المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الرسالة الثامنة   منة الجليل لبيان إسقاط ما على الذمة من كثير - منة الجليل لبيان إسقاط ما على الذمة من كثير وقليل - ط إسطنبول

[نجل ابن عابدين]

فهرس الكتاب

الرسالة الثامنة

منة الجليل لبيان إسقاط ما على الذمة من كثير وقليل

تأليف أحقر الورى وأحوجهم إلى رحمة

ربه الذي يسمع ويرى محمد

علاء الدين ابن عابدين

عفى عنهما

آمين

ص: 207

الرسالة الثامنة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله القديم الوارث * المميت الباعث * الدائم الذي لا تغيره الحوادث * أجده على جميع الأحوال * وأستغفره من الزلل في الأفعال والأقوال * وأستجير به من قادحات الأهوال * وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له محى الأمم لابتلاء أعمالها * ومميتها لانقضاء آجالها * ومعيدها كما انشأها أول مرة * ومجازيها على ما اكتسبت ولو مثقال ذرة * حد الحدود * وفرض الفرائض بأمر غير مردود * وجعل لمن قصر في شيء منها جابرا * ولو كان على التقصير مثابرا * وندم على ما فرط منه * وتداركه بالقضاء أو الفدية عنه * وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله * وحبيبه وخليله * أرسله رحمة للعالمين * وشافعا مشفعا يوم الدين * وسيد الأنبياء والمرسلين * جاءنا بالدين الحق الصحيح * والملة الحنيفية السمحة بلسان عربي فصيح * صلى الله تعالى وسلم عليه وعلى آله وأصحابه * صلاة تتكفل لصاحبها بجزيل ثوابه * وتلبسه من الرضى أفخر أثوابه * (أما بعد) فيقول فقير رحمة ربه المعين * محمد علاء الدين ابن عابدين * هذه رسالة عملتها ذيلا لرسالة سيدى الوالد * أحسن الله تعالى له الفوائد * ورحم روحه * وبرد ضجوعه * المسماة شفاء العليل * وبل الغليل * في حكم الوصية بالختمات والتهاليل * اذكر فيها فوائد حسان * تقر بها العينان * قد خلت من ذكرها تلك الرسالة * وقيدتها في هذه العجالة * جل مأخذها من كلامه * على وفق رأيه ومرامه * لم يفرد لمسائلها فيما أعلم مؤلف * ولم يسبق في أحكامها مصنف * مع أنها من أهم المهمات الدينية * والفرائض العينية * حملنى على جمعها ما رأيته وسمعته من بعض جهلة الأئمة * من الإخلال بما يتعلق بإسقاط ما في الذمة * وأستعين بالمولى المفيض للخير والجود * أن يحفظها من شر كل حسود * وأسأله تعالى الذي بحبه نتغالى * وبنعمته التي علينا في كل لمحة تتوالى * أن ينفع بها كما نفع بأصلها إنه على ما يشاء قدير * وبالإجابة جدير * (وسميتها) منة الجليل * ذيل شفاء العليل وبل الغليل * لبيان إسقاط ما على الذمة من كثير وقليل * وذلك من آثار يمن عصر حضرة مولانا السلطان الأعظم * والحاقان الأفخم * ناشر لواء العدل على مفارق الأمة * وناصر الشريعة الغراء المزيلة لكل مدلهمة * حضرة مولانا السلطان ابن السلطان السلطان الغازى عبد الحميد خان الثاني * أيده الله تعالى ببركات السبع المثاني * وأدام سرير سلطنته إلى نهاية الدوران * ما تعاقب الملوان * آمين اللهم آمين

ص: 208

(وهذا) أوان الشروع في المقصود * بعون الملك المعبود * فأقول أخرج الشيخان وعبد بن حميد عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول (ما حق امرء مسلم تمر عليه ثلاث ليال إلا ووصيته عنده) قال ابن عمر فما مرت على ثلاث قط إلا ووصيتى عندى قال الطحاوي في حاشيته على مراقي الفلاح إعلم أنه ورد النص في الصوم بإسقاطه بالفدية واتفقت كلمة المشايخ على أن الصلاة كالصوم استحسانا لكونها أهم منه وإنما الخلاف بينهم في أن صلاة يوم كصومه أو كل فريضة كصوم يوم وهو المعتمد إذا علمت ذلك تعلم جهل من يقول أن إسقاط الصلاة لا أصل له إذ هذا إبطال للمتفق عليه بين أهل المذهب وأن المراد بالصوم صوم رمضان وصوم كفارة اليمين وقتل وظهار وجناية على إحرام وقتل محرم صيدا وصوم منذور اهـ (أقول) أما قوله استحسانا فالمراد به استحسان المشايخ يدل عليه قوله واتفقت كلمة المشايخ الخ وكلام المستصفى الآتي لا الاستحسان المطلق المقابل للقياس الجلى لأنه هنا ليس كذلك بل المراد الأول * وأما قوله لا أصل له أو مطلقا سواء كان له أصل في استحسان المشايخ أو في ورود النص والدليل فهو جهل حينئذ ما علمت وأما لو كان المراد الثاني فهو علم لا جهل وعلى الأول يحمل قول من يقول أن إسقاط الصلاة لا أصل له لأن الإطعام عن الصلاة لا أصل له في كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس وإنما هو أمر احتياطي باستحسان المشايخ كما في معتبرات المذهب أصولا وفروعا كما علمت ويأتى نصه حتى نقل عن المبسوط ما نصه وأما الصلاة فلم يطلق الجواب في شيء من الكتب على الفدية مكانها اهـ وبذلك علمت أن كلام العلامة الطحطاوي محمول على الإطلاق الذي بيناه ليثبت جهل هذا القائل تأمل * قال الإمام فخر الإسلام البزدوى في أصوله في بحث القضاء ثم لم نحكم بجوازه أي بجواز الفداء في الصلاة مثل حكمنا به في الصوم لأنا حكمنا به في الصوم قطعا ورجونا القبول من الله تعالى في الصلاة فضلا فقال محمد رحمه الله تعالى في الزيادات في هذا أي فدية الصلاة يجزيه إن شاء الله تعالى كما إذا تطوع به الوارث في الصوم اهـ * وقال الإمام جلال الدين الخبازى الخجندى في كتابه المغنى في أصول الفقه قضاء بمثل غير معقول كفدية الصوم ونفقة الاحجاج ثبتا بنص غير معقول والأمر بالفدية في الصلاة لاحتمال المعلولية وكونها أهم منه لم نحكم بجوازه قطعا مثل ما حكمنا به في الصوم فقال محمد رحمه الله تعالى يجزيه إن شاء الله تعالى كما إذا تطوع الوارث به في الصوم اهـ * قال شارحه أبو منصور الفاغاني بعد كلام ولهذا لا نقول في الفدية عن الصلاة أنها جائزة قطعا كما حكمنا به في الصوم إذا أدى بنفسه ولكنا نرجوا

ص: 209

القبول من الله تعالى فضلا قال محمد في الزيادات إفداء الصلاة يجزيه إن شاء الله تعالى كما قال في أداء الوارث في الفداء عن المورث بغير أمره في الصوم يجزيه إن شاء الله تعالى ولو كان ثابتا بالقياس لما احتاج إلى إلحاق الاستثناء كما في سائر الأحكام الثابتة بالقياس اهـ * ومثله في حاشية سيدى الوالد على شرح المنار للعلائي * لكن قد روجع ثلاث نسخ من الزيادات في هذا الشأن وبعد التنقير والتفتيش فلم يوجد فيها ما نسب للإمام محمد من التعرض لفدية الصلاة غير أن ذلك صدر باستحسان المشايخ كما علمت ويأتي ولتراجع بقية النسخ المعتمدة فإن مثل هؤلاء الأئمة الثقات الأعلام الناصرين للإسلام حاشاهم أن ينقلوا إلينا شيء من غير تثبت ولا روية فإنهم أمناء الشريعة الطاهرة النقية لاسيما وهم ختمة المحققين ورئيسهم ابن الهمام بلغ درجة المجتهدين رحم الله تعالى أرواحهم ونور مراقدهم ومضاجعهم آمين (ثم) أقول بيان الإسقاط والكفارة والفدية وكونه بوصية من الشخص أولى من أن يفعله عنه وارثه تبرعا وهو يجرى في الصلاة والواجب فيها أن يعطى للفقير عن كل فرض نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو دقيقه إلى غير ذلك مما ذكر في باب الفطرة * ثم أعلم أن الدرهم الشرعي أربعة عشر قيراطا * والدرهم المتعارف الآن ستة عشر قيراطا * والقيراط الشرعي خمس شعيرات أو أربع قمحات فيكون الدرهم الشرعي سبعين شعيرة والمثقال مائة شعيرة فهو درهم وثلاثة أسباع درهم * والقيراط في عرفنا الآن وهو موافق للشرعى هو بذرة الخرنوبة * والفرق بين الدرهم الشرعي والعرفى قيراطان * وبين المثقال الشرعي والعرفي أربع قراريط عندنا والمساواة بين خمس شعيرات وأربع قمحات وزنا * وأن كل عشرة من الدراهم من الفضة بوزن سبعة مثاقيل من الذهب * فإذا كان الصاع ألفا وأربعين درهما شرعيا يكون بالدراهم المتعارفة تسعمائة وعشرة وقد تحرر نصف الصاع في عام ست وتسعين بعد المأتين وألف فوجد تقريبا مسيح ثمنية من غير تكويم * ولا يخالف ذلك ما ذكروه في تقديره لأن المد في زماننا أكبر من المد السابق * والمد ثمانية أجزاء يعبر عن كل جزء منه ثمنية * فالثمنية ثمن مد دمشقى والمد نصف جفت وهو يزيد على الكيلة الإسلامبولية قدر حفنتين تقديرا وكذا الرطل في زماننا فإنه الآن ثمانمائة درهم وهذا كله بناء على تقدير الصاع بالماش أو العدس أما على تقديره بالحنطة أو الشعير وهو الأحوط فيزيد نصف الصاع على ذلك * فالأحوط إخراج ثمنية دمشقية على التمام مكومة مغربلة من الحنطة الجيدة أو اعتبار قيمة ذلك من أجل كون البر لا بد أن يشتمل على شيء من حجر وتراب

