الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أصل هذا الكتاب رسالة علمية نال بها الباحث درجة الماجستير بتقدير ممتاز، من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، وقد ناقشتها لجنة تتألف من:
1 -
الأستاذ الدكتور/ عبد المجيد محمود عبد المجيد، مشرفا.
أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة.
2 -
الأستاذ الدكتور/ رفعت فوزي عبد المطلب، مناقشا.
أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة.
3 -
الأستاذ الدكتور/ علي عبد الباسط مزيد، مناقشا.
عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر ببني سويف سابقا، وأستاذ الحديث بكلية أصول الدين.
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن من المعلوم عند أهل العلم وطلبته أن الخطيب البغدادي رحمه الله إمام كبير من أئمة الدين، وحافظ نِحرير وناقد خبير لحديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم، وله مصنفات كثيرة قيمة في علوم الحديث، صارت عمدةً لمن أتى بعده من المحدِّثين، حتى قال الحافظ ابن نُقطة:«له مصنَّفات في علوم الحديث لم يُسبق إلى مثلها، ولا شبهة عند كل لبيب أنَّ المتأخِّرين من أصحاب الحديث عيال علي أبي بكر الخطيب»
(1)
.
وكان «تاريخ بغداد» من أهم كتبه وأكبرها حجمًا وأعظمها فائدة، حتى قال العلامة ابن خِلِّكان
(2)
: «لو لم يكن له سوى «التاريخ» لكفاه؛ فإنه يدل على اطِّلاع عظيم»
(3)
.
لذلك ولغيره - مما سيأتي ذكره - رأيتُ أن يكون موضوع رسالتي لنيل درجة الماجيستير عن أحد موضوعات هذا الكتاب العظيم، وهو النقد الحديثي، وسميتها:«منهج الإمام الخطيب البغدادي في نقد الحديث من خلال كتابه تاريخ بغداد» .
(1)
«التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 154).
(2)
خِلِّكان: بكسر فتشديد، كذا ضبطه الزبيدي في «تاج العروس» (خ ل ك).
(3)
«وفيات الأعيان» (1/ 92).
وقد رأيتُ أن أقدِّم لهذه الرسالة بمقدمة مختصرة، أُبيِّن فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره، والدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع البحث، وإشكالية الدراسة، ومنهجها، والخطة المتَّبعة لإنجازها.
أولًا: أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
1 -
أهمية معرفة مناهج الأئمة في باب نقد الأحاديث، حيث إنه لقلَّة معرفة بعض الباحثين لمناهجهم اضطربوا في باب التصحيح والتضعيف، فيصحِّحون ما قد أجمع الأئمة على إعلاله، أو يضعِّفون بعلة قد اطَّلع الأئمة عليها ولم يَرَوْها قادحة.
2 -
إن تتبُّع كلام الأئمة في نقد الحديث ودراسة مناهجهم هو أفضل طريق إلى اكتساب المعرفة بهذا العلم.
3 -
الجهود العظيمة التي قام بها الإمام الخطيب البغدادي في علوم الحديث، فقد كان من أكثر الأئمة تصنيفًا في علوم الحديث، فأردتُ أن أُبرز منهجه في نقد الأحاديث.
4 -
كون هذا الإمام الكبير مع شهرته وتقدُّمه في هذا العلم، لم يُفرَد منهجه في باب نقد الأحاديث بالدراسة حسب علمي.
5 -
رغبتي في المقارنة بين ما أصَّله الخطيب من قواعد في مصطلح الحديث في كتابيه «الكفاية في علم الرواية» ، و «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» ، وبين تطبيقه على الأحاديث في كتابه «تاريخ بغداد» .
6 -
إيجاد خدمة علمية بإبراز الأحاديث التي تكلم عليها هذا الإمام.
7 -
إن دراسة منهج هذا الإمام تُبرز دقة هذا العلم وما يحتاج إليه دارسه من سعة المعرفة، فيكون في ذلك إسهام في تنبيه الباحثين المشتغلين بهذا العلم على أهمية التروِّي وطول النظر قبل إصدار الحكم على الأحاديث.
ثانيًا: الدراسات السابقة:
لم أجد أحدًا بحث في هذا الموضوع، ولكني وجدت بعض الباحثين قد تعرَّضوا لموضوعات أخرى ذات صلة بهذا الموضوع، منها:
1 -
«الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» للدكتور محمود الطحان، وهي رسالته لنيل درجة الدكتوراه من كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، وهي مطبوعة على نفقة المؤلف سنة (1401 هـ-1981 م).
وقد ترجم فيه مؤلِّفه للخطيب ترجمة موسَّعة وتكلَّم على مصنَّفاته، وعلى نقده لأئمة الحديث وبيانه لأوهامهم، ثم تكلَّم على أثره في علوم الحديث واعتماد العلماء من بعده عليه.
2 -
«موارد الخطيب في تاريخ بغداد» للدكتور أكرم ضياء العمري، الناشر: دار طيبة، الطبعة الثانية، سنة (1405 هـ- 1985 م).
جمع فيه مصادر الخطيب في «تاريخه» وتكلَّم عليها، سواء أكانت هذه المصادر في الحديث أو التاريخ أو التراجم أو الأنساب أو البلدان أو الأدب أو غير ذلك.
3 -
«زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة» للدكتور خلدون الأحدب، الناشر: دار القلم، بدون تاريخ للطبع.
أفرد فيه زوائد أحاديث «تاريخ بغداد» على الكتب الستة، وخرَّج كلَّ حديث منها، ودرسه، وحكم عليه بالقبول أو الرد.
4 -
«الخطيب البغدادي مؤرِّخ بغداد ومحدِّثها» للدكتور يوسف العش، مطبعة الترقي- دمشق، سنة (1366 هـ). وهو ترجمة قيِّمة للخطيب البغدادي.
ثالثًا: إشكالية الدراسة:
ستجيب هذه الدراسة -إن شاء الله تعالى- عن التساؤلات الآتية:
1 -
ما هي أبرز سمات منهج نقد الأحاديث عند الإمام الخطيب البغدادي؟
2 -
ما مدى تأثُّر الخطيب بمن سبقه من المحدثين في نقد الأحاديث؟ وهل كان مجتهدًا في نقده أم مقلِّدًا؟
3 -
هل وافقت أحكام الخطيب على الأحاديث أحكامَ مَن قبله من العلماء أم خالفتها؟ وما مقدار هذه الموافقة أو المخالفة؟
4 -
هل وافق تنظيرُ الخطيب لأصول نقد الحديث في كتابه «الكفاية» وغيره تطبيقَه على الأحاديث في «تاريخه» أم خالفه؟
رابعًا: منهج الدراسة:
إن منهج الدراسة هو منهج استقرائي ووصفي واستنباطي، ويتلخَّص في النقاط التالية:
1 -
جمع الأحاديث التي تكلَّم عليها الخطيب البغدادي، وأقواله في الرجال مما له صلة بنقد الحديث ووجوهه من خلال كتابه «تاريخ بغداد» .
2 -
تقسيم هذه الأحاديث على الأبواب والفصول والمباحث والمطالب الآتي ذكرها في خطة الدراسة.
3 -
تخريج الأحاديث ودراستها بما يفي بمقصود البحث، وقد كانت دراستي منصبَّة على الطريق الذي تكلَّم عليه الخطيب بغض النظر عن غيره من الطرق.
4 -
التعريف بالرواة والأعلام، وقد ترجمتُ لمن احتجتُ إليه في الدراسة، وأغفلتُ مَن لا أحتاج إليه ممن هو مشهور أو ذُكر عَرضًا، وذلك لكثرتهم، وعدم جدوى الترجمة لكل عَلَم يَرِد، ما لم يكن يخدم البحث خدمة واضحة.
5 -
الاستعانة بأقوال الخطيب البغدادي في الرجال ذات الصلة بموضوع نقد الحديث.
6 -
الإفادة بما قرره الخطيب من قواعد نقد الحديث في كتابه «الكفاية في علم الرواية» وغيره، ومقارنة تنظيره في هذا الكتاب بتطبيقه في «تاريخ بغداد» .
7 -
مقارنة كلامه بكلام غيره من النقاد من خلال دراسة الأحاديث والأقوال.
8 -
استخلاص منهج الخطيب البغدادي من خلال دراسة الأحاديث التي تكلم عليها وأقواله في الرجال.
خامسًا: خطة الدراسة:
جاء هذا البحث في تمهيد وأربعة أبواب وخاتمة:
• التمهيد: التعريف بالإمام الخطيب البغدادي وبكتابه «تاريخ بغداد» .
وفيه مبحثان:
* المبحث الأول: التعريف بالإمام الخطيب البغدادي.
وفيه عشرة مطالب:
- المطلب الأول: عصر الإمام الخطيب البغدادي.
- المطلب الثاني: اسمه ونسبه وأسرته ومولده.
- المطلب الثالث: حياته العلمية.
- المطلب الرابع: شيوخه وتلاميذه.
- المطلب الخامس: صفاته.
- المطلب السادس: مذهبه العقدي والفقهي.
- المطلب السابع: مصنفاته.
- المطلب الثامن: إمامته ومكانته عند علماء الحديث.
- المطلب التاسع: الرد على الشبهات التي أُثيرت حوله.
- المطلب العاشر: مرضه ووفاته.
* المبحث الثاني: التعريف بـ «تاريخ بغداد» .
وفيه خمسة مطالب:
- المطلب الأول: موضوعه، وترتيبه.
- المطلب الثاني: مصادره.
- المطلب الثالث: أهميته ومميزاته.
- المطلب الرابع: منهج عرض المادة العلمية في الكتاب.
- المطلب الخامس: منهج سياق الأحاديث في الكتاب.
• الباب الأول: نقد الأحاديث بالطعن في رواتها.
وفيه ثلاثة فصول:
* الفصل الأول: نقد الحديث بالطعن في الراوي بالجهالة.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: ضابط الجهالة عند الخطيب البغدادي.
- المبحث الثاني: نقد الخطيب البغدادي للأحاديث بجهالة بعض رواتها.
* الفصل الثاني: نقد الحديث بالطعن في عدالة الراوي.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: مفهوم العدالة وشروطها عند الخطيب البغدادي.
- المبحث الثاني: النقد باختلال العدالة عند الخطيب.
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: النقد بالطعن في الراوي بالكذب ووضع الحديث.
- المطلب الثاني: النقد بالطعن في الراوي بسرقة الحديث.
* الفصل الثالث: نقد الحديث بالطعن في ضبط الراوي.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: مفهوم الضبط وكيفية تحقُّقه في الراوي.
- المبحث الثاني: النقد باختلال الضبط عند الخطيب.
• الباب الثاني: نقد الأحاديث بما يُخِلُّ باتصال أسانيدها.
وفيه فصلان:
* الفصل الأول: الانقطاع والنقد به عند الخطيب.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: تعريف الانقطاع وصوره عند الخطيب.
- المبحث الثاني: النقد بانقطاع السند عند الخطيب.
* الفصل الثاني: التدليس والنقد به عند الخطيب.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: التعريف بالتدليس وأنواعه عند الخطيب.
- المبحث الثاني: النقد بالتدليس عند الخطيب.
• الباب الثالث: نقد الأحاديث بالعلل الخفية.
وفيه تمهيد، وثلاثة فصول:
* تمهيد: تعريف العلة وأنواعها.
* الفصل الأول: النقد بالتفرُّد والمخالفة مع وجود القرائن.
وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: التفرد والنقد به عند الخطيب.
- المبحث الثاني: الحديث المنكر عند الخطيب.
- المبحث الثالث: النقد بالمخالفة عند الخطيب.
وفيه أربعة مطالب:
- المطلب الأول: رأي الخطيب عند اختلاف الرواة في الحديث.
- المطلب الثاني: النقد بمخالفة الراوي لغيره برفع الموقوف.
- المطلب الثالث: النقد بمخالفة الراوي لغيره بوصل المرسل.
- المطلب الرابع: النقد بمخالفة الراوي لغيره بخلاف الحالتين
السابقتين.
* الفصل الثاني: النقد بالاضطراب والقلب والتصحيف.
وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: الاضطراب.
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: تعريف الحديث المضطرب.
- المطلب الثاني: بيان الخطيب للاضطراب في الأحاديث.
- المبحث الثاني: القلب.
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب وأقسامه.
- المطلب الثاني: بيان الخطيب للقلب في الأحاديث.
- المبحث الثالث: التصحيف.
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: تعريف التصحيف.
- المطلب الثاني: بيان الخطيب للتصحيف في الأحاديث.
* الفصل الثالث: نقد المتون عند الخطيب.
• الباب الرابع: الخصائص العامة للنقد عند الخطيب.
وفيه فصلان:
* الفصل الأول: تأثر الخطيب بالنقاد المتقدمين مع عدم تقليده لهم.
وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: تأثُّر الخطيب بالنقَّاد المتقدمين في أحكامه النقدية على الأحاديث.
- المبحث الثاني: شرح الخطيب لكلام النقاد.
- المبحث الثالث: نقد الخطيب للأحكام النقدية لسابقيه وعدم التقليد.
* الفصل الثاني: كيفية معرفة الخطيب بنقد الراوي والرواية.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: كيفية معرفة الخطيب بنقد الراوي.
- المبحث الثاني: كيفية معرفة الخطيب بنقد الرواية.
• الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات.
وقد ألحقت بالبحث جملة من الفهارس التي تقرِّب الاستفادة منه، وهي:
- فهرس الآيات القرآنية، ورتبته حسب ترتيب سور المصحف العثماني.
- فهرس الأحاديث النبوية، ورتبته حسب الأطراف على حروف المعجم.
- فهرس المصادر والمراجع، ورتبته على حروف المعجم أيضًا.
- فهرس الموضوعات، ورتبته حسب ورودها في البحث، ابتداءً بالأبواب
ثم الفصول ثم المباحث ثم المطالب.
هذا، وأرجو الله تعالى أن ينفع بهذه الدراسة، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم؛ إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
* * *
التمهيد
التعريف بالإمام الخطيب البغدادي وبكتابه «تاريخ بغداد»
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بالإمام الخطيب البغدادي.
المبحث الثاني: التعريف بـ «تاريخ بغداد» .
المبحث الأول
التعريف بالإمام الخطيب البغدادي
وفيه عشرة مطالب:
- المطلب الأول: عصر الإمام الخطيب البغدادي.
- المطلب الثاني: اسمه ونسبه وأسرته ومولده.
- المطلب الثالث: حياته العلمية.
- المطلب الرابع: شيوخه وتلاميذه.
- المطلب الخامس: صفاته.
- المطلب السادس: مذهبه العقدي والفقهي.
- المطلب السابع: مصنفاته.
- المطلب الثامن: إمامته ومكانته عند علماء الحديث.
- المطلب التاسع: الرد على الشبهات التي أُثيرت حوله.
- المطلب العاشر: مرضه ووفاته.
المطلب الأول
عصر الإمام الخطيب البغدادي
عاش الإمام الخطيب البغدادي رحمه الله في عصرٍ يموج بالقَلاقل السياسية، والتناحُر على الحُكم والسُّلطة، وفي بلدٍ تمرُّ بها أحوالٌ اقتصادية واجتماعية صعبة، وفتح عينيه ليشهد تنازعَ الفرق الإسلامية المختلفة وتخاصمها، ومع ذلك فقد عاصر ازدهارًا في الحياة العلمية والفكرية، وأُبيِّن ذلك فيما يلي:
أولًا: الحالة السياسية:
يمثِّل عصرُ الخطيب - وهو القرن الخامس الهجري - عصرَ ضعف الخلافة العباسية، فقد كان الخليفة العباسي ليس له إلا سُلطة اسمية على بغداد وما حولها، والسُّلطة الفعلية كانت لبني بُوَيْه
(1)
، ثم للسَّلاجِقة
(2)
من بعدهم.
(1)
بنو بُوَيْه: هم ملوك أصلهم من الديلم، وهم عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعز الدولة أبو الحسن أحمد، أولاد بويه بن فناخسرو بن تمام، وأولادهم ملوك الديلم، وقد ملكوا فارس وغيرها من البلدان، واستولوا على العراق، وكان بيدهم السلطة، وليس للخليفة إلا الاسم فقط، وكان آخر ملوكهم الذي انقضت به دولة آل بويه الملك الرحيم أبو نصر بن أبي كاليجار مرزبان المتوفى سنة (450 هـ). والديلم: جيل من العجم كانوا يسكنون نواحي أذربيجان. ينظر: «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (7/ 5 وما بعدها)، و «السلوك لمعرفة دول الملوك» للمقريزي (1/ 129)، و «المعجم الوسيط» (1/ 294).
(2)
السلاجقة أسرة تركية كبيرة، كانت تقيم في بلاد ما وراء النهر - نهر جيحون - وتُنسب إلى زعيمها سلجوق بن تقاق، الذي اشتهر بكفاءته الحربية، وكثرة أتباعه، وقد أسلم سلجوق وأتباعه، وخلَّف من الأولاد: أرسلان وميكائيل وموسى، وكان أبرزهم ميكائيل الذي أنجب طغرلبك محمدًا وجغريبك داود، اللذين قام عليهما مجد السلاجقة. وقد هاجر السلاجقة بزعامة طغرلبك وأخيه في الربع الأول من القرن الخامس الهجري إلى خراسان الخاضعة لنفوذ الغزنويين،
وبعد سلسلة من الصراع بين الغزنويين والسلاجقة، استطاع السلاجقة السيطرة على خراسان، وقد عين الخليفة طغرلبك نائبًا عنه في خراسان وبلاد ما وراء النهر وفي كل ما يتم فتحه من البلاد. ينظر:«الكامل في التاريخ» لابن الأثير (8/ 5 وما بعدها)، و «البداية والنهاية» لابن كثير (15/ 681).
أما في مصر وبلاد المغرب فقد كان الحكم فيها للفاطميين الباطنية، حتى لقَّبوا أنفسهم بالخلفاء، وامتد حكمهم إلى الحجاز والشام، وحاولوا السيطرة على العراق لكن لم يُفلحوا.
أما خُراسان
(1)
وبلاد المشرق فقد كان يحكمه الغَزْنويون
(2)
والسَّلاجقة، وإن أَبْقَوْا على الارتباط الاسمي بالخلافة العباسية.
(1)
خراسان: بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق، وآخر حدودها مما يلي الهند. «مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع» لعبد المؤمن القطيعي الحنبلي (1/ 455).
(2)
الغزنويون: منسوبون إلى غزنة - مدينة في خراسان وتقع الآن في أفغانستان - أول سلاطينهم السلطان محمود بن ناصر الدولة سبكتكين، قضى على ملوك بني سامان في بلاد خراسان، وملك بلاد خراسان كلها، وذلك في سنة (389 هـ)، وسيَّر له القادر بالله خلعة السلطنة، ثم زحف إلى الهند، وأخضع عدة مدن أدخل فيها الإسلام ودمر الأصنام، وكان ملوك الديلم قد عظم أمرهم وزاد شرهم في ممالك العراق، فأظهر الله هذا السلطان ومكَّنه من رقابهم، وصلب أعيان الشيعة والزنادقة والرافضة، توفي رحمه الله سنة (421 هـ) بغزنة، وتولى بعده ابنه مسعود وجرى له مع بني سلجوق خطوب يطول شرحها، وقُتل سنة (430 هـ)، واستولى على المملكة بنو سلجوق، لكن بقيت للغزنوية بقية ملوك إلى سنة (555 هـ). ينظر:«نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار» لمحمود بن سعيد مقديش (1/ 300)، و «موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر» لأحمد معمور العسيري (ص: 233).
وقد عاش الخطيب في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وتولَّى الخلافة في فترة حياته اثنان من الخلفاء العباسيين، وهما: القادر بالله، والقائم بأمر الله.
أما الخليفة القادر بالله، فهو أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي، وقد تولى الخلافة من سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة إلى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، فاستمرت خلافته إحدى وأربعين سنة، وكان رجلًا عالمًا ناصرًا للسنة قامعًا للبدعة، وقد وصفه الخطيب بقوله:«كان من الستر والديانة وإدامة التهجد بالليل، وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه، وعُرف بها عند كل أحد، مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد، وكان صنَّف كتابًا في الأصول، ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز، وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن، وكان الكتاب يُقرأ كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي، ويحضر الناس سماعه»
(1)
.
وأما الخليفة القائم بأمر الله، فهو أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله، تولى الخلافة بعد موت أبيه سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وحتى سنة سبع وستين وأربعمائة، فكانت مدة خلافته خمسًا وأربعين سنة، وكان ورعًا ديِّنًا كثير الصدقة والصبر، ولم يكن له من أمر السلطة شيء، وكان ملوك بني بُوَيه هم أصحاب السلطة الفعلية، وكانت هناك محاولات من الفاطميين بالاستيلاء
(1)
«تاريخ بغداد» (5/ 62). والكتاب المذكور هو المعروف بـ «الاعتقاد القادري» ، وهو كتاب صغير، وقد ساقه بتمامه ابن الجوزي في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (15/ 279).
على بغداد وإنهاء الخلافة العباسية، عن طريق استمالة بعض القوَّاد الأتراك، مثل القائد أرسلان البَسَاسِيري
(1)
.
إلا أن سلطة البُوَيْهيين بدأت في الانهيار في أواخر النصف الأول من القرن الخامس الهجري، فانتهز الخليفة القائم بأمر الله الفرصة، وطلب إلى طُغرلبك السلجوقي أن يأتي إلى بغداد ويخلِّصه من حُكم البُوَيْهيين ومن عملاء الفاطميين، فجاء طغرلبك ودخل بغداد بجنوده، وأنهى حكم بني بُوَيه، وفرَّ البَسَاسِيري ومن معه من الجنود إلى الرَّحبة، وذلك بمساعدة الوزير الصالح أبي القاسم علي بن الحسن المعروف بابن المُسْلِمة، الذي كان يشعر بخطر عظيم من محاولات الفاطميين الاستيلاء على بغداد وإنهاء الخلافة العباسية. وكان الوزير ابن المُسْلِمة حسن الاعتقاد سديد المذهب، ذا رأي أصيل وعقل وافر
(2)
.
وفي سنة خمسين وأربعمائة اضطر طُغرلبك إلى مغادرة بغداد إلى الموصل لقتال أحد العاصين، ولم يبق ببغداد من يحميها، فانتهز البَسَاسِيري الفرصة وهجم على بغداد بمعاونة الفاطميين، فدخلها حاملًا معه الرايات الفاطمية، قال الخطيب: «ثم دخل البَسَاسِيري بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه الرايات المصرية، فضرب مضاربه على شاطئ دجلة، ونزل هناك والعسكر معه، وأجمع أهل الكرخ والعوام من أهل الجانب الغربي على مضافرة
(1)
ينظر: «الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» للدكتور محمود الطحان (ص: 20 - 22)، و «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» للدكتور أكرم العمري (ص: 15 - 16).
(2)
ينظر: «تاريخ بغداد» (13/ 327)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» للدكتور بشار عواد (ص: 31).
البَسَاسِيري، وكان قد جمع العَيَّارين
(1)
وأهل الرساتيق
(2)
وكافة الدُّعَّار
(3)
، وأطمعهم في نهب دار الخلافة، والناس إذ ذاك في ضر وجَهْد، قد توالت عليهم سنون مُجدبة، والأسعار غالية، والأقوات عزيزة، وأقام البَسَاسِيري بموضعه والقتال في كل يوم يجري بين الفريقين في السفن بدجلة.
فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دُعي لصاحب مصر في الخطبة بجامع المنصور، وزيد في الأذان: حي على خير العمل
…
فلما كان من يوم الأحد لليلتين بقيتا من ذي القعدة حشر البَسَاسِيري أهل الجانب الغربي عمومًا، وأهل الكرخ خصوصًا، ونهض بهم إلى حرب الخليفة، فتحاربوا يومين قُتل بينهما قتلى كثيرة
…
».
ثم ذكر الخطيب أن البَسَاسِيري نفى الخليفة إلى مدينة حَديثة عانة على نهر الفرات، فحُبس هناك، وأنه قبض على الوزير ابن المُسْلِمة ثم صلبه حيًّا وقتله.
وقد خرج الخطيب من بغداد متوجِّهًا إلى دمشق يوم النصف من صفر سنة إحدى وخمسين وأربعمائة؛ خوفًا من بطش البَسَاسِيري؛ فقد كان الخطيب مقرَّبًا من الوزير ابن المُسْلِمة.
ثم ذكر الخطيب أن طُغرلبك رجع إلى بغداد فأطلق الخليفة من محبسه، وأنه حارب البَسَاسِيري، إلى أن ظُفر به وقُتل، وطِيف برأسه في بغداد، وعُلِّق
(1)
العيار: الذي يخلي نفسه وهواها لا يردعها ولا يزجرها. «المصباح المنير» للفيومي (ع ي ر).
(2)
يعني: أهل القرى والنواحي المحيطة ببغداد. ينظر: «تاج العروس» (س و د).
(3)
يعني: الفُساق وأهل الفساد. ينظر: «تاج العروس» (د ع ر).
إزاء دار الخلافة في اليوم الخامس عشر من ذي الحجة سنة إحدى وخمسين
وأربعمائة، وكان الخطيب حينها بدمشق
(1)
.
ثانيًا: الحالة الاقتصادية والاجتماعية:
لم تكن الحالة الاقتصادية والاجتماعية حسنة، فقد عاشت بغداد ظروفًا اقتصادية واجتماعية قاسية، فكانت الأزمة المالية بسبب خراب الأراضي الزراعية، وظهور الإقطاع العسكري الذي سار عليه البُوَيْهيون، وكثرة الضرائب التي أثقلت الناس، واضطراب الأمن؛ لكثرة ثورات الجند بغية زيادة رواتبهم، وازدياد نشاط اللصوص والفساق وأهل الفساد، الذين استغلُّوا ضعف السلطة للقيام بأعمال السلب والنهب
(2)
.
وقد أدى الصراع على السلطة إلى زيادة معاناة الناس، وقد ذكر الخطيب شيئًا من ذلك في فتنة البَسَاسِيري، فقال:«والناس إذ ذاك في ضر وجَهد، قد توالت عليهم سُنون مُجدِبة، والأسعار غالية، والأقوات عزيزة»
(3)
.
ثالثًا: الخصومات المذهبية:
كان الخصام والتنازع بين الفرق والمذاهب الإسلامية المختلفة على أشده، واتسم بطابع العنف والقسوة، لا سيما بين السنة والشيعة في بغداد وما حولها، وقد كان يصل في بعض الأحيان إلى الضرب والقتل وتحريق الدور والمنازل
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (11/ 48 - 52).
(2)
ينظر: «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» (ص: 16).
(3)
«تاريخ بغداد» (11/ 50).
(4)
ينظر: «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (15/ 58، 125، 319).
رابعًا: الحالة العلمية والفكرية:
برغم التناحر السياسي والصراع المذهبي والظروف الاقتصادية القاسية التي مرت بالعالم الإسلامي في مطلع القرن الخامس الهجري، فإن التيار الحضاري العلمي والفكري في كل المجالات قد واصل تدفُّقه.
فقد برز في عصر الخطيب كثير من العلماء في شتى الفنون والعلوم، أثْرَوا المكتبة الإسلامية بكثير من المصنفات القيمة، من هؤلاء العلماء:
1 -
أبو عبد الله الحاكم النيسابوري (ت: 405 هـ) صاحب «المستدرك على الصحيحين» ، و «معرفة علوم الحديث» وغيرهما.
2 -
حمزة السهمي (ت 427 هـ) صاحب «تاريخ جُرْجان» ، و «سؤالات الدارقطني» .
3 -
أبو منصور عبد القاهر البغدادي (ت 429 هـ) صاحب «الفَرْق بين الفِرق» .
4 -
أبو نعيم الأصبهاني (ت 430 هـ) صاحب «حلية الأولياء» ، و «أخبار أصبهان» وغيرهما.
5 -
أبو يعلى الخليلي (ت: 446 هـ) صاحب «الإرشاد في معرفة علماء الحديث» .
6 -
أبو الحسن الماوردي الشافعي (ت 450 هـ) صاحب «الحاوي الكبير» ، و «الأحكام السلطانية» وغيرهما.
7 -
ابن حزم الظاهري (ت 456 هـ) صاحب «المحلى» ، و «الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل» وغيرهما.
8 -
أبو بكر البيهقي (ت 458 هـ) صاحب «السنن الكبرى» ، و «شُعب الإيمان» وغيرهما.
9 -
أبو يعلى الحنبلي (ت 458 هـ) صاحب «الأحكام السلطانية» ، و «العدة في أصول الفقه» وغيرهما.
10 -
ابن سِيده اللغوي (ت 458 هـ) صاحب «المحكم والمحيط الأعظم» ، و «المخصَّص» وغيرهما.
11 -
أبو عمر بن عبد البر (ت 463 هـ) صاحب «التمهيد» ، و «الاستيعاب في معرفة الأصحاب» وغيرهما.
12 -
أبو القاسم القُشَيري (ت 465 هـ) صاحب «الرسالة القشيرية» ، و «لطائف الإشارات» .
13 -
عبد القاهر الجرجاني (ت 471 هـ) صاحب «دلائل الإعجاز» ، و «أسرار البلاغة» وغيرهما.
14 -
إمام الحرمين الجُوَيني (ت 478 هـ) صاحب «البرهان في أصول الفقه» ، و «نهاية المطلب في دراية المذهب» وغيرهما
(1)
.
(1)
ينظر: «موارد الخطيب البغدادي» (ص: 17 - 28)، و «الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» (ص: 24 - 26).
المطلب الثاني
اسمه، ونسبه، وأسرته، ومولده
- اسمه ونسبه:
هو أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي
(1)
.
وسُمِّي الخطيب؛ لأن أباه عليًّا كان يخطب بدَرْزِيجان
(2)
، كما أن أبا بكر الخطيب نفسه كان يخطب أيضًا في بعض قرى بغداد
(3)
.
- أسرته:
ترجم الخطيب لوالده في «تاريخ بغداد» فقال: «علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي، أبو الحسن الخطيب، والدي رضي الله عنه، كان أحد حُفَّاظ القرآن، قرأ على أبي حفص الكَتَّاني
(4)
، وتولَّى الإمامة والخطابة على المنبر بدَرْزِيجان نحوًا من عشرين سنة، وكان يذكر أن أصله من العرب، وأن له عشيرة يركبون الخيول
(1)
ينظر: «تاريخ دمشق» لابن عساكر (5/ 31)، و «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» لابن الجوزي (16/ 129)، و «تاريخ الإسلام» للذهبي (10/ 175).
(2)
بفتح أوله، وسكون ثانيه، وزاي مكسورة، وياء مثناة من تحت، وجيم، وآخره نون: قرية كبيرة، تحت بغداد على دجلة بالجانب الغربي. «معجم البلدان» لياقوت (2/ 450).
(3)
ينظر: «تاريخ بغداد» (13/ 279 - 280)، و «معجم الأدباء» (1/ 390)، و «البداية والنهاية» لابن كثير (16/ 28).
(4)
هو عمر بن إبراهيم بن أحمد بن كثير بن هارون بن مهران أبو حفص المقرئ المعروف بالكتاني، قال الخطيب: كان ثقة، ينزل ناحية نهر الدجاج. وذكره محمد بن أبي الفوارس، فقال: كان لا بأس به، وكان كتابه بقراءة عاصم عن ابن مجاهد فيه بعض النظر. توفي سنة (390 هـ). «تاريخ بغداد» (13/ 138).
مسكنهم بالحَصَّاصة
(1)
من نواحي الفرات، وتوفي يوم الأحد للنصف من شوال سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، ودفنتُه من يومه في مقبرة باب حرب»
(2)
.
وكان لأبيه رحمه الله عناية بالعلم
(3)
، وقد حدَّث عنه الخطيب في «تاريخه» ، فمن ذلك قوله في ترجمة عبيد الله بن محمد أبي أحمد الفَرَضي المقرئ: «حدثني أبي رضي الله تعالى عنه قال: سمعتُ أبا الحسن محمد بن أحمد الرَّقِّي يقول: رأيتُ في منامي أبا أحمد الفرضي
…
» فذكره.
ثم قال الخطيب: «لقيتُ الرَّقِّي -وكان من أهل الدين والقرآن- فحدثني بهذه الحكاية من لفظه، كما حدثنيها عنه أبي رحمه الله»
(4)
.
ومن ذلك أيضًا قوله في ترجمة عبد الواحد بن عبد العزيز أبي الفضل التميمي الفقيه الحنبلي: «حدثني أبي رضي الله تعالى عنه، وكان ممن حضر جنازته: أنه صلى عليه نحوٌ من خمسين ألف رجل»
(5)
.
- مولده:
ذكر الخطيب أنه وُلد في يوم الخميس لستٍّ بَقِين من جُمادى الآخرة سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة
(6)
.
(1)
بالفتح، وتشديد ثانيه، وهي من قرى السواد، قرب قصر ابن هبيرة، من أعمال الكوفة. «معجم البلدان» (2/ 263).
(2)
«تاريخ بغداد» (13/ 279).
(3)
ينظر: «طبقات الشافعية» (4/ 29).
(4)
«تاريخ بغداد» (12/ 115).
(5)
«تاريخ بغداد» (12/ 266).
(6)
ذكره في ترجمة أبي حفص عمر بن أحمد بن عثمان بن شاهين من «تاريخ بغداد» (13/ 135). وينظر: «الأنساب» للسمعاني (5/ 166)، و «تاريخ دمشق» (5/ 34)، و «طبقات الشافعية الكبرى» للسبكي (4/ 29).
وذكرت بعض المصادر أن ولادته كانت سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة
(1)
، وهو خطأ مخالف لقول الخطيب، وهو أعلم بتاريخ ولادته.
وقد وُلد الخطيب بقرية هَنِيقِيَا
(2)
من أعمال نهر المَلِك
(3)
.
* * *
(1)
ينظر: «تاريخ دمشق» (5/ 39)، و «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 129)، و «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» لابن نقطة (ص: 154)، و «البداية والنهاية» (16/ 28).
(2)
هنيقيا: بهاء مفتوحة ونون مكسورة وياء ساكنة وقاف مكسورة وبعدها ياء آخر الحروف مفتوحة وبعدها ألف مقصورة. «الوافي بالوفيات» (7/ 126).
(3)
«الوافي بالوفيات» للصفدي (7/ 126)، و «سير أعلام النبلاء» للذهبي (18/ 284).
ونهر المَلِك: كورة واسعة ببغداد بعد نهر عيسى، يقال: إنه يشتمل على ثلاثمائة وستين قرية على عدد أيام السنة. «معجم البلدان» (5/ 324).
المطلب الثالث
حياته العلمية
كان لوالد الخطيب -كما ذكرت في المطلب السابق- إلمام بالعلم وعناية به، فبثَّ في ولده روح العلم وطلبه في فترة مبكرة، وما إن بلغ سن التمييز حتى دفعه إلى هلال بن عبد الله بن محمد الطِّيبي، فأدَّبه وعلَّمه القراءة والكتابة، وقراءة القرآن الكريم، وقد ذكر الخطيب مؤدِّبه هذا في «تاريخ بغداد» فقال: «هلال بن عبد الله بن محمد أبو عبد الله الطِّيبي مؤدِّبي، .... كتبتُ عنه، وكان سماعه صحيحًا،
…
مات مؤدِّبي أبو عبد الله الطِّيبي في سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة»
(1)
.
وقد تلقَّن قدرًا صالحًا من القرآن على يد شيخه أحمد بن محمد بن أبي جعفر الأخرم المعروف بابن الصيدلاني، وقد ذكره في «تاريخ بغداد» فقال: «كتبتُ عنه، وكان صدوقًا من أهل الستر والقرآن، ولقد لقَّنني من القرآن شيئًا صالحًا، وكان يُقرئ في مسجد أبي الحسن الدارقطني بدار القُطن
(2)
، ومات في يوم الاثنين الثاني عشر من رجب سنة سبع عشرة وأربعمائة»
(3)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (16/ 117). وينظر: «الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» للدكتور محمود الطحان (ص: 31)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» للدكتور بشار عواد (ص: 19).
(2)
دار القطن: محلة كانت ببغداد من نهر طابق بالجانب الغربي بين الكرخ ونهر عيسى بن علي، يُنسب إليها الحافظ الإمام أبو الحسن علي الدارقطني رحمه الله وغيره. «معجم البلدان» (2/ 422)
(3)
«تاريخ بغداد» (6/ 90).
وقد قرأ القرآن أيضًا على شيخه أحمد بن سليمان بن علي بن عمران أبي بكر المقرئ الواسطي، وقد ذكره في «تاريخ بغداد» فقال:«كتبتُ عنه، وقرأتُ عليه القرآن، وكان صدوقًا يسكن بدار القُطن، ويُقرئ في مسجد الدارقطني، .... بلغتنا وفاته في رجب من سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة»
(1)
.
* ثم حضه والده على سماع الحديث في صغره، فسمع في المحرم سنة ثلاث وأربعمائة، وله إحدى عشرة سنة، وقد نصَّ على ذلك الخطيب فقال:«أول ما سمعتُ الحديث، وقد بلغتُ إحدى عشرة سنة .... ، وأول ما سمعتُ في المحرم من سنة ثلاث وأربعمائة»
(2)
.
وكان أول شيخ كتب عنه الحديث هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق المعروف بابن رِزْقويه، قال الخطيب في ترجمته:«هو أول شيخ كتبتُ عنه، وأول ما سمعت منه في سنة ثلاث وأربعمائة، كتبتُ عنه إملاءً مجلسًا واحدًا، ثم انقطعت عنه إلى أول سنة ست، وعدت فوجدته قد كُفَّ بصره، فلازمته إلى آخر عمره .... ، وكانت وفاته غداة يوم الاثنين السادس عشر من جمادى الأولى سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، ودُفن من يومه بعد صلاة الظهر في مقبرة باب الدَّير بالقرب من معروف الكرخي، وصلى عليه ابنه أبو بكر، وحضرت الصلاة عليه»
(3)
.
* وقد حضَّه والده أيضًا على دراسة الفقه على مذهب الإمام الشافعي
(1)
«تاريخ بغداد» (5/ 294).
(2)
«تاريخ بغداد» (13/ 135)، و «تاريخ دمشق» (5/ 33)، و «المنتظم» (16/ 129)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 271)، و «طبقات الشافعية الكبرى» (4/ 29).
(3)
«تاريخ بغداد» (2/ 212 وما بعدها).
- رحمه الله
(1)
، فبدأ بحضور مجالس الإمام الفقيه أحمد بن محمد بن أحمد أبي حامد الإسفراييني، قال الخطيب في ترجمته: «وقد رأيتُه غير مرة، وحضرتُ تدريسه في مسجد عبد الله بن المبارك، وهو المسجد الذي في صدر قَطيعة الربيع
(2)
…
مات أبو حامد في ليلة السبت لإحدى عشرة ليلة بقيت من شوال سنة ست وأربعمائة، ودُفن من الغد يوم السبت، وصليت على جنازته في الصحراء
…
»
(3)
.
فعلى هذا يكون الخطيب قد حضر مجالس أبي حامد الإسفراييني وسنه أقل من أربعة عشر عامًا، فيبدو أنه لم ينتظم في دراسة الفقه معه لصغر سنه يومئذ، فكان أول فقيه درس عليه وعلَّق الفقه عنه هو تلميذ أبي حامد الإسفراييني: أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد الضبِّي المعروف بابن المَحامِلي، قال الخطيب في ترجمته: «اختلفت إليه في درس الفقه، وهو أول من علَّقت عنه
…
مات ابن المَحامِلي في يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر ربيع الآخر سنة خمس عشرة وأربعمائة»
(4)
.
ثم تتلمذ على يد الفقيه القاضي طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر أبي الطيب الطبري الشافعي، قال في ترجمته: «اختلفت إليه وعلَّقت عنه الفقه
(1)
ينظر: «سير أعلام النبلاء» (18/ 271).
(2)
هي محلة ببغداد، منسوبة إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور ومولاه، وهما قطيعتان خارجة وداخلة، فالداخلة أقطعه إياها المنصور، والخارجة أقطعه إياها المهدي، وكان التجار يسكنونها حتى صارت ملكًا لهم دون ولد الربيع. «معجم البلدان» (1/ 43)(4/ 377).
(3)
«تاريخ بغداد» (6/ 20 - 22).
(4)
«تاريخ بغداد» (6/ 25 - 26)، وينظر: مقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 20).
سنين عدة
…
، مات القاضي أبو الطيب الطبري في يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة خمسين وأربعمائة، ودُفن من الغد في مقبرة باب حرب، وحضرت الصلاة عليه في جامع المنصور»
(1)
.
وظل يدرس الفقه، حتى صار فقيهًا، بل من كبار الفقهاء الشافعية، فقد قال الذهبي:«وكان من كبار الشافعية، تفقه على أبي الحسن بن المَحامِلي، والقاضي أبي الطيب الطبري»
(2)
.
(3)
.
* ومع دراسة الخطيب للفقه وإتقانه له، حتى صار من كبار الفقهاء، فقد كان جُلُّ عنايته مصروفًا إلى الحديث، حتى غلب عليه، كما يقول ابن خِلِّكان:«كان فقيهًا فغلب عليه الحديث والتاريخ»
(4)
.
فبدأ بكتابة الحديث -كما ذكرنا- عن شيخه ابن رِزقويه، وله إحدى عشرة سنة، ثم انقطع عنه ثلاث سنوات، ثم عاد إليه فلازمه ست سنوات
(5)
.
وكان حريصًا على سماع الحديث من شيوخ بلده بغداد ومن القرى المحيطة بها أولًا قبل الرحلة إلى البلدان الأخرى؛ لأنه كان على يقين أن على الطالب أن يبدأ بتحصيل حديث أهل بلده، وأن يتمهر في المعرفة به قبل أن يرحل
(6)
،
(1)
«تاريخ بغداد» (10/ 492 - 493).
(2)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 274).
(3)
«طبقات الشافعية» (4/ 30).
(4)
«وفيات الأعيان» (1/ 92).
(5)
ينظر: «تاريخ بغداد» (2/ 212).
(6)
ينظر: «الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 224).
يقول
السمعاني: «سمع ببلده، ثم رحل إلى البصرة وأصبهان وخُراسان والحجاز والشام»
(1)
.
ويقول ابن الجوزي: «وأكثر من السماع من البغداديين، ورحل إلى البصرة، ثم إلى نيسابور، ثم إلى أصبهان
…
»
(2)
.
وكان من أهم الشيوخ الذين لازمهم الخطيب ببغداد وتعلم منهم وتأثر بهم: الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي المعروف بالبَرْقاني، فقد استوطن بغداد، فأخذ عنه الخطيب كثيرًا وكان معجبًا به
(3)
.
وقد تأثَّر أيضًا بالحافظ أبي القاسم عبيد الله بن أحمد بن عثمان الأزهري، وكتب عنه الحديث، وسمع منه كثيرًا من مصنفات الأئمة السابقين
(4)
.
كما حرص أشد الحرص على لقاء العلماء الوافدين على بغداد وعلى الاستفادة منهم والقراءة عليهم، فما سمع بعالم ورد بغداد للعلم أو للحج أو للتجارة أو لغير ذلك، إلا وسارع في الذهاب إليه، فمن هؤلاء العلماء: الحافظ محمد بن علي أبو عبد الله الصوري، الذي قدم بغداد في سنة ثمانيَ عشرة وأربعمائة وظل بها إلى أن توفي سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، وقد استفاد منه الخطيب وأخذ عنه كثيرًا
(5)
.
(1)
«الأنساب» (5/ 166).
(2)
«المنتظم» (16/ 129).
(3)
ينظر: «تاريخ بغداد» (6/ 27 - 30)، و «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» للدكتور أكرم ضياء العمري (ص: 30)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 21).
(4)
ينظر: «تاريخ بغداد» (12/ 121).
(5)
ينظر: «تاريخ بغداد» (4/ 172 - 173).
ومنهم الحافظ أبو سعد أحمد بن محمد الأنصاري الصوفي الماليني، قال الخطيب في ترجمته:«أحد الرحَّالين في طلب الحديث، والمكثرين منه، .... وكان قد سمع وكتب من الكتب الطوال، والمصنفات الكبار، ما لم يكن عند غيره، وقدم بغداد دفعات كثيرة، وآخر ما قدم علينا في سنة تسع وأربعمائة، وسمعنا منه في رباط الصوفية الذي عند جامع المنصور، فإنه كان نزل هناك، ثم خرج إلى مكة، ومضى منها إلى مصر، فأقام بها حتى مات بمصر في يوم الثلاثاء السابع عشر من شوال سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وكان ثقة صدوقًا متقنًا خيِّرًا صالحًا»
(1)
.
رحلاته العلمية:
بعد أن استنفد الخطيب ما عند شيوخ بغداد والقرى المحيطة بها وما عند العلماء الواردين عليها من الحديث والعلم، بدأ يفكر في الرحلة في طلب الحديث، ويلخِّص ابن الجوزي رحلة الخطيب والمدن التي دخلها وسمع من أهلها بقوله: «رحل إلى البصرة، ثم إلى نيسابور، ثم إلى أصبهان، ودخل في طريقه همذان والجبال، ثم عاد إلى بغداد، وخرج إلى الشام، وسمع بدمشق وصور، ووصل إلى مكة، وقد حج في تلك السنة أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي
(2)
فسمع منه، وقرأ «صحيح
(1)
«تاريخ بغداد» (6/ 24). وينظر على سبيل المثال شيوخ آخرون وردوا بغداد فاستفاد منهم الخطيب: «تاريخ بغداد» (2/ 78، 95، 143، 392، 623، 626، 628)، (3/ 512)، (7/ 319، 320)، (8/ 224، 225)، (13/ 603)، (14/ 358).
(2)
هو الفقيه العلامة القاضي أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر بن علي القضاعي المصري الشافعي، قاضي مصر، ومؤلف كتاب «الشهاب» مجردًا ومسندًا. قال السِّلفي: كان من الثقات الأثبات، شافعي المذهب والاعتقاد، مرضي الجملة. مات بمصر في ذي الحجة سنة أربع وخمسين وأربعمائة. «سير أعلام النبلاء» (18/ 92).
البخاري» على
كريمة بنت أحمد المروزية
(1)
في خمسة أيام، ورجع إلى بغداد»
(2)
.
رحلته إلى البصرة:
كانت أول رحلاته إلى البصرة، سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وهو ابن عشرين سنة، وقد دوَّن وجوده فيها في ترجمة أبي بكر محمد بن إبراهيم بن حوران فقال:«مات أبو بكر بن حوران في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، وكنت إذ ذاك بالبصرة»
(3)
.
فسمع بها كتاب «السنن» لأبي داود من أبي عمر القاسم بن جعفر الهاشمي، وسمع أيضًا من علي بن القاسم بن الحسن الشاهد، والحسن بن علي السابوري، وغيرهم
(4)
.
(1)
هي العالمة الفاضلة كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية، أم الكرام، المجاورة بمكة، كانت تضبط كتابها، وإذا حدثت قابلت بنسختها، ولها فهم ومعرفة، حدثت بصحيح البخاري مرات كثيرة، وكانت بكرًا لم تتزوج، وطال عمرها، وأقامت بمكة دهرًا، وحمل عنها خلق من المغاربة والمجاورين، وعلا إسنادها، ماتت سنة ثلاث وستين وأربعمائة. «تاريخ الإسلام» (10/ 223).
(2)
«المنتظم» (16/ 129).
(3)
«تاريخ بغداد» (2/ 317). وينظر: «سير أعلام النبلاء» (18/ 271)، و «طبقات الشافعية» (4/ 29).
(4)
ينظر: «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 153)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 272)، و «طبقات الشافعية» (4/ 29).
وقد عاد في نفس السنة إلى بغداد، فحضر وفاة والده في منتصف شوال من
نفس السنة
(1)
.
وقد استفاد الخطيب من رحلته هذه فوائد جمة، لم تكن عند كبار مشايخه، فوجد نفسه متأهِّلًا للتحديث وإفادة الطلبة، فحدَّث، وكتب عنه شيخه أبو القاسم الأزهري، وقد ذكر ذلك الخطيب فقال:«حدَّثتُ ولي عشرون سنة، حين قدمت من البصرة، كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري أشياء أدخلها في تصانيفه، وسألني فقرأتها عليه، وذلك في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة»
(2)
.
رحلته إلى نيسابور:
ثم رحل إلى نيسابور سنة خمس عشرة وأربعمائة، وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وقد كان متردِّدًا بين الرحلة إلى مصر أو إلى نيسابور، وقد استشار شيخه البَرْقاني في هذا الأمر، يقول الخطيب: «استشرت البَرْقاني في الرحلة إلى أبي محمد بن النحاس
(3)
بمصر، أو إلى نيسابور إلى أصحاب الأصم
(4)
،
(1)
«تاريخ بغداد» (13/ 279).
(2)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 325 رقم 723)، و «معجم الأدباء» (1/ 392). وينظر:«تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري» لابن عساكر (ص: 271).
(3)
هو عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد، أبو محمد التجيبي المصري البزاز، المعروف بابن النحاس، مسند ديار مصر في وقته، وكان الخطيب قد همَّ بالرحلة إليه لعلو سنده، توفي سنة ست عشرة وأربعمائة. «تاريخ الإسلام» (9/ 270).
(4)
هو الإمام المحدث مسند العصر، رحلة الوقت، أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف النيسابوري الأصم، حدث بكتاب «الأم» للشافعي عن الربيع، وطال عمره وبعد صيته، وتزاحم عليه الطلبة، وقد حدَّث في الإسلام ستًّا وسبعين سنة، توفي سنة ست وأربعين وثلاثمائة. «سير أعلام النبلاء» (15/ 452).
فقال: إنك إن خرجت إلى مصر إنما تخرج إلى واحدٍ، إن فاتك ضاعت رحلتك، وإن
خرجت إلى نيسابور ففيها جماعة، إن فاتك واحد، أدركت من بقي. فخرجتُ إلى نيسابور»
(1)
.
وقد قدم نيسابور في شهر رمضان من هذه السنة، كما ذكر ذلك في «تاريخه»
(2)
.
وكان رفيقَه في هذه الرحلة المحدِّثُ الجوَّال أبو الحسن علي بن عبد الغالب بن جعفر الضَّرَّاب القُنِّي، وقد دوَّن ذلك الخطيب في كتابه «المتفق والمفترق» فقال:«حدثني أبو الحسن علي بن عبد الغالب بن جعفر الضرَّاب رفيقي في الرحلة إلى نيسابور»
(3)
.
(4)
.
وقد سجَّل الخطيب رحلته إلى نيسابور في أكثر من موضع من «تاريخه» ، من ذلك قوله في ترجمة محمد بن أحمد بن عمر المعروف بابن الصابوني: «تُوفي ابن الصابوني في يوم الخميس السادس عشر من رجب سنة خمس عشرة
(1)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 275)، و «طبقات الشافعية» (4/ 30).
(2)
«تاريخ بغداد» (13/ 232).
(3)
«المتفق والمفترق» (3/ 1805 رقم 1191).
(4)
«تاريخ دمشق» (43/ 72). وينظر: «الأنساب» للسمعاني (8/ 388)(10/ 505)، و «تاريخ الإسلام» (9/ 759 - 780).
وأربعمائة، ودُفن في مقبرة باب الشام، ذكر ذلك لي من أثق به، وكنت غائبًا عن بغداد إذ
ذاك في رحلتي إلى نيسابور»
(1)
.
وقوله في ترجمة محمد بن أحمد بن أبي طاهر الدقاق المعروف بابن البَيَّاض: «ومات في يوم الخميس التاسع والعشرين من شعبان سنة خمس عشرة وأربعمائة، وكنت إذ ذاك غائبًا عن بغداد في رحلتي إلى نيسابور»
(2)
.
وقد دخل في رحلته هذه عددًا من المدن والقرى وسمع من مشايخها، منها الرَّي، وقد سجَّل دخوله بها في ترجمة القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسداباذي فقال: «مات عبد الجبار بن أحمد قبل دخولي الرَّي في رحلتي إلى خُرَاسان
(3)
، وذلك في سنة خمس عشرة وأربعمائة، وأحسب أن وفاته كانت في أول السنة»
(4)
.
ودخل أيضًا النَّهْروان، قال الخطيب في ترجمة علي بن محمد بن عبد الله القطان المعروف بابن الفُتَيْتي:«كتبت عنه بالنهروان في رحلتي إلى نيسابور، وذلك سنة خمس عشرة وأربعمائة»
(5)
.
ودخل في السنة نفسها الدِّينَوَر، قال في ترجمة رضوان بن محمد بن الحسن الدِّينَوَري: «قدم بغداد، وكتبنا عنه بها في سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، وكتبتُ
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 161).
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 215). وينظر أيضًا: «تاريخ بغداد» (3/ 45)، (13/ 450، 581).
(3)
خُرَاسان إقليم كبير يشمل نيسابور وغيرها من البلاد. وينظر: «معجم البلدان» (2/ 350).
(4)
«تاريخ بغداد» (12/ 416).
(5)
«تاريخ بغداد» (13/ 581).
عنه أيضًا بالدِّينَوَر في سنة خمس عشرة وأربعمائة، وما علمتُ منه إلا خيرًا»
(1)
.
وقد سمع بنيسابور كثيرًا من المشايخ والعلماء، منهم: القاضي أبو بكر أحمد بن الحسن الحِيري، وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل الصَّيْرفي، وأبو حازم عمر بن أحمد العبدُويي، وأبو القاسم عبد الرحمن السرَّاج، وعلي بن محمد الطرازي
(2)
.
