المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

مفهوم الأسماء والصفات (الحلقة الخامسة) سعد ندا المدرس بالجامعة الإسلامية من الأسماء - مفهوم الأسماء والصفات - ٥٠ - ٥١

[سعد بن عبد الرحمن ندا]

فهرس الكتاب

مفهوم الأسماء والصفات (الحلقة الخامسة)

سعد ندا المدرس بالجامعة الإسلامية

من الأسماء الحسنى التي ذكرتها في الحلقة الرابعة- إضافة لما ذكرت من أسماء- أسم (المولى- والولي) سبحانه وتعالى، وبينت بعضا من معاني اسم (المولى) . وأسلفت أنه ورد في القرآن الكريم اثنتي عشرة مرة.

ثم بدأت في بيان بعض معاني اسم (الولي) سبحانه. وذكرت أنه ورد في القرآن الكريم ست عشرة مرة.

ومن ثم يكون عدد أسماء الله الحسنى التي سقتها في الحلقات الأربع الماضية إحدى وأربعين اسما، تكرر ذكرها في مواضع مختلفة من القرآن الكريم. فضلا عن السنة المشرفة مرات بلغت (3786) ستا وثمانين وسبع مائة وألفي مرة، وأعود فأؤكد ما سبق إلى تأكيده في الحلقات السابقة أن تكرار أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم بهذا الحشد الوفير له مفهومه ومغزاه، وهو أن هذه الأسماء لها من خطورة الأمر، وأهمية الذكر، ما يحتم على كل مسلم ضرورة معرفتها؛ ليعرف منها صفات الله جلى وعلا، ومن ثم يستطيع أن يعبد إلها يعرفه بأسمائه الحسنى وصفات كماله العلياء؛ فيستطيع توحيده، وتجريد العبادات له جميعا؛ لتتحقق لها شروط القبول لدى الله عز وجل.

وبالنظر إلى أن اسم (المولى) سبحانه لم يفرغ ما يسر الله إلى من بحث فيما يدور حول معانيه. فإنني أستعين بالله تعالى- بحوله وقوته- وأشرع في إتمام ذلك البحث فيما يلي:-

ص: 104

وورد اسم المولى كذلك في قوله تعالى: {إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} (الجاثية آية 19) .

وقد جاءت هذه الآية عقب قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} (الجاثية آية 18) .

ومعنى الآيتين فيما يقوله الإمام ابن كثير: اتبع ما أنزل إليك من ربك يا محمد، وأعرض عن المشركين، فإنهم لا يغنون عنك بل ولا عن بعضهم شيئاً ولا يزيدون أنفسهم إلا خساراً ودماراً وهلكاً، والله ولى المتقين، أما الكفار فلا مولى لهم إلا الطواغيت الذين يخرجونهم من النور إلى الظلمات.

ويقول الإمام الشوكاني: الشريعة في اللغة: المذهب، والملة، والمنهاج، ويقال: لمشرعة الماء وهي: مورد شاربيه شريعة، ومنه الشارع لأنه طريق إلى المقصد. فالمراد بالشريعة هنا: هو ما شرعه الله لعباده من الدين، والجمع شرائع- أي جعلناك يا محمد على منهاج واضح من أمر الدين يوصلك إلى الحق، فاعمل بأحكامها في أمتك، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون توحيد الله وشرائعه لعباده، وهم كفار قريش ومن وافقهم. فهم لا يدفعون عنك شيئا مما أراده الله إن اتبعت أهواءهم، إذ أن الظالمين أنصار ينصر بعضهم بعضا، والله ناصر المتقين وهو وليهم، لأنهم الذين اتقوا الشرك والمعاصي1.

ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي: المعنى: شرعنا لك شريعة كاملة تدعو إلى كل خير وتنهى عن كل شر من أمرنا الشرعي. فاتبعها فإن في اتباعها السعادة الأبدية والصلاح والفلاح. ولا تتبع أهواء الذين تكون أهويتهم غير تابعة للعلم ولا ماشية خلفه، وكل من خالف هواه وإرادته شريعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه من أهواء الذين لا يعلمون. فهؤلاء لا ينفعونك عند الله فيحصلوا لك الخير ويدفعوا عنك الشر، إن اتبعتهم على أهوائهم، ولا يصلح أن توافقهم وتواليهم فإنك وإياهم متباينون، ولذلك كان الظالمون بعضهم أولياء بعض. والله ولي المتقين يخرجهم من الظلمات إلى النور بسبب تقواهم وعملهم بطاعته2.

