الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة تحقيق المسند الصحيح المخرج على صحيح مسلم
لأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني (ت 316 هـ)
إعداد وتنسيق وإخراج
فريق من الباحثين بكلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية
بالجامعة الإسلامية
أصل هذه المقدمة دراسات الرسائل العلمية لتحقيق المسند الصحيح المخرج على صحيح مسلم التي نوقشت في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
الفصل الأول: ترجمة المصنف،
ويحتوي على أحد عشر مبحثا:
المبحث الأول: اسمه وكنيته ونسبته وبلدته.
المبحث الثاني: مولده ونشأته وأسرته.
المبحث الثالث: رحلاته.
المبحث الرابع: شيوخه.
المبحث الخامس: تلاميذه.
المبحث السادس: مكانته العلمية، وثناء العلماء عليه.
المبحث السابع: عقيدته.
المبحث الثامن: دراسة فقه المصنف من خلال تراجم أبوابه.
المبحث التاسع: أبو عوانة والنقد.
المبحث العاشر: مؤلفاته.
المبحث الحادي عشر: وفاته.
الفصل الأول ترجمة المصنف
(1)
المبحث الأول: اسمه وكنيته ونسبته وبلدته:
هو: يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد، أبو عوانة النيسابوري الأصل المِهْرَجَانِيّ، الإسفراييني
(2)
.
(1)
مصادر ترجمته: المعجم للإسماعيلي (2/ 796) تاريخ جرجان للسهمي (490)، الأنساب للسمعاني (1/ 143 - 144)، معجم البلدان (1/ 211)، الكامل في التاريخ (6/ 199)، اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 55)، التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد (2/ 316)، طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح (2/ 679)، وفيات الأعيان لابن خلكان (6/ 393) تذكرة الحفاظ للذهبي (3/ 779)، العبر (1/ 473)، دول الإسلام (1/ 190)، تاريخ الإسلام (حوادث 301 هـ -320 هـ، ص 526)، سير أعلام النبلاء (14/ 417)، مرآة الجنان لليافعي (2/ 269)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (3/ 487)، مختصر تاريخ دمشق (28/ 37)، طبقات الشّافعية الأسنوي (2/ 203 - 204)، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (1/ 235)، البداية والنهاية (11/ 170)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 105)، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي (3/ 250)، الإعلان بالتوبيخ للسخاوي (190)، لب الألباب في تحرير الأنساب (1/ 55)، شذرات الذهب لابن العماد (2/ 274) التاج المكلل (150)، والحطة لصديق حسن خان (203)، هدية العارفين لإسماعيل باشا (2/ 544)، الرسالة المستطرفة للكتاني (27).
(2)
انظر: التقيد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد (2/ 316)، وسير أعلام النبلاء (14/ 417).
وعَوانة ضبطها ابن خلكان: بفتح العين المهملة، وبعد الألف نون
(1)
.
ونيسابور: ضبطها السمعاني: بفتح أوله وسكون الياء المنقوطة من تحتها باثنتين، وفتح السين المهملة، وبعد الألف باء منقوطة بواحدة، وفي آخرها الراء
(2)
.
وإسْفَرايين: ضبطها السمعاني فقال: "بكسر الألف وسكون السين المهملة وفتح الفاء والراء كسر الياء المنقوطة باثنتين من تحتها".
وكذلك قال ياقوت الحموي إلا أنّه قال: "بفتح الألف: أسفرايين"، والكسر هو الذي عليه الأكثرون.
وحكى الزبيدي في فاء إِسْفَرايين بعد نقله الفتح فيها عن ياقوت وابن خلكان تجويز الكسر أيضًا عن غيرهما
(3)
.
وأما ياء إسفرايين فبلا همز، كما تقدم، ونص عليه السيوطي
(4)
، وهذا على الأصح الأفصح، وجوَّز بعضهم همزها، كما قاله الزبيدي
(5)
.
(1)
انظر: وفيات الأعيان (6/ 394).
(2)
هي مدينة تقع إلى الجنوب من مدينة مشهد بإيران على بعد 125 كيلًا منها، وتسمى اليوم نيشابور، بالشين المعجمة.
انظر: الأنساب (5/ 550)، معجم البلدان (5/ 382)، بلدان الخلافة الشرقية ص (424)، أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية (1/ 20).
(3)
انظر: تاج العروس (18/ 281).
(4)
انظر: لب اللباب (1/ 55).
(5)
انظر: تاج العروس (18/ 281).
وهي بليدة بنواحي نيسابور على منتصف الطريق من جرجان في آخر عمل نيسابور وبينهما خمس مراحل، وقيل: اثنان وثلاثون فرسخًا.
ويقال لها قديمًا: المِهْرجان: بكسر الميم، وسكون الهاء، كسر الراء، وفتح الجيم، وفي آخرها نون.
سماها بذلك بعض الملوك لخضرتها ونضارتها، ومهرجان قرية من أعمال إسفرايين
(1)
.
وقيل: أسفرايين: أصلها من أسبرايين، بالباء الموحدة. وأسبر بالفارسية هو التِّرس، وإيين هو العادة، فكأن أهلها عرفوا قديمًا بحمل التِراس فسميت مدينتهم بذلك
(2)
.
وحدَّدَ السَّمعانِيُّ والحمويّ موقعها على منتصف الطريق بين نيسابور وجُرجان.
ولعل مدينة إسفرايين القديمة تطابق الآن الخرائب المعروفة بشهر بلقيس
(3)
، فقد نقل المعلِّق على كتاب "بلدان الخِلافة الشرقية" عن كتاب "خراسان وسيستان" قولَه: "ولعلَّ مدينة إسفرايين القديمة -وما زال السهل
(1)
انظر: الأنساب (1/ 143، 5/ 414)، وفيات الأعيان (1/ 74)، الروض المعطار (ص: 57)، للباب في تهذيب الأنساب (1/ 55).
(2)
معجم البلدان (1/ 211).
(3)
انظر: خراسان وسيستان - ص: 378 - 379 (بواسطة كتاب بلدان الخلافة الشرقية - حاشية رقم 16).
هناك يُعرف باسمها- تطابق الخرائب المعروفة بشهر بلقيس".
وهو كما قال، ويعرفُ الإيرانيون اليوم إسفرايينَ القديمة التي لم يبق منها إلا أطلالها باسم مدينة بلقيس، وتقع إلى جنوب مدينة إسفرايين الحاليَّة التي تقعُ شمال شرقيَّ دولة إيران، وجنوب الخُراسان الشمالية، وتحدُّها من الجنوب والجنوب الشرقي مدينة نيسابور، ومن الشمال مدينتا بَجْنورد وشيروان، ومن الغرب مدينة جاجُرم، ومن الجنوب الغربيِّ مدينة سبْزَوار
(1)
.
(1)
انظر: الأنساب للسَّمعاني (1/ 235)، بلدان الخلافة الشرقية للمستشرق كي لسترنج (ص 434 - 435)، أطلس دول العالم الكبير - الخريطة رقم 12 (ص 362).
المبحث الثاني: مولده ونشأته وأسرته:
مولده: ولد أبو عوانة - رحمه الله تعالى - بإسفرايين، ولم تذكر المصادر تاريخ مولده بالتحديد، وذكره الذهبي على التقريب فقال:"ولد بعد الثلاثين ومائتين"
(1)
.
وقد ذكر أبو عوانة أنه سمع بجرجان سنة 250 هـ من أبي عبد الله السختياني
(2)
، فيشبه أن يكون تاريخ مولده بين سنة (230 - 235 هـ) لأن غالب من يتمكَّن من الرحلة للبلدان المجاورة والسماع منها؛ يكون عمره -في أقلِّ الأحوال- بين (16 - 20 عامًا).
نشأته وأسرته:
هيَّأ الله سبحانه وتعالى لأبي عَوانة أسبابًا سلكت به أشرف المسالك وأنبلها وهو: طلب العلم الشرعي وحفظه، والرحلة إليه في الأقطار، والعمل به، ولا يُعرف اشتغاله بحرفةٍ أو صنعةٍ أو وظيفة غير اشتغاله بحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه، ونشره، والذبِّ عنه بالتحديث والتصنيف، كفى به شرفًا وفخرًا أن ينشر العلم الذي من عمل به كان فيه قوام دينه، ودنياه، وآخرته، ومن تلك الأسباب التي تهيَّأت له:
(1)
انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (14/ 417).
(2)
انظر: الحديث رقم (15).
أولًا: نشأته في بيت علمٍ ودين.
نشأ أبو عوانة رحمه الله في بيت علم وفضل فقد كان أبوه
(1)
من
(1)
لم يُترجم له إلا الذهبي في تاريخ الإسلام (حوادث 281 - 290 ص 118)، وقال: إسحاق بن إبراهيم بن يزيد بن أبي عمران الإسفراييني، الحافظ الفقيه، أبو يعقوب، والد أبي عوانة.
ثم ذكر بعد ست تراجم: إسحاق بن أبي عمران الإسفراييني الفقيه، وقال: هو إسحاق بن موسى بن بن عمران، أبو يعقوب الشافعي، صاحب المزني.
ثم سرد بعض شيوخه وتلاميذه، وقال: كان من كبار الأئمة في الفقه والحديث، توفي بإسفرايين في رمضان سنة أربع وثمانين، ثم قال:"قلت: هو والد الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد، فيما أرى، أظن أن الحاكم وهم في تسميته أبيه موسى بن عمران".
فهذا الكلام من الإمام الذهبي رحمه الله يفهم منه أنه يميل من غير جزم إلى أن والد أبي عوانة هو نفسه الحافظ الكبير الفقيه إسحاق بن موسى بن عمران المتوفى سنة 284 هـ، وأن أبا عبد الله الحكم وهم حين سمى أباه: موسى بن عمران، يعنى: أن الصواب في اسم أبيه: إبراهيم بن يزيد.
وقد استدل الذهبي على أن إسحاق بن موسى بن عمران الإسفراييني هو نفسه والد أبي عوانة بأمور يمكن تلخيصها فيما يلي:
1 -
أن إسحاق بن موسى بن عمران، ووالد أبي عوانة كلاهما في طبقة واحدة.
2 -
أن الحافظ أبا عبد الله ترجم في تاريخ نيسابور لإسحاق بن موسى ابن عمران الإسفراييني، ولم يترجم لوالد أبي عوانة، وهي قرينة تدل على أنهما واحد؛ إذ =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= لو كان غيره لترجم له.
3 -
أن الحافظ أبا عبد الله الحكم حين ترجم لإسحاق بن موسى بن عمران، ذكر في الرواة عنه أبا عوانة، وليس لأبي عوانة في مستخرجه رواية عن إسحاق بن موسى بن عمران، وإنما له رواية عن أبيه، فهذه قرينة أخرى تدل على أنه هو.
هذا هو محصل ما يفهم من كلام الذهبي رحمه الله في تاريخ الإسلام في حوادث سنة (281 هـ - 290 هـ) ص 121، والسير (13/ 458).
وأنت تلحظ أنه لم يجزم بما ذهب إليه، وإنما هو ميل منه فقط، كما في قوله:"فيما أرى".
ثم رجع عن هذا في السير (13/ 458) ففرق بين الرجلين حيث قال في ترجمة إسحاق بن موسى: وتخيَّل إليَّ أنه والد أبي عوانة، لكن والد أبي عوانة اسمه: إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني
…
ثم إني لم أظفر لأبي عوانة برواية عن إسحاق بن أبي عمران، ولا ذكر الحكم لوالد أبي عوانة ترجمة في تاريخه، فلهذا جوَّزت في البديهة أنهما واحد، وكلاهما طبقة واحدة. اهـ.
وهذا التفريق هو الصواب إن شاء الله لأدلة ذكرها تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (2/ 259)، متعقبًا بها قول الذهبي الأول، وملخصها ما يلي:
أن والد أبي عوانة اسمه إسحاق بن إبراهيم بن يزيد في حين أن الآخر اسمه إسحاق بن موسى بن عمران، فبين الاسمين اختلاف.
أن أبا عبد الله الحكم حينما ترجم لإسحاق بن موسى بن عمران، ذكر في عداد الرواة عنه أبا عوانة، ولم يذكر أنه ابنه، كما هي عادة المترجمين، وهي قرينة قوية على أنه ليس والده. =
المعتنين برواية الحديث وسماعه، فروى عن إسحاق بن إبراهيم بن راهوية المروزي، وعلي بن حُجر السعدي المروزي نزيل بغداد، وأبي مروان محمد بن عثمان بن خالد الأموي العثماني المدني نزيل مكة
(1)
.
ولا شك أن أبا عوانة قد تأثر بأبيه في تطلبه الحديث من الشيوخ
= قال السبكي: قول شيخنا الذهبي: "ما ظفرت له برواية عن إسحاق بن أبي عمران" لا يلزم منه أن يكون هو أباه، فإن أبا عوانة لم يستوعب في مسنده شيوخه، هذا إن صحَّ أنه لم يذكر في كتابه إسحاق بن أبي عمران. فإن قلت: لا شك أن روايته عن أبيه، وعدم روايته عن إسحاق بن أبي عمران قرينة.
قلت: لكن ذكر الحاكم لأبي عوانة في الرواة عن هذا الشيخ من غير تنبيه على أنه ولده قرينة في أنه غيره أقوى من تلك، مع ما ينضم إليها من أن أبا عوانة نفسه أخذ عن المزني والربيع على أن الحال محتمل والخطب فيه يسير".
ويؤيد هذا التفريق أن الحافظ ابن عساكر ترجم لإسحاق بن موسى ابن عمران في تاريخ دمشق (8/ 292)، وصنع كما صنع الحاكم، وكذا ترجم ابن عبد الهادي في طبقات علماء الحديث (2/ 421).
كما أن الذين ترجموا لإسحاق بن موسى بن عمران ذكروا أنه أحد أئمة الشافعية، والرحالة في طلب الحديث، وأن له مصنفات كثيرة وله سماع عن عدد كبير من الشيوخ، عد ابن عساكر منهم 34 شيخًا، وعد الذهبي منهم 31، مع الإشارة إلى وجود غيرهم بينما لم أجد لوالد أبي عوانة إلا ثلاثة من الشيوخ فقط.
وهذه قرينة يلتمس منها أنه ليس ذاك الإمام الواسع الرواية والشيوخ.
(1)
انظر: السير (13/ 458).
والأكابر أمثال من ذكرنا، فقد روى عنه كثيرًا في كتابه هذا.
وانتقل هذا الأثر إلى أبناء أبي عوانة وأبنائهم وذويهم، فقد سمع من أبي عوانة ابنه أبو مصعب محمد، وابن ابنه شافع بن محمد الإمام الحافظ المفيد
(1)
وابن أخته الحسن بن محمد الأزهري -وكان أبو عوانة يصحبه في رحلاته
(2)
- وابن ابن أخته أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الذي كان عمره حين توفي أبو عوانة ست سنوات وعشرة أشهر، وقد حرص أبو عوانة على إسماعه فسمع بعض المسند مع الجماعة، وبعضه وحده بالليالي وقت فراغ أبي عوانة بقراءة والده على أبي عوانة، وكان أبو عوانة يداعبه ويحادثه ويطعمه الفانيذ
(3)
لئلا ينعس في حال السماع حتى يحصل له سماع جميع الكتاب، وقد أجاز له أبو عوانة ولجماعة معه بجميع كتبه ومسموعاته
(4)
.
وهكذا نجد أن أبا عوانة نشأ في أسرة محبة للعلم، حريصة عليه أبًا وأبناءً فكان لهذا أثره في حياته العلمية والاجتماعية.
ثانيًا: نشأته في بيئةٍ ازدهرت بحب العلم الشرعي، وزانها كثرة العلماء فيها، وتوافر المراكز العلمية حولها.
فبلدته إسفرايين -وما كان حولها من البلدان مثل: نيسابور،
(1)
انظر ترجمته: سير أعلام النبلاء (16/ 388).
(2)
انظر: السير (15/ 535).
(3)
الفانيذ: ضرب من الحلواء، فارسي معرب. لسان العرب (3/ 503).
(4)
المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور (326)، السير (14/ 419، 17/ 72).
وجرجان، والري، وهراة، وبلخ ومرو، ونسا، وفارس، وبخارى، وسمرقند، وغيرها- كانت زاخرة بالعلماء، وكانت من المراكز العلمية التي يَفد إليها طلاب العلم من أقطار الأرض لتحصيل الحديث والعلوم الأخرى ولقاء الأكابر من الشيوخ
(1)
.
وقد كان لهذا المحيط العلمي التأثير الأكبر في تكوين شخصية أبي عوانة العلمية؛ إضافة إلى ما كان في بيته وأسرته.
ويبدو أن أبا عوانة أخذ العلم عن أهل بلدته وما جاورها في بدء الأمر كما هو حال العلماء إذ كانوا لا يرتحلون حتى يستنزفوا أهل ديارهم
(2)
.
وقد حفلت مدينة نيسابور بأجلة من الجهابذة العلماء حتى قال عنها ياقوت الحموي: "هي مدينة عظيمة ذات فضائل جسيمة، معدن الفضلاء، ومنبع العلماء لم أر فيما طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها"
(3)
.
فسمع بإسفرايين من: مسرور بن نوح الذهلي (251 هـ)
(4)
،
(1)
انظر حول هذه المراكز العلمية: أبو زرعة الرازي وجهوده للدكتور: سعدي الهاشمي (1/ 19 - 27).
(2)
انظر: مقدمة ابن الصلاح ومحاسن الاصطلاح (429).
(3)
معجم البلدان (5/ 382).
(4)
انظر: ح (290).
ومحمد بن يحيى حَيُّويه (259 هـ)، وكان أبو عوانة يفخر به
(1)
، وغيرهما.
وبنيسابور من: محمد بن يحيى الذهلي (258 هـ)
(2)
، وأحمد ابن الأزهر بن منيع (263 هـ)
(3)
، وعلي بن الحسن الدَّرابَجِرْدي (267 هـ)
(4)
، وغيرهم.
ثم بعد أن اشتدَّ ساعده ابتدأ رحلاته العلمية في أقطار الأرض في سن مبكرة طلبًا لسماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سأبيِّنه في رحلاته.
(1)
انظر: ح (6).
(2)
انظر: ح (6).
(3)
انظر: ح (12).
(4)
انظر: ح (651).
المبحث الثالث: رحلاته:
عاش أبو عوانة في حقبة زمنية (230 هـ - 316 هـ) تعتبر عصر ازدهار العلوم الإسلامية، ولا سيما علوم السنة حيث نشطت فيها الرحلة لطلب العلم ونشط التأليف، فألفت الصحاح، والسنن، والمسانيد
…
كتب الجرح والتعديل
…
الخ.
وحفلت هذه الحقبة بثلة من الجهابذة والعلماء والنقاد في شتى الأمصار ممن يرحل إليهم طلبًا للعلم وسماع الحديث النبوي
(1)
.
ولم يثن أئمة الإسلام عن متطلبهم طول السفر ومشقته ووعورة تلك الطرق التي سلكوها شرقًا وغربًا وسط الصحاري والقفار لأن غايتهم سماع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبليغه للناس.
وقد ضرب أئمتنا في ذلك أروع الأمثلة، ومن هؤلاء الأئمة أبو عوانة رحمه الله فقد أكثر الترحال، وطاف الأقطار لطلب الحديث، فعني بجمعه وتعب في كتابته مصطبرًا على المشقة والعناء.
قال أبو عوانة: "كنت بالمصيصة، فكتب إليَّ أخي محمد بن إسحاق، فكان في كتابه:
فنحن إذا التقينا قبل موتٍ
…
شفينا النَّفس من مضض العتاب
وإن سبقت بنا أيدي المنايا
…
فكم من عاتبٍ تحت التراب
(1)
انظر حول بيان ذلك: تدوين السنة النبوية صـ 93 وما بعدها.
قال: فلما رجعت سألته عن ذلك، فقال: بلغني أن عليَّ بن حُجْرٍ كتب به إلى بعض إخوانه"
(1)
.
وقد اشتهر أبو عوانة بالرحلة في طلب الحديث ووصفه بذلك غير واحد من العلماء، منهم الحاكم أبو عبد الله بهما يقول:"أبو عوانة من علماء الحديث وأثباتهم، ومن الرَّحالة في أقطار الأرض لطلب الحديث"
(2)
.
وقال ابن خلكان: "كان أحد الحفاظ الجوَّالين
(3)
".
وقال السمعاني: "أحد حفاظ الدنيا، وممن رحل في طلب الحديث، وعني بجمعه
(4)
".
وقال الذهبي: "الإمام الحافظ الكبير الجوَّال"، وقال أيضا: "أكثر الترحال
(5)
".
(1)
مختصر تاريخ دمشق لابن منظور (28/ 38)، والأبيات ذكرها الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد للخطيب (11/ 416 - 417) لعلي بن حُجر السعدي أنه كتب إلى بعض إخوانه:
أحنُّ إلى عتابك غير أنِّي
…
أُجلُّك عن عتابٍ في كتاب
ونحن إذا التقينا قبل موتٍ
…
شفيت عليل صدري من عتاب
وإن سبقت بنا ذات المنايا
…
فكم من عاتبٍ تحت التراب
(2)
الأنساب للسمعاني (1/ 143).
(3)
وفيات الأعيان (6/ 393).
(4)
الأنساب (1/ 143).
(5)
السير (14/ 417).
وقد تقدم أنَّ أبا عوانة سمع بجرجان سنة 250 هـ من أبي عبد الله السختياني، وسمع ببغداد سنة 259 هـ من عبد الله بن محمد بن مرزوق العتكي البصري
(1)
.
وحدث عن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن أبي رجاء الثغري الطرسوسي المصيصي، وأحمد هذا يقال: توفي في حدود 250 هـ
(2)
، وهو من أهل ثُغور الشام، فيستنتج من هذا أنَّ أبا عوانة ابتدأ رحلاته في آخر العقد الثاني من عمره.
فسنّه المبكّر في طلب العلم مكّنه من الرحلة في أقطار الأرض، ولُقيّ أكابر الأئمة من المحدثين والفقهاء وغيرهم.
فرحل إلى خراسان وما جاورها، وفارس والعراق والجزيرة، والشام، والثغور والحجاز واليمن ومصر، فطاف مدن تلك الأمصار وسمع من علمائها:
1 -
سمع بِجُرْجَان
(3)
من: أبي عبد الله إسحاق بن إبراهيم السختيانِي
(1)
انظر: المسند الصحيح، ح (11182).
(2)
انظر: ح (2607).
(3)
جُرْجَان: بالضم، وآخره نون، مدينة مشهورة عظيمة بين طبرستان وخراسان، وتسمى اليوم كركان على ما ينطق به الفرس، وتمتد في جنوب شرقي بحر قزوين، في نهاية الخط الحديدي القادم من طهران. انظر: معجم البلدان (2/ 139)، بلدان الخلافة =
الجرجانِي
(1)
.
2 -
سمع بمَرْو
(2)
من: سعيد بن مسعود المروزي، ومحمد بن عبد الله ابن قهزاذ
(3)
.
3 -
سمع بتِرْمِذ
(4)
من: إسحاق بن باجويه الترمذي
(5)
.
4 -
سمع بالرَّيّ
(6)
من: أبي زرعة عبيد الله بن عبد الكريم، وأبي حاتم محمد بن إدريس، وفضلك الفضل بن عباس، ومحمد بن مسلم بن وارة
= الشرقية (417 - 418) أبو زرعة وجهوده في السنة (1/ 20).
(1)
انظر: ح (15).
(2)
مَرْو: وتسمى مَرْو الشاهجان، وهي مرو العظمى أشهر مدن خراسان وقصبتها، وبينها وبين نيسابور سبعون فرسخًا، وتقع اليوم ضمن بلاد التركمانستان.
انظر: معجم البلدان (5/ 132)، أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة (1/ 20).
(3)
انظر: المسند الصحيح ح (1510).
(4)
تِرْمذ: مدينة مشهورة في شمال مضيق نهر جيحون وهو آت من بلخ.
انظر: معحم البلدان (2/ 31)، بلدان الخلافة الشرقية (ص: 484).
(5)
انظر: المسند الصحيح (5242).
(6)
انظر: ح (1510، 3147)، والرَّيّ: بفتح أوله، وتشديد ثانيه، مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخًا، وهي في الطرف الشمالي من إقليم الجبال، قد يشاهد الرائي أطلالها على مسيرة خمسة أميال تقريبًا من الجنوب الشرقي من طهران. انظر: معجم البلدان (3/ 132)، بلدان الخلافة الشرقية (249)، أبو زرعة وجهوده في السنة (1/ 24).
الرازيين، وسليمان القزاز ونصر بن أحمد بن سورة وغيرهم
(1)
.
5 -
سمع بهمذان
(2)
من: إبراهيم بن مسعود بن عبد الحميد القرشي المخزومي
(3)
.
6 -
سمع بنَهَاوَنْد
(4)
من: إبراهيم بن نصر النهاوندي
(5)
.
7 -
سمع بأصبهان
(6)
من: يونس بن حبيب
(7)
.
(1)
انظر: الأنساب (1/ 143)، التقييد (2/ 317)، وانظر: ح (6878، 11789).
(2)
همذان: بالتحريك، والذال المعجمة، وآخره نون، بينها وبين الري ستون فرسخًا، وهي تقع في إقليم الجبال في جنوب غربي طهران، ويعرف هذا الإقليم اليوم باسم "ولاية عراق".
انظر: معجم البلدان (3/ 201، 5/ 471)، بلدان الخلافة الشرقية (221).
(3)
انظر: المسند الصحيح (3053).
(4)
نِهَاوَنْد: بفتح النون الأولى وتكسر، والواو مفتوحة، ونون ساكنة، ودال مهملة. مدينة عظيمة على نحو أربعين ميلًا جنوب همذان.
انظر: معجم البلدان (5/ 361)، وبلدان الخلافة الشرقية (232).
(5)
انظر: المسند الصحيح (7059).
(6)
أصبهان: منهم من يفتح الهمزة، وهم الأكثر، كسرها آخرون، مدينة مشهورة من أعلام المدن وأعيانها، وهي الآن من أشهر المدن الإيرانية.
انظر: معجم البلدان (1/ 244)، أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة (1/ 23).
(7)
انظر: الأنساب (1/ 144).
8 -
سمع بجُنْدَيْسَابور
(1)
من: محمد بن سعيد بن أبان
(2)
.
9 -
سمع بالأَهْواز
(3)
من: موسى بن سفيان الجنديسابوري
(4)
.
10 -
سمع بفارس من: يعقوب بن سفيان، ويزيد بن المبارك الفسويين، ويحيى بن خلاد
(5)
.
11 -
سمع بالبصرة من: أحمد بن محمد الأيلي، ومحمد بن حيان المازني، وعمر بن شبة النميري، وأحمد بن محمد المقدمي
(6)
.
12 -
سمع بواسط
(7)
من: بشر بن مطر، وأحمد بن سنان القطان،
(1)
جُنْديسابور: بضم أوله، وتسكين ثانيه، وفتح الدال، وياء ساكنة، وسين مهملة وألف، وباء موحدة مضمومة، وواو سكنة، وراء، مدينة بخوزستان، على ثمانية فراسخ شمال غربي تستر في الطريق إلى دزفول، الأطلال التى يقال لها اليوم: شاه آباد.
انظر: معجم البلدان (2/ 198)، بلدان الخلافة الشرقية - ص (273).
(2)
انظر: المسند الصحيح، ح:(6878).
(3)
الأهواز: بفتح الألف وسكون الهاء وفي آخرها الزاي، من بلاد خوزستان، وهي على قرب أربعين فرسخًا من البصرة. انظر: الأنساب (1/ 231)، معحم البلدان (1/ 338).
(4)
انظر: الأنساب (1/ 144).
(5)
انظر: المسند الصحيح (8138).
(6)
انظر: المسند الصحيح ح (8988)، ح (3232) والتقييد (2/ 317).
(7)
واسط: مدينة بناها الحجاج الثقفي متوسطة بين الكوفة والبصرة، جنوب العراق على نهر دجلة، وهي اليوم تلول وأخربة. =
وعلان الطراطيسي
(1)
.
13 -
سمع بالكوفة من: إبراهيم بن عبد الله بن عمرو القصار، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، وأحمد بن عثمان بن حكيم، وعمرو بن عبد الله الأودي، وجعفر بن قتيبة الأنصاري
(2)
.
14 -
سمع ببغداد -وتقدم أنه وردها سنة 259 هـ - وسمع فيها من: مسلم بن الحجاج، ومحمد بن منده الأصفهاني، وزكريا بن يحيى بن أسد المروزي، وعلي بن سهل، وسعدان بن نصر بن منصور، وعلى بن إشكاب وغيرهم
(3)
.
وسمع بمسجد الرُّصَافة
(4)
من: أبي جعفر بن حيان المؤذن سنة 259 هـ
(5)
.
= انظر: معجم البلدان (5/ 400)، تاريخ واسط (21 - 27).
(1)
انظر: المسند الصحيح، ح (6344)، والتقييد (2/ 318).
(2)
انظر: المسند الصحيح، ح (3373) و (7429)، والأنساب (1/ 143)، والتقييد (2/ 317).
(3)
انظر: المسند الصحيح ح (1056)، و (2887) و (3184) و (7207)، والأنساب (1/ 143)، والتقييد (2/ 317)، وح (2887).
(4)
مسجد الرصافة: ويقع بالجانب الشرقي من بغداد، وقد بناه المهدي سنة 159 هـ.
انظر: تاريخ بغداد (1/ 111)، معجم البلدان (3/ 53).
(5)
انظر: المسند الصحيح، ح:(486).
وبدار عُمَارة
(1)
سمع من: الحسن بن إسحاق العطار
(2)
.
وبسوق العطش أحمد بن حرب البغدادي
(3)
.
وبطاق الحرَّاني من محمد بن حبيب الذارع البصري
(4)
.
15 -
سمع بسَامَرَّاء
(5)
من: أحمد بن الهيثم، ومحمد بن الخليل ابن إبراهيم المخزومي وسعدان بن يزيد
(6)
.
16 -
سمع بالمَوْصِل
(7)
من: علي بن حرب الطائي
(8)
.
17 -
سمع ببَلَد
(9)
من: أبي منصور الحسن البلدي
(10)
.
(1)
دار عُمارة: موضعان ببغداد إحداهما بالجانب الشرقي، والآخر بالغربي منها.
انظر: معجم البلدان (2/ 481).
(2)
انظر: المسند الصحيح (7651).
(3)
انظر: ح (3465).
(4)
انظر: ح (3471).
(5)
سامراء: مدينة بين بغداد وتكريت على شرقي دجلة وفي اسمها لغات.
انظر: الأنساب (3/ 202)، معجم البلدان (3/ 195)، بلدان الخلافة الشرقية (76).
(6)
انظر المسند الصحيح: حديث ح (2691)، و (7496).
(7)
المَوْصِل: بالفتح، كسر الصاد، مدينة على ضفة نهر دجلة، من أجل وأشهر مدن العراق.
انظر: معجم البلدان (5/ 258)، وبلدان الخلافة الشرقية (115) وما بعدها.
(8)
انظر: الأنساب (1/ 144).
(9)
بَلَد: بالتحريك، وربما قيل لها: بلط، مدينة قديمة على دجلة، فوق الموصل بينهما سبعة فراسخ، وهي اليوم قرية من أعمال الموصل يقال لها: بلد باشاي.
انظر: معجم البلدان وتعليق الجندي عليه (1/ 570).
(10)
انظر: المسند الصحيح، ح (537).
18 -
سمع بحران
(1)
من: أبي عمر إمام مسجد حران
(2)
.
19 -
سمع بالرُّها
(3)
من: عبد السلام بن أبي فروة الرهاوي
(4)
.
20 -
سمع بالرافقة
(5)
من: علي بن إسحاق العصفري المخضوب، وأبي الأزهر بكر بن محمد بن بكر الهروي
(6)
.
21 -
سمع بحلب من: أبي جعفر الخزاز
(7)
.
22 -
سمع بالمِصِّيصَة
(8)
من: يوسف بن سعيد بن مسلم،
(1)
حران: بلدة من الجزيرة، وهي تقوم على ملتقى الطرق التجارية في شرق الفرات ولا سيما طريق الشام وطريق الجزيرة.
انظر: الأنساب للسمعاني (2/ 195)، معجم البلدان (2/ 271)، بلدان الخلافة الشرقية وحاشيته (ص 134).
(2)
انظر: المسند الصحيح، ح (2247).
(3)
الرُّها: بضم الراء وفتح الهاء، بلدة من بلاد الجزيرة بينها وبين حران ستة فراسخ، وهي اليوم تسمى بأورفا. انظر: الأنساب (3/ 108) بلدان الخلافة الشرقية (135).
(4)
انظر: الأنساب (1/ 144).
(5)
الرافقة: بلدة متصلة بالرقة وهما على ضفة الفرات، وغلب اسم الرقة عليها، وهي من أعمال الجزيرة.
انظر: معجم البلدان (3/ 17)، بلدان الخلافة الشرقية (132).
(6)
انظر: المسند الصحيح (7773)، و (8287).
(7)
انظر: المسند الصحيح، ح (11709).
(8)
المصيصة: بالفتح ثم الكسر والتشديد، وياء سكنة، وصاد أخرى، مدينة على شاطيء جيحان =
وهارون بن داود بن الفضل
(1)
.
23 -
سمع بطَرَسوس
(2)
من: أبي سليمان إمام مسجد طرسوس
(3)
.
24 -
سمع بأنطاكية
(4)
من: محمد بن إبراهيم الصوري الضرير، ومحمد ابن سليمان البصري
(5)
.
25 -
سمع بحمص من: أحمد بن علي بن سعيد البغدادي، وأحمد ابن
= من ثغور الشام بين أنطاكية وبلاد الروم تقارب طرسوس.
انظر: معجم البلدان (5/ 161).
وطرسوس والمصيصة تقعان بالقرب من الساحل الشمالي لخليج إسكندرونة على خمسة فراسخ من أذنة.
انظر: بلدان الخلافة الشرقية (161 - 162)، الروض المعطار (554).
(1)
انظر: المسند الصحيح (3185).
(2)
طَرَسوس: بفتح أوله وثانيه، وسينين مهملتين بينهما واو ساكنة، بوزن قربوس، كلمة أعجمية رومية، ولا يجوز سكون الراء إلا في ضرورة الشعر لأن فَعْلول ليس من أبنيتهم، وهي مدينة بثغور الشام بين أنطاكية وحلب.
معجم البلدان (4/ 31 - 32).
وهي تشرف على المدخل الجنوبي للدرب المشهور عبر طوروس المعروف بأبواب قليقية (كليلكية). انظر: بلدان الخلافة الشرقية (164).
(3)
انظر: المسند الصحيح، ح (10872).
(4)
أنطاكية: بالفتح ثم السكون، والياء مخففة، قصبة العواصم من الثغور الشامية.
انظر: معجم البلدان (1/ 316).
(5)
انظر: المسند الصحيح، ح (6502، 7000).
الفرج بن سليمان أبي عتبة الحجازي، وعطية بن بقية بن الوليد
(1)
.
26 -
سمع بدمشق -وقد دخلها عدة مرات
(2)
- من: أبي زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي، وأحمد بن إبراهيم بن هشام الملاس، ويزيد ابن محمد بن عبد الصمد وغيرهم
(3)
.
27 -
سمع بقَيْسَارِيَّة
(4)
من: عمرو بن عثمان بن العباس بن الوليد الهجيمي
(5)
.
28 -
سمع بالرَّمْلَة
(6)
من: جعفر بن محمد بن أبي الفضل القلانسي، ومحمد بن عبد الحكم القطري، وموهب بن يزيد الرملي
(7)
.
29 -
سمع ببيت المقدس من: أحمد بن مسعود الخياط، ومحمد ابن
(1)
انظر المسند الصحيح، ح (2549، -6822)، والأنساب (1/ 144).
(2)
انظر: السير (14/ 419).
(3)
انظر: ح (2641)، ووفيات الأعيان (6/ 393).
(4)
قيسارية: بالفتح ثم السكون وسين مهملة وبعد الألف راء ثم ياء مشددة، بلدة على ساحل بحر الشام -البحر المتوسط- تعد من أعمال فلسطين. بينها وبين يافا ثلاثون ميلًا.
انظر: معجم البلدان (4/ 478)، الروض المعطار (486).
(5)
انظر: ح (2581).
(6)
الرملة: مدينة عظيمة بفلسطين بينها وبين القدس ثمانية عشر ميلًا.
انظر: معجم البلدان (3/ 79)، الروض المعطار (268).
(7)
انظر: المسند الصحيح، ح (1420)، والأنساب (1/ 144).
النعمان بن بشير
(1)
.
30 -
سمع بعَسْقَلان
(2)
من: أبي توبة مؤذن مسجد الجامع بها، ومن: آدم بن أبي إياس
(3)
، ومحمد بن عبد الوهاب العسقلاني. وقد ذكر أبو عوانة أنه قدم عسقلان ثلاث مرات
(4)
.
31 -
سمع بأيلة
(5)
من: أبي سليمان داود بن سليمان بن أبي حجر
(6)
.
32 -
سمع بالمدينة النبوية من: محمد بن الحارث بن صالح المخزومي
(7)
.
33 -
سمع ببدر من: أبي محمد عبد الله بن محمد الأنصاري البلوي
(8)
.
34 -
سمع بمكة من: محمد بن علي بن زيد الصائغ، ومحمد
(1)
انظر: المسند الصحيح، ح (2748)، و (680).
(2)
عسقلان: بفتح أوله، وسكون ثانيه ثم قاف، وآخره نون، مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزّة وبيت جبرين، ويقال لها: عروس الشام.
انظر: معجم البلدان (4/ 137).
(3)
انظر: المسند الصحيح، ح (11066)، التقييد (2/ 316).
(4)
انظر: المسند الصحيح، ح (1507).
(5)
أيلة: بالفتح، مدينة على ساحل بحر القُلْزُم -البحر الأحمر- مما يلي الشام، وقيل: هي آخر الحجاز وأول الشام. انظر: معجم البلدان (1/ 347)، الروض المعطار (70).
(6)
انظر: ح (2668).
(7)
انظر: ح (2690).
(8)
انظر: ح (2567).
ابن عبد الله بن يزيد المقرئ، ومحمد بن إسحاق بن شَبُويه السجستاني، ووحشي محمد بن محمد الصُّوري، ونصر بن زكريا البلخي، ومحمد بن حماد الطِّهْراني
(1)
، وقد ذكر أبو عوانة أنه حجَّ خمس مرات
(2)
.
35 -
سمع بصنعاء اليمن من: محمد بن مهل الصنعاني، ومحمد ابن على الصنعاني، والمسلم بن بشير بن عروة العوجري في كنيسة أبرهة
(3)
.
36 -
سمع في مدينة الفسطاط بمسجدها
(4)
من أبي الحسين محمد بن الحسين الأزدي
(5)
.
37 -
سمع بمصر من: إسحاق بن إبراهيم بن يونس البغدادي، وأحمد بن عبد الله بن صدقة، ويونس بن عبد الأعلى الصدفي، ومحمد وسعيد ابني عبد الحكم وطاهر بن خالد بن نزار، وعلي بن شيبة
(6)
.
(1)
انظر: ح (2568)، (2686)، (2870)، (2487)، (1491).
(2)
انظر: ح (2686)، معجم البلدان (1/ 212).
(3)
انظر: ح (741)، (7280)،) (8030).
(4)
مسجد الفسطاط: بناه عمرو بن العاص رضي الله عنه، إثر فتحه مصر، وبنائه مدينة الفسطاط عند رأس الدلتا جنوب بابليون، والفُسْطَاط: بضم أوله وسكون السين بعده، وقيل غير ذلك. انظر: معجم البلدان (4/ 301).
(5)
انظر: ح (2674).
(6)
انظر: ح (2664)، (2665)، (2669)، (2939)، الأنساب للسمعاني (1/ 144)، التقييد (2/ 318).
وفيها تلقى أبو عوانة علوم الشافعي وسمع كتبه من إسماعيل بن يحيى المزني والربيع بن سليمان المرادي ثم عاد إلى إسفرايين وأظهر بها مذهب الشافعي، وكان أول من أظهره هناك
(1)
وظل ينشر العلم إلى أن توفي بها رحمه الله تعالى على ما سنذكره في وفاته إن شاء الله تعالى.
وهكذا نجد أبا عوانة قد طاف أقطار الدولة الإسلامية وتعب في كتابة الحديث، ولم يأل جهدًا في ذلك وصار إلى القرى بله المدن، وكان إذ يلتقي بالعلماء يذاكرهم ويدارسهم بما سمعه من شيوخ تلك البقاع التي زارها، ومن ذلك لقاؤه بأبي حاتم محمد بن إدريس الرازي.
قال أبو عوانة: سألني أبو حاتم ما كتبت بالشام قدمتي الثالثة، فأخبرته بكتبتي مائة حديث لأحمد بن يحيى بن حمزة كلها عن أبيه، فساءه ذلك وقال: سمعت أنَّ أحمد يقول: لم أسمع من أبي شيئًا. فقلت: لا يقول "حدثني أبي" إنما يقول: "عن أبيه إجازة"
(2)
. ومن ذلك أيضًا مناقشته للمزني وبيان أدلته في مسألة الإيمان والإسلام هل هما بمعنى واحد أم لا؟
(3)
.
ويبدو أن أبا عوانة قد شغله علم الحديث فأنفق حياته في تطلبه وكتابته، ومن ثَمَّ بَرَز فيه وأصبح إمامًا يرحل إليه، ويعتنى بسماع حديثه
(1)
انظر: وفيات الأعيان (6/ 394)، السير (14/ 420)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 487).
(2)
انظر: لسان الميزان (1/ 295).
(3)
انظر: ح (207).
وجمعه، ولرب حديث يرويه أبو عوانة من نحو سبعين طريقًا عن عدد من الشيوخ متفرقين في الأمصار كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه في الغسل يوم الجمعة فيما سَيُبيَّن في أهمية الكتاب إن شاء الله تعالى.
المبحث الرابع: شيوخه:
رحلات أبي عوانة مكنته من لقاء طائفة كبيرة من الأئمة والحفاظ والنقاد ولكثرتهم نجد ابن الصلاح يقول بعد تسميته لبعضهم: "خلقًا يُسئم تعدادهم"
(1)
.
وسمَّى الذهي عدة منهم ثم قال: "وخلقًا كثيرًا، وينزل إلى أن يروي عن عبد الله بن أحمد (ت 290 هـ)، وعبد الرحمن بن خراش (283 هـ)، وعَبْدَان عبد الله بن أحمد بن موسى الأهوازي"(ت 306 هـ)
(2)
.
ولذا يسوغ القول بأن ذكر أبي عوانة لبعض شيوخه بما لم يشتهروا به لا يُقْصَد منه إيهام كثرة الشيوخ، بل هو من التنويع في تسميتهم وعدم ذكرهم على صفة واحدة.
ومن ذلك تسميته لأبي داود السجستاني بالسِّجْزِي وهي نسبة على غير القياس
(3)
.
وقد حظي أبو عوانة بلقاء طائفة من جهابذة الحديث وفرسانه أمثال:
1 -
محمد بن يحيى الذهلي (ت 258 هـ).
2 -
محمد بن يحيى بن موسى الإسفراييني حَيويه (ت 259 هـ).
(1)
انظر: طبقات فقهاء الشافعية (2/ 680).
(2)
انظر: السير (14/ 418).
(3)
انظر: ح (2743).
3 -
الحسن بن محمد بن الصبَّاح الزعفراني صاحب الشافعي (ت 260 هـ).
4 -
مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري (ت 261 هـ).
5 -
إسماعيل بن يحيى المزني تلميذ الشافعي (ت 264 هـ).
6 -
أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازي (ت 264 هـ).
7 -
يونس بن عبد الأعلى الصدفي (ت 264 هـ).
8 -
السُّلمي أحمد بن يوسف الأزدي (ت 264 هـ).
9 -
على بن حرب الطائي (ت 265 هـ).
10 -
يونس بن حبيب بن عبد القاهر الأصبهاني (ت 267 هـ).
11 -
محمد بن إسحاق الصاغاني (ت 270 هـ).
12 -
محمد بن عثمان بن عبد الله بن وارة الرازي (ت 270 هـ).
13 -
فَضْلَك: الفضل بن عباس الصائغ (ت 270 هـ).
14 -
الربيع بن سليمان المرادي صاحب الشافعي (271 هـ).
15 -
يوسف بن سعيد بن مسلَّم المصيصي (ت 271 هـ).
16 -
سليمان بن سيف الطائي مولاهم أبو داود الحراني (ت 272 هـ).
17 -
عباس بن محمد الدوري البغدادي (ت 271 هـ).
18 -
أبو داود سليمان بن الأشعث السِّجِسْتاني (ت 275 هـ).
19 -
أبو حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرزاي (ت 277 هـ).
20 -
يعقوب بن سفيان الفسوي (ت 277 هـ).
21 -
ابن أبي خيثمة أحمد بن زهير النسائي البغدادي (ت 279 هـ).
22 -
إبراهيم بن الحسين بن علي بن ديزيل (ت 281 هـ).
23 -
إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت 285 هـ).
24 -
أحمد بن شعيب النسائي (ت 303 هـ).
وأمثالهم من حفاظ عصره.
ولقي جماعة آخرين دون أولئك ممن يجمع حديثهم ويُحتج بهم أمثال:
25 -
أحمد بن عبيد الله بن أبي رجاء الثَّغْري الطَرَسُوسِي المصِّيصِي (توفي في حدود 250 هـ).
26 -
أيوب بن إسحاق بن سافري (ت 260 هـ).
27 -
علي بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب العامري (ت 261 هـ).
28 -
على بن سهل الرملي (ت 261 هـ).
29 -
محمد بن إسحاق بن شَبُويه المروزي (ت 262 هـ).
30 -
إبراهيم بن أبي بكر بن أبي شيبة (ت 265 هـ).
31 -
محمد بن عبد الملك الدقيقي الواسطي (ت 266 هـ).
32 -
أحمد بن عبد الحميد الحارثي (ت 269 هـ).
33 -
إبراهيم بن مرزوق الأموي البصري (ت 270 هـ).
34 -
العباس بن الوليد بن مَزْيَد العُذْرِي (ت 270 هـ).
35 -
على بن عثمان النفيلي (ت 272 هـ).
36 -
أحمد بن عصام الأصبهاني (ت 272 هـ).
37 -
محمد بن عبيد الله بن المنادي (ت 272 هـ).
38 -
أبو أمية محمد بن إبراهيم بن مسلم الخزاعي الطرسوسي (ت 273 هـ).
39 -
محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ الكبير البغدادي نريل مكة (ت 276 هـ).
40 -
هلال بن العلاء بن هلال الباهلي الرقي (ت 280 هـ).
41 -
إسحاق بن إبراهيم بن عبَّاد الدَّبَري الصنعاني (ت 285 هـ).
42 -
عمر بن شَبَّة النُّمَيْري (ت 292 هـ).
وأضراب هؤلاء ممن يحتج بهم.
وهذان الضربان هم جل من روى عنهم أبو عوانة في هذا الكتاب.
وله رواية نادرة عن بعض الشيوخ الضعفاء والمتروكين، منهم: يزيد بن محمد بن يزيد بن سنان الرُّهاوي، ومحمد بن نَهَار بن أبي المُحَيَّاة، وأحمد بن محمد بن يحيى الحضرمي الدمشقي، والكُديمي محمد ابن يونس بن موسى.
وروى عن أبي محمد عبد الله بن محمد الأنصاري البلوي حديثًا واهيًا في زياداته على مسلم، وعلته البلوي.
ولوى حديثًا واحدًا عن أبي الأحوص إسماعيل بن إبراهيم أورده عنه موصولًا، ومعلقًا من طريق عمر بن مُدْرِك القاصّ، وكلاهما قد رميا بالكذب لكن لحديثهما عنده طرقًا أخرى صحيحة.
وثمة شيوخ للمصنِّف لم نظفر فيهم بجرح أو تعديل، منهم:
1 -
أبو القاسم عبد الله بن شعيب الحراني.
2 -
طاهر بن عمرو بن الربيع المصري.
3 -
أبو بكر محمد بن أحمد الذَّارع.
وقد ذكر الحافظ ابن حجر في نكته
(1)
أنّ من فوائد المستخرجات: "الحكم بعدالة من أخرج له فيه -أي صاحب المستخرج-، لأن المُخَرِّج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يُخَرِّج إلا عن ثقة عنده، فالرجال الذين في المستخرج ينقسمون أقسامًا:
أ- فمنهم من ثبتت عدالته قبل هذا المُخَرِّج، فلا كلام فيهم.
ب- ومنهم من طعن فيه غير هذا المُخَرِّج فينظر في ذلك الطعن إن كان مقبولًا فيقدم وإلا فلا.
جـ- ومنهم من لا يعرف لأحد قبل المخرج فيه توثيق ولا تجريح فتخريج من يشترط الصحة لهم ينقلهم من درجة من هو مستور إلى درجة من هو موثوق، فيستفاد من ذلك صحة أحاديثهم التي يروونها بهذا الإسناد ولو لم يكن في ذلك المستخرج والله أعلم".
وكلام الحافظ منطبق على كتاب أبي عوانة هذا لاشتراطه الصحة كما سيأتي في تسمية الكتاب إن شاء الله تعالى.
(1)
النكت (1/ 321).
المبحث الخامس: تلاميذه:
حدَّث عن أبي عوانة جماعة منهم:
1 -
إبراهيم بن إسحاق بن يوسف الأنصاري الأنماطي (ت 303 هـ)
(1)
.
2 -
أبو الحسن محمد بن محمد بن يحيى بن عامر الفقيه الصَّفار الإسفراييني (ت 345 هـ)
(2)
.
3 -
أبو الوليد حسان بن محمد بن أحمد النيسابوري الفقيه (ت 349 هـ)
(3)
.
4 -
أبو علي الحسين بن علي بن يزيد النيسابوري الحافظ (ت 349 هـ)
(4)
.
5 -
يحيى بن منصور بن يحيى قاضي نيسابور (ت 351 هـ)
(5)
.
6 -
سليمان بن أحمد الطبراني (ت 360 هـ)
(6)
.
(1)
انظر: التقييد لمعرفة السنن والمسانيد (8/ 312)، سير أعلام النبلاء (14/ 193)، طبقات المفسرين للداودي (1/ 7).
(2)
انظر: الأنساب للسمعاني (3/ 547).
(3)
انظر: وفيات الأعيان (6/ 393)، سير أعلام النبلاء (15/ 492)، مرآة الجنان لليافعي (2/ 343).
(4)
انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 51)، تاريخ بغداد (8/ 71).
(5)
انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 28)، العبر (2/ 293)، شذرات الذهب (3/ 9).
(6)
انظر: المعجم الصغير (2/ 130)، سير أعلام النبلاء (16/ 119).
7 -
أبو أحمد عبد الله بن عدي بن عبد الله الجرجاني (ت 365 هـ)
(1)
.
8 -
أحمد بن علي الحنفي الرازي الحافظ (ت 370 هـ)
(2)
.
9 -
أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني الإسماعيلي (ت 371 هـ)
(3)
.
10 -
الحسين بن علي التميمي النيسابوري حُسَيْنَك (ت 375 هـ)
(4)
.
11 -
أبو أحمد محمد بن أحمد بن حسين الغطريفي (ت 377 هـ)
(5)
.
12 -
وسمع منه ابنه أبو مصعب محمد، وابن ابنه شافع (ت 378 هـ).
وجماعة آخرون خاتمتهم ابن ابن أخته أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني، وقد أجاز له أبو عوانة ولجماعة معه بجميع كتبه ومسموعاته، وقد تقدم بيان ذلك في الكلام على أسرة أبي عوانة.
(1)
انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 154)، دول الإسلام (1/ 266)، طبقات الشافعية للسبكي (3/ 315).
(2)
سير أعلام النبلاء (16/ 340)، الفهرست لابن النديم (293)، الوافي بالوفيات (7/ 241).
(3)
انظر: معجم الإسماعيلي (2/ 796)، سير أعلام النبلاء (16/ 292).
(4)
انظر: تاريخ بغداد (8/ 74)، طبقات الشافعية للأسنوي (1/ 419)، سير أعلام النبلاء (14/ 419، 16/ 407).
(5)
انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 419)، تذكرة الحفاظ (3/ 971)، لسان الميزان (5/ 35).
المبحث السادس: مكانته العلمية وثناء العلماء عليه:
أبو عوانة إمام أطبق العلماء على إمامته وجلالته، والثناء عليه فمن ذلك:
قول الحاكم أبي عبد الله فيه: "من علماء أصحاب الحديث وأثباتهم، ومن الرحالة في أقطار الأرض لطلب الحديث"
(1)
.
وقال السمعاني: "من مشاهير المحدثين أبو عوانة يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم بن يزيد الإسفراييني الحافظ، أحد حفاظ الدنيا، ومن رحل في طلب الحديث وعني بجمعه وتعب في كتابته .. وكان زاهدًا عفيفًا متعبدًا متقللًا"
(2)
.
وقال ياقوت الحموي: "أحد الحفاظ الجوالين
…
وكان من أهل الاجتهاد والطلب والحفظ"
(3)
.
وقال ابن خَلِّكَان: "كان أبو عوانة أحد الحفاظ الجوالين المكثرين"
(4)
.
وأثنى عليه الذهبي في كتبه، فقال في التذكرة:"الحافظ الثقة الكبير"
(5)
.
وقال في العبر: "وكان مع حفظه فقيهًا شافعيًا إمامًا"
(6)
.
(1)
انظر: التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد (2/ 316).
(2)
الأنساب (1/ 143).
(3)
معجم البلدان (1/ 211).
(4)
وفيات الأعيان (6/ 393).
(5)
تذكرة الحفاظ (3/ 779).
(6)
العبر (1/ 473).
وقال في السير: "الإمام الحافظ الكبير الجوَّال
…
أكثر الترحال، وبرع في هذا الشأن، وبذَّ الأقران"
(1)
.
وذكره فيمن يعتمد قوله في الجرح والتعديل
(2)
.
وقال اليافعى: "كان مع حفظه فقيهًا شافعيًّا"
(3)
.
وقال السبكي: "الحافظ الكبير الجليل"
(4)
.
وقال الإسنوي: "كان إمامًا كبيرًا، عالمًا، حافظًا، رحالًا إلى الآفاق"
(5)
.
وقال ابن كثير: "كان من الحفاظ المكثرين والأئمة المشهورين"
(6)
.
وقال ابن تغري بردي: "الحافظ المحدث، كان إمامًا، طاف البلاد
…
وكان زاهدًا عابدًا رضي الله عنه"
(7)
.
وقال ابن العماد: "ثقة جليل .. وكان مع حفظه فقيهًا شافعيًّا إمامًا"
(8)
.
(1)
السير (14/ 417).
(2)
ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل ص: (50).
(3)
مرآة الجنان (2/ 269).
(4)
طبقات الشافعية الكبرى (3/ 487).
(5)
طبقات الشافعية (2/ 203 - 204).
(6)
البداية والنهاية (11/ 170).
(7)
النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة (3/ 250).
(8)
شذرات الذهب (2/ 274).
المبحث السابع: عقيدته:
كان -رحمه الله تعالى- على العقيدة السلفيَّة: عقيدة أهل السنَّة والجماعة في جميع أبواب الاعتقاد.
ومن أظهر الأدلة على عقيدته تراجمه المفصَّلة لأبواب العقيدة، في كتاب الإيمان، وقد عقد -رحمه الله تعالى- أبوابًا في الردِّ على الجهمية في نهاية كتاب الإيمان مما يدلُّ على أنه لم يكن معتقدًا لعقيدة السلف فحسب؛ بل كان داعيةً إليها، غيورًا عليها، منافحًا عنها، بدأ بتراجم كتاب الإيمان، فترجم في الباب الأول لإثبات القدر وشرائع الإيمان، وفيه: الردُّ ضمنًا على أوَّل بدعة ظهرت في الإسلام وهي: نفي القدر.
ثم ترجم -من الباب الثاني إلى الباب السابع والعشرين- لماهية الإسلام والإيمان ومستلزماتهما، ومسائل الإيمان من أنّه قول وعمل واعتقادٌ، وأنّه يزيد وينقص، وبيان المعاصي التي يخرج صاحبها من الإيمان حال ارتكابها، وبيان الأعمال والأخلاق التي تُضَاد الإيمان، ونحو ذلك من مسائل الإيمان.
ثم أشار -رحمه الله تعالى- في الباب الثامن والعشرين والباب التاسع والعشرين -إلى عقيدة أهل السنة والجماعة فيمن يدخل الجنة، وضمَّنها إثبات الشفاعة للنبي صلى الله عليه وسلم التي تنكرها بعض الطوائف المخالفة لأهل السنة والجماعة.
وفي الباب الثلاثين إلى الباب الثاني والثلاثين ترجم لأشراط الساعة،
والأمور التي تسبق أهوال القيامة وهي من المغيَّبات التي يؤمن بها أهل السنة والجماعة.
ثم تعرَّض -في الباب الثالث والثلاثين والرابع والثلاثين- لصفة مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وأحواله قبل البعثة، ونشأته صلى الله عليه وسلم وما كان فيها من أحوال وأمورٍ أهَّلته صلى الله عليه وسلم للنبوة، وتلقي الرسالة من غسل قلبه صلى الله عليه وسلم بماء زمزم، ثم ذكر الإسراء والمعراج وما لقي في السموات من الأنبياء، وفرض الصلوات، وغير ذلك.
ثمَّ ابتدأ -من الباب الخامس والثلاثين إلى نهاية كتاب الإيمان- بعقد أبوابٍ في الردِّ على الجهمية أثبت -من خلالها- عقيدة أهل السنة والجماعة في الجنة والنار وأنهما مخلوقتان موجودتان وإثبات عذاب القبر، ونحوها من المغيَّبات.
وعقيدتهم في الأسماء والصفات من أنهم يثبتون لله عز وجل ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير توهُّم تشبيه أو تكييف، ومن غير تعطيل أو تأويل.
ثم تعرَّض ضمن تراجمه في تلك الأبواب لمسألة رؤية الله سبحانه وتعالى في الآخرة، ولشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والمؤمنين، وصفة الشفاعة، ومن يستحقُّها، وصفة الصراط، ومن يخرج من النار، ومن يخلَّد فيها، ونحو ذلك مما تجده في تلك الأبواب المشار إليها.
وتلك التراجم التي أثبت فيها اعتقاد أهل السنة والجماعة في تلك
المسائل، شملت -ضمنًا- الردَّ على ألوانٍ من البدع التي خالف أصحابها أهل السنة والجماعة، كالقدرية، والمرجئة، والجهمية، والمعتزلة، والخوارج ومن سلك مسلكهم.
كلُّ منصفٍ يتأمَّل تراجمه وعباراته يجزم بأنَّه -رحمه الله تعالى- كان على عقيدة صحيحة نقية من الشوائب والبدع.
ومما يدل على ذللث أيضا مقدمته للكتاب فقد قال في مستهل كتابه: "وسمعت بعض أصحابنا يذكر هذا التحميد، فقال: الحمد لله الذي ابتدأ الخلق بنعمائه، وتغمَّدهم بحسن بلائه، فوفق كلَّ امرئٍ منهم في صباه على طلب ما يحتاج إليه من غذائه، وسخَّر له من يكلؤه إلى وقت استغنائه، ثم احتجَّ على من بلغ منهم بآلائه وأعذر إليهم بأنبيائه، فشرح صدر من أحبَّ هداه من أوليائه، وطبع على قلب من لم يُرِدْ إرشاده من أعدائه، الذي لم يزل بصفاته وأسمائه الذي لا يشتمل عليه زمان، ولا
يحيط به مكان، ثم خلق الأماكن والأزمان، {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}
(1)
، فقدَّرها أحسن تقدير، واخترعها عن غير نظير، لم يرفعها بعَمَدٍ، ولم يستعن عليها بأحد، زيَّنها للنَّاظرين، وجعل فيها رجومًا للشياطين، فتبارك الله أحسن الخالقين، تعالى عن أن يُطْلَقَ في وصفه آراء المتكلِّفين، أو أن يُحَكَّمَ في
(1)
سورة فصّلت - الآية (11).
دينه أهواء المقلِّدين، فجعل القرآن إمامًا للمتَّقين، وهدى للمؤمنين، وملجأ للمتنازعين، وحاكمًا بين المختلفين، ودعا أولياءه المؤمنين إلى اتِّباع تنزيله، وأمر عباده عند التَّنارع في تأويله بالرجوع إلى قول رسوله صلى الله عليه وسلم، بذلك نطق محكم كتابه، إذ يقول جلَّ ثناؤه:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا}
(1)
.
أحمده حمدًا يبلغ رضاه، ويَحْتبِس آلاه، ويكافي نعماه، وأستعينه على رعاية ما استحفظنا من ودائعه، وحفظ ما استودعنا من شرائعه، وأؤمن به إيمان من أخلص عبادته، واستشعر طاعته، وأتوكل عليه توكل من انقطع إليه، ثقةً به، ورغبةً فيما لديه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة معترفٍ له بالربوبية والتوحيد، مقرٍ له بالعظمة والتمجيد، خائفٍ من إنجاز ما قُدِّم إليه من الوعيد، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، اصطفاه لنفسه وليًّا، وارتضاه لخلقه نبيًّا، فوجده على حفظ ما ضَمَّنه قويًّا، وبأداء ما استودعه مليًّا، وبالدعاء إلى ربه حَفيًّا، متوقِّفًا عند ورود المشكلات، مشمِّرًا عند تجلِّى الشبهات، لا يرعوي لمن عذله، ولا يلوي على من خذله، ولا يطيع غير من أرسله، يصدع بالأمر، ويطفي نار الكفر لم تأخذه في الله لومة لائم.
(1)
سورة النساء - الآية (59).
وإنَّ فَرْضَ الله اتباع أمر رسوله، والتسليم لحكمه، فإن الله لم يجعل لأحد بعده إلَّا اتباعه، وأنه لا يلزم قولٌ بكل حالٍ إلا بكتاب الله عز وجل أو سنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأنَّ ما سواهما تَبَعٌ لهما، وأنَّ فَرْضَ الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"
(1)
.
فهذا التحميد فيه الإيمان بربوبية الله، فهو الخالق الرازق المدبِّر المسخِّر
…
، والإيمان بألوهية الله عز وجل، والتسليم لأمره، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وردِّ الأمر عند التنارع إلى شرع الله لا في اتباع الرأي والهوى.
وفيه أيضًا الإيمان بأسماء الله وصفاته، فالله مستوٍ على عرشه، بائن من خلقه استواءً يليق بجلاله وعظمته.
وأن فرض الله اتباع أمر رسوله، والتسليم لحكمه، فإن الله لم يجعل لأحد بعده إلَّا اتباعه، وأنه لا يلزم قولٌ بكلِّ حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما سواهما تبعٌ لهما ....
إلى غير ذلك مما يستنبط من هذا التحميد مما عليه أهل السنة والجماعة.
ومما يدل على نقاء اعتقاده رحمه الله ونصرته لعقيدة أهل السنة ما أورده الذهبي في ترجمة أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي البصري حيث قال: "قال أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني -ابن أخت
(1)
انظر: مقدمة المصنف: (1/ 18).
أبي عوانة
(1)
-: سمعت أبي يقول لأبي علي النيسابوري الحافظ: دخلت أنا وأبو عوانة البصرة، فقيل: إنَّ أبا خليفة قد هُجِر، ويُدَّعى عليه أنه قال: القرآن مخلوقٌ. فقال أبو عوانة: يا بُنيَّ! لا بدَّ أن ندخل عليه. قال: فقال له أبو عوانة: ما تقول في القرآن؟ فاحمرَّ وجهه وسكت. ثم قال: القرآن كلام الله غير مخلوق. ومن قال مخلوق، فهو كافر، وأنا تائب إلى الله من كل ذنب إلا الكذب، فإني لم أكذب قط، أستغفر الله.
قال: فقام أبو عليِّ إلى أبي فقبل رأسه. ثم قال أبي: قام أبو عوانة إلى أبي خليفة، فقبَّل كتفه"
(2)
.
ونحو هذا ما ذكره -أيضًا- عن الحكم قال: سمعت يحيى بن منصور القاضي يقول: سمعت أبا عوانة رحمه الله يقول: دخلت على أبي إبراهيم المزني في مرضه الذي مات فيه فقلت له: ما قولك في القرآن؟ قال: كلام الله غير مخلوق. فقلت: هلا قلت هذا قبل هذا؟! قال: لم يزل هذا قولي فيه لأنَّ الشافعي كان ينهانا عن الكلام فيه -يعني البحث والجدال في ذلك-
(3)
.
وهكذا يكون أثر العلم على أهله إذ جعلوا كتاب الله وسنة نبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم نورًا وإمامًا، واتبعوا ولم يبتدعوا.
(1)
كذا في السير، وهذا خطأ، والصواب أن عبد الملك ابن ابن أخت أبي عوانة، فلعل "ابن" الثانية ساقطة، وقد ذكره الذهبي على الصواب في موضع آخر من سيره (14/ 419)، وقال عنه أيضًا في (17/ 71) حدث عن خال أبيه الحافظ أبي عوانة.
(2)
السير (14/ 10).
(3)
انظر: مختصر العلو (233).
المبحث الثامن: دراسة فقه المصنف من خلال تراجم أبوابه:
لم تقف شخصية أبي عوانة عند معرفة الحديث وحفظه وروايته، بل اتسعت دائرته العلمية إلى ما هو أكثر من ذلك، فقد كان مع حفظه رحمه الله فقيها مجتهدا، ولا شك أن هذا يعد من الخصال العزيزة التي قل أن تجتمع في عالم واحد، أعني الجمع بين الفقه والحديث على وجه التوسع، حتى قال الإمام الشافعي رحمه الله لأحد تلامذته:"تريد أن تحفظ الحديث وتكون فقيها؟ هيهات، ما أبعدك من ذلك"
(1)
.
قال البيهقي رحمه الله معلِّقًا على قولِ الشافعي: إنما أراد به حفظه على رسم أهل الحديث، من حفظ الأبواب والمذاكرة بها وذلك علم كثير، إذا اشتغل به فربما لم يتفرغ إلى الفقه .. "
(2)
.
لكن الله تبارك وتعالى قد منّ بهذا على خلق من عباده، كان منهم الحافظ أبو عوانة رحمه الله.
وقد مرَّ الإمام أبو عوانة رحمه الله بمراحل في تعلم الفقه والإمامة فيه.
فأما المرحلة الأولى: فهى التفقه بفقه الشافعي وأخذه عن كبار أصحاب الشافعي، فسمع كتب الشافعي من إسماعيل بن يحيى المزني
(3)
(1)
مناقب الشافعي للبيهقي (2/ 152).
(2)
المصدر نفسه.
(3)
انظر: ترجمته في السير (12/ 492).
صاحب المختصر، والربيع بن سليمان المرادي
(1)
، وكانا من كبار تلاميذ الشافعي والآخذين عنه
(2)
.
ولما عاد أبو عوانة إلى إسفرايين؛ أظهر هناك فقه الشافعي ونشره بين الناس، وعده المؤرخون أول من أدخل فقه الشافعي إلى تلك الناحية، كما نص على ذلك الذهبي
(3)
، والسبكي
(4)
، والسخاوي
(5)
وغيرهم.
ومن خلال النظر إلى هذه المرحلة وكونها أخذت حقبة من الزمن من حياة الإمام أبي عوانة رحمه الله، نجد عناية أئمة الشافعية بشخصيته واعتباره من فقهائهم وأئمة المذهب عندهم، فقد نص غير واحد من الأئمة على انتسابه إلى المذهب الشافعي:
قال الذهبي: "وكان مع حفظه فقيها شافعيًّا إمامًا"
(6)
.
كذا قال اليافعي
(7)
وابن العماد
(8)
وغيرهم، وترجم له في كتب
(1)
انظر: ترجمته في تهذيب الكمال (9/ 87).
(2)
انظر: السير (14/ 420).
(3)
انظر: السير (14/ 420).
(4)
انظر: طبقات الشافعية الكبرى (2/ 487).
(5)
انظر: الإعلان بالتوبيخ (ص 190).
(6)
انظر: العبر في أخبار من غبر (1/ 473).
(7)
انظر: مرآة الجنان (2/ 269).
(8)
انظر: شذرات الذهب (4/ 80).
طبقات الشافعية
(1)
، والحافظ ابن حجر يذكره ضمن فقهاء الشافعية
(2)
.
وأما المرحلة الثانية: فهي بلوغ أبي عوانة رحمه الله درجة الإمامة وحسن النظر في الأدلة، التي من خلالها استطاع أن يستنبط الأحكام من الأحاديث، ومما يدل على ذلك صنيعه في تراجم أبواب كتابه المستخرج، التي أبانت عن فقه وحسن نظر في الأحاديث ودلالاتها، ولذلك تعددت اختياراته رحمه الله، فتارة يوافق الجمهور، وتارة يخالفهم، وتارة يوافق الإمام الشافعي ويتأثر بمذهبه، وتارة يخالفه.
وهذا كله بحسب الاجتهاد في كل مسألة بالنظر للأدلة والنصوص.
ولتقرير ذلك نحتاج إلى عرض جملة من الأبواب والتراجم ليظهر للقارئ فقه أبي عوانة في تراجمه في المستخرج:
أولًا: الأبواب المتعلقة بالأحكام الفقهية.
ثانيًا: الأبواب المتعلقة بالعقائد والآداب والفضائل وغيرها.
أما ما يتعلق بالأحكام الفقهية فيمكن تقسيمه قسمين:
(1)
انظر: طبقات الفقهاء الشافعية لابن الصلاح (2/ 679)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (3/ 487 - 488)، طبقات الشافعية للأسنوي (2/ 203 - 204)، طبقات الفقهاء الشافعيين لابن كثير (1/ 235 - 236)، طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (1/ 104).
(2)
انظر: الفتح (9/ 12).
القسم الأول: الاختيارات التي وافق فيها أبو عوانة رحمه الله مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، ومن الأمثلة على ذلك:
ذكر أبو عوانة رحمه الله في كتاب البيوع أنه لا يجوز بيع الثمر حتى يبدو صلاحه
(1)
وهو:
1 -
في النخل وما شابهه من الثمار أن تحمر أو تصفر أو يطيب أكله.
2 -
في الزرع حتى يبيضّ، ويأمن العاهة.
قال الشافعي رحمه الله: "ولا يحل بيعه قبل أن يبدو صلاحه"،
وقال مبينا معنى الصلاح كما جاء في الحديث: "أن يحمر ويصفرّ"، ثم بين بدوّ الصلاح في كل ثمرة
(2)
، ثم ذكر أبو عوانة مسألة لها تعلق بهذه المسألة، وهي بيع الزرع قبل أن يسنبل بأنه يجوز إذا أراد قطعه في الحال، وقد نص على هذا الإمام الشافعي
(3)
.
وقال رحمه الله باب حظر بيع المعاومة
(4)
، فبين أبو عوانة -
(1)
انظر: باب حظر الثمر حتى يبدو صلاحها واستواؤها (تبويب حديث 5439)، وباب بيان تفسير بدو الصلاح في الثمرة، وأنه لا يحل بيعها حتى يؤكل منها، وعن بيع النخل حتى يحرز (تبويب حديث 5446)، وبيان حظر بيع السنبل حتى يبْيضّ، ويأمن العاهة (تبويب حديث 5458).
(2)
انظر: كتاب الأم (3/ 58) في كتاب البيوع، باب القت الذي يحل فيه بيع الثمار.
(3)
المرجع السابق (3/ 82)، باب بيع القمح في سنبله.
(4)
انظر: باب حظر بيع المعاومة (تبويب حديث 5522).
رحمه الله أنَّ هذا البيع ممنوعٌ لما فيه من الغرر، والجهالة، وبه قال الشَّافعي
(1)
.
قال أبو عوانة رحمه الله: "بيان الحكم في نفقة المرأة على زوجها إذا حبسها عنها، والإباحة لها أخذها من ماله بالمعروف ولولدها من غير علمه"
(2)
، وهذا مذهب الشافعي
(3)
.
