المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مفهوم الأسماء والصفات سعد ندا المدرس بالجامعة الإسلامية في الحلقات الست الماضية - مفهوم الأسماء والصفات - جـ ٥٣

[سعد بن عبد الرحمن ندا]

فهرس الكتاب

مفهوم الأسماء والصفات

سعد ندا المدرس بالجامعة الإسلامية

في الحلقات الست الماضية يسر الله تعالى لي الكتابة في بعض ما وفقني إليه من معاني مجموعة من الأسماء الحسنى بلغت إحدى وأربعين اسما. وفي هذه الحلقة أبدا في بيان ما أرجو الله سبحانه أن يلهمني فيه رشدي من توضيح مفهوم اسم (الحميد) جل ذكره.

الحميد:

هو اسم من أسماء الله تعالى على وزن (فعيل) وهو صيغة مبالغة تدل على المبالغة في الحمد والكثرة فيه.

و (الحميد) بمعنى (المحمود) . فهو سبحانه المستحق للحمد بكل أنواعه، لا مستحق له سواه.

والحمد: هو الثناء باللسان على الجميل الاختياري على وجه التعظيم والتبجيل، وهو يقترن بتعظيم المنعم لإنعامه على الحامد وعلى غيره والألف واللام للاستغراق، ومعناه أن جميع أنواع المحامد لله تعالى. ومن أسمائه تعالى (الحميد) أي المحمود.

ومن قول الإمام ابن القيم في نونيته:

ص: 78

وهو الحميد فكل حمد واقع

أو كان مفروضا مدى الأزمان

ملأ الوجود جميعه ونظيره

من غير ما عد ولا حسبان

هو أهله سبحانه وبحمده

كل المحامد وصف ذي الإحسان

وإثبات الحمد الكامل له يقتضي ثبوت كل ما يحمد عليه من صفات كماله، ونعوت

جلاله، إذ من عُدم صفات الكمال فليس بمحمود على الإطلاق.

وغايته أنه محمود من كل وجه، ولا يكون محموداً من كل وجه وبكل اعتبار بجميع أنواع الحمد إلا من استولى على صفات الكمال جميعها، فلو عدم منها صفة واحدة لنقص من حمده بحسبه.

والحمد نوعان: حمد على إحسانه إلى عباده، وهو من الشكر، وحمد لما يستحقه هو بنفسه من نعوت كماله. وهو لا يكون إلا ما هو في نفسه مستحق للحمد، وإنما يستحق ذلك من هو متصف بصفات الكمال. وهي أمور وجودية، فإن الأمور العدمية المحضة لا مدح فيها ولا خير ولا كمال. ومعلوم أن كل ما يحمد فإنما يحمد على ما له من صفات الكمال، فكل ما يحمد به الخلق فهو من الخالق، والذي منه ما يحمد عليه هو أحق بالحمد. فثبت أنه المستحق للمحامد الكاملة، وهو أحق من كل محمود.

وأهل التوحيد الذين يعبدون الله مخلصين له الدين، ما في قلوبهم من محبة الله لا يماثل فيها غيرها، ولهذا فإن الرب محمود أولا حمدا مطلقا على كل أفعاله، وحمده تعالى على أفعاله أشير إليه في مثل قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّور} (الأنعام آية 1)، وقوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (فاطر آية 1) ، وهو سبحانه محمود ثانيا على إحسانه إلى الحامد، وهذا حمد الشكر، وقد أشير إليه في مثل قوله تعالى:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} (الأعراف آية 43)، وقوله:{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (المؤمنون آية 28) .

والحمد ضد الذم، والحمد خبر بمحاسن المحمود مقرون بمحبته، ولا يكون حمد المحمود إلا مع محبته، ولا ذم المذموم إلا مع بغضه. والله سبحانه له الحمد في الأولى والآخرة. ولا تكون عبادة إلا إذا اقترنت بحب المعبود، ولا يكون حمد إلا إذا اقترن بحب المحمود. والله جل وعلا هو المعبود، وهو المحمود ولهذا كانت الخطب في الجمع والأعياد

ص: 79

وغير ذلك مشتملة على هذين الأصلين: تحميده، وتوحيده، وكان أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله1.

وقد ورد اسم (الحميد) سبحانه في القرآن الكريم سبع عشر مرة:

منها عشر مرات اقترن باسم (الغنيّ) سبحانه2.

وذلك في مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَاّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ} (البقرة آية267) .

ومعنى الآية على ما ذكره الحافظ ابن كثير عن ابن عباس: أن الله أمر المؤمنين بالإنفاق من أطيب المال وأجوده وأنفسه، ونهاهم عن التصدق برذالة المال ودنيئه وهو خبيثه فإن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، ونهاهم أن يقصدوا الإنفاق من الخبيث الذي لو أعطوه ما أخذوه إلا أن يتغاضوا فيه، فالله غني عن إنفاقهم، وغني عن جميع خلقه، واسع العطاء، وهو الحميد أي المحمود في جميع أفعاله وأقواله وشرعه وقدره، لا إله إلا هو ولا رب سواه3.

والمعنى على ما ذكره الإمام الشوكاني: أن الله أمر المؤمنين أن ينفقوا من جيد كسبهم ومختاره، وهو الحلال، وكذلك من طيبات ما أخرج سبحانه لهم من الأرض من نباتات ومعادن وركاز، ولا يقصدوا المال الرديء الخبيث لينفقوا منه، فهم أنفسهم يرفضون قبوله في تعاملهم، إلا تساهلا ورضى ببعض الحق4، فالله غني عن جميع المخلوقين، وهو الغني عن نفقات المنفقين وعن طاعات الطائعين، وإنما أمرهم بها وحثهم عليها لنفعهم ومحض فضله وكرمه عليهم، ومع كمال غناه وسعة عطاياه، فهو (الحميد) فيما يشرعه لعباده من الأحكام الموصلة لهم إلى دار السلام، والحميد في أفعاله التي لا تخرج عن الفضل والعدل والحكمة، والحميد في صفاته لأن صفاته كلها محاسن وكمالات لا يبلغ العباد كنهها ولا يدركون وصفها5. والمعنى على قول صاحب صفوة التفاسير أن الله سبحانه غني عن نفقاتهم حميد يجازي المحسن أفضل الجزاء6.

