المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مفهوم الأسماء والصفات سعد نداالمدرس بالجامعة الإسلامية أحمد الله ربي حمداً - مفهوم الأسماء والصفات - جـ ٥٧

[سعد بن عبد الرحمن ندا]

فهرس الكتاب

مفهوم الأسماء والصفات سعد نداالمدرس بالجامعة الإسلامية

أحمد الله ربي حمداً كثراً طيباً مباركاً فيه كما يحب - سبحانه- ويرضى على توفيقي إلى الدخول في شيء من بيان بعض معاني أسماء الله الحسنى، وأسأله- جل وعلا- أن يديم عليّ توفيقه حتى أكمل ما بدأت من بيان- هو جهد المقلّ- الذي أضرع إلى الله- عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم.

وقد بدأتُ في الحلقة الثامنة ببيان بعض معاني الاسم الثاني والأربعين، وهو اسم (الحميد) سبحانه، وانتهيتُ فيها ببيان اقترانه باسم (العزيز) عز وجل.

وإتماما للفائدة أَضيف في هذه الحلقة أن اسم (الحميد) قد اقترن كذلك باسم (المجيد) في القرآن الكريم مرة واحدة 1 في قوله تعالى {قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ} (هود الآية 73) .

ومعنى هذه الآية: أن امرأة إبراهيم عليه السلام لما بشرتها الملائكة بإسحاق ومن ورائه يعقوب عجبتْ لقيام مانعيْن من وجود الولد وهما: أنها عجوزٌ لا تلد، وأن زوجها شيخ لا تحمل من مثله النساء، فقالت لها الملائكة إنكاراً لتعجبها، لا تعجبي من أمر الله فإنه إذا أراد شيئاً أن يقول له: كُنْ فيكون. فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزاً عقيماً وبعلك شيخاً كبيراً، فإن الله على ما يشاء قدير، وهو سبحانه الحميد في جميع أفعاله وأقواله، المحمود الممَجد في صفاته وذاته، ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا: قد علمنا السلام عليك، فكيف الصلاة عليك يا رسول الله؟ قال:" قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد"2.

المعجم المفهرس.

2 تفسير الإمام ابن كثير الجزء الثاني ص453 ـ بقليل تصرف ـ.

ص: 65

ومعنى الآية المذكورة عند الإمام الشوكاني: أن الملائكة قالت لامرأة إبراهيم عليه السلام إنكارا لتعجبها: كيف تعجبين من قضاء الله وقدره، وهو لا يستحيل عليه شيء؟ وقد كان إنكارهم عليها - مع كون ما تعجبت منه من خوارق العادة- لأنها من بيت النبوة، ولا يخفى على مثلها أن هذا من مقدوراته سبحانه، ولهذا قالوا:{رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ} أَي الرحمة التي وسعت كل شيء، أو النبوة والبركات وهي النمو والزيادة، أو الأسباط من بنى إسرائيل لما فيهم من الأنبياء. ومعنى {إِنَّهُ حَمِيدٌ} أي بفعل موجبات حمده من عباده على سبيل الكثرة، ومعنى {مَجِيدٌ} أي كثير الإحسان إلى عباده بما يفيضه عليهم من الخيرات 1.

والمعنى في تيسير الكريم الرحمن: أن الملائكة قالت لامرأة إبراهيم عليه السلام لا تعجبي من أمر الله، فإن أمره لا عجب فيه لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء، وخصوصاً فيما يدبّره ويمضيه لأهل هذا البيت المبارك، ولا تزال رحمته وإحسانه وبركاته عليكم أهل البيت، (إنه حميدٌ) أى حميد الصفات لأن صفاته صفات كمال، حميد الأفعال لأن أفعاله إحسان، وجودٌ، وبرّ، وحكمة، وعدلٌ، وقسط، وهو سبحانه (مجيد) أَي عظيم الصفات واسعها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال أكملها وأتمها وأَعمها 2.

* أقول: والذي يبين لي من اقتران اسم (الحميد) سبحانه باسم (المجيد) جل وعلا، أَنه عز وجل قد عظمت ذاته وتمجدت على وجه مطلق، وتمجدت كذلك أَسماؤه الحسنى التي اختارها سبحانه لنفسه، والتي تضمنت جميع صفاته الكمال المطلق، ومن ثم فإن أفعال هذا الإله العظيم (المجيد) إنما هي جميعها أفعال عظيمة مجيدة في اختيارها، وتقديرها، وإنفاذها، ويستحق سبحانه على كل فعل منها كمال الحمد الذي لا يستحقه أحد غيره، سواءٌ حَمِدَهُ بالفعل عبادهُ، أم أعرضوا عن حمده، فهو جل وعلا- وحده- المستحقُ لكافة أنواع الحمد رغم أنوف كل الجاحدين المعرضين.

. وقد اقترن اسم (الحميد) كذلك باسم (الحكيم) في القران الكريم مرة واحدة 3 في قوله تعالى: {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (فصلت آية 42) .

1- فتح القدير الجزء الثاني ص511 ـ بقليل تصرف ـ.

2 تيسير الكريم المنان الجزء الثالث ص208 ـ بقليل تصرف ـ.

