المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرسالة الحادية عشرة مناظرة أدبية بين المعلمي والشاعر الأديب علي بن محمد - مناظرة أدبية بين المعلمي والشاعر الأديب علي بن محمد السنوسي - ضمن «آثار المعلمي» - جـ ٢٠

[عبد الرحمن المعلمي اليماني]

فهرس الكتاب

الرسالة الحادية عشرة

مناظرة أدبية بين المعلمي والشاعر الأديب

علي بن محمد السنوسي ت (1363 هـ)

ص: 283

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، وأشهد ألا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، اللهم فصلِّ على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وبعد ..

فإنّه كان حضورُ الحقير حضرةَ مولانا أمير المؤمنين ــ أيّده الله تعالى ــ عَقِب عيد الفطر سنة 1337 هـ

(1)

مع جماعة فيهم سيدي الفاضل السيد علي بن محمد السنوسي

(2)

فأنشد السيِّدُ عليٌّ قصيدةَ

(3)

تهنئةٍ بالعيد وزنها (فاعلاتن فاعلن فعلن) أربع مرّات، وأصل هذا الوزن من الضرب

(4)

(1)

في النسخة الأخرى تقديم وتأخير جاء كالآتي: فإنه لما عقب عيد الفطر سنة 1337 هـ، كان حضور الحقير مقام مولانا

إلخ. ومراده بالحقير: نفسه، ومراده بأمير المؤمنين محمد بن علي الإدريسي ت (1341 هـ) مؤسس دولة الأدارسة في صبيا وعسير.

(2)

هو علي بن محمد بن يوسف بن أبي بكر السنوسي ولد بمكة سنة (1315 هـ) ونشأ بها، وصل إلى جيزان عام 1328 هـ، ومكث عند الإدريسي وكان واحدًا من رجال دولته، وشاعرًا من شعرائه، توفي عام (1363 هـ) ترجم له ولده محمد في مجلة المنهل (ذو الحجة 1388 هـ) بمقال عنوانه: والدي السيد علي السنوسي، وانظر كتاب شعراء الجنوب للعقيلي والسنوسي، والأعلام للزركلي (6/ 304) وقد أخطأ في اسمه إذْ جعله (محمد بن علي السنوسي).

(3)

في النسخة الأخرى: قصيدةً له تهنئةً

إلخ.

(4)

الضرب: الجزء الأخير من الشطر الثاني.

ص: 285

الخامس من المديد

(1)

، والمديدُ لا يستعمل إلا مجزوءًا

(2)

،

وهذا الضرب كعروضه محذوفٌ مخبون

(3)

، وبيته:

للفتى عَقْلٌ يعيشُ به

حيثُ تهدي سَاقَه قَدمُهْ

(4)

وكذا سُمِع عن العرب. فأمَّا تربيعُه كقصيدة السيّد علي فلا أعرفه إلا من استعمال بعض المتأخرين: كالتكريتي

(5)

، والبرعي

(6)

فيُلْحق

(1)

المديد: هو البحر الثاني من بعد الطويل، واختلف في سبب تسميته بالمديد فقيل: لأن أسبابه امتدت في أجزائه السباعية فصار أحدهما في أول الجزء، والآخر في آخره فلما امتدت الأسباب في أجزائه سمي مديدًا، وقيل: لامتداد الوتد المجموع في وسط أجزائه السباعية، وأضرب المديد ستة.

راجع حاشية الدمنهوري على متن الكافي (ص 65) والكافي للشاوي (ص 65).

(2)

قال أبو العباس القنائي ت (858 هـ) في كتابه الكافي (ص 66): "مجزوٌّ وجوبًا" قال الدمنهوري في حاشيته: "أي بالنظر للاستعمال كما علمت فلا يجوز للمولدين استعماله تامًّا، وإنْ ورد عن العرب تمامه فهو نادر لا يقاس عليه".اهـ.

ومعنى المجزوء: ما حذف جزء من صدره، وجزء من عجزه.

(3)

العروض: الجزء الأخير من الشطر الثاني، والحذفُ: حَذْفُ السبب الأخير، والخبنُ: حذف الثاني الساكن.

(4)

قائله طرفة بن العبد من قصيدةٍ في ديوانه، والبيت ممَّا استشهد به الإمام ثعلب في أماليه ورواه: حيث يهدي ــ بياء تحتية ــ، وهو من شواهد الرضي وقد شرحه البغدادي في الخزانة فانظره في (7/ 19).

(5)

هو عبد السلام بن يحيى بن القاسم بن المفرج التكريتي تفقّه على والده وحفظ القرآن، وقرأ الأدب وبرع فيه، وله النظم والنثر والخطب والمكاتبات والمصنفات الأدبية، ولد سنة (570 هـ) وتوفي سنة (675). انظر: فوات الوفيات لابن شاكر (2/ 325).

(6)

هو عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي الهاجري اليمني، الشاعر الصوفي الشهير، كان نحويًا فقيهًا مفتيًا، له ممادح في النبي صلى الله عليه وسلم، مات سنة (803 هـ).

راجع ذيل البدر الطالع لزبارة (ص 120)، ومعجم المؤلفين (5/ 202).

ص: 286

بالموشحات

(1)

، وهو ممّا يُلْتزم فيه أن تكون الثلاثة الأرباع الأولى على قافية واحدة، وكثيرًا ما يلتزم فيها التجنيس

(2)

، كقول التكريتي:

بَدَرتْ من بَدْر جاريهْ

ودموع العين جاريَهْ

ثم قالت وهي جاريه

أرْفقي يا هندُ بالرّجل

ثم تُلْتزم قافية الرُّبع الرابع إلى آخر القصيدة.

ولا يَبعد أن يُقاس على ما سُمِعَ من المسمطات

(3)

في غير بحره.

كقول الشاعر:

(1)

التوشيح أو الموشحات: اسمٌ لنوع من الشعر استحدثه الأندلسيون، وهو فن عجيب له أسماط وأغصان وأعاريض مختلفة وأكثر ما ينتهي عندهم إلى سبعة أبيات.

راجع تاج العروس (2/ 246)، وتاريخ الأدب العربي للرافعي (3/ 160).

(2)

التجنيس: هو أن يجانس اللفظُ اللفظَ في الكلام، والمعنى مختلف. قاله الثعالبي في فقه اللغة (2/ 667).

(3)

الشعر المسمَّط هو ما عرّفه ابن رشيق في العمدة (1/ 285) بقوله: "أن يبتدئ الشاعر ببيتٍ مصرّع ثم يأتي بأربعة أقسمةٍ على غير قافيته، ثم يعيد قسمًا واحدًا من جنس ما ابتدأ به هكذا إلى آخر القصيدة". اهـ.

وقال المجد في القاموس: "المسمَّط كمعظم من الشعر أبيات تجمعها قافية واحدة مخالفة لقوافي الأبيات". اهـ.

ص: 287

وشَيْبةٍ كالقَسِمِ

غيَّر سُودَ اللِّمَم

داويتُها بالكَتَمِ

زُورًا وبُهتانا

(1)

وقولِ امرئ القيس:

خيالٌ هاجَ لي شجنا

فبتُّ مكابدًا حَزَنا

عميدَ القَلْبِ مُرتَهَنا

بذكر اللَّهوِ والطربِ

(2)

وقوله:

ألا يا عينُ فابكي

على فقدي لملكي

وإتلافي لمالي

بلا حرفٍ وجُهد

تخطيتُ بلادًا

وضيّعتُ قلابا

وقد كنتُ قديمًا

أخا عزٍّ ومَجْد

(1)

أورد الأبيات الجوهري في الصحاح (3/ 134) ولم ينسبها لأحد، وقال ابن بري كما نقله عنه ابن منظور: إنها لبعض المحدثين. انظر لسان العرب (7/ 323).