قال أبو عوانة رحمه الله: "وبيان حظر أخذ الإبل الضوال، والدليل على أنّه إنْ أخذها وجب ردُّها على صاحبها، وإنْ ذهبت منه أو استهلكها وجب عليه ردُّ قيمتها عليه، وعلى أَنّ البعير إذا كان بمهلكة لا ماء عنده جاز له أخذه ليردّه على صاحبه
…
"
(4)
.
قال الشافعي رحمه الله: "وإذا وجد الرجل ضالة الإبل لم يكن له أخذها، فإن أخذها ثمّ أرسلها حيث وجدها فهلكت، ضمن لصاحبها قيمتها
…
"
(5)
.
ومن ذلك قوله رحمه الله في كتاب الصيد: "باب بيان إباحة صيد
(1)
انظر: الأم (3/ 105) في كتاب البيوع، باب بيع الآجال.
(2)
انظر: الباب الثاني من كتاب الأحكام (تبويب حديث 6829).
(3)
انظر: الأم (5/ 145).
(4)
انظر: الباب العاشر من كتاب الأحكام (تبويب حديث 6890).
(5)
الأم (4/ 84).
دواب البحر .... "
(1)
.
فهذا التبويب من المصنف يدل على أنه يذهب إلى جواز صيد دواب البحر مطلقا، حيث لم يخص بكلامه دابة من دابة، وهو مذهب الإمام الشافعي الذي نص عليه في كتاب الأم: قال رحمه الله: "كل ما كان يعيش في الماء من حوت أو غيره بم فأخذه ذكاته"
(2)
.
القسم الثاني: الاختيارات التي خالف فيها أبو عوانة رحمه الله مذهب الإمام الشافعي رحمه الله.
فقد كان يجتهد في بعض المسائل، وربما كان ذلك خلاف قول الشافعي ومذهبه، وهذه بعض أمثلةٍ على ذلك:
1 -
ترجم في الباب الثاني من كتاب الطهارة بإيجاب حلق العانة، وقص الشارب، وتقليم الأظفار، وقف الإبط، والتوقيت فيها، ومنه الختان، والسواك، وغسل البراجم وانتقاص الماء. والشافي -رحمه الله تعالى- لا يقول بالوجوب في بعض ذلك كنتف الإبط، وتقليم الأظفار، كما أشار إليه النووي رحمه الله في شرح مسلم
(3)
.
(1)
انظر: تبويب حديث (8058).
(2)
الأم: (2/ 359، 2/ 321)، وهذا الذي نقلته عن الشافعي من حل جميع صيد البحر؛ هو أصح الأقوال عند الشافعية، نص عليه شيخ المذهب النووي رحمه الله، انظر: روضة الطالبين (2/ 542)، والمجموع شرح المهذب (9/ 33)، كلاهما للنووي.
(3)
انظر: شرح صحيح مسلم للنووي (3/ 148 - 149)، والمجموع (1/ 283 - 309).
وقال رحمه الله في كتاب الصلاة باب: "الدليل على إجازة صلاة الشاك فيها إذا كان أكثرُ وَهْمِه أنه الصواب، وإن لم يرجع إلى يقينه، إذا سجد سجدتي السهو، وصفة سجوده، وأنه يسجدهما بعد ما يسلم"
(1)
.
فخالف الشافعية هنا في مسألتين:
الأولى: العمل إذا شك المصلي، فعندهم (وكذلك الجمهور) الواجبُ هو الرجوعُ إلى اليقين، ولا يجزؤه التحَرِّي.
الثانية: موضع سجود السهو، فعند الشافعية سجود السهو كله قبل السلام.
والمصنف يوافق الإمام أحمد في كلتا المسألتين المذكورتين
(2)
.
وقال أيضًا: "باب إيجاب سجدتي السهو على الساهي في صلاته، وعلى من زاد فيها أو نقص"
(3)
.
فالقول بوجوب سجود السهو هو مذهب الحنفية، وليس بواجب عند الشافعية
(4)
.
(1)
انظر: تبويب حديث (1961).
(2)
انظر: الأم (1/ 154 - 155)، باب سجود السهو، الاستذكار (4/ 363 - 364)، مختصر خلافيات البيهقي (2/ 187).
(3)
انظر: تبويب حديث (1984).
(4)
انظر: مختصر الخلافيات (2/ 195).
وقال أيضًا في الباب السابق: "الدليل على أن المصليَ إذا رجع إلى اليقين بأنه زاد في صلاته ركعة، سجد سجدتي السهو بعد ما يسلم .... "
(1)
.
فخالف الشافعيةَ في موضع السجود -كما سبق-.
وقول المصنف هنا أقرب إلى مذهب الحنابلة
(2)
.
وقال أيضًا: "باب وجوب صلاة الكسوف"
(3)
.
فخالفَ الشافعيةَ -بل الجمهورَ- بالقول بالوجوب، قال الحافظ ابن حجر في مشروعية صلاة الكسوف:"وهو أمر متفق عليه، لكن اخْتُلِفَ في الحكم وفي الصفة، فالجمهور على أنها سنةٌ مؤكدةٌ، وصرَّح أبو عوانة في (صحيحه) بوجوبها، ولم أَرَه لغيره إلا ما حكي عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعةِ، ونقل الزينُ ابنُ المُنَيِّر عن أبي حنيفة أنّه أَوْجَبَها، وكذا نقل بعضُ مصنفي الحنفية أنها واجبة"
(4)
.
(1)
انظر: تبويب حديث (1984).
(2)
انظر: الأوسط (3/ 285 - 287).
(3)
انظر: تبويب حديث (2483).
(4)
فتح الباري (2/ 612).
تنبيه: ما نقله ابنُ المنيّر عن أبي حنيفة رحمه الله من إيجاب صلاة الكسوف هو قولُ بعضِ مشايخهم، وأما الأصح عند الحنفية فكونها سنة.
انظر: (تحفة الفقهاء) لعلاء الدين السمرقندي (1/ 296)، حاشية الشلبي على (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق)(1/ 228)، البناية في شرح الهداية (3/ 158).
وقال أبو عوانة رحمه الله في كتاب الأحكام: "
…
بيان الخبر الدال على إبطال الحكم بقول السكران وما يلفظ ويقرُّ به على نفسه .... "
(1)
.
خلافًا لما ذهب إليه الشافعي، قال الشافعي: "
…
ولو شرب رجل خمرًا أو نبيذًا مسكرًا، فسكر لزمه ما أَقرَّ به"
(2)
.
وقال -أيضًا-: "ومن شرب خمرًا أو نبيذًا فأسكره فطلّق لزمه الطلاق والحدود كلها
…
"
(3)
.
وقد وافق المصنفُ في ذلك الحنابلة
(4)
.
ثانيًا: فقهه واستنباطاته في أبواب العقائد والأحكام والآداب والفضائل وغيرها.
ظهر في تراجم الإمام أبي عوانة رحمه الله عنايته بدلالة الأحاديث وتعظيمه لها، مع وضوح في العبارة وصراحة في الدلالة، وهذا غالب في تراجمه رحمه الله.
ومن ذلك قوله رحمه الله في كتاب فضائل القرآن: باب ثواب الماهر بالقرآن والحافظ له
…
(5)
، وساق تحته حديث عائشة رضي الله عنها
(1)
انظر: الباب السابع عشر من كتاب الأحكام (انظر: تبويب حديث 6918).
(2)
الأم (3/ 269).
(3)
الأم (5/ 364).
(4)
انظر: المغني (7/ 263)، الإنصاف (12/ 132).
(5)
انظر: تبويب حديث (4239).
عن النبي صلى الله عليه وسلم "الذي يقرأ القرآن وهو ماهر مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن -قال هشام: وهو عليه شديد. وقال شعبة: وهو عليه شاق. فله أجران"
(1)
.
وقوله في كتاب صلة الأرحام باب بيان ثواب المتحابين في الله عز وجل
(2)
، وساق حديث أبي هريرة، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي"
(3)
.
ومما تجدر الإشارة إليه في خاتمة هذا المبحث التنبيه على حسن ترتيب الأبواب واندراج الأحاديث تحتها مما يساعد على معرفة الأدلة التي من أجلها استخلص الإمام أبو عوانة رحمه الله الحكم في الترجمة:
فمن ذلك قوله في كتاب الأمراء: "بيان حظر طلب الإمارة والاستشراف لها، والدليل على إباحة الدخول فيها إذا قلدها من غير سؤال، وأن الإمام يجب عليه منعها من يسألها أو يحرص عليها"
(4)
.
فهذا التبويب من المصنف قد اشتمل على أحكام واضحة لا تحتاج
(1)
انظر: حديث (4239).
(2)
انظر: تبويب حديث: (11199).
(3)
انظر: حديث (11199).
(4)
انظر: تبويب حديث (7447).
إلى شرح وبيان، وقد استدل لها المصنف بأحاديث عدة ساقها بأسانيده من طرق متعددة، منها حديث عبد الرحمن بن حمرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة، فإنك إن أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها"
(1)
.
ومنها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أنا ورجلان من بني عمي، فقال أحد الرجلين: أمّرنا على بعض ما ولاك الله، وقال الآخر مثل ذلك، فقال: "إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله، ولا أحدا حرص عليه".
(2)
وفي رواية أخرى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ولكن يا أبا موسى، اذهب إلى اليمن أميرا".
(3)
فأنت ترى أن الأحاديث التي أوردها المصنف واضحة الدلالة على ما بوب له من أحكام.
ومن ذلك أن أبا عوانة قد يعقد ترجمة تفيد حكما شرعيًّا، ويستدل لها بجملة من الأحاديث، ثم يعقد ترجمة أخرى بعدها، ويجعلها مخصصة للترجمة الأولى، ويسوق تحتها جملة من الأحاديث المخصصة للأحاديث
(1)
انظر: حديث (7447).
(2)
انظر: حديث (7457).
(3)
انظر: حديث (7458).
الواردة في الباب السابق، مما يدل على حسن تصرفه، وتفننه في إيراد التراجم للأبواب، فمن ذلك قوله في كتاب الأمراء:"بيان الأخبار الموجبة على الرعية فرضًا طاعة من يؤمر عليها، عبدا كان الأمير أو غيره".
(1)
ثم ساق المصنف تحت هذه الترجمة جملة من الأحاديث الدالة على فرضية طاعة الأمراء كحديث أم حصين الأحمسية قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن استعمل عليكم عبد حبشي يأخذكم بكتاب الله، فاسمعوا وأطيعوا"
(2)
.
وحديث أبي ذر صلى الله عليه وسلم قال: "أوصاني خليلي أن أسمع وأطيع ولو لعبد مجدّع الأطراف"
(3)
.
ثم لما فرغ المصنف من هذا الباب؛ قال: "بيان الأخبار المبيحة ترك طاعة الأمير إذا أمر بمعصية، ووجوب طاعته في جميع ما يدعو إليه من إجابته واتباعه في غير معصية"
(4)
، فأنت تلاحظ أن هذا التبويب مخصص للتبويب السابق، لأن السابق يفيد وجوب طاعة الأمير مطلقا، بينما هذا التبويب يخص الوجوب بما لم يؤمر الأمير بمعصية، فحين ذاك لا تجب طاعته، بل تحرم.
(1)
انظر: تبويب حديث (7538).
(2)
انظر: حديث (7538)، (7541).
(3)
انظر: حديث (7542)، (7545).
(4)
انظر: تبويب حديث (7549).
ثم استدل المصنف لهذا التخصيص بما ساقه من طرق عدة عن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السمع والطاعة على المرء فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة"
(1)
.
وكذا استدل بما أسنده من طرق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من الأنصار على جيش، وأمرهم أن يطيعوه، فأجج لهم نارًا، وأمرهم أن يقتحموها، فهم قوم أن يفعلوا، وقال آخرون: إنما فررنا من النار، فأبوا، ثم قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لو وقعوا فيهما ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف"
(2)
.
ودلالة الأحاديث على ما ذهب إليه المصنف من التخصيص صريحة، مما لا يحتاج إلى إيضاح وشرح.
ومن ذلك أن المصنف إذا بوّب لحكم شرعي، وكانت الأدلة الدالة عليه تفيد جوازه بشرط أو قيد فإنه يذكره في التبويب ولا يهمله، مما يؤكد دقة فهم المصنف لما يرويه من النصوص.
فمن ذلك قوله: "بيان الخبر المبيح مسابقة الخيل المضمّرة وغير
(1)
انظر: حديث (7549).
(2)
انظر: حديث (7553).
المضمّرة، إذاكان مبدأها ومنتهاها معلومة"، ثم استدل على هذا بما أخرجه من طرق عدة عن ابن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم: "سابق بين الخيل التي قد أضمرت من الحفياء، وكان أمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر، من الثنية إلى مسجد بني زريق، وأن ابن عمر كان ممن سابق بها".
فهذا النص أفاد جواز المسابقة بين الخيل، لكن بشرط، وهو ما ذكره المصنف بقوله:"إذا كان مبدأها ومنتهاها معلومة"، أي إنه لا بد أن تكون المسافة محددة، وأن يكون لابتداء عدو الخيل وآخره غاية معلومة، لأن الغرض هو معرفة الأسبق منها، ولا يعلم ذلك إلا بتساويها في الابتداء والغاية.
والحاصل: أن المصنف رحمه الله قد أفاد كل ذلك من خلال التبويب الذي وضعه للمسألة، وإن شئت أن تعرف دقة تبويب المصنف رحمه الله، فقارن بين تبويبه الذي وضعه لهذه المسألة، وبين تبويب الإمام النووي الذي وضعه لها في صحيح مسلم، فقد قال النووي رحمه الله مبوبا لحديث ابن عمر في المسابقة:"باب مسابقة بين الخيل وتضميرها"
(1)
، بينما قال المصنف:"بيان الخبر المبيح مسابقة الخيل المضمرة وغير المضمرة، إذا كان مبدأها ومنتهاها معلومة"، فالنووي رحمه الله لا نستطيع من
(1)
انظر: صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب المسابقة بين الخيل وتضميرها:(3/ 1491).
خلال تبويبه السابق أن نعرف حكم المسابقة بين الخيل، فضلا عن الشرط اللازم فيها، على حين أن تبويب أبي عوانة قد تكفل ببيان حكم المسألة وشرطها بغاية الصراحة والوضوح.
وكذلك نجده رحمه الله يتفنن في دقة الاستنباط من الحديث.
ومن ذلك: قوله في كتاب فضائل القرآن: باب ذكر الخبر الموجب لاستذكار القرآن ودراسته، وأن حامله إذا قام به فقرأه بالليل والنهار ذكره، وإن لم يقم به نُسِّيه، والدليل على أنه إذا غفل عن تعاهده نُزِعَ منه
(1)
.
وساق حديث ابن مسعود رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: "تعاهدوا القرآن، فإنه أشد تَفَصِّيًا من صُدُورِ الرجال مِنَ النَّعَمِ مِنْ عُقُلها، بِئْسَ ما لأَحَدِهم أن يقولَ: نَسِيتُ آية كيتَ، كيتَ"
(2)
.
وقوله في كتاب القدر: "باب الخبر الدال على أنَّ المولود يولد على الخلقة التي قدره الله عليه في سابق علمه، وإنه إن كان في القدر المقدور سعيدا؛ لا يضره تهويد أبويه، ولا تنصيرهما إياه، ويختم الله له بما قدر عليه، وإنه إن كان الله قدر عليه في سابق علمه الشقاء؛ لم ينفعه إسلام أبويه، وختم له بالشقاء
…
(3)
. وساق حديث أبي هريرة: "كل مولود يولد على
(1)
انظر: تبويب حديث (4251).
(2)
انظر: حديث (4251).
(3)
انظر: تبويب حديث (11669).
الفطرة .... " الحديث
(1)
.
وهذا المذهب الذي سلكه المصنف رحمه الله؛ هو المذهب الحق الذي قال به أئمة السنة، كالأوزاعي، ومالك، وأحمد .. وغيرهم
(2)
.
(1)
انظر: حديث (11669).
(2)
انظر: أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (3/ 563)، شفاء العليل (ص 561)، المسائل والرسائل عن الإمام أحمد (1/ 181).
المبحث التاسع: أبو عوانة والنقد:
لم يكن رحمه الله راويًا ومحدثًا يروى الحديث فقط، بل كان ناقدًا بصيرا في الرجال، وعلل الحديث، ولا يتمكن في هذا الفن إلا الحفاظ المهرة الحافظون لطرق الحديث والعارفون لأحوال الرجال، الجامعون لأحاديث الأئمة. قال شيخه الإمام الحافظ الناقد عثمان بن سعيد الدارمي، في المقومات التي تؤهل المحدث في نظره: من لم يجمع حديث شعبة، وسفيان، ومالك، وحماد بن زيد، وابن عيينة، فهو مفلس في الحديث
(1)
.
قال الإمام الذهبي: يريد أنه ما بلغ درجة الحفاظ، وبلا ريب أن من جمع علم هؤلاء الخمسة، وأحاط بسائر حديثهم، وكتبه عاليا ونازلًا، وفهم علله، فقد أحاط بشطر السنة النبوية، بل أكثر من ذلك
…
فلو أراد أحد أن يتتبع حديث الثوري وحده ويكتبه بأسانيد نفسه على طولها وبيبن صحيحه من سقيمه لكان يجيئ (مسنده) في عشرة مجلدات
…
اهـ. مختصرا
(2)
.
قلت: والإمام أبو عوانة قد عمل بمقولة شيخه وطبقها فأفنى حياته في جمع حديث هؤلاء وترك وطنه ورحل، حتى شهد له غير واحد من الأئمة
(1)
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (1/ 356).
(2)
السير (13/ 323).
الأعلام بذلك
(1)
. وقد صرح بذلك في وصيته
(2)
.
وقد حكم على الحديث وبين العلل بإشارات لطيفة، وتكلم في الرجال ونقدهم مما يدل على إحاطته وتمكنه في هذا العلم، إذ لا يمكن أن تصدر مثل هذه الأحكام إلا من خبير متثبت، عالم.
وقد تنوعت أحكام أبي عوانة على الأحاديث والرواة وسنتناول ذلك في مطلبين:
المطلب الأول: أحكام أبي عوانة على الأحاديث.
تعددت أحكام أبي عوانة على الأحاديث والغالب عليها الإشارة لضعف الحديث أو غلط الراوي فيه أو وصفه بالغرابة وأحيانا الحكم بصحة طريق أو رواية للحديث، ولعل سبب قلة الحكم بالصحة ونحوها على الأحاديث أن كتاب أبي عوانة مستخرج على صحيح مسلم فالأصل في أحاديثه الصحة، فما خالف هذا الأصل فهو الذي يحتاج لبيان.
ومن أحكام أبي عوانة على الأحاديث:
أولا: يكثر أبي عوانة من إعلال الحديت بقوله: "فيه نظر" ونحوها من العبارات مثل: "في هذا الحديث نظر" و "في إسناده ومتنه نظر" ومن ذلك:
(1)
انظر أقوال الأئمة في مبحث رحلاته (ص 44).
(2)
انظر مصادر المؤلف في مبحث مصادره (ص 86).
1 -
قال في حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن". فذكر مثله ولم يذكر "رجل اتاه الله مالا" قال: في الحديث النظر. لم يخرجه مسلم، وأخرجه غيره
(1)
.
2 -
وفي حديث معقل بن يسار قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب وجمال إلاّ أنها لا تلد. أتزوجها؟ فنهاه عنها. ثم أتاه الثانية فنهاه. فقال: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم"، قال أبو عوانة: في هذا الحديث نظر
(2)
.
3 -
وقال في حديث يونس بن يزيد، عن ابن شهاب الزهريّ، قال: أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة: "أن النكاح كانت في الجاهلية على أربعة أنحاء: .. الحديث
قال أبو عوانة: وفي إسناده ومتنه انظر، وذلك أنه خولف يونس في إسناده
(3)
.
4 -
وقال حدثنا يونس بن عبد الأعلى، قال: حدثنا سفيان بن عيينة،
(1)
انظر: حديث رقم (4302).
(2)
انظر: حديث رقم (4455).
(3)
انظر: حديث رقم (4476).
عن ابن الهاد، عن عمارة بن خريمة بن ثابت، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن الله لا يستحي من الحق. لا تأتوا النساء في أدبارهن" قال أبو عوانة: في إسناده نظر
(1)
.
5 -
وقال حدثنا يزيد بن سنان، قال: حدثنا أبو داود، قال: حدثنا رباح بن أبي معروف، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن نكاح النساء الحبالى من السبي أن يوطئن".
قال أبو عوانة: في هذا الحديث نظر في صحته وتوهينه
(2)
.
6 -
حدثنا الصغاني، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن المبارك، عن معمر، عن ثابت، عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا شغار في الإسلام". قال أبو عوانة: في هذا الحديث انظر
(3)
.
7 -
قال بعد أن خرج حديث إعطاء النبي صلى الله عليه وسلم الحجام أجره: "ورواه عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهريّ، عن ابن محيصة الأنصاري، عن أبيه، أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام فنهى عنه، فشكى من حاجتهم فقال: "اعلفه ناضحك، واطعمه رقيقك" وفيه نظر
(4)
.
(1)
انظر: حديث رقم (4733).
(2)
انظر: حديث رقم (4800).
(3)
انظر: حديث رقم (4487).
(4)
انظر: حديث رقم (5731) وما بعده.
8 -
قال في حديث رواه عن يزيد بن سنان، قال: حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والماشيان أيهما بدأ فهو خير، أو أفضل": فيه نظر
(1)
.
9 -
قال في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: اجتمعن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: يا رسول الله أينا أسرع لحوقا بك؟ قال: "أطولكن يدا فأخذن قصبة فجعلن يذرعنها، وكانت سودة أسرعهن به لحوقا، وكانت تطول يدها في الصدقة، وكانت امرأة تحب الصدقة. وهذا لفظ أبي زرعة فيه نظر
(2)
.
10 -
ذكر حديث ابن مسعود قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم كيف لي أن أعلم إذا أحسنت وإذا أسأت؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعت جيرانك يقولون: قد أحسنت! فقد أحسنت، وإذا سمعتهم يقولون: قد أسأت! فقد أسأت".
وقال معلقا عليه: في هذا الحديث نظر في صحته وتوهينه
(3)
.
ثانيا: الحكم على الرواية بالغلط كقوله "غلط فيه فلان" و "وهو
(1)
انظر: حديث رقم (9465).
(2)
انظر: حديث رقم (10798).
(3)
انظر: حديث رقم (9621) وما بعده.
غلط عندي".
ومن أمثلة ذلك:
1 -
في حديث رواه هشام بن سعد، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال أبو عوانة: غلط فيه هشام، فقال: عن أبي سلمة
(1)
.
2 -
وقال في حديث روح، قال: أخبرني ابن جريج، قال: أخبرني يحيى ابن أيوب، أن يزيد بن أبي حبيب أخبره بإسناده مثله. كذا قال روح، عن يحيى بن أيوب.
قال أبو عوانة: وهو غلط عندي، إنما هو عن سعيد بن أبي أيوب
(2)
.
ثالثا: الحكم بغرابة الحديث أو بعض الطرق، كقوله:"وهو غريب" و "غريب لم نكتبه إلا عنه" ونحو ذلك.
ومن ذلك:
1 -
في حديث رواه حدثنا إسحاق بن بكر بن مضر، قال: حدثني أبي، عن جعفر بن ربيعة، عن عِراك بن مالك، عن محمد بن مسلم ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبي هريرة، أن رجلا قال: يا رسول الله! فأخبره أنه وقع مع امرأته في رمضان. فقال: "أتجد رقبة؟ " قال: لا قال: "فتستطيع صيام شهرين؟ " قال: لا قال: "فتطعم ستين
(1)
انظر: حديث رقم (3080).
(2)
انظر: حديث رقم (6300).
مسكينا؟ " قال: لا أجد. فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرًا وأمره أن يتصدق به]. فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته فأمره أن يأكلوه.
قال أبو عوانة: وهذا لفظ بكر بن مضر، وهو غريب
(1)
.
2 -
وقال في حديث رواه عن بيان، عن أنس بن مالك، قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم: فقال: كان أكرم الناس.
غريبٌ لم نكتبه لبيان إلا عنه
(2)
.
3 -
وقال حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة ابن الحجاج، عن الأعمش، ومنصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أنس ابن مالك:
أن رجلًا قال: يا رسول الله! متى الساعة؟ قال: "ما أعددت لها"؟ قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، إلا أني أحب الله ورسوله، قال:"فأنت مع من أحببت".
وكذا رواه جرير عن منصور، فيه:"ولا صدقة" وهو غريب للأعمش جدًّا، ليس إلا يونس بن حبيب
(3)
.
(1)
انظر: حديث رقم (3081).
(2)
انظر: حديث رقم (10257).
(3)
انظر: حديث رقم (11527).
4 -
روى من طريق ابن جريج، عن صالح بن أبي الأخضر، عن الزهريّ، حديثا، وقال بعده: ابن جريج عن صالح غريب، لأنه أنبل من صالح
(1)
.
رابعا: الحكم بصحة بعض الطرق، وهذا قليل كما تقدم كقوله:"صحيح عن فلان".
و"فلان عن فلان صحيح" ونحو ذلك ومنه:
1 -
روى بسنده حديث ابن عمر في قدوم وفد عبد القيس وسؤالهم عن الأشربة رواه من طريق يزيد بن هارون عن عبد الخالق بن سلَمة.
ثم قال: يزيد عن عبد الخالق صحيح
(2)
.
2 -
روى حديث أبي هريرة شر الطعام طعام الوليمة من طريق أيوب عن الزهريّ، وقال: أيوب عن الزهريّ: حسن
(3)
.
3 -
روى من طريق الزهريّ عن أبي سلمة حديث أبي هريرة في الأعرابي الذي ولدت امرأته غلاما أسودا، وقال بعده: صحيح عن أبي سلمة
(4)
.
خامسا: الحكم النسبي كقوله: "هذا اللفظ أصح" و "لفظ فلان
(1)
انظر: حديث رقم (4638).
(2)
انظر: حديث رقم (8497).
(3)
انظر: حديث رقم (4640).
(4)
انظر: حديث رقم (5173).
أصح". ومن ذلك:
1 -
قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ، والصغاني، قالا: حدثنا رَوح، قال: حدثنا زكريا بن إسحاق، بإسناده قال:"من رآني في النوم فقد رآني؛ فإنه لا ينبغي للشيطان أن يتشبّه بي". هذا اللفظ أصح
(1)
.
2 -
روى حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن عبد الرحمن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما مسلم لعنته، أو شتمته، فاجعل ذلك له صلاة ورحمة"، ثم ذكر لفظ عارم فقال: قال عارم: "فاجعل ذلك له إما صلاة، أو رحمة".
وقال: لفظ سليمان أصح
(2)
.
سادسا: الحكم بالاضطراب، ومنه:
قال أبو عوانة حدثنا أبو أمية، حدثنا أبو عاصم، عن ابن جريج، عن ابن شهاب، عن سعيد وأبو سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ليس منا من لم يتغن بالقرآن". قال لنا أبو أمية، قال لنا أبو عاصم مرة عن سعيد ومرة عن أبي سلمة، فجمعتهما. وحدثنا غير أبي أمية، عن أبي عاصم، فقال: عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
قال أبو عوانة: في هذين الحديثين: حديث ابن أبي مليكة، وهذا
(1)
انظر: حديث رقم (10000).
(2)
انظر: حديث رقم (11350).
الحديثُ اضطرابٌ
(1)
.
المطلب الثاني: أحكامُه على الرِّجال.
وتعددت أحكامه في ذلك توثيقا وتجريحا أو إشارته إلى الاختلاف فمن أمثلة ذلك:
1 -
يحيى بن صالح الوحاظي حسن الحديث، ولكنه صاحب رأي، وهو عديل محمد بن الحسن إلى مكة. وأحمد بن حنبل لم يكتب عنه
(2)
.
2 -
دُرُسْت بن سهل، أبو سهل التُسْتَري، كان حافظا
(3)
.
3 -
عبد الله بن جعفر المَخْرَمي ثقة
(4)
.
4 -
عمرو بن قيس السكوني عزيز الحديث
(5)
.
5 -
وقال: سهل بن محمد العسكري: أَنبلُ من سهلِ بن عثمان
(6)
.
6 -
أبو على الحسن بن أحمد بن محمد بن بكّار بن بلال الدمشقي قال أبو عوانة: هو قدري لكنّه ثقة في الحديث
(7)
.
(1)
انظر: حديث رقم (4323).
(2)
انظر: حديث رقم (3073).
(3)
انظر: حديث رقم (3301).
(4)
انظر: حديث رقم (6865).
(5)
انظر: حديث رقم (10006).
(6)
انظر: حديث رقم (7239).
(7)
انظر: حديث رقم (6935).
7 -
أبو صالح فيه لين
(1)
.
8 -
الحسن بن سليمان وكان حافظا
(2)
.
9 -
أحمد بن جميل المروزي: ثقة
(3)
.
10 -
الأزرقي: ثقة شيخ من أهل مصر
(4)
.
11 -
الوليد بن صالح: ثقةٌ بغدادي
(5)
.
12 -
قال: في سماع بكر بن عبد الله من المغيرة بن شعبة نظر
(6)
.
وقال: اختلف أهل العلم في سماع أبي عبد الرحمن السلمي من عثمان
(7)
.
(1)
انظر: حديث رقم (4571).
(2)
انظر: حديث رقم (4912).
(3)
انظر: حديث رقم (2547).
(4)
انظر: حديث رقم (2608).
(5)
انظر: حديث رقم (2729).
(6)
انظر: حديث رقم (4472).
(7)
انظر: حديث رقم (4215).
المبحث العاشر: مؤلفاته:
لا تكاد المصادر تذكر مؤلَّفًا لأبي عوانة غير كتابه المستخرج هذا، وبه اشتهر أبو عوانة وعُرِف، ولعلَّ عبارة عبد الغافر الفارسي يُفهم منها أنَّ لأبي عوانة مؤلفاتٍ أخرى حيث قال في ترجمة عبد الملك بن الحسن الأزهري -ابن ابن أخت أبي عوانة-:"وقد أجاز له أبو عوانة ولجماعة معه بجميع كتبه ومسموعاته"
(1)
.
و"كتبه"، تشتمل ممتلكاته من الكتب؛ وربما شملت مؤلفاته؛ إن كانت له مؤلفات غير "المستخرج"، أما "مسموعاته" فهي المرويات، وهي كتبٌ لغيره يرويها هو بالسماع، على أنَّ الإمام الذهبي رحمه الله نقل عن أبي عوانة نصَّ إجازة لجماعة، وهي مُشعِرة بأن "كتبه" مفسَّرة بِـ "مسموعاته" التي يرويها، فعطف المسموعات على الكتب من عطف التفسير، والله أعلم.
قال الذهبي رحمه الله: "قد أجاز أبو عوانة أبا نعيمٍ جميع كتبه في وصيته له ولجماعة، فقال: قد أجزت لهم جميع كتبي التي سمعتها من جميع المشايخ منها كتب عبد الرزاق، كتب ابن أبي الدنيا، وأحاديث سفيان، وشعبة، ومالك، والأوزاعي، والتفاسير والقراءات ليرووها عني على سبيل الإجازة .... "
(2)
.
(1)
انظر: المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور للصريفيني (ص: 326).
(2)
انظر: سير أعلام النبلاء للذهبي (17/ 71).
وقد عزا الكتاني إلى أبي عوانة كتابًا آخر ضمن كتب الشمائل النبوية، والسير المصطفوية، والمغازي، وهو كتاب "دلائل الإعجاز"، وتفرد بذلك، فإن صحَّت نسبته فلعله في عداد المفقود، والله أعلم
(1)
.
وأما مرويَّاته:
فإضافة إلى ما سبق ذكره -من روايته لكتب أئمة الحديث كشعبة، وسفيان، ومالك- فله مرويات لكتبٍ مشهورة منها:
1 -
روايته لأحاديث مختصر المزني.
قال ابن الصلاح: "وقد سمعت بنيسابور أحاديث مختصر المزني، رواية أبي عوانة عنه، بإسنادها إليه"
(2)
.
2 -
روايته للعلل ومعرفة الرجال عن المرُّوذي، والميموني، وصالح بن أحمد بن حنبل عن الإمام أحمد بن حنبل
(3)
.
(1)
انظر: الرسالة المستطرفة للكتاني (ص: 106).
(2)
انظر: طبقات الفقهاء الشافعية (2/ 679).
(3)
انظر: مقدمة العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد رواية المرُّوذي، والميموني، وصالح بن أحمد للدكتور: وصي الله بن محمد عباس (ص: 19 - 27).
المبحث الحادي عشر: وفاته:
وبعد هذه الحياة العامرة بطلب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشره وروايته أدركت أبا عوانة منيتُه فتوفي في سَلْخِ ذي الحجة سنة ست عشرة وثلاثمائة للهجرة النبوية، في بلدته إسفرايين
(1)
.
وقال عبد الغافر بن إسماعيل: توفي سنة ثلاث عشرة وثلاثمائة
(2)
.
وهذا قولٌ مرجوحٌ لثلاثةِ أمور:
الأمر الأول: ذكر الإمام الذهبي أنَّ أبا عوانة أجاز أبا نعيم جميعَ كتبه في وصيةٍ له ولجماعةٍ في شهر رمضان سنة خمس عشرة وثلاثمائة للهجرة
(3)
.
الأمر الثاني: أسند الإمام الذهبي إلى عبد الملك بن الحسن أنه قال: أخبرنا يعقوب بن إسحاق الحافظ سنة 316 للهِجرة
…
(4)
.
الأمر الثالث: نص كثير من العلماء على أن وفاته كانت سنة 316 هـ، منهم: ابنه محمد
(5)
، وابن أخته الحسن بن محمد الإسفراييني
(6)
،
(1)
سير أعلام النبلاء (14/ 419)، دول الإسلام (1/ 191).
(2)
التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد (2/ 318).
(3)
انظر: السير (17/ 72).
(4)
المصدر نفسه (18/ 343).
(5)
المصدر نفسه (14/ 419).
(6)
المصدر نفسه.
والسمعاني
(1)
، وابن الصلاح
(2)
، وابن خلِّكان
(3)
، والذهبي
(4)
، وابن كثير
(5)
، والسخاوي
(6)
، والسيوطي
(7)
.
وصرّح بترجيح هذا القول الإسنويُّ
(8)
، والسُّبكيُّ
(9)
.
أنها ما جاء في كتاب مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: "وقال حمزة بن يوسف توفي بجرجان سنة ثنتين وتسعين ومائتين"
(10)
فهو تصحيف، والصواب:"روى بجرجان سنة ثنتين وتسعين ومائتين"
(11)
والله تعالى أعلم.
ودُفِن -رحمةُ الله عليه- بإسفرايينَ على يسارِ الدَّاخلِ من باب مدينة نيسابور
(12)
.
(1)
انظر: الأنساب (1/ 144).
(2)
انظر: طبقات الفقهاء الشافعية (2/ 680).
(3)
انظر: وفيات الأعيان (6/ 394).
(4)
انظر: السير (14/ 419).
(5)
انظر: البداية والنهاية (11/ 170).
(6)
انظر: الإعلان بالتوبيخ (ص 90).
(7)
انظر: طبقات الحفاظ (ص 327).
(8)
انظر: طبقات الشافعية للإسْنوي (2/ 204).
(9)
طبقات الشَّافعية الكُبرى للسُّبكي (3/ 488).
(10)
مختصر تاريخ دمشق (28/ 38).
(11)
انظر: تاريخ جرجان ص (490).
(12)
انظر: وفيات الأعيان (6/ 394) بتصرُّف.
الفصل الثاني: دراسة الكتاب،
وفيه عشرة مباحث:
المبحث الأول: بيان اسم الكتاب.
المبحث الثاني: توثيق نسبته إلى مؤلفه.
المبحث الثالث: مصادره في كتابه.
المبحث الرابع: درجة أحاديث الكتاب.
المبحث الخامس: درجة رجال أبي عوانة.
المبحث السادس: دراسة موضوع الكتاب، وبيان معنى الاستخراج.
المبحث السابع: دراسة الزوائد والمعلقات في المستخرج.
المبحث الثامن: أهمية كتاب أبي عوانة، وعناية العلماء به.
المبحث التاسع: بيان منهج المؤلف في كتابه.
المبحث العاشر: وصف النسخ الخطية، وتراجم رجال أسانيدها، ودراسة السماعات الموجودة عليها.
الفصل الثاني: دراسة الكتاب:
المبحث الأول: بيان اسم الكتاب:
اختلفتْ نُسَخُ مُستخرجِ الحافظِ أبي عوانة في تَسميته، كما تعدَّدتْ أسامِيه في إطلاقاتِ العلماء بعد الحافظِ أبي عوانة، ويرجِعُ الاختلافُ في ذلِك إلى عدمِ وُجُودِ نصِّ مؤلِّف الكتابِ يحَدِّدُ تسميتَه، حيثُ لم نقفْ على نصٍّ يُحَدِّدُ تسميةَ الكتاب في مقدِّمة المؤلِّف، ولا منقولًا عنه في مصادرَ أُخر.
والإطلاقات التي وقفنا عليها في اسم الكتاب هي:
1 -
مختصر أبي عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم مِمَّا ألَّفه على كِتاب مسلم بن الحجَّاج
(1)
.
2 -
مختصر المسند الصحيح المؤلف على كتاب مسلم
(2)
.
3 -
المُسند الصحيح المخرَّج على صحيح مسلم
(3)
.
(1)
جاءت هذه التَّسمية على غِلافِ الأجزاء الخمسة لنُسخة دار الكُتب المصريَّة، كما جاءت أيضًا على غلاف المجلد الثاني من نُسخة مكتبة فيض الله أفندي بتُركيا- إستانبول.
(2)
أطلقه الحافظ ابن الصلاح وتبعه على ذلك الإمام النووي، انظر: صيانة صحيح مسلم لابن الصلاح (ص 89)، شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 145).
(3)
أطلقه عليه ابن قاضي شهبة، وابن تغري بردي، وقريبٌ منه كلام الإمام الذهبي حيثُ قال:"المُسند الصَّحيح الذي خرَّجَه على صَحيح مُسلم". =
4 -
الصحِيح المُسند المخرَّج على صحيح مسلم
(1)
.
5 -
الصحيح المخرَّج على كتاب مسلم بن الحجاج
(2)
.
6 -
المسند الصحيح المخرَّج على كتاب مسلم
(3)
.
7 -
المسند المصَحَّح المخرَّج على كتاب مسلم
(4)
.
8 -
المُسندُ المُخرَّج على كتاب مُسلم بن الحجَّاج
(5)
.
9 -
مسند أبي عوانة المخرَّج على صحيح مسلم
(6)
.
10 -
مخرَّج أبي عوانة الإسفراييني الحافظ على كتاب مسلم
(7)
.
11 -
مخرَّجُ أبي عوانة الإِسفَراييني
(8)
.
= انظر: طبقات الشافعية (ص 104)، النُّجوم الزَّاهِرة (3/ 222)، السير (14/ 417).
(1)
أطلقه عليه الإمام الذَّهبي في تذكرة الحُفَّاظ (3/ 779).
(2)
جاءت هذه التسمية في السَّماع الثاني الموجود بآخر المجلد الخامس من نسخة "كوبرلي".
(3)
أطلقه عليه السبكي الطبقات الشافعية الكبرى (3/ 487)، وابن خلِّكان في وفيات الأعيان (6/ 393)، وابن عساكر حسب ما جاء في مختصر تاريخ مدينة دمشق لابن منظور (28/ 37) وصديق حسن خان في التاج المكلَّل (ص 145).
(4)
أطلقه عليه ياقوت الحموي في معجم البلدان (1/ 178).
(5)
أطلقه عليه فؤاد سزكين في كتابه: تاريخ التراث العربي (1/ 343).
(6)
أطلقه عليه ابن الصلاح في صيانة صحيح مسلم (ص 255).
(7)
أطلقه عليه ذلك الحافظ ابن الصلاح أيضًا في المرجع نفسه (ص 235).
(8)
من تسمية ابن الصلاح أيضًا في المرجع السَّابق (ص 256، 272).
12 -
المسند الصحيح على صحيح مسلم بن الحجاج القُشَيري
(1)
.
13 -
كتاب أبي عوانة الإسفراييني المخرَّج على شرط مسلم
(2)
.
14 -
كتاب أبي عوانة المخرَّج على مسلم
(3)
.
15 -
مختصر المسند الصحيح على مسلم
(4)
.
16 -
الصحيح المستخرج على مسلم
(5)
.
17 -
المستخرج على صحيح مُسلم بن الحجاج
(6)
.
18 -
صحيح أبي عوانة
(7)
.
(1)
سماه بذلك السمعاني في الأنساب (1/ 143).
(2)
أطلقه عليه ابن الصلاح في صيانة مسلم (ص 146).
(3)
من إطلاق ابن الصلاح أيضًا في المرجع نفسه (ص 207).
(4)
سماه بذلك حاجي خليفة في كشف الظنون (1/ 556)، وصديق حسن خان القنوجي في الحطة في ذكر الصحاح الستة (ص 203).
(5)
قال به الإمام ابن كثير في البِداية والنِّهاية (11/ 159)، والإمام السَّخاوي فِي الاعلان بالتوبِيخ (ص 178).
(6)
قالَه العِراقي في شرحه على التبصرة والتذكرة (1/ 58) وإسماعيل باشا البغدادي في هديَّة العَارِفين (2/ 544).
(7)
أطلَق ذلك عليه ابنُ نقطة في التقييد (2/ 26) وتكملة الإكمال (4/ 215)، وابنُ كثير في الباعث الحثيث (ص 109)، وابنُ الملقن في تحفة المحتاج في مواضع من كتابه (1/ 228)، والحافظُ ابن حجر في فتح الباري في مواضع كثيرة منه (انظر: المصنَّفات الواردة في فتح الباري لمشهور حسن سلمان ص 266)، والرُّودانِيُّ في صلة الخَلَف =
19 -
مستخرج أبي عوانة
(1)
.
20 -
مُسند أبي عوانة
(2)
.
21 -
الصحيح المسند
(3)
.
22 -
المُسند
(4)
.
والأقرب -والله أعلم- في تَسميةِ الكتاب العلميَّة، هو تسميتُه بِـ "المسند الصحيح المخرَّج على صحيح مسلم"، وذلك لأمُور:
أوَّلا: اختلافُ أهل العلم في اسم الكتاب، هو من باب الاقتصار بتسمية الكتاب بأحد الأوصاف التي يشملها موضوعُ الكتاب، فوصفوه بِـ: المسنَد، والمختصر، والصحيح، والمستخرج، والمخرَّج على: "مسلم / كتاب
= بموصول السلف (ص 283)، ومحمد بن أحمد الفاسي المكي في ذيل التقييد (2/ 200) وحاجي خليفة في كشفِ الظنون (2/ 1075).
(1)
قاله الحافظ ابن الملقن في مواضع من تحفة المحتاج (1/ 558، 565) والحافظ ابن حجر في مواضع من الفتح (1/ 448).
(2)
جاء هذا الاسم على غلاف النسخة الطاشقندية، وعلى غلاف المجلد الثالث والخامس من نسخة "كُوبرلي"، وعلى السماع المثبت آخر نسخة مكتبة خدا بخش، وقاله من العُلماء القاسم بن يوسف التُّجيبي في برنامجه (ص 123).
(3)
قاله الذَّهبي في العبر (2/ 171)، وابن العِماد في شذَراتِ الذَّهب (2/ 274).
(4)
قاله عبد الغافِر الفارِسِي في المُنتخب من السِّياق لتاريخ نَيسابور (ص 356) والحافظ ابن الصَّلاح في طبقاتِ الفقهاءِ الشَّافِعية (2/ 679).
مسلم / صحيح مسلم" ونحوه، فأمَّا وَصفُه بالمسندِ فواضحٌ من حيثُ أسانيده المتَّصِلة، ووصفُه بالمختصرِ لعدمِ استيعابه جميعَ الأحاديثِ النَّبوية
(1)
، ووصفُه بالصَّحيح باعتبارِ أغْلَبِ أحَادِيثه، ووصفُه بالمخرَّج والمستخرَج باعتبار النظر إلى موضوعه (الاستخراج)، فهذه الأوصافُ السابقة الذكر تصدُقُ على هذا الكتاب منفردةً ومجتمعةً، ولكنَّها بمجموعها تدلُّ على موضوع الكتاب ومحتواه بدقة، فيُستَحسَنُ وصفه بمجموع تلك الأوصاف.
ثاني: تصرُّف العلماء في اسم الكتاب تصرُّفٌ سائغٌ معمولٌ به بين أهل العلم يلجؤون إليه لأجل الاختِصار في اسم الكتاب، خاصَّةً إذا كان اسم الكتاب طويلًا، ومن هذا القَبيلِ تصرُّفهم بالاختصار في اسم صحيح
(1)
ومن هذا القَبيل: تسميةُ الإمامِ البُخاري صحيحَه: الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسُننه وأيامه، وتسميةُ الإمام مسلم صحيحَه أيضًا:"المسندُ الصحيح المُختصر من السُّنن، بنقل العدلِ، عن العدلِ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسمية الإمام الترمذي جامعَه بِـ "الجامع المختصر من السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعرفة الصحيح والمعلول وما عليه العمل"، وغير ذلك من المصنِّفين الذين وصفوا كُتبهم بِـ "المختصر" للسَّبب الذي بَيَّناه أعلاه.
انظر: مقدمة الحافظ ابن الصلاح (ص 26)، فهرست ابن خير الإشبيلي (ص 82، 85)، ما تمسُّ إليه حاجة القاري من صحيح البخاري للإمام النووي (ص 39)، تحقيق اسمي الصحيحين واسم جامع الترمذي للشَّيخ عبد الفتاح أبي غدة، (ص 9، 33، 55).
البخاري، وصحيح مسلم وصحيح ابن خُزيمة، وجامع التِّرمذي
(1)
.
ثالثا: تسميةُ الكتاب بِـ "المُسند الصحيح المخرَّج على صَحيح مُسلم"، تسميةٌ جامعةٌ لجميعِ الأوصافِ التي وردتْ في كلام العُلماء، وأطلقها أكثرُ العُلماء، منهم ابن عساكر، وابن خلّكان، والذَّهبي، وابن قاضِي شهبة، وابن تغري بردي، وياقوت الحَموي، والسُّبكي، وصدِّيق حسن خان، على اختلافٍ في إطلاقيْ الإمام الذَّهبي في تقديم وتأخير بعض الأوصاف في الاسم، وذكرِ الحَموي والسُّبكي وابن عساكر وابن خلكان "كتابَ مسلمٍ" بدلَ "صحيحِ مسلمٍ" كما تقدَّم، وقريبٌ منها بعضُ إطلاقات الحافظ ابن الصلاح والاسم الذي وسمه به فؤاد سزكين
(2)
، والتَّسميةُ التي جاءت في السَّماع الثاني الموجود بآخر المجلد الخامس من نُسخة "كوبرلي".
أما إضافةُ وصف "المختصر" إلى التَّسمية الراجحة فكان تركه لأمرين:
الأول: قلَّةُ من ذكره من العُلماء، مقارَنةً بالتَّسمية الراجحة الشامِلة للأوصافِ التي وردتْ مجتمعةً في إطلاق أكثر العُلماء، ومنثُورةً في إطلاقِ الباقين.
الثاني: أنَّه وصفٌ محتمل، فقد يكُون من وصْفِ بعض العُلماء للكِتاب، لأنَّه لم يستوعِب جميعَ الأحاديث.
(1)
انظر المراجع السابقة.
(2)
انظر: تاريخ التراث العربي (1/ 343).
المبحث الثاني: توثيق نسبه الكتاب للمؤلف:
كتاب المستخرج على صحيح مسلم الذي بين أيدينا، ثابت النسبة إلى أبي عوانة الإسفراييني، للأمور التالية:
1 -
كلُّ من ترجم لأبي عوانة رحمه الله نسب هذا الكتاب إليه، على اختلافٍ بينهم في التعبير عن اسم الكتاب كما سبق.
2 -
اتفقت جميع النسخ الخطيَّة على نسبة الكتاب إلى أبي عوانة الإسفراييني في غلاف النسخ، وفي السماعات الموجودة بها.
3 -
صحة أسانيد الكتاب -المثبتة في مستهلِّ أكثر النسخ- إلى أبي عوانة، كما سيأتي بيانه في مبحث وصف النسخ الخطية للكتاب.
4 -
كثرة سماعات العلماء لهذا الكتاب، ومنهم علماء أجلَّة، وسيأتي بيان ذلك أيضًا في المبحث المذكور.
5 -
ضمَّن الحافظ ابن حجر أسانيد أحاديثه مع أطراف متونه في كتابه "إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة" ونسبها لأبي عوانة، وهي موجودةٌ في هذا الكتاب كما ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى.
6 -
أغلب الشيوخ الذين روى عنهم أَبو عوانة في كتابه هذا، نصَّ العلماء على أخذ أبي عوانة عنهم، وتتلمُذه عليهم.
7 -
نقولاتُ بعض العلماء من هذا الكتاب ونسبة تلك النقولات إليه، وهي موجودةٌ في هذا الكتاب، ومن هؤلاء:
أ- ابن الصلاح في كتابه "صيانة صحيح مسلم
(1)
".
ب- المزي في "تهذيب الكمال
(2)
".
جـ- ابن حجر العسقلاني في كتابيه "فتح الباري
(3)
"، و "النكت الظراف
(4)
".
فكلُّ هذه الأمور تؤكد صحة نسبة الكتاب إلى أبي عوانة رحمه الله.
(1)
انظر مثلًا: صيانة صحيح مسلم (ص: 146) و (ص: 235) و (ص: 255) و (ص: 256) و (ص: 280)، وقارن -بالترتيب- بحديث رقم (14 - 15)، وحديث (118 - 119)، وحديث (54)، وحديث (242)، والتعليق عقب الحديث (257) في مستخرج أبي عوانة.
(2)
انظر: تهذيب الكمال (5/ 480) و (17/ 403)، وقارن بحديث (44)، وحديث (167) في مستخرج أبي عوانة.
(3)
انظر على سبيل المثال: فتح الباري (1/ 22، 29، 314)، ونقولات الحافظ ابن حجر من كتاب أبي عوانة كثيرة جدًّا، وقد أحصى الشيخ مشهور حسن سلمان ما ورد من ذلك في فتح الباري.
انظر: معجم المصنفات الواردة في فتح الباري له (ص: 266 - 267) و (ص: 365).
(4)
انظر: النكت الظراف لابن حجر (9/ 483 - 484)(مطبوع بهامش: تحفة الأشراف للمزي)، وقارن بحديث (54) هنا.
المبحث الثالث: مصادره في كتابه.
عاش أَبو عوانة -رحمه الله تعالى- في الفترة (230 - 316 هـ) التي كانت قد صُنِّفَتْ فيها أمهاتُ المصادر في علم الحديث من الصِّحَاح، والسُّنَنِ، والمسانيد، وغيرها، ومع ذلك فإن العلماءَ في تلك الحقبة من الزمن عُنُوا بالسماع والتلقّي عن الشيوخ، والرحلة في طلب الحديث، ولم يقتصروا على الأخذ من المصنفات الحديثية.
ورحلات أبي عوانة إلى الآفاق كانت من ثمار هذا الدافع، فقد مكَّنَتْه رحلاتُه من الالتقاء بعدد كبير من المشايخ -كما سبق- فروى عنهم ما دوَّنه في هذا السِّفْرِ العظيم.
ولأن مادة الكتاب مادة حديثية؛ فسنكتفي بدراسة مصادره الحديثية، حيث تنوعت إلى عدة أنواع:
النوع الأول: الرواية:
وهذا النوع هو الغالب على طابع الكتاب، فالإمام أَبو عوانة إمام رحَّال طاف البلدان، ورحل إلى الأمصار، ولقي أئمة الحديث أصحاب الرواية فأخذ عنهم، فمنهم من أكثر عنهم كأبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي، ومحمد بن يحيى الذهلى، ويونس بن عبد الأعلى، ومحمد ابن إسحاق الصاغاني، ومحمد بن جعفر الصائغ، ومحمد بن رجاء السندي -وله كتاب مخرج على صحيح مسلم
(1)
- ويونس بن مسلم
[*]
وغيرهم.
(1)
انظر السير (13/ 492).
_________
[*] قال أحمد بسيوني: كذا في المطبوعة: (يونس)، ولعل صوابه:(يوسف)، وانظر تعليقنا على حديثي (4846، 8409)، وهو يوسف بن سعيد بن مسلم المصيصي.
ومنهم من روى عنهم ولكنه لم يكثر عنهم، كابن المنادي، وهلال ابن العلاء الرقي، وأبي قلابة الرقاشي، وغيرهم.
ومنهم من روى عنهم الحديث والحديثين، كمحمد بن عامر المصيصى، وعبد المؤمن بن أحمد، ويعقوب بن إسحاق القلوسي وغيرهم.
النوع الثاني: ما سمعه من شُيوخه من المصنَّفات والكتب والصحائف الحديثية
(1)
:
ذكر الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني (ت 400 هـ)، أن أبا عوانة قد أجاز له جميع كتبه في كتاب كتبه، في وصية له ولجماعة فقال: "قد أجزت لهم جميع كتبي، التي سعتها من جميع المشايخ، منها كتب عبد الرزاق، كتب ابن أبي الدنيا، وأحاديث سفيان، وشعبة، ومالك والأوزاعي، والتفاسير، والقراءات، ليرووها عني على سبيل الإجازة، في رمضان سنة خمس عشرة وثلاث مائة
(2)
" أهـ.
فهذا النص يدل على أن أبا عوانة كانت عنده كتب سمعها من مشايخه قد أجيزت له، ومن طريقها كان يقتبس بعض المرويات.
ومن الكتب التي نقل منها أَبو عوانة بعض الأحاديث ما يلي:
1 -
صحيفة همام بن منبه، برواية السلمي عن عبد الرزاق عن
(1)
انظر: السير (17/ 72).
(2)
المصدر نفسه.
معمر عن همام.
2 -
موطأ الإمام مالك بن أنس.
3 -
كتاب القدر لعبد الله بن وهب.
4 -
مسند أبي داود الطيالسي، برواية يونس بن حبيب.
5 -
مصنفات الشافعي برواية الربيع بن سليمان، والمزني عنه.
6 -
مصنف عبد الرزاق برواية الدبري.
7 -
مسند الحميدي، من طريق بشر بن موسى الأسدي، وابن أبي مسرة.
8 -
سنن سعيد بن منصور.
9 -
مسند مسدد بن مسرهد الأزدي.
10 -
المصنفات عن يحيى بن معين.
11 -
المسند للإمام أحمد برواية ابنه عبد الله.
12 -
صحيح الإمام مسلم.
13 -
السنن لأبي داود السجستاني.
14 -
مسند الحارث بن محمد بن أبي أسامة داهر.
15 -
السنن الكبرى والصغرى للنسائي.
16 -
كتاب الجزية ليونس بن عبد الأعلى.
17 -
كتاب العلم ليونس بن عبد الأعلى.
18 -
كتاب الصمت وأدب اللسان لابن أبي الدنيا.
19 -
كتاب المرض والكفارات لابن أبي الدنيا.
ومن مصادره في بيان غريب الحديث أَبو عبيد القاسم بن سلام ابن عبد الله (ت 224 هـ) مصنف غريب الحديث، والغريب المصنف، وفضائل القرآن وغيرها
(1)
.
كما ينقل شرح بعض الغريب عن أبي العباس محمد بن يزيد المبرد (ت 285 هـ) شيخ النحاة وإمام العربية ببغداد في زمانه، صاحب الكامل، نقل عنه نصا في بيان معنى الأيم، فقال: سمعت أبا العباس المبرد يقول: "الأيم التي لا زوج لها نكحت أو لم تنكح
(2)
".
النوع الثالث: ما رواه عن طريق الكتابة والمراسلة:
ومن ذلك قوله: كتب إلي الحسن بن سفيان على يدي عبد الله ابن محمد، يذكر أن حرملة بن يحيى حدثهم ....
(3)
.
(1)
انظر: حديث رقم: (3828، و 4378).
(2)
انظر حديث رقم: (4683).
(3)
انظر: حديث رقم: (11745).
المبحث الرابع: درجة أحاديث الكتاب.
غالب أحاديث كتاب أبي عوانة صحاح، وممن نص على هذا العلامة المعلمي رحمه الله
(1)
، لأنه في الأصل مستخرج على صحيح مسلم، وبالتالي فأحاديثه غالبها مخرجة في صحيح مسلم، وهذا لا كلام فيه، وإنما البحث والنظر في الأحاديث التي زادها أَبو عوانة على صحيح مسلم، وهذه الأحاديث قد تبين من خلال دراستها أن فيها الصحيح والحسن والضعيف، وهو ما أشار إليه بعض أهل العلم من قبل، كالحافظ ابن حجر حيث قال: "كتاب أبي عوانة وإن سماه بعضهم مستخرجا على مسلم، فإن له فيه أحاديث كثيرة مستقلة في أثناء الأبواب، نبه هو على كثير منها، ويوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف أيضًا والموقوف
(2)
".
وكذا ذكر العلامة المعلمي أن في مستخرج أبي عوانة أحاديث ضعيفة
(3)
لكن أظهرت الدراسة لهذه الزيادات أن الغالب عليها الصحة، وهذا يتبين من خلال النظر في تخريجها والنظر في الكلام على أسانيدها
(4)
.
بل أشار الذهبي إلى وجود بعض الأحاديث الموضوعة أيضًا في كتاب
(1)
انظر: التنكيل (1/ 444).
(2)
انظر: النكت على ابن الصلاح (1/ 291 - 292).
(3)
انظر: التنكيل (1/ 444).
(4)
انظر: المبحث الثامن من هذا الفصل: "دراسة الزوائد والمعلقات".
أبي عوانة، كما ذكر في ترجمة عبد الله بن محمد البلوي من الميزان: "روى عنه أَبو عوانة في صحيحه في الاستسقاء خبرا موضوعا
(1)
".
لكنَّ وجود الأحاديث الموضوعة في كتاب أبي عوانة إنما هو على سبيل النُّدرة.
(1)
انظر: الميزان (2/ 491 ترجمة 4558)، وانظر المبحث الثامن المتعلق بدراسة الزوائد.
المبحث الخامس: درجةُ رجال أبي عوانة.
أكثرُ رجال أبي عوانة في مستخرجه ثقات أو في حيز الاحتجاج، وهذا ظاهر لمن تأمل تراجمهم، وذلك أن كتاب أبي عوانة هو في الأصل مستخرج على صحيح مسلم، وهو يلتقي مع مسلم في أغلب الأحيان في شيخه أو شيخ شيخه، ورجالِ أَبي عوانة في الغالب هم رجالُ مسلمٍ الذين أخرج لهم في الصحيح، لكن مع هذا فقد أخرج أَبو عوانة في كتابه لجماعة من الضُّعفاء، بل وفيهم بعضُ المتروكين والكذابين، لكن على سبيل الندرة
(1)
، وليس هذا غريبا، لأن أصحاب المستخرجات ومنهم أَبو عوانة، إنما جل قصدهم أن يعلو إسنادهم في الأحاديث التي يخرجونها، ويجتهدون أن يكونوا هم والمخرَّج عليهم سواء، فإن فاتهم ذلك فأعلى ما يرونه، فمن ثم فإنهم لا يلتزمون في أسانيدهم الصحَّة، لأنَّ هذا ليس هو قصدَهم الأصليّ، فمثلا ربَّما لا يقع لأبي عوانة الحديث إلا من طريقِ رجلٍ ضعيف، فيتساهلُ في ذلك، لأن أصل الحديث صحيح معروف، من غير طريق ذاك الضعيف، والقصد إنما هو العلو وقد حصل
(2)
.
وإذا نظرنا إلى مستخرج أبي عوانة وحال رجاله، فيما بينه وبين ملتقى
(1)
راجع ما تقدم تقريره في المبحث الرابع من هذا الفصل.
(2)
انظر: النكت (1/ 293)، وفتح الباري (13/ 88)، فتح المغيث (1/ 46)، تدريب الراوي (1/ 115)، التنكيل (1/ 443 - 444).
إسناده مع إسناد مسلم؛ نجدهم يختلفون في درجاتهم، فغالبهم ثقات، ومن سواهم وهم قلة على أنواع:
أ- من يكتب حديثه مثل:
1 -
مسلم بن خالد القرشي
(1)
.
2 -
العلاء بن هلال الرقي
(2)
.
3 -
زمعة بن صالح
(3)
.
ب: ضعيف لا يعتبر بحديثه -وهم قليل- منهم:
1 -
أشعث بن سوَّار الكندي
(4)
.
2 -
بكار بن محمد
(5)
.
3 -
أحمد بن محمد بن يحيى الحضرمي
(6)
.
جـ: من لا يعرف فيه جرح ولا تعديل، مثل:
1 -
فضل بن عبد الجبار
(7)
.
(1)
انظر: حديث رقم (7039).
(2)
انظر: حديث رقم (347).
(3)
انظر: حديث رقم (6808).
(4)
انظر: حديث رقم (2328).
(5)
انظر حديث رقم (8542).
(6)
انظر: حديث رقم (2347).
(7)
انظر: حديث رقم (65).
2 -
محمد بن عمرو بن نافع
(1)
.
د: من اتهم بالكذب مثل:
1 -
عبد الله بن عمرو الواقعي
(2)
.
2 -
إسماعيل بن إبراهيم أَبو الأحوص الإسفراييني
(3)
.
3 -
جعفر بن عبد الواحد
(4)
.
4 -
عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة
(5)
.
5 -
خالد بن يزيد العمري
(6)
.
وإجمالا فرجال أبي عوانة ينطبق عليهم ما تقدم نقلُه
(7)
عن الحافظ ابن حجر في قوله: إن من فوائد المستخرجات: "الحكم بعدالة من أخرج له فيه -أي صاحب المستخرج-، لأن المُخَرِّج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يُخَرِّج إلا عن ثقة عنده، فالرجال الذين في المستخرج ينقسمون أقسامًا فهم:
أ- من ثبتت عدالته قبل هذا المُخَرِّج، فلا كلام فيهم.
(1)
انظر: حديث رقم (8697).
(2)
انظر: حديث رقم (714).
(3)
انظر: حديث رقم (135).
(4)
انظر: حديث رقم (8716).
(5)
انظر: حديث رقم (8834).
(6)
انظر: حديث رقم (8836).
(7)
انظر: المبحث الرابع من الفصل الأول ص (33).
ب - ومنهم من طعن فيه غير هذا المُخَرِّج فينظر في ذلك الطعن إن كان مقبولًا فيقدم وإلا فلا.
جـ - ومنهم من لا يعرف لأحد قبل المخرج فيه توثيق ولا تجريح فتخريج من يشترط الصحة لهم ينقلهم من درجة من هو مستور إلى درجة من هو موثوق، فيستفاد من ذلك صحة أحاديثهم التي يروونها بهذا الإسناد ولو لم يكن في ذلك المستخرج والله أعلم".
المبحث السادس: بيان معنى الاستخراج، ودراسة موضوع الكتاب.
معنى الاستخراج:
الاستخراج لغة مصدر من باب الاستفعال، مأخوذ من: خَرَجَ يَخْرُجُ خُرُوجًا ومَخْرَجًا.
قال ابن فارس: (خرج) الخاء والراء والجيم أصلان، فالأول: النفاذ عن الشيء، والثاني: اختلاف لونين
(1)
.
والاستِخراج بمعنى الاستنباط والاستِخلاص، يقال: استخرجت الشيء من المعدن: خلصته
(2)
.
والمُستخرَج -بفتح الراء- اسمُ مفعولٍ منه، والمقصودُ منه الكتابُ الذي استُخرِجَ على كتابٍ آخر، وسمي بذلك لاستنباط مؤلفه للطرق المتعلقة بأحاديث الكتاب المستخرج عليه، وقد يقال له "المخرَّج" كما وقع في كلام ابن الصلاح، و "المستخرِجُ" -بكسر الراء- اسم فاعلٍ منه، ويرادُ به مصنِّفُ المستخرَجِ، أو من يقومُ بالاستخراج على أحاديث كتابٍ ما
(3)
.
(1)
معجم مقاييس اللغة (2/ 175).
(2)
المصباح المنير (1/ 166)، ولسان العرب (2/ 249).
(3)
انظر: صيانة صحيح مسلم (ص 235)، لسانَ العرب (4/ 52، 53)(4/ 21)، القاموس المحيط (ص 183)، تهذيب اللغة (13/ 250)، تاج العروس (20/ 133)، =
و "الاستخراجُ" في مصطلحِ أهل الحديث هو: أن يعْمدَ حافظٌ من الحفَّاظ إلى كتابٍ من كُتب الحديث فيخرِج أحاديثَه بأسانيدَ لنفسه من غير طريق صاحب الكِتاب فيِجتمعَ معه في شَيخه أو من فوقه، ولو في الصَّحابي
(1)
.
شرطُ الاستِخراج: كما قال الحافظ ابن حجر: "أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندًا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علوٍ أو زيادة مهمَّة، ولذلك يقول أَبو عوانة في مستخرجه على مسلم بعد أن يسوق طرق مسلم كلها: من هنا لمُخَرِّجه
(2)
، ثم يسوق أسانيد يجتمع فيها مع
= مختار الصحاح (ص 72)، توجيه النظر إلى أصول الأثر (1/ 248).
(1)
انظر: فتح المغيث (1/ 38)، توضيح الأفْكار (1/ 69 - 70)، توجيه النَّظر (1/ 346).
(2)
ما حكاه الحافظ عن أبي عوانة في قوله: "من هنا لِمُخَرِّجه" لعله ساقه بالمعنى، أو اشتبه على الناسخ فيه، لأن أبا عوانة إنما يقول -فيما وقفنا عليه-:"من هنا لم يخرجه" وعلى تقدير كونه بالمعنى تكون اللام في قول الحافظ "لمخرِّجه" للتمليك، والمُخَرِّج هو أَبو عوانة.
وقد وقع في طبعة تدريب الراوي (1/ 91) بتحقيق نظر الفاريابي: "من هنا أخرجه". ولا يستقيم كلام الحافظ فإذا اللفظ، فهذا خطأ وهو مخالف لما في طبعة الشيخ عبد الوهاب بن عبد اللطيف للتدريب كما في (1/ 112)، وما في النسخة الخطية لمكتبة الأحقاف كما في لوحة (18/ أ) منها، وأيضًا كما في نسخة الشيخ محمد مظهر الفاروقي كما في لوحة (19/ أ).
مسلم فيمن فوق ذلك، وربما قال: من هنا لم يخرجاه، ولا يظن أنه يعني البخاري ومسلمًا، فإني استقريت صنيعه في ذلك فوجدته إنما يعني مسلمًا وأبا الفضل أحمد بن سلمة
(1)
فإنه كان قرين مسلم، وصنَّف مثل مسلم".
"ومقتضى الاكتفاء بالالتقاء قي الصحابي أنهما لو اتفقا في الشيخ مثلًا ولم يتحد سنده عندهما ثم اجتمع في الصحابي، إدخاله، وإن صرح بعضهم بخلافه وربما عز على الحافظ وجود بعض الأحاديث فيتركه أصلًا، أو يعلقه عن بعض رواته، أو يورده من جهة مصنف الأصل"
(2)
.
وقال الإمام السَّخاوي: "وربما عزّ على الحافظ وجود بعض الأحاديث فيتركه أصلًا، أو يعلِّقه عن بعض رواته، أو يورده من جهة مصنف الأصل"
(3)
.
ولا يلزَم في المستخرَج موافقةُ لفظِ الأصل المخرَّجِ عليه، لأنَّ المستخرِجين يروون بالألفاظ التي تقعُ لهم عن شُيوخِهم فيحصُل فيها تفاوتٌ في اللَّفظِ، أو في اللَّفظ والمعنى معا
(4)
.
(1)
أحمد بن سلمة بن عبد الله البزار المعدل النيسابوري، رافق مسلم بن الحجاج في رحلته، كتب بانتخابه على الشيوخ، ثم جمع له مسلم الصحيح في كتابه.
انظر: تاريخ بغداد (4/ 186)، السير (13/ 373).
(2)
فتح المغيث (1/ 38).
(3)
انظر: المصدر نفسه.
(4)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة (1/ 58 - 59).
أما موضوع كتاب أبي عوانة رحمه الله: فحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والآثار عن صحابته والتابعين؛ التي رواها بأسانيد مسلم في صحيحه، كذلك ما رواه أحمد بن سلمة النيسابوري في صحيحه، وهذا الأخير مقصود أبي عوانة بقوله -أحيانًا "من هُنا لَم يخرِّجَاه
(1)
" أو يشير إليهما بصِيغة الجَمع -نادرًا-: "لَم يخرِجُوه
(2)
" أو "لم يخرجْه أصحابنا
(3)
" ونبَّه على ذلك الحافظ ابن حجر؛ فقد قال: "ولا يُظنُّ أنه يعني بذلك البخاري ومسلمًا، فإني قد استقرأت صنيعه في ذلك فوجدته إنما يعني مسلمًا وأبا الفضل أحمد بن سلمة (ت / 286 هـ) فإنه كان قرين مسلم وصنَّف مثل مسلم
(4)
".
على أنَّ الإمام الذهبي رحمه الله سبق الحافظ بقول كهذا، بل له فائدة أخرى، فقد قال رحمه الله في أثناء ترجمته لأحمد بن سلمة هذا: "له مستخرجٌ كهيئة صحيح مسلم
(5)
"، وهذا يُرشد إلى أنَّ كتاب أحمد بن سلمة:
(1)
انظر على سبيل المثال الأحاديث بأرقام: (5184، 7012، 7115، 4740، 7174، 8665).
(2)
انظر: حديث رقم (3679).
(3)
انظر: حديث رقم (707، و 714)، والظاهر أنه يريد بأصحابه مسلمًا، وأحمد بن سلمة فعبَّر عنهما بالجمع.
(4)
انظر: تدريب الراوي للسيوطي (1/ 112).
(5)
انظر: تذكرة الحفاظ للذهبي (2/ 637).
"مستخرجٌ على صحيح مسلم" سابق لمستخرج أبي عوانة، ويؤيِّده أن الكتَّاني ذكر "صحيح أحمد بن سلمة" هذا في عِداد "المستخرجات على الصحيحين؛ أو أحدهما
(1)
".
ومن ثم يمكن أن يكون معنى قول أبي عوانة رحمه الله: "من هنا لم يخرِّجاه" أي: لم يخرجه مسلم، وتبعًا لذلك لم يستخرجه أحمد بن سلمة -عليه- أيضًا.
وفي قول أبي عوانة: "من هنا لم يخرِّجاه" وقوله: "من هنا لم يخرجه" ما يلي:
1 -
يلتقي إسناد أبي عوانة مع ما استخرج عليه فيمن فوق شيخ الأصل المستخرج عليه ولو في الصحابي.
ولعل مراد أبي عوانة في نفيه الإخراج هنا: أن صاحب الأصل المستخرج عليه لم يخرج الحديث من هذا المخرج الذي أورده أَبو عوانة، وإن كان قد أخرج أصل الرواية
(2)
.
وقد يورد أَبو عوانة هنا أحاديث تشهد لما في الأصل ولكنه لم يخرجها، وقد يورد أيضًا أحاديث زائدة تدخل ضمن ترجمة الباب الذي
(1)
انظر: الرسالة المستطرفة للكتاني (ص: 28).
(2)
انظر: حديث رقم (2578)، (2579)، وانظر حديث (8665) إلى نهاية حديث (8668).
عقده أَبو عوانة، أو الكتاب الذي يتبع له ذلك الباب
(1)
.
وينتهي هذا الموضع بقول أبي عوانة في آخره: "إلى هنا لم يخرجاه"، أو قوله:"إلى هنا لم يخرجه مسلم"
(2)
، أو بقوله:"إلى هنا زدته من عندي"
(3)
وقد ينتهي هذا الموضع بنهاية الباب الذي ترجم له
(4)
.
2 -
يختص الاستخراج في الموضع الذي يقول فيه أَبو عوانة: "من هنا لم يخرجاه" بكونه على صحيحي مسلم وأبي الفضل أحمد بن سلمة، وأما ما سواه فالاستخراج فيه مختصٌ بأصل موضوع الكتاب على صحيح مسلم وحده.