3 المعجم المفهرس.

ص: 66

وهذه الآية جاءت بعد قوله تعالى: {وَإنهُ لكِتَابٌ عزيز} (فصلت آية 41) والمعنى أن القرآن الكريم كتاب منيع الجناب لا يُرَام أن يأتي أحدٌ بمثله، وليس للبطلان إليه سبيل لأنه منزلٌ من رب العالمين، الحكيم في أقواله وأفعاله، الحميد بمعنى المحمود في جميع ما يأمر به عبادَه وينهاهم عنه، المحمودة عواقبه وغاياته 1.

والمعنى في جامع البيان في تفسير القرآن أن القرآن الكريم أعزه الله، ليس للبطلان إليه سبيل، أو لا يبطله الكتب المتقدمة، ولا يأتيه كتاب بعده يبطله، فهو تنزيلٌ من حكيم حميد في ذاته وإن لم يحمده الحامدون 2.

والمعنى في تيسير الكريم الرحمن أنه كتاب جامع لأوصاف الكمال، (عزيز) أي منيع من كل من أراده بتحريف أو سوء، ولهذا قال تعالى:{لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} أي لا يقربه شيطانٌ من شياطين الإنس والجن لا بسرقة، ولا بإدخال ما ليس منه به، ولا بزيادة ولا بنقص، فهو محفوظ في تنزيله، محفوظة ألفاظه ومعانيه، قد تكفل مَنْ أنزله بحفظه كما قال تعالى:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ، وهو {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ} في خلقه وأمره، يضع كل شيء في موضعه وينزله منازله، (حميد) على ما له من صفات الكمال، ونعوت الجلال، وعلى ما له من العدل والأفضال، لهذا كان كتاباً مشتملاً على تمام الحكمة وعلى تحصيل المصالح والمنافع، ودفع المفاسد والمضار التي يحمد عليها (المحمود) عز وجل 3.

* أقول: ويظهر لي من اقتران اسم (الحميد) سبحانه باسم (الحكيم) أن الله جل وعلا- ومن صفاته الحكمة على وجه مطلق - قد وضع كل شيء في وضعه المناسب، فأنزل الكتاب الحق المهيمن على الكتب السابقة على خير خلقه وخاتم أنبيائه ورسله وأفضلهم، وصاحب الدين الحق المهيمن على سائر الأديان السابقة. وقد حفظ الله عز وجل هذا الكتاب بهيمنته على مدى الزمن، لأنه لا كتاب بعده، وضمَّنه الحق والهدف الذي إن تمسك به الناس فلن يضلوا أبداً، فضلاً عن أنه سبحانه خلق كل شيء على الوجه المناسب له، وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى- وهذه كلها أفعال تتم بحكمة الحكيم سبحانه، وكلها تستأهل أن يحمد عز وجل عليها الحمد كله.

. كذلك اقترن اسم (الحميد) سبحانه باسم (الولي) في القرآن الكريم مرة

1 تفسير الإمام ابن كثير الجزء الرابع ص103 ـ بقليل تصرف ـ.

2 جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي الجزء الثاني ص250.

3 تيسير الكريم الرحمن الجزء السابع ص88 ـ بقليل تصرف ـ.

ص: 67

واحدة 1. في قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} (الشورى آية 28) .

ومعنى الآية أنه بعد إياس الناس من نزول المطر ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه، كقوله عز وجل {وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ} وقوله جل جلاله {وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ} أي يعم بها الوجود على أهل ذلك القطر وتلك الناحية - قال قتادة: ذكر لنا أن رجلاً قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين قحط المطر وقنط الناس، فقال عمر رضي الله عنه: مُطِرْتُمْ، ثم قرأ {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} أي هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم، وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله 2.

ومعنى الآية عند الإمام الشوكاني: أن الله تعالى ينزل المطر الذي هو أنفع أنواع الرزق، وأعمها فائدةً، وأكثرها مصلحةً من بعد ما أيِسَ الناسُ عن ذلك، فيعرفون بهذا الإنزال للمطر بعد القنوط مقدار رحمة الله تعالى لهم، ويشكرون له ما يجب الشكر عليه، وهو سبحانه (الوليُّ) للصالحين من عباده بالإحسان إليهم، وجلب المنافع لهم، ودفع الشرور عنهم، (الحميد) أي المستحق للحمد منهم على إنعامه خصوصا وعموما 3.

والمعنى في تيسير الكريم الرحمن: أن الله تعالى ينزل المطر الغزير الذي به يغيث البلاد والعباد من بعد ما انقطع عنهم مدةً ظنوا أنه لا يأتيهم، وأيسُوا وعملوا لذلك الجدب أعمالاً، فينزل الله الغيثَ، وينشر به رحمتَه من إخراج الأقوات للآدميين وبهائمهم، فيقع عندهم موقعاً عظيماً، ويستبشرون بذلك ويفرحون، (وهو الوليُّ) الذي يتولى عبادَه بأنواع التدبير، ويتولى القيام بمصالح دينهم ودنياهم، وهو (الحميد) أي المحمود في ولايته وتدبيره، والمحمود على ما له من الكمال، وما أوصله إلى خلقه من أنواع الأفضال 4.

