الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويَجُوْزُ تَقْدِيْمُ النِّيَّةِ عَلَى التَّكْبِيْرِ بالزَّمَانِ اليَسِيْرِ إِذَا لَمْ يَفْتَتِحْهَا.
ويَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِقَوْلِهِ: ((اللهُ أَكْبَرُ)) ، لَا يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِنْ لَمْ يُحْسِنِ التَّكْبِيْرَ بالعَرَبِيَّةِ؛ لَزِمَهُ أنْ يَتَعَلَّمَ. فَإِنْ خَشِيَ فَوَاتَ الصَّلَاةِ؛ كَبَّرَ بِلُغَتِهِ.
ويَجْهَرُ بالتَّكْبِيْرِ؛ إنْ كَانَ إمَاماً بِقَدْرِ مَا يُسْمِعْ مَنْ خَلْفَهُ، والمَأْمُومُ بِقَدْرِ مَا يُسْمِعُ نَفْسَهُ، كَقَوْلِنَا في القِرَاءةِ.
ويَمُدُّ أَصَابِعَهُ ويَضُمُّ بَعْضَهَا إلى بَعْضٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ ابْتِدَاءِ التَّكْبِيْرِ إلى
مَنْكِبَيْهِ، وعَنْهُ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ ذَلِكَ وبَيْنَ رَفْعِهَا إلى فُرُوْعِ أُذُنَيْهِ (1) . فَإِذَا انْقَضَى التَّكْبِيْرُ
/ 24 و / حَطَّ يَدَيْهِ، وأَخَذَ بِكَفِّهِ الأيْمَنِ كُوْعَهُ الأَيْسَرَ ويَجْعَلُهُا تَحْتَ سُرَّتِهِ. وعَنْهُ: تَحْتَ صَدْرِهِ. وعَنْهُ: أنَّهُ مُخَيَّرٌ في ذَلِكَ (2) .
ويَنْظُرُ إلى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ، ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ الصَّلَاةَ، فَيَقُولُ:((سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ، وبِحَمْدِكَ، وتَبَارَكَ اسْمُكَ، وتَعَالَى جَدُّكَ، ولَا إِلَهَ غَيْرُكَ)) (3) . ثُمَّ يَسْتَعِيْذُ،
(1) انظر: الروايتين والوجهين ق 14 / ب.
(2)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 14 / ب - ق 15 / أ) ، وذهب صاحبه إلى أن موضع اليدين تحت السرة أصح.
(3)
أخرجه أبو داود (776) ، وابن ماجه (806) ، والترمذي (243) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/198، والدارقطني 1/235 و 299 و 301، والحاكم 1/235، والبيهقي 2/34:((وأصح ما رُوِي فِيْهِ الأثر الموقوف عَلَى عمر)) .
فَيَقُولُ: أَعُوْذُ باللهِ السَّمِيْعِ العَلِيْمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيْعُ العَلِيْمُ (1) .
ثُمَّ يَقْرَأُ: بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ، ولا يَجْهَرُ بِجَمِيْعِ ذَلِكَ (2) . ثُمَّ يَقْرَأُ
الفَاتِحَةَ (3) ويُرَتِّبُهَا، ويَأتِي فِيْهَا بإِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيْدَةً عَلَى الرِّوَايَةِ الصَّحِيْحَةِ أنَّ (4) :
(1) لقوله تَعَالَى: {فَإذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ فَاسْتَعِذْ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيْمِ} . النحل: 98.
وجاء في المغني 1/519: ((وعن أحمد أنه يقول: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم،
…
، وهذا متضمن للزيادة، ونقل حنبل عنه: أنه يزيد بَعْدَ ذَلِكَ: إن الله هُوَ السميع العليم، وهذا كله واسع، وكيفما استعاذ، فهو حسن)) .
(2)
جاء في المغني 1/518: ((قَالَ أحمد: ولا يجهر الإمام بالافتتاح، وعليه عامة أهل العلم؛ لأن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يجهر بِهِ، وإنما جهر بِهِ عمر؛ ليُعْلِمَ الناسَ)) .
(3)
وجاء في المغني 1/520 أن المَشْهُوْر عَنْ أحمد – نقله جَمَاعَة – أن قراءة الفاتحة واجبة في الصَّلَاة، وركن من أركانها، ولا تصح إلا بِهَا.
(4)
في المخطوط: (وان) بالواو إلاّ أن العبارة لا تستقيم بِهَا.
((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)) لَيْسَتْ بِآيَةٍ مِنَ الفَاتِحَةِ، وعَلَى أنَّهَا مِنْهَا (1) ؛ فَيَأَتِي بِأَرْبَعَ عَشْرَةَ تَشْدِيْدَةً. فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيْبَهَا، أوْ تَشْدِيْدَةً مِنْهَا أَعَادَ، وإِنْ قَطَعَ قِرَاءةَ الفَاتِحَةِ بِذِكْرٍ، مِثْل: آمِيْنَ، ونَحْوِهِ، أو سَكَتَ سُكُوتاً يَسِيْراً؛ أَتَمَّ قِرَاءتَهَا وأَجْزَأَتْهُ. وإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيْراً في العَادَةِ؛ اسْتَأْنَفَ قِرَاءتَهَا.
فَإذَا قَالَ: ولَا الضَّالِّيْنَ؛ قَالَ: آمِيْنَ، يَجْهَرُ بِهَا الإمَامُ والمأْمُومُ فِيْمَا يُجْهَرُ
بالقِرَاءةِ (2) . ثُمَّ يَقْرَأُ بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِسُورَةٍ، وتَكُونُ في الصُّبْحِ [من](3) طِوَالِ المُفَصَّلِ، وفي المَغْرِبِ مِنْ قِصَارِهِ، وفي البَقِيَّةِ مِنْ أَوَاسِطِهِ.
ويَجْهَرُ الإمَامُ في الصُّبْحِ، وفي الأُوْلَيَيْنِ مِنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ.
(1) لأن الرِّوَايَة اختلفت عَنْ أحمد، هل البسملة آية من الفاتحة أم لا؟ انظر: الروايتين والوجهين (ق 15/ أ) .
(2)
لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قَالَ الإمام: غَيْر المغضوب عَلَيْهِمْ ولا الضالين، فقولوا: آمين)) . رَوَاهُ البُخَارِيّ 6/21 (4475) ، ومسلم 1/307 (415)(76) .
(3)
في المخطوط: ((و)) .
ومَنْ لَا يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، وضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ عَنْ تَعْلِمِهَا؛ قَرَأَ بَقَدْرِهَا في عَدَدِ الحُرُوفِ. وَقِيْلَ: بَلْ في عَدَدِ الآيَاتِ مِنْ غَيْرِهِا (1) . فَإنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الآيَةَ؛ كَرَّرَهَا بِقَدْرِهَا. فَإِنْ قَرَأَ بِمَا يَخْرُجُ عَنْ مُصْحَفِ عُثْمَانَ (2) كَقِرَاءةِ ابنِ مَسْعُودٍ (3)، وغَيْرِهِ؛ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وعَنْهُ: أنَّهَا تَصِحُّ (4) . فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ القُرْآنِ بالعَرَبِيَّةِ؛ لَكِنْ قَدْرَ أنْ يُعَبِّرَ عَنْهُ بِلُغَةٍ أُخْرَى؛ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ، وَلَزِمَهُ أنْ يَقُولَ:((سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ، ولا إِلَهَ إلَاّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، ولَا حَوْلَ ولَا قُوَّةَ إلَاّ باللهِ)) (5)
(1) انظر: العمدة: 21.
(2)
هُوَ عثمان بن عفان t ثالث الخلفاء الراشدين، كان قد جمع القرآن في عهده، وَقَدْ ثبت رسم المصحف عَلَى ما أمره عثمان بن عفان t إلى الآن.
(3)
هُوَ عَبْد الله بن مسعود t، صَحَابِيّ جليل، واعتبرت قراءته من القراءات الشاذة. والقراءة الشاذة: هي كُلّ قراءة أخلت بالشروط الثلاثة – التِي وضعها العلماء، وهي: صحة الرواية، وموافقة الرسم العثماني، وموافقة العربية وَلَوْ بوجه – أو أحدها.
واختلف العلماء في حكم القراءة بالقراءات الشاذة في الصلاة، فأكثر أهل العلم يرون عدم جواز القراءة بها. انظر: النشر 1/14، ومعجم القراءات القرآنية 1/113.
(4)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 16/أ) . وعلّل الجواز باستفاضة قراءة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(5)
لأنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئاً، فَعَلِّمْني ما يجزيني، قال:
((قل:
…
الخ)) . أخرجه أحمد 4/356 (18617) ، وأبو داود (832) ، وابن خزيمة (544) ، وابن حبان (1850) ، وصححه الحاكم على شرط البخاري 1/241، ووافقه الذهبي.
فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئاً مِنَ
الذِّكْرِ، وقَفَ بِقَدْرِ القِرَاءةِ، ثُمَّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ، ويَرْكَعُ مُكَبِّراً؛ حَتَّى يَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، ويَمُدُّ ظَهْرَهُ مُسْتَوِياً، ويَجْعَلُ رَأْسَهُ حِيَالَ ظَهْرِهِ ولَا يَرْفَعُهُ ولَا يَخْفُضُهُ، ويُجَافِي مِرْفَقَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ. وقَدْرُ الإجْزَاءِ: الانْحِنَاءُ حَتَّى يُمْكِنَهُ مَسُّ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ، ويَقُولُ:((سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيْمِ)) – ثَلَاثاً – وَهُوَ أدْنَى الكَمَالِ. ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَائِلاً: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ؛ فَإِذَا اعْتَدَلَ قَائِماً؛ قَالَ:((رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ مِلءَ السَّمَاءِ ومِلءَ الأرْضِ ومِلءَ ما شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ)) –لا يَزِيْدُ عَلَى ذَلِكَ– فَإِنْ كَانَ مَأْمُوناً؛ فقالَ أصْحَابُنا: لَا يَزِيْدُ عَلَى قَوْلِ: رَبَّنَا وَلَكَ الحَمْدُ.
وعِنْدِي: أنَّهُ يَقُولُ ذَلِكَ كَالإِمَامِ، والمُنْفَرِدِ (1) . ثُمَّ يُكَبِّرُ ويَخِرُّ سَاجِداً؛ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ عَلَى الأرْضِ، ثُمَّ يَدَيْهِ ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، ويَجْعَلُ صُدُوْرَ أَصَابِعِ قَدَمَيْهِ عَلَى الأرْضِ.
والسُّجُودُ عَلَى جَمِيْعِ هَذِهِ الأعْضَاءِ وَاجِبٌ إلَاّ الأَنْفَ؛ فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) ، ولَا يَجِبُ عَلَيْهِ مُبَاشَرَةُ المُصَلَّى بِشَيءٍ مِنَ الأَعْضَاءِ إِلَاّ الجَبْهَةَ؛ فَإِنَّهَا عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3) .
(1) جاء في الروايتين والوجهين (ق 16/ أ – ب) أن الرواية اختلفت في المنفرد، هل يقول ذلك؟
(2)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 16 / ب) .
(3)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 17 / ب)، وفيه: أن رواية المباشرة يمكن أن تُحمل على طريق الاختيار والاستحباب.
والمُسْتَحَبُّ أنْ يُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وبَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ، ويَضَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ، ويُفَرِّقُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، ويَقُولُ:((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى)) – ثلاثاً – وَهوَ أدْنَى الكَمَالِ. ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّراً، ويَجْلِسُ مُفْتَرِشاً – وَهوَ: أنْ يَفْتَرِشَ رِجْلَهُ اليُسْرَى، ويَجْلِسُ عَلَيْهَا ويَنْصِبُ اليُمْنَى – ولَا يُقْعِي؛ فَيَمُدَّ ظَهْرَ قَدَمَيْهِ، ويَجْلِسُ عَلَى عَقِبَيْهِ، أوْ يَجْلِسَ عَلَى إلْيَتَيْهِ، ويُنْصَبُ قَدَمَيْهِ (1)، فَإنَّهُ مُنَّهِيٌّ عَنْهُ (2) . ثُمَّ يَقُولُ:((رَبِّ اغْفِرْ لِي)) – ثَلاثاً – ثُمَّ يَسْجُدُ الثَّانِيَةَ مُكَبِّراً، ويَقُولُ:((سُبْحَانَ رَبِّيَ الأعْلَى)) – ثلَاثاً – ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مُكَبِّراً.
وهَلْ يَجْلِسُ جَلْسَةَ الاسْتِرَاحَةِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: لا يَجْلِسُ، بَلْ يَقُومُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
والثَّانِيَةُ: يَجْلِسُ عَلَى قَدَمَيْهِ وإلْيَتَهِ ثُمَّ يَنْهَضُ مُكَبِّراً مُعْتَمِداً عَلَى رُكْبَتَيْهِ (3) .