رحلته إلى أصبهان:
توجه الخطيب بعد ذلك إلى أصبهان، للقاء من بها من العلماء والمشايخ، وعلى رأسهم الحافظ الكبير أبو نعيم الأصبهاني، وذلك سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وقد أرسل معه شيخه الحافظ البَرْقاني كتابًا إلى أبي نعيم يوصيه فيه بالخطيب قال فيه: «وقد نفذ إلى ما عندك عمدًا متعمِّدًا أخونا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أيَّده الله وسلَّمه؛ ليقتبس من علومك ويستفيد من حديثك، وهو بحمد الله ممن له في هذا الشأن سابقةٌ حسنةٌ وقَدَمٌ ثابت، وفهمٌ به حسن، وقد رحل فيه وفي طلبه، وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله الطالبين له، وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك، مع التورُّع والتحفُّظ وصحة التحصيل ما يحسُن لديك موقعه، وتجمُل عندك منزلته.
وأنا أرجو -إذا صحَّت لديك منه هذه الصفة- أن تُلين له جانبك، وأن تتوفر عليه، وتحتمل منه ما عساه يورده من تثقيل في الاستكثار، أو زيادة في
(1)
«تاريخ بغداد» (9/ 432).
(2)
ينظر: «تاريخ دمشق» (5/ 31)، و «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 153)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 272).
الاصطبار، فقديمًا حمل السلف من الخلف ما ربما ثَقُل، وتوفَّروا على المستحق منهم بالتخصيص والتقديم والتفضيل ما لم ينله الكلُّ منهم»
(1)
.
وقد سجَّل الخطيب هذه الرحلة في عدة مواضع من «تاريخه» من ذلك قوله في ترجمة محمد بن جعفر بن عَلَّان الوَرَّاق الشُّرُوطي: «مات في ذي القعدة من سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، ودُفن في مقبرة باب الدَّيْر، وحين تُوفي كنت غائبًا عن بغداد في رحلتي إلى أصبهان»
(2)
.
وقوله في ترجمة محمد بن علي بن محمد المُعَدَّل المعروف بابن الطبيب: «مات في ليلة الجمعة لليلة بقيت من شهر ربيع الأول سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، وكنتُ وقت وفاته بأصبهان»
(3)
.
وقد استفاد الخطيب من هذه الرحلة استفادة عظيمة، وسمع كثيرًا من الحافظ أبي نعيم الأصبهاني، وروى عنه مصنفاته، وتحمَّل عنه الكتب التي يرويها عن الطبراني وأبي الشيخ الأصبهاني وغيرهما
(4)
.
وقد سمع أيضًا من محمد بن عبد الله بن شهريار راوي «المعجم الصغير» للطبراني، ومن أبي الحسن علي بن يحيى بن جعفر بن عبدكويه، وأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الجمال، وأبي الحسين أحمد بن محمد بن الحسين بن فاذشاه راوي «المعجم الكبير» للطبراني، وغيرهم
(5)
.
(1)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 308 رقم 670)، و «تاريخ دمشق» (5/ 36)، و «معجم الأدباء» (1/ 395).
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 544).
(3)
«تاريخ بغداد» (4/ 160). وينظر أيضًا «تاريخ بغداد» (4/ 161).
(4)
ينظر: «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» (ص: 40).
(5)
ينظر: «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 153)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 272 - 273)، و «موارد الخطيب» (ص: 41)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 27 - 28).
ومما يجدر التنبيه إليه أن الدكتور محمود الطحان في دراسته عن الخطيب
(1)
قد خلط رحلته إلى نيسابور برحلته إلى أصبهان، وجعلهما رحلة واحدة، بدأها بزيارة أصبهان ثم انتهى بنيسابور.
وهو خطأ محض، فرحلته إلى نيسابور كانت سنة خمس عشرة وأربعمائة، ورحلته إلى أصبهان كانت سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وقد سبق بيان ذلك بالأدلة من كلام الخطيب، والله الموفق.
استقراره ببغداد واجتهاده في طلب العلم:
بعد عودته من أصبهان، مكث في بغداد فترة طويلة، اجتهد فيها في طلب العلم، لم يضيِّع وقتًا في غير قراءة أو مطالعة أو استفادة أو إفادة، حتى إنه كان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه
(2)
.
وكان يترقَّب وصول أي عالم إلى بغداد حتى يسمع منه أو يقرأ عليه، بهمة عالية وصبر وجَلَد، وهذا مثال يبين ذلك ويُجلِّيه: قال الخطيب في ترجمة إسماعيل بن أحمد الضرير الحِيري النيسابوري: «قَدِم علينا حاجًّا في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة
…
كتبنا عنه، ونِعم الشيخ كان فضلًا وعلمًا، ومعرفة وفهمًا، وأمانة وصدقًا، وديانة وخُلُقًا.
ولما ورد بغداد كان قد اصطحب معه كتبه عازمًا على المجاورة بمكة، وكانت وَقْر بعير، وفي جملتها «صحيح البخاري» ، وكان سمعه من أبي الهيثم
الكُشْمَيْهَني عن الفَرَبري، فلم يُقضَ لقافلة الحجيج النفوذ في تلك السنة؛ لفساد الطريق، ورجع الناس، فعاد إسماعيل معهم إلى نيسابور.
ولما كان قبل خروجه بأيام خاطبته في قراءة كتاب «الصحيح» ، فأجابني إلى ذلك، فقرأت جميعه عليه في ثلاثة مجالس؛ اثنان منها في ليلتين، كنت أبتدئ بالقراءة وقت صلاة المغرب وأقطعها عند صلاة الفجر، وقبل أن أقرأ المجلس الثالث عَبَرَ الشيخ إلى الجانب الشرقي مع القافلة ونزل الجزيرة بسوق يحيى، فمضيت إليه مع طائفة من أصحابنا كانوا حضروا قراءتي عليه في الليلتين الماضيتين، وقرأت عليه في الجزيرة من ضحوة النهار إلى المغرب، ثم من المغرب إلى وقت طلوع الفجر، ففرغت من الكتاب، ورحل الشيخ في صبيحة تلك الليلة مع القافلة»
(1)
.
وقد ذكر الذهبي هذه القصة ثم قال: «هذه - والله - القراءة التي لم يُسمع قط بأسرع منها»
(2)
.
وقد كان يفيد مشايخه أحاديث ليست عندهم، فقد روى في ترجمة علي بن أحمد بن علي أبي الحسن المِصِّيصي حديثًا عن شيخه محمد بن الحسن بن أحمد الأهوازي، ثم قال:«ذكرتُ هذا الحديث للبَرْقاني، فسألني أن أمضي معه إلى الأهوازي، فمضيتُ معه حتى سمعه منه»
(3)
.
وقد بلغ شغفه بطلب الحديث وولوعه به إلى أنه كان يلحُّ على مشايخه العسرين حتى يحدثوه، وربما لم يحدِّثوا غيره، قال الخطيب في ترجمة علي بن
أحمد بن محمد الصَّيْرفي المعروف بابن الآبنوسي: «كتبتُ عنه أحاديث عن الدارقطني خاصة، وكان يتمنَّع من التحديث ويأباه، وألححتُ عليه حتى حدثني، ولا أحسب سمع منه غيري»
(1)
.
وبعد تحصيله لهذا الكم الهائل من العلم والمعرفة خاصة علم الحديث، تفرَّغ لجمع كتابه الكبير «تاريخ بغداد» حتى انتهى من نشرته الأولى قبل سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وهي السنة التي حج فيها، حيث شرب ماء زمزم وسأل الله تعالى أن يحقِّق له ثلاثة أمور منها: أن يحدث بـ «تاريخه» هذا في بغداد
(2)
.
رحلته إلى الحج ومروره ببلاد الشام:
عزم الخطيب على أداء فريضة الحج سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وكانت فرصة ثمينة للسماع من شيوخ مكة ومن المجاورين بها، وممن أتى للحج من علماء الأمصار، واختار أن يمر في طريقه إلى مكة ببلاد الشام حتى يسمع من بها من العلماء، قال السبكي:«وقدم دمشق سنة خمس وأربعين حاجًّا، فسمع خلقًا كثيرًا، وتوجَّه إلى الحج، ثم قدمها سنة إحدى وخمسين فسكنها، وأخذ يصنِّف في كتبه، وحدَّث بها بتآليفه»
(3)
.
وكان في طريقه إلى الحج لا يفتر عن قراءة القرآن، أو تحديث الناس بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم، يقول أبو الفرج الإسفراييني: «كان الشيخ أبو بكر الحافظ
(1)
«تاريخ بغداد» (13/ 237). وينظر أيضًا: «تاريخ بغداد» (5/ 483)(6/ 25 - 26).
(2)
ينظر: «تاريخ دمشق» (5/ 34)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 29، 73 - 74).
(3)
«طبقات الشافعية» (4/ 29).
معنا في طريق الحج، فكان يختم كل يوم ختمة إلى قرب الغياب، قراءةً بترتيل،
ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب يقولون: حدِّثنا؛ فيحدِّثهم»
(1)
.
وقد سجَّل الخطيب هذه الرحلة المباركة في «تاريخه» ، فذكر أنه كان في برية السماوة
(2)
في شهر رمضان من هذه السنة قاصدًا دمشق، لما خرج إلى الحج
(3)
.
وقال في ترجمة أبي طالب محمد بن أحمد بن عثمان المعروف بابن السوادي: «توفي بواسط في ذي الحجة من سنة خمس وأربعين وأربعمائة، وكنتُ إذ ذاك بمكة»
(4)
.
والظاهر أنه لم يمكث كثيرًا بدمشق؛ لقِصَر المدة بين موسم الحج ووصوله إليها، وما يحتاجه من وقت لوصوله إلى مكة المكرمة
(5)
.
وقد التقى في موسم الحج كثيرًا من العلماء وسمع منهم، فقد سمع من القاضي محمد بن سلامة القُضاعي المصري، وأبي القاسم عبد العزيز بن بندار بن علي الشيرازي، وأبي بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأَرْدَسْتاني، وقرأ «صحيح البخاري» على كريمة بنت أحمد المروزية في خمسة أيام
(6)
.
(1)
«تاريخ دمشق» (5/ 36).
(2)
برية السماوة: صحراء كبيرة ممتدة من الشام إلى العراق، ينزلها عرب الشام. ينظر:«الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل» للعليمي الحنبلي (2/ 83).
(3)
«تاريخ بغداد» (11/ 375).
(4)
«تاريخ بغداد» (2/ 163).
(5)
ينظر: مقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 29 - 30).
(6)
ينظر: «تاريخ بغداد» (16/ 325، 566)، و «المنتظم» (16/ 129)، و «البداية والنهاية» (16/ 28)، و «موارد الخطيب» (ص: 46).
ولما حج الخطيب شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات؛ فالحاجة الأولى: أن يحدِّث بـ «تاريخ بغداد» ببغداد، والثانية: أن يُملي
الحديث بجامع المنصور، والثالثة: أن يُدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي
(1)
.
ولم يمكث طويلًا بمكة، وعاد من طريق الشام أيضًا، فقد قال في ترجمة إبراهيم بن محمد بن عمر أبي طاهر العلوي:«مات ببغداد في ليلة الأربعاء، ودُفن يوم الأربعاء الرابع عشر من صفر سنة ست وأربعين وأربعمائة، وكنتُ إذ ذاك في طريق الحجاز راجعًا إلى الشام من مكة»
(2)
.
وقد سجَّل وجوده بالشام في ترجمة عبد الله بن الحسين بن عثمان الهمذاني الخبَّاز من «تاريخه» فقال: «مات في يوم الخميس، ودُفن يوم الجمعة السادس والعشرين من جمادى الأولى سنة ست وأربعين وأربعمائة، وكنتُ إذا ذاك بالشام»
(3)
.
وقد زار عدة مدن بالشام، منها القُدس، وقد سجَّل وجوده بها في ترجمة أبي سعد إسماعيل بن علي الواعظ الإستراباذي من «تاريخه» ؛ حيث ذكر أن أبا سعد قدم بغداد حاجًّا فسمع منه، ثم لقيه الخطيب بعد زمن ببيت المقدس عند عودته من الحج في سنة ست وأربعين وأربعمائة، فحدثه عن عدة مشايخ
(4)
.
(1)
ينظر: «تاريخ دمشق» (5/ 34)، و «المنتظم» (16/ 134).
(2)
«تاريخ بغداد» (7/ 115).
(3)
«تاريخ بغداد» (11/ 107).
(4)
«تاريخ بغداد» (7/ 320 - 321). وينظر: «تاريخ بغداد» (15/ 294).
ومنها صور، فقد قال الخطيب في ترجمة عبد الوهاب بن الحسين بن عمر بن برهان: «انتقل عن بغداد إلى الشام، فسكن بالساحل في مدينة صور، وبها لقيته، وسمعت منه عند رجوعي من الحج، وذلك في سنة ست وأربعين
وأربعمائة، وكان ثقة»
(1)
.
ولم يُطل الخطيبُ المكثَ ببلاد الشام، فعاد إلى بغداد في بداية سنة سبع وأربعين وأربعمائة، حيث صلى على جنازة شيخه علي بن المحسن التَّنُوخي يوم الاثنين الثاني من المحرم من هذه السنة
(2)
.
وأصبح الخطيب مقرَّبًا إلى الوزير أبي القاسم ابن المُسْلِمة، وأوعز الوزير إلى الخطباء والوعاظ أن لا يرووا حديثًا حتى يعرضوه على الخطيب، فما صححه أوردوه، وما ردَّه لم يذكروه.
وأظهر بعض اليهود كتابًا وادَّعى أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة، وأنَّ خط علي بن أبي طالب فيه، فعرضه الوزير على أبي بكر الخطيب، فقال: هذا مزوَّر. قيل له: وما الدليل على ذلك؟ قال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم يوم الفتح، وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ، وكان قد مات يوم الخندق سنة خمس. فاستحسن ذلك منه
(3)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (12/ 297).
(2)
«تاريخ بغداد» (13/ 605).
(3)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 129)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 280)، و «البداية والنهاية» (16/ 28).
وقد تقدم أن الخطيب لما حج شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات: الحاجة الأولى: أن يحدِّث بـ «تاريخ بغداد» ببغداد، والثانية: أن يُملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة: أن يُدفن إذا مات عند قبر
بشر الحافي.
فلما عاد إلى بغداد حدَّث بالتاريخ بها، ووقع إليه جزء فيه سماع الخليفة القائم بأمر الله، فحمل الجزء ومضى إلى باب حجرة الخليفة، وسأل أن يؤذَن له في قراءة الجزء، فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث، وليس له إلى السماع مني حاجة، ولعل له حاجة أراد أن يتوصل إليها بذلك، فسلوه ما حاجته. فسئل فقال: حاجتي أن يؤذَن لي أن أُملي بجامع المنصور. فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذَن له في ذلك، فحضر النقيب، وأملى الخطيب في جامع المنصور
(1)
.
محنة الخطيب ورحيله إلى الشام:
تقدَّم عند الكلام عن عصر الخطيب
(2)
أن القائد أرسلان البَسَاسِيري -الذي كان مقرَّبًا من الفاطميين- استطاع أن يستولي على بغداد في ذي القعدة سنة خمسين وأربعمائة، وأن يحبس الخليفة، كما قبض على الوزير ابن المُسْلِمة ثم صلبه حيًّا وقتله.
وقد خرج الخطيب من بغداد متوجهًا إلى دمشق يوم النصف من صفر سنة إحدى وخمسين وأربعمائة؛ خوفًا من بطش البَسَاسيري؛ فقد كان الخطيب مقرَّبًا من الوزير ابن المُسْلِمة، وحمل معه كتبه المؤلَّفة والمسموعة.
(1)
ينظر (ص: 23 - 26).
(2)
«تاريخ دمشق» (5/ 34).
ثم إن طُغرلبك رجع إلى بغداد فأطلق الخليفة من محبسه، وحارب البَسَاسيري، إلى أن قتله في اليوم الخامس عشر من ذي الحجة سنة إحدى
وخمسين وأربعمائة، وكان الخطيب حينها بدمشق
(1)
.
ولكن الخطيب لم يرجع إلى بغداد، وظل بدمشق فترة طويلة، حدَّث بها بعامة مصنفاته
(2)
.
وكانت له حلقة كبيرة بجامع دمشق، يُحدِّث فيها بكتبه المؤلَّفة والمسموعة، يقول أبو زكريا يحيى بن علي المعروف بالخطيب التِّبْريزي اللغوي المشهور: «لما دخلت دمشق في سنة ست وخمسين كان بها إذ ذاك الإمام أبو بكر الحافظ، وكانت له حلقة كبيرة يجتمعون في بكرة كل يوم فيقرأ لهم، وكنت أقرأ عليه الكتب الأدبية المسموعة له، فكان إذا مر في كتابه شيء يحتاج إلى إصلاح يصلحه، ويقول: أنت تريد مني الرواية، وأنا أريد منك الدراية.
وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إليَّ يومًا وسط النهار، وقال: أحببتُ أن أزورك في بيتك. وقعد عندي وتحدثنا ساعة، ثم أخرج قرطاسًا فيه شيء، وقال لي: الهدية مستحبَّة، وأسألك أن تشتري به الأقلام. ونهض، ففتحت القرطاس بعد خروجه فإذا فيه خمسة دنانير صحاح مصرية. ثم إنه مرة ثانية صعد وحمل إليَّ ذهبًا، وقال لي: تشتري به كاغدًا
(3)
. وكان نحوًا من الأول أو أكثر»
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (11/ 48 - 52).
(2)
«تاريخ دمشق» (5/ 31).
(3)
الكاغد: الورق. ينظر: «المصباح المنير» (و ر ق).
(4)
«معجم الأدباء» (1/ 392).
واتفق أنه قرأ يومًا على الناس فضائل الصحابة، فثار عليه الروافض وأتباع الفاطميين - وكانت دمشق يومئذ تحت سيطرتهم - وأرادوا قتله، فتشفَّع
بالشريف أبي القاسم علي بن إبراهيم بن أبي الجِنِّ العلوي
(1)
، فأجاره، وحذَّر الوالي من قتله وقال له:«هذا رجل مشهور بالعراق، وليس في قتله مصلحة، إن قتلته، قُتل به جماعة من الشيعة بالعراق، وخُرِّبت المشاهد» .
فاكتفى الوالي بإخراجه من دمشق، فخرج منها في يوم الاثنين الثامن عشر من صفر سنة تسع وخمسين وأربعمائة قاصدًا مدينة صور
(2)
.
وفي صور اتصل بعز الدولة وتقرَّب منه، فانتفع به، وأعطاه مالًا كثيرًا
(3)
. وكان يتردد إلى القدس للزيارة ثم يعود إلى صور
(4)
.
عودة الخطيب إلى بغداد:
لقد تبوَّأ الخطيب في صور مكانة علمية عالية، وازدحم الطلبة من كل مكان عليه، إلا أنه كان يشتاق إلى بغداد، التي لم يكن ليفارقها لولا الظروف الصعبة التي أحاطت به، قال السمعاني: «سمعت بعض مشايخي يقول: دخل
(1)
هو أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس بن أبي الجن الشريف العلوي، من أهل دمشق، كان سيدًا شريفًا محتشمًا جليل القدر سنِّيًّا حسن السيرة، خرَّج له الإمام أبو بكر الخطيب الحافظ الفوائد، وعُمِّر حتى حدث بها وبغيرها، توفي سنة ثمان وخمسمائة بدمشق. «الأنساب» للسمعاني (3/ 361).
(2)
ينظر: «معجم الأدباء» (1/ 393)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 281 - 282)، و «البداية والنهاية» (16/ 28)، و «الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» (ص: 50 - 52)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» للدكتور بشار (ص: 34 - 35).
(3)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 274).
(4)
«معجم الأدباء» (1/ 384).
بعض الأكابر جامع دمشق أو صور ورأى حلقة عظيمة للخطيب، والمجلس غاصٌّ، يسمعون منه الحديث، فقعد إلى جانبه، وكأنه استكثر الجمع، فقال له الخطيب:
القعود في جامع المنصور مع نفر يسير أحب إليَّ من هذا»
(1)
.
وهذا النص يبين ما تبوأه من منزلة علمية عالية، وشدة اشتياقه إلى وطنه بغداد، فلما بلغ سبعين سنة، كأنه أحس بدنوِّ أجله، فأحب أن يحقِّق الله له أمنيته الثالثة - كما حقَّق له الأولى والثانية - وهو أن يُدفن بجوار بشر الحافي ببغداد، فعزم على الرجوع إلى وطنه بغداد.
وقد تعهَّد تلميذه المحدِّث التاجر أبو منصور عبد المحسن بن محمد الشِّيحي
(2)
أن يحمله في هذا السفر الشاق، وقد كافأه الخطيب على ذلك فأهدى إليه «تاريخ بغداد» بخطه، وقال:«لو كان عندي أعز منه لأهديته له»
(3)
.
فخرج وصديقه في شعبان سنة اثنتين وستين وأربعمائة يريدان بغداد، فمرَّا بطرابلس ثم حلب، فمكثا في كل واحدة من البلدتين أيامًا قلائل، ثم توجَّها إلى الرحبة، ومنها إلى بغداد، فوصلاها في ذي الحجة من السنة نفسها
(4)
.
(1)
«معجم الأدباء» (1/ 391)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» للدكتور بشار (ص: 35).
(2)
هو المحدث الجوال الصدوق التاجر السفَّار أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي بن أحمد بن علي الشيحي، ثم البغدادي، الفقيه المالكي، النصري، وُلد في سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، قال إسماعيل بن محمد الحافظ: شيخ جليل فاضل ثقة. مات سنة تسع وثمانين وأربعمائة. «سير أعلام النبلاء» (19/ 152).
(3)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (17/ 34).
(4)
ينظر: «تاريخ دمشق» (5/ 40)، و «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 129)، و «معجم الأدباء» (1/ 384)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 277).
وقد استقر بعد وصوله إلى بغداد في حجرة بدرب السلسلة في جوار
المدرسة النظامية
(1)
، وأقام بها سنة إلى أن توفي، وحينئذ روى «تاريخ بغداد»
(2)
.
معرفة الخطيب بالأدب والشعر:
كان الخطيب رحمه الله ذا معرفة واسعة بالأدب، فقد روى كثيرًا من كتب الأدب، وحدَّث بها بإسناده إلى أصحابها
(3)
، وقد ساق الخطيب في كتبه لا سيما «تاريخ بغداد» كثيرًا من الحكايات الأدبية والأشعار، وقد ذكر الدكتور أكرم العمري مصادر أدبية كثيرة، استفاد منها الخطيب في «تاريخه»
(4)
.
وقد صنَّف الخطيب عددًا من كتب الأدب منها: كتاب البخلاء، وكتاب التطفيل وحكايات الطُّفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم.
وكان أيضًا ناظمًا للشعر الحسن، قال ابن الجوزي:«وكان حسن القراءة، فصيح اللهجة، عارفًا بالأدب، يقول الشعر الحسن»
(5)
.
وقال الذهبي: «وللخطيب نظم جيد»
(6)
.
فمن شعره:
(1)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 134).
(2)
«معجم الأدباء» (1/ 384).
(3)
ينظر: «سير أعلام النبلاء» (18/ 278).
(4)
«موارد الخطيب في تاريخ بغداد» (ص: 223 - 253).
(5)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 131).
(6)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 295).
إن كنتَ تبغي الرشاد محضًا
…
لأمر دنياك والمعادِ
خالفِ النفس في هواها
…
إنَّ الهوى جامعُ الفسادِ
(1)
ومنه:
لا تغبطنَّ أَخَا الدنيا لزخرفها
…
ولا للذةِ وقتٍ عجَّلتْ فرحا
فالدهر أسرع شيء في تقلُّبه
…
وفِعلُهُ بيِّنٌ للخَلْق قد وضحا
كم شاربٍ عسلًا فيه منيَّتُه
…
وكم تقلَّد سيفًا مَنْ به ذُبحا
(2)
صفاته العلمية:
وأختم الكلام عن حياة الخطيب العلمية بذكر بعض ما تميز به من صفات في العلم:
1 -
جودة خطِّه ودقة ضبطه:
تميَّز الخطيب بجودة خطه ووضوحه، وكثرة ضبطه لما يكتبه بالشَّكل ودقته فيه، وقد أثنى عليه أهل العلم بذلك، قال السمعاني:«كان حسن النقل والخط، كثير الشَّكْل والضبط»
(3)
.
وقال الذهبي: «كتابة الخطيب مليحة مفسَّرة، كاملة الضبط، بها أجزاء بدمشق رأيتُها»
(4)
.
(1)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 295).
(2)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 296). وينظر أيضًا: «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 131)، و «معجم الأدباء» (1/ 393 - 395).
(3)
«معجم الأدباء» (1/ 391).
(4)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 285).
2 -
فصاحته وحُسن قراءته وسرعتها:
كان الخطيب فصيحًا في نطقه، سريعًا في قراءته، جَهْوري الصوت، قال الخطيب التبريزي:«كان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق يُسمع صوته في آخر الجامع، وكان يقرأ معرَبًا صحيحًا»
(1)
.
وقال السمعاني: «كان قارئًا للحديث فصيحًا»
(2)
.
وقال ابن الجوزي: «وكان حسن القراءة، فصيح اللهجة»
(3)
.
وقد قرأ الخطيب «صحيح البخاري» على إسماعيل بن أحمد الضرير الحِيري في ثلاثة مجالس
(4)
؛ لذا قال الذهبي: «هذه - والله - القراءة التي لم يُسمع قط بأسرع منها»
(5)
.
وقد عدَّه القَلْقَشَندي فردًا في سرعة القراءة بحيث يُضرب به المثل فيها
(6)
.
3 -
شغفه بالمطالعة:
كان الخطيب محبًّا للقراءة، حريصًا على المطالعة، قال الخطيب:«كان حريصًا على علم الحديث، وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه»
(7)
.
(1)
«معجم الأدباء» (1/ 392).
(2)
«معجم الأدباء» (1/ 391).
(3)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 131).
(4)
«تاريخ بغداد» (7/ 318 - 319).
(5)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 279).
(6)
«صبح الأعشى» (1/ 518).
(7)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 131).
4 -
أمانته في العلم وتحرِّيه في النقل:
كان الخطيب دقيقًا في قوله، أمينًا في نقله، متحرِّيًا في تأليفه وجمعه، قال السمعاني:«وكان مهيبًا وقورًا، نبيلًا خطيرًا، ثقة صدوقًا، متحرِّيًا، حجة فيما يصنِّفه ويقوله وينقله ويجمعه»
(1)
.
وكان رحمه الله متحرِّيًا فيما يسمعه من الكتب، حريصًا على ألَّا يكون في إسناده إليها انقطاع، وأن يكون متصلًا بالسماع، قال الخطيب في ترجمة عثمان بن محمد بن أحمد بن العباس القارئ المُخَرِّمي من «تاريخ بغداد»:«وقد حدثنا عنه العَتِيقي بقطعة من «تاريخ يحيى بن معين» ، قال فيها: أخبرنا الأصم، أن العباس الدُّوري حدثهم قال: سمعتُ يحيى بن معين. فخفتُ أن تكون روايته لذلك عن الأصم إجازة، حتى سألتُ العَتِيقي، فقال: ليس ذلك إجازة، بل هو سماع، ثم رأيتُ في أصل المُخرِّمي يذكر أنه سمع هذا «التاريخ» من الأصم بقراءته عليه»
(2)
.
* * *
(1)
«معجم الأدباء» (1/ 391).
(2)
«تاريخ بغداد» (13/ 206).
المطلب الرابع
شيوخه وتلاميذه
أولًا: شيوخه:
إذا تقرر أن الخطيب كان من أشد الناس اجتهادًا في طلب العلم على العلماء والمشايخ، وقد رحل في سبيل ذلك رحلات متعددة، ودخل كثيرًا من المدن والقرى، فلا شك في كثرة شيوخه، حتى قال السمعاني:«وشيوخه أكثر من أن يُذكروا»
(1)
.
ومما يدل على كثرة شيوخه كثرة هائلة، أنه روى عن أقرانه وتلامذته ولم يستنكف من ذلك، قال الذهبي بعد أن ذكر عددًا من كبار مشايخه:«وينزل إلى أن يكتب عن عبد الصمد بن المأمون، وأبي الحسين بن النقور، بل نزل إلى أن روى عن تلامذته كنصر المقدسي، وابن ماكولا، والحُميدي، وهذا شأن كل حافظ يروي عن الكبار والصغار»
(2)
.
ويدل على ذلك أيضًا أنه قد سمع من مشايخ لم يحدِّثوا غيره، من ذلك أنه قال في ترجمة القاضي أبي الحسين أحمد بن عمر بن علي:«سمعتُ منه ولم يكن له كتاب، وإنما وقع إليَّ بعضُ أصول من المظفَّر وغيره وفيه سماعه، فقرأته عليه، ولا أعلم سمع منه غيري»
(3)
.
(1)
«الأنساب» (5/ 166).
(2)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 272).
(3)
«تاريخ بغداد» (5/ 483). وينظر أيضًا «تاريخ بغداد» (6/ 25 - 26)، (13/ 237).
ونظرًا لكثرة شيوخه هذه الكثرة الهائلة؛ فإني لم أر من أحصى شيوخه إحصاء كاملًا، وقد ذكر الدكتور محمود الطحان في دراسته عن الخطيب أنه يغلب على ظنه أن شيوخه يزيدون على الألف
(1)
.
وظنُّ الدكتور الفاضل في محله، فقد عددتُ شيوخ الخطيب الذين روى عنهم في «تاريخه» وأوردهم الدكتور بشار عواد في «فهرس شيوخ الخطيب»
(2)
، فبلغوا (789) شيخًا.
فإذا أضفنا إلى هذا العدد الشيوخَ الذين روى عنهم في كتبه الأخرى الكثيرة ولم يَرْوِ عنهم في «تاريخه» زادوا على الألف إن شاء الله تعالى.
وهذه قائمة بأسماء بعض شيوخه مرتبين على حروف المعجم:
1 -
إبراهيم بن علي بن يوسف، أبو إسحاق الشيرازي.
2 -
أحمد بن الحسن بن أحمد، أبو بكر الحَرَشي الحِيري.
3 -
أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق، أبو نعيم الأصبهاني.
4 -
أحمد بن عبد الله بن الحسين، أبو عبد الله المَحامِلي الضبِّي.
5 -
أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو سعد المالِيني الصوفي الهَرَوي.
6 -
أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب، أبو بكر البَرقاني الخوارزمي.
7 -
أحمد بن محمد بن أحمد بن القاسم، أبو الحسن الضبِّي، ابن المَحامِلي.
8 -
إسماعيل بن أحمد بن عبد الله، أبو عبد الرحمن الحِيري النيسابوري الضرير.
9 -
الحسن بن الحسين بن العباس، أبو علي النِّعالي، ابن دُوما.
10 -
الحسن بن محمد بن الحسن بن علي، أبو محمد الخلَّال.
11 -
طاهر بن عبد الله بن طاهر بن عمر، أبو الطيب الطبري الشافعي الفقيه.
12 -
عبد الله بن علي بن عياض بن أبي عقيل، أبو محمد الصُّوري القاضي.
13 -
عبد الرحمن بن عبيد الله بن عبد الله، أبو القاسم السمسار الحُرفي الحربي.
14 -
عبد الكريم بن محمد بن أحمد، أبو الفتح الضبِّي المَحامِلي.
15 -
عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك، أبو القاسم القُشيري النيسابوري.
16 -
عبيد الله بن أحمد بن عثمان بن الفرج، أبو القاسم الأزهري الصَّيرفي، ابن السوادي.
17 -
عبيد الله بن عمر بن أحمد بن عثمان، أبو القاسم الواعظ، ابن شاهين.
18 -
علي بن المحسن بن علي بن محمد، أبو القاسم التَّنُوخي البصري.
19 -
علي بن محمد بن حبيب، أبو الحسن الماوردي الشافعي البصري.
20 -
علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أبو الحسين الأُموي المعدَّل.
21 -
عمر بن أحمد بن إبراهيم بن عبدويه، أبو حازم العبدويي.
22 -
محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق، أبو الحسن البزاز، ابن رِزْقويه.
23 -
محمد بن علي بن عبد الله بن محمد، أبو عبد الله الصُّوري الساحلي.
24 -
هبة الله بن الحسن بن منصور، أبو الحسين الطبري اللَّالَكائي.
25 -
هلال بن محمد بن جعفر بن سعدان، أبو الفتح الحفَّار
(1)
.
ثانيًا: أشهر تلاميذه:
لقد كان لاجتهاد الخطيب في طلب الحديث منذ نعومة أظفاره، واستمراره على ذلك طول حياته، وتعدُّد تصانيفه في علوم الحديث وغيره، وما تبوَّأه من منزلة عالية بين أهل الحديث، أثر واضح في ازدحام طلبة العلم عليه، وحرصهم على الاستفادة منه، وسماع تصانيفه، والرواية عنه.
(1)
ينظر: «تاريخ دمشق» (5/ 31)، و «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 153)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 271 وما بعدها)، وفهرس شيوخ الخطيب في «تاريخ بغداد» للدكتور بشار عواد (17/ 187 - 329).
حتى لقد حدَّث الحافظ أبو القاسم بن عساكر عن أربعة وعشرين شيخًا حدَّثوه عن الخطيب، منهم: أبو منصور بن زُرَيق، والقاضي أبو بكر الأنصاري، وأبو القاسم بن السمرقندي، وغيرهم
(1)
.
وأدرك الحافظ أبو سعد السمعاني من أصحابه قريبًا من خمسة عشر نفسًا
(2)
.
فلا شك في كثرة تلاميذه كثرةً يصعب معها حصرهم، وقد عدَّ الذهبي جملة من تلاميذه، ثم قال:«وخلق يطول عدُّهم»
(3)
.
وقال السُّبكي أيضًا بعد أن ذكر عددًا من تلاميذه: «وخلائق يطول سردُهم»
(4)
.
وقد حدَّث عنه شيوخه وأقرانه؛ اعترافًا منهم بعلمه ومعرفته، وإقرارًا بنبوغه وعلوِّ منزلته، قال الحافظ ابن نُقطة:«حدَّث عنه أشياخه، وأقرانه، والحفاظ بعد ذلك»
(5)
.
بل كان شيخه الأزهري هو أول من كتب عنه، وكان سنُّ الخطيب حينئذ عشرين سنة، قال الخطيب:«حدَّثتُ ولي عشرون سنة، حين قدمت من البصرة، كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري أشياء أدخلها في تصانيفه، وسألني فقرأتها عليه، وذلك في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة»
(6)
.
(1)
«طبقات الشافعية» للسبكي (4/ 30).
(2)
«الأنساب» (5/ 166).
(3)
«تذكرة الحفاظ» (3/ 222).
(4)
«طبقات الشافعية» (4/ 30).
(5)
«التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 154).
(6)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 325 رقم 723)، و «معجم الأدباء» (1/ 392).
وكتب عنه شيخه أبو بكر البَرْقاني أحاديث، قال الخطيب في ترجمة البَرْقاني: «وكنتُ كثيرًا أذاكره بالأحاديث فيكتبها عني ويُضمِّنها جموعَه،
…
وكتب عنِّي بعد ذلك شيئًا كثيرًا من حديث التَّوَّزي ومِسعر وغيرهما مما كنتُ أذاكره به»
(1)
.
وهذه قائمة بأسماء بعض تلاميذه مرتبين على حروف المعجم:
1 -
أبو الفضل أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون البغدادي، المعروف بابن الباقلاني.
2 -
أبو النجم بدر بن عبد الله الشِّيحي الأَرْمني.
3 -
سلمان بن حمزة بن الخَضِر السُّلَمي الدمشقي.
4 -
أبو غالب شُجاع بن فارس بن الحسين الذُّهلي البغدادي.
5 -
أبو رَوْح صاعد بن سهل بن بشر الإسفراييني، ثم الدمشقي.
6 -
أبو محمد عبد الله بن الحسن بن طلحة التِّنِّيسي، ابن النخَّاس المعروف بابن البصري.
7 -
أبو محمد عبد الكريم بن حمزة بن الخَضِر بن العباس السُّلمي الدمشقي الحدَّاد.
8 -
أبو منصور عبد المحسن بن محمد بن علي الشِّيحي النصري.
(1)
«تاريخ بغداد» (6/ 28). وينظر أيضًا: «تاريخ بغداد» (5/ 146)، (12/ 45).
9 -
أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني الدمشقي، المعروف بابن أبي الجِن.
10 -
أبو الحسن علي بن سعيد بن عبد الرحمن بن مُحرِز العبدري الأندلسي.
11 -
أبو الوفاء علي بن عَقيل الفقيه الحنبلي.
12 -
أبو نصر علي بن هبة الله بن علي، المعروف بابن ماكولا.
13 -
أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار البغدادي الصيرفي، المعروف بابن الطُّيوري.
14 -
أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي الفقيه الشافعي.
15 -
أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الباقي الدقَّاق البغدادي، المعروف بابن الخاضبة.
16 -
أبو بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري البغدادي الحنبلي، المعروف بقاضي المارستان.
17 -
أبو منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خَيرون البغدادي المقرئ الدبَّاس.
18 -
أبو عبد الله محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الأزدي الحُميدي الأندلسي.
19 -
أبو الحسين محمد بن أبي يعلى محمد الفرَّاء الحنبلي البغدادي.
20 -
أبو القاسم مكي بن عبد السلام بن الحسين الرُّميلي المقدسي.
21 -
أبو منصور ناصر بن محمد بن علي بن عمر البغدادي.
22 -
أبو نصر المؤتمن بن أحمد بن علي الربعي البغدادي، المعروف بالساجي.
23 -
أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن داود النابلسي المقدسي الشافعي.
24 -
أبو محمد هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الأمين، المعروف بابن الأكفاني.
25 -
أبو زكريا يحيى بن علي بن محمد الشيباني، المعروف بالخطيب التِّبريزي
(1)
.
* * *
(1)
ينظر: «تاريخ دمشق» (5/ 32)، و «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 154)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 273 - 274)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» للدكتور بشار عواد (ص: 52 - 69).
المطلب الخامس
صفاته
من يتتبع سيرة الخطيب يتبين له ما كان يتمتع به من محاسن الأخلاق وجميل الصفات، وأنه كان عالمًا عاملًا بعلمه، فمن هذه الصفات:
-
اجتهاده في العبادة وقراءة القرآن:
كان رحمه الله ديِّنًا عابدًا، لم يكن يشغل وقته إلا بقراءة القرآن أو التحديث، قال أبو الفرج الإسفراييني:«كان الشيخ أبو بكر الحافظ معنا في طريق الحج، فكان يختم كل يوم ختمة إلى قُرب الغياب قراءةً بترتيل، ثم يجتمع عليه الناس وهو راكب، يقولون: حدِّثنا. فيحدِّثهم»
(1)
.
وقال عبد المحسن الشِّيحي: «كنتُ عديل أبي بكر الخطيب من دمشق إلى بغداد، فكان له في كل يوم وليلة ختمة»
(2)
.
-
تواضعه:
رغم ما وصل إليه الخطيب من مكانة علمية رفيعة، ومنزلة عالية شريفة، فقد كان متواضعًا غاية التواضع، هاضمًا لنفسه، مستصغرًا لها، قال سعيد المؤدِّب:«قلت لأبي بكر الخطيب عند لقائي له: أنت الحافظ أبو بكر؟ فقال: أنا أحمد بن علي الخطيب، انتهى الحفظ إلى الدارقطني»
(3)
.
(1)
«تاريخ دمشق» (5/ 36).
(2)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 279).
(3)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 281)، و «تذكرة الحفاظ» (3/ 224).
-
تعفُّفه:
كان رحمه الله عفيفًا، غير مُتطلِّع إلى الدنيا وزخرفها، ولا إلى ما في أيدي الناس، قال الفضل بن عمر النَّسَوي:«كنت بجامع صور عند أبي بكر الخطيب، فدخل علوي وفي كمِّه دنانير، فقال: هذا الذهب تصرفه في مهمَّاتك. فقطَّب في وجهه، وقال: لا حاجة لي فيه. فقال: كأنك تستقلُّه. وأرسله من كمِّه على سجادة الخطيب، وقال: هذه ثلاثمائة دينار. فقام الخطيب خجلًا مُحْمرًّا وجهه، وأخذ سجادته، ورمى الدنانير، وراح. فما أنسى عزَّه وذلَّ العلوي وهو يلتقط الدنانير من شقوق الحصير»
(1)
.
-
كرمه:
لقد كان الخطيب كريمًا معطاءًا، مُعينًا طلبةَ العلم بما يستطيع من مال، قال السبكي:«كان للخطيب ثروة ظاهرة، وصدقات على طلاب العلم دارَّة، يهب الذهب الكثير للطلبة»
(2)
.
وقال العلامة أبو زكريا التبريزي اللُّغوي المعروف: «دخلتُ دمشق، فكنتُ أقرأ على الخطيب بحلقته بالجامع كتبَ الأدب المسموعة، وكنتُ أسكن منارة الجامع، فصعد إليَّ وقال: أحببتُ أن أزورك في بيتك. فتحدَّثنا ساعة، ثم أخرج ورقة، وقال: الهدية مستحبَّة، تشتري بهذا أقلامًا. ونهض، فإذا خمسة دنانير مصرية، ثم صعد مرة أخرى، ووضع نحوًا من ذلك»
(3)
.
وقد وزَّع قبل موته كلَّ ما يملكه من مال وغيره على طلبة الحديث، قال أبو منصور علي بن علي الأمين:«لما رجع الخطيب من الشام كانت له ثروة من الثياب والذهب، وما كان له عَقِب، فكتب إلى القائم بأمر الله: إنَّ مالي يصير إلى بيت المال، فائذن لي حتى أفرِّقه فيمن شئتُ. فأذن له، ففرَّقها على المحدِّثين»
(1)
.
وقال الحافظ ابن ناصر: أخبرتني أمي، أنَّ أبي حدَّثها قال: «كنتُ أدخل على الخطيب، وأُمرِّضه، فقلتُ له يومًا: يا سيدي، إن أبا الفضل بن خيرون لم يُعطني شيئًا من الذهب الذي أمرتَه أن يفرِّقه على أصحاب الحديث.
فرفع الخطيب رأسه من المخدة، وقال: خُذ هذه الخِرقة، بارك الله لك فيها. فكان فيها أربعون دينارًا، فأنفقتُها مدة في طلب العلم»
(2)
.
* * *
المطلب السادس
مذهبه العقدي والفقهي
مذهبه العقدي:
ذكر أهل العلم أن الخطيب كان على مذهب الإمام أبي الحسن الأشعري في الاعتقاد، قال ابن عساكر:«كان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري رحمه الله»
(1)
.
وقال عبد العزيز الكَتَّاني: «كان يذهب إلى مذهب أبي الحسن الأشعري رحمه الله»
(2)
.
وذكر ذلك أيضًا ياقوت الحموي
(3)
، وتاج الدين السبكي
(4)
.
وله رسالة صغيرة يثبت فيها بعض الصفات الخبرية، وهذا لا ينفي كونه أشعريًّا؛ لأن متقدِّمي الأشاعرة يثبتون جملةً من الصفات الخبرية، والمسألة في حاجة إلى مزيد من البحث والتحرير، والله أعلم.
مذهبه الفقهي:
كان الخطيب على مذهب الإمام الشافعي رحمه الله في الفروع، قال الذهبي:
(1)
«تاريخ دمشق» (5/ 40).
(2)
«تاريخ الإسلام» (10/ 178).
(3)
«معجم الأدباء» (1/ 385).
(4)
«طبقات الشافعية» (4/ 30).
«وكان من كبار الشافعية، تفقَّه على أبي الحسن بن المَحامِلي، والقاضي أبي الطيب الطبري»
(1)
.
وذكره تاج الدين السبكي ضمن الفقهاء الشافعية، ثم قال:«وكان من كبار الفقهاء، تفقَّه على أبي الحسن بن المَحامِلي، والقاضي أبي الطيب الطبري -وعلَّق عنه الخلاف- وأبي نصر بن الصبَّاغ»
(2)
.
وقال ابن العماد الحنبلي: «تفقَّه في مذهب الشافعي على القاضي أبي الطيب الطبري، وأبي الحسن المَحامِلي، وغيرهما»
(3)
.
* * *
المطلب السابع
مصنفاته
كان الخطيب البغدادي مكثرًا من التصنيف، وقد عُرف بذلك عند مترجميه، قال ابن عساكر وياقوت الحموي:«أحد الأئمة المشهورين والمصنِّفين المكثرين»
(1)
.
وكان مع كثرة تصانيفه، مُجيدًا فيها، محرِّرًا لها ومتقنًا، لم يُسبَق إلى كثير منها، قال ابن الجوزي:«وصنَّف فأجاد، فله ستة وخمسون مصنفًا بعيدة المثل»
(2)
.
وقال ابن نقطة: «له مصنفات في علوم الحديث لم يُسبق إلى مثلها، ولا شبهة عند كل لبيب أن المتأخِّرين من أصحاب الحديث عيال على أبي بكر الخطيب»
(3)
.
وقد ذكر السمعاني أن الخطيب صنَّف ما يقارب مائة كتاب، فقال:«صنَّف قريبًا من مائة مصنَّف صارت عمدةً لأصحاب الحديث»
(4)
.
وذهب إلى ذلك أيضًا ابن خِلِّكان في «وفيات الأعيان»
(5)
.
(1)
«تاريخ دمشق» (5/ 31)، و «معجم الأدباء» (1/ 384).
(2)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 130).
(3)
«التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 154).
(4)
«الأنساب» (5/ 166).
(5)
«وفيات الأعيان» (1/ 92).
لكن نقل الذهبي والسبكي عن السمعاني أن عدد مصنفات الخطيب ستة
وخمسون مصنفًا
(1)
.
وذهب إلى هذا العدد الأخير ابن عساكر وابن الجوزي، قال ابن عساكر:«وقد انتهى إليه علم الحديث وحفظه، له ستة وخمسون مصنفًا في علم الحديث»
(2)
.
وقال ابن الجوزي: «وصنف فأجاد، فله ستة وخمسون مصنفًا بعيدة المثل»
(3)
.
وقد سرد محمد المالكي الأندلسي كتبَ الخطيب التي صنفها إلى سنة 453 هـ فبلغت 64 مصنفًا كما ذكرتُ ذلك قبل قليل، وقيل في عدد مصنفاته غير ذلك
(4)
.
والسبب في اختلاف العلماء في عدد كتبه أن كل واحد منهم قد ذكر الكتب التي وصلت إليه، لا سيما وقد احترق كثير من كتبه بعد موته وقبل أن يخرج إلى الناس
(5)
.
وقد اعتنى أهل العلم بسرد مصنفات الخطيب لأهميتها ونفاستها،
(1)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 289)، و «طبقات الشافعية» (4/ 33).
(2)
«تاريخ دمشق» (5/ 39).
(3)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 130).
(4)
ينظر: «سير أعلام النبلاء» (18/ 274)، و «طبقات الشافعية» للسبكي (4/ 31، 33).
(5)
ينظر: «سير أعلام النبلاء» (18/ 274)، و «طبقات الشافعية» للسبكي (4/ 33).
منهم السمعاني، وابن الجوزي، ومحمد بن أحمد بن محمد المالكي الأندلسي،
وابن النجار، والذهبي
(1)
.
وكذلك اعتنى العلماء المعاصرون بسردها، فقد ذكر منها الدكتور محمود الطحان 80 مصنفًا
(2)
، ووصل بها الدكتور أكرم العمري إلى 87 مصنفًا
(3)
.
وهذه قائمة بأسماء أشهر مصنفاته مرتبة على حروف المعجم:
1 -
الأسماء المبهمة في الأنباء المُحْكمة.
2 -
اقتضاء العلم العمل.
3 -
تاريخ بغداد.
4 -
التبيين لأسماء المدلِّسين.
5 -
التفصيل لمبهم المراسيل.
6 -
تقييد العلم.
7 -
تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم.
8 -
تمييز المزيد في متصل الأسانيد.
(1)
ينظر: «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 130)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 289).
(2)
«الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» (ص: 121 - 125).
(3)
«موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» (ص: 56 - 84).
9 -
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع.
10 -
رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والألقاب.
11 -
الرحلة في طلب الحديث.
12 -
السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة راويين عن شيخ واحد.
13 -
شرف أصحاب الحديث.
14 -
غنية المُلْتمِس في إيضاح المُلْتبِس.
15 -
الفصل للوصل المُدرَج في النقل.
16 -
الفقيه والمتفقِّه.
17 -
الكفاية في معرفة أصول علم الرواية.
18 -
المتفق والمفترق.
19 -
المكمل في بيان المهمل.
20 -
مَن حدَّث فنسي.
21 -
المؤتنف بتكملة المختلف والمؤتلف.
22 -
الموضح لأوهام الجمع والتفريق
(1)
.
(1)
ينظر: «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 130)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 289)، و «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» (ص: 56 - 84)، و «الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» (ص: 121 - 125).
وكل هذه الكتب المذكورة مطبوعة إلا الكتب ذوات الأرقام: (4، 5، 8، 10، 19، 20، 21) فإني لم أرها مطبوعة، والله أعلم.
قال ابن الجوزي بعد أن سرد جملة من تصانيفه: «فهذا الذي ظهر لنا من مصنفاته، ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هُيِّئ له مما لم يتهيأ لمن كان أحفظ منه كالدارقطني وغيره»
(1)
.
وقال أبو طاهر السِّلفي مادحًا مصنفات الخطيب:
تصانيف ابن ثابتٍ الخطيبِ
يراها إذ رواها مَنْ حواها
ويأخذ حُسنَ ما قد صاغ منها
فأيَّةُ راحة ونعيم عيش
…
ألذُّ من الصِّبا الغضِّ الرَّطيبِ
رياضًا للفتى اليَقِظ اللَّبيبِ
بقلب الحافظ الفَطِن الأريبِ
يوازي كَتْبَها بل أيُّ طيبِ
(2)
* * *
المطلب الثامن
إمامته ومكانته عند علماء الحديث
لقد تبوَّأ الخطيب البغدادي رحمه الله مكانة رفيعة عند أهل العلم، فقد أثنوا عليه، وشهدوا له بالتقدُّم والإمامة في علوم الحديث، فمن ذلك:
قال الحافظ ابن ماكولا وهو من أنجب تلاميذ الخطيب: «كان الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وإتقانًا وحفظًا وضبطًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفنُّنًا في علله وأسانيده، وخبرة برواته وناقليه، وعلمًا بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره وسقيمه ومطروحه، ولم يكن للبغداديين بعد أبي الحسن علي بن عمر الدارقطني من يجري مجراه، ولا قام بعده بهذا الشأن سواه.
وقد استفدنا كثيرًا من هذا اليسير الذي نحسنه، وبه وعنه تعلَّمنا شطرًا من هذا القليل الذي نعرفه بتنبيهه ومنه، فجزاه الله عنَّا الخير، ولقَّاه الحسنى ولجميع مشايخنا وأئمتنا ولجميع المسلمين»
(1)
.
وقال الحافظ ابن ماكولا أيضًا: «سألتُ أبا عبد الله الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي؛ أيهما أحفظ؟ ففضَّل الخطيبَ تفضيلًا بيِّنًا»
(2)
.
وقال العلامة أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعيد الباجي: «أبو بكر الخطيب رجل حافظ متقن»
(3)
.
وقال الإمام الفقيه أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروزآبادي الشيرازي:
«أبو بكر الخطيب يُشبَّه بأبي الحسن الدارقطني ونُظرائه في معرفة الحديث وحفظه»
(1)
.
وذكر الحافظ أبو طاهر السِّلفي أنه سمع الحافظ المؤتمن بن أحمد بن علي الساجي يقول: «ما أخرجت بغداد بعد الدارقطني أحفظ من أبي بكر الخطيب»
(2)
.
وقال الحافظ أبو سعد السمعاني: «كان إمام عصره بلا مدافعة، وحافظ وقته بلا منازعة»
(3)
.
(4)
.
وقال الحافظ ابن عساكر: «الخطيب البغدادي الفقيه الحافظ، أحد الأئمة
(1)
«تاريخ دمشق» (5/ 36)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 276).
(2)
«تاريخ دمشق» (5/ 35)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 276).
(3)
«الأنساب» (5/ 166).
(4)
«معجم الأدباء» (1/ 391).
المشهورين، والمصنِّفين المكثرين، والحفاظ المبرِّزين، ومن خُتم به ديوان
المحدِّثين»
(1)
.
وقال العلامة ابن خِلِّكان: «كان من الحفاظ المتقنين العلماء المتبحِّرين،
…
وفضله أشهر من أن يوصف»
(2)
.
وقال الحافظ الذهبي: «الإمام الأوحد، العلَّامة المفتي، الحافظ الناقد، محدِّث الوقت، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي البغدادي، صاحب التصانيف، وخاتمة الحفاظ
…
وكتب الكثير، وتقدَّم في هذا الشأن، وبذَّ الأقران، وجمع وصنَّف، وصحَّح وعلَّل، وجرَّح وعدَّل، وأرَّخ وأوضح، وصار أحفظ أهل عصره على الإطلاق»
(3)
.
وقال العلامة تاج الدين السبكي: «الحافظ الكبير، أحد أعلام الحفاظ، ومهرة الحديث، وصاحب التصانيف المنتشرة»
(4)
.
* * *
(1)
«تاريخ دمشق» (5/ 31).
(2)
«وفيات الأعيان» (1/ 92).
