المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

بسم الله الرحمن الرحيم   ‌ ‌المقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ - معجم المدلسين

[محمد بن طلعت]

فهرس الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

‌المقدمة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أما بعد: فهذا بحث بعنوان: "معجم المدلسين"، أوردت فيه كل راوٍ وُصف بالتدليس، سواء صح وصفه به، أم لم يصح.

وتتلخص طريقة عملي في هذا الكتاب فيما يلي:

* وجمعت مادة كتابي هذا عن طريق استقراء الكتب التي تتكلم عن الرجال. فكنت كلما وقفت على وصف لعالم لأحد الرواة بالتدليس، أو كلام لعالم يتعلق بتدليس الراوي جمعته.

* وبعد أن جمعت مادة الكتاب العلمية من كلام المتقدمين أوردت جميع التَّراجم التي في كتاب "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس" للحافظ ابن حجر رحمه الله.

وقد وصف الحافظ ابن حجر في كتابه "تقريب التهذيب" عددًا من الرواة بالتدليس

(1)

، ولم يصفهم به في كتابه "تعريف أهل التقديس"، فأوردت هؤلاء الرواة في كتابي، وقمت بالتعليق على كل ترجمة منهم.

* ثم بعد ذلك قمت بقراءة الجزء الخاص بالتدليس من كتاب "جامع التحصيل" للعلائي، وقمت أيضًا بقراءة كتاب "التبيين لأسماء المدلسين" لبرهان الدين

(1)

قام الدكتور عاصم القريوتي في تحقيقه لكتاب "تعريف أهل التقديس" بجمع هؤلاء الرواة، وقد اعتمدت عليه في حصرهم.

ص: 5

ابن العجمي، وكتاب "المدلسين" لأبي زرعة بن العراقي، وكتاب "أسماء المدلسين" للسيوطي، واستخرجت منها الأقوال التي تفيد كتابي.

* قمت بالتعليق على التَّراجم التي تحتاج إلى تعليق.

* وزيادة في الفائدة قبل الشروع في ذكر الرواة الموصوفين بالتدليس ذكرت في مقدمة الكتاب نبذة عن معنى التدليس، وأقسامه، وحكم عنعنة الموصوف به، ومراتب الموصوفين به.

والله أسأل أن يتقبل هذا العمل، وأن ينفعني به والمسلمين، إنه بكل جميل كفيل، وهو نعم المولى ونعم النصير.

1 صفر 1426 هـ

كتبه

محمد بن طلعت بن محمد

مصر - المحلة الكبرى

ص: 6

‌مُقَدَّمُة فِي مَعْنَي التَّدْلِيس وَأَقْسَامِهِ وَمَرَاتِبِ المَوْصُوفِينَ بِهِ

ص: 7

‌1 - تعريف التدليس

قال ابن حجر: التدليس مُشتق من الدلس، وهو الظلام، قاله ابن السيد.

وكأنه أُظلم أمره على الناظر لتغطية وجه الصَّواب فيه

(1)

.

وقال ابن حجر أيضًا: المُدَلَّس سُمي بذلك لكون الراوي لم يسم من حدثه، وأوهم سماعه للحديث ممن لم يحدثه به.

واشتقاقه من الدَّلَس -بالتحريك-، وهو اختلاط الظلام بالنور، سُمي بذلك لاشتراكهما في الخفاء

(2)

.

* * *

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"[2/ 614].

(2)

"نزهة النظر شرح نخبة الفكر"[ص 49].

ص: 9

‌2 - أقسام التدليس

‌1) تدليس الإسناد:

قال الخطيب البغدادي: الضرب الأول من التدليس: تدليس الحديث الذى لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه، ويعدل عن البيان بذلك، ولو بين أنه لم يسمعه من الشيخ الذى دلسه عنه، فكشف ذلك لصار ببيانه مرسلًا للحديث غير مدلس فيه، لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعًا ممن لم يسمع منه، وملاقيًا لمن لم يلقه، إلا أن التدليس الذى ذكرناه متضمن للإرسال لا محالة، من حيث كان المدلس ممسكًا عن ذكر من بينه وبين من دلس عنه، وإنما يفارق حاله حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط، وهو الموهن لأمره، فوجب كون هذا التدليس متضمنًا للإرسال والإرسال لا يتضمن التدليس، لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا المعنى لم يذم العُلماء من أرسل الحديث، وذموا من دلسه

(1)

.

وقال ابن عبد البر: التدليس هو أن يُحدث الرجل عن الرجل قد لقيه، وأدرك زمانه، وأخذ عنه، وسمع منه، وحدث عنه بما لم يسمعه منه، وإنما سمعه من غيره عنه، ممن تُرضى حاله، أو لا تُرضى، على أن الأغلب في ذلك أن لو كانت حاله مُرضية لذكره، وقد يكون لأنه استصغره.

هذا هو التدليس عند جماعتهم، لا اختلاف بينهم في ذلك.

واختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقه، مثل: مالك عن سعيد بن المسيب، والثوري عن إبراهيم النخعي، وما أشبه هذا، فقالت فرقة: هذا تدليس، لأنهما لو شاء لسميا من حدثهما، كما فعلا في كثير مما بلغهما عنهما، قالوا: وسكوت المحدث عن ذكر من حدثه مع علمه به دلسة.

(1)

"الكفاية"(ص 510 - 511).

ص: 10

قال أبو عمر: فإن كان هذا تدليسًا، فما أعلم أحدًا من العُلماء سلم منه في قديم الدهر ولا في حديثه، اللهم إلا شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان، فإن هذين ليس يوجد لهما شيء من هذا، لاسيما شعبة، فهو القائل: لأن أزني أحب إلى من أن أدلس.

وقالت طائفة من أهل الحديث: ليس ما ذكرناه يجري عليه لقب التدليس، وإنما هو إرسال، قالوا: وكما جاز أن يرسل سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أبي بكر وعمر، وهو لم يسمع منهما، ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليسًا، كذلك مالك عن سعيد بن المسيب

(1)

.

وقال ابن الصلاح: تدليس الإسناد هو أن يروي عمن لقيه مالم يسمعه منه موهمًا أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه، موهمًا أنه قد لقيه وسمعه منه. ثم قد يكون بينهما واحد، وقد يكون أكثر.

ومن شأنه أن لا يقول في ذلك: أخبرنا فلان، ولا حدثنا، وما أشبههما، وإنما يقول: قال فلان أو عن فلان، ونحو ذلك

(2)

.

وقال الذهبي: المُدلس ما رواه الرجل عن آخر ولم يسمعه منه، أو لم يدركه. فإن صرح بالاتصال وقال: حدثنا، فهو كذاب، وإن قال: عن، احتُمل ذلك ونُظر في طبقته: هل يدرك من هو فوقه؟ فإن كان لقيه فقد قررناه، وإن لم يكن لقيه فامكن أن يكون معاصرة، فهو محل تردد، وإن لم يكن فمنقطع: كقتادة عن أبي هريرة. وحكم "قال" حكم "عن".

ومن أمثلة التدليس: الحسن عن أبي هريرة. وجمهورهم على أنه منقطع لم يلقه.

وقد رُوي عن الحسن قال: حدثنا أبو هريرة، فقيل: عنى بحدثنا: أهل بلده

(3)

.

(1)

"التمهيد"(1/ 18 - 19).

(2)

"مقدمة ابن الصلاح"(صـ 66).

(3)

"الموقظة"(ص 47، 49).

ص: 11

وذكر العلائي كلام ابن عبد البر من "واختلفوا في حديث الرجل" إلى آخر كلامه، ثم قال: والقول الأول ضعيف، لأن التدليس أصله التغطية والتلبيس، وإنما يجي ذلك فيما أطلقه الراوي عن شيخه بلفظ موهم للاتصال، وهو لم يسمعه منه، فأما إطلاقه الرِّواية عمن يعلم أنه لم يلقه أو لم يدركه أصلًا فلا تدليس في هذا يوهم الاتصال، وذلك ظاهر، وعليه جمهور العُلماء والله أعلم.

والتدليس نوعان، أحدهما ما أشرنا إليه آنفًا بأن يروي الراوي عن شيخه حديثًا لم يسمعه منه بلفظ عن أو قال أو ذكر ونحو ذلك مما يوهم الاتصال ولا يصرح بحدثنا ولا أخبرنا ولا سمعت.

وهذا القسم حكمه في الحقيقة حكم المرسل، من جهة أنه لا يعرف الراوي الذى أسقط بينه وبين من دلس عنه، فكل مدلس مرسل، ولا ينعكس إلا على القول الضعيف الذى حكاه ابن عبد البر فيما تقدم

(1)

.

وقال العراقي: قوله: "هو أن يروي عمن لقيه مالم يسمعه منه موهمًا أنه سمعه منه، أو عمن عاصره ولم يلقه "إلى آخر كلامه، هكذا حد المُصَنف القسم الأول من قسمي التدليس الذى ذكرهما، وقد حده غير واحد من الحفاظ بما هو أخص من هذا، وهو أن يروي عمن قد سمع منه مالم يسمعه منه، من غير أن يذكر أنه سمعه منه، هكذا حده الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في جزء له في معرفة من يُترك حديثه أو يُقبل، وكذا حده الحافظ أبو الحسن بن محمد بن عبد الملك بن القطان في كتاب "بيان الوهم والإيهام"، قال ابن القطان: والفرق بينه وبين الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه انتهى.

ويقابل هذا القول في تضييق حد التدليس القول الآخر الذى حكاه ابن عبد البر في "التمهيد" أن التدليس أن يحدث الرجل بما لم يسمعه. قال ابن عبد البر: وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد، لا مالك ولا غيره.

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 97 - 98).

ص: 12

وما ذكره المُصَنِّف في حد التدليس هو المشهور بين أهل الحديث، وإنما ذكرت قول البزار وابن القطان كيلا يغتر بهما من وقف عليهما، فيظن موافقة أهل هذا الشأن لذلك والله أعلم

(1)

.

قال بدر الدين الزركشي: قول ابن الصلاح: "هو أن يروي عمن لقيه

" إلى آخره أي شرط التدليس أن يكون المدلس قد لقى المروي عنه، ولم يسمع منه ذلك الحديث الذى دلسه عنه، وشرط البغوي في "شرح السنة" أن يكون مشهورًا بالرواية عنه، أما إذا روى عمن لم يدركه بلفظ موهم فليس بتدليس على الصحيح المشهور، بل هو من قبيل الإرسال، كما سبق بابه عن حكاية الخطيب وحكى ابن عبد البر عن قوم أنه تدليس، فجعلوا التدليس أن يحدث الرجل عن الرجل بما لم يسمعه منه بلفظ لا يقتضى تصريحًا بالسماع، وإلا لكان كذبًا، قال ابن عبد البر: "وعلى هذا فما سلم من التدليس أحد لا مالك ولا غيره".

وقال ابن القطان في "الوهم والإيهام": "التدليس أن يروي عمن قد سمع منه مالم يسمع منه". وكذلك قال الحافظ أبو بكر البزار صاحب "المسند" في جزء له في معرفة من يُترك حديثه أو يُقبل

(2)

.

وذكر ابن حجر تعريف ابن الصلاح لتدليس الإسناد، ثم قال: وقوله: "عمن عاصره" ليس من التدليس في شيء، وإنما هو: المرسل الخفي، كما سيأتي تحقيقه عند الكلام عليه.

وقد ذكر ابن القطان في أواخر البيان له

(3)

تعريف التدليس بعبارة غير معترضة، قال: "ونعني به أن يروي المحدث عمن قد سمع منه مالم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه. والفرق بينه وبين الإرسال هو أن الإرسال روايته عمن لم

(1)

"التقييد والإيضاح"(صـ 97 - 98).

(2)

"النكت على مقدمة ابن الصلاح"(2/ 68 - 69).

(3)

هو كتاب "بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام".

ص: 13

يسمع منه، ولما كان في هذا قد سمع منه، جاءت روايته عنه بما لم يسمعه منه، كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء، فلذلك سُمي تدليسًا". انتهى

وهو صريح في التفرقة بين التدليس والإرسال، وأن التدليس مختص بالرواية عمن له عنه سماع، بخلاف الإرسال -والله أعلم-. وابن القطان في ذلك مُتابع لأبي بكر البزار، وقد حكى شيخنا كلامهما، ثم قال:"إن الذى ذكره المُصَنِّف في حد التدليس هو المشهور عن أهل الحديث، وأنه إنما حكى كلام البزار وابن القطان لئلا يُغتر به".

قلت: ولا اغترار هنا، بل كلامهما هو الصَّواب على ما يظهر لي في التفرقة بين التدليس والمرسل الخفي، وإن كانا مشتركين في الحكم.

هذا ما يقتضيه النظر، وأما كون المشهور عن أهل الحديث خلاف ما قالاه ففيه نظر، فكلام الخطيب في باب التدليس من "الكفاية" يؤيد ما قاله ابن القطان.

قال الخطيب: التدليس متضمن للإرسال لا محالة، لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط، وهو الموهن لأمره، فوجب كون التدليس متضمنًا للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس، لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا لم يذم العُلماء من أرسل، وذموا من دلس -والله أعلم-.

قلت: والذى يظهر من تصرفات الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقى، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل المرسل، لا من قبيل المدلس. وقد قال الخطيب في باب المرسل من كتابه "الكفاية":"لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذى ليس بمدلس وهو رواية الراوي عن من لم يعاصره أو لم يلقه ثم مثل للأول بسعيد بن المسيب وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وللثاني بسفيان الثوري وغيره عن الزهري، ثم قال: والحكم في الجميع عندنا واحد". انتهى.

فقد بيّن الخطيب في ذلك أن من روى عمن لم يثبت لقيه ولو عاصره أن ذلك

ص: 14

مرسل لا مدلس. والتحقيق فيه التفصيل، وهو أن من ذُكر بالتدليس أو الإرسال إذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس، أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال

(1)

.

وقد تبع السخاوي الحافظ ابن حجر في إطلاق التدليس على رواية الراوي عمن سمع منه مالم يسمع منه، وعدم إطلاقه على رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه وإطلاق ذلك على الإرسال الخفي

(2)

.

قلت: الراجح عندي أن التدليس يُطلق على رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمع منه، وُيطلق أيضًا على رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه بلفظ موهم كـ " عن "أو" "قال".

أما رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه بلفظ غير موهم كـ "أُخبرت عن" أو" حُدثت عن "أو" بلغني عن "فهذا يُسمى إرسالًا ولا يُسمى تدليسًا.

وكذلك يُطلق الإرسال على رواية الراوي عمن لم يدركه.

وأكثر الأئمة المتقدمون أطلقوا التدليس على رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه بلفظ موهم، كما أطلقوه على رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمع منه.

وإليك الأدلة عنى أن المتقدمين كانوا يسمون رواية الراوي عمن أدركه ولم يسمع منه بلفظ موهم تدليسًا.

قال الخلال: قال مهنا: قلت لأحمد ويحيى: حدثوني عن عبد المجيد بن أبي رواد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان"؟ فقالا جميعًا: ليس بصحيح، وليس يعرف هذا الحديث من أحاديث عبيد الله، ولم يسمع عبد المجيد بن أبي رواد من عبيد الله شيئًا، ينبغي أن يكون دلسه، سمعه من إنسان

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 614، 615، 623).

(2)

"فتح المغيث"(1/ 208 - 210).

ص: 15

فحدث به

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: حدث هشيم عن سفيان الثوري، فقال: دلس عنه

(2)

.

قلت: هشيم ليس له رواية عن سفيان الثوري في الكتب الستة، وهشيم والثوري كلاهما من الطبقة السابعة، وكلاهما يروي عن حصين بن عبد الرحمن فلعل ما رواه هشيم عن الثوري بلغه عن الثوري ولم يسمعه منه، فدلسه عنه، وهذا دليل آخر على أن أحمد كان يُطلق التدليس على الإرسال الخفي.

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: لم يلق يحيى بن أبي كثير زيد بن سلام، وقدم معاوية بن سلام عليهم، فلم يسمع يحيى بن أبي كثير، أخذ كتابه عن أخيه ولم يسمعه، فدلسه عنه

(3)

.

وقال الدوري أيضًا: سمعت يحيى يقول: دلس هشيم عن زاذان أبي منصور، ولم يسمع منه

(4)

. وقال أيضًا: سمعت يحيى يقول: داود بن أبي القصاف يروي عنه سعيد بن أبي عروبة، ويروي عنه داود بن الزبرقان، يدلس عنه

(5)

.

(6)

قال ابن محرز: سمعت ابن نمير يقول: قال أبو نعيم: أحاديث عبد السلام - يعني الملائي- عن سالم إنما هي أحاديث شريك كلها.

قال ابن نمير: كان عبد السلام يدلس

(7)

.

(8)

(1)

"المنتخب من العلل" للخلال (صـ 227).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال"(3/ 210).

(3)

"تاريخ الدوري"(4/ 207).

(4)

"تاريخ الدوري"(4/ 380).

(5)

"تاريخ الدوري"(4/ 233).

(6)

انظر ترجمة "داود بن الزبرقان" من هذا الكتاب.

(7)

سؤالات ابن محرز لابن معين وغيره (2/ 223).

(8)

انظر ترجمة "عبد السلام بن حرب" من هذا الكتاب.

ص: 16

وقال الترمذي: حدثنا الحسن بن عرفة، حدثنا محمد بن سواء، حدثنا سعيد بن أبي عروبة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استذكروا القرآن فإنه أشد تفصيًا من صدور الرجال من النعم من عقلها .. " الحديث.

فسألت محمد عن هذا الحديث فقال: هذا حديث مشهور من حديث الأعمش ولكن لا أعرفه من حديث سعيد بن أبي عروبة، ولا أعرف لسعيد بن أبي عروبة سماعًا من الأعمش، وهو يدلس، ويروي عنه

(1)

.

وقال البخاري: عباد عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود عن عكرمة، وربما دلسها فجعلها عن عكرمة

(2)

.

وقال الخطيب البغدادي: أخبرني أبو بكر أحمد بن سليمان بن على المقرئ الواسطي، قال: ثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال، قال: ثنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، قال: ثنا جدي، قال: التدليس جماعة من المحدثين لا يرون به بأسًا، وكرهه جماعة منهم، ونحن نكرهه، ومن رأى التدليس منهم فإنما يجوزه على الرجل الذى قد سمع منه ويسمع من غيره عنه مالم يسمعه منه، فيدلسه يرى أنه قد سمعه منه، ولا يكون ذلك أيضًا عندهم إلا عن ثقة، فأما من دلس عن غير ثقة وعمن لم يسمع هو منه، فقد جاوز حد التدليس الذى رخص فيه من رخص من العُلماء

(3)

.

وفى قول يعقوب: "فأما من دلس عن غير ثقة، وعمن لم يسمع منه" دليل على أن التدليس يطلق على رواية الراوي عمن لم يسمع منه كما يطلق على رواية الراوي عمن سمع منه مالم يسمع منه.

(1)

"العلل الكبير"(ص 348 - 349).

(2)

"التاريخ الكبير"(6/ 40).

(3)

"الكفاية"(ص 516).

ص: 17

وقال يعقوب بن سفيان: وقد روى سعيد بن أبي عروبة عن عبيد الله بن عمر وعن هشام بن عروة وعن أبي بشر ولم يسمع منهم، إنما دلس عنهم، ولعمرى إنما روى عنهم مناكير

(1)

.

وقال يعقوب بن سفيان أيضًا: حدثنا ابن نمير، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن ثوبان، ولم يسمع من ثوبان، إنما هو تدليس

(2)

.

وقال العجلي: حجاج بن أرطأة النخعي كوفي جائز الحديث، وكان له فقه، وكان على البصرة، وكان على الشرطة، وكان فقيهًا، وكان أحد مفتي الكوفة، وكان فيه تيه، وكان يقول: قتلنى حب الشرف، وولي قضاء البصرة، إلا أنه صاحب إرسال، كان يرسل عن يحيى بن أبي كثير ولم يسمع منه شيئًا، ويرسل عن مجاهد ولم يسمع منه شيئًا، ويرسل عن مكحول ولم يسمع منه شيئًا، ويرسل عن الزهري ولم يسمع منه شيئًا، فإنما يعيب الناس منه التدليس

(3)

.

قال الشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني حفظه الله: يقول أبو جعفر أحمد ابن إسماعيل النحاس (ت 338 هـ) في "الناسخ والمنسوخ" معقبًا على حديث ذكره: وهذا لا حجة فيه، لأن الحجاج بن أرطاة يدلس عمن لقيه وعمن لم يلقه، فلا تقوم بحديثه حجة، إلا أن يقول: حدثنا أو أخبرنا أو سمعت.

وهذا من صريح القول في اعتبار رواية المعاصر عمن لم يلقه تدليسًا

(4)

.

وقال ابن عدي: والحجاج بن أرطأة إنما عاب الناس عليه تدليسه عن الزهري وعن غيره، وربما أخطأ في بعض الروايات، فأما أن يتعمد الكذب فلا، وهو

(1)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 123).

(2)

"المعرفة والتاريخ"(3/ 236).

(3)

"الثقات"(ص 107).

(4)

"المرسل الخفي"(1/ 55).

ص: 18

ممن يكتب حديثه

(1)

.

وقال ابن عدي أيضًا: وكان سعيد بن أبي عروبة ثبتًا عن كل من روى عنه، إلا من دلس عنهم، وهم الذين ذكرتهم ممن لم يسمع منهم

(2)

.

وقال ابن حبان: النوع الثامن عشر من أنواع جرح الضعفاء: المدلس عمن لم يره كالحجاج بن أرطأة وذويه، كانوا يحدثون عمن لم يروه، ويدلسون حتى لا يعلم ذلك منهم.

سمعت محمد بن عمر بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: الحجاج بن أرطأة لم يسمع من الزهري ولم يره

(3)

.

وقال ابن العراقي: قال الدَّارقُطْنِي في "العلل": لم يسمع ابن جريج من المطلب بن عبد الله بن حنطب شيئًا، ويقال: كان يدلسه عن ابن أبي سبرة أو غيره من الضعفاء

(4)

.

وقال الحاكم: الجنس السادس من التدليس قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم، إنما قالوا: قال فلان فحمل ذلك عنهم على السماع وليس عنهم سماع عالٍ ولا نازل

(5)

.

وقال الخليلي: قد روى عن عكرمة جماعة ممن لم يلقوه، وإنما يدلسون، كالحسين بن واقد المروزي وغيره

(6)

.

(1)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(2/ 229).

(2)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(3/ 397).

(3)

"المجروحين"(صـ 80).

(4)

"تحفة التحصيل"(صـ 317). وفى "فتح الباري" لابن رجب الحنبلي (2/ 530)(ح 458): ويُقال: كان يدلسه عن ابن أبي سبرة وغيره من الضعفاء.

(5)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 109).

(6)

"الإرشاد"(1/ 349).

ص: 19

قال ابن الأثير (ت 606 هـ) في مقدمة كتابه" جامع الأصول في أحاديث الرسول" متكلمًا على التدليس: "رواية المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم في الرِّواية فيقولون: قال فلان، ممن هو معاصرهم، رأوه أو لم يروه، ولا يكن لهم عنه سماع أو إجازة، ولا طريق من الرِّواية

إلى آخر كلامه"

(1)

.

قلت: فإذا كان أحمد وابن معين وابن نمير والبخاري ويعقوب بن شيبة ويعقوب بن سفيان والعجلي وأبو جعفر النحاس وابن عدي وابن حبان والدارقطني والحاكم والخليلي وابن الأثير قد سموا رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه بلفظ موهم تدليسًا، فمن القوم بعدهم؟!

والخطيب البغدادي نفسه أطلق التدليس على رواية الراوي عمن عاصره بلفظ موهم، فقال في "تاريخ بغداد" (8/ 235): حجاج بن أرطاة كان مدلسًا، يروي عمن لم يلقه. فحجاج بن أرطأة عاصر الزهري وغيره، ولكنه لم يسمع منهم، وروى عنهم بصيغة موهمة كالعنعنة، ولم يبين أنه لم يسمع منهم

(2)

، فوصفه الخطيب البغدادي بالتدليس لذلك.

وقال الخطيب البغدادي في "الكفاية"(صـ 511 - 512): ذكر شيء من أخبار بعض المدلسين. ثم ذكر بإسناده قول أحمد: لم يسمع سعيد بن أبي عروبة من الحكم بن عتيبة شيئًا، ولا من حماد، ولا من عمرو بن دينار، ولا من هشام ابن عروة، ولا من إسماعيل بن أبي خالد، ولا من عبيد الله بن عمر، ولا من أبي بشر، ولا من زيد بن أسلم، ولا من أبي الزناد، وقد حدث عن هؤلاء كلهم ولم يسمع منهم.

(1)

"جامع الأصول"(1/ 167). نقلًا عن كتاب "المرسل الخفي"(1/ 124) للشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني حفظه الله.

(2)

انظر ترجمة (حجاج بن أرطأة) من كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

ص: 20

ثم ذكر بإسناده إلى عبد الله بن علي بن المديني، قال: سألت أبي عن حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن ابن جريج، عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرضت علي أجور أمتي حتى القذاة يخرجها الرجل من المسجد".

قال: ابن جريج لم يسمع من المطلب بن عبد الله بن حنطب، كان يأخذ أحاديثه عن ابن أبي يحيى عنه.

ثم ذكر الخطيب مثالًا للأعمش، ومثالًا لسفيان بن عيينة.

قلت: وسعيد بن أبي عروبة لم يسمع من هؤلاء الرواة الذين ذكرهم أحمد، وروى عنهم بصيغة موهمة كالعنعنة، ولم يبين أنه لم يسمع منهم، فاطلق الخطيب على ذلك اسم التدليس.

وكذلك أطلق الخطيب اسم التدليس على رواية ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب، لأنه لم يسمع منه، وروى عنه بصيغة موهمة، ولم يبين أنه لم يسمع منه.

وتعريف الخطيب للتدليس والإرسال ليس فيه دليل على أن رواية الراوي عمن عاصره ولم يسمع منه يُطلق عليها الإرسال فقط، ولا يُطلق عليها التدليس.

فالخطيب البغدادي قال في تعريف "تدليس الإسناد": "هو تدليس الحديث الذى لم يسمعه الراوي ممن دلسه عنه"، وهذه الصورة تشمل رواية الراوي عن شيخه الذى سمع منه مالم يسمع منه، وتشمل أيضًا رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه.

والفرق بين التدليس والإرسال عند الخطيب هو وجود الإيهام في التدليس، وعدم وجوده في الإرسال.

وقول الخطيب في تعريف الإرسال: "إرسال الحديث الذى ليس بمُدلس" أي ليس فيه إيهام. فالراوي المُرسل يبين في روايته أنه لم يسمع ممن روى عنه، فيقول مثلًا:"أُخبرت عن فلان"، "أو" بلغني عن فلان"، أما المدلس فيقول:

ص: 21

"عن"، أو "قال" فيوهم السامع أنه سمع الحديث ممن روى عنه، وهو في الحقيقة لم يسمعه.

ومما سبق يتبين أن ليس في كلام الخطيب دليل على ما ذهب إليه الحافظ من التفرقة بين التدليس والإرسال الخفي.

أما رواية المخضرمين كقيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن العُلماء لم يطلقوا عليها اسم التدليس، لأنه ليس في روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم إيهام بأنهم سمعوا منه، فالكل يعلم أن هؤلاء لم يسمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم مع إدراكهم له.

‌2) تدليس الشيوخ:

قال الخطيب البغدادي: وأما الضرب الثاني من التدليس فهو: أن يروي المحدث عن شيخ سمع منه حديثًا فغير اسمه أو كنيته أو نسبه أو حاله المشهور من أمره لئلا يُعرف، والعلة في فعله ذلك كون شيخه غير ثقة في اعتقاده، أو في أمانته، أو أن يكون متأخر الوفاة قد شارك الراوي عنه جماعة دونه في السماع منه أو يكون أصغر من الراوي عنه سنًا، أو تكون أحاديثه التى عنده عنه كثيرة فلا يحب تكرار الرِّواية عنه، فيغير حاله لبعض هذه الأمور.

ثم ذكر الخطيب من كان يصنع هذا النوع من التدليس كعطية العوفي وابن جريج ومروان بن معاوية الفزاري وغيرهم، ثم قال:

فمنهم: محمد بن محمد بن سليمان الباغندي كان يروي عن يحيى بن أبي طالب، فيقول: ثنا عبد الله بن الزبرقان، وعن محمد بن غالب التمتام، فيقول: ثنا عبد الله بن غالب التمار.

ومحمد بن المُظَفَّر الحافظ كان يروي عن أبي الحُسين عمر بن الحسن الأشناتي فيقول: ثنا عبد الله بن الحسن الشيباني، وعن عبد الباقي بن قانع القاضي، فيقول: ثنا عبد الله بن مرزوق.

وأبو بكر محمد بن القاسم الأنباري كان يروي عن محمد بن خلف بن الزبرقان

ص: 22

فيقول: ثنا عبد الله بن خلف.

وأبو عبيد الله المرزباني كان يروي عن محمد بن يحيى الصولي فيقول: ثنا أبو بكر الجرجاني.

والحارث بن أبي أسامة حدث عن أبي بكر بن أبي الدنيا المُصَنِّف، وقال: ثنا أبو بكر الأموي، وقال في موضع آخر: ثنا عبد الله بن عبيد، وفى موضع آخر: ثنا عبد الله بن سفيان الأموي، وفى موضع آخر: ثنا أبو بكر بن سفيان الكوفي.

وإبراهيم الحربي حدث عن علي بن داود القنطري فقال: ثنا علي بن أبي سليمان.

وحدث الحارث بن أبي أسامة عن أخيه محمد فقال: ثنا محمد بن أبي سليمان.

وحدث أبو معاوية الضرير عن الحسن بن عمارة، فقال: ثنا عبد الله بن عبد الرحمن شيخ كان في بجيلة.

وبكار بن بشر الفزاري حدث عن علي بن غراب فقال: ثنا علي بن عبد العزيز وحدث عنه مروان بن معاوية فقال: ثنا علي بن أبي الوليد.

وحدث أبو بكر بن مجاهد عن أبي بكر بن أبي داود السجستياني، فقال: ثنا عبد الله بن أبي عبد الله، وحدث أيضًا عن محمد بن الحسن بن زياد النقاش فقال: ثنا محمد بن سند.

وروى أبو جعفر بن شاهين عن النقاش فقال: ثنا محمد بن أبي سعيد الموصلي.

وحدث أبو بكر بن أبي الدنيا عن إبراهيم بن سعيد الجوهري فقال: ثنا إبراهيم ابن أبي عثمان، وفى موضع آخر فقال: ثنا أبو إسحاق الجزري.

وحدث محمد بن محمد بن سليمان الباغندي عن إسحاق بن شاهين الواسطي فقال: ثنا إسحاق بن عمران.

وحدث عبد الله بن أحمد بن حنبل عن إسحاق بن منصور الكوسج فقال: حدثنا إسحاق بن أبي عيسى. وحدث أيضًا عن زهير بن محمد بن قمير فقال: ثنا زهير بن أبي زهير، وعن الحكم بن موسى فقال: ثنا الحكم بن أبي زهير.

ص: 23

وحدث يعقوب بن شيبة عن أحمد بن حنبل فقال: ثنا أحمد بن هلال.

وروى قيس بن الربيع عن أبي خالد عمرو بن خالد الواسطي، فقال: ثنا عمير مولى عنبسة بن سعيد.

وروى عبد الله بن عمر المعروف بمشكدانة عن أسيد بن زيد الجمال عن عمرو ابن شمر فقال: ثنا أبو محمد مولى بني هاشم عن عمرو بن أبي عمرو.

واستيفاء ما ورد في هذا المعنى يطول، فمن أحب الوقوف عليه بكماله فلينظر في كتابنا الذى قدمنا ذكره

(1)

.

وفى الجملة فإن كل من روى عن شيخ شيئًا سمعه منه وعدل عن تعريفه بما اشتهر من أمره، فخفى ذلك على سامعه، لم يصح الاحتجاج بذلك الحديث للاسمع، لكون الذى حدث عنه في حله ثابت الجهالة، معدوم العدالة، ومن كان هذا صفته فحديثه ساقط، والعمل به غير لازم، على الأصل الذى ذكرناه فيما تقدم، والله أعلم

(2)

.

قال السخاوي: تدليس الشيوخ هو أن يصف المدلس الشيخ الذى سمع ذاك الحديث منه بما لا يُعرف، أي يشتهر به من اسم، أو كنيه، أو نسبه إلى قبيلة، أو بلدة، أو صنعة، أو نحو ذلك، كي يوعر معرفة الطريق على السامع.

قال الخطيب: وذلك خلاف موجب العدالة ومقتضى الديانة من التواضع في طلب العلم، وترك الحمية في الأخبار بأخذ العلم عمن أخذه.

قلت: وقد يكون للخوف من عدم أخذه عنه وانتشاره مع الاحتياج إليه، أو يكون المدلس عنه حيًا وعدم التصريح به أبعد عن المحذور الذى نهى الشافعي عنه لأجله.

ومنه قول شيخنا

(3)

: أبو العباس بن أبي الفرج بن أبي عبد الله الصحراوي

(1)

هو كتاب "الموضح لأوهام الجمع والتفريق"، ذكر ذلك الخطيب في (صـ 425).

(2)

"الكفاية"(520 - 527).

(3)

هو الحافظ ابن حجر رحمه الله.

ص: 24

بقرأتي عليه بالصالحية، وعنى بذلك الولى أبا زرعة ابن شيخه الزين أبي الفضل العراقي، ولم يتنبه له إلا أفراد، مع تحديثه بذلك حتى لجماعة من خواص الولي وملازميه، وما علموه.

ويكون كفعل الخطيب الحافظ المكثر من الشيوخ والمسموع في تنويع الشيخ الواحد، حيث قال مرة: أخبرنا الحسن بن محمد الخلال، ومرة: أخبرنا الحسن بن أبي طالب، ومرة: أنا أبو محمد الخلال، والجميع واحد.

وقال مرة: عن أبي القاسم الأزهري، ومرة: عن عبيد الله بن أبي القاسم الفارسي، ومرة: عن عبيد الله بن أحمد بن عثمان الصيرفي، والجميع واحد.

وقال مرة: أنا علي بن أبي علي البصري، ومرة: أنا علي بن المحسن، ومرة: أنا أبو القاسم التنوخي، ومرة: أنا علي بن الحسن، ويصفه مرة: بالقاضي، ومرة بالمعتدل، إلى غيرها، ومراده بهذا كله أبو القاسم علي بن أبي علي المحسن بن علي التنوخي البصري الأصل القاضي، وهو مكثر في تصانيفه من ذلك جدًا.

ويقرب منه ما يقع للبخاري في شيخه الذهلي، فإنه تارة يقول: ثنا محمد ولا ينسبه، وتارة: محمد بن عبد الله فينسبه إلى جده، وتارة محمد بن خالد فينسبه إلى والد جده، ولم يقل في موضع محمد بن يحيى.

قلت: ولكن لا يلزم من كون الناظر قد يتوهم الإكثار أن يكون مقصودًا لفاعله، بل الظن بالأئمة خصوصًا من اشتهر إكثاره مع ورعه خلافه، لما يتضمن من التشبع والتزين الذي يراعى تجنبه أرباب الصلاح والقلوب، كما نبه عليه ياقوتة العُلماء المعافى بن عمران، وكان من أكابر العُلماء والصلحاء، ولا مانع من قصدهم الاختبار لليقظة، والإلفات إلى حسن النظر في الرواة وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم، وكذا الحال في آبائهم، فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا.

وقد ذكر الذهبي في فوائد رحلته أنه لما اجتمع بابن دقيق العيد سأله التقى: من

ص: 25

أبو محمد الهلالي؟ فقال: سفيان بن عيينة. فأعجبه استحضاره.

وألطف منه قوله له: من أبو العباس الذهبي؟ فقال: أبو طاهر المخلص.

وكذا مر في صحيح ابن حبان وأنا بين يدي شيخنا قوله: ثنا أبو العباس الدمشقي، فقال: من هذا؟ فبادرته مع أنه لم يقصدني بذلك، وقلت: هو أبو الحسن أحمد بن عمير بن جوصاء، فأعجبه الجواب دون المبادرة لتفويتها غرضًا له.

ولذا قال ابن دقيق العيد: إن في تدليس الشيخ الثقة مصلحة، وهى امتحان الأذهان واستخراج ذلك وإلقاءه إلى من يُراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال.

على أنه قد قيل في فعل البخاري في الذهلي: إنه لما كان بينهما ما عُرف في محله، بحيث منع الذهلي أصحابه من الحضورعند البخاري، ولم يكن ذلك بمانع للبخاري من التخريج عنه لوفور ديانته وأمانته، وكونه عذره في نفسه بالتأويل، غير أنه خشي من التصريح به أن يكون كانه بتعديله له صدقه في نفسه فأخفى اسمه، والله أعلم بمراده.

والأكثر في هذا القسم وقوعه من الراوي، وقد يقع من الطالب بقصد التغطية على شيخه، ليتوفر عليه ما جرت عادته باخذه في حديث ذاك المدلس، كما سيأتي في الفصل الحادي عشر من معرفة من تُقبل روايته، وهو أخفها وأظرفها، ويجمع الكل مفسدة تضييع المروي عنه، كما قال ابن الصلاح، وذلك حيث جهل، إلا أنه نادر، فالحذاق لا يخفى ذلك عنهم غالبًا، فإن جهل كان من لازمه تضييع المروي أيضًا، بل قد يتفق أن يوافق ما دلس به شهرة راو ضعيف من أهل طبقته، ويكون المدلس ثقة، وكذا بالعكس، وهو فيه أشد

(1)

.

قلت: وقد سمى ابن الصلاح هذا النوع من التدليس بتدليس. الشيوخ، وتبعه على ذلك من جاء بعده.

وممن كان يدلس تدليس الشيوخ: بقية بن الوليد، وسفيان الثوري، وعطية بن

(1)

"فتح المغيث"(1/ 222 - 225).

ص: 26

سعد العوفي، ومروان بن معاوية الفزاري، والوليد بن مسلم.

‌3) تدليس التسوية

قال العلائي: النوع الثاني من تدليس السماع أن يسمع الراوي من شيخه حديثًا قد سمعه من رجل ضعيف عن شيخ سمع منه ذلك الشيخ هذا الحديث، فيسقط الراوي عنه الرجل الضعيف من بينهما، ويروي عن شيخه عن الأعلى، لكونه سمع منه أو أدركه، وُيسمى هذا النوع أيضًا التسوية، وهذا مذموم جدًا من وجوه كثيرة.

منها: أنه غش، وتغطية لحال الحديث الضعيف، وتلبيس على من أراد الاحتجاج به.

ومنها: أنه يروي عن شيخه مالم يتحمله عنه، لأنه لم يسمع منه الحديث إلا بتوسط الضعيف، ولم يروه شيخه بدونه.

ومنها: أنه يصرف على شيخه بتدليس لم يأذن له فيه، وربما ألحق بشيخه وصمة التدليس، إذا أُطلع عليه أنه رواه عن الواسطة الضعيف، ثم يوجد ساقط في هذه الرِّواية، فيُظن أن شيخه الذى أسقطه ودلس الحديث، وليس كذلك، ولاريب في تضعيف من أكثر من هذا النوع.

وبالجملة فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقًا وشرها، لكنه قليل بالنسبة إلى ما يوجد عن المدلسين والله تعالى الموفق بكرمه

(1)

.

قال ابن رجب: تدليس التسوية هو أن يروي عن شيخ له ثقة، عن رجل ضعيف، عن ثقة، فيسقط الضعيف من الوسط.

وكان الوليد بن مسلم وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك

(2)

.

وقال العراقي: ترك المُصَنِّف

(3)

رحمه الله قسمًا ثالثًا من أنواع التدليس، وهو

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 102 - 104).

(2)

"شرح علل الترمذي"(2/ 825).

(3)

هو الإمام ابن الصلاح.

ص: 27

شر الأقسام، وهو الذى يسمونه تدليس التسوية، وقد سماه بذلك أبو الحسن بن القطان وغيره من أهل هذا الشأن، وصورة هذا القسم من التدليس أن يجيء المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة، وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف، وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ضعيف، فيعمل المدلس الذى سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف، ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها، فيصير الإسناد كله ثقات، ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه، لأنه قد سمع منه، فلا يظهر حينئذٍ في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل

(1)

.

قال بدر الدين الزركشي: تدليس الإسقاط وهو ألا يسقط شيخه، لكن يسقط من بعده، لكونه رجلًا ضعيفًا، أو صغير السن، لتحسين الحديث بإسقاطه، ذكره الخطيب قال: وكان الأعمش والثوري وبقية يفعلون هذا النوع.

واعلم أن بعضهم سمى هذا النوع تدليس التسوية، ومنهم أبو الحسن بن القطان وتلميذه ابن المواق، فقال في "بغية النقاد":"وصورته عند أئمة هذا الشأن أن يعمد الراوي إلى إسقاط راوٍ من بين شيخه وبين من رواه عنه شيخه، أو من بين شيخه ومن بين من رواه عنه شيخ شيخه ليقرب بذلك الإسناد، وإنما يفعل من يفعله منهم في راويين عُلم التقائهما واشتهرت رواية أحدهما عن الآخر حتى يصير معلوم السماع منه، ثم يتفق له في حديث أن يرويه عن رجل عنه، فيعمد ذلك المسوى إلى ذلك الرجل فيسقطه فيبقى الإسناد ظاهر الاتصال، فيسوي الإسناد كله ثقات، وهذا شر أقسام التدليس، لأن الثقة الأول قد لا يكون معروفًا بالتدليس، ويجده الواقف على المسند كذلك بعد التسوية قد رواه عن ثقة آخر، فيحكم له بالصحة، وفى هذا غرور شديد، قال: ومثاله حديث علي "إذا كان لك ما تبادرهم"، ح، جرير سمع من أبي إسحاق، وروى عنه الكثير، ثم

(1)

"التقييد والإيضاح"(صـ 95 - 97).

ص: 28

يروي هذا الحديث عن الحسن بن عمارة عنه، فإسقاط الحسن بن عمارة لكونه ضعيفًا تسوية. انتهى

(1)

.

قال ابن حجر: ومثال مالا يدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن مالكًا سمع من ثور بن يزيد أحاديث عن عكرمة، عن ابن عباس - رضى الله عنهما- ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس، وحذف عكرمة، لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه. فهذا مالك قد سوى الإسناد بإبقاء من عنده ثقة، وحذف من ليس عنده بثقة، فالتسوية قد تكون بلا تدليس، وقد تكون بالإرسال، فهذا تحرير القول فيها.

وقد وقع هذا لمالك في مواضع أخرى، ثم ذكر هذه المواضع

(2)

. ثم قال: فلو كانت التسوية تدليسًا لعُد مالك في المدلسين، وقد أنكروا على من عده فيهم.

قال ابن القطان: ولقد ظُن بمالك على بعده عنه عمله.

وقال الدَّارقُطْنِي: أن مالكًا ممن عمل به وليس عيبًا عندهم.

وإذا تقرر ذلك، فقول شيخنا

(3)

في تعريف التسوية، تعريف غير جامع، بل حق العبارة أن يقول:"أن يجيء الراوي -ليشمل المدلس وغيره- إلى حديث قد سمعه من شيخ، وسمعه ذلك الشيخ من آخر عن آخر، فيسقط الواسطة بصيغة محتملة، فيصير الإسناد عاليًا، وهو في الحقيقة نازل".

ومما يدل على أن هذا التعريف لا تقييد فيه بالضعيف أنهم ذكروا في أمثلة التدليس: ما رواه هشيم، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن الزهري، عن عبد الله بن الحنفية، عن أبيه، عن علي -رضى الله عنه- في تحريم لحوم الحمر الأهلية.

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 102 - 108).

(2)

انظر ترجمة "مالك بن أنس" من هذا الكتاب.

(3)

هو الإمام العراقي، وقد تقدم كلامه.

ص: 29

قالوا: ويحيى بن سعيد لم يسمعه من الزهري، إنما أخذه من مالك عن الزهري. هكذا حدث به عبد الوهاب الثقفي وحماد بن زيد وغير واحد عن يحيى ابن سعيد، عن مالك، فأسقط هشيم ذكر مالك منه، وجعله عن يحيى بن سعيد عن الزهري. ويحيى فقد سمع من الزهري، فلا إنكار في روايته عنه، إلا أن هشيمًا قد سوى هذا الإسناد، وقد جزم بذلك ابن عبد البر وغيره.

فهذا كما ترى لم يسقط في التسوية شيخ ضعيف، وإنما سقط شيخ ثقة، فلا اختصاص لذلك بالضعيف -والله أعلم

(1)

-.

وانظر كلام ابن القطان الفاسي عن تدليس التسوية في ترجمة "الوليد بن مسلم" من هذا الكتاب.

قلت: وممن اشتهر بهذا النوع من التدليس: بقية بن الوليد، والوليد بن مسلم.

‌4) تدليس السكوت:

تدليس السكوت هو أن يقول المدلس: حدثنا، ثم يسكت، ثم يقول: فلان فيظن السامع أن الشيخ الذى ذكره المدلس بعد قوله: "حدثنا" قد سمع المدلس منه الحديث، ولا يكون المدلس سمعه. وكان عمر بن علي المقدمي يصنع هذا النوع من التدليس.

‌5) تدليس العطف:

قال ابن حجر: تدليس العطف هو أن يروي عن شيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه، ويكون قد سمع ذلك من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الأول بالسماع، ويعطف الثاني عليه، فيوهم أنه حدث عنه بالسماع -أيضًا-، وإنما حدث بالسماع عن الأول، ثم نوى القطع فقال: وفلان أي حدث فلان.

مثاله: ما رويناه في "علوم الحديث" للحاكم، قال: اجتمع أصحاب هشيم

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 618 - 621).

ص: 30

فقالوا: لا نكتب عنه اليوم شيئًا مما يدلسه، ففطن لذلك، فلما جلس قال: حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم، فحدث بعدة أحاديث، فلما فرغ قال: هل دلست لكم شيئًا؟ قالوا: لا. فقال: بلى، كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي، ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئًا

(1)

.

علق الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد في مقدمته لكتاب "منهج المتقدمين في التدليس" صـ 31 على هذه القصة بقوله: فهذه القصة لم يسندها الحاكم، فعلى هذا لا تصح، ومن ذكرها إنما ذكرها عن الحاكم -فيما أعرف-، ولكن في "العلل" للإمام أحمد برواية عبد الله خبرًا من رواية هشيم قد يصلح أن يكون مثالًا على هذا النوع: قال عبد الله (2192): حدثني أبي، ثنا هشيم قال: وعبيد الله عن نافع عن ابن عمر.

وكان عبد الله قد روى قبل ذلك عن أبيه: ثنا هشيم، أخبرنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس، ثم قال: ثنا هشيم قال: وعبيد الله بن عمر .....

فظاهر هذا أن هذا من تدليس العطف. اهـ

قلت: قال عبد الله بن أحمد بن حنبل (2191 - 2192): حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قاله: أخبرنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوم خيبر للفرس سهمين وللرجل سهمًا. حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك. سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من عبيد الله.

‌6) تدليس الأجازة:

قال ابن حجر: ويلتحق بالتدليس ما يقع من بعض المحدثين من التعبير بالتحديث أو الإخبار عن الإجازة موهمًا للسماع، ولا يكون سمع من ذلك الشيخ شيئًا

(2)

.

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 617).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 70).

ص: 31

قلت: وممن كان يدلس تدليس الإجازة: أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو نعيم الأصبهاني، وأحمد بن محمد بن إبراهيم بن حازم السمرقندي، وأحمد بن محمد ابن يحيى بن حمزة الدمشقي، ومحمد بن عمران بن موسى المرزباني، وغيرهم.

‌7) تدليس البلاد:

قال ابن حجر: ويلتحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد، كما إذا قال المصري: حدثني فلان بالأندلس، وأراد موضعًا بالقرافة.

أو قال: "بزقاق حلب"، وأراد موضعًا بالقاهرة.

أو قال البغدادي: "يحدثني فلان بما وراء النهر"، وأراد نهر دجلة.

أو قال "بالرقة"، وأراد بستانًا على شاطئ دجلة.

أو قال الدمشقي: "حدثني بالكرك" وأراد كرك نوح، وهو بالقرب من دمشق.

ولذلك أمثلة كثيرة، وحكمه الكراهة، لأنه يدخل في باب التشبع، وإيهام الرحلة في طلب الحديث، إلا إن كان هناك قرينة تدل على عدم إرادة التكثير، فلا كراهة، والله الموفق

(1)

.

‌8) التدليس الخفي

قال بدر الدين الزركشي: القسم الرابع: التدليس الخفي، ولا يعرفه إلا المدقق في هذه الصناعة، ومن أمثلته أنهم اختلفوا في سماع الحسن من أبي هريرة وورد في بعض الروايات: عن الحسن: حدثنا أبو هريرة، فقيل: أراد حدث أهل بلدنا، وهذا إذا لم يقم دليل قاطع على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة لم يجز أن يضات إليه. ومنه قول أبي إسحاق: ليس أبو عبيده ذكره، لكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، فظاهره أن المراد سماعه من عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه لعدوله عن أبي عبيدة، قيل: إنه تدليس، كما لو قال ابتداء عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، ولم

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 651).

ص: 32

يقل قبله: ليس أبو عبيدة ذكره، نبه عليه صاحب الاقتراح

(1)

.

‌9) تدليس المتون

ذكر بدر الدين الزركشي أقسام التدليس، ثم قال: هذا كله في تدليس الرواة، وأما تدليس المتون فهو الذى يسميه المحدثون المدرج، وهو أن يدرج في كلام النبي صلى الله عليه وسلم كلام غيره، فيظن السامع أن الجيم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وقد ذكره المصنف في النوع العشرين، وكان ذكره هنا أنسب، وممن ذكره هنا من الأصوليين: الأستاذ أبو منصور البغدادي وأبو المُظَفَّر السمعاني، وقال: هو مطرح في الحديث مجروح العدالة، وهو من تحريف الكلم عن مواضعه، وكان ملحقًا بالكذابين، ولم يُقبل حديثه، وكذلك ذكره الماوردي والروياني في الحاوي والبحر في كتاب "القضاء"، فقسما التدليس إلى ما يقع في الإسناد وإلى ما يقع في المتن، ثم قالا: من عُرف بتدليس المتون فهو مجروح مطرح

(2)

.

‌10) تدليس المتابعة

.

قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد: وأما تدليس المتابعة:

فأعني به أن يروي الراوي خبرًا عن شيخين له أو أكثر ويكون بين من روى عنهم اختلاف إما باللفظ أو الإسناد، فيحمل رواية أحدهماعلى الآخر ولا يبين.

قال ابن رجب في "شرح العلل"(صـ 506): شعيب بن أبي حمزة عن ابن المنكدر روى عنه أحاديث منها: حديث ابن المنكدر عن جابر مرفوعًا (من قال حين يسمع النداء .. الحديث) وقد خرجه البخاري في صحيحه وله علة ذكرها ابن أبي حاتم عن أبيه، قال: قد طُعن في هذا الحديث وكان عرض شعيب على ابن المنكدر كتابًا فأمر بقرائته عليه فعرف بعضًا وأنكر بعض، وقال لابنه أو ابن

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 110 - 111).

(2)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 113 - 114).

ص: 33

أخيه: اكتب هذه الأحاديث فدوّن شعيب ذلك الكتاب ولم يثبت رواية شعيب تلك الأحاديث على الناس، وعرض عليّ بعض تلك الكتب فرأيتها مشابهًا لحديث إسحاق بن أبي فروة، وهذا الحديث من تلك الأحاديث.

قال ابن رجب: ومصداق ما ذكره ابن أبي حاتم أن شعيب بن أبي حمزة روى عن ابن المنكدر عن جابر حديث الاستفتاح بنحو سياق حديث علي، وروى عن شعيب عن ابن المنكدر عن الأعرج عن محمد بن مسلمة، فرجع الحديث إلى الأعرج، وإنما رواه الناس عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب، ومن جملة من رواه عن الأعرج بهذا الإسناد إسحاق بن أبي فروة، وقيل إنه رواه عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج. وروى عن محمد بن حمير عن شعيب عن ابن أبي فروة وابن المنكدر عن الأعرج عن محمد بن مسلمة.

ورواه أبو معاوية عن شعيب عن إسحاق عن الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع عن محمد بن مسلمة، فظهر بهذا أن الحديث عن شعيب عن أبي فروة، وكذا قال أبو حاتم الرازي: هذا الحديث من حديث ابن أبي فروة يرويه شعيب عنه.

وحاصل الأمر: أن حديث الاستفتاح رواه شعيب عن إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر، فمنهم من ترك إسحاق وذكر ابن المنكدر، ومنهم من كنى عنه فقال: عن ابن المنكدر وآخر، وكذا وقع في سنن النسائي، وهذا مما لا يجوز فعله، وهو أن يروي الرجل حديثًا عن اثنين أحدهما مطعون فيه والآخر ثقة، فيترُكُ ذلك المطعون فيه ويذكر الثقة، وقد نص الإمام أحمد على ذلك وعلله بأنه ربما كان في حديث الضعيف شيء ليس في حديث الثقة، وهو كما قال فإنه ربما كان سياق الحديث للضعيف، وحديث الآخر محمولًا عليه.

فهذا الحديث يرجع إلى رواية إسحاق بن أبي فروة وابن المنكدر، ويرجع إلى حديث الأعرج ورواية الأعرج له معروفة

(1)

عن ابن أبي رافع عن علي، وهو

(1)

في الأصل (معرفة).

ص: 34

الصَّواب عند النسائي والدارقطني وغيرهما، وهذا الاضطراب الظاهر أنه من ابن أبي فروة لسوء حفظه وكثرة اضطرابه في الأحاديث وهو يروي عن ابن المنكدر.

وقد كان بعض المدلسين يسمع الحديث من ضعيف فيرويه عنه ويدلسه معه عن ثقة لم يسمعه منه فيظن أنه سمعه منهماكما روى معمر:

عن ثابت وأبان وغير واحد عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه نهى عن الشغار" قال أحمد: هذا عمل أبان، يعني أنه حديث أبان وإنما معمر يعني لعله دلسه.

ومن هذا المعنى: أن ابن عيينة كان يروي عن ليث وابن أبي نجيح جميعًا عن مجاهد عن أبي معمر عن علي حديث القيام للجنازة.

قال الحميدي: فكنا إذا وقفناه عليه لم يدخل في الإسناد أبا معمر إلا في حديث ليث خاصة، يعني أن حديث: ابن أبي نجيح كان يرويه عن مجاهد عن علي منقطعًا وقد رواه ابن المديني وغيره عن ابن عيينة بهذين الإسنادين ورواه ابن أبي شيبة وغيره عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح وحده وذكر في إسناده مجاهدًا وهو وهم.

قال يعقوب بن شيبة: كان سفيان بن عيينة ربما يحدث بالحديث عن اثنين فيسند الكلام عن أحدهما فإذا حدث به عن الآخر على الانفراد أوقفه أو أرسله)

(1)

. اهـ

* * *

(1)

مقدمة الشيخ عبدالله بن عبد الرحمن السعد لكتاب "منهج المتقدمين في التدليس"(صـ 31 - 34).

ص: 35

‌3 - حكم عنعنه المدلس

قال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع حفظه الله: والمذاهب المعتبرة لأهل العلم في حديث المدلس الذى لا يذكر فيه السماع تُحصر في الأربعة التالية:

المذهب الأول: قبول روايته مطلقًا ما دام ثقة، ولم يتبين فيها علة قادحة، وإن لم يبين سماعه.

وهذا يمكن أن تنزل عليه مذاهب من رأى قبول المراسيل، لأنه في التحقيق أولى بالقبول من المرسل، فالمرسل قد عُلم فيه الانقطاع جزمًا، والمُدلس انقطاعه على سبيل المظنة الواردة بسبب العنعنة.

وممن ذهب إلى هذا أبو محمد بن حزم، فقال: "نترك من حديثه ما علمنا يقينًا أنه أرسله، وما علمنا أسقط بعض من في إسناده، ونأخذ من حديثه مالم نوقن فيه شيئًا من ذلك، وسواء قال:(أخبرنا فلان)، أو قال:(عن فلان)، أو قال:(فلان عن فلان)، كل ذلك واجب قبوله، مالم يُتيقن أنه أورد حديثًا بعينه إيرادًا غير مسند، فإن أيقنا ذلك تركنا ذلك الحديث وحده فقط، وأخذنا سائر رواياته

(1)

.

والمذهب الثاني: منع قبول رواية من عُرف بالتدليس ولو مرة واحدة، إلا فيما بيّن سماعه صريحًا، ورد ما رواه بصيغة احتمال السماع واحتمال التدليس كالعنعنة. وهذا هو مذهب الشافعي، فإنه قال:"ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته، وليست تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه، ولا النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل النصيحة في الصدق، فقلنا: لا نقبل من مدلس حديثًا حتى يقول فيه: حدثني، أو: سمعت"

(2)

.

(1)

"الإحكام في أصول الأحكام"(2/ 142).

(2)

"الرسالة"(الفقرات 1033 - 1035).

ص: 36

وقال ابن حبان: "المدلس ما لم يبين سماع خبره عمن كتب عنه، لا يجوز الاحتجاج بذلك الخبر، لأنه لا يُدرى لعله سمعه من إنسان ضعيف يبطل الخبر بذكره إذا وُقف عليه وعُرف الخبر به، فما لم يقل المدلس في خبره وإن كان ثقة: (سمعت)، أو: (حدثني)، فلا يجوز الاحتجاج بخبره"

(1)

.

وقال: "وهذا أصل أبي عبد الله الشافعي رحمه الله، ومن تبعه من شيوخنا"

(2)

.

قال الخطيب: "وهذا هو الصحيح عندنا"

(3)

.

وقال الخطيب: "فإن قيل: لِمَ إذا عُرف تدليسه في بعض حديثه وجب حمل جميع حديثه على ذلك، مع جواز أن لا يكون كذلك؟

قلنا: لأن تدليسه الذى بان لنا صَيَّرَ ذلك هو الظاهر من حاله، كما أن من عُرف بالكذب في حديث واحد صار الكذب هو الظاهر من حاله، وسقط العمل بجميع أحاديثه، مع جواز كونه صادقًا في بعضها، فكذلك حال من عُرف بالتدليس، ولو بحديث واحد، فإن وافقه ثقة على روايته وجب العمل به، لأجل رواية الثقة له خاصة دون غيره"

(4)

.

والمذهب الثالث: ردُّ رواية من شاع عنه التدليس واشتهر به وكثر منه، حتى يبين سماعه صريحًا، دون من ذُكر به، ولم يُعرف له كبير أثر على صحة حديثه وروايته في الجملة، فهذا يُقبل حديثه ولو عنعن فيه، من أجل ضعف مظنة التدليس، خصوصًا وأن حديث الراوي معروض في العادة على المعروف من حديث الثقات المتقنين، فلدينا بهذا الاعتبار ميزان لكشف أثر تدليسه إن وجد.

(1)

"الثقات"(1/ 12)، ومعنى ذلك له أيضًا في "المجروحين"(1/ 92)، و "صحيحه"(1/ 161).

(2)

"المجروحين"(1/ 92).

(3)

"الكفاية"(صـ 515).

(4)

"الكفاية"(صـ 518).

ص: 37

كذلك يُقال كما سبق: التدليس قدح نسبي في الراوي، مظنة فيمن استقرت ثقته ولم يكثر منه شبيهةٌ بمظنة خطئه، فمع احتمال وقوع ذلك منه، إلا أن روايته مقبولة مالم يثبت خطؤه فيها.

وعلى هذا المذهب في التحقيق عمل الشيخين، وعليه دلت عبارات كبار أئمة الحديث:

قال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى بن معين عن التدليس، فكرهه وعابه، قلت له: أفيكون المدلس حجة فيما روى؟ أو حتى يقول: (حدثنا) و (أخبرنا)؟ فقال: "لا يكون حجة فيما دلس"

(1)

.

قلت: فابن معين هنا لا يشترط بيان السماع لقبول حديث المدلس، وإنما هو لديه مقبول، إلا فيما ثبت أنه دلس فيه.

وقال يعقوب بن شيبة: سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس، أيكون حجة فيما لم يقل:(حدثنا)؟ قال: "إن كان الغالب عليه التدليس فلا، حتى يقول: حدثنا"

(2)

.

قلت: فجعل غلبة التدليس على الراوي هي السبب في رد مالم يبين فيه السماع دون من لم يغلب عليه وكان يُذكر به نادرًا.

وكأن من هذا صنيع أحمد بن حنبل في توقفه في قبول روايةٍ لهشيم بن بشير، وهو معروف بالتدليس مشهور به، فقد قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: "حديث ابن شبرمة: قال رجل للشعبي: نذرت أن أطلق امرأتي، لم يقل فيه هشيم: أخبرنا، فلا أدري سمعه أم لا"

(3)

.

(1)

أخرجه ابن عدي في "الكامل"(1/ 107)، والخطيب في "الكفاية"(صـ 516) وإسناده صحيح.

(2)

أخرجه الخطيب في "الكفاية"(صـ 516 - 517) وإسناده صحيح.

(3)

"مسائل الإمام أحمد" رواية أبي داود (صـ 322).

ص: 38

كذلك قال أبو داود: سمعت أحمد سُئل عن الرجل يُعرف بالتدليس يُحتج فيما لم يقل (سمعت)؟ قال "لا أدري"، فقلت: الأعمش، متى تُصاد له الألفاظ؟ قال:"يضيق هذا، أي: أنك تحتج به"

(1)

.

قلت: فهذا دل على توقف أحمد في قبول عنعنة المدلس في حال، وقبولها دون توقف في حالٍ أخرى، فحال التوقف ينبغي أن تُحمل على عنعنة من اشتهر أمره بالتدليس وكثر ذلك منه، كهشيم، أما من ذُكر به، وكان كثير الحديث الصحيح المتصل، وشق تتبع ذكره للسماع في كثرة ما روى ونَذرَةِ أثَرِ ما ذُكر به من التدليس، كالأعمش، فهذا يحتج به.

لكن يجب أن يُقيد بالقول: ما لم يثبت أنه دلس فيه.

ومن ذلك قول البخاري: "لا أعرف لسفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور -وذكر مشايخ كثيرة- لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليسًا، ما أقل تدليسه"

(2)

.

وقال مسلم بن الحجاج: "وإنما كان تفقد من تفقد منهم سماع رواة الحديث ممن روى عنهم، إذا كان الراوي ممن عُرف بالتدليس في الحديث وشُهر به، فحينئذٍ يبحثون عن سماعه في روايته، ويتفقدون ذلك منه حتى تنزاح عنهم علة التدليس"

(3)

.

وقال يعقوب بن سفيان: "حديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش، ما لم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة"

(4)

.

قلت: وقد جهدت لأقف لأبي حاتم الرازي أو صاحبه أبي زرعة على حديث

(1)

"سؤالات أبي داود" لأحمد بن حنبل (النص: 138).

(2)

"العلل الكبير" للترمذي (2/ 966).

(3)

"مقدمة صحيح مسلم"(صـ 33).

(4)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 637).

ص: 39

أعلَّاه بمجرد العنعنة من موصوف بالتدليس، فلم أجد، وإنما وجدتهما في شيء قليل يُحيلان التهمة بنكارة الحديث على عنعنة المدلس، حيث لم يبين السماع، ولا ريب أن هذا أولى من تخطئةِ الثقة أو الصدوق أو حمل النكارة في الرِّواية عليه.

وتارة لثبوت التدليس في الحديث المعين

(1)

، كما رأيت أبا حاتم توقف في بعض الأسانيد خشية التدليس لغلبة المظنة

(2)

.

وجائز حمل عبارة ابن عبد البر على هذا المذهب، حين قال بعد أن ذكر الاتفاق على قبول الإسناد المعنعن:"إلا أن يكون الرجل معروفًا بالتدليس، فلا يُقبل حديثه حتى يقول: حدثنا، أو: سمعت، فهذا مالا أعلم فيه خلافًا"

(3)

.

ولما ذكر ابن رجب مذهب الشافعي في رد خبر المدلس بوقوعه في التدليس مرة، قال:"واعتبر غيره من أهل الحديث أن يغلب التدليس على حديث الرجل" وذكره عن علي بن المديني

(4)

.

والمذهب الرابع: التفريق بين أصناف المدلسين من الثقات، بين من عُرف أنه لم يدلس إلا عن ثقة معروف عند أهل العلم بالحديث، وبين من عُرف بالتدليس عن المجروحين والضعفاء والمجهولين

(5)

.

وهذا المذهب يجب اعتباره على تفصيل:

فمن قالوا فيه: (لا يدلس إلا عن ثقة) فيجب أن يكون ذلك الثقة معروفًا لأهل العلم، لا بناءً على مجرد قول الناقد:(فلان لا يدلس إلا عن ثقة)، فذلك الثقة

(1)

انظر إن شئت: "علل الحديث" لابن أبي حاتم (الأرقام: 60، 109، 474، 725، 1221، 2078، 2308، 2579).

(2)

"علل الحديث"(رقم: 2119، 2463).

(3)

"التمهيد"(1/ 13).

(4)

"شرح علل الترمذي"(1/ 353 - 354).

(5)

نقل ابن رجب هذا المذهب في "شرح العلل"(1/ 354) عن الكرابيسي وأبي الفتح الأزدي وبعض فقهاء الحنابلة، وقال:"هذا بناءٌ على قولهم في قبول المرسل".

ص: 40

عنده ربما كان مجروحًا عند غيره لو سمي.

ولو قيل: بل نقبل ذلك بإطلاق، ما دام قائله في الراوي من النقاد العارفين.

قلنا: إذًا يلزم أن نقبل بإطلاق كذلك خبر الحافظ الناقد المدلس إذا روى لنا عن شيخ له بالعنعنة، من أجل ما أحسناه فيه من الظن: أنه دلسه وهو عنده ثقة، لأنه لو كان يعده مجروحًا فدلسه كان ذلك مما يقدح فيه، لما فيه من ضد الأمانة في الدين، والصواب أن حُسن الظن هنا لا يعني شيئًا.

وقد بينا في (مباحث التعديل) أن قول الناقد: (حدثني الثقة) ولا يسميه لا يُعتمد عليه، بل هو منزل منزلة المجهول، وفى التدليس لم يقل شيئًا من ذلك، بل أسقطه جملة، فزاد في الريبة، خصوصًا مع استحضار أن المدلس قد يسقط واسطتين أو أكثر

(1)

.

وانظر كلام الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد، وكلام الشيخ ناصر بن حمد الفهد الذي في ترجمة (سفيان الثوري) من هذا الكتاب.

* * *

(1)

"تحرير علوم الحديث"(2/ 971 - 976).

ص: 41

‌4 - مراتب المدلسين

قال ابن حجر: الموصوفون بالتدليس على خمس مراتب:

الأولى: من لا يوصف بذلك إلا نادرًا جدًا، كيحيى بن سعيد الأنصاري.

الثانية: من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح، وذلك لإمامته وقلة تدليسه في جنب ما روى كالثوري، أو كان لا يدلس إلا عن ثقة كابن عيينة.

الثالثة: من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقًا، ومنهم من قبلهم كأبي الزبير المكي.

الرابعة: من اتُفق على أنه لا يُحتج بشيء من حديثهم، إلا بما صرحوا فيه بالسماع، لكثرة تدليسهم عن الضعفاء والمجاهيل، كبقية بن الوليد.

الخامسة: من ضُعف بامر آخر سوى التدليس، فحديثهم مردود، ولو صرحوا بالسماع، إلا إن تُوبع من كان ضعفه منهم يسيرًا، كابن لهيعة.

وهذا التقسيم حرره الحافظ صلاح الدين المذكور في كتابه المذكور

(1)

.

(2)

* * *

(1)

الحافظ صلاح الدين هو الإمام العلائي، وكتابه هو:"جامع التحصيل".

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 61 - 63).

ص: 42

مُعْجَمُ المُدَلِّسِين مُرَتبًا عَلَي الحروفِ

ص: 43

‌حرف الألف

‌1 - أحمد بن عبد الله بن أحمد أبو نعيم الأصبهاني

ذكر الحافظ ابن حجر: أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق الأصبهاني الحافظ أبو نعيم في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: صاحب التصانيف الكثيرة الشائعة منها "حلية الأولياء"، وكـ "معرفة الصحابة "و كـ "المستخرجين على الصحيحين"، كانت له إجازة من ناس أدركهم ولم يلقهم، فكان يروي عنهم بصيغة أخبرنا، ولا يبين كونها إجازة، لكنه كان إذا حدث عمن سمع منه يقول: حدثنا، سواء كان ذلك قراءة أو سماعًا، وهو اصطلاح له، وتبعه عليهم بعضهم وفيه نوع تدليس بالنسبة لمن لا يعرف ذلك.

قال الخطيب: رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها منها أنه يطلق في الإجازة أخبرنا ولا يبين.

قال الذهبي: هذا مذهب رآه أبو نعيم، وهو ضرب من التدليس، وقد فعله غيره

(1)

.

قال الذهبي: قال محمد بن طاهر المقدسي: سمعت عبد الوهاب الأنماطي يقول: سألت محمد بن إبراهيم العطار مستملي أبي نعيم عن جزء محمد بن عاصم كيف قرأته على أبي نعيم، وكيف رأيت سماعه؟ فقال: أخرج إلي كتابًا وقال: هو سماعي، فقرأت عليه.

ثم قال الخطيب: قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، منها أنها يقول في الإجازة: أخبرنا، من غير أن يبين.

قال الحافظ أبو عبد الله النجار: جزء محمد بن عاصم قد رواه الأثبات عن أبي

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 72 - 73). وكلام الذهبي الذي ذكره الحافظ ابن حجر قاله الذهبي في "الميزان"(1/ 111).

ص: 45

نعيم، والحافظ الصدوق إذا قال: هذا الكتاب سماعي جائز أخذه عنه بإجماعهم.

قلت: قول الخطيب: كان يتساهل .. إلى آخره، هذا شيء قل أن يفعله أبو نعيم، وكثيرًا ما يقول: كتب إلي الخلدي، ويقول: كتب إلي أبو العباس الأصم وأخبرنا أبو الميمون بن راشد في كتابه. ولكن رأيته يقول في شيخه عبد الله بن جعفر بن فارس الذى سمع منه كثيرًا وهو أكبر شيخ له: أخبرنا عبد الله بن جعفر فيما قرئ عليه، فيوهم أنه سمعه، ويكون مما هو له بالإجازة. ثم إطلاق الإخبار على ما هو بالإجازة مذهب معروف قد غلب استعماله على محدثي الأندلس، وتوسعوا فيه. وإذا أطلق ذلك أبو نعيم في مثل الأصم وأبي ميمون البجلي والشيوخ الذين قد علم أنه ما سمع منهم بل له منهم إجازة، كان له سائغًا والأحوط تجنبه.

حدثني أبو الحجاج الكلبي الحافظ أنه رأى خط الحافظ ضياء الدين قال: وجدت بخط أبي الحجاج بن خليل أنه قال: رأيت أصل سماع الحافظ أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم.

قلت: فبطل ما تخيله الخطيب وتوهمه، وما أبو نعيم بمتهم، بل هو صدوق عالم بهذا الفن، ما أعلم له ذنبًا -والله يعفو عنه- أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه، ثم يسكت عن توهيتها

(1)

.

وقال الذهبي أيضًا: قال يحيى بن منده الحافظ: سمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبد العزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة بتمامه من ابن خلاد فحدث به كله.

قال ابن النجار: وهم في هذا فأنا رأيت نسخة الكتاب عتيقة وعليها خط أبي نعيم يقول: سمع مني فلان إلى آخر سماعي من هذا من ابن خلاد، فلعله روى باقيه بالإجازة. ثم تمثل ابن النجار ببيت:

(1)

"السير"(17/ 460).

ص: 46

لو رجم النجم جميع الورى

لم يصل الرجم إلى النجم

(1)

قال المعلمي اليماني: قول الأستاذ: أبو نعيم الأصبهاني ممن يسوق ما يرويه بإجازة فقط مع ما سمعه في مساق واحد ويقول في الإثنين حدثنًا.

أقول: يشير إلى ما في "تذكرة الحفاظ": قال يحيى بن منده الحافظ:

سمعت أبا الحسين القاضي يقول: سمعت عبد العزيز النخشبي يقول: لم يسمع أبو نعيم مسند الحارث بن أبي أسامة بتمامة من ابن خلاد فحدث به كله.

أقول عقب هذا في "التذكرة": "قال ابن النجار: وهم النخشبي في هذا فأنا رأيت نسخة الكتاب عتيقة وعليها خط أبي نعيم يقول: سمع مني فلان إلى آخر سماعي في هذا المسند من ابن خلاد، فلعله روى باقيه بالإجازة".

أقُول: وقول النخشبي: فحدث إنما تعطي أن أبا نعيم حدث السامعين عنه لا أنه ذكر في كل حديث من المسند أن ابن خلاد حدثه، وابن منده ومن فوقه من خصوم أبي نعيم، كانت بين الفرقتين نفرة شديدة كما سيأتى، فلا يقبل ما قالوه فيه مما يطرقه الاحتمال على ما سلف من القواعد.

بقي أمران: أحدهما يتعلق برواية أبي نعيم لجزء محمد بن عاصم، ويكفي في هذا ما أوضحه الذهبي في "تذكرة الحفاظ".

الثاني: قال الذهبي: قال الخطيب: قد أريت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها أنه يقول في الإجازة: أخبرنا - من غير أن يبين. قال الذهبي: فهذا ربما فعله نادرًا فإني رأيته كثيرًا ما يقول: كتب إلى جعفر الخلدي، وكتب إلى أبو عباس الأصم وأنا أبو الميمون بن راشد في كتابه، لكني رأيته يقول: أنا عبد الله بن جعفر فيما قرأ عليه فالظاهر أن هذا إجازة.

وفى "فتح المغيث" للسخاوي" (صـ 222) عن شيخه ابن حجر أن هذا اصطلاح لأبي نعيم قد صرح به فقال: إذا قلت أخبرنا على الإطلاق من غير أن

(1)

"تذكرة الحفاظ"(3/ 1096).

ص: 47

أذكر فيه إجازة أو كتابة أو كتب إلي أو أذن لي فهو إجازة، أو: حدثنا فهو سماع.

قال ابن حجر: ويقوي التزامه لذلك أنه أورد في مستخرجه على علوم الحديث للحاكم عدة أحاديث رواها عن الحاكم بلفظ الإخبار مطلقًا، وقال في آخر الكتاب: الذى رويته عن الحاكم بالإجازة.

أقول: وإذ قد عرف اصطلاحه فلا حرج، ولكن من أقسام الإجازة العامة بأن يجيز الشيخ للطالب جميع مروياته أو جميع علومه فينبغي التثبت في روايات العاملين بهذه الإجازة فإذا ثبت في أحدهم أنه لا يروى بها إلا ما ثبت عنده قطعًا أنه من مرويات المجيز فهذا ممن يوثق بما رواه بالإجازة، وإن بان لنا أو احتمل عندنا أن الرجل قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع ثقة عنده يحدث به عن المجيز فينبغي أن يتوقف فيما رواه بالإجازة لأنه بمنزلة قوله: حدثني ثقة عندي، وإن بان لنا في رجل أنه قد روى بتلك الإجازة ما يسمع غير ثقة يحدث به عن المجيز فالتوقف في المروي أوجب، فأما الراوي فهو بمنزلة المدلس عن غير الثقات، فإن كان قد عرف بذلك فذالك، وإلا فهو على يدي عدل.

وإذا تقرر هذا فقد رأيت في "تاريخ بغداد"(ج 8 صـ 345): "أخبرنا أبو نعيم الحافظ، أخبرنا جعفر الخلدي في كتابه قال: سألت خير النساخ

" فذكر قصة غريبة ثم قال الخطيب: قلت: جعفر الخلدي ثقة، وهذه الحكاية طريفة جدًا يسبق إلى إلقلب استحالتها، وقد كان الخلدي كتب إلى أبي نعيم هذه الحكاية عن أبي الحسن بن مقسم عن الخلدي نفسه إجازة وكان ابن مقسم غير ثقة. والله أعلم

أقول: فقول أبو نعيم: أخبرنا الخلدي في كتابه أراد به أن الخلدي كتب إليه بإجازته له جميع علومه، فأما القصة فإنما سمعها من ابن مقسم عن الخلدي، وابن مقسم غير ثقة، فهذا أشد ما يقدح به في أبي نعيم، لكن لعلة اغتر بما كان يظهره ابن مقسم من النسك والصلاةح فظنه ثقة، فإن ابن مقسم وهو أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج 4 صـ 429) وفيها:

ص: 48

حدثنا عنه أبو نعيم الحافظ ومحمد بن عمر .... وكان يظهر النسك والصلاح ولم يكن في الحديث بثقة. وقد تكلم الدَّارقُطْنِي وغيره في ابن مقسم، والله المستعان.

والحق أن أبا نعيم وضع من نفسه ومن كتبه فجزاؤه أن لا يعتد بشيء من مروياته إلا ما صرح فيه بالسماع الواضح كقوله في الحكاية المارة أول الترجمة: حدثنا أبو أحمد الغطريفي، بخلاف ما استدل به الأستاذ (ص 107) وفيه عن أبي نعيم: أخبرني القاضي محمد بن عمر وأذن لي فإن هذه الصيغة مما يستعمله أبو نعيم في الإجازة، ومع ذلك فالقاضي محمد بن عمر هو الجعابي متكلم فيه

(1)

.

قلت: أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم ترجم له الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(4/ 429 - 430)، فقال: كان يظهر النسك والصلاح، ولم يكن في الحديث ثقة.

حدثني علي بن محمد بن نصر، قال: سمعت حمزة بن يوسف يقول: أبو الحسن أحمد بن محمد بن الحسن بن مقسم العطار المقرئ البغدادي حدث عمن لم يره، ومن مات قبل أن يولد. سمعت أبا الحسن بن لؤلؤ الوراق فيقول: سمعت أبا يعلي الوراق يقول: قال لي أبو الحسن بن مقسم: اكتب لي من أحاديث محمود بن محمد الواسطي، قال: فقلت له: متى سمعت منه؟ قال: وما كتبت له شيئًا.

قال حمزة: وسمعت الدَّارقطني وجماعة من المشايخ تكلموا في ابن مقسم، وكان أمره أبين من هذا.

سألت أبا نعيم الحافظ عن أحمد بن محمد بن مقسم، فقال: لين الحديث.

سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: لم يكن أبو الحسن بن مقسم ثقة، ولد رأيته.

وسمعته ذكره مرة أخرى فقال: كان كذابًا.

(1)

"التنكيل"(1/ 121 - 123).

ص: 49

أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: سنة ثمانين وثلاثمائة فيها توفي أبو الحسن بن مقسم العطار، وكان رجلًا صالحًا.

قال محمد بن أبي الفوارس: كان سيء الحال في الحديث، مذمومًا ذاهبًا، لم يكن بشيء البتة. اهـ

قلت: أما قصة خير النساج التى ذكرها الخطيب، فعلى ما قاله الخطيب، فإن أبا نعيم دلس في هذه القصة تدليس التسوية. وما أظن أن تدليس التسوية وقع من أبي نعيم إلا في هذه القصة، أما التوقف في جميع ما يرويه أبو نعيم بالإجازة لأجل هذه القصة فأمرٌ صعب، وقد أثنى الأئمة على أبي نعيم ولم يتوقفوا في شيء من حديثه والله أعلم.

‌2 - أحمد بن عبد الجبار العطاردي

ذكر الحافظ ابن حجر أحمد بن عبد الجبار العطاردي في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: محدث مشهور، تكلموا فيه، وقال ابن عدي: لا أعلم له خبرًا منكرًا، وإنما نسبوه إلى أنه لم يسمع من كثير ممن حدث عنهم

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": أحمد بن عبد الجبار بن محمد العطاردي ضعيف، وسماعه للسيرة صحيح، لم يثبت أن أبا داود أخرج له.

قال ابن عدي في "الكامل"(1/ 191): أحمد بن عبد الجبار أبو عمر العطاردي الكوفي، رأيت أهل العراق مجمعين على ضعفه، وكان أحمد بن محمد بن سعيد لا يحدث عنه لضعفه، وذكر أن عنده عنه قمطرًا على أنه لا يتورع أن يحدث عن كل أحد.

حدثنا محمد بن أحمد بن حمدان، حدثني أبو بكر بن صدقة، سمعت أبا كريب يقول: قد سمع أحمد بن عبد الجبار العطاردي من أبي بكر بن عياش.

قال الشيخ: ولا يعرف له حديث منكر رواه، وإنما ضعفوه أنه لم يلق من

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 131).

ص: 50

يحدث عنهم. اهـ

قلت: وما ذكره ابن عدي لا يقتضي وصفه بالتدليس، إنما يقتضى وصفه بالإرسال. ولم يصفه أحدًا ممن تكلم فيه بالتدليس. انظر "تهذيب التهذيب". فلا يصح عندي وصف أحمد بن عبد الجبار بالتدليس، ولا ينبغي التوقف في عنعنته وانظر ترجمة "أيوب بن أبي تميمة السختياني" من هذا الكتاب.

‌3 - أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حازم السمرقندي

ذكر الحافظ ابن حجر أحمد بن محمد بن إبراهيم بن حازم السمرقندي في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: محدث مشهور، سمع محمد بن نصر المروزي ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، قال الإدريسي: أكثر عن محمد بن نصر فاتهم في ذلك -يعني بانه دلس عنه الإجازة- فإن له منه إجازة صحيحة، قال الإدريسي: رأيتها بخط محمد بن نصر

(1)

.

قال الذهبي في "الميزان"(1/ 129): أحمد بن إبراهيم بن حازم أبو يحيى السمرقندي الكرابيسي، عن محمد بن نصر المروزي وابن خزيمة، وعنه الإدريسي وقال: اتهم في إكثاره عن ابن نصر، ورأيت بخط محمد بن نصر له بالإجازة بما صح عنده عنه.

‌4 - أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي

ذكر الحافظ ابن حجر أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الدمشقي القاضي في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: أكثر عن أبيه عن جده، فقال أبو حاتم الرازي: سمعته يقول: لم أسمع من أبي شيئًا. وقال أبو عوانة الإسفراييني: أجاز له أبوه فروى عنه بذلك - يعني ولم يبين كونها إجازة

(2)

.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 73 - 74).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 74 - 75).

ص: 51

قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(5/ 467): أخبرنا أبو المظفر بن القشيري، أنا أبي أبو القاسم، أنا عبد الملك بن الحسن بن محمد، نا أبو عوانة الإسفراييني، نا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي، حدثني أبي، عن أبيه، أخبرني الزبيدي، أن ابن شهاب قال: أخبرني سعيد بن المسيب أنه سمع أبا هريرة يقول: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به بإيلياء بقدحين من خمر ولبن، فنظر فيهما ثم أخذا اللبن، فقال له جبريل: هُديت للفطرة، لو أخذت الخمر لغوت أمتك.

قال أبو عوانة: سألنى أبو حاتم: ماكتبت بالشام قدمتى الثالثة؟ فأخبرته بكتابتي مائة حديث ليحيى بن حمزة كلها غرائب فساءه ذلك، فقال: سمعت أحمد يقول: لم أسمع من أبي شيئًا، فيقول: لا تقول حدثني أبي، يقول: عن أبيه إجازة.

‌5 - إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي

ذكر الحافظ ابن حجر إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: عن مكحول وغيره، وعنة يحيى بن حمزة وجماعة، قال أبو حاتم: لا بأس به، وأشار البخاري إلى أنه كان يدلس.

(1)

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": إبراهيم بن سليمان الأفطس الدمشقي ثقة ثبت إلا أنه يرسل.

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 289): إبراهيم بن سليمان الأفطس عن الوليد الجرشي، روى عنه يحى بن حمزة ومحمد بن شعيب، وروى إسحاق، عن عيسى، عن ثور، عن إبراهيم الأفطسن، عن يزيد بن يزيد بن جابر مرسل، حديثه في الشاميين. اهـ

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 98).

ص: 52

قلت: والذى يظهر لي أن البخاري يريد بقوله مرسل هنا أى مقطوع. فالبخاري يطلق مرسل على المنقطع، ويطلق المرسل أيضًا على المقطوع، وهو قول التابعي، ويطلقه أيضًا على الموقوت، وهو قول الصحابي. ويطلقه أيضًا على رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، والبخاري يطلق المرسل بمعنى المنقطع غالبًا في رواية التابعي عن الصحابي.

وإبراهيم بن سليمان الأفطس من الطبقة الثامنة. ويزيد بن يزيد بن جابر من السادسة.

وهذه أدلة واضحة تشير إلى أن البخاري يطلق المرسل بمعنى المقطوع والموقوف:

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 25): محمد بن إبراهيم الهاشمي سمع إدريس بن يزيد الأودي مرسل، سمع منه حرمى بن عمارة.

وقال في (1/ 60): محمد بن أبي الحكم. قال لي ابن المنذر، حدثنا معن، حدثنا عطاء بن مسلم، عن محمد بن أبي الحكم لا أعلمه إلا عن أبيه مرسل.

وقال في (1/ 109): محمد بن أبي سهل القرشي سمع مكحولًا مرسل، روى عنه أبو بكر بن عياش، وسمع منه جواس القرشي، لا يتابع في حديثه.

وقال في (1/ 119): محمد بن طارق المكي عن طاوس، روى عنه الثوري وابن عيينة مرسل، روى ليث عن محمد بن طارق عن مجاهد.

وقال في (1/ 153 - 154): محمد بن عبد الرحمن بن نضلة الدؤلي مديني سمع نافعًا مرسل.

وقال في (1/ 164): محمد بن عبد الملك بن مروان الأموي سمع معاوية مرسل. وقد روى عن محمد بن سعيد بن عبد الملك مرسل.

وقال في (1/ 186): محمد بن عمارة بق خزيمة بن ثابت سمع منه ابن جريج مرسل.

وقال في (1/ 205): محمدبن العلاء الصهيبي سمع جعفر بن محمد مرسل

ص: 53

روى عنه عبد الله المخرمي.

وقال في (1/ 216): محمد بن قدامة الحنفي عن عمر قوله، قال عبد الصمد عن شعبة عن أبي بشر، وهو مرسل.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 66): محمد بن قدامة الحنفي روى عن عمر رضى الله عنه، روى عنه أبو بشر جعفر بن أبي وحشية، سمعت أبي يقول ذلك.

وقال البخاري في (1/ 243): محمد بن المنذر بن الزبير بن العوام القرشي الأزدي، روى ابن المبارك عن فليح بن محمد عن أبيه مرسل، عداده في أهل المدينة.

وقال في (1/ 247): محمد بن منصور أبو عبد الله الجندي اليماني سمع عمرو بن مسلم والوليد بن مسلم ووهب بن سليمان مراسيل.

وقال في (1/ 253): محمد بن نعيم مولى عمر بن الخطاب القرشي عن محمد بن عمر بن علي، قاله يزيد بن هارون سمع أبا عقيل سمع محمدًا مرسل.

وقال في (1/ 254): قال زيد بن الحباب: حدثنا محمد بن نشيط الهلالي، سمع بكر بن عبد الله مرسل.

وقال في (1/ 256): محمد بن وراد - أو - وردان عن مكحول والزهري مرسل.

وقال في (1/ 258): محمد بن هاشم سمع أبا الزناد مرسل، سمع منه يعقوب بن محمد المدني.

وقال في (1/ 293): إبراهيم بن صالح بن عبد الله سمع منه يزيد بن أبي حبيب مرسل ..

وقال في (1/ 318): إبراهيم بن محمد بن رفاعة الأنصاري سمع منه الحكم بن أبان مرسل.

وقال في (1/ 451): إسحاق بن محمد الجعفى روى عنه محمد بن طلحة

ص: 54

مرسل منقطع.

قلت: المثال السابق يبين أن البخاري يطلق المنقطع بمعنى المرسل، والبخاري يطلق المنقطع على المقطوع، وسيأتي بيان ذلك.

وقال في (2/ 25): أسلم عن كهمس وأبي حرة، روى عنه ابن عيينة مراسيل.

حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان، عن اْسلم، عن مطرف الشقري، عن الحسن قوله.

وقال في (2/ 43): أنيس بن عمران أبو يزيد اليافعي سمع منه المقري مرسل.

وقال في (2/ 101): بشير بن كثير بن عمير سمع عبد الأعلى بن عبد الله ومطرفًا مرسل.

وقال في (2/ 136): بختري روى عنه شعبة مرسل.

وقال في (2/ 144): بسام بن عبد الله الأسدي الكوفي الصيرفي سمع عكرمة واْبا جعفر، عنده مراسيل، سمع منه وكيع.

وقال في (2/ 155): تميم بن عطية. قال لي أحمد بن سليمان، قال: ثنا الوليد بن مسلم، حدثني تميم بن عطية، قال: سمعت مكحولًا يقول: اختلفت إلى شريح ستة أشهر لم أسأله عن شيء، أكتفي بما أسمعه يقضي.

وقال يحيى بن حمزة: ثنا تميم، سمع عمير بن هانئ مرسل.

وقال في (2/ 156): توبة الهلالي روى عنه شعبة مرسل.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 446): توبة الهلالي وكان يقرأ قراءة عبد الله، روى عنه شعبة مرسل، سمعت أبي يقول ذلك.

وقال في (2/ 306): الحسن بن مسلم الهذلي سمع مكحولًا قوله، روى عنه شعبة، ويقال ابن عمران مرسل.

وقال في (2/ 309): الحسن بن يحيى المروزي عن الضحاك وكثير بن زياد سمع منه ابن المبارك مرسل.

ص: 55

وقال في (2/ 336): الحكم بن أبي إسحاق سمع أبا سلمة والحسن وابن المسيب مرسل.

وقال في (2/ 351): حميد الأوزاعي روى عنه شعبة مرسل عن أبي الدرداء.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(3/ 232): حميد الأوزاعي روى عن أبي الدرداء، روى عنه شعبة، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مجهول لا معنى له.

وقال في (3/ 61): قال عبد الله: حدثني الليث، حدثني يزيد، عن جعفر أن ابن حرب بن قيس، أو حرب بن قيس مولى يحيى بن طلحة سمع محمد بن كعب مرسل.

وقال في (3/ 115): قال ابن وهب: أخبرني عمرو، عن سعيد، عن حديج بن صومي، سمع محمد بن كعب مرسل.

وقال في (3/ 145): خالد بن حسان سمع مكحولًا مرسل.

وقال في (3/ 236): داود بن عمرو الأودي سمع القاسم بن مخيمرة قوله ومكحولًا مرسل.

وقال في (3/ 455): سعيد بن أبي أويس سمع ابن المسيب مرسل، روى عنه ابن إسحاق مرسل، وسمع منه سعيد بن أبي هلال.

وقال في (4/ 8): سليمان بن حميد عن رجل عن ابن المسيب، روى عنه يحيى بن أبي أسيد وسعيد بن أبي أيوب، سمع محمد بن كعب مرسل.

وقال في (4/ 23): سليمان بن عبد الله سمع عروة مرسل، قاله عبيدة عن ابن إسحاق منقطع.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(4/ 125): سليمان بن عبد الله ابن عويمر الأسلمي روى عن عروة منقطع، روى عنه عبد الرحمن بن أبي الزناد ومحمد بن إسحاق، سمعت أبي يقول ذلك.

وقال في (4/ 30): سليمان بن فروخ أبو واصل قال: لقيني أبو أيوب، هو

ص: 56

الأزدي مرسل، روى عنه يونس بن خباب.

وقال في (4/ 56): سعد بن زبراء سمع أبا سلمة بن عبد الرحمن مرسل، سمع منه ابن جريج.

وقال في (4/ 61): سعد بن عمار روى عنه بكير بن الأشج، سمع سعيد بن المسيب وأبان بن عثمان وعروة بن الزبير مرسل.

وقال في (4/ 80): سلمة مولى حميدي بن كراثة أبو صخر الحنظلي التميمي سمع أبا حرة الرقاشي، روى عنه ابنه حماد بن سلمة البصري مرسل.

وقال في (4/ 102): سهل بن أسلم العدوى سمع يونس بن عبيد، يعد في البصريين، قال لي أحمد بن سليمان: نا سهل بن أسلم أبو سعيد سمع الحسن مرسل.

وقال في (4/ 226): شجاع صاحب السابري سمع معاوية بن قرة مرسل، سمع منه عبد الصمد.

وقال في (4/ 303): صلت بن الحجاج عن يحيى الكندي، روى عنه يحيى بن سعيد القطان مرسل.

وقال في (4/ 322): صلة بن سليمان ليس بذاك القوي عن هشام عن الحسن في المرأة تموت وفى بطنها ولد يشق بطنها ويستخرج الولد.

قال أبو الأسود: حدثنا صلة بن سليمان أبو زيد الواسطي سمع عوفًا مرسل.

وقال في (5/ 47): عبد الله بن أبي الأشعث سمع مكحولًا مرسل، قاله ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة.

وقال في (5/ 77): عبد الله بن خالد أبو القعقاع بن أبي برزة الأنصاري الطفري حجازي نسبه محمد بن إسحاق، وسمع منه مرسل.

وقال في (5/ 323): عبد الرحمن بن علي بن نافع بن جبير بن مطعم القرشي سمع الزهري مرسل.

وقال في (5/ 433): عبد الملك بن معن سمع جبر بن حبيب مرسل، سمع

ص: 57

منه عبد الواحد أبو عبيدة البصري.

وقال في (6/ 431): عباد بن الوليد سمع خالدًا مرسل، سمع منه يحيى بن أبي بكير.

وقال في (6/ 90): عبد الكريم أبو بشر الصفار سمع منه حرب بن ميمون الأزدي مرسل.

وقال في (6/ 154): عمر بن راشد سمع الشعبي مرسل، قاله أبو نعيم عن سفيان عن عمر.

وقال في (6/ 177): عمر بن عبيد أبو حفص الخزاز بياع الخمر السابري البصري سمع يونس بن عبيد مرسل، سمع منه عبد الله بن يزيد المقري.

وقال في (6/ 398): عيسى بن يزيد، روى محمد عن عيسى بن سوادة سمع عمرو بن دينار مرسل. (قال الشيخ المعلمي: وفى "الجرح والتعديل": روى عن عيسى بن سوادة).

وقال في (6/ 410): عمران أبو بشر الحلبي البصري عن الحسن، سمع منه وكيع مرسل.

وقال في (6/ 420): عمران بن يحيى سمع موسى بن أبي عائشة مرسل، روى عنه حجاج بن محمد.

وقال في (6/ 424): عمران بن أبي كثير سمع سعيد بن المسيب وقبيصة بن ذويب، سمع منه محمد بن إسحاق مرسل.

وقال في (6/ 426): عمران بن النعمان سمع الربيع بن سبرة، سمع منه ابن المبارك مرسل.

وقال في (6/ 518): العلاء بن المبارك أبو محمد الرؤاسي الكوفي سمع حفص بن غياث عن العلاء بن المسيب عن شيخ عن الضحاك سمع زيد بن أرقم مرسل.

وقال في (7/ 5): عباس بن الفضل الأنصاري عن القاسم بن عبد الرحمن

ص: 58

منكر الحديث. قال سعيد بن عبد الحميد بن جعفر: حدثني العباس بن الفضل ابن عمرو بن عبيد بن الفضل بن حنظلة الأنصاري سمع بردًا مرسل.

وقال في (7/ 39): عنبسة العابد سمع جعفر بن محمد مرسل، روى عنه زيد ابن الحباب.

وقال في (7/ 104): غيلان بن صهيب سمع مكحولًا مرسل، قاله قتيبة عن علي بن أبي سارة.

وقال في (7/ 133): فليح بن محمد بن المنذر بن الزبير بن العوام القرشي المدني عن أبيه مرسل، روى عنه ابن المبارك.

وقال في (7/ 135): فياض بن محمد سمع يحيى بن أبي كثير مرسل، روى عنه موسى بن إسماعيل.

وقال في (7/ 251): لهب بن الخندق سمع منه عوام بن حوشب مرسل.

وقال في (7/ 409 - 410): محمد بن صمعان أبو حمزة التميمي كوفي ويقال ابن سمعان هو النساج. قال محمد بن بشار عن ابن مهدي عن سفيان عن مجمع بن صمعان سمعت ماهان مرسل.

وقال في (7/ 423): مسعود بن علي سمع عكرمة مرسل، روى عنه يحيى القطان.

وقال في (8/ 38): معدان بن عثمان سمع مكحولًا في العزل مرسل، روى عنه معاوية بن صالح الحضرمي.

وقال في (8/ 71): مودود سمع الحسن مرسل، وسمع بلال بن أبي بردة قال:

كان ابن يعمر يقرأ (في الأرض الله) يثقلها، قاله موسى بن إسماعيل، يعد في البصريين.

وقال في (8/ 78): نعمان بن قيس. قال إياد بن لقيط حدثني نعمان جار لي ختم القرآن على عهد عمر مرسل.

وقال في (8/ 125): نجم بن فرقد أبو عامر العطار سمع عطاء الخراساني

ص: 59

مرسل، روى عنه الصلت بن محمد وقتيبة بن سعيد أبو رجاء.

وقال في (8/ 144): الوليد بن زروان سمع عبد الوهاب المدني مرسل، سمع منه جعفر بن برقان.

وقال في (8/ 154): الوليد بن المغيرة أبو العباس المعافري قاله مؤمل عن الثوري عن عبيد بن بشير، روى عنه زيد العكلي، وروى عبد الله بن يوسف عن الوليد بن المغيرة سمع عبد الله بن هبيرة مرسل.

وقال في (8/ 208): هلال بن نعيم قال: قلت لسالم مرسل، روى عنه القاسم بن الفضل.

وقال في (8/ 256): هجيم بن عبد الله بن موهب سمع ابن صائد مرسل، روى عنه الوليد بن جميع.

وقال في (8/ 294): يحيى بن عبيد الله بن قزعة أبو زكريا البصري عن أبيه سمع مسلمة بن عبد الله مرسل قال: ما تثاءب نبي قط، روى عنه مسلم بن إبراهيم وبشر بن الحكم.

وقال في "الكنى"(صـ 20): أبو الجهم عن بعض علمائهم، روى عنه الليث مرسل.

وقال في "الكنى"(صـ 30): أبو الرحال سمع الحسن مرسلًا، روى عنه أبو نعيم.

وقد أوقفني أخي خالد بن حسن حفظه الله على مثالين يبينان أن البخاري يطلق المرسل بمعنى المقطوع.

قال البخاري في "التاريخ الأوسط"(2/ 19): بحر بن موسى أبو مودود سمع الحسن مرسل، حديثه في البصريين.

وقال في "التاريخ الكبير"(2/ 127): بحر بن موسى أبو مودود سمع الحسن قوله.

وقال في "التاريخ الأوسط"(2/ 122): ربيع بن عبد الله بن خطاف روى

ص: 60

عن الحسن وابن سيرين، روى عنه موسى مراسيل.

وقال ابن عدي في "الكامل"(3/ 136): ولم أر لربيع بن عبد الله بن خطاف هذا حديثًا يتهيأ لي أن أقول من أي جهة أنه ضعيف، والذى يرويه عن الحسن وابن سيرين إنما هى مقاطيع.

وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": علق البخاري أثرًا عن الحسن جاء موصولًا من طريق الربيع هذا عن الحسن كما بينته في تغليق التعليق، وهو من تفسير سورة النجم، وصله ابن أبي حاتم.

وقد أفادني شيخنا محمد عمرو بن عبد اللطيف حفظه الله ونفع المسلمين بعلمه بمثال أطلق فيه الدارقطني المرسل على المقطوع:

قال الدارقطني في "السنن"(3/ 450)(ح 2834): حدثنا محمد بن أحمد بن عيسى بن عبدك، حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد، حدثنا أبي، عن المبارك بن مجاهد، عن مالك بن أنس، عن أبي الزناد، عن سعيد بن المسيب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

"لا ربا إلا في ذهب أو فضة، أو مما يكال ويوزن، ويوكل ويشرب".

قال الشيخ أبو الحسن: هذا مرسل، ووهم المبارك على مالك برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هو قول سعيد بن المسيب مرسل. اهـ

قلت: أخرجه مالك في "الموطأ"(2/ 635) من قول سعيد بن المسيب.

قلت: والبخاري يطلق المنقطع أيضًا على المقطوع والموقوف، وعلى رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإليك الأدلة على ذلك:

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 122): محمد بن طريف سمع سعيد ابن المسيب منقطع، قال ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة.

وقال في (1/ 173): محمد بن أبي عبيد المعافري. قال لي حسن، حدثنا عبد الله بن يحيى، قال: حدثنا سعيد بن أبي أيوب، قال: حدثنا محمد بن أبي عبيد: حججت فلقيت عطاء بن يسار قاص أهل المدينة منقطع.

ص: 61

وقال في (1/ 252): محمد بن نصير أبو نصير سمع حبيب بن أبي ثابت وأباه وأمه منقطع.

وقال في (1/ 421): أيوب بن أبي كثير: مات رجل منا فجاء الحسن، قاله لنا موسى، حدثنا آدم بن الحكم، قال: ثنا أيوب منقطع.

وقال في (2/ 26): أيمن بن عبد الله أبو المختار سمع أبا ذر، سمع منه عقبة بن وهب منقطع.

وقال في (2/ 101): بشير أبو دعامة الغبري يبممع الحسن، سمع منه عبد الصمد منقطع.

وقال في (2/ 131): بزيع الضبي سمع الحجاج منقطع، روى عنه المقدمي.

وقال في (2/ 155): تميم بن عبد الرحمن سمع عطاء وابن جبير منقطع.

وقال في (2/ 156): توبة روى عنه ابنه ربيع. قاله أبو الأشهب منقطع، حديثه في البصريين.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 446): توبة روى عن أبيه، روى أبو الأشهب عن الربيع بن توبة عن أبيه منقطع، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مجهول.

وقال في (2/ 172): قال ابن وهب: أخبرني عمرو بن ثابت بن يزيد أن رجلًا حدثه سمع عبد الله بن عمرو منقطع.

وقال في (2/ 270): الحارث بن سليمان رأى عطاء بن السائب منقطع.

وقال في (2/ 324): حبيب القناد سمع منه أيوب منقطع، قاله حماد بن زيد.

وقال في (2/ 324): حبيب بن مهران التيمي أبو مالك سمع ابن أبي أوفى وابن ماهان، سمع منه عبد الواحد وابن نمير منقطع.

وقال في (2/ 366): حفص بن عمر بن حفص بن أبي السائب قاضى البلقاء مدينة الشراة سمع عامر بن يحيى، سمع منه الهيثم بن خارجة منقطع.

وقال في (3/ 70): حريث بن أبي حريث سمع ابن عمر وزيد بن جارية

ص: 62

وأبا إدريس وقبيصة، روى عنه يونس بن حلبس في الصرف - قاله أبو المغيرة عن الأوزاعي: لا يتابع على حديثه، منقطع.

وقال في (3/ 74): حجر بن راشد أبو سهل سمع أبا حمزة، سمع منه موسى ابن إسماعيل، يعد في البصريين، منقطع.

وقال في (3/ 145): خالد بن أبي خلدة الحنفي الأعور سمع الشعبي وإبراهيم، روى عنه الثوري ومروان بن معاوية منقطع.

وقال في (3/ 233): داود بن سليمان بن جبير سمع أباه، سمع منه موسى بن إسماعيل البصري منقطع.

وقال في (3/ 278): ربيع بن حسان روى عنه وكيع ومروان، سمع الشعبي منقطع.

وقال في (3/ 289): ربيعة بن عطاء بن يعقوب مولى ابن سباع، روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري، وسمع عروة بن محمد منقطع.

وقال في (3/ 456): سعيد بن أسلم عن مولى لهم من بني غفار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، سمع منه بكير بن الأشج منقطع.

وقال في (4/ 133): سلام بن مسلم سمع عبد الكريم عن إبراهيم، سمع منه موسى، يعد في البصريين، منقطع.

وقال في (4/ 312): صخر بن عبد الله بن بريدة الأسلمي سمع عكرمة ومحمد بن علي قولهما، روى عنه حجاج بن حسان منقطع.

وقال في (4/ 349): طلحة بن أبي حفصة الحضرمي عن عمر، روى عنه عمر بن أبي حسين عن عبد الله بن كثير سمع طلحة منقطع في المحرم.

قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(4/ 474 - 475): طلحة بن أبي حفصة روى عن عمر، روى عنه عبد الله بن كئير، سمعت أبي يقول ذلك.

وقال في (5/ 91): عبد الله بن أبي رقيق الأزدي عن أبي سويد القضاعي، سمع تبيعًا منقطع، قاله المقري عن سعيد بن أبي أيوب.

ص: 63

وقال في (5/ 111): عبد الله بن سبرة سمع الشعبي منقطع.

وقال في (5/ 202): عبد الله بن المسيب سمع عكرمة، سمع منه عبد الله ابن وهب، وسمع إبراهيم بن راشد منقطع.

وقال في (5/ 210): عبد الله بن معدان أبو معدان سمع منه وكيع منقطع.

وقال في (5/ 236): عبد الله إمام مسجد عمرو بن مرة عن عمرو بن مرة روى عنه شعبة منقطع.

وقال في (5/ 333): عبد الرحمن بن عراك بن مالك الغفاري عن أبيه، سمع منه مروان منقطع.

وقال في (5/ 340): عبد الرحمن بن القاسم سمع أنسًا وأبا صالح مولى عمرو وأبا داود المديني سمع منه عبد الواحد بن زياد منقطع.

وقال في (5/ 376): عبيد الله بن أبي الجوزاء سمع بكر بن عبد الله المزني منقطع، سمع منه أبان بن صمعة البصري.

وقال في (5/ 391): عبيد الله بن عبد العزيز من ولد أبي أمامة رضي الله عنه سمع ثابت من مسحل وأبا بكر بن حزم منقطع.

وقال في (5/ 409): عبد الملك بن جويرية بن عائذ سمع مغيرة بن مقسم، سمع منه يحيى بن آدم منقطع.

وقال في (6/ 8): عبيد عن أبيه سمع عمر رضي الله عنه، روى جرير بن حازم عن يحيى بن عبيد عن أبيه في البصريين منقطع.

وقال في (6/ 36): عباد بن راشد اليمامي سمع منه علي منقطع.

وقال في (6/ 49): عبد الحميد بن سوار قال هشيم شيخ منا منقطع.

وقال في (6/ 56): عبد الواحد بن المثنى عن نافع بن عبد الحارث عن عمر رضي الله عنه: بال قائمًا، سمع منه ابن جريج منقطع.

وقال في (6/ 82): عبد ربه أبو عبد الكريم الثقفي سمع أبا رجاء العطاردي منقطع، سمع منه عبد الصمد.

ص: 64

وقال في (6/ 144): عمر بن بكار عن عمرو بن الحارث، سمع منه ابن المبارك منقطع.

وقال في (6/ 144 - 145): عمر بن تيري الصنعاني سمع هانئًا، سمع ابن المبارك منقطع.

وقال في (6/ 159): عمر بن سعيد سمع إبراهيم - قاله يزيد بن هارون عن عروة أبي عبد الله سمع عمر بن سعيد منقطع كذا في "العتيق".

وقال في (6/ 164): عمر بن شوذب بياع الأكيسة عن عمرة بنت الطبيخ، سمع منه وكيع ومحمد بن عبيدة. قال عمرو بن علي: قال يحيى القطان: حدثني من رآه يرمى بالسكر. وقال عبد الصمد ح

(1)

عمر بن شوذب حدثني أبو عتبة سمع كعبًا منقطع.

وقال في (6/ 169): عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن الرومي عن أبيه والحسن وقتادة وأسماء بن عبيد، هو البصري، سمع منه موسى بن إسماعيل وقتيبة منقطع.

وقال في (6/ 205): عمر بن هرمز سمع الربيع بن أنس منقطع، سمع منه إسحاق بن إبراهيم.

وقال في (6/ 250): عثمان بن محمد بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي المديني سمع عائشة بنت سعد منقطع، سمع منه خالد بن مخلد.

وقال في (6/ 437): عقبة الرفاعي سمع ابن الزبير رضى الله عنهما، روى عنه ابنه محمد منقطع.

وقال في (6/ 443): عقبة بن أبي العيزار سمع إبراهيم والشعبي وأباه، سمع منه عبد الواحد منقطع.

وقال في (7/ 9): عطية بن الأسود سمع ابن عمر، روى عنه مغيرة بن مالك

(1)

أي: حدثنا.

ص: 65

منقطع، قاله آدم عن شعبة في المحرم.

وقال في (7/ 45): عدي بن عبد الحميد سمع عروة بن محمد منقطع، روى عنه معمر.

وقال في (8/ 102): نصر بن حسان العنبري التميمي جد معاذ بن معاذ روى عنه شعبة وهو أخو عبد الملك بن حسان منقطع.

وقال البخاري في "صحيحه"(ح 6751 - 6574): حدثنا حفص بن عمر حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة قالت: اشتريت بريرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اشتريها فإن الولاء لمن أعتق، وأُهدى لها شاة، فقال: هو لها صدقة ولنا هدية.

قال الحكم: وكان زوجها حرًا، وقول الحكم مرسل، وقال ابن عباس: رأيته عبدًا.

حدثنا موسى، حدثنا أبو عوانة، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، أن عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة لتعتقها واشترط أهلها ولاءها، فقالت: يا رسول الله إني اشتريت بريرة، وإن أهلها يشترطون ولائها، فقال: اعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق، أو قال: اعطي الثمن، قال: فاشتريتها فاعتقتها.

قال: وخيرت فاختارت نفسها، وقالت: لو أعطيت كذا وكذا ما كنت معه.

قال الأسود: وكان زوجها حرًا، قول الأسود منقطع، وقول ابن عباس: رأيته عبدًا أصح.

وقد تبع أبو أحمد الحاكم البخاري في استخدام المنقطع بمعنى الموقوف على الصحابي، فقال في كتابه "الأسامي والكنى" (1/ 367 - 368): أبو الأسود عطية بن الأسود سمع ابن عمر في المحرم منقطع، روى عنه مغيرة بن مالك. حدثني علي بن محمد، نا الحسين -يعني ابن محمد، نا محمد بن المثنى، نا محمد- يعني ابن جعفر، نا شعبة، عن المغيرة بن مالك، عن عطية أبي الأسود.

وقال الخطيب البغدادي في "الكفاية"(صـ 58) (باب "معرفة ما يستعمل

ص: 66

أصحاب الحديث من العبارات"): والمنقطع مثل المرسل، إلا أن هذه العبارة تستعمل غالبًا في رواية من دون التابعي عن الصحابي، مثل أن يروي مالك بن أنس عن عبد الله بن عمر، أو سفيان الثوري عن جابر بن عبد الله، أو شعبة بن الحجاج عن أنس بن مالك، وما أشبه ذلك.

وقال بعض أهل العلم بالحديث: الحديث المنقطع ما روى عن التابعي ومن دونه موقوفًا عليه من قوله أو فعله.

وقال ابن الصلاح في مقدمته (صـ 53): ومنها ما حكاه الخطيب أبو بكر عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنقطع ما روي عن التابعي أو من دونه موقوفًا عليه من قوله أو فعله، وهذا غريب بعيد، والله أعلم.

وعلق ابن حجر في "النكت"(2/ 573) على قول ابن الصلاح بقوله: والمبهم المذكور هو الحافظ أبو بكر أحمد بن إبراهيم البرديجي، ذكر ذلك في جزء له لطيف تكلم فيه على المرسل والمنقطع. اهـ

قلت: البرديجي في ذلك تابع للإمام البخاري.

والبخاري يطلق المنقطع أيضًا على الإسناد الذى فيه رجل مبهم، فقد قال البخاري في "التاريخ الأوسط" (1/ 255): ويروى عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن رجل عن عبد الله بن عمرو رفعه في قصته، وهذا منقطع لا يعتمد عليه.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 172): قال ابن وهب: أخبرني عمرو، عن ثابت بن يزيد، أن رجلًا حدثه، سمع عبد الله بن عمرو منقطع.

وقد سبقه إلى ذلك شيخه على بن المديني، فقد قال ابن البراء: قال علي في حديث عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سمر إلا لمصلٍ أو مسافر" رواه منصور عن خيثمة عن رجل عن عبد الله، وفى إسناده انقطاع من قبل هذا الرجل الذي لم يسم خيثمة. "العلل" لابن المديني (صـ 101).

وقال الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(صـ 27): النوع التاسع من هذا

ص: 67

العلم: معرفة المنقطع من الحديث، وهو غير المرسل، وقل ما يوجد في الحفاظ من يميز بينهما، والمنقطع على ثلاثة أنواع:

فمثل نوع منها ما حدثناه أبو عمرو عثمان بن أحمد السما ببغداد، ثنا أيوب بن سليمان السعدي، ثنا عبد العزيز بن موسى اللاحوني أبو روح، ثنا هلال بن حق عن الجريري، عن أبي العلاء - وهو ابن الشخير، عن رجلين من بني حنظلة، عن شداد بن أوس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أحدنا أن يقول في صلاته

الحديث.

قال الحاكم: هذا الإسناد مثل لنوع من المنقطع لجهالة الرجلين بين أبي العلاء ابن الشخير وشداد بن أوس، وشواهده في الحديث كثيرة.

وقال ابن القطان الفاسي في كتابه "بيان الوهم والإيهام"(3/ 81 - 82): وذكر أبو محمد من المراسل عن محمد بن كعب القرظي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إني أريد أن أُجدد في صدور المؤمنين، أيما صبي حج به أهله فمات أجزأ عنه" الحديث.

ثم قال: هذا مرسلًا ومنقطع، ليس بمتصل السماع.

ومعنى هذا الكلام أن في إسناده انقطاعًا قبل أن يصل إلى مرسله.

قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل، قال: حدثنا وكيع، عن يونس بن إسحاق، قال: سمعت شيخًا يحدث أبا إسحاق، عن محمد بن كعب، فذكره.

فجعله مرسلًا، لأن محمد بن كعب تابعي، ولم يذكر عمن أخذه، ومنقطعًا من أجل أن هذا الشيخ الذى حدث به أبا إسحاق لم يُسَمَّ.

وهذا العمل أصوب من عمله في الحديث الآخر الذي ذكره من طريق عبد الرزاق قال: حدثنا ابن جريج قال: حدثنا أبو الزبير، عن رجل صالح من أهل المدينة، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال:"كانت امرأة تحت رجل من الأنصار، فقتل عنها يوم أحد" الحديث.

ثم قال: هذا مرسل، وفيه رجل مجهول.

ص: 68

كذا قال، وهو مناقض لمصطلحهم ولما تقدم له الآن، فإنهم إنما يقولون لما ذا سبيله: منقطع، فإنه لا فرق بين أن يطوي ذكره، أو يقال: عن رجل، أو شيخ ولا يُسمى، وإنما يقولون فيه مجهول لحديث في إسناده رجل مسمى لا يعرف.

وقد أطلق البخاري المرسل على الإسناد الذى فيه راو مبهم، كما يطلق على المنقطع.

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 112 - 113): قال يزيد بن هارون: أخبرنا العوام، حدثني أبو إسحاق الشيباني، عن رجل من آل أنس بن مالك، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: الأمراء من قريش.

وقال محمد بن عبيد: حدثنا موسى الجهني، عن منصور بن المعتمر، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، هذا مرسل أيضًا.

فمنصور بن المعتمر لم يسمع من أنس. والإسناد الذى قبله فيه راوٍ مبهم أطلق البخاري عليه أيضًا اسم المرسل. فالبخاري يطلق المصطلح على أكثر من معنى، ويُعرف مراد البخاري بالقرائن.

والبخاري يطلق المنقطع والمرسل على ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 228): قال لي علي بن مجاهد: حدثنا الجراح بن الضحاك بن قيس الكندي، عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: أقبلت امرأة بابنها وزوجها قتيلين، فقالت لبنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني عنهما.

وقال لي الجعفي: عن معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن سفيان، عن علقمة، عن عمر بن عبد العزيز: جاءت امرأة بابنيها النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.

قال أبو عبد الله: وهذا أصح بإرساله وانقطاعه.

وقال في (2/ 287): الحسن بن إبراهيم أبو حاتم ختن وهيب عن فرقد عن إبراهيم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور"، روى عنه موسى،

ص: 69

وقال بعضهم عن فرقد عن مسروق عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا منقطع. قلت: البخاري ذكر الخلاف في هذا الحديث، ثم رجح أن الصواب في هذا الحديث هو الوجه الأول، وهي رواية إبراهيم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم البخاري عليها بالانقطاع، والانقطاع هنا معناه رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.

‌6 - إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي

قال ابن حبان: إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي يروي عن حجاج بن محمد ووكيع بن الجراح والحارث بن عطية، يسوي الحديث وشرقه، ويروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، يقلب حديث الزبيدي عن الزهري على الأوزاعي، وحديث الأوزاعي على مالك، وحديث زياد بن سعد على يعقوب ابن عطاء، وما يشبه هذا، وهو الذى يروي عن وكيع، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: إذا كان يوم القيامة يكون أبو بكر على أحد أركان الحوض، وعمر على الثاني، وعثمان على الثالث، وعلي على الرابع، فمن أبغض واحد منهم لم يسقه الَاخرون، ومن يروي بهذا الإسناد مثل هذا المتن استحق أن يُعدل به إلى جملة المتروكين.

وقد روى عن الحجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد تحت العرش: هاتوا أصحاب محمد، فيؤتى بأبي بكر الصديق وبعمر بن الخطاب وبعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب، قال: فيُقال لأبي بكر: قف على باب الجنة فأدخل فيها من شئت برحمة الله، ورد من شئت بعلم الله عز وجل، ويُقال لعمر: قف عند الميزان فثقل برحمة الله من شئت، وخفف من شئت بعلم الله، قال: ويُعطى عثمان بن عفان غصن شجر من الشجرة التى غرسها الله بيده، فيُقال له: قف على الحوض فذد عنه من شئت من الناس، قال: ويُدعى علي بن أبي طالب فيُعطى حلتين، ويُقال له: خذهما فإني ادخرتهما لك يوم أنشأت خلق السماوات والأرض.

ص: 70

أخبرناه الحسين بن عبد الله القطان بالرقة، ثنا عبيد بن الهيثم الحلبي، ثنا إبراهيم بن خالد المصيصي، ثنا الحجاج بن محمد.

وقد روى عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شرب مسكرًا ونجس ونجست صلاته أربعين صباحًا، فإن مات فيهم مات كافرًا، هان تاب تاب الله عليه، هان عاد نجس ونجست صلاته أربعين صباحًا، فإن مات فيهم مات كافرًا، وان تاب تاب الله عليه، فإن عاد نجس ونجست صلاته أربعين صباحًا، فإن مات فيهن مات كافرًا، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد كان حقًا على الله عز وجل أن يسقيه من طينة الخبال، قيل: يا رسول الله: وما طينة الخبال؟ قال: ماء يسيل من صديد أهل النار.

أخبرناه علي بن موسى بن حمزة البزيعي ببغداد، ثنا إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي، قال: حدثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج

(1)

.

قال الذهبي: إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي عن وكيع، أحد المتروكين.

ثم ذكر الذهبي كلام ابن حبان السابق، ثم قال: هذا رجل كذاب، قال الحاكم: أحاديثه موضوعة

(2)

.

قال ابن حجر: ذكر ابن حبان أنه كان يقلب حديث الزبيدي عن الزهري عن الأوزاعي، وحديث الأوزاعي على مالك، وحديث زياد بن سعد على يعقوب ابن عطاء، وما يشبه ذلك، وأنه كان يسوي الحديث.

ومعنى تسوية الحديث أنه يحذف من الإسناد من فيه مقال، وهذا يُطلق عليه تدليس التسوية

(3)

.

(1)

"المجروحين"(1/ 116 - 117).

(2)

"ميزان الاعتدال"(1/ 40 - 41).

(3)

"لسان الميزان"(1/ 160 - 161).

ص: 71

‌7 - إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي

ذكر الحافظ ابن حجر إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: شيخ الشافعي، ضعفه الجمهور، ووصفه أحمد والدارقطني وغيرهما بالتدليس

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى متروك من السابعة.

قال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(1/ 62 - 63): حدثنا عبد الله بن محمد المروذي، قال: حدثنا أحمد بن عبد الله بن بشير المروذي، قال: حدثنا سفيان ابن عبد الملك قال: سالت ابن المبارك، قال: قلت: إبراهيم بن أبي يحيى لم تركت حديثه؟ قال: كان مجاهرًا بالقدر، وكان اسم القدر يغلب عليه، وكان صاحب تدليس.

حدثنا الخضر بن داود، قال: حدثنا أحمد بن محمد، قال: سمعت أبا عبد الله ذكر إبراهيم بن أبي يحيى فقال: يأخذ حديث الناس فيجعله في كتبه، ويرويه عنهم يدلسه، فقيل له: من هذا؟ فقال: إبراهيم بن أبي يحيى.

وأبو عبد الله هو الإمام أحمد بن حنبل.

وقال الحافظ ابن حجر في "النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 650): وقد أفرد المدلسين بالتصنيف من المتقدمين الحسين بن علي الكرابيسي صاحب الشافعي، وأبو عبد الرحمن النسائي، وأبو الحسن الدارقطني -رحمهم الله تعالى- فجمعت ما ذكروه، وزدت عليه ما وقع لي من كلام غيرهم بعون الله تعالى. اهـ

قلت: ولم أقف على كتاب الكرابيسي ولا كتاب الدارقطني.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 171).

ص: 72

‌8 - إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي الكوفي

قال الحافظ ابن حجر: إبراهيم بن يزيد بن شريك التيمي الكوفي ثقة، إلا أنه يرسل ويدلس.

وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": "قال ابن معين: إبراهيم التيمي ثقة.

وقال أبو زرعة: ثقة مرجئ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال الكرابيسي: حدث عن زيد بن وهب قليلًا، أكثرها مدلسة. وقال الدارقطني: لم يسمع من حفصة ولا عائشة، ولا أدرك زمانهما. وقال أحمد: لم يلق أبا ذر. وقال ابن حبان في "الثقات": كان عابدًا صابرًا على الجوع الدائم. وقال أبو داود في كتاب "الطهارة" من "سننه": لم يسمع من عائشة. وكذا قال الترمذي. وقال ابن المديني: لم يسمع من علي ولا من ابن عباس. وقال القطان في رواية إبراهيم التيمي عن أنس في القُبلة للصائم: لا شيء، لم يسمعه نقله الضياء الحافظ. اهـ

قلت: فعلى قول الكرابيسي، فإبراهيم التيمي يدلس عن زيد بن وهب، ولم يصف أحد من العلماء الآخرين إبراهيم التيمي بالتدليس، فلا ينبغي التوقف في عنعنته عن غير زيد بن وهب، إذا صح سماعه من الشيخ الذى يروي عنه.

‌9 - إبراهيم بن يزيد النخعي

قال العلائي: إبراهيم بن يزيد النخعي ذكر الحاكم وغيره أنه مدلس، وحكى خلف بن سالم عن عدة من مشايخه أن تدليسه من أخص الأشياء، وكانوا يتعجبون منه

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين، وزاد ابن حجر: الفقيه المشهور في التابعين، من أهل الكوفة، ذكر الحاكم أنه كان يدلس. وقال

(1)

"جامع التحصيل"(ص 104).