(2)

أنشد هذه الأبيات ابن برّي ولم ينسبها لأحد كما في اللسان (7/ 323)، وذكر بعدها ستة أبيات، وانظر أيضًا العمدة لابن رشيق (1/ 286). وأمَّا نسبتها لامرئ القيس كما ذُكر ــ بحسب ما هو مطبوع ــ فليس الأمر كذلك.

ص: 288

وقوله مسمَّطًا مُخمَّسًا:

ومُسْتَلْئِمٍ كشَّفْتُ بالرمح ذَيلَه

أقمتُ بعَضْبٍ ذي سفاسق مَيْلَه

فجعْتُ به من ملتقى الحيِّ خَيْلَه

تركتُ عتاقَ الطير تَحجُلُ حولَه

كأنَّ على سِرْباله نَضْحَ جريالِ

(1)

وقوله الآخر:

إنَّ المرءَ في أكثر الأحوال مرتاعْ

ليتَ المرء لم يدخل الدنيا فما ارتاعْ

إنَّ العيشَ عيشُ الصِّبا إذْ ليس عَقْلُ

يَنْهى المرءَ عمَّا إليه المرءُ نزَّاعْ

نَعم قد سُمع المديدُ تامًّا شذوذاً، قال الدماميني

(2)

في شرح الخزرجية

(3)

: أنشد ابن زيدان:

(1)

نسب هذه الأبيات لامرئ القيس الجوهري في صحاحه (3/ 1134) والأزهري في تهذيبه نقلًا عن الليث كما في (12/ 348)، وقد أنكر الصاغاني كونها لامرئ القيس في كتابه التكملة (4/ 138). وانظر تاج العروس (5/ 161).

(2)

محمد بن أبي بكر بن عمر بدر الدين الدماميني المالكي ولد سنة (763 هـ) بالإسكندرية أديب عالم بالعربية وفنونها فقيه، لازم ابن خلدون، وتصدر لإقراء العربية بالأزهر، توفي بالهند سنة (827 هـ) له مصنفات كثيرة منها: شرحه على التسهيل لابن مالك، وشرحه على مغني اللبيب، وشرحه على صحيح البخاري وغيرها.

انظر الضوء اللامع للسخاوي (7/ 184).

(3)

راجع العيون الغامزة على خبايا الرامزة للدماميني (ص 150)، وكلامه ينتهي عند قوله:(كل عزٍّ في الهوى أنت منه في غرر).

ص: 289

ليس من يشكو إلى أهله طول الكرى

مثل من يشكو إلى أهله طول السهر

سحَّ لما نَفد الصبر منه أدمعًا

كجُمانٍ خانه سِلْكُ عِقْدٍ فانتشرْ

لا تَلُمْهُ إنْ شكى ما يلاقي أو بكى

وامتحِنْ باطنَه بالذي مِنْهُ ظَهَرْ

وقبلها:

إنَّه لو ذاق للحبِّ طعمًا ما هَجَرْ

كل عِزٍّ في الهوى أنت منه في غَررْ

وقول السلكة ترثي ولدها ــ والظاهر أنها من مشطوره

(1)

ــ:

طاف يبغي نجوةً

من هلاكٍ فَهَلكْ

ليتَ شعري ضلةً

أيُّ شيءٍ قتلكْ

أمريضٌ لم تُعَدْ

أمْ عدوٌ خَتَلكْ

أمْ تولَّى بك ما

غَال في الدهر السُّلَكْ

والمنايا رَصَدٌ

للفتى حيث سَلَكْ

أيُّ شيءٍ حسنٍ

لفتىً لم يكُ لَكْ

كلُّ شيءٍ قاتلٌ

حينَ تلْقى أجَلكْ

(1)

قال التبريزي في شرح الحماسة (2/ 191) بعد ذكر الأبيات: "من مشطور المديد، والقافية متراكب قال أبو العلاء: هذا الوزن لم يذكره الخليل ولا سعيد بن مسعدة، وذكره الزجاج، وجعله سابعًا للرمل، وقد يحتمل أن يكون مشطورًا للمديد". اهـ. والأبيات اختلف في قائلها فنسبت للسلكة، ولأمِّ تأبط شرًا، ولامرأةٍ من العرب، وقيل لأخت تأبطَ شرًا، وقيل: هذا شعر قديم لا يعرف قائله.

راجع شرح حماسة أبي تمام للأعلم الشنتمري (1/ 536).

ص: 290

طال ما قد نلتَ في

غيرِ كدٍّ أمَلَكْ

إنَّ أمْرًا فادحًا

عن جوابي شَغَلكْ

سأُعزِّي النفس إذْ

لم تُجِبْ مَن سَأَلكْ

ليتَ نفسي قُدِّمتْ

للمنايا بَدَلكْ

ولْنرْجع إلى المقصود فنقول: وجعل السيّدُ عليٌّ قافيةَ الشطر الرابع لفظةً ملتزمة إلى آخر القصيدة: "يا ابنَ علي"، وربّما قال:"ابن عليّ"، وربَّما أبدل:"ابن" ملتزمًا لفظ: "علي" وليس ذلك من ضيق العطن، ولكنّه يَحسِبُ أنَّ ذلك حَسَن.

ثمَّ تعرَّض فيها للشكوى حيث يذكر أنَّ كثيرًا من أهل البلد أضرَّ بهم الجوعُ، وهذا عَجَبٌ منه! فإنَّ فَضْلَ مولانا قد غَمَر الداني والقاصي، وأرضى المطيع والعاصي وكانت الشكوى في بضعة أبيات فتخطاها لمَّا تنبَّه لخطاها، فلمَّا وصل إلى الدعاء كان منه ــ وأستغفر الله من حكايته ــ لفظ:"لا عداك السوءُ".

فقلتُ حينئذٍ: (لا) زائدةٌ.

فالْتَفَتَ إليَّ مغاضبًا!

وقال: بل نافيةٌ.

فقلتُ: زائدة.

فقال مولانا: إنَّها لدعوةٌ قبيحةٌ، ولكنَّ النية صالحة أو كما قال.

فقال المنشِدُ: "لا عَدتكَ"، معناها: لا أصابتْك.

ص: 291

وأنشد بيت البردة:

عدتكَ حاليَ ....

(1)

فقلتُ: معناه: أخطأتْكَ، وبعُدتْ عنك.

فقال: كلّا.

فإشفاقًا للمِراء بذلك المقام قلتُ: هذا المعروف المتبادر إلى الذهن.

فقال مولانا ــ أيَّده الله ــ: بل هو الحقُّ، وادّعاءُ غيره غلط، ووضَّح

ــ أيَّده الله ــ معنى البيت بلفظه، ثم أتمَّ المنشِدُ قصيدتَه.

وكنتُ قد قدّمتُ تهنئتي لمولانا ــ أيَّده الله ــ قبل ذلك، وكان ذلك المجلس أهلًا لأنْ تنشد فيه قصيدة. فقلتُ في نَفْسي ــ أوَّلًاـ: قد كفينا

(2)

.