ثُمَّ يُصَلِّي الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ كَذَلِكَ؛ إلَاّ في النِّيَّةِ والاسْتِفْتَاحِ رِوَايَةٌ واحِدَةٌ والاسْتِعَاذَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (4) .
(1) جاء في المغني 1/564: أن الصفة الأولى للإمام أحمد – رحمه الله – وهو قَوْل أهل الحديث، والثانية عند العرب.
(2)
فعن أنس، قال: قَالَ لي رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رفعت رأسك من السجود، فَلَا تُقْعِ كَمَا يُقعِي
الكلب)) . أخرجه ابن ماجه (896) .
(3)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 17 / ب)، وفيه: أن الأولى أصح.
(4)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 14 / ب) .
فَإِنْ كَانَ / 26 و / في صَلَاةٍ – هِيَ رَكْعَتَانِ – جَلَسَ مُفْتَرِشاً، وجَعَلَ يَدَهُ اليُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ اليُمْنَى؛ يَقْبِضُ مِنْهَا الخُنْصُرَ والبُنْصُرَ ويُحَلِّقُ الإبْهَامَ مَعَ الوُسْطَى، ويُشِيْرُ بالسَّبَّابَةِ في التَّشَهُّدِ مِرَاراً، ويَبْسُطُ اليَدَ اليُسْرَى مُجْتَمِعَةً – مَضْمُومَةَ الأصَابِعِ – عَلَى الفَخِذِ اليُسْرَى، ويَتَشَهَّدُ، فَيَقُولُ:((التَّحِيَّاتُ للهِ، والصَّلَوَاتُ، والطَّيِّبَاتُ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ ورَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ، أَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ)) (1) .
ثُمَّ يَأْتِي بالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَيَقُوْلُ:((اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيْمَ، إنَّكَ [حَمِيْدٌ] (2) مَجِيْدٌ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيْمَ، في العَالَمِيْنَ إنَّكَ حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) (3) . وعَنْهُ أنَّهُ يَقُولُ: كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إبْرَاهِيْمَ وآلِ إبْرَاهِيْمَ)) ، وكَذَلِكَ:((كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيْمَ آلِ إِبْرَاهِيْمَ)) (4) .
(1) وهو التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه. انظر: صَحِيْح مسلم 2/13 – 14 (402)(55) و (402)(59) ، وسنن أبي داود (968) .
(2)
زيادة من المقنع: 30.
(3)
انظر: صَحِيْح البخاري 4/78 (3370) ، وصحيح مسلم 2/16 (406)(65) .
(4)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 19/ أ)، وفيه: أن كليهما مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وَيُسْتَحَبُّ أنْ يَسْتَعِيْذَ، فَيَقُوْلَ:((اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ النَّارِ، ومِنْ عَذَابِ القَبْرِ ومِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا والمَمَاتِ، ومِنْ فِتْنَةِ المَسِيْحِ الدَّجَّالِ)) (1) . ثُمَّ يَدْعُو فَيَقُوْلُ: ((اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ مِنَ الخَيْرِ كُلِّهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، ومَا لَمْ أَعْلَمْ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّرِّ كُلِّهِ، مَا عَلِمْتُ مِنْهُ، ومَا لَمْ أعْلَمْ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا سَأَلَكَ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، وأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ ما اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ. اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ الجَنَّةَ، ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ، وأعَوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، ومَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ وعَمَلٍ. رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوْبَنَا، وكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا، وتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ، وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ، ولَا تُخْزِنَا يَوْمَ القِيَامَةِ، إنَّكَ لَا تُخْلِفُ المِيْعَادَ)) (2) .
(1) انظر: صحيح البخاري 1/211 (832) ، وصحيح مسلم 2/93 (588)(128) .
(2)
انظر: المغني 1/584.
ولا يَدْعُو في صَلَاتِهِ إلَاّ بِمَا وَرَدَ في الأَخْبَارِ. وقَدْرُ الإجْزَاءِ مِنْ ذَلِكَ: التَّشَهُّدُ والصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلى: ((حَمِيْدٌ مَجِيْدٌ)) عَلَى الصَّحِيْحِ مِنَ المَذْهَبِ. ثٌمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيْمَتَيْنِ يَنْوِي بِهِمَا الخُرُوْجُ مِنَ الصَّلَاةِ / 27 ظ / وهلْ نِيَّةُ الخُرُوجِ وَاجِبَةٌ، أمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (1) . فَإِنْ نَوَى بالسَّلامِ عَلَى الحَفَظَةِ، أو الإِمَامِ، أو المَأْمُوْمِيْنَ، وَلَمْ يَنْوِ الخُرُوجَ، فَقَالَ: ابنُ حَامِدٍ (2) : تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. ونَصَّ أَحْمَدُ – رحمه الله –: لا تَبْطُلُ.
(1) جاء في الروايتين والوجهين (ق 18 / ب) : ((لا يختلف أصحابنا في التسليمة الأولى أنه ينوي بِهَا الخروج من الصَّلَاة ولا غيره، واختلفوا في الثانية)) . فقسم قَالَ: هِيَ كالأولى، وقسم قَالَ: الثانية مستحبة، وينوي بِهَا السلام عَلَى الحفظة والرد عَلَى الإمام.
(2)
انظر: ترجمته (ص 60) .
ولا يَجُوزُ الخُرُوجُ مِنَ الصَّلَاةِ بِغَيْرِ السَّلَامِ. وتَجِبُ التَّسْلِيْمَتَانِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنَ، والأُخْرَى: أنَّ الثَّانِيَةَ سُنَّةٌ (1) . وقَدْرُ الوَاجِبِ: ((السَّلَامُ عَلَيْكُمْ ورَحْمَةُ اللهِ)) (2)، وَقَالَ شَيْخُنَا (3) : إنْ تَرَكَ: ((رَحْمَةُ اللهِ)) أجْزَأَهُ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ في صَلَاةِ الجَنَازَةِ. ثُمَّ ثُمَّ يَسْتَقْبِلِ المَأْمُومِيْنَ بِوَجْهِهِ بَعْدَ السَّلَامِ في الفَجْرِ والعَصْرِ؛ لأنَّهُ لَا صَلَاةَ بَعْدَهُمَا، ويَقُولُ:((لَا إِلهَ إلَاّ اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ يُحْيِي ويُمِيْتُ وَهوَ حَيٌّ لَا يَمُوتُ، بِيَدِهِ الخَيْرُ وَهوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرٌ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِي آخِرَهُ، وخَيْرَ عَمَلِي آخِرَهُ، وخَيْرَ أَيَّامِي يَوْمَ أَلْقَاكَ)) ، ويَدْعُو بِمَا يَجُوزُ مِنْ أمْرِ الدِّيْنِ والدُّنْيَا.
وإنْ كَانَ في صَلَاةِ المَغْرِبِ أو رُبَاعِيَّةٍ، جَلَسَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ – مُفْتَرِشاً – وأَتَى بالتَّشَهُّدِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ. فإنْ نَسِيَ التَّشَهُّدَ، وقَامَ إلى الثَّالِثَةِ رَجَعَ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ انْتَصَبَ قَائِماً، فإنِ انْتَصَبَ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الرُّجُوعِ، فَإِنْ شَرَعَ في القِرَاءةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الرُّجُوعُ. ثُمَّ يُصَلِّي بَقِيَّةَ صَلَاتِهِ مِثْلَ الثَّانِيَةِ؛ إلَاّ أنَّهُ لا يَقْرَأُ شَيْئاً بَعْدَ الفَاتِحَةِ.
(1) الرواية اختلفت في الثانية، هل هِيَ واجبة أم سنة؟ انظر: الروايتين والوجهين (ق 18 / أ) .
(2)
هَذَا ما ورد عَنْ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم. انظر: سنن ابن ماجه (916) ، وسنن أبي داود (996) ، وصحيح ابن حبان (1987) ، وسنن البيهقي 2/177.
(3)
هُوَ أبو يعلى الفراء. انظر: ترجمته في المقدمة.
ويَجْلِسُ في التَّشَهُّدِ الثَّانِي مُتَوَرِّكاً – يَفْتَرِشُ رِجْلَهُ اليُسْرَى ويَنْصِبُ اليُمْنَى ويُخْرِجُهُمَا مِنْ تَحْتِهِ إلى جَانِبِ يَمِيْنِهِ ويَجْعَلُ إلْيَتَيْهِ عَلَى الأرْضِ –.
والمَرْأَةُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ كَالرَّجُلِ إلَاّ أنَّهَا تَجْمَعُ نَفْسَهَا في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وتَسْدِلُ رِجْلَهَا في الجُلُوسِ؛ فَتَجْعَلهُمَا في جَانِبِ يَمِيْنِهَا، أو تَجْلِسُ مُتَرَبِّعَةً.
ولَا يَقْنُتِ المُصَلِّي في شَيْءٍ مِنَ الصَّلَوَاتِ، إلَاّ في الوِتْرِ. فَإِنْ نَزَلَتْ بِالمُسْلِمِيْنَ
نَازِلَةٌ؛ جَازَ لأَمِيْرِ الجَيْشِ أنْ يَقْنُتَ في الفَجْرِ والمَغْرِبِ بَعْدَ الرُّكُوعِ، ويَقُولُ ما قَالَهُ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في دُعَائِهِ (1) ، ونَحْوَهُ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لآحَادِ.
ولَا تُكْرَهُ قِرَاءةُ أَوَاخِرِ السُّوْرَةِ في صَلَاتِهِ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، ويُكْرَهُ في الأُخْرَى (2) .
بَابُ شَرَائِطِ الصَّلَاةِ وأَرْكَانِهَا ووَاجِبَاتِهَا /28 و/ ومَسْنُونَاتِهَا وهَيْئَاتِهَا
شَرَائِطُ الصَّلَاةِ مَا يَجِبُ لَهَا قَبْلَهَا، وَهِيَ سِتَّةُ أشْيَاءَ:
دُخُولُ الوَقْتِ، والطَّهَارَةُ، والسِّتَارَةُ، والمَوْضِعُ، واسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ، والنِّيَّةُ.
وأَرْكَانُهَا خَمْسَةَ عَشَرَ:
(1) وهو: ((اللَّهُمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، وألِّف بَيْنَ قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم عَلَى عدوك وعدوهم، اللَّهُمَّ العن كفرة أهل الكِتَاب الذي يكذبون رسلك، ويقاتلون أولياءك، اللَّهُمَّ خالف بَيْنَ كلمتهم، وزلزل أقدامهم، وأنزل عليهم بأسك الذي لا يُرَدّ عن القوم المجرمين، بسم الله الرحمن الرحيم، اللَّهُمَّ إنا نستعينك
…
الخ. هَذَا الدعاء عَنْ المغني 1/788.
(2)
انظر: الروايتين والوجهين ق 15 / ب.
القِيَامُ، وتَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ، وقِرَاءةُ الفَاتِحَةِ، والرُّكُوعُ، والطُّمَأْنِيْنَةِ فِيْهِ، والاعْتِدَالُ عَنْهُ، والطُّمَأْنِيْنَةُ فِيْهِ، والجَلْسَةُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، والطُّمَأْنِيْنَةِ فِيْهِ، والتَّشَهُّدُ الأَخِيْرِ، والجُلُوسُ لَهُ، والصَّلَاةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، والتَّسْلِيْمَتَانِ، وتَرْتِيْبُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَوَاجِبَاتُهَا تِسْعَةٌ:
التَّكْبِيْرُ – غَيْرُ تَكْبِيْرَةُ الإِحْرَامِ، والتَّسْمِيْعُ (1) ، والتَّحْمِيْدُ (2) في الرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ، والتَّسْبِيْحُ في الرُّكُوْعِ والسُّجُودِ: مَرَّةً مَرَّةً (3) ، وَسُؤَالُ المَغْفِرَةِ في الجَلْسَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ مَرَّةً، والتَّشَهُّدُ الأَوَّلُ، والجُلُوسُ لَهُ، ونِيَّةُ الخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ في سَلَامِهِ.
ومَسْنُونَاتُهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ:
(1) هو قول: ((سَمِعَ الله لِمَنْ حمده)) .
(2)
هو قول: ((ربنا ولك الحمد)) .
(3)
أي: تسبيحة واحدة في الركوع، وواحدة في السجود.
الافْتِتَاحُ، والتَّعَوُّذُ، وقِرَاءةُ:((بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ)) ، وقَولُ:((آمِيْنَ)) وقِرَاءةُ السُّوْرَةِ، وقَوْلُ:((مِلءَ السَّمَاءِ)) بَعْدَ التَّحْمِيْدِ، ومَا زَادَ عَلَى التَّسْبِيْحَةِ الواحِدَةِ في الرُّكُوعِ والسُّجُودِ، وعَلَى المَرَّةِ في سُؤَالِ المَغْفِرَةِ، والسُّجُودُ عَلَى أنْفِهِ، وجَلْسَةُ الاسْتِرَاحَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيْهِمَا (1) ، والتَّعَوُّذُ، والدُّعَاءُ بَعْدَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في التَّشَهُّدِ الأَخِيْرِ، والقُنُوتُ في الوِتْرِ، والتَّسْلِيْمَةُ الثَّانِيَةُ في رِوَايَةٍ.