(1)
انظر: بداية حديث رقم (2567) وما بعده.
(2)
انظر: نهاية حديث (2583).
(3)
انظر: حديث (714).
(4)
انظر: حديث (8872) إلى نهاية الباب.
المبحث السابع: دراسة الزوائد والمعلقات في المستخرج.
المطلب الأول: دراسة الزوائد في المستخرج.
اعتنى أَبو عوانة -زيادةً على الاستخراج على صحيح مسلم- بالزوائد المتنية والإسنادية وإيراد أحاديث مستقلة زائدة على ما في صحيح مسلم.
فقد يصدر بعض الأحاديث بقوله: "زيادات لم يخرجها مسلم في صحيحه"، أو يقول:"من هنا لم يخرجاه"، أو "من هنا لم يخرجه مسلم"، وهذا إنما يفعله أَبو عوانة بعد سياقه طرق مسلم كلها، فيورد في هذا الموضع أحاديثًا يجتمع فيها مع من فوق شيخ مسلم، أو تكون تلك الأحاديث زائدة لم يخرجها صاحب الأصل الذي استخرج عليه أصلًا.
ولذا يقول الذهبي: في ترجمة أبي عوانة من كتابه السير: "
…
وزاد أحاديث قليلة في أواخر الأبواب"
(1)
.
وقال في "التذكرة": "
…
وله فيه زيادات عِدَّة"
(2)
.
ويقول الحافظ ابن حجر في إتحاف المهرة في حديثه عن كتاب أبي عوانة: "وهو في الأصل كالمستخرج على صحيح مسلم، لكنه زاد فيه زيادات كثيرة جدًّا من الطرق المفيدة، بل ومن الأحاديث المستقلة"
(3)
.
(1)
(14/ 417).
(2)
(3/ 779).
(3)
إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة (1/ 159).
وقال في النكت: "كتاب أبي عوانة، وإن سمَّاه بعضهم مستخرجًا على مسلم فإن له فيه أحاديث كثيرة مستقلة في أثناء الأبواب نبَّه هو على كثير منها ويوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف -أيضًا- والموقوف"
(1)
.
وقال في المعجم المفهرس: "صحيح أبي عوانة، وهو مستخرج على صحيح مسلم لكن زاد فيه طرقًا في الأسانيد، وقليلًا في المتون
…
"
(2)
.
فالزيادات القليلة هي بالنسبة للأحاديث المستقلة، أما الزيادات العِدَّة فبالنسبة للطرق الزائدة لأحاديث مسلم، وعلى هذا يحمل كلام الذهبي السابق، وهذا هو واقع الكتاب من خلال العمل فيه.
وقد جنح ابن الصلاح في مقدمته إلى صحة ما وقع في الكتب المخرَّجة على الصحيحين أو أحدهما ككتاب أبي عوانة هذا من الزيادات
(3)
، إذ نجده في صيانة صحيح مسلم يعبر عن كتاب أبي عوانة فيقول:"ورويناه في كتاب أبي عوانة الإسفراييني المُخَرَّج على شرط مسلم"
(4)
.
وتبعه على هذا العراقي في التقييد
(5)
، وابن الملقن في المقنع في علوم
(1)
(1/ 292).
(2)
(ص 22)، تحقيق: محمد شكور المياديني.
(3)
انظر: مقدمة ابن الصلاح مع محاسن الاصطلاح (ص: 164).
(4)
انظر: صيانة صحيح مسلم ص (145).
(5)
التقييد والإيضاح (17).
الحديث
(1)
، وفي البدر المنير حيث قال عقب حديث أخرجه أَبو عوانة وهو مما زاده على مسلم:"رواه أَبو عوانة في صحيحه كذلك قال: وهو مما لم يخرجه مسلم -أي وهو على شرطه-"
(2)
.
وتعقَّب الحافظ ابن حجر ابن الصلاح بما ذكرته عنه سابقًا، ثم تعرض رحمه الله لما ذكره ابن الصلاح من أن أصحاب الكتب المخرَّجة على الصحيحين لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان لكونهم رووا تلك الأحاديث من غير جهة البخاري ومسلم طلبًا لعلو الإسناد فحصل فيها تفاوتٌ في الألفاظ
(3)
.
فأشار الحافظ ابن حجر إلى أن هذه الزيادات التي حكم عليها ابن الصلاح بالقبول يتوقف الحكم بصحتها على أحوال رواتها، وثبوت الصفات المشترطة في الصحيح للرواة الذين بين صاحب المستخرج وبين من اجتمع مع صاحب الأصل الذي استخرج عليه، وكلما كثرت الرواة بينه وبين من اجتمع مع صاحب الأصل فيه افتقر إلى زيادة التنقير، وكذا كلما بعد عصر صاحب المستخرج من عصر صاحب الأصل كان الإسناد كلما كثرت رجاله احتاج الناقد إلى كثرة البحث عن أحوالهم
(4)
.
(1)
(1/ 66).
(2)
البدر المنير (مخطوط)(4/ 221 / أ).
(3)
انظر: مقدمة ابن الصلاح مع محاسن الاصطلاح (165).
(4)
انظر: النكت (1/ 291 - 293).
ومن ثمَّ فزيادات أبي عوانة ليست كلها صحيحة بل تجري عليها قواعد أهل الحديث فيحكم عليها بما تستحقُّه صحة وضعفًا، وإن كان كتاب أبي عوانة قد وُسِمَ بالصحة فقد أَخْرَجَ فيه عن من ليس على شرط الصحيح كما سبق بيانه عن الحافظ ابن حجر.
هذا بالنسبة لما يتعلَّق بزيادات المصنِّف، وأما أسانيده التي يسوقها على سبيل الاستخراج فقد يقع في رواتها من لا يحكم لحديثه بالصحة انفرادًا، ولكن بالاعتضاد فهذا حديثه صحيح، لقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وينبغي أن يزاد في التعريف بالصحيح فيقال: هو الحديث الذي يتصل بنقل العدل التام الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذًا ولا معلَّلًا وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيرًا من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يحكم عليها بالصّحة إلاّ بذلك"
(1)
.
وأما إخراجه للأحاديث من الطرق الواهية. وهي قليلة. فهذا مما ينتقد به كتابه، ولذا يستنكر الحافظ ابن حجر عليه روايته عن الحسن بن زياد اللؤلؤي، وهو ممن رمي بالكذب فيقول بعد نقله كلام الأئمة في توهينه فيما حكاه الذهبي:"ومع هذا كله أخرج له أَبو عوانة في صحيحه، والحاكم في مستدركه"
(2)
.
(1)
المصدر نفسه (1/ 417).
(2)
انظر: لسان الميزان (2/ 209).
وهذا كله من حيث الإجمال، وأما بيان ذلك، فزوائد أبي عوانة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: زوائد الطرق والأسانيد، وهي على نوعين:
أ- زيادات المتابعات على ما أخرجه الإمام مسلم رحمه الله، وهي كثيرة جدًّا، فإن الحافظ أبا عوانة قد اعتنى بجمع الطرق من المتابعات والشواهد غاية الاعتناء، حتى إنه ربما بلغ عدد طرق بعض الأحاديث إلى (89) طريقا، كما في حديث ابن عمر رضي الله عنه في وجوب الغسل يوم الجمعة
(1)
.
ب- زيادات الشواهد للأحاديث التي أخرجها مسلم رحمه الله.
منها ما هو صحيح أو حسن كالأحاديث الآتية:
1 -
(6389) حديث أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أفاء الله على رسوله إبلًا ففرقها، فقال أَبو موسى: يا رسول الله أحملني، فقال:"لا"، فقال له ثلاثًا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "والله لا أفعل". . . الحديث.
2 -
(ح/6393) حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير".
3 -
(ح/ 6446 إلى ح/6453) حديث أبي هريرة رضي الله عنه
(1)
انظر شجرة إسناد هذا الحديث آخر المبحث الثامن.
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قضى باليمين مع الشاهد.
4 -
(ح/6456) حديث الزُّبيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قَبِل له شاهدًا واحدًا ويمينه.
5 -
(ح/6464) حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده يأثره عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يقضي باليمين مع الشاهد الواحد.
6 -
(ح/6626) حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قُتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدُفع القاتل إليه، فدفعه إلى ولي المقتول، فقال القاتل: والله يا رسول الله ما أردت قتله
…
الحديث.
7 -
(ح/6697) حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى فيمن زنى ولم يحصن أن ينفى عامًا مع إقامة الحدِّ عليه.
8 -
(ح/6724) حديث جابر رضي الله عنه في قصة رجم ماعز ابن مالك.
9 -
(ح/6815) حديث عامر بن ربيعة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".
ومنها ما هو معلول ونص المصنف على علته، مثل:
10 -
(ح/6425 - 6427) حديث أيوب عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فهو بالخيار إن شاء مضى وإن شاء ترك"، قال أبو عوانة: "في حديث
أيوب عن نافع مرفوع نظر".
11 -
(ح/ 6432) حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث"، قال أبو عوانة:"إنه يقال غلط فيه عبد الرزاق، إنما هو مختصر من الحديث الذي يليه".
12 -
(ح / 6457 إلى ح / 6458) حديث جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل فأمرني باليمين مع الشاهد، وقال: إن يوم الأربعاء يوم نحس مستمر"، ثم رواه مرسلًا -بلفظ-:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد الواحد"، وقال:"المرسل هو الصحيح".
13 -
(ح / 6542) حديث عبد الله بن عمر أو عمرو -شكَّ يونس- عن النبي صلى الله عليه وسلم ونزلت فيهم آية المحاربة، قال أَبو عوانة:"إسناد عجَبْ".
ومنها ما أخرجه لبيان الاختلاف في طرقه، نحو:
14 -
(ح / 6454) حديث عن زيد بن ثابت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال -يعني- قضى باليمين مع الشاهد الواحد
(1)
.
15 -
(ح / 6459 إلى ح / 6461) حديث سعد بن عبادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد.
(1)
هذا الحديث يحتمل أن أبا عوانة يرى أنه يصح بالوجهين؛ فيكون شاهدًا صحيحًا، وقد صُحح كذلك.
16 -
(ح / 6681 إلى ح / 6683) حديث ابن عمر رضي الله عنه قال: كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع فتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها.
17 -
(ح / 6807) حديث ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "العجماء جرحها جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".
ومنها ما استشهد به وهو ضعيف، نحو:
18 -
(ح / 6462 إلى ح / 6463) حديث سُرَّقٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد.
والحديث في سنده جهالة التابعي.
19 -
(ح / 6818) حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال "إنَّ مِنْ قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المعدن جبار، والبئر جبار، والعجماء جرحها جبار".
في سنده انقطاع.
20 -
(ح / 6819) حديث جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "السائمة جبار والجُبُّ جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس".
في إسناده راوٍ ضعيف ولم يتابع.
القسم الثاني: زوائد المتون، وهي على نوعين:
أ- زيادات تقع أثناء المتون في الأحاديث التي أخرج أصولها الإمام
مسلم في صحيحه، وهي كثيرة، والغالبُ عليها الصحة
(1)
، ومنها المعلة والضعيفة، وهي قليلة
(2)
.
ب- متون مستقلَّة لم يخرج أصولها الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه، وهي على قسمين:
أحدهما: أحاديث زادها في أثناء متون الأحاديث وأثناء الأبواب من غير تنبيه على زيادتها.
والثاني: أحاديث زادها مع التنبيه على عدم إخراج صاحب الأصل لها، وربما كان فيها ما هو مخرج أصله بالأصل، كنحو قوله في آخر كتاب الاستسقاء:"زيادات في الاستسقاء ما لم يخرجه مسلم رحمه الله في كتابه" حيث أورد سبعة عشر حديثًا منها خمسة عشر حديثًا زائدًا.
وحديثين التقى فيهما مع مسلم فيمن هو فوق شيخه. أحدهما ما أسنده عن الحسن البصري، عن أنس رضي الله عنه، قال: أصاب أهل المدينة قحط ومجاعة شديدة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة، فقام ناس فقالوا: يا رسول الله، هلكت الأموال وخشينا الهلاك على أنفسنا،
…
"
(3)
.
(1)
انظر على سبيل المثال: (ح / 2587، 2590).
(2)
انظر على سبيل المثال: (ح / 311).
(3)
انظر: حديث رقم (2578).
وهذ كله منه ما هو صحيح أو حسن، مثل:
1 -
(ح / 6401 إلى ح / 6406) حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من حلف بغير الله كفر أو أشرك".
2 -
(ح / 6416) حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على منبري هذا بيمين فاجرة فليتبوأ مقعده من النار".
3 -
(ح / 6466) حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أُكره الاثنان على اليمين فاستحباها فأسهم بينهما".
4 -
(ح / 6515) حديث عجلان مولى المُشْمَعِلّ، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا جاء مملوك أحدكم بطعامه قد ولي حرّ النار فلْيَدْعُهُ فليأكل معه، ولا تضربوهم وأطعموهم مما تأكلون".
5 -
(ح / 6705) حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رُجِم ماعز قال: "لقد رأيته يَتَخَضْخَضُ في أنهار الجنة".
ومنها ما هو معلولٌ ونصَّ المصنف على علته، مثل:
6 -
(ح / 6811 إلى ح / 6812) حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "النَّار جبار"، قال أبو عوانة: كان يقال غلط فيه عبد الرزاق، إنما هو "البئر جبار"، فجعلها "النار"، ثم وافقه عليه عبد الملك عن معمر.
7 -
(ح / 6816) حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: "الرجل جبار"، قال أَبو عوانة؟ "لم يقله أحد غيره" اهـ. يعني سفيان ابن حسين عن الزهري.
ومنها ما هو معلول ولم ينص المصنف على العلة فيه، بل اكتفى بسوق الأسانيد المختلفة التي تُبيِّن موضع العلة، كمثل:
8 -
(ح / 6331 إلى ح 6332) حديث ابن عمر عن عمر قال: سمعني رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلف بأبي فقال: "يا عمر لا تحلف بأبيك، احلف بالله ولا تحلف بغير الله"، قال: فما حلفت بعد إلّا بالله، ورآني أبول قائمًا؛ فقال:"يا عمر لا تبل قائمًا"، قال: فما بلت قائمًا بعد.
وبالجملة فإن عدد الأحاديث الزائدة المستقلة متنا أو إسنادا يزيد على (452) حديثا ومتنا.
المطلب الثاني: دراسة المعلقات في المستخرج.
المعلَّق من الحديث هو: ما حُذِف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر ولو إلى آخر الإسناد
(1)
.
وقد أكثر أَبو عوانة من إيراد الأحاديث المعلَّقة مقارنةً بصاحب الأصل الإمام مسلم، ومقارنةً بأبي نعيم، فالإمام مسلم غاية ما تبلغ عدد الأحاديث المعلَّقة عنده (17 حديثًا) في كتابه الصحيح كلِّه على ما ذكره
(1)
انظر: نزهة النظر شرح نخبة الفكر (ص 40)، وهدي الساري مقدمة فتح الباري لابن حجر العسقلاني (ص: 19)، تدريب الراوي للسيوطي (1/ 117).
السيوطي
(1)
، وقريب منه أَبو نعيم، أما أَبو عوانة فمعلقاته تقارب ثلاثمائة حديث معلق.
والتعليق عند أبي عوانة على أوجه: فتارة يعلِّقه عن بعض شيوخه، وتارة عمَّن فوقهم، وتارة عمَّن فوق ذلك.
وأحيانًا يعلِّق الإسناد ويذكر معه طرفًا من المتن، وأحيانًا يكتفي -عند تعليق الإسناد- بإحالة المتن على السابق، كما سيأتي الكلام عليه في بيان منهج أبي عوانة في كتابه.
وجميع هذه المعلقات يذكرها أبو عوانة عقب الأحاديث المتصلة، سوى عدد قليل منها صدر بها الأبواب
(2)
.
وهذه المعلقات منها ما هو موصول عند المصنف نفسه
(3)
، ومنها ما هو موصول عند مسلم
(4)
، ومنها ما هو موصول عند غيرهما
(5)
.
وبعد التأمل والنظر في تلك المعلقات ترجح لدينا أن أبا عوانة أوردها للأغراض التالية:
أولًا: الأغراض العائدة للإسناد:
(1)
تدريب الراوي للسيوطي (1/ 117).
(2)
انظر: حديث رقم: (3719، و 6618).
(3)
علقه عقب الحديث رقم: (6490)، ووصله برقم:(6486).
(4)
انظر -مثلًا- الحديث رقم: (2046، و 2087).
(5)
انظر -مثلًا-: الحديث رقم: (1762، و 2033).
1 -
لبيان المتابعة على الوصل والإرسال.
فمثال ما علقه لبيان المتابعة على الوصل:
حديثٌ أسنده من طريق عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنَّ يد السارق لم تكن تقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه
(1)
.
ثم قال عقبه: رواه عَبدة وأبو أُسامة عن هشام متصلًا أيضًا.
ومثال ما علقه لبيان المتابعة على الإرسال:
حديثٌ أسنده من طريق إسماعيل بن أبي خالد، عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة
…
"، الحديث
(2)
.
ثم قال عقبه: "رواه ابن جريج عن علي بن زيد"اهـ، يعني عن الحسن.
2 -
لبيان المتابعة على زيادة راوٍ في الإسناد أو حذفه.
فمثال ما علقه لبيان المتابعة على حذف راوٍ من الإسناد:
حديثٌ رواه عن أبي داود السجستاني عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس
…
الحديث
(3)
، وأعقبه بحديث أبي داود السجستاني من طريق وهيب عن أيوب بإسناده.
ثم قال عقبه: روى محمد بن يحيى وغيره عن سليمان بن حرب كما
(1)
انظر: ح (6658).
(2)
انظر: ح (6382).
(3)
انظر: ح (6550).
رواه أَبو داود سواء لم يُذكر أَبو رجاء.
ومثال ما علقه لبيان المتابعة على زيادة راوٍ في الإسناد:
الحديث السابق نفسه رواه عن أبي أمية الطرسوسي عن سليمان ابن حرب بزيادة أبي رجاء بين أيوب وأبي قلابة
(1)
.
ثم قال عقبه: رواه هارون بن عبد الله عن سليمان بن حرب هكذا عن أبي رجاء عن أبي قلابة.
3 -
لبيان سماع الراوي من شيخه.
مثاله: حديثٌ أسنده من طريق ابن وهب عن مالك عن أبي ليلى ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل، عن سهل بن أبي حثمة
…
الحديث
(2)
.
ثم قال عقبه: رواه مطرف عن مالك عن أبي ليلى بن عبد الله عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره هو ورجال من كبراء قومه.
4 -
لبيان الاختلاف في تسمية الراوي المبهم في الإسناد.
مثال ذلك ما أسنده من طريق أبي عامر العَقَدي، قال حدثنا قُرَّة ابن خالد، قال حدثني محمد بن سيرين، قال حدثني عبد الرحمن بن أبي بكرة ورجل في نفسي أفضل من عبد الرحمن -حُمَيد بن عبد الرحمن- عن أبي بكرة قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: "أي يوم هذا"
…
(1)
انظر: ح (6553).
(2)
انظر: ح (6476).
الحديث
(1)
.
ثم قال عقبه: ورواه يحيى القطان، فقال:"وعن رجل آخر أفضل في نفسي"، ولم يسمه كما سماه أَبو عامر.
5 -
لتقوية المتكلم فيه في الإسناد.
مثاله: حديثٌ رواه من طريق أيوب بن خالد عن الأوزاعي. . .
(2)
ثم قال عقبه: "رواه الفريابي عن الأوزاعي
…
".
وأيوب بن خالد قال فيه ابن عدي: "حدث عن الأوزاعي بالمناكير"
(3)
.
6 -
لنزول إسناده عمن علقه عنه.
ومثال ذلك أحاديث غندر عن شعبة، يعرض عنها أبو عوانة لنزول إسناده إلى شعبة من طريق غندر، فمثلًا علق عنه أربعة مواضع عن شعبة
(4)
، وأسند له حديثًا واحد عن الصاغاني عن خلف المخرمي عنه عن شعبة
(5)
، فبينه وبين شعبة في هذا الإسناد ثلاثة أنفس، وعند أبي عوانة إسناد آخر إلى غندر من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه عنه، وهو
(1)
انظر: ح (6615).
(2)
انظر: ح (6534).
(3)
وينظر مثال آخر: حديث رقم: (6527).
(4)
عقب الأحاديث الآتية: (6486، 6496، 6604، 6707).
(5)
انظر: ح (6563).
نازل أيضًا، ولم يخرج بهذا الإسناد شيئًا
(1)
.
7 -
لكثرة الطرق.
وذلك في بقية المعلقات -حاشا ما في الأغراض العائدة للمتن- والظاهر أن إيرادها لكثرة الطرق، وأما ما كان منها موصولًا عند مسلم، فلعله مما عز عليه وجوده من غير طريق صاحب الأصل، فعلقه عن بعض رواته، وقد نبه السخاوي على أنه من صنيع المستخرجين فيما عزَّ عليهم وجوده من غير جهة مصنِّف الأصل
(2)
.
ثانيًا: الأغراض العائدة للمتن.
1 -
التنبيه على اختلاف ألفاظ الرواة.
ومثاله: ما أسنده من حديث جابر بن سَمُرة رضي الله عنه قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ ماعزًا مرتين، وشهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رجم ماعز بن مالك
…
الحديث
(3)
.
ثم قال عقبه: كذا قال غندر وشبابة: مرتين.
(1)
وذلك بالتتبع في أحاديثه من حديث رقم (6322) إلى (6819)، وثمة مثال آخر، وهو حديث حديث الأعمش، برقم:(6595) لو أسنده من الطريق التي علقها لنزل درجة عن الطريق التي أسندها.
(2)
ينظر: فتح المغيث (1/ 44).
(3)
رقمه (6708).
ورواه أبو عامر فقال: مرتين أو ثلاثًا
(1)
.
2 -
لبيان المتابعة على لفظة اختلف فيها الرواة.
ومثاله: ما أسنده من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم "قال سليمان بن داود: لأطوفنَّ الليلة على تسعين امرأة
…
"، الحديث
(2)
.
ثم قال عقبه: رواه ورقاء عن أبي الزناد بنحوه: "تسعين امرأة"
(3)
.
3 -
لبيان أن بعض الرواة اختصر الحديث.
ومثاله: ما أسنده من طريق الحميدي، حدثنا سفيان -هو ابن عيينة- عن أيوب، عن أبي قلابة، عن زهدم قال: قُرِّب إلى أبي موسى دَجاج، فقال لي: ادنُ فكُلْ، فقلتُ: كأنِّي لا أُريده، إني حلفتُ أن لا آكله
…
وساق الحديث بطوله في قصة الأشعريين وطلبهم الحملان من النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال عقبه: رواه الثوري عن أيوب في الدَجاجة فقط.
والذي يظهر أن أبا عوانة علق هذه المواضع للاختصار، فإنه لو أسندها لطال الكتاب جدًّا، فاقتصر على موضع الحاجة منها.
أما ما علقه عن شيوخه، فلم يتبين سبب عدم تصريحه بالسماع
(1)
وينظر أمثلة أخرى: عقب الأحاديث: (6344، 6355، 6467، 6491، 6504، 6534، 6707، 6773، 6793، 6796).
(2)
انظر: ح (64336).
(3)
ينظر التعليق على حديث رقم (6428) لمعرفة اختلاف الرواة في هذه اللفظة.
منهم، إلا أن يكون سمعه منهم مذاكرة.
وقد قرر ابن الصلاح أن المعلِّق إذا علق عن بعض شيوخه وكان غير مدلس حمل على أنه سمعه منه، ولا فرق بين أن يقول:"قال" أو "روى" أو "ذكر" أو ما أشبه ذلك من الصيغ التي ليست بصريحة، قاله ابن حجر
(1)
.
(1)
ينظر: النكت (1/ 354) وعلوم الحديث (ص / 61 وما بعدها).
المبحث الثامن: أهمية كتاب أَبي عوانة وعناية العلماء به.
الكتاب مستخرج على صحيح مسلم، فهو يستمد أهميته من أهمية الكتاب المستخرج عليه، ويعد كتاب أبي عوانة من أوائل الكتب التي خدمت صحيح مسلم، سواءً من حيث الأسانيد أو المتون.
ويمكن إيجاز أهمية الكتاب في الأمور التالية:
1 -
أنه مستخرج على صحيح الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- وهو ثاني أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل، ومعلومة أهمية المستخرجات وفوائدها.
2 -
أن الحافظ أبا عوانة قد اعتنى بتراجم أبواب كتابه، فهي تتميّز بالوضوح والدقة وغزارة المادة الفقهية، ومعلوم أن صحيح مسلم ليس فيه بعد مقدمته إلا الحديث السرد، وفق ترتيب دقيق دون تراجم ظاهرة لأبوابه، وإن كان هو مبوبا في الحقيقة، وأما عناوين الأبواب وتراجمها المثبتة على النسخ المطبوعة فهي من عمل الشراح، ومنهم الإمام النووي، ولذا يُعدُّ صنيع أبي عوانة في تراجم أبوابه من أوائل من أظهر تراجم الصحيح
(1)
.
3 -
اشتماله على فوائد الاستخراج الكثيرة التي تخدم صحيح الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- مثل: -
(1)
انظر صيانة صحيح مسلم ص 103، والإمام مسلم ومنهجه في الصحيح (1/ 383، 388).
أ- كثرة الطرق الزائدة على ما في صحيح مسلم، وهذه الكثرة يستفاد منها في تقوية الحديث والترجيح عند التعارض، وغير ذلك من الفوائد المشتملة عليها تلك الطرق
(1)
.
ب- وإيراد حديث المختلط من طريق من سمع منه قبل الاختلاط، وهو في الصحيح من طريق من سمع منه بعد الاختلاط، وبيان تصريح المدلس بالسماع وهو في الصحيح بالعنعنة، وهذا مما يؤكد حمل الأئمة ما كان من هذا القبيل في الصحيح على الصحة لكون صاحب الصحيح قد انتقى من أحاديث هذا القبيل
(2)
.
ج- ذكر ألفاظ الرواة الذين لم يذكر ألفاظَهم الإمام مسلم في صحيحه
(3)
، مع تمييز تلك الألفاظ لمن هي من الرواة
(4)
.
4 -
اشتماله على كثير من الألفاظ والأحاديث الزائدة على صحيح مسلم، بل له أحاديث انفرد بها
(5)
.
(1)
انظر: مثلًا حديث رقم (2623) إلى (2696)، وسيأتي الكلام عليه في آخر هذا المبحث.
(2)
انظر مثلا، حديث رقم (2766)، وحديث رقم (2999).
(3)
انظر الأحاديث: (4238، 4256، 4257، 4284، 4288، 4293، 4310، 4340، 4341).
(4)
انظر بقية فوائد الاستخراج في مبحث فوائد الاستخراج.
(5)
انظر -على سبيل المثال- الأحاديث: (من 9432 - 9435).
5 -
احتواؤه بعض فتاوى الصحابة والتابعين
(1)
.
6 -
اشتماله على أقوال مصنّفه في الجرح والتعديل، وقد استفاد منها الأئمة الذين جاءوا بعده كالحافظ المزي وابن حجر.
ولأهمية كتاب الحافظ أبي عوانة -رحمه الله تعالى- فإنه يعدّ من أهم مصادر السنة النبوية الشريفة، ولذلك أصبح محلّ عناية للعلماء -رحمهم الله تعالى- ينهلون من معينه ويستفيدون منه، فاعتنوا به: سماعًا ونقلًا، وانتقاءً، وجمعًا لأطرافه.
ومما يدل على ذلك:
تداول الكتاب نقلا ورواية، ويدل على ذلك السماعات الكثيرة على نسخ الكتاب وبخاصة النسخة الظاهرية.
وكثرة النقل من الكتاب سواءً من رواياته، أو ما فيه من الكلام على بعض الرواة وغير ذلك.
كصنيع ابن الصلاح في صيانة صحيح مسلم
(2)
.
والمزي في تهذيب الكمال
(3)
.
والذهبي في جزئه "المنتقى من مسند أبي عوانة"
(4)
.
(1)
انظر على سبيل المثال- الأحاديث: (5036، 5067، 5078).
(2)
انظر: صيانة صحيح مسلم (ص 238، 276).
(3)
انظر: تهذيب الكمال (34/ 221).
(4)
ذكره الحافظ ابن حجر في المجمع المُؤَسِّس (2/ 91).
والحافظ ابن حجر في تغليق التعليق ينقل منه كثيرًا في تخريج بعض الطرق، وفي تهذيب التهذيب، يذكر أحيانًا أن الراوي أخرج له أَبو عوانة
(1)
، وقد جمع أطراف حديثه وطرقه ضمن كتابه إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة، واستفاد من تلك الطرق والمتون في شرحه فتح الباري، في عدة مواضع، ومن أبرز ذلك قوله عن رواية نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما في حديث الغسل يوم الجمعة، "ورواية نافع عن ابن عمر لهذا الحديث مشهورة جدًّا فقد اعتنى بتخريج طرقه أَبو عوانة في صحيحه فساقه من طريق سبعين نفسًا رووه عن نافع، وقد تتبعت ما فاته وجمعت ما وقع لي من طرقه في جزء مفرد لغرض اقتضى ذلك فبلغت أسماء من رواه عن نافع مائة وعشرين نفسًا
…
"
(2)
.
ثم أشار الحافظ إلى الفوائد المستنبطة من تلك الطرق بالنسبة لرواية البخاري في الصحيح فذكر عدة فوائد، أُبْرِزُ منها ما يتعلق بكتاب أبي عوانة مما يدل على عناية العلماء به واستفادتهم منه:
الفائدة الأولى: تكرار الأمر بالاغتسال منه صلى الله عليه وسلم كما في رواية صخر ابن جويرية عن نافع بلفظ: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة قال:
(1)
انظر: تهذيب التهذيب (9/ 217).
(2)
انظر: فتح الباري (2/ 417)، وهذا الحديث خرجه أَبو عوانة كما في الحديث رقم (2623) إلى (2696).
إذا راح أحدكم
…
"
(1)
.
الفائدة الثانية: زيادة في متن الحديث، كما في رواية عثمان بن واقد عن نافع بلفظ:"من أتى الجمعة من الرجال والنساء فليغتسل، ومن لم يأتها فليس عليه غسل"
(2)
.
الفائدة الثالثة: زيادة في المتن والإسناد، وذلك فيما رواه مفضل ابن فضالة عن عياش بن عباس، عن بكير بن عبد الله، عن نافع، عن ابن عمر، عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الجمعة واجبة على كل محتلم، وعلى من راح إلى الجمعة الغسل"
(3)
.
وثمة فائدة أخرى نبَّه إليها الحافظ، وهي في بيان سبب الحديث، وذلك فيما رواه إسماعيل بن أمية، عن نافع بلفظ:"كان الناس يغدون في أعمالهم؛ فإذا كانت الجمعة جاءوا وعليهم ثياب متغيرة، فشكوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل".
وقد عزا الحافظ رواية إسماعيل لأبي عوانة وقاسم بن أصبغ، ولفظ أبي عوانة ليس فيه موضع الشاهد الدال على سبب الحديث فلعل اللفظ المذكور لفظ رواية قاسم بن أصبغ.
(1)
انظر: حديث رقم (2638).
(2)
انظر: حديث رقم (2651).
(3)
انظر: حديث رقم (2696).
وهذه مشجرة توضح طرق رواية نافع المذكورة، وقد اقتبس بعضها من كناب موسوعة الحديث النبوي -صلاة الجمعة- تصنيف د. عبد الملك بكر القاضي
(1)
ثم أضيف إليها طرق أبي عوانة ورمز له بـ "عه" مع الإشارة إلى رقم الحديث في كتابه هذا، وبالمقارنة بين المشجَّرتين تعلم أهمية الكتاب حيث زاد مؤلفه عددًا كبيرًا من الطرق في هذه الرواية بلغت (89) طريقًا.
(1)
ص (105 - 108).
ابن عمر
نافع
الشيباني/ عبد الأعلى/ عثمان بن الأسود/ الأجلح/ عثمان بن حكيم/ خالد الحذاء
حفص/صالح بن مالك/سليمان بن حيان/محمد بن فضيل/محمد/جعفر بن عون/يعلى بن عبيد/محمد بن فضيل/الحكم بن فضيل
أبو هشام/إبراهيم السراج/يحيى الجعفي/العطاردي/محمد بن عطاء/ابن آدم/أبو أمية/الغساني/محمد بن عطاء/بشر بن مبشر
ابن صدقة/إسحاق/أبو زرعة/الأزدى/إسحاق بن إبراهيم/الأزدي/محمد بن القطان
بحشل/ عبد الله بن إبراهيم
عه 2647/عه 2662/عه 2664/عه 2686/عه 2674/عه 2684/عه 2661/عه 2661/عه 2658/عه 2674/عه 2657
ابن عمر
نافع
منصور بن دينار/نافع بن أبي نعيم/محمد بن عبد الرحمن/مالك
إسحاق/عبد الله بن رجاء/ابن وهب/عبد الرحمن/ مصعب الزبيري/خالد بن مخلد/عبد الله بن يوسف/قتيبة/أبو مصعب
ابو عمر المنقري/الحسن بن سهل/ ابن ديزيل/ابن خلف/يونس/بحر بن نصر/أحمد بن حنبل/المروزي/الدارمي/البخاري/النسائي/أبو إسحاق
الشيرازي
البغوي
عه 2621/طب صغير 1/ 227 /عه 2652/عه 2656/عه 2624/هق 1/ 293 /المسند 2/ 46 /الجمعة/هق 1/ 299 /الصحيح/السنن والجمعة
ابن عمر
نافع
عبد القدوس/ثابت بن زهير/جرير بن حازم/عبد الكريم/يونس بن يزيد/سليمان بن موسى/ابن سمعان/منصور بن المعتمر/مطر الوراق
صالح بن مالك/بشر بن معاذ/محمد بن أبيان/علي العامري/أبيه/همام /النعمان بن المنذر/أبيه/إبراهيم بن طهمان
إبراهيم بن إسحاق/ابن مهدي الأيلي/السراج/عمرو بن نافع/أحمد بن خالد/عمرو بن عاصم/يحيى/محمد بن ضمرة/محمد بن سابق/خالد بن نزار
محمد بن إسحاق/محمد بن نهار/الصائغ/أَبو يعلى/ابن سيار/محمد بن يحيى/أحمد بن محمد/حماد بن الحسين/أَبو أمية/أَبو الشريف/هارون الأيلي
أحمد محمد
عه 2695/عنه 2683/عه 2652/عه 2693/عه 2686/المعجم+ طب/عه 2654/عه 2655/عه 2673/عه 2627/عه 2627/عه 2633/
ابن عمر
نافع
أيوب/إسماعيل بن أمية
عبد الوهاب/ إسماعيل/هشام/حماد بن زيد/أبان/شعبة/سعد بن مسلمة
عمر بن شبة/أحمد بن حنبل/أَبو داود الطيالسي/عفان/أَبو النعمان/سليمان بن حرب/أَبو سلمة/محمد بن جعفر/الحسن بن جنيد
الصائغ/أَبو أمية/ابن أبي داود/أحمد بن إسحاق/ أحمدبن حنبل/علي بن منجح
الطحاوي/عبد الله
البغوي
عه 2626/المسند 2/ 48 /المسند ص 253/عه 2625/المعاني 1/ 115 /عه 2689/المسند 2/ 78 /بن الجعد 1572/عه 2692
ابن عمر
نافع
الليث بن سعد/عطاف بن خلد/أَبو معشر السندي/عبد الرحمن بن مالك/يونس بن عبيد/محمد بن عجلان/محمد بن جحادة
معلى/محمد بن رمح/العلاء بن موسى/يحيى بن يحيى/قتيبة بن سعيد/عبد العزيز بن بحر/الهيثم بن الربيع/الفضل بن عنبسة/عبد ربه/حيوة بن شريح/داود بن الزبرقان
ابن شاذان/مسلم/أحمد المروزي/إسماعيل بن قتيبة/مسلم/أَبو الأحوص/السراج/عبد الله بن أبي سعد/الكديمي/عمرو بن مسلم/عاصم بن يوسف/حجاج بن رشدين/الحارث
المخلدي/بحشل/جعفر بن الهذيل/ابن عبد الحكم/ابن الحارث
الملينحي/أَبو أسحاق
البغوي/الحراني
عه 2639/الجمعة 43/هق 1/ 297 /الصحيح 2/ 579 /عه 2639/شرح السنة/عه 2663/عه 2675/عه 2645/عه 2630/عه 2653/عه 2694
المبحث التاسع: بيان منهج المؤلف في كتابه.
لم يذكر الحافظ أَبو عوانة رحمه الله شيئًا يتعلق بمنهجه في مقدمة كتابه، ولكن يمكن استخلاص ذلك بعد النظر في صنيعه من خلال كتابه، وذلك فيما يلي:
1 -
أنه يوافق مسلمًا في ترتيب كتابه في الجملة، وقد يخالفه أحيانًا
(1)
.
2 -
ترجم للأبواب بتراجم دقيقة واضحة مفصّلة طويلة تشتمل على مسائل كثيرة فقهية تصلح كل واحدة منها أن تفرد بترجمة مستقلة، وذلك دليل واضح على غزارة فقهه وسعة علمه رحمه الله.
3 -
يماثل أَبو عوانة بعض المصنفين من أهل عصره كابن خزيمة في طول تراجم الأبواب
(2)
مع ترتيبه للتراجم والأحاديث وفق ترتيب بعض كتب الشافعية في الفقه، وقد تطول ترجمته لكثرة الأحكام التي يذكرها فيها
(3)
.
4 -
يذكر أحيانًا البلد الذي سمع به من شيخه الحديث مثل قوله:
(1)
انظر الأحاديث: (6868، 6913، 6914، 6915، 6918، 7227، 7283، 7284).
(2)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (911، 922، 998، 1149).
(3)
كقوله في كتاب الصيام، الباب الثاني، باب بيان الخبر الذي يوجب على الصائم حفظ صومه وحظر السخب والرفث في يوم صوبه، وإباحة إعلامه، والدليل على أنه ليس فيه رياء.
حدثني محمد بن النعمان بن بشير المقدسي ببيت المقدس
(1)
.
5 -
ينوّع في ذكر شيوخه فأحيانًا يذكر اسم الشيخ واسم أبيه ونسبته، وفي موضع آخر يكتفي بنسبته فقط
(2)
وأحيانًا يذكر لقب شيخه
(3)
.
6 -
لأبي عوانة اعتناء في الرواية عن الشيوخ المكثرين حيث نجده يسوق الحديث من طريق من يعلو به علو صفة كتقدم الوفاة، أو قدم السماع
(4)
.
7 -
يعتني اعتناءً بالغًا بتمييز ألفاظ المتن، موافقًا في ذلك الإمامَ مسلمًا، ومن مظاهر هذا الاهتمام:
أ- التنبيه على زيادةٍ في لفظ بعض الرواة
(5)
.
ب- بيانُ صاحبِ اللفظ من الرواة
(6)
.
(1)
انظر حديث: (1281، 1056، 1659، 925).
(2)
انظر حديث: (822، 826، 848، 869).
(3)
انظر حديث: (823، 1256).
(4)
انظر الأحاديث: (2516، 2584، 2588، 2623، 2625، 2626، 2627، 2637، 2716، 2722، 2727، 2843).
(5)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (1856، 1889، 1948، 1991، 1992، 2008).
(6)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (1849، 1850، 1885، 1896، 1905، 1955، 1956، 1969، 1981، 1983، 1987، 1995، وغيرها).
ج- التصريح بأن فلانًا من الرواة لم يذكر بعض الألفاظ
(1)
.
د- الإحالة بالمتن إلى ما سبق ما عدا اللفظ الذي فيه تغايُرٌ عن المتن المحال عليه
(2)
.
هـ - التصريح بأن (معنى حديثهم واحد) مما يدل على عدم المماثلة تمامًا
(3)
.
و- إذا كان اللفظ الذي يقع له مختلفًا شيئًا ما عن لفظ مسلم، أو فيه زيادة لم ترِدْ عند مسلم أكَّد صحةَ ما ورد عنده بـ (أنَّ هذا لفظ فلان) - يريد الراويَ الذي روى عن طريقه
(4)
.
ويزيد هذا الاهتمام إذا كان اللفظ مما يترتب عليه حكمٌ ما
(5)
.
(1)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (1853، 1870، 1874، 1875، 1881).
(2)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (1767، 1772، 1713، 1848، 1851، 1859، 1864).
(3)
انظر: (ح / 1801).
(4)
انظر: (ح / 1955) حيث قال في آخر الحديث: (وهذا لفظ يزيد)، مع أنه لم يروه إلا عن طريقه، وما ذلك إلا للتأكيد على صحة ما وقع له.
ولفظ يزيد هنا فيه زيادة: (فلم يسترحْ)، ولم ترِدْ هذه الزيادة عند مسلم، واستدل المصنف بهذه الزيادة على ما ورد في ترجمة الباب ذي الرقم (34) فراجعه.
(5)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (1939، 1949، 1950، 2019).
8 -
والغالب أن يسوق سند الحديث ومتنه، وقد يكتفي بسياق سند الحديث فقط، ثم يحيل إلى الحديث الذي قبله بقوله: بمثله أو نحوه
(1)
.
9 -
كثيرًا ما يُكرِّرُ الحديثَ الواحدَ، ويوزِّعُه على أكثرَ من باب حسب المناسبات الموضوعِيَّة التي يشتمل عليها الحديثُ؛ وله في ذلك طرق:
أ- تقطيعه حسب الموضوعات، وذكر موضع الشاهد في كل مناسبة بدون ذكره كاملًا في أي موضع
(2)
.
ب- ذكره كاملًا في موضع ما، وتقطيعه حسب الحاجة في المواضع الأخرى
(3)
.
(1)
انظر الأحاديث: (832، 841، 843، 845).
(2)
انظر -مثلًا-: (ح / 1841) أعاده برقم (1859)، و (1932)، و (ح /1942) أعاده برقم (1933)، وبرقم (2046) مقتصرًا في جميع ذلك على موضع الشاهد.
(3)
انظر -مثلًا-: (ح /2101) أورده مختصرًا على موضع الشاهد، وأعاده بطوله برقم (2349)، و (ح / 1822) اقتصر فيه على موضع الشاهد، وأعاده بطوله برقم (2135)؛ وحديث (2044) أعاده برقم (2057) ولكن لم يتمه؛ و (ح / 1784) أعاده بالأرقام (2287، 2303، 2334) مقتصرًا فيها على موضع الشاهد، إلا الموضع الأخير، فأعاده بطوله؛ وحديث (1785) أورد إسناده بدون ذكر المتن -محيلًا على ما سبق- وأورده بطوله برقم (2339).
جـ - تكراره كاملًا السند والمتن
(1)
.
وفي الغالب لا يُخلي أَبو عوانة موضعَ التكرار من فائدة مَتْنِيَّةٍ أو إسناديَّة:
• فربما يورد للحديث طريقًا أخرى -أيضًا- فيتقوى أكثر، وذلك بأن يَقرِن شيخَه الذي روى عنه الحديثَ سابقًا بآخر
(2)
، أو يورده عن شيخ آخر
(3)
.
• أو يزيد في نسبة شيخه ما يُعَرّفه أكثر
(4)
.
• أو غير ذلك مما يَنْشَطُ له أئمة هذا الفن
(5)
.
(1)
انظر: (ح / 2233) مع (ح /2241) و (ح /2244)، وحديث (1955) مع (ح /2023)، و (ح /1902) مع (ح /2289).
(2)
انظر: (ح/ 1902) مع (ح/ 2289)، و (ح/ 1822) مع (ح/ 2135).
(3)
انظر -مثلًا-: (ح / 2101) أعاده برقم (2348)؛ وزاد فيه طريقًا إلى قتادة، و (ح / 2233) أعاد طريق أبي داود الحراني منه برقم (2241)، وزاد فيه طريقًا أخرى إلي يحيى بن أبي كثير، انظر:(ح/ 1842) مع (ح/ 1933).
(4)
انظر: (ح / 1785) عن أبي داود، أعاده برقم (2339) وزاد فيه نسبة (السجستاني) وانظر:(ح /1803) رواه عن طريق ثلاثة وهم: يعقوب بن إسحاق، وأبو حاتم، وإبراهيم بن ديزيل، وأعاده برقم (2290) وزاد في الأول نسبة (الفسوي) وفي الثاني نسبة (الرازي) على حين نسب الثالث إلى أبيه (الحسين).
(5)
انظر -مثلًا-: (ح / 1841) مع (ح / 1859)، حيث صرّح في الموضع الأخير باسم ابن نمير (عبد الله ابن نمير)، وقارن (ح / 2101) مع (ح / 2349) ومن الفوائد في =
ونادرًا ما يكرِّرُ حديثًا معيَّنًا سندًا ومتنًا دون فائدة
(1)
، ولا شكَّ أنّ استنباطَ حكم جديدٍ من الحديث يُعَدُّ فائدةً تُبرّرُ له التكرارَ، وله في ذلك سلفٌ كالإمام البخاري وغيرِه.
وهو في كل هذا يخالف الإمامَ مسلمًا، حيث إن المعروفَ من منهجه عدمُ تكرار الحديث اكتفاءً بذكره في أَلْصَقِ موضعٍ له مناسبةً، وجَمْعِ جميع طرقه فيه
(2)
.
10 -
ربما يختصر الحديثَ، مصرِّحًا بأنه اختصره
(3)
.
11 -
يتوسع بسرد طرق كثيرة لبعض الأحاديث
(4)
.
12 -
يورد الأحاديث المنسوخة أولًا، ثم يتبعها بالأحاديث الناسخة -كما يفعل الإمام مسلم-رحمه الله إما في الباب نفسه أو في
= الموضع الأخير: التصريح بأن (سعيدًا) هو ابن أبي عروبة، وتصريحه بالسماع عن قتادة، وانظر:(ح / 1842) مع (ح / 1933)، وانظر: بغية الراغب المتمنى (ص 24 - 27).
(1)
انظر -مثلًا-: الحديث (1859) مع (1932).
(2)
انظر في ذلك: (الإمام مسلم بن الححاج ومنهجه في الصحيح، وأثره في علم الحديث)، (2/ 533 - 534).
(3)
انظر: (ح/ 1932).
(4)
انظر حديث: (الحرب خدعة)(6979 - 7002).
الباب التالي
(1)
.
13 -
في حال ذكره للأحاديث المتعارضة، يُقدِّم المرجوحَ عنده ثم يُرْدِفه بما يراه راجِحًا
(2)
.
14 -
يورد أحيانا الحديثَ مسندًا -ثُمُّ يُعْقِبُه بذكر حديث أو أكثر معَلَّقًا، وقد عُلِمَ بالاستقراء أنه يشير بذلك- غالبًا- إلى رواية مسلم التي خرّج عليها
(3)
.
وهذا التعليق يأتي على صور:
أ- بذكر طرفٍ من متن الحديث
(4)
.
ب- بدون ذكر شيء من متنه
(5)
.
جـ- يُصَرِّح باسم الإمام مسلم -أحيانًا-
(6)
.
- وأحيانًا يشير بالتعليق إلى روايةٍ ليست عند الإمام مسلم:
(1)
انظر الأحاديث: (818، 820، 819، 821، 822، 823، 824، 825).
(2)
انظر الأحاديث: (1843 - 1846) مع حديث (1847).
(3)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (1775، 1780، 1783، 1806، 1835، 1837، 1845، 1876، 1927، 1945، 1926، 2016).
(4)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (1760، 1806، 1835، 1843، 1845، 1975، 1992).
(5)
انظر -مثلًا- (ح/ 1837).
(6)
انظر -مثلًا- (ح / 2046، 2087).
بذكر اسمِ المخرِّج -نادرًا-
(1)
.
وبدون التصريح باسم من خرّجه -غالبًا-
(2)
.
والأمر فيه كسابقه في ذكر المتن أو عدمه
(3)
.
15 -
وربما وصل ما علَّقه في موضع
(4)
.
16 -
وربما زاد أحاديثَ ليْسَتْ عند صاحب الأصل، وقد ذَكَر ذلك عن الإمام أبي عوانة بعضُ من تَرْجَمَ له
(5)
.
17 -
قد يصدر بعض الأحاديث بقوله: "زيادات لم يخرجها مسلم في صحيحه"، أو يقول:"من هنا لم يخرجاه"، أو "من هنا لم يخرجه مسلم"، وهذا إنما يفعله أَبو عوانة بعد سياقه طرق مسلم كلها
(6)
.
18 -
قد يكون الحديث في صحيح مسلم من طريق من تُكُلِّم فيه،
(1)
انظر -مثلًا-: (ح / 1762، 2033).
(2)
انظر -مثلًا- الأحاديث: (1951، 1845 (رواية على بن حرب وعيسى)، 2178، 2461).
(3)
تقدَّم أنَّ الأكثرَ في تصرفه في التعليقات الإشارةُ بها إلى روايات في صحيح مسلم، إلا أن وجودَ معلَّقاتٍ عنده لم توجَدْ عند مسلم سوَّغت التعبير عنها -ككل- بالمعلَّقات، والإشارة إلى من خرّجها -كائنًا من كان- بأنه وصلها.
(4)
انظر (ح / 1783) وصله برقم (2338).
(5)
انظر: سير أعلام النبلاء (14/ 417)، النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 291 - 292)، إتحاف المهرة (1/ 159)، الضوء اللامع (8/ 10).
(6)
تقدم بيانُ المقصود من هذه الألفاظ في أول المبحث السادس من الفصل الثاني.
ولمسلم مسوغ في إخراجه
(1)
، فيورد أَبو عوانة طرق الحديث بما يكشف عن ذلك
(2)
.
19 -
أحيانًا يُعْقِبُ الحديثَ ببيان بعض ما يُسْتَنْبَطُ منه
(3)
، أو دفْعِ ما يتوهمه البعضُ من تعارضٍ بين الحديثين، والردّ على المخالِفِ تعريضًا، بدون التصريح باسم أحد
(4)
.
20 -
وأحيانًا يُعَرِّج على استعراض رأيِ بعضِ الأئمة في الحديث الذي يُسْنِده، إشارةً منه إلى ترجيحه
(5)
.
21 -
يتكلم على بعضِ الرجال جرحًا وتعديلًا
(6)
، أو ذِكْرًا لاسم مَنْ اشتهر بالكنية
(7)
، أو دفعًا لتوهُّمِ التعدُّد
(8)
أو تصريحًا باسم مُهْمَلٍ
(9)
وخاصة
(1)
انظر حول بيان ذلك: صيانة صحيح مسلم (95 - 98) وضوابط الجرح والتعديل (58، 114، 124).
(2)
انظر الأحاديث: (2524، 2528، 2560، 2698، 2709، 2739، 2766، 2999).
(3)
انظر: (ح / 2144).
(4)
انظر عقب (ح / 1962). فإنه أطال نَفَسَه في بعض المسائل.
(5)
انظر: (ح / 1960).
(6)
انظر: (ح / 2260)، وترجمة الحسن بن أحمد بن محمد بن بكار الدمشقي.
(7)
انظر: (ح / 2118).
(8)
انظر: (ح / 1890) حيث صرّح بأن كلًّا من: (عبيد أبي الحسن) الوارد في (ح / 1889) و (عبيد بن الحسن) الوارد في (ح / 1890) واحد.
(9)
انظر: (ح / 1941).
إذا كان ممن يلتبس بغيره عند البعض
(1)
، أو غير ذلك
(2)
، وكُلُّ ذلك إما مِنْه
(3)
، أو عن بعض من سبقه، يشير إلى الحالة الأخيرة بقوله:"يقولون"
(4)
أو "يقال"
(5)
.
22 -
نادرًا ما يُعْقِبُ الحديث بذكر الحكم عليه
(6)
.
23 -
وربما ينقل أقوالَ بعضِ رواةِ الحديث في تفسيره
(7)
.
24 -
وأحيانًا يشرح غريب الحديث
(8)
.
25 -
لم يلتزم ثقة الرواة المخرج لهم في كتابه، لأن جل قصده هو علو الأسانيد، وإن كان الغالب على رجاله الثقة، فقد روى عن بعضِ الضعفاء، أو المجهولين
(9)
، ولكنَّ غالبَه في المتابعات، والشواهد، ومما يُعْتَذر له في ذلك كون أصل الحديث عند مسلم
(10)
.
(1)
انظر: (ح / 2328).
(2)
انظر: (ح / 2392).
(3)
انظر: (ح / 1941).
(4)
انظر الأحاديث: (1890، 2328، 2392).
(5)
انظر: (ح / 2118).
(6)
انظر الحديث (1847).
(7)
انظر الحديث (1898).
(8)
انظر الحديث (2142).
(9)
كما روى عن (أبي الأحوص) وهو متهم بالوضع، وعن (أبي القاسم الختلي) وهو ضعيف.
(10)
انظر مبحث درجة رجال أبي عوانة.
المبحث العاشر: وصف النسخ الخطيَّة، وتراجم رجال أسانيدها، ودراسة السماعات الموجودة عليها.
إنَّ من صعوبات التحقيق العلمي تناثر أجزاء الكتاب في شتى مكتبات العالم مما يضطر الباحث إلى التنقيب وراءها، والبحث عنها، ولقد ظفرنا بست مصورات عن نُسخ خطِّيَّة لكتابنا هذا، إلا أنها أجزاء من الكتاب متفرقة تناثرت في عدة مكتبات في الهند وباكستان ومصر وتركيا وطاشقند.
فليس ثمة نسخة كاملة للكتاب فيما وقفنا عليه، ولكن بمجموع تلك النسح يمكن الحصول على نسخة ملفَّقة ينقصها بعض الكتب والأبواب.
كما يمكن إكمال بعض النقص بالرجوع إلى كتاب إتحاف المهرة بالفوائد المبتكرة من أطراف العشرة للحافظ ابن حجر، رحمه الله، وجمع ذلك على طريقة المسانيد، ثم جمعه على طريقة الكتب والأبواب، وإن كان الوصول إلى متون الأحاديث كاملة سيبقى بحاجة إلى الوقوف على نسخة خطيَّة لأن الحافظ لا يسوق متون الأحاديث كاملة بل يكتفي بأطرافها
(1)
.
وفيما يلي وصف لما وقفنا عليه من تلك النسخ.
النسخة الأولى: وهي المشار إليها بالرمز (ل).
يوجد منها الجزء الأول، والثاني، والخامس، والسابع، والثامن،
(1)
انظر: مقدمة محقق كتاب إتحاف المهرة (1/ 96).
والتاسع، تفرقت في عدة مكتبات.
وخطُّها: نسخ مشرقي واضح.
ومسطرتها: 17 - 19.
وكاتبها: لم يذكر على تلك الأجزاء.
وتاريخ نسخها: مثبت بآخر الجزء الثامن حيث كتب الناسخ: "وافق الفراغ منها في نهار الجمعة السادس من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وخمسمائة عظم الله بركته على المسلمين ونفع به
…
"
(1)
.
والجزء الأول: محفوظ بمكتبة فيض الله أفندي، بتركيا برقم (508)، وعلى طرَّته ختم هذه المكتبة، ونصُّ الوقفية فيه هو:
"وقف شيخ الإسلام فيض الله أفندي غفر الله له ولوالديه بشرط أن لا يخرج من المدرسة التي أنشأها بالقسطنطينيَّة سنة 1113 هـ".
وكُتِب أيضًا على الغلاف اسم الأمير: عز الدين عبد العزيز بن شداد ابن تميم الحميري
(2)
، وربما كان ذلك للتملك، فقد سمعت عليه كما سيأتي ذكره في السماعات.
ويقع هذا الجزء في: 247 لوحة، ويبتدئ: بأول الكتاب.
وينتهي: ببعض كتاب الصلاة، وآخر أبوابه: باب بيان إيجاب إقامة
(1)
انظر المخطوط: (8 ل / 195 / ب).
(2)
له ذكر في وفيات الأعيان (6/ 211)، وسير أعلام النبلاء (19/ 264).
الركوع والسجود.
الجزء الثاني: محفوظ برقم 401 بمكتبة كوبرلي بتركيا.
ويقع في: 247 لوحة، ويبتديء ببعض كتاب الصلاة، وأول أبوابه "باب بيان حظر الكلام في الصلاة بعد إباحتها فيها".
وينتهى ببعض كتاب الزكاة، وآخر أبوابه "باب ذكر الخبر الموجب الإنفاق في الطاعة".
الجزء الخامس: محفوظ في دار الكتب المصرية بمصر برقم: 473 حديث.
ويقع في: 236 لوحة، ويبتديء ببعض كتاب البيوع، وأول أبوابه "باب بيان الكلاب التي رخص في إمساكها ونهى عن قتلها بعدما أمر بقتلها".
وينتهي: ببعض كتاب الجهاد، وآخر أبوابه "باب حظر قتل أحد من قريش صبرًا، والدليل على أنهم قتلوا يوم الفتح صبرًا، وعلى إباحة قتل غيرهم من المشركين صبرًا".
الجزء السابع: محفوظ بمكتبة كوبرلي بتركيا ورقمه بها: 404.
ويقع في: 194 لوحة، ويبتديء: بمبتدأ كتاب تحريم الخمر وأول أبوابه "باب بيان الخبر الدال على أن الخمر وشربها في الآنية كان مباحًا وصفة تحريمها
…
".
وينتهي: ببعض كتاب الرقى والطب، وآخر أبوابه "باب إباحة الرقى
كلها ما لم يكن فيها شرك".
الجزء الثامن: محفوظ أوله (من لوحة 1 إلى 8 / أ) في مكتبة فيض الله أفندي برقم 509، وبقيته (من 8 / ب إلى 195) محفوظ في مكتبة كوبرلي برقم 405.
وقد وقع إخلال واختلاط في تتابع أوراقه حيث ألحق من أوله إلى لوحة 8 / أبالجزء التاسع الذي ألحق هو أيضًا من أوله إلى لوحة 8 / أبالجزء الثامن، والتبس ذلك على المفهرسين.
ويقع هذا الجزء في: 195 لوحة.
ويبتديء: بتتمة كتاب الرقى والطب، وأول أبوابه "باب بيان رقية القرحة والوجع والجراح، ومعالجتها".
وينتهي: ببعض كتاب المناقب في ذكر مناقب عائشة رضي الله عنها.
الجزء التاسع: محفوظ أوله (من لوحة 1 إلى 8 / أ) في مكتبة كوبرلي تحت رقم 405، وبقيته (من لوحة 8 / ب إلى 194) في مكتبة فيض الله أفندي برقم 509.
ويبتديء: بتتمة كتاب المناقب في إكمال مناقب عائشة رضي الله عنها.
وينتهي: ببعض كتاب الدعوات وآخر أبوابه "باب فضيلة لا حول ولا قوة إلا بالله وثواب قائلها".
كتب في آخره بخط مغاير لخط النسخة: "آخر الجزء الثامن من مسند
أبي عوانة"، وليس هذا بصواب لما تقدم بيانه.
ويقع في: 194 لوحة.
وجميعُ أجزائها مصدَّرةٌ بإسناد النسخة، وسيأتي عرضُه إن شاء الله تعالى.
وتمتاز هذه النسخة:
1 -
بقلة السقط والتصحيف مع كونها موثَّقَة.
2 -
في نهاية أجزائها سماع لعدد من الأئمة، سيأتي بيانه.
3 -
معارضَتها بالأصل الذي نُقِلَت منه، حيث خُطَّ بخطٍ على الدوائر الموجودة في نهايات الأحاديث، مما يدل على المقابلة.
4 -
بعضَ كلماتها ضُبِطَتْ بالشكل مما يدل على دقتها وجودتها.
النّسخة الثانية: وهي المشار إليها بالرمز (م).
يوجد منها الجزء الأول، وبعض الثاني، والثالث والرابع والخامس.
وجميعها محفوظ في دار الكتب المصرية بمصر برقم: 453 حديث.
ومسطرتها: 21 سطرًا.
وناسخها: لم يذكر اسمه.
وتاريخ نسخها: مثبت بآخر الجزء الأول منها سنة 596 هـ.
والجزء الأول منها، يبتديء: بأول الكتاب، وينتهي: بأحاديث من "باب الدعاء الذي يدعو ربه به المصلي" من كتاب الصلاة، وفيه سقط وإخلال في ترتيب أوراقه أشير إليه في ثبت السماع المثبت بآخره، وسيأتي ذكره.
ويقع في: 217 لوحة.
الجزء الثاني: يبتديء ببقية كتاب الصلاة، وأول أبوابه "باب بيان التسليمتين عند الفراغ من التشهد".
وينتهي: ببعض كتاب الزكاة، وآخر أبوابه "باب إباحة نصف العشر فيما يسقى بالساقية".
ويقع في: 135 لوحة.
الجزء الثالث: يبتديء ببعض كتاب الحج، وأول أبوابه "باب بيان الإباحة للمحرم غسل رأسه ودلكه رأسه بالماء".
وينتهي: بأحاديث من "باب الترغيب في سؤال القارئ قراءة القرآن والاستماع إليه
…
" من كتاب فضائل القرآن.
ويقع في: 86 لوحة.
وفيه سقط وإخلال كبير في ترتيب أوراقه، وقد ألحق بآخر الموجود منه عدة أوراق هي من آخر الجزء الرابع، حيث كتب في آخرها:"نجز الجزء الرابع، الحمد لله وحده، وصلواته على خيرته من خلقه محمد وآله وسلامه، يتلوه في الجزء الخامس باب عدد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم".
وهذا الجزء -أعني الثالث- سيأتي تفصيل الخلل، والسقط الواقع فيه في موضعه من الكتاب إن شاء الله تعالى
(1)
.
(1)
وهذا القدر من هذه النسخة طبع مؤخرًا بعناية أيمن عارف الدمشقي، وقد اعتمد عليه =
الجزء الرابع: والموجود منه قطعة يسيرة تقع في 26 لوحة ألحقت بآخر الموجود من الجزء الثالث كما أسلفت، وهي عدة أبواب من كتاب الجهاد غير مستقيمة الترتيب وآخرها: باب بيان محاربة النبي صلى الله عليه وسلم أهل الطائف.
الجزء الخامس: يبتديء بأحاديث من "باب تحريم أكل الصيد من السباع التي لا ناب لها
…
" في تتمة كتاب الصيد.
وينتهي ببعض كتاب اللباس، وآخر أبوابه "باب بيان صفة الحجاب وأنه فرض مفروض، وإباحة خروج النساء لحاجتهن".
وأوله ساقط، ويقع في: 136 لوحة.
ومن أبرز عيوب هذه نسخة: أنها تنفردُ بكثرة التصحيفات والتحريفات والأخطاء، كثرة السقطِ والتكرارِ بها، وقد أشير إلى هذا في السماع المثبت بأول أجزائها.
وقد خَلَتْ من رمز التحويل (ح) عند تعدّد الطرق، وهذا الرمز مثبَتٌ في النسخ الأخرى.
وهذه النسخة توافق النسخةَ (ل) في أكثر الفروق التي تخالفها فيها النسخةُ (ك)، ونسخةُ (ط) الآتي بيانها.
وصُدِّرت أجزاؤُها بإسناد النسخة، وسيأتي سردُه إن شاء الله تعالى.
= وحده على ما فيها من سقط وخلل وتصحيف كما تقدم آنفًا.
وتتميز هذه النسخة بأن كل حديث فيها ينتهي بدائرة منقوطة مما يدل على مقابلتها بالأصل الذي نقلت منه.
وعليها سماعاتٌ لعددٍ من الأئمة -سيأتي ذكرها- إن شاء الله تعالى.
فهي مع ما فيها من التصحيف والنقص موثقة ومقابلة كما يبدو.
النسخة الثالثة: وهي المشار إليها بالرمز: " هـ".
ومسطرتها: 14 - 16.
وخطها: مشرقي، قديم، وفيها: إعجام لبعض الكلمات وبخاصة التي تشكل قراءتها بترك إعجامها، أما الكلمات غير المشكلة التي مثل: إبراهيم، وحدثني، وحدثنا، ونحوها ففي الغالب غير معجمة، كما أن أواخر الكلمات تتصل أحيانا بأوائل التي تليها.
وتاريخ نسخها: يظهر أنها كتبت في القرن الخامس، ولم يذكر اسم ناسخها.
وهذه النسخة لا يوجد منها -فيما نعلم- إلا مجلدان فقط، الثامن، والتاسع كل مجلد منها يحوي عدة أجزاء حديثية.
المجلد الثامن: محفوظ في المكتبة الظاهرية بدمشق، تحت رقم "274 حديث".
ويقع في: 271 لوحة.
وفيه من الجزء العشرون بعد المائة إلى الجزء السادس والثلاثون بعد المائة.
يبدأ بأحاديث من باب بيان فضل الغزو في البحر.
وينتهي بأحاديث من باب بيان التشديد في المرأة تصل شعرها من كتاب اللباس.
والمجلد التاسع: محفوظ بمكتبة كوبرلي بتركيا، تحت الرقم "406".
كتب على طرته بخط مغاير لخط النسخة: "الجزء العاشر من أبي عوانة" وصحح فوقه "الحادي عشر"، وهذا خطأ، والصواب أنه المجلد التاسع كما يظهر من ثبت السماع المثبت فيه
(1)
، ويؤيد ذلك تتابع أجزائه بأجزاء المجلد الثامن.
وفيه سقط في بعض المواضع، حيث سقط الجزء 137 من أوله.
وفيه من الجزء 138 إلى 155.
ويقع في: 289 لوحة.
ويبتديء: ببعض كتاب الآداب وأول أبوابه "باب بيان الأسماء المكروهات التي إذا سمى بها وجب تغيرها
…
".
وينتهى: ببعض كتاب المناقب في مناقب أنس بن مالك رضي الله عنه.
وتمتاز هذه النسخة بأمور:
1 -
أنها أصل النسخة التي رمز لها بالرمز "ك" -الآتي وصفها- وبها عورضت تلك النسخة.
وقد نقلت عن أصل سماع أبي المظفَّر عبد الرحيم بن أبي سعد
(1)
انظر: لوحة 16.
عبد الكريم السمعاني (ت 617 هـ)
(1)
، وعُورضت بالأصل الذي نقلت منه، فقد أشير إلى ذلك في عدة مواضع
(2)
، منها قول الناسخ:"آخر الجزء الثاني والثلاثين من أصل سماع أبي المظفر عبد الرحيم السمعاني، وعليه سماعه على أبي البركات عبد الله الفراوي، عن فاطمة بنت الدَّقَّاق، عن أبي نعيم، بقراءة على الشهرستاني وبخطه السَّماع في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وخمسمائة، والحمد لله رب العالمين".
وقوله: "آخر الجزء الثالث والثلاثين من أصل سماع أبي المظفر السمعاني" ثم كتب بعده "بلغت بقراءتي من الأصل، وعارضت بهذه النسخة وسمع الجماعة منهم
…
في المحرم سنة سبع وستمائة".
وكذلك قوله: "آخر الجزء الرابع والثلاثين من نسخة شيخنا أبي المظفر السمعاني، وعليه سماعة على أبي البركات الفراوي، عن فاطمة بنت الدقاق، عن أبي نعيم عن أبي عوانة في جمادى سنة أربع وأربعين وخمسمائة بقراءة علي الشهرستاني
…
".
ومما يدل على معارَضتها -أيضًا- أنه يكتب في آخر كل جزء من
(1)
ذكر ابن نقطة والذهبي سماعه هذا. انظر: التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد. (2/ 120)، السير (22/ 107).
(2)
انظر: المجلد الثامن من هذه النسخة لوحة: (91 / أ، 167 / ب، 178 / ب، 183 / ب، 213 / ب، 243 / أ).
أجزاءها "عورض ولله الحمد والمنة"، وأحيانًا "عورض حسب الإمكان"، وكذلك أشير إلى معارضتها في أماكن بكتابة رمز المعارضة (عو)
(1)
.
2 -
تملُّك الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الجَمَّاعيلي (ت 643 هـ)
(2)
لها، فقد كتب على أول المجلد الثامن منها "وقف الحافظ ضياء الدين المقدسي".
3 -
اعتُني بها عناية فائقة، يدل على ذلك:
أ- العناية بتمييز الحروف التي قد تشكل مع غيرها، كوضع نقطة تحت الحرف المهمل، وأحيانا حرف صغير تحت الحرف المهمل.
ب- استخدمت فيها رموز كثيرة مثل:
1 -
(م ...... م) ويدل على تقديم وتأخير في الكلام
(3)
.
2 -
(لا ..... إلى) ويدل على حذف ما بين الحرفين لزيادته
(4)
.
3 -
(ص) علامة التضبيب وتدل على صحة ما كُتِبَت عليه رواية، وخطأه معنىً.
(1)
انظر: المجلد الثامن (18 / ب، 45 / ب، 49 / أ، 167 / ب، 178 / ب، 183 / ب، 213 /ب).
(2)
انظر: ذيل الروضتين (1/ 177)، والسير (23/ 126).
(3)
انظر: المصدر السابق (199 / ب).
(4)
انظر: المصدر نفسه (179 / أ، 196 / ب)، وانظر: بلغة الحثيث إلى علم الحديث (ص 37).
4 -
رمز يشبه قلامة ظفر أو العدد (7) توضع فوق الحرف للدلالة على إهماله
(1)
.
5 -
(ا_ا) للدلالة على حذف الكلام
(2)
.
6 -
يشار فيها للمكرر إما صراحة كأن يقول: أول الحديث مكرر، أو بالشطب على المكرر.
جـ- وجود علامة انتهاء المعارضة والمقابلة للنسخة في آخر كل حديث، وفي بعض الأحيان ينص صراحة على انتهاء المعارضة
(3)
.
د- وجود علامات اللحق في أماكن السقط، ثم يثبت هذا الساقط في هامش المخطوط على طرفها من جانبها أو فوقها، ويكتب في آخره أحيانا
(4)
"صح".
هـ - وجود تصويبات لبعض الأوهام والأخطاء التي وقع فيها الناسخ، ويكتب هذا التصويب في الهامش
(5)
، وأحيانا تعدل الكلمة نفسها في أصل المخطوط بخط مُغاير، وأحيانا يضرب على حديث مكرر ويكتب فوقه أنه
(1)
انظر: المجلد الثامن (221 /ب، 231 / أ).
(2)
انظر: المصدر نفسه (151 / ب).
(3)
انظر: المصدر نفسه (18 /ب، 45 /ب، 49 / أ).
(4)
انظر: المصدر نفسه (26/أ، ب، 30/أ، 51/ ب، 55 /ب، 83/أ).
(5)
انظر: المصدر نفسه (45/أ، 53 /ب).
مكرر
(1)
.
و- وجود علامات الإلغاء، لما يراد نفيه من الكلام، كالضرب بخط خفيف فوق الجمل أو الكلمات
(2)
كثيرًا ما يكتب الناسخ حرف "لا""لا" بين ما يريد إلغاءه
(3)
.
ز- ومن الأدلة على العناية بهذه النسخة: عناية العلماء بسماعها، فقد ختمت أجزاؤها بعدة سماعات، ستأتي الإشارة إليها.
النسخة الرابعة: ورمزها (ك).
يوجد من هذه النسخة خمسة أسفار: الأول، والثالث، والرابع، والخامس والسادس
(4)
، محفوظة في عدد من مكتبات العالم، مع أن كاتبها وناسخها واحد.
فالسفر الأول: محفوظ بمكتبة خدابخش المعروفة بكتب خانه خدابخش خان
(5)
الواقعة في بلدة بانكي بور
(6)
القريبة من مدينة فَتْنة عاصمة ولاية بِهَار الواقعة بالشمال الشرقي من الهند.
(1)
انظر: المصدر نفسه (59 / ب).
(2)
انظر: المصدر نفسه (2 / ب، 21 / أ، 30 / أ، 31 / أ).
(3)
انظر: المصدر نفسه (37 / أ، 38 / أ، 30 / ب، 31 / أ).
(4)
وقد طبع الجزء الأول والرابع من هذا الكتاب فقط، في دائرة المعارف العثمانية في 4 مجلدات.
(5)
كتب خانة: فارسيُّ يعني: خزانةَ الكتب، وخدابخش: اسم الشخص الذي بنى المكتبة ووقفها.
(6)
هذا الاسم مهجور الآن، والبلدة تعرف الآن باسم سبزباغ.