فلمّا رأيتُ قصيدته وأثرها حاولتُ ارتجال أبيات مناسبة، فلم يَتَيسَّر إلا ثلاثة أبيات ــ ستأتي ــ فاستأذنتُ مولانا بقولي: ثلاثة أبيات حضرتْ.

فقال: فرَّطْتَ كما أفرطَ السيد علي؛ لأنَّ قصيدته زهاء الستين بيتاً، والبيتُ عبارة عن أربعة أشطر.

فقلتُ في نفسي: حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق، وربَّ ليلةٍ خير من

(1)

المراد بالبردة قصيدة البوصيري الميمية المعروفة، وهذا البيتُ منها وتمامه:

عدتك حاليَ لا سرّي بمستتر

عن الوشاةِ ولا دائي بمُنْحَسِمِ

(2)

جعلها د/ أبو داهش أسلوب استفهام هكذا: أَوَلا قد كُفينا؟ والذي يظهر أنها خبرية و (أوّلًا) بمعنى الأوليّة منصوب، والدليل على هذا ما جاء في السياق نفسه: فقلت في نفسي: حسبك من القلادة

إلخ.

ص: 292

ألف شهر. ثم أنشدتُها، فحسب السيد علي أنّي أردتُ مباهاتَه والتشنيعَ عليه فخرجَ يراجعني في دعوته يُصوِّبُها.

فقلتُ له: آنفُ لِمثْلكَ أنْ تحاول تصويب مثل هذا، وإنَّما الإنسان محل النسيان، كان حَقُّكَ أن تقول: طغى الفكر والقلمُ، وتَعَضَّ على مسامحتك لنفسكَ بنانَ الندم.

فأصرَّ على مُدَّعاه، تارةً يقول: من العَدْوِ، وتارةً: من العدْي، وتارة: من العَدْوى.

فكتبت له اليوم الثاني كتابًا مضمونه:

"عبارة مختار الصحاح: عداه يعدوه عَدْوًا: جاوزه".

وأمَّا العَدْوُ بمعنى الجَرْي فهو لازمٌ، وليس هذا مَوْضعَهُ.

فإذا قلتَ: عداك السوء فالمعنى: جاوزك السوء أي: لا أصابك ــ كما قالوا ــ: عداك الذمُّ أي: جاوزك: أي لا ذمَّ عليك، وقالوا: عدا فلانٌ طوره أي: جاوزه. وإذا قلتَ: لا عداك السوء فالمعنى: لا جاوزك، وهو أبلغُ من قولك: أصابك كما لا يخفى

(1)

.

وأمَّا العدوى فالفعل منها: أعْدى يُعْدي ــ كما في كتب اللغة ــ وليس هذا موضعها مع أنَّها من المجاوزة أيضًا أي أنَّ الداءَ جاوز صاحبه إلى غيره فافهمْ".

(1)

في المطبوعة كما يخفى.

ص: 293

فأجابَ بما لفظه: "عداه يعدوه عَدْوًا أي: جَرْيًا وهو شدَّةُ السعي بقوةِ الإنسانية، وأمَّا لا عداه السوء أي: لا أصابه من باب العدي لا من باب العدو، تقول: أعدى فلانٌ فلانًا أي:

كذا يعديه وأيضًا عداه السوء بمعنى: أصابه ومفهومٌ أنَّ العدوى من باب أفنى يقال: أفنى الناسَ الجوعُ أي: أصابهم وأهلكهم، ومنه أفناهم الوباءُ أو الموتُ أي: أصابهم وأمحقهم، فلتحرر غير ما بدا لك حتى ترشدني إلى الصواب".

فأجبتُ عليه بما مضمونه: "أمَّا عدا بمعنى جرى فهو لازم بنصوص كتب اللغة، ولا يختصُّ بالإنسان؛ فيقال: بقوة الإنسانية، وأمَّا العَدْي ــ بوزن الرَّمْي ــ فلم يُسمع، وليس منه ــ كما توهَّمت ــ: أعدى يُعدي، بل هي مِن العدو، وأصلها: أعْدَوَ يُعْدِوُ قُلبت في الأول ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها، وقلبت الواو في الثاني ياءً لتطرُّفِها وانكسار ما قبلها.

وأمَّا عداه السوءُ بمعنى أصابه فغير مسموع، وقولك: العدوى من باب أفنى إنْ أردتَ أنْ يقال: أعدى يُعدي ــ كما يقال ــ: أفنى يُفْني، فأيُّ غرضٍ فيه؟ مع أن فَنِيَ يائيٌّ، وعدا واويٌّ، لا كما توهَّمتَ.

وإن أردتَ أنَّ المعنى واحدٌ فممنوع، ومَنْعُه واضحٌ، ولا غرضَ في تفسير أفنى، وزيادة الهمزة في (مَحَق) سَهْوٌ

(1)

.

وقولك: "فلتحرر غير ما بدا لك" سَهْوٌ أيضًا؛ فإنَّ ما بدا لك بمعنى ما ظهر لك، أو بمعنى ما نشأ لك من الرأي، أو بمعنى ما أردتَ، ولو حررتُ

(1)

قال السرقسطي في كتاب الأفعال (4/ 140): "ومحقت الشيءَ، وأمحقه: أذهبتُه، وأبى الأصمعيُّ إلا محقه". اهـ. وقال الفيروزآبادي في القاموس: كأمحقه في لغيّةٍ قال الزبيدي: رديئة.

ص: 294

غير ذلك لكنتُ كاذبًا مخادعًا، بل معناها: فلتحرر غير ما بدا لك تحريرُه، أي: غير ما أردتَ تحريره، وهذه العبارةُ كما تراها، والأولى أن نحملها على زيادة "غير" كما حملنا: لا عداك على زيادة "لا".

وقولك: "أفنى الناسَ الجوعُ" كان الأولى أن تجعل بدله: أفنى الناسَ الجهلُ، وكفرانُ النعم؛ فإنَّ الناس لم يشموا رائحة الجوع، فضلًا عن أنْ يفنيَهم، فإنهم بنعمة الله تعالى في ظلِّ كرمِ عبده مولانا أمير المؤمنين الذي غمر القريب والبعيد.

فأجابَ بجواب آخر أشدّ تخبُّطًا؛ فحبًّا للحقِّ راجعته كرَّةً أخرى، فذهب إلى بعض الفضلاء مُسْتنصرًا، وكان الأولى أن يذهب مُسْتبصرًا، فلعله صادفَ ما قال المتنبي:

إنَّما تنجَح المقالةُ في المرْ

ء إذا صَادفتْ هوىً في الفؤادِ

(1)

فأوحى إليه جوابًا هذا رَسْمُه:

"قال الشاعر:

وقلْ لمن يدَّعي في العلم توسعةً

علمت شيئًا وغابت عنك أشياءُ

(2)

(1)

انظر ديوان المتنبي بالشرح المنسوب للعكبري (2/ 31).

