الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مختصر صحيح مسلم
للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري
تأليف
الحافظ زكي الدين عبد العظيم المنذري الدمشقي
تحقيق
محمد ناصر الدين الألباني
المكتب الإسلامي
حُقُوق الطَّبْع مَحْفُوظَة
الطبعة السَّادِسَة
1407 هـ - 1987 م
الْمكتب الإسلامي
بيروت: ص. ب 3771/ 11 - هَاتِف 450638 - برقيًا: إسلاميًا
دمشق: ص. ب 800 - هَاتِف 111637 - برقيًا: إسلامي
مقدمة النّاشر
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أما بعد؛
فهذه الطبعة الثانية من هذا الكتاب القيم "مختصر صحيح الإِمام مسلم بن الحجاج" الذي يعتبر مع صحيح الإِمام البخاري، أصح كتب السنة المطهرة الشريفة، التي أمرنا الله باتباعها وقرَنها بكتابه الكريم في أكثر من موضع.
وقد اختصره الإِمام الحدث الشيخ عبد العظيم المنذري. وقام بتحقيقه أستاذنا الحدث الشيخ ناصر الدين الألباني. وقدر الله لهذا الكتاب أن طبع مع شرحه "السراج الوهاج في كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج" للعلامة صديق حسن خان القنوجي ملك بهو بال في الهند سنة (1302 هـ).
ثم طبع مفرداً سنة (1389) في بيروت لحساب وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية الكويتية.
وجددت هذه الطبعة بطريقة الأوفست سنة (1391).
واليوم وقد اشتد الطلب على الكتاب من العلماء والكتاب وكل مهتم بأمر دينه ومعرفة ما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم ليكون له النور في جيع أمور حياته.
لذلك كانت الرغبة بإعادة طبعه. قد تكرم أستاذنا المحقق بإعادة النظر فيه، وأجرى بعض التعديلات عليه وإصلاح الأخطاء المطبعية التي ندت. وأهم ذلك ما كان في الصفحة (308) في الطبعة السابقة وهو في طبعتنا هذه في الصفحة (548).
وكان الاقتصار في التعليق على ما رآه المحقق كافياً، غير أن ذوي الأغراض استغلوا ذاك التعليق أسوأ استغلال. وحجة المحقق فيه هي الرد على المتعصبة الذين ضاهوا بكلامهم وتعصبهم لإمامهم ومذهبهم قول الضالين الذين زعموا بأن سيدنا رسول الله عيسى بن مريم عليه السلام يجيءُ ومؤيداً لما هم عليه من كفر باللهِ وبعيسى وأمه البتول.
والواقع أن قول المحقق كان رداً على ما جاء من رسائل وفتاوى وأقوال تزعم بأن سيدنا (عيسى عليه السلام، سوف يحكم بالمذهب الحنفي عندما ينزل في آخر الزمن، مستدلين على ذلك بقصة حُلُم سخيف رواها مجهول يقول ببقاء أقوال مذهبه محفوظة في صندوق في نهر جيحون وفيه ما علمَّه أبو حنيفة للخضر. وقبل أن ينزل عيسى يرفع القرآن والعلم، فيذهب عيسى إلى النهر حائراً ويطلب العلم من النهر فتخرج له يدٌ فيها صندوق العلم الذي أودعه الخضر النهرَ بما تعلمه من الإِمام أبي حنيفة عليه رحمة الله).
هذا الذي رد عليه المحقق بسطر واحد موجز يعرف مدلوله أهل العلم، ظناً منه بأن هذا الرد يكون عوناً لهم على الاستدلال بحديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم:"كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم فأمكم منكم" يعني: فأمكم بكتاب ربكم وسنة نبيكم.
فقال المعلق:
هذا صريح في أن عيسى عليه السلام يحكم بشرعنا، ويقضي بالكتاب والسنة لا بغيرهما من الإنجيل أو الفقه الحنفي ونحوه!
وممن روى قصة النهر والخضر وأبي حنيفة الإِمام الحصكفي
(1)
وهو من كبار رجال مذهب الإِمام أبى حنيفة عليه رحمة الله في مقدمة كتابه المشهور "الدر المختار" الذي جعلت عليه حاشية ابن عابدين أعظم كتب الاحناف في العصور المتأخرة؛ بل هي من أهم المراجع للفقه الإِسلامي كله.