وعدد أوراقه: 271 ورقة.
وأوله مخروم، ويبدأ بباب "بيان الأعمال والفرائض التي إذا أداها بالقول والعمل دخل الجنة
…
".
وينتهي بانتهاء باب: "بيان الجهر بالقراءة في صلاة الكسوف
…
" وهو آخر المجلد الأول منه وبه سقطٌ من أوله يشمل المقدمةَ، وخمسةَ أبواب فيها (64) حديثًا.
والسفر الثالث: محفوظ بمكتبة كوبرلي بتركيا، برقم "402".
وعدد أوراقه: 291 ورقة.
ويبتديء: بفضائل القرآن وما فيه، وأول أبوابه "باب فضل القراء على غيرهم".
وينتهي: بكتاب الحدود، وآخر أبوابه "باب بيان إسقاط الحكم في الدين عن أصحاب الدواب والأنعام".
والسفر الرابع: فهو من محفوظات المكتبة الأزهرية بمصر، تحت الرقم (420).
ويقع في: 303 لوحة.
ويبتديء: بكتاب الأحكام، وأول أبوابه "باب بيان الخبر الموجب على الحاكم أن يحكم بالظاهر بحجة المدعي
…
".
وينتهى: بأحاديث من "باب بيان الخبر المبيح استلقاء الرجل وضع إحدى رجليه على الأخرى" من كتاب اللباس.
والسفر الخامس: محفوظ كذلك بمكتبة كوبرلي بتركيا برقم: "403"
وعدد أوراقه 272 ورقة.
ويبتديء: بباب الترهيب في اتخاذ الصور في البيوت والأمتعة التي فيها في تتمة كتاب اللباس.
وينتهي: بأحاديث من باب الدعاء الذي يجب على من يسلم أن به، من كتاب الدعوات.
السفر السادس: محفوظ بمكتبة خاصة بالجزائر، وعدد أوراقه 288 ورقة، وبه خرم ونقص يسير في آخره.
ويبتديء: بباب الترغيب في الاجتماع بالمسجد لذكر الله عز وجل كتاب الله عز وجل من كتاب الدعوات.
وينتهي: بأحاديث في تفسير سورة النساء من كتاب التفسير.
ومسطرة هذه النسخة: 18 - 20.
وخطها: مشرقي، واضح.
وكاتبها: عبد الرحيم بن عبد الخالق بن محمد بن هبة الله بن أحمد ابن ابن أبي هشام القرشي الشافعي الدمشقي
(1)
.
وتاريخ نسخ أسفارها كالآتي:
السفر الأول كتب في: 25/ 5 / 615 هـ.
السفر الثالث كتب في: 15/ 2 / 617 هـ.
(1)
لم نقف على ترجمته.
السفر الرابع كتب في: 6/ 9 / 617 هـ.
السفر الخامس كتب في: 12/ 8 / 618 هـ، والسفر السادس لم يظهر تاريخه لوجود خرم بآخره.
وتمتاز هذه النسخة بما يلي:
1 -
أنها نقلت من نسخة الضياء (هـ) -المتقدم ذكرها- وقوبلت عليها كما يظهر ذلك من طباق السماع المثبت بآخر السفر الرابع والخامس.
فقد ذكر أنها عُورِضَتْ على نسخة الضياء المقدسي، ففيها: "بلغت المعارضةُ بأصل الضياء أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي
(1)
، ومنه كان النقل، وسمعه جماعةٌ حين المعارضة، أسماؤهم على الأصل، كتب: محمد بن يوسف الِبرْزَالي الإشبيلي"
(2)
.
2 -
ينتهي كلُّ حديثٍ فيها بدائرة منقوطة مما يدل على معارضتها بالأصل المنقول منه، وشَكْل الكلماتِ بها نادرٌ.
3 -
يوجد على هذه النسخة كثير من علامات التصحيح والتصويب
(1)
الجمَّاعيلي الدمشقي، ولد سنة 569 هـ، قال الإمام الذهبي: "
…
الإمام، الحافظ القدوة المحقق المجوّد الحجة، بقية السلف
…
"، وقال البرزالي: "حافظ، ثقة، جبل، ديّن، خيّر"، وتوفي سنة 643 هـ.
انظر: السير (23/ 126)، الوافي بالوفيات (4/ 65)، فوات الوفيات (3/ 426).
(2)
هو "الإمام المحدث الحافظ الرحّال، مفيد الجماعة" زكي الدين، أَبو عبد الله البرزالي، ولد سنة 577 هـ -تقريبًا- وبعد رحلة طويلة استوطن دمشق وتوفي بحماة سنة 636 هـ، و (برزالة) قبيلة بالأندلس.
انظر: التكملة لوفيات النقلة (3/ 514)، السير (23/ 55)، درة الحجال (2/ 298).
والمقابلة واللَّحق وإلحاقاتٌ لبعض الكلمات الساقطة، وتصويبات للأخطاء الواقعة في النسخة، وانتهاء المعارضة في آخر كل حديث، والمُكَرَّرُ يُحذف فيها بالضرب عليه بالقلم مع بقاء المضروب مقروءًا، وهذا يدل على أنها نسخة معتنى بها
(1)
.
4 -
وتمتاز أيضًا بذكر بلاغاتِ القراءات والسَّماعات عند انتهاء كل مجلس سماع -بالهامش- وقد سمعت على جماعة من العلماء والحفاظ، فعليها عدَّة سماعات بعضها منقول من الأصل، وسيأتي ذكر ذلك.
وهذه النسخة قد صدرت أسفارها بإسنادها سوى الأول منها، وذلك للخرم الواقع في أوله، بيد أنه مستدرك بالنسخة السندية الآتي وصفها، والأسفار الأخرى.
النسخة الخامسة: وهي المشار إليها بالرمز (ط).
محفوظ أصلها بمكتبةِ معهدِ الإدارة الدينيّة بطاشقند برقم (3)، كتب على الصفحة الأولى منها:(الأول من مسند أبي عوانة) كتبت عليها عباراتٌ أخرى يتعذَّرُ قراءتهُا لما بها من آثارِ الطَّمْسِ والْمَحوِ بالمداد.
ومسطرتها: (18 - 22).
وخطها: نسخ مشرقي جميل واضح، وتَخَلَّلَتْها لوحاتُ كُتِبَتْ بخط
(1)
انظر نماذج من ذلك في المجلد الرابع الورقة (102/أ، 125 /ب، 137/ أ، 149/أ)، وغير ذلك كثير.
مغايِرٍ مختلفِ عن الأول، وأصغر بكثير عنه، بحيث تصعب قراءتُه من أول السطر، ويبدو أن هذه اللوحات قد أُلِحَقَتْ بالنسخة عوضًا عن اللوحات الساقطة، وبالمعارضة تَبَيَّن أن هذه اللوحات المُلْحَقة توافق النسخةَ (ك) في الأغلب.
وتبتديء هذه النسخة بأول الكتاب، وتنتهي بأحاديث من صلاة الخوف.
وهي غير مرتبة، ويبدو أن الاختلال في ترتيبها حَدَثَ أثناء التصوير، وتبين بعد ترتيبها أن كثيرًا من لوحاتها مكررة، كما أن كثيرًا منها ساقطة من أماكن مختلفة، وبعد حذف اللوحات المكررة بقيت في (433) لوحة.
ولم يُذْكَرْ فيها تاريخُ النسخ، ولا اسمُ الناسخ.
ومما يُلْفِتُ النظر فيها هو كثرةُ السقط أثناء الأحاديث، ولكن غالبَه مستدركٌ فيها -بخط مغاير- في الهامش.
وتمتاز هذه النسخة:
1 -
بأنَّ هوامشَها لا تخلو من بعض التعليقات التي قُصد منها ترجمةُ بعض الألفاظ باللغة الفارسية، وهي واضحة، وكذلك من بلاغات السماع والقراءة.
2 -
كُتب في اللوحة (432) بالفارسية أنها عورضت في الثاني من ذي الحجة، سنة (907)، ثم في 27 شوال سنة (933 هـ).
3 -
نُقِلَتْ هذه النسخة من نسخة الضياء المقدسي، كما هو الحال
في النسخة (ك)، ولذلك فهما تتوافقان في الفروق التي تخالفان فيها نسخة (ل)، نسخة (م) السابقتين.
ولولا وجودُ بلاغات السماعات في هوامشها، وطباق السماع في آخرها لجزم بأنها منقولة عن نسخة (ك)، فهي مصدَّرة بإسنادها، وهو سند النسخة (ك) نفسُه وسيأتي ذكره.
4 -
تنتهي أحاديثُ هذه النسخة بدائرة منقوطة،، واللوحاتُ الملْحَقَة في أثنائِها تنتهي مجموعةٌ من الأحاديث فيها -أيضًا- بالدائرة المنقوطة، مما يدلُّ على المقابلة والمعارضة بالأصل المنقول منه.
5 -
مالك هذه النسخة هو أَبو الحسن علي بن عبد الكافي السبكي الشافعي
(1)
، كما يظهر من طباق السماع باللوحة الأخيرة، المثبت يوم الاثنين 11/ 2 / 713 هـ.
النسخة السادسة: ورمزها "س".
ويوجد منها المجلدُ الأول فقط، وهو محفوظ بمكتبة الشيخ حبيب الله شاه السندي يرحمه الله تعالى
(2)
، بنيو سعيد آباد السند، بباكستان.
(1)
هو: تقي الدين، والد التاج السبكي صاحب الطبقات، ولد سنة 683 هـ، توفي سنة 756 هـ.
ترجم له ابنه التاج في طبقاته (10/ 139 - 338) ترجمة إضافية، وانظر: الدرر الكامنة (3/ 63 - 71)، الأعلام (4/ 302).
(2)
توفي -رحمه الله تعالى- في شعبان سنة 1415 هـ، وله مكتبة عامرة بالمخطوطات =
ويقع المجلَّدُ في (486) صفحة.
وخطه نسخ مشرقي عادي واضح.
ومسطرته: 23.
واسم ناسخه: فتح محمد.
وتاريخ نسخ هذه النسخة: 5/ 9 / 1318 هـ.
وقد كتب ناسخُها في نهاية المجلد
(1)
ما يدل على أنه نقل هذه النسخة من السفر الأول من (ك) المحفوظ بمكتبة خدابخش المتقدم وصفه.
ولم نعتمد على هذه النسخة، استغناءً بأصلها، ولكن اسْتَأْنَسْنا بها واستفدنا منها في التأكد من صحة ما ورد في الأصل، خطأ كان أو صوابًا، وأشرنا إلى الفروق الواقعة فيها غيرَ ملتزِمين استيعابَ ذلك.
وتتميز هذه النسخة بأنها قليلة السقط والتصحيف والتحريف، بل يكاد يندر ذلك، وعلى هوامشها بعض التعليقات الرامية إلى التصويب
(2)
، أو ذكر أسماء بعض الرواة المذكورين بالكنى أو الأنساب
(3)
، أو غير ذلك،
= الأصلية، خلَّفها له والده، وكلاهما يُذكران بالعلم.
(1)
ص (484).
(2)
انظر مثلًا: ص (92، 292، 411، 291).
(3)
انظر مثلًا: ص (294).
وبعضها باللغة الفارسية
(1)
.
وذكر في (ص 291) أنَّ المعلِّقَ هو: أَبو محب الله، وهو مالك
(2)
هذه النسخة.
تراجم رجال أسانيد النسخ الخطية:
روى المستخرج عن أبي عوانة: أَبو نعيم، عبدُ الملك بن الحسن ابن محمد بن إسحاق بن الأزهر الأزهري، الإسفراييني، ابنُ ابنِ أخت أبي عوانة، وهو ملتقى أسانيد جميع النسخ.
ولد في شهر ربيع الأول، سنة 310 هـ.
قال عبد الغافر الفارسي: "أَبو نعيم، المحدِّثُ ابن المحدِّث، والثقة ابنُ الثقة، ابن أبي محمد
(3)
. . . ابن أخت أبي عوانة الحافظ، سمع المسنَدَ منه، بعضَه مع الجماعة، وبعضَه وحده بالليالي وقت فراغ أبي عوانة بقراءة والده
(4)
على
(1)
انظر مثلًا: ص (380).
(2)
لعله الشيخ / حبيب الله السندي المتقدم ذكره.
(3)
في المطبوع من (السياق): (وهو ابن أبي محمد ابن أبي محمد ابن أخت أبي عوانة
…
) بتكرير (ابن أبي محمد) وهو خطأ، إذ إن أبا نعيم هو ابن أبي محمد واسمه: الحسن محمد، والأخير هو ابن أخت أبي عوانة.
(4)
وهو الحسن بن محمد الأزهرى، رحل به خاله أَبو عوانة، قال الحاكم:"كان محدث عصره، ومن أجود الناس أصولًا"، وقال الذهبي: "الإمام المجود
…
"، توفي سنة 346 هـ.
انظر: السير (15/ 535)، الوافي بالوفيات (12/ 265)، شذرات الذهب (4/ 244).
أبي عوانة، وكان أَبو عوانة يداعبه ويُحَادثه، ويُطعِمُه الفانيذ
(1)
لئلا ينعس في حال السماع، حتى يحصُلَ له سماعُ جميعِ المسند، وقد أجاز له أَبو عوانة ولجماعة معه بجميع كتبه ومسموعاته"
(2)
.
وتقدم قوله أيضًا: "وحدّث سنين، وألحق الأحفاد بالأجداد، وكانت الرحلة إليه بـ (إسفرايين) من البلاد، ثم حمُل إلى نيسابور سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، ونزل في دار الشيخ أبي الحسن البيهقي، وحضره السادة، والأئمة، والقضاة، والمتفقهة، وتركوا الدروس والمجالس وجميع الأشغال، وأخذوا في قراءة المسند عليه، وأحضروا الأولاد، وكان المجلس غاصًّا بالناس، بحيث لم يُعْهَدْ بعده بنيسابور مثل ذلك المجلس لسماع الحديث".
وقال الذهبي: "راوي المسند الصحيح عن خال أبيه أبي عوانة الحافظ، وكان صالحًا ثقة .... واعتنى به أَبو عوانة، وأسمعه كتابَه، وعُمِّر، وازدحم عليه الطلبةُ"
(3)
.
توفي في ربيع الأول سنة 400 هـ وعمره تسعون عامًا
(4)
.
(1)
(الفانيذ) ضرب من الحلواء.
انظر: اللسان (3/ 503 - فنذ)، القاموس المحيط (ص 429 - الفانيذ).
(2)
انظر: المنتخب من السياق لتاريخ نيسابور للصريفيني (ص 326)، التقييد (1/ 114)، تاريخ الإسلام (وفيات 400)(ص 384).
(3)
العبر (2/ 197).
(4)
انظر: المصادر السابقة إلا التقييد. السير (17/ 73)، مرآة الجنان (2/ 452).
وقد روى الكتابَ عن أبي نعيم عدةٌ
(1)
، عددهم في أسانيد النسخ المتوفرة أربعة، وهم:
1 -
أَبو القاسم القشيري.
2 -
وزوجته فاطمة بنت أبي علي الحسن بن علي الدَّقَّاق النيسابورية.
3 -
عبدُ الحميد بن عبد الرحمن البَحيري.
4 -
عثمان بن محمد المحمي.
وفيما يلي تفصيل الأسانيد وتراجم رجالها:
أولًا: إسناد النسخة (ل):
"أخبرنا الشيخ الأجَلُّ الإمام، أَبو المحاسن مسعود بن محمد بن غانم ابن محمد الغانمي رحمه الله قراءة
(2)
، قال: أنا الإمام زينُ الإسلام أَبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن محمد بن طلحة القشيري الصوفي النيسابوري رحمه الله كتابة، قال: أنا أَبو نعيم عبد الملك ابن
(1)
راجع: المنتخب من السياق (ص 327)، التقييد (2/ 113 - 114)، السير (17/ 72)، تاريخ الإسلام (حوادث سنة 381 - 400)(ص 384 - 385)، ولم يُذكر في المصادر المذكورة: أَبو علي الحسين بن محمد ابن أحمد القاضي المرّوذي (462 هـ)، له ترجمة في (السير)(18/ 260)، وهو أيضًا من الرواة عن أبي نعيم، وعن طريقه يروي البغوي مستخرَجَ أَبى عوانة. انظر: شرح السنة (4/ 17، 287).
(2)
في المجلد الأول من هذه النسخة المحفوظ في مكتبة فيض الله أفندي زيادة: بقراءتي عليه بهراة.
الحسن بن محمد الأزهري الإسفراييني، قال: نا أَبو عوانة يعقوب بن إسحاق ابن إبراهيم الإسفراييني رحمه الله قراءة علينا- قال
…
".
رواةُ الإسناد:
1 -
أَبو القاسم، عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة ابن محمد
(1)
القشيري
(2)
، الخراساني، النيسابوري الشافعي، الصوفي، صاحب (الرسالة القشيرية).
ولد سنة 375 هـ، وسمع الحديث من: أبي الحسين أحمد بن محمد ابن الخفاف، ومن أبي نعيم الإسفراييني، وأبي الحسن العلوي، وأبي بكر ابن فورك، وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكي، وعدَّة.
وحدث عنه: أولاده: عبد الله، وعبد الواحد، وأبو نصر عبد الرحيم، وعبد المنعم، وزاهر الشحامي، ومحمد بن الفضل الفُراوي، وحفيده أَبو الأسعد هبة الرحمن، وآخرون.
قال السمعاني: "لم ير الأستاذ أَبو القاسم مثلَ نفسه في كماله وبراعته .... "
(3)
.
(1)
كذا في جميع المصادر، وفي النسخة: تقديم (محمد) على (طلحة).
(2)
بضم القاف، وفتح الشين المعجمة، وسكون الياء المنقوطة تحتها باثنتين، نسبة إلى (بني قشير)، وهم: قشير ابن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.
انظر: الأنساب (/501)، اللباب (3/ 37 - 38).
(3)
نقله عنه ابن عساكر في تبيين كذب المفتري (ص 272).
وقال ابنُ نقطة: "
…
وحدَّث بكتاب (الصحيح) لأبي عوانة، عن أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني
…
".
وقال الذهبي -في (تاريخ الإسلام) -: "وكان إمامًا، قدوة، مفسِّرًا، محدثًا، فقيهًا، توفي سنة 465 هـ"
(1)
.
2 -
أَبو المحاسن مسعود بن محمد بن غانم بن محمد الغانمي
(2)
الهروي.
سمع أبا القاسم أحمد بن محمد بن محمد الخليلي، وأبا إسحاق إبراهيم ابن محمد الأصفهاني، وأبا الحسن إسماعيل بن إسماعيل العلوي وغيرهم.
وعنه: ابن عساكر، والسمعاني، وعبد الرحيم بن السمعاني وغيرهم.
وسكن هراة، كان إمامًا فاضلًا ورعًا، كثير العبادة، وكان يتورع عن أكل طعام والده لاختلاطه بأصحاب السلطان، عُمِّرَ العمرَ الطويل في طاعة الله
…
وكانت له إجازة عن الأستاذ أبي القاسم القشيري
…
".
(1)
وانظر: تاريخ الخطيب (11/ 83)، دُمْيَة القصر وعصرة أهل العصر (2/ 243 - 245)، تبيين كذب المفتري لابن عسكر (ص 271 - 272)، المنتظم (16/ 148)، التدوين في أخبار قزوين (3/ 210 - 212)، التقييد لابن نقطة (2/ 131 - 132)، وفيات الأعيان (3/ 205 - 207)، تاريخ الإسلام (حوادث سنة 461 - 470، ص 170 - 174)، السير (18/ 227 - 233)، تاريخ ابن الوردي (1/ 365)، طبقات السبكي (5/ 153 - 162)، شذرات الذهبي (5/ 275 - 278).
(2)
بفتح الغين المعجمة، كسر النون، وفي آخرها الميم، نسبة إلى جد المترجم (غانم).
انظر: الأنساب (4/ 278)، اللباب (2/ 374).
ولد سنة 464 هـ وتوفي سنة 553 هـ
(1)
.
ثانيًا: إسناد النسخة (م):
"أخبرنا أَبو المظفر عبد المنعم بن الأستاذ أَبو القاسم
(2)
عبد الكريم ابن هوازن القُشَيْرِي رحمه الله قراءة عليه بـ (نيسابور) في سنة. . .
(3)
وثلاثين وخمسمائة، قال: أخبرنا أبي الأستاذُ الإمامُ أَبو القاسم رحمه الله قال: أخبرنا أَبو نعيم عبد الملك بن الحسن بن محمد الأزهري الإسفراييني، قال: أخبرنا أَبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفراييني رحمه الله قراءة علينا .. ".
رواة الإسناد:
1 -
أَبو المظفر عبد المنعم هذا أصغر أولاد أبي القاسم عبد الكريم ابن هوازن القشيري السابق. "سمع من أبيه كتابَ الصحيح لأبي عوانة، ومن أبي سعيد الكنجروذي
…
ومن أبي الحسين بن النقور
…
وأبي القاسم المهرواني وغيرهم"
(4)
.
(1)
انظر: التحبير في المعجم الكبير (2/ 301 - 302)، الأنساب (4/ 278)، التقييد (2/ 247)، تكملة الإكمال (4/ 403)، تاريخ الإسلام (حوادث سنة 551 - 560، ص 133 - 134)، السير (20/ 359 - 260).
(2)
كذا في النسخة، والصحيح:(أبي القاسم) لأنه مضاف إليه.
(3)
بياض في النسخة.
(4)
التقييد لابن نقطة (2/ 149).
وعنه: عبد الوهاب الأنماطي، وأبو الفتح ابن عبد السلام، وأبو سعد السمعاني
(1)
، وابن عساكر، وآخرون.
قال السمعاني -على ما نقله عنه الحافظ الذهبي
(2)
-: "شيخ ظريفٌ، مستور الحال، سليم الجانب، غير مداخل للأمور
…
وسمعت منه (مسند أبي عوانة)
…
".
وقال ابنُ النجار: "ولزم البيتَ، واشتغلَ بالعبادةِ وكتابة المصاحف
…
وكان لطيفَ المعاشرة، ظريفَ المحاورة
…
".
وقال ابنُ الصلاح: "وأبو المظفر هذا أصغرهم سنًّا، وآخرهم موتًا، وأبقاهم في رواية الحديث ذكرًا"
(3)
. ولد سنة 445 هـ، وتوفي سنة 532 هـ
(4)
.
ثالثًا: إسناد النسخة: ك، ط:
"أخبرنا الإمام العالم مفتي خراسان أَبو بكر القاسم بن أبي سعد ابن
(1)
ولكن لم نجد له ترجمة في كتابه (التحبير)، أما (الأنساب)، فقال فيه:"وأدركت أبا المظفر، وقرأت عليه الكثير"(4/ 503).
(2)
وقبله ابن النجار في (ذيله) على تاريخ بغداد (1/ 163) بنحوه.
(3)
طبقات الفقهاء الشافعية له (2/ 573).
(4)
انظر: المنتخب من السياق (ص 365 - 366)، المنتظم (17/ 330)، التقييد (2/ 149 - 150)، ذيل تاريخ بغداد لابن النجار (1/ 163 - 166)، تاريخ الإسلام (حوادث سنة 521 - 540 - هـ، ص 284 - 285)، السير (19/ 623 - 625)، طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (7/ 192)، طبقات الشافعية للإسنَوي (2/ 318)، البداية والنهاية (12/ 228).
عمر الصفار رحمه الله بقراءتي عليه بالمدرسة الشرقية بشاذياخ
(1)
في سنة ثمان، وسنة تسع وستمائة، قلت له: أخبركم أَبو الأسعد هبة الله
(2)
ابن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القشيري رحمه الله قال: أبنا أَبو محمد عبدُ الحميد بن عبد الرحمن البحيري، ح.
وأخبرنا أَبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني قراءةً عليه، وأنا أسمع، بمرو سنة ثمان وستمائة
(3)
، قال: أخبرنا أَبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد الفراوي قراءةً عليه بنيسابور بمدرسة أبي نَصْر بن أبي الخير، قال: أبنا أَبو عمرو عثمان بن محمد ابن عبيد الله المحمي قراءة عليه، قالا: أبنا أَبو نُعيم عبد الملك بن الحسن
(1)
محلة من نيسابور، كانت قديما بستانا لعبد الله بن طاهر حين نزل نيسابور، واتخذها دارًا للإمارة، ثم عُمِّرَتْ واتصلَتْ بالمدينة (نيسابور) فصارت من جملة محالهّا، وبعد فتك الغزّ بمدينة نيسابور وتخريبِهم إياها سنة 548 هـ انتقل الناسُ إلى هذه المحلة (شاذياخ) فصارت هي العاصمة، قال ياقوت:"كنتُ قدمتُ نيسابور سنة 613 هـ وهي الشاذياخ" ووصفها وصفًا تفصيليًّا.
انظر: معجم البلدان (3/ 346 - 348)، بلدان الخلافة الشرقية (ص 426)، وراجع في وقعة الغُزّ -وهم الترك-: السير (20/ 364)، تاريخ الإسلام (حوادث سنة 541 - 550 هـ، ص 41).
(2)
كذا في النسختين، وسيأتي بيان الصواب فيه في ترجمته.
(3)
وفي إسناد (ط): (سنة تسع وستمائة).
الإِسْفَراييني، قال: أبنا خالي
(1)
أَبو عوانة يعقوب بن إسحاق الحافظ الإِسفراييني .. ".
رواة الإسناد:
1 -
عبد الحميد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد البَحِيرِي
(2)
، النيسابوري، أَبو محمد المزكي، الفقيه.
قال عبدُ الغافر: "
…
سمع الكثيرَ من الحاكم
…
و (المسند) من أبي نعيم الإسفراييني عن أبي عوانة، وقرأ عليه مرارًا، وسمع منه الأئمةُ الكبار
…
وكان ثقة في الرواية، صدقًا، حسن الاستماع، فاضلًا
…
".
وقال الذهبي: "الإمام الفقيه، الصالح .. راوي مسند أبي عوانة عن أبي نعيم عبد الملك
…
قرأه عليه الإمامُ أَبو المظفر منصور السمعاني
…
".
توفي سنة 469 هـ بنيسابور
(3)
.
2 -
هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم القُشَيْرِي
(4)
،
(1)
كذا في النسختين (س، ط)، وهو خطأ، والصحيح -كما سبق- أن أبا عوانة خال والده.
(2)
بفتح الباء المعجمة بواحدة، كسر الحاء المهملة، وسكون الياء المعجمة من تحتها باثنتين، نسبة إلى (بَحِير) وهو اسم لبعض أجداده.
انظر: الأنساب (1/ 291)، تكملة الإكمال (1/ 370)، اللباب (1/ 124).
(3)
انظر: المنتخب من السياق (ص 345 - 346)، تكملة الإكمال لابن نقطة (1/ 371)، السير (18/ 343)، تاريخ الإسلام (حوادث سنة 461 - 470 هـ، ص 295).
(4)
وقع في النسختين (س، ط): (هبة الله) وجميع مصادر ترجمته كما هو مثبت بما فيها =
أَبو الأسعد ابن أبي سعيد بن أبي القاسم النيسابوري، حفيد الأستاذ أبي القاسم القشيري، خطيب نيسابور.
قال السمعاني -وهو تلميذ المترجَم-: "
…
يرجع إلى فضل وتمييز، ومعرفةٍ بعلوم القوم، ظريف، حسن الأخلاق، متودّد، سليم الجانب، سخي النفس، عُمِّرَ العمرَ الطويل حتى حدَّث بالكثير، وانتشرت روايته
…
".
وقال ابن نقطة: "
…
وحدث بكتاب الصحيح لأبي عوانة، عن أبي محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن البَحِيْرِيِّ، عن أبي نعيم، وكان بَقِيَّةَ الشيوخ بنيسابور حسن السيرة".
وقال الذهبي: "
…
الشيخ الإمام العالم الخطيب، مسند خراسان
…
خطيب نيسابور
…
وروى الكثير، وبَعُد صِيتُه، وارتحل إليه
…
".
= كتب الذهبي- إلا (تاريخ الإسلام) ففيه: هبة الله، كما أنَّ محققَ طبقات السبكي ذكر (هبة الله) عن إحدى نسخ الطبقات.
ولعل الصحيح هو المثبت لجزم الجميع -بما فيهم الذهبي في أكثر كتبه- على المثبت، وبه صرح ابنُ الصلاح في سنده إلى أبي عوانة في صيانة صحيح مسلم (ص 279)، وكذلك الحافظ ابن حجر في الاتحاف (1/ 163)، وفي تغليق التعليق (2/ 264، 294)، والمجمع المؤسس (2/ 227).
وأبو الأسعد القشيري، كنية هبة الرحمن، كما صرّح به الذهبي نفسه في المقتنى في سرد الكنى (1/ 85).
ولد سنة 460 هـ، وتوفي سنة 546 هـ
(1)
.
3 -
أَبو بكر، القاسم بن أبي سعد -اسمه: عبد الله- ابن عمر ابن أحمد الصفار، النيسابوري، الشافعي، الفقيه، المعروف بابن الصفار، مفتي خراسان، الملقب بشهاب الدين.
سمع من جده، ومن وجيه الشحامي، وعبد الله ابن الفراوي، وهبة الرحمن بن القشيري، وعدة.
وحدث عنه البِرْزَالي، والضياء، والصريفينيٌّ، وابن الصلاح
…
وغيرهم، قال ابن نقطة: "
…
وسمع كتاب الصحيح لأبي عوانة يعقوب
…
من أبي الأسعد القشيري، بسماعه من عبد الحميد البحيري
…
"، وقال: "كان ثقة صالحًا
…
".
وقال الذهبي: "الإمام، الفقيه، المسند، الجليل
…
ومن مسموعاته: مسند أبي عوانة من أبي الأسعد القشيري
…
".
(1)
انظر: المنتخب من السياق (ص 479)، التحبير في المعجم الكبير (2/ 368 - 371)، الأنساب (4/ 504)، التقييد (2/ 298 - 299)، تكملة الإكمال (5/ 36)، تاريخ الإسلام حوادث 541 - 550 (ص 260 - 262)، العبر (2/ 469)، تذكرة الحفاظ (4/ 1309)، السير (20/ 180)، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن الدمياطي (9/ 251 - 252)، مِرآءة الجِنان (13/ 284)، وتصحف (هبة الرحمن) فيه إلى (عبد الرحمن)، طبقات السبكي (7/ 1029)، لسان الميزان (7/ 250)، شذرات الذهب (6/ 231)، الأعلام (8/ 70).
وقال السبكي: "وكان فقيهًا كبيرًا، إمامًا نبيلًا، فقيه خراسان ومفتيها ومدرّسَها، محدّثًا كبيرًا، عالي الإسناد، رئيسا محتشمًا
…
مواظبا على نشر العلم
…
".
ولد سنة 533 هـ وتوفي سنة 618 هـ لما دخل التُّرك مدينة نيسابور كان ممن قُتِل -رحمه الله تعالى-
(1)
.
4 -
أَبو عمرو، عثمان بن محمد بن عبيد الله المَحْمي
(2)
، النيسابوري، المزكّي، حدث عن أبي نعيم الإِسفراييني، والحاكم، وجماعة.
وروى عنه محمد بن طاهر، وعبد الغافر بن إسماعيل، وعبد الله ابن محمد الفراوي، وأبو الأسعد هبة الرحمن القشيري، وخلق كثير.
قال عبد الغافر: "
…
جليل مشهور، من بيت الرئاسة المعروفة بالمحميّة بنيسابور
…
".
وقال -على ما نقله ابنُ نقطة في التقييد-: "لقي المشايخَ والصدور .... وأدرك الإسنادَ العالي، كان شيخا صالحًا، وكان حَسَنَ
(1)
انظر: التقييد لابن نقطة (2/ 230 - 231)، التكملة للمنذري (3/ 66 - 67)، العبر (3/ 178)، السير (12/ 109 - 110)، طبقات ابن السبكي (8/ 353).
(2)
بالحاء المهملة الساكنة بين الميمين، أولاها مفتوحة، هذه النسبة إلى (محم) وهو بيت كبير بنيسابور، يقال لهم: المحميّة.
انظر: الأنساب (5/ 220)، اللباب (3/ 177)، وفي تكملة الإكمال لابن نقطة (5/ 524) توجيه آخر لهذه النسبة.
الصحبة والعِشْرة".
وقال ابن نقطة: "
…
وروى عنه أَبو البركات عبد الله بن محمد الفراوي من أول كتاب الصحيح لأبي عوانة إلى باب فضائل المدينة بسماعه من أبي نعيم الإسفراييني
…
"، وتوفي سنة 481 هـ
(1)
.
5 -
أَبو البركات عبد الله بن محمد بن الفضل بن أحمد الفُرَاوي
(2)
، الصاعدي النيسابوري، صفي الدين المعدل.
سمع من أبيه، وجده لأمه طاهر الشحَّامي، وعثمان بن محمد المحمي، وفاطمة بنت الدقاق، وعدة.
حدث عنه: ابنُ عساكر والسمعاني، وولده عبد الرحيم وجماعة.
قال السمعاني: "هو إمام فاضل، ثقة، صدوق، ديّن، حسن الأخلاق
…
".
(1)
انظر: المنتخب من السياق (ص 373)، التقييد (2/ 183 - 184)، تكملة الإكمال (5/ 523)، السير (18/ 579 - 580)، العبر (2/ 343)، شذرات الذهب (5/ 350).
(2)
بضم الفاء، وفتح الراء، وبعد الألف واو، نسبة إلى فراوة، وهي بليدة على الثغر من أعمال نسا بينها وبين دهستان، وخوازم، على أربع مراحل من دهستان بالقرب من بحر قزوين، يقال لها: رباط فراوة، بناها عبد الله بن طاهر في خلافة المأمون، وأكبر الظن أن فراوة تطابق قزل أروات الحديثة.
انظر: الأنساب (4/ 356)، معجم البلدان (4/ 278)، اللباب (2/ 416)، بلدان الخلافة الشرقية (ص 421)، تركستان من الفتح العربي إلى الغزو المغولي (ص 264).
وقال ابن نقطة: "سمع كتاب الصحيح لأبي عوانة من جماعة: من أول الكتاب إلى باب فضائل المدينة من أبي عمرو عثمان بن محمد المحمي.
ومنه إلى باب فضائل القرآن من أبي الفضل محمد بن عبيد الله الصَّرَّام.
ومنه إلى آخر المسند من فاطمة بنت أبي علي الدّقاق، قالوا: أبنا أَبو نعيم جميعًا. . ."
(1)
.
ولد سنة 474 هـ، وتوفي سنة 549 من الجوع بنيسابور في فتنة الغُزّ
(2)
.
6 -
أَبو المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد -والله: عبد الكريم- ابن محمد بن منصور بن السمعاني المروزي الشافعي.
قال الذهبي: "ولد سنة 537 هـ في ذي القعدة، واعتنى به أبوه اعتناءًا كليًّا، ورحل به، وأسمعه ما لا يوصف كثرةً، وسمع بعلو صحيحَ البخاري
…
ومسند أبي عوانة
…
".
وقال ابن النجار: "بكّر به والدُه، فأسمعه من أبي الفتح محمد ابن عبد الرحمن الكشميهني، وأبي طاهر محمد بن محمد بن عبد الله الخطيب .. والشمامي، وأبي السعد
…
والقشيري
…
وأبي البركات
…
الفراوي
…
وقد لقيته بمرو في رحلتي الأولى إلى خراسان، وسمعتُ منه كثيرًا، وكان فاضلًا جليلا
(1)
السير (22/ 107).
(2)
انظر: التقييد لابن نقطة (2/ 70 - 71)، العبر (3/ 10)، تاريخ الإسلام (حوادث سنة 541 - 550، ص 362 - 363)، السير (20/ 227 - 228)، مرآة الجنان (3/ 295)، شذرات الذهب (6/ 252).
نبيلا متدَيِّنًا، محبا لرواية العلم، ذا أخلاق حسنة، وسيرة جميلة.
وكانت سماعاته الّتي بخط والده وخطوط المعروفين من المحدِّثين صحيحة، فأمّا ما كان بخطه فلا يُعْتمد عليه؛ فإنّه كان يُلْحِقُ اسْمَه في طباقٍ لم يكن اسْمُه فيها، إلحاقًا ظاهرًا، ويدَّعِي سماعَ أشياء لم يوجد سماعُه فيها، وكان متسامحًا
…
"
(1)
.
ولأجل قولِ ابن النجار الأخير ذكره الذهبي في الميزان، ولكن دافع عنه الحافظُ في اللسان، فقال:
"وهذا الّذي قاله ابنُ النجار فيه لا يقدَحُ بعد ثبوت عدالته وصدقه، أما كونه كان يُلْحِق اسمَه في الطباق، فيجوز أنه كان يحقق سماعه، وأما كونه ادَّعى سمع أشياءَ لم توجد، فهذا إنّما يتم القدحُ فيه لو وُجِدَ الأصلُ الّذي ادّعى أنه سمع منه، ولم يوجد اسْمُه فيه، أنها فقدانُ الأصل فلا ذنب للشيوخ فيه
…
".
وممن سمع منه: الِبرْزَالي، وابنُ الصلاح، والضياء، وغيرهم.
توفي سنة 617 هـ أو بعدها، حيث عُدم عند دخول التتار مدينةَ مرو في تك السنة
(2)
.
(1)
انظر: المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار بانتخاب الدمياطي (ص 157 - 158).
(2)
انظر: التقييد لابن نقطة (2/ 119 - 121)، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (ص 157 - 158)، وفيات الأعيان (3/ 212)، الميزان (2/ 606)، السير (22/ 107 - 109)، المختصر المحتاج إليه من تاريخ ابن الدبيثي (ص 248 - 249)، الوافي =
رابعًا: إسناد نسخة هـ.
"أخبرنا الأستاذ الإمام أبو القاسم القشيري، قال: أخبرنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن المهرجاني، قال: أخبرنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق المهرجاني".
كتب على طُرَّتها، "رواية أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني عن خال أبيه أبي عوانة".
رواية أبي محمد عبد الحميد بن عبد الرحمن البَحِيري، وأم البنين فاطمة بنت أبي علي.
رواية أبي الأسعد هبة الرحمن بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن هوازن القُشيري.
ورواية أبي البركات عبد الله بن الفضل بن أحمد الصاعدي الفراوي، عن فاطمة بنت أبي علي.
ورواية أبي بكر القاسم بن أبي سعد عبد الله بن عمر بن أحمد الصفَّار، عن أبي الأسعد القشيري.
ورواية أبي المظفر عبد الرحيم بن أبي سعد عبد الكريم بن محمد ابن السمعاني عن الفراوي.
رواة الإسناد:
= بالوفيات (18/ 331)، لسان الميزان (4/ 338 - 339).
فاطمة بنت الأستاذ الزاهد أبي علي، الحسن بن علي الدقاق، الشيخة العابدة، العالمة، أم البنين النيسابورية، أهل الأستاذ أبي القاسم القشيري، وأم أولاده.
سمعت من: أبي نعيم الإسفراييني، وأبي عبد الله الحاكم، والسلمي، وطائفة.
حدث عنها: عبد الله بن الفراوي، وزاهر الشحامي، وأبو الأسعد هبة الرّحمن بن عبد الواحد حفيدها، وآخرون.
وكانت عابدة، قانتة، متهجدة، كبيرة القدر، ماتت في ذي القعدة، سنة ثمانين وأربع مئة، ولها تسعون سنة، رحمها الله
(1)
.
ومن طريق أبي بكر القاسم بن عمر الصفار بالإسناد المذكور يروي ابنُ الصلاح مستخرجَ أبي عوانة
(2)
، كما أن الذهبيَّ، والحافظَ ابنَ حجر يرويان المستخرج عن طريق الصفار هذا، يرويه الذهبي عن أحمد بن هبة الله أبي الفضل عنه به
(3)
.
وابنُ حجر عن طريق علي بن أحمد بن عبد الواحد المقدسي وعمر بن محمّد الكرماني وأبي علي البكري الحسن بن محمّد بن محمّد
(1)
انظر: سير أعلام النُّبَلاء (18/ 479).
(2)
انظر: صيانة صحيح مسلم (ص 279).
(3)
انظر: السير (15/ 420، 20/ 228).
-ثلاثتهم- عنه به
(1)
.
ومن طريق السمعاني بالإسناد المتقدم يروي ابنُ الصلاح أيضًا مستخرج أبي عوانة
(2)
، والذهبيُّ عن طريق أبي الفضل السابق عنه
(3)
، كما أن ابنَ عساكر يروي عنه عن أبيه أبي القاسم به
(4)
، ويروي أيضًا عن أبي عبد الله محمّد بن الفضل الفقيه، عن أبي القاسم القشيري به
(5)
.
(1)
انظر: الإتحاف (1/ 162 - 163)، تغليق التعليق (2/ 264، 294).
(2)
انظر صيانة صحيح مسلم (ص 279).
(3)
انظر: السير، الموضع السابق.
(4)
انظر: (تاريخ دمشق: 23/ 112).
(5)
انظر: المرجع السابق، وراجع أيضًا: بغية الطلب في تاريخ حلب (1/ 284)، (2/ 752)، (7/ 3467)، (5/ 2165)، برنامج التجيبي (123)، صلة الخلف بموصول السلف للروداني (ص 283)، ثبت الأمير محمّد بن محمّد الأمير المصري (ق 17 / أ).
دراسة السماعات والبلاغات الموجودة على النسخ الخطية:
أوَّلًا: سماعات النسخة (ل):
سمع الجزء الأوّل والثّاني منها على الشّيخ جمال الإسلام، شمس الحفاظ أبي محمّد، القاسم بن الحافظ أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الله ابن عبد الله الشّافعيّ
(1)
، بحق إجازته من أبي المظفر القشيري، بسماعِه من أبيه، عن أبي نعيم الأزهري.
وعلى الشّيخ الإمام الزاهد المُقرئ أبي جعفر أحمد بن علي بن أبي بكر
(1)
هو ابن الحافظ ابن عسكر الدمشقي، صاحب تاريخ دمشق، ولد سنة 527 هـ، وأجاز له: الفُراوي، وزاهر بن طاهر، وعبد المنعم أبو المظفر القشيري، وغيرهم، وسمع من أبيه فأكثر إلى الغاية، وأبي الحسن السلمي، وجد أبيه القاضي الزكي يحيى بن علي القرشي، وغيرهم.
قال ابن نقطة: "كان ثقة في الحديث، مكرما للغرباء، كتب الكثير إِلَّا أنَّ خَطَّه لا يشبه خطَّ أهل الضبط والإتقان
…
". وقال الذهبي: "
…
الإمام المحدث الحافظ، العالم الرئيس
…
"، وقال: "كتب ما لا يوصف كثرة بخطه العديم الجودة، وأملى، وصنف، ونُعِت بالحفظ والفهم، ولكن خطَّه نادر النقط والشكل"، توفي بدمشق سنة 600 هـ.
انظر: التقييد لابن نقطة (2/ 229 - 230)، التكملة لوفيات النقلة (2/ 8 - 9)، تذكرة الحفاظ للذهبي (4/ 1367 - 1369)، السير (21/ 405)، ذيل التقييد في رواة السنن والمسانيد للفاسي (2/ 268)، طبقات الحفاظ للسيوطي (ص 486 - 487/ 1075).
عتيق بن إسماعيل، الأندلسي، الشّافعيّ
(1)
، بسماعه من الإمام أبي القاسم، علي بن الحسن
(2)
.
وعلى الأمير الأجل الأصيل عزيز الدين نَجل الملوك والسلاطين أبي محمّد عبد العزيز بن شداد بن تميم بن المعز الحِمْيَري
(3)
ما هو مسموعُه
(1)
ولد بقرطبة سنة 528 هـ، ونزل دمشق وسكنها، قال الذهبي في العبر:"قدم دمشق، فأكثر عن الحافظ ابن عسكر، كتب الكثير، وكان عبدًا صالحًا، خبيرا بالقراءات"، توفي سنة 596 هـ. انظر: الذيل على الروضتين في تراجم رجال القرنين لأبي شامة (ص 17)، التكملة لوفيات النقلة (1/ 361 - 362)، السير (21/ 303)، العبر (3/ 114)، شذرات الذهب (6/ 528).
(2)
هو الإمام العلّامة، الحافظُ الكبير، محدث الشّام ثقة الدين، أبو القاسم علي ابن الحسن بن هبة الله بن عبد الله بن الحسين المعروف بابن عساكر الدمشقي الشّافعيّ، صاحب تاريخ دمشق، ولد سنة 499 هـ وتوفي سنة 571 هـ.
انظر: المنتظم لابن الجوزي (18/ 224 - 225)، التقييد لابن نقطة (2/ 191 - 193)، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (ص 186 - 189)، سير أعلام النُّبَلاء (20/ 554 - 571)، طبقات الشّافعيّة للسبكي (7/ 215 - 223)، البداية والنهاية لابن كثير (12/ 314).
(3)
لم أجد له ترجمة، وقد ذكر ابن خلِّكان أن له كتابًا باسم الجمع والبيان في أخبار القيروان، ونقل منه ما يتعلّق بأخبار دولة آبائه كما استقى منه الذهبيُّ بعضَ أخبارِ دولتهم في تاريخ الإسلام (ص 45، وفيات 501 - 510)، وهو من قبيلة صُنْهاجة إحدى قبائل البَرْبَرْ، وأصلهم من حِمْيِر.
وابن عمه: علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الحميري، وكذلك عمه، =
من هذه المجلَّدة على الشّيخ الإمام أبي القاسم على المذكور
(1)
، وهو من أول المجلد إلى آخر الجزء السابع من الأصل، وما سوى ذلك قُرِيءَ على الشيخين المقدّم ذكرهما
(2)
بمحضر الأمير عزيز الدين المذكور.
وقد كتب اسم الأمير على هذه النسخة ممّا يدلُّ على تملكه لها.
ومن السامعين:
1 -
فخر الدين، أبو الحسن علي
(3)
.
= وجده تميم، وأجداده كانوا أمراء أفريقية، وحكامَها ما يقارب مائتي سنة، آخرهم هو: ابنُ ابنِ عمه: الحسنُ ابن علي بن يحيى بن تميم (ت 563 هـ) الّذي غُلِب على أمره سنة 543 هـ.
كما أنَّ أبناءَ عمومتهم بنو حماد هم أصحاب دولة بني حماد المشهورة في بُجَّاية عاصمة دولتهم، وهي الآن مدينة ساحلية في الجزائر.
انظر: المعجب في تلخيص أخبار المغرب لعبد الواحد المراكشي (ص 272 - 276)، وفيات الأعيان (6/ 211 - 219)، السير (19/ 412 - 414)، المؤنس في أخبار أفريقية وتونس لابن أبي دينار (ص 93 - 118)، تاريخ ابن الوردي (2/ 23 - 27)، الأعلام (2/ 202 - 203).
والحميري -بكسر الحاء المهملة، وسكون الميم، وفتح الياء- نسبة إلى حمير، وهي من أصل القبائل. انظر: الأنساب (2/ 270)، اللباب (1/ 393).
(1)
هو الحافظ ابن عسكر المتقدم ذكره.
(2)
وهما: ولد الحافظ ابن عسكر (القاسم)، وأبو جعفر القرطبي المذكوران.
(3)
لم أجد له ترجمة، ويبدو أنه من عشيرة الأمير المذكور عزيز الدين.
2 -
أبو القاسم علي، والد الإمام المُسْمَع
(1)
أبو محمّد القاسم
(2)
.
3 -
وأبو الحسن محمّد
(3)
.
4 -
وأبو الحسين إسماعيل ولدُ الإمام أبي جعفر القرطبي
(4)
.
(1)
(المُسْمعُ) -بفتح الميم الثّانية- على البناء للمجهول، والمراد به الشّيخ الّذي سمع عليه، وهو هنا أبو محمّد القاسم ابن الحافظ ابن عساكر، أول من ذُكر -هنا- في الأئمة الذين سُمِعَت النسخة عليهم، وتقدمت ترجمتُه.
(2)
هو: عماد الدين، أبو القاسم علي بن الحافظ القاسم ابن الحافظ ابن عساكر الدمشقي، ولد سنة 581 هـ، وسمع أباه وغيره، وسمع منه تاج الأمناء، وابن خليل، وعدة، توفي سنة 616 هـ.
انظر: الذيل على الروضتين (ص 120)، الكامل لابن الأثير (10/ 398)، التكملة لوفيات النقلة (2/ 463)، السير (22/ 145)، العبر (3/ 170 - 171)، طبقات الشّافعيّة للسبكي (8/ 296).
(3)
هو "الإمام المحدث الجليل العدل" تاج الدين، أبو الحسن محمّد بن العلّامة أبي جعفر أحمد بن علي القرطبي، ثمّ الدمشقي، ولد سنة 575 هـ، وسمع من عبد المُنعم الفُراوي، وعبد الوهّاب بن سُكيْنَة، وعدة، وروى عنه: البِرْزَالي، وأبو المظفر ابن النابلسي، ومحمد بن عبد العزيز ابن الدمياطي، وأبو شامة المقدسي، وغيرهم.
قال الذهبي: "
…
وكان ديِّنًا، خيّرًا، محبّبًا إلى النَّاس، ثقة"، توفي سنة 643 هـ.
انظر: ذيل الروضتين لأبي شامة (ص 176)، السير (23/ 217 - 218)، تذكرة الحفاظ (4/ 1432)، العبر (3/ 248).
(4)
هو: برهان الدين، أبو الحسن إسماعيل بن أبي جعفر القرطبي، وهو أخ الّذي قبله.
قال أبو شامة: "حضرت دفنه والصلاة عليه، وكان في حياته منقطعا بالمنارة =
5 -
وفتاهما فرج بن عبد الله الحبشي
(1)
.
6 -
وأبو طالب محمّد بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن صابر السلمي
(2)
.
= الشرقية، مشتغلا بالطهارة والصلاة"، توفي سنة 632 هـ.
انظر: الذيل على الروضتين لأبي شامة المقدسي (ص 162).
(1)
أبو الغيث، مولى أبي جعفر القرطبي، ناصح الدين، ولد سنة بضع و 570 هـ، وسمع الكثير مع ولدي سيده، منهم الخشوعي، وعبد اللطيف بن إسماعيل، والبهاء ابن عساكر، وغيرهم، وعنه: ابن الحُلْوانية، والعماد ابن البالسي، وعبد الغافر المقدسي، وآخرون.
قال أبو شامة: "كان يُسند، كثير السماع
…
صالحًا، مواظبًا على سماع الحديث وإسماعه
…
"، وقال الذهبي: "كان ديّنًا، كيّسًا، متيقّظًا، سمع وتعب ووقف كتبه"، وقال ابن الصابوني: "وكان ثقة صالحًا"، توفي سنة 652 هـ.
انظر: الذيل على الروضتين (ص 188) وتحرف (الحبشي) فيه إلى (الحسيني)، تكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني -المطبوع في آخر إكمال ابن مكولا- (ص 100)، السير (23/ 290)، البداية والنهاية (13/ 198)، شذرات الذهب (7/ 447).
(2)
شمس الدين الدمشقي المعروف جَدُّه بابن سيِّدة.
سمع من والده أبي المعالي، وأبي الطّاهر إسماعيل بن صالح بن يسين، وسمع منه المنذري بالقاهرة ودمشق.
قال ابن النجار: "لم أر إنسانًا كاملًا غيره، زاهدًا، عابدًا، ورعًا، كثير الصّلاة والصوم". توفي سنة 637 هـ.
انظر: التكملة لوفيات النقلة (3/ 523)، الذيل على الروضتين (ص 168)، الوافي بالوفيات (3/ 352)، السير (23/ 70).
7 -
وأبو محمّد عبد العزيز بن عبد الملك بن تميم الشيباني
(1)
.
وكان السماع في مجالس آخرها: يوم الأحد، الثّامن من جمادى الآخرة، سنة ست وتسعين وخمسمائة
(2)
.
بقراءة: الفقيه أبي طاهر إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن الأنصاري، المصري، يعرف بابن الأنماطي
(3)
.
(1)
المُقرئ من أهل دمشق، قرأ القرآن بالروايات على أبي اليمن الكندي، وسمع الحديث من أبي الطّاهر الخشوعي، والقاضي أبي القاسم بن عبد الصمد في آخرين.
قال ابن النجار: "كتب بخطه الكثير، وحصل، وتصدر بجامع دمشق للإقراء
…
". ثمّ ذكر بعض شيوخه في بعض المدن، ثمّ قال: "وكان حافظًا لطرق القراءات بوجوهها، له يد في معرفة النحو، وتحفظ الحديث، وله به وبعلومه معرفة، إِلَّا أنه كان متسمحا في الحديث، لم يكن من أهل الإتقان ولا التحري
…
".
ثمّ ذكر عنه أنه لم يكن في التدَيُّن بذاك، توفي سنة 618 هـ.
انظر: المستفاد من ذيل تاريخ بغداد (ص 165 - 166)، شذرات الذهب (7/ 144).
(2)
كتب بعده في المخطوط: (وآخرون بفوات، مكتوب علي أصلِ الشّيخ، والحمد لله وحده، وصلّى الله على محمّد وآله وصحبه وسلم وصح
…
).
(3)
هو الأنصاري الشّافعيّ، ولد سنة 570 هـ بمصر.
سمع أبا القاسم هبة الله بن علي البوصيري، وشجاعة بن محمّد المُدْلِجي، وأبا عبد الله الأرتاحي، وغيرهم.
وحدث عنه: الِبرْزالي، والمنذري، والقوصي، والكمال الضرير، وغيرهم.
قال عمر بن الحاجب: "كان ثقة، حافظًا، مُبَرَّزًا، فصيحًا، واسع الرِّواية، حصَّل ما لم يُحصِّله غيره من الأجزاء والكتب
…
". =
وكاتب الأسماء هو على بن تميم بن عبد السّلام المالكي البجاني.
ولم يُذكر في هذا الطباق موضع السماع.
وعلى الجزء الأوّل أيضًا من هذه النسخة سماع آخر بتاريخ 617 هـ، ذكر فيه أن النسخة سمعت على أبي بكر القاسم بن أبي الأسعد عبد الله الصفَّار
(1)
بسماعه من أبي الأسعد هبة الرّحمن بن عبد الواحد ابن عبد الكريم بن هوازن القُشيري
(2)
.
وأشار ابن نقطة والذهبي إلى هذا، ففي ترجمة الصفَّار قال ابن نقطة:"وسمع كتاب الصّحيح لأبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني من أبي الأسعد القشيري"
(3)
.
ثانيًا: سماعات نسخة (م):
أثبت في مواضع من الجزء الخامس سماع أحمد بن عبد الرحيم العراقي بقراءته في الغالب على والده، ونور الدين الهيثمي
(4)
.
= انظر: التكملة للمنذري (3/ 79)، ذيل الروضتين لأبي شامة (ص 133)، السير (22/ 173)، شذرات الذهب (7/ 149).
(1)
النيسابوري، توفي 618 هـ.
انظر: التقييد لابن نقطة (2/ 231)، السير (22/ 109).
(2)
توفي سنة 546 هـ. انظر: سير أعلام النُّبَلاء (20/ 182).
(3)
انظر: التقييد (2/ 231، 299)، والسير (22/ 110).
(4)
انظر: الجزء الخامس (5/ ب، 8/ ب، 11/ ب).
وبآخر الجزء الأوّل ثبت سماع بخط شمس الدين محمّد بن عبد الرّحمن السخاوي، وسماعه مع عدد من أهل العلم منهم: حسن بن علي الدماطي
(1)
بقراءة عثمان بن محمّد بن عثمان الدِيمَي
(2)
، على الشيخة المسندة المشهورة: أمِّ محمّد سارة بنتِ الشيخ سراج الدين محمّد بن عبد العزيز بن جماعة الكناني الحموي
(3)
.
بقراءة الشّيخ: أبي عمرو عثمان بن محمّد بن عثمان الدِّيَمِيّ الشّافعي
(4)
.
(1)
البدر أبو علي الأزهري الشّافعي الضرير، توفي سنة 881 هـ.
انظر ترجمته: الضوء اللامع (3/ 106).
(2)
أبو عمرو الديمي الأصل -بالمهملة المكسورة، ثمّ تحتانية مفتوحة بعدها ميم- الطبناوي القاهري الأزهري. الضوء اللامع (5/ 140).
(3)
تعرف بابنة جماعة، ولدت بعد سنة 760 هـ.
قال السخاوي: "
…
وأجاز لها جمع من أصحاب الفخر ابن البخاريّ وغيره كابن الصلاح بن أبي عمر، وابن الهبل
…
ولم نظفر لها بسماع مع أنها من بيت علم ورياسة، ولا أستبعد أن يكون لها إجازة من جدها إن لم تكن حضرَتْ عنده، وقد حدَّثَتْ بالكثير، سمع عليها الأئمةُ، وحملتُ عنها ما يفوق الوصفَ، وكانت صالحةً، قليلةَ ذات اليد، ولذلك كنا نواسيها، مع فطنة وذوق ومحبة في الطلبة، وصَبْر على الإسماع، وصحة سماع
…
" توفيت سنة 855 هـ. انظر: الضوء اللامع (12/ 52).
(4)
الطَّبْنَاوي، ثمّ القاهري الأزهري، ولد سنة 821 هـ.
أخذ الفقه عن العبادي الشّافعي، وقرأ على ابن الفرات، وسارة ابنة جماعة، وقرأ =
ومن العلماء السَّامعين
(1)
:
1 -
الشّيخ محب الدين محمّد بن عبد الله بن بلكان بن عبد الرّحمن القادري
(2)
.
2 -
وابنه أبو الطّاهر محمّد بن محمّد بن عبد الله
(3)
.
3 -
والشيخ المحدث شمس الدين محمّد بن محمّد بن محمّد
= على الحافظ ابن حجر مسندَ (الشهاب) وغالبَ سنن النسائي.
قال السخاوي: "
…
وهو إلى الصالحين أقرب منه إلى المحدثين
…
"، وترجم له ترجمة طويلة ولكن لم يذكر سنة وفاته، ويحتمل أن يكون متأخرًا وفاةً عنه.
و (الديمي) -بكسر أوله- ثمّ تحتانية مفتوحة، بعدها ميم -نسبة إلى (دِيمَة)، وهي بلدة كان والده يسكن فيها. انظر: الضوء اللامع (5/ 140 - 142).
(1)
جاء فيها في مستهل طباق السماع: "الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وبعد: فقد سمع جميع هذا المجلد من صحيح أبي عوانة من هذه النسخة مع التحَرِّي لما فيها من التصحيف".
(2)
الشّافعيّ، ولد سنة 811 هـ بالقاهرة.
"وحفظ القرآن
…
ثمّ اعتنى بسماع الحديث .... وكان خيِّرًا، نيِّرًا، كبير الهمة، كثير التواضع، حسن العشرة والفتوة"، وسمع ابنَ حجر، والزركشي، والشرابيشي وغيرهم، توفي سنة 878 هـ. انظر: الضوء اللامع (8/ 97 - 98).
(3)
ولد سنة 845 هـ، "ونشأ في كنف أبويه، فحفظ القرآن، وأَسْمَعه الكثيْرَ على غير واحد
…
وتخلق بالأخلاق الصالحة من أدب وخير وتواضع
…
".
انظر: الضوء اللامع (9/ 125) ولم يذكر له سنة وفاة، ويحتمل أن يكون توفي بعد السخاوي.
السنباطي
(1)
.
4 -
والشيخ الإمام بدر الدين حسن بن علي الدِّمَاطي الزعيم
(2)
.
5 -
ومحب الدين محمّد بن إبراهيم بن عبد الله المارداني
(3)
.
6 -
وأخوه التقي عبد الرّحمن بن إبراهيم
(4)
.
7 -
وشهاب الدين أحمد بن الشّيخ بدر الدين عبد العزيز بن محمّد ابن عبد العزيز المباشر أبوه
(5)
.
(1)
القاهري، الكتبي، الشّافعي، سمع الكثير من الحافظ ابن حجر، كتب بخطه من تصانيفه وغيرها، وكان بارًّا بأمه. انظر: الضوء اللامع (9/ 92 - 93).
(2)
الأزهري الشّافعي، الضرير، قدم القاهرة، فحفظ القرآن وبعض المتون، ولازم الحافظ ابن حجر كثيرًا، وأخذ الفقه عن الشرف السبكي والونائي والبلقيني وغيرهم، "وكان فقيهًا فاضلًا، متقنًا، ضابطًا، متحرِّيًا، مقرئًا، مجودًا، متعبدًا
…
" كما قال السخاوي.
وقال: "و (دماط) من الغربية، بالقرب من المحلة". توفي سنة 881 هـ.
انظر: الضوء اللامع (3/ 106)، وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام (3/ 875).
(3)
الأزهري، الشّافعي، المؤذن، ولد سنة 833 هـ، وسمع على الحافظ ابن حجر وغيره، ودار على الشيوخ، وحضر دروس العلاء القلقشندي، وتوفي سنة 886 هـ. انظر: الضوء اللامع (6/ 255).
(4)
ابن إبراهيم بن عبد الله بن خليل بن يوسف، المارداني الأصل، الأزهري، المؤذن، ولد سنة 843 هـ، وسمع من أخيه الكثير، مات سنة 869 هـ. انظر: الضوء اللامع (4/ 43).
(5)
الأنصاري، القاهري، المالكي، سمع على الحافظ ابن حجر، وذُكر بالدُّربة، والعقل، =
8 -
وبدر الدين محمّد بن الشّيخ شهاب الدين أحمد بن الإمام شمس الدين محمّد الشَّطَّنوفي
(1)
.
9 -
وأبو اليسر محمّد بن محمّد بن إسماعيل الوفائي
(2)
.
10 -
وأبو الخير محمّد بن عبد الرّحمن بن محمّد بن أبي بكر ابن عثمان السخاوي الأصل، المصري الشّافعي
(3)
.
وسمعه خلا بعض المجالس
(4)
:
= والتودُّد، والخبرة، واليقظة، توفي سنة 888 هـ. انظر: الضوء اللامع (1/ 349).
(1)
القاهري، الشّافعي، نشأ في كنف أبيه، فحفظ القرآن وغيره، وسمع على الحافظ ابن حجر والرشيدي وخلق، وأجاز له جماعة، ترجم له السخاوى ولم يذكر سنة وفاته.
والشطَّنوفي -بفتح أوله، وتشديد الطاء- نسبة إلى بلدة بمصر. انظر: الضوء اللامع (7/ 42).
(2)
الصوفي، "نشأ فقرأ القرآن وغيره عند البدر الأنصاري
…
وأسمعه على شيخنا والرشيدي وغيرهما
…
ولا بأس به"، ولم يذكر سنة وفاته. الضوء اللامع (9/ 55).
(3)
هو الإمام المعروف بنسبته السخاوي الملقب بشمس الدين، أصله من (سخا) -من قرى مصر- ومولده في القاهرة ووفاته بالمدينة، من أشهر تلاميذ الحافظ ابن حجر، قال عنه الحافظ:"هو أمثل جماعتي"، ترجم لنفسه ترجمة إضافية في كتابه الضوء اللامع لأهل القرن التّاسع (8/ 2 - 32)، وذكر تصانيفه فيه (8/ 16 - 19) وهي كثيرة جدًّا، وتوفي سنة 902 هـ، وكانت ولادته سنة 831 هـ. وانظر: شذرات الذهب (10/ 23 - 25)، البدر الطالع (2/ 184 - 187)، الأعلام (6/ 194 - 195).
(4)
وهي مُبَيَّنة في الأصل كالتالي: =
11 -
صلاح الدين محمّد بن خليل بن إبراهيم (الزردكاش أبوه) الحنفي
(1)
.
12 -
والشيخ العالم بهاء الدين محمّد بن أبي بكر بن علي المَشهَدي
(2)
.
13 -
والشيخ الإمام شمس الدين محمّد بن أحمد بن يوسف المحلي المالكي إمام مسجد (قراقجا) الحسني
(3)
.
وكان السماع بمنزل (المُسمِّعة)
(4)
بالقرب من جامع الأقمر من
= سمع صلاح الدين محمّد بن خليل خلا المجلسين الأولين، وشمس الدين محمّد ابن أحمد المحلي لم يسمع إِلَّا المجلسين الأخيرين، أما الشّيخ المشهدي فلم يُبَيَّن مسموعُه ممّا فاته.
(1)
أي: ابن الزردكاش، وقد ذكره السخاوي في (الضوء اللامع)(6/ 249) ولم يزد على سردا اسمه.
(2)
هو: محمّد بن أبي بكر بن علي بن عبد الله بن أحمد المشهدي، ذكره السخاوي في الضوء اللامع (6/ 227) ولم يترجم له، وذكر أن (المشهدي) نسبة لمشهد (الحسين) بالقاهرة.
(3)
قال السخاوي: "اشتغل وقتًا في الفقه والعربيّة ونحوهما، وشارك في الجملة، فلازم التقي الشمنّي فقرأ عليه المسند وغيره رواية، وكذا سمع على العز الحنبلي، وعبد الكافي ابن الذهبي، وطائفة بقراءتي، وكان مع مشاركته فيه ديانة وخير، مات شابًّا بعد الستين رحمه الله وإيانا" توفي بعد سنة 860 هـ. الضوء اللامع (7/ 121).
(4)
وهي الشيخة سارة المتقدمة التي سُمِعَت النسخةُ عليها.
القاهرة
(1)
، وتم ذلك في خمسة مجالس، آخرها يوم الثلاثاء، ثامن ربيع الأوّل سنة 854 هـ.
وكاتب السماع هو الإمام السخاوي المتقدِّم ذكره في السامعين.
ثالثًا: سماعات نسخة (هـ).
ختمت جميع الأجزاء الموجودة من هذه النسخة بسماعات عدة، وتقدم أنها من ممتلكات الإمام الحافظ ضياء الدين أبي عبد الله محمّد ابن عبد الواحد المقدسي الجمَّاعيلي، المتوفى: 643 هـ
(2)
، وقد أوقفها على مدرسته الضيائية بسفح قاسيون في دمشق
(3)
.
فعلى طرة المجلد الثّامن: "وقف الحافظ ضياء الدين المقدسي"، كتب على الورقة الأولى من الجزء الحادي والثلاثين بعد المئة، في الورقة 177:"وقف الشّيخ الإمام الحافظ ضياء الدين محمّد بن عبد الواحد بمدرسته بقاسيون".
وقد قرأها الحافظ ضياء الدين المقدسي سنة 608 هـ، على شيخه
(1)
ورد في المخطوطة بعده: "وأجازت لكل منا، ولجميع من أدرك حياتها من المسلمين
…
وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله وصحبه وسلم تسليمًا، سبحان الله ونعم الوكيل".
(2)
انظر ترجمته في السير: (23/ 126)، وذيل طبقات الحنابلة:(2/ 236).
(3)
قال ابن كثير في البداية والنهاية: (13/ 18)، في ترجمة الضياء المقدسي: "وقد وقف كتبًا كثيرة، عظيمة لخزانة المدرسة الضيائية الّتي وقفها على أصحابهم من المحدثين والفقهاء
…
"، وانظر كذلك شذرات الذهب:(7/ 389).
أبي بكر القاسم بن أبي سعد عبد الله بن عمر الصَّفَّار بحق سماعه من أبي الأسعد هبة الرّحمن القُشيري، عن أبي محمّد البحيري، عن أبي نعيم الإسفراييني، عن أبي عوانة الحافظ، وسمع هذه القراءة جماعة من الأئمة والعلماء، منهم الإمام الحافظ زكي الدين أبو عبد الله محمّد بن يوسف بن محمّد البرزالي الإشبيلي، المتوفى: 636 هـ
(1)
، والمحدث أبو العز المفضل بن علي ابن عبد الواحد القرشي، المتوفى: 643 هـ
(2)
، والإمام المحدث أحمد بن تميم بن هشام الأندلسي، المتوفى 625 هـ
(3)
، والحافظ الثقة إبراهيم بن محمّد بن الأزهر الصريفيني الحنبلي، المتوفى: 641 هـ
(4)
، والواعظ المعمر بدر الدين عمر بن محمّد ابن أبي سعد التاجر الكرماني، المتوفى: 668 هـ
(5)
، وغيرهم
(6)
.
كما سمع هذا المجلد الثّامن سنة 698 هـ بدمشق على الإمام الحافظ شرف الدين أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر، المتوفى سنة 699 هـ
(7)
، بإجازته من الشيخين أبي بكر القاسم الصَّفَّار، وأبي المظفر
(1)
ترجمته في السير: (23/ 55)، الوافي بالوفيات للصفدي:(5/ 252).
(2)
انظر ترجمته في السير: (23/ 348).
(3)
ترجمته في التكملة لوفيات النقلة: (3 / ت: 2199)، السير:(22/ 301).
(4)
ترجمته في السير: (23/ 89)، ذيل طبقات الحنابلة:(2/ 227).
(5)
ترجمته في العبر: (13/ 318)، شذرات الذهب:(7/ 570).
(6)
انظر هذا السماع: المجلد الثّامن، الورقة:(19/ أ)، والورقة:(273 / أ).
(7)
ترجمته معجم الشيوخ للذهبي: (1/ 107).
السمعاني، بسندهما فيه، بقراءة كاتب السماع الإمام الحافظ أبي الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرّحمن المزي، صاحب تهذيب الكمال وغيره، المتوفى: 742 هـ
(1)
.
وسمع هذه القراءة جماعة منهم: محمّد بن علي بن مخلص القزويني
(2)
، وكذلك سمع هذه القراءة مع فوات بعض الأجزاء علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم الحموي الشّافعي
(3)
، وتقي الدين عبد الله بن أيوب ابن يوسف المقدسي، المعروف بابن الخطيب
(4)
، والإمام المحدث الفقيه أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور المقدسي
(5)
، وغيرهم
(6)
.
كما قرأ بعض أجزائها الحافظ جمال الدين أبو الحجاج يوسف ابن الزكي عبد الرّحمن المزي سنة 680 هـ، على الإمام الحافظ شمس الدين أبي عبد الله محمّد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد المقدسي
(7)
، بإجازته من الشيخينِ القاسم الصّفار وعبد الرحيم السمعاني بسندهما فيه
(8)
وغير ذلك
(1)
ترجمته في طبقات علماء الحديث: (4/ 275)، الدرر الكامنة:(5/ 233).
(2)
ترجمته في معجم الشيوخ للذهبي: (2/ 248).
(3)
ترجمته في معجم الشيوخ للذهبي: (2/ 8)، الدرر الكامنة:(3/ 75).
(4)
ترجمته في الدرر الكامنة: (2/ 355 - 356).
(5)
ترجمته في المعجم المختص للذهبي (ص 163)، الدرر الكامنة:(3/ 99).
(6)
انظر هذا السماع في المجلد الثّامن: (19/ ب، 34 ب).
(7)
ترجمته في معجم الشيوخ للذهبي: (1/ 107).
(8)
انظر: هذا السماع في المجلد الثّامن (35 / ب، 65 / ب).
من السماعات الكثيرة المثبتة عليها، الّتي لو استوفيتها لاستغرقت صفحات كثيرة
(1)
.
رابعًا: سماعات النسخة (ك).
تقدّم أن هذه النسخة نقلت من نسخة الضياء المتقدمة (هـ) وقوبلت عليها كما يظهر ذلك من طباق السماع المثبت بآخر السَّفر الرّابع والخامس وقد سُمِعَتْ على:
الإمام الحافظ زكي الدين عبد الله محمّد بن يوسف البرزالي الإشبيلي مع المعارضة بأصلها، بحق سماعه من شيخيه أبي بكر القاسم الصفار، وأبي المظفر عبد الرحيم السمعاني، وكان هذا السماع براوية ابن عروة غربي الجامع الأموي بدمشق في مجالس متعددة، وسمع السَّفر الخامس -وهو آخر الموجود من هذه النسخة- في الثّاني والعشرين من ربيع الأوّل سنة 623 هـ
(2)
.
كما سمعت على الشّيخ المحدث صدر الدين أبي علي الحسن بن محمّد ابن محمّد البكري التيمي، المتوفى سنة: 656 هـ
(3)
بسماعه من أبي بكر
(1)
انظر المجلد الثّامن: (19/ أ - ب، 35/ أ - ب، 50 / أ - ب، 272 / أ - ب، 273 / أ).