(2)

البيت لأبي نواس من قصيدة مطلعها:

دع عنك لومي فإنَّ اللوم إغراء

وداوني بالتي كانت هي الداء

ورواية البيت في الديوان (ص 7):

فقل لمن يدّعي في العلم فلسفة

حفظت شيئًا وغابت عنك أشياءُ

ص: 295

عجبتُ من قائلٍ يدَّعي الكمال في علمه! "لا عداك السوء بمعنى: لا أصابك، فلم تنطق به العربُ" وكيف لا؟ وقد تكلَّم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ في خطبةٍ خطبها وهي هذه: "عبادَ الله أين الذين عُمِّروا فنَعِمُوا، وعُلِّموا ففَهِمُوا، وأُنْظِروا فَلَهُوا، وسَلِمُوا فَنسُوا، أُمْهِلوا طويلًا، ومُنِحُوا جميلًا؛ فعداهم الموتُ غِرًّا، واستاق عائلهم مرًا؛ فكانت عبرةً لمن خَلَف، وعِظَةً لمن سَلَف

إلخ"

(1)

.

قال الشريف الرضي

(2)

: قوله فعداهم الموتُ أي: هَجَم عليهم وأفناهم، وبابُه:(جفا يجفو)، وقوله: غِرًّا أي: على حين غفلة.

وقال الإمام علي بن أبي طالب ــ كرم الله وجهه ــ في محلٍّ آخر يمدح الأنصار والمهاجرين: "ولا تعدو على عزيمةِ جِدِّهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هِمَمهم خَدائع الشهوات فاتخذوا ذا العرش ذخيرةً ليومِ فاقَتِهم، ويمَّموه عند انقطاعهم

إلخ"

(3)

.

قال الشريف الرضي: قوله: "ولا تعدو على عزيمةِ جِدِّهم بلادةُ الغفلات: أي: لا تصيبها، ولا تصحبها لعلوِّ شأنهم، وكثرة هِمَمهم العالية .. مع كلامٍ ذكره في نهج البلاغة.

(1)

نهج البلاغة بشرح محمد عبده (1/ 145).

(2)

أبو الحسن محمد بن الطاهر الحسيني الموسوي البغدادي الشاعر، صاحب الديوان، له نظم في الذروة حتى قيل: إنه أشعر الطالبيين، مات سنة (406 هـ) وقيل غير ذلك.

راجع سير أعلام النبلاء (17/ 285)، ووفيات الأعيان (4/ 414).

(3)

نهج البلاغة (1/ 171)، وما ساقه من كلام الرضي لا وجود له في النهج.

ص: 296

وقال الإمام أيضًا في محل آخر للزبير حين نقض بيعته وخرج عليه بالعراق وجمع لقتاله: "تعرفني في الحجاز، وتنكرني في العراق، فما عدا ممَّا بدا"

(1)

.

قال الشريف الرضي: إنَّه أول ما سمعت منه هذه الكلمة، أعني: فما عدا ممَّا بدا

" كلامُه.

وقوله: إنْ أخطأ الإمامُ فالحقير أقربُ إلى الخطأ فأنتم راجعوه، وبيّنوا له الصواب على غايةٍ من التعصّب بالدين، وعدم الرجوع إلى الحقِّ وإن ثبت دليلُه فهو مندرجٌ تحت قول العارفين:"قرأت العلم لغير الله فأبى العلم إلا لله"

(2)

.

وقوله في إنشاده الذي قصد به الإعجاز والمبادرة لمن ليس في شيءٍ من شأنه:

دعني من الغِيدِ ما للصّيد والغيدِ

وقُمْ نهنّي إمام الحقِّ بالعيد

ليس على غاية من المدح بل فرَّط فيه، وقصَّر من حيث إنَّه ما مِن أحدٍ من الناس إلا ويُهَنَّأُ بالعيد حتّى العبد المملوك، ولا فَضْلَ يُرى للممدوح بذلك، بل المدحُ العالي أن يُهَنَّأَ العيدُ بإمام الحقِّ ــ الذي هو زينةُ الوجود

(1)

نهج البلاغة (1/ 76)، وكلام الرضي في (ص 77) من الجزء نفسه.

(2)

ذكره ابن جماعة في تذكرة السامع والمتكلم عن بعض السلف بلفظ: "طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله" انظر (ص 86) وسينبه المعلمي على لفظه.

ص: 297

وحُلَّة الشهود

(1)

، ولا خفاءَ أنَّ العيدَ زينةُ يوم واحدٍ في السنة ــ هذا هو الحقُّ الذي لا محيص عنه، والله يقول الحقَّ، وهو يهدي السبيل، نعوذ بالله من الرياء والسمعة، وحُبِّ الجاه، وطلب الرفعة عند المخلوق دون الخالق، اللهمَّ أرنا الحقَّ حقًّا فارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا فارزقنا اجتنابه، وأنت على كلِّ شيءٍ قدير، وصلَّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".

فأجبتُ عليه بما مضمونه: "الحمد لله الواحد الأحد، وأصلّي وأسلم على رسوله محمد أمَّا بعد

فإنَّ الحقير لا يدَّعي التوسعة في العلم، ولا يدَّعي علم جميع الأشياء، فإنَّما ذلك اللهُ سبحانه وتعالى، ولكنْ رُبَّ مخلوقٍ لا يعلم شيئًا ولا أشياء، وإني لجاهلٌ ولكنْ جهلًا بسيطًا، ورُبَّ جاهلٍ جهلًا مركبًا يسمع الحقَّ من فَمِ مَن لا يشكُّ أنَّه إمام نقَّاد من أهل النظر والاجتهاد فيصرُّ على العناد، فتلك مِنْ مِثْلي ومِثْلِكَ هي الجهلُ الأكبر، والذنب الذي لا يُغفر، والأولى أن يُنْشد

(2)

ههنا قول القائل ــ وهو حسَّان ــ:

وإنَّما الشِّعْرُ عِرْض المرء يعرضه

على الأنام فإنْ كَيْسًا وإنْ حَمَقا

وإنَّ أبلغَ بيتٍ أنتَ قائلُه

بيتٌ يقال إذا أنشدته صَدَقَا

(3)

(1)

كلام المعترض هذا فيه غلو مذموم.

(2)

في المطبوعة: (ينقد) والذي يظهر ما أثبتُه.

(3)

البيتان في الديوان، ط دار المعارف تحقيق محمد حنفي حسنين، برواية الأثرم وابن حبيب وهما كالتالي:

إنَّما الشعر لُبُّ المرء يعرضه

على المجالس إنْ كيسًا وإن حمقا

وإن أشعر بيتٍ أنت قائله

بيت يقال إذا أنشدته صدقا

راجع الديوان (ص 277).

ص: 298

وقول الراجز ــ وهو الحطيئة:

الشعر صَعْبٌ وطويلٌ سلَّمُهْ

إذا ارتقى فيه الذي لا يَعْلمهْ

زلَّتْ به إلى الحضيض قَدَمُه

يُريد أنْ يُعْربَه فيعجمهْ

(1)

أما خُطبُ مولانا أمير المؤمنين عليّ ــ عليه السلام ــ فقوله: "فعداهم الموتُ غرا" وأصلُه: عدا عليهم أي: وثب عليهم، والأصل تعديتها بـ على ــ كما في كتب اللغة ــ وإذا صحَّت نسبتها إلى أمير المؤمنين فلها سرٌّ جديرٌ أنْ لا يبلغَه فَهْمُ المستشهِد، وهو أنَّه ضمَّنَ (عدا) معنى أفنى فعدَّاها بنفسها ــ كما تُعدَّى أفنى وإليه أشار الرّضيُّ بقوله:"هجم عليهم وأفناهم" فقوله: "هجم عليهم

" تفسيرٌ لأصل المعنى الذي عبَّر عنه في القاموس بـ (وثَب)

(2)

، وقوله:"أفناهم" إشارة إلى اللفظ الذي ضُمِّنَتْ معناه بدليل تعدية الفعل بنفسه، والتضمين من أسرار العربية

(3)

.

