقرر في رأيناه حيا وعايناه ميتا شهادةُ بينةٍ بأن أبا مدَّعٍ مات يوم كذا فورثه وحده فأقامت امرأة بينة بأنه تزوجها يوم كذا -ليوم بعد ذلك اليوم- ثم مات بعده فتقدم بينتها; لأن معها زيادة علم، ومن ثم لو

(1)

. وفاقا للنهاية وشرح المنهج وقال المغني يصدق المسلم بيمينه.

ص: 567

وَلَوْ مَاتَ عَنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَ ابْنَيْنِ مُسْلِمَيْنِ فَقَالَ كُلٌّ مَاتَ عَلَى دِينِنَا صُدِّقَ الْأَبَوَانِ بِالْيَمِينِ، وَفِي قَوْلٍ يُوقَفُ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَوْ يَصْطَلِحُوا. وَلَوْ شَهِدَتْ أَنَّهُ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ سَالِمًا، وَأُخْرَى غَانِمًا وَكُلُّ وَاحِدٍ ثُلُثُ مَالِهِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ تَارِيخٌ قُدِّمَ الْأَسْبَقُ،

شهدا بموته وآخران بحياته بعد ذلك قدمت بينة الحياة؛ لزيادة علمها. ولو مات عن أولاد وأحدهم عن ولد صغير فوضعوا يدهم على المال فلما كمل ادعى بمال أبيه وبإرث أبيه من جده فقالوا مات أبوك في حياة أبيه، فإن كان ثم بينة عمل بها وإلا فإن اتفق هو وهم على وقت موت أحدهما واختلفا في أن الآخر مات قبله أو بعده حلف من قال بعده; لأن الأصل دوام الحياة وإلا صدق في مال أبيه وهم في مال أبيهم ولا يرث الجد من ابنه وعكسه فإذا حلفا أو نكلا جعل مال أبيه له ومال الجد لهم (ولو مات عن أبوين كافرين وابنين مسلمين) بالغين (فقال كلٌّ) من الفريقين (مات على ديننا صدق الأبوان باليمين) ; لأنه محكوم بكفره ابتداء تبعا لهما فيستصحب حتى يعلم خلافه

(1)

، (وفي قول يوقف حتى يتبين) الحال (أو يصطلحوا)؛ لتساوي الحالين بعد بلوغه وبه زالت التبعية. وفي عكس ذلك

(2)

إن عرف للأبوين كفر سابق وقالا أسلما قبل بلوغه أو أسلم هو أو بلغ بعد إسلامنا وأنكر الابنان ولم يتفقوا على وقت الإسلام في الثالثة صدق الابنان؛ لأصل بقاء الكفر، وإن لم يعرف للأبوين كفر أو اتفقوا على وقت الإسلام في الثالثة صدق الأبوان؛ عملا بالظاهر وأصل بقاء الصبا. ولو شهدت بأن هذا لحم مذكاة أو لحم حلال وعكست أخرى قدمت الأولى، ومثل ذلك

(3)

بينة شهدت بالإفضاء وأخرى بعدمه ولم يمض بينهما ما يمكن فيه الالتحام فتقدم الأولى; لأن معها زيادة بالنقل عن الأصل. (ولو شهدت) بينة (أنه أعتق في مرضه) الذي مات فيه (سالما وأخرى) أنه أعتق فيه (غانما وكل واحد ثلث ماله) ولم تجز الورثة (فإن اختلف تاريخ) للبينتين (قدم الأسبق)؛ لما مر أن تصرفه المنجز يقدم السابق منه فالسابق وهكذا ولأن معها

(1)

. ذكر الشارح في الصلاة على الميت أنه لو شهد عدل بموته على الإسلام وآخر بموته على الكفر تعارضتا وبقي أصل بقائه على الكفر 3/ 158، وأخذ منه السيد عمر بصري أن محله في الكفر الأصلي ويصرح بالأخذ كلام الشارح في كتاب الصيام قبيل قول المصنف وفي قول عدلان.

(2)

. أي بأن مات شخص عن أبوين مسلمين وابنين كافرين فقال كلٌّ مات على ديننا.

(3)

. خلافا للنهاية ووالده فاعتمدا التعارض.

ص: 568

وَإِنِ اتَّحَدَ أُقْرِعَ، وَإِنْ أَطْلَقَتَا قِيلَ يُقْرَعُ، وَقِيلَ فِي قَوْلٍ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفَهُ. قُلْتُ: المَذْهَبُ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ نِصْفُهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِعِتْقِ سَالِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ، وَوَارِثَانِ حَائِزَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَوَصَّى بِعِتْقِ غَانِمٍ وَهُوَ ثُلُثُهُ ثَبَتَتْ لِغَانِمٍ، فَإِنْ كَانَ الْوَارِثَانِ فَاسِقَيْنِ لَمْ يَثْبُتْ الرُّجُوعُ فَيَعْتِقُ سَالِمٌ، وَمِنْ غَانِمٍ ثُلُثُ مَالِهِ بَعْدَ سَالِمٍ

زيادة علم (وإن اتحد) التاريخ (أقرع) بينهما؛ لعدم مزية أحدهما، نعم إن اتحد بمقتضى تعليق وتنجيز -كإن أعتقتُ سالماً فغانم حرٌّ ثم أعتق سالماً فيعتق غانم معه بناء على تقارن الشرط والمشروط- تعين السابق -وهو سالم- من غير إقراع; لأنه الأقوى والمقدم في الرتبة. (وإن أطلقتا) أو إحداهما (قيل يقرع) بينهما; لاحتمال المعية والترتيب (وقيل في قول يعتق من كل نصفه قلت المذهب يعتق من كل نصفه والله أعلم) ; لاستوائهما، والقرعة ممتنعة؛ لئلا تخرج بالرق على السابق الحر فيلزم إرقاق حر وتحرير رقيق فوجب الجمع بينهما; لأنه العدل (ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلثه) أي ثلث ماله (ووارثان حائزان) أو غير حائزين، وإنما ذلك قيد لما بعده (أنه رجع عن ذلك ووصَّى بعتق غانم وهو ثلثه ثبتت) الوصية الثانية (لغانم) ; لأنهما أثبتا للمرجوع عنه بدلا يساويه فلا تهمة. أما إذا كان دون ثلثه فلا يقبلان فيما لم يثبتا له بدلا؛ للتهمة، وفي الباقي خلاف تبعيض الشهادة وقد مر

(1)

(فإن كان الوارثان) الحائزان (فاسقين لم يثبت الرجوع) ; لأن شهادة الفاسق لغو (فيعتق سالم) بشهادة الأجنبيين; لأن الثلث يحتمله ولم يثبت الرجوع عنه (و) يعتق (من غانم) قدر ما يحتمله (ثلث ماله بعد سالم) وهو ثلثاه بإقرار الوارثين الذي تضمنته شهادتهما له وكأن سالما قد هلك أو غصب من التركة؛ مؤاخذة للورثة بإقرارهم. أما غير الحائزين فيعتق من غانم قدر ثلث حصتهما.

ص: 569

فصل

شرط القائف: مسلم عدل، مجرب، والأصح اشتراط حر ذكر، لا عدد، ولا كونه مُدْلِجيَّا، فإن تداعيا مجهولا عُرِض عليه، فمن أَلحَقَهُ به لَحِقَه

(فصل) في القائف

الملحق للنسب عند الاشتباه بما خصه الله تعالى به، وهو لغة: متتبع الأثر والشَّبَه. والأصل فيه خبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم «دخل على عائشة رضي الله عنها ذات يوم مسرورًا فقال ألم تري أن مجززا المدلجي دخل علي فرأى أسامة بن زيد وزيدا عليهما قطيفة قد غطيا رؤوسها وبدت أقدامها فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض» .

(شرط القائف مسلم عدل) أي إسلام وعدالة وغيرهما من شروط الشاهد السابقة ككونه بصيرا ناطقا رشيدا غير عدو لمن ينفي عنه ولا بعض لمن يلحق به؛ لأنه حاكم أو قاسم -ولا يشترط كونه سميعا- (مجرب)؛ للخير الحسن «لا حكيم إلا ذو تجربة» ، والتجربة أن يعرض عليه ولد في نسوة غير أمه ثلاث مرات ثم في نسوة هي فيهن فإذا أصاب في الكل فهو مجرب

(1)

، وكونه مع الأم غير شرط بل للأولوية فيكفي الأب مع رجال، وكذا سائر العصبة والأقارب، والأولى أيضا أن يعرض مع كل صنف ولد لواحد منهم أو في بعض الأصناف ولا يخص به الرابعة فإذا أصاب في الكل علمت تجربته حينئذ، (والأصح اشتراط حر ذكر)؛ لما تقرر أنه حاكم أو قاسم (لا عدد) فيكفي على الأصح قول واحد؛ لذلك، (ولا كونه مدلجيا) أي من بني مدلج فيجوز كونه من سائر العرب بل العجم؛ لأن القيافة علم فمن علمه عمل به.

(فإذا تداعيا مجهولا) لقيطا أو غيره (عُرِض عليه

(2)

) مع المتداعين إن كان صغيرا، لما قدمه في الإقرار أن العبرة في الكبير بمن صدقه (فمن ألحقه به لحقه) كا مرَّ في اللقيط، وكالصغير في ذلك مجنون ومغمى عليه وسكران لم يتعد، فإن تعدَّ لم يعرض؛ لأنه كالصاحي بل يصح انتسابه حينتئذ. ولا يرجح بيد اللاقط، ويد غيره مقدَّم صاحبها إن تقدم استلحاقه على استلحاق منازعه وإلا استويا فيعرض عليه.

(1)

خلافا لما فاعتمدا أن العبرة بغلبة الظن وقد يحصل بدون ذلك.

(2)

بل ينبش إذا دفن ليعرض عليه كي يلحقه بأحد المتنازعين فيه.

ص: 570

وكذا لو اشتركا في وطء فولدت مُمَكِنًا منهما وتنازعاه بأن وطئا امرأة بشبهة أو مشتركة لهما أو وطئ زوجته فطلَّق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد، أو أمته فباعها فوطئها المشتري ولم يستبرئ واحدٌ منهما، وكذا لو وطئ منكوحة في الأصح، فإذا ولدت لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطأيهما وادَّعياه عُرِض عليه، فإن تخلَّل بين وطأيهما حيضةٌ فللثاني إلا أن يكون الأول زوجًا في نكاح صحيح،

(وكذا لو اشتركا في وطء) لامرأة أو استدخلت مائهما المحترم (فولدت ممكنا منها وتنازعاه بأن وطئا بشبهة) كأن ظنها كل زوجته أو أمته (أو) وطئا (مشتركة لها) في طهر واحد

(1)

وإلا فهو للثاني (أو وطئ زوجته فطلق فوطئها آخر بشبهة أو نكاح فاسد) كأن نكحها في العدة جاهلا بها (أو) وطئ (أمته فباعها فوطئها المشتري ولم يستبرئ واحد منهما) فيعرض عليه ولو مكلفا ويلحق بمن ألحقه منهما وإن أنكر؛ لأن الحق فيه لله تعالى أو أنكرا؛ لأن الولد صاحب حق في النسب فلا يسقط حقه بإنكار الغير بخلاف المجهول، فإن لم يكن قائف أو تحير اعتبر انتساب الولد بعد كاله، وعمل بإلحاق القائف؛ لما مر في الخبر ولاستحالة انعقاد شخص من ماء شخصين كما أجمع عليه الأطباء. ولو كان الاشتباه للاشتراك في الفراش لم يعتبر إلحاق القائف إلا بحكم حاكم، (وكذا لو وطئ) بشبهة (منكوحة) لغيره نكاحا صحيحا (في الأصح ولا يتعين الزوج للإلحاق؛ للاشتباه، ولا يثبت وطء الشبهة -كي يعرض على القائف - إلا ببينة بوطء الشبهة، ويكفي

(2)

اتفاق الزوجين والواطئ. وكالبينة تصديق الولد المكلف؛ لما تقرر أن له حقا (فإذا ولدت لما بين ستة أشهر واربع سنين من وطأيها وادعياه) أو لم يدعياه (عرض عليه) أي القائف؛ لإمكانه منها، فإن تخلل بين وطأيها حيضة ف) الولد للثاني) وإن ادعاه الأول؛ لظهور انقطاع تعلقه به؛ إذ الحيض أمارة ظاهرة على البراءة منه إلا أن يكون الأول زوجا في نكاح صحيح) والثاني واطئا بشبهة أو نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول؛ لأن إمكان الوطء مع فراش النكاح الصحيح قائم مقام نفس الوطء، والإمكان حاصل بعد الحيضة بخلاف ملك اليمين والنكاح الفاسد فإنها لا يثبتان الفراش إلا بعد

(1)

راجع للمعطوف عليه أيضا.

(2)

خلافا للنهاية.

ص: 571

وسواء فيهما اتفقا إسلامًا وحرية أم لا

حقيقة الوطء (وسواء فيهما) أي المتنازعين (اتفقا إسلاما وحرية أم لا) كا مر في اللقيط؛ لأن النسب لا يختلف مع صحة استلحاق العبد. هذا إن ألحقه بنفسه وإلا كأن تداعيا أخوة المجهول فيقدم الحر؛ لما مر أن شرط من يلحق بغيره أن يكون وارثا حائزا ويحكم بحريته، وإن ألحقه بالعبد؛ لاحتمال أنه ولد من حرة. ولو ألحق قائف بشه ظاهر وقائف بشبه خفي قدم؛ لأن معه زيادة حذق وبصيرة

(1)

. وفيما إذا ادعاه مسلم وذمي يقدم ذو البينة فيلحق به نسبا ودينا، فإن لم يكن تم بينة وقد ألحقه القائف بالذمي تبعه نسبا فقط فلا يحضنه.

(1)

وتقدم قبيل الجعالة كونه لا يقبل من القائف بعد إلحاقه بواحد إلحاقه بآخر، وأنه لو تعارض قائفان كان الحكم للسابق وتقدم البينة عليه وإن تأخرت كما يقدم هو على مجرد الانتساب 6/ 362.

ص: 572

‌كتاب العتق

إنَّمَا يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ التَّصَرُّفِ، وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ

(كتاب العتق)

وهو إزالة الرق عن الآدمي تقربا إلى الله تعالى

(1)

. وأصله قبل الإجماع قوله تعالى {فَكُّ رَقَبَةٍ} البلد: 13 والأخبار المرغبة فيه.

وأركانه ثلاثة عتيق وصيغة ومعتق، ولكونه الأصل بدأ به فقال (إنما يصح من) حر كامل الحرية مختار (مطلق التصرف) -ولو كافرا حربيا- كسائر التصرف المالي، فلا يصح من مكاتب ومبعض ومكره ومحجور عليه ولو بفلس، نعم تصح وصية السفيه به وعتقه قن الغير بإذنه وعتق مشتر قبل قبضه وإمام لقن بيت المال كما يأتي وولي لقن موليه عن كفارة مرتبة على ما مر وراهن موسر لمرهون ووارث موسر لقن التركة، وبهذا عُلِم أن شرط العتيق أن لا يتعلق به حق لازم غير عتق يمنع بيعه كرهن والراهن معسر بخلاف نحو إجارة واستيلاد. ولو قال بائع لمشتري

(2)

قن منه شراء فاسدا ((أعتقه)) فأعتقه عتق على البائع على الأوجه

(3)

، ومن ثم لو قال غاصبُ عبدٍ لمالكه أعتق عبدي هذا فأعتقه جاهلا نفذ على المالك، (ويصح تعليقه) بصفة محققة ومحتملة بعوض وغيره كجنون السيد؛ لما فيه من التوسعة لتحصيل القربة، نعم عقد التعليق ليس قربة

(4)

بخلاف التدبير، أما العتق نفسه فقربة مطلقا. ويجري في التعليق بفعل المبالي وغيره هنا ما مر في الطلاق. ولا يشترط لصحة التعليق إطلاق التصرف لصحته من نحو راهن معسر ومفلس ومرتد

(5)

. وأفهم صحة تعليقه أنه لا يتأثر

(1)

. في شرح قول المصنف ((وإلا تعارضا)).

(2)

. أفاد الشارح في الجنائز أن الأصح أن الرق يزول بالموت وإن بقيت آثاره من نحو تغسيله لأمته 3/ 115.

(3)

. وتقدم في البيع صحة بيع عبد بشرط اعتاقه بتفصيلات 4/ 300 - 304.

(4)

. وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(5)

. عبارة النهاية وهو غير قربة إن قصد به حث أو منع أو تحقيق خبر وإلا فقربة، وفي المغني وشيخ الإسلام ما يوافقه.

ص: 575

وَ إضَافَتُهُ إلَى جُزْءٍ فَيَعْتِقُ كُلُّهُ. وَصَرِيحُهُ تَحْرِيرٌ وَإِعْتَاقٌ،

بشرط فاسد كأن شرط الخيار له أو توقيته فيتأبد، نعم إن اقترن بما فيه عوض أفسده ورجع بقيمته نظير ما مر في النكاح. وليس لمعلقه رجوع بقول بل بنحو بيع. ولا يعود التعليق بعود الرقيق إلى ملك المعلق. ولا يبطل تعليقه بصفة بعد الموت بموت المعلِّق فليس للوارث تصرف فيه إلا إن كان المعلق عليه فعل العبد وامتنع منه بعد عرضه عليه.

[فرع] لو قال السيد إن حافظت على الصلاة فأنت حر عتق إن حافظ على الصلوات الخمس سنة كاستبراء الفاسق -وإن لم يُصَلِّ غيرها- فإن أخل بها لعذر فإن أباح ذلك العذر إخراجها عن الوقت كإنقاذ مشرف على هلاك لم يؤثر وإلا أثر. (و) تصح (إضافته إلى جزء) من الرقيق معين كيد، ويظهر ضبطه بما مر في الطلاق مما يقع بإضافته إليه، أو مشاع كبعض أو ربع (فيعتق كله) الذي له من موسر ومعسر سرايةً نظير ما مر في الطلاق، وذلك؛ لخبر أحمد وأبي داود بذلك. وقد لا يعتق كله بأن وكل وكيلا في إعتاق عبده فأعتق نصفه فيعتق فقط. أما إذا كان بعضه لغيره

(1)

فسيأتي. ويشترط في الصيغة لفظ يشعر به أو إشارة أخرس أو كتابة.

(وصريحه) ولو من هازل ولاعب (تحرير وإعتاق) أي ما اشتق منهما؛ لورودهما في القرآن والسنة متكررين. أما نفسهما كأنت تحرير فكناية كأنت طلاق، وأعتقك الله أو عكسه صريح كطلقك الله وأبرأك الله، وفارق نحو باعك الله وأقالك الله وزوجك الله فإنها كنايات؛ لضعفها بعدم استقلالها بالمقصود بخلاف تلك. ولو كان اسمها حرة قبل الرق ثم سميت بغيره فقال لها يا حرة عتقت إن لم يقصد النداءء باسمها القديم

(2)

. ولو زاحمته امرأة فقال تأخري يا حرة فبانت أمته لم تعتق. ولو قيل له أمتك زانية فقال بل حرة وأراد عفيفة قُبِل، وكذا إن أطلق؛ للقرينة القوية هنا. ولو قال لمكَّاس خوفا منه على قنه هذا حر لم يعتق عليه باطنا ولا ظاهرا، وعند الخوف لا فرق بين قصده الكذب في إخباره وأن يطلق اكتفاء بقرينة الخوف. وقوله لغيره أنت تعلم أنه حر إقرار بحريته بخلاف أنت تظن. ولو قال لقنه افرغ من العمل قبل العشاء وأنت حر وقال أردت حرا من العمل دُيِّن; لأن القرينة هنا ضعيفة، أو

(1)

. محترز قوله الذي له.

(2)

. تقدم تفصيل هذه المسألة في الطلاق 8/ 28 - 29.

ص: 576

وَكَذَا فَكُّ رَقَبَةٍ فِي الْأَصَحِّ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ، وَتَحْتَاجُ إلَيْهَا كِنَايَتُهُ، وَهِيَ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ، ولَا سُلْطَانَ، ولَا سَبِيلَ، ولَا خِدْمَةَ، أَنْتَِ سَائِبَةٌ، أَنْتَ مَوْلَايَ، وَكَذَا كُلُّ صَرِيحٍ أَوْ كِنَايَةٍ لِلطَّلَاقِ، وَقَوْلُهُ لِعَبْدٍ: أَنْتِ حُرَّةٌ، وَلِأَمَتِهِ أَنْتَ حُرٌّ صَرِيحٌ، وَلَوْ قَالَ عِتْقُكَ إلَيْكَ أَوْ خَيَّرْتُكَ وَنَوَى تَفْوِيضَ الْعِتْقِ إلَيْهِ فَأَعْتَقَ نَفْسَهُ فِي المَجْلِسِ عَتَقَ،

أنت حر مثل هذا العبد وأشار إلى عبد آخر عتق الأول، أو مثل هذا عتقا الأول بالإنشاء والثاني بالإقرار، ومن ثم لو كَذَبَ لم يعتق باطنا (وكذا فك رقبة) أي ما اشتق منه فإنه صريح (في الأصح)؛ لوروده في القرآن، وترجمة الصريح صريحة وإشارة الأخرس هنا كهي في الطلاق

(1)

، (ولا يحتاج) الصريح (إلى نية) كما هو معلوم، (وتحتاج إليها كناية) وإن احتفت بها قرينة; لاحتمالها، نعم يكفي مقارنة النية لجزء من الصيغة (وهي) أي الكناية كثيرة، وضابطها كل ما أنبأ عن فرقة أو زوال ملك، فمنها (لا ملك) أو لا يد أو لا أمر أو لا إمرة أو لا حكم أو لا قدرة (لي عليك ولا سلطان) لي عليك (ولا سبيل) لي عليك، (ولا خدمة) لي عليك، زال ملكي عنك (أنتَِ) بفتح التاء أوكسرها مطلقا

(2)

؛ إذ لا أثر للحن هنا (سائبة، أنت مولاي) أي سيدي أنت لله؛ لإشعارها بإزالة الملك مع احتمالها لغيره، ووجهه في مولاي أنه مشترك بين العتيق والمعتق وكذا يا سيدي. وقوله أنت ابني أو أبي أو بنتي أو أمي إعتاق إن أمكن من حيث السن وإن عرف كذبه ونسبه من غيره، ويا ابني كناية، (وكذا كل) لفظ (صريح أو كناية للطلاق) أو للظهار هو كناية هنا كما مر مع ما يستثنى منه كاعتدِّ واستبرِ رحمك للعبد فإنه لغو وإن نوى العتق؛ لاستحالته، ومن ثم لو قال لقنه أعتق نفسك فقال للسيد أعتقتك كان لغوا أيضا بخلاف نظيره في الطلاق، وعلم مما تقرر أن الظهار كناية هنا لا ثَمَّ، (وقوله لعبده أنت حرة ولأمته أنت حر صريح)؛ تغليبا للإشارة. (ولو قال) له

(3)

(عتقك إليك أو خيرتك) من التخيير (ونوى تفويض العتق إليه فأعتق نفسه في المجلس) أي: مجلس التخاطب، أي بحيث لا يفصل كلام أجنبي ويطول أو سكوت كذلك (عتق) كما في الطلاق فيأتي هنا ما مر في التفويض ثَمَّ. و ((جعلت خيرتك إليك)) صريح في التفويض لا يحتاج لنية،

(1)

. فإن فهمها كل أحد فصريحة، أو الفطن دون غيره فكناية، وإلا فلغو.