ص: 210

وحب فاسد وشعير * واعتبار البر هو الأصل ودفع القيمة أفضل لأنها أنفع للفقراء إلا زمن الفاقة والقحط والعياذ بالله تعالى * والفروض في كل يوم وليلة ستة بزيادة الوتر على الصلوات الخمس بناء على أنه فرض عملى عند الإمام الأعظم رحمه الله تعالى * فتكون كفارات صلوات اليوم والليلة ست ثمنيات أي ثلاثة أرباع مد دمشقى وكفارات صلوات شهر اثنان وعشرون مدا ونصف مد * ولكل سنة شمسية التي هي عبارة عن ثلاثمائة يوم وخمس وستين يوما وخمس ساعات وخمس وخمسين دقيقة أو تسع وأربعين دقيقة مايتان وثلاث وسبعون مدا ونصف مد وربعه كناية عن مائة وسبع وثلاثين جفتا إلا ثمنيتين أي ربع مد * وذلك كناية عن ثلاث غرائر ونصف إلا اثنى عشر مدا وربع مد حنطة * وإن ضممنا ربع المد بنظير الست ساعات إلا خمس دقائق أو إلا إحدى عشرة دقيقة فهو أحوط * فيكون للسنة ح ثلاث غرائر ونصف غرارة حنطة إلا اثنى عشر مدا * لأن الغرارة ثمانون مدا ولصيام كل سنة أربع أمداد إلا ربع مد * فيستقرض الولى قيمتها ويدفعها للفقير ثم يستوهبها منه ويتسلمها منه لتتم الهبة ثم يدفعها لذلك الفقير أو لفقير آخر وهكذا فيسقط في كل مرة كفارة سنة وإن استقرض أكثر من ذلك يسقط بقدره وبعد ذلك يعيد الدور لكفارة الصيام ثم للأضحية ثم للأيمان لكن لا بد لكفارة الأيمان من عشرة مساكين ولا يصح أن يدفع للواحد أكثر من نصف صاع في يوم للنص على العدد فيها بخلاف فدية الصلاة فإنه يجوز إعطاء فدية صلوات لواحد * وكذا الزكاة ولو بدون وصية على المعتمد ومثلها الحج * ويخرج عن كل سجدة تلاوة كفرض صلاة على الأحوط * وعن النوافل التي أفسدها ولم يقضها وعن النذور والأضاحي * وعن الزكاة والفطرة التي على نفسه وعلى من تجب عليه فطرته والعشر والخراج * وعن الجناية على الحرم أو الإحرام * وكفارة قتل خطأ * وظهار * والنفقة الواجبة والكفارات المالية والصدقة المنذورة والاعتكاف المنذور عن صومه لا عن اللبث في المسجد لكل يوم نصف صاع من بر * وعن حقوق العباد المجهولة أربابها وعن الكفارات * ثم من بعد ذلك لا بد أن يخرج عن سائر الحقوق البدنية ثم يكثر من التطوع لتكثر الحسنات التي يرضى بها الخصوم ويأتي لذلك مزيد بيان * بقدرة من علم الانسان * (والمنصوص) عليه في المذهب وعليه العمل أن يجمع الوارث عشرة رجال ليس فيهم غنى ولا عبد ولا صبى ولا مجنون ثم يحسب من الميت فيطرح منه اثنتى عشرة سنة لمدة بلوغه إن كان الميت ذكرا أو تسع سنين إن كان أنثى وإن لم يعلم سنه فيقدر عمر الشخص

ص: 211

بغلبة الظن فإن لم يوقف عليه قصد إلى الزيادة لأن ذلك أحوط ثم بعد التخمين على عمره يسقط عنه ما ذكر من مدة الذكر والأنثى ويخرج الكفارة عن الباقي لأن أدنى مدة يبلغ فيها الذكر اثنا عشرة سنة والأنثى تسع سنين هكذا ينبغي أن يفعل وإن كان الشخص محافظا على صلواته احتياطا خشية أن يكون وقع خلل ولم يشعر به (ومما تعارفه الناس) ونص عليه أهل المذهب أن الواجب إذا كثر أداروا صرة مشتملة على نقود أو غيرها كجواهر أو حلى أو ساعة وبنوا الأمر على اعتبار القيمة * ولأدارة الصرة طرايق أحسنها أن يعطى الوصى الصرة إلى الفقير على أنها فدية عن صلاة يقدرها ويقول له خذ هذه الصرة عن فدية صلاة سنة أو عشر سنين مثلا عن فلان بن فلان الفلاني أو ملكتك هذه عن فدية صلوات سنة عن فلان الخ ويقبلها الفقير ويقبضها ويعلم أنها صارت ملكا له ويقول الفقير هكذا وأنا قبلتها وتملكتها منك ثم يعطيها الفقير إلى الوصى بطريق الهبة ويقبضها الوصى ثم يعطيها الوصى إلى الفقير الآخر ويأخذها منه على نحو ما ذكرنا وهكذا يفعل الوصى حتى يستوعب الفقراء ويستوعب قدر ما على الميت من الصلوات ثم يفعل كذلك عن الصوم وعن جميع ما ذكرنا من الصيام والأضحية ثم بعد تمام ذلك كله ينبغي أن يتصدق على الفقراء بشيء من ذلك المال أو بما أوصى به الميت والمنصوص في كلامهم متونا وشروحا وحواشى أن الذي يتولى ذلك إنما هو الولى وأن المراد بالولى من له ولاية التصرف في ماله بوصاية أو وراثة وأن الميت لو لم يملك شيء يفعل له ذلك الوارث من ماله إن شاء فإن لم يكن للوارث مال يستوهب من الغير أو يستقرض ليدفعه للفقير ثم يستوهبه من الفقير وهكذا إلى أن يتم المقصود * وفى الدر وحاشيته لسيدى الوالد رحمه الله تعالى وفدى عن الميت وليه الذي يتصرف في ماله بوصاية أو وراثة من الثلث إذا أوصى لصيام فاته لسفر أو مرض وأدرك زمنا لقضائه ولم يقضه وإن لم يوص وتبرع عنه الولى جاز عما على الميت إن شاء الله تعالى وإن لم يتبرع عنه الورثة لا يجب عليهم الإطعام لأنها عبادة فلا تؤدى إلا بأمره وإن فعلوا ذلك جاز ويكون له ثواب كما في الاختيار وإن صام أو صلى عنه الولى لا يجوز قضاء عما على الميت بل لو جعل ثوابهما للميت جاز * وعلى هذا فالذي يفديه الوصى عن الميت لصيام كل يوم كالفطرة من حيث القدر والجنس وجواز أداء القيمة بعد قدرته على القضاء وفوته بالموت ولو اباحة أو قيمة ولو إلى فقير جملة جاز ولا يشترط العدد ولا المقدار لكن لو دفع للفقير أقل من نصف صاع حنطة أو أقل من قيمته لم يعتد به على المفتى به بخلاف الفطرة على قول * وكذا يجوز لو تبرع عنه

ص: 212

وليه بكفارة يمين في الكسوة والإطعام دون الإعتاق وفي كفارة القتل لا أيضًا ولو أوصى بالفدية يصح باليمين والقتل * ولو تبرع عنه الوارث في الزكاة والحج والكفارة تجزيه بلا خلاف وفى كفارة الظهار والإفطار إذا عجز عن الإعتاق لإعساره وعن الصوم لكبره فله أن يطعم ستين مسكينا وتكفى الإباحة في الفدية على المشهور * ولو قضاها أي الصلاة ورثته بأمره لم يجز (بضم الياء وكسر الزاي) وكذا الصوم بخلاف الحج نعم لو صام أو صلى وجعل ثواب ذلك للميت صح ولو أجنبيا لحديث النسائي لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ولكن يطعم عنه وليه * لكنه موقوف على ابن عباس وأما ما في الصحيحين عن ابن عباس أيضًا أنه قال جاء رجل إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فقال إن أمي ماتت وعليها صوم شهر أفأقضيه عنها فقال لو كان على أمك دين أكنت قاضيه عنها قال نعم قال فدين الله أحق فهو منسوخ لأن فتوى الراوى على خلاف مرويه بمنزلة روايته للناسخ وقال مالك ولم أسمع عن أحد من الصحابة ولا من التابعين بالمدينة أن أحدا منهم أمر أحدا يصوم عن أحد ولا يصلى عن أحد وهذا مما يؤيد النسخ وأنه الأمر الذي استقر الشرع عليه وتمامه في الفتح وشرح النقاية اهـ وقوله إن شاء الله تعالى قيل المشيئه لا ترجع للجواز بل للقبول كسائر العبادات وليس كذلك فقد جزم محمد رحمه الله تعالى في فدية الشيخ الكبير وعلق بالمشيئة فيمن ألحق به كمن أفطر بعذر أو غيره حتى صار فانيا وكذا من مات وعليه قضاء رمضان وقد أفطر بعذر إلا أنه فرط في القضاء وإنما علق لأن النص لم يرد بهذا كما قاله الاتقانى * وكذا علق في فدية الصلاة لذلك * قال في الفتح والصلاة كالصوم باستحسان المشايخ وجهه أن المماثلة قد ثبتت شرعا بين الصوم والإطعام والمماثلة بين الصلاة والصوم ثابتة ومثل مثل الشيء جاز أن يكون مثلا لذلك الشيء وعلى تقدير ذلك يجب الإطعام وعلى تقدير عدمها لا يجب فالاحتياط في الإيجاب فإن كان الواقع ثبوت المماثلة حصل المقصود الذي هو السقوط وإلا كان برا مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات ولذا قال محمد فيه يجزيه إن شاء الله تعالى من غير جزم كما قال في تبرع الوارث بالإطعام بخلاف إيصائه به عن الصوم فإنه جزم بالإجزاء انتهى وقوله جاز إن أريد بالجواز أنها صدقة واقعة موقعها فحسن وإن أريد سقوط واجب الإيصاء عن الميت مع موته مصرا على التقصير فلا وجه له والأخبار الواردة مؤولة اسمعيل عن المجتبى (أقول) لا مانع من كون المراد به سقوط المطالبة عن الميت بالصوم في الآخرة وإن بقى