وقد تجنب المحقق ذكر القصة بالتفصيل لأن تتبع سقطات العلماء مما نهينا عنه. واكتفى برد الفرية عند من كان يعرفها. وبذلك حال بين إشاعة ما يدل على الاعتماد بالعقائد والأحكام على الأحلام والأقوال غير الصحيحة، بما يفعله البعض.
فلو أدرك ذلك الذين استغلوا التعليق وعملوا بموجبه لكان خيراً لهم!!
والله نسأل أن ينفع المسلمين بهذا الكتاب كما نفع بباقي كتب الإسلام التي شرفنا الله بطبعها.
وآخر دعوانا أن الحمدللَه رب العالمين.
زهير
(1)
العلاّمة محمد بن علي الحصكفي صاحب المؤلفات الكثيرة في الأصول والفقه والتصوف. أصله من حصن كيفا على نهر دجلة وتوفي في دمشق سنة (1088 هـ).
مقدمة المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ باللهِ من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} ، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا. يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}
(1)
.
أما بعد: فإنه ليس يخفى على العاقل أنه يجب على من أوتي نصيباً من المعرفة في علم من العلوم أن يسعى إلى تيسير السبيل للناس إلى الانتفاع به، والاغتراف منه، بأقل ما يمكن من الوقت، وأغزر ما يكون من الفائدة، دون أن يشغل عامتهم بالوسيلة عن الغاية، ولا شك أن من أحق العلوم بذلك حديث النبي صلى الله عليه وسلم وسنته، التي كاد أن ينصرف عنها أكثر الناس، تعلماً وتطبيقا.
من أجل ذلك، كنت قد وضعت لنفسي منذ نحو عشرين سنة مشروعاً سميته
"تقريب السنة بين يدي الأمة"
الغاية منه تحقيق ما يمكن من كتب السنة، وحذف أسانيدها، بعد تحقيق الكلام عليها لعرفة ما
(1)
هذه الخطبة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه في كل شأن. وانظر بعتها المفردة بتحقيقي.
يثبت من متونها بما لا يثبت، وذلك من غير "المصحيحين" لتلقي العلماء لهما بالقبول وسلامتها من الأحاديث الضعيفة والمنكرة التي كثرت في كتب السَنة الأخرى، كالسنن الأربعة وغيرها. وكنت بدأت في ذلك الحين في تحقيق الكتاب الأول منها، ألا وهو "سنن أبي داود"، فجعلت منه كتابين:"صحيح سنن أبي داود" و"ضعيف سنن أبي داود"، وكلاً منها على قسمين: أعلى. وأدنى أوردت في الأول منهما متن الحديث، معقباً إياه ببيان مرتبته في الصحة أو الضعف. ونزلت بالإسناد إلى القسم الأدنى، وتكلمت عليه بشيء من البسط على ما تقتضيه قواعد علم الحديث، مع تخريج الحديث وبيان مَن رواه من أصحاب الكتب الستة الأخرى وغيرها.
ومن يومئذ، والنفس تحدثني بضرورة اختصار "صحيح مسلم" وتيسير الانتفاع به للناس؛ لأن أكثرهم لم يبقَ عنده من الرغبة في العلم ما يحمله على قراءة السند -وهو الوسيلة- حتى يصل إلى المتن وهو الغاية، لا سيما الشباب المثقف منهم الذين لم يدرسوا العلوم الشرعية، والذين عوّدوا بحكم دراستهم
العصرية على أخذ علومهم بصورة مبسطة لا تعقيد فيها ولا غموض.
ولكن انشغالي بـ "السنن" وغيره بما هو أهم عندي وألصق بتخصصي، كان يحول بيني وبين اختصاره. فكنت أتمنى أن يتاح لي الوقوف على من قام بذلك من العلماء المتقدمين لأقوم بنشره، وأنا أعم أن للإمام النووي كتاباً في ذلك، محفوظاً في المكتبة الظاهرية بدمشق، ولكن الجزء الأول منه غير موجود.
ثم وقفت على كتاب "السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج"- المطبوع في الهند سنة 1302 هـ للعلامة المحقق أبي الطيب صديق حسن خان القنوجي رحمه الله تعالى، فإذا هو شرح لـ "مختصر مسلم" للحافظ المنذري رحمه الله تعالى، ففرحت بذلك فرحاً شديداً.
ثم إنني بعد استنساخ "مختصر مسلم" تفرغت له، وأقبلت على تحقيقه، فقابلته بأصله المنسوخ عنه، ثم بأصل أصله، ألا وهو "صحيح مسلم"، وعزوت كل حديث إليه بذكر محله منه جزءاً وصفحة
(1)
.