ص: 73

أبو حاتم: لم يلق أحدًا من الصحابة إلا عائشة رضى الله عنها، ولم يسمع منها.

وكان يرسل كثيرًا ولا سيما عن ابن مسعود، وحدث عن أنس وغيره مرسلًا

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": إبراهيم بن يزيد بن قيس النخعي ثقه إلا أنه يرسل كثيرًا.

قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(صـ 108): أخبرني عبد الله بن محمد بن حمويه الدقيقي، قال: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، قال: حدثني خلف بن سالم، قال: سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين، فأخذنا في تمييز أخبارهم فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن، وإبراهيم بن يزيد النخعي، لأن الحسن كثيرًا ما يدخل بينه وبين الصحابة أقوامًا مجهولين، وربما دلس عن مثل عتي بن ضمرة، وإبراهيم أيضًا يدخل بينه وبينه أصحاب عبد الله مثل هني بن نويرة، وسهم بن منجاب، وخزامة الطائي وربما دلس عنهم.

قلت: عبد الله بن محمد بن حمويه ترجم له الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله في "رجال الحاكم"(1/ 51)، فقال: عبد الله بن محمد بن حمويه ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد"(ج 10 صـ 101) فقال رحمه الله: عبد الله بن محمد بن حمويه أبو محمد النيسابوري قدم بغداد وحدث بها عن أحمد بن حفص السلمي، روى عنه محمد بن مخلد. اهـ

وعبد الله بن محمد بن حمويه لم أقف على أحدٍ وثقه، وقد قبل العلماء مراسيل إبراهيم النخعي عن ابن مسعود، وقالوا: إن حديثه عن ابن مسعود أخذه من كبار أصحابه كعلقمة والأسود وعبد الرحمن بن يزيد.

قال الترمذي: وقد احتج بعض أهل العلم بالمرسل أيضًا:

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 98 - 99).

ص: 74

حدثنا أبو عبيدة بن أبي السفر الكوفي، حدثنا سعيد بن عامر، عن شعبة، عن سليمان الأعمش قال: قلت لإبراهيم النخعي: أسند لي عن ابن مسعود، فقال إبراهيم: إذا حدثتك عن رجل عن عبد الله فهو الذى سميت، وإذا قلت: قال عبد الله فهو عن غير واحد عن عبد الله." "علل الترمذي الصغير" (5/ 755 من الجامع). وتابع سعيد بن عامر عمرو بن الهيثم أبو قطن كما عند ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (6/ 285)، وأبو زرعة الدمشقي في تاريخه صـ 346، ومحمد بن جعفر غندر كما عند ابن عبد البر في "التمهيد" (1/ 34) ".

قال الطحاوي في "شرح معاني الآثار"(1/ 226): فإن قالوا: ما ذكرتموه عن إبراهيم عن عبد الله غير متصل، قيل لهم: كان إبراهيم إذا أرسل عن عبد الله لم يرسله إلا بعد صحته عنده، وتواتر الرواية عن عبد الله، قد قال له الأعمش: إذا حدثتني فأسند، فقال: إذا قلت لك: قال عبد الله، فلم أقل ذلك حتى حدثنيه جماعة عن عبد الله، وإذا قلت: حدثني فلان عن عبد الله فهو الذي حدثني، حدثنا بذلك إبراهيم بن مرزوق، قال: ثنا وهب أو بشر بن عمر، شك أبو جعفر، عن شعبة، عن الأعمش بذلك.

قال أبو جعفر: فأخبر أن ما أرسله عن عبد الله فمخرجه عنده أصح من مخرج ماذكره عن رجل بعينه عن عبد الله، فكذلك هذا الذى أرسله عن عبد الله، لم يرسله إلا ومخرجه عنده أصح من مخرج ما يرويه عن رجل بعينه عن عبد الله. وقال الدارقطني في "السنن" (3/ 173 - 174): ويشهد أيضًا لرواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ما رواه وكيع وعبد الله بن وهب وغيرهما عن سفيان الثوري، عن منصور، عن إبراهيم، عن عبد الله بن مسعود، أنه قال: دية الخطأ أخماسًا، ثم فسرها كما فسرها أبو عبيدة وعلقمة عنه سواء، فهذه الرواية وإن كان فيها إرسال، فإبراهيم النخعي هو أعلم الناس بعبد الله وبرأيه وبفتياه، قد أخذ ذلك عن أخواله علقمة والأسود وعبد الرحمن بن يزيد وغيرهم من كبراء أصحاب عبد الله، وهو القائل: إذا

ص: 75

قلت لكم قال عبد الله بن مسعود فهو عن جماعة من أصحابه عنه، وإذا سمعته من رجل واحد سميته لكم.

وذكر ابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 34) قول إبراهيم النخعي السابق، ثم قال: إلى هذا نزع من أصحابنا من زعم أن مرسل الإمام أولى من مسنده، لأن في هذا الخبر ما يدل على أن مراسيل إبراهيم النخعي أقوى من مسانيده، وهو لعمري كذلك، إلا أن إبراهيم ليس بعيار على غيره.

وقال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"(1/ 542): القول الثاني في المسألة: الاحتجاج بالمرسل. وحكاه الترمذي عن بعض أهل العلم، وذكر كلام إبراهيم النخعي أنه كان إذا أرسل فقد حدثه به غير واحد، وإن أسند لم يكن عنده إلا عمن سماه.

وهذا يقتضي ترجيح المرسل على المسند، لكن عن النخعي خاصة فيما أرسله عن ابن مسعود خاصة.

وقال العلائي في "جامع التحصيل"(ص 141. 142): إبراهيم بن يزيد النخعي أحد الأئمة، تقدم أنه كان يدلس، وهو أيضًا مكثر من الإرسال، وجماعة من الأئمة صححوا مراسيله كما تقدم، وخص البيهقي ذلك بما أرسله عن ابن مسعود.

وقال ابن حجر في "فتح الباري"(4/ 175)(ح 1945): إبراهيم النخعي لم يلق ابن مسعود، وانما أخذ عن كبار أصحابه.

فوصف إبراهيم النخعي بالتدليس فيه نظر، فلا ينبغي التوقف في عنعنته إذا صح سماعه من الشيخ الذى يروى عنه والله أعلم.

‌10 - إسحاق بن راشد الجزري

ذكر الحافظ ابن حجر إسحاق بن راشد الجزري في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: كان يطلق حدثنا في الوجادة، فإنه حدث عن الزهري، فقيل له: أين لقيته؟ قال: مررت ببيت المقدس فوجدت كتابًا له، حكى ذلك

ص: 76

الحاكم في "علوم الحديث" عن الإسماعيلي

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": إسحاق بن راشد الجزري ثقة، في حديثه عن الزهري بعض الوهم.

قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(صـ 109 - 110): والجنس السادس من التدليس قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم، إنما قالوا: قال فلان، فحمل ذلك عنهم على السماع، وليس عندهم منهم سماع عالٍ ولا نازل.

أخبرنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب بهمذان، قال: حدثنا إبراهيم بن نصر قال: ثنا أبو الوليد الطيالسي قال: حدثني صاحب لي من أهل الري يقال له أشرس، قال: قدم علينا محمد بن إسحاق فكان يحدثنا عن إسحاق بن راشد، فقدم علينا إسحاق بن راشد فجعل يقول "ثنا الزهري""ثنا الزهري"، قال: فقلت له: أين لقيت ابن شهاب؟ قال: لم ألقه، مررت ببيت المقدس فوجدت كتابًا له ثَمَّ.

ورواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(8/ 212) قال: أخبرنا أبو عبد الله البلخي، أنا أبو المعالي ثابت بن بندار بن إبراهيم، أنا أبو بكر البرقاني، أنا أحمد ابن إبراهيم الإسماعيلي، نا عبد الله بن محمد بن مسلم، نا أيوب بن إسحاق بن سافري، نا علي -يعني ابن المديني-، نا أبو داود الطيالسي، نا صاحب لنا يقال له: أشرس -فن أهل الرأي ثقة- قال: قدم علينا محمد بن إسحاق فذكر القصة، ثم قال: كذا قال أبو داود، وقد رويت عن أبي الوليد، ثم ذكر القصة من طريق الحاكم إلى أبي الوليد.

قلت: الحاكم لم يرو القصة من طريق الإسماعيلي، إنما الذى رواها من طريق الإسماعيلي هو ابن عساكر.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 76 - 77).

ص: 77

وإبراهيم بن نصر هو أبو إسحاق الرازي له ترجمة في "السير"(13/ 355) قال الذهبي: الحافظ الإمام المجود، محدث نهاوند.

وعبد الرحمن بن حمدان الجلاب له ترجمة في "السير"(15/ 477)، قال الذهبي: الإمام المحدث القدوة.

وأيوب بن إسحاق بن سافري هو أيوب بن إسحاق بن إبراهيم بن سافري أبو سليمان البغدادي، ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 241)، فقال: كتبنا عنه بالرملة، وذكرته لأبي فعرفه وقال: كان صدوقًا.

وعبد الله بن محمد بن مسلم هو أبو بكر الإسفراييني، له ترجمة في "السير"(14/ 547)، قال الذهبي: الإمام الحافظ الناقد المتقن الأوحد، أرخه الحاكم أبو عبد الله وقال: من الأثبات المجودين في أقطار الأرض.

ذكر العلائي القصة السابقة، ثم قال: وهذا ليس من التدليس في شيء، لما تقدم أن شرط التدليس أن يكون اللفظ محتملًا لا صريحًا، فمتى كان صريحًا في السماع ولم يكن كذلك فهو كذب لا يقتضي الجرح لفاعله، اللهم إلا أن يؤول بتأويل بعيد، كما قيل فيما روي عن الحسن أنه قال: حدثنا أبو هريرة، وتأوله من لم يثبت له السماع منه على أنه أراد: حدث أهل البصرة، فيكون الضمير عائدًا إليهم. وكذلك قول طاوس: قدم علينا معاذ اليمن، وهو لم يدركه، وإنما أراد قدم على أهل بلده، وهذه الأقسام متداخلة كما تراها، والتعاقد شرط في التقسيم

(1)

.

وقال صالح بن حامد الرفاعي في كتابه "الرواة الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم"(صـ 197 - 199): وهذا القصة مدارها على رجل من أهل الري يقال له: أشرس، وهو غير معروف بين أهل العلم، يدل ذلك على وصف كل من أبي الوليد وأبي داود له، ومن الجدير بالذكر أن أبا الوليد وأبا داود الطيالسيان

(1)

"جامع التحصيل"(ص 100).

ص: 78

كانا رفيقين في الرحلة إلى الري، فاشتركا في سماع هذه القصة من أشرس. (انظر "تاريخ بغداد" (7/ 256)).

وقد بحثت في كتب "الرجال" -التى اطلعت عليها- فلم أجد ممن يقال له أشرس من يصلح أن يكون صاحب هذه القصة.

ولا يكفي توثيق أبي داود الطيالسي له، لأنه لم يذكر إلا اسمه الأول، وهذا لا يكفي في التعريف به، فتوثيقه هذا يشبه قول الراوي:"حدثني الثقة" وهو غير معتمد في التوثيق على الصحيح من أقوال أهل العلم، كما حكاه السخاوي في "فتح المغيث"(صـ 308).

وقد أشار كل من ابن عساكر وابن حجر إلى ضعف هذه القصة، فقال ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (2/ 2/ 378/ ب): وقد قيل: إن إسحاق لم يلق الزهري .... ".

وقال ابن حجر في "هدي الساري"(صـ 389): "ورُوي عن ابن المديني عن الطيالسي عن أشرس -رجل من أهل الري- ما يدل على أنه لم يلق الزهري. وروى ابن أبي خيثمة بإسناد جيد عن إسحاق أنه لقى الزهري".

ومما يدل على عدم صحة هذه القصة -أيضًا- ثبوت ما يعارضها، فقد قال ابن سعد في "الطبقات" (6/ 342 - 343): أخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي، قال: حدثنا عبيد الله بن عمرو، قال: قال لي إسحاق بن راشد: كان الزهري إذا ذكر أهل العراق ضعف علمهم. قال: قلت: إن بالكوفة مولى لبني أسد يروى أربعة آلاف حديث، قال: أربعة آلاف؟، قال: قلت: نعم، إن شئت جئتك ببعض علمه. قال: فجيء به، فأتيته به. قل: فجعل يقرأ، وأعرف التغيير فيه، وقال: والله إن هذا لعلم، ما كنت أرى أحدًا يعلم هذا".

وعبد الله وعبيد الله الرقيان ثقتان. ومولى بني أسد الذى عناه إسحاق هو الأعمش سليمان بن مهران، كما صرح به إسحاق في الرواية الآتية.

وقال علي بن المديني: أخبرني عبد الجبار الخطابي قال: أخبرني مولانا

ص: 79

إسحاق بن راشد قال: قال لي ابن شهاب: هل بقى أحد عنده علم؟ ...... فذكر نحو القصة المتقدمة. ("المعرفة والتاريخ" (3/ 117)).

وعبد الجبار هو ابن محمد العدوي من ذرية زيد بن الخطاب، ذكره ابن حبان في "الثقات"(8/ 418)، ووصفه أبو بكر محمد بن إبراهيم العاصمي بأنه جليل، قال: ورأيت أبا عروبة يثني عليه خيرًا، كما في "سؤالات السهمي" للدارقطني (رقم 41، 328)، وترجم له ابن حجر في "تعجيل المنفعة"(صـ 163)، فالقصة ثابتة.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: نا عبد الله بن جعفر، قال: سمعت عبيد الله بن عمرو وأبا المليح يقولان: قال إسحاق بن راشد: بعث محمد بن علي زيد بن علي إلى الزهري، قال: يقول لك أبو جعفر استوص بإسحاق خيرًا، فإنه منا أهل البيت

" ("تاريخ دمشق" لابن عساكر (2/ 2/ 378 ب)).

وأبو المليح هو الحسن بن عمر الرقي، ثقة كما في "التقريب"(1/ 169).

وأبو جعفر هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب المعروف بالباقر.

وهذا إسناد جيد كما قال ابن حجر في "هدي الساري"(صـ 389)، وقد تقدم نص كلامه قريبًا.

وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(1/ 231) -بعد ذكر هذه الحكاية-: "وهذا يدل على أنه لقى الزهري".

ومما يدل -أيضًا- على سماع إسحاق من الزهري: رواية البخاري في "صحيحه"(8/ 342)(رقم 4677) تصريح إسحاق بالتحديث عن الزهري، فقد روى من طريق موسى بن أعين، حدثن إسحاق بن راشد، أن الزهري حدثه، قال: أخبرني عبد الله بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن أبيه، قال: سمعت أبي كعب بن مالك .. ".

فذكر قصة تخلف كعب في غزوة تبوك.

والبخاري رحمه الله معروف بتحريه وشدة تنقيرة عن أحوال الرجال، فصنيعه

ص: 80

هذا يدل على ثبوت سماع إسحاق من الزهري.

وبهذه الأدلة يتبين أن إسحاق بن راشد قد سمع من الزهري، وأن القصة التى نقلت عنه بأنه لم يسمع من الزهري غير صحيحة. وتقدم أن الذين وصفوه بالتدليس لم يذكروا لذلك مستندًا إلا ذلك القصة، وقد ثبت عدم صحتها، وبذلك يخرج إسحاق بن راشد من جماعة الموصوفين بالتدليس. اهـ

قلت: قد تم طبع "تاريخ ابن أبي خيثمة"، والقصة التى ساقها ابن عساكر عنه موجودة في "تاريخه"(3/ 233).

وروى ابن أبي خيثمة أيضًا في "تاريخه"(2/ 220)، (3/ 232) قال: حدثنا عبد الله بن جعفر، قال: نا عبيد الله بن عمر، عن إسحاق بن راشد، عن الزهري، عن عبد الله بن محمد، عن أبيه، عن علي قال:"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك عن نكاح المتعة".

قال إسحاق: فقلت للزهري: فهلا عن الحسن بن محمد ذكرت الحديث؟

فقال الزهري: لو أن الحسن حدثني لم أشك.

قلت: والقصة السابقة التى رواها ابن سعد رواها أيضًا ابن أبي خيثمة في "تاريخه"(2/ 254).

قال الحاكم: قلت للدارقطني: فإسحاق بن راشد الجزري؟ قال: تكلموا في سماعه من الزهري، وقالوا: إنه وجده في كتاب، والقول عندي قول مسلم بن الحجاج فيه. "سؤالات الحاكم" للدارقطني صـ 184.

قلت: الدارقطني هنا يقول: إن هناك قوم نفوا سماع إسحاق بن راشد من الزهري، وقالوا: إن حديثه عن الزهري من كتاب وجده، ولكن هذا القول فيه نظر عند الدارقطني، والراجح عند الدارقطني أن إسحاق سمع من الزهري، وهذا هو قول مسلم بن الحجاج والله أعلم.

وقد ذكر الحاكم إسحاق بن راشد الجزري مثالًا للجنس السادس من التدليس وهم: قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منه، واستدل على ذلك

ص: 81

بقصة تقدم ضعف إسنادها وثبوت ما يعارضها وهو سماع إسحاق من الزهري. والتدليس الذى وصف به الحاكم إسحاق بن راشد خاص برواته عن الزهري، ولم يثبت هذا الوصف عنه، وإن كان إسحاق سمع من الزهري، إلا أن حديثه عنه ضعيف سواء صرح بالسماع أو لم يصرح، انظر كتابي "الرواة الثقات الذين ضعفوا في بعض شيوخهم".

‌11 - إسماعيل بن أبي خالد

قال النسائي: ذكر المدلسين: الحسن، وقتادة، وحميد الطويل، ويحيى بن أبي كثير، والتيمي، ويونس بن عبيد، وابن أبي عروبة، وهشيم، وأبو إسحاق السبيعي، وإسماعيل بن أبي خالد، والحسن، والحجاج بن أرطأة، ومغيرة، والثوري، وأبو الزبير المكي، وابن أبي نجيح، وابن جريج، وابن عيينة

(1)

.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: كنت أسأل يحيى بن سعيد عن أحاديث إسماعيل بن أبي خالد عن عامر عن شريح وغيره، فكان في كتاب إسماعيل قال: حدثنا عامر عن شريح، فجعل يحيى يقول: إسماعيل عن عامر. قلت: إن في كتابي: حدثنا عامر حدثنا عامر، فقال لي يحيى: هي صحاح، إذا كان شيء أخبرتك - يعني مما لم يسمعه إسماعيل عن عامر

(2)

.

وقال عبد الله بن أحمد أيضًا: حدثني أبي قال: سألت يحيى بن سعيد، قلت: هذه الاحاديث كلها صحاح - يعني أحاديث ابن أبي خالد عن عامر ما لم يقل فيها حدثنا عامر، فكأنه قال: نعم.

وقال يحيى: إذا كان يريد أنه لم يسمع أخبرتك

(3)

.

(1)

رسالة "المدلسين" للإمام النسائي تحقيق الشريف حاتم بن عارف العوني، و" سؤالات السلمي" للدارقطني (صـ 155)).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 542)، (1/ 519).

(3)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 90).

ص: 82

قال ابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد بن حنبل، نا علي بن المديني، قال: قلت ليحيى بن سعيد: ما حملت عن إسماعيل عن عامر صحاح؟ قال: نعم

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني ابن خلاد قال: سمعت يحيى يقول: لم يسمع إسماعيل من عامر: لما جاء نعي جعفر إما زكريا وإما ابن أبي السفر

(2)

.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل أيضًا: حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا يونس عن الحسن، وإسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي، والمغيرة عن إبراهيم أنهم قالوا في دية الخطأ أخماسًا ما دون النفس.

سمعت أبي يقول: قال يحيى بن سعيد في حديث إسماعيل: هذا لم يسمعه إسماعيل من الشعبي

(3)

.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل أيضًا: حدثني ابن خلاد قال: سمعت يحيى يقول: كان في أطرافي عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن عبد الله بن عمرو: كنت عنده فأردته عليه فأبى، وكل شيء كتبت عن إسماعيل حدثنا عامر إلا أن يسمى رجلًا دون الشعبي

(4)

.

قال الحاكم: أما أهل الكوفة فمنهم من دلس، ومنهم من لم يدلس، وقد دلس أكثرهم، والمدلسون منهم: حماد بن أبي سليمان وإسماعيل بن أبي خالد

(5)

.

قال الحافظ في "التهذيب": قال العجلي: إسماعيل بن أبي خالد كان ثبتًا في الحديث، وربما أرسل الشيء عن الشعبي، وإذا وقف أخبر، وكان صاحب سنة

(1)

"الجرح والتعديل"(2/ 175).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال"(3/ 216). وابن خلاد هو محمد بن خلاد الباهلي، وهو ثقة.

(3)

"العلل ومعرفة الرجال"(2/ 266).

(4)

"العلل ومعرفة الرجال"(3/ 217). وابن خلاد هو محمد بن خلاد الباهلي، وهو ثقة.

(5)

"المدخل إلي الإكليل"(ص 46).

ص: 83

وكان حديثه نحو خمسمائة حديث، وكان لا يروى إلا عن ثقة.

وفى المطبوع من ثقات العجلي (صـ 64): كان إسماعيل بن أبي خالد طحانًا ثبتًا في الحديث، رجلًا صالحًا ثقة. وكان راويه عن قيس بن أبي حازم الأحمسى، تابعي لم يكن أحد أروى عنه منه. وكان حديثه نحوًا من خمسمائة حديث، ورأى شريحًا، وعمرو بن ميمون، والأسود بن يزيد، وكان عاليًا في شيوخ الكوفيين.

قال ابن أبي حاتم: نا صالح، نا علي قال: سمعت يحيى وذكر عنده شيء يروى عن إسماعيل عن عامر أن المغيرة بن شعبة لما شهد عليه الثلاثة، قال يحيى ليس بصحيح.

نا صالح، نا علي قال: وسمعت يحيى يقول: حديث إسماعيل بن أبي خالد "إذا فجئتك جنازة" ليس هو من صحيح حديثه.

نا صالح: نا علي قال: قلت ليحيى: قول عامر في طلاق الصبي سمعه إسماعيل من عامر؟ قال: لا، قلت ليحيى: سألته عنه؟ قال: نعم - فيما أعلم- فضعفه، قلت ليحيى: فطلاق السكران قول عامر من صحيح حديثه؟ قال: لا، قلت: سالته عنه؟ قال برأسه أى نعم، قلت: فلم يصححه؟ قال: لا، قلت: فقول عامر إذا فاته العبد؟ قال: أراه من حديثه. قلت: سالته عنه؟ قال: لا أدري إلا أني كنت رأيت في كتاب شعبة. قال: قلت ليحيى: فينتظر خفق النعال؟ فضعفه يحيى بن سعيد

(1)

.

قال العلائي: ذكر عند يحيى بن سعيد القطان قول الشعبي في الجراحات أخماس، فقال يحيى: كان معي فلم يصححه إسماعيل.

وذكر يحيى حديث إسماعيل بن أبي خالد عن عاجمر يعني الشعبي عن أيمن بن خريم وفيه شعر، فقال: قال لي إسماعيل: لم أسمع هذا الشعر من عامر.

وقال ابن المديني: قلت ليحيى -يعني القطان-: ما حملت عن إسماعيل عن

(1)

"مقدمة الجرح والتعديل"(1/ 237 - 239).

ص: 84

عامر فهي صحاح؟ قال: نعم، إلا أن فيها حديثين أخاف أن لا يكون سمعهما.

قلت ليحيى: ما هما؟ قال: قول عامر في رجل خير امرأته فلم تخير حتى تفرقا. والآخر قول علي (في رجل تزوج امرأة على أن يعتق أباها

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين، وزاد بن حجر: الثقة المشهور، من صغار التابعين، وصفه النسائي بالتدليس

(2)

.

قلت: تدليس إسماعيل بن اْبي خالد خاص بروايته عن الشعبي، فلا ينبغي التوقف في عنعنته عن غير الشعبي، والله أعلم.

‌12 - إسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي

قال العلائي: أبو إسرائيل الملائي واسمه إسماعيل بن خليفة متكلم فيه، وخرج الترمذي من طريقه عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال حديث" لا تثوبن في شيء من الصلوات إلا في صلاة الفجر" ثم قال الترمذي: لم يسمع أبو إسرائيل هذا الحديث من الحكم، يقال إنه رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم

(3)

. وذكره ابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين، وقال: ضعفوه وأشار الترمذي إلى أنه كان يدلس

(4)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": إسماعيل بن خليفة العبسي، أبو إسرائيل الملائي، صدوق سيء الحفظ، نسب إلى الغلو في التشيع.

قال الترمذي في جامعه (1/ 378 - 379)(ح 198): حدثنا أحمد بن منيع، حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا أبو إسرائيل، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تثوبن في شيء من

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 145 - 146).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، وطتعريف أهل التقديس" (صـ 99 - 100).

(3)

"جامع التحصيل"(صـ 112).

(4)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 171 - 172).

ص: 85

الصلوات إلا في صلاة الفجر".

قال أبو عيسى: حديث بلال لا نعرفه إلا من حديث أبي إسرائيل الملائي، وأبو إسرائيل لم يسمع هذا الحديث من الحكم بن عتيبة، إنما رواه عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة. وأبو إسرائيل اسمه "إسماعيل بن أبي إسحاق" وليس هو بذاك القوي عند أهل الحديث. اهـ

قلت: الحديث أخرجه أحمد (6/ 14) عن الحسن بن الربيع، عن أبي إسرائيل الملائي، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال.

وأخرجه أحمد (6/ 14) عن أبي أحمد الزبيري، وابن ماجه (715) عن ابن أبي شيبة عن أبي أحمد الزبيري، والترمذي (198) عن أحمد بن منيع عن اْبي أحمد الزبيري عن أبي إسرائيل الملائي عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بلال.

وصرح أبو إسرائيل بسماعه من الحكم عند أحمد.

ورواه البزار في مسنده (1373) عن أحمد بن إسحاق الأهوازي، عن إسماعيل بن أبان، عن أبي إسرائيل، عن الحكم، عن عبد الرحمن، عن بلال.

وأحمد بن إسحاق صدوق. وإسماعيل بن أبان هو الوراق وهو ثقة.

قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه عن الحكم إلا أبو إسرائيل.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 346): إسماعيل ابن أبي إسحاق أبو إسرائيل العبسي الملائي الكوفى مولى سعد بن حذيفة عن الحكم وعطية، ضعفه أبو الوليد، قال: سالته عن حديث ابن أبي ليلى عن بلال، أكان يروي عن الحكم في الأذان؟ فقال: سمعته من الحكم والحسن بن عمارة أو الحسن بن عمارة. (وانظر "الضعفاء الكبير" للعقيلي (1/ 75)).

وذكر الشيخ الألباني رحمه الله "إرواء الغليل"(1/ 253) كلام الترمذي، ثم قال: قلت: قد صرح أبو إسرائيل بالتحديث عن الحكم في رواية لأحمد، ولكن الظاهر أن أبا إسرائيل كان لا يقطع بذلك، فقد روى العقيلي عن البخاري

ص: 86

قال فيه: يضعفه اأبو الوليد قال: سألته عن حديث ابن أبي ليلى عن بلال وكان يرويه عن الحكم في الأذان؟ فقال: سمعته من الحكم أو الحسن بن عمارة.

فالأولى أن يقال في حديثه هذا أنه اضطراب فيه، فتارة قال: عن الحكم، وتارة حدثنا الحكم، وتارة حدثنا الحكم أو الحسن بن عمارة، فلا يصح الجزم بأنه لم يسمع الحديث من الحكم كما صنع الترمذي، بل يتوقف في ذلك لاضطرابه فيه، ولذلك قال فيه العقيلي: في حديثه وهم واضطراب. اهـ

ورواه عبد الرزاق في مصنفه (1824) ومن طريقه الطبراني في "الكبير"(1529) عن الحسن بن عمارة، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن بلال.

وأخرجه عبد الرزاق (1823) عن معمر، عن صاحب له، عن الحكم بن عتيبة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى مرسلًا.

وللحديث طرق أخرى راجعها في "الإرواء" للشيخ الألباني، وتخريج الشيخ شعيب لمسند أحمد.

قلت: والترمذي رحمه الله لم يصف أبي إسرائيل الملائي بالتدليس، وإنما وصفه بأنه لم يسمع هذا الحديث خاصة من الحكم، فإن صح كلام الترمذي فيكون أبو إسرائيل قد دلس هذا الحديث خاصة عن الحكم، ولم يصح كلام الترمذى كما تقدم.

فلا يصح وصف أبي إسرائيل بالتدليس، ولا ينبغي التوقف في عنعنته.

‌13 - إسماعيل بن عياش

ذكر الحافظ ابن حجر إسماعيل بن عياش في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: عالم اْهل الشام في عصره، مختلف في توثيقه، وحديثه عن الشاميين مقبول عند الأكثر، وأشار ابن معين ثم ابن حبان في "الثقات" إلى أنه كان يدلس

(1)

.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 131 - 132).

ص: 87

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": إسماعيل بن عياش صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم.

قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(9/ 49 - 55): أنبأنا أبو الحسين بن أبي الحديد، نا أبو عبد الله، أنا علي بن الحسن الربعي، نا أحمد بن عتبة، نا الهروي، قال: حدثني مضر بن محمد قال: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل ابن عياش فقال: إذا حدث عن الشاميين وذكر الخبر فحديثه مستقيم، وإذا حدث عن الحجازيين والعراقيين خلط ما شئت.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش، فقال: إذا حدث عن الشيوخ الثقات محمد بن زياد وشرحبيل بن مسلم.

قلت ليحيى: كتبت عن إسماعيل بن عياش؟ فقال: نعم سمعت منه شيئًا، وقد حدثنا عنه يحيى

(1)

.

قال أبو القاسم البغوي: حدثني أحمد بن زهير قال: سُئل يحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش فقال: ليس به بأس من أهل الشام، والعراقيون يكرهون حديثه

(2)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبؤ الفتح محمد بن عبد الله ين شهريار الأصبهاني، أخبرنا سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إسماعيل بن عياش ثقة فيما روى عن الشاميين، وأما روايته عن أهل الحجاز فإن كتابه ضاع فخلط في حفظه عنهم.

أخبرنا عبد الله بن يحيى السكري، أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي، حدثنا جعفر بن محمد الأزهر، حدثنا ابن الغلابي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: إسماعيل بن عياش ثقة في أهل الشام، وأما ما روى عن غيرهم ففيه شيء

(3)

.

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 9).

(2)

"الجعديات"(2/ 1181).

(3)

"تاريخ بغداد"(6/ 225 - 226).

ص: 88

قال ابن حبان: أنبانا إبراهيم بن عبد الواحد العنسي بدمشق، قال: سمعت مضر بن محمد الأسدي يقول: سألت يحيى بن معين عن إسماعيل بن عياش فقال: إذا حدث عن الشاميين عن صفون وجرير فحديثه صحيح، وإذا حدث عن العراقيين والمدنيين خلطه ما شئت.

أخبرنا محمد بن زياد الزيادي، ثنا ابن أبي شيبة، قال: سمعت يحيى بن معين وذكر عنده إسماعيل بن عياش فقال: كان ثقة فيما يروي عن أصحابه أهل الشام، وما روى عن غيرهم يخلط فيه.

قال أبو حاتم: كان إسماعيل بن عياش من الحفاظ المتقنين في حداثته، فلما كبر تغير حفظه، فما حفظ في صباه وحداثته أتى به على وجهه، وما حفظ على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه وأدخل الإسناد في الإسناد وألزق المتن بالمتن وهو لا يعلم، ومن كان هذا نعته حتى صار الخطأ في حديثه يكثر، خرج عن الاحتجاج به فيما لم يخلط فيه

(1)

.

قلت: ولم أقف على ترجمة لإسماعيل بن عياش في "الثقات" لابن حبان، وكلام ابن حبان. في "المجروحين" لا يفيد وصف إسماعيل بن عياش بالتدليس.

وأما ما نقله ابن عساكر من طريق مضر بن محمد الأزدي عن ابن معين فإنه مخالف لنقولات باقى أصحابه، وقد روى ابن حبان رواية مضر بن محمد عن ابن معين، وليس فيها قوله:"إذا ذكر الخبر"، فلعل هذه الزيادة التى عند ابن عساكر وهم من أحد الرواة.

والذى يترجح عندي أنه لا يصح وصتمف إسماعيل بن عياش بالتدليس، ولا ينبغي التوقف في عنعنته عن شيوخه، ولكن نقبل حديثه إذا كان عن الشاميين، ونتوقف في حديثه عن الحجازيين والعراقيين والله أعلم.

(1)

"المجروحين"(1/ 124 - 125).

ص: 89

‌14 - أشعث بن عبد الملك الحمراني

قال ابن عدي: حدثنا خالد بن النضر القرشي، حدثنا عمرو بن علي، قال: سمعت معاذ بن معاذ يقول: سمعت الأشعث يقول: كل شيء حدثتكم عن الحسن فقد سمعت منه إلا ثلاثة أحاديث.

حديث زياد الأعلم عن الحسن، عن أبي بكرة، أنه ركع قبل أن يصل إلى الصف.

وحديث عثمان البتي، عن الحسن، عن علي في الخلاص.

وحديث حمزة الضبي عن الحسن أن رجلًا قال: يا رسول الله متى يحرم علينا الميتة؟ قال: "إذا رويت من اللبن وجاءت ميرة أهلك".

قال معاذ: فحدثت به وهيب بن خالد فقال: لو كنت سمعت هذا عنك ما تركت عنده شيئًا

(1)

.

قال البخاري: قال لي علي، حديث معاذ، عن أشعث: كل شيء حدثتك سمعته من الحسن إلا أربعة أحاديث.

حدثنا حمزة الضبي، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم بما يحل في الضرورة من الأكل.

وحديث عثمان البتي، عن الحسن، عن علي في الخلاص.

وحديث زياد الأعلم، عن الحسن، أن أبا بكرة ركع دون الصف.

ويونس، عن الحسن، قال علي: شيء ذكره

(2)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: قال معاذ: سمعته يقول: كل شيء حدثكم عن الحسن سمعته منه إلا ثلاثة أحاديث، حديث الذي

(1)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(1/ 369). وخالد بن النضر القرشي وثقه الدارقطني كما في "سؤالات حمزة السهمي"(صـ 213).

(2)

"التاريخ الكبير"(1/ 431).

ص: 90

ركع دون الصف، وحديث عدة الحائض، وحديث علي في الخلاص

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": أشعث بن عبد الملك الحمراني ثقة فقيه.

قلت: قد ثبت أن أشعث بن عبد الملك لم يسمع من الحسن ثلاثة أحاديث أو أربع، وباقي أحاديثه عن الحسن سمعها منه، فالتدليس الموصوف به أشعث خاص بروايته عن الحسن، فلا ينبغي التوقف في غير عنعنته عن الحسن، ولا ينبغي أيضًا التوقف في عنعنته عن الحسن في غير الأحاديث التى ثبت أنه لم يسمعها من الحسن.

‌15 - أيوب بن أبي تميمة السختياني

ذكر الحافظ ابن حجر أيوب بن أبي تميمة السختياني في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: أحد الأئمة، متفق على الاحتجاج به، رأى أنسًا ولم يسمع منه، فحدث عنه بعده أحاديث بالعنعنة، أخرجها عنه الدارقطني والحاكم في كتابيهما

(2)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة حجة من كبار الفقهاء العباد.

قلت: لم يصف أحدًا من العلماء المتقدمين أيوب السختيانى بالتدليس، إنما وصفوه بأنه يرسل عن أنس.

قال أحمد وأبو حاتم: أيوب رأى أنس بن مالك، ولم يسمع منه. ("العلل ومعرفة الرجال" رواية المروذي وغيره (صـ 41)، و"مراسيل ابن أبي حاتم"(39)).

وقال ابن رجب في "فتح الباري"(5/ 210)(ح 837): روى جرير بن

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 100).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 77 - 78).

ص: 91

حازم، عن أيوب، عن أنس، أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يسلمون تسليمة واحدة.

قال الأثرم: هذا حديث مرسل، وهو منكر، وسمعت أبا عبد الله يقول: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب.

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(5/ 111): لم يسمع أيوب السختياني من أنس ولا رآه.

وقال ابن حبان: قد قيل إن أيوب سمع من أنس، ولا يصح ذلك عندي.

("الثقات" (6/ 53)، و"مشاهير علماء الأمصار"(صـ 237)).

وقد وضع الحافظ ابن حجر أيوب السختياني في المرتبة الأولى من المدلسين، لأنه روى عن أنس أحاديث بالعنعنة وهو لم يسمع منه، بل رآه فقط. وهذا ليس بتدليس عند الحافظ ابن حجر، إنما هو إرسال خفي. وقد فزق الحافظ ابن حجر بين التدليس والإرسال الخفي، فاشترط في التدليس أن يكون المدلس سمع من شيخه الذى يدلس عنه. أما إذا لم يسمع من شيخه، وروى عنه بصيغة موهمة لا تبين عدم سماعه منه كالعنعنة، فغنه يطلق على هذا النوع اسم "الإرسال الخفي"، كما تقدم في مقدمة هذا الكتاب عند الكلام عن تدليس الإسناد.

لكن الحافظ ابن حجر وصف عددًا من الرواة بالتدليس، مع أنهم لم يسمعوا ممن يدلسوا عنهم، إنما يرسلون عنهم، كأحمد بن عبد الجبار العطاردي، والحسن بن ذكوان، وعثمان بن عاصم، وعثمان بن عمير، وعطاء بن أبي مسلم الخراساني، وعقبة بن عبد الله الأصم، والمطلب ين عبد الله بن حنطب. فلعل الحافظ كان يرى أولًا أن التدليس قد يُطلق على الإرسال الخفي، كما يُطلقه كثير من العلماء المتقدمين، ثم رجع عن هذا القول في كتابه "النكت على كتاب ابن الصلاح"، وكتابه" نزهة النظرشرح نخبة الفكر".

ص: 92

‌16 - أيوب بن النجار اليمامي

ذكر الحافظ ابن حجر أيوب بن النجار في المرتبة الأولى من المدلسين، وقال: صح أنه قال: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثًا واحدًا، وقد روى عنه أكثر من حديث

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": "أيوب بن النجار بن زياد الحنفي، أبو إسماعيل، قاضي اليمامة، ثقة مدلس.

روى البيهقي في سننه (1/ 44) حديثًا من طريق أيوب بن النجار، عن يحيى ابن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما توضأ من لم يذكر اسم الله عليه"، ثم قال: وهذا الحديث لا يعرف من حديث يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة إلا من هذا الوجه، وكان أيوب بن النجار يقول: لم أسمع من يحيى بن أبي كثير إلا حديثًا واحدًا وهو حديث: "التقى آدم وموسى" ذكره يحيى بن معين فيما رواه عنه ابن أبي مريم، فكان حديثه هذا منقطعًا، والله أعلم.

وقال المزي في "تهذيب الكمال": قال أحمد بن سعد ابن أبي مريم عن يحيى بن معين: أيوب بن النجار ثقة صدوق، وكان يقول: لم أسمع من يحيى ابن أبي كثير إلا حديثًا واحدًا. اهـ

قلت: حديث "التقى آدم وموسى" الذى سمعه أيوب بن النجار من يحيى بن أبي كثير أخرجه أحمد (2/ 287)، والبخاري (4838)، ومسلم (2652)(15).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: قلت لأيوب بن النجار أبي إسماعيل اليمامي في حديث: سمعته من يحيى بن أبي كثير؟ قال: كنا في زمان يحيى.

قال أبي: فعجبت من ورعه. ("العلل ومعرفة الرجال" (3/ 305)).

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 78).

ص: 93

‌حرف الباء

‌17 - باذام أبو صالح مولى أم هانئ

قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب": باذام أبو صالح ضعيف مدلس.

قلت: لم أر أحدًا من المتقدمين وصف باذام بالتدليس، ولم ينقل الحافظ في كتابه "تهذيب التهذيب" أن أحدًا من العلماء وصف باذام بالتدليس، وكتاب "التقريب" هو ملخص لأقوال العلماء التى وردت في كتاب "تهذيب التهذيب" ولعل الحافظ يعني بالتدليس هنا الإرسال، فقد ثبت أنه يحدث عن ابن عباس ولم يسمع منه.

قال ابن رجب في "فتح الباري"(2/ 402)(باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية): قال مسلم في كتاب التفصيل: أبو صالح باذام لا يثبت له سماع من ابن عباس.

وقال ابن حبان في "المجروحين"(1/ 185): باذام أبو صالح مولى أم هانئ يحدث عن ابن عباس ولم يسمع منه.

وانظر ترجمة "أيوب بن أبي تميمة السختياني" من هذا الكتاب.

‌18 - بشير بن زاذان

ذكر الحافظ ابن حجر بشير بن زاذان في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: روى عن رشدين بن سعد وغيره، روى عنه قاسم بن عبد الله السراج، ضعفه الدارقطني، ووصفه ابن الجوزي بالتدليس عن الضعفاء

(1)

.

قال الذهبي في "ميزان الاعتدال"(1/ 328): بشير بن زاذان ضعفه الدارقطني وغيره، واتهمه ابن الجوزي، وقال ابن معين: ليس بشيء.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 172).

ص: 94

له عن رشدين بن سعد، عن الحسن بن ثوبان، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا:"لأن يوسع أحدكم لأخيه خير له من أن يعتق رقبة". رواه عنه قاسم بن عبد الله السراج، وهذا سند مظلم.

وقال ابن عدي: حدثنا أحمد بن حفص، ثنا محمد بن يحيى بن الضريس، ثنا محمد بن خباب المصيصي، عن بشير بن زاذان، حدثني علي بن عبد الله القرشي، عن شرحبيل بن عبد الحميد، عن نافع، عن ابن عمر رضى الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن في الجنة غرفًا يرى باطنها من ظاهرها

" الحديث. انتهى

وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(2/ 225): قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: صالح الحديث. وقال يحيى بن معين: ليس بشيء. وذكره الساجي وابن الجارود والعقيلي في الضعفاء. وقال ابن عدي: أحاديثه ليس لها نور، وهو ضعيف، غير ثقة، يحدث عن جماعة ضعفاء، وهو بين الضعف.

وقال العقيلي: روى عن عمر بن صبح، عن ركن، عن شداد بن أوس، رفعه:"أبو بكر أوزن أمتي، وعمر خير أمتي، وعثمان أحكم أمتي" إلى أن قال: ومعاوية أحلم أمتي. ولا يتابع على هذا، ولا يعرف إلا به.

ولما ذكر ابن الجوزي حديثًا في فضل الصحابة قال: هو المتهم به عندي، فإما أن يكون من فعله أو من تدليسه عن الضعفاء.

وقا ابن حبان: غلب الوهم على حديثه حتى بطل الاحتجاج به.

وذكر الطوسي رجال الشيعة بشير بن زاذان الجزري، وقال: كان ثقة روى عن الصادق، فما أدري هو هذا أم غيره.

وذكره مسلمة في الصلة: يروي عن رجل، عن جعفر بن برقان، لم يزد. اهـ قلت: بشير بن زاذان قد ضعفه الأئمة المتقدمون، ولم يصف أحدًا منهم بشير بالتدليس، وذكر ابن الجوزي له حديثًا في فضل الصحابة وقال: هو المتهم به عندي، فإما أن يكون من فعله أو من تدليسه عن الضعفاء، فابن الجوزي استنكر

ص: 95

هذا الحديث، فقال: إذا لم تكن النكارة من بشير بن زاذان، فلعله أخذه من ضعيف وأسقطه، ولكن الأصل أن الحديث منكر، سواء كانت النكارة من بشير أو من شيخه الذى أسقطه.

قلت: إن سلمنا لابن الجوزي هذا الكلام فيكون بشير بن زاذان إن لم يخطئ في هذا الحديث ودلسه عن ضعيف فيقال إنه دلس هذا الحديث فقط.

ولكن الذى يظهر لي أن النكارة في هذا الحديث من بشير بن زاذان، لأنه ضعيف، فوضع بشير بن زاذان في المدلسين فيه نظر عندي والله أعلم.

‌19 - بشير بن المهاجر

ذكر الحافظ ابن حجر بشير بن المهاجر الغنوي في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: كوفي من صغار التابعين، قال ابن حبان في "الثقات": كان يدلس

(1)

.

وقال الحافظ في تقريب "التهذيب": بشير بن المهاجر الكوفي الغنوي، صدوق لين الحديث رمي بالإرجاء.

قال ابن حبان في "الثقات"(6/ 98): بشير بن المهاجر الغنوي، من أهل الكوفة، يروي عن عبد الله بن بريدة، وقد روى عن أذس ولم يره، دلس عنه، روى عنه ابن نمير وخلاد بن يحيى، يخطئ كثيرًا.

وقول ابن حبان "دلس عنه" بمعنى أرسل عنه، بدليل قوله روى عن أنس ولم يره. وابن حبان يطلق التدليس كثيرًا على الإرسال.

قال ابن حبان في "الثقات"(7/ 291): علقمة بن أبي علقمة من أهل المدينة، يروى عن أمه عن عائشة، والأعرج عن ابن بجينة، وكان نحويًا يتعاطى الأدب، روى عنه مالك بن أذس، وقد روى عن أذس بن مالك أحرفًا فلست أدري أدلسها عنه أم سمعها منه، مات في آخر ولاية أبي جعفر.

وقال في "الثقات"(7/ 591): يحيى بن أبي كثير كان يدلس، فكلما روى

(1)

"تعريف أهل التدليس"(ص 101).

ص: 96

عن أنس فقد دلس عنه، لم يسمع من أنس ولا من صحابي شيئًا.

وقال في "المجروحين"(صـ 80): النوع الثامن عشر من أنواع جرح الضعفاء: المدلس عمن لم يره كالحجاج بن أرطأة وذويه، كانوا يحدثون عمن لم يروه، ويدلسون حتى لا يعلم ذلك منهم.

سمعت محمد بن عمر بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: الحجاج بن أرطأة لم يسمع من الزهري ولم يره.

وقال في "مشاهير علماء الأمصار"(صـ 113): سويد بن عامر بن يزيد بن جارية الأنصاري، أبو عاصم، من صالحي أهل المدينة، وقد وهم من زهم أن له صحبة، تلك كلها أخبار مدلسة.

وقال في (صـ 230): عبد العزيز بن جريج والد عبد الملك بن عبد العزيز، ليس له عن صحابي سماع، كل ما روى عن عائشة مدلس، لم يسمع منها شيئًا.

وقال في (صـ 258): إسماعيل بن أوسط البجلي، والي الكوفة، لا يصح له صحبة لصحابي، تلك كلها أخبارمدلسة لا أعتمد على شيء منها.

وقال في (صـ 258 - 259): عبد الجبار بن وائل بن حجر مات أبوه وأمه حامل به، كل ما روى عن أبيه مدلس، وإن كان لا يصغر عن صحبة الصحابة.

وقال في (صـ 284): سليمان بن موسى الأسدي أبو أيوب قد قيل إنه سمع جابرًا، وليس ذلك بشيء، تلك كلها أخبار مدلسة.

وقال في (صـ 304): يحيى بن أبي كثير اليمامي أبو نصر لا يصح له عن أنس بن مالك ولا غيره من الصحابة سماع، وتلك كلها أخبار مدلسة.

وقال في (صـ 305): عطاء بن يعقوب الكيخاراني سمع من التابعين أم الدرداء وذويها وكان ثبتًا، روايته عن الصحابة كلها مدلسة.

قلت: وقول ابن حبان: "بشير بن المهاجر قد روى عن أنس ولم يره" فيه نظر، فقد قال البخاري وأبو حاتم: أنه رأى أنسًا. "التاريخ الكبير"(2/ 101)، و"الجرح والتعديل"(2/ 378).

ص: 97

‌20 - بقية بن الوليد

ملخص كلام العلماء في بقية بن الوليد أنه يحتج بحديثه إذا صرح بالسماع من شيخه وكان شيخه ثقة معروفًا، ولا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالسماع من شيخه سواء كان شيخه ثقة معروفًا أو كان ضعيفًا أو مجهولًا، ولا يحتج أيضًا بحديثه إذا كان عن الضعفاء والمجهولين.

وكان بقية بن الوليد يكنى شيوخه الضعفاء المعروفين بأسمائهم، ويسمي شيوخه الضعفاء المعروفين بكناهم كي لا يفطن المستمع أن الحديث الذى يرويه هو عن رجل ضعيف.

وكان بقية يدلس عن الضعفاء، ويدلس أيضًا عن المتروكين والكذابين.

وكان بقية يدلس تدليس التسوية.

وكان لبقية تلاميذ لا يعلمون أنه مدلس، فكانوا لا يفرقون بين قوله عن وحدثنا فكانوا يروون عنه أحاديث دلسها بقية، ويذكرون فيها سماع بقية من شيخه.

وكان بقية يروي عن الزبيدي فيوهم أنه محمد بن الوليد الزبيدي، وإنما هو راوٍ آخر ضعيف.

وإليك أقوال العلماء بالتفصيل في تدليس بقية بن الوليد:

قال ابن أبي حاتم: نا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلى، قال: سُئل أبي عن بقية وإسماعيل بن عياش فقال: بقية أحب إلي، فإذا حدّث عن قوم ليسوا بمعروفين فلا - يعنى لا تقبلوه.

نا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلى قال: سُئل يحيى بن معين عن بقية بن الوليد قال: إذا حدث عن الثقات مثل صفوان بن عمرو وغيره، فأما إذا حدث عن أولئك المجهولين فلا، وإذا كنى ولم يسم اسم الرجل فليس يساوي شيئًا.

سمعت أبا زرعة يقول: بقية أحب إلي من إسماعيل بن عياش، ما لبقية من عيب إلا كثرة روايته عن المجهولين، فأما الصدق فلا يؤتى من الصدق، وإذا

ص: 98

حدث عن الثقات فهو ثقة.

حدثني أبي، نا معاوية بن صالح بن أبي عبيد الله، قال: قال أبو مسهر: بقية أحاديثه ليست نقية فكن منها على تقية

(1)

.

قال مسلم بن الحجاج: حدثني ابن قهزاد قال: سمعت وهبًا يقول عن سفيان عن ابن المبارك قال: بقية صدوق اللسان ولكنه يأخذ عمن أقبل وأدبر.

حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، أخبرنا زكريا بن عدي قال: قال لي أبو إسحاق الفزاري: اكتب عن بقية ما روى عن المعروفين، ولا تكتب عنه ما روى عن غير المعروفين.

حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، قال: سمعت بعض أصحاب عبد الله قال: قال ابن المبارك: نعم الرجل بقية لولا أنه كان يكنى الأسامى ويسمى الكنى، كان دهرًا يحدثنا عن أبي سعيد الوحاظي فإذا هو عبد القدوس

(2)

.

قال يعقوب بن سفيان: بقية يقارب إسماعيل والوليد، فإنه كان مثل الوليد في حديث الشاميين، وهو ثقة، إذا حدث عن ثقة فحديثه يقوم مقام الحجة.

يذكر بحفظ إلا أنه يشتهي الملح والطرائف من الحديث، ويروي عن شيوخ فيهم ضعف، وكان يشتهي الحديث فيكنى الضعيف المعروف بالاسم، ويسمى المعروف بالكنية باسمه.

وسمعت إسحاق بن إبراهيم بن راهويه قال: قال ابن المبارك: أعياني بقية كان يكنى الأسامي ويسمى الكنى، قال: حدثني أبو سعيد الوحاظي، إنما هو عبد القدوس.

(1)

"الجرح والتعديل"(2/ 435).

(2)

"مقدمة صحيح مسلم"(ص 86، 100، 101). وابن قهزاد هو محمد بن

عبد الله بن قهزاد، ثقة كما في "التقريب". ووهب هو ابن زمعة المروزي ثقة.

وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي هو الإمام الكبير صاحب سنن الدارمي. وزكريا ابن عدي ثقة.

ص: 99

وقد قال أهل العلم: بقية إذا لم يسم الذى يروي عنه وكناه فلا يسوى حديثه شيئًا

(1)

.

قال الجوزجاني: سألت أبا مسهر عن إسماعيل بن عياش وبقية فقال: كل كان يأخذ عن غير ثقة، فإذا أخذت حديثه عن الثقات فهو ثقة.

أما أبو يحمد فرحمه الله وغفر له ما كان يبالي إذا وجد خرافة عمن يأخذه، فأما حديثه عن الثقات فلا بأس به

(2)

.

قال العجلي: بقية بن الوليد ثقة ما روى عن المعروفين، وما روى عن المجهولين فليس بشيء

(3)

.

قال مغلطاي: قال أبو أحمد الحاكم: بقية ثقة في حديثه إذا حدث عن الثقات بما يعرف، ولكنه ربما روى عن أقوام مثل الأوزاعي والزبيدي وعبيد الله العمري أحاديث شبيهة بالموضوعة أخذها عن محمد بن عبد الرحمن ويوسف بن الصفر وغيرهما من الضعفاء فيسقطهم من الوسط ويروي عمن حدثوه بها عنهم.

وفى كتاب "الجرح والتعديل" عن الدارقطني: بقية يروي عن قوم متروكين.

وقال أبو محمد بن الجارود: إذا لم يسم بقية الرجل الذى روى عنه وكناه فاعلم أنه لا يساوي شيئًا

(4)

.

قال الدارقطني: بقية بن الوليد يروى عن قوم متروكين مثل مجاشع بن عمرو وعبد الله بن يحيى ولا أعرفه، ولا أعلم له راويًا غير بقية

(5)

.

(1)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 424).

(2)

"أحوال الرجال"(صـ 173 - 175). وأبو يحمد هو بقية بن الوليد.

(3)

"الثقات"(صـ 83).

(4)

"إكمال تهذيب الكمال"(3/ 7 - 9).

(5)

"سؤالات السلمي" للدارقطني (صـ 72)، و"الضعفاء والمتروكين" للدارقطني (صـ 265).

ص: 100

وقال الدارقطني أيضًا: أخرج البخاري عن بقية بن الوليد وبهز بن حكيم إعتبارًا لأن بقية يحدث عن الضعفاء، وبهز متوسط

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المصفى، عن بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء، قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أمشي أمام أبي بكر، فقال: لم تمشي أمام من هو خير منك؟ إن أبا بكر خير من طلعت عليه الشمس أو غربت.

قال أبي: هذا حديث موضوع، سمع بقية هذا الحديث من هشام الرازي عن محمد بن الفضل عن ابن جريج، فترك الاثنين من الوسط.

قال أبي: محمد بن الفضل بن عطية متروك الحديث

(2)

.

قال ابن حبان: سمعت ابن خزيمة يقول: سمعت أحمد بن الحسن الترمذي يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: توهمت أن بقية لا يحدث بالمناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير فعلمت من أين أتى.

قال أبو حاتم: لم يسبه أبو عبد الله رحمه الله، وإنما نظر إلى أحاديث موضوعة رويت عنه عن أقوام ثقات فأنكرها، ولعمرى إنه لموضع الإنكار، وفي دون هذا ما يسقط عدالة الإنسان فى الحديث، ولقد دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه فرأيته ثقة مأمونًا، ولكنه كان مدلسًا، سمع من عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك مثل المجاشع بن عمرو والسري بن عبد الحميد وعمر بن موسى المتيمي وأشباههم وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول:

(1)

"سؤالات السلمي" للدارقطني (صـ 70).

(2)

"علل ابن أبي حاتم"(2/ 384).

ص: 101

قال عبيد الله بن عمر عن نافع، وقال مالك عن نافع -كذا- فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وبقية عن مالك وأسقط الواهي بينهما فالتزق الموضوع ببقية وتخلص الواضع من الوسط، وإنما امتحن بقية بتلاميذ له كانوا يسقطون الضعفاء من حديثه ويسوونه فالتزق ذلك كله به.

وقد روى بقية عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من أدمن على حاجبيه بالمشط عوفي من البلاء" ثناه سليمان بن محمد الخزاعي بدمشق، ثنا هشام بن خالد الأزرق، ثنا بقية، عن ابن جريج فى نسخة كتبناها بهذا الإسناد كلها موضوعة يشبه أن يكون بقية سمعها من إنسان ضعيف عن ابن جريج فدلس عليه فالتزق كل ذلك به.

ومنها عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى".

وبإسناده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تربوا الكتاب وسجوه من أسفله فإنه أنجح للحاجة".

وبإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أصيب بمصيبة من سقم أو ذهاب ماله فاحتسب ولم يشكها إلى الناس كان حقًا على الله عز وجل أن يغفر له".

حدثنا بهذه الأحاديث كلها محمد بن الحسن بن قتيبة، ثنا هشام بن خالد الأزرق، عن بقية، عن ابن جريج، عن عطاء كلها موضوعة

(1)

.

قال الحاكم: قد روى جماعة من الأئمة عن قوم من المجهولين، فمنهم سفيان الثوري روى عن أبي همام السكونى وأبي مسكين وأبي خالد الطائي وغيرهم من المجهولين ممن لم يقف على أساميهم غير أبي همام فإنه الوليد بن قيس إن شاء الله، وكذلك شعبة بن الحجاج حدث عن جماعة من المجهولين.

فأما بقية بن الوليد فحدث عن خلق من خلق الله لا يوقف على أنسابهم ولا

(1)

"المجروحين"(1/ 200).

ص: 102

عدالتهم.

وقال أحمد بن حنبل: إذا حدث بقية عن المشهورين فروايته مقبولة، وإذا حدث عن المجهولين فغير مقبولة

(1)

.

قال الخطيب البغدادي: قدم بقية بن الوليد بغداد وحدث بها، وفى حديثه مناكير، إلا أن أكثرها عن المجاهيل، وكان صدوقًا.

أخبرنا أبو بكر البرقاني وأبو القاسم الأزهري قال: أخبرنا عبد الرحمن بن عمر الخلال، حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة، حدثني جدي قال: بقية بن الوليد صدوق ثقة، ويتقى حديثه عن مشيخته الذين لا يعرفون، وله أحاديث مناكير جدًا.

حدثني على الصوري، حدثنا عبد الغني بن سعيد الحافظ، أخبرنا الوليد بن القاسم قال: سمعت أبا عبد الرحمن النسائي وسُئل عن بقية بن الوليد فقال: إذا قال حدثني وحدثنا فلا بأس.

أخبرني محمد بن علي المقرئ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن محمد النيسابوري، قال: سمعت أبا على الحسن بن على الحافظ يقول: سألت أبا عبد الرحمن النسائي -وكان من أئمة المسلمين- قلت: ما تقول فى بقية؟ قال: إن قال أخبرنا أو حدثنا فهو ثقة، وإن قال عن فلان فلا يؤخذ عنه، لا يدر عمن أخذه

(2)

.

قال المزي: قال يعقوب بن شيبة السدوسي عن أحمد بن العباس: سمعت يحيى بن معين يقول: بقية يحدث عمن هو أصغر منه، وعنده ألفا حديث عن شعبة، أحاديث صحاح، كان يذاكر شعبة بالفقه.

قال يحيى: ولقد قال لي نعيم: كان بقية يضن بحديثه عن الثقات، قال:

(1)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 106).

(2)

"تاريخ بغداد"(7/ - 123 - 126).

ص: 103

طلبت منه كتاب صفوان، قال: كتاب صفوان -أى كأنه- قال يحيى بن معين: كان يحدث عن الضعفاء بمائة حديث قبل أن يحدث عن الثقات.

قال يعقوب: بقية بن الوليد هو ثقة حسن الحديث إذا حدث عن المعروفين، ويحدث عن قوم متروكي الحديث وعن الضعفاء، ويحيد عن أسمائهم إلى كناهم وعن كناهم إلى أسمائهم، ويحدث عمن هو أصغر منه، وحدث عن سويد بن سعيد الحدثاني

(1)

.

وقال ابن خزيمة: لا أحتج ببقية. حدثني أحمد بن الحسن الترمذي، سمعت أحمد بن حنبل يقول: توهمت أن بقية لا يحدث المناكير إلا عن المجاهيل، فإذا هو يحدث المناكير عن المشاهير فعلمت من أين أتى.

قلت: أتى من التدليس.

وقال العقيلي: صدوق اللهجة إلا أنه يأخذ عمن أقبل وأدبر فليس بشيء.

وقال ابن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي روى عن هشام بن خالد الأزرق، حدثنا بقية ابن الوليد قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى".

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصيب بمصيبة من سقم أو ذهاب مال فاحتسب ولم يشك إلى الناس كان حقًا على الله أن يغفر له".

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تأكلوا بهاتين الإبهام والمشيرة ولكن كلوا بثلاث فإنها سنة، ولا تأكلوا بخمس فإنها أكلة الأعراب".

(1)

"تهذيب الكمال"(4/ 197).

(2)

"تهذيب التهذيب".

ص: 104

قال أبي: هذه الثلاثة أحاديث موضوعة لا أصل لها، وكان بقية يدلس فظن هؤلاء أنه يقول فى كل حديث حدثنا ولم يتفقدوا الخبر منه

(1)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: سُئل أبو زرعة عن حديث رواه أبو التقى قال: حدثني بقية، قال: حدثني عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تبدأوا بالكلام قبل السلام، فمن بدأ بالكلام قبل السلام فلا تجيبوه".

قال أبو زرعة: هذا حديث ليس له أصل، لم يسمع بقية هذا الحديث من عبد العزيز، إنما هو عن أهل حمص، وأهل حمص لا يميزون هذا

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: سألت أبي عن حديث رواه أبو تقى هشام بن عبد الملك، عن بقية قال: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أطيب الكسب كسب التجار الذين إذا حدثوا لم يكذبوا، وإذا ائتمنوا لم يخونوا، وإذا وعدوا لم يُخلفوا، واذا اشتروا لم يذموا، واذا باعوا لم يطروا، وإذا كان عليهم لم يمطلوا، وإذا كان لهم لم يعسروا".

قال أبي: هذا حديث باطل، ولم يضبط أبو تقى عن بقية، وكان بقية لا يذكر الخبر فى مثل هذا

(3)

.

قال ابن عدي: ثنا ابن قتيبة، ثنا هشام بن خالد، ثنا بقية، حدثني ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تربوا الكتاب وأسموه من أسفله، فإنه أنجح للحاجة".

وبإسناده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى

(1)

"علل ابن أبي حاتم"(2/ 295).

(2)

"علل ابن أبي حاتم"(2/ 331).

(3)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 385).

ص: 105

فرجها فإن ذلك يورث العمى".

ثناه بهذا الإسناد ثلاثة أحاديث أخر مناكير، وهذه الأحاديث يشبه أن يكون بين بقية وابن جريج بعض المجهولين اْو بعض الضعفاء، لأن بقية كثيرًا ما يدخل بين نفسه وبين ابن جريج بعض المجهولين إلا أن هشام بن خالد قال عن بقية حدثني ابن جريج

(1)

.

وقال ابن عدي أيضًا: ثنا أحمد بن عمير بن يوسف، ثنا أبو أمية محمد بن إبراهيم، ثنا سليمان بن عبيد الله الرقي الأنصاري، ثنا بقية، ثنا محمد بن زياد الإلهاني، عن أبي أمامة اْن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم لأصحابه: "ألا أحدثكم عن الخضر، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: بينما هو يمشي ذات يوم فى سوق من أسواق بني إسرائيل وذكره بطوله.

قال لنا ابن عمير: سألت ابن عون عن هذا الحديث فقال: حديث موضوع منكر لا أصل له فى حديث محمد بن زياد، ومحمد ثقة حسن الحديث، حدث عنه الأجلاء خالد بن معدان وجرير.

وسألت أبي زرعة عن هذا الحديث فقال: حديث منكر ومحمد بن زياد معروف لا يشبه حديثه.

قال ابن عدي: هذا الحديث لا أعلم رواه عن بقية غير سليمان بن عبيد الله الرقي، وقد ادعاه عبد الوهاب بن الضحاك فرواه عن بقية، وعبد الوهاب لا اعتماد عليه

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه محمد بن المصفى، عن بقية، عن صفوان بن عمرو، عن سلمة القيسي، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ليبشر المدلجون فى الظلم إلى المساجد بمنابر من نور يوم القيامة

(1)

"الكامل فى ضعفاء الرجال"(2/ 75).

(2)

"الكامل فى ضعفاء الرجال"(2/ 75).

ص: 106

يفزع الناس ولا يفزعون".

فسمعت أبي يقول: إنما هو سلمة عمن حدثه عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبعضهم يقول: عن رجال من أهل بيته عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: سمعت أبي وذكر الحديث الذى رواه إسحاق بن راهويه عن بقية قال: حدثني أبو وهب الأسدي قال: حدثنا نافع عن ابن عمر قال: لا تحمدوا إسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة رأيه.

قال أبي: هذا الحديث له علة قل من يفهمهما. روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعبيد الله بن عمرو كنيته أبو وهب وهو أسدي. فكان بقية بن الوليد كنى عبيد الله ابن عمرو ونسبه إلى بني أسد لكيلا يفطن به حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة من الوسط لا يهتدي له، وكان بقية من أفعل الناس لهذا.

وأما ما قال إسحاق فى روايته عن بقية عن أبي وهب حدثنا نافع وهو وهم غير أن وجهه عندى أن إسحاق لعله حفظ عن بقية هذا الحديث ولم يفطن لما عمل بقية من تركه إسحاق من الوسط وتكنيته عبيد الله بن عمرو، فلم يتفقد لفظة بقية فى قوله حدثنا نافع أو عن نافع

(2)

.

قال الخطيب البغدادي: وقول أبي حاتم كله فى هذا الحديث صحيح، وقد روى الحديث عن بقية كما شرح قبل أن يغيره ويدلسه لإسحاق.

أخبرنا أبو بكر البرقاني، قال: أنا الحسين بن علي التميمي، قال: ثنا محمد ابن المسيب أبو عبد الله، قال: ثنا موسى بن سليمان، قال: ثنا بقية، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة، عن نافع، عن ابن عمر

(1)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 189).

(2)

"علل ابن أبي حاتم"(2/ 154).

ص: 107

قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تعجبوا لإسلام امرئ حتى تعرفوا عقدة عقله"

(1)

.

قال النسائي: أخبرني عمر بن عثمان، قال: حدثنا بقية، قال: حدثني نافع ابن يزيد، قال: حدثني حيوة بن شريح، عن عياش بن عباس، عن جنادة بن أبي أمية، قال: سمعت بسر بن أرطأة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تُقطع الأيدي في السفر".

قال أبو عبد الرحمن: ليس هذا الحديث مما يُحتج به

(2)

.

(3)

.

قال ابن حبان: الجنس السادس من أحاديث الثقات التى لا يجوز الاحتجاج بها: أقوام من المتأخرين قد ظهروا يسوقون الأخبار، فإذا كان بين الثقتين ضعيف

(1)

"الكفاية"(صـ 519 - 520).

(2)

"السنن الكبرى"(7/ 42)(ح 7430).

(3)

وأخرج هذا الحديث أحمد (4/ 181) عن عتاب بن زياد، عن عبد الله بن المبارك، عن أبي شجاع سعيد بن يزيد الإسكندراني، عن عياش بن عباس، عن شييم بن بيتان، عن جنادة بن أبي أمية، عن بسر بن أرطأة بنحوه.

وتابع حيوة بن شريح سعيد بن يزيد كما عند أبي داود في "سننه"(4408)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(860)، وابن قانع في "معجم الصحابةْ"، وابن عدي في "الكامل"(2/ 6).

وتابعهما ابن لهيعة من رواية حسن بن موسى وبشر بن عمر وقتيبة بن سعيد وأسد بن موسى والنضر بن عبد الجبار كما عند أحمد (4/ 181)، والدارمي (2492)، والترمذي (1450)، والطبراني في "الكبير"(1195)، وابن عبد الحكم في "فتوح مصر"(صـ 260).

وقد بان بذلك أن بقية دلس في هذا الحديث تدليس التسوية، بإسقاط شييم بن بيتان من بين عياش بن عباس وجنادة بن أبي أمية.

وبسر بن أرطأة مُختلف في صحبته، انظر:"تهذيب التهذيب"، و "السنن الكبرى" للبيهقي (9/ 104 - 105).

ص: 108

واحتمل أن يكون الثقات رأى أحدهما الآخر اسقطوا الضعيف من بينهما حتى يتصل الخبر، فإذا سمع المستمع خبر أسأم رواته ثقات اعتمد عليه وتوهم أنه صحيح، كبقية بن الوليد قد رأى عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسمع منهم، ثم سمع من أقوام ضعفاء عنهم فيروي الرواة عنه أخباره ويسقطون الضعفاء من بينهم، حتى يتصل الخبر في جماعة مثل هؤلاء يكثر عددهم.

سمعت ابن جوصا يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: كان صفوان بن صالح ومحمد المصفى يسويان الحديث

(1)

.

وقال ابن حبان أيضًا: الجنس الثاني من أحاديث الثقات التى لا يجوز الاحتجاج بهم أقوام ثقات كانوا يروون عن أقوام ضعفاء كذابين ويكنونهم حتى لا يعرفوا، فيتوهم المتوهم أن راوى هذا الخبر ثقة فيحملون عليه، وليس ذلك الحديث من حديثه مثل بقية بن الوليد إذا قال: حدثنا الزبيدي عن نافع فيتوهم أنه أراد محمد بن الوليد الزبيدي وإنما أراد به زرعة بن عمرو الزبيدي وما يشبه هذا

(2)

.

(3)

.

قال ابن رجب: بقية بن الوليد من أكثر الناس تدلسيًا، وأكثر شيوخه الضعفاء مجهولون لا يعرفون، وكان ربما روى عن سعيد بن عبد الجبار الزبيدي أو عن زرعة بن عمرو الزبيدي وكلاهما ضعيف الحديث فيقول ثنا الزبيدي فيظن أنه محمد بن الوليد الزبيدي صاحب الزهري.

وقد تقدم له عنه في كتاب الصيام في باب الكحل للصائم حديث. رواه عن الزبيدي وظنه بعضهم محمد بن الوليد فنسبه كذلك وأخطأ، إنما هو سعيد بن عبد الجبار

(4)

.

(1)

"مقدمة المجروحين"(صـ 94).

(2)

"مقدمة المجروحين"(صـ 90).

(3)

قلت: لم أقف على راوٍ اسمه زرعة بن عمرو الزبيدي.

(4)

"شرح علل الترمذي"(2/ 824).

ص: 109

قال ابن حبان: زرعة بن إبراهيم الدمشقي الزبيدي يروي عن عطاء وخالد بن اللجلاج، روى عنه سعيد بن أبي هلال ومحمد بن شعيب بن شابور، وهو الذى روى عنه بقية ويقول: حدثني الزبيدي في أشياء يرويها يوهم أنه محمد بن الوليد ابن عمار الزبيدي، يجب أن يعتبر بحديثه من غير رواية بقية عنه

(1)

.

(2)

قال ابن عدي: سمعت محمد بن سعيد الحراني يقول: سمعت هلال بن العلاء يقول: سمعت أبا يوسف الرقي يقول: إذا سمعت بقية يقول: ثنا أبو الحجاج المهري فاعلم أنه يريد به رشدين بن سعد، وإذا سمعته يقول: حدثنا أبو

(1)

"الثقات"(6/ 343 - 344).

(2)

زرعة بن إبراهيم ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 441) فقال: زرعة بن إبراهيم الدمشقي عن عطاء وخالد بن اللجلاج وجناح، روى عنه سعيد بن أبي هلال ومحمد بن شعيب، وسمع منه ابن علاق.

وقال ابن معين: زرعة بن إبراهيم صالح الحديث. "تاريخ الدوري"(4/ 429).

وقال ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(3/ 19): زرعة بن إبراهيم روى عن عطاء وخالد بن اللجلاج وجناح مولى الوليد بن عبد الملك ونافع مولى ابن عمر وعمر بن عبد العزيز. روى عنه سعيد بن أبي هلال ومحمد بن إسحاق ومحمد ابن شعيب بن شابور وعثمان بن حصين بن علاق وعمرو بن واقد وعبد ربه بن ميمون الأشعري وعمارة بن غزية وداود بن قيس المدني.

وهناك راوٍ آخر اسمه زرعة بن عبد الله الزبيدي يروي عنه بقية، ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(3/ 606)، فقال: زرعة بن عبد الله بن زياد الزبيدي روى عن عمران بن أبي الفضل، روى عنه بقية، سألت أبي عنه فقال: شيخ مجهول ضعيف الحديث.

ص: 110

مسكين الرقي فاعلم أنه يريد به طلحة بن زيد

(1)

.

قال الذهبي: بقية ذو غرائب وعجائب ومناكير، قال عبد الحق في غير حديث. بقية لا يحتج به. وروى له أيضًا أحاديث وسكت عن تليينها. وقال أبو الحسن بن القطان: بقية يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك، وهذا إن صح مفسد لعدالته.

قلت: نعم والله صح هذا عنه أنه يفعله، وصح عن الوليد بن مسلم، بل وعن جماعة كبار فعله، وهذه بلية منهم، ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد وما جوزوا على ذلك الشخص الذى يسقطون ذكره بالتدليس إنه تعمد الكذب، هذا أمثل ما يُعتذر به عنهم

(2)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين، وزاد ابن حجر: المحدث المشهور المكثر، له في مسلم حديث واحد، وكان كثير التدليس عن الضعفاء والمجهولين، وصفه الأئمة بذلك

(3)

.

* * *

(1)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(3/ 149). وأبو يوسف الرقي هو محمد بن أحمد ابن محمد بن الحجاج الصيدلاني ثقة حافظ كما في "التقريب". وهلال بن العلاء صدوق. ومحمد بن سعيد الحراني هو محمد بن سعيد بن عبد الرحمن بن إبراهيم أبو علي القشيري، ترجم له الذهبي في "السير"(15/ 335)، فقال: الإمام الحافظ المفيد.

(2)

"ميزان الاعتدال"(1/ 339).

(3)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 163 - 164).

ص: 111

‌حرف التاء

‌21 - تليد بن سليمان المحاربي الكوفي

ذكر الحافظ ابن حجر تليد بن سليمان المحاربي الكوفي في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: مشهور بالضعف، وقال أحمد العجلي والدارقطني: يدلس.

قلت: وأوله مثناة بوزن (عظيم). وقد وهم فيه العلائي، وتبعه العراقي والحلبي، فذكروه ترجمتين، ونسبوه للعجلي، إحداهما: هكذا.

والأخرى: (بكير) بالموحدة والكاف مصغرًا. وقد راجعت كلام العجلي فلم أره ذكره، إلا في موضع واحد، ونقله منه أبو العرب في كتاب "الضعفاء" وذكره بالمثناة واللام

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": تليد بن سليمان المحاربي رافضي ضعيف.

قال العجلي في "الثقات"(صـ 88): تليد بن سليمان كوفى روى عنه أحمد ابن حنبل، لا بأس به، وكان يتشيع، ويدلس. اهـ

وقد تقدم في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أن الدارقطني له كتاب. في المدلسين.

* * *

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 172 - 173).

ص: 112

‌حرف الثاء

‌22 - ثور بن يزيد

قال ابن العجمي: قال أبو داود في سننه في مسح الخفين: بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء -يعني ابن حيوة- انتهى.

ولفظه فيه: عن رجاء، وقد تقدم كلام الشافعي

(1)

.

(2)

.

قلت: الحديث الذى أشار إليه ابن العجمي رواه أحمد (4/ 251)، وأبو داود (165)، والترمذي (97)، وابن ماجه (550)، وابن الجارود (84)، والطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 939)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 290)، وابن عبد البر في "التمهيد"(11/ 147 - 148) من طريق الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فمسح أسفل الخف وأعلاه.

قال محقق "مسند أحمد": قال أبو داود: بلغني أنه لم يسمع ثور هذا الحديث من رجاء. وقال الترمذي: هذا حديث معلول، لم يسنده عن ثور بن يزيد غير الوليد بن مسلم.

قلنا: علته التدليس والانقطاع والإرسال، وقد بينها ابن المبارك وعبد الرحمن

(1)

قال ابن العجمي في "التبيين"(صـ 35): اعلم أن الشافعي أثبت أصل التدليس بمرة واحدة، قال ابن الصلاح: والحكم بأنه لا يُقبل في المدلس حتى يبين قد أجراه الشافعي فيمن عرفناه دلس مرة - انتهى.

وممن حكاه عن الشافعي البيهقي في المدخل والله أعلم. اهـ

قلت: انظر كلام الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد عن مذهب الشافعي هذا في ترجمة (سفيان بن سعيد الثوري) من هذا الكتاب.

(2)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 52).

ص: 113

بن مهدي ونعيم بن حماد، ونقلها عنهم أحمد والبخاري وأبو زرعة، فيما ذكر الترمذي والدارقطني في "عللهما"، وابن عبد البر في "التمهيد"، والحافظ في "التلخيص"(1/ 159)، فقد قال الحافظ: قال الأثرم عن أحمد: إنه كان يضعفه ويقول: ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال: عن ابن المبارك، عن ثور، حُدثت عن رجاء، عن كاتب المغيرة، ولم يذكر المغيرة.

قال أحمد: وقد كان نعيم بن حماد حدثني عن ابن المبارك كما حدثني الوليد ابن مسلم به عن ثور، فقلت له: إنما يقول هذا الوليد، فأما ابن المبارك فيقول: حُدثت عن رجاء، ولا يذكر المغيرة، فقال لي نعيم: هذا حديثي الذي أسأل عنه فأخرج إلي كتابه القديم بخط عتيق، فإذا فيه ملحق بين السطرين بخط ليس بالقديم "عن المغيرة" فأوقفته عليه، وأخبرته أن هذه زيادة في الإسناد لا أصل لها، فجعل يقول للناس بعد وأنا أسمع: اضربوا على هذا الحديث.

وقال الترمذي في "العلل"(1/ 180): سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: لا يصح هذا، روى عن ابن المبارك، عن ثور بن يزيد، قال: حدثت عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وضعف هذا. وسألت أبا زرعة فقال نحو مما قال محمد بن إسماعيل.

وقال مثله الدارقطني في "العلل"(1/ 110)، وقال أيضًا: وحديث رجاء ابن حيوة الذى فيه ذكر أعلى الخف وأسفله لا يثبت، لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلًا.

قال الحافظ في "التلخيص"(1/ 160): ووقع في سنن الدارقطني ما يوهم رفع العلة، وهى حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، حدثنا داود بن رشيد، عن الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، حدثنا رجاء بن حيوة فذكره.

فهذا ظاهره أن ثورًا سمعه من رجاء، فتزول العلة، ولكن رواه أحمد بن عبيد الصفار في "مسنده" عن أحمد بن يحيى الحلواني، عن داود بن رشيد، فقال: عن رجاء، ولم يقل حدثنا رجاء، فهذا اختلاف على داود يمنع القول بصحة

ص: 114

الوصل: أن الذين رووه عن الوليد بن مسلم فقالوا عن رجاء بالعنعنة ثمانية ثقات فهم أكثر عددًا، وأضبط وأحفظ من واحد اختلف علية فيه. اهـ

قلت: ثور بن يزيد لم يسمع هذا الحديث من رجاء بن حيوة، وكان أحيانًا يُبين ذلك، فيقول: حُدثت عن رجاء، وأحيانًا يقول: عن رجاء، فإن كان دلس هذا الحديث، فيُقال: إنه دلس هذا الحديث خاصة، ولم يصف أحد من العلماء ثور بن يزيد بالتدليس فلا ينبغي التوقف في عنعنته عن شيوخه إلا في هذا الحديث فقط والله أعلم.

* * *

ص: 115

‌حرف الجيم

‌23 - جابر بن يزيد الجعفي

قال ابن أبي حاتم: نا أحمد بن عثمان بن حكيم الأودي، قال: سمعت أبا نعيم قال: سمعت سفيان يقول: إذا قال جابر حدثنا وأخبرنا فذاك.

نا عبد الملك بن أبي عبد الرحمن، نا عبد الرحمن -يعني ابن الحكم بن بشير-، نا يحيى بن أبي كثير، قال: كنا عند زهير -يعني ابن معاوية- فذكروا جابرًا الجعفى، فقال زهير: كان جابر إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس

(1)

.

(2)

.

قال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين، قال: سمعت سفيان يقول وذكر جابر بن يزيد الجعفي، قال: إذا قال لك: حدثني أو سمعت فذاك، وإذا قال: قال، فكأنه يدلس

(3)

.

(1)

"الجرح والتعديل"(2/ 497)، و"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله بن أحمد (2/ 292).

(2)

قلت: أحمد بن عثمان بن حكيم ثقة كما في "التقريب".

وعبد الرحمن بن الحكم بن بشير ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 227)، فقال: سمعت محمد بن مسلم يقول: سمعت إبراهيم بن موسى يقول: ما رأيت أحدًا أفهم بمشيخة أبي إسحاق الهمداني من عبد الرحمن بن الحكم.

سمعت محمد بن مسلم يقول: كان عبد الرحمن بن الحكم أعلم الناس بشيوخ الكوفيين.

وعبد الملك بن أبي عبد الرحمن هو المقرئ، ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 371)، فقال: كان صدوقًا ثقة، كتب عنه أبي حكايات في الزهد عن أبيه، وكتبت عنه.

(3)

"الطبقات الكبرى"(6/ 333).

ص: 116

ذكر العلائي جابر بن يزيد الجعفي في المرتبة الرابعة من المدلسين، وذكره ابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين، وقال: ضعفه الجمهور، ووصفه الثوري والعجلي وابن سعد بالتدليس

(1)

.

قلت: ولم أقف على وصف العجلي له بالتدليس، ولم يصفه ابن سعد بالتدليس، إنما نقل ذلك عن سفيان الثوري.

‌24 - جبير بن نفير

قال برهان الدين ابن العجمي: قال ابن عبد الهادي الإمام شمس الدين الحنبلي في "طبقات الحفاظ": جبير بن نفير لم يخرج له البخاري، لأنه ربما دلس عن قدماء الصحابة

(2)

.

ذكر الحافظ ابن حجر جبير بن نفير في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: من ثقات التابعين، من أهل الشام، قال الذهبى في طبقات الحفاظ: ربما دلس عن كبار الصحابة

(3)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": جبير بن نفير ثقة جليل، من الثانية، مخضرم، ولأبيه صحبة.

قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ"(1/ 52): جبير بن نفير ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وحدث عن أبي بكر وعمر وأبي ذر وأبي الدرداء وجماعة، وعنه ابنه عبد الرحمن بن جبير وخالد بن معدان ومكحول وسليم بن عامر وآخرون، وكان من أجلة العلماء، حديثه في الكتب كلها سوى صحيح البخاري، وما ذاك للين فيه ولكنه ربما دلس عن قدماء الصحابة، والبخاري لا يقنع إلا بأن يصرح الشيخ بلقاء من روى عنه. اهـ

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 144)، "تعريف أهل التقديس"(صـ 173 - 174).

(2)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 57).

(3)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 101 - 102).

ص: 117

قلت: لم يصف أحد من العلماء المتقدمين جبير بن نفير بالتدليس، ولعل قول الذهبي "ربما دلس" أي ربما أرسل، والذهبي كان يطلق التدليس كثيرًا على الإرسال الخفي، انظر ترجمة (عبد الله بن زيد أبي قلابة الجرمي) من هذا الكتاب. والذهبي وابن عبد الهادي كانا أقران، وذكر الذهبي ابن عبد الهادي في كتابه "المعجم المختص"، فقال: كتب عني واستفدت منه. فلعل ابن عبد الهادي قلد الذهبي في وصف جبير بأنه ربما دلس عن كبار الصحابة. وقد تقدم أن معنى "ربما دلس" أي: "ربما أرسل".

قال أبو زرعة الرازي: جبير بن نفير بن مالك الحضرمي عن أبي بكر الصديق مرسل. "مراسيل ابن أبي حاتم"(74).

وقال المزي في "تهذيب الكمال"(4/ 510): جبير بن نفير روى عن عمر بن الخطاب وفى سماعه منه نظر.

وذكر الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني قول الذهبي وابن حجر، ثم قال: ما دام ثقة جليلًا ربما دلس عن قدماء الصحابة، فكان الأولى أن يكون في المرتبة الأولى من مراتب المدلسين لا الثانية، حيث وضعه الحافظ ابن حجر، ولو قارنت بين قول الذهبي فيه:"ربما دلس عن كبار الصحابة"، وقول الذهبي نفسه في لاحق بن حميد أبي مجلز:"من ثقات التابعين، لكنه يدلس"، لعرفت أنه من الأولى لا من الثانية، وفرق كبير بين "ربما دلس" وبين "يدلس ومع ذلك ذكره الحافظ في المرتبة الأولى، وعندي أن جبير بن نفير من أهل المرتبة الأولى أيضًا.

ثم إن الذهبي يسمى الإرسال تدليسًا، حيث لا يشترط اللقاء ولا السماع فيه، وأخشى أن روايته عنهم مرسلة لا مدلسة والله أعلم

(1)

.

(1)

"التدليس في الحديث"(صـ 188 - 189).

ص: 118

‌25 - جرير بن حازم

قال ابن طهمان: قيل ليحيى: كان جرير يدلس؟ قال: ليته يحسن يحدث ما عنده، لم يكن يحسن يدلس، ليس يدلس إلا كلُّ عَنِد شيطان، وجرير صدوق ثقة

(1)

.

وذكر ابن حجر جرير بن حازم في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: أحد الثقات، وصفه بالتدليس يحيى الحماني في حديثه عن أبي حازم عن سهل بن سعد في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف أبي بكر

(2)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": جرير بن حازم ثقة، لكن في حديثه عن قتادة ضعف، وله أوهام إذا حدث من حفظه.

قلت: إن صح أن جرير بن حازم دلس هذا الحديث فيُقال أن جريرًا دلس هذا الحديث فقط، ولم يصفه أحد من المتقدمين بالتدليس، فلا ينبغي التوقف في عنعنته.

‌26 - جرير بن عبد الحميد الضبي

قال الخطيب البغدادي: أخبرني الأزهري، حدثنا عبد الرحمن بن عمر، حدثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، حدثني جدي

(3)

قال: ذُكر لأبي خيثمة يومًا إرسال جرير الحديث وأنه لم يكن يقول حدثنا، وقيل له: تراه كان يدلس؟ فقال أبو خيثمة: لم يكن يدلس، لأنا كنا إذا أتيناه وهو في حديث الأعمش أو منصور أو مغيرة ابتدأ فأخذ الكتاب فقال: حدثنا فلان ثم يحدث به عنه مبهم في حديث واحد، ثم يقول بعد ذلك: منصور منصور، والأعمش الأعمش، لا يقول في

(1)

"سؤالات ابن طهمان" لابن معين (صـ 46 - 47).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 78 - 79).

(3)

هو الإمام يعقوب بن شيبة.

ص: 119

كل حديث حدثنا حتى يفرغ من المجلس.

وقال جدي: حدثني عبد الرحمن بن محمد قال: سمعت سليمان بن داود الشاذكوني يقول: قدمت على جرير فأعجب بحفظي وكان له مكرمًا، قال: فقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين معه وأنا، ثم قال: فرأوا موضعي منه، فقال له بعضهم: إن هذا إنما بعثه يحيى وعبد الرحمن ليفسد حديثك عليك، ويتتبع عليك الأحاديث، قال: وكان جرير قد حدثنا عن مغيرة عن إبراهيم في طلاق الأخرس، قال: ثم حدثنا به بعد عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم، قال: فينا أنا عند ابن أخيه يومًا إذ رأيت على ظهر كتاب لابن أخيه عن ابن المبارك عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم، قال: فقلت لابن أخيه: عمك هذا مرة يحدث بهذا عن مغيرة، ومرة عن سفيان عن مغيرة، ومرة عن ابن المبارك عن سفيان، فينبغي أن نسأله ممن سمعه.

قال سليمان: وكان هذا الحديث موضوعًا، قال: فوقفت جريرًا عليه، فقلت له: حديث طلاق الأخرس ممن سمعته؟ فقال: حدثنيه رجل من أهل خراسان عن ابن المبارك، قال: قلت له: فقد حدثت به مرة عن مغيرة، ومرة عن سفيان عن مغيرة، ومرة عن رجل عن ابن المبارك عن سفيان عن مغيرة، ولست أراك تقف على شيء فمن الرجل؟ قال: رجل كان جاءنا من أصحاب الحديث، قال: فوثبوا علي وقالوا: ألم نقل لك إنما جاء ليفسد عليك حديثك؟ قال: فوثب لي البغداديون، قال: وتعصب لي قوم من أهل الري حتى كان بينهم شر شديد.

قال عبد الرحمن: فقلت لعثمان بن أبي شيبة: حديث طلاق الأخرس عمن هو عندك؟ قال: عن جرير عن مغيرة قوله.

قال عبد الرحمن: كان عثمان يقول لأصحابنا: إنما كتبنا عن جرير من كتبه، فأتيته فقلت: يا أبا الحسن: كتبتم علي الأمانة من النسخ، فقال: كان أمره علي الصدق، وإنما حدثنا أصحابنا أن جريرًا قال لهم حين قدموا عليه -وكانت كتبه تلفت- هذه نسخ أحدث بها على الأمانة، ولست أدرى لعل لفظًا يخالف لفظًا،

ص: 120

وإنما هي على الأمانة

(1)

.

ذكر ابن حجر هذه القصة ثم قال: قلت: إن صحت حكاية الشاذكوني فجرير كان يدلس

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": جرير بن عبد الحميد ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه.

قال المعلمي اليماني: قال الكوثري: جرير بن عبد الحميد مضطرب الحديث .... وكان سيئ الحفظ، انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع.

أقول: أما قوله "مضطرب الحديث" فكلمة لم يقلها أحد قبل الأستاذ، وليس هو ممن يقبل منه مثل هذا، غاية الأمر أن تعد دعوى، فما البينة؟ ليس بيده إلا قصة الأخرس وعليه في ذلك أمران:

الأول: أن القصة تفرد بها سليمان بن داود الشاذكونى وليس بثقة. قال البخاري: "فيه نظر" وهذه من أشد كلمات الجرح في اصطلاح البخاري كما مر في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الحنيني، وقال أبو حاتم:"متروك الحديث" والكلام فيه كثير.

وفى القصة ما ينكر، فإن الشاذكوني قال: "قدمت على جرير فأعجب بحفظي وكان لي مكرمًا، فقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين معه وأنا ثم، فرأوا موضعي منه، فقال بعضهم: إن هذا بعثه ابن القطان وعبد الرحمن ليفسد حديثك

" وابن القطان وعبد الرحمن هما إماما عصرهما، ومن الممتنع أن يكذب يحيى بن معين ورفقته عليهما هذا الكذب الفاحش.

الأمر الثاني: أن القصة لا تفيد اضطرابًا وإنما تفيد تدلسيًا. فلو صحت القصة لما كان فيها إلا التدليس، بإسقاط ثلاثة، ثم بإسقاط اثنين، ثم بإسقاط واحد،

(1)

"تاريخ بغداد"(7/ 259 - 260).

(2)

"تهذيب التهذيب".

ص: 121

ثم ذكره على وجهه، ولهذا قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب":"إن صحت حكاية الشاذكوني فجرير كان يدلس"، ولم يذكره في طبقات المدلسين لأن القصة لم تصح، وقد ذكر أبو خيثمة جريرًا فقال:"لم يكن يدلس"

(1)

.

قال الترمذي: حدثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، أخبرنا عمر بن علي المقدمي عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان.

هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث هشام بن عروة.

قال أبو عيسى: وقد روى مسلم بن خالد الزنجي هذا الحديث عن هشام بن عروة، ورواه جرير عن هشام أيضًا، وحديث جرير يُقال: تدليس، دلس فيه جرير، لم يسمعه من هشام بن عروة

(2)

.

(3)

قلت: لعل الترمذي يعني أن جرير بن عبد الحميد أخذ هذا الحديث عن مسلم ابن خالد عن هشام بن عروة، ثم أسقط اسم مسلم بن خالد، ورواه عن جرير مباشرة، ولا نستطيع أن نصف جريرًا بالتدليس بهذا النقل، ونتوقف في عنعنة جرير بن عبد الحميد عن شيوخه، إنما يقال إن جريرًا دلس هذا الحديث فقط، فالأصل عدم التوقف في عنعنة جرير عن شيوخه إلا إذا ثبت أن جرير دلس هذا الحديث خاصة عن شيخه.

‌27 - جعفر بن حيان أبو الأشهب العطاردي البصري

قال أبو داود: سمعت أحمد قال: أبو الأشهب كانوا يرون أنه يدلس عن الحسن.

قلت لأحمد وذكر أبا الأشهب، فقال: زعموا كان يأخذ عن أصحاب الحسن

(1)

"التنكيل"(1/ 224 - 225).

(2)

"جامع الترمذي"(3/ 573)(ح 1286).

(3)

سيأتي الكلام عن هذا الحديث في ترجمة (عمر بن علي المقدمي).

ص: 122

- يعني عن الحسن.

قلت لأحمد: هو أكثر من مبارك؟ قال: نعم، مبارك كان يدلس عن الحسن

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: حدثنا بهز بن أسد أبو الأسود العمي قال: وقفنا أبا الأشهب فوقف لنا، فقال: حدثنا الحسن، قال أبي: فقال عفان: إنما جاء معنا بهز إلى أبي الأشهب مجلسًا أو مجلسين.

حدثني أبي عن عبد الرحمن بن مهدي قال: كنا إذا وقفنا أبا الأشهب نقول له: قل سمعت الحسن، يقول: سمعت الحسن أو غيره

(2)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثني الفضل بن زياد عن أحمد قال: كان مبارك يرسل إلى الحسن. قيل: تدلس؟ قال: نعم، وحدث يومًا عن الحسن بحديث فوقف عليه، قال: حدثنيه بعض أصحاب الحديث عن أبي حرب عن يونس.

قلت له: فأبو الأشهب؟ قال: ثم شيء.

قلت: أليس قال بهز: وقفناه فوقف لنا؟ قال: نعم كان إذا وقف وقف. ثم قال: قد دلس قوم -ثم ذكر الأعمش- قال: كان هشيم يكثر -يعني التدليس- وسفيان بن عيينة أيضًا، ثم كان أبو حرة صاحب تدليس.

ثم قال: كان أبو الأشهب

(3)

يدلس إلا أنه في كتاب إبراهيم بن سعد يبين إذا كان سماعًا قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال أبو الزناد، ذكر أبو الزناد، قال فلان

(4)

.

(1)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (ص 328).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 266).

(3)

أظن أن أبا الأشهب تصحيف، والصواب ابن إسحاق، فأبو الأشهب لا يروي عن أبي الزناد، ولا يروي عنه إبراهيم بن سعد كما في "تهذيب الكمال"، وانظر ترجمة محمد بن إسحاق من هذا الكتاب.

(4)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 633).

ص: 123

‌28 - جنيد بن العلاء بن أبي دهرة

قال ابن حبان: جنيد بن العلاء بن أبي دهرة، وقد قيل: ابن أبي نمرة، كنيته أبو حازم، يروي عن ابن عمر وأبي الدرداء ولم يرهما، ويروي عن جماعة من التابعين، روى عنه عبد الرحيم بن سليمان وأبو أسامة، كان يدلس عن محمد بن أبي قيس المصلوب، ويروي ما سمع منه عن شيوخه، فاستحق مجانبة حديثه على الأحوال كلها، لأن ابن أبي القيس كان يضع الحديث، سنذكره فيما بعد في موضعه في هذا الكتاب إن شاء الله، وهو الذى روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"إن لجهنم سبعة أبواب، باب منها لمن سل سيفه على أمتي".

حدثناه الحسن بن سفيان، ثنا العباس بن عبد العظيم العنبري، ثنا عثمان بن عمر، ثنا مالك بن مغول، عن جنيد، عن ابن عمر

(1)

.

وقال ابن حبان في "الثقات"(4/ 115): جنيد شيخ يروي عن ابن عمر، روى عنه مالك بن مغول.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن جنيد بن العلاء بن أبي دهرة، قلت: كيف حديثه؟ قال: ما أرى به باسًا، حدث عنه أبو أسامة. ("العلل ومعرفة الرجال" (2/ 356 - 357))

وقال الدوري في "تاريخه"(1/ 310): سمعت يحيى يقول: جنيد بن أبي دهرة ثقة، يروي عنه أبو أسامة.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 235): جنيد، قال لي أبو حفص، حدثنا عثمان بن عمر، عن مالك بن مغول، عن جنيد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لجهنم سبعة أبواب.

وقال البخاري أيضًا (2/ 235 - 236): جنيد أبو حازم عن بعض أهل

(1)

"المجروحين"(1/ 211 - 212).

ص: 124

عبد الله بن مسعود، عن عبد الله بن مسعود قال: بعث الله عز وجل نوحًا فما أهلك أمته إلا الزنادقة، ثم نبي فنبي، والله لا يُهلك هذه الأمة إلا الزنادقة.

قال محمد: حدثني به محمد بن صباح، عن أبي عقيل، عن جنيد، عن بعض أهل عبد الله بن مسعود، عن ابن مسعود، روى عنه يحيى بن المتوكل.

وروى أبو أسامة، عن حنيد بن العلاء بن أبي حازم أو أبي حازم.

قال لي ابن عبادة: حدثنا يزيد، أخبرنا أبو عقيل يحيى، عن جنيد بن أبي دهرة عن أبي حازم، عن أبي الدرداء.

وقال ابن الأصبهاني: حدثنا عبد الرحيم الرازي، عن جنيد بن أبي دهرة التيمي، عن إبراهيم بن عقبة، سمع كريبًا، سمع أسامة: انطلقت مع سباق قريش إلى منى.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 527): جنيد روى عن ابن عمر مرسل، روى عنه مالك بن مغول واْبو معاوية، سمعت أبي يقول ذلك.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا (2/ 527 - 528): جنيد بن العلاء بن أبي دهرة أبو خازم التيمي روى عن أبي الدرداء مرسل، روى عنه بعضهم عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أم الدرداء، وروى عن مجالد وعبد الملك بن أبي بشير وبعض أهل ابن مسعود، روى عنه عبد الرحيم بن سليمان وأبو أسامة ومحمد بن بشر العبدي، سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: جنيد بن أبي دهرة صالح الحديث.

وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال"(1/ 425) جنيد بن العلاء تابعي. قال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن حبان: روى عن أبي الدرداء وابن عمر ولم يرهما، وعنه عبد الرحيم بن سليمان وأبو أسامة، ينبغي مجانبة حديثه.

قلت: هو جنيد بن أبي دهرة، له حديث في غسل الميت طويل منكر في ثاني حديث ابن الصواف.

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(2/ 348): قال الأزدي: لين الحديث. وقال البزار: ابن أبي دهرة كوفي ليس به بأس، مات قديمًا،

ص: 125

روى عنه أبو أسامة وغيره. اهـ

قلت: قد فرق البخاري وأبو حاتم بين جنيد الذى يروي عن ابن عمر، ويروي عنه مالك بن مغول، وجنيد بن العلاء بن أبي دهرة أبو حازم، الذى يرويه عن أبي الدرداء مرسلًا والتابعين، ويروي عنه أبو أسامة وعبد الرحيم بن سليمان وغيرهما. وجعلهما ابن حبان راويًا واحدًا في كتابه "المجروحين"، وتبعه على ذلك الذهبي في "الميزان"، وابن حجر في "لسان الميزان".

وقد ذكر ابن حبان جنيد الذى يروي عن ابن عمر، وروى عنه مالك بن مغول في كتاب "الثقات".

قلت: وقد انفرد ابن حبان بوصف جنيد بن العلاء بن أبي دهرة بالتدليس، وقد قال أحمد: ما أرى به بأسًا، ووثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث وقال البزار: ليس به بأس، وقال الأزدي: لين الحديث.

والأزدي معروف بالتشدد، وهو نفسه ضعيف.

قال الشيخ المعلمي اليماني في "التنكيل"(1/ 476): أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي ليس في نفسه بعمدة، حتى لقد اتهموه بوضع الحديث.

وقال في (1/ 487): وقد رد ابن حجر في مواضع من مقدمة "الفتح" جرحه، وبيّن أنه لا يُعتد به.

وقال الشيخ قاسم علي سعد في "مباحث علم الجرح والتعديل": قال الذهبي في ترجمة الأزدي من "تذكرة الحفاظ": "له مصنف كبير في الضعفاء وهو قوي النفس في الجرح".

وقال في ترجمة أبان بن إسحاق المدني من "الميزان": قال ابن معين وغيره: ليس به بأس. وقال أبو الفتح الأدي: متروك. قلت: لا يترك، فقد وثقه أحمد العجلي، وأبو الفتح يسرف في الجرح، وله مصنف كبير إلى الغاية في المجروحين جمع فأوعى، وجرح خلقًا بنفسه لم يسبقه أحد إلى التكلم فيهم، وهو المُتكلم فيه".

ص: 126

كما تعقبه الذهبي في مواضع من "ميزانه"، منها: قوله في ترجمة إبراهيم بن محمد: "قال أبو حاتم وغيره: صدوق. وقال الأزدي وحده: ساقط. قلت: لا يُلتفت إلى قول الأزدي فإن في لسانه في الجرح رهقًا".

* * *

ص: 127

‌حرف الحاء

‌29 - حبيب بن أبي ثابت

قال ابن خزيمة: حدثنا يوسف بن موسى، قال: حدثنا جرير، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبحوا الوجه فإن ابن آدم خُلق على صورة الرحمن".

قال ابن خزيمة: في الخبر عللًا ثلاثًا:

إحداهن: أن حبيب بن أبي ثابت مدلس، لم يُعلم أنه سمعه من عطاء.

سمعت إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد يقول: ثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش قال: قال حبيب بن أبي ثابت: لو حدثني رجل عنك لم أبال

(1)

.

قال ابن حبان: حبيب بن أبي ثابت كان مدلسًا

(2)

.

وقال ابن حبان أيضًا: حبيب بن أبي ثابت كان من خيار الكوفيين ومتقنيهم على تدليس فيه

(3)

.

قال البيهقي: حبيب بن أبي ثابت وإن كان من الثقات فقد كان يدلس، ولم أجده ذكر سماعه في هذا الحديث عن طاوس، ويحتمل أن يكون حمله عن غير موثوق به عن طاوس

(4)

.

قال مغلطاي: وذكر أبو جعفر النحاس في كتابه "الناسخ والمنسوخ" حبيب

(1)

"التوحيد"(ح 39)(ص 93 - 94)، و "صحيح ابن خزيمة"(1/ 229)(ح 448)، و"المحدث الفاصل" للرامهزي (ص 455)(رقم 543).

وإسحاق بن إبراهيم بن حبيب وثقه النسائي والدارقطني، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أحمد وأبو زرعة: صدوق.

(2)

"ثقات ابن حبان"(4/ 137).

(3)

"مشاهير علماء الأمصار"(صـ 174).

(4)

"سنن البيهقي"(3/ 327).

ص: 128

ابن أبي ثابت وقال: محل محله لا تقوم بحديثه حجة لمذهبه، وكان مذهبه أنه قال: إذا حدثني رجل عنك بحديث، ثم حدثت به عنك كنت صادقًا.

ولما ذكر ابن خزيمة حديث ابن عباس أنه بات عند ميمونة قال: في القلب من هذا الإسناد شيء، فإن حبيب يدلس

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: تابعي مشهور، يكثر التدليس، وصفه بذلك ابن خزيمة والدارقطني وغيرهما، ونقل أبو بكر بن عياش عن الأعمش عنه أنه كان يقول: لو أن رجلًا حدثني عنك ما باليت أن أرويه عنك -يعني وأسقطته من الوسط-

(2)

.

‌30 - حجاج بن أرطأة

قال العقيلي: حدثنا عبد الله بن محمد بن سعدويه المروذي، قال: حدثنا سفيان بن عبد الملك، قال: سمعت عبد الله بن المبارك يقول: كان حجاج بن أرطأة يدلس، وكان يحدثنا عن عمرو بن شعيب مما يحدثه محمد العزرمي، والعزرمي متروك لا تقربه

(3)

.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي رحمه الله قال: نا أبو الدرداء عبد العزيز بن منيب، نا أبو حامد محمد بن إبراهيم، سمعت أبا نعيم يقول: لم يسمع الحجاج من عمرو بن شعيب إلا أربعة أحاديث، والباقي عن محمد بن عبيد الله العزرمي

(4)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: نا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلي قال: سمعت يحيى بن معين يقول: الحجاج بن أرطأة كوفي صدوق ليس بالقوي، يدلس عن محمد بن عبيد الله العزرمي عن عمرو بن شعيب.

(1)

"إكمال تهذيب الكمال"(3/ 359).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(ص 132 - 133).

(3)

"الضعفاء الكبير"(1/ 278).

(4)

"مراسيل ابن أبي حاتم"(165).

ص: 129

سمعت أبي يقول: حجاج بن أرطأة صدوق يدلس عن الضعفاء، يكتب حديثه وإذا قال حدثنا فهو صالح، لا يرتاب في صدقه وحفظه إذا بين السماع، ولا يحتج بحديثه.

سمعت أبا زرعة يقول: الحجاج بن أرطأة صدوق مدلس

(1)

.

قال البخاري: حجاج بن أرطأة النخعي الكوفي، سمع عطاء، روى عنه الثوري وشعبة، قال ابن المبارك: وكان الحجاج مدلسًا، يحدثنا بالحديث عن عمرو بن شعيب، مما يحدثه محمد العزرمي، والعزرمي متروك الحديث لا نقر به

(2)

.

وقال البخاري أيضًا: عن ابن المبارك

(3)

: كان حجاج بن أرطأة يحدثنا عن عمرو بن شعيب بما حمل عن العزرمي عن عمرو، والعزرمي متروك لا نقر به.

كنيته أبو أرطاة النخعي الكوفي سمع عطاء، وما قال فيه حدثنا يحتمل، وروى عنه الثوري وشعبة

(4)

.

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وأبا زرعة في حديث حجاج بن أرطأة عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ ويقبل ويصلي ولا يتوضأ. فقالا: الحجاج يدلس في حديثه عن الضعفاء ولا يحتج به

(5)

.

قال ابن عدي: ثنا الساجي، حدثني أحمد بن محمد، حدثني الحسن بن الربيع، قال: قال ابن المبارك: رأيت الحجاج بن أرطأة يحدث في مسجد الكوفة، والناس مجتمعون عليه وهو يحدثهم بأحاديث محمد بن عبيد الله العزرمي يدلسها حجاج عن شيوخ العزرمي، والعزرمي قائم يصلي ما يقربه أحد

(1)

"الجرح والتعديل"(3/ 156).

(2)

"الضعفاء الصغير"(صـ 36)، و"التاريخ الكبير"(2/ 378).

(3)

قال المحقق: في "ط": قال ابن المبارك.

(4)

"التاريخ الأوسط"(2/ 86).

(5)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 48).

ص: 130

والزحام على الحجاج.

ثنا ابن أبي عصمة، ثنا أبو طالب أحمد بن حميد: سألت أحمد بن حنبل عن حجاج بن ارطأة فقال: كان يدلس، كان إذا قيل له: من حدثك، من أخبرك؟ قال: لا تقولوا من أخبرك، من حدثك، قولوا: من ذكره، وروى عن الزهري ولم يره

(1)

.

قال ابن رجب: حجاج بن أرطأة مدلس، وقيل: إن أكثر رواياته عن عمرو بن شعيب سمعها من العزرمي ودلسها

(2)

.

قال النسائي: حجاج بن أرطأة ضعيف صاحب تدليس

(3)

.

قال الخطيب البغدادي: حجاج بن أرطأة كانت مدلسًا، يروي عمن لم يلقه

(4)

.

قال ابن محرز: سمعت أبا بكر بن أبي شيبة يقول: بلغني أن أبا جرى كان عند الحجاج بن أرطأة، فقال الحجاج: مكحول، فقال له أبو جرى: يا أبا أرطأة قل: سمعت مكحول، فقال: مه، من هذا؟ ثم أشرف إليه فقال: متى أجترأت علي يا قصاب، يا قصاب ما هذا حدثني مكحول، لا تعد إلى مثلها

(5)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا مجاهد بن موسى، قال: سمعت أبا معاوية وهو يقول: قال لنا الحجاج: لا تقولوا من حدثك، قال: فكان يسردها علينا سردًا.

حدثنا أحمد بن الخليل، ثنا يحيى بن أيوب، قال: سمعت أبا عيسى يقول: كان الحجاج يقول لأصحاب الحديث: لا تقولوا من حدثك، ولكن قولوا من

(1)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(2/ 224 - 225). والحسن بن الربيع هو ابن سليمان البجلي ثقة. وأحمد بن محمد هو ابن هانئ الأثرم ثقة حافظ.

(2)

"فتح الباري"(1/ 372)(خ 291).

(3)

"السنن الكبرى"(8/ 231)(ح 9059) طبعة مؤسسة الرسالة.

(4)

"تاريخ بغداد"(8/ 230).

(5)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (2/ 217).

ص: 131

ذكره، قال: مخافة أن يسهو

(1)

.

قال مغلطاي: وقال ابن خزيمة: لا أحتج بحجاج بن أرطأة إلا فيما قال أنبأ أو سمعت.

وقال أبو جعفر النحاس في كتاب "الناسخ والمنسوخ": الحجاج يدلس عمن لقيه، فلا تقوم بحديثه حجة إلا أن يقول حدثنا أو أنبأ أو سمعت

(2)

.

قال ابن حبان: كان الحجاج بن أرطأة مدلسًا عمن رآه وعمن لم يره، وكان يقول إذا حدثتني أنت بشيء عن شيخ لم أبال أن أرويه عن ذلك الشيخ، وكان يروي عن أقوام لم يرهم، كما حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي، سمعت عبدوس ابن مالك يقول: سمعت أبا يحيى سهل بن أبي حذية سمعت ابن أبي زائدة يقول: سمعت الحجاج بن أرطأة يقول: مر أن تغلق الأبواب، وقال: لم أسمع من الزهري شيئًا، ولم أسمع من الشعبي إلا حديثًا واحدًا، ولم أسمع من فلان حتى عد سبعة عشر.

ثنا السراج، ثنا حاتم بن الليث: قال يحيى بن معين: حدثنا أبو معاوية: قال لنا الحجاج بن أرطأة: لا توقفونى على السماع

(3)

.

قال الدارقطني: الحجاج بن أرطأة رجل مشهور بالتدليس، وبأنه يحدث عن من لم يلقه ومن لم يسمع منه، قال أبو معاوية الضرير: قال لي حجاج: لا يسألني أحد عن الخبر -يعني إذا حدثتكم بشيء، فلا تسألونى من أخبرك به- وقال يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: كنت عند الحجاج بن أرطأة يومًا فأمر بغلق الباب ثم قال: لم أسمع من الزهري شيئًا، ولم أسمع من إبراهيم، ولا من

(1)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 803، 804، 805). ومجاهد بن موسى هو الخوارزمي الختلي، وهو ثقة. وأحمد بن الخليل هو البغدادي أبو علي البزاز، وهو ثقة. ويحيى بن أيوب هو المقابري البغدادي العابد، وهو ثقة.

(2)

"إكمال تهذيب الكمال"(3/ 386).

(3)

"المجروحين"(1/ 226).

ص: 132

الشعبي إلا حديثًا واحدًا، ولا من فلان ولا من فلان، حتى عد سبعة عشر أو بضعة عشر، كلهم قد روى عنه الحجاج، ثم زعم بعد روايته عنهم أنه لم يلقهم ولم يسمع منهم

(1)

.

قال ابن حجر: قال الساجي: الحجاج بن أرطأة كان مدلسًا صدوقًا سيء الحفظ ليس بحجة في الفروع والأحكام. وقال البزار: كان حافظًا مدلسًا، وكان معجبًا بنفسه، وكان شعبة يثني عليه، ولا أعلم أحدًا يرو عنه -يعني ممن لقيه- إلا عبد الله بن إدريس. وقال إسماعيل القاضي: مضطرب الحديث لكثرة تدليسه.

وقال محمد بن نصر: الغالب على حديثه الإرسال والتدليس وتغيير الألفاظ

(2)

.

قال ابن حبان: النوع الثامن عشر من أنواع جرح الضعفاء: المدلس عمن لم يره، كالحجاج بن أرطأة وذويه، كانوا يحدثون عمن لم يروه ويدلسون حتى لا يُعلم ذلك منهم.

سمعت محمد بن عمر بن سليمان يقول: سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول: الحجاج بن أرطأة لم يسمع من الزهري ولم يره.

أخبرنا أحمد بن سليمان، قال: سمعت هشيمًا يقول: قال لي الحجاج بن أرطأة: صف لي الزهري.

أخبرني محمد بن المنذر، حدثنا عمر بن شيبة، حدثنا زيد بن يحيى الأنماطي، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن ابن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم، قال:"اللهم صل على آل فلان".

فحدثت به الحجاج بن أرطأة، فقال: هذا أصل، ثم سمعته يحدث عن عمرو بن مرة.

فقلت: سمعته منه؟ فقال: إذا حدثتني به فلا أبالي أن لا أسمعه.

(1)

"سنن الدارقطني"(3/ 174).

(2)

"تهذيب التهذيب".

ص: 133

سمعت مكحولًا يقول: سمعت جعفر بن أبان يقول: سمعت ابن نمير يقول: سمعت أبا خالد الأحمر يقول: قال لي الكلبي: قال لي عطية: كنيتك بأبي سعيد أقول: حدثني أبو سعيد

(1)

.

أخبرنا محمد بن المسيب، حدثنا إسحاق بن منصور، حدثنا أبو داود، حدثنا شعبة، عن عبد الملك بن ميسرة، قال: لم يلق الضحاك ابن عباس، إنما لقى سعيد بن جبير بالري فأخذ عنه التفسير.

اْخبرنا ابن قتيبة، حدثنا راشد بن سعيد، حدثنا سلم بن قتيبة، عن شعبة، قال: قلت ليونس بن عبيد: سمع الحسن من أبي هريرة؟ قال: لا، ولا كلمة.

قلت: الضحاك سمع من ابن عباس؟ قال: ما رآه قط

(2)

.

قلت: وفى هذا دليل على أن ابن حبان كان يطلق التدليس على الإرسال الخفي

(1)

لكن قال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 176 - 177): عطية بن سعد العوفي سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا فيحفظه، وكناه أبا سعيد ويروي عنه، فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري، وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب.

ثم روى قول أبي خالد الأحمر هذا.

فذكر ابن حبان هنا أن عطية سمع من أبي سعيد أحاديث، ومع ذلك ذكره في المدلسين الذين يحدثون عمن لم يروهم. ولعل ابن حبان يرى أن عطية سمع من أبي سعيد أحاديث قليلة، وأكثر أحاديثه عن أبي سعيد أخذها عن الكلبي. فذكره ابن حبان في المدلسين الذين يحدثون عمن لم يروه، لأن غالب حديثه عن أبي سعيد لم يسمعه منه والله أعلم.

وانظر ترجمة "عطية بن سعد العوفي" من هذا الكتاب.

(2)

"المجروحين"(1/ 80 - 81).

ص: 134

وقد بينت ذلك في ترجمة بشير بن المهاجر من هذا الكتاب.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين، وزاد ابن حجر: الفقيه الكوفي المشهور، أخرج له مسلم مقرونًا، ووصفه النسائي وغيره بالتدليس عن الضعفاء، وممن أطلق عليه التدليس: ابن المبارك ويحيى القطان ويحيى بن معين وأحمد، وقال أبو حاتم: إذا قال حدثنا فهو صالح، وليس بالقوي

(1)

.

قلت: الحجاج بن أرطأة قد أرسل عن كثير من الرواة ولم يسمع منهم

(2)

.

فينبغي قبل إعلال الحديث بعنعنة الحجاج بن أرطأة التأكد من سماع الحجاج من الشيخ الذى يروي عنه.

‌31 - الحسن بن أبي الحسن البصري

قال ابن حبان: الحسن البصري كان يدلس

(3)

.

وقال ابن حبان أيضًا: كان الحسن بن أبي الحسن معرى عما قذف به من القدر، على تدليس كان منه في الروايات

(4)

.

قال الحاكم: أخبرني عبد الله بن محمد بن حمويه الدقيقي، قال: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، قال: حدثنا خلف بن سالم، قال: سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين، فأخذنا في تمييز أخبارهم فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي، لأن الحسن كثيرًا ما يدخل بينه وبين الصحابة أقوامًا مجهولين، وربما دلس عن مثل عتى بن

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 164). وقد تقدم وصف النسائي لحجاج بن أرطأة بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

(2)

انظر تفصيل ذلك في كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

(3)

"الثقات"(4/ 123).

(4)

"مشاهير علماء الأمصار"(صـ 143).

ص: 135

ضمرة وحنيف بن المنحب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم، وإبراهيم أيضًا يدخل بينه وبين أصحاب عبد الله مثل هنى بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي، وربما دلس عنهم، وذكر تدليس أبي إسحاق فأكثر من عجائبه، وكذلك الحكم ومغيرة وابن إسحاق وهشيم

(1)

.

قال العلائي: الحسن بن أبي الحسن البصري من المشهورين بالتدليس

(2)

.

وذكره العلائي في المرتبة الثالثة من المدلسين.

وذكره ابن حجر في كتابه "تعريف أهل التقديس" في المرتبة الثانية وقال: الإمام المشهور، من سادات التابعين، رأى عثمان وسمع خطبته، ورأى عليًا ولم يثبت سماعه منه، وكان مكثرًا من الحديث، ويرسل كثيرًا عن كل أحد، وصفه بتدليس الإسناد النسائي وغيره.

وذكره في كتابه "النكت على كتاب ابن الصلاح" في المرتبة الثانية من المدلسين المخرج لهم في الصحيحين

(3)

.

وسُئل شيخنا محمد عمرو بن عبد اللطيف حفظه الله ونفع المسلمين بعلمه عن حكم عنعنة الحسن البصري؟

فقال: ليس لها قاعدة مطردة تنطبق على جميع الحالات، فالحسن عن أنس تختلف عن الحسن عن سمرة، وتختلف عن الحسن عن أبي هريرة. فتارة قد يكون سمع من بعض الصحابة أحاديث معدودة فهذه الأحاديث فقط هى التى تصحح، كالحسن عن سمرة بن جندب.

(1)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 108). وقد تقدم الكلام عن رجال هذا الإسناد في ترجمة إبراهيم بن يزيد النخعي.

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 105).

(3)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 102)، و "النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 638). وقد تقدم وصف النسائي للحسن البصري بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

ص: 136

وقد يكون سمع من بعض الصحابة بإطلاق كأنس بن مالك. وكذلك سماعه من بعض التابعين كقيس بن عباد وغيره ثابت في الجملة، فهذا لا يتوقف في عنعنته عنهم.

وقد تكون روايته عن صحابي معين منقطعة على الرغم من وجود الإدراك المقطوع به، فالحسن أدرك أبا هريرة، لأنه رأى عثمان وهو صغير، فمات أبو هريرة وللحسن بعضع وعشرون سنة، ومع ذلك فإن جمهور الأئمة على نفي السماع بإطلاق.

فالقول القائل أن الحسن رحمه الله كان يدلس ليس بصواب، إلا إذا قيدناه بالحسن عن سمرة، لأنه عنعن عنه كثيرًا، مع أنه لم يسمع منه إلا بضع أحاديث. ففي هذه الحالة إذا لم يصرح بالسماع من سمرة يكون قد دلس. ولكن متى سمع من صحابي فإنه لا يتفقد تصريحه بالسماع.

فالتدليس الذى وصف به الحسن معناه الإرسال الخفي، والمتقدمون كثيرًا ما يطلقون التدليس على الإرسال الخفي.

والذين يتساهلون ولا يتحرون عدم تحرير هذه المسألة يفضي بهم إلى تشدد نخالفهم فيه. فإذا وجدوا حديثًا من طريق الحسن عن أنس يضعفونه بإطلاق إذا لم يصرح الحسن بالسماع من أنس، ويضعفون رواية الحسن عن أي صحابي سمع منه في الجملة إذا لم يصرح الحسن بالسماع منه.

والتحقيق أن الحسن رحمه الله يرسل ولا يدلس إلا في حالة سمرة. وكذلك يردون ععنعنة قتادة عن الحسن، وعنعنة سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وكل هذا ليس عليه الأئمة المتثبتون.

فالذي نخلص إليه أن الحسن رحمه الله متى صح سماعه من صحابي في بعض الطرق فهذا كافٍ في الحكم على الحديث بالاتصال.

ص: 137

قال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع حفظه الله:

‌تنبيه

التهمة للثقة بالتدليس دون دليل من قبيل الجرح المبهم، فيعتبر لقبوله ما يعتبر لقبول الجرح.

تسليم وصف الراوي بالثقة موجب لقبول ما يخبر به، لا يستثنى من خبره إلا ما قام دليل على رده، ولا يُقبل فيه الجرح إلا أن يكون مفسرًا.

ومن هذا الجرح بوصف الراوي بالتدليس، فإن إثباته في حق راوٍ معين يجب أن يكون ببرهان، فإذا وقع من إمام من أئمة الجرح والتعديل أن أطلق كون فلان مدلسًا، فهذا لا عبرة به حتى يثبت أنه دلس، فإن ثبت في خبر معين رُد ذلك بما تبين من تدليسه فيه إن كان دلسه عن غير ثقة.

وإنما يُستثنى منه من كان التدليس شعارًا له، حتى كثر فأحدث الريبة في جميع ما يقول فيه (عن)، فهذا يُرد حديثه المعنعن من أجل الريبة الغالبة لا من أجل التدليس، فإن العنعنة بمجردها لا توجبه.

والعلة في تنزيل مجرد الوصف بالتدليس منزلة الجرح المجمل تعود إلى أسباب أظهرها:

أولًا: أننا وجدنا إطلاق اسم التدليس على صور ليست منه، فأُطلق على الإرسال الظاهر، وعلى الإرسال الخفي، كما أطلق على أعيان شهد بعض النقاد ببراءتهم منه.

ومما يبين ذلك -مثلًا- أن الحسن البصري أُطلق عليه وصف التدليس، لكن الدليل عليه أنه روى عن جماعة لم يسمع منهم، أو سمع منهم شيئًا معينًا دون سائر ما يروي عنهم، وهذا لاحق بالإرسال أو الإرسال الخفي

(1)

.

قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد حفظه الله: الحسن البصري ذكره النسائي في

(1)

"تحرير علوم الحديث"(2/ 981).

ص: 138

المدلسين، وذكره الحاكم في "معرفة علوم الحديث" في "الجنس السادس من المدلسين" وهم:"قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم" ومثل لذلك بقوله: "أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة ولا من جابر ولا من ابن عمر ولا من ابن عباس شيئًا قط".

والمتتبع لروايات الحسن في الصحاح، وحال سماعاته ممن فوقه، وطريقة الأئمة المتقدمين في تصحيحها وتضعيفها، وأقوال المتقدمين في تدليسه يرى أن غالب تدليسه المراد به "الصورة الثانية" وهو "الرواية عمن لم يسمع منه"، فهو من قبيل "المرسل" في الحقيقة، فلا ينظر فيه إلى "العنعنة" ولا" التحديث" بل ينظر فيه إلى كتب "المراسيل" فمن ثبت عدم سماعه منه فهو منقطع وإلا فمتصل.

وإذا انتقلنا إلى كتب المتأخرين نجد أن العلائي رحمه الله قد قسم المدلسين إلى خمسة أقسام بحسب قبول "عنعنتهم وردها" وجعل مرتبة "الحسن" في المرتبة الثالثة وهي: "من توقف فيه جماعة فلم يحتجوا بهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع وقبلهم آخرون مطلقًا".