ص: 213

عليه إثم التأخير كما لو كان عليه دين عبد وماطله بالتأخير حتى مات فأوفاه عنه وصيه أو غيره ويؤيده تعليق الجواز بالمشيئة كما تقرر * وكذا قول المص (أي التمرتاشي) كغيره وإن صام أو صلى عنه لا فإن معناه لا يجوز قضاء عما على الميت وإلا فلو جعل له ثواب الصوم والصلاة يجوز كما نذكره فعلم أن قوله جاز أي عما على الميت لتحسن المقابلة اهـ * وفى البحر ويطعم وليهما لكل يوم كالفطرة بوصية أي يطعم ولى المريض والمسافر عنهما عن كل يوم أدركاه كصدقة الفطر إذ أوصيا به لأنهما لما عجزا عن الصوم الذي هو في ذمتهما التحقا بالشيخ الفاني دلالة لا قياسا فوجب عليهما الإيصاء بقدر ما أدركا فيه عدة من أيام أخر كما في الهداية * ولو قال ويطعم ولى من مات وعليه قضاء رمضان لكان أشمل لأن هذا الحكم لا يخص المريض والمسافر ولا من أفطر لعذر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه * بل أراد بالولى من له ولاية التصرف في ماله بعد موته فيدخل وصيهما * وأراد بتشبيهه بالفطرة كالكفارة التشبيه من جهة المقدار بأن يطعم عن صوم كل يوم نصف صاع من بر لا التشبيه مطلقا لأن الإباحة كافية هنا ولهذا عبر بالإطعام دون الإيتاء دون صدقة الفطر فإن الركن فيها التمليك ولا تكفى الإباحة وقيد بالوصية لأنه لو لم يأمر لا يلزم الورثة شيء كالزكاة لأنها من حقوق الله تعالى ولا بد فيها من الإيصاء ليتحقق الاختيار إلا إذا مات قبل ان يؤدى العشر فإنه يؤخذ من تركته من غير إيصاء لشدة تعلق العشر بالعين كذا في البدائع ومع ذلك لو تبرع الورثة أجزأه إن شاء الله تعالى * وكذا كفارة اليمين والقتل إذا تبرع الوارث بالإطعام والكسوة يجوز ولا يجوز التبرع بالإعتاق لما فيه من إلزام الولاء للميت بغير رضاه * وأشار بالوصية إلى أنه معتبر من الثلث * وإلى أن الصلاة كالصوم بجامع أنهما من حقوقه تعالى بل أولى لكونها أهم وإلى أن سائر حقوقه تعالى كذلك ماليا كان أو بدنيا عبادة محضة أو فيه معنى المؤنة كصدقة الفطر أو عكسه كالعشر أو مؤنة محضة كالنفقات أو فيه معنى العقوبة كالكفارات * وإلى أن الولى لا يصوم عنه ولا يصلى * وقيدنا بكونهما أدركا عدة من أيام أخر إذ لو ماتا قبله لا يجب عليهما الإيصاء لكن لو أوصيا به صحت وصيتهما لأن صحتها لا تتوقف على الوجوب * وأشار أيضًا إلى أنه لو أوجب على نفسه الاعتكاف ثم مات أطعم عنه لكل يوم نصف صاع من حنطة لأنه وقع اليأس عن أدائه فوقع القضاء بالإطعام كالصوم في الصلاة فالحاصل أن ما كان عبادة بدنيه فإن الوصى يطعم عنه بعد موته عن كل واجب كصدقة الفطر وما كان عبادة مالية كالزكاة

ص: 214

فإنه يخرج عنه القدر الواجب عليه وما كان مركبا منهما كالحج فإنه يحج عنه رجلا من مال الميت اهـ باختصار * وفيه وأشار المص فيما سبق من أن المسافر إذا لم يدرك عدة فلا شيء عليه إذا مات إلى أن الشيخ الفاني لو كان مسافرا فمات قبل الإقامة لا يجب عليه الإيصاء بالفدية لأنه يخالف غيره في التخفيف لا في التغليظ * لكن ذكره الشارحون بصيغة قيل ينبغي أن لا يجب مع أن الأولى الجزم به لاستفادته مما ذكرناه وليست صريحة في كلام أهل المذهب فلم يجزموا بها * ولأن الفدية لا تجوز إلا عن صوم هو أصل بنفسه لا بدل عن غيره فجازت عن رمضان وقضائه * والنذر حتى لو نذر صوم الأبد فضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة له أن يطعم ويفطر لأنه استيقن أن لا يقدر على قضائه * وإن لم يقدر على الإطعام لعسرته يستغفر الله تعالى وإن لم يقدر لشدة الحر كان له أن يفطر ويقضيه في الشتاء إذا لم يكن نذر الأبد ولو نذر صوما معينا فلم يصم حتى صار فانيا جازت له الفدية ولو وجبت عليه كفارة يمين أو قتل فلم يجد ما يكفر به وهو شيخ كبير عاجز عن الصوم أو لم يصم صار حتى شيخا كبيرا لا تجوز له الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غيره * ولذا لا يجوز المصير إلى الصوم إلا عند العجز عما يكفر به من المال كذا في فتح القدير * وفي فتاوى قاضى خان وغاية البيان وكذا لو حلق رأسه وهو محرم عن أذى ولم يجد نسكا يذبحه ولا ثلاثة آصع حنطة يفرقها على ستة مساكين وهو فان لا يستطيع الصيام فأطعم عن الصيام لم يجز لأنه بدل * وفي الفتاوى الظهيرية استشهاد لكون البدل لا بدل له وذكر الصدر الشهيد إذا كان جميع رأسه مجروحا فربط الجبيرة لم يجب عليه أن يمسح لأن هنا أصله منصوص عليه لا بدل عن غيره اهـ انتهت عبارة البخر ومثله في الزيلعي والدرر والنهر والدر المختار قال في الشرنبلالية أقول لا يصح تبرع الوارث في كفارة القتل بشيء لأن الواجب فيها ابتداء عتق رقبة مؤمنة ولا يصح إعتاق الوارث عنه كما ذكره والصوم فيها بدل عن الإعتاق لا تصح فيه الفدية كما سيأتي وليس في كفارة القتل إطعام ولا كسوة فجعلها مشاركة لكفارة اليمين فيهما سهو اهـ ومثله في العزمية * وأجاب العلامة الاقصراى كما نقله أبو السعود في حاشية مسكين بأن مرادهم بالقتل قتل الصيد لا قتل النفس لأنه ليس فيه إطعام اهـ * قلت ويرد عليه أيضًا أن الصوم في قتل الصيد ليس أصلا بل هو بدل لأن الواجب فيه أن يشترى بقيمته هدى يذبح في الحرم أو طعام يتصدق به على كل فقير نصف صاع أو يصوم عن كل نصف صاع