- أقول: ومن اقتران اسم (الحميد) سبحانه باسم (الولي) جل وعلا قبله، يبدو لي أنه تبارك وتعالى يتولى أمر عباده بصفة عامة بخلقهم، وإبرائهم، وتصويرهم، ورَزْقِهِم، وتدبير أمورهم وتصريفها جميعاً، ويتولى كذلك أمرَ عباده المؤمنين بصفة خاصة بتوفيقهم دائما للخير والهدى، وتوجيه قلوبهم إلى التزام الحق والوقوف عند حدود الله، والبعد عن محارمه، وكل هذه الولاية من الله عز وجل وهي أمر لا يقوى عليه سواه، ولو لم توفر

1 المعجم المفهرس.

2 تفسير ابن كثير الجزء الرابع ص116

3 فتح القدير الجزء الرابع ص535 ـ بقليل تصرف ـ.

4 تيسير الكريم الرحمن الجزء السابع ص106.

ص: 68

للخلق لضاعوا وهلكوا- تؤكد لنا أن الله تعالى هو (الحميد) أي المحمود حقَّا في ذاته، وفي أسمائه، وفي صفاته، وفي أفعاله جميعاً. فسبحانه من إله عظيم تفرَّدَ بكل صفات الكمال على وجه الإطلاق.

. وقد ورد اسم (الحميد) في القرآن الكريم غير مقترن بأي اسم من أسماء الله تعالى، مرة واحدة 1 في قوله تعالى:{وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراطِ الحميدِ} (الحج آية 34) - ويعود الضمير في قوله (وهدوا) على المؤمنين في الآية السابقة، وهى قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} (الحج آية 33) .

ومعنى الآيتين: أن المؤمنين الذين عملوا الصالحات يدخلون جناتٍ تتخرق الأنهار في أكنافها، وأرجائها، وجوانبها، وتحت أشجارها وقصورها، يصرفونها حيث شاءوا وأين أرادوا، يحلَّوْنَ فيها من الحِلية في أيديهم أساورَ من ذهبٍ ولؤلؤاً، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه:"تبلغ الحليةُ من المؤمن حيث يبلغُ الوضوء "، {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} استبرقه وسندسه، كما قال تعالى:{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً، إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً} . (ولباسهْمْ فيها حريرٌ) وفي الصحيح: "لا تلبسوا الحرير ولا الديباج في الدنيا، فإن من لبسه في الدنيا لم يلبسه في الآخرة". ومعنى (وهدوا إلى الطيب من القول) أي هدوا إلى المكان الذي يسمعون فيه الكلامَ الطيبَ، كقوله تعالى:{وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} ، وقوله:{وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} وقوله: {لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً، إِلا قِيلاً سَلاماً سَلاماً} .

{وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} : أي وهدوا إلى المكان الذي يحمدون فيه ربهم على ما أحسن إليهم وأنعم به وأسداه إليهم، كما جاء في الحديث الصحيح:"إنهم يلهمون التسبيح، والتحميد، كما يلهمون النفس". وقيل: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْل} : القرآن، وقيل: لا إله إلا الله، وقيل: الأذكار المشروعة.

1 المعجم المفهرس.

ص: 69

{وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أي الطريق المستقيم في الدنيا، وكل هذا لا ينافى ما ذكر قبله 1.

ويقول الإمام الشوكاني في معنى قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْل} أي أرشدوا إليه، قيل: هو لا إله إلا الله وقيل: الحمد لله، وقيل: القرآن، وقيل: هو ما يأتيهم من الله سبحانه من البشارات. وقد ورد في القرآن ما يدل على هذا القول المجمل هنا، وهو قوله سبحانه: الحمد لله الذي صدقنا وعده- الحمد لله الذي هدانا لهذا- الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن.

وقال في معنى قوله تعالى: {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أنهم أرشِدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة، أو صراط الله الذي هو دينه القويم، وهو الإسلام 2.

ومعنى {وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْل} في تيسير الكريم الرحمن: أنهم هدوا إلى الطيب من القول الذي أفضله كلمة الإخلاص ثم سائر الأقوال الطيبة التي فيها ذكر الله أو إحسان إلى عباد الله. ومعنى {وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ} أي الصراط المحمود، وذلك لأن جميع الشرع كله محتوٍ على الحكمة وحسن المأمور به وقبح المنهي عنه، وهو الدين الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، المشتمل على العلم النافع والعمل الصالح- أو وهدوا إلى صراطِ الله الحميدِ، لأن الله كثيرا ما يضيف الصراط إليه لأنه يوصل صاحبه إلى الله. وفي ذكر (الحميد) هنا بيان أنهم نالوا الهداية بحمد ربهم، ومنَّته عليهم، ولهذا يقولون في الجنة {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ} 3.

* أقول: وإفراد اسم (الحميد) سبحانه في هذه الآية دون أن يقرن باسم آخر من أسماء الله الحسنى كما ذكرت في الآيات التي سبق أن أوردتها، أفهم منه أن اسم (الحميد) استقلَّ بنفسه، كما استقلَّ اسم (الرحمن) في قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} (الفرقان آية 60) .