ويقول صاحب صفوة التفاسير: في معنى الآيتين: المعنى جعلنك يا محمد على طريقة3 واضحة. ومنهاج سديد رشيد من أمر الدين، فاتبع ما أوحى إليك ربك من الدين القيم ولا تتَّبع ضلالات المشركين؛ أي: آراء الجهال التابعة للشهوات وهم رؤساء قريش حيث

1فتح القدير الجزء الخامس ص 8.بقليل تصرف.

2تيسير الكريم الرحمن الجزء السابع ص144

ص: 105

قالوا: ارجع إلى دين آبائك. فهم لن يدفعوا عنك شيئا من العذاب إن سايرتهم على ضلالهم. وإن الظالمين يتولى بعضهم بعضا في الدنيا ولا ولي لهم في الآخرة، والله ولى المتقين أي ناصر ومعينٌ المؤمنين المتقين في الدنيا والآخرة 1.

وأقول: إن أعظم شريعة، وأوسع شريعة، وأكمل شريعة عالجت كلّ جوانب الحياة في الدنيا والآخرة، والتي تولى الله سبحانه وتعالى تشريعها تفضلاً، ورحمةً، وهدايةً لأقوم طريق، وأنجى سبيل، خاتمةً للشرائع التي أنزلها الله تعالى إنما هي شريعة رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم. ومن ثم كان أمره تعالى إليه بقوله:{فَاتَّبِعْهَا} بمعنى أن يلتزمها ويأخذ بها نفسه. ثم يدعو إليها الناس جميعا، ليلتزموها ويأخذوا بها أنفسهم كذلك منهجا لكل نواحي حياتهم لينالوا فوز الدارين.

ومن ثم يبين لنا أنه لا نجاة للبشرية من حمأة الضلال، ودركات الفسق ووهدة الإلحاد، إلا باطّراح ما شرع البشر من قوانين صماء عمياء لا تبصر ما يصلح للإنسان، وما يهيئ له الحياة الطيبة، والانطلاق سريعا إلى اتباع الله تعالى الذي يعلم من خلق وما يُصلِحُ حياته، وهو اللطيف الخبير. ذلك بأن الله جل وعلا يتولى أمر المتقين الذين يجعلون بينهم وبين غضب الله وقاية تقيهم عذابه فهو سبحانه وليهم، وناصرهم بالحق على الباطل وأعوانه، وأما الظالمون فقد وكلهم سبحانه إلى أنفسهم يتولى بعضهم أمر بعض، فضاعوا وخسروا في الدنيا والآخرة.

وإنني حين تدبرت قوله تعالى: {فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} بما تحمله من إثبات ونفي: الإثبات بالأمر باتباع ما أوحاه الله سبحانه من شرع، والنفي بالنهى عن اتباع أهواء الجهال المارقين عن أمر الله، حين تدبرت ذلك جال بخاطري قوله تعالى:{فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} وما ماثلها من الآيات بما تحمله كذلك من نفى وإثبات: النفي بأن يُكفَر بالطواغيت أيا كان نوعها من البشر، وما يشرعون من مناهج هابطة، ومن الجبابرة منهم والطغاة، ومن الموتى وما يتوهم المتوهمون من تأثيرهم في حياة الخلق وتصريفها وتدبير أمرها. والإثبات بأن يُخلَص الإيمان بالله إلها واحدا، تُجَرَّد له الأعمال وحده جميعا.

فالنفي والإثبات في معنى (لا إله إلا الله) هو أساس الإيمان: نفى العبودية لغير الله سبحانه عبادة وتشريعا واثبات العبودية له سبحانه عبادة وتشريعا. وذلك على أساس

صفوة التفاسير المجلد الثالث ص 185

ص: 106

الاعتقاد الجازم بأن الله هو وحده يتولى شأن كلّ من وحَّده، ويُصَرِّف أمره على أحسن وجه، ولهذا أمره تعالى بتوحيده ونهاه عن الإشراك به؛ لأنه سبيل إحباط كل عمل، كما أمره بإتباع شرعه وحده، ونهاه عن إتباع أي شرع يصدر عن غير الله الكبير المتعال؛ لأنه لا حياة طيبة للإنسان، ولا سعادة له، ولا فوز في الدارين إلا بإتباع منهج الله الذي ضمَّنهُ شرعه.

قالَ اللهُ تعَالى:

{لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .

(البقرة: من الآية256 - 257)

ص: 107