فتجد الفرق بينه وبين المتقدمين في هذا النقل من نواحي:

1 -

أنه جعله تدليسًا بالمعنى الخاص "الرواية عمن سمعه مالم يسمع منه" لأنه نظر فيه إلى العنعنة وأشركه مع غيره ممن قد يدلسون عمن سمعوهم، والمرسل لا ينظر فيه إلى العنعنة بل إلى ثبوت السماع، بينما لم يذكر المتقدمون هذا، بل تدليسه بمعنى الإرسال.

2 -

أنه جعل عنعنته متوقفًا فيها عند قوم ولم يذكرهم، ولم يذكر المتقدمون أحدًا توقف في الاحتجاج بعنعنة الحسن ممن سمع منه، بل احتج المحدثون بعنعنتة عمن سمع منه -كما سيأتي في الفصل الرابع إن شاء الله تعالى-.

وقال الشيخ أيضًا: (صـ 178 - 180): قال الدارقطني رحمه الله في "التتبع"(صـ 323): "وأخرج البخاري أحاديث الحسن عن أبي بكرة: منها حديث

ص: 139

"الكسوف"، ومنها "زادك الله حرصًا ولا تعد"، ومنها "لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة"، ومنها "ابني هذا سيد"، والحسن لا يروي إلا عن الأحنف عن أبي بكرة. اهـ

وقد أخرج البخاري هذه الأحاديث كلها عن الحسن عن أبي بكرة بالعنعنة إلا حديث "إن ابني هذا سيد" فقد أخرجه (2557) بتصريح الحسن فيه بالسماع: "قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى ويقول: "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين".

ثم قال البخاري رحمه الله بعد هذا الحديث: "قال لي علي بن عبد الله -هو ابن المديني: إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث". اهـ

وتفيد طريقة إعلال الدارقطني لأحاديث الحسن عن أبي بكرة، وطريقة احتجاج علي بن المديني والبخاري بأحاديثه هنا فوائد منها:

1 -

أن الأحاديث الأخرى التى عن الحسن عن أبي بكرة كلها بالعنعنة من جميع الطرق، لأن ابن المديني قال -ونقله عنه البخاري في صحيحه-:"إنما ثبت لنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث" -يعني ثبت بحديث واحد فقط دون باقي الأحاديث- ومع ذلك احتج البخاري بها، ومثله شيخه ابن المديني، وفى هذا رد على من قال إن أحاديث المدلسين المعنعنة في الصحيحين محمولة على التصريح بالسماع من طرق أخرى.

2 -

أن عنعنة المدلس إذا كان المراد بتدليسه الإرسال" كالحسن "يكفي في إثبات اتصال حديثه عن المروي عنه وروده مصرحًا فيه بالسماع ولو في حديث واحد، كما هو واضح من تصرف ابن المديني وذكر البخاري له في صحيحه، إذ احتجا بتصريحه بالسماع في حديث "إن ابني هذا سيد" على اتصال الأحاديث الأخرى.

3 -

أن تعليل حديث المدلس "المرسل" كالحسن هو في إثبات عدم سماعه

ص: 140

لمن أرسل عنه مطلقًا، فإن الدارقطني لم يعل الحديث بمجرد العنعنة، بل قال:"لا يروى إلا عن الأحنف عن أبي بكرة"، فأثبت أن بينهما واسطة، ولو أراد الإعلال بمجرد العنعنة" لأغنى عن ذكر الواسطة

(1)

.

قال الشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني حفظه الله: الأدلة على أن تدليس الحسن هو (رواية المعاصر عمن لم يلقه).

الدليل الأول: هو في الحقيقة الدراسة التطبيقية الآتية جميعها! فتلك الدراسة كلها تدور حول رواية الحسن عمن عاصرهم: ممن سمع منهم، ومن لم يسمع منهم، وهذه الدراسة كلها تثبت كثرة رواية الحسن عمن عاصرهم ولم يسمع منهم، وجُلّها فيمن قيل إنه لم يسمع منهم.

والدراسة التطبيقية كلها تعلن أنه لا يُعلم في الرواة من هو مثل الحسن البصري في كثرة مباحث بابه في روايته عمن عاصرهم وقيل إنه لم يسمع منهم، ولا يكاد يقاربه راوٍ من الرواة في ذلك، وتأتي طبقة بعده، قد تنتظم أمثال: إبراهيم النخعي، وأبي إسحاق السبيعي، وقتادة، وسعيد بن أبي عروبة، ومكحول الشامي، ونحوهم.

ألا يكفي هذا كله لإثبات أن من وصف الحسن بالتدليس إنما وصفه به لروايته عن معاصرين له لم يلقهم؟!!!

فإذا كان هذا كله لا يكفي، لأن يكون وصف الحسن بالتدليس إنما هو من أجله فلن يوصف أحد من الرواة بالتدليس للرواية عن معاصر لم يلقه إذًا!! فكل من سوى الحسن أقل منه في إشكالات روايته عمن لم يلقهم من المعاصرين!!!

الدليل الثاني: أن بعض الذين وصفوا الحسن بالتدليس هو أنفسهم يخبرون عن أنفسهم أنهم يصفون الحسن بالتدليس لروايته عن معاصرين لم يلقهم!!

فهل بعد هذا شيء؟!

(1)

"منهج المتقدمين في التدليس"(صـ 72 - 73).

ص: 141

فأقدم من وصف الحسن بالتدليس هو خلف بن سالم، كما تقدم

(1)

.

وأصرح من موقف خلف بن سالم موقف ابن حبان في وصفه الحسن بالتدليس!

وقد تقدم في (الباب الأول) إثبات أن ابن حبان كان من أصرح وأوضح من أطلق التدليس على (رواية المعاصر عمن لم يلقه)، هذا أولًا

(2)

.

وهو كاف في إبطال الاحتجاج بمجرد إطلاق ابن حبان (التدليس) على الحسن، لورود احتمال قوي على ذلك الإطلاق، لا يجعل (التدليس) الذى أطلقه ابن حبان على الحسن من نوع (التدليس) الذى يوجب التوقف في قبول (العنعنة).

وثانيًا: أن ابن حبان وإن كان أطلق صفة (التدليس) على الحسن، من دون تقييد التدليس بصفة أخرى، في ترجمة الحسن البصري في كتابيه:"الثقات" و"مشاهير علماء الأمصار"، إلا أنه بيّن ما أجمله في مقدمة كتابه" المجروحين"!

فقد عدد ابن حبان في فصل طويل أنواعًا من أنواع الجرح، ثم قال خلال ذلك:"ومنهم المدلس عمن لم يره، كالحجاج بن أرطأة، وذويه، كانوا يحدثون عمن لم يروه، ويدلسون، حتى لا يُعلم ذلك منهم"

(3)

.

وأتبع ابن حبان هذا (النوع) بأمثلة له، فذكر عدة أمثلة، منها: رواية الحسن البصري عن أبي هريرة، مع عدم سماعه منه، وذلك بإخراجه خبرًا عن شعبة بن الحجاج، أنه قال:"قلت ليونس بن عبيد: سمع الحسن من أبي هريرة؟ قال: لا، ولا كلمة".

(1)

راجع كلام الشيخ عن وصف خلف بن سالم للحسن بالتدليس. وقد تقدم أن في الإسناد إلى خلف بن سالم راوٍ لم أقف على أحدٍ وثقه.

(2)

انظر ترجمة (بشير بن المهاجر) من هذا الكتاب.

(3)

"المجروحين" لابن حبان (1/ 80).

ص: 142

فهذا قاطع أن ابن حبان وصف الحسن بالتدليس، لروايته عمن عاصرهم ولم يسمع منهم، كأبي هريرة رضى الله عنه.

فلا يحتج أحد بعد هذا، لرد عنعنة الحسن، بأن ابن حبان أطلق (التدليس) على الحسن البصري!

وبعد ابن حبان ننتقل إلى الحاكم النيسابوري، حيث إنه ذكر الحسن في سياق ذكره للتدليس والمدلسين، من كتابه "معرفة علوم الحديث".

وبيان ذلك: أن الحاكم خصَّ نوعًا من (أنواع علوم الحديث) بمعرفة المدلسين، وجاء في هذا النوع كلام خلف بن سالم الذى سبق شرحه، الذى جاء في وصف الحسن بالتدليس، فأورد الحاكم كلام خلف بن سالم إبراد المُحتج، والمتخذ منه قاعدة يُؤسس عليه مع غيره من النقول

(1)

.

ثم زاد الحاكم الأمر تأكيدًا: أنه يعتبر الحسن مدلسًا، عندما قسم التدليس إلى ستة أقسام، مثَّل للقسم السادس منها بعدة أمثلة، منها قوله:"فليعلم صاحب الحديث أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، ولا من جابر، ولا من ابن عمر، ولا من ابن عباس شيئًا قط"

(2)

.

ومع قوة هذا التمثيل على الدلالة بأن الحسن عند الحاكم داخل ضمن المدلسين إلا أن الأقوى من ذلك هو أن الحاكم إنما اعتبره مدلسًا لأنه (يروي عمن عاصره ولم يلقه).

فلا أحسب أحدًا ينطق بالجهالة بعد ذلك!! يقول: إن الحسن مردود العنعنة عند الحاكم!!

وبعد الحاكم ننتقل إلى أحد أعلام الأئمة المتأخرين، وهو الإمام الذهبي، حيث إنه ممن وصفوا الحسن بالتدليس، كما سبق

(3)

.

(1)

"معرفة علوم الحديث" للحاكم (108).

(2)

"معرفة علوم الحديث" للحاكم (111).

(3)

"المرسل الخفي"(1/ 465 - 473).

ص: 143

وقال الشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني حفظه الله أيضًا: وبما أنه قد ثبت عن بعض الأئمة المتقدمين، أن وصفهم الحسن بالتدليس إنما هو لروايته عمن عاصره ولم يسمع منهم، وجب حمل وصف النسائي بالتدليس عليه أيضًا. لأن الأئمة وخاصة المتقدمين منهم، إنما يردون -في الغالب- موردًا واحدًا، ويصدرون عن مصدر واحد، وبعضهم مرآة بعض، وكلامهم يخرج من مشكاة واحدة. فإجمال بعضهم يبينه بيان بعض، وإطلاق الواحد منهم يقيده تقييد غيره وعموم كلام الإمام يُخصصه تخصيص أخيه.

وقد سبق عن ابن أبي حاتم، أنه ذكر قولين لابن معين في راوٍ واحد، فقال معقبًا على ذلك:"اختلفت الرواية عن يحيى بن معين في: المبارك بن فضالة، والربيع بن صبيح، وأولاهما أن يكون مقبولًا منهما محفوظًا عن يحيى، ما وافق أحمد وسائر نظرائه"

(1)

.

فهذه قاعدة حسنة في حمل كلام الأئمة بعضه على بعض، ما دام يحتمل ذلك. لذلك حمل وصف النسائي للحسن بالتدليس، على أنه تدليس:(رواية المعاصر عمن لم يلقه)، هو المحمل الصحيح، الذى ينبغي حمل وصف النسائي عليه

(2)

.

قلت: الذي يظهر لي أن الحسن البصري لا يصح وصفه بالتدليس إلا عن سمرة ابن جندب، فإنه لم يسمع من سمرة إلا حديث العقيقة

(3)

، ودلس عنه باقي الأحاديث. ولعل وصف النسائي له بالتدليس كان خاصًا بروايته عن سمرة.

قال النسائي: الحسن عن سمرة كتابًا، ولم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث

(1)

"الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (8/ 339).

(2)

"المرسل الخفي"(1/ 494 - 495).

(3)

انظر تفصيل ذلك في ترجمة (الحسن البصري) من كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

ص: 144

العقيقة والله تعالى أعلم

(1)

.

أما باقي شيوخ الحسن البصري، فلا أظن أن النسائي يرى أنه يدلس عنهم. وقد وصف النسائي إسماعيل بن أبي خالد بالتدليس، والتدليس الموصوف به خاص بروايته عن الشعبي، ووصف حميد الطويل بالتدليس، والتدليس الموصوف به حميد خاص بروايته عن أنس.

ووصف عبد الله بن أبي نجيح بالتدليس، والتدليس الموصوف به ابن أبي نجيح خاص بروايته التفسير عن مجاهد، فإنه لم يسمع التفسير عن مجاهد، أما باقي حديثه عن مجاهد فسمعه منه.

ووصف أبا الزبير المكي محمد بن مسلم بن تدرس بالتدليس، والتدليس الموصوف به أبو الزبير خاص بروايته عن جابر.

ووصف الحكم بن عتيبة بالتدليس، والتدليس الموصوف به الحكم خاص بروايته التفسير عن مجاهد.

ووصف يونس بن عبيد بالتدليس، والتدليس الموصوف به يونس خاص بروايته مسائل الحسن.

والنسائي رحمه الله وصف في كتابه "المدلسين" عددًا من الرواة بالتدليس

(2)

، إلا أنه لم يبين هل كل راوٍ من هؤلاء يدلس عن جميع شيوخه أم يدلس عن البعض دون البعض، وهل كل راوٍ منهم مكثر من التدليس أم لا.

فينبغي النظر في كلام باقي العلماء في الراوي الذى وصفه النسائي بالتدليس، فقد يكون تدليسه خاص بأحد شيوخه فقط والله أعلم.

وقال ابن حزم: وأما المُدلس فينقسم إلى قسمين:

حافظ عدل ربما أرسل حديثه، وربما أسنده، وربما حدث به على سبيل

(1)

"السنن الكبرى"(1/ 522)، و"السنن الصغرى"(ح 1379).

(2)

سبق ذكرهم في ترجمة "إسماعيل بن أبي خالد".

ص: 145

المذاكرة، أو الفتيا، أو المناظرة، فلم يذكر له سندًا، وربما اقتصر على ذكر بعض رواته دون بعض، فهذا لا يضر ذلك سائر رواياته شيئًا، لأن هذا ليس جرحة ولا غفلة، لكننا نترك حديثه ما علمنا يقينًا أنه أرسله، وماعلمنا أنه أسقط بعض من في إسناده، ونأخذ من حديثه مالم نوقن فيه شيئًا من ذلك.

وسواء قال: "أخبرنا"، أو قال:"عن فلان"، أو قال:"فلان عن فلان"، كل ذلك واجب قبوله، ما لم يتيقن أنه أورد حديثًا بعينه إيرادًا غير مسند فإن أيقنا ذلك تركنا ذلك الحديث وحده فقط، وأخذنا سائر رواياته، وقد روينا عن عبد الرزاق بن همام، قال: كان معمر يرسل لنا أحاديث، فلما قدم عليه عبد الله ابن المبارك أسندها له.

وهذا النوع منهم كا جلة أصحاب الحديث وأئمة المسلمين: كالحسن البصري، وأبي إسحاق السبيعي، وقتادة بن دعامة، وعمرو بن دينار، وسليمان الأعمش، وأبي الزبير، وسفيان الثوري، وسفيان بن عيينة.

وقد أدخل على عمر بن عمر الدارقطني فيهم مالك بن أنس، ولم يكن كذلك، ولا يوجد له هذا إلا في قليل من حديثه، أرسله مرة، وأسنده أخرى

(1)

.

قلت: التعريف الذى عرف به ابن حزم القسم الأول من التدليس لم أجد أحدًا وافق ابن حزم عليه، فالأشياء التى ذكرها ابن حزم لا تُعد من التدليس، والمثال الذى ذكره عن عبد الرزاق لا نستطيع من أجله وصف معمر بالتدليس، وكذلك لا نستطيع وصف مالك بالتدليس لأنه كان يرسل بعض حديثه أحيانًا، ويسنده أحيانًا.

وتعريف ابن حزم السابق للتدليس مختلف عن تعريف العلماء له، وابن حزم رحمه الله لم يكن من الراسخين في هذا الفن، وعليه مؤاخذات كثيرة في علم الحديث ويكفي أنه قال عن الإمام الترمذي: أنه مجهول.

(1)

"الإحكام في أصول الأحكام"(1/ 184 - 185)(باب: "الكلام في الأخبار وهي السنن المنقولة").

ص: 146

قال ابن القطان الفاسي: والترمذي أحد الأئمة الحفاظ المتقنين، وقد جهل من جهله، كما اعترى أبا محمد بن حزم فيه، وقد شهد له بالإمامة -زيادة إلى ما يعرف الناس من حاله- جماعة ممن عرض لذكر أمثاله. وذكره في جملة الأئمة: الدارقطني وأبو عبد الله بن البيع

(1)

وغيرهما

(2)

.

وانظر أيضًا التعليق على قول ابن حزم الذى في ترجمة شريك بن عبد الله النخعي.

‌32 - الحسن بن ذكوان

قال الحاكم: الجنس الخامس من المدلسين: قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه.

أخبرني أبو يحيى السمرقندي، قال: ثنا محمد بن نصر، قال: حدثني جماعة عن عبد الصمد بن عبد الوارث، عن أبيه، عن الحسن بن ذكوان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن على أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الميتة، وعن ثمن الخمر والحمر الأهلية وكسب البغي، وعن عسب كل ذي فحل.

قال أبو عبد الله محمد بن نصر: وهذا حديث لم يسمعه الحسن بن ذكوان من حبيب بن أبي ثابت، وذلك أن محمد بن يحيى حدثنا قال: ثنا أبو معمر، قال: حدثني عبد الوارث، عن الحسن بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، وعمرو هذا منكر الحديث، فدلسه الحسن عنه

(3)

.

قال العلائي: "الحسن بن ذكوان ذكره محمد بن نصر المروزي في حديثه عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عن علي حديث" نهى عن ثمن الميتة" الحديث، قال محمد بن نصر: سمعه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد عن

(1)

هو الإمام الحاكم صاحب "المستدرك".

(2)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 321).

(3)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 108 - 109).

ص: 147

حبيب بن أبي ثابت فدلسه بإسقاط عمرو بن خالد، لأنه منكر الحديث، وكذلك قال يحيى بن معين في كل مارواه الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت أن بينه وبين حبيب رجلًا ليس بثقة

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: مختلف في الاحتجاج به، وله في صحيح البخاري حديث واحد، وأشار ابن صاعد إلى أنه كان مدلسًا

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": الحسن بن ذكوان أبو سلمة البصري، صدوق يخطئ، ورمي بالقدر، وكان يدلس.

قال الحافظ في "تهذيب التهذيب"(ترجمة الحسن بن ذكوان): أورد ابن عدي حديثين من طريق الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي، وقال: إنما سمعها الحسن من عمرو بن خالد عن حبيب، فأسقط الحسن بن ذكوان عمرو بن خالد من الوسط، أوردهما ابن عدي في ترجمة عمرو.

وقال ابن عدي في "الكامل"(5/ 125 - 127)(ترجمة عمرو بن خالد): حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: ثنا علي بن مسلم قال: ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت أبي يقول: حدثنا الحسن بن ذكوان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي عليه السلام، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سأل مسألة عن ظهر غنى استكثر بها من رضخ جهنم، قال: وما ظهر غنى؟ قال: عشاء ليلة.

قال لنا ابن صاعد: وهذا الحديث رواه الحسن ببن ذكوان عن عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي ثابت بهذا الإسناد. وعمرو بن خالد لا يكتب حديثه.

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 105).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 133).

ص: 148

أخبرنا أبو يعلى، ثنا زهير بن حرب، وحدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ثنا أبو بكر بن أبي النضر قالا: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال: حدثني أبي ثنا الحسن بن ذكوان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم بن ضمرة، عن علي قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبع ذي ناب، وكل ذي مخلب من الطير، وعن ثمن الميتة، وعن لحوم الحمر الأهلية، وعن كمسب البغي وعسب الفحل.

زاد ابن يونس: وعن المياثر الأرجوان.

زاد أبو خيثمة: وثمن الخمرة.

وهذا الحديث يرويه الحسن بن ذكوان عن عمرو بن خالد، وعمرو متروك الحديث، ويسقطه الحسن بن ذكوان من الإسناد لضعفه.

حدثنا ابن صاعد، ثنا محمد بن سنان بن يزيد، ثنا مسدد، ثنا عبد الوارث، ثنا الحسن بن ذكوان، عن عمرو بن خالد، عن حبيب بن أبي ثابت، عن عاصم ابن ضمرة، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل عليه السلام فلم يدخل علي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ما منعك أن تدخل؟ قال: إنا لا ندخل بيتًا فيه صورة ولا بول".

وهذه الأحاديث التى يرويها الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت نفسه بينهما عمرو بن خالد فلا يسميه لضعفه.

حدثنا ابن صاعد، ثنا علي بن مسلم، ثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، ثنا أبي، ثنا الحسن بن ذكوان، عن حبيب بن أبي ثابت، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن ينتفض في براز حتى يتنحنح.

وقال لنا ابن صاعد: والحسن بن ذكوان إنما يحدث بهذه الأحاديث عن عمرو ابن خالد عن حبيب بن أبي ثابت، وعمرو بن خالد استنكرت. اهـ (كذا في المطبوع استنكرت).

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(1/ 223): حدثنا الخضر بن داود،

ص: 149

قال: حدثنا أحمد بن محمد بن هانئ، قال: قلت لأبي عبد الله: الحسن بن ذكوان ما تقول فيه؟ فقال: أحاديثه بواطيل، يروي عن حبيب بن أبي ثابت.

فقلت له: نعم غير حديث عجيب عن عاصم بن ضمرة عن علي في المسألة وعسب الفحل، فقال أبو عبد الله: هو لم يسمع من حبيب بن أبي ثابت، إنما هذه أحاديث عمرو بن خالد الواسطي.

وقال الدوري في "تاريخه"(4/ 341) عن ابن معين: الحسن بن ذكوان لم يسمع من حبيب بن أبي ثابت شيئًا، إنما سمع من عمرو بن خالد عنه، وعمرو بن خالد لا يساوي شيئًا.

وقال الآجري: قلت لأبي داود: سمع الحسن بن ذكوان من حبيب بن أبي ثابت؟ قال: سمع من عمرو بن خالد عنه. ("سؤالات الآجري" لأبي داود (2/ 91)).

قلت: الصحيح أن الحسن بن ذكوان لم يسمع من حبيب بن أبي ثابت، ولذلك لا يصح وصف الحسن بن ذكوان بالتدليس، إنما يصح وصفه بأنه يرسل عن حبيب بن أبي ثابت.

وقد أورد الحاكم الحسن بن ذكوان في الجنس الخامس من المدلسين، وهم قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه. وهذا يُبين أن الحاكم يرى أن الحسن بن ذكوان سمع من حبيب، وخالفه في ذلك أحمد وابن معين وأبو داود، والقول عندي قولهم.

وابن صاعد لم يصفه بالتدليس عن حبيب بن أبي ثابت، إنما ذكر له أحاديث منكرة يرويها عن حبيب، وقال إنه أخذ هذه الأحاديث عن عمرو بن خالد، وأسقطه من الإسناد.

ذكر ابن العراقي كلام العلائي السابق، ثم قال:

قلت: وروى العقيلي في "الضعفاء" من رواية يحيى القطان عن الحسن بن ذكوان عن الحسن عن عبد الله بن مغفل في النهي عن البول في المغتسل، قال

ص: 150

يحيى: قيل له: سمعته من الحسن؟ قال: لا.

قال العقيلي: ولعل الحسن بن ذكوان أخذه عن أشعث الحداني، انتهى

(1)

.

قال العقيلي في "الضعاء الكبير"(1/ 29): أشعث بن عبد الله الأعمى، وهو الحداني، في حديثه وهم.

حدثنا إسحاق، عن عبد الرزاق، عن معمر قال: أخبرني الأشعث، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يتوضأ فيه، فإن عامة الوسواس منه".

حدثنا أحمد بن محمد بن عاصم، حدثنا علي بن عبد الله بن جعفر المديني، قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان، عن الحسن بن ذكوان، عن الحسن، عن عبد الله بن مغفل قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البول في المغتسل، قال يحيى: قيل له: أسمعته من الحسن؟ قال: لا.

حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا شبابة، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة عن عقبة بن صهبان، قال: سمعت عبد الله بن مغفل يقول: البول في المغتسل يؤخذ منه الوسواس.

حديث شعبة أولى، ولعل حسن بن ذكوان أخذه عن أشعث الحداني. اهـ وأحمد بن محمد بن عاصم ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 75)، فقال: كتبت عنه وهو صدوق.

قلت: إن صح أن الحسن بن ذكوان دلس هذا الحديث عن الحسن وأخذه من أشعث بن عبد الله، فيقال: إنه دلس هذا الحديث فقط عن الحسن، أو ما ثبت أنه دلسه عن الحسن، فلم أر المتقدمين يذكرون الحسن بن ذكوان بالتدليس عن غير حبيب بن أبي ثابت إلا في هذا النص والله أعلم.

(1)

كتاب "المدلسين"(صـ 42 - 43).

ص: 151

‌33 - الحسن بن علي بن راشد الواسطي

قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب": الحسن بن علي بن راشد الواسطي صدوق رمى بشيء من التدليس.

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": اتهم ابن عدي الحسن بن علي بن راشد بسرقة الحديث وذلك في ترجمة عمرو بن إسماعيل بن مجالد، لكن في كلامه ما يقتضي أن الذنب في ذلك للراوي عنه الحسن بن علي العدوي.

وقال ابن عدي في "الكامل"(5/ 67): ثنا ابن حماد، حدثني عبد الله بن أحمد، سمعت يحيى بن معين يقول: عمرو بن إسماعيل بن مجالد كنت أراه شويطر كذاب رجل سوء، حدث عن أبي معاوية بحديث ليس له أصل، يحدث عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنا مدينة العلم وعلي بابها "أو كلام هذا معناه.

وهذا الذى ذكره يحيى بن معين أن عمرو بن إسماعيل حدث عن أبي معاوية فذكر هذا الحديث، وهذا أيضًا يعرف بأبي الصلت الهروي عبد السلام بن صالح عن أبي عروبة، ثناه علي بن سعيد بن بشير الرازي عن أبي الصلت، وحدث به أحمد بن سلمة الكوفي من ساكني جرجان وكان متهمًا عن أبي معاوية كذلك.

وثناه الحسن بن علي العدوي وهو ضعيف، عن الحسن بن علي بن راشد، عن أبي معاوية، فقد شاركوا عمرو بن إسماعيل بن مجالد، والحديث لأبي الصلت عن أبي معاوية وبه يعرف، وعندي أن هؤلاء سرقوا منه. اهـ

قلت: الحسن بن علي العدوي ترجم له الذهبي في "الميزان"(1/ 506 - 509) فقال: قال الدارقطني: الحسن بن علي بن زكريا العدوي متروك.

وقال ابن عدي: يضع الحديث، ويروي عن خراش عن أنس أربعة عشر حديثًا، وحدث عن جماعة لا يدري من هم، وحدث عن الثقات بالبواطيل.

ص: 152

وقال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر، يقال حبسه إسماعيل القاضي إنكارًا عليه.

وقال ابن عدي: عامة ما حدث به إلا القليل موضوعات، وكنا نتهمه، بل نتيقن أنه هو الذى وضعها. وقال حمزة السهمي: سمعت أبا محمد الحسن ابن علي البصري يقول: أبو سعيد العدوي كذاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول عليه مالم يقل، وزعم لنا أن خراشًا حدثه عن أنس، وإن عروة بن سعيد حدثه عن ابن عوف بنسخه. اهـ

وقال ابن حبان في "المجروحين"(1/ 241): الحسن بن علي بن زكريا أبو سعيد العدوي يروي عن شيوخ لم يروهم، ويضع على ما رآهم الحديث، ثم ذكر كلامًا وقال: ثم تتبعت عليه ما حدث به فلقيته قد حدث عن الثقات بالأشياء الموضوعات ما تزيد على ألف حديث سوى المقلوبات. أكره ذكرها كراهية التطويل. اهـ

قلت: فلا يصح أن الحسن بن علي بن راشد حدث بهذا الحديث ودلسه عن أبي الصلت الهروي، ولذا فلا يصح وصف الحسن بن علي بن راشد بالتدليس. والحسن بن علي بن راشد وثقه ابن المديني وأسلم الواسطي. وقال ابن قانع: صالح. وقال ابن حبان: مستقيم الحديث جدًا. وقال ابن عدي عن عبدان: نظر عباس الضبري في جزء لي فيه عن الحسن بن علي بن راشد، فقال: اتقه. قال ابن عدي: لم أر بأحديثه بأسًا إذا حدث عن ثقة، ولم أسمع أحدًا قال فيه شيئًا فنسبه إلى ضعف غير عباس، ولم أخرج له شيئًا لأني لم أر له شيئًا منكرًا.

"تهذيب التهذيب"

قلت: فلا يصح وصف الحسن بن علي بن راشد بالتدليس.

‌34 - الحسن بن علي بن محمد التميمي أبو علي المذهب

ذكر الحافظ ابن حجر الحسن بن علي بن محمد التميمي أبو علي المذهب في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: راوي مسند أحمد عن القطيعي، قال الخطيب: روى عن القطيعي حديثًا لم يسمعه منه. قال الذهبي: لعله استجاز

ص: 153

روايته بالإجازة أو الوجادة

(1)

.

وقال الخطيب: وحدثني عن أبي عمر بن مهدي بحديث، فقلت: لم يكن هذا عند ابن مهدي فضرب عليه.

قال الخطيب: وكان سماعه صحيحًا في المسند، إلا في أجزاء منه، ألحق اسمه فيها. وتعقبه ابن نقطة بأنه لم يحدث بمسندي فضالة بن عبيد وعوف بن مالك وبقطعة من مسند جابر، فلو كان يلحق اسمه لألحقه في الجميع.

ولعل ما ذكره الخطيب أنه ألحقه كان يعرف أنه سمعه أو رواه بالإجازة

(2)

.

قال المعلمي اليماني: الحسن بن علي بن محمد أبو علي المذهب التميمي له ذكر في ترجمة الخطيب وتكلم فيه الأستاذ في موضع آخر، وحاصل الكلام أن الخطيب قال في "التاريخ" (ج 7 ص 390): كان يروى عن ابن مالك القطيعي مسند أحمد بن حنبل بأسره، وكان سماعه صحيحًا إلا أجزاء منه فإنه ألحق اسمه فيها وكذلك فعل في أجزاء من فوائد ابن مالك، وكان يروي عن ابن مالك أيضًا كتاب الزهد لأحمد بن حنبل ولم يكن له به أصل عتيق وإنما كانت النسخة بخط كتبها بآخره، وليس بمحل للحجة.

حدثنا ابن المذهب

ثنا ابن مالك وأبو سعيد الحرقى قالا: ثنا أبو شعيب الحراني، ثنا البابلتي

وجميع ما كان عند ابن مالك عن أبي شعيب جزء واحد وليس هذا الحديث فيه.

حدثني ابن المذهب، حدثنا محمد بن إسماعيل الوراق وعلي بن عمر الحافظ وأبو عمر بن مهدي، قالوا: حدثنا الحسن بن إسماعيل

فأنكرته عليه

(1)

قال المحقق: عبارة الذهبي في "الميزان"(1/ 511): لعله استجاز روايته بالوجادة، فإنه قرن مع القطيعي.

قلت: وليس فيه ذكر الإجازة، ونص الحديث في "تاريخ بغداد"(7/ 391).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 103 - 106).

ص: 154

وأعلمته أن الحديث لم يكن عند أبي عمر بن مهدي فأخذ القلم وضرب على اسم ابن مهدي. وكان كثيرًا يعرض على أحاديث في أسانيدها أسماء قوم غير منسوبين ويسألنى عنهم فأذكر له أنسابهم، فيلحقها في تلك الأحاديث ويزيدها في أصوله موصولة بالأسماء، وكنت أنكر عليه هذا الفعل فلا ينثني عنه.

أقول: أما الأمر الأول، وهو إلحاق السماع فأجاب ابن الجوزي في "المنتظم" (ج 8 صـ 155) بقوله: هذا لا يوجب القدح لأنه إذا تبين سماعه للكتاب جاز أن يكتب سماعه بخطه. والعجب من عوام المحدثين كيف يجيزون قول الرجل أخبرني فلان ويمنعون أن يكتب سماعه بخط نفسه أو إلحاق سماعه فيها بما يتقنه.

أقول: جرت عادتهم بكتابة السماع وأسماء السامعين في كل مجلس فمن لم يسمع له في بعض المجالس دل ذلك على أنه فاته فلم يسمعه، فإذا ادعى بعد ذلك أنه سمعه ارتابوا فيه لأنه خلاف الظاهر فإذا زاد فالحق اسمه أو تسميعه بخط يحاكي به خط كاتب التسميع الأول قالوا: زور. والظاهر ان هذا لم يقع مع ابن المذهب، ولو كان وقع لبالغ الخطيب في التشنيع، وإنما ألحق ما ألحق بخطه الواضح، ولا ريب أن من استيقن أنه سمع جاز له أن يخبر أو يكتب أنه سمع، وأن من تثبت عدالته وأمانته ثم ادعى سماعًا ولا معارض له، أو يعارضه ما مر ولكن له عذر قريب كأن يقول فاتني أولًا ذلك المجلس وكان الشيخ يعتني بي فأعاده لي وحدي ولم يحضر كاتب التسميع، فإنه يقبل منه، ولعل هذا هو الواقع فقد دل اعتماد الخطيب عليه في كتاب "الزهد" كما يأتي واقتصاره في الحكم على قوله" ليس بمحل للحجة" أنه كان عنده صدوقًا، وذكر ابن نقطة كما في "الميزان" أن مسندي فضالة بين عبيد وعوف بن مالك وأحاديث من مسند جابر لم تكن في كتاب ابن المذهب وهي ثابتة في رواية غيره عن شيخه قال:"ولو كان يلحق اسمه كما زعم الخطيب لأحق ما ذكرناه" يعني لو كان يلحق اسمه فيما لم يسمع، والخطيب لم يقل ذلك، وإنما أطلق أنه ألحق اسمه لأن ثبوت السماع بمجرد الدعوى مع الصدق ليس في درجة ثبوته بالبينة، وقد قال الخطيب في

ص: 155

"الكفاية"(ص 109): ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره، رجاء إن كان الراوي حيًا أن يحمله ذلك على التحفظ

وإن كان ميتًا أن ينزله من ينقل عنه منزلته فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز

".

وقال السلفي: "كان مع عسره متكلمًا فيه

".

والعَسِر في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد وهذه الصفة تنافي التزيد ودعوى سماع مالم يسمع، إنما يدعي سماع مالم يسمع من له شهوة شديدة في ازدحام الناس عليه وتكاثرهم حوله، ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس يدعوهم إلى السماع منه ويرغبهم في ذلك، فأما من يأبى التحديث بما سمع إلا بعد جهد فأي داع له إلى التزيد؟

وأما الأمر الثاني وهو قضية كتاب "الزهد" فقد قال السلفي عقب ما مر عنه: "حدث بكتاب الزهد بعد عدم أصله من غير أصله" فدل هذا على أنه كان لابن المذهب أصل بكتاب ولكن عدمه وبقيت عنده نسخة بخطه فلعله كان عارضها باصله أو أصل آخر علم مطابقته لأصله. ويقوي ذلك أن الخطيب نفسه سمع منه كتاب الزهد وروى منه أشياء.

وأما الأمر الثالث وهو قول الخطيب: "ليس بمحل للحجة" فحاصله أنها لا تقوم الحجة بما يتفرد به، وهذا لا يدفع أن يعتمد عليه في الرواية عنه من مصنف معروف كالمسند والزهد، وسيأتي في ترجمة عبد العزيز بن الحارث طعنهم فيه وتشنيعهم عليه وتشهيرهم به بسبب حديثين نسبهما إلى المسند وهم يرون أنهما ليسا منه، ولم يغمزوا ابن المذهب بشيء ما من هذا القبيل، وذلك يدل أوضح دلالة على علمهم بمطابقة نسختيه اللتين كان يروي منهما المسند والزهد لسائر النسخ الصحيحة فالكلام فيه وفى شيخه لا يقتضي أدنى خدش في صحة المسند والزهد، فليخسأ أعداء السنة.

وأما الخبران اللذان ذكرهما الخطيب، فالذى يظهر لي أن ابن المذهب كان

ص: 156

يتعاطى التخريج من أصول بعض الاحاديث فيكتب الحديث من طريق شيخ من شيوخه ثم يتصفح أصوله فإذا وجد ذاك الحديث قد سمعه من شيخ آخر بذاك السند كتب اسم ذاك الشيخ مع اسم الشيخ الأول في تخريجه وهكذا، وهذا الصنيع مظنة للغلط كأن يريد أن يكتب اسم الشيخ على حديث فيخطئ فيكتبه على حديث آخر، أو يرى السند متفقًا فيتوهم أن المتن متفق، وإنما هو متن آخر، وأشباه ذلك، وقد قال ابن معين: من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع منه نسخًا فهو صحيح. وقال يعقوب بن سفيان في سليمان ابن عبد الرحمن الدمشقي: كان صحيح الكتاب إلا أنه كان يحول، فإن وقع فيه شيء فمن النقل وسليمان ثقة.

والمراد بأصناف حماد وتحويل سليمان نحو ما ذكرت من التخريج، وكأن ابن المذهب شعر بهذا من نفسه ولذلك ضرب على الاسم.

وأما إلحاقه ما كان يذكر له الخطيب من أنساب غير المنسوبين فتساهل لا يوجب الجرح ولكنه يدل على أن ابن المذهب لم يكن بمتيقن وأنه كان فيه سلامة وحسن ظن بالخطيب ومعرفته، ولا نشك أن الخطيب لم يكن يذكر له من الأنساب إلا ما يستيقنه فالخطب إن شاء الله تعالى سهل. وعلى كل حال فلم ينصف ابن الجوزي إذ ينقم على الخطيب ما ذكره في ابن المذهب، ويزعم أن هذه الأمور كلها ليس فيها ما يستحق الذكر في ترجمة الراوي وأن الخطيب إنما جرى على عادة عوام المحدثين يجرحون بما ليس بجرح مع ميل من الخطيب عن الحنابلة. كذا قال! فهو لا يتهم الخطيب فيما حكاه، وإنما يتهمه في اعتداده بهذه الأمور. ومن عرف وأنصف علم أن الخطيب لم يخرج عن طريق أئمة النقاد وأنه مع ذلك لم يعتد بهذه الأمور مسقطًا للرواية البتة. وإنما قال" ليس بمحل للحجة" وقد قدمت ما يبين ذلك ويهونه والله المستعان

(1)

.

(1)

"التنكيل"(1/ 241 - 244).

ص: 157

‌35 - الحسن بن عمارة

ذكر الحافظ ابن حجر الحسن بن عمارة في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: الكوفي، أبو محمد، الفقيه المشهور، ضعفه الجمهور، وقال ابن حبان: وكان بليته التدليس

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": الحسن بن عمارة متروك.

قال ابن حبان في "المجروحين"(1/ 299): كان بلية الحسن بن عمارة أنه كان يدلس عن الثقات ما وضع عليهم الضعفاء، كان يسمع من موسى بن مطير وأبو العطوف وأبان بن أبي عياش وأضرابهم، ثم يسقط أسمائهم ويرويها عن مشايخهم الثقات، فلما رأى شعبة تلك الأحاديث الموضوعة التى يرويها عن أقوام ثقات أنكرها عليه وأطلق عليه الجرح، ولم يعلم أن بينهم وبينه هؤلاء الكذابين، فكان الحسن بن عمارة هو الجاني على نفسه بتدلسيهم عن هؤلاء وإسقاطهم من الأخبار حتى التزق الموضوعات به، وأرجو أن الله عز وجل يرفع لشعبة في الجنان درجات لا يبلغها غيره إلا من عمل عمله بذبه الكذب عمن أخبر الله عز وجل أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم. اهـ

قلت: قد أحسن ابن حبان الظن بالحسن بن عمارة، ولم يحمل المناكير التى في روايته عليه، إنما حملها على أنه سمعها من ضعفاء متروكين ثم دلسها عنهم، وخالفه سائر النقاد وحملوا المناكير التى في رواياته عليه ووصفوه بالضعف الشديد وأنه يحدث بأحاديث منكرة وموضوعة. انظر ترجمته من "تهذيب التهذيب"، وانظر أيضًا ترجمة "يعقوب بن عطاء بن أبي رباح" من هذا الكتاب.

قال ابن حزم: وأما المُدلس فينقسم إلى قسمين: ثم ذكر القسم الأول، ثم قال: وقسم آخر قد صح عنهم إسقاط من لا خير فيه من أسانيدهم عمدًا، وضم

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 174).

ص: 158

القوى إلى القوى تلبيسًا على من يحدث، وغرورًا لمن يأخذ منه، ونصرًا لما يريد تأييده من الأقوال، مما لو سمى من سكت عن ذكره لكان ذلك علة ومرضًا في الحديث، فهذا رجل مجروح، وهذا فسق ظاهر، واجب اطراح جميع حديثه، صح أنه دلس فيه أو لم يصح أنه دلس فيه، وسواء قال: سمعت أو أخبرنا، أو لم يقل، كل ذلك مردود غير مقبول، لأنه ساقط العدالة، غاش لأهل الإسلام باستجازته ما ذكرناه، ومن هذا النوع كان الحسن بن عمارة وشريك بن عبد الله القاضي

(1)

.

قلت: الذى يظهر لي أنه لا يصح وصف الحسن بن عمارة بتدليس التسوية، وإن كان وقع منه صورة تدليس التسوية في حديث أو حديثين، فلعل ذلك كان من شدة غفلته، وليس عن عمدٍ منه والله أعلم.

‌36 - الحسن بن مسعود أبو علي الدمشقي ابن الوزير

ذكر الحافظ ابن حجر الحسن بن مسعود أبو علي الدمشقي ابن الوزير في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: محدث مُكثر، مذكور بالحفظ، وصفه ابن عساكر بالتدليس، وقال: مات سنة ثلاثة أوربعين وخمسمائة

(2)

.

وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(2/ 80): الحسن بن مسعود بن الحسن بن علي المحدِّث، أبو علي بن الوزير الدمشقي رحل وأدرك حديث الطبراني.

قال ابن عساكر: فيه تسامح شديد، اشترى نسخة غير مسموعة بالمعجم الكبير للطبراني، فكان يحدثهم منها، وهي غير منقولة من أصل سماعه، ولا عورضت به، وكان يدلس عن شيوخه مالم يسمع منهم، مات بمرو سنة

(1)

"الإحكام في أصول الأحكام"(1/ 185)(باب: "الكلام في الأخبار وهي السنن المنقولة").

(2)

"تعريف أهل التقديس"(ص 106 - 107).

ص: 159

ثلاث وأربعين وخمسمائة. انتهى

وقد ذكره ابن السمعاني فقال: حافظ فطن ذكر، حسن المعروفة بالحديث والأنساب، مليح الخط، سمع ببغداد من ابن حبان وغيره، وبأصبهان من فاطمة الجوزدانية، وبمرو من زاهر بن طاهر، وببلخ وهراة وغزته والهند، وأرخه سابع عشر المحرم.

‌37 - حسين بن عطاء بن يسار

ذكر الحافظ ابن حجر حسين بن عطاء بن يسار المدني في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: عن أبيه، قال أبو حاتم: منكر الحديث. قال ابن الجارود: كذاب. وقال ابن حبان في "الثقات": كان يخطئ ويدلس. وقال في "الضعفاء": لا يجوز أن يحتج به

(1)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(6/ 209): حسين بن عطاء بن يسار من أهل المدينة، يروي عن زيد بن أسلم، روى عنه عبد الحميد بن جعفر، يخطئ ويدلس.

وقد انفرد ابن حبان بوصف حسين بن عطاء بالتدليس.

وقال ابن حبان في "المجروحين"(1/ 243): حسين بن عطاء من أهل المدينة، ويروي عن زيد بن أسلم المناكير التى ليست تشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد لمخالفته الأثبات في الروايات، روى عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر قال: قلت لأبي ذر: أوصني، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فقال: "إن صليت الضحى ركعتين لم تكن من الغافلين، وإن صليت أربعًا كنت من الفائزين، وإن صليت ستًا لم يتبعك يومئذ ذنب، وإن صليت ثمانيًا كنت من القانتين، وإن صليت إثنى عشرة بنى الله لك بيتًا في الجنة، وما من يوم وليلة ولا ساعة إلا لله عز وجل فيها صدقة يمن بها على من يشاء، وما تصدق الله

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 174 - 175).

ص: 160

عز وجل على عبد بأفضل من أن يلهمه ذكر الله عز جل.

أنبأناه محمد بن مسرور بأرغيان، ثنا أحمد بن يوسف السلمي، ثنا أبو عاصم، ثنا عبد الحميد بن جعفر، عن حسين بن عطاء، عن زيد بن أسلم لايصح هذا كله.

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(3/ 126): الحسين بن عطاء بن يسار عن أبيه قال أبو حاتم: قليل الحديث، وما يحدث به فمنكر، وقال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج به إذا انفرد. انتهى

ووقع في "الميزان": وقال أبو حاتم: منكر الحديث، وكلام أبى حاتم هو الذى أورته أولًا. وذكره ابن حبان أيضًا في "الثقات" فقال: يخطئ ويدلس.

وقال ابن الجارود: كذاب. وقال أبو داود: ليس هو بشيء. اهـ

قلت: الذى في المطبوع من "الجرح والتعديل"(3/ 61): سُئل أبي عن الحسين بن عطاء بن يسار فقال: شيخ منكر الحديث، وهو قليل الحديث، وما حدث به فمنكر.

وقال ابن الجنيد: سُئل يحيى بن معين وأنا أسمع عن الحسين بن عطاء بن يسار روى عنه سعيد بن أبي هلال، قال: هو ابن عطاء بن يسار، قد روى عنه أيضًا حاتم بن إسماعيل.

قلت: كيف حديثه؟ قال: وإيش روى شيئًا يقلله، وكأنه يعني لا بأس به ("سؤالات ابن الجنيد" لابن معين (صـ 287)).

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(2/ 392): حسين بن عطاء عن زيد بن أسلم عن ابن عمر عن أبي ذر رفعه صلاة الضحى، روى عنه عبد الحميد بن جعفر، وروى موسى بن يعقوب عن الصلت بن سالم مولى لعمر عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الصلت: فأخبرنيه سليمان بن ثعلبة الأنصاري.

وقال الشعبي عن ابن عمر: صلاة الضحى بدعة ونعمة البدعة وهذا أصح، يقال حسين بن عطاء بن يسار. اهـ

ص: 161

وانظر للأهمية ترجمة "يعقوب بن عطاء بن أبي رباح" من هذا الكتاب.

‌38 - حسين بن واقد المروزي

ذكر الحافظ ابن حجر حسين بن واقد المروزي في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: أحد الثقات، من أتباع التابعين، وصفه الدارقطني وأبو يعلي الخليلي بالتدليس

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": الحسين بن واقد المروزي، أبو عبد الله القاضي، ثقة له أوهام.

قال الخليلي في "الإرشاد"(1/ 349): قد روى عن عكرمة جماعة ممن لم يلقوه، وإنما يدلسون، كالحسين بن واقد المروزي وغيره.

قلت: وقول الخليلي يدلسون هنا بمعنى يرسلون، وقد كان الأئمة المتقدمون أحيانًا يطلقون التدليس بمعنى الإرسال، انظر تفصيل ذلك في مقدمة هذا الكتاب في آخر الكلام عن تدليس الإسناد.

وتقدم في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أن للدارقطني كتاب في المدلسين.

‌39 - حفص بن غياث

قال المروذى: قال أحمد: كان ابن زائدة إذا قال: قال ابن جريج عن فلان، فلم يسمعه، وكان يحدث عن ابن جريج فلا يجيء بالألفاظ والاخبار، وكذا كان حفص بميزان يحيى، كان يحيى يقول: ابن جريج سمعت أبا الزبير

(2)

.

قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول في حديث حفص عن الشيباني عن عبد الله بن عتبة: سُئل عن امرأة تزوجت ولها ولد رضيع، قال: لا ترضعه

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 79).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية المروذي وغيره (صـ 40).

ص: 162

وإن مات.

قال أبي: هذا مما لم يسمعه حفص من الشيباني، كان يدلسه، ليس فيه شك

(1)

.

وسيأتي في ترجمة عمر بن علي المقدمي وصف أحمد لحفص بن غياث بالتدليس.

قال ابن سعد: حفص بن غياث كان ثقة مأمونًا ثبتًا، إلا أنه كان يدلس

(2)

.

قال العلائي: الحكم بن عتيبة وصفه بالتدليس غير واحد

(3)

.

قال ابن العراقي: حفص بن غياث الكوفى، ذكره بالتدليس أحمد بن حنبل في رواية الأثرم عنه

(4)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: الكوفي القاضي، أحد الثقات، من أتباع التابعين، وصفه أحمد بن حنبل والدارقطني بالتدليس

(5)

.

‌40 - الحكم بن عتيبة

قال ابن حبان: الحكم بن عتيبة كان يدلس

(6)

.

وقال ابن حبان أيضًا: ما سمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم بن أبي بزة، نظر الحكم بن عتيبة وليث بن أبي سليم وابن أبي نجيح وابن جريج وابن عيينة في

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 184).

(2)

"الطبقات الكبرى"(6/ 362).

(3)

"جامع التحصيل"(صـ 106).

(4)

كتاب "المدلسين" للعراقي (صـ 45)، "جامع التحصيل" للعلائي (صـ 106)، "تهذيب التهذيب" لابن حجر (ترجمة حفص بن غياث).

(5)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 79 - 80).

(6)

"الثقات"(4/ 144).

ص: 163

كتاب القاسم ونسخوه، ثم دلسوه عن مجاهد

(1)

.

قال الحاكم: أخبرني عبد الله بن محمد بن حمويه الدقيقي، قال: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، قال: حدثنا خلف بن سالم، قال: سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين، فأخذنا في تمييز أخبارهم فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي، لأن الحسن كثيرًا ما يدخل بينه وبين الصحابة أقوامًا مجهولين، وربما دلس عن مثل عتى بن ضمرة وحنيف بن المنحب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم، وإبراهيم أيضًا يدخل بينه وبين أصحاب عبد الله مثل هنى بن نويرة وسهم بن مناب وخزامة الطائي، وربما دلس عنهم، وذكر تدليس أبي إسحاق فأكثر من عجائبه، وكذلك الحكم ومغيرة وابن إسحاق وهشيم

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد، نا علي -يعني ابن المديني- قال: سمعت يحيى - يعني ابن سعيد القطان يقول: قال شعبة: أحاديث الحكم عن مجاهد كتاب إلا ما قال سمعت

(3)

.

قال البخاري: قال يحيى بن القطان: الحكم عن مجاهد كتاب إلا ما قال سمعت

(4)

.

قال يعقوب بن سفيان: سُئل علي: سمع ابن أبي نجيح التفسير من مجاهد؟ قال: لا، قال سفيان: لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة، أملاه عليه، وأخذ كتابه الحكم وليث وابن أبي نجيح

(5)

.

(1)

"مشاهير علماء الأمصار"(صـ 146).

(2)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 108). وقد تقدم الكلام عن رجال هذا الإسناد في ترجمة إبراهيم بن يزيد النخعي.

(3)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 129 - 130).

(4)

"التاريخ الكبير"(2/ 333).

(5)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 154).

ص: 164

قال ابن أبي خيثمة: حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، قال: نا سفيان، قال: مكتوب في تفسير مجاهد وسمعته من المكيين، وهو الذى أملاه مجاهدًا إملاء وأخذه الحكم بن عتيبة من هاهنا فقدم به الكوفة فقال: هذا تفسير مجاهد " كونوا قردة خاسئين" قال: إنما مسخت قلوبهم"

(1)

.

ذكر العلائي وابن حجر الحكم بن عتيبة في المرتبة الثانية من المدلسين، وزاد ابن حجر: تابعي صغير، من فقهاء الكوفة، مشهور، وصفه النسائي بالتدليس، وحكاه السلمي عن الدارقطني

(2)

.

قلت: تقدم وصف النسائي للحكم بن عتيبة بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبى خالد. وحكى السلمى عن الدارقطنى عن أبى بكر الحداد عن النسائى أن الحكم مدلسًا، ولم يحكه السلمى عن الدارقطنى كما قال الحافظ، والله أعلم. (انظر "سؤالات السلمى" للدارقطنى (صـ 155)).

قلت: لم يصف الحكم بن عتيبة بالتدليس إلا النسائي وابن حبان، وأظن أن وصفهم له بالتدليس خاص بروايته التفسير عن مجاهد، ورواية الحكم عن مجاهد في البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه، كما ذكر المزي في "تهذيب الكمال"، إلا أنه لم يسمع التفسير خاصة من مجاهد ودلسه عنه.

وقد بينت في ترجمة الحسن البصري أن النسائي كان ربما وصف الرواي بالتدليس، ويكون تدليس هذا الراوي خاص بأحد شيوخه فقط.

وكذلك ابن حبان، فقد وصف ابن حبان حميد الطويل بالتدليس، وتدليسه خاص بروايته عن أنس.

(1)

"التاريخ الكبير"(1/ 198).

(2)

"جامع التحصيل (صـ 113)، "تعريف أهل التقديس" (صـ 107).

ص: 165

‌41 - حماد بن أسامة

قال ابن سعد: كان حماد بن أسامة أبو أسامة ثقة مأمون كثير الحديث يدلس وتبين تدليسه، وكان صاحب سنة وجماعة

(1)

.

قال الحاكم: أما أهل الكوفة فمنهم من دلس، ومنهم من لم يدلس، وقد دلس أكثرهم، والمدلسون منهم: حماد بن أبي سليمان وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهما، فأما الطبقة الثانية فمثل أبي أسامة وأبي معاوية محمد بن خازم الضرير وغيرهما، فإن أكثرهم لم يدلسوا.

سمعت أبا بكر محمد بن داود بن سليمان الزاهد يقول: سمعت أحمد بن سلمة يقول: سمعت أبا عبيدة بن أبي السفر يقول: كنا عند أبي أسامة فقال: يحيى بن سعيد، فقال له رجل: اذكر الخبر، فقال: أتروني أدلس لكم، والله لئن أعض من مجلسي هذا أحب إلي من مائة ألف حديث، حدثني يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري عن سعيد بن المسيب بن حزن القرشي

(2)

.

(1)

"الطبقات الكبرى"(6/ 365).

(2)

"المدخل إلى الإكليل"(صـ 46). وأبو عبيدة بن أبي السفر هو أحمد بن عبد الله ابن محمد بن عبد الله بن أبي السفر، ترجم له المزي في "تهذيب الكمال" (1/ 367) وقال: روى عنه الترمذي والنسائي وابن ماجه والجوزجاني وأبو حاتم وأبو العباس السراج وابن منده وابن صاعد. قال أبو حاتم: شيخ.

وزاد ابن حجر في "تهذيب التهذيب": روى عنه أبو داود في كتاب بدء الوحي له. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في "الثقات".

وأحمد بن سلمة هو ابن عبد الله، له ترجمة في "السير"(13/ 373)، قال الذهبي: الحافظ الحجة العدل المأمون، رفيق مسلم في الرحلة.

ومحمد بن داود بن سليمان له ترجمة في "السير"(15/ 420)، قال الذهبي: الإمام الحافظ الرباني العابد، كان صدوقًا حسن المعرفة، من أوعية العلم، وكان في التأله صنفًا آخر.

ثم نقل الذهبي توثيق الدارقطني والخطيب والخليلي له.

ص: 166

قال ابن العراقي: حماد بن أسامة، أبو أسامة الكوفي الحافظ، قال الأزدي: قال المعيطي: كان كثير التدليس ثم بعد تركه

(1)

.

(2)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: من الحفاظ، من أتباع التابعين، مشهور بكنيته، متفق على الاحتجاج به، مات سنة مائتين، وصفه بذالك المعيطي، فقال: كان كثير التدليس، ثم رجع عنه. وقال ابن سعد: كان كثير الحديث ويدلس ويبين تدليسه. وقد قال أحمد: كان صحيح الكتاب ضابطًا لحديثه. وقال أيضًا: كان ثبتًا، ما كان أثبته، لا يكاد يخطئ

(3)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي، أبو أسامة ثقة ثبت ربما دلس، وكان بآخره يحدث من كتب غيره.

‌42 - حماد بن أبي سليمان

قال الحاكم: أما أهل الكوفة فمنهم من يدلس، ومنهم من لم يدلس، وقد دلس أكرهم، والمدلسون منهم: حماد بن أبي سليمان وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهما

(4)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: الفقيه المشهور، ذكر الشافعي أن شعبة حدث بحديث عن حماد عن إبراهيم، قال: فقلت لحماد: سمعته من إبراهيم؟ قال: لا، أخبرني به مغيرة بن مقسم عنه

(5)

.

وقال الحافظ في تقريب التهذيب": حماد بن أبي سليمان أبو إسماعيل

(1)

كتاب "المدلسين"(ص 46 - 47).

(2)

الأزدي هو أبو الفتح محمد بن الحسين بن أحمد الموصلي، وهو مُتكلم فيه، انظر ترجمته في "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر. والمعيطي لم أستطع تمييزه.

(3)

"تعريف أهل التقديس"(ص 107 - 108).

(4)

"المدخل إلى الإكليل"(ص 46).

(5)

"تعريف أهل التقديس"(ص 109).

ص: 167

الكوفي، فقيه صدوق له أوهام.

قال البيهقى في مناقب الشافعي (1/ 527): أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، قال: أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، قال: حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن أبي حاتم- قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم.

وأخبرنا أبو سعد أحمد بن محمد بن الهروي، قال: حدثنا أحمد بن عدي، قال: حدثنا يحيى بن زكريا بن حيويه، قال: قرئ على محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، قال: سمعت الشافعي يقول: حدث شعبة عن حماد عن إبراهيم بحديث. قال شعبة: فلقيت حمادًا فقلت له: أما سمعت من إبراهيم؟ قال: لا ولكن حدثني مغيرة. قال: فذهبت إلى مغيرة فقلت له: إن حمادًا أخبرني عنك بكذا وكذا. فقال: صدق. فقلت: سمعت من إبراهيم؟ قال: لا، ولكن حدثني الحكم، فجهدت أن أعرف من طريقه فلم أعرفه ولم يمكني.

قال عبد الرحمن: فذكرته لأبي فقال: هذا حديث إبراهيم في الضحك في الصلاة. اهـ

وأخرجه البيهقي أيضًا في "الخلافيات"(2/ 410 - 411)، و "معرفة السنن والآثار"(1/ 72)، و ابن عدي في "الكامل"(2/ 235).

‌43 - حميد بن أبي حميد الطويل

قال الدوري: حدثنا يحيى، قال: حدثنا أبو عبيدة الحداد، عن شعبة، قال: لم يسمع حميد من أنس إلا أربعة وعشرين حديثًا، والباقي سمعها أو أثبته فيها ثابت

(1)

.

قال حرب بن إسماعيل الكرماني: حدثنا أبو جعفر الدارمي

(2)

، قال: قال

(1)

"تاريخ الدوري"(4/ 318)، و"ثقات العجلي"(صـ 136). وأبو عبيدة الحداد هو عبد الواحد بن واصل وهو ثقة.

(2)

أبو جعفر الدارمي هو أحمد بن سعيد بن صخر، ثقة حافظ كما في "التقريب".

ص: 168

أبو داود: قال حماد بن سلمة: عامة ما يروى حميد عن أنس لم يسمعه منه، إن عامتها سمعه من ثابت.

قال أبو داود: قال شعبة: إنما روى حميد عن أنس ما سمعه منه خمسة أحاديث

(1)

.

قال العقيلي: حدثنا محمد بن علي الأبار، قال: حدثني عيسى بن عامر بن أبي الطيب، عن أبي داود، عن شعبة قال: كل شيء سمعه حميد عن أنس خمسة أحاديث.

قال أبو داود: قال حماد بن سلمة: عامة ما يروي حميد عن أنس لم يسمعه منه، إنما سمعه من ثابت.

حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: حدثنا علي، قال: سمعت يحيى يقول: كان حميد الطويل إذا ذهبت توقفه على بعض الحديث عن أنس شك فيه.

حدثنا محمد، قال: حدثنا صالح، قال: حدثنا علي، قال: سمعت أبا داود يقول: سمعت حماد بن سلمة يقول: معظم ما رواه حميد عن أنس هو عن ثابت

(2)

.

قال الترمذي: قال محمد: حدثنا عمرو بن خالد، قال: حدثنا زهير، قال: قدمت البصرة فرأيت حميدًا وعنده أبو بكر بن عياش وجعل حميد يقول: قال أنس قال أنس، فلما فرغ قلت له: أسمعت هذا؟ قال: سمعت عمن أحدث عنه.

قال محمد: يعني أنه لم يقل: سمعت أنسًا، وسمعت عمن أحدث عنه.

(1)

"مسائل حرب بن إسماعيل لأحمد واسحاق بن راهويه"(صـ 486)، و"الجعديات "لأبي القاسم البغوي (1/ 641)، و"الكامل في ضعفاء الرجال" لابن عدي (2/ 268).

(2)

"الضعفاء الكبير"(1/ 266 - 267).

ص: 169

قال محمد: وكان حميد يدلس

(1)

.

قال ابن سعد: حميد بن أبي حميد الطويل ثقة كثير الحديث، إلا أنه ربما دلس عن أنس بن مالك

(2)

.

قال ابن حبان: حميد بن أبي حميد الطويل كان يدلس، سمع من أنس ثمانية عشر حديثًا، وسمع الباقي من ثابت فدلس عنه

(3)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني سلمة بن شبيب، قال: حدثنا الحميدي، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، قال: وكان عندنا شويب بصري يقال له درست، فقال لي: إن حميدًا قد اختلط عليه ما سمع من أنس ومن ثابت وقتادة عن أنس إلا شيء يسير، وكنت أقول له: أخبرني بما يثبته عن أنس، فيخبرني، فأتينا حميدًا، فنقول سمعت أنسًا

(4)

.

(1)

"علل الترمذي الكبير"(صـ 130). وعمرو بن خالد هو التميمي الحنظلي ثقة. وزهير هو ابن معاوية ثقة ثبت.

(2)

"الطبقات الكبرى"(7/ 187).

(3)

"الثقات"(4/ 148)، و"مشاهير علماء الأمصار"(ص 156).

(4)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 467). ودرست هو ابن زياد العنبري، ترجم له الحافظ في "تهذيب التهذيب" فقال: قال ابن معين: لا شيء. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال أبو حاتم: حديثه ليس بالقائم، عامته عن يزيد الرقاشي، لا يمكن أن يعتبر به. وقال البخاري: حديثه ليس بالقائم. وقال أبو داود: ضعيف، ودريست الكبير صاحب أيوب ثقة. وقال أبو الحسن السمناني: ثنا عبد الوهاب بن غسان بن مالك، ثنا دريست بن زياد، وكان ثقة. وقال ابن عدي: أرجو أنه لاباس به. وقال الدارقطني: درست بن زياد ودرست بن حمزة ضعيفان. وقال ابن حبان: درست بن زياد العنبري وهو الذي يقال له درست بن حمزة الفزاري، وكان يسكن في بني قشير، منكر الحديث جدًا، يروى عن مطر وغيره أشياء تتخايل إلى من يسمعها أنها موضوعة، لا يحل الاحتجاج بخبره، روى عن يزيد الرقاشي عن أنس حديث: "الشمس =

ص: 170

قال ابن عبد البر: حميد الطويل سمع أنس بن مالك، وأكثر روايته عن أنس أخذها عن ثابت البناني عن أنس، وعن قتادة عن أنس، وقد سمع من أنس

(1)

.

وروى ابن عبد البر حديثًا من طريق حميد عن أنس، ثم قال: لم يسمعه حميد من أنس، وإنما يرويه عن قتادة عن أنس، وأكثر أحاديثه عن أنس لم يسمعها من أنس، إنما يرويها عن ثابت أو قتادة أو الحسن عن أنس، ويرسلها عن أنس، كذلك قال أهل العلم بالحديث

(2)

.

قال ابن عدي: حميد الطويل له حديث كثير مستقيم، فأغنى لكثرة حديثه أن أذكر له شيء من حديثه، وقد حدث عنه الأئمة، وأما ما ذكره عنه أنه لم يسمع من أنس إلا مقدار ما ذكره والباقي من ثابت عنه، فإن تلك الأحاديث يميزه من كان يتهمه أنه عن ثابت، لأنه قد روى عن أنس، وروى عن ثابت عن أنس أحاديث، فأكثر ما في بابه أن الذى رواه عن أنس البعض مما يدلسه عن أنس، وقد سمعه من ثابت، وقد دلس جماعة من الرواة عن مشايخ قد رآوهم

(3)

.

قال ابن حجر: قال ابن خراش: حميد الطويل ثقة صدوق. وقال مرة: في حديثه شيء، يقال: إن عامة حديثه عن أنس إنما سمعه من ثابت. وقال عيسى

= والقمر ثوران عقيران في النار". وبه: "موت الفجاءة أخذة على غضب، إن المحروم من حرم وصيته". وروى عن مطر عن قتادة، عن أنس: "ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان ويصليان على النبي (إلا لم يتفرقا حتى يغفر لهما ما تقدم وما تأخر "وروى عن أبان بن طارق عن نافع، عن ابن عمر حديث: "من دخل على غير دعوة دخل سارقًا".

قلت: فرق بين درست بن حمزة الراوي عن مطر الوراق، وبين درست بن زياد البخارى وتبعه أبو حاتم وابن عدي وجماعة وهو الصواب.

(1)

"التمهيد"(3/ 136).

(2)

"التمهيد"(3/ 161).

(3)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(2/ 268).

ص: 171

ابن عامر بن الطيب عن أبي داود، عن شعبة: كل شيء سمع حميد عن أنس خمسة أحاديث. وقال أبو بكر البرديجي: وأما حديث حميد فلا يحتج منه إلا بما قال: حدثنا أنس. وقال الحافظ أبو سعيد العلائي: فعلى تقدير أن يكون أحاديث حميد مدلسة فقد تبين الواسطة فيها، وهو ثقة صحيح.

قلت: ورواية عيسى بن عامر المتقدمة أن حميدًا إنما سمع من أنس خمسة أحاديث قول باطل، فقد صرح حميد بسماعه من أنس بشيء كثير، وفى صحيح البخاري من ذلك جملة، وعيسى بن عامر ما عرفته. وحكاية سفيان عن درست ليست بشيء، فإن درست هالك

(1)

.

وذكره العلائي في المرتبة الثانية من المدلسين.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: صاحب أنس، مشهور كثير التدليس عنه، حتى قيل: إن معظم حديثه عنه بواسطة ثابت وقتادة، ووصفه بالتدليس النسائي وغيره، وقد وقع تصريحه عن أنس بالسماع وبالتحديث في أحاديث كثيرة في البخاري وغيره

(2)

.

قلت: وقد تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد. وانظر كلام الشيخ الجديع الذى في ترجمة سفيان بن عيينة.

والتدليس الموصوف به حميد خاص بروايته عن أنس، فلا ينبغي التوقف في عنعنته عن غير أنس، ولا ينبغي أيضًا التوقف في عنعنته عن أنس لأنه قد ثبت أن الواسطة بينه وبين أنس ثقة والله أعلم.

‌44 - حميد بن الربيع الكوفي الخزاز اللخمي

ذكر الحافظ ابن حجر حميد بن الربيع الكوفي الخزاز اللخمي في المرتبة الرابعة من المدلسين وقال: مختلف فيه، وقد وصفه بالتدليس عن الضعفاء عثمان

(1)

"تهذيب التهذيب"، و"جامع التحصيل"(ص 168).

(2)

"جامع التحصيل"(ص 113)، و"تعريف أهل التقديس"(ص 133 - 134).

ص: 172

بن أبي شيبة، وهو من طبقة عثمان، قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: قال أبي: أنا لأعلم الناس بحميد بن الربيع، كان ثقة لكنه يدلس. وقال الخليلي: طعنوا عليه في أحاديث تعرف بالقدماء من أصحاب هشيم رواها

(1)

.

قلت: وهذا هو التدليس

(2)

.

(3)

.

* * *

(1)

كذا في المطبوع من كتاب "الإرشاد"، وكذا في نسخة "تعريف أهل التقديس" تحقيق د. عاصم القريوتي، وفى نسخة د. أحمد بن علي سير المباركي من "تعريف أهل التقديس": تُعرف بالقدماء فرواها عن هشيم.

(2)

تعريف أهل التقديس" (صـ 164 - 165).

(3)

قول عثمان بن أبي شيبة في "تاريخ بغداد"(8/ 165)، وقول الخليلي في "الإرشاد"(2/ 621).

ص: 173

‌حرف الخاء

‌45 - خارجة بن مصعب الخراساني

قال البخاري: خارجة بن مصعب أبو الحجاج الخراساني عن زيد بن أسلم، تركه وكيع، وكان يدلس عن غياث بن إبراهيم، ولا يعرف صحيح حديثه من غيره

(1)

.

وقال البخاري أيضًا: خارجة بن مصعب أبو الحجاج الخراساني الضبعي، عن زيد بن أسلم، تركه وكيع، وكان يدلس عن غياث بن إبراهيم، وغياث ذهب حديثه، ولا يعرف صحيح حديثه من غيره

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: نا مسلم بن الحجاج النيسابوري، قال: سمعت يحيى بن يحيى وسُئل عن خارجة بن مصعب فقال: خارجة عندنا مستقيم الحديث ولم يكن ينكر من حديثه إلا ماكان يدلس عن غياث، فاذا كنا قد عرفنا تلك الاحاديث فلا نعرض له

(3)

.

قال ابن حبان: خارجة بن مصعب الضبعى كنيته أبو الحجاج، من أهل سرخس، يروى عن غياث بن إبراهيم وغيره، ويروى ما سمع منهم مما وضعوه على الثقات عن الثقات الذين رآهم فمن هنا وقع في حديثه الموضوعات عن الاثبات، لايحل الاحتجاج بخبره

(4)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: ضعفه الجمهور، وقال ابن معين: كان يدلس عن الكذابين

(5)

.

(1)

"التاريخ الكبير"(3/ 205).

(2)

"الضعفاء الصغير"(صـ 44).

(3)

"الجرح والتعديل"(3/ 375 - 376).

(4)

"المجروحين"(1/ 284).

(5)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 175). ولم أقف على وصف ابن معين لخارجة بالتدليس عن الكذابين.

ص: 174

وفى تهذيب التهذيب: "قال الأثرم عن أحمد: خارجة بن مصعب لا يكتب حديثه. وقال عبد الله بن أحمد: نهانى أبى أن أكتب عنه شيئا من الحديث.

وقال الدورى ومعاوية عن ابن معين: ليس بثقة. وقالا عنه مرة: ليس بشئ. وقال عباس عنه: كذاب. وقال معاوية عنه: ضعيف. وقال عثمان الدارمي وغيره عن ابن معين: ليس بشئ.

وقال الحسين بن محمد القبانى: قال لى أبو معمر الهذلى: أتدري لم ترك حديث خارجة؟ فقال: لمكان رأيه. قال: لا، ولكن كان أصحاب الرأى عمدوا إلى مسائل لأبي حنيفة فجعلوا لها أسانيد عن يزيد بن أبي زياد، عن مجاهد، عن ابن عباس فوضعوها في كتبه فكان يحدث بها. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال مرة: ليس بثقة. وقال مرة: ضعيف. وقال ابن سعد: اتقى الناس حديثه فتركوه. وقال الجوزجاني: كان يرمى بالإرجاء. وذكره يعقوب بن سفيان في باب من يرغب عن الرواية عنهم. وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، ليس بقوي، يكتب حديثه ولا يحتج به، لم يكن محله محل الكذب. وقال ابن خراش والحاكم أبو أحمد: متروك الحديث. وقال الدارقطني: ضعيف وأخوه علي ضعيف.

وقال ابن عدي: له حديث كثير وأصناف فيها مسند ومنقطع، وعندي أنه يغلط ولا يتعمد الكذب. وقال يعقوب بن شيبة: ترك ابن المبارك حديثه، وقال: رأيت منه سهولة في أشياء فلم آمن أن يكون أخذه للحديث على ذلك. قال يعقوب: هو ضعيف الحديث عند جميع أصحابنا. ووهاه الفضل بن موسى السينانى. وقال ابن المديني: هو عندنا ضعيف. وقال الآجري عن أبي داود: ضعيف. وقال مرة: ليس بشيء. وقال أيضًا عنه: خارجة أودع كتبه عند غياث ابن إبراهيم فأفسدها عليه وذكره ابن الجارود والعقيلي وسعيد بن السكن وأبو زرعة الدمشقي وأبو العرب المعقلي وغيرهم من الضعفاء".

ص: 175

‌46 - خالد بن معدان

ذكر الحافظ ابن حجر خالد بن معدان في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: الشامي، الثقة المشهور، قال الذهبي: كان يرسل ويدلس

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": خالد بن معدان الكلاعي الحمصي، ثقة عابد، يرسل كثيرًا.

قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ"(1/ 93): خالد بن معدان أبو عبد الله الكلاعى الحمصي، عالم أهل بلده في زمانه، سمع ثوبان ومعاوية وأبا أمامة والمقدام بن معدي كرب وجبير بن نفير وكثير بن مرة وخلقًا كثيرًا، وأرسل عن معاذ بن جبل والكبار، وهو أحد الأثبات غير أنه يدلس ويرسل، حديثه في الكتب الستة، رحمه الله تعالى. اهـ

قلت: لعل قول الذهبي "يدلس" أي: "رسل" وكان الذهبي كثيرًا ما يطلق التدليس على الإرسال الخفي، وقد بينت ذلك في ترجمة "عبد الله بن زيد أبي قلابة الجرمي". ولم يصف أحد من العلماء خالد بن معدان بالتدليس. أما قول الذهبي "يدلس ويرسل" فهو من باب عطف المترادفين والله أعلم. وانظر ترجمة "سالم بن أبي الجعد ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك.

وقد ثبت أن خالد بن معدان أرسل عن عدد من الصحابة.

قال أحمد: خالد بن معدان لم يسمع من أبي الدرداء.

وقال أبو حاتم: لم يصح سماعه من عبادة بن الصامت، وقد أدرك أبا هريرة ولا يذكر سماع.

وقال أبو زرعة: لم يلق عائشة.

وقال أبو حاتم والبزار: لم يسمع من معاذ.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 110).

ص: 176

وقال الترمذي: لم يدركه.

وقال ابن معين: خالد عن أبي ثعلبة الخشني مرسل.

وقال يعقوب بن شيبة وأبو نعيم الأصبهاني: لم يلق أبا عبيدة.

("مراسيل ابن أبي حاتم" (182 - 184)، "مسند البزار"(7/ 100)(ح 2655)، و "جامع الترمذي"(4/ 661)(ح 2505)، و "تهذيب التهذيب"(ترجمة خالد بن معدان)).

‌47 - خالد بن مهران الحذاء

ذكر الحافظ ابن حجر خالد بن مهران الحذاء في المرتبة الأولى من المدلسين، وقال: أحد الأثبات المشهورين، روى عن عراك بن مالك حديثًا سمعه من خالد ابن أبي الصلت عنه في استقبال القبلة في البول

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": خالد بن مهران الحذاء ثقة يرسل.

روى أحمد (6/ 137، 219، 227، 239)، والطيالسي (1645)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1095)، والبخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 156)، وابن المنذر في "الأوسط"(261)، وابن ماجه (324)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار"(4/ 234)، والدارقطني (1/ 65)، والبيهقي في "الخلافيات"(350) من طرق عن حماد بن سلمة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك، عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد فعلوها، استقبلوا بمقعدتي القبلة".

وتابع حمادًا عبد العزيز بن المغيرة وهشيم بن بشير كما في "زوائد أبو الحسن القطان على سنن ابن ماجه"(عقب حديث (324))، و "ناسخ الحديث" لابن شاهين (83).

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 80).

ص: 177

وروه أحمد (6/ 183)، وابن أبي شيبة (1/ 151)، وإسحاق بن راهويه (1093)، والدارقطني (1/ 60) عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي، عن خالد، عن رجل، عن عمر بن عبد العزيز، أنه قال: ما استقبلت القبلة بفرجي منذ كذا وكذا.

فحدث عراك بن مالك عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بخلائه أن يستقبل به القبلة لما بلغه أن الناس يكرهون ذلك.

ورواه البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 156) عن موسى بن إسماعيل، عن وهيب بن خالد، عن خالد الحذاء، عن رجل، أن عراك حدث عن عمرة، عن عائشة.

وأخرجه أحمد (6/ 184) عن علي بن عاصم، عن خالد الحذاء، عن خالد ابن أبي الصلت، قال: كنت عند عمر بن عبد العزيز بنحو الرواية السابقة، وفيها تصريح عراك بسماعه من عائشة، وذلك وهم من علي بن عاصم، فعراك لم يسمع من عائشة. (انظر كتب المراسيل).

ورواه إسحاق بن راهويه (1094)، والترمذي في "العلل الكبير"(6)، والدارقطني (1/ 59) من طريق أبى عوانة الوضاح بن عبد الله اليشكري والقاسم ابن مطيب ويحيى بن مطر عن خالد الحذاء، عن عراك، عن عائشة.

وذكر البخاري في "التاريخ" طريق حماد بن سلمة وطريق وهيب بن خالد ثم قال: وقال ابن بكير: حدثني بكر، عن جعفر بن ربيعة، عن عراك، عن عروة أن عائشة كانت تنكر قولهم: لا تستقبل القبلة، وهذا أصح.

وقال الترمذي في "العلل الكبير": سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث فيه اضطراب، والصحيح: عن عائشة قولها.

وكذا رجح أبو حاتم في "العلل"(1/ 29) أن الصواب قول عائشة كما قال البخاري.

وقال العلائي في "جامع التحصيل"(صـ 172): وروى عن خالد الحذاء

ص: 178

عن عراك بن مالك حديث: "حولوا مقعدي نحو القبلة "وكأنه وهم من بعض الرواة عنه، بينهما خالد بن الصلت، وهو صاحب القصة مع عمر بن عبد العزيز وقول عراك حينئذ. اهـ

قلت: وإن دلس خالد بن مهران الحذاء هذا الحديث، فيقال إنه دلس هذا الحديث فقط، فلا ينبغي التوقف في عنعنته عن أي شيخ يروي عنه إذا صح سماعه من هذا الشيخ، إلا إذا ثبت في حديث معين أنه دلسه، فيتوقف في عنعنته في هذا الحديث خاصة.

‌48 - خالد بن يزيد المصري

قال ابن رجب الحنبلي: ومن ذلك ما ذكره البرذعي قال: قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما.

وقال لي أبو حاتم: أخاف أن بكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان، انتهى.

ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن سمعان فوجده يشبه ولا يشبهه حديث الثقات الذين يحدث عنهم، فخاف أن يكون أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان ودلساه عن شيوخهما

(1)

.

في "تهذيب التهذيب": "قال أبو زرعة والنسائي: خالد بن يزيد المصري ثقة. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وقال العجلي: ثقة. وقال يعقوب بن سفيان: مصري ثقة.

* * *

(1)

"شرح علل الترمذي": (2/ 867)، و"سؤالات البرذعي" لأبي زرعة الرازي:(2/ 361).

ص: 179

‌حرف الدال

‌49 - داود بن الزبرقان

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: داود بن أبي القصاف يروي عنه سعيد بن أبي عروبة، ويروي عنه داود بن الزبرقان، يدلس عنه

(1)

.

قلت: أظن أن قول يحيى "كان يدلس" أي كان يرسل. وسعيد بن أبي عروبة من الطبقة السادسة، وداود بن الزبرقان من الطبقة الثامنة. وداود بن أبي القصاف ترجم له البخاري في "التاريخ الكبير" (3/ 238) فقال: سمع جابر بن زيد وأبا قلابة قولهما، قاله ابن سواء حدثنا سعيد. وقال أبو هلال حدثنا داود بن أبي القصاف عن عزرة الكوفي قلت لجابر بن زيد: تنحل الأباضية، قال: أبرأ إلى الله من ذلك. وقال ابن المبارك عن سلام بن أبي مطيع سمعت داود بن أبي القصاف: صليت خلف عبد الملك.

قال ابن هانئ: سُئل أحمد عن داود بن الزبرقان، قال: إنما كتبت عنه حديثًا، وقال: ما أراه يكذب، ولكن كان يدلس

(2)

.

قلت: قد أحسن الإمام أحمد الظن بداود بن الزبرقان، وحمل المناكير التى رواها على أنه أخذها من غير الثقات فدلسها عنهم، وخالفه جمهور العلماء وحملوا هذه المناكير على داود بن الزبرقان.

ففى "تهذيب التهذيب": "قال ابن معين: داود بن الزبرقان ليس بشيء. وقال ابن المديني: كتبت عنه شيئًا يسيرًا ورميت به، وضعفه جدًا. وقال الجوزجاني: كذاب.

وقال يعقوب بن شيبة وأبو زرعة: متروك. وقال البخاري: مقارب الحديث.

(1)

"تاريخ الدوري"(4/ 233).

(2)

"مسائل ابن هانئ" للإمام أحمد (2/ 230).

ص: 180

وقال أبو داود: ضعيف. وقال مرة: ليس بشيء. وقال أيضًا: ترك حديثه. وقال النسائي: ليس بثقة.

وقال ابن عدي: عامة ما يرويه عن كل من روى عنه مما لا يتابعه عليه أحد، وهو في جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم. وقال ابن خراش ويعقوب بن سفيان والساجي والعجلي: ضعيف الحديث.

وقال الأزدي: متروك. وقال ابن حبان: اختلف فيه الشيخان، أما أحمد فحسن القول فيه، ويحيى وهاه، قال: وكان داود صالحًا يحفظ ويذاكر، ولكنه كان يهم في المذاكرة، ويغلط في الرواية إذا حدث من حفظه، ويأتي عن الثقات بما ليس من أحاديثهم، إلى أن قال: وداود عندي صدوق فيما وافق الثقات إلا أنه لا يحتج به إذا انفرد. وقال البزار: منكر الحديث جدًا".

* * *

ص: 181

‌حرف الزاي

‌50 - زكريا بن أبي زائدة

قال أبو داود: قال أحمد: كان عند زكريا بن أبي زائدة كتاب فكان يقول فيه: سمعت الشعبي، ولكن زعموا كان يأخذ عن جابر وبيان ولا يسمي - يعني يروي من غير ذلك الكتاب يرسلها عن الشعبي.

قال أحمد: زعموا أن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: لو شئت أن أسمي كل من يُنبئ أبي عن الشعبي لسميت

(1)

.

قال المروذي: قال أحمد: كان ابن أبي زائدة إذا قال: قال ابن جريج عن فلان فلم يسمعه، وكان يحدث عن ابن جريج فلا يجيء بالألفاظ والأخبار، وكذا كان حفص بميزان يحيى، كان يحيى يقول: ابن جريج سمعت أبا الزبير

(2)

.

قال أبو حاتم: زكريا بن أبي زائدة لين الحديث، كان يدلس، يقال أن المسائل التى يرويها زكريا لم يسمعها من عامر إنما أخذها من أبي حريز.

وقال أبو زرعة: زكريا بن أبي زائدة صويلح، يدلس كثيرًا عن الشعبي

(3)

.

قال المزي: قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود وقيل له: أجلح أحب إليك أو زكريا في الشعبي؟ فقال: سبحان الله، زكريا أرفع منه بمئة درجة.

وقال: سمعت أبا داود يقول: زكريا ثقة، ولكنه يدلس

(4)

.

قال العلائي: قال صالح جزرة: زكريا بن أبي زائدة في روايته عن الشعبي نظر

(1)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 297)، و"سؤالات الآجري" لأبي داود (1/ 323).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية المروذي وغيره (صـ 40).

(3)

"الجرح والتعديل"(3/ 594).

(4)

"تهذيب الكمال"(9/ 362).

ص: 182

لأن زكريا كان يدلس

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: من أتباع التابعين، أكثر عن الشعبي، قال أبو حاتم: كان يدلس عن الشعبي وابن جريج. ووصفه الدارقطني بالتدليس

(2)

.

‌51 - زهير بن معاوية بن حديج

قال الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني: قال الحافظ: زهير بن معاوية بن حديج ثقة ثبت، إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بآخره.

وقال الطبراني: زهير بن معاوية مدلس، وقد ضعفه الناس

(3)

.

قلت: لم أجد من وصفه بالتدليس قبله، كما لم يضعفه أحد، إنما ضعفوا روايته عن أبي إسحاق خاصة، لأنه سمع منه بعد الاختلاط، وحديثه محتج به في الصحيحين وغيرهما، وأرى أنه من أهل المرتبة الأولى، والله أعلم

(4)

.

قلت: قال الهيثمي في "مجمع الزوائد"(2/ 159): وعن علي وعمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه جابر الجعفي، وثقه شعبة والثوري وزهير بن معاوية، وهو مدلس، وضعفه الناس.

قلت: الهيثمي هنا تكلم عن جابر الجعفي، وقال أن شعبة والثوري وزهير بن معاوية وثقوه، وهو مدلس، وقد ضعف الناس جابر الجعفي. وقوله:"وهو مدلس وضعفه الناس "عائد على جابر الجعفي، وليس على زهير بن معاوية، وزهير بن معاوية ثقة ثبت، لم يضعفه الناس، إنما ضعف الناس جابر الجعفي

(1)

"جامع التحصيل"(ص 177).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(ص 110).

(3)

"مجمع الزوائد"(2/ 109).

(4)

"التدليس في الحديث"(ص 199 - 200).

ص: 183

كما في ترجمته من "تهذيب التهذيب"، ولم يصف أحدًا زهير بالتدليس، وقد وثق زهير جابر الجعفي، فقال: كان إذا قال سمعت أو سألت فهو من أصدق الناس، كما في "تهذيب التهذيب".

‌52 - زياد بن كليب أبو معشر

قال أبو داود: سمعت أحمد بن محمد بن حنبل قال: أبو معشر -يعني زياد بن كليب- يحدث عن إبراهيم أشياء يرفعها إلى ابن مسعود نحو من عشرة لا يعرف عن ابن مسعود لها أصل، يعني أنها مقصورة على إبراهيم.

قال أحمد: يقولون كان يأخذ عن حماد.

قلت لأحمد في حديث عبد الله: "لا بأس ببيع عشرة اثنا عشر" علقمة أعني عن أبي معشر عن إبراهيم، قلت: فيه علقمة؟ قال: لا، وليته لم يكن ابن مسعود، يعني ليته لم يقل: عن ابن مسعود

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أي أصحاب إبراهيم أحب إليك؟

قال: الحكم بن منصور، ما أقربهما.

سمعته يقول: كانوا يرون أنا عامة حديث أبي معشر إنما هو عن حماد

(2)

.

وفى "تهذيب التهذيب": "قال العجلي: زياد بن كليب كان ثقة في الحديث قديم الموت. وقال أبو حاتم: صالح من قدماء أصحاب إبراهيم، ليس بالمتين في حفظه، وهو أحب إلي من حماد بن أبي سليمان. وقال ابن حبان: كان من الحفاظ المتقنين. وقال ابن سعد: كان قليل الحيدث. وقال ابن المديني وأبو جعفر السبتي: ثقة، نقله ابن خلفون". اهـ

وقال النسائي في "السنن الكبرى"(ح 2563): أبو معشر زياد بن كليب ثقة، وهو صاحب إبراهيم، روى عنه منصور ومغيرة وشعبة.

(1)

"سؤالات أبي داود الفقهية" للإمام أحمد (صـ 437).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال"(2/ 493).

ص: 184

‌53 - زيد بن أسلم

ذكر الحافظ ابن حجر زيد بن أسلم في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: روى عن ابن عمر رضى الله عنهما في رد السلام بالإشارة، قال ابن عيينة: قلت لإنسان: سله أسمعه من ابن عمر، فساله فقال: أما أنا فكلمنى وكلمته، أخرجه البيهقي، وفى هذا الجواب إشعار بأنه لم يسمع هذا بخصوصه منه، مع أنه مكثر عنه، فيكون دلسه

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": زيد بن أسلم العدوي المدني، ثقة عالم، وكان يرسل.

قال الإمام أحمد في "مسنده"(2/ 10): حدثنا سفيان، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد بنى عمرو بن عون، مسجد قباء يصلي فيه، فدخلت عليه رجال الأنصار يسلمون عليه، ودخل معه صهيب، فسألت صهيبًا: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سُلم عليه؟ قال: يُشير بيده. قال سفيان: قلت لرجل: سل زيدًا: أسمعته من عبد الله، وهبت أن أسأله، فقال: يا أبا أسامة، سمعته من عبد الله بن عمر؟ قال: أما أنا، فقد رأيته فكلمته.

ومن طريق ابن عيينة أخرجه الشافعي في مسنده (ح 352)، وعبد الرزاق (3597)، والحميدي (148)، وابن أبي شيبة (14/ 281)، والدارمي (1/ 316)، والنسائي في "المجتبى"(3/ 5)، وابن ماجه (1017)، وابن خزيمة (888)، وابن حبان (2258)، والطبراني في "الكبير"(7291)، والحاكم (3/ 12)، والبيهقي في "السنن"(2/ 259)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 32 - 33).

وعند الحميدي: قال زيد بن أسلم: أما أنا فقد كلمته وكلمنى، ولم يقل سمعت منه.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 81).

ص: 185

وعند ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء عن سفيان قال: قلت لزيد: سمعت هذا من ابن عمر؟ قال: نعم.

وعبد الجبار بن العلاء ترجم له ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، فقال:"قال سلمة بن شبيب عن أحمد: رأيته عند ابن عيينة حسن الأخذ. وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال مرة: شيخ. وقال النسائي: ثقة. وقال مرة: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: كان متقنًا، سمعت ابن خزيمة يقول: ما رأيت أسرع قراءة منه ومن بندار. وقال العجلي: بصري ثقة سكن مكة". اهـ

وأخرجه البيهقي وابن عبد البر من طريق الحميدي وأبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل الأيلي. وقال زيد بن أسلم في طريق إسحاق بن إسماعيل: أما أنا فقد رأيته.

أما الباقون فرووا الحديث من طريق ابن عيينة، ولم يذكروا سؤال سفيان بن عيينة لزيد بن أسلم.

قال ابن عبد البر: جواب زيد هذا جواب حيدة عما سُئل عنه، وفيه دليل والله أعلم على أنه لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر، ولو سمعه منه لأجاب بأنه سمعه، ولم يجب بأنه رآه، وليست الرؤية دليلًا على صحة السماع، وقد صح سماعه من ابن عمر لأحاديث، وقد ذكرنا ذلك في أول باب من هذا الكتاب، والحمد لله. اهـ

وقال ابن رجب في "فتح الباري"(6/ 419 - 420)(ح 1217): وخرج الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة من رواية زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مسجد قباء ليصلي فيه

الحديث.

وقد قيل: إن زيدًا لم يسمعه من ابن عمر، وقد سُئل عن ذلك، فقال: أما أنا فقد كلمته وكلمني، ولم يقل: سمعته.

وممن قال لم يسمعه من ابن عمر: ابن المديني ويعقوب بن شيبة.

ص: 186

قلت: وسماع زيد بن أسلم من ابن عمر مختلف فيه.

قال ابن معين: قد سمع زيد بن أسلم من ابن عمر. "تاريخ الدوري"(3/ 219).

وقال العلائي في "جامع التحصيل"(صـ 178): قال علي بن المديني: سُئل سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم فقال: ما سمع من ابن عمر إلا حديثان.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 387): زيد بن أسلم سمع من ابن عمر.

وقال أبو أحمد الحاكم في "الأسامى والكنى"(2/ 21): أبو أسامة زيد بن أسلم القرشي العدوي سمع أبا عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي وأبا حمزة أنس بن مالك الأنصاري.

وقال مسلم بن الحجاج في "الكنى والأسماء"(1/ 154): أبو أسامة زيد ابن أسلم مولى عمر بن الخطاب سمع ابن عمر وأباه.

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(15/ 125): ومما يدل على أن جر الإزار مذموم على كل حال ما ذكره أبو زرعة، قال: حدثنا محمد بن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة، أنه أخبرهم عن زيد بن أسلم، قال: سمعت عبد الله بن عمر يقول لابن ابنه عبد الله بن واقد: يا بني، ارفع إزارك فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جر ثوبه خيلاء".

وقد زعم أبو جعفر الطحاوي أن زيد بن أسلم لم يسمع من ابن عمر، وهذا غلط، وقد بان لك في حديث ابن عيينة هذا سماعه، ومما يدل على ذلك أيضًا ما ذكره ابن وهب في كتاب المجالس، قال: أخبرنا ابن زيد عن أبيه أنا أباه أسلم أرسله إلى ابن عمر .... الحديث. اهـ

قلت: الذى يظهر لي أن زيد بن أسلم سمع من ابن عمر، إلا أن بعض العلماء قد وصفه بأنه لم يسمع من ابن عمر حديث رد السلام بالإشارة، ودلسه. فلو سلمنا أنه لم يسمع من ابن عمر هذا الحديث، فيقال: إنه لم

ص: 187

يسمع من ابن عمر هذا الحديث خاصة، وباقي حديثه عن ابن عمر قد سمعه منه. والتدليس الموصوف به زيد بن أسلم خاص بحديث رد السلام بالإشارة فلا ينبغي التوقف في عنعنته عن ابن عمر إلا في حديث رد السلام بالإشارة، أو في حديث آخر قد ثبت أنه دلسه عن ابن عمر والله أعلم.

* * *

ص: 188

‌حرف السين

‌54 - سالم بن أبي الجعد

ذكر الحافظ ابن حجر سالم بن أبي الجعد في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: من التابعين، ذكره الذهبي في "الميزان" بذلك

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": سالم بن أبي الجعد ثقة، وكان يرسل كثيرًا.

قال الذهبي في "الميزان"(2/ 109): سالم بن أبي الجعد من ثقات التابعين لكنه يدلس ويرسل.

قال أحمد: لم يسمع من ثوبان ولم يلقه.

قلت: حديثه عن النعمان بن بشير وعن جابر في الصحيحين، وحديثه في البخاري عن عبد الله بن عمرو وابن عمر، وحديثه عن علي في سنن النسائي وأبي داود. اهـ

قلت: لعل قول الذهبي "يدلس" أي: "يرسل"، وكان الذهبي كثيرًا ما يطلق التدليس على الإرسال الخفي، وقد بينت ذلك في ترجمة عبد الله بن زيد أبي قلابة الجرمي. ولم يصف أحد من العلماء سالم بن أبي الجعد بالتدليس.

أما قول الذهبي "يدلس ويرسل" فهو من باب عطف المترادفين والله أعلم.

وانظر ترجمة "خالد بن معدان" ويزيد بن عبد الرحمن بن أبى مالك.

وسالم بن أبي الجعد قد أرسل عن عدد من الصحابة.

قال أحمد وابن معين والبخاري وأبو حاتم والأثرم ويعقوب بن سفيان وابن حبان: سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان.

وقال ابن المديني: لم يلق ابن مسعود وعائشة وزياد بن لبيد.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 111).

ص: 189

وقال الترمذي: سألت محمدًا قلت له: سالم بن أبي الجعد سمع من أبي أمامة فقال: ما أرى.

وقال أبو زرعة: سالم عن عثمان وعلى مرسل.

وقال أبو حاتم: لم يدرك عمرو بن عنبسة.

وقال أبو داود: لم يسمع من شرحبيل بن السمط.

وقال الدارقطني: لم يسمع من سعيد بن زيد.

وقال البزار: لم يسمع من أبي الدرداء.

("الجرح والتعديل" (4/ 181)، و"مراسيل ابن أبي حاتم (285 - 288) و "تاريخ الدوري" (4/ 16)، و "التاريخ الأوسط" (1/ 255)، و "ناسخ الحديث ومنسوخه "للأثرم (صـ 213)، و"المعرفة والتاريخ" (3/ 236)، و "علل ابن المديني" (ص 88)، و"سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (1/ 125)، و"علل الترمذي الكبير" (صـ 386)، و"سنن أبي داود (4/ 178)(ح 3967)، و"علل الدارقطني"(4/ 420)، و"كشف الأستار"(4/ 52)(ح 3176)).

‌55 - سعيد بن عبد العزيز الدمشقي

قال الذهبي: زياد بن أبي سودة (د - ق) عن أخيه عثمان، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم: ابعثوا بزيت يسرج في قناديلة - يعني بيت المقدس.

هذا حديث منكر جدًا، رواه سعيد بن عبد العزيز عن زياد عنها، فهذا منقطع، ورواه ثور بن يزيد عن زياد متصلًا.

قال عبد الحق: ليس هذا الحديث بالقوي. وقال ابن القطان: زياد وعثمان ممن يجب التوقف عن روايتهما.

قلت: وميمونة هذه يُقال: بنت سعد، ويُقال: بنت سعيد، لها في السنن أربعة أحاديث، والأربعة منكرة، فالأول قلناه. والثاني قال: ولد الزنا لا خير فيه. والثالث فيمن قبل زوجته في رمضان، قال: أفطر.

ص: 190

والرابع: مثل الرافلة في الزينة.

ثم ما أدري أهل سمع سعيد بن عبد العزيز من زياد أو دلسه بعن، وقد رواه ثور بن يزيد ومعاوية بن صالح عن زياد، وفيه: قلت: وكيف الروم فيه، بل لفظهما: قلت: أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه زادًا، فإن صلاة فيه كألف صلاة. هكذا أخرجه أحمد وابن ماجه

(1)

.

قال برهان الدين ابن العجمي: سعيد بن عبد العزيز عن زياد بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم. قال الذهبي في "ميزانه" -في ترجمة زياد هذا-: ثم ما أدري أهل سمع سعيد من زياد أو دلسه بعن؟ - انتهى

(2)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين، وقال: ثقة من كبار الشاميين من طبقة الأوزاعي، روى عن زياد بن أبى سودة، فقال أبو الحسن بن القطان: لا ندري

(3)

سمعه منه أو دلسه عنه

(4)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": سعيد بن عبد العزيز التنوخي الدمشقي، ثقة إمام، سواه أحمد بالأوزاعي، وقدمه أبو مسهر، لكنه اختلط في آخر أمره.

قال ابن القطان الفاسي: باب ذكر أحاديث عَرَّف ببعض رواتها فأخطأ في التعريف بهم:

من ذلك أنه ذكر من طريق أبي داود حديث عثمان بن أبي سودة عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله أفتنا في بيت المقدس؟ قال: "ائتوه فصلوا فيه" الحديث.

(1)

"ميزان الاعتدال"(2/ 90).

(2)

"التبيين لأسماء المدلسين" صـ 86.

(3)

قال المحقق: في (أ) و (ج): يُدرى.

(4)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 111 - 112).

ص: 191

ثم قال: ليس هذا الحديث بقوي.

هذا نص ما ذكر، والخطأ فيه في جعله إياه عن عثمان بن أبي سودة، وذلك من تفسيره الخطأ، فإن الحديث عند أبي داود إنما هو هكذا: حدثنا النفيلي، حدثنا مسكين، عن سعيد بن عبد العزيز، عن ابن أبي سودة، عن ميمونة.

هكذا فيه: "ابن أبي سودة" غير مُسمى، وقد رُوى عن مسكين بن بكير مفسرًا بزيادة زياد بن أبي سودة لا بعثمان.

قال أبو علي بن السكن: حدثنا محمد بن عبد الملك بن مروان، حدثنا أحمد ابن عبد الرحمن بن المفضل، حدثنا مسكين بن بكير، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت: يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس؟ قال: "ائتوا فصلوا فيه".

قالت: فإن لم نستطع؟ قال: "فابعثوا بزيت يُسرج في قناديله".

وقد رواه الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، ففسره أيضًا بأنه زياد بن أبي سودة، كذلك ذكره ابن أبي خيثمة، قال: حدثنا الحوطي -هو عبد الوهاب ابن نجدة- قال: حدثنا الوليد بن مسلم، عن سعيد بن عبد العزيز، قال: حدثنا زياد بن أبي سودة، أن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قلت يا رسول الله: أفتنا في بيت المقدس؟ قال: "أرض المحشر والمنشر، ائتوه فصلوا فيه، فإن صلاة فيه كألف صلاة في غيره". قلت: أرأيت إن لم نطق أن نتحمل إليه؟ قال: "فلتهد له زيتًا يسرج فيه، فإن من أهدى له كان كمن صلى فيه".

وقال قاسم بن أصبغ في كتابه: حدثنا الحوطي، حدثنا عيسى بن يونس، عن ثور، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله حرفًا بحرف.

ففيه أيضًا من قول ثور بن يزيد أنه زياد بن أبي سودة، كما قال سعيد بن عبد العزيز، وهما أخوان، عثمان وزياد ابنا أبي سودة، وأظن أن زيادًا لم يسمعه من ميمونة، وإنما بينه وبينها أخوه عثمان.

وقد جاء كذلك من طريق عيسى بن يونس، من غير رواية الحوطي عنه.

ص: 192

قال ابن السكن: حدثنا محمد بن يوسف بن مطر، حدثنا علي بن خشرم.

وحدثنا محمد بن بدر الباهلي، حدثنا سليمان بن عمر البرقي، قالا: حدثنا عيسى بن يونس، عن ثور بن يزيد، عن زياد بن أبي سودة، عن أخيه عثمان بن أبي سودة، عن ميمونة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها قالت:"يا نبي الله أفتنا في بيت المقدس" الحديث. مثل رواية الحوطي سواء.

ففى هذا أن رواية سعيد بن عبد العزيز التى ذكر أبو داود منقطعة، فإن سعيد بن عبد العزيز وثور بن يزيد إنما أخذاه عن زياد لا عن عثمان، وبين زياد وبين ميمونة عثمان، حسب ما في هذه الرواية عن عيسى بن يونس

(1)

.

ذكر الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني قول الذهبي السابق، ثم قال: قلت: فتدليسه لهذا الحديث أمر متوهم لا دليل عليه، والرجل ثقة فلا يُجرح بمثل هذا، وقد جعله الحافظ في المرتبة الثانية، وأرى أنه لم يثبت عليه التدليس، وإن ثبت فهو حديث واحد، وإذن فهو من أهل المرتبة الأولى والله أعلم

(2)

.

قلت: حديث ميمونة رواه أحمد في "مسنده"(6/ 463)، وعبد الله بن أحمد بن حنبل في "زوائده على المسند"(6/ 463)، وابن ماجه (1407)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(610)، والطبراني في "المعجم الكبير"(25/ 55)، وفى "مسند الشاميين"(471) من طريق علي بن بحر وأبي موسى الهروي إسحاق بن إبراهيم وإسماعيل بن عبد الله الرقي وعلي بن معبد الرقي وأبو جعفر النفيلي عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل جميعًا عن عيسى بن يونس، عن ثور بن يزيد، عن زياد بن أبي سودة، عن عثمان بن أبي سودة، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم به.

وخالفهم الحوضى عبد الوهاب بن نجدة فرواه عن عيسى، عن ثور، عن زياد

(1)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 531 - 534).

(2)

"التدليس في الحديث"(صـ 203).

ص: 193

ابن أبي سودة، عن ميمونة، بإسقاط عثمان بن أبي سودة.

رواه عن الحوطي قاسم بن أصبغ في "كتابه"، ذكر ذلك ابن القطان الفاسي.

وعبد الوهاب بن نجدة ثقة كما في "التقريب".

ورواه ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني"(ح 3448)، والطبراني في "المعجم الكبير"(25/ 56) عن محمد بن عوف وأحمد بن مطير الرملي القاضي، كلاهما عن محمد بن أبي السري، عن رواد بن الجراح، عن صدقة بن صدقة، عن ثور بن يزيد، عن زياد بن أبي سودة، عن أخيه عثمان عن ميمونة به.

وصدقة بن صدقة لم أقف له على ترجمة.

ورواد بن الجراح صدوق اختلط بآخره فتُرك، وفى حديثه عن الثوري ضعف شديد، كما في "التقريب".

ومحمد بن أبي السري هو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن العسقلاني، صدوق عارف له أوهام كثيرة، كما في "التقريب".

ورواه الطبراني في "مسند الشاميين"(ح 472) عن موسى بن أبي حسين الواسطي، عن سعيد بن عبد الحميد الواسطي، عن يزيد بن هارون، عن أصبغ بن زيد، عن ثور بن يزيد، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة، بإسقاط عثمان بن أبي سودة.

وأصبغ بن زيد ترجم له الحافظ في "تهذيب التهذيب"، فقال: "قال أحمد: ليس به بأس، ما أحسن رواية يزيد عنه. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو زرعة: شيخ. وقال أبو حاتم: ما بحديثه بأس. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال ابن سعد: كان ضعيفًا في الحديث. وأورد له ابن عدي ثلاثة أحاديث غرائب من رواية يزيد بن هارون عنه، وقال: هذه غير محفوظة، وقال: لا أعلم روى عنه غير يزيد بن هارون.

قلت: بل روى عنه غيره كما تقدم.

ص: 194

وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرًا، لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد. وقال الدارقطني: تكلموا فيه، وهو عندي ثقة. وقال الآجري عن أبي داود: ثقة.

وقال مسلمة بن قاسم: لين ليس بحجة

(1)

.

وقال أحمد: أصبغ بن زيد الوراق كان من الثقات. وقال ابن معين: أصبغ بن زيد الوراق لا بأس به، ولكني لا أحسب حديث الفتون حق. ("سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 320)، و"سؤالات ابن محرز" لابن معين (1/ 90)).

وموسى بن أبي حسين الواسطي وسعيد بن عبد الحميد الواسطي لم أقف لهما على ترجمة.

ورواه الطحاوي في "مشكل الآثار"(611 - 612) عن يحيى بن عثمان وفهد وهارون بن كامل جميعًا، عن أبي صالح كاتب الليث، عن معاوية بن صالح، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة، بإسقاط عثمان. وأبو صالح كاتب الليث مُختلف فيه. ومعاوية بن صالح صدوق.

ورواه أبو داود في "سننه"(457)، والبيهقي في "السنن الكبرى"

(2/ 441)، والبغوي في "شرح السنة"(ح 456)، وأبو علي بن السكن كما ذكر ابن القطان الفاسي، من طريق مسكين بن بكير، عن سعيد بن عبد العزيز، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة، بإسقاط عثمان.

ورواه الطبراني في "مسند الشاميين"(ح 344) عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن الهيثم بن خارجة، عن الوليد بن مسلم قال: ثنا سعيد بن عبد العزيز عن ابن أبي سودة، عن ميمونة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أفتنا في بيت المقدس، فقال:"ائتوه فصلوا فيه"، فقالت: كيف وبيننا وبينه الروم؟ قال: "فابعثوا بزيد يُسرج في قناديله".

وخالف عبد الوهاب بن نجدة الهيثم بن خارجة فصرح بسماع سعيد بن عبد العزيز

(1)

"تهذيب التهذيب".

ص: 195

من زياد بن أبي سودة كما عند ابن أبي خيثمة، ذكر ذلك ابن القطان الفاسي.

قلت: حديث ميمونة السابق رواه مسكين بن بكير، عن سعيد بن عبد العزيز، عن زياد بن أبي سودة، عن ميمونة. واختُلف على الوليد، فرواه عبد الوهاب بن نجدة عنه، وذكر تصريح سعيد بن عبد العزيز بالسماع من زياد.

ورواه الهيثم بن خارجة عنه، ولم يذكر تصريح سعيد بالسماع من زياد.

وكذلك لم يذكر مسكين بن بكير تصريح سعيد بالسماع من زياد.

وعبد الوهاب بن نجدة روى عنه أبو داود وغيره. ووثقه ابن قانع. وقال يعقوب بن الحمصي: ثبت ثقة. وقال ابن أبي عاصم: ثقة ثقة. "تهذيب التهذيب".

والهيثم بن خارجة وثقة ابن معين وابن قانع. وذكره ابن حبان في "الثقات".

وقال الخليلي: ثقة متفق عليه. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال عبد الله بن أحمد: كان أبي إذا رضى عن إنسان وكان عنده ثقة حدث عنه وهو حي، فحدثنا عن الهيثم بن خارجة وهو حي. "تهذيب التهذيب"

ومسكين بن بكير ذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الأثرم: سمعت أحمد يحسن أمره. وقال مرة: قدمه أبو عبد الله على مخلد بن يزيد، وقال: حدث عن شعبة بأحاديث لم يروها أحد. وقال أبو داود: سمعت أحمد يقول: لا بأس به. وكذا قال أبو حاتم، وزاد: كان صالح الحديث، يحفظ الحديث. وقال أبو أحمد الحاكم: كان كثير الوهم والخطا. وقال ابن شاهين في "الثقات": قال ابن عمار: يقولون إنه ثقة، لم يُسمع منه شيئًا. "تهذيب التهذيب"

وقال ابن هانئ: قلت لأبي عبد الله: نظرت في حديث مسكين عن شعبة فإذا فيها خطأ؟ فقال: من أين كان يضبط عن شعبة. وقال البزار: مسكين بن بكير ثقة. "الضعفاء الكبير"(4/ 221)، و"مسائل ابن هانئ" للإمام أحمد (2/ 203)، و "كشف الأستار"(3/ 344)(ح 2899).

قلت: الذى يظهر لي أن سعيد بن عبد العزيز قد صح سماعه من زياد في هذا

ص: 196

الحديث، ولا يصح وصفه بالتدليس في هذا الحديث، وقد توقف الذهبي في سماع سعيد بن عبد العزيز من زياد بن أبي سودة في هذا الحديث، وقال: لا أدري سمعه منه أو دلسه بعن، وقد ثبت أنه سمعه منه، ولم يُوصف سعيد بالتدليس إلا في هذا الحديث، ولم يثبت أنه دلسه. ولم يصف سعيد بالتدليس في هذا الحديث إلا الذهبي، فلا يصح وصف سعيد بن عبد العزيز بالتدليس مطلقًا والله أعلم.

وقد روى هذا الحديث عيسى بن يونس، عن ثور بن يزيد، عن زياد بن أبي سودة، عن أخيه عثمان بن أبي سودة، عن ميمونة. فبينت هذه الرواية أن زياد لم يأخذ الحديث عن ميمونة مباشرة، إنما أخذه عن أخيه عثمان عنها. وقد قال بذلك ابن القطان الفاسي، وتبعه على ذلك المزي

(1)

والذهبي والعلائي

(2)

.

وقد وهم الحافظ ابن حجر في نقل كلام ابن القطان الفاسي، فنقل أن ابن القطان وصف سعيد بالتدليس عن زياد بن أبي سودة، وليس في كلام ابن القطان السابق وصف سعيد بالتدليس عن زياد، ولكن الكلام الذى نسبه الحافظ إلى ابن القطان الفاسي هو كلام الذهبي، وليس كلام ابن القطان، فلعل الحافظ اشتبه عليه والله أعلم.

‌56 - سعيد بن أبي عروبة

قال ابن أبي حاتم: نا صالح، نا علي قال: عرضت على يحيى بن سعيد حديث ابن أبي عروبة عن محمد بن عبد الرحمن عن سعيد بن المسيب القضاء ما قضيت، فقال: هذا رواه عن البرى -يعني عثمان- عن أبي جابر البياض.

قال أبو محمد: وكان متروكي الحديث

(3)

.

(1)

"تهذيب الكمال"(9/ 480).

(2)

"جامع التحصيل"(ص 178).

(3)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 235)، و"الضعفاء الكبير"(2/ 114).

ص: 197

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: نا صالح، نا علي قال: سألت يحيى عن حديث ابن أبي عروبة عن أبي رجاء عن أبي موسى في القنوت، فقال: لم يسمعه من أبي رجاء، إنما هذا حديث البراء الغنوي - وكأنه لم يرض البراء

(1)

.

قال ابن سعد: أخبرنا عفان قال: كان سعيد بن أبي عروبة يروي عن قتادة مما لم يسمع شيئًا كثيرًا، ولم يكن يقول فيه حدثنا

(2)

.

قلت: أبو نعيم رحمه الله كان من المتشددين، فقد قال الآجري: قلت لأبى داود: بلغك عن عفان أنه يكذب وهب بن جرير؟ فقال: حدثنى عباس العنبرى، قال: سمعت عليًا يقول: أبو نعيم وعفان صدوقان لا أقبل كلامهما في الرجال، هؤلاء لا يدعون أحدًا إلا وقعوا فيه. "سؤالات الآجري" لأبى داود (2/ 16).

وسعيد بن أبي عروبة كان مكثرًا عن قتادة، وكان من أثبت الناس فيه، فما الذي يجعله يكثر التدليس عنه.

قال ابن معين: سعيد بن أبى عروبة أثبت الناس في قتادة.

وقال ابن محرز: سمعت يحيى وقيل له: أيما أحب إليك في قتادة: سعيد أو هشام؟ فقال: سعيد ثقة ثبت، وهشام ثقة.

وقال يعقوب بن سفيان: حدثنى محمد قال: سمعت عليًا قال: أصحاب قتادة ثلاثة: سعيد وهشام وشعبة، فأما سعيد فاتقنهم، وأما هشام فأكثرهم، وأما شعبة فأعلمهم بما سمع وما لم يسمع، وقال: ليس بعد هؤلاء أحد مثل همام من كتابه.

وقال ابن أبى حاتم: نا محمد بن سعيد المقرى الرازى، قال: سمعت عبد الرحمن -يعنى ابن الحكم بن بشير- يذكر عن أبى داود قال: كان سعيد بن أبى عروبة أحفظ أصحاب قتادة.

(1)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 237 - 238).

(2)

"الطبقات الكبرى"(7/ 202).

ص: 198

نا ابن أبى خيثمة فيما كتب إلى، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: أثبت الناس في قتادة: ابن أبى عروبة وهشام الدستوائى وشعبة، فمن حدثك من هؤلاء الثلاثة الحديث فلا تبالى أن لا تسمعه من غيره.

سمعت أبى يقول: سعيد بن أبى عروبة كان أعلم الناس بحديث قتادة.

وقال أبو زرعة: أثبت أصحاب قتادة هشام وسعيد.

وقال أحمد بن حنبل: أصحاب قتادة: سعيد وهشام وشعبة، إلا أن شعبة لم يبلغ علم هؤلاء، وكان سعيد يكتب كل شئ.

وقال ابن محرز: قال ابن معين: أوثق الناس في قتادة: سعيد وشعبة وهشام. قيل له: أيما كان أوثق في قتادة: شعبة أو سعيد؟ فقال: شعبة ثقة فيما حدث به وسعيد أكثر منه في قتادة. ("سؤالات ابن الجنيد" لابن معين (صـ 349)، و "إكمال تهذيب الكمال" لمغلطاى (5/ 332)، و"سؤالات ابن محرز" لابن معين (1/ 118)، و"المعرفة والتاريخ"(2/ 141)، و"سؤالات ابن محرز" لابن معين (2/ 194).

ومحمد هو ابن عبد الرحيم صاعقة، و"الجرح والتعديل"(4/ 65)، و"العلل ومعرفة الرجال رواية "المروذى وغيره (صـ 52)، و"سؤالات ابن محرز" لابن معين (1/ 114)، و "تاريخ الدوري"(4/ 246)).

فالأصل في عنعنة سعيد عن قتادة القبول، إلا إذا قام الدليل على تدليس سعيد ابن أبي عروبة، وانظر كلام شيخنا محمد عمرو بن عبد اللطيف حفظه الله في عنعنة سعيد عن قتادة الذى في ترجمة الحسن البصري من هذا الكتاب.

قال العلائي: سعيد بن أبي عروبة مشهور بالتدليس، ذكره به غير واحد

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: البصري، رأى أنسًا -رضى الله عنه-، وأكثر عن قتادة، وهو ممن اختلط، وصفه النسائي

(1)

"جامع التحصيل"(ص 106).

ص: 199

وغيره بالتدليس

(1)

.

قلت: سعيد بن أبي عروبة قد أرسل عن كثير من الرواة ولم يسمع منهم

(2)

.

فينبغي قبل إعلال الحديث بعنعنة سعيد بن أبي عروبة التأكد هل سمع سعيد من الشيخ الذى يروي عنه أم لا.

‌57 - سعيد بن المرزبان أبو سعد البقال

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: ما أقرب أبا سعد البقال من أبي جناب، لا يحتج به.

سُئل أبو زرعة عن أبي سعد البقال، فقال: لين الحديث، مدلس. قلت: هو صدوق؟ قال: نعم، كان لا يكذب

(3)

.

وقال ابن حجر: قال أبو حاتم: فيه تدليس، ما أقربه من أبي جناب

(4)

.

وقال ابن حبان: ثنا محمد بن عبد الرحمن، ثنا ابن قهزاد، سمعت أبا إسحاق الطالقاني يقول: سألت عبد الله بن المبارك عن أبي سعد البقال فقال: كان قريب الإسناد.

قال أبو حاتم: يريد ابن المبارك بقوله: كان قريب الإسناد أى أنا كتبنا عنه لقرب إسناده، ولولا ذاك لم نكتب عنه شيئًا

(5)

.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 112 - 113). وقد تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

(2)

انظر تفصيل ذلك في كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

(3)

"الجرح والتعديل"(4/ 62).

(4)

"تهذيب التهذيب". كذا نقل الحافظ عن أبي حاتم، والذي في المطبوع ما تقدم والله أعلم.

(5)

"المجروحين"(1/ 314). وأبو إسحاق الطالقاني هو إبراهيم بن إسحاق بن عيسى. قال ابن معين: ثقة. وفى موضع آخر: ليس به باس. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت. وقال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في "الثقات"، =

ص: 200

قال ابن العراقي: أبو سعد البقال، واسمه سعيد بن المرزبان، مُتكلم فيه قال ابن المبارك: قلت لشريك بن عبد الله النخعي: تعرف أبا سعد البقال؟ قال: إني والله أعرفه، عالي الإسناد، أنا حدثته عن عبد الكريم الجزري، عن زياد بن أبي مريم، عن عبد الله بن معقل، عن ابن مسعود حديث "الندم توبة"، فتركني وترك عبد الكريم وزياد بن أبي مريم، وروى عن عبد الله بن معقل عن ابن مسعود الحديث

(1)

.

(2)

.

= وقال: يخطئ ويخالف. وقال إبراهيم بن عبد الرحمن الدارمي: روى عن ابن المبارك أحاديث غرائب. "تهذيب التهذيب".

وابن قهزاد هو محمد بن عبد الله بن قهزاد وهو ثقة.

ومحمد بن عبد الرحمن هو أبو العباس البغولي له ترجمة في "السير"(14/ 557 - 558). قال الذهبي: هو العلامة الإمام، الحافظ المجود، شيخ خراسان.

قال الحاكم في كتاب "مزكى الأخبار": كان أبو العباس أحد أئمة عصره بخراسان في اللغة والفقه والرواية.

(1)

كتاب "المدلسين"(صـ 107 - 108).

(2)

قلت: هذا الأثر رواه الخطيب البغدادي في "الكفاية"(2/ 377)، قال: أخبرني أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي، أنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ ببخارى، أنا علي بن محمد بن جعفر بن حرب الكناني السراج، ثنا محمد بن علي بن الحسين البلخي، ثنا أبو بكر محمد بن سعيد بن قتيبة بخاري الأصل، ثنا محمد بن سهل بن طرخان يعرف بالكاتب، ثنا محمد بن سلام البيكندي، ثنا عبد الله بن المبارك، قال: قلت لشريك بن عبد الله النخعي به.

قال أبو إسحاق الدمياطي في تعليقه على الكفاية: إسناده ضعيف، والخبر المرفوع صحيح: فيه الحسن بن محمد بن علي البلخي أبو الوليد، قال فيه =

ص: 201

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= ابن النجار: رجل من وراء النهر إلى الإسكندرية وكان رديء الحفظ، لكنه مكثر صدوق

إلخ". ("تذكرة الحفاظ" (3/ 1155)، و "السير" (8/ 297)).

ومحمد بن علي بن الحسين البلخي، قال فيه الحاكم: بلغني أنه كان يحفظ أفراد الخراسانيين، والغالب على روايته المناكير، وقد حدث بنيسابور .. إلخ، وذكره ابن عساكر ووصفه بالحفظ، وقال الذهبي: ومن مناكيره .. وأورد له حديثًا حكم عليه بالوضع. انظر "اللسان"(6/ 383 - 384).

وهناك كذلك في إسناده من لم أقف على حاله، والله المستعان.

ويشهد لما جاء عن شريك ما ذكره ابن عدي في "الكامل"(4/ 1329) قال: قال لنا ابن عبد العزيز: ولا أحسب أبا سعد سمعه من ابن معقل، وقد بلغني عن شريك أنه قال: حدثت أبا سعد عن عبد الكريم، عن زياد، عن عبد الله بن معقل.

قال شريك: فتركني وترك عبد الكريم وترك زيادًا، ورواه عن ابن معقل نفسه، وذلك أن أبا سعد كان كثير التدليس فيما يقال .... إلخ.

ثم قال ابن عدي: ثنا ابن عبد العزيز، ثناه علي بن الجعد، أنا شريك، عن عبد الكريم، عن زياد، عن ابن معقل، عن ابن مسعود، عن النبي (قال:"الندم توبة".

أقول: وأبا سعد البقال هو سعيد بن المرزبان العبسي مولاهم، ترجم له ابن حجر في تقريبه بقوله: ضعيف مدلس. اهـ

وانظر "التهذيب"(4/ 79) فيه ذكر الحافظ أثر ابن المبارك عن شريك. ويظهر أن الواقع ما ذكره ابن المبارك وعلقه عبد العزيز البغوي من كون أبي سعد أسقط شريكًا وعبد الكريم وزيادًا ورواه مباشرة عن عبد الله بن معقل.

وقد استوجه ذلك ابن عدي رحمه الله حيث قال: وهذا الذى حكى البغوي عن شريك أنه حدث أبا سعد بهذا الحديث فدلس في هذا الحديث أبو سعد، فترك شريكًا وعبد الكريم وزيادًا، وحدث عن عبد الله بن معقل نفسه، فغير منكر هذا. اهـ

ص: 202

وذكره العلائي في المدلسين، وساق القصة السابقة التى رواها الخطيب في "الكفاية"

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين، وزاد ابن حجر: من أتباع التابعين، ضعيف مشهور بالتدليس، وصفه به أحمد وأبو حاتم والدارقطني وغيرهم

(2)

.

‌58 - سعيد بن أبي هلال

قال ابن رجب الحنبلي: ومن ذلك ما ذكره البرذعي قال: قال لي أبو زرعة: خالد بن يزيد المصري وسعيد بن أبي هلال صدوقان، وربما وقع في قلبي من حسن حديثهما.

وقال لي أبو حاتم: أخاف أن بكون بعضها مراسيل عن ابن أبي فروة وابن سمعان، انتهى.

ومعنى ذلك أنه عرض حديثهما على حديث ابن أبي فروة وابن سمعان فوجده يشبه ولا يشبهه حديث الثقات الذين يحدث عنهم، فخات أن يكون أخذا حديث ابن أبي فروة وابن سمعان ودلساه عن شيوخهما

(3)

.

(4)

.

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 112).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 114).، و "تعريف أهل التقديس"(صـ 175 - 176).

ولم أقف على وصف أحمد لسعيد بن المرزبان بالتدليس.

(3)

"شرح علل الترمذي": (2/ 867)، و "سؤالات البرذعي" لأبي زرعة الرازي:(2/ 361).

(4)

قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله يقول: سعيد بن أبي هلال ما أدري أي شيء حديثه، يخلط في الأحاديث، ثم قال: هو أيضًا يروي عن أبي الدرداء في السجود. قلت: حديث النجم؟ قال: نعم. ("سؤالات الآثرم" للإمام أحمد (صـ 46)).