(2)

. أي ذكرا كان المخاطب أو أنثى.

(3)

. ولا يشترط أن يقول قبله: ((جعلت))، خلافا للمغني ووفاقا للنهاية.

ص: 577

أَوْ أَعْتَقْتُك عَلَى أَلْفٍ، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ أَوْ قَالَ لَهُ الْعَبْدُ أَعْتِقْنِي عَلَى أَلْفٍ فَأَجَابَهُ عَتَقَ فِي الحَالِ، وَلَزِمَهُ الْأَلْفُ، وَلَوْ قَالَ بِعْتُكَ نَفْسَكَ بِأَلْفٍ فَقَالَ اشْتَرَيْت فَالمَذْهَبُ صِحَّةُ الْبَيْعِ وَيَعْتِقُ فِي الحَالِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ. وَالْوَلَاءُ لِسَيِّدِهِ

وكذا عتقك إليك، فقوله ونوى قيد في خيرتك فقط. ولو قال وهبتك نفسك ناويا العتق عتق من غير قبول، أو التمليك عتق إن قَبِل فورا كما في ملكتك نفسك. ولو أوصى له برقبته اشترط القبول بعد الموت (أو) قال (أعتقتك على ألف أو أنت حر على ألف فقبل) فورا (أو قال له العبد أعتقني على ألف فأجابه عتق في الحال

(1)

ولزمه الألف

(2)

في الصور الثلاث كالخلع بل أولى؛ لتشوف الشارع للعتق فهو من جانب المالك معاوضة فيها شوب تعليق ومن جانب المستدعي معاوضة فيها شوب جعالة وإن كان تمليكا؛ إذ يغتفر في الضمني ما لا يغتفر في المقصود، ويأتي في التعليق بالإعطاء ونحوه هنا ما مر في خلع الأمة

(3)

. وحيث فسد بما يفسد به الخلع كأن قال على خمر مثلا أو على أن تخدمني أو زاد أبدا أو إلى صحتي مثلا عتق وعليه قيمته حينئذ، أو تخدمني عشرين سنة مثلا عتق ولزمه ذلك، فلو خدمه نصف المدة ثم مات فلسيده في تركته نصف قيمته، ولا يشترط النص على كون المدة تلي العتق؛ لانصرافها إلى ذلك، ولا تفصيل الخدمة؛ عملا بالعرف. (ولو قال بعتك نفسك بألف) في ذمتك حالا أو مؤجلا تؤديه بعد العتق (فقال اشتريت فالمذهب صحة البيع) كالكتابة بل أولى; لأن هذا ألزم وأسرع (ويعتق في الحال)؛ عملا بمقتضى العقد، وهو عقد عتاقة لا بيع فلا خيار فيه

(4)

. وخرج بقوله بألف قوله بهذا فلا يصح

(5)

; لأنه لا يملكه. (والولاء للسيد)؛ لما تقرر أنه عقد عتاقة لا بيع، وعليه لو باعه بعض نفسه سرى عليه، ولا حط هنا; لضعف شَبَهِهِ بالكتابة.

(1)

. للمغني اعتراض على قول المتن: ((في الحال)) رده الشارح.

(2)

. وتقدم في الكفارة في المنهاج والشرح حكم افتداء الأجنبي 8/ 194 - 196.

(3)

. قال الشارح في الخلع ((وإذا علق بإعطاء مال أو إتيانه أو مجيئه كإن أعطيتني كذا فوضعته أو أكثر منه بين يديه بحيث يعلم به ويتمكن من أخذه طلقت وإن لم يأخذه)).

(4)

. ومع ذلك يشترط رشد العبد؛ لأن هذا العقد يعطي حكم البيع في أكثر أحكامه، كما استوجهه الشارح في باب معاملة الرقيق 4/ 487.

(5)

. خلافا للمغني.

ص: 578

وَلَوْ قَالَ لِحَامِلٍ أَعْتَقْتُكِ أَوْ أَعْتَقْتُكِ دُونَ حَمْلِكَ عَتَقَا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ دُونَهَا، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ وَالحَمْلُ لِآخَرَ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدُهُمَا بِعِتْقِ الْآخَرِ. وَإِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا عَبْدٌ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا كُلَّهُ أَوْ نَصِيبَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ، فَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَقِيَ الْبَاقِي لِشَرِيكِهِ، وَإِلَّا سَرَى إلَيْهِ، أَوْ إلَى مَا أَيْسَرَ بِهِ

[تنبيه] لا يصح

(1)

بيع وكيل بيت المال عبده لنفسه ولو بأضعاف قيمته، وليس له أيضا العتق بغير عوض وإن أذن الإمام. ولو قيل لسيد قن لمن هذا المال فقال لهذا الغلام وأشار له لم يعتق. (ولو قال لحامل) مملوكة له هي وحملها (أعتقتك) وأطلق (أو أعتقتك دون حملك عتقا) ; لأنه جزء منها، وعتقه بطريق التبعية، لا السراية; لأنها في الأشقاص دون الأشخاص، وإنما لم يضر استثناؤه؛ لقوة العتق بخلاف البيع، (ولو أعتقه عتق) إن نفخت فيه الروح وإلا لغا (دونها) وفارق عكسه بأنه لكونه فرعها تتصور تبعيته لها ولا عكس. وقوله مضغة هذه الأمة حرة إقرار بانعقاد الولد حرا فإن زاد علقت بها مني في ملكي كان إقرارا بكون الأمة أم ولد، (ولو كانت لرجل والحمل لآخر) بنحو وصية (لم يعتق أحدهما بعتق الآخر) ; لأنه لا استتباع مع اختلاف المالكين (وإذا كان بينهما عبد) أو أمة (فأعتق أحدهما كله أو نصيبه) كنصيبي منك حر، وكذا نصفك حر وهو يملك نصفه، والخلاف في هذه هل العتق انحصر في نصيبه أو شاع فعتق ربعه ثم سرى لربعه لا فائدة له في غير نحو التعليق (عتق نصيبه) مطلقا، وفي عتق نصيب شريكه تفصيل (فإن كان معسرا) عند الإعتاق (بقي الباقي لشريكه) ولا سراية؛ لمفهوم الخبر الآتي (وإلا) يكن معسرا بأن ملك فاضلا عن جميع ما يترك للمفلس ما يفي بقيمته (سرى إليه) أي نصيب شريكه؛ لخبر الصحيحين ((من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قُوِّم العبد عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق))، ويستثنى من ذلك ما لو كان نصيب الشريك مستولدا بأن استولدها وهو معسر فلا سراية

(2)

(أو إلى ما أيسر به) من قيمته؛ ليقرب حاله من الحرية. ولو كان لثلاثة فأعتق اثنان منهم نصيبهما معا وأحدهما موسر فقط قوِّم جميع ما لم يعتق عليه وحده

(1)

. خلافا للنهاية.

(2)

. عبارة المغني.

ص: 579

وَعَلَيْهِ قِيمَةُ ذَلِكَ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ، وَتَقَعُ السِّرَايَةُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ، وَفِي قَوْلٍ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ، وَفِي قَوْلٍ إنْ دَفَعَهَا بَانَ أَنَّهَا بِالْإِعْتَاقِ، وَاسْتِيلَادُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ المُوسِرِ يَسْرِي، وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَحِصَّتُهُ مِنْ مَهْرِ مِثْلٍ، وَتَجْرِي الْأَقْوَالُ فِي وَقْتِ حُصُولِ السِّرَايَةِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ لَا تَجِبُ قِيمَةُ حِصَّتِهِ مِنَ الْوَلَدِ، وَلَا يَسْرِي تَدْبِيرٌ، ....

(وعليه قيمة) البعض (ذلك يوم الإعتاق

(1)

أي وقته; لأنه وقت الإتلاف، (وتقع السراية بنفس الإعتاق)؛ للخبر الظاهر فيه ولأن ما يترتب على السراية في حكم الإتلاف والقيمة تجب بسبب الإتلاف فيعطى حكم الأحرار عقب العتق وإن لم يؤد القيمة (وفي قول) لا يقع الإعتاق إلا (بأداء القيمة) أو الاعتياض عنها؛ لخبر الصحيحين ((إن كان موسرا يقوم عليه قيمة عدل ثم يعتق)) (وفي قول) يوقف الأمر؛ رعاية للجانبين فعليه (إن دفعها) أي القيمة (بان أنها) أي السراية حصلت (بالإعتاق) وإلا بان أنه لم يعتق. (واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري) إلى حصة شريكه كالعتق بل أولى; لأنه فعل وهو أقوى، ولذا نفذ من محجور عليه دون عتقه ومن مريض من رأس المال وإعتاقه من الثلث. إما من المعسر فلا يسري كالعتق إلا من والد الشريك; لأنه ينفذ منه إيلادها كلها، (وعليه) أي الموسر (قيمة) ما أيسر به من (نصيب شريكه) ; لأنه أتلفه بإزالة ملكه عنه (وحصته من مهر المثل) ; لاستمتاعه بملك غيره إن تأخر الإنزال

(2)

عن تغييب الحشفة كما هو الغالب، وإلا

(3)

لم تلزمه حصة مهر; لأن الموجب له تغييب الحشفة في ملك غيره وهو منتف؛ لما يأتي أن السراية تقع بنفس العلوق. ويجب مع ذلك في بكر حصته من أرش البكارة (وتجري الأقوال) السابقة (في وقت حصول السراية)؛ إذ العلوق هنا كالإعتاق ثَمَّ (فعلى الأول) وهو الحصول بنفس العلوق (والثالث) وهو التبين (لا تجب قيمة حصته من الولد) ; لأنه على الأول انعقد حرا؛ لوقوع العلوق في ملكه، وعلى الثالث نُزِّل استحقاق السراية منزلة حصول الملك، وعلى الثاني تجب، (ولا يسري تدبير) لبعضه من مالك كل أو بعض إلى الباقي; لأنه ليس إتلافا لجواز بيع المدبر،

(1)

. قضية كلام الشارح في فصل تعليق الطلاق بالحمل أنه لو اختلف المعتق وشريكه في صنعة عبد وجدت فيه حال الإعتاق وقبل مضي زمن يمكن تعلمها فيه أنه يصدق المثبت.

(2)

. راجع للمعطوف فقط.

(3)

. أي بأن تقدم أو قارن خلافا للمغني في القران.

ص: 580

وَلَا يَمْنَعُ السِّرَايَةَ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ المُوسِرِ: أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَعَلَيْكَ قِيمَةُ نَصِيبِي فَأَنْكَرَ صُدِّقَ المُنْكِرُ بِيَمِينِهِ فَلَا يَعْتِقُ نَصِيبُهُ وَيَعْتِقُ نَصِيبُ المُدَّعِي بِإِقْرَارِهِ إنْ قُلْنَا يَسْرِي بِالْإِعْتَاقِ، وَلَا يَسْرِي إلَى نَصِيبِ المُنْكِرِ، وَلَوْ قَالَ لِشَرِيكِهِ: إنْ أَعْتَقْتَ نَصِيبَكَ فَنَصِيبِي حُرٌّ بَعْدَ نَصِيبِك فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ وَهُوَ مُوسِرٌ سَرَى إلَى نَصِيبِ الْأَوَّلِ إنْ قُلْنَا: السِّرَايَةُ بِالْإِعْتَاقِ، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ، فَلَوْ قَالَ فَنَصِيبِي حُرٌّ قَبْلَهُ، فَأَعْتَقَ الشَّرِيكُ، فَإِنْ كَانَ المُعَلِّقُ مُعْسِرًا عَتَقَ نَصِيبُ كُلٍّ عَنْهُ،

فبموت السيد يعتق ما دبَّره فقط; لأن الميت معسر، وحصوله في الحمل ليس سراية بل تبعا كعضو منها. (ولا يمنع السراية دين) حال (مستغرق) بدون حجر (في الأظهر) ; لأنه مالك لِمَا في يده نافذ التصرف فيه، ولذا نفذ إعتاقه، قال البلقيني: ولا حاجة لمستغرق في جريان الخلاف فإذا أوجبت السراية مائة وهي عنده وعليه خمسون لم يسر على الضعيف إلا في خمسين، ولو كان بالدين الحال رهن لازم ليس له غيره ولا يفضل منه شيء لم يسر قطعا. ولو علق وهو مستقل ثم وجدت الصفة وهو محجور عليه لم يسر؛ بناء على الأصح أن العبرة في نفوذ العتق بحالة وجود الصفة. (ولو قال لشريكه الموسر أعتقتَ نصيبَك فعليك قيمة نصيبي فأنكر) ولا بينة (صدق المنكر بيمينه)؛ إذ الأصل عدم العتق (فلا يعتق نصيبه) إن حلف وإلا حلف المدعي واستحق قيمة نصيبه، ولا يعتق نصيب المنكر; لأن الدعوى إنما سمعت عليه لأجل القيمة فقط وإلا فهي لا تسمع على آخر أنك أعتقت حتى يحلف، نعم إن كان مع الشريك شاهد آخر قبلا حسبة، أي إن كان قبل دعواه القيمة؛ لتهمته حينئذ. (ويعتق نصيب المدعي بإقراره إن قلنا يسري بالإعتاق)؛ مؤاخذة له بإقراره. (ولا يسري إلى نصيب المنكر) وإن أيسر المدعي; لأنه لم ينشئ عتقا فهو كقول شريك لآخر اشتريت نصيبي وأعتقته فأنكر فإنه يعتق نصيب المدعي ولا يسري. (ولو قال لشريكه) المعسر أو الموسر (إن أعتقت نصيبك فنصيبي حر) فقط أو زاد (بعد نصيبك فأعتق الشريك) المقول له نصيْبَه (وهو موسر سرى إلى نصيب الأول إن قلنا السراية بالإعتاق) وهو الأصح (وعليه قيمته) أي نصيب المعلق، ولا يعتق بالتعليق. أما لو كان المعتق معسرا فيعتق على كلٍّ نصفه تنجيزا في الأول وبمقتضى التعليق في الثاني (فلو قال) لشريكه إن أعتقت نصيبك (فنصيبي حر قبله) أو معه أو حال عتقه (فأعتق الشريك) المخاطب نصفه (فإن كان المعلِّق معسرا عتق نصيب كلٍّ عنه) المنجز

ص: 581

وَالْوَلَاءُ لَهُمَا، وَكَذَا إنْ كَانَ الْمُعَلِّقُ مُوسِرًا وَأَبْطَلْنَا الدَّوْرَ، وَإِلَّا فَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ. وَلَوْ كَانَ عَبْدٌ لِرَجُلٍ نِصْفُهُ، وَلِآخَرَ ثُلُثُهُ، وَلِآخَرَ سُدُسُهُ فَأَعْتَقَ الْآخِرَانِ نَصِيبَيْهِمَا مَعًا فَالْقِيمَةُ عَلَيْهِمَا نِصْفَانِ عَلَى المَذْهَبِ. وَشَرْطُ السِّرَايَةِ إعْتَاقُهُ بِاخْتِيَارِهِ، فَلَوْ وَرِثَ بَعْضَ وَلَدِهِ لَمْ يَسْرِ

حالا والمعلق قبله ولا سراية، وخص المعلق بالإعسار; لأنه لا فرق في الآخر بين المعسر والموسر (والولاء لهما)؛ لاشتراكهما في العتق (وكذا) يعتق نصيب كل عنه ولا سراية (إن كان المعلق موسرا وأبطلنا الدور) اللفظي الآتي بيانه -بالنسبة للقبلية؛ إذ لا يتأتى إلا فيها وهو الأصح-; لأن اعتبار المعية والحالية يمنع السراية والقبلية ملغاة؛ لاستحالة الدور المستلزم هنا سد باب عتق الشريك فيصير التعليق معها كهو مع المعية والحالية (وإلا) نبطل الدور في صورة القبلية (فلا يعتق شيء) على واحد منهما؛ إذ لو نفذ إعتاق المخاطب عتق نصيب المعلق قبله فيسري فيبطل عتقه فلزم من عتقه عدمه؛ لتوقف الشيء على ما يتوقف عليه. هذا كله إن لم ينجز المعلق عتق نصيبه وإلا عتق عليه قطعا وسرى بشرطه. (ولو كان) أي وجد (عبد لرجل نصفه ولآخر ثلثه ولآخر سدسه فأعتق) اثنان منهما كـ (الآخِران) مثلاً (نصيبهما معا) بأن لم يفرغ أحدهما منه قبل فراغ الآخر أو علقاه بصفة واحدة أو وكَّلا وكيلا فأعتقه بلفظ واحد (فالقيمة) للنصف الذي سرى إليه العتق (عليهما نصفان على المذهب) ; لأن ضمان المتلف يستوي فيه القليل والكثير. هذا إن أيسرا بالكل، فإن أيسر أحدهما قُوِّم عليه نصيب الثالث قطعا، وإن أيسرا بدون الواجب سرى لذلك القدر بحسب يسارهما، فإن تفاوتا في اليسار سرى على كلٍّ بقدر ما يجد.

(وشرط السراية) أمور أحدها اليسار كما علم مما مر ثانيها (إعتاقه) أي مباشرته أو تملكه بدليل التفريع الآتي (باختياره) ولو بتسببه فيه كأن اتهب بعضٌ قريبَه أو قَبِل الوصية له به. وخرج بذلك ما لو عتق عليه بغير اختياره. ثم عتقه عليه بغير اختياره له صور كثيرة منها الإرث (فلو ورث بعض ولده) مثلا (لم يسر) ما عتق منه إلى باقيه; لما تقرر أن سبيل السراية سبيل غرامة المتلف ولم يوجد منه صنع ولا قصد إتلاف، ومنها الرد بالعيب فلو باع شقصا ممن يعتق على وارثه كأن باع بعض ابن أخيه بثوب ومات ووارثه أخوه ثم اطلع مشتري الشقص على عيب فيه ورده فلا يسري كالإرث، فإن وجد الوارث بالثوب عيبا ورده واسترد الشقص عتق عليه وسرى؛ لاختياره فيه. وقد تقع السراية من غير اختيار كأن وُهب لقن

ص: 582

وَالمَرِيضُ مُعْسِرٌ إلَّا فِي ثُلُثِ مَالِهِ، وَالمَيْتُ مُعْسِرٌ، فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ نَصِيبِهِ لَمْ يَسْرِ.

فصل

إذَا مَلَكَ أَهْلُ تَبَرُّعٍ أَصْلَهُ أَوْ فَرْعَهُ عَتَقَ

بعض قريب سيده فقبله فيعتق ويسري

(1)

على ما يأتي وعلى سيده قيمة باقية. ثالثها قبول محلها للنقل فلا يسري للنصيب الذي ثبت له الاستيلاد أو الموقوف أو المنذور عتقه أو اللازم عتقه بموت الموصي أو المرهون بل لو رهن نصف قن لا يملك غيره فأعتق نصفه غير المرهون لم يسر للمرهون. رابعها أن يوجد العتق لنصيبه أو للكل، فلو قال أعتقت نصيب شريكي لغا. خامسها أن يكون النصيب العتيق يمكن السريان إليه فلو استولد شريكٌ معسرٌ حصته ثم باشر عتقها موسرا لم يسر منها للبقية

(2)

. (والمريض) في عتق التبرع (معسر إلا في ثلث ماله) لكن التحقيق أنه كالصحيح فإن شفى سرى، وإن مات نُظِر لثلثه عند الموت فإن خرج بدل السراية -لنصيب الشريك أو بعضه- من الثلث نفذ، وإلا بان رد الزائد عن الثلث من نصيب الشريك أو بعضه فلا يسري إليه العتق. أما غير التبرع كأن أعتق بعض قنه عن كفارة مرتبة بنية الكفارة بالكل فإنه يسري ولا يقتصر على الثلث (والميت معسر) مطلقا فلا سراية عليه; لانتقال تركته لورثته بموته (فلو أوصى بعتق نصيبه) من قن فأعتق بعد موته (لم يسر) وإن خرج كله من الثلث؛ للانتقال المذكور، ومن ثم لو أوصى بعتق بعض عبده لم يسر أيضا، نعم إن أوصى بالتكميل سرى; لأنه حينئذ استبقى لنفسه قدر قيمته من الثلث. وقد يسري كما لو أوصى بصرف ثلثه في العتق فاشترى الموصى منه شقصا وأعتقه سرى بقدر ما بقي من الثلث; لأن الوصية تناولت السراية

(3)

.

(فصل) في العتق بالبعضية

إذا (ملك) ولو قهرا (أهلُ تبرعٍ أصله) من النسب وإن علا الذكور والإناث (أو فرعه) وإن سفل كذلك (عتق) عليه إجماعا. أما بقية الأقارب فلا يعتقون بذلك. وخرج

(1)

. خلافا لهما.

(2)

. خلافا للمغني والأسنى.

(3)

. مر في اللقطة حكم أكساب المبعض والمهايأ 6/ 323.

ص: 583

وَلَا يُشْتَرَى لِطِفْلٍ قَرِيبُهُ، وَلَوْ وُهِبَ لَهُ أَوْ وُصِّيَ لَهُ بِهِ فَإِنْ كَانَ كَاسِبًا فَعَلَى الْوَلِيِّ قَبُولُهُ، وَيَعْتِقُ وَيُنْفِقُ مِنْ كَسْبِهِ، وَإِلَّا فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ مُعْسِرًا وَجَبَ الْقَبُولُ، وَنَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ المَالِ، أَوْ مُوسِرًا حَرُمَ. وَلَوْ مَلَكَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَرِيبَهُ بِلَا عِوَضٍ عَتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ، وَقِيلَ مِنْ رَأْسِ المَالِ أَوْ مَلَكَهُ بِعِوَضٍ بِلَا مُحَابَاةٍ فَمِنْ ثُلُثِهِ، وَلَا يَرِثُ

بـ ((أهل تبرع)) -والمراد به الحر كله- مكاتب مَلَكَه بنحو هبة وهو يكسب مؤنته فله قبوله فيملكه ولا يعتق عليه؛ لئلا يكون الولاء له وهو محال، ومبعض ملكه ببعضه الحر؛ لتضمن العتق عنه الإرث والولاء وليس من أهلهما، وما لو ملك ابن أخيه فمات وعليه دين مستغرق وورثه أخوه فقط وقلنا بالأصح أن الدين لا يمنع الإرث فقد ملك ابنه ولم يعتق عليه; لأنه ليس أهلا للتبرع فيه; لتعلق حق الغير به. (ولا) يصح أن (يشتري) من جهة الولي (لطفل) ومجنون وسفيه (قريبه) الذي يعتق عليه; لأنه لا غبطة له فيه (ولو وُهب) القريب (له أو أُوصى له به فإن كان) الموهوب أو الموصى به (كاسبا) أي له كسب يكفيه (فعلى الولي) وجوبا (قبوله ويعتق) على المولى; إذ لا ضرر عليه (وينفق) عليه (من كسبه)؛ لاستغنائه عن قريبه (وإلا) يكن كسابا (فإن كان الصبي) ونحوه (معسرا وجب) على الولي (القبول) ; لأن المولى لإعساره لا نفقة عليه (ونفقته في بيت المال) إن كان مسلما وليس له منفق غير المولى، أما الذمي فينفق عليه منه تبرعا

(1)

(أو موسرا حرم) قبوله ولا يصح; لتضرره بإنفاقه عليه. هذا كله إذا وهب مثلا له كله فلو وهب له بعضه وهو كسوب والمولى موسر لم يقبله وليه; لئلا يعتق نصيبه ويسري فتلزمه قيمة شريكه.