وإليك عبارةَ ابن هشام في مغني اللبيب: "القاعدة الثالثة: قد يُشْرِبُون لفظًا معنى لفظٍ فيعطونه حكمه ويُسمَّى ذلك تضمينًا، وفائدة ذلك: أنْ تؤدّي

(1)

الأبيات تنسب للحطيئة، انظر العمدة لابن رشيق (1/ 185).

(2)

راجع القاموس المحيط ماة (عدا).

(3)

انظر الأشباه والنظائر في النحو للسيوطي (1/ 219).

ص: 299

كلمةٌ مؤدَّى كلمتين، قال الزمخشري: ألا ترى كيف رجع معنى: {وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ

} [الكهف: 28] إلى قولك: ولا تقتحم عيناك مجاوزتيْن

(1)

إلى غيرهم، {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ

} [النساء: 2] أي: ولا تضموها إليها آكلين"

(2)

. انتهى.

يقول كاتبُه

(3)

: لو قال في: "ولا تعدو عيناك عنهم

" ضُمِّنَ (تعدو) معنى (تنبو) لكان أوضحَ من (تقتحمُ)، و (ينصرفُ) المذكورُ في الجلالين

(4)

، قال ذو الرمة

(5)

:

نبت عيناك عن طَلَلٍ بحُزوى

عَفَتْه الرّيحُ وامتنح القطارا

(6)

قال ابن هشام: "ومِن مُثُلِ ذلك أيضًا قوله تعالى: {الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ} [البقرة: 187] ضمن الرفث معنى الإفضاء فعُدّي بـ (إلى) مثل: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: 21]، وإنَّما أصلُ الرفث أن يتعدَّى بالباء، يقال:

(1)

في المطبوعة: مجاوزين، والتصويب من المغني.

(2)

انظر مغني اللبيب، ط الأفغاني (2/ 897).

(3)

أي: المعلميُّ نفسه.

(4)

راجع تفسير الجلالين فقد فسَّر الفعل (تعدو) بـ (تنصرف) كما في: (2/ 5).

(5)

غيلان بن عقبة، ويكنى أبا الحارث أحد عشاق العرب المعروفين ويلقب بذي الرمة: وهو الحبل البالي. انظر الشعر والشعراء لابن قتيبة (1/ 524)، والخزانة للبغدادي (1/ 106).

(6)

البيت مطلع قصيدة موجودة بالديوان (2/ 1371) بشرح الإمام أبي نصر الباهلي، تحقيق عبد القدوس أبو صالح.

ص: 300

أرفثَ فلانٌ بامرأته.

وقوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آل عمران: 115]

(1)

، أي: فلن يُحْرَمُوه، أي: فلن يحرموا ثوابه؛ ولهذا عُدّي إلى اثنين لا إلى واحدٍ، وقوله تعالى:{وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ} [البقرة: 235]، أي: لا تَنْووا؛ ولهذا عُدّي بنَفْسه لابـ (على) وقوله تعالى: {لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: 8]، أي: لا يُصغون، وقولهم: سَمِعَ الله لمن حمده أي: استجاب؛ فعدِّي (يسمع) في الأول بـ (إلى) وفي الثاني باللام، وإنّما أصله أن يتعدَّى بنَفْسه مثل:{يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ} [ق: 42]، وقوله تعالى:{لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} [البقرة: 226]، أي: يمتنعون من وطءِ نسائهم بالحلف؛ فلهذا عُدّي بـ (مِنْ)، ولمَّا خَفِي التضمين على بعضهم في الآية، ورأى أنه لا يقال: حَلَف من كذا، بل حَلَف عليه قال: " (مِنْ) متعلقةٌ بمعنى (للذين) ــ كما تقول: لي منك مبرَّة، قال: وأمَّا قول الفقهاء: آلى من امرأته فغلَطٌ أوقعهم فيه عَدمُ فَهْم المتعلق في الآية.

(1)

علّق د/ أبو داهش على هذه الآية ــ كما في حاشيتيْ (100) و (101) بقوله: في الأصل: "تفعلوا" والصواب ما أثبت، في الأصل:"تكفروه" والصواب ما أثبت أهـ.

والصواب أن كلا الوجهين صواب وذلك أنهما قراءتان سبعيتان فقرأ بالياء التحتية حمزة والكسائي وحفص، وقرأ بالتاء الفوقية نافع وابن كثير وابن عامر وشعبة.

انظر حجة القراءات لابن زنجلة (ص 170)، وشرح الهداية للمهدوي (1/ 230).

ص: 301

قال أبو كبير الهذلي

(1)

:

حَمَلتْ به في ليلةٍ مزءودةٍ

كَرْهًا وعقد نطاقها لم يُحْلَل

وقال قبله:

ممَّا حملْنَ به وهُنَّ عواقدٌ

حُبُك النطاق فشبَّ غير مُهبَّلِ

(2)

مزءودةٍ أي: مذعورةٍ ويروى بالجرِّ صفة لليلة مثل: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} [الفجر: 4]، وبالنصب حالًا من المرأةِ، وليس بقويٍّ مع أنَّه الحقيقةُ؛ لأن ذكر الليلة حينئذٍ لا كبير فائدة فيه، والشاهد فيهما أنَّه ضمَّن (حَمَل) معنى (عَلِق)، ولولا ذلك لعدّي بنفسه مثل:{حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا} [الأحقاف: 15].

وقال الفرزدق

(3)

:

كيف تراني قالبًا مِجَنّي

قد قَتَل الله زيادًا عنّي

(4)

(1)

عامر بن الحليس الهذلي أحد بني سهل بن هذيل شاعر فحل، وصحابي على ما ذكره ابن حجر في الإصابة في القسم الأول من الكنى (11/ 316).

وانظر خزانة الأدب للبغدادي (8/ 209).

(2)

البيتان موجودان بديوان الهذليين شرح السكري في قسم التعقيب للمحقق عبد الستار فراج (3/ 1072)، وفي خزانة البغدادي (8/ 194)، وانظر شرح الحماسة للمرزوقي (1/ 85).

(3)

همام بن غالب بن صعصعة المجاشعي التميمي الشاعر المشهور كان المفضل الضبي يفضله على جرير، وقال يونس: لولا الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب. مات سنة (110 هـ). راجع معجم الأدباء لياقوت (6/ 2785).

(4)

أورده أبو عبيدة في النقائض (2/ 58)، وقد شرحه وتكلم عليه البغدادي في شرح أبيات مغني اللبيب (8/ 86).

ص: 302

أي: صَرَفَه عنّي بالقتل، وهو كثير.

قال أبو الفتح في كتاب التمام: "أحسب لو جُمِعَ ما جاء منه لجاء منه كتاب يكون مِئينَ أوراقًا

"

(1)

اهـ.

وقد استوفيت القاعدة إيثارًا للفائدة، والتضمين سماعيٌّ على الصحيح فلا يقاس عليه

(2)

.