ص: 215

يوما فافهم * قلت وقد يفرق بين الفدية في الحياة وبعد الموت بدليل ما في الكافى النسفى على معسر كفارة يمين أو قتل وعجز عن الصوم لم تجز الفدية كمتمتع عجز عن الدم والصوم لأن الصوم هنا بدل ولا بدل للبدل فإن مات وأوصى بالتكفير صح من ثلثه وصح التبرع في الكسوة والإطعام لأن الإعتاق بلا إيصاء إلزام الولاء على الميت ولا إلزام في الكسوة والإطعام اهـ * فقوله فإن مات وأوصى بالتكفير صح ظاهر في الفرق المذكور وبه يتخصص ما سيأتي من أنه لا تصح الفدية عن صوم هو بدل عن غيره ثم أن قوله وأوصى بالتكفير شامل لكفارة اليمين والقتل لصحة الوصية بالإعتاق بخلاف التبرع به ولذا قيد صحة التبرع بالكسوة والإطعام وصرح بعدم صحة الإعتاق فيه وهذا قرينة ظاهرة على أن المراد التبرع بكفارة اليمين فقط لأن كفارة القتل ليس فيها كسوة ولا إطعام فتلخص من كلام الكافى أن العاجز عن صوم هو بدل عن غيره كما في كفارة اليمين والقتل لوفدى عن نفسه في حياته بأن كان شيخا فانيا لا يصح في الكفارتين ولو أوصى في الفدية يصح فيهما ولو تبرع عنه وليه لا يصح في كفارة القتل لأن الواجب فيها العتق ولا يصح التبرع به ويصح في كفارة اليمين لكن في الكسوة والإطعام دون الإعتاق لما قلنا هكذا ينبغى أن يفهم هذا المقام * فاغتنمه فإنه قد زلت فيه أقدام الأفهام * كذا أفاده سيدى الوالد الهمام * عليه رحمة الملك السلام (أقول) لكن في شرح العلامة الشيخ إسماعيل على الدرر ما نصه * أقول وبالله التوفيق الذهول من صاحب العزمية لأن الإطعام يوجد في كفارة القتل إذا كانت من الولى كهذه الصورة فإنها وإن كانت إعتاقا أو صياما تتابعا إلا أنه لو مات ولم يوص وتبرع وليه بالإطعام يجوز ويتعين الإطعام حينئذ لعدم إمكان الإعتاق لما فيه من إلزام الولاء على الميت اهـ فتأمل * وفى الدر وحاشيته لسيدى الوالد رحمه الله تعالى وللشيخ الفانى العاجز عن الصوم الفطر ويفدى وجوبا ولو في أول الشهر وبلا تعدد فقير كالفطرة لو موسرا وإلا فيستغفر الله تعالى هذا إذا كان الصوم أصلا بنفسه وخوطب بأدائه حتى لو لزمه الصوم لكفارة يمين أو قتل ثم عجز لم تجز الفدية لأن الصوم هنا بدل عن غيره ولو كان مسافرا فمات قبل الإقامة لم يجب الإيصاء ومتى قدر قضى لأن استمرار العجز شرط الخلفية * وهل تكفى الإباحة في الفدية قولان المشهور نعم واعتمده الكمال قوله ويفدى وجوبا لأن عذره ليس بعرض الزوال حتى يصير إلى القضاء فوجبت الفدية نهر (ثم عبارة الكنز وهو يفدى إشارة إلى أنه ليس على غيره الفداء لأن نحو المرض والسفر في عرضة الزوال فيجب

ص: 216

القضاء وعند العجز بالموت تجب الوصية بالفدية * قوله ولو في أول الشهر أي يخير بين دفعها في أوله أو آخره كما في البحر * قوله وبلا تعدد فقير أي بخلاف نحو كفارة اليمين للنص فيها على التعدد فلو أعطى هنا مسكينا صاعا عن يومين جاز لكن في البحر عن القنية أن عن أبي يوسف فيه روايتين وعند أبي حنيفة لا يجزيه كما في كفارة اليمين وعن أبي يوسف لو أعطى نصف صاع من بر عن يوم واحد لمساكين يجوز قال الحسن وبه نأخذ اهـ ومثله في القهستاني * قوله لو موسرا قيد لقوله يفدى وجوبا * قوله وإلا يستغفر الله تعالى هذا ذكره في الفتح والبحر عقيب مسألة نذر الأبد إذا اشتغل عن الصوم بالمعيشة فالظاهر أنه راجع إليها دون ما قبلها من مسئلة الشيخ الفاني لأنه لا تقصير منه بوجه بخلاف الناذر لأنه باشتغاله بالمعيشة عن الصوم لأنه ربما حصل منه نوع تقصير وإن كان اشتغاله بها واجبا لما فيه من ترجيح حظ نفسه فليتأمل * قوله هذا أي وجوب الفدية على الشيخ الفانى ونحوه * قوله أصلا بنفسه كرمضان وقضائه والنذر كما مر فيمن نذر صوم الأبد وكذا لو نذر صوما معينا فلم يصم حتى صار فانيا جازت له الفدية بحر * قوله حتى لو لزمه الصوم الخ تفريع على المفهوم * قوله أصلا بنفسه وقيد بكفارة اليمين والقتل احترازا عن كفارة الظهار والإفطار إذا عجز عن الإعتاق لإعساره وعن الصوم لكبره فله أن يطعم ستين مسكينا لأن هذا صار بدلا عن الصيام بالنص والإطعام في كفارة اليمين ليس ببدل عن الصيام بل الصيام بدل عنه سراج * قوله لم تجز الفدية أي في حال حياته بخلاف ما لو أوصى بها كما مر تحريره * قوله ولو كان أي العاجز عن الصوم وهذا تفريع على مفهوم قوله وخوطب بأدائه * قوله لم يجب الإيصاء عبر عنه الشراح بقولهم قيل لم يجب لأن الفاني يخالف غيره في التخفيف لا في التغليظ وذكر في البحر أن الأولى الجزم به لاستفادته من قولهم أن المسافر إذا لم يدرك عدة فلا شيء عليه إذا مات ولعلها ليست صريحة في كلام أهل المذهب فلم يجزموا بها اهـ * قوله ومتى قدر أي الفاني أفطر وفدى * قوله شرط الخلفية أي في الصوم أي كون الفدية خلفا عنه قال في البحر وإنما قيدنا بالصوم ليخرج المتيمم إذا قدر على الماء لا تبطل الصلاة المؤداة بالتيمم لأن خلفية التيمم مشروطة بمجرد العجز عن الماء لا بقيد دوامه وكذا خلفية الأشهر عن الإقراء في الاعتداد مشروطة بانقطاع الدم مع سن اليأس لا بشرط دوامه حتى لا تبطل الأنكحة الماضية بعود الدم على ما قدمنا في الحيض * قوله المشهور نعم فإن ما ورد بلفظ الإطعام جاز فيه الإباحة والتمليك بخلاف ما بلفظ الأداء والايتاء فإنه للتمليك

ص: 217

كما في المضمرات وغيره قهستاني اهـ ما في الدر وحاشيته لسيدي الوالد رحمه الله تعالى * وفيهما ولو فدى عن صلاته في مرضه لا يصح بخلاف الصوم في الناترخانية عن التتمة سئل الحسن بن على عن الفدية عن الصلاة في مرض الموت هل تجوز فقال لا وسئل أبو يوسف عن الشيخ الفاني هل تجب عليه الفدية عن الصلوات كما تجب عليه عن الصوم وهو حى فقال لا اهـ وفى القنية ولا فدية في الصلاة حالة الحياة بخلاف الصوم اهـ * أقول ووجه ذلك أن النص إنما ورد في الشيخ الفانى أنه يفطر ويفدى في حياته حتى أن المريض أو المسافر إذا أفطر يلزمه القضاء إذا أدرك أياما أخر وإلا فلا شيء عليه فإن أدرك ولم يصم يلزمه الوصية بالفدية عما قدر هذا ما قالوه * ومقتضاه أن غير الشيخ الفانى ليس له أن يفدى عن صومه في حياته لعدم النص ومثله الصلاة * ولعل وجهه أنه مطالب بالقضاء إذا قدر ولا فدية عليه إلا بتحقق العجز منه بالموت فيوصى بها بخلاف الشيخ الفانى فإنه تحقق عجزه قبل الموت عن أداء الصوم وقضائه فيفدى في حياته ولا يتحقق عجزه عن الصلاة لأنه يصلى بما قدر ولو موميا برأسه فإن عجز عن ذلك سقطت عنه إذا كثرت بأن صارت ستا فأكثر ولا يلزمه قضاؤها إذا قدر اهـ * وبما قررنا ظهر أن قول الشارح بخلاف الصوم أي فإن له أن يفدى عنه في حياته خاص بالشيخ الفاني تأمل اهـ * وفي التنوير والدر ولو مات وعليه صلوات فائتة وأوصى بالكفارة يعطى لكل صلاة نصف صاع من بر كالفطرة وكذا حكم الوتر والصوم وإنما يعطى من ثلث ماله ولو لم يترك مالا يستقرض وارثه نصف صاع مثلا ويدفعه للفقير ثم يدفعه الفقير للوارث ثم وثم حتى يتم ولو قضاها ورثته بأمره لم يجز لأنها عبادة بدنية بخلاف الحج لأنه يقبل النيابة ولو أدى للفقير أقل من نصف صاع لم يجز ولو أعطاه الكل جاز أي بخلاف كفارة اليمين والظهار والإفطار وفي متن الملتقى وشرحه مجمع الأنهر لشيخي زاده (ويجب) القضاء (بقدر ما فاتهما إن صح) المريض ولو قل إن قدر لكان أولى لأن الشرط القدرة لا الصحة والأولى لا تستلزم الثانية كما في الإصلاح (أو أقام) المسافر (بقدره) أي بقدر ما فاته لوجود عدة من أيام أخر (وإلا) أي وإن لم يقدر المريض ولم يقم المسافر بقدر ما فاتهما بل قدر أو أقام مقدارا أنقص من مدة المرض أو السفر ثم ماتا (فبقدر الصحة والإقامة) وفائدة وجوب القضاء بقدرهما وجوب الفدية عليه بقدرهما وعن هذا قال مفرعا عليه (فيطعم عنه وليه) أراد به من له التصرف في ماله فشمل الوصى (لكل يوم كالفطرة) أي وجب على الولى أن يؤدى فدية ما فاتهما من أيام الصيام كالفطرة عينا أو قيمة فلو فات