وَهَيْئَاتُهَا، وَهِيَ مَسْنُونَةٌ؛ إلَاّ أنَّهَا صِفَةٌ في غَيْرِهَا، فَسُمِّيَتْ: هَيْأَةً، وَهِيَ خَمْسٌ وعِشْرُوْنَ:
(1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 17 / ب)، وفيه أن الرِّوَايَة الأولى: لا يجلس جلسة الاستراحة، والثانية: يجلس.
رَفْعُ اليَدَيْنِ عِنْدَ الافْتِتَاحِ، والرُّكُوعِ، والرفْعِ مِنْهُ، وإرْسَالُهُمَا بَعْدَ الرَّفْعِ، ووَضْعُ اليَمِيْنِ عَلَى الشِّمَالِ وَجَعْلُهُمَا تَحْتَ السُّرَّةِ، والنَّظَرُ إلى مَوْضِعِ سُجُوْدِهِ، والجَهْرُ، والإسْرَارُ بالقِرَاءةِ والتَّأْمِيْنِ، ووَضْعُ اليَدَيْنِ عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ في الرُّكُوعِ، ومَدُّ الظَّهْرِ، ومُجَافَاةُ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِيْهِ، والبِدَايَةُ بِوَضْعِ الرُّكْبَةِ، ثُمَّ اليَدِ في السُّجُودِ، ومُجَافَاةُ البَطْنِ عَنِ الفَخِذَيْنِ، والفَخِذَيْنِ عَنِ السَّاقَيْنِ فِيْهِ، والتَّفْرِيْقُ / 29 ظ / بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ، وَوَضْعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ، والافْتِرَاشُ في الجُلُوسِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، وفي التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ، والتَّوَرُّكِ في التَّشَهُّدِ الثَّانِي، ووَضْعُ اليَدِ اليُمْنَى عَلَى الفَخِذِ اليُمْنَى مَقْبُوضَةً مُحَلَّقَةً، والإشَارَةُ بالسَّبَّاحَتَيْنِ (1) ، وَوَضْعُ اليُسَرَى عَلَى الفَخِذِ اليُسْرَى مَبْسُوطَةً.
فَإِنْ أَخَلَّ بِشَرْطٍ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ؛ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ.
وإِنْ تَرَكَ رُكْناً، فَلَمْ يَذْكُرْ، حَتَّى سَلَّمَ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْداً أوْ سَهْواً، وإنْ تَرَكَ وَاجِباً عَمْداً؛ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تَرْكِ الرُّكْنِ، وإنْ تَرَكَهُ سَهْواً، سَجَدَ للسَّهْوِ، وإنْ تَرَكَ سُنَّةً أوْ هَيْأَةً، لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ بِحَالٍ، وهَلْ يُسْجَدُ للسَّهْوِ، يُخَرَّجُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) .
(1) السَّبَّاحَة: هي السَّبَّابَة، ومنه حديث الوضوء:((فأدخل السَّبَّاحَتَيْنِ في أذنيه)) . اللسان 2/300 (سبح) .
(2)
الأولى: يسجد، والثانية: أن السجود غَيْر مسنون، وَهُوَ جائز. انظر: الروايتين والوجهين (ق 16/ أ) .
بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ
أَفْضَلُ تَطَوُّعِ البَدَنِ الصَّلَاةُ، وآكَدُهَا ما سُنَّ لَهَا الجَمَاعَةُ، كَصَلَاةِ الكُسُوفِ، والاسْتِسْقَاءِ، والتَّرَاوِيْحِ، وبَعْدَ ذَلِكَ السُّنَنُ الرَّاتِبَةُ، قَبْلَ الفَجْرِ رَكْعَتَانِ، وقَبْلَ الظُّهْرِ رَكْعَتَانِ، وبَعْدَهَا رَكْعَتَانِ، وقَبْلَ العَصْرِ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ، وبَعْدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَانِ، وبَعَدَ العِشَاءِ رَكْعَتَانِ (1) والوِتْرُ (2) وأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ، وأَفْضَلُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، ويُوتِرُ بِرَكْعَةٍ، وأَدَنَى الكَمَالِ، ثَلَاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيْمَتَيْنِ، يَقْرَأُ في الأُوْلَى
– بَعْدَ الفَاتِحَةِ – بـ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} (3)، وفي الثَّانِيَةِ:{قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُوْنَ} (4)، وفي الثَّالِثَةِ:{قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ} (5)
(1) فَقَدْ قَالَ ابن عمر رضي الله عنه: ((صلَّيت مَعَ النبي صلى الله عليه وسلم سجدتين قَبْلَ الظهر،
…
، وحدثتني أختي حفصة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلّي سجدتين خفيفتين بعدما يطلع الفجر)) . أخرجه البخاري 2/72 (1172) ، ومسلم 2/162 (729)(104)، والبيهقي 2/471. وعنه أيضاً قَالَ: قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله امرأً صلَّى قبل العصر أربعاً)) . أخرجه أبو داود الطيالسي (1936) ، وأحمد 2/117 (5944) ، وأبو داود (1271) والترمذي (430) ، وابن حبان (2450) ، والبيهقي 2/273.
(2)
قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أمدَّكم بصلاة هِيَ خير لكم من حمر النعم، الوتر)) . أخرجه ابن ماجه (1168) ، وأبو داود (1418) ، والترمذي (452) ، والبيهقي 2/478.
(3)
الأعلى: 1.
(4)
الكافرون: 1.
(5)
الإخلاص: 1.
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ في الوتر هذه السور الثلاث. انظر: مسند أحمد 1/299 (2715) ، وسنن ابن ماجه (1172) ، وسنن الترمذي (462) ، وسنن البيهقي 3/39.
، ثُمَّ يَقْنُتُ فِيْهَا بَعْدَ الرُّكُوعِ (1) ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ:((اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِيْنُكَ، وَنَسْتَهْدِيْكَ، ونَسْتَغْفِرُكَ، ونَتُوبُ إِلَيْكَ، وَنُؤْمِنُ بِكَ، ونَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ، ونَثْنِي عَلَيْكَ الخَيْرَ كُلَّهُ، ونَشْكُرُكَ، ولَا نَكْفُرُكَ، اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ، وإلَيْكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ، وإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ (2) ، نَرْجُو رَحْمَتَكَ، ونَخْشَى عَذَابَكَ، إنَّ عَذَابَكَ الجِدُّ بالكُفَّارِ مُلْحِقٌ (3) ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنِي فِيمَنْ عَافَيْتَ، وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ، وَبَارِكْ لِي فِيمَا أَعْطَيْتَ، وَقِنِي شَرَّ مَا قَضَيْتَ، إِنَّكَ تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك?، إِنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ ولَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ (4) ، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِعَفْوِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ)) (5)
(1) فقد ورد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قنت بَعْدَ الركوع. انظر: صحيح مسلم 1/136 (677)(300) .
وجاء في المغني 1/785: ((وروي عَن أحمد أنه قال: أنا أذهب إلى أنه بعد الركوع، فإن قنت قبله، فَلَا بأس)) . انظر: صحيح مسلم 1/136 (677)(300) .
(2)
وإليك نسعى ونحفد، أي: نسرع في العمل والخدمة. التاج 8/32 (حفد) .
(3)
إلى رواه ابن أبي قتيبة (7029) ، والبيهقي 2/211.
(4)
إلى هنا أخرجه: أبو داود الطيالسي (1179) ، وأحمد 1/199 (1720) ، وابن ماجه (1178) ، وأبو داود (1425) ، والبيهقي 3/38 – 39.
(5)
أخرجه ابن ماجه (1179) ، وأبو داود (1427) ، والنسائي 3/249، بلفظ: كَانَ النبي صلى الله عليه وسلم يقول في آخر الوتر: ((
…
)) ، وانظر: إرواء الغليل 2/175.
/ 30 و /. وهَلْ يُمِرُّ يَدَهُ عَلَى وَجْهِهِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) .
والوِتْرُ آكَدُ مِنْ جَمِيْعِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ؛ لأنَّهُ مُخْتَلَفٌ في وُجُوبِهِ (2) .
وَقَالَ أبو بَكْرٍ (3) في " التَّنْبِيه ": هُوَ وَاجِبٌ، وقَدْ أوْمَأَ إِلَيْهِ إمَامُنَا رضي الله عنه وَوَقْتُهُ مِنْ بَعْدِ صَلَاةِ العِشَاءِ إلى طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي. وَقَالَ شَيْخُنَا: آكَدُهَا ?َكْعَتَا الفَجْرِ، وَوَقْتُهَا مِنْ طُلُوعِ الفَجْرِ إلى أنْ يُصَلِّيَ الصُّبْحَ.
ويَقُومُ في رَمَضَانَ بِعِشْرِيْنَ رَكْعَةً في جَمَاعَةٍ، ويُوْتِرُ بَعْدَهَا في الجَمَاعَةِ. فَإِنْ كَانَ لَهُ تَهْجَّدٌ جَعَلَ الوِتْرَ بَعْدَهُ، فَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ الإِمَامِ أَوْتَرَ مَعَهُ، فَإِذَا سَلَّمَ قَامَ فَضَمَّ إلى الوِتْرِ رَكْعَةً أُخْرَى، وكَذَلِكَ يَفْعَلُ إذَا أَعَادَ المَغْرِبَ.
ويُكْرَهُ التَّطَوُّعُ بَيْنَ التَّرَاوِيْحِ (4)، ويُكْرَهُ التَّعْقِيْبُ: وَهوَ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ التَّرَاوِيْحِ والوِتْرِ نَافِلَةً أُخْرَى في جَمَاعَةٍ.
وأَفْضَلُ التَّهَجُّدِ وَسَطُ اللَّيْلِ، والنِّصْفُ الآخَرُ مِنَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ الأَوَّلِ. وتَطَوَّعُ اللَّيْلِ أَفْضَلُ مِنَ النَّهَارِ، وأَفْضَلُهُ أنْ يُسَلِّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ، وفِعْلُهُ سِرّاً أَفْضَلُ مِنْ إِظْهَارِهِ.
وأَدْنَى صَلَاةِ الضُّحَى رَكْعَتَانِ وَأَفْضَلُهَا ثَمَانٍ. ووَقْتُهَا إِذَا عَلَتِ الشَّمْسُ واشْتَدَّ حَرُّهَا، ولَا تُسْتَحَبُّ المُدَاوَمَةُ عَلَيْهَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وعِنْدِي: يُسْتَحَبُّ ?ذَلِكَ.
(1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 26 / ب) .
(2)
فقد أوجبه أبو حنيفة. انظر: بدائع الصنائع 1/270.
(3)
هُوَ أبو بكر الفارسي، مرت ترجمته في:23.
(4)
وفي الأصل: ((التروايح)) ، وهو وهم.
ويَجُوزُ التَّنَفُّلُ جَالِساً، والفَضِيْلَةُ في القِيَامِ. وكَثْرَةُ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ أَفْضَلُ مِنْ طُوْلِ القِيَامِ. وعَنْهُ: أنَّهُمَا سَوَاءَ. وَمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنَ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ قَضَاهُ.
ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَهُ، وأرْبَعٍ قَبْلَ العَصْرِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَ المَغْرِبِ، وأَرْبَعٍ بَعْدَ العِشَاءِ، ويَصِحُّ الَّطَوُّعُ بِرَكْعَةٍ، وعَنْهُ: لا يَصِحُّ.
بَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّلاةَ وَمَا يُعْفَى عَنْهُ فِيْهَا
إذَا دَخَلَ في الصَّلَاةِ ثُمَّ قَطَعَ النِّيَّةَ أو عَزَمَ عَلَى قَطْعِهَا بَطَلَتْ، وَإِنْ تَرَدَّدَ هَلْ يَقْطَعُهَا أمْ لَا؟ فَعَلَى وَجْهَيْنِ:
وتَبْطُلُ إِنْ تَرَكَ شَرْطاً مِنْ شَرَائِطِهَا أو رُكْناً مِنْ أَرْكَانِهِا عَمْداً كَانَ ذَلِكَ أو سَهْواً. وإِذَا سَبَقَهُ الحَدَثُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وعَنْهُ: أنَّهُ يَتَوَضَّأُ ويَبْنِي. وَإِذَا زَادَ رُكُوعاً أو سُجُوداً أو قِيَاماً أَو قُعُوداً عَامِداً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ كَرَّرَ الفَاتِحَةَ لَمْ تَبْطِلْ. وإنْ جَمَعَ بَيْنَ سُوَرٍ في النَّافِلَةِ لَمْ يُكْرَهْ، وفي الفَرِيْضَةِ يُكْرَهُ / 31 و / وَقِيْلَ: لَا يُكْرَهُ. وإنْ تَكَلَّمَ عَامِداً بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وسَهْواً عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) . وكَذَلِكَ إنْ قَهْقَهَ أو انْتَحَبَ أو نَفَخَ أو تَنَحْنَحَ فَبَانَ حَرْفَانِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. فَإِنْ تَأَوَّهَ أو أَنَّ أو بَكَى لِخَوْفِ اللهِ تَعَالَى لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ.