(3)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 270 - 271).
(4)
«طبقات الشافعية» (4/ 29).
المطلب التاسع
الرد على الشبهات التي أثيرت حوله
لقد تبين ما تبوَّأه الخطيب من مكانة عالية عند أهل العلم، وتواتر ثناؤهم عليه بالتقدُّم في العلوم والإمامة في الدين، وانتشر ما عُرف به من كريم الصفات ومعالي الأخلاق، ومع ذلك فإنه قد تعرَّض لبعض الطعون، وأثيرت حوله بعض الشبهات، وسوف أقوم بعرض أهم هذه الطعون والشبهات مع الرد عليها باختصار.
أولًا: دعوى تعصُّبه على مخالفيه في المذهب من أحناف وحنابلة:
أما تعصُّبه ضد الأحناف: فقد ادَّعى بعض الأحناف أنه طعن في الإمام أبي حنيفة، وساق في ترجمته من «تاريخ بغداد» روايات في ثلبه وذمه، وقد ردَّ عليه في ذلك الملك المعظَّم شرف الدين عيسى بن الملك العادل المتوفى سنة 624 هـ، وصنَّف كتابًا سمَّاه:«السهم المصيب في الرد على الخطيب»
(1)
، كما ألَّف الشيخ محمد زاهد الكوثري كتابًا سماه:«تأنيب الخطيب على ما ساقه في ترجمة أبي حنيفة من الأكاذيب»
(2)
.
والرد على ذلك: أن من منهج الخطيب في كتابه أنه يذكر ما قيل في المترجَم
(1)
ينظر: «مفرج الكروب في أخبار بني أيوب» لجمال الدين محمَّد بن سالم بن واصل الحموي (4/ 212).
(2)
وقد ردَّ عليه بالتفصيل الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني في كتاب سماه: «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل» .
له من جرح وتعديل، ومدح وذم، وقد صرَّح بذلك في بداية ذكره للتراجم فقال: «هذه تسمية: الخلفاء، والأشراف، والكبراء، والقضاة، والفقهاء، والمحدِّثين،
…
وما انتهى إليَّ من معرفة كناهم، وأنسابهم، ومشهور مآثرهم وأحسابهم، ومستحسن أخبارهم، ومبلغ أعمارهم، وتاريخ وفاتهم، وبيان حالاتهم، وما حُفظ فيهم من الألفاظ عن أسلاف أئمتنا الحفاظ، من ثناء ومدح، وذم وقدح، وقبول وطرح، وتعديل وجرح، جمعتُ ذلك كلَّه وألَّفتُه أبوابًا مرتبة على نسق حروف المعجم من أوائل أسمائهم»
(1)
.
وهذا ما صنعه الخطيب في ترجمة الإمام أبي حنيفة، فإنه أورد ما قيل فيه من جرح وتعديل ومدح وذم، وقد اعتذر عن ذكره لمثالب الإمام أبي حنيفة بتصريحه في صدر سياقه لها أنه إنما ذكرها أسوة بغيره من العلماء، فقال: و «معتذرون إلى من وقف عليها وكره سماعها، بأن أبا حنيفة عندنا -مع جلالة قدره- أسوةُ غيره من العلماء الذين دوَّنَّا ذكرهم في هذا الكتاب، وأوردنا أخبارهم، وحكينا أقوال الناس فيهم على تباينها، والله الموفِّق للصواب»
(2)
.
وأما تعصُّبه ضد الحنابلة: فقد ادعى ذلك ابن الجوزي، فزعم أن الخطيب كان قديمًا على مذهب أحمد بن حنبل رضي الله عنه، فمال عليه الحنابلة لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه، فانتقل إلى مذهب الشافعي رضي الله عنه، وتعصَّب في تصانيفه عليهم، فرمز إلى ذمهم، وصرَّح بقدر ما أمكنه، ثم ذكر أمثلة على ما
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 5).
(2)
«تاريخ بغداد» (15/ 505).
ادَّعاه
(1)
،
وقد صنَّف أيضًا كتابًا رد فيه على الخطيب سمَّاه: «السهم المُصيب في بيان تعصُّب الخطيب»
(2)
.
والرد على ذلك: أن دعوى أنه كان حنبليًّا ثم صار شافعيًّا تحتاج إلى دليل، وإلا فالذي تدل عليه سيرته من كلامه عن نفسه وكلام مترجميه أنه لم يكن حنبليًّا في يوم من الأيام، كيف وكل مشايخه في الفقه الذين درس عليهم منذ نعومة أظفاره هم من الفقهاء الشافعية؟!
فقد حضر مجالس أبي حامد الإسفراييني وسنه أقل من أربعة عشر عامًا، ثم تفقَّه على ابن المَحامِلي، والقاضي أبي الطيب الطبري الشافعي، وثلاثتهم شافعية، فمتى كان حنبليًّا إذن؟
(3)
.
أما زعم ابن الجوزي أنه تعصَّب على الحنابلة، فقد ذكرنا أن الخطيب التزم أن يورد ما قيل في المترجم له من جرح وتعديل ومدح وذم، وليس في هذا تعصُّب، قال الذهبي:«تناكد ابن الجوزي رحمه الله وغضَّ من الخطيب، ونسبه إلى أنه يتعصب على أصحابنا الحنابلة»
(4)
.
وقد ردَّ المعلِّمي اليماني على ابن الجوزي بالتفصيل، وأبان عن تعصُّبه على الخطيب، وذلك في كتابه:«التنكيل»
(5)
.
(1)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 132 - 134).
(2)
«الوافي بالوفيات» (7/ 128).
(3)
ينظر: «الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» (ص: 59 - 60).
(4)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 289).
(5)
«التنكيل» (1/ 324 - 327، 340 - 348).
ثانيًا: دعوى أن حفظه لم يكن على قدر تصانيفه:
فقد قال ابن طاهر: سألتُ هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي: هل كان الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ قال: «لا، كنا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيام، وإن ألححنا عليه غضب، كانت له بادرة وحشة، ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه»
(1)
.
وابن طاهر هو محمد بن طاهر بن علي بن أحمد أبو الفضل المقدسي، حافظ للحديث، لكنه متكلَّم فيه، قال ابن الجوزي:«من أثنى عليه فلأجل حفظه للحديث ومعرفته به، وإلا فالجرح أولى به» . ثم نقل عن أبي الفضل بن ناصر أنه قال: «محمد بن طاهر لا يُحتج به، صنَّف كتابًا في جواز النظر إلى المُرْد»
(2)
.
وهبة الله بن عبد الوارث الشيرازي حافظ رحَّال، قال السمعاني:«كان ثقة خيِّرًا، كثير العبادة، مشتغلًا بنفسه، خرَّج وأفاد، وانتفع الطلبة بصحبته وبقراءته، وكان قدومه بغداد في سنة سبع وخمسين»
(3)
.
وهذا النقل -على فرض صحته- لا يدل على ضعف حفظ الخطيب، بل يدل على زيادة تثبُّته، وليس الحافظ من يقدر على سرد كثير من الأسانيد والمتون، وهو قاصر في تخريج الحديث، وتمييز صحيحه من سقيمه، ومعرفة علله، إنما الحفظ المعرفة
(4)
.
(1)
«معجم الأدباء» (1/ 390)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 283).
(2)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (17/ 136).
(3)
«سير أعلام النبلاء» (19/ 17 - 18).
(4)
ينظر: «الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر» للسخاوي (1/ 89).
وقد وصف الخطيبَ بالحفظ والمعرفة وفضَّله على كل حفاظ عصره - كثيرٌ ممن أدركه ومن جاء بعده مثل: ابن ماكولا، والصوري، والباجي، وأبي إسحاق الشيرازي، والمؤتمن الساجي، والبَرَداني، وشجاع الذهلي، والسمعاني، وابن عساكر، والذهبي، وغيرهم
(1)
، فهل بعد هؤلاء من متكلِّم؟!
ثالثًا: دعوى أن كتبه مستفادة من الصوري:
حاول بعض خصوم الخطيب اتهامه بانتحال الكتب التي صنَّفها، زاعمين أنها مستفادة من كتب شيخه ورفيقه الصوري، فقد قال ابن الطيوري:«أكثر كتب الخطيب سوى «التاريخ» مستفاد من كتب الصوري، كان الصوري بدأ بها ولم يتمها، وكانت للصوري أخت بصور، مات وخلَّف عندها اثني عشر عِدلًا محزومًا من الكتب، فلما خرج الخطيب إلى الشام حصَّل من كتبه ما صنَّف منها كتبه»
(2)
.
وهذه تهمة باطلة، فقد ألَّف الخطيب معظم كتبه قبل استقراره بصور، فقد استقر بها منذ سنة 459 هـ، وقد سرد محمد بن أحمد بن محمد المالكي الأندلسي كتبَ الخطيب التي صنفها إلى سنة 453 هـ فبلغت 64 مصنفًا
(3)
، فأين هذه التصانيف التي صنفها مستفيدًا من كتب الصوري؟!
(1)
وقد نقلت أقوالهم في المطلب السابق.
(2)
ينظر: «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 131)، و «معجم الأدباء» (1/ 387)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 283).
(3)
وهذا الفهرس مخطوط في دار الكتب الظاهرية، ضمن مجموع برقم (18)، ورقة (131 - 132)، وعندي صورة منه.
ومما يدل على وهاء هذه التهمة أن ابن الجوزي مع عداوته للخطيب، وانتهازه الفُرصة للانتقاص منه، لم يستطع قبول هذه الرواية السمجة، ولم يُعرِّج عليها، بل أقصى ما استطاع أن يقول:«وقد يضع الإنسان طريقًا فتُسلَك، وما قصَّر الخطيب على كل حال»
(1)
.
وعقَّب الذهبي على هذه الرواية بقوله: «قلت: ما الخطيب بمفتقِر إلى الصوري، هو أحفظ وأوسع رحلة وحديثًا ومعرفة»
(2)
.
رابعًا: دعوى أنه كان يدلِّس:
فقد قال ابن ماكولا: «شيخنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن منصور العَتِيقي، قال لي: إنه روياني الأصل
…
وكان الخطيب ربما دلَّسه، وروى عنه وهو في الحياة، يقول: أخبرني أحمد بن [أبي] جعفر القَطِيعي؛ لسكناه في قَطيعة أم عيسى»
(3)
.
ومعنى هذا أن الخطيب يدلِّس تدليس الشيوخ، وقد وصفه بذلك أيضًا ابن الصلاح، فقال عند كلامه على أنواع التدليس: «القسم الثاني: تدليس الشيوخ، وهو أن يروي عن شيخ حديثًا سمعه منه، فيُسمِّيه أو يُكنيه أو ينسبه أو يصفه، بما لا يُعرف به؛ كي لا يُعرف ....
(1)
«المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 131).
(2)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 283). وينظر: «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل» للمعلمي اليماني (1/ 338 - 340).
(3)
«الإكمال» (7/ 117).
وتسمَّح بذلك جماعة من الرواة المصنِّفين، منهم الخطيب أبو بكر
(1)
؛ فقد كان لَهِجًا به في تصانيفه، والله أعلم»
(2)
.
(3)
.
وتوجد تُهَم أخرى أعرضت عن ذكرها؛ لظهور كذبها ووهائها
(4)
.
* * *
(1)
ومنهم أيضًا البخاري، وينظر:«فتح المغيث» (4/ 201).
(2)
«علوم الحديث» (ص: 232 - 236).
(3)
«النكت الوفية» (1/ 449)، و «توضيح الأفكار» (2/ 341).
(4)
ينظر: «معجم الأدباء» (1/ 390)، و «التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل» (1/ 327 - 338).
المطلب العاشر
مرضه ووفاته
مرض الحافظ أبو بكر الخطيب ببغداد في منتصف شهر رمضان من سنة 463 هـ، واستمر به المرض إلى أن اشتد في غرة ذي الحجة، وحينها أوصى إلى صديقه وتلميذه أبي الفضل بن خيرون، وتصدَّق بجميع ماله، وهو مائتا دينار، فرَّق ذلك على أصحاب الحديث والفقهاء والفقراء في مرضه، ووصَّى أن يُتصدق بجميع ما يخلفه من ثياب وغيرها، وأوقف جميع كتبه على المسلمين.
وتوفي رحمه الله ضحى نهار الاثنين السابع من ذي الحجة من سنة 463 هـ، وأُخرج الغد يوم الثلاثاء، وحضر الصلاة عليه خلق كثير من أماثل الناس: النقباء والأشراف والقضاة والفقهاء وأهل العلم والصوفية والعامة، وتبع جنازته خلق عظيم، وكان الفقيه الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي أحد من حمل جنازته، وكان بين يديها جماعة ينادون:«هذا الذي كان يذبُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي كان ينفي الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم» .
وقد أوصى أن يُدفن بجوار بشر الحافي، وكان قد شرب من زمزم في حجته وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات منها: أن يُدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي.
فسارع تلامذته ومحبُّوه في إنفاذ وصيته، وكان الموضع الذي بجنب بشر
الحافي قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطُّرَيْثِيثي قبرًا لنفسه، وكان يمضي إلى
ذلك الموضع ويختم فيه القرآن ويدعو، ومضى على ذلك عدة سنين، فلما مات الخطيب سألوه أن يدفنوه في هذا الموضع فامتنع، وقال: هذا قبري قد حفرته وختمت فيه عدة ختمات، لا أُمكِّن أحدًا من الدفن فيه، وهذا مما لا يُتصوَّر.
فانتهى الخبر إلى الشيخ الزاهد أبي سعد أحمد بن محمد بن دوست النيسابوري المعروف بشيخ الشيوخ، فقال لأبي بكر الطُّرَيْثِيثي: يا شيخ، لو كان بشر بن الحارث الحافي في الأحياء، ودخلت أنت والخطيب عليه، أيُّكما كان يقعد إلى جانبه أنت أو الخطيب؟ قال: لا، بل الخطيب. فقال: كذا ينبغي أن يكون في حالة الممات؛ فإنه أحق به منك. فطاب قلبه ورضي بأن يُدفن الخطيب في ذلك الموضع، فدُفن فيه
(1)
.
رحمه الله وأكرم مثواه، وهو ممن يُنشد له قول الشاعر:
ما زلتَ تدأب في التاريخ مجتهدًا
…
حتى رأيتُك في التاريخ مكتوبا
(2)
وقد رُئيت له منامات كثيرة صالحة مبشِّرة، منها ما ذكره أبو الفضل بن خيرون قال: جاءني بعض الصالحين وأخبرني لما مات الخطيب أنه رآه في النوم، فقال له: كيف حالك؟ قال: أنا في رَوح ورَيحان وجنة نعيم
(3)
.
(1)
«تاريخ دمشق» (5/ 34، 38 - 39)، و «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (16/ 134)، و «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: 154)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 286)، و «طبقات الشافعية» للسبكي (4/ 37).
(2)
«البداية والنهاية» (16/ 31).
(3)
«سير أعلام النبلاء» (18/ 287). وينظر: «تاريخ دمشق» (5/ 37، 40)، و «سير أعلام النبلاء» (18/ 288).
المبحث الثاني
التعريف بـ «تاريخ بغداد»
وفيه خمسة مطالب:
- المطلب الأول: موضوعه، وترتيبه.
- المطلب الثاني: مصادره.
- المطلب الثالث: أهميته ومميزاته.
- المطلب الرابع: منهج عرض المادة العلمية في الكتاب.
- المطلب الخامس: منهج سياق الأحاديث في الكتاب.
المطلب الأول
موضوعه وترتيبه
أولًا: موضوعه:
طُبع «تاريخ بغداد» بمصر قديمًا باسم: «تاريخ بغداد أو مدينة السلام»
(1)
، ثم طُبع بتحقيق الدكتور بشار عواد باسم:«تاريخ مدينة السلام وأخبار محدِّثيها وذكر قُطَّانها العلماء من غير أهلها ووارديها»
(2)
، وذكر المحقق الفاضل أن النسخ الأصلية للكتاب قد اتفقت على هذا العنوان
(3)
.
وقد قال الخطيب في افتتاح كتابه: «هذا كتاب تاريخ مدينة السلام، وخبر بنائها، وذكر كُبراء نُزَّالها ووارديها، وتسمية علمائها. ذكرتُ من ذلك ما بلغني علمه، وانتهت إليَّ معرفته، مستعينًا على ما يعرض من جميع الأمور بالله الكريم، فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم»
(4)
.
واسم الكتاب يدل على موضوعه، وهو أنه يذكر فيه تاريخ مدينة السلام (بغداد)، وكيفية بنائها، ويذكر ترجمة أهلها وعلمائها ومن ورد عليها.
وقد أوضح الخطيب موضوع كتابه بالتفصيل، فقال في بداية ذكره للتراجم: «هذه تسمية: الخلفاء، والأشراف، والكُبراء، والقضاة، والفقهاء، والمحدِّثين، والقُرَّاء، والزُّهَّاد، والصُّلَحاء، والمتأدِّبين، والشعراء، من أهل
(1)
طُبع بمطبعة السعادة بمصر، سنة 1349 هـ - 1931 م.
(2)
طُبع بدار الغرب الإسلامي ببيروت، سنة 1422 هـ - 2001 م.
(3)
مقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 73).
(4)
«تاريخ بغداد» (1/ 291 - 292).
مدينة السلام، الذين وُلدوا بها وبسواها من البلدان ونزلوها، وذكر مَن انتقل منهم عنها ومات ببلدة غيرها، ومن كان بالنواحي القريبة منها، ومن قدمها من غير أهلها، وما انتهى إليَّ من معرفة كناهم، وأنسابهم، ومشهور مآثرهم وأحسابهم، ومستحسن أخبارهم، ومبلغ أعمارهم، وتاريخ وفاتهم، وبيان حالاتهم، وما حُفظ فيهم من الألفاظ عن أسلاف أئمتنا الحفاظ، من ثناء ومدح، وذم وقدح، وقبول وطرح، وتعديل وجرح ....
ولم أذكر من محدِّثي الغرباء الذين قدموا مدينة السلام ولم يستوطنوها سوى مَن صحَّ عندي أنه روى العلم بها.
فأما من وردها ولم يحدِّث بها، فإني أطرحت ذكره، وأهملت أمره؛ لكثرة أسمائهم، وتعذُّر إحصائهم، غير نفر يسير عددهم، عظيم عند أهل العلم محلُّهم، ثبت عندي ورودهم مدينتنا ولم أتحقَّق تحديثهم بها، فرأيتُ ألَّا أُخلي كتابي من ذكرهم؛ لرفعة أخطارهم، وعلو أقدارهم»
(1)
.
ونستطيع من هذا النص المهم ومن مطالعة الكتاب أن نستخلص في نقاط أهم الموضوعات التي يشتمل عليها «تاريخ بغداد» وهي:
1 -
خبر بناء بغداد، والأحاديث التي وردت فيها، ووصفها، والكلام على أهم معالمها.
2 -
تراجم أعلام بغداد وكُبرائها وعلمائها الذين وُلدوا بها، منذ بنائها وحتى عصر الخطيب.
3 -
تراجم الذين وُلدوا بغيرها من البلدان، ثم نزلوها فصارت وطنًا لهم.
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 5 - 6).
4 -
تراجم الذين وُلدوا بها، ثم رحلوا عنها، وماتوا ببلدة غيرها.
5 -
تراجم من كان بالمناطق القريبة من بغداد، مثل: المدائن، وعُكبَرا، وبَعْقُوبا، والدُّور، وسامرَّا، والنَّهْروان، والأنْبار، ودَيْر العاقول، ونحوها
(1)
.
6 -
تراجم الغرباء الذين قدموا بغداد وحدَّثوا بها ولم يستوطنوها، أما من وردها ولم يحدِّث بها فلم يذكرهم لكثرتهم، إلا من كان منهم عظيم القدر عند أهل العلم.
7 -
يذكر في ترجمة كل واحد من هؤلاء ما يعرفه من كنيته ونسبه.
8 -
يذكر أيضًا مشهور مآثره وحسبه، ومستحسن أخباره.
8 -
يذكر تاريخ مولد من يترجم له ووفاته.
9 -
يذكر ما قيل في المترجم له من ثناء وقدح، وتعديل وجرح.
10 -
يذكر بعض غرائب أحاديث المترجم له، ويتكلم عليها أحيانًا ويبيِّن عللها.
11 -
اشتمل الكتاب على (7783) ترجمة
(2)
.
ثانيًا: ترتيبه:
رتَّب الخطيبُ تراجم كتابه على حروف المعجم، واعتبر الاسم الأول فقط، فإذا اتفق أكثر من واحد في الاسم بدأ بترجمة من تقدَّمت وفاته، فإذا كان في
(1)
ينظر: «تاريخ بغداد» (1/ 451)، ومقدمة تحقيق الدكتور بشار للكتاب (ص: 77).
(2)
حسب ترقيم الدكتور بشار عواد في طبعته من «تاريخ بغداد» .
المترجَمين بالاسم كثرة، رتَّبهم على أسماء آبائهم حسب حروف المعجم، إلا أنه بدأ كتابه بمن اسمه محمد تبرُّكًا بنبينا صلى الله عليه وسلم.
قال الخطيب: «ألَّفتُه أبوابًا مرتَّبة على نسق حروف المعجم من أوائل أسمائهم، وبدأتُ منهم بذكر من اسمه محمد تبرُّكًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتبعته بذكر من ابتدأ اسمه حرف الألف، وثنَّيت بحرف الباء، ثم ما بعدها من الحروف على ترتيبها إلى آخرها، ليسهل إدراك ذلك على طالبيه، وتقرب معرفته من مبتغيه
…
وكل من تقدَّمت وفاته بدأتُ بذكره دون غيره ممن مات بعده، وإن كان المتأخر أكبر سنًّا وأعلى إسنادًا، إلا أن تتسع ترجمة في بعض الأبواب فأرتِّب أصحابها على توالي حروف المعجم من أوائل تسمية الآباء، ومن شذَّ عني معرفة تاريخ وفاته ذكرته في أثناء أهل طبقته ممن عاصره»
(1)
.
ولما انتهى المصنف من سرد الأسماء، أفرد بابًا للكنى قال فيه:«هذا ذِكر مَن عُرِف بكنيته، ولم يُذكر لنا اسمه، أو ذُكر على الاختلاف فيه، ولم يتضح لنا الصواب منه»
(2)
.
ونظرًا لقلة المترجمين بكناهم، فقد رتَّبهم على الوفيات، فقد بلغ عددهم 108 ترجمة فقط، وأتبعهم بمن لا يُعرف اسمه ولا كنيته، من نحو أخي فلان، وعمِّ فلان. ثم ترجم للنساء المذكورات بالفضل ورواية العلم
(3)
، ورتَّب تراجمهن على الوفيات أيضًا؛ لقلَّة عددهن، فقد بلغ عددهن 31 ترجمة فقط
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 5 - 6).
(2)
«تاريخ بغداد» (16/ 529).
(3)
«تاريخ بغداد» (16/ 616).
(4)
ينظر: مقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 83).
المطلب الثاني
مصادره
تميَّز الخطيب باتساع مروياته، وتعدُّد معارفه، وسعة اطلاعه، وقد ظهر ذلك واضحًا في كتابه «تاريخ بغداد» ؛ حيث نقل فيه عن مئات الكتب والمراجع، وكانت الرواية بالإسناد المتصل من شيوخه إلى أصحاب الكتب، أو ما وقع له بطرق الرواية الأخرى كالإجازة والمناولة - هي طريقته المعتادة في النقل، فكان لا ينقل من كتاب إلا إذا كان قد وقع له بطريق من طرق الرواية المعروفة، أو ما كان بخط صاحب الكتاب نفسه، فنجده كثيرًا ما يقول: قرأت في كتاب فلان بخطه كذا
(1)
.
وقد أحصى الدكتور أكرم العمري مصادر الخطيب في «تاريخه» ، وعدد نقولاته عن كل مصدر، في دراسة موسَّعة سماها «موارد الخطيب في تاريخ بغداد» ، بيَّنت هذه الدراسة أن مصادره لم تكن تاريخية أو حديثية فقط، بل تعدَّت ذلك إلى علوم أخرى كثيرة مثل: الخطط، والمسالك، والبلدان، والأموال، والخَرَاج، والأدب، والطبقات، والوفيات، والجرح والتعديل، وغيرها.
وسأذكر هنا أهم مصادر الخطيب الحديثية لتعلُّقها بموضوع الرسالة.
(1)
ينظر على سبيل المثال: «تاريخ بغداد» (1/ 349)، (2/ 48، 307)، (4/ 646)، (6/ 264)(9/ 360).
وقبل البدء في السرد لا بد من التنبيه على أمر مهم، وهو أن مصادر الخطيب الحديثية في «تاريخه» لم تكن من الكتب الصحاح والمشاهير، مثل: الكتب الستة، وصحاح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ومسانيد الأئمة أبي داود الطيالسي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، ونحوها من الكتب الصحيحة أو المشهورة، بل كانت من كتب أخرى هي دون الكتب المذكورة في الصحة والشهرة، مثل: كتب المعاجم
(1)
والمشيخات
(2)
والأمالي
(3)
والأجزاء
(4)
والغرائب والأفراد والفوائد
(5)
والعلل وتراجم الرجال ونحوها، ذلك لأنه لم يكن مقصوده إيراد الأحاديث للاحتجاج أو الاستشهاد، بل كان مقصوده إيراد ما اتصل له بالإسناد من أحاديث المترجَم له، لا سيما تلك التي تفرَّد بها، أو أُنكرت عليه، لذلك كانت مصادره في
(1)
المعاجم: ما ذُكر فيها الأحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو البلدان أو غير ذلك، والغالب أن يكونوا مرتبين على حروف الهجاء. ينظر:«شرح ألفية السيوطي في الحديث» للأثيوبي (1/ 232).
(2)
المشيخات: الكتب التي تشتمل على ذكر الشيوخ الذين لقيهم المؤلف وأخذ عنهم، أو أجازوه وإن لم يلقهم. «الوسيط في علوم الحديث» لأبي شهبة (ص: 365).
(3)
الأمالي: هي أن يعقد الشيخ مجلسًا، ويملي على تلاميذه أحاديث في باب معين أو أبواب متفرقة. ينظر:«الميسَّر في علم تخريج الحديث النبوي» لعبد القادر بن مصطفى المحمدي (ص: 11).
(4)
الأجزاء: ما دُوِّن فيها حديث شخص واحد من الأئمة المعروفين، أو مادة واحدة من أحاديث جماعة. «الوسيط في علوم الحديث» (ص: 365).
(5)
الفوائد: هي الأحاديث التي يخرجها المؤلف، ويرى أنها لا توجد عند غيره. ينظر: تعليق العلامة المعلمي اليماني على «الفوائد المجموعة» (ص: 482).
الغالب الكتب المذكورة، والتي هي مَظِنَّة الأفراد والغرائب والمناكير
(1)
، ولعدم شهرة مصادر الخطيب كان كثيرًا منها مخطوطًا أو في حكم المفقود.
وهذه هي أهم المصادر الحديثية المطبوعة التي وقفتُ عليها:
«الأمالي» للقاضي الحسين بن إسماعيل المَحامِلي، و «الفوائد» لأبي بكر محمد بن عبد الله الشافعي الشهير بـ «الغيلانيات» ، و «الضعفاء الكبير» للعقيلي، و «المعجم الأوسط» و «المعجم الصغير» كلاهما لأبي القاسم الطبراني، و «المحدث الفاصل بين الراوي والواعي» لابن خلاد الرامهرمزي، و «الكامل في الضعفاء» لابن عدي، و «أخبار أصبهان» لأبي نعيم الأصبهاني، وغيرها.
أما مصادره في نقد الحديث فأهمها:
«العلل» لابن المديني، و «علل الحديث» لابن أبي حاتم، و «الكامل في الضعفاء» لابن عدي، و «الضعفاء الكبير» للعقيلي، و «العلل» للدارقطني، وغيرها.
* * *
(1)
وسيأتي مزيد من الكلام على هذه المسألة في المطلب الخامس إن شاء الله تعالى.
المطلب الثالث
أهميته ومميزاته
كتاب «تاريخ بغداد» من الكتب المهمة في العلوم الإسلامية، فهو أوسع كتاب يحتوي على تاريخ علماء بغداد وأعلامها منذ بنائها وحتى منتصف القرن الخامس الهجري، وبغداد يومئذ سُرَّة الدنيا وعاصمة الدولة الإسلامية المترامية الأطراف، وهو أهم الكتب التي صنفها الخطيب وأضخمها، حتى قال ابن خِلِّكان:«لو لم يكن له سوى «التاريخ» لكفاه؛ فإنه يدل على اطلاع عظيم»
(1)
.
وقد نال هذا «التاريخ» شهرة واسعة والخطيب ما زال حيًّا، وقد كان العلماء الكبار من معاصريه يتمنَّون أن يذكرهم الخطيب في «التاريخ» ؛ لعلمهم بأهميته وعلو مكانته وعظيم قيمته، حتى إن أبا علي الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البنَّاء الفقيه الحنبلي الحافظ النحوي المقرئ المتوفى سنة (471 هـ) كان يتمنَّى أن يذكره الخطيب في «التاريخ» ، فقد ذكر غير واحد من أهل العلم أنه لما صنف الخطيب البغدادي «تاريخه» قال ابن البناء: ذكرني الخطيب بالصدق أو بالكذب؟ قالوا: ما ذكرك أصلًا! قال: ليته ذكرني ولو في الكذَّابين
(2)
.
(1)
«وفيات الأعيان» (1/ 92)، وينظر: مقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» للدكتور بشار عواد (ص: 103).
(2)
«معجم الأدباء» (2/ 824)، و «إنباه الرواة على أنباه النحاة» (1/ 311)، و «بغية الوعاة» (1/ 496).
وتتجلَّى أهمية «تاريخ بغداد» وما تميز به في النقاط التالية:
1 -
يُعَدُّ أول كتاب وأوسع كتاب وصل إلينا في تاريخ علماء بغداد، فصار مصدرًا لمن أتى بعده من المصنفين في علوم التاريخ والحديث والتراجم والجرح والتعديل، فلا تكاد تقرأ كتابًا في هذه العلوم إلا وجدته ناهلًا من «تاريخ بغداد» .
2 -
يُعدُّ واحدًا من أعظم الموسوعات في الجرح والتعديل، فقد نقل الخطيب فيه آلاف الروايات في نقد الرواة، حتى جعله الحافظ المِزِّي واحدًا من أربعة كتب اعتمد عليها في تأليف كتابه العظيم «تهذيب الكمال»
(1)
، ولم يكن الخطيب ناقلًا لهذه الأقوال فحسب، بل كان يشرح كثيرًا من غامضها، ويرجِّح بين متعارضها، وينقد ما جانب الصواب منها
(2)
.
3 -
أودع الخطيب كتابه هذا أحكامه النقدية الخاصة على من عاصره من الرواة، فتناقلها المحدثون من بعده معتمدين عليها.
4 -
حوى الكتاب كثيرًا من الأحاديث التي يسوقها الخطيب بإسناده، بلغ عددها قرابة خمسة آلاف حديث، يتكلم عليها أحيانًا ويبيِّن عللها، وهي في الغالب من غرائب أحاديث المترجم له، وبعض هذه الأحاديث قد تفرَّد بها الخطيب.
5 -
تُعدُّ المقدمة التي كتبها الخطيب عن خطط بغداد أوسع ما كُتب في هذا الموضوع، لذلك فقد حَظِيت باعتناء كثير من الباحثين والدارسين،
(1)
«تهذيب الكمال» (1/ 152).
(2)
ينظر المطلب الآتي؛ ففيه عدة أمثلة على ذلك.
فترجمها سالمون إلى الفرنسية وعلَّق عليها، كما ترجمها يعقوب لِسْنَر إلى
الإنجليزية مع تعليقات ضافية ودراسات ملحقة بها، واستفاد منها كثير من الباحثين في دراستهم عن بغداد، مثل دراسات الدكتور صالح أحمد العلي عن بغداد، لا سيما دراسته النفيسة «بغداد مدينة السلام»
(1)
.
6 -
حوى الكتاب مادة لا بأس بها من التاريخ السياسي والإداري، لا سيما فيما عاصره الخطيب من الأحداث والوقائع.
7 -
تضمَّن الكتاب معلومات مهمة تتصل بالنواحي الاجتماعية والفكرية، من ذِكر الشرائح الاجتماعية، والأسعار، ومستوى المعيشة.
8 -
صوَّر الكتاب جوانب مهمة من تاريخ الحركة الفكرية، لا سيما طبقة رجال الدين من الفقهاء والمحدثين والصوفية ونحوهم، ونظرة المجتمع إليهم، وتأثيرهم فيه، ونوعية اهتماماتهم.
9 -
بيَّن الكتاب منزلة بغداد العلمية بين المدن الإسلامية، وطبيعة الصلات القائمة بينها وبين المدن الأخرى، وصلات العلماء بعضهم ببعض، وسهولة الانتقال في العالم الإسلامي على الرغم من اختلاف الحكَّام بين إقليم وآخر.
10 -
حفظ لنا الكتاب كثيرًا من النصوص المنقولة من مصادر أغلبها مفقود، أما المصادر التي وصلت إلينا فإنَّ نُقول الخطيب تُعَدُّ من أوثق النصوص التي تخدم تحقيق هذه الكتب، وتؤكد صحة معلوماتها؛ نظرًا لاعتماده على النسخ الأصلية التي غالبًا ما كانت بخط مؤلفيها، أو
(1)
ينظر: «موارد الخطيب في تاريخ بغداد» (ص: 88)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 104).
بخطوط من يوثق بنقلهم ممن روى تلك الكتب، سواء أكانوا من
تلامذة المؤلفين، أم ممن جاء بعدهم، وقد بيَّنت الدراسة القيَّمة التي قام بها الدكتور أكرم العمري لموارد «تاريخ بغداد» ضخامة الموارد التي استقى منها الخطيب مادته.
11 -
حفظ لنا الكتاب أسماء كثير من الكتب التي صنفها المترجَم لهم، وقد بلغت 446 مصنفًا، أُلِّفت جميعها خلال القرون الثالث والرابع والخامس، في علوم القرآن والتفسير والحديث والفقه وأصوله والعقائد والفِرق والزهد والتصوف والمنطق والكلام والتاريخ وغيرها، وعند مقارنة هذه الكتب بما أورده ابن النديم في «الفهرست» تبين أن الخطيب ذكر 298 كتابًا لم يذكرهم ابن النديم، مما يدل على الإضافة التي قدَّمها الخطيب من خلال ذكره لمصنفات المترجَم لهم.
12 -
ومما يبيِّن أهمية «تاريخ بغداد» أنه قد اقتبس منه كثير ممن جاء بعده من أهل العلم المصنفين، أمثال: ابن ماكولا، وابن أبي يعلى، والسمعاني، وابن عساكر، وابن الجوزي، وياقوت الحموي، وابن نقطة، وابن خِلِّكان، والمِزِّي، والذهبي، وتاج الدين السبكي، وابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم.
ولا شك أن اعتماد هؤلاء العلماء الأعلام في الأعصر المختلفة على هذا الكتاب وكثرة اقتباسهم منه دليل على ثقتهم به، واعترافهم بأهميته، وإذعانهم بإمامة مؤلِّفه
(1)
.
(1)
ينظر: «موارد الخطيب في تاريخ بغداد» (ص: 87 - 93)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» (ص: 103 - 112).
المطلب الرابع
منهج عرض المادة العلمية في الكتاب
اتَّبع الخطيب في عرضه للمادة العلمية في تراجمه منهجًا واضحًا، فلم يكن ناقلًا للروايات والأقول فحسب، بل كان ناقدًا ماهرًا، ينبِّه على ما وقع فيها من خطأ أو تصحيف، ويشرح كثيرًا من غامضها ومُشكلها، ويرجِّح بين متعارضها أو يجمع بينها، وينقد ما جانب الصواب منها، وأوضِّح ذلك في النقاط التالية مع ضرب ما تيسَّر من الأمثلة على ذلك:
1 -
التنبيه على ما وقع في أصوله ومسموعاته من خطأ أو تصحيف:
قال الخطيب: «أخبرنا البَرْقاني قال: أخبرنا أبو حامد أحمد بن محمد بن حَسنويه الهَرَوي قال: أخبرنا الحسين بن إدريس الأنصاري قال: سئل محمد بن علي النيسابوري عن أبي موسى الزَّمِن، فقال: حجة.
كذا في أصل كتاب البَرْقاني، ويسبق إلى وهمي أنه محمد بن يحيى النيسابوري
(1)
، وقع فيه تصحيف.
وقد أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا دعلج بن أحمد قال: سمعت الشيخ الصالح أبا سعد الهروي يحيى بن أبي نصر، قال: سألت محمد بن يحيى النيسابوري عن أبي موسى محمد بن المثنى، فقال: حجة»
(2)
.
(1)
لعله: محمد بن يحيى بن عبد الله الذهلي النيسابوري، ثقة حافظ جليل، مات سنة ثمان وخمسين على الصحيح، وله ست وثمانون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 512 رقم 6387).
(2)
«تاريخ بغداد» (4/ 459).
وقال أيضًا: «أخبرنا الحسن بن محمد بن إسماعيل بن أشناس البزاز قال: حدثنا علي بن محمد بن لؤلؤ الوراق إملاء قال: حدثنا أحمد بن عيسى بن السُّكَين البَلَدي بواسط قال: سمعتُ أخي قال: حدثنا يزيد بن هارون بن عيسى قال: سمعت مَن يخبر عن أحمد بن حنبل قال: إن يكن أحد ممن يُعرف من الأبدال فإبراهيم بن هانئ.
كذا أخبرناه ابن أشناس، وفي إسناده وهم، وأحسب صوابه:«قال: سمعت أخي، يريد هارون بن عيسى» والله أعلم»
(1)
.
2 -
شرح الأقوال الغامضة والمشكلة وتوجيهها:
قال الخطيب: «قال أبو داود: سمعتُ الحُلواني يقول: أول من أظهر كتابه رَوْح بن عُبادة
(2)
، وأبو أسامة
(3)
.
قلتُ: يعني أنهما رَوَيا ما خولفا فيه، فأظهرا كتبهما حجةً لهما على مُخالفيهما؛ إذ روايتهما عن حفظهما موافقة لما في كتبهما»
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (7/ 162). وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (4/ 421)، (7/ 296 - 297)، (10/ 498).
(2)
هو روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي، أبو محمد البصري، ثقة فاضل له تصانيف، مات سنة خمس أو سبع ومائتين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 211 رقم 1962).
(3)
هو حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي، أبو أسامة مشهور بكنيته، ثقة ثبت ربما دلس، وكان بأخرة يحدث من كتب غيره، مات سنة إحدى ومائتين، وهو ابن ثمانين سنة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 177 رقم 1487).
(4)
«تاريخ بغداد» (9/ 386 - 387).
وقال في ترجمة علي بن محمد بن سعيد الموصلي: «سألتُ أبا نعيم عنه، فقال: كذَّاب، كان محمد بن المظفَّر
(1)
يذكره، ويقول: المسكين لا يُحسن يكذب
(2)
.
قلتُ: هذا القول من ابن المظفَّر على سبيل الاستنكار لكذبه، والاستعظام له، لا على نفي الكذب عنه»
(3)
.
3 -
التنبيه على ما وقع في الأقوال من أوهام وأخطاء:
قال الخطيب: «قرأت بخط محمد بن مخلد: سنة ثمان وستين ومائتين فيها مات أحمد بن محمد بن السكن أبو بكر، ويُعرف بأبي خراسان، في شهر ربيع الأول.
قلت: كذا سمَّاه هاهنا: أحمد بن محمد، وسمَّاه في مواضع عدة: محمد بن أحمد بن السكن، وهو الصواب»
(4)
.
وذكر عن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس أنه قال: «محمد بن حاتم بن نُعيم بغدادي، قدم مصر وحدَّث بها» .
(1)
هو محمد بن المظفر بن موسى بن عيسى أبو الحسين البزاز، كان حافظًا فهِمًا، صادقًا، مكثرًا، مات سنة تسع وسبعين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (4/ 426).
(2)
ينظر ترجمة الموصلي من «ميزان الاعتدال» (3/ 154 رقم 5927).
(3)
«تاريخ بغداد» (13/ 558). وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (1/ 392)، (2/ 445، 448)، (5/ 310)، (6/ 63 - 64)، (8/ 57)، (9/ 276).
(4)
«تاريخ بغداد» (2/ 140).
ثم تعقَّبه بقوله: «وهذا القول عندي وهم؛ لأنه مروزي وليس ببغدادي، وروايته عن نعيم بن حماد، وسويد بن نصر المروزيَّين»
(1)
.
4 -
نقد الروايات المنكرة والواهية:
ذكر الخطيب في ترجمة محمد بن يونس الكُدَيمي عن أحمد بن عبد الله الأصبهاني
(2)
أنه قال: أتيتُ عبد الله بن أحمد بن حنبل، فقال: أين كنتَ؟ فقلتُ: في مجلس الكُدَيمي. فقال: لا تذهب إلى ذاك؛ فإنه كذَّاب. فلما كان في بعض الأيام مررتُ به، فإذا عبد الله يكتب عنه، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، ألستَ قلتَ: لا تكتب عن هذا؛ فإنه كذَّاب؟! قال: فأومأ بيده إلى فيه أن اسكت. فلما فرغ وقام من عنده، قلتُ: يا أبا عبد الرحمن، أليس قلتَ: لا تكتب عنه؟ قال: إنما أردتُ بهذا أن لا يجيء الصبيان، فيصيروا معنا في الإسناد واحدًا، إنما هو يُحيي الموتى، أسانيد قد مات صاحبها منذ سنين.
فنقد الخطيب هذه الحكاية المنكرة بقوله: «كان عبد الله بن أحمد أتقى لله من أن يُكذِّب من هو عنده صادق، ويحتج بما حكى عنه هذا الأصبهاني، وفي هذه الحكاية نظر من جهته، والله أعلم»
(3)
.
وروى الخطيب في ترجمة محمد بن الحسين بن حُميد بن الرَّبيع اللَّخْمي
(1)
«تاريخ بغداد» (3/ 74). وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (1/ 368 - 369، 504)(2/ 16 - 17، 34، 272)، (3/ 19، 355، 492، 660)، (4/ 481)، (7/ 7، 252، 277)(8/ 204).
(2)
لم أجد له ترجمة.
(3)
«تاريخ بغداد» (4/ 693 - 694).
الكوفي عن أحمد بن محمد بن سعيد
(1)
أنه قال: كنتُ عند الحَضْرمي فمرَّ عليه ابن للحسين بن حُميد الخزَّاز، فقال: هذا كذَّاب ابن كذَّاب.
فتعقَّبه الخطيب قائلًا: «في الجرح بما يحكيه أبو العباس بن سعيد نظر؛ حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعتُ حمزة السَّهمي يقول
(2)
: سألتُ أبا بكر بن عبدان
(3)
عن ابن عُقدة إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح؛ هل يُقبل قوله أم لا؟ قال: لا يُقبل.
وقد أخبرنا أحمد بن محمد بن غالب
(4)
قال: أخبرنا أبو يعلى الطُّوسي
(5)
قال: محمد بن الحسين بن حُميد بن الربيع كان ثقةً يفهم»
(6)
.
5 -
مناقشة اجتهادات العلماء السابقين وعدم تقليدهم:
روى الخطيب في ترجمة عبد الملك بن أبي سليمان العَرْزمي عن أمية بن
(1)
هو أبو العباس بن عقدة الكوفي، الحافظ العلَّامة، أحد أعلام الحديث، على ضعفٍ فيه، توفي سنة (332 هـ). «سير أعلام النبلاء» (15/ 340، 355).
(2)
«سؤالات حمزة السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ» (ص: 160 رقم 166).
(3)
هو أبو بكر أحمد بن عبدان بن محمد بن الفرج الشيرازي الأهوازي الحافظ، المعروف بـ «الباز الأبيض» ، كان من كبار أئمة الحديث، سأله حمزة بن يوسف السهمي عن الرجال والجرح والتعديل، توفي سنة (388 هـ). «تاريخ الإسلام» (8/ 629).
(4)
هو البرقاني الحافظ المعروف شيخ الخطيب.
(5)
هو أبو يعلى عثمان بن الحسن بن علي بن محمد بن عَزْرة بن دَيْلم الورَّاق المعروف بالطوسي، قال البرقاني: كان ذا معرفة وفضل، له تخريجات وجُموع، وهو ثقة. توفي سنة (367 هـ). «تاريخ بغداد» (13/ 198 - 199).
(6)
«تاريخ بغداد» (3/ 27). وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (1/ 499)، (7/ 143، 156).
خالد أنه قال: قلتُ لشعبة: ما لك لا تحدِّث عن عبد الملك بن أبي سليمان
(1)
؟ قال: تركتُ حديثه.
قلتُ: تحدِّث عن محمد بن عبيد الله العَرْزمي
(2)
، وتدع عبد الملك، وقد كان حسن الحديث؟! قال: من حُسنها فررتُ.
فتعقَّبه الخطيب قائلًا: «قد أساء شعبة في اختياره حيث حدَّث عن محمد بن عبيد الله العَرْزمي، وترك التحديث عن عبد الملك بن أبي سليمان؛ لأن محمد بن عبيد الله لم تختلف الأئمة من أهل الأثر في ذهاب حديثه، وسقوط روايته. وأما عبد الملك فثناؤهم عليه مستفيض، وحُسن ذِكرهم له مشهور» . ثم ذكر توثيق أهل العلم لعبد الملك وثناءهم عليه
(3)
.
وذكر في ترجمة محمد بن عمران بن موسى أبي عبيد الله الكاتب المَرْزُباني أن شيخه الأزهري حدَّثه قائلًا: «كان أبو عبد الله بن الكاتب
(4)
يذكر أبا عبيد الله المَرْزُباني ذِكرًا قبيحًا، ويقول: أشرفتُ منه على أمرٍ عرفتُ به أنَّه كذَّاب».
(1)
هو عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي، صدوق له أوهام، مات سنة خمس وأربعين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 363 رقم 4184).
(2)
هو محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي الفزاري، أبو عبد الرحمن الكوفي، متروك، مات سنة بضع وخمسين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 494 رقم 6108).
(3)
«تاريخ بغداد» (12/ 135).
(4)
هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن خالد أبو عبد الله المعروف بابن الكاتب، كان صحيح السماع كثيره. توفي سنة (425 هـ). «تاريخ بغداد» (6/ 200).
فتعقَّبه الخطيب قائلًا: «ليس حال أبي عبيد الله عندنا الكذب، وأكثر ما عِيب عليه المذهب، وروايته عن إجازات الشيوخ له من غير تبيين الإجازة، فالله أعلم، وقد ذكره محمد بن أبي الفوارس
(1)
فقال: كان يقول بالإجازات، وكان فيه اعتزال وتشيُّع»
(2)
.
(1)
هو أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن فارس بن سهل بن أبي الفوارس، سافر في طلب الحديث إلى البصرة وبلد فارس وخُراسان، وكتب الكثير وجمع، وكان ذا حفظ ومعرفة وأمانة وثقة، مشهورًا بالصلاح، وكتب الناس بانتخابه على الشيوخ وتخريجه. توفي سنة (412 هـ). «تاريخ بغداد» (2/ 213 - 214).
(2)
«تاريخ بغداد» (4/ 229). وينظر: مبحث «نقد الخطيب للأحكام النقدية لسابقيه وعدم التقليد» من الباب الرابع (ص: 348).
المطلب الخامس
منهج سياق الأحاديث في الكتاب
كانت طريقة الخطيب في «تاريخه» أن يورد في كل ترجمة -في الغالب- حديثًا أو أكثر من طريق المترجَم له، وكانت هذه عادة كثير ممن يؤلِّف في تواريخ البلدان وتراجم الرواة، مثل: البخاري في «التاريخ الكبير» ، وبحشل في «تاريخ واسط» ، والعقيلي في «الضعفاء» ، وابن عدي في «الكامل في الضعفاء» ، وأبي الشيخ الأصبهاني في «طبقات المحدثين بأصبهان» ، وأبي نعيم الأصبهاني في «أخبار أصبهان» وغيرهم.
وسأجمل في نقاط منهج الخطيب في إيراد أحاديث «تاريخه» ، وصفات هذه الأحاديث، فمن ذلك:
1 -
يورد الخطيب في الترجمة غالبًا حديثًا أو أكثر مما تفرد به صاحب الترجمة؛ وذلك لأن ما ينفرد به الراوي هو ما يتميز به من الحديث، ولذلك نجد الخطيب كثيرًا ما يقول في تعليقاته على الأحاديث التي يوردها:«غريب من حديث فلان» ، أو «تفرد به فلان» ، أو «لم أكتبه إلا عن فلان» ونحوها من العبارات
(1)
.
وحيث إن الغالب على الغرائب والأفراد أنها أحاديث ضعيفة
(2)
، كان ما
(1)
ينظر على سبيل المثال: تاريخ بغداد (3/ 124 - 125، 443)، (4/ 313 - 314)، (5/ 94)، (6/ 312)، (7/ 84 - 85)، (8/ 109 - 110)، (9/ 6 - 7)، (10/ 426)، (12/ 388).
(2)
ينظر: «الكفاية» (ص: 140 - 143)، و «تدريب الراوي» (2/ 634).
انفرد بإخراجه الخطيب هو من قبيل الضعيف، وقد ذكر السيوطي في مقدمة «الجامع الكبير» أن ما انفرد به الخطيب في «التاريخ» أو غيرِه، فهو ضعيف
(1)
.
2 -
قد يورد الخطيب أحاديث للمترجَم له للدلالة على ضعفه وسوء ضبطه، فنجده يقول في مواضع من «تاريخه»:«أحاديث فلان مستنكرة تدل على وهاء حاله» ، أو «أحاديثه تدل على سوء ضبطه» ، أو «كان غير ثقة روى أحاديث باطلة» ، أو «حدَّث عن فلان أحاديث منكرة» ، أو «روى عن فلان حديثًا منكرًا» ، أو نحوها من العبارات، ثم يسوق حديثًا أو أكثر للدلالة على ما ذهب إليه من حال المترجَم له
(2)
.
3 -
اعتاد الخطيب إذا ترجم لراوٍ ثقة أن يذكر ما أُنكر عليه من الحديث، ليُعرف ويميَّز، وكانت هذه عادة النقاد الأوائل، فقد ذكر الخطيب في ترجمة أبي معمر إسماعيل بن إبراهيم بن معمر الهُذَلي
(3)
عن جعفر الطيالسي
(4)
أنه قال: قال يحيى بن معين، وذكر أبا معمر: لا صلَّى الله عليه، ذهب إلى الرَّقَّة فحدَّث بخمسة آلاف حديث، أخطأ في ثلاثة آلاف.
ثم نقد هذه الحكاية قائلًا: «في هذا القول نظر، ويبعد صحته عند مَن اعتبر، ولو كان صحيحًا، لدوَّن أصحاب الحديث ما غلط أبو معمر فيه لعِظَمه
(1)
«الجامع الكبير» (1/ 44).
(2)
ينظر على سبيل المثال: «تاريخ بغداد» (2/ 40، 537)، (3/ 272)، (4/ 368)، (6/ 204)، (8/ 99 - 100)، (10/ 339)، (11/ 533)، (13/ 334).
(3)
وهو ثقة مأمون، مات سنة (236 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 105 رقم 415).
(4)
هو جعفر بن محمد بن أبي عثمان أبو الفضل الطيالسي، كان ثقة ثبتًا، صعب الأخذ، حسن الحفظ، توفي سنة (282 هـ). «تاريخ بغداد» (8/ 81 - 83).
وفُحشه، ولم يغفلوا عنه، كما دوَّنوا ما أخطأ فيه شعبة بن الحجاج، ومعمر بن راشد، ومالك بن أنس، وغيرهم مع قلته في اتساع رواياتهم
…
»
(1)
.
فكانت من عادة أصحاب الحديث تدوين ما أخطأ فيه الثقات، وهكذا فعل الخطيب، فقد ساق في ترجمة حفص بن غياث
(2)
حديثين أُنكرا عليه
(3)
، وذكر في ترجمة علي بن الحسن بن عَبدُويه الخزَّاز
(4)
حديثًا أخطأ فيه
(5)
، وروى في ترجمة الفضل بن يعقوب الرُّخامي
(6)
حديثًا وهِم فيه
(7)
.
4 -
قد يكون الحديث الذي يورده الخطيب هو أصلًا للترجمة، ولولا هذا الحديث لم توجد الترجمة، وذلك أنه قد يجد حديثًا مرويًّا من طريق رجل موصوف بأنه بغدادي، فيصنع له ترجمة، يذكر فيها شيخه وتلميذه مستفيدًا ذلك من الحديث الذي يورده، ولا يذكر شيئًا آخر عن المترجم له أكثر مما هو مستفاد من الحديث المذكور.
(1)
«تاريخ بغداد» (7/ 252).
(2)
وهو ثقة فقيه، تغيَّر حفظه قليلًا في الآخر، مات سنة (194 هـ) أو (195 هـ)، وقد قارب الثمانين. «تقريب التهذيب» (ص: 173 رقم 1430).
(3)
«تاريخ بغداد» (9/ 76 - 79).
(4)
قال الخطيب: كان ثقة. ونقل عن الدارقطني أنه قال فيه: لا بأس به. مات سنة (277 هـ). «تاريخ بغداد» (13/ 299 - 300).
(5)
«تاريخ بغداد» (13/ 300).
(6)
وهو ثقة حافظ، مات سنة (258 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 447 رقم 5422).