وعلّقت عليه تعليقات مفيدة مختصرة، في شرح غريبه، وتوضيح بعض جمله، استفدت غالبه من شرحه "السراج الوهاج" وهو المراد من قولي "كذا في الشرح" عند الاطلاق. وتكلمت أحياناً على بعض متونه، ورواته أحياناً، بما يقتضيه علم الحديث وقواعده، تأدية للأمانة العلمية، ونصحاً للأمة.
…
ثم رغبت وزارة الأوقاف والشؤون الإِسلامية بدولة الكويت أن يصدر الكتاب باسمها، حيث كان الكتاب مدرجاً في خطتها لإحياء التراث الإِسلامي، فم أمانع في ذلك، بل شكرت لها رغبتها، وحرصها على نشر مثل هذه الكتب.
ومع أن الكتاب كنت قد حققته على "صحيح مسلم" كما سبق بيانه، فقد تبين أن من شرط
(1)
وهذه صورة العزو: (م 5/ 64)(م) ترمز لصحيح مسلم. والرقم الأول (5) يشير إلى الجزء والرقم الثاني (64) يشير إلى الصفحة. وذلك من طبعة استنبول.
الوزارة أن يكون تحقيقه على نسخة مخطوطة من "المختصر"، وبعد إلاطلاع على شريط مصور عن نسخة مخطوطة محفوظة في دار الكتب الصرية برقيم (179 - حديث)، تبين لي أنها نسخة سيئة لا تصلح للمقابلة، ويبدو أن ناسخها- ولم أعرف هويته- قد تصرف في بعض المواطن من الكتاب دون أن ينبه على ذلك، فهو مثلاً قد حذف لفظة "باب" من كل أبواب الكتاب، فهو يقول:"الحياء من الإيمان" بدل "بادٍ الحياء من الإيمان" و"الشرك أكبر الكبائر" مكَان "باب الشرك أكبر الكبائر" وهكذا إلى آخر الكتاب. وهو إلى ذلك جعل هذه العناوين على هامش الكتاب، وهي في جميع النسخ التي وقفنا عليها في صلب الكتاب. وأيضاً فقد كتب في أوله بجانب كل حديث عدده التسلسلي: الحديث الأول، الحديث الثاني. وهكذا إلى الحديث السابع عشر. ثم أخذ يكتب ذلك بالأرقام: الحديث 18 وهكذا إلى الحديث (60) ثم أمسك فلم يكتب بعده شيئاً! وكذلك كتب بجانب بعض الكتب عدد أحاديث الكتاب، فقال مثلاً:"كتاب النفقات" أحاديثها 28. ولم يكتب مثله في عامة كتب الكتاب! وقابلت عشرة أحاديث من أولها بأصلنا الهندي الصحيح على "مسلم" فظهر الاختلاف في عشرين موضعاً منها، ما بين زيادة ونقص، واختلاف في اللفظ. من أجل ذلك لم تحصل الثقة بهذه النسخة، لا سيما وهي حديثة المعهد، فقد كتبت سنة (1174)، فلم يجز الاعتماد عليها في المقابلة، فسافرت إلى القاهرة، وبعد دراسة النسخ الموجودة بدار الكتب، وقع اختياري على النسخة المحفوظة في الخزانة التيمورية تحت الرقم (533 - حديث)، ووجدت نسخة أخرى في معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية مصورة من مكتبة الرباط في المغرب، وأصلها مشرقي كما يدل عليه خطبها، وهاتان النسختان هما أصح النسخ التي وقفت عليها، ولذلك اعتمدتهما في المقابلة. وقد كُتبت نسخة المعهد سنة إحدى وستين وسبعمائة. ولم أجد عليها ما يدل على اسم كاتبها. وأما النسخة التيمورية، فقد كتبها عبد القادر بن عبد الباقي البعلي الحنبلي سنة ثمان عشرة وتسعمائة، وهي نسخة مقابلة ومصححة، ولكنها مشوشة الترتيب في أوراقها من قبل المجلد لها، ولذلك فقد لاقينا بعض التعب في المقابلة بها.
وقد كشفت المقابلة أن لا اختلاف يذكر بين المخطوطتين وبين الأصل بما دعانا إلى أن نجعل المقابلة على الخطة التالية:
1 -
اعتبرنا الأصل النسخة الهندية التي كنت استنسختها من "السراج الوهاج"، وذلك لسببين:
الأول: أنها نسخة جيدة، وحسبك دليلاً على ذلك أنها منسوخة عن نسخة كتبت في عصر المؤلف المنذري. وذلك سنة ثمان وسبعين وستمائة، أي بعد وفاته باثنين وعشرين سنة، فالظاهر أنها نسخت عن نسخة المصنف رحمه الله تعالى، ولذلك اعتمدها العلامة صديق حسن خان، فبنى عليها شرحه.