1 الكواشف الجلية: ص11، 12 ببعض تصرف.

2 المعجم المفهرس.

3 تفسير القرآن الكريم الجزء الأول ص320، 321

4 فتح القدير الجزء الأول ص289

5 تيسير الكريم الرحمن الجزء الأول ص159

6 صفوة التفاسير الجزء الأول ص 170

ص: 80

واقترن اسم (الحميد) باسم الغني (الغني) سبحانه كذلك في مثل قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} (النساء آية131) .

ومعنى هذه الآية: على ما ذكره الحافظ ابن كثير أن الله تعالى مالك السماوات والأرض، وأنه الحاكم فيهما، وأنه وصى المؤمنين، بما وصى به الذين أوتوا الكتاب من قبلهم من تقوى الله تعالى بعبادته وحده لا شريك له، وأنهم لم كفروا فإنه سبحانه غني عن عباده، حميد أي محمود في جميع ما يقدره ويشرعه1.

والمعنى عند الإمام الشوكاني تقرير كمال سعته سبحانه وشمول قدرته، وقد أمر الذين أوتوا الكتاب والمؤمنين فيما أنزل عليهم من الكتب بأن يتقوا الله، فإنهم إن يكفروا فإن الله غني عنهم إن يشأ يذهبهم ويأت بقوم آخرين لا يكونون أمثالهم، والله سبحانه غني عن خلقه، حميد أي مستحمد إليهم2.

وقد ساق الشيخ السعدي رحمه الله للآية معاني نفيسة، فذكر أن الله تعالى يخبر عن عموم ملكه العظيم الواسع المستلزم تدبيره بجميع أنواع التدبير، وتصرفه بأنواع التصريف قدرا وشرعا. فتصرفه الشرعي أن وصى الأولين والآخرين أهل الكتب السابقة واللاحقة بالتقوى المتضمنة للأمر والنهي، وتشريع الأحكام والمجازاة لمن قام بهذه الوصية بالثواب والمعاقبة لمن أهملها وضيعها بأليم العذاب.

ولهذا قال: {وَإِنْ تَكْفُرُوا} بأن تتركوا تقوى الله وتشركوا بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا، فإنكم لا تضرون بذلك إلا أنفسكم، ولا تضرون الله شيئا، ولا تنقصون ملكه، وله عبيد خير منكم وأعظم وأكثر، مطيعون له، خاضعون لأمره، ولهذا رتب على ذلك قوله:{وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيداً} له الجود الكامل، والإحسان الشامل، الصادر من خزائن رحمته التي لا ينقصها الإنفاق، ولا يغيضها نفقة، سحّاء الليل والنهار، لو اجتمع أهل السماوات وأهل الأرض أولهم وآخرهم فسأل كل واحد منهم ما بلغت أمانيه، ما نقص من ملكه شيئا، ذلك بأنه جواد واجد ماجد،

1 تفسير القرآن الكريم الجزء الأول ص564

2 فتح القدير الجزء الأول ص523.

ص: 81

عطاؤه كلام، وعذابه كلام، إنما أمره لشيء إذا أراد أن يقول له كن فيكون. ومن تمام غناه أنه كامل الأوصاف، إذ لم كان فيه نقص بوجه من الوجوه لكان فيه نوع افتقار إلى ذلك الكمال، بل له كل صفة كمال، ومن تلك الصفة كمالها، ومن تمام غناه أنه لم يتخذ صاحبة، ولا ولدا، ولا شريكا في ملكه، ولا ظهيرا، ولا معاونا له على شيء من تدابير ملكه. ومن كمال غناه افتقار العالم العلوي والسفلي في جميع أحوالهم وشئونهم إليه، وسؤالهم إياه جميع حوائجهم الدقيقة والجليلة، فقام تعالى بتلك المطالب والأسئلة، وأغناهم، ومنّ عليهم بلطفه وهداهم.

وأما (الحميد) فهو من أسماء الله تعالى الجليلة، الدال على أنه المستحق لكل حمد، ومحبة، وثناء، وإكرام، وذلك لما اتصف به من صفات الحمد التي هي صفة الجمال والجلال، ولما أنعم به على خلقه من النعم الجزال، فهو المحمود على كل حال.

وما أحسن اقتران هذين الاسمين الكريمين (الغني الحميد) ، فإنه غني محمود، فله كمال من غناه، وله كمال من حمده، وله كمال من اقتران أحدهما بالآخر1.

وذكر صاحب صفوة التفاسير أن المعنى هو أن {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} أي ملكا وخلقا وعبيدا، وأنه سبحانه وصى الأولين والآخرين وأمرهم أجمعين بامتثال الأمر والطاعة، ووصاهم جميعا بتقوى الله وطاعته، وإن يكفروا فلا يضره تعالى كفرهم، لأنه مستغن عن العباد، وهو المالك لما في السماوات والأرض، فهو غني عن خلقه، محمود في ذاته، لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين 2.

فالحمد لله أولا وآخر، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

1 تيسير الكريم الرحمن –الجزء الثاني ص89

2 صفوة التفاسير المجلد الأول ص309

ص: 82