المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وإِذَا كَانَ لِمَقْصَدِهِ طَرِيْقَانِ يَقْصُرُ في أَحَدِهِمَا ولَا يَقْصُرُ في - من بحوث ماهر الفحل - جـ ٢١

[ماهر الفحل]

فهرس الكتاب

وإِذَا كَانَ لِمَقْصَدِهِ طَرِيْقَانِ يَقْصُرُ في أَحَدِهِمَا ولَا يَقْصُرُ في الآخَرِ، فَمَتَى اخْتَارَ الأَبْعَدَ قَصَرَ. وإِذَا أَحْرَمَ في الحَضَرِ، ثُمَّ سَافَرَ أو أحْرَمَ في السَّفَرِ، ثُمَّ أَقَامَ أو ائْتَمَّ بِمُقِيْمٍ أو بِمَنْ يَشَكُّ، هَلْ هُوَ مُقِيْمٌ أو مُسَافِرٌ، أو لَمْ يَنْوِ القَصْرَ لَزِمَهُ أنْ يُتِمَّ. وإِذَا نَسِيَ صَلَاةَ سَفَرٍ فَذَكَرَهَا في الحَضَرِ، أو صَلاةَ حَضَرٍ فَذَكَرَهَا في السَّفَرِ أو ائْتَمَّ بِمُقِيْمٍ فَفَسَدَتِ الصَّلَاةُ وَأَرَادَ إِعَادَتَهَا وَحْدَهُ، أو سَافَرَ بَعْدَهُ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لَمْ يَجُزْ لَهُ القَصْرُ في جَمِيْعِ ذَلِكَ. فَإِنْ نَسِيَ صَلَاةً في سَفَرٍ فَذَكَرَهَا في سَفَرٍ آخَرَ جَازَ لَهُ القَصْرُ، ويُحْتَمَلُ /41ظ/ أنْ لَا يَجُوْزَ.

وإِذَا نَوَى المُسَافِرُ الإِقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ أَتَمَّ (1)، وَعَنْهُ: إنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ وَعِشْرِيْنَ صَلَاةً أَتَمَّ (2) ، وَإِنْ نَوَى دُوْنَهَا قَصَرَ. وَإِنْ أَقَامَ لِقَضَاءِ حَاجَةٍ وَلَمْ يَنْوِ الإِقَامَةَ قَصَرَ أَبَداً، وَكَذَلِكَ إِذَا حَبَسَهُ السُّلْطَانُ أو عَدُوُّهُ وَهُوَ في سَفَرٍ.

وَالمَلَاّحُ والمُكَارِيُّ (3)

(1) كَمَا نقلها أبو داود وابن إبراهيم في أصح الروايتين. الروايتين والوجهين 30/ أ، وانظر: مسائل أبي داود: 74 - 75، ومسائل إسحاق بن إبراهيم بن هانئ 1/81.

(2)

نقلها عنه عبد الله والأثرم. الروايتين والوجهين 30/ أ، وانظر: مسائل عبد الله 2/395 (556)، وراجع: بدائع الفوائد 4/116 فما بعدها.

(3)

والجمع فيها مكارون: وهو مكري الدواب للمسافرين. المعجم الوسيط: 785 وهو قريب الشبه بسائقي سيارات الأجرة في زماننا. انظر: الصحاح 6/2273، وتاج العروس 10/312 (كري) .

وَقَدْ خطّأ صاحب المغني 2/105 المصنف في عدم جواز الفطر له فقال: ((وهذا غير صحيح؛ لأنَّهُ مسافر مشفوق عَلَيْهِ.

ص: 1

والفَيْجُ (1) ، إذَا كَانُوا يُسَافِرُوْنَ بِأَهْلِيْهِمْ وَلَيْسَ لَهُمْ نِيَّةُ الإِقَامَةِ بِبَلَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُمُ التَّرَخُّصُ.

بَابُ الجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ

يَجُوْزُ الجَمْعُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ، والمَغْرِبِ والعِشَاءِ في السَّفَرِ الطَّوِيْلَ، ولَا يَجُوزُ في القَصْرِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ تَأخِيْرِ الأُوْلَى إلى الثَّانِيَةِ، وبَيْنَ تَقْدِيْمِ الثَّانِيَةِ إلى وَقْتِ الأُوْلَى. والمُسْتَحَبُّ التَّأْخِيْرُ، فَإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ افْتَقَرَ إلى ثَلَاثَةِ شُرُوطٍ:

- أنْ يُقَدِّمَ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا.

- وأَنْ يَنْوِيَ الجَمْعَ عِنْدَ الإِحْرَامِ بالأَوَّلَةِ في أَحَدِ الوَجْهَيْنِ، وفي الآخَرِ يَجُوْزُ أنْ يَنْوِيَ قَبْلَ الفَرَاغِ مِنَ الأوَّلَةِ (2) .

- وألَاّ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا إلَاّ بَقَدْرِ الإِقَامَةِ [وَ](3) الوُضُوْءِ، فَإِنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا سُنَّةَ الصَّلَاةِ بَطَلَ الجَمْعُ في إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وفي الأُخْرَى لَايَبْطُلُ.

(1) الفَيْج: هو المسرع في مشيه الذي يحمل الأخبار من بلد، والجمع: فيوج، وهو فارسي معرّب. انظر: النهاية 3/483، والمحرر 1/133، والصحاح 1/336 (فوج) .

(2)

القول بالنية مَعَ القصر قول الخرقي، أما عدم النية فهو قول أبي بكر الخلال. انظر: الروايتين والوجهين 31/ أ، والمغني 2/150.

(3)

في النسخة الخطية: ((في)) ، ولا يستقيم بِهَا السياق، والصواب ما أثبتناه نص عليه في: المحرر 1/135، والمبدع 2/121، ودليل الطالب: 51، ومنار السبيل 1/134، والإنصاف 2/342.

ص: 2

وإِنْ أَرَادَ الجَمْعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ كَفَاهُ نِيَّةُ الجَمْعِ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ إلى أنْ يَبْقَى مِنْهُ قَدْرُ مَا يُصَلِّيْهَا والتَّرْتِيْبُ. وهَلْ يُشْتَرَطُ ألَاّ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: ألَاّ يُشْتَرَطَ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لَا يَفْتَقِرُ الجَمْعُ والقَصْرُ إلى أنْ يَنْوِيَهُمَا.

ويَجُوزُ لِلْمُقِيْمِ الجَمْعُ لأَجْلِ المَرَضِ كَمَا يَجُوزُ لأَجْلِ السَّفَرِ. فَأَمَّا الجَمْعُ لأَجْلِ المَطَرِ فَيَجُوْزُ بَيْنَ المَغْرِبِ والعِشَاءِ، ولَا يَجُوْزُ بَيْنَ الظُّهْرِ والعَصْرِ (1) في قَوْلِ أبي بَكْرٍ وابْنِ حَامِدٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا أبو يَعْلَى: يَجُوْزُ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيْحُ عِنْدِي (2) .

(1) نقل صاحب المغني 2/117 عَنْ الأثرم أنه قال: ((قيل لأبي عَبْد الله الجمع بين الظهر والعصر في المصر، قَالَ: لا ما سمعت)) .

(2)

وهو الصواب – إن شاء الله تَعَالَى – للحديث الذي رواه ابن عباس قَالَ: ((جمع رَسُوْل الله بَيْنَ الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غَيْر خوف ولا مطر. فقيل لابن عباس: ما أراد بذلك؟ قَالَ: أراد أن لا يحرج أمته)) .

والحديث أخرجه الشافعي 1/118 – 119، والطيالسي (2614) ، وعبد الرزاق (4435) ، والحميدي (471) ، وأحمد 1/283 و349 و354، ومسلم 2/151 و152، وأبو داود (1210) و (1211) ، والترمذي (187) ، والنسائي 1/290، وابن خزيمة (971) و (972) .

فالحديث فيه جواز الجمع بين الظهر والعصر من غَيْر مطر، فوجود المطر أولى بالجمع، والله أعلم.

وانظر: الشرح الكبير 2/117.

ص: 3

فَإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الأَوَّلَةِ اعْتُبِرَ أَنْ يَكُونَ المَطَرُ مَوْجُوْداً عِنْدَ افْتِتَاحِ الأَوَّلَةِ، وعِنْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا وافْتِتَاحِ الثَّانِيَةِ، وإِنْ جَمَعَ في وَقْتِ الثَّانِيَةِ جَمَعَ سَوَاءٌ كَانَ المَطَرُ قَائِماً أو قَدِ انْقَطَعَ. وهَذَا إِذَا كَانَ يُصَلِّي في مَوْضِعٍ يُصِيْبُهُ المَطَرُ وكَانَ المَطَرُ مِمَّا /42 و/ يَبِلُّ الثِّيَابِ، فَأَمَّا إِنْ كَانَ يُصَلِّي في بَيْتِهِ أو في مَسْجِدٍ يَخْرُجُ إِليْهِ تَحْتَ سَابَاطٍ (1) أو مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، أو لَمْ يَكُنْ مَطَرٌ ولَكِنْ وَحْلٌ أو رِيْحٌ شَدِيْدَةٌ بَارِدَةٌ، فَهَلْ يَجُوْزُ الجَمْعُ أمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) .