والآخر: أنني قابلتها على أجل الأصل، وهو "صحيح مسلم" طبع استنبول، وهي طبعة جيدة محققة تحقيقاً دقيقاً، قام به طائفة من أهل العلم والفضل، فكل خلاف لفظي أو نحوي وجدناه بين أصلنا هذا وبين النسختين لم نلتفت إليه لما ذكرنا. ومن الأمثلة على ذلك الحديث (1810) فقد وقع في الأصل:"بايعن النبي". وكذا في "مسلم" وأما المخطوطتان ففيهما "بايعن رسول الله".
وفي حالة عدم إمكان الاعتماد على "مسلم" في بعض الاختلاف، اعتمدنا على ما اتفقت عليه نسختان من النسخ الثلاث: الهندية، والمغربية، والتيمورية، فقد وقع في هذه الأخيرة مثلاً "كتاب الفرائض" قبل "كتاب الوصايا والصدقة".
2 -
إذا اختلف الأصل عن المخطوطتين أو إحداهما في إثبات شيء أو نفيه، فقد جرينا على تثبيت الزيادة حيثما وجدت لأن القاعدة الحديثية تقول:"زيادة الثقة مقبولة " ولأنها ثابتة أيضاً في آصل الأصل "صحيح مسلم" فلا وجه لعدم تثبيتها كما هو ظاهر.
وقد تبين لنا بعد المقابلة أن في الأصل ثلاثة عشر حديثاً لم ترد في المخطوطتين فأبقيناها. وأن فيها معاً ستة أحاديث زائدة عليه فاستدركناها وألحقناها بمواطنها من مطبوعتنا، وعزونا كل حديث منها إلى مكانه في صحيح مسلم. ووجدنا فيهما زيادة عقب الحديث 1289 نصها: وفي رواية: "إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب" فاستدركناها أيضاً وألحقناها به.
3 -
ووجدنا أحياناً اختلافاً يسيراً بين الهندية من جهة، وبين "صحيح مسلم" والمصورتين من جهة أخرى، فمن البدهي في هذه الحالة أن نعتمد على "الصحيح"، مثاله: الحديث (1813)"قال الله عز وجل"، ففي الهندية:"قال الله تبارك وتعالى". فأثبتنا الأولى، لا سيما وفي هامش الهندية أنه نسخة.
4 -
ولاحظنا أن الهندية تزيد على "مسلم" بصفة غالبة في الأمور الآتية:
• الترضي على رواة الحديث من الصحابة.
• ذكر "عز وجل" بعد لفظة الجلالة
• ذكر "الصديق" بعد "أبي بكر".
فرأينا أن نثبت ذلك كله محافظة على الأصل.
تلك هي خطتنا في تحقيق الكتاب. فنرجو أن نكون قد وفقنا لإخراجه للناس وهو أقرب ما يكون إلى الوضع الذي تركه المصنف عليه.
بيد أن مطبوعتنا هذه تختلف عن الأصول كلها في شيء واحد فقط، فهي خلو من عنوان "باب منه" الذي كان ثابتاً فيها فوق الأحاديث، على كل حديث منها "باب منه"! فكل حديث سيمر بك بعد الحديث الأول في الباب. فهو في الأصل تحت هذا العنوان:"باب منه"! مثاله (1/ 57)"باب احفوا الشوارب واعفوا اللحى" ذكر تحته حديث ابن عمر: "خالفوا المشركين احفوا الشوارب واعفوا اللحى". ثم قال: "باب منه"، ثم ذكر تحته حديث أنس قال: "وُقِّت لنا في قص الشارب
…
". ولكنك في المطبوعة لا ترى قوله "باب منه" لا في هذا المكان، ولا في أي مكان آخر منها، فقد رأى المشرفون على الطبع حذف هذا العنوان لكثرة تردده وقلة غنائه. وأنا وإن كنت أشاركهم في هذا الرأي، غير أنه كان الأحب إليَّ الإبقاء عليه، محافظة على الأصل. لا سيما والكتاب يطبع لأول مرة، فالأولي أن يراه الناس على الصورة التي تركه المصنف عليها، ولكن هكذا قدر الله تبارك وتعالى، وما شاء فعل.