(2)
أثبت هذا السماع على البرزالي في مواضع كثيرة من هذه النسخة: انظر مثلًا: المخطوط (1 ك / 315 /ب، ولوحة العنوان من السَّفر الثّالث 3 ك / 291 /أ، 4 ك / 107 /ب، 4 ك / 121 /ب، 4 ك / 301 /ب، 5 ك / 226 /ب، 5 ك / 271 / أ).
(3)
وقد ذكر الذهبي روايته لمستخرج أبي عوانة، عند ترجمته في السير:(23/ 326 - 328)، وكذا الصفدي في ترجمته في الوافي بالوفيات:(12/ 251 - 252).
القاسم الصفار بسنده إلى أبي عوانة، بقراءة الإمام الحافظ زين الدين محمّد ابن محمّد بن أبي بكر الأبيوردي
(1)
. وحضر هذا السماع جماعة من الفضلاء، من أشهرهم الإمام الحافظ شرف الدين أبو محمّد عبد المؤمن ابن خلف بن أبي الحسن الدمياطي
(2)
.
وكان هذا السماع في مجالس عدة، آخرها في شهر ربيع الآخر، سنة:(653 هـ)، بمنزل المسمع بدمشق
(3)
.
كما سمعت على الحافظ عمر بن محمّد بن أبي سعد الكرماني، والحافظ أبي محمّد عبد الرّحمن بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن محمّد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي، المتوفى 682 هـ
(4)
، والحافظ أبي العباس أحمد ابن عبد الله بن المسلم بن حماد الأزدي، المتوفى سنة 666 هـ
(5)
بحق سماع المسمع الأوّل مع المعارضة بنسخة وقف الحافظ ضياء الدين المقدسي "هـ" من الشّيخ الإمام أبي بكر القاسم بن أبي سعد الصفار، ومن الشّيخ الإمام أبي المظفر السمعاني بالإسناد إلى أبي عوانة رحمه الله تعالى.
(1)
ترجمته في شذرات الذهب: (7/ 575)، حسن المحاضرة:(1/ 356).
(2)
ترجمته في المعجم المختص للذهبي (ص 95)، الطبقات الكبرى للسبكي:(10/ 102).
(3)
انظر هذا السماع في المخطوط (1 ك / 316 / ب، 3 ك / 91 / ب، 4 ك / 302 / أ، 5 ك / 271 / ب).
(4)
انظر ترجمته في معجم الشيوخ للذهبي: (1/ 375).
(5)
ترجمته في الوافي بالوفيات: (7/ 123)، النجوم الزاهرة:(7/ 226).
بقراءة شرف القراء الإمام شرف الدين أبي العباس أحمد بن إبراهيم ابن سباع الفزاري الشّافعي، المتوفى: 705 هـ
(1)
.
وحضر هذا السماع جماعة من العلماء منهم: الحافظ أبو زكريا محيي الدين النووي.
وكان هذا السَّماع في مجالس عدة، آخرها في شوال، سنة 665 هـ بحلقة الحنابلة، بجامع دمشق
(2)
.
وقد أثبتت بآخر السَّفر الخامس -وهو آخر الموجود من هذه النسخة كما سبق- ثبت سماع على أبي الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرّحمن المزِّي، وأبي الحسن علي الحارثي المعروف بابن عبد
(3)
، بقراءة محمّد بن علي السَّرُّوجيّ
(4)
كاتب السماع.
برواية المزِّي عن شيخه أبي عبد الله محمّد بن عبد الرحيم ابن عبد الواحد المقدسي، وأبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عسكر الدمشقي.
(1)
ترجمته في البداية والنهاية: 14/ 42، الدرر الكامنة: 1/ 94.
(2)
انظر هذا السماع في المخطوط: (1 ك / 316 /ب- 317 / أ، 3 ك / 290 / أ، 4 ك / 303/ أ 5 ك / 271 - 272 /ب).
(3)
علي بن عبد المؤمن بن عبد العزيز الحارثي الدمشقي، ت 743 هـ، وقد ذكر ابن حجر سماعه هذا. انظر: الدرر الكامنة (3/ 150).
(4)
محمّد بن علي بن أيبك بن عبد الله المصري الحنفي الحافظ، ت 744 هـ.
انظر: ذيل تذكرة الحفاظ (63)، شذرات الذهب (6/ 141).
ورواية ابن عبد عن أبي حفص بن محمّد بن أبي سعد الكرماني، وأبي الفرج عبد الرّحمن بن أبي عمر محمّد بن أحمد بن قدامة المقدسي
(1)
.
بسماع الكرماني من أبي بكر القاسم بن أبي سعد الصفَّار، وإجازة البقية عنه، وبإجازة الجميع أيضًا من أبي المظفر السمعاني، بسماع ابن الصفَّار من أبي الأسعد القشيري، أخبرنا أبو محمّد عبد الحميد البحيري.
وسماع ابن السمعاني من أبي البركات الفراوي، أخبرتنا أم البنين فاطمة ابن أبي علي الدّقَّاق قالا: أنا أبو نعيم الإسفراييني، أنا خالي أبو عوانة الحافظ.
وكان هذا السماع في شهر رجب سنة 741 هـ، بدار الحديث الأشرفية بدمشق
(2)
.
كما سمع بعض هذه النسخة أيضًا على الشّيخ كمال الدين محمّد ابن الأديب عمر بن علي بن الفارض
(3)
، بحق إجازته من الشيخين: أبي بكر القاسم بن عبد الله بن عمر بن الصفَّار
(4)
، وأبي المظفر عبد الرحيم بن أبي
(1)
شمس الدين المقدسي الصالحي الحنبلي، ت 682 هـ.
انظر: معجم الشيوخ للذهبي (1/ 375)، ذيل طبقات الحنابلة (4/ 304).
(2)
انظر: السَّفر الخامس لوحة (272 /ب - 273 /ب).
(3)
لم أقف على ترجمته، أما أبوه (عمر) فهو المعروف بـ (ابن الفارض) الصوفي الملْحِدُ المعروف، مترجم في (السير)(22/ 368). وغيره.
(4)
تقدّم -هو والسمعاني المذكور بعده- في المبحث السابق.
سعد بن عبد الكريم السمعاني.
وكاتب السماع هو إسماعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي
(1)
.
وأثبت هذا السماع بآخر الجزء الأوّل من هذه النسخة، وكذلك أثبت بلاغ القراءة في مواطن عدة من النسخة
(2)
.
خامسًا: سماعات النسخة (ط):
سُمِعَتْ على:
الشّيخ الجليل نجم الدين أبي بكر بن أبي الحسن علي بن عمر ابن شبل الصنهاجي الحميري
(3)
.
(1)
المصري المحدث، تاج الدين. سمع من جعفر الهمذاني، وابن المقيّر، وطبقته.
قال الذهبي: "كان عالمًا جليلًا، له معرفةٌ وفهم"، توفي فجأة في رجب سنة 694 هـ.
انظر: العبر (3/ 382)، شذرات الذهب (7/ 744 - 745).
(2)
انظر مثلًا: (1 ك / 384، 1 ك / 403، 1 ك / 423، 1 ك / 540)، 3 ك / 291 / أ، 4 ك / 131 /ب، 161 /ب).
(3)
هو: عبد الله بن علي بن عمر بن شبل بن رافع بن محمود الصنهاجي، ولد سنة 658 هـ، وأسمعه أبوه من ابن عزون، وابن عبد الدائم، وعبد الهادي القيسي وغيرهم، وحصّل له أصولًا مليحة، وكان فاضلًا، ذاكرًا لمسموعاته ومشايخه، شريف النفس
…
توفي سنة 724 هـ.
انظر: الدرر الكامنة لابن حجر (2/ 276 - 277).
وقد بُيِّن في طباق السماع القدرُ الّذي سمع عليه، وهو من أول المجلد إلى (باب =
وعلى الشّيخ شرف الدين أبي العباس أحمد بن الشّيخ مجد الدين عبد المحسن بن الرفعة
(1)
.
بسماع الأوّل وإجازة الثّاني من الإمام العالم جمال الدين أبي زكريا يحيى ابن أبي الفتح بن العنبري الحراني
(2)
.
بإجازته من الشيخين:
أبي بكر القاسم بن أبي سعد عبد الله بن عمر بن أحمد بن منصور الصفار.
= ذكر الخبر المبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المصلّيَ باللّيل أن يصلّي باللّيل مثنى مثنى، ويسلِّمَ في كلّ ركعتين، ويوترَ بواحدة).
(1)
هو: أحمد بن عبد المحسن بن عيسى بن أبي المجد بن الرفعة، شرف الدين العدوي.
ولد سنة 644 هـ تقريبًا، وسمع من النجيب، وابن عزون، وابن القسطلاني، وغيرهم، وسمع منه بعض شيوخ الحافظ، مات سنة 731 هـ.
انظر: الدرر الكامنة لابن حجر (1/ 190 - 191)، والقدر المسموع عليه هو: من أول الكتاب إلى (ذكر الخبر المبين أن النبي صلى الله عليه وسلم أوتر بتسع وسبع وبخمس).
(2)
هو: أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح بن عمر الطباخ الحراني الضرير المُقرئ الفقيه الحنبلي، سمع ببغداد من عبد الله بن أحمد بن الخشاب، وعبد الحق بن عبد الخالق، والكاتبة شهدة بنت الأبري، وغيرهم، وتفقه ببغداد على مذهب الإمام أحمد، ورجع إلى حران، وحدث بها، وسمع منه سبط ابن الجوزي وغيره، توفي سنة 607 هـ.
انظر: التكملة لوفيات النقلة (2/ 213)، الذيل على طبقات الحنابلة لابن رجب (2/ 62)، شذرات الذهب (7/ 57).
وأبي المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني.
قال الصفار: أنا أبو الأسعد هبة الرّحمن بن عبد الواحد ابن عبد الكريم القشيري، أنا أبو محمّد عبد الحميد بن عبد الرّحمن البَحيري.
وقال السَّمعاني: أنا أبو البركات عبد الله بن محمّد بن الفضل الفُراوي سماعًا.
وقال الصفَّار -أيضًا -: أنا الفُراوي هذا إجازةً، قال: أنا أبو عمرو عثمان بن محمّد المحمي، قال -هو- والبَحِيْرِيُّ: أنا أبو نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني، قال: أنا الحافظ أبو عوانة يعقوب بن إسحاق المِهْرَجاني
(1)
.
بقراءة مالكه
(2)
الشّيخ العلّامة أبي الحسن علي بن عبد الكافي ابن علي السبكي الفقيه الشّافعيّ.
ومن السَّامعين: الأجلَّة الفضلاء:
1 -
تقي الدين أبو الفتح محمّد بن القاضي قطب الدين عبد اللطيف ابن القاضي صدر الدين يحيى السبكي
(3)
.
(1)
(المهرجاني) اسم قديم لـ (إسفرايين) كما سبق في ترجمة المصنِّف.
(2)
أي: مالك هذه النسخة.
(3)
هو: محمّد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى السبكي، ولد سنة 705 هـ وأجاز له سنةَ مولده الدمياطيُّ وغيره، وسمع من شيوخ مصر، =
2 -
والعبد: محمّد بن أبي القاسم بن إسماعيل الفارقي (ضابط الأسماء)
(1)
.
3 -
وحضر أبو تمام حامد (وهو في السنة الثّالثة من سني عمره).
4 -
مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري
(2)
.
= والشام، والحرمين، وسمع العالي والنازل، وخرّج وانتقى، وأخذ عنه الذهبي وغيره.
قال الذهبي: "
…
وله فضائل، وأدب، وبلاغة، واعتناء بالرواية، مع الديانة والخير"، توفي سنة 744 هـ بدمشق.
انظر: المعجم المختص بالمحدثين للذهبي (299) - (ص 163)، ذيل تذكر الحفاظ للحسيني (ص 51 - 52)، مرآة الجنان (4/ 307)، طبقات الشّافعيّة الكبرى (9/ 167 - 187)، الدرر الكامنة (4/ 25 - 26)، حسن المحاضرة (1/ 426)، الدارس في تاريخ المدارس (1/ 190 - 191).
(1)
الأعلام المذكورون إلى هنا قد سمعوا جميع هذا المجلد، وأمّا الذين بعده فلهم فوتٌ قد حُدِّد قدرُه بالبداية والنهاية عند ورود كل اسم في المخطوط، ولم نذكره مخافة الطول.
(2)
الحنفي الحكري، الحافظ علاء الدين، صاحب التصانيف، ولد سنة 689 هـ.
سمع من التاج أحمد بن علي بن دقيق العيد -أخي الشّيخ تقي الدين- والحسين بن عمر الكروي، والواني، والختني، والدبوسي، وغيرهم.
وأكثر المطالعة، والكتابة والاجتهاد في الجمع والتأليف، وله مآخذ على أهل اللُّغة كثير من المحدثين، وتصانيفه تربو على المائة، منها: شرح البخاريّ، شرح سنن ابن ماجه -ناقص- إكمال تهذيب الكمال، ووصفه ابنُ العراقي بالشيخ الإمام، شيخ المحدثين، والحافظُ ابن حجر: بالحافظ المكثر، توفي سنة 762 هـ. =
5 -
وسراج الدين عمر بن محمّد بن علي الدَّمَنهوري
(1)
.
6 -
وشهاب الدين أحمد بن أبيك الحسامي، عرف بابن الدِّمْياطي
(2)
.
= انظر: الوفيات لابن رافع السلامي (2/ 243)، الذيل على العبر لابن العراقي (1/ 70 - 73)، الدرر الكامنة (4/ 352)، لسان الميزان (7/ 15 - 19) - (8582) - لحظ الألحاظ لابن فهد (ص 133)، وجيز الكلام للسخاوي (1/ 119)، ذيل تذكرة الحفاظ (ص 365)، طبقات الحفاظ (ص 538) له.
(1)
أبو حفص عمر بن علي بن محمّد بن علي بن فتوح الدمنهوري، أخذ من الشرف الشاذلي، والتقي الصائغ، والعلاء القونوي وغيرهم؛ وبرع في النحو والقراءات والحديث والفقه، وكان جامعًا للعلوم، توفي سنة 752 هـ.
انظر: شذرات الذهب (8/ 294).
والدمنهوري نسبة إلى "دَمَنْهُور" -بفتح أوله وثانيه، ثمّ نون ساكنة- مدينة في مصر، عاصمة محافظة (البحيرة).
انظر: معجم البلدان (1/ 536)، المنجد في الأعلام (ص 288).
(2)
أبو الحسين، ولد سنة 700 هـ، وسمع من أحمد بن بن عبد الرحيم بن درادة، وحسن ابن عمر الكردي، وشهدة بنت الحَصَني، وست الوزراء، وغيرهم، واشتغل بنفسه، وقرأ وانتقى، وجمع مجاميع، والمطبوع من المستفاد من ذيل تاريخ بغداد لابن النجار من انتخابه.
قال الذهبي: "الإمام المفيد، الحافظ
…
كتب وألَّف، وخرَّج، وتميَّز وصار من أعيان الطلبة
…
سمع مني، وسمعتُ منه". توفي سنة 749 هـ.
انظر: المعجم المختص بالمحدثين (ص 19، 8)، ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني (ص 54)، الدرر الكامنة (1/ 108)، حسن المحاضرة للسيوطي (1/ 358)، الأعلام =
7 -
وشهاب الدين أحمد بن محمّد بن عبد الرّحمن العَسْجَدِي
(1)
.
8 -
وتقي الدين محمّد بن الشَّيخ جمال الدين رافع بن أبي محمّد السَّلَّامي
(2)
.
= للزكلي (1/ 102).
(1)
المصري، ولد سنة 686 هـ، وطلب الحديث وهو كبير، وسمع من الشهاب المحسني والنور البطي، والدبوسي، وغيرهم، وأكثر جدًّا، كتب الطباق.
قال الحافظ: "كان أديبًا، فاضلًا، متواضعًا، متدينًا، يعرف أسماءَ الكتب ومصنفيها، وطبقات الأعيان، ووفياتهم، ويشارك في ذلك مشاركة قوية
…
" أخذ عنه التاج السُّبكي وغيره، توفي سنة 758 هـ.
انظر: الوفيات لابن رافع السلامي (2/ 206)، طبقات السبكي (9/ 257)، الدرر الكامنة (1/ 269)، شذرات الذهب (8/ 315).
والعسجدي -نسبة إلى العَسْجَد وهو الذهب، وقيل غيره، كما أنه اسم موضع بعينه، ولم يحدّده ياقوت، انظر: معجم البلدان (4/ 136).
(2)
هو: محمّد بن رافع بن هِجْرِس بن محمّد بن شافع السَّلَّامي الشّافعي، المصري، صاحب كتاب (الوفيات).
ولد سنة 704 هـ بمصر، وسمع من علي بن الصوّاف، وطبقته، ورحل به والده إلى دمشق فأسمعه من عدة، ثمّ رحل إليها بنفسه فاستوطنها، وسمع من ابن سيد النَّاس، والذهبي، والمزي، والبرزالي، ووصفه الحافظُ وغَيْرُه بالحفظ والإتقان، توفي سنة 774 هـ، وقد ترجم له محققُ (وفياته).
انظر: ذيل تذكرة الحفاظ للحُسيني (ص 52)، الذيل على العبر لابن العراقي =
9 -
وعبد المحسن بن الشَّيخ شرف الدين بن الرِّفعة، المُسَمِّع الثّاني
(1)
.
10 -
والإمام تقي الدين علي بن القاضي محمّد بن علي ابن عبد القادر التميمي الهمداني.
11 -
تاج الدين أحمد بن القاضي نجم الدين القمولي
(2)
.
12 -
وعبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف الحراني النحوي، عُرِف بابن المرحِّل
(3)
.
= (2/ 352)، غاية النهاية في طبقات القُرَّاء لابن الجزري (2/ 139)، إنباء الغمر بأبناء العمر لابن حجر (1/ 59).
والسلَّامي -بتشديد اللام- نسبة إلى قبيلة بني سلّام.
غاية النهاية (2/ 139).
(1)
هو ابن الشّيخ أحمد بن عبد المحسن بن الرفعة المتقدم ذكرُه في اللَّذَيْن سُمِعَتْ عليهما هذه النسخةُ، ولم نهتَدِ إلى ترجمته.
(2)
لعلّه: أحمد بن محمّد بن أبي الحزم مكي بن ياسين، أبو العباس القمولي.
ترجم له ابن السُّبكي في طبقاته (9/ 30)، وذكر أنه توفي سنة 727 هـ بمصر، كما ذكر أن قمولا -بفتح القاف، وضم الميم، وإسكان الواو- بلدة في البَرِّ الغربي، من عمل قوص.
(3)
أبو الفرج، شهاب الدين الشّافعيّ، كان أبوه يبيعُ الرِّحال للجمال، فلذلك قيل له: ابن المرحِّل.
سمع إبراهيم بن علي بن الحبوبي، وعلي البكري، وأبا النجم شهاب الدين =
13 -
وعلي أبناء الشّيخ برهان الدين إبراهيم بن لاجين الرشيدي
(1)
.
وكان السماع في عدة مجالس، آخرها: يوم الاثنين، حادي عشر من صفر سنة 723 هـ، بالمدرسة الظاهرية
(2)
، بالقاهرة.
= الحسيني، وغيرهم، وأخذ عنه ابن هشام النحوي، وهو الّذي نَوَّه به، وعرّف بقدره، وكان يُطريه، ويفضله على أبي حيَّان وغيره، ويقول:"كان الاسم في زمانه لأبي حيان، والانتفاع بابن المرحِّل"، توفي سنة 744 هـ بالقاهرة.
انظر: طبقات الشّافعيّة للإسنوي (2/ 465)، الوفيات لابن رافع (1/ 446)، الدرر الكامنة (2/ 406 - 407)، شذرات الذهب (8/ 244).
(1)
المصري الشّافعي النحوي، ولد سنة 673 هـ، وتفقه على العلم العراقي، وأخذ القراءات عن التقي بن الصائغ، وأخذ النحو عن الشيخين: ابن النحّاس وأبي حيان، وسمع، وحدّث، ودرّس، وأفتى.
وممن أخذ عنه الشيخان: زين الدين العراقي، وابن الملَقِّن، وقد عُرِف بـ (الرشيدي) لأن والده كان منسوبًا إلى أمير يقال له: الرشيدي، وهو أمير كبير يسكن القاهرة، قريبًا من باب النصر. (أفاده الإسنوي)، توفي سنة 749 هـ.
انظر: الوافي بالوفيات (6/ 164)، طبقات السبكي (9/ 399)، طبقات الشّافعيّة للإسنوي (1/ 602)، غاية النهاية لابن الجزري (1/ 98)، الدرر الكامنة (1/ 77 - 78)، النجوم الزاهرة (10/ 334)، شذرات الذهب (8/ 271).
(2)
بناها الظّاهر بيبرس سنة 662 هـ بالقاهرة، ورتّب بها لتدريس الشّافعيّة، والحنفية، وعلم الحديث، وإقراء القرّاء بالروايات، وأوقف عليها خزانة كتب.
انظر: حسن المحاضرة للسيوطي (2/ 264).
وكاتب السماع: سبق اسمه ضمن السامعين، وهو: محمّد بن أبي القاسم بن إسماعيل الفارقي.
وبعد هذا الوصف لنسخ الكتاب الّتي وقفنا عليها يتبين لنا أن غالب كتب الكتاب وأبوابه قد وصلتنا، وثمة كتب لم نقف عليها في جميع النسخ وهي:(الجنائز - الرقائق - التوبة - صفات المنافقين وأحكامهم - صفة القيامة والجنة والنار - الجنَّة - الفتن وأشراط السّاعة - الزهد والرقائق - التفسير).
وأمّا الموجود من الكتاب فيشكل نسخة ملفقة غير كاملة يمكننا بيان محتوياها إجمالًا في رسم توضيحي -مع إظهار السقط الواقع فيها- بالنسبة لكل النسخ.
[مخطط]
[مخطط]
لوحة العنوان من الجزء الأوّل من نسخة (ل)
اللوحة الأولى من الجزء الأوّل من نسخة (ل)
آخر الجزء التّاسع من نسخة (ل)، وهو آخر الموجود من الكتاب
صفحة العنوان للجزء الأوّل من نسخة (م)
نهاية المجلد الخامس وهو آخر الموجود من نسخة (م)
صفحة العنوان للمجلد الثّامن من نسخة (هـ)
نهاية المجلد التّاسع، آخر الموجود من نسخة (هـ)
بداية الموجود من الجزء الأوّل من نسخة (ك)، وبه سقط من أوله
صفحة العنوان للسفر الثّالث من نسخة ك
نهاية السَّفر السّادس آخر الموجود من نسخة ك
الصفحة الأولى من المجلد الأوّل من نسخة (ط)
نهاية الجزء الأوّل آخر الموجود من نسخة ط
بداية الجزء الأول من نسخة (س)
نهاية الجزء الأوّل آخر الموجود من نسخة س
صورة ثبت السماع على القاسم بن علي بن الحسن بآخر (ج 1، ج 2) من نسخة (ل)
صورة ثبت السماع على القاسم بن أبي الأسعد الصفَّار بآخر (ج 1) من نسخة (ل)
صورة ثبت سماع على المسندة سارة بنت سراج الدين بآخر ج 1 من نسخة (م)
صورة سماع أحمد بن عبد الرحيم العراقي على والده والهيثمي بالجزء 5 من نسخة (م)
صورة ثبت سماع لضياء الدين المقدسي، والبرزالي وعمر الكرماني وطائفة من العلماء على القاسم الصفار بالمجلد الثامن من نسخة هـ
ثبت سماع على شرف الدين ابن عساكر بالمجلد الثامن من نسخة (هـ)
ثبت سماع لطائفة من العلماء في نهاية السفر الخامس من نسخة (ك) على زكي الدين البرزالي، والحسن البكري، والكرماني
ثبت سماع على أبي حفص الكرماني، وعبد الرحمن بن محمد المقدسي في نهاية السفر الخامس من نسخة (ك)
ثبت سماع بقراءة السروجي على المزي وابن عبد بآخر السفر الخامس من نسخة (ك)
ثبت سماع لعدد من الأئمة على نجم الدين الحميري، وابن الرفعة بآخر المجلد الأول من نسخة (ط)
الفصل الثالث: مقارنة بين مستخرجي أبي عوانة وأبي نعيم من خلال كتابي الصوم والزكاة،
وفيه أحد عشر مبحثا:
المبحث الأول: في تسمية الكتابين، وموضوعهما، وقيمتهما العلمية.
المبحث الثاني: مقارنة مقدمة الكتابين.
المبحث الثالث: السبب الباعث للمؤلفين على تأليف كتابيهما.
المبحث الرابع: منهجهما في الاستخراج، وتحقيقهما لشرطه.
المبحث الخامس: منهجهما في التبويب وتراجم الأبواب.
المبحث السادس: الصناعة الحديثية في الكتابين.
المبحث السابع: فيما تضمنه الكتابان من أنواع علوم الحديث.
المبحث الثامن: ما اشتمل عليه الكتابان من فوائد الاستخراج.
المبحث التاسع: الرواية عن المتكلم فيهم في الكتابين.
المبحث العاشر: العلل واختلاف الرواة في الكتابين.
المبحث الحادي عشر: الأحاديث الزوائد في الكتابين.
خلاصة المقارنة.
الفصل الثالث: مقارنة بين مستخرجي أبي عوانة وأبي نعيم من خلال كتابي الصوم والزكاة
(1)
:
وفيه أحد عشر مبحثًا:
المبحث الأول: في تسمية الكتابين، وموضوعهما، وقيمتهما العلمية:
تقدم أن الاسم الجامع لكتاب الحافظ أبي عوانة هو ما ذكره الحافظ ابن الصلاح أنه "المسند الصحيح المخرج على صحيح مسلم"، وما ورد من تسميته بغير ذلك هو من تصرف الحفاظ، وأما كتاب الحافظ أبي نعيم
(1)
اعتُمد في إعداد جُلِّ هذه المقارنة على دراسة د. بشير علي عمر في مقارنته بين مستخرجي أبي عوانة وأبي نعيم من خلال كتابي الصوم والزكاة، من ح (3009) إلى ح (3407)، وأضيف إليها مطالب ومباحث زادها باحثون آخرون اعتنوا ببحث أوجه المقارنة بين الكتابين في دراساتهم، وهم:
1 -
د. سالم باعبد الله، أضيف من دراسته للجزء المحقق (من ح 6322 - ح 6819) جزءٌ من المبحث الأول: موضوع كل من الكتابين، والقيمة العلمية لهما.
2 -
الشيخ: عباس صفا خان رحمه الله، أضيف من دراسته للجزء المحقق (من ح 1 - ح 807) المبحثُ الثاني: مقارنة مقدمة الكتابين.
3 -
د. بابا الكميروني، أضيف من دراسته للجزء المحقق (من ح 809 - ح 1759) المطلبُ الأول من المبحث الرابع: منهجهما في ترتيب الكتب والأبواب، والمطلب الخامس من المبحث الرابع: في ذكرهما موضع الالتقاء مع إسناد صاحب الأصل المخرج عليه، والمطلب السادس من المبحث السادس: شرح الغريب وضبط المشكل.
وهذه المقارنة -وإن لم تشمل كافة مادة الكتابين إلا أنها- توضح سورة قريبة لما عليه واقعهما، وقد نبهنا على ذلك في موضعه من مادة المقارنة.
الأصبهاني؛ فالذي رجّحه د. مقبل الرفيعي في تحقيقه للكتاب هو ما ذكره ابن نقطة في التقييد أنَّه "المسند الصحيح المستخرج على كتاب مسلم ابن الحجاج القشيري رحمه الله"، واعتمد في ذلك على ما في طرة الجزء الأول من النسخة الظاهرية للكتاب من قول أبي نعيم:"فرغت من كتاب المسند الصحيح المستخرج على كتاب أبي الحسين مسلم بن الحجاج رحمه الله يوم الاثنين الثامن عشر من المحرم سنة ثلاث وسبعين وثلاث مائة"
(1)
.
وقد تصرف الحفّاظ رحمهم الله في تسميته كما وقع لكتاب أبي عوانة، فسماه كل من الذهبي، وابن حجر، والكتاني، بـ "المستخرج على صحيح مسلم"
(2)
، وقال الذهبي في ترجمة أبي نعيم:"عند المزي بالإجازة العالية: المستدرك على صحيح مسلم"
(3)
، فتلخص أن تسمية الكتابين في الأصل شبه شيء واحد.
وبهذا يظهر أن عنوان الكتابين حوى موضوعَهما، وهو الاستخراج، وكون هذا الاستخراج على صحيح الإمام مسلم، مع اشتمال الكتابين على أحاديث زائدة على صحيح مسلم، وهذه الأحاديث الزائدة في مستخرج أبي عوانة أكثر منها في مستخرج أبي نعيم.
(1)
مستخرج أبي نعيم (1/ 124) بتحقيق د. مقبل الرفيعي (رسالة علمية).
(2)
الموضع نفسه.
(3)
سير أعلام النبلاء (17/ 462).
فموضوع الكتابين إذًا واحد، وهو أحاديث صحيح الإمام مسلم سندًا ومتنًا على طريقة الاستخراج، لذا جرت المقارنة بينهما لاتحاد موضوعهما.
وأما قيمة الكتابين العلمية، فإنها مستمدة من قيمة أصلهما المخرَّج عليه -أعني صحيح مسلم- الذي هو أحد الكتابين اللذين هما أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى.
إلا أن كتاب الحافظ أبي عوانة يقدّم مادة علمية زائدة، تزيد من قيمته العلمية، وهي الأحاديث والطرق الزائدة التي يوردها، كما أنه يعلّل بعض الأحاديث، إما بالتنصيص، وإما بسوق الروايات المخالفة لها، وكذلك ما تتضمنه تراجم الأبواب من الاستنباط الدقيق للأحكام من الأحاديث.
المبحث الثاني: مقارنة مقدمة الكتابين
1 -
اجتمعتا في أن مقدمة الكتابين: بدأت بالحمد والثناء على الله عز وجل، والصلاة على رسوله صلى الله عليه وسلم، والحث على اتباع سنَّته صلى الله عليه وسلم بعبارات متقاربة المعاني.
2 -
ذكر أبو عوانة في مقدمته حديثًا واحدًا وأثرًا واحدًا عن الزهريّ في الاعتصام بالسنة، ولم يذكر منهجه في كتابه، ولا سبب تأليفه له، بل بدأ بعد ذلك مباشرة في الاستخراج على كتاب الإيمان من صحيح مسلم.
وأما أبو نعيم فقد نبَّه -بعد الحمد والثناء- على ضرورة معرفة أحوال الرواة لتعذُّر التمييز بين صحيح الأخبار وسقيمها إلا بذلك
(1)
.
وعقد بابًا في "ذكر المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم من إخباره بحدوث
(2)
الاختلاف، وإيصائه عليه السلام بلزوم سنَّته، وسنَّة المهديين من بعده"، ذكر فيه حوالي أربعين رواية في الحث على التمسك بسنَّته صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء المهديين من بعده، والترغيب في نشرها، والترهيب من الكذب عليه صلى الله عليه وسلم، وتخللت هذه الروايات أحيانًا تعليقات له في تعليل بعض هذه الطرق، وتفسير شيءٍ منها ونحو ذلك
(3)
.
(1)
انظر: مستخرج أبي نعيم الأصبهاني (1/ 34).
(2)
كذا في النسخة التي حقَّقها الشيخ مقبل الرفيعي ولعله الصواب، وفي المطبوع من المستخرج:"عددت" بدل: "بحدوث".
(3)
انظر: مستخرج أبي نعيم (1/ 35 - 51).
وذكر أيضًا آثارًا عن أئمة أهل الحديث في تلك المعاني الواردة في الأحاديث، وفي تجريح الرواة كشف عُوارهم نصحًا للمسلمين
(1)
، ولم يرد مثل ذلك عند أبي عوانة.
3 -
سرد أبو نعيم -بعد ذلك- طائفةً من المجروحين والضعفاء ممن ضُعِّفوا، أو وُجدت في رواياتهم المناكير والموضوعات والأباطيل، وبلغ عددهم (289 راويًا)
(2)
، ونقل في تراجم أكثرهم أقوال أئمة الجرح والتعديل فيهم من التضعيف، ثم لما انتهى من سرد الأسماء ذكر أسانيده إلى هؤلاء الأئمة الذين نقل عنهم الجرح
(3)
.
4 -
ثم تعرَّض أبو نعيم -بعد هذا- لشيءٍ من منهج صاحب الأصل المخرَّج عليه -وهو الإمام مسلم- في كتابه
(4)
، وهو الذي ذكره مسلم في مقدمة صحيحه
(5)
، ولم يفعل ذلك أبو عوانة.
(1)
انظر: المصدر نفسه (1/ 51 - 56).
(2)
وقد طبع هذا القسم من الكتاب -أعني ذكر أسماء الضعفاء مرتبين على حروف المعجم- منفصلًا عن المستخرج باسم "كتاب الضعفاء" لأبي نعيم الأصبهاني، تحقيق د. فاروق حمادة، وعدَّه مؤلَّفًا مفردًا لأبي نعيم!.
انظر: ص (19 و 29) وذكر -ص: 32 - أن مؤلفه استخرجه من كتابه: "المستخرج على صحيح مسلم"، ولم يذكر مستنده على ذلك، ولم يَنقل عن أبي نعيم نفسه أنه أفرده من المستخرج.
(3)
انظر: مستخرج أبي نعيم (1/ 88).
(4)
انظر: مستخرج أبي نعيم (1/ 88).
(5)
انظر: مقدمة صحيح مسلم (1/ 4) وما بعدها.
5 -
خلص أبو نعيم -بعد ذلك- إلى الكلام عن شيءٍ من منهجه في كتابه المستخرج، وسبب تأليفه له فقال: "عَمَدْنا إلى الأصول التي خرَّجها، والأبواب التي لخَّصها؛ فَتَتَبَّعْنا -على كتابه وتراجمه- عن شيوخنا كتابًا يكون عوضًا لمن فاته سماع كتابه، وذكرتُ -في كتابي- شيوخه الذين روى عنهم ذلك الباب -أو الحديث- حتى أنتهيَ إلى الرجل الذي جمعني وإياه في إسناد الحديث مستعينًا بالله على ذلك، ومتوكلًا عليه في ذلك
…
(1)
".
وقد زاد أبو نعيم على هذا أيضًا: أنَّه استخرج على الأحاديث والآثار التي في مقدمة صحيح مسلم التي فيها الترهيب من تعمُّد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والضعفاء والكذابين ومن يُترك حديثهم
(2)
.
فكأنه بذلك أراد أن يتابع مسلمًا ويشابهه في طريقته في المقدمة، فمسلمٌ رحمه الله تعالى ذكر في مقدمته: "سبب تأليف كتابه، وتعرَّض لكثير من الفوائد والأصول المتعلِّقة بالرواية؛ كتقسيم الرواة، وبيان توضيح مراتبهم المختلفة، فإن كان هناك جرح صحيح في الراوي، فينبغي أن يذكر بدون تردد، وهو أمر جائز ومشروع، والإسناد من الدين فيجب أن تؤخذ بكل شدة في الرواية، والمنع من قبول الرواية بلا تحقيق، ووجوب الاحتياط في
(1)
انظر: مستخرج أبي نعيم الأصبهاني -تحقيق الشيخ مقبل الرفيعي (1/ 289).
(2)
انظر: مقدمة صحيح مسلم (1/ 9 - 14)، ومستخرج أبي نعيم (1/ 93 - 97).
قبول الضعفاء، وتقبل العنعنة بشرط المعاصرة بين الراوي والمروي عنه، ولا يشترط ثبوت اللقاء، والكلام في الرواية بالمعنى
(1)
.
فتميَّز مستخرج أبي نعيم عن مستخرج أبي عوانة -من هذه الحيثية- بفوائد غزيرة ونكات جليلة، وكان أكثرَ منهجيةً -في هذا- بالنسبة لأبي عوانة؛ رحم الله الجميع.
(1)
انظر: الإمام مسلم بن الحجاج ومنهجه في الصحيح، وأثره في علم الحديث للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان (1/ 345 - 346).
المبحث الثالث: السبب الباعث للمؤلفين على تأليف كتابيهما
جرت عادة عدد من الحفاظ بذكر السبب الباعث لهم على تصنيف مصنفاتهم، فمنهم من يذكر ذلك في مقدمة الكتاب كما فعل الإمام مسلم في مقدمة كتابه الصحيح، ومنهم من يذكر ذلك خارج الكتاب، إما مشافهة ويروي عنه بعض تلاميذه كما روى إبراهيم بن معقل النسفي عن الإمام البخاري في السبب الباعث له على تصنيف الجامع الصحيح
(1)
، وإما في كتاب آخر كما فعل الإمام أبو داود السجستاني في رسالته إلى أهل مكة التي تعتبر كالمقدمة لكتابه السنن.
فأما الحافظ أبو عوانة رحمه الله فلم يفصح في مقدمة كتابه بالسبب الباعث له على تصنيفه، وإنما اقتصر في مستهل كتابه على ذكر الثناء على الله تعالى، وذكر حديث:"كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع"، ثم أورد تحميدا جميلا نسبه إلى بعض أصحابه، فيه إثبات الصفات العليا لله تعالى، وإثبات القدر، ثم ابتدأ بالباب الأول، وهو:"باب إثبات القدر وشرائع الإيمان"، لكن الناظر في مادة كتابه، والمتأمل في المنهج الذي انتهجه فيه يرى أنَّ مؤلفه لم يقصد الاستخراج على صحيح مسلم فحسب، بل قصد بجانب ذلك تقريب ما تضمنته أحاديث ذلك الكتاب، وغيرهما مما هي مثلها، من أبواب فقه الحديث، وجمل من المسائل المستنبطة
(1)
هدي الساري (ص 7).
منها، فمن أجل ذلك أتقن الاستنباط في تراجم الأبواب، ونصَّ على بعض الاستنباطات الفقهية بكلامه هو، ومن أقوال بعض فقهاء الأمصار في أواخر الأبواب
(1)
، وأتى بزيادات عدة من الأحاديث حتى صار الكتاب كأنه مؤلَّف مستقلّ وليس بمستخرَج، كما سيأتي في موضعه إن شاء الله تعالى.
وأما الحافظ أبو نعيم رحمه الله، فقد بين غرضه من تأليف الكتاب، فقال كما في المقدمة:"فعمدنا إلى الأصول التي خرجها -أي: الإمام مسلم-، والأبواب التي لخّصها فتتبّعنا على كتابه وتراجمه عن شيوخنا كتابا يكون عوضا لمن فاته سماع كتابه"
(2)
، فمن أجل ذلك لم يأت بالزيادات المستقلة، ولا أكثر من الاستنباط في تراجم الأبواب، وراعى ترتيب الإمام مسلم للأبواب والأحاديث إلا نادرًا، واهتم بذكر أسانيد مسلم لكل حديث إلى موضع التقائه به، بعد ما خرجه.
ولا شك أن لكل من الغرضين أهميته، إلا أن غرض الحافظ أبي عوانة رحمه الله أنبل، حيث إنه أتى في كتابه بالمقاصد التي تستهدف من كتب
(1)
كقوله في آخر حديث رقم (3329): "في هذا الحديث دليل أن الشجرة إذا كانت في الحرم، ولها أغصان في الحل أن حكم الأغصان بخلاف الأصل" وكإيراده قول مالك في إثر حديث رقم: (3054): "الصيام في السفر لمن قوي عليه حسن، وهو أحب إليّ".
(2)
مستخرج أبي نعيم (1/ 289).
الاستخراج، وأضاف أمرا آخر، وهو ما يتعلق بفقه الحديث استنباطًا، وهذه إضافة علمية جديرة بالاهتمام بها، لا سيَّما وقد قال الإمام مسلم في مقدمة الصحيح حين أجاب أحمد بن سلمة بن عبد الله الذي سأله تأليف الكتاب، أنه أحسن صناعة الكتاب، لكي لا يشغل السائل عما له قصد من التفهم في تلك السنن التي يوردها، والاستنباط منها
(1)
.
(1)
صحيح مسلم (1/ 3).
المبحث الرابع: منهجهما في الاستخراج، وتحقيقهما لشرطه
الاستخراج عرَّفه علماء مصطلح الحديث: "أن يأتي المصنف إلى الكتاب فيخرج أحاديثه بأسانيد لنفسه من غير طريق صاحب الكتاب، فيجتمع معه في شيخه أو من فوقه، ولو في الصحابي"، وزاد بعضهم: مع رعاية ترتيبه، ومتونه، وطرق أسانيده
(1)
.
وأما شرطُه، فقد نقل الحافظ السيوطي عن الحافظ ابن حجر رحمة الله على الجميع، أنه قال:"شرطه أن لا يصل إلى شيخ أبعد حتى يفقد سندا يوصله إلى الأقرب إلا لعذر من علو أو زيادة مهمة"
(2)
، وستكون المقارنة بين الكتابين في هذا المبحث في خمسة مطالب:
أولها: منهجهما في ترتيب الكتب والأبواب.
ثانيها: ترتيبهما لأحاديث وطرق الكتاب الأصل.
ثالثها: استيفاؤهما لأحاديث وطرق الكتاب الأصل.
رابعها: تحقيقهما لشرط الاستخراج.
خامسها: ذكرهما موضع الالتقاء مع إسناد صاحب الأصل المخرَّج عليه.
(1)
فتح المغيث (1/ 44)، تدريب الراوي (1/ 112)، الرسالة المستطرفة (ص 31).
(2)
تدريب الراوي، الموضع نفسه.
المطلب الأول: منهجهما في ترتيب الكتب والأبواب.
وافق الحافظ أبا عوانة -رحمه الله تعالى- مسلمًا -رحمه الله تعالى- في ترتيب الكتب ضمن القسم الذي جرت عليه المقارنة
(1)
، وأما الأبواب فلم يراع فيها الترتيب الموجود في صحيح مسلم، فعلى سبيل المثال أتى أبو عوانة بأبواب مواقيت الصلاة بعد أبواب الأذان في كتاب الصلاة، وهي في صحيح مسلم في كتاب المساجد.
والحافظ أبو نعيم -رحمه الله تعالى- أيضًا قد وافق الإمام مسلمًا -رحمه الله تعالى- في ترتيب الكتب ضمن القسم المُخصص للمقارنة -فبدأ بكتاب الطهارة ثم كتاب الصلاة، وجعل المساجد ومواضع الصلاة، وصلاة المسافرين وقصرها، والجمعة، والعيدين، والاستسقاء، والخسوف، كل هذه العناوين السابقة تابعة لكتاب الصلاة، ولم يعنون لها بلفظ "كتاب" وقد سلك ترتيبه هذا محقق تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف في الكشاف عن أبواب مراجع تحفة الأشراف
(2)
.
ووافق أبو نعيم مسلمًا أيضًا في ترتيب الأبواب حيث لم يحصل عنده تقديم ولا تأخير في ذلك كما حصل للحافظ أبي عوانة -رحمه الله تعالى- إلا أن عمل الشُّراح الذين ترجموا لأبواب صحيح مسلم -ومنهم النووي- يختلف صنيعهم عن عمله في الأبواب -قلة كثرة- ضمن الكتاب الواحد،
(1)
من كتابي: الطهارة والصلاة، من ح (809) إلى ح (1759).
(2)
انظر الإمام مسلم ومنهجه في الصحيح (ص 392).
وكذلك في تجزئة الباب الواحد في مسلم إلى عدة أبواب وهكذا.
المطلب الثاني: ترتيبهما لأحاديث وطرق صاحب الأصل:
من مميزات صحيح الإمام مسلم حسن ترتيبه لأحاديث أبواب كتابه، ولطرق الحديث الواحد عنده، وقد ذكر في المقدمة أنه يقسم الأخبار على ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس، ويتوخى تقديم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى، وهي أخبار أهل الاستقامة في الحديث، والإتقان في النقل، فإذا تقصاها، أتبعها أخبارا يقع في أسانيدها من ليس موصوفا بالحفظ والإتقان كالصنف المتقدم، مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم، وأما قوم متهمون عند أهل الحديث، ومن الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، فلم يتشاغل بإخراج حديثهم
(1)
، فاختلف العلماء في مقصد الإمام مسلم من هذا التقسيم، والشرط الذي ذكره، في موضعين:
الأول: هل أخرج مسلم في الصحيح أحاديث القسمين الأولين، وعلى أي وجه أخرجها؟ أو إنما أخرج أحاديث القسم الأول، ومات قبل إخراج أحاديث القسم الثاني؟
(2)
.
(1)
انظر: صحيح مسلم (1/ 4 - 7).
(2)
انظر: مقدمة إكمال المعلم بفوائد مسلم (ص 123 - 126)، صيانة صحيح مسلم (90 - 91)، النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 433 - 434)، بين الإمامين (ص 20)، منهج الإمام مسلم في ترتيب كتابه الصحيح (ص 12 - 13).
الثاني: هل ترتيبه للأحاديث وطرقها مبني على هذا التقسيم، فيصدر بأحاديث القسم الأول، ويؤخر أحاديث القسم الثاني، أو الأمر ليس كذلك؟
(1)
.
فأما الاختلاف في الموضع الأول فقد حقق الحافظ ابن حجر وغيره الوجه الصحيح من ذلك.
وأما الثاني فلم يزل محل خلاف بين العلماء، وقد اعتمد في هذه الدراسة على أن الأصل عند الإمام مسلم أنه يصدر ويقدم أحاديث أهل الطبقة الأولى، ثم يتبعها بأسانيد الطبقة الثانية، حيث وجدت، وهم قوم نص الأئمة على إخراج مسلم لهم في الشواهد، لكنه قد يخرج عن هذا الأصل لاعتبارات، وذلك لأنه الظاهر من كلامه في المقدمة، ثم الدراسة لأحاديث صحيح مسلم مع مقارنتها للقسم المخصص لهذه المقارنة من كتاب أبي عوانة؛ تؤيده ولا تناقضه.
وقد سلك كل من الحافظين أبي عوانة، وأبي نعيم مسلكًا غير مسلك الآخر في ترتيب الأحاديث والطرق، وسأذكر منهج كل واحد منهم على حدة.
منهج الحافظ أبي عوانة في الترتيب
لم يراع أبو عوانة ترتيب الإمام مسلم للأحاديث في الباب الواحد، ولا لطرق الحديث الواحد في الغالب من صنيعه، بل إنه تصرف في ذلك، وقد
(1)
منهج الإمام مسلم (ص 51).
يظهر للناظر مقاصده من تصرفه أولا، وفيما يلي أمثلة توضح منهجه:
1 -
أورد الإمام مسلم أحاديث النهي عن الوصال من حديث أربعة من الصحابة، وهم: عبد الله بن عمر، وأبو هريرة، وأنس، وعائشة، رضي الله عنهم، على هذا الترتيب
(1)
، فأورد الحافظ أبو عوانة الأحاديث نفسها في باب واحد مبتدئا بحديث أبي هريرة، ثم ابن عمر، ثم عائشة، ثم أنس
(2)
، وقد يتصرف في مثل هذا الصنيع فيقحم بعض طرق حديث صحابي في طرق صحابي آخر كما فعل في أحاديث صيام عاشوراء، فشوش في ترتيب مسلم للأحاديث وفرق طرق حديث ابن عمر وأقحم طرق حديث ابن مسعود، وعائشة بينها كلها في باب واحد
(3)
، فالتصرف الأول لا مؤاخذة عليه، وأما الثاني فيؤخذ عليه إخلاله بحسن ترتيب الإمام مسلم بإيراده لطرق كل حديث على حدة.
2 -
قد يورد الإمام مسلم أحاديث عدد من الصحابة في موضوع واحد وفي مكان واحد، فيفرقها أبو عوانة ويفرد لحديث كل صحابي ترجمة غير ترجمة الآخر، مثال ذلك أن الإمام مسلم أورد في "باب بيان وقت انقضاء الصوم" حديث عمر بن الخطاب، وحديث عبد الله بن أبي أوفى
(1)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب النهي عن الوصال (2/ 774 - 776).
(2)
انظر الأحاديث من: (3012 إلى 3024)، وانظر مثالا آخر في:(3001 إلى 3006).
(3)
انظر الأحاديث من: (3191 إلى 3212)، وصحيح مسلم (2/ 792 - 794).
رضي الله عنهما
(1)
، فأفرد الحافظ أبو عوانة لكل حديث ترجمة؛ أورد حديث عمر بن الخطاب في "باب بيان الوقت الذي يحل للصائم الإفطار، والدليل على أنه إذا دخل ذلك الوقت كان الصائم مفطرا، وإن لم يأكل ولم يشرب"
(2)
، وأورد حديث عبد الله بن أبي أوفى في أبواب الوصال في الصوم وترجم له بـ "باب الدليل على أن الصائم إذا واصل كان مفطرًا إذا غابت الشمس"
(3)
، وكذلك أحاديث المجامع في نهار رمضان التي عند مسلم من حديث أبي هريرة، وعائشة رضي الله عنهما، جعلها أبو عوانة في ثلاثة أبواب؛ فرق طرق حديث أبي هريرة على أساس اختلاف أصحاب الزهري، بين من عين سبب الفطر، وذكر خصال الكفارة على الترتيب، ومن أبهم السبب، وجعل الخصال على التخيير، فترجم لكل لمجموعة من تلك الطرق في باب مستقل، وترجم لحديث عائشة في باب ثالث
(4)
، وهذا أيضا لا مؤاخذة فيه، إذ الغاية من الكتب المصنفة هي الاستنباط من أحاديثها،
(1)
صحيح مسلم (2/ 772 - 773).
(2)
انظر حديث رقم: (3007 إلى 3008).
(3)
انظر طرقه من حديث رقم: (3025 إلى 3028).
(4)
صحيح مسلم (2/ 781 - 784)، وانظر الأبواب التالية في كتاب الصوم: باب بيان إجازة الصوم إذا أدركه الصبح وهو جنب من الجماع
…
، وباب بيان حظر الجماع في شهر رمضان بالنهار وما فيه من الكفارة .... ، وباب الدليل على أن الصدقة واجبة على الذي يقع على امرأته في رمضان نهارا ....
والإمام مسلم يورد أحاديث يستقل كل حديث منها بحجة، وإنما تكون المؤاخذة حيث يورد مسلم الحديث لبيان علته، فيستدل به لترجمة الباب استقلالا، لأن في ذلك إخلالا لقصد مسلم من إيراد الحديث، ولم نقف في القسم المخصص للمقارنة من كتابي الصوم والزكاة على ما يصلح أن يكون من هذا القبيل إلا ما قد يقال في باب: الدليل على أن الصدقة واجبة على الذي يقع على امرأته في رمضان بهارا
…
من كتاب الصيام، حيث أفردَ بترجمة، طرق حديث أبي هريرة في المجامع في نهار رمضان التي فيها إبهام سبب الفطر، والتخيير في خصال الكفارة، وهي في الأصل قد سيقت لبيان الاختلاف بين أصحاب الزهري، والعذر لأبي عوانة أن جمعًا من العلماء لم ير هذا علة قادحة، وقد احتج بها الإمام مالك وأصحابه.
3 -
قد يورد الإمام مسلم طرقا عدة لحديث واحد فيفرقها الحافظ أبو عوانة ويورد كل طريق أو مجموعة من الطرق في باب مستقل، وهذا يقال فيه مثل ما قيل في الذي قبله، ومن أمثلة ذلك تفرقته لطرق حديث عبد الله ابن عمرو بن العاص رضي الله عنه في صيامه في التطوع، التي بلغ عددها عند مسلم 15 طريقا
(1)
، فرقها أبو عوانة في ثلاثة أبواب؛ أورد بعضها في "باب ذكر الأخبار الدالة على حظر صوم الدهر وإبطال فضيلته" من حديث رقم:(3146 - 3151)، وأورد بعضها الآخر في "باب بيان فضيلة صوم عرفة، وثوابه، وثواب صوم يوم عاشوراء إلخ" من حديث رقم:
(1)
صحيح مسلم (2/ 812 - 818).
(3170 - 3172)، وأورد باقي الطرق في "باب ذكر الخبر المبين أن أحبَّ الصيام إلى الله عز وجل صيام داود صلوات الله عليه؛ صوم يوم وإفطار يوم، وأفضله"
(1)
، من حديث رقم:(3252 - 3257)، كما أورد بعض تلك الطرق في كتاب الصلاة أيضا
(2)
.
4 -
يتصرَّف الحافظ أبو عوانة رحمه الله في ترتيب الأحاديث التي يوردها الإمام مسلم في موضع الاستشهاد، أو التي رجالها من الطبقة الثانية عنده، وهي التي تكون في الأصل بعد الأحاديث التي هي الأصول عنده في الترتيب، فلا يحافظ هو على ذلك الترتيب، وفيما يلي بيان ذلك:
أولا: أورد الإمام مسلم حديث: "ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة
…
" الحديث، من حديث أبي سعيد الخدري من عِدَّة طرقٍ، ومن حديث جابر بن عبد الله، على هذا التَّرتيب:
1 -
ذكر الطرق عن عمرو بن يحيى بن عمارة، عن أبيه، عن أبي سعيد، وصدر بالعالي منها، وهي طريق ابن عيينة عنه، ثم أتبعها بطريقين نازلين من هذا الوجه.
(1)
انظر أيضا تفريقَه لطرق حديث ابن عمر في تحرّي ليلة القدر في العشر الأواخر، وهي من حديث رقم:(3305 إلى 3306)، ومن حديث رقم:(3308 إلى 3315)، ولطرق حديث أبي سعيد الخدري:"ليس فيما دون خسة أوسق صدقة"، وهي من حديث رقم:(3330 إلى 3351).
(2)
انظر حديث رقم: (2252، و 2257، و 2258).
2 -
ذكر طريقا عن عمارة بن غزية، عن يحيى بن عمارة، عن أبي سعيد، وهي عالية عنده، لكنه أخرها حتى يراعي الترتيب بين الطرق عن عمرو بن يحيى.
3 -
ذكر الطرق عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن يحيى بن عمارة، عن أبي سعيد، وقد نزل فيها جدا، إذ هي من السباعيات عنده، أوردها لما فيها من زيادة معنى في اللفظ، وهي قوله:"ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة".
4 -
ختم الباب بحديث جابر من رواية أبي الزبير عنه باللفظ نفسه، وفي الإسناد عياض بن عبد الله الفهري، وهو راو فيه لين
(1)
، فالحديث في موضع الاستشهاد عند مسلم.
فلم يراع الحافظ أبو عوانة هذا الترتيب المتقن، وأتى بحديث جابر ابن عبد الله بين طرق حديث أبي سعيد، وكان حقه التأخير، ولم يظهر أن له ترتيبا معينا في هذا الباب
(2)
.
ثانيا: الرجال الذين نص الحُفاظ على إخراج الإمام مسلم لهم في الشواهد، ومن تأخرت طبقته من الرواة عن الأئمة الذين تجمع أحاديثهم، لم يراع أبو عوانة منهج الإمام مسلم في ترتيب أحاديثهم، فهؤلاء يؤخر الإمام مسلم أحاديثهم في الأصل عند اقترانهم بغيرهم ممن يخرج لهم في
(1)
انظر تفصيل كلام أئمة الجرح والتعديل فيه تحت الحديث رقم: (3332).
(2)
انظر الأحاديث من رقم: (3330 - 3345).
الأصول، ومن أمثلتهم هشام بن سعد، وسهيل بن أبي صالح، والليث بن سعد، وعبيد الله بن الأخنس، كلاهما في نافع، ففي سياق الإمام مسلم لطرق حديث عبد الله بن عمر في صوم عاشوراء، أخر طريق الليث عن نافع وهي من رباعياته، وكان من عادته التصدير بالطريق العالي، فصدّر بطريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، وما ذاك إلا لتقدم الثاني في طبقة أصحاب نافع، وتأخر الأول في ذلك
(1)
، وأما أبو عوانة فلم يراع هذا الترتيب، فصدر بطريق الوليد بن كثير، عن نافع، مراعيا في ذلك التصدير بالطريق العالي
(2)
.
منهج الحافظ أبي نعيم في الترتيب
اهتم الحافظ أبو نعيم رحمه الله بالمحافظة على ترتيب الإمام مسلم للأحاديث وطرقها، ولم يخالف ذلك إلا نادرًا، فقد حافظ على ترتيب مسلم لأحاديث الباب الواحد التي يسوقها مسلم عن عدد من الصاحبة، سواء ساقها كلها للاحتجاج، كأحاديث النهي عن الوصال في الصوم
(3)
، أو ساق
(1)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب صوم يوم عاشوراء (2/ 792 - 793).
(2)
انظر الأحاديث: (من 3191 إلى 3194)، وأمثلة أخرى من ذلك في صحيح مسلم كتاب الصيام -باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (2/ 790 رقم 109، 108)، كتاب الزكاة- باب إثم مانع الزكاة (2/ 680 - 683)، والمواضع الموافقة عند أبي عوانة في أحاديث بأرقام:(3030 - 3031، و 3370 - 3372).
(3)
مستخرج أبي نعيم، باب في كراهية الوصال (ص 163 - 166) من مصورة رقم =
بعضها للاحتجاج وبعضها للاستشهاد، كأحاديث:"لا صدقة فيما دون خمسة أوسق من التمر"
(1)
، كما حافظ على ترتيبه لطرق الحديث الواحد، ولو اقتضى ذلك أن يؤخر الطريق الذي يعلو بها إسناده، وهو عكس أكثر صنيع المتقدمين كما قال السخاوي
(2)
، فمن ذلك تصديره بطريق الليث بن سعد، عن يحيى بن سعيد، في حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المجامع لأهله في نهار رمضان، وعنده طريق يزيد بن هارون، التي صار فيها كأنه سمع من مسلم، فأخرها من أجل المحافظة على ترتيب مسلم
(3)
.
ومن النادر عدم محافظته للترتيب، فمن ذلك في القسم المخصص لهذه المقارنة حديث أبي قتادة الأنصاري في كراهية صيام الدهر، حيث أورده بعد باب صيام التطوع في السفر، وقبل باب من لم يصم يوم عرفة
(4)
، وأحاديث البابين متصلة عند مسلم
(5)
، وطرقه عنده في "باب استحباب
= (2049).
(1)
المصدر نفسه -كتاب الزكاة- باب زكاة الطعام (ص 75 - 75) من مصورة رقم (2048).
(2)
بغية الراغب المتمني في ختم النسائي (ص 43).
(3)
مستخرج أبي نعيم، كتاب الصوم، باب كفارة من جامع أهله في رمضان، (ص 177) من مصورة رقم (2049)، وانظر أيضا حديث ابن عمر في باب في صوم يوم عاشوراء (ص 196 - 198)، وحديث أبي سعيد في باب فضل الصيام في سبيل الله، (ص 226).
(4)
(ص 188 - 192).
(5)
صحيح مسلم (2/ 790 - 791).
صيام ثلاثة أيام من كل شهر"
(1)
، ويغلب على الظن أن أبا نعيم لم يخالف ترتيب مسلم، وأن موقع الحديث حيث ذكره هو الصحيح، فإن طرق الحديث في نسخة صحيح مسلم المطبوعة ونسخة شرح النووي له، وقعت بين طرق حديث عمران بن حصين في صوم سرر شعبان، وهذا خلاف منهج الإمام مسلم، فإنه يجمع طرق كل حديث على حدة، ولا يدخل طرق الأحاديث بعضها في بعض، ومن ذلك أيضا طرق حديث أبي هريرة في إثم مانع الزكاة
(2)
، ومنه تقديمه لطريق حماد بن زيد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، في حديث سؤال حمزة الأسلمي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصوم في السفر، على طريق الليث الذي هو المصدر به عند الإمام مسلم
(3)
.
الخلاصة
يتبين من هذه الدراسة أن الحافظ أبا عوانة لم يراع ترتيب الأصل الذي استخرج عليه في الغالب، بخلاف الحافظ أبي نعيم رحمهما الله، وأن في بعض الأحيان تكون على أبي عوانة مآخذ في ذلك، وذلك حيث أخل بمقصد من مقاصد الأصل في الترتيب، وفي بعضها يكون تصرفه سائغا بلا مؤاخذة، وأنَّ اختلاف منهجيهما متفرع عن اختلاف مقاصدهما من
(1)
المصدر نفسه (2/ 818 - 820).
(2)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الزكاة- باب في الإثم لمن لم يؤد الحق من أمواله (ص 78 - 80)، من مصورة رقم (2048).
(3)
كتاب الصيام -باب الصوم والإفطار في السفر (ص 186)، من مصورة رقم (2049).
التأليف، فالحافظ أبو نعيم قصد مجرد الاستخراج، والحافظ أبو عوانة قصد أمرًا زائدًا، والله أعلم.
المطلب الثالث: استيفاؤهما لأحاديث وطرق الأصل المخرج عليه:
إنّ موضوع الاستخراج يقتضي من المستخرج استيفاء أحاديث وطرق صاحب الأصل، قال السخاوي: "فيورد أحاديثه حديثا حديثا بأسانيد لنفسه
…
وربما عزَّ على الحافظ وجود بعض الأحاديث فيتركه أصلا، أو يعلقه عن بعض رواته، أو يورده من جهة مصنف الأصل"
(1)
، وقد مثل الكتابان نموذجين من هذا المنهج الذي ذكره علماء مصطلح الحديث في موضوع الاستخراج، فأما كتاب أبي عوانة، فليس عنده أحاديث أسقطها جملة إلا خمسة أحاديث من أحاديث الأصل، وفق دراسة الجزء المخصص للمقارنة من كتابي الصوم والزكاة، وهي:
الأول: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر، وكان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبعون الأحدث فالأحدث من أمره".
الثاني: حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه، "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان، فصام حتى بلغ كراع الغميم
…
" الحديث
(2)
.
(1)
فتح المغيث (1/ 44).
(2)
انظرهما في صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان =
الثالث: حديث سليمان بن يسار، عن أم سلمة رضي الله عنها، أنه سألها عن الرجل يصبح جنبا، أيصوم؟ .... " الحديث
(1)
.
الرابع: حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنه، قال: "ما صام رسول الله صلى الله عليه وسلم شهرا كاملا قط غير رمضان، وكان يصوم حتى يقول القائل: لا، والله! لا يفطر
…
"
(2)
.
الخامس: حديث أنس، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم حتى يقال: قد صام، قد صام، ويفطر حتى يقال: قد أفطر، قد أفطر
(3)
.
وأما إسقاطه لبعض طرق صاحب الأصل، فمن ذلك إسقاطه لطرق عبد الله بن سوادة بن حنظلة، عن أبيه، عن سمرة
(4)
، وطريق عمرو ابن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو
(5)
، وطرق حديث هشام بن عروة،
= للمسافر إلخ (2/ 784 - 785)، وقد أورد الحافظ ابن حجر حديث جابر في الإتحاف وليس فيه ذكر أبي عوانة فيمن أخرجه (3/ 343 - 344/ 3164).
(1)
كتاب الصيام -باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (2/ 781).
(2)
كتاب الصيام -باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان (2/ 811).
(3)
نفس الكتاب والباب (2/ 812).
(4)
انظر الأحاديث برقم: (3001، 3002)، وهي عند مسلم في كتاب الصيام -باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر، إلخ (2/ 769 - 770).
(5)
كتاب الصيام - باب النهي عن صوم الدهر (2/ 816).
عن أبيه عن عائشة، في اعتكاف رسول الله صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر
(1)
.
وربما أورد طرقا زائدةً على ما في الأصل تكون بدلا عما سقط عنده، ومثال ذلك إيراده لطريق زهير بن معاوية، وحماد بن سلمة، ويحيى بن سعيد القطان، عوضا عن طريق أبي خالد الأحمر، وابن علية، وجرير، التي عند مسلم، في حديث سليمان التيمي، عن أبي عثمان، عن ابن مسعود، مرفوعا: "لا يمنعن أحدا منكم أذان بلال من سحوره
…
" الحديث
(2)
.
وأما ما يقع منه من تعليقه لما سقط عنده مما هو في الأصل، فمن ذلك تعليقه لطريق أبي خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس، أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يسافرون، فلا يعيب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم
(3)
، وستأتي زيادة أمثلة في الكلام على المعلقات في الكتابين.
وليس عنده ما ضاق عليه المخرج حتى أورده من جهة الإمام مسلم
(1)
كتاب الاعتكاف -باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان (2/ 830).
(2)
كتاب الصيام -باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر (2/ 768 - 769)، والأحاديث رقم:(3003 - 3005) عند أبي عوانة، وانظر أمثلة أخرى لذلك في الأحاديث التالية:(3019، 3025 - 3027، 3096 - 3099، 3274 - 3277).
(3)
كتاب الصيام -باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر (2/ 788)، علقه أبو عوانة إثر طريق رقم:(3051)، وانظر أمثلة أخرى لما ذكره تعليقا إثر الأرقام التالية:(3018، 3028، 3126، 3190، 3236، 3305).
إلا حديثان وفق القسم المخصص للمقارنة، وهما حديث أم سلمة رضي الله عنها، أن مروان أرسل أبا بكر بن عبد الرحمن إليها يسأل عن الرجل يصبح جنبا، أيصوم؟
(1)
، أخرجه أبو عوانة برقم:(3073)، وحديث عائشة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان
(2)
، أخرجه برقم:(3301)، إلا أنه قرن الإمام مسلم بشيخ آخر، وهو درست بن سهل.
وأما الحافظُ أبو نعيم رحمه الله، فليس عنده أحاديث ساقطة أصلًا، وفق القسم المطابق للقسم المخصص للمقارنة (من كتابي الصوم والزكاة) من كتاب أبي عوانة، وأما ما يقع من إسقاط الطرق فموجود، لكنه قليل، ثم هو في الغالب يورد طرقا تقوم بدلا مما أسقط، فمما أسقط ولم يورد له بدلا طريق عمرو بن دينار، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو في قيامه بالليل، وصومه بالنهار
(3)
، وحديث عائشة في المباشرة للصائم من طريق أبي عاصم، عن ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود وحده عنها
(4)
، وأما ما أورد له بدلا.
(1)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو جنب (2/ 780).
(2)
كتاب الاعتكاف -باب اعتكاف العشر الأواخر من رمضان (2/ 830).
(3)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب النهي عن صوم الدهر (2/ 816).
(4)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة إلخ، (2/ 777).
فمنها: حديث أبي خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس، السالف الذكر في الصوم والفطر في السفر
(1)
، فأورد بدله طريق زائدة، وإسماعيل ابن جعفر، وعبد العزيز بن محمد، وقد صرح عقبها بأنه تبع أبا إسحاق
(2)
، في ذلك، كما قال:"وحديث إسماعيل بن جعفر، وعبد العزيز بن محمد، لم يذكر مسلم في الباب، وخرجه أبو إسحاق بدلا من حديث أبي خالد"
(3)
.
ومنها: طريق يحيى بن يحيى عن أبي معشر، لحديث الربيع بنت المعوذ في "باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه"
(4)
، فأورد أبو نعيم طريقين زائدين عن بشر بن المفضل، بدلا منها
(5)
.
ومنها: طريق سويد بن سعيد، عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أبي صالح، عن أبي هريرة في إثم مانع الزكاة
(6)
، أورد بدلها طريق ابن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن
(1)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الصوم- باب الصوم والإفطار في السفر (ص 184 - 185) من مصورة رقم: (2049).
(2)
هو إبراهيم بن محمد بن حمزة الأصبهاني، اشتهر بأبي إسحاق بن حمزة، وهو من شيوخ أبي نعيم، توفي سنة 353 هـ. انظر: سير أعلام النبلاء (16/ 83).
(3)
الموضع السابق.
(4)
صحيح مسلم (2/ 799).
(5)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الصوم- باب في فضل صيام عاشوراء (ص 208 - 209) من مصورة رقم: (2049).
(6)
صحيح مسلم -كتاب الزكاة- باب إثم مانع الزكاة (2/ 680).
أبي هريرة
(1)
، وهذه جملة ما وقفت له مما أسقط، والحديث الأول والثاني عند أبي عوانة تعليقا
(2)
، وأما الثالث فقد خرجه برقم:(3372).
ولم يقع منه تعليق ما ليس عنده، ولا روايته من طريق الإمام مسلم، ولا حاجة له إلى ذلك، إذ من منهجه أنه يذكر تخريج مسلم للحديث إثر كل طريق، فيظهر للناظر ما أسقط مما خرَّج، اللهم إلا ما وقع من طريق أبي خالد الأحمر، عن حميد، عن أنس، حيث ذكر إسناد ومتن الإمام مسلم كاملا
(3)
، وحديث عائشة:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه" من طريق يحيى بن أبي زائدة، عن الأعمش، عن مسلم عنها
(4)
.
الخلاصة:
يتبين من هذه الدراسة أن الحافظ أبا نعيم أشد استيفاء في إيراد أحاديث وطرق الأصل المخرج عليه، من الحافظ أبي عوانة، إلا أن أبا عوانة قد عوض ذلك بالأحاديث الزائدة التي زادها على الأصل.
(1)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الزكاة -باب في الإثم لمن لم يؤد الحق من أمواله (ص 80) من مصورة رقم: (2048).
(2)
انظرها إثر: ح (3051، 3190).
(3)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام -باب كراهية الصوم في السفر (ص 184 - 185)، من مصورة رقم:(2049).
(4)
المصدر السابق، كتاب الصيام -باب الرخصة في القبلة للصائم (ص 167 - 168) من مصورة رقم:(2049).
المطلب الرابع: تحقيقهما لشرط الاستخراج:
يشترط في الاستخراج أن يكون موضع الالتقاء بين المستخرج، ومصنف الأصل قريبا من مصنف الأصل ما أمكن، فلا يجعله بعيدا منه إلا لغرض، من علو أو زيادة حكم أو نحو ذلك
(1)
، وقد وقع من أبي عوانة عدم التقيد بهذا الشرط، خاصة عندما يورد طرقًا زائدة على طرق حديث صاحب الأصل، بخلاف أبي نعيم، فمن الأمثلة على ذلك:
1 -
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، في النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى، رواه مسلم عن يحيى بن يحيى، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أبي عبيد، عن عمر، فخرج أبو نعيم الحديث من طريقين، اجتمع فيهما مع مسلم في مالك، وهو شيخ شيخه، وهو في ذلك موافٍ لشرط الاستخراج، وأما أبو عوانة، فخرج الحديث من أربعة طرق، اجتمع في اثنين منها مع مسلم في مالك أيضا، ولا كلام عليه فيهما، وأما الاثنان الآخران، فأخرج أولهما عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهريّ به، والآخر عن يوسف بن مسلم، عن حجاج الأعور، عن ابن جريج، عن الزهريّ به، فكان موضع الالتقاء في الزهريّ، وذلك أبعد بطبقة، ولو سلك أبو نعيم مسلك أبي عوانة لأورد طريق الدبري عن الطبراني عنه، فيكون موضع الالتقاء أبعد عنده أيضا بدرجة، لأن مصنف عبد الرزاق من موارده،
(1)
فتح المغيث (1/ 44).
ولو فعل ذلك لوقع له الحديث بعلو، لكن من منهجه المحافظة على ما ذكر من شرط الاستخراج
(1)
.
2 -
حديث عائشة رضي الله عنها، في صوم عاشوراء، الذي رواه مسلم من طريق جرير، وعبد الله بن نمير، كلاهما عن هشام بن عروة، عن أبيه، عنها؛ ومن طريق ابن عيينة، وابن وهب عن يونس، كلاهما عن الزُّهري، عن عروة، عنها، فعند التخريج كان موضع الالتقاء عند أبي نعيم لطريق هشام في جرير، وابن نمير، وأورد طريقا زائدة، موضع الالتقاء فيها في هشام، وأما عند أبي عوانة فأورد أربعة طرق، موضع الالتقاء في جميعها في هشام، وأما طريق الزهري، فموضع الالتقاء فيها عند أبي نعيم، في ابن عيينة، لاثنتين من طرقه، بما فيها الزائدة، وفي ابن وهب لطريق ثالثة، وعند أبي عوانة، الموضع في ابن عيينة، وابن وهب كما هما عند أبي نعيم بالنسبة لطريقين عنده، وأما بالنسبة للطرق الزائدة عنده، فالموضع فيها في الزهريّ، وهو أبعد من ابن عيينة بطبقة، ومن ابن وهب بطبقتين
(2)
.