بَابُ صَلَاةِ الخَوْفِ (3)

تَجُوزُ صَلَاةُ الخَوْفِ عَلَى الصِفَةِ الَّتِي [صَلَاّهَا رَسُوْلُ اللهِ](4) صلى الله عليه وسلم بِذَاتِ

الرِّقَاعِ (5)، بِأَرْبَعَةِ شَرَائِطَ:

- أنْ يَكُونَ العَدُوُّ مُبَاحَ القِتَالِ.

(1) الساباط: هِيَ سقيفة بَيْنَ حائطين تحتها طريق، والجمع سوابيط وسابطات. انظر: الصحاح 3/1129، وتاج العروس 19/332 (سبط) .

(2)

انظر: المغني 2/118، والشرح الكبير 2/118.

(3)

قَالَ الله تَعَالَى: {وإذَا كُنْتَ فِيْهِمْ فَأقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ

الآية} . النساء: 102.

هَذِهِ الآية تشريع لصلاة الخوف.

(4)

ما بين المعكوفين ليس في النسخة الخطية، زدناها من الكافي 1/207، وهي ضرورية لاستقامة النص.

(5)

الرِّقاع – بكسر أوله وآخره عين مهملة، وهي اسم غزوة للنبي r غزاها، قيل: هي اسم شجرة في ذلك الموضع، وقيل: ذات الرِّقاع جبل فيه سواد وبياض وحمرة، وقيل: سميت بهذا الاسم؛ لأن أقدامهم نقبت من المشي فلفوا عَلَيْهَا الخرق. انظر: مراصد الاطلاع 2/624 – 625، وتاج العروس 21/115 – 116 (رقع) .

ص: 4

- ويَكُوْنَ في غَيْرِ جِهَةِ القِبْلَةِ.

- وألَاّ يُؤْمَنَ هُجُومُهُ.

- ويَكُوْنَ مِنَ المُصَلِّيْنَ كَثْرَةً يُمْكِنُ تَفَرُّقُهُمْ طَائِفَتَيْنِ، كُلُّ طَائِفَةٍ ثَلَاثَةٌ (1) أَو أَكْثَرُ، تُجْعَلُ طَائِفَةٌ بِإِزَاءِ العَدُوِّ، وطَائِفَةٌ تُصَلِّي خَلْفَهُ، فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً، فَإِذَا قَامَ إلى الثَّانِيَةِ نَوَتْ مُفَارَقَتَهُ وأَتَمَّتْ لأَنْفُسِهَا بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ بِالْحَمْدِ وبِسُوْرَةٍ، ثُمَّ تَمْضِي إلى وَجْهِ العَدُوِّ، وتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَتُصَلِّي مَعَهُ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ، وتَجْلِسُ، وتَقُومُ هِيَ فَتُصَلِّي رَكْعَةً ثَانِيَةً وتَجْلِسُ، فَيَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ بِهِمْ، ويَقْرَأُ ويَتَشَهَّدُ في حَالِ الانْتِظَارِ ويُطِيْلُ حَتَّى يُدْرِكُوهُ.

فَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ مَغْرِباً صَلَّى بالأُوْلَى رَكْعَتَيْنِ وبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً، وهَلْ تُفَارِقُهُ الطَّائِفَةُ الأُوْلَى في التَّشَهُّدِ الأَوَّلِ أو حِيْنَ يَقُومُ إلى الثَّالِثَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ (2) .

فَإِنْ كَانَتِ الصَّلَاةُ رُبَاعِيَّةً صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ فَرَّقَهُمْ أَرْبَعَ فِرَقٍ، فَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً، فَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: لَا تَصِحُّ صَلَاةُ الإِمَامِ، وتَصِحُّ صَلَاةُ الفِرْقَةِ الأُوْلَى والثَّانِيَةِ، وتَبْطُلُ صَلَاةُ الثَّالِثَةِ والرَّابِعَةِ إِنْ عَلِمَتَا بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ.

(1) في النسخة المعتمدة: ((ثلاثة آلاف)) . وكلمة ((آلاف)) مقحمة من الناسخ، فكل من نقل عن المصنف اقتصر عَلَى لفظ:((ثلاثة)) . وانظر: المغني 2/261، وشرح الزركشي 1/495.

(2)

انظر: شرح الزركشي 1/492، والمقنع:40.

ص: 5

وإِنْ كَانَ العَدُوُّ في جِهَةِ القِبْلَةِ، وهُمْ بِحَيْثُ لَا يَخْفَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَا يَخَافُ كَمِيْناً لَهُمْ وفي المُسْلِمِيْنَ كَثْرَةٌ جَازَ أنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِعُسْفَانَ (1)، وَصِفَتُهَا:[أَنْ](2) يُوْقِفَهُمْ خَلْفَهُ صَفَّيْنِ فَصَاعِداً ويُحْرِمُ بِهِمْ أَجْمَعِيْنَ، ويُصَلِّي الأَوَّلَةَ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ فِيْهَا سَجَدُوا كُلُّهُمْ إلَاّ الصَّفَّ الأوَّلَ الَّذِي يَلِيْهِ، فَإِنَّهُ يَقِفُ فَيَحْرُسَهُمْ /43ظ/ فَإِذَا قَامُوا (3) إلى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ سَجَدَ الَّذِيْنَ حَرَسُوا وَلَحِقُوا بِهِ فَصَلُّوا أَجْمَعِيْنَ، فَإِذَا سَجَدَ في الثَّانِيَةِ حَرَسَ الصَّفَّ الَّذِي سَجَدَ مَعَهُ في الرَّكْعَةِ الأُوْلَى، فَإِذَا جَلَسَ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي حَرَسَ ثُمَّ لَحِقُوهُ فَيَتَشَهَّدُ بالجَمِيْعِ ويُسَلِّمُ. فَإِنْ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الأَوَّلُ إلى مَوْضِعِ الثَّانِي وتَقَدَّمَ الثَّانِي إلى مَوْضِعِ الأَوَّلِ فَحَرَسَ في الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَلَا بَأْسَ.

(1) وذلك عام الحديبية سنة ست من الهجرة.

والحديث أخرجه الطيالسي (1347) ، وأحمد 4/59 – 60، وأبو داود (1236) ، والنسائي 3/176 و 177، والدولابي في الكنى والأسماء 1/47، وابن الجارود (232) ، والطحاوي في شرح الآثار 1/318، وابن حبان (2875) ط الرسالة (2871) ط الفكر، والدارقطني 2/59، والحاكم 1/337 – 338، والبيهقي 3/254، وشرح السنة (1096) من حديث أبي عياش الزرقي.

(2)

في النسخة الخطية: ((أو)) ، ولا يستقيم بِهَا المعنى.

(3)

في النسخة المعتمدة: ((أقاموا)) ، بزيادة ألف وليست بشيء.

ص: 6

وإِنْ صَلَّى كَمَذْهَبِ النُّعْمَانِ (1) ، وَهُوَ أنْ يُصَلِّيَ بِأَحَدِ الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً ثُمَّ تَنْصَرِفُ وتَجِيءُ الأُخْرَى فَتُحْرِمُ مَعَهُ فَيُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً ويَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ، ولَا تُسَلِّمُ الطَّائِفَةُ مَعَهُ بَلْ تَرْجِعُ إلى وَجْهِ العَدُوِّ ثُمَّ تَجِيءُ الأُوْلَى فَتَقْضِي مَا بَقِيَ مِنْ صَلَاتِهَا وتُسَلِّمُ وتَمْضِي، وتَجِيءُ الأُخْرَى فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا (2) ، فَقَدْ تَرَكَ الفَضِيْلَةَ وتَصِحُّ الصَّلَاةُ.

ولَا يَجِبُ حَمْلُ السِّلَاحِ في صَّلَاةِ الخَوْفِ، ويُسْتَحَبُّ مِنْهُ ما يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ كَالسَّيْفِ والسِّكِّيْنِ، ويُكْرَهُ مَا يُثْقِلُهُ كَالجَوْشَنِ (3) : وَهُوَ التَّنُّورُ الحَدِيْدُ، والمِغْفَرِ (4) : وَهُوَ مَا يُغَطِّي الوَجْهَ؛ لأنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ إِكْمَالِ الرُّكُوعِ والسُّجُودِ.

وإِذَا اشْتَدَّ الخَوْفُ والْتَحَمَ القِتَالُ صَلُّوا رِجَالاً (5)

(1) هُوَ الإمام، عالم العراق، أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي، ولد سنة (80 هـ) ، توفي شهيداً مسقياً سنة (150 هـ)، وعليه اليوم قيمة عظيمة ومشهد فاخر ببغداد. انظر: تاريخ بغداد 13/323 والعبر 1/314 وسير أعلام النبلاء 6/390.

(2)

انظر: المبسوط 2/46، وبدائع الصنائع 1/243، وتبيين الحقائق 1/232.