ويبدو لي أن اسم (الرحمن) سبحانه كما يتضمن صفة الرحمة التي بها يرْحَم جميع من خلق الله تعالى، بمعنى أنها صفةٌ ذاتيةٌ لله عز وجل لا تنفك عنه البتة، وتظهر آثارها باستمرار على الخلق في كل لحظة، فإن اسم (الحميد) سبحانه يتضمن كذلك صفة

1 تفسير ابن كثير الجزء الثالث ص214 ـ بقليل تصرف ـ.

2 فتح القدير الجزء ص445.

3 تيسير الكريم الرحمن الجزء الخامس ص141.

ص: 70

الحمد بكل أنواعه، فهي صفة ذاتية لله عز وجل لا تنفك عنه، وتظهر آثارها باستمرار في كل لحظة. ومعناها أنه سبحانه مستحق لكل أنواع الحمد لأنه المحمود في ذاته، وأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وليس ذلك لأحد سواه سبحانه.

كما يبدو لي أن العبد لابد أن يسلك في حياته سلوكاً يحمد عليه، لأن أعماله جميعاً يجب أن تُجرّد (للحميد) سبحانه، و (الحميد) لا يقبل إلا العملَ الحميدَ، كما أن (الطيبَ) لا يقبل إلا العملَ (الطيبَ) . ولو أن كل فرد تحرى أن يكون عمله حميداً، لصلح أمر الناس في الدنيا والآخرة، ولاختفت المنازعات والخصومات فيما بينهم، ولعاشوا جميعا إخوةً في الله متحابين.

{أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ. وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ. وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ. وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ. أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ. إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ. لا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ} سورة النحل.

ص: 71

مَفهُومُ الأسمَاء والصِّفات

سَعد نَدَا المدرس بالجامعة الإسلامية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن تبع هديه ووالاه، وبعد:

فإذا توهم بعض الناس أن الكتابة في أسماء الله عز وجل أمر لا أهمية له وزعموا أنهم جميعاً يعرفون الله تعالى، ولا حاجة لهم إلى مثل هذه الموضوعات.

فأقول: وهل يعرف ربه من يجهل ربه بأسمائه الحسنى وصفات كماله العليا التي اختارها هو سبحانه لنفسه وجعلها لنا سبيلاً إلى التعرف عليه جل وعلا؟

وهل يستطيع أن يعبد ربه ويجرد له عبادته من لم يتعرف على ربه ولم يعلم له اسما ولا صفة؟

وإلا فليدلني أولئك الزاعمون: ممن يطلب الواحد منهم الرزق مثلاً إن لم يكن يعرف أن من أسماء ربه سبحانه: الرزاق، ومن صفاته صفة الرزق؟ وممن يطلب المغفرة إن لم يكن يعرف أن من أسماء ربه سبحانه: الغافر والغفار، ومن صفاته صفة المغفرة؟ وهكذا.

إن معرفة العبد أسماء ربه الحسنى وصفات كماله العليا له شأن عظيم، ومن روائع ما ذكره الإمام ابن القيم- رحمه الله في أهمية التعرف على الله تعالى بأسمائه وصفاته وأفعاله قوله: "لا حياة للقلوب، ولا سرور، ولا لذة، ولا نعيم، ولا أمان، إلا بأن تعرف ربها، ومعبودها، وفاطرها، بأسمائه وصفاته، وأفعاله، ويكون ذلك أحب إليها مما سواه، ويكون سعيها فيما يقربها إليه. ومن المحال أن تستقل العقول البشرية بإدراك ذلك على التفصيل، فاقتضت حكمةُ العزيز العليم بأن بعث الرسل به مُعَرِّفين، وإليه داعين، ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين، وجعل مفتاحَ دعوتهم وزبدةَ

ص: 73

رسالتهم معرفةَ المعبود سبحانه بأسمائه، وصفاته، وأفعاله. وعلى هذه المعرفة تنبني مطالبُ الرسالة جميعها، فإن الخوفَ والرجاء، والمحبة والطاعةَ والعبوديةَ تابعةٌ لمعرفة المرجُوّ، المخّوف، المحبوب، المُطاع، المعبُود.

ولما كان مفتاحُ الدعوة معرفةَ الربِّ تعالى، قال أفضلُ الداعين إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل، وقد أرسله إلى اليمن: "إنك تأتى قوماً من أهل الكتاب، فليكنْ أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإذا عرفوا الله، فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة

الحديث".

وهو في الصحيحين- واللفظ لمسلم1 0

ثم قال الإمام ابن القيم- رحمه الله: " والمقصود أن الله تعالى أكمل للرسول ولأمته به دينهم، وأتم عليهم به نعمته. ومحال مع هذا أن يَدَعَ ما خُلِقَ له الخلقُ، وأُرسلت به الرسلُ، وأُنزِلت به الكتبُ، ونُصِبَتْ عليه القِبْلةُ، وأسِّسَتْ عليه المِلَّةُ، وهو باب الإيمان بالله، ومعرفته ومعرفة أسمائه، وصفاته، وأفعاله ملتبساً مشتبِهاً حقُّهُ بباطله، لم يتكلم فيه بما هو الحق بل تكلم بما هو الباطل، وأن الحق في إخراجه عن ظاهره. فكيف يكون أفضل الرسلِ وأجلُّ الكتب غيرَ وافٍ بتعريف ذلك على أتم الوجوه؟ مبين له بأكمل البيان؟ موضح له غاية الإيضاح؟ مع شِدَّة حاجة النفوس إلى معرفته، وهو أفضل ما اكتسبته النفوس، وأجلُّ ما حصلته القلوب؟ 2 ".