(7)
«تاريخ بغداد» (14/ 334 - 335). وينظر أيضًا: «تاريخ بغداد» (2/ 273)، (3/ 484)، (12/ 415)، وسيأتي دراسة هذه الأمثلة وغيرها في الباب الثالث من هذه الرسالة.
فقد ترجم الخطيب لمحمد بن أحمد بن الوليد البغدادي فقال: «حدَّث عن محمد بن أبي السَّرِي العسقلاني، روى عنه أبو القاسم الطبراني» .
ثم أورد له حديثًا واحدًا فقال: «أخبرنا محمد بن عبد الله بن شَهْرَيار الأصبهاني قال: أخبرنا سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني
(1)
قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الوليد البغدادي قال: حدثنا محمد بن أبي السَّرِي العسقلاني قال: حدثني الوليد بن مسلم قال: حدثني محمد بن حمزة بن يوسف بن عبد الله بن سَلَام، عن أبيه، عن جدِّه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المِرْبد
(2)
، فرأى عثمان بن عفان يقود ناقةً تحمل دقيقًا وسمنًا وعسلًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أنِخ» فأناخ فدعا ببُرمة
(3)
فجعل فيها من السمن والعسل والدقيق، ثم أمر فأوقد تحتها حتى نضج، ثم قال:«كلوا» فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال: «هذا شيء يدعوه أهلُ فارس الخَبِيص
(4)
»
(5)
.
(1)
«المعجم الأوسط» (7/ 347 رقم 7688)، و «المعجم الصغير» (2/ 88 رقم 833).
(2)
المربد: موضع بالمدينة على نحو من ميل، تُحبس فيه الإبل والغنم. «المصباح المنير» (ر ب د)، و «تاج العروس» (ر ب د).
(3)
البرمة: القِدر. «مختار الصحاح» (ب ر م).
(4)
الخبيص: حلواء معمول من التمر والسمن. «تاج العروس» (خ ب ص).
(5)
أخرجه أيضًا الطبراني في «المعجم الكبير» (13/ 150 رقم 370)، والحاكم في «المستدرك» كتاب الأطعمة (4/ 122 رقم 7093) كلاهما من طريق الوليد بن مسلم به.
قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» .
وقال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (5/ 38): «رواه الطبراني في الثلاثة، ورجال الصغير والأوسط ثقات» .
وينظر: «العلل المتناهية» (2/ 178)، و «زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة» للدكتور خلدون الأحدب (1/ 384).
ثم ذكر أن الطبراني قال: «لا يُروى عن عبد الله بن سَلَام إلا بهذا الإسناد، تفرد به الوليد»
(1)
.
فلم يذكر شيئًا في ترجمته أكثر مما استفاده من رواية هذا الحديث.
وترجم أيضًا لأبي العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد القزاز المروزي، ولم يذكر في ترجمته شيئًا إلا أنه أورد له حديثًا واحدًا، فقال: «أخبرنا القاضي أبو العلاء محمد بن علي بن يعقوب، قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن عبد الله بن أحمد بن المروزي القزاز قدم علينا بغداد للحج، قال: وجدت في كتاب أبي بشر أحمد بن محمد بن عمرو بن مصعب بن بشر المروزي، قال: حدثنا أحمد بن إسماعيل السكري
…
» فذكر الحديث ثم قال: «أبو بشر المروزي متروك الحديث»
(2)
.
5 -
ينقل الخطيب أحيانًا كلام النقاد على الأحاديث، فتارة يوافقهم، وتارة يعارضهم، وتارة يسكت.
وأحيانًا ينقد الأحاديث بنفسه ويبين ما فيها من تفرُّد أو اختلاف أو علل أو ضعف، وستأتي دراسة كثير من انتقاداته على طول الرسالة، والله الموفِّق.
* * *
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 239 - 240).
(2)
«تاريخ بغداد» (5/ 387). وينظر أيضًا على سبيل المثال: «تاريخ بغداد» (2/ 122)، (3/ 81)، (4/ 107)، (5/ 499)، (6/ 65)، (7/ 88)، (8/ 115)، (10/ 260).
الباب الأول
نقد الأحاديث بالطعن في رواتها
وفيه ثلاثة فصول:
الفصل الأول: نقد الحديث بالطعن في الراوي بالجهالة.
الفصل الثاني: نقد الحديث بالطعن في عدالة الراوي.
الفصل الثالث: نقد الحديث بالطعن في ضبط الراوي.
الفصل الأول
نقد الحديث بالطعن في الراوي بالجهالة
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: ضابط الجهالة عند الخطيب البغدادي.
- المبحث الثاني: نقد الخطيب البغدادي للأحاديث بجهالة بعض رواتها.
المبحث الأول
ضابط الجهالة عند الخطيب البغدادي
عرَّف الخطيبُ المجهولَ عند أصحاب الحديث بقوله: «هو كل مَن لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومَن لم يُعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد»
(1)
.
وهذه العبارة تحتمل معنيَيْن:
المعنى الأول: أنه لا بد حتى يُطلَق على الراوي أنه مجهول أن يتحقق فيه أمران؛ الأول: عدم شهرته بطلب العلم، والثاني: ألَّا يروي عنه إلا راوٍ واحد. فلا بد حتى ترتفع الجهالة عن الراوي أن يكون مشهورًا بطلب العلم، وأن يروي عنه أكثر من واحد في نفس الوقت.
المعنى الثاني: أنه لكي يكون الراوي مجهولًا، لا بد أن يكون غير مشهور بطلب العلم، فإذا لم يكن مشهورًا، فلا بد ألَّا يروي عنه إلا راوٍ واحد. أما إذا اشتهر بطلب العلم - ولو لم يروِ عنه إلا واحد - فليس بمجهول.
ولعل المعنى الثاني هو المراد، وبه فسَّر السخاوي عبارة الخطيب فقال:«الشهرة بالعلم والثقة والأمانة كافية في رفع الجهالة، بل نقله الخطيب في «الكفاية» عن أصحاب الحديث؛ فإنه قال: المجهول عند أصحاب الحديث هو من لم يشتهر بطلب العلم في نفسه، ولا عرفه العلماء به، ومن لم يُعرف حديثه إلا من جهة راوٍ واحد. يعني: حيث لم يشتهر» اهـ بتصرف يسير.
(1)
«الكفاية في علم الرواية» (ص: 88).
ثم أيَّد ذلك بما نقله عن ابن عبد البر أنه قال: «الذي أقوله أن من عُرف بالثقة والأمانة والعدالة لا يضره إذا لم يروِ عنه إلا واحد» .
وعن أبي مسعود الدمشقي الحافظ أنه قال: «إنه برواية الواحد لا ترتفع عن الراوي اسم الجهالة، إلا أن يكون معروفًا في قبيلته، أو يروي عنه آخر»
(1)
.
* وبعد أن عرَّف الخطيبُ المجهولَ عند أصحاب الحديث، مثَّل بعدد من الرواة لم يروِ عنهم إلا راوٍ واحد، مثل: عمرو ذي مُرٍّ
(2)
، وجَبَّار الطائي
(3)
، وعبد الله بن أَغَر الهَمْداني
(4)
، والهيثم بن حَنَش
(5)
، ومالك بن أَغَر
(6)
، وسعيد بن ذي حُدَّان
(7)
، وقيس بن كُرْكُم
(8)
، وخَمْر بن مالك
(9)
، وهؤلاء كلهم لم يروِ عنهم غير أبي إسحاق السَّبيعي.
(1)
«فتح المغيث» (2/ 49).
(2)
هو عمرو ذو مر الهمداني الكوفي، مجهول. «تقريب التهذيب» (ص: 428 رقم 5142).
(3)
هو جبار بن القاسم الطائي، روى عن ابن عباس، روى عنه أبو إسحاق السبيعي. «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (2/ 543)، و «لسان الميزان» لابن حجر (2/ 416).
(4)
هو عبد الله بن الأغر، يروي عن ابن مسعود، روى عنه أبو إسحاق السبيعي. «التاريخ الكبير» للبخاري (5/ 42)، و «الثقات» لابن حبان (5/ 13).
(5)
هو الهيثم بن حنش النخعي الكوفي، روى عن ابن عمر، روى عنه أبو إسحاق السبيعي وسلمة بن كهيل. «الجرح والتعديل» (9/ 79).
(6)
لم أجد له ترجمة.
(7)
هو سعيد بن ذي حُدَّان الكوفي، مجهول. «تقريب التهذيب» (ص: 235 رقم 2300).
(8)
هو قيس بن كركم، روى عن ابن عباس، روى عنه أبو إسحاق السبيعي. «الجرح والتعديل» (7/ 103)، و «الثقات» (5/ 312).
(9)
هو خَمْر، ويقال: خُمير بن مالك، يروي عن ابن مسعود، روى عنه أبو إسحاق السبيعي وعبد الله بن عيسى. «الجرح والتعديل» (3/ 391)، و «الثقات» (4/ 214).
ومثل: سمعان بن مُشَنِّج
(1)
، والهَزْهاز بن ميزن
(2)
، لا يُعرف عنهما راوٍ إلا الشعبي.
ومثل: بكر بن قِرْواش
(3)
، وحلام بن جزل
(4)
، لم يروِ عنهما إلا أبو الطفيل عامر بن واثلة. إلى آخر ما ذكر
(5)
.
وقد تعقَّبه ابن الصلاح بأنه قد روى عن الهزهاز الثوريُّ أيضًا
(6)
.
قلت: وروى عنه أيضًا الجرَّاح بن مَليح، ومحمد بن موسى أبو مالك العِتْري، كما في «التاريخ الكبير» للبخاري، و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم
(7)
.
وتعقَّبه أيضًا العراقي بأن بعض مَن ذكر قد روى عنهم أكثر من واحد، مثل خَمْر بن مالك روى عنه أيضًا عبد الله بن قيس
(8)
، وذكره ابن حبان في
(1)
هو سمعان بن مُشَنِّج، وقيل: مشمرج، كوفي، صدوق. «تقريب التهذيب» (ص: 256 رقم 2632).
(2)
هو هزهاز بن ميزن الرؤاسي الكوفي، روى عن إبراهيم، وعن رجل عن علي، روى عنه الثوري والشعبي وأبو وكيع. «التاريخ الكبير» (8/ 250)، و «الثقات» (5/ 515).
(3)
هو بكر بن قرواش الكوفي، روى عن سعد بن أبي وقاص، روى عنه أبو الطفيل. «الجرح والتعديل» (2/ 391).
(4)
هو حلام بن جزل الكوفي، يقال: هو ابن أخي أبي ذر، روى عن أبي ذر، روى عنه أبو الطفيل. «الجرح والتعديل» (3/ 308).
(5)
«الكفاية في علم الرواية» (ص: 88).
(6)
«مقدمة ابن الصلاح» (ص: 296).
(7)
«التاريخ الكبير» (1/ 237)(8/ 250)، و «الجرح والتعديل» (9/ 122).
(8)
كذا في «التقييد والإيضاح» ، و «شرح التبصرة والتذكرة» (1/ 352) كلاهما للعراقي، والذي في «التاريخ الكبير» للبخاري (3/ 222)، و «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (3/ 391)، و «الثقات» لابن حبان (4/ 214):«عبد الله بن عيسى» .
«الثقات»
(1)
إلا أنه قال: «خُمير» مصغرًا، وقد ذكر الخلاف فيه في التصغير والتكبير ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل»
(2)
.
ومنهم الهيثم بن حَنَش روى عنه أيضًا سلمة بن كُهيل فيما ذكره أبو حاتم الرازي
(3)
.
ومنهم بكر بن قِرْواش روى عنه أيضًا قتادة، كما ذكره البخاري في «التاريخ الكبير»
(4)
وابن حبان في «الثقات»
(5)
، وسمَّى ابن أبي حاتم أباه قريشًا
(6)
. انتهى كلام الحافظ العراقي
(7)
.
أقول: أما خُمير بن مالك، فقد ذهب البخاري في «التاريخ الكبير» ، وابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» إلى أنهما رجلان أحدهما شامي، روى عنه عبد الله بن عيسى، والآخر روى عنه أبو إسحاق
(8)
.
وعلى ما ذهب إليه هذان الإمامان يَسلم قول الخطيب من الاعتراض الذي وجَّهه إليه العراقي رحمة الله عليهم أجمعين.
إلا أن الخطيب ذكر في «المتفق والمفترق» أن خمير بن مالك اثنان:
(1)
«الثقات» لابن حبان (4/ 214).
(2)
«الجرح والتعديل» (3/ 391).
(3)
«الجرح والتعديل» (9/ 79). وينظر: «التاريخ الكبير» للبخاري (8/ 213).
(4)
«التاريخ الكبير» (2/ 94).
(5)
«الثقات» (4/ 75).
(6)
«الجرح والتعديل» (2/ 391)، وفيه:«قرواش» أيضًا، والله أعلم.
(7)
«التقييد والإيضاح» (ص: 147).
(8)
«التاريخ الكبير» (3/ 222، 227)، و «الجرح والتعديل» (3/ 391).
أحدهما: يُعَد في الكوفيين، حدَّث عن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن مسعود، وروى عنه أبو إسحاق السَّبيعي وغيره، وبعضهم يقول فيه: خمر بن مالك، وخُمير بتصغير خمر.
والآخر: خمير بن مالك أبو مالك الخميري الكلاعي، عداده في المصريين، يروي عن عبد الله بن عمر، روى عنه عبد الكريم بن الحارث، وراشد المعافري، وعبد الله بن عياش القتباني رحمه الله
(1)
. والله أعلم.
وأما بكر بن قِرْواش، فالذي يترجح لديَّ أنه لم يروِ عنه إلا أبو الطفيل، كما قال الخطيب.
وأما ما ذكره العراقي من رواية قتادة عنه اعتمادًا على ما ذكره البخاري وابن حبان؛ فإن نص كلام البخاري هو: «بكر بن قرواش، سمع منه أبو الطفيل، قال لي علي -يعني: ابن المديني-: لم أسمع بذكره إلا في هذا، وحديث قتادة، قال علي -يعني: ابن أبي طالب-: ما تقول فيها يا بكر بن قرواش؟ قال أبو عبد الله: وفيه نظر» .
وحديث قتادة رواه عبد الرزاق عن عثمان بن مطر وابن عيينة، عن سعيد، عن قتادة: أن مكاتبًا أسره العدو، ثم اشتراه رجل، فسأل بكر بن قِرْواش عنه عليًّا، فقال علي رضي الله عنه:«قل فيها يا بكر بن قِرْواش» . قال: الله أعلم، فقال علي:«أنا عبد الله وابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن افتكَّه سيده فهو على بقية كتابته، وإن أبى سيده أن يفكه فهو للذي اشتراه»
(2)
.
(1)
«المتفق والمفترق» (2/ 862).
(2)
«مصنف عبد الرزاق» كتاب الجهاد، باب المتاع يصيبه العدو ثم يجده صاحبه (9362).
فقتادة لم يروِ في هذا الحديث عن بكر بن قرواش، إنما حكى قصة حدثت لبكر مع علي بن أبي طالب، وقتادة لم يدرك هذه القصة، بل وُلد قتادة بعد موت علي بن أبي طالب بعشرين سنة
(1)
، وليس هناك دليل على أن بكر بن قرواش عاش بعد هذه القصة سنين طويلة حتى حكاها لقتادة، فالراجح أن قتادة سمعها من بعض شيوخه، والله أعلم.
وأما قول ابن حبان في «الثقات» : «بكر بن قِرْواش يروي عن أبي الطفيل، روى عنه قتادة»
(2)
.
فقد ذكر الحافظ ابن حجر في «لسان الميزان» أن الذي في كتاب ابن حبان خطأ، والصواب أن أبا الطفيل هو الذي يروي عن ابن قِرْواش، وأنه تفرد بالرواية عنه، فقد ذكر ابن المديني أنه لا راوي له سوى أبي الطفيل. وقال ابن عدي:«ما أقل ما له من الروايات»
(3)
.
* وبعد سياق الخطيب هذه الأمثلة لمَن لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد، وضع حدًّا لأقل ما ترتفع به الجهالة عن الراوي فقال: «وأقل ما ترتفع به الجهالة
(4)
أن يروي عن الرجل اثنان فصاعدًا من المشهورين بالعلم»
(5)
.
وقيَّدهما في «الفقيه والمتفقه» بالعدالة فقال: «من روى عنه رجلان عدلان خرج بذلك عن حد الجهالة على شرط أصحاب الحديث»
(6)
.
(1)
ينظر: «تهذيب الكمال» (23/ 516).
(2)
«الثقات» (4/ 75).
(3)
«الكامل» (2/ 195)، و «لسان الميزان» (2/ 352).
(4)
فسرها السخاوي في «فتح المغيث» (2/ 47) بالجهالة العينية.
(5)
«الكفاية» (ص: 88)، وينظر:«الفقيه والمتفقه» (2/ 84).
(6)
«الفقيه والمتفقه» (2/ 84).
فيشترط الخطيب حتى ترتفع الجهالة عن الراوي أن يروي عنه اثنان فأكثر من العدول المشهورين بالعلم، وهذا هو الصواب، بخلاف من أطلق وذهب إلى عدم اعتبار العدالة والشهرة بالعلم، ومنهم الإمام محمد بن يحيى الذُّهلي حيث قال:«إذا روى عن المحدث رجلان ارتفع عنه اسم الجهالة»
(1)
.
(2)
.
وقد ردَّ الإمام ابن رجب الحنبلي على هذا الحد الذي وضعه الذُّهلي وتبعه عليه المتأخرون، فقال: «قال يعقوب بن شيبة: قلت ليحيى بن معين: متى يكون الرجل معروفًا؟ إذا روى عنه كم؟
قال: إذا روى عن الرجل مثل ابن سيرين والشعبي، وهؤلاء أهل العلم،
(1)
«الكفاية» (ص: 88)، وروى ابن خزيمة في «صحيحه» عن محمد بن يحيى الذهلي أنه قال:«وهب بن الأجدع قد ارتفع عنه اسم الجهالة، وقد روى عنه الشعبي أيضًا، وهلال بن يساف» . ينظر: «صحيح ابن خزيمة» ، كتاب الصلاة، باب ذكر الخبر المفسر لبعض اللفظة المجملة التي ذكرتها والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس إذا كانت الشمس غير مرتفعة، فدانت للغروب (2/ 265).
(2)
«سنن الدارقطني» ، كتاب الحدود والديات (4/ 226 - 227 حديث رقم 3365).
فهو غير مجهول. قلت: فإذا روى عن الرجل مثل سِماك بن حرب، وأبي إسحاق؟ قال: هؤلاء يروون عن مجهولين. انتهى.
وهذا تفصيل حسن، وهو يخالف إطلاق محمد بن يحيى الذُّهلي الذي تبعه عليه المتأخرون، أنه لا يخرج الرجل من الجهالة إلا برواية رجلين فصاعدًا عنه
…
».
ثم ذكر أمثلة كثيرة لعدم اعتداد النقاد بتعدُّد الرواة عن الرجل، واعتدادهم بشهرتهم وحفظهم وثقتهم، وشهرة حديث الراوي بين العلماء، ثم قال:«وظاهر هذا أنه لا عبرة بتعدُّد الرواة، وإنما العبرة بالشهرة، ورواية الحفاظ الثقات» اهـ
(1)
.
وهذا ما قرره الخطيب؛ حيث اشترط في الراوي أن يكون مشهورًا بطلب العلم حتى ترتفع عنه الجهالة، واشترط في الرجلين اللذين يرفعان الجهالة أن يكونا عدلين مشهورين بالعلم.
إلا أن الخطيب لا يرى أن العدالة تثبت بمجرد رواية رجلين عدلين عنه؛ حيث قال بعد ذلك: «إلا أنه لا يثبت له حكم العدالة بروايتهما عنه»
(2)
.
ويصير بذلك مجهول حالٍ أو مستورًا
(3)
في اصطلاح المتأخرين
(4)
.
(1)
«شرح علل الترمذي» (1/ 377 - 379).
(2)
«الكفاية» (ص: 88).
(3)
المستور: من عُرفت عدالته الظاهرة دون الباطنة. والمراد بالباطنة ما في نفس الأمر، وهي التي ترجع إلى أقوال المزكِّين، وبالظاهرة ما يُعلم من ظاهر الحال. ينظر:«فتح المغيث» (2/ 56)، و «شرح شرح نخبة الفكر» للقاري (ص: 518).
(4)
ينظر: «نزهة النظر» (ص: 102)، و «فتح المغيث» (2/ 56).
المبحث الثاني
نقد الخطيب البغدادي للأحاديث بجهالة بعض رواتها
خبر المجهول عند الخطيب البغدادي مردود، والجهالة عنده من أسباب القدح في الإسناد.
(1)
.
وقال أيضًا عند كلامه على وصف الخبر الذي يلزم قبوله ويجب العمل به: «إن كان في الإسناد رجل ثبت فسقه، أو جُهِل حاله، فلم يُعرف بالعدالة ولا بالفسق لم يصح الاحتجاج بذلك الحديث»
(2)
.
ثم روى بإسناده عن الإمام الشافعي أنه قال: «لا يُقبل إلا حديث ثابت، كما لا يُقبل من الشهود إلا مَن عرفنا عدله، فإذا كان الحديث مجهولًا أو مرغوبًا عمَّن حمله، كان كما لم يأت؛ لأنه ليس بثابت»
(3)
.
وروى بإسناده في «الكفاية» عن محمد بن يحيى الذُّهْلي أنه قال: «ولا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصل غير المنقطع، الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح»
(4)
.
وقد أكثر الخطيب في «تاريخه» من نقد الأحاديث بجهالة بعض رواتها، ومن أمثلة ذلك:
(1)
«الفقيه والمتفقه» (2/ 84).
(2)
المصدر السابق (1/ 291).
(3)
المصدر السابق (1/ 292).
(4)
«الكفاية» (ص: 20).
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة موسى بن عيسى البغدادي من طريق أحمد بن عيسى بن محمد الوَشَّاء، قال: حدثنا موسى بن عيسى البغدادي بالرملة سنة خمسين ومائتين قال: حدثنا يزيد بن هارون، عن حميد الطويل، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا بكى اليتيم وقعت دموعُه في كفِّ الرحمن تعالى، فيقول: مَن أبكى هذا اليتيم الذي واريتُ والديه تحت الثرى؟ من أسكته فله الجنة» .
(1)
.
وموسى بن عيسى لم يزد الخطيب في ترجمته له على قوله: «حدَّث بالرملة» ، ثم ذكر له هذا الحديث، ولم يذكر له راويًا إلا أحمد بن عيسى الوَشَّاء المذكور في هذا الحديث وهو ضعيف
(2)
، ولذلك حكم عليه الخطيب بالجهالة، وحكم على الحديث بأنه منكر جدًّا؛ لتفرد هذا المجهول عن مثل الحافظ المتقن المشهور يزيد بن هارون، على كثرة ما له من التلاميذ والأصحاب؛ فلو حدَّث به يزيد لتسابقوا إلى روايته، ولم ينفرد به هذا المجهول، ولذلك فقد اتهمه
(1)
«تاريخ بغداد» (15/ 35). ورواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1077)، والذهبي في «تذكرة الحفاظ» (4/ 4)، وفي «سير أعلام النبلاء» (18/ 571) كلاهما من طريق الخطيب به.
(2)
هو أحمد بن عيسى بن محمد بن عبيد الله أبو العباس الكِندي الكُتبي الصوفي المقرئ المعروف بابن الوشاء، قال مسلمة في «الصلة»:«انفرد بأحاديث أُنكرت عليه لم يأت بها غيره، شاذة، كتبت عنه حديثًا كثيرًا، وكان جامعًا للعلم، وكان أصحاب الحديث يختلفون فيه؛ فبعضهم يوثقه، وبعضهم يضعفه» . وضعفه الدارقطني. ينظر: «لسان الميزان» (1/ 571).
الذهبي في
«تذكرة الحفاظ» بوضع هذا الحديث
(1)
، وقال في «ميزان الاعتدال»: «موسى بن عيسى البغدادي، عن يزيد بن هارون بخبر كذب: إذا بكى اليتيم
…
»
(2)
. وأقره ابن حجر في «لسان الميزان»
(3)
.
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن إسحاق السلمي من طريق سهل بن بحر قال: حدثنا محمد بن إسحاق السلمي ببغداد قال: حدثنا ابن المبارك، عن سفيان الثوري، عن أبي الزناد، عن أبي حازم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خيار أمتي علماؤها، وخيار علمائها رحماؤها، ألا وإن الله يغفر للجاهل أربعين ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنبًا واحدًا، ألا وإن العالم الرحيم يجيء يوم القيامة، وإن نوره قد أضاء، يمشي فيه ما بين المشرق والمغرب، كما يسري الكوكب الدرِّي» .
قال الخطيب في صدر الترجمة: «محمد بن إسحاق السلمي أحد الغرباء المجهولين، حدث عن عبد الله بن المبارك حديثًا منكرًا، رواه عنه سهل بن بحر، وذكر أنه سمعه منه ببغداد» ، ثم ساق هذا الحديث
(4)
.
(1)
«تذكرة الحفاظ» (4/ 4).
(2)
«ميزان الاعتدال» (4/ 216 رقم 8907).
(3)
«لسان الميزان» (8/ 214 رقم 8025).
(4)
«تاريخ بغداد» (2/ 40). ورواه الخطيب أيضًا في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/ 106) -ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 132 رقم 203)، وابن عساكر في «ذم من لا يعمل بعلمه» (ص 36 رقم 11) - وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (8/ 188)، والشجري في «الأمالي» (1/ 69 رقم 250)، والجورقاني في «الأباطيل» (1/ 225 رقم 86)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (56/ 118) كلهم من طريق سهل بن بحر به.
ومحمد بن إسحاق السلمي لم يذكر له الخطيب إلا راويًا واحدًا، وهو سهل بن بحر، ولذلك حكم عليه بأنه مجهول، ووافقه على ذلك الذهبي في «الميزان» حيث قال:«فيه جهالة»
(1)
، وأقره ابن حجر في «اللسان»
(2)
.
ولكني وجدتُ له راويًا آخر، فقد روى الشجري في «الأمالي» هذا الحديث أيضًا من طريق الحسن بن إسماعيل، عن محمد بن إسحاق السلمي
(3)
به
(4)
.
والحسن بن إسماعيل هذا لم أجد له ترجمة، فالله أعلم.
وحَكم الخطيب على الحديث بأنه منكر؛ لتفرُّد هذا المجهول عن مثل الإمام الحافظ المشهور عبد الله بن المبارك، فلو كان قد حدَّث به لتسابق الناس إلى روايته، ولم ينفرد به هذا المجهول، وكأن الخطيب اتهمه به لذلك، قال ابن الجوزي:«هذا حديث أنكره الخطيب، وكأنه لم يتهم فيه إلا السلمي»
(5)
.
وقد حكم الإمام أبو نعيم الأصبهاني على هذا الحديث بالغرابة فقال: «غريب من حديث الثوري وابن المبارك، لم نكتبه إلا من هذا الوجه»
(6)
.
وقال ابن عساكر: «غريب»
(7)
.
وحكم عليه الذهبي في «الميزان» بالبطلان
(8)
، وأقره الحافظ في «اللسان»
(9)
.
(1)
«ميزان الاعتدال» (3/ 477 رقم 7205).
(2)
«لسان الميزان» (6/ 551 رقم 6464).
(3)
في «الأمالي» : «السني» ، والله أعلم.
(4)
«الأمالي» (1/ 83 رقم 311).
(5)
«العلل المتناهية» (1/ 132 رقم 203).
(6)
«حلية الأولياء» (8/ 188).
(7)
«ذم من لا يعمل بعلمه» (ص 36 رقم 11).
(8)
«ميزان الاعتدال» (3/ 477 رقم 7205).
(9)
«لسان الميزان» (6/ 551 رقم 6464).
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن فرخ، من طريق عبد الرحيم بن عبد الله بن إسحاق السِّمْناني قال: حدثنا محمد بن فرخ البغدادي أبو جعفر بقزوين قال: حدثنا إسحاق بن بشر القرشي قال: حدثنا أبو حنيفة، عن حماد، عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يجهرون بـ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} .
ثم قال: «محمد بن فرخ عندنا مجهول، لم تقع إلينا الرواية عنه إلا من هذا الوجه»
(1)
.
ومحمد بن فرخ البغدادي لم يذكر له الخطيب إلا راويًا واحدًا، وهو عبد الرحيم بن عبد الله السِّمْناني، ولذلك حكم عليه الخطيب بالجهالة، وأعلَّ الحديث به.
وذكره أيضًا في «تلخيص المتشابه» ، وقال:«ليس بمعروف عندنا، وإنما جاء حديثه من قبل الخراسانيين» ثم ساق له حديثًا آخر يرويه عنه عبد الرحيم بن عبد الله السِّمْناني أيضًا
(2)
.
وقال ابن ماكولا في «الإكمال» : «محمد بن فرخ بغدادي لا يُعرف ببغداد» ، ولم يذكر له راويًا إلا السِّمْناني
(3)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (4/ 277). ولم أجد أحدًا روى هذا الحديث من طريق ابن فرخ غير الخطيب.
(2)
«تلخيص المتشابه في الرسم» (1/ 282).
(3)
«الإكمال» (7/ 56).
ولم يذكره الذهبي في «الميزان» ، وذكره العراقي في «ذيل ميزان الاعتدال»
(1)
، وابن حجر في «لسان الميزان»
(2)
، ونقلا قول الخطيب وابن ماكولا فيه.
- المثال الرابع:
روى الخطيب في ترجمة ضِرار بن سهل من طريق أبي القاسم عبد الله بن أحمد بن محمد التميمي المعلِّم المعروف بالغَباغبي
(3)
قال: حدثني ضِرار بن سهل الضِّراري ببغداد في دار الخَلَنْجيين
(4)
في رأس الجسر قال: حدثنا الحسن ابن عرفة قال: حدثنا أبو حفص الأبار عمر بن عبد الرحمن، عن حميد، عن أنس قال: قال لي علي بن أبي طالب: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا علي إن اللهَ أمرني أن أتَّخِذَ أبا بكر والدًا، وعمرَ مُشيرًا، وعثمانَ سندًا، وأنت يا عليُّ ظهيرًا، أنتم أربعةٌ قد أخذ اللهُ لكم الميثاقَ في أُمِّ الكتاب، لا يُحبُّكم إلا مؤمنٌ تقيٌّ، ولا يبغضكم إلا منافقٌ شقيٌّ، أنتم خلفاءُ نُبُوَّتي، وعَقْد ذِمَّتي، وحُجَّتي على أمتي» .
ثم قال الخطيب: «هذا الحديث منكر جدًّا، لا أعلم رواه بهذا الإسناد إلا
ضرار بن سهل، وعنه الغَباغبي، وهما جميعًا مجهولان»
(5)
.
(1)
«ذيل ميزان الاعتدال» (ص: 185 رقم 661).
(2)
«لسان الميزان» (7/ 439 رقم 7302).
(3)
غباغب: قرية في أول عمل حوران من نواحي دمشق بينهما ستة فراسخ. «معجم البلدان» (4/ 184).
(4)
الخَلَنْجي: بفتح الخاء المعجمة واللام وسكون النون وفي آخرها الجيم، هذه النسبة إلى خلنج، وهو نوع من الخشب. «الأنساب» للسمعاني (5/ 183).
(5)
«تاريخ بغداد» (10/ 471). ورواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 196 رقم 751)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (27/ 46) كلاهما من طريق الخطيب به. ورواه ابن عساكر أيضًا في «تاريخ دمشق» (14/ 29) من طريق آخر عن الغباغبي به.
وقد تصحف «الغباغبي» في الموضع الأخير من «تاريخ دمشق» إلى: «البقاعي» ، وهو على الصواب في الموضع الأول من «تاريخ دمشق» (27/ 46).
وضرار بن سهل الضراري لم يذكر له الخطيب راويًا إلا الغَباغبي، فلذلك حكم عليه بأنه مجهول. وترجم له الذهبي في «ميزان الاعتدال» وقال:«عن الحسن بن عرفة بخبر باطل، ولا يُدرى مَن ذا الحيوان»
(1)
. ووافقه الحافظ في «لسان الميزان»
(2)
.
وقال الذهبي في «تلخيص الموضوعات» : «ضرار بن سهل وهو مجهول، فلعله من وضعه»
(3)
.
أما عبد الله بن أحمد بن محمد التميمي المعلِّم المعروف بالغَباغبي، فقد حكم عليه الخطيب بالجهالة أيضًا، ووافقه الذهبي في «ميزان الاعتدال»
(4)
.
ولكن ترجم له ابن عساكر في «تاريخ دمشق» ، وساق نسبه إلى فراس بن
حابس أخي الأقرع بن حابس، وذكر له ثلاثة من الرواة وهم: عبد الوهاب الكلابي، وأبو الحسين الرازي، وأبو الحسين محمد بن عبد الله بن محمد
(1)
«ميزان الاعتدال» (2/ 327 رقم 3950).
(2)
«لسان الميزان» (4/ 339 رقم 3964).
(3)
«تلخيص كتاب الموضوعات» (ص: 137 رقم 302).
(4)
«ميزان الاعتدال» (2/ 327 رقم 3950).
الفوي
(1)
. وذكر أنه كان معلِّمًا بدمشق على باب الجابية، وأنه مات سنة خمس وعشرين وثلاثمائة
(2)
.
ولهذا فقد تعقَّب ابن حجر الخطيبَ في ترجمة الغباغبي من «لسان الميزان» بقوله: «قلت: فهو معروف، والتصق الوهن بضرار»
(3)
.
قلت: نعم هو معروف، ولكن بغير الثقة، فقد روى له ابن عساكر حديثًا ثم قال:«هذا حديث منكر، والغباغبي غير ثقة»
(4)
، والله أعلم.
وقد حكم الخطيب على هذا الحديث بالنكارة لتفرُّد هذين المجهولين بروايته عن مثل المحدِّث المشهور الحسن بن عرفة، هذا على ما في متنه من النكارة الظاهرة، والله أعلم.
- المثال الخامس:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن إسحاق الفقيه المعروف بشاموخ، ومن
طريقه عن أبي النضر الغازي قال: حدثنا الحسن بن كثير قال: حدثنا بكر بن أيمن القيسي قال: حدثنا عامر بن يحيى الصريمي قال: حدثنا أبو الزبير، عن
(1)
الفوي نسبتان، إحداهما: بفتح الفاء وتشديد الواو المكسورة، نسبة إلى فَوَّى، وهو بطن من المعافر، والفَوَّة من بلاد مصر عند رشيد. والأخرى: بضم الفاء وتشديد الواو المكسورة، نسبة إلى فُوِّه، وأقرب الظن أنها بنواحي البصرة. ينظر:«الأنساب» للسمعاني (10/ 263). ولا أدري إلى أيتهما يُنسب هذا الراوي.
(2)
«تاريخ دمشق» (27/ 46).
(3)
«لسان الميزان» (4/ 422 رقم 4138).
(4)
«تاريخ دمشق» (27/ 48).
جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم معاوية يخطب على منبري فاقبلوه، فإنه أمين مأمون» .
ثم قال الخطيب: «لم أكتب هذا الحديث إلا من هذا الوجه، ورجال إسناده ما بين محمد بن إسحاق وأبي الزبير كلهم مجهولون»
(1)
.
ومحمد بن إسحاق الفقيه المعروف بشاموخ قال فيه الخطيب: «حديثه كثير المناكير» .
والمجهولون الذين بينه وبين أبي الزبير وأعلَّ بهم الخطيب الحديث هم: أبو النضر الغازي، والحسن بن كثير، وبكر بن أيمن القيسي، وعامر بن يحيى الصريمي.
أما أبو النضر الغازي: فقد ترجم له العراقي في «ذيل ميزان الاعتدال» ، ووافق الخطيبَ على الحكم بجهالته، ولم يذكر له راويًا إلا شاموخ
(2)
.
وأما الحسن بن كثير: فقد ترجم له العراقي أيضًا في «ذيل ميزان الاعتدال» ووافق الخطيب على الحكم بجهالته، ولم يذكر له راويًا إلا أبا النضر، وقال:
«وفي «الميزان» : الحسن بن كثير، وهو غير هذا فيما يغلب على الظن»
(3)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 72). ورواه الجورقاني في «الأباطيل» (1/ 355 رقم 191)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 268 رقم 830)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (59/ 158) كلهم من طريق الخطيب به.
قال الجورقاني: «هذا حديث غريب، لم أكتبه إلا من هذا الوجه» .
وقال ابن عساكر: «هو منكر» .
(2)
«ذيل ميزان الاعتدال» (ص: 220 رقم 783).
(3)
«ذيل ميزان الاعتدال» (ص: 79 رقم 284).
ووافقه ابن حجر في «لسان الميزان»
(1)
.
وأما بكر بن أيمن: فقد ترجم له ابن حجر في «لسان الميزان» ولم يذكر له راويًا إلا الحسن بن كثير، ووافق الخطيبَ على الحكم بجهالته
(2)
.
وأما عامر بن يحيى الصريمي: فترجم له العراقي في «ذيل ميزان الاعتدال» ووافق الخطيبَ على الحكم بجهالته، ولم يذكر له راويًا إلا بكر بن أيمن
(3)
. ووافقه ابن حجر في «لسان الميزان»
(4)
.
والخلاصة: أن هؤلاء الأربعة الذين حكم عليهم الخطيب بالجهالة؛ لم يروِ عن كل واحد منهم إلا واحد، ولم يَرِد ذِكرُهم إلا في هذا الحديث، وكل مَن ترجم لهم اعتمد على هذا الحديث الذي ذكره الخطيب لهم، وعلى حكمه عليهم بالجهالة، والله أعلم
(5)
.
* * *
(1)
«لسان الميزان» (3/ 108 رقم 2378).
(2)
«لسان الميزان» (2/ 338 رقم 1564).
(3)
«ذيل ميزان الاعتدال» (ص: 131 رقم 455).
(4)
«لسان الميزان» (4/ 381 رقم 4060).
(5)
وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (1/ 331 - 332)، (2/ 588، 600 - 601)، (3/ 185 - 186)، (4/ 151)، (5/ 255)، (6/ 259)، (7/ 421)، (10/ 454)، (11/ 92 - 93)، (15/ 153 - 154)، (16/ 436).
الفصل الثاني
نقد الحديث بالطعن في عدالة الراوي
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: مفهوم العدالة وشروطها عند الخطيب البغدادي.
- المبحث الثاني: النقد باختلال العدالة عند الخطيب:
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: النقد بالطعن في الراوي بالكذب ووضع الحديث.
- المطلب الثاني: النقد بالطعن في الراوي بسرقة الحديث.
المبحث الأول
مفهوم العدالة وشروطها عند الخطيب البغدادي
قرَّر الخطيب أن العدالة شرط في صحة الخبر
(1)
، ونقل إجماع أهل العلم على أنه لا يُقبل إلا خبر العدل، كما أنه لا تُقبل إلا شهادة العدل
(2)
.
ووصَّى طالب العلم أن يعتمد في الرواية على ثقات شيوخه، ولا يروي عن كذَّاب، ولا متظاهر ببدعة، ولا معروف بالفسق، بل تكون روايته عمن حسُنت طريقته وظهرت عدالته
(3)
.
وقد عرَّف الخطيب في «الكفاية» العدالةَ نقلًا عن القاضي أبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني بقوله: «والعدالة المطلوبة في صفة الشاهد والمخبِر، هي العدالة الراجعة إلى استقامة دينه، وسلامة مذهبه، وسلامته من الفسق وما يجري مجراه، مما اتُّفق على أنه مُبطل للعدالة من أفعال الجوارح والقلوب المنهي عنها» .
ثم لخَّص ذلك بقوله: «والواجب أن يقال في جميع صفات العدالة: إنها اتباع أوامر الله تعالى، والانتهاء عن ارتكاب ما نهى عنه مما يُسقِط العدالة» .
إلَّا أن هذا لا يعني أن العدل لا توجَد منه معصيةٌ بحال، ولهذا قال بعد
وبيَّن أنه ينبغي لكي يوصف الرجل بالعدالة أن يكون مجتنبًا للصغائر كما اجتنب الكبائر فقال: «وليس يكفيه في ذلك اجتناب كبائر الذنوب التي يُسمَّى فاعلها فاسقًا، حتى يكون مع ذلك متوقِّيًا لما يقول كثير من الناس: إنه لا يُعلم أنه كبير. بل يجوز أن يكون صغيرًا، نحو الكذب الذي لا يُقطع على أنه كبير، ونحو التطفيف بحبة، وسرقة باذنجانة، وغش المسلمين بما لا يُقطع عندهم على أنه كبير من الذنوب.
لأجل أن القاذورات -وإن لم يُقطع على أنها كبائر يستحق بها العقاب- فقد
اتُّفق على أن فاعلها غير مقبول الخبر والشهادة، إما لأنها متهمة لصاحبها ومسقِطة له ومانعة من ثقته وأمانته، أو لغير ذلك؛ فإن العادة موضوعة على أن من احتَملت أمانتُه سرقةَ بصلة وتطفيف حبة، احتملت الكذب، وأخذ الرِّشا على الشهادة، ووضع الكذب في الحديث، والاكتساب به.
فيجب أن تكون هذه الذنوب في إسقاطها للخبر والشهادة بمثابة ما اتُّفق على أنه فسق يُستَحَق به العقاب، وجميع ما أضربنا عن ذكره مما لا يقطع قوم على أنه كبير، وقد اتُّفق على وجوب رد خبر فاعله وشهادته، فهذه سبيله في أنه يجب كون الشاهد والمخبر سليمًا منه»
(1)
.
وأجمل القول في التعريف بالعدالة عند بيانه لصفات الخبر الذي يلزم قبوله ويجب العمل به في كتابه «الفقيه والمتفقه» بقوله: «ثبوت العدالة، أن يكون الراوي -بعد بلوغه وصحة عقله- ثقة مأمونًا، جميل الاعتقاد غير مبتدع، مجتنبًا للكبائر، متنزِّها عن كل ما يُسقط المروءة، من المجون والسخف والأفعال الدنيئة»
(2)
.
وقد عقد الخطيب في «الكفاية» بابًا في الرد على من زعم أن العدالة هي إظهار الإسلام وعدم الفسق الظاهر فقط، وبيَّن أنه لا سبيل إلى معرفة العدل إلا باختبار الأحوال، وتتبُّع الأفعال التي يحصل معها العلم من ناحية غلبة الظن بالعدالة
(3)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 80).
(2)
«الفقيه والمتفقه» (1/ 291).
(3)
«الكفاية» (ص: 81 وما بعدها).
وشروط العدالة هي:
1 -
الإسلام.
2 -
البلوغ.
3 -
العقل.
4 -
السلامة من أسباب الفسق.
5 -
السلامة من خوارم المروءة.
- أما الشرط الأول: وهو الإسلام:
فالإسلام شرط في العدالة، فالكافر غير عدل، ولا يُقبل خبره.
(1)
.
وقد حكى الإجماعَ على عدم قبول رواية الكافر: الزركشيُّ، والسخاويُّ، وغيرهما
(2)
.
وتقييد الخطيب اشتراط الإسلام بـ «وقت الأداء» يدل على أن الإسلام شرط عند الأداء، وليس شرطًا عند التحمُّل، فيصح تحمُّل الكافر، ولا تصح روايته لِما تحمَّله حال كفره إلا بعد إسلامه، ونص على ذلك الخطيب بقوله:
(1)
«الكفاية» (ص: 77).
(2)
«البحر المحيط» (6/ 142)، و «فتح المغيث» (2/ 5).
«قد ثبتت روايات كثيرة لغير واحد من الصحابة كانوا حفظوها قبل إسلامهم وأدوها بعده
(1)
»
(2)
.
- والشرط الثاني: البلوغ:
أما في حالة التحمُّل: فالبلوغ ليس شرطًا في صحة التحمُّل عند الخطيب، فيصح التحمُّل بحصول التمييز والإصغاء فحسب
(3)
.
قال الخطيب: «وقد اختلف أهل العلم أيضًا في التحمُّل قبل البلوغ، فمنهم من صحَّح ذلك، ومنهم من دفع صحته» .
ثم عقد بابًا بعنوان: «باب ما جاء في صحة سماع الصغير» ثم قال: «قلَّ من كان يكتب الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريبًا منه، إلا من جاوز حد البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم.
وقيل: إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة، ويشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن وبالتعبُّد.
(1)
مثل قصة أبي سفيان مع هرقل عندما سأله عن النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه، وكان أبو سفيان حينئذ كافرًا، ثم أسلم ورواها وسمعها منه ابن عباس، وأخرجها البخاري في بدء الوحي (1/ 8 رقم 7)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام (3/ 1393 رقم 1773).
ومثل جبير بن مطعم عندما كان كافرًا سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب سورة الطور، ثم روى ذلك بعد إسلامه، وأخرجها البخاري في كتاب تفسير القرآن، باب سورة والطور (6/ 140 رقم 4854)، ومسلم في كتاب الصلاة، باب القراءة في المغرب (1/ 338 رقم 463).
(2)
«الكفاية» (ص: 76).
(3)
ينظر: «الكفاية» (ص: 63).
وقال قوم: الحدُّ في السماع خمس عشرة سنة، وقال غيرهم: ثلاث عشرة.
وقال جمهور العلماء: يصح السماع لمن سنُّه دون ذلك، وهذا هو عندنا الصواب»
(1)
.
وأما في حالة الأداء: فالبلوغ شرط في صحة الرواية عند الخطيب، وقد حكى إجماع الأمة على ذلك
(2)
.
(3)
.
- والشرط الثالث: العقل:
وهو شرط في صحة الرواية عند الخطيب، وحكى إجماع الأمة على ذلك.
قال الخطيب: «ويجب أيضًا أن يكون الراوي في وقت أدائه عاقلًا مميِّزًا، والذي يدل على وجوب كونه بالغًا عاقلًا ما أخبرنا القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر، حدثنا محمد بن أحمد اللؤلؤي، حدثنا أبو داود
(4)
، حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا وُهَيب، عن خالد، عن أبي الضحى، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«رُفِعَ القلمُ عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظَ، وعن الصبي حتى يحتلِمَ، وعن المجنون حتى يعقلَ»
(5)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 53 وما بعدها).
(2)
سيأتي حكايته الإجماع في الشرط الثالث.
(3)
«الكفاية» (ص: 76).
(4)
«سنن أبي داود» كتاب الحدود، باب في المجنون يسرق أو يصيب حدًّا (4/ 141 رقم 4403).
(5)
رواه الترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن لا يجب عليه الحد (4/ 32 رقم 1423)، والنسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب الرجم، باب المجنونة تصيب الحد (6/ 487، 488 رقم 7303، 7304، 7306)، وابن ماجه، كتاب الطلاق، باب طلاق المعتوه والصغير والنائم (1/ 659 رقم 2042)، من عدة طرق عن علي رضي الله عنه به مرفوعًا.
وحسنه الترمذي، وصححه ابن خزيمة في «صحيحه» كتاب الصلاة، باب ذكر الخبر الدال على أن أمر الصبيان بالصلاة قبل البلوغ على غير الإيجاب (2/ 102 رقم 1003)، وابن حبان في «صحيحه» كتاب الإيمان، باب التكليف (1/ 356 رقم 143)، ورجَّح النسائي أن الصواب أنه موقوف على علي رضي الله عنه. وينظر:«التلخيص الحبير» لابن حجر (1/ 328).
ولأن حال الراوي إذا كان طفلًا أو مجنونًا، دون حال الفاسق من المسلمين، وذلك أن الفاسق يخاف ويرجو ويتجنَّب ذنوبًا، ويعتمد قربات، وكثير من الفُسَّاق يعتقدون أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم والتعمُّد له ذنب كبير وجُرم غير مغفور، فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله غير مقبول، فخبر الطفل والمجنون أولى بذلك، والأمة مع هذا مجتمعة على ما ذكرناه، لا نعرف بينها خلافًا فيه»
(1)
.
- والشرط الرابع: السلامة من أسباب الفسق:
الفسق: هو ارتكاب كبيرة، أو إصرار على صغيرة
(2)
.
والسلامة من الفسق شرط في صحة الرواية عند الخطيب، بل لا خلاف بين أهل العلم في ذلك.
قال الخطيب: «ولا خلاف أن الفاسق بفعله لا يُقبل قوله في أمور الدين، مع كونه مؤمنًا عندنا»
(1)
.
وقال أيضًا: «اتفق أهل العلم على أن السماع ممن ثبت فسقُه لا يجوز»
(2)
.
وبيَّن أن الكذب -ولا سيما الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم - هو من أعظم الفسق، فقال:«كل من ثبت كذبه رُدَّ خبره وشهادته؛ لأن الحاجة في الخبر داعية إلى صدق المخبِر، فمن ظهر كذبه فهو أولى بالرد ممن جُعِلت المعاصي أمارةً على فسقه حتى يُرَدَّ لذلك خبره، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من الكذب على غيره، والفسق به أظهر والوزر به أكبر»
(3)
.
وبيَّن أن الكبائر من أسباب الفسق، أما الصغائر فلا، إلا إذا كثُرت، فقال:«ومن سَلِم من الكذب، وأتى شيئًا من الكبائر، فهو فاسق يجب ردُّ خبره، ومن أتى صغيرة فليس بفاسق، ومن تتابعت منه الصغائر وكثُرت رُدَّ خبره»
(4)
.
- والشرط الخامس: السلامة من خوارم المروءة:
المروءة من الأمور التي يعسر حدها، وقد عرَّفها أهل العلم بتعريفات كثيرة:
فقيل: المروءة كمال الرجولية
(5)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 124).
(2)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 130).
(3)
«الكفاية» (ص: 101).
(4)
«الكفاية» (ص: 101).
(5)
«تهذيب اللغة» (م ر أ)، و «لسان العرب» (م ر أ).
وقيل: المروءة آداب نفسانية، تحمل مراعاتها الإنسانَ على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات
(1)
.
وقيل: المروءة هي قوة للنفس مبدأ لصدور الأفعال الجميلة عنها المستتبعة للمدح شرعًا وعقلًا وعُرفًا
(2)
.
وقيل: هي تعاطي المرء ما يُستحسَن، وتجنُّب ما يُستَرذَل
(3)
.
وقيل: صيانة النفس عن الأدناس، وما يشين عند الناس
(4)
.
وقيل: سير المرء بسيرة أمثاله في زمانه
(5)
.
وقد بيَّن الخطيب في «الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع» الأشياءَ التي يجب على طالب الحديث أن يتجنبها، والتي تُزيل المروءة، فقال:«يجب على طالب الحديث أن يتجنَّب اللعب والعبث والتبذُّل في المجالس بالسخف، والضحك، والقهقهة، وكثرة التنادر، وإدمان المزاح والإكثار منه، فإنما يُستجاز من المزاح يسيره ونادره وطريفه، الذي لا يخرج عن حد الأدب وطريقة العلم، فأما متصله وفاحشه وسخيفه، وما أوغر منه الصدور وجلب الشر، فإنه مذموم، وكثرة المزاح والضحك يضع من القَدْر، ويزيل المروءة»
(6)
.
(1)
«المصباح المنير» (م ر أ).
(2)
«التعريفات» للجرجاني (ص: 210).
(3)
«تاج العروس» (م ر أ).
(4)
المصدر السابق.
(5)
«توجيه النظر إلى أصول الأثر» (1/ 97).
(6)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 156).
إلا أنه بيَّن أن مجرد إتيان الراوي لمثل هذه الأشياء لا يجعل خبره مردودًا،
وأن العالم الناقد هو الذي يحدِّد هل يُرَدُّ خبره أم لا؟
قال الخطيب في «الكفاية» : «وقد قال كثير من الناس: يجب أن يكون المحدِّث والشاهد مجتنبَين لكثير من المباحات، نحو التبذُّل، والجلوس للتنزُّه في الطرقات، والأكل في الأسواق، وصحبة العامة الأرذال، والبول على قوارع الطرقات، والبول قائمًا، والانبساط إلى الخرق في المداعبة والمزاح، وكل ما قد اتُّفق على أنه ناقص القدر والمروءة، ورأوا أن فعل هذه الأمور يُسقط العدالة، ويوجب رد الشهادة.
والذي عندنا في هذا الباب: رَدُّ خبر فاعلي المباحات إلى العالِم، والعمل في ذلك بما يقوى في نفسه، فإن غلب على ظنه من أفعال مرتكب المباح المسقِط للمروءة أنه مطبوع على فعل ذلك والتساهل به، مع كونه ممن لا يحمل نفسه على الكذب في خبره وشهادته، بل يرى إعظام ذلك وتحريمه والتنزُّه عنه، قُبِل خبره، وإن ضَعُفت هذه الحال في نفس العالم واتهمه عندها، وجب عليه ترك العمل بخبره ورد شهادته»
(1)
.
* * *
(1)
«الكفاية» (ص: 111).
المبحث الثاني
النقد باختلال العدالة عند الخطيب
المطلب الأول
النقد بالطعن في الراوي بالكذب ووضع الحديث
من أعظم أسباب الطعن في الحديث كذب الراوي، والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من الكذب على غيره، والفسق به أظهر والوزر به أكبر، كما يقول الخطيب
(1)
.
ومن عُرِف بالكذب في حديث واحد، صار الكذب هو الظاهر من حاله، وسقط العمل بجميع أحاديثه، مع جواز كونه صادقًا في بعضها
(2)
.
وكذب الراوي في الحديث النبوي: هو أن يروي عنه صلى الله عليه وسلم ما لم يقله متعمِّدًا لذلك
(3)
.