(3)

درع مصنوع من الحديد يلبس أثناء الحركة عَلَى الصدر. انظر: الصحاح 5/2092، واللسان 13/88 (جشن) .

(4)

غطاء يوضع عَلَى الرأس لحمايته. انظر: الصحاح 2/771، وتاج العروس 13/248 (غفر) .

(5)

أي: مشاة عَلَى أرجلهم.

ص: 7

ورُكْبَاناً إلى القِبْلَةِ وغَيْرِ القِبْلَةِ إيْمَاءً وغَيْرَ إِيْمَاءٍ عَلَى قَدْرِ طَاقَتِهِمْ، وهَلْ يَجِبُ أَنْ يَفْتَتِحُوا الصَّلَاةَ مُتَوَجِّهِيْنَ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ، أَصَحُّهُمَا: لَا يَجِبُ. فَإِنِ احْتَاجُوا إلى الضَّرْبِ والطَّعْنِ والكَرِّ والفَرِّ فَعَلُوا، ولَا إِعَادَةَ عَلَيْهِمْ، ولَا يُأَخِّرُونَ الصَّلَاةَ. فَإِنْ أَمِنُوا – وهُمْ رُكْبَانٌ – نَزَلُوا فَبَنَوا، ويَكُونُ نُزُولُهُمْ مُتَوَجِّهِيْنَ.

وَإِذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ آمِناً فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الخَوْفُ فَرَكِبَ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ويَبْنِي، وَإِذَا رَأَى سَوَاداً فَظَنُّوا عَدُوّاً، فَصَلُّوا صَلَاةَ شِدَّةِ الخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَدُوّاً أَعَادُوا، وكَذَلِكَ إنْ بَانَ أنَّهُ عَدُوٌّ ولَكِنَّهُ بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ خَنْدَقٌ ومَا يَمْنَعُ العُبُورَ.

وَإِذَا هَرَبَ مِنَ العَدُوِّ هَرَباً مُبَاحاً أو خَافَ مِنْ سَيْلٍ أو سَبْعٍ جَازَ لَهُ أنْ يُصَلِّيَ صَلَاةَ شِدَّةِ الخَوْفِ. ويَجُوزُ أنْ يُصَلُّوا في شِدَّةِ الخَوْفِ جَمَاعَةً رِجَالاً ورُكْبَاناً. وإِذَا كَانَ طَالِباً لِلْعَدُوِّ، فَهَلْ يُصَلِّي صَلَاةَ شِدَّةِ الخَوْفِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

بَابُ مَا يَحْرُمُ لِبَاسُهُ وَمَا يُبَاحُ، وغَيْرِ ذَلِكَ

ص: 8

يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ اسْتِعْمَالُ ثِيَابِ الإِبْرِيْسَمِ (1) ومَا كَانَ غَالِبُهُ الإبْرِيْسَمُ في لِبْسِهِ وافْتِرَاشِهِ / 44 و / وغَيْرِ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ اسْتِعْمَالُ المَنْسُوجِ بالذَّهَبِ والمُمَوَّهِ بِهِ (2) ، فَإِنْ كَانَ قَدِ اسْتِحَالَ لَوْنُهُ، فعَلَى وَجْهَيْنِ، فَإِنِ اسْتَوَى الإِبْرِيْسَمُ ومَا يُنْسَجُ مَعَهُ مِنَ القُطْنِ والكَتَّانِ، فَهَلْ يَحْرُمُ اسْتِعْمَالُهُ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

فَإِنْ لَبِسَ الإِبْرِيْسَمَ في الحُرُوبِ فَهُوَ مُبَاحٌ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3) ، سَوَاءٌ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ إِلَيْهِ أوْ لَمْ يَكُنْ، والأُخْرَى لَا يُبَاحُ. [وَ](4) إِذَا لَبِسَهُ لِلْمَرَضِ والحَكَّةِ (5) ، فَهَلْ يُبَاحُ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

(1) وهو نوع من الحرير، أو الخام منه. انظر: معجم مَتْن اللغة 1/272.

(2)

المموه: طلي النسيج بالذهب، يقال: موَّهت الشيء: طليته بفضة أو ذهب. انظر: الصحاح 6/2251 (موه) .

(3)

ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رخّص لعبد الرَّحْمَان بن عوف، والزبير بن العوام في قميص الحرير من حكة كَمَا ثبت بهما.

والحديث أخرجه الطيالسي (1972) ، وأحمد 3/122 و 127 و 180 و 192 و 215 و 252 و255 و 273، والبخاري 4/50 و 7/195، ومسلم 6/143، وأبو داود (4056) ، وابن ماجه (1722) ، والنسائي 8/202، وأبو يعلى (2880) و (3148) ، والبيهقي 3/268، والبغوي (3105) من حديث أنس بن مالك.

(4)

ساقطة من الأصل، وَهِيَ اقتضاء السياق.

(5)

انظر: الروايتين بالوجهين 32/ب.

ص: 9

ولَا يُبَاحُ لُبْسُ المَنْسُوجِ بالذَّهَبِ ولَا مَا فِيْهِ التَّصَاوِيْرُ مِنَ الثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ ضَرُوْرَةٍ إلَيْهَا، ويُبَاحُ لُبْسُ مَا فِيْهِ التَّمَاثِيْلُ غَيْرُ المُصَوَّرَةِ. ولَا يُكْرَهُ حَشْوُ الجِبَابِ والفُرُشِ بالإِبْرِيْسَمِ؛ لأنَّهُ لَيْسَ فِيْهِ خُيَلَاءُ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَحْرُمَ لِعُمُومِ الخَبَرِ. ويُبَاحُ عَمَلُ العَلَمِ الحَرِيْرِ في الثَّوْبِ إِذَا كَانَ أَرْبَعَ أَصَابِعَ فَما دُوْنَ. وَقَالَ أبو بَكْرٍ في " التَّنْبِيْهِ ": يُبَاحُ، وإنْ كَانَ مُذَهَّباً، وكَذَلِكَ الرِّقَاعُ، وكَذَلِكَ لَبَّةُ الجَيْبِ وسُجُفُ الفِرَاءِ، ولَا بَأْسَ بِقَبِيْعَةِ السَّيْفِ الذَّهَبِ.

ويَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ لُبْسُ الخَاتَمِ الذَّهَبِ، ولَا بَأْسَ بالخَاتَمِ الفِضَّةِ، وهَلْ يُبَاحُ لِوَلِيِّ الصَّبِيِّ أَنْ يُلْبِسَ الصَّبِيَّ الحَرِيْرَ أمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ (1) .

ويَجُوزُ أَنْ يُلْبِسَ دَابَّتَهُ الجِلْدَ النَّجِسَ، ويُكْرَهُ لَهُ لُبْسُهُ وافْتِرَاشُهُ، ويُبَاحُ لُبْسُ السَّوَادِ، ويُكْرَهُ لُبْسُ الأَحْمَرِ لِلرَّجُلِ، وهَلْ يُبَاحُ لُبْسُ ثَوْبٍ مِنْ شَعْرٍ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ أَمْ لَا؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

بَابُ صَلَاةِ الجُمُعَةِ

كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ المَكْتُوبَةِ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ إِذَا كَانَ مُسْتَوْطِناً يَسْمَعُ النِّدَاءَ وبَيْنَهُ وبَيْنَ الجَامِعِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ الجُمُعَةِ فَرْسَخٌ إلَاّ المَرْأَةَ والخُنْثَى والعَبْدَ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)

(1) انظر: المغني 1/629.

(2)

اختلف في وجوب الجمعة عَلَى العبد فقط، فقد نقل ابن منصور وصالح: أنه لا جمعة عليه لقوله صلى الله عليه وسلم:

((لا جمعة على عبد)) .

الْحَدِيْث أخرجه أبو داود (1067) ، والدارقطني 2/3، والبيهقي 3/172 من حديث طارق بن شهاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ:((الجمعة حق واجب عَلَى كُلّ مسلم في جَمَاعَة إلا أَربعة: عبد مملوك، أو امرأة أو صبي أو مريض)) .

ونقل المروذي عن الإمام أحمد في عبد سأله: أن مولاه لا يدعه، هل يذهب من غَيْر علمه؟ فَقَالَ:

إذا نودي فَقَدْ وجبت عليك وعلى كُلّ مُسْلِم لقوله تَعَالَى: {إِذَا نُوْدِيَ للصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ

فَاسْعَوا} الجمعة: 9. وهذا عام؛ لأنَّهُ ذَكَرٌ مُقيمٌ صَحِيْح فلزمته الجمعة كالحر. انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 21/ أ.

ص: 10

فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، وهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَهَا وبَيْنَ الظُّهْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ لَا يُصَلُّوا الظُّهْرَ إلَاّ بَعْدَ فَرَاغِ الإِمَامِ مِنْهَا، فَإِنْ تَرَكُوا الفَضِيْلَةَ وصَلُّوا صَحَّتْ ظُهْرُهُمْ (1)، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: لَا تَصِحُّ كَمَا لَوْ صَلَاّهَا مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الجُمُعَةِ (2) .