بعد هذا التقديم، أعود إلى إتمام ما بدأته من الكلام على أسماء الله الحسنى، سائلا الله عز وجل أن يلهمني الرشاد. فأقول:

المؤمن:

هو اسم من أسماء الله عز وجل. وهو من (آمن) عباده من أن يظلمهم. وأصل (آمَنَ) : (أأمَنَ) بهمزتين لُيِّنت الثانية3.

1مختصر الصواعق المرسلة جـ اص 4، 5.

2المرجع السابق ص 7.

3مختار الصحاح في مادة (أون) ..

ص: 74

وقيل: المؤمن: هو الذي يَصْدُق عبادَه وعْدَه: فهو من الإيمان: التصديق، أو يؤمنهم في القيامة من عذابه، فهو من الأمان، والأمْن ضد الخوف1 0

. وقد ورد اسم (المؤمن) جل وعلا في القرآن الكريم مرة واحدة فقط2. في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ

} [الحشر آية 23]

- وقد قيل في معنى (المؤمن) في هذه الآية: أنه سبحانه الذي يؤمن خلقه من ظلمه. المصدِّق الموقن: بمعنى أن الناس آمنوا بربهم فسماهم مؤمنين، وآمن الربّ الكريمُ لهم بإيمانهم. صدقهم3.

- وقيل المؤمن: هو واهب الأمن4.

- وقيل: المؤمن: فيه ستة أقوال:

ا- أنه- سبحانه- الذي أمن الناسُ ظلمَه، وأَمِنَ مَنْ آمَنَ به عذابَه. قاله ابن عباس ومقاتل.

2-

أنه المجير- قاله القرظي.

3-

أنه الذي يُصَدِّق المؤمنين إذا وحدوه- قاله ابن زيد.

4-

أنه الذي يصدِّق عباده وعدَه- قاله ابن قتيبة.

5-

أنه الذي وحَّد نفسه لقوله تعالى {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران آية 118]- قاله الزجاج.

6-

أنه الذي يُصدِّق ظُنون عباده المؤمنين ولا يُخيب آمالهم، كقول النبي صلى الله عليه وسلم "أنا عند حسن ظن عبدي بي" - حكاه الخطابي- وهذا الحديث جزء من حديث قدسي رواه كل من البخاري ومسلم في صحيحهما بتمامه ولفظه عند البخاري بتمامه عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند حسن ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإنْ ذكرني في ملإ ذكرته في ملأ خير منهم،

1النهاية لابن الأثير- الجزء الأول ص 69.

2المعجم المفهرس ص 90.

3جامع البيان عن تأويل آي القرآن- للطبري- جزء28 ص 54.

4الكشاف- للزمخشري- جزء4 ص 87. وجامع البيان للِإيجي- جزء2 ص 350.

ص: 75

وإن تقرب إلىَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، وإنْ تقرب إلىَّ ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولة".

والحديث يرشد إلى تحسين الظن بالله عز وجل، وهذا لا يكوِن إلا لمن تاب، وندم، وأقلع، وأَتبع السيئة الحسنةَ، واستقبل بقية عمره بوسائل النجاة فمَن فعل ذلك ثم أحسن الظن، فقد أحسن وحلَّ محلَّه، وأما مَنْ أساء وأصر على الكبائر، فوَحْشَةُ المعاصي لا يجامِعها إِحسان الظنِّ بالله تعالى1.

- وقيل: المؤمن: هو المُصَدِّقُ لرسله بإظهار معجزاته عليهم، ومصدِّق الكافرين ما أوعدهم من العقاب2.

أو هو الذي يؤمِّن أولياء من عذابه، ويؤمِّن عبادَه من ظلمه، فيقال: آمنه من الأمان الذي هو ضد الخوف، كما قال تعالى {وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش آية 4] ، فهو سبحانه المؤمن3.

- وقيل: المؤمن: أمن خلقه من أن يظلمهم- قال الضحاك عن ابن عباس.

أو: أنه صدَّق عباده المؤمنين في إيمانهم به- قاله ابن زيد4.

- وقيل: المؤمن هو المصدق لنفسه ولرسله عليهم السلام فيما بلغوه عنه سبحانه، أو بخلق المعجزة.

أو: هو واهب عباده الأمن من الفزع الأكبر.

أو: هو مؤمنهم منه إِما بخلق الطمأنينة في قلوبهم، أو بإخبارهم بأنهم لا خوفٌ عليهم.

أو: أنه المصدق للمؤمنين أنهم آمنوا- قاله ثعلب.

أو: أنه المصدق للمؤمنين في شهادتهم على الناس يوم القيامة5.

1زاد المسير في علم التفسير لأبى الفرج ابن الجوزى- ص 225- بقليل تصرف-.