(1)
انظر مواضع الحديث في صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى (2/ 799)، وعند أبي عوانة برقم:(3127 - 3129) وعند أبي نعيم (ص 209) من مصورة رقم: (2049).
(2)
انظر: صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب صوم يوم عاشوراء (2/ 792)، مستخرج أبي عوانة أحاديث رقم:(3200 - 3208)، مستخرج أبي نعيم (ص 194 - 196)، من مصورة رقم (2049).
3 -
حديث ابن عمر في رجل نذر أن يصوم كل يوم اثنين
…
الحديث، رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن ابن عون، عن زياد بن جبير، عن ابن عمر، فخرَّجه أبو نعيم عن أبي بكر الطَّلحي، عن عبيد بن غنام، عن أبي بكر بن أبي شيبة به، فكان موضع الالتقاء في شيخ مسلم، أما أبو عوانة فرواه عن أبي العباس الكديمي، عن روح، عن شعبة، عن يونس بن عبيد، عن زياد به، فكان موضع الالتقاء بعد شيخ مسلم بثلاث طبقات
(1)
، فلو رواه عن أبي المثنى، معاذ بن المثنى بن معاذ ابن معاذ العنبري، عن أبيه، عن جده، عن ابن عون، عن زياد، كما رواه البخاري
(2)
، عن محمد بن المثنى، عن أبيه، عن ابن عون، لكان موضع الالتقاء أقرب، وسيأتي في مبحث ما اشتمل عليه الكتابان من فوائد الاستخراج، فيما يتعلق بكثرة الطرق، إحصائية ما لكل من الحافظين من زيادة الطرق على ما في صحيح مسلم، يتضح خلالها منهج كل واحد منهما بوضوح، وفق القسم المخصص لهذه المقارنة.
(1)
انظر: صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى (2/ 800)، الحديث رقم:(3132) من مستخرج أبي عوانة، مستخرج أبي نعيم (ص 211) من مصورة رقم:(2049)، وانظر أمثلة أخرى في الأحاديث:(3034 - 3035، 3069 - 3071، 3073 - 3078، 3110 - 3112، 3116 - 3117، 3174) والمواضع الموافقة من صحيح مسلم، ومستخرج أبي نعيم.
(2)
كتاب الصوم، باب صوم يوم النحر (4/ 240).
فهل على الحافظ أبي عوانة مؤاخذة في عدم وفائه بشرط الاستخراج في مثل هذه المواضع؟ وهل يفضّل صنيع الحافظ أبي نعيم على صنيعه، لوفائه بالشرط دونه؟ والذي يظهر، والعلم عند الله، أنه لا مؤاخذة على الحافظ أبي عوانة في صنيعه هذا، وصنيعه مفضل على صنيع الحافظ أبي نعيم، ووجه ذلك أن موضع الالتقاء للطرق المختلفة، كما بعد من طرف السند الموالي لمخرِّجيها، وقرب من أصله الموالي للصحابي، كان أدعى لتقوية الحديث، إذا كانت الطرق صالحة.
وتوضيح ذلك من الأمثلة، أن في المثال الأول، أوصل صنيع أبي عوانة الحديث إلى حد الشهرة عن الزهريّ، بخلاف صنيع أبي نعيم، الذي لم يحصل به رفع التفرد عن مالك في روايته عن الزهريّ بالرغم من أنه أتى بطريق زائدة.
وفي المثال الثالث، حصل من صنيع أبي عوانة رفع التفرد عن ابن عون برواية الحديث من طريق يونس بن عبيد، التي جعلت موضع الالتقاء أبعد من طرف السند، ولو كان موضع الالتقاء أقرب من الطرف لما حصل ذلك، وهكذا، كلما بعد موضع الالتقاء ازداد تعدد مخرج الحديث.
المطلب الخامس: في ذكرهما موضع الالتقاء مع إسناد صاحب الأصل المخرج عليه:
لم ينبه الحافظ أبو عوانة -رحمه الله تعالى- في كتابه على موضع الالتقاء مع صحيح مسلم -رحمه الله تعالى- في القسم المتعلق بهذه المقارنة.
وأما الحافظ أبو نعيم -رحمه الله تعالى- فكان من منهجه أنه يذكر تخريج الإمام مسلم للحديث إثر كل طريق يورده في كتابه، وهذا هو الغالب
على صنيعه في كتابه في القسم المقابل للقسم المخصص للمقارنة من كتابي الصوم والزكاة، فيقول بعد استخراجه لكل طريق من طرق الحديث: رواه مسلم -رحمه الله تعالى- عن فلان عن فلان
(1)
.
ويستفاد من صنيعه هذا في معرفة مواضع الالتقاء بينه وبين الإمام مسلم -رحمه الله تعالى- وكذلك في معرفة الطرق التي استخرجها والتي لم يستخرجها، وفي معرفة الطرق التي زادها أيضًا
(2)
.
(1)
انظر على سبيل المثال المطبوع من المسند المستخرج: (1/ 336 برقم 648، 649، 650، 651، 653، 652، 654، 655).
(2)
أضيف هذا المطلب من دراسة الدكتور بابا الكميروني للجزء الذي حققه من الكتاب، من (ح 809 - 1759).
المبحث الخامس: منهجهما في التبويب وتراجم الأبواب:
سلك كثير من المحدثين رحمهم الله في التصنيف طريقة الترتيب على الأبواب، كل باب يتناول موضوعا معينا، وتمتاز هذه الطريقة على طريقة الترتيب على المسانيد في أنها تقرب من التفقه في الأحاديث، الذي هو الغاية من جمعها، كما أنها تسهل على القارئ الوقوف على حديث معين، والإمام مسلم رحمه الله، كما قال الحافظ ابن الصلاح:"رتب كتابه على الأبواب، فهو مبوب في الحقيقة، لكنه لم يذكر تراجم الأبواب"
(1)
، وأهمية التراجم تكمن في أنها هي التي تكشف عن فقه الكتاب، كما نقل ناصر الدين بن المنير عن جده:"كتابان فقههما في تراجمهما: كتاب البخاري في الحديث، كتاب سيبويه في النحو"
(2)
، كل من الحافظ أبي عوانة، والحافظ أبي نعيم رحمهما الله بوب كتابه وذكر تراجم الأبواب، إلا أن المقارنة بينهما في صياغتهما للتراجم، تبدي بونا شاسعا بينهما.
فأما الحافظ أبو عوانة، فيتلخص منهجه في التراجم في النُّقاط التالية:
1 -
تطويلُه للتراجم، وذكره لمسائل كثيرة فيها، تصلح كل واحدة منها أن تُفرد بترجمة، وهو كثير في الكتاب، ومن أطول ما وقع له من ذلك قوله: "باب بيان خروج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته بالليل إلى المسجد لصلاة الليل، ورفع
(1)
صيانة صحيح مسلم (ص 101).
(2)
المتواري على أبواب البخاري (ص 37).
صوته في الصلاة، وصلاة أصحابه خلفه بصلاته، والإباحة للإمام أن يحتجر من المسجد حجرة لصلاته فيها، والإباحة للمصلي أن يصلي بصلاة من يحول بينه وبين النظر إليه جدار أو سترة، وإباحة صلاة التطوع في المسجد بالليل، وأنها في البيت أفضل منها في المسجد، والترغيب في الدوام على صلاة يصليها، وأنها، وإن قلت، أفضل من الصلاة التي لا يداوم عليها صاحبها، وإن كثرت"، فقد ذكر في هذه الترجمة ثمان مسائل، كل واحدة تصلح أن تفرد بترجمة، وقد يذكر تحت التراجم الطويلة عدة أحاديث، كما في هذه الترجمة، وقد يكون تحت الترجمة حديث واحد، كما ذكر -في باب صفة بدو اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في شهر رمضان
…
، وباب الدليل على إيجاب الاعتكاف في شهر رمضان في العشر الأواخر
…
- عدة مسائل في الترجمتين، ولم يورد في الترجمتين إلا حديثا واحدًا، وهذا التطويل قد تكون عليه فيه مؤاخذة، إلا أن العذر له في ذلك أنه لو قصر التراجم، واقتصر على إفراد كل مسئلة بترجمة، لاقتضى ذلك كثرة تكراره للحديث الواحد، أو تقطيعه له حسب استدلاله به، كل واحد من الأمرين يخرج الكتاب عن أصل منهج مصنف الأصل، الذي هو تجنب التكرار الكثير، والتقطيع للحديث.
2 -
يذكر من تراجمه ما تعتبر تراجم ظاهرة، وهي التي تكون دلالتها على ما يورد تحتها من الأحاديث بالمطابقة، فمنها ما يتضمن مجرد الإخبار من غير تعرض لأمر زائد، ومنها ما يتضمن الإخبار بالإيجاب، إما بالفعل،
وإما بالترك، فمن الأول، قوله "باب صفة بدو عاشوراء، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بصومه"، ومن الثاني قوله:"باب الخبر الموجب على ولي الميت قضاء صوم منه إذا مات وعليه صوم واجب"، ومن الثالث قوله "باب بيان الأيام التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامهن، منهن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى".
3 -
يذكر من تراجمه نوعا آخر تعتبر تراجم استنباطية، وهي التي تكون المطابقة بين الترجمة والأحاديث فيها بنوع من الاستنباط، فمنها ما تكون المطابقة فيها بالعموم والخصوص، بأن تكون الترجمة عامة، والحديث خاصا، أو العكس، كأن الترجمة تقول: المراد من هذا الحديث الخاص العموم، أو العكس، إشعارا بالقياس لوجود العلة الجامعة، أو بالاندراج تحت حكم عام بالقياس الأولوي
(1)
، مثاله قوله في باب من كتاب الزكاة:"باب ذكر الخبر الدال على إيجاب الزكاة في كل حب اتخذ منه الطعام ويدخر له، إذا بلغ خمسة أوسق"، فذكر حديث أبي سعيد الخدري:"ليس فيما دون خمسة أوساق من تمر ولا حب صدقة"
(2)
، فالحديث خاص والترجمة عامة، مشعرا بأن التعميم مأخوذ من طريق قياس العلة، ومن الثاني قوله في باب
(1)
انظر أمثلة ذلك من تراجم البخاري في المتواري على أبواب البخاري (ص 37)، وهدي الساري (ص 13)، ومن تراجم الترمذي، الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين (ص 288).
(2)
حديث رقم: (3346).
آخر من كتاب الزكاة: "باب بيان الإباحة للمتولي أخذ الصدقة والزكاة أن يأخذ على ذلك أجرة عمله"، فأورد حديث عمر بن الخطاب مرفوعا:"إذا أعطيت شيئا من غير أن تسأل فكل وتصدق"
(1)
، فالترجمة خاصة والحديث عام، وإن كان في سبب وروده ما يدل على مطابقة الترجمة بطريقة ظاهرة.
ومنها ما تكون بدلالة الإشارة، كقوله في باب من كتاب الصوم:"باب بيان إجازة الصوم إذا أدرك الصبح وهو جنب من الجماع، وإباحة الجماع في شهر رمضان بالليل"، فأورد حديث عائشة وأم سلمة:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبح جنبا من غير احتلام ثم يصوم"، فدلالته على الجزء الأول من الترجمة دلالة ظاهرة، وأما على الجزء الثاني، وهو إباحة الجماع في شهر رمضان بالليل، فعن طريق الإشارة، إذ ليس من مقصود الحديث بالأصالة
(2)
.
ومنها ما تكون المطابقة بطريق خفي، كقوله:"باب بيان إباحة الاعتكاف في العشر، والدليل على الإباحة باعتكاف بعضها"، فأورد حديث عائشة، وحديث ابن عمر رضي الله عنهما، في اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان، وفي أمره صلى الله عليه وسلم بالتماس ليلة القدر في العشر، فالاستدلال للجزء الثاني من الترجمة مأخوذ من الحديث الثاني، وفيه نوع من
(1)
انظر: حديث رقم (3402 - 3405).
(2)
انظر شرح المحلي على الجمع الجوامع، مع حاشية البناني (1/ 239 - 240).
الخفاء، وتوضيحه أن أبا عوانة أورد بيان أن السنة في الاعتكاف أن يكون لالتماس ليلة القدر
(1)
، وفي بعض طرق حديث ابن عمر عند المصنف (وسيوردها برقم 3308):"وإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يغلبن علي السبع البواقي"، وهو يدل على جواز الاقتصار على بعض العشر في طلب ليلة القدر، فلما جاز ذلك، جاز كذلك الاعتكاف في بعض العشر، وهو المطلوب، والله أعلم.
وقد تكون الترجمة استنباطية محضة، من غير اقترانها بالظاهرة كقوله في باب من كتاب الزكاة:"باب الدليل على أن الصدقة واجبة على الذي يقع على امرأته في رمضان نهارا، كان لم يكن واجدا لها، وأنها غير ساقطة عنه لعدمها، وأنه إذا وصل إليها تصدق بها".
4 -
يذكر في بعض التراجم التعارض بين الأخبار، وقد يشير في الترجمة مع ذلك إلى وجه الجمع بينها، أو يبين الناسخ والمنسوخ، أو يكتفي بذكر التعارض تنبيها على أن المسألة اجتهادية
(2)
، فمن أمثلة النوع الأول قوله في كتاب الصوم: "باب ذكر الخبر المعارض لخبر علقمة عن عائشة في إيثار أيام من بين الأيام بالعمل، المبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر
(1)
انظر: "باب صفة بدو اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد في شهر رمضان .... " من كتاب الصيام.
(2)
وقد أشار ابن المنير إلى ورود مثل هذا النوع عند البخاري. انظر: المتواري على أبواب البخاري (ص 38).
الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها من الأيام، الدال على أنه صلى الله عليه وسلم ربما طوّل في هذه الركعات المعلومات التي كان يصليها بالليل، وربما قصّر بطولها في الليلة التي كان يحييها، ويقصر في الليلة التي كان يقوم بعضها، إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة".
ومما وقع من ذكر التعارض مع بيان الناسخ والمنسوخ في تراجم الأبواب ترجمة باب في كتاب الصيام: "باب الخبر الموجب لصوم يوم عاشوراء، والخبر المبين تركه، الدال على أن الأمر بصومه منسوخ، وأن صومه تطوع لمن صامه، وذكر الخبر المبين أن النبي صلى الله عليه وسلم تركه بعد ما صامه، وكان يصومه قبل أن يقدم المدينة، لا أنه صامه لذكر يهود ما فيه ولصومهم".
ومما اكتفى فيه بذكر التعارض تنبيها على أن المسألة اجتهادية، قوله في ترجمة باب من كتاب الصيام:"باب بيان فضل الصوم في السفر، والدليل على أن الفطر في السفر أفضل من الصوم، وبيان الخبر المعارض لإبطال فضل الصوم المبين ثوابه في سبيل الله".
5 -
يذكر من التراجم ما يحصل بها بيان المجمل، مثاله قوله في ترجمة باب من كتاب الصيام:"باب بيان الخبر المبين أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتماس ليلة القدر على الإباحة، لا على الحتم".
6 -
يذكر بعض التراجم ويتعرض فيها لرد بعض الأقوال التي يراها مخالفة للقول الصحيح كقوله: "باب ذكر الخبر الدال على إباحة الإفطار في كل سفر، وإباحة الإفطار إذا ابتدأ بالصوم في أول الشهر، وإباحة الصوم
إذا ابتدأ بالإفطار"، فأشار في هذه الترجمة إلى رد ما نقل عن بعض السلف من أن من كان مقيما في أول الشهر، ثم سافر في أثنائه، فليس له الإفطار بعذر السفر، وما ذهب إليه آخرون من وجوب الإفطار في السفر
(1)
.
7 -
ليس عنده تراجم مرسلة، وهي التي يُذكر فيها (باب) بدون ترجمة، والتي تعتبر بمنزلة فصل ضمن الباب المترجم له قبل
(2)
، كما لم تقع عنده تراجم بصيغة الاستفهام، التي تساق لبيان هل ثبت الحكم المترجم له، أو لا
(3)
.
8 -
يهمل أن يذكر في التراجم الحكم الذي دلت عليه بعض الزيادات في الحديث لكون تلك الزيادات منكرة عنده، مثال ذلك عدم ذكره لأمر المجامع في نهار رمضان أن يقضي يوما مكانه، الوارد في بعض طرق حديث أبي هريرة، وغيره
(4)
.
هذا، ومن المآخذ عليه في بعض تراجمه جزمه لأحد الاحتمالين في الترجمة، ويقع في بعض طرق الحديث التي يوردها في الباب ما يؤيد الاحتمال الآخر، كقوله: "باب الدليل على أن الصائم إذا واصل كان
(1)
انظر: المحلى (6/ 249)، تفسير ابن كثير (1/ 223).
(2)
وهذا النوع من الترجمة يوجد عند البخاري والترمذي.
انظر: الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين (ص 291 - 293).
(3)
انظر: هدي الساري (ص 14)، والإمام الترمذي (ص 277 - 278).
(4)
ورد في حديث رقم: (3079، 3080، 3082).
مفطرًا إذا غابت الشمس" فأورد حديث عبد الله بن أبي أوفى، وفيه: "إذا أقبل الليل من ها هنا، وأشار بيده حيث تجيئ الشمس، فقد أفطر الصائم"، فقوله: فقد أفطر الصائم، يحتمل أن يكون معناه، فقد دخل وقت الفطر، ويحتمل أن يكون فقد صار مفطرًا، فجزم في الترجمة بالاحتمال الثاني وفي بعض طرق الحديث التي أوردها ما يؤيد الاحتمال الأول، وهو قوله في حديث رقم 3026: "فقد حل الفطر"
(1)
.
وأما الحافظ أبو نعيم فمنهجُه في النِّقاط التالية:
1 -
تتَّسم التراجم عنده بالقصر، وعدم تناولها لكثير مما دلت عليه أحاديث الباب، فقد يقتصر على ذكر أمس ما تناوله الأحاديث، وأكثرها دخلا فيه، ويعرض عن الباقي، مثاله قوله في كتاب الصيام:"باب في كراهية الوصال"، فأورد أحاديث التي أوردها الإمام مسلم، وهي حديث ابن عمر، وحديث أبي هريرة، وحديث أنس، وحديث عائشة
(2)
، على حين ترجم أبو عوانة للباب نفسه بقوله:"باب النهي عن الوصال في رمضان، والدليل على إباحته لمن أطاقه، وعلى أن النهي عنه رفقًا بالناس"، فذكر سائر ما تناوله أحاديث الباب من المسائل.
2 -
جل تراجم الكتاب تراجم ظاهرة خبرية، ولا توجد -وفق القسم المطابق للقسم المقارَن- تراجم استنباطية محضة، ولا تراجم ظاهرة مقرونة
(1)
انظر: أيضًا فتح الباري (4/ 197).
(2)
مستخرج أبي نعيم (ص 163 - 166)، من مصورة (رقم 2049).
بالاستنباط.
3 -
قد يترجم ببعض لفظ الحديث كما يفعله البخاري، مثاله قوله: باب ما ذكر أن عائشة قالت: كنت أرجل رأس النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا حائض
(1)
.
4 -
إهماله بعض الأبواب من الترجمة والاكتفاء بذكر تراجم مرسلة في تلك المواضع، كأحاديث الاعتكاف
(2)
.
5 -
من المآخذ عليه إيراده أحاديث تحت ترجمة غير مطابقة، وعنده ترجمة مطابقة لو أوردها تحتها لكان أولى، مثاله إيراده حديث عمر ابن الخطاب رضي الله عنه:"إذا أقبل الليل من ههنا وأدبر النهار من ههنا وغابت الشمس فقد أفطر الصائم" في باب الحث على تعجيل الفطر، وكان أولى أن يورده في الباب الذي بعده، وهو: باب في وقت الإفطار
(3)
، هكذا أورده أصحاب الكتب المبوبة، منهم البخاري
(4)
، وأبو داود
(5)
، والنسائي
(6)
، وابن خريمة
(7)
، وابن حبان
(8)
.
(1)
(ق 153 أ) من مصورة رقم: (468).
(2)
(ص 252) من مصورة رقم: (2050)، وانظر أيضًا:(ص 75) من مصورة رقم: (2048).
(3)
مستخرج أبي نعيم (ص 159 - 161) من مصورة رقم: (2049).
(4)
كتاب الصوم -باب متى يحل فطر الصائم (4/ 186) مع فتح الباري.
(5)
كتاب الصوم -باب وقت فطر الصائم (2/ 762).
(6)
كتاب الصيام -باب متى يحل الفطر؟ (2/ 252) من الكبرى.
(7)
كتاب الصيام -باب ذكر الخبر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في وقت الفطر بلفظ الخبر معناه عندي معنى الأمر (3/ 273).
(8)
كتاب الصيام -باب ذكر الإخبار بأن عين الشمس إذا سقطت حل للصائم الفطر =
وكإيراده حديث ابن عباس: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول: لا يريد أن يفطر، ويفطر حتى نقول: ما يصوم، وما صام شهرًا متتابعا غير رمضان منذ قدم المدينة"، وحديث أنس بنحو هذا اللفظ، في باب فضل صوم شعبان، ولو أوردهما في الباب الذي قبله، وهو باب صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم في التطوع لكان أولى
(1)
.
الخلاصة
يمتاز كتاب أبي عوانة على كتاب أبي نعيم في باب التراجم بغزارة الفقه كثرة الفوائد المستنبطة من الأحاديث أودعها الحافظ أبو عوانة في تراجمه، ولتحصيل هذه المزية استدعى منه في بعض الأحيان، أن يرتكب ما يعد إخلالًا لمنهج الإمام مسلم في الترتيب بين الأحاديث، ولم يخل باب عنده بدون ترجمة وفق القسم الذي جرت عليه المقارنة، بخلاف الحافظ أبي نعيم.
= (الإحسان 8/ 280).
(1)
انظر: (ص 230 - 231) من مصورة (2050).
المبحث السادس: الصناعة الحديثية في الكتابين
إن صفة رواية الحديث علم اهتم به علماء الحديث في هذه الأمة، ويشمل جانبًا كبيرًا من علم مصطلح الحديث، ومما يستمد هذا العلم مناهج أئمة الحديث في رواياتهم للحديث وضبطهم له، وكتاب الحافظ أبي عوانة، وكتاب الحافظ أبي نعيم يمثلان منهجين في هذا الباب، يشتركان في بعض النقاط، ويختلفان في بعضها، والمقارنة في هذا المبحث تنحصر في النقاط التالية:
• طرق سياقهما لروايات الحديث، ومراعاتهما لاختلاف ألفاظه.
• تكرار الحديث.
• اختصار الحديث وتقطيعه.
• الكناية عن الراوي الضعيف.
• التنوع في ذكر الشيوخ.
• شرح الغريب وضبط المشكل.
وسأفصل كل واحدة منها بمطلب.
المطلب الأول: طرق سياقهما لروايات الحديث ومراعاتهما لاختلاف ألفاظه:
الطرق التي سلكها الحافظ أبو عوانة ثلاث، ويشاركه فيها الحافظ أبو نعيم، لكن بمراتب مختلفة، والطرق هي:
1.
إفراد كل طريق من طرق الحديث بالذكر إسنادًا ومتنًا.
2.
إيراد الطرق المتعددة والاكتفاء بذكر المتن عقب الإسناد الأول، مع الإشارة في الباقي بنحو:(مثله)، أو (نحوه)، أو (وذكر الحديث).
3.
جمع الطرق في سياق واحد، وذكر المتن عقبها.
الطريقة الأولى: إفراد كل طريق بالذكر:
وذلك بأن يكون الحديث عند أبي عوانة من عدة طرق، فيفرد كل طريق بذكر إسنادها مع متنها، كثيرًا ما يسلك هذه الطريقة عند وجود اختلاف بين ألفاظ الطرق، وكاد يكون ذلك مطردًا عنده، مثاله حديث قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري في الباب التاسع من كتاب الصيام:"باب بيان الخبر المبين أن الصائم في السفر لا يجوز له أن يعيب المفطر بفطره إلخ"، اختلف أصحاب قتادة في ذكر يوم خروجه صلى الله عليه وسلم من رمضان، فأورد أبو عوانة رحمه الله طرقهم واحدة بعد واحدة، بذكر أسانيدها ومتنها
(1)
.
ويسلك أبو عوانة هذه الطريقة أيضًا إذا كان في بعض الطرق التي يوردها زيادة ليست في بعضها، مثال ذلك حديث عائشة في قصة من جامع أهله في نهار رمضان (من حديث قم 3083 إلى 3085)، ذكره من طريق عبد الوهاب الثقفي، عن يحيى بن سعيد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن محمد
(1)
انظر الأحاديث من (3046 - 3049).
ابن جعفر بن الزبير، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن عائشة، وذكر المتن، وفيه أن الرجل قال: أفطرت في رمضان، ثم ذكر طريق يزيد بن هارون، عن يحيى ابن سعيد بالإسناد، ودكر متنه أيضًا، وفيه أن الرجل دكر أنه وقع على امرأته في رمضان، والطريق الثالث طريق عمرو بن الحارث، عن عبد الرحمن بن القاسم بالإسناد، وهي التي فيها زيادة في آخره، (قال: يا رسول الله، أعلى غيرنا؟ فوالله إنا لجياع، ما لنا شيء، قال:"فكلوه").
وقد يسلك الحافظ أبو عوانة هذه الطريقة لبيان علة في الحديث، كما أورد ثلاث طرق لحديث أبي هريرة في قصة المجامع في نهار رمضان، بعد ذكره لأصل طرق الحديث، في أولاها علة في الإسناد والمتن، وفي الثانية غرابة في السياق، وفي الثالثة زيادة منكرة، وصرّح عقب كل طريق ببيان علتها
(1)
.
وأما الحافظ أبو نعيم فيسلك هذه الطريقة أيضًا، إلا أنها نادرة عنده، مثالها عنده إيراده لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه في باب في علامة ليلة القدر
(2)
، قال الحافظ أبو نعيم:
حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن، حدثنا بشر بن موسى، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا عبدة بن أبي لبابة، وعاصم بن بهدلة، أنهما سمعا زر بن حبيش يقول: قلت لأُبَيّ إن أخاك ابن مسعود يقول: من يقم
(1)
انظر الطرق من: (3080 - 3082).
(2)
(ص 251) من مصورة رقم: (2050).
الحول يصب ليلة القدر، فقال يرحم الله أبا عبد الرحمن، إنما أراد أن لا يتكل الناس، ولقد علم أنها في العشر الأواخر من رمضان، وأنها في ليلة سبع وعشرين، ثم حلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين، فقلنا له يا أبا المنذر، بأي شيء علمته؟ قال بالآية أو بالعلامة التي أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا أن الشمس تطلع صبيحة ذلك اليوم لا شعاع لها.
ثم قال: وحدثنا أبو علي الصواف، حدثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل، حدثني أبي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، قال: سمعت عبدة ابن أبي لبابة يحدث عن زر بن حبيش، عن أبي بن كعب، قال: قال أبي في ليلة القدر: والله إني لأعلمها، قال شعبة، والله علمي هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيامها، هي ليلة سبع وعشرين، وإنما شك شعبة في هذا الحرف: هي هذه الليلة التي أمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال وحدثني بها صاحب لي.
وإنما قلَّ عند أبي نعيم سلوك هذا الطريق، لأنه يهتم في أكثر تخريجه أن يكون موضع الالتقاء قريبًا من الإمام مسلم، وأن يكون مستوعبًا لطرقه، فاستدعى ذلك منه أن يجمع الطرق في الأغلب حتى لا يطول الكتاب، فحيث سلك الإمام مسلم مثل هذه الطريقة يحافظ الحافظ أبو نعيم على ترتيبه، إلا أنه بتخريجه للطرق، يصبح كأنه لم يسلكها، لأنه كثيرًا ما يجمع الأسانيد، والله أعلم.
فالخلاصة هي أن الحافظين اشتركا في سلوكهما لهذه الطريقة، إلا أن
الحافظ أبي نعيم ندر عنده انتهاجها.
الطريقة الثانية: إيراد الطرق المتعددة والاكتفاء بذكر المتن عقب الإسناد الأول:
وتوضيح ذلك أن يكون الحديث عند المصنف من عدة طرق، فيورد أسانيدها، ويكتفي بذكر المتن عقب الإسناد الأول، وفي بقية الطرق يشير إلى المتن بقوله، (مثله)، أو (نحوه)، أو (وذكر الحديث)، وقد قال الحاكم:"يلزم الحديثي من الإتقان أن يفرق بين مثله ونحوه، فلا يحل أن يقول مثله إلا إذا اتفقا في اللفظ، ويحل نحوه إذا كان بمعناه"
(1)
، فقد سلك كل من الحافظ أبي عوانة، والحافظ أبي نعيم هذا الطريق، وهي أكثر عند أبي عوانة منها عند أبي نعيم.
فمن أمثلة الطرق التي أوردها أبو عوانة وأحال في الباقي بقوله: بمثله، حديث أبي هريرة في النهي عن الوصال في الصوم، فذكر الحديث أولا من طريق يونس بن يزيد الأيلي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، وأورد المتن عقبة، ثم ذكر طريق معمر، عن الزهري، بباقي الإسناد، وقال: عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، وذكر طريق شعيب، عن الزهري، كذلك، وفي إحالته في مثل هذا بقوله: بمثله تجوز، حيث إن المثلية حاصلة في المعنى دون اللفظ
(2)
،
(1)
سؤالات السجزي للحاكم النيسابوري (ص 128/ رقم 123).
(2)
انظر الأحاديث: (3013 - 3014) وانظر الألفاظ المحالة في مصنف عبد الرزاق، (4/ 267/ 7753) صحيح البخاري، كتاب الصوم، باب التنكيل لمن أكثر الوصال، =
ومما أحال على اللفظ: بمثله وحصل الاتفاق في اللفظ حديث رقم: (3028)، ورقم:(3054).
ومثال ما عند الحافظ أبي نعيم من هذا، وهو قليل أيضًا، إحالته لطريق زائدة عن الأعمش، لحديث ابن عباس فيمن ماتت أمه وعليها صوم شهر، أحال على طرق أبي معاوية، وعيسى بن يونس، كلاهما عن الأعمش، وقال في الإحالة: بمثله، وفيه أيضًا تجوز إذ السائل في المحال عليه امرأة، وفي المحال به رجل
(1)
، ومما أحال بمثله واتفق المعنى فيهما حديث الثوري عن أبي حازم، عن سهل بن سعد مرفوعًا:"لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"، أحاله على طريق عبد العزيز بن أبي حازم، عن أبيه به، بقوله بمثله، واللفظان متفقان
(2)
.
وقد يقول في الإحالة: بمعنى حديث فلان
(3)
.
ومما أحال أبو عوانة بقوله: بنحوه، قوله في باب: ذكر الخبر المبين أن
= (4/ 205).
(1)
انظر: مستخرج أبي نعيم -كتاب الصوم- باب قضاء الصيام عن الميت (ص 216) من مصورة رقم: (2049)، وصحيح مسلم -كتاب الصيام- باب قضاء الصيام عن الميت (2/ 804).
(2)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب الحث على أكلة السحور (ص 157 - 158) من مصورة رقم: (2049) وانظر لفظ حديث الثوري في حديث رقم: (3009) عند أبي عوانة.
(3)
(ص 80) من مصورة رقم (2048).
صوم يوم عاشوراء لم يكن في الأصل صومه واجبًا. . الخ:
حدثنا السلمي، والدبري، عن عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال حدثني حميد بن عبد الرحمن، أنه سمع معاوية يخطب: يا أهل المدينة، أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"هذا يوم عاشوراء، ولم يفرض علينا صيامه، فمن شاء منكم أن يصوم فليصم، فإني صائم"، فصام الناس، حدثنا عباس الدوري، حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد، حدثنا أبي، عن صالح، عن ابن شهاب، بإسناده نحوه.
ففي قوله نحوه دقة وإتقان، حيث جاء قوله:"فمن أحب أن يصوم فليصم، ومن أحب أن يفطر فليفطر" في اللفظ المحال من قول معاوية لا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كما هو في اللفظ المحال عليه
(1)
.
وعند أبي نعيم من هذا قوله في حديث منصور، عن الزهري، عن حميد، عن أبي هريرة في قصة الذي وقع بامرأته في نهار رمضان، قال: فذكر نحوه، محيلا به على طريق الحميدي، عن ابن عيينة المتقدمة عنده، وإنما قال ذلك لأن بين ألفاظ الطريقين مغايرة بالزيادة والنقص
(2)
.
وقد يحيل أبو عوانة في الباقي بقوله: وذكر الحديث، أو وذكر حديثه
(1)
انظر: حديث رقم: (3215، 3216) والتعليق عليهما.
(2)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب كفارة من جامع أهله في رمضان نهارًا (ص 175) من مصورة رقم: (2049).
في هذا
(1)
.
فالحافظان كلاهما سلك هذا الطريق، إلا أن أبا عوانة أكثر استعمالًا لها من أبي نعيم، وفائدتها الاختصار، إذ لو أوردا لكل طريق متنها لعظم حجم كتابيهما، ولو اختصرا بالاكتفاء بذكر طريق أو طريقين لكل حديث لفاتتهما الفوائد الإسنادية المكتمنة في الطرق، من المتابعات، وتصريح المدلس بالسماع، وغير ذلك من فوائد الاستخراج.
الطريقة الثالثة: جمع الطرق في سياق واحد وذكر المتن عقبها:
لهذه الطريقة مسلكان:
الأول: أن يجمع الحافظ شيخين أو أكثر بالعطف بينهما في إسناد واحد، ثم يسوق الحديث بلفظ أحدهما، كقول أبي عوانة:
حدثنا يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان، وعيسى بن أحمد العسقلاني، قالوا: أخبرنا ابن وهب، عن عمرو بن الحارث، فذكر بقية الإسناد والمتن
(2)
، كقول أبي نعيم: نا عبد الله بن محمد، ومحمد بن إبراهيم، قالا: حدثنا أحمد بن علي، فذكره
(3)
.
المسلك الثاني: أن يجمع عددًا من الأسانيد في سياق واحد،
(1)
انظر حديث رقم (3002)، وحديث رقم:(3148) ومستخرج أبي نعيم، كتاب الصيام -باب الصوم والإفطار في السفر (ص 184) من مصورة رقم:(2049).
(2)
الحديث رقم: (3058).
(3)
باب في الحث على تعجيل الفطر (ص 160)، من مصورة رقم:(2049).
باستخدام (ح)، للتحويل عند موضع الالتقاء، ويذكر المتن عقب ذلك، وهذه الطريقة هي أكثر الطرق الثلاث سلوكًا من الحافظ أبي نعيم في مستخرجه، وأما الحافظ أبو عوانة فقد سلك الطرف الثلاث كثر عنده سلوك الطريقة الأولى، إلا أنه كثيرًا ما يسلك هذه الطريقة إذا كثر عنده طرق الحديث وقصد إيرادها ليشير إلى استفاضة الحديث كما فعل في حديث أبي هريرة في قصة من جامع أهله في نهار رمضان، حيث جمع أحد عشر إسنادًا في سياق واحد
(1)
، وكما في حديث أبي سعيد الخدري:"ليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة"، حيث جمع ثمانية أسانيد في سياق واحد
(2)
.
وقد ذكُر في علم صفة رواية الحديث ضوابط لمراعاة اختلاف الألفاظ في رواية الحديث بهذه الطريقة، وأن شرط ذلك اتفاقهما في المعنى
(3)
، وإذا اتفقا في اللفظ كان جوازه من باب أولى، وقد مثل الكتابان نموذجين لتطبيق هذه الضوابط ومثلها، إلا أنهما اختلفا في ذلك وفق ما في القسم الذي جرت عليه الدراسة، فمن تلك الضوابط:
1 -
التنصيص على اتحاد الألفاظ، وهذا لا مثال له عند الحافظ
(1)
الحديث رقم: (3079).
(2)
الحديث رقم: (3344).
(3)
انظر: فتح المغيث (3/ 181 - 184)، تدريب الراوي (2/ 111 - 112).
أبي عوانة، وفق القسم الذي جرت عليه المقارنة، وأما عند الحافظ أبي نعيم فمثاله ما ذكره في باب: الرخصة في القبلة للصائم:
قال الحافظ أبو نعيم: حدثنا أحمد بن يوسف بن خلاد، حدثنا الحارث بن أبي أسامة، ح، وحدثنا أبو بكر الطلحي، حدثنا عبيد بن غنام، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، قالا: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب، حدثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، لفظهما سواء
(1)
.
2 -
التنصيص على اتحاد المعنى: ومثاله عند الحافظ أبي عوانة الحديث رقم (3135)، وهو حديث أبي سعيد الخدري: سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعًا فأعجبنني وأينقنني، وذكر الحديث، جمع فيه أربعة أسانيد، وقال في آخره: معنى حديثهم واحد.
ولا مثال له عند الحافظ أبي نعيم وفق القسم الموافق للقسم الذي جرت عليه المقارنة، وفائدة هذا التنصيص معرفة أن المصنف يرى جواز الرواية بالمعنى.
3 -
التنصيص على كون بعض حديثهم قريبًا من بعض، مثاله عند الحافظ أبي عوانة الحديث رقم (3147)، وهو حديث عبد الله بن عمرو،
(1)
(ص 169) من مصورة رقم: (2049)، وانظر أيضًا:(ص 165، 197) منها و (ص 216) من مصورة رقم: (2050).
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "ألم أنبأ أنك تقوم الليل وتصوم النهار؟ " الحديث، جمع فيه أربعة أسانيد، وقال في آخره: حديثهم قريب، بعضهم من بعض، وهذا أيضًا لم أجد له مثالًا عند الحافظ أبي نعيم، وفائدته مثل فائدة الذي قبله.
4 -
ذِكر لفظ كل طريق مما جمع، مثاله عند الحافظ أبي عوانة: الحديث رقم (3066)، قال: حدثنا عباس الدوري، وابن أبي عبد الله المقرئ، ببغداد، قالا: حدثنا روح بن عبادة، ح، وحدثنا أبو سعيد البصري، حدثنا يحيى بن سعيد القطان، كلاهما قالا: حدثنا ابن جريج، فذكر بقية الإسناد والمتن، وقال في آخره: هذا لفظ حديث روح، وأما حديث يحيى فقال: عن ابن جريج، فذكره.
وقد يذكر إحدى الطريقين في موضع آخر مفردة، مشعرًا بأن اللفظ الذي ساق في الموضع الأول للطريق الآخر، مثاله الحديث رقم:(3305)، قال فيه:
حدثنا يزيد بن سنان، حدثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي، ومحمد ابن كثير، ح، وحدثنا يونس بن حبيب، وعمار بن رجاء، قالا: حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن عقبة بن حريث، سمع ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر:"تحروها في العشر الأواخر"، ثم ذكر في باب آخر الإسناد الثاني وحده، (برقم 3308) وقال في لفظه:"تحروها في العشر الأواخر، يعني ليلة القدر، وإن ضعف أحدكم أو عجز، فلا يغلبن علي السبع البواقي"، وهو لفظ أبي داود الطيالسي كما في مسنده، فدل على أن
اللفظ في الموضع الأول للطريق الآخر.
ومثاله عند الحافظ أبي نعيم: حديث سلمة بن الأكوع في باب فضل صيام عاشوراء، ذكره بإسنادين، أحدهما من طريق قتيبة، عن حاتم ابن إسماعيل، والآخر من طريق زهير بن حرب، عن أبي عاصم، كلاهما عن يزيد ابن أبي عبيد، عن سلمة، فذكر المتن، ثم قال في آخره: ولفظ قتيبة: بعث رجلًا، فذكره، وهذا الصنيع يشعر بأن السياق الأول للطريق الآخر، فيلتحق بالضابط الذي سيأتي برقم 6.
5 -
التصريح بصاحب اللفظ، مثاله عند الحافظ أبي عوانة الحديث رقم (3075)، قال:
حدثنا علي بن حرب، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن حميد ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، ح، وحدثنا أبو إسماعيل الترمذي، حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، حدثنا الزهري، وحفظناه منه، قال: أخبرني حميد ابن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وقال في آخره: اللفظ للحميدي، وفي هذا المثال عند أبي عوانة دقة من ناحية أخرى، حيث إنه لم يذكر (ح) للتحويل عند سفيان، الذي هو موضعها، وأخرها إلى آخر الإسناد ليراعي بذلك ما في الإسناد الثاني من فائدة ليست في الأول، وهي تصريح سفيان بالتحديث من الزهري، على حين عنعن في الإسناد الأول، وزيادة تأكيد أنه حفظه منه.
ومثاله عند الحافظ أبي نعيم، حديث أبي نضرة، عن أبي سعيد
الخدري، خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لثمان عشرة مضت من رمضان، فذكر الحديث وجمع عدة طرق عن قتادة، عن أبي نضرة، وقال في آخره: لفظ فاروق، رواية مسلم -وهو ابن إبراهيم الفراهيدي- عن هشام
(1)
، ومثل هذا كثير عند أبي نعيم، وهذا الصنيع هو المرجح عند الحفاظ في هذا المسلك
(2)
.
6 -
ذكر ما يشعر بصاحب اللفظ، وقد ذُكر هذا الضابط في كتب المصطلح ممثَّلا بصنيع الإمام مسلم في الصحيح، كقوله: حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، وأبو سعيد، كلاهما عن أبي خالد الأحمر، قال أبو بكر: حدثنا أبو خالد، عن الأعمش، مما يفيد ظاهره أن اللفظ لأبي بكر
(3)
، مثاله عند الحافظ أبي عوانة الحديث رقم 3402، قال:
حدثنا أحمد بن علي بن يوسف الخزاز
[*]
، أبو بكر بدمشق، حدثنا مروان الطاطري، ح، وحدثنا أبو أمية، حدثنا منصور بن سلمة الخزاعي، وعاصم بن علي، وسعيد بن سليمان، قالوا: حدثنا الليث، قال مروان: حدثنا الليث بن سعد، عن بكير بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن ابن
(1)
كتاب الصيام -باب الصوم والإفطار في السفر (ص 182 - 183)، من مصورة رقم (2049).
(2)
فتح المغيث (3/ 181 - 184).
(3)
تدريب الراوي (2/ 111 - 112).
_________
[*] قال أحمد بسيوني: كذا: (الخزاز)، وصوابه:(الخّرَّاز)، وتراجع المواضع التالية التي وردت على الصواب:(1667، 2227، 2315، 3402، 3611، 4668، 4805، 4839، 4857، 4858، 5031، 5646، 6632، 9181، 10732، 10995، 12318)، وكذا المواضع التي وردت على الخطأ:(5299، 5622، 5765 هامش، 10500، 10506، 12408 هامش)، وانظر: تلخيص المتشابه للخطيب (1/ 582) والإكمال لابن ماكولا (2/ 186) وتوضيح المشتبه لابن ناصر الدين (2/ 345).
الساعدي المالكي، قال: استعملني عمر رضي الله عنه، فذكره، فظاهره أن اللفظ لمروان الطاطري.
ولم أقف له على مثال عند الحافظ أبي نعيم رحمه الله تعالى إلا ما تقدم تحت الضابط رقم 4 من هذه الضوابط:
7 -
التنصيص على اختلاف صيغ التحمل، وهو مأثور عن الإمام مسلم أيضًا
(1)
، وهذا لا مثال له عند الحافظ أبي عوانة في القسم المخصص لهذه الدراسة من كتابي الصوم والزكاة، وربما كان ممن يرى جواز إطلاق (حدثنا) و (أخبرنا)، فيما تحمله عرضًا وسماعًا، كما هو مذهب البخاري في الكثيرين
(2)
، فإن أبا عوانة كان أغلب ما يروي عن شيوخه بحدثنا، وروايته بأخبرنا قليلة، ومعلوم أن أخذه بين شيوخه غير منحصر في التحديث، أو في العرض، بل هو دائر بينهما، فدل على احتمال إطلاقهما فيهما عنده، وحينئذ لا يهتم بالتنصيص عليهما عند الاختلاف، وقد يكون غير ذلك، والله أعلم
(3)
.
(1)
كتاب الصيام -باب بيان أن القبلة للصائم ليست محرمة (2/ 777/ 65) وانظر صيانة صحيح مسلم (ص 101).
(2)
صحيح البخاري مع فتح الباري -كتاب العلم- باب قول المحدث: "حدثنا" و "أخبرنا" و "أنبأنا"(1/ 144).
(3)
انظر ما قرره الحافظ السخاوي عن الإمام النسائي في مثل هذه المسألة في بغية الراغب المتمني في ختم النسائي (ص 40).
وأما عند الحافظ أبي نعيم فقد أورد هذا الضابط في عقب حديث حفصة: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم"، قال: لفظهم سواء، إلا أن إسحاق قال: أخبرنا
(1)
.
وقد لا يذكران شيئًا من هذه الضوابط، وقد يحصل مع ذلك اتفاق في اللفظ، كما روى أبو عوانة حديث جابر بن حمرة، في صوم عاشوراء من طريق أبي داود الطيالسي، ومن طريق الحسن بن موسى الأشيب، وجمعهما بمتن واحد، ولم ينبه على صاحب اللفظ، ولا على اتفاق في اللفظ، أو المعنى، وعند تتبع الطريقين اتَّضحَ أنَّ اللفظين متفقان
(2)
، وقد يحصل العكس، كما في الحديث الأول عند أبي عوانة، وهو حديث سمرة ابن جندب:"لا يغرنكم نداء بلال، ولا هذا البياض حتى ينفجر الفجر هكذا"، لم يذكر شيئًا من الضوابط، وبالتتبع تبين أن اللفظ لأبي داود الطيالسي، وليس لروح بن عبادة، فإن في لفظ حديث روح كما رواه أحمد
(3)
، وأبو نعيم
(4)
زيادة قوله في سوادة بن حنظلة، الراوي عن سمرة:
(1)
باب الرخصة في القبلة للصائم (ص 171) من مصورة (2049)، انظر أيضًا باب صوم بعض رمضان في السفر وإفطار بعض (ص 179) من مصورة (2049).
(2)
الحديث رقم (3218)، وانظر لفظ الطيالسي في مسنده:(ص 106)، وانظر لفظ طريق الحسن بن موسى في المعجم الكبير للطبراني (2/ 212).
(3)
المسند (5/ 7).
(4)
المستخرج -كتاب الصيام- باب صفة الصبح ومعرفته (ص 156) من مصورة رقم (2050).
وكان إمامهم، لم تذكر في سياق أبي عوانة، ومثال هذا عند الحافظ أبي نعيم: حديث أنس مرفوعًا: "ذهب المفطرون اليوم بالأجر"، حيث ذكره بإسنادين، أحدهما من طريق أبي معاوية، والآخر من طريق حفص ابن غياث، ثم ساقهما بلفظ واحد، ولم يبين شيئًا، وكلا الإسنادين عند مسلم، وعند سياقهما أفرد كل طريق بلفظها لما بين اللفظين من المغايرة، وإن كان المعنى واحدًا، وسياق الحافظ أبي نعيم إنما هو بلفظ أبي معاوية، وليس عنده ما يبين ذلك تصريحًا أو تلميحًا
(1)
، وأغلب ما وجد منهما من هذا الصنيع في الأحاديث القصيرة التي يغلب على ظن الباحث اتحاد ألفاظ طرقها، وإن لم يتسن له التحقق من ذلك، كحديث:"من مات وعليه صوم صام عنه وليه" وحديث النهي عن صيام يومين: يوم الفطر، ويوم الأضحى.
ومما تنبغي الإشارة إليه في هذا المقام أبي في الغالب يصدران بالطريق العالي عندهما، ثم يتبعان بما هو أنزل، عند سياقهما للطرق، وقد أفاد الحافظ السخاوي أن هذا الصنيع هو الأكثر عند المتقدمين
(2)
، وقد يحصل منهما عكس هذا، ويكون ذلك لدليل ظاهر، أو لأمر آخر قد لا يتبين للباحث، فمن تصديرهما بالعالي الحديث رقم (3135) عند الحافظ أبي عوانة، حيث صدر بالطريق التي ساوى مسلمًا فيها؛ وعند الحافظ أبي نعيم حديث ابن
(1)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب الصوم والإفطار في السفر (ص 185) من مصورة رقم: (2049).
(2)
بغية الراغب المتمني: (ص 43).
جريج، عن عطاء، عن أبي العباس، عن عبد الله بن عمرو، حيث أورده من ثلاث طرق عن ابن جريج:
الأولى: عن الطبراني، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عنه به.
الثانية: عن أبي بكر بن مالك، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، عن عبد الرزاق، عنه به.
الثالثة: عن علي بن هارون، عن جعفر الفريابي، عن عمرو بن علي، عن أبي عاصم، عنه به
(1)
، فصدر بطريق الطبراني التي هو فيها كأنه سمع من مسلم.
ومن أمثلة ما وقع من عكس هذا، الحديث رقم:(3055)، قال الحافظ أبو عوانة رحمه الله: حدثنا صالح بن عبد الرحمن، حدثنا أصبغ، أخبرنا ابن وهب، ح، وحدثنا أبو عبيد الله، حدثنا عمي، حدثنا عمرو، عن بكير بن الأشج، عن يزيد مولى سلمة، عن سلمة بن الأكوع، قال: فذكر الحديث، فصدر بالطريق التي هو فيها نازل، وأخر التي ساوى مسلمًا فيها، ويبدو أنه فعل هذا لاشتمال الطريق النازل على أصبغ بن الفرج، الذي هو أجل أصحاب ابن وهب، وفي الطريق العالي أبو عبيد الله، ابن أخي ابن وهب، وقد ضعفه بعض الحفاظ.
(1)
كتاب الصيام -باب ما ذكر في فضل صوم داود (ص 234) من مصورة رقم: (2050).
ومثاله عند الحافظ أبي نعيم رحمه الله، وهو قليل، حديث عبد الله ابن شقيق، سألت عائشة رضي الله عنها عن صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: فذكر الحديث، قال في السياق: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا الحسين ابن إسحاق، حدثنا أبو الربيع، ح، قال وحدثنا محمد بن حيان، حدثنا ابن حساب، قالا: حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، وهشام، عن محمد ابن سيرين، عن عبد الله بن شقيق قال: فذكره
(1)
، فصدر بالطريق النازل التي هي من ثمانياته، وأخر الطريق التي هي من سباعياته، ولعله فعل ذلك ليقدم الطريق التي عند مسلم على التي زادها هو عليه، فإن الحديث عند مسلم عن أبي الربيع الزهراني به.
الخلاصة:
1 -
أكثر الطرق سلوكًا عند الحافظ أبي عوانة في سياقه الأحاديث الطريقة الأولى، ومن أجل ذلك كثر عنده بيان اللفظ المحال به عند مسلم، إذ سلوك هذه الطريقة توجب على المصنف بيان متن كل طريق أتى بإسنادها، وأما الحافظ أبو نعيم، فأكثر الطرق سلوكًا لديه هي الطريقة الثالثة، وذلك لما فيها من الاختصار، إلا أنها تقتضي غالبًا إهمال ذكر ألفاظ بعض الطرق التي يجمعها المصنف، ويفضل سلوك الطريقة الأولى لما يحصل بها من فائدة بيان اختلاف ألفاظ الناقلين، وزيادات بعض الطرق على
(1)
كتاب الصيام -باب في صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تطوعًا (ص 228) من مصورة رقم: (2050).
بعض، وبيان العلة في بعض الطرق.
2 -
الحافظ أبو عوانة أكثر سلوكًا للطريقة الثانية من الحافظ أبي نعيم، وفائدة هذه الطريقة الاختصار مع المحافظة على فوائد الاستخراج الإسنادية.
3 -
قد يتجوز كل من الحافظين في إطلاق (مثله)، على المثلية في المعنى دون اللفظ، وحقيقة المثلية أن تكون في اللفظ، والحافظ أبو عوانة يدقق في الإحالة بقوله: بنحوه، حيث يطلقها فيما كان فيه اختلاف في المتون، إما بالزيادة والنقصان، أو بغير ذلك.
4 -
أكثر أبو عوانة من اتباع الطريقة الثالثة عند إرادة الإشارة إلى كثرة طرق الحديث واستفاضته، على حين أكثر أبو نعيم اتباعًا لها مطلقًا.
5 -
قدّم الكتابان نموذجين لضوابط الرواية عند إرادة سياق أسانيد متعددة بمتن واحد.
6 -
درج الحافظان في سلك المتقدمين في إكثارهم من الابتداء بالطريق العالي في سياقهم للأحاديث عند تعدد طرقها وجمعهم إياها.
7 -
يؤخذ عليهما عدم بيان صاحب اللفظ عند جمعهما للطرق في مواضع عديدة، وخاصة إذا تبين أن الألفاظ متغايرة.
المطلب الثاني: تكرار الحديث:
ذكر الإمام مسلم في المقدمة أن الذي سأله تأليف كتابه شرط عليه أن يلخص له السنن في التأليف بلا تكرار يكثر، وقد وفى بهذا الشرط حيث
لم يوجد في كتابه كثرة التكرار للأحاديث، وليس في القسم المخصص لهذه الدراسة -من كتابي الصوم والزكاة- حديث كرره في موضع آخر من كتابه الصحيح بالإسناد والمتن إلا حديثًا واحدًا، وهو، حديث أبي بن كعب أن ليلة القدر ليلة سبع وعشرين، ذكره أولا في كتاب صلاة المسافرين، ثم كرره في كتاب الصيام، وفي كلا الموضعين من طريق محمد بن المثنى، عن محمد ابن جعفر، عن شعبة، عن عبدة، عن زر بن حبيش، عن أبيّ به
(1)
.
وأما المخرِّجان فسلك كل واحد منهما ما يتفق مع غرضه من التأليف، فأما الحافظ أبو نعيم فحذا حذو الإمام مسلم، في جمع الطرق والأحاديث في موضع واحد، بلا تكرار يكثر، وأما الحافظ أبو عوانة، لما كان قصده غير منحصر في مجرد الاستخراج، بل أراد مع ذلك استخراج أحكام بحسن استنباطه من الأحاديث، فسلك في هذا الباب مثل مسلك الإمام البخاري ومن حذا حذوه ممن أودع كتابه جملة من معاني الفقه والأحكام، فأورد في كتابه عدة أحاديث مكررة في موضعين فأكثر حسب استدلاله بما تضمنته من الأحكام، لكنه كما يفعل الإمام البخاري، قلما يورد حديثًا بإسناد واحد، ولفظ واحد من دون اشتماله على فائدة في الإسناد، أو في المتن، كما قال الحافظ عن صنيع البخاري: "حتى ولو لم
(1)
كتاب صلاة المسافرين -باب الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح (1/ 525)، كتاب الصيام -باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها (2/ 828).
تظهر لإعادته فائدة من جهة الإسناد ولا من جهة المتن لكان ذلك لإعادته لأجل مغايرة الحكم الذي تشتمل عليه الترجمة الثانية موجبًا لئلا يعد مكررًا بلا فائدة" إلى آخر كلامه
(1)
، ينطبق أيضًا على صنيع أبي عوانة، وسأورد جملة ما وقع له من الأحاديث المكررة في القسم المخصص لهذه الدراسة -من كتابي الصوم والزكاة- على الترتيب التالي:
ما أورده في موضعين فأكثر بإسناد واحد، وزاد فائدة أخرى.
ما أورده في موضعين فأكثر بإسناد واحد ولفظ واحد، ولم يذكر فائدة أخرى.
ما أورده في موضعين فأكثر بأسانيد مختلفة وبعض الاختلاف في المتن.
فأما الأول فتحته أربعة أحاديث:
1 -
حديث عائشة رضي الله عنها: جاء حمزة الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان رجلًا يسرد الصوم، فسأله عن الصوم في السفر، فقال:"أنت بالخيار، إن شئت فصم وإن شئت فأفطر"، أورده في بابين، في كل باب من طريقين:
في باب ذكر الخبر الدال على إباحة الإفطار في كل سفر، إلخ
(2)
.
وفي باب ذكر الأخبار التي تعارض حظر سرد الصوم إلخ
(3)
.
(1)
هدي الساري (ص 16).
(2)
الحديث رقم: (3056) و (3053).
(3)
الحديث رقم: (3159) و (3160).
ذكر فائدتين من الحديث بعد فائدة عقد باب زائد من أجله، وهما:
أ - ذكر في الموضع الأول في الإسناد الثاني نسب شيخه كاملًا بما اشتهر من النسبة، كما ذكر موضع التحمل، فقال: حدثنا إبراهيم ابن مسعود بن عبد الحميد القرشي المخزومي، ابن أخي سندولة، بهمذان.
ب- ذكر في الموضع الثاني في الإسناد الثاني والد حمزة، فقال جاء حمزة بن عمرو الأسلمي.
2 -
حديث أبي هريرة: "أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بثلاث: صوم ثلاثة أيام من كل شهر، والوتر قبل النوم، وصلاة الضحى"، أورده في بابين:
في باب ثواب صلاة الضحى، والدليل على أنها ركعتان
(1)
.
وفي باب بيان فضيلة صوم يوم عرفة وثوابه، وثواب صوم يوم عاشوراء والترغيب في صوم يوم الاثنين، وفضيلة صوم ثلاثة أيام من كل شهرٍ إلخ
(2)
، ذكر ثلاث فوائد في تكراره للحديث:
أ - بيان اسم شيخه في الموضع الثاني، وقد ذكره بكنيته في الموضع الأول.
ب- بين في الموضع الأول اختلاف ألفاظ الطريقين اللذين جمعهما في سياق الحديث.
(1)
كتاب الصلاة، حديث رقم:(2166).
(2)
الباب رقم: (27) من كتاب الصوم، وأورد الحديث برقم:(3173).
ج - في الموضع الأول زاد قول أبي هريرة: لا أدعهن.
3 -
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أصوم أسرد وأصلي الليل، وذكر الحديث، عن الصاغاني، حدثنا روح، عن ابن جريج، عن عطاء، أن أبا العباس الشاعر أخبره أنه سمع عبد الله ابن عمرو يقول: فذكره، أورده في موضعين:
في باب ذكر الأخبار الدالة على حظر صوم الدهر وإبطال فضيلته
(1)
.
وفي باب ذكر الخبر المبين أن أحب الصيام إلى الله عز وجل صيام داود صلوات الله عليه، صوم يوم وإفطار يوم
(2)
، لم يذكر لفظه في الموضع الأول، بل قال: وذكر حديثه في هذا، وذكره في الموضع الثاني، وأيضًا ذكره في الموضع الأول بعنعنة روح، وابن جريج، وفي الموضع الثاني ذكر تصريحهما بالتحديث.
4 -
حديث أبي سعيد الخدري: "لا صدقة في حب ولا تمر دون خمسة أوسق" من طريق الثوري، عن إسماعيل بن أمية، عن محمد بن يحيى ابن حبان، عن يحيى بن عمارة، عنه، ذَكره في موضعين:
في باب بيان مبلغ ما تجب فيه الزكاة في الورق والإبل والتمر
(3)
.
(1)
الحديث رقم: (3148)، تحت الباب رقم:(24) من كتاب الصوم.
(2)
الحديث رقم: (3252) تحت الباب رقم: (34) من كتاب الصوم.
(3)
الحديث رقم: (3331) تحت الباب رقم 1 من كتاب الزكاة.
وفي باب ذكر الخبر الدال على إيجاب الزكاة في كل حب اتخذ منه الطعام ويدخر له، إذا بلغ خمسة أوسق
(1)
، أفاد في الموضع الثاني ذكر اسم شيخه الحسن بن عفان، على حين قال في الموضع الأول: ابن عفان، واختصر الإسناد في الموضع الثاني.
والقسم الثاني -وهو ما أورده في موضعين فأكثر بإسناد واحد ولفظ واحد، ولم يذكر فائدة أخرى- تحته حديث واحد، وهو:
حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه، من طريق مهدي ابن ميمون، وأبان العطار، كلاهما عن غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد، عن أبي قتادة، بذكر صوم يوم الاثنين والخميس، أورده في موضعين بالإسناد والمتن:
في باب ذكر الأخبار الدالة على حظر صوم الدهر إلخ
(2)
.
وفي باب فضيلة صوم يوم عرفة وثوابه، وثواب صوم يوم عاشوراء إلخ
(3)
.
فهذا ليس فيه فائدة أخرى إلا ما تضمنه ذكره في باب آخر من زيادة استنباط من فقه الحديث.
وأما القسم الثالث، فتحته أحاديث كثيرة، وهو في الحقيقة ليس تكرارًا
(1)
الحديث رقم: (3348) تحت الباب رقم 2 من كتاب الزكاة.
(2)
الحديث رقم: (3145).
(3)
الحديث رقم: (3169).
لأنه من قبيل ما أشير إليه أن من منهجه أنه يفرق طرق الحديث الواحد والتي يوردها الإمام مسلم مجتمعة، فيجعلها في عدة أبواب حسب كثرة ما يستنبط منها من الأحكام، وسأذكر هنا حديثًا واحدًا، وهو:
حديث أبي هريرة: "أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل"، ذكره في موضعين:
في باب ذكر الأخبار التي تعارض حظر سرد الصوم، والدليل على إبطال فضيلة صوم رجب، قال: حدثنا أحمد بن عبد الحميد الحارثي، حدثنا حسين الجعفي، عن زائدة، عن عبد الملك بن عمير، عن محمد بن المنتشر، عن حميد الحميري، عن أبي هريرة، سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة؟ قال:"الصلاة في جوف الليل"، قال: فأي الصوم أفضل بعد رمضان؟ قال: "شهر الله الذي تدعونه المحرم"
(1)
.
وفي باب ذكر الخبر الذي يبين أنه ليس في السنة شهر يصام فيه بعد رمضان أفضل من المحرم إلخ، قال: حدثنا أبو الأحوص، صاحبنا، أخبرنا سعيد بن منصور، حدثنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصيام بعد شهر
(1)
الحديث رقم: (3154) تحت الباب رقم: (25) من كتاب الصلاة، وقد سبق أن أورده كذا الإسناد في كتاب الصلاة، لكنه ذكر ما يتعلق بالصلاة فقط (حديث رقم: 2253)، ومن هذه الناحية يلتحق بالقسم الأول.
رمضان
…
" فذكره
(1)
.
فنستخلص أن الحافظ أبا عوانة غاير منهج الإمام مسلم حيث كرر أحاديث بإسناد واحد في عدة مواضع، إلا أنه اتبع صنيع الإمام البخاري في ذلك حيث لا يتعرى موضع التكرار من فائدة إسنادية أو متنية، وأما الحافظ أبو نعيم فهو ماش على منهج الإمام مسلم، وليس عنده حديث مكرر بالإسناد الواحد في موضعين فأكثر، وفق ما في القسم الموافق للقسم الذي جرت عليه المقارنة، إلا الحديث الذي كرره مسلم، سواء بسواء
(2)
، والله أعلم.
المطلب الثالث: اختصار وتقطيع الحديث:
اختصار الحديث هو رواية بعض متن الحديث الواحد في موضع دون أن يذكر البعض الآخر في موضع آخر، وتقطيعه هو ذكر أجزاء الحديث الواحد المشتمل على عدة أحكام، كل جزء على حدة، بحسب الاحتجاج به في الأبواب
(3)
، فأما الاختصار فمذهب الجمهور والذي صححه غير
(1)
الحديث رقم: (3178) من كتاب الصوم.
(2)
انظره في باب من قال ليلة القدر ليلة سبع وعشرين (ق 125 ب) من النسخة المصورة برقم: (1514 فيلم)، وفي ص (251) من مصورة رقم:(2050).
(3)
انظر: هدي الساري (ص 13 - 14)، فتح المغيث (3/ 157، 150)، تدريب الراوي (2/ 105، 103).
واحد هو القول بجوازه بشروط، وهي:
1 -
أن يكون عارفًا واعيًا لما يغير المعنى وما لا يغيره من الزيادة والنقصان.
2 -
أن يكون ما تركه متميزًا عما نقله غير متعلق بما رواه، بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة، كالمستثنى مع المستثنى منه، وكالشرط مع المشروط.
3 -
أن ترتفع منزلته عن التهمة، بحيث لو رواه بعد ذلك بذكر المحذوف لم يتهم بالغفلة وقلة الضبط
(1)
.
وأما التقطيع، فقالوا هو إلى الجواز أقرب ومن المنع أبعد
(2)
، وكلا الصنيعين قد نقل فعلهما عن الأئمة، وقد أكثر منهما الإمام البخاري في الصحيح، بخلاف الإمام مسلم، حتى إن بعض الحفاظ صرح بأن ظاهر صنيعه منع التقطيع
(3)
، وسيأتي من أمثلته عنده ما يثبت نقيض ما ذكره، وإنما اختلف صنيع الإمامين لأن الإمام مسلمًا تعمَّد جمع الطرق كلها في مكان واحد، ولم يتصد لما تصدى له البخاري من استنباط الأحكام، ولزم
(1)
انظر: الكفاية في علم الرواية (ص 190 - 193)، فتح المغيث (3/ 152 - 154)، تدريب الرواي (2/ 104).
(2)
انظر: فتح المغيث (3/ 156)، تدريب الراوي (2/ 105).
(3)
والذي صرح كذا هو الرشيد العطار، صاحب كتاب (غرر الفوائد المجموعة)، نقله عنه السخاوي. فتح المغيث (3/ 156).
من ذلك تقطيعه للحديث في أبوابه، إذ لو ساقه في المواضع كلها برمته لطال الكتاب
(1)
.
وأما الحافظان أبو عوانة، وأبو نعيم فقد وافق كل واحد منهما صنيع الإمام مسلم، وقل عندهما الاختصار والتقطيع، فمما وقع عند أبي عوانة من الاختصار الحديث رقم (3090):"أن النبي صلى الله عليه وسلم-كان يقبل وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه"، فحذف ذكر المباشرة من الحديث، وهو ثابت عند مسلم، وأبي نعيم، وكذا عند أبي داود السجستاني، الذي روى الحديث من طريقه
(2)
، وكذلك اختصر حديث رقم:(3316): "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، فحذف صدره، وهو قوله:"من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، إلا أنه في هذا الموضع اختصر بحذف ما يراه وهما من راويه كما صرح بذلك عقب حديث رقم:(3268).
واشترك هو وأبو نعيم في اختصار حديث أبي سعيد الخدري: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعًا فأعجبنني وأيْنَقْنَني، فذكر كل واحد منهما من الأربعة النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى
(3)
، وقد يكون هذا من
(1)
انظر: هدي الساري (ص 12)، النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 283).
(2)
انظر مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب الرخصة في القبلة للصائم (ص 167) من مصورة رقم: (2049)، وانظر بقية الأماكن في التعليق على الحديث.
(3)
انظر الحديث رقم: (3135)، ومستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب كراهية =
قبيل التقطيع عندهما كما هو عند الإمام مسلم، إذا كانا ذكراه في مواضع أخرى.
واشترك هو وأبو نعيم، ومن قبلهما الإمام مسلم، في اختصار حديث أبي سعيد في النهي عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر، فإن الحديث كما رواه البخاري فيه النهي عن الذي ذكروه، وعن الصماء، وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد، وعن صلاة بعد الصبح والعصر
(1)
، واشترك هو والإمام مسلم في اختصار حديث أبي عبيد مولى ابن أزهر، عن عمر في النهي عن صيام يومي العيد، بحذف الزيادة الموقوفة في الحديث، وهي ثابتة عند أبي نعيم، وهذا من أبي عوانة متابعة للإمام مسلم في عدم تعريجه للآثار الموقوفة في كتابه إلا على سبيل الندور تبعا لا قصدًا، كما قال الحافظ ابن حجر
(2)
، وكذلك اشتركا في اختصار الحديث رقم:(3110)، وهو مذكور عند أبي نعيم كاملًا كما أشير إليه في حاشية الحديث.
وانفرد أبو نعيم باختصار حديث نبيشة الهذلي مرفوعًا: "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله"، من طريق ابن علية، حيث اختصر الحديث
= صيام العيدين وأيام التشريق (ص 210) من مصورة رقم: (2049).
(1)
الحديث رقم: (3131)، وانظر الإحالات في حواشيه وانظر مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام -باب كراهية صيام العيدين وأيام التشريق (ص 210) من مصورة رقم:(2049).
(2)
انظر: هدي الساري (ص 12).
الذي أصله طويل كما هو عند أحمد الذي أخرجه من طريقه، فذكر موضع الشاهد فقط
(1)
، وقد يكون هذا من قبيل التقطيع، إذا كان قد ذكر بقية أجزائه في مواضع أخرى، وقد أعرض الإمام مسلم والحافظ أبو عوانة عن هذا الطريق لعله لما يلزمهما من الاختصار بإخراج الحديث منه.
وأما التقطيع فمما وقع منه عند الثلاثة (مسلم، وأبي عوانة، وأبي نعيم) تقطيعهم لحديث عائشة من طريق أبي سلمة أنه قال: في خلت على عائشة فقلت: أي أمه، أخبريني عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، وعن صيامه، فقالت: الحديث، وهو عند أبي عوانة برقم:(3225) بذكر الصيام فقط، وصدر به باب رقم:(3036) تعليقًا بذكر الصلاة
(2)
.
فالخلاصة أن كلا الحافظين سار على طريقة الإمام مسلم من قلة الاختصار والتقطيع للحديث، ولم يمنع هذا المنهج من تمكين الحافظ أبي عوانة من استنباط الأحكام من الأحاديث، حيث إنه سلك طريقة التفريق لطرق
(1)
مسند أحمد (5/ 75)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام-باب كراهية صيام العيدين وأيام التشريق (ص 211) من مصورة رقم:(2049).
(2)
وعند مسلم ذكر الصيام في كتاب الصيام -باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان (2/ 811)، وذكر الصلاة في كتاب صلاة المسافرين وقصرها -باب صلاة الليل وعدد كعات النبي صلى الله عليه وسلم (1/ 510)، وعند أبي نعيم ذكر الصيام في كتاب الصيام- باب فضل شعبان (ص 229) من مصورة رقم:(2049)، وذكر الصلاة في أبواب الصلاة في الليل (ق 122 أ) من النسخة المحفوظة برقم:(1514) فيلم.
الحديث الواحد التي يوردها الإمام مسلم مجتمعة، فيوردها هو في الأبواب حسب الاحتجاج بها، ومما يلاحظ عليهما عدم التنبيه بما يشعر بوقوع الاختصار، كما يفعله الترمذي بقوله: وفي الحديث قصة، ونحو ذلك
(1)
.
المطلب الرابع: الكناية عن الراوي الضعيف
ذكر الحافظ السخاوي أن الإمام مسلمًا يكثر من الكناية عن الضعيف إذا قرن في الرواية بثقة
(2)
، ولا مثال له في القسم المخصص لهذه المقارنة من كتابي الصوم والزكاة من صحيح مسلم، ولا من مستخرج أبي نعيم، وله مثال عند الحافظ أبي عوانة، وهو ما ذكره في حديث رقم (3193) قال: حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني الليث، وغيره، ح.
فالغير في هذا الحديث كما بينته في التعليق على الحديث هو عبد الله ابن عمر العمري، صرح به الطبري، والطحاوي في روايتيهما للحديث، وقد روياه بالإسناد نفسه، أبهمه أبو عوانة لضعفه، على أن هذا الصنيع لا يقال إنه مطرد عنده، فإنه قد روى عن عبد الله العمري مقرونًا بثقات وصرح به ولم يبهمه
(3)
، وممن أثر عنه مثل هذا الصنيع الإمام البخاري، فقد روى في
(1)
انظر: الإمام الترمذي والموازنة بين جامعة وبين الصحيحين (ص 99).
(2)
بغية الراغب المتمني (ص 41).
(3)
انظر الحديث رقم: (3339).
الصحيح حدثنا سعيد بن تليد، حدثني ابن وهب، حدثني عبد الرحمن ابن شريح، وغيره، عن أبي الأسود، فذكر الإسناد والمتن
(1)
.
وذكر الحافظ السخاوي رحمه الله أن لهذا الصنيع فوائد، وهي:
• الإشعار بضعف المبهم.
• كونه ليس من شرطه.
• كثرة الطرق ليترجح بها الخبر عند المعارضة
(2)
.