ولَا يُكْرَهُ لِمَنْ فَاتَتْهُ الجُمُعَةُ أو لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ في

جَمَاعَةٍ، ومَنْ لَزِمَهُ فَرْضُ الجُمُعَةِ لَمْ يَجُزْ أنْ يُسَافِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ، وهَلْ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ، عَلَى رِوَايَاتٍ:

أحَدُهَا: يَجُوزُ.

والثَّانِيَةُ: لَا تَجُوزُ.

والثَّالِثَةُ: تَجُوزُ لِلْجِهَادِ خَاصَّةً (3) .

ويُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ: حُضُورُ أَرْبَعِيْنَ / 45 ظ / نَفْساً مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الجُمُعَةُ، وَعَنْهُ: حُضُورُ خَمْسِيْنَ، وَعَنْهُ: حُضُورُ ثَلَاثَةٍ (4) . فَإِنِ انْفَضُّوا فَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ أو بَقِيَ أَقَلُّ مِنَ العَدَدِ المُعْتَبَرِ فِيْهَا، اسْتَأْنَفَ ظُهْراً.

وأَنْ يَتَقَدَّمَهَا خُطْبَتَانِ، مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهِمَا:

حَمْدُ اللهِ تَعَالَى، والصَّلَاةُ عَلَى رَسُوْلِهِ صلى الله عليه وسلم، وقِرَاءةُ آيَةٍ فَصَاعِداً، والوَصِيَّةُ

بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، وحُضُورُ العَدَدِ المَشْرُوطِ في الجُمُعَةِ.

(1) كَذَا في الأصل، الفعل بتاء التأنيث، ولعله أنث الفعل عَلَى تقدير محذوف، فيكون أصل الكلام:

((صحت صلاة ظهرهم)) .

(2)

وعُلِّلَ ذَلِكَ باحتمال زوال أعذارهم فتجب عليهم، واستبعده الزركشي في شرحه. انظر: المغني 2/198، وشرح الزركشي 1/473.

(3)

انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.

(4)

انظر: الروايتين والوجهين 21/ أ.

ص: 11

ومِنْ سُنَنِهِمَا: الطَّهَارَةُ، وأَنْ يَتَوَلَاّهُمَا مَنْ يَتَوَلَّى الصَّلَاةَ، وَعَنْهُ: إنَّ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِطِهِمَا (1) ، وأَنْ يَكُونَ عَلَى مِنْبَرٍ أوْ مَوْضِعٍ عَالٍ، وأنْ يُسَلِّمَ عَلَى النَّاسِ، إِذَا أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ، ولَا يَجْلِسُ إلى أنْ يَفْرَعَ المُؤَذِّنُونَ مِنْ أَذَانِهِمْ، وأَنْ يَأْتِيَ بِهِمَا قَائِماً. ويَعْتَمِدَ عَلَى سَيْفٍ أو قَوْسٍ أو عَصًا، وأَنْ يَقْصِدَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، وأَنْ يَجْلِسَ بَيْنَهُمَا جَلْسَةً خَفِيْفَةً، وأَنْ يُقَصِّرَ الخُطْبَةَ، ويَدْعُو لِلْمُسْلِمِيْنَ.

(1) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.

ص: 12

ولَا يُشْتَرَطُ في انْعِقَادِ الجُمُعَةِ والعِيْدَيْنِ إِذْنُ الإِمَامِ، وَعَنْهُ: أنَّهُ يُشْتَرَطُ (1) . ومَنْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الجُمُعَةِ لِعُذْرٍ مِنْ مَرَضٍ أو مَطَرٍ ونَحْوِهِ إِذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ وانْعَقَدَتْ بِهِ، ولَا تَنْعَقِدُ بالمُسَافِرِ، ولَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ إِمَاماً فِيْهَا، ولَا كَذَلِكَ العَبْدُ والصَّبِيُّ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ. وتَصِحُّ إِمَامَةُ الجُمُعَةِ في القَرَايا (2) والأَبْنِيَةِ المُتَفَرِّقَةِ إِذَا شَمِلَهَا اسمٌ واحِدٌ، وفِيْمَا قَارَبَ البُنْيَانَ مِنَ الصَّحْرَاءِ. وتَصِحُّ إِمَامَتُهَا في مَوْضِعَيْنِ مِنَ البَلَدِ مَعَ الحَاجَةِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ فالثَّانِيَةُ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ، فَإِنْ وَقَعَتَا مَعاً أو لَمْ يُعْلَمِ الأَوَّلَةَ مِنْهُمَا فَهُمَا بَاطِلَتَانِ، فَإِنْ كَانَ للثَّانِيَةِ مَزِيَّةٌ – لِكَوْنِهَا جُمُعَةَ الإِمَامِ – فهِيَ الصَّحِيْحَةُ، وَقِيْلَ: السَّابِقَةُ الصَّحِيْحَةُ.

ويَجُوزُ فِعْلُ الجُمُعَةِ قَبْلَ الزَّوَالِ في الوَقْتِ الَّذِي تُقَامُ فِيْهِ صَلَاةُ العِيْدِ، وَقَالَ الخِرَقِيُّ: في السَّاعَةِ الخَامِسَةِ (3) ، وإِذَا دَخَلَ في وَقْتِ العَصْرِ وَهُمْ فِيْهَا أَتَمُّوْهَا جُمُعَةً.

(1) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.

(2)

كذا في الأصل، والذي في لسان العرب: أنها جمعٌ مفرده قرية، وهو: عيدان من خشب تصنع عَلَى شكل مخصوص توضع في رأس العمود الَّذِي ينصب عليه الخباء. فلعل المصنف استعاره للدلالة عَلَى الأبنية المتفرقة، من باب ذكر الجزء وإرادة الكل.

(3)

انظر: مختصر الخرقي: 35.

ص: 13

وَصَلَاةُ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ، مِنْ سُنَنِهَا الجَهْرُ بالقِرَاءةِ، وأَنْ يَقْرَأَ بَعْدَ الفَاتِحَةِ في الأُوْلَى سُوْرَةَ الجُمُعَةِ والثَّانِيَةِ بـ:((سَبِّح)) (1) ، وَهُوَ اخْتِيَار أبي بَكْرٍ، ذَكَرَهُ في

" التَّنْبِيْهِ "(2) .

ومَنْ (3) أَدْرَكَ مِنْهَا رَكْعَةً أَتَمَّهَا جُمُعَةً، ومَنْ أَدْرَكَ مِنْهَا دُوْنَ ذَلِكَ أتَمَّهَا

ظُهْراً، وأمَّا الَّذِي يَنْوِي في حَالِ دُخُولِهِ مَعَهُ فَقَالَ الخِرَقِيُّ: ومِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَنْوِيَ

ظُهْراً (4)، وَقَالَ ابنُ شَاقْلَا (5) / 46 و /: يَنْوِي جَمْعُهُ ثُمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا ظُهْراً (6) ، وَإِذَا أَحْرَمَ مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ زُحِمَ عَنِ السُّجُودِ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ إِنْسَانٍ إِنْ أَمْكَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ انْتَظَرَ حَتَّى يَزُوْلَ الزِّحَامُ ثُمَّ يَسْجُدُ إلَاّ أنْ يَخَافَ فَوَاتَ الثَّانِيَةِ، فَإِنَّهُ يُتَابِعُ الإِمَامَ وتَحْصُلُ الثَّانِيَةُ أَوْلَتُهُ ويُتِمُّهَا جُمْعَةً. فَإِنْ ظَنَّ أنَّهُ لَا تَجُوزُ مُتَابَعَتُهُ فَسَجَدَ ثُمَّ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ، إذَا سَلَّمَ الإِمَامُ قَامَ فَأَتَى بِثَانِيَةٍ وسَجَدَ للسَّهْوِ وسَلَّمَ وصَحَّتْ جُمْعَتُهُ، وَعَنْهُ: أنْ يُتِمَّهَا ظُهْراً (7) ، فَإِنْ تَرَكَ مُتَابَعَتَهُ مَعَ عِلْمِهِ أنَّهُ لَا يَجُوزُ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ.

بَابُ مِيَاهُ الجُمُعَةِ

(1) يعني بها: سورة الأعلى.

(2)

ذكره ابن الشطبي في مختصر طبقات الحنابلة: 31.

(3)

مكررة.

(4)

مختصر الخرقي: 34.

(5)

هُوَ الشَّيْخ أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا البغدادي الزار، توفي سنة (369 هـ) . انظر: تاريخ بغداد 6/17، وسير أعلام النبلاء 16/292.

(6)

انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.

(7)

انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.

ص: 14

يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ الجُمُعَةَ أَنْ يَغْتَسِلَ لَهَا، وَقِيْلَ: الغَسْلُ وَاجِبٌ، وَوَقْتُهُ بَعْدَ طُلُوعِ الفَجْرِ، والأَفْضَلُ أَنْ يَفْعَلَهُ عِنْدَ الرَّوَاحِ، ويَتَنَظَّفَ (1) بِأَخْذِ شَعْرِهِ وظُفْرِهِ، وقَطْعِ رَائِحَتِهِ (2) ، ويَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ – وأَفْضَلُهَا البَيَاضُ – ويَتَعَمَّمَ وَيَرْتَدِي ويَتَطَيَّبَ.

ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّبْكِيْرُ، وأنْ يَأْتِيَهَا مَاشِياً وعَلَيْهِ السَّكِيْنَةُ (3) والوَقَارُ، ويَقْرَأُ سُوْرَةَ الكَهْفِ (4) ، ويَدْنُوَ مِنَ الإِمَامِ، ويَتَشَاغَلَ بِذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، وتِلَاوَةِ القُرْآنِ، ويُكْثِرَ مِنَ الصَّلاةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم في يَوْمِهَا وَلَيْلَتِهَا (5)

(1) في الأصل: ((ويتنضف)) .

(2)

وذلك حَتَّى لا يتأذى جاره في الصَّلَاة.

(3)

لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أقيمت الصَّلَاة، فَلَا تأتوها وأنتم تسعون، وَلَكِن ائتوها وأنتم تمشون، وعليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) .

الحديث أخرجه الطيالسي (2350) ، وعبد الرزاق (3405) ، وأحمد 2/239 و 270 و 382 و386، والبخاري 2/9، وفي القراءة خلف الإمام (170) و (171) و (172) و (173) ، ومسلم 2/100، وأبو داود (573) ، والترمذي (327) ، وابن خزيمة (1505) و (1772) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/396، والبيهقي 2/249 من حديث أبي هريرة.

(4)

لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء لَهُ من النور ما بين الجمعتين)) . أخرجه البيهقي 3/249، والحاكم 2/368 من حديث أبي سعيد الخدري.

(5)

لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليَّ من الصَّلَاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ)) .

الحديث أخرجه أحمد 4/8، والدارمي (1580) ، وأبو داود (1047) و (1531) ، والنسائي 3/91، وابن خزيمة (1733) و (1734) ، والحاكم 1/278، والبيهقي 3/248 من حديث أوس بن أوس.

ص: 15

، ويُكْثِرُ الدُّعَاءَ في يَوْمِهَا لَعَلَّهُ أنْ يُصَادِفَ سَاعَةَ الإِجَابَةِ.

وَإِذَا أَتَى المَسْجِدَ كُرِهَ أَنْ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ إلَاّ أَنْ يَكُوْنَ إِمَاماً. فَإِنْ رَأَى بَيْنَ يَدَيْهِ خُرْجَةً جَازَ لَهُ أَنْ يَتَخَطَّى فَيَجْلِسَ فِيْهَا عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (1) . والأُخْرَى: يُكْرَهُ، ولَيْسَ لَهُ أَنْ يُقِيْمَ إِنْسَاناً ويَجْلِسَ مَكَانَهُ، إلَاّ أَنْ يَكُوْنَ قَدْ قَدِمَ صَاحِباً لَهُ لِيَجْلِسَ في مَوْضِعٍ فَيَحْفَظَهُ لَهُ، فَإِنْ بَعَثَ شَيْئاً يُصَلِّي عَلَيْهِ فَفَرَشَهُ في مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِ الجُلُوسُ عَلَيْهِ، وَقِيْلَ: لِغَيْرِهِ أَنْ يَرْفَعَهُ ويَجْلِسَ في المَوْضِعِ، فَإِنْ قَامَ الجَالِسُ مِنْ مَوْضِعِهِ لِعَارِضٍ لَحِقَهُ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ.

وإِذَا حَضَرَ والإِمَامُ يَخْطُبُ لَمْ يُصَلِّ غَيْرَ رَكْعَتَيْنِ خَفِيْفَتَيْنِ تَحِيَّةَ المَسْجِدِ. ويَجْلِسُ فَيُنْصِتُ لِلْخُطْبَةِ إنْ كَانَ يَسْمَعُهَا، ويَذْكُرُ اللهَ تَعَالَى إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهَا. ولَا يَتَكَلَّمُ، فَإِنْ تَكَلَّمَ أَثِمَ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (2)، وفي الأُخْرَى: لَا يَأْثَمُ / 47 ظ / وَلَوْ كَانَ بِحَيْثُ يَسْمَعُ، ولَا يَحْرُمُ الكَلَامُ عَلَى الخَاطِبِ إذَا كَانَ لِمَصْلَحَةٍ، ولَا يُكْرَهُ الكَلَامُ قَبْلَ الشُّرُوعِ في الخُطْبَةِ وبَعْدَ الفَرَاغِ مِنْهَا، وإِذَا وَقَعَ العِيْدُ في يَوْمِ الجُمُعَةِ اسْتُحِبَّ حُضُوْرُهَا، فَإِنِ اجْتَزَى بِحُضُورِ العِيْدِ عَنِ الجُمُعَةِ وصَلَّى ظُهْراً جَازَ. وأقَلُّ السُّنَّةِ بَعْدَ الجُمُعَةِ رَكْعَتَانِ وَأَكْثَرُهَا سِتٌّ.

بَابُ صَلَاةِ العِيْدَيْنِ

(1) انظر: الروايتين والوجهين 21/ ب.

(2)

انظر: الروايتين والوجهين 21 / أ.

ص: 16

صَلَاةِ العِيْدَيْنِ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، فَمَتَى اتَّفَقَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهَا قَاتَلَهُمُ الإِمَامُ.

وأَوَّلُ وَقْتِهَا إِذَا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، وآخِرُهُ إِذَا زَالَتْ. ويُسَنُّ تَقْدِيْمُ الأَضْحَى وتَأْخِيْرُ الفِطْرِ (1) ، وأَنْ يَأْكُلَ قَبْلَ الصَّلَاةِ (2) ، ويُمْسِكَ في الأضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ.

ومِنْ شَرْطِهَا: الاسْتِطَانُ، والعَدَدُ، وإِذْنُ الإِمَامِ، وَعَنْهُ: لَا يُشْتَرَطُ جَمِيْعُ

ذَلِكَ (3) .

ويُسْتَحَبُّ يُبَاكِرَ إِلَيْهَا بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ عَلَى أَحْسَنِ هَيْأَةٍ وأَكْمَلِ زِيْنَةٍ كَمَا ذَكَرْنَا في الجُمُعَةِ؛ إلَاّ أنْ يَكُوْنَ مُعْتَكِفاً فَيَخْرُجُ في ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ، ويَتَأَخَّرُ الإِمَامُ إلى الوَقْتِ الَّذِي يُصَلِّي بِهِمْ.

ويُسْتَحَبُّ إِقَامَتُهَا في الصَّحْرَاءِ، وتُكْرَهُ في الجَامِعِ إلَاّ لِعُذْرٍ ولَا بَأْسَ أَنْ يَحْضُرَهَا النِّسَاءُ، ويَخْرُجُونَ إلَيْهَا مَشَاةً، ويَرْجِعُونَ في طَرِيْقٍ آخَرَ، ويُنَادَى لَهُم: الصَّلَاةُ

جَامِعَةٌ.

ويُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ويُكَبِّرُ في الأُوْلَى بَعْدَ تَكْبِيْرَةِ الإِحْرَامِ وَدُعَاءِ الافْتِتَاحِ،

(1) لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عَمْرو بن حزم: ((أن عجل الأضحى، وأخر الفطر، وذكر الناس)) .

الحديث أخرجه الشافعي في الأم 1/386، والبيهقي 3/282، من طريق إبراهيم بن مُحَمَّد قَالَ: أَخْبَرَنِي أبو الحويرث.

(2)

لما روي عَنْ أنس، قَالَ: كَانَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم لا يغدو يوم الفطر حَتَّى يأكل تمرات، ويأكلهن وتراً)) . أخرجه أحمد 3/126، والبخاري 2/446، وابن ماجه (1754) ، وابن حبان (2814) وغيرهم.

(3)

انظر: الروايتين والوجهين 22/ ب.

ص: 17

وَقِيْلَ: التَّعَوُّذُ، بِسِتِّ تَكْبِيْرَاتٍ، وفي الثَّانِيَةِ بَعْدَ قِيَامِهِ مِنَ السُّجُودِ خَمْسَ تَكْبِيْرَاتٍ (1) ، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ مَعَ كُلِّ تَكْبِيْرَةٍ، ويَقُوْلُ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيْراً، والحَمْدُ للهِ كَثِيْراً، وسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وأَصِيْلاً، وصَلَوَاتُ اللهِ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِهِ وسَلَّمَ تَسْلِيْماً كَثِيْراً.

وإِذَا أَدْرَكَهُ المَأْمُومُ في الرُّكُوعِ أَحْرَمَ وتَبِعَهُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِقَضَاءِ التَّكْبِيْرَاتِ، ويَقْرَأُ في الأُوْلَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ بِـ ((سَبِّح)) ، وفي الثانية بـ ((الغَاشِيَة)) ، وتَكُونُ القِرَاءةُ بَعْدَ التَّكْبِيْرَاتِ في الرَّكْعَتَيْنِ، ورَوَى عَنْهُ المَيْمُونِيُّ: أنَّهُ يُوَالِي بَيْنَ القِرَاءتَيْنِ (2) ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أبي بَكْرٍ، ثُمَّ يَخْطُبُ بِهِمْ خُطْبَتَيْنِ كَخُطْبَتَي الجُمُعَةِ / 48 و / إلَاّ أنَّهُ يَسْتَفْتِحُ الأُوْلَى بِتِسْعِ تَكْبِيْرَاتٍ، وفي الثَّانِيَةِ بِسَبْعِ تَكْبِيْرَاتٍ، فَإِنْ كَانَ فِطْراً بَيَّنَ لَهُمْ زَكَاةَ الفِطْرِ، وإِنْ كَانَ أَضْحَى بَيَّنَ لَهُمْ حُكْمَ الأُضْحِيَةِ.