ولا يكفي في السماع كلمةٌ واحدةٌ مُتَكلَّمٌ في نسبتها

(3)

، ولو فرضنا

(1)

كلام أبي الفتح عثمان ابن جني ت (392 هـ) قد كرره في أكثر من موطن في كتبه ففي الخصائص تعرّض لهذا كما في (2/ 309)، وفي المحتسب (1/ 52)، وكذا في إعراب الحماسة كما أفاده البغدادي.

(2)

قال ابن هشام في تذكرته: "والحقُّ أنَّ التضمين لا ينقاس".

نقله السيوطي في الأشباه (1/ 225)، وقال الأزهري في التوضيح (1/ 346):"واختلف في التضمين أهو قياسيٌّ أم سماعي، والأكثرون على أنه قياسي، وضابطه أن يكون الأول والثاني يجتمعان في معنىً عام. قاله المرادي في تلخيصه". اهـ. واختار يس في حاشيته على التوضيح (2/ 4) كونه سماعيًا.

(3)

يشير المعلمي إلى مسألة صحة نسبة كتاب نهج البلاغة لعلي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ وقد سبق أنْ قال: "وإذا صحت نسبتها إلى أمير المؤمنين" وقد بيَّن العلماء قديمًا أنَّ الكلام الموجود في نهج البلاغة موضوع على علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (17/ 588) في ترجمة المرتضى ــ أخي الرضي ــ: "قلت: هو جامع كتاب نهج البلاغة المنسوبة ألفاظه إلى الإمام علي ــ رضي الله عنه ــ ولا أسانيد لذلك، وبعضها باطلٌ وفيه حق، ولكن فيه موضوعات حاشا الإمام من النطق بها، ولكن أين المنصف؟ وقيل: بل جمع أخيه الرضي" اهـ.

ص: 303

صحة: "عداهم الموت" على التخريج المذكور، وصحة أنْ يقاس عليه لا عداك السوء، فأنت أيُّها السيد لم تستعملها على ذلك الوجه، وإنَّما هذيتَ بها جزافًا، وكلامُك يحضره مولانا ــ أيَّده الله ــ وأوراقك إليَّ شاهدة أنك لم تسمع بالتضمين فضلًا عن أنْ تعرفه، فضلًا عن أنْ تستعمله، فكيف وأنتَ لم تسمع بهذه اللفظة حتى أحيت إليك يومنا هذا، وقد روي عن أمير المؤمنين نفسه ــ عليه السلام ــ أنَّه كان يومًا يمشي مع جنازةٍ، فقال له رجلٌ: مَن المتوفِّي بصيغة اسم الفاعل؟

قال: اللهُ ــ عز وجل ــ.

فقال الرجل: إنَّما أردتُ من الميتُ؟

فقال له أمير المؤمنين: قل مَن المتوفَّى، أي بصيغة اسم المفعول

(1)

.

وكيف هذا؟ ! وأميرُ المؤمنين ــ عليه السلام ــ يقرأ: {وَالَّذِينَ يَتَوفَّون} ــ بصيغة المضارع المبني للفاعل

(2)

ــ، ولكنَّه قرأ كذلك لسرٍّ يَعْلَمُ أنَّ ذلك السائل أبلدُ من أنْ يلاحظه في خطابه، وهو أنَّ الميت تَوَفَّى أي: استكمل

(1)

ذكر هذه القصة الزمخشري في الكشاف (1/ 278) وجعل الرجل أبا الأسود الدؤلي، وانظر الدر المصون للسمين الحلبي (1/ 234).

(2)

قراءة الجمهور: "يُتَوفَّون" ــ مبنيًا لما لم يسمَّ فاعله ــ وقرأ علي بن أبي طالب ــ رضي الله عنه ــ: "يتوفون" ــ مبنيًّا للفاعل ــ وهي التي أشار إليها المعلمي. وقد روى قراءة علي بن أبي طالب أبو عبد الرحمن السلمي كما في المحتسب لابن جني (1/ 125)، ورواها أيضًا المفضل عن عاصم، وقد أنكر مجاهد القراءة بها وردَّ عليه ابن جنّي بأنه مستقيم جائز، وقال العكبري في إعراب القراءات الشواذ (1/ 253): قوله: "يتوفون منكم" يقرأ بفتح الياء، والتقدير: يتوفون آجالهم أي: يستوفونها. اهـ. انظر الكشاف (1/ 278)، والبحر المحيط (2/ 222).

ص: 304

عمره، وعمله ورزقه.

ولو فرضْنَا أنك استعملتها بنيّةِ التضمين، وصحَّ لك قياسها وصحَّتْ:"فعداهم الموتُ" عن أمير المؤمنين، فإنَّ معنى "فعداهم الموت": وثبَ عليهم وأفناهم، وكذا عداك السوء، فما يحملك على أن تخاطب إمام الزمان بنحو: لا وثب عليك السوء ولا أفناك، مع أنَّ:"لا عداك السوء" يعرف الصغير والكبير أنَّها دعاء على المخاطَب لا له، والتمحُّل لكونها دعاءً له كادِّعاءِ عيش الحوت في الخبوت، أو صيد الأسود بحبال العنكبوت.

ولو سُلِّمَ فكيف يدعو بها عاقلٌ يعلم أنَّ من أشدِّ العيوب إهمالَ الواو في المجيب: لا رحمك الله، إلا حيث قصد المواربة

(1)

كقول الحافظ ابن حجر:

الدوادارُ

(2)

قال لي

سوف أقضي مآربَكْ

أفْرِغِ الكيسَ قلتُ لا

حَفِظَ اللهُ جانِبَكْ

(3)

(1)

انظر مبحث الفصل والوصل من علم المعاني في دلائل الإعجاز لعبدالقاهر (ص 222)، والطراز للعلوي (3/ 304)، وبغية الإيضاح للصعيدي (2/ 62، 84).

والمواربة: المداهاة والمخاتلة ــ كما في القاموس.

(2)

الدوادارُ: كاتب الملك، حامل الدواة معرَّب مركَّب من (دواة ودار: مالك وصاحب) بمعنى المنشئ الكاتب ثم أطلقت على كل ما ينضمُّ لأمور الكتابة بما في ذلك نقل البريد وعرض القصص، وأخذ الخط السلطاني على عامة المناشير.

راجع معجم المعربات الفارسية للسباعي (ص 81).

(3)

هذان البيتان نسبهما السيوطي في شرحه عقود الجمان (1/ 213) للحافظ ابن حجر، وذكر ما ذكره المعلمي ههنا، وكذا المرشدي في شرحه للعقود (1/ 212)، وروي البيت الثاني فيهما:

أبذل المال قلت لا

حفظ الله جانبك

ص: 305

وأمَّا قول مولانا أمير المؤمنين ــ عليه السلام ــ: "ولا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات" فإيرادها من الغفلة؛ إذْ صرح فيها بـ (على) فليس فيها شبهة.