[تنبيه] فرضه الكلام في الكاسب إنما هو على جهة المثال مع أنه لا يتأتى إلا في الفرع; لأن الأصل تجب نفقته وإن كان كسوبا، والمراد أنه متى لم تلزم المولى نفقته لإعساره أو لكسب الفرع أو لكون الأصل له منفق آخر لزم الولي القبول وإلا فلا. (ولو ملك في مرض موته قريبه) الذي يعتق عليه (بلا عوض) كإرث (عتق) عليه (من ثلثه) فلو لم يكن له غيره لم يعتق إلا ثلثه، (وقيل من رأس المال) وهو المعتمد، فيعتق جميعه وإن لم يملك غيره; لأنه لم يبذل مالا والملك زال بغير رضاه، (أو ملكه بعوض بلا محاباة) بأن كان بثمن مثله (فمن ثلثه) يعتق ما وفى به; لأنه فوَّت ثمنه على الورثة من غير مقابل (ولا يرث) هنا; إذ لو ورث لكان

(1)

. خلافا لهما فاعتمدا أنه قرض.

ص: 584

فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقِيلَ لَا يَصِحُّ الشِّرَاءُ، وَالْأَصَحُّ صِحَّتُهُ، وَلَا يَعْتِقُ بَلْ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ، أَوْ بِمُحَابَاةٍ فَقَدْرُهَا كَهِبَةٍ، وَالْبَاقِي مِنَ الثُّلُثِ. وَلَوْ وُهِبَ لِعَبْدٍ بَعْضُ قَرِيبِ سَيِّدِهِ فَقَبِلَ وَقُلْنَا يَسْتَقِلُّ بِهِ عَتَقَ وَسَرَى، وَعَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ بَاقِيهِ

عتقه تبرعا على وارث فيبطل; لتعذر إجازته لتوقفها على إرثه المتوقف على عتقه المتوقف عليها فتوقف كلٌّ من إجازته وإرثه على الآخر فامتنع إرثه بخلاف من يعتق من رأس المال؛ لعدم التوقف، (فإن كان عليه) أي المريض (دين) مستغرق له عند موته (فقيل لا يصح الشراء) ; لئلا يملكه من غير عتق (والأصح صحته) ; إذ لا خلل فيه (ولا يعتق بل يباع للدين)؛ إذ موجب الشراء الملك والدين لا يمنع منه وعتقه معتبر من الثلث والدين يمنع منه، وكذا يصح شراء مأذون عليه ديون بعضَ سيده بإذنه ولا يعتق إن أعسر سيده بخلاف ما لو أيسر; لأنه كالمرهون بالدين. أما إذا كان الدين غير مستغرق فيعتق منه ما يخرج من الثلث بعد وفائه، أو مستغرقا وسقط بنحو إبراء فيعتق منه ما يفي بثلث المال حيث لا إجازة فيهما، (أو) ملكه (بمحاباة) من بائعه له كأن اشتراه بخمسين وهو يساوي مائة (فقدرها) وهو خمسون في هذا المثال (كهبة) فيحسب نصفه من رأس المال (والباقي من الثلث. ولو وهب لعبد) أي قن غير مكاتب ولو مبعضا (بعض) أي جزء (قريب) أي أصل وفرع (سيده فقبل وقلنا يستقل به) أي القبول من غير إذن السيد إذا لم تلزمه نفقته وهو الأصح (عتق وسرى

(1)

وعلى سيده قيمة باقيه) ; إذ الهبة له هبة لسيده وقبوله كقبول سيده شرعا. أما إذا كان السيد بحيث تلزمه نفقة البعض فلا يصح قبول العبد له جزما، وأما المكاتب فيقبل ولا يعتق على السيد; لأن الملك له، نعم إن عجز عتق البعض ولم يسرِ; لعدم اختيار السيد مع استقلال المكاتب وإن كان هو المعجز له; لأنه إنما قصد التعجيز والملك حصل ضمنا. وأما المبعض وثَمَّ مهايأة ففي نوبته لا عتق وفي نوبة السيد كالقن، فإن لم تكن مهايأة فما يتعلق به قن وبسيده فيه ما مر.

(1)

. وفاقا للمنهج وخلافا لهما.

ص: 585

فصل

َعَتَقَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَبْدًا لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُ، عَتَقَ ثُلُثُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لَمْ يَعْتِقْ شَيْءٌ مِنْهُ. وَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ، وَقِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ عَتَقَ أَحَدُهُمْ بِقُرْعَةٍ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُ ثُلُثَكُمْ، أَوْ ثُلُثُكُمْ حُرٌّ، فَلَوْ قَالَ أَعْتَقْتُ ثُلُثَ كُلِّ عَبْدٍ أُقْرِعَ وَقِيلَ يَعْتِقُ مِنْ كُلٍّ ثُلُثُهُ

(فصل) في الإعتاق في مرض الموت وبيان القرعة في العتق

إذا (أعتق) تبرعا (في مرض موته عبدا لا يملك غيره) عند موته (عتق ثلثه) ; لأن المريض إنما ينفذ تبرعه من ثلثه، نعم إن مات في حياة السيد مات كله حرا

(1)

على الأصح، ومن ثم لو وهبه فأقبضه فمات والسيد حي مات على ملك الموهوب له، ومن فوائد موته حرا في الأولى

(2)

انجرار ولاء ولده من موالي أمه إلى معتقه، (فإن كان عليه دين مستغرق) وأعتقه تبرعا أيضا (لم يعتق منه شيء) ما دام الدين باقيا; لأن العتق حينئذ كالوصية والدين مقدم عليها، ومن ثم لو أبرأ الغرماء منه أو تبرع به أجنبي عتق ثلثه. أما إذا كان نذر إعتاقه في صحته ونجزه في مرضه فيعتق كله كما لو أعتقه عن كفارة مرتبة. وخرج بالمستغرق غيره فالباقي بعده كأنه كل المال فينفذ العتق في ثلثه (ولو أعتق) في مرض موته (ثلاثة) معا كقوله أعتقتكم (لا يملك غيرهم قيمتهم سواء) ولم تجز الورثة (عتق أحدهم) يعني تميز عتقه (بقرعة) ; لأنها شرعت لقطع المنازعة فتعينت طريقا. ويدخل الميت منهم في القرعة، فإن قرع رق الآخران وبان أنه مات حرا فيتبعه كسبه ويورث. وتتعين القرعة فلا يجوز اتفاقهم على أنه إن طار غراب فهذا حر أو من وضع صبي يده عليه حر، (وكذا لو قال أعتقت ثلثكم أو ثلثكم حر) فيقرع لتجتمع الحرية في واحد; لأن إعتاق بعض القن كإعتاقه كله فصار كقوله أعتقتكم (فلو قال أعتقت ثلث كل عبد) منكم (أقرع)؛ لما مر (وقيل يعتق من كلٍّ ثلثه) ولا إقراع؛ لتصريحه بالتبعيض وهو القياس لولا تشوف الشارع إلى تكميل العتق المتوقف على القرعة. ولو قال ثلث كلٍّ حر بعد موتي عتق ثلثه ولا قرعة; لأن العتق بعد الموت لا يسري

(1)

. خلافا للنهاية فاعتمد موت كله رقيقا، والمغني حيث استظهر موت ثلثه حرا وباقيه رقيقا.

(2)

. المذكورة بقوله ((نعم إن مات .. )) الخ.

ص: 586

وَالْقُرْعَةُ أَنْ تُؤْخَذَ ثَلَاثُ رِقَاعٍ مُتَسَاوِيَةٍ يُكْتَبُ فِي ثِنْتَيْنِ رِقٌّ وَفِي وَاحِدَةٍ عِتْقٌ، وَتُدْرَجُ فِي بَنَادِقَ كَمَا سَبَقَ، وَتَخْرُجُ وَاحِدَةٌ بِاسْمِ أَحَدِهِمْ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرَانِ، أَوِ الرِّقُّ رَقَّ وَأُخْرِجَتْ أُخْرَى بِاسْمِ آخَرَ، وَيَجُوزُ أَنْ تُكْتُبَ أَسْمَاؤُهُمْ ثُمَّ تُخْرَجَ رُقْعَةٌ عَلَى الحُرِّيَّةِ، فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ عَتَقَ وَرَقَّا، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثَةً قِيمَةُ وَاحِدٍ مِائَةٌ، وَآخَرَ ماِئَتَانِ، وَآخَرَ ثَلَاثَمِائَةٍ أُقْرِعَ بِسَهْمَيْ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِذِي المِائَتَيْنِ عَتَقَ وَرَقَّا، أَوْ الثَّلَاثَمِائَةٍ عَتَقَ ثُلُثَاهُ، أَوْ لِلْأَوَّلِ عَتَقَ ثُمَّ يُقْرَعُ للْآخَرَيْنِ بِسَهْمِ رِقٍّ وَسَهْمِ عِتْقٍ، فَمَنْ خَرَجَ تُمِّمَ مِنْهُ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانُوا فَوْقَ ثَلَاثَةٍ وَأَمْكَنَ تَوْزِيعُهُمْ بِالْعَدَدِ وَالْقِيمَةِ كَسِتَّةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ جُعِلُوا اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ،

(والقرعة) علمت مما مر في القسمة وتحصل في هذا المثال بأحد شيئين: الأول (أن تؤخذ ثلاث رقاع متساوية) ثم (يكتب في ثنتين رق وفي واحدة عتق) ; لأن الرق ضعف الحرية (وتدرج في بنادق كما سبق) ثَمَّ (وتخرج واحدة باسم أحدهم فإن خرج العتق عتق ورق الآخَران أو الرق رق وأخرجت أخرى باسم آخر) فإن خرج العتق عتق ورق الثالث وإلا فالعكس. ويجوز الاقتصار على رقعتين في واحدة رق وفي أخرى عتق (و) ثانيهما أنه (يجوز) بل هي أولى من الطريقة الأولى (أن تكتب أسماؤهم) في الرقاع (ثم تخرج رقعة) والأولى إخراجها (على الحرية) لا الرق; لأنه أقرب إلى فصل الأمر (فمن خرج اسمه عتق ورقا) أي الباقيان؛ لانفصال الأمر بهذا أيضا. (وإن) لم تكن قيمتهم سواء كأن (كانوا ثلاثة قيمة واحد مائة وآخر مائتان وآخر ثلثمائة أقرع) بينهم (بسهمي رق وسهم عتق) بأن يكتب في رقعتين رق وفي واحدة عتق ويفعل ما مر (فإن خرج العتق لذي المائتين عتق ورقا) أي الباقيان; لأنه به يتم الثلث (أو) لذي (الثلثمائة عتق ثلثاه) ; لأنهما الثلث ورق باقيه والآخران (أو) خرجت (للأول عتق ثم يقرع للآخرين بسهم رق وسهم عتق) في رقعتين (فمن خرج) العتق على اسمه منهما (تمم منه الثلث) فإن خرجت للثاني عتق نصفه، أو للثالث فثلثه. وتجوز الطريق الأخرى هنا أيضا فإن خرج اسم الأول عتق ثم تخرج أخرى فإن خرج اسم الثاني عتق نصفه، أو الثالث عتق ثلثه. (وإن كانوا) أي المعتقون معا (فوق ثلاثة) لا يملك غيرهم (وأمكن توزيعهم بالعدد والقيمة) في جميع الأجزاء (كستة قيمتهم سواء) ومثلهم ستة قيمة ثلاثة مائة مائة وثلاثة خمسون خمسون فيضم كل خسيس لنفيس (جعلوا اثنين اثنين) أي جُعِل كل اثنين

ص: 587

أَوْ بِالْقِيمَةِ دُونَ الْعَدَدِ كَسِتَّةٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمْ مِائَةٌ، وَقِيمَةُ اثْنَيْنِ مِائَةٌ، وَثَلَاثَةٍ مِائَةٌ جُعِلَ الْأَوَّلُ جُزْءًا، وَالِاثْنَانِ جُزْءًا، وَالثَّلَاثَةُ جُزْءًا، وَإِنْ تَعَذَّرَ بِالْقِيمَةِ كَأَرْبَعَةٍ قِيمَتُهُمْ سَوَاءٌ، فَفِي قَوْلٍ يُجَزَّءُونَ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ: وَاحِدٌ وَوَاحِدٌ، وَاثْنَانِ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِوَاحِدٍ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ لِيَتِمَّ الثُّلُثِ، أَوْ لِلِاثْنَيْنِ رَقَّ الْآخَرَانِ ثُمَّ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ لَهُ الْعِتْقُ وَثُلُثُ الْآخَرِ، وَفِي قَوْلٍ يُكْتَبُ اسْمُ كُلِّ عَبْدٍ فِي رُقْعَةٍ فَيَعْتِقُ مَنْ خَرَجَ أَوَّلًا وَثُلُثُ الْبَاقِي، قُلْتُ: أَظْهَرُهُمَا الْأَوَّلُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَالْقَوْلَانِ فِي اسْتِحْبَابٍ، وَقِيلَ إيجَابٍ،

جزءا وفعل كما مر في الثلاثة المستوين في القيمة، (أو) أمكن توزيعهم (بالقيمة دون العدد) في كل الأجزاء كخمسة قيمة أحدهم مائة واثنين مائة واثنين مائة جعل الواحد جزءا ثانياً والاثنان جزءا والاثنان جزءا ثالثا، أو في بعضها (كستة قيمة أحدهم مائة وقيمة اثنين مائة و) قيمة (ثلاثة مائة جعل الأول جزءا والاثنان جزءا والثلاثة جزءا) وأقرع كما سبق وفي عتق الاثنين إن خرج العتق لهما وافق ثلث العدد ثلث القيمة فقوله دون العدد صادق ببعض الأجزاء في مقابلته للمثبت قبله في جميع الأجزاء، (وإن تعذر) توزيعهم (بالقيمة) وبالعدد بأن لم يكن لهم ولا لقيمتهم ثلث صحيح (كأربعة قيمتهم سواء ففي قول يجزءون ثلاثة أجزاء واحد) جزء (وواحد) جزء (واثنان) جزء; لأنه الأقرب إلى فعله صلى الله عليه وسلم (فإن خرج العتق لواحد) سواء أكتب العتق والرق أم الأسماء (عتق) كله (ثم أقرع) بين الثلاثة الباقين بعد تجزئتهم أثلاثا (ليتم الثلث) فمن خرج له سهم الحرية عتق ثلثه (أو) خرج العتق (للاثنين) المجعولين جزءا (رق الآخران ثم أقرع بينهما) أي الاثنين (فيعتق من خرج له العتق وثلث الآخر) ; لأنه بذلك يتم الثلث، (وفي قول يكتب اسم كل عبد في رقعة) فالرقاع أربع ثم يخرج على العتق واحدة بعد أخرى إلى أن يتم الثلث (فيعتق من خرج أوَّلا و) تعاد الرقعة بين الباقين فمن خرجت له ثانيا بان أن ثلثه هو الباقي من الثلث فيعتق (ثلث الباقي) وهو القارع ثانيا; لأن هذا أقرب إلى فصل الأمر (قلت: أظهرهما الأول والله أعلم)؛ لما مر أن تجزئتهم ثلاثة أجزاء أقرب؛ لما مر في الخبر (والقولان في استحباب) ; لأن المقصود يحصل بكل (وقيل في إيجاب) للأقربية المذكورة. أما إذا أعتق عبيدا مرتبا فلا قرعة بل يعتق الأول فالأول إلى تمام الثلث.

ص: 588

وَإِذَا أَعْتَقْنَا بَعْضَهُمْ بِقُرْعَةٍ فَظَهَرَ مَالٌ وَخَرَجَ كُلُّهُمْ مِنَ الثُّلُثِ عَتَقُوا، وَلَهُمْ كَسْبُهُمْ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَلَا يَرْجِعُ الْوَارِثُ بِمَا أَنْفَقَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ خَرَجَ بِمَا ظَهَرَ عَبْدٌ آخَرُ أُقْرِعَ، وَمَنْ عَتَقَ بِقُرْعَةٍ حُكِمَ بِعِتْقِهِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ، وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ حِينَئِذٍ، وَلَهُ كَسْبُهُ مِنْ يَوْمِئِذٍ غَيْرَ مَحْسُوبٍ مِنَ الثُّلُثِ، وَمَنْ بَقِيَ رَقِيقًا قُوِّمَ يَوْمَ المَوْتِ وَحُسِبَ مِنَ الثُّلُثَيْنِ هُوَ وَكَسْبُهُ الْبَاقِي قَبْلَ المَوْتِ، لَا الحَادِثُ بَعْدَهُ، فَلَوْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةً لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ قِيمَةَ كُلٍّ مِائَةٌ فَكَسَبَ أَحَدُهُمْ مِائَةً أُقْرِعَ، فَإِنْ خَرَجَ الْعِتْقُ لِلْكَاسِبِ عَتَقَ وَلَهُ المِئَةُ،

(وإذا أعتقنا بعضهم) أي الأرقاء (بقرعة فظهر مال) آخر للميت لم يعلم وقت القرعة (وخرج كلهم من الثلث عتقوا) أي بان عتقهم وأنهم أحرار تجري عليهم أحكام الأحرار من حين إعتاقه (و) من ثم كان (لهم كسبهم) ونحوه كأرش جناية ومهر أمة وتبعية ولدها لها (من يوم) أي وقت (الإعتاق) وبطل نكاح أمة زوَّجها الوارث بالملك، ويلزمه مهرها إن وطئها، ويكمل حد من جلد كقن ويرجم إن كان محصنا (ولا يرجع الوارث بما أنفق عليهم) مطلقا; لأنه أنفق على أن لا يرجع كمن نكح فاسدا يظن الصحة لا يرجع بما أنفق قبل التفريق، ويظهر أنهم يرجعون عليه بما استخدمهم فيه لا بما خدموه له وهو ساكت (وإن خرج) من الثلث (بما ظهر عبد) أو بعضه أو أكثر منه (آخر أقرع) بينه وبين من بقي منهم فمن قرع عتق أيضا (ومن عتق) ولو (بقرعة حكم بعتقه من يوم الإعتاق) لا القرعة; لأنها مبينة للعتق لا مثبتة له بخلاف الموصى بعتقه فإنه يُقوَّم وقت الموت; لأنه وقت الاستحقاق (وتعتبر قيمته حينئذ) أي حين إذ عتق؛ لما تقرر أنه بان بها أنه حر قبلها (وله كسبه) ونحوه مما مر (من يومئذ غير محسوب من الثلث)؛ لحدوثه على ملكه، (ومن بقي رقيقا قوِّم يوم الموت) ; لأنه وقت استحقاق الوارث. هذا إن كانت القيمة يومه أقل أولم تختلف؛ لأن المعتبر أقل قيمة من وقت الموت إلى قبض الورثة للتركة; لأنها إن كانت وقت الموت أقل فالزيادة على ملكهم، أو وقت القبض أقل فما نقص قبل ذلك لم يدخل في ملكهم فلا يحسب عليهم كمغصوب أو ضائع من التركة قبل أن يقبضوه (وحسب) على الوارث (من الثلثين هو وكسبه الباقي قبل الموت) -ظرف لكسبه- للمعتق (لا الحادث بعده) فلا يحسب عليه; لحدوثه على ملكه فلا يقضى دين المورث منه (فلو أعتق ثلاثة لا يملك غيرهم قيمة كل) منهم (مائة فَكَسَبَ أحدهم مائة) قبل موت السيد (أقرع فإن خرج العتق للكاسب عتق وله المائة) ; لما مر أن من عتق له كسبه من

ص: 589

وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُمَّ أُقْرِعَ، فَإِنْ خَرَجَتْ لِغَيْرِهِ عَتَقَ ثُلُثُهُ، وَإِنْ خَرَجَتْ لَهُ عَتَقَ رُبُعُهُ، وَتَبِعَهُ رُبُعُ كَسْبِهِ.

فصل

مَنْ عَتَقَ عَلَيْهِ رَقِيقٌ بِإِعْتَاقٍ وَكِتَابَةٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَقَرَابَةٍ وَسِرَايَةٍ فَوَلَاؤُهُ لَهُ. ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ،

حين عتقه (وإن خرج لغيره عتق ثم أقرع) بين الكاسب، والآخر ليتم الثلث (فإن خرجت) القرعة (لغيره عتق ثلثه) وبقي ثلثاه مع المكتسب وكسبه للورثة وذلك ضعف ما فات عليهم (وإن خرجت له) أي للمكتسب (عتق ربعه وتبعه ربع كسبه) ; لأنه يجب أن يبقى لهم ضعف ما عتق ولا يحصل إلا بذلك فجملة ما عتق مائة وخمسة وعشرون وما بقي مائتان وخمسون، وأما الخمسة والعشرون التي هي ربع كسبه فغير محسوبة كما مر.

(فصل) في الوَلاء

هو عصوبة ناشئة عن حرية حدثت بعد زوال ملك متراخية عن عصوبة النسب تقتضي للمعتق وعصبته الإرث وولاية النكاح، والصلاة عليه، والعقل عنه. والأصل فيه قبل الإجماع الأخبار الصحيحة نحو ((إنما الولاء لمن أعتق)) (من عتق عليه) خرج به من أقر بحرية قن ثم اشتراه فإنه يحكم عليه بعتقه ويوقف ولاؤه، ومن أعتق عن غيره أو عن كفارة غيره بعوض أو غيره وقد قدر انتقال ملكه للغير قبيل عتقه فولاؤه لذلك الغير. وإذا أعتق عن الغير بغير إذنه كان الولاء للمالك بخلاف ما إذا كان بإذنه؛ لأن كل ما يحتاج للنية لا يفعل عن الغير إلا بإذنه كإخراج زكاة الفطر وغيرها، نعم لو أعتق الوارث عن الميت لنحو كفارة كان الولاء للميت

(1)

(رقيق بإعتاق) منجز أو معلق، ومنه بيع العبد من نفسه؛ لما مر أنه عقد عتاقة (وكتابة وتدبير واستيلاد وقرابة وسراية فولاؤه له) ; للخبرين المذكورين (ثم لعصبته) المتعصبين بأنفسهم الأقرب فالأقرب كما مر في الفرائض؛ للخبر السابق والترتيب إنما هو بالنسبة؛ لفوائد الولاء المترتبة عليه من إرث وولاية تزويج وغيرهما لا لثبوته فإنه يثبت لعصبته معه في حياته، ومن ثم لو تعذر إرثه به دونهم ورثوا به كما لو أعتق مسلم نصرانيا

(1)

. اضطربت كتب شيخ الإسلام في هذه المسألة، واعتمد المغني أن الإمام لو أعتق عبيد بيت المال فإن الولاء للمسلمين ورد ذلك الشارح.