والخُطْبَتَانِ سُنَّةٌ، ولَا يُسَنُّ التَّطَوُّعُ قَبْلَ صَلَاةِ العِيْدِ ولَا بَعْدَهَا ولَا في مَوْضِعِ صَلَاةِ العِيْدِ.

ومَنْ أَدْرَكَ الإِمَامَ في التَّشَهُّدِ قَامَ إِذَا سَلَّمَ الإِمَامُ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، يَأْتِي فِيْهَا

(1) هَذَا سوى تكبيرة القيام.

(2)

انظر الشرح الكبير 2/242.

ص: 18

بالتَّكْبِيْرِ (1) ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ في الخُطْبَةِ اسْتُحِبَّ لَهُ أنْ يَجْلِسَ فَيَسْتَمِعَ الخُطْبَةَ، فَإِذَا انْقَضَتْ قَضَى صَلَاةً. وفي صِفَةِ القَضَاءِ ثَلَاثَةُ رِوَايَاتٍ:

أَحَدُهَا: يُصَلِّي كَمَا يُصَلِّي مَعَ الإِمَامِ.

والثَّانِيَةُ: يَقْضِيْهَا أَرْبَعاً.

والثَّالِثَةُ: هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَكْعَتَيْنِ أو أَرْبَعٍ (2) .

ويُسَنُّ التَّكْبِيْرُ مِنْ بَعْدِ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ لَيْلَةِ الفِطْرِ إلى فَرَاغِ الإِمَامِ مِنَ الخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ في إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ (3) ، وفي الأُخْرَى إلى خُرُوجِ الإِمَامِ إلى الصَّلَاةِ. وفي الأَضْحَى يَبْتَدِئُ مِنْ صَلَاةِ الفَجْرِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيْقِ العَصْرِ، وصِفَةُ التَّكْبِيْرِ شَفْعاً: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إِلَهَ إلَاّ اللهُ، واللهُ أَكْبَرُ، وللهِ الحَمْدُ ويُكَبِّرُ عَقِيْبَ الفَرَائِضِ سَوَاءٌ صَلَاّهَا جَمَاعَةً أو فُرَادَى، وَعَنْهُ: لا يُكَبِّرُ إِلَاّ عَقِيْبَ الجَمَاعَةِ (4) ، ولَا يُسَنُّ التَّكْبِيْرُ عَقِيْبَ النَّوَافِلِ، وظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ – رحمه الله – لَا يُسَنُّ التَّكْبِيْرُ عَقِيْبَ صَلَاةِ العِيْدِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ: يُسَنُّ.

(1) لأنه أدرك بَعْض الصَّلَاة الَّتِي ليست مبدلة من أربع فقضاها عَلَى صفتها كسائر الصلوات. الشرح الكبير 2/249.

(2)

نقل أبو طالب أنه يقضي أربع ركعات بلا تكبير، ولا خطبة، وهو اختيار الخرقي، ونقل بكر بن مُحَمَّد، وأحمد بن الحسن أنه يصلي ركعتين بتكبير.

ونقل حنبل وصالح:: هُوَ مخير إن شاء صلى أربعاً بلا تكبير، وإن شاء صلى ركعتين بتكبير.

انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ، والشرح الكبير 2/250.

(3)

انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.

(4)

انظر: الروايتين والوجهين 22/ أ.

ص: 19

وَإِذَا نَسِيَ التَّكْبِيْرَ قَضَاهُ ما لَمْ يُحْدِثْ أو يَخْرُجْ مِنَ المَسْجِدِ. ويُسَنُّ التَّكْبِيْرُ في جَمِيْعِ الأَيَّامِ المَعْلُوْمَاتِ، وفي عَشْرِ ذِي الحِجَّةِ، وَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يَوْمُ العِيْدِ إلَاّ بَعْدَ الزَّوالِ خَرَجَ مِنَ الغَدِ فَصَلَّى بِهِمُ العِيْدَ.

بَابُ صَلَاةِ الكُسُوفِ (1)

صَلَاةُ الكُسُوفِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ. ووَقْتُهَا مِنْ حِيْنِ الكُسُوفِ إلى حِيْنِ التَّجَلِّي، فَإِنْ فَاتَتْ لَمْ تُقْضَ، وهَلْ تُفْعَلُ في أَوْقَاتِ النَّهْيِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

والسُّنَّةُ أَنْ تُفْعَلَ في مَوْضِعِ الجُمُعَةِ، ويُنَادَى لَهَا: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ (2)

(1) كسفت الشمس كسوفاً، أي: احتجبت وذهب ضوءها. انظر: الصحاح 4/1421، وتاج العروس 24/308 (كسف) .

(2)

هكذا روت السيدة عائشة – رضي الله عنها وعن أبيها – فَقَالَت: ((أن الشمس خسفت عَلَى عهد رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم، فبعث منادياً: الصَّلَاة جامعة، فتقدم فصلى أربع ركوعات في ركعتين، وأربع

سجدات)) .

الحديث أخرجه الحميدي (180) ، وأحمد 6/32 و 65 و 67 و 87 و 164 و 168، والدارمي (1537) ، والبخاري 2/42 و 43 و 48 و 49 و 82 و 4/132، ومسلم 3/27 و 28 و 29، والترمذي (561) ، والنسائي 3/127 و 128 و 130 و 132، وابن خزيمة (1378)(1379) ، وابن ماجه (1263) والطحاوي في شرح المعاني 1/327، والبيهقي 3/320 و 322، والبغوي (1142) و (1143) و (1146) .

ص: 20

، ويُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، يُحْرِمُ بالأُوْلَى، ويَسْتَفْتِحُ ويَسْتَعِيْذُ ويَقْرَأُ الفَاتِحَةَ وسُورَةَ البَقَرَةِ، ثُمَّ يَرْكَعُ فَيُطِيْلُ الرُّكُوْعَ، ويُسَبِّحُ بِقَدْرِ مِئَةِ آيَةٍ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيًسَمِّعُ ويَحْمَدُ ويَقْرَأُ بالفَاتِحَةِ وآلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ يَرْكَعُ دُونَ الرُّكُوعِ / 49 ظ / الأَوَّلِ، ثُمَّ يَرْفَعُ فَيُسَمِّعْ ويَحْمَدُ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ يُطِيْلُ التَّسْبِيْحَ فِيْهِمَا بِقَدْرِ الرُّكُوعِ، ثُمَّ يَقُومُ إلى الثَّانِيَةِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ؛ إلَاّ أنَّهُ يَقْرَأُ بالنِّسَاءِ في القِيَامِ الأَوَّلِ، وبالمَائِدَةِ في الثَّانِي.

فَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ ذَلِكَ قَرَأَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ القُرْآنِ بِنَحْوِ مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ ويَتَشَهَّدُ ويُسَلِّمُ، فَيَكُونُ في كُلِّ رَكْعَةٍ قِيَامَانِ وقِرَاءتَانِ وَرُكُوعَانِ وسُجُوْدَانِ، وَعَنْهُ (1) : أنَّهُ يَفْعَلُ في كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعَ رُكُوْعَاتٍ – عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا – وسَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ تَجَلَّى الكُسُوفُ وَهُوَ في الصَّلَاةِ أَتَمَّهَا غَيْرَ أنَّهُ يُخَفِّفُ.

ويَجْهَرُ بِالقِرَاءةِ، ولَا يُسَنُّ لَهَا خُطْبَةٌ، وإِذَا لَمْ يُصَلِّ لِخُسُوفِ القَمَرِ حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ عَلَيْهِ خَاسِفاً، أو لَمْ يُصَلِّ لِكُسُوفِ الشَّمْسِ حَتَّى غَابَتْ كَاسِفَةً، لَمْ يُصَلِّ فِيْهَا؛ لأنَّهُ قَدْ ذَهَبَ وَقْتُ الانْتِفَاعِ بِنُوْرِهِمَا.

(1) انظر: الروايتين والوجهين 23/ أ.

ص: 21

فَإِنِ اجْتَمَعَ صَلَاتَانِ بَدَأَ بِأَخْوَفِهِمَا فَوْتاً مِثْلُ الجُمُعَةِ والكُسُوفِ يَبْدَأُ بالكُسُوفِ إذَا كَانَ في أوَّلِ وَقْتِ الجُمُعَةِ، فَإِنِ اسْتَوَيَا في الفَوْتِ بَدَأَ بِآكَدِهِمَا كَالخُسُوفِ والوِتْرِ قَرِيْبُ الفَجْرِ يَبْدَأُ بالخُسُوفِ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يَبْدَأَ بالوِتْرِ (1) .