2الجامع لأحكام القرآن- للقرطبي- جزء18 ص 46- بقليل تصرف- وفتح القدير- جزء5 ص 207-.

3الجامع لأحكام القرآن- للقرطبي- جزء18- ص 46- بقليل تصرف-..

4تفسير ابن كثير- جزء4 ص 344.

5روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثانى- للألوسى جزء28- ص 63-.

ص: 76

وقيل: المؤمن هو الطاهر الذي لا تعلق به شائبة. ومنه سمي المؤمن مؤمناً1.

وقيل: المؤمن الذي أثنى على نفسه بصفات الكمال، وبكمال الجلال، وبكمال الجلال والجمال، الذي أرسل رسله وأنزل كتبه بالآيات والبراهين، وصدق رسله بكل آيةٍ وبرهانٍ يدل على صدقهم وصحة ما جاءوا به2.

أقول:

"وإذا كان علماء التفسير- على مدى العصور- قد ذكروا تلك المعاني السامية الرائعة لاسم (المؤمن) سبحانه، فإنه يبدوا لي أن هذا الاسم الكريم يعنى- بإِجمال هذه المعاني- أنه- جل وعلا- الطاهر الذي لا تعلق به شائبة ولا نقيصة، لأنه الكامل في كل صفاته كمالا مطلقا، وهو الذي يهب الأمن لعباده، فيؤمنهم جميعاً من الظلم لأنه سبحانه يتنزه عنه، ويؤمن قلوب المرسلين والمؤمنين بهم بما أنزل من الحق، ثم يؤمنهم من عذابه، لأنهم أولياؤه الذين آمنوا به ووحدوه وجردوا له العبادة، ويؤمنهم في الدنيا من كل خوف وحزن، كما قال تعالى: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} ] يونس آية 62 [، ويؤمنهم في الآخرة من الفزع الأكبر كما قال سبحانه: {لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} ] الأنبياء آية 103 [بل سيجعلهم شهداء على الناس ويجعل الرسول صلى الله عليه وسلم شهيداً عليهم يوم القيامة، كما قال تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} ] الحج آية 178 [0"

فاسم (المؤمن) - سبحانه- يشمل كل حسن وجمال وخير، يشيع أثره في هذا الكون:

أنظر إلى الأمن الذي يغشى الناس في أسرابها، والطيور في أوكارها، والأسماك والحيتان في بحارها، والزواحف في جحورها، وأسراب النمل في شقوقها، وجماعات النحل في بيوتها: حين تأكل، وحين تشرب، وحين تنام، وحين تتزاوج، وحين تتوالد. أنظر إلى الأمن السائد في كل المخلوقات، والطمأنينة المبسوطة على كل الكائنات، لتجد أن ذلك كله من آثار اسم (المؤمن) جل جلاله، الذي يهب الحياة لخلقه، ويهب الأمن للأحياء.

1التفسير القرآني للقرآن- جزء28 ص 883.

2تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان- للسعدي- جزء5- 301-.

ص: 77

ومن ثم ينبغي عليك- أيها الإنسان- أن تكون مؤمناً (بالمؤمن) سبحانه، وأن تجرد له أعمالك جميعاًَ، ليطمئن به قلبك وتأمن به نفسك، وينتشر الأمن في كل كائن من حولك، وحينئذ ستشعر بلذة الحياة الآمنة الوادعة الطيبة التي تختفي فيها المعاصي ومشكلاتها، وتبرز فيها الطاعات وثمراتها، ويكون الله ورسوله فيها أحب إليك مما سواهما، والحب سبيل الطاعة، والطاعة سبيل الفوز العظيم في الدنيا والآخرة {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} ] الأحزاب آية 71 [.

المُهَيْمِنُ:

هو اسم من أسماء الله عز وجل. وهو الرقيب. وقيل: الشاهد. وقيل: المُؤتَمَن. وقيل: القائم بأمور الخلق.

- وقيل أصله: مؤتَمِن، فأبدلت الهاء من الهمزة، وهو مُفَيعِلٌ من الأمانة1.

. وقد ورد اسم (المهيمن) جل وعلا في القرآن الكريم مرة واحدة فقط2، في قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ

} ] الحشر آية 23 [.

- وقد قيل في معنى (المُهَيمنُ) في هذه الآية: الشهيد أو الأمين. قاله ابن عباس رضي الله عنهما. أو المصدِّق لكل ما حدث، قاله ابن زيد ثم قرأ {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} 3 وقال:" فالقرآن مصدِّق على ما قبله من الكتب، والله مصدِّق في كل ما حدث عما مضى في الدنيا، وما بقي، وما يحدث في الآخرة"4.

- وقيل: (المُهيمن) الرقيب على كل شيء الحافظ له. مُفَيْعِل من الأمن إلا أَن همزته قلبت هاء.5

- وقيل (المُهَيْمنُ) : فيه أربعة أقوال:

ا- أنه الشهيد: قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والكسائى. قال الخطابي: ومنه

1النهاية لابن الأثير- الجزء الخامس- ص 275-.

2المعجم المفهرس- ص 739-.

3يقصد قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} ] المائدة آية 48 [0

4جامع البيان للطبري- جزء28- ص 54.