المطلب الخامس: التنوع في ذكر الشيوخ
وذلك بأن يسمي المصنف شيوخه، أو يكنيهم، أو ينسبهم، أو يصفهم بما لم يشتهروا به، لكي لا يعرفوا، وليس في هذا مفسدة في صحة الإسناد وسقمه إذا سلم من أمور، وهي:
أ: موافقة ما يذكره به شهرة راو ضعيف يمكنه الأخذ منه، فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفًا وهو في نفس الأمر صحيح.
ب: أن يصيره بوصفه مجهولًا، وهو في واقع الأمر ثقة، فيسقط العمل بحديثة.
ج: أن يكون الشيخ ضعيفًا، فيخفي أمره وينتقل حديثه من رتبة من يرد خبره مطلقًا إلى من يتوقف فيه، فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن ذلك
(1)
الجامع الصحيح، مع فتح الباري -كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة- باب ما يذكر من ذم الرأي وتكليف القياس (13/ 282).
(2)
بغية الراغب المتمني (ص 43).
الراوي الأخذ عنه فمفسدته أشد
(1)
.
فإن سلم من هذه الأمور، وقصد مع ذلك امتحانُ الأذهان، وتجنبُ التكرار، وعري من إيهام كثرة الشيوخ، فليس فيه آفة لا في الدين ولا في الصناعة، وإلا فهو من تدليس الشيوخ المذموم.
وقد وقع من كلا الحافظين أبي عوانة وأبي نعيم التنوع في ذكر شيوخهما، فمن ذلك عند الحافظ أبي عوانة تنوعه في ذكر شيخه محمد ابن أحمد بن الجنيد، أبي جعفر الدقاق، فأحيانًا يقول له: حمدان بن الجنيد (ح 3026)، أو: محمد بن الجنيد (ح 3335)، أو يسميه كاملًا كما في الحديث رقم:(3405).
ومثل ذلك في شيخه الذي أكثر عنه في الكتاب والذي اشتهر بالصاغاني، فيسميه أحيانًا أبا بكر بن إسحاق (ح 3277)، وقد يذكر مع ذلك النسبة، كقوله: أبو بكر بن إسحاق الصاغاني (ح 3281).
ومنه أيضًا قوله في الإمام أبي داود السجستاني: أبو داود السجزي، وهي نسبة على غير قياس إلى سجستان، ولم يشتهر الإمام بها، وقد وقع ذلك منه كثيرًا في الكتاب، كذلك تنوعه في ذكر شيخه قربزان (ح 3062)، وهو آخر من حدث عن يحيى القطان، فيقول فيه أحيانًا: أبو سعيد البصري (ح 3066)، وقد يسميه فيقول: عبد الرحمن بن محمد
(1)
النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 626 - 628).
ابن منصور البصري قُربزان
(1)
، والأمثلة كثيرة، وهي مما توقظ ذهن الباحث و "تلفته إلى حسن النظر في الرواة وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم، وكذا الحال في آبائهم"
(2)
، إذ كثيرًا ما يغرب على بادئ النظر بهذا الصنيع، ومن أغرب ذلك تسميته لشيخه بشر بن موسى، راوية مسند الحميدي بابن عميرة (ح 3344)، حيث نسبه إلى جده الثالث، فإن اسمه هو بشر بن موسى بن صالح بن شيخ بن عميرة، كما صرح به الحافظ ابن حجر في الإتحاف
(3)
في ذكره إسناد أبي عوانة.
وقد وقع مثل هذا الصنيع بدرجة أقل عند الحافظ أبي نعيم أيضًا، فمن ذلك تنوعه في ذكر شيخه أبي الشيخ الأصبهاني، الذي أكثر عنه في مستخرجه، فيسميه أحيانًا: عبد الله بن محمد بن جعفر
(4)
، وأحيانًا يقول: أبو محمد بن حيان
(5)
، وكذلك يفعل في شيخه أبي بكر الطلحي، فأحيانًا يسميه هكذا، وأحيانًا يذكر اسمه كاملًا، فيقول: عبد الله بن يحيى أبو بكر الطلحي
(6)
.
(1)
انظر حديث رقم: (587).
(2)
فتح المغيث (1/ 224).
(3)
انظر: (5/ 464).
(4)
(ص 217) من مصورة رقم: (2050).
(5)
(ص 209) من مصورة رقم: (2049).
(6)
(ص 140) من مصورة رقم: (2049).
المطلب السادس: شرح الغريب وضبط المشكل
قال الحافظ السخاوي -رحمه الله تعالى-: غريب ألفاظ الحديث النبوي خلاف الغريب الذي يرجع إلى الانفراد من جهة الرواية، والمراد به ما يخفى معناه من المتون لقلة استعماله ودورانه، بحيث يبعد فهمه ولا يظهر إلا بالتنقير عنه في كتب اللغة، وهو من مهمات الفن لتوقف التلفظ ببعض الألفاظ -فضلًا عن فهمها- عليه، وتتأكد العناية لمن يروي بالمعنى
(1)
.
وقد أولى الحافظ أبو نعيم -رحمه الله تعالى- هذا الجانب عناية فائقة حيث أكثر في القسم المقابل لهذه المقارنة من شرح الكلمات الغريبة والمشكلة بعد نهاية الحديث في الغالب
(2)
.
كما اعتنى أيضًا بضبط المشكل من الألفاظ كقوله -رحمه الله تعالى- عقب حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه في التيمم: لم يقنع بكسر النون يعني لم يرض
(3)
.
على حين ندر هذا الجانب عند الحافظ أبي عوانة -رحمه الله تعالى- ومن أمثلة ما وقع له من ذلك قوله عقب حديث أبي هريرة ضى الله عنه في إدبار الشيطان
(1)
انظر: فتح المغيث (4/ 22).
(2)
انظر: على سبيل المثال المسند المستخرج حديث رقم: (674، 677، 680، 681، 686، 689، 716، 717، 718، 720، 739، 742، 750، 761، 766، 771، 776، 777، 781، 785، 786، 794، 797، 798، 807، 809، 1533).
(3)
انظر المسند المستخرج 1/ 403 - 404 برقم 811.
عند سماع الأذان: في هذا الحديث دليل على أن التثويب هو الإقامة
(1)
.
وكذلك قوله عقب حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في قضاء الحائض الصوم دون الصلاة: قال محمد بن جعفر: يجزين يعني يقضين
(2)
.
وأما ضبط الألفاظ فلم يرد عنده شيء في القسم المخصص لهذه المقارنة من كتابي الصوم والزكاة، والله سبحانه وتعالى أعلم
(3)
.
(1)
انظر: ح (1025).
(2)
انظر: ح (995).
(3)
أضيف هذا المطلب من دراسة الدكتور بابا الكميروني للجزء الذي حققه من الكتاب، من (ح 809 - 1759).
المبحث السابع: فيما تضمنه الكتابان من أنواع علوم الحديث
المقارنة في هذا المبحث تكون في النقطتين التاليتين، وسأفرد كل واحدة منهما بمطلب:
• أنواع الأحاديث في الكتابين.
• علم رواة الحديث في الكتابين.
المطلب الأول: أنواع الأحاديث في الكتابين:
الأصل في أحاديث الكتابين باعتبار صفة القبول والرد فيها، أنها تبع لأصلها، دائرة بين الصحيح لذاته، والصحيح لغيره، وقد وقع عند الحافظ أبي عوانة أحاديث زوائد خارجة عن أصل مادة الكتاب، يوجد فيها أنواع أخرى من الحسن، والضعيف، والمعلّ، والمنكر، وغيرها، وسيأتي الحديثُ عنها في الكلام على الزوائد في الكتابين، وكذلك وجد عند أبي نعيم رواية عمن لا تحل الرواية عنه، وسيأتي الحديث عنها في الكلام على الرواية عمن تكلم فيه في الكتابين، وأما باعتبار ما انتهى إليه الإسناد، فالأصل في أحاديث الكتابين أنها من قبيل المرفوع تبعا لأصلها أيضًا، وقد يأتي منها ما ليس بمرفوع، وستقتصر الدراسة في هذا المطلب على الأنواع التالية من الأحاديث:
1.
الموقوف.
2.
المقطوع.
3.
المعلق.
4.
المرسل.
الموقوف:
وهو ما أضيف إلى الصحابة من قول أو فعل أو تقرير، فمنه ما هو موقوف لفظًا وحكمًا، ومنه ما هو موقوف لفظا مرفوع حكمًا، وقد ذكر في كتب المصطلح صيغ النوع الثاني وما فيها من خلاف العلماء في اعتبارها منه أو من غيره
(1)
، فأما صحيح مسلم فقد ذكر الحافظ ابن حجر أن الإمام "اقتصر فيه على ذكر الأحاديث المرفوعة دون الموقوفة، وأنه لم يعرج إليها إلا في بعض المواضع على سبيل الندور تبعا لا قصدًا"
(2)
، وقال في مقدمة جزء الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف إنه تتبع الأحاديث الموقوفة والمقطوعة من صحيح مسلم، وقع أكثرها ضمن أحاديث مرفوعة، وهي في الكتاب كثيرة
(3)
، وهذا يتنزل على النوع الأول، وهو الموقوف لفظًا وحكمًا، وكلامه الأول يتنزل على النوع الثاني من الموقوف، فإنه ذكر في معرض استدلاله لقلة الأحاديث الموقوفة التي يتمحض لها حكم الرفع عند مسلم في الصحيح، فقال:" (إنه) في الغالب يحرص على تخريج الأحاديث الصريحة في الرفع"
(4)
، وكذا يحصل الجمع بين قوليه.
(1)
النكت على كتاب ابن الصلاح: (2/ 515 - 536)، فتح المغيث (1/ 127 - 142)، تدريب الراوي:(1/ 180 - 190).
(2)
هدي الساري: (12).
(3)
انظر الجزء المذكور ص (23).
(4)
فتح الباري (7/ 162).
والحافظان أبو عوانة وأبو نعيم راعيًا هذا المنهج، فقل عندهما الأحاديث الموقوفة بنوعيها، فأما الموقوف الصريح حكما ولفظًا فمنه عندهما في القسم المخصص لهذه الدراسة من كتابي الصوم والزكاة حديث أبي ابن كعب: بلغه أن ابن مسعود يقول: من قام السنة أصاب ليلة القدر، قال: والله الذي لا إله إلا هو! إنها لفي رمضان، حلف بذلك ثلاث مرات، ثم قال: والله الذي لا إله إلا هو! إني لأعلم أي ليلة هي، هي الليلة التي أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقومها، ليلة صبيحة سبع وعشرين، وآية ذلك أن تطلع الشمس لا شعاع لها
(1)
، والموقوف منه قول ابن مسعود.
الثاني: حديث عائشة: إن كنت لأدخل البيت في الحاجة والمريض فيه فلا أسأل عنه إلا وأنا مارة، وإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدخل على رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا للحاجة
(2)
، والموقف منه قول عائشة: إن كنت إلخ
(3)
.
الثالث: حديث جرير بن عبد الله البجلي، وفي آخره: قال جرير: فما
(1)
انظره برقم: (3321) عند أبي عوانة ومستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب علامة ليلة القدر (ص 251) من مصورة رقم: (2050).
(2)
الحديث رقم: (3327)، ومستخرج أبي نعيم -باب ما ذكر من قول عائشة كنت أرجل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا حائض، (ق 153 ب) من مصورة رقم:(468).
(3)
انظر: جزء الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف (ص 23).
صدر عني مصدق منذ سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو عني راض
(1)
.
الرابع: حديث عبد الله بن عمرو: أُخبِر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقول: لأقومن الليل ولأصومن النهار، الحديث، وفي آخره: قال عبد الله بن عمرو: لأن أكون قبلت الثلاثة الأيام التي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أهلي ومالي، ونحوه في طرق أخرى للحديث
(2)
.
وعند أبي عوانة فقط دون أبي نعيم: حديث أبي سعيد الخدري: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من شهر رمضان، الحديث وفي آخره: قال أبو نضرة: فقلت لأبي سعيد: إنكم أصحاب محمد أبصر بالعدد منا، فكيف تعدون؟ قال: أجل، نحن أحق بذلك منكم، إذا مضت إحدى وعشرين فالتي تليها التاسعة، فإذا مضت فالتي تليها السابعة، فإذا مضت التي تليها الخامسة
(3)
.
وهذه الأحاديث كلها عند مسلم أيضًا، وانفرد عند أبي عوانة حديث
(1)
الحديث رقم: (3393) وموضعه عند مسلم في التعليق على الحديث، وهو عند أبي نعيم في كتاب الزكاة -باب في الإثم لمن لم يؤد الحق من أمواله (81 - 82) من مصورة رقم:(2048).
(2)
الحديث رقم: (3149، و 3171، 3172)، والمواضع الموافقة عند مسلم ومستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب ما ذكر في فضل صوم داود (ص 232) من مصورة رقم:(2050).
(3)
الحديث رقم: (3286).
عمر بن الخطاب (ح 3369): "ما سقت الأنهار، والسماء، والعيون، العشور، وما سقي بالنضح فنصف العشر"، وهو من الأحاديث الزوائد، ذكره أبو عوانة ليبين الخلاف بين نافع، وسالم في هذا المتن، والذي من أجله أعرض الإمام مسلم عن روايته في الصحيح كما ذكُر في موضعه.
وانفرد عند أبي نعيم من هذا النوع حديث عمر في النهي عن صيام العيدين، وفي آخره زيادة موقوفة وهي: قال أبو عبيد: ثم شهدت العيد مع عثمان بن عفان فجاء فصلى ثم انصرف فخطب، وقال: إنه قد اجتمع لكم في يومكم هذا عيدان، فمن أحب من أهل العالية أن ينتظر الجمعة فلينتظرها، ومن أحب أن يرجع فقد أذنت له، قال أبو عبيد: ثم شهدت مع علي بن أبي طالب، وعثمان محصور، فجاء فصلى ثم انصرف فخطب
(1)
.
هذه الزيادة قد حذفها الإمام مسلم والحافظ أبو عوانة كما تقدم التنبيه عليه في الكلام على اختصار الحديث وتقطيعه، في المطلب الثالث من المبحث السادس، وأنها حذفت لوقوعها موقوفة ولعدم تعلقها برواية الحديث.
وأما النوع الثاني، وهو الموقوف لفظًا المرفوع حكمًا، فالأحاديث منه كالآتي:
(1)
هكذا أخرجه مالك الذي روى الثلاثة الحديث من طريقه (الموطأ، 1/ 179)، وانظر مستخرج أبي نعيم:(ص 209)، من مصورة:(2049).
1 -
حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم اهـ، وذلك أنه يحتمل أنها قالته من اجتهادها، لكن تبين من رواية أبي نعيم أنه مرفوع صريح إلى النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
2 -
حديث عائشة رضي الله عنها: إن كان ليكون علي الصوم في رمضان فما أستطيع أن أقضيه حتى يدخل شعبان، كان ذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(2)
، وهذا ظاهره الرفع، خاصة وأن جملة: كان ذلك لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، مدرجة من قول راويه، يحيى بن سعيد الأنصاري، إلا أن الحديث ورد من وجه آخر، وهو عند الثلاثة (مسلم، وأبي عوانة، وأبي نعيم) بلفظ: إن كانت إحدانا لتفطر زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان
(3)
، فدل أن للحديث حكم الرفع لأن الظاهر اطلاعه صلى الله عليه وسلم على ذلك
(4)
.
3 -
حديث عائشة، وقد سألتها معاذة: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ الحديث، وفيه، قالت عائشة: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة
(5)
،
(1)
انظره مع التعليق عليه في حديث رقم: (3023).
(2)
الحديث رقم: (3105)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام -باب في قضاء شهر رمضان (ص 214 - 215) من مصورة رقم:(2050).
(3)
الحديث رقم: (3110) والموضع السابق من مستخرج أبي نعيم.
(4)
انظر فتح الباري: (4/ 191).
(5)
الحديث رقم: (3113).
وهذا مما يتمحض فيه حكم الرفع لإضافة الفعل إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاحتمال أن يكون الآمر غير النبي صلى الله عليه وسلم في مثل هذا مرجوح جدًّا.
4 -
حديث الربيع بنت المعوذ، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم يوم عاشوراء، فكنا نصومه ونُصوِّمه صبياننا، ونعمل لهم اللُّعَب من العِهْن، ونذهب بهم المسجد، فإذا بكوا أعطيناهم إياها
(1)
، وعند مسلم: فكنا بعد ذلك نصومه إلخ، فقولها هذا موقوف لفظًا، وحيث لم تضفه إلى عصر النبي صلى الله عليه وسلم لم يأخذ حكم الرفع
(2)
، لكن قولها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصوم يوم عاشوراء، يدل على أنها كانت تحكي عن الأمر الأول فيكون فعلهم ذلك موافقًا له، وقد ثبت كونه منسوخًا من أحاديث أخرى، فدل على أن فعلهم ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم إذ لا نسخ بعده، فحكمه حينئذ حكم الرفع، والله أعلم.
5 -
حديث عبد الله بن مسعود، أن الأشعث بن قيس دخل عليه يوم عاشوراء وهو يأكل، فقال: يا أبا عبد الرحمن، ادنُ فكل، قال: إني
(1)
الحديث رقم: (3190)، وموضعه عند مسلم مذكور في حاشيته وهو عند أبي نعيم في كتاب الصيام -باب في فضل صيام عاشوراء (ص 209) من مصورة:(2049).
(2)
فتح المغيث: (1/ 136).
صائم، قال: كنا نصوم ثم ترك
(1)
، فهذا أيضًا ظاهره الوقف، لكن ورد في سائر طرقه التصريح بالرفع، وهي الطرق التي صدر بها أبو عوانة، وكذلك مسلم وأبو نعيم
(2)
، وهذه الأحاديث كلها عند المخرجين والإمام مسلم.
فخلاصة المطلب أن الأحاديث الموقوفة مع قلتها في الكتابين وفي كتاب الأصل المخرج عليه، وقوعها فيها على وجهين:
1 -
ما يكون منها من الألفاظ الموقوفة الصريحة التي لا تحتمل حكم الرفع، حيث وردت ضمن روايات الأحاديث المرفوعة، فكان ذكرها ثَم تبعا لا قصدًا، وقد تحذف بسبب عدم تعلقها برواية الجانب المرفوع من الأحاديث، وربما انفرد أبو عوانة بذكرها في الزوائد ليشير بها إلى اختلاف الرواة في الرفع والوقف.
2 -
ما يكون فيها من الموقوف الذي يأخذ حكم الرفع، فهذا قد يكون في بعض طرقه ما يصرح بالرفع، فيذكر مع المرفوع، أو يكتفي بذكر الموقوف اعتمادًا على معرفة أهل الصنعة بكونه مرفوعًا من وجه آخر، وحيث لم يوجد ما يصرح بالرفع، يكون مما يتمحض فيه
(1)
الحديث رقم: (3198) وعند أبي نعيم -كتاب الصيام- باب في صوم يوم عاشوراء (ص 199) من مصورة رقم: (2049).
(2)
انظر: صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب صوم يوم عاشوراء (2/ 794) والأحاديث (ح 3195 - 3197) عند أبي عوانة والموضع السابق عند أبي نعيم.
حكم الرفع، ويكون أيضًا نادرًا، وهذا معنى ما ذكره الحافظ ابن حجر عن الموقوفات التي في صحيح مسلم، والله أعلم.
المقطوع:
وهو ما أضيف إلى التابعي من قول أو فعل، وهو في صحيح مسلم مثل الموقوفات التي تقع في ضمن الأحاديث المرفوعة، فتذكر تبعًا لا قصدًا
(1)
، وأما في الكتابين فما وقع منها عند أبي عوانة في القسم المخصص لهذه المقارنة هو الآتي:
1 -
قول الزهري عقب حديث أبي هريرة فيمن جامع أهله في نهار رمضان: قال: وإنما كان هذا رخصة لرجل واحد، ولو أن رجلًا فعل ذلك اليوم، لم يكن بد له من التكفير، ورد في طريق معمر عنه، وفي طريق جرير، عن منصور عنه
(2)
، وليس عند مسلم وأبي نعيم قول الزهري هذا، مع أنهما أخرجا الطريقين لكنهما لم يذكرا اللفظ، بل أحالا فيه على نحو حديث ابن عيينة، وليس فيه ذكر الجانب المقطوع
(3)
.
(1)
جزء الوقوف على ما في صحيح مسلم من الموقوف (ص 23).
(2)
الحديث رقم: (3076، 3078).
(3)
انظره عند مسلم في التعليق على الحديثين وعند أبي نعيم، في كتاب الصيام -باب كفارة من جامع أهله في رمضان نهارًا (ص 176 - 177) من مصورة رقم: =
2 -
ما وقع عقب حديث معاوية بن أبي سفيان في صيام عاشوراء، قال ابن وهب: قال يونس: كان ابن شهاب يصومه، وهذا عند أبي نعيم أيضًا
(1)
، وهو مما حذفه الإمام مسلم من أجل كونه مقطوعا ولعدم تعلقه برواية الحديث، لأن أبا نعيم رواه من طريق حرملة بن يحيى شيخ الإمام مسلم في الحديث، فذكره.
3 -
ما وقع من قول الزهري عقب حديث أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، الحديث، وفي آخره: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك
(2)
، وعند مسلم زيادة أخرى حذفها أبو عوانة لكونها موقوفة، وهي: ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدر من خلافة عمر على ذلك
(3)
، فهذا القول مع أنه وقع مدرجًا في هذا الطريق، صورته صورة المرسل، وليس بمقطوع، إذ الإمام الزهري لم يضفه إلى نفسه، وإنما حدث عن شيء لم يدركه، فلولا أن الحافظ أورده في جزء الوقوف على ما
= (2049).
(1)
الحديث رقم: (3213)، ومستخرج أبي نعيم -باب في فضل صيام عاشوراء (ص 201) من مصورة رقم:(2049).
(2)
الحديث رقم: (3266).
(3)
كتاب صلاة المسافرين -باب الترغيب في قيام رمضان والتراويح (1/ 523)، مستخرج أبي نعيم (ق 125 أ) من النسخة المحفوظة برقم:(151) 4 فيلم.
في صحيح مسلم من الموقوف
(1)
لما ذكرته، والعلم عند الله.
4 -
وقد ذكر الإمام مسلم موضعًا آخر، قال: قال طلحة (وهو ابن يحيى بن عبيد الله): فحدكما مجاهدًا هذا الحديث، فقال: ذلك بمنزلة الرجل يخرج الصدقة من ماله، فإن شاء أمضاها، وإن شاء أمسكها
(2)
، وليس هذا عند أبي عوانة ولا عند أبي نعيم، لأن أصل الحديث الذي وقع عقبة هذا الأثر، ليس مرويا عندهما من طريق الذي رواه مسلم
(3)
.
فالخلاصة أن المقطوعات في الكتابين تبعًا لأصلهما، قليلة فيهما، وحيث وقعت فإنما وقعت ضمن الأحاديث المرفوعة، فتذكر تبعًا لا قصدًا.
المعلق:
وهو ما حذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر ولو إلى آخر الإسناد، وجملة ما وقع من ذلك عند مسلم ستة، ذكرها الحافظ أبو عمرو ابن الصلاح، كلها بصيغة الجزم، كلها موصولة عنده ما عدا واحدًا، وصله غيره
(4)
.
(1)
ص (23).
(2)
كتاب الصيام -باب جوز صوم النافلة بنية من النهار قبل الزوال (2/ 809).
(3)
انظر الحديث رقم: (3062 - 3065)، ومستخرج أبي نعيم، كتاب الصيام، باب في صوم رسول الله صلى الله عليه وسلم تطوعًا، (ص 227) من مصورة رقم:(2050).
(4)
انظر: صيانة صحيح مسلم (ص 76 - 81) النكت على كتاب ابن الصلاح: =
وقد وقع عند الحافظ أبي عوانة جملة من هذا النوع، كلها بصيغة الجزم أيضًا، فمنها ما هو موصول عنده في موضع آخر، ومنها ما هو موصول عند الإمام مسلم، ومنها ما هو موصول عند غيرهما، ومنها ما علقه عن بعض شيوخه، فأما النوع الأول، فليس تحته في القسم المخصص لهذه الدراسة -من كتابي الصوم والزكاة- إلا موضع واحد، وهو ما صدر به "باب مبلغ عدد الركعات التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها من الليل في شهر رمضان. . . الخ"، قال: روى سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، قال: أتيت عائشة أسألها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، فذكره، وهذا موصول عنده في حديث رقم:(3225)، بذكر صيامه صلى الله عليه وسلم فقط، وقد ذُكر هذا الحديث من أمثلة الأحاديث التي قطّعها أبو عوانة تبعا للإمام مسلم، وهذا مثل صنيع الإمام البخاري في تجنب التكرار لحديث واحد، فيختصر إسناده كما يختصر متنه.
النوع الثاني: تحته الأحاديث الآتية:
1 -
ما ذكره عقب الحديث رقم: (3019)، قال: رواه عمارة، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو موصول عند مسلم، علقه أبو عوانة لكونه ليس عنده، فأتى بطريق همام بن منبه، عن أبي هريرة بدله.
2 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3028)، قال: رواه جرير،
= (1/ 352)، تغليق التعليق على صحيح مسلم.
وعبد الواحد، وعلي بن مسهر، عن الأعمش، وعباد بن عباد، عن شعبة، بمعنى حديث أبي معاوية، فذكره ثم قال: إلا هشيم، فإنه زاد قال:"في شهر رمضان"، و "جاء الليل من ها هنا"، وهذه الطرق موصولة عند مسلم، إلا طريق عباد بن عباد، عن شعبة، فقد أسند مسلم طريق شعبة من رواية غندر عنه، وذكر أبو عوانة هذه الطرق معلقة لبيان اختلاف ألفاظها، فلم يسندها اختصارًا، والله أعلم.
3 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3042)، قال: رواه مروان ابن معاوية، عن عاصم، سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد الخدري، وجابر ابن عبد الله، قالا: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكره، وهو موصول عند مسلم، لم يسنده أبو عوانة، ولكنه أورد طرقا أخرى، عن عاصم، تسند الحديث إلى جابر، يشير بها إلى أن رواية مروان، عن عاصم محفوظة، وأن الحديث عند أبي نضرة عن كل من أبي سعيد، وجابر.
4 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3051)، قال: رواه أبو خالد الأحمر، عن حميد، وزاد: فلقيت ابن أبي مليكة فأخبرني عن عائشة مثله، هو موصول عند الإمام مسلم، علقه أبو عوانة لكونه لم يكن عنده، وأورد طريق مالك، عن حميد بدله.
5 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3126)، قال: رواه ابن نمير، عن عبد الله بن عطاء، فقال: شهرين كما قال عبيد الله، عن سفيان، ورواه إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عبد الله بن عطاء
المكي، بمثل حديثهم: وعليها صوم شهر، فهذان موصولان عند مسلم، علقهما أبو عوانة لبيان اختلاف أصحاب عبد الله بن عطاء في اللفظ، ولم يسندها من أجل الاختصار.
6 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3042)، قال: روى أبو كريب، عن حسين الجعفي، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي. . ." الحديث، هو موصول عند مسلم، ولعل أبا عوانة علقه لبيان علته، فإنه معلول، كما في تخريج الحديث.
7 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3195)، قال: رواه يحيى بن يحيى، عن أبي معشر العطار، عن خالد بن ذكوان، وهذه الطريق موصولة عند مسلم، والظاهر أنها ليست عند أبي عوانة، وهي من الطرق التي تفرد بها مسلم من بين سائر أصحاب الكتب الستة
(1)
، وقد رواه الطحاوي، من طريق ابن أبي داود الأسدي، وهو من شيوخ أبي عوانة، عن الحماني، وهو يحيى بن عبد الحميد، عن يوسف بن يزيد، وهو أبو معشر به
(2)
، فلعله يكون عند أبي عوانة وأعرض عنه لما في الإسناد من وجود يحيى الحماني، فإنه وإن كان ثقة إلا أنه اتهم بسرقة الحديث
(3)
، والله أعلم.
(1)
تحفة الأشراف (11/ 302).
(2)
شرح معاني الآثار (2/ 73).
(3)
تقريب التهذيب (ص 593).
8 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3236)، قال: رواه الثوري، عن أبي النضر، وقال: مولى أم الفضل، هو موصول عند مسلم، أورده أبو عوانة لبيان الاختلاف في ولاء عمير.
9 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3274)، قال: رواه زهير، عن جرير، عن منصور، هو موصول عند مسلم، عن زهير، ولعل أبا عوانة علقه لكونه ليس عنده، ثم إن لفظه أتم من لفظ حديث أبي عوانة، فحديث زهير فيه ذكر عموم عمله صلى الله عليه وسلم بخلاف طريق أبي عوانة الذي اقتصر على ذكر صلاته صلى الله عليه وسلم.
10 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3298)، قال: رواه قتيبة، عن الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن عروة، وهو موصول عند مسلم، عن قتيبة، لعله أيضًا علقه لكونه ليس عنده فإنه أتى بطريق معمر، عن الزهري بدله.
11 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3305)، قال: روى غندر، وأبو جابر، عن شعبة، عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله رسول صلى الله عليه وسلم: "من كان ملتمسا ليلة القدر فليلتمسها في العشر الأواخر"، وصله مسلم من طريق غندر، وأما طريق أبي جابر فلم أقف على من وصله، ولو رواه أبو عوانة موصولًا عن عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن غندر لحصل له بنزول، فعلقه، والله أعلم.
وكاد أن يطرد صنيع أبي عوانة هذا حتى في خارج مادة هذه المقارنة،
مع حديث غندر، عن شعبة، وغيره من الأحاديث التي تقع عنده بنزول.
12 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3322)، قال: رواه غندر، عن شعبة، عن عبدة، وهو موصول عند مسلم، ولو رواه مسندًا لوقع فيه مثل ما قيل في الذي قبله، أي يكون كأنه سمعه من مسلم، فعلقه.
والنوع الثالث، تحته أيضًا أحاديث، وهي:
1 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3023)، قال: زاد نعيم، عن عبدة: قيل له: إنك تواصل، فقال:"إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني"، لم أقف على من وصله عن نعيم، وهو ابن حماد، أورده من أجل الزيادة في اللفظ.
2 -
ما ذكر مع التعليق رقم 2 من النوع السابق، وفيه: عباد بن عباد، عن شعبة، ولم أقف عليه، وقد ذكرت وجه إيراده عند المصنف.
3 -
ذكر عقب حديث رقم: (3082)، قال: كذلك قال عمرو ابن شعيب: "صم يوما مكانه"، وصله ابن أبي شيبة، وأحمد، والبيهقي، عن أبيه، عن جده، كما ذكرت في التعليق تحت حديث رقم 3081، أورده ليشير إلى ما يشهد لهشام بن سعد، وعبد الجبار في ذكرهما لهذه اللفظة عن الزهري.
4 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3109)، قال: رواه يزيد ابن هارون، عن يحيى بن سعيد، لم أقف على من وصله من طريق يزيد، ولعل فائدة ذكره الإشارة إلى من تابع ابن جريج في بيان ما أدرجه بعض الرواة في
الحديث من قول يحيى بن سعيد: فظننت أن ذلك لمكانها من النبي صلى الله عليه وسلم.
5 -
ما ذكره مع التعليق رقم (5) من النوع السابق، قال: وروى الأشجعي عن سفيان، فقال: وعليها صوم من رمضان، لم أقف على من وصله عن الأشجعي، ذكره معلقًا ليبين الاختلاف على الثوري في لفظ حديثه عن عبد الله بن عطاء.
6 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3154)، قال: رواه أبو الوليد، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن حميد الحميري، وصله عبد بن حميد، كما ذكرت في التحقيق، ووصله المصنف من وجه آخر عن أبي عوانة، كما فعله مسلم، فيحمل صنيعه هذا على إرادة زيادة الطرق فذكر هذا الطريق معلقًا من أجل الاختصار، والله أعلم.
7 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3238)، قال: رواه غندر، عن شعبة، وعلي بن حرب، عن أبي معاوية، فقالا:"إلا من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشيء من ذلك"، فأما التعليق الأول فقد وصله أحمد، كما ذكر في الموضع المذكور من الكتاب، وأما الثاني فهو مما علقه أبو عوانة عن بعض شيوخه، فهو موصول عنده، كما سيأتي تقريره في نظيره، أورده ليشير إلى الاختلاف في اللفظ وذكرهما بالتعليق من أجل الاختصار، حيث اقتصر على ذكر موضع الشاهد من الحديث.
8 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3266)، قال: "روى ابن المبارك هذا الحديث عن معمر، ومالك مرسلًا، وأبو أويس، عن الزهري، مرسلًا،
وعثمان بن عمر، عن مالك مجودًا، ولم أرهم أخرجوه لحميد"، أوردها أبو عوانة لبيان الاختلاف على مالك، والزهري في إسناد الحديث، وقد ذكرتُ من وصلها في الموضع المذكور من المستخرج.
9 -
ما ذكره مع التعليق رقم (11) من النوع السابق، قال: روى غندر وأبو جابر، عن شعبة، عن جبلة بن سحيم، عن ابن عمر، فذكره، ولم أقف على من وصل رواية أبي جابر، عن شعبة.
10 -
ما ذكره عقب حديث رقم: (3407)، قال: قال أبو عوانة: روى هذا الحديث عن أبي الزناد جماعة، منهم موسى بن عقبة، وعبد الرحمن ابن أبي الزناد، وقد رواه شعيب هذا، فقال: بعضهم: "فهي عليه ومثلها معها"، وبعضهم قال مكان:"أعتاده""وأعبده"، ذُكر من وصل هذه الطرق مع ما فيها من اختلاف ألفاظها في التحقيق، أورد أبو عوانة هذه التعليقات ليشير إلى ما وقع في الحديث من اختلاف ألفاظ ناقليه.
والنوع الرابع: وهو ما علقه عن بعض شيوخه، فيه حديثان: الأول منهما موصول عند مسلم، وذكره أبو عوانة بصيغة التعليق عن شيخه عقب حديث رقم:(3102)، فقال: رواه إبراهيم بن مرزوق، فقال: عن الأسود، قال: انطلقت أنا ومسروق إلى عائشة، فقلنا لها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم؟ وذكر الحديث، فهذا محمول على أنه سمعه من شيخه، إذا لم
يكن المعلِّق مدلسًا، على ما قرره ابن الصلاح
(1)
، لكن لم يذكر باقي السند، وهو موصول عند مسلم من طريق محمد بن المثنى، عن أبي عاصم النبيل، سمعت ابن عون، عن إبراهيم، عن الأسود
(2)
، وهذا لم يتبين لي وجهه، إلا أن يكون فعل هذا ليشير إلى الخلاف عن إبراهيم النخعي في رواية الحديث، فأحيانًا يرويه عن الأسود ومسروق، عن عائشة، كما أسنده أبو عوانة من طريقين (3101، 3102)، وأحيانًا يرويه عن الأسود وحده، عن عائشة، وهو عنده وعند مسلم، فعلقه هو اختصارًا، على حين أنه موصول عند مسلم، أو يكون فعل ذلك لسبب آخر، والله أعلم.
الثاني: ما ذكره مع التعليق رقم (7) من النوع الثالث، فقال: ورواه علي بن حرب، عن أبي معاوية، فقالا:"إلا من خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع بشيء من ذلك"، وتقدم أنه أورده ليشير إلى اختلاف الرواة عن الأعمش في ذكر هذا اللفظ، فتعليقه له يبدو أنه من باب الاختصار.
فهذه جملة ما عند الحافظ أبي عوانة من المعلقات في القسم المحقق من كتابي الصوم والزكاة.
وأما الحافظ أبو نعيم، فليس عنده تعليق إلا في موضعين: الأول، ما ذكره في باب الصوم والإفطار في السفر، قال: قال مسلم: حدثنا
(1)
انظر مقدمة ابن الصلاح (71، 73)، النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 354).
(2)
كتاب الصيام -باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته (2/ 777).
أبو بكر، حدثنا أبو خالد الأحمر، فذكره
(1)
، علقه لكونه لم يكن عنده، ولينص على أن ما أورده من طرقه التي ليست عند مسلم فإنما هي بدل منه، والثاني، قال: قال مسلم: حدثنا شجاع بن مخلد، حدثنا يحيى بن أبي زائدة، حدثنا الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن عائشة، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل وهو صائم، ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه
(2)
.
فيتلخَّص أن عند أبي عوانة الأنواع الأربعة من التعليقات، يوردها لأسباب، منها:
1 -
أن يكون للاختصار عند تقطيعه للحديث في أكثر من باب واحد، فيعلقه في الموضع الثاني، ويكون موصولًا عنده في الموضع الأول.
2 -
أن يقصد به بيان اختلاف ألفاظ الناقلين، وقد يكون منها ما هو موصول عند صاحب الأصل، وقد يكون موصولًا عند غيره، وهذا يقع عنده حتى في الأحاديث الزائدة على ما عند صاحب الأصل كما في التعليق رقم (7) من النوع الثالث.
(1)
الحديث في صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان إلخ (2/ 788)، مستخرج أبي نعيم (ص 184 - 185)، من مصورة رقم:(2049).
(2)
كتاب الصيام -باب الرخصة في القبلة للصائم (ص 167 - 168) من مصورة رقم: (2049).
3 -
أن يقصد به بيان اختلاف الرواة في الإسناد، كما في التعليق رقم (8) من النوع الثالث، وهذا والذي قبله من باب الاختصار أيضًا، والمعلقات التي من النوع الرابع تدخل في هذا الباب فيما يظهر، والعلم عند الله.
4 -
أن يكون الحديث ليس عنده، وهو مما أخرجه صاحب الأصل، أو لم يجد له سندًا يرتضيه، كأن يقع عنده بنزول، فيورده معلقًا عن بعض رواته، وهو في هذا يمثل ما ذكره الحافظ السخاوي من منهج المستخرجين
(1)
، وكثير من المعلقات التي في النوع الثاني من هذا الباب.
5 -
أن يكون التعليق لحديث هو عند صاحب الأصل معلول، كما في التعليق رقم (6) من النوع الثاني، فكأنه بتعليقه له يشير إلى أنه معلول، والله أعلم.
6 -
أن يكون ورد لبيان الشاهد، أو المتابع، كما في التعليق رقم (3) من النوع الثاني، والتعليق رقم (4) من النوع الثالث.
7 -
أن يكون فيه إرادة زيادة طرق الحديث، كما في التعليق رقم (6) من النوع الثالث.
وأما الحافظ أبو نعيم، فالتعليقان اللذان ذكرهما لبيان عدم وجود طريق صاحب الأصل عنده، فأوردهما معلقين عنه حتى لا يفوتاه، والعلم عند الله.
(1)
انظر: فتح المغيث (1/ 44).
المرسل:
وهو ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويطلق أيضًا على المنقطع، وهو بهذا المعنى نوعان: جلي وخفي، فأما الجلي فكرواية الرجل عمن لم يعاصره، وأما الخفي فهو الذي يكون من معاصر لم يلق من حدث عنه
(1)
، فأما المرسل بالمعنى الأول، فمنه عند الثلاثة (مسلم، وأبي عوانة، وأبي نعيم) في القسم الموافق لهذه المقارنة من مسند أبي عوانة، ما ورد عقب حديث جابر ابن عبد الله في إثم مانع الزكاة: قال أبو الزبير: سمعت عبيد بن عمير يقول: قال رجل: يا رسول الله، ما حق الإبل؟ قال:"حلبها على الماء، وإعارة دلوها، ومنيحتها، وحمل عليها في سبيل الله"
(2)
.
والظاهر أن الإمام مسلم أورده ليبين الاختلاف على أبي الزبير في هذه الجملة، فقد أورد عقبة طريق عبد الملك بن عمير الذي جاءت الجملة موصولة، وهو اختلاف لا يضر إذ ورد من أوجه أخرى ما يشهد لوصله، كما بُيِّن في التحقيق.
وأورد أبو عوانة بعض المواضع، وهي ثلاثة، كلها طرق لحديث واحد، وفيها: عن أبي سلمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر
(1)
نزهة النظر (ص 43)، تدريب الراوي (1/ 195 - 196، 2/ 205).
(2)
كتاب الزكاة -باب إثم مانع الزكاة (2/ 685)، والحديث رقم 3378 عند أبي عوانة وص 81 من مصورة 2048 من مستخرج أبي نعيم.
بعزيمة، الحديث
(1)
، من طريقين، والثالث: عن حميد، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال بمثله
(2)
، أوردها لبيان الاختلاف على مالك في إسناد الحديث، وأما ما رواه بإسناده عن عبد الله بن عمير، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لئن سلمت إلى القابل لأصومن يوم التاسع"
(3)
، فهو مما حققت أنه سقط من النسختين ذكر ابن عباس في الإسناد، وأن الصحيح على ما في إتحاف المهرة أنه مسند من مسند ابن عباس، كما رواه مسلم وأبو نعيم.
والمرسل الجلي على حسب الإطلاق الثاني، هو المنقطع، وقد ذكر ابن الصلاح عدة مواضع في صحيح مسلم وقع فيه ما رآه من هذا النوع ليس منها شيء في قسم هذه المقارنة، والذي عليه الجمهور أنها من قبيل المتصل الذي في سنده جهالة، فإن الإمام مسلمًا يقول فيها: حُدثت، أو حدثني صاحب لنا، أو غير واحد
(4)
، وليس في المستخرجين شيء من هذا القبيل وفق ما في قسم هذه المقارنة.
وأما المرسل الخفي، فقد ذُكر في النص المحقق في حديث أبي قتادة الأنصاري، أن الإمام البخاري قال: لا يعرف لعبد الله بن معبد الزماني سماع من
(1)
الحديث رقم: (3262، 3264).
(2)
الحديث رقم: (3267).
(3)
الحديث رقم: (3220).
(4)
انظر: صيانة صحيح مسلم (76 - 81)، النكت على كتاب ابن الصلاح (348 - 354).
أبي قتادة، والحديث عند مسلم، وخرجه المخرِّجان، فهذا الحديث يكون من قبل المرسل الخفي على مذهب الإمام البخاري الذي يشترط في الإسناد المعنعن معرفة اللقاء بين المتعاصرين، بخلاف مذهب الإمام مسلم، وقد ذُكر هنالك أن متن الحديث له شواهد، وأن سماع عبد الله من أبي قتادة ممكن
(1)
.
وحديث أبي سعيد الخدري: "من صام يوما في سبيل الله باعده الله عن النار سبعين خريفًا" برواية النعمان بن أبي عياش
(2)
، وهو عند مسلم، والمخرِّجين، وقد ذكر مسلم في المقدمة في معرض إلزامه لمخالفه في مسألة الإسناد المعنعن أن النعمان بن أبي عياش، من جملة التابعين الذين لم يعرف عنهم سماع عُلم من أبي سعيد الخدري في رواية بعينها، وهو من صحيح الأسانيد، فلو ثبت ما ذكره لكان مثل الأول، (أي مرسل خفي عند البخاري، ومسند عند مسلم) لكن استدرك عليه الأئمة المتأخرون بإثبات سماع النعمان بن أبي عياش من أبي سعيد الخدري في أسانيد عند الإمام مسلم نفسه في الصحيح وقعت ضمن الأحاديث
(3)
.
الثالث ما ذكره الحافظ أبو عوانة من الأحاديث الزوائد، وهو حديث أبيّ بن كعب، من رواية أبي رافع الصائغ عنه، فقد ذكر الإمام مسلم مثل
(1)
انظر الحديث رقم: (3043).
(2)
الحديث رقم: (3036 - 3038).
(3)
انظر: السنن الأبين في المحاكمة بين الأحمدين في السند المعنعن (ص 152 - 158)، النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 596 - 598).
كلامه المتقدم في الحديث السابق، في أبي رافع عن أبي بن كعب، ولعله من أجله تردد أبو عوانة في صحة الإسناد
(1)
، فهذا أيضًا إن ثبت ما قاله الإمام يكون من قبيل المرسل الخفي عند البخاري، مسند عند مسلم.
فالخلاصة أن المرسل بالمعنى الأول ليس من مادة الكتابين تبعا للأصل، إلا ما قد يذكر لبيان اختلاف الرواة في إسناد الحديث، وأبو عوانة يزيد في ذلك بيانًا حيث يذكر الاختلاف في المواضع التي أهمل ذكرها صاحب الأصل، وأما بمعنى المنقطع فليس منه في قسم المقارنة من كتابي الصوم والزكاة شيء، وأما المراسيل الخفي إرسالها فقد تقع عندهما تبعا للأصل، بناء على اختلاف الإمامين البخاري ومسلم في الإسناد المعنعن.
المطلب الثاني: علم رواة الحديث في الكتابين:
إن كتب رواية الحديث تمثل مصدرًا من مصادر علم رواة الحديث، وذلك بما يقع فيها على سبيل التبعية جملٌ من أقوال الحفاظ في فنون هذا العلم، مثل التعديل والتجريح لرواة الحديث، وبيان الإخوة من الرواة، وبيان الوحدان، وبيان الأسماء والكني، وغير ذلك، والكتابان بصفتهما كتابان من كتب الرواية، تشتمل على شيء من هذا العلم، وهو كالتالي:
* الجرح والتعديل.
* بيان الإخوة من الرواة.
(1)
الحديث رقم: (3300).
* بيان الكني والأسماء والنسب، وعليها تكون المقارنة في هذا المطلب.
الجرح والتعديل في الكتابين:
ذكر الحافظ أبو عوانة في كتابه أقوالًا في الجرح والتعديل تلقاها الحفاظ الذين جاءوا بعده في كتبهم المصنفة في هذا الفن، ومما ورد منها في القسم المخصص لهذه المقارنة من كتابي الصوم والزكاة:
1 -
قال يحيى قال: "يحيى بن صالح الوحاظي حسن الحديث، ولكنه صاحب رأي، وهو عديل محمد بن الحسن إلى مكة، وأحمد بن حنبل لم يكتب عنه"، ذكره عقب الحديث رقم:(3073)، ونقله الحافظ المزي في ترجمة يحيى بن صالح الوحاظي
(1)
.
2 -
قال: عبد ربه بن سعيد أعز إخوته حديثًا، ذكره عقب الحديث رقم:(3073)، نقله عنه الحافظ ابن حجر في تهذيب التهذيب
(2)
.
3 -
قال عن شيخه درست بن سهل التستري: كان حافظًا، ذكره في حديث رقم:(3301).
4 -
ذكر عن بكار بن قتيبة توثيقًا لشيخ شيخه عبد الله بن جعفر المخرمي في إسناد الحديث رقم: (3320)، فنقله الحافظ ابن حجر في
(1)
تهذيب الكمال (31/ 379).
(2)
(6/ 127).
تهذيب التهذيب في ترجمة عبد الله المخرمي
(1)
.
وأما الحافظ أبو نعيم فلم أقف له على كلام في الجرح والتعديل وفق القسم الموافق للقسم المحقق، لكنه ذكر في مقدمة الكتاب (291) راويًا ضعيفًا
(2)
.
بيان الإخوة من الرواة:
ورد عند الحافظ أبي عوانة بيان أن عبد ربه بن سعيد، ويحيى ابن سعيد، وسعد بن سعيد إخوة، ذكره عقب الحديث رقم:(3037)، وليس شيء من ذلك عند الحافظ أبي نعيم في القسم الذي تحت هذه الدراسة.
بيان الكني والأسماء والنسب:
هذا البيان قد يكون من الراوي، وليس الحديث مسموعًا له كذلك، فحينئذ يشترط أن يأتي بـ (هو)، أو (يعني) ليميز ذلك
(3)
، وقد يأتي البيان من الرواية نفسها، وفي كلا الأمرين، الفائدة حاصلة، فمما وقع عند الحافظ أبي عوانة من ذلك:
1.
بيان كنية عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الأنصاري، قال: وهو أبو طوالة، وهو مشهور بهذه الكنية، والظاهر أن البيان من شيخ المصنف أو من شيخ
(1)
(5/ 173).
(2)
انظر (ص 80 - 283) من مستخرجه بتحقيق د. مقبل الرفيعي، وقد أفردت في كتاب الضعفاء له.
(3)
انظر: فتح المغيث (3/ 188).
شيخه، كما يظهر من رواية ابن عبد البر للحديث من طريق شيخ المصنف
(1)
.
2.
بين اسم موسى بن طارق الذي ورد مهملًا في الإسناد عنده، فقال: يعني ابن طارق
(2)
.
3.
بيان كنية عبيد الله بن الأخنس، قال في إسناد الحديث رقم:(3212): وحدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد المقرئ ببغداد، حدثنا روح، حدثنا أبو مالك عبيد الله بن الأخنس.
4.
بيان كنية حاجب بن عمر، قال في الإسناد: حدثنا أبو خشينة، حاجب بن عمر
(3)
.
وأما الحافظ أبو نعيم فقد ذكر الدكتور مقبل الرفيعي أن من فوائد الاستخراج في كتابه ما يقع من التعريف ببعض الرواة بذكر كناهم، أو أنسابهم
(4)
، فمن ذلك: حديث حمزة الأسلمي، وفيه: أخبرني عمرو ابن الحارث، عن محمد بن عبد الرحمن، هو أبو الأسود، على حين ورد عند مسلم وأبي عوانة بذكر كنيته فقط
(5)
.
(1)
انظر الحديث رقم: (3071)، والتمهيد (17/ 419).
(2)
الحديث رقم: (3087).
(3)
الحديث رقم: (3223).
(4)
انظر: (ص 25).
(5)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (2/ 790)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب الصوم والإفطار في السفر (ص 187) من مصورة رقم:(2049).
المبحث الثامن: ما اشتمل عليه الكتابان من فوائد الاستخراج
ذكر عدد من الحفاظ المتأخرين فوائد الاستخراج، وقال السخاوي إنه أورد منها نحو العشرين
(1)
، وأوصلها الدكتور مقبل الرفيعي إلى ستة وعشرين
(2)
، وسأقتصر في هذه الدراسة على ما وقع من تلك الفوائد في الكتابين أو أحدهما.
1 - العلو:
وهو أصل مقصود أصحاب المستخرجات كما قال الحافظ ابن حجر
(3)
، وفائدته تكمن في أن طلبه من سنة سلف هذه الأمة، وثانيًا احتمال الخطأ من الإسناد العالي أقل منه من الإسناد النازل، لقلة الوسائط في الأول دون الثاني، ومن أجل تحصيل هذه الفائدة كثرت الكتب المستخرجات على صحيح مسلم، قال الذهبي في ترجمة الإمام مسلم:
"ليس في صحيح مسلم من العوالي إلا ما قل، كالقعني، عن أفلح ابن حميد، ثم حديث حماد بن سلمة، وهمام، ومالك، والليث، وليس في الكتاب حديث عال لشعبة، ولا للثوري، ولا لإسرائيل، وهو كتاب نفيس كامل في معناه، فلما رآه الحفاظ أعجبوا به، ولم يسمعوه لنزوله، فعمدوا إلى
(1)
انظر: فتح المغيث (1/ 46 - 47).
(2)
انظر: مستخرج أبي نعيم بتحقيقه: (1/ 82 - 100).
(3)
النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 293).
أحاديث الكتاب فساقوها من مروياتهم عاليةً بدرجة وبدرجتين، ونحو ذلك، حتى أتوا على الجميع هكذا، وسموه "المستخرج على صحيح مسلم"
(1)
.
وأجل أنواع العلو هو القرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح، وهو المسمى العلو المطلق، فأعلى ما وقع لأبي عوانة من ذلك الأحاديث الرباعيات، وهي التي كانت الواسطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع وسائط، ومن أمثلة هذا النوع:
1 -
الحديث رقم: (3025)، قال أبو عوانة: حدثنا علي بن حرب، حدثنا أبو معاوية، عن أبي إسحاق الشيباني، عن ابن أبي أوفى، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فقال لرجل: "انزل فاجدح لنا" الحديث.
2 -
الحديث رقم: (3050)، قال أبو عوانة: حدثنا أبو أمية، حدثنا الأنصاري، حدثنا حميد، عن أنس، قال: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان، صام قوم وأفطر آخرون، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم.
3 -
الحديث رقم: (3187)، قال أبو عوانة: حدثنا أبو عبيد الله، حماد بن الحسن الوراق، حدثنا حماد بن مسعدة، عن يزيد ابن أبي عبيد، عن سلمة بن الأكوع، أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا من أسلم
(1)
سير أعلام النبلاء (12/ 568 - 569).
يؤذن في الناس يوم عاشوراء: "من كان صائمًا فليتم صومه، ومن أكل فلا يأكل شيئًا، وليتم صومه".
4 -
الحديث رقم: (3188): حدثنا إسحاق بن سيار، حدثنا أبو عاصم، عن يزيد، عن سلمة، أن النبي-صلى الله عليه وسلم أمر رجلًا ينادي يوم عاشوراء ....
5 -
الحديث رقم: (3189): حدثنا ابن الجنيد، وعباس بن محمد، قالا: حدثنا أبو عاصم بإسناده، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلًا يوم عاشوراء ينادي في الناس:"من كان أكل فلا يأكل بقية يومه، ومن كان لم يأكل فليصم بقية يومه"، فأبو عوانة في هذه الأحاديث صار من طبقة التي تلي تبع الأتباع، وهذه الأحاديث هي أيضًا عند الإمام مسلم من الرباعيات، وهي أعلى ما عنده في الصحيح
(1)
.
وأما أبو نعيم فأعلى ما عنده في القسم الذي تحت هذه الدراسة السداسيات، وعنده جملة منها.
منها جميع طرقه لحديث ابن أبي أوفى المتقدم، ما عدا طريق شعبة
(2)
، وكذلك طرق الحديث الثاني المتقدم، وهو حديث أنس
(3)
، ويمكن أن يكون
(1)
انظر: غنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج (ص 39).
(2)
(ص 161 - 163)، من مصورة رقم:(2049) تحت باب في وقت الإفطار.
(3)
(ص 184 - 185) من مصورة رقم: (2049)، تحت باب الصوم والإفطار في السفر.
له بعض الخماسيات في مواضع أخرى من الكتاب، فهي أعلى ما يمكن له من الأحاديث، وذلك حيث يكون الحديث عند مسلم من الرباعيات، فوافقه أبو نعيم في الإسناد عاليا بدرجتين، فيكون كأنه سمع من مسلم.
وأما عكسه، وهو أنزل ما وقع لهما فلأبي عوانة الحديث رقم:(3095)، وهو من تساعياته؛ ولأبي نعيم الحديث نفسه من طريق أبي بكر الطلحي، حدثنا عبيد بن غنام، نا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا الحسن ابن موسى الأشيب، حدثنا شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن عمر بن عبد العزيز أخبره أن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة أم المؤمنين أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبلها وهو صائم، وهو من عشارياته، على أنه هو فيه عال نسبيًّا، لأنه لو رواه من طريق مسلم لكانت الوسائط إحدى عشرة
(1)
.
والنوع الثاني هو العلو النسبي، وهو القرب إلى إمام من أئمة الحديث، وهذا أكثر الأنواع وقوعًا في الكتابين، وقد تقدم أن الحافظ الذهبي ذكر أنه ليس في صحيح مسلم حديث عال عن شعبة، ولا عن الثوري، ولا عن إسرائيل، فهؤلاء وأمثالهم يكون حديثهم عند الحافظين عاليًا، يكون عند أبي عوانة عاليًا بدرجة حيث يساوي مسلمًا في عدد الوسائط بينه وبينهم، ويكون عند أبي نعيم عاليًا بدرجتين، كأنه سمع من مسلم، وفيما يلي ذكر بعض أسانيد المخرِّجين العالية إلى هؤلاء الأئمة.
(1)
باب الرخصة في القبلة للصائم: (ص 169) من مصورة رقم: (2049).
حميد الطويل:
عند أبي عوانة إسناد واحد يعلو به عنه في قسم هذه الدراسة من كتابي الصوم والركاة، وهو أبو أمية، عن الأنصاري، عنه، وهذا الإسناد فيه مساواة لأبي عوانة مع مسلم، فإن من أسانيده العالية إلى حميد: ابن أبي شيبة، عن لأبي خالد الأحمر، عنه، وأما أبو نعيم فعنده في قسم الدراسة: أبو بكر بن خلاد، عن الحارث بن أبي أسامة، عن عبد الله بن بكر عنه، وفيه علو له بدرجتين، لأنه لو رواه من طريق مسلم، لكانت الوسائط بينه وبين حميد خمسة: أبو أحمد الجلودي، وإبراهيم بن محمد بن سفيان، ومسلم، ثم اثنان بين مسلم وحميد.
الأعمش:
أسانيد أبي عوانة إليه:
1 -
علي بن حرب، عن أبي معاوية الضرير عنه.
2 -
علي بن حرب، عن يعلى بن عبيد عنه.
3 -
أبو علي الزعفراني، عن عبيدة بن حميد عنه.
4 -
الحسن بن علي بن عفان، عن عبد الله بن نمير عنه، فبينهما واسطتان مثل ما عند مسلم.
ولأبي نعيم إلى الأعمش في قسم الدراسة أبو بكر الطلحي، عن عبيد ابن غنام، عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عنه؛ والطلحي، عن أبي حصين، عن يحيى الحماني، عن أبي معاوية عنه، فيعلو بدرجة عما لو رواه
من طريق مسلم.
شعبة:
أسانيد أبي عوانة إليه:
1 -
يونس بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي، عنه.
2 -
محمد بن إسماعيل الصائغ، والصاغاني، وإبراهيم بن مرزوق، كلهم عن روح، عنه.
3 -
الصاغاني، عن أبي النضر، هاشم بن القاسم، عنه.
4 -
الصاغاني، عن يحيى بن أبي بكير، عنه.
5 -
أبو قلابة الرقاشي، عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عنه، فساوى مسلمًا في عدد الوسائط إلى شعبة، قد ذكر الحافظ السيوطي أن حديث شعبة لم يقع في الكتب الستة بعلو إلا في كتاب البخاري، وأبي داود، حيث كان بينهما وبينه رجل واحد
(1)
.
وأما التي للحافظ أبي نعيم إليه، فمنها:
1 -
أبو الشيخ الإصفهاني، عن يونس بن حبيب، عن أبي داود الطيالسي عنه.
2 -
فاروق الخطابي، عن أبي مسلم الكشي، عن سليمان ابن حرب، وعمرو بن مرزوق عنه.
(1)
تدريب الراوي (2/ 170).
3 -
فاروق الخطابي، عن أبي مسلم الكشي، عن أبي الوليد الطيالسي عنه.
4 -
أبو بكر بن خلاد، عن الحارث بن أبي أسامة، عن روح عنه.
5 -
حبيب بن يحيى، عن أبي يوسف الفارسي، عن سليمان ابن حرب عنه.
فالوسائط بينهما ثلاثة، ولو روى من طريق مسلم إليه لكانت خمسة: أبو أحمد الجلودي، وإبراهيم بن محمد بن سفيان، ومسلم، ثم اثنان بينه وبين شعبة.
الثوري:
من أسانيد أبي عوانة إليه:
1 -
علي بن حرب، عن القاسم بن يزيد الجرمي عنه.
2 -
أحمد بن أبي رجاء، عن وكيع عنه.
3 -
أبو أمية، عن عبيد الله بن موسى عنه.
4 -
الدبري، والسلمي، وعبد الرحمن بن بشر، وأبو الأزهر، كلهم عن عبد الرزاق عنه.
5 -
الحسن بن عفان، عن يحيى بن آدم عنه، فتساوت عدد الوسائط عنده وعند مسلم، ولو رواه من طريقه لزادت بواحدة.
ومما عند أبي نعيم: الطبراني، عن الدبري، عن عبد الرزاق عنه، يعلو
في هذا الإسناد بدرجتين، كأنه سمع من مسلم، والثاني، أبو الشيح، عن سليمان بن أيوب، عن زهير بن محمد بن قمير المروزي، عن عبد الرزاق عنه، يعلو في هذا الإسناد بدرجة.
ابن جريج:
عند أبي عوانة الأسانيد التالية إليه:
1 -
يوسف بن مسلَّم، عن حجاج بن محمد المصيصي الأعور عنه.
2 -
الدبري، والسلمي، وعبد الرحمن بن بشر، وأبو الأزهر، كلهم عن عبد الرزاق عنه.
3 -
الصاغاني، وعباس الدوري، عن روح عنه.
4 -
قربزان، وعبد الرحمن بن بشر، عن يحيى القطان عنه.
فهذه مما ساوى مسلمًا فيها إلى ابن جريج.
وعند أبي نعيم:
1 -
الطبراني، عن الدبري، عن عبد الرزاق عنه.
2 -
محمد بن بركة، عن يوسف بن مسلَّم، عن حجاج عنه.
3 -
ابن خلاد، عن الحارث بن أبي أسامة، عن روح عنه.
فهذه مما علا فيها بالنسبة لمسلم بدرجتين.
ابن عيينة:
وقد لقي أبو عوانة عددًا من تلاميذه، منهم علي بن حرب، وأبو علي الزعفراني، وشعيب بن عمرو، ويعقوب بن إسحاق الحضرمي،
وعمر بن سهل المصيصي، وسعدان بن نصر، وأحمد بن شيبان الرملي، ويونس بن عبد الأعلى، فساوى الإمام مسلمًا في الرواية عن ابن عيينة من طرقهم، وحصلت له الروايات بالبدل عليا بدرجة، وأما أبو نعيم فله إسناد واحد في قسم هذه الدراسة يعلو فيه بالنسبة للرواية عن ابن عيينة بدرجتين، وهو: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك، عن عبد الله بن شيرويه عنه، والآخر الذي أكثر عنه في المستخرج إلى ابن عيينة، هو أبو علي الصواف، عن بشر بن موسى، عن الحميدي، عن سفيان، يعلو فيه بدرجة.
وهناك أمثلة أخرى، وفيما ذكرته كفاية، وقد لا يحصل لأبي عوانة في بعض رواياته عن بعض الأئمة العلو، مثل مالك، وهشيم، وحماد بن زيد، والليث بن سعد، فإنه ما أدرك أحدًا من أصحابهم، بخلاف الإمام مسلم، الذي أدرك يحيى بن يحيى التميمي، وهو يروي عن مالك، وهشيم، وأدرك أبا الربيع الزهراني، وقتيبة، وهما من تلاميذ حماد بن زيد؛ وقتيبة، ومحمد ابن رمح من تلاميذ الليث، وقد أدركهما مسلم، فكل هؤلاء رواية أبي عوانة من طريقهم ليس فيها علو بالنسبة لما لو رواها من طريق مسلم عنهم، فلا يحصل له بالاستخراج لحديثهم فائدة العلو، وعنده عدد من هذا القبيل، وأما الحافظ أبو نعيم فلم أقف له على طريق خرَّجها لا يحصل له فيها علو بالنسبة لروايته لها من طريق مسلم على الأقل بدرجة، ومن ثم كانت فائدة العلو بالاستخراج أكثر عنده منها عند الحافظ أبي عوانة، والله أعلم.
والنوع الثالث هو العلو المعنوي: وهو الذي يرجع إلى صفة الراوي
التي تعتبر عند الترجيح، كأن يكون أفقه، أو أحفظ، أو أتقن، أو أضبط، أو أكثر مجالسة للمروي عنه، أو أقدم سماعًا من غيره، أو وفاة
(1)
، وفائدة هذا النوع في الاستخراج أنه يعطي الأصل خصلة من خصال الترجيح المعتبرة عند التعارض، واقتصرت في قسم التحقيق من كتابي الصوم والزكاة على ما يرجع إلى الأوصاف الأولى، دون ما يتعلق بقدم السماع، أو الوفاة، فإن الأول يفقد الأهمية في غير الشيوخ المختلطين، وسيأتي الكلام عليهم، والثاني تركته مخافة الطول ثم إنه قد نازع فيه بعض الحفاظ
(2)
.
وصورته أن يروي صاحب الأصل حديث إمام من أئمة الحديث ممن يجمع حديثه، عن بعض تلاميذه، فيأتي المستخرج فيخرج الحديث من طريق من وصف بكونه أثبت أو أضبط، أو أحفظ تلاميذ ذلك الإمام، فيحصل له بذلك العلو المعنوي، فمما وقع عند الحافظين من هذا النوع روايتهما أحاديث ابن عيينة من طريق الحميدي، فإنه وصف بكونه أثبت الناس في ابن عيينة، وأنه رئيس أصحابه، وكان البخاري إذا وجد الحديث عنده لا يعدوه إلى غيره
(3)
، وكذلك أحاديث ابن جريج من طريق حجاج بن محمد المصيصي الأعور، وكان أثبت الناس فيه
(4)
، وكذلك أصبغ بن الفرج، عن
(1)
فتح المغيث (3/ 353 - 354).
(2)
انظر: فتح المغيث (3/ 356 - 357).
(3)
انظر: الجرح والتعديل (5/ 57)، تهذيب التهذيب (5/ 215 - 216).
(4)
انظر: شرح علل الترمذي (2/ 682).
ابن وهب، قال ابن أبي حاتم: كان أجل أصحاب ابن وهب
(1)
، وكذلك أيوب السختياني، في ابن سيرين
(2)
.
ومنه أن يكون الحديث عند المستخرج من طريق من وصف بكونه مقدم على من عند صاحب الأصل في شيخهما، مثل ما قدم حبيب بن شهيد في ابن سيرين على هشام بن حسان
(3)
، وهذا كثير يميزه طبقات الرواة عن الأئمة.
2 - كثرة الطرق
موضوع الاستخراج يقتضي بالأصالة زيادة الطرق على ما عند صاحب الأصل، وذلك أن المستخرج كلما روى طريقًا التقى مع صاحب الأصل فيمن فوقه ولو بدرجة، فقد ضم شخصًا آخر، فأكثر مع الذي روى مصنف الأصل عنه
(4)
، وأهمية هذه الفائدة من وجهين:
الأول: أنها تفيد في الترجيح عند المعارضة.
الثاني: أن بها يحصل تقوية للضعيف، ومن ينحط حديثه عن درجة الصحيح لذاته، وتزيد أهمية هذه الفائدة كلما بعد موضع الالتقاء من رأس الإسناد كما سبق تقريره في مطلب تحقيق شرط الاستخراج.
(1)
الجرح والتعديل (2/ 321).
(2)
شرح علل الترمذي (2/ 689).
(3)
انظر: تهذيب التهذيب (2/ 186).
(4)
تدريب الراوي (1/ 115 - 116).
وفي الجملة الحافظ أبو نعيم أكثر زيادة للطرق من الحافظ أبي عوانة، إلا أنهما اختلفا في كثرة تلك الزيادة بالنسبة لطبقة موضع الالتقاء مع الإمام مسلم منه، كما يتضح من الجدول
(1)
:
الطرق عند أبي عوانة
…
الطرق عند أبي نعيم
…
طبقة موضع الإلتقاء من الإمام مسلم
7
…
130
…
1
209
…
279
…
2
237
…
185
…
3
78
…
12
…
4
9
…
1
…
5
1
…
1
…
6
541
…
608
…
المجموع
فظهر من هذا الجدول أن أكثر الطرق التي زادها أبو عوانة، وهي قريب من نصف ما عنده؛ كان موضع الالتقاء مع الإمام مسلم بثلاث طبقات منه، أي في شيخ شيخ شيخه، وهي طبقة أمثال شعبة، وابن جريج، والأوزاعي، ويحيى بن أبي كثير أحيانًا، على حين كان أكثر ذلك عند أبي نعيم، وهو قريب من النصف أيضًا، بطبقتين أي في شيخ شيخه، وهي
(1)
هذه الإحصائية نتيجةُ دراسةِ هذه المقارنة من حديث رقم: (3009 - 3407) من كتابي الصوم والزكاة.
طبقة أمثال عبد الرزاق، وابن عيينة، ومالك، وأيضًا قد زاد أبو عوانة في الطبقة الثانية أكثر مما زاد أبو نعيم في الطبقة الثالثة، ونسبة ما زاد أبو عوانة في الطبقة الأولى، وهي طبقة شيوخ مسلم، 5 % مما زاد أبو نعيم في هذه الطبقة.
وفائدة هذا الإحصاء هي الوقوف على ما سبق تقريره من أن الغالب في الاستخراج عند أبي عوانة أن يتأخر عنده موضع الالتقاء، وأن زيادة الطرق ثَم أكثر فائدة مما لو كانت قريبة من طرفه الذي فيه مصنف الأصل، وقد يصل في ذلك إلى طبقة التابعين، كما نص السيوطي على ذلك
(1)
، ومن أمثلة ذلك زياداته لطرق حديث أبي سعيد الخدري:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"، من غير طريق يحيى بن عمارة الذي اشتهر برواية الحديث عن أبي سعيد
(2)
، فمثل هذا يجعل الحديث مشهورًا من طبقة التابعين، وهو مما يفيد في الترجيح، وكذلك استخراجه لحديث عائشة، أن معاذة العدوية سألتها: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر، الحديث، ففيه رفع التفرد عن عبد الوارث بن سعيد، حيث تابعه شعبة عند أبي عوانة، فكان موضع الالتقاء بثلاث طبقات من الإمام مسلم، بخلافه عند أبي نعيم الذي كان الموضع عنده بطبقتين
(3)
، والله أعلم.
(1)
انظر: تدريب الراوي (1/ 116).
(2)
انظر من حديث رقم (3353 إلى 3357).
(3)
الحديث رقم: (3174)، ومستخرج أبي نعيم (ص 239)، من مصورة رقم:(2050).
وأما ما يحصل بهذه الفائدة من تقوية الرواة المتكلم فيهم، فليس في القسم المخصص لهذه المقارنة منه إلا في مواضع يسيرة جدًّا، وذلك أن أغلب الرواة المتكلم فيهم مما يتجاذب فيهم أقوال الحفاظ، بين التوثيق والتليين، ويغلب على ظن الباحث أن حديثهم لا ينحط عن أدنى حد الاحتجاج، ثم الغالب فيهم أن يكون الإمام مسلمًا أوردهم في موضع الاستشهاد، أو ذكر لهم متابعًا ممن هو مثلهم أو فوقهم، فبالتتبع المستعجل في هذا القسم اجتمع عندي واحد وعشرون موضعًا فيه راو متكلم فيه عند الإمام مسلم، وفي تلك المواضع إما أن يكون أورده في موضع الاستشهاد، أو المتابعة، ما عدا ستة مواضع، في اثنين منها توبع الراوي عند أبي عوانة، وفيما يلي تفصيلها:
معاوية بن صالح الحضرمي، أبو عبد الرحمن الحمصي
(1)
، روى عن ربيعة بن يزيد، عن قزعة، عن أبي سعيد الخدري، في الصوم في السفر، وقد تكلم في حديثه عن أهل الشام، وهذا منه، توبع متابعة قاصرة عند أبي عوانة
(2)
.
عبد العزيز بن محمد الدراوردي، تكلم فيه من قبل حفظه، وقال الذهبي: لا ينحط حديثه عن درجة الحسن
(3)
، روى مسلم من طريقه
(1)
انظر ترجمته تحت الحديث رقم: (3039).
(2)
الحديث رقم: (3040).
(3)
انظر ترجمته تحت الحديث رقم: (3110).
حديث عائشة في قضاء أمهات المؤمنين صوم رمضان في شعبان، والحديث في موضع الاستشهاد عنده، إلا أن عنده زيادة تفرد بها عند مسلم، وأبي نعيم: وهي قول عائشة: فما تقدر أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان، وتابعه يحيى بن أيوب الغافقي، ونافع بن يزيد عند أبي عوانة على أصل الحديث وذكر الزيادة
(1)
.
طلحة بن يحيى التيمي المدني، روى حديث إفطاره صلى الله عليه وسلم في صوم التطوع، عن عمته عائشة بنت طلحة، عن عائشة أم المؤمنين، وقد انفرد به، لكن له شواهد خارج الصحيح، والمستخرجين، ذُكرت في قسم التحقيق
(2)
.
الضحاك بن عثمان الحزامي المدني، روى حديث عبد الله بن أنيس في ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين، خالف في لفظ الحديث من هو أولى منه ثقة كثرة، فأورد أبو عوانة طريقًا آخر توضح أن الحديث معلول
(3)
.
يزيد بن كيسان: روى عن أبي حازم، عن أبي هريرة حديث ليلة القدر وعلامتها، توبع خارج الصحيح والمستخرجين، كما ذكرت في التحقيق
(4)
.
مخرمة بن بكير: تكلم في سماعه من أبيه، وعيب على مسلم إخراج حديثه عن أبيه، روى عن أبيه، عن عراك، عن أبي هريرة حديث: ليس في
(1)
انظر حديث رقم: (3111، 3112).