(1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 20 / أ)، وفيه: أن بطلان الصَّلَاة هُوَ الأصح.
والعَمَلُ المُسْتَكْثَرُ في العَادَةِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. وَلَهُ أنْ يَرُدَّ المَارَّ بَيْن? يَدَيْهِ، ويَعُدَّ الآي والتَّسْبِيْحَ، ويَنْظُرَ في المُصْحَفِ، ويَقْتُلَ الحَيَّةَ والعَقْرَبَ والقَمْلَةَ، ويَرُدَّ السَّلَامَ بالإِشَارَةِ، ويَلْبَسَ الثَّوْبَ ويَلُفَّ العِمَامَةَ مَا لَمْ يُطِلْ. فَإِنْ طَالَ أَبْطَلَ إلَاّ أنْ يَفْعَلَهُ مُتَفَرِّقاً. وإنْ أَكَلَ أو شَرِبَ عَامِداً بَطَلَتْ صَلَاةٌ الفَرِيْضَةِ، وهَلْ تَبْطُلُ النَّافِلَةُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) ، وإِنْ كَانَ سَاهِياً لَمْ تَبْطُلْ. وإنِ التَفَتَ أو رَفَعَ بَصَرَهُ إلى السَّمَاءِ أو فَرْقَعَ أَصَابِعَهُ أو عَبَثَ أو شَبَكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ أو تَخَصَّرَ أو تَرَوَّحَ أو لَمَسَ لِحْيَتَهُ كُرِهَ ذَلِكَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ. ويُكْرَهُ أنْ يَدْخُلَ في الصَّلَاةِ وَهوَ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ أو تُنَازِعُهُ نَفْسُهُ إلى الطَّعَامِ، فَإِنْ فَعَلَ أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ. وإِذَا بَدَرَهُ البُصَاقُ وَهوَ في المَسْجِدِ بَصَقَ في ثَوْبِهِ وحَكَّ بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، وإنْ كَانَ في غَيْرِ المَسْجِدِ بَصَقَ عَنْ يَسَارِهِ أو تَحْتَ قَدَمِهِ.
وإِذَا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَارٌّ وَبَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ مِثْلُ أَخَرَةِ الرَّحْلِ لَمْ يُكْرَهْ، وكَذَلِكَ إِنْ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً فَخَطَّ بَيْنَ يَدَيَهِ خَطّاً، وإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ الكَلْبُ الأَسْودُ البَهِيْمُ قَطَعَ صَلَاتَهُ، وفي المَرْأَةِ والحِمَارِ رِوَايَتَانِ (2) ، وسُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ المَأْمُوْمِ.
(1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 21 / أ) .
(2)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 19 / أ) .
وإِذَا نَابَهُ شَيْءٌ في صَلَاتِهِ مِثْلُ أنْ يَسْتَأْذِنَ عَلَيْهِ إِنْسَانٌ أو يَسْهُوَ إِمَامُهُ أو يَخْشَى عَلَى ضَرِيْرٍ أنْ يَقَعَ في بِئْرٍ، فَإِنَّهُ يُسَبِّحُ، وإِنْ كَانَتِ امْرَأَةً صَفَّقَتْ بِبَطْنِ رَحَتِهَا عَلَى ظَهْرِ كَفِّهَا الأُخْرَى. ويَجُوزُ لَهُ إذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ رَحْمَةٍ أنْ يَسْأَلَهَا، وإِذَا مَرَّتْ بِهِ آيَةُ عَذَابٍ أنْ يَسْتَعِيْذَ مِنْهَا، وعَنْهُ: أنَّهُ يُكْرَهُ في الفَرِيْضَةِ.
بَابُ سُجُوْدِ التِّلَاوَةِ والشُّكْرِ
سُجُوْدُ التِّلَاوَةِ سُنَّةٌ في حَقِّ القَارِئِ والمُسْتَمِعِ دُوْنَ السَّامِعِ. وَهُوَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
سَجْدَةً: في الأَعْرَافِ، والرَّعْدِ / 32 و / والنَّحْلِ، وسُبْحَانَ (1) ، ومَرْيمَ، وفي الحَجِّ سَجْدَتَانِ، والفُرْقَانِ والنَّمْلِ، والم * تَنْزِيْلُ، وحم: السَّجْدَةِ والنَّجْمِ والانْشِقَاقِ، واقْرَأْ بِسْمِ رَبِّكَ. وسَجْدَةُ (ص) سَجْدَةُ شُكْرٍ، وعَنْهُ: أنَّهَا مِنْ عَزَائِمِ السُّجُوْدِ.
ويُسْتَحَبُّ سُجُوْدُ الشُّكْرِ عِنْدَ تَجَدُّدِ النِّعَمِ وانْدِفَاعِ النِّقَمِ. وحُكْمُ السُّجُودِ حُكْمُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ في اعْتِبَارِ القِبْلَةِ وسَائِرِ الشَّرَائِطِ. ومَنْ سَجَدَ للتِّلَاوَةِ في الصَّلَاةِ كَبَّرَ في السُّجُودِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ شَيْخُنَا: لَا يَرْفَعُ؛ لأنَّ مَحَلَّ الرَّفْعِ في ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ. ويُكَبِّرُ للرَّفْعِ مِنْهُ ويَجْلِسُ ويُسَلِّمُ ولَا يَقْتَصِرُ إلى تَشَهُّدٍ.
(1) هَذَا أحد تسميات سورة الإسراء. انظر: تفسير بحر العلوم 2/257 مَعَ حاشية المحقق.
وَعَنْهُ: يُكْرَهُ للإمَامِ قِرَاءةُ السَّجْدَةِ في صَلَاةٍ لا يَجْهَرُ فِيْهَا، فَإِنْ قَرَأَ لَمْ يَسْجُدْ، وإِنْ سَجَدَ فالْمَأْمُوْمُ بالخِيَارِ بَيْنَ أنْ يَتْبَعَهُ أو يَتْرُكَ، وإِذَا لَمْ يَسْجُدِ التَّالِي لَمْ يَسْجُدِ المُسْتَمِعُ، ويُكْرَهُ اخْتِصَارُ السُّجُودِ: وَهُوَ أنْ يَجْمَعَ السَّجَدَاتِ فَيَرَأَهَا في وَقْتٍ وَاحِدٍ، ولَا يَسْجُدُ للشُّكْرِ وَهُوَ في الصَّلَاةِ.
بَابُ سُجُوْدِ السَّهْوِ
إِذَا شَكَّ المُصَلِّي في عَدَدِ الرَّكَعَاتِ بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ إنْ كَانَ مُنْفَرِداً، وإِنْ كَانَ إِمَاماً فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَبْنِي عَلَى اليَقِيْنِ، والثَّانِيَةُ: يَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ، فَإِنِ اسْتَوَى عِنْدَهُ الأَمْرَانِ عُمِلَ عَلَى اليَقِيْنِ وَأَتَى بِمَا بَقِيَ وسَجَدَ للسَّهْوِ. وإِذَا زَادَ في صلَاتِهِ رُكُوعاً أو سُجُوْداً أو قِيَاماً أو جُلُوْساً سَاهِياً سَجَدَ للسَّهْوِ، أو أتَى بالتَّشَهُّدِ في قِيَامِهِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَهَلْ يَسْجُدُ للسَّهْوِ أمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) .
(1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 22 / أ)، وفيه: أن الأصح هو العمل بسجدة السهو؛ لأن الزيادة في الصَّلَاة نقصان في المعنى.
وإِذَا قَامَ إلى ثَالِثَةٍ في صَلَاةِ الفَجْرِ أو إلى رَابِعَةٍ في المَغْرِبِ أو إلى خَامِسَةٍ في بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ، ثُمَّ ذَكَرَ فَإِنَّهُ يَعُوْدُ إلى تَرْتِيْبِ صَلَاتِهِ، فَيَنْظُرُ إِنْ كَانَ قَدْ سَهَا عَقِبَ الثَّانِيَةِ مِنَ الفَجْرِ والثَّالِثَةَ مِنَ المَغْرِبِ أو الرَّابِعَةِ مِنْ بَقِيَّةِ الصَّلَوَاتِ سَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ، وكَذَلِكَ إِنْ كَانَ قَدْ تَشَهَّدَ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الرَّكْعَةِ الزَّائِدَةِ، وَإِنْ لَمْ / 33 ظ / يَكُنْ قَدْ تَشَهَّدَ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ. فَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ أنْ فَزَعَ مِنَ الصَّلَاةِ سَجَدَ للسَّهْوِ عَقِيْبَ ذِكْرِهِ، وصَلَاتُهُ مَاضِيَةٌ. فَإِنْ سَبَّحَ بِهِ اثْنَانِ لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ إنِ اتَّبَعُوهُ، فَإِنْ فَارَقُوهُ وَسَلَّمُوا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ (1) .
وَمَتَى قَامَ إلى الرَّكْعَةِ فَذَكَرَ قَبْلَ الشُّرُوْعِ في قِرَاءتِهَا أنَّهُ قَدْ تَرَكَ رُكْناً مِنْ أَرْكَانِهَا الَّتِي قَبْلَهَا، لَزِمَهُ أنْ يَعُودَ فَيَأْتِي بِمَا تَرَكَهُ ثُمَّ يَأْتِي بِمَا بَعْدَهُ، فَإِنْ لَمْ يَعُدْ بِجَمِيْعِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْدَ المَتْرُوْكِ. وَإِنْ ذَكَرَ بَعْدَ شُرُوعِهِ في قِرَاءتِهَا، صَارَتِ الرَّكْعَةُ أَوَلِيَّةً، وبَطَلَ ما فَعَلَهُ قَبْلَهَا.
(1) في الروايتين والوجهين (ق 29 / أ – ب) : أن في هَذِهِ المسألة ثلاث روايات:
الأولى: لا يتبعوه بل يسلموا، فإن تبعوه بطلت صلاتهم وصلاته أيضاً إذا لَمْ يجلس.
والثانية: يتبعونه في القيام في القيام والسلام.
والثالثة: لا يتبعونه (كَذَا) في القيام؛ لَكِنْ ينتظرونه (كَذَا) جلوساً حَتَّى يسلم بهم.
وإِنْ تَرَكَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أرْبَعِ رَكَعَاتٍ، وذَكَرَ وَهُوَ في التَّشَهُّدِ، سَجَدَ سَجْدَةً في الحَالِ، يُصْبِحُ لَهُ بِهَا رَكْعَةً، وقَامَ فَأَتَى بِثَلَاثِ رَكَعَاتٍ، وتَشَهَّدَ، وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ. وعَنْهُ: أنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ (1) .
وإِذَا تَرَكَ رُكْناً ثُمَّ ذَكَرَ وَهُوَ في الصَّلَاةِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَوْضِعَهُ، بَنَى عَلَى اليَقِيْنِ وأَطْرَحَ الشَّكَّ.
وإِذَا شَكَّ هَلْ سَهَا سَهْوَيْنِ أو أَكْثَرَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ؛ كَفَاهُ لِلْجَمِيْعِ سَجْدَتَانِ. وإِنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ جِنْسَيْنِ، فَقَالَ: أبو بَكرٍ (2) : فِيْهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُجْزِيْهِ سَجْدَتَانِ.
والآخَرُ: يَسْجِدُ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَيْنِ (3) .
وإِذَا سَهَا خَلْفَ الإِمَامِ، لَمْ يَسْجُدْ، وإِنَّمَا سَهَا إمَامُهُ، سَجَدَ مَعَهُ، فَإِنْ تَرَكَ الإِمَامُ السُّجُودَ، فَهَلْ يَسْجُدُ المَأْمُومُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4) .
وسُجُودُ السَّهْوِ وَاجِبٌ، ومَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ إلَاّ أنْ يُسَلِّمَ مِنْ نُقْصَانٍ، أو يَتَحَرَّى الإِمَام، فَيَبْنِي عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ بَعْدَ السَّلَامِ، وعَنْهُ: إنْ كَانَ السَّهْوُ مِنْ نُقْصَانٍ، فَمَحَلُّهُ قَبْلَ السَّلَامِ، ومِنْ زِيَادَةٍ فَمَحَلُّهُ بَعْدَ السَّلَامِ، وعَنْهُ: أنَّ مَحَلَّ الجَمِيْعِ قَبْلَ السَّلَامِ (5) .
(1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 22 / أ) .
(2)
هُوَ أبو بكر الخلال. سبقت ترجمته.
(3)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 22 / أ) .
(4)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 23 / أ – ب) .
(5)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 22 / ب) . وفيه: أن الثانية أصحّ.
وإِذَا نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ في مَحَلِّهِ، سَجَدَ مَا لَمْ يَتَطَاوَلِ الزَّمَانُ، ويَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ، وإنْ تَكَلَّمَ، وعَنْهُ: أنَّهُ يَسْجُدْ، وإنْ خَرَجَ مِنَ المَسْجِدِ وتَبَاعَدَ (1) .
