المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مُخْتَصَرٌ فِي فِقْهِ الإِمَامِ المُبَجَّلِ والحَبْرِ المُفَضَّلِ شيخِ أهلِ السُّنَّة والجَمَاعَة أَحْمَدَ بْنِ - مختصر خوقير في فقه الإمام أحمد

[أبو بكر خوقير]

فهرس الكتاب

مُخْتَصَرٌ

فِي فِقْهِ الإِمَامِ المُبَجَّلِ والحَبْرِ المُفَضَّلِ

شيخِ أهلِ السُّنَّة والجَمَاعَة

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ

إِمْلَاء الشَّيْخِ العَالِمِ العَلَّامَةِ

أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَارِفِ خُوقِير المَكِّيِّ الحَنْبَلِيِّ

(1284 - 1349 هـ)

اعتنى به

أ. د. عبدالسَّلام بن محمد الشُّويعر

ص: 3

[مقدمة التحقيق للطبعة الثانية]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهدُ أن محمداً عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما بعد

فإنَّ الفقهَ في الدِّين مِن أعظم المنن التي يَمتنُّ الله بها على من شاء من عباده، والموصوف بها في أعلا درجات التفضيل عند الله عز وجل، لذا كان سلوك طريقه من أفضل العبادات وأزكاها، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى طرق الجنة)

(1)

.

ومِن طرائق التفقه التي سار عليها أهل العلم قديماً وحديثاً النظرُ

(1)

رواه مسلم (2699) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. واللفظ له.

ورواه أبو داود (3641)، وابن ماجه (223)، والدارمي في (السنن 1/ 98)، وابن حبان (88)، والبغوي في (شرح السنة 1/ 275)، والبزار في مسنده (136 كشف الأستار) من حديث أبي درداء رضي الله عنه بزيادات. قال الحافظ ابن حجر في (الفتح 1/ 212):" له شواهد يتقوى بها ".

ص: 5

قي المختصرات والمتون القصيرة لما فيها من جمع المسائل المتفرقة في وريقات قليلة ليسهل حفظُها ومراجعتها، واستظهارُ الأحكام حال الحاجة إليها إن عُدم الاجتهاد في المسألة، وتدريسُها في الزمن القصير.

ولما كانت هذه المختصرات لم تجعل للاستدلال للمسائل فإنها خَلَتْ في الجُملةِ مِن الأدلة، فلا تُعابُ بذلك؛ كما لا تُعابُ كُتبُ الفقه أيضاً بخلوِّها مِن الشعر؛ كما قال أبو الفضل النحوي:

أصبحتُ فيمَن له دِينٌ بلا أَدَبٍ

ومَن له أَدَبٌ عارٍ مِن الدِّينِ

أصبحتُ فيهم غريبَ الشَّكلِ مُنفرَداً كبيتِ حَسَّانَ في ديوانِ سحنون

(1)

فمَن رام دليل مسألة مذكورة في مختصَرٍ رَجَعَ لأصلِه المبسُوطِ فسيجدُ الدليل فيه في نفس موضعها، فسهَّل المختصَرُ حينئذٍ معرفة موضع المسائل في المطولات.

فهذه المختصرات طريق من طرق التفقه في الدين علَّها تكون الأسهلَ عند الكثير، وهي ليست أدلةً تُعارضُ بها النصوصُ الشرعية، وإنما هي فهوم أهل العلم لهذه النصوص، زادها قوةً اجتماعُ عَددٍ كبيرٍ منهم على هذا الفهم، فالعبرةُ

-في الأصل- بما

(1)

يعني به بيت حسان بن ثابت:

و هان على سُرَاة بني لُؤيٍّ

حريقٌ بالبويرة مستطير.

حيث لم يأت في مدونة سحنون غير هذا البيت فقط.

ص: 6

جاء في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وحاشا أحداً من فقهاء الشريعة أن يقول بخلاف ذلك.

وبعد.

فهذا مختصر في الفقه على المعتمد من مذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل

-رحمه الله تعالى- حسب ما اعتمده متأخرو علماء المذهب، اختصر فيه ممليه ما في مختصرات متأخري الحنابلة.

فكان هذا المختصَرُ جامعاً لأهم المسائل ورؤوسها، وقد تميَّزَ على غيره من المختصرات في المذهب بأمور سيأتي ذكر بعضها عند التعريف بالكتاب.

لذلك جميعاً، ومحبةً في نشر العلم، والتشبهَ بأهلِه أحببتُ أن أسعَى بنشرِ هَذا المُختصَر اللطيفِ، وذلك بعدما أشارَ عليَّ به من إشارته أمر رحمه الله.

فأسأل الله العظيمَ ربَّ العرشِ الكريمِ أن ينفعَ به الجميعَ، وأن يمنَّ علينا بصلاحِ النيةِ وحُسن العمل على هدي النبي عليه السلام.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عَبد السَّلام بن محمَّد بن سَعد الشُّويعر

عفا الله عنه وعن والديه ومشايخه والمسلمين

ص: 7

‌التعريف بالكتاب والمؤلف:

‌أولاً: التعريف بالكتاب:

هذا المختصر أملاه الشيخ أبو بكر خُوقير في أخرِ حياته بعد عام 1342 هـ وشارَكَهُ في تحريرِه الشيخ محمد بن حمد ابن راشد الذي أخذ على عاتقِهِ النظرَ فيه، وعَرَضَه على بعض علماء الحنابلة في ذلك الوقتِ لإبداءِ المُلاحَظَات وتصحيحِ العِبَارات، ثم بعد ذلك طبعه على نفقته الخاصة في مصر في السنة التي مات فيها المُؤلِّفه عام (1349 هـ)

(1)

.

فيكون هذا الكتابُ قد اشترَكَ في تأليفِه والنظرِ فيه قَبلِ طباعته جماعةٌ من العلماء؛ مما يزيده قوةً، وضبطاً.

(1)

قال الشيخ محمد منير الدمشقي (ت 1367 هـ) صاحب المطبعة المنيرية في كتابه (نموذج من الأعمال الخيرية ص 98) عن الشيخ أبي بكر خوقير: (درس المترجم له المذهب الحنبلي وتمكن فيه، وبرع حتى أملى على أحد تلامذته قبل موته بمدة مختصراً في الفقه، وقمنا بطبعه على نفقة الفاضل الشيخ محمد بن حمد بن راشد المفتش في المدارس الأميرية والأهلية بمكة المكرمة).

وقد أشار لذلك الشيخ محمد ابن راشد في آخر الكتاب؛ كما سيأتي.

ص: 9

وطريقة هذا المختصَر الذي تعاقب على تأليف والنظر فيه جمعٌ من علماء الحنابلة -أولهم ممليه الشيخ أبو بكر خوقير، ثم محرره الشيخ محمد بن حمد ابن راشد مروراً بمن عرضه عليهم من علماء الحنابلة-:

- أنّه في الغالب لم يخرج عن ألفاظ المتأخرين وترتيبهم، بل يكاد يوافقهم فيها تمام الموافقة، فقد جرى على المعتمد في المذهب عند المتأخرين.

- أنه حذف كثيراً من المسائل قليلة الحدوث، أو تعداد الصور الكثيرة للأصل الواحد.

- وتميَّز هذا المختصر بسهولة عبارته وسلاستها، ويظهر ذلك ببعده عن كثرة الضمائر التي تصرف الوقت لتأمل عودها. وحرصه على التقسيم والتنويع.

- وممّا تميّز به وحقه التقدم ما وفَّق اللهُ له المختصِر فزان مختصَره فسَلِمَ مما وقع فيه بعض مؤلفي الكتب الفقهية في الأزمنة الفقهية في الأزمنة المتأخرة من الخطأ في بعض المباحث خطأً يخالف عقيدة أهل السنة والجماعة التي عليها سلف الأمة ومَن سار على نهجهم وخصوصاً في باب توحيد الإلاهية.

فكان من نعم الله تعالى على المصنف أنه كما صير مصنَّفَه على المعتمدِ مِن مذهبِ الإمامِ أحمدَ في الفروع كان على مذهبه في

ص: 10

الأصول، بل مذهب الأئمة جميعاً أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وكذا الليث وسفيان والأوزاعي وغيرهم -رحم الله الجميع-.

ومع ذلك فإن الكتاب فيه بعض النقص، وعليه بعض التتبع الذي لا يخلو منه كتاب حاشا كتاب الله - تعالى - وقد علقت على بعضها حَسْب الاستطاعة ومنتهى العلم.

ص: 11

‌ثانياً: التعريف بالمؤلف:

‌ترجمة الشيخ أبي بكر خوقير

(1)

*‌

‌ اسمه ونسبه:

هو الشيخ أبو بكر بن محمد عارف بن عبد القادر بن محمد علي خوقير المكي الحنبلي.

واسمه كنيته

(2)

، وقد رفع بعضُ مُترجميه نسبَه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه

(3)

.

(1)

ترجمته في المصادر التالية:

مجلة المنار مج 31 ص 240 ربيع الآخر 1349، الأعلام للزركلي 2/ 46، أعيان المكيين للمعلمي 1/ 415، تاريخ نجد وحوادثها للقاضي صـ 27، تسهيل السابلة لابن عثيمين 3/ 1797، جريدة الندوة عدد 10557، الجواهر الحسان لزكريا بيلا ص 595، روضة الناظرين للقاضي 1/ 98، سير وتراجم لعمر عبد الجبار ص 22، علماء آل سليم 2/ 252، فيض الملك المتعالي لعبد الستار الدهلوي 3/ 2052، قرة العين في أسانيد شيوخي من أعلام الحرمين للفاداني 2/ 445، مشاهير علماء نجد وغيرهم ص 300، مصطلحات الفقه الحنبلي ص 251، معجم المطبوعات العربية في المملكة لعلي جواد الطاهر 1/ 358، موسوعة أسبار للعلماء 1/ 132، نظم الدرر لعبد الله غازي ص 527، نثر الدرر لعبد الله غازي ص 17، نموذج من الأعمال الخيرية ص 98.

(2)

ووقع في (الجواهر الحسان لزكريا بيلا ص 595) أن اسمه «بكر» ، وسائر المصادر على خلافه. وكذا في النسخة الخطية من الجواهر الحسان لزكريا بيلا 3/ 421.

(3)

الجواهر الحسان لزكريا بيلا ص 597.

ص: 12

و (خُوقِير) تعني المالك لحريته، أو طبيعتِه بلغة الفُرْس، وهي لغة مستخدمة حيث كان أجداده ساكنين في الهند.

قال الشيخ المحدث عبد الستار الدهلوي (ت 1355 هـ): (الإمام المحدث السلفي الشهير .. صديقنا الفاضل السلفي، ورفيقنا الكامل الأثري)

(1)

.

وقال عبد الله غازي (ت 1365 هـ): (العلامة المحدث، السلفي الأثري)

(2)

.

وقال الشيخ حسن مشاط (ت 1399 هـ): (عاصرته، وهو من أقران مشايخي، وله لسانٌ طلقٌ كان يلقي علينا أيام الاحتفال بالمدرسة الصولتية سنة 30، 31، 32 خطباً تشجيعاً للعلم، وله وقع وأثر عظيم في قلوب الطلبة جزاه الله خيراً آمين)

(3)

.

وقال الشيخ زكريا بيلا (ت 1413 هـ): (العالِم الوقور، المتضلع السلفي الأثري الكبير .. الإمام بالمسجد الحرام)

(4)

.

(1)

فيض الملك المتعالي لعبد الستار الدهلوي 3/ 2052.

(2)

نظم الدرر لعبد الله غازي ص 527.

(3)

حاشية كتبها الشيخ حسن بخطته على نسخته من ثبت (الأنوار الجلية للشيخ محمد راغب الطباخ ص 436).

(4)

الجواهر الحسان لزكريا بيلا ص 595

ص: 13

*‌

‌ مولده:

ولد في السادس والعشرين من ذي الحجة سنة 1284 بمكة

(1)

.

*‌

‌ نشأته وطلبه للعلم:

نشأ المترجَم بمكة حيث ولد، (وتربى بها بين أهله وذويه وأقرانه، حتى ترعرع وقرأ القرآن وجوّده، واشتغل بطلب العلوم من صغره، وكان مشغوفاً بعلم الحديث، حتى أدرك كبار أهل عصره من أهل بلده، وارتحل إلى البلدان الشاسعة، وأخذ عن أفاضلها)

(2)

.

وقد تردد على الهند كثيراً

(3)

، وكان يكثر الذهاب لها للتبضع من الكتب، والإتجار بها وبيعها في مكتبته مقابل باب السلام، وكان

(1)

قال الشيخ عبد الستار الدهلوي: (ذاكرته مراراً عن ترجمته وعن سنة ولادته، فسكت، ثم أجابني وقال لي: (أقبل على شأنك)، وإني رويتُ بسندي إلى الإمام الشافعي قال: (سألتُ مالك بن أنس عن سِنّه، فقال: أقبل على شأنك، وقال: ليس من المروءة إخبار الرجل عن سِنّه، إن كان صغيراً استحقروه، وإن كان كبيراً استهرموه.

وإني الآن سألتُ عمّه الفاضل الشيخ صِدِّيق خوقير فأفادني أنه ولد في 26 ذي الحجة عام أربع وثمانين بعد المائتين والألف من الهجرة النبوية بمكة).

(2)

فيض الملك المتعالي 3/ 2053.

(3)

ذكر أنه لقي السيد محمد نذير حسين بدهلي سنة 1307 هـ والشيخ حسين بن محسن سنة 1313 هـ بالهند، والشيخ محمد بن عبد العزيز المدعو بشيخ محمد الهاشمي الطياري الهندي وزاره في بيته سنة 1317 هـ في بوفال.

فيض الملك المتعالي 3/ 2053.

ص: 14

اعتاد الاتجار بالكتب منذ عزله الشريف عون الرفيق من وظائف الحرم، إذ كان غضب على الشيخ عبد الرحمن سراج مفتي مكة ورئيس العلماء فعزله وعزل جميع رجاله من المفتين سنة 1327 هـ. وكان المترجَم يدعو للشريف عون بالرحمة لإلجائه إلى تجارة الكتب الني تعينه على العلم. وصار ملازماً لهذه المهنة حتى غدا لقبُه (الكُتْبِيّ) نسبةً لبيع الكُتُب

(1)

.

تفقَّه المترجَم أولاً بالمذهب الحنفي

(2)

، وكان أبوه إماماً بالمقام الحنفي

(3)

.

ثم تحول إلى المذهب الحنبلي وتفقه به، وصار إماماً بالمقام الحنبلي بالمسجد الحرام، وتولى إفتاء الحنابلة في البلد الحرام فترة قصيرة سنة 1327 هـ، ثم عُزل بالشيخ عبد الله ابن حميد حفيد صاحب (السحب الوابلة).

(1)

وجدتُ على غلاف نسخة من كتاب (شرح متن الألفية الملقب بالأزهار الزينية، للسيد أحمد زيني دحلان) طبع سنة 1310 هـ، بخط الشيخ محمد بن عبد الرحمن بن سيف ما نصّه:(انتقل من صاحبه الأوّل واشتريته من دكان الشيخ بكر خوقري). ينظر: التقييدات النجدية لعبد المحسن آل الشيخ ص 437.

(2)

نظم الدرر لعبد الله غازي ص 527.

وينظر قصة انتقاله للمذهب الحنبلي في: الجواهر الحسان لبيلا ص 596.

(3)

تنظر ترجمة أبيه في: نزهة الفكر لأحمد الحضراوي 2/ 204.

ص: 15

قال الشيخ المحدث عبد الستار الدهلوي (ت 1355 هـ): (كان سلفياً، اعتقادُهُ مدلولُ الكتاب والسنة لما يجيب عنه، وكان يوصي بقراءة (صحيح البخاري))

(1)

.

كان صادعاً بالدفاع عن عقيدة السلف الصالح، ذاباً عن حياضها، فأوذي وابتلى بسبب ذلك إيذاءً شديداً، وسُجن لذلك مرتين أولاهما ثمانية عشر شهراً، والثانية نحو سبعين شهراً في سنة 1339 هـ، حتى سنة 1343 هـ فأخرج وقد تغير شكلُه بسببِ السجن، وعدم رؤية الشمس.

قال الشيخ المحدث عبد الستار الدهلوي (ت 1355 هـ): (كانت حصلت له محنة شديدة حتى إنه حبس بسبب ذلك، وناله ما نال إمامه المبجل أحمد بن محمد بن حنبل، فرحمه الله وأسكنه الفردوس دار القرار)

(2)

.

ثم عين مدرساً في المسجد الحرم في سنة 1349 هـ

(3)

.

(1)

فيض الملك المتعالي لعبد الستار الدهلوي 3/ 2060.

(2)

فيض الملك المتعالي لعبد الستار الدهلوي 3/ 2061.

وينظر: مجلة المنار مج 31 ص 240 ربيع الآخر 1349، الجواهر الحسان لبيلا ص 596.

(3)

إفادة الأنام بذكر أخبار بلد الله الحرام، لعبدا الله غازي [مخطوط] 4/ 361.

ص: 16

*‌

‌ شيوخه:

من مشايخ الشيخ أبي بكر خوقير

(1)

:

- الشيخ حسين بن محسن الأنصاري اليماني المتوفى بالهند بهوبال (ت 1327 هـ)

(2)

.

- الشيخ أحمد بن عيسى قاضي الجماعة في نجد المتوفى بها (ت 1338 هـ)

(3)

.

(1)

وقد رتبتهم حسب ترتيب المؤلف في إجازته لمحمد راغب الطباخ كما سماهم.

(2)

قال الشيخ أبو بكر خوقير: (الشيخ حسين بن محسن الأنصاري الخزرجي السعدي لقيته في سياحته بالهند في سنة 1313 هـ، وسمعتُ منه الأولية، وقرأت عليه أوائل الكتب للعلامة محمد سعيد سنبل وأجازني بها .. وكتب لي بخطّه إجازةً مطولةً محفوظةً عندي، وهي من أجلِّ غنمٍ عندي).

(3)

ومما قرأ عليه المسند. قال الشيخ عبدالستار الدهلوي: (كنتُ اجتمع به [أي خوقير] كثيراً في أيام شيخنا القاضي أحمد ن إبراهيم بن عيسى حين كان مقيماً بداره وبباب السلام، وبمنزل صديقنا العلامة الهمام الشيخ محمد صالح الميمني بالشامية، وكان مقرئاً لنا حين اجتماعنا وقرائتنا لمسند الإمام ا لمبجل أحمد بن محمد بن حنبل، بحضور الأستاذ المقدّم ذكره، وغيره من أفاضل البلد الحرام).

ووقفتُ على خط الشيخ أبي بكر خُوقير على نسخة من (البلبل في أصول الفقه على مذهب الإمام أحمد للطوفي) فيها ما نصّه: (قد تمت قراءة هذه النسخة مقابلتها على .. حسب الطاقة على شيخنا علامة نجد الأمجد القدوة الأوحد الشيخ أحمد في ربيع الأول عام الثلاثمائة وإحدى عشر من هجرة خير البشر .. كتبه الحقير أبو بكر بن محمد خوقير المكي الكتبي ربيع الأول عام 1311).

ص: 17

- الشيخ محمد نذير حسين الدهلوي عالم الهند (ت 1302 هـ).

- السيد محمد الأنصاري السهانفوري ثم المكي (ت 1308 هـ).

- الشيخ محمد بن عبد العزيز الهاشمي الجعفري (ت 1320 هـ).

- السيد أحمد بن زيني دحلان (ت 1304 هـ).

- الشيخ عبد الرحمن سراج (ت 1314 هـ).

- الشيخ يوسف البرقاوي الحنبلي (ت 1320 هـ).

وغيرهم.

وأمّا مشايخه في الفقه الحنبلي، فقال عن نفسه:(وقد لقيتُ المشايخَ الكبار من تلامذة العلامة الشيخ حسن الشطي الحنبلي، واستفدتُ منهم ومن تلامذتهم، منهم: الشيخ يوسف البرقاوي شيخ الحنابلة بمصر، والشيخ محمد الدوماني الخطيب -خطيب دوما وعالم الحنابلة بالمدينة-، والشيخ عبد الله صوفان القدومي، وغيرهم)

(1)

.

قال الشيخ عبد الستار الدهلوي (ت 1355 هـ): (تحصل لي من ذكر مشايخ المترجَم، وعدتهم ثلاثة عشر)

(2)

.

(1)

فيض الملك المتعالي 3/ 2060.

(2)

فيض الملك المتعالي لعبد الستار الدهلوي 3/ 2060.

ص: 18

*‌

‌ وظائفه:

ولي المترجَم إفتاء الحنابلة بمكة فترة يسيرة جداً، فذكر في (نشر النور والزهر): في سنة ست وعشرين وثلاثمائة وألف، ولَّي الشريف حسين الشيخَ أبا بكر خوقير إفتاء المذهب الحنبلي، ثم بعد يومين عزله

(1)

.

كما أَمَّ بالمسجد الحرام، ودرّس بالمسجد الحرام في فترات متعددة

(2)

.

وصدر أمر الملك عبد العزيز بتعيينه مدرساً بالحرم المكي ونشر ذلك في جريدة (أم القرى) العدد 292 بتاريخ الجمعة الموافق 15/ 2/ 1349 هـ.

*‌

‌ مؤلفاته:

من مؤلفات المترجَم:

-التحقيق فيما ينسب لأهل الطريق.

-ثبت الأثبات الشهيرة

(3)

.

(1)

نشر النور والزهر لميرداد ص 870، وعنه عبد الله غازي في (نظم الدرر ص 387).

(2)

نظم الدرر لعبد الله غازي ص 527.

(3)

وقد روى هذا الثبت عنه إجازة عدد من الأعلام ومنهم: الشيخ حسن الفقيه من أهل جدة، والشيخ محمد راغب الطباخ (كما في ثبته ص 610 ط: دار البشائر).

ص: 19

-حسن الاتصال بفصل المقال في الرد على بابصيل وكمال.

-السجن والمسجونون.

-فصل المقال وإرشاد الضال في توسل الجهال.

-ما لابد منه في أمور الدين على طريقة السلف الصالح.

-ما لا غنى عنه شرح ما لابد منه.

-ما لا يسع المكلف جهله.

-مختصر في الفقه على مذهب الإمام أحمد.

-مسامرة الضيف بمفاخرة الشتاء والصيف.

‌وفاته:

توفي الشيخ أبو بكر في الطائف في يوم الجمعة غرة ربيع الأول سنة 1349 هـ.

ص: 20

‌ترجمة المحرر الشيخ محمد بن حمد بن راشد

(1)

*‌

‌ اسمه ونسبه:

هو الشيخ محمد بن حمد بن راشد بن عبيد بن علي بن حسين بن راشد بن رشيد بن مسعود الهزاني

(2)

.

(1)

ترجمته في كتاب (شقراء) للدكتور محمد بن سعد الشويعر صـ 143 ط 1. كما استفدت شيئاً من بعض ذريته، ومن أدركه وأخذ عنه.

والشيخ محمد ابن راشد هو عم والدتي نورة بنت عبد العزيز بن عبد الله بن حمد الراشد.

(2)

قال الشيخ حمد الجاسر: (ومن الهزازنة: فرع يعرف بآل راشد، فقد رأيتُ ورقةً لدى الشيخ محمد بن حمد بن راشد، الذي كان موظفاً في المعارف في مكة، ثم واعظاً في الحرس الوطني حتى توفي سنة 1398 وهو من الهزازنة، وفي تلك الورقة:

(الهزازنة: آل راشد بن رشيد بن مسعود الهزاني ومن آل راشد: آل عبيد الله بن حسين، وآل زيد بن رشيد، وآل إبراهيم، ثم آل حسين بن هلال، ثم آل عبيد بن علي).

وفيها نسب الشيخ على النحو المذكور على هذا النحو:

محمد بن حمد بن راشد بن عبيد بن علي بن حسين بن راشد بن رشيد بن مسعود الهزاني، من البدور من عنزة) [جمهرة أنساب الأسر المتحضرة في نجد حمد الجاسر 1/ 263].

وقال أيضاً: (الهزازنة: من آل جلاس، من وايل على ما حدثني الشيخ محمد، وأطلعني على ورقة من أمير الحريق الهزاني سنة 1353 هـ).

ص: 21

*‌

‌ مولده:

ولد في (شقراء) أحد حواضر وسط الجزيرة العربية (نجد) في حدود سنة (1308 هـ).

*‌

‌ طلبه للعلم، والأعمال التي تقلدها:

تَعلَّمَ أوَّلاً في بلدِه حيث كانت آهلَةً بأهل العلم وطلبتِه في ذلك الوقت.

ثم انتقل بعد ذلك إلى مكة المكرمة مجاوراً قبل سنة 1340 هـ، واشتغل هناك بالتجارة مع طلب العلم، وحضر على الشيوخ المكيين في الحرم وغيره.

ثم عمل بعد دخول الملك عبد العزيز رحمه الله الحجاز سنة 1344 هـ بالتدريس في المدارس الأميرية (أي الحكومية) والتفتيش فيها

(1)

؛ كما اشتغل بالوعظ والتدريس في المسجد الحرام.

وفي صفر سنة 1348 هـ صدرَ أمرٌ من الملك عبد العزيز بتشكيل هيئة التدريس والمراقبة في الحرم المكي، وعُيِّن الشيخ محمد ابن راشد مراقباً للدروس

(2)

.

(1)

على غلاف كتاب (مختصر خُوقير): (طبع على نفقة الشيخ محمد بن حمد بن راشد المفتش في المدارس الأميرية والأهلية بمكة المكرمة سنة 1349 هـ).

(2)

إفادة الأنام بذكر أخبار بلد الله الحرام، لعبد الله غازي [مخطوط] 4/ 348.

ص: 22

عَرَضَ عليه الملكُ عبدُ العزيز القضاءَ، فامتَنَع وتعلَّل بحِدَّةِ طبعه وسرعةِ غضبه، فألزمه الملكُ به حتى شفع فيه الأمير عبد الله بن عبد الرحمن عند أخيه الملك عبد العزيز.

تقلَّبَ بعد ذلك في وظائف التدريس في المدارس الأميرية، ومدرسة الفلاح، والمعهد السعودي في مكة، مع الوعظ في المسجد الحرام.

كما كانت له جهودٌ في الدعوة إلى الله في الهجر والحواضر وله قصصٌ كثيرةٌ تتعلق بذلك، ثم عمل أخيراً مُرشداً دينياً لمنسوبي الحرس الوطني.

*‌

‌ مشايخه:

تتلمذ المترجَمُ على عدد من أهل العلم، منهم:

الشيخ إبراهيم بن عبد اللطيف الباهلي قاضي الوشم (ت 1352 هـ).

والشيخ أبو بكر خوقير (ت 1349 هـ). وغيرهم.

والشيخ محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ (ت 1367 هـ)

(1)

.

(1)

وجدتُ على غلاف نسخة من كتاب (سيرة عُمر بن عبد العزيز لابن عبدالحكم)، بخط الشيخ محمد ابن راشد ما نصّه:(هدية من الابن محمد بن حمد بن راشد لشيخنا وحبيبنا الشيخ محمد بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ 19/ 1/ 53). ينظر: التقييدات النجدية لعبد المحسن آل الشيخ ص 112.

ص: 23

الشيخ عمر بن محمد ابن سِليم (ت 1362 هـ)

(1)

.

*‌

‌ تلاميذه:

للشيخ عدد من التلاميذ، ومِنهم:

الشيخ حمد بن ناصر ابن راشد (ت 1422 هـ) عضو هيئة كبار العلماء، ورئيس ديوان المظالم، ورئيس شؤون الحرمين، وتعليم البنات وغيرها.

وقد كان الشيخ حمد يذكر أنّه لازم المترجَم وانتفع به، وسافر معه في الدعوة إلى الله، وكان يذكر فضلَه وتعليمَه إياه، وكثيراً من أخباره.

*‌

‌ مؤلفاته:

لم يؤلِّف المترجَم سوى كتاباً واحداً في الأدعية.

إضافةً لمشاركته في تحرير مختصر في الفقه لشيخه أبي بكر خوقير.

(1)

على غلاف نسخة من كتاب (مختصر خُوقير)، بخط الشيخ محمد ابن راشد ما نصّه:(هدية لشيخنا وحبيبنا الشيخ المكرّم عمر بن محمد بن سليم من ابنه محمد بن حمد بن راشد 11/ 10/ 49). ينظر الصورة المرفقة.

ص: 24

*‌

‌ وفاته:

توفي رحمه الله تعالى في الرياض في عام 1398 هـ، وقد لزم في آخر حياته القرآن قراءةً وتدبراً، وخلّفاً ولداً اسمه خالد توفي بعده ولم يعقّب.

ص: 25

‌ثالثاً/ عملي في الكتاب والنسخ التي اعتمدتها في إخراجه:

طبع هذا الكتاب سنة (1349 هـ) بمطبعة إدارة الطباعة المنيرية بالقاهرة على نفقة محرره الشيخ محمد بن حمد بن راشد، وقد طُبع منه عددٌ قليلٌ من النسخ؛ لذلك لم يكن له نصيبٌ كبيرٌ من الانتشار حتى إن بعضاً من كبار أهل العلم في بلادنا ممن له عناية بكتب المذهب لم يرَ هذا الكتاب؛ كما سمعته من بعضهم، وقاله آخرون في بعض مؤلفاتهم

(1)

.

وقد بحثتُ عن أصل مخطوط لهذا المختصر في المكتبات الشخصية التي هي مظنة وجود (كمكتبة الشيخ محمد بن حمد ابن راشد) وغيرها فلم أصل لخبرٍ، وإن كنت أظنُّ أن الأصل قد ذهبَ إلى مصر للطباعة ولم يَعد؛ كما هي العادة في ذلك الوقت، فاستعنتُ الله بالاعتماد على المطبوع وحده.

وقد يسّر الله تعالى الوقوف على نسخٍ من الطبعة الأولى، وعليها تصويباتٌ بقلمٍ محرر الكتاب الشيخ محمد ابن راشد، وهي:

1/ نسخة أهداها بتاريخ 28/ 10/ 1349 هـ، للشيخ محمد ماجد كردي (ت في ذي الحجة 1349 هـ)

(2)

.

(1)

ينظر: المدخل المفصل 2/ 681.

(2)

الشيخ محمد ماجد بن صالح كردي رحمه الله صاحب (المطبعة الماجدية) بمكة المكرمة، كان يملك مكتبةً كبيرةً من المخطوطات والمطبوعات، وكانت تُسمّى (الماجدية) وقد ذُكر: إنها أكبر مكتبة خاصة في وقته، وقد صدرت مراسلات بين الشيخ محمد بن عبد العزيز ابن مانع حينما كان رئيساً لهيئة تمييز الأحكام الشرعية بمكة في عام 1362 لنائب الملك في الحجاز الأمير فيصل، بخصوص شراء المكتبة. ينظر: كتاب (من مشاهير علمائنا؛ للوالد د. محمد الشويعر ص 133).

ثم أُوقفت المكتبة بعد شرائها في مكتبة مكة المكرمة التابعة لوزارة الشئون الإسلامية الكائنة بشعب بني هاشم، ومنها صوّرتُ هذه النسخة.

ص: 26

2/ نسخة أهداها بتاريخ 11/ 10/ 1349 هـ، للشيخ عُمر ابن سليم (ت 1362 هـ)، وهي من مَوقُوفات مكتبة الجامع الكبير ببريدة، ثم أُلحقت بالمكتبة العامة حالياً.

وفي كليهما تصحيحات وتصويبات للمطبوع بقلم الشيخ محمد ابن راشد، وقد رمزتُ لما في الأولى بـ (ك)، وللثانية بـ (س).

- كما أني استفدتُ في إخراج النصِّ في هذه الطبعة

(1)

من تقييداتٍ وتعليقات لشيخين جليلين وفقيهين عَالمين كبيرين كنتُ قد أهديتُهما الكتابَ بطبعته الأولى، فقاما بقراءته وتصحيحه خلال فترة قصيرة، وهما الشيخ عبد الله ابن عقيل (ت 1432 هـ)، والشيخ عبد الله ابن جبرين (ت 1430 هـ) -رحمهما الله تعالى-، فجزاهما الله خير الجزاء عني وعن باقي طلبتهما، فإن لهما من الأفضالِ والسماحةِ في بذل العلم ما يعرفه كُلُّ مَنْ التقى بهما

(1)

كنتُ أخرجتُ الطبعة الأولى عام 1424 هـ.

ص: 27

واستفادَ منهما.

وقد أثبتُّ ما رأيتُ مناسبتَه من تصويباتِ الشيخ ابن عقيل برمز (ع)، وتصويبات الشيخ ابن جبرين بـ (ج)، وأمّا تعليقاتهما الفقهية فلم أثبتها لأنّها تخرُجُ عن مَقصودِ التَّحقيق.

* وقد كان عملي في الكتاب ما يلي:

- إخراج الكتاب كما وضعه المؤلف، مع ضبطه التام بالشَّكْل، ووضع علامات الترقيم.

- تعديل الأخطاء الطباعية التي وقعت في الطبعة الأولى، مع الإشارة لكُل تعديل أُورده في الهامش.

- أضفتُ التعديلات التي أوردها الشيخ محمد ابن راشد بخطّه على النسختين السابقتين.

- أضفتُ عدداً من التعديلات التي أثبتها الشيخ ابن عقيل في نسخته.

- التعليق على بعض المواضع المشكلة، مع محاولة الإقلال والاختصار قدر الإمكان لكي لا يخرج هذا الكتاب القصد الذي وضع له وسُمِّي به.