وتُصَلَّى هَذِهِ الصَّلَاةُ في الحَضَرِ والسَّفَرِ، جَمَاعَةً وفُرَادَى، بِإِذْنِ الإِمَامِ وغَيْرِ إِذْنِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ أبو بَكْرٍ في ذَلِكَ رِوَاياتٍ بِنَاءً عَلَى صَلَاةِ العِيْدِ.

ويُصَلِّي لِلزَّلْزَلَةِ كَمَا يُصَلِّي لِلْكُسُوفِ، ولَا يُصَلِّي لِلصَّوَاعِقِ والرِّيْحِ الشَّدِيْدَةِ ومَا أَشْبَهَهَا.

بَابُ صَلَاةِ الاسْتِسْقَاءِ

وَهِيَ مَسْنُونَةٌ وصِفَتُهَا في مَوْضِعِهَا. وأَحْكَامُهَا كَصَلَاةِ العِيْدِ، ويُسْتَحَبُّ لَهُ التَّنْظِيْفُ، ولَا يَتَطَيَّبُ، وإِذَا أَرَادَ الخُرُوجَ لِذَلِكَ وَعَظَ النَّاسَ وأَمَرَهُمْ بالتَّوْبَةِ مِنَ المَعَاصِي، والخُرُوجَ مِنَ المَظَالِمِ، والصِّيَامِ والصَّدَقَةِ وتَرْكِ التَّشَاحُنِ، ثُمَّ يَخْرُجُ مُتَوَاضِعاً مُتَخَشِّعاً مُتَذَلِّلاً، ويَخْرُجُ مَعَهُ الشُّيُوخُ والعَجَائِزِ، ويَجُوزُ خُرُوجُ الصِّبْيانِ، وَقَالَ ابنُ حَامِدٍ: يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ (2) .

فَإِنْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ لَمْ يُمْنَعُوا وَلَمْ يَخْتَلِطُوا بالمُسْلِمِيْنَ، فَإِذَا صَلَّى بِهِمْ خَطَبَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ يَخْطُبُ قَبْلَ الصَّلَاةِ، ورٌوِيَ عَنْهُ: أنَّهُ مُخَيَّرٌ.

(1) انظر: كلاماً أوسع عَنْ هَذِهِ المسألة في المغني 2/280 – 281.

(2)

انظر: الشرح الكبير 2/287.

ص: 22

ولَا يُسَنُّ لها الخُطْبَةُ وإِنَّمَا يَدْعُو، والأَوَّلُ أَصَحُّ (1) . فَإِذَا صَعَدَ المِنْبَرَ جَلَسَ، ثُمَّ قَامَ فَخَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً يَفْتَتِحُهَا بالتَّكْبِيْرِ كَمَا يَفْعَلُ في خُطْبَةِ العِيْدِ، ويُكْثِرُ مِنَ الصَّلَاةِ عَلَى رَسُوْلِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ويَقْرَأُ فِيْهَا: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ / 50 و / إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً

الآيَاتِ} (2)، ويَرْفَعُ يَدَيْهِ فَيَدْعُو بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:((اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيْثاً مَرِيّاً هَنِيْئاً مُرِيْعاً غَدَقاً (3) مًجَلَّلاً (4) سَحّاً (5) عَامّاً طَبَقاً دَائِماً. اللَّهُمَّ اسْقِنَا الغَيْثَ ولَا تَجْعَلْنَا مِنَ القَانِطِيْنَ. اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ ولَا سُقْيَا عَذَابٍ، ولَا مَحْقٍ (6) ولَا بَلَاءٍ ولَا هَدْمٍ ولَا غَرَقٍ، اللَّهُمَّ بالعِبَادِ والبِلَادِ والخَلْقِ مِنَ البَلَاءِ والجَهْدِ والضَّنَكِ (7) مَا لَا نَشْكُوهُ إلَاّ إِلَيْكَ. اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، واسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ. اللَّهُمَّ ادْفَعْ عَنَّا الجَهْدَ والجُوْعَ والعَرِيَّ (8)

(1) انظر: الروايتين والوجهين 23/ ب.

(2)

نوح: 10 – 11.

(3)

الغدق: الكثير، والماء الغدق: الماء الكثير. انظر: الصحاح 4/1536 (غدق) .

(4)

أي: يعم الأرض بمائه ونباته. انظر: النهاية 1/289.

(5)

سحَّ الماء سحّاً، أي: سال من فوق. انظر: الصحاح 1/373 (سحح) .

(6)

المحق: النقص والمحو والإبطال. انظر: النهاية 4/303، والصحاح 4/1553 (محق) .

(7)

الضنك: الضيق. انظر: الصحاح 4/1598 (ضنك) .

(8)

الريح الباردة. انظر: المعجم الوسيط: 597.

ص: 23

، واكْشِفْ عَنَّا مِنَ البَلَاءِ مَا لَا يَمكْشِفُهُ غَيْرُكَ. اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إنَّكَ كُنتَ غَفَّاراً فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَاراً)) (1) ، ويَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ في أَثْنَاءِ الخُطْبَةِ ويُحَوِّلُ رِدَاءهُ، فَيَجْعَلُ مَا عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْمَنِ عَلَى الأَيْسَرِ، ومَا عَلَى الأَيْسَرِ عَلَى الأَيْمَنِ، ولَا يَجْعَلْ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ، ويَفْعَلُ النَّاسُ مِثْلَ ذَلِكَ، ويَتْرُكُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَنْزَعُوْنَهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ، ويَدْعُو سِرّاً في حَالِ اسْتِقْبَالِهِ القِبْلَةَ، ثُمَّ يَقُوْلُ في دُعَائِهِ:((اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَمَرْتَنَا بِدُعَائِكَ وَوَعَدْتَنَا إِجَابَتَكَ فَقَدْ دَعَوْنَا كَمَا أَمَرْتَنَا، فَاسْتَجِبْ مِنَّا كَمَا وَعَدْتَنَا)) . وإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ. فَإِنْ لَمْ يُسْقَوا عَادُوا ثَانِيَةً وثَالِثاً، وإِنْ تَأَهَّبُوا لِلْخُرُوجِ فَسُقُوا قَبْلَ أنْ يَخْرُجُوا صَلُّوا وشَكَرُوا اللهَ تَعَالَى وسَأَلُوهُ المَزِيْدَ، وهَلْ مِنْ شَرْطِ هَذِهِ الصَّلَاةِ إِذْنُ الإِمَامِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ.

(1) ذكره الشافعي في الأم 1/251 معلقاً من حديث ابن عمر. قَالَ ابن حجر في التلخيص 2/105: ((هذا الحديث ذكره الشافعي في"الأم" تعليقاً، فَقَالَ: وروي عَنْ سالم عَنْ أبيه، فذكره

وَلَمْ نقف لَهُ عَلَى إسناد ولا وصله البيهقي في مصنفاته، بَلْ رواه في " المعرفة " من طريق الشافعي قَالَ: ويروى عَنْ سالم بِهِ، ثُمَّ قَالَ: وقد روينا بَعْض هذه الألفاظ وبعض معانيها في حديث أنس بن مالك، وفي حديث جابر، وفي حديث عَبْد الله بن جراد، وفي حديث كعب بن مرة، وفي حديث غيرهم)) . وانظر: الْمَعْرِفَة 3/100.

ص: 24

ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَسْقُوا عَقِيْبَ صَلَاتِهِمْ، ويُسْتَحَبُّ أَنْ يَقِفَ في أَوَّلِ المَطَرِ، ويُخْرِجُ رَحْلَهُ وثِيَابَهُ لِيُصِيْبَهَا، وإِذَا سَالَ الوَادِي اغْتَسَلَ مِنْهُ وتَوَضَّأَ.

وإِذَا زَادَ المَطَرُ بِحَيْثُ يَضُرُّهُمْ، أو كَثُرَتِ المِيَاهُ بِحَيْثُ يَخَافُونَ مِنْهَا، فالْمُسْتَحَبُّ أنْ يَدْعُوَ اللهَ تَعَالَى أنْ يَصْرِفَهُ، ويُخَفِّفَهُ، والمُسْتَحَبُّ مِنْ ذَلِكَ:((اللَّهُمَّ حَوَالِيْنَا ولا عَلَيْنا، اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ (1) ومَنَابِتِ الشَّجَرِ، رَبَّنَا لَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لَنَا وارْحَمْنَا أنْتَ مَوْلَانا فَانْصُرْنَا عَلَى القَوْمِ الكَافِريْنَ)) (2)

(1) الظراب: الجبال الصغار، واحدها ظَرِب بوزن كَتِف، وقد يجمع عَلَى القلة أظرب. انظر: النهاية 3/156، والصحاح 1/174 (ظرب) .