فَإِنْ تَرَكَ سُجُوْدَ السَّهْوِ المَرْفُوعِ (2) قَبْلَ السَّلَامِ عَامِداً، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وإنْ تَرَكَهُ نَاسِياً لَمْ تَبْطُلْ، وإنْ تَرَكَ المَشْرُوْعَ بَعْدَ السَّلَامِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْداً أو سَهْواً. وإِذَا سَجَدَ للسَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ جَلَسَ فَتَشَهَّدَ وَسَلَّمَ.
وحُكْمُ النَّافِلَةِ حُكْمُ الفَرِيْضَةِ في سُجُوْدِ السَّهْوِ. وإذَا تَعَمَّدَ تَرْكَ مَا شُرِّعَ لأَجْلِهِ سُجُودُ السَّهْوِ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ.
بَابُ الأَوْقَاتِ الَّتِي نُهِيَ عَنِ الصَّلَاةِ فِيْهَا
وَهِيَ خَمْسَةُ أَوْقَاتٍ:
بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ. وعِنْدَ طُلُوعِهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ قَدْرَ رُمْحٍ. وعِنْدَ قِيَامِهَا حَتَّى تَزُوْلَ. وبَعْدَ صَلَاةِ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وعِنْدَ غُرُوْبِهَا حَتَّى تَتَكَامَلَ.
ولَا يُتَطَوَّعُ في هَذِهِ الأوْقَاتِ بِصَلَاةٍ لَا سَبَبَ لَهَا، وسَوَاءٌ في ذَلِكَ مَكَّةُ وَيَوْمُ الجُمُعَةِ وغَيْرُهُمَا.
(1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 23 / ب) .
(2)
في المقنع: 33، والهادي: 26، والمحرر 1/85:((الواجب)) .
فَأَمَّا مَا لَهَا سَبَبٌ كَصَلَاةِ الكُسُوفِ، والاسْتِسْقَاءِ، ورَكْعَتَي الفَجْرِ، وتَحَيَّةِ المَسْجِدِ، ورَكْعَتَي الطَّوَافِ، وسُجُودِ التِّلَاوَةِ والشُّكْرِ، والوِتْرِ إِذَا فَاتَ، وإِذَا حَضَرَتِ الجَمَاعَةُ مَعَ إمَامِ الحَيِّ، وَقَدْ كَانَ صَلَّى فَإِنَّهُ يَفْعَلُ رَكْعَتَي الفَجْرِ قَبْلَ الفَجْرِ، ورَكْعَتَي الطَّوَافِ حِيْنَ الطَّوَافِ ويُعِيْدُ الجَمَاعَةَ، رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ، وهَلْ يَفْعَلُ بَاقِيْهَا أمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ: أصَحُّهُمَا: أنَّهُ يَفْعَلُهَا (1) .
وأَمَّا الفَرَائِضُ فَإِنَّهُ يُؤَدِّهَا ويَقْضِيْهَا في جَمِيْعِ الأَوْقَاتِ.
ويُصَلَّى عَلَى الجَنَازَةِ بَعْدَ الفَجْرِ، وبَعْدَ العَصْرِ، وفي بَقِيَّةِ الأَوْقَاتِ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) ، فَإِذَا أُقِيْمَتِ الصَّلَاةُ، فَلَا يُصَلِّي غَيْرَ الَّتِي أُقِيْمَتْ، سَوَاءٌ خَشِيَ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، أو لَمْ يَخْشَ.
بَابُ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ
(1) انظر: الروايتين والوجهين (ق 25 / ب – 26 / أ) .
(2)
غَيْر موجودة في الروايتين والوجهين. انظر: المقنع: 35.
الجَمَاعَةُ وَاجِبَةٌ عَلَى الأَعْيَانِ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَكْتُوبَةٍ. ولَيْسَتْ شَرْطاً (1) في الصِّحَّةِ. ومِنْ شَرْطِهَا أنْ يَنْوِيَ الإِمَامُ والمَأْمُومُ حَالَهُمَا (2) . ويَجُوْزُ فِعْلُهَا في بَيْتِهِ، وعَنْهُ: أنَّ حُضُوْرَ المَسْجِدِ وَاجِبٌ. وفِعْلُهَا فِيْمَا كَثُرَ فِيْهِ الجَمْعُ مِنَ المَسَاجِدِ أَفْضَلُ، لا أنْ يَكُوْنَ ذُو الجَمْعِ القَلِيْلِ عَتِيْقاً، فَفِعْلُهَا فِيْهِ أَفْضَلُ (3) . فَإِنْ كَانَ في جِوَارِهِ مِسْجِدٌ لا تَنْعَقِدُ الجَمَاعَةُ فِيْهِ إلَاّ بِحُضُوْرِهِ، فَفِعْلُهَا فِيْهِ أَفْضَلُ. وإِنْ كَانَ الجَمَاعَةُ تُقَامُ فِيْهِ فَأَيُّمَا أَفْضَلُ قَصْدُهُ أو قَصْدُ الأَبْعَدِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4) .
فَإِنْ كَانَ البَلَدُ أَحَدَ ثُغُورِ المُسْلِمِيْنَ، فَالأَفْضَلُ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ؛ لأَنَّهُ أَعْلَى لِلْكَلِمَةِ، وأَوْقَعُ لِلْهَيْبَةِ.
ويُكْرَهُ إعَادَةُ الجَمَاعَةِ في المَسْجِدِ الحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (5)
(1) في المحطوط: ((شرط)) بالرفع.
(2)
قَالَ في المبدع 1/419: ((أي: يشترط أن ينوي الإمامُ الإمامةَ عَلَى الأصح كالجمعة وفاقاً، والمأمومُ لحاله)) .
(3)
انظر: مسائل عَبْد الله لأبيه الإمام أحمد 2/353 (502) .
(4)
انظر: الروايتين والوجهين (ق 27 / أ – ب) .
(5)
وزاد ابن قدامة المسجد الأقصى، فقال في المقنع: 36: ((ولا تكره إعادة الجماعة في غير المساجد الثلاثة)) .
وعلّل الكراهة في المغني 2/9 فَقَالَ: ((وذكره أصحابنا لئلا يتوانى الناس في حضور الجماعة مَعَ الإمام الراتب فيها إذا أمكنهم الصَّلَاة في الجماعة مَعَ غيره)) . =
= والسنة جاءت بعدم الكراهة للحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو سعيد الخدري، قَالَ: جاء رجل وقد صلى رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((أيكم يتجر عَلَى هَذَا؟)) فقام رجل فصلى مَعَهُ.
والحديث أخرجه أحمد 3/5 و45 و64 و85، وعبد بن حميد (936) ، والدارمي (1375) و (1376) ، وأبو داود (574) ، والترمذي (220) ، وابن خزيمة (1632) ، وأبو يعلى (1057) ، وابن حبان (2399) ، والحاكم 1/209، والبيهقي 3/69، وابن حزم في المحلى 4/238. وَقَالَ عَنْهُ التِّرْمِذِيّ: حَدِيْث حسن.
، ولَا يُكْرَهُ في بَقِيَّةِ المسَاجِدِ.
وإِذَا كَانَ لِلْمَسْجِدِ إِمَامٌ / 30 ظ / رَاتِبٌ، لَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أنْ يَؤُمَّ قَبْلَهُ؛ إلَاّ أنْ يَأْذَنَ، أو يَتَأَخَّرَ لِعُذْرٍ (1) . وإذَا صَلَّى في المَسْجِدِ ثُمَّ حَضَرَ إِمَامُ الحَيِّ اسْتُحِبَّ لَهُ إعَادَةُ الجَمَاعَةِ مَعَهُ إلَاّ المَغْرِبَ، وعَنْهُ (2) : أنَّهُ يُعِيْدُهَا أَيْضاً، ويُشْفِعُهَا بِرَابِعَةٍ.
(1) وذلك لأن الصَّحَابَة y لَمْ يتقدم أحد منهم للإمامة في مرض النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أذن لأبي بكر بقوله: ((مروا أبا بكر فليصلِّ بالناس)) . والحديث أخرجه أحمد 6/96 و159 و206 و231 و270، والبخاري 1/173 و174 و4/182 و9/180، ومسلم 2/23، وابن ماجه (1233) ، والترمذي (3672) ، وأبو عوانة 2/117، وأبو يعلى (4478) ، وابن حبان (6601) ، والبيهقي 2/250 و 3/82.
(2)
هكذا رَوَاهُ عنه أبو طَالِب. انظر: الروايتين والوجهين (27 / أ) .
ومَنْ أَحْزَمَ مُنْفَرِداً، ثُمَّ نَوَى مُتَابَعَةَ الإمَامِ؛ لَمْ يَجُزْ في أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: أنَّهُ يُكْرَهُ ويُجْزِئُهُ (1) ، ولَا فَرْقَ بَيْنَ أنْ يَكُونَ قَدْ صَلَّى رَكْعَةً، ثُمَّ أتَمَّ أو أَقَلَّ أو أكْثَرَ. فَإِنْ نَوَى الإِمَامَةَ لَمْ تَصِحَّ. وَقِيْلَ: يُخَرَّجُ عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَقِيْلَ: يَصِحُّ في النَّفْلِ، ولَا يَصِحُّ في الفَرْضِ. فَإِنْ أحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ أَخْرَجَ نَفْسَهُ عَنِ الجَمَاعَةِ – يَنْوِي مُفَارَقَتَهُ لِعُذْرٍ – فَأَتَمَّ مُنْفَرِداً جَازَ. وإِنْ كَانَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ في أصَحِّ القَوْلَيْنِ. ومَنْ كَبَّرَ قَبْلَ أنْ يُسَلِّمَ الإمَامُ فَقَدْ أدْرَكَ الجَمَاعَةَ، وَهُوَ عَلَى تَكْبِيْرَتِهِ (2) ومَنْ أَدْرَكَهُ في الرُّكُوعِ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ، وعَلَيْهِ تَكْبِيْرَتَانِ للافْتِتَاحِ والرُّكُوعِ، فَإِنْ كَبَّرَ وَاحِدَةً ونَوَاهُمَا لَمْ يُجْزِهِ، وعَنْهُ أنَّهُ يُجْزِيْهِ (3) .
(1) غَيْر موجودتين في الروايتين والوجهين.
(2)
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الَّذِي رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ: مَنْ أدرك من الصَّلَاة رَكْعَة فَقَدْ أدرك الصَّلَاة)) . والحديث صَحِيْح أخرجه أحمد 2/241 و270 و375، والدارمي (1223) و (1224) ، والبخاري 1/151، وفي القراءة خلف الإمام (205) و (206) و (210) و (211) و (212) و (213) ، ومسلم 2/ 102، وأبو داود (1121) ، وابن ماجه (1122)، والترمذي (542) . وَقَالَ ابن قدامة في المغني 2/9 بَعْدَ ذَكَرَ الحديث:((ولأنه لَمْ يفته من الأركان إلا القيام)) .
(3)
وذلك في رِوَايَة أبي داود وصالح كَمَا قال صاحب الشرح الكبير 2/9، وَقَالَ صاحب المقنع: 36:
((وأجزأته تكبيرة واحدة، والأفضل اثنان)) .
وَمَا أَدْرَكَ المَأْمُومُ مَعَ الإِمَامِ فَهُوَ آخِرُ صَلَاتِهِ، ومَا يَقْضِيْهِ فَهُوَ أَوَّلُهَا، يَأْتِي فِيْهِ بالافْتِتَاحِ والتَّعَوُّذِ وقِرَاءةِ السُّوْرَةِ. ولَا تَجِبُ القِرَاءةُ عَلَى المَأْمُومِ، ويُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يَقْرَأَ بالحَمْدِ وسُوْرَةٍ في سَكَتَاتِ الإمَامِ، وفِيْمَا لَا يُجْهَرُ فِيْهِ، ويُكْرَهُ أنْ يَقْرَأَ فِيْمَا جَهَرَ فِيْهِ الإمَامُ، إِذَا كَانَ يَسْمَعُهُ، فَإِنْ كَانَ عَلَى بُعْدٍ لَا يَسْمَعُ قِرَاءتَهُ لَمْ يُكْرَهْ، فَإِنْ لَمْ يَسْمَعْهُ لِطَرَشٍ، فَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ – رحمه الله – فَيَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أحَدُهُمَا: يُكْرَهُ، والآخَرُ: يُسْتَحَبُّ (1) .
وَهَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَفْتِحَ المأْمُومُ، ويَسْتَعِيْذَ فِيْمَا يَجْهَرُ فِيْهِ الإِمَامُ أو يُكْرَهُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) .