ص: 590

وَلَا تَرِثُ امْرَأَةٌ بِوَلَاءٍ إلَّا مِنْ عَتِيقِهَا وَأَوْلَادِهِ وَعُتَقَائِهِ، فَإِنْ عَتَقَ عَلَيْهَا أَبُوهَا ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا فَمَاتَ بَعْدَ مَوْتِ الْأَبِ بِلَا وَارِثٍ فَمَالُهُ لِلْبِنْتِ، وَالْوَلَاءُ لِأَعْلَى الْعَصَبَاتِ. وَمَنْ مَسَّهُ رِقٌّ فَلَا وَلَاءَ عَلَيْهِ إلَّا لِمُعْتِقِهِ وَعَصَبَتِهِ. وَلَوْ نَكَحَ عَبْدٌ مُعْتَقَةً فَأَتَتْ بِوَلَدٍ فَوَلَاؤُهُ لِمَوَالِي الْأُمّ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ،

ومات في حياته وله بنون نصارى فإنهم الذين يرثونه، ثم المنتقل إليهم الإرث به لا إرثه فإن الولاء لا ينتقل كما أن نسب الإنسان لا ينتقل بموته، وسببه أن نعمة الولاء تختص به، ومن ثم قالوا الولاء لا يورث بل يورث به. أما العصبة بغيره كالبنت مع الابن ومع غيره كهي مع الأخت فلا ترث به. (و) من ثم (لا ترث امرأة بولاء) ; لأن الولاء أضعف من النسب المتراخي وإذا تراخى النسب ورث الذكور فقط ألا ترى أن ابن الأخ والعم وبنيهما يرثون دون أخواتهم (إلا من عتيقها و) كل منتمٍ إليه بنسب أو ولاء نحو (أولاده) وإن سفلوا (وعتقائه) وعتقاء عتقائه وهكذا; لأنه صلى الله عليه وسلم جعل الولاء على بريرة لعائشة رضي الله عنهما. وخرج بـ ((منتمٍ)) من علقت به عتيقة بعد العتق من حر أصلي فإنه لا ولاء عليه لأحد (فإن عتق عليها أبوها ثم أعتق عبدا فمات بعد موت الأب بلا وارث) له ولا للأب بأن مات عنها وحدها (فماله للبنت) لا لكونها بنت معتقه بل لأنها معتقةُ معتِقِهِ. أما إذا مات عنها وعن نحو أخي أبيها فماله له ولا شيء لها; لأنه عصبة نسب وهو مقدم على معتق المعتق (والولاء لأعلى العصبات) كالنسب فلو مات معتق عن ابنين وثبت لهما ولاء العتيق فمات أحدهما عن ابن فولاء العتيق للابن; لأنه لو قُدِّر موت العتيق حينئذ لم يرثه إلا الابن. ولو مات المعتق عن ثلاث بنين ثم مات أحدهم عن ابن وآخر عن أربعة وآخر عن خمسة فالولاء بين العشرة بالسوية فيرثون العتيق أعشارا؛ لاستواء قربهم. (ومن مسه رق) فعتق (فلا ولاء عليه إلا لمعتقه وعصبته) ثم بيت المال دون معتق أصوله; لأن ولاء المباشرة لقوته يقطع ولاء الاسترسال. وهذا مستثنى مما مر أن الولاء على العتيق وفروعه وإن سفلوا، وكذا من أبوه حر أصلي فلا ولاء عليه لموالي أمه; لأن الانتساب للأب، ومن ثم لو تزوج عتيق بحرة أصلية ثبت الولاء على الولد لموالي أبيه.

(ولو نكح عبد معتقَةٌ فأتت بولد فولاؤه لموالي الأم) ; لأنهم أنعموا عليه؛ لعتقه بعتقها (فإن أعتق الأب انجر) الولاء أي بطل وانقطع من حين عتق الأب عن موالي الأم (إلى مواليه) ; لأن الولاء فرع النسب إلى مواليه والنسب إليه وإن علا دونها، وإنما ثبت لمواليها عند

ص: 591

وَلَوْ مَاتَ الْأَبُ رَقِيقًا وَعَتَقَ الجَدُّ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، فَإِنْ أُعْتِقَ الجَدُّ وَالْأَبُ رَقِيقٌ انْجَرَّ، فَإِنْ أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ انْجَرَّ إلَى مَوَالِيهِ، وَقِيلَ يَبْقَى لِمَوَالِي الْأُمِّ حَتَّى يَمُوتَ الْأَبُ فَيَنْجَرُّ إلَى مَوَالِي الجَدِّ، وَلَوْ مَلَكَ هَذَا الْوَلَدُ أَبَاهُ جَرَّ وَلَاءَ إخْوَتِهِ لِأَبِيهِ إلَيْهِ، وَكَذَا وَلَاءُ نَفْسِهِ فِي الْأَصَحِّ. قُلْتُ: الْأَصَحُّ المَنْصُوصُ لَا يَجُرُّهُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ

تعذره من جهة الأب برقه فإذا أمكن بعتقه عاد لموضعه، فإن انقرضوا فلبيت المال ولا يعود لموالي الأم. ولو كان معتق الأب هو الابن نفسه فسيأتي. (ولو مات الأب رقيقا وعتق الجد) أبو الأب وإن علا دون أبي الأم (انجر) الولاء (إلى مواليه) أي الجد; لأنه كالأب ويستقر بعدهم لبيت المال. (فإن أُعْتِقَ الجد والأبُ رقيقا انجر) لموالي الجد (فإن أعتق الأب بعده) أي بعد انجراره لموالي الجد (انجر) من موالي الجد (إلى مواليه) أي الأب; لأنه إنما انجر لموالي الجد لرقه فإذا عتق عاد لمواليه; لأنه أقوى ثم بعد مواليه لبيت المال، (وقيل) لا ينجر لموالي الجد بل (يبقى لموالي الأم حتى يموت الأب) رقيقا (فينجر إلى موالي الجد) ; لأنه ما بقي مانع، فإذا مات زال المانع. (ولو ملك هذا الولد) الذي من العبد والعتيقة (أباه جر ولاء إخوته لأبيه) من موالي الأم (إليه) ; لأن أباه عتق عليه فثبت له الولاء عليه وعلى أولاده من أمه أو عتيقة أخرى، (وكذا ولاء نفسه) يجره إليه (في الأصح) كإخوته (قلت: الأصح المنصوص لا يجره والله أعلم) بل يبقى لموالي أمه وإلا لثبت له على نفسه وهو محال، ومن ثَمَّ ثبت للسيد على قن كاتبه أو باعه نفسه وأخذ منه النجوم أو الثمن.

ص: 592

‌كتاب التدبير

صَرِيحُهُ أَنْتَ حُرٌّ بَعَدَ مَوْتِي، أَوْ إذَا مِتُّ أَوْ مَتَى مِتُّ فَأَنْتَ حُرٌّ، أَوْ أَعْتَقْتُكَ بَعْدَ مَوْتِي وَكَذَا دَبَّرْتُكَ أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى المَذْهَبِ، وَيَصِحُّ بِكِنَايَةِ عِتْقٍ مَعَ نِيَّةٍ كَخَلَّيْتُ سَبِيلَكَ بَعْدَ مَوْتِي. وَيَجُوزُ مُقَيَّدًا كَإِنْ مِتُّ فِي هذَا الشَّهْرِ أَوِ المَرَضِ فَأَنْتَ حُرٌّ،

(كتاب التدبير)

هو لغة: النظر في عواقب الأمور، وشرعا: تعليق عتق بالموت وحده أو مع شيء قبله، ولا يرد عليه العتق من رأس المال في ((إذا مت فأنت حر قبل موتي بشهر أو يوم مثلا)) فمات فجأة; لأنه ليس تعليقا بالموت وإنما يتبين به أنه عتق قبله، فعلم أنه متى علقه بوقت قبل الموت أو بعده كان محض تعليق لا تدبير فلا يرجع فيه بالقول قطعا. ويعتق من رأس المال إن خلا الوقت عن مرض الموت أو زاد على مدته كما يأتي. وأصله قبل الإجماع تقريره صلى الله عليه وسلم لمن دبَّر غلاما لا يملك غيره عليه.

وأركانه مالك وشرطه تكليف إلا في السكران، واختيار، ومحل وشرطه كونه قنا غير أم ولد كما يعلمان من كلامه، وصيغة وشرطها الإشعار به لفظا كانت أو كتابة أو إشارة وهي صريح أو كناية، و (صريحه) ألفاظ منها (أنت حر بعد موتي، أو إذا مت أو متى مت فأنت حر) أو عتيق (أو أعتقتك) أو حررتك (بعد موتي) ونحو ذلك من كل ما لا يحتمل غيره (وكذا دبرتك أو أنت مدبر على المذهب) ; لأن التدبير معروف في الجاهلية وقرره الشرع. ويصح تدبير نحو نصفه أو بعضه فيعينه وارثه ولا يسري لا نحو يده

(1)

، ويفرق بينه وبين العتق بأنه أقوى فأثر التعبير فيه بالبعض عن الجملة بخلاف التدبير، ومن ثم لو قال إن مت فيدك حرة فمات عتق كله; لأن هذا يشبه العتق المنجز من حيث لزومه بالموت بخلاف دبرتها. (ويصح بكناية عتق) وهي ما يحتمل التدبير وغيره (مع نية كخليت سبيلك بعد موتي) أو إذا مت فأنت حرام أو مسيب ونحو ذلك; لأنه نوع من العتق فدخلته كنايته، ومن الكناية هنا صريح الوقف كحبستك بعد موتي (ويجوز) التدبير (مقيدا) بصفة (كإن مت في هذا الشهر، أو) هذا (المرض فأنت حر) فإن وجدت الصفة

(1)

. وفاقا للأسنى والمغني وخلافا للنهاية.

ص: 595

وَمُعَلَّقًا كَإِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي، فَإِنْ وُجِدَتِ الصِّفَةُ وَمَاتَ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا، وَيُشْتَرَطُ الدُّخُولُ قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، فَإِنْ قَالَ إنْ مِتُّ ثُمَّ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ اُشْتُرِطَ دُخُولٌ بَعْدَ المَوْتِ، وَهُوَ عَلَى التَّرَاخِي وَلَيْسَ لِلْوَارِثِ بَيْعُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ،

المذكورة ومات عتق وإلا فلا. ونبه بقوله في هذا الشهر على أنه لا بد من إمكان حياته المدة المعينة عادة فنحو إن مت بعد ألف سنة فأنت حر باطل (ومعلقا) على شرط آخر غير الموت (كإن دخلت الدار فأنت حر بعد موتي) ; لأنه إما وصية أو تعليق عتق بصفة وكل منهما يقبل التعليق (فإن وجدت الصفة ومات عتق وإلا) توجد (فلا) يعتق، (ويشترط الدخول قبل موت السيد) كما هو صريح لفظه، فإن مات قبل الدخول بطل التعليق، فعلم أنه لا يصير مدبرا إلا بعد الدخول، (فإن قال إن) أو إذا (مت ثم دخلت فأنت حر) كان تعليق عتق بصفة و (اشترط دخول بعد الموت)؛ عملا بقضية ثُم، ومن ثَم لو أتى بالواو وأطلق أجزأ

(1)

الدخول قبل الموت (وهو) أي الدخول بعد الموت (على التراخي) بمعنى أنه لا يشترط فيه الفور لا أنه يشترط التراخي. ومن التدبير المقيد لا المعلق أن يقول إذا مت أو متى أو إن مت فأنت حر وإن أو إذا أو متى دخلت أو شئت مثلا، فإن نوى شيئا عمل به وإلا حمل على الدخول أو المشيئة عقب الموت

(2)

; لأنه السابق إلى الفهم هنا من تأخير المشيئة عن ذكره، (وليس للوارث بيعه) ونحوه من كل مزيل للملك (قبل الدخول) وعرضه عليه; إذ ليس له إبطال تعليق الميت وإن كان للميت أن يبطله، وليس له تنجيز عتقه إن كان يخرج كله من الثلث؛ لما يلزم عليه من إبطال الولاء للميت. ولو خرج بعضه فقط من الثلث فظاهر أنه يصح التنجيز منه فيما لم يخرج منه ولزمه قيمته، ولا يسري عليه لما يلزم عليه من إبطال حق الولاء للميت في البعض. أما ما لا يزيل الملك كإيجار فله ذلك، وأما لو عرض عليه الدخول

(1)

. وفاقا للمغني ولما مال إليه الأسنى، وخلافا للروض والنهاية.

(2)

. فيه مخالفه لكلام الأسنى والمغني بالنسبة للتعليق بالدخول مطلقا، وحاصل كلامها أن التعليق الذي توسط فيه الجزاء بين الشرطين يحمل عند الإطلاق على تأخير الثاني عن الأول، وهو أموت هنا مطلقا، وعلى فوريته إن كان التعليق الثاني بالفاء مطلقا أو بالمشيئة بغير نحو متى، وعلى التراخي في غير ذلك.

ص: 596

وَلَوْ قَالَ إذَا مِتُّ وَمَضَى شَهْرٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلِلْوَارِثِ اسْتِخْدَامُهُ فِي الشَّهْرِ لَا بَيْعُهُ. وَلَوْ قَالَ إنْ شِئْتَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي إنْ شِئْتَ اُشْتُرِطَتْ المَشِيئَةُ مُتَّصِلَةً، وَإِنْ قَالَ: مَتَى شِئْتَ فَلِلتَّرَاخِي. وَ لَوْ قَالَا لِعَبْدِهِمَا: إذَا مُتْنَا فَأَنْتَ حُرٌّ لَمْ يَعْتِقْ حَتَّى يَمُوتَا، فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ لِوَارِثِهِ بَيْعُ نَصِيبِهِ. وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يُمَيِّزُ، وَكَذَا مُمَيِّزٌ فِي الْأَظْهَرِ،

فامتنع فله -ما لم يرجع- بيعه لاسيما إذا كان عاجزا لا منفعة فيه فيصير كَلَّاً عليه. (ولو قال إذا مت ومضى شهر) أي بعد موتي (فأنت حر) فهو تعليق عتق بصفة أيضا (فللوارث استخدامه) وكسبه (في الشهر) كما له ذلك فيما مر قبل الدخول؛ لبقائه على ملكه (لا بيعه) ونحوه؛ لما مر. (ولو قال إن) أو إذا (شئت) أو أردت مثلا (فأنت) حر إذا مت أو فأنت (مدبر أو أنت) مدبر إن أو إذا شئت، أو أنت (حر بعد موتي إن شئت) وقد أطلق (اشتُرطت المشيئة) أي وقوعها في حياة السيد (متصلة) بلفظه -في غير الأخيرة- بأن يأتي بها في مجلس التواجب قبل موت السيد نظير ما مر في الخلع؛ لاقتضاء الخطاب ذلك إذ هو تمليك كالبيع والهبة، ومن ثم لو انتفى ذكر المشيئة كأن ذكر بدلها نحو دخول أو انتفى الخطاب

(1)

((كإن شاء عبدي فلان فهو مدبر)) لم يشترط فور وإن كان جالسا معه؛ لأنه مجرد تعليق. أما لو صرح بوقوعها بعد الموت أو نواه فيشترط وقوعها بعده بلا فور، وبالموت في الأخيرة ما لم يرد قبله. ولابد من تقدم الموت في نحو أنت مدبر إن دخلت إن مت، (فإن قال متى) أو مهما مثلا (شئت فللتراخي) ; لأن نحو متى موضوع له لكن بشرط وقوع المشيئة قبل موت السيد ما لم يصرح بما مر أو ينوه. (ولو قالا) أي قال كل من شريكين (لعبدهما إذا متنا فأنت حر لم يعتق حتى يموتا)؛ لتوجد الصفتان، ثم إن ماتا معا كان تعليق عتق بصفة لا تدبيرا; لأنه تعليق بموتين، أو مرتبا صار نصيب آخرهما موتا بموت أولهما مدبرا; لأنه حينئذ معلق بالموت وحده بخلاف نصيب أولهما (فإن مات أحدهما فليس لوارثه بيع نصيبه) ونحوه من كل مزيل للملك; لأنه صار مستحق العتق بموت الشريك. وله نحو استخدامه وكسبه، وفارق ما لو أوصى بإعتاق عبد فإن الكسب بعد الموت له; لأنه يجب إعتاقه فورا فكان مستحقه حال الاكتساب. (ولا يصح تدبير) من مكره و (مجنون) حال جنونه (وصبي لا مميز وكذا مميز في الأظهر) ; لأن

(1)

. خلافا للنهاية.

ص: 597

وَيَصِحُّ مِنْ سَفِيهٍ وَكَافِرٍ أَصْلِيٍّ، وَتَدْبِيرُ المُرْتَدِّ يُبْنَى عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ، وَلَوْ دَبَّرَ ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يَبْطُلْ عَلَى المَذْهَبِ، وَلَوِ ارْتَدَّ المُدَبَّرُ لَمْ يَبْطُلْ، وَلِحَرْبِيٍّ حَمْلُ مُدَبَّرِهِ إلَى دَارِهِمْ. وَلَوْ كَانَ لِكَافِرٍ عَبْدٌ مُسْلِمٌ فَدَبَّرَهُ نُقِضَ وَبِيعَ عَلَيْهِ. وَلَوْ دَبَّرَ كَافِرٌ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَلَمْ يَرْجِعْ السَّيِّدُ فِي التَّدْبِيرِ نُزِعَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَصُرِفَ كَسْبُهُ إلَيْهِ، وَفِي قَوْلٍ يُبَاعُ. وَلَهُ بَيْعُ المُدَبَّرِ، وَالتَّدْبِيرُ تَعْلِيقُ عِتْقٍ بِصِفَةٍ، وَفِي قَوْلٍ وَصِيَّةٌ. فَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ مَلَكَهُ لَمْ يَعُدِ التَّدْبِيرُ عَلَى المَذْهَبِ،

عبارتهم لغو لرفع القلم عنهم، (ويصح من) مفلس و (سفيه) وإن حجر عليهما كما مر الثاني في بابه; إذ لا ضرر فيه مع صحة عبارتهما، ومن سكران (وكافر أصلي) ولو حربيا كما يصح استيلاده وتعليقه العتق بصفة؛ لصحة عبارته وملكه. (وتدبير المرتد مبني على أقوال ملكه) كما مر في بابه، فعلى الأصح إن أسلم بانت صحته وإلا فلا (ولو دبر) قنا (ثم ارتد) السيد (لم يبطل) تدبيره (على المذهب) فإذا مات مرتدا عتق العبد; لأن الردة لا تؤثر فيما سبقها مع الصيانة لحقه عن الضياع، وعتقه من ثلثه وإن كان ماله فيئا لا إرثا; لأن الشرط بقاء الثلثين لمستحقيهما وإن لم يكونوا ورثة (ولو ارتد المدبر لم يبطل) تدبيره; لأن إهداره لا يمنع كونه مملوكا. ولو حارب مدبر لمسلم أو ذمي فسبي لم يجز استرقاقه; لأن فيه إبطالا لحق السيد (ولحربي حمل مدبره) الكافر الأصلي من دارنا (إلى دارهم) وإن دبره عندنا وأبى الرجوع معه; لأن أحكام الرق جميعها باقية فيه بخلاف المكاتب لا يحمله إلا برضاه؛ لاستقلاله. أما المسلم والمرتد فيمنع من حملهما كما لا يجوز له شراؤهما (ولو كان لكافر عبد مسلم فدبره) بعد إسلامه ولم يزل ملكه عنه (نقض) تدبيره (وبيع عليه)؛ لما في بقاء ملكه عليه من الإذلال. (ولو دبر كافر كافرا فأسلم) العبد (ولم يرجع السيد في التدبير) بأن لم يزل ملكه عنه (نزع من سيده) واستكسب له في يد عدل؛ دفعا للذل عنه، ولا يباع؛ لتوقع حريته (وصرف كسبه إليه) أي السيد كما لو أسلمت مستولدته (وفي قول يباع) ; لئلا يبقى في ملك كافر (وله) أي السيد غير السفيه ولوليه (بيع المدبر) وكل تصرف يزيل الملك; لأنه صلى الله عليه وسلم ((باع مدبراً أنصاري في دين عليه)) (والتدبير تعليق عتق بصفة) ; لأن صيغته صيغة تعليق (وفي قول وصية) للعبد بالعتق؛ نظرا إلى أن إعتاقه من الثلث (فلو باعه) مثلا السيد (ثم ملكه لم يعد التدبير على المذهب) ; لأن كلا من التعليق والوصية يبطله زوال الملك وكما لا يعود الحنث في اليمين.

ص: 598

وَلَوْ رَجَعَ عَنْهُ بِقَوْلٍ كَأَبْطَلْتُهُ فَسَخْتُهُ نَقَضْتُهُ رَجَعْتُ فِيهِ صَحَّ إنْ قُلْنَا وَصِيَّةٌ وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ عُلِّقَ عِتْقُ مُدَبَّرٍ أَوْ مُكَاتَبٌ بِصِفَةٍ صَحَّ وَعَتَقَ بِالْأَسْبَقِ مِنَ المَوْتِ وَالصِّفَةِ. وَلَهُ وَطْءُ مُدَبَّرَةٍ، وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا، فَإِنْ أَوْلَدَهَا بَطَلَ تَدْبِيرُهُ، وَلَا يَصِحُّ تَدْبِيرُ أُمِّ وَلَدٍ. وَيَصِحُّ تَدْبِيرُ مُكَاتَبٍ وَكِتَابَةُ مُدَبَّرٍ

(ولو رجع عنه بقول) -ومثله إشارة أخرس مفهمة وكتابة- (كأبطلته فسخته نقضته رجعت فيه صح) الرجوع (إن قلنا) بالضعف أنه (وصية)؛ لما مر في الرجوع عنها (وإلا) نقل وصية بل تعليق عتق بصفة كما هو الأصح (فلا) يصح بالقول كسائر التعليقات. (ولو علق عتق مدبر أو مكاتب بصفة صح) كما يصح تدبير وكتابة المعلق عتقه بصفة والتدبير والكتابة بحالهما (و) من ثم (عتق بالأسبق من) الوصفين (الموت) أو أداء النجوم (والصفة)؛ تعجيلا للعتق، فإن سبقت الصفة المعلق بها عتق بها، أو سبق الموت فبه عن التدبير، أو سبق الأداء فبه عن الكتابة. (وله وطء مدبرة)؛ لبقاء ملكه فيها كالمستولدة مع أنه لم يتعلق بها حق لازم (ولا يكون) وطؤه لها (رجوعا) عن التدبير; لأنه قد يؤدي إلى العلوق المحصل لمقصود التدبير وهو عتقها بخلاف نحو البيع (فإن أولدها بطل تدبيره) ; لأن الاستيلاد أقوى منه; إذ لا يعتبر من الثلث ولا يمنع منه الدين فرفعه كما يرتفع النكاح بملك اليمين. (ولا يصح تدبير أم ولد)؛ لما تقرر أن الإيلاد أقوى والأضعف لا يدخل على الأقوى (ويصح تدبير مكاتب) كما يصح تعليق عتقه بصفة (وكتابة مدبر)؛ لموافقتها لمقصود التدبير فيكون كل منهما مدبرا مكاتبا، ويعتق بالأسبق من الوصفين موت السيد وأداء النجوم ويبطل الآخر، نعم إن كان الآخر هو الكتابة فالأوجه في حالة تدبير المكاتب عدم البطلان بل يتبع العتيق كسبه وولده بخلافه

(1)

في حالة كتابة المدبر فتبطل الكتابة حينئذٍ؛ لأن طروها أوجب ضعفها. وسيعلم مما يأتي قريبا أنه إذا كان الأسبق الموت لم يعتق كله إلا إن وسعه الثلث وإلا فقدر ما يسعه فقط.