ص: 28

غلاف النسخة (س)

ص: 29

نموذج لتعليقات ابن راشد على النسخة

ص: 30

غلاف النسخة (ك)

ص: 31

مُخْتَصَرٌ فِي فِقْهِ

الإِمَامِ المُبَجَّلِ والحَبْرِ المُفَضَّل

شيخ أهل السنة والجماعة

أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ

المتوفى 241 هـ

إِمْلَاء الشَّيْخِ العَالِمِ العَلَّامَةِ

أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَارِفِ خُوقِير المَكِّيِّ الحَنْبَلِيِّ

(1284 - 1349 هـ)

اعتنى به

أ. د. عبدالسَّلام بن محمد الشُّويعر

ص: 33

بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ فَفَقَّهَهُ فِي الدِّينِ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ. أَمَّا بَعْدُ:

فَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ فِي الفِقْهِ يَحْتَاجُ إِلَيْهَا المُبْتَدِي، وَلَا يَسْتَغْنِي عَنْهَا المُنْتَهِي، عَلَى مَذْهَبِ الإِمَامِ المُبَجَّلِ، وَالحَبْرِ المُفَضَّلِ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلٍ - قَدَّسَ اللهُ رُوحَهُ وَنَوَّرَ ضَرِيحَهُ -

نَسْأَلُ اللهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَ النَّفْعَ بِهَا عَامّاً لِلطَّالِبِينَ شَامِلاً لِلرَّاغِبِينَ فَهُوَ حَسْبُنَا وَنِعْمَ المُعِينُ.

ص: 35

‌كِتَابُ الطَّهَارَةِ

هِيَ ارْتِفَاعُ الحَدَثِ، وَزَوَالُ الخَبَثِ بِالمَاءِ، أَوْ مَا يَنُوبُ عَنْهُ.

وَالمِيَاهُ ثَلَاثَةٌ: طَهُورٌ، وَطَاهِرٌ، وَنَجِسٌ.

فَالأَوَّلُ: هُوَ المُطَهِّرُ البَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ، كَمَاءِ الأَمْطَارِ، وَالبِحَارِ، وَالأَنْهَارِ، وَالعُيُونِ، وَالآبَارِ؛ وَهُوَ الَّذِي يَرْفَعُ الحَدَثَ وَيُزِيلُ الخَبَثَ.

وَمِنْهُ مَا يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ؛ كَالمَغْصُوبِ، وَالمَنْهُوبِ، وَالمَوْقُوفِ لِشُرْبٍ، وَلَا يَرْفَعُ الحَدَثَ لَكِنْ يُزِيلُ الخَبَثَ.

وَمِنْهُ مَكْرُوهٌ؛ كَمُتَغَيِّرٍ بِغَيْرِ مُمَازِجٍ.

الثَّانِي: طَاهِرٌ لَا يَرْفَعُ الحَدَثَ، وَلَا يُزِيلُ الخَبَثَ؛ وَهُوَ المُتَغَيِّرُ بِمُمَازِجٍ، وَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ الطَّهَارَةِ

(1)

؛ كَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ.

(1)

في الأصل: [الطهاة]، وهو تطبيع.

وقد أهمل المصنف صوراً من الطاهر، كالقليل المستعمل في رفع الحدث، أو غسل كُل يد مسلم قائم من نوم ليل، ونحوها، ولعله لظهور الدليل على خلافها.

ص: 37

الثَّالِثُ: نَجِسٌ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقاً؛ وَهُوَ مَا وَقَعَتْ فِيهِ نَجَاسَةٌ أَوْ لَاقَاهَا فِي غَيْرِ مَحِلِّ التَّطْهِيرِ وَهُوَ قَلِيلٌ.

وَالكَثِيرُ مَا بَلَغَ قُلَّتَيْنِ؛ وَمِسَاحَتُهُمَا مُرَبَّعاً ذِرَاعٌ وَرُبْعٌ طُولاً، وَذِرَاعٌ وَرُبْعٌ عَرْضاً، وَذِرَاعٌ وَرُبْعٌ عُمْقاً.

‌بَابُ الآنِيَةِ

كُلُّ إِنَاءٍ طَاهِرٍ يُبَاحُ اتِّخَاذُهُ وَاسْتِعْمَالُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ذَهَباً، أَوْ فِضَّةً، أَوْ مُضَبَّباً بِأَحَدِهِمَا. وَيُعْفَى عَنْ ضَبَّةٍ يَسِيرَةٍ مِنْ فِضَّةٍ لِحَاجَةٍ.

وَأَوَانِي الكُفَّارِ وَثِيَابُهُمْ طَاهِرَةٌ إِذَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهَا. وَيُبَاحُ اسْتِعْمَالُ جِلْدِ المَيِّتَةِ المَدْبُوغِ فِي يَابِسٍ فَقَطْ. وَمَا أُبِينَ مِنْ حَيٍّ فَهُوَ كَمَيْتَتِهِ.

‌بَابُ الاسْتِنْجَاءِ

يُسْتَحَبُّ عِنْدَ دُخُولِ الخَلَاءِ قَوْلُ: «بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الخُبثِ وَالخَبَائِثِ» ، وَعِنْدَ الخُرُوجِ مِنْهُ: «غُفْرَانَكَ، الحَمْدُ للهِ

ص: 38

الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الأَذَى وَعَافَانِي». وَتَقْدِيمُ رِجْلِهِ اليُسْرَى دُخُولاً ويُمْنَى خُرُوجاً؛ عَكْسُ مَسْجِدٍ وَنَعْلٍ، وَاعْتِمَادُهُ عَلَى رِجْلِهِ اليُسْرَى، وَبُعْدُهُ فِي فَضَاءٍ، وَاسْتِتَارُهُ، وَطَلَبُ مَكَانٍ رَخْوٍ

(1)

، وَمَسْحُ ذَكَرِهِ مِنْ أَصْلِهِ إِلَى رَأْسِهِ ثَلَاثاً بِيَدِهِ اليُسْرَى إِذَا فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ.

وَيَحْرُمُ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ، وَاسْتِدْبَارُهَا فِي غَيْرِ البُنْيَانِ، وَلُبْثٌ فَوْقَ حَاجَتِهِ، وَبَوْلٌ فِي طَرِيقٍ وَظِلٍّ نَافِعٍ، وَتَحْتَ شَجَرَةٍ مَقْصُودَةٍ.

وَالاسْتِنْجَاءُ: هُوَ إِزَالَةُ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ بِالمَاءِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ؛ وَهُوَ الحَجَرُ وَنَحْوُهُ، وَيُقَالُ لَهُ: الاسْتِجْمَارُ.

وَيُشْتَرَطُ: ثَلَاثُ مَسَحَاتٍ مُنْقِيَةٍ فَأَكْثَرُ؛ وَلَوْ بِحَجَرٍ ذِي شُعَبٍ، وَيُسَنُّ قَطْعُهُ عَلَى وِتْرٍ.

وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِطَاهِرٍ، مُبَاحٍ، يَابِسٍ، مُنْقٍّ.

وَيَحْرُمُ بِرَوْثٍ، وَعَظْمٍ، وَطَعَامٍ، وَذِي حُرْمَةٍ، وَمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ.

وَيُشْتَرَطُ لَهُ عَدَمُ تَعَدِّي خَارِجٍ مَوْضِعَ العَادَةِ.

وَيَجِبُ الاسْتِنْجَاءُ لِكُلِّ خَارِجٍ إِلَّا الرِّيحَ.

وَسُنَّ بَدَاءَةٌ باسْتِجْمَارٍ ثُمَّ اسْتِنْجَاء، وَيَجُوزُ الاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا، وَالمَاءُ أَفْضَلُ.

(1)

يصح بفتح الراء وكسرها، أي هش، ذكره في (الصحاح).

ص: 39

‌بَابُ فُرُوضِ الوضوء

فُرُوضُهُ سِتَّةٌ: غَسْلُ الوَجْهِ، وَمِنْهُ المَضْمَضَةُ وَالاسْتِنْشَاقُ. وَحَدُّهُ طُولاً مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ المُعْتَادِ إِلَى مَا انْحَدَرَ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالذَّقَنِ، وَعَرْضاً مِنْ الأُذُنِ إِلَى الأُذُنِ.

وَغَسْلُ اليَدَيْنِ مَعَ المِرْفَقَيْنِ. وَمَسْحُ جَمِيعِ الرَّأْسِ، وَمِنْهُ الأُذُنَانِ. وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ إِلَى الكَعْبَيْنِ. وَالتَّرْتِيبُ. وَالمُوَلَاةُ.

وَالنِّيَّةُ شَرْطٌ فِي الوُضُوءِ، وَفِي كُلِّ عِبَادَةٍ.

وَالتَّسْمِيَةُ وَاجِبَةٌ فِي أَوَّلِهِ، وَتَسْقُطُ سَهْواً وَجَهْلاً.

وَمِنْ سُنَنِهِ:

السِّوَاكُ. وَغَسْلُ الكَفَّيْنِ ثَلَاثاً، وَيَجِبُ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ. وَالبَدَاءَةُ بِمَضْمَضَةٍ، ثُمَّ اسْتِنْشَاقٍ بَعْدَ غَسْلِ الكَفَّيْنِ. وَالغَسْلَةُ الثَّانِيَةُ، وَالثَّالِثَةُ. وَتَخْلِيلُ اللِّحْيَةِ الكَثِيفَةِ، وَالأَصَابِعِ. وَالتَّيَامُنُ. وَرَفْعُ بَصَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهُ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ.

وَنَوَاقِضُهُ ثَمَانِيَةٌ:

الخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ. وَالخَارِجُ مِنْ بَقِيَّةِ البَدَنِ إِنْ كَانَ بَوْلاً أَوْ غَائِطاً، أَوْ كَثِيراً نَجِساً غَيْرَهُمَا. وَزَوَالُ العَقْلِ؛ إِلَّا يَسِيرَ نَوْمٍ مِنْ قَاعِدٍ أَوْ قَائِمٍ. وَغَسْلُ مَيِّتٍ. وَأَكْلُ لَحْمِ إِبِلٍ. وَالرِّدَّةُ عَنْ الإِسْلَامِ،

ص: 40

وَكُلُّ مَا أَوْجَبَ غُسْلاً مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا. وَمَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُراً بِيَدِهِ. وَمَسُّ امْرَأَةٍ بِشَهْوَةٍ، وَلَا يُنْتَقَضُ وُضُوءُ مَلْمُوسٍ بَدَنُهُ وَلَوْ وَجَدَ مِنْهُ شَهْوَةً.

‌بَابُ المَسْحِ عَلَى الخُفَّيْنِ

يَجُوزُ يَوْماً وَلَيْلَةً لِمُقِيمٍ، وَلِمُسَافِرٍ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مِنْ حَدَثٍ بَعْدَ لُبْسٍ.

وَيُشْتَرَطُ فِيهِ: لُبْسُهُمَا بَعْدَ كَمَالِ الطَّهَارَةِ بِالمَاءِ. وَسَتْرُهُمَا لِمَحَلِّ الفَرْضِ. وَإِمْكَانُ المَشْيِ بِهِمَا عُرْفاً. وَثُبُوتُهُمَا بِأَنْفُسِهِمَا. وَإِبَاحَتُهُمَا. وَطَهَارَةُ عَيْنِهِمَا

(1)

، وَعَدَمُ وَصْفِهِمَا البَشَرَةَ. وَمِثْلُهُمَا الجَوْرَبَانِ.

وَإِذَا انْقَضَتْ المُدَّةُ، أَوْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ المَمْسُوحِ أَوْ حَصَلَ مَا يُوجِبُ الغُسْلَ نَزَعَهُمَا.

وَيَمْسَحُ أَكْثَرَ العِمَامَةِ، وَظَاهِرَ قَدَمِ خُفٍّ مِنْ أَصَابِعِهِ إِلَى سَاقِهِ، دُونَ أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ.

وَيَمْسَحُ صَاحِبُ الجَبِيرَةِ إِنْ وَضَعَهَا عَلَى طَهَارَةٍ، وَلَمْ تَتَجَاوَزْ قَدْرَ الحَاجَةِ إِلَى حَلِّهَا.

(1)

عدلها (ع) إلى (عينيهما). وما في الأصل متوافق مع عبارة (دليل الطالب).

ص: 41

‌بَابُ الغُسْلِ

وَمُوجِبَاتُهُ سِتَّةُ أَشْيَاءَ:

خُرُوجُ المَنِيِّ دَفْقاً بِلَذَّةٍ. وَتَغْيِيبُ حَشَفَةٍ فِي فَرْجٍ قُبُلاً كَانَ أَوْ دُبُراً. وَإِسْلَامُ كَافِرٍ. وَمَوْتٌ. وَحَيْضٌ، وَنِفَاسٌ.

وَمَنْ لَزِمَهُ الغُسْلُ حَرُمَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ القُرْآنِ.

وَالغُسْلُ المُجْزِئُ: هُوَ تَعْمِيمُ البَدَنِ بِالمَاءِ بَعْدَ النِّيَّةِ. وَيَكْفِي الظَّنُّ فِي الإِسْبَاغِ.

وَوَاجِبُهُ وَاحِدٌ؛ وَهُوَ التَّسْمِيَةُ.

وَالغُسْلُ الكَامِلُ: أَنْ يَنْوِيَ، ثُمَّ يُسَمِّيَ، وَيَتَوَضَّأَ بَعْدَ إِزَالَةِ مَا لَوَّثَهُ مِنْ أَذىً، وَيُفْرِغَ المَاءَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثاً، وَكَذَا عَلَى بَقِيَّةِ جَسَدِهِ.

وَيُسَنُّ:

تَيَامُنٌ، وَمُوَالَاةٌ، وَإِمْرَارُ اليَدِ عَلَى الجَسَدِ بِالدَّلْكِ، وَتَعَاهُدُ الشَّعَرِ، وَإِعَادَةُ غَسْلِ رِجْلَيْهِ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَالاغْتِسَالُ بِصَاعٍ، كَمَا يُسَنُّ الوُضُوءُ بِمُدٍّ.

ص: 42

‌بَابُ التَّيَمُّمِ

هُوَ بَدَلُ طَهَارَةِ المَاءِ.

وَصِفَتُهُ: أَنْ يَنْوِيَ اسْتِبَاحَةَ مَا تَيَمَّمَ لَهُ، ثُمَّ يُسَمِّيَ وَيَضْرِبَ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَي الأَصَابِعِ بَعْدَ نَزْعِ خَاتَمٍ، وَيَمْسَحَ وَجْهَهُ بِبَاطِنِ أَصَابِعِهِ، وَكَفَّيْهِ بِرَاحَتَيْهِ. هَذِهِ السُّنَّةُ وَالأَحْوَطُ ضَرْبَتَانِ.

وَلَا يَصِحُّ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ، وَلَا يُشْرَعُ إِلَّا بَعْدَ عَدَمِ المَاءِ، أَوْ تَعَذُّرِ اسْتِعْمَالِهِ.

وَفُرُوضُهُ: مَسْحُ وَجْهِهِ، وَيَدَيْهِ إِلَى كُوعَيْهِ، وَتَرْتِيبٌ، وَمُوَالَاةٌ فِي حَدَثٍ أَصْغَرَ، وَتَعْيِينُ النِّيَّةِ لِمَا يَتَيَمَّمُ لَهُ.

وَوَاجِبُهُ: التَّسْمِيَةُ، وَتَسْقُطُ سَهْواً وَجَهْلاً.

وَمُبْطِلَاتُهُ خَمْسَةٌ: وَهِيَ: مَا أَبْطَلَ الوُضُوءَ، وَوُجُودُ المَاءِ -وَلَوْ فِي الصَّلَاةِ لَا بَعْدَهَا-، وَخُرُوجُ الوَقْتِ، وَزَوَالُ المُبِيحِ لَهُ، وَخَلْعُ مَا مَسَحَ عَلَيْهِ

(1)

.

(1)

هذه العبارة أخذها المؤلف من (دليل الطالب).

وتحتاجُ إلى تحريرٍ؛ وقد علّق عليها الرحيباني في (المطالب)، واللبدي في (حاشيته)، فليراجع.

ص: 43

‌بَابُ إِزَالَةِ النَّجَاسَةِ

يَكْفِي فِي غَسْلِ النَّجَاسَاتِ كُلِّهَا إِذَا كَانَتْ عَلَى الأَرْضِ غَسْلَةٌ وَاحِدَةٌ تَذْهَبُ بِعَيْنِ النَّجَاسَةِ. وَعَلَى غَيْرِهَا سَبْعٌ، إِحْدَاهَا بِتُرَابٍ فِي نَجَاسَةِ كَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ، وَفِي نَجَاسَةِ غَيْرِهِمَا سَبْعٌ بِلَا تُرَابٍ.

وَالخَمْرَةُ إِذَا انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلّاً طَهُرَتْ.

وَيَطْهُرُ بَوْلُ غُلَامٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ بِنَضْحِهِ.

وَمَا أُكِلَ لَحْمُهُ مِنْ حَيَوَانٍ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَكَذَا مَا يَخْرُجُ مِنْهُ. وَمَنِيُّ الآدَمِيِّ طَاهِرٌ.

‌بَابُ الحَيْضِ

لَا حَيْضَ قَبْلَ تِسْعِ سِنِينَ، وَلَا بَعْدَ خَمْسِينَ، وَلَا مَعَ حَمْلٍ.

وَأَقَلُّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ، وَغَالِبُهُ سِتٌّ أَوْ سَبْعٌ، وَأَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ.

وَأَقَلُّ طُهْرٍ بَيْنَ حَيْضَتَيْنِ ثَلَاثَةَ عَشَرَ يَوْماً، وَغَالِبُهُ بَقِيَّةُ الشَّهْرِ، وَلَا حَدَّ لِأَكْثَرِهِ.

وَيَحْرُمُ بِالحَيْضِ ثَمَانِيَةُ أَشْيَاءٍ: الوَطْءُ فِي الفَرْجِ، وَالطَّلَاقُ، وَالصَّلَاةُ، وَالصَّوْمُ، وَالطَّوَافُ، وَقِرَاءَةُ القُرْآنِ، وَمَسُّ المُصْحَفِ، وَاللُّبْثُ بِالمَسْجِدِ.

ص: 44

وَيُوجِبُ خَمْسَةَ أَشْيَاءَ: البُلُوغَ، وَالغُسْلَ، وَالاعْتِدَادَ بِهِ، وَالحُكْمَ بِبَرَاءَةِ الرَّحِمِ، وَالكَفَّارَةَ بِالوَطْءِ فِيهِ؛ وَهِيَ دِينَارٌ أَوْ نِصْفُهُ عَلَى التَّخْيِيرِ.

وَتَقْضِي الحَائِضُ الصَّوْمَ، لَا الصَّلَاةَ.

وَإِنْ جَاوَزَ الدَّمُ عَادَتَهَا أَوْ نَقَصَ

(1)

فَمُسْتَحَاضَةٌ تَتَوَضَّأُ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ، وَتَصُومُ، وَتُصَلِّي.

وَيُكْرَهُ وَطْؤُهَا، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ.

وَأَكْثَرُ مُدَّةِ نِفَاسٍ أَرْبَعُونَ يَوْماً. وَالنَّقَاءُ زَمَنُهُ طُهْرٌ، يُكْرَهُ الوَطْءُ فِيهِ. وَهُوَ

(2)

كَحَيْضٍ فِي أَحْكَامِهِ غَيْرَ عِدَّةٍ، وَبُلُوغٍ.

(1)

هذه العبارة فيها ارتباك، وقد أشار لذلك الشيخ ابن عقيل، فكتب في الحاشية:(هل (نقص) عن عادتها، أو عن أقلّه) إ. هـ.

ووجه ذلك: أن ما نقص عن العادة طهرٌ، وكذا ما نقص عن أقلِّ الحيض لا يعدّ حيضاً بل طهرٌ، وكلاهما لا يُعدّ استحاضةً.

ولعلّ صواب العبارة: [وإن جاوز الدم عادتها، أو أكثر الحيض فمستحاضة].

(2)

أي النفاس.

ص: 45

‌كِتَابُ الصَّلَاةِ

تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، لَا حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ.

وَعَلَى وَلِيِّ صَغِيرٍ أَمْرُهُ بِهَا لِسَبْعٍ، وَضَرْبُهُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ.

وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا إِلَى وَقْتِ الضَّرُورَةِ.

وَيُقْتَلُ تَارِكُهَا تَهَاوُناً وَكَسَلاً، أَوْ جَحْدَاً لِوُجُوبِهَا بَعْدَ الاسْتِتَابَةِ ثَلَاثَاً فِيهِمَا.

وَلَا تَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ، وَصَغِيرٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ.

‌بَابُ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ

هُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ عَلَى الرِّجَالِ المُقِيمِينَ لِلصَّلَوَاتِ الخَمْسِ المَكْتُوبَةِ يُقَاتَلُ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِمَا.

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ المُؤَذِّنُ صَيِّتاً، أَمِينَاً، عَالِماً بِالوَقْتِ.

وَهُوَ خَمْسَ عَشْرَةَ جُمْلَةً، يُرَتِّلُهَا عَلَى عَلْوٍ، مُتَطَهِّراً، مُسْتَقْبِلَ

ص: 47

القِبْلَةِ، جَاعِلاً أصْبعَيْهِ في أُذُنَيْهِ، غَيْرَ مُسْتَدِيرٍ، مُلْتَفِتَاً فِي الحَيْعَلَةِ يَمِيناً وَشِمَالاً، قَائِلاً بَعْدَهُمَا فِي أَذَانِ صُّبْحٍ:«الصَّلَاةُ خَيْرٌ مِنَ النَّوْمِ» مَرَّتَيْنِ.

وَالإِقَامَةُ إِحْدَى عَشْرَةَ يَحْدُرُهَا.

وَيُقِيمُ مَنْ أَذَّنَ فِي مَكَانِهِ إِنْ سَهُلَ.

وَلَا يَصِحُّ إِلَّا مُرَتَّباً مُتَوَالِياً، مِنْ عَدْلٍ، وَيُجْزِئُ مِنْ مُمَيِّزٍ.

وَيُبْطِلُهُمَا: فَصْلٌ كَثِيرٌ، وَيَسِيرٌ مُحَرَّمٌ.

وَلَا يُجْزِئُ قَبْلَ الوَقْتِ إِلَّا الفَجْرَ بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ.

وَشُرُوطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ تِسْعَةٌ:

الإِسْلَامُ، وَالعَقْلُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالطَّهَارَةُ، وَاجْتِنَابُ النَّجَاسَةِ، وَسَتْرُ العَوْرَةِ، وَدُخُولُ الوَقْتِ، وَاسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ،

ص: 48

وَالنِّيَّةُ وَمَحَلُّهَا القَلْبُ، وَالتَّلَفُّظُ بِهَا بِدْعَةٌ.

‌بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ

يُسَنُّ الخُرُوجُ إِلَيْهَا مُتَطَهِّراً بِسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ، مَعَ قَوْلِ مَا وَرَدَ، وَقِيَامٌ عِنْدَ «قَدْ» مِنْ إِقَامَتِهَا، وَتَسْوِيَةُ الصَّفِّ.

وَيَقُولُ: «اللهُ أَكْبَرُ» رَافِعاً يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ يَقْبِضُ كُوْعَ يُسْرَاهُ تَحْتَ سُرَّتِهِ، وَيَنْظُرُ مَسْجَدَهُ، ثُمَّ يَقُولُ:«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، وَتَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلَا إِلَهَ غَيْرُكَ» ، ثُمَّ يَسْتَعِيذُ، ثُمَّ يُبَسْمِلُ سِرّاً، ثُمَّ يَقْرَأُ الفَاتِحَةَ مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً، وَفِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً، وَإِذَا فَرَغَ قَالَ:«آمِينَ» بَعْدَ سَكْتَةٍ لَطِيفَةٍ، وَيَجْهَرُ بِهَا إِمَامٌ، وَمَأْمُومٌ مَعاً فِي جَهْرِيَّةٍ، وَغَيْرُهُمَا فِيمَا يُجْهَرُ فِيهِ.

وَيُسَنُّ لِإِمَامٍ الجَهْرُ بِقِرَاءَةِ صُبْحٍ، وَجُمْعَةٍ، وَعِيدٍ، وَكُسُوفٍ، وَاسْتِسْقَاءٍ وَأُولَيَتَيْ

(1)

مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ.

وَيُكْرَهُ لِمَأْمُومٍ، وَيُخَيَّرُ مُنْفَرِدٌ، وَنَحْوُهُ.

ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَهَا سُورَةً تَكُونُ فِي الصُّبْحِ مِنْ طِوَالِ المُفَصَّلِ، وَفِي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وَفِي البَاقِي مِنْ أَوْسَاطِهِ.

(1)

في الأصل [وأولى]، والتصويب من تصحيح (ع).

ص: 49

ثُمَّ يَرْكَعُ مُكَبِّراً رَافِعَاً يَدَيْهِ، وَيَضَعُهُمَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ مُفَرَّجَتَي الأَصَابِعِ، وَيُسَوِّي ظَهْرَهُ وَيَقُولُ:«سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ» ثَلَاثاً، وَهُوَ أَدْنَى الكَمَالِ.

ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ قَائِلاً إِمَامٌ وَمُنْفَرِدٌ: «سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَ» ، وَبَعْدَ انْتِصَابِهِ:«رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاءِ، وَمِلْءَ الأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ» . وَمَأْمُومٌ: «رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ» فَقَطْ.

ثُمَّ يَخِرُّ مُكَبِّراً سَاجِداً عَلَى سَبْعَةِ أَعْضَاءٍ؛ رِجْلَيْهِ [ثُمَّ] رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ [ثُمَّ]

(1)

جَبْهَتِهِ، وَأَنْفِهِ، وَيُجَافِي عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَبَطْنِهِ عَنْ فَخِذَيْهِ، وَيُفَرِّقُ رُكْبَتَيْهِ، وَيَقُولُ:«سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى» ثَلَاثاً، وَهُوَ أَدْنَى الكَمَالِ.

ثُمَّ يَرْفَعُ مُكَبِّراً، وَيَجْلِسُ مُفْتَرِشاً، وَيَقُولُ:«رَبِّ اغْفِرْ لِي» ثَلَاثاً، وَيَسْجُدُ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ.

ثُمَّ يَنْهَضُ مُكَبِّراً مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ قَائِماً عَلَى صَدْرِ

(2)

قَدَمَيْهِ إِنْ سَهُلَ، وَيُصَلِّي الثَّانِيَةَ مِثْلَهَا؛ مَاعَدَا الاسْتِفْتَاحِ، وَالتَّعَوُّذِ.

ثُمَّ يَجْلِسُ مُفْتَرِشاً، وَسُنَّ وَضْعُ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَبْضُ الخِنْصَرِ، وَالبِنْصَرِ مِنْ يُمْنَاهُ، وَتَحْلِيقُ إِبْهَامِهَا مَعَ الوُسْطَى، وَإِشَارَتُهُ

(1)

[ثم] في الموضعين ساقط من الأصل، ومثبتةٌ من هامش النسخ (س، ص) التي صححها المحرر الشيخ ابن راشد.

(2)

كذا في الأصل، وعدلها (ع) في نسخته إلى [صَدْرَي].

ص: 50

بِسَبَّابَتِهَا فِي تَشَهُّدٍ وَدُعَاءٍ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ مُطْلَقاً، وَبَسْطُ اليُسْرَى، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ فَيَقُولُ:«التَّحِيَّاتُ للهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» ، هَذَا التَّشَهُّدُ الأَوَّلُ.

ثُمَّ يَنْهَضُ فِي مَغْرِبٍ وَرُبَاعِيَةٍ مُكَبِّراً وَيُصَلِّي البَاقِيَ كَذَلِكَ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى الفَاتِحَةِ.

ثُمَّ يَجْلِسُ مُتَوَرِّكاً فَيَتَشَهَّدُ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُولُ:«اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ» .

وَسُنَّ أَنْ يُتَعَوَّذَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَعَذَابِ القَبْرِ، وَفِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَفِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَيَدْعُوَ بِمَا أَحَبَّ.

ثُمَّ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ» ، وَعَنْ يَسَارِهِ كَذَلِكَ وُجُوباً.

وَالمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ، لَكِنْ تَجْمَعُ نَفْسَهَا وَتَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً، أَوْ سَادِلَةً رِجْلَيْهَا عَنْ يَمِينِهَا وَهُوَ أَفْضَلُ.

ص: 51

وَيُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ:

الْتِفَاتٌ وَنَحْوُهُ بِلَا حَاجَةٍ، وَإِقْعَاءٌ، وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ سَاجِداً، وَعَبَثٌ، وَتَخَصُّرٌ، وَفَرْقَعَةُ أَصَابِعَ، وَتَشْبِيكُهَا، وَكَوْنُهُ حَاقِناً وَنَحْوَهُ، أَوْ تَائِقاً إِلَى طَعَامٍ وَنَحْوِهِ.

وَإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ سَبَّحَ رَجُلٌ، وَصَفَّقَت امْرَأَةٌ بِبَطْنِ كَفِّهَا عَلَى ظَهْرِ الأُخْرَى.

وَيَبْصُقُ وَنَحْوُهُ فِي ثَوْبِهِ. وَفِي غَيْرِ مَسْجِدٍ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ.

‌فَصْلٌ

وَأَرْكَانُهُا أَرْبَعَةَ عَشَرَ:

القِيَامُ فِي الفَرْضِ عَلَى القَادِرِ.

وَتَكْبِيرَةُ الإِحْرَامِ.

وَقِرَاءَةُ الفَاتِحَةِ.

وَالرُّكُوعُ.

وَالاعْتِدَالُ مِنْهُ.

ص: 52

وَالسُّجُودُ عَلَى الأَعْضَاءِ السَّبْعَةِ.

وَالاعْتِدَالُ مِنْهُ.

وَالجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ.

وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الكُلِّ.

وَالتَّشَهُّدُ الأَخِيرُ.

وَجِلْسَتُهُ.

وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَالتَّرْتِيبُ.

وَالتَّسْلِيمُ.

‌فَصْلٌ

وَوَاجِبَاتُهَا ثَمَانِيَةٌ:

جَمِيعُ التَّكْبِيرَاتِ غَيْرَ التَّحْرِيمَةِ.

وَالتَّسْمِيعُ.

وَالتَّحْمِيدُ.

وَتَسْبِيحَتَا الرُّكُوعِ. وَالسُّجُودِ.

وَسُؤَالُ المَغْفِرَةِ بَيْنَ كُلِّ سَجْدَتَيْنِ.

وَالتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ.

وَجِلْسَتُهُ.

ص: 53

فَمَنْ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئاً عَمْداً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، لَا سَهْواً وَجَهْلاً.

وَأَمَّا الرُّكْنُ، وَالشَّرْطُ فَلَا يَسْقُطَانِ سَهْواً، وَلا جَهْلاً.

وَمَا عَدَا ذَلِكَ سُنَنُ أَقْوَالٍ، وَأَفْعَالٍ.

ص: 54

‌بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ، وَمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ

مَنْ تَعَمَّدَ زِيَادَةً أَوْ نَقْصَاً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ لِسَهْوٍ، أَوْ شَكٍّ لَمْ تَبْطُلْ، لَكِنْ يُشْرَعُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ جَبْرَاً.

فَيَجِبُ إِذَا زَادَ رُكُوعَاً، أَوْ سُجُوداً، أَوْ قِيَاماً، أَوْ قُعُوداً، أَوْ سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِهَا، أَوْ تَرَكَ وَاجِباً، أَوْ شَكَّ فِي زِيَادَةٍ وَقْتَ فِعْلِهَا.

وَمَنْ شَكَّ فِي تَرْكِ رُكْنٍ، أَوْ عَدَدِ رَكَعَاتٍ، وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ بَنَى عَلَى اليَقِينِ؛ وَهُوَ الأَقَلُّ، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ.

وَلَا أَثَرَ لِشَكٍّ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا.

وَيُسَنُّ سُجُودُ السَّهْوِ إِذَا أَتَى بِقَوْلٍ مَشْرُوعٍ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ.

وَيُبَاحُ إِذَا تَرَكَ مَسْنُونَاً.

وَمَحَلُّهُ جَوَازاً قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ، إِلَّا إِذَا سَلَّمَ عَنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ فَيُنْدَبُ بَعْدَ السَّلَامِ.

وَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ:

بِتَعَمُّدِ تَرْكِ سُجُودٍ مَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، وَتَبْطُلُ بِمُبْطِلَاتِ الطَّهَارَةِ، وَفَقْدِ شَيْءٍ مِنْ شُرُوطِهَا، وَبِالقَهْقَهَةِ، وَالكَلَامِ غَيْرِ اليَسِيرِ لِمَصْلَحَتِهَا فِيمَا إِذَا سَلَّمَ قَبْلَ إِتْمَامِهَا سَهْواً، وَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ سِوَى اليَسِيرِ مِنْ جَاهِلٍ وَنَاسٍ.

ص: 55

‌بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ

أَفْضَلُهَا مَا تُسَنُّ لَهُ الجَمَاعَةُ. وَأَكَدُّهَا الكُسُوفُ، فَالاسْتِسْقَاءُ، فَالتَّرَاوِيحُ، فَالوِتْرُ؛ وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ، وَأَدْنَى الكَمَالِ ثَلَاثٌ بِسَلَامَيْنِ، وَيَجُوزُ بِوَاحِدٍ سَرْدَاً. وَوَقْتُهُ مِنْ فَرَاغِ صَلَاةِ العِشَاءِ إِلَى طُلُوعِ الفَجْرِ. وَنُدِبَ القُنُوتُ فِيهِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، وَيَدْعُو بِمَا وَرَدَ.

وَالتَّرَاوِيحُ عِشْرُونَ رَكْعَةً بَعْدَ صَلَاةِ العِشَاءِ، وَفِي جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ. وَهِيَ مِنْ آكَدِ قِيَامِ اللَّيْلِ.

ثُمَّ الرَّوَاتِبُ؛ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ المَغْرِبِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ العِشَاءِ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الفَجْرِ، وَهُمَا آكَدُهَا.

وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى مَثْنَى.

وَتُسَنُّ صَلَاةُ الضُّحَى، وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ، وَالشُّكْرِ.

وَلَا بَأْسَ بِالتَّطَوُّعِ فِي كُلِّ وَقْتٍ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَوْقَاتٍ:

الأَوَّلُ: مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي إِلَى ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قِيْدَ رُمْحٍ.

الثَّانِي: عِنْدَ قِيَامِ الشَّمْسِ حَتَّى تَزَولَ.

الثَّالِثُ: بَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ إِلَى كَمَالِ غُرُوبِ الشَّمْسِ.

وَيَجُوزُ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ فِعْلُ رَكْعَتَيْ فَجْرٍ أَدَاءً، وَرَكْعَتَيْ

ص: 56

الطَّوَافِ، وَصَلَاةُ جِنَازَةٍ بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ، وَتَحِيَّةُ مَسْجِدٍ يَوْمَ جُمُعَةٍ.