ص: 203

‌59 - سفيان بن سعيد الثوري

سفيان بن سعيد الثوري كان مدلسًا، إلا أنه كان قليل التدليس، وذكر البخاري أنه لا يعرف لسفيان تدليسًا عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، وذكر مشايخ كثيرة، وقال: لا أعرت لسفيان عن هؤلاء تدلسيًا، ما أقل تدلسيه. وكل ما رواه يحيى القطان عن سفيان الثوري قال فيه سفيان حدثني أو حدثنا إلا حديثين، فلا يعل الحديث بتدليس سفيان الثوري إذا كان من رواية يحيى القطان عنه إلا في الحديثين اللذين ذكر يحيى أنه لم يسمع سفيان يصرح فيهما بالسماع من شيخه.

وكان الثوري يروي عن الضعفاء، إلا أنه كان كثيرًا لا يسميهم ويذكرهم بكنيتهم، وهذا يُسمى بتدليس الشيوخ.

فكان يروي عن محمد بن سالم الكوفي ويقول: أبو سهل.

وكان يروي عن عبيدة بن معتب الضبي ويقول: أبو عبد الكريم.

وكان يروي عن سليمان بن أرقم ويقول: أبو معاذ.

وكان يروي عن بحر السقاء ويقول: أبو الفضل.

وكان يروي عن محمد بن السائب الكلبي ويقول: أبو النضر.

وكان يروي عن الصلت بن دينار ويقول: أبو شعيب.

وكان يروي عن سالم بن أبي حفصة ويقول: أبو يونس.

= وفي "تهذيب التهذيب": "قال أبو حاتم: سعيد بن أبي هلال لا بأس به.

وذكره ابن حبان في الثقات. وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. وقال العجلي: مصري ثقة. ووثقه ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي والخطيب وابن عبد البر وغيرهم، وأخرج له الجماعة. وقال الساجي: سعيد بن أبي هلال صدوق، كان أحمد يقول: ما أدري أي شيء يخلط في الأحاديث. وقال ابن حزم: ليس بالقوي، ولعله اعتمد على قول أحمد فيه". اهـ

ص: 204

وكان يروي عن عبد الله بن سعيد المقبري ويقول: أبو يونس.

وكان يروي عن الحسن بن دينار ويقول: أبو سعيد السليطي.

وكان يروي عن عبد القدوس الشامي ويقول: أبو سعيد.

وكان يروي عن سفيان بن قسيم ويقول: أبو الصباح بن قسيم.

وكان يروي عن إبراهيم بن هراسة ويقول: أبو إسحاق الشيباني.

قال الترمذي: حدثنا حسين بن مهدي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن المبارك قال: قلت لهشيم: مالك تدلس وقد سمعت؟ قال: كان كبيراك يدلسان، وذكر الأعمش والثوري، وذكر أن الأعمش لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: نا ابن أبي خيثمة فيما كتب إلى قال: سمعت يحيى بن معين يقول: لم يكن أحد أعلم بحديث أبي إسحاق من الثوري، وكان يدلس، ولم يكن أحد أعلم بحديث الأعمش من الثوري

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: سألت أبي عن حديث رواه الفريابي، عن الثوري، عن قيس بن مسلم، عن طارق، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أنزل الله من داءٍ إلا أنزل له دواء.

قال أبي: إنما أسند هذا الحديث المسعودي والربيع بن دكين وأبو وكيع، وأما الثوري فإنه لا يسنده إلا الفريابي، ولا أظن الثوري سمعه من قيس، أراه مدلسًا

(3)

.

(1)

"علل الترمذي الكبير"(صـ 388). والحسين بن مهدي روى عنه الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة وغيرهم. وقال أبو حاتم: صدوق. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الحافظ في "التقريب": صدوق.

(2)

"الجرح والتعديل"(4/ 225).

(3)

"علل الحديث"(3/ 324)(رقم 2255). ط دار الفاروق الحديثة - مصر.

ص: 205

قال أبو زرعة الدمشقي: وسمعت أبا نعيم يقول: لم يسمع سفيان من عمرو بن مرة إلا سبعة أحاديث سمعتها كلها من سفيان غير واحد لم أضبطه، نرى أنه حديث طلق بن قيس.

فحدثنا أبو نعيم قال: وكان سفيان إذا حدث عن عمرو بن مرة بما سمع يقول: حدثنا وأخبرنا، وإذا دلس عنه يقول: قال عمرو بن مرة

(1)

.

قال ابن محرز: سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت الأشجعي يقول: قدمت من الكوفة وقد كتبت عن شبل عن ابن أبي نجيح أحاديث، فقال لى سفيان الثوري: أرني فأعطيته فنظر فيها، ثم جلس للناس فجعل يحدثهم عن ابن أبي نجيح، فجعلت أكتب مع الناس، فقال لي: هذا من ذاك - يعني من الكتاب

(2)

.

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: حدثنا الأشجعي قال: حججت فقدمت، وقد كنت سمعت من شبل، فقال لي سفيان الثوري: جئني بكتاب شبل فجئته به فنظر فيه، ثم جعل يحدث به عن ابن أبي نجيح نفسه. قلت ليحيى: كان شبل يروي عن ابن أبي نجيح؟ قال: نعم، فجعل سفيان يحدث بها عن ابن أبي نجيح نفسه، فكنت ربما ذهبت أكتب إذا حدث سفيان، فيقول لي: هذا من ذيك.

قال أبو الفضل: ووجه هذا عندي أن سفيان قد سمع من ابن أبي نجيح، وإنما أخذ كتاب شبل يتذكر به حديث ابن أبي نجيح، ولم يكن ليحدث عن ابن أبي نجيح، إلا بشيء قد أتقن علمه

(3)

.

قال الترمذي: قال محمد: ولا أعرف لسفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور وذكر مشايخ كثيرة، لا أعرف لسفيان عن هؤلاء تدليسًا ما أقل تدليسه

(4)

.

(1)

"تاريخ أبي زرعة الدمشقي"(صـ 220).

(2)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين (1/ 160).

(3)

"تاريخ الدوري"(3/ 365).

(4)

"علل الترمذي الكبير"(صـ 388).

ص: 206

قال عبد الله بن أحمد: قال أبي: قال يحيى بن سعيد: ما كتبت عن سفيان شيئًا إلا ما قال: حدثني أو حدثنا إلا حديثين، ثم قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن سماك، عن عكرمة ومغيرة، عن إبراهيم:"وإن كان من قوم عدو لكم" قالا: هو الرجل يسلم في دار الحرب فيقتل، فليس فيه دية، فيه كفارة.

قال أبي: هذين الحديثين الذى زعم يحيى أنه لم يسمع سفيان يقول فيهما: حدثنا أو حدثني

(1)

.

قال البخاري: قال يحيى القطان: ولم أكن أهتم أن يقول سفيان لمن فوقه سمعت فلانًا، ولكن كان يهمني أن يقول هو: حدثنا

(2)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: لم أكن أهتم لسفيان أن يقول لمن فوقه: قال سمعت فلانًا، ولكن كان يهمني أن يقول هو: سمعت فلانًا وحدثني فلان

(3)

.

قال الخطيب البغدادي: حدثني أبو القاسم الأزهري، قال: ثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال، قال: ثنا محمد بن أحمد بن يعقوب، قال: ثنا جدي

(4)

، قال: سألت يحيى بن معين عن التدليس، فكرهه وعابه، قلت له: أفيكون المدلس حجة فيما روى، أو حتى يقول حدثنا وأخبرنا، فقال لا يكون حجة فيما دلس.

وقال جدي: سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس، أيكون حجة فيما لم

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 242، 517)، و "تاريخ الدوري"(3/ 374)، و "سؤالات ابن محرز" لابن معين (1/ 159).

(2)

"التاريخ الكبير"(4/ 93).

(3)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 517).

(4)

هو الإمام يعقوب بن شيبة.

ص: 207

يقل حدثنا؟ قال: إذا كان الغالب عليه التدليس فلا، حتى يقول: حدثنا.

قال علي: والناس يحتاجون في حديث سفيان إلى يحيى القطان لحال الإخبار -يعني علي- أن سفيان كان يدلس، وأن يحيى القطان كان يوقفه على ما سمع مما لم يسمع

(1)

.

قال ابن عدي: حدثنا محمد بن عبد الله بن الجنيد، أخبرني محمد بن إسماعيل البخاري، قال: أعلم الناس بالثوري يحيى بن سعيد، لأنه عرف صحيح حديثه من تدليسه

(2)

.

قال يعقوب بن سفيان: أبو إسحاق رجل من التابعين، وهو ممن يعتمد عليه الناس في الحديث هو والأعمش، إلا أنهما وسفيان مدلسان، والتدليس من قديم

(3)

.

وقال يعقوب بن سفيان أيضًا: وحديث سفيان -يعني الثوري- وأبي إسحاق والأعمش مالم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة

(4)

.

قال الخطيب البغدادي: وربما لم يسقط المدلس اسم شيخه الذى حدثه، لكنه يسقط ممن بعده في الإسناد رجلًا يكون ضعيفًا في الرواية، أو صغير السن، ويحسن الحديث بذلك، وكان سليمان الأعمش وسفيان الثوري وبقية بن الوليد يفعلون مثل هذا.

أخبرنا أبو سعيد جمحمد بن موسى الصيرفي، قال: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، قال: ثنا العباس بن محمد الدوري، قال: ثنا قبيصة، قال:

(1)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 516 - 517)، و "الكامل في ضعفاء الرجال"(1/ 34).

(2)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(1/ 100).

(3)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 633).

(4)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 637).

ص: 208

ثنا سفيان الثوري يومًا حديثًا ترك فيه رجلًا، فقيل له: يا أبا عبد الله: فيه رجل؟ قال: هذا أسهل الطرق

(1)

.

(2)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا محمد بن بشار، قال: قال عبد الرحمن لم يسمع سفيان من أبي عون غير هذا الحديث، قال مروان: كيف نسأل أحدًا وفينا أزواج النبي صلى الله عليه وسلم

(3)

.

قال أحمد: لم يسمع الثوري من أبي عون إلا حديثًا واحدًا عن عبد الله بن شداد

(4)

.

وقال أحمد أيضًا: لم يسمع سفيان من ابن أشوع سعيد غير هذا الحديث - يعني حديث شريح بن النعماء عن علي في الأضحية" لا مقابلة ولا مدابرة"

(5)

.

قال ابن محرز: وسمعت يحيى وقيل له: سفيان الثوري سمع من ابن أشوع؟ فقال: نعم، قد سمع من ابن أشوع

(6)

.

قال العلائي: سفيان بن سعيد الثوري الإمام المشهور تقدم أنه يدلس، ولكن ليس بالكثير.

من ذلك ما روي عن محمد بن عبد الرحمن عن سليمان بن يسار عن عبد الله بن

(1)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 518 - 519)، و "الكامل في ضعفاء الرجال"(1/ 34).

(2)

أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي ترجم له الذهبي في "السير"(17/ 350)، فقال: الشيخ الثقة المأمون.

وأبو العباس محمد بن يعقوب الأصم ترجم له الذهبي في "السير"(15/ 452 - 453)، فقال: الإمام المحدث، مُسند العصر، رحلة الوقت.

(3)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 274).

(4)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 387).

(5)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 395).

(6)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين (1/ 123).

ص: 209

عتبة عن عمر رضى الله عنه قال: يتزوج العبد اثنين وطلاقه اثنتان. قال أحمد: لم يسمعه الثوري من محمد بن عبد الرحمن.

وروى سفيان الثوري عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن بلال أنه كان أذانه وإقامته مرتين. قال الدارقطني: لم يسمعه الثوري من أبي معشر.

وقال عبد الرحمن بن مهدي: سألت سفيان عن حديث عمرو بن مرة عن أبي عبيدة في الوتر لأهل القرآن، قال: لم أسمعه. قال: وسُئل عن حديث عمرو ابن مرة: كان يعز على عبد الله أن يتكلم بعد طلوع الفجر، قال: حدثني رجل عن عمرو بن مرة.

وقال أبو نعيم الملائي: حديث سفيان عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء: قنت النبي صلى الله عليه وسلم في الصبح لم يسمعه سفيان من عمرو -دلسه - كذا وجدت هذين، والظاهر أن المراد بسفيان فيهما الثوري

(1)

.

قال ابن حجر: قال أبو بكر بن خلاد: سمعت يحيى يقول: جهد الثوري أن يدلس على رجلًا ضعيفًا فما أمكنه. وقال مرة: ثنا أبو سهل عن الشعبي، فقلت له: أبو سهل محمد بن سالم، فقال: يا يحيى ما رأيت مثلك لا يذهب عليك شيء

(2)

.

قال البخاري: محمد بن سالم أبو سهل الكوفي كان الثوري يروي عنه فيقول أبو سهل، وربما قال: رجل عن الشعبي، يتكلمون فيه، كان ابن المبارك ينهى عنه

(3)

.

قال أبو حاتم: محمد بن سالم أبو سهل الكوفي ضعيف الحديث منكر الحديث مثل عبيدة الضبي وأضعف شبه المتروك، وكان الثوري ربما كنى عن

(1)

"جامع التحصيل"(ص 186)، و"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله بن أحمد (2/ 292).

(2)

"تهذيب التهذيب"(ترجمة محمد بن سالم).

(3)

"التاريخ الكبير"(1/ 105).

ص: 210

اسمه يقول: رجل عن الشعبي، وربما كناه يقول: أبو سهل عن الشعبي لكيلا يفطن له

(1)

.

قال ابن حبان: كان الثوري يحدث عن محمد بن سالم الكوفي أبو سهل ويقول: حدثني أبو سهل، وكان هذا مذهبًا للثوري، إذا حدث عن الضعفاء كناهم حتى لا يعرفوا، كان إذا حدث عن عبيدة بن معتب قال: حدثنا أبو عبد الكريم، وإذا حدث عن سليمان بن أرقم قال: حدثنا أبو معاذ، وإذا حدث عن بحر السقاء قال: حدثنا أبو الفضل، وإذا حدث عن الكلبي قال: حدثنا أبو النضر، وإذا حدث عن الصلت ابن دينار قال: حدثنا أبو شعيب ومن يشبه هؤلاء من الضعفاء ممن يكثر عددهم، ليس هذا موضع ذكرهم

(2)

.

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: عبيدة بن معتب كان سفيان الثوري يحدث عنه، يقول: أبو عبد الكريم، وهو الضبي

(3)

.

قال يعقوب بن سفيان: وحُدثت عن سفيان عن عبيدة بن معتب الضبي، وحديثه لا يساوي شيئًا، وكان الثوري إذا حدث عنه كناه، قال: أبو عبد الكريم، ولا يكاد سفيان يكنى رجلًا إلا وفيه ضعف، يكره أن يظهر اسمه فينفر منه الناس

(4)

.

قال ابن حجر: قال ابن أبي خيثمة عن أحمد: أبو معاذ الذى روى الثوري عنه عن الحسن اسمه سليمان بن أرقم ليس بشيء

(5)

.

قال الحاكم: مذهب سفيان بن سعيد أن يكنى المجروحين من المحدثين، إذا روى عنهم مثل بحر السقاء، فيقول أبو الفضل، والصلت بن دينار، يقول:

(1)

"الجرح والتعديل"(7/ 272).

(2)

"المجروحين"(2/ 262).

(3)

"تاريخ الدوري"(3/ 216).

(4)

"المعرفة والتاريخ"(3/ 145).

(5)

"تهذيب التهذيب"(ترجمة سليمان بن أرقم).

ص: 211

حدثنا أبو النضر، وسليمان بن أرقم يقول: حدثنا أبو معاذ

(1)

.

قال ابن حجر: وقال أبو بكر بن خلاد عن يحيى بن سعيد القطان: كان سفيان الثوري يحدثني فإذا حدثني عن الرجل يعلم أني لا أرضاه كناه لي، فحدثني يومًا قال: حدثني أبو الفضل -يعني بحر السقاء

(2)

-.

قال ابن حبان: الجنس الثاني من أحاديث الثقات التى لا يجوز الاحتجاج بها: أقوام ثقات كانوا يروون عن أقوام ضعفاء كذابين، ويكنونهم حتى لا يعرفوا، فربما أشبه كنية كذاب كنية ثقة، فيتوهم المتوهم أن راوي هذا الخبر ثقة فيحملون عليه، وليس ذلك الحديث من حديثه، ومن أعملهم بمثل هذا من هذه الأمة الثوري، كان يحدث عن الكلبي ويقول: حدثنا أبو النضر فيتوهم المستمع أنه أراد به سعيد بن أبي عروبة، أو جرير بن حازم

(3)

.

قال الآجري: قيل لأبي داود: معتمر عن أبي شعيب عن ابن سيرين؟ قال: أبو شعيب صالح بن دينار. قال شعبةْ إذا حدثكم سفيان عن رجل لا تعرفوه فلا تكتبوا، فإنما يحدثكم عن أبي شعيب المجنون - يعني هذا

(4)

.

قال العقيلي: حدثنا جعفر بن محمد قال: حدثنا عبيد الله بن سعيد، قال: حدثنا سفيان قال: حدثنا سالم بن أبي حفصة، عن منذر الثوري، عن الربيع بن خثيم، قال: حرف وأيما حرف "من يطع الرسول فقد أطاع الله".

قال أبو قدامة: حدثت به يحيى بن سعيد، فقال: عمن؟ قلت: عن سالم بن أبي حفصة، فقال: سبحان الله حدثني به سفيان عن أبي يونس ولم يسمه فلم أدر أنه سالم حتى الآن.

(1)

"سؤالات السجزي" للحاكم (صـ 88).

(2)

"تهذيب التهذيب"(ترجمة بحر بن كنيز السقاء).

(3)

"المجروحين"(1/ 91).

(4)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (2/ 143).

ص: 212

حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا عمرو بن علي، قال: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن سالم بن أبي حفصة، فسمعت يومًا يحيى يقول: حدثني سفيان، قال: حدثني أبو يونس عن منذر الثوري، فقال له رجل من الأنصار: هذا سالم بن أبي حفصة. فقال: لا! فقال: بلى حدثناه سفيان بن عيينة، قال: حدثنا سالم بن أبي حفصة أبو يونس بهذا الحديث

(1)

.

قال أبو داود: قلت لأحمد: سفيان عن أبي يونس؟ قال: هو سالم بن أبي حفصة، وربما كناه

(2)

.

قال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد النيسابوري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عبد الله بن سعيد، قال: حدثني يحيى بن سعيد، قال: جلست إلى عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري وكنيته أبو عباد، وكان الثوري يروي عنه يقول: حدثني أبو عباد، والسري بن إسماعيل فاستبان لي كذبهما في مجلس

(3)

.

قال الدوري: سألت يحيى عن أبي عباد الذى روى عنه سفيان الثوري، هو عبد الله بن سعيد المقبري؟ قال: نعم

(4)

.

قال الآجري: قيل لأبي داود: الثوري عن أبي عباد؟ قال: أبو عباد عبد الله ابن سعيد

(5)

.

قال ابن أبي حاتم: نا علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت أبا حفص - يعني عمرو بن علي- قال: كان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عن الحسن بن

(1)

"الضعفاء الكبير"(2/ 153).

(2)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 179).

(3)

"الضعفاء الكبير"(2/ 258).

(4)

"تاريخ الدوري".

(5)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (1/ 271).

ص: 213

دينار، وكان سفيان الثوري يقول: حدثنا أبو سعيد -السليطي- يعني حسن بن دينار

(1)

.

قال البخاري: الحسن بن دينار هو ابن واصل أبو سعيد التميمي مولاهم.

وقال الثوري: أبو سعيد السليطي

(2)

.

قال الآجري: سألت أبا داود عن عبد القدوس الشامي، قال: ليس بشيء، وابنه شر منه، روى عنه سفيان الثوري فقال: ثنا أبو سعيد

(3)

.

قال يعقوب بن سفيان: سفيان بن قسيم أبو الصباح ضعيف، وكان سفيان يكنيه لكي يدلسه، قال: حدثني أبو الصباح بن قسيم

(4)

.

قال الحاكم: وقد كان الثوري يحدث عن إبراهيم بن هراسة فيقول: حدثنا أبو إسحاق الشيباني

(5)

.

قال ابن حبان: بحر بن كنيز السقاء أبو الفضل كان ممن فحش خطؤه وكثر وهمه حتى استحق الترك، وكان الثوري إذا روى عنه يقول حدثني أبو الفضل حتى لا يعرف

(6)

.

قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، نا علي بن محمد الطنافسي قال: سألت وكيعًا عن حديث من حديث ليث بن أبي سليم فقال: كان سفيان لا يسمي ليثًا

(7)

.

قال ابن حبان: الجنس الثالث من أحاديث الثقات التى لا يجوز الاحتجاج بها:

(1)

"الجرح والتعديل"(3/ 12)، و "الضعفاء الكبير" للعقيلي (1/ 222).

(2)

"التاريخ الكبير"(2/ 292)، و "التاريخ الأوسط"(2/ 110).

(3)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (1/ 329).

(4)

"المعرفة والتاريخ"(3/ 65).

(5)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 107).

(6)

"المجروحين"(1/ 192).

(7)

"مقدمة الجرح والتعديل"(1/ 73).

ص: 214

الثقات المدلسون الذين كانوا يدلسون في الأخبار مثل قتادة، ويحيى بن أبي كثير، والأعمش، وأبو إسحاق، وابن جريج، وابن إسحاق، والثوري، وهشيم، ومن أشبههم ممن يكثر عددهم من الأئمة المرضين وأهل الورع في الدين، كانوا يكتبون عن الكل ويروون عمن سمعوا منه، فربما دلسوا عن الشيخ بعد سماعهم عنه عن أقوام ضعفاء، لا يجوز الاحتجاج بأخبارهم، فما لم يقل المدلس وإن كان ثقة حدثني أو سمعت فلا يجوز الاحتجاج بخبره.

وهذا أصل أبي عبد الله محمدبن إدريس الشافعي رحمه الله ومن تبعه من شيوخنا، قد ذكرت هذه المسألة بكاملها والأسُئلة والأجوبة والعلل والحكايات في كتاب شرائط الأخبار فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب

(1)

.

قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد حفظه الله: لابد من تحديد نوع التدليس لأن كل تدليس يعامل بخلاف الآخر. فإذا حدد نوع التدليس الذى وصف به هذا الراوي فالذى ينبغي عمله هو:

1 -

هل هو مكثر من هذا التدليس أو مقل؟ فمن المعلوم إذا كان مقلًا من هذا النوع من التدليس يُعامل غير ما لو كان مكثرًا.

قال يعقوب بن شيبة السدوسي: سألت علي بن المديني عن الرجل يدلس أيكون حجة فيما لم يقل حدثنا؟ قال: إذا كان الغالب عليه التدليس فلا حتى يقول: حدثنا. اهـ من "الكفاية"(صـ 362).

وما ذهب إليه علي بن المديني ظاهر لأنه إذا كان مقلًا من التدليس فالأصل في روايته الاتصال واحتمال التدليس نادر، فلا يذهب إلى القليل النادر ويترك الأصل والغالب. ولأنه أيضًا يكثر من الرواة الوقوع في شيء من التدليس فإذا قيل لابد في قبول حديثهم من التصريح بالتحديث منهم رُدت كثير من الأحاديث الصحيحة.

ولذلك لم يجر العمل عند من تقدم من الحفاظ أنهم يردون الخبر بمجرد العنعنة

(1)

"مقدمة المجروحين"(صـ 92).

ص: 215

ممن وصف بشيء من التدليس، ودونك ما جاء في الصحيحين وتصحيح الترمذي وابن خزيمة وغيرهم من الحفاظ.

وأما ما قاله أبوعبد الله الشافعي في "الرسالة"(صـ 379 - 380): ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لناعورته في روايته

فقلنا لا نقبل من مدلس حديثًا حتى يقول فيه: حدثني أو سمعت". اهـ

فهذا الأقرب أنه كلام نظري، بل لعل الشافعي لم يعمل به هو، فقد روى لابن جريج في مواضع من كتبه بعضاَ محتجاَ به بالعنعنة، ولم يذكر الشافعي أن ابن جريج سمع هذا الخبر ممن حدث عنه، ينظر (498، 890، 903) من "الرسالة"، وأبو الزبير أيضًا ينظر (498، 889)، والأمثلة على هذا كثيرة لمن أراد أن يتتبعها.

وقال أبو حاتم بن حبان في مقدمة صحيحه كما في "الإحسان"(1/ 161) نحوًا مما قال الشافعي، ويجاب عليه كما أجيب عن قول الشافعي.

وعمل الحفاظ على خلاف هذا كما تقدم. ولذلك قال يحيى بن معين عندما سأله يعقوب بن شيبة عن المدلس أيكون حجة فيما روى، أو حتى يقول: حدثنا وأخبرنا، فقال: لا يكون حجة فيما دلس. اهـ من "الكفاية"(صـ 362).

يعني إذا دل الدليل على أنه دلس في هذا الخبر لا يحتج به، وليس حتى يصرح بالتحديث.

ولذلك قال يعقوب بن سفيان في "المعرفة"(2/ 637): (وحديث سفيان وأبي إسحاق والأعمش مالم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة)

(1)

.

قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد حفظه الله: قال الشافعي رحمه الله في "الرسالة"(صـ 379): "ومن عرفناه دلس مرة فقد أبان لنا عورته في روايته وليس تلك العورة بالكذب فنرد بها حديثه ولا النصيحة في الصدق فنقبل منه ما قبلنا من أهل

(1)

"منهج المتقدمين في التدليس" للشيخ ناصر بن حمد الفهد (صـ 22 - 23).

ص: 216

النصيحة في الصدق، فقلنا لا نقبل من مدلس حديثًا حتى يقول فيه حدثني أو سمعت". اهـ

وهذا القول للشافعي رحمهُ اللهُ تعالى لا يوافقه عليه أئمة الحديث كما سبق ونقلت عن الإمام أحمد وابن المديني وابن معين والفسوي وغيرهم، والشافعي رحمهُ اللهُ تعالى من فقهاء الملة وعلماء الإسلام ولكنه لم يكن في معرفته للحديث كأولئك الحفاظ، كما قال هو رحمهُ اللهُ تعالى، فقد قال الإمام أحمد كما في "العلل ومعرفة الرجال" (1/ 462):"قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث والرجال مني فإذا كان الحديث صحيحًا فأعلموني إن شاء يكون كوفيًا أو بصريًا أو شاميًا حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا". اهـ

ولو أخذنا بقول الشافعي رحمهُ اللهُ تعالى لرددنا أحاديث صحيحة كثيرة لم يردها حتى من الشافعية أنفسهم فإنهم لما قسموا مراتب المدلسين جعلوا المراتب الأولى من وقع الاتفاق على قبول (عنعنتهم) مع أنهم دلسوا، فدل على أن هذا القول لم يقل به أحد حتى من أهل مذهبه.

2 -

وهناك بعض النقولات عن بعض السلف في بعض المواضع كان يقول فيها أحدهم" كنت لا أقبل منه إلا ما قال فيه حدثنا) كقول شعبة مثلًا في قتادة، وعفان بن مسلم في المقدمي، ويحيى القطان في الثوري، وغيرها، وكلها تدل على مذاهب خاصة لهؤلاء وهى الزيادة في التثبت واليقين، ولكن هذا كله لا يدل على تعميم هذه النقول في جميع المدلسين لما سبق ذكره عن أئمة الشأن، كما أنه قد فقدت العبارات المتيقنة التى أصدرها المدلس، فلا يدرى هل صرح بالتحديث في موضع العنعنة أو لم يصرح وليس أحدهما بأولى من الآخر، بل إن تصريحه بالتحديث أولى ما دام لم يغلب التدليس على مجموع مروياته فيترجح الاتصال حتى يتبين الانقطاع بدليل آخر.

وفى الجملة: فهذه النقول من أراد أن يستدل بها على عنعنة المدلس مطلقًا فإنه لا يسعفه عليه تطبيقات الأئمة كما سيأتي إن شاء الله تعالى وعمل الأئمة هو

ص: 217

الحكم في ذلك

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين، وزاد ابن حجر: الإمام المشهور، الفقيه العابد، الحافظ الكبير، وصفه النسائي وغيره بالتدليس، وقال البخاري: ما أقل تدليسه

(2)

.

‌60 - سفيان بن عيينة

قال يعقوب بن سفيان: حدثني الفضل بن زياد، قال: قال أحمد: قد دلس قوم، ثم ذكر الأعمش، قال: كان هشيم يكثر - يعني التدليس- وسفيان بن عيينة أيضًا، ثم كان أبو حرة صاحب تدليس

(3)

.

قال بدر الدين الزركشي: قال الكرابيسي: دلس ابن عيينة عن مثل معمر ومسعر بن كدام ومالك بن مغول

(4)

.

قال ابن حبان: وأما المدلسون الذين هم ثقات وعدول فإنا لا نحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا مثل الثوري والأعمش وأبي إسحاق وأضرابهم من الأئمة المتقنين وأهل الورع في الدين، لأنا متى قبلنا خبر مدلس لم يبين السماع فيه -وإن كان ثقة- لزمنا قبول المقاطيع والمراسيل كلها، لأنه لا يدري لعل هذا المدلس دلس هذا الخبر عن ضعيف يهي الخبر بذكره إذا عرف، اللهم إلا أن يكون المدلس يعلم أنه ما دلس قط إلا عن ثقة، فإذا كان كذلك قبلت روايته وإن لم يبين السماع، وهذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا

(1)

"منهج المتقدمين في التدليس"(ص 171 - 172).

(2)

"جامع التحصيل"(ص 113)، و "تعريف أهل التقديس"(ص 113 - 114). وتقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

(3)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 633).

(4)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 71).

ص: 218

وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثل نفسه، والحكم في قبول روايته لهذه العلة -وإن لم يبين السماع فيها- كالحكم في رواية ابن عباس إذا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يسمع منه

(1)

.

قال الحاكم: سُئل الدارقطني عن تدليس ابن جريج، فقال: يتجنب تدليسه فإنه وحش التدليس، لا يدلس إلافيما سمعه من مجروح مثل إبراهيم بن أبي يحيى وموسى بن عبيدة وغيرهما.

فأما ابن عيينة فإنه يدلس عن الثقات

(2)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا محمد بن جعفر بن علان الوراق قال: قال لنا أبو الفتح الأزدي الحافظ: قد كره أهل العلم بالحديث مثل شعبة وغبره التدليس في الحديث، وهو قبيح ومهانة، والتدليس على ضربين: فإن كان تدليسًا عن ثقة لم يحتج أن يوقف على شيء وقبل منه، ومن كان يدلس عن غير ثقة لم يقبل منه الحديث إذا أرسله حتى يقول حدثني فلان أو سمعت، فنحن نقبل تدليس ابن عيينة ونظرائه لأنه يحيل على ملئ ثقة، ولا نقبل من الأعمش تدليسه لأنه يحيل على غير ملئ، والأعمش إذا سألته عمن هذا: قال عن موسى بن طريف وعباية بن رفاعة، وابن عيينة إذا وقفته قال: عن ابن جريج ومعمر ونظرائهما، فهذا الفرق بين التدليسين

(3)

.

قال أبو سعيد بن الأعرابي: نا أبو رفاعة العدوي

(4)

، نا إبراهيم بن بشار، عن

(1)

"مقدمة" صحيح ابن حبان" (صـ 161).

(2)

"سؤالات الحاكم" للدارقطني (صـ 174 - 175).

(3)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 516).

(4)

هو عبد عبد الله بن محمد بن عمر بن حبيب كما بين ذلك ابن الأعرابي في الحديث رقم (1967). وأبو رفاعة وثقه الخطيب البغدادي في كتابه "تاريخ بغداد"(10/ 83).

ص: 219

سفيان، عن عمرو بن دينار، عن الحسن بن محمد، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يبيت مالًا ولا يقيله.

قال له رجل: يا أبا محمد

(1)

: سماعًا من عمرو؟ قال: لا تفسده.

قال: سماعًا من عمرو؟ قال: ابن جريج عن عمرو.

قال: يا أبا محمد: سماعًا من ابن جريج؟ قال: أبو عاصم النبيل عن عن ابن جريج.

قال: يا أبا محمد: سماعًا من أبي عاصم؟ قال: قد أفسدته، حدثنيه علي بن المديني، عن أبي عاصم، عن ابن جريج

(2)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا محمد بن يوسف القطان النيسابوري، قال: أنا محمد بن عبد الله الحافظ، قال: ثنا أبو الطيب محمد بن أحمد الكرابيسي، قال: ثنا إبراهيم بن محمد المروذي، قال: ثنا علي بن خشرم، قال: كنا عند سفيان بن عيينة في مجلسه، فقال: الزهري. فقيل له: حدثكم الزهري؟ فسكت، ثم قال: الزهري. فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري

(3)

.

قال ابن عبد البر: قالوا: ويُقبل تدليس ابن عيينة، لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظائرهما.

أخبرني أبو عثمان سعيد بن نصر رحمه الله، قال: حدثنا أبو عمر أحمد بن دخيم ابن خليل، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي، قال: حدثنا

(1)

أبو محمد هو سفيان بن عيينة.

(2)

"المعجم" لابن الأعرابي (3/ 935 - 936)(1983)، و "الكفاية" للخطيب البغدادي (صـ 513).

(3)

"الكفاية"(ص 512 - 513)، و "معرفة علوم الحديث"(صـ 105).

ص: 220

أحمد بن حنبل، قال: حدثنا سفيان بن عيينة يومًا عن زيد بن أسلم، عن علي بن الحسين، قال: يجزئ الجنب أن ينغمس في الماء"، قلنا: من دون زيد بن أسلم؟ قال: معمر. قلنا: من دون معمر؟ قال: ذاك الصنعاني عبد الرزاق.

ورُوي عن ابن معين قال: كان ابن عيينة يدلس فيقول: عن الزهري، فإذا قيل له: من دون الزهري؟ فيقول لهم: أليس لكم في الزهري مقنع؟ فيُقال: بلى، فإذا استُقصى عليه يقول: معمر! اكتبوا لا بارك الله لكم

(1)

.

قال الذهبي: سفيان بن عيينة الهلالي أحد الثقات الأعلام، أجمعت الأمة على الاحتجاج به، وكان يدلس، لكن المعهود منه أنه لا يدلس إلا عن ثقة

(2)

.

قال ابن العراقي: سفيان بن عيينة مشهور بالتدليس، لكن اتفقوا مع ذلك على قبول عنعنته كما حكاه غير واحد

(3)

.

ذكر برهان الدين ابن العجمي سفيان بن عيينة في المدلسين وقال: لكنه لم يدلس إلا عن ثقة كثقته، وحكى ابن عبد البر عن أئمة الحديث أنهم قالوا: يقبل تدليس ابن عيينة لأنه إذا وقف أحال على ابن جريج ومعمر ونظرائهما. وهذا ما رجحه ابن حبان وقال: وهذا شيء ليس في الدنيا إلا لابن عيينة، فانه كان يدلس ولا يدلس إلا عن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لابن عيينة خبر دلس فيه إلا وقد بين سماعه عن ثقة مثل ثقته، ثم مثل ذلك بمراسيل كبار الصحابة وأنهم لا يرسلون إلا عن صحابي، وقد سبق ابن عبد البر أبو بكر البزار وأبو الفتح الأزدي

(4)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين، وزاد ابن حجر: الإمام المشهور، فقيه الحجاز في زمنه، كان يدلس، لكن لا يدلس إلا عن ثقة،

(1)

"التمهيد"(1/ 29 - 30).

(2)

"ميزان الاعتدال"(2/ 170).

(3)

كتاب "المدلسين"(صـ 53 - 54).

(4)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 94).

ص: 221

وادعى ابن حبان بأن ذلك كان خاصًا به، ووصفه النسائي وغيره بالتدليس. وذكر البرهان الحلبي سفيان بن عيينة ترجمتين:

الأول: هذا المشهور.

والثاني: سفيان بن عيينة الهلالي مولى مسعر بن كدام من أسفل، ليس بشيء، كان يدلس.

قال البرهان: هذا آخر غير الأول.

قلت: وليس كما ظن، فإن ابن عيينة مولى بني هلال، وقد ذكر الذهبي في فوائد رحلته أنه لما اجتمع بابن دقيق العيد سأله: من أبو محمد الهلالي؟ فقال: سفيان بن عيينة، فأعجبه اسحتضاره، وإنما نُسب لمسعر، لأن مسعرًا من بني هلال أصليته.

ولعل العجلي إنما قال فيه: ليس بشيء، لأمر آخر غير التدليس، لعله الاختلاط. ثم راجعت أصل "الثقات" للعجلي فوجدته قال ما نصه: سفيان بن عيينة

(1)

.

قال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع حفظه الله: ومن أمثلة من كانوا يدلسون عن الثقات جماعة، منهم:

1 -

حميد الطويل عن أنس بن مالك، قال ابن عدي: الذى رواه عن أنس البعض مما يدلسه عن أنس، وقد سمعه من ثابت.

2 -

يونس بن عُبيد، وهو من أصحاب الحسن البصري.

قال شعبة: "عامة تلك الدقائق التى حدث بها يونس عن الحسن، إنما كانت عن أشعث" يعني ابن عبد الملك. قال ابن أبي حاتم: "يعني أن يونس أخذها

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و "تعريف أهل التقديس"(صـ 114 - 116). وقد تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

ص: 222

من أشعث عن الحسن، ودلسها عن الحسن، ولم يذكر الخبر"

(1)

.

3 -

عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد في رواية التفسير:

ذكر ابن أبي خيثمة عن علي بن المديني، أنه سمع يحيى بن سعيد وذكر تفسير مجاهد، فقال:"لم يسمعه عن مجاهد، كله يدور على القاسم بن أبي بزة"

(2)

.

4 -

وذكر الحاكم قتادة وأبا سفيان طلحة بن نافع فيمن يدلس عن الثقات

(3)

.

وفى هذه الأمثلة رد على ما ادعاه ابن حبان بقوله: "هذا ليس في الدنيا إلا سفيان بن عيينة وحده، فإنه كان يدلس، ولا يدلس إلاعن ثقة متقن، ولا يكاد يوجد لسفيان بن عيينة خبر دلس فيه إلا وجد ذلك الخبر بعينه قد بين سماعه عن ثقة مثل نفسه"

(4)

.

(5)

.

‌61 - سلمة بن بشر بن صيفي، أبو بشر الدمشقي

قال الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني: قال ابن الحافظ ابن حجر: سلمة بن بشر بن صيفي، أبو بشر الدمشقي مقبول.

وقال الذهبي في "الميزان": روى حديث خصيلة بنت واثلة فدلسه.

قلت: لم أجد من وصفه بالتدليس غير الذهبي، وليس في ترجمته ما يدل على تدليسه، لكنه لجهالة حاله أراه من أهل المرتبة الخامسة، والله أعلم

(6)

.

قلت: قال المزي في "تهذيب الكمال"(3/ 243): سلمة بن بشر بن صيفي روى عن ابنه واثلة بن الأسقع (د)، واسمها: خصيلة، ويُقال: فُسيلة،

(1)

مقدمة "الجرح والتعديل"(صـ 134 - 135) بإسناد صحيح عن شعبة.

(2)

أخرجه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" في "أخبار المكيين"(صـ 321).

(3)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 103).

(4)

"الإحسان في تقريب ابن حبان"(1/ 161).

(5)

"تحرير علوم الحديث"(2/ 977 - 978).

(6)

"التدليس في الحديث"(صـ 418).

ص: 223

وقيل: عن عباد بن كثير عنها.

والحديث الذى أشار إليه الذهبي والمزي، هو ما رواه أبو داود (5/ 214)(ح 5119)، قال: حدثنا محمود بن خالد الدمشقي، حدثنا الفريابي، حدثنا سلمة بن بشر الدمشقي، عن ابنه واثلة بن الأسقع، أنها سمعت أباها يقول: قلت: يا رسول الله: ما العصبية؟ قال: أن تعين قومك على الظلم.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 83): سلمة بن بشير

(1)

الدمشقي سمع خصيلة بنت واثلة عن أبيها في العصبية، سمع منه محمد بن يوسف.

وقال لي محمد أبو يحيى، نا داود بن رشيد، نا سلمة بن بشير، نا عباد بن كثير حدثتني خصيلة بنت واثلة، سمعت أباها: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم. اهـ

وداود بن رشيد ثقة كما في "التقريب".

فقد بين البخاري أن سلمة بن بشر سمع هذا الحديث من خصيلة، وسمعه من عباد بن كثير عن خصيلة.

فالراجح عندي أن سلمة بن بشر لم يدلس هذا الحديث عن خصيلة بإسقاط عباد ولكنه سمعه من خصيلة، وسمعه من عباد عن خصيلة، فهو من المزيد في متصل الإسناد والله أعلم.

‌62 - سلمة بن تمام أبو عبد الله الشقري

ذكر الحافظ ابن ججر سلمة بن تمام الشقري في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: من أتباع التابعين، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وذكر ابن أبي

(1)

قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب"(ترجمة "سلمة بن بشر بن صيفي"): فرق البخاري وأبو حاتم بين سلمة بن بشر صيفي، قال أبو حاتم: بصري يروي عنه يعقوب بن إسحاق، وبين سلمة بن بشر الدمشقي يروي عن عباد بن كثير وعنه داود بن رشيد وغيره. قال أبو القاسم البغوي في "تاريخه": وعندي أنه واحد، وقد نسبه داود بن رشيد فقال: سلمة بن صيفي.

ص: 224

حاتم ما يدل على أنه كان يدلس، ولذلك قال العلائي في كتاب "المراسيل" كأنه مدلس

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": سلمة بن تمام أبو عبد الله الشقري صدوق.

قال ابن أبي حاتم في "المراسيل"(311): حدثنا صالح بن أحمد، نا علي ابن المديني قال: قلت ليحيى بن سعيد: حديث حماد بن زيد، عن أبي عبد الله الشقري، عن إبراهيم:"في العبد يتسرى".

قال: بينه -أرى- وبين إبراهيم ثلاثة - أي لم يسمع من إبراهيم.

وعند ابن أبي حاتم في مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 235): أى لم يسمعه من إبراهيم.

وذكر العلائي في "جامع التحصيل"(صـ 187) قول القطان السابق ثم قال: "قلت: قد روى عن إبراهيم غير هذا، وكأنه مدلس، فينبغي أن يذكر في المدلسين". اهـ

وفي "تهذيب التهذيب": "قال أحمد: سلمة بن تمام سمع منه ابن علية حديثًا واحدًا، "ليس هو بالقوي في الحديث. وقال ابن معين: ثقة. وقال أبو حاتم: ثقة صدوق لا بأس به. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في "الثقات". ووثقه العجلي وابن نمير. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به". اهـ

وقال علي بن المديني وابن سعد: أبو عبد الله الشقري سلمة بن تمام ثقة. ("سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة" لابن المديني (صـ 75)، و "الطبقات الكبرى"(7/ 187)).

قلت: لم يصف أحدًا من العلماء المتقدمين سلمة بن تمام بالتدليس، ولعله لم

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 81 - 82).

ص: 225

يسمع من إبراهيم النخعي مطلقًا، فإن كان سمع منه فلعله دلس عنه هذا الحديث فقط والله أعلم.

‌63 - سليمان بن حيان أبو خالد الأحمر

قال البخاري: روى أبو خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم أو غيره عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به". زاد فيه: "وإذا قرأ فأنصتوا".

وروى عبد الله عن الليث عن ابن عجلان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، وعن ابن عجلان عن مصعب بن محمد والقعقاع وزيد بن أسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكروا "فأنصتوا".

ولا يعرف هذا من صحيح حديث أبي خالد الأحمر.

قال أحمد: أراه كان يدلس.

وقال أبو السائب عن أبي هريرة: "اقرأها في نفسك".

وقال عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة: "اقرأ فيما يجهر".

وقال أبو هريرة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسكت بين التكبير والقراءة.

فإذا قرأ في سكتة الإمام لم يكن مخالفًا لحديث أبي خالد، لأنه يقرأ في سكتات الإمام فإذا قرأ أنصت.

وروى سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقل ما زاد أبو خالد.

وكذلك روى أبو سلمة وهمام وأبو يونس وغير واحد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتابع أبو خالد في زيادته

(1)

.

قلت: لعل أحمد يقصد بقوله "أراد كان يدلس" أى في هذا الحديث خاصة، ولم يقصد أحمد أن يصف سليمان بن حيان بالتدليس.

(1)

جزء القراءة خلف الإمام للإمام البخاري (صـ 58 - 59).

ص: 226

وقد استنكر أكثر من عالم هذه الزيادة التى في حديث أبي خالد الأحمر، فمنهم من حمل على أبي خالد، ومنهم من حمل على ابن عجلان.

قال الدوري في "تاريخه"(4/ 455): سمعت يحيى يقول في حديث أبي خالد الأحمر -حديث ابن عجلان "إذا قرأ فأنصتوا"- قال: ليس بشيء، ولم يثبته، ووهنه.

وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(1/ 164): سمعت أبي وذكر حديث أبي خالد الأحمر عن ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا قرأ فانصتوا".

قال أبي: ليس هذه الكلمة بالمحفوظ، وهو من تخاليط ابن عجلان، وقد رواه خارجة بن مصعب أيضًا وتابع ابن عجلان، وخارجة ليس بالقوي.

وقال أبو داود في "السنن"(ح 604): وهذه الزيادة "وإذا قرأ فأنصتوا" ليست بمحفوظة، والوهم عندنا من أبي خالد.

وقال النسائي في "السنن الكبرى"(1/ 320)(ح 994): لا نعلم أن أحدًا تابع ابن عجلان على قوله: "وإذا قرأ فأنصتوا".

وقال البيهقي في القراءة خلف الإمام (صـ 130): وقد روى الليث بن سعد وهو عالم من أهل مصر وفقيههم أحد علماء أهل زمانه غير مدافع صاحب حفظ وإتقان وكتاب صحيح، هذا الخبر عن ابن عجلان فذكر الرواية التى ذكرها البخاري وليس في شيء منها:"وإذا قرأ فأنصتوا".

قال ابن خزيمة: قال محمد بن يحيى الذهلي رحمه الله: خبر الليث أصح متنًا من رواية أبي خالد يعنى عن ابن عجلان ليس في هذه القصة غن النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا قرأ فأنصتوا" بمحفوظ لأن الأخبار متواترة عن أبي هريرة بالأسانيد الصحيحة الثابتة المتصلة بهذه القصة ليس في شيء منها "وإذا قرأ فأنصتوا" إلا خبر أبي خالد ومن لا يعتد أهل الحديث بروايته.

ثم رواها ابن خزيمة من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة،

ص: 227

ومن حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، ومن حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، وليس في شيء منها هذه الزيادة. وهي في الصحيح من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة، ومن حديث سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، ومن حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة، ومن حديث همام بن منبه وأبي علقمة الهاشمي وأبي يونس مولى أبي هريرة كلهم عن أبي هريرة ليس في شيء من هذه الروايات: "وإذا قرأ فأنصتوا وهي في الصحيح من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، ومن حديث أبي الزبير عن جابر ليس فيها هذه الزيادة. وهي في الصحيح من حديث مالك بن أنس ومعمر بن راشد والليث بن سعد ويونس بن يزيد وسفيان بن عيينة عن الزهري عن أنس ليس فيها هذه الزيادة. اهـ

ولمزيد بيان عنهذا الحديث انظر ترجمة سليمان بن طرخان التيمي من كتابي "الرواة الثقات المُتكلم فيهم".

والإمام أحمد رحمه الله لم يحمل على أبي خالد الأحمر ولا على ابن عجلان، إنما ظن أن أبا خالد أخذه من ضعيف وأسقط اسمه من السند.

وقول أحمد "أراه كان يدلس" أى: "أظنه كان يدلس"، ولعل أحمد يصفه بالتدليس في هذا الحديث خاصة، فلو ثبت عند أحمد أنه دلس في أكثر من حديث، لذكر وصفه بالتدليس بصيغة الجزم. وأبو خالد الأحمر لم يصفه أحد من العلماء بالتدليس، فالذي يترجح عندي أن أحمد وصفه بالتدليس في هذا الحديث خاصة والله أعلم.

فلما استنكر الإمام أحمد الحديث ولم يرى أن هذه النكارة من قبل ابن عجلان ولا أبي خالد الأحمر، حملها على أنها من قبل راوٍ ضعيف سمع منه أبو خالد هذا الحديث وأسقطه من الإسناد. وقد وقع مثل ذلك من أبي حاتم الرازي.

قال ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 353): سالت أبي عن حديث رواه أبو بكر بن أبي عتاب الأعين عن أبي صالح، عن الليث، عن سعيد المقبري، عن

ص: 228

أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وبني تميم. فقيل: من هو يا رسول الله؟ قال: أويس القرني.

قال أبي: هذا الحديث ليس هو في كتاب أبي صالح عن الليث، نظرت في أصل الليث وليس فيه هذا الحديث، ولم يذكر أيضًا الليث في هذا الحديث خبر ويحتمل أن يكون سمعه من غير ثقة ودلسه، ولم يروه غير أبي صالح. اهـ

قلت: الإمام أبو حاتم رحمه الله استنكر هذا الحديث فأعله بأنه لم يكن في كتب أبي صالح، وأعله أيضًا بأنه لم يرو إلا عن أبي صالح ولم يتابعه أحد من أصحاب الليث، وقال: إن صح أن أبي صالح والليث حدثا به فلعل الليث بن سعد أخذه عن ضعيف وأسقط اسمه من الإسناد، مع أن الليث بن سعد أثبت أصحاب سعيد المقبري. (انظر كتابي "أصحاب أئمة الحديث").

وقد أشار الشيخ المعلمي رحمه الله في مقدمة "الفوائد المجموعة" إلى هذا المعنى فقال: "إذا استنكر الأئمة المحققون المتن وكان ظاهر السند الصحة فإنهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقًا حيث وقعت، أعلوه بعلةٍ ليست بقادحة مطلقًا، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر.

فمن ذلك: إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع، هذا - مع أن الراوي غير مدلس.

أعل البخاري بذلك خبرًا رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب عن عكرمة، تراه في ترجمة عمرو من "التهذيب".

ونحو ذلك: كلامه في حديث عمرو بن دينار في "القضاء بالشاهد واليمين".

ونحوه أيضًا: كلام شيخه على بن المديني في حديث: "خلق الله التربة يوم السبت -الخ"-، كما ستراه في "الأسماء والصفات" للبيهقي.

وكذلك أعل أبو حاتم خبرًا رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري كما تراه في "علل ابن أبي حاتم"(2/ 353).

ومن ذلك: إشارة البخاري إلى إعلال حديث "الجمع بين الصلاتين" بأن

ص: 229

قتيبة لما كتبه عن الليث كان معه خالد المدائني، وكان خالد يُدخل على الشيوخ. يراجع:"معرفة علوم الحديث" للحاكم (صـ 120).

ومن ذلك: الإعلال بالحمل على الخطأ، وإن لم يتبين وجهه، كإعلالهم حديث عبد الملك بن أبي سليمان في "الشفعة".

ومن ذلك: إعلالهم بأن الحديث أدخل على الشيخ، كما ترى في "لسان الميزان" في ترجمة "الفضل بن الحباب" وغيرها.

وحجتهم في هذا: أن عدم القدح بتلك العلة مطلقًا إنما بنى على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرًا، يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد تحقق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة، فالظاهر أنها هي السبب، وأن هذا من النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها.

وبهذا يتبين أن ما يقع من دونهم من التعقيب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هى غفلة مما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يُثبت المتعقب أن الخبر غير منكر". اهـ

‌64 - سليمان بن داود أبو داود الطيالسي

قال برهان الدين ابن العجمي: سليمان بن داود أبو داود الطيالسي. محمد بن المنهال، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا شعبة فذكر حديثين.

قال يزيد: حدثت بهما أبا داود فكتبتهما عنى ثم حدث بهما عن شعبة. قال الذهبي: دلسهما فكان ماذا - انتهى.

واعلم أن الشافعي قال: إن الشخص إذا دلس مرة واحدة كان مدلسًا كما تقدم نقله عنه

(1)

.

(2)

.

(1)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 102).

(2)

وقول الذهبي الذى نقله ابن العجمي عنه في "الميزان"(2/ 204). وقد تقدم رد الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع لكلام الشافعي في مقدمة هذا الكتاب في حكم عنعنة المدلس، ورد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد لكلام الشافعي في ترجمة سفيان الثوري.

ص: 230

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: الحافظ المشهور بكنيته من الثقات المكثرين، قال يزيد بن زريع: سألته عن حديثين لشعبة، فقال: لم أسمعهما منه، قال: ثم حدث بهما عن شعبة.

قال الذهبي: دلسهما عنه فكان ماذا!

قلت: ويحتمل أن يكون تذكرهما، وإن كان دلسهما نُظر، فإن ذكر صيغة محتملة فهو تدليس الإسناد، وإن ذكر صيغة صريحة فهو تدليس الإجازة

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": سليمان بن داود بن الجارود، أبو داود الطيالسي البصري، ثقة حافظ غلط في أحاديث.

قال ابن عدي في "الكامل"(3/ 280 - 281): ثنا أبو يعلي، سمعت محمد بن المنهال الضرير، قلت لأبي داود صاحب الطيالسة يومًا: سمعت من ابن عون شيئًا؟ قال: لا، فتركته سنة وكنت أتهمه بشيء قبل ذلك حتى نسى ما قال، فلما كان سنة قلت له: يا أبا داود: سمعت من ابن عون شيئًا؟ قال: نعم. قلت: كم؟ قال: عشرون حديثًا ونيف. قلت: عدها لي، فعدها كلها فإذا هى أحاديث يزيد ما حلا واحدًا لم أعرفه.

قال الشيخ: أراد به يزيد بن زريع.

ثنا أبو يعلي، قال: ثنا محمد بن المنهال، ثنا يزيد بن زريع، ثنا شعبة، عن أبي إسرائيل، عن جعدة بن الصمة -رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي برجل فقيل: لن تُرع ذلك لم يسلطه الله علي.

وبإسناده عن جعدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أُتي برجل سمين فوضع أصبعه في بطنه فقال: لو كان هذا في غير ذا لكان خيرًا له.

قال محمد بن المنهال: فحدثت بهذين الحديثين أبا داود فكتبهما عني ثم حدث بهما عن شعبة.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 116 - 117).

ص: 231

أنا أبو يعلي، ثنا محمد بن المنهال، ثنا يزيد بن زريع، ثنا شعبة، عن حماد، عن إبراهيم قال: كان يقول في النصرانية تحت النصراني يسلم وهو أحق بها. فكتب فيها عبد الحميد إلى عمر بن العزيز أن فرق بينهما، فكتب عمر أن فرق بينهما.

قال حماد: وكتاب عمر أحب إلي.

قال ابن المنهال: فحدثت بها أبا داود، فقال: لم أسمع هذا عن شعبة، ثم سمعت أصحابنا يروونه عن أبي داود عن شعبة.

وقد وجدت أحد الحديثين الذى ذكره ابن المنهال من حديث أبي إسرائيل عن جعدة كما ذكره ابن المنهال، ورواه أبو داود عن شعبة.

ثناه على بن الحسن بن سليمان القافلاني، ثنا إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الحلبي، ثنا أبو داود، ثنا شعبة، أخبرني أبو إسرائيل الجشمي، قال: سمعت جعدة يقول: شهدت النبي جمتَ ورجل يقول: إني أريد أن أقتلك، فقال: لم تُرع لم تُرع ولو أردت قتلي لم يسلطك الله علي.

قال ابن عدي: وأبو داود الطيالسي له حديث كثير عن شعبة وعن غيره من شيوخه، وكان في أيامه أحفظ من بالبصرة، مقدم على أقرانه لحفظه ومعرفته، وما أدري لأي معنى قال فيه ابن المنهال ما قال، فهو كما قال عمرو بن علي ثقة، وإذا جاوزت في أصجاب شعبة من معاذ بن معاذ وخالد بن الحارث ويحيى القطان وغندر، فأبو داود خامسهم، وقد حدث بأصبهان كما حكى عنه بندار أحدًا وأبعين ألف حديث ابتداء، وإنما أراد به من حفظه، وله أحاديث يرفعها، وليس بعجب من يحدث بأربعين ألف حديث من حفظه أن يخطئ في أحاديث منها، يرفع أحاديث يوقفها غيره، ويوصل أحاديث يرسلها غيره، وإنما أتى ذلك من حفظه، وما أبو داود عندى وعند غيري إلا متيقظ ثبت.

وقال الذهبي في "السير"(9/ 383): وقد تكلم فيه محمد بن المنهال الضرير، وقال: كنت أتهمه، قال لي: لم أسمع من عبد الله بن عون، ثم سألته

ص: 232

بعد: أسمعت من عبد الله بن عون؟ قال: نعم نحو عشرين حديثا.

قلت: الجمع بين القولين أنه سمع منه شيئًا ما ضبطه ولا حفظه، فصدق أن يقول: ما سمعت منه، وإلا فأبو داود أمين صادق، وقد أخطأ في عدة أحاديث لكونه كان يتكل على حفظه، ولا يروي من أصله.

‌65 - سليمان بن طرخان التيمي

قال البخاري: قال يحيى القطان: ما روى سليمان بن طرخان التيمي عن الحسن وابن سيرين فهو صالح إذا قال سمعت أو قلت

(1)

.

قال ابن معين: كان سليمان التيمي يدلس

(2)

.

قال البخاري: ولم يذكر سليمان في هذه الزيادة سماعًا من قتادة، ولا قتادة من يونس بن جبير

(3)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين، وزاد ابن حجر: تابعي مشهور، من صغار تابعي أهل البصرة، وكان فاضلَا، وصفه النسائي وغيره بالتدليس

(4)

.

(5)

.

‌66 - سليمان بن مهران الأعمش

قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثني مفضل عن مغيرة قال: ما أفسد حديث أهل الكوفة إلا أبو إسحاق والأعمش

(6)

.

(1)

"التاريخ الكبير"(4/ 21)، و "التاريخ الأوسط"(2/ 62)، و "الجعديات" لأبي القاسم البغوي (1/ 594).

(2)

"تاريخ الدوري"(4/ 42).

(3)

جزء القراءة خلف الإمام (صـ 58)(ح 263).

(4)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و "تعريف أهل التقديس"(صـ 117).

(5)

وقد تقدم وصف النسائي لسليمان التيمي بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

(6)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 442). ومفضل هو ابن مهلهل ثقة ثبت. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة ثقة ثبت.

ص: 233

قال أبو داود: سمعت أحمد وسُئل عن الرجل يعرف بالتدليس، يحتج فيما لم يقل فيه سمعت؟ قال: لا أدري -فقلت: الأعمش متى تصاد له الألفاظ؟ قال: يضيق هذا- أى أنك تحتج به

(1)

.

قال عثمان الدارمي: سمعت يحيى سُئل عن الرجل يلقى الرجل الضعيف بين ثقتين، يوصل الحديث ثقة عن ثقة، ويقول: أنقص من الحديث وأصل ثقة عن ثقة يُحَسّن الحديث بذلك، فقال: لا يفعل، لعل الحديث عن كذاب ليس بشيء فإذا هو قد حسنه وثبته، ولكن يحدث به كما روى.

قال عثمان: وكان الأعمش ربما فعل ذلك

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: سُئل أبي عن الأعمش ومنصور فقال: الأعمش حافظ يخلط ويدلس، ومنصور أتقن لا يدلس ولا يخلط

(3)

.

قال ابن أبي حاتم: وسألت أبي وأبي زرعة عن حديث رواه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وجرير بن حازم وأبو معاوية الضرير ويحيى القطان وابن عيينة وجماعة، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الخفين.

ورواه أحمد بن يونس، عن أبي بكر بن عياش، عن الأعمش وعاصم، عن أبي وائل، عن المغيرة بن شعبة، عن النبي جمييه فأيهما الصحيح من حديث الأعمش؟

قال أبي: الصحيح حديث هؤلاء النفر عن الأعمش، عن أبي وائل، عن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم في هذا الحديث أبو بكر بن عياش، إنما أراد الأعمش عن مسلم بن صبيح، عن مسروق، عن المغيرة، ولم يميز حديث

(1)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 199).

(2)

"تاريخ عثمان الدارمي"(صـ 243).

(3)

"الجرح والتعديل"(8/ 178، 179).

ص: 234

أبي وائل من حديث مسلم.

قلت لأبي زرعة: فأيهما الصحيح؟ قال: أخطأ أبو بكر بن عياش في هذا الحديث، الصحيح من حديث الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة، ورواه منصور عن أبي وائل عن حذيفة، ولم يذكر المسح، وذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم بال قائمًا.

قلت: فالأعمش؟ قال: الأعمش ربما دلس

(1)

.

قال يعقوب بن سفيان: أبو إسحاق رجل من التابعين، وهو ممن يعتمد عليه الناس في الحديث، هو والأعمش، إلا أنهما وسفيان مدلسون، والتدليس من قديم

(2)

.

وقال يعقوب بن سفيان أيضًا: وحديث سفيان -يعني الثوري- وأبي إسحاق والأعمش مالم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة

(3)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا محمد بن جعفر بن علان الوراق قال: قال لنا أبو الفتح الأزدي الحافظ: قد كره أهل العلم بالحديث مثل شعبة وغيره التدليس في الحديث، وهو قبيح ومهانة، والتدليس على ضربين: فإن كان تدليسًا عن ثقة لم يحتج أن يوقف على شيء وقبل منه، ومن كان يدلس عن غير ثقة لم يقبل منه الحديث إذا أرسله حتى يقول حدثني فلان أو سمعت، فنحن نقبل تدليس ابن عيينة ونظرائه، لأنه يحيل على ملئ ثقة، ولا نقبل من الأعمش تدليسه، لأنه يحيل على غير ملئ، والأعمش إذا سألته عمن هذا، قال: عن موسى بن طريف وعباية بن رفاعة

(4)

.

قال ابن عبد البر: قالوا: لا يُقبل تدليس الأعمش، لأنه إذا أوقف أحال إلى

(1)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 13 - 14).

(2)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 633).

(3)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 637).

(4)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 516).

ص: 235

غير ملئ -يعنون: على غير ثقة-، إذا سألته عمن هذا، قال: عن موسى بن طريف وعباية بن ربعي والحسن بن ذكوان

(1)

.

قال الترمذي: حدثنا حسين بن مهدي البصري، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن المبارك قال: قلت لهشيم: مالك تدلس وقد سمعت؟ قال: كان كبيران يدلسان، وذكر الأعمش والثوري، وذكر أن الأعمش لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث

(2)

.

قال أبو حاتم الرازي: الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يروي عن مجاهد مدلس

(3)

.

(4)

.

(1)

"التمهيد"(1/ 29).

(2)

"علل الترمذي الكبير"(صـ 388). والحسين بن مهدي ذكره ابن حبان في الثقات وروى عنه ابن خزيمة في صحيحه، وقال أبو حاتم: صدوق. "تهذيب التهذيب".

(3)

"علل ابن أبي حاتم"(2/ 110).

(4)

قال ابن أبي حاتم في مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 241): نا محمد بن إبراهيم ابن شعيب، نا أبو حفص عمرو بن علي الصيرفي، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: كتبت عن الأعمش أحاديث عن مجاهد كلها ملزقة لم يسمعها.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا (1/ 244): نا علي بن الحسن الهسنجاني، قال: سمعت محمد بن بشار يقول: سمعت وكيعًا يقول: لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث.

وقال أيضًا (1/ 227): نا محمد بن إبراهيم بن شعيب، نا عمرو بن علي قال: سمعت وكيعًا يقول: كنا نتتبع ما سمع الأعمش من مجاهد فإذا هي سبعة أو ثمانية - ثم حدث بها.

قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(7/ 187): محمد بن إبراهيم بن شعيب صدوق ثقة.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: أحاديث الأعمش عن مجاهد =

ص: 236

قال مغلطاي: قال الكرابيسي في كتاب المراس تأليفه ومن أصل نقل أنه كتب عنه أنقل: لقى الأعمش أبا سفيان فكان بينهما شيء، فلم يكتب عنه، فلما فاته أبو سفيان تتبعها من الناس

(1)

.

= عمن هي؟ قال: قال أبو بكر بن عياش: قال رجل للأعمش: ممن سمعته، في شيء رواه عن مجاهد؟ قال: مر كزاز مر بالفارسية، حدثنيه ليث عن مجاهد.

"العلل ومعرفة الرجال"(1/ 255).

وقال الدوري في "تاريخه"(3/ 327) عن ابن معين: إنما سمع الأعمش من مجاهد أربعة أحاديث أو خمسة.

وقال مغلطاي في "إكمال تهذيب الكمال"(6/ 92): قال يعقوب بن شيبة في مسنده: ليس يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة خمسة أو نحوها.

قلت لعلي بن المديني: كم سمع الأعمش من مجاهد؟ قال: لا يثبت منها إلا ما قال سمعت، هي نحو من عشرة، وإنما أحاديثه عن مجاهد عن أبي يحيى القتات وحكيم بن جبير وهؤلاء.

وقال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"(2/ 853): وحكى الكرابيسي أنه سمع علي بن المديني يقول: لم يصح عندنا سماع الأعمش من مجاهد إلا نحوًا من ستة أو سبعة.

قال علي: وكذلك سمعت يحيى وعبد الرحمن يقولان في الأعمش.

ونقل الكرابيسي عن الشاذكوني أن الأعمش سمع من مجاهد أقل من ثلاثين حديثًا.

وقال الدارقطني في "العلل"(8/ 234): وقيل أن الأعمش لم يسمع من مجاهد.

وقال الترمذي في "العلل الكبير"(صـ 388): قلت لمحمد: يقولون لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث، قال: ريح ليس بشيء، لقد عددت له أحاديث كثيرة نحوًا من ثلاثين أو أقل أو أكثر يقول فيها حدثنا مجاهد.

(1)

"إكمال تهذيب الكمال"(6/ 90).

ص: 237

قال ابن رجب: قال الكرابيسي: حدثني علي بن المديني وسليمان الشاذكوني قالا: روى الأعمش عن أبي سفيان أكثر من مائة، لم يسمع منها إلا أربعة.

قال علي: سمعت يحيى يقول ذلك.

وذكر البزار في مسنده أن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان، قال: وقد روى عنه نحو مائة حديث.

كذا قال وهو بعيد، وحديث الأعمش عن أبي سفيان مخرج في الصحيح

(1)

.

قال البزار: حدثنا أحمد بن داود الكوفي، ثنا أحمد بن عبد الغفار، ثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أميران وليسا بأميرين

الحديث".

قال البزار: ولا نعلمه يُروى بهذا اللفظ من وجه أحسن من هذا، على أن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان، وقد روى عنه نحو مائة حديث، وإنما نذكر من حديثه مالا نحفظه عن غيره لهذه العلة، وهو في نفسه ثقة، ولا روى هذا عن الأعمش إلا أحمد بن عبد الغفار

(2)

.

وتعقب الهيثمي البزار قائلًا: عجبت من قوله: لم يسمع الأعمش من أبي سفيان.

قال ابن القطان الفاسي: قال البزار: يُقال: إن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان، إنما هي صحيفة عُرضت

(3)

.

قال ابن العراقي: وذكر أبو بكر البزار أن الأعمش لم يسمع من أبي سفيان طلحة بن نافع، وهذا غريب جدًا، فإن روايته عنه في الكتب الستة، وهو معروف بالرواية عنه، كما ذكر المزي رواية الأعمش عنه قال: وهو راويته.

(1)

"شرح علل الترمذي"(2/ 855).

(2)

"كشف الأستار عن زوائد مسند البزار"(2/ 36)(ح 1144).

(3)

"بيان الوهم والإيهام"(3/ 417).

ص: 238

قلت: ولا يكاد الأعمش أن يكون من أقران أبي سفيان

(1)

.

قال ابن حبان: طلحة بن نافع أبو سفيان روى عنه الأعمش، وكان الأعمش يدلس عنه

(2)

.

قال الحاكم: قال سليمان الشاذكوني: من أراد التدين بالحديث فلا يأخذ عن الأعمش وقتادة إلا ما قالا سمعناه

(3)

.

روى ابن خزيمة حديث الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن عطاء، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقبحوا الوجه فإن ابن آدم خلق على صورة الرحمن" ثم ذكر أن له ثلاث علل، منها: أن الأعمش مدلس ولم يذكر أنه سمعه من حبيب بن أبي ثابت

(4)

.

قال ابن عمار الشهيد: الأعمش كان صاحب تدليس، فربما أخذ عن غير الثقات

(5)

.

قال البيهقي: وروينا عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبي إسحاق وقتادة

(6)

.

قال ابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد، نا علي قال: سمعت يحيى يقول: كل شيء يحدث به شعبة عن رجل فلا تحتاج أن تقول عن ذاك الرجل أنه سمع فلانًا، قد كفاك أمره.

نا صالح بن أحمد، نا علي بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي

(1)

"تحفة التحصيل" صـ 171.

(2)

"الثقات"(4/ 393).

(3)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 107).

(4)

كتاب "التوحيد"(ح 39)(صـ 92، 93).

(5)

"علل الحديث"(صـ 138).

(6)

"معرفة السنن والآثار"(1/ 86).

ص: 239

قال: سمعت شعبة أو حدثني رجل عن شعبة أنه قال: كل شيء حدثتكم به فذلك الرجل حدثني به أنه سمعه من فلان إلا شيئًا أبينه لكم.

قال أبو محمد: فذكرته لأبي قال: يعني أنه كان لا يدلس

(1)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو بكر البرقاني، قال: أنا محمد بن عبد الله ابن خميرويه، قال: أنا الحسين بن إدريس قال: سمعت ابن عمار يقول: كان أبو معاوية إذا ذهب في حاجة أوصى من يترك عند الأعمش أن يتحفظ عليه ما يمر بعده، قال: فجئت يومًا فذكروا لي أنه ذكر عن مجاهد: "من إيجاب المغفرة إطعام المسلم السغبان".

قال: فسألته عنه، فقال: أليس اْنت حدثتني به عن هشام عن سعيد العلاف عن مجاهد؟ قال: فقلت له فحدثني به، فحدث به.

قال ابن عمار: فألقى الأعمش أبا معاوية وهشامًا وسعيدًا وقال مجاهد.

ثم قال ابن عمار: حدثنا أبو معاوية عن هشام بن حسان عن سعيد العلاف عن مجاهد قال: من إيجاب المغفرة إطعام المسلم السغبان

(2)

.

قال البخاري: قال لي يحيى بن معين: قال أبو معاوية: أنا حدثت الأعمش، عن هشام، عن سعيد العلاف، عن مجاهد في إطعام المسلم السغبان فدلسه عني

(3)

.

قال الخطيب البغدادي: أنبأنا البرقاني، أنبأنا محمد بن عبد الله بن خميرويه الهروي، أنبأنا الحسين بن إدريس قال: قال ابن عمار: قلت لحفص بن غياث: مالكم حديثكم عن الأعمش إنما هو فلان عن فلان ليس فيه حدثنا ولا سمعت؟

(1)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 162)، (2/ 35)، و "سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (2/ 210).

(2)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 512).

(3)

"التاريخ الكبير"(1/ 74).

ص: 240

قال: فقال: حدثنا الأعمش، قال: سمعت أبا عمار، عن حذيفة يقول لنا: "يكون أقوام يقرءون القرآن يقيمونه إقامة القدح، لا يدعون منه ألفًا ولا واوًا، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم، قال: وذكر حديثًا آخر مثله، قال: وكان عامة حديث الأعمش عند حفص بن غياث على الخبر والسماع

(1)

.

قال ابن حجر: اعتمد البخاري على حفص بن غياث في حديث الأعمش لأنه كان يميز بين ما صرح به الأعمش بالسماع وبين ما دلسه، نبه على ذلك أبو الفضل ابن طاهر، وهو كما قال

(2)

.

قال الذهبي: سليمان بن مهران الأعمش أحد الأئمة الثقات، عداده في صغار التابعين، ما نقموا عليه إلا التدليس.

قال الجوزجاني: قال وهب بن زمعة المروزي: سمعت ابن المبارك يقول: إنما أفسد حديث أهل الكوفة أبو إسحاق والأعمش.

وقال جرير بن عبد الحميد: سمعت مغيرة يقول: أهلك أهل الكوفة أبو إسحاق وأعمشيكم هذا -كأنه عنى الرواية عمن جاء، وإلا فالأعمش عدل صادق ثبت، صاحب سنة وقراَن، يحسن الظن بمن يحدثه، ويروى عنه، ولا يمكننا أن نقطع عليه بأنه علم ضعف ذلك الذى يدلسه، فإن هذا حرام.

قلت: وهو يدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال حدثنا فلا كلام، ومتى قال عن تطرق إليه احتمال التدليس إلا في شيوخ له أكثر عنهم كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح السمان، فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال

(3)

.

(1)

"تاريخ بغداد"(8/ 198 - 199).

(2)

"هدي الساري"(صـ 418)(الفصل التاسع في سياق أسماء من طعن فيه من رجال هذا الكتاب "ترجمة حفص بن غياث").

(3)

"ميزان الاعتدال"(2/ 224).

ص: 241

وذكره العلائي في المرتبة الثانية من المدلسين.

وذكره ابن حجر في كتابه "تعريف أهل التقديس" في المرتبة الثانية وقال: مُحدث الكوفة وقارئها، وكان يدلس، وصفه بذلك الكرابيسي والنسائي والدارقطني وغيرهم

(1)

.

وقسم ابن حجر في كتابه "النكت على كتاب ابن الصلاح" المدلسين المخرج لهم في الصحيحين إلى ثلاثة طبقات. وتقدم الكلام عن الطبقة الأولى في ترجمة أيوب بن أبي تميمة السختياني.

وقال الحافظ في الطبقة الثانية: "من أكثر الأئمة من إخراج حديثه إما لإمامته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير، أو أنه كان لا يدلس إلا عن ثقة.

وذكر سليمان بن مهران الأعمش في هذه الطبقة.

وقال في الطبقة الثالثة: "من أكثروا من التدليس وعرفوا به

(2)

.

‌67 - سنيد بن داود

قال ابن رجب: تدليس التسوية هو أن يروي عن شيخ له ثقة، عن رجل ضعيف، عن ثقة، فيسقط الضعيف من الوسط.

وكان الوليد بن مسلم وسنيد بن داود وغيرهما يفعلون ذلك

(3)

.

قلت: لعل القصة التى استدل بها الحافظ ابن رجب على وصف سنيد بن داود بتدليس التسوية، هي ما رواها عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أبيه، قال: رأيت سنيدًا عند حجاج بن محمد وهو يسمع منه كتاب الجامع -يعني لابن جريج - فكان في الكتاب: ابن جريج قال: أخبرت عن يحيى بن سعيد، وأخبرت عن

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 118).

(2)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 638 - 640).

(3)

"شرح علل الترمذي"(2/ 825).

ص: 242

الزهري، وأخبرت عن صفوان بن سليم، فجعل سنيد يقول لحجاج: قل يا أبا محمد: ابن جريج عن الزهري، وابن جريج عن يحيى بن سعيد، وابن جريج عن صفوان بن سليم، فكان يقول له هكذا، ولم يحمده أبي فيما رآه يصنع بحجاج، وذمه على ذلك.

قال أبي: وبعض هذه الأحاديث التى كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذه - يعني قوله: أخبرت وحدثت عن فلان

(1)

.

قال المعلمي اليماني: المبحث الثاني: متى سمع سنيد من الحجاج؟

روى الأثرم وهو ثقة عن الإمام أحمد أنه قال: سنيد لزم حجاجًا قديمًا، قد رأيت حجاجًا يملي عليه، وأرجو أن لا يكون حدث إلا بالصدق. ثم ذكر قول أحمد السابق، ثم قال: وحكى الخلال عن الأثرم نحو ذلك، ثم قال الخلال: ونرى أن حجاجًا كان هذا منه وقت تغيره، ونرى أن أحاديث الناس عن حجاج صحاح إلا ما روى سنيد.

أقول: هذا حدس يرده نص الإمام أحمد كما تقدم، ومبنى هذا الحدث على توهم أن في القصة ما يخدش في تثبيت حجاج، وإنما يكون الأمر كذلك لو كان إذا قيل: ابن جريج عن فلان يحمل على سماع ابن جريج عن فلان، وليس الأمر كذلك، لأن ابن جريج مشهور بالتدليس، فإذا قيل: ابن جريج عن الزهري ولم يجئ بيان السماع من وجه آخر، فإنه لا يحكم بالاتصال، بل يبنى على أوهن الاحتمالين، وهو أن بين ابن جريج وبين الزهري واسطة، وذلك لاشتهار ابن جريج بالتدليس، وعلى هذا فسيان قيل: ابن جريج أخبرت عن الزهري، وابن جريج عن الزهري. ولهذا قال ا لإمام أحمد: أرجو أن لا يكون حدث إلا بالصدق. وإنما ذكر في رواية عبد الله كراهيته لذلك، لأنه رآه خلاف الكمال في الأمانة.

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 551).

ص: 243

وفى "الكفاية"(صـ 187) من طريق عبد الله بن أحمد قال: كان إذا مر بأبي لحن فاحش غيره، وإذا كان لحنًا سهلًا تركه وقال: كذا قال الشيخ.

فأنت ترى أحمد يمتنع من تغيير اللحن فما ظنك بما تقدم؟

فإن قيل فما الحامل لسنيد على التماس ذلك من حجاج؟

قلت: طلب الاختصار والتزيين الصوري

(1)

.

‌68 - سويد بن سعيد

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: كان سويد بن سعيد الأنباري صدوقًا وكان يدلس - يكثر ذاك يعني التدليس

(2)

.

قال البرذعي: رأيت أبا زرعة يسيء القول في سويد بن سعيد وقال: رأيت منه شيئًا لم يعجبني. قلت: ما هو؟ قال: لما قدمت من مصر مررت به فأقمت عنده فقلت: إن عندي أحاديث لابن وهب عن ضمام ليست عندك، فقال: ذاكرني بها، فأخرجت الكتب، وأقبلت أذاكره، فلما كنت أذاكره كان يقول: حدثنا بها ضمام، وكان يدلس حديث حريز بن عثمان، وحديث نيار بن مكوم، وحديث عبد الله بن عمرو (زرغبًا).

فقلت: أبو محمد

(3)

لم يسمع هذه الثلاثة أحاديث من هؤلاء؟ فغضب. فقلت لأبي زرعة: فإيش حاله؟ قال: أما كتبه فصحاح، وكنت أتتبع أصوله وأكتب منها، فأما ما حدث من حفظه فلا

(4)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا البرقاني، قال لنا أبو بكر الإسماعيلي يومًا:

(1)

"التنكيل"(1/ 234، 235).

(2)

"الجرح والتعديل"(4/ 240).

(3)

أبو محمد هو سويد بن سعيد.

(4)

"سؤالات البرذعي" لأبي زرعة الرازي (2/ 407).

ص: 244

في القلب من سويد شيء -يعني سويد بن سعيد- من جهة التدليس

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين، وزاد ابن حجر: موصوف بالتدليس، وصفه به الدارقطني والإسماعيلي وغيرهما، وقد تغير في آخر عمره بسبب العمى، فضعف بسبب ذلك، وكان سماع مسلم منه قبل ذلك في صحته

(2)

.

* * *

(1)

"تاريخ بغداد"(9/ 230).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و "تعريف أهل التقديس"(صـ 165 - 166).

ص: 245

‌حرف الشين

‌69 - شباك الضبي

ذكر الحافظ ابن حجر شباك الضبي صاحب إبراهيم النخعي في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: صاحب إبراهيم النخعي، مشهور، من أهل الكوفة، وصفه بالتدليس الدارقطني والحاكم

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": شباك الضبي ثقة، له ذكر في صحيح مسلم، وكان يدلس.

قال الحاكم في معرفة علوم الحديث (صـ 155): نكتفي بما ذكرناه من أمثال هذا الجنس (هذا الجنس هو قوم يدلسون الحديث فيقولون: قال فلان، فإذا وقع إليهم من ينقر سماعاتهم ويلح ويراجعهم ذكروا فيه سماعاتهم) فقد صح مثل ذلك عن محمد بن إسحاق ويزيد بن أبي زياد وشباك وأبي إسحاق ومغيرة وهشيم بن بشير.

وقد تقدم في ترجمة "إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى" أن الدارقطني له كتاب في المدلسين.

وفى "تهذيب التهذيب": قال أحمد: شباك شيخ ثقة. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: شباك أحب إلي، وحماد -يعني ابن أبي سليمان ثقة. وقال النسائي: ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله، قليل الحديث. وقال ابن شاهين في الثقات: قال عثمان بن أبي شيبة: شباك ثبت".

‌70 - شريح بن عُبيد الحضرمي

قال الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني: شريح بن عبيد بن شريح الحضرمي الحمصي، قال الحافظ: ثقة، وكان يرسل كثيرًا. وقال الهيثمي: ثقة مدلس،

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 83).

ص: 246

اختلف في سماعه من الصحابة لتدليسه

(1)

.

(2)

.

قلت: لا أعلم أحدًا وصف شريح بن عبيد بالتدليس، إنما وصفه العلماء بأنه يرسل عن الصحابة.

قال البخاري: شريح بن عبيد الحضرمي أبو الصلت المقرئ الشامي سمع معاوية بن أبي سفيان وعن فضالة بن عبيد

(3)

.

قال أبو حاتم: شريح بن عبيد الله لم يدرك أبا أمامة، ولا الحارث بن الحارث، ولا المقدام، وشريح عن أبي مالك الأشعري مرسل

(4)

.

قال العلائي: شريح بن عبيد الحضرمي جعل في التهذيب روايته عن سعد بن أبي وقاص وأبي ذر وأبي الدرداء وغيرهم مرسلًا

(5)

.

(6)

.

قال المزي: قال عثمان الدارمي عن دحيم: شريح بن عبيد من شيوخ حمص الكبار ثقة. وقال غيره: سُئل محمد بن عوف: هل سمع شريح بن عبيد من أبي الدرداء؟ فقال: لا. قيل له: فسمع من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أظن ذلك، وذلك أنه لا يقول في شيء من ذلك سمعت، وهو ثقة.

(1)

"مجمع الزوائد"(1/ 88).

(2)

"التدليس في الحديث"(صـ 306 - 307).

(3)

"التاريخ الكبير"(4/ 230).

(4)

"مراسيل ابن أبي حاتم"(327).

(5)

"جامع التحصيل" صـ 195.

(6)

قال المزي في "تهذيب الكمال"(3/ 380): شريح بن عبيد بن شريح بن عبدٍ الحضرمي روى عن سعد بن أبي وقاص (د) ولم يدركه، والصعب بن جثامة الليثي ولم يدركه، وكعب الأحبار (فق) ولم يدركه، وأبي الدارداء (ق)، وأبي ذر الغفاري ولم يدركه. اهـ

ولم يتكلم المزى عن روايته عن أبي الدرداء، ولم يذكر المزي في ترجمة أبي الدارداء أن شريح بن عبيد أرسل عنه.

ص: 247

وقال أبو عبيد الآجري عن أبي داود: لم يدرك سعد بن مالك

(1)

.

ذكر ابن حجر قول أبي حاتم السابق، ثم قال: وإذا لم يدرك أبا أمامة الذى تأخرت وفاته فبالأولى أن لا يكون أدرك أبا الدرداء. وإني لكثير العجب من المؤلف كيف جزم بأنه لم يدرك من سمى هنا، ولم يذكر ذلك في المقداد، وقد توفي قبل سعد بن أبي وقاص، وكذا أبو الدرداء وأبو مالك الأشعري، وغير واحد ممن أطلق روايتهم عنه والله الموفق

(2)

.

فالذي يظهر لي أنه لا يصح وصفه بالتدليس، ولا ينبغي التوقف في عنعنته عن شيخه الذى سمع منه، أما من لم يسمع منه، فروايته عنه تُرد للإرسال والله أعلم.

‌71 - شريك بن عبد الله النخعي

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا محمد بن جعفر بن علان، قال: أنا أبو الفتح محمد بن الحسين الحافظ، قال: ثنا الحسن بن علي، قال: ثنا محمد بن يحيى الأزدي، قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: قدمت الكوفة فما رأيت بها أحدًا إلا وهو يدلس، إلا مسعر بن كدام وشريك

(3)

.

قال ابن القطان الفاسي: شريك مختلف فيه، وهو مدلس

(4)

.

وقال ابن القطان أيضًا: وقد ذكره أبو محمد في الأشربة حديث: "اشربوا في الظروف، ولا تكسروا" من رواية شريك. ثم قال: وشريك لا يحتج به، ويدلس أيضًا

(5)

.

(1)

"تهذيب الكمال"(3/ 380).

(2)

"تهذيب التهذيب".

(3)

"الكفاية في علوم الرواية" صـ 515. وأبو الفتح الأزدي مُتكلم فيه، انظر ترجمته في "لسان الميزان" للحافظ ابن حجر.

(4)

"بيان الوهم والإيهام"(3/ 122).

(5)

"بيان الوهم والإيهام"(3/ 295 - 297)، و "الأحكام الوسطى" لعبد الحق الإشبيلي (7/ 143).

ص: 248

وقال ابن القطان أيضًا: وشريك وقيس مختلف فيهما، وهم ثلاثة ولوا القضاء، فساء حفظهم بالاشتغال عن الحديث: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وشريك بن عبد الله، وقيس بن الربيع. وشريك مع ذلك مشهور بالتدليس، وهذا لم يذكر السماع فيه

(1)

.

قال العلائي: شريك بن عبد الله النخعي ليس تدليسه بالكثير

(2)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين، وزاد ابن حجر: القاضي، مشهور، كان من الأثبات، فلما ولي القضاء تغير حفظه، وكان يتبرأ من التدليس، ونسبه عبد الحق في "الأحكام" إلى التدليس، وسبقه إلى وصفه به الدارقطني

(3)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": شريك بن عبد الله النخعي، الكوفي، القاضي بواسط ثم الكوفة، أبو عبد الله، صدوق يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا شديدًا على أهل البدع.

قلت: الذي يظهر لي أنه لا يصح وصف شريك بن عبد الله النخعي بالتدليس، وقد وصف الدارقطني عددًا من الرواة بالتدليس في القلب من هذا الوصف شيء، وهؤلاء الرواة هم: حسين بن واقد، وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي، وموسى بن عقبة، ويحيى بن سعيد الأنصاري، ولاحق بن حميد أبو مجلز.

وما من عالم من العلماء المتقدمين إلا تكلم عن شريك النخعي، ولا أعلم واحدًا منهم وصف شريك بالتدليس، ولعل شريك دلس حديثًا أو حديثين، وذلك ليس بكافٍ في إطلاق الوصف بالتدليس على الراوي، فكثير من الرواة قد يقع منهم ذلك، ومع ذلك لا نجد الأئمة يطلقون الوصف بالتدليس عليهم،

(1)

"بيان الوهم والإيهام"(3/ 534).

(2)

"جامع التحصيل" صـ 107، و"التبيين لأسماء المدلسين" لابن العجمي صـ 111.

(3)

"جامع التحصيل" صـ 113، و"تعريف أهل التقديس" صـ 119.

ص: 249

ولعل الحديث أو الحديثان اللذان دلسهما شريك كانا من سوء حفظه، وليس عن عمدٍ منه، فلعله رواهما عن شيخ له، وكان أخذهما عن آخر عن هذا الشيخ، فأسقط اسم شيخه من الإسناد.

فالصواب عدم التوقف في عنعنة شريك عن شيوخه، إلا إذا ثبت أن شريك دلس هذا الحديث بعينه، فحينئذِ يتوقف في عنعنته، أما إعلال الحديث بعنعنة شريك فليس عليه عمل الأئمة المتقدمون والله أعلم.

قال ابن حزم: وأما المُدلس فينقسم إلى قسمين: ثم ذكر القسم الأول، ثم قال: وقسم آخر قد صح عنهم إسقاط من لا خير فيه من أسانيدهم عمدًا، وضم القوى إلى القوى تلبيسًا على من يحدث، وغرورًا لمن يأخذ منه، ونصرًا لما يريد تأييده من الأقوال، مما لو سمى من سكت عن ذكره لكان ذلك علة ومرضًا في الحديث، فهذا رجل مجروح، وهذا فسق ظاهر، واجب اطراح جميع حديثه، صح أنه دلس فيه أو لم يصح أنه دلس فيه، وسواء قال: سمعت أو أخبرنا، أو لم يقل، كل ذلك مردود غير مقبول، لأنه ساقط العدالة، غاش لأهل الإسلام باستجازته ما ذكرناه، ومن هذا النوع كان الحسن بن عمارة وشريك بن عبد الله القاضي

(1)

.

قلت: لا أعلم أن أحدًا من العلماء قبل ابن حزم وصف شريك بتدليس التسوية، وابن حزم رحمه الله لم يكن من الراسخين في هذا الفن، بل عليه مؤاخذات كثيرة في علم الحديث، فلا يعتد بقوله في شريك طالما لم يسبقه أحد إليه، وخاصة أن شريك النخعي قد تكلم عليه العلماء قاطبة، وسبروا رواياته، فلو كان يدلس تدليس التسوية لوصفوه بذلك والله أعلم.

وانظر أيضًا التعليق على قول ابن حزم في الذى في ترجمة الحسن البصري.

(1)

"الإحكام في أصول الأحكام"(1/ 185)(باب: "الكلام في الأخبار وهي السنن المنقولة").

ص: 250

‌72 - شعبة بن الحجاج

قال بدر الدين الزركشي: قال أبو الفرج المعافى بن زكريا النهرواني فى المجلس الثالث والخمسين من كتاب "الجليس الصالح": قد وجدنا لشعبة مع سوء قوله فى التدليس تدليسًا فى عدة أحاديث رواها، جمعنا ذلك فى موضع هو أولى به". انتهى كلامه

ولا يخفى ما فيه من التحامل، وسيتبين أنه إنما كان يروي عن المدلس إذا صرح له بالتحديث، وإلا تركه، وهذا غير قادح، وأما نسبته إياه إلى التدليس، فإن ثبت، فليس هو من التدليس المذموم، وسنذكر في آخر الباب مقاصد الثقات بالتدليس

(1)

.

ذكر ابن حجر قول النهراوي السابق، ثم قال: ومازلت متعجبًا من هذه الحكاية، شديد التلفت إلى الوقوت على ذلك، ولا أزداد إلا استغرابًا لها واستبعادًا، إلى أن رأيت فى "فوائد أبي عمرو بن أبي عبيد الله بن منده"، وذلك فيما قرأت على أم الحسن بنت المنجا، عن عيسى بن عبد الرحمن بن مغالى، قال: قُرئ على كريمة بنت عبد الوهاب ونحن نسمع، عن أبي الخير الباغيان، أنا أبو عمرو بن أبي عبيد الله بن منده، ثنا أبو عمر عبد الله بن محمد ابن عبد الوهاب إملاء، حدثنا أبو عبد الله أحمد بن موسى بن إسحاق، ثنا أحمد ابن محمد بن الأصفر، ثنا النفيلي، ثنا مسكين بن بكير، ثنا شعبة، قال: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت، فقال: قال أبو قزعة: حدئني مهاجر المكي، أنه سأل جابر بن عبد الله -رضى الله عنه-: أكنتم ترفعون أيديكم عند رؤية البيت؟ فقال: قد كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فهل فعلنا ذلك؟ قال الأصفر: ألقينه على أحمد بن حنبل فاستعادنى، فأعدته عليه، فقال: ما كنت أظن أن شعبة يدلس.

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 83 - 84).

ص: 251

حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن أبي قزعة بأربعة أحايث، هذا أحدها - يعني ليس فيه عمرو بن دينار.

قلت: هذا الذى قاله أحمد بن حنبل على سبيل الظن، وإلا فلا يلزم من مجرد هذا أن يكون شعبة دلس فى هذا الحديث، لجواز أن يكون سمعه من أبي قزعة بعد أن حدثه عمرو عنه، ثم وجدته في "السنن" لأبي داود، عن يحيى ابن معين، عن غندر، عن شعبة قال سمعت أبا قزعة فذكره. فثبت أنه ما دلسه والظاهر: الذى زعم معافى أنه جمعه كله من هذا القبيل، وإلا فشعبة من أشد الناس تنفيرًا عنه

(1)

.

وقال ابن حجر أيضًا: وكيف يُظن بشعبة التدليس وهو القائل: لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أقول: عن فلان، ولم أسمعه منه.

وهو القائل: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس

(2)

.

قلت: والإسناد الذى استدل به النهراوني على تدليس شعبة فيه مقال. فاحمد ابن محمد بن الأصفر له ترجمة فى "تاريخ بغداد"(4/ 396)، قال الخطيب البغدادي: سمعت أبا نعيم يقول: أبو بكر أحمد بن محمد بن الأصفر البغدادي صاحب غرائب عن الحفاظ، قدم أصبهان، روى عنه أسيد بن عاصم.

أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح، أخبرنا أبو الحسن الدَّارقُطْنِي، قال: أحمد بن محمد بن الأصفر يروي عن الكوفيين، غيره أثبت منه.

وقد ترجم الحافظ ابن حجر فى "لسان الميزان"(1/ 407) لأحمد هذا، ونقل قول الدَّارقُطْنِي فقط.

وأبو عبد الله أحمد بن موسى بن إسحاق وثقه الخطيب البغدادي، كما في "تاريخ بغداد"(5/ 144).

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 628 - 630).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 185).

ص: 252

وأبو عمر عبد الله بن محمد بن احمد بن عبد الوهاب لم أقف له على ترجمة.

والثابت عن الإمام أحمد ما في مسائل ابن هانئ (1/ 203)، قال ابن هانئ: قلت لأحمد: قال شعبة: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي؟ قال: قال أبو قزعة: حدثني مهاجر المكي، أنه قال: قد كنا نصلي.

قال: لا أعرفه، وليس هذا عن عمرو بن دينار.

قلت: حُدثنا عن النفيلي، عن مسكين، عن شعبة. وحدثنا أصحابنا، عن غندر، عن شعبة، عن أبي قزعة، لا يقول: عمرو بن دينار؟

قال: ليس بشيء.

قلت له: مسكين ضعيف؟ قال: كان يخطئ في حديث شعبة. ا هـ

قلت: فإدخال مسكين بن بكير عمرو بن دينار بين شعبة وأبي قزعة في هذا الحديث وهم، والصواب أن شعبة سمعه من أبي قزعة، ولم يأخذه عنه بواسطة.

فلا يصح وصف شعبة بن الحجاج بالتدليس، وإذا روى شعبة عن مدلس، فقد كفانا تصريح هذا المدلس بالسماع من شيخه، فسواء روى المدلس عن شيخه بالعنعنة أو مصرحًا بالسماع، فروايته مقبولة إذا كانت من رواية شعبة.

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(18/ 1 - 19): واختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقه، مثل مالك عن سعيد بن المسيب، والثوري عن إبراهيم النخعي، وما أشبه هذا، فقالت فرقة: هذا تدليس، لأنهما لو شاءا لسميا من حدثهما، كما فعلا في الكثير مما بلغهما عنهما، قالوا: وسكوت المحدث عن ذكر من حدثه مع علمه به دلسة.

قال أبو عمر: فإن كان هذا تدليسًا، فما أعلم أحدًا من العُلماء سلم منه في قديم الدهر ولا في حديثه، اللهم إلا شعبة بن الحجاج، ويحيى بن سعيد القطان، فإن هذين ليس يوجد لهما شيء من هذا، لا سيما شعبة، فهو القائل: لأن أزني أحب إلي من أن أدلس.

ص: 253

‌73 - شعيب بن أيوب الصيرفيني

ذكر الحافظ ابن حجر شعيب بن أيوب الصيرفيني في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: من شيوخ أبي داود، وصفه بالتدليس ابن حبان والدارقطني

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": شعيب بن أيوب بن رزيق الصيرفيني، صدوق يدلس.

قال ابن حبان في "الثقات"(8/ 359): شعيب بن أيوب بن رزيق، أبو بكر الصريفيني، كان على قضاء واسط، يروي عن عبيد الله بن موسى وأهل العراق حدثنا عنه محمد بن المنذر بن سعيد وغيره، يحطىه ويدلس، كل ما في حديثه من المناكير مدلسة. ا هـ

وقد تقدم في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أن الدارقطني له كتاب في المدلسين.

وفى "تهذيب التهذيب": "قال ابن أبي حاتم: شعيب بن أيوب كتب إلي وإلى أبي. وقال الآجري عن أبي داود: إني لأخاف الله في الرِّواية عن شعيب بن أيوب. وقال الدارقطني: ثقة ولي القضاء. وقال الحاكم: ثقة مأمون".

‌74 - شعيب بن عبد الله

ذكر الحافظ ابن حجر شعيب بن عبد الله في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: قال علي بن عبد الله المديني: حدثني حسين بن الحسن الأشقر، عن شعيب بن عبد الله، عن أبي عبد الله، عن نوف، عن علي رضى الله عنه فذكر حديثًا، قال: فقلت لحسين: ممن سمعته؟ قال: من شعيب. فقلت لشعيب: من حدثك؟ قال: أبو عبد الله الجصاص عن حماد القصاب. فقلت لحماد القصاب: من حدثك؟ قال: بلغني عن فرقد عن نوف.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 134).

ص: 254

فإذا هو قد دلس عن ثلاثة أي أسقطهم

(1)

.

(2)

.

‌75 - شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو

ذكر الحافظ ابن حجر شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص في

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 134 - 135).

(2)

قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(صـ 105): الجنس الثالث من التدليس: قوم دلسوا على أقوام مجهولين لا يدري من هم ومن أين هم.

مثال ذلك ما أخبرناه الحسن بن محمد بن إسحاق، قال: ثنا محمد بن أحمد بن البراء، قال: ثنا علي بن عبد الله، قال: حدثني حسين الأشقر قال: ثنا شعيب بن عبد الله النهمي،، عن أبي عبد الله، عن نوف قال: بت عند علي فذكر كلامًا.

قال ابن المديني: فحدثني حسين، فقلت لحسين: ممن سمعته؟ فقال: حدثنيه شعيب عن أبي عبد الله عن نوف، فقلت لشعيب: من حدثك بهذا؟ قال: أبو عبد الله الجصاص. قلت: عن من؟ قال: عن حماد القصار. فلقيت حمادًا فقلت: من حدثك بهذا؟ قال: بلغني عن فرقد السبخي عن نوف.

فإذا هو قد دلس عن ثلاثة، والحديث بعد منقطع، وأبو عبد الله الجصاص مجهول، وحماد القصار لا يدري من هو، وبلغه عن فرقد، وفرقد لم يدرك نوفًا ولا رآه. ا هـ

والحسن بن محمد بن إسحاق هو الإسفراييني ترجم له الذهبي في " السير"(15/ 535)، فقال: الإمام الحافظ المجود، رحل به خاله الحافظ أبو عوانة، ومن أجود الناس أصولًا.

قال الذهبي: حديثه كثير في تواليف البيهقي من جهة علي بن محمد بن علي المقرئ عنه.

وترجم لشعيب بن عبد الله الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(4/ 151)، ولم يذكر في ترجمته إلا وصف علي بن المديني له بالتدليس.

ص: 255

المرتبة الثانية من المدلسين، وقال: يروى عن جده، روى عنه ابنه عمرو نسخة مشهورة، وروى عنه أيضًا ولد له آخر اسمه عُمير بضم العين وثابت البناني وعطاء الخراساني وغيرهم، وجُل ما يُروى عنه عن ولده عمرو، وستأتي ترجمته.

واختلفوا في سماعه من جده، فجزم أنه سمع منه ابن المديني والبخاري والدارقطني وأحمد بن سعيد الدارمي وأبو بكر بن زياد النيسابوري، وقال أحمد ابن حنبل: أراه سمع منه، وجزم أنه لم يسمع منه ابن معين، وقال: إنه وجد كتاب عبد الله بن عمرو فحدث منه، وقال ابن حبان: من قال أنه سمع من جده فليس ذلك عندي بصحيح.

قلت: وقد صرح بسماعه من جده في أحاديث قليلة، فإن كان الجميع صحيفة وجدت صورة التدليس

(1)

.

* * *

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 120 - 121).

ص: 256

‌76 - صالح بن أبي الأخضر

قال الحاكم: الجنس الخامس من المدلسين: قوم دلسوا عن قوم سمعوا منهم الكثير وربما فاتهم الشيء عنهم فيدلسونه.

أخبرني قاضي القضاة محمد بن صالح الهاشمي، قال: ثنا أبو جعفر المستعيني، قال: حدثنا عبد الله بن علي بن المديني، قال: ثنا أبي قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: حدثنا صالح بن أبي الأخضر قال: حديثي منه ما قرأت عن الزهري، ومنه ما سمعت، ومنه ما وجدت في كتاب، ولست أفصل ذا من ذا.

قال يحيى: وكان قدم علينا فكان يقول: "حدثنا الزهري حدثنا الزهري"

(1)

.

قسم العلائي المدلسين إلى خمس طبقات، وتكلم عن كل طبقة منهم ثم قال: وهذا كله في تدليس الراوي مالم يتحمله أصلًا بطريق ما، فأما تدليس الإجازة والمناولة والوجادة بإطلاق أخبرنا فلم يعده أئمة الفن في هذا الباب، كما قيل في رواية أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب، ورواية مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه، وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري، وشبه ذلك، بل هو إما محكوم عليه بالانقطاع أو يُعد متصلًا

(2)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: ذكر روح بن عبادة عنه أنه سُئل عن حديثه عن الزهري، فقال: سمعت بعضًا، وقرأت بعضًا، ووجدت بعضًا، ولست أفصل ذا من ذا

(3)

.

(1)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 108).

(2)

"جامع التحصيل" صـ 114.

(3)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 176).

ص: 257

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": صالح بن أبي الأخضر اليمامي، ضعيف يعتبر به.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(4/ 394 - 395): نا صالح بن أحمد بن حنبل، نا علي -يعني ابن المديني، قال يحيى- يعني القطان: كنا عند شعبة أنا وصالح بن أبي الأخضر وعبد الله بن عثمان فسألته عنه فقال لي من غير إن يغضبه إنسان: لا أدري سمعته من الزهري أو قرأته.

قال يحيى: ثم قال لنا بعد ذلك: منه ما حدثني، ومنه ما قرأت على الزهري، ومنه ما سمعت، ومنه ما وجدت في كتاب، فلست أفصل ذا من ذا.

قال يحيى: وكان قدم علينا قبل ذلك فيقول: ثنا الزهري ثنا الزهري.

ذكره أبي قال: نا محمود بن غيلان، ثنا وهب بن جرير وسألته عن صالح بن أبي الأخضر فقال: كان سمع وقرأ فلا يخلص بعضه من بعض.

سُئل أبو زرعة عن صالح بن أبي الأخضر فقال: ضعيف الحديث، كان عنده عن الزهري كتابين أحدهما عرض والآخر مناولة، فاختلطا جميعًا فلا يعرف هذا من هذا.

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 198): حدثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا عمرو بن علي قال: سمعت معاذ بن معاذ وذكر صالح بن أبي الأخضر فقال: سمعت يقول: سمعت من الزهري، وقرأت عليه، فلا أدري هذا من هذا، فقال يحيى وهو إلى جنبه: لو كان هذا هكذا كان جيدًا سمع والعرض ووجد شيئًا مكتوبًا، فقال: لا أدري هذا من هذا. (قلت: كذا في الأصل، وأظن أن هناك سقط، والصواب والله أعلم: لو كان هذا هكذا كان جيدًا، ولكنه سمع وعرض ووجد شيئًا مكتوبًا).

حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: حدثنا علي، قال: سمعت معاذًا وذكر صالح بن أبي الأخضر فقال: قال لي: هذا الكتاب سمعته من الزهري، وقرأه علي، وقرأته عليه. قلت لمعاذ: ذكر كم كان

ص: 258

الكتاب؟ قال: كان كبيرًا. قال معاذ: وكان يقول: حدثنا ابن شهاب. فقلت لمعاذ: فهو إذًا أصح أصحاب الزهري سماعًا، قال: فهو كذلك. قال: فأخبرت أنا معاذًا بقول يحيى فيه، قال معاذ: إنما اجتمعوا عليه، فقال لي، قد أكثروا علي، وأنا خليق أن أطردهم، قال معاذ: قلت كيف؟ قال: ترى غدًا فتكلم بشيء في سماعه، وذكر معاذ حديث الإفك، والثلاثة الذين خلفوا، فقلت لمعاذ: فإن معمرًا قرأ حديث الإفك على الزهري، فقال معاذ: قال لي بشر بن المفضل: سألت صالحًا عن هذين الحديثين فقلت: سمعتهما من الزهري؟ قال: نعم، فلما كان من العشي رحت أنا إلى يحيى بن سعيد، فأخبرته بقول معاذ هذا في صالح بن أبي الأخضر فقال يحيى: ليتني عنده، ثم قال يحيى: قال عبد الله بن عثمان: إن صالحًا يصحح هذا الحديث، وهو مما سمع، أنا أبا بكر قال: لو رأيت رجلًا على حد، قال يحيى: وكنا عند شعبة أنا وصالح بن أبي الأخضر وعبد الله بن عثمان، فسألته عنه، فقال لي من غير أن يغضبه إنسان لا أدري، سمعت من الزهري، أو قرأته، قال يحيى: ثم قال لنا بعد ذلك: منه ما قرأت على الزهري، ومنه ما سمعت، ومنه ما وجدت في كتاب فلست أفصل ذا من ذا، وكان قدم علينا قبل ذلك فكان يقول: حدثنا الزهري، حدثنا الزهري.

وذكر ابن حبان في "المجروحين"(1/ 365): قصة معاذ بن معاذ العنبري التى رواها العقيلي ثم قال: إن من اختلط عليه ما سمع بما لم يسمع ثم لم يرع عن نشرها بعد علمه بما اختلط عليه منها حتى نشرها وحدث بها وهو لا يتيقن بسماعها لبالحري أن لا يحتج به في الأخبار لأنه في معنى من يكذب وهو شاك أو يقول شيئًا وهو يشك في صدقه، والشاك في صدق ما يقول لا يكون بصادق، ونسأل الله الستر وترك إسبال الهتك إنه المانُّ به.

وقال ابن عدي في "الكامل"(4/ 64 - 66): ثنا الحسن بن محمد بن الضحاك ثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم، سمعت علي بن المديني يقول: سمعت ابن أبي

ص: 259

عدي أو معاذ بن معاذ يقول: ألححنا على صالح بن أبي الأخضر في حديث الزهري فقال: منه ما سمعت ومنه ما عرضت ومنه مالم أسمع فاختلط علي.

ثم أورد له ابن عدي أحاديث ثم قال: ولصالح بن أبي الأخضر غير ما ذكرت من الحديث عن الزهري وغيره، وفى بعض أحاديثه ما ينكر عليه، وهو من الضعفاء الذين يكتب حديثهم. ا هـ

ـ

قلت: ولم أقف على قول روح بن عبادة في صالح بن أبي الأخضر.

‌77 - صفوان بن صالح بن دينار الدمشقي

قال ابن حبان: الجنس السادس من أحاديث الثقات التى لا يجوز الاحتجاج بها: أقوام من المتأخرين قد ظهروا يسوقون الأخبار، فإذا كان بين الثقتين ضعيف واحتمل أن يكون الثقات رأى أحدهما الآخر أسقطوا الضعيف من بينهما حتى يتصل الخبر، فإذا سمع المستمع خبر أسأم رواته ثقات اعتمد عليه وتوهم أنه صحيح، كبقية بن الوليد قد رأى عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسمع منهم، ثم سمع من أقوام ضعفاء عنهم فيروي الرواة عنه أخباره، ويسقطون الضعفاء من بينهم، حتى يتصل الخبر في جماعة مثل هؤلاء يكثر عددهم.

سمعت ابن جوصا يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: كان صفوان بن صالح ومحمد المصفى يسويان الحديث

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: وثقه أبو داود وغيره، ونسب إلى التسوية، يأتي خبره في ذلك في ترجمة محمد بن مصفى الحمصي

(2)

.

(1)

"مقدمة المجروحين"(ص 94). وابن جوصا هو أحمد بن عمير بن يوسف بن موسى بن جوصا، له ترجمة في "السير" (15/ 15). قال الذهبي: هو الإمام الحافظ الأوحد، محدث الشام، ثم نقل توثيق العُلماء له.

(2)

"تعريف أهل التقديس"(ص 135).

ص: 260

وفى "تهذيب التهذيب": "قال الآجري عن أبي داود: صفوان بن صالح حجة. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان منتحل مذهب أهل الرأي. وقال الترمذي: هو ثقة عند أهل الحديث. ووثقه مسلمة بن القاسم وأبو علي الجياني وغيرهما. وقال ابن حبان في آخر مقدمة الضعفاء: سمعت ابن جوصا يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: كان صفوان بن صالح ومحمد بن مصفى يسويان الحديث - يعني يدلسان تدليس التسوية".

* * *

ص: 261

‌حرف الطاء

‌78 - طاوس بن كيسان

قال العلائي: طاوس بن كيسان الفقيه، أحد الأعلام، ذكره حسين الكرابيسي في أثناء كلام له أنه أخذ من عكرمة كثيرًا من علم ابن عباس وكان يرسله بعد ذلك عنه.

وهذا يقتضي أن يكون مدلسًا، ولم أر أحدًا وصفه بذلك

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: التابعي المشهور، ذكره الكرابيسي في المدلسين وقال: أخذ كثيرًا من علم ابن عباس رضى الله عنهما، ثم كان بعد ذلك يرسل عن ابن عباس.

وروى عن عائشة، فقال ابن معين: لا أراه سمع منها، وقال أبو داود: لا أعلمه سمع منها

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": طاوس بن كيسان ثقة فقيه فاضل.

قلت: لم أر أحدًا من الأئمة المتقدمين تابع الكرابيسي على وصف طاوس بالتدليس عن ابن عباس، وإنما وصفوه بأنه من أثبت أصحاب ابن عباس، ومن ألزم أصحابه به، فما الذى يحوجه أن يدلس عنه.

قال يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ "(1/ 708): قال علي بن المديني: كان سفيان لا يعدل من أصحاب ابن عباس بطاوس أحدًا.

قال ابن أبي خيثمة: دفع إلى عبد الله بن علي بن عبد الله المديني كتاب أبيه بيده ونحن بالبصرة مع يحيى بن معين سنة عشرين ومائتين، فكتبت منه هذا الكلام، ولم أسمعه من علي، وكل شيء في كتابي هذا قال علي فهو من هذا

(1)

"جامع التحصيل"(ص 107).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(ص 83 - 84).

ص: 262

الكتاب أخذته، وكان فيه:

قال يحيى بن سعيد القطان: أصحاب ابن عباس ستة: مجاهد وطاوس وعطاء وسعيد بن جبير وعكرمة وجابر بن زيد. ("أخبار المكيين من التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة (ص 268)).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: هؤلاء أصحاب ابن عباس: طاوس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعطاء، وجابر بن زيد، وعكرمة آخر هؤلاء. ("العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 226)، (2/ 555)).

وقال النسائي: وأصحاب ابن عباس من أهل مكة: عطاء، وطاوس، ومجاهد وسعيد بن جبير، وجابر بن زيد، ومحبيد الله بن عبد الله بن عتبة. ("رسالة تسمية فقهاء الأمصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم" للإمام النسائي (ص 112) - ضمن ثلاث رسائل حديثية للإمام النسائي تحقيق الشيخ مشهور حسن سلمان).

وقال ابن عبده البر في "التمهيد"(6/ 161): يُقال إنه لم ينفرد أحد بابن عباس من أصحابه غير طاوس، كان له منه مجلس خاص، وكان يواظب مجلسه مع العامة.

وقال الذهبي في "السير"(5/ 39): طاوس بن كيسان لازم ابن عباس مدة، وهو معدود في كبراء أصحابه.

‌79 - طلحة بن نافع أبو سفيان

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: لم يسمع أبو سفيان من أبي أيوب شيئًا فأما جابر فإن شعبة يقول: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث.

قال أبي: وأما أنس فإنه يحتمل، ويقال: إن أبا سفيان أخذ صحيفة جابر عن سليمان اليشكري

(1)

.

(1)

"مراسيل ابن أبي حاتم"(359).

ص: 263

قال أبو حاتم الرازي: جالس سليمان اليشكري جابرًا فسمع منه وكتب عنه صحيفة، فتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته، فروى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر وهم قد سمعوا من جابر وأكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة

(1)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: نا صالح بن أحمد، نا علي - يعني ابن المديني، قال: سمعت عبد الرحمن قال: كان شعبة يرى أن أحاديث أبي سفيان عن جابر إنما هو كتاب سليمان اليشكري

(2)

.

قال العقيلي: حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبو بكر بن خلاد، قال:

سمعت يحيى بن سعيد، قال: قال شعبة: هذه التى يحدث بها أبو سفيان صاحب الأعمش كتاب.

حدثنا عبد الله، قال: وحدثنا يحيى بن معين، قال: حدثنا وكيع، قال: سمعت شعبة يقول: حديث أبي سفيان عن جابر إنما هي صحيفة

(3)

.

قال ابن محرز: سمعت يحيى بن معين يقول: حدثنا وكيع قال: سمعت شعبة يقول: أصاب أبو سفيان صحيفة فرواها

(4)

.

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي وذكر حديث شعبة عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن ابن عمر: دع ما يريبك إلى مالا يريبك.

فقال أبي: لا نعلم روى شعبة عن أبي سفيان غير هذا الحديث، وتعجبنا من لقيه إياه كيف لقيه، لأن طلحة بن نافع كبير، وشعبة يحمل عليه يقول: ما يحدث عن جابر، لم يسمع من جابر، إنما هو صحيفة سليمان اليشكري

(5)

.

(1)

"الجرح والتعديل"(4/ 136).

(2)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 144 - 145).

(3)

"الضعفاء الكبير"(2/ 224).

(4)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (2/ 150).

(5)

"علل ابن أبي حاتم"(2/ 137).

ص: 264

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: نا أبو بكر بن أبي خيثمة فيما كتب إلي، قال: نا أبي، قال: نا سفيان -يعني ابن عيينة- قال: حديث أبي سفيان عن جابر إنما هو صحيفة

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا أبو بشر، قال: قلت لأبي سفيان: مالي لا أراك تحدث عن جابر كما يحدث سليمان اليشكري؟ قال: إن سليمان كان يكتب، وإني لم أكن أكتب

(2)

.

قال ابن رجب الحنبلي: وقال علي بن المديني: قال معلى الرازي عن يحيى ابن أبي زائدة قال: سمعت يزيد الدالاني قال: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث.

وذكر الترمذي في علله عن البخاري قال: كان يزيد أبو خالد الدالاني يقول: أبو سفيان لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث، ثم قال البخاري: وما يدريه، أو ما يرضى أن رأسًا برأس حتى يقول مثل هذا؟

يشير البخاري إلى أن أبا خالد في نفسه ليس بالقوي، فكيف يتكلم في غيره. وأثبت البخاري سماع أبي سفيان من جابر، وقال في "تاريخه": قال لنا مسدد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان: جاورت جابر بمكة ستة أشهر.

قال: وقال علي: سمعت عبد الرحمن قال: قال لي هشيم عن أبي العلاء، قال: قال لي أبو سفيان: كنت أحفظ، وكان سليمان اليشكري يكتب عن جابر، وخرج مسلم حديث أبي سفيان عن جابر، وخرجه البخاري مقرونًا

(3)

.

(1)

"الجرح والتعديل"(4/ 475)، (1/ 46).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 248).

(3)

"شرح علل الترمذي"(2/ 852)، و"سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (2/ 193)، و"علل الترمذي الكبير"(ص 388).

ص: 265

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا عبد الله بن مسلمة قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان قال: كنا نأتي جابرًا وهو مجاور ستة أشهر

(1)

.

قال الحاكم: التدليس عندنا على ستة أجناس: فمن المدلسين من دلس عن الثقات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه إلا أنهم لم يخرجوا من عداد الذين يقبل أخبارهم، فمنهم من التابعين أبو سفيان طلحة بن نافع وقتادة بن دعامة وغيرهما.

أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق الأزهري، قال: ثنا محمد بن إسحاق، قال: ثنا محمد بن البراء، قال: ثنا علي بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن ابن مهدي يقول: كان شعبة يرى أحاديث أبي سفيان عن جابر إنما هو كتاب سليمان اليشكري، قال: قلت لعبد الرحمن: سمعته من شعبة؟ قال: أبو بلغني عنه

(2)

.

قال ابن عدي: وطلحة بن نافع أبو سفيان صاحب جابر وقد روى عن جابر أحاديث صالحة رواها الأعمش عنه، ورواها عن الأعمش الثقات وهو لا بأس به وقد روى عن أبي سفيان هذا غير الأعمش بأحاديث مستقيمة

(3)

.

قال ابن حجر: في "العلل الكبير" لعلي بن المديني: أبو سفيان لم يسمع من جابر إلا أربعة أحاديث، وقال فيه: أبو سفيان يكتب حديثه وليس بالقوي. وقال أبو حاتم عن شعبة: لم يسمع أبو سفيان من جابر إلا أربعة أحاديث.

قلت: لم يخرج البخاري له سوى أربعة أحاديث عن جابر، وأظنها التي عناها شيخه علي بن المديني: منها حديثان في الأشربة قرنه بأبي صالح، وفي الفضائل

(1)

"المعرفة والتاريخ"(3/ 229). وعبد الله بن مسلمة هو القعنبي، ثقة عابد كما في "التقريب".

(2)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 103).

(3)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(4/ 113).

ص: 266

حديث "اهتز العرش" كذلك، والرابع في تفسير سورة الجمعة قرنه بسالم بن أبي الجعد

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين، وزاد ابن حجر: الراوي عن جابر، صدوق مشهور بكنيته، معروف بالتدليس، وصفه بذلك الدارقطني وغيره

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": طلحة بن نافع الواسطي، أبو سفيان الإسكاف، صدوق.

* * *

(1)

"تهذيب التهذيب".

(2)

"جامع التحصيل"(ص 113)، و"تعريف أهل التقديس"(ص 135 - 136).

ص: 267

‌حرف العين

‌80 - عباد بن منصور

قال العلائى: قال مهنأ عن أحمد: عباد بن منصور كانت أحاديثه منكرة، وكان قدريا، وكان يدلس

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين وقال: ذكره أحمد والبخارى والنسائى وغيرهم بالتدليس عن الضعفاء

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عباد بن منصور الناجي، صدوق رمي بالقدر، وكان يدلس، وتغير بآخره.

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 40): عباد عن إبراهيم بن أبي يحيى عن داود عن عكرمة، وربما دلسها فجعلها عن عكرمة.

وقال أبو حاتم الرازي: يقال أن عباد بن منصور أخذ جزءًا من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن حصين عن عكرمة عن ابن عباس، فما كان من المناكير فهو من ذاك. ("علل ابن أبي حاتم" (2/ 260)).

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 86): عباد بن منصور الناجي روى عن القاسم بن محمد وعطاء بن أبي رباح والحسن وعكرمة وأيوب السختياني، وفى روايته عن عكرمة وأيوب ضعف، سمعت أبي يقول ذلك. قال ابن أبي حاتم: سُئل أبي عن عباد بن منصور، قال: كان ضعيف الحديث، يكتب حديثه، ونرى أنه أخذ هذه الأحاديث عن ابن أبي يحيى عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس.

وقال ابن أبي حاتم في "علل الحديث"(1/ 447): سألت أبي عن حديث

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 107).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 50).

ص: 268

رواه عباد بن منصور، عن عكرمة، عن ابن عباس في قصة اللعان .... جاء هلال بن أمية.

قال أبي: له بهذا الإسناد نحو عشرة أحاديث.

قال: فرأيت في بعض حديث عباد بن منصور، عن إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى، عن داود بن حصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال الآجري: سُئل أبو داود: سمع عباد بن منصور من عكرمة؟ قال: شيئًا، والبقية لم يسمعها. ("سؤالات الآجري" لأبي داود (2/ 138)).

وقال البزار: عباد بن منصور روى عن عكرمة أحاديث، ولا نعلمه سمع منه. ("كشف الأستار" (2/ 434)(ح 2041)، و"مسند البزار"(11/ 178)(ح 4917)).

وقال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 166): كل ماروى عباد بن منصور عن عكرمة سمعه من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين فدلسه عن عكرمة. ا هـ

قلت: سماع عباد بن منصور من عكرمة مختلف فيه، والتدليس الموصوف به عباد خاص بروايته عن عكرمة، فإن كان سمع من عكرمة فيتوقف في عنعنته عن عكرمة ولا يتوقف في عنعنته عن أي راوٍ آخر، وإن كان لم يسمع فيقال إنه يرسل عن عكرمة أحاديث أخذها من إبراهيم بن أبي يحيى عن داود بن الحصين عنه، ويكون التدليس الموصوف به عباد في هذه الحالة بمعنى الإرسال والله أعلم.

‌81 - عبد الله بن زياد بن سمعان

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الله بن زياد بن سمعان في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: ضعفه الجمهور، ووصفه ابن حبان بالتدليس

(1)

.

قال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 7): عبد الله بن زياد بن سمعان مولى أم

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 176 - 177).

ص: 269

سلمة، من أهل المدينة، يروى عن الزهري ونافع، وقد روى عن مجاهد ولم يره، روى عنه ابن وهب، كان ممن يروى عمن لم يره، ويحدث بما لم يسمع. ا هـ

قلت: لم أر أحدًا من المتقدمين وصف ابن سمعان بالتدليس، بل منهم من تركه، ومنهم من كذبه. وقد حدث عن الزهري ومجاهد ولم يسمع منهم. ففي "تهذيب التهذيب":"قال ابن أخي الزهري: والله ما رأيت ابن سمعان عند عمي قط. وقال ابن المديني وعمرو بن علي: ضعيف الحديث جدًا، سمعه ابن إسحاق يقول: سمعت مجاهدًا، فقال: والله أنا أكبر منه، ما رأيت مجاهدًا ولا سمعت منه".

فوصف ابن سمعان بالتدليس فيه نظر عندي، إنما يصح وصفه بالكذب أو الغفلة الشديدة. والكذاب يحدث عمن سمع أحاديث لم يسمعها منهم ويكذب عليهم، أو يحدث عنهم على التوهم. وكلام ابن حبان لا يدل صراحة على وصفه بالتدليس والله أعلم.

‌82 - عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي

قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول وقلت له: أبو قلابة عن معاذة أحب إليك أو قتادة عن معاذة، فقال: جميعًا ثقتان، وأبو قلابة لا يعرف له تدليس

(1)

.

قال العلائي: أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي ذكر الذهبي في "الميزان" أنه كان يدلس عمن لحقهم ومن لم يلحقهم، وكان له صحف يحدث منها ويدلس

(2)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: التابعي المشهور، مشهور بكنيته، وصفه بذلك الذهبي والعلائي

(3)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عبد الله بن زيد بن عمرو أبو عامر

(1)

"الجرح والتعديل"(5/ 58).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 112).

(3)

" تعريف أهل التقديس"(صـ 85).

ص: 270

الجرمي، أبو قلابة البصري، ثقة فاضل، كثير الإرسال، قال العجلي: فيه نصب يسير.

قال الذهبي في "الميزان"(2/ 425 - 426): عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي إمام مشهور من علماء التابعين، ثقة في نفسه، إلا أنه يدلس عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم، وكان له صحف يحدث منها ويدلس. اهـ

قلت: تقدم أنا أبا حاتم نفى التدليس عن أبي قلابة، وقول الذهبي:"يدلس عمن لحقهم وعمن لم يلحقهم" أي يرسل. والذهبي رحمه الله كان يُطلق التدليس كثيرًا على الإرسال الخفي.