(1)

. خلافا لهما.

ص: 599

فصل

وَلَدَتْ مُدَبَّرَةٌ مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا لَا يَثْبُتُ لِلْوَلَدِ حُكْمُ التَّدْبِيرِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوْ دَبَّرَ حَامِلًا ثَبَتَ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ عَلَى المَذْهَبِ، فَإِنْ مَاتَتْ أَوْ رَجَعَ فِي تَدْبِيرِهَا بِالْقَوْلِ دَامَ تَدْبِيرُهُ، وَقِيلَ: إنْ رَجَعَ وَهُوَ مُتَّصِلٌ فَلَا، وَلَوْ دَبَّرَ حَمْلًا صَحَّ، فَإِنْ مَاتَ عَتَقَ دُونَ الْأُمِّ، وَإِنْ بَاعَهَا صَحَّ وَكَانَ رُجُوعًا عَنْهُ. وَلَوْ وَلَدَتِ المُعَلَّقُ عِتْقُهَا لَمْ يَعْتِقِ الْوَلَدُ، وَفِي قَوْلٍ إنْ عَتَقَتْ بِالصِّفَةِ عَتَقَ. وَلَا يَتْبَعُ مُدَبَّرًا وَلَدُهُ،

(فصل) في حكم حمل المدبرة والمعلق عتقها بصفة وجناية المدبر وعتقه

إذا (ولدت مدبرة) ولداً (من نكاح أو زنا لا يثبت للولد حكم التدبير في الأظهر) ; لأنه عقد يقبل الرفع فلا يسري للولد الحادث بعده كالرهن بخلاف الاستيلاد. وخرج بولدت ما لو كانت حاملا عند موت السيد فيتبعها جزما. (ولو دبر حاملا) يملكها وحملها ولم يستثنه (ثبت له) أي الحمل وإن انفصل في حياة السيد (حكم التدبير على المذهب) ; لأنه كبعض أعضائها، (فإن ماتت) الأم في حياة السيد بعد انفصاله أو قبله ثم انفصل حيا (أو رجع في تدبيرها) بالفعل إن تصور، أو (بالقول) على القول به (دام تدبيره) وإن اتصل (وقيل إن رجع وهو متصل فلا) يدوم تدبيره، بل يتبعها في الرجوع. ولو خصص الرجوع بها دام قطعا. أما إذا استثناه فلا يتبعها لكن إن ولدته قبل الموت وإلا تبعها; لأن الحرة لا تلد إلا حرا غالبا، ويعرف كونها حاملا حال التدبير بما مر أول الوصايا. (ولو دبر حملا) وحده (صح) تدبيره كما يصح إعتاقه دونها، ولا يتعدى إليها; لأنه تابع (فإن مات) السيد (عتق) الحمل (دون الأم)؛ لما تقرر أنه تابع (وإن باعها) مثلا حاملا (صح) البيع (وكان رجوعا عنه) أي عن تدبيره كما لو باع المدبر ناسيا لتدبيره.

(ولو ولدت المعلق عتقها) بصفة ولدا من نكاح أو زنا (لم يعتق الولد) ; لأنه عقد يلحقه الفسخ فلم يتعد له كالرهن والوصية، (وفي قول إن عتقت بالصفة عتق) كولد أم الولد، وهما كالقولين في ولد المدبرة، ومن ثم كان المعتمد جريان نظير التفصيل المار أن ولد المعلق عتقها بصفة إن كان حملا وقت التعليق ووجود الصفة أو في أحدهما تبعها وإلا فلا. (ولا يتبع) عبدا (مدبرا ولده) قطعا، وفارق الأم بأنه يتبعها دونه رقا وحرية فكذا في سبب

ص: 600

وَجِنَايَتُهُ كَجِنَايَةِ قِنٍّ. وَيَعْتِقُ بِالمَوْتِ مِنْ الثُّلُثِ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ بَعْدَ الدَّيْنِ، وَلَوْ عَلَّقَ عِتْقًا عَلَى صِفَةٍ تَخْتَصُّ بِالمَرَضِ كَإِنْ دَخَلْتَ فِي مَرَضِ مَوْتِي فَأَنْتَ حُرٌّ عَتَقَ مِنَ الثُّلُثِ، وَإِنِ احْتَمَلَتْ الصِّحَّةَ فَوُجِدَتْ فِي المَرَضِ فَمِنْ رَأْسِ المَالِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوِ ادَّعَى عَبْدُهُ التَّدْبِيرَ فَأَنْكَرَهُ فَلَيْسَ بِرُجُوعٍ بَلْ يُحَلَّفُ. وَلَوْ وُجِدَ مَعَ مُدَبَّرٍ مَالٌ فَقَالَ: كَسَبْتُهُ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَقَالَ الْوَارِثُ قَبْلَهُ صُدِّقَ المُدَبَّرُ بِيَمِينِهِ، وَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ قُدِّمَتْ بَيِّنَتُهُ ....

الحرية (وجنايته) أي المدبر (كجناية قن) فيما مر فيها من قتله أو بيعه فيبطل التدبير أو فداء السيد له ويبقى التدبير والجناية عليه كهي على قن، ولا يلزم سيده أن يشتري بما أخذه من قيمته من يدبره (ويعتق) المدبر (بالموت) أي موت السيد محسوبا (من الثلث كله أو بعضه بعد الدين) غير المستغرق؛ لخبر فيه. أما إذا كان مستغرقا فلا يعتق منه شيء. وحيلة عتق كله ((أنت حر قبل مرض موتي بيوم، وإن مت فجأة فقبل موتي بيوم)) فإذا مات بعد التعليقين بأكثر من يوم عتق من رأس المال وإن لم يكن له غيره ولو كان عليه دين مستغرق; لأن عتقه وقع في الصحة. (ولو علق) في صحته (عتقا على صفة تختص بالمرض كإن دخلت) الدار (في مرض موتي فأنت حر عتق) عند وجود الصفة (من الثلث) كما لو نجز عتقه حينئذ، (وإن احتملت) الصفة (الصحة) أي الوقوع فيها كالمرض بأن لم يقيد الصفة به كإن دخلت فأنت حر بعد موتي (فوجدت في المرض فمن رأس المال) يعتق (في الأظهر) نظرا لحالة التعليق; لأنه عنده لم يتهم بإبطال حق الورثة. هذا إن وجدت الصفة بغير اختيار السيد كطلوع الشمس وإلا فمن الثلث قطعا؛ لاختياره العتق في المرض. ولو علقه كاملا فوجدت وهو محجور عليه بفلس فكما ذكر، أو مجنون أو سفيه عتق قطعا، وفارقا ذينك بأن الحجر فيهما لحق الغير بخلاف هذين. (ولو ادعى عبده التدبير فأنكره فليس برجوع) وإن جوزنا الرجوع بالقول كما أن جحود الردة والطلاق ليس إسلاما ورجعة (بل يُحَلَّف) السيد أنه ما دبره؛ لاحتمال أنه يقر، فإن نكل حلَّف العبد وثبت تدبيره وله رفع اليمين بإزالة ملكه عنه. (ولو وجد مع مدبر مال) أو اختصاص (فقال كسبته بعد موت السيد وقال الوارث) بل (قبله صدق المدبر بيمينه) ; لأن اليد له، ومن ثم لو قالت عن ولدها ولدته بعد موت السيد فهو حر وقال الوارث بل قبله صدق; لأنها بدعواها حريته نفت أن يكون لها عليه يد; لأن الحر لا يدخل تحت اليد، وإنما سمعت دعواها لمصلحة الولد. (وإن أقاما بينتين) بما قالاه (قدمت بينته)؛ لاعتضادها باليد. ولو شهدت بينة الوارث أن ما بيده كان بها في حياة السيد وقال المدبر كان بيدي لفلان صدق المدبر.

ص: 601

‌كتاب الكتابة

هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ إنْ طَلَبَهَا رَقِيقٌ أَمِينٌ قَوِيٌّ عَلَى كَسْبٍ، قِيلَ أَوْ غَيْرُ قَوِيٍّ، وَلَا تُكْرَهُ بِحَالٍ. وَصِيغَتُهَا كَاتَبْتُكَ عَلَى كَذَا مُنَجَّمًا إذَا أَدَّيْتَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَيُبَيِّنُ عَدَدَ النُّجُومِ ....

(كتاب الكتابة)

وهي عقد عتق بلفظها معلق بمال مُنَجَّم بوقتين معلومين فأكثر، وتطلق على المخارجة السابقة قبيل الجراح. والأصل فيها قبل الإجماع قوله تعالى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} النور:33.

وأركانها قن وسيد وصيغة وعوض (هي مستحبة إن طلبها رقيق أمين) أي لا يضيع المال وإن لم يكن عدلا لنحو ترك صلاة (قوي على كسب

(1)

يفي بمؤنته ونجومه، وذلك; لأن الشافعي صلى الله عليه وسلم فسر الخير في الآية بهذين، (قيل أو غير قوي) ; لأنه إذا عرفت أمانته يعان بالصدقة والزكاة (ولا تكره بحال) بل هي مباحة وإن انتفيا وانتفى معهما الطلب; لأنها قد تفضي للعتق، نعم المعتمد الكراهة في فاسق يضيع كسبه في الفسق ولو استولى عليه السيد لامتنع من ذلك، بل تحرم إذا علم أنه يصرف مالها في محرم أو يكتسبه بطريق الفسق.

(وصيغتها) لفظ أو إشارة أخرس أو كتابة تشعر بها، وكل من الأولين صريح أو كناية فمن صرائحها (كاتبتك) أو أنت مكاتب (على كذا) كألف (منجما) بشرط أن يضم لذلك قوله (إذا أديته) مثلا (فأنت حر) ; لأن لفظها يصلح للمخارجة أيضا فاحتيج لتمييزها بإذا وما بعدها، والتعبير بالأداء للغالب من وجود الأداء في الكتابة وإلا فيكفي أن يقول فإذا برئت أو فرغت ذمتك منه فأنت حر أو ينوي ذلك. ويأتي أن نحو الإبراء يقوم مقام الأداء فالمراد به شرعا هنا فراغ الذمة. ولو أزاد كلمة ((إليَّ)) لم يكف الأداء لوكيله; لأن الأداء إليه نفسه مقصود فلم يقم الوكيل فيه مقامه بخلاف القاضي في نحو الممتنع; لأنه منزل منزلته شرعا. (ويبين) وجوبا قدر العوض وصفته بما مر في السلم كما يأتي، نعم إن كان بمحل العقد نقد غالب لم يشترط بيانه كالبيع، و (عدد النجوم) استوت أو اختلفت، نعم لا يجب كونها

(1)

. وتقدم في الوصية أن الكتابة لا تصح بالعبد الموصى بمنفعته إلا إن أقتت بزمن قريب لا يحتاج لنفقة، أو بقي من المدة ما لا يحتاج لذلك، وأنه لا يصح عتقه .. الخ 7/ 64.

ص: 605

وَقِسْطَ كُلِّ نَجْمٍ، وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ التَّعْلِيقِ وَنَوَاهُ جَازَ، وَلَا يَكْفِي لَفْظُ كِتَابَةٍ بِلَا تَعْلِيقٍ، وَلَا نِيَّةٍ عَلَى المَذْهَبِ، وَيَقُولُ المُكَاتَبُ قَبِلْتُ. وَشَرْطُهُمَا تَكْلِيفٌ وَإِطْلَاقٌ. وَكِتَابَةُ المَرِيضِ مِنَ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مِثْلَاهُ صَحَّتْ كِتَابَةُ كُلِّهِ، فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ غَيْرَهُ وَأَدَّى فِي حَيَاتِهِ مِائَتَيْنِ، وَقِيمَتُهُ ماِئَةٌ عَتَقَ، وَإِنْ أَدَّى ماِئَةً عَتَقَ ثُلُثَاهُ

ثلاثة كما يأتي (وقسط كل نجم) أي ما يؤدي عند حلول كل نجم; لأنها عقد معاوضة فاشترط فيه معرفة العوض كالبيع. وابتداء النجوم من العقد. والنجم الوقت المضروب وهو المراد هنا ويطلق على المال المؤدى فيه (ولو ترك لفظ التعليق) للحرية بالأداء (ونواه) بما قبله (جاز)؛ لاستقلال السيد بالعتق المقصود، نعم الفاسدة لا بد فيها من التلفظ به (ولا يكفي لفظ كتابة بلا تعليق ولا نية على المذهب)؛ لما مر أنها تقع على المخارجة أيضا (ويقول) فورا (المكاتب) لا أجنبي بل ولا وكيل العبد; لأنه لا يصير أهلا للتوكيل إلا بعد قبولها (قبلت) مثلا كغيره من عقود المعاوضة، ويكفي استيجاب وإيجاب ككاتبني على كذا فيقول كاتبتك، وإنما لم يكف الأداء بلا قبول كالإعطاء في الخلع; لأن هذا أشبه بالبيع من ذاك

(1)

.

(وشرطهما) أي السيد والقن (تكليف) واختيار فيهما ولو أعميين (وإطلاق) للتصرف في السيد؛ لما تقرر أنها كالبيع فلا تصح من محجور عليه ولو بفلس ولو بإذن الولي، ولا من مكاتب لعبده ولو بإذن السيد، وكذا لا تصح من مبعض؛ لعدم أهليتهما للولاء. ويشترط إطلاق التصرف في العبد أيضا فلا تصح كتابة عبد صغير أو مجنون، نعم إن صرح بالتعليق بالأداء فأدى إليه أحدهما عتق بوجود الصفة لا عن الكتابة فلا يرجع السيد عليه بشيء، وكذا في سائر أقسام الكتابة الباطلة، ولا مأذون له في التجارة حجر عليه الحاكم في أكسابه ليصرفها في دينه كالمؤجر والمرهون الآتيين. وتصح كتابة عبد سفيه (وكتابة المريض) مرض الموت محسوبة (من الثلث) ولو بأضعاف قيمته; لأن كسبه ملك السيد (فإن كان له مثلاه) أي مثلا قيمته عند الموت (صحت كتابة كله) سواء كان ما خلفه مما أداه الرقيق أم من غيره؛ لخروجه من الثلث (فإن لم يملك غيره وأدى في حياته مائتين) كاتبه عليهما (وقيمته مائة عتق) كله؛ لبقاء مثليه للورثة، وهذا كالمثال لما قبله (وإن أدى مائة) كاتبه عليها (عتق ثلثاه) ; لأن قيمة ثلثه مع المائة المؤداة مثلا ما عتق منه. أما إذا لم يخلف غيره ولم يؤد إلا بعد موت السيد ولم

(1)

. للمغني اعتراض على المتن رده الشارح.

ص: 606

وَلَوْ كَاتَبَ مُرْتَدٌّ بُنِيَ عَلَى أَقْوَالِ مِلْكِهِ، فَإِنْ وَقَفْنَاهُ بَطَلَتْ عَلَى الجَدِيدِ. وَلَا تَصِحُّ كِتَابَةُ مَرْهُونٍ، وَمُكْرَىً. وَشَرْطُ الْعِوَضِ كَوْنُهُ دَيْنًا مُؤَجَّلًا، وَلَوْ مَنْفَعَةً، وَمُنَجَّمًا بِنَجْمَيْنِ فَأَكْثَرَ، وَقِيلَ: إنْ مَلَكَ بَعْضَهُ وَبَاقِيهِ حُرٌّ لَمْ يُشْتَرَطْ أَجَلٌ وَتَنْجِيمٌ، وَلَوْ كَاتَبَ قِنَّهُ عَلَى خِدْمَةِ شَهْرٍ وَدِينَارٍ عِنْدَ انْقِضَائِهِ صَحَّتْ

تجز الورثة ما زاد على الثلث فيصح في ثلثه فقط فإذا أدى حصته من النجوم عتق. (ولو كاتب مرتد) قنه ولو مرتدا أيضا (بني على أقوال ملكه فإن وقفناه) وهو الأظهر (بطلت على الجديد) المبطل لوقف العقود وهو الأصح أيضا، وعلى القديم لا تبطل بل توقف فإن أسلم بان صحتها وإلا فلا. هذا إن لم يحجر الحاكم عليه وقلنا لا حجر عليه بنفس الردة وإلا بطلت قطعا. وتصح من حربي وغيره

(1)

. (ولا تصح كتابة) من تعلق به حق لازم نحو (مرهون) وجان تعلق برقبته مال; لأنه معرض للبيع فينافيها، وإنما صح عتقه; لأنه أقوى (ومكرى) أي سواء استؤجرت عينه أو سلم عما في الذمة

(2)

وإن كان للمؤجر إبداله; نظرا للحالة الراهنة، ومثله موصى بمنفعته بعد موت الموصي ومغصوب لا يقدر على انتزاعه.

(وشرط العوض كونه دينا) ; إذ لا ملك له يَرِد العقد عليه، موصوفا بصفات السلم، نعم يكفي نادر الوجود هنا، (مؤجلا) ; لأنه المأثور سلفا وخلفا ولأنه عاجز حالا (ولو منفعة) في الذمة كما يجوز جعلها ثمنا وأجرة فتجوز على بناء دارين في ذمته موصوفتين في وقتين معلومين لا على خدمة شهرين بنفسه -متصلين أو منفصلين- وإن صرح بأن كل شهر نجم; لأنهما نجم واحد إذ المنافع المتعلقة بالأعيان لا يجوز شرط تأجيلها، ومن ثم لم يصح على ثوب يؤدي نصفه بعد سنة ونصفه بعد سنتين. أما إذا لم يكن دينا فإن كان غير منفعة عين لم تصح الكتابة وإلا صحت على ما تقرر ويأتي، (ومنجما بنجمين) ولو إلى ساعتين وإن عظم المال (فأكثر) ; لأنه المأثور (وقيل إن ملك) السيد (بعضه وباقيه حر لم يشترط أجل وتنجيم) ; لأنه قد يملك ببعضه الحر ما يؤديه حالا (ولو كاتب قنه على) منفعة عين مع غيرها مؤجلا نحو (خدمة شهر) مثلا من الآن (ودينار) في أثنائه وقد عينه كيوم يمضي منه (عند انقضائه) أو خياطة ثوب صفته كذا في أثنائه أو عند انقضائه (صحت) الكتابة; لأن المنفعة مستحقة حالا،

(1)

. ومسألة المتن غير مكرره مع ما ذكر في الردة خلافا للمغني.

(2)

. خلافا لهما فخصوه بالأول.

ص: 607

أَوْ عَلَى أَنْ يَبِيعَهُ كَذَا فَسَدَتْ، وَلَوْ قَالَ كَاتَبْتُكَ وَبِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ بِأَلْفٍ وَنَجَّمَ الْأَلْفَ وَعَلَّقَ الحُرِّيَّةَ بِأَدَائِهِ فَالمَذْهَبُ صِحَّةُ الْكِتَابَةِ دُونَ الْبَيْعِ، وَلَوْ كَاتَبَ عَبِيدًا عَلَى عِوَضٍ مُنَجَّمٍ وَعَلَّقَ عِتْقَهُمْ بِأَدَائِهِ فَالنَّصُّ صِحَّتُهَا، وَيُوَزِّعُ عَلَى قِيمَتِهِمْ يَوْمَ الْكِتَابَةِ فَمَنْ أَدَّى حِصَّتَهُ عَتَقَ وَمَنْ عَجَزَ رَقَّ. وَتَصِحُّ كِتَابَةُ بَعْضِ مَنْ بَاقِيهِ حُرٌّ، فَلَوْ كَاتَبَ كُلَّهُ صَحَّ فِي الرِّقِّ فِي الْأَظْهَرِ

والمدة لتقديرها، والدينار إنما تستحق المطالبة به بعد المدة التي عينها لاستحقاقه. وإذا اختلف الاستحقاق حصل تعدد التنجيم. ولا يضر حلول المنفعة لقدرته عليها حالا فعلم أن الأجل إنما هو شرط في غير منفعة يقدر على الشروع فيها حالا، وأن الشرط في المنافع المتعلقة بالعين اتصالها بالعقد بخلاف الملتزمة في الذمة، وأن شرط المنفعة التي توصل بالعقد ويمكن الشروع فيها عقبه ضميمة نجم آخر إليها كالمثال المذكور، وأن شرطه تقدم زمن الخدمة فلو قدم زمن الدينار على زمن الخدمة لم تصح. ويتبع في الخدمة العرف فلا يشترط بيانها، (أو) كاتبه (على أن يبيعه كذا) أو يشتري منه كذا (فسدت) الكتابة; لأنه كبيعتين في بيعة. (ولو قال كاتبتك وبعتك هذا الثوب بألف ونجم الألف) بنجمين فأكثر ككاتبتك وبعتك هذا بألف إلى شهرين تؤدي منهما خمسمائة عند انقضاء الأول والباقي عند انقضاء الثاني (وعلق الحرية بأدائه) وقبلهما العبد معا أو مرتبا (فالمذهب صحة الكتابة) بقدر ما يخص قيمة العبد من الألف الموزعة عليها وعلى قيمة الثوب؛ تفريقا للصفقة، وما يخص العبد يؤديه في النجمين مثلا (دون البيع)؛ لتقدم أحد شقيه على أهلية العبد لمبايعة السيد. (ولو كاتب) عبدين، أو (عبيدا) صفقة واحدة (على عوض) واحد (منجم) بنجمين مثلا (وعلق عتقهم بأدائه) ككاتبتكم على ألف إلى شهرين إلى آخر ما مر (فالنص صحتها)؛ لاتحاد مالك العوض مع اتحاد لفظه فهو كبيع عبيد بثمن واحد (ويوزع) المسمى (على قيمتهم يوم الكتابة) ; لأنه وقت الحيلولة بينهم وبين السيد (فمن أدى) منهم (حصته عتق)؛ لاستقلال كل منهم، ولا يقال علق العتق بأدائهم; لأن المغلب في الكتابة الصحيحة حكم المعاوضة، ولهذا يعتق بالإبراء مع انتفاء الأداء. (ومن عجز) منهم (رق)؛ لذلك. (وتصح كتابة بعض من باقيه حر) بأن قال كاتبت ما رق منك لا بعضه; لما يأتي، وذلك؛ لإفادتها الاستقلال المقصود بالعقد (فلو كاتب كله) أو تعرض لكل من نصفيه وقَدَّمَ الرق؛ لما مر أن الشرط تقدم ما يصح وإن علم حرية باقيه (صح في الرق في الأظهر)؛ تفريقا للصفقة فإذا أدى قسط الرق من القيمة عتق.