وأمَّا قوله: "فما عدا ممَّا بدا" فلـ (عدا) معانٍ كثيرة ــ كما في كتب اللغة

(1)

ــ تارةً بمعنى (جدَّ في سعيه)، وتارة بمعنى ظلم، وتارة يقال: عدا اللصُّ على المال أي: سَرَقه، وتارة بمعنى (صرف)، وتارةً بمعنى (وثَبَ)، وتارة بمعنى (جاوز)، وتارة فعل استثناء، وتارة حرف جرٍّ فأيُّها أُريدَ في هذه العبارة

(2)

؟

فإنْ زعمتَ أنَّها بمعنى (أصاب) فاجْعلْها مكانها لتعرف بيانها، والظاهر أنَّ (ما) استفهامية، و (عدا) بمعنى (صرف) وهي تتعدى إلى واحدٍ بنفسها، وثانٍ بـ (عن) وكلاهما محذوف للعلم به، والمعنى: ما صرفك عن طاعتي؟ و (مِنْ) تبعيضيّة و (ما) موصولة، و (بدا) بمعنى (نشأ) مِن الرأي، أو بمعنى (ظهر) فحينئذٍ يكون المعنى: ما صرفك عن طاعتي ممَّا نشأ لك من الرأي،

(1)

راجع هذه المعاني في تاج العروس (10/ 235)، والمجمل لابن فارس (3/ 652)، والكليات (3/ 284).

(2)

قد ذكر الأزهري في تهذيب اللغة (3/ 117) قول علي بن أبي طالب ونقل تفسيره عن أئمة اللغة كثعلب وغيره، وذكر عن الأصمعي أنه جعله من قول العامة، وفسره بالاستفهام: أما عدا مَنْ بدأ؟ ومعناه: ألم يتعدَّ الحق مَنْ بدأ بالظلم؟

وانظر شفاء الغليل للخفاجي فقد ذكر العبارة وشرحها. (ص 277).

ص: 306

أو ممَّا ظهر منّي أيْ: أيُّ شيءٍ مما نشأ لك من الرأي، أو ممَّا ظهر منِّي صَرفَك عن طاعتي. وهي على كل تقدير بمعزل عن الاستدلال بها.

وأمَّا قولي: "راجعوا الإمام" فإنِّي لمَّا أردتُ أنْ أمحضَك النصيحة، وأردَّك إلى الاستعمالات الصحيحة تقاعسْتَ عن ذلك وطفقت تخبط خَبْط عشواء، وتعربد عربدة النشوى، وقد قيل في المثل:"آخر الداء الكيُّ"

(1)

.

وأمَّا التعصُّب بالدين فقال في القاموس: "وتعصَّب شدَّ العصابةَ، وأتى بالعصبية، وتقنَّع بالشيء ورضي به"

(2)

، فأيُّ ملامةٍ عليَّ بأنْ أكونَ متعصبًا بالدين أي: معتمًّا وكوني متعصِّبًا به أي: متعزِّزًا، وكوني متعصِّبًا به أي: مُتقنِّعًا راضيًا به: (وتلك شَكاةٌ ظاهرٌ عنك عارها)

(3)

وإنَّما اللومُ على مَنْ يتعصَّب على الدين، أو يتعصَّب فيه مع أنَّ الأولى في قضيتنا أن يُعبَّر بالحقِّ بدل الدين.

وأمَّا قولك: "وعدم الرجوع إلى الحقِّ

إلخ" فأينَ الحقُّ الذي أرجع إليه؟

(1)

هكذا في المطبوعة، وفي الأصل (الدا) بالقصر، وكنت صوَّبتها إلى (الدواء) ثم رأيت في الصحاح (6/ 2477) قول الجوهري: ويقال: آخر الدواء الكيُّ، ولا تقل: آخر الداء الكيُّ. اهـ. فدلَّ على أن قولهم: آخر الداء مستعمل لكنه ضعيف وصوابه ما ذكره الجوهري بدليل أنه روي بلفظ: آخر الطب الكيُّ.

وانظر لسان العرب (15/ 235)، والتاج (10/ 319).

(2)

راجع القاموس مادة (عصب).

(3)

هذا عجز بيت لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدة يرثي بها نشيبة بن محرِّث وصدره: (وعيَّرها الواشون أني أحبها).

انظر شرح ديوان الهذليين للسكري (1/ 69).

ص: 307

وأين الدليل الذي ثبت حتى أعوِّل عليه؟ بل

(1)

قد ثبت على جهل المعاند.

وأمَّا قول العارفين: "قرأتُ العلم

" إلخ، فإنَّما لفظه: "طلبنا العلم لغير الله فأبى العلم أن يكون إلا لله"، وهذا الشاهد لم يظهر لي وجه الاستشهاد به حتى أتكلَّم عليه.

وأمَّا قولك: "إني قصدتُ بإنشادي الإعجاز والمبارزة" فما قصدتُ به إلا تطهير المسامع عما قرعها، وتنشيط الرؤوس عمَّا صدَّعها، ومَحْوًا لما قد يتشاءم به.

وأمَّا كون أبياتي ليست على غايةٍ من المدح فهذا كلامُ حاسدٍ لا يبالي بما يقول.

وهذه أبياتي:

دَعْني من الغِيدِ ما للصِّيد والغيد

وقُم نُهنِّي إمامَ الحقِّ بالعيدِ

مَولايَ يَهْنؤك العيد السعيدُ فَدُمْ

في خير عَيشٍ بتوفيقٍ وتسديدِ

ودام سَعْدُكَ طولَ الدَّهرِ يَرْفُل في

نَصْرٍ وفَتْحٍ وتمكينٍ وتأْييد

وقولك: "من حيث إنَّه ما مِن أحدٍ إلا ويُهنّى بالعيد حتى العبد المملوك، ولا فَضْلَ يُرى للممدوح بذلك"؛ فإنَّما التهنئة بالعيد تهنئةٌ بالعافية والسرور والحبور وامتداد العمر في طاعة الله فيه، والتهنئة بذلك أمرٌ لا ينكره ذو بصيرة، وكما أنَّ الدعاء بالعافية وسؤال العافية يستوي فيه الملوكُ

(1)

أشار د/عبد الله أبو داهش إلى أنَّ أصلها في المخطوط: (بلا) وصوَّبها إلى (بل) ولعلها (بلى) لأنَّ الشيخ المعلمي كثيرًا ما يرسم الألف المقصورة برسم الألف الممدودة كما هو سائر في خطوط بلاده.

ص: 308

والمملوك؛ فكذا التهنئة بها، على أنَّها ليست تهنئةً بلفظٍ عادي، وإنما هي بأبياتٍ لطيفة يعرفها مَن له ملكةٌ، ولا يعرف السبيلَ إلا مَن سلكه، ولا يعرف السالك السبيلَ إلا إذا كان على بصيرةٍ، وأمَّا مَنْ سلكه مُتَخبطًا، ولم يمشِ فيه على المنوال فهو سواء وسائرُ الجهَّال.

وقولك: "بل المدحُ العالي أن يُهَنَّأَ العيدُ بإمام الحقّ" فمَن هو العيدُ حتَّى تهنئَه؟ !

وإذْ لسْتَ ممن يفهم التصريح فَضْلًا عن التلميح فنقول: إنَّ العيد ليس بذي عَقْلٍ ووجدان وعيون وآذان حتى تهنئه، فلو أنَّ العيد يتصوّر إنسانًا لهنَّأناه، كما أنَّ اعتراضَك لو يتجسّد لكان أبلغَ دواءٍ للمحرورين

(1)

، وأخشى أن يطلع عليه غير صفراوي فتصيبه البردة

(2)

.

على أنَّ أبياتي مرتجلةٌ بنتُ لحظةٍ، ولولا أنَّ ذلك المقام يشغل الفكر بهيبته لما اقتصرت على الثلاثة الأبيات وأنت تعرف ذلك قد لجلجك في الإنشاد، فكيف بي في الإنشاء؟ !