ص: 218

بالمرض أو السفر صوم خمسة أيام مثلا وعاش بعده خمسة أيام بلا قضاء ثم مات فعليه فدية خمسة أيام ولو فاته خمسة وعاش ثلاثة فعليه ثلاثة فقط (ويلزم) أي ويجب إطعام الوارث (من الثلث) إن كان له وارث وإلا فمن الكل (أن أوصى) المورث وفيه أن الإيصاء واجب إن كان له مال كما في المنية ولا يختص هذا بالمريض والمسافر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه أو لعذر ما وكذا كل عبادة بدنية (وإلا) أي وإن لم يوص (فلا لزوم) للورثة عندنا لأنها عبادة فلا بد من أمره خلافا للشافعي (وإن تبرع) الوصى (به) أي بالإطعام من غير وصية (صح) ويكون له ثواب ذلك وعلى هذا الخلاف الزكاة (والصلاة) مكتوبة أو واجبة كالوتر هذا على قول الإمام وعندهما الوتر مثل السنن لا تجب الوصية به كما في الجوهرة (كالصوم وفدية كل صلاة كصوم يوم) أي كفديته (هو الصحيح) رد لما قيل فدية صلاة يوم وليلة كصوم يومه إن كان معسرا وقال محمد بن مقاتل أولا بلا قيد الإعسار ثم رجع والقياس أن لا يجوز الفداء عن الصلاة وإليه ذهب البلخي وفيه إشارة إلى أنه لو فرط بأدائها بإطاعة النفس وخداع الشيطان ثم ندم في آخر عمره وأوصى بالفداء لم يجزئ لكن في المستصفى دلالة على الإجزاء وإلى أنه لو لم يوص بفدائهما وتبرع وارثه جاز ولا خلاف أنه أمر مستحسن يصل إليه ثوابه وينبغي أن يفدى قبل الدفن وإن جاز بعده كما في القهستانى (ولا يصوم عنه وليه ولا يصلى) لقوله عليه الصلاة والسلام لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلى أحد عن أحد ولكن يطعم خلافا للشافعي اهـ * إذا علمت ذلك فاعلم أن الأجنبي إذا تبرع عن الميت لا يكفى لإطلاق عباراتهم على الولى وقد علمت أن المراد بالولى من له ولاية التصرف بمال الميت بوصاية أو وراثة وهو المتبادر من كلامهم كما حرره سيدى الوالد في حاشيته على الدر وفى شفاء العليل * ولم أر من جوز تبرع الأجنبي سوى فقيه النفس العلامة الشرنبلالى وتبعه على ذلك العلامة الشيخ إسماعيل في جنائز شرحه على الدرر إلا أنه لم يعزه لأحد وأما سائر الكتب متونا وشروحا وحواشى فنص عباراتهم على الولى وهو بظاهره قيد احترازي * لا يقال أنه يجوز أن يكون قيدا اتفاقيا لأن مثله لا يقال من جهة الرأى لاسيما وقد نص سيدنا الإمام محمد فيمن عليه قضاء رمضان إذا لم يقدر لكبر جاز للورثة الإطعام من غير إيصاء كما يأتى نصه قريبا بتمامه * إلا أن يرى مستند من أطلق وإن كان من أجل من يعتمد عليهم من المتأخرين رحمهم الله تعالى لكونه خلاف ما يظهر من ظاهر عبارات كتب المذهب التي إليها يذهب لاسيما والنص مقيد بالورثة كما ترى وسمعت وعليه فالاحتياط أن يكون المباشر للإسقاط الولى

ص: 219

لبراءة الذمة فإن لم يحسن ذلك فيجلس بحذائه من يحسن ذلك ويلقنه ليكون الولى هو المباشر لذلك * فقد نص سيدنا الإمام محمد في الزيادات أن من عليه قضاء رمضان إذا لم يقدر لكبر جاز له الفدية لأنه أصل بنفسه فإن مات وأوصى أن يطعم عنه أو الورثة أطعموا عنه من غير إيصاء يجزيه إن شاء الله تعالى اهـ وقد صرح العتابي بأن المشيئة راجعة إلى الشيئين انتهى * فعلق الإجزاء بالمشيئة لعدم النص وكذا علقه المشايخ بالمشيئة فيما إذا أوصى بفدية الصلاة لأنهم ألحقوها بالصوم احتياطا لاحتمال كون النص فيها معلولا بالعجز فتشمل العلة الصلاة وإن لم يكن معلولا تكن الفدية برا مبتدأ يصلح ماحيا للسيئات فكان فيها شبهة كما إذا لم يوص بفدية الصوم يجوز أن يتبرع عنه وليه كما نص على ذلك علماؤنا * ويؤيد ما قاله سيدى الوالد من أن المتبادر من التقييد بالولى أنه لا يصح من مال الأجنبي * ونظيره ما قالوه فيما إذا أوصى بحجة الفرض فبرع الوارث بالحج لا يجوز وإن لم يوص فتبرع الوارث إما بالحج بنفسه أو بالإحجاج عنه رجلا فقد قال أبو حنيفة يجزيه إن شاء الله تعالى لحديث الخثعمية فإنه شبهه بدين العباد * وفيه لو قضى الوارث من غير وصية يجزيه فكذا هذا * وفى المبسوط سقوط حجة الإسلام عن الميت بأداء الورثة طريقه العلم فإنه أمر بينه وبين ربه تعالى فلهذا قيد الجواز بالاستثناء اهـ ذكره في البحر * وظاهره أنه لو تبرع غير الوارث لا يجزيه وإن وصل إلى الميت ثوابه اهـ ومثله في شفاء العليل * وفيها فإن قلت تشبيهه بالدين في الحديث يفيد أن الوارث ليس بقيد لأن الدين لو قضاه أجنبى جاز * قلت المراد والله تعالى أعلم التشبيه في أصل الجواز لا من كل وجه وإلا فالدين يجب أداؤه من كل المال وإن لم يوص به والحج ليس كذلك عندنا فإنه لا يجب إلا بوصية ولا يخرج إلا من الثلث لأنه عبادة ولا بد فيها من الاختيار بخلاف حقوق العباد فإن الواجب فيها وصولها إلى مستحقها لا غير فلم يكن التشبيه من كل وجه فلم يلزم ما قلته * نعم وقع في كلام بعض المتأخرين في مسئلتنا الوارث أو وكيله ومقتضى ظاهر ما قدمناه من كلامهم أنه لا يصح لأن الوكيل لما استوهب المال من الفقير صار ملكا له لا للوارث وصار بالدفع للفقير ثانيا أجنبيا دافعا من مال نفسه إلا أن يوكله بالإيهاب والاستيهاب في كل مرة وأما قوله وكلتك بإخراج فدية صيام أو صلاة والدى مثلا * فقد يقال يكفى لأن مراده تكرير الإيهاب والاستيهاب حتى يتم وقد يقال لا يكفى ما لم يصرح بذلك لأن الوارث العامى لا يدرى لزوم كون ذلك من ماله حتى يكون ملاحظا أنه وكيل عنه في الاستيهاب له أيضًا بل بعض العوام لا يعرفون كيفية ما يفعله الوكيل أصلا ولاسيما النساء * نعم إن قلنا التقييد بالولى غير لازم وهو خلاف المتبادر من كلامهم بل المراد منه حصول الإخراج

ص: 220

من ماله أو من مال غيره بإذنه لا يلزم شيء من ذلك * وقد بلغنى عن بعض مشايخ عصرنا انه كان يقول بلزومه وأنكر عليه بعضهم وكأن كل واحد نظر إلى شيء مما قدمناه والله تعالى أعلم * ولكن لا يخفى أن الأحوط ان يباشره الوارث بنفسه أو يقول لآخر وكلتك بأن تدفع لهؤلاء الفقراء هذا المال لإسقاط كذا عن فلان وتستوهب لي من كل واحد منهم إلى أن يتم العمل اهـ (أقول) أما قوله فإن قلت الخ فالذى ظهر من التقييد بعباراتهم وهو المتبادر بالولى أى من له ولاية التصرف بوصاية أو وراثة ينفى غيره كما يظهر لمن تأمل وسبر كتب المذهب التي إليها يذهب سوى هذين الإمامين الجليلين وتبعهما الطحطاوي في حاشيته على انهما لم يستندا فيما ذكراه إلى نقل من كتب المذهب ولعله قول آخر في المذهب أو رواية فمن رأى شيء فليبينه وله الثواب من الملك الوهاب * وأما قوله نعم وقع في كلام بعض المتأخرين في مسئلتنا الوارث أو وكيله ومقتضى ظاهر كلامهم أنه لا يصح أي في الدور الثاني بعد ما دفع المال الذي بيده واستوهبه فقد انتهت الوكالة وصار معزولا لانتهائها بفعل ما وكل به وفراغ المال من يده وصيرورته اجنبيا وصيرورة المال الذي استوهبه من الفقير مال نفسه اللهم إلا أن يوكله وكالة دورية كلما عزل فهو وكيله في الدور والاسقاط لا في الاستيهاب لما سيتلى عليك * واما قوله إلا أن يوكله بالايهاب أي الدفع للفقير والاستيهاب أي من الفقير للموكل ففى التوكيل بالاستيهاب ما نقله سيدى الوالد رحمه الله تعالى في رد المحتار قبيل باب الربا عند قول الدر ومفاده صحة التوكيل بقبض القرض لا بالاستقراض قنية قوله بالاستقراض هذا منصوص عليه ففى جامع الفصولين بعث رجلا ليستقرض له فأقرضه فضاع في يده فلو قال أقرض للمرسل ضمن مرسله ولو قال أقرضنى للمرسل ضمن رسوله والحاصل أن التوكيل بالإقراض جائز لا بالاستقراض والرسالة بالاستقراض تجوز ولو أخرج وكيل الاستقراض كلامه مخرج الرسالة يقع القرض للآمر ولو مخرج الوكالة بأن أضافه إلى نفسه يقع للوكيل وله منعه عن آمره اهـ * قلت والفرق أنه إذا اضاف العقد إلى الموكل بأن قال ان فلانا يطلب منك أن تقرضه كذا أو قال اقرضنى لفلان كذا فانه يقع لنفسه ويكون قوله لفلان بمعنى لاجله وقالوا العالم يصح التوكيل بالاستقراض لأنه توكيل بالتكدى وهو لا يصح * قلت ووجهه أن القرض صلة وتبرع ابتداء فيقع للمستقرض إذ لا تصح النيابة في ذلك فهو نوع من التكدى بمعنى الشحاذة هذا ما ظهر لي اهـ * وذكرت في قرة عيون الاخيار تكملة رد المحتار مما أفاده سيدى الوالد ما حاصله أن ما كان منها إسقاطا يضيفه الوكيل إلى نفسه مع التصريح بالموكل فيقول زوجتك فلانة وصالحتك عما تدعيه على فلان