ص: 608

وَلَوْ كَاتَبَ بَعْضَ رَقِيقٍ فَسَدَتْ إنْ كَانَ بَاقِيهِ لِغَيْرِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ، وَكَذَا إنْ أَذِنَ أَوْ كَانَ لَهُ عَلَى المَذْهَبِ. وَلَوْ كَاتَبَاهُ مَعًا أَوْ وَكَّلَا صَحَّ إنْ اتَّفَقَتْ النُّجُومُ وَجُعِلَ المَالُ عَلَى نِسْبَةِ مِلْكَيْهِمَا، فَلَوْ عَجَزَ فَعَجَّزَهُ أَحَدُهُمَا وَأَرَادَ الْآخَرُ إبْقَاءَهُ فَكَابْتِدَاءِ عَقْدٍ، وَقِيلَ يَجُوزُ، وَلَوْ أَبْرَأَ مِنْ نَصِيبِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ عَتَقَ نَصِيبُهُ، وَقُوِّمَ الْبَاقِي إنْ كَانَ مُوسِرًا

(ولو كاتب بعض رقيق فسدت إن كان باقيه لغيره ولم يأذن) في كتابته; لعدم استقلاله حينئذ، (وكذا إن أذن) فيها (أو كان له على المذهب) ; لأنه حيث رق بعضه لم يستقل بالكسب سفرا وحضرا فينافي مقصود الكتابة. وقد تصح كتابة البعض كأن أوصى بكتابة عبد أو كاتبه وهو مريض ولم يخرج من الثلث إلا بعضه ولم تجز الورثة، وكذا لو أوصى بكتابة البعض

(1)

، أو كاتب البعض في مرض موته وهو ثلث ماله. (ولو كاتباه) أي عبدهما استوى ملكهما فيه أم اختلف (معا أو وكَّلا) من يكاتبه أو وكَّل أحدهما الآخر (صح) ذلك (إن اتفقت النجوم) جنسا وصفة وعددا وأجلا (وجعل المال على نسبة ملكيهما) صرحا بذلك أم أطلقا; لئلا يؤدي إلى انتفاع أحدهما بمال الآخر، فإن انتفى شرط مما ذكر بأن جعلاه على غير نسبة الملكين فسدت (فلو عجز) المكاتب (فعجَّزه أحدهما) وفسخ الكتابة (وأراد الآخر إبقاءه) أي العقد في حصته وإنظاره (فكابتداء عقد) على البعض أي هو مثله فلا يجوز ولو بإذن الشريك كما مر، (وقيل يجوز) ; لأنه يغتفر في الدوام ما لا يغتفر في الابتداء (ولو أبرأ) أحد المكاتبين العبد (من نصيبه) من النجوم (أو أعتقه) أي نصيبه منه أو كله (عتق نصيبه) منه (وقوم) عليه (الباقي) وعتق عليه وكان الولاء كله له (إن كان موسرا) وقد عاد رقه بأن عجز فعجزه الآخر

(2)

؛ لأنه لما أبرأه من جميع ما يستحقه أشبه ما لو كاتب جميعه وأبرأه من النجوم. أما إذا أعسر أو لم يعد الرق وأدى نصيب الشريك من النجوم فيعتق نصيبه عن الكتابة ويكون الولاء لهما. وخرج بالإبراء والإعتاق ما لو قبض نصيبه فلا يعتق وإن رضي الآخر بتقديمه; لأنه ليس له تخصيص أحدهما بالقبض.

(1)

. بخلاف ما لو كان الباقي موقوفا على مسجد أو جهة عامه خلافا للنهاية.

(2)

. هنا اعتراض على المتن أقره المغني ورده الشارح.

ص: 609

فصل

يَلْزَمُ السَّيِّدَ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ جُزْءًا مِنَ المَالِ، أَوْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ. وَالحَطُّ أَوْلَى، وَفِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ أَلْيَقُ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَكْفِي مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاسْمُ وَلَا يَخْتَلِفُ بِحَسَبِ المَالِ، وَأَنَّ وَقْتَ وُجُوبِهِ قَبْلَ الْعِتْقِ، وَيُسْتَحَبُّ الرُّبُعُ، وَإِلَّا فَالسُّبُعُ. وَيَحْرُمُ وَطْءُ مُكَاتَبَتِهِ، ....

(فصل) في بيان ما يلزم السيد ويسن له ويحرم عليه، وما لولد المكاتبة والمكاتب من الأحكام، وبيان امتناع السيد من القبض، ومنع المكاتب من التزوج والتسري وبيعه للمكاتب أو لنجومه وتوابع لما ذكر

(يلزم السيد) أو وارثه مقدما له على مؤن التجهيز (أن يحط عنه

(1)

في الكتابة الصحيحة لا الفاسدة (جزءا من المال) المكاتب عليه (أو يدفعه) أي جزءا من المعقود عليه بعد أخذه، أو من جنسه لا من غيره كالزكاة إلا إن رضي (إليه)؛ لقوله تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} النور:33. ولو أبرأه من الكل فلا وجوب، وكذا لو كاتبه في مرض موته وهو ثلث ماله أو كاتبه على منفعته، (والحط أولى) من الدفع; لأنه المأثور عن الصحابة رضي الله عنهم، (و) الحط (في النجم الأخير أليق

(2)

; لأنه أقرب إلى تحصيل مقصود العتق، وحينئذ فينبغي أن أليق بمعنى أفضل (والأصح أنه يكفي) فيه (ما يقع عليه الاسم) أي اسم مال (ولا يختلف بحسب المال) قلة وكثرة; لأنه لم يصح فيه توقيف (و) الأصح (أن وقت وجوبه قبل العتق) أي يدخل وقت أدائه بالعقد، ويتضيق إذا بقي من النجم الأخير قدر ما يفي به من مال الكتابة; لما مر أنه ليس القصد به إلا الإعانة على العتق، فإن لم يؤد قبله أدى بعده وكان قضاء (ويستحب الرُّبُع)؛ لقول ابن راهويه أجمع أهل التأويل أنه المراد من الآية (وإلا) يسمح به (فالسُّبُع)؛ اقتداء بابن عمر رضي الله عنهما. (ويحرم) على السيد (وطء مكاتبته) كتابة صحيحة؛ لاختلال ملكه كالرجعية، فلو شرط في الكتابة أن يطأها فسدت. وكالوطء كل استمتاع حتى النظر،

(1)

. ولو كانت الكتابة بدراهم ووضع السيد عنه دينارين، ثم قال: أردت ما يقابلها من الدراهم صح وإن جهلاه؛ لأن الحط مجرد تبرع كما نص عليه الشارح في البيع 4/ 257.

(2)

. ذكر الشارح قبيل فصل الاستثناء في الطلاق أنه لو كان مكاتب عليه أربعة نجوم فقال سيده ضعوا عنه أوسطها تخير الوارث بين الثاني والثالث 8/ 60.

ص: 610

وَلَا حَدَّ، وَيَجِبُ مَهْرٌ، وَالْوَلَدُ حُرٌّ نَسِيبٌ، وَلَا تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى المَذْهَبِ، وَصَارَتْ مُسْتَوْلَدَةً مُكَاتَبَةً فَإِنْ عَجَزَتْ عَتَقَتْ بِمَوْتِهِ. وَوَلَدُهَا مِنْ نِكَاحٍ أَوْ زِنًا مُكَاتَبٌ فِي الْأَظْهَرِ يَتْبَعُهَا رِقًّا وَعِتْقًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَالحَقُّ فِيهِ لِلسَّيِّدِ، وَفِي قَوْلٍ لَهَا، فَلَوْ قُتِلَ فَقِيمَتُهُ لِذِي الحَقِّ، وَالمَذْهَبُ أَنَّ أَرْشَ جِنَايَتِهِ عَلَيْهِ، وَكَسْبَهُ وَمَهْرَهُ يُنْفَقُ مِنْهَا عَلَيْهِ، وَمَا فَضَلَ وُقِفَ، فَإِنْ عَتَقَ فَلَهُ، وَإِلَّا فَلِلسَّيِّدِ. وَلَا يَعْتِقُ شَيْءٌ مِنَ المُكَاتَبِ حَتَّى يُؤَدِّيَ الجَمِيعَ. وَلَوْ أَتَى بِمَالٍ فَقَالَ السَّيِّدُ هَذَا حَرَامٌ وَلَا بَيِّنَةَ حَلَفَ المُكَاتَبُ أَنَّهُ حَلَالٌ،

ومثلها المبعضة (ولا حد) لشبهة الملك لكن يعزر إن علم تحريمه كهي إن طاوعته، (ويجب مهر) واحد ولو في مرات وإن طاوعته؛ للشبهة أيضا، (والولد) منه (حر نسيب) ; لأنها علقت به في ملكه (ولا تجب قيمته على المذهب)؛ لانعقاده حرا (وصارت) به (مستولدة مكاتبة) ; إذ مقصودهما واحد هو العتق (فإن) أدت النجوم عتقت عن الكتابة وتبعها كسبها وولدها، وإن (عجزت عتقت بموته) عن الاستيلاد وعتق معها ما حدث لها بعد الاستيلاد من الأولاد، فإن مات قبل عجزها عتقت لكن عن الكتابة كما لو نجز عتق مكاتبته (وولدها) أي المكاتبة -لا بقيد الاستيلاد- الرقيق الحادث بعد الكتابة وقبل العتق (من نكاح أو زنا مكاتب) أي يثبت له حكم المكاتب (في الأظهر يتبعها رقا وعتقا) ; لأنه من كسبها فيتبعها في ذلك كولد المستولدة، نعم لا يتبعها لو عتقت لا بجهة الكتابة بأن رقت ثم عتقت بجهة أخرى (وليس عليه) أي الولد (شيء) من النجوم; إذ لا التزام منه (والحق) أي حق الملك (فيه) أي الولد (للسيد) لا للأم، ومن ثم لو وطئه السيد لو كان أنثى لم يلزمه مهر (وفي قول) الحق (لها) أي المكاتبة; لأنه مكاتب عليها (فلو قتل فقيمته) تجب (لذي الحق) منهما (والمذهب أن أرش جنايته عليه) أي الولد فيما دون النفس (وكسبه ومهره) إذا كان أنثى ووطئت بشبهة (ينفق) أراد بالنفقة ما يشمل سائر المؤن (منها) أي الثلاثة (عليه وما فضل وقف، فإن عتق فله وإلا فللسيد) كما أن كسب الأم لها إن عتقت وإلا فللسيد. (ولا يعتق شيء من المكاتب حتى يؤدي الجميع) أي جميع المال المكاتب عليه ما عدا ما يجب إيتاؤه، أو يبرأ منه أو تقع الحوالة به لا عليه؛ للخبر الصحيح ((المكاتب عبد ما بقي عليه درهم)) (ولو أتى) المكاتب، ومثله في جميع الأحكام الآتية المدين (بمال فقال السيد هذا حرام) أو ليس ملكك (ولا بينة) له بذلك (حلف المكاتب) أنه ليس بحرام أو (أنه حلال) أو أنه ملكه وصُدِّق؛ عملا بظاهر اليد، نعم إن كان

ص: 611

وَيُقَالُ لِلسَّيِّدِ تَأْخُذُهُ أَوْ تُبْرِئُهُ عَنْهُ، فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي، فَإِنْ نَكَلَ المُكَاتَبُ حَلَفَ السَّيِّدُ. وَلَوْ خَرَجَ المُؤَدَّى مُسْتَحَقًّا رَجَعَ السَّيِّدُ بِبَدَلِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي النَّجْمِ الْأَخِيرِ بَانَ أَنَّ الْعِتْقَ لَمْ يَقَعْ. وَإِنْ كَانَ قَالَ عِنْدَ أَخْذِهِ أَنْتَ حُرٌّ. وَإِنْ خَرَجَ مَعِيبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَأَخْذُ بَدَلِهِ. وَلَا يَتَزَوَّجُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ، وَلَا يَتَسَرَّى بِإِذْنِهِ عَلَى المَذْهَبِ

الأصل فيه التحريم كلحم قال له هذا حرام وجب استفصاله، فإن قال إنه ميتة فقال بل حلال صدق السيد; لأن الأصل عدم التذكية كنظيره في السلم، نعم محله ما لم يقل ذكيته وإلا صدق لتصريحهم بقبول خبر الفاسق والكافر عن فعل نفسه كقوله ذبحت هذه الشاة (ويقال للسيد تأخذه أو تبرئه عنه) أي عن قدره؛ لتعنته، نعم فيما إذا أقر السيد بحرمته إن عين له مالكا وقبضه لزمه دفعه له؛ مؤاخذة له بإقراره، وإن لم يعين أُمِر بإمساكه إلى تبين صاحبه ومُنِع من التصرف فيه، فإن كذَّب نفسه وقال هو للمكاتب قُبِل ونفذ تصرفه فيه (فإن أبى قبضه القاضي) وعتق المكاتب إن لم يبق عليه شيء. أما إذا كان له بينة بما يقوله فلا يجبر على قبضه. وسمعت -وإن لم يعين المغصوب منه- لأن له غرضا ظاهرا بالامتناع من الحرام، (فإن نكل المكاتب) عن الحلف (حلف السيد) وكان كإقامته البينة. (ولو خرج المؤدى) من النجوم (مستحقا) أو زيفا (رجع السيد ببدله)؛ لفساد القبض، (فإن كان) ما خرج مستحقا أو زيفا (في النجم الأخير) مثلا (بان) ولو بعد موت المكاتب أو السيد (أن العتق لم يقع)؛ لبطلان الأداء (وإن كان) السيد (قال عند أخذه) أي متصلا بالقبض (أنت حر) أو أعتقتك; لأنه بناه على ظاهر الحال وهو صحة الأداء وقد بان خلافه، أما لو قال ذلك منفصلا عن القبض فلا يقبل منه قوله أنه بناه على ظاهر الحال، (وإن خرج معيبا فله رده) أو رد بدله إن تلف

(1)

، أو بقي وقد حدث به عيب عنده (وأخذ بدله) وإن قل العيب; لأن العقد إنما يتناول السليم، وبرده أو بطلب الأرش يتبين أن العتق لم يحصل وإن كان قال له عند الأداء أنت حر كما مر، فإن رضي به وكان في النجم الأخير بان حصول العتق من وقت القبض. (ولا يتزوج) المكاتب (إلا بإذن سيده) ; لأنه عبد كما مر في الخبر (ولا يتسرى) يعني لا يطأ مملوكته وإن لم ينزل (بإذنه على المذهب)؛ لضعف ملكه، وليس له الاستمتاع بما دون الوطء أيضاً.

(1)

. يفهم منه أنه عند تلفه أو بقائه مع حدوث عيب فيه عنده يرد بدله ويأخذ بدله، وقضية الروض وشرحه أنه لا رد بل له الأرش.

ص: 612

وَلَهُ شِرَاءُ الجَوَارِي لِلِتِجَارَةٍ فَإِنْ وَطِئَهَا فَلَا حَدَّ، وَالْوَلَدُ نَسِيبٌ فَإِنْ وَلَدَتْهُ فِي الْكِتَابَةِ أَوْ بَعْدَ عِتْقِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَبِعَهُ رِقًّا وَعِتْقًا، وَلَا تَصِيرُ مُسْتَوْلَدَةً فِي الْأَظْهَرِ، وَإِنْ وَلَدَتْهُ بَعْدَ الْعِتْقِ لِفَوْقِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَانَ يَطَؤُهَا فَهُوَ حُرٌّ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. وَلَوْ عَجَّلَ النُّجُومَ لَمْ يُجْبَرِ السَّيِّدُ عَلَى الْقَبُولِ إنْ كَانَ لَهُ فِي الِامْتِنَاعِ غَرَضٌ كَمُؤْنَةِ حِفْظِهِ أَوْ خَوْفٍ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَيُجْبَرُ فَإِنْ أَبَى قَبَضَهُ الْقَاضِي

(وله شراء الجواري للتجارة)؛ توسعا له في طرق الاكتساب (فإن وطئها) ولم يبال بمنعنا له (فلا حد) عليه (والولد) من وطئه (نسيب) لاحقٌ به؛ لشبهة الملك، ولا مهر; لأنه المالك وإن ضعف ملكه (فإن ولدته في) حال بقاء (الكتابة) لأبيه أو مع عتقه (أو بعد عتقه) لكن (لدون ستة أشهر) منه (تبعه رقا وعتقا) ولم يعتق حالا؛ لضعف ملكه (ولا تصير مستولدة في الأظهر) ; لأنها علقت بمملوك (وإن ولدته بعد العتق لفوق ستة أشهر وكان يطؤها) ولو مرة مع العتق

(1)

، أو بعده وأمكن

(2)

كون الولد من الوطء بأن كان لستة أشهر فأكثر منه، وبما تقرر من فرض ولادته بعد العتق بستة أشهر أو أكثر يعلم أن التقييد بالإمكان المذكور إنما هو في صورة الأكثر فقط، وأما إذا قارن الوطء العتق فيلزم الإمكان منه; لأن الفرض أنه لستة بعد العتق (فهو حر وهي أم ولد)؛ لظهور العلوق بعد الحرية؛ تغليبا لها، فإن انتفى شرط مما ذكر بأن لم يطأها مع العتق ولا بعده، أو ولدته لدون ستة أشهر من الوطء لم تكن أم ولد؛ لعلوقها به في حال عدم صحة إيلاده. (ولو عجل) المكاتب (النجوم) قبل وقت حلولها أو بعضها قبل محله (لم يجبر السيد على القبول إن كان له في الامتناع) من قبضها (غرض) صحيح نظير ما مر في السلم (كمؤنة حفظه) أي مال النجوم إلى محله أو علفه (أو خوف عليه) لنحو نهب وإن كاتبه في وقته; لما في الإجبار حينئذ من الضرر، وكذا لو كان يؤكل عند المحل طريا، أو لئلا تتعلق به زكاة (وإلا) يكن له غرض صحيح في الامتناع (فيجبر) على القبول; لأن للمكاتب غرضا صحيحا فيه وهو العتق أو تقريبه من غير ضرر على السيد. ويجبر على القبض أو الإبراء هنا نظير ما مر (فإن أبى) قبضه لعجز القاضي عن إجباره أو لكونه لم يجده (قبضه القاضي) عنه وعتق المكاتب إن حصل بالمؤدَّى شرط العتق; لأنه نائب الممتنع كما لو غاب.

(1)

. أي مطلقا سواء أتت به لستة أشهر أو لأكثر من العتق كما في شرح المنهج.

(2)

. قيد في البعدية فقط.

ص: 613

وَلَوْ عَجَّلَ بَعْضَهَا لِيُبْرِئَهُ مِنْ الْبَاقِي فَأَبْرَأَ لَمْ يَصِحَّ الدَّفْعُ وَلَا الْإِبْرَاءُ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ النُّجُومِ، وَالِاعْتِيَاضُ عَنْهَا، فَلَوْ بَاعَ وَأَدَّى إلَى المُشْتَرِي لَمْ يَعْتِقْ فِي الْأَظْهَرِ، وَيُطَالِبُ السَّيِّدُ المُكَاتَبَ، وَالمُكَاتَبُ المُشْتَرِيَ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ رَقَبَتِهِ فِي الجَدِيدِ، فَلَوْ بَاعَ فَأَدَّى النُّجُومَ إلَى المُشْتَرِي فَفِي عِتْقِهِ الْقَوْلَانِ، وَهِبَتُهُ كَبَيْعِهِ. وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُ مَا فِي يَدِ المُكَاتَبِ وَإِعْتَاقُ عَبْدِهِ وَ تَزْوِيجُ أَمَتِهِ، وَلَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَعْتِقْ مُكَاتَبَك عَلَى كَذَا فَفَعَلَ عَتَقَ وَلَزِمَهُ مَا الْتَزَمَ

ولو أتى به في غير بلد العقد ولنقله إليها مؤنة، أو كان نحو خوف لم يجبر وإلا أجبر (ولو عجل بعضها) أي النجوم قبل المحل (ليبرئه من الباقي) أي بشرط ذلك من أحدهما ووافقه الآخر (فأبرأه) مع الأخذ (لم يصح الدفع ولا الإبراء)؛ للشرط الفاسد; لأنه يشبه ربا الجاهلية، فعلى السيد رد المأخوذ ولا عتق، نعم لو أبرأه عالما بفساد الدفع صح وعتق. ويجري ذلك في كل دين عجل بهذا الشرط.