ومَنْ حَضَرَ وَقَدْ أُقِيْمَتِ الصَّلَاةُ لَمْ يَشْتَغِلْ عَنْهَا بِنَافِلَةٍ، وإنْ أُقِيْمَتْ وَهُوَ في النَّافِلَةِ، وَلَمْ يَخْشَ فَوَاتَ الجَمَاعَةِ، أَتَمَّهَا، وإنْ خَشِيَ فَوَاتَهَا؛ فعَلَى رِوَايَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا يُتِمُّهَا، والأُخْرَى: يَقْطَعُهَا (3) .
ومَنْ دَخَلَ في جَمَاعَةٍ فَنَقَلَهَا إلى جَمَاعَةٍ أُخْرَى لِعُذْرٍ – مِثْلُ أنْ يَكُوْنَ مَأْمُوْماً فيَسْبِقُ إِمَامَهُ الحَدَثُ فَيَخْرُجُ ويَسْتَخْلِفُهُ؛ لِيُتِمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ – فَهُوَ جَائِزٌ، وهَذَا عَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: مَنْ سَبَقَهُ الحَدَثُ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ (4) .
(1) انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/12.
(2)
انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/12، ومسائل عَبْد الله 2/352 (499) .
(3)
انظر: المقنع: 36، والشرح الكبير 2/9.
(4)
انظر: مسائل ابن هانئ 1/80 (397 – 399) .
وكَذَلِكَ إنْ أَدْرَكَ نَفْسَانِ بَعْضَ الصَّلَاةِ مَعَ الإِمَامِ، فَلَمَّا سَلَّمَ أتَمَّ أَحَدُهُمَا بِصَاحِبِهِ في بَقِيَّةِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ / 36 و / يَصِحُّ، وفِيْهِ وَجْهٌ آخَرُ: أنَّهُ لَا يَصِحُّ (1) .
فَإِنْ أَحْرَمَ بِفَرِيْضَةٍ، فَبَانَ أنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُهَا؛ انْقَلَبَتْ نَفْلاً، وإِنْ أَحْرَمَ بِهَا في وَقْتِهَا، ثُمَّ أَرَادَ قَلْبَهَا لِغَرَضٍ – نَحْوُ: أنْ يَكُونَ قَدْ أَحْرَمَ بِهَا مُنْفَرِداً، وحَضَرَتْ جَمَاعَةٌ، فَأَرَادَ أنْ يَجْلَهَا نَفْلاً، ثُمَّ يُصَلِّي فَرْضَهُ جَمَاعَةً – جَازَ. وإِنْ كَانَ لِغَيْرِ غَرَضٍ كُرِهُ، وصَحَّ قَلْبُهَا، وَقِيْلَ: لَا يَصِحُّ لَهُ فَرْضٌ ولَا نَفْلٌ (2) .
فَإِنْ نَقَلَهَا إلى فَرِيْضَةٍ أُخْرَى فَاتَتْهُ، بَطَلَتْ الصَّلَاتَانِ وَجْهاً وَاحِداً.
ولَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ المُفْتَرِضِ بالمُتَنَفِّلِ، ولَا بِمَنْ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِمَنْ يُصَلِّي العَصْرَ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، والأُخْرَى: يَصِحُّ (3) .
فَإِنْ صَلَّى مَنْ نَوَى (4) الظُّهْرَ خَلْفَ مَنْ يَقْضِي الظُّهْرَ؛ فَعَلَى رِوَايَتَيْنِ كَالَّتِي قَبْلَهَا. وَقَالَ الخَلَاّلُ: يَصِحُّ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ.
(1) الوجهان غَيْر موجدين في الروايتين والوجهين.
(2)
في المخطوط: ((فرضاً ولا نقلاً)) . انظر: مسائل ابن هانئ 1/49 (234) .
(3)
نقل عدم الجواز أبو حارث وأبو طَالِب وحنبل ويوسف بن موسى والمروزي ومهنأ؛ لأنَّهُ لا تصح صلاته بنية صلاة إمامه، فَلَا يصح اقتداؤه بِهِ، ونقل صالح وإسماعيل بن سعيد والميموني وأبو داود الجواز؛ لأن الصلاتين متفقتان في الأفعال الظاهرة وتُفعل جَمَاعَة وفرادى، فيصح اقتداؤه. الروايتين والوجهين 28/ أ.
(4)
في المخطوط: ((صلاتكم)) ، تحريف.
ومَنْ سَبَقَ إِمَامَهُ في أَفْعَالِ الصَّلَاةِ، فَرَكَعَ أو سَجَدَ قَبْلَهُ؛ فَعَلَيْهِ أنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ
مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ حَتَّى لَحِقَهُ الإِمَامُ في الرُّكْنِ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ عَلَى قَوْلِ شَيْخُنَا (1)، وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: تَبْطُلُ (2) . فَإِنْ رَكَعَ قَبْلَهُ، ورَفَعَ قَبْلَ أنْ يَرْكَعَ الإِمَامُ عَامِداً، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (3) . وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً أو نَاسِياً لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ، وهَلْ يُعْتَدُّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ أمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (4) . فَإِنْ سَبَقَهُ بِرَكْعَتَيْنِ فَرَكَعَ قَبْلَهُ، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يَرْكَعَ رَفَعَ، فَلَمَّا أَرَادَ أنْ يَرْفَعَ سَجَدَ، فَمَتَى فَعَلَ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيْمِهِ، بَطَلَتْ صَلَاتُهُ، وإنْ فَعَلَهُ مَعَ الجَهْلِ لَمْ تَبْطُلْ، وَلَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ.
(1) أبو يعلى الفراء. انظر: السِّيَر 19/350.
(2)
انظر: الروايتين والوجهين 27/ ب.
(3)
لا توجد في الروايتين والوجهين.
(4)
انظر: الروايتين والوجهين 27/ ب.
ويُسْتَحَبُّ للإِمَامِ أنْ يُخَفِّفَ صَلَاتَهُ (1) مَعَ إتْمَامِهَا (2) إلَاّ أنْ يَعْلَمَ أنَّ مَنْ وَرَاءهُ يُؤْثِرُ التَّطْوِيْلَ. ويُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يُطِيْلَ الرَّكْعَةَ الأُوْلَى مِنْ كُلِّ صَلَاةٍ (3) ، وإِذَا أَحَسَّ بِدَاخِلٍ وَهُوَ في الصَّلَاةِ اسْتُحِبَّ لَهُ انْتِظَارُهُ مَا لَمْ يَشُقَّ عَلَى المَأْمُومِيْنَ، وَقِيْلَ: لا يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ (4) .
وكُلُّ صَلَاةٍ شُرِّعَ فِيْهَا الجَمَاعَةُ للرِّجَالِ اسْتُحِبَّ للنِّسَاءِ فِعْلُهَا في جَمَاعَةٍ، وعَنْهُ: لَا يُسْتَحَبُّ (5) . ولَا يُكْرَهُ لِلْعَجَائِزِ حُضُورُ الجَمَاعَةِ مَعَ الرِّجَالِ (6) .
بَابُ صِفَةِ الأَئِمَّةِ
(1) في المخطوط: ((صلاتكم)) ، تحريف.
(2)
للحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ عَن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم السقيم والشيخ الكبير وذا الحاجة)) . والحديث أخرجه أحمد 2/271 و502، ومسلم 2/43، وأبو داود (795) .
(3)
لحديث أبي قتادة قَالَ: ((كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي بنا، فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكِتَاب وسورتين، ويسمعنا الآية أحياناً. وَكَانَ يطول الركعة الأولى من الظهر ويقصر الثانية)) . والحديث متفق عليه أخرجه البخاري 1/195، ومسلم 2/37 (451) . وانظر: الشرح الكبير 2/16015.
(4)
انظر تفصيل ذَلِكَ في: الشرح الكبير 2/16.
(5)
غَيْر موجودتين في الروايتين والوجهين.
(6)
لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، ولكن ليخرجن وهن تفلات)) . رَوَاهُ أبو هُرَيْرَةَ، وأخرجه الحميدي (978) ، وأحمد 2/438 و475 و528، والدارمي (1282) و (1283) ، وأبو داود (565) ، وابن خزيمة (1679)، ومعنى ((التفلات)) : تاركات للعطر. انظر: النهاية 1/190.
السُّنَّةُ أَنْ يَؤُمَّ القَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ (1)
(1) ذَكَرَ صاحب الشرح الكبير 2/17 خلافاً في هذه المسألة وسنورده لما فيه من الفائدة، قَالَ: ((يعني أن القارئ مقدم عَلَى الفقيه وغيره، ولا خلاف في التقديم بالقراءة والفقه، واختلف في: أيهما يقدم؟ فذهب أحمد – رحمه الله – إِلَى تقديم القارئ، وَهُوَ قَوْل ابن سيرين والثوري وابن المنذر وإسحاق وأصحاب الرأي، وَقَالَ عطاء ومالك والأوزاعي والشافعي: يقدم الأفقه إذا كَانَ يقرأ ما يكفي في
الصَّلَاة؛ لأنَّهُ قَدْ ينوبه في الصَّلَاة ما لا يدري ما يفعل فِيْهِ إلا بالفقه فيكون أولى)) . =
= قلنا: والحديث الَّذِي رَوَاهُ أبو مسعود يبين أن القارئ مقدم عَلَى الفقيه، فَقد قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم:((يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأكبرهم سناً، ولا يؤم الرجلُ الرجلَ في سلطانه)) .
والحديث أخرجه الطيالسي (618) ، وعبد الرزاق (3808) ، والحميدي (457) ، وأحمد 4/118 و121 و5/272، ومسلم 2/133، وابن ماجه (980) ، والترمذي (235) ، وابن خزيمة (1507)
و (1516) ، والدارقطني 1/279، والبيهقي 3/90 و119 و125، والبغوي (832) و (833) .
ولأن هَذَا الترتيب جاء عَن الشارع فيتقيد بِهِ، فالأولى تقديم القارئ.
، فَإِنِ اسْتَوَوا فَأَفْقَهُهُمْ، فَإِنِ / 37 ظ / اسْتَوَوا فَأَسَنَّهُمْ، فَإِنْ اسْتَوَوا فَأَشْرَفُهُمْ، فَإِنِ اسْتَوَوا فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانَا فَقِيْهَيْنِ قَارِئَيْنِ إلَاّ أنَّ أَحَدَهُمَا أَقْرَأُ أو أَفْقَهُ قُدِّمَ بِذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْرَأُ والآخَرُ أَفْقَهُ قُدِّمَ الأَقْرَأُ (1) ، فَإِنِ اسْتَوَوا في جَمِيْعِ ذَلِكَ قُدِّمَ أَتْقَاهُم وَأْرَعُهُمْ، فَإِنْ تَشَاحَّا (2) مَعَ التَّسَاوِي أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا.
وَإِمَامُ المَسْجِدِ أحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ، وصَاحِبُ البَيْتِ أَحَقُّ مِمَّنْ عِندَهُ، والسُّلْطَانُ أَحَقُّ مِنْهُمَا في أحَدِ الوَجْهَيْنِ (3) . والحُرُّ أَوْلَى مِنَ العَبْدِ، والحَاضِرُ أَوْلَى مِنَ المُسَافِرِ، والحَضَرِيُّ أَوْلَى مِنَ البَدَوِيِّ (4) ، والبَصِيْرُ أَوْلَى مِنَ الأَعْمَى عِنْدِي، وَقَالَ شَيْخُنَا: هُمَا سَوَاءٌ (5)
(1) هَذَا مذهب الإمام أحمد، وقد نقلنا قبل قليل الخلاف الذي وقع بَيْنَ أهل العِلْم في هَذِهِ المسألة.
(2)
تشاحوا في الأمر وعليه: تسابقوا إليه متنافسين فيه. انظر: اللسان 2/325، والوسيط: 474 (شح) .
(3)
انظر: المحرر 1/108.
(4)
لأن الحضري أقرب إلى العلماء ومجالسهم من البدوي، والله أعلم.
(5)
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد استخلف ابن أم مكتوم عَلَى المدينة مرتين وهو يصلي بهم، لَكِنْ المؤلف
– رحمه الله – أعطى الأولوية للبصير؛ وذلك – والله أعلم – لأنَّهُ يخشى عَلَى الأعمى من أمور مِنْهَا: قَدْ تصل نجاسته إلى ثوبه من غَيْر أن يشعر بِهَا.
، وَقَدْ تَوَقَّفَ أَحْمَدُ رضي الله عنه عَنْ إِمَامَةِ الأَقْطَعِ اليَدَيْنِ، وقَالَ أبُو بَكْرٍ: لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ، وَقَالَ شَيْخُنَا: تَصِحُّ. وتُكْرَهُ إِمَامَةُ الأَقْلَفِ (1) والفَاسِقِ، سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ مِنْ جِهَةِ الاعْتِقَادِ، مِثْلُ: أنْ يَعْتَقِدَ مَذْهَبُ الجَهْمِيَّةِ (2) والمُعْتَزِلَةِ والرَّافِضَةِ تَقْلِيْداً، ومِنَ الأَفْعَالِ مِثْلُ: أنْ
يَزْنِيَ أو يَشْرَبَ الخَمْرَ أو يَسْرِقَ. وَهَلْ تَصِحَّ إِمَامَتُهُمَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (3) . وتَصِحُّ إِمَامَةُ الصَّبِيِّ في النَّوَافِلِ، ولَا تَصِحُّ في الفَرَائِضِ عَلَى أصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ (4) .