فقد قال في "الميزان"(4/ 356): لاحق بن حميد أبو مجلز من ثقات التابعين، لكنه يدلس، فقال ابن معين: لم يسمع من حذيفة. وقال ابن المديني: لم يلق سمرة ولا عمران.

وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 152): قال أحمد: لم يسمع سعيد بن أبي عروبة من الحكم، ولا من حماد، ولا من عمرو بن دينار، ولا من هشام بن عروة، ولا من زيد بن أسلم، ولا من إسماعيل بن أبي خالد، ولا من عبيد الله بن عمر، ولا من أبي بشر، ولا من أبي الزناد، وقد حدث عنهم كلهم - يعني يقول عن ويدلس.

وقوله "يعني يقول عن ويدلس" من تفسير الذهبي لكلام أحمد، وليس من كلام أحمد، فهذا النص في "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله بن أحمد (2/ 331) و"المراسيل" لابن أبي حاتم (280)، وليس فيه هذا التفسير.

وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 152): قال أحمد: لم يسمع سعيد بن أبي عروبة من الحكم، ولا من حماد، ولا من عمرو بن دينار، ولا من هشام بن عروة، ولا من زيد بن أسلم، ولا من إسماعيل بن أبي خالد، ولا من عبيد الله بن عمرو، ولا من أبي بشر، ولا من أبي الزناد. وقد حدث عنهم كلهم - يعني يقول: عن ويدلس.

ص: 271

وقال الذهبي في "السير"(6/ 415 - 416): وكان سعيد بن أبي عروبة من المدلسين. قال أحمد: لم يسمع سعيد بن أبي عروبة من الحكم .... ، ولا من أبي الزناد، وقد حدث عن هؤلاء، على التدليس، ولم يسمع منهم.

وقول أحمد هذا في "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله بن أحمد (2/ 331)، و"الضعفاء الكبير" للعقيلي (3/ 112)، و"الكامل" لابن عدي (3/ 395)، وليس فيه: يعني يقول: عن ويدلس، ولا: على التدليس، فهذا يبين أن هاتين العبارتين من تفسير الذهبي لكلام أحمد، ويبين أيضًا أن الذهبي يطلق التدليس على الإرسال الخفي.

وقد بينت في ترجمة جبير بن نفير ومكحول الشامي أن الذهبي كان يطلق التدليس على الإرسال الخفي.

وقال الذهبي في "السير"(8/ 289): هشيم بن بشير كان رأسًا في الحفظ، إلا أنه كان صاحب تدليس كثير، قد عُرف بذلك.

قال أحمد بن حنبل: لم يسمع هشيم من يزيد بن أبي زياد، ولا من الحسن بن عبيد الله، ولا من أبي خالد، ولا من سيار، ولا من موسى الجهني، ولا من علي بن زيد بن جدعان، ثم سمى جماعة كثيرة - يعني: فروايته عنهم مدلسة. ا هـ

وفيهذا أيضًا دليل على أن الذهبي كان يطلق التدليس على الإرسال الخفي.

وقال الذهبي في "الموقظة"(عى 47): المُدلّس ما رواه الرجل عن آخر ولم يسمعه منه، أو لم يدركه.

فإن صرح بالاتصال وقال حدثنا فهو كذاب، وإن قال عن احتمل ذلك، ونظر في طبقته هل يدرك من هو فوقه؟ فإن كان لقيه فقد قررناه، وإن لم يكن لقيه فأمكن أن يكون معاصره، فهو محل تردد، وإن لم يكن فمنقطع، كقتادة عن أبي هريرة.

والذهبي رحمه الله كان يأخذ بشرط البخاري في الاتصال، فقال في "السير" (12/ 573): ثم إن لمسلمًا لحده في خُلُقه، انحرف أيضًا عن البخاري، ولم

ص: 272

يذكر له حديثًا، ولا سماه في صحيحه، بل افتتح الكتاب بالحط على من اشترط اللقى لمن روى عنه بصيغة "عن"، وادعى الإجماع في أن المعاصرة كافية، ولا يتوقف في ذلك على العلم بالتقائهما، ووبخ من اشترط ذلك، وإنما يقول ذلك أبو عبد الله البخاري وشيخه على بن المديني، وهو الأصوب والأقوى، وليس هذا موضع بسط هذه المسألة. ا هـ

قلت: وقد روى أبو قلابة عن جماعة من الصحابة ولم يسمع منهم، انظر تفصيل ذلك في كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

‌83 - عبد الله بن عطاء الطائفي

قال ابن العراقي: قال شعبة: سألت أبا إسحاق عن عبد الله بن عطاء الذى روى عن عقبة: كنا نتناوب رعية الإبل، فقال: شيخ من أهل الطائف، فلقيت ابن عطاء فسألته: أسمعته من عقبة؟ قال: لا، حدثنيه زياد بن مخراق، فلقيت زيادًا فقال: حدثني رجل عن شهر بن حوشب.

قلت: هذا يدل على أن عبد الله بن عطاء كان مدلسًا

(1)

.

وذكره ابن حجر في كتابه "تعريف أهل التقديس" في المرتبة الأولى وقال: نزيل مكة من صغار التابعين، قضيته في التدليس مشهورة، رواها شعبة عن أبي إسحاق السبيعي

(2)

.

وذكره أيضًا في كتابه "النكت على كتاب ابن الصلاح" في المرتبة الثانية من المدلسين المخرج لهم في الصحيحين

(3)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عبد الله بن عطاء الطائفي صدوق

(1)

كتاب "المدلسين"(صـ 63).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 85 - 86).

(3)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 639). ومعنى المرتبة الثانية مذكور في ترجمة سليمان بن مهران الأعمش.

ص: 273

يخطئ ويدلس.

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 165): قال أحمد بن سليمان، حدثنا أبو داود، عن شعبة قال: سألت أبا إسحاق عن عبد الله بن عطاء الذى روى عن عقبة قال: كنا نتناوب رعية الإبل؟ قال: شيخ من أهل الطائف حدثنيه.

قال شعبة: فلقيت عبد الله، فقلت: سمعته من عقبة؟ فقال: لا، حدثنيه سعد ابن إبراهيم، فلقيت سعدًا فسألته، فقال: حدثني زياد بن مخراق، فلقيت زياد بن مخراق فسألته، فقال: حدثني رجل عن شهر بن حوشب. ا هـ

والقصة رواها البخاري أيضًا في "التاريخ الأوسط"(2/ 52)، وحرب بن إسماعيل الكرماني في "مسائله لأحمد وإسحاق بن راهويه"(ص 485)، وابن أبي حاتم في مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 167)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(2/ 425 - 426).

وقال ابن حبان في مقدمة "المجروحين"(ص 28): حدثنا أحمد بن زكريا الواسطي قال: سمعت أبا الحارق الوراق يقول: جلسنا على باب شعبة نتذاكر السنة فقلت: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن الوضوء دخل من أي أبواب الجنة شاء" فخرج شعبة بن الحجاج وأنا أحدث بهذا الحديث فصفعني ثم قال: يا مجنون، سمعت أبا إسحاق يحدث عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر؟ قال: سمعت عبد الله بن عطاء. قلت: عبد الله سمع عقبة بن عامر؟ فقال: اسكت. فقلت: لا أسكت، فالتفت إلي مسعر بن كدام فقال: يا شعبة: عبد الله بن عطاء حي بمكة، فخرجت إلى مكة فلقيت عبد الله بن عطاء، فقلت: حديث الوضوء، فقال: عقبة بن عامر؟ فقلت: يرحمك الله. سمعت منه؟ فقال: لا، حدثني سعد بن إبراهيم، فمضيت فلقيت سعد بن إبراهيم، فقلت: حديث الوضوء، فقال: من عندكم خرج، حدثني زياد بن مخراق فانحدرت إلى البصرة فلقيت زياد بن مخراق وأنا شحب اللون وسخ الثياب كثير الشعر، فقال:

ص: 274

من أين؟ فحدثته الحديث. فقال: ليس هو من حاجتك. قلت: فما بد. قال: لا حتى تذهب تدخل الحمام، وتغسل ثيابك ثم تجيء فأحدثك به. قال: فدخلت الحمام وغسلت ثيابي ثم أتيته، فقال: حدثني شهر بن حوشب. قلت: شهر بن حوشب عمن؟ قال: عن أبي ريحانة. قال: قلت: هذا حديث صعد ثم نزل، دمروا عليه ليس له أصل.

حدثنا إسحاق بن أحمد القطان بتنيس قال: حدثنا محمد بن سعيد بن غالب قال: حدثنا نصر بن حماد قال: كنا بباب شعبة ومعي جماعة، وأنا أقول لهم: حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر في الوضوء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فلطمني شعبة لطمة ودخل الدار ومعه عبد الله بن إدريس، قال: ثم خرج بعد ذلك وأنا قاعد أبكي، فقال لعبد الله بن إدريس: هو بعد يبكي. فقال عبد الله: إنك لطمت الرجل، فقال: إنه لا يدري ما يحدث إني سمعت أبا إسحاق يحدث بهذا الحديث عن عبد الله بن عطاء، فقلت لأبي إسحاق: من عبد الله بن عطاء هذا، فغضب، فقال مسعر: إن عبد الله بن عطاء حي بمكة، قال: فخرجت من سنتى إلى الحج ما أريد إلا الحديث، فأتيت مكة، فسألت عبد الله بن عطاء، فدخلت عليه، فإذا فتى شاب، فقلت: أي شيء حدثني عنك أبو إسحاق؟ فقال لي: نعم. قلت: لقيت عقبة بن عامر؟ قال: لا ولكن سعد بن إبراهيم حدثنيه. قال: فأتيت مالك بن أنس -وهو حاج- فسألته عن سعد بن إبراهيم، فقال لي: ما حج العام. فلما قضيت نسكي مضيت إلى المدينة، فأتيت سعد بن إبراهيم، فسألته عن الحديث؟ فقال لي: هذا الحديث من عندكم خرج. فقلت له: كيف؟ قال: حدثني زياد بن مخراق. قلت: دمر على هذا الحديث. مرة كوفي، ومرة مكي، ومرة مدني. قال: فقدمت البصرة فأتيت زياد بن مخراق فسألته عن الحديث فقال: لا ترده، فقلت: ولم؟ قال: لا ترده. فقلت: لي منه بد. قال: حدثني شهر بن حوشب. قلت: دمروا على هذا الحديث، والله لو صح هذا الحديث كان أحب إلي من أهلي ومالي.

ص: 275

ومن هذا الطريق أخرج هذه القصة الرامهرمزي في "المحدث الفاصل"(صـ 313 - 315)(رقم 209)، وابن عبد البر في "التمهيد"(1/ 40 - 41)، والخطيب البغدادي في "الكفاية في علوم الرواية"(ص 566).

قال ابن عبد البر: وقد روى هذا المعنى من وجوه عن شعبة، ولذلك ذكرته عن نصر بن حماد، لأن نصر بن حماد الوراق يروي عن شعبة مناكير تركوه، وقد رواه الطيالسي عن شعبة - ثم رواه من طريق الطيالسي.

ونصر بن حماد ترجم له الحافظ في "تهذيب التهذيب"، فقال: "قال عبد الله ابن أحمد عن يحيى بن معين: ذاهب الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال يعقوب بن شيبة: ليس بشيء. وقال أبو زرعة وصالح بن محمد: لا يكتب حديثه. وقال أبو حاتم والأزدي: متروك الحديث. وقال الساجي: يعد من الضعفاء. وقال ابن حبان: كان يخطئ كثيرًا، ويهم في الإسناد، فلما كثر منه بطل الاحتجاج به. وقال الدارقطني: ليس بالقوي في الحديث. وروى له ابن عدي أحاديث، ثم قال: وهذه الأحاديث كلها غير محفوظة، ومع ضعفه يكتب حديثه.

قلت: ومن أوابده عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة مرفوعًا: إن الله تعالى ليس بتارك يوم الجمعة أحدًا إلا غفر له. قال أبو الفتح الأزدي: ليس له أصل عن شعبة، وإنما وضعه نصر بن حماد". ا هـ

وروى العقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 301) حديثًا لنصر بن حماد، ثم قال: هذا يروى بغير هذا الإسناد من غير وجه بإسناد أصلح من هذا، وليس له من حديث شعبة أصل، ونصر بن حماد متروك.

وعبد الله بن عطاء ذكره ابن حبان في التابعين، وقال: يروي عن ابن عمر، عداده في أهل مكة، روى عنه القاسم بن أبي بزة وأبو إسحاق السبيعي، ولم ير عقبة بن عامر. ("الثقات" (5/ 33)).

وقال المزي في "تهذيب الكمال"(15/ 311، 312): عبد الله بن عطاء الطائفي المكي روى عن عقبة بن عامر (ق) ولم يدركه.

ص: 276

وقد تقدم أن ابن حجر قال إن عبد الله بن عطاء من الطبقة السادسة، فروايته عن عقبة بن عامر مرسلة بلا شك، وقد أرسل حديث الوضوء عن عقبة بن عامر ولم يبين الواسطة، فلما سأله شعبة ممن أخذته بين له ممن أخذه، فما أظن أن عبد الله ابن عطاء يستحق الوصف بالتدليس، لأنه لم يسمع من عقبة بن عامر مطلقًا، ولم يصفه أحد من المتقتدمين بالتدليس والله أعلم.

قلت: وللحديث شاهد صحيح أخرجه مسلم في "صحيحه"(ح 234) قال: حدثني محمد بن حاتم بن ميمون، حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا معاوية بن صالح، عن ربيعة - يعني ابن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن عقبة بن عامر، ح وحدثني أبو عثمان عن جبير بن نفير عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي، فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا حدث الناس، فأدركت من قوله:"ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقوم فيصلي ركعتين، مُقبل عليهما بقلبه ووجهه، إلا وجبت له الجنة".

قال: فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يدي يقول: التى قبلها أجود، فنظرت فإذا عمر، قال: إني قد رأيتك جئت آنفًا. قال: "ما منكم من أحد يتوضا فيبلغ أو فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء".

‌84 - عبد الله بن لهيعة الحضرمي

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الله بن لهيعة في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: قاضي مصر، اختلط في آخر عمره، وكثر عنه المناكير في روايته، وقال ابن حبان: كان صالحًا، ولكنه كان يدلس عن الضعفاء

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي، صدوق، من السابعة، خلط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 177).

ص: 277

عنه أعدل من غيره، وله في مسلم بعض شيء مقرون.

قال ابن حبان في "المجروحين"(1/ 76): سمعت محمد بن محمود النسائي يقول: سمعت علي بن سعيد يقول: سمعت أحمد بن حنبل رحمه الله يقول: من سمع من ابن لهيعة قديمًا فسماعه أصح، قدم علينا ابن المبارك سنة تسع وسبعين ومائة قال: من سمع من ابن لهيعة منذ عشرين سنة فهو صحيح، قلت له: سمعت من المبارك؟ قال: لا.

قال أبو حاتم: هذا إذا ميز بين حديثه المعروف عنه الذى حدث به من كتابه، وبين ماحدث بعد احتراق كتبه، وقد سبرت حديثه من رواية العبادلة عنه، عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وبين حديثه الذى حدث به بعد احتراق كتبه، فرأيت في القديم أشياء مدلسة، وأوهامًا كثيرة تدل على قلة مبالاة كانت فيه قبل احتراق كتبه، فلما حدث بما ليس من كتبه استحق الترك. ا هـ

وقال عصام بن مرعي رحمه الله في "النكت الرفيعة في الفصل في ابن لهيعة"(صـ 28): قال شيخنا الفاضل محمد عمرو فيما كتب لي: أما رميه بالتدليس فلم أر أحدًا من المتقدمين تابع ابن حبان على ذلك، وعندي أن ذلك كان تارة من تخليطه، وتارة من قبل الرواة عنه، فمثلًا روى عنه ابن المبارك عن المثنى ابن الصباح عن عمرو بن شعيب، فلما اختلط روى عن عمرو مباشرة.

ومثال الثاني أنه روى عن عطاء، وعن رجل عنه، وعن رجل عن رجل عنه، فجعله بعض أصحابه كله عن عطاء. ا هـ

وانظر للأهمية ترجمة "يعقوب بن عطاء بن أبي رباح" من هذا الكتاب.

‌85 - عبد الله بن مروان أبو شيخ الحراني

ذكرالحافظ ابن حجر عبد الله بن مروان أبو شيخ الحراني في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: يروي عن زهير بن معاوية وغيره، روى عنه حسين بن منصور وإبراهيم بن الهيثم، قال ابن حبان في "الثقات": يعتبر حديثه إذا

ص: 278

بين السماع في خبره

(1)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(8/ 345): عبد الله بن مروان أبو شيخ الحراني يروي عن زهير بن معاوية وموسى بن أعين، روى عنه حسين بن منصور وإبراهيم ابن الهيثم البلدي، يعتبر حديثه إذا بين السماع في خبره. ا هـ

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 166): عبد الله بن مروان أبو شيخ الحراني سكن بغداد، روى عن موسى بن أعين وزهير بن معاوية وعيسى ابن يونس، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو ثقة.

قال أبو محمد: كتب عنه أبي ببغداد في الرحلة الأولى سنة ثلاث عشرة.

وترجم له الحافظ في "لسان الميزان"(4/ 355) ولم يذكر في ترجمته إلا قول ابن حبان هذا.

‌86 - عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: روى عن هشام بن عروة، وهو ابن عم جده، روى عنه عمرو بن علي الفلاس وغيره، ضعفه البخاري والنسائي وأشار ابن حبان إلى تدليسه

(2)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(7/ 46): عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام، من أهل المدينة، يروى عن هشام بن عروة وموسى ابن عقبة، روى عنه أحمد بن حنبل والزبير بن بكار، ربما خالف، يعتبر حديثه إذا بين السماع في روايته. ا هـ

وقد انفرد ابن حبان بوصف عبد الله بن معاوية بالتدليس.

وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(4/ 361): قال البخاري:

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 136).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 178).

ص: 279

عبد الله بن معاوية بن عاصم منكر الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وقال العقيلي: حدث عن هشام بمناكير لا أصل لها. وقال أبو حاتم الرازي: منكر الحديث. وقال الساجي: صدوق، وفى بعض أحاديثه مناكير. وقال ابن عدي: أحاديثه مناكير. ا هـ

وقال البخاري في "الضعفاء الكبير"(صـ 70): عبد الله بن معاوية من ولد الزبير بن العوام الأسدي البصري، عن هشام بن عروة، روى عنه الضحاك بن مخلد وعمر بن علي بن بحر، في بعض أحاديثه مناكير.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 178): عبد الله بن معاوية أبو معاوية الزبيري من ولد الزبير بن العوام، روى عن هشام بن عروة، روى عنه أبو عاصم النبيل وأبو الوليد ويجيى بن معين وعمرو بن علي وأبو زياد حماد بن زاذان، سمعت أبي يقول ذلك، ويقول: هو مستقيم الحديث.

قال الشيخ المعلمي: هكذا في الأصلين، ووقع في "لسان الميزان" (3/ 363): قال أبو حاتم: منكر الحديث.

وذكره أبو زرعة في كتاب "الضعفاء"(2/ 630).

وقال ابن عدي في "الكامل"(4/ 195 - 196): ثنا الجنيدي، ثنا البخاري قال: عبد الله بن معاوية أبو معاوية من ولد الزبير بن العوام الأسدي القرشي البصري، عن هشام بن عروة، روى عنه الضحاك بن مخلد وعمرو بن علي، بعض حديثه مناكير.

وفى موضع آخر: منكر الحديث.

ثم أورد له حديثين، ثم قال: وعبد الله بن معاوية له غير ما ذكرت من الحديث وليس بالكثير. ا هـ

ولم أقف على قول ابن عدي: أحاديثه مناكير.

وانظر للأهمية ترجمة "يعقوب بن عطاء بن أبي رباح" من هذا الكتاب.

ص: 280

‌87 - عبد الله بن أبي نجيح المكي

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: أكثر عن مجاهد، وكان يدلس عنه، وصفه بذلك النسائي

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد الله بن أبي نجيح يسار المكي، ثقة رمي بالقدر، وربما دلس.

قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد حفظه الله: قال يحيى بن سعيد القطان: لم يسمع ابن أبي نجيح من مجاهد التفسير، كله يدور على القاسم بن أبي بزة.

("التاريخ الكبير" (5/ 233))، وكذا قال سفيان بن عيينة كما في "تاريخ الدوري"(3/ 103)، وذكره النسائي في المدلسين.

وقال ابن حبان: ما سمع التفسير من مجاهد أحد غير القاسم بن أبي بزة، نظر الحكم بن عتيبة وليث بن أبي سليم وأبي نجيح وابن جريج وابن عيينة في كتاب القاسم ونسخوه ثم دلسوه عن مجاهد. ("مشاهير علماء الأمصار" (صـ 146) ونحوه في "الثقات"(7/ 5)).

وهذا حاصل ما ذكره المتقدمون عن تدليسه، فهو خاص في روايته للتفسير فقط عن مجاهد، وليس ذلك بالاتفاق بينهم، فقد كان الثوري يصحح تفسيره كما في "الجرح والتعديل"(1/ 79)، (5/ 203)، وأشار إلى صحته يحيى ابن معين، وذلك حين قال الدوري: سألت يحيى: أيما أحب إليك: تفسير سعيد عن قتادة أو تفسير شيبان عن قتادة؟ فقال: سعيد، فقلت له: تفسير ورقاء أحب إليك أم تفسير شيبان؟ فقال: تفسير ورقاء لأنه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، ومجاهد أحب إلي من قتادة، قلت ليحيى: فأيما أحب إليك: تفسير ورقاء أو تفسير ابن جريج، قال: تفسير ورقاء لأن تفسير ابن جريج عن مجاهد،

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 136 - 137). وقد تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

ص: 281

وهو مرسل لم يسمع من مجاهد إلا حرفًا، قلت له: فتفسير سعيد أعجب إليك أم تفسير ورقاء، قال: تفسير ورقاء أعجب إلي لأنه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وذاك عن سعيد عن قتادة، ومجاهد أعجب إلي من قتادة

(1)

. ا هـ

فهو لما ذكر تفسير ابن جريج عن مجاهد قال إنه مرسل دون تفسير ابن أبي نجيح، وكذلك فإنه شكك في قول سفيان بن عيينة كما في "جامع التحصيل"(صـ 218)، وانظر "تاريخ الدوري"(3/ 103).

وقال الذهبي في "السير"(6/ 126): أما التفسير فابن أبي نجيح فيه ثقة يعلمه قد قفز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح.

وقد وضعه الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من "طبقات المدلسين".

ووضعه في المرتبة الثالثة فيه نظر، فالرجل لم يذكر له تدليس إلا عن مجاهد فقط وما ذكر تدليسه عن مجاهد إلا في التفسير خاصة، ومن ذكره جعل الواسطة بينهما القاسم بن أبي بزة وهو ثقة، والأئمة يصححون تفسيره، فمثله إن صح وصفه بالتدليس فمحله المرتبة الأولى.

وقال الحافظ نفسه في "التقريب" في ترجمته: وربما دلس. وهذا للتقليل وهو الصَّواب وإن كان إطلاقه وعدم تخصيصه بروايته لتفسير مجاهد فيه نظر

(2)

.

قلت: قد وصف النسائي عبد الله بن أبي نجيح بالتدليس، لأنه سمع من مجاهد مطلقًا، ولم يسمع التفسير خاصة منه، فدلسه عنه، ولم يذكر الواسطة بينه وبين مجاهد والله أعلم.

وقال الدوري في "تاريخه"(3/ 151): سمعت يحيى يقول: قال سفيان ابن عيينة: تفسير مجاهد لم يسمعه إنسان إلا القاسم بن أبي بزة.

فقلت ليحيى: فابن أبي نجيح لم يسمعه من مجاهد؟ قال: هكذا قال سفيان.

(1)

"تاريخ الدوري"(4/ 300).

(2)

"منهج المتقدمين في التدليس"(صـ 122 - 123).

ص: 282

وقال يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(2/ 128): سُئل علي: سمع ابن أبي نجيح التفسير من مجاهد؟ قال: لا، قال سفيان: لم يسمعه أحد من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة أملاه عليه، وأخذ كتابه الحكم وليث وابن أبي نجيح.

وقال ابن الجنيد: قلت ليحيى بن معين: إن يحيى بن سعيد القطان يزعم أن ابن أبي نجيح لم يسمع التفسير من مجاهد، وإنما أخذه من القاسم بن أبي بزة، فقال يحيى بن معين: كذا قال ابن عيينة، ولا أدري أحق ذلك أم باطل، زعم سفيان بن عيينة أن مجاهدًا كتبه للقاسم بن أبي بزة، ولم يسمعه من مجاهد أحد غير القاسم.

ثم قال يحيى: ولا ندري ما هذا.

قال حسين بن حيان ليحيى وأنا أسمع: سمعت هذا من سفيان بن عيينة؟ قال: بلغني هذا عنه. ("سؤالات ابن الجنيد" لابن معين" (صـ 343)).

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(5/ 233): عبد الله بن يسار أبو يسار هو عبد الله بن أبي نجيح المكي سمع طاوسًا وعطاء ومجاهدًا وأباه.

قال يحيى القطان: لم يسمع ابن أبي نجيح من مجاهد التفسير، كله يدور على القاسم بن أبي بزة.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 203): سألت أبي عن ابن أبي نجيح عن مجاهد أحب إليك أو خصيف عن مجاهد، فقال: ابن أبي نجيح أحب إلي، إنما يقال في ابن أبي نجيح القدر، وهو صالح الحديث.

وقال الخليلي في "الإرشاد"(1/ 393): تفسير شبل بن عباد المكي، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس قريب إلى الصحة.

وأخرج البخاري في "صحيحه" في كتاب "التفسير"(ح 4531) في تفسير قوله تعالى من سورة البقرة {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قال: حدثني إسحاق، حدثنا روح، حدثنا شبل،

ص: 283

عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا} قال: كانت هذه العدة تعتد عند أهل زوجها واجب، فأنزل الله:{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} .

قال: جعل الله لها تمام السنة بسبعة أشهر وعشرين ليلة وصية، إن شاءت سكنت في وصيتها، وإن شاءت خرجت، وهو قول الله تعالى {غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فالعدة كما هي واجب عليها، زعم ذلك عن مجاهد.

وأخرجه البخاري أيضًا في كتاب "الطلاق"(ح 5433).

وأخرج البخاري في "صحيحه"(4279) أيضًا، قال: حدثنا محمد بن يوسف حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس:"إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون"، قال: هم نفر من بني عبد الدار.

وأخرج البخاري في "صحيحه"(4474) أيضًا، قال: حدثنا آدم، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: قال ابن عباس: أمره أن يسبح في أدبار الصلوات كلها. يعني قوله: "إدبار السجود".

قلت: مما تقدم يتبين أن التدليس الموصوف به ابن أبي نجيح خاص بروايته التفسير عن مجاهد. وقد قال سفيان بن عيينة ويحيى القطان: لم يسمع ابن أبي نجيح التفسير من مجاهد، إنما سمعه من القاسم بن أبي بزة عن مجاهد. زاد ابن عيينة: ولم يسمع التفسير من مجاهد أحد إلا القاسم بن أبي بزة. وتبعهما على هذا القول ابن المديني وابن حبان. وكان سفيان الثوري يصحح تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد. وأخرج البخاري في صحيحه لإبن أبي نجيح عن مجاهد في التفسير حديثًا مسندًا في الأصول. وقال الذهبي: أما التفسير فابن أبي نجيح ثقة يعلمه قد قفز القنطرة واحتج به أرباب الصحاح. ولما ذكر ابن معين قول سفيان ابن عيينة قال: ولا أدري أحق ذلك أم باطل، زعم سفيان أن مجاهدًا كتبه للقاسم ابن أبي بزة، ولم يسمعه من مجاهد أحد غير القاسم. ثم قال يحيى: ولا ندري

ص: 284

ما هذا. ولما سُئل ابن معين عن تفسير ورقاء أحب إليك أم تفسير شيبان، قال: تفسير ورقاء، لأنه عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، ومجاهد أحب إلي من قتادة. قيل له: تفسير ورقاء أم تفسير ابن جريج؟ قال: تفسير ورقاء، لأن تفسير ابن جريج عن مجاهد مرسل، لم يسمع ابن جريج من مجاهد. وهذا النص يقتضي أن ابن معين يرى صحة تفسير ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأن ابن أبي نجيح سمع التفسير من مجاهد.

وقد وقفت على نص يخالف ما قاله سفيان بن عيينة بأنه لم يسمع التفسير من مجاهد إلا القاسم بن أبي بزة، فقد قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: حدثنا وكيع قال: حدثنا فضيل -يعني ابن عياض - عن عبيد - يعني المكتب - قال: رأيتهم يكتبون التفسير عند مجاهد. "العلل ومعرفة الرجال"(1/ 218)، و"تاريخ الدوري"(3/ 142).

فهذا النص دليل على أن مجاهد كان يملي التفسير على تلامذته، وابن أبي نجيح من تلامذة مجاهد المعروفين، ومشهور بالرواية عن مجاهد، وقد قال أحمد: ليس أحد أروى عن مجاهد من منصور إلا ابن أبي نجيح

(1)

، فيغلب علي الظن أنه كان يكتب التفسير عن مجاهد معهم، ويقوي ذلك تصحيح ابن معين لسماع ابن أبي نجيح التفسير من مجاهد، وإخراج البخاري في صحيحه لابن أبي نجيح عن مجاهد في التفسير، وتصحيح الثوري والذهبي لتفسيره عن مجاهد.

وربما يكون مجاهد قد أملى عليهم بعض التفسير وكتبوه عنه، ولم يمل على أحد التفسير كاملًا إلا القاسم بن أبي بزة، فحينئذ يقال أن ابن أبي نجيح لم يسمع التفسير كاملًا من مجاهد، بل سمع بعضه من مجاهد، وأخذ الباقي عن القاسم ابن أبي بزة عن مجاهد فدلسه، ورواه عن مجاهد مباشرة.

وسواء كان ابن أبي نجيح سمع التفسير كله من مجاهد، أو سمع بعضه من

(1)

"مسائل صالح بن أحمد بن حنبل الفقهية لأبيه"(3/ 152).

ص: 285

مجاهد والباقي عن القاسم، أو لم يسمع من مجاهد التفسير مطلقًا وأخذه عن القاسم، فإن روايته التفسير عن مجاهد صحيحة، لأنه إن لم يكن سمعه من مجاهد وأخذه من القاسم، فإن القاسم ثقة، فلا ينبغي التوقف في عنعنة ابن أبي نجيح عن مجاهد في التفسير أو غيره والله أعلم.

‌88 - عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: متفق على ضعفه، وصفه أحمد بالتدليس

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني متروك، وكان أحمد يُثني عليه، وقال: لعله كبر واختلط، وكان يدلس.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: كان يعقوب بن إسماعيل بن صبيح ذكر أن أبا قتادة الحراني كان يكذب، فعظم ذلك عنده جدًا، قال: هؤلاء - يعني أهل حران - يحملون عليه، كان أبو قتادة يتحرى الصدق، لربما رأيته يشك في الشيء، وأثنى عليه وذكره بخير.

قلت له: إنهم زعموا -أعني يعقوب وغيره- أنه دفع إليهم كتاب مسعر لأبي نعيم أو غيره فقرأه عليهم حتى بلغ موضعًا في الكتاب فيه شك أبو نعيم أو غير أبي نعيم فرمى الكتاب، قال: لقد رأيته وهو يشبه أصحاب الحديث أو يشبه الناس وأنكر هذا ودفعه، قال: لعله كبر واختلط الشيخ، وقت ما رأيناه كان يشبه الناس ما علمته كان يتحرى الصدق، ثم قال: خرج أبو قتادة إلى الأوزاعي فلما صار في بعض الطريق لقيه قوم قد رجعوا من عند الأوزاعي فقال لهم أبو قتادة: أسماع أم عرض؟ فقالوا له: لتعلمن - أظن مسكينًا أو غيره الذى قال لأبي قتادة هذا.

قال أبي: كاق إذا حدثنا يقول في رجل قال لرجل حتى ذكر الزاي.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 178).

ص: 286

وقال أبي: أظن أبا قتادة كان يدلس والله أعلم. ("العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 54 - 55).

وفى "تهذيب التهذيب": "قال الميموني عن أحمد: ثقة إلا أنه كان ربما أخطأ، وكان من أهل الخير يشبه النساك، وكان له ذكاء. وقال عبد الله بن أحمد: قال يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال الدوري عن يحيى: ثقة. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عنه، فقلت: ضعيف الحديث؟ قال: نعم، لا يحدث عنه، قال: وسألت أبي عنه فقال: تكلموا فيه، منكرالحديث وذهب حديثه. وقال البخاري: تركوه منكر الحديث. وقال أبي في موضع آخر: سكتوا عنه. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال الجوزجاني: متروك الحديث. وقال ابن سعد: كان لأبي قتادة فضل وعبادة، ولم يكن في الحديث بذاك. وقال البزار: لم يكن بالحافظ، وكان عفيفًا متفقها بقول أبي حنيفة، وكان يغلط ولا يرجع إلى الصَّواب. وقال ابن حبان: كان من عباد الجزيرة فغفل عن الإتقان، وحدث على التوهم فوقع المناكير في حديثه، فلا يجوز الاحتجاج بخبره. وقال صالح جزرة: ضعيف مهين. وقال الجريري: غيره أوثق منه. وهذه العبارة يقولها الجريري في الذى يكون شديد الضعف. وقال أبو عروبة: كان يتكل على حفظه فيغلط. وقال ابن عدي: ليس هو عندي ممن يتعمد الكذب، إنما يخطئ. وقال أبو داود: أهل حران يضعفونه، وأحمد حدثنا عنه وقال: إنما كان يؤتى من لسانه. وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم. وقال أبو نعيم الأصبهاني: روى عن هشام وابن جريج منكرات". ا هـ وقال ابن معين: أبو قتادة الحراني ليس به باس، إلا أنه كان يغلط في الحديث. وفى رواية: لم يكن يكذب، ولكنه كان يخطئ. ("تاريخ الدوري" (4/ 383)، و"سؤالات ابن محرز" لابن معين (1/ 67)).

قلت: عبد الله بن واقد أثنى عليه الإمام أحمد، وحمل الأخطاء والمناكير التى في رواياته على تدليسه واختلاطه، واختلف قول ابن معين فيه، أما باقي العُلماء

ص: 287

فضعفوه، وحملوا عليه في الأخطاء والمناكير التى حدث بها، ولم يفرقوا بين حديثه الذى حدث به في أول أمره وحديثه الذى حدث به في آخر أمره، وهذا هو الراجح عندي. فعبد الله بن واقد ضعيف وليس بمدلس، فلا ينبغي التوقف في عنعنته، ولا يصح وصفه بالتدليس إلا إذا صح أنه دلس حديثًا بعينه، فيقال حينئذ: أنه دلس هذا الحديث والله أعلم.

‌89 - عبد الله بن وهب المصري

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الله بن وهب المصري في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: الفقيه المشهور، وصفه بذلك محمد بن سعد في "الطبقات"

(1)

.

(2)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد الله بن وهب بن مسلم القرشي مولاهم، أبو محمد المصري الفقيه، ثقة حافظ عابد.

قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد حفظه الله: لا أعلم أن أحدًا وصف عبد الله بن وهب المصري بالتدليس غير ابن سعد، وقد يظن من كلام ابن سعد أنه يصفه بتدليس الإسناد - بمعنى أنه يسقط من الإسناد من حدثه، وإنما يدلس تدليس الصيغ ويسيء الأخذ أحيانًا في الرِّواية عن شيوخه.

قال ابن معين: سمعت عبد الله بن وهب قال لسفيان بن عيينة: يا أبا محمد الذى عرض عليك أمس فلانًا أجزها لي، فقال: نعم.

وقال أيضًا: رأيت عبد الله بن وهب يعرض له على سَفيان بن عيينة وهو قاعد ينعس أو هو نائم. ا هـ من "تاريخ الدوري"(2/ 236).

وقال أحمد: عبد الله بن وهب صحيح الحديث يفصل السماع من العرض والحديث من الحديث، ما أصح حديثه وأثبته!

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 86 - 87).

(2)

قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(7/ 359): عبد الله بن وهب مولى قريش وكان كثير العلم ثقة فيما قال: حدثنا، وكان يدلس. ا هـ

ص: 288

قيل لأحمد: أليس كان يسيء الأخذ؟ قال: قد يسيء الأخذ ولكن إذا نظرت في حديثه وما روى عن مشايخه وجدته صحيحًا. ا هـ من "تهذيب الكمال" وقال عبد الله بن أيوب المخرمي: كنت عند ابن عيينة وعنده ابن معين فجاءه عبد الله بن وهب ومعه جزء فقال: يا أبا محمد أحدث بما في هذا الجزء عنك؟ فقال لي يحيى بن معين: يا شيخ هذا والريح بمنزلة، ادفع إليه الجزء حتى ينظر في حديثه. ا هـ من "الكامل"(4/ 1518).

وقال الساجي عنه: صدوق ثقة، وكان من العباد، وكان يتساهل في السماع لأن مذهب أهل بلده أن الإجازة عندهم جائزة، ويقول فيها: حدثني فلان" ا هـ من "التهذيب".

فالذي يبدو لي أن ابن سعد يقصد ما تقدم، ولا يقصد أن ابن وهب يسقط من حدثه."

(1)

.

‌90 - عبد الجليل بن عطية القيسي أبو صالح البصري

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الجليل بن عطية القيسي، أبو صالح البصري، في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: وثقه ابن معين، وقال البخاري: يهم في الشيء، وقال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا بين السماع

(2)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد الجليل بن عطية القيسى، أبو صالح البصري، صدوق يهم.

قال ابن حبان في "الثقات"(8/ 421): عبد الجليل بن عطية القيسي يروي عن جعفر بن ميمون، كنيته أبو صالح، روى عنه عبد الصمد بن عبد الوارث، يعتبر حديثه عند بيان السماع في خبره إذا رواه عن الثقات وكان دونه ثبت.

وفى "تهذيب التهذيب": "قال الدوري عن ابن معين عبد الجليل بن عطية

(1)

"منهج المتقدمين في التدليس" للشيخ ناصر بن حمد الفهد (ص 137).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(ص 39).

ص: 289

ثقة. وقال البخاري: يهم في الشيء بعد الشيء. وقال أبو أحمد الحاكم: حديثه ليس بالقائم". ا هـ

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(3/ 123): عبد الجليل بن عطية القيسى سمع شهرًا وجعفر بن عون، سمع منه العقدي، ربما وهم.

‌91 - عبد ربه بن نافع أبو شهاب الحناط

ذكر الحافظ ابن حجر عبد ربه بن نافع أبو شهاب الحناط في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: وثقه ابن معين، ولينه النسائي، وأشار الخطيب في مقدمة تاريخه إلى أنه دلس حديثًا

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد ربه بن نافع الكناني الحناط أبو شهاب الأصغر، صدوق يهم.

روى الخطيب البغدادي حديث "تبنى مدينة بين دجلة ودجيل" من عدة طرق، منها طريق يرويه أبو شهاب الحناط عن عاصم عن أبي عثمان عن جرير، وقال: وأما أبو شهاب الحناط فقد كان صدوقًا، إلا أن يحيى بن سعيد لم يكن يرضى أمره، وكان يقول: لم يكن بالحافظ، وأحسب أنه وقع إليه حديث عاصم من جهة عمار ابن سيف، أو سيف بن محمد، أو محمد بن جابر، فرواه عن عاصم مرسلًا، لأن الحسن بن الربيع لم يذكر عنه الخبر فيه والله أعلم. "مقدمة تاريخ بغداد"(ص 31، 36).

قلت: هذا الحديث قد ضعفه غير واحد من الأئمة المتقدمين، وقد نقل الخطيب أقوالهم. والخطيب يرى نكارة هذا الحديث. فلما رأى أبو شهاب حدث بهذا الحديث عن عاصم، وأبو شهاب عنده صدوقًا، ورأى أن باقي رجال الإسناد ثقات، حمل النكارة التى في هذا الحديث على أن أبا شهاب سمع هذا

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 87).

ص: 290

الحديث من أحد الضعفاء الذين حدثوا بهذا الحديث عن عاصم، ثم دلسه عنه.

وانظر ترجمة "سليمان بن حيان" من هذا الكتاب.

‌92 - عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي

قال ابن حبان: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي كان يروي الموضوعات عن الثقات، ويأتي عن الأثبات ما ليس من أحاديثهم، وكان يدلس عن محمد بن سعيد بن أبي قيس المصلوب.

قال أبو حاتم: وروى الأفريقي، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة، قال: دخلت يومًا السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجلس إلى البزار، فاشترى سراويل بأربعة داراهم، وكان لأهل السوق وزان يزن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اتزن وأرجح"، قال الوزان: إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد. قال أبو هريرة: كفى بك من الوهن والجفاء في دينك أن لا تعرف نبيك، فطرح الميزان ووثب إلى يد النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يقلبها، فجذب رسول الله صلى الله عليه وسلم يده منه، وقال: هذا إنما يفعله الأعاجم لملوكهم، ولست بملك، إنما أنا رجل منكم، فوزن ورجح وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم السراويل.

قال أبو هريرة: فذهبت أحمله عنه، فقال: صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله، إلا أن يكون ضعيفًا يعجز عنه فيعينه أخوه المسلم. قال: قلت يا رسول الله: إنك لتلبس السراويل؟ قال: نعم في السفر والحضر وبالليل والنهار، فإني أُمرت بالتستر، فلم أجد شيئًا أستر منه".

أخبرناه أحمد بن علي بن المثنى، قال: حدثنا عباد بن موسى الختلي، قال: حدثنا يوسف بن زياد، قال: حدثنا عبد الرحمن بن زياد، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي هريرة

(1)

.

(1)

"المجروحين"(2/ 50 - 52).

ص: 291

قال ابن رجب: ومنها أحاديث يرويها عبد الرحمن بن زياد الأفريقي عن عتبة ابن حميد عن عبادة بن نسى عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ عن النبي صلى الله عليه وسلم قد قيل أنها كلها مأخوذة عن محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة المشهور بالكذب والوضع، وأنه أسقط اسمه من الإسناد بين عتبة وعبادة، ومن جملتها حديث المنديل بعد الوضوء

(1)

.

(2)

.

(1)

"شرح علل الترمذي"(2/ 828).

(2)

حديث المنديل أخرجه الترمذي في جامعه (54)، قال: حدثنا قتيبة، حدثنا رشدين ابن سعد، عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال:"رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه". قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، وإسناده ضعيف، ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي يُضعفان في الحديث.

ومن طريق قتيبة أخرجه الطبراني في "الأوسط"(ح 4182)، والبيهقي في "السنن" (1/ 236). وقال الطبراني: لا يُروى هذا الحديث عن معاذ إلا بهذا الإسناد، تفرد به رشدين. وتابع قتيبة بن سعيد: الهيثم بن خارجة، كما عند البزار في "مسنده"(ح 2652)، وابن شاهين في "ناسخ الحديث ومنسوخه" (ح 151). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يُروى بهذا اللفظ إلا عن معاذ، وعبد الرحمن بن زياد لم يكن بالحافظ، وقد روى عنه الثوري وجماعة كثيرة.

وعتبة بن حميد ترجم له الحافظ في "تهذيب التهديب"، فقال:"قال أبو طالب عن أحمد: كان من أهل البصرة، وكتب شيئًا كثيرًا، وهو ضعيف ليس بالقوي، ولم يشته الناس حديثه. وقال أبو حاتم: كان جوالة في الطلب، وهو صالح الحديث. وذكره ابن حبان في الثقات". ؤقال الحافظ في "التقريب": صدوق له أوهام. ورشدين بن سعد قد ضعفه جمهور النقاد، ومنهم من ترك حديثه. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب"، وكتابي "التذييل على كتاب تهذيب التهذيب" وأخرجه الطبراني في "الكبير"(20/ 68)، وفي "مسند الشاميين"(ح 2248) عن عبد الرحمن بن سلم الرازي، عن سهل بن عثمان، عن عبد الرحيم بن =

ص: 292

وقال ابن رجب أيضًا: ورويناه من طريق آخر، من طريق ابن لهيعة: حدثني عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غدا

= سليمان، عن محمد بن سعيد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ واحدة واثنتين وثلاثًا ثلاثًا، كل ذلك كان يفعل. وعبد الرحمن بن سلم الرازي هو عبد الرحمن بن محمد بن سلم الرازي له ترجمة في "السير"(13/ 530)، قال الذهبي: الحافظ المجود العلامة، إمام جامع أصبهان، كان من أوعية العلم، صنف المسند.

وسهل بن عثمان هو ابن فارس الكندي، أبو مسعود العسكري، ترجم له الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، فقال:" قال أبو حاتم: صدوق. وقال أبو الشيخ: كان كثير الفوائد. قال عبدان: قدم عليه أبو بكر الأعين وجماعة من أصحابه فقالوا في أحاديث حدثنا بها: أنه أخطأ، فقيل له، فقال: هكذا حدثنا فلان وفلان، فسكتوا عنه، وله غرائب كثيرة. وذكره ابن حبان في "الثقات".

وعبد الرحيم بن سليمان هو الكناني، أبو علي الأشل، ثقة له تصانيف.

ومحمد بن سعيد هو المصلوب في الزندقة، كذبوه.

قلت: والذى يظهر لي أن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي لم يدلس هذا الحديث عن محمد بن سعيد المصلوب، لأنه لم يصح أن الأفريقي حدث بهذا الحديث، فالراوي عن الأفريقي هو رشدين بن سعد، وهو ضعيف والله أعلم.

ورواه الطبراني في "المعجم الكبير"(20/ 68 - 69) عن مطلب بن شعيب الأزدي، عن عبد الله بن صالح، عن الليث، عن الأحوص بن حكيم، عن محمد بن سعيد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على وجهه بطرف ثوبه في الوضوء. والأحوص بن حكيم ضعيف. وعبد الله بن صالح مُختلف فيه. ومحمد بن سعيد هو المصلوب في الزندقة.

ص: 293

إلى المصلى أمرنا أن نلبس أجود ما نقدر عليه من الثياب، وأن نخرج وعلينا السكينة وأن نجهر بالتكبير

(1)

.

(2)

.

(1)

لم أقف على هذا الحديث بهذا الإسناد. وابن لهيعة ضعيف الحديث، سواء كان الراوي عنه أحد العبادلة أو غيرهم، إلا أن رواية العبادلة أقل ضعفًا من غيرها. انظر "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر رحمه الله، وكتابي "التذييل على كتاب

تهذيب التهذيب"، وكتاب "النقد البناء في تخريج حديث أسماء" للشيخ طارق بن عوض الله حفظه الله. وقد فاتني في كتابي "التذييل على كتاب تهذيب التهذيب" قولان في ابن لهيعة: قال ابن المنذر في "الأوسط" (2/ 149)(ح 710):

وقد رُوينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب حديثًا مفسرًا، غير أنه من حديث ابن لهيعة.

أخبرنا ابن عبد الحكم، أن ابن وهب أخبرهم، قال: أخبرني ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عيسى بن طلحة، عن أبي هريرة، أن خولة بنت يسار

الحديث. وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(12/ 8): ابن لهيعة أحد العُلماء، إلا أنه يُقال: إنه احترقت كتبه، فكان إذا حدث بعد ذلك من حفظه غلط، وما رواه عنه ابن المبارك وابن وهب فهو عند بعضهم صحيح، ومنهم من يضعف حديثه كله، وكان عنده علم واسع، وكان كثير الحديث، إلا أن حاله عندهم ما وصفنا. وقال ابن عبد البر أيضًا (14/ 352): ابن لهيعة أكثر أهل العلم لا يقبلون شيئًا من حديثه، ومنهم من يقبل منه ما حدث به قبل احتراق كتبه، ولم يسمع منه -فيما ذكروا- قبل احتراق كتبه الا ابن المبارك وابن وهب لبعض سماعه، وأما أسد بن موسى ومثله فإنما سمعوا منه بعد احتراق كتبه، وكان يملي من حفظه فيخطئ ويخلط، وليس بحجة عند جميعهم. فلا يصح أن عبد الرحمن الأفريقي حدث بهذا الحديث، لضعف السند إليه.

ورواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(11/ 420) من طريق علي بن حماد بن السكن، عن الواقدي، عن عبد الرحمن بن الغسيل، عن عتبة بن حميد، عن عبادة بن نسي، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ بن جبل، قال: أمرنا صلى الله عليه وسلم عليه وسلم أن نختار السليم من الضحايا، وأن نلبس أجود ما نقدر عليه يوم العيد، وأن نجهر بالتكبير، وأن نخرج وعلينا السكينة، وأن نشترك في البقرة سبعة، وفى البدنة عشرة، وأن نطعم الجار المتعفف والسائل من كان. قال الخطيب: علي بن حماد بن السكن متروك. قلت: والواقدي متروك، ومنهم من كذبه.

(2)

"فتح الباري"(6/ 71 - 72)(ح 948).

ص: 294

وذكره ابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: ذكر ابن حبان في الضعفاء أنه كان مدلسًا، وكذا وصفه به الدارقطني

(1)

.

وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ضعيف في حفظه.

قلت: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي ترجم له الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب"، فقال: لأ قال أبو موسى: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن سفيان عنه. وقال عمرو بن علي: كان يحيى لا يحدث عنه، وما سمعت عبد الرحمن ذكره إلا مرة، قال: ثنا سفيان عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي، وهو مليح الحديث، ليس مثل غيره في الضعف. وقال ابن قهزاد عن إسحاق بن راهوية: سمعت يحيى بن سعيد يقول: عبد الرحمن بن زياد ثقة. وقال ابن المديني: سألت يحيى بن سعيد عنه، فقال: سألت هشام بن عروة، فقال: دعنا منه. وقال في موضع آخر: ضعف يحيى الأفريقي. وقال يحيى بن سعيد المستملي عن ابن مهدي: أما الأفريقي فما ينبغي أن يُروى حديث عنه. وقال أبو طالب عن أحمد: ليس بشيء. وقال أحمد بن الحسن الترمذي وغيره عن أحمد: لا أكتب حديثه. وقال المروذي عن أحمد: منكر الحديث، وقد دخل على أبي جعفر فتكلم بكلام حسن، فقال له وأحسن ووعظه. وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن يحيى بن معين: ضعيف يُكتب حديثه، وإنما أُنكر عليه الأحاديث الغرائب التى يحدثها. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: ضعيف. وقال الدوري عن ابن معين: ليس به باس، وهو ضعيف، وهو أحب إلي من أبي بكر بن أبي مريم

(2)

. وقال الجوزجاني: كان صادقًا خشنًا، غير محمود في

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 178 - 179).

(2)

هذا النص نقله أيضًا ابن شاهين في "الثقات"(صـ 216) عن ابن معين. وقال ابن محرز: سمعت يحيى وقيل له: موسى بن عبيدة؟ فقال: ليس هو بذاك القوي. =

ص: 295

الحديث. وقال يعقوب بن شيبة: ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق رجل صالح. وقال يعقوب بن سفيان: لا بأس به، وفي حديثه ضعف. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي: سألت أبي وأبا زرعة عن الأفريقي وابن لهيعة، فقالا: ضعيفان، وأثبتهما الأفريقي، أما الأفريقي فإن أحاديثه التي تنكر عن شيوخ لا نعرفهم وعن أهل بلده، فيحتمل أن لا يكون فيهم، ويُحتمل أن يكون. وقال البرذعي: قلت لأبي زرعة: يُروى عن يحيى القطان أنه قال: الأفريقي ثقة، ورجاله لا نعرفهم؟ فقال لي أبو زرعة: حديثه عن هؤلاء لا ندري ولكنه حدث عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب فيمن أتى بهيمة، وهو منكر. قلت: فكيف محله عندك؟ قال: يُقارب يحيى بن عبيد الله ونحوه. وقال صالح بن محمد: منكر الحديث، ولكني كان رجلًا صالحًا. وقال أبو داود: قلت لأحمد ابن صالح: يُحتج بحديث الأفريقي؟ قال: نعم. قلت: صحيح الكتاب؟ قال: نعم. وقال الترمذي: ضعيف عند أهل الحديث، ضعفه يحيى القطان وغيره، ورأيت محمد بن إسماعيل يقوي أمره، ويقول: هو مقارب الحديث. وقال النسائي: ضعيف. وقال ابن خزيمة: لا يُحتج به. وقال ابن خراش: متروك. وقال الساجي: فيه ضعف، وكان ابن وهب يطريه، وكان أحمد بن صالح يُنكر على من تكلم فيه، ويقول: هو ثقة. وقال ابن رشدين عن أحمد بن صالح: من تكلم في ابن أنعم فليس بمقبول، ابن أنعم من الثقات. وقال ابن عدي: عامة حديثه لا يُتابع عليه. وقال أبو العرب القيرواني: كان ابن أنعم من أجلة التابعين، عدلًا في قضائه، صلبًا، أنكروا عليه أحاديث ذكرها البهلول بن راشد، سمعت

= وسمعت يحيى وقيل له: عبد الرحمن بن زياد الأفريقي؟

قال: ليس بذاك القوي. قيل ليحيى: يُكتب حديثهما؟ قال: نعم. "سؤالاته"(1/ 72). وقال الدارمي عن ابن معين: ضعيف. "تاريخه"(الترجمة 474). وقال ابن طهمان عن ابن معين: ضعيف الحديث. "سؤالاته"(الترجمة 185).

ص: 296

الثوري يقول: جاءنا عبد الرحمن بستة أحاديث يرفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لم أسمع أحدًا من أهل العلم يرفعها: حديث: "أمهات الأولاد"، وحديث:"إذا رفع رأسه من آخر السجدة فقد تمت صلاته" وحديث: "لا خير فيمن لم يكن عالمًا أو متعلمًا"، وحديث:"اغد عالمًا أو متعلمًا"، وحديث:"العلم ثلاثة"، وحديث:"من أذن فهو يقيم". قال أبو العرب: فلهذه الغرائب ضعف ابن معين حديثه. وقال الغلابي: يضعفونه ويُكتب حديثه. وذكره ابن البرقي في باب من نُسب إلى الضعف. وقال سحنون: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم ثقة. وقال الحربي: غيره أوثق منه. وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي عندهم. وقال البرقاني: قال أبو بكر بن أبي داود: إنما تكلم الناس في الأفريقي وضعفوه، لأنه روى عن مسلم بن يسار، وهو لم ينزل أفريقية قط - يعنون: البصري، ولم يعلموا أن مسلم بن يسار آخر يُقال له: أبو عثمان الطنبذي، وكان الأفريقي رجلًا صالحًا. وقال أبو الحسن بن القطان: كان من أهل العلم والزهد بلا خلاف بين الناس، ومن الناس من يوثقه ويربأ به عن حضيض رد الرِّواية، والحق فيه أنه ضعيف، لكثرة رواية المنكرات، وهو أمر يعتري الصالحين". ا هـ

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 333): حدثنا محمد بن أحمد، قال: حدثنا معاوية بن صالح، قال: سممعت يحيى، قال: سألت يحيى -يعني ابن سعيد- عن عبد الرحمن الأفريقي، فقال: لا يسقط حديثه، وهو ضعيف.

وقال البخاري في "الضعفاء الكبير"(ص 73): ثنا المقري، عن عبد الرحمن بن زياد، في حديثه بعض المناكير.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(5/ 235): سألت أبي عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، فقال: يُكتب حديثه ولا يُحتج به.

سُئل أبو زرعة عن عبد الرحمن الأفريقي، فقال: ليس بالقوي.

وروى البزار كما في "كشف الأستار"(ح 2601) حديثًا من طريق رشدين بن سعد عن عبد الرحمن الأفريقي، ثم قال: لا نعلمه بهذا اللفظ إلا بهذا الإسناد،

ص: 297

ورشدين وعبد الرحمن لم يكونا بالحافظين، إذا انفرد أحد منهما بحديث لا يُحتج به، ولعبد الرحمن مناكير.

وقال الدارقطني في "السنن"(1/ 379): ضعيف لا يُحتج به.

وقال الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين"(ص 169): ليس بالقوي.

قلت: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي اختلف فيه العُلماء، فمنهم من قال: إنه منكر الحديث، وضعفه ضعف شديد، بحيث أنه لا يعتبر به، وأكثرهم قال: إن ضعفه ضعف يسير، وقالوا: إن المناكير التى في حديثه أتت من قبل شيوخه وتلاميذه.

وابن حبان رحمه الله كان يرى أن الأفريقي شديد الضعف، واستدل على ذلك بحديث سبق ذكره.

لكن تعقبه الدارقطني في هذا الحديث، فقال: الحمل في هذا الحديث على يوسف بن زياد، لأنه شيخ مشهور بالأباطيل، ولم يحدث بهذا عن عبد الرحمن ابن زياد الأفريقي غيره، ولا روى عبد الرحمن بن زياد عن الأغر شيئًا يوجد من غير رواية يوسف بن زياد عنه. "تعليقات الدارقطني على المجروحين" لابن حبان (ص 155 - 156).

فالذي يظهر لي أن في أحاديث الأفريقي بعض المنكرات، حملها بعض العُلماء على الأفريقي، ووصفوه بالضعف الشديد، وحملها أكثرهم على شيوخه وتلاميذه، وقالوا: إن ضعفه ضعف يسير، أما وصف ابن حبان له بالتدليس عن محمد بن سعيد المصلوب ففي القلب منه.

وأما الحافظ ابن رجب فقد ذكر كلامه بصيغة التمريض، والحديثان اللذان الشدل بهما على تدليسه عن المصلوب لم يثبت أن عبد الرحمن الأفريقي حدث بهما، لضعف السند إليه.

أما وصف الدارقطني له بالتدليس، فلعل الأفريقي دلس حديثًا أو حديثين، فوصفه الدارقطني بالتدليس لذلك، ولعل صورة التدليس وقعت من الأفريقي

ص: 298

لسوء حفظه، ولم تقع على عمدٍ منه.

وقد وصف الدارقطني عددًا من الرواة بالتدليس، في القلب من وصفهم به شيء، سبق ذكرهم في ترجمة "شريك بن عبد الله النخعي".

‌93 - عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: ثقة مشهور، قال ابن معين: لم يسمع من أبيه، وقال ابن المديني: لقى أباه وسمع منه حديثين: حديث الضب، وحديث تأخير الصلاة. وقال العجلي: يُقال: أنه لم يسمع من أبيه إلا حرفًا واحدًا "مُحرِّم الحرام".

وذكر البخاري في "التاريخ الأوسط" من طريق ابن خثيم، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: إني مع أبي فذكر الحديث في تأخير الصلاة، قال البخاري: عن شعبة: سمعته يقول: لم يسمع من أبيه، وحديث ابن خثيم أولى عندي، وقال أحمد: كان له عند موت أبيه ست سنين، والثوري وشريك يقولان: سمع، وإسرائيل يقول في حديث الضب عنه: سمعت. وأخرج البخاري في "التاريخ الصغير" من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه: لما حضرت عبد الله الوفاة، قلت له: أوصني، قال: ابك من خطيئتك. وسنده لا بأس به.

قلت: فعلى هذا يكون الذى صرح فيه بالسماع من أبيه أربعة، أحدها موقوف وحديثه عنه كثير، ففى السنن خمسة عشر، وفى المسند زيادة على ذلك سبعة أحاديث معظمها بالعنعنة، وهذا هو التدليس، والله أعلم

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ثقة وقد سمع من أبيه لكن شيئًا يسيرًا.

قال ابن هانئ: سألت أبا عبد الله، قلت: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 137 - 139).

ص: 299

سمع من أبيه؟ قال: نعم، في حديث لإسرائيل يقول: سمعت عبد الله. "سؤالات ابن هانئ" للإمام أحمد (2/ 214).

وقال أبو داود: قلت لأحمد: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع من عبد الله؟ قال: زُعم يعني: أن عبد الله مات وهو ابن سبع سنين.

عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن عبد الله، عن عبد الله، محرم الحلال - يعني: حديثه كمستحل الحرام، قال أحمد: وزعم بعضهم: عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن سمعت عبد الله: محرم الحلال، أي قال فيه عن عبد الرحمن: سمعت عبد الله. "سؤالات أبي داود الفقهية" للإمام أحمد (صـ 453).

وقال عبد الله بن أحمد: حكى يحيى بن معين عن بعضهم، قال: مات عبد الله بن مسعود، وعبد الرحمن بن عبد الله ابن ست سنين أو نحوه. "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 134).

قال المحقق: في المطبوعة "يحيى بن معين" وهو ليس بواضح في الصورة. والذى ذكره ابن حجر في "التهذيب"(6/ 215): قال أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد: مات عبد الله وعبد الرحمن ابن ست سنين أو نحوها.

وقال البخاري: حدثني مقدام بن محمد بن يحيى، حدثني القاسم بن يحيى، قال: ثنا أبو عثمان عبد الله بن عثمان بن خثيم المكي، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه: أخر الوليد بن عقبة الصلاة بالكوفة فانكفأ ابن مسعود إلى مجلسه، وأنا مع أبي.

قال محمد: شعبة يقول: عبد الرحمن لم يسمع من أبيه، وحديث ابن خثيم أولى عندي. "التاريخ الأوسط"(1/ 169).

قال يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(1/ 237): حدثنا سلمة عن أحمد قال: قال يحيى: مات ابن مسعود وعبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ابن ست أو نحو ذلك، وكانوا يفضلون أبا عبيدة.

قال أبو يوسف: أخاف أن يكون هذا غلطًا.

ص: 300

وقال ابن سعد: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قد تكلموا في روايته عن أبيه، وكان صغيرًا. "الطبقات الكبرى"(6/ 218).

وقال أبو حاتم: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود سمع أباه عبد الله بن مسعود. "الجرح والتعديل"(5/ 248).

وقال النسائي: أبو عبيدة لم يسمع من أبيه شيئًا، ولا عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود. "المجتبى"(ح 1403).

وقال الحاكم: عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه فى أكثر الأقاويل. "المستدرك على الصحيحين"(1/ 82).

وقال الحاكم أيضًا: مشايخ الحديث اتفقوا على أن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه. "سؤالات السجزي" للحاكم (صـ 179).

وقال ابن حجر فى "تهذيب التهذيب": قال يعقوب بن شيبة: عبد الرحمن ابن عبد الله بن مسعود كان ثقة قليل الحديث، وقد تكلموا فى روايته عن أبيه، وكان صغيرًا، فأما علي بن المديني فقال: قد لقى أباه، وقال ابن معين: عبد الرحمن وأبو عبيدة لم يسمعا من أبيهما. وقال أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد: مات عبد الله وعبد الرحمن ابن ست سنين أو نحوها. وقال أحمد: أما سفيان الثوري وشريك فإنهما يقولان: سمع، وأما إسرائيل فإنه يقول فى حديث الضب: سمعت. وقال معاوية بن صالح عن ابن معين: سمع من أبيه، وعن علي.

قلت: سماع عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود مختلف فيه، فأثبته بعضهم مطلقًا، ونفاه بعضهم مطلقًا، وأثبت له البعض السماع من أبيه لبعض الأحاديث فإن كان سمع من أبيه بعض الأحاديث، ولم يسمع الباقي، فقد دلس عن أبيه الأحاديث التى لم يسمعها، والتدليس الموصوف به عبد الرحمن خاص بروايته عن أبيه، فلا ينبغي التوقف فى عنعنته عن غير أبيه إذا صح سماعه من الشيخ الذى يروي عنه.

ص: 301

‌94 - عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي

قال ابن العراقي: عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي، قال عبد الله بن أحمد: بلغنا أنه كان يدلس

(1)

.

وقال ابن حجر فى "تقريب التهذيب": عبد الرحمن بن محمد بن زياد المحاربي، أبو محمد الكوفي، لا بأس به وكان يدلس - قاله أحمد.

وذكره ابن حجر فى المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: محدث مشهور من طبقة عبد الله بن نمير، وصفه العقيلي بالتدليس

(2)

.

(3)

.

(1)

كتاب "المدلسين"(صـ 67).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 140).

(3)

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: ذكر أبي حديث المحاربي عن عاصم عن أبي عثمان - حديث جرير "يبنى مدينة بين دجلة ودجيل" فقال: كان المحاربي جليسًا لسيف بن محمد ابن أخت سفيان، وكان سيف كذابًا، فأظن المحاربي سمع منه.

قيل له: إن عبد العزيز بن أبان رواه عن سفيان، فقال: كل من حدث به فهو كذاب -يعني عن سفيان-.

قلت له: إن لوينًا حدثناه عن محمد بن جابر، فقال: كان محمد ربما ألحق فى كتابه أو يلحق فى كتابه -يعني الحديث- وقال: هذا الحديث ليس بصحيح، أو قال: كذب. "العلل ومعرفة الرجال"(2/ 370).

وقال عبد الله بن أحمد أيضًا: حدثت أبي بحديث المحاربي عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد الخدري قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن التشبيه فى الصلاة فقال: "لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو ريحًا"، فأنكره أبي واستعظمه.

قال أبي: المحاربي عن معمر؟ قلت: نعم، وأنكره جدًا والحديث حدثني به أبو الشعثاء وأبو كريب قالا: حدثنا المحاربي.

قال أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد: ولم نعلم أن المحاربي سمع من معمر =

ص: 302

قال الشيخ ناصر بن حمد الفهد حفظه الله: العبارة التى فيها نسبة التدليس إلى عبد الرحمن بن محمد المحاربي من قول عبد الله بن أحمد، ونسبها إلى عبد الله أيضًا: العلائي في "جامع التحصيل"(صـ 108)، وسبط ابن العجمي في "التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 135)، والذهبي كما في "تذكرة الحفاظ"(1/ 313)، و"سير أعلام النبلاء"(9/ 137)، ولكنه نسبها إلى الإمام أحمد في "ميزان الاعتدال"(4/ 313)، وفى "الضعفاء" للعقيلي (2/ 348)(3/ 759) طبعة السلفي، قال: "وقال أبو عبد الله: ولم نعلم أن المحاربي سمع من معمر

إلخ"، وهذا يشعر بأن القائل هو الإمام أحمد، ولا أظنه بل هو تصحيف لأمرين:

1 -

أن أصل كلام عبد الله بن أحمد مذكور في كتابه "العلل" ومنسوب إليه بوضوح، ونسبه إليه العلائي والذهبي وغيرهما.

2 -

أن مخطوطة "الضعفاء" للعقيلي (الورقة 20) -كما في حاشية بشار على

= شيئًا، وبلغنا أن المحاربي كان يدلس. "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 363 - 364).

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 347 - 348): حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، قال: عرضت على أبي حديثًا حدثناه علي بن الحسن أبو الشعثاء وأبو كريب، قالا: حدثنا المحاربي، عن معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي سعيد الخدري، قال: سُئل رسول الله (عن التشبيه في الصلاة، فقال:"لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا"، فأنكره أبي واستعظمه، ثم قال لي: المحاربي عن معمر؟ قلت: نعم، فأنكره جدًا. قال أبو عبد الله: ولم نعلم أن المحاربي سمع من معمر شيئًا، وبلغنا أن المحاربي كان يدلس.

ثم ذكر العقيلي طرق هذا الحديث، ثم ذكر سؤال عبد الله بن أحمد لأبيه عن حديث "تبنى مدينة بين دجلة ودجيل". اهـ

ص: 303

"تهذيب الكمال"(17/ 389) - فيها (قال عبد الله) بدون (أبي) قبلها والله أعلم.

وذكر الشيخ ناصر النصين اللذان في "العلل ومعرفة الرجال" ثم قال: هذا مجموع ما وجدته من كلام الأئمة المتقدمين عن تدليسه وفيه أمور:

الأول: أن قول عبد الله بن أحمد "بلغنا أنه كان يدلس" يدل على أنه ليس مشهورًا عنه ولم يقف عليه بنفسه.

الثاني: أن قوله قبل ذلك (ولم نعلم أن المحاربي سمع من معمر) يدل على أن تدليسه المقصود ما اصطلح المتأخرون على أنه (المرسل الخفي).

الثالث: أن قصة حديث "دجلة ودجيل" لم يذكر عبد الله من رواها له فربما كانت لا تصح عنه. قال الذهبي في "السير"(9/ 137) تعقيبًا على كلامه:

"قلت: لم يذكر عبد الله من حدثه بها عن المحاربي، فهو إن صح أن المحاربي حدث به قوي الإسناد على نكارته" اهـ

قلت: لا يقوى لما ذكره أحمد وابن معين وغيرهما عن هذا الحديث، وإنما الشاهد من كلام الذهبي هو تشكيكه في صحة الرواية عن المحاربي لجهالة الناقل.

وعلى كل فإن هذه الحادثة لو صحت عنه لا تجعله معروفًا أو مشهورًا بالتدليس وقد ذكره الحافظ في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين، ثم ذكر كلام الحافظ وقال: فيه أمور:

الأول: أن المحاربي لم يذكره أحد من المتقدمين بالشهرة أو الكثرة.

الثاني: لم يذكر أحد من المتقدمين أنه لا يقبل عنعنته حتى يكون فيها خلاف.

الثالث: أن العقيلي لم يصفه بالتدليس بل نقل كلام عبد الله بن أحمد فيه.

الرابع: أن ما ثبت في وصفه بالتدليس هو قول عبد الله بن أحمد (وبلغنا أنه كان يدلس) وهي مشعرة بضعف هذه الصفة.

الخامس: أن المقصود من تدليسه المشار إليه هنا هو الإرسال كما سبق

(1)

.

(1)

"منهج المتقدمين في التدليس"(صـ 113 - 115).

ص: 304

‌95 - عبد الرزاق بن همام الصنعاني

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الرزاق بن همام الصنعاني في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: الحافظ المشهور، متفق على تخريج حديثه، وقد نسبه بعضهم إلى التدليس، وقد جاء عن عبد الرزاق التبرؤ من التدليس، قال: حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئنى أصحاب الحديث، فتعلقت بالكعبة، فقلت: يا رب مالي أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ أبقية بن الوليد أنا؟ فرجعت إلى البيت، فجاءوني.

ويحتمل أن يكون نفى الإكثار من التدليس بقرينة ذكره بقية

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم، أبو بكر الصنعاني، ثقة حافظ، مصنف شهير، عمي في آخر عمره فتغير، وكان يتشيع.

قال الخطيب البغدادي في "الكفاية في علوم الرواية"(صـ 510): أخبرني الحسن بن أبي طالب، قال: أنا أحمد بن محمد بن عمران، قال: ثنا أحمد بن محمد بن أبي حامد صاحب بيت المال، قال: سمعت عباس الدوري يقول: حدثني بعض أصحابنا قال: قال عبد الرزاق: قدمت مكة فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئنى أصحاب الحديث فمضيت وطفت وتعلقت بأستار الكعبة، وقلت: يا رب مالي، أكذاب أنا؟. . . . أمدلس أنا؟. . . . قال: فرجعت إلى البيت فجاءوني.

وأحمد بن محمد بن عمران هو ابن الجندي، له ترجمة في "تاريخ بغداد" (5/ 77). قال الخطيب: كان يضعف في روايته، ويطعن عليه في المذهب.

سألت الأزهري عن ابن الجندي، فقال: ليس بشيء. وقال لي الأزهري

أيضًا: حضرت ابن الجندي وهو يقرأ عليه كتاب ديوان الأنواع الذى سمعه، فقال لي أبو عبد الله بن الأبنوسي: ليس هذا سماعه، وإنما رأى نسخة على

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 34).

ص: 305

ترجمتها اسم وافق اسمه فادعى ذلك.

وقال الدوري في "تاريخه"(3/ 18): حدثنا يحيى قال: قال بشر بن السري: قال عبد الرزاق: قدمت مكة مرة، فأتاني أصحاب الحديث، ثم انقطعوا على يومين أو ثلاثة، فقلت: يا رب، ما شأني: كذاب أنا؟ أبي شيء أنا؟ قال: فجاءونى بعد ذلك. اهـ

قلت: والقصة التى ذكرها الخطيب البغدادي لا تثبت عن عبد الرزاق، وليس فيها قوله:"أبقية بن الوليد أنا" وما أظن أنه يصح وصف عبد الرزاق بالتدليس، وقد أشبع الأئمة المتقدمون عبد الرزاق كلامًا، وما وصفه واحد منهم بالتدليس.

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(3/ 110 - 111): حدثنا محمد ابن عبد الله الحضرمي، قال: حدثنا محمد بن سهل بن عسكر، قال: حدثنا عبد الرزاق، قال: ذكر الثوري، عن أبي إسحاق، عن زيد بن يثيع، عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ولوا عليًا فهاديًا مهديًا"، فقيل لعبد الرزاق: سمعت هذا من الثوري؟ قال: لا، حدثني يحيى بن العلاء وغيره، ثم سألوه مرة ثانية، فقال: حدثنا النعمان بن أبي شيبة ويحيى بن العلاء عن سفيان الثوري. اهـ

قلت: محمد بن سهل بن عسكر ثقة كما في "التقريب". ومحمد بن عبد الله الحضرمي هو محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي، المُلقب بمُطين. قال الذهبي في "السير" (14/ 41 - 42): الشيخ الحافظ الصادق. ونقل توثيق الدارقطني له.

ذكر الذهبي في "الميزان"(2/ 612 - 13): هذه الحكاية، ثم قال: النعمان فيه جهالة، ويحيى هالك، لكن رواه أحمد في مسنده، عن شاذان، عن عبد الحميد الفراء، عن إسرئيل، عن أبي إسحاق، ورواه زيد بن الحباب، عن فضيل بن مرزوق، عن أبي إسحاق، ورُوي من وجه آخر عن أبي إسحاق، فهو محفوظ، وزيد شيخه ما علمت فيه جرحًا، والخبر فمنكر. اهـ

ص: 306

قلت: قد ثبت أن عبد الرزاق دلس هذا الحديث، وعبد الرزاق رحمه الله كان يغلو في التشيع.

قال ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير"(1/ 333): سمعت يحيى بن معين وقيل له: إن أحمد بن حنبل قال: إن عبيد الله بن موسى يرد حديثه تشيع

(1)

؟ قال: كان والله الذى لا إله إلا هو عبد الرزاق أغلى في ذلك منه مائة ضعف، ولقد سمعت من عبد الرزاق أضعاف وأضعاف ما سمعت من عبيد الله.

وقال ابن عدي في "الكامل"(5/ 315): ولعبد الرزاق بن همام أصناف وحديث كثير، وقد رحل إليه ثقات المسلمين وأئمتهم، وكتبوا عنه، ولم يروا بحديثه بأسًا، إلا أنهم نسبوه إلى التشيع، وقد روى أحاديث في الفضائل مما لا يوافقه عليها أحد من الثقات، فهذا أعظم ما رموه به من روايته لهذه الأحاديث، ولما رواه في مثالب غيرهم مما لم أذكره في كتابي هذا، وأما في باب الصدق فأرجو أنه لا باس به، إلا أنه قد سبق منه أحاديث في فضائل أهل البيت ومثالب آخرين مناكير. اهـ

فحمله غلوه في التشيع على رواية هذا الحديث، وإسقاط شيخاه الضعيفان من الإسناد، والصحيح أن يُوصف عبد الرزاق بالتدليس في هذا الحديث فقط، أو ما ثبت أنه دلسه، أما باقي حديثه فلا ينبغي التوقف فيه لأجل التدليس والله أعلم.

‌96 - عبد السلام بن حرب بن سلم الملائي

قال ابن محرز: سمعت ابن نمير يقول: قال أبو نعيم: أحاديث عبد السلام -يعني الملائي- عن سالم إنما هي أحاديث شريك كلها.

قال ابن نمير: كان عبد السلام يدلس

(2)

.

(1)

في "تهذيب الكمال"(18/ 59): للتشيع.

(2)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (2/ 223).

ص: 307

قلت: عبد السلام بن حرب من صغار الثامنة، وسالم بن عبد الله من كبار الثالثة كما في "التقريب". وقول ابن نمير:"كان يدلس" أي كان يرسل أحاديث سالم التى أخذها عن شريك عنه. ورواية عبد السلام بن حرب عن سالم ليست في الكتب الستة.

والمتقدمون كانوا أحيانًا يطلقون التدليس على الإرسال الخفي، وقد بينت ذلك في آخر الكلام عن تدليس الإسناد من مقدمة هذا الكتاب.

‌97 - عبد العزيز بن عبد الله بن وهب الكلاعي

ذكر الحافظ ابن حجر عبد العزيز بن عبد الله بن وهب

(1)

الكلاعي في المرتبة الخامسة من المدلسين، وقال: ضعيف، قال ابن حبان: يُعتبر حديثه إذا بين السماع

(2)

.

(3)

.

‌98 - عبد العزيز بن عبد الله أبو وهب القرشي البصري الجدعاني

ذكر الحافظ ابن حجر عبد العزيز بن عبد الله القرشي البصري أبو وهب الجدعاني في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: روى عن سعيد بن أبي عروبة وخالد الحذاء وبهز بن حكيم، روى عنه الحسن بن مدرك وغيره. قال ابن حبان في الثقات: يعتبر حديثه إذا بين السماع. وتكلم فيه ابن عدي وقال: عامة ما يرويه لا يُتابع عليه

(4)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(8/ 394): عبد العزيز بن عبد الله القرشي أبو وهب يروى عن هشام بن حسان وخالد الحذاء وبهز بن حكيم وسعيد بن إياس

(1)

قال المحقق: في (أ)، (ج): أبو وهب.

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 179).

(3)

قلت: لم أقف على قول ابن حبان الذى أشار إليه الحافظ ابن حجر.

(4)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 140).

ص: 308

وشعبة، روى عنه الحسن بن مدرك السدوسي يغرب، يجب أن يعتبر حديثه إذا بين السماع.

وذكره ابن عدي في "الكامل"(5/ 293): وذكر أنه روى عن عون بن حيان وهشام بن حسان وسعيد بن أبي عروبة ثم قال: وعبد العزيز بن عبد الله هذا عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات.

وترجم له ابن حجر في "لسان الميزان"(5/ 36) ولم يذكر إلا قول ابن حبان وابن عدي.

‌99 - عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد

ذكر العلائي عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد في المدلسين، وقال: ذكره أحمد في حديث رواه عن عبيد الله بن عمر، فقال: ينبغي أن يكون عبد المجيد دلسه، أخذه من إنسان فحدث به، ذكره الخلال في كتاب "العلل"

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين، وقال: صدوق، نُسب إلى الإرجاء، وفى حفظه شيء، ونُسب إلى التدليس، وممن ذكره فيهم العلائي

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، صدوق يخطئ وكان مرجئًا، أفرط ابن حبان فقال: متروك.

قلت: في "المنتخب من العلل" للخلال (صـ 227): قال مهنا: قلت لأحمد ويحيى: حدثوني عن عبد المجيد بن أبي رواد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان" فقالا جميعًا: ليس بصحيح، وليس يعرف هذا الحديث من أحاديث عبيد الله، ولم يسمع عبد المجيد بن أبي رواد من عبيد الله شيئًا، ينبغي أن يكون دلسه، سمعه من إنسان فحدث به. اهـ

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 107).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 141).

ص: 309

وقول أحمد وابن معين: "ينبغي أن يكون دلسه" أى أرسله، ولا يصح وصف عبد المجيد بالتدليس، والمتقدمون كانوا أحيانًا يطلقون التدليس على الإرسال، وقد بينت ذلك في مقدمة هذا الكتاب.

وقال البرذعي: قلت لأبي زرعة: ابن أبي رواد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس:"كلام القدرية كفر"؟ قال: هذا عندي باطل، إنما روى هذا نوح بن أبي مريم، ليس هذا من حديث ابن جريج، ابن أبي رواد أخاف أن يكون قد عمل في هذا عملًا، ألا ترى أنه يقول في آخره: ولا أعلم قومًا خيرًا من قوم أرجو.

قال لي أبو زرعة: ابن عباس يقول مثل هذا؟!

ثم قال لي أبو زرعة: كان ابن أبي رواد مرجئًا

(1)

.

وقال ابن حجر: قال الدارقطني في "الأفراد": ثنا يعقوب بن إبراهيم، ثنا علي بن مسلم، ثنا عبد المجيد، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كلام القدرية كفر، وكلام الحرورية ضلالة، وكلام الشيعة تلطخ بالذنوب، والعصمة من الله، واعلموا أن كلًا بقدر الله.

قال الدارقطني: تفرد به عبد المجيد.

قلت: وبقية رجاله ثقات. ("تهذيب التهذيب" ترجمة "عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد").

قلت: الذى يظهر لي أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد دلس قول ابن عباس هذا عن نوح بن أبي مريم، وعبد المجيد كان داعية إلى الإرجاء

(2)

، وكان

(1)

"سؤالات البرذعي" لأبي زرعة الرازي (2/ 325).

(2)

قال أبو داود: كان عبد المجيد مرجئًا داعية في الإرجاء. وقال يعقوب بن سفيان: كان مبتدعًا معاندًا داعية. ("تهذيب التهذيب"، و"المعرفة والتاريخ" (3/ 52).

ص: 310

يغلو في هذه البدعة

(1)

، وكان لا يبالي عمن حدث

(2)

، فحمله غلوه في الإرجاء على أخذ هذا الحديث عن نوح بن أبي مريم، ثم أسقط اسمه من الإسناد، لأن نوحًا حاله معلومة عند الناس، وفى قول ابن عباس هذا ثناء على المرجئة، وذم لغيرهم، ولهذا رواه عبد المجيد.

وأظن أيضًا أن عبد المجيد دلس حديث "لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة معاوية بن أبي سفيان" عن نوح بن أبي مريم، فإن نوحًا يروي عن عبيد الله بن عمر، وهذا الحديث فيه ذم للنواصب.

فالذي يظهر لي أن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ثقة، ولكن ربما دلس أحاديث منكرة أو موضوعة توافق بدعته، أو تذم في بدعة أخرى، فالأصل عدم التوقف في عنعنة عبد المجيد عن شيوخه، إلا إذا كان المتن منكرًا، فحينئذٍ يتطرق الاحتمال إلى تدليسه والله أعلم.

‌100 - عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج

قال الرامهرمزي: حدثنا أبو محمد الغراء، ثنا جعفر بن عبد الواحد قال: قال لنا يحيى بن سعيد القطان: كان ابن جريج صدوقًا، إذا قال: حدثني فهو سماع، وإذا قال: أخبرنا أو أخبرني فهو قراءة، وإذا قال: قال فهو

(1)

قال أحمد بن حنبل: عبد المجيد ثقة، وكان فيه غلو في الإرجاء، وكان يقول هؤلاء الشكاك. "تهذيب التهذيب".

(2)

قال أبو داود: سمعت أحمد قيل له: عبد المجيد بن عبد العزيز؟ قال: كان عالمًا بابن جريج، ولم يكن يبالي عمن حدث، وله عند أهل مكة قدر. فقيل لأحمد: هو موضع للرواية؟ قال: لا أدري، وسمعت أحمد حدث عنه.

وقال ابن أبي مريم عن ابن معين: عبد المجيد ثقة، كان يروي عن قوم ضعفاء. ("سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 236)، و"تهذيب التهذيب").

ص: 311

شبه الريح

(1)

.

(2)

.

قال أبو دواد: سمعت أحمد يقول: إذا قال ابن جريج أخبرني في كل شيء فهو صحيح

(3)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: رأيت سنيدًا عند حجاج بن محمد وهو يسمع منه كتاب الجامع -يعني لابن جريج- فكان في الكتاب: ابن جريج قال: أخبرت عن يحيى بن سعيد، وأخبرت عن الزهري، وأخبرت عن صفوان

(1)

"المحدث الفاصل"(صـ 433)(رقم 492)، و"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 433).

(2)

جعفر بن عبد الواحد ترجم له الذهبي في "الميزان"(1/ 412)، فقال: جعفر بن عبد الواحد الهاشمي القاضي. قال الدارقطني: يضع الحديث. وقال أبو زرعة: روى أحاديث لا أصل لها. وقال ابن عدي: يسرق الحديث ويأتي بالمناكير عن الثقات، فما روى عن محمد بن أحمد بن أبي مالك المزني، عن الحسن بن أبي جعفر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مرفوعًا: ما اصطحب اثنان على خير ولا شر إلا حشرا عليه، وتلا:{وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ} وهذا باطل. ثم ساق له ابن عدي أحاديث وقال: كلها بواطيل، وبعضها سرقه من قوم، وكان عليه يمين ألا يحدث ولا يقول حدثنا، وكان يقول: قال لنا فلان.

أخبرنا عمر بن عبد المنعم، أنبأنا أبو القاسم بن الحرستاني قراءة عليه وأنا في الرابعة، أنبأنا علي بن مسلم، حدثنا ابن طلاب، أنبأنا ابن جميع الغساني، حدثنا عمر بن موسى بن هارون بالمصيصة، حدثنا جعفر بن عبد الواحد، قال: قال لنا صفوان بن هبيرة ومحمد بن بكر البرساني، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس: ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورًا مختونًا. وهذا آفته جعفر. اهـ

وانظر بقية ترجمته في "الميزان"، وانظر أيضًا ترجمته في "لسان الميزان"(2/ 321 - 322).

(3)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 231).

ص: 312

ابن سليم، فجعل سنيد يقول لحجاج: قل يا أبا محمد: ابن جريج عن الزهري، وابن جريج عن يحيى بن سعيد، وابن جريج عن صفوان بن سليم، فكان يقول له هكذا، ولم يحمده أبي فيما رآه يصنع بحجاج، وذمه على ذلك.

قال أبي: وبعض هذه الأحاديث التى كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة كان ابن جريج لا يبالي من أين يأخذه - يعني قوله: أخبرت وحدثت عن فلان

(1)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرني بشري بن عبد الله الرومي، حدثنا أحمد بن جعفر بن حمدان، حدثنا محمد بن جعفر الراشدي، وأخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكي، أخبرنا محمد بن عبد الله بن خلف الدقاق، حدثنا عمر بن محمد الجوهري قالا: حدثنا أبو بكر الأثرم قال: قال لي أبو عبد الله: إذا قال ابن جريج: قال فلان وقال فلان وأخبرت جاء بمناكير، فإذا قال أخبرني وسمعت فحسبك به.

أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، حدثنا أحمد بن محمد بن عمران، حدثنا محمد بن نوح الجنديسابوري، حدثنا محمد بن الفضل العتابي قال: كنت عند أبي عبد الله أحمد بن حنبل - وذكر ابن جريج فقال: إذا قال أخبرني وسمعت فحسبك به

(2)

.

قال المزي: قال أبو الحسن الميموني عن أحمد بن حنبل: إذا قال ابن جريج: قال فاحذروه، وإذا قال: سمعت أو سألت جاء بشيء ليس في النفس منه شيء

(3)

.

قال عثمان الدارمي: سمعت أحمد بن صالح يقول: ابن جريج إذا أخبر الخبر فهو جيد، وإذا لم يخبر فلا يعبأ به

(4)

.

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 551).

(2)

"تاريخ بغداد"(10/ 405).

(3)

"تهذيب الكمال"(18/ 348).

(4)

"تاريخ عثمان الدارمي"(صـ 43).

ص: 313

قال الحاكم: سُئل الدارقطني عن تدليس ابن جريج، فقال: يتجنب تدليسه، فإنه وحش التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح، مثل إبراهيم بن أبي يحيى، وموسى بن عبيدة، وغيرهما

(1)

.

قال ابن حبان: عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج كان يدلس

(2)

.

قال الخليلي: وابن جريج يدلس في أحاديث، ولا يخفى ذلك على الحفاظ

(3)

.

قال ابن محرز: حدثنا خالد بن خداش، قال: حدثنا يزيد بن زريع، قال: رأيت ابن جريج جاء إلى أبان بن أبي عياش بكراسة مطبقة فقال له: أروي هذا عنك؟ فقال: نعم

(4)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا سليمان بن حرب، قال: حدثني من رأى ابن جريج جاء إلى أبان بن أبي عياش بكتاب فقال: هذا حديثك فأجزه لي، قال: نعم

(5)

.

قال حرب بن إسماعيل الكرماني: حدثنا أبو جعفر الدارمي

(6)

، قال: قال أبو داود

(7)

: قال همام: حديث أبان بن أبي عياش حديث عطاء عن السائب، عن عبد الله بن عبيد، عن أبيه، قال: قلت لابن عمر: إنك لتزاحم على الركنين؟ قال: فحدث به أبان ابن جريج، فرواه ابن جريج عن عبد الله بن عبيد نفسه، وألقى همام وأبان.

(1)

"سؤالات الحاكم" للدارقطني (صـ 174).

(2)

"الثقات"(7/ 93).

(3)

"الإرشاد في معرفة علماء الحديث"(1/ 352).

(4)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره" (2/ 71).

(5)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 825).

(6)

أبو جعفر الدارمي هو أحمد بن سعيد بن صخر، ثقة حافظ كما في "التقريب".

(7)

هو سليمان بن داود الطيالسي.

ص: 314

قال همام: فسألته عن ذلك، فقال: هذا أتانا من قبلكم، جاءنا به أبان من عندكم

(1)

.

قال الحاكم: أخبرني محمد بن صالح الهاشمي قاضى القضاة، قال: ثنا أبو جعفر المستعيني قال: حدثنا عبد الله بن علي المديني، قال: حدثني أبي قال: كل ما في كتب ابن جريج أخبرت عن داود بن حصين، وأخبرت عن صالح مولى التوأمة، فهو من كتب إبراهيم بن أبي يحيى

(2)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرني على بن محمد بن الحسن الحربي، قال: أنا عبد الله بن عثمان الصفار، قال: أنا محمد بن عمران بن موسى الصيرفي، قال: ثنا عبد الله بن علي المديني، قال: سألت أبي عن حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عرضت علي أجور أمتى حتي القذاة يخرجها الرجل من المسجد".

قال: ابن جريج لم يسمع من المطلب بن عبد الله بن حنطب، كان يأخذ أحاديثه عن ابن أبي يحيى عنه

(3)

.

قال ابن حبان: ياسين بن معاذ الزيات، كنيته أبو خلف، من أهل الكوفة، انتقل إلى اليمامة وأقام بها، ثم سكن الحجاز، يروي عن أبي الزبير والزهري، روى عنه عبد الرزاق، وكان ممن يروي الموضوعات عن الثقات، وينفرد بالمعضلات عن الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به بحال، وكل ما وقع في نسخة ابن جريج عن أبي الزبير من المناكير كان ذلك مما سمعه ابن جريج عن ياسين الزيات عن أبي الزبير، فدلس عنه

(4)

.

(1)

"مسائل حرب بن إسماعيل الكرماني لأحمد وإسحاق بن راهويه"(صـ 485).

(2)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 107).

(3)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 511).

(4)

"المجروحين"(3/ 142).

ص: 315

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج قال: أحسن ما سمعت في بيض النعامة حديث أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم أو إطعام مسكين".

قال أبي: هذا حديث ليس بصحيح عندي، ولم يسمع ابن جريج من أبي الزناد شيئًا، يشبه أن يكون ابن جريج أخذه من إبراهيم بن أبي يحيى

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: نا محمد بن إبراهيم، نا عمرو بن علي، قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: أحاديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة كلها صحاح -وجعل يحدثني بها- ويقول: ثنا ابن جريج، قال: حدثني ابن أبي مليكة، فقال في واحد منها: عن ابن أبي مليكة، فقلت: قل حدثني، قال: كلها صحاح

(2)

.

قال ابن أبي خيثمة: زعم علي أنه سأل يحيى بن سعيد عن حديث ابن جريج عن عطاء الخراساني قال: ضعيف. قلت ليحيي: إنه يقول أخبرني، قال: لا شيء كله ضعيف، إنما هو كتاب دفعه إليه

(3)

.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبد الرزاق وأبو قرة موسى بن طارق عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري عن عروة عن بسرة وزيد ابن خالد عن النبي صلى الله عليه وسلم في مس الذكر.

قال أبي: أخشى أن يكون ابن جريج أخذ هذا الحديث من إبراهيم بن أبي يحيى لأن أبا جعفر حدثنا قال: سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: جاءني ابن جريج بكتب مثل هذا، خفض يده اليسرى ورفع يده اليمنى مقدار بضعة عشر جزءًا -

(1)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 270).

(2)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 241).

(3)

"أخبار المكيين من التاريخ الكبير" لا بن أبي خيثمة (صـ 366)، و"علل الترمذي الصغير"(5/ 753) من "الجامع".

ص: 316

فقال: أروى هذا عنك؟ فقال: نعم

(1)

.

قال البرذعي: سمعت أحمد بن الفرات أبو مسعود يقول: رأيت عند عبد الرزاق عن ابن جريج عن صفوان بن سليم أحاديث حسانًا، فسألته عنها، فقال: أي شيء تصنع بها، هي من أحاديث إبراهيم بن أبي يحيى. فقال أبو مسعود: كان ابن جريج يدلسها عن إبراهيم بن أبي يحيى.

قال أبو مسعود: فتركتها ولم أكتبها

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن حديث رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن صفوان بن سليم عن أبي سعيد مولى ابن عمر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أفطر الحاجم" فقالا: أسقط من الإسناد ابن أبي يحيى بين ابن جريج وصفوان.

قال أبو زرعة: لم يسمع ابن جريج من صفوان شيئًا

(3)

.

قال ابن أبي حاتم: سُئل أبي عن حديث رواه سعيد بن المسيب عن نضرة بن أكثم: أنه تزوج بكرًا فإذا هي حبلى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لها الصداق بما استحللت من فرجها، والولد عبد لك، فإذا ولدت فارجمها، وقال بعضهم: وفرق بينهما.

فأجاب أبي فقال: هذا حديث مرسل ليس بمتصل، ورواه يحيى بن أبي كثير عن يزيد بن نعيم عن سعيد بن المسيب لا يجاوزه مرفوع، وما رواه ابن جريج عن صفوان بن سليم عن ابن المسيب عن نضرة بن أكثم ليس هو من حديث صفوان بن سليم، ويحتمل أن يكون من حديث ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى عن صفوان بن سليم، لأن ابن جريج يدلس عن ابن أبي يحيى عن صفوان بن سليم غير شيء، وهو لا يحتمل أن يكون منه

(4)

.

(1)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 32).

(2)

"سؤالات البرذعي" لأبي زرعة (2/ 743).

(3)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 248).

(4)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 418).

ص: 317

قال ابن أبي خيثمة: حدثنا إبراهيم بن عرعرة، قال: نا يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج قال: إذا قلت: قال عطاء فأنا سمعت منه، وإن لم أقل سمعت

(1)

.

قال ابن رجب: والحال الثاني أن يكون القائل قال فلان معروفًا بالتدليس، فحكم قوله "قال فلان" حكم قوله "عن فلان" كما سبق. وبعضهم كانت هذه عادته كابن جريج.

قال أحمد: كل شيء قال ابن جريج "قال عطاء" أو "عن عطاء" فإنه لم يسمعه من عطاء

(2)

.

وقال ابن رجب أيضًا: قال الجوزجاني: يروي عن ابن جريج عن عطاء غير حديث لم نجده عند الناس، أحاديث معضلة

(3)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، قال: ثنا بشر بن موسى: قال عبد الله بن الزبير الحميدي: وإن كان رجل معروف بصحبة رجل والسماع منه، مثل: ابن جريج عن عطاء، أو هشام ابن عروة عن أبيه، وعمرو بن دينار عن عبيد بن عمير، ومن كان مثل هؤلاء في ثقتهم ممن يكون الغالب عليه السماع ممن حدث عنه فأدرك عليه أنه أدخل بينه وبينه في حديث رجلًا غير مسمى أو أسقطه، ترك ذلك الحديث الذى أدرك عليه فيه أنه لم يسمعه ولم يضره ذلك في غيره حتى يدرك عليه فيه مثل ما أدرك عليه في هذا، فيكون مثل المقطوع

(4)

.

(1)

أخبار المكيين من التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (صى 356 - 369). وإبراهيم بن عرعرة هو إبراهيم بن محمد بن عرعرة وهو ثقة.

(2)

"شرح علل الترمذي"(2/ 600).

(3)

"شرح علل الترمذي"(2/ 683).

(4)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 532). وبشر بن موسى هو الأسدي، ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد"(7/ 86)، فقال: ثقة مأمون. ومحمد بن أحمد بن الحسن هو أبو علي المعروف بابن الصواف، له ترجمة في "تاريخ بغداد"(1/ 289) =

ص: 318

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: حديث "من مات مريضًا مات شهيدًا" كان ابن جريج يقول فيه: إبراهيم بن أبي عطاء، يكنى عن اسمه، وهو إبراهيم ابن أبي يحيى، وكان رافضيًا قدريًا

(1)

.

قال البخاري: قال يحيى بن سعيد: كنا نتهم إبراهيم بالكذب، وهو ابن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني، تركه ابن المبارك والناس.

وقال ابن جريج: أُخبرت عن إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء عن موسى بن وردان، يُقال: هو ابن أبي يحيى

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه ابن جريج، عن إبراهيم بن محمد بن أبي عطاء، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مات مريضًا مات شهيدًا ووقي فتنة القبر".

قال أبي: هذا خطأ، إنما هو "من مات مرابطًا"، غير أن ابن جريج هكذا رواه، وإبراهيم بن محمد هو عندي ابن أبي يحيى.

وسُئل أبو زرعة عن هذا الحديث، فقال: الصحيح: "من مات مرابطًا"

(3)

.

قال بدر الدين الزركشي: قال أبو داود: حدَّث ابن جريج عن إبراهيم بن أبي يحيى ومحمد بن سعيد، فقال: عن إبراهيم بن أبي عطاء، حكاه الآجري

(4)

.

= قال الخطيب: سمعت محمد بن أحمد بن أبي الفوارس يقول: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: ما رأت عيناي مثل أبي علي الصواف ورجل آخر بمصر لم يسمه أبو الفتح.

قال الخطيب: كان ثقة مأمونًا من أهل التحرز، ما رأيت مثله في التحرز.

(1)

"تاريخ الدوري"(3/ 156)، و"التاريخ الكبير" لابن أبي خيثمة (2/ 359).

(2)

"التاريخ الأوسط"(2/ 185).

(3)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 358).

(4)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 77).

ص: 319

قال ابن حبان: إبراهيم بن أبي يحيى روى عنه ابن جريج والشافعي، فأما ابن جريج فإنه يكنى عنه ويسميه إبراهيم بن محمد بن أبي عامر، وإبراهيم بن أبي عطاء، وإبراهيم بن محمد بن أبي عطاء، ولم يرو عنه إلا الشيء اليسير

(1)

.

قال البرقاني: سُئل الدارقطني عن حديث رُوي عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم" من مات مريضًا مات شهيدًا".

فقال: يرويه ابن جريج واختلف فيه، فرواه محمد بن ربيعة وحسن بن زياد اللؤلؤي عن ابن جريج، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة.

وكذلك قال سعيد بن سالم القداح وعبد المجيد بن أبي رواد.

وقال مخلد بن يزيد: عن ابن جريج، عن محمد بن أبي عاصم، عن موسى ابن وردان، وإنما هو إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى دلس ابن جريج عنه

(2)

.

قال الخليلي: وقد روى عن إبراهيم بن أبي يحيى: ابن جريج حديثًا مع جلالته، ودلس به، فقال: إبراهيم بن أبي عطاء، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من مات مريضًا مات شهيدًا" وهو متروك

(3)

.

ذكر العلائي عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج في المرتبة الثانية من المدلسين.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: فقيه الحجاز، مشهور بالعلم والتثبت، كثير الحديث، وصفه النسائي وغيره بالتدليس، وقال الدارقطني: شر التدليس تدليس ابن جريج، فإنه قبيح التدليس، لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح

(4)

.

(1)

"المجروحين"(1/ 107).

(2)

"علل الدارقطني"(8/ 318 - 320).

(3)

"الإرشاد"(1/ 308).

(4)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 141 - 142).

وقد تقدم وصف النسائي لابن جريج بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

ص: 320

‌101 - عبد الملك بن عمير

قال العلائي: عبد الملك في عمير مشهور بالتدليس، ذكره غير واحد

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين، وزاد ابن حجر: تابعي مشهور، من الثقات، مشهور بالتدليس، وصفه الدارقطني وابن حبان وغيرهما

(2)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(5/ 117): عبد الملك بن عمير القبطي القرشي كان مدلسًا. اهـ

وقد تقدم في ترجمة "إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى" أن الدارقطني له كتاب في المدلسين.

ولم أقف على عالم آخر وصف عبد الملك بالتدليس والله أعلم.

‌102 - عبد الوهاب بن عطاء الخفاف

قال أبو محمد عبد الله بن أحمد الخفاف: قيل لمحمد بن إسماعيل: عبد الوهاب بن عطاء، أي شيء حاله؟ قال: يكتب حديثه. قيل له: يحتج به؟ قال: أرجو، إلا أنه كان يدلس عن ثور وأقوام أحاديث مناكير

(3)

.

قال البرذعي: سمعت أبا زرعة ذكر عبد الوهاب الخفاف فقال: روى عن ثور بن ....

(4)

، روى عن ثور، عن مكحول، عن كريب، عن ابن عباس في فضل العباس، وهذان الحديثان ليسا من حديث ثور، وذكر ليحيى ابن معين هذان الحديثان، فقال: قال فيه حدثنا - كأنه كان لا يذكر الخبر

(5)

.

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 108).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 142).

(3)

"التاريخ الأوسط" للإمام البخاري (2/ 213).

(4)

(كذا في المطبوع).

(5)

"سؤالات البرذعي" لأبي زرعة الرازي (2/ 496).

ص: 321

قال ابن أبي حاتم: سُئل أبو زرعة عن عبد الوهاب الخفاف فقال: روى عن ثور بن يزيد حديثين ليسا من حديث ثور، وذكر ليحيى بن معين هذين الحديثين فقال: لم يذكر فيهما الخبر

(1)

.

قال أبو محمد بن أبي حاتم: قال أبو زرعة: روى عبد الوهاب الخفاف، عن ثور، عن خالد بن معدان: نهيق الحمار دعاء على الظلمة، وهو منكر.

وروى حديث كريب عن ابن عباس - حديث العباس، وهو منكر، ليسا من حديث ثور

(2)

.

قال الخطيب: أخبرنا البرقاني، قال: قال محمد بن العباس العصمي، حدثنا أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن محمود الحافظ، أخبرنا أبو علي صالح بن محمد بن عمرو الأسدي قال: أنكروا على الخفاف حديثًا رواه لثور بن يزيد، عن مكحول، عن كريب، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا في فضل العباس وما انكروا عليه غيره. فكان يحيى بن معين يقول: هذا موضوع، وعبد الوهاب لم يقل فيه حدثنا ثور، ولعله دلس فيه، وهو ثقة.

وقد أخبرنا بالحديث أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي، حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب الأصم، حدثنا يحيى بن جعفر بن أبي طالب، أخبرنا عبد الوهاب بن عطاء، عن ثور بن يزيد، عن مكحول، عن كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: إذا كانت غداة الإثنين فائتني أنت وولدك، قال: فغدا وغدونا معه، فألبسنا كسائه ثم قال:"اللهم اغفر للعباس وولده مغفرة ظاهرة وباطنة لا تغادر ذنبًا، اللهم اخلفه في ولده"

(3)

. ذكر العلائي عبد الوهاب بن عطاء الخفاف في المدلسين وقال: قال الخطيب: كان يدلس

(4)

.

(1)

"الجرح والتعديل"(6/ 72).

(2)

"علل ابن أبي حاتم"(2/ 232).

(3)

"تاريخ بغداد"(11/ 23).

(4)

"جامع التحصيل"(صـ 108).

ص: 322

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: صدوق معروف، من طبقة أبي أسامة، قال البخاري: كان يدلس عن ثور الحمصي وأقوام أحاديث مناكير

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عبد الوهاب بن عطاء الخفاف صدوق يهم ربما أخطأ، أنكروا عليه حديثًا في فضل العباس، يُقال: دلسه عن ثور.

‌103 - عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر

ذكر الحافظ ابن حجر عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر في الطبقة الخامسة من المدلسين وقال: قال الحاكم: كان يدلس عن شيوخ ما سمع منهم قط، وروى عن الحسن بن محمد بن عبد الله بن أبي يزيد أنه لم يسمع من أبيه شيئًا، وإنما أخذ الكتب

(2)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عبد الوهاب بن مجاهد بن جبر متروك وقد كذبه الثوري.

قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 70): نا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلى قال: نا أبي، قال: قال وكيع: كانوا يقولون إن عبد الوهاب ابن مجاهد لم يسمع من أبيه.

نا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلى، قال: قال أبي: عبد الوهاب بن مجاهد لم يسمع من أبيه، ليس بشيء ضعيف الحديث. اهـ

قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(صـ 109 - 110): الجنس السادس من التدليس: قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم، إنما

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 143).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 179 - 180).

ص: 323

قالوا قال فلان فحمل ذلك عنهم على السماع، وليس عندهم عنهم سماع عالٍ ولا نازلٍ.

أخبرني محمد بن صالح الهاشمي قاضي القضاة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن الحسين المستعيني، قال: حدثنا عبد الله بن علي بن المديني، قال: قال أبي: حدثني الحسن بن محمد بن عبد الله بن يزيد قال: كان الصباح إذا جاء عبد الوهاب بن مجاهد يقول: ترى هذا والله ما صدقه أبوه في شيء وما هو إلا أخذ الكتب.

قلت: عبد الوهاب بن مجاهد لم يسمع من أبيه، وذكره الحاكم في الجنس السادس من التدليس وهم:"قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم". فلا يصح وصف عبد الوهاب بالتدليس، إنما يصح وصفه بأنه أرسل عن أبيه ولم يسمع منه، ولا ينبغي التوقف في عنعنة عبد الوهاب بن مجاهد عن غير أبيه والله أعلم.

‌104 - عُبيدة بن الأسود بن سعيد الهمداني

ذكر الحافظ ابن حجر عُبيدة بن الأسود بن سعيد الهمداني في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: أشار ابن حبان في "الثقات" إلى أنه كان يدلس

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عُبيدة بن الأسود بن سعيد الهمداني الكوفي، صدوق ربما دلس.

قال ابن حبان في "الثقات"(8/ 437): عبيدة بن الأسود بن سعيد الهمداني، من أهل الكوفة، يروى عن القاسم بن سعيد، روى عنه يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي، يُعتبر حديثه إذا بين السماع في روايته وكان فوقه ودونه ثقات.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 143 - 144).

ص: 324

وقد انفرد ابن حبان بوصف عُبيدة بالتدليس.

ففي "تهذيب التهذيب": قال أبو حاتم: عبيدة بن الأسود ما بحديثه بأس". اهـ وقال البرذعي: قلت لأبي زرعة: عبيدة بن الأسود؟ قال: ثقة.

قلت: يروى تلك الأحاديث، وذكرت حديث مجاهد، عن ابن عمر وغيره، فقال: هذا عيسى فمن دونه. قلت: من يحيى بن عبد الرحمن الأرحبي؟ قال: لا يبعد. ("سؤالات البرذعي" لأبي زرعة الرازي (2/ 382)).

وقال الشيخ بشار عواد في تعليقه على "تهذيب الكمال"(19/ 272): قال الدارقطني: عبيدة بن الأسود يعتبر به. "سؤالات البرقاني" الترجمة (329).

‌105 - عثمان بن عاصم بن حصين أبو حصين الأسدي

قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب": عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي ثقة ثبت سني ربما دلس.

قلت: في "تهذيب التهذيب": ذكر ابن حبان عثمان بن عاصم بن حصين في الثقات في أتباع التابعين وقال: مات سنة 28، وقد قيل سنة 7. فروايته عن الصحابة عند ابن حبان مرسلة، وهو الذى يظهر لي. اهـ

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سُئل أبي عن حديث أبي حصين: دخلت مع عمي على ابن عباس، فقال: كذا قال أبو بكر بن عياش، يُرى أنه وهم، رواه غيره -أظنه الثوري- قال: عن سعيد بن جبير: دخلت مع عمي على ابن عباس. "العلل ومعرفة الرجال"(2/ 52).

وقال الدوري في "تاريخه"(3/ 576): سألت يحيى عن حديث رواه أبو بكر بن عياش عن أبي حصين قال: دخلت أنا وعمي على ابن عباس؟ فقال: ليس بمحفوظ، لم يلق ابن عباس، أو نحو هذا الكلام. اهـ

وأثبت البخاري وأبو حاتم سماعه من ابن عباس.

قال البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 240): عثمان بن عاصم أبو حصين الأسدي الكوفي سمع ابن عباس رضى الله عنهما وسعيد بن جبير وشريحًا والشعبي.

ص: 325

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 160): عثمان بن عاصم أبو حصين الأسدي سمع ابن عباس وابن الزبير، سمعت أبي يقول ذلك، اهـ

وقال مسلم بن الحجاج في "الكنى والأسماء"(1/ 274): أبو حصين عثمان بن عاصم الأسدي سمع ابن عباس والشعبي.

قلت: لم يصف أحدًا من المتقدمين عثمان بالتدليس، ولم ينقل الحافظ في كتابه "تهذيب التهذيب" أن أحدًا من العلماء وصف عثمان بالتدليس، وكتاب "تقريب التهذيب" هو ملخص لأقوال العلماء الواردة في كتاب "تهذيب التهذيب"، ولعل قول الحافظ:"ربما دلس" أي "ربما أرسل".

وانظر ترجمة أيوب بن أبي تميمة السختياني من هذا الكتاب.

‌106 - عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي

قال برهان الدين ابن العجمي: عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي المؤدب، قال ابن حبان: يدلس عن الثقات أشياء يرونها عن قوم ضعاف، ونوقش ابن حبان في ذلك، ذكر ذلك الذهبي في "ميزانه"

(1)

.

وذكر ابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: قال ابن حبان: روى عن أقوام ضعاف أشياء فدلسها عنهم

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني المعروف بالطرائفي، صدوق أكثر الرواية عن الضعفاء والمجاهيل فضعف بسبب ذلك حتى نسبه ابن نمير إلى الكذب، وقد وثقه ابن معين.

قال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 96): عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي القرشي كنيته أبو عبد الرحمن، من أهل حران، وكان معلمًا، يروي

(1)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 247).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 180).

ص: 326

عن أقوام ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات حتى إذا سمعها المستمع لم يشك في وضعها، فلما كثر ذلك في أخباره ألزقت به تلك الموضوعات، وحمل عليه الناس في الجرح، فلا يجوز عندى الاحتجاج برواياته كلها على حالة من الأحوال لما غلب عليها من المناكير عن المشاهير والموضوعات عن الثقات.

وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 45): عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي المؤدب أحد علماء الحديث بحران. قال ابن معين: صدوق. وقال أبو عروبة: متعبد لا بأس به، يأتي عن قوم مجهولين بالمناكير. وقال ابن عدي: عنده عجائب عن المجاهيل، فهو في الجزريين كبقية في الشاميين. وقال ابن أبي حاتم: أنكر أبي على البخاري إدخاله عثمان في كتاب "الضعفاء" وقال: هو صدوق.

قلت: ما قال فيه البخاري أكثر من هذا، كان يحدث عن قومٍ ضعاف، وهذا حديثه عن علي بن عروة، عن المقبري، عن أبي هريرة -مرفوعًا: أربع من خصال آل قارون: لباس الخفاف المقلوبة- يعني البيض، ولباس الأرجوان، وجر نعال السيوف، وكان أحدهم لا ينظر إلى وجه خادمه تكبرًا.

قلت: شيخه متروك هالك، فعليه عهدة هذا الحديث.

وذكره العقيلي وابن عدي، وهو لا بأس به في نفسه.

وأما ابن حبان فإنه يقعقع كعادته، ثم ذكر الذهبي كلام ابن حبان السابق ثم قال: قلت: لم يرو ابن حبان في ترجمته شيئًا، ولو كان عنده له شيء موضوع لأسرع بإحضاره، وما علمت أن أحدًا قال في عثمان بن عبد الرحمن هذا: إنه يدلس عن الهلكى، إنما قالوا: يأتي عنهم بالمناكير، والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتام المعرفة تام الورع، وكذا أسرف فيه محمد بن عبد الله بن نمير، فقال: كذاب. اهـ

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قال ابن معين: ثقة. وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: صدوق، وأنكر على البخاري إدخاله في

ص: 327

الضعفاء، يشبه بقية في روايته عن الضعفاء. وقال أبو أحمد الحاكم: إنما لقب بالطرائفي لأنه كان يتتبع طرائف الحديث، يروي عن قوم ضعاف، حديثه ليس بالقائم. وقال ابن عدي: سمعت أبا عروبة ينسبه إلى الصدق، وقال: لا بأس به متعبد، ويحدث عن قوم مجهولين بالمناكير، وعنده عجائب، وهو في الجزريين كبقية في الشاميين. قال أبو أحمد: صوبه عثمان أنه لا بأس به، وتلك العجائب من جهة المجهولين، وما يقع في حديثه من الإنكار فإنما يقع من جهة من يروي عنه. وقال أبو عروبة: قال لي محمد بن يحيى: لين. وقال ابن أبي عاصم: صدوق اللسان. وقال الساجي: عنده مناكير. وقال الأزدي: متروك. ووثقه ابن شاهين". اهـ

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سُئل أبي عن عثمان بن عبد الرحمن، فقال: لم أسمع منه، وما أخبره. "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 51).

قلت: عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي صدوق، وإنما بلاؤه أنه يحدث عن ضعفاء ومجهولين، فيقع في حديثه المنكرات إذا حدث عنهم، أما إذا حدث عن الثقات فحديثه مستقيم، هذا هو حكم الأئمة المتقدمين عليه، ولم يوافق أحد منهم ابن حبان على وصفه بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين الذين يحدث عنهم.

فالذى يظهر لي أن عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي ليس بمدلس، فلا ينبغي التوقف في عنعنته:

‌107 - عثمان بن عمران الحنفي

ذكر الحافظ ابن حجر عثمان بن عمران الحنفي في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: روى عن ابن جريج، وعنه محمد بن حرب النسائي، قال ابن حبان في "الثقات": يعتبر حديثه إذا بين السماع

(1)

.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 144).

ص: 328

قال ابن حبان في "الثقات"(8/ 453): عثمان بن عمران الحنفي يروى عن ابن جريج، روى عنه محمد بن حرب النسائي، ربما أغرب، يعتبر حديثه إذا بين السماع في خبره.

وترجم له الذهبي في "الميزان"(3/ 149) ولم يذكر إلا قول ابن حبان فيه.

‌108 - عثمان بن عمير

قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب": عثمان بن عمير ضعيف واختلط وكان يدلس ويغلو ويتشيع.

قلت: لم أجد أحدًا من الأئمة المتقدمين وصف عثمان بالتدليس، ولم ينقل الحافظ في كتابه "تهذيب التهذيب" أن أحدًا من العلماء وصف عثمان بالتدليس وكتاب "تقريب التهذيب" هو ملخص لأقوال العلماء الواردة في كتاب "تهذيب التهذيب". ولعل الحافظ يعني بقوله "كان يدلس" أي كان يرسل. ففى "تهذيب التهذيب": قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عثمان بن عمير، فقال: ضعيف الحديث منكر الحديث، كان شعبة لا يرضاه، وذكر أنه حضره فروى عن شيخ، فقال له شعبة: كم سنك؟ فقال: كذا، فإذا قد مات الشيخ وهو ابن سنتين.

وقال البخاري: منكر الحديث، ولم يسمع من أنس".

وانظر ترجمة أيوب بن أبي تميمة السختياني من هذا الكتاب.

‌109 - عطاء بن أبي مسلم الخراساني

قال الذهبي: عطاء الخرساني وثقه ابن معين، وقال الدارقطني: هو ثقة في نفسه، لكن لم يلق ابن عباس، يعني أنه يدلس

(1)

.

قلت: قول الذهبي: "يعني أنه يدلس" أي يرسل، وقد تقدم في ترجمة أبي قلابة عبد الله بن زيد الجرمي أن الذهبي كان يطلق التدليس كثيرًا على الإرسال.

(1)

"سير أعلام النبلاء"(6/ 140 - 141).

ص: 329

قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب": عطاء بن أبي مسلم الخراساني صدوق يهم كثيرًا، ويرسل ويدلس.

قلت: لم أر أحدًا من المتقدمين وصف عطاء الخراساني بالتدليس، إنما وصفوه بأنه يرسل عن الصحابة، ولعل الحافظ يعني بقوله "يدلس" أى يرسل.

قال ابن محرز: قيل لابن معين: عطاء الخراساني حدث عن أبي هريرة وابن عباس؟ فقال: مرسل، قيل له: لقي أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما سمعت.

وقال أحمد: لم يسمع من ابن عباس شيئًا، وقد رأى عطاء ابن عمر، ولم يسمع منه شيئًا.

وقال أبو زرعة: لم يسمع من أنس.

وقال أبو حاتم: لم يسمع من ابن عمر.

وقال أبو داود: لم يدرك المغيرة بن شعبة، ولم يدرك ابن عباس ولم يره.

وقال ابن حبان: لم ير أحدًا من الصحابة، روايته عنهم كلها مدلسة.

وقال الدارقطني: لم يلق ابن عباس.

وقال الطبراني: لم يسمع من أحد من الصحابة إلا أنس.

("سؤالات ابن محرز "لابن معين" (1/ 129)، و "سؤالات ابن طهمان "لابن معين" (صـ 85)، و"مراسيل ابن أبي حاتم" (575 - 579)، و "سنن أبي داود" (1/ 290) (ح 616)، و"مراسيل أبي داود السجستاني" (صـ 257) (ح 349)، و"ثقات ابن حبان" (8/ 308)، و"تهذيب التهذيب" (ترجمة عطاء الخراساني)).

وانظر ترجمة أيوب بن أبي تميمة السختياني من هذا الكتاب.

‌110 - عطية بن سعد العوفي

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي ذكر عطية العوفي فقال: هو ضعيف الحديث.

ص: 330

قال أبي: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي فيأخذ عنه التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يضعف تفسير عطية

(1)

.

قال الخطيب البغدادي: وأما الضرب الثاني من التدليس فهو أن يروي المحدث عن شيخ سمع منه حديثًا فغير اسمه أو كنيته أو نسبه أو حاله المشهور من أمره لئلا يعرف، والعلة في فعله ذلك كون شيخه غير ثقة في اعتقاده، أو في أمانته، أو يكون متأخر الوفاة قد شارك الراوي عنه جماعة دونه في السماع منه، أو يكون أصغر من الراوي عنه سنًا، أو تكون أحاديثه التى عنده عنه كثيرة، فلا يحب تكرار الرواية عنه فيغير حاله لبعض هذه الأمور، وأنا أسوق من أخبار من كان يفعل ذلك بعض ما تيسر إن شاء الله تعالى.

ثم ذكر الخطيب قول أحمد السابق، ثم قال: قلت: الكلبي يكنى أبا النضر، وإنما غير عطية كنيته ليوهم الناس أنه يروي عن أبي سعيد الخدري التفسير الذى كان يأخذه عنه

(2)

.

قال المزي: قال مسلم بن الحجاج: قال أحمد وذكر عطية العوفي، فقال: هو ضعيف الحديث، ثم قال: بلغني أن عطية كان يأتي الكلبي ويسأله عن التفسير، وكان يكنيه بأبي سعيد، فيقول: قال أبو سعيد، وكان هشيم يضعف حديث عطية

(3)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: سمعت سفيان يقول: سمعت الكلبي يقول: كناني عطية أبا سعيد

(4)

.

قال ابن حبان: عطية بن سعيد العوفي يروي عن أبي سعيد الخدري، روى عنه

(1)

"العلل ومعرفة الرجال"(1/ 548 - 549).

(2)

"الكفاية"(صـ 520 - 521).

(3)

"تهذيب الكمال"(20/ 147).

(4)

"العلل ومعرفة الرجال"(3/ 118).

ص: 331

فراس بن يحيى وفضيل بن مرزوق، سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات أبو سعيد جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، فإذا قال الكلبي: قال رسول الله بكذا فيحفظه، وكناه أبا سعيد، ويروي عنه فإذا قيل له: من حدثك بهذا؟ فيقول: حدثني أبو سعيد، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري وإنما أراد به الكلبي، فلا يحل الاحتجاج به ولا كتابة حديثه إلا على جهة التعجب.

سمعت مكحولًا يقول: سمعت جعفر بن أبان يقول: ابن نمير يقول: قال لي أبو خالد الأحمر: قال لي الكلبي: قال لي عطية: كنيتك بأبي سعيد، قال: فأنا أقول: حدثنا أبو سعيد

(1)

.

ذكر ابن رجب الحنبلي قول أحمد السابق، ثم قال: إن صحت هذه الحكاية عن عطية فإنما تقتضي التوقف فيما يحكيه عن أبي سعيد من التفسير خاصة، فأما الأحاديث المرفوعة التى يرويها عن أبي سعيد فإنما يريد أبا سعيد الخدري، ويصرح في بعضها بنسبه

(2)

.

ذكر الحافظ ابن حجر عطية بن سعد العوفي في المرتبة الرابعة من المدلسين وقال: تابعي معروف، ضعيف الحفظ، مشهور بالتدليس القبيح

(3)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عطية بن سعد العوفي صدوق يخطئ كثيرًا، وكان شيعيًا مدلسًا.

قلت: مما تقدم يتبين أن التدليس الموصوف به عطية العوفي خاص بروايته عن أبي سعيد، فلا ينبغي إعلال روايته عن غير أبي سعيد بالتدليس.

‌111 - عقبة بن عبد الله الأصم

قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب": عقبة بن عبد الله الأصم

(1)

"المجروحين"(2/ 176).

(2)

"شرح علل الترمذي"(2/ 823).

(3)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 166 - 167).

ص: 332

الرفاعي ضعيف، وربما دلس.

قال الدوري في "تاريخه"(4/ 410) عن ابن معين: عقبة الأصم ليس بثقة، قال أبو سلمة التبوذكي: أخبرني الحسين بن عدي قال: نظرنا في كتاب عقبة الأصم، فإذا أحاديثه هذه التى يحدث بها عن عطاء إنما هى في كتابه عن قيس بن سعد عن عطاء. اهـ

وقال ابن محرز: سمعت يحيى يقول: أخبرني التبوذكي وذكر عقبة الأصم فقال: حدثني حسين بن عدي أنه اطلع في كتابه الذى كان يحدث به عن عطاء فإذا فيه حدثنا قيس بن سعد وإذا هو عن قيس عن عطاء.

حدثنا ابن درستويه، قال: حدثنا أبو العباس، قال: حدثنا على بن نصر بن علي، عن التبوذكي قال: حدثني رجل من أصحاب الحديث قال: كنا عند عقبة الأصم فأخرج إلينا كتابًا، فجعل يحدثنا منه عن عطاء، فنظرت فيه فإذا فيه: حدثني عمر بن عبد الواحد عن عطاء. "سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (1/ 64).

قلت: وقد ذكر الحافظ حكاية الدوري في "التهذيب"، ولعله اعتمد عليها في وصف عقبة الأصم بأنه ربما دلس.

وفى "تهذيب التهذيب": "قال الدوري عن ابن معين: عقبة بن عبد الله الأصم ليس بثقة. وفى رواية: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: لين الحديث، ليس بالقوي، وأبو هلال أحب إلينا منه، وحكى عن محمد بن عوف عن أحمد أنه وثقه. وقال عمرو بن علي: كان ضعيفًا واهي الحديث، ليس بالحافظ، ما سمعت أحدًا يحدث عنه إلا أبا قتيبة، سمعته مرة يقول: ثنا. عقبة الرفاعي. وقال أبو داود: ضعيف. وقال النسائي: ليس بثقة. وقال ابن عدي: بعض أحاديثه مستقيمة، وبعضها لا يتابع عليه. وفرق البخاري بين عقبة بن عبد الله الأصم وبين عقبة الرفاعي، وجمعهما ابن عدي وغيره وهو الصواب".