وأما التُّهمة بالكذب: فهو ألَّا يُروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفًا للقواعد المعلومة
(4)
، وكذا من عُرِف بالكذب في كلامه، وإن لم يظهر منه وقوعُ ذلك في الحديث النبوي
(5)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 101).
(2)
«الكفاية» (ص: 364) في معرض كلامه عن التدليس.
(3)
«نزهة النظر» (ص: 88).
(4)
أي قواعد الدين المعلومة من الشريعة بالضرورة. كما في «شرح نخبة الفكر» للقاري (ص: 431).
(5)
«نزهة النظر» (ص: 88).
فإذا تحقَّقنا من كذب الخبر، كان خبرًا موضوعًا.
والموضوع لغة: الملصَق، يقال: وضع فلان على فلان كذا، أي: ألصقه به. وهو أيضًا الحطُّ والإسقاط. لكن الأول أليق بهذه الحيثية.
واصطلاحًا: الكذب المختلَق المصنوع
(1)
.
فالخبر الموضوع هو ما كان كذبًا، سواء تعمَّد راويه الكذب أم لم يتعمَّد.
قال السيوطي: «الموضوع قسمان: قسم تعمَّد واضعُه وضْعَه، وهذا شأن الكذَّابين.
وقسم وقع غلطًا لا عن قصد، وهذا شأن المخلِّطين والمضطربين الحديث، كما حكم الحُفَّاظ بالوضع على الحديث الذي أخرجه ابن ماجه في «سننه»
(2)
، وهو:«مَن كثُرت صلاتُه بالليل حَسُن وجهُه بالنهار» فإنهم أطبقوا على أنه موضوع، وواضعه لم يتعمَّد وضعه، وقصته في ذلك مشهورة
(3)
»
(4)
.
(1)
ينظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 838)، و «فتح المغيث» (1/ 310).
(2)
«سنن ابن ماجه» ، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب ما جاء في قيام الليل (1/ 422 رقم 1333).
(3)
وملخَّص هذه القصة: أن ثابت بن موسى دخل على شريك بن عبد الله القاضي، والمستملي بين يديه، وشريك يقول: حدثنا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولم يذكر المتن، فلما نظر إلى ثابت بن موسى قال:«مَن كثُرت صلاته بالليل حَسُن وجهه بالنهار» . وإنما أراد ثابتًا لزهده وورعه، فظن ثابت أنه روى هذا الحديث مرفوعًا بهذا الإسناد، فكان ثابت يحدِّث به عن شريك، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر. «شرح التبصرة والتذكرة» للعراقي (1/ 316).
(4)
«الحاوي للفتاوى» للسيوطي (2/ 9).
وقد نقد الخطيب في «تاريخه» كثيرًا من الأخبار الموضوعة والمكذوبة، وبيَّن بطلانها، ومَن الذي قام بوضعها واختلاقها، وقد استخلصتُ منها بعض القواعد المهمة في نقد الأحاديث الموضوعة، سأذكرها مع بعض الأمثلة بإيجاز:
القاعدة الأولى: استعمال التاريخ من أهم الأمور المُعِينة على معرفة كذب الرواة:
وقد قرَّر ذلك في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي» وبيَّن أن أصحاب الحديث قيَّدوا مواليد الرواة، وتاريخ موتهم؛ ليختبروا كذب الرواة الذين يدَّعون السماع ممن لم يلقوه.
وروى عن أبي حسَّان الزيادي
(1)
، أنه قال: سمعتُ [حماد بن زيد]
(2)
(1)
هو الحسن بن عثمان بن حماد بن حسان، كان أحد العلماء الأفاضل، ومن أهل المعرفة والثقة والأمانة، توفي سنة اثنتين وأربعين ومائتين. «تاريخ بغداد» (8/ 339).
(2)
في «تاريخ بغداد» (8/ 340)، و «الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 131):«حسان بن زيد» ، ورواه ابن عساكر من طريق الخطيب في «تاريخ دمشق» (1/ 54)، ثم قال:«كذا في النسختين من تاريخ بغداد: حسان بن زيد. وأظنه حماد بن زيد، والله تعالى أعلم» . فيتبين من ذلك أن «حسان بن زيد» تصحيف، والصواب:«حماد بن زيد» ، ومما يؤيد ذلك أن السيوطي ذكر هذا القول في «الشماريخ في علم التاريخ» (ص: 18)، وعزاه إلى حماد بن زيد، كذلك فإني لم أجد ترجمة لحسان بن زيد هذا. وحماد بن زيد من شيوخ أبي حسان الزيادي، كما في ترجمة الزيادي من «تاريخ دمشق» لابن عساكر (13/ 132).
وينظر: «علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع» لمحمد بن مطر الزهراني (ص: 216)، و «تحرير علوم الحديث» لعبد الله بن يوسف الجديع (1/ 108).
يقول: «لم نستعن على الكذَّابين بمثل التاريخ، نقول للشيخ: سنة كم وُلِدت؟
فإذا أخبر بمولده عرفنا كذبه من صدقه».
قال أبو حسان: «فأخذتُ في التاريخ، فأنا أعمله من ستين سنة»
(1)
.
وقال الخطيب في «الكفاية» : «ومما يُستدل به على كذب المحدِّث في روايته عمن لم يُدركه؛ معرفة تاريخ موت المروي عنه ومولد الراوي»
(2)
.
وقد استعمل الخطيب هذه الطريقة في «تاريخ بغداد» ، فقد روى في ترجمة محمد بن مزيد بن أبي الأزهر عن الأزهري قال: أخبرنا المعافى بن زكريا الجريري قال: حدثنا محمد بن مزيد بن أبي الأزهر قال: حدثنا علي بن مسلم الطوسي قال: حدثنا سعيد بن عامر، عن قابوس بن أبي ظَبْيان، عن أبيه، عن جده، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه -قال: وحدثنا مرة أخرى، عن أبيه، عن جابر- قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يَفْحَجُ بين فخذي الحسين
(3)
ويُقَبِّل زُبَيْبَتَه ويقول: «لعنَ اللهُ قاتِلَك» . قال جابر: فقلتُ: يا رسول الله ومَن قاتلُه؟ قال: «رجلٌ مِن أُمَّتي يبغض عِتْرتي لا ينالُه شفاعتي، كأني بنفسِه بين أطباق النيرانِ يرسبُ تارةً ويطفو أخرى، وأن جوفه ليقول: غق غق» .
ثم قال: «هذا الحديث موضوعٌ إسنادًا ومتنًا، ولا أبعد أن يكون ابن أبي الأزهر وضعه ورواه عن قابوس
(4)
عن أبيه عن جدِّه عن جابر، ثم
(1)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 131).
(2)
«الكفاية» (ص: 119).
(3)
أي: باعد ما بين فخذيه. «تاج العروس» (ف ح ج).
(4)
هو قابوس بن أبي ظَبْيان الكوفي، فيه لين. «تقريب التهذيب» (ص: 449 رقم 5445).
عرف استحالةَ هذه الرواية، فرواه بعدُ ونقص منه «عن جدِّه» ، وذلك أن أبا ظَبْيان قد أدرك سلمان الفارسي وسمع منه، وسمع من علي بن أبي طالب
أيضًا، واسم أبي ظبيان حصين بن جندب
(1)
، وجندب أبوه لا يُعرف، أكان مسلمًا أو كافرًا؟ فضلًا عن أن يكون روى شيئًا.
ولكن في الحديث الذي ذكرناه عنه فساد آخر لم يقف واضعه عليه فيغيِّره، وهو استحالة رواية سعيد بن عامر
(2)
عن قابوس، وذلك أن سعيدًا بصري وقابوس كوفي، ولم يجتمعا قط، بل لم يدرك سعيدٌ قابوسَ! وكان قابوس قديمًا روى عنه سفيان الثوري وكبراء الكوفيين، ومِن آخر من أدركه جرير بن عبد الحميد
(3)
، وليس لسعيد بن عامر رواية إلا عن البصريين خاصة
(4)
، والله أعلم» اهـ
(5)
.
القاعدة الثانية: قد يُحكم على الحديث بأنه موضوع، مع أن راويَه غيرُ مشهور بالكذب، بل قد يكون موثَّقًا من بعض أهل العلم:
وقد أوضح الخطيب هذه القاعدة المهمة في ترجمة محمد بن بيان بن مسلم الثقفي، حيث روى عن أبي القاسم الأزهري أنه قال: حدثنا محمد بن
(1)
ثقة، مات سنة تسعين، وقيل غير ذلك. «تقريب التهذيب» (ص: 169 رقم 1366).
(2)
هو سعيد بن عامر الضُّبَعي، أبو محمد البصري، ثقة صالح، وقال أبو حاتم: ربما وهم، مات سنة ثمان ومائتين، وله ست وثمانون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 237 رقم 2338).
(3)
ينظر: «تهذيب الكمال» (23/ 328).
(4)
ينظر: «تهذيب الكمال» (10/ 511).
(5)
«تاريخ بغداد» (4/ 467). وينظر مثالان آخران: «تاريخ بغداد» (3/ 456، 458).
عبيد الله بن الشِّخِّير
(1)
قال: حدثنا أبو العباس محمد بن بيان بن مسلم
الثقفي -قال ابن الشِّخِّير: وكان ثقة أملى علينا من أصله- قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه قال: لما نزلت سورةُ التِّين على رسول الله صلى الله عليه وسلم فرح لها فرحًا شديدًا حتى بان لنا شدة فرحه، فسألنا ابن عباس بعد ذلك عن تفسيرها، فقال:«أما قول الله تعالى: {وَالتِّينِ} فبلاد الشام، {وَالزَّيْتُونِ} فبلاد فلسطين، {وَطُورِ سِينِينَ} فطور سيناء الذي كلَّم الله عليه موسى، {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} فبلد مكة، و {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم?} محمد صلى الله عليه وسلم {ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ} عُبَّاد اللات والعزى، {إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} أبو بكر وعمر، {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُون?} عثمان بن عفان، {فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ} علي بن أبي طالب، {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ} [التين: 1 - 8] أن بعثك فيهم نبيًّا، وجمعكم على التقوى يا محمد» .
ثم قال الخطيب: «هذا الحديث بهذا الإسناد باطل لا أصل له يصح فيما نعلم، والرجال المذكورون في إسناده كلهم أئمة مشهورون غير محمد بن بيان، ونرى العلة من جهته، وتوثيق ابن الشِّخِّير له ليس بشيء؛ لأن من أورد
(1)
هو محمد بن عبيد الله بن محمد بن الفتح بن عبيد الله بن الشِّخِّير أبو بكر الصيرفي. قال الخطيب: كان صدوقًا، سمعتُ أبا بكر البرقاني يُسأل عن ابن الشِّخِّير، فقال: حذَّرنيه بعضُ أصحابنا، إلا أني رأيتُ أبا الفتح بن أبي الفوارس قد روى عنه في الصحيح. وقال أحمد بن محمد العتيقي: كان ثقة أمينًا. توفي سنة (378 هـ). «تاريخ بغداد» (3/ 576).
مثل هذا الحديث بهذا الإسناد، قد أغنى أهلَ العلم عن أن ينظروا في حاله، ويبحثوا عن أمره، ولعله كان يتظاهر بالصلاح، فأحسن ابن الشِّخِّير به الظنَّ،
وأثنى عليه لذلك، وقد قال يحيى بن سعيد القَطَّان: ما رأيتُ الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث
(1)
»
(2)
.
ورواه الخطيب أيضًا في «تلخيص المتشابه» ثم قال: «هذا الحديث باطل بهذا الإسناد، والرجال المذكورون فيه كلهم ثقات غير محمد بن بيان، ونرى أنه مما صنعت يداه، والله أعلم»
(3)
.
فلم يقبل الخطيب توثيق ابن الشِّخِّير لهذا الراوي، وحكم على خبره بالكذب، واتهمه بوضع الحديث؛ لأنه أتى بهذا المتن الباطل بإسناد رجاله كلهم أئمة ثقات.
وهذا يؤكد ما قرره الذهبي رحمه الله إذ يقول: «فلكثرة ممارستهم
(4)
للألفاظ النبوية، إذا جاءهم لفظ ركيك -أعني مخالفًا للقواعد- أو فيه المجازفة في الترغيب والترهيب، أو الفضائل، وكان بإسناد مظلم، أو إسناد مضيء كالشمس في أثنائه رجل كذاب أو وضَّاع، فيحكمون بأن هذا مختلَق، ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتتواطأ أقوالهم فيه على شيء واحد» اهـ
(5)
.
(1)
رواه ابن عدي في مقدمة «الكامل في الضعفاء» (1/ 246).
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 452).
(3)
«تلخيص المتشابه» (1/ 239).
(4)
يعني: نقاد الحديث.
(5)
«الموقظة» (ص: 37).
القاعدة الثالثة: الراوي إذا لم يكن مشهورًا بالثقة والأمانة، ثم أتى بأحاديث منكرة لا تُعرَف إلا من جهته؛ فإنه هو المتهم بوضعها، لا سيما إذا
كان كل مَن عداه في الإسناد ثقة:
قال الخطيب في ترجمة دعبل بن علي الشاعر من «تاريخ بغداد» : «وقد رُوي عنه أحاديث مسنَدة عن مالك بن أنس وعن غيره، وكلها باطلة، نراها من وضع ابن أخيه إسماعيل بن علي الدعبلي
(1)
، فإنها لا تُعرَف إلا من جهته» اهـ
(2)
.
فقد اعتبر الخطيبُ أحاديثَ إسماعيل فوجد متونها منكرة، ووجده قد تفرَّد بها، فحكم عليه بالكذب ووضع الحديث، وعلى أحاديثه بالبطلان.
- وروى الخطيب في ترجمة أحمد بن العباس بن حمويه الخلال حديثًا من طريقه عن الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني قال: حدثنا أبو معاوية الضرير قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ملعونٌ ملعونٌ مَن سبَّ أباه، ملعونٌ ملعونٌ مَن سبَّ أمَّه، ملعونٌ ملعونٌ مَن عَمِل عَمَلَ قوم لوط، ملعونٌ ملعونٌ مَن أغرى بين بهيمتين، ملعونٌ ملعونٌ من غيَّر تُخومَ الأرض
(3)
، ملعونٌ ملعونٌ مَن كمَّه أعمى عن الطريق
(4)
»
(5)
.
(1)
ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» (7/ 306)، وقال:«كان غير ثقة» .
(2)
«تاريخ بغداد» (9/ 360).
(3)
تخوم الأرض: حدودها. «مختار الصحاح» (ت خ م).
(4)
أي: عمَّى عليه الطريق ولم يوقفه عليه. «غريب الحديث» لإبراهيم الحربي (2/ 483).
(5)
وأصل الحديث في «مسند أحمد» (1875) من حديث ابن عباس رضي الله عنه ب.
ثم قال: «لا يثبت هذا الحديث بهذا الإسناد، والحمل فيه على الخلال
(1)
؛
فإن كل مَن عداه مِن المذكورين في إسناده ثقة» اهـ
(2)
.
قال سبط ابن العجمي بعد أن نقل معنى كلام الخطيب: «وهذا منه كالتصريح في أنه وضع، والله أعلم»
(3)
.
فقد اتهمه الخطيب بالكذب لتفرده بهذا الحديث المنكر عن أئمة ثقات.
وهذه نماذج لأحاديث أعلَّها الخطيب بكذب بعض رواتها:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة أبي حنيفة من طريق أبي عبد الله محمد بن سعيد البُورَقي المروزي قال: حدثنا سليمان بن جابر بن سليمان بن ياسر بن جابر قال: حدثنا بشر بن يحيى قال: أخبرنا الفضل بن موسى السيناني، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«إنَّ في أُمَّتي رجلًا اسمُه النُّعمانُ، وكنيتُه أبو حنيفة، هو سِراجُ أُمَّتي، هو سِراجُ أُمَّتي، هو سِراجُ أُمَّتي» .
قال الخطيب: «وهو حديث موضوع، تفرد بروايته البُورَقي، وقد شرحنا فيما تقدم أمره وبينَّا حاله»
(4)
.
(1)
ترجم له الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/ 106)، وقال:«متهم» ، ثم ذكر هذا الحديث وكلام الخطيب فيه.
(2)
«تاريخ بغداد» (5/ 540).
(3)
«الكشف الحثيث» (ص: 47 رقم 48).
(4)
«تاريخ بغداد» (15/ 459). ورواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 305 رقم 871) من طريق الخطيب به.
ومحمد بن سعيد البُورَقي ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد»
(1)
، وذكر
كلام أهل العلم فيه.
فنقل عن حمزة بن يوسف السهمي أنه قال: «محمد بن سعيد البُورَقي كذَّاب، حدَّث بغير حديث وضعه»
(2)
.
وعن أبي عبد الله الحاكم أنه قال: «هذا البُورَقي قد وضع من المناكير على الثقات ما لا يُحصى، وأفحشها روايته عن بعض مشايخه، عن الفضل بن موسى السيناني، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما زعم أنه قال: «سيكونُ في أُمَّتي رجلٌ يقال له: أبو حنيفة، هو سِراجُ أُمَّتي» .
هكذا حدَّث به في بلاد خراسان، ثم حدَّث به بالعراق بإسناده، وزاد فيه أنه قال:«وسيكونُ في أُمَّتي رجلٌ يقال له: محمد بن إدريس فتنتُه على أُمَّتي أضرُّ من فتنة إبليس» !
(3)
.
ثم قال الخطيب: «ما كان أجرأ هذا الرجل على الكذب! كأنه لم يسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كذب عليَّ متعمِّدًا فليتبوَّأْ مقعدَه من النار» نعوذ بالله من غلبة الهوى، ونسأله التوفيق لما يحب ويرضى»
(4)
.
وترجم للبُورَقي أيضًا الذهبيُّ في «ميزان الاعتدال» وقال: «كان أحد
(1)
«تاريخ بغداد» (3/ 244).
(2)
ينظر: «سؤالات حمزة السهمي للدارقطني وغيره» (ص: 268 رقم 391).
(3)
ينظر: «تلخيص تاريخ نيسابور» (ص: 55).
(4)
«تاريخ بغداد» (3/ 244).
الوضَّاعين بعد الثلاثمائة»
(1)
، ووافقه ابن حجر في «لسان الميزان» ، ونقل عن
أبي أحمد الحاكم أنه قال فيه: «حديثه ليس بشيء»
(2)
.
فقد حكم الخطيب بالوضع على هذا الحديث؛ لتفرد هذا الراوي به، وهو غير عدل، فهو يكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا من أعظم الفسق الذي تُرَدُّ به الأخبار.
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة الحسين بن داود البلخي ومن طريقه عن الفضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أوحى اللهُ إلى الدُّنيا، أنِ اخدمي مَن خدمني، وأَتْعبي مَن خدمك» .
ثم قال: «تفرد بروايته الحسين عن الفضيل، وهو موضوع، ورجاله كلهم ثقات، سوى الحسين بن داود»
(3)
.
ونصَّ الحاكم أيضًا على تفرُّد الحسين بن داود به فقال: «هذا حديث من
(1)
«ميزان الاعتدال» (3/ 566 رقم 7606).
(2)
«لسان الميزان» (7/ 159 رقم 6839).
(3)
«تاريخ بغداد» (8/ 576). ورواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1612) من طريق الخطيب به، ورواه القضاعي في «مسند الشهاب» (2/ 325 رقم 1453، 1454)، والحاكم في «معرفة علوم الحديث» (ص: 101) - ومن طريقه القاضي عياض في «الغنية» (ص: 142) - وابن الجوزي في «الموضوعات» (1611) كلهم من طريق الحسين بن داود به.
أفراد الخراسانيين، عن المكيين؛ فإن الحسين بن داود بلخي، والفضيل بن
عياض عداده في المكيين»
(1)
.
وقال الحافظ ابن حجر بعد إيراده كلام الحاكم: «وإنما انفرد به الحسين ولم يروه غيره، وهو معدود في مناكيره»
(2)
.
والحسين بن داود هذا قال فيه الخطيب في «تاريخ بغداد» : «لم يكن الحسين بن داود ثقة؛ فإنه روى نسخة عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس، أكثرها موضوع»
(3)
.
(4)
.
فتفرُّد هذا الرجل الهالك عن مثل فضيل بن عياض على إمامته وشهرته وكثرة ما له من التلاميذ والأصحاب، لدليلٌ واضح على كذبه، وأن فضيلًا لم يحدث به قط، لا سيما وسنُّه لا يحتمل السماع منه، كما قال الحاكم
(5)
، فلهذه الأمور حكم الخطيب على حديثه بالوضع، والله أعلم.
(1)
«معرفة علوم الحديث» (ص: 101).
(2)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 708).
(3)
«تاريخ بغداد» (8/ 576).
(4)
«تاريخ بغداد» (8/ 577).
(5)
فقد مات الفضيل سنة (187 هـ) وقيل قبلها كما في «تقريب التهذيب» (ص: 448 رقم 5431)، ومات الحسين بن داود سنة (282 هـ)، فبين وفاتيهما خمس وتسعون سنة، ولم أجد أحدًا ذكر تاريخ ميلاد الحسين، والله أعلم.
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة أبي العباس الحسين بن علي بن محمد الحلبي ومن طريقه عن قاسم بن إبراهيم المَلَطي قال: حدثنا أبو أمية المُخْتَطُّ
(1)
قال: حدثني مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن عمر بن الخطاب قال: حدثني أبو بكر الصديق قال: سمعتُ أبا هريرة يقول: جئتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبين يديه تمر، فسلَّمتُ عليه فردَّ عليَّ وناولني من التمر ملءَ كفِّه، فعددتُه ثلاثًا وسبعين تمرة، ثم مضيتُ من عنده إلى علي بن أبي طالب وبين يديه تمر فسلَّمتُ عليه، فردَّ عليَّ وضحك إليَّ وناولني من التمر ملءَ كفِّه، فعددتُه فإذا هو ثلاث وسبعون تمرة، فكثُر تعجُّبي من ذلك، فرُحتُ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله جئتُك وبين يديك تمرٌ فناولتني ملءَ كفِّك فعددتُه ثلاثًا وسبعين تمرة، ثم مضيت إلى علي بن أبي طالب وبين يديه تمرٌ فناولني ملءَ كفِّه فعددتُه ثلاثًا وسبعين تمرة، فعجبت من ذلك! فتبسَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم وقال:«يا أبا هريرةَ، أمَا علمتَ أنَّ يدي ويدَ عليِّ بن أبي طالب في العدلِ سواءٌ» .
ثم قال: «حديث باطل بهذا الإسناد؛ تفرَّد بروايته قاسم المَلَطي، وكان يضع الحديث»
(2)
.
(1)
هو المبارك بن عبد الله، قال الذهبي: ليس بثقة ولا مأمون. «ميزان الاعتدال (3/ 431)، (4/ 493).
(2)
«تاريخ بغداد» (8/ 630). ورواه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 208 رقم 336)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (42/ 368)، وابن العديم في «بغية الطلب» (6/ 2678) كلهم من طريق الخطيب به.
وقاسم المَلَطي هذا ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» ، وقال: «كان كذَّابًا
أفَّاكًا يضع الحديث، روى عنه الغُرَباء عن أبي أُمَيَّة المبارك بن عبد الله، وعن لُوَين، عن مالك عجائب من الأباطيل». وأورد له بعضَ أباطيله، ثم نقل عن عبد الغني بن سعيد الحافظ أنه قال:«ليس في المَلَطيين ثقة» اهـ
(1)
.
وقال الدارقطني: «قاسم بن إبراهيم المَلَطي عن مالك يكذب»
(2)
.
- المثال الرابع:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن يوسف الرَّقِّي ومن طريقه عن سليمان بن أحمد الطبراني قال: حدثنا إسحاق الدَّبَري قال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن أنس رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة جاء أصحابُ الحديث بأيديهم المحابر، فيأمرُ اللهُ تعالى جبريلَ أنْ يأتيَهم فيسألَهم وهو أعلمُ بهم، فيقول: مَن أنتم؟ فيقولون: نحن أصحابُ الحديث. فيقول الله تعالى: ادخلوا الجنةَ على ما كان منكم، طالما كنتم تُصَلُّون على نبيي في دار الدنيا» أو كما قال.
ثم قال: «هذا حديثٌ موضوعٌ، والحمل فيه على الرَّقِّي، والله أعلم»
(3)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (14/ 454).
(2)
«الضعفاء والمتروكون» (438).
(3)
«تاريخ بغداد» (4/ 648). ورواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 424 رقم 504)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (56/ 338) كلاهما من طريق الخطيب به، ورواه ابن المقرب في «الأربعين حديثًا عن أربعين شيخًا» (ص: 65 رقم 13)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (56/ 338) كلاهما من طريق الرقي به.
وأورد له السيوطي في «اللآلئ» (1/ 198) طريقًا آخر، رواها الديلمي في «مسند الفردوس» ، والنميري في «الأعلام» كلاهما من طريق محمد بن أحمد بن مالك الإسكندراني، عن عبيد بن آدم، عن يزيد بن هارون، عن حميد الطويل، عن أنس. ثم قال النميري:«هذا الحديث لا أعلمه إلا من هذا الطريق، ومحمد بن أحمد بن مالك الإسكندراني مجهول» .
والرَّقِّي هذا قال الخطيب في ترجمته: «كان غير ثقة»
(1)
.
وقد حكم الخطيب على هذا الحديث بالوضع؛ لتفرد هذا الهالك به، عن مثل الإمام الحافظ الطبراني، بإسناد كالشمس كما يقول الحافظ الذهبي
(2)
.
ومما يؤيد كذب هذا الرقي ووضعه لهذا الحديث، أنه ليس في مصنفات الطبراني المشهورة، ولا في كتب عبد الرزاق، ولم يعزه أحد من أهل العلم إلى أيٍّ منهما، فلا أشك أنه ما حدَّث به الطبراني قط، ولا الدَّبَري، ولا عبد الرزاق.
أما قول السخاوي في «القول البديع» : «أخرجه الطبراني وابن بشكوال من طريقه، ونُقل عن طاهر بن أحمد النيسابوري
(3)
أنه قال: ما أعلم حدَّث به غير الطبراني»
(4)
.
فالظاهر أنه وجد الطبراني في الإسناد، فظن أن الطبراني أخرجه، وكذلك
(1)
«تاريخ بغداد» (4/ 648).
(2)
«تاريخ الإسلام» (8/ 498 رقم 503).
(3)
هو طاهر بن أحمد بن محمد بن طاهر أبو القاسم الوراق النيسابوري، قال الحاكم: كان مقدَّمًا في الطلب، في زي مشايخ البلد، إلا أنه كان يورِّق إلى أن مات، فإنه لم يكن في جماعة الوراقين أحسن خطًّا منه، توفي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. «الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم» (1/ 528).
(4)
قول النيسابوري، ولذلك قال الذهبي في ترجمة الرقي من «ميزان الاعتدال»:
«وضع على الطبراني حديثًا باطلًا في حشر العلماء بالمحابر»
(1)
.
- المثال الخامس:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن معاذ بن عيسى الهروي من طريق أحمد بن عبد الله الهروي الجُوباري قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن بَهْز بن حَكيم، عن أبيه، عن جده قال: أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقلتُ: يا رسولَ الله مَن أَبَرُّ؟ قال: «أُمَّك» . قال: قلتُ: ثم مَن؟ قال: «ثم أُمَّك» ثلاث مرات. ثم قال في الرابعة: «ثم أباك» .
(2)
.
والجُوباري كذَّاب مشهور، ممن يُضرب المثل بكذبه
(3)
.
وقد قال فيه النسائي: «كذاب»
(4)
.
وقال الخَليلي: «كذَّاب، يروي عن الأئمة أحاديث موضوعة»
(5)
.
وقول الخطيب: «غريب من حديث شعبة» ؛ لأنه لا يُعرف لشعبة رواية عن
(1)
«ميزان الاعتدال» (4/ 73 رقم 8345).
(2)
«تاريخ بغداد» (4/ 474).
(3)
ينظر: «ميزان الاعتدال» (1/ 107 رقم 421).
(4)
«الضعفاء والمتروكون» (ص: 21 رقم 67).
(5)
«الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (3/ 875).
بهز، فقد قال أبو داود: «لم يحدِّث شعبة عنه، وقال له: مَن أنت؟ ومَن
أبوك؟»
(1)
.
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه لم يروِ شعبة عن بهز إلا حديثًا واحدًا، فقد سأل أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي ابن معين: هل روى شعبة عن بَهْز؟ قال: «نعم حديث: «أَتَرِعُون
(2)
عن ذِكر الفاجر»
(3)
وقد كان شعبة متوقِّفًا عنه، فلما روى هذا الحديث كتبه وأبرأه مما اتَّهمه به»
(4)
.
(1)
«تهذيب التهذيب» (1/ 498 رقم 924).
(2)
أَتَرِعُون: بفتح همزة الاستفهام والمثناة فوق وكسر الراء، أي: أتتحرَّجون وتكُفُّون وتتورَّعون. «فيض القدير» (1/ 115).
(3)
لم أجد رواية شعبة عن بهز لهذا الحديث، وقد أخرجه ابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص: 141 رقم 220)، والعقيلي في «الضعفاء» (1/ 202)، والطبراني في «المعجم الكبير» (19/ 418 رقم 1010)، وابن عدي في «الكامل» (2/ 430)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (8/ 195) وغيرهم من طريق الجارود بن يزيد عن بهز عن أبيه عن جدِّه.
وقد رُوي أيضًا عن سفيان الثوري، وابن عيينة، والنضر بن شُميل، ويزيد بن أبي حكيم، عن بهز، ولا يثبت عن واحد منهم ذلك، والمحفوظ أن الجارود تفرد برواية هذا الحديث، وأنه حديث منكر باطل، والمتهم به الجارود، وهو متروك هالك، ذهب إلى ذلك جمعٌ من الحفاظ.
وينظر: «المجروحين» لابن حبان (1/ 220)، و «تعليقات الدارقطني على المجروحين» (ص: 68)، و «الإرشاد» للخليلي (2/ 807)، و «السنن الكبرى» للبيهقي، كتاب الشهادات، باب الرجل من أهل الفقه يُسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول: كفوا عن حديثه (10/ 354 رقم 20914)، و «شعب الإيمان» (12/ 164 رقم 9219).
(4)
«نصب الراية» (3/ 310)، و «تهذيب التهذيب» (1/ 499 رقم 924).
وقد ذهب أبو موسى المديني إلى غرابة هذا الحديث عن شعبة، فقد روى
هذا الحديث في «اللطائف» من طريق عوف الأعرابي، عن شعبة، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده به
(1)
. وفي الطريق إليه أبو بكر النقاش محمد بن الحسن بن محمد وهو متهم بالكذب
(2)
.
ثم قال أبو موسى المديني: «هذا حديث مشهور ثابت من حديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حَيْدة القُشيري
(3)
، غريب جدًّا من حديث شعبة عن بهز، وغريب أيضًا من حديث عوف عن شعبة، لا أعرفه إلا من هذا الوجه» اهـ باختصار.
ويتضح من هذا الكلام، ومن كلام الخطيب السابق أن إنكار هذا الحديث راجع إلى الإسناد، لا المتن، فالمتن مشهور ثابت كما قال أبو موسى المديني
(4)
.
* * *
(1)
«اللطائف من دقائق المعارف» (ص: 132 رقم 215).
(2)
ينظر: «ميزان الاعتدال» (3/ 520 رقم 7404).
(3)
أخرجه أحمد (20028)، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في بر الوالدين (5139)، والترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في بر الوالدين (1897) من طرق عن بهز عن أبيه عن جده، وحسَّنه الترمذي.
(4)
وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (2/ 592 - 593)، (3/ 37 - 38)، (4/ 192 - 193)، (5/ 540 - 541)، (8/ 415 - 416)، (12/ 78 - 79)، (13/ 570 - 572)، (15/ 20).
المطلب الثاني
النقد بالطعن في الراوي بسرقة الحديث
سرقة الحديث: أن ينفرد محدِّث بحديث، فيجيء السارق ويدَّعي أنه سمعه أيضًا من شيخ ذاك المحدِّث. أو يكون الحديث عُرف براوٍ، فيضيفه لراوٍ غيره ممن شاركه في طبقته. أو أن يركِّب متنًا على إسناد ليس له
(1)
.
وسارق الحديث كذَّاب؛ لأنه يدَّعي سماع ما لم يسمعه، وبهذا يظهر الفرق بين السرقة والتدليس؛ فإن المدلِّس لا يصرِّح بالسماع، بل يأتي بصيغة محتملة، بخلاف السارق؛ فإنه يصرِّح بالسماع ويكذب في ذلك
(2)
.
يدل على ذلك ما رواه الخطيب عن حسين بن إدريس أنه قال: سألتُ عثمان بن أبي شيبة عن أبي هشام الرفاعي؟ فقال: لا تخبر هؤلاء أنه يسرق حديث غيره فيرويه. قلت: أعلى وجه التدليس، أو على وجه الكذب؟ فقال: كيف يكون تدليسًا، وهو يقول: حدَّثنا!؟
(3)
.
وقد تعرَّض الخطيب لهذه القضية المهمة في تاريخه، وأورد كثيرًا من تراجم سُرَّاق الحديث، وبيَّن ما سرقوه.
(1)
ينظر: «الموقظة» (ص: 60)، و «فتح المغيث» (2/ 125).
(2)
ينظر: «التنكيل» (2/ 704، 706)، و «الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات» للدكتور طارق بن عوض الله (ص: 433).
(3)
«تاريخ بغداد» (4/ 595).
ومشى الخطيب في نقده للأحاديث المسروقة على منوال واحد في الغالب، فهو يورد الحديث المسروق، ويبيِّن الراوي الذي قام بالسرقة، وممن سرقه، ويذكر ما حدث للرواية المسروقة من تغيير بعد سرقتها، إن وُجد.
وهذه أمثلة توضح كيفية نقد الخطيب للأحاديث المسروقة:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة السَّرِي بن عاصم من طريق أبي الحسن أحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني قال: حدثنا السَّرِي بن عاصم قال: حدثنا إسماعيل بن عُليَّة، عن يحيى بن عتيق، عن محمد، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أنْ يُبال في الماء الرَّاكد.
ثم قال: «هذا الحديث إنما يُحفظ من رواية يعقوب الدورقي
(1)
عن ابن علية، ويقال: إنه تفرد به
(2)
، وقد سرقه السَّرِي بن عاصم منه، وكان يسرق الأحاديث الأفراد فيرويها».
(1)
هو يعقوب بن إبراهيم بن كثير، أبو يوسف الدورقي، ثقة، وكان من الحفاظ، مات سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وله ست وثمانون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 607 رقم 7812).
(2)
أخرجه النسائي في «الصغرى» كتاب الطهارة، باب الماء الدائم (58)، وفي «الكبرى» كتاب الطهارة، باب الماء الدائم (57) من طريق الدورقي به. وأصل الحديث في «صحيح البخاري» كتاب الوضوء، باب البول في الماء الدائم (239)، و «صحيح مسلم» كتاب الطهارة، باب النهي عن البول في الماء الراكد (282) من طرق أخرى عن أبي هريرة.
ثم أورد عن ابن خِرَاش أنه قال في السَّرِي: «كان يكذب» .
وعن أبي الفتح الأزدي: «متروك»
(1)
.
وقد ترجم له ابن حبان في «المجروحين» وقال: «كان ببغداد يسرق الحديث، ويرفع الموقوفات، لا يحل الاحتجاج به» .
ثم روى له هذا الحديث من طريق الحسين بن زريق البغدادي عنه، واتهمه بسرقته من يعقوب الدورقي
(2)
.
وترجم له ابن عدي في «الكامل» وقال: «وللسَّرِي غيرحديث سرقه عن الثقات، وحدَّث به عن مشايخهم»
(3)
.
وقد روى الطبرانيُّ هذا الحديثَ عن النعمان بن أحمد، عن السَّرِي بن عاصم به.
ثم قال: «لم يروِ هذا الحديث مرفوعًا عن ابن عُلَيَّة إلا السَّرِي بن عاصم ويعقوب الدورقي»
(4)
.
كذا قال رحمه الله، والسَّرِي إنما سرقه من الدورقي، ثم حدَّث به عن شيخ الدورقي: ابن عُلية، والله أعلم.
(1)
«تاريخ بغداد» (10/ 267).
(2)
«المجروحين» (1/ 355 رقم 465).
(3)
«الكامل» (4/ 540 رقم 874).
(4)
«المعجم الأوسط» (9/ 99 رقم 9245).
وقد تابع عليُّ بن عَبدة السَّرِيَّ على سرقة هذا الحديث؛ فقد رواه الخطيب من طريق أبي موسى هارون بن الحسين النجاد قال: حدثنا السَّرِي بن عاصم الهمداني وعلي بن عَبدة التميمي قالا: حدثنا ابن عُلية به.
ثم قال الخطيب: «السَّري وعلي بن عَبدة، كانا يسرقان الأحاديث»
(1)
.
وعلي بن عَبدة ترجم له الخطيب ونقل عن الدارقطني أنه قال فيه: «علي بن عَبدة يضع الحديث»
(2)
.
وترجم له ابن حبان في «المجروحين» وقال: «شيخ كان ببغداد يسرق الحديث، ويعمد إلى كل حديث رواه ثقة يرويه عن شيخ ذلك الشيخ، ويروي عن الأثبات ما ليس من حديث الثقات، لا يحل الاحتجاج به»
(3)
.
وترجم له ابن عدي وقال: «يسرق الحديث» ، ثم روى هذا الحديث عن عبد الله بن محمد بن ياسين، عن علي بن عَبدة، عن ابن عُلية، عن يحيى بن عتيق به.
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (16/ 407).
(2)
«تاريخ بغداد» (13/ 466).
(3)
«المجروحين» (2/ 115 رقم 696).
(4)
«الكامل» (6/ 369 رقم 1370).
قلت: ولعل أَخْذَ يعقوب الدورقي مالًا على هذا الحديث دليل على تفرده به؛ فقد تسارع طلاب الحديث إلى رواية هذا الحديث عنه غير مبالين بما ينفقونه من مال في سبيل سماعه منه؛ لأنه لا يوجد عند غيره.
وقد ذكر الخطيب ستةً من المشايخ سمع كلُّ واحد منهم هذا الحديث من يعقوب الدورقي بثلاثة دنانير
(1)
.
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة عثمان بن محمد بن الحجاج ومن طريقه عن محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي قال: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرقِّي وعبد الكريم بن أبي عُمير قالا: حدثنا الوليد بن مسلم قال: حدثنا الأوزاعي وعيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمامُ ضامنٌ، والمؤذِّنُ مؤتَمَنٌ، اللَّهُمَّ ارشد الأئمةَ، واغفر للمؤذِّنين»
(2)
.
ثم قال: «هذا الحديث محفوظ من رواية أبي عبد الله محمد بن موسى النَّهْرِتيري
(3)
، وكان النَّهْرِتيري قد عُرِف به وتفرد بروايته عن عبد الكريم بن
(1)
«تاريخ بغداد» (16/ 406).
(2)
أصل الحديث أخرجه أبوداود، كتاب الصلاة، باب ما يجب على المؤذن من تعاهد الوقت (517)، والترمذي، أبواب الصلاة، باب ما جاء أن الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن (207) من طريق أبي صالح عن أبي هريرة.
وينظر: «التلخيص الحبير» (1/ 369).
(3)
قال الخطيب: كان ثقة فاضلًا جليلًا، ذا قدر كبير، ومحل عظيم، مات ببغداد سنة تسع وثمانين ومائتين. «تاريخ بغداد» (4/ 395).
أبي عُمير وحده عن الوليد، ولا أشك أن محمد بن إبراهيم سرقه منه، فرواه عن عبد الكريم، وأضاف إليه عبد الرحمن بن يونس، والله أعلم»
(1)
.
ومحمد بن إبراهيم بن زياد الرازي ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» وذكر أقوال أهل العلم فيه، فمن ذلك:
قال أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ
(2)
وقال أبو أحمد الحافظ أيضًا: «لو أنه اقتصر على سماعه لكان له فيه مقنع، لكنه حدث عن شيوخ لم يدركهم» .
وقال الدارقطني: «محمد بن إبراهيم بن زياد متروك» . وفي موضع آخر: «ضعيف»
(3)
.
وقال أبو بكر البَرْقاني: «بئس الرجل»
(4)
.
قلت: وكلام أبي أحمد الحافظ يدل على سرقة الرازي للحديث.
وحديث النَّهْرِتيري الذي سرقه الرازي، رواه الخطيب في ترجمة النَّهْرِتيري
(1)
«تاريخ بغداد» (13/ 196).
(2)
هو الحافظ أبو أحمد الحاكم النيسابوري، صاحب «الأسماء والكنى» ، توفي سنة ثمان وسبعين وثلاثمائة. «تاريخ الإسلام» (8/ 460).
(3)
ينظر: «الضعفاء والمتروكين» (رقم 487).
(4)
«تاريخ بغداد» (2/ 297).
من «تاريخ بغداد» عن أبي نعيم الحافظ قال: حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني قال: حدثنا محمد بن موسى النَّهْرِتيري البغدادي قال: حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير الدِّهْقان قال: حدثنا الوليد بن مسلم قال: أخبرني أبو عمرو الأوزاعي وعيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الإمامُ ضامنٌ، والمؤذِّنُ مؤتَمَنٌ، اللَّهُمَّ ارشدِ الأئمةَ، واغفِرْ للمؤذِّنين» .
قال الخطيب: «وقد رواه محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي الرازي، عن عبد الكريم بن أبي عمير وعبد الرحمن بن يونس كليهما عن الوليد، ونرى أن الطيالسي سرقه من النَّهْرِتيري ولم يقنع أن يرويه عن عبد الكريم حتى أضاف إليه عبد الرحمن بن يونس
…
»
(1)
.
وحديث النَّهْرِتيري رواه الطبراني في «المعجم الأوسط»
(2)
، و «المعجم الصغير»
(3)
، وأبو الشيخ في «ذكر الأقران»
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (4/ 395).
(2)
«المعجم الأوسط» (5/ 264 رقم 5270).
(3)
«المعجم الصغير» (2/ 69 رقم 796).
(4)
«ذكر الأقران» (ص: 21 رقم 22).
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة أحمد بن الخليل التاجر، من طريق القاسم بن غانم بن حمويه بن الحسين بن معاذ قال: حدثني جدي حمويه بن الحسين بن معاذ قال: حدثني أحمد بن خليل البغدادي قال: حدثني يزيد بن هارون الواسطي، عن محمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«ما مِن زرعٍ على الأرضِ ولا ثِمارٍ على أشجارٍ إلَّا عليها مكتوبٌ بسم اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، هذا رزقُ فلان بن فلان، وذلك قولُ اللهِ تعالى في مُحْكَم كتابِه: {وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّة? فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْب? وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَاب? مُّبِين?} [الأنعام: 59]»
(1)
.
ثم روى عن محمد بن نُعيم الضَّبِّي أنه قال: سمعتُ القاسم بن غانم بن حمويه بن الحسين الطويل يحدِّث بهذا الحديث، عن جده حمويه، ثم قال: سمعتُ جدي حمويه بن الحسين القَصَّار يقول: «كان أبو علي أحمد بن خليل البزاز البغدادي يستعين بي في قِصارة
(2)
ما يُجهِّزه إلى بغداد، فخصَّني بهذا الحديث، ولم يحدِّث به غيري».
قال ابن نُعيم: «هذا حديث تفرَّد به حمويه بن الحسين، عن أحمد بن الخليل، وهو غير مقبول منه؛ فإن أحمد بن الخليل ثقة مأمون» .
(1)
«تاريخ بغداد» (5/ 213). ورواه الواحدي في «التفسير الوسيط» (2/ 281) من طريق القاسم بن غانم به، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 146 رقم 230) من طريق الخطيب به.
(2)
القِصارة: صناعة الثياب. ينظر: «تاج العروس» (ق ص ر).
ثم قال الخطيب: «وقد رواه أبو علي محمد بن علي بن عمر المذكِّر النيسابوري، عن أحمد بن الخليل
(1)
، وكان هذا المذكِّر كذابًا معروفًا بسرقة الأحاديث، ونراه سرقه من حمويه، والله أعلم»
(2)
.
وحمويه ترجم له الذهبي في «ميزان الاعتدال» ، وقال:«لا يوثَق به، وخبره باطل» ، ثم ساق له هذا الخبر
(3)
، وأقرَّه الحافظ في «لسان الميزان»
(4)
.
وقال المِزِّي في أثناء ترجمة أحمد بن الخليل التاجر من «تهذيب الكمال» : «حمويه أحد الضعفاء»
(5)
.
أما محمد بن علي بن عمر المذكِّر، فقد قال الخليلي:«اتفق أهل نيسابور أنه ضعيف، ولم يدرك الشيوخ الذين روى عنهم، والحاكم أبو عبد الله إذا روى عنه يقول: حدثنا محمد بن علي بن عمر المذكِّر، إن حَلَّت الرواية عنه»
(6)
.
وترجم له الذهبي في «ميزان الاعتدال» ونقل عن الحاكم أنه قال: «سمع من أحمد بن الأزهر، ومحمد بن يزيد، وإسحاق بن عبد الله بن رزين، فلو اقتصر على هؤلاء لصار محدِّث عصره، لكنه حدَّث عن شيوخ أبيه: محمد بن
(1)
لم أجد رواية المذكر فيما لدي من المصادر، والله أعلم.
(2)
«تاريخ بغداد» (5/ 214).
(3)
«ميزان الاعتدال» (1/ 609 رقم 2318).
(4)
«لسان الميزان» (3/ 293 رقم 2792).
(5)
«تهذيب الكمال» (1/ 304 رقم 32).
(6)
«الإرشاد في معرفة علماء الحديث» (3/ 839).
رافع وأقرانه، وأتى أيضًا عنهم بالمناكير، فالشَّرَه يحملنا على الرواية عن أمثاله
(1)
»
(2)
.
وكلام الحاكم والخليلي في أنه حدَّث عن شيوخ لم يدركهم يدل على سرقته للحديث، وقد صرح بذلك المِزِّي فقال في أثناء ترجمة أحمد بن الخليل التاجر من «تهذيب الكمال»:«المذكِّر أحد الضعفاء الكذَّابين المعروفين بسرقة الأحاديث»
(3)
.
- المثال الرابع:
روى الخطيب في ترجمة شيخه محمد بن الحسين بن إبراهيم الخفاف حديثًا عن عبد الله بن محمد الصائغ قال: حدثنا بشر بن موسى بن صالح قال: حدثنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، عن عبد الرحمن المسعودي، عن عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، عن جبريل، عن ميكائيل، عن إسرافيل، عن الرفيع، عن اللوح المحفوظ، عن الله تعالى:«أنَّه أظهرَ في اللَّوحِ أنْ يُخبرَ الرفيعَ، وأنْ يُخبرَ الرفيعُ إسرافيلَ، وأنْ يُخبرَ إسرافيلُ ميكائيلَ، وأنْ يُخبرَ ميكائيلُ جبريلَ، وأنْ يُخبرَ جبريلُ محمَّدًا، صلى الله عليه وسلم وعليهم، أنه مَن صلَّى عليك في اليوم والليلة مائةَ مرة صلَّيتُ عليه ألفي صلاة، ويقضي له حاجةً أيسرُها أن يعتقَه من النارِ» .
ثم قال: «هذا الحديث باطل بهذا الإسناد، والرجال المذكورون في إسناده
(1)
أي: حملته شهوة سماع الحديث ونهمة الطلب على الرواية عن مثل هذا الضعيف.
(2)
«ميزان الاعتدال» (3/ 651 رقم 7965).
(3)
«تهذيب الكمال» (1/ 304 رقم 32).
كلهم معروفون سوى الصائغ، ونرى أنَّ ابن الخفَّاف اختلق اسمه وركَّب الحديث عليه، ونسخة بشر بن موسى عن أبي عبد الرحمن المقرئ معروفة، وليس هذا فيها»
(1)
.
فقد حكم الخطيبُ بالبطلان على هذا الحديث، وذهب إلى أن الصائغ لا وجود له، وأنه اسم اختلقه ابن الخفَّاف، وركَّب الحديث عليه، واستدل على هذا بأن هذا الحديث ليس موجودًا في نسخة بشر بن موسى عن المقرئ.
وابن الخفَّاف هذا من شيوخ الخطيب الذين اختبرهم وسبر حديثهم، وتبيَّن له أنه كذَّاب وضَّاع، قال الخطيب في ترجمة ابن الخفَّاف هذا: «حدثنا عن جماعة كثيرة لا تُعرَف، ذَكَر أنه كتب عنهم في السفر، وكان غير ثقة، لا أشكُّ أنه كان يركِّب الأحاديث ويضعها على مَن يرويها عنه، ويختلق أسماء وأنسابًا عجيبة لقوم حدَّث عنهم، وعندي عنه من تلك الأباطيل أشياء، وكنتُ عرضتُ بعضَها على هبة الله بن الحسن الطبري
(2)
فخرَّق كتابي بها، وجعل يعجب مني كيف أسمع منه!»
(3)
.
ثم بيَّن الخطيبُ المصدرَ الذي سرق منه ابن الخفَّاف هذا الحديث فقال: «وقد رُوي عن المقرئ من طريق مظلم» ، فساقه من طريق أبي مسرَّة عزَّاز بن عبد الله بن عزَّاز البصري قال: حدثنا علي بن محمد بن الحسن الجنديسابوري قال: حدثنا القاسم بن دهثم قال: حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ قال: حدثنا
(1)
«تاريخ بغداد» (3/ 46).
(2)
هو الحافظ اللالكائي، توفي سنة ثماني عشرة وأربعمائة. «تاريخ بغداد» (16/ 108).
(3)
«تاريخ بغداد» (3/ 45).
المسعودي، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما تقدم أو نحوه.
(1)
.
فبيَّن الخطيبُ أن ابن الخفَّاف سرقه من عزَّاز، فرواه عن عبد الله بن محمد بن الصائغ عن بشر بن موسى عن المقرئ به، والصائغ لا وجود له، اختلق الخفافُ اسمَه
(2)
.
إلا أنَّ الذهبي ترجم في «ميزان الاعتدال» لعبد الله بن محمد الصائغ، وقال:«أحد الكذَّابين، مذكور في تاريخ الخطيب» ، وساق له هذا الحديث ثم قال:«موضوع المتن والإسناد»
(3)
.
والصائغ لا ناقة له ولا جمل في هذا الحديث، بل هو اسم لا وجود له، كما قرر الخطيب، والله أعلم.
- المثال الخامس:
روى الخطيب في ترجمة أبي سعيد الحسن بن علي بن زكريا العدوي ومن طريقه، عن كامل بن طلحة قال: حدثنا ابن لهيعة قال: حدثنا سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ في السماءِ الدُّنيا
ثمانين
(1)
«تاريخ بغداد» (3/ 46).
(2)
ينظر: ترجمة عزاز من «لسان الميزان» (5/ 431 رقم 5199).
(3)
«ميزان الاعتدال» (2/ 497 رقم 4573).
ألفَ مَلَكٍ يستغفرون اللهَ لمن أحبَّ أبا بكرٍ وعمرَ، وفي السماءِ الثانيةِ ثمانون ألفَ مَلَكٍ يلعنون مَن أبغضَ أبا بكرٍ وعمرَ»
(1)
.
ثم قال: «وهذا الحديث وضعه العدوي على كامل بن طلحة، وإنما يرويه عبد الرزاق بن منصور البندار
(2)
، عن أبي عبد الله الزاهد السمرقندي، عن ابن لهيعة، وأبو عبد الله الزاهد مجهول، فألزقه العدوي على كامل، وكامل ثقة، والحديث ليس بمحفوظ عن ابن لهيعة»، ثم ساق حديث عبد الرزاق بن منصور بإسناده
(3)
.
والعدوي هذا كذَّاب، يسرق الحديث، وقد نقل الخطيب في ترجمته له عن ابن عدي أنه قال:«أبو سعيد الحسن بن علي العدوي يضع الحديث، ويسرق الحديث ويلزقه على قوم آخرين، ويحدث عن قوم لا يُعرفون، وهو متَّهم فيهم، إن الله لم يخلقهم، وعامة ما حدَّث به إلا القليل موضوعات، وكنا نتَّهمه، بل نتيقَّنه أنه هو الذي وضعها» اهـ
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (8/ 381). ورواه القطيعي في زياداته على «فضائل الصحابة» (1/ 436 رقم 693)، وابن عدي في «الكامل» (3/ 199)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 72 رقم 605)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (30/ 148) من طريق العدوي به، ورواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 73 رقم 605) من طريق الخطيب به.
(2)
ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» (12/ 380)، وقال:«كان ثقة» .
(3)
رواه ابن الأعرابي في «معجمه» (3/ 976 رقم 2077)، وابن شاهين في «شرح مذاهب أهل السنة» (ص: 238 رقم 154)، وأبو نعيم في «فضائل الخلفاء الراشدين» (ص: 100 رقم 102)، وفي «تاريخ أصبهان» (2/ 101)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 73 رقم 606) من طريق عبد الرزاق بن منصور به.
(4)
«تاريخ بغداد» (8/ 379)، وينظر ترجمة العدوي من «الكامل» لابن عدي (3/ 195 رقم 474).
وقد عقد ابن عدي في ترجمة العدوي بابًا في ذكر ما سرقه العدوي من الحديث وألزقه على قوم آخرين
(1)
.
وذكر الخطيب عن الدارقطني أنه قال فيه: «متروك» .
وعن أبي محمد الحسن بن علي البصري أنه قال: «الحسن بن علي بن زكريا أبو سعيد العدوي أصله بصري سكن بغداد، كذَّاب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول على النبي ما لم يقُل»
(2)
.