وَيَجُوزُ قَضَاءُ الفَوَائِتِ فِي كُلِّ وَقْتٍ.

‌بَابُ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ

تَجِبُ عَلَى الأَحْرَارِ القَادِرِينَ حَضَرَاً وَسَفَرَاً لِلصَّلَوَاتِ الخَمْسِ المَكْتُوبَةِ. وَأَقَلُّهَا إِمَامٌ وَمَأْمُومٌ.

وَتُدْرَكُ بِالتَّكْبِيرِ قَبْلَ تَسْلِيمٍ. وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوْعَ غَيْرَ شَاكٍّ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وَاطْمَأَنَّ ثُمَّ تَابَعَ. وَمَا أَدْرَكَ مَعَ إِمَامِهِ آخِرُهَا، وَمَا يَقْضِيهِ أَوَّلُهَا.

وَسُنَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي سَكَتَاتِ الإِمَامِ، وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْهُ لِبُعْدٍ لَا لِطَرَشٍ.

وَسُنَّ لِإِمَامٍ تَخْفِيفٌ مَعَ إِتْمَامٍ، وَتَطْوِيلُ أُولَى أَطْوَلَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَانْتِظَارُ دَاخِلٍ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى مَأْمُومٍ.

وَإِذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إِلَّا المَكْتُوبَةَ، فَإِنْ كَانَ في نَافِلَةٍ أَتَمَّهَا إِلَّا أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ الجَمَاعَةِ فَيَقْطَعُهَا.

ص: 57

‌فَصْلٌ

الأَوْلَى بِالإِمَامَةِ الأَقْرَأُ العَالِمُ فِقْهَ صَلَاتِهِ، ثُمَّ الأَفْقَهُ، ثُمَّ الأَسَنُّ، ثُمَّ الأَشْرَفُ، ثُمَّ الأَقْدَمُ هِجْرَةً، ثُمَّ الأَتْقَى، ثُمَّ مَنْ قَرَعَ.

وَسَاكِنُ البَيْتِ، وَإِمَامُ المَسْجِدِ أَحَقُّ، إِلَّا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ.

وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ فَاسِقٍ؛ كَكَافِرٍ، إِلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ تَعَذَّرَا خَلْفَ غَيْرِهِ، وَلَا صَبِيٍّ لِبَالِغٍ، وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ مُحْدِثٍ أَوْ مُتَنَجِّسٍ يَعْلَمُ ذَلِكَ.

فَصْلٌ

يَقِفُ المَأْمُوْمُونَ خَلْفَ الإِمَامِ، وَيَصِحُّ مَعَهُ عَنْ يَمِيْنِهِ أَوْ عَنْ جَانِبَيْهِ، لَا قُدَّامَهُ، وَلَا عَنْ يَسَارِهِ فَقَطْ، وَلَا الفَذِّ خَلْفَهُ أَوْ خَلْفَ الصَّفِّ؛ إِلَّا أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً.

فَصْلٌ

يَصِحُّ اقْتِدَاءُ المَأْمُومِ بِالإِمَامِ فِي المَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلَا مَنْ وَرَاءَهُ إِذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَكَذَا خَارِجَهُ إِنْ رَأَى الإِمَامَ، أَوْ المَأْمُومِينَ.

وَيُكْرَهُ وُقُوفُهُمْ بَيْنَ السَّوَارِي إِذَا قَطَعْنَ [صُفُوفَهم]

(1)

.

(1)

الزيادة من (الزاد).

ص: 58

‌فَصْلٌ

وَيُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ مَرِيضٌ، وَمُدَافِعُ أَحَدِ الأَخْبَثَيْنِ، وَمَنْ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَخَائِفٌ مِنْ ضَيَاعِ مَالِهِ، أَوْ فَوَاتِهِ، أَوْ ضَرَرٍ فِيهِ أَوْ مَوْتِ قَرِيبِهِ، أَوْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرٍ أَوْ سُلْطَانٍ، أَوْ مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ وَلَا شَيْءَ مَعَهُ، أَوْ مِنْ فَوَاتِ رُفْقَتِهِ، أَوْ غَلَبَةِ نُعَاسٍ أَوْ أَذَىً بِمَطَرٍ، أَوْ وَحَلٍ، وَبِرِيحٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةٍ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ.

‌بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الأَعْذَارِ

يُصَلِّى المَرِيضُ قَائِماً وَلَوْ مُسْتَنِدَاً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِداً، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبِهِ وَالأَيْمَنُ أَفْضَلُ، وَيُومِئُ بِرُكُوعٍ وَسُجُوْدٍ وَيَجْعَلُهُ أَخْفَضَ. فَإِنْ عَجَزَ أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ وَاسْتَحْضَرَ الفِعْلَ بِقَلْبِهِ، وَكَذَا القَوْلُ إِنْ عَجَزَ عَنْهُ لِسَانُهُ. وَلَا تَسْقُطُ مَادَامَ عَقْلُهُ ثَابِتاً.

وَتَصِحُّ المَكْتُوبَةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ لِمَرَضٍ وَعَجْزٍ عَنْ رُكُوبٍ [إنْ نَزَلَ]

(1)

، وَخَوْفِ انْقِطَاعٍ وَنَحْوِهِ.

وَيُسَنُّ لِمُسَافِرٍ قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ إِنْ نَوَى سَفَرَاً مُبَاحَاً لِمَحَلٍّ مُعَيَّنٍ يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً، وَهُوَ يَوْمَانِ بِسَيْرِ الأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الأَقْدَامِ. فَيَقْصُرُ

(1)

الزيادة من (الروض)، و (شرح المنتهى).

ص: 59

إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ العَامِرَةِ.

وَإِذَا أَقَامَ بِبَلَدٍ لِحَاجَةٍ لَا يَدْرِي مَتَى تَنْقَضِي قَصَرَ؛ مَا لَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ.

وَيَجُوزُ لَهُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، وَبَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ تَقْدِيماً وَتَأْخِيراً.

وَكَذَا يُبَاحُ لِمَرِيضٍ، وَمُرْضِعٍ لِمَشَقَّةٍ وَنَحْوِهَا، وَلِمُقِيمٍ الجَمْعُ بَيْنَ العِشَاءَيْنِ لِمَطَرٍ يَبُلُّ الثِّيَابَ، وَنَحْوِهِ.

‌فَصْلٌ

وَيَجُوزُ أَنْ تُصَلَّى صَلَاةُ الخَوْفِ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ صَحَّتْ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَحَمْلُ السِّلَاحِ الَّذِي لَا يُثْقِلُهُ لِيَدْفَعَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مُسْتَحَبٌّ.

‌بَابُ صَلَاةِ الجُمُعَةِ

تَلْزَمُ كُلَّ ذَكَرٍ، حُرٍّ، مُكَلَّفٍ، مُسْلِمٍ، مُسْتَوْطِنٍ بِبِنَاءٍ اسْمُهُ وَاحِدٌ وَلَوْ تَفَرَّقَ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ المَسْجِدِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ.

وَلَا تَجِبُ عَلَى مُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا امْرَأَةٍ.

ص: 60

وَلَا يَجُوزُ لِمَنْ تَلْزَمُهُ السَّفَرُ فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ.

‌فَصْلٌ

يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهَا شُرُوطٌ، لَيْسَ مِنْهَا إِذْنُ الإِمَامِ.

أَحَدُهَا: الوَقْتُ، وَأَوَّلُهُ أَوَّلُ وَقْتِ صَلَاةِ العِيدِ. وَآخِرُهُ آخِرُ وَقْتِ صَلَاةِ الظُّهْرِ.

الثَّانِي: حُضُورُ أَرْبَعِينَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا.

الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونُوا بِقَرْيَةٍ مُسْتَوْطِنِينَ.

وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمْعَةً.

وَيُشْتَرَطُ تَقَدُّمُ خُطْبَتَيْنِ، مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا حَمْدُ اللهِ، وَالصَّلَاةُ عَلَى رَسُولِهِ، وَقِرَاءَةُ آيَةٍ، وَالوَصِيَّةُ بِتَقْوَى اللهِ، وَحُضُورُ العَدَدِ المُشْتَرَطِ.

فَصْلٌ

وَالجُمُعَةُ رَكْعَتَانِ. يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ جَهْراً فِي الأُولَى بِالجُمُعَةِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِالمُنَافِقِينَ. وَتَحْرُمُ إِقَامَتُهَا فِي أَكْثَرَ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْ البَلَدِ إِلَّا لِحَاجَةٍ.

وَأَقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَهَا رَكْعَتَانِ.

ص: 61

وَمَنْ دَخَلَ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ.

وَلَا يَجُوزُ الكَلَامُ حَالَ خُطْبَةِ الإِمَامِ إِلَّا لَهُ، وَلِمَنْ يُكَلِّمُهُ.

‌بَابُ صَلَاةِ العِيدَيْنِ

وَهِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ. وَشُرُوطُهَا كَالجُمُعَةِ. وَوَقْتُهَا كَصَلَاةِ الضُّحَى، وَآخِرُهَا قَبْلَ الزَّوَالِ.

وَتُسَنُّ بِصَحْرَاءَ، وَيُكْرَهُ النَّفْلُ قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا فِي مَوْضِعِهَا.

وَيُسَنُّ الأَكْلُ قَبْلَ صَلَاةِ فِطْرٍ، وَبَعْدَ أَضْحَى لِمُضَحٍّ.

وَهِيَ رَكْعَتَانِ، يُكَبِّرُ فِي الأُولَى بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ سِتّاً، وَفِي الثَّانِيَةِ قَبْلَ القِرَاءَةِ خَمْسَاً، يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ، وَيَقُولُ بَيْنَهَا:«اللهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيراً، وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيْلاً، وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً» .

ثُمَّ يَسْتَعِيذُ، ثُمَّ يَقْرَأُ جَهْراً بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِسَبِّحْ فِي الأُولَى، وَبالغَاشِيَةِ فِي الثَّانِيَةِ.

فَإِذَا سَلَّمَ خَطَبَ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَيْ الجُمُعَةِ يَسْتَفْتِحُ الأُوْلَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ، وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ فِي الفِطْرِ أَحْكَامَ الفِطْرَةِ، وَيُبَيِّنُ لَهُمْ فِي الأَضْحَى أَحْكَامَ الأُضْحِيَةِ، وَيَحُثُّهُمْ عَلَيْهَا.

وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ العِيدِ سُنَّ لَهُ قَضَاؤُهَا. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا بِالْعِيدِ إِلَّا

ص: 62

بَعْدَ الزَّوَالِ صَلَّوْا مِنْ الغَدِ قَضَاءً.

‌بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفِ

تُسَنُّ جَمَاعَةً، وَفُرَادَى. وَوَقْتُهَا مِنْ ابْتِدَاءِ الكُسُوفِ إِلَى زَوَالِهِ. وَيُنَادَى لَهَا:«الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ» .

وَصِفَتُهَا: أَنْ يُكَبِّرَ، ثُمَّ يَقْرَأَ بَعْدَ الفَاتِحَةِ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ يَرْكَعَ طَوِيلَةً، ثُمَّ يَرْفَعَ، وَيَقْرَأَ الفَاتِحَةَ، وَسُورَةً دُوْنَ الأُوْلَى، ثُمَّ يَرْكَعَ دُونَ الأُولَى، ثُمَّ يَرْفَعَ، ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ، وَيَفْعَلُ الثَّانِيَةَ كَالأُوْلَى إِلَّا أَنَّهَا تَكُونُ أَقْصَرَ مِنْهَا.

‌بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ

هِيَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عِنْدَ الحَاجَةِ لِطَلَبِ السُّقْيَا. وَوَقْتُهَا وَصِفَتُهَا كَصَلَاةِ عِيْدٍ. وَتُصَلَّى فُرَادَى، وَفِي جَمَاعَةٍ أَفْضَلُ.

وَإِذَا أَرَادَ الإِمَامُ الخُرُوجَ وَعَظَ النَّاسَ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّوْبَةِ، وَالخُرُوْجِ مِنْ المَظَالِمِ، وَتَرْكِ التَّشَاحُنِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالصِّيَامِ.

وَيَعِدُهُمْ يَوْماً يَخْرُجُونَ فِيهِ. فَيَخْرُجُ مُتَوَاضِعَاً فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ، مُتَذَلِّلاً، مُتَخَشِّعَاً، وَمَعَهُ أَهْلُ الدِّينِ وَالصَّلَاحِ، وَالشُّيُوخُ، وَالصِّبْيَانُ. وَيُبَاحُ خُرُوجُ الأَطْفَالِ، وَالعَجَائِزِ، وَالبَهَائِمِ.

ص: 63

فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَخْطُبُ وَاحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بِالتَّكْبِيرِ كَخُطْبَةِ عِيدٍ، وَيُكْثِرُ فِيهَا الاسْتِغْفَارَ، وَقِرَاءَةَ الآيَاتِ الَّتِي فِيهَا الأَمْرُ بِهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَظُهُورُهُمَا إِلَى السَّمَاءِ فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْهُ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثَاً

» إِلَى آخِرِهِ.

وَلَهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَعْضَ الصَّالِحِينَ لِلتَّوَسُّلِ بِدُعَائِهِ؛ كَمَا اسْتَسْقَى عُمَرُ بِالعَبَّاسِ.

وَإِنْ كَثُرَ المَطَرُ، وَخِيْفَ مِنْهُ سُنَّ قَوْلُ:«اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ عَلَى الآكَامِ، وَالظِّرَابِ، وَبُطُونِ الأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ»

(1)

.

(1)

رواه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه.

ص: 64

‌كِتَابُ الجَنَائِزِ

يُسَنُّ تَعَاهُدُ المُحْتَضَرِ بِبَلِّ حَلْقِهِ، وَتَلْقِينُهِ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ» بِرِفْقٍ، وَتَوْجِيهُهُ إِلَى القِبْلَةِ، وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ إِذَا مَاتَ، وَشَدُّ لَحْيَيْهِ، وَتَلْيِينُ مَفَاصِلِهِ، وَخَلْعُ ثِيَابِهِ، وَسَتْرُهُ بِثَوْبٍ.

وَيَجِبُ فِي حَقِّهِ أَرْبَعَةُ أُمُورٍ: غَسْلُهُ، وَتَكْفِينُهُ، وَالصَّلَاةُ عَلَيْهِ، وَدَفْنُهُ.

فَإِذَا أَخَذَ المُبَاشِرُ فِي غَسْلِهِ سَتَرَ عَوْرَتَهُ، ثُمَّ نَوَى، وَسَمَّى، وَيَعْصِرُ بَطْنَهُ بِرِفْقٍ، وَيُكْثِرُ صَبَّ المَاءِ حِينَئِذٍ، ثُمَّ يَلُفُّ عَلَى يَدَهُ خِرْقَةً فَيُنَجِّيهِ، وَحَرُمَ مَسُّ عَوْرَةِ مَنْ لَهُ سَبْعٌ، ثُمَّ يُدْخِلُ إِصْبَعَيْهِ وَعَلَيْهِمَا خِرْقَةٌ مَبْلُولَةٌ فِي فَمِهِ فَيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ، وَفِي مَنْخِرَيْهِ فَيُنَظِّفُهُمَا، وَلَا يُدْخِلُهُمَا المَاءَ، ثُمَّ يُوَضِّئُهُ، وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتِهِ بِرُغْوَةِ السِّدْرِ، وَبَدَنَهُ بِثُفْلِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ المَاءَ.

وَسُنَّ: تَثْلِيثٌ، وَتَيَامُنٌ، وَإِمْرَارُ يَدَيْهِ عَلَى بَطْنِهِ كُلَّ مَرَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يَنْقَ زَادَ حَتَّى يَنْقَى، وَسُنَّ كَافُورٌ، وَسِدْرٌ فِي الأَخِيرَةِ، وَخِضَابُ شَعْرٍ، وَقَصُّ شَارِبٍ، وَتَقْلِيمُ أَظْفَارٍ إِنْ طَالَا.

ص: 65

وَيُجَنَّبُ مُحْرِمٌ مَاتَ مَا يُجَنَّبُ فِي حَيَاتِهِ.

وَسِقْطٌ لِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ كَمَوْلُودٍ حَيّاً، وَإِنْ تَعَذَّرَ غَسْلُ المَيِّتَ يُمِّمَ.

وَسُنَّ تَكْفِينُ رَجُلٍ فِي ثَلَاثِ لَفَائِفَ بِيْضٍ، يُجْعَلُ الحَنُوطُ فِيمَا بَيْنَهَا، وَمِنْهُ بِقُطْنٍ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ، وَعَلَى مَنَافِذِ وَجْهِهِ، وَمَوَاضِعِ سُجُودِهِ.

ثُمَّ يَرَدُّ طَرَفَ العُلْيَا مِنْ الجَانِبِ الأَيْسَرِ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْمَنَ عَلَى الأَيْسَرُ، ثُمَّ الثَّانِيَةُ ثُمَّ الثَّالِثَةُ كَذَلِكَ، وَيَجْعَلُ أَكْثَرَ الفَاضِلِ عِنْدَ رَأْسِهِ.

وَسُنَّ لِامْرَأَةٍ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ؛ إِزَارٌ، وَخِمَارٌ، وَقَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ. وَلِصَغِيرٍ قَمِيصٌ، وَلِفَافَتَانِ. وَالوَاجِبُ ثَوْبٌ يَسْتُرُ جَمِيعَ المَيِّتِ.

‌فَصْلٌ

السُّنَّةُ أَنْ يَقُومَ الإِمَامُ عِنْدَ صَدْرِهِ، وَعِنْدَ وَسَطِهَا.

وَيُكَبِّرُ أَرْبَعاً يَقْرَأُ فِي الأُولَى بَعْدَ التَّعَوُّذِ الفَاتِحَةَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ فِي الثَّانِيَةِ، كَالتَّشَهُّدِ، وَيَدْعُو فِي الثَّالِثَةِ فَيَقُولُ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا، وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا، وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا، وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا، إِنَّكَ تَعْلَمُ مُنْقَلَبَنَا وَمَثْوَانَا، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلَامِ وَالسُّنَّةِ، وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَيْهِمَا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ

ص: 66

مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنْ الذُّنُوبِ وَالخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَاراً خَيْراً مِنْ دَارِهِ، وَزَوْجاً خَيْراً مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ، وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ».

وَإِنْ كَانَ صَغِيراً قَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ ذُخْرَاً لِوَالِدَيْهِ، وَفَرَطَاً، وَأَجْرَاً، وَشَفِيعَاً مُجَاباً، اللَّهُمَّ ثَقِّلْ بِهِ مَوَازِينَهُمَا، وَأَعْظِمْ بِهِ أُجُورَهُمَا، وَأَلْحِقْهُ بِصَالِحِ سَلَفِ المُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْهُ فِي كَفَالَةِ إِبْرَاهِيمَ، وَقِهِ بِرَحْمَتِكَ عَذَابَ الجَحِيمِ» .

وَيَقِفُ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَلِيلاً، وَيُسَلِّمُ وَاحِدَةً عَنْ يَمِينِهِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ.

وَوَاجِبُهَا:

قِيَامٌ.

وَتَكْبِيرَاتٌ.

وَالفَاتِحَةُ.

وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

وَدَعْوَةٌ لِلْمَيِّتِ.

وَالسَّلَامُ.

وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْهَا قَضَاهُ عَلَى صِفَتِهِ.

ص: 67

‌فَصْلٌ

يُسَنُّ تَرْبِيْعٌ فِي حَمْلِ جَنَازَةٍ، وَإِسْرَاعٌ بِهَا.

وَالدَّفْنُ فِي الصَّحْرَاءِ أَفْضَلُ، وَيَكْفِي مَا يُوَارِيْهِ عَنْ السِّبَاعِ وَالرَّائِحَةِ.

وَسُنَّ كَوْنُ القَبْرِ مَلْحُوداً، وَأَنْ يُعَمَّقَ، وَيُوَسَّعَ بِلَا حَدٍّ، وَقَوْلُ مُدْخِلِ المَيِّتِ:«بِسْمِ اللهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللهِ» ، وَوَضْعُهُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ، وَخَدِّهِ عَلَى التُّرَابِ.

وَيَجِبُ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ.

وَيَحْرُمُ البِنَاءُ، وَالتَّجْصِيصُ، وَالوَطْءُ، وَالكِتَابَةُ عَلَيْهِ.

وَسُنَّ لِغَيْرِ امْرَأَةٍ زِيَارَةُ القُبُورِ، وَقَوْلُ زَائِرٍ وَمَارٍّ بِهَا:«السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ، يَرْحَمُ اللهُ المُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَالمُسْتَأْخِرِينَ، نَسْأَلُ اللهَ لَنَا وَلَكُمْ العَافِيَةَ، اللَّهُمَّ لَا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُمْ، وَلَا تَفْتِنَّا بَعْدَهُمْ، وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُمْ» .

وَتُسَنُّ تَعْزِيَةُ المُصَابِ بِالمَيِّتِ إِلَى ثَلَاثٍ، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ.

وَيَجُوزُ البُكَاءُ عَلَى المَيِّتِ. وَيَحْرُمُ نَدْبٌ، وَنِيَاحَةٌ، وَشَقُّ ثَوْبٍ، وَلَطْمُ خَدٍّ، وَنَحْوُهُ.

ص: 68

‌كِتَابُ الزَّكَاةِ

هِيَ الرُّكْنُ الثَّالِثُ مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ.

وَشُرُوطُ وُجُوبِهَا خَمْسَةٌ:

الحُرِّيَّةُ، وَالإِسْلَامُ، وَمِلْكُ نِصَابٍ تَقْرِيباً فِي الأَثْمَانِ وَتَحْدِيداً فِي غَيْرِهَا، وَاسْتِقْرَارُهُ، وَمُضِيُّ الحَوْلِ فِي زَكَاةِ الأَثْمَانِ وَالمَاشِيَةِ وَالعُرُوضِ.

وَمَنْ لَهُ دَيْنٌ أَدَّى زَكَاتَهُ إِذَا قَبَضَهُ لِمَا مَضَى.

وَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي خَمْسَةِ أَصْنَافٍ: بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، وَالأَثْمَانِ، وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ، وَالخَارِجِ مِنْ الأَرْضِ، وَالعَسَلِ.

‌فَصْلٌ

وَتَجِبُ فِي إِبِلٍ، وَبَقَرٍ، وَغَنَمٍ سَائِمَةٍ الحَوْلَ أَوْ أَكْثَرَ.

فَيَجِبُ فِي خَمْسٍ مِنَ الإِبِلِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلَاثٌ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعٌ، وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ

ص: 69

لَهَا سَنَةٌ، وَفِي سِتٍّ وَثَلَاثِينَ بِنْتُ لَبُونٍ لَهَا سَنَتَانِ، وَفِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ حِقَّةٌ لَهَا ثَلَاثُ سِنِينَ، وَفِي إِحْدَى وَسِتِّينَ جَذَعَةٌ لَهَا أَرْبَعٌ، وَفِي سِتٍّ وَسَبْعِينَ بِنْتَا لَبُونٍ، وَفِي إِحْدَى وَتِسْعِينَ حِقَّتَانِ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ ثَلَاثُ بَنَاتِ لَبُونٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.

وَيَجِبُ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ البَقَرِ تَبِيعٌ، أَوْ تَبِيعَةٌ؛ كُلٌّ مِنْهُمَا لَهَا سَنَةٌ. وَفِي أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ لَهَا سَنَتَانِ. ثُمَّ فِي كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ، وَكُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ.

وَيَجِبُ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الغَنَمِ شَاةٌ، وَفِي مِائَةٍ وَإِحْدَى وَعِشْرِينَ شَاتَانِ، وَفِي مِائَتَيْنِ وَوَاحِدَةٍ ثَلَاثُ شِيَاهٍ، ثُمَّ فِي كُلِّ مِائَةِ شَاةٍ شَاةٌ.

وَالخُلْطَةُ فِي المَاشِيَةِ تُصَيِّرُ المَالَيْنِ كَالوَاحِدِ.

‌فَصْلٌ فِي زَكَاةِ الخَارِج مِنْ الأَرْضِ

تَجِبُ فِي الحُبُوبِ كُلِّهَا وَلَوْ لَمْ تَكُنْ قُوتاً، وَفِي كُلِّ ثَمَرٍ يُكَالُ وَيُدَّخَرُ؛ كَتَمْرٍ وَزَبِيبٍ.

وَنِصَابُهُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ وَهِيَ أَلْفٌ وَسِتُّمِائَةِ رَطْلٍ بِالعِرَاقِيِّ.

وَتُضَمُّ ثَمَرَةُ العَامِ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ، لَا جِنْسٌ إِلَى غَيْرِهِ.

ص: 70

وَيُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ النِّصَابُ مَمْلُوكاً لَهُ وَقْتَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ، فَلَا زَكَاةَ فِيمَا يَكْتَسِبُهُ اللَّقَّاطُ وَنَحْوُهُ.

وَيَجِبُ عُشْرٌ فِيمَا سُقِيَ بِلَا مُؤْنَةٍ، وَنِصْفُهُ بِهَا، وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ بِهِمَا.

وَإِذَا اشْتَدَّ الحَبُّ، وَبَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ وَجَبَتْ الزَّكَاةُ، وَيَسْتَقِرُّ الوُجُوبُ بِجَعْلِهَا فِي البَيْدَرِ.

وَيَجِبُ فِي العَسَلِ عُشْرُهُ، وَنِصَابُهُ مِائَةٌ وَسِتُّونَ رَطْلاً عِرَاقِيّاً.

وَفِي الرِّكَازِ؛ وَهُوَ مَا وُجِدَ مِنْ دِفْنِ الجَاهِلِيَّةِ الخُمُسُ فِي قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ.

‌فَصْلٌ فِي الأَثْمَانِ

نِصَابُ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالاً، وَالفِضَّةِ مِائَتَا دِرْهَمٍ، وَيُضَمُّ كُلٌّ مِنْهُمَا إِلَى الآخَرِ فِي تَكْمِيلِ النِّصَابِ.

وَلَا زَكَاةَ فِي حُلِيٍّ مُبَاحٍ مُعَدٍّ لِلاسْتِعْمَالِ، أَوْ العَارِيَةِ.

وَيُبَاحُ لِلذَّكَرِ مِنْ الفِضَّةِ خَاتَمٌ، وَقَبِيعَةُ سَيْفٍ، وَنَحْوُهُ. وَمِنْ الذَّهَبِ قَبِيعَةُ سَيْفٍ، وَمَا دَعَتْ إِلَيْهِ ضَّرُورَةٌ كَأَنْفٍ وَنَحْوِهِ. وَلِلنِّسَاءِ مَا جَرَتْ عَادَتُهُنَّ بِلُبْسِهِ.

وَأَمَّا عُرُوضُ التِّجَارَةِ فَنِصَابُهَا كَالنَّقْدَيْنِ بَعْدَ التَّقْوِيمِ بِالأَحَظِّ لِلْفُقَرَاءِ.

ص: 71

وَالوَاجِبُ فِي الذَّهَبِ، وَالفِضَّةِ وَالعُرُوضِ رُبُعُ العُشْرِ.

‌بَابُ زَكَاةِ الفِطْرِ

تَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَضُلَ لَهُ يَوْمُ العِيدِ وَلَيْلَتُهُ صَاعٌ عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ يُمَوِّنُهُ. وَلَا يَمْنَعُهَا الدَّيْنُ إِلَّا بِطَلَبِهِ، فَيُخْرِجُ عَنْ نَفْسِهِ وَمُسْلِمٍ يُمَوِّنُهُ.

فَإِنْ عَجَزَ عَنْ البَعْضِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ، فَامْرَأَتِهِ فَرَقِيقِهِ

(1)

، فَأُمِّهِ، فَأَبِيهِ، فَوَلَدِهِ، فَأَقْرَبَ فِي مِيرَاثٍ.

وَتُسْتَحَبُّ عَنْ جَنِينٍ.

وَتَجِبُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الفِطْرِ، وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا قَبْلَ العِيدِ بِيَوْمَيْنِ فَقَطْ. وَيَوْمَ العِيدِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَفْضَلُ، وَيَجُوزُ بَعْدَهَا مَعَ الكَرَاهَةِ، وَيَقْضِيهَا بَعْدَ يَوْمِهِ آثِماً.

وَالقَدْرُ الوَاجِبُ فِيهَا صَاعٌ مِنْ بُرٍّ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ تَمْرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ أَقِطٍ.

فَإِنْ عَدِمَ ذَلِكَ أَجْزَأَ كُلُّ ثَمَرٍ، وَحَبٍّ يُقْتَاتُ.

وَيَجُوزُ إِعْطَاءُ جَمَاعَةٍ فِطْرَتَهُمْ لِوَاحِدٍ، وَعَكْسُهُ.

(1)

في الأصل: [فرفيقه] بالموحدة، وهو تطبيع.

ص: 72

‌بَابُ إِخْرَاجِ الزَّكَاةِ

يَجِبُ عَلَى الفَوْرِ مَعَ إِمْكَانِهِ إِلَّا لِضَرَرٍ، وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا لِأَشَدِّ حَاجَةٍ، وَيَجُوزُ تَعْجِيلُهَا لِحَوْلَيْنِ فَقَطْ.

وَتَجِبُ النِّيَّةُ عِنْدَ إِخْرَاجِهَا.

وَالأَفْضَلُ أَنْ يُفَرِّقَهَا بِنَفْسِهِ. وَيَقُولُ هُوَ وَآخِذُهَا مَا وَرَدَ.

وَتُدْفَعُ الزَّكَاةُ إِلَى الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ المَذْكُورِينَ فِي الآيَةِ، وَيُجْزِئُ إِلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ.

وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِبَنِي هَاشِمٍ، وَمَوَالِيهِمْ، وَلَا لِأَصْلٍ، وَفَرْعٍ، وَعَبْدٍ، وَزَوْجٍ، وَكَافِرٍ، وَمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَلَا مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُ.

وَمَنْ مَنَعَهَا جُحُوداً كَفَرَ عَارِفٌ بِالحُكْمِ، وَأُخِذَتْ مِنْهُ، وَقُتِلَ. وَبُخْلاً أُخِذَتْ مِنْهُ وَعُزِّرَ.

وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يُخْرِجْهَا أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ.

ص: 73

‌كِتَابُ الصِّيَامِ

يَجِبُ صَوْمُ رَمَضَانَ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ مِنْ عَدْلٍ؛ وَلَوْ أُنْثَى، أَوْ إِكْمَالُ شَعْبَانٍ.

وَإِنْ وُجِدَ

(1)

مَانِعٌ مِنْ رُؤْيَتِهِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْهُ؛ كَغَيْمٍ فَيُصَامُ بِنِيَّةِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ احْتِيَاطاً.

وَيَلْزَمُ الصَّوْمُ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، مُكَلَّفٍ، قَادِرٍ.

وَإِذَا قَامَتْ البَيِّنَةُ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَجَبَ الإِمْسَاكُ، وَالقَضَاءُ عَلَى كُلِّ مَنْ صَارَ فِي أَثْنَائِهِ أَهْلاً لِوُجُوبِهِ.

وَيَجِبُ تَعْيِينُ النِّيَّةِ مِنْ اللَّيْلِ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ وَاجِبٍ.

وَيَصِحُّ النَّفْلُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَبَعْدَهُ.

وَمَنْ نَوَى الإِفْطَارَ أَفْطَرَ.

(1)

في الأصل [أو وجود]، ولعل الصواب ما أثبت.

ص: 75

‌بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَيُوجِبُ الكَفَّارَةَ

مَنْ أَكَلَ، أَوْ شَرِبَ، أَوْ اسْتَقَاءَ فَقَاءَ، أَوْ اكْتَحَلَ، أَوْ اسْتَمْنَى، أَوْ بَاشَرَ دُونَ الفَرْجِ، أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَنْزَلَ، أَوْ أَمْذَى، أَوْ احْتَجَمَ عَامِداً ذَاكِراً لِصَوْمِهِ فَسَدَ.

وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ، أَوْ غُبَارٌ، أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ أَوْ احْتَلَمَ لَمْ يَفْسَدْ.

وَمَنْ أَكَلَ شَاكَّاً فِي طُلُوعِ الفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ، لَا إِنْ أَكَلَ شَاكّاً فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ، أَوْ مُعْتَقِداً أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَاراً.

‌فَصْلٌ

مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَان فِي قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ وَالكَفَّارَةُ.

وَكَذَلِكَ مَنْ لَزِمَهُ الإِمْسَاكُ إِذَا جَامَعَ.

وَلَا تَجِبُ بِالجِمَاعِ دُونَ الفَرْجِ؛ وَلَوْ أَنْزَلَ، وَلَا عَلَى المَرْأَةِ المَعْذُوْرَةِ، وَلَا تَجِبُ بِغَيْرِ الجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ.

وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ سَقَطَتْ.

ص: 76

‌بَابُ مَا يُكْرَهُ، وَيُسْتَحَبُّ، وَحُكْمِ القَضَاءِ

يُكْرَهُ أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْتَلِعَهُ، وَيَحْرُمُ بَلْعُ النُّخَامَةِ، وَيُفْطِرُ بِهَا فَقَطْ إِنْ وَصَلَتْ إِلَى فَمِهِ.

وَذَوْقُ طَعَامٍ

(1)

بِلَا حَاجَةٍ، وَمَضْغُ عِلْكٍ قَوِيٍّ، وَإِنْ وَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ أَفْطَرَ.

وَتُكْرَهُ القُبْلَةُ لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ.

وَيَجِبُ اجْتِنَابُ كُلِّ كَلَامٍ مُحَرَّمٍ؛ كَشَتْمٍ.

وَسُنَّ لِمَنْ شُتِمَ قَوْلُهُ: «إِنِّي صَائِمٌ» ، وَتَأْخِيرُ سُحُورٍ، وَتَعْجِيلُ فِطْرٍ عَلَى رُطَبٍ، أَوْ تَمْرٍ عِنْدَ عَدَمِهِ، أَوْ مَاءٍ عِنْدَ عَدَمِهِمَا، وَقَوْلُ مَا وَرَدَ.