قلت: وممن فرق بينهما ابن حبان، فذكر الرفاعي في الثقات، وذكر الأصم

ص: 333

في الضعفاء، وزاد: يتفرد عن المشاهير بالمناكير حتى يشهد لها بالوضع. وهذا من سوء تصرف ابن حبان، فقد روى أبو يعلى وعبد الله بن أحمد جميعًا عن شيبان بن فروخ، عن عقبة بن عبد الله حديثه عن الجعد أبي عثمان، عن أنس في الدعاء بعد صلاة الصبح، فقال عبد الله في روايته "الرفاعي"، وقال أبو يعلي في روايته "الأصم". وقال العقيلي: عقبة بن عبد الله العبدي، عن قتادة، عن أنس: "السلطان ظل الله

" الحديث، حديثه غير محفوظ ولا يعرف إلا به. وقال أبو بكر البزار: عقبة وطلحة بن عمرو غير حافظين، وإن كان روى عنهما جماعة فليسا بالقويين. وقال الساجي: ليس هو ممن يحتج بحديثه، وفيه ضعف. وقال ابن شاهين في الثقات: قال أحمد بن صالح المصري: ثقة". اهـ

وقال ابن المديني ويعقوب بن سفيان: عقبة بن الأصم ضعيف. ("سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة" لابن المديني (صـ 169)، و"المعرفة والتاريخ"(2/ 122)، (3/ 61)).

قلت: مما تقدم يتبين أن قول الحافظ: "عقبة الأصم ربما دلس" خاص برواية عقبة عن عطاء بن أبي رباح، وعقبة لم يسمع من عطاء، فالتدليس هنا بمعنى الإرسال الخفي، فلا ينبغي التوقف في عنعنة عقبة إلا عن عطاء بن أبي رباح.

وانظر ترجمة أيوب بن أبي تميمة السختياني من هذا الكتاب.

‌112 - عكرمة بن خالد

قال العلائي: عكرمة بن خالد ذكره شيخنا الذهبي في أرجوزة سمى فيها غالب المدلسين

(1)

.

قال ابن حجر: عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص بن هشام المخزومي، تابعي مشهور، وصفه بذلك الذهبي في "أرجوزته"، والعلائي في "المراسيل".

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 108). وانظر أرجوزة الذهبي في آخر هذا الكتاب.

ص: 334

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من "المدلسين"

(1)

.

قال الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني: عكرمة بن خالد بن سلمة بن العاص ابن هشام المخزومي، قال الحافظ: ضعيف.

ووصفه الذهبي بالتدليس في أرجوزته، حيث قال:

ثم أبو سعد هو البقال

عكرمة الصغير يا هلال

وتابعه العلائي فقال: عكرمة بن خالد ذكره شيخنا الذهبي في أرجوزة سمى فيها غالب المدلسين.

ثم الحلبي، حيث نقل كلام العلائي المتقدم، ولم ينسب عكرمة المذكور إلى جده.

أما الحافظ ابن حجر في "تعريف أهل التقديس" فقال: عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص بن هشام المخزومي تابعي مشهور، وصفه بذلك الذهبي في أرجوزته، والعلائي في "المراسيل".

وقد ذكر في "التقريب" ترجمتين؛ الأولى: لـ عكرمة بن خالد بن العاص بن هشام المخزومي، ثقة. من الثالثة، مات بعد عطاء، خ. م. د. ت. س. ثم ذكر بعده مباشرة: عكرمة بن خالد بن سلمة بن العاص المخزومي، ضعيف، وهو أصغر من الذى قبله، تمييز، وإن الصغير منهما هو الضعيف، وهو الذى وصفه الذهبي بالتدليس، وليس من التابعين المشهورين، والثقة هو الكبير، وهو التابعي المشهور، حيث روى عن أبيه، وعن أبي هريرة، وابن عباس، وابن عمر، وغيرهم.

وكذا فرق بينهما الذهبي في "الميزان"، حيث ضعف عكرمة بن خالد بن سلمة المخزومي، ووثق عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص المخزومي، وقبلهما فرق البخاري وابن أبي حاتم، وجعلهما واحدًا الساجي، وابن حزم متابعًا له.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 123).

ص: 335

وأظن أن الحافظ ابن حجر قد وهم في ذلك، ولعله لم يطلع على قصيدة الذهبي في المدلسين حال كتابة ترجمته، وإنما اكتفى بما نقله العلائي عنها، وحيث إن العلائي لم يذكر من نسب عكرمة إلى اسمه واسم أبيه، ظنه الحافظ ابن حجر عكرمة بن خالد بن سعيد بن العاص التابعي المشهور الثقة، ولذا جعله في المرتبة الثانية من مراتب المدلسين، وإلا فلو علم أنه ذلك الآخر الضعيف الذى قال عنه البخاري وأبو حاتم: منكر الحديث، وضعفه النسائي، لجعله في المرتبة الخامسة، وهو بها أليق، والله أعلم.

أما تدليسه فقد قال الحافظ في "التهذيب": قال البخاري في "تاريخه": قال إسحاق بن أبي إسرائيل: عن عكرمة بن خالد، سمعت أبي، سمعت ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تضربوا الرقيق.

قال عكرمة: لم أسمع من أبي غيره، كنت أصغر من ذاك.

قال البخاري: ولم يثبت سماع خالد عن ابن عمر.

وروى له العقيلي هذا الحديث، وابن عدي، وقال عقبة: وهذا الحديث لا يرويه غير عكرمة، والبخاري حيث قال: منكر الحديث، اعتبر بهذه الرواية، لأنه لم يروه غير عكرمة هذا، وهذا الحديث معروف بعكرمة، ولا أعلم أنه روى غير هذا الحديث إلا شيئًا يسيرًا.

قلت: لعله وصف بالتدليس، لأنه قال: لم يسمع من أبيه غير ذلك الحديث، وله حديث غيره -يسير- لعله عن أبيه. وهذه صورة التدليس، لكني لا أجزم أن بقية حديثه عن أبيه، فلعله عن غيره، ولضعفه فإني أراه من أهل المرتبة الخامسة والله أعلم

(1)

.

‌113 - عكرمة بن عمار

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن عكرمة بن عمار فقال: كان صدوقًا، وربما

(1)

"التدليس في الحديث"(صـ 433 - 435).

ص: 336

وهم في حديثه، وربما دلس في حديثه، وفى حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد بن حنبل، نا علي -يعني ابن المديني- قال: سمعت عبد الرحمن -يعني ابن مهدي- قال: كنت مع سفيان عند عكرمة فجعل يوقفه على كل حديث على السماع

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: نا أبي، نا أبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي قال: قال لي سفيان الثوري بمنى: مر بنا إلى عكرمة بن عمار اليماني، فجعل يملي على سفيان، ويوقفه عند كل حديث، قل: حدثني، سمعت

(3)

.

قلت: في هذين النصين دليل على أن ما حمله سفيان عن عكرمة محمول على الاتصال، وأن سفيان لم يكن يحمل عن عكرمة ما دلسه، بل كل أحاديث سفيان عن عكرمة سمعها عكرمة من شيوخه ولم يدلسها.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: من صغار التابعين، وصفه أحمد والدارقطني بالتدليس

(4)

.

قلت: لم أقف على وصف أحمد له بالتدليس، وقد تقدم في ترجمة "إبراهيم ابن محمد بن أبي يحيى" أن الدارقطني له كتاب في المدلسين.

‌114 - علي بن عمر بن مهدي الدارقطني

قسم العلائي المدلسين إلى خمس طبقات، وتكلم عن كل طبقة منهم ثم قال: وهذا كله في تدليس الراوي مالم يتحمله أصلًا بطريق ما، فأما تدليس الإجازة

(1)

"الجرح والتعديل"(7/ 11).

(2)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 68).

(3)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 117). وأبو قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي.

(4)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 42).

ص: 337

والمناولة والوجادة بإطلاق أخبرنا فلم يعده أئمة الفن في هذا الباب، كما قيل في رواية أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب، ورواية مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه، وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري، وشبه ذلك، بل هو إما محكوم عليه بالانقطاع أو يُعد متصلًا.

ومن هذا القبيل ما ذكره محمد بن طاهر المقدسي عن الحافظ أبي الحسن الدارقطني أنه كان يقول فيما لم يسمع من البغوي: قرئ علي أبي القاسم البغوي: حدثكم فلان، ويسوق السند إلى آخره، بخلاف ما هو سماعه فإنه يقول فيه قُرئ على أبي القاسم وأنا أسمع، أو أخبرنا أبو القاسم البغوي قراءة ونحو ذلك، فأما أن يكون له من البغوي إجازة شاملة بمروياته كلها فيكون ذلك متصلًا له أو لا يكون كذلك، فيكون وجادة، وهو قد تحقق صحة ذلك. على أن التدليس في المتأخرين بعد سنة ثلاثمائة يقل جدًا. قال الحاكم: لا أعرف في المتأخرين من يُذكر به إلا أبا بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي والله أعلم

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: الحافظ المشهور، قال أبو الفضل بن طاهر: كان له مذهب خفي في التدليس، يقول: قُرئ على أبي القاسم البغوي حدثكم فلان، فيوهم أنه سمع منه، لكن لا يقول: وأنا أسمع

(2)

.

‌115 - علي بن غالب البصري

ذكر الحافظ ابن حجر علي بن غالب البصري في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: روى عن واهب بن عبد الله، وعنه يحيى بن أيوب، ضعفه أحمد وغيره، وقال ابن حبان: كان كثير التدليس

(3)

.

(1)

"جامع التحصيل" صـ 114.

(2)

"تعريف أهل التقديس"(ص 88).

(3)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 180 - 181).

ص: 338

قال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 111): علي بن غالب الفهري القرشي يروي عن واهب بن عبد الله، روى عنه يحيى بن أيوب، كان كثير التدليس فيما يحدث حتى وقع المناكير في روايته وبطل الاحتجاج بها، لأنه لا يدري سماعه لما يروي عمن يروى في كل ما يروي، ومن كان هذا نعته كان ساقط الاحتجاج بما يروي لما عليه الغالب من التدليس.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 292): علي بن غالب الفهري القرشي، قال سعيد بن عفير، حدثنا يحيى بن أيوب، عن علي بن غالب الفهري عن واهب بن عبد الله المعافري، عن عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما قال: الأرواح تعرج في منامها إلى السماء فتؤمر بالسجود عند العرش، فمن كان طاهرًا سجد عند العرش، ومن ليس بطاهر سجد بعيدًا من العرش.

عن واهب، روى عنه يحيى بن أبي أيوب، ولا أراه إلا صدوقًا، ويقال المحاربي، ولا أراه يصح.

وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 149): علي بن غالب الفهري بصري، توقف فيه أحمد.

‌116 - علي بن غراب المحاربي الكوفي القاضي

قال البخاري: علي بن غراب أبو الحسن الفزاري الكوفي عن الأحوص بن حكيم وثابت بن عمارة، قال أحمد: كان يدلس

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن علي بن غراب المحاربي، فقال: ليس لي به خبر، سمعت منه مجلسًا واحدًا، وكان يدلس، وما أراه إلا كان صدوقًا

(2)

.

(1)

"التاريخ الكبير"(6/ 291).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 297).

ص: 339

قال ابن أبي حاتم: نا علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت ابن نمير يقول: كان علي بن غراب يعرفونه بالسماع، وله أحاديث منكرة

(1)

.

قال ابن حجر: قال النسائي: علي بن غراب ليس به بأس، وكان يدلس

(2)

.

قال ابن القطان الفاسي: علي بن غراب مشهور بالتدليس وإن كان صدوقًا

(3)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: اختُلف فيه، ووثقه ابن معين، ووصفه الدارقطني وغيره بالتدليس

(4)

.

(5)

.

(1)

"الجرح والتعديل"(6/ 200).

(2)

"تهذيب التهذيب".

(3)

"بيان الوهم والإيهام"(3/ 117).

(4)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 145).

(5)

وفى "تهذيب التهذيب": "قال المروذي عن أحمد: كان حديثه حديث أهل الصدق. وقال مهنأ عن أحمد: كوفي ليس له حلاة. وقال عثمان الدارمي عن ابن معين: هو المسكين صدوق. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: لم يكن به بأس، ولكنه كان يتشيع. وقال مرة عنه: ثقة. وقال ابن أبي حاتم عن أبيه: لا بأس به. وقال أبو زرعة: ثنا إبراهيم بن موسى عنه، وقال ابن معين: صدوق. وقال أبو زرعة: علي بن غراب هو صدوق عندي، وأحب إلي من علي بن عاصم. وقال الآجري عن أبي داود: ضعيف ترك الناس حديثه، قال: وقال عيسى بن يونس: كنا نسميه المسودي. قال أبو داود: وهو ضعيف، وأنا لا أكتب حديثه. وقال الجوزجاني: ساقط. وقال الخطيب: أظنه طعن عليه لأجل مذهبه، فإنه كان يتشيع وأما روايته فقد وصفوه بالصدق. وقال الدارقطني: يعتبر به. ووقع في "العلل" للدارقطني بعد أن ذكر جماعة من جملتهم علي بن غراب. فوصفهم بأنهم ثقات حفاظ. وقال ابن حبان: حدث بالأشياء الموضوعة فبطل الاحتجاج به، وكان غاليًا في التشيع. وقال ابن عدي: له غرائب وأفراد، وهو ممن يكتب حديثه. وقال ابن سعد: كان صدوقًا، وفيه ضعف، وصحب يعقوب بن داود -يعني وزير المهدي- فتركه الناس. وقال الحسين بن إدريس: سألت محمد بن عبد الله بن عمار عن علي ابن غراب، فقال: كان صاحب حديث بصيرًا به. قلت: أليس هو ضعيفًا؟ =

ص: 340

‌117 - عمر بن عبيد الطنافسي

ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "النكت على كتاب ابن الصلاح" عمر بن عبيد الطنافسي في المرتبة الثانية من المدلسين المخرج لهم في الصحيح

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عمر بن عبيد بن أمية الطنافسي صدوق.

قال الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد حفظه الله: "وممن وصف بالتدليس ولم يصح عنه عمر بن عبيد الطنافسي. فقد ذكره ابن حجر في "النكت" (2/ 641) تحت ترجمة (من أكثروا من التدليس وعرفوا به) وفى "النكت" أيضًا (2/ 617): قال الحافظ ابن حجر: "وفاتهم أيضًا فرع آخر وهو تدليس القطع، مثاله ما رويناه في "الكامل" لأبي أحمد بن عدي وغيره عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول: ثنا ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها" اهـ.

قلت: إن هذا وهم، والموصوف بذلك هو عمر بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي، وأما عمر بن عبيد فلا أعلم أن أحدًا وصفه بالتدليس أصلًا غير الحافظ ابن حجر في "النكت"، ولذلك لا أعلم أن أحدًا ذكره في "طبقات المدلسين " حتى ابن حجر في "طبقاته" لم يذكره، فهذا يدل على وهمه عندما وصفه بالتدليس والله أعلم

(2)

.

= قال: إنه كان يتشيع، ولست أنا بتارك الرواية عن رجل صاحب حديث، إلا أن يكون كذابًا للتشيع أو القدر، ولست براوٍ عن رجل لا يبصر الحديث ولا يعقله، ولو كان أفضل من فتح - يعني الموصلي. وقال ابن قانع: كوفي شيعي ثقة. وقال ابن شاهين: قال عثمان بن أبي شيبة: ثقة. وذكر له العقيلي حديثه عن صالح بن حيان، عن أبي بريدة، عن أبيه في النهي أن يسمى كلبًا وكليبًا، فقال: لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به". اهـ.

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 641).

(2)

"منهج المتقدمين في التدليس" للشيخ ناصر بن حمد الفهد (صـ 18 - 19).

ص: 341

‌118 - عمر بن علي بن أحمد بن الليث البخاري الليثي

ذكر الحافظ ابن حجر عمر بن علي بن أحمد بن الليث البخاري الليثي أبو مسلم في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: الحافظ المشهور، كان واسع الرحلة، كثير التصانيف في المتأخرين، مات سنة ست وستين وأربعمائة، وقيل مات سنة ثمان وستين، وصفه يحيى بن منده بالتدليس

(1)

، وقال شيرويه: كان يحفظ ويدلس

(2)

.

قال ابن حجر في "لسان الميزان"(5/ 309): قال الشجاع الذهلي: عمر ابن علي بن أحمد بن الليث كان يحفظ ويفهم، وكان قريب الأمر في الرواية.

وقال خميس الجوزي عنه: كتبت من الحديث، وكُتب لي عشر رواحل. وقال ابن الخاصية: كان له أنس بالصحيح، وأثنى عليه. وقال الدقاق: كان أحفظ من رأيت للكتابين، جمع بينهما -يعني الصحيحين- يعني عمل عليهما مستخرجًا.

وقال يحيى بن منده: كان أحد من يدعى الحفظ والمعرفة إلا أنه كان يدلس، وكان متعصبًا لأهل البدع، صنف مسند الصحيحين. وتعقبه أبو سعد السمعاني بأن الليث كان يحط على أبي القاسم بن منده عم يحيى، وكان بينهما اختلاف في المعتقد. وقال شيرويه الديلمي: قدم علينا -يعني همدان- في سنة خمسين وستين وأربعمائة. اهـ.

قلت: ولم أقف على وصف شيرويه له بالتدليس.

(1)

قلت: وصف يحيى بن منده له بالتدليس ليس موجود في نسخة الدكتور أحمد بن علي سير المباركي من "تعريف أهل التقديس"، وهو في نسخة الدكتور عاصم القريوتي.

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 145 - 146).

ص: 342

‌119 - عمر بن علي المقدمي

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت يحيى بن معين وذكر عمر بن علي بن مقدم فقال: لم أكتب عنه شيئًا وأصله واسطى نزل البصرة وكان يدلس، وما كان به بأس، حسن الهيئة.

سمعت أبي ذكر عمر بن علي فأثنى عليه خيرًا وقال: كان يدلس.

وسمعت أبي يقول: حجاج سمعته يعنى حديثًا آخر.

قال أبي: كذا كان يدلس

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: نا عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل فيما كتب إلى قال: سمعت أبي وذكر عمر بن علي فأثنى عليه خيرًا وقال: كان يدلس، سمعته يقول: حجاج، وسمعته يعني حديثًا آخر، فقال أبي: كذا كان يدلس

(2)

.

قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: بلغني عن أحمد قال: ما أعياني أحد في التدليس ما أعياني عمر بن علي المقدمي، يقول لي: اكتب حدثنا، وكان عاقلًا

(3)

.

قال حرب بن إسماعيل الكرماني: سمعت أبا عبد الله قال: كان عمر بن علي المقدمي كثير التدليس، وكان عاقلًا حسن الهيئة.

قال: وكان حفص يدلس وهشيم وسفيان

(4)

.

قال ابن سعد: عمر بن علي المقدمي كان يدلس تدليسًا شديدًا، وكان يقول: سمعت وحدثنا، ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عروة، الأعمش، وقد حدث

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 14)، و"تاريخ الدوري"(4/ 202)، و"المدخل إلى الصحيح" للحاكم (4/ 198).

(2)

"الجرح والتعديل"(6/ 124 - 125).

(3)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (2/ 29).

(4)

مسائل حرب بن إسماعيل لأحمد وإسحاق بن راهويه ص 453.

ص: 343

عنه عفان بن مسلم وسليمان بن حرب وغيرهما.

أخبرنا عفان بن مسلم قال: كان عمر بن علي رجلًا صالحًا، ولم يكونوا ينقمون عليه شيئًا غير أنه كان مدلسًا، وأما غير ذلك فلا، ولم أكن أقبل منه حتى يقول: حدثنا

(1)

.

قال أبو حاتم: أما عمر بن علي فمحله الصدق، ولولا تدليسه لحكمنا إذ جاء بالزيادة غير أنا نخاف أن يكون أخذه عن غير ثقة

(2)

.

قال الترمذي: سألت محمدًا عن حديث ابن أبي ذئب، عن مخلد بن خفاف، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن الخراج بالضمان.

فقال: مخلد بن خفاف لا أعرف له غير هذا الحديث، وهذا حديث منكر.

قال: فقلت له: فحديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة؟ فقال: إنما رواه مسلم بن خالد الزنجي، ومسلم ذاهب الحديث.

فقلت له: قد رواه عمر بن علي عن هشام بن عروة؟ فلم يعرفه من حديث عمر بن علي.

قل: قلت له: ترى أن عمر بن علي دلس فيه؟ فقال محمد: لا أعرف أن عمر بن علي يدلس.

قلت له: رواه جرير عن هشام بن عروة؟ فقال: قال محمد بن حميد: إن جريرًا روى هذا في المناظرة، ولا يدرون له فيه سماعًا. وضعف محمد حديث هشام بن عروة في هذا الباب

(3)

.

قلت: هذا الحديث أخرجه أحمد (6/ 80، 116)، وأبو داود (3510)، وابن ماجه (2243) من طريق مسلم بن خالد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.

(1)

"الطبقات الكبرى"(7/ 213).

(2)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 166)، و"الجرح والتعديل"(6/ 125).

(3)

"علل الترمذي الكبير"(ح 337 - 338)(صـ 191 - 192).

ص: 344

قال أبو داود: إسناد ليس بذاك.

ورواه الترمذي (1286)، وابن عدي (5/ 45) من طريق عمر بن علي المقدمي، عن هشام بن عروة به.

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث هشام بن عروة.

وقال ابن عدي: وهذا يُعرف بمسلم بن خالد عن هشام بن عروة، وقد رواه بعض الضعفاء أيضًا عن هشام بن عروة.

قال الذهبي: عمر بن علي بن عطاء بن مقدم الإمام الحافظ المدلس. وثقه ابن سعد وغيره. قال ابن معين: ما به بأس. وقال أبو حاتم: لا يحتج به.

وقال محمد بن سعد: ثقة، كان يدلس تدليسًا شديدًا، يقول: سمعت وحدثنا ثم يسكت ساعة، ثم يقول: هشام بن عروة، سليمان الأعمش.

قلت: قد احتمل أهل الصحاح تدليسه، ورضوا به

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين وقال: من أتباع التابعين، ثقة مشهور، كان شديد الغلو في التدليس، وصفه بذلك أحمد وابن معين والدارقطني وغير واحد، وقال ابن سعد: ثقة وكان يدلس تدليسًا شديدًا، يقول: ثنا ثم يسكت، ثم يقول: هشام بن عروة أو الأعمش أو غيرهما.

قلت: وهذا ينبغي أن يُسمى: تدليس القطع

(2)

.

‌120 - عمرو بن حكام

ذكر الحافظ ابن حجر عمرو بن حكام في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: قال الحاكم: كان يدلس عمن لم يسمع منه. وقال ابن المديني: سمع من شبابة عن شعبة، فلما مات أخذ كتبه

(3)

.

(1)

"سير أعلام النبلاء"(8/ 513 - 514)، و"تذكرة الحفاظ"(1/ 292).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 167 - 168).

(3)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 181).

ص: 345

قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث"(صـ 109 - 110): الجنس السادس من التدليس: قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم، إنما قالوا قال فلان فحمل ذلك عنهم على السماع وليس عندهم عنهم سماع عالٍ ولا نازل.

أخبرني محمد بن صالح الهاشمي المستعيني، قال: حدثنا عبد الله بن علي بن المديني، قال أبي وسُئل عن عمرو بن حكام فقال: كان له قريب سمع من شعبة فلما مات أخذ كتبه، وقال: كان لا يعرف.

وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 254): عمرو بن حكام، عن شعبة، قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عنه، فقال: الزنجبيلي كان يروي عن شعبة نحو أربعة آلاف حديث ترك حديثه. وقال البخاري: عمرو بن حكام ليس بالقوي عندهم، ضعفه علي.

عمرو بن حكام، حدثنا شعبة، عن علي بن زيد، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد، قال: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا فكان فيها جرة زنجبيل فأطعم كل إنسان قطعة، وأطعمني قطعتين.

قلت: هذا منكر من وجوه:

أحدهما: أنه لا يعرف أن ملك الروم أهدى شيئًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

وثانيهما: أن هدية الزنجبيل من الروم إلى الحجاز شيء ينكره العقل، فهو نظير هدية التمر من الروم إلى المدينة النبوية، ورواه غير واحد عن عمرو بن حكام.

أسيد بن عاصم، حدثنا عمرو بن حكام، حدثنا شعبة، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر. والمعروف حديث غندر.

وعمرو بن حكام أيضًا، عن شعبة، عن حبيب بن الشهيد، عن ثابت، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على قبر.

قال ابن عدي: عامة ما يرويه عمرو بن حكام غير متابع عليه، إلا أنه مع ضعفه

ص: 346

يكتب حديثه. اهـ.

وقال البخاري في "التاريخ الأوسط"(2/ 237): ضعف على عمرو بن حكام أبا عثمان البصري صاحب شعبة. منكر الحديث.

وقال في "الضعفاء الصغير"(صـ 87): عمرو بن حكام عن شعبة ضعفه علي والناس.

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(3/ 267): حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: وحدثني بعض أصحابنا، عن علي بن المديني قال: وممن ترك حديثه عن شعبة عمرو بن حكام.

حدثني محمد بن زكريا البلخي، قال: حدثنا الحسن بن شجاع البلخي، قال: سمعت علي بن عبد الله المديني يقول: اتركوا حديث العمرين: عمرو بن حكام وعمرو بن مرزوق.

وأورد العقيلي لحديث عمرو بن حكام في الزنجبيل متابعًا، ثم بين علته، وذكرتها في ترجمة أحمد بن عمير. وقال البرقاني: عمرو بن حكام لا يدخل في الصحيح.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 228): حدثني أبي قال: قال علي بن المديني: عمرو بن حكام ذهب حديثه.

سألت أبي عن عمرو بن حكام فقال: خرج إلى خراسان ورجع فأخرج حديثًا كثيرًا عن شعبة، فلم ينكر عليه إلا حديث الزنجبيل أن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم الزنجبيل.

قال أبي: فلا أبعد فإن الحديث له أصل.

قلت: ما تقول فيه؟ قال: هو شيخ ليس بالقوي لين يكتب حديثه.

سألت أبا زرعة عن عمرو بن حكام فقال: قدم الري وكتب عنه أخى أبو بكر وليس بالقوي.

وقال مسلم بن الحجاج في "الكنى والأسماء"(1/ 552): أبو عثمان عمرو

ص: 347

ابن حكام البصري عن شعبة تُرك حديثه.

وقال الآجري: سألت أبا داود عن عمرو بن حكام، فقال: تركوا حديثه لحال حديث الزنجبيل. "سؤالات الآجري"(2/ 161).

وقال النسائي في "الضعفاء والمتروكين"(صـ 219): عمرو بن حكام متروك الحديث.

وقال ابن حبان في "المجروحين"(2/ 80): عمرو بن حكام من أهل البصرة أبو عثمان صاحب حديث الزنجبيل يروي عن شعبة، روى عنه العراقيون، كان ممن ينفرد عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، لا يحتج به إذا انفرد. روى عن شعبة عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لما قال فرعون: لا إله إلا الله جعل جبريل يحشو في فيه الطين والتراب".

وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(5/ 349): قال أبو أحمد الحاكم: عمرو بن حكام ليس بالقوي عندهم. وذكره الساجي والعقيلي وابن شاهين في الضعفاء.

‌121 - عمرو بن دينار المكي

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، قال: ثنا بشر بن موسى: قال عبد الله بن الزبير الحميدي: وإن كان رجل معروف بصحبة رجل والسماع منه، مثل: ابن جريج عن عطاء، أو هشام ابن عروة عن أبيه، وعمرو بن دينار عن عبيد بن عمير، ومن كان مثل هؤلاء في ثقتهم ممن يكون الغالب عليه السماع ممن حدث عنه فأدرك عليه أنه أدخل بينه وبينه في حديث رجلًا غير مسمى أو أسقطه، ترك ذلك الحديث الذى أدرك عليه فيه أنه لم يسمعه ولم يضره ذلك في غيره حتى يدرك عليه فيه مثل ما أدرك عليه في هذا، فيكون مثل المقطوع

(1)

.

(1)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 532). وبشر بن موسى هو الأسدي، ترجم له =

ص: 348

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: الثقة المشهور، التابعي، أشار الحاكم في علوم الحديث إلى أنه كان يدلس

(1)

.

وقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": قال الترمذي: قال البخاري: لم يسمع عمرو بن دينار من ابن عباس حديثه عن عمر في البكاء على الميت. قلت: ومقتضى ذلك أن يكون مدلسًا.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": عمرو بن دينار المكي ثقة ثبت.

قال المعلمي اليماني: عمرو بن دينار قد يرسل ما سمعه من ثقة متفق عليه كما أرسل عن جابر ما سمعه من محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عنه ومحمد إمام حجة.

وقد تتبعت ما قيل إن عمرًا أرسله مثل هذا الإرسال غير الحديث السابق فلم أجد إلا حديثًا واحدًا حاله كحال الحديث السابق، وذلك أن في "مسند أحمد"(ج 3 صـ 368) "ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن جابر

قلت لعمرو: أنت سمعته من جابر؟ قال: لا".

والحديث في "صحيح البخاري" من طريق ابن عيينة "قال عمرو: أخبرني عطاء أنه سمع جابرًا" فبين عمرو وجابر في هذا عطاء بن أبي رباح، وهو إمام حجة. ووجدت حديثين آخرين لم يتضح لي الإرسال فيهما، فإن صح فالواسطة في أحدهما عكرمة وطاوس أو أحدهما. وفى الثاني: ابن أبي مليكة وهؤلاء

= الخطيب في "تاريخ بغداد"(7/ 86)، فقال: ثقة مأمون. ومحمد بن أحمد ابن الحسن هو أبو علي المعروف بابن الصواف، له ترجمة في "تاريخ بغداد"(1/ 289)، قال الخطيب: سمعت محمد بن أحمد بن أبي الفوارس يقول: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: ما رأت عيناي مثل أبي علي الصواف ورجل آخر بمصر لم يسمه أبو الفتح.

قال الخطيب: كان ثقة مأمونًا من أهل التحرز، ما رأيت مثله في التحرز.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 88 - 89).

ص: 349

كلهم ثقات أثبات، فإن ساغ أن يقال في حديث رواه عمرو عن ابن عباس. لعله لم يسمعه منه، فإنما يسوغ أن يفرض أن عمرًا سمعه من ثقة حجة عن ابن عباس.

وفي ترجمة عمرو من "تهذيب التهذيب": قال الترمذي: قال البخاري: لم يسمع عمرو بن دينار من ابن عباس حديثه عن عمر في البكاء على الميت.

قال ابن حجر: قلت: ومقتضى ذلك أن يكون مدلسًا.

أقول: لم أظفر برواية عمرو ذاك الحديث عن ابن عباس، والقصة -وفيها الحديث- ثابتة في "صحيح مسلم" و"مسند الحميدي" من رواية عمرو عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، فإن كان بعضهم روى الحديث عن عمرو عن ابن عباس فلا ندري من الراوي؟ فإن كان ثقة فالحال في هذا الحديث كما تقدم، حدث به عمرو مرارًا عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس حتى عرف أن الناس قد عرفوا أنه لم يسمعه من ابن عباس، ثم قال مرة على سبيل الفتيا أو المذاكرة:"قال ابن عباس" وليس هذا بالتدليس، على أنه لا مانع من أن يسمع من ابن أبي مليكة عن ابن عباس القصة وفيها الحديث ويسمع من ابن عباس نفسه الحديث. ولا مانع من أن يسمع الرجل الحديث من رجل عن شيخ ثم يسمعه من ذلك الشيخ نفسه ثم يرويه تارة هكذا وتارة هكذا. وهذا النوع يسمى "المزيد في متصل الأسانيد".

وقد عد بعضهم منه حديث عمرو في لحوم الخيل. وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه أمثلة مما قد يقع من غير المدلس من إرسال ما لم يسمعه، وذكر منها حديث عمرو بن دينار في لحوم الخيل وقد مر. وهذا حكم من مسلم بأن عمرًا غير مدلس وأن ما قد يقع عن مثل ذلك الإرسال ليس بتدليس.

واحتج الشيخان بكثير من أحاديث عمرو التى لم يصرح فيها بالسماع، واحتج مسلم بحديث في المخابرة رواه ابن عيينة عن عمرو عن جابر، مع أنه قد ثبت عن ابن عيينة أن عمرًا لم يصرح فيه بالسماع من جابر.

وهذا الترمذي حاكي الحكايتين عن البخاري صحح في حديث لحوم الخيل

ص: 350

رواية ابن عيينة التى فيها عمرو عن جابر وخطأ حماد بن زيد في قوله "عمرو عن محمد بن علي عن جابر" مع جلالة حماد وإتقانه، فلو كان عند الترمذي أن عمرًا يدلس لما كان عنده بين الروايتين منافاة، والصحيح أنه لا منافاة ولا تدليس كما مر.

فأما ما في "معرفة الحديث" للحاكم (صـ 111) في صدر كلامه في التدليس: "فليعلم صاحب الحديث أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة

وأن عامة حديث عمرو بن دينار عن الصحابة غير مسموعة". فإنما قال ذلك في صدر من روى عمن لم يره قط ولا سمع منه شيئًا، فإن تلك العبارة هى في صدر قوله (صـ 109): "الجنس السادس من التدليس قوم رووا عن شيوخ من الصحابة"، وهذا على قلة ما قد يوجد عن عمرو فيه ليس بتدليس، وإنما يسميه جماعة تدليسًا إذا كان على وجه الإيهام، فأما أن يرسل المحدث عمن قد عرف الناس أنه لم يدركه أو يلقه فلا إيهام فلا تدليس .... "

(1)

.

قلت: وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(6/ 328): عمرو بن دينار سمع من ابن عباس وابن عمر وابن الزبير رضي الله عنهم، ورأى عبد الله بن جعفر بن محمد.

قال صدقة: أخبرنا ابن عيينة قال: ما أعلم أحدًا أعلم بعلم ابن عباس رضى الله عنهما من عمرو، سمع ابن عباس، وسمع من أصحابه عنه: طاوس وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء وعمرو بن كيسان. اهـ.

وقال محمد بن أحمد بن الحسن الصواف: أخبرنا عبد الله بن أحمد إجازة هذه الحكاية فقط: سمعت أبي يقول: سمع عمرو بن دينار من ابن عباس ستة أشياء هي: حِلّ وبِلّ -يعني زمزم- هذا سماع، ورأيت ابن عباس يطوف بعد العصر، وسمع ابن عباس يكبر يوم الصدر، وسمع ابن عباس وقيل له: إن معاوية ينهى عن الصدر، وسمع ابن عباس وقيل له: إن معاوية ينهى عن المتعة، هذه رواها ابن عيينة، وروى حماد بن زيد عن عمرو: رأيت ابن عباس يتزاحم على الركن

(1)

"التنكيل"(2/ 157 - 159).

ص: 351

بعد العصر، قال: وروى أبو هلال قال: حدثنا عمرو أو عتبة عن عمرو بن دينار قال: ما رأيت مجلسًا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس بحلال وحرام وتفسير القرآن، قال أبي: حدثناه حسن الأشيب عن أبي هلال.

وسمعت أبي يقول: حِلّ وبِلّ حلال محلل. "العلل ومعرفة الرجال" عن الإمام أحمد رواية عبد الله (2/ 186).

وقال المروذي: سألت أحمد عن عمرو بن دينار في ابن عباس وابن عمر، فقال: من الثقات، يحكى عن شعبة أنه قال: ما رأيت أثبت من عمرو بن دينار.

قلت: له أشياء يرسلها؟ قال: إذا قال: سمعت أو حدثنا، وقد كان يحدث بأشياء عن رجل عن ابن عباس."العلل ومعرفة الرجال" رواية المروذي وغيره (صـ 230).

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سُئل أبي عما روى عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن الزبير في القراءات سماع؟ قال: قال ابن عيينة: كان عمرو لا يقول فيها سمعت ابن عباس. "العلل ومعرفة الرجال"(3/ 285).

‌122 - عمرو بن شعيب

ذكر الحافظ ابن حجر عمرو بن شعيب في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: تابعي صغير، مشهور، مختلف فيه، والأكثر على أنه صدوق في نفسه، وحديثه عن غير أبيه عن جدة قوي، قال ابن معين: إذا حدث عن أبيه عن جده فهو كتاب ومن هنا جاء ضعفه، واذا حدث عن سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعروة فهو ثقة. وقال أبو زرعة: روى عنه الثقات، وانما أنكروا عليه كثرة روايته عن أبيه عن جده، وقالوا: إنما سمع أحاديث يسيرة، وأخذ صحيفة كانت عنده فرواها، وعامة المناكير في حديثه من رواية الضعفاء عنه، وهو ثقة في نفسه، إنما يتكلم فيه بسبب كتاب كان عنده

(1)

. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت هارون

(1)

قال المحقق: للكلام تكملة في "تهذيب التهذيب"(8/ 49)، هو:"وما أقل ما نصيب عنه مما روى عن غير أبيه عن جده من المنكر".

ص: 352

ابن معروف يقول: لم يسمع عمرو من أبيه شيئًا، إنما وجده في كتاب أبيه. وقال ابن عدي: روى عنه أئمة الناس وثقاتهم وجماعة من الضعفاء، إلا أن أحاديثه عن أبيه عن جده مع احتمالهم إياه لم يدخلوها في صحاح ما خرجوا، وقالوا هي صحيفة.

قلت: فعلى مقتضى قول هؤلاء يكون مدلسًا، لأنه ثبت سماعه من أبيه، وقد حدث عنه بشي كثير مما لم يسمعه منه مما أخذه من الصحيفة بصيغة عن، وهذا أحد صور التدليس والله أعلم

(1)

.

(2)

.

‌123 - عمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي

قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبي قال: حدثنا أبو أسامة قال: حدثني مفضل عن مغيرة قال: ما أفسد حديث أهل الكوفة إلا أبو إسحاق والأعمش

(3)

.

قال يعقوب بن سفيان: أبو إسحاق رجل من التابعين وهو ممن يعتمد عليه الناس في الحديث هو والأعمش إلا أنهما وسفيان مدلسون، والتدليس من قديم

(4)

.

وقال يعقوب بن سفيان أيضًا: وحديث سفيان -يعني الثوري- وأبي إسحاق والأعمش مالم يعلم أنه مدلس يقوم مقام الحجة

(5)

.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 123 - 126).

(2)

لمزيد بيان في حال عمرو بن شعيب انظر" تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، و "التنكيل" للعلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني (2/ 104 - 105)، وكتابي "التذييل على كتاب تهذيب التهذيب".

(3)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 442). ومفضل هو ابن مهلهل السعدي ثقة ثبت. وأبو أسامة هو حماد بن أسامة ثقة ثبت أيضًا.

(4)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 633).

(5)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 637).

ص: 353

قال ابن حجر: قال ابن حبان في كتاب "الثقات": أبو إسحاق السبيعي كان مدلسًا، وكذا ذكره في المدلسين حسين الكرابيسي وأبو جعفر الطبري

(1)

.

قال ابن خزيمة: نا أحمد بن منصور الرمادي، نا أبو المنذر، نا يونس، عن أبي إسحاق، عن الأسود بن يزيد قال: قلت لعائشة: أي ساعة توترين؟ قالت: ما أوتر حتى يؤذنوا، وما يؤذنون حتى يطلع الفجر، قال: وكان لرسول صلى الله عليه وسلم وسلم مؤذنان: فلان وعمرو بن أم مكتوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا، فإنه رجل ضرير البصر، وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم، فإن بلال لا يؤذن حتى يصبح.

نا أحمد بن سعيد الدارمي ومحمد بن عثمان العجلي قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة رضى الله عنها قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة مؤذنين: بلال وأبو محذورة وعمرو بن أم مكتوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم، وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد.

قال أبو بكر: أما خبر أبي إسحاق عن الأسود عن عائشة فإنه فيه نظر، لأني لا أقف على سماع أبي إسحاق هذا الخبر من الأسود

(2)

.

روى الطبري حديثًا من طريق أبي إسحاق السبيعي، عن هانئ بن هانئ، عن علي، ثم قال: وهذا خبر عندنا صحيح سنده، وقد يجب أن يكون على مذهب الآخرين سقيمًا غير صحيحًا لعلل، ثم ذكر أربع علل للحديث، منها: أن أبا إسحاق عندهم مدلس، ولا يُحتج عندهم من خبر المدلس بما لم يقل فيه حدثنا وسمعت وما أشبه ذلك

(3)

.

(1)

"تهذيب التهذيب"، و "ثقات ابن حبان"(5/ 177). وانظر قول ابن حبان في ترجمة سفيان الثوري والتعقيب عليه.

(2)

"صحيح ابن خزيمة"(1/ 242)(ح 407 - 408).

(3)

تهذيب الآثار "مسند علي"(3/ 156).

ص: 354

قال الدارقطني: وأخرج مسلم حديث الأغر من حديث عمرو بن مرة وثابت عن أبي بردة وهما صحيحان، وإن كان أبو إسحاق قال عن أبي بردة عن أبيه وتابعه مغيرة بن أبي الحر عن سعيد بن أبي بردة، فأبو إسحاق ربما دلس، ومغيرة ابن أبي الحر شيخ، وثابت وعمرو بن مرة حافظان، ومغيرة بن أبي الحر وأبو إسحاق سلكا به طريق الجادة

(1)

.

قال الحاكم: أخبرني قاضي القضاة محمد بن صالح الهاشمي، قال: ثنا أبو جعفر المستعيني، قال: حدثنا عبد الله بن علي بن عبد الله المديني قال: ثنا أبي قال: كان زهير وإسرائيل يقولان عن أبي إسحاق إنه كان يقول: ليس أبو عبيدة حدثنا ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الاستنجاء والأحجار الثلاثة.

قال ابن الشاذكوني: ما سمعت بتدليس قط أعجب من هذا ولا أخفى، قال: أبو عبيدة لم يحدثني ولكن عبد الرحمن عن فلان عن فلان، ولم يقل حدثني فجاز الحديث وسار

(2)

.

(3)

.

(1)

"التتبع"(ص 363).

(2)

"معرفة علوم الحديث"(ص 108 - 109).

(3)

قال البخاري في صحيحه (ح 156): حدثنا أبو نعيم قال: حدثنا زهير عن أبي إسحاق قال: ليس أبو عبيدة ذكره، ولكن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه، أنه سمع عبد الله يقول: أتى النبي صلى الله عليه وسلم الغائط فأمرني أن آتيه بثلاثة أحجار، فوجدت حجرين والتمست الثالث فلم أجده، فأخذت روثة فأتيته بها، فأخذ الحجرين وألقى الروثة وقال: هذا ركس.

وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق: حدثني عبد الرحمن.

وقال ابن حجر في "فتح الباري"(1/ 309 - 310): قوله "ليس أبو عبيدة" أي ابن عبد الله بن مسعود.

وقوله "ولكن عبد الرحمن بن الأسود" أي هو الذى ذكره لي بدليل قوله في =

ص: 355

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= الرواية الآتية المعلقة حدثني عبد الرحمن، دمانما عدل أبو إسحاق عن الرواية عن أبي عبيدة إلى الرواية عن عبد الرحمن- مع أن رواية أبي عبيدة أعلى له- لكون أبي عبيدة لم يسمع من أبيه على الصحيح، فتكون منقطعة بخلاف رواية عبد الرحمن فإنها موصولة، ورواية أبي إسحاق لهذا الحديث عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود عند الترمذي وغيره من طريق إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق، فمراد أبي إسحاق هنا بقوله "ليس أبو عبيدة ذكره" أي لست أرويه الآن عن أبي عبيدة وإنما أرويه عن عبد الرحمن.

وقوله "وقال إبراهيم بن يوسف عن أبيه" يعني يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي عن أبي إسحاق وهو جده قال: حدثني عبد الرحمن -يعني ابن الأسود بن يزيد- بالإسناد المذكور أولًا، وأراد البخاري بهذا التعليق الرد على من زعم أن أبي إسحاق دلس هذا الخبر كما حُكى ذلك عن سليمان الشاذكونى حيث قال لم يسمع في التدليس باخفى من هذا، قال:"ليس أبو عبيدة ذكره ولكن عبد الرحمن" ولم يقل ذكره لي. انتهى.

وقد استدل الإسماعيلي أيضًا على صحة سماع أبي إسحاق لهذا الحديث من عبد الرحمن بكون يحيى القطان رواه عن زهير، فقال بعد أن أخرجه من طريقه: والقطان لا يرضى أن يأخذ عن زهير ما ليس بسماع لأبي إسحاق، وكأنه عرف ذلك بالاستقراء من صنيع القطان أو بالتصريح من قوله فانزاحت عن هذه الطريق علة التدليس. وقد أعله قوم بالاضطراب، وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على أبي إسحاق في كتاب "العللْ، واستوفيته في مقدمة الشرح الكبير، لكن رواية زهير هذه ترجحت عند البخاري بمتابعة يوسف حفيد أبي إسحاق، وتابعهما شريك القاضى وزكريا بن أبي زائدة وغيرهما، وتابع أبا إسحاق على روايته عن عبد الرحمن ليث بن أبي سليم، وحديثه يستشهد به، أخرجه ابن أبي شيبة. ومما يرجحها أيضًا استحضار أبي إسحاق لطريق أبي عبيدة وعدوله عنها بخلاف رواية إسرائيل عنه عن أبي عبيدة، فإنه لم يتعرض فهيا لرواية =

ص: 356

روى البيهقي حديث أبي إسحاق قال: سألت الأسود بن يزيد وكان لي جارًا وصديقًا عما حدثته عائشة عن صلاة رسول الله-صلى الله عليه وسلم فقال: قالت: كان ينام أول الليل ويحيى آخره، ثم إن كانت له إلى آهله حاجة قضى حاجته ثم ينام قبل أن يمس ماء، فإذا كان عند النداء الأول قالت: وثب -فلا والله ما قالت قام وأخذ الماء- ولا والله ما قالت اغتسل وأنا أعلم ما تريد، وإن لم يكن له حاجة توضأ

= عبد الرحمن، كما أخرجه الترمذي وغيره، فلما اختار في رواية زهير طريق عبد الرحمن على طريق أبو عبيدة دل على أنه عارف بالطريقين وأن رواية عبد الرحمن عنده أرجح والله أعلم. اهـ.

قلت: وللحديث شاهد رواه البخاري (155) من طريق سعيد بن عمرو المكي عن أبي هريرة، قال ة اتبعت النبي (وخرج لحاجته، فكان لا يلتفت، فدنوت منه، فقال: ابغني أحجارًا أستفيض بها -أو نحوه- ولا تأتني بعظم ولا روث، فأتيته باحجار بطرف ثيابي فوضعتها إلى جنبه وأعرضت عنه، فلما قض أتبعه بهن.

* وعلق الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد في مقدمته لكتاب "منهج المتقدمين في التدليس"(صـ 42) على قول الشاذكوني بقوله: ومثله ما رواه عبد الله بن أحمد في "العلل"(2229) فقال: حدثني أبي قال: ثنا هشيم قال: أما المغيرة وأما الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم: لم ير بأسًا بمصافحة المرأة التى قد خلت من وراء الثوب.

قال عبد الله: سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة ولا من الحسن بن عبيد الله. اهـ.

وقريب مما تقدم ولكن ليس مثله: ما رواه أيضًا عبد الله في "العلل": ثني أبي ثنا هشيم عن التيمي عن أبي الضحى والحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى أن رجلًا جاء إلى ابن عباس ..

قال عبد الله: قال أبي: لم يسمعه من التيمي ولا من الحسن بن عبيد الله شيئًا.

ص: 357

وضوء الرجل للصلاة ثم صلى ركعتين، ثم قال البيهقي:

أخرجه مسلم في "الصحيح" عن يحيى بن يحيى وأحمدبن يونس دون قوله: قبل أن يمس ماء، وذلك لأن الحفاظ طعنوا في هذ اللفظة وتوهموها مأخوذة عن غير الأسود، وأن أبا إسحاق ربما دلس فرأوها من تدلسياته، واحتجوا على ذلك برواية إبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الأسود بخلاف رواية أبي إسحاق.

ثم ذكر البيهقي رواية إبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن الأسود.

وقال البيهقي في موضع آخر: أبو إسحاق السبيعي كان يدلس

(1)

.

قال البيهقي: وروينا عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبي إسحاق وقتادة

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد، نا علي قال: سمعت يحيى يقول: كل شيء يحدث به شعبة عن رجل فلا تحتاج أن تقول عن ذاك الرجل أنه سمع فلانًا، قد كفاك أمره.

نا صالح بن أحمد: نا علي بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت شعبة أو حدثني رجل عن شعبة أنه قال: كل شيء. حدثتكم به فذلك الرجل حدثني به أنه سمعه من فلان إلا شيئًا أبينه لكم.

قال أبو محمد: فذكرته لأبي فقال: يعني أنه كان لا يدلس

(3)

.

قال ابن حجر: المعروف عن شعبة أنه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفين بالتدليس إلا ما سمعوه.

وألحق الحافظ الإسماعيلي في ذلك يحيى بن سعيد القطان، فقال في كتاب

(1)

"سنن البيهقي"(1/ 201 - 202)، (6/ 136).

(2)

"معرفة السنن والآثار"(1/ 86).

(3)

"مقدمة" الجرح والتعديل" (1/ 162)، (2/ 35)، و "سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (2/ 210).

ص: 358

"الطهارة" من "مستخرجه" عقب حديث يحيى القطان، عن زهير، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود في الاستجمار بالجمار:

يحيى القطان لا يروي عن زهير إلا ما كان مسموعاَ لأبي إسحاق. هذا أو معناه

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين، وزاد ابن حجر: مشهور بالتدليس، وهو تابعي ثقة، وصفه النسائي وغيره بذلك

(2)

.

وذكره ابن حجر أيضًا في كتاب "النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 642) في المرتبة الثالثة من المدلسين المخرج لهم في الصحيحين.

وقد تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

قال شيخنا محمد عمرو بن عبد اللطيف حفظه الله ونفع المسلمين بعلمه:

رواية أبي إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه لا تُعل بعنعنة أبي إسحاق السبيعي، إذ أن أبا إسحاق السبيعي قد امتلئت ضلوعه من أحاديث أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة، فقد صح عن أبي إسحاق أنه سُئل: كيف كان يحدثكم أبو الأحوص؟ فقال: كان يسكبها علينا في المسجد: حدثنا عبد الله حدثنا عبد الله

(3)

- يعني أن أبا الأحوص أغرقهم من حديث ابن مسعود، فمثل هذا يبعد في المعتاد أن يحتاج إلى أن يدلس حديثًا عن أبي الأحوص، لأن أبا الأحوص قد اْغرقه من حديثه عن ابن مسعود، هذا هو الأصل، والنادر الذى يخالف الأصل لا حكم له ولا يُلجأ إليه إلا مع وجود القرائن أو الأدلة عليه.

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 631).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و "تعريف أهل التقديس"(صـ 146).

(3)

هذا القول أخرجه عبد الله بن أحمد في "العلل ومعرفة الرجال"(3/ 244)، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات"(1/ 371).

ص: 359

‌124 - عيسى بن طهمان الكوفي أبو ليث

قال ابن حبان: عيسى بن طهمان الكوفي أبو ليث يروي عن أنس، روى عنه ابن المبارك وأهل العراق، ينفرد بالمناكير عن أنس، ويأتي عنه بما لا يشبه حديثه كانه كان يدلس عن أبان بن أبي عياش ويزيد الرقاشي عنه، لا يجوز الاحتجاج بخبره، وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير.

وهو الذى روى عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ارحموا من الناس ثلاثة: عزيز قوم ذل، وغني قوم افتقر، وعالمًا بين جهال".

أخبرناه ابن قتيبة، قال: حدثنا يوسف بن هاشم أبو الميمون، قال: حدثنا زيد بن أبي الزرقاء الموصلي، قال: حدثنا عيسى بن طهمان، عن أنس

(1)

.

قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": "قال عبد الله بن أحمد عن أبيه:

عيسى بن طهمان شيخ ثقة. وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل: ليس به بأس. وكذا قال ابن معين والنسائي. وقال المفضل الغلابي عن ابن معين: بصري صار إلى الكوفة، ثقة، لقيه أبو النضر ببغداد. وقال أبو حاتم: ثقة لا بأس به، يشبه حديثه حديث أهل الصدق، ما بحديثه بأس. وقال يعقوب بن سفيان: ثقة. وقال أبو داود: لا بأس به أحاديثه مستقيمة. وقال مرة: ثقة.

وقال الحاكم عن الدارقطني: ثقة. وقال العقيلي: لا يُتابع على حديثه، ولعله أتى من خالد بن عبد الرحمن، لأن أبا نعيم وخلادًا قد حدثا عنه أحاديث مقاربة.

ثم ساق له من رواية خالد عنه عن أنس حديثين: أحدهما: من وسع لنا في مسجدنا هذا بنى الله له بيتًا في الجنة، فاشترى عثمان بيتًا فوسع به في المسجد.

والثاني: أنه صلى الله عليه وسلم قال لعثمان: أزوجك خيرًا من بنت عمر، ويتزوج بنت عمر خير منك. وقال الحاكم: صدوق". اهـ

قلت: وقال الدوري في "تاريخه"(3/ 333) عن ابن معين: عيسى بن

(1)

"المجروحين"(2/ 117 - 118).

ص: 360

طهمان ثقة.

قلت: عيسى بن طهمان ثقة، أو على الأقل صدوق، فقد أثنى عليه أحمد وابن معين والنسائي وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان وأبو داود والدارقطني والحاكم، خلافًا لابن حبان، والذين أثنوا عليه أرسخ وأقوى من ابن حبان في هذا العلم. ولا يصح وصف عيسى بن طهمان عندي بالتدليس، ولعل المناكير التى في حديثه أتت من شيوخه أو تلاميذه والله أعلم.

‌125 - عيسى بن موسى البخاري غنجار

قال ابن حبان: عيسى بن موسى أبو أحمد التيمي، من أهل بخارا، يعرف بغنجار، ربما خالف، اعتبرت حديثه بحديث الئقات، وروايته عن الأثبات مع رواية الئقات فلم أر فيما يروي عن المتقنين شيئًا يوجب تركه إذا بين السماع في خبره، لأنه كان يدلس عن الثقات ما سمع من الضعفاء عنهم، وترك الاحتجاج بما روى عن الئقات إذا لم يبين السماع، وأما ما روى عن المجاهيل والضعفاء والمتروكين فإن تلك الأخبار كلها تلزق بأولئك دونه، لا يجوز الاحتجاج بشيء منها

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين وقال: صدوق، لكنه مشهور بالتدليس عن الثقات، ما حمله عن الضعفاء والمجهولين

(2)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": عيسى بن موسى بن البخاري، أبو أحمد الأزرق، لقبه غنجار، صدوق ربما أخطأ، وبما دلس، مكثر من التحديث عن المتروكين.

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": قال الحاكم: عيسى بن موسى إمام عصره، ومسجده مشهور ببخارى، وطلبه للعلم على كبر السن بالحجاز والعراق

(1)

"الثقات"(8/ 492 - 493).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 168).

ص: 361

وخراسان، وهو في نفسه صدوق محتج به في الجامع الصحيح، إلا أنه إذا روى عن المجهولين كثرت المناكير في حديثه، وليس الحمل فيها عليه، فإني تتبعت رواياته عن الثقات فوجدتها مستقيمة. وقال في موضع آخر: ثقة مقبول غير أنه يروي عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين الذين لا يعرفون أحاديث مناكير، وربما توهم طالب العلم أنه جرح فيه، وليس كذلك. وقال مسعود السجزي عن الحاكم: هو ثقة، ولم يؤخذ عليه إلا كثرة روايته عن الكذابين. اهـ.

وقال الخليلي: عيسى بن موسى المعروف بغنجار صالح زاهد مشهور، روى عن مالك أحاديث، وأكثر روايته عن أبي حمزة السكرى وحجوة بن مدرك الغساني وأشباههما، ويقع في كثير من أحاديثه عن الضعفاء، ما يُحمل على شيوخه لا عليه، روى عنه أهل بخارى، وروى عنه محمد بن أمية الساوي أحاديث ذوات عدد، فقصده أبو زرعة وأبو حاتم لسماع ذلك، والبخاري قد احتج به في أحاديث، ولا يضعفه، وإنما يقع الاضطراب من تلامذته وضعفاء شيوخه لا منه. اهـ.

وقال الخليلي أيضًا: عيسى بن موسى غنجار زاهد، لكنه ربما يروي عن الضعفاء أحاديث، وهو قديم الموت. ("الإرشاد في معرفة علماء الحديث" (3/ 955)، (1/ 278)).

وفى "تهذيب التهذيب" أيضًا: "قال الدارقطني: عيسى بن موسى لا شيء. وقال البيهقي: فيه ضعف. وقال مسلمة بن قاسم في الصلة: كان ثقة جليلًا مشهورًا بخراسان". اهـ.

* * *

ص: 362

‌حرف الفاء

‌126 - الفضل بن دكين أبو نعيم

ذكر الحافظ ابن حجر أبي نعيم الفضل بن دكين في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: مشهور، من كبار شيوخ البخاري، وصفه أحمد بن صالح المصري بذلك

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": الفضل بن دكين أبو نعيم الملائي، مشهور بكنيته، ثقة ثبت.

قال الشيخ طارق بن عوض الله حفظه الله: واعلم أن ابن شاهين ثقة إمام، لم يعيبوا عليه أكثر من كونه لم يكن يعارض ما صنفه، فمن ثم كثرت الأخطاء في كتبه، وقد مر ما أنكره عليه الدارقطني -رحمه الله تعالى-.

ومن له خبرة بكتب ابن شاهين يعلم صحة ما عابوه عليه لما يجد في كتبه من خطأ في النقل أحيانًا، أو التخليط بين الرواة المتفقين في الاسم، ونحو ذلك مما يعترى المكثر، لاسيما إذا لم يعارض ما كتبه على الأصول كابن شاهين -رحمه الله تعالى- وسيأتي في هذا الكتاب -إن شاء الله تعالى- مثال على ذلك في ترجمة أبي الأشهب جعفر بن الحارث، فانظره مع تعليق الشيخ اليماني -رحمه الله تعالى-.

وقد وقع لي شيء من ذلك أذكره للتنبيه.

فقد قال ابن شاهين في "الثقات"(صـ 186): قال أحمد بن صالح: ما رأيت محدثًا أصدق من أبي نعيم -يعني الفضل بن دكين-، وقال أحمد: أبو نعيم كان ثقة، وكان يدلس أحاديث مناكير.

فأحمد الثاني هو أحمد بن حنبل الإمام، وهو لم يقل هذا في أبي نعيم ولا في غيره! وإنما حكاه أحمد عن أبي نعيم في أبي جناب الكلبي.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 89).

ص: 363

فقد وقفت على هذه الكلمة في "علل أحمد"(4473) وهذا نصها هناك.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: أبو جناب اسمه يحيى بن أبي حية، وقال أبو نعيم: كان ثقة وكان يدلس، قال أبي: أحاديثه مناكير.

وظاهر من السياق والسباق أن قوله: "كان ثقة، وكان يدلس" من قول أبي نعيم في أبي جناب لا من قول أحمد في أبي نعيم فتأمل.

ويؤكد هذا أن ابن أبي حاتم ساق هذه الكلمة في ترجمة أبي جناب (4/ 2/ 138) ولم يسقها في ترجمة أبي نعيم.

وقد وقع الحافظ ابن حجر في خطأ آخر، فإنه ذكر هذه الكلمة في ترجمة أبي نعيم من "التهذيب"(8/ 276) عن "ثقات" ابن شاهين إلا أنه نسبها إلى أحمد بن صالح لا إلى أحمد بن حنبل، فكأنه ظن أنه تابع كلام ابن صالح الذى نقله ابن شاهين عنه قبل هذا، لكن من المعروف أن "أحمد حيث أطلق فهو ابن حنبل ويؤيده ما ذكرناه عن "العلل"، ثم إن الحافظ -رحمه الله تعالى- اعتمد على هذا النقل في إدخال أبي نعيم في "تعريف أهل التقديس" فلا تغتر. والله الموفق

(1)

.

‌127 - فطر بن خليفة

قال السخاوي: ووصف غير واحد بالتدليس من روى عمن رآه ولم يجالسه بالصيغة الموهمة، بل وُصف به من صرح بالإخبار في الإجازة كأبي نعيم، أو بالتحديث في الوجادة كإسحاق بن راشد الجزري، وكذا فيما لم يسمعه كفطر بن خليفة، أحد من روى له البخاري مقرونًا، ولذا قال علي بن المديني: قلت ليحيى بن سعيد القطان: يُعتمد على قول فطر ثنا ويكون موصولًا؟ فقال: لا. فقلت: أكان ذلك منه سجية؟ قال: نعم.

(1)

"ذكر من اختلف العلماء فيه، فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، ومن قيل فيه قولان" لابن شاهين (صـ 9).

ص: 364

وكذا قال الفلاس: إن القطان قال له: وما ينتفع بقول فطر: ثنا عطاء، ولم يسمع منه.

وقال ابن عمار عن القطان: كان فطر صاحب ذي سمعت- يعني أنه كان يدلس فيما عداها.

ولعله تجوز في صيغة الجمع فأوهم دخوله، كقول الحسن البصري:"خطبنا ابن عباس"، و"خطبنا عتبة بن غزوان"، وأراد أهل البصرة بلده، فإنه لم يكن بها حين خطبتهما، ونحوه في قوله:"حدثنا أبو هريرة "، وقول طاوس:"قدم علينا معاذ اليمن"، وأراد أهل بلده، فإنه لم يدركه، كما سيأتي الإشارة لذلك في أول أقسام التحمل.

ولكن صنيع فطر فيه غباوة شديدة، يستلزم تدليسًا صعبًا، كما قال شيخنا، وسبقه عثمان بن خرزاد فإنه لما قال لعثمان بن أبي شيبة: إن أبا هشام الرفاعي يسرق حديث غيره ويرويه، وقال له ابن أبي شيبة: أعلى وجه التدليس أو الكذب؟ قال: كيف يكون تدليسًا وهو يقول حدثنا

(1)

.

قلت: ويلتحق بفطر بن خليفة في ذلك قرة بن خالد السدوسي وجرين بن حازم ويحيى بن أيوب الغافقي المصري ويونس بن أبي إسحاق السبيعي.

قال يعقوب بن سفيان: قال علي: كان يحدثني عن الشيخ فيقول: قال حدثني قال أخبرني، فأفرح به، فيقول: تفرح بهذا، لم يكن ممن يُعتمد عليه في هذا قرة، سمعت الحسن، قال: سمعت صعصعة، يقول: ها كذا هو

(2)

.

قلت: أظن الذي كان يحدث على بهذا هو يحيى بن سعيد القطان، فإنه يروي عن قرة.

وقال ابن أبي حاتم: نا أبي، نا أبو قدامة السرخسي، حدثني بهز بن أسد،

(1)

"فتح المغيث"(2/ 211 - 212).

(2)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 53).

ص: 365

قال: كان حماد بن زيد عند جرير بن حازم، قال: فجعل جرير يقول: حدثني محمد، قال: سمعت شريحًا، وحدثني محمد، قال: سمعت شريحًا، فجعل حماد يقول: يا با النضر لا تقل كذا، إن محمدًا لم يكن يقول كذا، أو إن أصحابك لم يقولوا كذا

(1)

.

وقال الإمام أحمد: كان سجية في جرير بن حازم، يقول: حدثنا الحسن، قال: حدثنا عمرو بن تغلب، وأبو الأشهب يقول: عن الحسن، قال: بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمرو بن تغلب

(2)

.

وذكر ابن رجب: قول أحمد السابق، ثم قال: يريد أن يقول جرير بن حازم: نا الحسن، نا عمرو بن تغلب، كانت عادة له لا يرجع فيها إلى تحقيق.

وقد ذكر أبو حاتم نحو هذا في أصحاب بقية بن الوليد، أنهم يروون عنه عن شيوخه، ويصرحون بتحديثه عنهم من غير سماع له منهم.

وكذلك قال يحيى بن سعيد القطان في فطر بن خليفة أنه كان يقول: ثنا فلان بحديث، ثم يدخل بينه وبينه رجلًا آخر، كان ذلك سجية منه، ذكره العقيلي في "كتابه".

وكذا ذكر الإسماعيلي أن أهل الشام ومصر يتسامحون في قولهم: "ثنا"، من غير صحة السماع، منهم: يحيى بن أيوب المصري

(3)

.

وقال العقيلي: حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا بندار، قال: قال سلم ابن قتيبة: قدمت من الكوفة، فقال لي شعبة: من لقيت؟ قال: لقيت فلانًا وفلانًا، ولقيت يونس بن أبي إسحاق.

(1)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 179). وأبو قدامة السرخسي هو عبيد الله بن سعيد بن يحيى وهو ثقة مأمون سني، كما في "التقريب".

(2)

"العلل ومعرفة الرجال"(1/ 267).

(3)

"فتح الباري"(5/ 479 - 480)(ح 923).

ص: 366

قال: ما حدثك؟ فأخبرته، فسكت ساعة، وقلت له: قال: حدثنا بكر بن ماعز

(1)

، قال: فلم يقل لك: حدثنا عبد الله بن مسعود.

حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: حدثني أبي، حدثنا يحيى بن سعيد، قال: كان يونس بن أبي إسحاق يقول: أبو إسحاق: سمعت عدي بن حاتم، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"اتقوا النار ولو بشق تمرة "، وحدثنا سفيان وشعبة، عن أبي إسحاق، عن عبد الله بن معقل، عن عدي بن حاتم.

حدثنا محمد بن عيسى، حدثنا صالح، حدثنا علي، قال: سمعت يحيى وذكر يونس بن أبي إسحاق، فقال: كان أيضًا منه سجية، كان يقول: حدثني أبي، قال: سمعت عدي بن حاتم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة"، قال يحيى: وهذا سفيان وشعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي معقل، عن عدي بن حاتم، ثم قال يحيى: وكانت فيه غفلة. ("الضعفاء الكبير" (4/ 457 - 458)، و"الجرح والتعديل"(9/ 244).

وقال البرذعي: ذُكر لأبي زرعة يونس بن أبي إسحاق، فقال: لا ينتهي يونس حتى يقول: سمعت البراء.

قال لي أبو زرعة: انظر كيف يُرد أمره. "كتاب الضعفاء"(2/ 329).

* * *

(1)

بكر بن ماعز ثقة عابد من الرابعة، كما في "التقريب". ويونس بن أبي إسحاق من الخامسة.

ص: 367

‌حرف القاف

‌128 - قتادة بن دعامة السدوسي

قال البخاري: روى همام عن قتادة عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه: أمرنا نبينا أن نقرأ بفاتحة الكتاب وما تيسر.

ولم يذكر قتادة سماعًا من أبي نضرة في هذا

(1)

.

وقال البخاري أيضًا: ولم يذكر سليمان في هذه الزيادة (أي فإذا قرأ فأنصتوا) سماعأ من قتادة، ولا قتادة من يونس بن جبير

(2)

.

قال الترمذي: قال محمد: ما أعرف لمالك بن أنس رجلًا يروى عنه يستحق أن يترك حديثه غير عطاء الخراساني. قلت: ما شأنه؟ قال: عامة أحاديثه مقلوبة.

ثم ذكر البخاري أحاديث استنكرها عليه منها أنه روى عن سعيد بن المسيب قال: إذا قام أربعًا صلى أربعًا، وقال: روى داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب خلاف هذا.

قال الترمذي: قلت له: فإن قتادة روى عن سعيد بن المسيب قال: إذا قام أربعًا صلى أربعًا مثل ما روى عطاء، قال اببخاري: أرى قتادة أخذه عن عطاء

(3)

.

قال ابن رجب: حديث هشام الدستوائي: ثنا قتادة، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"يخرج في النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير". خرجه البخاري عن مسلم بن إبراهيم، عن هشام به.

(1)

جزء "القراءة خلف الإمام"(صـ 29)(ح 105). ورواية قتادة عن أبي نضرة في صحيح مسلم.

(2)

جزء "القراءة خلف الإمام"(صـ 58)(ح 263). ورواية قتادة عن يونس بن جبير في الكتب الستة.

(3)

"علل الترمذي الكبير"(صـ 270).

ص: 368

ثم قال: وقال أبان: ثنا قتادة، ثنا أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:"من إيمان"، مكان:"من خير".

ففى هذه الرواية التي ذكرها تعليقًا التصريح بتفاوت الإيمان الذي في القلوب، وأيضًا فيها التصريح بسماع قتادة له من أنس، فزال ما كان يُتوهم من تدليس قتادة

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي قلت: قتادة عن معاذة أحب إليك أو أيوب عن معاذة؟ فقال: قتادة إذا ذكر الخبر

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: سمعت أبي يقول وقلت له: أبو قلابة عن معاذة أحب إليك أو قتادة عن معاذة؟ فقال: جميعًا ثقتان، وأبو قلابة لا يعرف له تدليس

(3)

.

(1)

"فتح الباري"(1/ 156 - 157)(ح 44). وانظر أيضًا: (1/ 366)، (3/ 350)(ح 597)، (4/ 224)(ح 709 - 710)، (5/ 42)(ح 788).

(2)

"الجرح والتعديل"(7/ 135).

(3)

"الجرح والتعديل"(5/ 58). ويحيى بن سعيد القطان رحمه الله يرى أن قتادة لم يسمع من معاذة.

قال عبد الله بن أحمد: حدثني أبو بكر قال: سمعت يحيى يقول: قتادة لم يصحح عن معاذة. ويحيى هو ابن سعيد القطان. وأبو بكر هو محمد بن خلاد الباهلي وهو ثقة. "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 227).

وعند ابن أبي حاتم في "المراسيل": قال يحيى القطان: قتادة لم يسمع من معاذة. وقال الميموني: سمعت أبا عبد الله يقول: يقولون إن قتادة لم يسمع من معاذة. "العلل ومعرفة الرجال" رواية المروزي وغيره (صـ 197).

وقال الأثرم "ناسخ الحديث ومنسوخه"(صـ 97): فأما حديث قتادة عن معاذة، فإن قتادة فيما يُقال: لم يسمع من معاذة.

قلت: رواية قتادة عن معاذة في الصحيحين. =

ص: 369

قال ابن حبان: قتادة بن دعامة السدوسي كان مدلسًا

(1)

.

قال الدارقطني: وأخرج مسلم حديث قتادة عن الشعبي عن سويد بن غفلة عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم: نهى عن لبس الحرير إلا موضع أصبعين من حديث هشام وشعبة وسعيد عنه، ولم يرفعه عن الشعبي غير قتادة، وقتادة مدلس لعله بلغه عنه

(2)

.

وقال الدارقطني أيضًا: وأخرج مسلم حديث قتادة عن سالم عن معدان عن عمر موقوفًا "في الثوم والبصل" من حديث شعبة وهشام، وقد خالف قتادة في إسناده ثلاثة ثقات رووه عن سالم بن أبي الجعد عن عمر مرسلًا، لم يذكروا فيه معدان، وهم منصور بن المعتمر وحصين بن عبد الرحمن وعمرو بن مرة، ورواه عن منصور جرير بن عبد الحميد، ورواه عن حصين جماعة منهم أبو الأحوص وجرير وابن فضيل وابن عيينة، ورواه عن عمرو بن مرة عمران البرجمي، وقتادة وإن كان ثقة وزيادة الثقة مقبولة عندنا فإنه يدلس، ولم يذكروا فيه سماعه من سالم، فاشتبه أن يكون بلغه عنه فرواه عنه

(3)

.

قال الحاكم: قال سليمان الشاذكوني: من أراد التدين بالحديث فلا يأخذ عن

= فقد روى البخاري (1/ 88) من طريق همام، عن قتادة، قال: حدثتني معاذة، أن امرأة قالت لعائشة: أتجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت، كنا نحيض مع النبي صلى الله عليه وسلم فلا يأمرنا به، أو قالت: فلا نفعله.

وأخرج مسلم (2/ 175) من طريق خالد بن الحارث، عن سعيد، حدثنا قتادة أن معاذة العدوية حدثتهم، عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعًا ويزيد ما شاء الله.

(1)

"الثقات"(5/ 322)، و "مشاهير علماء الأمصار"(صـ 154)، و "المجروحين"(1/ 92).

(2)

"التتبع"(صـ 262).

(3)

"التتبع"(صـ 370).

ص: 370

الأعمش ولا عن قتادة إلا ما قالا سمعناه

(1)

.

وقال الحاكم أيضًا: القسم الثاني من الصحيح المختلف في صحته: روايات المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم في الرواية، فإنها صحيحة عند جماعة من ذكرناهم من أئمة أهل الكوفة، غير صحيحة عند جماعة من قدمنا ذكرهم من أئمة أهل المدينة.

ومعنى التدليس أن يقول سفيان بن عيينة وهو إمام من أئمة أهل مكة: قال الزهري: حدثني سعيد بن المسيب، أو يقول: قال عمرو بن دينار: سمعت جابرًا.

وسفيان بن عيينة مشهور سماعه منهما جميعًا، إلا أنه لم يذكر السماع في هذه الرواية، وقد عرف بأنه يدلس فيما يفوته سماعه.

وكذلك قتادة بن دعامة إمام أهل البصرة، إذا قال: قال أنس، أو قال الحسن، وهو مشهور بالتدليس عنهما.

أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد العنزي قال: حدثنا عثمان بن سعيد الدارمي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت شعبة يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال حدثنا كتبت، وإذا لم يقل لم أكتبه

(2)

.

وقال الحاكم أيضًا: التدليس عندنا على ستة أجناس: فمن المدلسين من دلس عن الثقات الذين هم في الثقة مثل المحدث أو فوقه أو دونه إلا أنهم لم يخرجوا من عداد الذين يقبل أخبارهم، فمنهم من التابعين أبو سفيان طلحة بن نافع وقتادة ابن دعامة وغيرهما.

أخبرنا الحسن بن محمد بن إسحاق الأزهري، قال: ثنا محمد بن إسحاق،

(1)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 107).

(2)

"المدخل إلى الإكليل"(صـ 46).

ص: 371

قال: ثنا محمد بن البراء، قال: ثنا علي بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان شعبة يرى أحاديث أبي سفيان عن جابر إنما هو كتاب سليمان اليشكري، قال: قلت لعبد الرحمن: سمعته من شعبة؟ قال: أو بلغني عنه

(1)

.

(2)

.

(1)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 45).

(2)

قلت: وصف الحاكم قتادة بأنه لا يدلس إلا عن ثقة خاص بتدليسه عن جابر بن عبد الله، فقتادة لم يسمع منه، وإنما يروي عنه بواسطة صحيفة سليمان اليشكري، وسليمان اليشكري ثقة. فتدليس قتادة عن جابر مقبول عند الحاكم، لأن الواسطة بينه وبين جابر ثقة. أما تدليس قتادة عن غير جابر فغير مقبول عند الحاكم والله أعلم.

قال يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(2/ 279): سمعت سليمان بن حرب قال: كان سليمان اليشكري جاور مكة سنة، جاور جابر بن عبد الله، وكتب عنه صحيفة، ومات قديمًا، وبقيت الصحيفة عند أمه، فطلب أهل البصرة إليها أن تعيرهم فلم تفعل، فقالوا: فأمكنينا منها حتى نقرأه، فقالت: أما هذا فنعم، قال: فحضر قتادة وغيره فقرأوها، فهو هذا الذي يقول أصحابنا: حدث سليمان اليشكري أو نحو هذا من الكلام.

وقال ابن المديني: لم يسمع قتادة من سلميان اليشكري، وما روى عنه من صحيفة قرأها عليه من سمعها من سليمان اليشكري. "سؤالات محمد بن عثمان ابن أبي شيبة" لابن المديني (صـ 164).

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(4/ 31): روى أبو بشر وقتادة والجعد أبو عثمان عن كتاب سليمان.

وقال يعقوب بن سفيان: في "المعرفة والتاريخ"(2/ 661): قتادة لم يسمع من سليمان اليشكري، إنما حديث سليمان اليشكري صحيفة، كان كتب عن جابر، وتوفى قديمًا، وبقيت الصحيفة عند أمه في أهل البصرة.

وروى الترمذي حديثًا من طريق قتادة عن سليمان اليشكرفي عن جابر، ثم قال: هذا حديث إسناده ليس بمتصل، سمعت محمدأ يقول: سليمان اليشكري =

ص: 372

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= يقال أنه مات في حياة جابر بن عبد الله، ولم يسمع منه قتادة ولا أبو بشر، وإنما يحدث قتادة عن صحيفة سليمان اليشكري، وكان له كتاب عن جابر بن عبد الله.

حدثنا أبو بكر العطار عبد القدوس، قال: قال علي بن المديني: قال يحيى بن سعيد: قال سليمان التيمي: ذهبوا بصحيفة جابر بن عبد الله إلى الحسن البصرى فاخذها، أو قال: فرواها، وذهبوا بها إلى قتادة فرواها، وأتوني بها فلم أروها، يقول: رددتها. "جامع الترمذي"(5/ 192)(ح 2941)، و "علل الترمذي الكبير"(صـ 297).

وأبو بكر العطار هو عبد القدوس محمد الحبحابي وهو صدوق.

وقال أبو حاتم الرازي: جالس سليمان اليشكري جابرًا فسمع منه وكتب عنه صحيفة، فتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته، فروى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر، وهم قد سمعوا من جابر، وأكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة. "الجرح والتعديل"(4/ 136).

قلت: أبو حاتم الرازي رحمه الله لا يثبت سماع قتادة من جابر، إنما يقول أنه روى عنه بواسطة صحيفة سليمان اليشكري. وقتادة لم يسمع من جابر مطلقًا.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(7/ 135): نا محمد بن حمويه ابن الحسن، قال: سمعت أبا طالب، قال: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كان قتادة أحفظ أهل البصرة، لا يسمع شيئًا إلا حفظه، وقرئ عليه صحيفة جابر مرة واحدة فحفظها، وكان سليمان التيمي وأيوب يحتاجون إلى حفظه يسألونه، وكان من العلماء، كان له خمس وخمسون سنة يوم مات.

وقال يعقوب بن سفيان: ثنا سلمة، أخبرنا أحمد، ثنا عبد الرزاق، عن معمر قال: قال قتادة لسعيد: يا أبا النضر خذ المصحف، قال: فعرضت عليه سورة البقرة فلم أخطئ فيها حرفًا واحدًا، قال: يا أبا النضر أحكمت، قال: نعم. =

ص: 373

قال ابن عبد البر: وأما حديث عبيد بن عمير عن عائشة أن النبي صلى صلاة الكسوف ثلاث ركعات وسجدتين في كل ركعة، فإنما يرويه قتادة عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة. وسماع قتادة عندهم من عطاء غير صحيح

(1)

، وقتادة إذا لم يقل سمعت وخولف في نقله فلا تقوم به حجة لأنه يدلس كثيرًا عمن من لم يسمع منه، وربما كان بينهما غير ثقة، وليس مثل هذه الأسانيد يعارض بها حديث عروة وعمرة، عن عائشة، ولا حديث عطاء بن يسار عن ابن عباس، لأنها من الآثار التى لا مطعن لأحد فيها، وقد كان أبو داود الطيالسي يرى حديث قتادة هذا عن هشام، عن قتادة، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة موقوفًا لا يرفعه

(2)

.

وقال ابن عبد البر أيضًا: أكثر الآثار المرفوعة عن عمار في هذا الحديث إنما فيها ضربة واحدة للوجه واليدين، وكل ما يروى في هذا الباب عن عمار مضطرب مختلف فيه، وذهبت طائفة من أهل الحديث إلى أن أصح حديث روى عن مالك عن عمار حديث قتادة عن عزرة، وقال بعض من يقول بالتيمم إلى المرفقين: قتادة إذا لم يقل سمعت أو حدثنا فلا حجة في نقله، وهذا تعسفب والله أعلم

(3)

.

وقال ابن عبد البر أيضًا: وقتادة حافظ مدلس يروي عمن لم يسمع منه ويرسل عنه ما سمعه من ثقة وغير ثقة

(4)

.

قال البيهقي: وروينا عن شعبة أنه قال: كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش

= قال: لأنا لصحيفة جابر بن عبد الله أحفظ مني لسورة البقرة، قال: وكانت قرأت عليه. "المعرفة والتاريخ"(2/ 278 - 279)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (7/ 186)، و"الجعديات" لأبي القاسم البغوي (1/ 149).

(1)

رواية قتادة عن عطاء بن أبي رباح في الصحيحين.

(2)

"التمهيد"(5/ 291 - 292).

(3)

"التمهيد"(2/ 358 - 359).

(4)

"الاستذكار"(6/ 39).

ص: 374

وأبي إسحاق وقتادة

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد، نا علي قال: سمعت يحيى يقول: كل شيء يحدث به شعبة عن رجل فلا تحتاج أن تقول عن ذاك الرجل أنه سمع فلانًا، قد كفاك أمره.

نا صالح بن أحمد، نا علي بن المديني قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي قال: سمعت شعبة أو حدثني رجل عن شعبة أنه قال: كل شيء حدثتكم به فذلك الرجل حدثني به أنه سمعه من فلان إلا شيئًا أبينه لكم.

قال أبو محمد: فذكرته لأبي فقال: يعني أنه كان لا يدلس

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: نا صالح بن أحمد، نا علي بن المديني، قال: سمعت بهز بن أسد قال: سمعت همامًا قال: كان شعبة يوقف قتادة، قال: فحدث شعبة ذات يوم بحديث، فقال قتادة: من حدثك؟ أو من ذكر ذلك؟ فقال: نسألك فتغضب وتسألنا

(3)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثني أحمد بن الخليل، حدثنا إسحاق، ثنا سعيد بن عامر، أخبرنا همام بن يحيى قال: جاء شعبة إلى قتادة فحدث قتادة بحديث، فقال شعبة: ممن سمعت هذا؟ قال قتادة: والله إن كنا لنجلهم أن نسألهم ممن سمعت، فذكر الحسن وسعيدًا، فلم يبرح حتى حدث شعبة بحديث، فقال له قتادة: ممن سمعت هذا؟ فقال شعبة: أسألك فلا تجيبني وتسألني!

(4)

.

قال الخطيب البغدادي: ويجب أن يكون ضابطاَ لما سمعه وقت سماعه، متحفظًا على شيخه في روايته من أن يدلسه له إن كان ممن يُعرف بالتدليس، فإن

(1)

"معرفة السنن والآثار"(1/ 86).

(2)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 162، 173)، (2/ 35).

(3)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 166).

(4)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 18).

ص: 375

شعبة كان يتحفظ على قتادة في مثل ذلك.

أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد المتوثي، قال: أنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: ثنا سهل بن أحمد الواسطي، قال: ثنا عمرو بن علي، قال: سمعت يحيى القطان يقول: سمعت شعبة يقول: كنت أجلس إلى قتادة، فإذا سمعته يقول: سمعت فلانًا وحدثنا فلان كتبت، فإذا قال: قال فلان وحدث فلان لم أكتب

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد بن حنبل، نا علي بن المديني، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول وذكر شعبة قال: سمعته يقول: كنت أتفقد فم قتادة فإذا قال: سمعت أو حدثنا حفظت، وإذا قال حدث فلان تركته

(2)

.

قال ابن سعد: قال أبو داود الطيالسي عن شعبة: كنت أعرف حديث قتادة ما سمع مما لم يسمع، فإذا جاء ما سمع قال: حدثنا أنس بن مالك، وحدثنا الحسن، وحدثنا سعيد، وحدثنا مطرف، وإذا جاء مالم يسمع كان يقول: قال سعيد بن جبير، وقال أبو قلابة

(3)

.

قال حرب بن إسماعيل الكرماني: حدثنا أبو جعفر الدارمي

(4)

، قال: قال أبو داود: قال شعبة: ما حرك قتادة شفتيه إلا عرفت ما سمع مما لم يسمع

(5)

.

قال أبو زرعة الدمشقي: سمعت أحمد بن حنبل يُسأل عن قتادة، سمع من أبي قلابة؟ فقال: هو يحدث عنه، ولا أعلم أنه قال: يعني حدثنا- وذكر عن

(1)

"الكفاية"(صـ 255)(باب: "الكلام في أحكام الأداء وشرائطه").

(2)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 161، 169)، و "سؤالات ابن محرز" لابن معين وغيره (2/ 210).

(3)

"الطبقات الكبرى"(7/ 171)، ومقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 128).

(4)

أبو جعفر الدارمي هو أحمد بن سعيد بن صخر، ثقة حافظ كما في "التقريب".

(5)

مسائل حرب بن إسماعيل لأحمد وإسحاق بن راهويه ص 484.

ص: 376

سليمان بن داود عن شعبة قال: كنت أعرف ما سمع قتادة مما لم يسمع، كان يقول: حدثنا أنس، وحدثنا سعيد بن المسيب، وحدثنا الحسن، وحدثنا مطرف وإذا جاء مالم يسمع يقول: قال أبو قلابة، وقال سعيد بن جبير

(1)

.

(2)

.

قال عثمان الدارمي: حدثنا يعقوب الدورقي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: سمعت شعبة يقول: كنت أتفطن إلى فم قتادة فإذا قال: حدثنا كتبت، وإذا قال: حدث لم أكتب

(3)

.

قال ابن أبي حاتم: نا أحمد بن سنان الواسطي، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: سمعت شعبة يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال للحديث حدثنا عنيت به فوقفته عليه، وإذا لم يقل حدثنا لم أعن به، وأنه حدثنا عن أنس ابن مالك عن النبي-صلى الله عليه وسلم قال: سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوت من تمام الصلاة

(4)

، فكرهت أن أوقفه عليه فيفسده علي، فلم أوقفه عليه.

نا صالح، نا علي، قال: سمعت يحيى يقول: كل شيء حدثنا شعبة عن قتادة عن أنس فهو على السماع من أنس إلا حديث إقامة الصف.

قال: قلت ليحيى: شعبة أجمل هذا لك؟ قال: نعم

(5)

.

(1)

"تاريخ أبي زرعة الدمشقي"(صـ 215)، و "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 242)، و "المعرفة والتاريخ"(3/ 209)، ومقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 128، 161، 169)، و"التعديل والتجريح" لأبي الوليد الباجي (3/ 1066).

(2)

قلت: قتادة لم يسمع من أبي قلابة، ولا من سعيد بن جبير، انظر تفصيل ذلك في ترجمة قتادة من كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

(3)

"تاريخ الدارمي"(صـ 192)، و "الكامل في ضعفاء الرجال"(1/ 68). ويعقوب الدورقي هو يعقوب بن إبراهيم بن كثير الدورقي ثقة.

(4)

هذا الحديث أخرجه البخاري (723)، ومسلم (433) من طريق أبي الوليد الطيالسي وغندر، عن شعبة، عن قتادة، عن أنس.

(5)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 169، 239). وأحمد بن سنان الواسطي ثقة ثبت.

ص: 377

قال ابن أبي حاتم: نا أبي، حدثني مقاتل بن محمد الناقد الرازي، نا ابن إدريس قال: قال لي شعبة: نصصت على قتادة سبعين حديثًا كلها يقول سمعت من أنس إلا أربعة

(1)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا سلمة عن أحمد قال: حدثنا أبو قطن قال: سمعت شعبة يقول: تحررت عن قتادة بأربعة، فظننت أنه يعني في الحديث، فقال لي عبد الله: هذه أحدها - يعني: "سووا صفوفكم"

(2)

.

قال أحمد بن حنبل: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، والحجاج، قال: حدثني شعبة، قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك.

وحدثنا يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: حدثنا قتادة، عن أنس- والمعنى واحد-: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أهل الكتاب يسلمون علينا، فكيف نرد عليهم؟ فقال: قولوا: وعليكم.

وقال حجاج: قال شعبة: لم أسأل قتادة عن هذا الحديث، هل سمعته من أنس

(3)

.

قال النسائي: أخبرنا عمرو بن علي، قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من مات يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله موقنًا من قلبه دخل الجنة".

قال شعبة: لم أسأل قتادة سمعته من أنس؟

(4)

قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: أحاديث قتادة عن سعيد ما أدري كيف

(1)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 170). ومقاتل بن محمد ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 355 - 356) ونقل توثيقه عن أبي حاتم وأبي زرعة.

(2)

"المعرفة والتاريخ"(3/ 30)، (2/ 277 - 647)، و "سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 349).

(3)

"مسند أحمد (3/ 273). وأخرجه مسلم (2163)(7) من هذا الطريق.

(4)

"السنن الكبرى"(6/ 278)(ح 10973).

ص: 378

هي؟ قد أدخل بينه وبين سعيد نحوًا من عشرة رجال لا يعرفون

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد: سمعت أبي يقول: هؤلاء الرجال ما أدخل قتادة بينه وبين سعيد بن المسيب منهم: داود بن أبي هند، ويزيد الرشك، ومحمد بن سعيد بن المسيب، وداود بن أبي عاصم، وإسماعيل بن عمران العنزى روى عنه عامر الأحول، وسعيد بن يزيد وليس بأبي مسلمة، وعاصم بن سعيد الهزلي، وخالد البجلي، ورجل يقال له القاسم

(2)

.

قال حرب بن إسماعيل الكرماني: قال أحمد: قد عددت عشرة رجال بين قتادة وبين سعيد بن المسيب، يروي عنهم قتادة عن سعيد أحاديث

(3)

.

قال أبو داود: سمعت أحمد سأله رجل عن حديث لسعيد، فقال: يحيى عن سعيد أصح من قتادة عن سعيد، أى شيء يصنع بقتادة

(4)

.

قال ابن حجر: قال إسماعيل القاضي في "أحكام القرآن": سمعت علي بن المديني يضعف أحاديث قتادة عن سعيد بن المسيب تضعيفًا شديدًا، وقال: أحسب أن أكثرها بين قتادة وسعيد فيها رجال، وكان ابن مهدي يقول: مالك عن ابن المسيب أحب إلي من قتادة عن ابن المسيب

(5)

.

قال ابن أبي خيثمة: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، قال: نا إبراهيم بن سعد، عن أبيه، قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: كل حديث حدثكموه -يعني قتادة- فلا يوافقه عليه غيره لا تقبلوه منه

(6)

.

(1)

"سؤالات أبي داود الفقهية" للإمام أحمد (صـ 411).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 322).

(3)

"مسائل حرب بن إسماعيل لأحمد وإسحاق بن راهويه"(صـ 465).

(4)

"سؤالات أبي داود الفقهية" للإمام أحمد (صـ 227).

(5)

"تهذيب التهذيب". ومالك بن أنس لم يسمع من سعيد بن المسيب.

(6)

"تاريغ ابن أبي خيثمة"(2/ 131). وسليمان بن داود الهاشمي ثقة جليل.

وإبراهيم بن سعد هو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وهو ثقة حجة تُكلم فبه بلا قادح. وأبوه ثقة فاضل عابد.

ص: 379

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين، وزاد ابن حجر: صاحب أنس بن مالك -رضى الله عنه-، كان حافظ عصره، وهو مشهور بالتدليس، وصفه به النسائي وغيره

(1)

.

قلت: قتادة بن دعامة السدوسي قد أرسل عن كثير من الرواة ولم يسمع منهم

(2)

. فينبغي قبل إعلال الحديث بعنعنة قتادة التأكد هل سمع قتادة من الشيخ الذى يروي عنه أم لا.

وسُئل شيخنا محمد عمرو بن عبد اللطيف حفظه الله ونفع المسلمين بعلمه عن عنعنة قتادة: هل ترد مطلقًا أم فيها تفصيل؟ فقال: التعامل مع عنعنة قتادة له فقه ومقصدي من التعبير بكلمة فقه أن أصل به إلى أن في عنعنته تفصيلًا، فكثير من الموصوفين بالتدليس في عنعنتهم تفصيل، فقتادة فيه كلام كثير جدًا، لا أعني في عدالته وضبطه، ولكن أعني في روايته عن مشايخه، فهناك بضع وثلاثون رجلًا لم يسمع منهم وهم منصوص عليهم في "التهذيب" وغيره. فهؤلاء الرواة نرد عنعنته عنهم بإطلاق، وفى هذه الحالة لن يقول قتادة حدثنا.

فشيوخ قتادة على ضربين: ضرب لم يسمع منهم مع وجود المعاصرة، وضرب لا يدرى هل سمع منه أم لا، كقول البخاري رحمه الله: قتادة لا يعرف له سماع من ابن بريدة

(3)

.

أما الذين سمع منهم في الجملة كأنس رضى الله عنه، فعنعنته عنه الأصل فيها القبول، لأن حديثه عنه محتج به في الصحيحين، وتلقته الأمة بالقبول، فالأصل

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و" تعريف أهل التقديس"(صـ 146 - 147). وقد تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة (سماعيل بن أبي خالد.

(2)

انظر تفصيل ذلك في كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

(3)

"التاريخ الكبير"(4/ 12).

ص: 380

أن تقبل عنعنته عن أنس ولا تُرد إلا بقرائن واعتبارات يعرفها أهل هذا الشأن

(1)

.

أما عنعنته عن الحسن فمن الخطأ أن بعض الذين لم يتحصرموا بعد يقولون: قتادة مدلس وقد عنعن، مع أن الأئمة المتقدمون جعلوه من الأثبات في الحسن، ولم يشترطوا تصريحه بالسماع، إلا أن يصرح بأنه لم يسمع هذا الحديث بعينه من الحسن

(2)

.

أما عنعنته عن سعيد بن المسيب فتفترق عن تصريحه بالسماع منه، لأنه سمع من سعيد بن المسيب في الجملة ويعتبر ثبتًا فيه، ولكن كما قال الإمام أحمد: إن قتادة يُدخَل بينه وبين سعيد نحوًا من عشرة رجال لا يعرفون.

(1)

قلت: وقتادة رحمه الله كان من أثبت الناس في أنس بن مالك رضى الله عنه. قال أبو حاتم: ثابت البنانى ثقة صدوق، وأثبت أصحاب أنس: الزهري ثم قتادة ثم ثابت البنانى. "الجرح والتعديل"(2/ 449).

قال أبو داود: أثبت الناس في أنس قتادة ثم ثابت. "سؤالات الآجري" لأبى داود (1/ 445).

(2)

قال الآجري: سُئل أبو داود عن أصحاب الحسن، فقال: نا عباس العنبرى، ثنا محمد بن محبوب قال: سألت حماد بن سلمة عن أصحاب الحسن فقال: قتادة، وزياد الأعلم، ومنصور القصاب، وحفص بن سليمان. "سؤالات الآجري" لأبى داود (2/ 35). وقال يعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ" (2/ 53): حدثنى الفضل قال: قال أحمد بن حنبل: ما أحد من أصحاب الحسن أثبت من يونس، ولا أحد أسند عن الحسن من قتادة. قال: وكان عوف أقدم مجالسة للحسن من يونس. وقال يعقوب بن سفيان أيضًا في "المعرفة والتاريخ"(2/ 165): قال ابن المدينى: أصحاب الحسن: حفص المنقرى ثم قتادة، وحفص فوقه ثم قتادة بعده ويونس، وزياد الأعلم.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(7/ 135): سمعت أبا زرعة يقول: قتادة من أعلى أصحاب الحسن. قيل له: يونس بن عبيد؟ قال: ثم يونس. وقال أبو حاتم: كثر أصحاب الحسن قتادة ثم حميد". "الجرح والتعديل" (3/ 219).

ص: 381

‌حرف اللام

‌129 - ليث بن أبي سليم

قال الهيثمي: وعن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا تصروا الإبل والغنم للبيع، فمن اشترى شاة مصراة فإنه بأحد النظرين، إن ردها ردها بصاع من تمر.

قلت: رواه أبو داود وابن ماجه إلا أنهما قالا: رد مثلي أو مثل لبنها، فمحا بدل التمر.

رواه الطبراني في "الكبير"، وفيه ليث بن أبي سليم، وهو ثقة لكنه مدلس

(1)

.

قلت: وصف ليث بن أبي سليم بالتدليس فيه عندي نظر، وقد وثق الهيثمي ليث بن أبي سليم، وخالف المتقدمين في ذلك، ووصفه بالتدليس، ولا أعلم له سلفًا في ذلك والله أعلم.

* * *

(1)

"معجم الزوائد"(4/ 108).

ص: 382

‌حرف الميم

‌130 - محمد بن إسحاق بن يسار

قال ابن أبي حاتم: نا علي بن أبي طاهر فيما كتب إلى قال: نا الأثرم قال: قلت لأبي عبد الله: ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال: هو كثير التدليس جدًا فكان أحسن حديثه عندي ما قال أخبرني وسمعت

(1)

.

قال العقيلي: حدثني الخضر بن داود، حدثنا أحمد بن محمد، قال: قلت لأبي عبد الله: ما تقول في محمد بن إسحاق؟ قال: هو كثير التدليس جدًا، قلت له: فإذا قال حدثني وأخبرني، فهو ثقة؟ قال: هو يقول أخبرني فيخالف

(2)

.

قال يعقوب بن سفيان: قال علي: لم أجد لابن إسحاق إلا حديثين منكرين: نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم "إذا نعس أحدكم يوم الجمعة"، والزهري عن عروة عن زيد بن خالد "إذا مس أحدكم فرجه"، هذين لم يروهما عن أحد والباقين يقول: ذكر فلان، ولكن هذا فيه حدثنا

(3)

.

قال ابن حبان: وإنما أتى محمد بن إسحاق ما أتى لأنه كان يدلس عن الضعفاء فوقع المناكير في روايته من قبل أولئك، فأما إذا بين السماع فيما يرويه فهو ثبت يحتج بروايته

(4)

.

قال ابن رجب: وكان محمد بن إسحاق بن يسار يدلس عن غير الثقات، وربما دلس عن أهل الكتاب ما يأخذه عنهم من الأخبار.

(1)

"الجرح والتعديل"(7/ 193 - 194).

(2)

"الضعفاء الكبير"(4/ 28).

(3)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 27).

(4)

"ثقات ابن حبان"(7/ 383).

ص: 383

وقال أحمد: إذا قال ابن إسحاق: وذكر فلان فلم يسمعه منه

(1)

.

قال ابن هانئ: سمعت أحمد يقول: إبراهيم بن سعد من أحسن الناس حديثًا عن محمد بن إسحاق، فإذا جمع بين الرجلين يقول: حدثني فلان وفلان- لم يحكمه

(2)

.

قال المروذي: قال أحمد: كان ابن إسحاق يدلس إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد يبين إذا كان سماعًا قال: حدثني، وإذا لم يكن قال: قال.

ثم قال: يقول: قال أبو الزناد، قال فلان، قال: وتنظر في كتاب يزيد بن هارون عن أبي الزناد كلها

(3)

.

قال ابن محرز: سمعت عليًا يقول: ليس كتاب عن ابن إسحاق أصح من كتاب إبر اهيم بن سعد وهارون الشامي، وذلك أنه أملى على هارون الشامي من كتابه

(4)

.

قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني رجل من أصحابي، عن مقسم وقد أدركه، عن ابن عباس قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة فكبر عليه سبع تكبيرات ولم يؤت بقتيل إلا صلى عليه معه حتى صلى عليه اثنتين وسبعين صلاة.

وهذا ضعيف، ومحمد بن إسحاق بن يسار إذا لم يذكر اسم من حدث عنه لم يفرح به، ورواه الحسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد، والحسن بن عمارة ضعيف لا يحتج بروايته

(5)

.

(1)

"شرح علل الترمذي"(1/ 413)، (2/ 600).

(2)

"مسائل ابن هانئ" للإمام أحمد (2/ 223).

(3)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية المروذي وغيره (صـ 38).

(4)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين" (2/ 200). وهارون الشامي هو هارون ابن أبي عيسى.

(5)

"السنن الكبرى"(4/ 13).

ص: 384

قال العلائي: محمد بن إسحاق بن يسار الإمام المشهور، ممن أكثر منه وخصوصًا عن الضعفاء

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين، وزاد ابن حجر: صاحب المغازي، صدوق، لكنه مشهور بالتدليس عن الضعفاء والمجهولين، وعن شر منهم، وصفه بذلك أحمد والدارقطني وغيرهما

(2)

.

‌131 - محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري صاحب الصحيح

قال ابن القطان الفاسي: وأما البخاري رحمه الله فذلك عنه باطل

(3)

، ولم يصح قط عنه، وإنما هي تخيلات عليه أنه كان يكنى عن محمد بن يحيى الذهلي لما توقف

(4)

.

قال ابن العراقي: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري صاحب الصحيح، قال أبو عبد الله بن منده: قوله في صحيحه: قال فلان "تدليس"، وما علمنا لابن منده موافقًا على ذلك، ولم ينسب أحد البخاري إلى شيء من التدليس

(5)

.

قال برهان الدين ابن العجمي: ذكر ابن منده أبو عبد الله محمد بن إسماعيل في جزء له في شروط القراءة والسماع والمناولة والإجازة: "أخرج البخاري في كتابه الصحيح وغيره، وقال لنا فلان وهي إجازة، وقال فلان وهو تدليس، قال: وكذلك مسلم أخرجه على هذا" انتهى كلامه.

قال شيخنا في "شرح الألفية": ولم يُوافق عليه، وقال في "النكت له على ابن الصلاح": وهو مردود عليه، ولم يوافقه عليه أحد فيما علمته، والدليل على

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 109).

(2)

"جامع التحصيل"(113)، و "تعريف أهل التقديس"(صـ 168 - 169).

(3)

أى التدليس.

(4)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 499).

(5)

كتاب "المدلسين"(صـ 82 - 83).

ص: 385

بطلان كلامه أنه ضم مع البخاري مسلمًا في ذلك، ولم يقل مسلم في صحيحه بعد المقدمة عن أحد من شيوخه قال فلان، وإنما روى عنهم بالتصريح، فذلك يدلك على توهين كلام ابن منده، لكن سيأتي في النوع الحادي عشر ما يدلك على أن البخاري قد ذكر الشيء عن بعض شيوخه ويكون بينهما واسطة. انتهى.

وقد أجاب شيخنا عن هذا في "النكت على ابن الصلاح" في النوع الحادي عشر. وقد نقل شيخنا قبل القراءة على الشيخ عن أبي الحسن بن القطان في تدليس الشيوخ أنه قال: وأما البخاري فذاك عنه باطل- انتهى

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: الإمام، وصفه بذلك أبو عبد الله بن منده في كلام له، فقال فيه: أخرج البخاري قال فلان وقال لنا فلان، وهو تدليس، ولم يوافق ابن منده على ذلك، والذى يظهر أنه كان يقول فيما لم يسمع: قال، وفيما سمع: قال لنا، لكن لا يكون على شرطه، أو موقوفًا: قال لي أو قال لنا، وقد عرفت ذلك بالاستقراء من صنيعه

(2)

.

قال ابن حجر: قال العراقي: والبخاري ليس مدلسًا.

أقول: لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسًا، ومن هذا الذى صرح أن استعمال "قال" إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد مشايخه، مستعملًا لها فيما لم يسمعه منه يكون تدليسًا، لم نرهم صرحوا بذلك إلا في العنعنة.

وكأن ابن الصلاح أخذ ذلك من عموم قولهم: إن حكم عن وأن وقال وذكر واحد.

وهذا على تقدير تسليمه لا يستلزم التهسوية بينهما من كل جهة، كيف وقد نقل ابن الصلاح عن الخطيب أن كثيرًا من أهل الحديث لا يسوون بين قال وعن في الحكم.

(1)

"التبيين لأسماء المدلسين"(ص 174).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 90، 91).

ص: 386

وقد بينا الأسباب الحاملة للبخاري على التعاليق، فإذا تقرر ذلك لم يستلزم التدليس لما وصفنا.

وأما قول ابن منده: "أخرج البخاري" قال وهو تدليس، فإنما يعني به أن حكم ذلك عنده هو حكم التدليس، ولا يلزم أن يكون كذلك حكمه عند البخاري.

وقد جزم العلامة ابن دقيق العيد بتصويب الحميدي في تسميته ما يذكره البخاري عن شيوخه تعليقًا، إلا أنه وافق ابن الصلاح في الحكم بالصحة لما جزم به، وهو موافق لما قررناه على أن الحميدى لم يخرج ذلك. (قال المحقق: كذا في النسخ كلها "يخرج" ولعله لم ينفرد) فقد سبقه إلى نحوه أبو نعيم شيخ شيخه فقال في المستخرج عقب كل حديث أورده البخاري عن شيوخه بصيغة قال فلان كذا: "ذكره البخاري بلا رواية" والله الموفق.

تنبيه: قال ابن حزم في "كتاب الإحكام": اعلم أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول، فهو على اللقاء والسماع، سواء قال: أخبرنا أو حدثنا أو عن فلان أو قال فلان، فكل ذلك محمول على السماع منه. انتهى.

فيتعجب منه مع هذا في رده حديث المعازف ودعواه عدم الاتصال فيه -والله الموفق-

(1)

.

‌132 - محمد بن الحسين البخاري

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن الحسين البخاري في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: يروى عن وكيع، وعنه ولداه عمر وإبراهيم، أشار ابن حبان إلى أنه كان يدلس

(2)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(9/ 68): محمد بن الحسين البخاري، يروى عن وكيع والغنجار، روى عنه ابناه إبراهيم وعمر، يعتبر حديثه إذا بين

(1)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 601 - 603).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 148).

ص: 387

السماع في روايته.

وقال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان"(6/ 214): محمد بن الحسين البخاري يروي عن وكيع وغنجار، روى عنه ابناه إبراهيم وعمر، يعتبر حديثه إذا بين السماع، قاله ابن حبان في "الثقات"، ومقتضاه أنه كان مدلسًا. اهـ ولم يذكر الحافظ في ترجمته إلا قول ابن حبان.

‌133 - محمد بن حماد الطهراني

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن حماد الطهراني في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: الراوي عن عبد الرزاق، أشار أبو محمد بن حزم إلى أنه دلس حديثًا

(1)

.

قال الذهبي في "الميزان"(3/ 527): محمد بن حماد الطهراني، صاحب عبد الرزاق، صدوق إن شاء الله، كبير القدر، قد وثقه الدارقطني وابن أبي حاتم وحسبك.

عدي بن منصور الفقيه قال: لم أر من الشيوخ من أحببت أن أكون مثلهم- يعني في الفضل- سوى ثلاثة، أولهم: محمد بن حماد الطهراني.

قلت: روى عنه ابن ماجه.

قال عبد الحق في "الأحكام": لا يحتج به، وأخطأ في حديث.

قال ابن حزم: روى عن عبد الرزاق، حدثنا ابن جريج، أخبرني عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة. فهذا رواه ابن زنجويه وغيره عن عبد الرزاق، عن ابن جريج، وفيه: أخبرني عمرو بن دينار، قال: علمي والذى يخطر على بالي أن أبا الشعثاء أخبرني، وكذا رواه البرساني عن ابن جريج بالشك.

قال ابن حزم: أخطأ فيه الطهراني بيقين.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 126. 127).

ص: 388

قلت: ما أخطأ، بل اختصر هذا التحمل، وقنع بعن ودلس، والحديث في مسلم. اهـ

قلت: قول ابن حزم في "المحلى"(1/ 215)"كتاب الطهارة" مسألة وكل ماء توضأت منه امرأة حائض أو غير حائض أو اغتسلت منه فضلًا، لم يحل لرجل الوضوء من ذلك الفضل ولا الغسل منه.

قلت: إن كان الحافظ رحمه الله قصد أن ابن حزم أشار إلى أن الطهراني دلس حديث ابن عباس السابق ذكره فقد وهم والله أعلم، فإن الذهبي هو الذي أشار إلى ذلك.

قلت: وحديث ابن عباس أخرجه أحمد (1/ 366)، ومسلم (1/ 177)، وابن خزيمة (108)، والدارقطني (1/ 53) من طريق عبد الرزاق ومحمد بن بكر البرساني وأبي عاصم النبيل وروح بن عبادة عن ابن جريج قال: أخبرني عمرو بن دينار، قال: أكبر علمي -والذي يخطر على بالي- أن أبا الشعثاء أخبرني، أن ابن عباس أخبره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة.

والحديث في مصنف عبد الرزاق (1037)، ورواه عن عبد الرزاق أحمد في "مسنده"(1/ 366)، ومحمد بن رافع عند ابن خزيمة في "صحيحه"(108).

‌134 - محمد بن خازم أبو معاوية الضرير

قال ابن سعد: أبو معاوية الضرير ثقة كثير الحديث يدلس

(1)

.

قال يعقوب بن شيبة: محمد بن خازم الضرير كان من الثقات، وربما دلس

(2)

.

قال ابن محرز: وسمعت علي بن المديني وقيل له في حديث سهيل عن أبيه عن ابن عمر: كنا نعد، فقال: أنا أفرقه، كان أبو معاوية لا يقول فيه حدثنا

(3)

.

(1)

"الطبقات الكبرى"(6/ 364).

(2)

"تاريخ بغداد"(5/ 294)، وكتاب "المدلسين" للعراقي.

(3)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين وغبره (2/ 232).

ص: 389

قال الحاكم: أما أهل الكوفة فمنهم من دلس، ومنهم من لم يدلس، وقد دلس أكثرهم، والمدلسون منهم: حماد بن أبي سليمان وإسماعيل بن أبي خالد وغيرهما، فأما الطبقة الثانية فمثل أبي أسامة وأبي معاوية محمد بن خازم الضرير وغيرهما، فإن أكثرهم لم يدلسوا

(1)

.

وذكره العلائي في المدلسين وقال: قال أحمد بن طاهر

(2)

: كان يدلس.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: مشهور بكنيته، معروف بسعة الحفظ، أثبت أصحاب الأعمش فيه، وصفه الدارقطني بالتدليس

(3)

.

‌135 - محمد بن صدقة الفدكي

قال برهان الدين ابن العجمي: محمد بن صدقة الفدكي، أبو عبد الله، سمع مالك بن أنس، وعنه إبراهيم بن المنذر الحزامي، ذكره ابن الأثير في اختصاره كتاب "الأنساب" لابن السمعاني أنه كان مدلسًا- انتهى.

قال العلائي: وفى ثقات ابن حبان في ترجمته معنى ذلك والله أعلم

(4)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: من أصحاب مالك، وصفه ابن حبان بالتدليس في كتاب الثقات، وكذلك وصفه الدارقطني

(5)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(9/ 67): محمد بن صدقة أبو عبد الله الفدكي وفدك بالقرب من المدينة، يروى عن مالك بن أنس، روى عنه إبراهيم بن المنذر

(1)

"المدخل إلى الإكليل"(صـ 46).

(2)

هو صاحب رجال الصحيحين كما في "النكت على ابن الصلاح" للزركشي (2/ 128).

(3)

"جامع التحصيل"(ص 109)، و كتاب "المدلسين" للعراقي (صـ 83)، و "تعريف أهل التقديس"(صـ).

(4)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 184)، و"جامع التحصيل"(صـ 109).

(5)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 148).

ص: 390

الحزامي، يعتبر حديثه إذا بين السماع في روايته فإنه كان يسمع من قوم ضعفاء عن مالك ثم يدلس عنهم.

وقال ابن الأثير في "اللباب في تهذيب الأنساب"(2/ 412 - 413): أبو عبد الله محمد بن صدقة الفدكي سمع مالك بن أنس، روى عنه إبراهيم بن المنذر الخزامي، وكان مدلسًا.

وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 585): محمد بن صدقة الفدكي حديثه حديث منكر.

قال الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حدثنا عمرو بن الربيع بن طارق، حدثنا محمد بن صدقة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن أنس: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ادخر لأهله قوت السنة تصدق بما بقي.

يقال: رواه حبيب كاتب مالك عن ابن صدقة.

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(6/ 273): قال الدارقطني في "العلل": محمد بن صدقة ليس بالمشهور، ولكنه ليس به بأس.

وقال في غرائب مالك بعد أن أخرج الحديث من وجه آخر عن يحيى بن عثمان: تابعه حبيب كاتب مالك، وليس ذا من حديث النبي وهمًا، رواه الزهري، عن مالك بن أوس بن الحدثان، عن عمر.

ثم ذكر الحافظ كلام ابن حبان وقال: قلت: والمتن المذكور طرف من حديث مخرج في الصحيح بالمعنى للزهري بغير هذا الإسناد، كما أشار إليه الدارقطني.

‌136 - محمد بن عبد الرحمن الطفاوي

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن عبد الرحمن الطفاوي في المرتبة الثالثة من المدلسين، وقال: من أتباع التابعين، ذكره أحمد والدارقطني بالتدليس

(1)

.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 148 - 149).

ص: 391

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، أبو المنذر البصري، صدوق يهم.

قال الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(2/ 308): أخبرنا أبو بكر البرقاني، حدثنا أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي، حدثنا الحضرمي -يعني معنًا- قال: سألت أحمد بن حنبل عن الطفاوي -يعني محمد بن عبد الرحمن- فقال: كان يدلس. وأحمد بن إبراهيم هو الإمام أبو بكر الإسماعيلي صاحب الصحيح والمعجم.

ومعن الحضرمي هو معن بن عبد الله، ولم أقف له على ترجمة.

وقد تقدم في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أن الدارقطني له كتاب في المدلسين.

وفي "تهذيب التهذيب": "قال الدوري عن ابن معين: محمد بن عبد الرحمن الطفاوي ليس به بأس. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: صالح.

وقال ابن حبان عن ابن معين: لم يكن به بأس، البصريون يرضونه. وقال علي ابن المديني: كان ثقة.

وقال أبوداود وأبو حاتم: ليس به بأس. زاد أبو حاتم: صدوق صالح، إلا أنه يهم أحيانًا. وقال أبوزرعة: منكر الحديث. وذكره ابن حبان في " الثقات". وفى "العلل" لابن أبي حاتم: قال أبو زرعة: الطفاوي صدوق إلا أنه يهم أحيانًا. وقال أبو حاتم أيضًا: ضعيف الحديث. وقال الدارقطني: قد احتج به البخاري. وقال ابن عدي: وعامة رواياته إفرادات وغرائب، وكلها تحتمل، ويكتب حديثه، ولم أر للمتقدمين فيه كلامًا، وإنما ذكرته لأحاديث أيوب التى انفرد بها، وكل محتمل ولا بأس به.

قلت: لكنه أورد ما رواها عن هشام بن عروة، والذنب فيها لغير الطفاوي، فإنها من رواية عمرو بن عبد الجبار السخاوي عن الطفاوي، وقد أورد له ابن عدي الحديث الأول في ترجمته، وهو المتهم به". اهـ

ص: 392

‌137 - محمد بن عبد الملك بن مروان الواسطي الكبير

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن عبد الملك الواسطى الكبير في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته، وعنه وهب بن بقية، وصفه ابن حبان بالتدليس، وكذا أطلق فيه الذهبي في "تذهيب التهذيب"

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": محمد بن عبد الملك الواسطي مقبول.

قال ابن حبان في "الثقات"(9/ 49): محمد بن عبد الملك أبو إسماعيل الواسطى، يروى عن الحسن بن عبيد الله ويحيى بن أبي كثير، روى عن بقية بن وهب بن بقية، يعتبر حديثه إذا بين السماع في خبره في روايته فإنه كان مدلسًا يخطئ.

وقال الذهبي في "تهذيب التهذيب"(8/ 199 - 200): محمد بن عبد الملك أبو إسماعيل كان مدلسًا، وذكره ابن حبان في "الثقات".

وترجم له الحافظ في "التهذيب" وقال: روى عن إسماعيل بن أبي خالد والحسن بن عبيد الله ويحيى بن أبي كثير، روى عنه محمد بن أبان ووهب بن منبه الواسطيان. ثم ذكر قول ابن حبان فقط.

‌138 - محمد بن عجلان

قال العلائي: محمد بن عجلان المدني ذكر ابن أبي حاتم حديثه عن الأعرج عن أبي هريرة حديث "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف" فقال: إنما سمعه من ربيعة بن عثمان عن الأعرج.

قلت: رواه عبد الله بن إدريس عن ربيعة بن عثمان عن محمد بن يحيى بن

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 149).

ص: 393

حبان عن الأعرج، وذكر ابن أبي حاتم أيضًا أنه كان يدلس- أعني ابن عجلان

(1)

.

(2)

.

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 109).

(2)

روى الحديث الذى أشار إليه العلائي النسائي في "السنن الكبرى"(10457)، وابن ماجه (4168)، والطحاوي في "مشكل الآثار"(259)، وابن حبان (5721) من طريق قتيبة بن سعيد وسليمان بن منصور ومحمد بن الصباح ويونس ابن عبد الأعلى وحسين بن حريث عن سفيان بن عيينة، عن محمد بن عجلان، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

قال الطحاوي: فتأملنا إسناد هذا الحديث، هل هو موصول، أو قد دخله تدليس من ابن عجلان، أتاه به عن الأعرج يحدث به عنه بغير سماع منه إياه.

فوجدنا محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي الذهلي أبا العلاء قد حدثنا قال: حدثنا أحمد بن جميل المروزي، حدثنا ابن المبارك، حدثنا محمد بن عجلان، عن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة الحديث.

ثم سمعته من ربيعة، وحفظي له عن محمد.

قلت: هذا قول ابن المبارك، وهذا الطريق أخرجه أحمد (2/ 366 - 370)، والنسائي في "الكبرى"(10459 - 10460)، ويعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ"(3/ 6)، وابن السنى في "عمل اليوم والليلة"(348).

ورواه الحميدي (1114) عن سفيان بن عيينة، عن ابن عجلان، عن رجل من آل ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة.

قال الطحاوى عقب هذا الطريق: فوقفنا بذلك على أن محمد بن عجلان إنما حدث به عن الأعرج تدليسًا منه به عنه، وإنه إنما كان أخذه من ربيعة بن عثمان عنه.

ثم تأملنا حديث ربيعة عن الأعرج، هل هو سماعه إياه منه، أو على التدليس به. فوجدنا فهدًا قد حدثنا قال: حدثنا أحمد بن حميد الكوفي ختن عبيد الله بن موسى، حدثنا عبد الله بن إدريس، عن ربيعة بن عثمان، عن محمد بن=

ص: 394

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: تابعي صغير مشهور، من شيوخ مالك، وصفه ابن حبان بالتدليس

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": محمد بن عجلان المدني، صدوق إلا أنه اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة.

قال ابن حبان في "الثقات"(7/ 386): محمدبن عجلان عنده صحيفة عن سعيد المقبري، بعضها عن أبيه عن أبي هريرة، وبعضها عن أبي هريرة نفسه.

قال يحيى القطان: سمعت محمد بن عجلان يقول: كان سعيد المقبري يحدث

= يحيى بن حبان، عن الأعرج، عن أبي هريرة، فوقفنا بذلك على أن أصل هذا الحديث في إسناده إنما هو عن ابن عجلان، عن ربيعة بن عثمان، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن الأعرج.

قلت: هذا الطريق رواه مسلم (2664)، والنسائي في "السنن الكبرى"(10457)، وابن ماجه (79)، ويعقوب بن سفيان في "المعرفة والتاريخ"(2/ 6)، وابن حبان (5722).

قلت: ولم أقف على وصف ابن أبي حاتم له بالتدليس، وإنما الذى في كتاب "العلل" لابن أبي حاتم (2/ 434 - 435): قال ابن أبي حاتم: سمعت علي بن الحسين بن الجنيد ورأى في كتابي حديثًا عن محمد بن عوف الحمصي، عن حيوة بن شريح، عن بقية، عن معاوية بن يحيى الصدفي، عن محمد بن عجلان، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي أفضل من المؤمن الضعيف وفى كل خير، احرص على ما ينفعك ولا تعجز، فإن غلبك شيء فقل قدر الله وما شاء صنع، وإياك ولو، فإن اللو تفتح عمل الشيطان".

فسمعت ابن الجنيد حافظ حديث مالك والزهري يقول: إنما يرويه الناس عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم بلا عمر.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 149 - 150).

ص: 395

عن أبيه عن أبي هريرة، وعن أبي هريرة فاختلطت علي فجعلتها كلها عن أبي هريرة.

قال أبو حاتم رضي الله عنه: قد سمع سعيد المقبري من أبي هريرة، وسمع عن أبيه عن أبي هريرة، فلما اختلط فيها جعلها كلها عن أبي هريرة، وليس هذا مما يهى الإنسان لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة، فما قال ابن عجلان عن سعيد، عن أبيه، عن أبي هريرة فذاك مما حمل عنه قديمًا قبل اختلاط صحيفته عليه، وما قال عن سعيد عن أبي هريرة فبعضها متصل صحيح، وبعضها منقطع لأنه أسقط أباه منها، فلا يجب الاحتجاج عند الاختلاط إلا بما يروى الثقات المتقنون عنه عن سعيد عن أبي هريرة. وإنما كان يهي أمره ويضعف لو قال في الكل سعيد عن أبي هريرة فإنه لو قال ذلك لكان كاذبًا في البعض لأن الكل لم يسمعه سعيد عن أبي هريرة، فلو قال ذلك لكان الاحتجاج به ساقطًا على حسب ما ذكرناه.

وفهم الحافظ ابن حجر أن ابن حبان يصف محمد بن عجلان بالتدليس، لأن بعض الأحاديث التى كان يحدث بها ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة لم يسمعها سعيد من أبي هريرة، إنما سمعها من أبيه عن أبي هريرة فأسقط ابن عجلان أبيه ورواها عن سعيد عن أبي هريرة مباشرة ".

قلت: وما نقله ابن حبان عن القطان فيه نظر، ولم يسق ابن حبان إسناده إلى يحيى القطان، والثابت عن يحيى القطان غير ما ذكره ابن حبان.

قال الترمذي: أخبرنا أبو بكر عن علي بن عبد الله قال: قال يحيى بن سعيد: قال محمد بن عجلان: أحاديث سعيد المقبري بعضها سعيد عن أبي هريرة، وبعضها سعيد عن رجل عن أبي هريرة، فاختلطت علي فصيرتها عن سعيد عن أبي هريرة. فإنما تكلم يحيى بن سعيد عندنا في ابن عجلان لهذا. "العلل الصغير" للترمذي (5/ 745) من الجامع، و"التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 197).

ص: 396

وأبو بكر هو عبد القدوس بن محمد الحبحابي البصري صدوق.

فالواسطة التى يسقطها ابن عجلان بين سعيد المقبري وأبي هريرة ليست والده فقط.

وقد أسقط ابن عجلان بين سعيد وأبي هريرة أبي إسحاق مولى عبد الله بن الحارث، وعبد الرحمن بن مهران، وأخيه عباد بن أبي سعيد المقبري، وبشير ابن المحرر، كما في "علل ابن المديني"(صـ 96)، و "السنن الكبرى" للنسائي (4/ 445)(ح 7872)، (6/ 28)(ح 9920)، و "علل الدارقطني"(8/ 152).

وقال الحافظ ابن حجر في كل واحد من هؤلاء الرواة الأربعة في "التقريب": مقبول.

قلت: قد ثبت أن ابن عجلان دلس حديث "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف". ولم يصف أحد من العلماء ابن عجلان بالتدليس، فلا ينبغي التوقف في عنعنته إلا فيما ثبت أنه دلسه.