ص: 221

من المال أو الدم اما ما كان منها تمليكا لعين أو منفعة أو حفظ فلا يضيفه إلى نفسه بل إلى الموكل كقوله هب لفلان كذا أو اودعه كذا أو اقرضه كذا فلا بد في هذا من إخراج كلامه مخرج الرسالة فلا يصح أن يقول هبنى كذا كما مر ولا هبنى لفلان وأودعنى لفلان * وعلى هذا فقولهم التوكيل بالاستقراض باطل معناه انه في الحقيقة رسالة لا وكالة فلو اخرج الكلام مخرج الوكالة لم يصح بل لا بد من اخراجه مخرج الرسالة كما قلنا * وبه علم أن ذلك غير خاص بالاستقراض بل كل ما كان تمليكا إذا كان الوكيل من جهة طالب التملك لا من جهة المملك فان التوكيل بالإقراض والإعارة صحيح لا بالاستقراض والاستعارة بل هو رسالة هذا ما ظهر لي فتأمله اهـ * إذا علمت ذلك ظهر لك عدم صحة الوكالة في الاستيهاب وما ذكره من التوكيل بالاستيهاب محمول على الرسالة أو أن يخرج الوكيل عبارته مخرج الرسالة فلو لم يخرج الكلام مخرج الرسالة فقد ملكه لنفسه وإذا ملكه لنفسه ودفعه للفقير فيكون دفع الأجنبى عن الميت فوقعنا فيما حذرنا عنه * وأما قوله وكلتك بإخراج فدية صيام أو صلاة والدى مثلا الخ اقول يغنى عن صفة التوكيل ما قدمناه من الوكالة الدورية * واما قوله الاستيهاب فقد علمت أن المراد به إخراج الوكيل العبارة مخرج الرسالة ليصح أو يجعله رسولا وهو محمل ذلك واما قوله ويقال لا يكفى الخ أي وهو الاحوط خصوصا في مثل ذلك لا سيما بعد ما سمعته من قوله والأحوط أن يباشره الولى بنفسه وان كانت الوكالة العامة كافية بأن يوكله وكالة دورية لاخراج ما في ذمة الميت من سائر حقوق الله تعالى وحقوق العباد المجهولة أربابها بالمال الذي أعطاه إياه ويجعله رسولا في قبض الهبة له * نعم إذا كان الولى جاهلا فلا بد حينئذ من توكيل من يدرك ذلك كله من أهل العلم والصلاح على الوجه الذي ذكرناه والذي نذكره بل يتعين ذلك الوكيل ليسقط عما في ذمة الميت ويتخلص من العهدة إن شاء الله تعالى وأما قوله نعم إن قلنا التقييد بالولى غير لازم فهو تنزل مع الخصم على فرض وجود نقل يدل لمدعاه ان لو كان بل المراد منه حصول الاخراج من ماله أو من مال غيره باذنه لا يلزم شيء من ذلك أي من المذكورات على فرض أن التقييد غير لازم والافانه حيث كان خلاف المتبادر وخلاف منطوق عباراتهم فقد ظهر الامر* واما قوله وقد بلغنى عن بعض مشايخ عصرنا انه كان يقول بلزومه هذا الذي ينبغى أن يعض بالنواجذ عليه * ويجعل المصير إليه * واما قوله وانكر عليه بعضهم الظاهر ان البعض نظر إلى ما عن العلامة الشرنبلالى ويدل لذلك قوله وكأن كل واحد نظر إلى شيء مما قدمناه ونظر إلى ما في شرح اللباب لمنلا على القارى من تعميمه في شرحه بعد تقييد الماتن بالوارث فقال الوارث وغيره

ص: 222

من أهل التبرع وكأن البعض قاس الصلاة على الحج مع انه انقطع من عصر الأربعمائة وان كان مع المساواة من غير فارق وانه أيضا يلزم الغاء هذا الشرط من أصله قال سيدى الوالد رحمه الله تعالى في الحج فالظاهران في هذا الشرط اختلاف الرواية اهـ فلو كان الحج نظير الصلاة فلا يخفى الاحتياط والله تعالى أعلم * واما قوله فالاحوط الخ هذا كله إذا كان يحسن ذلك كما ذكرناه وان لم يحسن ذلك فيلقنه من يحسن ذلك من أهل العلم ان امكن والا فتكون الوكالة لاحد أهل العلم العارفين بذلك ولا ينبغى ان يتساهل في هذا الامر فإن به نجاة الانسان من عذاب الله تعالى وغضبه قال تعالى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} واما قوله وتستوهب لي من كل واحد منهم قد علمت الكيفية والمحمل فلا تغفل * ثم اعلم ان فدية الصلاة مما انفرد بها مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى الذي قاسه مشايخ مذهبه على الصوم واستحسنوه وأمروا به فينبغى للشافعي والمالكى والحنبلى إذا قلدنا احدهم واخرج الدور لفدية الصلاة ان يلاحظ ذلك ويحتاطه على مذهب من قلده وهم أهل المذهب رحمهم الله تعالى لاسيما وفى الغالب لا يتيسر اخراج العين بل القيمة ولا الاصناف كلها فتنبه لذلك * وأما قوله إلى ان يتم العمل يعني ان لم تف الدراهم الموجودة أو الصرة المستوهبة أو المستقرضة لاداء ما وجب على الميت مما يجوز استقراضه كالدراهم والدنانير والبر ونحوها فيستوهبها من الفقير ثم يتسلمها منه لتتم الهبة بالقبض ثم يدفعها لذلك الفقير أو لفقير آخر فيسقط في كل مرة كفارة سنة مثلا وهكذا إلى ان يتم عن قدر عمر الميت بعد اسقاط الاثنتى عشرة سنة من الذكر والتسع من الانثى وبعد ذلك يعيد الدور لكفارة الصيام ثم للاضحية ثم للايمان لكن لا بد في كفارة الايمان من عشرة مساكين ولا يصح أن يدفع للواحد أكثر من نصف صاع في يوم للنص على العدد فيها بخلاف فدية الصلاة فانه يجوز اعطاء فدية صلوات لواحد * ويدفع للزكاة ولو بدون وصية وإذا شق اداؤها لكثرتها فليقصد إلى الدور المذكور وان كان ظاهر كلامهم انها لا تسقط بلا وصية لاشتراط النية فيها لكن صرح في السراج بجواز تبرع الوارث بإخراجها * وعن كفارة قتل * وعن ظهار * وعن كفارة افطار * وللنذر فانها إذا كثرت وشق أداؤها فبالدور المذكور أيضًا * فإن كان الشخص نذر دراهم والصرة دراهم فليقصد مديرها أداء عين المنذور * واما إذا كان النذر دنانير والصرة دراهم مثلا فليقصد مديرها أداء قيمة ما نذر * وكذلك القول فيما لو نذر أن يذبح شاة ويتصدق بلحمها إلى غير ذلك من صوم النذر بالمال واما إذا نذر أن يصوم أو أن يصلى فالواجب أن يخرج عن صوم كل يوم وعن كل صلاة نصف صاع * ويدفع للفطرة فليتعرض لاخراجها احتياطا * وكذلك الاضحية ولينو أداء قيمتها وإن كان

ص: 223

الواجب فيها اراقة الدم الا ان ذلك عند قيام وقتها وهو ايام البحر وقد مضت ويدفع عن كل سجدة تلاوة كالفطرة نصف صاع من بر احتياطا وان كان الصحيح عدم الوجوب كما صرح به في التاترخانية * ويدفع عن العشر في الأراضى العشرية والخراج في الأراضى الخراجية كما بين في محله * ويدفع عن الجناية على الحرم والاحرام مما يوجب دما أو صدقة نصف صاع أو دون ذلك فلا بد من التعرض لاخراجها بان يقال خذ هذا عن جناية على حرم أو احرام * ويدفع عن الحقوق التي جهلت اربابها فانه يجب التصدق بقدرها * ثم من بعد ذلك يخرج عن سائر الحقوق المالية * ثم يخرج عن سائر الحقوق البدنية * ثم يكثر من التطوع لتكثر الحسنات التي يرضى بها الخصوم * ثم يخرج شيء من ذلك المال ليرضى به كل فقير بان يدفع إليه ما يطيب به نفسه وهذا يختلف باختلاف منازل الفقراء ومنازل الناس الذين يفعل لهم الاسقاط * ومن المعلوم ان نفاذ وصايا من له وارث انما هو من الثلث وقالوا لو دفعت كفارة صلوات الشخص كلها إلى فقير واحد جاز وهذه الكفارة هي التي اشتهرت تسميتها بإسقاط الصلاة * وهذا كله في الصلاة * والصوم مثلها فيما تقدم غير أن صوم اليوم الواحد بمنزلة صلاة الفرض الواحد فيعطى عن كل يوم نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاع من شعير أو تمر أو زبيب وبهذا تكون كفارة الصوم أقل من كفارة الصلاة بكثير * وهناك فرق آخر وهوان الشخص لا يجوز له ان يخرج بنفسه كفارة صلواته كما مر وانما يصح له ذلك بطريق الوصية بعد موته بخلاف الصوم فإن له ان يخرج كفارة صومه بنفسه إذا كان مريضا تحقق اليأس من الصحة وان لم يكن فانيا أو نذر صوم الابد فعجز عنه وقالوا الاصل في ذلك الشيخ الفانى يجوز له ان يخرج فدية كل عام فاذا قدر على الصيام بطل ما أداه * وليس مما يفارق فيه الصوم الصلاة ما افاده صاحب المستصفى وغيره انه يوصى وان افطر بغير عذر ويرجى له العفو بإخراج الفدية فإن الصلاة كذلك على الظاهر وقالوا تصح الاباحة بشرط الشبع في الكفارة والفدية ككفارة اليمين وفدية الصوم وجناية الحج وجاز الجمع بين اباحة وتمليك بخلاف الزكوة والفطرة والعشر فعلى هذ لو صنع طعاما ودعى الفقراء إليه ليجعله عن كفارة يمين أو فدية صوم أو جناية صح * ولا يشترط التمليك وهو ان يعطى الفقير شيء في يده على سبيل التمليك * نعم يشترط لكل فقير اكلتان مشبعتان والفقير الواحد يكفى في جميع هذه الابواب إلا باب اليمين فإن كفارته انما تجوز لعشرة مساكين بالنص أو يتكرر له ذلك عشرة أيام * ومما ينبغى التنبه له ان ايمان العمر لا تنضبط لكثرتها فالواجب على الشخص ان يكثر عند أداء الكفارة منها جدا ثم يخرج كفارة واحدة عما بقى عن ايمان العمر على قول محمد بتداخلها كما نقله سيدى