وَيُسْتَحَبُّ القَضَاءُ مُتَتَابِعاً، وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ القَضَاءُ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ لِكُلِّ يَوْمٍ.

وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ، أَوْ اعْتِكَافُ، أَوْ حَجُّ أَوْ صَلَاةُ نَذْرٍ اسْتُحِبَّ لِوَلِيِّهِ قَضَاؤُهَا.

(1)

أي: ويُكره ذوق.

ص: 77

‌بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ

يُسَنُّ صِيَامُ أَيَّامِ البِيضِ، وَالاثْنَيْنِ، وَالخَمِيسِ، وَسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ، وَشَهْرِ المُحَرَّمِ، وَآكَدُهُ العَاشِرُ، ثُمَّ التَّاسِعُ، وَتِسْعِ ذِي الحِجَّةِ، وَآكَدُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لِغَيْرِ حَاجٍّ بِهَا.

وَأَفْضَلُ التَّطَوُّعِ المُطْلَقِ صَوْمُ يَوْمٍ وَفِطْرُ يَوْمٍ.

وَكُرِهَ إِفْرَادُ رَجَبٍ، وَالجُمُعَةِ، وَالسَّبْتِ، وَيَوْمِ الشَّكِّ، وَكُلِّ عِيْدٍ لِلْكُفَّارِ بِصَوْمٍ.

وَحَرُمَ صَوْمُ العِيدَيْنِ مُطْلَقاً، وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ؛ إِلَّا عَنْ دَمِ مُتْعَةٍ وَقِرَانٍ.

وَمَنْ دَخَلَ فِي فَرْضٍ مُوَسَّعٍ حَرُمَ قَطْعُهُ بِلَا عُذْرٍ، وَكُرِهَ فِي نَفْلٍ بِلَا عُذْرٍ.

‌بَابُ الاعْتِكَافِ

هُوَ لُزُومُ مَسْجِدٍ لِطَاعَةِ اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ سُنَّةٌ.

وَيَصِحُّ بِلَا صَوْمٍ، وَيَلْزَمُ بِالنَّذْرِ، وَلَا يَصِحُّ إِلَّا فِي مَسْجِدٍ يُجَمَّعُ فِيهِ.

وَمَنْ نَذَرَ زَمَناً مُعَيَّناً دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ لَيْلَتِهِ الأُوْلَى، وَخَرَجَ بَعْدَ

ص: 78

آخِرِهِ، وَلَا يَخْرُجُ المُعْتَكِفُ إِلَّا لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ، وَلَا يَعُوْدُ مَرِيضاً، وَلَا يَشْهَدُ جَنَازَةً إِلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ.

وَإِنْ وَطِئَ فِي فَرْجٍ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ.

وَيُسْتَحَبُّ اشْتِغَالُهُ بِالقُرَبِ، وَاجْتِنَابُ مَا لَا يَعْنِيهِ.

ص: 79

‌كتابُ الحَجِّ

يَجِبُ الحَجُّ وَالعُمْرَةُ عَلَى المُسْلِمِ، الحُرِّ المُكَلَّفِ، وَالقَادِرِ فِي العُمْرِ مَرَّةً عَلَى الفَوْرِ إِذَا أَمْكَنَهُ.

وَالقَادِرُ مَنْ أَمْكَنَهُ الرُّكُوبُ، وَوَجَدَ زَادَاً وَرَاحِلَةً صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ.

وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الوَاجِبَاتِ، وَالنَّفَقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَإِنْ أَعْجَزَهُ كِبَرٌ، أَوْ مَرَضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ، وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ.

وَيُشْتَرَطُ لِوُجُوبِهِ عَلَى المَرْأَةِ وُجُودُ مَحْرَمِهَا؛ وَهُوَ زَوْجُهَا، أَوْ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ عَلَى التَّأْبِيدِ؛ بِنَسَبٍ، أَوْ سَبَبٍ مُبَاحٍ.

وَإِنْ مَاتَ مَنْ لَزِمَاهُ أُخْرِجَا مِنْ تَرِكَتِهِ.

‌فَصْلٌ

وَمِيقَاتُهُ المَكَانِيُّ: ذُو الحُلَيْفَةِ لِأَهْلِ المَدِينَةِ. وَالجُحْفَةُ لِأَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ، وَالمَغْرِبِ. وَيَلَمْلَمُ لِأَهْلِ اليَمَنِ. وَقَرْنُ لِأَهْلِ نَجْدٍ.

ص: 81

وَذَاتُ عِرْقٍ لِأَهْلِ المَشْرِقِ. هُنَّ لِأَهْلِهَا، وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِهِمْ.

وَمَنْ حَجَّ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَمِنْهَا، وَعُمْرَتُهُ مِنْ الحِلِّ.

وَأَشْهُرُ الحَجِّ: شَوَّالٌ، وَذُو القَعْدَةِ، وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الحِجَّةِ.

‌بَابُ الإِحْرَامِ

هُوَ نِيَّةُ النُّسُكِ. سُنَّ لِمُرِيدِهِ غُسْلٌ، أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمٍ أَوْ عُذْرٍ، وَتَنَظُّفٌ

(1)

، وَتَطَيُّبٌ، وَتَجَرُّدٌ مِنْ مَخِيطٍ، وَلُبْسُ إِزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ، وَنَعْلَيْنِ، وَإِحْرَامٌ عَقِبَ رَكْعَتَيْنِ.

وَالأَنْسَاكُ ثَلَاثَةٌ: تَمَتُّعٌ، وَقِرَانٌ، وَإِفْرَادٌ.

فَالأَوَّلُ: هُوَ أَنْ يُحْرِمَ بِالعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الحَجِّ، وَيَفْرَغَ مِنْهَا، ثُمَّ يُحْرِمَ بِالحَجِّ فِي عَامِهِ. وَعَلَى الأُفُقِيِّ دَمٌ.

وَالثَّانِي: أَنْ يُحْرِمَ بِالعُمْرَةِ وَالحَجِّ مَعاً، وَعَلَيْهِ دَمٌ.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُحْرِمَ بِالحَجِّ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَأَفْضَلُهَا التَّمَتُّعُ، [ثُمَّ الإِفْرَادُ]

(2)

، ثُمَّ القِرَانُ.

(1)

في الأصل [وتنظيف]، وما أثبت أنسب، نبه عليه (ع).

(2)

ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل، ومثبت من خط المحرر الشيخ ابن راشد من النسخ (س، ص) التي عليها تصويباته، وذكره أولى.

ص: 82

وَيُسَنُّ تَعْيِينُ النُّسُكِ، وَالاشْتِرَاطُ؛ بِأَنْ يَقُولَ:«اللَّهُمَّ إِنِّي أُرِيدُ نُسُكَ كَذَا فَيَسِّرْهُ لِي، فَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي» ، ثُمَّ يُلَبِّي؛ وَصِفَتُهَا: «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، لَبَّيْكَ

(1)

لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ، إِنَّ الحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالمُلْكَ، لَا شَرِيكَ لَكَ».

وَسُنَّ لِمَنْ نَوَى الحَجَّ مُفْرِدَاً فَسْخُ نِيَّتِهِ بِالعُمْرَةِ لِيَكُوْنَ مُتَمَتِّعاً.

وَإِنْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ بِالعُمْرَةِ، وَخَافَتْ فَوَاتَ الحَجِّ نَوَتْ الحَجَّ وَصَارَتْ قَارِنَةً.

‌بَابُ مَحْظُورَاتِ الإِحْرَامِ

هِيَ تِسْعَةٌ:

الأَوَّلُ: إِزَالَةُ شَعَرٍ.

الثَّانِي: تَقْلِيمُ ظُفُرٍ.

وَفِي إِزَالَةِ شَعَرَةٍ، أَوْ ظُفُرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ، وَفِي الاثْنَيْنِ طَعَامُ اثْنَيْنِ، وَفِي ثَلَاثَةٍ الفِدْيَةُ.

الثَّالِثُ: تَغْطِيَةُ رَأْسٍ؛ وَلَوْ بِاسْتِظْلَالٍ بِمَحْمَلٍّ

(2)

.

(1)

في الأصل زيادة [لبيك] ثالثة هنا، وقد ضُرب عليها في النسخ المصححة بخط ابن راشد.

(2)

في الأصل [بمحل]، والتصويب من (س) بخط المحرِّر.

ص: 83

الرَّابِعُ: لُبْسُ ذَكَرٍ مَخِيطاً.

الخَامِسُ: شَمُّ الطِّيبِ قَصْداً.

فَمَنْ لَبِسَ، أَوْ تَطَيَّبَ، أَوْ غَطَّى رَأْسَهُ بِمُلَاصِقٍ فَدَى

(1)

.

السَّادِسُ: قَتْلُ صَيْدِ البَرِّ الوَحْشِيِّ المَأْكُولِ.

السَّابِعُ: عَقْدُ النِّكَاحِ.

الثَّامِنُ: المُبَاشَرَةُ فِيمَا دُوْنَ الفَرْجِ.

التَّاسِعُ: الجِمَاعُ.

وَكُلُّهَا تُوجِبُ الفِدْيَةَ، إِلَّا عَقْدَ النِّكَاحِ.

وَلَيْسَ فِي المَحْظُورَاتِ مَا يُفْسِدُ الحَجَّ غَيْرُ الجِمَاعِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ، وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ، وَالقَضَاءُ مِنْ قَابِلٍ، وَيَمْضِي فِي فَاسِدِهِ.

وَلَا يَفْسدُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الأَوَّلِ، لَكِنْ يَفْسدُ الإِحْرَامُ، فَيُحْرِمُ مِنْ الحِلِّ لِطَوَافِ الفَرْضِ فِي إِحْرَامٍ صَحِيحٍ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى، وَعَلَيْهِ شَاةٌ.

وَالتَّحَلُّلُ الأَوَّلُ يَحْصُلُ بِاثْنَيْنِ مِنْ ثَلَاثَةٍ؛ رَمْيٍ، وَحَلْقٍ، وَطَوَافِ زِيَارَةٍ، وَيَحِلُّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ.

وَالتَّحَلُّلُ الثَّانِي يَحْصُلُ بِمَا بَقِيَ مَعَ السَّعْيِ إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى.

(1)

في الأصل [فسد]، وصوبت من النسخ المصححة (س، ص).

ص: 84

وَإِحْرَامُ المَرْأَةِ كَالرَّجُلِ؛ إِلَّا فِي لُبْسِ مَخِيطٍ، وَتَغْطِيَةِ وَجْهِهَا؛ فَإِنْ غَطَّتْهُ بِلَا عُذْرٍ فَدَتْ.

‌بَابُ الفِدْيَةِ

يُخَيَّرُ فِي فِدْيَةِ حَلْقٍ، وَتَقْلِيْمٍ، وَتَغْطِيَةِ رَأْسِ رَجُلٍ، وَوَجْهِ امْرَأَةٍ بَيْنَ صِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إِطْعَامِ سِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعِ تَمْرٍ، أَوْ شَعِيرٍ، أَوْ زَبِيبٍ، أَوْ ذَبْحُ شَاةٍ.

وَفِي جَزَاءِ صَيْدٍ بَيْنَ مِثْلِ مِثْلِيٍّ. أَوْ تَقْوِيمِهِ بِدَرَاهِمَ يَشْتَرِي بِهَا طَعَاماً يُجْزِئُ فِي فِطْرَةٍ، فَيُطْعِمُ كُلَّ مِسْكِينٍ مُدَّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ. أَوْ يَصُومُ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْماً. وَبَيْنَ إِطْعَامٍ أَوْ صِيَامٍ فِي غَيْرِ مِثْلِيٍّ.

وَإِنْ عَدِمَ مُتَمَتِّعٌ أَوْ قَارِنٌ الهَدْيَ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ، وَالأَفْضَلُ كَوْنُ آخِرِهَا يَوْمَ عَرَفَةَ، وَسَبَعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ.

وَالمُحْصَرُ إِذَا لَمْ يَجِدْهُ صَامَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ حَلَّ.

وَتَسْقُطُ بِنِسْيَانٍ فِدْيَةُ لُبْسٍ، وَطِيبٍ وَتَغْطِيَةِ رَأْسٍ.

وَكُلُّ هَدْيٍ أَوْ إِطْعَامٍ فَلِمَسَاكِينِ الحَرَمِ إِلَّا فِدْيَةَ أَذَى وَلُبْسٍ وَنَحْوِهِمَا فَحَيْثُ وُجِدَ سَبَبُهَا. وَيُجْزِئُ الصَّوْمُ بِكُلِّ مَكَانٍ.

وَالدَّمُ شَاةٌ، أَوْ سُبْعُ بَدَنَةٍ.

ص: 85

وَيُرْجَعُ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ إِلَى مَا قَضَتْ بِهِ الصَّحَابَةُ، وَفِيمَا لَمْ تَقْضِ بِهِ إِلَى قَوْلِ عَدْلَيْنِ خَبِيرَيْنِ، وَمَا لَا مِثْلَ لَهُ تَجِبُ قِيمَتُهُ مَكَانَهُ.

وَحَرُمَ مُطْلَقاً صَيْدُ حَرَمِ مَكَّةَ، وَقَطْعُ شَجَرِهِ، وَحَشِيشِهِ، إِلَّا الإِذْخِرَ، وَفِيهِ الجَزَاءُ

(1)

.

وَصَيْدُ حَرَمِ المَدِينَةِ، وَقَطْعُ شَجَرِهِ وَحَشِيشِهِ الأَخْضَرَيْنِ

(2)

لِغَيْرِ حَاجَةِ عَلَفٍ، وَقَتَبٍ وَنَحْوِهِمَا، وَلَا جَزَاءَ.

‌بَابُ دُخُولِ مَكَّةَ

يُسَنُّ مِنْ أَعْلَاهَا. وَالمَسْجِدِ مِنْ بَابِ بَنِي شَيْبَةَ.

فَإِذَا رَأَى البَيْتَ رَفَعَ يَدَيْهِ، وَقَالَ مَا وَرَدَ، ثُمَّ طَافَ مُضْطَبِعاً لِلْعُمْرَةِ، أَوْ القُدُومِ -إِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَمِراً

(3)

- سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ، فَيَسْتَلِمُ الحَجَرَ الأَسْوَدَ، وَيُقَبِّلُهُ فَإِنْ شَقَّ أَشَارَ إِلَيْهِ، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ وَيَرْمُلُ الأُفُقِيُّ فِي الثَّلَاثَةِ الأَشْوَاطِ الأُوَلِ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ خَلْفَ المَقَامِ،

(1)

علّق الشيخ ابن عقيل: (لو أُخّر: إلا الإذخر)، فيكون السياق:(وقطع شجره وحشيشه وفيه الجزاء، إلا الإذخر). وهذا أظهر للمعنى.

(2)

لفظة [الأخضرين] ليست في الأصل، ومثبتة من النسخة (ص) المصححة بخط محرر الكتاب الشيخ ابن راشد.

(3)

كذا، وعبارة (أخصر المختصرات):(طاف مضطبعاً للعمرة المعتمر وللقدوم غيره).

ص: 86

ثُمَّ يَسْتَلِمُ الحَجَرَ، وَيَخْرُجُ إِلَى الصَّفَا مِنْ بَابِهِ فَيَرْقَاهُ حَتَّى يَرَى البَيْتَ، فَيُكَبِّرُ ثَلَاثاً، وَيَقُولُ مَا وَرَدَ، ثُمَّ يَنْزِلُ مَاشِياً إِلَى العَلَمِ الأَوَّلِ، فَيَسْعَى سَعْيَاً شَدِيدَاً إِلَى الآخَرِ، ثُمَّ يَمْشِي وَيَرْقَى المَرْوَةَ، وَيَقُولُ مَا قَالَهُ عَلَى الصَّفَا، ثُمَّ يَنْزِلُ وَيَمْشِي فِي مَوْضِعِ مَشْيِهِ، وَيَسْعَى فِي مَوْضِعِ سَعْيِهِ، يَفْعَلُهُ سَبْعَاً، ذَهَابُهُ سَعْيَةٌ، وَرُجُوعُهُ سَعْيَةٌ.

وَيَتَحَلَّلُ مُتَمَتِّعٌ لَا هَدْيَ مَعَهُ بِحَلْقٍ أَوْ تَقْصِيرٍ، وَمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِذَا حَجَّ.

وَالمُتَمَتِّعُ يَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إِذَا شَرَعَ فِي الطَّوَافِ.

‌بَابُ صِفَةِ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ

يُسَنُّ لِمُحِلٍّ بِمَكَّةَ الإِحْرَامُ بِالحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَالمَبِيتُ بِمِنًى.

فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ سَارَ إِلَى عَرَفَةَ، وَكُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ عُرَنَةَ

(1)

وَيَجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ تَقْدِيماً، ثُمَّ يَقِفُ وَيُكْثِرُ مِنَ الدُّعَاءِ وَمِمَّا وَرَدَ.

وَوَقْتُ الوُقُوفِ مِنْ فَجْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ إِلَى فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ.

ثُمَّ يَدْفَعُ بَعْدَ الغُرُوبِ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بِسَكِيْنَةٍ، وَيَجْمَعُ فِيهَا بَيْنَ

(1)

في الأصل [عرفة]، وهو تطبيع.

ص: 87

العِشَاءَيْنِ تَأْخِيراً قَبْلَ حَطِّ رَحْلِهِ، وَيَبِيتُ بِهَا، فَإِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَتَى المَشْعَرَ الحَرَامَ، فَوَقَفَ، وَحَمِدَ اللهَ، وَكَبَّرَ، وَقَرَأَ:{فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ} الآيَتَيْنِ [البقرة: 198، 199]، وَيَدْعُو حَتَّى يُسْفِرَ، ثُمَّ يَدْفَعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إِلَى مِنَى، فَإِذَا بَلَغَ مُحَسِّرَاً أَسْرَعَ قَدْرَ رَمْيَةٍ بِحَجَرٍ، وَيَأْخُذُ حَصَى الجِمَارِ سَبْعِينَ حَصَاةً.

فَإِذَا أَتَى مِنًى بَدَأَ بِجَمْرَةِ العَقَبَةِ فَيَرْمِيهَا بِسَبْعٍ، يَرْفَعُ يُمْنَاهُ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطِهِ، وَيُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ وَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ، ثُمَّ يَنْحَرُ، وَيَحْلِقُ، أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ جَمِيعِ شَعَرِهِ، وَالمَرْأَةُ تُقَصِّرُ قَدْرَ أُنْمُلَةٍ. ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا النِّسَاءَ.

ثُمَّ يُفِيضُ إِلَى مَكَّةَ فَيَطُوفُ لِلزِّيَارَةِ، وَيَسْعَى إِنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى، ثُمَّ قَدْ حَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ.

وَيُسَنُّ أَنْ يَشْرَبَ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ لِمَا أَحَبَّ، وَيَتَضَلَّعَ مِنْهُ، وَيَدْعُو بِمَا وَرَدَ.

ثُمَّ يَرْجِعُ فَيَبِيتُ بِمِنًى ثَلَاثَ لَيَالٍ، وَيَرْمِي الجِمَارَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بَعْدَ الزَّوَالِ يَبْدَأُ بِالأُوْلَى، وَيَخْتِمُ بِجَمْرَةِ العَقَبَةِ.

وَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ إِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِنًى قَبْلَ الغُرُوبِ لَزِمَهُ المَبِيتُ، وَالرَّمْيُ مِنْ الغَدِ.

فَإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ لَمْ يَخْرُجْ حَتَّى يَطُوفَ لِلْوَدَاعِ.

ص: 88

فَإِنْ أَقَامَ، أَوْ اتَّجَرَ بَعْدَهُ أَعَادَهُ، وَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فَطَافَهُ عِنْدَ الخُرُوجِ أَجْزَأَ.

وَيَقِفُ غَيْرُ الحَائِضِ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالبَابِ دَاعِياً بِمَا وَرَدَ، وَتَقِفُ الحَائِضُ بِبَابِ المَسْجِدِ وَتَدْعُو بِالدُّعَاءِ.

‌فَصْلٌ

يُسْتَحَبُّ لِمَنْ فَرَغَ مِنْ الحَجِّ أَنْ يَأْتِيَ المَسْجِدَ النَّبَوِيَّ لِلصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِمَا وَرَدَ مِنْ مُضَاعَفَةِ الصَّلَاةِ هُنَاكَ.

فَإِذَا صَلَّى تَحِيَّةَ المَسْجِدِ أَتَى إِلَى قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَائِلاً: «السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ» ، وَلَا مَانِعَ مِنْ الإِتْيَانِ بِصِفَاتِهِ، ثُمَّ يَقُولُ:«السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ» ، وَلَا يَدْعُو هُنَاكَ؛ لِلنَّهْيِ عَنْهُ بِاتِّفَاقِ الأَئِمَّةِ.

وَصِفَةُ العُمْرَةِ:

أَنْ يُحْرِمَ بِهَا مِنْ المِيقَاتِ، أَوْ مِنْ أَدْنَى الحِلِّ لِمَنْ بِالحَرَمِ، وَغَيْرُهِ مِنْ مَنْزِلِهِ إِنْ كَانَ دُونَ المِيقَاتِ، ثُمَّ يَطُوفُ، وَيَسْعَى، وَيَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ.

ص: 89

‌فَصْلٌ

أَرْكَانُ الحَجِّ أَرْبَعَةٌ: إِحْرَامٌ، وَوُقُوفٌ، وَطَوَافٌ، وَسَعْيٌ.

وَوَاجِبَاتُهُ سَبْعَةٌ: إِحْرَامُ مَارٍّ عَلَى مِيقَاتٍ مِنْهُ، وَوُقُوفٌ إِلَى الغُرُوبِ، وَمَبِيتٌ بِمُزْدَلِفَةَ إِلَى بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ، وَبِمِنَى لَيَالِيَهَا، وَالرَّمْيُ مُرَتَّباً، وَحَلْقٌ، أَوْ تَقْصِيرٌ، وَطَوَافُ وَدَاعٍ.

وَأَرْكَانُ العُمْرَةِ ثَلَاثَةٌ: إِحْرَامٌ، وَطَوَافٌ، وَسَعْيٌ.

وَوَاجِبُهَا اثْنَانِ: الإِحْرَامُ مِنْ الحِلِّ، وَالحَلْقُ، أَوْ التَّقْصِيرُ.

فَمَنْ تَرَكَ الإِحْرَامَ لَمْ يَنْعَقِدْ نُسُكُهُ.

وَمَنْ تَرَكَ رُكْناً غَيْرَهُ، أَوْ نِيَّتَهُ لَمْ يَتِمَّ نُسُكُهُ إِلَّا بِهِ.

وَمَنْ تَرَكَ وَاجِباً فَعَلَيْهِ دَمٌ، أَوْ سُنَّةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.

وَمَنْ فَاتَهُ الوُقُوفُ فَاتَهُ الحَجُّ، وَتَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى؛ إِنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ.

وَمَنْ مُنِعَ البَيْتَ أَهْدَى، ثُمَّ حَلَّ، فَإِنْ فَقَدَهُ صَامَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ.

وَمَنْ صُدَّ عَنْ عَرَفَةَ تَحَلَّلَ بِعُمْرَةٍ، وَلَا دَمَ.

وَإِنْ حَصَرَهُ مَرَضٌ، أَوْ ذَهَابُ نَفَقَةٍ بَقِيَ مُحْرِماً إِنْ لَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ.

ص: 90

‌بَابُ الهَدْيِ وَالأُضْحِيَةِ

أَفْضَلُهَا إِبِلٌ، ثُمَّ بَقَرٌ، ثُمَّ غَنَمٌ، وَلَا يُجْزِئُ إِلَّا جَذَعُ ضَأْنٍ، وَثَنِيُّ غَيْرِهِ.

وَوَقْتُ الذَّبْحِ بَعْدَ صَلَاةِ عِيدٍ، أَوْ قَدْرِهَا إِلَى آخِرِ ثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.

وَلَا يُعْطَى جَازِرٌ أُجْرَتَهُ مِنْهَا، وَلَا يَبِيعُ جِلْدَهَا، وَلَا شَيْئاً مِنْهَا، بَلْ يَنْتَفِعُ بِهِ.

وَتُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ، وَالبَدَنَةُ وَالبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ.

وَلَا تُجْزِئُ هَزِيلَةٌ، وَلَا بَيِّنَةُ عَوَرٍ، أَوْ عَرَجٍ، وَلَا ذَاهِبَةُ الثَّنَايَا، أَوْ أَكْثَرِ أُذُنِهَا، أَوْ قَرْنِهَا.

وَتُنْحَرُ الإِبِلُ قَائِمَةً مَعْقُولَةَ يَدِهَا اليُسْرَى، وَيُذْبَحُ غَيْرُهَا.

وَيَقُولُ: «بِسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا مِنْكَ وَلَكَ» .

وَسُنَّ أَنْ يَأْكُلَ وَيُهْدِيَ، وَيَتَصَدَّقَ أَثْلَاثاً.

وَحَرُمَ عَلَى مُرِيدِهَا أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ شَعَرِهِ، أَوْ ظُفُرِهِ، أَوْ بَشَرَتِهِ فِي العَشْرِ.

وَتُسَنُّ العَقِيقَةُ عَنْ الغُلَامِ شَاتَانَ، وَعَنْ الجَارِيَةِ شَاةٌ تُذْبَحُ يَوْمَ

ص: 91

السَّابِعِ، فَإِنْ فَاتَ فَفِي أَرْبَعَةَ عَشَرَ، أَوْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ، فَإِنْ فَاتَ فَلَا تُعْتَبَرُ الأَسَابِيعُ. وَحُكْمُهَا كَأُضْحِيَةٍ.

ص: 92

‌كِتَابُ الجِهَادِ

هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَيَجِبُ إِذَا حَضَرَهُ، أَوْ حَصَرَ العَدُوُّ بَلَدَهُ، أَوْ كَانَ النَّفِيرُ عَامّاً.

وَيُسَنُّ رِبَاطٌ، وَهُوَ لُزُومُ ثَغْرٍ وَأَقَلُّهُ سَاعَةٌ، وَتَمَامُهُ أَرْبَعُونَ يَوْماً.

وَيَمْنَعُ الإِمَامُ المُخَذِّلَ، وَالمُرْجِفَ.

وَيَلْزَمُ الجَيْشَ طَاعَتُهُ، وَالصَّبْرُ مَعَهُ، وَلَا يَجُوزُ الغَزْوُ إِلَّا بِإِذْنِهِ؛ إِلَّا أَنْ يَفْجَأَهُمْ عَدُوٌّ يَخَافُونَ كَلَبَهُ.

وَلَا يَجِبُ إِلَّا عَلَى ذَكَرٍ حُرٍّ، مُسْلِمٍ، مُكَلَّفٍ، صَحِيحٍ، وَاجِدٍ مِنْ المَالِ الكِفَايَةَ لَهُ، وَلِأَهْلِهِ حَتَّى يَرْجِعَ، وَلَا يَتَطَوَّعُ إِلَّا بِإِذْنِ أَبَوَيْهِ المُسْلِمَيْنِ.

وَيُقْسَمُ خُمْسُ الغَنِيمَةِ خَمْسَةُ أَسْهُمٍ؛ سَهْمٌ للهِ وَرَسُولِهِ؛ وَسَهْمٌ لِذَوِي القُرْبَى؛ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَالمُطَّلِبِ، وَسَهْمٌ لِلْيَتَامَى وَالفُقَرَاءِ، وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ، وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ، ثُمَّ يُقْسَمُ البَاقِي بَيْنَ مَنْ شَهِدَ الوَقْعَةَ لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ، وَلِلْفَارِسِ عَلَى فَرَسٍ عَرَبِيٍّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ، وَعَلَى

ص: 93

غَيْرِهِ اثْنَانِ.

وَيُقْسَمُ لِحُرٍّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ، وَيُرْضَخُ لِغَيْرِهِ.

وَمَنْ قَتَلَ قَتِيلاً أُعْطِيَ سَلَبَهُ قَبْلَ القِسْمَةِ.

‌بَابُ عَقْدِ الذِّمَّةِ وَأَحْكَامِهَا

يَجُوزُ عَقْدُهَا لِصِيَانَةِ النَّفْسِ وَالمَالِ وَالعِرْضِ لِأَهْلِ كِتَابٍ وَمَنْ لَهُ شُبْهَةٌ

(1)

كَالمَجُوسِ، حَيْثُ أَمْنُ مَكْرِهِمْ، وَالْتَزَمُوا لَنَا بِأَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ:

أَحَدُهَا: إِعْطَاءُ الجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَذْكُرُوا دِيْنَ الإِسْلَامِ إِلَّا بِخَيْرٍ.

الثَّالِثُ: أَنْ لَا يَفْعَلُوا مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى المُسْلِمِينَ.

الرَّابِعُ: أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الإِسْلَامِ فِي نَفْسٍ وَمَالٍ وَعِرْضٍ فِيمَا

(2)

يَعْتَقِدُونَ تَحْرِيمَهُ لَا فِيمَا يُحِلُّونَهُ.

وَلَا يَعْقِدُهَا إِلَّا الإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ.

وَيَلْزَمُهُمْ التَّمَيُّزُ عَنْ المُسْلِمِينَ، وَلَهُمْ رُكُوبُ غَيْرِ خَيْلٍ بِغَيْرِ سَرْجٍ.

(1)

أي ومن له شُبهة كتاب.

(2)

في الأصل: [وفيما]، والصواب حذف الواو.

ص: 94

وَحَرُمَ تَعْظِيمُهُمْ وَبَدَاءَتُهُمْ بِالسَّلَامِ.

وَإِنْ تَعَدَّى ذِمِّيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ، أَوْ ذَكَرَ اللهَ أَوْ كِتَابَهُ أَوْ رَسُوْلَهُ بِسُوءٍ انْتَقَضَ عَهْدُهُ، وَيُخَيَّرُ الإِمَامُ فِيهِمْ، كَالأَسِيرِ الحَرْبِيِّ.

وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمْ بَعْدَ الحَوْلِ سَقَطَتْ عَنْهُ الجِزْيَةُ.

وَلَا جِزْيَةَ عَلَى صَبِيٍّ، وَلَا امْرَأَةٍ، وَلَا عَبْدٍ، وَلَا فَقِيرٍ يَعْجَزُ عَنْهَا.

وَمَنْ صَارَ أَهْلاً لَهَا أُخِذَتْ مِنْهُ فِي آخِرِ الحَوْلِ.

وَالمَرْجِعُ فِي مِقْدَارِهَا إِلَى اجْتِهَادِ الإِمَامِ.

ص: 95

‌كِتَابُ البُيُوعِ

يَنْعَقِدُ البَيْعُ وَالشِّرَاءُ بِالقَوْلِ الدَّالِّ عَلَيْهِ، وَبِالمُعَاطَاةِ.

وَشُرُوطُهُ سَبْعَةٌ: الرِّضَا مِنْهُمَا.

وَكَوْنُ عَاقِدٍ جَائِزَ التَّصَرُّفِ.

وَكَوْنُ المَبِيعِ فِيهِ نَفْعٌ مُبَاحٌ بِلَا حَاجَةٍ.

وَكَوْنُهُ مِلْكاً لِلْبَائِعِ، أَوْ مَأْذُوناً لَهُ فِيهِ.

وَكَوْنُهُ مَقْدُورَاً عَلَى تَسْلِيمِهِ.

وَكَوْنُ المَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعْلُوماً لَهُمَا.

وَكَوْنُهُ مُنْجَزاً، لَا مُعَلَّقاً.

‌فَصْلٌ

وَالشُّرُوطُ فِيهِ نَوْعَانِ: صَحِيحٌ، وَفَاسِدٌ مُبْطِلٌ لِلْبَيْعِ.

فَالصَّحِيحُ؛ كَشَرْطِ تَأْجِيْلِ الثَّمَنِ، أَوْ بَعْضِهِ، أَوْ شَرْطِ صِفَةٍ فِي

ص: 97

المَبِيعِ. فَإِنْ وُجِدَ المَشْرُوطُ لَزِمَ البَيْعُ، وَإِلَّا فَلِلْمُشْتَرِي الفَسْخُ أَوْ الأَرْشُ.

وَالفَاسِدُ؛ كَشَرْطِ بَيْعِ آخَرَ، أَوْ سَلَفٍ، أَوْ قَرْضٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ.

وَمَنْ اشْتَرَى مَكِيلاً وَنَحْوَهُ لَزِمَ بِالعَقْدِ. وَلَمْ يَجُزْ تَصَرُّفُ مُشْتَرٍ فِيهِ إِلَّا بِكَيْلٍ وَنَحْوِهِ مَعَ حُضُورِ مُشْتَرٍ أَوْ نَائِبِهِ، فَإِنْ تَلِفَ قَبْلَ ذَلِكَ فَعَلَى المُشْتَرِي.

‌بَابُ الخِيَارِ

هُوَ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ: خِيَارُ المَجْلِسِ لِلْمُتَعَاقِدَيْنِ مِنْ حِينِ العَقْدِ إِلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا عُرْفَاً.

وَخِيَارُ الشَرْطِ: بِأَنْ يَشْتَرِطَا -أَوْ أَحَدُهُمَا- الخِيَارَ إِلَى مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ؛ وَإِنْ طَالَتْ.

وَخِيَارُ الغَبْنِ الَّذِي يَخْرُجُ عَنْ العَادَةِ لِنَجَشٍ، أَوْ غَيْرِهِ.

الرَّابِعُ: خِيَارُ التَّدْلِيسِ: بِأَنْ يُدَلَّسَ عَلَى المُشْتَرِي مَا يُزِيدُ الثَّمَنَ؛ كَتَسْوِيدِ شَعْرِ الجَارِيَةِ، وَتَصْرِيَةِ اللَّبَنِ.

الخَامِسُ: خِيَارُ العَيْبِ: وَهُوَ مَا يُنْقِصُ قِيمَةَ المَبِيعِ؛ كَمَرَضٍ وَنَحْوِهِ. فَإِذَا عَلِمَ بِهِ المُشْتَرِي خُيِّرَ بَيْنَ إِمْسَاكٍ مَعَ أَرْشٍ، أَوْ رَدٍّ.