أما روايته عن سعيد المقبري، فإن أحاديثه عن سعيد المقبري قد اختلطت عليه، وكان بعضها عن سعيد عن أبي هريرة، وبعضها عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة، وبعضها عن سعيد عن رجل عن أبي هريرة، فلما اختلطت عليه جعلها كلها عن سعيد عن أبي هريرة.

‌139 - محمد بن عمران بن موسى أبو عبيد الله الكاتب المعروف بالمرزباني

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن عمران بن موسى المرزباني في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: الكاتب الإخباري، كان يطلق التحديث والإخبار في الإجازة ولا يبين، ذكر ذلك الخطيب وغيره

(1)

.

(1)

تعريف أهل التقديس (صـ 91 - 92).

ص: 397

قال الذهبي في "الميزان"(3/ 672 - 673): محمد بن عمران أبي عبيد الله المرزباني الكاتب الإخبارى روى عن البغوي وطبقته، وأكثر ما يخرجه فبالإجازة لكنه يقول فيها: أخبرنا ولا يبين.

قال القاضي الحسين بن علي الصميري: سمعت المرزباني يقول: كان في داري خمسون ما بين لحاف ودُوَّاج مُعَدَّة لأهل العلم الذين يبيتون عندى.

وقال أبو القاسم الأزهري: كان المرزباني يضع المحبرة وقنينة النبيذ فلا يزال يكتب ويشرب.

وقال العتيقي: كان مذهبه الاعتزال، وكان ثقة.

وقال الخطيب: ليس بكذاب، أكثر ما عيب عليه المذهب وروايته بالإجازة ولم يبين، صنف كتبًا كثيرة في أخبار الشعراء والغزل والنوادر وأشياء، وكان حسن الترتيب لما يجمعه، يقال: إنه أحسن تصنيفًا من الجاحظ.

وقال الخطيب: قال الأزهري: كان معتزليًا، وما كان ثقة.

‌140 - محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع

قال العلائي: محمد بن عيسى بن سميع ذكر ابن حبان أنه روى حديث مقتل عثمان عن ابن أبي ذئب، قال: ولم يسمعه منه، إنما سمعه من إسماعيل بن يحيى أحد الضعفاء عنه، وكذلك قال صالح بن جزرة وغيره

(1)

.

قال برهان الدين ابن العجمي: محمد بن عيسى بن سميع ذكر ابن حبان أنه روى حديث مقتل عثمان عن ابن أبي ذئب ولم يسمعه منه، إنما سمعه عن إسماعيل بن يحيى أحد الضعفاء عنه.

وكذلك قال صالح بن محمد وغيره

(2)

.

(1)

"جامع التحصيل"(ص 109).

(2)

"التبيين لأسماء المدلسين"(ص 193).

ص: 398

وذكره ابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين وقال: دمشقي، فيه ضعف، وصفه بالتدليس ابن حبان

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع صدوق يخطئ ويدلس، ورمي بالقدر.

قال ابن حبان في "الثقات"(9/ 43): محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع القرشي، كنيته أبو سفيان، وقد قيل أبو الحكم، من أهل الشام، يروي عن ابن أبي ذئب وعبيد الله بن عمر، روى عنه هشام بن عمار وأهل الشام، مستقيم الحديث إذا بين السماع في خبره، فأما خبره الذى روى عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب في مقتل عثمان لم يسمعه من ابن أبي ذئب، سمعه من إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله التيمي عن ابن أبي ذئب فدلس عنه، وإسماعيل واهٍ.

قلت: قد وصف ابن حبان محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع بالتدليس في خبر مقتل عثمان، وتوقف في عنعنته في غير هذا الحديث، وخالفه باقي العلماء فوصفوا محمد بن عيسى بالتدليس في حديث مقتل عثمان فقط.

قال ابن عدي في "الكامل"(6/ 246): سمعت عبدان يقول: سمعت ابن أبي سميع يقول: لم يسمع أبي حديث مقتل عثمان من ابن أبي ذئب، إنما هو في كتاب أبي عن قاص.

حدثنا أبو العلاء الكوفي ومحمد بن العباس بن الوليد قالا: ثنا هشام بن عمار، وثنا الفضل بن عبد الله بن مخلد، ثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال قالا: ثنا محمد بن عيسى بن سميع أبو سفيان القرشي، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري: قلت لسعيد بن المسيب: هل أنت مخبري كيف كان قتل عثمان، وما كان شأن الناس وشأنه، وخَذلَهُ أصحاب محمد عليه السلام، فقال لي: قُتل عثمان

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 169. 170).

ص: 399

مظلومًا، ومن قتله كان ظالمًا، ومن خذله كان معذورًا، فذكراه بطوله.

قال الشيخ: ولابن سميع أحاديث حسان عن عبيد الله، وعن روح بن القاسم وجماعة من الثقات، وهو حسن الحديث، والذى أُنكر عليه حديث مقتل عثمان أنه لم يسمعه من ابن أبي ذئب.

وقال المزي في "تهذيب الكمال"(26 - 256 - 257): قال صالح بن محمد الأسدي الحافظ: حدثنا هشام بن عمار قال: حدثنا محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري حديث مقتل عثمان بن عفان. قال: فجهدت به الجهد أن يقول: حدثنا ابن أبي ذئب، فأبى أن يقول إلا: عن أبن أبي ذئب.

قال صالح بن محمد: قال لي محمود ابن بنت محمد بن عيسى: هو في كتاب جدي عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله عن ابن أبي ذئب.

قال صالح: وإسماعيل بن يحيى هذا يضع الحديث، قال: هو ابن يحيى بن عبيد الله الذى يروي عنه يعلي بن عبيد وهؤلاء.

قال صالح بن محمد: فحدثت بهذه القصة محمد بن يحيى الذهلي، فقال: الله المستعان.

وقال أبو حفص بن شاهين: محمد بن عيسى بن سميع شيخ من أهل الشام ثقة، وإسماعيل بن يحيى بن عبيد الله الذى أسقطه ضعيف.

وقال الحاكم أبو أحمد: مستقيم الحديث إلا أنه روى عن ابن أبي ذئب حديثًا منكراَ، وهو حديث مقتل عثمان، ويقال: كان في كتابه عن إسماعيل بن يحيى التيمي عن ابن أبي ذئب فأسقطه، وإسماعيل ذاهب الحديث. اهـ.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(1/ 203): محمد بن عيسى بن القاسم ابن سميع شامي عن ابن أبي ذئب عن الزهري في مقتل عثمان، سمع منه هشام بن عمار، ويُقال: أنه لم يسمع من ابن أبي ذئب هذا الحديث.

وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 678): وقد أُنكر على محمد بن عيسى بن

ص: 400

القاسم بن سميع حديث مقتل عثمان، وهو في كتابه عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله -أحد الضعفاء- عن ابن أبي ذئب، فرواه على سبيل التدليس عن ابن أبي ذئب، وأسقط إسماعيل. اهـ

قلت: فالذي يظهر لي أن محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع دلس حديث مقتل عثمان فقط، فلا ينبغي التوقف في عنعنته في غير هذا الحديث.

‌141 - محمد بن عيسى بن نجيح أبو جعفر بن الطباع

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن عيسى بن الطباع في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: ثقة مشهور، قال صاحبه أبو داود: كان مدلسًا، وكذا وصفه به الدارقطني

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": محمد بن عيسى بن نجيح البغدادي، أبو جعفر بن الطباع البغدادي، ثقة فقيه، كان من أعلم الناس بحديث هشيم. قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: كان محمد بن عيسى بن الطباع يتفقه، وكان يحفظ نحوًا من أربعين ألف حديث، وكان ربما دلس. ("سؤالات الآجري" لأبي داود (2/ 246)).

وقد تقدم في ترجمة إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى أن الدارقطني له كتاب في المدلسين.

قلت: ابن الطباع له ترجمة في "تهذيب التهذيب"، أورد فيها الحافظ أقوال الأئمة المتقدمين فيه، ولم أر واحدًا منهم وصفه بالتدليس إلا أبا داود فإنه قال: ربما دلس، وأبو داود كان تلميذه ومن أعلم الناس به، فقوله "ربما دلس" يشعر بقلة تدليسه.

فينبغي أن يكون ابن الطباع من المرتبة الأولى أو الثانية من المدلسين، وليس

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 150).

ص: 401

من المرتبة الثالثة كما قال الحافظ، والله أعلم.

‌142 - محمد بن كثير الصنعاني

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن كثير الصنعاني في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: قال العقيلي في ترجمة "خالد بن عمرو الأموي" أحد الضعفاء: روى عن الثوري عن أبي حازم عن سهل حديث "ازهد في الدنيا" قال: وهذا لا أصل له عن الثوري، وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني عن الثوري، ولعله أخذه عنه ودلسه، لأن المشهور به خالد

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي الصنعاني، أبو يوسف، نزيل المصيصة، صدوق كثير الغلط.

قلت: قال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 11): ومن حديث خالد ابن عمرو الأموي ما حدثنا به علي بن عبد العزيز، قال: حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام، قال: حدثنا خالد بن عمرو القرشي، عن سفيان، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، أن النبي صلى الله عليه وسلم وعظ رجلًا فقال: ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما أيدي الناس يحبك الناس. وليس له من حديث الثوري أصل، وقد تابعه محمد بن كثير الصنعاني، ولعله أخذه عنه ودلسه، لأن المشهور به خالد هذا.

وقال ابن أبي حاتم في "العلل"(2/ 107): سألت أبي عن حديث رواه علي بن ميمون الرقي، عن محمد بن كثير، عن سفيان الثوري، عن أبي حازم عن سهل بن سعد الساعدي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أخبرني بعمل إذا أنا عملته أحبني الله عز وجل وأحبني الناس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 182).

ص: 402

فقال أبي: هذا حديث باطل - يعني بهذا الإسناد.

وروى ابن عدي في "الكامل"(3/ 31) هذا الحديث من طريق خالد بن عمرو، ثم قال: وروى هذا الحديث أبو عبيد القاسم بن سلام عن خالد هذا، وروى عن محمد بن كثير عن الثوري مثله.

ثناه أبو المرزبان عن محمد بن أحمد بن برد عنه، ولا أدري ما أقول في رواية ابن كثير عن الثوري لهذا الحديث، فإن ابن كثير ثقة، وهذا الحديث عن الثوري منكر. وتعقبه الشيخ الألباني رحمه الله في "الصحيحة" (ح 944) فقال: قول ابن عدي أن ابن كثير ثقة فيه نظر، فقد ضعفه جماعة من الأئمة منهم الإمام أحمد، كما رواه عنه ابن عدي نفسه في ترجمته من "الكامل"(2/ 370)، ثم ختمها بقوله:"له أحاديث مما لا يتابعه أحد عليه"، فكيف يكون مثله عنده ثقة؟! فالظاهر أنه اشتبه عليه بمحمد بن كثير العبدي فإنه ثقة من رجال الشيخين، وقد قال الحافظ في ترجمة الصنعاني: صدوق كثير الغلط. اهـ.

ويؤيد ما ذهب إليه الشيخ الألباني أن الدارقطني نسب محمد بن كثير في الإفراد (2135) مصيصيًا فقال: حديث "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل

الحديث. لم يروه عن الثوري عن أبي حازم غير خالد بن عمرو القرشي ومحمد بن كثير المصيصي.

‌143 - محمد بن محمد بن سليمان الباغندي

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: الحافظ البغدادي، أبو بكر، مشهور بالتدليس مع الصدق والأمانة، مات بعد الثلاثمائة. قال الإسماعيلي: لا أتهمه ولكنه يدلس. وقال ابن المظفر: لا ينكر منه إلا التدليس. وقال الدارقطني: يكتب عن بعض أصحابه، ثم يسقط بينه وبين شيخه ثلاثة

(1)

.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 150 - 151).

ص: 403

قال الحاكم في معرفة "علوم الحديث"(صـ 111 - 112): قد ذكرت في هذه الأجناس الستة أنواع التدليس ليتأمله طالب هذا العلم فيقيس بالأقل على الأكثر، ولم أستحسن ذكر أسامي من دلس من أئمة المسلمين صيانة لحديث ورواته، غير أني أدل على جملة يهتدى إليها الباحث عن الأئمة الذين دلسوا والذين تورعوا عن التدليس، وهو أن أهل الحجاز والحرمين ومصر والعوالي ليس التدليس من مذهبهم، وكذلك أهل خراسان والجبال وأصبهان وبلاد فارس وخوزستان وما وراء النهر لا يعلم أحد من أئمتهم دلس، وأكثر المحدثين تدليسًا أهل الكوفة ونفر يسير من أهل البصرة، فأما مدينة السلام ببغداد فقد خرج منها جماعة من أئمة الحديث مثل أبي النضر هاشم بن القاسم وأبي نوح عبد الرحمن ابن غزوان وأبي كامل مظفر بن مدرك وأبي محمد يونس بن محمد المؤدب وهم في الطبقة الأولى من أهل بغداد لا يذكر عنهم وعن أقرانهم من الطبقة الأولى التدليس. ثم الطبقة الثانية بعدهم: الحسن بن موسى الأشيب وسريج بن النعمان الجوهري ومعاوية بن عمرو الأزدي والمعلي بن منصور وأقرانهم من هذه الطبقة لم يذكر عنهم التدليس، ثم الطبقة الثالثة: إسحاق بن عيسى بن الطباع ومنصور ابن سلمة الخزاعي وسليمان بن داود الهاشمى وأبو نصر عبد الملك بن عبد العزيز التمار لم يذكر عنهم وعن طبقتهم تدليس، ثم الطبقة الرابعة منهم مثل الهيثم بن خارجة والحكم بن موسى وخلف بن هشام وداود بن عمر الضبي لم يذكر عنهم وعن طبقتهم التدليس، ثم الطبقة الخامسة مثل إمام الحديث أحمد بن حنبل ومزكى الرواة يحيى بن معين وصاحب المسند أبي خيثمة زهير بن حرب وعمرو ابن محمد الناقد لم يذكر عن واحد منهم التدليس، ثم الطبقة السادسة والسابعة فلم يذكر عنهم ذلك إلا أبي بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي الواسطي، فحدثني أبو علي الحافظ قال: كنت يومًا عند أبي بكر الباغندي وهو يملي علي فقال لي: أبو يزيد عمرو بن يزيد الجرمي فأمسكت عن الكتابة، ثم أعاد ثانيًا قال: حديث سرار بن مجشر، فقلت: قد أغناك الله عنه يا أبا بكر، فقد

ص: 404

حدثناه أبو عبد الرحمن النسائي، قال: حدثنا أبو يزيد. فإن أخذ أحد من أهل بغداد التدليس فعن الباغندي وحده.

قال ابن عدي في "الكامل"(6/ 300): وللباغندي أشياء أنكرت عليه من الأحاديث، وكان مدلسًا يدلس على ألوان، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب

(1)

.

وقال الذهبي في "الميزان"(4/ 26): محمد بن محمد بن سليمان أبو بكر الباغندي الحافظ المعمر يروي عن شيبان بن فروخ وطبقته، وكان مدلسًا، وفيه شيء.

قال ابن عدي: أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب. وقال الإسماعيلي: لا أتهمه ولكنه خبيث التدليس ومصحف أيضًا.

وقال الخطيب: رأيت كافة شيوخنا يحتجون بحديثه ويخرجونه في الصحيح. وقال محمد بن أحمد بن أبي خيثمة -وذكر عنده الباغندي- فقال: ثقة، لو كان بالموصل لخرجتم إليه، ولكنه لا يتطرح عليكم ولا تريدونه.

قال الخطيب: بلغني أن عامة ما حدث به من حفظه.

وقال السلمي: سألت الدارقطني عن محمد بن محمد الباغندي، فقال: مخلط مدلس، يكتب عن بعض أصحابه، ثم يسقط بينه وبين شيخه ثلاثة، وهو كثر الخطأ رحمه الله تعالى.

وقال ابن عدي: حدثنا موسى بن القاسم بن موسى بن الأشيب، حدثني أبي، سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: أبو بكر الباغندي كذاب.

قلت: بل هو صدوق، من بحور الحديث، قيل: إنه أجاب في ثلاثمائة ألف مسألة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أخبرنا ابن أبي عمر كتابة، أخبرنا ابن طبرزد، أخبرنا يحيى بن علي، أخبرنا أبو الحسين بن المهتدي بالله، حدثنا علي بن عمر، حدثنا محمد بن محمد

(1)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(6/ 300).

ص: 405

الباغندي، حدثنا محمد بن عبد الله بن عمار، حدثنا المعافى بن عمران، عن الأوزاعي، عن قتادة، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل البدع شر الخلق والخليقة". غريب جدًا.

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(6/ 416): قال عبدان: لم يزل معروفًا بالطلب، كان معنا عند هشام بن عمار ودحيم. وسُئل أبو بكر بن عبدان: هل تدخله في الصحيح؟ قال: أما أنا فلم أدخله فيه. قيل: ولم؟ قال: لأنه كان يخلط ويدلس، وليس أحد ممن كتبت عنه آثر عندى منه ولا أكثر حديثًا، إلا أنه شره، وهو أحفظ من أبي بكر بن أبي داود. قال ابن طاهر: كان لا يكذب، ولكن يحمله الشره على أن يقول حدثنا. وقال الخليلي عن الحاكم: قال الحافظ أبو علي النيسابوري: ثنا أبو بكر الباغندي، ثنا أبو كامل، عن غندر، عن ابن جريج عن عطاء، عن ابن عباس رضى الله عنهما رفعه:"الأذنان من الرأس". قال: ونحن نتهمه لم يحدث به في الإسلام غيره. قال الحاكم: فذاكرني ابن المُظَفَّر فقال لي: الباغندي ثقة إمام لا ينكر منه إلا التدليس، والأئمة دلسوا. فقلت له: أليس روى عن أبي كامل، وذكرت له الحديث، ولم يتابع عليه؟ فقال: قد ذكر لي عند البزار عن أبي كامل مثله.

قلت: والحديث موجود في مسند البزار (ق 128 - 1/ 2) بهذا الإسناد، وقد قال الدارقطني: أخطأ فيه أبو كامل فبرئ منه الباغندي. وقال ابن عدي: وله أشياء أنكرت عليه. قال الدارقطني في غرائب مالك: ثنا عمر بن أحمد القصباني، ثنا محمد بن محمد بن سليمان، ثنا يزيد بن أخرم، ثنا بشير بن عمر ثنا مالك، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة رضى الله عنه رفعه:"ما من جرعة أعظم عند الله من جرعة غيظ كظمها الرجل ابتغاء وجهه"، وقال: لا يصح هذا عن مالك، ولا عن الزهري، وإنما عند الناس عمر بن زيد بن أخرم، عن بشير بن عمر، عن حماد، عن يونس، عن الحسن، عن ابن عمر رضى الله عنهما مرفوعًا، وهذا هو عندي الصَّواب، ولم

ص: 406

يحدث به من طريق مالك غير الباغندي.

‌144 - محمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير المكي

قال العقيلي: حدثنا زكريا بن يحيى الحلواني، حدثنا أحمد بن سعد بن إبراهيم، حدثنا عمي، وحدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا سعيد بن أبي مريم، حدثنا الليث بن سعد، قال: قدمت مكة فجئت أبا الزبير فدفع إلي كتابين وانقلبت بهما، ثم قلت في نفسي: لو عاودته فسألته: أسمع هذا كله من جابر؟ فقال: منه ما سمعت، ومنه ما حدثناه عنه. فقلت له: أعلم لي على ما سمعت، فأعلم لي على هذا الذى عندي

(1)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثني محمد قال: قال ابن بكير: وأخبرني حبيش بن سعيد عن الليث قال: جئت أبا الزبير فأخرج إلي كتابًا فقلت: سماعك من جابر قال: ومن غيره. قلت: سماعك من جابر، فأخرج إلي هذه الصحيفة

(2)

.

قال ابن القطان الفاسي: قال أحمد بن سعيد بن حزم الصدفي المنتجالي: حدثني أحمد بن خالد قال: حدثنا محمد بن وضاح قال: سمعت أبا جعفر الوراق البستي يقول: قال الليث: أتيت أبا الزبير فقلت له: أخرج إلي كتاب جابر، فأخرج إلي كتابين، فقلت له: سمعتهما منه؟ قال: بعض سمعت، وبعض لم أسمع، فقلت له: علم لي على ما سمعت، فعلم لي علي شيء. قال أبو جعفر: فكانت نحوًا من ثلاثين

(3)

.

وقال الصدفي أيضًا: حدثنا عبد الله بن محمد، حدثنا عبيدة بن أحمد، حدثنا

(1)

"الضعفاء الكبير"(4/ 133)، و "الكامل في ضعفاء الرجال"(6/ 124). والحسن بن علي هو الخلال ثقة ثبت. ومحمد بن إسماعيل هو ابن سالم الصائغ صدوق. وسعيد بن أبي مريم ثقة.

(2)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 142). وحبيش بن سعيد لم أقف له على ترجمة.

(3)

أحمد بن سعيد بن حزم له ترجمة في "السير"(16/ 104)، قال الذهبي: =

ص: 407

محمد بن إسماعيل الصائغ، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا ابن أبي مريم، حدثنا الليث بن سعد، قال: أتيت أبا الزبير، فأخرج لي كتابين فنظرت فيهما، فإذا عن جابر، فقلت له: هذا الذى عن جابر سمعته؟ قال: لا، قلت: أفتعرف ما سمعت مما لم تسمع؟ قال: نعم، قال: قلت: فأعلِم لي عليه، فأعلم لي على

= الشيخ العالم الحافظ الكبير المؤرخ، مؤلف "التاريخ الكبير" في أسماء الرجال في عدة مجلداث، كان أحمد أئمة الحديث، له عناية تامة بالآثار.

وأبو جعفر الوراق البوستي لم أستطع تمييزه.

ومحمد بن وضاح ترجم له الذهبي في "الميزان"(4/ 59)، فقال: محمد ابن وضاح القرطبي الحافظ، محدث الأندلس مع بقي بن مخلد، أخذ عن أصحاب مالك والليث، وروى علمًا جمًا.

قال ابن الفرضي: له خطأ كثير وأشياء يصحفها، وكان لا علم له بالفقه ولا بالعربية.

قلت: هو صدوق في نفسه، رأس في الحديث.

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(7/ 37): قال الوليد بن بكير: سمع الكثير، ثم تزهد. وقال الحميدي: من الرواة المكثرين، والأئمة المشهورين. وقال ابن الفرضي: رحل إلى المشرق رحلتين، ولم يكن يطلب الحديث في الأولى، إذ لو طلبه لكان أعلى أهل عصره درجة، وكان عالمًا بالحديث زاهدًا عابدًا، وكان أحمد بن خالد لا يقدم أحدًا عليه، وكان يعظمه جدًا ويصف فضله وورعه، غير أنه كان يكثر الرد للحديث، فيقول: ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو ثابت من كلامه، وله خطأ كثير يُحفظ عنه، وأشياء كان يغلط فيها، وكان لا علم عنده بالفقه ولا بالعربية. وقال ابن عبد البر: كان الأمير عبد الله بن الأمير عبد الرحمن بن محمد الناصر يقول: ابن وضاح كذب على يحيى بن معين في حكايته عنه، أنه سأله عن الشافعي، فقال: ليس بثقة. قال عبد الله: قد رأيت أصل بن وضاح الذي كتبه بالمشرق، وفيه سألت يحيى بن معين عن الشافعي، فقال: هو ثقة.

ص: 408

هذه الأحاديث التى كتبتها عنه.

وقال الصدفي أيضًا: أملى علي محمد بن أحمد بن عبد الملك، قال:

سمعت محمد بن وضاح يقول: قال الليث بن سعد، فذكر مثله وزاد: وهي نحو من سبعة وعشرين، أو تسعة وعشرين حديثًا.

قال ابن وضاح: وهي معروفة

(1)

.

قال مسلم بن الحجاج: فأما الأحاديث التى ذكرناها من قبل أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق" ذات عراق"، فليس منها واحد يثبت.

ودلك أن ابن جريج قال في حديث أبي الزبير: عن جابر

(2)

.

فأما رواية المعافى بن عمران، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة، فليس بمستفيض عن المعافى، إنما روى هشام بن بهرام وهو شيخ من الشيوخ، ولا يقر الحديث بمثله إذا تفرد .... إلى آخر كلامه

(3)

.

قال النسائي: أنبأ عمرو بن علي، قال: حدثني أبو داود، قال: سمعت شعبة

(1)

"بيان الوهم والإيهام"(4/ 321 - 322).

(2)

في هذا دليل على أن مسلمًا رحمه الله كان يتوقف في عنعنة أبي الزبير عن جابر، لكن حديث أبي الزبير عن جابر هذا أخرجه مسلم في "صحيحه"، وفيه تصريح أبي الزبير بالسماع من جابر فالله أعلم.

قال مسلم (1183): حدثنا إسحاق بن إبراهيم، أخبرنا روح بن عبادة، حدثنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يُسأل عن المهل، فقال: سمعت، ثم انتهى فقال: أراه يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

وحدثني محمد بن حاتم وعبد بن حميد كلاهما عن محمد بن بكر، قال عبد: أخبرنا محمد، أخبرنا ابن جريج، أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنه يُسأل عن المهل، فقال: سمعت - أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "مُهل أهل المدينة من ذي الحلفة، والطريق الآخر، ومهل أهل العراق من ذات عراق، ومهل أهل نجد من قرن، ومهل أهل اليمن من يلملم.

(3)

"التمييز"(ص 214 - 215).

ص: 409

يقول: الساعة يخرج الساعة: أنبأ أبو الزبير عن جابر قال: كنت في الصف الثاني يوم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على النجاشي.

قال أبو عبد الرحمن: أبو الزبير اسمه محمد بن مسلم بن تدرس مكي، كان شعبة سيء الرأي فيه، وأبو الزبيرمن الحفاظ، روى عنه يحيى بن سعيد الأنصاري وأيوب ومالك بن أننس، فإذا قال سمعت جابرًا فهو صحيح، وكان يدلس، وهو أحب إلينا في جابر من أبي سفيان، وأبو سفيان هذا اسمه طلحة بن نافع وبالله التوفيق

(1)

.

قال الحاكم: ذكر النوع الحادي عشر من علوم الحديث: هذا النوع من هذه العلوم هو معرفة الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس، وهي متصلة بإجماع أهل النقل على تورع رواتها عن أنواع التدليس.

مثال ذلك: ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر الخولاني حدثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن عبد ربه بن سعيد الأنصاري، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله عز وجل".

قال الحاكم: هذا حديث رواته بصريون ثم مدنيون ومكيون، وليس من مذاهبهم التدليس، فسواء عندنا ذكروا سماعهم أولم يذكروه، وإنما جعلته مثالًا لألوف الأمثلة

(2)

.

قال ابن القطان: أبو الزبير صدوق، إلا أنه يدلس، ولا ينبغي أن يتوقف من حديثه في شيء ذكر فيه سماعه، أو كان من رواية الليث عنه، وإن كان معنعنًا، ولا ينبغي أن يلتفت إلى ما أكثر به عليه من غير هذا، كقول شعبة: إنه رآه يصلي فيسيء الصلاة، فإن مذاهب الفقهاء مختلفة، فقد يرى الشافعي بعض صلاة

(1)

"السنن الكبرى"(1/ 640)(ح 2101).

(2)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 34).

ص: 410

الحنفي إساءة، وهي عنده ليست بإساءة.

وكذلك قوله: إنه رأى أبا الزبير يزن فيرجح في الميزان -هو أمر لا يحققه عليه شعبة-، إذ قد يعلم هو من أمر الميزان الذى يزن به، ما يظنه غيره به مطففًا، وليس هو كذلك.

وكذلك قول من قال: سُفَّه على رجل من أهل العلم بحضرته فلم ينكر، قد يكون له في السكوت عذر، ونحن نلومه، مثل أن لا يقدر على الإنكار على السافه إلا بقلبه، أو لا يرى ذلك سفهًا، ويراه الحاكي سفهًا، أو يرى المسفوه عليه أهلًا لذلك، ولا يراه الحاكي لذلك أهلًا. والمخارج عن هذه كثيرة، وقد نص يحيى القطان وأحمد بن حنبل على أن مالم يقل فيه: حدثنا جابر، لكن "عن جابر" بينهما فيه فيافٍ، والله أعلم

(1)

.

قال يعقوب بن سفيان: سمعت سليمان بن حرب قال: كان سليمان اليشكري جاور بمكة سنة، جاور جابر بن عبد الله وكتب عنه صحيفة، ومات قديمًا، وبقيت الصحيفة عند أمه، فطلب أهل البصرة إليها أن تعيرهم فلم تفعل، فقالوا: فأمكنينا منها حتى نقرأها، فقالت: أما هذا فنعم، قال: فحضر قتادة وغيره فقرأوها، فهو هذا الذي يقول أصحابنا: حدث سليمان اليشكري، أو نحو هذا من الكلام

(2)

.

قال أبو حاتم الرازي: جالس سليمان اليشكري جابرًا فسمع منه وكتب عنه صحيفة، فتوفي وبقيت الصحيفة عند امرأته، فروى أبو الزبير وأبو سفيان والشعبي عن جابر وهم قد سمعوا من جابر وأكثره من الصحيفة، وكذلك قتادة

(3)

.

قال أبو داود: سمعت أحمد بن حنبل قال: قال ابن عيينة: شهدت أبا الزبير

(1)

"بيان الوهم والإيهام"(4/ 322 - 323).

(2)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 279).

(3)

"الجرح والتعديل"(4/ 136).

ص: 411

يقرأ عليه صحيفة، فقلت لأحمد: هي هذه الأحاديث -يعني صحيفة سليمان وهو اليشكري- التى في أيدي الناس عنه؟ قال: نعم.

قلت: أخذها أبو الزبير من الصحيفة؟ قال: كان أبو الزبير يحفظ.

أشك في يحفظ كيف قاله أحمد! قالوا: وربما شك في الشيء فنظر فيه.

سمعت أحمد قيل له: شعبة ترك أبا الزبير لهذا؟ قال: لا، كانت معه قصة أخرى

(1)

.

وقال ابن القطان الفاسي أيضًا: ذكر أبو محمد من طريق الترمذي عن أبي الزبير عن عائشة وابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر طواف يوم النحر إلى الليل.

وسكت عنه مبرزًا من إسناده أبا الزبير، وليس ذلك تبريًا من عهدته، فإنه قد عُهد يصحح ما يرويه أبو الزبير، ولو لم يجئ إلا بلفظة "عن"، لا مما يروي عن جابر، ولا مما يروي عن غيره.

وقد تقدم ذكر جملة من ذلك في الباب الذى قبل هذا.

وعندي أن هذا الحديث ليس يصح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما طاف يومئذٍ نهارًا، وإنما اختلفوا هل صلى الظهر بمكة أو رجع إلى منى فصلاها بها، بعد أن فرغ من طوافه.

فابن عمر يقول: إنه عليه السلام رجع إلى منى فصلى الظهر بها.

وجابر يقول: إنه صلى الظهر بمكة، وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية أبي الزبير هذه، التي فيها أنه أخر الطواف إلى الليل، وهو شيء لم يُرو إلا من هذا الطريق.

وأبو الزبير مدلس، ولم يذكر هاهنا سماعه من عائشة، وقد عُهد يروي عنها بواسطة، ولا أيضًا من ابن عباس، فقد عُهد يروي عنه بواسطة، وإن

(1)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (ص 228).

ص: 412

كان قد سمع منه.

فمما رواه عن عائشة وصرح بمن بينه وبينها قصة بريرة، يرويه عن عروة عنها، ذكره البزار. واغتسال النبي صلى الله عليه وسلم معها من إناء واحد، يرويه عن عبيد بن عمير عنها ذكره مسلم.

ومما رواه عن ابن عباس وصرح بمن بينه وبينه جمعه عليه السلام من غير خوف ولا مطر، يرويه في "الموطأ" عن سعيد بن جبير عنه. وحديث "عرفة كلها موقف". وحديث "عليكم بحصى الخذف". وحديث "كان يلبي حتى رمى بالجمرة". هي كلها من روايته عن أبي معبد عن ابن عباس، وأحاديثه سوى هذه كذلك.

فأما حديث: "لما أصيب إخوانكم بأحد" فإن عدي بن الفضل رواه عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن ابن عباس. هكذا بلفظة "عن"، ورواه ابن إسحاق عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، ذكره أبو داود من طريق إسماعيل بن أمية عنه.

وأبو الزبير يجب التوقف فيما يرويه عن عائشة وابن عباس، مما لا يذكر فيه سماعه منهما، لما عُرف به من التدليس

(1)

، ولو صح سماعه منهما لغير هذا، فأما ولم يصح لنا أنه سمع من عائشة، فالأمر بين في وجوب التوقف فيه، وإنما يختلف العُلماء في قبول حديث المدلس إذا كان عمن قد عُلم لقاؤه له وسماعه منه.

هاهنا يقول قوم: يُقبل ما يعنعن عنهم حتى يتبين الانقطاع في حديث حديث فيُرد.

ويقول آخرون: بل يُرد ما يعنعن عنهم حتى يتبين الاتصال في حديث حديث

(1)

قلت: الذى يظهر لي أن التدليس الموصوف به أبي الزبير خاص بروايته عن جابر، أما روايته عن غير جابر فلا تعل بالعنعنة، إلا إذا ثبت أن أبا الزبير لم يسمع مطلقًا من هذا الشيخ، فحينئذ نرد عنعنته للإرسال لا للتدليس، أما إذا كان سمع من الشيخ الذى يروي عنه في الجملة، ثم روى عنه حديثًا بالعنعنة، فلا نتوقف في عنعنته في هذه الحالة والله أعلم.

ص: 413

فيُقبل.

أما ما يعنعنه المدلس عمن لم نعلم لقاءه له ولا سماعه منه، فلا أعلم الخلاف فيه بأنه لا يُقبل، ولو كنا نقول برأي مسلم في أن معنعن المتعاصرين محمول على الاتصال ولو لم يعلم التقاؤهما، فإنما ذلك في غير المدلس.

وأيضًا فلما قدمناه من صحة طواف النبي صلى الله عليه وسلم يومئذٍ نهارًا.

والخلاف في رد حديث المدلس حتى يُعلم اتصاله، أو قبوله حتى يُعلم انقطاعه، إنما هو إذا لم يعارضه مالا شك في صحته، وهذا فقد عارضه مالا شك في صحته

(1)

.

وقال ابن القطان الفاسي أيضًا: وذكر أبو محمد من طريق الدارقطني عن حرب ابن أبي العالية، عن أبي الزبير، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المطلقة ثلاثًا لها السكنى والنفقة".

وبهذا الإسناد: "ليس للحامل المتوفي عنها زوجها نفقة".

ثم أتبعها أن قال: إنما يؤخذ من حديث أبي الزبير عن جابر ما ذكر فيه السماع، أوكان عن الليث عنه عن جابر

(2)

.

قال الذهبي: أبو محمد بن حزم يرد من حديث أبي الزبير مايقول فيه عن جابر ونحوه، لأنه عندهم ممن يدلس، فإذا قال: سمعت وأخبرنا احتج به.

ويحتج به ابن حزم إذا قال عن مما رواه الليث بن سعد خاصة، وذلك أن سعيد ابن أبي مريم قال -فذكر القصة الماضية التى رواها العقيلي- ثم قال الذهبي: وفى صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع من جابر، وهي من غير طريق الليث عنه، ففى القلب منها شيء، من ذلك حديث:"لا يحل لأحد حمل السلاح بمكة".

(1)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 64 - 67).

(2)

"بيان الوهم والإيهام"(4/ 294 - 295).

ص: 414

وحديث: "رأى عليه الصلاة والسلام امرأة فأعجبته فأتى أهله زينب".

وحديث: النهي عن تجصيص القبور، وغير ذلك

(1)

.

قال العلائي: محمد بن مسلم أبو الزبير المكي مشهور بالتدليس. ثم ذكر حكاية سعيد بن أبي مريم التى رواها العقيلي، ثم قال: ولهذا توقف جماعة من الأئمة عن الاحتجاج بما لم يروه الليث عن أبي الزبير عن جابر، وفى صحيح مسلم عدة أحاديث مما قال فيه أبو الزبير عن جابر وليست من طريق الليث، وكأن مسلمًا رحمه الله اطلع على أنها مما رواه الليث عنه وإن لم يروها من طريقه والله أعلم

(2)

.

قال برهان الدين ابن العجمي: محمد بن مسلم أبو الزبير المكي مشهور بالتدليس. ثم ذكر قصة الليث بن سعد التى رواها سعيد بن أبي مريم عنه، ثم قال: ولهذا توقف جماعة من الأئمة بما لم يروه الليث عن أبي الزبير عن جابر بلفظ (عن).

وفى صحيح مسلم عدة أحاديث مما قال فيها أبو الزبير عن جابر، وليست من طريق الليث، وكان مسلمًا رحمه الله اطلع على أنها مما رواه الليث عنه، ولم يروها من طريقه والله أعلم

(3)

.

قال ابن حجر: وكذا ما كان من رواية الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه، فإنه مما لم يدلس فيه أبو الزبير كما هو معروف في قصة مشهورة

(4)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين، وزاد ابن حجر: من

(1)

"ميزان الاعتدال"(4/ 37 - 39).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 110).

(3)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 200).

(4)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 631).

ص: 415

التابعين، مشهور بالتدليس، ووهم الحاكم في كتاب "علوم الحديث"، فقال في سند هو في: رجاله غير معروفين بالتدليس، وقد وصفه النسائي وغيره بالتدليس

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": محمد بن مسلم بن تدرس، أبو الزبير المكي، صدوق إلا أنه يدلمس.

‌145 - محمد بن مسلم بن شهاب الزهري

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه النعمان بن راشد، عن الزهري عن عروة، عن عائشة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضرب امرأة قط ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله.

قال أبي: والصحيح ما رواه عقيل، عن الزهري، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسل.

قال أبي: وقد رواه الثوري وعمرو بن أبي قيس عن منصور، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قلت لأبي: حدث الزهري بهذا الحديث أن هشام بن عروة روى عن أبيه، عن عائشة، فقال: الزهري لم يسمع من عروة هذا الحديث، فلعله دلسه

(2)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا البرقاني، قال: قال محمد بن العباس العصمي، حدثنا أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه الحافظ، أخبرنا أبو علي صالح بن محمد الأسدي قال: حديث شعيب بن أبي حمزة، عن الزهري، قال: كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث عن معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمراء، والزهري إذا قال: كان فلان يحدث فليس هو سماع، وقد روى هذا الحديث نعيم بن حماد، عن ابن المبارك، عن معمر، عن الزهري، عن محمد

(1)

"جامع التحصيل"(ص 113)، و "تعريف أهل التقديس"(ص 151 - 152).

وتقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد.

(2)

"علل الحديث"(1/ 324).

ص: 416

ابن جبير، عن معاوية، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه

(1)

.

قال الذهبي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الحافظ الحجة، كان يدلس في النادر

(2)

.

قال العلائي: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري مشهور بالتدليس، وقد قبل الأئمة قوله عن

(3)

.

ذكر ابن العراقي قول العلائي، ثم قال: قلت: حكى الطبري في "تهذيب الآثار" عن قوم أنه من المدلسين، وذلك يقتضي خلافًا لذلك

(4)

.

وذكره العلائي في المرتبة الثانية من المدلسين

(5)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: الفقيه المدني، نزيل الشام، مشهور بالإمامة والجلالة، من التابعين، وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بالتدليس

(6)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، الفقيه الحافظ، متفق على جلالته وإتقانه وثبته، وهو من رؤوس الطبقة الرابعة.

وسُئل شيخنا محمد عمرو بن عبد. اللطيف حفظه الله ونفع المسلمين بعلمه: "ما رأيكم في عنعنة الزهري، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في الطبقة الثالثة من المدلسين؟

(1)

"تاريخ بغداد"(13/ 311 - 312).

(2)

"ميزان الاعتدال"(4/ 40).

(3)

"جامع التحصيل"(صـ 109).

(4)

كتاب "المدلسين"(صـ 89 - 90).

(5)

"جامع التحصيل"(صـ 113).

(6)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و "تعريف أهل التقديس"(صـ 152).

ص: 417

فأجاب: لا أرى الأئمة يقفون كثيرًا عند عنعنة الزهري، ولكن إن وردت عنهم نصوص في نفي السماع فلا يسعنا إلا التسليم

(1)

.

قال الشيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله: والزهري ثقة، جبل، حافظ، ربما دلس. وأنكر بعض أصحابنا أن يكون ابن شهاب مدلسًا، واستعظم ذلك جدًا، وبالغ حتى زعم أن مخالفه "تردى في وهدة سحيقة"، وأنه ادعى باطلًا ليس له فيه سلف!

كذا قال!! وإنكار المشار إليه هو الذى ينبغي أن يستعظم، فقد وصفه بالتدليس الشافعي، والدارقطني، وغيرهما، على ما ذكره الحافظ في طبقات المدلسين.

وذكره الذهبي في أول منظومته في المدلسين، فقال:

خُذِ المدلسين يا ذا الفكر

جابر الجعفي ثم الزهري

بل قال البرهان الحلبي في "التبيين": مشهور به! كذا قال! وليس بصواب عندي.

فقد قال الحافظ في "الفتح"(2/ 5): " ..... وابن شهاب قد جرب عليه التدليس".

وقال في موضع آخر منه (10/ 427): " .... وإدخال الزهري بينه وبين عروة رجلًا، مما يؤذن بأنه قليل التدليس".

وصرح بذلك الذهبي تصريحًا، فقال في "الميزان": كان يدلس في النادر.

نعم، يُنكر على بعض المشتغلين بالعلم أن يُعلَّوا الحديث بعنعنة الزهري، فإن التدليس لم يكن من عادته، بل كان يفعله أحيانًا كما تقدم، فالصواب عدم الإعلال بعنعنة الزهري إلا إذا كان المتن منكرًا، ورجال الإسناد ثقات، ولا

(1)

النقولات التى نقلتها عن شيخنا محمد عمرو حفظه الله ونفع المسلمين بعلمه قالها الشيخ في بعض أشرطته، وقد استأذنته في إيرادها في كتابي هذا فأذن لي، أسأل الله أن يجزيه خيرًا، وأن يحفظه، وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.

ص: 418

مدخل للإعلال إلا بعنعنة الزهري، والله أعلم

(1)

.

وقال الشيخ ناصر بن حمد الفهد حفظه الله: محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الحافظ الإمام لم أجد أحدًا من المتقدمين وصفه بالتدليس، غير أن ابن حجر ذكر أن الشافعي والدارقطني وصفاه بذلك.

والذى يظهر لي أنهما أرادا الإرسال لا التدليس بمعناه الخاص عند المتأخرين، أو أنهم أرادوا مطلق الوصف بالتدليس غير القادح -بمعنى أنه قد وقع منه أحيانًا- لأن التدليس بمعناه الخاص منه قليل جدًا بالمقارنة إلى مجموع رواياته، ولم يتردد أحد من الأئمة في قبول روايته مطلقًا، بل هو أحد أعمدة الحديث النبوي.

وقد حصر الأئمة ما رواه عمن سمع منه مالم يسمع منه، وهو من أهل المدينة، والتدليس لا يُعرف في المدينة.

وسيأتي ذلك إن شاء الله في الكلام عن أبي الزبير، لهذا قال الذهبي عنه:"محمد بن مسلم الزهري الحافظ الحجة كان يدلس في النادر" اهـ، فوصفه بندرة التدليس.

ثم إذا انتقلنا إلى المتأخرين وجدنا ما يلي:

قال العلائي: محمد بن شهاب الزهري الإمام العلم مشهور به (أى التدليس) وقد قبل الأئمة قوله "عن". اهـ.

ثم بعده ابن حجر وضع الإمام الزهري في "المرتبة الثالثة"، فنجد أنهما اتفقا على أنه مشهور به، ولم يذكره أحد من المتقدمين بذلك، ثم وضعه ابن حجر في المرتبة الثالثة وهي: من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقًا، ومنهم من قبلهم. اهـ.

ويعسر إثبات تدليس الزهري (التدليس الخاص) فضلًا عن أنه يشتهر به، وأما رد حديثه مطلقًا إلا عند ذكر السماع فلا أظنك تجد ذلك عند أحد من

(1)

"بذل الإحسان"(1/ 17 - 18).

ص: 419

الأئمة المتقدمين. بل إن ابن حجر رحمه الله خالف في ذلك المتأخرين أيضًا، فإن العلائي وسبط ابن العجمي أيضًا في "التبيين في أسماء المدلسين" قد ذكرا أن الأئمة قبلوا قوله (عن)

(1)

.

‌146 - محمد بن المصفى

قال ابن حبان: الجنس السادس من أحاديث الثقات التى لا يجوز الاحتجاج بها: أقوام من المتأخرين قد ظهروا يسوقون الأخبار، فإذا كان بين الثقتين ضعيف واحتمل أن يكون الثقات رأى أحدهما الآخر اسقطوا الضعيف من بينهما حتى يتصل الخبر، فإذا سمع المستمع خبر أسام رواته ثقات اعتمد عليه وتوهم أنه صحيح، كبقية بن الوليد قد رأى عبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وشعبة بن الحجاج، وسمع منهم، ثم سمع من أقوام ضعفاء عنهم فيروي الرواة عنه أخباره، ويسقطون الضعفاء من بينهم، حتى يتصل الخبر في جماعة مثل هؤلاء يكثر عددهم.

سمعت ابن جوصا يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: كان صفوان بن صالح ومحمد المصفى يسويان الحديث

(2)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: قال أبو حاتم بن حبان: سمعت أبا الحسن بن جوصا يقول: سمعت أبا زرعة الدمشقي يقول: كان صفوان بن صالح ومحمد بن مصفى يسويان الحديث كبقية بن الوليد، ذكره في آخر مقدمة الضعفاء

(3)

.

قلت: وليس في كلام ابن حبان السابق: "كبقية بن الوليد"، ولعلها مدرجة من كلام الحافظ.

(1)

"منهج المتقدمين في التدليس"(صـ 84 - 86).

(2)

"مقدمة المجروحين"(صـ 94).

(3)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 152 - 153).

ص: 420

وقد تقدم حال ابن جوصا في ترجمة صفوان بن صالح.

وفى "تهذيب التهذيب": "قال أبو حاتم محمد بن المصفى صدوق. وقال النسائي: صالح. وقال صالح بن محمد: كان مخلطًا، وأرجو أن يكون صدوقًا وقد حدث بأحاديث مناكير. وذكره ابن حبان في الثقات، وقال: كان يخطئ. وقال العقيلي: قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن حديث لابن مصفى عن الوليد، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا: أن الله تعالى تجاوز لأمتى عما استكرهوا عليه فأنكره أبي جدًا. قال العقيلي: هذا يروي بإسناد أصلح من هذا. وقال مسلمة بن القاسم: ثقة مشهور حدث عنه ابن وضاح. وقال النسائي في أسماء شيوخه: صدوق".

‌147 - محمد بن يزيد بن خنيس

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن يزيد بن خنيس في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: قال ابن حبان: يعتبر حديثه إذا بين السماع في روايته

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": محمد بن يزيد بن خنيس مقبول، وكان من العباد.

قال ابن حبان في "الثقات"(9/ 61): محمد بن يزيد بن خنيس المخزومي أبو عبد الله المكي، يروى عن الثوري ووهيب بن الورد، روى عنه قتيبة بن سعيد والناس، وكان من خيار الناس، ربما أخطأ، يجب أن يعتبر حديثه إذا بين السماع في خبره ولم يرو عنه إلا ثقة، فأما عبد الله بن مسيب فعنده عنه عجائب كثيرة لا اعتبار بها.

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 127): سألت أبي عن محمد بن يزيد بن خنيس فقال: كان شيخًا صالحًا كتبنا عنه بمكة، وكان ممتنعًا

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 92).

ص: 421

من التحديث فأدخلني عليه ابنه. فقيل لأبي: فما قولك فيه؟ فقال: ثقة. اهـ

قلت: وذكر الحافظ في "التهذيب" كلام ابن أبي حاتم هذا مختصرًا، ولم يذكر نقل ابن أبي حاتم توثيق محمد بن يزيد عن أبيه.

وقال العجلي في ثقاته (صـ 416): محمد بن يزيد بن الأخنس المكي ثقة.

‌148 - محمد بن يوسف بن موسى بن مسدى الحافظ الأندلسي

ذكر الحافظ ابن حجر محمد بن يوسف بن مسدى الحافظ الأندلسي في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: الحافظ الأندلسي نزيل مكة في المائة السابعة، كان يدلس الإجازة، وله معجم مشهور، مات بمكة سنة ثلاث وستين وستمائة

(1)

.

قال الذهبي في "الميزان"(4/ 73): محمد بن يوسف بن موسى بن مسدى أبو بكر المهلبي الغرناطي المجاور، كان من بحور العلم ومن كبار الحفاظ.

له أوهام، وفيه تشيع، ورأيت جماعة يضعفونه، وله معجم في ثلاث مجلدات كبار، طالعته وعلقت منه كثيرًا.

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(7/ 59): أهل من غرناطة، وسكن مصر، ثم مكة، وسمع الكثير، وشيوخه بالإجازة كثيرون جدًا، وخوج الكثير وصنف، وكان في لسانه زهو، وقل أن ينجو منه أحد.

قال الرشيد العطار في معجمه: سألته عن مولده، فقال: سنة تسع وتسعين وخمسمائة.

قال أبو حيان: أخبرني أبو علي بن أبي الأحوص، أن بعض شيوخه من الأندلس عمل أربعين حديثًا، فأخذها ابن السرى، فركب لها أسانيد وادعاها.

قلت: ليس هذا بقادح في صدقه، وإنما يعاب بأنه أوهم في أنه خرجها وتعب في تخريجها، ولو كان ادعى السماع منها لما لم يسمع لكان كذابًا، حاشاه من ذلك.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 92).

ص: 422

‌149 - مالك بن أنس إمام دار الهجرة

ذكرالحافظ ابن حجر مالك بن أنس في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: الإمام المشهور، يلزم من جعل التسوية تدليسًا أن يذكره فيهم، لأنه كان يروى عن ثور بن زيد حديث عكرمة عن ابن عباس، وكان يحذف عكرمة، وقع ذلك في غير ما حديث في "الموطأ"، يقول عن ثور بن زيد عن ابن عباس، ولا يذكر عكرمة، وكذا كان يسقط عاصم بن عبيد الله من إسناد آخر، وأنكر ابن عبد البر أن يكون تدليسًا

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": مالك بن أنس الفقيه، إمام دار الهجرة، رأس المتقنين وكبير المتثبتين، حتى قال البخاري: أصح الأسانيد كلها: مالك عن نافع عن ابن عمر.

قال ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير"(2/ 194): سمعت يحيى بن معين يقول: إنما لم يذكر مالك بن أنس عكرمة، لأن عكرمة كان ينتحل رأي الصفرية.

وسُئل الدارقطني كما في "العلل"(2/ 8 - 9) عن حديث عثمان عن عمر: "ضع خدي بالأرض ويل لي إن لم يغفر الله لي". فقال: هو حديث يرويه عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه عن عثمان: أنا آخر الناس عهدًا بعمر.

قال: حدث به حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن عاصم بن عبيد الله كذلك. وخالفه مالك بن أنس فرواه عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن بن أبان بن عثمان عن أبيه عن عثمان، ولم يذكر بينها عاصم بن عبيد الله.

وقيل: عن مالك عن يحيى بن سعيد عن حمران بن أبان عن عثمان قاله أبو خليفة عن القعنبي، ووهم فيه أبو خليفة.

ورواه الثوري عن عاصم بين عبيد الله عن أبان بن عثمان عن عثمان عن عمر،

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 89 - 90).

ص: 423

ولم يذكر فيه عبد الرحمن بن أبان.

وهذا الاضطراب فيه من عاصم بن عبيد الله، ووهم مالك في قوله: عن يحيى عن عبد الرحمن بن أبان، أو تعمد إسقاط عاصم بن عبيد الله، فإن له عادة بهذا أن يسقط اسم الضعيف عنده في الإسناد مثل عكرمة ونحوه.

وانظر أيضًا "علل الدارقطني"(6/ 63).

وقال الخطيب البغدادي في "الكفاية"(ص 520): ويقال إن ما رواه مالك ابن أنس عن ثور بن زيد عن ابن عباس، كان ثور يرويه عن عكرمة عن ابن عباس وكان مالك يكره الرِّواية عن عكرمة، فأسقط اسمه من الحديث وأرسله، وهذا لا يجوز، وإن كان مالك يرى الاحتجاج بالمراسيل، لأنه قد علم أن الحديث عمن ليس بحجة عنده، وأما المرسل فهو أحسن حالة من هذا، لأنه لم يثبت من حال من أرسل عنه أنه ليس بحجة.

وذكر ابن عبد البر في "التمهيد"(7/ 166 - 167) حديث مالك عن ثور ابن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس أن رسول الله ذكر رمضان فقال: "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين"، ثم قال: هكذا هذا الحديث في "الموطأ" عند جماعة الرواة عن مالك عن ثور بن زيد عن ابن عباس ليس فيه ذكر عكرمة، والحديث محفوظ لعكرمة عن ابن عباس، وإنما رواه ثور عن عكرمة.

وقد روى عن روح بن عبادة هذا الحديث عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر رمضان ثم ساقه إلى آخره سواء.

وليس في "الموطأ" هذا الإسناد عكرمة، وزعموا أن مالكًا أسقط ذكر عكرمة منه لأنه كره أن يكون في كتابه لكلام سعيد بن المسيب وغيره فيه، ولا أدري صحة هذا، لأن مالكًا قد ذكره في كتاب الحج وصرح باسمه ومال إلى روايته عن ابن عباس، وترك رواية عطاء في تلك المسألة، وعطاء أجل التابعين في علم المناسك والثقة والأمانة.

ص: 424

روى مالك عن أبي الزبير المكي عن عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عباس أنه سُئل عن رجل وقع على امرأته وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة.

وروى مالك أيضًا عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: أظنه عن ابن عباس أنه قال: الذي يصيب أهله قبل أن يفيض يعتمر ويهدي. وبه قال مالك. قال أبو عمر: عكرمة مولى ابن عباس من جلة العلماء، لا يقدح فيه كلام من تكلم فيه، لأنه لا حجة مع أحد تكلم فيه، وقد يحتمل أن يكون مالك جبن عن الرِّواية عنه، لأنه بلغه أن سعيد بن المسيب كان يرميه بالكذب، ويحتمل أن يكون لما نسب إليه من رأى الخوارج، وكل ذلك باطل عليه إن شاء الله.

وقال الذهبي في "السير"(5/ 26): قال معن وغيره: كان مالك لا يرى عكرمة ثقة، ويأمر أن لا يُأخذ عنه.

قال يحيى بن معين: كان مالك يكره عكرمة. قيل: فقد روى عن جل عنه؟

قال: شيء يسير.

وقال ابن المديني: لم يسم مالك عكرمة في شيء من كتبه إلا في حديث ثور عن عكرمة عن ابن عباس في الذي يصيب أهله وهو محرم، قال: يصوم ويهدي وكأنه ذهب إلى أنه يرى رأي الخوارج، وكان يقول في كتبه عن رجل.

وروى الربيع عن الشافعي قال: ومالك سيء الرأي في عكرمة، قال: لا أرى لأحد أن يقبل حديثه.

وقال ابن حجر في "النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 618 - 621): ومثال ما لا يدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن مالكًا سمع من ثور بن زيد أحاديث عكرمة، عن ابن عباس رضى الله عنهما، ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس وحذف عكرمة، لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه.

فهذا مالك قد سوى الإسناد بإبقاء من هو عنده ثقة، وحذف من ليس عنده بثقة.

فالتسوية قد تكون بلا تدليس، وقد تكون بالإرسال، فهذا تحرير القول فيها.

وقد وقع هذا لمالك في مواضع أخرى:

ص: 425

1 -

فإنه قد روى عن عبد ربه بن سعيد عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ابن هشام عن عائشة وأم سلمة -رضى الله عنهما- في الصائم يصبح جنبًا، وإنما رواه عبد ربه عن عبد الله بن كعب الحميري عن أبي بكر بن عبد الرحمن -رضى الله عنه- كذا جزم به ابن عبد البر، وكذا أخرجه النسائي من رواية عمرو ابن الحارث عن عبد ربه.

2 -

وروى مالك عن عبد الكريم الجزري عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة رضى الله عنه في الفدية، وإنما رواه عبد الكريم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى كذا قال ابن عبد البر أيضًا.

3 -

وروى مالك عن عمرو بن الحارث عن عبيد بن فيروز عن البراء رضى الله عنه في الأضاحي، وإنما رواه عمرو عن سليمان بن عبد الرحمن بن عبيد، كذا رواه ابن وهب عن عمرو بن الحارث، وهو مشهور من حديث سليمان المذكور، حدث به عنه شعبة والليث وابن لهيعة وغيرهم.

فلو كانت التسوية تدليسًا لعد مالك في المدلسين، وقد أنكروا على من عده فيهم.

قال ابن القطان: ولقد ظن بمالك على بعده عنه عمله.

وقال الدارقطني: أن مالكًا ممن عمل به وليس عيبًا عندهم.

وإذا تقرر ذلك فقول شيخنا في تعريف التسوية: "وصورة هذا القسم أن يجيء المدلس إلى حديث قد سمعه من شيخ ثقة، وقد سمعه ذلك الشيخ الضعيف عن شيخ ثقة، فيسقط المدلس الشيخ الضعيف ويسوقه بلفظ محتمل، فيصير الإسناد كلهم ثقات، ويصرح هو بالاتصال عن شيخه لأنه قد سمعه منه، فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي رده .. " إلى آخر كلامه تعريف غير جامع، بل حق العبارة أن يقول: أن يجيء الراوي -ليشمل المدلس وغيره- إلى حديث قد سمعه من شيخ، وسمعه هذا الشيخ من آخر عن آخر، فيسقط الواسطة بصيغة محتملة، فيصير الإسناد عاليًا وهو في الحقيقة نازل، ومما يدل على أن هذا التعريف لا

ص: 426

تقييد فيه بالضعيف أنهم ذكروا في أمثلة التسوية ما رواه هشيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري عن عبد الله بن الحنفية عن أبيه عن علي رضى الله عنه في تحريم لحوم الحمر الأهلية.

قالوا: ويحيى بن سعيد لم يسمعه من الزهري، إنما أخذه من مالك عن الزهري، هكذا حدث به عبد الوهاب الثقفي وحماد بن زيد وغير واحد عن يحيى ابن سعيد عن مالك، فأسقط هشيم ذكر مالك منه، وجعله عن يحيى بن سعيد عن الزهري.

ويحيى فقد سمع من الزهري، فلا إنكار في روايته عنه، إلا أن هشيمًا قد سوى هذا الإسناد، وقد جزم بذلك ابن عبد البر وغيره.

فهذا كما ترى لم يسقط في التسوية شيخ ضعيف، وإنما أسقط شيخ ثقة، فلا اختصاص لذلك بالضعيف والله أعلم.

‌150 - مالك بن سليمان الهروي

ذكر الحافظ ابن حجر مالك بن سليمان الهروي في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: قاضي هراة، ضعفه النسائي وغيره، ووصفه ابن حبان بالتدليس

(1)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(9/ 165): مالك بن سليمان بن مرة النهشلي، من أهل هراة، يروى عن ابن أبي ذئب ومالك، روى عنه أهل بلده، وكان مرجئًا ممن جمع وصنف، يخطئ كثيرًا، وامتحن بأصحاب سوء كانوا يقلبون عليه حديثه ويقرؤون عليه، فإن اعتبر المعتبر حديثه الذى يرويه عن الثقات ويروي عنه الأثبات مما بين السماع فيه لم يجدها إلا ما يشبه حديث الناس، على أنه من جملة الضعفاء أدخل إن شاء الله، وهو ممن استخير الله عز وجل فيه.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 181 - 182).

ص: 427

وقال ابن حبان في "المجروحين"(3/ 36): مالك بن سليمان أبو غسان النهشلي، من أهل البصرة، يروي عن يزيد الضبي والبصريين، روى عنه الصَّلْت بن مسعود، يأتي عن الثقات بما لا يشبه حديث الأثبات، روى عن يزيد ابن نعامة الضبي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تشعر من الإماء إلا صناعة اليدين" رواه عنه الصَّلْت بن مسعود.

وقال الذهبي في "الميزان"(3/ 427): مالك بن سليمان الهروي قاضي هراة عن إسرائيل وشعبة وغيرهما. قال العقيلي: فيه نظر. وقال السليماني: فيه نظر، وضعفه الدارقطني.

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(83/ 6): قال الساجي: مالك بن سليمان الهروي يروي مناكير. اهـ

وانظر للأهمية ترجمة "يعقوب بن عطاء بن أبي رباح" من هذا الكتاب.

‌151 - مبارك بن فضالة

قال أبو القاسم البغوي: رأيت في كتاب علي بن المديني إلى أبي عبد الله أحمد ابن حنبل: سمعت يحيى بن سعيد يقول: كتبنا عن مبارك في ذلك الزمان عن الحسن عن علي إذا سماها فهي طالق، وبه عن الحسن عن عمر: وسطًا من الركوع.

قال يحيي: ولم أقبل منه شيئًا قط إلا ما قال حدثنا فيه

(1)

.

قال البخاري: قال أبو الوليد: كان الربيع لا يدلس، وكان المبارك أكثر تدليسًا منه

(2)

.

قال أبو داود: سمعت أحمد قال: أبو الأشهب كانوا يرون أنه يدلس عن

(1)

"الجعديات"(2/ 1139 - 1140)، "تاريخ بغداد"(13/ 213 - 214).

(2)

"التاريخ الكبير"(3/ 279).

ص: 428

الحسن. قلت لأحمد وذكر أبا الأشهب فقال: زعموا كان يأخذ عن أصحاب الحسن - يعني عن الحسن.

قلت لأحمد: هو أكثر أو مبارك؟ قال: نعم، مبارك كان يدلس عن الحسن

(1)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثني الفضل بن زياد عن أحمد قال: كان مبارك يرسل عن الحسن، قيل: تدلس

(2)

؟ قال: نعم.

قال: وحدث يومًا عن الحسن بحديث فوُقف عليه قال: حدثنيه بعض أصحاب الحديث عن أبي حرب عن يونس

(3)

.

قال العقيلي: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحسن، قال: حدثنا نعيم، قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، قال: لم نكتب للمبارك شيئًا إلا شيئًا يقول فيه سمعت الحسن.

حدثنا عبد الله بن أحمد، قال: سُئل أبي عن مبارك والربيع بن صبيح، فقال: ما أقربهما كان المبارك يرسل.

وسُئل أبي عن مبارك وأشعث، فقال: ما أقربهما، كان المبارك يدلس.

وحدثني الخضر بن داود، قال: حدثنا أبي، قال: قلت لأبي عبد الله: مبارك ابن فضالة أحب إليك أو الربيع؟ فقال: مبارك إذا قال: "سمعت الحسن".

قلت له: هو يقول: سمعت الحسن يقول: أخبرني أبو بكرة، قال: أما أخبرني أبو بكرة فلا أدرى ما هو، هو أيضًا يقول: أخبرني عمران بن حصين

(1)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 328).

(2)

قال الشيخ الشريف حاتم بن عارف العوني حفظه الله في "المرسل الخفي"(1/ 44): كذا جاء هذا النقل في المصدر: بالتاء المثناه الفوقية في (تدلس)، وكأن المسئول هو المبارك، والأرجح -عندي- أنها بالياء التحتية، وأن المسئول والمجيب هو الإمام أحمد.

(3)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 633)، و "العلل ومعرفة الرجال" عن الإمام أحمد رواية عبد الله (2/ 38).

ص: 429

وأخبرني أبو بكرة، وتركه عبد الرحمن لأنه كان يروي أقاويل الحسن يأخذها من الناس، قال الحسن وقال الحسن، فتركه لهذا، وكان عبد الرحمن يروي عن الربيع بن صبيح، وكان الربيع رجلًا صالحًا.

حدثني الحسين بن عبد الله الزراع، قال: حدثنا أبو داود، قال: سمعت أحمد: قال عفان: ألحوا يومًا على المبارك، فقالوا: من حدثك؟ فقال: حدثني رجل عن أبي جرى

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: سُئل أبو زرعة عن مبارك بن فضالة فقال: يدلس كثيرًا فإذا قال حدثنا فهو ثقة

(2)

.

قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: كان مبارك بن فضالة شديد التدليس.

سمعت أبا داود يقول: إذا قال مبارك ثنا فهو ثبت، وكان مبارك يدلس

(3)

.

قال عثمان الدارمي: سألت يحيى عن الربيع بن صبيح، فقال: ليس به بأس، وكأنه لم يطره.

قلت: هو أحب إليك أو المبارك، فقال: ما أقربهما.

قال أبو سعيد: المبارك عندي فوقه فيما سمع من الحسن، إلا أنه ربما دلس

(4)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: مشهور بالتدليس، وصفه به الدارقطني وغيره، وقد أكثر عن الحسن البصري

(5)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": مبارك بن فضالة صدوق يدلس ويسوي، من السادسة.

(1)

"الضعفاء الكبير"(4/ 224 - 225).

(2)

"الجرح والتعديل"(8/ 339).

(3)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (1/ 390).

(4)

"تاريخ الدارمي"(صـ 111).

(5)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 147).

ص: 430

قلت: لا أعلم أن أحدًا من العُلماء المتقدمين وصف المبارك بتدليس التسوية، ولم يصف الحافظ ابن حجر مبارك بن فضالة بتدليس التسوية في كتابه "تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس".

ولم يذكر الحافظ في كتابه "تهذيب التهذيب" أن أحدًا من المتقدمين وصف المبارك بتدليس التسوية، وكتاب "تقريب التهذيب" عبارة عن تلخيص لكتاب "تهذيب التهذيب".

فالذى يظهر لي أن المبارك يدلس تدليس الإسناد فقط، ولا يدلس تدليس التسوية والله أعلم.

‌152 - محرز بن عبد الله أبو رجاء الجزري

ذكر الحافظ ابن حجر محرز بن عبد الله أبو رجاء الجزري في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: من أتباع التابعين، وصفه ابن حبان بذلك في الثقات

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": محرز بن عبد الله الجزري، أبو رجاء، صدوق يدلس.

قال ابن حبان في "الثقات"(7/ 504): محرز بن عبد الله أبو رجاء مولى هشام، من أهل الجزيرة، يروى عن مكحول، روى عنه إسماعيل بن زكريا والمحاربي، وكان يدلس عن مكحول، يعتبر بحديثه ما بين السماع فيه عن مكحول وعن غيره.

وفى "تهذيب التهذيب": "قال الآجري عن أبي داود: ليس به بأس، شامي يحدث عنه الكوفيون. وقال الآجري عن أبي داود أيضًا: ثقة".

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 345): محرز أبو رجاء مولى هشام الجزري قدم الكوفة، روى عن مكحول، روى عنه الثوري

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ).

ص: 431

وإسماعيل بن زكريا وموسى بن أعين وأبو زهير عبد الرحمن بن مغراء وإسماعيل ابن عياش ويعلي بن عبيد، سمعت أبي يقول ذلك.

سألت أبي عنه فقال: هو شيخ.

وقال البخاري في "التاريخ الكبير"(7/ 433): محرز أبو رجاء مولى هشام أراه الجزري سمع مكحولًا، روى عنه إسماعيل بن عياش.

‌153 - مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج

قال الحاكم: الجنس السادس من التدليس قوم رووا عن شيوخ لم يروهم قط ولم يسمعوا منهم إنما قالوا: قال فلان فحمل ذلك عنهم على السماع، وليس عندهم سماع عالٍ ولا نازل.

أخبرني محمد بن صالح الهاشمي قاضي القضاة، قال: حدثنا محمد بن عبد الله ابن الحُسين المستعيني، قال: حدثنا عبد الله بن علي بن المديني قال: قال أبي: قال عبد الرحمن بن مهدي: كان عند مخرمة كتب لأبيه لم يسمعها منه

(1)

.

قسم العلائي المدلسين إلى خمس طبقات، وتكلم عن كل طبقة منهم ثم قال:

وهذا كله في تدليس الراوي مالم يتحمله أصلًا بطريق ما، فأما تدليس الإجازة والمناولة والوجادة بإطلاق أخبرنا فلم يعده أئمة الفن في هذا الباب، كما قيل في رواية أبي اليمان الحكم بن نافع عن شعيب، ورواية مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه، وصالح بن أبي الأخضر عن الزهري، وشبه ذلك، بل هو إما محكوم عليه بالانقطاع أو يُعد متصلًا

(2)

.

ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه "تعريف أهل التقديس" مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج في المرتبة الأولى وقال: قال ابن المديني: سمع من أبيه قليلًا، وقيل لم يسمع منه شيئًا، وحدث عنه بالكثير. وقال أبو داود: لم يسمع

(1)

"معرفة علوم الحديث"(ص 109 - 110).

(2)

"جامع التحصيل" صـ 114.

ص: 432

منه إلا حديث الوتر. ووصفه زكريا الساجي بالتدليس. وقال مالك: حلف لي مخرمة أنه سمع من أبيه. وقال موسى بن سلمة: قلت لمخرمة بن بكير: سمعت من أبيك؟ قال: لم أدرك أبي وهذه كتبه

(1)

.

وذكره الحافظ ابن حجر في كتابه "النكت على كتاب ابن الصلاح" في الطبقة الثانية من المدلسين المخرج لهم في الصحيح

(2)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج صدوق، وروايته عن أبيه وجادة من كتابه - قاله أحمد وابن معين وغيرهما، وقال ابن المديني: سمع من أبيه قليلًا.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: حدثنا حماد بن خالد الخياط، قال: أخرج إلى مخرمة بن بكير كتبًا فقال: هذه كتب أبي لم أسمع منها شيء.

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 490)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (2/ 173)، و "التتبع" للدارقطني (صـ 167). وحماد بن خالد ثقة.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني، ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا موسى بن سلمة خالي، قال: أتيت مخرمة، فقلت له: حدثك أبوك؟ قال: لم أدرك أبي، ولكن هذه كتبه.

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثني ابن المبارك قال: حدثني مخرمة بن بكير قال: قرأت في كتاب أبي بكير. "المراسيل"(832)، و "العلل ومعرفة الرجال"رواية عبد الله (1/ 325). ويحيى بن آدم ثقة حافظ.

وقال أحمد بن حنبل: مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه شيئًا. "العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 325).

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 92 - 93).

(2)

"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 639).

ص: 433

وقال ابن معين: مخرمة بن بكير حديثه عن أبيه كتاب، ولم يسمعه. "تاريخ الدوري"(3/ 254).

وقال ابن عبد البر في "التمهيد"(16/ 144): قال ابن البرقي: قال لي يحيى ابن معين: كان مخرمة ثبتًا، ولكن روايته عن أبيه من كتاب وجده لأبيه لم يسمعه منه، قال: وبلغني أن مالكًا كان يستعير كتب بكير فينظر فيها ويحدث منها.

وقال النسائي في "السنن الكبرى"(4/ 305)(ح 7273): مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه.

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(3/ 339): مخرمة بن بكير يقال لم يسمع من أبيه.

وقال ابن حبان في "الثقات"(7/ 510): يحتج بحديث مخرمة بن بكير من غير روايته عن أبيه، لأنه لم يسمع من أبيه.

وقال أبو داود في "السنن"(1/ 396)(ح 919): مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا.

وقال ابن عدي في "الكامل"(6/ 428): ثنا ابن حماد، ثنا أحمد بن يعقوب، ثنا علي بن المديني، سمعت معن بن عيسى يقول: مخرمة سمع من أبيه، وعرض عليه ربيعة أشياء من رأى سليمان بن يسار.

قال علي: ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان، لعله سمع منه الشيء اليسير، ولم أجد بالمدينة من يخبرني عن مخرمة بن بكير أنه كان يقول في شيء من حديثه سمعت أبي. اهـ

قلت: وأحمد بن يعقوب لم أستطع تمييزه. وابن حماد هو محمد بن أحمد بن حماد الدولابي، ترجم له الذهبي في "ميزان الاعتدال"(3/ 459)، فقال: محمد بن أحمد بن حماد الحافظ، أبو بشر الدولابي الناسخ. قال ابن عدي: ابن حماد متهم فيما قاله في نعيم بن حماد لصلابته في أهل الرأي.

وقال حمزة السهمي: سألت الدارقطني عن الدولابي، فقال: تكلموا فيه ما

ص: 434

تبين من أمره إلا خير.

وقال ابن يونس: كان الدولابي من أهل الصنعة حسن التصنيف، وكان يضعف. اهـ

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(6/ 118 - 119): قال مسلمة بن قاسم: كان أبوه من أهل العلم، وكان مسكنه بدولاب من أرض بغداد، ثم خرج ابنه محمد عنها طالبًا للحديث فأكثر الرِّواية، وجالس العُلماء، وتفقه لأبي حنيفة -رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى- وجُرد له فأكثر، وكان مقدمًا في العلم والرواية ومعرفة الأخبار، وله كتب مؤلفة. نزل مصر فاستوطنها ثم خرج إلى الحج فلما بلغ العرج بين المدينة والحجر توفي، وعاب عليه ابن عدي تعصبه المفرط لمذهبه حتى قال في الحديث الذى رواه أبو حنيفة، عن منصور بن زاذان، عن الحسن، عن معبد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم في القهقهة: معبد هذا هو ابن هوذة الذى ذكره البخاري في "تاريخه".

قال ابن عدي: وهذا الذى قاله غير صحيح، وذلك أن معبد بن هوذه أنصاري فكيف يكون جهنيًا؟! ومعبد الجهني معروف، ليس بصحابي، وما حمل الدولابي على هذا إلا ميله لمذهبه. اهـ

وقال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه"(ص 206): حدثني أحمد بن صالح قال: حدثني ابن أبي أويس قال: رأيت في كتاب مالك بخطه: قلت لمخرمة في حديث: سمعته من أبيك؟ فحلف لسمعه من أبيه.

وقال أبو داود: سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول: قال حماد بن خالد: أخرج إلى مخرمة كتب أبيه فقال: هذه كتب أبي ولم أسمع منها شيئًا.

قلت لأحمد: فقول ابن أبي أويس؟ قال: ليس ذاك بشيء - يعني: ما حدثنا أحمد بن صالح.

ثنا أحمد بن صالح، عن ابن أبي أويس أنه قرأ في كتاب مالك: قلت لمخرمة: إن الناس يزعمون أنك لم تسمع من أبيك؟ فقال: ورب هذه البنية لقد سمعت من

ص: 435

أبي. "سؤالات أبي داود الفقهية" للإمام أحمد (صـ 451).

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 364): قال أبي: قال ابن أبي أويس: وجدت في ظهر كتاب مالك: سألت مخرمة عما يحدث عن أبيه سمعها من أبيه؟ فحلف لي وقال: ورب هذه البنية -يعنى المسجد- سمعت من أبي.

قال أبي: إن كان سمعها من أبيه فكل حديثه عن أبيه إلا حديثًا يحدث به عن عامر بن عبد الله بن الزبير.

وعلق الشيخ المعلمي على قول أبي حاتم في حاشيته على الجرح والتعديل بقوله: وجادة، فإذا احتيج إليها لم تغن، وإن أغنت لم يحتج إليها.

وروى الحاكم في "المستدرك"(1/ 200) حديثًا من طريق مخرمة بن بكير عن أبيه ثم قال:: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. فإنهما لم يخرجا مخرمة بن بكير، والعلة فيه أن طائفة من أهل مصر ذكروا أنه لم يسمع من أبيه لصغر سنه، وأثبت بعضهم سماعه منه.

قلت: والذي يظهر لي أن مخرمة بن بكير لم يسمع من أبيه شيئًا، وحديثه عن أبيه من كتاب وجده لم يسمعه منه، فلا يصح وصف مخرمة بالتدليس عن أبيه، إنما يقال أنه أرسل عن أبيه والله أعلم.

‌154 - مروان بن معاوية الفزاري

قال الدوري: سألت يحيى عن حديث مروان بن معاوية عن علي بن أبي الوليد؟

فقال: هذا هو علي بن غراب، والله ما رأيت أحيل للتدليس منه

(1)

.

وقال الدوري أيضًا: سمعت يحيى يقول: كان مروان بن معاوية يحدث عن أبي بكر بن عياش ولا يسميه، يقول: حدث أبو بكر عن أبي صالح ويدع الكلبي يوهمهم أنه أبو بكر آخر

(2)

.

(1)

"تاريخ الدوري"(4/ 3).

(2)

"تاريخ الدوري"(3/ 456).

ص: 436

قال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: كان مروان بن معاوية يغير الأسماء ويعمي على الناس، يحدثنا عن الحكم بن أبي خالد وإنما هو الحكم بن ظهير

(1)

.

قال العقيلي: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال: سُئل يحيى بن معين وأنا أسمع: كيف مروان بن معاوية في الحديث؟ فقال: كان ثقة فيما يروي عمن يعرف، وذاك أنه كان يروي عن أقوام لا يدري من هم، ويغير أسمائهم، وكان يحدث عن محمد بن سعيد المصلوب، وكان يغير اسمه يقول: حدثنا محمد بن قيس، لأنه لا يعرف

(2)

.

قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن ابن المديني: مروان بن معاوية كان يوثق، وكان يروي عن قوم ليسوا ثقات، ويكنى عن أسمائهم

(3)

.

قال البخاري: إبراهيم بن هراسة الكوفي تركوه، تكلم فيه أبو عبيد وغيره، وكان مروان الفزاري يقول: حدثنا أبو إسحاق الشيباني يكنيه لكي لا يعرف

(4)

.

وقال البخاري أيضًا: الحكم بن ظهير أبو محمد الفزاري الكوفي، عن السدي وعاصم، تركوه، منكر الحديث، قال يحيى: كان مروان يقول: الحكم بن أبي ليلى، وهو ابن ظهير.

حدثنا محمد بن عبد العزيز، قال: ثنا مروان، عن الحكم بن أبي خالد مولى بني فزارة، عن عمر بن أبي ليلى النيري، قال الحسن بن علي لرجل من قريش،

(1)

"التاريخ الكبير"(2/ 95)، و "تاريخ الدوري"(3/ 533 - 534)، ومقدمة "المجروحين"(صـ 91 - 92)، و "الكفاية في علوم الرِّواية"(صـ 521 - 522).

(2)

"الضعفاء الكبير"(4/ 203).

(3)

"سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة" لابن المديني (صـ 120).

(4)

"التاريخ الأوسط".

ص: 437

وعن الحكم بن أبي خالد: عن الحسن، عن جابر: إذا دخل أهل الجنة الجنة.

وروى ابن المبارك وابن مقاتل: عن الحكم المكي، عن عمر بن أبي ليلى، فلا أدري ما هذا من ذاك

(1)

.

وقال البخاري أيضًا: إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري مات سنة ست وثمانين ومائة، كان يكون بالشام، سمع الأوزاعي والثوري.

قال علي: عن مروان عن إبراهيم بن حصن عن مغراء، وهو إبراهيم الفزاري من ولد حصين عن ليث عن مغراء، وقال بعضهم: عن مروان عن إبراهيم بن أبي حصن

(2)

.

قال أبو حاتم: علي بن غراب أبو الحسن الفزاري الكوفي وكان مروان بن معاوية قلب اسمه فقال: علي بن عبد العزيز

(3)

.

قال ابن أبي حاتم: إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري روى عنه مروان بن معاوية ونسبه إلى جده، فقال: حدثنا إبراهيم بن أبي حصن، سمعت أبي يقول ذلك

(4)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: الحارث بن الحارث الأزدي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا طعم وشرب قال: الحمد لله اللهم لك الحمد أطعمت وسقيت وأشبعت وأرويت فلك الحمد غير مكفور ولا مودع ولا مستغنى عنك، روى مروان الفزاري، عن محمد بن أبي قيس السلمي، عن عبد الأعلى بن هلال عنه.

قال أبو محمد: وأحسب أن محمد بن أبي قيس هو محمد بن سعيد الذى صلب في الزندقة

(5)

.

(1)

"التاريخ الكبير"(2/ 345).

(2)

"التاريخ الكبير"(1/ 321).

(3)

"الجرح والتعديل"(6/ 200).

(4)

"الجرح والتعديل"(2/ 128).

(5)

"الجرح والتعديل"(3/ 72).

ص: 438

قال الآجري: سمعت أبا داود يقول: مروان بن معاوية يقلب الأسماء يقول: حدثني إبراهيم بن حصن -يعني أبا إسحاق الفزاري، وحدثني أبو بكر بن فلان عن أبي صالح- يعني أبا بكر بن عياش - يعني يسقط من بينهما.

وقيل له: مروان عن إسحاق بن طلحة؟ فقال: إسحاق بن يحيى

(1)

.

قال البرذعي: قال لي أبو حاتم: إن محمد بن سعيد هذا صلب في الزندقة، والناس يموهون في الرِّواية عنه، فيقلبون اسمه حتى لا يفطن له، مروان بن معاوية يسميه محمد بن أبي قيس

(2)

.

قال العقيلي: حدثنا محمد بن سعيد بن بلج، قال: سمعت عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان يقول: سألت زافر عن حديث معاذ الذِي يرويه محمد بن سعيد أبو عبد الرحمن، عن عبادة بن نسى، عن عبد الرحمن بن غنم، عن معاذ.

قال زافر: هذا حديث رجل نهيت عن حديثه.

قال أبو عبد الله: صلبه أبو جعفر وهو يغيرون اسمه إذا حدثوا عنه، فمروان الفزاري يقول: محمد بن حسان، ويقول أيضًا: محمد بن أبي قيس، ويقول: محمد بن أبي زينب، ويقول: محمد بن أبي زكريا، ويقول: محمد بن أبي الحسن

(3)

.

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: قد حدث مروان عن محمد بن أبي قيس.

قلت ليحيى: محمد بن أبي قيس هذا هو محمد بن سعيد؟ فقال: لا، أخبرني رجل من أهل الشام أن محمد بن أبي قيس ليس هو محمد بن سعيد، هو رجل آخر

(4)

.

(1)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (1/ 327).

(2)

"سؤالات البرذعي" لأبي زرعة الرازي (2/ 726).

(3)

"الضعفاءالكبير"(4/ 71)"ترجمة محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة" وأبو عبد الله هو عبد الرحمن بن الحكم.

(4)

"تاريخ الدوري"(4/ 427).

ص: 439

قال الخطيب البغدادي: حدثني العلاء بن حزم، أخبرنا محمد بن الحُسين بن بقاء الهمداني بمصر، أخبرني جدى عبد الغني بن سعيد الأزدي، حدثنا أبو الحسن علي بن عمر قال: قال لي أحمد بن محمد بن سعيد: معاوية بن أبي العباس جار الثوري كان يسرق أحاديث الثوري فيحدث بها عن شيوخه.

قال عبد الغني: حدثني أبو الحسن علي بن عمر قال: قال لي أبو طالب أحمد بن نصر بن طالب الحافظ: معاوية بن أبي العباس هو عندي معاوبة بن هشام دلسه مروان الفزاري وأسقط الثوري في أحاديثه كلها، فذكر من بعد الثوري، منها حديث علي بن ربيعة" حديث أسماء بنت حكيم، ومنها حديث أيوب عن أبي قلابة عن أنس في العرنيين، ومنها حديث ابن عقيل عن جابر: "يطلع عليكم رجل من أهل الجنة"، ومنها حديث زياد بن إسماعيل عن محمد بن عباد بن جعفر، وغير ذلك تفاسير ومقاطيع، عن منصور عن مجاهد، وعن سالم الأفطس، وعن إسماعيل بن أبي خالد، وهذه الأحاديث عن معاوية بن هشام عن الثوري.

قال أبو الحسن على بن عمر: وقول أبي طالب عندي أولى وأليق بمروان بن معاوية الفزاري، أنه يروي أحاديث عن علي بن غراب فيقول: حدثني علي بن أبي الوليد، ويروي عن الحكم بن ظهير فيقول: حدثني الحكم بن أبي خالد، ويروي عن نظراءه في السن ومن دون سنه فيذكرهم بكنى آبائهم

(1)

.

وقال الخطيب البغدادي أيضًا: بكار بن بشر الفزاري حدث عن علي بن غراب فقال: ثنا علي بن عبد العزيز، وحدث عنه مروان بن معاوية فقال: ثنا علي بن أبي الوليد.

وحدث مروان بن معاوية الفزاري عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري فقال: ثنا إبراهيم بن أبي حصن

(2)

.

(1)

"موضح أوهام الجمع والتفريق"(2/ 491 - 492).

(2)

"الكفاية في علوم الرِّواية"(صـ 525، 526).

ص: 440

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن حديث مروان الفزاري عن إبراهيم بن أبي حصن عن مغراء أو رجل آخر عن سعيد بن جبير.

قال أبي: إبراهيم بن أبي حصن هو أبو إسحاق الفزاري

(1)

.

قال العلائي: مروان بن معاوية الفزاري، قال يحيي بن معين: ما رأيت أحيل للتدليس منه

(2)

.

ذكر ابن العراقي قول العلائي ثم قال:

قلت: وعبارته وقد سأله عباس الدوري عن حديث مروان بن معاوية عن علي ابن أبي الوليد: هذا علي بن غراب، والله ما رأيت أحيل للتدليس منه.

وهذا يقتضي أنه أراد تدليس الشيوخ، والذي نحن بصدده الآن من يدلس تدليس الإسناد

(3)

.

قال ابن حجر: مروان بن معاوية الفزاري من شيوخ أحمد، ثقة مشهور، تكلم فيه بعضهم لكثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين، فقال علي بن المديني: كان ثقة فيما يروي عن المعروفين.

وقال أحمد: كان ثقة حافظًا يحفظ حديثه كله نصب عينيه رحمه الله، احتج به الأئمة، وأخرج البخاري من حديثه عن خمسة من شيوخه المعروفين وهم: حميد وعاصم الأحول وإسماعيل بن أبي خالد وأبو يعقوب العبدي وهاشم بن الهاشم

(4)

.

وذكره ابن حجر أيضًا في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: من أتباع التابعين،

(1)

"العلل ومعرفة الرجال"(2/ 382).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 115).

(3)

كتاب "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل"(صـ 91 - 92).

(4)

"هدي الساري"(صـ 466).

ص: 441

كان مشهورًا بالتدليس، وكان يدلس الشيوخ أيضًا، وصفه الدارقطني بذلك

(1)

.

(2)

.

وقال ابن حجر أيضًا في "تقريب التهذيب": مروان بن معاوية بن أسماء الفزاري، ثقة حافظ، وكان يدلس أسماء الشيوخ.

قلت: مروان بن معاوية الفزاري ثقة، إلا أن العُلماء عابوا عليه كثرة روايته عن الضعفاء والمجهولين، وتحايله في التدليس بتغيير أسماء شيوخه الضعفاء، وهو ما يسمى بتدليس الشيوخ.

فكان إذا روى عن محمد بن سعيد المصلوب في الزندقة يقول: محمد بن قيس، أو محمد بن حسان، أو محمد بن أبي قيس، أو محمد بن أبي زينب، أو محمد بن زكريا.

وكان يروي عن علي بن غراب وشمميه: علي بن أبي الوليد، أو علي بن عبد العزيز.

وكان يروي عن إبراهيم بن هراسة ويقول أبو إسحاق الشيباني.

وكان يروي عن أبي بكر بن عياش ويقول: أبو بكر فقط ولا ينسبه.

وكان يروي عن الحكم بن ظهير ويسمه: الحكم بن أبي خالد.

وكان يروي عن إسحاق بن أبي يحيى ويسميه: إسحاق بن طلحة.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 153 - 154).

(2)

وفى "تهذيب التهذيب": "قال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه: ثقة فيما يروي عن المعروفين، وضعفه فيما يروي عن المجهولين: وقال علي بن الحُسين بن الجنيد عن ابن نمير: كان يلتقط الشيوخ من السكك. وقال العجلي: ثقة ثبت، ما حدث عن المعروفين فصحيح، وما حدث عن المجهولين ففيه ما فيه، ليس بشيء. وقال أبو حاتم: صدوق لا يدفع عن صدقه، ويكثر روايته عن الشيوخ المجهولين. وقال أحمد: ثقة ما كان أحفظه، وكان يحفظ حديثه كله. وقال ابن معين ويعقوب ابن شيبة والنسائي وابن سعد: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات".

ص: 442

وكان يروي عن معاوية بن هشام ويسميه: معاوية بن أبي العباس.

وكان يروي عن أبي إسحاق الفزاري ويسميه: إبراهيم بن حفص، أو إبرهيم ابن أبي حصن.

وقد وضعه الحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: "كان مشهورًا بالتدليس، وكان يدلس الشيوخ أيضًا، وصفه الدارقطني بذلك".

فظاهر كلام الحافظ أنه يصفه بتدليس الإسناد وتدليس الشيوخ، ولم أر أحدًا سبق الحافظ إلى وصف مروان بتدليس الإسناد، إنما وصفه الأئمة المتقدمون بتدليس الشيوخ فقط، ووصفه الحافظ نفسه بتدليس الشيوخ فقط في كتابه "تقريب التهذيب"، ولم يصفه بتدليس الإسناد، فالصواب أن مروان يدلس الشيوخ فقط، وهذا النوع من التدليس لا ينظر فيه إلى عنعنة المدلس، إنما ينظر إلى أسماء شيوخه وينظر هل غير المدليس اسم شيخه أم لا والله أعلم.

‌155 - مسلم بن الحجاج أبو الحسين صاحب الصحيح

ذكر الحافظ ابن حجر مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: الإمام المشهور، قال ابن منده: إنه كان يقول فيما لم يسمعه من مشايخه: قال لنا فلان وهو تدليس، ورد ذلك شيخنا الحافظ أبو الفضل بن الحُسين

(1)

وهو كما قال

(2)

.

(3)

.

‌156 - مصعب بن سعيد أبو خيثمة المصيصي

ذكر الحافظ ابن حجر مصعب بن سعيد أبو خيثمة المصيصي في المرتبة الثالثة

(1)

هو الإمام العراقي صاحب كتاب "التقييد والإيضاح على مقدمة ابن الصلاح".

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 93 - 94).

(3)

انظر كلام برهان الدين اين العجمي الذى في ترجمة "محمد بن إسماعيل البخاري" من هذا الكتاب.

ص: 443

من المدلسين وقال: أصله من خراسان، روى عن أبي خيثمة الجعفي وابن المبارك وغيرهما، وعنه الحسن بن سفيان وأبو حاتم الرازي وجماعة. قال ابن عدي: كان يصحف. وقال ابن حبان في "الثقات": كان يدلس، وكف في آخر عمره

(1)

.

قال ابن حبان في "الثقات"(9/ 175): مصعب بن سعيد أبو خيثمة المصيصي، يروي عن موسى بن أعين وعبيد الله بن عمر، ربما أخطأ، يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات، وبين السماع في خبره لأنه كان مدلسًا، وقد كف في آخر عمره.

وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال"(4/ 119): مصعب بن سعيد أبو خيثمة المصيصي صاحب حديث، سمع زهير بن معاوية وابن المبارك وعيسى بن يونس وعنه أبو حاتم وأبو الدرداء بن منيب والحسن بن سفيان وخلق.

قال ابن عدي: يحدث عن الثقات بالمناكير ويصحف.

ثم أورد له ثلاثة أحاديث ذكرها ابن عدي في ترجمته ثم قال: ما هذه إلا مناكير وبلايا.

وقال ابن حجر في "لسان الميزان"(7/ 104): قال صالح جزرة: شيخ ضرير، لا يعقل ما يقول. اهـ

وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(8/ 309): سُئل أبي عن مصعب بن سعيد فقطب وجهه وقال: عبد الله بن جعفر الرقي أحب إلي منه، وكان صدوقًا.

وانظر للأهمية ترجمة "يعقوب بن عطاء بن أبي رباح" من هذا الكتاب.

وقال الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني: روى ابن عدي لمصعب بن سعيد المصيصي حديثًا أسقط منه أحد الرواة، وصحف في حديث آخر، قال: حدثنا

(1)

"تعريف أهل التقديس"(ص 154).

ص: 444

عمر بن الحسن بن نصر، ثنا مصعب بن سعيد، ثنا عيسى بن يونس، عن عبيد الله العمري، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة قالت:"أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم بسرقة حرير فيها صورة عائشة، فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة".

قال الشيخ: وهذا الحديث صحف فيه مصعب هذا بعض أسامي إسناده، فرواه عن عيسى، عن عبيد الله العمري، عن ابن أبي مليكة، وليس هذا من حديث عبيد الله، ورواه غيره عن عيسى، وعن غير عيسى بن يونس، عن عبد الله بن عمرو بن علقمة، عن ابن أبي حسين المكي، عن ابن أبي مليكة، عن عائشة بهذا.

وتراه أسقط ابن أبي حسين المكي، وصحف اسم عبيد الله بن عمرو بن علقمة إلى عبيد الله العمري، فإن كان ذلك كذلك فهذا تدليس تسوية، وهو من أشد أنواع التدليس قبحًا كما هو معروف والله أعلم.

ولقول ابن حبان المتقدم ذكره الحلبي في "التبيين"، والحافظ ابن حجر في المرتبة الثالثة من مراتب المدلسين، وأراه من أهل الطبقة الخامسة لا الثالثة، وذلك لضعفه وروايته المنكرة والله أعلم

(1)

.

قلت: مصعب بن سعيد المصيصي كان شيخًا مغفلًا، والضعف على حديثه بين، فإسقاطه ابن أبي حسين من الإسناد لم يكن عن قصد، إنما كان سببه هو سوء حفظ مصعب، فحدث به على الخطأ، فصحف في اسم عبد الله بن عمرو ابن علقمة، وأسقط ابن أبي حسين من الإسناد.

فإسقاطه ابن أبي حسين من الإسناد ليس من تدليس التسوية في شيء، لأن شرط التدليس هو الإيهام، ومصعب لم يسقط ابن أبي حسين من الإسناد لعلمه بضعفه، وحتى لا يطعن الناس في الحدث بسببه، وإنما أسقطه عن غير قصد، بسبب سوء حفظه، فلا يصح وصف مصعب بن سعيد بتدليس التسوية. والله أعلم.

(1)

"التدليس في الحديث"(ص 443 - 444).

ص: 445

‌157 - المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب

قال الحافظ ابن حجر في "تقريب التهذيب": المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب صدوق كثير التدليس والإرسال.

قلت: لم أر أحدًا من المتقدمين وصف المطلب بن عبد الله بن حنطب بالتدليس، إنما وصفوه بالإرسال عن الصحابة، ولم ينقل الحافظ في كتابه "تهذيب التهذيب" أن أحدًا من المتقدمين وصف المطلب بالتدليس، وكتاب "تقريب التهذيب" هو ملخص لأقوال العُلماء الواردة في كتاب "تهذيب التهذيب"، ولعل الحافظ يقصد بقوله "كثير التدليس" أي كثير الإرسال.

قال الدوري في "تاريخه"(4/ 243): سُئل يحيى: سمع المطلب من أبي موسى؟ قال: لا.

وقال الترمذي: قال محمد: ولا أعرف المطلب بن عبد الله بن حنطب سماعًا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا قوله حدثني من شهد خطبة النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الترمذي: وسمعت عبد الله بن عبد الرحمن يقول: لا أعرف للمطلب سماعًا من أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

قال عبد الله: وأنكر علي بن المديني أن يكون المطلب سمع من أنس.

("جامع الترمذي" (5/ 179)(ح 2916)، و "علل الترمذي الكبير"(صـ 386 - 387)، و"التاريخ الأوسط"(1/ 91)).

وقال ابن أبي حاتم في "المراسيل"(780 - 785): سمعت أبي -وذكر المطلب بن عبد الله بن حنطب- فقال: عامة روايته. مرسل، روى عن عبادة مرسلًا لم يدركه، وعن أبي هريرة مرسل، وروى عن ابن عباس وابن عمر، لا ندري أنه سمع منهما أم لا، لا يذكر الخبر، وروى عن الأوزاعي عن المطلب قال: حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يسمه أيضًا، وقال أيضًا: حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن فتعجبت منه أنه قد أدرك الصحابة، إذا هو يروي

ص: 446

عن التابعين، عن أبي سلمة، وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبيه، غير أني رأيت حديث المطلب يقول: حدثني خالي أبو سلمة.

قال ابن أبي حاتم: وسألت أبي مرة أخرى قلت: المطلب سمع من ابن عباس قال: نرى أنه لم يسمع منه.

قال أبو زرعة: المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي بكر الصديق مرسل.

قال أبو زرعة: المطلب بن عبد الله بن حنطب عن سعد مرسل.

قال أبي: المطلب بن عبد الله لم يدرك عائشة رضى الله عنها.

وقال أبو حاتم أيضًا: المطلب بن عبد الله بن حنطب روى عن أبي موسى مرسل، وأم سلمة مرسل، وأبى قتادة مرسل، وأبي رافع مرسل، وجابر يشبه أن يكون أدركه. "الجرح والتعديل"(8/ 359).

وقال الترمذي: المطلب بن عبد الله بن حنطب لا نعرف له سماعًا من جابر. وقال أيضًا: يقال إنه لم يسمع من جابر. ("جامع الترمذي" (3/ 195)(ح 846)، (4/ 100)(ح 1521).

وانظر ترجمة أيوب بن أبي تميمة السختياني من هذا الكتاب.

‌158 - مغيرة بن مقسم الضبي

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي وذكر مغيرة بن مقسم الضبي فقال: كان صاحب سنة ذكيًا حافظًا، وعامة حديثه عن إبراهيم مدخول، عامة ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد، ومن يزيد بن الوليد، والحارث العكلي، وعن عبيدة وعن غيره، وجعل يضعف حديث المغيرة عن إبراهيم وحده

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: ذكر أبي عن أحمد بن حنبل قال: حديث مغيرة بن مقسم مدخول، عامة ما روى عن إبراهيم إنما سمعه من حماد، ومن يزيد بن الوليد،

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 207 - 208)، "الجرح والتعديل"(8/ 229).

ص: 447

والحارث العكلي وعبيدة وغيرهم، وجعل يضعف حديث مغيرة عن إبراهيم وحده

(1)

.

قال العجلي: مغيرة بن مقسم الضبي كان يرسل الحديث عن إبراهيم، وإذا وقف أخبرهم ممن سمعه

(2)

.

قال الحاكم: أخبرني عبد الله بن محمد بن حمويه الدقيقي، قال: حدثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، قال: حدثنا خلف بن سالم، قال: سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين، فأخذنا في تمييز أخبارهم فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي، لأن الحسن كثيرًا ما يدخل بينه وبين الصحابة أقوامًا مجهولين، وربما دلس عن مثل عتى بن ضمرة وحنيف بن المنحب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم، وإبراهيم أيضًا يدخل بينه وبين أصحاب عبد الله مثل هنى بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي، وربما دلس عنهم، وذكر تدليس أبي إسحاق فأكثر من عجائبه، وكذلك الحكم ومغيرة وابن إسحاق وهشيم

(3)

.

قال ابن حبان: مغيرة بن مقسم الضبي كان مدلسًا

(4)

.

قال العلائي: قال محمد بن عبد الله بن عمار: إنما سمع مغيرة من إبراهيم ثلاثمائة وسبعين حديثًا - يعني ويدلس الباقي

(5)

.

(1)

"الجرح والتعديل"(8/ 229). وحماد هو ابن أبي سليمان ويزيد بن الوليد سكت عنه ابن أبي حاتم والبخاري. والحارث العكلي هو الحارث بن يزيد ثقة فقيه.

(2)

"الثقات"(ص 437).

(3)

"معرفة علوم الحديث"(ص 108). وقد تقدم الكلام عن رجال هذا الإسناد في ترجمة إبراهيم بن يزيد النخعي.

(4)

"الثقات"(7/ 464).

(5)

"جامع التحصيل"(ص 284 - 285).

ص: 448

قال ابن حجر: قال إسماعيل القاضي: مغيرة بن مقسم ليس بالقوي فيمن لقيه لأنه يدلس، فكيف إذا أرسل

(1)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا أبو بكر الحميدي، ثنا سفيان، عن إبراهيم قال: قال رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لا تقل هذا، ولكن قل: من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى".

قال سفيان للمغيرة: أسمعت ذا من إبراهيم؟ فقال: ما تريد إلى ذا، وحاد عنه ولم يقل لي سمعته من إبراهيم ولا لم أسمعه، فلم أجالسه بعد.

حدثني ابن نمير، قال: قال ابن فضيل: قال مغيرة: وكنت سمعت من إبراهيم.

قال ابن نمير: وكان ابن فضيل يرى إنما سمع مغيرة من إبراهيم ما حمل عنه ابن فضيل، وهو أقل من مائتي حديث، أظنه ذكر نحو مائة وخمسين أو أقل

(2)

.

قال أبو القاسم البغوي: حدثنا محمد بن هارون، نا نعيم بن حماد، قال: سمعت ابن فضيل يقول: كان المغيرة يدلس، فكنا لا نكتب عنه إلا ما قال حدثنا إبراهيم

(3)

.

قال ابن أبي حاتم: نا أبي، نا عبيد الله بن معاذ العنبري، نا أبي، نا شعبة قال: ذكرت للمغيرة كثرة ما روى عن إبراهيم فقال: سمعته منه

(4)

.

قال الآجري: قلت لأبي داود: سمع مغيرة من مجاهد؟ قال: نعم، ومن أبي رزين، ومغيرة لا يدلس، سمع مغيرة من إبراهيم مائة وثمانين حديثًا.

(1)

"تهذيب التهذيب"(ترجمة مغيرة بن مقسم).

(2)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 679).

(3)

"الجعديات"(1/ 430).

(4)

"الجرح والتعديل"(8/ 229).

ص: 449

قال أبو داود: قال جرير: جلست إلى أبي جعفر الرازي فقال: إنما سمع مغيرة من إبراهيم أربعة أحاديث، فلم أقل شيئًا.

وقال علي: وكتاب جربر عن مغيرة عن إبراهيم مائة سمإع.

قال أبو داود: ونا حمزة بن نصير المروزي قال: سمعت أبا بكر بن عياش قال:

قلت للمغيرة: يا كذاب، إنما سمعت من إبراهيم مائة وثمانين.

قال أبو داود: أدخل مغيرة بينه وبين إبراهيم قريبًا من عشرين رجلًا، وأدخل منصور بينه وبين إبراهيم عشرة رجال

(1)

.

وقال الآجري أيضًا: قال أبو داود: نا حمزة بن نصير، نا أبو بكر بن عياش، قال: قلت للمغيرة: يا كذاب، كم سمعت من إبراهيم

(2)

.

قال يعقوب بن سفيان: قال علي: لم أر أحدًا يروي في المسند عن إبراهيم ما روى الأعمش، ومغيرة كان أعلم الناس بإبراهيم ما سمع منه ومالم يسمع، لم يكن أحد أعلم به منه، حمل عنه وعن أصحابه، ثم كان أبو معشر وحماد، وحماد فوق أبو معشر، ولم أر ليحيى في أبي معشر رأي

(3)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: صاحب إبراهيم النخعي، ثقة مشهور، وصفه النسائي بالتدليس، وحكاه العجلي عن ابن فضيل، وقال أبو داود: كان لا يدلس، وكأنه أراد ما حكاه العجلي أنه كان يرسل عن إبراهيم، فإذا وقف أخبرهم ممن سمعه

(4)

.

‌159 - مكحول الشامي الفقيه المشهور

ذكر الحافظ ابن حجر مكحول الشامي في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال:

(1)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (1/ 313).

(2)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (1/ 175).

(3)

"المعرفة والتاريخ"(3/ 14).

(4)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 155). وقد تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد. وانظر كلام الحاكم الذى في ترجمة الحسن البصري.

ص: 450

الفقيه المشهور، تابعي، يُقال: إنه لم يسمع من الصحابة إلا عن نفر قليل، ووصفه بذلك ابن حبان، وأطلق الذهبي أنه كان يدلس، ولم أره للمتقدمين إلا في قول ابن حبان

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": مكحول الشامي، أبو عبد الله، ثقة فقيه كثير الإرسال مشهور.

وقال ابن حبان في "الثقات"(5/ 446 - 447): مكحول بن عبد الله، أبو عبد الله، يروي عن أنس بن مالك، وابن عمر، وواثلة، وأبي أمامة، وكان من فقهاء أهل الشام، وربما دلس، روى عنه أهل الشام.

وقال الشيخ ناصر بن حمد الفهد حفظه الله: مكحول الشامي من الأئمة، معروف بالإرسال، وما وصفه أحد من المتقدمين بالتدليس -حسب بحثي- إلا ابن حبان قال: وربما دلس، وهو يعني على الأرجح الإرسال، لأن غيره لم يذكره بتدليس عمن سمع منه.

وقوله "ربما" يدل على التقليل.

فإذا انتقلنا إلى كتب المتأخرين وجدنا ما يلي:

قال العلائي في "جامع التحصيل"(ص 110): مكحول الدمشقي ذكره الحافظ الذهبي بالتدليس، وهو مشهور بالإرسال عن جماعة لم يلقهم، وسيأتي فيما بعد إن شاء الله تعالى. اهـ

ثم ذكر الشيخ كلام الحافظ في مراتب المدلسين، ثم قال: فجعله الحافظ مشهورًا بالتدليس لأنه وضعه في المرتبة الثالثة، وجعل عنعنته محل بحث من حيث القبول والرد، مع تصريحه بأنه لم يره للمتقدمين إلا في قول ابن حبان، وقول ابن حبان لو كان دالًا على التدليس الخاص فإنه قد قال: وربما دلس. وهذا دال على قلته وغايروا بين إرساله وتدليسه -كما يظهر من صنيع العلائي-

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 156).

ص: 451

مع أن وصف الذهبي له بالتدليس إنما يقصد به الإرسال، فقد قال عنه:

يرسل كثيرًا ويدلس عن أبي بن كعب وعبادة بن الصامت وعائشة والكبار". اهـ وهذا هو الإرسال، فإنه لم يسمع من هؤلاء أصلًا

(1)

.

قلت: كلام الذهبي في "تذكرة الحفاظ"(1/ 107). قال الذهبي: مكحول عالم أهل الشام يرسل كثيراَ ويدلس عن أُبي بن كعب وعبادة بن الصامت وعائشة والكبار، وروى عن أبي أمامة الباهلي وواثلة بن الأسقع وأنس بن مالك ومحمود بن الربيع وعبد الرحمن بن غنم وأبي إدريس الخولاني وأبي سلام ممطور وخلق.

وقال الذهبي في "السير"(5/ 155 - 156): مكحول عالم أهل الشام، يُكنى أبا عبد الله، أرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث، وأرسل عن عدة من الصحابة لم يدركهم، كأُبي بن كعب، وثوبان، وعبادة بن الصامت، وأبي هريرة، وأبي ثعلبة الخشني، وأبي جندل بن سهيل، وأبي هند الداري، وأم أيمن، وعائشة، وجماعة.

وروى أيضًا عن طائفة من قدماء التابعين، ما أحسبه لقيهم، كأبي مسلم الخولاني، ومسروق، ومالك بن يخامر. اهـ.

قلت: مم سبق يتبين أن قول الذهبي: يدلس عن أُبي بن كعب وعبادة وعائشة والكبار أي يرسل. والذهبي كان يطلق التدليس على الإرسال الخفي، وقد بينت ذلك في ترجمة "عبد الله بن زيد أبي قلابة الجرمي" من هذا الكتاب.

‌160 - موسي بن عقبة

قال برهان الدين ابن العجمي: في البخاري رواية موسى بن عقبة عن الزهري، وفى بعضها عنه: قال الزهري. قال الإمام أبو بكر الإسماعيلي: يقال إنه لم يسمع من الزهري شيئًا.

(1)

"منهج المتقدمين في التدليس"(ص 83 - 84).

ص: 452

قال العلائي: قلت: وذلك بعيد لأن البخاري لا يكتفي بمجرد إمكان اللقاء، قال: ولم أر من ذكر موسى بن عقبة بالتدليس غيره. انتهى

(1)

.

وقد نظم فيها الإمام أبو محمود فقال:

ثم ابن عقبة عن الزهري روى

بعن وقال في البخاري سوى

وقيل لم يسمعه منه فأعلم

والحمد لله به فلنختم

انتهى

(2)

وأنا أستبعد أن يكون ابن عقبة لم يسمع من الزهري، وكلاهما مدني، وقد رأى ابن عقبة جماعة من الصحابة، وسمع من أم خالد أمة بنت خالد بن سعيد بن العاص الصحابية. وقد توفى الزهري بأطراف الشام بقرية يقال لها - شغب وبدا سنة أربع وعشرين ومائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة، وابن عقبة توفي سنة إحدى وأربعين ومائة، وكذا أرخه غير واحد، وقيل سنة اثنتين، وفى ثقات ابن حبان القول الأول، وقد قيل سنة خمس وثلاثين ومائة - انتهى.

لكننى رأيت في "الاستيعاب" ما قد يشهد لقول الإسماعيلي، وذلك لأنه ذكر أبو عمر في استيعابه في ترجمة رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم رضى الله عنها - ما لفظه: "فلم يُقم موسى المعنى، وجاء فيه بالمقاربة، وليس موسى بن عقبة في ابن شهاب بحجة إذا خالفه غيره. انتهى.

ومما يرد ما قيل في موسى بن عقبة ما رويناه في كتاب "المحدث الفاصل" لأبي محمد خلاد الرامهرمزي في الجزء الأول منه - تجزئة سبعة أجزاء - قبل أوصاف الطالب وآدابه ما لفظه - حدثنا محمد بن مكرم، حدثنا أحمد بن محمد المقدمي، حدثنا الفروي، قال: سمعت مالكأ يقول: دخلت أنا وموسى بن عقبة ومشيخة كثيرة على ابن شهاب، فسألنا شاب منهم عن حديث فقال: تركتم

(1)

"جامع التحصيل"(ص 110).

(2)

انظر منظومة الحافظ أبي محمود المقدسي في المدلسين في آخر هذا الكتاب.

ص: 453

العلم حتى إذا كنتم كالشن وقد وهى طلبتموه، لا جئتم والله بخير أبدًا. انتهى

(1)

وذكر العلائي وابن حجر موسى بن عقبة في المرتبة الأولى من المدلسين، وزاد

(1)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 215 - 216). والأثر الذي أشار إليه ابن العجمي في "المحدث الفاضل"(صـ 200)(رقم 79). ومحمد بن مكرم هو محمد بن الحسين بن مكرم كما في المطبوع من "المحدث الفاصل". ومحمد بن الحسين بن مكرم ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 233)، ونقل توثيقه عن الدارقطني.

وأحمد بن محمد المقدمي هو أحمد بن محمد بن أبي بكر المقدمي، ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(2/ 73)، فقال: سمعت منه بمكة وهو صدوق.

والفروي هو إسحاق بن إسماعيل بن عبد الله بن أبي فروة، ترجم له الحافظ في "تهذيب التهذيب"، فقال:"قال أبو حاتم: كان صدوقًا، ولكن ذهب بصره فربما لقن، وكتبه صحيحة. وقال مرة: يضطرب. وذكره ابن حبان في كتاب "الثقات". وقال الآجري: سألت أبا داود عنه فوهاه جدًا، وقال: لو جاء بذلك الحديث عن مالك يحيى بن سعيد لم يحتمل له، ما هو من حديث عبيد الله بن عمر، ولا من حديث يحيى بن سعيد، ولا من حديث مالك. قال الآجري: يعني حديث الإفك الذى حدث به الفروي عن مالك وعبيد الله عن الزهري. وقال النسائي: متروك. وقال الدارقطني: ضعيف، وقد روى عنه البخاري ويوبخونه في هذا. وقال الدارقطني أيضًا: لا يترك. وقال الساجي: فيه لين، روى عن مالك أحاديث تفرد بها. وقال العقيلي: جاء عن مالك بأحاديث كثيرة لا يتابع عليها. وقال الحاكم: عيب على محمد إخراج حديثه وقد غمزوه". اهـ.

وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يغرب ويتفرد. وقال الدارقطني: ضعيف، تكلموا فيه، قالوا فيه كل قول. "الثقات"(8/ 114)، و "سؤالات الحاكم" للدارقطني (صـ 185).

ص: 454

ابن حجر: تابعي صغير ثقة، وصفه الدارقطني بالتدليس، أشار إلى ذلك الإسماعيلي

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": موسى بن عقبة ثقة فقيه إمام في المغازي، لم يصح أن ابن معين لينه.

قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي"(2/ 676): قال الإمام أحمد: موسى بن عقبة ما أراه سمع من ابن شهاب، إنما هو كتاب نظر فيه.

قلت: أخرج البخاري لموسى بن عقبة عن الزهري سبعة أحاديث لم يصرح في حديث منها بسماعه من الزهري. وهذه الأحاديث هى (2537، 3048، 4018، 4026، 5145، 7177، 7198). وقد اعتمدت في حصر هذه الروايات على كتاب" روايات المدلسين في صحيح البخاري" للدكتور عواد الخلف حفظه الله.

قلت: قد قال أحمد والإسماعيلي أن موسى بن محقبة لم يسمع من الزهري، زاد أحمد: إنما هو كتاب نظر فيه. وصحح ابن معين رواية موسى بن عقبة عن الزهري، وقال: إن كتابه عن الزهري من أصح الكتب، وروى البخاري سبعة أحاديث لموسى عن الزهري، فلعل موسى بن عقبة لم يسمع من الزهري، ولكن الكتاب الذى كان عنده عن الزهري كان صحيحًا. والتدليس الذى وصف به موسى بن عقبة خاص بروايته عن الزهري، فلا ينبغي التوقف في عنعنته عن غير الزهري، ولا ينبغي أيضًا التوقف في عنعنته عن الزهري لأن روايته عن الزهري صحيحة قاله ابن معين والله أعلم.

‌161 - ميمون بن أبي شبيب

قال برهان الدين ابن العجمي: ميمون بن أبي شبيب مُتكلم فيه، ولم أر أحدًا من الحفاظ وصفه بالتدليس، غير أني رأيت بخط بعض فضلاء الحنفية الفقهاء

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(ص 94).

ص: 455

حاشية في أوائل "صحيح مسلم" في المقدمة: فإن قيل: ميمون بن أبي شبيب مدلس، وقد روى عن المغيرة بالعنعنة، فلا تُقبل روايته، قلنا: مسلم إنما رواه عنه استشهادًا بعد أن روى من حديث ابن أبي ليلى عن سمرة. انتهى.

وما أدري من أين أخذها، ثم مر بي نقل ذلك عن اثنين من الحفاظ، وما أدري أين مربى والله أعلم

(1)

.

قلت: لا أعلم أن أحدًا من علماء الحديث وصف ميمون بن أبي شبيب بالتدليس، إنما وصفه بعضهم أنه لم يسمع من بعض الصحابة، انظر ترجمة ميمون من كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

‌162 - ميمون بن موسى المرئي

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني ابن خلاد قال: سمعت يحيى القطان يقول: أتيت ميمون المرائي فما صحح لي إلا هذه الأحاديث التى سمعتها

(2)

.

قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: ميمون بن موسى المرائي؟ قال: ما أرى به بأسا، وكان يدلس، وكان لايقول: حدثنا الحسن

(3)

.

قال البخاري: ميمون بن موسى المرئي من امرئ القيس من مضر، هو البصري، سمع الحسن، روى عنه يحيى القطان وحماد بن مسعدة.

قال أبو الوليد: أخرج إلينا ميمون كتابًا فقال: إن شئتم حدثتكم بما سمعت منه وإن شئتم كتبت فيه فن كل، فقلنا: حدثنا بما سمعت، فحدثنا بأربعة أشياء ليس فيها إسناد

(4)

.

(1)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 222).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال"(3/ 218).

(3)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 523).

(4)

"التاريخ الكبير"(7/ 342).

ص: 456

وقال البخاري أيضًا: قال أبو الوليد: خرج إلينا ميمون المرائي قال: إن شئتم حدثتكم ما سمعت منه -يعني من الحسن- وإن شئتم لففت فيه من كل. قلنا: حدثنا بنا سمعت، فحدثنا بأربعة أشياء ليس فيها إسناد

(1)

.

وقال أيضًا: حدثنا عمرو بن علي، قال: سمعت عبد الصمد بن عبد الوارث قال: سمعت خالد العبد -وهو ضعيف- يقول: قال الحسن: صليت خلف ثمانية وعشرين بدريًا كلهم يقنت بعد الركوع، فقلت: من حدثك؟ قال: حدثنا ميمون المرائي، فلقيت ميمونًا فسألته، فقال: قال الحسن مثله، قلت: من حدثك؟ قال: خالد العبد.

قال محمد: لا أعلم لميمون إلا حديثين - يعني المرائي

(2)

.

قال الآجري: قلت لأبي داود: ميمون المرائي؟ قال: ليس به بأس. قلت: هو أبو موسى. قال: أراه، روى عن الحسن ثلاثة أشياء، يعني سماعًا

(3)

.

قال ابن حجر: قال الساجي: ميمون بن موسى المرئي كان يدلس

(4)

.

قال ابن عدي: ميمون هذا عزيز الحديث، وإذا قال حدثنا فهو صدوق، لأنه كان متهمًا في التدليس

(5)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: صاحب الحسن البصري، قال النسائي والدارقطني: كان يدلس، وكذا حكاه ابن عدي عن أحمد ابن حنبل

(6)

.

(1)

"التاريخ الأوسط"(2/ 89).

(2)

"التاريخ الأوسط"(2/ 98 - 99)، و"الجرح والتعديل"(8/ 237).

(3)

"سؤالات الآجري" لأبي داود (1/ 339).

(4)

"تهذيب التهذيب".

(5)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(6/ 415).

(6)

"تعريف أهل التقديس"(ص 157).

ص: 457

قلت: قد قال أبو الوليد الطيالسي أن ميمون سمع من الحسن أربعة أحاديث وهذه الأربعة أحاديث ليس فيها إسناد أى أنها ليست مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما هي من قول الحسن، وقال أبو داود السجستاني: سمع ميمون من الحسن ثلاثة أحاديث. والتدليس الموصوف به ميمون خاص بروايته عن الحسن، فلا ينبغي التوقف في غير عنعنته عن الحسن.

* * *

ص: 458

‌حرف الهاء

‌163 - هشام بن حسان

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه زياد بن الربيع عن هشام بن حسان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بالإثمد عند النوم فإنه يجلي البصر وينبت الشعر".

قال أبي: هذا حديث منكر، لم يروه إلا الصعقل إسماعيل بن مسلم ونحوه، ولعل هشام بن حسان أخذه من إسماعيل بن مسلم فإنه كان يدلس

(1)

.

(1)

"علل ابن أبي حاتم"(2/ 260). وهذا الحديث رواه ابن عدي (3/ 195) عن ابن مكرم، عن عمرو بن علي، عن زياد بن الربيع اليحمدي، عن هشام بن حسان عن ابن المنكدر، عن جابر.

قال ابن عدي: سمعت ابن حماد يقول: قال البخاري: زياد بن الربيع اليحمدي أبو خداش بصري سمع عبد الملك بن حبيب، في إسناده نظر.

ثم أورد له ابن عدي أربعة أحاديث منها الحديث السابق، ثم قال: وزياد بن الربيع له غير ما ذكرت من الحديث، ولا أرى بأحاديثه بأسًا.

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(2/ 76): حدثني آدم بن موسى، قال: سمعت البخاري قال: حدثنا زياد بن الربيع اليحمدي أبو خداش: في إسناده نظر.

وقال ابن حبان في "المجروحين"(1/ 303): زياد بن الربيع اليحمدي مصري يكنى أبا خداش. قال البخاري: سمع عبد الملك بن حبيب، في إسناده نظر. وقال ابن عدي: لا أرى بحديثه بأسًا.

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب": "قال إسحاق بن أبي إسرائيل: زياد بن الربيع ثقة. وقال أحمد: شيخ بصري ليس به بأس، من الشيوخ الثقات. وقال الآجري عن أبي داود: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات". =

ص: 459

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وقال الدارقطني: زياد بن الربيع أبو خداش اليحمدي أثنى عليه أحمد. "سؤالات الحاكم" للدارقطني (صـ 209).

وقال ابن حجر في "هدي الساري"(صـ 423): زياد بن الربيع روى له البخاري في الصحيح حديثًا واحدًا في المغازى من روايته عن أبي عمران الجوني عن أنس أنه نظر إلى الناس وعليهم الطيالسة الحديث ماله عنده غيره. وقال ابن عدي بعد أن أورد له هذا الحديث وغيره: ما أرى برواياته بأسًا".

قلت: هذا الحديث في الصحيح برقم (4208).

وروى هذا الحديث أيضًا الطبراني في "الأوسط"(6053) عن محمد بن يونس العصفري، عن عمرو بن علي، عن زياد بن الربيع، عن هشام بن حسان عن إسماعيل بن مسلم، عن محمد بن المنكدر، عن جابر.

ومحمد بن يونس العصفري لم أقف له على ترجمة. وقال الخطيب في "تاريخ بغداد"(3/ 446): محمد بن يونس بن عبد الله أبو بكر الأزرق المقرئ المطرز سمع أحمد بن عبيد الله النرسي، وأبا بكر بن أبي الدنيا، وجعفر بن محمد بن كزال، ومحمد بن عبد الله الحضرمي، وموسى بن إسحاق الأنصاري ومحمد بن سهل بن الحسن العطار، وأحمد بن زيد بن هارون المكي، ومحمد ابن أحمد بن الهيثم المصري، وغيرهم. وكان جليلًا في القراء ثقة. قرأ عليه أبو بكر بن الشارب، وروى عنه أبو بكر محمد بن الحسن بن زياد النقاش، وأبو طاهر بن أبي هاشم، ومنصور بن محمد الحذاء، وأبو حفص بن شاهين، وأبو الحسين بن سمعون.

قلت: وهذا الراوي الذى ترجم له الخطيب من طبقة العصفري، فإن كان هو فقد صح أن هشام بن حسان صرح بأن الواسطة التى أخذ عنها هذا الحديث هو إسماعيل بن مسلم المكي.

ورواه عبد بن حميد (1085)، وابن ماجه (3496) من طريق إسماعيل بن =

ص: 460

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= مسلم المكي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر.

والذى يترجح عندي أن إسماعيل بن مسلم المكي البصري أبو إسحاق ضعيف جدًا، انظر تفصيل ذلك في كتاب "تهذيب التهذيب"، وكتابي "التذييل على كتاب تهذيب التهذيب".

وتابع إسماعيل بن مسلم محمد بن إسحاق بن يسار وسلام بن أبي خبزة وأبو بكر الهذلي كما عند الترمذي في "الشمائل"(52)، وأبو يعلي (2058)، وابن عدي (3/ 304)، والطبراني في "الأوسط"(2516).

ولم يصرح ابن إسحاق بالتحديث. والذى يترجح عندى في ابن إسحاق أنه ضعيف. انظر تفصيل ذلك في "تهذيب التهذيب"، وكتابي "التذييل على كتاب تهذيب التهذيب"، وكتابي "الرواة الثقات المُتكلم فيهم".

وروى الترمذى في "العلل الكبير"(صـ 289) حديث محمد بن إسحاق، ثم قال: سألت محمدًا عن هذا الحديث فلم يعرفه من حديث محمد بن إسحاق.

وقال الذهبي في "الميزان"(2/ 174): سلام بن أبي خبزة العطار بصري.

عن ثابت وغيره، وهو والد سعيد بن سلام.

قال ابن المديني: يضع الحديث. وقال النسائي: متروك. وقال الدارقطني: ضعيف.

إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا سلام بن أبي خبزة، حدثنا محمد بن المنكدر، عن جابر مرفوعًا:"عليكم بالإثمد عند النوم، فإنه يشد البصر، وينبت الشعر".