ص: 224

الوالد عن المقدسى عن البغية عن شهاب الائمة وقال صاحب الاصل هو المختار وعندى ومثله في القهستانى عن المنية وهو مذهب الامام أحمد بن حنبل * واما كيفية الوصية وما يجوز منها ومالا يجوز فقد ذكره سيدى الوالد مفصلا في شفاء العليل ومما ينبغى الاحتراز عنه الاستفهام من الدافع للفقير فلا يقول الوصى للفقير قبلت هذه كفارة صلاة عن فلان لانه على تقدير الهمزة أو هل لان هذا الكلام من باب التصديق الايجابى وفى وقوع الصيغ الاستفهامية موقع الايجاب كلام لاهل المذهب بل اما ان يقول الوصى للفقير خذ هذه كفارة صلاة عن فلان بن فلان واما ان يقول هذه كفارة صلاة فلان ابن فلان * وكذلك يجب الاحتراز عن الاسراع بالقبول قبل تمام الايجاب فلا يقول الفقير قبلت الا بعد تمام كلام الوصى ولا يقول الوصى قبلت الا بعد تمام كلام الفقير من اجل كلام يذكر في الاصول * ويجب الاحتراز من بقاء الصرة بيد الفقير أو الوصى بل كل مرة يصير استلامها لكل منهما ليتم الدفع والهبة بالقبض والتسليم في كل مرة * ويجب الاحتراز أيضًا عن احضار قاصر أو معتوه أو رقيق أو مدبر لانه إذا اعطى الوصى لأحدهم ملكه وهبته غير صحيحة فلا تعطى الصرة باسم قاصر أو غير عاقل أو مملوك * ويجب الاحتراز أيضًا عن احضار غنى أو كافر * ويجب الاحتراز أيضًا عن جمع الصرة واستيهابها أو استقراضها من غير مالكها أو من أحد الشريكين بدون اذن الآخر * ويجب الاحتراز من التوكيل باستقراضها أو استيهابها إلا بوجه الرسالة وإلا فبالاصالة كما علمت * ويجب الاحتراز من ان يديرها اجنبى الا بوكالة كما ذكرنا أو ان يكون الوصى أو الوارث كما علمت * ويجب الاحتراز من ان يلاحظ الوصى عند دفع الصرة للفقير الهزل أو الحيلة بل يجب ان يدفعها عازما على تمليكها منه حقيقة لا تحيلا ملاحظا ان الفقير إذا أبي عن هبتها إلى الوصى كان له ذلك ولا يجبر على الهبة * ويجب ان يحترز عن كسر خاطر الفقير بعد ذلك بل يرضيه بما تطيب به نفسه كما قدمناه وبقى بعض محترزات ذكرها سيدى الوالد في شفاء العليل فعليك بها وفيها فوائد كثيرة نفيسة خلا عنها أكثر الكتب المطولة فانى لم اذكرها هنا اكتفاء بها * ولا ينبغى للانسان ان يغفل عن العتاقة المعروفة بين الناس وهي قراءة قل هو الله أحد فقد ورد فيها أحاديث كثيرة منها ما اخرجه أحد في مسنده عن معاذ بن انس الجهني رضى الله تعالى عنه عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال {من قرأ قل هو الله أحد أحد عشر مرة بنى الله تعالى له بيتا في الجنة} فقال عمر رضى الله تعالى عنه إذا نستكثر يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه

ص: 225

وسلم الله اكبر واطيب * ومنها ما اخرجه الطبراني عن فيروز الديلمي رضى الله تعالى عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (من قرأ قل هو الله أحد مائة في الصلاة أو غيرها كتب الله له براءة من النار) ولهذا الحديث شاهد * واخرج البزار عن انس بن مالك مرفوعا (من قرأ قل هو الله أحد مائة ألف مرة فقد اشترى نفسه الله ونادى مناد من قبل الله تعالى في سمواته وفى ارضه إلا ان فلانا عتيق الله فمن له قبله تباعة أي حق فليأخذها من الله عز وجل) ويحمل هذا على من اتفق له قراءة هذا العدد في عمره كله أو قرئ له بنية خالصة والذي عليه أهل الشريعة والصوفية ان الراد من امثال تلك الاحاديث ما يعم الاستنابة والمباشرة وقد علمنا ذلك من عمل الفريقين بحديث الاستخارة * وكذلك عمل الناس على قول لا إله إلا الله سبعين الفا واستحسنه العلماء * ويأتى ما ذكره الشيخ اليافعى والسنوسى مما يقويه * وفضل القرآن اظهر من ان يذكر * وما وراء ذلك من اعمال البر معلوم * وإذا لم توسد تلك الاعمال الصالحة إلى اهلها لم يؤمن عليها من الخلل إذا كانت خالصة لله تعالى خالية من الرياء والاجرة والثمن ولو بلقمة لان الطيب لا يقبل إلا ما طاب وهو اغنى الشركاء ولا يقبل الله تعالى إلا ما كان خالصا له * وبيان ادلة حرمة أخذ الاجرة على الطاعة كالقراءة والذكر والتهليل والتسبيح والصلاة والصوم وغيرها وعدم وصول ثوابها بالاجرة حتى للقارئ وان ما ورد في الاجر انما هو في حق الرقيا لا غير وبيان ما استثناه المتأخرون وهو التعليم والاذان والامامة وبيان الادلة في ان للانسان ان يجعل ثواب عمله لغيره وانه لا ثواب إلا بالاخلاص في شفاء العليل وبل الغليل فعليك بها فانها فريدة في بابها كافية لطلابها قرظها وقرضها افاضل العلماء الاعلام كالسيد الطحطاوى مفتى مصر القاهرة وصاحب التآليف الفاخرة من أهل المذهب وغيرهم ولنذكر تبذة فيما ورد في فضل الذكر والذاكرين وفى خصوص لا إله إلا الله * قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} وقال تعالى {وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} وقال تعالى {وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وقال تعالى {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ} * وفى الصحيحين (إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر فإذا وجدوا قوما يذكرون الله تعالى تنادوا هلموا إلى حاجتكم قال فيحفونهم باجنحتهم إلى سماء الدنيا الحديث بطوله وفى آخره فيقول الله لملائكته أشهدكم انى قد غفرت لهم فيقول ملك من الملائكة فيهم فلان

ص: 226

ليس منهم انما جاء لحاجة فيقول سبحانه وتعالى هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) وأخرج الحاكم عن سلمان الفارسى رضى الله تعالى عنه انه كان في عصابة يذكرون الله تعالى فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال (ما كنتم تقولون فانى رأيت الرحمة تنزل عليكم فبادرت ان اشارككم فيها) وروى البزار أن لله ملائكة سيارة يطلبون حلق الذكر فإذا اتوا عليهم حفوا بهم الحديث * وفيه فيقولون ربنا آتينا على عباد من عبادك يعظمون آلآءك ويتلون كتابك ويصلون على نبيك ويسئلونك لآخرتهم ودنياهم فيقول الله تبارك وتعالى (غشوهم برحمتي) فيقولون ان فيهم فلانا الخطاء فيقول تعالى (غشوهم برحمتي) وروى الترمذي أي العباد افضل عند الله تعالى يوم القيامة قال الذاكرون الله كثيرا قلت يا رسول الله ومن الغازى في سبيل الله قال لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويتخضب دما لكان الذاكرون الله افضل * وروى الطبراني لو ان رجلا في حجرة دراهم يقسمها وآخر يذكر الله تعالى كان الذاكر افضل وروى النسائي انه صلى الله عليه وسلم قال لام هانئ (سبحى الله مائة تسبيحة فانها تعدل مائة رقبة من ولد إسماعيل واحمدى الله مائة تحميدة فانها تعدل مائة فرس مسرجة ملجمة تحملين عليها في سبيل الله تعالى وكبرى الله مائة تكبيرة فانها تعدل مائة بدنة مقلدة متقبلة وهللى الله مائة تهليلة ولا احسبه إلا قال تملأ ما بين السماء والارض ولا يرفع لاحد مثل عملك إلا ان يأتى بمثل ما اتيت به) وروى أحمد والترمذي إلا انبئكم بخير اعمالكم وازكاها عند مليكم وارفعها في درجاتكم وخير لكم من انفاق الذهب والفضة وخير لكم من ان تلقوا عدوكم فتضربوا اعناقهم ويضربوا اعناقكم قالو بلى يا رسول الله قال (ذكر الله عز وجل) وفى الحديث قال يقول الله عز وجل انا عند ظن عبدى بى وانا معه حين يذكرنى ان ذكرنى في نفسه ذكرته في نفسى وان ذكرنى في ملاء ذكرته في ملاء خير منه) وفى الحديث (يا ايها الناس ارتعوا في رياض الجنة) قيل وما رياض الجنة يا رسول الله قال (مجالس الذكر) وفى الخبر المجلس الصالح يكف عن المؤمن ألف ألف مجلس من مجالس السوء * قال بعضهم إذا اراد الله ان يولى عبده فتح عليه باب الذكر فإذا استند بالذكر فتح الله عليه باب القرب ثم رفعه إلى مجالس الانس ثم اجلسه على كرسى التوحيد ثم رفع عنه الحجب وادخله دار القرب وكشف له عن الجلال والعظمة ويحصل له حينئذ مقام العلم قال بعض المشايخ إذا ذكر الصالحون في مجلس نزلت الرحمة ويخلق الله تعالى منها سحابة لا تمطر إلا في ارض الكفار وكل من شرب من مائها