(1) وهو الَّذِي لَمْ يختن. انظر: الصحاح 4/1418، وتاج العروس 24/282 (قلف) .
(2)
طائفة من المبتدعة، جاءت تسميتهم نسبة إلى جهم بن صفوان الَّذِي تبنّى آراء الجعد بن درهم والتي
منها: نفي صفات الله عزوجل، والقول بخلق القرآن الكريم، والقول بالجبر وما إلى غَيْر ذلك من الافتراءات عَلَى الله عزوجل. انظر: الفرق بَيْنَ الفرق: 211–212، ومقالات الإسلاميين 1/214، 338.
(3)
نقل أبو الحارث عدم جواز الصَّلَاة خلف الفاجر والمبتدع والفاسق إلا أن يخافهم فيصلي ويعيد، ونقل الجواز أبو الحربي عندما سئل: هل يُصلى خلف من يغتاب الناس؟ فَقَالَ: لَوْ كَانَ كُلّ من عصى الله تَعَالَى لا يصلى خلفه من يؤم الناس عَلَى هَذَا؟
وَقَالَ الإمام أحمد (في رِوَايَة حرب) : يصلى خلف كُلّ برّ وفاجر فَلَا يكفر أحد بذنب.
انظر: الروايتين والوجهين 28 / ب.
(4)
انظر: الروايتين والوجهين 28 / ب – 29 / أ.
ولَا تُكْرَهُ إِمَامَةُ وَلَدِ الزِّنَا والجُنْدِيِّ إِذَا أَسْلَمَا في دِيْنِهِمَا، ولَا تَصِحُّ إِمَامَةُ المَرْأَةِ بالرِّجَالِ (1) . والخَنَاثَى (2) بِحَالٍ عِنْدِي، وَقَالَ أَصْحَابُنَا: تَصِحُّ في التَّرَاوِيْحِ وَتَكُوْنُ وَرَاءهُمْ، ولَا تَصِحُّ إمَامَةُ الخنثيِّ بالرِّجَالِ (3) ، ولَا بالخَنَاثَى، ولَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ بالنِّسَاءِ. ويُكْرَهُ أنْ يَؤُمَّ الرجَالُ نِسَاءً أَجَانِبَ لَا رَجُلَ مَعَهُنَّ (4) . ويُكْرَهُ أنْ يَؤُمَّ الرَّجُلُ قَوْماً وَأَكْثَرُهُمْ لَهُ كَارِهُونَ.
(1) لحديث جابر الَّذِي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تؤمَّنَّ امرأةٌ رجلاً)) . أخرجه عَبْد بن حميد (1136) ، وابن ماجه (1081) ، وأبو يعلى (1856) ، والبيهقي 2/90 و171، والمزي في تهذيب الكمال 16/103.
(2)
جمع خُنْثَى، وهو مَن لَيْسَ رجلاً ولا امرأة عَلَى وجه بيِّن فيهما. انظر: التعريفات: 60.
(3)
لأنه يحتمل أن يكون امرأة فَلَا يجوز أن يؤم رجالاً. انظر: المغني 2/33.
(4)
للحديث الَّذِي رواه عمر مرفوعاً: ((ألا لا يخلون رجل بامرأة إلا كَانَ ثالثهما الشيطان)) . والحديث أخرجه أحمد 1/18، والبزار (166) ، والترمذي (2165) ، وابن أبي عاصم (88) و (897) ، والطحاوي في شرح المعاني 4/150، والبيهقي 7/91.
ولَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ كَافِرٍ ولَا أخْرَسَ، ولا تَصِحُّ خَلْفَ نَجِسٍ ولَا مُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِذَلِكَ. فَإِنْ جَهِلَ هُوَ والمأْمُومُ ذَلِكَ حَتَّى فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ، فَصَلَاةُ المَأْمُومِ صَحِيْحَةٌ وصَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ (1) . ولَا تَصِحُّ صَلَاةُ قَارِئٍ خَلْفَ أُمِّيٍّ: وَهُوَ مَنْ لَا يُحْسِنُ الفَاتِحَةَ، ولَا أَرَتٍّ: وَهُوَ الَّذِي يُدْغِمُ حَرْفاً في حَرْفٍ (2)، ولَا أَلْثَغَ: وَهُوَ الَّذِي يَجْعَلُ الرَّاءَ غَيْناً [و](3) الغَيْنَ رَاءً أو نَحْوَهُ (4) . وتَصِحُّ صَلَاتُهُمْ بِمَنْ حَالُهُ في ذَلِكَ كَحَالِهِ. وتُكْرَهُ إِمَامَةُ الفَأْفَاءِ: وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ الفَاءَ (5) . والتَّمْتَامَ: وَهُوَ الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ (6) . والَّذِي لَا يُفْصِحُ بِبَعْضِ الحُرُوفِ / 38 و / مِثْلُ: العَرَبِيِّ الَّذِي لَا يُفْصِحُ بالقَافِ وَنَحْوِهِ، فَإِنْ أَمُّوا صَحَّتْ إمَامَتُهُمْ. ويُكْرَهُ إِمَامَةُ اللَّحَّانِ – وإِنْ كَانَ لَا يُحِيْلُ المَعْنَى –، فَإِنْ أَحَالَ المَعْنَى وَكَانَ ذَلِكَ في الفَاتِحَةِ، مِثْلُ: أنْ يَكْسِرَ الكَافَ مِنْ ((إيَّاكَ)) ، أو يَضُمَّ التَّاءَ مِنْ ((أَنْعَمْتَ)) ، ومَا أَشْبَهَهُ، وَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى
(1) للحديث الَّذِي رواه الدارقطني 1/363 من حَدِيْث البراء قَالَ: صلى رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم بقوم، وليس هُوَ عَلَى وضوء، فتمت (الصَّلَاة) للقوم وأعاد النبي صلى الله عليه وسلم. وهذا الحديث ضعيف فيه عيسى بن عَبْد الله وجوير وكلاهما ضعيف.
(2)
انظر: الصحاح 1/249، والتاج 4/524 (رتت) .
(3)
غير موجود في النسخة الخطية، وهي ضرورية لاستقامة النص.
(4)
انظر: الصحاح 4/1325، والتاج 22/557 (لثغ) .
(5)
انظر: اللسان 1/141 (فأفأ) .
(6)
انظر: الصحاح 5/1878 (تتم) .
إِصْلَاحِهِ فَهُوَ كَالأُمِّيِّ، وإِنْ قَدِرَ عَلَى إصْلَاحِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ فَصَلَاتُهُ وَصَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ بَاطِلَةٌ. وَإنْ كَانَ في غَيْرِ الفَاتِحَةِ لَمْ تَبْطُلْ إذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ.
ويَصِحُّ ائْتِمَامُ المُتَوَضِّيءِ بالمُتَيَمِّمِ، ولَا يَصِحُّ ائْتِمَامُ مَنْ لَا سَلَسَ (1) بِهِ بِمَنْ بِهِ سَلَسٌ، ولَا القَادِرِ عَلَى الرُّكُوعِ والسُّجُودِ بالمُوْمِيءِ، ولَا القَادِرِ عَلَى القِيَامِ بالعَاجِزِ عَنْهُ، إلَاّ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ إذَا مَرِضَ إمَامُ الحَيِّ، وكَانَ مَرَضُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ، وإِذَا ابْتَدَأَ بِهِمْ إِمَامُ الحَيِّ الصَّلَاةَ جَالِساً صَلَّوا خَلْفَهُ جُلُوساً (2) نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ صَلَّوا قِيَاماً صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ، وَقِيْلَ: لَا تَصِحُّ. وإِنْ تَأَخَّرَ الإِمَامُ انْتَظَرُوا وَرُوْسِلَ إلَاّ أنْ يُخَافَ خُرُوجُ الوَقْتِ.
بَابُ مَوْقِفِ الإِمَامِ والمَأْمُوْمِ
(1) شيء سلس: أي سهل، وفلان سَلِسُ البول، إذا كَانَ يستمسكه. الصحاح 3/938 (سلس) .
(2)
لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به
…
وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعون)) . أخرجه
عَبْد الرزاق (2909) ، والحميدي (1189) ، وأحمد 3/110 و 162، وعبد بن حميد (1161) ، وابن ماجه ماجه (876) و (1238) ، والترمذي (361) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/238، والبيهقي 2/96 و 97 من حديث أنس بن مالك.
السُّنَّةُ أنْ يَقِفَ المَأْمُوْمُوْنَ خَلْفَ الإِمَامِ، فَإِنْ وَقَفُوا قُدَّامَهُ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُمْ، فَإِنْ كَانَ المَأْمُومُ وَاحِداً وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِهِ، فَإِنْ وَقَفَ عَنْ يَسَارِهِ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ. وإِذَا كَبَّرَ عَنْ يَمِيْنِهِ وَجَاءَ آخَرُ فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَعَهُ، ويَخْرُجَانِ وَرَاءَ الإِمَامِ، فَإِنْ كَبَّرَ الثَّانِي عَنْ يَسَارِهِ أَخْرَجَهُمَا بِيَدَيْهِ إلى وَرَائِهِ، ولَا يَتَقَدَّمُ الإِمَامُ عَنْ مَوْضِعِهِ إلَاّ أَنْ يَكُوْنَ وَرَاءهُ ضَيِّقاً. وَإِذَا أَمَّ امْرَأَةً كَانَتْ خَلْفَهُ، فَإِنْ حَضَرَ مَعَهُمَا خَنَاثَى كَانُوا خَلْفَهُ والمَرْأَةُ خَلْفَهُمْ. فَإِنِ اجْتَمَعَ رِجَالٌ وصِبْيَانٌ وخَنَاثَى، يُقَدَّمُ الرِّجَالُ ثُمَّ الصِّبْيَانُ ثُمَّ الخَنَاثَى ثُمَّ النِّسَاءُ. وَإِذَا خَافَ الرَّجُلُ فَوَاتَ الرَّكْعَةِ مَعَ الإِمَامِ فَكَبَّرَ فَذّاً خَلْفَ الصَّفِّ وصَلَّى رَكْعَةً كَامِلَةً لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وإِنْ كَبَّرَ وَقَرَأَ ثُمَّ دَخَلَ في الصَّفِّ، أو جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَ مَعَهُ قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ الإِمَامُ مِنَ الرُّكُوعِ صَحَّتْ صَلَاتُهُ (1) .
(1) انظر: مسائل أبي داود للإمام أحمد: 35.
وإنْ كَانَ الإِمَامُ قَدْ رَفَعَ مِنَ الرُّكُوعِ وَلَمَّا يَسْجُدْ فَصَلَاتُهُ تَصِحُّ أيْضاً. وعَنْهُ: إنْ كَانَ عَالِماً بالنَّهْيِ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِغَيْرِ غَرَضٍ ولَا خَشِيَ الفَوَاتَ لَمْ تَنْعَقِدْ صَلَاتُهُ، وَقِيْلَ: تَنْعَقِدُ (1) . / 39 ظ / وإِذَا حَضَرَ فَوَجَدَ في الصَّفِّ فُرْجَةً دَخَلَ فِيْهَا، وإِنْ لَمْ يَجِدْ وَقَفَ عَنْ يَمِيْنِ الإِمَامِ، وَلَمْ يُسْتَحَبَّ أنْ يَجْذِبَ رَجُلاً فَيَقُومَ مَعَهُ صَفّاً، فَإِنْ وَقَفَ إلى جَنْبِ كَافِرٍ أو مُحْدِثٍ يَعْلَمُ بِحَدَثِهِ، أو امْرَأَةٍ أو صَبِيٍّ فَهُوَ فَذٌّ، وعَنْهُ في الصَّبِيِّ: أنَّهُ يَكُوْنُ صَفّاً مَعَهُ في النَّافِلَةِ فَقَطْ. وَإِذَا وَقَفَتْ المَرْأَةُ في صَفِّ الرِّجَالِ كُرِهَ وَلَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهَا ولَا صَلَاةُ مَنْ يَلِيْهَا. وَقَالَ أبو بَكْرٍ (2) : تَبْطُلُ صَلَاةُ مَنْ يَلِيْهَا (3) .
وإِذَا صَلَّى في المَسْجِدِ مَأْمُوْماً وَهُوَ لَا يَرَى الإِمَامَ ولَا مَنْ وَرَاءهُ غَيْرَ أنَّهُ يَسْمَعُ التَّكْبِيْرَ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ، وعَنْهُ: أنَّهَا تَصِحُّ (4)
(1) انظر: شرح الزركشي عَلَى مَتْن الخرقي 1/419 و 421.
(2)
هُوَ الإمام أبو بكر أحمد بن هارون الخلال، له تصانيف كثيرة الجامعة لعلوم الإمام أحمد، توفي سنة (311 هـ)، ودفن رحمه الله عِنْدَ رجلي أحمد رحمه الله. مختصر طبقات الحنابلة:28.