5الكشاف للزمخشرى- جزء4- ص 87-.

ص: 78

قوله تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْه} ] المائدة 48 [- فالله تعالى: الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل.

2-

أنه الأمين: قاله الضحاك.

وقال الخطابي: وأصله: مُؤَيْمنٌ، فقُلبت الهمزة هاء، لأن الهاء أخف عليهم من الهمزة- ولم يأت: مُفَيعِل في غير التصغير إلا في ثلاثة أحرف: (مُسَيْطِر- ومُبَيْطِر- ومهَيمِن) وقد ذكر في سورة الطور آية 37 عن أبى عبيدة أنها خمسة أحرف: في قوله تعالى {أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ} إنه لم يأت في كلام العرب اسم على مُفَيْعِل إلا خمسة أسماء: مهَيْمِن- ومجيمر- ومُسَيْطِر- ومُبَيْطِر- ومُبَيْقِر.

فالمهيمن: الله الناظر، المحصى، الذي لا يفوته شيء- ومجيمر: جبل- ومسيطر: مسلَّط- ومبيطر: بَيْطار- ومبيقر: الذي يخرج من أرض إلى أرض يقال: بَيْقَر إذا خرج من بلد إلى بلد.

3-

أنه المُصدِّق فيما أخبر- قاله ابن زيد.

4-

أنه الرقيب على الشيء، والحافظ له،- قاله الخليل والخطابي.

وقال بعض أهل اللغة: الهيمنة: القيام على الشيء، والرعاية له ثم قال:

ألا إن خير الناس بعد نبيه

مُهَيْمِنُهُ التاليه في العرف والنكر

يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم1 0

وقيل: (المُهَيْمنُ) : الشاهد على خلقه بأعمالهم، بمعنى هو رقيب عليهم كقوله:

{وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} وقوله {ْ ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} وقوله {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} - قاله ابن عباس رضي الله عنهما وغيره-2 0

- وقيل: (المُهَيْمِن) : الرقيب المطلع على السرائر3 0

- وقيل: (المُهَيْمنُ) : الشهيد على عباده بأعمالهم، الرقيب عليهم- قاله مجاهد وقتادة ومقاتل.

1زاد المسير- جزء8- ص225-.

2تفسير ابن كثير- حزء4 ص 344-.

3جامع البيان- للإيجي- جزء2 ص 350-.

ص: 79

يقال: هَيْمَن يُهَيْمن فهو مُهَيْمن: إذا كان رقيباً على الشيء.

وقال الواحدي:" وذهب كثير من المفسرين إلى أن أصله مؤَيمن من آمن يؤمن، فيكون بمعنى المؤمن- والأول أولى"1.

- وقيل: (المهيمن) : الرقيب الحافظ لكل شيء. مُفَيْعِل من الأمن بقلب همزته هاءً2 0

- وقيل: (المُهَيْمِن) : الرقيب الحافظ لكل شيء. مُفَيْعِل بقلب همزته هاء ً، وإليه ذهب غير واحد- وتحقيقه كما في الكشف: أن أَيْمَنَ على فَيْعَل مبالغة أمن العدو للزيادة في البناء- وإذا قلت: أمن الراعي الذئب على الغنم مثلاً، دل ذلك على كمال حفظه ورقبته. فالله تعالى أمن كل شيء سواه سبحانه على خلقه وملكه، لإحاطة علمه، وكمال قدرته عز وجل، ثم استعمل مجرد الدلالة بمعنى الرقيب والحفيظ على الشيء في غير ذكر المفعول بلا واسطة للمبالغة في كمال الحفظ. كما قال تعالى {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} وجعله من ذلك أولى من جعله من الأمانة، نظراً إلى أن الأمين على الشيء حافظ له، إذ لا ينبىء عن المبالغة ولا عن شمول العلم والقدرة. وجعله في الصحاح اسم فاعل من: آمنه الخوف على الأصل، فأبدلت الهمزة الأصلية باء كراهة اجتماع الهمزتين، وقلبت الأولى هاءًَ كما في هراق الماء.

وظاهر كلام الكشف: أنه ليس من التصغير في شيء.

وقال المبرد:" إنه مُصَغَّر- وقد أخطأ في ذلك، فإنه لا يجوز تصغير أسماء الله عز وجل3 0

- وقيل: (المهيمن) : القائم على الوجود، المسيطر على كل ذرة فيه4

. أقول:" في اسم: (المهيمن) سبحانه، ذكر المفسرون المعاني التي عرضت جانبا منها، وأجملها في أن المراد بمعنى (المُهَيْمِن) جل وعلا: القائم بأمور الخلق- الرقيب الحافظ لكل شيء، الشهيد على عباده، المطلع على أعمالهم وأسرارهم، الأمين، المصدق فيما أخبر ولكل ما حدث.

1فتح القدير- جزء5- ص 208-.

2تفسير أبى السعود- جزء7- ص 234-.

3روح المعاني- جزء28- ص 63-.

4التفسير القرآني للقرآن- جزء28- ص 883-.