[فرع] أوصى بنجوم المكاتب فعجز فعجَّزه الموصى له لم ينفذ وكان ردا منه للوصية

(ولا يصح بيع النجوم) ; لأنه بيع ما لم يقبض. وما يتطرق السقوط إليه كالمسلم فيه بل أولى; للزومه من الطرفين (و) كذا لا يصح (الاعتياض عنها) من المكاتب؛ لعدم استقرارها (فلو باعـ) ها السيد لآخر (وأدَّا) ها المكاتب (إلى المشتري لم يعتق في الأظهر) وإن تضمن البيع الإذن في قبضها; لأن المشتري يقبض لنفسه بحكم الشراء الفاسد فلم يصح قبضه فلا عتق (ويطالب السيد المكاتب) بها (و) يطالب (المكاتب المشتري بما أخذ منه) ; لما تقرر من فساد قبضه. وفارق المشتري الوكيل بأنه يقبض لنفسه كما تقرر، ومن ثم لو علما فساد البيع وأذن له السيد في قبضها كان كالوكيل فيعتق بقبضه (ولا يصح بيع رقبته) أي المكاتب كتابة صحيحة بغير رضاه (في الجديد) كالمستولدة، نعم يجوز بيعه لنفسه كبيعه من غيره برضاه ويكون فسخا للكتابة كما تقرر (فلو باعـ) ـه السيد (فأدى النجوم إلى المشتري ففي عتقه القولان) السابقان في بيع نجومه أظهرهما المنع (وهبته) وغيرها (كبيعه) فتبطل بغير رضاه أيضا، وكذا الوصية به إن نجزها لا إن علقها بعدم عتقه. (وليس له بيع ما في يد المكاتب وإعتاق عبده) أي عبد المكاتب (وتزويج أمته) وغير ذلك من التصرفات; لأنه معه في المعاملات كأجنبي (ولو قال) له (رجل أعتق مكاتبك) عنك وكذا إن أطلق (على كذا) سواء أقال عليَّ أم لا (ففعل عتق ولزمه ما التزم) كما لو قال ذلك

ص: 614

فصل

الْكِتَابَةُ لَازِمَةٌ مِنْ جِهَةِ السَّيِّدِ لَيْسَ لَهُ فَسْخُهَا إلَّا أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْأَدَاءِ، وَجَائِزَةٌ لِلْمُكَاتَبِ، فَلَهُ تَرْكُ الْأَدَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ وَفَاءٌ، فَإِذَا عَجَّزَ نَفْسَهُ فَلِلسَّيِّدِ الصَّبْرُ وَالْفَسْخُ بِنَفْسِهِ، وَإِنْ شَاءَ بِالحَاكِمِ، وَلِلْمُكَاتَبِ الْفَسْخُ فِي الْأَصَحِّ. وَلَوِ اسْتَمْهَلَ المُكَاتَبُ عِنْدَ حُلُولِ النَّجْمِ اُسْتُحِبَّ إمْهَالُهُ،

في المستولدة وهو بمنزلة فداء الأسير. أما لو قال أعتقه عني على كذا فقال أعتقته عنك فلا يعتق عن السائل بل عن المعتق ولا يستحق المال. ولو علق عتقه على صفة فوجدت عتق كما مر وبرئ عن النجوم فيتبعه كسبه.

(فصل) في بيان لزوم الكتابة من جانب وجوازها من جانب

وما يترتب عليهما، وغير ذلك

(الكتابة) الصحيحة (لازمة من جهة السيد) ; لأنها لحظ المكاتب فقط فكان كالمرتهن، والسيد كالراهن (ليس له فسخها إلا أن يعجز عن الأداء

(1)

عند المحل -ولو عن بعض النجم- فله فسخها فتنفسخ بغير حاكم، ولا تنفسخ بمجرد عجزه من غير فسخ، نعم لا أثر لعجزه عما يجب حطه فيرفع الأمر للحاكم ليلزم السيد بالإيتاء، والمكاتب بالأداء، أو يحكم بالتقاص إن رآه للمصلحة وإنما لم يحصل التقاص بنفسه; لعدم وجود شرطه الآتي إلا إن غاب كما يأتي، أو امتنع مع القدرة من الأداء فللسيد فسخها حينئذ (وجائزة للمكاتب فله ترك الأداء وإن كان معه وفاء) ; لأن الحظ له (فإذا عَجَّز نفسه) بقوله أنا عاجز عن كتابتي مع تركه الأداء ولو مع القدرة عليه، وهذا تصوير والمدار إنما هو على الامتناع مع القدرة فمتى امتنع من الأداء عند المحل (فللسيد) ولو على التراخي (الصبر والفسخ بنفسه وإن شاء بالحاكم) ; لأنه مجمع عليه فلم يتوقف على حاكم لكنه آكد، (وللمكاتب) وإن لم يعجز نفسه (الفسخ) لها (في الأصح) كما أن للمرتهن فسخ الرهن. وإذا عاد للرق فأكسابه كلها للسيد إلا اللقطة كما مر. (ولو استمهل المكاتب) السيد (عند حلول النجم) الأخير أو غيره؛ لعجزه عن الأداء حينئذ (استحب) له استحبابا مؤكدا (إمهاله)؛ إعانة له على العتق. أو لا لعجز لزمه

(1)

. أشار الشارح في الفلس أن لا يحبس مكاتب لنجم لتمكنه من إسقاطه متى شاء 5/ 142.

ص: 615

فَإِنْ أَمْهَلَ ثُمَّ أَرَادَ الْفَسْخَ فَلَهُ، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ عُرُوضٌ أَمْهَلَهُ لِيَبِيعَهَا، فَإِنْ عَرَضَ كَسَادٌ فَلَهُ أَلَّا يَزِيدَ فِي المُهْلَةِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَإِنْ كَانَ مَالُهُ غَائِبًا أَمْهَلَهُ إلَى الإحْضَارِ إنْ كَانَ دُونَ مَرْحَلَتَيْنِ، وَإِلَّا فَلَا. وَلَوْ حَلَّ النَّجْمُ وَهُوَ غَائِبٌ فَلِلسَّيِّدِ الْفَسْخُ، فَلَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي الْأَدَاءُ مِنْهُ

الإمهال بقدر إخراج المال من محله ووزنه ونحو ذلك، ويظهر أنه يلزمه لما يحتاج إليه كأكل وقضاء حاجة، وأنه لا تتوسع الأعذار هنا توسعها في الشفعة والرد بالعيب; لأن الحق هنا واجب بالطلب فلم يجز تأخيره إلا للأمر الضروري ونحوه، ومن ثم يظهر أن المدين في الدين الحال بعد مطالبة الدائن له كالمكاتب فيما ذكر; لأنه يلزمه الأداء فورا بعد الطلب، (فإن أمهل) ـه (ثم أراد) السيد (الفسخ فله) ; لأن الحال لا يتأجل (وإن كان) له دين ثابت على مليء، أو (معه عروض أمهله) وجوبا؛ ليستوفيه، أو (ليبيعها)؛ لقرب مدتها وعظيم مصلحتها (فإن عرض كساد) أو غيره (فله ألا يزيد في المهلة على ثلاثة أيام)؛ لتضرره لو لزمه إمهال أكثر من ذلك، (وإن كان ماله غائبا أمهله) وجوبا (إلى الإحضار إن كان دون مرحلتين) ; لأنه بمنزلة الحاضر (وإلا) بأن غاب لمرحلتين فأكثر (فلا) يلزمه إمهال؛ لطول المدة وللسيد الفسخ. (ولو حل النجم) ثم غاب بغير إذن السيد، أو حل (وهو) أي المكاتب (غائب) عن المحل الذي يلزمه الأداء فيه إلى مسافة قصر لا دونها

(1)

كما لو غاب ماله (فللسيد الفسخ) بلا حاكم وإن غاب بإذنه أو عجز عن الحضور لنحو خوف أو مرض وذلك; لتعذر الوصول إلى الغرض وكان من حقه أن يحضر أو يبعث المال، والإذن قبل الحلول لا يستلزم

(2)

الإذن له في استمرار الغيبة. ولو أنظره بعد الحلول وسافر بإذنه ثم رجع لم يفسخ حالا; لأن المكاتب غير مقصر حينئذ بل حتى يعلمه بالحال بكتاب قاضي بلد سيده إلى قاضي بلده بعد ثبوت مقدمات ذلك ويحلف أن حقه باق ويذكر أنه ندم على الإذن والإنظار وأنه رجع عنهما، نعم ذكر الندم غير شرط. (فلو كان له مال حاضر فليس للقاضي الأداء منه) بل يُمَكَّن السيد من الفسخ حالا; لأنه ربما لو حضر امتنع من الأداء أو عجز نفسه.

(1)

. خلافا لشرح المنهج.

(2)

. وفاقا للمغني والأسنى وخلافا للنهاية.

ص: 616

وَلَا تَنْفَسِخُ بِجُنُونِ المُكَاتَبِ، وَيُؤَدِّي الْقَاضِي إنْ وَجَدَ لَهُ مَالًا وَلَا بِجُنُونِ السَّيِّدِ، وَيَدْفَعُ إلَى وَلِيِّهِ، وَلَا يَعْتِقُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ. وَلَوْ قَتَلَ سَيِّدَهُ فَلِوَارِثِهِ قِصَاصٌ، فَإِنْ عَفَا عَلَى دِيَةٍ أَوْ قَتَلَ خَطَأً أَخَذَهَا مِمَّا مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلَهُ تَعْجِيزُهُ فِي الْأَصَحِّ، أَوْ قَطَعَ طَرَفَهُ فَاقْتِصَاصُهُ وَالدِّيَةُ كَمَا سَبَقَ. وَلَوْ قَتَلَ أَجْنَبِيًّا أَوْ قَطَعَهُ فَعَفَا عَلَى مَالٍ أَوْ كَانَ خَطَأً أَخَذَ مِمَّا مَعَهُ وَمِمَّا سَيَكْسِبُهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَالْأَرْشِ

(ولا تنفسخ) الكتابة ولو فاسدة

(1)

(بجنون) أو إغماء (المكاتب) ولا بالحجر عليه لسفه؛ للزومها من أحد الطرفين كالرهن، ثم إن لم يكن له مال جاز للسيد الفسخ فيعود قنا وتلزمه مؤنته ما لم يبن له مال في يد السيد

(2)

يفي فينقض فسخه ويعتق، وإن كان له مال أتى السيد الحاكم وأثبت عنده الكتابة وحلول النجم وطالب به وحلف يمين الاستظهار على بقاء استحقاقه (و) حينئذ (يؤدي) إليه (القاضي) من ماله (إن وجد له مالا) ولم يستقل السيد بالأخذ ولو من المحجور وظهرت المصلحة له في العتق بأن لم يضع به; لأنه ينوب عنه لعدم أهليته، بخلاف غائب له مال حاضر. أما إذا لم تظهر المصلحة له فيه فلا يجوز للحاكم الأداء عنه ولا للسيد الاستقلال بالأخذ، (ولا) تنفسخ (بجنون) أو إغماء (السيد) ولا بموته أو الحجر عليه؛ للزومها من جهته (ويدفع) المكاتب النجوم (إلى وليه) إذا جن أو حجر عليه أو وارثه إذا مات; لأنه قائم مقامه (ولا يعتق بالدفع إليه) أي المجنون; لعدم أهليته فيسترده المكاتب لبقائه بملكه، نعم لا يضمنه لو تلف في يده؛ لتقصيره بالدفع له بل للولي تعجيزه إذا لم يبق بيده شيء. (ولو قَتَل) المكاتب (سيده) عمدا (فلوارثه قصاص، فإن عفا على ديةٍ أو قَتَل خطأً) أو شبه عمد (أخذها) أي الوارث الدية بالغة ما بلغت (مما معه) ومما سيكسبه إن لم يختر تعجيزه; لأن السيد مع المكاتب في المعاملة كأجنبي فكذا الجناية (فإن لم يكن) في يده شيء أصلا، أو يفي بالأرش (فله) أي الوارث (تعجيزه في الأصح) ; لأنه يستفيد به رده إلى محض الرق. وإذا رق سقط الأرش فلا يتبع به إذا عتق كمن ملك عبدا له عليه دين (أو قطع) المكاتب (طرفه) أي السيد (فاقتصاصه والدِّية كما سبق) في قتله له. (ولو قتل) المكاتب (أجنبيا أو قطعه) عمدا وجب القود، فإن اختار المستحق العفو (فعفا على مال أو كان) ما فعله (خطأ) أو شبه عمد (أخذ مما معه ومما سيكسبه) إلى حين عتقه (الأقل من قيمته والأرش) ; لأنه

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(2)

. أي وإلا مضى الفسخ.

ص: 617

فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ شَيْءٌ وَسَأَلَ المُسْتَحِقُّ تَعْجِيزَهُ عَجَّزَهُ الْقَاضِي وَبِيعَ بِقَدْرِ الْأَرْشِ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ بَقِيَتْ فِيهِ الْكِتَابَةُ. وَلِلسَّيِّدِ فِدَاؤُهُ وَإِبْقَاؤُهُ مُكَاتَبًا، وَلَوْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الجِنَايَةِ أَوْ أَبْرَأَهُ عَتَقَ وَلَزِمَهُ الْفِدَاءُ، وَلَوْ قُتِلَ المُكَاتَبُ بَطَلَتْ وَمَاتَ رَقِيقًا. وَلِسَيِّدِهِ قِصَاصٌ عَلَى قَاتِلِهِ المُكَافِئِ، وَإِلَّا فَالْقِيمَةُ. وَيَسْتَقِلُّ بِكُلِّ تَصَرُّفٍ لَا تَبَرُّعَ فِيهِ وَلَا خَطَرَ، وَإِلَّا فَلَا

يملك تعجيز نفسه فلا يبقى للأرش تعلق سوى رقبته فلزمه الأقل من قيمتها والأرش (فإن لم يكن معه شيء) قدر الواجب (وسأل المستحق) وهو المجني عليه، أو وارثه (تعجيزه عجزه القاضي) أو السيد

(1)

، وإنما يعجزه فيما يحتاج لبيعه في الأرش فقط إلا أن لا يتأتى بيع بعضه (وبيع) منه (بقدر الأرش) فقط إن زادت قيمته عليه; لأنه الواجب (فإن بقي منه شيء بقيت فيه الكتابة

(2)

فإذا أدى حصته من النجوم عتق ولا سراية (وللسيد فداؤه) بأقل الأمرين ويلزم المستحق القبول؛ لتشوف الشارع للعتق (وإبقاؤه مكاتبا، ولو أعتقه بعد الجناية أو أبرأه) عن النجوم (عتق) إن كان السيد موسرا في مسألة الإعتاق (ولزمه الفداء) بالأقل; لأنه فوت رقبته بخلاف ما لو عتق بالأداء بعد الجناية. (ولو قُتِل المكاتب بطلت) كتابته (ومات رقيقا)؛ لفوات محل الكتابة فللسيد ما يتركه بحكم الملك لا الإرث، ويلزمه تجهيزه وإن لم يخلف وفاء (ولسيده قصاص على قاتله) العامد (المكافئ) له؛ لبقائه بملكه (وإلا) يكافئه (فالقيمة) له هي الواجبة له عليه; لأنها جناية على قنه، فإن قتله سيده لم يلزمه إلا الكفارة بخلاف ما لو قطع طرفه فإنه يضمنه له. ولو قطع المكاتب طرف أبيه المملوك له قطع طرفه به ولم تراع

(3)

شبهة الملك; لأن حرمة الأبوة أقوى منها. (ويستقل) المكاتب (بكل تصرف لا تبرع فيه ولا خطر) كمعاملة بثمن مثل; لأن في ذلك تحصيلا للعتق المقصود (وإلا) بأن كان فيه تبرع كبيع بدون ثمن مثل ونحوه من كل محسوب من الثلث لو وقع في مرض الموت، أو خطر كالبيع نسيئة ولو بأكثر من قيمته -إلا إن أخذ رهنا أو كفيلا

(4)

فيجوز- (فلا) يستقل به

(1)

. وفاقا للنهاية وخلافا لشرح المنهج والمغني فاعتمدا أنه لا يحتاج هنا لتعجيز، بل يتبين بالبيع انفساخ الكتابة.

(2)

. قضية كلام الشارح أانه لا يعجز الجميع فيما إذا احتيج إلى بيع بعضه خاصة، خلافا لشرح الروض.

(3)

. وفاقا للنهاية وخلافا للمغني.

(4)

. خلافا للمغني.

ص: 618

وَيَصِحُّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فِي الْأَظْهَرِ. وَلَوِ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى سَيِّدِهِ صَحَّ، فَإِنْ عَجَزَ وَصَارَ لِسَيِّدِهِ عَتَقَ، أَوْ عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ بِلَا إذْنٍ، وَبِإِذْنٍ فِيهِ الْقَوْلَانِ، فَإِنْ صَحَّ تَكَاتَبَ عَلَيْهِ، وَلَا يَصِحُّ إعْتَاقُهُ وَ كِتَابَتُهُ بِإِذْنٍ عَلَى المَذْهَبِ.

فصل

الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ لِشَرْطٍ أَوْ عِوَضٍ، أَوْ أَجَلٍ فَاسِدٍ كَالصَّحِيحَةِ فِي اسْتِقْلَالِهِ بِالْكَسْبِ، ....

; لأن أحكام الرق جارية عليه. ويمتنع تكفيره بالمال مع أنه لا تبرع فيه، وما تصدق به عليه مما يؤكل ولا يباع عادة له التبرع به؛ لخبر بريرة. وله نحو قطع السلعة مما الغالب فيه السلامة وإن كان فيه خطر، (ويصح) ما فيه تبرع وخطر (بإذن سيده في الأظهر) ; لأن المنع إنما هو لحقه، وكإذنه قبوله منه تبرعه عليه أو على مكاتب له آخر بأداء ما عليه، نعم ليس له عتق ووطء وكتابة ولو بإذنه كما يأتي. (ولو اشترى) كل أو بعض (من يعتق على سيده صح) ولا يعتق على السيد؛ لاستقلال المكاتب بالملك (فإن عجز وصار لسيده عتق) عليه؛ لدخوله في ملكه، ولا يسري البعض في صورته إلى الباقي وإن اختار سيده تعجيزه; لما مر في العتق (أو) اشترى من يعتق (عليه) لو كان حرا (لم يصح بلا إذن) من سيده; لأنه تكاتب عليه كما يأتي (و) شراؤه له (بإذن) منه (فيه القولان) في تبرعاته أظهرهما الصحة (فإن صح) الشراء (تكاتب عليه) فيتبعه رقا وعتقا، وليس له نحو بيعه (ولا يصح إعتاقه وكتابته) لقنه (بإذن) من سيده (على المذهب)؛ لتضمنهما الولاء وليس من أهله، نعم لو أعتقه عن سيده أو غيره بإذنه صح وكان الولاء للسيد.

(فصل) في بيان ما تفارق فيه الكتابة الباطلة الفاسدة، وما توافق أو تباين فيه الفاسدة الصحيحة، وتخالف المكاتب وسيده أو وارثه وغير ذلك

(الكتابة الفاسدة لشرط) فاسد كأن شرط أن كسبه بينهما أو تأخر عتقه عن الأداء (أو عوض) فاسد كأن كاتبه على نحو خمر (أو أجل فاسد) كأن يؤجل بمجهول أو يجعله نجما واحدا، أو لغير ذلك كأن يكاتب بعض الرقيق (كالصحيحة في استقلاله) أي المكاتب (بالكسب) ; لأنه يعتق فيها بالأداء أيضا وهو إنما يحصل بالتمكن من الاكتساب.

ص: 619

وَفِي أَخْذِ أَرْشِ الجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَمَهْرِ شُبْهَةٍ، وَفِي أَنَّهُ يَعْتِقُ بِالْأَدَاءِ وَيَتْبَعُهُ كَسْبُهُ، وَكَالتَّعْلِيقِ فِي أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِإِبْرَاءٍ. وَتَبْطُلُ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ. وَيَصِحُّ الْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ، وَلَا يُصْرَفُ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ المُكَاتَبِينَ

وخرج بها الباطلة وهي ما اختل بعض أركانها كاختلال بعض شروط العاقدين السابقة، وكالعقد بنحو دم وكفقد إيجاب أو قبول فهي لغو إلا في تعليق عتق إن وقعت ممن يصح تعليقه، وكذا يفترقان في نحو الحج والعارية والخلع (وفي أخذ أرش الجناية عليه و) في أخذ أمة ما وجب لها من (مهر) عقد صحيح عليها أو وطء (شبهة) ; لأنهما في معنى الاكتساب (وفي أنه يعتق بالأداء) للسيد عند المحل بحكم التعليق؛ لوجود الصفة. ولكون المقصود بالكتابة العتق لم تتأثر بالتعليق الفاسد، ومن ثم لم يشاركه عقد فاسد في إفادة ملك أصلا (و) في أنه (يتبعه) إذا عتق (كسبه) الحاصل بعد التعليق، وولده من أمته ككسبه لكن لا يجوز له بيعه; لأنه تكاتب عليه ويعتق إذا عتق، وكذا ولد المكاتبة كتابة فاسدة. وقضية كلام المصنف أن الفاسدة كالصحيحة فيما ذكر فقط وليس مرادا بل كالصحيحة في أن نفقته تسقط عن السيد إذا استقل بالكسب بخلاف الفطرة

(1)

، وله معاملة سيده

(2)

(وكالتعليق) بصفة (في أنه لا يعتق بإبراء) عن النجوم، ولا بأداء من الغير عنه تبرعا أو وكالة، ولا بالأداء لوكيل السيد؛ لتعذر حصول الصفة -وأجزأ في الصحيحة; لأن المغلب فيها المعاوضة والأداء والإبراء فيها واحد- (و) في أن كتابته (تبطل بموت سيده) قبل الأداء؛ لجوازها من الجانبين ولعدم حصول المعلق عليه، ولا يعتق بالأداء للوارث بخلاف الصحيحة، نعم إن قال إن أديت لي أو لوارثي لم تبطل (و) في أنه (يصح) نحو بيعه وهبته وإعتاقه عن الكفارة و (الوصية برقبته) وإن ظن صحة الكتابة; لأن العبرة بما في نفس الأمر (و) في أنه (لا يصرف إليه سهم المكاتبين) ; لأنها جائزة من الجانبين فالأداء فيها غير موثوق به، وفي أنه يمنعه من السفر، ويطؤها

(3)

، ولا يعتق بتعجيل النجوم.

(1)

. عبارة المغني.

(2)

. خلافا لهما.

(3)

. وفاقا لشيخ الإسلام والمغني وخلافا للنهاية.

ص: 620

وَتُخَالِفُهُمَا فِي أَنَّ لِلسَّيِّدِ فَسْخَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَا يَأْخُذُهُ، بَلْ يَرْجِعُ المُكَاتَبُ بِهِ إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا، وَهُوَ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْعِتْقِ. فَإِنْ تَجَانَسَا فَأَقْوَالُ التَّقَاصِّ، وَيَرْجِعُ صَاحِبُ الْفَضْلِ بِهِ. قُلْتُ: أَصَحُّ أَقْوَالِ التَّقَاصِّ سُقُوطُ أَحَدِ الدَّيْنَيْنِ بِالْآخَرِ بِلَا رِضًا،

(وتخالفهما) أي الفاسدة الصحيحة والتعليق (في أن للسيد فسخها) بالفعل كالبيع والقول كأبطلتها فلا يعتق بأداء بعد الفسخ; لأن تعليقها في ضمن معاوضة لم يسلم فيها العوض كما يأتي فلم تلزم. وإطلاق الفسخ فيها فيه تجوز; لأنه إنما يكون في صحيح، وقيد بالسيد; لأنه يمتنع عليه الفسخ في الصحيحة كما قدمه وكذا في التعليق، وأما العبد فيجوز له الفسخ في الصحيحة والفاسدة دون التعليق، (و) في أنها تبطل بنحو إغماء السيد والحجر عليه بسفه كما يأتي لا فلس بخلاف نحو إغماء العبد والحجر عليه، وفي (أنه لا يملك ما يأخذه)؛ لفساد العقد (بل يرجع) فيما إذا عتق بالأداء (المكاتب به) أي بعينه (إن) بقي وإلا فبمثله في المثلي وقيمته في المتقوم إن (كان متقوما) يعني له قيمة، أما ما لا قيمة له كخمر فلا يرجع بعد تلفه على سيده بشيء، نعم له أخذ محترم غير متقوم كجلد ميتة لم يدبغ (وهو) أي السيد يرجع (عليه) أي المكاتب (بقيمته) ; لأن فيها معنى المعاوضة وقد تلف المعقود عليه بالعتق; إذ لا يمكن رده. وتعتبر القيمة هنا (يوم العتق) ; لأنه يوم التلف. ولو كاتب كافر كافرة على فاسد مقصود كخمر وقبض في الكفر فلا تراجع كما علم مما مر في نكاح المشرك (فإن تجانسا) أي ما يرجع به العبد وما يستحقه السيد عليه بأن كانا دينين نقدين واتفقا جنسا ونوعا وصفة واستقرارا وحلولا (فأقوال التقاص) الآتية (ويرجع صاحب الفضل به) إن فضل شيء; لأنه حقه. أما إذا عتق لا بأداء بأن أعتقه السيد لا عن الكتابة ولو عن كفارته -ومثل ذلك لو باعه أو وهبه أو رهنه أو أوصى برقبته ولم يقيد بعجزه

(1)

- فإنه يصح ويكون فسخا لها فلا يتبعه كسب ولا ولد. ومما تخالف الصحيحة فيه أنه لا يجب فيها إيتاء ولا تصح الوصية بنجومها ولا تمنع رجوع الأصل ولا تحرم النظر على السيد ولا توجب عليه مهرا بوطئه لها، وفي صور أخرى تبلغ ستين صورة (قلت: أصح أقوال التقاص سقوط أحد الدينين بالآخر) أي بقدره منه إن اتفقا في جميع ما مر وكانا نقدين (بلا رضا) من صاحبهما أو من أحدهما; لأن طلب

(1)

. أما إذا قيد بعجزه فلا يكون فسخا حتى إذا أدى قبل التعجيز عتق.