(2)

أخرجه مالك في الموطأ [ (448) برواية عَبْد الرَّحْمَان بن القاسم، (197) برواية سويد بن سعيد، (611) برواية أبي مصعب الزهري، (514) برواية الليثي] ، وأحمد 3/104 و187 و194 و245 و261 و271 وعبد بن حميد (1282) ، والبخاري 2/15 (933) و 2/34 (1013) و 2/35 (1014) و 2/36 (1015) و (1016) و (1017) و 2/37 (1019) و (1021) و 4/236 (3582) ، ومسلم 3/24 (897 (8) و 3/25 (897)(9)(10)(11)(12) ، وأبو داود (1174)(1175) ، والنسائي 3/159 – 160 و 161 – 162 وفي الكبرى (1818)(1824) ، وأبو يعلى (3863) ، وابن الجارود (256) ، والطحاوي في شرح المعاني 1/322 و323، وابن حبان (2857) و (2859)، والسهمي في تاريخ جرجان: 246، وأبو نعيم في دلائل النبوة (371) ، والبيهقي 3/353 و 354 و 355، وفي دلائل النبوة لَهُ 6/140، والبغوي (1168) من طرق عن أنس بن مالك بِهِ، من غَيْر ذكر للآية فيه.

ص: 25

كِتَابُ الجَنَائِزِ (1)

بَابُ مَا يُفْعَلُ عِنْدَ المَوْتِ

يُسْتَحَبُّ لِكُلِّ أَحَدٍ ذِكْرُ المَوْتِ (2) ، وأَنْ يَكُونَ مِنْهُ عَلَى حَذَرٍ، فَإِذَا مَرِضَ اسْتُحِبَّ عِيَادَتُهُ (3) ، فَمَتَى رَجَاهُ العَائِدُ دَعَا لَهُ وانْصَرَفَ، فَإِنْ خَافَ أَنْ يَمُوْتَ رَغَّبَهُ في في التَّوْبَةِ والوَصِيَّةِ.

(1) جمع جنازة، وَهِيَ بالكسر للإنسان الميت، وبالفتح للسرير، فإذا لَمْ يَكُنْ عليه الميت فهو سرير ونعش. انظر: الصحاح 3/870، وتاج العروس 15/72 (جنز) .

(2)

لحديث النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم: ((أكثروا ذكرها ذم اللذات)) ؛ لأن ذكرَ الموت دائماً يجعل الإنسان مستقيم السير معتدل التعامل كَثِيْر العبادة دوام الاتصال بالله عزوجل.

والحديث أخرجه أحمد 2/292، وابن ماجه (4258) ، والترمذي (2307) ، وابن حبان (2992) ، وابن عدي في الكامل 5/1164، والحاكم 4/321، والقضاعي في مسند الشهاب (669) ، والخطيب 1/384 و 9/470 من حديث أبي هُرَيْرَةَ، وانظر: علل الدارقطني 8/39، وتلخيص الحبير 2/108.

(3)

من الأمور المهمة الَّتِي حثّ عليها الإسلام التماسك بَيْنَ المسلمين، فجعل لعيادة المريض الأجر الكبير، فَقَدْ قَالَ عَلِيّ بن أبي طَالِب رضي الله عنه: سَمِعْتُ رَسُوْل الله r يَقُوْل: ((ما من مُسْلِم يعود مسلماً غدوة إلَاّ صلَّى عَلَيْهِ سبعون ألف ملك حَتَّى يمسي، وإن عاده عشية صلَّى عليه سبعون ألف ملك حَتَّى يصبح، وَكَانَ له خريف في الجنة. والحديث أخرجه هناد في الزهد (372) ، وأحمد 1/81 و 120، وأبو داود (3099) ، وابن ماجه (1442) والترمذي (969) ، والبزار (620) ، وأبو يعلى (262) ، والحاكم 1/341 و 349، والبيهقي 3/380.

ص: 26

ويُسْتَحَبُّ لأَهْلِهِ إِذَا رَأَوْهُ مَنْزُوْلاً بِهِ أَنْ يُلْزِمُوهُ أَرْفَقَهُمْ بِهِ، وأَعْرَفَهُمْ بِسِيَاسَتِهِ، وأَتْقَاهُمْ لِرَبِّهِ؛ لِيُذَكِّرَهُ باللهِ تَعَالَى، ويَحُضُّهُ عَلَى الخُرُوْجِ مِنَ المَظَالِمِ والتَّوْبَةِ مِنَ الذُّنُوبِ والوَصِيَّةِ، وأَنْ يَتَعَاهَدَ بَلَّ حَلْقِهِ، بِأَنْ يَقْطُرَ فِيْهِ مَاءً أو شَرَاباً، ويُنْدِيَ شَفَتَيْهِ بِخِرْقَةٍ أو قُطْنَةٍ، ويُلَقِّنَهُ قَوْلَ:((لَا إِلَهَ إلَاّ اللهُ)) ، ولَا يَزِيْدُ عَلَى ثَلَاثٍ، فَإِنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِشَيءٍ أَعَادَ تَلْقِيْنَهُ؛ لِيَكُونَ آخِرَ كَلَامِهِ (1) . ويَكُوْنُ جَمِيْعُ ذَلِكَ في لُطْفٍ ومُدَارَاةٍ، ويَقْرَأُ عِنْدَهُ سُوْرَةَ ((يس)) (2) ويُوَجِّهُهُ إلى القِبْلَةِ عَلَى ظَهْرِهِ طُوْلاً بِحَيْثُ إِذَا قَعَدَ كَانَ وَجْهُهُ إِلَيْهَا.

(1) لحديث معاذ بن جبل قَالَ: قَالَ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم: ((من كَانَ آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة)) . والحديث أخرجه أحمد 5/247، وأبو داود (3116) ، والحاكم 1/351.

(2)

لما رواه معقل بن يسار عَنْ رَسُوْل الله صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: ((اقرؤوها عَلَى موتاكم)) ، يعني: يس.

والحديث أخرجه أحمد 5/26 و 27، وأبو داود (3121) ، وابن حبان (3002) الرسالة، والطبراني 2/510، والحاكم 1/565، والبيهقي 3/383.

ونقل ابن حجر في التلخيص 2/110: ((عَن أبي بكر بن العربي، عن الدارقطني أنه قَالَ: هَذَا حديث ضعيف الإسناد، مجهول المتن، ولا يصح في الباب شيء)) .

وَقَالَ ابن حبان عقب تخريجه الحديث 7/271: ((قوله: ((اقرؤوا عَلَى موتاكم يس)) ، أراد به من حضرته المنية لا أن الميت يقرأ عليه)) .

ص: 27

فَإِنْ مَاتَ غَمَّضَ عَيْنَيْهِ، وشَدَّ لِحْيَيْهِ، ولَيَّنَ مَفَاصِلَهُ؛ بِأَنْ يَرُدَّ ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يَلْصِقَهُمَا بِعَضُدَيْهِ، ثُمَّ يَرَدَّهُمَا، ويَرُدَّ سَاقَيْهِ إلى فَخِذَيْهِ، وفَخِذَيْهِ إلى بَطْنِهِ، ثُمَّ يَرُدَّهُمَا، ويَخْلَعُ ثِيَابَهُ، ويُسَجِّيْهِ بِثَوْبٍ يَسْتُرُ جَمِيْعَهُ، ويَجْعَلَ عَلَى بَطْنِهِ مِرْآةً أَو سَيْفاً (1) ، ويُوضَعُ عَلَى سَرِيْرِ غَسْلِهِ مُتَوَجِّهاً مُنْحَدِراً نَحْوَ رِجْلَيْهِ، ويُسارِعُ إلى قَضَاءِ دَيْنِهِ وإِبْرَاءِ ذِمَّتِهِ مِنْهُ، وتَفْرِيْقِ وَصِيَّتِهِ.

ويُسَارِعُ في تَجْهِيْزِهِ؛ إلَاّ أَنْ يَكُونَ قَدْ مَاتَ فَجْأَةً، فَيُتْرَكَ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ بانْخِسَافِ صَدْغَيْهِ (2) ، وَمَيْلِ أَنْفِهِ، وانْفِصَالِ كَفِّيْهِ، وَاسْتِرْخَاءِ رِجْلَيْهِ.

بَابُ غَسْلِ الْمَيِّتِ

غَسْلُ الْمَيِّتِ وَتَكْفِيْنُهُ فَرْضٌ عَلَى الكِفَايَةِ، وَأَوْلَى النَّاسِ بِفِعْلِهِ أَبُوْهُ، ثُمَّ جَدُّهُ وإِنْ عَلَا، ثُمَّ ابْنُهُ وإِنْ نَزَلَ، ثُمَّ الأَقْرَبُ مِنَ العِصَابَاتِ، ثُمَّ الرِّجَالُ مِنْ ذَوِي أَرْحَامِهِ ثُمَّ الأَجَانِبُ، ثُمَّ أُمُّ وَلَدِهِ أَوْ زَوْجَتُهُ في أَصَحِّ القَوْلَيْنِ (3) .

(1) ويجوز وضع أي شيء: حديدة أو طين؛ كيلا تنتفخ بطنه.

(2)

الصدغ: مَا بَيْن العين والأذن وَيُسَمَّى أيضاً الشعر المتدلي عَلَيْهَا صدغاً. انظر: الصحاح4/1323 (صدغ) .

(3)

انظر: الرِّوَايَتَيْنِ والوجهين 24/أ.

ص: 28