ويروى عن سلام، عن ثابت، عن أنس، كانت لرسول الله (ملحفة مورسة. وقد لقيه قتيبة ولم يحدث عنه.

وزاد ابن حجر في "لسان الميزان"(4/ 60): قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: ليس بقوي، وليس بكذاب. وقال أبو زرعة: منكر الحديث. وقال النسائي في "التمييز": ليس بثقة. وقال الساجي: متروك الحديث، =

ص: 461

قلت: وأبو حاتم رحمه الله لا يصف هشام بن حسان بالتدليس مطلقًا، ولكنه لما روى هشام بن حسان هذا الحديث، وكان الحديث عند أبي حاتم منكرًا ومعروفًا من رواية أحد الضعفاء، قال أبو حاتم: لعل هشام بن حسان أخذ هذا الحديث عن هذا الضعيف وأسقط اسمه.

فالإمام أبو حاتم لما رأى المتن منكرًا، ورأى الإسناد الذى رواه هشام بن حسان ظاهره الصحة ولم يجد له علة ظاهرة قادحة، أعله بعلة غير قادحة، انظر كلام الشيخ المعلمي الذى في ترجمة سليمان بن حيان من هذا الكتاب.

واستدل أبو حاتم على تدليس هشام لهذا الحديث بأن هشام كان معروفًا بالتدليس ولكن التدليس المعروف به هشام كان خاصًا برواته عن الحسن، فإنه سمع من الحسن أحاديث ودلس الباقي عن حوشب، فإن كان هشام يستبيح أن يدلس عن الحسن، فما الذى يمنعه أن يدلس هذا الحديث عن محمد بن المنكدر.

= وكان عابدًا. وقال أبو داود: ضعيف. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابع عليه. وقال البخاري: ضعفه قتيبة جدًا. وقال العقيلني: في الملحفة المورسة رواية من غير هذا الوجه لينة.

وأبو بكر الهذلي متروك.

ورواه البزار كما في "كشف الأستار"(3031) عن السكن بن سعيد ومحمد ابن معمر قالا: عن روح بن عبادة، عن هشام بن حسان، عن عمر بن محمد ابن المنكدر، عن أبيه، عن أبي هريرة.

قال البزار: هكذا رواه زياد وأحسب أنه أخطا فيه، لأنه لو كان هذا محفوظًا، كان هشام عن ابن المنكدر عن جابر أقرب من هشام عن عمر بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن أبي هريرة، وقد ذكرنا أن محمد بن المنكدر لم يسمع من أبي هريرة.

قال المحقق: ليس في الإسناد من يسمى زيادًا.

وللحديث طرق أخرى، راجعها في تعليق الشيخ شعيب على مسند أحمد.

ص: 462

والذي يظهر لي أن أبا حاتم لا يصف هشام بن حسان بالتدليس مطلقًا عن محمد بن المنكدر، ولكنه يصفه بالتدليس عن محمد بن المنكدر في هذا الحديث خاصة.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: وصفه بذلك علي بن المديني وأبو حاتم. قال جرير بن حازم: قاعدت الحسن سبع سنين ما رأيت هشامًا عنده، قيل له: قد حدث عن الحسن باشياء ممن تراه أخذها؟ قال: من حوشب أراه. وقال ابن المديني: كان أصحابنا يثبتون حديثه، ويحيى بن سعيد يضعفه، ويرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": هشام بن حسان ثقة، من أثبت الناس في ابن سيرين، وفى روايته عن الحسن وعطاء مقال، لأنه قيل: كان يرسل عنهما. قلت: في سماع هشام بن حسان عن الحسن والاحتجاج بروايته عنه خلاف انظر تفصيل ذلك في ترجمة هشام بن حسان من كتابي "الرواة الثقات المُتكلم فيهم".

‌164 - هشام بن عروة

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا أبو نعيم الحافظ، قال: ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، قال: ثنا بشر بن موسى: قال عبد الله بن الزبير الحميدي: وإن كان رجل معروف بصحبة رجل والسماع منه، مثل: ابن جريج عن عطاء، أو هشام ابن عروة عن أبيه، وعمرو بن دينار عن عبيد بن عمير، ومن كان مثل هؤلاء في ثقتهم ممن يكون الغالب عليه السماع ممن حدث عنه فأدرك عليه أنه أدخل بينه وبينه في حديث رجلًا غير مسمى أو أسقطه، ترك ذلك الحديث الذى أدرك عليه فيه أنه لم يسمعه ولم يضره ذلك في غيره حتى يدرك عليه فيه مثل ما أدرك عليه في هذا، فيكون مثل المقطوع

(2)

.

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 157 - 158).

(2)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 532). وبشر بن موسى هو الأسدي، ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد"(7/ 86)، فقال: ثقة مأمون. ومحمد بن أحمد =

ص: 463

ذكر العلائي هشام بن عروة في المدلسين وقال: إمام مشهور، لم يشتهر بالتدليس، ولكن قال علي بن المديني: سمعت يحيى - يعني ابن سعيد يقول: كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه عن عائشة رضى الله عنها قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وما ضرب بيده شيئًا .. الحديث، فلما سألته، قال: أخبرني أبي عن عائشة قالت: ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين لم أسمع من أبي إلا هذا، والباقي لم أسمعه، إنما هو عن الزهري، رواه الحاكم في علومه عن ابن المديني.

وفى جعل هشام بمجرد هذا مدلسًا نظر، ولم أر من وصفه به

(1)

.

قال برهان الدين ابن العجمي: هشام بن عروة إمام مشهور لم يشتهر بالتدليس.

ثم ذكر الحديث الذى رواه الحاكم، وكلام العلائي السابق

(2)

.

ذكر ابن العراقي القصة التى رواها الحاكم وتعقيب العلائي عليها، ثم فال: قلت: قال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه فأنكر عليه أهل بلده، والذى يُرى أن هشامًا تسهل لأهل العراق أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه.

= ابن الحسن هو أبو علي المعروف بابن الصواف، له ترجمة في "تاريخ بغداد"(1/ 289)، قال الخطيب: سمعت محمد بن أحمد بن أبي الفوارس يقول: سمعت أبا الحسن الدارقطني يقول: ما رأت عيناي مثل أبي علي الصواف ورجل آخر بمصر لم يسمه أبو الفتح.

قال الخطيب: كان ثقة مأمونًا من أهل التحرز، ما رأيت مثله في التحرز.

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 111)، و"معرفة علوم الحديث" للحاكم (صـ 104 - 105).

(2)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 227).

ص: 464

قلت: وهذا تصريح في نسبته إلى التدليس، ولابن خراش كلام يوافق هذا أيضًا

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: تابعي صغير، مشهور ذكره بذلك أبو الحسن بن القطان، وأنكره الذهبي على ابن القطان، فإن الحكاية المشهورة عنه أنه قدم العراق ثلاث مرات، ففى الأولى حدث عن أبيه فصرح بسماعه، وفى الثانية حدث بالكثير فلم يصرح

القصة.

وهى تقتضي أنه حدث بما لم يسمعه منه، وهذا هو التدليس

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": هشام بن عروة بن الزبير ثقة فقيه وربما دلس.

قال المعلمي: قال يعقوب بن شيبة: هشام بن عروة ثقة ثبت، لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذى نرى أن هشامًا تسهل لأهل العراق، أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكأنه تسهله أنه أرسل عن أبيه مما كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه.

وجاء عن ابن خراش ما يفهم منه هذا المعنى، وقد تفهم منه زيادة لا دليل عليها فلا تقبل من ابن خراش.

وعدَّه الحافظ في الطبقة الأولى من المدلسين، وهي طبقة من لم يوصف بذلك إلا نادرًا. والتحقيق أنه لم يدلس قط، ولكن كان ربما يحدث بالحديث عن فلان عن أبيه، فيسمع الناس منه ذلك ويعرفونه، ثم ربما ذكر الحديث بلفظ:"قال أبي "أو نحوه اتكالًا على أنه قد سبق منه بيان أنه إنما سمعه من فلان عن أبيه، فيغتنم بعض الناس حكايته الثانية فيروي ذلك الحديث عنه عن أبيه لما فيه من

(1)

كتاب "المدلسين"(صـ 97 - 98).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 95 - 96).

ص: 465

صورة العلو، مع الاتكال على أن الناس قد سمعوا روايته الأولى وحفظوها.

وفى مقدمة "صحيح مسلم" ما يصرح بأن هشامًا غير مدلس، وفيه أن غير المدلس قد يرسل، وذكر لذلك أمثلة، منها حديث رواه جماعة عن هشام:"أخبرني أخي عثمان بن عروة عن عروة"، ورواه آخرون عن هشام عن أبيه، ومع هذا فإنما اتفق لهشام مثل هذا نادرًا، ولم يتفق إلا حيث يكون الذي بينه وبين أبيه ثقة لا شك فيه، كأخيه عثمان ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة والله الموفق

(1)

.

‌165 - هشيم بن بشير

قال المروذي: ذكر أحمد هشيمًا فقال: كان يدلس تدليسًا وحشًا، وربما جاء بالحرف الذى لم يسمعه، فيذكره في حديث آخر، إذا انقطع الكلام يوصله

(2)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثني الفضل بن زياد قال: قال أحمد: قد دلس قوم، ثم ذكر الأعمش، قال: كان هشيم يكثر -يعني التدليس- وسفيان بن عيينة أيضًا، ثم كان أبو حرة صاحب تدليس

(3)

.

قال الترمذي: حدثنا حسين بن مهدي البصري، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا ابن المبارك قال: قلت لهشيم: مالك تدلس وقد سمعت؟ قال: كان كبيراك يدلسان، وذكر الأعمش والثوري، وذكر أن الأعمش لم يسمع من مجاهد إلا أربعة أحاديث

(4)

.

قال الخطيب البغدادي: أخبرنا محمد بن الحسين القطان، أنا دعلج بن أحمد أنا أحمد بن علي الأبار، ثنا أبو عمار الحسين بن حريث، قال: سمعت الفضل

(1)

"التنكيل"(1/ 517 - 518).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية المروذي وغيره (صـ 51).

(3)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 633).

(4)

"علل الترمذي الكبير"(صـ 386). وحسين بن مهدي صدوق.

ص: 466

- يعني ابن موسى - يقول: قيل لهشيم: ما يحملك على هذا - يعني التدليس؟

قال: إنه أشهى شيء

(1)

.

(2)

.

قال ابن سعد: هشيم بن بشير ثقة كثير الحديث ثبتًا يدلس كثيرًا، فما قال في حديثه أخبرنا فهو حجة، ومالم يقل أخبرنا فليس بشيء

(3)

.

قال الخطيب البغدادي: وربماكان الشيخ خبيث التدليس، لا يظهره لكل أحد فيجب أن يكون تحفظه عليه أكثر، وتحرزه منه أشد.

أخبرني أبو القاسم الأزهري، ثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال، ثنا محمد ابن أحمد بن يعقوب بن شيبة، ثنا جدى قال: سمعت أبا الأحوص البغوي - إن شاء الله - أو حدثنيه حسن بن وهب عنه، وذكر هشيم وتدليسه، فقال: جلست إلى جانبه وهو يحدث فجعل يقول: أخبرنا يرفع صوته ثم يسكت فيقول فيما بينه وبين نفسه - فلان - ثم يرفع صوته: داود عن الشعبي عن فلان عن فلان

(4)

.

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: كان الرجل يجئ إلى هشيم، فيذاكره الحديث، فيقول له هشيم: كيف هو؟ فإذا ذهب الرجل حدث به

(1)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 514).

(2)

أبو عمار الحسين بن حريث ثقة كما في "التقريب".

وأحمد بن علي الأبار ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد"(4/ 306)، فقال: كان ثقة حافظًا متقنًا، حسن المذهب.

ودعلج بن أحمد ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد"(8/ 388)، فقال: كان ثقة ثبتًا.

ومحمد بن الحسين القطان ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد"(2/ 249)، فقال: كتبنا عنه وكان ثقة.

(3)

"الطبقات الكبرى"(7/ 227).

(4)

"الكفاية في علوم الرواية"(صـ 255 - 256).

ص: 467

هشيم، أو نحو هذا قاله أبو زكريا

(1)

.

قال العجلي: هشيم بن بشير ثقة، وكان يدلس، وكان يعد من حفاظ الحديث

(2)

.

قال النسائي: هشيم بن بشير كان يدلس

(3)

.

قال ابن عدي: وهشيم رجل مشهور، وقد كتب عنه الأئمة، وهو في نفسه لا بأس به، إلا أنه نسب إلى التدليس، وله أصناف وأحاديث حسان غرائب، وإذا حدث عن ثقة فلا بأس به، وربما يؤتى ويوجد في بعض أحاديثه منكر إذا دلس في حديثه عن غير ثقة، وقد روى عنه شعبة والثوري ومالك وابن مهدي وابن أبي عدي وغيرهم من الأئمة، وهو لا بأس به وبرواياته

(4)

.

قال ابن حبان: هشيم بن بشير كان مدلسًا

(5)

.

قال الحاكم: وفيما حدثونا أن جماعة من أصحاب هشيم اجتمعوا يومًا على أن لا يأخذوا منه التدليس، ففطن لذلك فكان يقول في كل حديث يذكره حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم، فلما فرغ قال لهم: هل دلست لكم اليوم؟ فقالوا: لا، فقال: لم أسمع من مغيرة حرفًا مما ذكرته، إنما قلت حدثني حصين ومغيرة غير مسموع لي

(6)

.

(7)

.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسن الهسنجاني قال: سمعت الهروي -

(1)

"تاريخ الدوري"(4/ 390).

(2)

"تاريخ الثقات"(صـ 459).

(3)

"السنن الكبرى"(3/ 234)(ح 5196).

(4)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(7/ 138).

(5)

"ثقات ابن حبان"(7/ 587).

(6)

"معرفة علوم الحديث"(صـ 105).

(7)

وقد تقدم الكلام عن هذه القصة في تعريف "تدليس العطف" من مقدمة هذا الكتاب.

ص: 468

يعني إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي - يقول: لم يسمع هشيم من علي بن زيد إلا حديث المداراة، وكان يدلس عن أبي بشر أكثر مما يدلس عن حصين

(1)

.

قال ابن رجب: قال أحمد في رواية الأثرم: هشيم لا يكاد يسقط عليه شيء من حديث حصين، ولا يكاد يدلس عن حصين

(2)

.

(3)

.

وقال ابن رجب أيضًا: ذكرمن عرف بالتدليس وكان له شيوخ لا يدلس عنهم فحديثه عنهم متصل، منهم هشيم بن بشير، ذكر أحمد أنه لا يكاد يدلس عن حصين

(4)

.

قال عبد الله بن أحمد: قلت لأبي: كم سمع هشيم من جابر الجعفي؟ قال:

(1)

"مراسيل ابن أبي حاتم"(868). وقال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"(6/ 181): علي بن الحسن الهسنجاني كتبنا عنه وهو ثقة صدوق.

(2)

"شرح علل الترمذي"(2/ 739).

(3)

قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، نا أبو حفص الصيرفي، قال: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: أعلم الناس بحديث حصين قديمها وحديثها هشيم.

وأبو حفص الصيرفي هو عمرو بن علي الفلاس.

وقال أحمد بن حنبل: ليس أحد أصح حديثًا عن حصين من هشيم.

وقال ابن حجر: قال أسلم بن سهل في "تاريخ واسط": ثنا أحمد بن سنان، سمعت عبد الرحمن يقول: هشيم عن حصين أحب إلي من سفيان، وهشيم أعلم الناس بحديث حصين. "الجرح والتعديل"(9/ 115)، و"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 323)، و"تهذيب التهذيب"(ترجمة حصين بن عبد الرحمن).

قلت: هشيم كان أعلم وأثبت الناس في حديث حصين، فما الذى يحوجه أن يدلس عن حصين. فالأصل تمرير عنعنته عن حصين، إلا إن ثبت أنه دلس حديثًا بعينه عن حصين، والله أعلم.

(4)

"شرح علل الترمذي"(2/ 857).

ص: 469

حديثين. قلت: فالباقي؟ قال: مدلسة

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي: حدث هشيم عن سفيان الثوري، فقال: دلس عنه

(2)

.

قال الدوري: سألت يحيى عن أحاديث يرويها هشيم، عن مغيرة، عن إبراهيم: النظر في مرآة الحجام دناءة، وإذا بلى المصحف دفن، وأشباه هذه الأحاديث؟ فقال: سمعها هشيم من إبراهيم بن عطية الواسطي، عن مغيرة.

قلت ليحيى: إبراهيم سمع من المغيرة هذه الأحاديث؟ قال: كان إبراهيم هذا لا يساوي شيئًا، وينبغي أن يكون قد سمع من مغيرة، فهشيم إنما سمع هذه الأحاديث منه عن مغيرة، وكان يقول: مغيرة، هكذا قال يحيى، أو شبيه بهذا

(3)

.

قال البخاري: إبراهيم بن عطية الواسطي أبو إسماعيل الثقفي عن يونس بن خباب ومغيرة، عنده مناكير، كان هشيم يدلس عنه

(4)

.

قال ابن حبان: إبراهيم بن عطية الواسطي أبو إسماعيل الثقفي خراساني الأصل يروي عن يونس بن خباب، كان هشيم يدلس عنه أخبارًا لا أصل لها، كانه وقف على العلة فيها، وكان منكر الحديث جدًا، رواية هشيم عن مغيرة عن إبراهيم "النظر في مرآة الحجام دناءة" منه سمع

(5)

.

قال أبو داود: قلت لأحمد: أبو ليلى؟ قال: اسمه عبد الله بن ميسرة، كان هشيم يقول: أبو إسحاق الكوفي، قلت: هو أبو ليلى؟ قال: هي أحاديثه

(6)

.

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 255).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال"(3/ 210).

(3)

"تاريخ الدوري"(4/ 389).

(4)

"التاريخ الكبير"(1/ 311) و "التاريخ الأوسط"(2/ 165).

(5)

"المجروحين"(1/ 108).

(6)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 178).

ص: 470

قال الدوري: سألت يحيى عن حديث هشيم عن أبي إسحاق، عن أبي قيس، عن هزيل، قال: قال عبد الله: ما أبالي ذكري مسست أو أنفي. فقلت له: من أبو إسحاق هذا؟ فقال يحيى: هشيم لم يلق أبا إسحاق السبيعي، ولم يلق أيضًا أبا إسحاق، والذى يدلس عنه الذي يقال له: أبو إسحاق الكوفي

(1)

.

قال ابن محرز: سمعت يحيى وقلت له: حدثنا أحمد بن يونس عن أبي ليلى - من هو يا أبا زكريا؟ قال: هو أبو إسحاق الكوفي.

قال: هشيم يحدث عن أبي إسحاق الكوفي فيقول مرة: أبو إسحاق الكوفي، ومرة أخرى: أبو عبد الجليل، وهو أبو ليلى، واسم هذا الشيخ عبد الله بن ميسرة، ولم يكن بثقة

(2)

.

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: أبو إسحاق الكوفي -الذى روى عنه هشيم- هو عبد الله بن ميسرة، وهو ضعيف الحديث، وقد روى عنه وكيع، وربما قال هشيم: حدثنا أبو عبد الجليل، وهو عبد الله بن ميسرة، كان يدلسه بكنية أخرى لا أحفظها

(3)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا محمد بن عبد الرحيم قال: أنبأ علي قال: قال عبد الرحمن: أعياني هشيم عن أبي إسحاق الكوفي حتى قال في شيء عن عكرمة.

قال علي: كنا نظنه عبد الله بن ميسرة أبو ليلى، كناه ببعض بنيه

(4)

.

قال ابن الجنيد: سُئل يحيى وأنا أسمع عن زهير السلولي؟ فقال: شيخ بصري ليس بشيء. قلت ليحيى: من يحدث عنه؟ فقال يحيى: سمعت معتمر بن سليمان يروي عن زهير شيخ من بني سلول عن يونس بن الحسن قال: يجزئ من

(1)

"تاريخ الدوري"(4/ 377).

(2)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين (1/ 63 - 64).

(3)

"تاريخ الدوري"(3/ 264).

(4)

"المعرفة والتاريخ"(3/ 45 - 46).

ص: 471

الصوم السلام، وليس يحدث بهذا الحديث عن يونس ثقة، وليس هذا الشيخ ثقة.

قال يحيى: كان هشيم يدلسه عن يونس عن الحسن، ثم قال يحيى: كان هشيم يأخذ الحديث من السحاب

(1)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت القواريري يقول: كتب وكيع إلى هشيم: "بلغني أنك نفسد أحاديثك بهذا الذى تدلسها"، فكتب إليه:"بسم الله الرحمن الرحيم": كان أستاذاك يفعلانه: الأعمش وسفيان"

(2)

.

قال ابن محرز: حدثنا محمد بن الصباح القطان قال: حدثني زحمويه قال: سمعت هشيمًا يقول: طلبت الحديث وذاكرت به ثلاثين سنة، فإذا قلت لك حدثنا وأخبرنا فلا عليك من خالفك

(3)

.

قال ابن طهمان: سمعت يجيى يقول: شهدت ابن أبي الليث وقال لهشيم: إن قلت أخبرنا وإلا لا كتبنا عنك حرفًا، فقلت له أنا بعض هذا الكلام، فقال يحيى: أنا شاهد ذلك المجلس، فقال له هشيم: غير مستوحشة منك الدار، فتركه وقام

(4)

.

(1)

"سؤالات ابن الجنيد" لابن معين (صـ 343).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 261).

(3)

"سؤالات ابن محرز" لابن معين (2/ 243). ورواه عبد الله بن أحمد بن حنبل في "العلل ومعرقة الرجال"(2/ 246) قال: حدثني بعض أصحابنا قال: قال هشيم فذكره.

وزحمويه هو زكريا بن يحيى بن صبيح، ترجم له ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 610) وذكر أن أبا زرعة روى عنه. وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 253) وقال: كان من المتقنين في الروايات.

ومحمد بن الصباح القطان أظنه هو الدولابي البغدادي وهو ثقة حافظ، وذكر المزي في ترجمته من "تهذيب الكمال" أن عبد الله بن أحمد روى عنه.

(4)

"سؤالات ابن طهمان" لابن معين (ص 103).

ص: 472

قال عبد الله بن أحمد: وسمعت أبي يقول: كان هشيم يومًا يقول: حدثنا وأخبرنا ثم ذكر أنه لم يسمع فقال: يا صباح، قل لهم توسعون الطريق حتى يمر الصبي والمرأة، ثم قال: فلان عن يونس، وفلان عن مغيرة

(1)

.

قال الدوري: سمعت يحيى يقول: سمعت هشيمًا يحدث يومًا، فقال: حدثنا علي بن زيد، ثم ذكر أنه لم يسمعه من علي بن زيد، فتنحنح ثم قال: سووا الطريق، ثم قال: قال علي بن زيد

(2)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: زعم مجالد عن الشعبي قال: كان زياد يشتو بالبصرة ويحمل شريح معه يصيف بالكوفة.

قال أبي: أرى هشيمًا تلقه - يعني دلسه - من هيثم بن عدي.

سمعت أبي يقول: حدثنا يوم هشيم قال: أخبرنا ابن شبرمة، عن عبد الله بن شداد، عن ابن عباس: حرمت الخمر بعينها، ثم قص الحديث.

قال أبي: أخبرني أبو الأحوص محمد بن حيان أن هشيمًا حدثهم عن ابن شبرمة ثم حرك هشيم شفتيه فقال: عمن حدثه، ثم قال: عن عبد الله بن شداد عن عبد الله بن عباس هذا الحديث.

قال أبي: ابن شبرمة لم يسمع من عبد الله بن شداد شيئًا

(3)

.

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 250).

(2)

"تاريخ الدوري"(4/ 388).

(3)

قال المحقق: أخرجه النسائي في "سننه"(8/ 320) من طريق القواريري عن عبد الوارث قال: سمعت ابن شبرمة يذكره عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس قال: حُرمت الخمر قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب.

ثم قال: ابن شبرمة لم يسمعه من عبد الله بن شداد.

ثم روى من طريق هشيم عن ابن شبرمة قال: حدثني الثقة عن عبد الله بن شداد عن ابن عباس: حرمت الخمر بعينها قليلها.

فهذا دليل على أن هشيمًا كان يدل فيه تدليس التسوية، فكان يحذف شيخ شيخه في بعض المرات.

ص: 473

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن سيار عن أبي وائل قال: لا يقرأ القرآن جنب ولا حائض.

قال أبي: لم يسمعه هشيم من سيار.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: علي أحب إلي من عثمان، ولأن أقع من السماء أحب إلي من أن أتناول - يعني عثمان.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن سيار بن أبي وائل قال: قال عبد الله بن مسعود: وددت أن الله قد غفر لي وأنه لا يعرف لي نسب.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من سيار.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة قال: كان طلق يُذَوِّبُ أمَّة.

سمعت أبي يقول: لم يسمع هذين هشيم من مغيرة.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن سماك - يعني ابن سلمة - قال: راْيت ابن عمر وابن عباس يتربعان في الصلاة.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: الوضوء بالطرق أحب إلي من التيمم.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة، ومغيرة رواه عن حماد.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن جويبر عن الضحاك عن علي قال: لا يكون المهر أقل من عشرة.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من جويبر.

سمعت أبي يقول: حدثنا هشيم عن أبي بشر عن عطاء: قلت لابن عباس: استأذن علي أمي وأختي؟ قال: استأذنت.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من أبي بشر.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن خالد بن سلمة المخزومي قال: لقد رأيت

ص: 474

إبراهيم النخعي فرأيت رجلًا لحانًا.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من خالد بن سلمة.

سمعت أبي يقول: هذان الحديثان سمعهما هشيم من جابر الجعفي، وكل شيء حدث عن جابر مدلس إلا هذين الحديثين:

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا جابر الجعفي عن أبي جعفر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقدر يغلي فأخذ منها عرقًا أو كتفًا فأكله ثم صلى ولم يتوضأ.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن جابر، قال أبي: وهو مما سمعه منه عن الحسن بن مسافر عن أبي سبرة النخعي قال: لما قدم عمر الشام أتى بطعام فلما فرغ أتى بثوب كتاب، أو قال: سابري، فقالوا: امسح به يدك. فقال: إن كان ذلك ليكفي رجلًا من المسلمين، وأبى أن يمسح به يده، قال: فلما حضرت الصلاة صلى ولم يتوضأ.

سمعت أبي يقول: حدثنا هشيم عن أبي هاشم عن أبي مجلز عن قيس بن عباد عن أبي سعيد الخدري قال: إذا توضأ الرجل فقال: "سبحانك اللهم وبحمدك".

قال أبي: لم يسمعه هشيم من أبي هاشم.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله قال: كنا لا نتوضأ من الموطئ.

سمعت أبي يقول: هذا لم يسمعه هشيم من الأعمش، ولا الأعمش سمعه من أبي وائل.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن سيار عن عبد الرحمن بن ثروان عن شريح: لقد ترك في قلوب الورعين منها هاجسًا - يعني في الرجل يبدأ بالطلاق قبل اليمين.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من سيار.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: أول من أسلم أبو بكر.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة.

ص: 475

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن الحارث العكلي أنه كان يقول: إذا انتهى الرجل إلى الجنازة وقد كبر الإمام فلا يكبر حتى يكبر الإمام.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن أبي بشر عن أبي نضرة عن أبي سعيد أنه كان يقول: تذاكروا الحديث فإن الحديث يهيج بعضه بعضًا.

سمعت أبي يقول: ولم يسمعه هشيم من أبي بشر، هذا حديث شعبة.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن حجاج عن عطاء أنه كان يكره من الجراد ما قتله الصر.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من حجاجًا.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن زاذان أبي منصور قال: رأيت رأس الحسين ابن علي حيث أتى به ابن زياد وهو مخضوب بالسواد.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من زاذان.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن في القوارير المكسرة بالصحاح، والمكثرة أكثر فلم ير بذلك بأسًا إذا كان يدًا بيد، وكره ذلك ابن سيرين.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من منصور.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي أن عمر بن الخطاب أوصى في عماله ألا يعزلوا ستة، قال: وأقروا الأشعري أربع سنين.

سعت أبي يقول: أراه سمعه هشيم من هيثم بن عدي.

سمعت أبي يقول: حدثنا هشيم عن يعلي بن عطاء بن عبد الله بن سفيان الثقفي عن أبيه أن رجلًا قال: يا رسول الله، وقد قال هشيم: قلت يا رسول الله مرني بأمر الإسلام أمرًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك.

قال أبي: لم يسمعه هشيم من يعلي بن عطاء.

حثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي قال: أجمعوا أن لا يكتبوا

ص: 476

أمام الشعر "بسم الله الرحمن الرحيم".

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مجالد.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن يونس عن عمرو بن سعيد قال: ذكر عند الشعبي صدقة الفطر في أيام مضين من شوال، فقال: ما أديتها بعد.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من يونس.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم، وليث عن مجاهد أنهما كرها أن يربط الرجل الخيط في خاتمه يستذكر به الشيء.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه منهما جميعًا.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن عمرو بن دينار عن جابر بن زيد قال: سألت البحر -يعني ابن عباس- عن لحوم الحمر الأهلية، قال: فتلا هذه الآية {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا} [الأنعام: 145] إلى آخر الآية.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من عمرو.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن سيار عن الشعبي أنه خرج من الحمام ولم يغسل قدميه، فقيل له في ذلك، فقال: أي رجل منظور إلي.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من سيار.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن وابن سيرين أنهما كرها بيع السلاح.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من يونس.

سمعت أبي يقول: حدثنا هشيم عن علي بن زيد عن أيوب اللخمي عن ابن عمر أنه وقع في سهمه جارية يوم جلولاء كان عنقها إبريق فضة، قال: فما صبرت أن قمت إليها فقبلتها والناس ينظرون.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من علي بن زيد.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: أخبرنا الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يوم خيبر للفرس سهمين وللرجل سهمًا.

ص: 477

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: وعبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من عبيد الله.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: زعم أبو بشر عن سعيد بن جبير في قوله عز وجل {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72] الآية.

قال أبي: لم يسمعه هشيم من أبي بشر.

سمعت أبي يقول: لم يسمع هشيم حديث مغيرة عن إبراهيم في قوله (الذى تسألون به)، لم يسمعه هشيم من مغيرة.

سمعت أبي يقول: لم يسمع هشيم من الزهري حديث علي بن حسين عن عمرو ابن عثمان عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يتوارث أهل ملتين شئ".

قال أبي: وقد حدثنا به هشيم.

سمعت أبي يقول: لم يسمع هشيم من الزهري حديث سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يرفع يديه إذا كبر.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: كانوا يحبون أن تكون للشاب صبوة.

سمعت أبي يقول: ليس له أصل.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن ليث عن مجاهد ومغيرة عن إبراهيم أنهما كرها لولي الميت أن يمشي مع جنازته قريبًا من سريرة بغير رداء.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من ليث ولا من مغيرة.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن حجاج عن الحكم فيمن أوصى لولد فلان فكان فيهم حبل، قال: يعطى الحبل إذا ولد.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن الحجاج عن الحكم عن إبراهيم أنه قال في الرجل إذا رعف وهو في المسجد، قال: ينصرف فيتوضأ ولا يبني على صلاته إلا في ذلك المسجد.

ص: 478

سمعت أبي يقول: أحد هذين الحديثين لم يسمعه هشيم من الحجاج.

قال أبو عبد الرحمن: ولا أظنه إلا حديث حجاج عن الحكم عن إبراهيم.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير قال: رأى امرأة تطوف تعد طوافها بحصى تجعله في كفها كلما طافت طوافًا، قال: فرمى به من كفها.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من أبي بشر.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن اْبي رزين قال: لا بأس بالكشوث

(1)

.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة.

سمعت أبي يقول: لم يسمع هشيم هذه الكلمة من يعلي بن عطاء في حديث جابر بن يزيد بن الأسود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الغداة فانحرف

(2)

.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر سلم على الناس.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مجالد.

سمعت أبي يقول في حديث هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم سُئل عن ذراري المشركين.

قال أبي: لم يسمعه هشيم من أبي بشر.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن قال في ميراث المرتد: لأهله.

(1)

قال المحقق: الكشوث نبات محبب مقطوع الأصل أصفر اللون يتعلق بأطراف الشوك يتداوى به الناس ويجعل في الشراب فيشده ويجعل به السكر، نافع لأمراض كثيرة، انظر "المعتمد في الأدوية".

(2)

قال الدوري في "تاريخه"(4/ 402): قال يحيى في حديث هشيم، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى انحرف. قال يحيى: انحرف، هذه الكلمة ليست من حديث هشيم.

ص: 479

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من يونس، هذا حديث يزيد بن زريع.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: إما المغيرة وإما الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم: لم ير بأسًا بمصافحة المرأة التى قد خلت من رواء الثوب.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة ولا من الحسن بن عبيد الله.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مجالد عن الشعبي أن عليًا وعمر كانا لا يرزان من الفيء شيئًا.

سمعت أبي يقول: لم يسمع هشيم من مجالد.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن أيوب اْبي العلاء عن عطاء أنه سُئل عن الملاح يكون في السفينة فيها أهله وتنوره، قال: يصلي أربعًا.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من أبي العلاء، هذا حديث أبي شهاب - يعني الحناط-، كان يرويه أبو شهاب.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن أبي بشر عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال: تذاكروا الحديث، فإن الحديث يهيج بعضه بعضًا.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من أبي بشر - يعني هذا الحديث.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن يعني بن عطاء عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ارجع قد بايعناك.

سمعت أبي يقول: قد سمعه هشيم من يعلي عن رجل من آل الشريد، وإذا لم يقل خبرًا قال: عن عمرو بن الشريد.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن التيمي عن أبي الضحى، والحسن بن عبيد الله عن أبي الضحى أن رجلًا جاء إلى ابن عباس: كُل ما شككت حتى لا تشك.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من التيمي، ولا من الحسن بن عبيد الله شيئًا - يعنى لم يسمع منه هشيم شيئًا.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أنه قال في اللقيط: ميراثه هو بمنزلة اللقطة.

ص: 480

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم قال: حجاج ذكره: زعم عطاء، زعم أنه لم ير بأسًا أن يغسل الجنب والحائض الميت.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من حجاج.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن خالد عن عكرمة قال: كانت في رسول الله صلى الله عليه وسلم دعابة.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من خالد بن أبي سلمة.

سمعت أبي يقول: لم يسمع هشيم من محمد بن جحادة إلا هذا الحديث الواحد.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن محمد بن جحادة، قال أبي: سمعه منه عن الحارث عن إبراهيم أنه كان لا يرى بأسأ للمريض والشيخ الكبير أن يعتمدا في الصلاة ويكرهه لغيرهما.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن أنه كره نكاح إماء من أهل الكتاب.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من يونس.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن الشيباني عن الشعبي أنه كان يجيز تزويج المريض في مرضه ويجيز بيعه وشرائه.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من الشيباني.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن حجاج عن عطاء في القوم يشتركون في البدنة أيسمون أنفسهم عند نحرها إذا نحروها، فقال: تجزيهم من ذلك النية.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من حجاج.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن يزيد بن أبي زياد عن رجل حدثه عن ابن عباس أنه أكل وهو متكئ.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من يزيد بن أبي زياد.

ص: 481

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن يونس عن الحسن، ومغيرة عن إبراهيم، وسيار عن الشعبي أنهم سُئلوا عن الرجل يقال له: ألك امرأة؟ فيقول: لا وله امرأة، قالوا: كذبه.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من سيار - يعني هذْا الحديث.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير أنه كان

يقول: يصلي إن استطاع ركعتين وإلا فركعة، وإن لم يستطع فليكبر - يعني إذا كانت المسايفة.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من عطاء بن السائب.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: رأس العقل بعد الإيمان بالله مداراة الناس.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من علي بن زيد.

حدثني أبي قال: حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم قال: ليس في غنم الربائب صدقة.

سمعت أبي يقول: لم يسمعه هشيم من مغيرة - يعني هذا الحديث

(1)

.

قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: حديث ابن شبرمة، قال رجل للشعبي:"نذرت أن أطلق امرأتي "لم يقل فيه هشيم": "أخبرنا"، فلا أدري سمعه أم لا.

سمعت أحمد يقول: هشيم عن ابن أبي ليلى عن الشعبي "ليس على من خلف الإمام استعاذة؟ قال: دلسه هشيم

(2)

.

قال الدوري: سمعت يحيى يقول وسُئل عن حديث هشيم عن علي بن زيد،

(1)

"العلل ومعرفة الرجال"(1/ 347، 376)، (2/ 244، 246، 247، 248، 249، 250، 251، 252، 253، 254، 255، 256، 257، 258، 260، 261، 262، 264، 265، 266، 267، 268، 269، 270، 274، 275، 277، 278، 279، 281، 282، 283، 284).

(2)

"سؤالات أبي داود الفقهية" للإمام أحمد (صـ 448).

ص: 482

عن أيوب بن عبد الله اللخمي، عن ابن عمر قال: وقع في سهمي يوم جلولاء جارية كأن عنقها أبريق فضة، فما ملكت نفسي أن قبلتها، والناس ينظرون.

فقال يحيى: لم يسمعه من علي بن زيد، ولم يسمع هشيم أيضًا من علي بن زيد حديث رأس العقل.

قال يحيى: وقد سمع هشيم من علي بن زيد أحاديث غير هذه

(1)

.

قال العلائي: هشيم بن بشير أحد الأئمة، مشهور بالتدليس، مكثر منه

(2)

.

وذكره العلائي في المرتبة الثانية من المدلسين

(3)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: من أتباع التابعين، مشهور بالتدليس مع ثقته، وصفه النسائي وغيره بذلك، ومن عجائبه في التدليس أن أصحابه قالوا له: نريد أن لا تدلس لنا شيئًا، فواعدهم، فلما أصبح أملى عليهم مجلسًا يقول في أول كل حديث منه: ثنا فلان وفلان عن فلان، فلما فرغ قال لهم: هل دلست لكم اليوم شيئًا؟ قالوا: لا، قال: فكل شيء حدثتكم عن الأول سمعته وكل شيء حدثتكم عن الثاني فلم أسمعه منه.

قلت: فهذا ينبغي أن يسمى تدليس العطف

(4)

.

قلت: هشيم بن بشير قد أرسل عن كثير من الرواة ولم يسمع منهم

(5)

، فينبغي قبل إعلال الحديث بعنعنة هشيم التأكد هل سمع من هذا الشيخ أم لا.

(1)

"تاريخ الدوري"(4/ 401).

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 111).

(3)

"جامع التحصيل"(صـ 113).

(4)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 158 - 159). وقد تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة (إسماعيل بن أبي خالد).

(5)

انظر تفصيل ذلك في كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

ص: 483

‌166 - الهيثم بن عدي الطائي

ذكر الحافظ ابن حجر الهيثم بن عدي الطائي في المرتبة الخامسة من المدلسين وقال: اتهمه بالكذب البخاري، وتركه النسائي وغيره، وقال أحمد: كان صاحب أخبار وتدليس

(1)

.

قال الذهبي في "الميزان"(4/ 324 - 325): الهيثم بن عدي الطائي أبو عبد الرحمن المنبجي ثم الكوفي. قال البخاري: ليس بثقة، كان يكذب. قال يعقوب بن محمد: حدثنا عبد الرحمن من أهل منبج، وأمه من سبي منبج، سكتوا عنه. وروى عباس عن يحيى: ليس بثقة، كان يكذب. وقال أبو داود: كذاب. وقال النسائي وغيره: متروك الحديث.

قلت: كان أخباريًا علامة، روى عن هشام بن عروة، وعبد الله بن عياش المنتوف، ومجالد.

وقال ابن عدي: ما أقل ما له من المسند، إنما هو صاحب أخبار. وقال ابن المديني: هو أوثق من الواقدي، ولا أرضاه في شيء. وقال عباس الدوري: حدثنا بعض أصحابنا، قال: قالت جارية الهيثم بن عدي: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب.

ومن مناكيره: حدثنا مجالد، عن الشعبي، عن عدي بن حاتم - مرفوعًا: إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.

داود بن رشيد، حدثنا الهيثم بن عدي، عن أبي أيوب، عن عبد الملك بن عمير، قال: قال الحارث بن كلدة: من بلغ الخمسين فلا يقر بن الحجامة، ولا يأخذن من الدواء إلا مالًا.

وقال الحافظ في "لسان الميزان"(7/ 275): قال النسائي: الهيثم منكر

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 182).

ص: 484

الحديث، والذى روى في تسمية أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم محال أن يصدر ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال أبو حاتم: متروك الحديث، محله محل الواقدي. وقال أبو زرعة: ليس بشيء. وقال العجلي: كذاب، وقد رأيته. وقال يعقوب بن شيبة: كان له معرفة بأمور الناس وأخبارهم، ولم يكن في الحديث بالقوي، ولا كانت له به معرفة، وبعض الناس يحمل عليه في صدقه. وقال الساجي: سكن مكة، وكان يكذب، وقال الإمام أحمد: كان صاحب أخبار وتدليس. وقال الحاكم والنقاش: حدث عن الثقات بأحاديث منكرة. زاد الحاكم: وذلك مع علمه ومحله. وذكره ابن السكن وابن شاهين وابن الجارود والدارقطني في الضعفاء. وكذلك رد الحديث لكون الهيثم في جماعة، منهم: الطحاوي في "مشكل الحديث"، والبيهقي في "السنن"، والنقاش والجوزجاني فيما صنفا في الموضوعات وغيرهم. اهـ.

وقال العقيلي في "الضعفاء الكبير"(4/ 352): حدثني محمد بن عبد الرحمن، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الحميد: ذاكروا أبا عبد الله بحديث وأنا حاضر، فقال: من يرو ذا كذاب؟ فقال له رجل: الهيثم بن عدي عن مجالد فتبسم أبو عبد الله متعجبًا من ذلك، وأظنه قد قال في هذا الموضع: كذب.

* * *

ص: 485

‌حرف الواو

‌167 - واصل بن عبد الرحمن أبو حرة الرقاشي

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: قال أبو عبيدة الحداد: كتبت لأبي حرة حديثه سمعت الحسن أو حدثنا الحسن، فقال: ما قلت هذا، أنا أقول هذا؟ قال: فما قال في شيء سمعت الحسن إلا في ثلاثة أشياء

(1)

.

وقال عبد الله بن أحمد أيضًا: حدثني أبي قال: حدثنا أبو عبيدة الحداد قال: كتبت لأبي حرة في حديث الحسن: سمعت الحسن. فما قال في شيء منها إلا في ثلاثة أحاديث سمعت، ولم يقل في باقيها سمعت

(2)

.

وقال أيضًا: سمعت يحيى بن معين يقول: حدثني غندر قال: وقفت أبا حرة على حديث الحسن فقال: لم أسمعها من الحسن، أو قال غندر: فلم يقف على شئ منها أنه سمعه من الحسن إلا حديثًا أو حديثين

(3)

.

وقال أيضًا: كتبت إلى ابن خلاد قال: سمعت يحيى يقول: كتبت عن أبي حرة أحاديث يسيرة، ما قال: سمعت وسألت

(4)

.

قال العقيلي: حدثنا محمد، قال: حدثنا صالح، قال: حدثنا علي، قال: قلت ليحيى: قال لكم أبو حرة في سماعه نحوًا مما قال ميمون المرائي؟ قال: نعم، وليس من ذاك، قلت: كيف؟ قال: منه ما سمعت، ومنه ما حفظ بعضنا عن بعض، ومنه مالم نسمع، حدثنا به بعض أصحابنا.

حدثنا آدم، قال: سمعت البخاري قال: واصل بن عبد الرحمن أبو حرة

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 266 - 267).

(2)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (1/ 310)، (3/ 242).

(3)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (2/ 595).

(4)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 229).

ص: 486

بصرى تكلموا في روايته عن الحسن

(1)

.

قال ابن عدي: ثنا ابن حماد، حدثني صالح، ثنا علي قال: قال يحيى: قال لنا أبو حرة: منه ما سمعت، ومنه ما حفظت بعضًا على بعض، ومنه ما لم أسمع حدثناه به أصحابنا - يعني في سماعه من الحسن

(2)

.

قال أبو داود: سمعت أحمد قيل له: أبو حرة؟ قال: ثقة، قال: قال فلان: أخذت كتابًا له، فإذا فيه: حدثنا الحسن، فقال: ما قلت حدثنا، فما وقف منها إلا على ثلاثة.

قال أحمد: كانوا يستفهمون عند الحسن

(3)

.

قال المروذي: قال أحمد: وكان أبو حرة صاحب تدليس عن الحسن، إلا أن يحيى روى عنه ثلاثة أحاديث يقول في بعضها حدثنا الحسن، منها حديث سعد ابن هشام "حديث عائشة في الركعتين"

(4)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت يحيى بن معين عن أبي حرة فقال: صالح في حديثه عن الحسن، يقولون: لم يسمعها من الحسن

(5)

.

قال ابن حجر: قال النسائي في "الكنى": أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل، سألت يحيى بن معين عن أبي حرة، فقال: صالح، وحديثه عن الحسن ضعيف يقولون لم يسمعها من الحسن

(6)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: صاحب الحسن، وعنه

(1)

"الضعفاء الكبير"(4/ 326).

(2)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(7/ 87).

(3)

"سؤالات أبي داود" للإمام أحمد (صـ 329).

(4)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية المروذي وغيره (صـ 37).

(5)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 9).

(6)

"تهذيب التهذيب".

ص: 487

يحيى بن سعيد القطان، وصفه أحمد والدارقطني بالتدليس

(1)

.

قلت: واصل بن عبد الرحمن أبو حرة سمع من الحسن ثلاثة أحاديث فقط، والتدليس الموصوف به خاص بروايته عن الحسن، فلا ينبغي التوقف في غير عنعنته عن الحسن.

‌168 - الوليد بن مسلم

قال الآجري: قال أبو داود: الوليد أفسد حديث الأوزاعي، أحاديث عند الأوزاعي عن رجل عن الزهري، وعن رجل عن عطاء، وعن رجل عن نافع، جعلها عن الأوزاعي عن الزهري، وعن عطاء، وعن نافع، ولا نعلم أن الأوزاعي حدث عن نافع إلا بمسألة.

وسمعت أبا داود يقول: أدخل الأوزاعي بينه وبين الزهري، ونافع، وبين عطاء نحوًا من ستين رجلًا أسقطها الوليد كلها.

وحدثنا أبو داود، نا عبد الله بن أنس البخاري، ثنا أبو مسهر قال: كان الوليد يكتب حديث الأوزاعي عن الكذابين، يدلسها عن الأوزاعي

(2)

.

قال يعقوب بن سفيان: سمعت عبد الرحمن بن إبراهيم دحيمًا، حدثنا الوليد قال: كان الأوزاعي إذا حدثنا يقول: حدثنا يحيى، قال: حدثنا فلان ثنا فلان حتى ينتهي. قال الوليد: فربما حدثت كما حدثني، وربما قلت عن عن تخففنا من الأخبار

(3)

.

قال الترمذي: سالت محمدًا عن حديث الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة: "ذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم عمن اعتمر من

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 161).

(2)

"سؤالات الآجري" لابن داود (2/ 186، 187). ورواية الوليد عن نافع راجعها في كتابي "إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل".

(3)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 464).

ص: 488

نسائه في حجة الوداع بقرة بينهن".

فقال: إن الوليد بن مسلم لم يقل فيه حدثنا الأوزاعي، وأراه أخذه عن يوسف ابن السفر، ويوسف ذاهب الحديث، وضعف محمد هذا الحديث

(1)

.

قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه الوليد بن مسلم، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر، أن رجلًا زوج ابنته بكرًا فكرهت ذلك، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وسلم نكاحها.

قال أبي: يدخل بين ابن أبي ذئب ونافع رجل يُسمى عمر بن حسين

(2)

.

وقال ابن أبي حاتم أيضًا: سألت أبي عن حديث رواه ابن المصفى، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال:"إن الله عز وجل وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه".

وروى ابن مصفى، عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن عطاء، عن ابن عباس مثله.

وعن الوليد، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر مثله.

وعن الوليد، عن ابن لهيعة، عن موسى بن وردان، عن عقبة بن عامر، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.

قال أبي: هذه أحاديث منكرة كأنها موضوعة.

وقال أبي: لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من عطاء، إنما سمعه من رجل لم يسمه، أتوهم أنه عبد الله بن عامر أو إسماعيل بن مسلم، ولا يصح هذا الحديث ولا يثبت إسناده

(3)

،

(4)

.

(1)

"علل الترمذي الكبير"(ح 228)(ص 133).

(2)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 414).

(3)

"علل ابن أبي حاتم"(1/ 431).

(4)

رواية الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح في الصحيحين.

ص: 489

قال ابن حبان: الوليد بن مسلم كان ممن صنف وجمع، إلا أنه ربما قلب الأسامي وغير الكنى

(1)

.

وقال ابن حبان أيضًا: الجنس الثاني من أحاديث الثقات التى لا يجوز الاحتجاج بها أقوام ثقات كانوا يروون عن أقوام ضعفاء وكذابين، ويكنونهم حتى لا يعرفوا، فربما أشبه كنية كذاب كنية ثقة، فيتوهم المتوهم أن راوي هذا الخبر ثقة فيحملون عليه، وليس ذلك الحديث من حديثه، مثل الوليد بن مسلم إذا قال: حدثنا أبو عمرو فيتوهم أنه أراد به الأوزاعي، وإنما أراد به عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، وقد سمعا جميعًا من الزهري

(2)

.

قال أبو الوليد الباجي: "وقد ينقل الحديث ثقة عن ثقة وهو ضعيف

(3)

.

ثم ذكر مثالا ثم قال: وقد يكون ذلك من وجه آخر، وهو أن يروي العدل الحديث عن رجل عن آخر، ويسمي الذي روى عنه الحديث باسم يشترك فيه عدل وضعيف، والذي يروي الحديث يروي عنهما، والذي انتهت الرواية إليه يروي عنه العدل والضعيف، وذلك مثل ما يرويه الوليد بن مسلم عن أبي عمر عن الزهري فيوهم أنه أراد به الأوزاعي، وإنما أراد عبد الرحمن بن يزيد بن تميم وهما جميعا قد سمعا من الزهري والوليد بن مسلم قد سمع منهما، والأوزاعي ثقة، وعبد الرحمن بن يزيد ضعيف

(4)

.

قال الدارقطني: الوليد بن مسلم يرسل، يروى عن الأوزاعي أحاديث الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي مثل نافع، وعطاء، والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء، ويجعلها الأوزاعي عن عطاء،

(1)

"الثقات"(9/ 222).

(2)

"المجروحين"(1/ 91)، (2/ 55)، و"شرح علل الترمذي"(2/ 823).

(3)

أي والحديث ضعيف.

(4)

"التعديل والتجريح"(1/ 195 - 298).

ص: 490

يعني مثل عبد الله بن عامر الأسلمي وإسماعيل بن مسلم

(1)

.

قال ابن القطان الفاسي: ومن تلك الأحوال أحو ال المسوين، والتسوية نوع من أنواع التدليس، إنما هي أن يسقط شيخ شيخه الضعيف، ويجعل الحديث عن شيخه.

كان الوليد بن مسلم فيما ذكر أبو مسهر يدلس في أحاديث الأوزاعي فيروي عن الأوزاعي ويعنعنه عن الأوزاعي عن شيخ ذلك المسقط الذى هو شيخ الأوزاعي أيضًا.

مثاله أن يعمد إلى حديث يرويه الأوزاعي عن شيخ ضعيف عن الزهري، والزهري شيخ للأوزاعي، فيسقط الوليد الواسطة الضعيف الذي بين الأوزاعي والزهري.

فهو إذا عمل ذلك في حديث نفسه سُمي تدليسًا، وإذا عمله في حديث شيخه سُمي تسوية. وحكم التسوية حكم التدليس سواء في انقسام الذى أسقط إلى ثقة وضعيف

(2)

.

وقال ابن القطان الفاسي أيضًا: وذكر أبو محمد من طريق أبي داود حديث المقدام بن معد يكرب، فيه:"وأدخل أصابعه في صماخ أذنيه".

وسكت عنه، وهو حديث يرويه الوليد بن مسلم، عن حريز بن عثمان، عن عبد الرحمن بن ميسرة، عن المقدام.

والوليد بن مسلم كان يدلس ويسوي، ولم يقل في هذا الحديث: حدثنا ولا أخبرنا ولا سمعت، ولا ذكر عن حريز أنه قال ذلك.

فمن حيث هو مدلس يمكن أن يكون قد أسقط بينه وبين حريز واسطة، ومن حيث هو مسوٍّ يمكن أن يكون قد أسقط من بين حريز وعبد الرحمن بن ميسرة واسطة، ولقد زعم الدارقطني أنه كان يفعل هذا في أحاديث الأوزاعي، يعمد إلى أحاديث رواها الأوزاعي عن أشياخ له ضعفاء، عن أشياخ له ثقات، فيسقط الضعفاء من الوسط،

(1)

"الضعفاء والمتروكين"(صـ 265).

(2)

"بيان الوهم والإيهام"(5/ 499).

ص: 491

ويتركها عن الأوزاعي عن أشياخه الثقات، كأنه سمعها منهم وهذا هو التسوية بإسقاط الضعفاء، وهو أقبح التسوية، فإنها على قسمين: إما بإسقاط الثقات، وإما بإسقاط الضعفاء، كما أن التدليس أيضًا، إما بإسقاط الثقات، وإما بإسقاط الضعفاء، فماكان من التدليس والتسوية بإسقاط الضعفاء ينقسم إلى قسمين: قسم هو إسقاط ضعفاء عنده وعند غيره، فهذا إذا فعله يكون به مجرحًا، وقسم هو إسقاط قوم ضعفاء عند غيره، ثقات عنده، وهذا لا يكون به مجرحًا.

ومن هذا القبيل هو قول الدارقطني المحكي عن الوليد بن مسلم، أعني أن يكون يسقط من بين الأوزاعي وبين أشياخه الثقات قومًا روى عنهم وهم. عند الوليد ثقات وإن كان غيره يضعفهم، فلا يكون بعمله المذكور مضعفًا والله أعلم

(1)

.

قال ابن حجر: قال حنبل عن ابن معين: سمعت أبا مسهر يقول: كان الوليد ممن يأخذ عن أبي السفر حديث الأوزاعي، وكان أبو السفر كذابًا. وقل مؤمل ابن أهاب عن أبي مسهر: كان الوليد بن مسلم يحدث حديث الأوزاعي عن الكذابين ثم يدلسها عنهم.

وقال صالح بن محمد: سمعت الهيثم بن خارجة يقول: قلت للوليد: قد أفسدت حديث الأوزاعي. قال: كيف؟ قلت: تروى عن الأوزاعي عن نافع، وعن الأوزاعي عن الزهري ويحيى بن سعيد، وغيرك يدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر، وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرة وقرة وغيرهما، فما يحملك على هذا؟ قال: انبل الأوزاعي عن هؤلاء. قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء وهؤلاء وهم ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات ضعف الأوزاعي، قال: فبم يلتفت إلى قولي.

وقال مهنأ: سألت أحمد عن الوليد؟ فقال: اختلطت عليه أحاديث ما سمع

(1)

"بيان الوهم والإيهام"(4/ 109 - 110).

ص: 492

ومالم يسمع وكانت له منكرات منها حديث عمرو بن العاص: لا تلبسوا علينا ديننا

(1)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الرابعة من المدلسين، وزاد ابن حجر: معروف، موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق

(2)

.

* * *

(1)

"تهذيب التهذيب".

(2)

"جامع التحصيل"(صـ 113)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 170).

ص: 493

‌حرف الياء

‌169 - يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: قال أبي: أبو جناب اسمه يحيى بن أبي حية.

قال أبو نعيم: كان ثقة، وكان يدلس.

قال أبي: أحاديثه مناكير

(1)

.

قال ابن عدي: ثنا أحمد بن علي، ثنا عبد الله الدورقي، ثنا يحيى بن معين قال: أبو جناب الكلبي يحيى بن أبي حية ليس به بأس إلا أنه كان يدلس.

قال يحيى: وكان أبو نعيم يقول: لم يكن بأبي جناب بأس إلا أنه كان يدلس

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: أنا أبو الحسين الرهاوي

(3)

فيماكتب إلي قال: سمعت أبا نعيم وذكر أبا جناب الكلبي فقال: ما كان به بأس، إلا أنه كان يدلس، وما سمعت منه شيئًا إلا شيئًا قال فيه حدثنا.

نا علي بن الحسين بن الجنيد، قال: سمعت ابن نمير يقول: أبو جناب يحيى ابن أبي حية صدوق، كان صاحب تدليس، أفسد حديثه بالتدليس، كان يحدث بما لم يسمع.

سمعت أبي يقول: قال يزيد بن هارون: كان أبو جناب يحدثنا عن عطاء والضحاك وابن بريدة، فإذا وقفناه نقول: سمعت من فلان هذا الحديث؟ فيقول: لم أسمعه منه، إنما أخذت من أصحابنا.

سألت أبا زرعة عن أبي جناب الكلبي فقال: صدوق غير أنه كان يدلس

(4)

.

(1)

"العلل ومعرفة الرجال" رواية عبد الله (3/ 114).

(2)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(7/ 213)، و"تاريخ الدوري"(3/ 350).

(3)

أبو الحسين الرهاوي هو أحمد بن سليمان ثقة حافظ.

(4)

"الجرح والتعديل"(9/ 138 - 139).

ص: 494

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا قبيصة قال: ثنا سفيان عن أبي جناب يحيى بن أبي حية الكلبي، وهو صعيف، كان يدلس، كوفي

(1)

.

قال ابن حبان: يحيى بن أبي حية أبو جناب الكلبي كان ممن يدلس على الثقات ما سمع من الضعفاء، فالتزق به المناكير التي يرويها عن المشاهير، فوهاه يحيى ابن سعيد القطان، وحمل عليه أحمد بن حنبل حملًا شديدًا

(2)

.

قال ابن حجر: قال ابن خراش: يحيى بن أبي حية كان صدوقًا، وكان يدلس وفى حديثه نكرة. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال في موضع آخر: ليس بالثقة يدلس

(3)

.

وذكره العلائي وابن حجر في المرتبة الخامسة من المدلسين، وزاد ابن حجر: ضعفوه، وقال أبو زرعة وابن معين وأبو نعيم وابن نمير ويعقوب بن سفيان والنسائي والدارقطني وغير واحد: كان مدلسًا

(4)

.

‌170 - يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري

قال ابن حجر: قال الدمياطي: يقال إن يحيى بن سعيد الأنصاري كان يدلس، ذكر ذلك في قبائل الخزرج، وكأنه تلقاه من قول يحيى بن سعيد القطان لما سُئل عنه وعن محمد بن عمرو بن علقمة فقال: أما محمد بن عمرو فرجل صالح ليس بأحفظ الناس للحديث، وأما يحيى بن سعيد فكان يحفظ ويدلس

(5)

.

وذكره العلائي في المدلسين وقال: ذكر علي بن المديني أنه كان يدلس، حكاه

(1)

"المعرفة والتاريخ"(3/ 108).

(2)

"المجروحين"(3/ 111).

(3)

"تهذيب التهذيب".

(4)

"جامع التحصيل"(صـ 114)، و"تعريف أهل التقديس"(صـ 183).

(5)

"تهذيب التهذيب"(ترجمة يحيى بن سعيد).

ص: 495

الحافظ عبد الغني في كتابه "الكمال" في ترجمة محمد بن عمرو بن علقمة

(1)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين وقال: تابعي صغير مشهور، وصفه بذلك علي بن المديني فيما ذكره عبد الغني بن سعيد الاْزدي، وكذا وصفه به الدارقطني

(2)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": يحيى بن سعيد بن قيس الأنصاري ثقة ثبت.

‌171 - يحيى بن أبي كثير

قال الدوري: قال بعض المحدثين: ما رأيت رجلًا مثل يحيى بن أبي كثير، كنا نحدثه بالغداة، ويحدثنا بالعشي - يعني يدلس

(3)

.

قال العقيلي: يحيى بن أبي كثير ذكر بالتدليس.

حدثنا يحيى بن عثمان، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن المبارك، عن همام قال: كنا نحدث يحيى بن أبي كثير بالغداة، فإذا كنا بالعشي قلبه علينا.

حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا الحسن بن علي، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا همام، قال: ما رأيت أصلب وجهًا من يحيى بن أبي كثير، كنا نحدثه بالغداة فيروح بالعشي فيحدثناه

(4)

.

قال ابن خزيمة: باب ذكر بعض فضائل الغسل يوم الجمعة، وأن المغتسل لا يزال طاهرًا إلى الجمغة الأخرى، إن كان يحيى بن أبي كثير سمع هذا الخبر من عبد الله بن أبي قتادة.

(1)

"جامع التحصيل"(صـ 111).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 96 - 97).

(3)

"تاريخ الدوري"(4/ 207).

(4)

"الضعفاء الكبير"(4/ 423). والحسن بن علي هو الخلال ثقة ثبت. ومحمد ابن إسماعيل هو ابن مسلم الصائغ صدوق.

ص: 496

نا محمد بن عبد الأعلى الصنعاني، ثنا هارون بن مسلم صاحب الحناء أبو الحسين، ثنا أبان بن يزيد، عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة قال: دخل على أبو قتادة يوم الجمعة وأنا أغتسل، قال: غُسلك هذا من جنابة؟ قلت: نعم. قال: فأعد غسلًا آخر، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"من اغتسل يوم الجمعة لم يزل طاهرًا إلى الجمعة الأخرى".

قال أبو بكر: هذا حديث غريب لم يروه غير هارون

(1)

.

قال ابن حبان: الجنس الثالث من أحاديث الثقات التى لا يجوز الاحتجاج بها: الثقات المدلسون الذين كانوا يدلسون في الأخبار مثل قتادة ويحيى بن أبي كثير والأعمش وأبو إسحاق والثوري وهشيم ومن أشبههم ممن يكثر عددهم من الأئمة المرضين وأهل الورع في الدين، كانوا يكتبون عن الكل، ويروون عمن سمعوا منه، فربما دلسوا عن الشيخ بعد سماعهم منه عن أقوام ضعفاء، لا يجوز الاحتجاج بأخبارهم، فما لم يقل المدلس وإن كان ثقة حدثني أو سمعت فلا يجوز الاحتجاج بخبره.

وهذا أصل أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله ومن تبعه من شيوخنا، قد ذكرت هذه المسألة بكاملها بالأسئلة والأجوبة والعلل والحكايات في كتاب "شرائط الأخبار" فأغنى ذلك عن تكرارها في هذا الكتاب

(2)

.

(3)

.

وقال ابن حبان أيضًا: يحيى بن أبي كثير كان يدلس، فكلما روى عن أنس فقد دلس عنه، لم يسمع من أنس ولا من صحابي شيئًا

(4)

.

(1)

"صحيح ابن خزيمة"(2/ 851 - 852)(ح 1760).

(2)

"المجروحين"(1/ 92).

(3)

وقد تقدم رد الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد لمذهب الشافعي الذي تبعه عليه ابن حبان في ترجمة سفيان الثوري، ورد الشيخ الجديع له في "حكم عنعنة المدلس" من مقدمة هذا الكتاب.

(4)

"الثقات"(7/ 591).

ص: 497

وقال ابن حبان أيضًا: يحيى بن أبي كثير اليمامي أبو نصر، لا يصح له عن أنس ابن مالك ولا غيره من الصحابة سماع، وتلك كلها أخبار مدلسة

(1)

.

قال الدارقطني: يحيى بن أبي كثير معروف بالتدليس

(2)

.

وقال الدارقطني أيضًا: يحيى بن أبي كثير يدلس كثيرًا

(3)

.

قال ابن القطان الفارسي: يحيى بن أبي كثير كان من مذهبه جواز التدليس، بل كان عاملًا به.

قال عباس الدوري: سمعت يحيى بن معين يقول: قال بعض المحدثين: ما رأيت مثل يحيى بن أبي كثير، كنا نحدثه بالغداة، ويحدثنا به بالعشي" - يعني بذلك أنه كان يدلس.

وقال الدارقطني: إنه كان يدلس كثيرًا

(4)

.

وذكره العلائى في المرتبة الثانية من المدلسين.

وذكره ابن حجر في كتابه "تعريف أهل التقديس" في المرتبة الثانية من المدلسين، وقال: من صغار التابعين، حافظ مشهور، كثير الإرسال، ويُقال: لم يصح له سماع من صحابي، ووصفه النسائي بالتدليس.

وذكره في كتابه "النكت على كتاب ابن الصلاح" في المرتبة الثالثة من المدلسين المخرج لهم في الصحيحين

(5)

.

(1)

"مشاهير علماء الأمصار"(ص 304).

(2)

"علل الدارقطني"(11/ 124).

(3)

"التتبع"(صـ 126).

(4)

"بيان الوهم والإيهام"(2/ 377). وما نقله ابن القطان عن ابن معين ليس من كلام ابن معين، إنما هو من كلام عباس الدوري.

(5)

"جامع التحصيل"(ص 113)، و"تعريف أهل التقديس"(ص 127 - 128)، و"النكت على كتاب ابن الصلاح"(2/ 643).

ص: 498

‌172 - يزيد بن أبي زياد الكوفي

ذكر الحافظ ابن حجر يزيد بن أبي زياد الكوفي في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: تغير في آخر عمره وضعف بسبب ذلك، وصفه الدارقطني والحاكم وغيرهما بالتدليس

(1)

.

(2)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": يزيد بن أبي زياد الهاشمي مولاهم، الكوفي، ضعيف، كبر فتغير وصار يتلقن، وكان شيعيًا.

‌173 - يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني

قال العلائي: يزيد بن أبي مالك الهمداني ذكره أبو مسهر بالتدليس، وسيأتي ذلك في آخر الكتاب

(3)

.

وقال العلائي أيضًا: يزيد بن عبد الرجمن بن أبي مالك الهمداني قاضي دمشق روى حديث الإسراء عن أنس، وجاء فيه عنه: حدثني بعض أصحاب أنس عن أنس، وقال أبو مسهر: هذا هو الصواب، والأول مدلس

(4)

.

قال برهان الدين ابن العجمي: يزيد بن أبي مالك، واسم أبي مالك: عبد الرحمن قال الذهبي في "ميزانه": صاحب تدليس وإرسال عمن لم يدرك. انتهى

(5)

.

(6)

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 159 - 160).

(2)

"تقدم وصف الحاكم له بالتدليس في ترجمة شباك الضبي، وتقدم في ترجمة إبراهيم ابن محمد بن أبي يحيي أن الدارقطني له كتاب في المدلسين.

(3)

"جامع التحصيل"(صـ 112).

(4)

"جامع التحصيل"(صـ 302).

(5)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 249).

(6)

قلت: قول الذهبي: "كان صاحب تدليس" أي "صاحب إرسال"، بدليل قوله "عمن لم يدرك"، وقول الذهبي "كان صاحب تدليس وإرسال" من باب عطف المترادفين، انظر ترجمة خالد بن معدان وسالم بن أبي الجعد من هذا الكتاب.

ص: 499

وذكره ابن حجر في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: وصفه أبو مسهر بالتدليس

(1)

.

وقال ابن حجر في "تقريب التهذيب": يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك صدوق ربما وهم.

قال ابن عساكر في "تاريخ دمشق"(65/ 281 - 284): أنبأنا أبو علي المقرئ، وحدثني أبو مسعود بن أبي الوفاء بن أبي طالب عنه، أنبأ أبو نعيم الحافظ، نا سليمان بن أحمد، نا مطلب بن شعيب الأزدي، نا عبد الله بن صالح ح قال: ونا أحمد بن خليد الحلبي، نا يحيى بن صالح الوحاظي قالا: نا سعيد ابن عبد العزيز التنوخي، نا يزيد بن أبي مالك، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذكر حديث طويل في الإسراء والمعراج.

ثم قال ابن عساكر: وقد روى الوليد عن سعيد بعض هذا الحديث عن يزيد قال: حدثني بعض أصحاب أنس.

أخبرناه أبو محمد بن الأكفاني، نا عبد العزيز بن أحمد، أنا تمام بن محمد، أنا محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن القرشي، نا أحمد بن المعلي، نا عبد الرحمن بن إبراهيم، نا أبو حفص، عن سعيد، نا يزيد بن أبي مالك، حدثني بعض أصحاب أنس، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم به.

أخبرنا أبو الحسن الفرضي، نا عبد العزيز الكتابي، أنا أبو محمد بن أبي نصر، أنا أبو الميمون، نا أبو زرعة قال: نا محمد بن المبارك، نا خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن أبيه قال: رأيت على أنس بن مالك خفين أبيضين.

قال أبو زرعة: فأما حديث المعراج فلم يسمعه يزيد من أنس، وقد بين ذلك أبو مسهر بمسألته سعيد بن عبد العزيز، فحدثنا أبو مسهر قال: رأيتهم يعرضون على سعيد بن عبد العزيز حديث المعراج عن يزيد بن أبي مالك عن أنس بن مالك

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 160 - 161).

ص: 500

فقلت له: يا أبا محمد: أليس قد حدثتنا عن يزيد بن أبي مالك قال: نا أصحابنا عن أنس بن مالك؟ قال: نعم، إنما يقرءون على أنفسهم. اهـ

وقال ابن أبي حاتم فى "العلل"(2/ 92): سمعت أبي وذكر حديثاً حدثنا به عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قول الله عز وجل {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)} [النجم: 16] قال: رآها ليلة أسري به يلوذ بها جراد من ذهب.

قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، عن دحيم، عن عمرو بن أبي سلمة، عن سعيد بن عبد العزيز، عن يزيد بن أبي ملك، قال: حدثنا بعض أصحاب أنس، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فرجعت فأتيت سدرة المنتهى فخررت ساجداً.

سُئل أبو زرعة: أيهما أصح؟ قال: الصحيح حديث عمرو بن أبي سلمة.

وقال الذهبي فى "السير"(5/ 437): يزيد بن أبي مالك ولد سنة ستين، وأرسل عن أبي أيوب، وروى عن واثلة بن الأسقع وأنس بن مالك وجبير بن نفير وابن المسيب وأبي إدريس الخولاني وسليمان بن يسار وعدة. وثقه أبو حاتم. قال أبو مسهر: رأى أنساً.

وقال الذهبي فى "الميزان"(4/ 439): يزيد بن أبي مالك (د، س، ق) واسم أبيه عبد الرحمن الدمشقي القاضي، روى عن أنس وسعيد بن المسيب وأبي إدريس الخولاني.

وهو صاحب تدليس وإرسال عمن لم يدرك.

وقال البخاري فى "التاريخ الكبير"(8/ 347): يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك عن أبيه وأنس، روى عنه ابنه خالد وسعيد بن عبد العزيز الشامي، وسمع عمر بن عبد العزيز، روى عنه الأوزاعي، وهو الدمشقي الهمداني.

وقال الآجري: قيل لأبي داود: يزيد بن أبي مالك سمع من معاوية؟ قال: أراه قد سمع من أبي الدرداء.

قال: يزيد يرسل. "سؤالات الآجري" لأبي داود (2/ 221).

ص: 501

وقال المزي فى "تهذيب الكمال"(32/ 189): يزيد بن عبد الرحمن ابن أبي مالك روى عن معاوية بن أبي سفيان (د) وفى سماعه منه نظر، وأبي أيوب الأنصاري مرسل.

قلت: فإن كان يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك سمع من أنس فقد ثبت أنه دلس هذا الحديث عن أنس، وإن كان لم يسمع من أنس مطلقاً فقد علمنا الواسطة بينه وبين أنس فى هذا الحديث. فلا يصح وصف يزيد بالتدليس إلا فى هذا الحديث إن كان سماعه من أنس ثابت فى الجملة. أما إن كان لم يسمع من أنس فالتدليس الموصوف به فى هذا الحديث معناه الإرسال.

‌174 - يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني

ذكر الحافظ ابن حجر يزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني يزيد بن عبد الرحمن فى المرتبة الثانية من المدلسين وقال: مشهور بكنيته، وهو من أتباع التابعين، وثقه ابن معين وغيره، ووصفه حسين الكرابيسي بالتدليس

(1)

.

فى "تهذيب التهذيب": "قال عثمان الدارمي عن ابن معين: أبو خالد الدالاني ليس به بأس. وكذا قال النسائي. وقال أبو حاتم: صدوق ثقة. وقال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع فى بعض حديثه. وقال أحمد بن حنبل: لا بأس به. وقال أبو إسحاق الحربي:

(2)

وقال ابن سعد: منكر الحديث. وقال ابن حبان فى "الضعفاء": كان كثير الخطأ، فاحش الوهم، يخالف الثقات فى الروايات، حتى إذا سمعها المبتدء فى هذه الصناعة علم أنها معمولة أو مقلوبه، لا يجوز الاحتجاج به إذا وافق، فكيف إذا انفرد بالمعضلات. وقال الحاكم: أن الأئمة المتقدمين شهدوا له بالصدق والإتقان. وقال ابن عبد البر: ليس بحجة". اهـ

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 160).

(2)

فى المطبوع: فراغ.

ص: 502

وقال ابن معين: ثقة. وقال البخاري: صدوق، وإنما يهم فى الشيء. وقال يعقوب بن سفيان: منكر الحديث. ("سؤالات ابن محرز" لابن معين (2/ 92)، و"علل الترمذي الكبير"(ص 45)، و"المعرفة والتاريخ"(3/ 113)).

وروى أبو داود والترمذي من طريق أبي خالد الدالاني، عن قتادة، عن أبي العالية، عن ابن عباس "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ ثم قام يصلى، قلت: يا رسول الله إنك قد نمت؟ قال: إن الوضوء لا يجب إلا على من نام مضطجعًا، فإنه إذا نام استرخت مفاصله.

قال أبو داود: هذا حديث منكر، لم يروه إلا يزيد أبو خالد الدالاني عن قتادة. وذكرت حديث يزيد الدالاني لأحمد بن حنبل فانتهرني استعظامًا له، وقال: ما ليزيد الدالاني يدخل على أصحاب قتادة، ولم يعبأ بالحديث.

وقال الترمذي: سألت محمدًا عن هذا الحديث، فقال: هذا لا شيء، رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس قوله، ولم يذكر فيه أبا العالية، ولا أعرف لخالد الدالاني سماعًا من قتادة.

وفسر البيهقي قول أحمد "ما ليزيد يدخل على أصحاب قتادة" بقوله: يعني به أحمد ما ذكره البخاري من أنه لا يعرف لأبي خالد الدالاني سماع من قتادة

(1)

.

‌175 - يزيد بن هارون الواسطي

ذكر الحافظ ابن حجر يزيد بن هارون الواسطي فى المرتبة الأولى من المدلسين وقال: أحد الأعلام، من أتباع التابعين، قال: ما دلست قط إلا فى حديث واحد فما بورك في فيه

(2)

.

قال ابن عدي: حدثنا عبد الجبار بن أحمد السمرقندي، حدثنا مؤمل بن إهاب

(1)

"سنن أبي داود"(ح 202)، و"علل الترمذي الكبير"(ح 43)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 121).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 97).

ص: 503

قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: ما دلست حديثًا إلا حديثًا واحدًا عن عوف، فما بُورك لي فيه

(1)

.

(2)

.

‌176 - يعقوب بن عطاء بن أبي رباح

ذكر الحافظ ابن حجر يعقوب بن عطاء بن أبي رباح فى المرتبة الرابعة من المدلسين وقال: فى ترجمته فى ثقات ابن حبان ما يقتضي ذلك

(3)

.

وقال الحافظ فى "تقريب التهذيب": يعقوب بن عطاء بن أبي رباح ضعيف.

قال ابن حبان فى "الثقات"(7/ 639 - 640): يعقوب بن عطاء بن أبي رباح مولى قريش، يروى عن أبيه، والزهري، وأبي الزبير، روى عنه ابن عيينة وزمعة بن صالح، ربما أخطأ، يعتبر حديثه من غير رواية زمعة عنه، فإن المعتبر إذا اعتبر حديثه الذى بين السماع فيه ولم يرو عنه إلا ثقة لم يجد إلا الاستقامة. اهـ

وفى "تهذيب التهذيب": "قال عمرو بن علي: ما سمعت يحيى ولا عبد الرحمن يحدثان عن يعقوب بن عطاء شيئًا قط. وقال أبو طالب عن أحمد: منكر الحديث. وقال ابن معين وأبو زرعة والنسائي: ضعيف. وقال أبو حاتم: ليس بالمتين يكتب حديثه. وقال أبو أحمد بن عدي: له أحاديث صالحة وهو ممن يكتب حديثه، وعنده غرائب وخاصة إذا روى عنه أبو إسماعيل المؤدب وزمعة وقرة. وقال الساجي: قال أحمد: ضعيف، وقال ابن معين: ليس بذاك".

(1)

"الكامل فى ضعفاء الرجال"(1/ 33)، و"تهذيب الكمال"(32/ 268).

(2)

مؤمل بن إهاب ترجم له الحافظ ابن حجر فى "تهذيب التهذيب"، فقال:"قال إبراهيم بن الجنيد: سُئل عنه ابن معين فكأنه ضعفه. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال النسائي: لا بأس به. وقال مرة: ثقة. وذكره ابن حبان فى الثقات. وقال مسلمة بن قاسم: حدثنا عنه غير واحد، وهو ثقة صدوق". اهـ

وعبد الجبار بن أحمد السمرقندي لم أقف له على ترجمة.

(3)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 170).

ص: 504

وقد انفرد ابن حبان رحمه الله بوصف يعقوب بالتدليس، والأئمة المتقدمون أجمعوا على تضعيف يعقوب بن عطاء، وخالفهم فى ذلك ابن حبان، فكأن ابن حبان حمل المناكير التى فى رواياته على أنه أخذها من غير الثقات ودلسهم، وخالفه الأئمة المتقدمون، فحملوا المناكير التى فى رواياته عليه وضعفوه، والقول عندي قولهم، ولا يصح وصف يعقوب بن عطاء بالتدليس.

وقد تكلم العلماء كلامًا شديدًا فى الحسن بن عمارة، وخالفهم ابن حبان ولم يحمل المناكير التى فى رواياته عليه، بل حملها على أنه دلسها عن قوم غير ثقات وأسقطهم.

وقد تكلم العلماء فى حسين بن عطاء بن يسار، واضطرب ابن حبان فيه، فذكره فى المجروحين وضعفه، وذكره أيضًا فى الثقات وقال: يخطئ ويدلس. فرأى ابن حبان فى الثقات أن الأخطاء التى تقع فى رواياته بعضها منه وبعضها من شيوخ غير ثقات يسقطهم الحسين من الإسناد.

ورأى ابن حبان أن عبد الله بن لهيعة حديثه صحيح من رواية العبادلة عنه، وحمل الأخطاء التى فى رواية العبادلة عنه على أن ابن لهيعة دلسها عن غير الثقات، والذى يظهر لي في حال ابن لهيعة أنه يعتبر به من رواية العبادلة عنه، فأحاديث عبد الله بن لهيعة من رواية العبادلة عنه لا يحتج بها، والحمل فيها على ابن لهيعة. انظر تفصيل ذلك فى البحث الذي قام به الشيخ طارق بن عوض الله حفظه الله فى حال عبد الله بن لهيعة فى كتابه "النقد البناء فى تخريج حديث أسماء فى كشف الوجه والكفين للنساء".

وعبد الله بن معاوية بن عاصم قد تكلم فيه أكثر العلماء، وذكره ابن حبان فى الثقات وقال: ربما خالف، يعتبر حديثه إذا بين السماع فى روايته. فحمل ابن حبان الأخطاء التى فى رواياته عليه وعلى شيوخه الضعفاء الذين يدلس عنهم، وخالفه باقي العلماء ولم يصفوه بالتدليس، وحملوا عليه فى الأخطاء التى فى رواياته.

ص: 505

ومالك بن سليمان الهروي قد ضعفه أربعة من العلماء، وتناقض فيه ابن حبان فذكره فى المجروحين وضعفه، وذكره فى الثقات وقال: ممن جمع وصنف، يخطئ كثيرًا، وامتحن بأصحاب سوء كانوا يقلبون عليه حديثه ويقرؤون عليه، فإن اعتبر المعتبر حديثه الذى يرويه عن الثقات ويروي عنه الأثبات مما بين السماع فيه لم يجدها إلا ما يشبه حديث الناس، على أنه من جملة الضعفاء أدخل إن شاء الله، وهو ممن أستخير الله عز وجل فيه.

فحمل ابن حبان المناكير التى فى رواياته عليه وعلى تلاميذه وعلى شيوخه الضعفاء الذين يدلس عنهم، ولم يصف أحد من العلماء الآخرين مالك بن سليمان بالتدليس.

وقد ضعف ثلاثة من العلماء مصعب بن سعيد المصيصي، وذكره ابن حبان فى الثقات وقال: ربما أخطأ، يعتبر حديثه إذا روى عن الثقات وبين السماع فى خبره لأنه كان مدلسًا، وقد كف فى آخر عمره.

فحمل ابن حبان المناكير التى فى حديثه عليه وعلى شيوخه الضعفاء الذين يدلس عنهم، ولم يصفه غيره بالتدليس، إنما وصفوه بالضعف.

فمما سبق يتبين أن ابن حبان ذكر فى ثقاته عدد من الضعفاء ووصفهم بالتدليس، وحمل المناكير التى في رواياتهم إما على شيوخهم الضعفاء الذين دلسوا عنهم فقط وإما عليهم وعلى شيوخهم جميعًا، ولم يصب ابن حبان فى ذلك والله أعلم.

‌177 - يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري

قال الدكتور مسفر بن غرم الله الدميني: قال الحافظ ابن حجر: يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري صدوق كثير الوهم والرواية عن الضعفاء.

وقال الهيثمي: وثقه ابن حبان، وهو مدلس.

قلت: لم أجد فى ترجمته ما يؤكد تدليسه إلا ما ذكره ابن معين حيث قال: حدث عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا قال:"من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود"، هذا كذب وباطل لا يحدث بهذا أحد يعقل. انتهى.

ص: 506

فلعله أخذه عن ضعيف أو كذاب فدلسه عن هشام، وهذا خير من أن نتهمه هو بوضع هذا الحديث، أو غيره من المنكرات، وأحسبه من أهل المرتبة الرابعة، فهو بها أليق والله أعلم

(1)

.

قلت: يعقوب بن محمد ترجم له ابن حجر فى "تهذيب التهذيب"، فقال: "قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس بشيء، ليس يسوى شيئًا. وقال أحمد بن سنان القطان عن ابن معين: ما حدثكم عن الثقات فاكتبوه، ومالا يُعرف من الشيوخ فدعوه. وقال الآجري عن أبي داود: سمعت الدقيقي يقول: سألت ابن معين عنه فقال: إذا حدثكم عن الثقات. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وقال مرة: ليس عليه قياس، يعقوب بن محمد الزهري وابن زبالة والواقدي وعمر بن أبي بكر المليكي يتقاربون فى الضعف. وقال علي بن الجنيد عن حجاج بن الشاعر: ثنا يعقوب بن محمد الزهري الثقة. و قال حسين بن حبان: قال أبو زكريا - يعني ابن معين -: يعقوب ابن محمد الزهري صدوق، ولكن لا يبالي عمن حديث. حدث عن هشام ابن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا: من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود. هذا كذب وباطل، لا يحدث بهذا أحد يعقل. وقال صالح بن محمد عن ابن معين: أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي.

وقال ابن سعد: كان أبوه محمد بن عيسى من سراة أهل المدينة وأهل المروة منهم يعقوب كثير العلم والسماع، ولم يجالس مالكًا، ولكن لقى من بعده من فقهاء المدينة، وكان حافظًا للحديث. وذكره ابن حبان فى الثقات. وقال الساجي: منكر الحديث، وكان ابن المديني يتكلم فيه، وكان إبراهيم بن المنذر يطريه. وقال العقيلي: فى حديثه وهم كثير، ولا يتابعه عليه إلا من هو نحوه.

(1)

"التدليس فى الحديث"(صـ 397 - 398).

ص: 507

وقال الحاكم: ثقة مأمون، سكن بغداد وبها مات، قال: وروى البخاري فى "صحيحه" عن يعقوب غير منسوب، ويشبه أن يكون هو، وقد تقدم الخلات فيه فى يعقوب بن حميد. وقال أبو القاسم البغوي: فى حديثه لين". اهـ وقال أبو حاتم: يعقوب بن محمد بن عيسى على يدي عدي، أدركته ولم أكتب عنه. ("الجرح والتعديل" (9/ 215)، وفى المطبوع من "تهذيب التهذيب": هو عندي عدل).

وقال الخطيب البغدادى في "تاريخ بغداد"(14/ 270): أخبرني محمد بن علي المقرئ، أخبرنا أبو مسلم بن مهران، أخبرني عبد المؤمن بن خلف النسفي قال: سمعت أبا علي صالح بن محمد يقول: سمعت يحيى بن معين. وسُئل عن يعقوب بن محمد. فقال: أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي محمد بن عمرو بن واقد. يعني تركوا حديثه.

أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب، أخبرنا محمد بن نعيم الضبي، أخبرني أبو النضر محمد بن أحمد الفقيه، قال: سُئل صالح بن محمد عن يقوب بن محمد الزهري، فقال: حديثه يشبه حديث الواقدي، كأنه يضعفه.

وقال ابن عدي فى "الكامل"(7/ 149): يعقوب بن محمد الزهري مدني ليس بالمعروف، وأحاديثه لا يتابع عليها.

قلت: الذي يظهر لي أن يعقوب بن محمد بن عيسى الزهري ضعيف، إن لم يكن ضعيف جدًا، فالمناكير التى فى رواياته من قبله، وحديثه الذى رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة مرفوعًا:"من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود "منكر، والنكارة أتت من قبل يعقوب، ولا يصح وصف يعقوب بالتدليس والله أعلم.

‌178 - يونس بن أبي إسحاق السبيعي

ذكر الحافظ ابن حجر يونس بن أبي إسحاق السبيعي فى المرتبة الثانية من المدلسين وقال: حافظ مشهور كوفي، يُقال: إنه روى عن الشعبي حديثًا -وهو

ص: 508

حديثه عن الحارث عن علي رضي الله عنه حديث "أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة" فأسقط الحارث

(1)

.

وقال الحافظ فى "تقريب التهذيب": يونس بن أبي إسحاق السبيعي صدوق يهم قليلًا.

قلت: لم يصف أحدًا من الأئمة المتقدمين يونس بالتدليس، فإن ثبت أنه دلس هذا الحديث فيكون دلس هذا الحديث فقط، فلا ينبغي التوقف فى عنعنته عن شيوخه.

‌179 - يونس بن عبد الأعلى

ذكر الحافظ ابن حجر يونس بن عبد الأعلى فى المرتبة الثانية من المدلسين وقال: روى عن الشافعي عن محمد بن خالد الجندي حديث أنس الذى أخرجه ابن ماجه وأشار الذهبي إلى أن يونس سواه

(2)

.

وقال الحافظ فى "تقريب التهذيب": يونس بن عبد الأعلى بن ميسرة الصدفي ثقة.

قال الذهبي فى "السير"(12/ 351): وأما الحديث الذى انفرد به يونس بن عبد الأعلى عن الشافعي حديث "لا مهدي إلا عيسى" فلعله بلغه عن الشافعي فدلسه، وقد رأيت أصلًا عتيقًا يقول فيه: حُدثت عن الشافعي.

وقال الذهبي فى "الميزان"(4/ 481): يونس بن عبد الأعلى وثقه أبو حاتم وغيره، ونعتوه بالحفظ والعقل، إلا أنه تفرد عن الشافعي بذاك الحديث" لا مهدي إلا ابن مريم" وهو منكر جدًا. اهـ

قلت: والحديث الذى أشار إليه الذهبي هو ما رواه ابن ماجه فى "سننه"(4039): حدثنا يونس بن عبد الأعلى، ثنا محمد بن إدريس الشافعي، حدثني

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 129 - 130).

(2)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 128 - 129).

ص: 509

محمد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا يزداد الأمر إلا شدة، ولا الدنيا إلا إدبارًا، ولا الناس إلا شحًا، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس، ولا المهدي إلا عيسى بن مريم".

ومن طريق يونس بن عبد الأعلى أخرجه الحاكم في "المستدرك"، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 161)، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"(217 - 589)، والخليلي في "الإرشاد"(1/ 425 - 426)، والقضاعي في "مسند الشهاب"(898 - 899)، والخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد"(4220).

قال أبو نعيم: غريب من حديث الحسن، لم نكتبه إلا من حديث الشافعي. وقال مسلمة بن القاسم: يونس بن عبد الأعلى كان حافظًا، وقد أنكروا عليه تفرده بروايته عن الشافعي حديث:"لا مهدي إلا عيسى". (تهذيب التهذيب).

وقال الخليلي: يونس بن عبد الأعلى ثقة متفق عليه، ممن يُحتج بحديثه، وكان الشافعي يقربه، ويذاكره، وينفرد عنه بحديث. ثم روى الخليلي حديث "لا مهدي إلا عيسى ابن مريم".

وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في "العلل المتناهية"(رقم 1447)، ونقل عن النسائي أنه قال في هذا الحديث: منكر.

و قال ابن السبكي في "طبقات الشافعية"(2/ 171): لم يروه عن الشافعي غير يونس، ولكن ذلك غير قادح، فالرجل ثقة ثبت.

قلت: قد صرح يونس بن عبد الأعلى بالسماع من الشافعي في جميع طرق هذا الحديث، فانتفى بذلك ما قاله الذهبي من أن يونس دلس هذا الحديث عن الشافعي. فلا يصح أن يونس دلس هذا الحديث، ولا يصح وصف يونس بن عبيد بالتدليس مطلقًا والله أعلم.

وعلة هذا الحديث جهالة محمد بن خالد شيخ الشافعي والله أعلم.

ص: 510

وقد تعقب ابن حجر الذهبي، فقال بعد أن ذكر كلام مسلمة بن القاسم السابق: وكذا الذهبي يدعي أن يونس دلسه، ويستند في ذلك أن أبا الطاهر رواه عن يونس فقال: حُدثت عن الشافعي، لكن رواه ابن منده في "فوائده" من طريق الحسن ابن يوسف الطرائفي وأبي الطاهر المذكور، كلاهما عن يونس، أن الشافعي.

ورواه يوسف الميانجي عن ابن خزيمة وابن أبي حاتم وزكريا الساجي وغير واحد عن يونس: حدثنا الشافعي. اهـ

(1)

وروى هذا الحديث أيضًا الحاكم (4/ 441): عن عيسى بن زيد بن عيسى بن عبد الله بن مسلم بن عبد الله بن محمد بن عقيل، قال: ثنا يونس بن عبد الأعلى ثنا محمد بن إدريس الشافعي به.

قال الحاكم: قال صامت بن معاذ: عدلت إلى الجند مسيرة يومين من صنعاء فدخلت على محدث لهم فطلبت هذا الحديث فوجدته عنده عن محمد بن خالد الجندي عن أبان بن أبي عياش عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله، وقد روى بعض هذا المتن عبد العزيز بن صهيب عن أنس.

ثم روى حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس، ثم قال: فذكرت ما انتهى إلى من علة هذا الحديث تعجبًا لا محتجًا به في المستدرك على الشيخين رضى الله عنهما، فإن أولى من هذا الحديث ذكره في هذا الموضوع حديث سفيان الثوري وشعبة وزائدة وغيرهم من أئمة المسلمين عن عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تذهب الأيام والليالي حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما مُلئت جورًا وظلمًا. اهـ

وشيخ الحاكم ترجم له الذهبي في "الميزان"(3/ 312) فقال: عيسى بن زيد الهاشمي العقيلي عن الحسن بن عرفة، لحقه الحاكم، كذاب.

(1)

"تهذيب التهذيب"(ترجمة: يونس بن عبد الأعلى).

ص: 511

وزاد الحافظ في "لسان الميزان"(5/ 384): قال الحاكم: أبى إلا أن يرتقى إلى قوم لعل بعضهم مات قبل أن يولد، وحدث بالمختصر عن المزنى نفسه، وروى عن جماعة ماتوا قبل المزني.

قلت: منهم يونس بن عبد الأعلى وابن عبد الحكم.

قال الحاكم: كنت أتورع عن الرواية عنه. اهـ

وقال ابن القيم في "المنار المنيف"(صـ 89 - 90): وسُئلت عن حديث "لامهدي إلا عيسى بن مريم" فكيف يأتلف هذا مع أحاديث المهدي وخروجه؟ وما وجه الجمع بينهما؟ وهل في المهدي حديث صحيح أم لا؟

فأما حديث "لا مهدي إلا عيسى بن مريم" فرواه ابن ماجه في سننه، وهو مما تفرد به محمد بن خالد.

قال محمد بن الحسين الآبري في كتاب "مناقب الشافعي": محمد بن خالد هذا غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل، وقد تواترت الأخبار واستفاضت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر المهدي، وأنه من أهل بيته، وأنه يملك سبع سنين، ويملأ الأرض عدلًا، وأن عيسى يخرج فيساعده على قتل الدجال، وأنه يؤم هذا الأمة وعيسى خلفه.

وقال البيهقي: تفرد به محمد بن خالد هذا، وقد قال الحاكم أبو عبد الله: هو مجهول. وقد اختلف عليه في إسناده، فروى عنه أبان بن أبي عياش، عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: فرجع الحديث إلى رواية محمد بن خالد -وهو مجهول- عن أبان بن أبي عياش -وهو متروك- عن الحسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو منقطع، والأحاديث على خروج المهدي أصح إسنادًا. اهـ

وقال الحافظ في "تهذيب التهذيب" في ترجمة (محمد بن خالد الجندي): ذكرابن عبد البر في ترجمة يزيد بن الهاد عن أبيه عن جده مرفوعًا: تعمد الرحال إلى أربعة مساجد: مسجد الحرام، ومسجدى، ومسجد الأقصى، ومسجد

ص: 512

الجند. قال أبو عمر: محمد بن خالد والمثنى بن الصباح متروكان، ولا يثبت هذا الحديث.

وقال أبو الفتح الأزدي في الضعفاء وذكر محمدًا وحديثه: لا يتابع عليه، وإنما يحفظ عن الحسن مرسلًا، رواه جرير بن حازم عنه". اهـ

وقد تقدم في كلام ابن القيم قول الحاكم والبيهقي في محمد بن خالد، وقد رُوي أن ابن معين وثق محمد بن خالد، ولكن ذلك لا يثبت عن ابن معين، كما بيّن ذلك الشيخ الشريف حاتم حفظه الله في كتابه "المرسل الخفي"(2/ 801 - 802).

قلت: وأبان بن صالح الذي يروى عن الحسن ثقة.

‌180 - يونس بن عبيد

قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، ثنا معاوية بن صالح بن أبي عبيد الله الأشعري، قال: سمعت يحيى -يعني ابن معين يقول: قال الأنصاري- يعني محمد بن عبد الله -قال شعبة: عامة تلك الدقائق- يعني مسائل الدقائق - التى حدث بها يونس - يعني ابن عبيد - عن الحسن إنما كانت عن أشعث - يعني ابن عبد الملك.

قال أبو محمد: يعني أن يونس أخذها من أشعث، ودلسها عن الحسن، ولم يذكر فيه الخبر

(1)

.

قال حرب بن إسماعيل الكرماني: سألت أحمد عن التدليس في الحديث فكرهه، وقال: أقل شيء أنه يتزيد أو يتزين.

قال حرب: أنا أشك.

قال أبو محمد

(2)

: قد فعله الناس.

(1)

مقدمة "الجرح والتعديل"(1/ 134 - 135).

(2)

أبو محمد هو حرب بن إسماعيل.

ص: 513

حدثنا أبو جعفر الدارمي

(1)

، قال: حدثنا أبو داود، قال: قال شعبة: لأن أخر من السماء أحب إلي من أن أفعله. يعني التدليس.، ولقد كان يفعله يونس بن عبيد، كنت أوقفه فأقول: سمعت من الحسن؟ فيقول: إن لم أكن سمعته منه، فقد حدثني من أثق به

(2)

.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري قال: قال شعبة: إنما فقه مسائل يونس عن الحسن لأنه كان يقول أخذها من أشعث، وإنما كثرة علم الأشعث عن أخته كانت تحت حفص بن سليمان مولى بني منقر، وكان قد نظر في كتبه، وكان حفص أعلمهم بقول الحسن

(3)

.

قال ابن عدي: أخبرنا الساجي، حدثنا ابن المثنى، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثنا شعبة قال: هذه الرقائق وهذه الطرف التى يرويها يونس عن الحسن هى عن الأشعث.

حدثناه أحمد بن علي المطيري، حدثنا عبد الله بن أحمد الدورقي، قال يحيى: قال شعبة: عامة ما روى يونس في الرقاق كنا نرى أنها عن الأشعث

(4)

.

قال يعقوب بن سفيان: حدثنا أحمد بن الخليل، ثنا أبو الحسن الفسايبقي قال: سمعت إسماعيل بن علية يقول: كنا نرى أن يونس سمعها من أشعث، وأشعث من حفص

(5)

.

قال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سألت أبي عن أشعث بن عبد الملك

(1)

أبو جعفر الدارمي هو أحمد بن سعيد بن صخر، ثقة حافظ كما في "التقريب".

(2)

مسائل حرب بن إسماعيل لأحمد وإسحاق بن راهويه ص 344.

(3)

"الطبقات الكبرى"(7/ 204).

(4)

"الكامل في ضعفاء الرجال"(1/ 368).

(5)

"المعرفة والتاريخ"(2/ 61). وأحمد بن الخليل هو أحمد بن الخليل بن ثابت، وهو صدوق. وأبو الحسن الفسايبقي لم أقف له على ترجمة.

ص: 514

الحمراني البصري، قال: ليس به بأس، حدث عنه بشر بن المفضل ويحيى ومعاذ، وقال شعبة: كان يونس بن عبيد أخذ هذه الأحاديث عن الأشعث

(1)

.

قال حرب بن إسماعيل الكرماني: سمعت أحمد يقول:: كان يونس بن عبيد يأخذ عن أشعث الحمراني، يقولون: أشياء، يقول يونس: نبئت عن الحسن، أخذها عن أشعث ووثقه

(2)

.

قال ابن أبي حاتم: نا محمد بن حمويه بن الحسن قال: سمعت أبا طالب قال: قال أحمد بن محمد بن حنبل: أشعث بن عبد الملك أحمد في الحديث من أشعث ابن سوار، روى عنه شعبة، وما كان أرضى يحيى بن سعيد عنه، كان عالمًا بمسائل الحسن الدقاق، ويقال ما روى يونس فقال: نبئت عن الحسن إنما أخذه عن أشعث بن عبد الملك

(3)

.

قال ابن حجر: قال ابن أبي خيثمة: قلت لابن معين: سمع يونس من نافع؟ قال: لا.

قال: وحدثنا عبيد الله بن عمر، عن يزيد بن زريع، قال: ما منعني أن أحمل عن يونس أكثر مما حملت عنه إلا أني لم أكتب عنه إلا ما قال: سمعت أو سألت أو حدثنا الحسن

(4)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الثانية من المدلسين وقال: من حُفاظ البصرة، ثقة مشهور، وصفه النسائي بالتدليس، وكذا ذكره السلمي عن الدارقطني

(5)

.

قلت: تقدم وصف النسائي له بالتدليس في ترجمة إسماعيل بن أبي خالد،

(1)

"العلل ومعرفة الرجال"(3/ 72)، (1/ 494).

(2)

مسائل حرب بن إسماعيل لأحمد وإسحاق بن راهويه س 473.

(3)

"الجرح والتعديل"(2/ 275).

(4)

"تهذيب التهذيب"(ترجمة يونس بن عبيد).

(5)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 128).

ص: 515

ونقل السلمي عن الدارقطني، عن أبي بكر الحداد، عن النسائي ذلك. ولم ينقله السلمى عن الدارقطني والله أعلم. انظر "سؤالات السلمي"(صـ 155).

قال الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع حفظه الله: ومن أمثلة من كانوا يدلسون عن الثقات جماعة، منهم:

يونس بن عُبيد، وهو من أصحاب الحسن البصري.

قال شعبة: "عامة تلك الدقائق التى حدث بها يونس عن الحسن، إنما كانت عن أشعث "يعني ابن عبد الملك. قال ابن أبي حاتم: "يعني أن يونس أخذها من أشعث عن الحسن، ودلسها عن الحسن، ولم يذكر الخبر

(1)

.

(2)

.

قلت: يونس بن عبيد قد سمع من الحسن، بل كان من أثبت الناس فيه

(3)

. إلا أن عامة المسائل التى رواها عن الحسن أخذها عن أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن، ودلسها عنه. فالتدليس الموصوف به يونس خاص بروايته مسائل الحسن، وهذه المسائل التى دلسها يونس أخذها عن أشعث بن عبد الملك، وهو ثقة. وقد تقدم أن يونس بن عبيد قال لشعبة إنه لا يدلس عن الحسن إلا مما سمعه من ثقة، وهو أشعث بن عبد الملك.

وكان يزيد بن زريع لا يحمل عن يونس إلا ما قال: سمعت أو سألت أو حدثنا الحسن. فلعل يزيد بن زريع كان يعلم أن عامة مسائل يونس عن الحسن لم يسمعها منه، ولذلك تحرى في أخذه عن الحسن. ولكن الراجح إن شاء الله أن المسائل التى رواها يونس عن الحسن يحتج بها وإن لم يسمع عامتها منه، لأنه أخذها عن ثقة عن الحسن. أما غير المسائل فتقبل رواية يونس فيها عن الحسن بإطلاق والله أعلم.

(1)

مقدمة "الجرح والتعديل"(صـ 134 - 135) بإسناد صحيح عن شعبة.

(2)

"تحرير علوم الحديث"(2/ 977).

(3)

انظر أصحاب الحسن البصري من كتابي "أصحاب أئمة الحديث".

ص: 516

‌حرف لا

‌181 - لاحق بن حميد أبو مجلز

قال الذهبي: لاحق بن حميد أبو مجلز من ثقات التابعين، لكنه يدلس، فقال ابن معين: لم يسمع من حذيفة. وقال ابن المديني: لم يلق سمرة ولا عمران

(1)

.

قال برهان الدين ابن العجمي: لاحق بن حميد أبو مجلز، قال الذهبي في "الميزان": يدلس

(2)

.

وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين، وقال: التابعي المشهور، صاحب أنس، مشهور بكنيته، أشار ابن أبي خيثمة عن ابن معين إلى أنه كان يدلس، وجزم بذلك الدارقطني

(3)

.

قلت: وقول الذهبي "كان يدلس" أي كان يرسل، واستدل الذهبي على إرساله بقول ابن معين وعلي بن المديني. والذهبي كان يطلق التدليس على الإرسال، وقد بينت ذلك في ترجمة عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي من هذا الكتاب. وفى القلب شيء مما نقله ابن حجر عن ابن معين والدارقطني، ولا يصح عندي وصف أبي مجلز بالتدليس، إنما يصح وصفه بالإرسال فقط، فيتوقف في عنعنة أبي مجلز عن الشيوخ الذين لم يسمع منهم فقط والله أعلم.

* * *

(1)

"ميزان الاعتدال"(4/ 356).

(2)

"التبيين لأسماء المدلسين"(صـ 238).

(3)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 96).

ص: 517

‌الكنى

‌182 - أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود

ذكرالحافظ ابن حجر أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود في المرتبة الثالثة من المدلسين وقال: ثقة مشهور، حديثه عن أبيه في السنن، وعن غير أبيه في الصحيح، واختلف في سماعه من أبيه، والأكثر على أنه لم يسمع منه، وثبت له لقاؤه، وسماع كلامه، فروايته عنه بالعنعنة داخلة في التدليس، وهو أولى بالذكر من أخيه عبد الرحمن، والله أعلم

(1)

.

وقال الحافظ في "تقريب التهذيب": أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود، مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له غيرها، ويقال: اسمه عامر، كوفي ثقة.

قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار العبدي، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن عمرو بن مرة، قال: سألت أبا عبيدة بن عبد الله هل تذكر من عبد الله شيئًا؟ قال: لا. ("جامع الترمذي" (1/ 26)(ح 17)، و " تاريخ الدوري"(3/ 354)، و "المعرفة والتاريخ"(2/ 551)، و "مراسيل ابن أبي حاتم" (952)). وقال ابن أبي حاتم: نا صالح بن أحمد، قال: نا علي، قال: سمعت سلم ابن قتيبة قال: قلت لشعبة: إن البري يحدث أنه سمع ابن مسعود يقول، فقال: أوه، كان أبو عبيدة لسبع سنين، وجعل يضرب جبهته. ("الجرح والتعديل" (6/ 168)، (1/ 147)، و "مراسيل ابن أبي حاتم"(951)، و "الضعفاءالكبير"(3/ 219))

وعند العقيلي: كان أبو عبيدة يوم مات عبد الله ابن سبع سنين. والبري هو عثمان ابن مقسم البري فتكلم فيه وكذبه بعضهم. (انظر ترجمته في "لسان الميزان").

وقال أحمد وابن معين والترمذي والنسائي والعجلي وابن حبان والبيهقي: أبو

(1)

"تعريف أهل التقديس"(صـ 161 - 162).

ص: 518

عبيدة لم يسمع من أبيه. ("مسائل ابن هانئ" للإمام أحمد (2/ 214)، و "تاريخ الدارمي"(ص 117)، و "سؤالات ابن الجنيد" لابن معين (صـ 473) و "جامع الترمذي"(1/ 28)(ح 17)، و "السنن الكبرى" للنسائي (1/ 311)(ح 967)، (3/ 489)(ح 6004)، و "ثقات العجلي"(ص 504)، و"ثقات ابن حبان"(5/ 561)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (5/ 333)).

قال ابن أبي حاتم في "المراسيل"(953): سألت أبي عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود، هل سمع من أبيه عبد الله؟ قال: فقال أبي: لم يسمع. قلت: فإن عبد الواحد بن زياد روى عن أبي مالك الأشجعي عن عبد الله بن أبي هند عن أبي عبيدة قال: خرجت مع أبي لصلاة الصبح. قال أبي: ما أدري ما هذا؟ عبد الله بن أبي هند من هو؟ وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى"(6/ 237): أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود روى عن أبيه رواية كثيرة، وذكروا أنه لم يسمع من أبيه شيئًا، وقد سمع من أبي موسى، وسعيد بن زيد الأنصاري.

وقال البرقاني: قيل للدارقطني: سماع أبى عبيدة بن عبد الله بن مسعود من أبيه صحيح؟ قال: يختلف فيه، والصحيح عندي أنه لم يسمع منه، ولكنه كان صغير بين يديه. ("علل الدارقطني" (5/ 308)).

وقال ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي"(1/ 544): وقد سبق قول أحمد في مرسلات ابن المسيب: صحاح. ووقع مثله في كلام ابن المديني وغيره قال ابن المديني في حديث يرويه أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه: هو منقطع وهو حديث ثبت. وقال يعقوب بن شيبة: إنما استجاز أصحابنا أن يدخلوا حديث أبو عبيدة عن أبيه في المسند -يعني في الحديث المتصل- لمعرفة أبي عبيدة بحديث أبيه وصحته، وإنه لم يأت فيها بحديث منكر. وقال ابن رجب أيضًا في "فتح الباري" (5/ 60 ح 794): أبو عبيدة لم يسمع من أبيه، لكن رواياته عنه صحيحة.

قلت: الذى يترجح عندي أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، فالصحيح وصفه بأنه يرسل عن أبيه، ولا يصح وصفه بأنه يدلس عن أبيه بالمعنى

ص: 519

‌منظومة الذهبى في المدلسين

قال الشيخ حماد الأنصاري رحمه الله: قال التاج أبو نصر عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي في طبقات الشافعية الكبرى: ومن نظم الذهبي في أسماء المدلسين:

خذ المدلسين يا ذا الفكر

جابر الجعفي ثم الزهري

والحسن البصري قل مكحول

قتادة حميد الطويل

ثم ابن عبد الملك القطيعي

وابن أبي نجيح المكي

والثبت يحيى بن أبي كثير

والأعمش الناقل بالتحرير

وقل مغيرة أبو إسحاق

والمرئي ميمون باتفاق

ثم يزيد بن أبي زياد

حبيب ثابت فتى الأجداد

أبو جناب وأبو الزبير

والحكم الفقيه أهل الخير

عباد منصور قل ابن عجلان

وابن عبيد يونس ذو الشأن

ثم أبو حرة وابن إسحاق

حجاج أرطأة لكل مشتاق

ثم أبو سعيد البقال

عكرمة الصغير يا هلال

ثم ابن واقد حصين المروزي

وابن أبي عروبة اسمع تفز

وليد مسلم كذا بقبة

في حذف واهٍ خلة دنية

‌منظومة أبى محمود المقدسي في المدلسين

وهنا أيضًا قصيدة أخرى في المدلسين لأبي محمود المقدسي تلميذ الحافظ الذهبي وجدتها ضمن مجموعة في مكتبة عارف حكمت تحت رقم (66) أصول حديث: يقول فيها:

قتادة والحسن البصري

حميد الطويل والتيمي

هشيم الثوري أبو الزبير

مغيرة وابن أبي كثير

والقاريء الأعمش والزهري

وابن جريج جابر الجعفي

ص: 520

سفيانهم ابن عيينة الحكم

شريك القاضي ابن إسحاق العلم

أبو عبيد يونس سعيد

ابن أبي عروبة تليد

وابن أبي خالد الوليد

هو ابن مسلم كذا يزيد

وابن أبي يحيى كذا ميمون

مع ابن واقد هو الحسين

وابن عمير وأبو إسحاقا

وابن فضالة معًا وفاقا

وابن عياث وابن عمار عمر

هو المقدمي شباك في الأثر

هو الطفاوى مع الأنصاري

ابن سعيد فاعن بالأحبار

وابن أبي حية والبقال

مع ابن طائي من ذوي النقال

وابن أبي ثابت وابن أنعم

وابن غراب ثم مروان افهم

وطلحة ابن نافع مكحول

ثم ابن أرطأة سويد قولوا

ثم الصريفي شعيب الواعية

ثم جريرهم أبو معاوية

ثم ابن منصور لمن تحققه

ثم محمد هو ابن صدقة

وابن أبي في زئدة عن عامر

والقيد فيه ظاهر للماهر

ثم بقية عن المجهول

ثم الضعيف جاء في النقول

ثم أبو حرة الرقاشي

يقول تارة بلا تحاشي

حدثنا وتاري عن الحسن

ثم ابن عجلان عن الأعرج عن

صاحبه أبو هريرة

وإنما يرويه عن ربيعة

ثم ابن عقبة عن الزهري روى

بعن وقال في البخاري سوا

وقيل لم يسمعه منه فاعلم

والحمد لله به فلنختم

(1)

* * *

(1)

"إتحاف ذوي الرسوخ"(صـ 59 - 61).

ص: 521

‌المصادر والمراجع

1 -

الأرشاد في معرفة علماء الحديث للخليلي - تحقيق محمد سعيد عمر ط مكتبة الرشد الرياض.

2 -

أسماء المدلسين للسيوطي - تحقيق محمود محمد محمود - ط دار الجيل - بيروت.

3 -

أصحاب أئمة الحديث لمحمد بن طلعت (تحت الطبع).

4 -

إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل اعداد محمد طلعت محمد تحت الطبع.

5 -

بيان الوهم والإيهام لابن القطان الفاسي - تحقيق حسين آيت سعيد - ط دار طيبة - الرياض.

6 -

التاريخ الأوسط للبخاري - تحقيق محمد بن ابراهيم اللحيدان - ط دار الصميعي - الرياض.

7 -

تاريخ بغداد للخطيب البغدادي - ط دار الكتب العلمية - ببيروت.

8 -

تاريخ الدارمي - تحقيق أحمد محمد نور سيف - ط جامعة الملك عبد العزيز - مكة.

9 -

تاريخ الدوري - تحقيق أحمد محمد نور سيف - ط كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - مكة المكرمة.

10 -

تاريخ أبي زرعة الدمشقي - تحقيق خليل المنصور- ط دار الكتب العلمية - بيروت.

11 -

التاريخ الكبير للبخاري - تحقيق العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني رحمه الله ط دار الكتب العلمية - بيروت.

12 -

التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة - تحقيق صلاح فتحي هلال - ط دار الفاروق الحديثة - مصر.

13 -

التبيين لأسماء المدلسين لابن العجمي - تحقيق محمد ابراهيم داود الموصلي - ط مؤسسة الريان - بيروت.

14 -

التتبع للدارقطي - تحقيق الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله -ط دار الكتب العلمية - بيروت.

15 -

تحرير علوم الحديث لعبد الله بن يوسف الجديع - ط مؤسسة الريان - بيروت.

16 -

التدليس وأحكامه وآثارة النقدية لصالح بن سعيد الجزائري - ط دار ابن حزم - بيروت.

17 -

تدليس التسوية لمجدي بن عرفات - ط دار الهدى - ميت غمر- مصر.

18 -

التدليس في الحديث لمسفر بن غرم الله الدميني.

19 -

التذييل على كتاب تهذيب التهذيب لمحمد بن طلعت - ط أضواء السلف - الرياض.

20 -

تعريف أهل التقديس لابن حجر العسقلاني - تحقيق أحمد بن علي سير المباركي (ضُبط على

ص: 523

أربع نسخ خطة).

21 -

التعديل والتجريح لأبي الوليد الباجي - تحقيق أبي لبابة حسين - ط مكتبة اللواء - الرياض.

22 -

التقييد والإيضاح على مقدمة ابن الصلاح للعراقي - تحقيق عبد الرحمن محمد عثمان - ط دار الفكر - بيروت.

23 -

التمهيد لابن عبد البر - تحقيق أسامة بن إبراهيم - ط دار الفاروق الحديثة - مصر.

24 -

التمييز لمسلم بن الحجاج - تحقيق محمد مصطفى الأعظمي - ط مكتبة الكوثر - المربع - السعودية.

25 -

تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني - ط دار إحياء التراث العربي - بيروت.

26 -

التوحيد لابن خزيمة - تحقيق ألي مالك القفيلي الرداعي - ط دار الآثار - صنعاء - اليمن.

27 -

الثقات لابن حبان - ط مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت.

28 -

الثقات للعجلي - تحقيق عبد المعطي قلعجي - ط دار الكتب العلمية - بيروت.

29 -

جامع التحصيل للعلائي - تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي - ط عالم الكتب - بيروت.

30 -

جامع الترمذي - تحقيق الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ط دار الحديث - مصر.

31 -

إكمال جامع التحصيل في ذكر رواة المراسيل لمحمد بن طلعت (تحت الطبع).

32 -

الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - تحقيق العلامة عبد الرحمن بن يحيى المعلمي - ط دار الكتب العلمية - بيروت.

33 -

الجعديات لأبي القاسم البغوي - تحقيق عبد المهدي بن عبد القادر بن عبد الهادي - ط مكتبة الفلاح - الكويت.

34 -

الرواة الثقات المتكلم فيهم لمحمد بن طلعت (تحت الطبع).

35 -

روايات المدلسين في صحيح البخاري لعواد الخلف - ط دار البشائر الإسلامية - بيروت.

36 -

روايات المدلسين في صحيح مسلم لعواد الخلف - ط دار البشائر الأسلامية - بيروت.

37 -

سنن الدارقطني - تحقيق السيد عبد الله هاشم - ط دار المعرفة - بيروت.

38 -

سنن أبي داود السجستاني - تحقيق عزت عبيد الدعاس وعادل السيد - ط دار ابن حزم - بيروت.

39 -

السنن الصغرى للنسائي- تحقيق مكتب تحقيق التراث الإسلامي - ط دار المعرفة - بيروت.

40 -

السنن الكبرى للبيهقي - ط دار المعرفة - بيروت.

ص: 524

41 -

السنن الكبرى للنسائي - تحقيق عبد الغفار سليمان وسيد كسروي - ط دار الكتب العلمية - بيروت.

42 -

سؤالات الآجري لأبي داود السجستاني - تحقيق عبد العليم عبد العظيم - ط دار الاستقامة - مكة المكرمة، ومؤسسة الريان - بيروت.

43 -

سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي - تحقيق سعدي الهاشمي - ط دار الوفاء - المنصورة - مصر، وط مكتبة ابن القيم - المدينة المنورة.

44 -

سؤالات ابن الجنيد لابن معين - تحقيق أحمد محمد نور سيف ط مكتبة الدار- المدينة المنورة.

45 -

سؤالات الحاكم للدارقطني - تحقيق موفق بن عبد الله - ط مكتبة المعارف - الرياض.

46 -

سؤالات أبي داود الحديثية للإمام أحمد - تحقيق زياد محمد منصور- ط مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة.

47 -

سؤالات أبي داود الفقهية للإمام أحمد - تحقيق طارق بن عوض الله - ط مكتبة ابن تيمية - مصر.

48 -

سؤالات السجزي للحاكم - تحقيق موفق بن عبد الله - ط دار الغرب الإسلامي - بيروت.

49 -

سؤالات السلمي للدارقطني- تحقيق مجدي فتحي السيد - ط دار الصحابة للتراث - طنطا - مصر.

50 -

سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني - تحقيق موفق بن عبد الله - ط مكتبة المعارف - الرياض.

51 -

سؤالات ابن محرز لابن معين وغيره - تحقيق محمد كامل القصار- ط مجمع اللغة العربية - دمشق.

52 -

شرح علل الترمذي لابن رجب الحنبلي - تحقيق همام عبد الرحيم سعيد - ط مكتبة الرشد - الرياض.

53 -

صحيح ابن خزيمة - تحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي، والشيخ الألباني - رحمة الله - ط المكتب الإسلامي - بيروت.

54 -

الضعفاء الصغير للبخاري - تحقيق محمد إبراهيم زايد - ط دار المعرفة - بيروت.

55 -

الضعفاء الكبير للعقيلي - تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي - ط دار الكتب العلمية - بيروت.

56 -

الضعفاء والمتروكين للدارقطني.

ص: 525

75 -

ضوابط قبول عنعنة المدلس لعبد الرزاق خليفة - ط مجلس النشر العلمي - جامعة الكويت.

58 -

الطبقات الكبرى لابن سعد - تحقيق محمد عبد القادر عطا - ط دار الكتب العلمية - بيروت.

59 -

علل الأحاديث لابن عمار الشهيد - تحقيق علي حسن عبد الحميد - ط دار الهجرة - الرياض.

60 -

علل الترمذي الكبير - تحقيق السيد صبحي السامرائي والسيد أبو المعاطي ومحمود الصعيدي - ط عالم الكتب - بيروت.

61 -

علل الحديث لابن أبي حاتم - تحقيق محب الدين الخطيب - ط دار المعرفة - بيروت.

62 -

علل الدارقطي - تحقيق محفوظ الرحمن زين الله السلفي - ط دار طيبة - الرياض.

63 -

العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد رواية ابنه عبد الله - تحقيق وصي الله بن محمد عباس- ط دار الخاني - الرياض.

64 -

العلل ومعرفة الرجال عن الإمام أحمد رواية المروذي وغيره - تحقيق وصي الله بن محمد عباس - ط الدار السلفية - الهند.

65 -

فتح الباري لابن رجب الحنبلي - تحقيق طارق بن عوض الله - ط دار ابن الجوزي - الدمام - السعودية.

66 -

القراءة خلف الأمام للبخاري - ط دار الكتب العلمية - بيروت.

67 -

الكامل في ضعفاء الرجال لابن عدي - تحقيق سهيل زكار - ط دار الفكر - بيروت.

68 -

كشف الأستار عن زوائد مسند البزار للهيثمي- تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي - ط مؤسسة الرسالة - بيروت.

69 -

الكفاية في علوم الرواية للخطب البغدادي - مراجعة عبد الحليم محمد عبد الحليم وعبد الرحمن حسن محمود - ط مكتبة ابن تيمية - مصر.

70 -

الكنى والأسماء لمسلم بن الحجاج - تحقيق عبد الرحيم محمد أحمد - ط الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة -.

71 -

المجروحين لابن حبان - تحقيق محمود إبراهيم زايد - ط دار الوعي- حلب - سوريا.

72 -

المحدث الفاصل للرامهرمزي - تحقيق محمد عاج الخطيب - ط دار- الفكر- سوريا.

73 -

المدخل إلى الإكليل للحاكم - تحقيق فؤاد عبد المنعم أحمد ط دار الدعوة الإسكندرية مصر.

74 -

المدخل الى الصحيح للحاكم - تحقيق ربيع بن هادى المدخلي - ط مكتبة الفرقان.

75 -

المدلسين لابن العراقي - تحقيق رفعت فوزي عبد المطلب - ط دار الوفاء - المنصورة - مصر.

ص: 526

76 -

المدلسين للنسائي - تحقيق الشريف حاتم بن عارف العوني.

77 -

مراسيل ابن أبي حاتم - تحقيق شكر الله بن نعمة الله قوجاني - ط مؤسسة الرسالة - بيروت.

78 -

المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس للشريف حاتم بن عارف العوني - ط دار الهجرة - الرياض.

79 -

مسائل حرب بن إسماعيل الكرماني لأحمد وإسحاق بن راهويه - تحقيق الدكتور ناصر بن سعود - ط مكتبة الرشد - الرياض.

80 -

مسائل ابن هانئ للإمام أحمد - تحقيق زهير الشاويش - ط المكتب الإسلامي - بيروت.

81 -

المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري - إشراف يوسف بن عبد الرحمن المرعشلي - ط دار المعرفة - بيروت.

82 -

مسند البزار- تحقيق محفوظ الرحمن زين الله - ط مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة.

83 -

مشاهير علماء الأمصار لابن حبان تحقيق مرزوق علي إبراهيم ط مؤسسة الكتب الثقافية بيروت.

84 -

المعرفة والتاريخ ليعقوب بن سفيان تحقيق أكرم ضياء العمرى - ط مكتبة الدار- المدينة المنورة.

85 -

معرفة علوم الحديث للحاكم - تحقيق السيد معظم حسين - ط مكتبة المتنبي - القاهرة.

86 -

مقدمة صحيح ابن حبان - تحقيق شعيب الأرناؤوط - ط مؤسسة الرسالة - بيروت.

87 -

مقدمة صحيح مسلم - تحقيق علي عبد الحميد أبو الخير- ط دار الخير- بيروت.

88 -

مقدمة ابن الصلاح - تحقيق نور الدين عتر - ط دار الكتب العلمية - بيروت.

89 -

المنتخب من العلل للخلال - تحقيق طارق بن عوض الله - ط مكتبة التوعية الإسلامية - مصر.

90 -

منهج المتقدمين في التدليس لناصر بن حمد الفهد - ط مكتبة أضواء السلف - الرياض.

91 -

نزهة النظر شرح نخبة الفكر لابن حجر العسقلاني - تحقيق أحمد بن سالم المصري - ط مكتبة أولاد الشيخ - مصر.

92 -

النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد ذهبي العصر عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني لإبراهيم بن سعيد - ط مكتبة أضواء السلف - الرياض.

93 -

النكت على كتاب ابن الصلاح لبدر الدين الزركشي - تحقيق زين العابدين بن محمد بلا فريح - ط أضواء السلف - الرياض.

94 -

النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر العسقلاني - تحقيق ربيع بن هادي المدخلي - ط دار الراية - الرياض.

* * *

ص: 527