وأين مِنْ أبياتي قصيدتك بنت شهر، بوزنٍ قليل الاستعمال ملتزمًا في القوافي قولك:"يا ابن علي" مع التعرض بكفران النعمة من دعوى أنَّ الناس أفناهم الجوع، وقد أغناهم الله تعالى بفضل عبده مولانا ــ أيَّده الله ــ وبتيسيره سُبل الكسب، وأين ذلك من قول بعضهم في تهنئةِ عيد:

(1)

الحرير والمحرور: مَن تداخلته حرارة الغيظِ أو غيره. انظر القاموس.

(2)

قال المجد الفيروز آبادي: البَرْدة ويحرك: التُّخَمَة.

ص: 309

يا إمامَ الهدى وغوثَ اليتامى

والمساكينِ رحمةَ الرحمنِ

زارك العيدُ وهو يحمل أعلا

مَ التهاني لكم بِنَيلِ الأماني

فهنيئًا لك السرورُ بشوّا

لٍ ونيل الأجور في رمضان

وما عسى أن يبلغه من يريد إساءة الإمام بعد مقابلته في تهنئةِ عيدٍ بمحضرٍ من الناس بنحو قوله: "أفنى الناسَ الجوعُ" وقوله: "لا عداك السوء"، فعدا أميرَ المؤمنين ومحبِّيه كلُّ سوء ولا عداك، ومَن أعديته من نباهتك سُوءًا فابنِ على زَعْمِكَ.

ولستُ أزعم أنّي متحرّز عن كلِّ خطأ، لكنّني لو نُبِّهْتُ على الخطأ لما تمحَّلْتُ لتصويبه، بل بادرتُ بسؤال العفو والإقرار بالقصور؛ لأنَّ الإنسان رهين النسيان ولا سيَّما إذا كان في درجتنا قصورًا وتقصيرًا. وقد يقال: كفارة الذنب الإقرار والندم والاستغفار. ومُغَلِّظُهُ الإنكار مع المحاجَّة والاعتذار، وذلك هو عينُ الإصرار، ومُسْقِطُ الأعذار من الاعتبار.

وأمَّا قولك: "في الرياء، والسمعةِ، وحبِّ الجاه وطلبِ الرِّفْعة" فالله تعالى أعلمُ بها على أنَّها أدواء القلب، وربَّما أصلحها صلاح النّية، كالذي يُصلّي ويحسِّنُ صلاته ليتعلم الناس كيفية الصلاة، ويطلب الجاه ليستعين به على طاعةٍ.

وقولك: "عند المخلوق دون الخالق" فالمخلوقون ليسوا سواءً؛ فإنَّ منهم من يكون حبُّه حبًّا لله، وبُغْضُه بغضًا لله، والتقرُّبُ إليه تقرُّبًا إلى الله، وأظنُّكَ لا تنكر أنَّ منهم مولانا أيَّده الله تعالى.

ص: 310

ولعلّي قد أسرفْتُ في القِصَاص، ولا أقول: البادئ أظَلْمُ، ولا الكلامُ أنثى، والجوابُ ذكر، ولكنِّي أسألك العفوَ، وأقسم لك بالله الذي لا إله إلا هو ما لي من قَصْدٍ إلا بيان الحق، وأَنْصحُك لله، ولجدِّك رسولِ الله أنْ تَثبَّتَ في الكلام، وتعلمَ أنك تخاطب إمامًا نقَّادًا مجتهدًا يجب على مخاطبه بما يزعم المخاطب أنه قد نقّحه التحرُّزُ، وإلا فكما قيل:(ترك الذنب أولى من طلب المغفرة)، وإذا أردتَ التحرُّزَ فخُذْ ما تعرفه يقينًا، ودَعْ ما تشكُّ فيه ــ وإنْ ترجَّح في ظنك شيءٌ ــ فإنَّما يوقع الإنسانَ في الغلط مسامحةُ النفس والعملُ بمجرَّد الظنَّ.

كلّا: مِثْلُ الشمس وإلا فدعْ هذا.

وإنَّما الفضل بالتقوى، وفَّقَنا اللهُ لأنْ نتمسَّك منها بالسبب الأقوى، وغَفَر لنا ولكم، وعفا عنّا وعنكم، وصلى الله على رسوله محمد وآله وصحبه وسلم.

فأعاد عليَّ جوابَ معتذرٍ، وأفاد أنَّه أرى السيّدَ العلَّامةَ صالح بن محسن الصيلمي جوابي، فقضى بما لا يخفى على مِثْلِه.

ثم كتب إليَّ السيدُ عليٌّ قصيدةً يعتذر [فيها] لم أرَ منها ما يليق ذكره فمن ظنَّ أنَّ هذا منِّي تعصُّب فها هي مُلْصقة بهذا

(1)

.

(1)

لم أقف على قصيدة السنوسي هذه التي يعتذر فيها للمعلمي وقد ذكر د/ أبو داهش أنَّها مرفقة بهذه المحاورة وأنّ مطلعها:

يا سادتي يا بني إدريس لم يَزَلِ

قلْبي عليكم مقيمًا أينما يَحُلِ

ص: 311

وطلب منّي إصلاح خللها، فرأيتُ الأمرَ بذلك يطول فأجبت عليه ارتجالًا بعشرةِ أبيات يراها المطَّلِعُ تحت قصيدته، وأوَّلُها:

يا فاضلٌ

(1)

دَلْوُهُ بالمكرماتِ مَلي

وقَدْره كاسْمِه بين الأنام علي

(2)

(1)

في المطبوع: (يا فاضلًا) ــ بالنصب ــ وذكر الناشر أنَّ بالأصل المخطوط: (يا فاضل)، وما بالأصل هو الصواب لأنه منادى نوعه نكرة مقصودة فيبنى على الضم، ونوِّن ضرورةً، وأمَّا (يا فاضلًا) بالنصب فجائز عربية للنكرة غير المقصودة لكنه غير مناسب هنا لأنه يريد السنوسي.

(2)

وبعده:

ومَنْ علينا له الحقُّ الأكيدُ بما

حواه من قربه من خاتم الرُّسُل

ما كان ما كان عن حبٍّ لمحمدةٍ

ولم أردْ سمعة بالبحث والجدل

لكنَّما الحقُّ أحرى أنْ نُعَظِّمَهُ

من الخداع بقولٍ غير معتدل

ولا أحبُّ لكم إلا الصواب كما

أحبُّه وهو من خير المقاصد لي

فظنَّ خيرًا كظني فيك محتملًا

ما كان أثناء نصر الحقِّ من خطل

فإنِّما غضبي للحقِّ حيث أرى

إعراضكم عنه تعليلًا بلا عِلل

وقد علمتم صوابي في محاورتي

والحمد لله ربِّ السهل والجبل

ثم السلام على المولى الإمام أبي

عليٍّ المرتقي أوجَ العُلا ابن علي

ثم السلام عليكم ما بدا قمرٌ

أو ما بدا فضل ندبٍ غير منتحلِ. اهـ

* وفي المطبوع اختلاف يسير في بعض الكلمات، وقد ذكر مطلع القصيدة وأردفه في الحاشية بثمانية أبيات فيصبح الجميع تسعة، وهو غير متفق مع قول المعلمي:"بعشرة أبيات"، وقد وجدت البيت العاشر ــ وهو الأخير منها ــ مع القصيدة كاملة في النسخة المخطوطة الأخرى.

ص: 312