ص: 227

اسلم * وكان معروف الكرخى كثيرا ما يقول عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة فقال له بعض المريدين يا سيدى ماذا ينزل عند ذكر الله تعالى فاغمى عليه ثم افاق وقال عند ذكر الله تعالى تنزل الطمأنينة قال تعالى {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} هذا ما يتعلق بمطلق ذكر الله تعالى * واما ما يتعلق بخصوص لا إله إلا الله فقد قال تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} وقال تعالى {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى} أي كلمة التوحيد {فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} أي الجنة {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} أي كلمة التوحيد (فسنيسره للعسرى) أي النار * وقال صلى الله تعالى عليه وسلم (افضل ما قلته انا والنبيون من قبلى لا إله إلا الله) وروى الترمذي والنسائي انه صلى الله عليه وسلم قال (افضل الذكر لا إله إلا الله وافضل الدعاء الحمد لله) وروى النسائي انه صلى الله عليه وسلم قال (قال موسى عليه السلام يا رب علمنى ما اذكرك به ثم ادعوك به فقال يا موسى قل لا إله إلا الله قال موسى عليه السلام يا رب كل عبادك يقولون هذا قال قل لا إله إلا الله قال لا إله إلا انت انما اريد شيء تخصنى به قال يا موسى لو ان السموات السبع وعامرهن غيرى وضعا في كفة ولا إله إلا الله في كفة مالت بهن لا إله إلا الله) وروى الترمذي ان النبي صلى الله عليه وسلم قال (التسبيح نصف الايمان والحمد لله تملأ الميزان ولا إله إلا الله ليس لها دون الله حجاب حتى تخلص إليه) وفى الحديث (اتانى آت من ربى فاخبرنى انه من مات يشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة) وفى الخبر اسعد الناس بشفاعتى يوم القيمة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه * وفى الحديث (لا إله إلا الله مفتاح الجنة) وفى الخبر (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله فانها تهدم الذنوب هدما) قالوا يا رسول الله فإن قالها في حياته قال (هي اهدم واهدم) وفى الاحياء لوجاء قائل لا إله إلا الله صادقا بقراب الأرض ذنوبا غفر له ذلك * وفى الحديث (ليس على أهل لا إله إلا الله وحشة في قبورهم ولا في النشور كانى انظر اليهم عند الصيحة ينفضون رؤسهم من التراب ويقولون الحمد لله الذي اذهب عنا الحزن ان ربنا لغفور شكور) وفيه (لتدخلن الجنة كلكم إلا من يأبى وشرد عن الله شرود البعير عن اهله) فقيل يا رسول الله من ذا الذي يأبى فقال من لم يقل لا إله إلا الله * وقال الله تعالى {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} قال بعضهم الاحسان في الدنيا قول لا إله إلا الله وفى الآخرة الجنة وكذلك قيل في قوله تعالى {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قيل المراد بالزيادة النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة * وفى الحديث (ان العبد إذا قال لا إله إلا الله أتت إلى صحيفته فلا تمر على خطيئة إلا محتها حتى تجد حسنة فتجلس إليها)

ص: 228

وعن أبي هريرة رضى الله تعالى عنه ان الله عمودا من نور بين يدى العرش فإذا قال العبد لا إله إلا الله اهتز ذلك العمود فيقول الله تبارك وتعالى له اسكن فيقول كيف اسكن ولم تغفر لقائلها فيقول الله تبارك وتعالى قد غفرت له فيسكن عند ذلك وعن كعب الاحبار رضى الله تعالى عنه قال أوحى الله تعالى إلى موسى لولا من يقول لا إله إلا الله لسلطت جهنم على أهل الدنيا * وعن أبي الفضل إذا دخل أهل الجنة سمعوا أشجارها وأنهارها وجميع ما فيها يقولون لا إله إلا الله فيقول بعضهم لبعض كلمة كنا نغفل عنها في دار الدنيا * وفى الأثر من قال لا إله إلا الله ومدها بالتعظيم غفر له أربعة آلاف ذنب فقيل ان لم يكن عليه هذه الذنوب قال غفر له من ذنوب ابويه واهله وجيرانه (وقال) بعضهم ملازمة ذكرها عند دخول المنزل ينفى الفقر * وروى ان من قالها سبعين ألف مرة كانت فداءه من النار * وقد ذكر الشيخ أبو محمد اليافعى اليمنى الشافعي رحمه الله تعالى في كتاب الارشاد والتطريز في فضل ذكر الله تعالى وتلاوة كتابه العزيز عن الشيخ الامام الكبير أبي زيد القرطبى انه قال سمعت في بعض الأخبار أن من قال لا إله إلا الله سبعين ألف مرة كانت فداءه من النار فعملت ذلك رجاء بركة الوعد اعمالا ادخرتها لنفسى وعملت منها لاهلى وكان إذ ذاك شاب يبيت معنا يقال انه يكاشف في بعض الاوقات بالجنة والنار وكان في قلبى منه شيء فاتفق ان استدعانا بعض الاخوان إلى منزله فنحن نتناول الطعام والشاب معنا إذ صاح صيحة عظيمة مهيلة منكرة واجتمع في نفسه وهو يقول يا عمى هذه امى في النار فلما رأيت ما به قلت في نفسى اليوم اجرب صدق هذا الشاب فألهمنى الله سبحانه وتعالى ان اجعل سبعين ألف لا إله إلا الله لامه ولم يطلع على ذلك إلا الله تعالى فقلت في نفسى اللهم ان كان هذا الأثر حقا والذين رووه لنا صادقون اللهم ان هذه السبعين الفا فداء هذه المرأة أم هذا الشاب من النار فما استتم هذا الخاطر في نفسى إلا ان قال الشاب يا عمى هذه امى اخرجت من النار ببركة ما قلته لها فحمدت الله تعالى على ذلك وحصل لي فائدتان ايمانى بصدق الاثر وسلامتى من الشاب * قال سهل التسترى رحمه الله تعالى ليس لقول لا إله إلا الله ثواب إلا النظر إلى وجه الله عز وجل والجنة ثواب الاعمال * وفى خبران العبد إذا قال لا إله إلا الله أعطاه الله من الثواب بعدد كل كافر وكافرة وذلك لانه لما قال هذه الكلمة فكأنه رد على كل كافر وكافرة فلا جرم انه يستحق الثواب بعددهم * وقيل في قوله تعالى {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} يعني قولوا لا إله إلا الله فعلى العاقل ان يكثر من ذكرها

ص: 229

وان يعملها لاهله اقتداء بمن كشف الله تعالى بهم الغمة ومحى ببركتهم الظلمة * وخصهم بمزيد العناية والرحمة * ولانها كلمة التوحيد وكلمة الاخلاص * وكلمة التقوى * والكلمة الطيبة والعروة الوثقى * وثمن الجنة ودأب الناسكين * وعمدة السالكين * وعدة السائرين * وتحفة السابقين ومفتاح العلوم والمعارف من تحقق بمضمونها فله جزيل الثواب ومن أكثر من ذكرها بلغ غاية الآمال * وخلعت عليه خلع القبول والاقبال فعليك بها في كل آن وزمان * وعلى أي حال كان * مع الاخلاص * لمالك النواصى * قال تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} رزقنا الله تعالى الاخلاص في القول والعمل * واحسن ختامنا عند انتهاء الاجل * وهذا ما ظهر للعبد الضعيف * العاجز النحيف * في تقرير هذه المسئلة * المعضلة المشكلة * فعليك بهذا البيان الشافعي * والايضاح الكافى * وادع لقصير الباع * قليل المتاع * بالعفو التام * وحسن الختام * والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات * وتستزاد العطايا وتستنمى البركاة * * والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه وتابعيهم ما دامت الأرض والسموات * وقد فرغت من تحرير هذه الالوكة المرغوبة * والشرزمة المطلوبة * في يوم الاثنين الثامن من جمادى الآخره الذي هو من شهور سنة تسع وتسعين ومائتين وألف * من هجرة من تم به الالف * وزال به الشقاق والخلف * صلى الله تعالى وسلم عليه وعلى آله الفا بعد ألف

ص: 230