ص: 621

وَالثَّانِي بِرِضَاهُمَا، وَالثَّالِثُ بِرِضَا أَحَدِهِمَا، وَالرَّابِعُ لَا يَسْقُطُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ فَسَخَهَا السَّيِّدُ فَلْيُشْهِدْ. وَلَوْ أَدَّى المَالَ فَقَالَ السَّيِّدُ: كُنْتُ فَسَخْتُ فَأَنْكَرَهُ صُدِّقَ الْعَبْدُ بِيَمِينِهِ. وَالْأَصَحُّ بُطْلَانُ الْفَاسِدَةِ بِجُنُونِ السَّيِّدِ وَإِغْمَائِهِ وَالحَجْرِ عَلَيْهِ، لَا بِجُنُونِ الْعَبْدِ. وَلَوِ ادَّعَى كِتَابَةً فَأَنْكَرَ سَيِّدُهُ أَوْ وَارِثُهُ صُدِّقَا، وَحَلَفَ الْوَارِثُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ

حدهما الآخر بمثل ما له عليه عبث، (والثاني) إنما يسقط (برضاهما) ; لأنه يشبه الحوالة، (والثالث) يسقط (برضا أحدهما) ; لأن للمدين أن يؤدي من حيث شاء (والرابع لا يسقط) وإن تراضيا (والله أعلم) ; لأنه يشبه بيع الدين بالدين. أما إذا اختلفا جنسا أو غيره مما مر فلا تقاص كما لو كانا غير نقدين وهما متقومان مطلقا أو مثليان ولم يترتب على ذلك عتق فإن ترتب جاز؛ لتشوف الشارع إليه

(1)

، أما لو اتفقا أجلا فيمنع التقاص

(2)

؛ لأن أجل أحدهما قد يحل بموته قبل الآخر. ولو تراضيا بجعل الحال قصاصا عن المؤجل لم يجز، ومحله إذا لم يحصل به عتق وإلا جاز، (فإن فسخها السيد) أو العبد (فليشهد) ندبا احتياطا; لئلا يتجاحدا. (ولو أدى) المكاتب (المال فقال السيد) له (كنت فسخت) قبل أن تؤدي (فأنكره) العبد أي أصل الفسخ أو كونه قبل الأداء (صدق العبد بيمينه) ; لأن الأصل عدم ما ادعاه السيد فلزمته البينة. (والأصح بطلان) الكتابة (الفاسدة بجنون السيد وإغمائه والحجر عليه) بالسفه (لا بجنون العبد) ; لأن الحظ له، فإذا أفاق وأدى المسمى عتق وثبت التراجع (ولو ادعى كتابة فأنكر) هـ (سيده أو وارثه صدقا) أي كل منهما باليمين; لأن الأصل عدمها (وحلف الوارث على نفي العلم) والسيد على البت كما علم مما مر. ولو ادعاها السيد وأنكر العبد جعل إنكاره تعجيزا

(3)

منه لنفسه، نعم إن اعترف السيد مع ذلك بأداء المال عتق بإقراره، ويتجه أن محل ما

(1)

. عبارة النهاية.

(2)

. قال ابن قاسم: ((هذا بالنظر لغير مسألة الكتابة)).

(3)

. أي فيتمكن السيد من الفسخ الذي كان ممتنعا عليه، ولا ينفسخ بنفس التعجيز،، خلافا لقضية شرح المنهج والمغني.

ص: 622

وَلَوِ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ النُّجُومِ أَوْ صِفَتِهَا تَحَالَفَا، ثُمَّ إنْ لَمْ يَكُنْ قَبَضَ مَا يَدَّعِيهِ لَمْ تَنْفَسِخِ الْكِتَابَةُ فِي الْأَصَحِّ، بَلْ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا فَسَخَ الْقَاضِي. وَإِنْ كَانَ قَبَضَهُ وَقَالَ المُكَاتَبُ: بَعْضُ المَقْبُوضِ وَدِيعَةٌ عَتَقَ وَيَرْجِعُ هُوَ بِمَا أَدَّى، وَالسَّيِّدُ بِقِيمَتِهِ، وَقَدْ يَتَقَاصَّانِ. وَلَوْ قَالَ: كَاتَبْتُكَ وَأَنَا مَجْنُونٌ أَوْ مَحْجُورٌ عَلَيَّ فَأَنْكَرَ الْعَبْدُ صُدِّقَ السَّيِّدُ إنْ عُرِفَ سَبْقُ مَا ادَّعَاهُ، وَإِلَّا فَالْعَبْدُ

ذكر في الإنكار إن تعمده من غير عذر. (ولو اختلفا في قدر النجوم

(1)

أي الأوقات أو ما يؤدي كل نجم (أو صفتها) -أراد بها ما يشمل الجنس والنوع والصفة وقدر الأجل- ولا بينة أو لكل منهما بينة (تحالفا) كما مر في البيع، نعم إن كان خلافهما يؤدي لفسادها كأن اختلفا هل وقعت على نجم واحد أو أكثر؟ صدق مدعي الصحة بيمينه نظير ما مر ثَم (ثُم) بعد التحالف (إن لم يكن) السيد (قبض ما يدعيه لم تنفسخ الكتابة في الأصح)؛ قياسا على البيع (بل إن لم يتفقا) على شيء (فسخ القاضي) الكتابة لا هما

(2)

; لأنه يحتاج لنظر واجتهاد كالفسخ بالعنة (وإن كان) السيد (قبضه) أي ما ادعاه بتمامه (وقال المكاتب بعض المقبوض) لم تقع به الكتابة وإنما هو (وديعة) أودعتُهُ إياه ولم أدفعه عن جهة الكتابة (عتق)؛ لاتفاقها على وقوع العتق على التقديرين (ويرجع هو) أي العبد (بما أدى) جميعه (و) يرجع (السيد بقيمته) أي العبد; لأنه لا يمكن رد العتق (وقد يتقاصان) إن وجدت شروط التقاص السابقة بأن تلف المؤدى وكان هو أو قيمته من جنس قيمة العبد وصفتها. (ولو قال كاتبتك وأنا مجنون أو محجور علي) بسفه طرأ (فأنكر العبد) وقال بل كنت عاقلا

(3)

(صدق السيد) بيمينه (إن عرف سبق ما ادعاه) ; لأن الأصل بقاؤه فقوي جانبه، ومن ثم صدق مع كونه يدعي الفساد على خلاف القاعدة، وإنما لم يصدق من زوج بنته ثم ادعى ذلك وإن عهد له; لأن الحق تعلق بثالث بخلاف هنا (وإلا) يعرف ذلك (فالعبد) هو المصدق بيمينه; لأن الأصل ما ادعاه.

(1)

. وذكر الشارح قبيل الوقف أنه لو كوتب خسيس ونفيس على نجوم متفاوتة بحسب قيمتهما فأحضرا مالا وادعى الخسيس أنه بينهما والنفيس أنه متفاوت على قدر النجوم صدق الخسيس عملا باليد 6/ 123.

(2)

. خلافا لهما فجوزا فسخهما، بل فسخ أحدهما، وعلل الشارح ما ذهب إليه بالاحتياط لتسبب العتق المتشوف إليه الشارع، وذكر ذلك في اختلاف المتبايعين 4/ 479.

(3)

. عبر المغني وشيخ الإسلام بـ ((كاملا)).

ص: 623

وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: وَضَعْتُ عَنْكَ النَّجْمَ الْأَوَّلَ أَوْ قَالَ الْبَعْضَ، فَقَالَ بَلِ الْآخِرَ أَوِ الْكُلَّ صُدِّقَ السَّيِّدُ. وَلَوْ مَاتَ عَنِ ابْنَيْنِ وَعَبْدٍ فَقَالَ كَاتَبَنِي أَبُوكُمَا، فَإِنْ أَنْكَرَا صُدِّقَا، وَإِنْ صَدَّقَاهُ فَمُكَاتَبٌ، فَإِنْ أَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَالْأَصَحُّ لَا يَعْتِقُ، بَلْ يُوقَفُ، فَإِنْ أَدَّى نَصِيبَ الْآخَرِ عَتَقَ كُلُّهُ وَوَلَاؤُهُ لِلْأَبِ، وَإِنْ عَجَزَ قُوِّمَ عَلَى المُعْتِقِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِلَّا فَنَصِيبُهُ حُرٌّ، وَالْبَاقِي مِنْهُ قِنٌّ لِلْآخَرِ. قُلْتُ: بَلِ الْأَظْهَرُ الْعِتْقُ، وَاَللهُ أَعْلَمُ، وَإِنْ صَدَّقَهُ أَحَدُهُمَا فَنَصِيبُهُ مُكَاتَبٌ، وَنَصِيبُ المُكَذِّبِ قِنٌّ،

(ولو قال) السيد (وضعت عنك النجم الأول أو قال) وضعت (البعض فقال) المكاتب (بل) وضعت (الآخر أو الكل صدق السيد) بيمينه; لأنه أعرف بإرادته وفعله، والصورة أن النجمين اختلفا قدرا

(1)

وإلا لم يكن للخلاف فائدة. (ولو مات عن ابنين وعبد فقال) لهما وهما كاملان (كاتبني أبوكما، فإن أنكرا) ذلك (صدقا) بيمينهما على نفي علمهما بكتابة الأب (وإن صدقاه) أو قامت بذلك بينة (فمكاتب)؛ عملا بقولهما أو البينة (فإن أعتق أحدهما نصيبه) أو أبرأه عن نصيبه من النجوم (فالأصح) أنه (لا يعتق) ; لعدم تمام ملكه (بل يوقف فإن أدى نصيب الآخر عتق كله وولاؤه للأب) ; لأنه عتق بحكم كتابته ثم ينتقل لهما سواء (وإن عجز قُوِّم على المعتق إن كان موسرا) وقت العجز وولاؤه كله له (وإلا) يكن موسرا (فنصيبه حر والباقي قن للآخر، قلت: بل الأظهر العتق) في الحال لما أعتقه (والله أعلم) كما لو كاتبا عبدا وأعتق أحدهما نصيبه لكن لا سراية هنا; لأن الوارث نائب الميت وهو لا سراية عليه، ومن ثم لو عتق نصيب الآخر بأداء أو إعتاق أو إبراء كان الولاء على المكاتب للأب ثم لهما عصوبة على ما مر، وإن عجز فعجزه الآخر عاد نصيبه قنا ولا سراية؛ لما تقرر أن الكتابة السابقة تقتضي حصول العتق بها والميت لا سراية عليه (وإن صدقه أحدهما فنصيبه مكاتب)؛ مؤاخذة له بإقراره. واغتفر التبعيض في الكتابة للضرورة كما لو أوصى بكتابة عبد فلم يخرج إلا بعضه (ونصيب المكذب قن) إذا حلف على نفي العلم بكتابة أبيه؛ استصحابا لأصل الرق فنصف الكسب له ونصفه للمكاتب.

(1)

. أسقط المغني قوله قدرا.

ص: 624

فَإِنْ أَعْتَقَهُ المُصَدِّقُ فَالمَذْهَبُ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا

(فإن أعتقه المصدق) أي كله أو نصيبه منه (فالمذهب أنه يقوم عليه إن كان موسرا)؛ لزعم منكر الكتابة أنه رقيق كله لهما، فإذا أعتق صاحبه نصيبه سرى إليه؛ عملا بزعمه وجبت القيمة

(1)

. وخرج بأعتق عتقه عليه بأداء أو إبراء فلا يسري

(2)

.

(1)

. تصريح بالغرم خلافا لشرح الروض.

(2)

. ذكر الشارح في القرض أنه لو قال السيد: أعتقتك بألف، فقال العبد: بل مجانا صدق العبد؛ لأن الأصل عدم الألف 5/ 38.

ص: 625

‌كتاب أُمَّهَاتِ الأَوْلَاد

إذَا أَحْبَلَ أَمَتَهُ فَوَلَدَتْ حَيًّا أَوْ مَيْتًا أَوْ مَا تَجِبُ فِيهِ غُرَّةٌ عَتَقَتْ بِمَوْتِ السَّيِّدِ

(كتاب أُمَّهَات الأولاد

(1)

)

الأصل فيه الأخبار الصحيحة منها أنه صلى الله عليه وسلم استولد مارية القبطية بإبراهيم وقال ((أعتقها ولدها)) أي أثبت لها حق الحرية; لأنه انعقد حرا إجماعا. (إذا أحبل) حر كله وكذا بعضه

(2)

ولو مجنونا ومكرها ومحجور سفه، وكذا فلس

(3)

. وخرج بالحر المكاتب فلا تعتق بموته أمته ولا ولدها; لما مر أنه ليس من أهل الولاء (أمته) أي من له فيها ملك وإن قل; لما قدمه في العتق بقوله ((واستيلاد أحد الشريكين الموسر يسري))، ومثله استيلاد أصل أحدهما ولو كانت مزوجة أو محرمة، أو مسلمة وهو كافر ويحال بينه وبينها كما لو أسلمت مستولدته أو حبلت من غير فعله كأن استدخلت ذكره أو ماءه المحترم (فولدت) في حياة السيد، أو بعد موته بمدة يحكم بثبوت نسبه منه، وفي هذه الصورة الأوجه أنها تعتق من حين الموت فتملك كسبها بعده (حيا أو ميتا) وإن لم ينفصل كله

(4)

(أو ما تجب فيه غرة) كأن وضعت عضوا منه

(5)

-وإن لم تضع الباقي- أو مضغة فيها تخطيط ظاهر ولو للقوابل بخلاف ما إذا لم يكن فيها تخطيط كذلك وإن قلن لو بقي لتخطط (عتقت بموت السيد) ولو بقتلها له؛ للخبر الصحيح ((أيما أمة ولدت من سيدها فهي حرة بعد موته))، وقد لا تعتق بموته كأن ولدت منه أمة له مرهونة أو جانية تعلق برقبتها مال، أو لعبده المدين المأذون له في التجارة، أو لمورثه وقد

(1)

. قضية كلام الشارح أنه قربة بقصد التوسل للعتق، واعتمد المغني أنه إن قصد به حجر الاستمتاع لم يكن قربة أو نحو حصول ولد فقربة، وفي النهاية قريب منه.

(2)

. خلافا لشرح الروض.

(3)

. هذا ما يظهر أن الشارح معتمده، وعبر فيه هنا بالمنقول، وفي باب الفلس بكما، وفاقا للمغني وخلافا للنهاية.

(4)

. خلافا لهما.

(5)

. خلافا للمغني.

ص: 629

أَوْ أَمَةَ غَيْرِهِ بِنِكَاحٍ فَالْوَلَدُ رَقِيقٌ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا. أَوْ بِشُبْهَةٍ فَالْوَلَدُ حُرٌّ، وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ إذَا مَلَكَهَا فِي الْأَظْهَرِ. وَلَهُ وَطْءُ أُمِّ الْوَلَدِ وَاسْتِخْدَامُهَا وَإِجَارَتُهَا وَأَرْشُ جِنَايَةٍ عَلَيْهَا. وَكَذَا تَزْوِيجُهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا فِي الْأَصَحِّ. وَيَحْرُمُ بَيْعُهَا

تعلق بالتركة دين وهو معسر

(1)

ومات كذلك، وكأن أوصى بعتق أمة تخرج من ثلثه فأولدها الوارث فلا ينفذ إيلاده مع أنها ملكه; لئلا تبطل الوصية، وكأن وطئ صبي له تسع سنين أمته فولدت لأكثر من ستة أشهر فيلحقه -وإن لم يحكم ببلوغه- ولا يثبت استيلاده (أو) أحبل (أمة غيره) أو حبلت منه (بنكاح) ولم يغر بحريتها؛ لما قدمه في خيار النكاح، أو زنا (فالولد رقيق) لسيدها; لأنه يتبع أمَّه رقا وحرية (ولا تصير أم ولد إذا ملكها) ; لأن أمية الولد إنما تثبت لها تبعا لحريته وهو قن، نعم إن ملكها وهي حامل منه بنكاح عتق عليه الولد، وكملكها ما لو ملكها فرعه كأن نكح حر أمة أجنبي ثم ملكها ابنه، أو عبد أمة ابنه ثم عتق فلا ينفسخ النكاح، فلو أولدها

(2)

ثبت الاستيلاد وانفسخ النكاح (أو) حبلت منه أمة الغير (بشبهة) منه بأن ظنها زوجته الحرة وإن كانت زوجته الأمة بأن تزوج حرة وأمة فوطئ الأمة يظن أنها الحرة أو أمته. وكالشبهة نكاح من غر بحريتها كما مر آنفا (فالولد حر)؛ عملا بظنه وعليه قيمته لسيدها. وخرج بتفسير الشبهة بما ذكر شبهة الملك كالمشتركة وقد مرت آنفا، وشبهة الطريق كأن وطئها بجهة قال بها عالم فلا تؤثر حريته؛ لانتفاء ظنها، (ولا تصير أم ولد إذا ملكها في الأظهر) ; لأنها علقت به في غير ملكه فلا نظر لحرية الولد. وكملكه ما له حق الملك فيه كأمة مكاتبه وأمة ابنه إذا لم يستولدها الابن. (وله وطء أم الولد) إجماعا ما لم يحصل هناك مانع ككونها محرَّمة بنحو نسب، أو مسلمة وهو كافر، أو موطوءة ابنه، أو مكاتبته، أو كونه مبعضا وإن أذن له مالك بعضه، (و) له (استخدامها وإجارتها) وإعارتها، وقيمتها إذا قتلت (وأرش جناية عليها) وعلى أولادها التابعين لها، وله قيمتهم إذا قتلوا؛ لبقاء ملكه على الكل (وكذا) له ولو مبعضا (تزويجها بغير إذنها في الأصح) ; لأنه يملكها من غير مانع فيه بخلاف كافر في مستولدته المسلمة. (ويحرم) ولا يصح (بيعها) ومثلها ولدها التابع لها، وصح ((أمهات الأولاد لا يُبَعْنَ ولا يُرْهَنَّ ولا يورثن يستمتع بها سيدها ما دام حيا فإذا مات فهي

(1)

. هذا وما بعده قيد في المسائل الأربعة.

(2)

. خالفاه في حكم هذه المسألة.

ص: 630

وَرَهْنُهَا وَهِبَتُهَا. وَلَوْ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا فَالْوَلَدُ لِلسَّيِّدِ يَعْتِقُ بِمَوْتِهِ كَهِيَ. وَأَوْلَادُهَا قَبْلَ الِاسْتِيلَادِ مِنْ زَوْجٍ أَوْ زِنًا لَا يَعْتِقُونَ بِمَوْتِ السَّيِّدِ، وَلَهُ بَيْعُهُمْ. وَعِتْقُ المُسْتَوْلَدَةِ مِنْ رَأْسِ المَالِ، وباللهِ التَّوْفِيقُ.

الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لَهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُوْلِكَ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ

حرة))، نعم لو حكم ببيعها حاكم لم ينقض. وتصح كتابتها ونحو بيعها من نفسها. ويصح بيع المرهونة والجانية وأم ولد المكاتب كما مر (ورهنها) ; لأنه يسلط على البيع (وهبتها) ولو مرهونة وجانية; لأنها تنقل الملك. (ولو ولدت) بعد الاستيلاد (من زوج) رقيقا (أو) من (زنا) أو من شبهة بأن ظن كونها زوجته الأمة كما علم مما مر (فالولد للسيد يعتق) وإن ماتت أمه (بموته) ويمتنع نحو بيعه (كهي) ; لأن الولد يتبع أمه رقا وحرية وكذا في سببها اللازم، نعم لو غُرَّ بحريتها كان ولده منها حرا وعليه قيمته. وخرج بـ ((زوج)) و ((زنا)) ولدها من السيد فهو حر وإن ظنها زوجته الأمة (وأولادها قبل الاستيلاد من زوج أو زنا لا يعتقون بموت السيد وله بيعهم)؛ لحدوثهم قبل سبب الحرية اللازم.

[فرع] لو ادعى ورثة سيدها مالاً له بيدها قبل موته فادعت تلفه أي قبل الموت صدقت بيمينها، أما دعواها تلفه بعد الموت فلا تصدق فيه; لأن يدها عليه حينئذ يد ضمان; لأنه ملك الغير وهي حرة. وتقبل شهادة الأب على ابنه بإقراره بالاستيلاد وإن تضمنت الشهادة لولد الولد; لأنها تابعة والمقصود الشهادة على ولده بالاستيلاد، وتسمع دعواها على السيد الإيلاد إن أرادت إثبات أمية الولد لا نسبه. (وعتق المستولدة) ولو في المرض وإن نجز عتقها فيه أو أوصى بعتقها من الثلث، وكذا أولادها الحادثون بعد الاستيلاد (من رأس المال) مقدما على الديون والوصايا؛ للخبر السابق عنه صلى الله عليه وسلم، والحمد لله رب العالمين في الآخرة والأولى [(وباللهِ التَّوْفِيقُ، الحَمْدُ للهِ الَّذِي هَدَانَا لَهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللهُ، اللهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ وَرَسُوْلِكَ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ)].

[وقد كان الفراغ من هذا المختصر ليلة الجمعة لاثني عشر ليلة بقيت من شهر المحرم سنة أربعة وعشرين وأربع مائة وألف من الهجرة على صاحبها أفضل الصلاة والسلام]

ص: 631