فقد سرق العدوي هذا الحديث من عبد الرزاق بن منصور، وأسقط شيخه الزاهد المجهول، وألزقه بكامل بن طلحة، ولم يحدِّث به كامل قط، بل ولا ابن لهيعة.
ويبدو أن الخطيب قد استفاد نقد هذا الحديث من ابن عدي حيث قال: «وهذا حديث يرويه عبد الرزاق بن محمد بن منصور، عن أبي عبد الله الزاهد السمرقندي، عن ابن لهيعة، حدثناه عبد الملك بن محمد وغيره عن عبد الرزاق هذا، وألزقه العدوي على كامل، وليس الحديث عند كامل، ولا هو محفوظ عن ابن لهيعة؛ لأن أبا عبد الله الزاهد مجهول»
(3)
.
ثم قال الخطيب: «وقد صنع العدوي لهذا الحديث إسنادًا آخر» ، ثم ساقه
من طريق عمر بن إبراهيم بن كثير قال: حدثنا أبو سعيد العدوي قال: حدثنا
(1)
«الكامل» (3/ 198 رقم 474).
(2)
«تاريخ بغداد» (8/ 379).
(3)
«الكامل» (3/ 200 رقم 474).
طالوت بن عباد الجحدري قال: حدثنا الربيع بن مسلم القرشي، عن محمد بن زياد، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه.
(1)
.
وإنما كانت جرأته في وضع هذا الحديث أعظم؛ لأنه ركَّب إسنادًا صحيحًا على متن موضوع، فقد يخفى حاله على كثير من الناس، ويغترُّ بظاهر الإسناد ويظن أنه صحيح، أما في حديث ابن لهيعة، فابن لهيعة ضعيف، فقلَّما يخفى ضعفُ حديثه على أحد، والله أعلم.
يقول الذهبي: «وإن سرق فأتى بإسناد ضعيف لمتن لم يثبت سنده، فهو أخف جُرمًا ممن سرق حديثًا لم يصح متنه، وركَّب له إسنادًا صحيحًا، فإن هذا نوع من الوضع والافتراء» اهـ
(2)
.
هذا، وقد روى هذا الحديث الأخير أبو نعيم الأصبهاني في «فضائل الخلفاء الراشدين» عن محمد بن إسحاق الأهوازي قال: حدثنا محمد بن علي الصيرفي
(3)
قال: حدثنا طالوت بن عباد قال: حدثنا الربيع بن مسلم به
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (8/ 382).
(2)
«الموقظة» (ص: 60).
(3)
هو محمد بن علي بن الحسن بن القاسم أبي الطيب الصيرفي غلام طالوت، قال الدارقطني: ما علمت إلا خيرًا. «سؤالات حمزة للدارقطني» (ص: 115 رقم 81).
(4)
«فضائل الخلفاء الراشدين» (ص: 99 رقم 101).
ومحمد بن إسحاق الأهوازي لم أستطع تعيينه، وقد وجدت راويين في نفس الطبقة تقريبًا؛ أحدهما: محمد بن إسحاق بن دار الأهوازي، والآخر: محمد بن إسحاق بن إبراهيم الأهوازي، وكلاهما متروك، ولهما ترجمة في «ميزان الاعتدال»
(1)
، فيحتمل أن يكون الأهوازي قد سرقه من العدوي وألزقه على الصيرفي، والله أعلم
(2)
.
* * *
(1)
«ميزان الاعتدال» (3/ 478 رقم 7209، 7211).
(2)
وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (3/ 672، 673، 674).
الفصل الثالث
نقد الحديث بالطعن في ضبط الراوي
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: مفهوم الضبط وكيفية تحقُّقه في الراوي.
- المبحث الثاني: النقد باختلال الضبط عند الخطيب.
المبحث الأول
مفهوم الضبط وكيفية تحقُّقه في الراوي
الضبط في اللغة: هو الحفظ بالحزم، يقال: ضبط الشيء ضبطًا: حفظه حفظًا بليغًا، ومنه قيل: ضبطتُ البلاد وغيرها إذا قمتُ بأمرها قيامًا ليس فيه نقص. ويقال: ضبط الرجل الشيء يضبطه ضبطًا، إذا أخذه أخذًا شديدًا
(1)
.
وفي اصطلاح المحدِّثين: نوعان؛ ضبط صدر، وضبط كتاب.
أما ضبط الصدر: فهو أن يُثبِت ما سمعه بحيث يتمكَّن من استحضاره متى شاء.
وأما ضبط الكتاب: فهو صيانته لديه عن تطرُّق الخَلَل إليه من حين سمع فيه وصحَّحه إلى أن يؤدِّي منه
(2)
.
فتحقُّق الضبط في الراوي شرط رئيس في قبول حديثه، فلا يكفي أن يكون عدلًا في دينه، حتى يُضاف إلى ذلك حفظه وعلمه بما يحدِّث، وتثبُّته في الأخذ والرواية.
قال الخطيب: «وإذا سَلِم الراوي مِن وضع الحديث وادِّعاء السماع ممَّن لم يلقه، وجانب الأفعال التي تُسقَط بها العدالة، غير أنه لم يكن له كتاب بما سمعه فحدَّث من حفظه، لم يصحَّ الاحتجاج بحديثه حتى يشهد له أهلُ
(1)
«المصباح المنير» ، و «لسان العرب» ، و «تاج العروس» ثلاثتها في مادة (ض ب ط).
(2)
«نزهة النظر» (ص: 58)، و «فتح المغيث» (1/ 28).
العلم
بالأثر والعارفون به أنه ممَّن قد طلب الحديث وعاناه وضبطه وحفظه»
(1)
.
وبيَّن رحمه الله أنَّ الضبط شرطٌ سواءٌ أكان عند التحمُّل أم عند الأداء، فقال عند ذكره للشروط الواجب توافرها في الراوي حتى تُقبل روايتُه:«يجب أن يكون المتحمِّل وقت تحمُّله عالمًا بما يسمعه، واعيًا ضابطًا له، حتى تصح منه معرفته بعينه عند التذكُّر له، كما عرفه وقت التحمُّل له، فيؤديه كما سمعه بلفظه إن كان ممن يروي الحديث بلفظه، وإن كان ممن يرويه على المعنى فحاجته إلى مراعاة الألفاظ والنظر في معانيها أشد من حاجة الراوي على اللفظ دون المعنى»
(2)
.
- هذا إذا حدَّث من حفظه، أما إذا حدَّث من كتابه، فوجب عليه أن يكون صائنًا لكتابه محافظًا عليه من أيِّ تغيير أو تبديل أو تحريف أو زيادة أو نقصان.
قال الخطيب: «ومَن سمع الحديث وكتبه، وأتقن كتابته، ثم حفظ من كتابه، فلا بأس بروايته»
(3)
.
وأوضح رحمه الله أن الذين يُرجع إليهم في معرفة ضبط الراوي مِن عدمه هم النُّقَّاد من أصحاب الحديث، فقال رحمه الله: «ما يُعرف به صفة المحدِّث العدل الذي يلزم قبول خبره على ضربين؛ فضرب منه يشترك في معرفته الخاصة
والعامة، وهو الصحة في بيعه وشرائه، وأمانته، ورد الودائع، وإقامة الفرائض، وتجنب المآثم، فهذا ونحوه يشترك الناس في علمه.
والضرب الآخر: هو العلم بما يجب كونه عليه من الضبط والتيقُّظ، والمعرفة بأداء الحديث وشرائطه، والتحرُّز من أن يَدخل عليه ما لم يسمعه، ووجوه التحرُّز في الرواية، ونحو ذلك مما لا يعرفه إلَّا أهل العلم بهذا الشأن، فلا يجوز الرجوع فيه إلى قول العامة، بل التعويل فيه على مذاهب النُّقَّاد للرجال، فمَن عدَّلوه وذكروا أنه يُعتمَد على ما يرويه جاز حديثه، ومَن قالوا فيه خلاف ذلك وجب التوقُّف عنه»
(1)
.
وسيأتي في آخر الرسالة بيان كيفية معرفة الخطيب بضبط الراوي
(2)
.
* * *
(1)
«الكفاية» (ص: 92).
(2)
ينظر: (ص: 431 وما بعدها).
المبحث الثاني
النقد باختلال الضبط عند الخطيب
الضبط شرط في قبول خبر الراوي، فإذا لم يتحقَّق هذا الشرط في الراوي كان خبره مردودًا.
نقل الخطيب في «الكفاية» عن القاضي أبي بكر محمد بن الطيب هو الباقلاني، أنه قال:«من عُرف بكثرة السهو والغفلة وقلَّة الضبط رُدَّ حديثه، ويُردُّ خبر مَن عُرِف بالتساهل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(1)
.
وقد عقد الخطيب عدة أبواب في «الكفاية» قرَّر فيها أهمية التحقق من شرط الضبط في الراوي، ووجوب رَدِّ رواية من اختلَّ عنده هذا الشرط، ومن هذه الأبواب:
- باب ترك الاحتجاج بمن كَثُر غلطُه، وكان الوهم غالبًا على روايته.
- باب رَدِّ حديث أهل الغفلة.
- باب رَدِّ حديث مَن عُرِف بقبول التلقين.
- باب ترك الاحتجاج بمن عُرِف بالتساهل في سماع الحديث.
- باب ترك الاحتجاج بمن عُرِف بالتساهل في رواية الحديث.
(1)
«الكفاية» (ص: 152).
- باب ترك الاحتجاج بمن لم يكن من أهل الضبط والدراية، وإن عُرِف بالصلاح والعبادة
(1)
.
وهذه بعض الأمثلة التي تُبيِّن نقد الخطيب للأحاديث بالطعن في ضبط بعض رواتها:
- المثال الأول:
أورد الخطيب في ترجمة أبي سعد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن سَوْرة أن القاضي أبا القاسم التَّنُوخي ذكر له أن أبا سعد بن سَوْرة حدَّثه من حفظه قال: حدثنا أبو عمرو إسماعيل بن نجيد قال: حدثنا أبو عبد الله البوشنجي محمد بن إبراهيم قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، عن سليمان التيمي، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن كَذَبَ عليَّ متعمِّدًا، فليتبوَّأْ مقعدَه من النارِ»
(2)
.
(3)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 143 - 158)، وينظر:«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 138).
(2)
أصل الحديث في «صحيح البخاري» كتاب العلم، باب إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم (108)، و «صحيح مسلم» المقدمة، باب في التحذير من الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم (2) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس به.
(3)
«تاريخ بغداد» (11/ 606). ولم أجده من حديث ابن نجيد عند غير الخطيب، والله أعلم.
وأبو سعد بن سَوْرة لم يذكر الخطيب في ترجمته جرحًا ولا تعديلًا، ولكن ترجم له السُّبكي في «طبقات الشافعية» ، وذكر عن عبد الغافر أنه قال فيه:«أحد العلماء الثقات الأثبات»
(1)
.
وهذا الحديث قد ذهب الخطيب إلى أن أبا سعد -مع ثقته- قد وهم فيه؛ لأنه حدَّث به من حفظه كما قال التَّنُوخي، فرواه عن ابن نجيد عن أبي عبد الله البوشنجي عن الأنصاري، والبوشنجي لم يروِ عن الأنصاري شيئًا ولا أدركه، فقد توفي الأنصاري سنة (215 هـ)
(2)
، ووُلد البوشنجي سنة (204 هـ)
(3)
.
والصواب فيه أنه عن ابن نجيد، عن أبي مسلم الكجي، عن الأنصاري، فأخطأ أبو سعد فقال:«عن أبي عبد الله البوشنجي» بدل: «عن أبي مسلم الكجي» .
والحديث مشهور عن أبي مسلم الكجي عن الأنصاري؛ رواه الطبراني
(4)
، وأبو نعيم
(5)
، وابن عساكر
(6)
، وهو في «حديث محمد بن عبد الله الأنصاري»
(7)
من رواية أبي مسلم الكجي عن الأنصاري، والله أعلم.
(1)
«طبقات الشافعية الكبرى» (5/ 117).
(2)
ينظر: «تقريب التهذيب» (ص: 490 رقم 6046).
(3)
ينظر: «تاريخ الإسلام» (6/ 1006)، و «تقريب التهذيب» (ص: 465 رقم 5693).
(4)
«طرق حديث من كذب علي متعمدًا» (ص: 105 رقم 103).
(5)
«حلية الأولياء» (3/ 33).
(6)
«معجم ابن عساكر» (2/ 605 رقم 745).
(7)
«حديث محمد بن عبد الله الأنصاري» (ص: 28 رقم 2).
- المثال الثاني:
قال الخطيب في ترجمة هارون بن أحمد القطان: حدثني الحسن بن علي بن محمد بن المُذْهِب الواعظ من أصل كتابه العتيق قال: حدثني أبو القاسم هارون بن أحمد العلاف المعروف بالقطان إملاء من حفظه في سنة أربع وسبعين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن إسماعيل الأَدَمي المقرئ سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة قال: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أنس بن مالك، عن عائشة قالت: كانت ليلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلمَّا ضمَّني وإيَّاه الفِراشُ قلتُ: يا رسول الله، ألستُ أكرمَ أزواجِكَ عليك؟ قال:«بلى يا عائشة» . قلتُ: فحدِّثني عن أبي بفضيلة، قال: «حدَّثني جبريلُ أنَّ اللهَ تعالى لمَّا خلقَ الأرواحَ، اختار رُوحَ أبي بكر الصِّدِّيق من بين الأرواح، وجعلَ تُرابها من الجنة، وماءَها من الحَيَوان، وجعل له قصرًا في الجنة من دُرَّةٍ بيضاءَ، مَقاصيرها
(1)
فيها من الذهب والفضة البيضاء، وأنَّ اللهَ تعالى آلى على نفسه ألَّا يَسْلُبَه حسنةً، ولا يسألَه عن سيئة، وإنِّي ضَمِنتُ على الله كما ضمن اللهُ على نفسه ألَّا يكون لي ضجيعًا في حُفرتي، ولا أنيسًا في وحدتي، ولا خليفةً على أُمَّتي من بعدي إلا أبوكِ يا عائشة، بايعَ على ذلك جبريلُ، وميكائيلُ، وعُقِدَت خلافتُه برايةٍ بيضاءَ، وعُقِدَ لواؤه تحت العرش، قال الله للملائكة: رَضِيتُم ما رضيتُ لعبدي؟ فكفى بأبيكِ فخرًا أنْ بايعَ له جبريلُ وميكائيلُ وملائكةُ السماء، وطائفةٌ من الشياطين يسكنون البحرَ، فمن لم يقبل هذا فليس مني
ولستُ
(1)
مقاصير: جمع مقصورة، وهي الحجرة. «المصباح المنير» (ق ص ر).
منه». قالت عائشة: فقبَّلتُ أنفَه وما بين عينيه، فقال:«حَسْبُكِ يا عائشةُ، فمَن لستِ بأُمِّه فواللهِ ما أنا بنبيِّه، فمن أراد أنْ يتبرَّأ من الله ومني فليتبرَّأ منكِ يا عائشةُ» .
(1)
.
فهذا الحديث في متنه نكارة شديدة، غيرُ بعيد عن الوضع، ورواته كلهم ثقات، ولذلك فقد التمس له الخطيب علةً يطعن بها فيه، فوجد أنه من رواية هارون القطان وهو ثقة؛ حيث روى عنه ابن المُذْهِب عن البغوي أحاديث مستقيمة كما يقول الخطيب، إلا أنه لم يكن ضابطًا للحديث كما ينبغي.
فقد سأل الخطيبُ ابن المُذْهِب عنه، فقال:«لم يكن ممن يُظَنُّ به الكذب، ولا تلحقه التُّهمة؛ لأنه لم يكن ممن يتصدَّى للحديث ولا يُحسنه، وكان من أهل القرآن والخير»
(2)
.
ولذلك ذهب الخطيب إلى أنه ربما يكون بعض الكذَّابين قد أدخل هذا الحديث عليه، فاشتبه عليه، وظن أنه من حديثه فحدَّث به.
(1)
«تاريخ بغداد» (16/ 54). وهذا الحديث رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 49 رقم 576)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (30/ 164) كلاهما من طريق الخطيب به.
(2)
«تاريخ بغداد» (16/ 55).
وقريب منه قول ابن الجوزي: «هذا قد أُدخِل عليه لغفلته، وكثيرٌ من أهل الدين تغلب عليهم الغفلة»
(1)
.
وقول الذهبي في ترجمته من «ميزان الاعتدال» : «روى حديثًا باطلًا كأنه المسكين أُدخِل عليه ولا يشعر»
(2)
.
وهذا مثال جيِّد للقاعدة التي ذكرها المُعَلِّمي في مقدمة تحقيقه لكتاب «الفوائد المجموعة» قال رحمه الله: «إذا استنكر الأئمة المحقِّقون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنهم يتطلَّبون له علة، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقًا حيث وقعت أعلُّوه بعلة ليست بقادحة مطلقًا، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر» .
ثم ذكر أمثلة على ذلك منها قال: «فمن ذلك إعلالهم بظن أن الحديث أُدخِل على الشيخ
…
وحجتهم في هذا أن عدم القدح بتلك العلة مطلقًا إنما بُني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرًا يغلب على ظن الناقد بطلانه فقد تحقَّق وجود الخلل، وإذا لم يوجد سبب له إلا تلك العلة، فالظاهر أنها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها.
وبهذا يتبين أن ما يقع ممن دونهم من التعقُّب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صحَّحوا ما لا يُحصى من الأحاديث مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يُثبت المتعقِّب أن الخبر غير منكر»
(3)
.
(1)
«الموضوعات» (2/ 50 رقم 576).
(2)
«ميزان الاعتدال» (4/ 282 رقم 9149).
(3)
مقدمة تحقيق «الفوائد المجموعة» للشوكاني (ص: 8).
وكأن الخطيب قد أدرك أنه ربما اعترض عليه بعض الناس بأن هارون لم ينفرد بهذا الحديث، وأنه قد رواه محمد بن بابشاذ البصري، عن سلمة بن شبيب، عن عبد الرزاق، فنبَّه على أنه قد اطلع على هذه الرواية، ولكنها مما لا يُفرح بها؛ لأن ابن بابشاذ يروي المناكير عن الثقات.
وقد ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» وقال: «في حديثه غرائب ومناكير»
(1)
.
وترجم له الذهبي في «ميزان الاعتدال» وقال: «وثَّقه الدارقطني، ولكنه أتى بطامة لا تطيب» .
ثم ساق له هذا الحديث من رواية الحافظ أبي الحسن محمد بن علي الجرجاني في «تاريخ جرجان» بإسناده إلى محمد بن بابشاذ قال: أخبرنا سلمة بن شبيب، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن أنس، عن عائشة بمعناه.
ثم قال الذهبي: «فهذا لا يحتمله سلمة، والظاهر أنه دُسَّ على ابن بابشاذ هذا، فروى حديثًا موضوعًا راج عليه ولم يهتد»
(2)
.
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة عبد الجبار بن أحمد بن عبيد الله السمسار ومن طريقه عن علي بن المثنى الطُّهَوي قال: حدثنا زيد بن الحُباب قال: حدثنا عبد الله بن لهيعة قال: حدثنا جعفر بن ربيعة، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما في القيامة راكبٌ غيرنا نحن أربعة» . فقام
إليه
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 464).
(2)
«ميزان الاعتدال» (3/ 488 رقم 7263).
عمُّه العباس بن عبد المطلب، فقال: ومن هم يا رسول الله؟ فقال: «أمَّا أنا فعلى البُراق، وجهُها كوجه الإنسان، وخدُّها كخدِّ الفرس، وعُرْفها
(1)
من لؤلؤ ممشوط، وأذناها زبرجدتان خَضراوان، وعيناها مثل كوكب الزهرة، توقدان مثل النجمين المضيئين، لها شعاعٌ مثل شُعاع الشمس، بَلقاءُ مُحَجَّلة، تضيء مرة، وتنمي أخرى، يتحدَّر من نحرها مثل الجُمَان
(2)
، مضطربة في الخلق أذنها، ذَنَبها مثل ذنب البقرة، طويلة اليدين والرجلين، أظلافها كأظلاف البقر من زبرجد أخضر، تجدُّ في مسيرها، ممرُّها كالريح، وهي مثل السحابة، لها نَفَس كنَفَس الآدميين، تسمع الكلام وتفهمه، وهي فوق الحمار ودون البغل». قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: «وأخي صالح على ناقة الله وسُقياها التي عقرها قومُه» . قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: «وعمِّي حمزةُ بن عبد المطَّلب أسدُ الله وأسد رسوله سيِّد الشهداء على ناقتي» . قال العباس: ومن يا رسول الله؟ قال: «وأخي علي على ناقة من نُوق الجنة، زمامُها من لؤلؤ رطب، عليها محمل من ياقوت أحمر، قُضبانها من الدُّر الأبيض، على رأسه تاجٌ من نور، لذلك التاج سبعون ركنًا، ما من ركن إلا وفيه ياقوتة حمراء تُضيء للراكب المُحِثِّ، عليه حُلَّتان خضراوان، وبيده لواء الحمد، وهو ينادي: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، فيقول الخلائق: ما هذا إلا نبيٌّ مرسل، أو مَلَك مقرَّب، فينادي منادٍ من بطنان العرش: ليس هذا مَلَكًا مقرَّبًا، ولا نبيًّا مرسَلًا، ولا حامل عرش، هذا علي بن أبي طالب وَصِيُّ رسول رب العالمين، وإمام المتقين، وقائد الغُرِّ المُحَجَّلين» .
(1)
العُرْف: شعر عنق الفرس. «تاج العروس» (ع ر ف).
(2)
الجُمان، كغراب: اللؤلؤ. «تاج العروس» (ج م ن).
ثم قال الخطيب: «لم أكتبه إلا بهذا الإسناد، وابن لهيعة ذاهب الحديث»
(1)
.
فقد أعلَّه الخطيب بابن لهيعة، وتابعه ابن الجوزي على ذلك فقال:«هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فابن لهيعة ذاهب الحديث، كان يحيى بن سعيد لا يراه شيئًا، وضعَّفه يحيى بن معين، وكان يدلِّس عن ضعفاء»
(2)
.
ولم يوافق الذهبي ولا ابن حجر على إعلاله بابن لهيعة.
أما الذهبي فإنه قال في «تلخيص الموضوعات» : «خبر ركيك مكذوب، وما تعلَّق فيه ابن الجوزي بغير ابن لهيعة، وأنا أحسبه وُضِع بعد ابن الحُباب»
(3)
.
وكأنه يرى أن عبد الجبار السمسار هو المتهم به، فقد ترجم له في «ميزان الاعتدال» ، وقال:«روى عن علي بن المثنى الطُّهَوي، فأتى بخبر موضوع في فضائل علي، رواه عنه ابن المظفر الحافظ»
(4)
.
وأما ابن حجر فقد اعترض على إعلال الخطيب للحديث بابن لهيعة، فقال في ترجمة عبد الجبار السمسار من «لسان الميزان»: «قلت: إن ابن لهيعة -مع ضعفه- لبريء من عهدة هذا الخبر، ولو حلفتُ لحلفتُ بين الركن والمقام أنه
لم يروه قط»
(5)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (12/ 412). وهذا الحديث أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 178 رقم 737)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (42/ 326) كلاهما من طريق الخطيب به.
(2)
«الموضوعات» (2/ 181 رقم 737).
(3)
«تلخيص الموضوعات» (ص: 132).
(4)
«ميزان الاعتدال» (2/ 533 رقم 4738).
(5)
«لسان الميزان» (5/ 56 رقم 4542).
أقول: وعبد الجبار السمسار لم يذكر الخطيب في ترجمته له جرحًا ولا تعديلًا، ولم يورد له إلا هذا الحديث الموضوع، وكذلك فعل الذهبي في «الميزان» ، وابن حجر في «اللسان» .
ووجه اعتراض الذهبي وابن حجر على إعلاله بابن لهيعة، أن ابن لهيعة مع ضعفه وتخليطه لا يحتمل أن يروي مثل هذا الخبر الركيك البيِّن الوضع، ويظهر من كلام ابن حجر أنه فهم أن الخطيب يتهم ابن لهيعة بالوضع.
إلا أن إعلال الخطيب به له وجه صحيح، وهو أن ابن لهيعة ليس بوضَّاع ولا كذَّاب، ولكن بعض الكذَّابين قد أدخله عليه، أو لقَّنه إياه، فظن أنه من حديثه فحدَّث به.
يدل على ذلك ما ذكره ابن حجر نفسُه في ترجمة ابن لهيعة من «تهذيب التهذيب» عن يحيى بن حسان أنه قال: «رأيتُ مع قوم جزءًا سمعوه من ابن لهيعة، فنظرتُ فإذا ليس هو من حديثه، فجئتُ إليه، فقال: ما أصنع يجيئوني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك. فأُحدِّثهم» .
ونقل عن ابن قتيبة أنه قال: «كان يُقرأ عليه ما ليس من حديثه» .
وحكى عن أحمد بن صالح أنه قال: «كان ابن لهيعة من الثقات، إلا أنه إذا لُقِّن شيئًا حدَّث به» .
وعن ابن خِراش قال: «كان يَكتب حديثه، فأُحرقت كتبه، فكان مَن جاء بشيء قرأه عليه، حتى لو وضع أحدٌ حديثًا وجاء به إليه قرأه عليه»
(1)
.
وقال ابن حبان في ترجمة ابن لهيعة من «المجروحين» : «قد سبرتُ أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدِّمين والمتأخِّرين عنه، فرأيتُ التخليط في رواية
(1)
«تهذيب التهذيب» (5/ 378).
المتأخرين عنه موجودًا، وما لا أصل له من رواية المتقدِّمين كثيرًا، فرجعتُ إلى الاعتبار، فرأيتُه كان يدلِّس عن أقوام ضعفى عن أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات، فالتزقت تلك الموضوعات به»
(1)
.
وقد روى الخطيب في «الكفاية» قولَ يحيى بن حسان السابق الذكر ثم عقَّبه بقوله: «قلتُ: وكان عبد الله بن لهيعة سيئ الحفظ واحترقت كتبُه، وكان يتساهل في الأخذ، وأي كتاب جاءوه به حدَّث منه، فمن هناك كثرت المناكير في حديثه»
(2)
.
فليس ببعيد أن يكون هذا الحديث الموضوع قد أدخله بعضُ الهلكى عليه، لا سيما وقد قال ابن حجر في ترجمة ابن لهيعة من «تهذيب التهذيب»: «ومن أشنع ما رواه ابن لهيعة ما أخرجه الحاكم في المستدرك
(3)
من طريقه عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذات الجَنْب.
وهذا مما يُقطع ببطلانه؛ لما ثبت في الصحيح
(4)
أنه قال لمَّا لدُّوه: «لِمَ فعلتُم
هذا؟» قالوا: خشينا أن يكون بك ذات الجَنْب؟ فقال: «ما كان اللهُ ليُسلِّطها عليَّ»
(5)
.
(1)
«المجروحين» (2/ 12).
(2)
«الكفاية» (ص: 152).
(3)
«المستدرك» كتاب الطب (4/ 449 رقم 8236)، وقال الذهبي في «التلخيص»:«لم يصح» .
(4)
لم أجده في أيٍّ من «الصحيحين» ، ولعله يريد في الحديث الصحيح، أو أن الحديث أصله في «صحيح البخاري» ، كما سيأتي بيانه تعليقًا.
(5)
أخرجه أحمد في «المسند» (41/ 364 رقم 24870)، وأبو يعلى في «المسند» (8/ 353 رقم 4936)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (5/ 193 رقم 1934)، والحاكم في «المستدرك» ، كتاب الطب (4/ 225 رقم 7447) وغيرهم من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة.
ورجاله ثقات مشهورون، غير عبد الرحمن بن أبي الزناد، فهو صدوق تغيَّر حفظه لما قدم بغداد وكان فقيهًا. «تقريب التهذيب» (ص: 340 رقم 3861). لكن قال يحيى بن معين: أثبت الناس في هشام بن عروة عبد الرحمن بن أبي الزناد. كما في «تهذيب الكمال» (17/ 98).
وأصل الحديث في «صحيح البخاري» كتاب المغازي، باب مرض النبي صلى الله عليه وسلم ووفاته (6/ 14 رقم 4458) باختصار دون موضع الشاهد، وعلَّقه البخاري بعده بصيغة الجزم فقال:«رواه ابن أبي الزناد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم» ولم يذكر متنه.
وللحديث إسناد آخر عند أحمد أيضًا (43/ 366 رقم 26346) من طريق محمد بن إسحاق قال: حدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عروة بن الزبير، أن عائشة حدثته أنه قال حين قالوا: خشينا أن تكون به ذات الجنب: «إنها من الشيطان ولم يكن الله ليسلطه علي» .
وإسناده حسن؛ محمد بن جعفر بن الزبير بن العوام: ثقة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 471 رقم 5782).
ومحمد بن إسحاق: إمام المغازي صدوق يدلس ورُمي بالتشيع والقدر. «تقريب التهذيب» (ص: 467 رقم 5725).
ولكنه قد صرح بالتحديث في هذا الإسناد فانتفت شبهة تدليسه.
فالحديث صحيح بمجموع هذين الطريقين، ولذلك قال الحاكم:«هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه» .
وإسناد الحاكم إلى ابن لهيعة صحيح، والآفة فيه من ابن لهيعة، فكأنه دخل
عليه حديث في حديث» اهـ
(1)
.
فإعلال الخطيب لحديثنا هذا هو مثل إعلال ابن حجر لحديث ابن لهيعة في ذات الجَنْب، والله أعلم
(2)
.
(1)
«تهذيب التهذيب» (5/ 379).
(2)
وينظر: مثال آخر للنقد باختلال الضبط في: «تاريخ بغداد» (4/ 571).
الباب الثاني
نقد الأحاديث بما يخل باتصال أسانيدها
وفيه فصلان:
- الفصل الأول: الانقطاع والنقد به عند الخطيب.
- الفصل الثاني: التدليس والنقد به عند الخطيب.
الفصل الأول
الانقطاع والنقد به عند الخطيب
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: تعريف الانقطاع وصوره عند الخطيب.
- المبحث الثاني: النقد بانقطاع السند عند الخطيب.
المبحث الأول
تعريف الانقطاع وصوره عند الخطيب
للانقطاع صور شتى عرَّفها الخطيب، وبيَّن ما بينها من ترادف أو تداخل، فمن صوره: الحديث المنقطع، الحديث المرسل، الحديث المعضل، الحديث المدلَّس.
وسوف أبيِّن تعريف الخطيب لهذه الأنواع، ما عدا الحديث المدلَّس، فسوف أُفرِد له فصلًا فيما يأتي إن شاء الله تعالى.
وقد ذكر الخطيب هذه الأنواع في مقدمة «الكفاية» ، وقدَّمها بتعريف الحديث المسند، ومعنى الاتصال، فقال: «وصفُهم -أي: أصحاب الحديث- للحديث بأنه مسند، يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أُسند عن النبي صلى الله عليه وسلم خاصة.
واتصال الإسناد فيه: أن يكون كل واحد من رواته سمعه ممن فوقه، حتى ينتهي ذلك إلى آخره، وإن لم يبيِّن فيه السماع، بل اقتصر على العنعنة».
ثم عرَّف الحديث المرسل بقوله: «هو ما انقطع إسناده، بأن يكون في رواته مَن لم يسمعه ممن فوقه» .
ثم قال: «إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم» .
ثم عرَّف الحديث المعضَل فقال: «وأما ما رواه تابع التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيسمونه المعضَل، وهو أخفض مرتبة من المرسل» .
ثم عرَّف الحديث المنقطع بقوله: «المنقطع مثل المرسل، إلا أن هذه العبارة تُستعمل غالبًا في رواية من دون التابعين عن الصحابة، مثل أن يروي مالك بن أنس عن عبد الله بن عمر، أو سفيان الثوري عن جابر بن عبد الله، أو شعبة بن الحجاج عن أنس بن مالك، وما أشبه ذلك.
وقال بعض أهل العلم بالحديث: المنقطع ما روي عن التابعي ومن دونه موقوفًا عليه من قوله أو فعله» اهـ
(1)
.
يتبين من خلال هذه التعريفات ما يلي:
1 -
المرسل عند الخطيب مثل المنقطع إلا أنه فرَّق بينهما من حيث الاستعمال.
فالمرسل أكثر ما يُستعمل في رواية التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والمنقطع يُستعمل غالبا في رواية من دون التابعين عن الصحابة.
إلا أن الخطيب قد أكثر من إطلاق المرسل على أي انقطاع في الإسناد، كما سيأتي كلامه في حكم الحديث المنقطع في المبحث الآتي.
2 -
التعريف الأخير الذي ذكره للمنقطع ونسبه لبعض أهل العلم بالحديث، وهو ما رُوي عن التابعي ومن دونه موقوفًا عليه من قوله أو
(1)
«الكفاية» (ص: 21).
فعله. هذا التعريف ليس له علاقة بالانقطاع في الإسناد موضوع البحث، وإنما هو من صفات المتن، وهو ما استقر عليه في الاصطلاح بأن يُسمى مقطوعًا، وهو ما رُوي عن التابعي أو من دونه موقوفًا عليه
(1)
.
وقد عبَّر عنه الخطيب بلفظ المقطوع؛ حيث قال في «الجامع لأخلاق الراوي» : «وأما المقاطيع فهي الموقوفات على التابعين، فيلزم كتبها والنظر فيها؛ ليُتَخَيَّر من أقوالهم ولا يُشَذَّ عن مذاهبهم»
(2)
.
والمقاطيع جمع المقطوع.
* * *
(1)
«فتح المغيث» للسخاوي (1/ 140)، وذكر أن البرديجي قال: المنقطع هو قول التابعي.
(2)
«الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 191).
المبحث الثاني
النقد بانقطاع السند عند الخطيب
بيَّن الخطيب أنَّ الحديث المنقطع بجميع أنواعه غير مقبول، فقد عقد فصلًا في «الكفاية» بعنوان:«معرفة الخبر المتصل الموجب للقبول والعمل» ذكر فيه عدة آثار كان أولها ما رواه بسنده عن محمد بن يحيى الذهلي أنه قال: «لا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث الموصل غير المنقطع، الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح»
(1)
.
إلا أنه أوضح أن في المسألة خلافًا ذكره، ثم رجَّح القول الذي عليه جمهور حُفَّاظ الحديث ونُقَّاده فقال: «وقد اختلف العلماء في وجوب العمل به، فقال بعضهم: إنه مقبول ويجب العمل به، إذا كان المرسِل ثقة عدلًا، وهذا قول مالك وأهل المدينة وأبي حنيفة وأهل العراق وغيرهم
(2)
.
وقال محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وغيرُه من أهل العلم: لا يجب العمل به. وعلى ذلك أكثر الأئمة من حفاظ الحديث ونُقَّاد الأثر
(3)
»
(4)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 20).
(2)
ينظر: «رسالة أبي داود إلى أهل مكة» (ص: 24)، و «الفصول في الأصول» لأبي بكر الجصاص الحنفي (3/ 145)، و «فتح المغيث» (1/ 175).
(3)
ينظر: «الرسالة» للشافعي (1/ 461) -وقد وضع شروطًا لقبول المرسل-، و «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 546 وما بعدها).
(4)
«الكفاية» (ص: 384) بتصرف يسير.
وقال أيضًا: «والذي نختاره من هذه الجملة سقوط فرض العمل بالمراسيل
(1)
، وأن المرسل غير مقبول»
(2)
.
ثم بيَّن أدلة اختياره هذا بقوله: «والذي يدل على ذلك: أن إرسال الحديث يؤدي إلى الجهل بعين راويه، ويستحيل العلم بعدالته مع الجهل بعينه، وقد بينَّا من قبل أنه لا يجوز قبول الخبر إلا ممن عُرِفت عدالتُه
(3)
، فوجب لذلك كونه غير مقبول.
وأيضًا فإن العدل لو سُئل عمَّن أرسل عنه، فلم يعدِّله، لم يجب العمل بخبره، إذا لم يكن معروف العدالة من جهة غيره، فكذلك حاله إذا ابتدأ الإمساك عن ذِكره وتعديله؛ لأنه مع الإمساك عن ذكره غير معدِّل له، فوجب ألا يُقبل الخبر عنه»
(4)
.
وقد روى بإسناده عن عبد الله بن الزبير الحُميدي أنه قال: «فإن قال قائل: فما الحجة في ترك الحديث المقطوع، والذي يكون في إسناده رجل ساقط وأكثر من ذلك، ولم يزل الناس يحدِّثون بالمقطوع، وما كان في إسناده رجل ساقط وأكثر؟
قال عبد الله: قلتُ: لأن الموصول وإن لم يقل فيه: سمعت، حتى ينتهي الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ظاهره كظاهر السامع المدرك، حتى يتبيَّن فيه غير ذلك، كظاهر الشاهد الذي يشهد على الأمر المدرَك له، فيكون ذلك عندي كما يشهد؛ لإدراكه من شهد عليه وما شهد فيه حتى أعلم منه غير
ذلك.
(1)
والمرسل عند الخطيب وعامة أصحاب الحديث مثل المنقطع كما سبق بيانه.
(2)
«الكفاية» (ص: 387).
(3)
ينظر: «الكفاية» (ص: 23، 31، 33).
(4)
«الكفاية» (ص: 387).
والمقطوع العلم يحيط بأنه لم يدرِك من حدَّث عنه، فلا يثبت عندي حديثه، لما أحطتُ به علمًا، وذلك كشاهد شهد عندي على رجل لم يدركه أنه تصدَّق بداره أو أعتق عبده، فلا أُجيز شهادته على من لم يدركه»
(1)
.
ثم ذكر شبهات لمن يذهب إلى قبول المنقطع وبيَّن بطلانها واستفاض في ذلك
(2)
.
أما حكم الحديث المعنعن عند الخطيب، فقد قال:«وأهل العلم بالحديث مجمِعون على أن قول المحدِّث: «حدثنا فلان عن فلان» صحيح معمول به، إذا كان شيخه الذي ذكره يُعرف أنه قد أدرك الذي حدَّث عنه ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدِّث ممن يدلِّس، ولا يُعلَم أنه يستجيز إذا حدَّثه أحد شيوخه عن بعض من أدركه حديثًا نازلًا، فسمَّى بينهما في الإسناد مَن حدَّثه به، أن يُسقط ذلك المسمَّى ويروي الحديث عاليًا فيقول:«حدثنا فلان عن فلان» ، أعني الذي لم يسمعه منه؛ لأن الظاهر من الحديث السالم راويه مما وصفنا الاتصال، وإن كانت العنعنة هي الغالبة على إسناده»
(3)
.
فقد نقل الخطيب الإجماع على قبول الإسناد المعنعن، وهو الذي يقال فيه:«فلان عن فلان» ، إذا جمع شروطًا ثلاثة:
1 -
إدراك الراوي لشيخه ولُقِيُّه وسماعه منه في الجملة.
2 -
أن يكون بريئًا من التدليس.
3 -
أن يكون بريئًا من التسوية، وهو أن يُسقط شيخ شيخه من
(1)
«الكفاية» (ص: 390).
(2)
ينظر: «الكفاية» (ص: 388 - 396، 399 - 403).
(3)
«الكفاية» (ص: 291).
الإسناد، قال ابن حجر:«ومراد الخطيب بهذا الاحتراز ألَّا يكون المعنعِن مدلِّسًا ولا مُسَوِّيًا»
(1)
.
وهذه أمثلة تبيِّن نقد الخطيب للأحاديث بانقطاع السند:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن مسلم بن واره من «تاريخ بغداد» عن أبي عمر عبد الواحد بن محمد بن عبد الله بن مهدي قال: حدثنا القاضي أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل المَحَاملي إملاء
(2)
قال: حدثنا ابن واره قال: حدثنا محمد بن سعيد بن سابق قال: حدثنا عمرو بن أبي قيس قال: عن مطرف، عن أبي إسحاق، عن معاوية بن قُرَّة، عن بلال قال: حَثَثْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم للخروج إلى صلاة الغداة، فوجدتُه يشرب، قال: ثم ناولني فشربتُ، ثم خرجنا فأُقيمت الصلاةُ.
(3)
.
فأعلَّه الخطيب بالانقطاع بين معاوية بن قُرَّة وبلال، فقد توفِّي بلال رضي الله عنه سنة (17 هـ)، أو سنة (18 هـ)، وقيل: سنة (20 هـ)
(4)
، ووُلد معاوية بن قُرَّة
(1)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 584).
(2)
هو في «أمالي المحاملي» رواية ابن مهدي الفارسي (ص: 116 رقم 216).
(3)
«تاريخ بغداد» (4/ 419). وهذا الحديث رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (55/ 389) من طريق الخطيب به.
(4)
«تاريخ دمشق» (10/ 479)، و «تهذيب الكمال» (4/ 290)، و «تقريب التهذيب» (ص: 129 رقم 779).
يوم الجمل وكان سنة (33 هـ)، وقيل: وُلد سنة (37 هـ) حيث كانت وفاته سنة (113 هـ) وهو ابن ست وسبعين سنة
(1)
، فيكون مولد معاوية بعد وفاة بلال بزمن بعيد.
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة عبد الله بن أحمد بن جعفر النيسابوري من «تاريخ بغداد» من طريق أبي أُمية، عن الحسن، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن قَهْقَهَ في صلاتِه فليُعِد وضوءَه وصلاتَه» .
ثم قال: «أبو أمية هو عبد الكريم بن أبي المُخارق المعلم، والحسن عن أبي هريرة مرسل»
(2)
.
فقد أعلَّ الخطيب هذا الحديث بالانقطاع بين الحسن وأبي هريرة؛ فإنه لم
يسمع منه، وكذلك أعلَّه بهذه العلة في «المتفق والمفترق»
(3)
، وأعلَّه بها أيضًا
(1)
«تاريخ دمشق» (59/ 268)، و «تهذيب الكمال» (28/ 217)، و «تاريخ الإسلام» (3/ 315)، و «تقريب التهذيب» (ص: 538 رقم 6769).
(2)
«تاريخ بغداد» (11/ 34). وهذا الحديث رواه ابن عدي في «الكامل» (4/ 102)، والدارقطني في «السنن» ، كتاب الطهارة، باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها (1/ 301 رقم 611)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (11/ 18) -ومن طريقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 369 رقم 612) وفي «التحقيق في مسائل الخلاف» (1/ 194 رقم 211) - كلهم من طريق عبد العزيز بن حصين، عن عبد الكريم أبي أمية عن الحسن عن أبي هريرة بمعناه. ورواه الخطيب في «المتفق والمفترق» (3/ 1679 رقم 1180) من طريق خارجة عن عبد الكريم أبي أمية عن الحسن عن أبي هريرة بمعناه.
(3)
«المتفق والمفترق» (3/ 1679).
الدارقطني
(1)
، وابن الجوزي في «التحقيق في مسائل الخلاف»
(2)
وفي «العلل المتناهية»
(3)
، والذهبي في «تنقيح التحقيق»
(4)
.
وجمهور المحدِّثين على أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة، مثل: أيوب السختياني، ويونس بن عبيد، وبهز بن أسد، وابن المديني، وابن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة الرازيَّيْن
(5)
.
وفي الحديث علة أخرى، وهي ضعف عبد الكريم بن أبي المُخارق
(6)
.
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة صدقة بن هُبيرة من «تاريخ بغداد» ومن طريقه عن يوسف بن يعقوب المعدل قال: حدثنا حفص بن إبراهيم قال: حدثنا إبراهيم بن العلاء الإسكندراني، عن بقية بن الوليد، عن ثور بن يزيد، عن
أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن أبي أمامة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مَن مات وهو يقول: القرآنُ مخلوقٌ. لَقِيَ اللهَ يومَ القيامةِ ووجهُه إلى قفاهُ» .
(1)
كما في «نصب الراية» (1/ 48).
(2)
«التحقيق في مسائل الخلاف» (1/ 196).
(3)
«العلل المتناهية» (1/ 369 رقم 612).
(4)
«تنقيح التحقيق» (1/ 67).
(5)
ينظر: «المراسيل» لابن أبي حاتم (ص: 34 وما بعدها)، و «جامع التحصيل» للعلائي (ص: 164)، و «تحفة التحصيل» لأبي زرعة بن العراقي (ص: 69 وما بعدها).
(6)
ينظر: «تقريب التهذيب» (ص: 361 رقم 4156).
ثم قال: «من بين ابن هُبَيرة وبقيَّة لا يُعرف، وثور بن يزيد لم يدرك أم الدرداء»
(1)
.
فقد أعلَّه الخطيب بجهالة يوسف بن يعقوب وحفص بن إبراهيم وإبراهيم بن العلاء
(2)
، وبأن ثور بن يزيد لم يدرك أم الدرداء؛ فقد مات ثور سنة (150 هـ) أو (152 هـ) أو (153 هـ) أو (155 هـ)، وهو ابن بضع وستين سنة، فيكون مولده على أقصى تقدير سنة (81 هـ) أو بعدها
(3)
، وتوفيت أم الدرداء سنة (81 هـ)، أي: في السنة التي وُلد فيها ثور أو قبلها
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (10/ 455)، وهذا الحديث رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 154 رقم 236) من طريق الخطيب به، ولكن جعله من حديث أبي الدرداء، ليس فيه:«عن أبي أمامة» ، وكذا هو في «اللآلئ المصنوعة» (1/ 16)، فالله أعلم، ثم قال ابن الجوزي بعد روايته الحديث:«وقد ذكرنا أن بقية كان يروي عن المجهولين والضعفاء، وربما أسقط ذكرهم وذكر من رَوَوْا له عنه» .
(2)
ينظر: «لسان الميزان» (1/ 324)، (8/ 569).
(3)
ينظر: «الطبقات الكبرى» (7/ 467)، و «تهذيب الكمال» (4/ 428)، و «تقريب التهذيب» (ص: 135 رقم 861).
(4)
ينظر: «تقريب التهذيب» (ص: 756 رقم 8728).
الفصل الثاني
التدليس والنقد به عند الخطيب
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: التعريف بالتدليس وأنواعه عند الخطيب.
- المبحث الثاني: النقد بالتدليس عند الخطيب.
المبحث الأول
التعريف بالتدليس وأنواعه عند الخطيب
التدليس في اللغة: مشتق من الدَّلَس -بفتحتين- وهو اختلاط الظلام بالنور، وكأنه أظلم أمره على الناظر؛ لتغطية وجه الصواب فيه. ومنه التدليس في البيع: وهو كتمان عيب السلعة عن المشتري. وسُمِّي بذلك لاشتراكهما في الخفاء
(1)
.
أما في الاصطلاح: فقد قسَّمه الخطيب إلى قسمين:
القسم الأول: تدليس الإسناد:
عرَّفه الخطيب بأنه: رواية المحدِّث عمَّن عاصره ولم يلقه، فيُتَوَهَّم أنه سمع منه، أو روايته عمَّن قد لقيه ما لم يسمعه منه
(2)
.
فهذا التعريف يتضمَّن صورتين لتدليس الإسناد:
الصورة الأولى: أن يروي عمَّن عاصره، ولكنه لم يلقه ولم يسمع منه شيئًا، موهِمًا أنه سمع منه.
الصورة الثانية: أن يروي عن شيخٍ لقيه أحاديثَ لم يسمعها منه.
(1)
ينظر: «لسان العرب» (د ل س)، و «مختار الصحاح» (د ل س)، و «نزهة النظر» (ص: 85)، و «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 614)، و «فتح المغيث» (1/ 222)، و «شرح شرح النخبة» للقاري (ص: 417).
(2)
«الكفاية» (ص: 22).
وقد عرَّف جمعٌ من أهل العلم تدليس الإسناد بمثل ما عرَّفه به الخطيب، مثل: ابن الأثير
(1)
، وابن الصلاح
(2)
، والذهبي
(3)
، وابن كثير
(4)
، والعراقي
(5)
.
وذكر العراقي أن تعريف ابن الصلاح هو المشهور بين أهل الحديث
(6)
.
ولكن ابن حجر اعترض على هذا التعريف، وقَصَر التدليس على الصورة الثانية، وهي أن يروي عن شيخٍ لقيه أحاديثَ لم يسمعها منه.
أما الصورة الأولى فليست من التدليس في شيء عنده، وإنما هي من المرسل الخفي.
ونقل عن البزار
(7)
وابن القطان
(8)
أنهما عرَّفا التدليس بما يوافق الصورة الثانية فقط.
ثم ذكر عن شيخه العراقي أنه حكى كلام البزار وابن القطان، وأنه ذهب إلى أن الذي ذكره ابن الصلاح في حد التدليس هو المشهور عن أهل الحديث، وأنه إنما حكى كلامهما لئلَّا يُغتَرَّ به.
ثم قال ابن حجر: «قلت: لا غرور هنا، بل كلامهما هو الصواب على ما يظهر لي في التفرقة بين التدليس والمرسل الخفي، وإن كانا مشتركين في الحكم، هذا ما يقتضيه النظر.
(1)
«جامع الأصول» (1/ 167).
(2)
«مقدمة ابن الصلاح» في النوع الثاني عشر: معرفة التدليس وحكم المدلس (ص: 230).
(3)
«الموقظة» (ص: 47).
(4)
«الباعث الحثيث» (ص: 53).
(5)
«شرح التبصرة والتذكرة» (1/ 235).
(6)
«التقييد والإيضاح» (ص: 98).
(7)
في جزء «معرفة من يُترك حديثه أو يُقبل» كما في «التقييد والإيضاح» (ص: 97).
(8)
«بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام» (5/ 493).
وأما كون المشهور عن أهل الحديث خلاف ما قالاه ففيه نظر؛ فكلام الخطيب في باب التدليس من «الكفاية» يؤيد ما قاله ابن القطان.
قال الخطيب: التدليس متضمِّن الإرسال لا محالة؛ لإمساك المدلِّس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه قط وهو الموهن لأمره، فوجب كون التدليس متضمِّنًا للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس؛ لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمعه منه. ولهذا لم يذم العلماء من أرسل وذموا من دلَّس»
(1)
.
وليس في كلام الخطيب هذا ما يدل صراحة على أن الإرسال الخفي ليس داخلًا في التدليس.
على أن الخطيب ذكر قبل كلامه هذا مباشرة ما يدل على أن الإرسال الخفي داخل في التدليس، فقد قال: «تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلَّسه عنه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه ويعدل عن البيان لذلك، ولو بيَّن أنه لم يسمعه من الشيخ الذي دلَّسه عنه وكشف ذلك؛ لصار ببيانه مرسِلًا للحديث غير مدلِّس فيه؛ لأن الإرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعًا ممن لم يسمع منه وملاقيًا لمن لم يلقه، إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن للإرسال لا محالة، من حيث كان المدلِّس ممسكًا عن ذكر مَن بينه وبين من دلَّس عنه
…
»
(2)
.
وكلامه هذا ظاهر في أنه إنما يفرق بين التدليس والإرسال بإيهام السماع في
الأول دون الثاني، فإذا روى الراوي عمن عاصره ولم يلقه وأوهم أنه سمع منه فهذا تدليس، أما إذا روى عنه ولم يوهم أنه سمع منه فليس تدليسًا.
فعلى هذا؛ فالإرسال إذا كان موهِمًا داخل في التدليس، والله أعلم.
ثم قال ابن حجر بعد ذلك: «والذي يظهر من تصرُّفات الحُذَّاق منهم -يعني من أهل الحديث- أن التدليس مختصٌّ باللُّقي، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين
(1)
مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم من قبيل المرسل لا من قبيل المدلَّس.
وقد قال الخطيب في باب المرسل من كتابه «الكفاية» : لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بمدلَّس وهو: رواية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه. ثم مثَّل للأول بسعيد بن المسيب وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وللثاني بسفيان الثوري وغيره عن الزهري.
ثم قال: والحكم في الجميع عندنا واحد
(2)
.
فقد بيَّن الخطيب في ذلك أن من روى عمن لم يَثبت لُقِيُّه ولو عاصره أن ذلك مرسل لا مدلس.
والتحقيق فيه التفصيل وهو: أن مَن ذُكر بالتدليس أو الإرسال إذا ذَكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه فهو تدليس، أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال» انتهى كلام ابن حجر
(3)
.
(1)
المخضرم: هو من أدرك الجاهلية والإسلام. «تاج العروس» (خ ض ر م).
(2)
«الكفاية» (ص: 384).
(3)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 623).
قلت: لكن قال الخطيب بعد هذا الكلام مباشرة: «وكذلك الحكم فيمن أرسل حديثًا عن شيخ، إلا أنه لم يسمع ذلك الحديث منه، وسمع ما عداه» .
فهذا يدل على أن رواية الراوي عن شيخ سمع منه في الجملة حديثًا لم يسمعه منه -وهذا صورة التدليس- من قبيل الإرسال، وهو ناقض لما استدل به ابن حجر.
وهذا كله قد أوردته مناقشة مني لابن حجر، وإلَّا فقد صرَّح الخطيب في تعريفه الذي أوردته في بداية هذا المبحث أن رواية المحدِّث عمن عاصره ولم يلقه، موهمًا أنه سمع منه من قبيل التدليس. ويبدو أن ابن حجر ذهل عن كلام الخطيب هذا؛ لأنه لم يذكره في الفصل الذي خصَّه للكلام عن التدليس وأحكامه، إنما ذكره في أوائل كتابه، والله أعلم
(1)
.
وقريب منه في التصريح قوله في «الكفاية» : «قال بعض أهل العلم: إذا دلَّس المحدِّث عمن لم يسمع منه ولم يلقه، وكان ذلك الغالب على حديثه لم تُقبل رواياته.