(2)
انظر الحديث رقم: (3062).
(3)
انظر الحديث رقم: (3318 - 3320).
(4)
انظر الحديث رقم: (3323، 3324).
العبد صدقة إلا صدقة الفطر، الجزء الأول من الحديث في موضع الاستشهاد، والزيادة يشهد لها أحاديث أخرى كما بينت في التحقيق.
فهذه جملة ما وقفت عليه، وليس عند أبي نعيم شيء من هذه المتابعات، ولو حصل له أن نزل في موضع الالتقاء كما فعل أبو عوانة في الأحاديث التي توبع فيها الراوي عند مسلم، لأتى هو أيضًا بمثل ما أتى به أبو عوانة، والله أعلم.
والكلام في الغالب في هؤلاء الرواة لا يحط حديثهم عن مرتبة الحسن، وكذا يتبين أن الإمام مسلم قد انتقى في الرواة وفي أحاديثهم.
3 - بيان لفظ المتن المحال به عند صاحب الأصل:
وذلك بأن يروي صاحب الأصل الحديث ويحيل بلفظه على لفظ طريق آخر تقدم عنده، كأن يقول: بمثله، أو بنحوه، أو بمعناه، قال الحافظ ابن حجر:"ذلك في كتاب مسلم كثير جدًّا"
(1)
، ويلتحق به بيان ألفاظ الأحاديث التي يسوق بعضها ثم يقتصر فيقول: وذكر الحديث، أو بهذا الإسناد، وأهمية هذه الفائدة أنه ربما يحيل صاحب الأصل، فيكون اللفظ المحال به يختلف عن اللفظ المحال عليه بالزيادة أو النقصان، خاصة إذا كانت الإحالة بقوله، بنحوه، أو بمعناه، فيستفاد ذلك من بيان صاحب المستخرج.
وقد وقع عند الإمام مسلم في القسم الموافق لهذه المقارنة ستة وسبعون
(1)
النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 322).
موضعًا أحال بلفظ الحديث أو قال فيه: وذكر الحديث، أو بهذا الإسناد، اشترك الحافظان أبو عوانة وأبو نعيم، في بيان اللفظ في خمسة وعشرين موضعًا، وانفرد أبو عوانة ببيان ثمانية عشر موضعًا، وانفرد أبو نعيم ببيان اثني عشر موضعًا، وظل واحد وعشرون موضعًا غير مبين، فمن هذا الإحصاء نتوصل إلى أن نسبة عدم البيان 28 %، وهي أقل من الثلث، ونتوصل أيضًا إلى معرفة أن هذا البيان وقع في كتاب أبي عوانة أكثر منه في كتاب أبي نعيم.
4 - تصريح المدلس بالسماع فيما هو عند مصنف الأصل بالعنعنة:
ورد في الصحيحين أحاديث قوم وصفوا بالتدليس، وجعلوا في منزلة من لا يقبل ما رواه بالعنعنة حتى يرد تصريحه بالسماع في طريق من الطرق، وقد ذهب الحفاظ في عنعنة المدلسين في الصحيحين أو أحدهما إلى ثلاثة مذاهب:
قبولها مطلقًا، تحسينًا للظن بصاحبي الصحيحين، بأنهما قد وقفا على التصريح بالسماع من جهة أخرى.
التوقف بناءً على أن بعض الأئمة يعللون أحاديث فيهما أو في أحدهما بتدليس رواتها.
التفصيل بين ما كان من تلك العنعنة في الأصول ووردت مورد الاحتجاج بها، وبين ما كان منها في المتابعات فيحتمل على أن يكون
حصل التسامح في تخريجها
(1)
.
ويترجح القول الثالث بأن إخراجهما لتلك الأحاديث للاحتجاج يقتضي زوال علة التدليس عندهما، لأنه من شرط الصحة، وقد اشترطاها في كتابيهما، ونظير هذا قول ابن حبان في مقدمة صحيحه:"فإذا صح عندي خبر من رواية مدلس أنه بين السماع فيه، لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره بعد صحته عندي من طريق آخر"
(2)
، والفرق بين الصنيعين أن ابن حبان ذكر ذلك تنصيصًا وهو عند صاحبي الصحيحين مذكور ضمنًا في شرطهما، فمقتضى هذا التقرير قبول عنعنة المدلسين فيهما، لأن تلك العنعنة إما أن تكون في الأصول، فهي محمولة على ثبوت السماع تحقيقا لشرط الصحة، وإما أن تكون في المتابعات فتنجبر علة التدليس برواية الحديث من أوجه أخرى، إلا أن هذا الحمل ليس كالوقوف على التصريح بالسماع في تلك المواضع، لأنه ليس الخبر كالمعاينة، ومن هنا تدرك أهمية هذه الفائدة من الكتب المستخرجات.
ثم المدلسون في الصحيحين على مراتب، فمنهم من لم يوصف بذلك إلا نادرًا، وإطلاق التدليس عليهم فيه تجوز، ومنهم من قل تدليسه في
(1)
انظر: السنن الأبين (ص 143 - 144)، النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 635 - 636).
(2)
الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان (1/ 162).
جنب ما روى، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة فقبل الأئمة تدليسه، ومنهم من أكثروا من التدليس وعرفوا به فلم يقبل منهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وقد جمعهم الحافظ ابن حجر مرتبين على هذه الطبقات الثلاث
(1)
، فتتبعت عنعنتهم في القسم الموافق لهذه المقارنة عند الإمام مسلم، واقتصرت على من ذكرهم الحافظ في المرتبة الثالثة في النكت فبلغت ثمانية وعشرين موضعًا، ولم أذكر منهم ابن شهاب الزهري، لأن الحافظ العلائي ذكر أن الأئمة قبلوا عنعنته
(2)
، وفي بعض تلك المواضع ورد التصريح بالسماع عند المستخرجين أو أحدهما، أو في موضع آخر إما عند صاحب الأصل أو عند غيره، أو كان ذلك في المتابعات، أو كان من رواية بعض النقاد ممن يميز ما دلسه مما سمعه، فذكرتها كلها إتمامًا للفائدة.
- فمنهم الأعمش، سليمان بن مهران الأسدي الإمام، له عشرة مواضع، وهي:
حديث عائشة في تعجيل الفطر والصلاة
(3)
، لم يصرح بالسماع في شيء من الطرق التي وقفت عليها، لكن من الرواة عنه حفص بن غياث
(1)
النكت على كتاب ابن الصلاح (2/ 636 - 644).
(2)
جامع التحصيل (ص 109).
(3)
صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب فضل السحور، وتأكيد استحبابه واستحباب تأخيره، وتعجيل الفطر (2/ 772).
عند الدارقطني في العلل، وقد ذكر الحافظ ابن طاهر، والحافظ ابن حجر بعده، أنه كان يميز بين ما دلسه الأعمش مما صرح فيه بالسماع، ومن أجل ذلك اعتمده البخاري في كثير من رواياته عن الأعمش، كما وضحت ذلك في التحقيق
(1)
.
حديث أبي هريرة في النهي عن الوصال في الصوم
(2)
، الحديث من روايته عن أبي صالح، وهو من شيوخه الذين أكثر عنهم، وعنعنته عنه محمولة على السماع
(3)
.
حديث عائشة في القُبلة والمباشرة في الصوم، له موضعان فيه، الأول عن إبراهيم، عن الأسود وعلقمة عنها، والثاني، عن مسلم عن مسروق عنها، وفي كلا الموضعين ورد الحديث في المتابعات، فتابعه ابن عون عن إبراهيم، عن الأسود مسروق، وتابعه منصور عن إبراهيم عن علقمة، كلاهما عند الإمام مسلم
(4)
.
حديث حفصة في القبلة للصائم أيضًا، رواه عن مسلم، عن شتير ابن شكل عنها، تابعه منصور عن مسلم، عند الإمام مسلم أيضًا
(5)
.
(1)
انظر الحديث رقم: (3010).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن الوصال في الصوم (2/ 774).
(3)
انظر الحديث رقم: (3016).
(4)
صحيح مسلم، -كتاب الصيام- باب بيان أن القبلة للصائم ليست محرمة إلخ، (2/ 777 - 778).
(5)
المصدر السابق (2/ 779).
حديث ابن عباس فيمن ماتت أمه وعليها صوم، صرح بالتحديث عند أبي داود الطيالسي في المسند
(1)
.
حديث أبي هريرة في النهي عن صوم يوم الجمعة منفردًا، شيخه فيه أبو صالح، ومن الرواة عنه عند مسلم حفص بن غياث
(2)
.
حديث ابن مسعود في صيام عاشوراء، تابعه زبيد عند مسلم
(3)
.
حديث عائشة: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام في العشر قط، من الرواة عنه حفص بن غياث، عند النسائي في الكبرى وغيره
(4)
.
حديث جابر بن عبد الله: "إذا قضى أحدكم الصلاة في المسجد، فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته ذلك خيرًا"
(5)
، والحديث في موضع الاستشهاد عند مسلم، ثم هو من الأحاديث التي أخرجها ابن حبان بالعنعنة، وقد شرط على نفسه، ألا يخرج معنعَن المدلس إلا ما ثبت عنده من وجه آخر مصرحًا بالسماع
(6)
.
(1)
انظر الحديث رقم: (118).
(2)
كتاب الصيام -باب كراهية صيام يوم الجمعة منفردًا (2/ 801).
(3)
كتاب الصيام -باب صوم يوم عاشوراء (2/ 794).
(4)
انظر الحديث رقم: (3231).
(5)
كتاب صلاة المسافرين وقصرها -باب استحباب صلاة النافلة في بيته، وجوازها في المسجد (1/ 539).
(6)
انظر الحديث رقم: (3282).
حديث أبي ذر في باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة
(1)
، من الرواة عنه حفص بن غياث، ومن طريقه أخرجه البخاري مقتصرًا عليه
(2)
.
- ومنهم حميد بن أبي حميد الطويل، وله موضعان:
حديث أنس في النهي عن الوصال
(3)
، تابعه سليمان بن المغيرة، عن ثابت، عن أنس عند مسلم
(4)
.
حديث أنس في الصوم في السفر
(5)
، صرح بالتحديث في طريق آخر عند مسلم.
- ومنهم هشيم بن بشير السلمي، له موضعان:
حديث عبد الله أبي أوفى في بيان وقت انقضاء الصوم
(6)
، صرح بالتحديث عند أبي نعيم في المستخرج
(7)
.
(1)
(2/ 686).
(2)
انظر الحديث رقم: (3373).
(3)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب النهي عن الوصال في الصوم (2/ 775 - 776).
(4)
انظر الحديث رقم: (3024).
(5)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان، (2/ 787 - 788).
(6)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار (2/ 772).
(7)
كتاب الصيام -باب في وقت الإفطار (ص 161)، من مصورة رقم:(2049).
حديث ابن عباس في صوم يوم عاشوراء
(1)
، صرح بالخبر عند أبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجيهما
(2)
.
- ومنهم الوليد بن مسلم القرشي مولاهم، أبو العباس الدمشقي، له موضع واحد، وهو:
حديث أبي الدرداء في الصوم في السفر
(3)
، صرح بالخبر عند أبي عوانة
(4)
.
- ومنهم عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي مولاهم المكي، له موضع واحد:
حديث أبي سعيد الخدري في فضل الصيام في سبيل الله
(5)
، صرح بالخبر عند أبي عوانة
(6)
.
- ومنهم قتادة بن دعامة السدوسي، وله موضع واحد:
حديث أبي سعيد الخدري: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لست عشرة
(1)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب صوم يوم عاشوراء (2/ 795).
(2)
انظر الحديث رقم: (3180) مستخرج أبي نعيم -باب في فضل صيام يوم عاشوراء (2/ 202).
(3)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب التخيير في الصوم والفطر في السفر (2/ 790).
(4)
انظر الحديث رقم: (3031).
(5)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب فضل الصيام في سبيل الله (2/ 808).
(6)
الحديث رقم: (3036).
مضت في رمضان، الحديث
(1)
، ومن الرواة عنه شعبة عند الثلاثة
(2)
، وقد قال: كفيتكم تدليس ثلاثة، الأعمش، وأبي إسحاق، وقتادة
(3)
.
- ومنهم يحيى بن أبي كثير الطائي، وله موضعان:
حديث عائشة في القبلة للصائم
(4)
، الحديث في المتابعات عند مسلم وقد صرح بالتحديث في مسند عمر بن عبد العزيز كما أشير إليه في التحقيق
(5)
.
حديث أبي سعيد الخدري في قيام ليلة القدر
(6)
، صرح بالتحديث عند أبي عوانة
(7)
.
- ومنهم عبد الملك بن عمير، وله موضعان:
حديث أبي سعيد الخدري في النهي عن صوم يوم الفطر ويوم
(1)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر (2/ 787).
(2)
الحديث رقم: (3046)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب الصوم والإفطار في السفر (ص 182)، من مصورة رقم:(2049).
(3)
تعريف أهل التقديس (ص 151).
(4)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب بيان أن القبلة للصائم ليست محرمة إلخ (2/ 778).
(5)
الحديث رقم: (3093).
(6)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها (2/ 826).
(7)
الحديث رقم: (3288).
الأضحى
(1)
، صرح بالتحديث عند مسلم في موضع آخر، وعند أبي عوانة
(2)
.
حديث أبي هريرة: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله الحرام
(3)
، الحديث من طريقه في المتابعات.
- ومنهم أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، له موضعان:
حديث كعب بن مالك: "أيام التشريق أيام أكل وشرب"
(4)
، الحديث في موضع الاستشهاد عند مسلم.
حديث جابر بن عبد الله: "ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة" الحديث
(5)
، وهو في موضع الاستشهاد عند مسلم.
- ومنهم هشام بن حسان القردوسي، له موضع واحد، وهو:
حديث أبي هريرة: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه"
(6)
، وهو مقرون عند أبي عوانة بغيره في
(1)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب النهي عن صوم يوم الفطر ويوم الأضحى (2/ 799).
(2)
انظر الحديث رقم: (3135).
(3)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب فضل صوم المحرم (2/ 831).
(4)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب تحريم صوم أيام التشريق (2/ 800).
(5)
صحيح مسلم -كتاب الزكاة- (2/ 675).
(6)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب أكل الصائم وشربه وجماعة لا يفطر =
الإسناد
(1)
.
- ومنهم أبو سفيان، طلحة بن نافع، له موضع واحد، وهو ما سبق ذكره في أحديث الأعمش برقم:(3009)، والكلام فيه مثل ما تقدم هناك.
- ومنهم مروان بن معاوية الفزاري، وله موضعان:
حديث أبي سعيد الخدري، وجابر: سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيصوم الصائم ويفطر المفطر، فلا يعيب بعضهم على بعض
(2)
، الحديث في موضع الاستشهاد عند مسلم، إلا ما ذكر من زيادة ذكر جابر في الإسناد، وقد توبع على ذلك عند أبي عوانة، وأبي نعيم
(3)
.
حديث أبي هريرة: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث
(4)
، وقد صرح بالتحديث عند أبي عوانة وأبي نعيم
(5)
.
= (2/ 809).
(1)
الحديث رقم: (3059 و 3060).
(2)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر (2/ 787).
(3)
الحديث رقم: (3044)، و (3045)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب الصوم والإفطار في السفر (ص 184)، من مصورة رقم:(2049).
(4)
صحيح مسلم -كتاب الصيام- باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها (2/ 829).
(5)
الحديث رقم: (323)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام- باب علامة ليلة القدر، (ص 252)، من مصورة رقم:(2050).
- ومنهم محمد بن إسحاق بن يسار، وله موضع واحد، وهو:
حديث عائشة في اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه
(1)
، وقد صرح بالخبر عند أبي نعيم
(2)
.
فهذه جملة ما وقفت عليه، والتي كان زوال علة التدليس فيها من المستخرجين أو أحدهما تسعة مواضع، اشتركا في بيان التصريح بالسماع في موضعين، وفي الإتيان بالمتابعات في موضع واحد، وانفرد أبو عونة ببيان بالسماع في ثلاثة مواضع، وبذكر المتابعات في موضع واحد، وانفرد أبو نعيم ببيان السماع في موضعين، وكان زاولها في بقية المواضع بأمور أخرى خارج المستخرجين، تقدم ذكرها مفصلًا، والعلم عند الله.
5 - ما يقع فيها من حديث المختلطين عمن سمع منهم قبل الاختلاط:
ولا تكون هناك فائدة إلا حيث كانت رواية صاحب الأصل عمن عمن المختلط بعد الاختلاط، أو لم يتميز سماعه هل هو قبل الاختلاط أو بعده، فإن جاءت الرواية عند المستخرج عمن سمع قبل الاختلاط زال ما كنا نتوقف فيه من وجود علة الاختلاط، فكانت هناك هذه الفائدة في
(1)
صحيح مسلم -كتاب الاعتكاف- باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (2/ 831).
(2)
ص 255 من مصورة رقم 2049.
الاستخراج، وأما لو كان الحديث في المتابعات ووافق المختلط الثقات ولم ينفرد، وكان الراوي ممن لم يتبين أمره، فليس ثم هذه الفائدة.
والحال في رواية المختلطين في الصحيحين كالحال في رواية المدلسين سواء بسواء، فليس احتمال أن يكون السماع عند الراوي في الصحيحين قبل الاختلاط كالوقوف على اليقين
(1)
، على أن هناك فرقًا بين الأمرين، وذلك أننا في حالة التدليس، إذا وقفنا على التصريح بالسماع عند المخرج، حكمنا بأن الراوي لم يدلس، وليس كذلك في حالة الاختلاط، فإن ثبوت الحديث عند المخرج من رواية من سمع قبل الاختلاط لا يقتضي سماع الراوي عند صاحب الصحيح قبل الاختلاط أيضًا، لاحتمال أن يكون المختلط ليس من المطبقين بحيث لا يفيق ويحدث على الصواب، غايته أن نحكم على استقامة حديث ذلك الراوي بعينه، ولا نطرد الحكم في مروياته عن ذلك المختلط لأننا علمنا أن صاحبي الصحيحين ينتقيان، والله أعلم.
ففي القسم الموافق لهذه المقارنة عند مسلم من المختلطين:
سعيد بن أبي عروبة، له حديث في الصوم في السفر
(2)
، والراوي عنه محمد بن بشر سمع منه قبل الاختلاط
(3)
.
والثاني سعيد بن إياس الجريري، له عدة أحاديث كلها عمن سمع منه
(1)
انظر السنن الأبين (ص 143 - 144)، النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 322).
(2)
كتاب الصيام -باب جواز الصوم والفطر في رمضان للمسافر (2/ 787).
(3)
الكواكب النيرات (ص 208).
قبل الاختلاط.
والثالث عبد الملك بن عمير، له حديثان، وهما اللذان سبق ذكرهما في التدليس، وهو في الحقيقة لم يختلط، وإنما ساء حفظه لكبر سنه مثل ما حصل لأبي إسحاق السبيعي، وسعيد بن أبي سعيد المقبري، وضابط صحة السماع في حديثه أن يكون من رواية القدماء عنه
(1)
، ففي الحديث رقم (3001)، وهو حديث أبي سعيد في النهي عن صوم يومي العيد، الراوي عنه جرير بن عبد الحميد الضبي توفي سنة 188 هـ، وعند أبي نعيم، عبيد الله بن عمرو توفي سنة 180 هـ، وعند أبي عوانة من الرواة عنه شعبة توفي سنة 160 هـ، وشيبان النحوي توفي سنة 164 هـ
(2)
، وإن كان جرير ممن روى عنه صاحب الصحيحين كليهما من حديثه عن عبد الملك، إلا أن في رواية المصنف عن المذكورين زيادة فائدة لتقدم وفاتيهما،
(3)
ثم اتفاق هؤلاء الحفاظ على رواية الحديث بطريقة واحدة، يقضي على أنه حدث به في استقامة، فإن من ضوابط موضوع الاختلاط عند صاحبي الصحيحين أنهما ينتقيان من أحاديث المختلطين، فيروون ما توافق عليه عدد من الرواة عنه وإن كانوا ممن سمع منه بعد الاختلاط
(4)
.
(1)
انظر: ميزان الاعتدال (2/ 661)، هدي الساري (ص 422).
(2)
انظر سني الوفيات في تقريب التهذيب.
(3)
انظر: الحديث رقم: (3135 وص 210)، من مصورة رقم:(2049).
(4)
انظر: ضوابط الجرح والتعديل (ص 114).
والحديث رقم (3002) حديث أبي هريرة: أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، هو عند مسلم والمخرجين من رواية زائدة بن قدامة عنه، وتوفي سنة 160، وقيل بعدها
(1)
، ومن طريق جرير عند مسلم، وأبي نعيم، والحديث في المتابعات كما تقدم.
ومنهم عبد الرزاق بن همام الصنعاني، من سمع منه بعد ما ذهب بصره فهو ضعيف السماع
(2)
، له عند مسلم في القسم الموافق لهذه المقارنة ستة عشر حديثا كلها إما مما توبع عليها عند مسلم، أو هو فيها مقرون بغيره، ما عدا حديثين، توبع في أصلهما وانفرد بزيادة فيهما، الأول حديث أبي سعيد الخدري:"ليس في حب ولا تمر صدقة" الحديث
(3)
، انفرد عبد الرزاق بقوله:"ولا ثمر" بالمثلثة، والحديث عند أحمد في المسند، وهو ممن سمع من عبد الرزاق قبل ذهاب بصره، وفي إحدى طريقيه هو مقرون بغيره
(4)
، الثاني، حديث أبي هريرة، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر بعزيمة، في رواية عبد الرزاق في آخر الحديث أدرج قوله: فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك إلخ
(5)
، أخرجه أبو نعيم في المستخرج
(1)
تقريب التهذيب (2165).
(2)
انظر عن اختلاطه ومن سمع منه قبل الاختلاط: الكواكب النيرات (ص 274 - 280).
(3)
صحيح مسلم كتاب الزكاة (2/ 675).
(4)
المسند (3/ 59، 73).
(5)
صحيح مسلم -كتاب صلاة المسافرين وقصرها- باب الترغيب في قيام رمضان، =
من طريق عبد الرزاق مقرونًا بعبد الأعلى بن عبد الأعلى
(1)
.
ومنهم سهيل بن أبي صالح، أصابته علة نسي بسببها بعض حديثه، وسماع مالك، وشيخه ربيعة منه كان قبل ذلك
(2)
، له حديثان هو مقرون في أحدهما، والثاني في المتابعات
(3)
.
ومنهم حفص بن غياث النخعي، ساء حفظه لما ولي القضاء فمن سمع من كتابه أصح ممن سمع من حفظه، وكان عند ابنه عمر كتاب أبيه
(4)
، له ثلاثة أحاديث عند مسلم هو مقرون في اثنين منها، والثالث في المتابعات
(5)
.
ومنهم سويد بن سعيد الحدثاني، عمى فصار يتلقن ما ليس من حديثه، وقال أبو زرعة: كتبه صحاح، والإمام مسلم إنما روى عنه نسخة حفص بن ميسرة، مما يدل على أنه روى عنه من كتابه
(6)
، ومع ذلك ليس
= (1/ 523).
(1)
انظر التعليق على حديث رقم: (3266).
(2)
الكواكب النيرات (246 - 249).
(3)
صحيح مسلم -كتاب الصيام (ح 167 - 168)، كتاب الزكاة (ح 26).
(4)
انظر الحديث رقم: (3186).
(5)
انظر: صحيح مسلم -كتاب الصيام (ح 101، 147، 177).
(6)
انظر: الكواكب النيرات (ص 471).
له عنده في هذا القسم إلا حديث واحد، وهو مما توبع فيه متابعة قاصرة
(1)
.
وهذا أيضًا يدل على انتقاء الشيخين لأحاديث كتابيهما.
6 - توضيح المبهم في السند أو في المتن:
وقع من ذلك في السند في حديث عبد الله بن مسعود: "لا يمنعن أحدًا منكم أذان بلال" الحديث، وفيه: وقال: وليس أن يقول هكذا وهكذا -وصوب يده ورفعها- حتى يقول هكذا- وفرج بين إصبعيه، من حديث ابن علية عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي عنه، ونحوه من حديث أبي خالد الأحمر عن سليمان به، ففي كلا الروايتين عند مسلم، الظاهر أن التفسير من سليمان التيمي، وورد عند أبي نعيم التنصيص على ذلك
(2)
.
وما وقع في المتن منه حديث عائشة في اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم، وأزواجه، وفيه: فأمرت زينب بخبائها فضرب، وأمر غيرها من أزواج النبي-صلى الله عليه وسلم بخبائه فضرب
(3)
، ورد عند أبي عوانة وأبي نعيم أنهما عائشة وحفصة
(1)
انظر: صحيح مسلم -كتاب الزكاة (ح 24).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الصيام -باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع الفجر إلخ (2/ 766 - 767)، مستخرج أبي نعيم، كتاب الصيام -باب في الأذان في الليل (ص 155)، من مصورة رقم:(2049).
(3)
صحيح مسلم -كتاب الاعتكاف- باب متى يدخل من أراد الاعتكاف في معتكفه (2/ 831).
رضي الله عنهما
(1)
.
7 - تبيين المهمل في السند أو المتن:
وذلك بأن يأتي الحديث عند مصنف الأصل بذكر الراوي مهملًا، كمحمد، فيأتي عند المستخرج ما يبينه، وفائدة هذا البيان في عدم حسبان الراوي غيره.
وقد وقع في الكتابين مواضع حصل البيان منهما أو من أحدهما، وكلها في السند، أما ما اشتركا في بيانه، فموضع واحد:
حديث أبي سعيد الخدري في اعتكاف النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأوسط من رمضان، ورد عند مسلم: حدثنا محمد بن المثنى، وأبو بكر بن خلاد، قالا: حدثنا عبد الأعلى، حدثنا سعيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، فذكر سعيدًا مهملًا، وذكر عند أبي عوانة، وأبي نعيم بما يميزه، فقالا: حدثنا الجريري، وبسبب ما ورد عند مسلم مهملًا قال المزي تبعا لأبي مسعود الدمشقي: هو ابن أبي عروبة، وتعقبه ابن العراقي كما ذكر في قسم التحقيق
(2)
.
وانفرد كل من الحافظين ببيان موضعين، فعند الحافظ أبي عوانة:
(1)
الحديث رقم: (3293 - 3297)، ومستخرج أبي نعيم (ص 254) من مصورة رقم (2050).
(2)
انظر الحديث رقم: (3285)، ومستخرج أبي نعيم -باب ما جاء في ليلة القدر (ص 249)، من مصورة رقم:(2050).
- ابن أبي لبيد الذي وقع عند مسلم مبهما، جاء في الحديث رقم (3226) عند أبي عوانة التصريح بأنه عبد الله بن أبي لبيد
(1)
.
- هشام ورد مهملا عند مسلم، في حديث عائشة، وورد عند أبي عوانة في طرق الحديث التصريح بأنه هشام بن حسان
(2)
.
وعند أبي نعيم:
ابن الحكم بن ثوبان ورد مبهما عند مسلم، بينته رواية أبي نعيم، فقال: عن عمر بن الحكم بن ثوبان
(3)
، وقد صرح به أبو عوانة أيضًا
(4)
.
المغيرة في حديث أبي هريرة في النهي عن الوصال في الصوم، ورد عند مسلم مهملا، وبينته رواية أبي نعيم أنه المغيرة بن عبد الرحمن
(5)
.
(1)
انظر صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان (2/ 811) مستخرج أبي نعيم -باب فضل شعبان (ص 229) من مصورة رقم: (2050).
(2)
صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب صيام النبي صلى الله عليه وسلم في غير رمضان (2/ 810) والحديث رقم: (157، 158).
(3)
صحيح مسلم، كتاب الصيام، باب النهي عن صوم الدهر الخ (2/ 814) مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام -باب ما ذكر في صوم داود (ص 234) من مصورة رقم:(2050).
(4)
انظر الحديث رقم: (2258).
(5)
صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب النهي عن الوصال في الصوم (2/ 774)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام -باب في كراهية الوصال (ص 164) من مصورة رقم:(2049).
8 - زيادة الألفاظ في الأحاديث المخرجة:
وذلك بأن يأتي المستخرِج بألفاظ في متن الحديث المخرَّج ليست عند صاحب الأصل، وإنما وقعت عنده لكونه أخرج الحديث من غير طريق صاحب الأصل، فهذه الألفاظ بمنزلة أحاديث مستقلة، فتفيد زيادة ألفاظ مرفوعة، وقد حكم ابن الصلاح وبعده النووي بصحة هذه الزيادات، وتعقبهما من جاء بعدبها، وتقريره أن المستخرجين لم يلتزموا الصحة في استخراجهم، وإنما جل قصدهم العلو، وما دام الأمر كذلك فالحكم بصحتها متوقف على ثبوت شروط الصحة بين المستخرج والرجل الذي هو موضع الالتقاء مع صاحب الصحيح
(1)
.
وقد وردت بعض زيادات الألفاظ في الكتابين في مواضع يسيرة في هذا القسم المخصص لهذه المقارنة، منها:
في حديث أبي هريرة: تذاكرنا ليلة القدر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "أيكم يذكر حين طلع القمر وهو مثل شق جفنة"، عندهما زيادة في اللفظ المرفوع:"أيكم يذكر ليالينا الصهباوات ونحن بخيبر"، وأسانيد المخرِّجين إلى موضع الالتقاء رجالها رجال الصحيح
(2)
.
(1)
انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 291 - 293)، تدريب الراوي (1/ 115).
(2)
انظر: صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها (2/ 829)، الحديث رقم:(3324) عند أبي عوانة، مستخرج أبي نعيم -كتاب =
وفي حديث أبي سعيد الخدري، من طريق قزعة، قال: سمعت من أبي سعيد الخدري حديثا فأعجبني، فقلت آنت سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الحديث، عند أبي عوانة: عن أبي سعيد الخدري: سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعًا فأعجبنني وأينقنني، وذكر الحديث بذكر واحدة من الأربعة
(1)
.
وفي حديث أبي هريرة: "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه"، رواه أبو عوانة من طرق عن أبي هريرة، بما فيها طريق همام عنه، وفي كلها زيادة:"في غير رمضان"، ما عدا طريقا واحدا، وهو طريق شعيب، عن أبي الزناد، فأثبت بكثرة هذه الطرق أنها ثابتة وإن كانت لم تقع عند كثير ممن روى الحديث من طريق همام بن منبه
(2)
، ويؤيد ما ذهب إليه أبو عوانة من ثبوتها، أن البخاري ترجم لها وأورد حديث همام وليس فيه ذكر لها، مما يدل على ثبوتها عنده
(3)
.
ومن ذلك ما ذكره في بعض طرق حديث أبي هريرة في الذي واقع أهله في نهار رمضان، وفيها:"وأمره أن يقضي يوما مكانه"، وأشار إلى
=
الصيام -باب علامة ليلة القدر (ص 252 من مصورة رقم 2050).
(1)
انظر الحديث رقم: (3135)، وقد رواه مسلم من وجه آخر بمثل ما عند أبي عوانة كما بينا في التحقيق.
(2)
انظر الأحاديث من: (3165 - 3167).
(3)
فتح الباري (9/ 293، 295).
مخالفة من ذكرها للجماعة، مما يشعر بأنه أوردها لبيان علتها
(1)
.
انفرد أبو نعيم بزيادة ألفاظ موقوفة في حديث عمر بن الخطاب في النهي عن صوم يوم الفطر ويوم النحر، وقد تقدم في مطلب الموقوف.
وكذلك انفرد بزيادة ألفاظ في حديث عائشة: إن كانت إحدانا لتفطر زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان، زاد: ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم في شهر ما كان يصوم في شعبان، كان يصومه كله إلا قليلًا، بل كان يصومه كله، وقد رواه من نفس المصدر الذي رواه مسلم، كما وُضح ذلك في قسم التحقيق
(2)
.
فالخلاصة أن الزيادة خاصة عند أبي عوانة قد تكون سيقت لبيان أنها من زيادات الثقات فتقبل، أو أنها منكرة فترد، وفي كلا الحالتين فائدة، وسيأتي المزيد لذلك في مبحث الزوائد، إن شاء الله، وأما عند أبي نعيم فلم أقف على ما يمثل الحالة الثانية، ولعله موجود في قسم آخر.
9 - ما يقع من التصريح بما صورته موقوف:
ورد عند أبي نعيم مثالٌ لذلك، وهو في حديث عائشة، قالت: نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن الوصال رحمة لهم، وعند أبي نعيم، قالت عائشة: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوصال، فقالوا: إنك تواصل، قال: "إنما هي رحمة رحمكم
(1)
انظر الحديث رقم: (3079، 3180، 3182).
(2)
انظر الكلام تحت الحديث رقم: (3110).
الله بها، إني أظل عند الله يطعمني ويسقيني"
(1)
.
10 - رفع ما في رواية الأصل من الشك:
وذلك أن تكون الرواية في الأصل بالشك في وصل الحديث مثلا، فترد عند المستخرج بدون شك، مثال ذلك حديث عبد الله بن عباس:"لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع"، عند مسلم، قال: لعله قال (أي عبد الله بن عمير): عن عبد الله بن عباس، والحديث عندهما عن ابن عباس بدون شك
(2)
، ومثله أيضًا عند أبي عوانة وحده الحديث رقم:(3101).
11 - ما يقع من بيان المجمل:
وذلك أن يرد الحديث في الأصل بلفظة مجملة، فيخرجه المخرج من طريق فيها بيان الإجمال، مثاله عند أبي عوانة: حديث عبد الله بن أبي أوفى: "إذا أقبل الليل من ها هنا، وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصائم"، فجاء في بعض طرقه عند أبي عوانة:"فقد حل الفطر"، فبين الإجمال الذي في قوله:"فقد أفطر"
(3)
، ولم أقف على مثال له عند أبي نعيم في القسم الموافق لهذه المقارنة.
(1)
صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب النهي عن الوصال في الصوم (2/ 776)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام -باب في كراهية الوصال (ص 166)، من مصورة (2049).
(2)
الحديث رقم: (3220)، مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام -باب في فضل صيام عاشوراء (ص 207)، من مصورة رقم:(2049).
(3)
انظر الأحاديث رقم: (3025، 3026).
12 - بيان ما وقع في رواية الأصل من العلة القادحة:
توضيح هذا هو أن يكون الحديث معللا بعلة قادحة، ولم تبين هذه العلة في الأصل، فيبين المستخرج العلة ويكشفها
(1)
، وقد وقع مثال لذلك عند أبي عوانة في حديث عبد الله بن أنيس في أن ليلة القدر ليلة ثلاث وعشرين والذي رواه مسلم من رواية الضحاك بن عثمان
(2)
، والحديث فيه علة، وهي أن الضحاك حمل من حديث عبد الله بن أنيس الذي ليس فيه ذكر نزول المطر في تلك الليلة، ولا السجود بين الماء والطين، على لفظ حديث أبي سعيد الخدري الذي فيه ذكر هذه الأمور، فأورد أبو عوانة طريق الضحاك، ثم أورد الحديث من وجه آخر سالما من هذه العلة وحصل بذلك بيان ما في الرواية الأولى من العلة، والله أعلم
(3)
.
وهناك فوائد أخرى ذكرت ووقعت في قسم التحقيق عند الحافظين أو أحدهما، ولم نذكرها إما لكونها خارجة عن موضوع الاستخراج، وإن كانت في حد ذاتها فائدة، كتفسير الغريب الذي يكون من المستخرِج، وهو مما يكثر عند الحافظ أبي نعيم، بخلاف ما لو كان التفسير من الرواية، فإنه حينئذ فائدة للاستخراج يلزم ذكرها.
(1)
انظر: مختصر الأحكام (1/ 69).
(2)
صحيح مسلم -كتاب الصيام -باب فضل ليلة القدر والحث على طلبها (2/ 827).
(3)
انظر الحديث رقم: (3318 - 3320).
ومثل فائدة تراجم الأبواب التي هي غزيرة عند الحافظ أبي عوانة، فإنها لا علاقة لها بموضوع الاستخراج وإن كانت في حد ذاتها أيضًا فائدة.
وإما لعدم ثبوتها فائدة للاستخراج، كالحكم بعدالة من أخرج له في المستخرجات، فهذه ذكرها الحافظ ابن حجر
(1)
، وفيها نظر لأمرين:
الأول: أن الحافظ رحمه الله رد على ابن الصلاح حكمه بصحة الزيادات التي عند المستخرجين، بأن ذلك متوقف على النظر في حالة من جاء عند المستخرج بعد موضع الالتقاء، ولو استفيد من مجرد إخراج المستخرج لحديثهم الحكم بتوثيقهم لم يحصل ذلك التوقف.
الثاني: وجود ما يناقضه في الكتب المستخرجات، من الرواية عن جماعة من الضعفاء، بل حتى المتركين، كما سيأتي قريبًا إن شاء الله، وقد ذكر ذلك الحافظ كله، والله أعلم
(2)
، وقد رد السخاوي على من اشترط في الاستخراج ثقة الرواة، وقال: شذ بعضهم حيث جعله شرطا
(3)
.
وعلى العكس من ذلك هناك فوائد أخرى مهمة لم يوجد لها ذكر في الكتابين مع وجود المقتضي لها، فمن ذلك فائدة فصل الكلام المدرج الذي قد يقع في الأصل فيأتي بيانه في المستخرجات، كحديث أبي هريرة: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمرهم فيه بعزيمة، فيقول:
(1)
النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 321 - 322).
(2)
المصدر نفسه (1/ 293).
(3)
فتح المغيث (1/ 44).
"من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكر، وصدر من خلافة عمر على ذلك، اهـ
(1)
، فالجملة الأخيرة مدرجة من قول الزهريّ عند معمر، بينت ذلك رواية مالك، فلم يورد كلا المخرجين ما يبين هذا الإدراج فرويا الحديث من طريق معمر، أو من طريق مالك التي لا توجد فيها بيان الإدراج، وهذا بخلاف صنيع البخاري حيث روى الحديث بما يبين الإدراج
(2)
، وهذا من المآخذ عليهما في هذا الباب.
الخلاصة في فوائد الاستخراج في الكتابين:
1 -
أهمية هذه الفوائد المذكورة كما اتضح من الأمثلة في الكتابين.
2 -
فائدة العلو في الاستخراج أكثر عند أبي نعيم منها عند أبي عوانة.
3 -
زيادة الطرق عند أبي نعيم أكثر منها عند أبي عوانة، إلا أن أبا عوانة يمتاز بكون أَكثر الطرق التي زادها كان موضع الالتقاء بينه وبين الإِمام مسلم فيها أبعد مما عند أبي نعيم، وتضمن هذا فائدة أكثر مما عند أبي نعيم، فأوصل أحاديث إلى حد الاستفاضة من أصل أسانيدها، ورفع
(1)
صحيح مسلم -كتاب صلاة المسافرين وقصرها -باب الترغيب في قيام رمضان (1/ 523).
(2)
انظر تفصيل الكلام تحت الحديث رقم: (3266).
التفرد في مواضع لم يصل إليها أبو نعيم، وأتى بمتابعات للمتكلم فيهم في مثل تلك المواضع.
4 -
بيان لفظ المتن المحال به عند أبي عوانة أكثر منه عند أبي نعيم، والسبب في ذلك اختلاف منهجيهما في سياقة الأحاديث وطرقها، حيث إن أبا عوانة يسلك طريقة إيراد كل طريق بإسنادها ومتنها كثيرًا، بخلاف أبي نعيم حيث يكثر من جمع الطرق وإيراد المتن بلفظ أحدها، كما تقدم تقريره.
5 -
يمتاز منهج أبي عوانة في زيادات الألفاظ بكونه يوحي بما يميز ما إذا كانت الزيادة من قبل زيادات الثقات فتقبل، أو من قبيل المنكر فترد.
6 -
يؤخذ عليهما عدم مجيئهما بفائدة الاستخراج حيث احتيج إليها كالمواضع التي احتيج فيها لفصل الكلام المدرج.
واستطردت في هذا المبحث بذكر أحاديث المتكلم فيهم، والمدلسين، والمختلطين في صحيح مسلم، في قسم التحقيق الموافق لهذه المقارنة، فتبين أولًا أيضا قليلة جدًّا؟ وثانيًا أن أكثرها يوجد في الصحيح ما تزول به علتها، وبعض منها يوجد في المستخرجيْن، وسائرها يوجود خارجهما، فوقفت بذلك على صحة ما عليه أئمة هذا الفن من أن صاحبي الصحيحين قد انتقيا أحاديثهما، وأن تحسين الظن كما في تلك مواضع له مستند من التحقيق.
المبحث التاسع: الرواية عن المتكلم فيهم في الكتابين.
الرواة المتكلم فيهم في المستخرجين على قسمين: من كان منهم بعد موضع الالتقاء مع صاحب الأصل، ومن كان منهم قبل موضع الالتقاء، فأما القسم الأول فهم من رجال الصحيح وقد تقدم الكلام فيهم تحت فوائد الاستخراج، وأما القسم الثاني فهم أيضًا على القسمين: من تكلم فيه بما لا يسقطه عن حد الاعتبار بحديثه، ومن كان متروك الرواية عند النقاد، فالقسم الأول حديثهم عند المستخرج مقبول لوجود أصله عند صاحب الصحيح، وأما القسم الثاني فلا تجوز الرواية عنهم.
فعند أبي عوانة من القسم الأول أمثال عمر بن شبيب المسلي، وعبد الرحمن بن مغراء، وعبد الله بن عمر العمري، وأحاديثهم عنده إما مقرونة، وإما مساقة لبيان علتها
(1)
، ومنهم من أورد أحاديثهم في الزوائد مثل محمَّد بن مسلم الطائفي، ويحيى بن يزيد الرهاوي، ومسعود بن واصل، والنهاس بن قهم، وأبي حريز، وغيرهم، كلهم ممن يعتبر بحديثه، وأحاديثهم عنده في الشواهد.
وليس عند أبي عوانة في القسم المخصص لهذه المقارنة من كتابي الصوم والزكاة من جرح بجرح شديد إلا أبو العباس الكديمي، محمَّد بن يونس
(1)
انظر الحديث رقم: (3135، و 3120، و 3339، و 3369)، وانظر حديث رقم:(3079) لعدد منهم، أحاديثهم كلها للمتابعة.
ابن موسى البصري، وأبو الأحوص، إسماعيل بن إبراهيم الإسفراييني، وصالح ابن موسى بن طلحة الطلحى، فالأول قد اتهم بالوضع، قال ابن عدي:"اتهم بوضع الحديث، وبسرقته، وادعى رؤية قوم لم يرهم، ورواية عن قوم لا يعرفون، وترك عامة مشايخنا الرواية عنه، ومن حدث عنه نسبه إلى جده موسى بأن (لعله لأن) لا يعرف"
(1)
، وضعفه الدراقطني وابن حجر
(2)
، والحديث الذي روى عنه من الأصول عند أبي عوانة، وهو ثابت في الصحيحين من غير طريقه
(3)
، والثاني رمي بالكذب، وحديثه عند أبي عوانة في المتابعات
(4)
، وهو ثابت عند الإِمام مسلم، وأما صالح بن موسى ابن طلحة الطلحي، فقد أجمع قول الحفاظ على أنه متروك، وحديثه عنده في الزوائد.
وأما عند أبي نعيم فقد أكثر من الرواية عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، وهو من الحفاظ إلا أنه اتهم بسرقة الحديث، ورواية مسلم له في المقدمة
(5)
، وروى عن محمَّد بن مروان السدي الصغير
(6)
، وهو متهم
(1)
الكامل في ضعفاء الرجال (6/ 2294).
(2)
الضعفاء والمتروكون (ص 351).
(3)
الحديث رقم: (3232).
(4)
الحديث رقم: (3179).
(5)
تقريب التهذيب (8555).
(6)
مستخرج أبي نعيم -كتاب الصيام -باب الرخصة في القبلة للصائم (ص 170) من =
بالكذب، وروى أيضًا عن محمَّد بن عمر الواقدي
(1)
، وهو متروك.
فروايتهما عن هذا الصنف من الرواة من المآخذ عليهما في كتابيهما، ومما يقدح في الحكم بتوثيق من رويا عنه، كما تقدم في فوائد الاستخراج، ثم هي عند أبي عوانة أقل منها عند أبي نعيم، فليس له شيء عن يحيى الحماني في القسم المختار لهذه الدراسة، مع أنه روى من طرق عن أبيه عبد الحميد الحماني، وعن أبي معاوية، والآخر ممن أكثر عند أبي نعيم أحاديثه من طريق الحماني، وممكن الاعتذار لأبي عوانة في روايته عن الكديمي بأنه من شيوخه، وأن الحديث من روايته عن روح بن عبادة، وكان زوج أمه وتربى في حجره
(2)
، وكذلك في روايته عن أبي الأحوص، فإنه أيضا كان من شيوخه، وكان بلديه، والحديث محفوظ من غير طريقه، بخلاف روايته عن صالح الطلحي، وبخلاف رواية أبي نعيم عمن ذكر.
= مصورة: (2049).
(1)
المصدر نفسه -كتاب الصيام -باب ما جاء في ليلة القدر (ص 250) من مصورة رقم: (2050).
(2)
ميزان الاعتدال (4/ 74).
المبحث العاشر: العلل واختلاف الرواة في الكتابين:
ذكر الإِمام مسلم رحمه الله في المقدمة أنه يورد أخبارا معللة في مواضع من كتابه، وذكر القاضي عياض رحمه الله أنه أتى بها في مواضعها من الأبواب، لكن اختلف العلماء في جنس هذه العلل، هل هي من جنس العلل القادحة أو لا، القاضي عياض على القول الأول، والجمهور على القول الثاني
(1)
.
وأما الحافظان أبو عوانة، وأبو نعيم، فقد اختلف منهجهما في هذا الباب، فالحافظ أبو نعيم سلك مسلك مجرد الاستخراج لأحاديث الأصل، ولم يتعرض لأمر زائد من بيان العلل واختلاف الرواة في المتن والإسناد، وأما الحافظ أبو عوانة فسلك منهجًا مغايرًا، يتلخص في النقاط التالية، بالمقارنة مع الحافظ أبي نعيم:
1 -
المواضع التي يذكر الإِمام مسلم اختلاف ألفاظ النقلة فيها يستوفي أبو عوانة ذكرها، وربما زاد ما لم يذكره الإِمام مسلم من اختلاف الألفاظ، مثاله: حديث أبي سعيد الخدري في خروجه صلى الله عليه وسلم في رمضان، حيث اختلف أصحاب قتادة في يوم الخروج، فذكر مسلم اختلافهم، وتبعه أبو عوانة في ذكر ذلك الاختلاف
(2)
، ومثال ما أتى فيه بالزيادة: ذكره
(1)
صحيح مسلم (1/ 8)، مقدمة إكمال المعلم بفوائد مسلم (ص 129 - 130)، منهج الإِمام مسلم (ص 75).
(2)
انظر الأحاديث من: (3046 - 3049).
لاختلاف أصحاب عبد الله بن عطاء في حديث بريدة في المرأة التي ماتت أمها وعليها صوم، فاختلفوا في عدده ونوعه، فاستوفى ما أورده مسلم، ثم زاد وجهًا آخر، وهو ما قاله الأشجعي عن الثوري: وعليها صوم رمضان
(1)
.
وربما أهمل ذكر علة في السند أراد مسلم بيانها اهتماما منه باختلاف الألفاظ، كما صنع في هذا المثال الأخير حيث أهمل أن ينبه على تفرد عبد الملك بن أبي سليمان برواية الحديث عن عبد الله بن عطاء، عن سليمان بن بريدة، بينما هو عند سائر أصحاب عبد الله بن عطاء، عن عبد الله بن بريدة، فقال في حديثه: بمثل حديثهم.
وأما أبو نعيم فليس له شيء من هذا، ففي الموضع الأول جمع الطرق عن قتادة، وساق المتن بلفظ حديث هشام الدستوائي
(2)
، وفي حديث بريدة لم يستوف ذكر الاختلاف كما فعل أبو عوانة تبعًا لمسلم
(3)
.
2 -
يشير إلى اختلافات الألفاظ في مواضع لم يذكرها الإِمام مسلم، كما فعل في حديث أبي هريرة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب ساعيا على الصدقة، الحديث، قال عقبه: روى هذا الحديث عن أبي الزناد جماعة، منهم موسى بن عقبة، وعبد الرحمن بن أبي الزناد، وقد رواه شعيب هذا،
(1)
انظر الأحاديث من: (3124 - 3126) والمعلقات التي في عقبها.
(2)
باب الصوم والإفطار في السفر (ص 182) من مصورة رقم: (2049).
(3)
باب قضاء الصيام عن الميت (ص 217 - 219).
فقال بعضهم: "فهي عليه ومثلها معها"، وبعضهم قال مكان "أعتاده":"وأعبده"
(1)
.
3 -
يذكر ما أورده الإِمام مسلم من الاختلاف في الإسناد، وربما زاد أوجها أخرى لم يذكرها مسلم، كما فعل في الاختلاف على الأعمش في حديثه عن مسلم البطين، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس أن امرأة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن أمي ماتت وعليها صوم شهر، الحديث، فاستوفى ما ذكره الإِمام مسلم ثم زاد اختلافا آخر، وهو ما ذكره عن عبد الرحمن ابن مغراء، عن الأعمش
(2)
.
4 -
يذكر أوجه الاختلاف في الإسناد والمتن لم يذكرها مسلم أساسًا، منها ما هو قادح، ومنها ما ليس بقادح، فمما ذكر من الاختلاف القادح، اختلاف بعض أصحاب الزهريّ، في حديث من جامع أهله في نهار رمضان، حيث أورد اختلافا في السند، وآخر في المتن، ففي الذي في السند ذكر رواية هشام بن سعد، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، حيث خالف هشام الجماعة في قوله عن أبي سلمة مكان حميد ابن عبد الرحمن، فنص أبو عوانة، وقال: غلط فيه هشام، فقال: عن أبي سلمة
(3)
.
(1)
الحديث رقم: (3406، 3407).
(2)
انظر الأحاديث من: (3118 - 3123).
(3)
الحديث رقم: (3080).
وفي المتن ذكر مخالفة عبد الجبار بن عمر، وأبي مروان العثماني حيث زادا:"وأمره أن يقضي يوما مكانه"، وهي زيادة منكرة في حديث الزهري
(1)
.
ومنه أيضًا الاختلاف على مالك في حديث أبي هريرة: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"، حيث اختلف فيه في الوصل والإرسال، وحمل بعضهم رواية حميد عن أبي هريرة على رواية أبي سلمة عنه.
كل هذا الاختلاف لم يذكره الإِمام مسلم في الموضعين، فذكره أبو عوانة، وأورد طرقه، وذكر عقبها من جوّد الإسناد، كما فُصل ذلك في التحقيق
(2)
، ومن الاختلاف غير القادح ما ذكره في حديث أبي هريرة في النهي عن الوصال في الصوم، حيث رواه من طريق يونس، ومعمر، وشعيب، كلهم عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ثم رواه من طريق الزبيدي، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، وابن المسيب، عن أبي هريرة، والحديث عند مسلم من طريق يونس وحده عن الزهريّ، عن أبي سلمة، فأورد أبو عوانة هذا الاختلاف، ولم يورده مسلم، وهو غير قادح، فقد قال الدارقطني: القولان محفوظان
(3)
.
(1)
انظر الأحاديث رقم: (3079 و 3082).
(2)
انظر الأحاديث من: (3260 - 3267).
(3)
انظر الأحاديث من: (3012 - 3015).
5 -
يزيد بيانا لما يورده مسلم من الخلاف، مثال ذلك أن الإِمام مسلما أورد في عقب طرق حديث أبي سعيد الخدري السالف الذكر في الصوم في السفر، طريق مروان بن معاوية، عن عاصم، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، وجابر، فذكر أبو عوانة هذا الطريق تعليقا، ثم أورد طرق من تابع مروان في رواية الحديث في مسند جابر، فكان فيه توضيح لمراد مسلم من إيراد طريق مروان، وأنه ليس لبيان تفرده بجعل الحديث في مسند جابر وأوضح أن الحديث محفوظ عن جابر أيضًا.
6 -
قد يشير أبو عوانة إلى موضع العلة من أحاديث مسلم، بذكره معلقا في آخر الباب، كما فعل في حديث أبي هريرة:"لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي، ولا تخصوا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام، إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم"، من حديث حسين الجعفي، عن زائدة، عن هشام، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، وهو حديث معلول، أعله أبو زرعة، وأبو حاتم، والدارقطني، وذكره النسائي في باب ذكر الاختلاف على ابن سيرين
(1)
، وأورد عقبه الحديث من رواية ابن سيرين، عن أبي الدرداء، وهو الذي حكم عليه الحفاظ بأنه المحفوظ، وأن حسين الجعفي غلط في حديثه على زائدة، وقد ذكر الدكتور ربيع المدخلي، والشيخ مقبل الوادعي، أن الحديث عند مسلم مساق لبيان علته، وصنيع أبي عوانة بإيراده معلقا
(1)
السنن الكبرى (2/ 141/ 2751، 2752).
يشير لذلك، والله أعلم
(1)
.
وربما أشار بإيراد طريق آخر تبين علة الطريق التي عند مسلم، كما فعل في حديث عبد الله بن أنيس في ليلة القدر، حيث رواه مسلم من حديث الضحاك بن عثمان، وقد غلط فيه وخالف من هو أولى منه ثقة وكثرة، في سياق الحديث، فذكر أبو عوانة حديث الضحاك ثم عقبه برواية يزيد بن عبد الله بن الهاد الموافقة لرواية الحفاظ والتي توضح العلة في رواية الضحاك، والله أعلم
(2)
.
7 -
ينص على وهم الواهم في الرواية، كقوله: وهم سفيان، فقال: من صام رمضان
(3)
، كما ينقل كلام مسلم في الحكم بوهم الراوي، كما فعل في قول مسلم في رواية شعبة لحديث أبي قتادة، وفيه قال:"وسئل عن صوم الاثنين والخميس، فسكتنا عن ذكر الخميس لما نراه وهما"
(4)
، إلا أنه قد يورد الرواية بالوهم كما فعل في هذا الحديث، ولا يحذف موضعه من المتن كما يفعله مسلم، وقد يحذفه مكتفيا بما تقدم منه من التنبيه على وهم راويه، كما فعل في حديث سفيان بن عيينة المقدم، عند ما أورده في موضع آخر، اكتفى بذكر فضل ليلة القدر، وحذف ذكر فضل الصيام الذي حكم
(1)
انظر التعليق عقب الحديث رقم: (3142).
(2)
انظر الأحاديث من: (3318 إلى 3320).
(3)
انظر كلامه عقب الحديث رقم: (3267).
(4)
انظر الحديث رقم: (3169).
عليه بالوهم
(1)
، وروى أبو نعيم حديث أبي قتادة ولم يحذف موضع الوهم، ولم يذكر قول مسلم الذي يبين الوهم.
8 -
لم يسلك طريقة التصريح ببيان اختلاف الرواة في الأحاديث المعللة في ترجمة كما هو منهج الإِمام النسائي في كتابيه السنن الكبرى والمجتبى، حيث يقول:(باب الاختلاف على فلان في الخبر الفلاني)، بل سلك طريق إيراد الأحاديث المعللة ضمن أحاديث الباب السالمة من العلة، كما ليس له منهج واضح من حيث الترتيب بين الأحاديث المعللة وبين السالمة من العلل، فقد يؤخر الأحاديث المعللة ويقدم الصحيحة، كما فعل في حديث المجامع في نهار رمضان، حيث ذكر رواية هشام بن سعد، ورواية أبي مروان العثماني، ورواية عراك في آخر الباب
(2)
، وعلى العكس من ذلك تقديم الحديث المعل وتأخير الحديث الصحيح، كما فعل في حديث عبد الله ابن أنيس حيث قدم طريق الضحاك التي فيها العلة، وأخر طريق يزيد ابن الهاد السالمة من العلة
(3)
.
فالخلاصة أن أبا عوانة أوسع خطوة في هذا الباب من أبي نعيم، حيث إنه يشير إلى العلل، واختلاف الرواة في السند والمتن، وقد يحكم مع ذلك بما رآه صوابا، فيضيف الوهم إلى الواهم ويصحح الصحيح، والله أعلم.
(1)
انظر الحديث رقم: (3316).
(2)
انظر الأحاديث من (3080 - 3082).
(3)
الأحاديث: (3318 - 3320).
المبحث الحادي عشر: الأحاديث الزوائد في الكتابين:
ذكر الحافظ الذهبي عن مستخرج أبي عوانة أن له فيه زيادات عدة
(1)
، وكذلك قال الحافظ ابن حجر
(2)
، وأما مستخرج أبي نعيم فلم ينقل عنه أن فيه زوائد، ولم أجد شيئًا منها في القسم الذي عليه الدراسة
(3)
، واعتبرت أربعة ضوابط لاعتبار الحديث من الزوائد، وهي:
1 -
أن يكون متن الحديث لم يخرج في الأصل بلفظه أو بمعناه، لا من حديث الصحابي الذي رواه، ولا من حديث غيره.
2 -
أن يكون من الحديث الزائد قد خرج في الأصل لكن عن صحابي آخر غير الذي روى الحديث الزائد.
(1)
تذكرة الحفاظ (3/ 779).
(2)
النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 292).
(3)
تقدَّم أنَّ دراسة مقارنة الكتابين في الأحاديث الزوائد، أجريت على جزء من مستخرج أبي عوانة من حديث رقم:(3009 إلى 3407)، أعدها الدكتور بشير على عمر، وفي مجموع الكتاب يزيدُ عدد الأحاديث الزائدة على (452) حديثا، كما تقدَّم الكلام عليه بالتفصيل في المطلب الأول، من المبحث السابع في الفصل الثاني، وقد يَعمد أبو عوانة إلى عقد باب للأحاديث الزائدة على مسلم، كما فعل ذلك في كتاب الاستسقاء، فقال:
"زيادات في الاستسقاء ما لم يخرجه مسلم"، أورد تحته سبعة عشر حديثا، منها خمسة عشر حديثًا زائدًا، وحديثان التقى فيهما مع مسلم فيمن هو فوق شيخه.
انظر الأحاديث: من رقم (2567) إلى رقم (2583).
3 -
أن يكون متن الحديث الزائد قد خرج في الأصل عن الصحابي نفسه لكن فيه زيادة مؤثرة ليست في الأصل.
4 -
أن ينص المؤلف على أنه من الزوائد، وإن لم يتوفر فيه ضابط من الضوبط المتقدمة
(1)
.
وجملة ما وقع عند الحافظ أبي عوانة
(2)
من طرق الأحاديث الزوائد 41 طريقًا لسبعة عشر حديثا، فالتي لم تخرج في الأصل لا بلفظها ولا بمعناها هي:
حديث أسماء بنت أبي بكر (ح 3061): أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس.
وحديث عبد الله بن عباس في فضل العمل في الأيام العشر من ذي الحجة (ح 3238 - 3240)، وهذان في صحيح البخاري.
ومنها حديث أبي سعيد الخدري في النهي عن صوم المرأة تطوعا إلا بإذن زوجها (ح 3161 - 3163)، وهو صحيح على شرط الشيخين.
ومنها حديث أبي بن كعب في اعتكافه صلى الله عليه وسلم عشرين يومًا (ح 3300)، وهو صحيح على شرط مسلم.
ومنها ما يسوقه للمتابعة أو الاستشهاد لحديث من الزوائد، كما فعل
(1)
انظر هذه الضوابط الثلاثة الأولى في: علم زوائد الحديث (ص 67 - 69).
(2)
في الجزء الذي أجريت عليه الدراسة.
في حديث ابن عباس سالف الذكر، فساق متابعات له (ح 3245، 3246، 3251)، وشواهد:
منها ما هو صحيح لذاته، كحديث ابن مسعود (ح 3247)، وحديث عند الله بن عمرو (ح 3249).
ومنها ما هو حسن، كحديث جابر (ح 3243).
ومنها ما هو معلول، كحديث ابن عمر (ح 3244)، وحديث أبي هريرة (ح 3241، 3242، 3248)، كحديث جابر (ح 3250)، فهذا النوع يخرجه أبو عوانة لأن أحاديثه تضمنت أصولا تستحق الذكر في أبواب الكتاب لكنها لم تذكر في الأصل، فذكرها جبرًا لهذا النقص.
النوع الثاني منه: حديث ابن عمر، وعائشة، وأبي هريرة
(1)
، في الزكاة بلفظ:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة"، أوردها شواهد لحديث أبي سعيد الخدري الذي خرجه في الأصول، وحديث ابن عمر معلول، الصحيح أنه موقوف، وحديث عائشة ضعيف جدًّا فيه صالح بن موسى الطلحي متروك؛ وحديث أبي هريرة فيه علة في بعض طرقه، ذكرها ثم ذكر الطريق السالمة من العلة، وهو حسن.
ومنه أيضًا حديث ابن عمر: "فيما سقت السماء، والعيون، والأنهار، العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر"، وهو عند البخاري، وحديث
(1)
انظرها بأرقام: (3352 - 3361 - 3362 - 3364).
عمر بن الخطاب نحوه موقوفًا
(1)
، أوردهما شاهدين لحديث جابر الذي أخرجه مسلم، وأخرجه أبو عوانة أيضًا (ح 3366)، لكن أورد الحديث من ثلاثة طرق ليشير إلى اختلاف في الموضعين: الأول بين نافع وسالم.
الثاني: بين عبيد الله وأخيه عبد الله في نافع، والحديث من الأحاديث التي اختلف فيها نافع وسالم، واختلف الحفاظ في الترجيح بينها، فأعرض عنه مسلم، لكن المصنف أورده وأشار إلى الاختلاف، ويبدو أن أبا عوانة يورد هذا النوع لا ليشير إلى شواهد لأحاديث الأصل فحسب، بل ربما ليدل على علة ما لم يخرجه صاحب الأصل مع كونه من أحاديث الباب، فيستفاد من صنيعه هذا الوقوف على عملية الانتقاء عند صاحب الأصل، فكأنه يقول: في هذا الباب الأحاديث الفلانية لم يخرجها صاحب الأصل لما فيها من العلل التي أشرت إليها، والله أعلم.
النوع الثالث منه: حديث أبي هريرة: "لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه في غير شهر رمضان"، أخرج مسلم الحديث من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام، عن أبي هريرة، وليس فيه:"في غير شهر رمضان"، فاعتبرته من الزوائد من أجل هذه الزيادة في الطرق التي ذكرت، والطريق التي ليس فيها الزيادة لم أعتبرها من الزوائد
(2)
، والإمام مسلم أخرج الحديث في كتاب الزكاة لما فيه من ذكر نفقة الزوجة من كسب زوجها بغير
(1)
انظرهما برقم: (3367 - 3369).
(2)
انظر الطرق من حديث رقم (3164 - 3167)، الآخرة هي التي ليست من الزوائد.
إذنه
(1)
، ولم يعده في كتاب الصيام مع اشتماله على أصل من أبوابه، فأورده أبو عوانة شاهدًا لحديث أبي سعيد الخدري السالف الذكر (ح 3161 - 3162)، مقتصرًا على ذكر موضع الشاهد منه وأتى في بعض طرقه بالزيادة المقيدة لمطلق النهي، وساقها من عدة طرق ليدل على ثبوتها وعدم شذوذها.
النوع الرابع: وهو ما نص الحافظ أبو عوانة على أنه من زياداته، ولم يتوفر فيه ضابط من الضوابط الثلاثة الأولى، فيه حديث أبي سعيد، وحديث جابر، كلاهما بلفظ:"ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة" الحديث، أورد للأول طرقا غير طرق يحيى بن عمارة، عن أبي سعيد، التي أخرج الإِمام مسلم الحديث منها؛ وأورد للثاني طرقا غير طريق أبي الزبير، عن جابر، التي هي عند مسلم
(2)
، وفي بعض تلك الطرق زيادات على ما عند صاحب الأصل فتلتحق تلك الطرق بالقسم الذي قبله، كما أن بعض هذه الطرق فيها الصحيح
(3)
، وفيها ما أعل بانقطاع يسير
(4)
، أو خطأ في تسمية بعض رواته
(5)
، أو بالمخالفة لمن هو أولى
(1)
صحيح مسلم -كتاب الزكاة -باب ما أنفق العبد من مال مولاه (2/ 711).
(2)
انظر لحديث أبي سعيد الخدري: (ح 3353 - 3357)، ولحديث جابر:(ح 3358 - 3360، و 3365).
(3)
حديث رقم: (3354).
(4)
حديث رقم: (3353).
(5)
حديث رقم: (3355، 3356).
منه
(1)
، وهذا أيضًا مما يجوز أن يكون مما يورده أبو عوانة ليدل على ما فيه من علل كانت سببًا في عدم رواية الإِمام مسلم له، كما سبق نظيره في النوع الثالث، والله أعلم.
فبهذا القدر يتبين أن ما قاله الحافظ ابن حجر عن مستخرج أبي عوانة أن له زيادات مستقلة أثناء الأبواب، وفيها الصحيح، والحسن، والضعيف، والموقوف، صحيح من حيث الجملة وفق ما في القسم المخصص لهذه المقارنة من كتابي الصوم والزكاة، وأما بالتفصيل الذي تقدم فالأحاديث المستقلة المشتملة على متون غير مروية في الأصل إطلاقا، فليس فيها إلا الصحيح، وما ورد منها من الضعيف، فإنما جاء شاهدًا للصحيح، وأما التي يوجد أصل متنها عند صاحب الأصل، فقد يوجد فيها الأنواع التي ذكرت، لكنها في موضع الاستشهاد، أو مساقة لبيان علتها، وكذلك الحال في التي اشتملت على زيادة عنده ليست في الأصل.
(1)
انظر طرق حديث جابر برواية عمرو بن دينار عنه، وهي:(3357، 3358، 3359، 3365).
خلاصة المقارنة
(1)
:
وتتلخص في النقاط التالية:
1 -
الكتابان من حيث التسمية شبه شيء واحد.
2 -
اختلف عند المؤلفين السبب الباعث لهما على تأليف كتابيهما، حيث قصد الحافظ أبو نعيم مجرد الاستخراج على الكتاب الأصل، وقصد الحافظ أبو عوانة زيادة على ذلك تأليف مصنف مشتمل على الفوائد التي في الكتب المبوبة.
3 -
الحافظ أبو نعيم أشد التزاما لترتيب أحاديث وطرق الأصل، وأشد استيفاء في إيرادها من الحافظ أبي عوانة، إلا أن الحافظ أبا عوانة ضمن كتابه فوائد من فقه الحديث اضطر بسببها أن لا يحافظ على ذلك الترتيب، فلا يكاد يوجد كتاب جمع بين حسن الترتيب والجمع لطرق حديث بعد حديث، على طريقة مسلم، واشتمل مع ذلك على التبويب الفقهي الشامل والدقيق، على مثل طريقة البخاري، فإما أن يحصل له ما حصل لأبي عوانة، أو يسلك مسلك الترمذي من إيراد بعض طرق حديث الباب، والإشارة إلى بعضها الأخرى، وعوض أبو عوانة ما تركه من عدم
(1)
اعتُمد في إعداد هذه المقارنة على دراسة د. بشير علي عمر في مقارنته بين مستخرجي أبي عوانة وأبي نعيم من خلال كتابي الصوم والزكاة، من ح (3009) إلى ح (3407)، وأضيف إليها مطالب ومباحث زادها باحثون آخرون كما تقدَّم بيانُ ذلك مفصَّلًا في أول هذا الفصل.
الاستيفاء بما يورده من الأحاديث الزوائد.
4 -
الحافظ أبو نعيم أشد تمسكا بشرط الاستخراج من الحافظ أبي عوانة، حيث يقرب عنده موضع الالتقاء مع صاحب الأصل بخلاف صنيع الحافظ أبي عوانة في الغالب، ولا مؤاخذة على أبي عونة في ذلك، بل هذا الصنيع منه تضمن فوائد أكثر من صنيع أبي نعيم.
5 -
كتاب أبي عوانة أكثر فائدة في تراجم الأبواب من كتاب أبي نعيم.
6 -
تنوع كل من الحافظين في طرق سياقهما للأحاديث، واختلف مناهجهما في ذلك حسب السبب الباعث لهما على التأليف، فأكثر عند الحافظ أبي عوانة انتهاج مسلك إيراد كل طريق بإسنادها ومتنها، ومن أجل ذلك أكثر عنده فائدة بيان لفظ الطريق المحال به عند مسلم على ما عند الحافظ أبي نعيم، وأما الحافظ أبو نعيم فأكثر عنده انتهاج مسلك جمع الطرق وسياق متن واحد لها، فأكثر عنده الطرق الزائدة على ما عند أبي عوانة.
7 -
سلك أبو عوانة طريقة التكرار للأحاديث على خلاف منهج صاحب الأصل ليستدل بالحديث الواحد في عدة أبواب يصلح لها، وهو في ذلك بخلاف أبي نعيم، وأما الاختصار والتقطيع للأحاديث فالكتابان تبع لأصلهما في قلة ذلك فيهما.
8 -
حافظ الكتابان على منهج الأصل من الاقتصار على الأحاديث
المسندة، وعدم التعريج للموقوفات والمقطوعات إلا تبعًا لا قصدا، وأما الأحاديث المرسلة فهي أكثر عند أبي عوانة منها عند أبي نعيم، وإنما كان ذلك منه لما سلك في منهجه من بيان العلل واختلاف الرواة حيث دعت الحاجة إلى ذلك، وكذلك اختلف منهجه في المعلقات فأكثر منها، وذلك لأسباب تقدم ذكرها، بخلاف أبي نعيم الذي ندر أن يوجد عنده شيء منها.
9 -
اشتمل الكتابان على أنواع من علم رواة الحديث جعلتهما من الكتب التي يستفاد منها في معرفة هذا العلم.
10 -
اشتمل الكتابان على أنواع من فوائد الاستخراج ظهر من إبرازها أهمية المستخرجات، وقد توضّح اختلاف الكتابين في مدى وقوع تلك الفوائد فيها على سبيل الانفراد، كشفت دراسة هذا الجانب ما يؤكد القول بصحة انتقاء الإِمام مسلم لأحاديث كتابه، وسلامتها من العلل.
11 -
يؤخذ على الكتابين وجود الرواية عمن لا تحل الرواية عنه من المتروكين والمتهمين، على قلة ذلك عندهما، وهي عند أبي عوانة أقل منها عند أبي نعيم، وتبين هذا عدم التلازم بين الإخراج للراوي في المستخرجات، والحكم عليه بالتوثيق.
12 -
اشتمل كتاب أبي عوانة على أحاديث زوائد، وهي مما تلتحق بأحاديث الأصل في الجملة، إلا أنه يورد في المتابعات والشواهد منها ما لا يصلح للاستشهاد بها لشدة ضعف رواتها، وذلك نادر، أو لرجحان
خطأهم في روايتها، وذلك منه لغرض بيان علتها.
13 -
اهتم أبو عوانة بذكر العلل واختلاف الرواة في الأسانيد والمتون، ولم يهمل أن يحكم بما هو الراجح عنده، وبما يراه من وهم الواهم فيها.
14 -
هذا ومما يحتاج كتاب أبي عوانة إليه؛ جمع تراجم زوائده من الرجال على ما في الكتب الستة، ففيه عدد كبير من التراجم لا توجد في تهذيب الكمال وفروعه، وهذان الجانبان مما يزيد في خدمة الكتاب، وكذلك يحتاج الكتاب إلى تكملة نواقصه بالاستعانة بكتاب "إتحاف المهرة"، وهذا وإن كان يتعذر معه الوقوف على ألفاظه إلا أنه بتخريج الطرق التي في الإتحاف يمكن تقريب الألفاظ للمستفيدين، كذلك يحتاج الكتاب إلى دراسة طرق الأحاديث التي يوردها لبيان علتها، واختلاف الرواة فيها، فيستفاد من هذه الدراسة الوقوف على ما يوضح منهج الإِمام مسلم في بيان العلل في كتابه، ويميز ما كان منه من قبيل العلل القادحة وغير القادحة، والله ولي التوفيق.
وصلى الله على سيدنا محمَّد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.