السَّادِسُ: خِيَارٌ فِي البَيْعِ بِتَخْبيرِ الثَّمَنِ مَتَى بَانَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ مِمَّا

ص: 98

أَخبَرَ بِهِ. وَيَثْبُتُ فِي التَّوْلِيَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالمُرَابَحَةِ، وَ المُوَاضَعَةِ وَلَابُدَّ فِي جَمِيعِهَا مِنْ مَعْرِفَةِ المُشْتَرِي رَأْسَ المَالِ.

السَّابِعُ: خِيَارُ الخُلْفِ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ؛ بِأَنْ قَالَ بَائِعٌ: «بِعْتُكَهُ بِمِائَةٍ» ، وَقَالَ مُشْتَرٍ:«بَلْ بِثَمَانِينَ» ، فَيَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَاهُ وَيَتَفَاسَخَانِ.

الثَّامِنُ: خِيَارُ الخُلْفِ فِي الصِّفَةِ إِذَا وَجَدَ المُشْتَرِي المَبِيْعَ مُتَغَيِّراً عَمَّا وُصِفَ لَهُ، أَوْ عَنْ رُؤْيَتِهِ السَّابِقَةِ فَلَهُ الفَسْخُ وَيَحْلِفُ.

‌بَابُ الرِّبَا وَالصَّرْفِ

هُوَ قِسْمَانِ؛ رِبَا فَضْلٍ، وَرِبَا نَسِيئَةٍ.

فَيَحْرُمُ رِبَا الفَضْلِ فِي كُلِّ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بِيْعَ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلاً؛ وَلَوْ يَسِيرَاً.

وَيَجِبُ فِيهِ الحُلُولُ وَالقَبْضُ.

وَلَا يُبَاعُ مَكِيلٌ بِجِنْسِهِ إِلَّا كَيْلاً، وَلَا مَوْزُونٌ بِجِنْسِهِ إِلَّا وَزْناً، وَلَا بَعْضُهُ بِبَعْضٍ جُزَافاً.

فَإِنْ اخْتَلَفَ الجِنْسُ جَازَتْ الثَّلَاثَةُ.

وَالجِنْسُ: مَالَهُ اسْمٌ خَاصٌّ يَشْمَلُ أَنْوَاعاً؛ كَبُرٍّ، وَنَحْوِهِ. وَفُرُوعُ الأَجْنَاسِ أَجْنَاسٌ.

ص: 99

وَاللَّحْمُ أَجْنَاسٌ بِاخْتِلَافِ أُصُولِهِ. وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ لَحْمٍ بِحَيَوَانٍ مِنْ جِنْسِهِ.

وَيَحْرُمُ رِبَا النِّسِيئَةِ فِي بَيْعِ كُلِّ جِنْسَيْنِ اتَّفَقَا فِي عِلَّةِ رِبَا الفَضْلِ؛ كَالمَكِيلَيْنِ، وَالمَوْزُونَيْنِ. وَإِنْ تَفَرَّقَا قَبْلَ القَبْضِ بَطَلَ.

وَإِنْ بَاعَ مَكِيلاً بِمَوْزُونٍ جَازَ التَّفَرُّقُ قَبْلَ القَبْضِ، وَالنَّسْأُ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ.

‌فَصْلٌ

يَصِحُّ صَرْفُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ وَالفِضَّةِ بِالفِضَّةِ مِثْلاً بِمِثْلٍ فِي الوَزْنِ. وَصَرْفُ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ. وَأَنْ يُعَوَّضَ أَحَدُ النَّقْدَيْنِ عَنْ الآخَرِ بِسِعْرِ يَوْمِهِ بِشَرْطِ القَبْضِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فِيهِمَا.

‌بَابُ بَيْعِ الأُصُولِ وَالثِّمَارِ

يَشْمَلُ البَيْعُ فِي أَرْضٍ، وَدُورٍ، وَنَحْوِهَا مَا يَدْخُلُ في

(1)

مُسَمَّاهَا مِنْ البِنَاءِ وَالفِنَاءِ، وَالسَّلَالِمِ، وَالرُّفُوفِ، وَالأَبْوَابِ، وَالخَوَابِي المَدْفُونَةِ، وَكُلِّ مُتَّصِلٍ بِهَا. وَلَا يَشْمَلُ مَا هُوَ مُودَعٌ فِيهَا، وَلَا

(1)

[في] ليست في الأصل، ولا بُدّ من إثباتها ليستقيم المعنى. نبّه عليه الشيخ ابن عقيل.

ص: 100

مُنْفَصِلٌ؛ كَحَبْلٍ، وَدَلْوٍ، وَبَكَرَةٍ، وَقُفْلٍ، وَمِفْتَاحٍ.

وَكَذَا يَشْمَلُ مَا فِي الأَرْضِ مِنْ غَرْسٍ، لَا زَرْعٍ؛ كَبُرٍّ، فَلِبَائِعٍ مُبْقَّىً.

وَمَا يُجَزُّ، أَوْ يُلْقَطُ

(1)

مِرَارَاً فَأُصُولُهُ لِلْمُشْتَرِي، وَالجَزَّةُ وَاللَّقَطَةُ الظَّاهِرَتَانِ لِلْبَائِعِ، إِلَّا أَنْ يَشْرُطَ المُشْتَرِي ذَلِكَ.

وَكَذَا ثَمَرُ نَخْلٍ تَشَقَّقَ طَلْعُهُ فَيَبْقَى لِلْبَائِعِ إِلَى جُذَاذِهِ. وَكَذَا كُلُّ شَجَرٍ فِيهِ ثَمَرٌ بَادٍ، أَوْ نَوْرُهُ ظَاهِرٌ

(2)

أَوْ خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ. وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَالوَرَقُ فَلِمُشْتَرٍ.

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ ثَمَرٍ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهِ، وَلَا زَرْعٍ قَبْلَ اشْتِدَادِ حَبِّهِ لِغَيْرِ مَالِكِ الأَصْلِ.

وَصَلَاحُ بَعْضِ الشَّجَرِ صَلَاحٌ لِبَاقِيهِ.

(1)

في الأصل [يلتقط]، والصواب ما أُثبت.

(2)

كذا في الأصل، ولعلّ الصواب:(أو ظهر من نوره)، وهي عبارة الإقناع والمنتهى، وغيرهما.

والشجر الذي له نَوْر نوعان: أحدهما: ما يقصد نوره؛ كالورد. فهذا إذا ظهر نوره فهو للبائع.

والثاني: ما يظهر نوره، ثم يتناثر فتظهر الثمرة؛ كالمشمش والتفاح. فالمذهب أنه إذا ظهر من نوره ولو لم يتناثر فهو للبائع. وذكر القاضي احتمالاً أن يكون للبائع بظهور نوره فقط.

ولا أظن المؤلف يميل لقول القاضي فإنه ضعيف.

ص: 101

وَصَلَاحُ ثَمَرِ نَخْلٍ احْمِرَارٌ أَوْ اصْفِرَارٌ

(1)

. وَصَلَاحُ عِنَبٍ جَرَيَانُ المَاءِ الحُلْوِ فِيهِ. وَصَلَاحُ بَقِيَّةِ الثَّمَرِ بِهِ، وَالنُّضْجِ، وَطِيبِ الأَكْلِ.

‌بَابُ السَّلَمِ

هُوَ عَقْدٌ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ، مُؤَجَّلٍ، بِثَمَنٍ مَقْبُوضٍ فِي المَجْلِسِ.

وَيَصِحُّ بِلَفْظِ البَيْعِ، وَالسَّلَمِ، وَالسَّلَفِ.

بِشُرُوطٍ سَبْعَةٍ: أَنْ يَكُونَ فِيمَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَاتِهِ؛ كَمَكِيلٍ وَنَحْوِهِ.

وَذِكْرُ جِنْسٍ، وَنَوْعٍ، وَوَصْفٍ يَخْتَلِفُ بِهِ الثَّمَنُ.

وَذِكْرُ قَدْرِهِ بِكَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَنَحْوِهِ.

وَتَأْجِيلُهُ بِأَجَلٍ مَعْلُومٍ، لَهُ وَقْعٌ فِي الثَّمَنِ.

وَوُجُودُهُ غَالِباً فِي مَحِلِّهِ.

وَقَبْضُ الثَّمَنِ تَامّاً قَبْلَ التَّفَرُّقِ.

وَأَنْ يُسْلِمَ فِي الذِّمَّةِ؛ فَلَا يَصِحُّ فِي عَيْنٍ، وَلَا ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ مُعَيَّنَةٍ.

وَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مُسْلَمٍ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ.

(1)

في الأصل [احمراراً واصفراراً]، والصواب الرافع لأنها خبر.

ص: 102

‌بَابُ القَرْضِ

كُلُّ مَا صَحَّ بَيْعُهُ صَحَّ قَرْضُهُ؛ إِلَّا الآدَمِيَّ.

وَيَجِبُ رَدُّ مِثْلِ الفُلُوسِ، وَالمَكِيلِ، وَالمَوْزُونِ. فَإِنْ تَعَذَّرَ المِثْلُ فَالقِيمَةُ.

وَكُلُّ قَرْضٍ جَرَّ نَفْعاً فَهُوَ رِباً.

وَإِذَا وَفَاهُ أَحْسَنَ مِنْهُ بِلَا شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ. وَكَذَا لَوْ أَهْدَى لَهُ هَدِيَّةً بَعْدَ الوَفَاءِ بِلَا شَرْطٍ.

وَإِنْ اقْتَرَضَ سِكَّةً مِنْ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ فَمَنَعَ السُّلْطَانُ المُعَامَلَةَ بِهَا فَلَهُ القِيْمَةُ وَقْتَ القَرْضِ.

‌بَابُ الرَّهْنِ

كُلُّ مَا جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ.

وَشُرُوطُ صِحَّتِهِ خَمْسةٌ: كَوْنُهُ مُنْجَزاً.

وَكَوْنُهُ مَعَ الدَّيْنِ، أَوْ بَعْدَهُ.

وَكَوْنُهُ مِمَّنْ يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ.

وَكَوْنُ الرَّهْنِ مِلْكاً لَهُ، أَوْ مَأْذُونَاً لَهُ فِيهِ.

ص: 103

وَكَوْنُهُ مَعْلُوماً.

فَإِنْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ

(1)

فِي بَيْعِهِ بَاعَهُ إِذَا حَلَّ الأَجَلُ، وَوَفَى الدَّيْنَ. فَإِنْ امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الحَاكِمُ عَلَى الوَفَاءِ، أَوْ بَيْعِ الرَّهْنِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ بَاعَهُ الحَاكِمُ، وَقَضَى الدَّيْنَ. وَغَائِبٌ كَمُمْتَنِعٍ.

‌فَصْلٌ

وَيَكُونُ الرَّهْنُ عِنْدَ المُرْتَهِنِ، أَوْ عِنْدَ مَنْ يَتَّفِقُ عَلَيْهِ مَعَ الرَّاهِنِ.

وَلَا يَجُوزُ تَصَرُّفُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ بِغَيْرِ إِذْنِ الآخَرِ؛ إِلَّا عِتْقَ الرَّاهِنِ.

وَيُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِهِ، وَصِفَتِهِ، وَرَدِّهِ، وَكَذَا فِي قَدْرِ الدَّيْنِ.

وَلِلْمُرْتَهِنِ رُكُوبُ مَا يُرْكَبُ، وَحَلْبُ مَا يُحْلَبُ بِقَدْرِ نَفَقَتِهِ بِلَا إِذْنٍ.

وَلَا يَرْجِعُ بِمَا أَنْفَقَهُ عَلَى الرَّهْنِ إِلَّا مَعَ إِذْنِ الرَّاهِنِ، أَوْ عَدَمِ إِمْكَانِهِ.

(1)

في الأصل [فإن أذن المرتهن للراهن]، وما أثبت فهو المُراد من المسألة، وهو كذا مصوّبٌ بخط الشيخ ابن راشد، ففي هامش (س) بخطّه:(صوابه: الراهن للمرتهن).

ص: 104

وَلَوْ عَمَّرَ مَا خَرِبَ فِيهِ بِلَا إِذْنٍ رَجَعَ بِآلَتِهِ فَقَطْ.

وَلَا يَصِحُّ شَرْطُ الرَّاهِنِ عَدَمُ بَيْعِ الرَّهْنِ إِذَا حَلَّ الدَّيْنُ، وَلَا شَرْطُ أَنَّ الرَّهْنَ لِلْمُرْتَهِنِ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِحَقِّهِ فِي وَقْتِ كَذَا.

‌بَابُ الضَّمَانِ

يَصِحُّ مِمَّنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ.

وَلِرَبِّ الحَقِّ مُطَالَبَةُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمَا فِي حَيَاتِهِ، وَمَوْتِهِ.

وَتَبْرَأُ ذِمَّةُ ضَامِنٍ بِبَرَاءَةِ ذِمَّةِ مَضْمُونٍ عَنْهُ. لَا عَكْسُهُ.

وَيُعْتَبَرُ رِضَا ضَامِنٍ.

وَيَصِحُّ ضَمَانُ مَجْهُولٍ يَؤُولُ إِلَى العِلْمِ، وَعَوَارٍ، وَمَغْصُوبٍ، وَعُهْدَةِ مَبِيعٍ، لَا أَمَانَاتٍ.

‌فَصْلٌ

تَصِحُّ الكَفَالَةُ بِبَدَنِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ -لَا حَدٌّ وَلَا قَصَاصٌ-، وَبِكُلِّ عَيْنٍ مَضْمُونَةِ.

فَإِنْ مَاتَ مَكْفُولٌ، أَوْ سَلَّمَ نَفْسَهُ، أَوْ تَلِفَتْ العَيْنُ بِفِعْلِ اللهِ تَعَالَى بَرِئَ الكَفِيلُ.

ص: 105

‌فَصْلٌ

تَصِحُّ الحَوَالَةُ عَلَى دَيْنٍ مُسْتَقِرٍّ.

وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِهَا اسْتِقْرَارُ مُحَالٍ بِهِ.

وَلَا بُدَّ مِنْ اتِّفَاقِ الدَّيْنَيْنِ فِي الجِنْسِ، وَالوَصْفِ، وَالوَقْتِ، وَالقَدْرِ.

وَمَتَى صَحَّتْ نَقَلَتْ الحَقَّ إِلَى ذِمَّةِ مُحَالٍ عَلَيْهِ، وَبَرِئَ مُحِيلٌ.

وَيُعْتَبَرُ رِضَا مُحِيلٍ، لَا مُحْتَالٍ عَلَى مَلِيءٍ، وَلَا مُحَالٍ عَلَيْهِ.

‌بَابُ الصُّلْحِ

إِذَا أَقَرَّ لِإِنْسَانٍ بِدَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ فَوَهَبَ أَوْ أَسْقَطَ البَعْضَ صَحَّ إِنْ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ.

وَإِنْ صَالَحَ عَنْ مُؤَجَّلٍ بِبَعْضِهِ حَالاً، أَوْ بِالعَكْسِ لَمْ يَصِحَّ.

وَمَنْ ادُّعِيَ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ، أَوْ عَيْنٍ فَأَنْكَرَ، أَوْ سَكَتَ، ثُمَّ صَالَحَ بِمَالٍ صَحَّ.

وَالصُّلْحُ فِي حَقِّ المُدَّعِي بَيْعٌ، يُرَدُّ مَعِيبُهُ، وَيُؤْخَذُ بِالشُّفْعَةِ، وَفِي حَقِّ الآخِرِ إِبْرَاءٌ فَلَا رَدَّ وَلَا شُفْعَةَ.

ص: 106

وَلَا يَصِحُّ بِعِوَضٍ عَنْ حَدِّ سَرِقَةٍ وَقَذْفٍ، وَلَا حَقِّ شُفْعَةٍ، وَتَرْكِ شَهَادَةٍ.

وَيَجُوزُ فِي الدَّرْبِ النَّافِذِ فَتْحُ الأَبْوَابِ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي مِلْكِ جَارٍ وَدَرْبٍ مُشْتَرَكٍ بِلَا إِذْنِ المُسْتَحِقِّ. وَلَيْسَ لَهُ وَضْعُ خُشْبِهِ

(1)

عَلَى حَائِطِ جَارِهِ إِلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ.

‌بَابُ الحَجْرِ

هُوَ مَنْعُ مَالِكٍ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ، إِمَّا لِحَقِّ غَيْرِهِ، وَإِمَّا لِحَظِّ نَفْسِهِ.

فَالأَوَّلُ؛ كَالحَجْرِ عَلَى مُفْلِسٍ، وَرَاهِنٍ، وَمَرِيضٍ، وَقِنٍّ، وَمُرْتَدٍّ.

وَالثَّانِي؛ كَالحَجْرِ عَلَى صَغِيرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَسَفِيهٍ.

وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُ المَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ بَعْدَ الحَجْرِ.

وَمَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ إِنْ جَهِلَ الحَجْرَ عَلَيْهِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ المُفْلِسُ حَيّاً، وَأَنْ يَكُونَ عِوَضُ العَيْنِ كُلُّهُ بَاقِياً فِي ذِمَّتِهِ، وَأَنْ تَكُونَ كُلُّهَا فِي مِلْكِهِ، وَأَنْ تَكُونَ بِحَالِهَا وَلَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهَا بِمَا يُزِيلُ اسْمَهَا، وَلَمْ تَزِدْ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً، وَلَمْ تَخْتَلِطْ بِغَيْرِ مُتَمَيِّزٍ، وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ. وَيَلْزَمُ الحَاكِمَ قَسْمُ مَالِهِ عَلَى غُرَمَائِهِ بِقَدْرِ دُيُونِهِمْ.

(1)

في الأصل [خشبة] بالتاء، والأصوب ما أثبت.

ص: 107

وَلَا يَحِلُّ مُؤَجَّلٍ بِفَلَسٍ، وَلَا بِمَوْتٍ إِنْ وَثَّقَ الوَرَثَةُ بِرَهْنٍ، أَوْ كَفِيلٍ مَلِيءٍ.

وَإِنْ ظَهَرَ غَرِيمٌ بَعْدَ القَسْمِ رَجَعَ عَلَى الغُرَمَاءِ بِقِسْطِهِ.

وَيَنْفَكُّ الحَجْرُ عَلَى الصَّغِيرِ، وَالمَجْنُونِ، وَالسَّفِيهِ بِالبُلُوغِ، وَالعَقْلِ، وَالرُّشْدِ؛ وَهُوَ إِصْلَاحٌ فِي المَالِ، وَعَدَمُ بَذْلِهِ فِي مُحَرَّمٍ، أَوْ غَيْرِ مُفِيدٍ.

وَوَلِيُّهُمْ حَالَ الحَجْرِ أَبٌ، ثُمَّ وَصِيُّهُ، ثُمَّ الحَاكِمُ، وَلَا يَتَصَرَّفُ لَهُمْ إِلَّا بِالأَحَظِّ.

‌بَابُ الوَكَالَةِ

وهي

(1)

اسْتِنَابَةُ جَائِزِ التَّصَرُّفِ مِثْلَهُ فِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ مِنْ حَقِّ اللهِ، أَوِ الآدَمِيِّ، لَا فِي مِثْلِ صَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَظِهَارٍ، وَلِعَانٍ، وَأَيْمَانٍ.

وَتَصِحُّ مُنْجَزَةً، وَمُعَلَّقَةً، وَمُؤَقَّتَةً بِكُلِّ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَى الإِذْنِ.

وَيَصِحُّ القَبُولُ عَلَى الفَوْرِ، وَالتَّرَاخِي بِكُلِّ قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ.

(1)

في الأصل [هي]، وزيادة الواو من (ع).

ص: 108

وَالوَكِيلُ أَمِينٌ لَا يَضْمَنُ إِلَّا بِالتَّعَدِّي، أَوْ

(1)

التَّفْرِيطِ. وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي خَسَارَةٍ، وَفِي نَفْيِ التَّعَدِّي وَالتَّفْرِيطِ.

وَهِيَ عَقْدٌ جَائِزٌ.

وَلَا يَصِحُّ بِلَا إِذْنٍ بَيْعُ وَكِيلٍ لِنَفْسِهِ، وَلَا شِرَاؤُهُ مِنْهَا لِمُوَكِّلِهِ، وَوَلَدُهُ وَوَالِدُهُ وَمُكَاتِبُهُ كَنَفْسِهِ.

وَإِنْ بَاعَ بِدُونِ ثَمَنِ مِثْلٍ، أَوْ اشْتَرَى بِأَكْثَرَ مِنْهُ صَحَّ، وَضَمِنَ زِيَادَةً وَنَقْصاً.

‌بَابُ الشَّرِكَةِ

وَهِيَ جَائِزَةٌ مِمَّنْ يَجُوزُ تَصَرُّفُهُ فِي خَمْسَةِ أَنْوَاعٍ:

الأَوَّلُ: شَرِكَةُ العِنَانِ؛ وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي مَالِهِمَا المَعْلُومِ

(2)

، وَلَوْ مُتَفَاوِتَاً لِيَعْمَلَا فِيهِ

(3)

بِبَدَنَيْهِمَا عَلَى جُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنَ الرِّبْحِ.

(1)

في الأصل [والتفريط]، والتصويب من (ع)، وهو الموافق للفظ (أخصر المختصرات).

(2)

أشار ابن عقيل إلى أنّ الصواب: [في ماليهما المعلومين]، وهذا يوافق ما في المقنع، والزاد، وغيرها.

(3)

أشار ابن عقيل إلى أنّ الصواب: [فيهما]، وما أُثبت موافق لما في (المقنع)، و (الزاد)، و (الإقناع)، وغيرها.

ص: 109

الثَّانِي: شَرِكَةُ المُضَارَبَةِ؛ وَهِيَ إِعْطَاءُ مَالٍ مَعْلُومٍ لِمَنْ يَتَّجِرُ فِيهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا.

الثَّالِثُ: شَرِكَةُ الوُجُوهِ: وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَ اثْنَانِ فِي رِبْحِ مَا يَشْتَرِيَانِ فِي ذِمَّتَيْهِمَا بِجَاهِهِمَا

(1)

، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَفِيلٌ عَنْ صَاحِبِهِ بِالثَّمَنِ، وَوَكِيلٌ عَنْهُ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ وَالمِلْكُ بَيْنَهُمَا كَمَا شَرَطَا، وَالخَسَارَةُ عَلَى قَدْرِ المِلْكِ.

الرَّابِعُ: شَرِكَةُ الأَبْدَانِ: وَهِيَ أَنْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَمْتَلِكَانِهِ بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ المُبَاحِ؛ كَالاصْطِيَادِ وَالاحْتِشَاشِ، أَوْ يَشْتَرِكَا فِيمَا يَتَقَبَّلَانِ فِي ذِمَتَيْهِمَا مِنْ عَمَلٍ؛ كِخِيَاطَةٍ وَنَسْجٍ.

الخَامِسُ: شَرِكَةُ المُفَاوَضَةِ؛ وَهِيَ أَنْ يُفَوِّضَ كُلُّ مِنْهُمَا إِلَى صَاحِبِهِ كُلَّ تَصَرُّفٍ مَالِيٍّ، وَبَدَنِيٍّ مِنْ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ، وَيَشْتَرِكَا فِي كُلِّ مَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَعَلَيْهِمَا.

(1)

أشار ابن عقيل إلى أنّ الصواب: [بجاهيهما]، وما أُثبت موافق لما في (المحرر)، و (المقنع)، و (الزاد)، و (الإقناع)، (والمنتهى) وغيرها.

ص: 110

‌بَابُ المُسَاقَاةِ

(1)

وَالمُزَارَعَةِ

المُسَاقَاةُ: دَفْعُ شَجَرٍ لِمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرِهِ.

بِشَرْطِ كَوْنِ الشَّجَرِ مَعْلُوماً، وَأَنْ يَكُونَ لَهُ ثَمَرٌ يُؤْكَلُ، وَأَنْ يَكُونَ الجُزْءُ لِلْعَامِلِ مِنْ ثَمَرِهِ مَعْلُوماً.

وَالمُزَارَعَةُ: دَفْعُ الأَرْضِ وَالحَبِّ لِمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الأَرْضِ لِرَبِّهَا؛ بِشَرْطِ عِلْمِ جِنْسِ بِذْرِهِ وَقَدْرِهِ.

وَهِيَ وَالمُسَاقَاةُ

(2)

عَقْدٌ جَائِزٌ، فَإِنْ فَسَخَ المَالِكُ قَبْلَ ظُهُورِ الثَّمَرِ فَلِلْعَامِلِ أُجْرَتُهُ، وَإِنْ كَانَ الفَسْخُ مِنْ العَامِلِ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

وَيَلْزَمُ العَامِلَ كُلُّ مَا فِيهِ صَلَاحُ الثَّمَرِ، وَالزَّرْعِ.

‌بَابُ الإِجَارَةِ

هِيَ عَقْدٌ لَازِمٌ

تَصِحُّ بِشُرُوطٍ ثَلَاثَةٍ: مَعْرِفَةُ المَنْفَعَةِ. وَكَوْنُهَا مُبَاحَةً. وَمَعْرِفَةُ الأُجْرَةِ؛ إِلَّا أَجِيْرَاً وَظِئْراً بِطَعَامِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا.

(1)

في الأصل [المساقات].

(2)

في الأصل [المساقات].

ص: 111

وَهِيَ ضَرْبَانِ: إِجَارَةُ عَيْنٍ. وَعَقْدٌ

(1)

عَلَى مَنْفَعَةٍ فِي الذِّمَّةِ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَوْصُوفٍ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الأَوَّلِ: مَعْرِفَتُهَا. وَقُدْرَةٌ عَلَى تَسْلِيمِهَا. وَكَوْنُ المُؤَجِّرِ يَمْلِكُ نَفْعَهَا؛ وَلَوْ بِالإِذْنِ. وَاشْتِمَالُهَا عَلَى النَّفْعِ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الثَّانِي: تَقْدِيرُهَا بِعَمَلٍ، أَوْ مُدَّةٍ. وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ، وَضَبْطُهُ.

وَتَجِبُ الأُجْرَةُ بِالعَقْدِ إِنْ لَمْ تُؤَجَّلْ. وَتُسْتَحَقُّ بِتَسْلِيمِ العَمَلِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ.

وَمَنْ تَسَلَّمَ عَيْناً بِإِجَارَةٍ فَاسِدَةٍ وَفَرَغَتْ المُدَّةُ لَزِمَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ.

وَلَا يَضْمَنُ أَجِيرٌ خَاصٌّ مَا جَنَتْ يَدُهُ خَطَأً، وَلَا نَحْوُ حَجَّامٍ، وَطَبِيبٍ، وَبَيْطَارٍ عُرِفَ حِذْقُهُمْ، إِنْ أَذِنَ فِيهِ مُكَلَّفٌ أَوْ وَلِىُّ غَيْرِهِ، وَلَمْ تَجْنِ أَيْدِيهِمْ، وَلَا رَاعٍ مَا لَمْ يَتَعَدَّ أَوْ يُفَرِّطُ.

وَيَضْمَنُ مُشْتَرِكٌ مَا تَلِفَ بِفِعْلِهِ، لَا مِنْ حِرْزِهِ، وَلَا أُجْرَةَ لَهُ.

(1)

عدّلها ابن عقيل إلى [أو].

ص: 112

‌بَابُ السَّبَقِ

يَصِحُّ عَلَى أَقْدَامٍ، وَسَائِرِ الحَيَوَانَاتِ، وَسُفُنٍ، وَمَزَارِيْقَ.

وَلَا يَصِحُّ بِعِوَضٍ إِلَّا عَلَى إِبِلٍ، وَخَيْلٍ، وَسِهَامٍ.

وَيُشْتَرَطُ تَعْيِينُ المَرْكُوبَيْنِ، وَاتِّحَادُهُمَا، وَتَعْيِينُ رُمَاةٍ، وَتَحْدِيدُ مَسَافَةٍ، وَعِلْمٌ بِالعِوَضِ، وَإِبَاحَتُهُ، وَخُرُوجٌ مِنْ شُبْهَةِ

(1)

قِمَارٍ.

وَتَصِحُّ المُنَاضَلَةُ

(2)

مِنْ مُعَيَّنِينَ يُحْسِنُونَ الرَّمْيَ.

‌بَابُ العَارِيَةِ

هِيَ إِبَاحَةُ نَفْعِ عَيْنٍ تَبْقَى بَعْدَ اسْتِيفَائِهِ.

وَتَنْعَقِدُ بِكُلِّ فِعْلٍ، أَوْ قَوْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا.

وَيَصِحُّ إِعَارَةُ كُلِّ ذِي نَفْعٍ مُبَاحٍ إِلَّا البُضْعَ، وَعَبْداً مُسْلِماً لِكَافِرٍ، أَوْ صَيْداً لِمُحْرِمٍ.

وَتُضْمَنُ العَارِيَةُ بِقِيمَتِهَا يَوْمَ تَلَفِهَا.

وَعَلَى المُسْتَعِيرِ مُؤْنَةُ رَدِّهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعِيرَهَا أَوْ يُؤَجِّرَهَا إِلَّا

(1)

في الأصل [شبة]. ويحتمل أن تكون (شِبْهِ).

(2)

في الأصل [المفاضلة]، وهو تطبيع.

ص: 113

بِإِذْنِ المَالِكِ.

وَلِلْمُعِيرِ الرُّجُوعُ فِيْ عَارِيَتِهِ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ مَا لَمْ يَضُرَّ بِالمُسْتَعِيرِ.

‌بَابُ الغَصْبِ

هُوَ الاسْتِيلَاءُ عَلَى حَقِّ الغَيْرِ عُدْوَاناً.

وَيَجِبُ رَدُّ المَغْصُوبِ بِنَمَائِهِ؛ وَلَوْ كَلَّفَهُ أَضْعَافَ قِيمَتِهِ.

وَإِنْ زَرَعَ الغَاصِبُ أَرْضاً فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا بَعْدَ الحَصَادِ إِلَّا الأُجْرَةُ.

وَإِنْ غَرَسَ أَوْ بَنَى فِي الأَرْضِ أُلْزِمَ بِقَلْعِ غَرْسِهِ، أَوْ بِنَائِهِ.

وَعَلَى الغَاصِبِ أَرْشُ النَّقْصِ فِي المَغْصُوبِ، وَأُجْرَةُ

(1)

مُدَّةِ إِقَامَتِهِ بِيَدِهِ.

وَإِنْ تَلِفَ المَغْصُوبُ المِثْلِيُّ ضَمِنَ مِثْلَهُ، وَإِلَّا قِيمَتَهُ يَوْمَ تَلَفِهِ.

‌بَابُ الشُّفْعَةِ

وَهِيَ اسْتِحْقَاقُ انْتِزَاعِ حِصَّةِ شَرِيكِهِ مِمَّنْ انْتَقَلَتْ إِلَيْهِ بِالثَّمَنِ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ العَقْدُ.

(1)

عدّلها ابن عقيل إلى [أجرته].

ص: 114

وَشُرُوطُهَا خَمْسَةٌ: كَوْنُ الحِصَّةِ مُبَاعَةً.

الثَّانِي: كَوْنُهَا مُشَاعَةً مِنْ عَقَارٍ.

الثَّالِثُ: الطَّلَبُ بِهَا سَاعَةَ العِلْمِ بِالبَيْعِ.

الرَّابِعُ: أَخْذُ المَبِيْعِ [كُلِّه]

(1)

.

الخَامِسُ: سَبْقُ مِلْكِ شَفِيعٍ لِرَقَبَةِ العَقَارِ.

وَيَلْزَمُ الشَّفِيعَ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ لِلْمُشْتَرِي.

وَعَلَى المُشْتَرِي إِنْظَارُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِنْ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهَا فِي الحَالِ. وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلاً أُخِذَ مَلِيءٌ بِهِ، وَغَيْرُهُ بِكَفِيلِ مَلِيءٍ.

‌بَابُ الوَدِيعَةِ

يَلْزَمُ المُودَعَ حِفْظُهَا فِي حِرْزِ مِثْلِهَا. وَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ.

وَإِذَا أَرَادَ المُودَعُ السَّفَرَ رَدَّ الوَدِيعَةَ إِلَى مَالِكِهَا، أَوْ إِلَى مَنْ يَحْفَظُ مَالَهُ عَادَةً، أَوْ إِلَى وَكِيلِهِ.

فَإِنْ تَعَذَّرَ سَافَرَ بِهَا إِنْ لَمْ يَخَفْ عَلَيهَا فِي السَّفَرِ، وَإِنْ خَافَ عَلَيْهَا دَفَعَهَا لِلْحَاكِمِ.

(1)

[كله] زيادة من ع.

ص: 115

وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ فِي التَّعَدِّي وَالتَّفْرِيطِ.

‌بَابُ إِحْيَاءِ المَوَاتِ

وَهِيَ الأَرْضُ المُنْفَكَّةُ عَنْ المِلْكِ، وَالاخْتِصَاصِ.

وَيَحْصُلُ إِحْيَاؤُهَا إِمَّا بِحَائِطٍ مَنِيعٍ، أَوْ إِجْرَاءِ مَاءٍ لَا تُزْرَعُ إِلَّا بِهِ، أَوْ حَفْرِ بِئْرٍ فِيهَا، أَوْ قَطْعِ مَاءٍ لَا تُزْرَعُ مَعَهُ، أَوْ غَرْسِ شَجَرٍ فِيهَا.

وَمَنْ أَحْيَا شَيْئاً مَلَكَهُ بِمَا فِيهِ مِنْ مَعْدِنٍ جَامِدٍ، لا جَارٍ

(1)

.

‌بَابُ الجَعَالَةِ

هِيَ جَعْلُ مَالٍ مُعَيَّنٍ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ عَمَلاً مُبَاحاً.

وَإِنْ فَسَخَ الجَاعِلُ قَبْلَ تَمَامِ العَمَلِ لَزِمَهُ أُجْرَةُ المِثْلِ، وَإِنْ فَسَخَ العَامِلُ فَلَا شَيْءَ لَهُ.

(1)

في الأصل [أو جارٍ]، والصواب ما أثبت؛ لأن المشهور في المذهب أنّ المعدِن الجار لا يُملك بالإحياء وإنما هو أحقُّ به. ينظر: الإنصاف 16/ 99، شرح المنتهى 4/ 263.