وأما إذا كان تدليسه عمن قد لقيه وسمع منه فيدلِّس عنه رواية ما لم يسمعه منه، فذلك مقبول، بشرط أن يكون الذي يدلِّس عنه ثقة» اهـ
(2)
.
فسمَّى رواية المحدِّث عمن لم يسمع منه ولم يلقه تدليسًا، وهذا ظاهر، ولله الحمد.
(1)
ينظر: «المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس» للدكتور حاتم العوني (ص: 95).
(2)
«الكفاية» (ص: 361)، وقد روى الخطيب بعد ذلك هذا القول عن يعقوب بن شيبة، وقد اعترض ابن رجب في «شرح علل الترمذي» (2/ 585) على يعقوب بقوله:«وقد كان الثوري وغيره يدلسون عمن لم يسمعوا منه أيضًا، فلا يصح ما قال يعقوب» اهـ.
وقد ضرب الخطيب أمثلة لرواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه فقال في «الكفاية» : «وأما رواية الراوي عمن عاصره ولم يلقه، فمثاله رواية الحجاج بن أرطاة، وسفيان الثوري، وشعبة، عن الزهري»
(1)
.
فإذا صح كلام ابن حجر من أن الخطيب يفرق بين التدليس والإرسال الخفي، تكون رواية الحجاج بن أرطاة وغيره عن الزهري ليست تدليسًا عند الخطيب، ولكن قال الخطيب في ترجمة حجاج بن أرطاة من «تاريخ بغداد»:«وكان مدلِّسًا، يروي عمن لم يلقه»
(2)
.
والخطيب في ذلك موافق لمن سبقه من أهل الحديث؛ فإنهم قد يطلقون على رواية الرجل عمن أدركه ولم يسمع منه أنها تدليس، ومن أمثلة ذلك:
1 -
قال مهنّا: قلت لأحمد ويحيى: حدَّثوني عن عبد المجيد بن أبي رواد، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لكلِّ أُمةٍ فرعون، وفرعونُ هذه الأُمة معاويةُ بن أبي سفيان»
(3)
.
فقالا جميعًا: «ليس بصحيح، وليس يُعرف هذا الحديث من أحاديث عبيد الله، ولم يسمع عبد المجيد بن أبي رواد من عبيد الله شيئًا، ينبغي أن
يكون عبد المجيد دلَّسه؛ سمعه من إنسان، فحدَّث به»
(4)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 384).
(2)
«تاريخ بغداد» (9/ 133).
(3)
لم أجد من أخرجه فيما لديَّ من مصادر، وعلقه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 279) عن عبد المجيد به، وذكر كلام أحمد ويحيى ثم قال:«كان الحميدي يتكلم في عبد المجيد، وقال ابن حبان: يقلب الأخبار ويروي المناكير عن المشاهير فاستحق الترك. وقد رُوي نحو حديث ابن عمر من حديث أبي ذر ولا يصح» .
(4)
«المنتخب من علل الخلال» (1/ 227 رقم 135).
فمع تصريح الإمامين أحمد بن حنبل ويحيى بن معين أن عبد المجيد لم يسمع من عبيد الله شيئًا، إلا أنهما سمَّيا ذلك تدليسًا.
2 -
وقال يحيى بن معين: «دلَّس هشيم عن زاذان أبي منصور، ولم يسمع منه»
(1)
.
3 -
وقال البخاري: «لا أعرف لسعيد بن أبي عروبة سماعًا من الأعمش، وهو يدلِّس ويروي عنه»
(2)
.
4 -
(3)
.
5 -
وقال ابن حبان: «ومنهم المدلِّس عمن لم يره، كالحجاج بن أرطاة وذويه، كانوا يحدِّثون عمن لم يروه، ويدلِّسون حتى لا يُعلم ذلك منهم»
(4)
.
6 -
وقال أيضًا: «كان يحيى بن أبي كثير يدلِّس، فكل ما روى عن أنس فقد دلَّس عنه، ولم يسمع من أنس، ولا من صحابي شيئًا»
(5)
.
7 -
وقال الخليلي: «قد روى عن عكرمة جماعةٌ ممن لم يلقوه، وإنما يدلِّسون،
كالحسين بن واقد المروزي وغيره»
(6)
.
(1)
«تاريخ ابن معين» رواية الدوري (4/ 380 رقم 4881).
(2)
«العلل الكبير» للترمذي (ص: 348 رقم 646).
(3)
«المعرفة والتاريخ» (2/ 123).
(4)
مقدمة «المجروحين» (1/ 80).
(5)
«الثقات» (7/ 592 رقم 11618).
(6)
«الإرشاد» (1/ 348). وينظر: «المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس» (ص: 43 وما بعدها).
- وقد أدخل الخطيب تدليس التسوية في تدليس الإسناد، ولكنه لم يصرِّح باسمه، فقال:«وربما لم يُسقط المدلِّس اسم شيخه الذي حدَّثه، لكنه يُسقط ممن بعده في الإسناد رجلًا يكون ضعيفًا في الرواية، أو صغير السن، ويُحسِّن الحديث بذلك، وكان سليمان الأعمش وسفيان الثوري وبقية بن الوليد يفعلون مثل هذا»
(1)
.
القسم الثاني: تدليس الشيوخ:
عرَّفه الخطيب بأنه رواية المحدِّث عن شيخ سمع منه حديثًا، يُغيِّر فيه اسمه أو كنيته أو نسبه أو حاله المشهور من أمره؛ لئلا يُعرف
(2)
.
ثم ذكر السبب في فعل الراوي ذلك الأمر، فقال:«والعلة في فعله ذلك كون شيخه غير ثقة في اعتقاده أو في أمانته، أو يكون متأخر الوفاة، قد شارك الراوي عنه جماعة دونه في السماع منه، أو يكون أصغر من الراوي عنه سنًّا، أو تكون أحاديثه التي عنده عنه كثيرة، فلا يحب تكرار الرواية عنه، فيغيِّر حاله لبعض هذه الأمور»
(3)
.
* * *
(1)
«الكفاية» (ص: 364). وينظر: «فتح المغيث» (1/ 225).
(2)
«الكفاية» (ص: 22، 365).
(3)
«الكفاية» (ص: 365). وللتدليس أنواع أخرى مذكورة في كتب المصطلح، مثل: تدليس القطع، وتدليس العطف، ويدخل هذان النوعان في تدليس الإسناد، وينظر:«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 617 وما بعدها)، و «فتح المغيث» (1/ 227 وما بعدها).
المبحث الثاني
النقد بالتدليس عند الخطيب
ذكر الخطيب خلاف العلماء في قبول خبر المدلِّس، ثم ذكر الصحيح عنده، فقال في «الكفاية»: «قال فريق من الفقهاء وأصحاب الحديث: إن خبر المدلِّس غير مقبول؛ لأجل ما قدَّمنا ذكره من أن التدليس يتضمن الإيهام لِمَا لا أصل له، وترك تسمية من لعله غير مرضي ولا ثقة، وطلب توهُّم علو الإسناد، وإن لم يكن الأمر كذلك.
وقال خلق كثير من أهل العلم: خبر المدلِّس مقبول؛ لأنهم لم يجعلوه بمثابة الكذَّاب، ولم يَرَوُا التدليس ناقضًا لعدالته، وذهب إلى ذلك جمهور مَن قَبِل المراسيل من الأحاديث، وزعموا أن نهاية أمره أن يكون التدليس بمعنى الإرسال.
وقال بعض أهل العلم: إذا دلَّس المحدِّث عمن لم يسمع منه ولم يلقه، وكان ذلك الغالب على حديثه، لم تُقبَل رواياته، وأما إذا كان تدليسه عمن قد لقيه وسمع منه فيدلِّس عنه رواية ما لم يسمعه منه، فذلك مقبول بشرط أن يكون الذي يدلِّس عنه ثقة.
وقال آخرون: خبر المدلِّس لا يُقبل إلا أن يورده على وجه مبيَّن غير محتمل للإيهام، فإن أورده على ذلك قُبِل.
وهذا هو الصحيح عندنا، وسنذكر كيفية اللفظ الذي يزيل عنه الإيهام فيما بعد إن شاء الله».
ثم ذكر الخطيبُ اللفظَ الذي يزيل عنه الإيهام فقال: «واللفظ الذي يرتفع به الإيهام، ويزول به الإشكال في رواية المدلِّس: أن يقول: سمعت فلانًا يقول ويحدِّث ويُخبِر، أو قال لي فلان، أو ذكر لي، أو حدثني وأخبرني من لفظه، أو حدَّث وأنا أسمع، أو قُرئ عليه وأنا حاضر، وما يجري مجرى هذه الألفاظ مما لا يحتمل غير السماع، وما كان بسبيله»
(1)
.
فالذي اختاره الخطيب وصحَّحه أن خبر المدلِّس لا يُقبل إلا إذا صرَّح بالسماع من شيخه بإحدى الصيغ التي ذكرها، وقد وافقه على هذا الاختيار جمهور أهل الحديث
(2)
.
هذا في تدليس الإسناد، أما حكم تدليس الشيوخ فقد قال الخطيب:«وفي الجملة، فإن كل من روى عن شيخ شيئًا سمعه منه، وعدل عن تعريفه بما اشتهر من أمره، فخفي ذلك على سامعه؛ لم يصح الاحتجاج بذلك الحديث للسامع؛ لكون الذي حدَّث عنه في حاله ثابت الجهالة، معدوم العدالة، ومن كان هذا صفته فحديثه ساقط، والعمل به غير لازم على الأصل الذي ذكرناه فيما تقدم»
(3)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 361 - 362).
(2)
ينظر: «مقدمة ابن الصلاح» (ص: 235)، و «شرح التبصرة والتذكرة» (1/ 238)، و «نزهة النظر» (ص: 85)، و «فتح المغيث» (1/ 231).
(3)
«الكفاية» (ص: 370).
وهذه أمثلة تبيِّن نقد الخطيب للأحاديث بتدليس بعض رواتها:
المثال الأول وهو في تدليس الإسناد:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن إسحاق بن المرزبان الفارسي ومن طريقه، عن أحمد بن الحباب بن حمزة بن غيلان الحميري قال: حدثنا مكي بن إبراهيم قال: حدثنا ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، عن جابر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا يُقْطَعُ الخائنُ، ولا المُخْتَلِسُ، ولا المُنْتَهِبُ» .
ثم قال: «لا أعلم روى هذا الحديث عن ابن جريج مجوَّدًا هكذا غير مكي بن إبراهيم
(1)
إن كان أحمد بن الحُباب حفظه عنه؛ فإن الثوري، وعيسى بن يونس وغيرهما رَوَوْه عن ابن جريج، عن أبي الزبير، ولم يذكروا فيه الخبر، وكان أهل العلم يقولون: لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من أبي الزبير، وإنما سمعه من ياسين الزيات عنه فدلَّسه في روايته عن أبي الزبير، والله أعلم»
(2)
.
فهذا الحديث رواه مكي بن إبراهيم عن ابن جريج مصرِّحًا فيه بإخبار أبي الزبير له، إلا أن الخطيب يرى أن هذا وهم؛ لأن الثقات من أصحاب ابن جريج رَوَوْه عنه ولم يصرِّحوا بالإخبار، ونقل عن أهل العلم أنهم ذهبوا إلى أن ابن جريج لم يسمع هذا الحديث من أبي الزبير إنما سمعه من ياسين الزيات، فأسقطه من الإسناد، ورواه مباشرة عن أبي الزبير، وابن جريج
(1)
رواية مكي بن إبراهيم أخرجها الطحاوي في «شرح معاني الآثار» كتاب الحدود، باب الرجل يستعير الحلي فلا يرده هل عليه في ذلك قطع أم لا؟ (3/ 171 رقم 4985). وأخرجها ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 308 رقم 1326) من طريق الخطيب.
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 67).
مدلِّس قبيح التدليس، قال الدارقطني:«شر التدليس تدليس ابن جريج؛ فإنه قبيح التدليس، لا يدلِّس إلا فيما سمعه من مجروح»
(1)
.
وياسين الزيات مجروح؛ قال ابن معين: «ليس حديثه بشيء»
(2)
.
وقال البخاري: «يتكلمون فيه، منكر الحديث»
(3)
.
وقال النسائي: «متروك الحديث»
(4)
.
(5)
.
وسيأتي تصريح ياسين الزيات بأنه هو الذي حدَّث ابن جريج بهذا الحديث عن أبي الزبير.
وفي كلام الخطيب أمور مهمة نتعرض لها بشيء من التفصيل:
الأمر الأول: قوله: «لا أعلم روى هذا الحديث عن ابن جريج مجوَّدًا هكذا غير مكي بن إبراهيم، إن كان أحمد بن الحباب حفظه عنه» .
(1)
«طبقات المدلسين» (ص: 41 رقم 83).
(2)
«تاريخ ابن معين» رواية الدوري (3/ 417 رقم 2041).
(3)
«التاريخ الكبير» (8/ 429 رقم 3595).
(4)
«الضعفاء والمتروكون» (ص: 111 رقم 652).
(5)
«المجروحين» (3/ 142 رقم 1248).
أقول: قد رواه عبد الله بن المبارك
(1)
-ومن طريقه النسائي
(2)
- عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير به.
قال النسائي بعد روايته: «ما عمل شيئًا، ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير عندنا، والله أعلم» .
ومعنى قول الخطيب: «مجوَّدًا» أي: أن مكيًّا لمَّا صرَّح فيه بالإخبار جعله متصلًا ليس فيه تدليس، فهذا تجويد للإسناد وتحسين له في الظاهر، وإن كان في واقع الأمر غير ذلك.
وكأن الخطيب يشير بقوله: «إن كان أحمد بن الحُباب حفظه عنه» إلى أن التصريح بالإخبار لم يصح عن مكي بن إبراهيم الثقة الثبت
(3)
، وأن الوهم من أحمد بن الحُباب، وأحمد هذا لم أجد أحدًا ترجم له إلا الذهبي في «تاريخ الإسلام» ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا
(4)
.
الأمر الثاني: قوله: «فإن الثوري وعيسى بن يونس وغيرهما رَوَوْه عن ابن جريج عن أبي الزبير، ولم يذكروا فيه الخبر» .
رواية سفيان الثوري؛ أخرجها النسائي
(5)
، وأبو الفضل الزهري
(6)
، وأبو نعيم الأصبهاني
(7)
.
(1)
«مسند عبد الله بن المبارك» (ص: 87 رقم 148).
(2)
«السنن الكبرى» كتاب قطع السارق، باب ما لا قطع فيه (7/ 39 رقم 7421).
(3)
«تقريب التهذيب» (ص: 545 رقم 6877).
(4)
«تاريخ الإسلام» (6/ 479).
(5)
«السنن الكبرى» كتاب قطع السارق، باب ما لا قطع فيه (7/ 38 رقم 7420)، و «السنن الصغرى» كتاب قطع السارق، باب ما لا قطع فيه (8/ 88 رقم 4972).
(6)
«حديث أبي الفضل الزهري» (ص: 351 رقم 333).
(7)
«تسمية ما رُوي عن الفضل بن دكين» (ص: 90 رقم 60).
ورواية عيسى بن يونس
(1)
؛ أخرجها ابن أبي شيبة
(2)
، وابن عرفة
(3)
- ومن طريقه البيهقي
(4)
- وأبو داود
(5)
، والترمذي
(6)
.
وممن رواه أيضًا عن ابن جريج بالعنعنة ولم يصرِّح بالإخبار:
- محمد بن بكر
(7)
، وروايته أخرجها أحمد
(8)
، وأبو داود
(9)
.
- وأبو عاصم
(10)
، وروايته أخرجها ابن أبي شيبة
(11)
، والدارمي
(12)
،
(1)
هو عيسى بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي، ثقة مأمون، من الثامنة، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل: سنة إحدى وتسعين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 441 رقم 5341).
(2)
«المصنف» كتاب الحدود، باب في الخلسة فيها قطع أم لا؟ (5/ 527 رقم 28660).
(3)
«جزء ابن عرفة» (ص: 63 رقم 40).
(4)
«السنن الكبرى» كتاب السرقة، باب لا قطع على المختلس ولا على المنتهب ولا على الخائن (8/ 484 رقم 17290)، و «معرفة السنن والآثار» كتاب السرقة، باب ما لا قطع فيه (12/ 428 رقم 17250).
(5)
«السنن» كتاب الحدود، باب القطع في الخلسة والخيانة (4/ 138 رقم 4393).
(6)
«السنن» أبواب الحدود، باب ما جاء في الخائن والمختلس والمنتهب (1448).
(7)
هو محمد بن بكر بن عثمان البُرْساني أبو عثمان البصري، صدوق قد يخطئ، مات سنة أربع ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 470 رقم 5760).
(8)
«المسند» (23/ 303 رقم 15070).
(9)
«السنن» كتاب الحدود، باب القطع في الخلسة والخيانة (4/ 138 رقم 4391).
(10)
هو الضحاك بن مخلد بن الضحاك الشيباني أبو عاصم النبيل البصري، ثقة ثبت، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين أو بعدها. «تقريب التهذيب» (ص: 280 رقم 2977).
(11)
«المصنف» كتاب الحدود، باب في الخلسة فيها قطع أم لا؟ (5/ 528 رقم 28661).
(12)
«السنن» ، كتاب الحدود، باب ما لا يقطع من السراق (2356)، ووقع في المطبوعة خطأ:«أنبأنا أبو الزبير» ، والنسخ المخطوطة المتقنة ليس فيها التصريح بالإنباء، وسيأتي تفصيل ذلك.
وابن ماجه
(1)
.
- وحجاج
(2)
، وروايته أخرجها النسائي
(3)
.
- وابن وهب، وروايته أخرجها الطحاوي
(4)
، والدارقطني
(5)
.
- ومحمد بن ربيعة
(6)
، وروايته أخرجها قاضي المارستان
(7)
.
الأمر الثالث: قوله: «وكان أهل العلم يقولون: لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من أبي الزبير، وإنما سمعه من ياسين الزيات عنه، فدلَّسه في روايته عن أبي الزبير، والله أعلم» .
(1)
«السنن» كتاب الحدود، باب الخائن والمنتهب والمختلس (2591).
(2)
هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور أبو محمد، ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته، مات سنة ست ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 153 رقم 1135).
(3)
«السنن الكبرى» كتاب قطع السارق، باب ما لا قطع فيه (7/ 39 رقم 7422، 7423، 7424)، و «السنن الصغرى» كتاب قطع السارق، باب ما لا قطع فيه (8/ 89 رقم 4973، 4974).
(4)
«شرح معاني الآثار» كتاب الحدود، باب الرجل يستعير الحلي فلا يرده هل عليه في ذلك قطع أم لا (3/ 171 رقم 4984).
(5)
«السنن» كتاب الحدود والديات وغيره (4/ 250 رقم 3411).
(6)
هو محمد بن ربيعة الكلابي الكوفي، ابن عم وكيع، صدوق، مات بعد التسعين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 478 رقم 5877).
(7)
«أحاديث الشيوخ الثقات» (2/ 901 رقم 339).
فمن أهل العلم الذين أشار إليهم الخطيب:
- علماء مكة؛ فقد قال عبد الرزاق: «أهل مكة يقولون: إن ابن جريج لم يسمع من أبي الزبير، إنما سمع من ياسين»
(1)
.
- وأحمد بن حنبل؛ حيث قال: «إنما سمعه ابن جريج من ياسين الزيات»
(2)
.
- وأبو داود فقد رواه في سننه وفرَّقه على حديثين، ثم قال:«هذان الحديثان لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير، وبلغني عن أحمد بن حنبل أنه قال: إنما سمعهما ابن جريج من ياسين الزيات»
(3)
.
- وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيَّان؛ فقد سألهما ابن أبي حاتم عن هذا الحديث فقالا: «لم يسمع ابن جريج هذا الحديث من أبي الزبير، يقال: إنه سمعه من ياسين الزيات، عن أبي الزبير» .
قالا: «قال زيد بن حباب، عن ياسين: أنا حدَّثتُ به ابن جريج، عن أبي الزبير» .
فقال لهما: ما حال ياسين؟ فقالا: «ليس بقوي»
(4)
.
- والنسائي؛ فقد قال: «وقد روى هذا الحديث عن ابن جريج: عيسى بن يونس، والفضل بن موسى، وابن وهب، ومحمد بن ربيعة، ومخلد بن يزيد،
(1)
«الكامل» لابن عدي (8/ 535).
(2)
«سنن أبي داود» كتاب الحدود، باب القطع في الخلسة والخيانة (4/ 138 رقم 4393).
(3)
المصدر السابق.
(4)
«علل الحديث» (4/ 187 رقم 1353).
وسلمة بن سعيد، فلم يقل أحد منهم فيه: حدثني أبو الزبير، ولا أحسبه سمعه من أبي الزبير، والله أعلم»
(1)
.
- والخليلي؛ حيث قال: «يقال: إن هذا لم يسمعه من أبي الزبير، لكنه أخذه عن ياسين الزيات، وهو ضعيف جدًّا، عن أبي الزبير، وابن جريج يدلِّس في أحاديث، ولا يخفى ذلك على الحفاظ»
(2)
.
- هذا، وقد اعترض بعض أهل العلم المتأخِّرين، مثل الزيلعي وابن الملقِّن والألباني على إعلال الأئمة المتقدِّمين لهذا الحديث بتدليس ابن جريج، وسأورد أوجه اعتراضهم مع الرد عليها.
فقد قال الزيلعي بعد نقله لكلام الإمامين أحمد وأبي داود: «قلت: رواه ابن حبان في «صحيحه» في النوع الثالث والثلاثين من القسم الثالث عن ابن جريج عن أبي الزبير وعمرو بن دينار عن جابر مرفوعًا باللفظ الأول سواء
(3)
، وأخرجه أيضًا عن سفيان عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا أيضًا، لم يذكر فيه المنتهب
(4)
، فزالت العلة التي ذكرها أبو داود، وابن أبي حاتم أيضًا»
(5)
.
(1)
«السنن الكبرى» كتاب قطع السارق، باب ما لا قطع فيه (7/ 39)، و «السنن الصغرى» كتاب قطع السارق، باب ما لا قطع فيه (8/ 89).
(2)
«الإرشاد» (1/ 352).
(3)
«صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان» كتاب الحدود، ذكر نفي القطع عن المنتهب ما ليس له (10/ 310 رقم 4457).
(4)
«صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان» كتاب الحدود، ذكر نفي القطع عن المنتهب ما ليس له (10/ 311 رقم 4458).
(5)
«نصب الراية» (3/ 364).
أقول: هذان الطريقان إنما يفيدان -إن أفادا- أصل الحديث لا الطريق الذي نتكلم عنه، فليس في الطريقين ما يبين سماع ابن جريج من أبي الزبير، فلم تَزُل العلة التي ذكرها النُّقَّاد المتقدِّمون.
ثم أورد كلام النسائي في نقده لهذا الحديث، ثم قال:«قلنا: في سند ابن حبان ما ينفي ذلك، وأيضًا فتصحيح الترمذي له يدل على أنه تحقِّق اتصاله، وقد تابعه عليه المغيرة بن مسلم، كما أشار إليه أبو داود، والترمذي، وحديثه أخرجه النسائي عن المغيرة عن أبي الزبير عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على مختلس، ولا منتهب، ولا خائن قطع» انتهى. والمغيرة بن مسلم صدوق، قاله ابن معين وغيره
(1)
»
(2)
.
أقول: قوله: «في سند ابن حبان ما ينفي ذلك» قد تقدم بيان ما فيه.
وقوله: «وأيضًا فتصحيح الترمذي له يدل على أنه تحقَّق اتصاله» هذا احتمال وارد، ويوجد احتمالان آخران، الأول: أنه صححه لعدم اطِّلاعه على العلة التي اطلع عليها النُّقَّاد.
والثاني: أنه صححه لِما له من الطرق الأخرى التي تعضِّده، والله أعلم.
أما متابعة المغيرة بن مسلم فهي -إن أفادت أصل الحديث- فإنها لا تفيد سماع ابن جريج لهذا الحديث من أبي الزبير كما هو ظاهر.
والمغيرة بن مسلم مع توثيق ابن معين له في الجملة، فقد تكلَّم في روايته عن أبي الزبير حيث قال:«ما أَنكر حديثه عن أبي الزبير»
(3)
.
(1)
ينظر: «تهذيب الكمال» (28/ 396).
(2)
«نصب الراية» (3/ 364).
(3)
«سؤالات ابن الجنيد» (ص: 459 رقم 753).
أما ابن الملقِّن فقد اعترض على النُّقَّاد بنحو اعتراض الزيلعي، إلا أنه زاد عليه قوله بعد إيراده لكلام الخطيب: «رواه النسائي عن محمد بن حاتم، حدثنا سويد هو ابن نصر، حدثنا عبد الله هو ابن المبارك، عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير
…
فذكره، وهذا سند صحيح
…
فيُحمل على أنه مرة بواسطة ياسين ومرة بغيرها»
(1)
.
أقول: قد أنكر النسائي التصريحَ بالسماع في هذه الرواية، فقال بعد روايتها:«ما عمل شيئًا، ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير عندنا، والله أعلم» .
وتصريح النسائي وغيره من النُّقَّاد بعدم سماع ابن جريج له من أبي الزبير يدفع الاحتمال الذي أورده ابن الملقن من أنه سمعه مرة بواسطة ياسين ومرة بغيرها، والله أعلم.
وأما الألباني فقال بعد أن أورد نقد الأئمة لهذا الحديث وتصريح ياسين الزيات بتحديث ابن جريج به عن أبي الزبير: «قلتُ: ياسين الزيات متَّهم، فلا يُصدَّق في قوله: إنه هو الذي حدَّث به ابن جريج»
(2)
.
قلت: لم يتهمه أحد بالكذب على حد علمي، وليس وهاؤه في الحديث بموجب أن يكون كذَّابًا، والله أعلم.
ثم قال الألباني: «على أنه لو صدق في ذلك، فهو لا ينافي أن يكون ابن جريج سمعه بعد ذلك من أبي الزبير، ولولا أن ابن جريج معروف بالتدليس لم نقبل هذا الجزم بعدم سماعه هذا الحديث من أبي الزبير، ولكن
(1)
«البدر المنير» (8/ 662).
(2)
«إرواء الغليل» (8/ 63).
القطع بردِّ هذا، يحتاج إلى رواية فيها التصريح بسماعه من أبي الزبير، وقد
وجدتُها -والحمد لله- وذلك من طريقين:
الأولى: قال الدارمي: أخبرنا أبو عاصم عن ابن جريج قال: أنبأنا أبو الزبير، قال جابر
(1)
.
والأخرى: قال الحافظ في «التلخيص» : ورواه النسائي عن سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن جريج: أخبرني أبو الزبير
(2)
.
قلت: فهذان إسنادان صحيحان إلى ابن جريج بتصريحه بالتحديث، فزالت شبهة تدليسه، وطاح بذلك الجزم بأنه لم يسمعه من أبي الزبير»
(3)
.
أقول: أما الطريق الأولى التي رواها الدارمي، فالتصريح بالإنباء فيها خطأ من المطبوعة، والنسخ الخطية من «سنن الدارمي» مثل: نسخة كوبريلي (ق 237 أ)، والسليمانية (ق 148 أ) مصححًا عليه، وليدن (ق 191 أ) وهي نسخ متقنة
(4)
ليس فيها هذا التصريح إنما فيها: «عن ابن جريج قال: قال أبو الزبير» .
ومما يؤيد هذا أن ابن أبي شيبة وابن ماجه
(5)
أخرجا رواية أبي عاصم هذه، وليس فيها التصريح بالإنباء ولا الإخبار.
(1)
سبق (ص: 232).
(2)
«التلخيص الحبير» (4/ 123).
(3)
«إرواء الغليل» (8/ 63).
(4)
ينظر وصف هذه النسخ في مقدمة طبعة دار التاصيل لـ «سنن الدارمي» (1/ 115 وما بعدها).
(5)
سبق (ص: 232، 233).
كذلك فإن أحدًا ممن اعترض على النُّقَّاد بتصريح ابن جريج بالسماع من
أبي الزبير -كالزيلعي وابن الملقن- لم يذكر رواية الدارمي هذه، ولو كانت محفوظة لتلقَّفوها ولأذاعوها، والله أعلم.
أما الطريق الثانية التي رواها النسائي، فقد أنكرها النسائي نفسه بعد روايتها، فقال:«ما عمل شيئًا، ابن جريج لم يسمعه من أبي الزبير عندنا، والله أعلم» .
وخلاصة الأمر: أنه لم يثبت باليقين سماع ابن جريج لهذا الحديث من أبي الزبير، والراجح أنه سمعه من ياسين الزيات فدلَّسه، وبهذا يسلم نقد الخطيب ومن سبقه من النُّقَّاد، والله أعلم.
المثال الثاني وهو في تدليس الشيوخ:
روى الخطيب في ترجمة أبي بكر محمد بن الحسن النقَّاش ومن طريقه أنه قال: حدثنا يحيى بن محمد بن عبد الملك الخياط قال: حدثنا إدريس بن عيسى المخزومي القطان قال: حدثنا زيد بن الحباب قال: حدثنا سفيان الثوري، عن قابوس بن أبي ظَبْيان، عن أبيه، عن ابن العباس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعلى فخذه الأيسر ابنه إبراهيم، وعلى فخذه الأيمن الحسين بن علي، تارة يُقبِّل هذا، وتارة يُقبِّل هذا، إذ هبط عليه جبريل عليه السلام بوحي من رب العالمين فلما سُرِّي عنه، قال:«أتاني جبريلُ من ربِّي، فقال لي: يا محمد إنَّ ربَّك يقرأ عليك السلام، ويقول لك: لستُ أجمعُهما لك فافدِ أحدهما بصاحبه» .
فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى إبراهيم فبكى، ونظر إلى الحسين فبكى، ثم قال: «إن إبراهيم أُمُّه أَمَةٌ، ومتى مات لم يحزن عليه غيري، وأمُّ الحسين فاطمة، وأبوه
علي ابن عمي لحمي ودمي، ومتى مات حزنت ابنتي وحزن ابن عمي وحزنتُ أنا عليه، وأنا أوثر حزني على حزنهما، يا جبريل تقبض إبراهيم فديتُه بإبراهيم».
قال: فقُبِض بعد ثلاث، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رأى الحسين مقبلًا قَبَّله وضمَّه إلى صدره ورشف ثناياه، وقال:«فديتُ مَن فديتُه بابني إبراهيم» .
ثم قال: «دلَّس النقَّاشُ ابن صاعد، قال: حدثنا يحيى بن محمد بن عبد الملك الخياط، وأقل مما شُرِح في هذين الحديثين
(1)
تسقط به عدالة المحدِّث، ويُترك الاحتجاج به»
(2)
.
فهذا الحديث المنكر يرويه النقاش عن يحيى بن محمد بن صاعد، وابن صاعد إمام حافظ لا يحدِّث بمثل هذا الحديث المنكر، فخاف النقَّاش من انكشاف أمره، فعمد إلى ابن صاعد، وسماه باسم غير مشهور به تعمية لأمره، وهذا من تدليس الشيوخ.
(3)
.
(1)
وكان قد أورد له حديثًا باطلًا قبل ذلك.
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 605 - 606)، وهذا الحديث رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 204 رقم 759)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (52/ 324) كلاهما من طريق الخطيب به.
(3)
«الموضوعات» (2/ 205 رقم 759).
والنقَّاش هذا قال فيه أبو بكر البَرْقاني: «كل حديثه منكر»
(1)
.
وقال الخطيب: «في أحاديثه مناكير بأسانيد مشهورة»
(2)
.
وقد اعتذر الدارقطني عن النقَّاش بأنه لم يتعمَّد وضعه، وأنه وقع له عن طريق الوهم فقال:«هذا حديث باطل كذب على كل من رواه، ابن صاعد فمن فوقه، وأحسب أنه وقع إليه كتاب لرجل غير موثوق به قد وضعه في كتابه، أو وُضع له على أبي محمد بن صاعد، فظن أنه من صحيح حديثه؛ فرواه فدخل عليه الوهم، وظن أنه من سماعه من ابن صاعد»
(3)
.
المثال الثالث وهو في تدليس الشيوخ أيضًا:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن عبد الله الكَلْوَذاني: عن أبي الحسن العباس بن عمر بن العباس الكَلْوَذاني قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن محمد الكَلْوَذاني بمدينة السلام قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن سعيد بن يزيد الثقفي الخطيب قال: حدثنا محمد بن سلمة الأموي قال: حدثني محمد بن القاسم الأموي، عن أبيه، عن جعفر بن محمد، عن آبائه، عن علي بن أبي طالب قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «أوحى الله تعالى إلى داودَ: يا داودُ، إنَّ العبدَ ليأتي بالحسنة يوم القيامة فأُحَكِّمُه بها في الجنَّةِ. قال داودُ: يا رب، ومَن هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتُحَكِّمُه بها في الجنة؟ قال: عبدٌ مؤمنٌ سعى في حاجة أخيه المسلمِ أحبَّ قضاءَها، فقُضِيَت على يديه أو لم تُقْضَ» .
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 606).
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 603).
(3)
«تاريخ بغداد» (2/ 605).
(1)
.
فهذا الحديث يرويه عباس الكَلْوَذاني عن محمد بن عبد الله بن محمد الكلوذاني، وشيخ عباس هذا مجهول لا يُعرف، فرجَّح الخطيب أنه أبو المفضَّل الشيباني محمد بن عبد الله بن محمد بن عبيد الله، نسبه عباس إلى أنه كَلْوَذاني تعميةً لأمره، وهذا من تدليس الشيوخ.
وقد فعل عباس ذلك؛ لأن أبا المفضَّل الشيباني كذَّاب، فقد قال الخطيب في ترجمته: «كان يروي غرائب الحديث، وسؤالات الشيوخ، فكتب الناس عنه بانتخاب الدارقطني
(2)
، ثم بان كذبه فمزَّقوا حديثه، وأبطلوا روايته، وكان بعدُ يضع الأحاديث للرافضة»
(3)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (3/ 490).
(2)
الانتخاب: هو انتقاء بعض أحاديث الشيخ، لا سيما عوالي مروياته، وما لا يوجد عند غيره؛ لسماعها منه، وكتابتها عنه، ويُحتاج إلى الانتخاب لكون الشيخ مكثرًا، وفي الرواية عَسِرًا، أو كون الطالب غريبًا لا يمكنه طول الإقامة، وقد يتولى الانتخاب بنفسه، فإن قصر عنه لقلة معرفته استعان عليه بحافظ، وقد كان جماعة من الحفاظ متصدين للانتقاء على الشيوخ، والطَلَبةُ تسمع وتكتب بانتخابهم، منهم الحافظ الدارقطني رحمه الله. ينظر:«مقدمة ابن الصلاح» (ص: 431)، و «تدريب الراوي» (2/ 594).
(3)
«تاريخ بغداد» (3/ 499).
الباب الثالث
نقد الأحاديث بالعلل الخفية
وفيه تمهيد، وثلاثة فصول:
- تمهيد: تعريف العلة وأنواعها.
- الفصل الأول: النقد بالتفرد والمخالفة مع وجود القرائن.
- الفصل الثاني: النقد بالاضطراب والقلب والتصحيف.
- الفصل الثالث: نقد المتون.
تمهيد
تعريف العلة وأنواعها
أولًا: العلة لغةً:
ذكر ابن فارس أن لمادة «علّ» أصولًا ثلاثة صحيحة: الأول: تكرر أو تكرير. والثاني: عائق يعوق. والثالث: ضعف في الشيء
(1)
.
ويمكن أن نلتمس علاقة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، فعلى المعنى الأول: التكرار؛ فإن العلة تُكتشف عن طريق تكرار النظر في الحديث مرة بعد أخرى.
وعلى المعنى الثاني: العائق؛ فإن العلة عائق يمنع من قبول الحديث.
وعلى المعنى الثالث: الضعف؛ فإن العلة تُضعف الحديث الذي ظاهره الصحة، وتنزل به من درجة الصحيح إلى درجة الضعيف
(2)
.
ثانيًا: العلة اصطلاحًا:
لم أجد تعريفًا للعلة عند الخطيب، ولكن عرَّفها أهل الحديث بأنها: عبارة عن سبب خفي قادح في صحة الحديث
(3)
.
(1)
«معجم مقاييس اللغة» (4/ 12 - علّ). وينظر: «مختار الصحاح» (ع ل ل)، و «المصباح المنير» (ع ل ل).
(2)
ينظر: «منهج الإمام أحمد في التعليل» للدكتور أبي بكر كافي (ص: 144).
(3)
«مقدمة ابن الصلاح» النوع الثامن عشر (ص: 259)، و «فتح المغيث» (1/ 275).
والحديث المعلَّل: هو الحديث الذي اطُّلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهره السلامة منها
(1)
.
وتجيء العلة غالبًا في الإسناد، وقليلًا في المتن
(2)
.
- وقد ذكر الإمام ابن الصلاح أمورًا تُدرك العلة بها، فقال:«ويستعان على إدراكها بتفرُّد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبِّه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم لغير ذلك؛ بحيث يغلب على ظنِّه فيحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه، وكل ذلك مانع من الحكم بصحة ما وُجد ذلك فيه»
(3)
.
أنواع علل الحديث:
يُعِلُّ أهل الحديث -كما في كتبهم- الحديثَ بكل قدح خفي أو ظاهر
(4)
.
- أما العلل الخفية: فكل حديث وقع فيه خطأ في إسناده أو متنه فهو حديث مُعَلٌّ، ويسمَّى باسمٍ خاصٍّ حسب نوع هذا الخطأ.
فإذا أخطأ الراوي فرفع الموقوف، أو وصل المرسل، فيسمى هذا الخطأ حينئذ «الزيادة» .
(1)
«مقدمة ابن الصلاح» (ص: 259).
(2)
«فتح المغيث» (1/ 278).
(3)
«مقدمة ابن الصلاح» (ص: 259).
(4)
ينظر: «مقدمة ابن الصلاح» (ص: 262).
وإذا أبدل راويًا مكان راوٍ، أو كلمة بكلمة أو نحوه، فيسمى هذا الخطأ
«القلب» ، ويسمى الحديث «المقلوب» .
وإذا ألحق شيئًا من كلام الرواة في حديث مرفوع ولم يفصل بينهما، فيسمى هذا الخطأ «الإدراج» ، ويسمى الحديث «المدرج»
…
وهكذا إلى آخر صور العلل الخفية
(1)
.
وقد لخَّص الحافظ ابن حجر العسقلاني في «نخبة الفكر» أنواع المخالفة فقال: «ثم المخالفة إن كانت بتغيير السياق: فمدرج الإسناد، أو بدمج موقوف بمرفوع: فمدرج المتن، أو بتقديم أو تأخير: فالمقلوب، أو بزيادة راوٍ: فالمزيد في متصل الأسانيد. أو بإبداله ولا مرجِّح: فالمضطرب، أو بتغيير مع بقاء السياق: فالمصحَّف والمحرَّف»
(2)
.
- أما العلل الظاهرة: فنجد في كتب علل الحديث الكثيرَ من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من الأمور الوجودية التي يأباها كون العلة خفية
(3)
.
* * *
(1)
ينظر: «شرح لغة المحدث» (ص: 372 - 374).
(2)
«نخبة الفكر» مع شرحها (ص: 93).
(3)
«مقدمة ابن الصلاح» (ص: 262)، و «فتح المغيث» (1/ 286).
الفصل الأول
النقد بالتفرد والمخالفة مع وجود القرائن
وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: التفرد والنقد به عند الخطيب.
- المبحث الثاني: الحديث المنكر عند الخطيب.
- المبحث الثالث: النقد بالمخالفة عند الخطيب.
وفيه أربعة مطالب:
- المطلب الأول: رأي الخطيب عند اختلاف الرواة في الحديث.
- المطلب الثاني: النقد بمخالفة الراوي لغيره برفع الموقوف.
- المطلب الثالث: النقد بمخالفة الراوي لغيره بوصل المرسل.
- المطلب الرابع: النقد بمخالفة الراوي لغيره بخلاف الحالتين السابقتين.
المبحث الأول
التفرد والنقد به عند الخطيب
معنى التفرُّد والغرابة عند الخطيب:
أولًا: التفرُّد والغرابة لغة:
أما التفرُّد: فهو مأخوذ من الفرد، والفرد ما كان وحده؛ يقال: فَرَد يَفْرُد، وأفردتُه جعلتُه واحدًا، ويقال: جاء القوم فُرادًا، وعددتُ الجَوز والدراهم أفرادًا، أي: واحدًا واحدًا، والله هو الفَرْد: قد تفرَّد بالأمر دون خلقه
(1)
.
وأما الغرابة: فيقال: غَرُب الشخص غرابة: بعُد عن وطنه، فهو غريب، فعيل بمعنى فاعل، وجمعه غرباء، وغرَّبته أنا تغريبًا فتغرَّب، واغترب وغرَّب بنفسه تغريبًا أيضًا، وأغرب: جاء بشيء غريب، وكلام غريب: بعيد من الفهم
(2)
.
ثانيًا: التفرد والغرابة اصطلاحًا:
لم أجد تعريفًا للتفرد أو الغرابة عند الخطيب، وقد عرَّفه الذهبي بقوله: «الغريب ضد المشهور. فتارة ترجع غرابته إلى المتن، وتارة إلى السند، والغريب صادق على ما صح، وعلى ما لم يصح.
والتفرد يكون لما انفرد به الراوي إسنادًا أو متنًا، ويكون لما تفرد به عن
(1)
«تهذيب اللغة» (ف ر د).
(2)
«المصباح المنير» (غ ر ب).
شيخ
معين. كما يقال: لم يروه عن سفيان إلا ابن مهدي، و لم يروه عن ابن جريج إلا ابن المبارك»
(1)
.
فذكر الذهبي رحمه الله نوعين للتفرد: الأول: الفرد المطلق: وهو تفرد الراوي برواية الحديث إسناداً ومتنًا، أي: لم يُرو الحديث بإسناده ومتنه إلا من طريقه.
والثاني: الفرد النسبي: وهو التفرد عن شيخ معين، ولو كان أصلُ الحديث معروفًا من وجه آخر
(2)
.
والغريب والفرد مترادفان لغة واصطلاحًا؛ إلا أن أهل الاصطلاح غايروا بينهما من حيث كثرة الاستعمال وقلته، فالفرد أكثر ما يطلقونه على الفرد المطلق، والغريب أكثر ما يطلقونه على الفرد النسبي. وهذا من حيث إطلاق الاسم عليهما، وأما من حيث استعمالهم الفعل المشتق فلا يفرِّقون، فيقولون في المطلق والنسبي: تفرد به فلان، أو: أغرب به فلان
(3)
.
وقول الذهبي: «والغريب صادق على ما صح، وعلى ما لم يصح» صحيح، فقد يكون الغريب صحيحًا، وقد يكون حسنًا، وقد يكون ضعيفًا، أو موضوعًا.
ويوضح ذلك الخطيب بقوله: «الغرائب التي كره العلماء الاشتغال بها وقطع الأوقات في طلبها، إنما هي ما حكم أهل المعرفة ببطوله؛ لكون رواته
(1)
«الموقظة» (ص: 43).
(2)
ينظر: «نزهة النظر» (ص: 55)، و «منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث» (2/ 775).
(3)
«نزهة النظر» (ص: 57).
ممن يضع الحديث أو يدَّعي السماع، فأما ما استُغرب لتفرد راويه به وهو من أهل الصدق والأمانة؛ فذلك يلزم كتبه، ويجب سماعه وحفظه»
(1)
.
إلا أن الغالب على الأحاديث الغريبة أنها واهية منكرة؛ فقد روى الخطيب عن الإمام أحمد بن حنبل أنه قال: «إذا سمعتَ أصحاب الحديث يقولون: هذا حديث غريب، أو فائدة؛ فاعلم أنه خطأ، أو دخل حديث في حديث، أو خطأ من المحدث، أو حديث ليس له إسناد، وإن كان قد روى شعبة وسفيان»
(2)
.
* وأكثر الأحاديث التي يصفها الخطيب بالغرابة هي أحاديث ضعيفة أو منكرة قد حدث فيها وهم أو خطأ:
- فمن ذلك أنه روى في ترجمة محمد بن هارون بن سعيد بن بندار من «تاريخ بغداد» عن الحسين بن محمد المؤدِّب قال: حدثني أبو بكر محمد بن هارون البغدادي إملاء من حفظه بسمرقند في سنة تسعين وثلاثمائة قال: حدثنا أبو عبد الله أحمد بن علي بن العلاء الجُوزجاني قال: حدثنا أبو الأشعث، عن حماد بن زيد، عن ثابت، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس الخبر كالمعاينة»
(3)
.
(4)
.
(1)
«الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 160).
(2)
«الكفاية» (ص: 142).
(3)
لم أجد هذا الحديث من هذا الطريق في مصدر آخر.
(4)
«تاريخ بغداد» (4/ 571).
ومحمد بن هارون هذا نقل الخطيب في ترجمته له عن أبي سعد الإدريسي أنه قال فيه: «لم تكن معه الأصول، كان يحدِّث من حفظه فيخطئ»
(1)
.
وهذا الحديث قد ذكر من رواه عنه أنه حدَّثه به إملاء من حفظه، فلذلك أخطأ فيه، وعدَّه الخطيب غريبًا.
- ومن ذلك أيضًا أنه روى في ترجمة داود بن إبراهيم بن داود البغدادي من «تاريخ بغداد» من طريق إسماعيل بن يحيى أنه قال: حدثنا مسعر، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان يوم القيامة جيء بكراسي من ذهب مكلَّلة بالدر والياقوت، مفروشة بالسندس والإستبرق، ثم يُضرب عليها قباب من نور، ثم ينادي منادٍ: أين المؤذِّنون؟ أين من كان يشهد في كل يوم وليلة خمس مرات أنه لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله؟ فيقوم المؤذِّنون، وهم أطول الناس أعناقًا، فيقال لهم: اجلسوا على تلك الكراسي تحت تلك القباب، حتى يفرغ الله من حساب الخلائق؛ فإنه لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون»
(2)
.
ثم قال الخطيب: «هذا حديث غريب من حديث مسعر، تفرد به إسماعيل بن يحيى التيمي عنه، وكان ضعيفًا سيئ الحال جدًّا»
(3)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (4/ 572).
(2)
رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (2/ 373 رقم 948) من طريق الخطيب.
(3)
«تاريخ بغداد» (9/ 353). وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (3/ 464)، (4/ 164، 286، 686)، (13/ 236).
المبحث الثاني
الحديث المنكر عند الخطيب البغدادي
- المنكر لغة:
(1)
.
- المنكر اصطلاحًا:
قسَّم ابن الصلاح المنكر إلى قسمين، وعرَّف القسم الأول بأنه: المنفرد المخالف لما رواه الثقات.
والثاني بأنه: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرُّده.
وذهب إلى أن المنكر بمعنى الشاذ
(2)
.
- أما الخطيب فلم أجد تعريفًا للحديث المنكر عنده، ولكن يمكننا أن نستنتج تعريفًا له، وأن نستخلص جملة من صفاته وخصائصه، من خلال
(1)
«معجم مقاييس اللغة» (ن ك ر).
(2)
«مقدمة ابن الصلاح» النوع الرابع عشر (ص: 244). وذهب الحافظ ابن حجر إلى التفرقة بين المنكر والشاذ، فقال في «نزهة النظر» (ص: 73): «بين الشاذ والمنكر عموم وخصوص من وجه؛ فبينهما اجتماع في اشتراط المخالفة، وافتراق في أن الشاذ راويه ثقة أو صدوق، والمنكر راويه ضعيف» .
تتبُّع
أقواله التي ذكر فيها الحديث المنكر، ومن خلال وصفه لبعض الأحاديث بالنكارة، فنجد أنه يطلق المنكر ويريد به عدة معانٍ منها:
1 -
الحديث المنكر هو حديث غير مشهور ولا معروف، يخالف أحاديث الثقات، وعمل الفقهاء على ضده:
روى الخطيب عن سفيان الثوري أنه قال: «لو كان هذا من الخير لنقص كما ينقص الخير، يعني: الحديث» .
(1)
.
وقال أيضًا: «وأكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلب على إرادتهم كَتْبُ الغريب دون المشهور، وسماع المنكر دون المعروف»
(2)
.
2 -
الحديث المنكر هو حديث قد وقع فيه خطأ:
قال الخطيب في ترجمة محمد بن سليمان بن الحارث الباغندي: «الباغندي مذكور بالضعف
(3)
، ولا أعلم لأيَّة علة ضُعِّف؛ فإن رواياته كلها مستقيمة، ولا أعلم في حديثه منكرًا»
(4)
.
(1)
«شرف أصحاب الحديث» (ص: 123، 125).
(2)
«الكفاية» (ص: 141).
(3)
ينظر: «ميزان الاعتدال» (3/ 571 رقم 7627)، و «لسان الميزان» (7/ 173 رقم 6863).
(4)
«تاريخ بغداد» (3/ 227).
يبين الخطيب أن روايات الباغندي صحيحة مستقيمة لا خطأ فيها ولا اعوجاج، وليس فيها شيء منكر، فقابل بين المستقيم والمنكر، مما يدل على أن الحديث المنكر هو حديث غير مستقيم، بل حديث وقع فيه خطأ، والله أعلم.
- ونحوه ما ذكره الخطيب أيضًا أن أبا بكر البَرْقاني سُئل عن محمد بن الفرج الأزرق، فقال: قال لي الدارقطني: هو ضعيف
(1)
.
فتعقَّبه الخطيب بقوله: «أما أحاديثه فصحاح ورواياته مستقيمة، لا أعلم فيها شيئًا يُستنكر، ولم أسمع أحدًا من شيوخنا يذكره إلا بجميل، سوى ما ذكرته عن البَرْقاني آنفًا، فالله أعلم»
(2)
.
- وأصرح من ذلك ما ذكره الخطيب في ترجمة عبد الله بن الحارث الصنعاني من «المتفق والمفترق» حيث قال: «عبد الله بن الحارث الصنعاني
(3)
، روى بخراسان أحاديث منكرة عن عبد الرزاق بن همام، منها ما قرأت على محمد بن أحمد بن يعقوب، عن محمد بن عبد الله بن نعيم النيسابوري، وحدثنا أبو بكر محمد بن يحيى بن سعدان المؤدب البُشْتي
(4)
، حدثنا
(1)
لم أجده في «سؤالات البرقاني للدارقطني» ، ولكن في «سؤالات الحاكم للدارقطني» (ص: 143 رقم 188): «محمد بن الفرج أبو بكر الأزرق، لا بأس به، من أصحاب الكرابيسي، يُطعن عليه في اعتقاده» .
(2)
«تاريخ بغداد» (4/ 269). وينظر نحو ذلك أيضًا في «تاريخ بغداد» (2/ 72 - 73)، (3/ 569).
(3)
ينظر: «لسان الميزان» (4/ 451 رقم 4190).
(4)
هذه النسبة الى بُشْت، بضم الباء الموحدة والشين المعجمة، وهي ناحية بنيسابور كثيرة الخير. «الأنساب» للسمعاني (2/ 243).
عبد الله بن الحارث الصنعاني ببُشْت، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المرض ينزل جملة، والبُرْء ينزل قليلًا قليلًا»
(1)
.
قد أخطأ عبد الله بن الحارث في رواية هذا الحديث عن عبد الرزاق هكذا خطأ فظيعًا، وأتى بذلك أمرًا شنيعًا، وهذا الحديث لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه ولا عن أحد من أصحابه، وإنما هو قول عروة بن الزبير بن العوام.
أخبرنا بصوابه عبد الله بن محمد بن يحيى السكري، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، حدثنا أحمد بن منصور الرمادي
(2)
، حدثنا عبد الرزاق
(3)
قال: ذكر معمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: المرض يدخل جملة والبُرْء يبعَّض»
(4)
.
ففي أول الترجمة ذكر الخطيب أن عبد الله بن الحارث الصنعاني قد روى أحاديث منكرة عن عبد الرزاق، ثم ذكر من هذه الأحاديث المنكرة، هذا الحديث الذي أخطأ فيه خطأ فظيعًا، فرواه عن عبد الرزاق فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، والصواب أن عبد الرزاق ذكره موقوفًا على عروة، كما رواه
الرمادي
(1)
أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1722) من طريق الخطيب.
(2)
ثقة حافظ، طعن فيه أبو داود لمذهبه في الوقف في القرآن، مات سنة خمس وستين ومائتين، وله ثلاث وثمانون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 85 رقم 113).
(3)
«الأمالي في آثار الصحابة» لعبد الرزاق (196).
(4)
«المتفق والمفترق» (3/ 1475).
الثقة الحافظ، مما يدل على أن المنكر عند الخطيب هو حديث قد وقع فيه خطأ
(1)
.
3 -
قد تتوجَّه النكارة عند الخطيب إلى السند دون المتن:
فقد روى الخطيب من طريق العباس بن أحمد المذكِّر قال: حدثنا داود بن علي بن خلف قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي قال: حدثنا عيسى بن يونس، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» .
ثم ساق له حديثًا آخر، ثم قال:«هذان الحديثان منكران بهذا الإسناد، والحمل فيهما عندي على المذكِّر؛ فإنه غير ثقة، والله أعلم»
(2)
.
فوصفُ النكارة هنا وقع على الإسناد دون المتن؛ لأن المتن وهو: «لا نكاح إلا بولي» معروف مشهور بأسانيد أخرى
(3)
.