ص: 80

والذي يبدو لي أن اسم (المُهَيْمِن) جل جلاله، يتضمن معناه شمول الهيمنة بمعنى السيطرِة المطلقة لله عز وجل على كل كائن في هذا الكون، إيجاداً وإعداماً، وتحريكاً، وتسكيناًَ، بعلمٍ محيطٍ، وعدلٍ مطلقٍ، وقدرةٍ شاملةٍ، ومشيئةٍ نافذةٍ، وقدرٍ سابقٍ، فلا راد لمشيئته، ولا معقب لقدره، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا يكون في ملكه إلا ما يريد. وما أراد وقوعه في كونه سبحانه- وما دونه في اللوح المحفوظ غيبَه عن خلقه، واستأثر بعلمه وحده، وهذا الاستئثار أثر من آثار هيمنته سبحانه.

ومن أمثلته قوله عز وجل: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} ] الأنعام آية 59 [.

ثم أنه سبحانه مع هذه الهيمنة التي من مقتضاها قهر عباده سبحانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} ] الأنعام آية 18 [، لم يهمل عباده بل يراقبهم، ويشهد كل أقوالهم وأعمالهم، بل ويطلع على أسرارهم وما تُكِن صدورهم، ويوالى إمدادهم بكل ما يحتاجون لعمارة هذه الأرض، وما يصلح لهم في دنياهم وأخراهم، ويرسل إليهم ملائكة حفظة لهم بإذن الله طول حياتهم حتى تنتهي آجالهم، كما قال سبحانه: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} ] الرعد آية 11 [، وكما قال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ} ] الأنعام آية 61 [.

ومن آثار هيمنته سبحانه أنه يملك أن يتصرف في خلقه كيف يشاء، لأنهم في ملكه، والمالك من حقه أن يتصرف في ملكه بكافة أنواع التصرفات. ومن نماذج هذه التصرفات ما ذكره الله تعالى تنبيهاً لنا وتذكيراً باستمرار وشمول هيمنته على خلقه سبحانه قوله:{قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَئِنْ أَنْجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ. قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنْتُمْ تُشْرِكُونَ. قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ} ] الأنعام آية 63- 65 [.

ص: 81

وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ. قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ} ] الأنعام آية 46، 47 [.

وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ. فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ. وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبّاً مُتَرَاكِباً وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} ] الأنعام آية 95- 99 [0

وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ. وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} ] الرعد آية 12، 13 [.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ. وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ. إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ. وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ. وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ. وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ. وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ. وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنْكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ. وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} ] الحجر آية 16-25 [.

وقِوله تعالى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ. وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ. وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ} ] النحل آية 5-8 [.

ص: 82

وقوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِناً ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلاً. ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضاً يَسِيراً. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاساً وَالنَّوْمَ سُبَاتاً وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُوراً، وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً، لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً} ] الفرقان آية 45-49 [.

وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخاً وَحِجْراً مَحْجُوراً. وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً} ] الفرقان آية 53-54 [0

وقوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ. قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ. وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} ] القصص آية 71- 73 [0

وقوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاكُمْ فَلَوْلا تُصَدِّقُونَ. أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ. ِ أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ. نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ. عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ. وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ. أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ. إِنَّا لَمُغْرَمُونَ. بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ. أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ. لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ. أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ. أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ. نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ. فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} ] الواقعة آية 57- 74 [0

سبحانك ربَّنا العظيم، ما أعظم سلطانك، وما أكمل هيمنتك المطلقة على كل شيء في هذا الوجود، لا يفتك منها أي مخلوق صغر أم كبر، دقَّ أم عظم.

ننزهك ربَّنَا العظيم عن كل ما لا يليق بجلالك وسلطانِك، ونُقِر لَكَ وحدَكَ بسموِّ أسمائِكَ وكمالِ صِفاتِكَ، ونعترفُ لكَ بجليل فضلِكَ وإِحسانِكَ وكرمِكَ، بقلوبِنا وألسنتنا وجوارِحنَا، ونشهدُ بأنَّكَ وحدَك المستحق ِلأن تُشْكَرَ فلا تُكْفَر، وتُذْكر فلا تنسى، وتُطاع فَلا تُعْصَى.

ص: 83

ونَكِلُ أمورنا إليكَ وحدَكَ، فَأنتَ ملاذُنا وحدَكَ في الدنيا، ومَرِجعُنَا إليك وحدَكَ في الأخرى، أنت مولانا المهيمنُ علينا حَقَّا، ونحنُ عَبيدكَ الخاضعُون لَكَ صِدْقاً، {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً. لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً. وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم آية 93- 95] .

أسأل الله جل وعلا أن يثبت قلوبنا على دينه، وأن يصرفها على طاعته، وأن يختم لنا بعقيدة التوحيد ختام الإيمان.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله الكريم محمدٍ وعلى آله وصحبه.

حلاوة الإيمان

عن أنس بن مالك رضي الله عنه (في الصحيحين) قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان في قلبه:

(1)

من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما.

(2)

ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا الله.

(3)

ومن كان يكره أن يرجع في الكفر، بعد إذ أنقذه الله منه، كما يكره أن يلقى في النار ".

وعن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه (في صحيح مسلم) قال: "قال صلى الله عليه وسلم:

" ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً".

ص: 84