والرواية الثانية: أنّه يَملكُه، قال الحارثي:(وهو الصحيح .. وهذا المنصوص فيكون المذهب). ينظر: الإنصاف 16/ 99.

ص: 116

‌بَابُ اللُّقَطَةِ

هِيَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ:

الأَوَّلُ: يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَيُمْلَكُ بِهِ؛ وَهُوَ مَا لَا تَتْبَعُهُ هِمَّةُ أَوْسَاطِ النَّاسِ؛ كَسَوْطٍ، وَرَغِيفٍ، وَنَحْوِهِمَا.

لَكِنْ إِنْ وَجَدَ صَاحِبَهُ رَدَّهُ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ بَاقِياً.

الثَّانِي: لَا يَجُوزُ الْتِقَاطُهُ، وَلَا يُمْلَكُ بِتَعْرِيفِهِ؛ كَالضَّوَالِّ الَّتِي تَمْتَنِعُ مِنْ صِغَارِ السِّبَاعِ؛ كَخَيْلٍ؛ وَإِبِلٍ؛ وَبَقَرٍ.

الثَّالِثُ: مَاعَدَا ذَلِكَ مِنْ الحَيَوَانَاتِ؛ كَفُصْلَانٍ وَشِيَاهٍ وَنَحْوِهِمَا، وَأَثْمَانٍ، وَأَمْتِعَةٍ، فَلَهُ الْتِقَاطُهُ إِنْ أَمِنَ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَكَغَاصِبٍ حُكْماً، وَيُعَرِّفُهَا فِي مَجَامِعِ النَّاسِ غَيْرِ المَسَاجِد حَوْلاً كَامِلاً، ثُمَّ يَمْلِكُهَا بَعْدَهُ حُكْمَاً، وَلَا يَتَصَرَّفُ فِيهَا إِلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ جَمِيعِ صِفَاتِهَا، فَمَتَى جَاءَ صَاحِبُهَا، فَوَصَفَهَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ.

‌بَابُ اللَّقِيطِ

هُوَ طِفْلٌ مَنْبُوذٌ أَوْ ضَالٌّ لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ وَلَا رِقُّهُ.

فَالْتِقَاطُهُ، وَإِنْفَاقٌ عَلَيْهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

وَهُوَ مُسْلِمٌ إِنْ وُجِدَ فِي بِلَادِ الإِسْلَامِ.

ص: 117

وَيُلْحَقُ بِمَنْ أَقَرَّ بِهِ؛ إِنْ أَمْكَنَ كَوْنُهُ مِنْهُ.

وَمَا وُجِدَ مَعَهُ أَوْ قَرِيباً مِنْهُ فَلَهُ. وَيُنْفَقُ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَإِلَّا فَمِنْ بَيْتِ المَالِ.

وَحَضَانَتُهُ لِوَاجِدِهِ الأَمِينِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إِذْنِ حَاكِمٍ.

وَدِيَتُهُ وَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ المَالِ.

وَإِنْ ادَّعَاهُ جَمَاعَةٌ قُدِّمَ ذُو البَيِّنَةِ، وَإِلَّا مَنْ تُلْحِقُهُ بِهِ القَافَةُ.

ص: 118

‌كِتَابُ الوَقْفِ

هُوَ تَحْبِيسُ مَالٍ يُنْتَفَعُ بِهِ مَعَ بَقَاءِ أَصْلِهِ. وَيَصِحُّ بِقَوْلٍ؛ كـ «وَقَفْتُ» وَفِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ كَجَعْلِ أَرْضِهُ مَسْجِداً وَإِذْنِهِ بِالصَّلَاةِ فِيهِ.

وَشُرُوطُهُ خَمْسَةٌ: كَوْنُهُ فِي عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ يَصِحُّ بَيْعُهَا؛ إِلَّا المُصْحَفَ. وَكَوْنُهُ عَلَى مُعَيَّنٍ فِي غَيْرِ المَسْجِدِ، وَنَحْوِهِ. وَكَوْنُ وَاقِفِهِ نَافِذَ التَّصَرُّفِ. وَكَوْنُهُ مُنْجَزاً. وَكَوْنُهُ عَلَى بِرٍّ.

وَالوَقْفُ عَقْدٌ لَازِمٌ.

وَيَجِبُ العَمَلُ بِشَرْطِ الوَاقِفِ إِنْ لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ، وَإِنْ جُهِلَ شَرْطُهُ عُمِلَ بِالعَادَةِ الجَارِيَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَبِالْعُرْفِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِالمُسَاوَاةِ بَيْنَ المُسْتَحِقِّينَ.

وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الوَقْفِ إِلَّا أَنْ تَتَعَطَّلَ مَنَافِعُهُ، وَيُصْرَفُ ثَمَنُهُ فِي مِثْلِهِ.

ص: 119

‌بَابُ الهِبَةِ وَالعَطِيَّةِ

تَصِحُّ هِبَةُ مُصْحَفٍ، وَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

وَتَنْعَقِدُ بِكُلِّ لَفْظٍ أَوْ فِعْلٍ دَلَّ عَلَيْهَا عُرْفاً.

وَتَلْزَمُ بِقَبْضٍ بِإِذْنِ وَاهِبٍ. وَمَنْ أَبْرَأَ غَرِيمَهُ مِنْ دَيْنِهِ بَرِئَ؛ وَلَوْ لَمْ يَقْبَلْ. وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ فِي هِبَةٍ بَعْدَ قَبْضِ مُتَّهِبٍ. وَكُرِهَ قَبْلَهُ؛ إِلَّا الأَبَ.

وَ [له]

(1)

أَنْ يَتَمَلَّكَ بِقَبْضٍ مَعَ قَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ، مِنْ مَالِ وَلَدِهِ غَيْرَ سُرِّيَّةٍ، مَالَمْ يَضُرَّ بِهِ، أَوْ لِيُعْطِيَهُ وَلَداً آخَرَ، أَوْ يَكُنْ

(2)

بِمَرَضِ مَوْتِ أَحَدِهِمَا، أَوْ يَكُنْ

(3)

كَافِراً وَالْوَلَدُ مُسْلِماً.

وَلَيْسَ لِلْوَلَدِ مُطَالَبَةُ أَبِيهِ بِدَيْنٍ، وَنَحْوِهِ؛ إِلَّا بِنَفَقَتِهِ الوَاجِبَةِ عَلَيْهِ فَلَهُ ذَلِكَ.

(1)

ما بين المعكوفتين زيادة يقتضيها السياق، أفاده (ع). لأن المسألة في إباحة ذلك للأب، والمسألة من (الإقناع 3/ 113).

(2)

في الأصل [يكون]، والصواب ما أُثبت.

(3)

في الأصل [يكون]، والصواب ما أُثبت.

ص: 120

‌فَصْلٌ

يَجِبُ التَّعْدِيلُ فِي عَطِيَّةِ أَوْلَادِهِ بِقَدْرِ إِرْثٍ. فَإِنْ فَضَّلَ بَعْضَهُمْ سَوَّى بِرُجُوعٍ، أَوْ زِيَادَةٍ.

وَمَنْ مَرَضُهُ غَيْرُ مُخَوِّفٍ؛ كَوَجَعِ ضِرْسٍ وَنَحْوِهِ فَتَصَرُّفُهُ لَازِمٌ؛ كَالصَّحِيحِ.

وَإِنْ كَانَ مُخَوِّفاً؛ كَبِرْسَامٍ، وَذَاتِ الجَنْبِ، وَنَحْوِهِ، وَمَا قَالَ طَبِيبَانِ مُسْلِمَانِ عَدْلَانِ إِنَّهُ مُخَوِّفٌ لَا يَلْزَمُ تَبَرُّعُهُ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ، وَلَا بِمَا فَوْقَ الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ؛ إِلَّا بِإِجَازَةِ الوَرَثَةِ إِنْ مَاتَ مِنْهُ، وَإِنْ عُوفِيَ فَكَصَحِيحٍ.

وَيُعْتَبَرُ الثُّلُثُ عِنْدَ مَوْتِهِ.

ص: 121

‌كِتَابُ الوَصَايَا

تُسَنُّ الوَصِيَّةُ لِمَنْ تَرَكَ خَيْراً؛ وَهُوَ المَالُ الكَثِيرُ.

وَلَا تَصِحُّ مِمَّنْ يَرِثُهُ غَيْرُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لِأَجْنَبِيٍّ، أَوْ لِوَارِثٍ بِشَيْءٍ. وَتَصِحُّ مَوْقُوفَةً عَلَى الإِجَازَةِ.

وَتُكْرَهُ مِنْ فَقِيرٍ وَارِثُهُ مُحْتَاجٌ.

فَإِنْ لَمْ يَفِ الثُّلُثُ بِالوَصَايَا تَحَاصَّوْا؛ كَمَسَائِلِ العَوْلِ.

وَتُخْرَجُ الوَاجِبَاتُ؛ كَدَيْنِ آدَمِيٍّ، وَحَجٍّ وَزَكَاةٍ مِنْ رَأْسِ مَالٍ مُطْلَقاً.

وَتَصِحُّ بِحَمْلٍ، وَلَهُ؛ بَعْدَ تَحَقُّقِ وُجُودِهِ، لَا لِكَنِيسَةٍ وَنَحْوِهَا.

وَتَصِحُّ بِمَجْهُولٍ، وَمَعْدُومٍ، وَغَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَى تَسْلِيمِهِ.

وَإِنْ وَصَّى بِمِثْلِ نَصِيبِ وَارِثٍ مُعَيَّنٍ فَلَهُ مِثْلُهُ مَضْمُومَاً إِلَى المَسْأَلَةِ.

وَبِمِثْلِ نَصِيْبِ أَحَدِ الوَرَثَةِ لَهُ مِثْلُ مَا لِأَقَلِّهِمْ. وَبِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ لَهُ

ص: 123

السُّدُسُ. وَبِشَيْءٍ، أَوْ حَظٍّ، أَوْ جُزْءٍ، يُعْطِيهِ الوَارِثُ مَا شَاءَ.

‌فَصْلٌ

يَصِحُّ إِيْصَاءٌ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، مُكَلَّفٍ، رَشِيْدٍ، عَدْلٍ؛ وَلَوْ ظَاهِراً. وَمِنْ كَافِرٍ إِلَى مُسْلِمٍ.

وَلَا يَصِحُّ إِلَّا فِي مَعْلُومٍ يَمْلِكُ المُوصِي فِعْلَهُ.

وَمَنْ مَاتَ بِمَحَلٍّ لَا حَاكِمَ فِيهِ، وَلَا وَصِيَّ، فَلِمُسْلِمٍ حَوْزُ تَرِكَتِهِ، وَفِعْلُ الأَصْلَحِ مِنْ بَيْعٍ، وَتَجْهِيزِهِ مِنْهَا. وَمَعَ عَدَمِهَا مِنْهُ، وَيَرْجِعُ عَلَيْهَا أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ إِنْ نَوَاهُ أَوْ اسْتَأْذَنَ الحَاكِمَ.

ص: 124

‌كِتَابُ الفَرَائِضِ

هُوَ العِلْمُ بِقِسْمَةِ المِيرَاثِ.

فَإِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ بُدِءَ مِنْ تَرِكَتِهِ بِمَؤُنَةِ تَجْهِيزٍ. وَمَا بَقِيَ يُقْضَى مِنْهُ حُقُوقُ اللهِ، وَحُقُوقُ الآدَمِيِّينَ، وَيُقَدَّمُ عَلَى حَقِّ اللهِ دَيْنٌ بِرَهْنٍ.

وَأَسْبَابُ الإِرْثِ: نِكَاحٌ، وَنَسَبٌ، وَوَلَاءٌ.

وَمَوَانِعُهُ: رِقٌّ، وَقَتْلٌ، وَاخْتِلَافُ دِيْنٍ.

‌فَصْلٌ

الوَرَثَةُ ذُو فَرْضٍ، وَذُو تَعْصِيبٍ، وَذُو رَحِمٍ.

فَذُو الفَرْضِ عَشْرَةٌ: الزَّوْجَانِ، وَالأَبَوَانِ، وَالجَدُّ، وَالجَدَّةُ، وَالبَنَاتُ، وَبَنَاتُ الابْنِ، وَالأَخَوَاتُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَوَلَدُ الأُمِّ.

ص: 125

‌فَصْلٌ

وَالفُرُوضُ المُقَدَّرَةُ فِي القُرْآنِ سِتَّةٌ: النِّصْفُ، وَالرُّبُعُ، وَالثُّمُنُ، وَالثُّلُثَانِ، وَالثُّلُثُ، وَالسُّدُسُ.

فَالنِّصْفُ فَرْضُ خَمْسَةٍ: الزَّوْجُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ وَلَدٌ وَلَا وَلَدُ ابْنٍ. وَالبِنْتُ. وَبِنْتُ الابْنِ مَعَ عَدَمِ الوَلَدِ. وَالأُخْتُ لِأَبَوَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الوَلَدِ وَوَلَدِ الابْنِ. وَالأُخْتُ لِأَبٍ عِنْدَ عَدَمِ أَشِقَّاءٍ.

وَالرُّبُعُ فَرْضُ اثْنَيْنِ: الزَّوْجُ مَعَ وُجُودِ وَلَدٍ لِلزَّوْجَةِ أَوْ وَلَدِ أَبٍ. وَالزَّوْجَةُ فَأَكْثَرُ مَعَ عَدَمِ الوَلَدِ ووَلَدِ الابْنِ

(1)

.

وَالثُّمُنُ فَرْضُ الزَّوْجَةِ فَأَكْثَرُ مَعَ الوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الابْنِ.

وَالثُّلُثَانِ فَرْضُ أَرْبَعَةٍ؛ البِنْتَيْنِ فَأَكْثَرَ. وَبِنْتَيْ الابْنِ فَأَكْثَرَ. وَالأُخْتَيْنِ لِأَبَوَيْنِ. وَالأُخْتَيْنِ لِأَبٍ فَأَكْثَرَ.

وَالثُّلُثُ فَرْضُ اثْنَيْنِ؛ وَلَدَيْ الأُمِّ فَأَكْثَرَ يَسْتَوِي فِيهِ ذُكُورُهُمْ وَإِنَاثُهُمْ. وَالأُمِّ حَيْثُ لَا وَلَدَ وَلَا وَلَدَ ابْنٍ أَوْ عَدَدٌ مِنْ الإِخْوَةِ مُطْلَقاً.

وَالسُّدُسُ فَرْضُ سَبْعَةٍ؛ الأُمِّ مَعَ الوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الابْنِ أَوْ عَدَدٍ مِنْ الإِخْوَةِ. وَالجَدَّةِ فَأَكْثَرَ مَعَ عَدَمِ الأُمِّ. وَبِنْتِ الابْنِ فَأَكْثَرَ مَعَ بِنْتِ

(1)

في الأصل [عدم الولد ولد الابن]، والصواب إثبات الواو.

ص: 126

الصُّلْبِ، وَأُخْتٍ فَأَكْثَرَ لِأَبٍ مَعَ أُخْتٍ لِأَبَوَيْنِ. وَالأَبِ مَعَ الوَلَدِ أَوْ وَلَدِ الابْنِ. وَالجَدِّ كَذَلِكَ

(1)

.

‌فَصْلٌ

وَالجَدُّ لِأَبٍ مَعَ الإِخْوَةِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ كَأَخٍ مِنْهُمْ. فَإِنْ نَقَصَتْهُ وَالمُقَاسَمَةُ عَنْ ثُلُثِ المَالِ أُعْطِيَهُ. وَمَعَ ذِي فَرْضٍ بَعْدَهُ الأَحَظَّ مِنْ المُقَاسَمَةِ أَوْ ثُلُثُ البَاقِي أَوْ سُدُسُ الكُلِّ. فَإِنْ لَمْ يَبْقَ سِوَى السُّدُسِ فَلَهُ.

وَتَسْقُطُ الإِخْوَةُ إِلَّا فِي الأَكْدَرِيَّةِ، وَلَا يَعُولُ، وَلَا يُفْرَضُ لِأُخْتٍ مَعَهُ إِلَّا بِهَا.

وَوَلَدُ الأَبِ إِذَا انْفَرَدُوا مَعَهُ كَوَلَدِ الأَبَوَيْنِ. فَإِنْ اجْتَمَعُوا فَقَاسَمُوهُ أَخَذَتْ الإِخْوَةُ لِأَبَوَيْنِ مَا بِيَدِ وَلَدِ الأَبِ، وَأُنْثَاهُمْ تَمَامَ فَرْضِهَا، وَمَا بَقِيَ لِوَلَدِ الأَبِ.

(1)

فات ذكر السابع وهو: ولد الأم إذا انفرد مع عدم الفرع الوارث وعدم الأصل الذكر.

ص: 127

بَيَانُ الحَجْبِ

يَسْقُطُ الجَدُّ بِالأَبِ.

وَيَسْقُطُ وَلَدُ الابْنِ بِالابْنِ.

وَيَسْقُطُ الأَبْعَدُ مِنْ جَدٍّ، وَابْنِ ابْنٍ بِأَقْرَبَ.

وَتَسْقُطُ الجَدَّاتُ بِالأُمِّ، وَالقُرْبَى مِنْهُمْ تَحْجُبُ البُعْدَى مُطْلَقاً. وَلَا يُسْقِطُ الأَبُ أُمَّهُ، وَلَا أُمَّ أَبِيهِ. وَلَا يَرِثُ إِلَّا ثَلَاثٌ؛ أُمُّ أُمٍّ، وَأُمُّ أَبٍ، وَأُمُّ أَبِي أَبٍ، وَإِنْ عَلَوْنَ أُمُومَةً. وَإِذَا تَسَاوَيْنَ فِي الدَّرَجَةِ فَالسُّدُسُ بَيْنَهُنَّ. وَلِذَاتِ قَرَابَتَيْنِ مَعَ ذَاتِ قَرَابَةٍ ثُلُثَا السُّدُسِ.

وَيَسْقُطُ وَلَدُ الأَبَوَيْنِ بِابْنٍ، وَابْنِ ابْنٍ، وَأَبٍ.

وَيَسْقُطُ وَلَدُ الأَبِ بِهِمْ، وَبِالأَخِ لِأَبَوَيْنِ. وَيَسْقُطُ وَلَدُ الأُمِّ بِالوَلَدِ، وَوَلَدِ الابْنِ، وَبِالأَبِ، وَبِالجَدِّ، وَإِنْ عَلَا. وَيَسْقُطُ بِهِ كُلُّ ابْنِ أَخٍ، وَعَمٍّ.

‌بَابُ العَصَبَاتِ

وَالعَصَبَةُ بِنَفْسِهِ هُوَ الَّذِي إِذَا انْفَرَدَ حَازَ المَالَ؛ كَالأَبِ، وَأَبِيهِ، وَالابْنِ، وَابْنِهِ، وَالأَخِ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَبَنِيْهمْ، وَالعَمِّ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ وَبَنِيْهمْ، وَالمُعْتِقِ.

ص: 128

وَتَرِثُ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ أَوْ لِأَبٍ فَأَكْثَرَ مَعَ بِنْتٍ، أَوْ بِنْتِ ابْنٍ فَأَكْثَرَ مَا فَضَلَ.

وَالابْنُ، وَابْنُهُ، وَالأَخُ لِأَبَوَيْنِ، أَوْ لِأَبٍ يَعْصِبُونَ أَخَوَاتِهِمْ، فَلِلذَّكَرِ مِثْلَا مَا لِأُنْثَى.

وَمَتَى كَانَ العَاصِبُ عَمّاً، أَوْ ابْنَهُ، أَوْ ابْنَ أَخٍ انْفَرَدَ بِالإِرْثِ دُونَ أَخَوَاتِهِ.

وَلَا يَرِثُ المُعْتِقُ إِلَّا عِنْدَ عَدَمِ عَصَبَةِ النَّسَبِ. ثُمَّ عَصَبَتُهُ الذُّكُورُ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ؛ كَالنَّسَبِ.

‌فَصْلٌ

أُصُولُ المَسَائِلِ: هِيَ الَّتِي تُخْرَجُ مِنْهَا الفُرُوضُ. وَهِيَ سَبْعَةٌ: أَرْبَعَةٌ لَا تَعُولُ؛ وَهِيَ مَا فِيهَا فَرْضٌ أَوْ فَرْضَانِ مِنْ نَوْعٍ؛ فَنِصْفَانِ، أَوْ نِصْفٌ وَالبَقِيَّةُ، مِنْ اثْنَيْنِ.

وَالثُّلُثَانِ، أَوْ ثُلُثٌ وَالبَقِيَّةُ

(1)

، مِنْ ثَلَاثَةٍ.

وَرُبُعٌ وَالبَقِيَّةُ، أَوْ مَعَ النِّصْفِ مِنْ أَرْبَعَةٍ.

وَثُمُنُ والبَقِيَّةُ، أَوْ مَعَ النِّصْفِ مِنْ ثَمَانِيَةٍ.

(1)

أو هما معاً أي الثلث والثلثين؛ كولدي الأم، وأختين لغير أم.

ص: 129

وَثَلَاثَةٌ تَعُولُ؛ وَهِيَ مَا فَرْضُهَا نَوْعَانِ فَأَكْثَرُ.

فَنِصْفٌ مَعَ ثُلُثَيْنِ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ سُدُسٍ، مِنْ سِتَّةٍ، وَتَعُولُ إِلَى عَشْرَةٍ شَفْعاً وَوَتْراً.

وَرُبُعٌ مَعَ ثُلُثَيْنِ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ سُدُسٍ، مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ، وَتَعُولُ إِلَى سَبْعَةَ عَشَرَ وِتْراً.

وَثُمُنٌ مَعَ سُدُسٍ، أَوْ ثُلُثَيْنِ، أَوْ هُمَا، مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ، وَتَعُولُ بِثُمُنِهَا مَرَّةً وَاحِدَةً إِلَى سَبْعَةٍ وَعِشْرِينَ.

وَإِذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ مَعْلُومَةً، وَأَمْكَنَ نِسْبَةُ سَهْمِ كُلِّ وَارِثٍ مِنْ المَسْأَلَةِ فَلَهُ مِنْ التَّرِكَةِ مِثْلُ نِسْبَتِهِ.

وَإِنْ شِئْتَ ضَرَبْتَ سِهَامَهُ فِي التَّرِكَةِ، وَقَسَمْتَ الحَاصِلَ عَلَى المَسْأَلَةِ فَمَا خَرَجَ فَنَصِيبُهُ.

وَإِنْ شِئْتَ قَسَمْتَهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الطُّرُقِ.

وَإِذَا فَضَلَ بَعْدَ الفُرُوضِ شَيْءٌ وَلَا عُصْبَةَ رُدَّ عَلَى كُلٍّ بِقَدْرِ فَرْضِهِ؛ مَا عَدَا الزَّوْجَيْنِ.

ص: 130

‌بَابُ ذَوِي الأَرْحَامِ

وَهُمْ أَحَدَ عَشَرَ صِنْفاً؛ وَلَدُ البِنْتِ لِصُلْبٍ أَوْ لِابْنٍ. وَوَلَدُ الأَخَوَاتِ. وَبَنَاتُ الإِخْوَةِ. وَبَنَاتُ الأَعْمَامِ. وَوَلَدُ وَلَدِ الأُمِّ. وَالعَمُّ لِأُمٍّ. وَالأَخْوَالُ وَالخَالَاتُ. وَأَبُو الأُمِّ. وَكُلُّ جَدَّةٍ أَدْلَتْ بِأَبٍ بَيْنَ أُمَّيْنِ أَوْ بِأَبٍ أَعْلَى مِنْ الجَدِّ. وَكُلُّ مَنْ أَدْلَى بِهِمْ.

وَلَا يَرِثُونَ إِلَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ فَرْضٍ، وَلَا عَصَبَةٌ. بِتَنزِيلِهِمْ مَنْزِلَةَ مَنْ أَدْلَوْ بِهِ. وَذُكُورُهُمْ كَإِنَاثِهِمْ. وَلِزَوْجٍ، أَوْ زَوْجَةٍ مَعَهُمْ فَرْضُهُ بِلَا حَجْبٍ، وَلَا عَوْلٍ، وَالبَاقِي لَهُمْ.

‌بَابُ مِيرَاثُ الحَمْلِ وَالخُنْثَى

وَالحَمْلُ يَرِثُ، وَيُورَثُ إِنْ اسْتَهَلَّ صَارِخاً، أو وُجِدَ

(1)

دَلِيلُ حَيَاتِهِ.

وَإِنْ طَلَبَ الوَرَثَةُ القِسْمَةَ وُقِفَ لَهُ الأَكْثَرُ مِنْ إِرْثِ ذَكَرَيْنِ، أَوْ أُنْثَيَيْنِ.

وَيُعْطَى مَنْ لَا يَحْجُبُهُ إِرْثَهُ كَامِلاً، وَلِمَنْ يُنْقِصُهُ اليَقِينَ. فَإِذَا وُلِدَ أَخَذَ نَصِيبَهُ وَرُدَّ مَا بَقِيَ، وَإِنْ أَعْوَزَ شَيْئاً رَجَعَ.

(1)

في الأصل: [ووجد]، والتصويب من (زاد المستقنع)، و (أخصر المختصرات).

ص: 131

وَالخُنْثَى المُشْكِلُ يَرِثُ نِصْفَ مِيرَاثِ ذَكَرٍ وَنِصْفَ مِيرَاثِ أُنْثَى.

‌بَابُ مِيرَاثِ المَفْقُودِ

مَنْ خَفِيَ خَبَرُهُ بِأَسْرٍ أَوْ سَفَرٍ غَالِبُهُ السَّلَامَةُ؛ كَتِجَارَةٍ انْتُظِرَ بِهِ تَمَامَ تِسْعِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ.

وَإِنْ كَانَ غَالِبُهُ الهَلَاكُ انْتُظِرَ بِهِ تَمَامَ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ فُقِدَ، ثُمَّ يُقَسَّمُ مَالُهُ فِيهِمَا.

فَإِنْ مَاتَ مُوَرِّثُهُ فِي مُدَّةِ التَّرَبُّصِ أَخَذَ كُلُّ وَارِثٍ إذاً

(1)

اليَقِينَ، وَوُقِفَ مَا بَقِيَ، فَإِنْ قَدِمَ أَخَذَ نَصِيبَهُ، وَإِلَّا فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَالِهِ. وَلِبَاقِي الوَرَثَةِ أَنْ يَصْطَلِحُوا عَلَى مَا زَادَ عَنْ حَقِّ المَفْقُودِ فَيَقْتَسِمُوهُ.

‌بَابُ مِيرَاثِ الغَرْقَى

إِذَا مَاتَ مُتَوَارَثَانِ؛ كَأَخَوَيْنِ لِأَبٍ بِهَدْمٍ أَوْ غَرَقٍ، وَنَحْوِهِمَا وَجُهِلَ السَّابِقُ بِالمَوْتِ، وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِيهِ وَرِثَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الآَخَرِ مِنْ تِلَادِ مَالِهِ، دُونَ مَا وَرِثَهُ مِنْهُ؛ دَفْعاً لِلدَّوْرِ.

(1)

في الأصل: [ذا]، والتصويب من النسخة (س) المصححة بخط المحرر، ومن (زاد المستقنع).

ص: 132

‌بَابُ مِيرَاثِ أَهْلِ المِلَلِ

لَا يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ، وَلَا المُسْلِمُ الكَافِرَ؛ إِلَّا بِالوَلَاءِ.

وَيَتَوَارَثُ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَعَ اتِّفَاقِ دِينِهِمْ، وَهُمْ مِلَلٌ شَتَّى.

المُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَداً. وَإِنْ مَاتَ فَمَالُهُ فَيْءٌ.

وَيَرِثُ المَجُوسُ بِقَرَابَتَيْنِ؛ إِنْ أَسْلَمُوا، أَوْ تَحَاكَمُوا إِلَيْنَا قَبْلَ إِسْلَامِهِمْ.

‌بَابُ مِيرَاثِ المُطَلَّقَةِ

مَنْ أَبَانَ زَوْجَتَهُ فِي صِحَّتِهِ، أَوْ مَرَضِهِ غَيْرِ المَخُوْفِ وَمَاتَ بِهِ، أَوْ المَخُوْفِ وَلَمْ يَمُتْ بِهِ لَمْ يَتَوَارَثَا.

بَلْ فِي طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهُ، أَوْ أَبَانَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ المَخُوْفِ مُتَّهَماً بِقَصْدِ حِرْمَانِهَا، أَوْ عَلَّقَ إِبَانَتَهَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى مَرَضِهِ، أَوْ عَلَى فِعْلٍ لَهُ فَفَعَلَهُ فِي مَرَضِهِ، وَنَحْوهِ لَمْ يَرِثْهَا، وَتَرِثُهُ فِي العِدَّةِ، وَبَعْدَهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ، أَوْ تَرْتَدَّ.

ص: 133

‌بَابُ الإِقْرَارِ بِمُشَارِكٍ فِي المِيرَاثِ

إِذَا أَقَرَّ كُلُّ الوَرَثَةِ

(1)

؛ وَلَوْ أَنَّهُ وَاحِدٌ بِوَارِثٍ لِلْمَيِّتِ، وَصَدَّقَ، أَوْ كَانَ صَغِيراً أَوْ مَجْنُوناً وَالمُقَرُّ

(2)

بِهِ مَجْهُولُ النَّسَبِ ثَبَتَ نَسَبُهُ، وَإِرْثُهُ.

وَإِنْ أَقَرَّ أَحَدُ ابْنَيْهِ بِأَخٍ مِثْلِهِ فَلَهُ ثُلُثُ مَا بِيَدِهِ. وَإِنْ أَقَرَّ بِأُخْتٍ فَلَهَا خُمُسُهُ.

‌بَابُ مِيرَاثِ القَاتِلِ، وَالمُبَعَّضِ، وَالوَلَاءِ

مَنْ انْفَرَدَ بِقَتْلِ مُوَرِّثِهِ، أَوْ شَارَكَ فِيهِ بِلَا حَقٍّ لَمْ يَرِثْهُ إِنْ لَزِمَهُ قَوَدٌ، أَوْ دِيَةٌ أَوْ كَفَّارَةٌ. وَالمُكَلَّفُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ.

وَإِنْ قَتَلَ بِحَقٍّ؛ كَقَوَدٍ، وَحَدٍّ وَرِثَهُ.

وَيَرِثُ مَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ، وَيُورَثُ، وَيَحْجُبُ بِقَدْرِ حُرِّيَّتِهِ.

وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْداً فَلَهُ عَلَيْهِ الوَلَاءُ؛ وَإِنْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا.

وَلَا يَرِثُ النِّسَاءُ بِالوَلَاءِ إِلَّا مَنْ أَعْتَقْنَ، أَوْ أَعْتَقَهُ مَنْ أَعْتَقْنَ.

(1)

في الأصل: [الورنة]، والتصويب من النسخة (س) المصححة بخط المحرر، ومن (زاد المستقنع).

(2)

في الأصل: [أو المقر]، والتصويب من (ع)، و (الزاد).

ص: 134

‌كِتَابُ العِتْقِ

هُوَ مِنْ أَفْضَلِ القُرُبَاتِ. وَيُسَنُّ عِتْقُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ، وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ.

وَيَصِحُّ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتٍ؛ وَهُوَ التَّدْبِيرُ.

وَتُسَنُّ الكِتَابَةُ مَعَ أَمَانَةِ العَبْدِ، وَكَسْبِهِ. وَتُكْرَهُ مَعَ عَدَمِهِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ المُكَاتَبِ. وَمُشْتَرِيهِ يَقُومُ مَقَامَ مُكَاتِبِهِ.

وَإِذَا أَدَّى عَتَقَ، وَوَلَاؤُهُ لَهُ. وَإِنْ عَجَزَ عَادَ قِنَّاً.

وَإِذَا أَوْلَدَ حُرٌّ أَمَتَهُ خُلِقَ وَلَدُهُ حُرّاً؛ حَيّاً وُلِدَ أَوْ مَيِّتاً، فِيهِ خَلْقُ الإِنْسَانِ. وَصَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ، وَتُعْتَقُ بِمَوْتِهِ مِنْ كُلِّ مَالِهِ.

وَأَحْكَامُ أُمِّ الوَلَدِ أَحْكَامُ الأَمَةِ إِلَّا فِي نَقْلِ المِلْكِ فِي رَقَبَتِهَا، وَإِلَّا بِمَا يُرَادُ لَهُ؛ كَبَيْعٍ، وَوَقْفٍ وَنَحْوِهِ.

ص: 135

‌كِتَابُ النِّكَاحِ

يُسَنُّ لِذِي شَهْوَةٍ. وَيَجِبُ عَلَى مَنْ يَخَافُ زِناً بِتَرْكِهِ. وَيُسَنُّ نِكَاحُ وَاحِدَةٍ دَيِّنَةٍ، بِكْرٍ، جَمِيلَةٍ، وَلُودٍ.

وَالنَّظَرُ إِلَى مَخْطُوبَةٍ مُبَاحٌ دُونَ الخَلْوَةِ.

وَحَرُمَ تَصْرِيحٌ بِخِطْبَةِ المُعْتَدَّةِ عَلَى غَيْرِ زَوْجٍ تَحِلُّ لَهُ، وَتَعْرِيضٌ بِخِطْبَةِ رَجْعِيَّةٍ، وَخِطْبَةٍ عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ أُجِيبَ.

وَيُسَنُّ العَقْدُ يَوْمَ الجُمُعَةِ مَسَاءً بِخُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ.

‌فَصْلٌ

وَأَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ: الزَّوْجَانِ الخَالِيَانِ مِنْ المَوَانِعِ، وَالإِيجَابُ، وَالقَبُولُ.

وَيَصِحُّ بِكُلِّ لِسَانٍ مِنْ عَاجِزٍ عَنْ العَرَبِيَّةِ.

ص: 137

‌فَصْلٌ

وَشُرُوطُهُ أَرْبَعَةٌ: تَعْيِينُ الزَّوْجَيْنِ، وَرِضَاهُمَا، وَالوَلِيُّ، وَالشَّهَادَةُ.