(3)
قلنا: ورد عن السيدة عَائِشَة أنها قالت: ((كَانَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم يصلي صلاته من الليل، وأنا عَنْ يمينه وعن شماله مضطجعة)) . والحديث أخرجه أحمد 6/95 و146، وأبو يعلى (4891) . فكون المرأة عن يمين وشمال المصلي لا تبطل صلاته، فالوقت بجنب المصلي أولى بِذَلِكَ.
(4)
وعنه روايتان أخريان:
أحدهما: تصح في المسجد ولا تصح في غيره، وهي اختبار القاضي.
الثانية: يصح ذلك في التطوع دون الفريضة. حكاها ابن حامد. انظر: شرح الزركشي 1/410.
وَإِذَا صَلَّى خَارِجَ المَسْجِدِ وَهُوَ يَرَى مَنْ وَرَاءَ الإِمَامِ ولَيْسَ بَيْنَهُمَا طَرِيْقٌ، أو بَيْنَهُمَا طَرِيْقٌ والصُّفُوفُ مُتَّصِلَةٌ صَحَّتِ الصَّلَاةُ. فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ يَمْنَعُهُ مِنْ رُؤْيَةِ المَأْمُوْمِيْنَ أو طَرِيْقٌ أو نَهْرٌ تَجْرِي فِيْهِ السُّفُنُ لَمْ يَصِحَّ أنْ يَأْتَمَّ بِهِ. ويُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَكُوْنَ أَعْلَى مِنَ المَأْمُوْمِيْنَ سَوَاءٌ أَرَادَ تَعْلِيْمَهُمُ الصَّلَاةَ (1)
(1) إذا أراد تعليمهم فَلَا بأس بذلك لما رواه سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عَلَى المنبر، والناس وراءه، فجعل يصلي عليه ويركع، ثُمَّ يرجع إلى القهقري فيسجد عَلَى الأرض، ثُمَّ يعود إلى المنبر، فلما فرغ أقبل عَلَى الناس، فَقَالَ:((إنما صنعت هَذَا ليأتموا بي ولتعلموا صلاتي)) . والحديث أخرجه أحمد 5/339، والبخاري 2/397 (917) ومسلم 1/386 (44)(544) ، وأبو داود (1080) ، وابن ماجه (1416) ، والنسائي 2/57، والبيهقي 3/108.
لكن إذا كَانَ لعدم التعليم فإنه يكره، ولذلك عندما قام عمار يصلي في المدائن عَلَى دكان، والناس تصلي أسفل منه تقدم إليه حذيفة وأنزله، فلما فرغ عمار من الصَّلَاة، قَالَ لَهُ حذيفة: ألم تسمع رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم يَقُوْل: ((إذا أمَّ الرجلُ القومَ فَلَا يقوم في مقام أرفع من مقامهم)) . الحديث أخرجه أبو داود (598) ، والبيهقي 3/109.
أو لَمْ يُرِدْ، فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: تَبْطُلُ الصَّلَاةُ. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَبْطُلُ. ولَا يُسْتَحَبُّ للإِمَامِ أنْ يَقِفَ في طَاقِ القِبْلَةِ إلَاّ أنْ يَكُوْنَ المَسْجِدُ ضَيِّقاً، ولَا يُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَقِفَ بَيْنَ السَّوَارِي (1) ، ويُكْرَهُ لِلْمَأْمُوْمِيْنَ؛ لأنَّهَا تَقْطَعُ صُفُوْفَهُمْ (2) . ويُكْرَهُ لِلإِمَامِ أنْ يَتَطَوَّعَ مَوْضِعَ صَلَاتِهِ المَكْتُوْبَةِ، ولَا يُكْرَهُ لِلْمَأْمُومِيْنَ. وَإِذَا صَلَّتِ امْرَأَةٌ بِنِسَاءٍ قَامَتْ وسَطَهُنَّ في الصَّفِّ، وكَذَلِكَ إمَامُ الرِّجَالِ العُرَاةِ يَكُوْنُ في وسَطِهِمْ.
بَابُ الأَعْذَارِ الَّتِي يَجُوْزُ مَعَهَا تَرْكُ الجُمُعَةِ أو الجَمَاعَةِ
(1) جمع سارية، وَهِيَ الإسطوانة العمودية الَّتِي يستند عليها السقف. انظر: الصحاح 6/2376 (سرا) .
(2)
رَوَى معاوية بن قرة، عن أبيه، وانه قَالَ:((كنا ننهى أن نصفّ بَيْنَ السواري، عَلَى عهد رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، ونطرد عَنْهَا طرداً)) .
والحديث أخرجه الطيالسي (1073) ، وابن ماجه (1002) ، وابن خزيمة (1567) ، والطبراني 19/ (39) و (40) ، والحاكم 1/218، وانظر: الهادي: 30.
ويُعْذَرُ في تَرْكِ الجُمُعَةِ والجَمَاعَةِ المَرِيْضُ، ومَنْ لَهُ مَالٌ يَخَافُ ضَيَاعَهُ، أو قَرِيْبٌ يَخَافُ مَوْتَهُ، ومَنْ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ أو أَحَدَهُمَا، ومَنْ يَحْضُرُ الطَّعَامَ وبِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ سُلْطَانٍ يَأْخُذُهُ، أو غَرِيْمٍ (1) يُلَازِمُهُ ولَا شَيْءَ مَعَهُ يُعْطِيْهِ، والمُسَافِرُ إِذَا خَافَ فَوَاتَ القَافِلَةِ، ومَنْ يَخَافُ ضَرَراً في مَالِهِ أو يَرْجُو وُجُوْدَهُ، ومَنْ يَخَافُ مِنْ غَلَبَةِ النُّعَاسِ حَتَّى يَفُوْتَ الوَقْتُ، ومَنْ يَخَافُ التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ والرِّيْحِ الشَّدِيْدَةِ في اللَّيْلَةِ المُظْلِمَةِ البَارِدَةِ / 40 و /.
بَابُ صَلَاةِ المَرِيْضِ (2)
(1) غريم: تطلق عَلَى الَّذِي عليه الدين، أيضاً عَلَى الَّذِي لَهُ دين. وأطلقه هنا عَلَى الَّذِي لَهُ دين. انظر: الصحاح 5/1996 (غرم) .
(2)
في هَذَا الباب بَيَان كيفية صلاة المريض، وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم فِيْمَا رواه وائل بن حجر أنه قَالَ:((رأيت النبي صلى الله عليه وسلم صلى جالساً عَلَى يمينه وَهُوَ وجع)) . أخرجه ابن ماجه (1244) .
وورد عَنْ عمران بن حصين أنه قَالَ: ((كَانَ بي الناصور، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن الصَّلَاة فَقَالَ: ((صلِّ قائماً، فإن لَمْ تستطع فقاعداً، فإن لَمْ تستطع فعلى جَنب)) . أخرجه أحمد 4/426، والبخاري 2/60، وأبو داود (952) ، وابن ماجه (1223) ، والترمذي (372) ، وابن خزيمة (979) و (1250) ، والدارقطني 1/380، والبيهقي 2/304، وانظر: المغني 2/86 – 89.
وَإِذَا عَجَزَ المَرِيْضُ عَنِ الصَّلَاةِ قَائِماً صَلَّى قَاعِداً مُتَرَبِّعاً ويَثْنِي رِجْلَيْهِ في حَالِ سُجُوْدِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ القُعُودِ صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ بِوَجْهِهِ، فَإِنْ صَلَّى مُسْتَلْقِياً عَلَى ظَهْرِهِ، ووَجْهُهُ وَرِجْلَاهُ إلى القِبْلَةِ جَازَ، وكَانَ تَارِكاً للاسْتِحْبَابِ، ويُومِئُ بالرُّكُوْعِ والسُّجُودِ ويَكُونُ سُجُوْدُهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوْعِهِ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ أَوْمَأَ بِطَرَفِهِ ونَوَى بِقَلْبِهِ.
ولَا تَسْقُطُ عَنْهُ الصَّلَاةُ مَا دَامَ عَقْلُهُ ثَابِتاً، فَإِنْ قَدِرَ عَلَى القِيَامِ في أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ أو عَلَى القُعُودِ انْتَقَلَ إِلَيْهِ وأَتَمَّ صَلَاتَهُ. فَإِنْ قَدِرَ عَلَى القِيَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الرُّكُوعِ والسُّجُودِ صَلَّى قَائِماً وَأَوْمَأَ بالرُّكُوْعِ وجَلَسَ فَأَوْمَأَ بالسُّجُوْدِ. فَإِنْ كَانَ بِهِ مَرَضٌ، فَقَالَ ثِقَاتٌ مِن العُلَمَاءِ بالطِّبِّ: إنْ صَلَّيْتَ مُسْتَلْقِياً أَمْكَنَ مُدَاوَاتُكَ جَازَ لَهُ ذَلِكَ (1) .
(1) وَقَدْ نقل عَنْ بَعْض الصَّحَابَة رضي الله عنهم المنع، من ذَلِكَ ما روي عَن ابن عَبَّاسٍ أنه لَمَّا كُفَّ بصره أتاه رجل فَقَالَ لَهُ:((إنك إن صبرت لي سبعاً لَمْ تصلِّ إلا مستلقياً تومئ إيماءً داويتك فبرأت إن شاء الله تَعَالَى، فأرسل إلى عَائِشَة وأبي هُرَيْرَةَ وغيرهما من أصحاب مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم كلٌّ يَقُوْل: رأيت إن متَّ في هَذَا السبع كيف تصنع بالصلاة فترك عينه وَلَمْ يداوها)) . أخرجه الحَاكِم 3/545، وبنحوه البيهقي 2/309.
ولَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ في السَّفِيْنَةِ (1) جَالِساً وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى القِيَامِ. وتَجُوزُ صَلَاةُ الفَرْضِ عَلَى الرَّاحِلَةِ؛ لأَجْلِ التَّأَذِّي بالمَطَرِ والوَحْلِ، وَهَلْ تَجُوْزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا لأَجْلِ المَرَضِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (2) .
بَابُ صَلَاةِ المُسَافِرِ
وَإِذَا سَافَرَ سَفَراً يَبْلُغُ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخاً (3)
(1) الصَّلَاة في السفينة مَعَ القدرة عَلَى الخروج مختلف فِيْهَا فقد نقل عَبْد الله: إذا لَمْ يمكنهم الخروج صلوا في السفينة، فأما إن كَانَ يمكنهم الخروج خرجوا حَتَّى يصلوا عَلَى الأرض، فظاهر هَذَا منع الصَّلَاة فِيْهَا؛ لأنها ليست حال استقرار أشبه بالراحلة. ونقل أبو الحارث وألأثرم وغيرهما جواز الصَّلَاة فِيْهَا مَعَ القدرة عَلَى الخروج؛ لأنَّهُ يتمكن في العادة من القيام والركوع والسجود فأشبه إذا كانت واقفه عَلَى الأرض. الروايتين والوجهين 30 / أ.
(2)
انظر: الروايتين والوجهين 30/ ب.
(3)
الفرسخ: ثلاثة أميال هاشمية. انظر: الصحاح 5/1823 (ميل) ، وتاج العروس 7/317 (فرسخ) . وهذه المسألة كوطن نزاع واختلاف بين الفقهاء، وقد أشبعها بحثاً محقق " التهذيب في الفقه الشافعي ". فانظره 2/289 فما بعدها.
والفرسخ يعادل (5540) متراً، وعليه فمسافة القصر (88640) متراً، أي:(88.64) كيلو متراً. انظر: تعليق الأستاذ مُحَمَّد الخاروف على كتاب ابن رفعة "الإيضاح والتبيان في معرفة المكيال والميزان":77.
- ثَمَانِيَةً وأَرْبَعِيْنَ مِيْلاً بالهَاشِمِيِّ – في غَيْرِ مَعْصِيَةٍ، فَلَهُ أنْ يَقْصُرَ الرُّبَاعِيَّةَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ إِذَا فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ أو خِيَامَ قَوْمِهِ. والقَصْرُ أَفْضَلُ مِنَ الإِتْمَامِ (1) .
(1) لقوله صلى الله عليه وسلم: ((صدقة تصدّق الله بِهَا عليكم فاقبلوا صدقته)) . والحديث أخرجه أحمد 1/36، والدارمي (1513) ، ومسلم 1/478، وأبو داود (1199) ، وابن ماجه (1065) ، والترمذي (3034) ، والبيهقي 3/134، والنحاس في الناسخ والمنسوخ:161.
ولقوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما –: ((إن الله يجب أن نؤتى رخصه كَمَا يكره أن تؤتى معصيته)) . رَوَاهُ أحمد 2/108، وابن خزيمة (950) و (2027) ، والبزار (988 كشف الأستار) ، والبيهقي في السنن 3/140 وفي الشعب (3890) ، والخطيب في تاريخه 10/347.