واعلم أن المؤلف رحمه الله تعالى، قد جرى في تأليفه لكتابه هذا "المختصر" وترتيب أحاديثه وأبوابه على غير تأليفها وترتيبها في أصله "صحيح مسلم"، وقد أشار إلى ذلك بقوله في المقدمة:"اختصرته من "صحيح الإِمام مسلم"
…
اختصاراً يسهله على حافظيه، ويقرِّبه للناظر فيه، ورتبته ترتيباً يسرع بالطالب إلى وجود مطلبه في مظنته، وقد تضمن مع صغر حجمه جل مقصود الأصل
…
".
وقد أفادنا بهذه الكلمة أموراً يهمنا في هذه المقدمة اثنان.
الأول: أنه رتبه ترتيباً غير ترتيب الأصل. ويظهر ذلك في الكتب والأبواب والأحاديث.
1 -
أما الكتب، فالكتاب الثاني في الأصل إنما هو "كتاب الطهارة " ثم "كتاب الحيض"، ثم "كتاب الصلاة". أما المنذري فقد جعل من الكتاب الثاني كتابين:"كتاب الوضوء"(1/ 38) مما هنا و"كتاب الغسل"(49/ 1) هنا. وعقد بعد كتاب الطلاق عدة كتب لم ترد في الأصل كعناوين. فقال: "كتاب العدة"(1/ 334)، و"كتاب النفقات"(1/ 333)، و"كتاب الوقف"(3/ 24)، و"كتاب تحريم الدماء وذكر القصاص والدية"(3/ 30)، و"كتاب الضيافة"(43/ 3)، و"كتاب الهجرة والمغازي"(2/ 69)، وغيرها من الكتب التي يمكنك أن تتتبَّعها من الفهرس في آخر الكتاب.
2 -
وأما الأبواب، فلا غرابة أن تختلف عن أبواب "الصحيح" لأنها في الواقع ليست منه، بل ليس فيه أبواب أصلاً. وإنما هي من وضع النووي رحمه الله تعالى كما هو مشهور، وكما يدل عليه صنيعه في شرحه عليه، فإنك لا تجد في نسخة متنه أي باب، وإنما هي في شرحه فقط.
3 -
وأما أحاديثه، فهي تختلف عن ترتيبها في الأصل اختلافاً بيناً، كما يتضح لك ذلك بتتبع الأجزاء والصفحات التي أشرنا إليها في آخر كل حديث، والحديث (75) مثلاً من "كتاب الإيمان" هو عند مسلم في آخر كتابه (8/ 338). والحديثان (303 و 304) من "كتاب الصلاة" هما عنده في أول الكتاب:"كتاب الإيمان"، والحديث (1036) من "كتاب تحريم الدماء" هو عنده في "الإيمان" أيضاً (1/ 72). وآخر كتاب عنده "كتاب التفسير"، وهو كذلك في "المختصر" وقد أورد فيه أحاديث هي في الأصل في الجز، الأول والثاني والخامس، فانظر مثلاً الأحاديث (2126 و 2137 - 2139 و 2146 و 2147 و 2155 و 2165 و 2166 و 2172 و 2176 و 2177).
الثاني: أنه لم يضمنه جميع أحاديث الأصل، وإنما جلَّها.
ولهذا وغيره بما سبق بيانه يمكن القول بأن هذا "المختصر"، هو كتاب خاص بطريقته وأسلوبه، لا يشاركه في ذلك غيره من المختصرات التي يلتزم مختصروها عادة ترتيب أصولها، ونهج مؤلفيها.
وفي الختام فإني أرجو أن أكون قد وفقت لخدمة السنة النبوية بتحقيق هذا الكتاب، وإخراجه للناس. ويسرت لهم سبيل الانتفاع بما فيه من الهدى والنور، وصدق الله العظيم القائل: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ
اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}.
والله تعالى أسأل أن ينفع به مؤلفه ومحققه وقارئه، وكل من شارك في نشره انه خير مسؤول.
دمشق: المحرم 1389 هـ
محمد ناصر الدين الألباني
صفحة الغلاف النسخة الهندية
إحدى صفحات الطبعة الهندية، ويلاحظ ان كلمات
مختصر المنذري وضع فوقها خط - بدل من تحتها -
على عادة القدماء.
الورقة الأولى من المخطوطة التيمورية.
الورقة الأخيرة من المخطوطة التيمورية.
الورقة الأولى من المخطوطة المغربية.
الورقة الأخيرة من المخطوط المغربية.