وَيُشْتَرَطُ فِي الوَلِيِّ: التَّكْلِيْفُ، وَالذُّكُورِيَّةُ، وَالحُرِّيَّةُ، وَالرُّشْدُ فِي العَقْدِ، وَاتِّفَاقُ الدِّيْنِ، وَالعَدَالَةُ. فَلَا تُزَوِّجُ امْرَأَةٌ نَفْسَهَا، وَلَا غَيْرَهَا.

وَيُقَدَّمُ أَبُو المَرْأَةِ فِي إنْكَاحِهَا

(1)

، ثُمَّ وَصِيُّهُ فِيهِ، ثُمَّ جَدٌّ لِأَبٍ وَإِنْ عَلَا، ثُمَّ ابْنٌ، ثُمَّ بَنُوهُ، ثُمَّ أَخٌ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ، ثُمَّ عَمٌّ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ بَنُوهُمَا كَذَلِكَ، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ نَسَباً كَالإِرْثِ، ثُمَّ الوَلِيُّ المُنْعِمُ، ثُمَّ أَقْرَبُ عَصَبَتِهِ، ثُمَّ وَلَاءٌ، ثُمَّ سُلْطَانٌ.

فَصْلٌ

تَحْرُمُ أَبَداً الأُمُّ، وَكُلُّ جَدَّةٍ وَإِنْ عَلَتْ، وَبِنْتٌ، وَبِنْتُ ابْنٍ، وَبِنْتَاهُمَا مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ مَهْمَا نَزَلْنَ، وَالأُخْتُ، وَبِنْتُهَا وَإِنْ سَفَلَتْ، وَكُلُّ عَمَّةٍ، وَخَالَةٍ وَإِنْ عَلَتَا، وَالمُلَاعَنَةُ عَلَى مُلَاعِنٍ.

وَيَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ بِالنَّسَبِ. وَتَحْرُمُ الرَّبَائِبُ.

(1)

في الأصل [نكاحها]، والتصويب من (ع) وهو يوافق ما في (الزاد)، وشرحه.

ص: 138

وَتَحْرُمُ إِلَى أَمَدٍ أُخْتُ مُعْتَدَّتِهِ

(1)

، وَأُخْتُ زَوْجَتِهِ، وَبِنْتَاهُمَا، وَعَمَّتَاهُمَا، وَخَالَتَاهُمَا.

وَتَحْرُمُ المُعْتَدَّةُ مِنْ غَيْرِهِ، وَالزَّانِيَةُ حَتَّى تَتُوبَ، وَمُطَلَّقَتُهُ ثَلَاثاً حَتَّى يَطَأَهَا زَوْجٌ غَيْرُهُ بِشَرْطِهِ.

‌فَصْلٌ

وَالشُّرُوطُ فِي النِّكَاحِ قِسْمَانِ: صَحِيحٌ؛ كَشَرْطِ زِيَادَةٍ فِي صَدَاقٍ، فَإِنْ لَمْ يَفِ بِذَلِكَ فَلَهَا الفَسْخُ.

وَفَاسِدٌ يُبْطِلُ العَقْدَ؛ وَهُوَ نِكَاحُ الشِّغَارِ، وَالتَّحْلِيلِ، وَنَحْوِهِمَا.

وَفَاسِدٌ لَا يُبْطِلُ العَقْدَ؛ كَشَرْطِ أَنْ لَا صَدَاقَ، وَلَا نَفَقَةَ، أَوْ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ زَوْجَاتِهِ، أَوْ يَقْسِمَ لَهَا أَقَلَّ، فَيَصِحُّ النِّكَاحُ دُونَ الشَّرْطِ.

فَصْلٌ

وَعُيُوبُ النِّكَاحِ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ؛ أَحَدُهَا: مُخْتَصٌّ بِالرَّجُلِ؛ كَجَبٍّ، أَوْ عُنَّةٍ، فَلَهَا الفَسْخُ فِي الحَالِ، إِلَّا أَنَّهُ يُؤَجَّلُ مَنْ ثَبَتَتْ عُنَّتُهُ مُنْذُ تَرَافَعَا إِلَى سَنَةٍ كَامِلَةٍ.

(1)

في الأصل: [معدته]، وهو تطبيع.

ص: 139

وَالثَّانِي: خَاصٌّ بِالمَرْأَةِ؛ كَسَدِّ فَرْجٍ، وَقُرُوْحٍ سَيَّالَةٍ، وَنَحْوِهِمَا فِي فَرْجٍ.

الثَّالِثُ: مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا؛ كَجُنُونٍ، وَجُذَامٍ، وَبَرَصٍ، فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الفَسْخُ بِمَا ذُكِرَ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالنِّكَاحِ.

‌فَصْلٌ

يُسَنُّ تَسْمِيَةُ الصَّدَاقِ فِي العَقْدِ، وَتَخْفِيفُهُ. وَكُلُّ مَا صَحَّ ثَمَناً، أَوْ أُجْرَةً صَحَّ مَهْراً. وَإِنْ لَمْ يُسَمَّ أَوْ بَطَلَتْ التَّسْمِيَةُ وَجَبَ مَهْرُ المِثْلِ بِعَقْدٍ.

وَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ لَهَا، وَأَلْفٍ لِأَبِيهَا صَحَّ. وَلَوْ طَلَّقَ قَبْلَ دُخُولٍ رَجَعَ بِأَلْفِهَا، وَلَا شَيْءَ عَلَى الأَبِ لَهُمَا. وَإِنْ شُرِطَ لِغَيْرِ الأَبِ شَيْءٌ فَالكُلُّ لَهَا.

وَيَصِحُّ تَأْجِيْلُهُ، وَإِنْ أَطْلَقَ الأَجَلَ فَمَحِلُّهُ الفُرْقَةُ.

فَصْلٌ

الوَلِيمَةُ لِلْعُرْسِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. وَالإِجَابَةُ إِلَيْهَا فِي المَرَّةِ الأُولَى وَاجِبَةٌ إِنْ كَانَ لَا عُذْرَ وَلَا مُنْكَرَ.

وَيَلْزَمُ كُلّاً مِنْ الزَّوْجَيْنِ عِشْرَةُ الآخَرِ بِالمَعْرُوفِ، وَأَنْ لَا يُمَاطِلَهُ

ص: 140

بِمَا يَلْزَمُهُ.

وَحَقُّ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجَةِ أَعْظَمُ مِنْ حَقِّهَا عَلَيْهِ.

وَعَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ فِي القَسْمِ؛ وَعِمَادُهُ اللَّيْلُ؛ إِلَّا فِي حَارِسٍ، وَنَحْوِهِ فَالنَّهَارُ.

وَإِنْ تَزَوَّجَ بِكْراً أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعاً، أَوْ ثَيِّباً أَقَامَ ثَلَاثاً، ثُمَّ دَارَ.

وَالنُّشُوزُ حَرَامٌ؛ وَهُوَ مَعْصِيَتُهَا إِيَّاهُ.

‌بَابُ الخُلْعِ

يُبَاحُ لِسُوءِ عِشْرَةٍ، وَنَحْوِهَا، وَيُكْرَهُ مَعَ اسْتِقَامَةٍ.

وَهُوَ بِلَفْظِ خُلْعٍ، أَوْ فَسْخٍ، أَوْ مُفَادَاةٍ فَسْخٌ. وَبِلَفْظِ طَلَاقٍ، أَوْ نِيَّتِهِ، أَوْ كِنَايَةٍ طَلْقَةٌ بَائِنَةٌ. وَيُكْرَهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا. وَيَصِحُّ بَذْلُ العِوَضِ مِمَّنْ يَصِحُّ تَبَرُّعُهُ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَجْنَبِيٍّ، وَبِمَجْهُولٍ، وَمَعْدُوُمٍ، لَا بِلَا عِوَضٍ، وَلَا بِمُحَرَّمٍ، وَلَا حِيلَةً لِإِسْقَاطِ الطَّلَاقِ.

وَإِذَا قَالَ: «مَتَى» ، أَوْ:«إِذَا» ، أَوْ:«إِنْ أَعْطَيْتِنِي أَلْفاً فَأَنْتِ طَالِقٌ» ، طَلُقَتْ بِعَطِيَّتِهِ، وَلَوْ تَرَاخَتْ.

ص: 141

‌كِتَابُ الطَّلَاقِ

يُكْرَهُ بِلَا حَاجَةٍ. وَالسُّنَّةُ أَنْ يَكُونَ بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ فِي طُهْرٍ لَمْ يُجَامِعْ فِيهِ.

وَيَحْرُمُ لِبِدْعَةٍ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي حَيْضٍ أَوْ طُهْرٍ جَامَعَ فِيهِ، وَيَقَعُ، وَتُسَنُّ رَجْعَتُهَا.

وَلَا سُنَّةَ وَلَا بِدْعَةَ لِحَامِلٍ، وَصَغِيرَةٍ، وَآيِسَةٍ، وَغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا.

وَصَرِيحُهُ هُوَ: لَفْظُ الطَّلَاقِ بِأَيِّ صِيْغَةٍ يُعْلَمُ مِنْهَا إِيقَاعُهُ.

وَيَمْلِكُ الحُرُّ ثَلَاثَ طَلْقَاتٍ، وَالعَبْدُ اثْنَتَيْنِ.

وَكِنَايَتُهُ لَابُدَّ فِيهَا مِنْ النِّيَّةِ؛ وَهِيَ نَوْعَانِ ظَاهِرَةٌ، وَخَفِيَّةٌ.

فَالظَّاهِرَةُ: يَقَعُ بِهَا الثَّلَاثُ؛ كَقَوْلِهِ: «أَنْتِ خَلِيَّةٌ، وَبَرِيَّةٌ، وَتَزَوَّجِي مَنْ شِئْتِ» ، وَنَحْوِهَا.

وَالخَفِيَّةُ: يَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ إِنْ لَمْ يَنْوِ أَكْثَرَ؛ وَهِيَ نَحْوَ: «اخْرُجِي، وَاذْهَبِي، وَلَسْتِ لِي بِامْرَأَةٍ» ، وَمَا أَشْبَهَهُ.

ص: 143

وَإِذَا طَلَّقَ زَوْجَتَهُ وَاحِدَةً، أَوْ اثْنَتَيْنِ فَلَهُ المُرَاجَعَةُ فِي العِدَّةِ، فَإِنْ انْقَضَتْ جَازَ لَهُ نِكَاحُهَا بِرِضَاهَا وَعَقْدٍ جَدِيدٍ. وَتَكُونُ مَعَهُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الطَّلَاقِ.

فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثاً لَمْ تَحِلَّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ.

‌فَصْلٌ

الإِيلَاءُ حَرَامٌ، وَهُوَ حَلْفُ زَوْجٍ بِاللهِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ المُمْكِنِ أَبَداً، أَوْ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ.

فَمَتَى مَضَى أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ يَمِينِهِ، وَلَمْ يُجَامِعْ فِيهَا بِلَا عُذْرٍ أُمِرَ بِهِ فَإِنْ أَبَى أُمِرَ بِالطَّلَاقِ، فَإِنْ امْتَنَعَ طَلَّقَ عَلَيْهِ الحَاكِمُ.

وَيَجِبُ بِوَطْئِهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ. وَتَارِكُ الوَطْءِ بِلَا عُذْرٍ كَمُوْلٍ.

فَصْلٌ

الظِّهَارُ مُحَرَّمٌ؛ وَهُوَ أَنْ يُشَبِّهَ زَوْجَتَهُ، أَوْ بَعْضَهَا بِبَعْضِ أَوْ كُلِّ مَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ، أَوْ بِرَجُلٍ مُطْلَقاً؛ كَقَوْلِهِ:«أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي، أَوْ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ» وَنَحْوهِمَا. فَيَكُونُ مُظَاهِراً بِذَلِكَ، وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ الوَطْءُ، وَدَوَاعِيهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ.

وَكَفَّارَتُهُ: عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ

ص: 144

يَسْتَطِعْ أَطْعَمَ سِتِّينَ مِسْكِيناً مُسْلِمَاً لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدُّ بُرٍّ، أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهُ.

‌فَصْلٌ

اللِّعَانُ لَا يَصِحُّ إِلَّا مِنْ زَوْجَيْنِ.

فَمَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَى، وَكَذَّبَتْهُ فَلَهُ لِعَانُهَا؛ بِأَنْ يَقُولَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ:«أَشْهَدُ بِاللهِ إِنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنْ الزِّنَى» ، وَفِي الخَامِسَةِ:«وَأَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنْ الكَاذِبِينَ» ، ثُمَّ تَقُولُ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ:«أَشْهَدُ بِاللهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنْ الزِّنَى» ، وَفِي الخَامِسَةِ:«وَأَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ» .

فَيَسْقُطُ الحَدُّ بِذَلِكَ، وَتَثْبُتُ الفُرْقَةُ المُؤَبَّدَةُ، وَيَنْتَفِي الوَلَدُ بِنَفْيِهِ.

‌بَابُ العِدَّةِ

وَالمُعْتَدَّاتُ سِتٌّ:

الحَامِلُ، وَعِدَّتُهَا مِنْ مَوْتٍ، وَغَيْرِهِ إِلَى وَضْعِ كُلِّ حَمْلٍ تَصِيرُ بِهِ أَمَةٌ أُمَّ وَلَدٍ. وَأَقَلُّ مُدَّةِ الحَمْلِ سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَغَالِبُهَا تِسْعَةٌ، وَأَكْثَرُهَا أَرْبَعُ سِنِينَ.

الثَّانِيَةُ: المُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِلَا حَمْلٍ، فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ

ص: 145

وَعَشْراً. وَأَمَةٌ نِصْفَ هَذِهِ المُدَّةِ.

الثَّالِثَةُ: ذَاتُ الحَيْضِ المُفَارَقَةُ فِي الحَيَاةِ، فَتَعْتَدُّ حُرَّةٌ بِثَلَاثِ حِيَضٍ، وَأَمَةٌ بِحَيْضَتَيْنِ.

الرَّابِعَةُ: المُفَارَقَةُ فِي الحَيَاةِ وَهِيَ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ إِيَاسٍ، فَعِدَّتُهَا إِنْ كَانَتْ حُرَّةً ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ، وَشَهْرَانِ إِنْ كَانَتْ أَمَةً، وَمُبَعَّضَةٌ بِالحِسَابِ.

الخَامِسَةُ: مَنْ ارْتَفَعَ حَيْضُهَا وَلَمْ تَعْلَمْ مَا رَفَعَهُ، فَتَتَرَبَّصُ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ تَعْتَدُّ كَآيِسَةٍ.

وَإِنْ عَلِمَتْ مَا رَفَعَهُ فَلَا تَزَالُ فِي عِدَّةٍ حَتَّى يَعُودَ فَتَعْتَدَّ بِهِ، أَوْ تَبْلُغَ سِنَّ الإِيَاسِ فَتَعْتَدَّ عِدَّتَهُ.

وَعِدَّةُ بَالِغَةٍ لَمْ تَحِضْ، وَمُسْتَحَاضَةٍ مُبْتَدَاةٍ أَوْ نَاسِيَةٍ كَآيِسَةٍ.

السَّادِسَةُ: امْرَأَةُ المَفْقُودِ؛ وَلَوْ أَمَةٌ تَتَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ إِنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الهَلَاكُ. وَتِسْعِينَ مُنْذُ وُلِدَ إِنْ كَانَ ظَاهِرُهَا السَّلَامَةَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ لِلْوَفَاةِ.

وَإِنْ طَلَّقَ غَائِبٌ، أَوْ مَاتَ فَابْتِدَاءُ العِدَّةِ مِنْ الفُرْقَةِ، وَإِنْ لَمْ تُحِدَّ.

وَيَحْرُمُ إِحْدَادٌ عَلَى مَيِّتٍ غَيْرِ زَوْجٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ. وَيَجِبُ عَلَى زَوْجَةِ مَيِّتٍ. وَيُبَاحُ لِبَائِنٍ. وَهُوَ تَرْكُ زِيْنَةٍ، وَطِيْبٍ، وَكُلِّ مَا يَدْعُو إِلَى

ص: 146

نِكَاحِهَا، وَيُرَغِّبُ فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا.

وَيَحْرُمُ بِلَا حَاجَةٍ تَحَوُّلٌ مِنْ مَسْكَنٍ وَجَبَتْ فِيهِ، وَلَهَا الخُرُوجُ لِحَاجَةٍ نَهَاراً.

وَمَنْ مَلَكَ أَمَةً يُوْطَأُ مِثْلُهَا حَرُمَ عَلَيْهِ وَطْؤُهَا، وَمُقَدِّمَاتُهُ قَبْلَ اسْتِبْرَاءِ حَامِلٍ بِوَضْعٍ

(1)

، وَمَنْ تَحِيضُ بِحَيْضَةٍ وَآيِسَةٍ وَصَغِيرَةٍ بِشَهْرٍ. وَلَا عِدَّةَ فِي فُرْقَةِ حَيٍّ

(2)

قَبْلَ وَطْءٍ أَوْ خُلْوَةٍ

(3)

أَوْ بَعْدَهُمَا مِمَّنْ لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ

(4)

.

(1)

في الأصل: [يوضع]، وهو تطبيع.

(2)

[حي] ليست في الأصل، وهي مثبتةٌ من (المنتهى)، ولا بُدّ منها؛ لأنه يلزم عند حذفها أن المتوفى عنها لا عدة عليها.

(3)

في الأصل: [وخلوة]، والتصويب من (المنتهى).

لأن الواو تقتضي الجمع، فتقتضي عبارة الأصل أن تكون الخلوة وحدَها غيرَ موجبة للعدة، وهو قول ضعيف في المذهب. ينظر: الإنصاف 24/ 8. والمجزوم به في المذهب أنّ الخلوة وحدها توجب العدة.

وسبب خطأ التعبير أنّ المؤلف أخذه من الزاد واختصره اختصاراً مخلاً، وعبارة الزاد:(ومن فارقها حياً قبل وطء وخلوة أو بعدهما أو أحدهما).

(4)

كذا في الأصل تبعاً (للزاد)، و (الإقناع). وفي هذا التعبير نظر؛ لأنه يشمل كُلّ من لا يولَد لمثله لسببٍ حسّيٍّ كالمجبوب والعنين والرتقاء ومن حكم الأطباء بعدم قدرته على الإنجاب، وهو غير مراد يقيناً.

وإنما المراد إخراج الطفل الذي يولَد لمثله، والطفلة التي لا يوطأ مثلها. فالعبارة الأقرب للمراد:[ممن لا يلحق بمثله ولد]، والله أعلم.

ص: 147

‌بَابُ الرَّضَاعِ

يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ عَلَى الرَّضِيعِ، وَفُرُوعِهِ، وَإِنْ نَزَلَ.

وَالمُحَرِّمُ خَمْسُ رَضَعَاتٍ فِي الحَوْلَيْنِ.

وَكُلُّ امْرَأَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهَا؛ كَأُمِّهِ، وَجَدَّتِهِ، وَرَبِيْبَتِهِ إِذَا

(1)

أَرْضَعَتْ طِفْلَةً حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ.

وَكُلُّ رَجُلٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِنْتُهُ؛ كَابْنِهِ، وَأَخِيهِ، وَأَبِيهِ، وَرَبِيبِهِ، إِذَا أَرْضَعَتْ امْرَأَتُهُ بِلَبَنِهِ طِفْلَةً حَرَّمَتْهَا عَلَيْهِ.

وَمَنْ قَالَ: «إِنَّ زَوْجَتَهُ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ» بَطَلَ نِكَاحُهُ، وَلَا مَهْرَ قَبْلَ دُخُولٍ إِنْ صَدَّقَتْهُ، وَيَجِبُ نِصْفُهُ إِنْ كَذَّبَتْهُ، وَكُلُّهُ بَعْدَ دُخُولٍ مُطْلَقاً.

وَمَنْ شَكَّ فِي رَضَاعٍ، أَوْ عَدَدِهِ بَنَى عَلَى اليَقِينِ.

وَيَثْبُتُ بِإِخْبَارِ مُرْضِعَةٍ مَرْضِيَّةٍ، وَبِشَهَادَةِ عَدْلٍ مُطْلَقاً.

(1)

في الأصل: [إذ]، والتصويب من النسخة (س) المصححة بخط المحرر.

ص: 148

‌بَابُ النَّفَقَاتِ

وَيَجِبُ عَلَى زَوْجٍ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ مِنْ أَكْلٍ، وَشُرْبٍ، وَكِسْوَةٍ، وَسُكْنَى بِالمَعْرُوفِ.

فَيُفْرَضُ لِمُوْسِرَةٍ مَعَ مُوْسِرٍ عِنْدَ تَنَازُعٍ عَادَةُ المُوسِرِينَ، وَلِمُتَوَسِّطٍ مَعَ مُتَوَسِّطَةٍ عَادَةُ مِثْلِهَا، وَلِفَقِيرَةٍ مَعَ فَقِيرٍ عَادَةُ مِثْلِهَا.

وَعَلَيْهِ مُؤْنَةُ نَظَافَتِهَا، لَا دَوَاءٌ وَأُجْرَةُ طَبِيبٍ.

وَتَجِبُ لِرَجْعِيَّةٍ، وَبَائِنٍ حَامِلٍ، لَا مُتَوَفَّى عَنْهَا.

وَمَنْ نَشَزَتْ، أَوْ صَامَتْ، أَوْ حَجَّتْ نَفْلاً بِلَا إِذْنِهِ، أَوْ سَافَرَتْ لِحَاجَتِهَا بِإِذْنِهِ سَقَطَتْ.

وَمَتَى لَمْ يُنْفِقْ تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ.

وَمَنْ

(1)

تَسْلَّمَ مَنْ يَلْزَمُهُ تَسَلُّمُهَا، أَوْ بَذَلَتْهُ هِيَ أَوْ وَلِيُّهَا وَجَبَتْ نَفَقَتُهَا، وَلَوْ مَعَ صِغَرِهِ، وَمَرَضِهِ، وَعُنَّتِهِ، وَجَبِّهِ، وَلَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا قَبْلَ دُخُولٍ لِقَبْضِ مَهْرٍ حَالٍّ.

وَإِذَا أَعْسَرَ بِنَفَقَةِ القُوتِ أَوْ الكِسْوَةِ أَوْ السُّكْنَى، أَوْ غَابَ وَلَمْ يَدَعْ لَهَا نَفَقَةً وَتَعَذَّرَ أَخْذُهَا مِنْ مَالِهِ وَاسْتِدَانَتُهَا عَلَيْهِ، فَلَهَا الفَسْخُ بِإِذْنِ حَاكِمٍ.

(1)

في (المنتهى): [متى]، وما في الأصل موافق لما في (الزاد).

ص: 149

‌فَصْلٌ

وَتَجِبُ عَلَى مُوْسِرٍ النَّفَقَةُ -أَوْ تَتِمَّتُهَا- لِأَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا، وَلِوَلَدِهِ وَإِنْ سَفَلَ؛ حَتَّى ذَوِي الأَرْحَامِ مِنْهُمْ؛ حَجَبَهُ مُعْسِرٌ أَوْ لَا، وَكُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ

(1)

، لَا بِرَحِمٍ

(2)

سِوَى عَمُودِيّ نَسَبِهِ، بِمَعْرُوفٍ، مَعَ فَقْرِ مَنْ تَجِبُ لَهُ وَعَجْزِهِ عَنْ تَكَسُّبٍ.

وَمَنْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُ أَبٍ فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ. وَالأَبُ يَنْفَرِدُ بِنَفَقَةِ وَلَدِهِ.

وَلَا نَفَقَةَ مَعَ اخْتِلَافِ دِينٍ؛ إِلَّا بِالوَلَاءِ.

فَصْلٌ

وَعَلَيْهِ نَفَقَةُ رَقِيقِهِ طَعَامَاً وَكِسْوَةً وَسُكْنَى، وَأَنْ لَا يُكَلِّفُهُ مَشَقّاً كَثِيراً. وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى المُخَارَجَةِ جَازَ.

وَيُرِيحُهُ وَقْتَ القَائِلَةِ، وَالنَّوْمِ، وَالصَّلَاةِ. وَإِنْ طَلَبَ نِكَاحَاً زَوَّجَهُ، أَوْ بَاعَهُ.

(1)

في الأصل [تعصب]، وهو تطبيع.

(2)

في الأصل [لا رحمَ]، والتصويب من (المنتهى)، و (الإقناع)، و (الزاد)، و (أخصر المختصرات).

ص: 150

وَعَلَيْهِ عَلْفُ بَهَائِمِهِ، وَسَقْيُهَا، وَمَا يُصْلِحُهَا، وَأَنْ لَا يُحَمِّلَهَا مَا تَعْجَزُ عَنْهُ، وَلَا يَحْلُبُ مِنْ لَبَنِهَا مَا يَضُرُّ وَلَدَهَا. وَإِنْ عَجَزَ عَنْ نَفَقَتِهَا أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِهَا، أَوْ إِجَارَتِهَا، أَوْ ذَبْحِهَا إِنْ أُكِلَتْ.

‌بَابُ الحَضَانَةِ

تَجِبُ لِحِفْظِ صَغِيْرٍ، وَمَجْنُونٍ، وَمَعْتُوهٍ. وَالأَحَقُّ بِهَا أُمٌّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهَا، ثُمَّ القُرْبَى، فَالقُرْبَى، ثُمَّ أَبٌ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ جَدٌّ، ثُمَّ أُمَّهَاتُهُ كَذَلِكَ، ثُمَّ أُخْتٌ لِأَبَوَيْنِ، ثُمَّ لَأُمٍ، ثُمَّ لِأَبٍ، ثُمَّ خَالَةٌ، ثُمَّ عَمَّةٌ، ثُمَّ بِنْتُ أَخٍ وَأُخْتٍ، ثُمَّ بِنْتُ عَمٍّ وَعَمَّةٍ، ثُمَّ بِنْتُ عَمِّ أَبٍ وَعَمَّتِهِ؛ عَلَى مَا فُصِّلَ، ثُمَّ بَاقِي العَصَبَةِ الأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ.

وَكَوْنُهُ مَحْرَماً لِأُنْثَى شَرْطٌ.

وَلَا حَضَانَةَ لِمُزَوَّجَةٍ بِأَجْنَبِيٍّ مِنْ مَحْضُونٍ.

وَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ سَبْعَ سِنِينَ عَاقِلاً خُيِّرَ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ اخْتَارَ أُمَّهُ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلاً، وَعِنْدَ أَبِيهِ نَهَاراً لِيُؤَدِّبَهُ. وَإِذَا بَلَغَتْ البِنْتُ سَبْعَ سِنِينَ كَانَتْ عِنْدَ أَبِيهَا، أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ وُجُوباً إِلَى أَنْ تَتَزَوَّجَ.

وَلَا يُقَرُّ مَحْضُونٌ بِيَدِ مَنْ لَا يُصْلِحُهُ، وَيَصُونُهُ.

ص: 151

‌كِتَابُ الجِنَايَاتِ

وَهِيَ عَمْدٌ يَخْتَصُّ القَوَدُ بِهِ. وَشِبْهُ عَمْدٍ. وَخَطَأٍ.

فَالعَمْدُ: أَنْ يَقْصُدَ آدَمِيّاً مَعْصُوماً فَيَقْتُلَهُ بِمَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مَوْتُهُ بِهِ؛ مِثْلُ أَنْ يَجْرَحَهُ بِمَا لَهُ نُفُوذٌ فِي البَدَنِ، أَوْ يَضْرِبَهُ بِحَجَرٍ كَبِيْرٍ وَنَحْوِهِ. أَوْ يُلْقِيهُ مِنْ شَاهِقٍ، أَوْ فِي نَارٍ، أَوْ مَا

(1)

يُغْرِقُهُ وَلَا يُمْكِنُهُ التَّخَلُّصُ مِنْهَا. وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ.

وَشِبْهُ العَمْدِ: أَنْ يَقْصِدَ جِنَايَةً لَا تَقْتُلُ غَالِباً، وَلَمْ يَجْرَحْهُ بِهَا؛ كَضَرْبِهِ فِي غَيْرِ مَقْتَلٍ بِعَصاً صَغِيرَةٍ، وَنَحْوِهَا.

وَالخَطَأُ: أَنْ يَفْعَلَ مَا لَهُ فِعْلُهُ؛ مِثْلُ أَنْ يَرْمِيَ صَيْداً، أَوْ غَرَضَاً، فَيُصِيبَ آدَمِيّاً لَمْ يَقْصِدْهُ. وَعَمْدُ الصَّبِيِّ، وَالمَجْنُونِ خَطَأٌ.

فَفِي العَمْدِ القَوَدُ بِشُرُوطِهِ الآتِيَةِ؛ إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ الوَلِيُّ فَالدِّيَةُ عَلَى الجَانِي.

(1)

كذا في الأصل [ما] فيحتمل أن تكون مسهّلةً من (ماء) وهو ما في (المنتهى) وغيره، ويحتمل أن تكون موصولةً فتشمل كُلَّ ما يغرق فيه.

ص: 153

وَفِي شِبْهِ العَمْدِ، وَالخَطَأِ الدِّيَةُ عَلَى العَاقِلَةِ، وَالكَفَّارَةُ عَلَى الجَانِي.

وَلَا يُسْتَوْفَى القِصَاصُ إِلَّا بِحُضُورِ السُّلْطَانِ، أَوْ نَائِبِهِ، وَبِآلَةٍ مَاضِيَةٍ. وَفِي النَّفْسِ بِضَرْبِ العُنُقِ بِالسَّيْفِ.

وَيُشْتَرَطُ لَهُ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ: تَكْلِيفُ قَاتِلٍ، وَعِصْمَةُ مَقْتُولٍ، وَمُكَافَأَةٌ لِقَاتِلٍ بِدِيْنٍ وَحُرِّيَّةٍ، وَعَدَمُ الوِلَادَةِ.

وَالقَصَاصُ حَقٌّ لِلْوَرَثَةِ عَلَى قَدْرِ إِرْثِهِمْ؛ كَالدِّيَةِ.

وَيُشْتَرَطُ لِاسْتِيفَائِهِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ: تَكْلِيفُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ، وَاتِّفَاقُهُمْ عَلَيْهِ، وَأَنْ يُؤْمَنَ فِي اسْتِيفَائِهِ التَّعَدِّي إِلَى غَيْرِ جَانٍ. وَيُحْبَسَ قَاتِلٌ لِقُدُومِ غَائِبٍ، وَبُلُوغٍ، وَإِفَاقَةٍ.

‌فَصْلٌ

مَنْ أُقِيدَ بِأَحَدٍ فِي النَّفْسِ أُقِيدَ بِهِ فِي الطَّرَفِ، وَالجُرُوحِ. وَمَالَا فَلَا. وَلَا يَجِبُ إِلَّا بِمَا يُوجِبُ القَوَدَ فِي النَّفْسِ.

وَيُشْتَرَطُ لِلْقَصَاصِ فِي الطَّرَفِ شُرُوطٌ: الأَمْنُ مِنْ

(1)

الحِيفِ؛ بِأَنْ يَكُونَ القَطْعُ مِنْ مَفْصِلٍ أَوْ يَنْتَهِي إِلَيْهِ.

(1)

[من] ساقطةٌ من الأصل، وهو تطبيع.

ص: 154

وَالمُمَاثَلَةُ فِي الاسْمِ وَالمَوْضِعِ؛ فَلَا تُؤْخَذُ يَمِينٌ بِيَسَارٍ، وَلَا خِنْصَرٌ بِبِنْصَرٍ.

وَاسْتِوَاؤُهُمَا فِي الصِّحَّةِ وَالكَمَالِ؛ فَلَا تُؤْخَذُ صَحِيحَةٌ بِشَلَّاءَ، وَلَا كَامِلَةُ الأَصَابِعِ بِنَاقِصَةٍ.

وَلَا يُقْتَصُّ مِنْ عُضْوٍ وَجُرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ، كَمَا لَا تُطْلَبُ لَهُ دِيَةٌ.

‌بَابُ الدِّيَاتِ

دِيَةُ الحُرِّ المُسْلِمِ مِائَةُ بَعِيرٍ، أَوْ أَلْفُ مِثْقَالٍ ذَهَباً، أَوْ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ فِضَّةً، أَوْ مِائَتَا بَقَرَةٍ، أَوْ أَلْفَا شَاةٍ، فَيُخَيَّرُ مَنْ لَزِمَتْهُ بِيْنَهَا.

وَدِيَةُ الحُرَّةِ المُسْلِمَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ.

وَدِيَةُ كِتَابِيٍّ حُرٍّ نِصْفُ دِيَةِ مُسْلِمٍ، وَالكِتَابِيَّةُ عَلَى النِّصْفِ مِنْ ذَلِكَ.

وَدِيَةُ رَقِيقٍ قِيمَتُهُ.

وَدِيَةُ جَنِينٍ حُرٍّ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ؛ وَهِيَ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ.

وَأَمَّا الدِّيَةُ فِي الأَعْضَاءِ: فَمَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الإِنْسَانِ مِنْهُ وَاحِدٌ؛ كَالأَنْفِ، وَاللِّسَانِ، وَالذَّكَرِ، فَفِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ.

وَمَنْ أَتْلَفَ مَا فِي الإِنْسَانِ مِنْهُ شَيْئَانِ؛ كَاليَدَيْنِ، وَالرِّجْلَيْنِ،

ص: 155

فَفِيهِمَا الدِّيَةُ، وَفِي إِحْدَاهُمَا نِصْفُهَا.

وَفِي الأَجْفَانِ الأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهَا رُبْعُهَا.

وَفِي أَصَابِعِ اليَدَيْنِ الدِّيَةُ، وَفِي أَحَدِهَا العُشْرُ. وَفِي الأُنْمُلَةِ إِنْ كَانَتْ مِنْ إِبْهَامٍ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِهَا فَثُلُثُهَا. وَكَذَا أَصَابِعُ الرِّجْلَيْنِ.

وَيَجِبُ فِي السِّنِّ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ.

وَفِي إِذْهَابِ نَفْعِ عُضْوٍ مِنْ الأَعْضَاءِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ.

وَفِي عَيْنِ الأَعْوَرِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ.

‌فَصْلٌ

وَالشَّجَّةُ: الجُرْحُ فِي الرَّأْسِ وَالوَجْهِ خَاصَّةً. وَهِيَ عَشْرٌ؛ فَفِي الحَارِصَةِ وَالبَازِلَةِ وَالبَاضِعَةِ وَالمُتَلَاحِمَةِ وَالسِّمْحَاقِ حُكُومَةٌ، وَفِي المُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ، وَفِي الهَاشِمَةِ عَشْرٌ، وَفِي المُنَقِّلَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ، وَفِي المَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَكَذَا الدَّامِغَةُ وَالجَائِفَةُ.

وَعَاقِلَةُ الإِنْسَانِ ذُكُوْرُ عَصَبَتِهِ نَسَبَاً، وَوَلَاءً.

وَلَا تَحْمِلُ عَمْداً، وَلَا عَبْداً، وَلَا صُلْحَاً، وَلَا اعْتِرَافَاً، وَلَا مَا دُونَ الثُّلُثِ.

ص: 156

وَكَفَّارَةُ غَيْرِ العَمْدِ كَالظِّهَارِ؛ إِلَّا أَنَّهُ لَا إِطْعَامَ فِيهَا، وَيُكَفِّرُ عَبْدٌ بِالصَّوْمِ.

‌بَابُ القَسَامَةِ

هِيَ أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ فِي دَعْوَى قَتْلِ مَعْصُومٍ. وَإِذَا تَمَّتْ شُرُوطُهَا بُدِئَ بِأَيْمَانِ ذُكُوُرِ عَصَبَتِهِ الوَارِثِينَ، فَيَحْلِفُوْنَ خَمْسِينَ يَمِيناً كُلٌّ بِقَدْرِ إِرْثِهِ، وَيُجْبَرُ كَسْرٌ.

فَإِنْ نَكَلُوا، أَوْ كَانَ الكُلُّ نِسَاءً حَلَفَهَا مُدَّعىً عَلَيْهِ، وَبَرِئَ.

ص: 157

‌كِتَابُ الحُدُودِ

لَا يَجِبُ الحَدُّ إِلَّا عَلَى بَالِغٍ، عَاقِلٍ، مُلْتَزِمٍ، عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ.

وَيُقِيمُهُ الإِمَامُ، أَوْ نَائِبُهُ فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ.

وَيُضْرَبُ الرَّجُلُ فِي الحَدِّ قَائِماً بِسَوْطٍ مُتَوَسِّطٍ، وَلَا يُمَدُّ، وَلَا يُرْبَطُ، وَلَا يُجَرَّدُ، بَلْ يَكُونُ عَلَيْهِ قَمِيصٌ، أَوْ قَمِيصَانِ، وَلَا يُبَالَغُ بِضَرْبِهِ، وَيُفَرَّقُ عَلَى بَدَنِهِ. وَالمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ إِلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً، وَتُرْبَطُ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا.

وَأَشَدُّ الجَلْدِ جَلْدُ الزِّنَى، ثُمَّ القَذْفِ، ثُمَّ الشُّرْبِ، ثُمَّ التَّعْزِيْرِ.

وَمَنْ مَاتَ فِي حَدٍّ فَالحَقُّ قَتَلَهُ. وَلَا يُحْفَرُ لِلْمَرْجُومِ فِي الزِّنَى.

‌فَصْلٌ

وَالزَّانِي عَلَى نَوْعَيْنِ: مُحْصَنٌ، وَغَيْرُ مُحْصَنٍ. فَالمُحْصَنُ حَدُّهُ الرَّجْمُ. وَغَيْرُهُ مِائَةُ جَلْدَةٍ، وَتَغْرِيْبُ عَامٍ. وَرَقِيقٌ خَمْسُونَ، وَلَا يُغَرَّبُ.

ص: 159

وَثُبُوتُهُ: بِشَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ بِزِنَى وَاحِدٍ، مَعَ وَصْفِهِ. أَوْ بِإِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ مَعَ ذِكْرِ حَقِيقَةِ الوَطْءِ بِلَا رُجُوعٍ.

وَشُرُوطُ الإِحْصَانِ أَرْبَعَةٌ: البُلُوغُ، وَالعَقْلُ، وَالحُرِّيَّةُ، وَوُجُودُ الوَطْءِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ.

‌فَصْلٌ

وَأَمَّا القَذْفُ فَهُوَ رَمْيُ مُحْصَنٍ؛ وَهُوَ الحُرُّ، المُسْلِمُ، العَاقِلُ، العَفِيفُ، الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَطَأَ مِثْلُهُ؛ بِالزِّنَى بِصَرِيحِ القَذْفِ، أَوْ

(1)

كِنَايَتِهِ.

وَحَدُّ القَاذِفِ ثَمَانُونَ جَلْدَةً إِذَا كَانَ حُرّاً، وَرَقِيقٍ نِصْفُهَا.

وَيُعَزَّرُ بِنَحْوِ: «يَا كَافِرُ» ، «يَا مَلْعُونُ» ، «يَا أَعْوَرُ» ، «يَا أَعْرَجُ» ، وَالتَّعْزِيرُ فِي ذَلِكَ بِاجْتِهَادِ الإِمَامِ، وَكَذَا فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا، وَلَا كَفَّارَةَ.

فَصْلٌ

وَكُلُّ شَرَابٍ مُسْكِرٍ يَحْرُمُ مُطْلَقاً؛ إِلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غُصَّ بِهَا مَعَ خَوْفِ تَلَفٍ.

(1)

في الأصل [وكنايته].

ص: 160

وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ. فَمَنْ شَرِبَهُ جُلِدَ الحَدَّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً.

وَيَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ مَرَّةً؛ كَقَذْفٍ، أَوْ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَحَدُّ القِنِّ نِصْفُ حَدِّ الحُرِّ.

‌فَصْلٌ

وَالسَّرِقَةُ أَخْذُ مَالٍ مَعْصُومٍ خِفْيَةً.

وَلَا يَجِبُ الحَدُّ إِلَّا بِشُرُوطٍ ثَمَانِيَةٍ: بِالسَّرِقَةِ

(1)

. وَكَوْنُهُ مُكَلَّفاً مُخْتَارَاً عَالِمَاً بِأَنَّ مَا سَرَقَهُ يُسَاوِي نِصَاباً. وَكَوْنُ المَسْرُوقِ مَالاً مُحْتَرَمَاً. وَكَوْنُهُ نِصَاباً؛ وَهُوَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ رُبُعُ دِينَارٍ أَوْ مَا يُسَاوِي أَحَدَهُمَا. وَكَوْنُهُ مُخْرَجَاً مِنْ حِرْزِ مِثْلِهِ، وَحِرْزُ كُلِّ مَالٍ مَا يُحْفَظُ بِهِ عَادَةً. وَانْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ؛ مِنْ شَرِكَةٍ وَنَحْوِهَا. وَثُبُوتُهَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ يَصِفَانِهَا بَعْدَ إِقَامَةِ الدَّعْوَى، أَوْ بِإِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ وَلَا يَرْجِعُ عَنْهُ حَتَّى يُقْطَعَ. وَمُطَالَبَةُ المَسْرُوْقِ مِنْهُ بِمَالِهِ.

فَإِذَا اجْتَمَعَتْ الشُّرُوطُ وَجَبَ قَطْعُ يَدِهِ اليُمْنَى مِنْ مَفْصِلِ كَفِّهِ، وَحَسْمُهَا. فَإِنْ عَادَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ اليُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ كَعْبِهِ، وَحُسِمَتْ. فَإِنْ عَادَ حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ.

(1)

أي بالتعريف السابق لها.

ص: 161

‌فَصْلٌ

وَقَطْعُ الطَّرِيقِ عَلَى أَنْوَاعٍ؛ فَمَنْ قَتَلَ مِنْ القُطَّاعِ مُكَافِئاً أَوْ غَيْرَهُ قُتِلَ

(1)

. وَمَنْ قَتَلَ وَأَخَذَ المَالَ قُتِلَ ثُمَّ صُلِبَ حَتَّى يُشْتَهَرَ. وَإِنْ أَخَذَ مَالاً وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ اليُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ اليُسْرَى. وَمَنْ أَخَافَ الطَّرِيقَ نُفِيَ وَشُرِّدَ.

وَيُشْتَرَطُ ثُبُوتُ ذَلِكَ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ إِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ. وَحِرْزٌ. وَنِصَابٌ.

وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ قَبْلَ القُدْرَةِ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ حَقُّ اللهِ تَعَالَى، وَيُؤْخَذُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ.

وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدٌّ فَتَابَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ سَقَطَ عَنْهُ.

وَمَنْ قَاتَلَ دُوْنَ نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ حُرَمِهِ، وَلَمْ يَنْدَفِعْ الصَّائِلُ عَنْهُ إِلَّا بِالقَتْلِ أُبِيْحَ، وَلَا ضَمَانَ.

(1)

في الأصل [فمن قتل من القطاع قُتل؛ مكافئاً أو غيره]، وقد صوّبها (ع) إلى المذكور في النصّ، وهي عبارة (الزاد)، و (أخصر المختصرات)، وهي الأنسب.

ص: 162

‌فَصْلٌ

وَالبُغَاةُ أَصْحَابُ شَوْكَةٍ يَخْرُجُونَ عَلَى الإِمَامِ بِتَأْوِيلٍ. فَعَلَيْهِ مُرَاسَلَتُهُمْ، وَإِزَالَةُ مَا يَدَّعُونَ مِنْ شُبْهَةٍ، وَمَظْلَمَةٍ، فَإِنْ رَجَعُوا وَإِلَّا قَاتَلَهُمْ قَادِرٌ.

فَصْلٌ

وَالمُرْتَدُّ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ بَعْدَ إِسْلَامِهِ، أَوْ ادَّعَى النُّبُوَّةَ، أَوْ سَبَّ اللهَ، أَوْ رَسُولَهُ، أَوْ جَحَدَهُ، أَوْ صِفَةً مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ كِتَابَهُ، أَوْ رَسُولَهُ، أَوْ مَلَكَاً، أَوْ أَمْرَاً ضُرُورِيّاً مُجْمَعاً عَلَيْهِ. فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ كُفْراً.

وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ مَنْ سَبَّ اللهَ أَوْ رَسُولَهُ، أَوْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ، وَلَا مِنْ مُنَافِقٍ، وَسَاحِرٍ.

وَتَوْبَةُ المُرْتَدِّ، وَكُلِّ كَافِرٍ إِتْيَانُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ إِقْرَارِهِ بِرُجُوعِهِ عَمَّا كَفَرَ بِهِ.

ص: 163

‌كِتَابُ الأَطْعِمَةِ

يُبَاحُ كُلُّ طَاهِرٍ لَا يَضُرُّ. وَلَا يَحِلُّ نَجِسٌ؛ كَمَيْتَةٍ وَدَمٍ، وَلَا مُضِرٌّ؛ كَسُمٍّ وَنَحْوِهِ. وَحَيَوَانَاتُ البَرِّ مُبَاحَةٌ؛ إِلَّا الحَمِيرَ الإِنْسِيَّةَ، وَمَا لَهُ نَابٌ يَفْتَرِسُ بِهِ؛ كَالأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالفَهْدِ وَالكَلْبِ وَالقِرْدِ وَالدُّبِّ؛ غَيْرَ الضَّبُعِ، وَمَالَهُ مِخْلَبٌ مِنْ الطَّيْرِ يَصِيدُ بِهِ؛ كَالعُقَابِ وَالبَازِيِّ وَالصَّقْرِ وَالبُوْمَةِ وَنَحْوِهَا، وَمَا يَأْكُلُ الجِيَفَ؛ كَالنِّسْرِ وَالرَّخَمِ وَالغُرَابِ، وَمَا يُسْتَخْبَثُ؛ كَالقُنْفُذِ وَالوَطْوَاطِ وَالفَأْرَةِ وَالحَيَّةِ، وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ؛ كَالبَغْلِ.

‌فَصْلٌ

وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَحَلَالٌ؛ كَبَهِيمَةِ الأَنْعَامِ، وَالخَيْلِ، وَالوَحْشِيِّ مِنْ البَقَرِ، وَالحُمُرِ، وَالضِّبَا، وَالنَّعَامَةِ، وَالأَرْنَبِ، وَسَائِرِ الوَحْشِ.

وَيُبَاحُ حَيَوَانُ البَحْرِ كُلِّهِ؛ إِلَّا الضِّفْدَعَ، وَالتِّمْسَاحَ، وَالحَيَّةَ.

ص: 165

وَمَنْ اضْطُرَّ إِلَى مُحَرَّمٍ غَيْرِ السُّمِّ حَلَّ لَهُ مِنْهُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهُ. وَمَنْ اضْطُرَّ إِلَى نَفْعِ مَالِ الغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ لِدَفْعِ بَرْدٍ، أَوْ اسْتِسْقَاءِ مَاءٍ، وَنَحْوِهِ وَجَبَ بَذْلُهُ لَهُ مَجَّاناً. وَتَجِبُ ضِيَافَةُ المُسْلِمِ المُجْتَازِ فِي القُرَى يَوْمَاً وَلَيْلَةً.

‌بَابُ الذَّكَاةِ

(1)

لَا يُبَاحُ حَيَوَانٌ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ بِغَيْرِ ذَكَاةٍ؛ إِلَّا السَّمَكُ وَالجَرَادُ وَنَحْوُهُمَا.

وَشُرُوطُهَا أَرْبَعَةٌ: كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمَاً عَاقِلاً -أَوْ كِتَابِيّاً-؛ وَلَوْ مُرَاهِقاً أَوْ امْرَأَةً. وَالآلَةُ؛ وَهِيَ كُلُّ مَحْدُودٍ غَيْرِ سِنٍّ وَظُفْرٍ. وَقَطْعُ حُلْقُومٍ وَمَرِيءٍ. وَتَسْمِيَةٌ؛ وَهِيَ قَوْلُ: «بِسْمِ اللهِ» -لَا يُجْزِئُهِ غَيْرُهَا- عِنْدَ حَرَكَةِ الذَّبْحِ، وَتَسْقُطُ سَهْوَاً لَا جَهْلاً.

وَيُسَنُّ: التَّكْبِيرُ، وَتَوْجِيهُهُ إِلَى القِبْلَةِ، وَالإِسْرَاعُ فِي الذَّبْحِ.

وَذَكَاةُ الجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ. وَإِنْ خَرَجَ حَيَّاً لَمْ يُبَحْ إِلَّا بِذَبْحٍ.

(1)

في الأصل [الزكاة]، وهو تصحيف، وهكذا تكررت في الباب.

ص: 166

‌بَابُ الصَّيْدِ

لَا يُبَاحُ إِلَّا بِشُرُوْطٍ أَرْبَعَةٍ: كَوْنُ الصَّائِدِ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ. وَكَوْنُ آلَتِهِ تَصْلُحُ لِلذَّكَاةِ، أَوْ جَارِحٌ مُعَلَّمٌ. وَقَصْدُ الفِعْلِ بِإِرْسَالِ الآلَةِ وَالجَارِحِ. وَقَوْلُ:«بِسْمِ اللهِ» عِنْدَ الإِرْسَالِ، وَلَا تَسْقُطُ هُنَا بِحَالٍ. وَيُسَنُّ مَعَهَا تَكْبِيرٌ.

‌بَابُ الأَيْمَانِ

لَا تَنْعَقِدُ اليَمِينُ إِلَّا بِاللهِ تَعَالَى، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ، أَوْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، أَوْ كِتَابٍ مِنْ كُتُبِهِ المُنَزَّلَةِ. وَيَحْرُمُ الحَلِفُ بِمَخْلُوقٍ، وَلَا كَفَّارَةَ.

وَتَجِبُ فِي اليَمِينِ إِذَا حَنَثَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: كَوْنُ الحَالِفِ مُكَلَّفاً. وَكَوْنُهُ مُخْتَاراً. وَكَوْنُهُ قَاصِدَاً لِلْيَمِينِ. وَأَنْ يَكُونَ عَلَى أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ.

وَهِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، أَوْ كِسْوَتُهُمْ، أَوْ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ. فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ وُجُوبَاً إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ.

وَمَنْ حَنَثَ فِي أَيْمَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ وَلَمْ يُكَفِّرْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.

ص: 167

‌فَصْلٌ

وَيُرْجَعُ فِي الأَيْمَانِ إِلَى نِيَّةِ الحَالِفِ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئاً رُجِعَ إِلَى سَبَبِ اليَمِينِ وَمَا هَيَّجَهَا، فَإِنْ عُدِمَ ذَلِكَ رُجِعَ إِلَى مَا تَنَاوَلَهُ الاسْمُ شَرْعاً، وَإِلَّا فَعُرْفاً، وَإِلَّا فَلُغَةً.

‌بَابُ النَّذْرِ

هُوَ مَكْرُوهٌ. وَلَا يَصِحُّ إِلَّا بِالقَوْلِ مِنْ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ.

وَأَنْوَاعُهُ المُنْعَقِدَةُ سِتَّةٌ:

أَحَدُهَا: النَّذْرُ المُطْلَقُ؛ كَقَوْلِهِ: «للهِ عَلَيَّ نَذْرٌ» : فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَكَذَا إِنْ عَلَّقَهُ عَلَى الفِعْلِ.

الثَّانِي: نَذْرُ لِجَاجٍ وَغَضَبٍ؛ كَقَوْلِهِ: «إِنْ كَلَّمْتُكَ فَعَلَيَّ كَذَا» : فَيُخَيَّرُ بَيْنَ فِعْلِهِ أَوْ كَفَّارَةِ اليَمِينِ.

الثَّالِثُ: نَذْرُ المُبَاحِ؛ كَقَوْلِهِ: «للهِ عَلَيَّ أَنْ أَلْبَسَ ثَوْبِي» : فَيُخَيَّرُ أَيْضاً.

الرَّابِعُ: نَذْرُ شَيْءٍ مَكْرُوهٍ؛ كَالطَّلَاقِ، وَنَحْوِهِ: فَالتَّكْفِيرُ أَوْلَى.

الخَامِسُ: نَذْرُ مَعْصِيَةٍ؛ كَصَوْمِ العِيدِ: فَيَحْرُمُ الوَفَاءُ بِهِ، وَيَقْضِي الصَّوْمَ.

ص: 168

السَّادِسُ: نَذْرُ شَيْءٍ مِنْ أَنْوَاعِ البِرِّ؛ كَالصَّلَاةِ لِلْقُرْبَةِ

(1)

، وَلَوْ مُعَلَّقاً بِشَرْطِهِ: فَيَلْزَمُ الوَفَاءُ بِهِ.

(1)

كذا في الأصل [كَالصَّلَاةِ لِلْقُرْبَةِ]، وعبارة (المنتهى):(السَّادِسُ: نَذْرُ تَقَرُّبٍ كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ وَاعْتِكَافٍ وَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ بِقَصْدِ التَّقَرُّبِ).

ص: 169

‌كِتَابُ القَضَاءِ وَالفُتْيَا

يَجِبُ عَلَى الإِمَامِ نَصْبُ قَاضٍ لِكُلِّ إِقْلِيْمٍ، وَاخْتِيَارُ الأَفْضَلِ عِلْماً وَوَرَعاً، وَيَأْمُرُهُ بِتَقْوَى اللهِ وَتَحَرِّي العَدْلِ.

وَيُعْتَبَرُ فِي القَاضِي أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِداً؛ وَلَوْ فِي مَذْهَبِ إِمَامِهِ، وَكَذَا المُفْتِي.

وَيُسَنُّ كَوْنُهُ قَوِيّاً بِلَا عُنْفٍ، لَيِّناً بِلَا ضَعْفٍ، مُتَأَنِّياً، فَطِنَاً، عَفِيفَاً. وَعَلَيْهِ العَدْلُ بَيْنَ الخُصُومِ فِي لَفْظِهِ، وَلَحْظِهِ، وَمَجْلِسِهِ، وَدُخُولٍ عَلَيْهِ. وَيَحْرُمُ القَضَاءُ وَهُوَ شَدِيدُ الغَضَبِ أَوْ الجُوعِ، أَوْ العَطَشِ، أَوْ الهَمِّ، أَوْ المَلَلِ، أَوْ الكَسَلِ، أَوْ البَرْدِ، أَوْ الحَرِّ المُزْعِجِ. وَقَبُولُ رِشْوَةٍ، وَهَدِيَّةٍ مِمَّنْ لَمْ يُسْبَقْ لَهُ هَدِيَّةٌ قَبْلَ وِلَايَتِهِ.

وَلَا يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَى عَدُوِّهِ، وَلَا لِنَفْسِهِ، وَلَا لِمَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ.

ص: 171

‌بَابُ طَرِيقِ الحُكْمِ، وَصِفَتِهِ

إِذَا حَضَرَ إِلَيْهِ خَصْمَانِ سَأَلَ: «مَنْ المُدَّعِي» فَإِنْ سَكَتَ حَتَّى يُبْدَأُ جَازَ. فَمَنْ سَبَقَ قَدَّمَهُ.

فَإِنْ أَقَرَّ حَكَمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَنْكَرَ أَمَرَ المُدَّعِيَّ إِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَنْ يُحْضِرَهَا.

وَإِنْ قَالَ: «مَا لِي بَيِّنَةٌ» أَعْلَمَهُ أَنَّ لَهُ اليَمِينَ عَلَى خَصْمِهِ عَلَى صِفَةِ جَوَابِهِ.

فَإِنْ سَأَلَ إِحْلَافَهُ أَحْلَفَهُ.

فَإِنْ نَكَلَ قَضَى عَلَيْهِ.

وَإِنْ حَلَفَ المُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ أَحْضَرَ المُدَّعِي بَيِّنَةً حَكَمَ بِهَا، وَلَمْ تَكُنْ اليَمِينُ مُزِيْلَةً لِلْحَقِّ.

‌فَصْلٌ

وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى إِلَّا مُحَرَّرَةٌ مَعْلُومَةُ المُدَّعَى بِهِ؛ إِلَّا مَا نُصَحِّحُهُ مَجْهُولاً؛ كَالوَصِيَّةِ، وَنَحْوِهَا.

وَاليَمِينُ المَشْرُوعَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِاللهِ وَحْدَهُ، أَوْ صِفَتِهِ

(1)

.

(1)

في الأصل [وصفته]، والتصويب من (ع).

ص: 172

وَيُشْتَرَطُ فِي البَيِّنَةِ العَدَالَةُ ظَاهِراً وَبَاطِناً.

وَلِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ بِهَا، فَإِنْ شَكَّ فِيهَا فَلَا بُدَّ مِنْ التَّزْكِيَةِ لَهَا.

وَيَحْرُمُ كِتْمَانُ الشَّهَادَةِ، وَأَنْ يَشْهَدَ إِلَّا بِمَا عَلِمَ بِرُؤْيَةٍ أَوْ سَمَاعٍ.

‌فَصْلٌ

وَيُقْبَلُ كِتَابُ القَاضِي إِلَى القَاضِي فِي كُلِّ حَقٍّ؛ حَتَّى القَذْفِ، لَا فِي حُدُودِ اللهِ؛ كَحَدِّ الزِّنَى وَنَحْوِهِ.

وَلَا يُقْبَلُ فِيمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ لِيَحْكُمَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَسَافَةُ قَصْرٍ. وَلَا يُقْبَلُ إِلَّا

(1)

أَنْ يُشْهِدَ بِهِ القَاضِي الكَاتِبُ شَاهِدَيْنِ، فَيَقْرَأُهُ عَلَيْهِمَا، ثُمَّ يَقُولُ: «اشْهَدَا

(2)

أَنَّ هَذَا كِتَابِي إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ»، ثُمَّ يَدْفَعُهُ إِلَيْهِمَا.

(1)

[إلا] ساقطة من الأصل، ومثبتةٌ من (الزاد).

(2)

في الأصل: [اشهد] بالمفرد، والتصويب من (الزاد)، و (الإقناع).

ص: 173

‌بَابُ القِسْمَةِ

وَيَقْسِمُ حَاكِمٌ عَلَى غَائِبٍ بِطَلَبِ شَرِيْكٍ، أَوْ وَلِيِّهِ فِي قِسْمَةِ إِجْبَارٍ؛ وَهِيَ مَا لَا ضَرَرَ فيِهاَ وَلَا رَدَّ عِوَضٍ؛ كَمَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَدُوْرٍ كِبَارٍ.

وَأَمَّا قِسْمَةُ التَّرَاضِي فَتَكُونُ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ إِلَّا بِضَرَرٍ، أَوْ رَدِّ عِوَضٍ؛ كَحَمَّامٍ، وَدُورٍ صِغَارٍ، وَفَرَسٍ

(1)

، فَيُشْتَرَطُ لَهَا رِضَى كُلِّ الشُّرَكَاءِ، وَحُكْمُهَا كَبَيْعٍ.

‌بَابُ الدَّعَاوَى وَالبَيِّنَاتِ

المُدَّعِي مَنْ إِذَا سَكَتَ تُرِكَ، وَالمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ إِذَا سَكَتَ لَمْ يُتْرَكْ.

وَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى وَالإِنْكَارُ إِلَّا مِنْ جَائِزِ التَّصَرُّفِ.

وَإِذَا تَدَاعَيَا عَيْناً بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَهِيَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ؛ إِلَّا أَنْ تَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَا يَحْلِفُ. وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ بَيِّنَةً أَنَّهَا لَهُ قُضِيَ لِلْخَارِجِ بِبَيِّنَتِهِ، وَلَغَتْ بَيِّنَةُ الدَّاخِلِ.

(1)

كذا في الأصل، وقال (ع): لعلها: [غَرْس].

ص: 174

‌كِتَابُ الشَّهَادَاتِ

تَحَمُّلُهَا فِي غَيْرِ حَقِّ اللهِ فَرْضُ كِفَايَةٍ، وَأَدَاؤُهَا فَرْضُ عَيْنٍ مَعَ القُدْرَةِ بِلَا ضَرَرٍ. وَيَحْرُمُ أَخْذُ الأُجْرَةِ عَلَيْهَا.

وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّاهِدِ: إِسْلَامٌ. وَبُلُوغٌ. وَعَقْلٌ. وَنُطْقٌ. وَحِفْظٌ. وَعَدَالَةٌ؛ وَيُعْتَبَرُ لَهَا شَيْئَانِ: الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ؛ بِأَدَاءِ الفَرَائِضِ وَالرَّوَاتِبِ وَاجْتِنَابِ الكَبَائِرِ وَعَدَمِ الإِدْمَانِ عَلَى الصَّغَائِرِ، وَاسْتِعْمَالُ المُرُوءَةِ؛ بِفِعْلِ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ وَتَرْكِ مَا يُدَنِّسُهُ وَيَشِينُهُ.

‌فَصْلٌ

لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَمُودَيِّ النَّسَبِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَلَا أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ، وَتُقْبَلُ عَلَيْهِمْ، وَلَا مَنْ يَجُرُّ لِنَفْسِهِ نَفْعَاً، أَوْ يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَراً. وَلَا عَدُوٍّ عَلَى عَدُوِّهِ؛ وَالعَدُوُّ مَنْ سَرَّهُ مَسَاءَةُ شَخْصٍ أَوْ غَمَّهُ فَرَحُهُ.

ص: 175

‌فَصْلٌ

وَلَا يُقْبَلُ فِي الزِّنَى، وَالإِقْرَارِ بِهِ إِلَّا أَرْبَعَةٌ. وَيَكْفِي فِي مَنْ أَتَى بَهِيمَةً رَجُلَانِ.

وَيُقْبَلُ رَجُلَانِ فِي الحُدُودِ وَالقَصَاصِ، وَمَا لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ وَلَا مَالٍ وَلَا يُقْصَدُ بِهِ مَالٌ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِباً؛ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ.

وَيُقْبَلُ فِي المَالِ، وَمَا يُقْصَدُ بِهِ؛ كَالبَيْعِ وَنَحْوِهِ رَجُلَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ رَجُلٌ وَيَمِينُ المُدَّعِي.

وَيُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ عَدْلٍ كَالرَّجُلِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ غَالِباً؛ كَعُيُوبِ النِّسَاءِ تَحْتَ الثِّيَابِ، وَالرَّضَاعِ.

فَصْلٌ

وَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ إِلَّا فِي حَقٍّ يُقْبَلُ فِيهِ كِتَابُ القَاضِي إِلَى القَاضِي. وَلَا يُحْكَمُ بِهَا إِلَّا أَنْ تَتَعَذَّرَ شَهَادَةُ الأَصْلِ بِمَوْتٍ، أَوْ غَيْبَةٍ مَسَافَةَ قَصْرٍ.

وَلَا يَجُوزُ لِشَاهِدِ الفَرْعِ أَنْ يَشْهَدَ إِلَّا أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ شَاهِدُ الأَصْلِ؛ فَيَقُولُ: «اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي بِكَذَا» ، أَوْ يَسْمَعَهُ يُقِرُّ بِهَا عِنْدَ الحَاكِمِ، أَوْ يَعْزُوَهَا إِلَى سَبَبٍ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ بَيْعٍ وَنَحْوِهِ.

ص: 176

‌بَابُ اليَمِينِ فِي الدَّعْوَى

لَا يُسْتَحْلَفُ فِي العِبَادَاتِ، وَلَا فِي حُدُودِ اللهِ.

وَيُسْتَحْلَفُ المُنْكِرُ فِي كُلِّ حَقٍّ لِآدَمِيٍّ؛ إِلَّا النِّكَاحَ، وَالطَّلَاقَ، وَالرَّجْعِيَّةَ، وَالإِيلَاءَ، وَأَصْلَ الرِّقِّ، وَالوَلَاءَ، وَالاسْتِيلَادَ، وَالنَّسَبَ، وَالقَوَدَ، وَالقَذْفَ.

وَاليَمِيْنُ المَشْرُوعَةُ اليَمِينُ بِاللهِ تَعَالَى. وَلَا تُغَلَّظُ إِلَّا فِيمَا لَهُ خَطَرٌ.

‌بَابُ الإِقْرَارِ

يَصِحُّ مِنْ مُكَلَّفٍ، مُخْتَارٍ، غَيْرِ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ. لَا مِنْ مُكْرَهٍ.

وَمَنْ أَقَرَّ فِي مَرَضِهِ بِشَيْءٍ فَكَصِحَّتِهِ؛ إِلَّا لِوَارِثٍ بِمَالٍ فَلَا يُقْبَلُ إِلَّا بِبَيِّنَةٍ. وَإِنْ أَقَرَّ لِامْرَأَتِهِ بِالصَّدَاقِ فَلَهَا مَهْرُ المِثْلِ بِالزَّوْجِيَّةِ، لَا بِإِقْرَارِهِ.

وَإِنْ أَقَرَّ بِنَسَبِ صَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ ابْنُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ، فَإِنْ كَانَ مَيِّتاً وَرِثَهُ.

وَإِذَا ادَّعَى عَلَى شَخْصٍ بِشَيْءٍ فَصَدَّقَهُ صَحَّ.

ص: 177

‌فَصْلٌ

إِذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ مَا يُسْقِطُهُ؛ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: «لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ لَا تَلْزَمُنِي» وَنَحْوَهُ لَزِمَهُ الأَلْفُ.

وَإِنْ قَالَ: «لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ» ، ثُمَّ سَكَتَ سُكُوتاً يُمْكِنُهُ الكَلَامِ فِيهِ، ثُمَّ قَالَ:

«زُيُوْفَاً» أَوْ «مُؤَجَّلَةً» لَزِمَهُ مِائَةٌ جَيِّدَةٌ حَالَّةٌ.

وَإِنْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ، فَأَنْكَرَ المُقَرُّ لَهُ الأَجَلَ فَقَوْلُ المُقِرِّ بِيَمِينِهِ.

فَصْلٌ

إِذَا قَالَ: «لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ» ، أَوْ «كَذَا» قِيلَ لَهُ: فَسِّرْهُ؛ فَإِنْ أَبَى حُبِسَ حَتَّى يُفَسِّرَهُ؛ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِحَقِّ شُفْعَةٍ أَوْ بِأَقَلِّ مَالٍ قُبِلَ، وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَيْتَةٍ أَوْ خَمْرٍ أَوْ كَقِشْرِ جَوْزَةٍ لَمْ يُقْبَلْ، وَيُقْبَلُ بِكَلْبٍ مُبَاحِ النَّفْعِ أَوْ حَدِّ قَذْفٍ.

وَإِنْ قَالَ: «لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ» رُجِعَ فِي تَفْسِيرِ جِنْسِهِ إِلَيْهِ؛ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِجِنْسٍ، أَوْ أَجْنَاسٍ قُبِلَ مِنْهُ.

وَإِنْ قَالَ: «لَهُ عَلَيَّ دِرْهَمٌ أَوْ دِينَارٌ» لَزِمَهُ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ.

وَإِنْ قَالَ: «لَهُ عَلَيَّ تَمْرٌ فِي جِرَابٍ، أَوْ سِكِّيْنٌ فِي قِرَابٍ، أَوْ

ص: 178

فَصٌّ فِي خَاتَمٍ» فَهُوَ مُقَرٌّ بِالأَوَّلِ. وَاللهُ أَعْلَمُ.

تَمَّتْ هَذِهِ المُقَدِّمَةُ بِإِمْلَاءِ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ خُوقِير، وَقَدْ شَارَكَهُ فِي المُرَاجَعَةِ وَالتَّحْرِيرِ

(1)

-بِعَرْضِهَا عَلَى جُمْلَةٍ من المَشَايِخِ الأَعْلَامِ مِنْ الحَنَابِلَةِ- مُحَرِّرُهَا بِقَلَمِهِ مُحَمَّدُ بنُ حَمَدِ بْنُ رَاشِدٍ المُفَتِّشُ

(2)

فِي المَدَارِسِ الأَمِيرِيَّةِ وَالأَهْلِيَّةِ بِمَكَّةَ المُكَرَّمَةِ وَصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَكَانَ تَحْرِير ذلك فِي 15 صَفَر سَنَةَ 1348 هـ

تَمَّتْ وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ

(1)

في الأصل [التحبير]، وهي مصححة في (س) إلى ما ذُكر.

(2)

في الأصل [مفتش]، والتصحيح من (س).

ص: 179