(1)
وينظر أيضًا: «الفصل للوصل» (2/ 708 - 709، 724).
(2)
«تاريخ بغداد» (9/ 343).
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب في الولي (2/ 229 رقم 2085)، والترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (3/ 399 رقم 1101)، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي (1881)، وابن حبان في «الصحيح» كتاب النكاح، باب الولي (9/ 388 رقم 4077)، والحاكم في «المستدرك» كتاب النكاح (2/ 184 رقم 2710) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
وقد اختلف في وصله وإرساله، ورجح البخاري والترمذي والحاكم الرواية الموصولة.
وأخرجه ابن ماجه، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي (1/ 605 رقم 1880)، وأحمد (4/ 121 رقم 2260) من حديث ابن عباس رضي الله عنه ب. وأخرجه أحمد (43/ 287 رقم 26235) من حديث عائشة رضي الله عنه ا.
وفي الباب أحاديث أخرى، وقال الحاكم:«قد صحت الروايات فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم: عائشة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش رضي الله عنه ت أجمعين» .
وينظر: «التلخيص الحبير» (3/ 323).
4 -
قد يكون الإسناد صحيحًا في الظاهر، ويكون مع ذلك المتن منكرًا:
روى الخطيب من طريق أحمد بن روح أبي يزيد
(1)
قال: حدثنا عمرو بن مرزوق الباهلي
(2)
قال: حدثنا عمران القطان
(3)
، عن قتادة، عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات مبتدع فإنه قد فُتح على الإسلام فتح»
(4)
.
ثم قال: «الإسناد صحيح والمتن منكر
…
»
(5)
.
- وروى أيضًا عن أبي نصر أحمد بن إبراهيم المقدسي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن جعفر الفقاعي
(6)
قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي
(7)
قال: قصدتُ باب أبي الربيع الزهراني
(8)
واستأذنت، فخرجت جارية، وقالت: الشيخ مشغول. فجلست ساعة ثم قرعتُ فخرجتْ أيضًا،
(1)
بغدادي يجهل. «ميزان الاعتدال» (1/ 98 رقم 377).
(2)
ثقة فاضل له أوهام، مات سنة أربع وعشرين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 426 رقم 5110).
(3)
هو عمران بن داوَر أبو العوام القطان البصري، صدوق يهم ورُمي برأي الخوارج، مات بعد الستين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 429 رقم 5154).
(4)
أخرجه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 139 رقم 213) من طريق الخطيب.
(5)
«تاريخ بغداد» (5/ 256).
(6)
لم أجد له ترجمة، وانظر كلام الخطيب الآتي قريبًا.
(7)
وثَّقه الدارقطني والخطيب، مات سنة ست وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (5/ 132).
(8)
هو سليمان بن داود العتكي، ثقة لم يتكلم فيه أحد بحجة، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 251 رقم 2556).
وقالت: مشغول. فجلست أيضًا ساعة، ثم استأذنتُ فخرجتْ، وقالت: مشغول. فقلت: قولي للشيخ بغدادي وصوفي وصاحب حديث. فقال: زبد بنِرْسيان
(1)
، قولي: ادخل. فدخلت، وبين يديه جام فالوذ
(2)
فلقمني لقمة، وقال: حدثني فليح قال: حدثنا الزهري قال: حدثنا أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لقم أخاه لقمة حلواء، ولم يكن ذلك مخافة من شره، ولا رجاء لخيره، صرف الله عنه سبعين بلوى في القيامة» .
ثم قال الخطيب: «هذا حديث منكر جدًّا وإسناده صحيح، وقد كنتُ أظن الحمل فيه على الفقاعي حتى ذكر لي عبد الغفار بن عبد الواحد الأُرموي
(3)
، أن محمد بن جعفر الفقاعي مشهور عندهم ثقة، قال: ومات بعد سنة سبعين وثلاثمائة ولم يدرك الصوفي، وإنما يروي عن عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، وأبي بكر بن الأنباري وطبقتهما.
ثم أخبرنا أبو علي الحسن بن محمد بن إسماعيل البزاز قال: حدثنا أبو القاسم بن السَّوْطي الحسين بن محمد بن إسحاق البزار
(4)
قال: سمعت أبا الطيب محمد بن الفَرُّخان الدوري
(5)
يقول: سمعت أحمد بن عبد الجبار
(1)
النِّرسيان، بالكسر: من أجود التمر بالكوفة. «تاج العروس» (ن ر س).
(2)
الجام: إناء من فضة. والفالوذ: حلواء، يُسوَّى من لب الحنطة، فارسي معرب. «تاج العروس» (ج و م)(ف ل ذ).
(3)
هو الحافظ الإمام الجوال أبو النجيب الأُرموي، سمع: أحمد بن عبد الله المحاملي، وأبا نعيم الأصبهاني، وأبا ذر الهروي وغيرهم، روى عنه: الخطيب، والكتاني وغيرهما، مات شابًّا سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة. «سير أعلام النبلاء» (17/ 447).
(4)
ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» (8/ 673)، وقال:«كان كثير الوهم، شنيع الغلط» .
(5)
ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» (4/ 281)، وقال:«كان غير ثقة» .
الصوفي يقول: لما مضيت إلى أبي الربيع الزهراني إلى البصرة لأسمع منه الحديث، وكان رأيه رأي الصوفية، ضربت الباب، فقالت الجارية: هو على حاجة، فقلت لها: قولي له: صوفي بغدادي صاحب حديث! فقال: افتحي له. فدخلت إليه، فقال: إذا كان الصوفي بغداديًّا صاحب حديث فهو الزبد بالنِّرْسيان، ادن يا غلام، ثم ناولني لقمة فالوذ، ثم قال لي: كل. ثم قال: اكتب: حدثني فليح بن سليمان، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لقم أخاه المسلم لقمة حلوى، لا يرجو بها خيره ولا يتقي بها شره، لا يريد بها إلا الله، وقاه الله مرارة الموقف يوم القيامة»
(1)
.
فبانت لنا علة الحديث الأول؛ إذ الحمل فيه على محمد بن الفَرُّخان، ونرى أن الفقاعي عنه رواه، وسقط اسم محمد بن الفَرُّخان من كتاب شيخنا المقدسي
(2)
، والله أعلم.
وقد بينَّا حال ابن الفَرُّخان فيما تقدم من كتابنا
(3)
وأنه ذاهب الحديث، وأما الخلاف في الإسناد بين رواية الفقاعي وابن السَّوْطي فغير ممتنع أن يكون من جهة ابن الفَرُّخان، وأنه كان يرويه على ما يتفق له، أو من جهة ابن السَّوْطي فإنه أيضًا ظاهر التخليط، والله أعلم»
(4)
.
يتبين من نقد الخطيب لهذا الحديث أن قوله: «إسناده صحيح» معناه: صحيح في ظاهر الأمر، وعند البحث والتفتيش تبين أنه إسناد ضعيف جدًّا؛ إذ سقط من إسناده ابن الفَرُّخان وهو ذاهب الحديث.
(1)
أخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1399) من طريق الخطيب.
(2)
هو أبو نصر أحمد بن إبراهيم المقدسي المتقدم في الإسناد قبل السابق، ولم أجد له ترجمة.
(3)
ينظر: «تاريخ بغداد» (4/ 281).
(4)
«تاريخ بغداد» (5/ 135).
5 -
الحديث المنكر يقارب الحديث الموضوع:
روى الخطيب عن يعقوب بن شيبة أنه قال: ذُكر ليحيى بن معين
(1)
ابن الصباح الجَرْجَرائي
(2)
، فقال يحيى: حدَّث بحديث منكر، عن علي بن ثابت، عن إسرائيل، عن ابن أبي ليلى، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفان ليس في الإسلام لهما نصيب: المرجئة والقدرية»
(3)
.
ثم قال الخطيب: «وهذا حديث منكر من هذا الوجه جدًّا كالموضوع، وإنما يرويه علي بن نزار شيخ ضعيف واهي الحديث
(4)
عن ابن عباس
(5)
، ولم
(1)
«تاريخ ابن معين» رواية الدوري (4/ 385 رقم 4906).
(2)
هو محمد بن الصباح بن سفيان الجرجرائي، أبو جعفر التاجر، صدوق، مات سنة أربعين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 484 رقم 5965).
(3)
لم أجد من أخرجه من طريق الجرجرائي، وأورده الدارقطني في «العلل» (13/ 101) ورجح عليه طريق الحسن بن عرفة، حيث رواه عن علي بن ثابت، عن إسماعيل بن أبي إسحاق، وهو أبو إسرائيل الملائي، عن ابن أبي ليلى به.
وطريق ابن عرفة أخرجها الطبري في «تهذيب الآثار» (2/ 656 رقم 972)، وابن عدي في «الكامل» (1/ 470)، واللالكائي في «شرح أصول الاعتقاد» (5/ 1058 رقم 1799).
(4)
وفي «تقريب التهذيب» (ص: 405 رقم 4806): «ضعيف» .
(5)
أخرجه الترمذي، كتاب القدر، باب ما جاء في القدرية (4/ 454 رقم 2149) من طريق القاسم بن حبيب، وعلي بن نزار، عن نزار، عن عكرمة، عن ابن عباس به مرفوعًا.
وأخرجه ابن ماجه، المقدمة، باب في الإيمان (1/ 24 رقم 62) من طريق علي بن نزار، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس به مرفوعًا.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن غريب» .
وينظر: «العلل المتناهية» (1/ 152)، و «كشف المناهج والتناقيح» للمناوي (5/ 366).
يذكر يحيى بن معين محمد بن الصباح هذا بسوء»
(1)
.
- وروى الخطيب من طريق محمد بن عمرو الحوضي البزار
(2)
قال: حدثنا موسى بن إدريس
(3)
، عن أبيه
(4)
، عن جدِّه
(5)
، عن ليث
(6)
، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «اسمي في القرآن: {وَالشَّمْسِ وَضُحَىهَا} ، واسم علي بن أبي طالب:{وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَىهَا} ، والحسن والحسين:{وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّىهَا} ، واسم بني أمية:{وَالَّيْلِ إِذَا يَغْشَىهَا} [الشمس: 1 - 4]
…
» الحديث بطوله
(7)
.
ثم قال: «هذا الحديث منكر جدًّا، بل هو موضوع، وفي إسناده ثلاثة
(1)
«تاريخ بغداد» (3/ 346).
(2)
قال الذهبي في «الميزان» (3/ 675 رقم 8024): «لا يُعرف» .
(3)
قال ابن حجر في «اللسان» (8/ 189 رقم 7980): «لا يُعرف» .
(4)
مجهول. ينظر: «لسان الميزان» (7/ 420 رقم 7272).
(5)
قوله: «عن جده» كذا في مطبوعة «السابق واللاحق» (ص: 263) تبعًا لـ «الموضوعات» لابن الجوزي (698) من طريق الخطيب، وكذا وقع أيضًا في «اللآلئ المصنوعة» (1/ 326) نقلًا عن الخطيب، ولم أجد لجدِّه هذا ترجمة.
ووقع في «تاريخ دمشق» (57/ 273) من طريق الخطيب: «عن جرير» ، وفي «ميزان الاعتدال» (3/ 675)، و «لسان الميزان» (7/ 420) كلاهما نقلًا عن الخطيب:«عن جرير بن عبد الحميد» ، والله أعلم بالصواب.
(6)
هو ابن أبي سليم، صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فتُرك، مات سنة ثمان وأربعين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 464 رقم 5685).
(7)
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (57/ 272)، وابن الجوزي في «الموضوعات» (698) كلاهما من طريق الخطيب.
مجهولون: محمد بن عمرو بن عمرو الحوضي، وموسى بن إدريس، وأبوه، ولا يصح بوجه من الوجوه»
(1)
.
- وروى الخطيب في ترجمة أحمد بن جعفر بن سلم الجمال ومن طريقه عن سليمان بن عيسى
(2)
قال: حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من تمنَّى الغلاء على أمتي ليلة، أحبط الله عمله أربعين سنة»
(3)
.
ثم قال: «منكر جدًّا، لا أعلم رواه غير سليمان بن عيسى السِّجزي، وكان كذابًا يضع الحديث»
(4)
.
فوصفَ سليمان بن عيسى السِّجزي بأنه كذاب يضع الحديث، ووصف حديثه بأنه منكر جدًّا، مما يدل على أن المنكر يقارب الموضوع ويشابهه، والجامع بينهما أنه قد حدث فيهما خطأ، إلا أن الأغلب إطلاق الموضوع على الخطأ المتعمَّد، والمنكر على الخطأ غير المتعمد، والله أعلم.
قال السيوطي: «الموضوع قسمان: قسم تعمَّد واضعُه وضْعَه، وهذا شأن
(1)
«السابق واللاحق» (ص: 263)، وقد سقط إسناد هذا الحديث وجزء من المتن من هذا الكتاب، واستدركه محققه من «الموضوعات» لابن الجوزي (698).
(2)
هو السجزي، قال ابن عدي:«يضع الحديث» . «الكامل» (4/ 290).
(3)
أخرجه ابن عدي في «الكامل» (4/ 291) من طريق سليمان بن عيسى السجزي به. وأخرجه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1216) من طريق الخطيب.
(4)
«تاريخ بغداد» (5/ 97 - 98)، وينظر أيضًا:«تاريخ بغداد» (4/ 281 - 282)، (8/ 415).
الكذَّابين. وقسم وقع غلطًا لا عن قصد، وهذا شأن المخلِّطين والمضطربين الحديث»
(1)
.
7 -
المنكر حديث فرد غريب:
وهذا واضح من الأمثلة السابقة، فما من حديث حكم عليه الخطيب بالنكارة إلا وقد تفرد به راويه.
تنبيه:
روى الخطيب في «الكفاية» في باب ترك الاحتجاج بمن غلب على حديثه الشواذ ورواية المناكير والغرائب من الأحاديث، عن أبي علي صالح بن محمد أنه قال:«الحديث الشاذ الحديث المنكر الذي لا يُعرف»
(2)
.
ولم يتعقبه بشيء، فقد يدل هذا على أن المنكر هو الشاذ عند الخطيب، وهو بذلك يوافق ابن الصلاح، كما تقدم في بداية المبحث.
* وبعد هذا العرض يمكنني أن أستخلص تعريفًا للمنكر عند الخطيب، فالحديث المنكر عنده: هو حديث تفرد به راوٍ فأخطأ فيه، وخالف الثقات والأحاديث المشهورة.
وللحديث المنكر عنده عدة صفات منها: أنه حديث شديد الضعف يقارب الحديث الموضوع، وأنه حديث غير مشهور ولا معروف، وأن عمل الفقهاء على ضده، وأنه قد تتوجه النكارة إلى السند دون المتن، وأنه قد يكون الإسناد
صحيحًا في الظاهر، ويكون مع ذلك المتن منكرًا.
(1)
«الفتاوى» للسيوطي (2/ 9).
(2)
«الكفاية» (ص: 141).
المبحث الثالث
النقد بالمخالفة عند الخطيب
المطلب الأول
رأي الخطيب عند اختلاف الرواة في الحديث
مسألة اختلاف الرواة في الحديث بين الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف، أو زيادة لفظة وعدمها؛ من المسائل المهمة في علوم الحديث، وهي في الظاهر ثلاث مسائل، ولكنها في الحكم بمنزلة مسألة واحدة لا فرق بينها، قال ابن الحاجب:«وإذا أسند الحديث وأرسلوه، أو رفعه ووقفوه، أو وصله وقطعوه، فكالزيادة»
(1)
. ونقله الحافظ ابن حجر ووافقه
(2)
.
وقد تنازع أهل العلم في هذه المسألة على عدة أقوال، ولا شك أن تنازعهم هو فيما إذا كان الرواة المختلفون ثقات، أما إذا خالف الضعيفُ الثقةَ، فلا اعتبار بمخالفته عندهم؛ ذلك لأن رواية الضعيف مردودة إذا لم يخالف، فكيف إذا خالف؟
وقد وضَّح الخطيب هذه المسألة بأنواعها في كتابه «الكفاية» حيث عقد بابًا بعنوان: «باب القول فيما رُوي من الأخبار مرسلًا ومتصلًا، هل يثبت ويجب العمل به أم لا؟» .
(1)
«مختصر منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل» (ص: 622).
(2)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 695).
ثم أورد مثالًا لهذه المسألة وهو حديث: «لا نكاح إلا بولي» ، وذكر أنه اختلف فيه الرواة على أبي إسحاق السَّبيعي، فرواه يونس بن أبي إسحاق السَّبيعي
(1)
وابنه إسرائيل
(2)
وقيس بن الربيع
(3)
، عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندًا متصلًا
(4)
.
ورواه سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج، عن أبي إسحاق السَّبيعي، عن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا
(5)
.
ثم ذكر أقوال أهل العلم في هذه المسألة، ورجَّح أن الحكم للمسنِد إذا كان ثابت العدالة ضابطًا للرواية، ويجب حينئذ قبول خبره، ويلزم العمل به، وإن خالفه غيره، وسواء كان المخالف له واحدًا أو جماعة.
وعلَّل ذلك بأن إرسال الراوي للحديث ليس بجرح لمن وصله، ولا تكذيب له، ولعله أيضًا مسند عند الذين رووه مرسلًا أو عند بعضهم، إلا أنهم أرسلوه لغرض أو نسيان، والناسي لا يُقضى له على الذاكر، وكذلك حال
(1)
صدوق يَهِم قليلًا، مات سنة اثنتين وخمسين ومائة على الصحيح. «تقريب التهذيب» (ص: 613 رقم 7899).
(2)
ثقة تُكُلِّم فيه بلا حجة، مات سنة ستين ومائة، وقيل بعدها. «تقريب التهذيب» (ص: 104 رقم 401).
(3)
هو الأسدي أبو محمد الكوفي، صدوق تغيَّر لما كبر وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدَّث به، مات سنة بضع وستين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 457 رقم 5573).
(4)
أخرجه: أبو داود، كتاب النكاح، باب في الولي (2/ 229 رقم 2085)، والترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (3/ 399 رقم 1101)، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب لا نكاح إلا بولي (1/ 605 رقم 1881) متصلًا.
(5)
أخرجه: الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (3/ 400) مرسلًا.
راوي الخبر إذا أرسله مرة ووصله أخرى، لا يضعف ذلك أيضًا؛ لأنه قد ينسى فيرسله، ثم يذكر بعده فيسنده، أو يفعل الأمرين معًا عن قصد منه لغرض له فيه
(1)
.
- ثم ذكر الخطيب أن الترمذي رجَّح الرواية الموصولة لحديث: «لا نكاح إلا بولي» ، وعلَّل ذلك بأن من رَوَوْهُ موصولًا سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة، وأما شعبة وسفيان اللذان روياه مرسلًا، فهما وإن كانا أحفظ وأثبت من جميع من رَوَوْهُ موصولًا، إلا أن رواية هؤلاء أشبه؛ لأن شعبة والثوري سمعا هذا الحديث من أبي إسحاق في مجلس واحد، كذلك فإن إسرائيل أثبت في أبي إسحاق
(2)
.
ثم ذكر الخطيب أن البخاري سئل عن هذا الحديث فقال: «الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس ثقة، وإن كان شعبة والثوري أرسلاه، فإن ذلك لا يضر الحديث»
(3)
.
- وعقد بابًا آخر في مسألة الاختلاف في الرفع والوقف قال فيه: «اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفًا؛ لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث مرة ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى ولا يرفعه، فيُحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعًا، وإنما لم
(1)
«الكفاية» (ص: 411).
(2)
«الكفاية» (ص: 412)، وكلام الترمذي في «سننه» (3/ 400). وينظر ترجمة إسرائيل بن يونس من «تهذيب الكمال» (2/ 521).
(3)
«الكفاية» (ص: 413).
يكن هذا مؤثرًا في الحديث ضعفًا مع ما بيناه؛ لأن إحدى الروايتين ليست مكذبة للأخرى، والأخذ بالمرفوع أولى؛ لأنه أزيد
…
»
(1)
.
- ثم عقد بابًا في مسألة زيادة الثقة، ذكر فيه اختلاف أهل العلم في قبولها وردها، واختار: أن الزيادة الواردة مقبولة على كل الوجوه ومعمول بها، إذا كان راويها عدلًا حافظًا ومتقنًا ضابطًا.
واستدل على ذلك باتفاق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره، لوجب قبوله، ولم يكن ترك الرواة لنقله -إن كانوا عرفوه- معارضًا له، ولا قادحًا في عدالة راويه، ولا مبطلًا له، فكذلك سبيل الانفراد بالزيادة.
ثم ساق عدة احتمالات وتجويزات تؤيد قبول الزيادة، وهي:
1 -
أن يكون الراوي حدَّث بالحديث في وقتين، وكانت الزيادة في أحدهما دون الوقت الآخر.
2 -
أن يكون قد كرر الراوي الحديثَ فرواه أولًا بالزيادة، وسمعه الواحد، ثم أعاده بغير زيادة اقتصارًا على أنه قد كان أتمه من قبل، وضبطه عنه من يجب العمل بخبره إذا رواه عنه، وذلك غير ممتنع.
3 -
أن يكون الراوي قد سها عن ذكر تلك الزيادة لمَّا كرر الحديث، وتركها غير متعمد لحذفها.
4 -
أن يكون الراوي قد ابتدأ بذكر ذلك الحديث وفي أوله الزيادة، ثم
(1)
«الكفاية» (ص: 417) باختصار.
دخل
داخل فأدرك بقية الحديث ولم يسمع الزيادة، فنقل ما سمعه، ويكون السامع الأول قد وعاه بتمامه.
5 -
يجوز أن يسمع من الراوي الاثنان والثلاثة، فينسى اثنان منهما الزيادة، ويحفظها الواحد ويرويها.
6 -
يجوز أن يحضر الجماعة سماع الحديث، فيتطاول حتى يغشى النوم بعضهم، أو يشغله خاطر نفس وفكر قلب في أمر آخر، فيقتطعه عما سمعه غيره.
7 -
ربما عرض لبعض سامعي الحديث أمر يوجب القيام ويضطره إلى ترك استتمام الحديث
(1)
.
- يتضح من هذا العرض أن رأي الخطيب رحمه الله في مسألة اختلاف الرواة في الحديث بين الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف، أو زيادة لفظة وعدمها، هو وجوب قبول الوصل والرفع والزيادة في كل الأحوال، إذا كان الراوي ثقة.
وذهب إلى ذلك أيضًا ابن الصلاح فقال بعد أن أورد كلام الخطيب وتصحيحه قبول الوصل: «قلت: وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله، وسئل البخاري عن حديث: «لا نكاح إلا بولي» فحكم لمن وصله، وقال: الزيادة من الثقة مقبولة. فقال البخاري هذا، مع أن من أرسله شعبة وسفيان، وهما جبلان لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية»
(2)
.
(1)
«الكفاية» (ص: 424 وما بعدها) باختصار.
(2)
«مقدمة ابن الصلاح» النوع الحادي عشر، التفريع الخامس (ص: 228).
* وهذا القول لم يرض به كثير من الأئمة النقاد، وذهبوا إلى أن العبرة بما اجتمع عليه الرواة الثقات، وما رجحته القرائن المحتفة بالخبر:
- قال الإمام الشافعي: «إنما يدل على غلط المحدث أن يخالفه غيره ممن هو أحفظ منه أو أكثر منه»
(1)
.
وقال أيضًا: «العدد الكثير أولى ألا يغلطوا من العدد القليل»
(2)
.
فأشار إلى أن الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ أو الأكثر عددًا أنها تكون مردودة
(3)
.
(4)
.
(1)
«الأم» كتاب العتق (7/ 209).
(2)
«الأم» كتاب الحج، باب لبس المحرم وطيبه جاهلًا (2/ 167).
(3)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 688).
(4)
«التمييز» (ص: 172).
- وقال الإمام ابن خزيمة: «لسنا ندفع أن تكون الزيادة في الأخبار مقبولة من الحفاظ، ولكن إنما نقول: إذا تكافأت الرواة في الحفظ والإتقان والمعرفة بالأخبار، فزاد حافظ متقن عالم بالأخبار كلمة قُبلت زيادته، لا أن الأخبار إذا تواترت بنقل أهل العدالة والحفظ والإتقان بخبر، فزاد راوٍ ليس
(1)
مثلهم في الحفظ والإتقان زيادة، أن تلك الزيادة تكون مقبولة»
(2)
.
- وسئل الإمام الدارقطني عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات؛ مثل أن يروي الثوري حديثًا، ويخالفه فيه مالك، والطريق إلى كل واحد منهما صحيح؟
(3)
.
وعلق على ذلك الحافظ ابن حجر قائلًا: «وقد استعمل الدارقطني ذلك في «العلل» و «السنن» كثيرًا»
(4)
.
- وقال الحافظ ابن عبد البر: «إنما تُقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبتت عنه وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ؛ لأنه كأنه حديث آخر
(1)
في «النكت على ابن الصلاح» : «فزاد وليس» ، والمثبت من «القراءة خلف الإمام» ، وهو أشبه بالصواب.
(2)
نقله البيهقي في «القراءة خلف الإمام» (ص: 138)، وابن حجر في «النكت على ابن الصلاح» (2/ 688).
(3)
«سؤالات السلمي» (ص: 360 رقم 470).
(4)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 689).
مستأنف، وأما إذا كانت الزيادة من غير حافظ ولا متقن فإنها لا يُلتفت
إليها»
(1)
.
- وقال الحافظ ابن الجوزي: «ومن الأشياء التى لا وجه لتركها أن يرفع الحديث ثقة فيقفه آخر، فترك هذا لا وجه له؛ لأن الرفع زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، إلا أن يقفه الأكثرون ويرفعه واحد فالظاهر غلطه، وإن كان من الجائز أن يكون قد حفظ دونهم»
(2)
.
- وقال الحافظ الذهبي: «وإن كان الحديث قد رواه الثبت بإسناد، أو وقفه، أو أرسله، ورفقاؤه الأثبات يخالفونه، فالعبرة بما اجتمع عليه الثقات؛ فإن الواحد قد يغلط، وهنا قد ترجَّح ظهور غلطه، فلا تعليل، والعبرة بالجماعة»
(3)
.
- وذهب إلى ذلك أيضًا الإمامان ابن دقيق العيد
(4)
والزركشي، فقد قال الزركشي بعد أن حكى مذاهب الناس في هذه المسألة:«وأما من حكى شيئًا من هذه الأقوال عن أهل الحديث أو أكثرهم فقد أنكره الإمام الحافظ أبو الفتح القشيري - يعني ابن دقيق العيد - في مقدمة «شرح الإلمام» وقال: إن ذلك ليس قانونًا مطردًا، وبمراجعة أحكامهم الجزئية يُعرف صواب ما نقول؛ فإنهم يروون الحديث من رواية الثقات العدول، ثم تقوم لهم علل فيه تمنعهم من الحكم بصحته؛ لمخالفة جمع كثير للأقل، ومن هو أحفظ منه، أو
(1)
«التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد» (3/ 306).
(2)
«الموضوعات» (1/ 13).
(3)
«الموقظة» (ص: 52).
(4)
وكذلك تلميذه ابن سيد الناس، كما في «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 604).
قيام قرينة تؤثر في أنفسهم غلبة ظن بغلطه، وإن كان هو الذي وصل أو رفع،
ولم يجروا في ذلك على قانون واحد يُستعمل في جميع الأحاديث، قال: وأقرب الناس إلى اطراد هذه القواعد بعض أهل الظاهر».
ثم قال الزركشي: «ومن هنا حكى بعض المتأخرين تقديم أحدهما على الآخر بحسب القرائن، فإن كان الواقفون له ثقات حفاظًا أوثق وأحفظ ممن رفعه فالحكم للوقف، وكذا إذا كانوا عن شيخ لهم وأهل بلدٍ فهم أحق به ممن ليس هو شيخه ولا كثرت ملازمته له ولا هو من أهل بلده، وإن كان الرافع له كثيرين ثقات حفاظًا، وإن تعارض الحال تُوقِّف في الترجيح
…
»
(1)
.
- وكذلك الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الهادي فإنه قال: «طريقة الحذاق من الأئمة -وهي أقوى الطرق- أنه يصار إلى الترجيح، فتارة يُحكم للواقف، وتارة يُحكم للرافع، وتارة يُتوقف، كل ذلك بحسب القرائن، وهذه طريقة الشافعي وأحمد وعلي بن المديني والبخاري والنسائي والدارقطني وغيرهم من الأئمة، وقد قال أحمد في حديث رواه عبدة بن سليمان عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن [عزرة]
(2)
عن سعيد بن جبير عن ابن عباس سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يلبِّي عن شبرمة
(3)
:
(1)
«النكت على مقدمة ابن الصلاح» (2/ 604).
(2)
في «النكت على مقدمة ابن الصلاح» للزركشي: «عروة» ، وهو خطأ. وعزرة هو ابن عبد الرحمن بن زرارة الخزاعي الكوفي الأعور، شيخ لقتادة، ثقة. «تقريب التهذيب» (ص: 390 رقم 4576).
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب المناسك، باب الرجل يحج عن غيره (2/ 162 رقم 1811)، وابن ماجه، كتاب المناسك، باب الحج عن الميت (2/ 969 رقم 2903) كلاهما من طريق عبدة بن سليمان به.
ليس بصحيح، إنما هو عن ابن عباس. وقال أيضًا: رفعه خطأ، ليس فيه عن
النبي صلى الله عليه وسلم
(1)
.
هذا مع أن الذي رفعه -وهو عبدة بن سليمان- ثقة من رجال الصحيحين
(2)
، فعُلم أن أحمد حكم بوقفه وإن كان الرافع له ثقة، وكذلك فعل في عدة أحاديث، وبهذا يُعلم خطأ من أطلق النقل عن الفقهاء أنهم يأخذون بالرفع في كل موضع»
(3)
.
وقال أيضًا في معرض نقده لزيادة ذكر البسملة التي تفرد بها نُعيم المُجْمِر
(4)
من بين أصحاب أبي هريرة: «فإن قيل: قد رواها نعيم المُجْمِر، وهو ثقة، والزيادة من الثقة مقبولة.
قلنا: ليس ذلك مجمعًا عليه، بل فيه خلاف مشهور، فمن الناس من يقبل زيادة الثقة مطلقًا، ومنهم من لا يقبلها، والصحيح التفصيل، وهو أنها تُقبل في موضع دون موضع، فتُقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظًا ثبتًا، والذي لم يذكرها مثله، أو دونه في الثقة، كما قبل الناس زيادة مالك بن أنس،
(1)
ينظر: «التلخيص الحبير» (2/ 427).
(2)
عبدة بن سليمان الكلابي، أبو محمد الكوفي، ثقة ثبت، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل بعدها. «تقريب التهذيب» (ص: 369 رقم 4269).
(3)
نقله الزركشي في «النكت على مقدمة ابن الصلاح» (2/ 603).
(4)
هو نعيم بن عبد الله المدني مولى آل عمر، يُعرف بالمُجْمِر، ثقة. «تقريب التهذيب» (ص: 565 رقم 7172).
وحديثه المشار إليه رواه النسائي، كتاب الافتتاح، باب قراءة {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (2/ 134 رقم 905) من طريق سعيد بن أبي هلال، عن نعيم المجمر قال: صليت وراء أبي هريرة فقرأ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} الحديث.
قوله:
«من المسلمين» في صدقة الفطر
(1)
، واحتج بها أكثر العلماء، وتُقبل في موضع آخر لقرائن تخصها، ومن حكم في ذلك حكمًا عامًّا فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم يخصها، ففي موضع يُجزم بصحتها كزيادة مالك، وفي موضع يغلب على الظن صحتها، وفي موضع يُجزم بخطأ الزيادة؛ فإن الثقة قد يغلط، وفي موضع يغلب على الظن خطؤها، وفي موضع يتوقف في الزيادة، كما في أحاديث كثيرة»
(2)
.
- وبهذا جزم الحافظ العلائي فقال: «كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي، بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث حديث»
(3)
.
- وكذلك الحافظ ابن رجب فله كلام نفيس في ذلك، رد في أثنائه على الخطيب، فقال: «وقد تكرر في هذا الكتاب ذكر الاختلاف في الوصل والإرسال، والوقف والرفع، وكلام أحمد وغيره من الحفاظ يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك، والأحفظ أيضًا.
وقد قال أحمد في حديث أسنده حماد بن سلمة: أي شيء ينفع وغيره يرسله؟!
(4)
.
(1)
أخرجها: البخاري، كتاب الزكاة، باب صدقة الفطر على العبد وغيره من المسلمين (2/ 130 رقم 1504)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب زكاة الفطر على المسلمين من التمر والشعير (2/ 677 رقم 984).
(2)
نقله عنه الزيلعي في «نصب الراية» (1/ 336) وقد اختصرته.
(3)
نقله ابن حجر في «النكت على ابن الصلاح» (2/ 604).
(4)
لم أجده في غير «شرح علل الترمذي» ، والله أعلم.
وذكر الحاكم أن أئمة الحديث على أن القول قول الأكثرين، الذين أرسلوا الحديث
(1)
.
وهذا يخالف تصرفه في «المستدرك» .
وقد صنف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفًا حسنًا سماه «تمييز المزيد في متصل الأسانيد» وقسمه قسمين؛ أحدهما: ما حُكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد، وتركها.
والثاني: ما حُكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها.
ثم إن الخطيب تناقض، فذكر في كتاب «الكفاية» للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تعرف عن أحد من متقدمي الحفاظ، إنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين، ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تُقبل مطلقًا، كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب «تمييز المزيد» .
وقد عاب تصرفه في كتاب «تمييز المزيد» بعضُ محدثي الفقهاء، وطمع فيه؛ لموافقته لهم في كتاب «الكفاية» »
(2)
.
- وكذلك الحافظ ابن حجر؛ فإنه قال بعد أن أورد كلام الأئمة في أن الحكم في هذه المسألة للأكثر والأحفظ: «فحاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الزيادة إنما تُقبل ممن يكون حافظًا متقنًا، حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عددًا منه، أو كان فيهم من هو أحفظ منه، أو كان غير
حافظ، ولو كان في الأصل صدوقًا، فإن زيادته لا تُقبل، وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة وأطلق، والله أعلم»
(1)
.
وقال أيضًا: «والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد، بل يرجحون بالقرائن»
(2)
.
- وكذلك البقاعي فإنه قال: «ثم إن ابن الصلاح خلط هنا طريقة المحدثين بطريقة الأصوليين، على أن لحذاق المحدثين في هذه المسألة نظرًا آخر لم يحكه، وهو الذي لا ينبغي أن يُعدل عنه، وذلك أنهم لا يحكمون فيها بحكم مطرد، وإنما يدورون في ذلك مع القرائن»
(3)
.
(4)
.
* الرد على ما استدل به الخطيب:
وقد ردَّ الحفاظ على ما أورده الخطيب من أدلة، وبيَّنوا ضعفها ووهاءها،
وسأسوق أدلة الخطيب مع الرد عليها باختصار:
(1)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 690).
(2)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 687).
(3)
«النكت الوفية» (1/ 426). وقد صرح البقاعي في مقدمة كتابه هذا: أن ما لم يصدره بـ «قلت» ولم يعزه لأحد فهو من كلام شيخه ابن حجر، فهذا يدل على أن هذا الكلام مستفاد من ابن حجر، وأقره عليه البقاعي، كذلك فإن البقاعي قد قال (1/ 428) بعد نقله للكلام السابق وغيره: «ويؤيد ما قاله شيخنا
…
» وهذا صريح في ذلك، والله الموفق.
(4)
«فتح المغيث» (1/ 216).
1 -
ذهب الخطيب إلى تجويز أن يكون الراوي قد نسي فأرسل الحديث، وأن من وصله قد حفظه، والناسي لا يُقضى له على الذاكر.
والجواب: أنه يقابل بمثله، فيترجح الإرسال، بتجويز أن يكون الواصل قد وهم فتبع العادة وسلك الجادة
(1)
.
2 -
استدل الخطيب بما رواه عن البخاري أنه سئل عن حديث: «لا نكاح إلا بولي»
(2)
. فقال: «الزيادة من الثقة مقبولة، وإسرائيل بن يونس ثقة، وإن كان شعبة والثوري أرسلاه، فإن ذلك لا يضر الحديث» .
والجواب: أن مراد البخاري الزيادةُ في هذا الحديث، وليس على الإطلاق، قال الحافظ ابن رجب:«وهذه الحكاية - إن صحت - فإنما مراده الزيادة في هذا الحديث، وإلا فمن تأمل كتاب «تاريخ البخاري» تبين له قطعًا أنه لم يكن يرى أن زيادة كل ثقة في الإسناد مقبولة.
وهكذا الدارقطني يذكر في بعض المواضع أن الزيادة من الثقة مقبولة، ثم يرد في أكثر المواضع زيادات كثيرة من الثقات، ويرجح الإرسال على الإسناد.
فدل على أن مرادهم زيادةُ الثقة في مثل تلك المواضع الخاصة، وهي إذا كان الثقة مبرزًا في الحفظ.
وقال الدارقطني
(3)
في حديث زاد في إسناده رجلان ثقتان رجلًا، وخالفهما
الثوري فلم يذكره، قال: لولا أن الثوري خالف لكان القول قول
(1)
ينظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 610).
(2)
تقدم تخريجه أول هذا المطلب (ص: 268).
(3)
«علل الدارقطني» (2/ 75).
من زاد فيه؛ لأن زيادة الثقة مقبولة. وهذا تصريح بأنه إنما يقبل زيادة الثقة إذا لم يخالفه من هو أحفظ عنه»
(1)
.
وقد أوضح ابن حجر القرائن التي جعلت البخاري يحكم بقبول الزيادة في هذا الخبر، وقد أورد الخطيب بعض هذه القرائن من كلام الترمذي -وقد نقلتها فيما سبق- ومع ذلك فقد عمَّم القضية!
قال ابن حجر رحمه الله: «الاستدلال بأن الحكم للواصل دائمًا على العموم من صنيع البخاري في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم؛ لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة، وإنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول.
منها: أن يونس بن أبي إسحاق
(2)
وابنيه إسرائيل
(3)
وعيسى
(4)
رووه عن أبي إسحاق موصولًا، ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم.
ووافقهم على ذلك أبو عوانة
(5)
وشريك النخعي
(6)
وزهير بن معاوية
(7)
(1)
«شرح علل الترمذي» (2/ 638).
(2)
سبقت ترجمته في بداية المطلب (ص: 268).
(3)
سبقت ترجمته في بداية المطلب (ص: 268).
(4)
ثقة مأمون، مات سنة سبع وثمانين ومائة، وقيل: سنة إحدى وتسعين ومائة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 441 رقم 5341).
(5)
هو وضَّاح بن عبد الله اليشكري الواسطي، ثقة ثبت، مات سنة خمس وسبعين ومائة أو السنة التي بعدها، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 580 رقم 7407).
(6)
هو شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله، صدوق يخطئ كثيرًا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة، وكان عادلًا فاضلًا عابدًا شديدًا على أهل البدع، مات سنة سبع أو ثمان وسبعين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 266 رقم 2787).
(7)
هو أبو خيثمة الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة، ثقة ثبت إلا أن سماعه عن أبي إسحاق بأخرة، مات سنة اثنتين أو ثلاث أو أربع وسبعين ومائة، وكان مولده سنة مائة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 218 رقم 2051).
وتمام العشرة من أصحاب أبي إسحاق، مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه.
وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان، فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد.
فقد رواه الترمذي قال: حدثنا محمود بن غيلان
(1)
، حدثنا أبو داود
(2)
، حدثنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعتَ أبا بردة رضي الله عنه يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي» ؟ فقال: نعم
(3)
.
فشعبة وسفيان إنما أخذاه معًا في مجلس واحد عرضًا كما ترى، ولا يخفى رجحان ما أُخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على ما أُخذ عنه عرضًا في محل واحد.
هذا إذا قلنا: حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين، مع أن الشافعي
رضي الله عنه يقول: العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد
(4)
.
(1)
هو أبو أحمد المروزي نزيل بغداد، ثقة، مات سنة تسع وثلاثين ومائتين، وقيل بعد ذلك. «تقريب التهذيب» (ص: 522 رقم 6516).
(2)
هو أبو داود الطيالسي سليمان بن داود بن الجارود البصري، ثقة حافظ غلط في أحاديث، مات سنة أربع ومائتين، «تقريب التهذيب» (ص: 250 رقم 2550).
(3)
أخرجه: الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء لا نكاح إلا بولي (3/ 400). وإسناده صحيح رجاله كلهم ثقات، وقد تقدمت تراجمهم عند ذكرهم في الإسناد.
(4)
ينظر: «الأم» كتاب الحج، باب لبس المحرم وطيبه جاهلًا (2/ 167).
فتبين أن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ليست مع المرسل، بل بما يظهر من قرائن الترجيح. ويزيد ذلك ظهورًا تقديمه الإرسال في مواضع أخر، فتبين أنه ليس له عمل مطرد في ذلك. والله أعلم»
(1)
.
3 -
ذهب الخطيب إلى أن اختلاف الروايتين في الرفع والوقف لا يؤثر في الحديث ضعفًا؛ لجواز أن يكون الصحابي يسند الحديث مرة ويرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويذكره مرة أخرى على سبيل الفتوى ولا يرفعه، فيُحفظ الحديث عنه على الوجهين جميعًا.
والجواب: أن هذا احتمال، ويوجد احتمال آخر يعارضه، وهو أن يكون أحد الرواة قد أخطأ فرفع الموقوف، وإنما يُعلم ذلك بالقرائن المحتفة بالخبر.
4 -
احتج الخطيب بقبول زيادة الثقة الضابط على كل الوجوه، باتفاق جميع أهل العلم على أنه لو انفرد الثقة بنقل حديث لم ينقله غيره، لوجب قبوله، فكذلك سبيل الانفراد بالزيادة.
وقد أجاب على ذلك الحافظ ابن حجر بقوله: «وهو احتجاج مردود؛ لأنه
ليس كل حديث تفرد به أيُّ ثقة كان يكون مقبولًا، كما سبق بيانه في نوع الشاذ
(2)
.
(1)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 606) باختصار، وينظر:«النكت على مقدمة ابن الصلاح» للزركشي (2/ 606)، و «النكت الوفية» (1/ 426)، و «فتح المغيث» (1/ 217).
(2)
ينظر: «النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 654).
ثم إن الفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة ظاهر؛ لأن تفرده بالحديث لا يلزم منه تطرق السهو والغفلة على غيره من الثقات؛ إذ لا مخالفة في روايته لهم، بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظًا وأكثر عددًا، فالظن غالب بترجيح روايتهم على روايته، ومبنى هذا الأمر على غلبة الظن»
(1)
.
5 -
وساق الخطيب عدة احتمالات وتجويزات تؤيد قبول الزيادة، منها: أن يكون الراوي حدث بالحديث في وقتين، وكانت الزيادة في أحدهما دون الوقت الآخر .... إلى آخرها
(2)
.
وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذه الاحتمالات قائلًا: «والجواب عن ذلك: أن الذي يبحث فيه أهل الحديث في هذه المسألة، إنما هو في زيادة بعض الرواة من التابعين فمن بعدهم.
أما الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها.
وإنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه، كمالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنه ب، إذا روى
الحديث جماعة من الحفاظ الأثبات العارفين بحديث ذلك الشيخ وانفرد دونهم بعض رواته بزيادة، فإنها لو كانت محفوظة لما غفل الجمهور من رواته عنها.
فتفرد واحد عنه بها دونهم مع توفر دواعيهم على الأخذ عنه وجمع حديثه، يقتضي ريبة توجب التوقف عنها»
(1)
.
الترجيح:
بعد أن عرضت أدلة الفريقين، يتضح أن رأي الفريق الثاني - وهو الترجيح بالأحفظ والأكثر وبالقرائن المحتفة بالخبر - هو الصواب؛ للأسباب الآتية:
1 -
أن ما استدل به الخطيب ومن تبعه قد أجاب عنه الفريق الثاني.
2 -
أن أكثر أئمة أصحاب الحديث وحفاظهم ونقادهم على عدم قبول الزيادة مطلقًا، بل يذهبون إلى الترجيح، كما سبق بيانه.
3 -
يلاحظ أن الخطيب قد استفاض في إيراد تجويزات أن يكون الراوي قد حفظ ما لم يحفظه الآخرون، ولم يورد ولو تجويزًا واحدًا أن يكون الراوي قد أخطأ ووهم، وكأن الثقة عنده معصوم من الخطأ والوهم!
4 -
ما شاع أن الفقهاء والأصوليين يقبلون زيادة الثقة مطلقًا غير صحيح، قال الحافظ ابن حجر: «والحق في هذا أن زيادة الثقة لا تُقبل دائمًا، ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين فلم يُصب، وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف، ولم يتعرض بعضهم لنفيها لفظًا ولا معنى.
وممن صرح بذلك الإمام فخر الدين
(2)
وابن الأَبْيَاري
(3)
شارح
(1)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 691) باختصار.
(2)
ينظر: «المحصول» للرازي (4/ 473).
(3)
الأبياري: بفتح الهمزة وبعدها باء ساكنة معجمة بواحدة وياء مفتوحة معجمة من تحتها باثنتين، نسبة إلى أبيار قرية كبيرة يبين نخلُها للإنسان إذا سار في النيل إلى الإسكندرية. وابن الأبياري المذكور هو علي بن إسماعيل بن علي بن حسن بن عطية، فقيه أصولي متكلِّم، من تصانيفه: شرح البرهان للجويني، وسفينة النجا على طريقة الإحيا، توفي سنة (616 هـ). «تكملة الإكمال» لابن نقطة (1/ 165)، و «معجم المؤلفين» (7/ 37).
«البرهان»
(1)
وغيرهما. وقال ابن السمعاني: إذا كان راوي الناقصة لا يغفل، أو كانت الدواعي تتوفر على نقلها، أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الزيادة، وكان المجلس واحدًا، فالحق ألا يُقبل رواية راوي الزيادة، هذا الذي ينبغي. انتهى
(2)
.
وإنما أردت بإيراد هذا بيان أن الأصوليين لم يُطبقوا على القبول مطلقًا، بل الخلاف بينهم»
(3)
.
5 -
أن الخطيب قد تناقض في هذه المسألة؛ فقد قرر في كتاب «الكفاية» أن زيادة الثقة مقبولة مطلقًا، ولكنه في كتابه «تمييز المزيد في متصل الأسانيد» لم يقبلها مطلقًا، بل حكم على بعض الزيادات بالرد، كما أوضح ذلك الحافظ ابن رجب فيما نقلته آنفًا.
وكذلك صنع في كتابه «تاريخ بغداد» -موضع الدراسة- فإنه رد كثيرًا من
الزيادات ورجح الإرسال على الوصل والوقف على الرفع، بل لو قلت: إنه لم يرجح الوصل على الإرسال ولا الرفع على الوقف قط لَمَا بعدت عن الصواب، وسيتضح ذلك في المطالب الآتية، والله الموفق.
(1)
ينظر: «الغيث الهامع شرح جمع الجوامع» لأبي زرعة بن العراقي (ص: 424). والبرهان هو «البرهان في أصول الفقه» لإمام الحرمين الجويني.
(2)
«قواطع الأدلة في الأصول» (1/ 401).
(3)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» (2/ 613).
المطلب الثاني
النقد بمخالفة الراوي لغيره برفع الموقوف
قرَّر الخطيب في كتابه «الكفاية» أن الرواة إذا اختلفوا في الحديث، فبعضهم رفعه وبعضهم وقفه، أن الصواب مع من رفعه، وقد ذكرت كلامه في المطلب السابق.
ولكن من خلال مطالعة كتابه «تاريخ بغداد» يتبين جليًّا أنه يرجِّح بالأحفظ والأكثر، وغيرهما من القرائن، ويسير في نقده في هذه المسألة على نهج أئمة الحديث ونقاده، بل إني لم أره قد رجَّح الرفع على الوقف ولو مرة واحدة، وقد خالف بذلك ما قرره في «الكفاية» من ترجيح الرفع مطلقًا.
وهذه بعض الأمثلة التي توضِّح ذلك:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة إبراهيم بن مجشِّر من «تاريخ بغداد» ومن طريقه عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الرهن محلوب ومركوب»
(1)
. قال: فذكرتُ ذلك لإبراهيم،
فقال: إنْ كانوا ليكرهون أن يستمتعوا من الرهن بشيء.
ثم قال الخطيب: «تفرد برواية هذا الحديث عن أبي معاوية مرفوعًا
(1)
أي: لمرتهنه أن يأكل لبنه وأن يركبه، بقدر نظره عليه وقيامه بأمره وعلفه. ينظر:«النهاية في غريب الحديث» (1/ 422)، و «فتح الباري» لابن حجر (5/ 143 - 144).
إبراهيم بن مجشِّر، ورفعه أيضًا أبو عوانة عن الأعمش، ورواه غيره عن أبي معاوية موقوفًا لم يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك رواه سفيان الثوري، وهشيم، ومحمد بن فضيل، وجرير بن عبد الحميد، عن الأعمش موقوفًا، وهو المحفوظ من حديثه»
(1)
.
فهذا الحديث ذكر الخطيب البغدادي أن إبراهيم بن مجشِّر تفرد بروايته عن أبي معاوية
(2)
مرفوعًا، وروايته أخرجها أيضًا ابن عدي
(3)
، والدارقطني
(4)
، والبيهقي
(5)
.
قال ابن عدي: «وهذا الحديث لا أعلمه يرفعه عن أبي معاوية غير إبراهيم بن مجشِّر هذا» .
وقال الدارقطني: «تفرد به إبراهيم بن مجشِّر عن أبي معاوية عنه
مرفوعًا»
(6)
.
وإبراهيم بن مجشِّر هذا ذكر الخطيب أن ابن عدي قال فيه: «ضعيف يسرق الحديث» .
(1)
«تاريخ بغداد» (7/ 130).
(2)
هو محمد بن خازم، بمعجمتين، أبو معاوية الضرير الكوفي، عمي وهو صغير، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش وقد يهم في حديث غيره، مات سنة (195 هـ)، وقد رُمي بالإرجاء، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 475 رقم 5841).
(3)
«الكامل» (1/ 441).
(4)
«سنن الدارقطني» كتاب البيوع (3/ 441 رقم 2930)، و «الغرائب والأفراد» كما في أطرافه (5/ 341 رقم 5672).
(5)
«السنن الكبرى» كتاب الرهن، باب ما جاء في زيادات الرهن (6/ 64 رقم 11207).
(6)
«أطراف الغرائب والأفراد» (5/ 341 رقم 5672).
وأن ابن عقدة قال: «فيه نظر» .
وأن محمد بن إسحاق السراج قال: «سمعت الفضل بن سهل يتكلم في إبراهيم بن المجشِّر ويكذبه»
(1)
.
ثم ذكر الخطيب أن غير ابن مجشِّر يرويه عن أبي معاوية موقوفًا، وقد ذكر أبو حاتم الرازي أن أبا معاوية كان يرويه مرفوعًا ثم ترك الرفع فكان يرويه بعد ذلك موقوفًا؛ قال ابن أبي حاتم: «سمعت أبي يقول: حدثنا علي الطنافسي
(2)
قال: حدثنا أبو معاوية قال: حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعًا:«الرهن مركوب ومحلوب» رفعه مرة، ثم ترك بعدُ الرفع، فكان يقفه»
(3)
.
وقد ذكر ابن عدي أيضًا أن أبا معاوية رواه عن الأعمش مرفوعًا وموقوفًا، وسيأتي نقل كلامه بعد قليل.
وذكر الخطيب أن أبا عوانة
(4)
قد رواه عن الأعمش فرفعه أيضًا، وروايته أخرجها البزار
(5)
، وابن الأعرابي
(6)
، والقَطيعي
(7)
،
(1)
«تاريخ بغداد» (7/ 131)، ولم أجد قول ابن عدي في ترجمة إبراهيم بن مجشر من «الكامل» (1/ 441).
(2)
هو علي بن محمد بن إسحاق الطَّنافسي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة (233 هـ) وقيل:(235 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 405 رقم 4791).
(3)
«علل الحديث» (3/ 592 رقم 1113).
(4)
سبقت ترجمته (ص: 281).
(5)
«مسند البزار» (16/ 134 رقم 9223).
(6)
«معجم ابن الأعرابي» (2/ 449 رقم 876).
(7)
«جزء الألف دينار» (ص: 428 رقم 283).
والدارقطني
(1)
، وقاضي المارستان
(2)
كلهم من طريق يحيى بن حماد
(3)
عن أبي عوانة.
وأخرجها الحاكم
(4)
من طريق شيبان بن فروخ
(5)
وسليمان بن حرب
(6)
كلاهما عن أبي عوانة.
وأخرجها البيهقي
(7)
من طريق شيبان بن فروخ عن أبي عوانة.
قال البزار: «وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رفعه إلا أبو عوانة، ولا نعلم أحدًا رفعه عن أبي عوانة إلا يحيى بن حماد وشيبان» .
(1)
«سنن الدارقطني» كتاب البيوع (3/ 441 رقم 2930).
(2)
«المشيخة» (3/ 1057 رقم 470).
(3)
هو يحيى بن حماد بن أبي زياد الشيباني مولاهم البصري ختن أبي عوانة، ثقة عابد، مات سنة (215 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 589 رقم 7535).
(4)
«المستدرك» كتاب البيوع (2/ 67 رقم 2347).
(5)
هو شيبان بن فروخ أبي شيبة الحَبَطي الأُبُلِّي، أبو محمد، صدوق يهم ورُمي بالقدر، قال أبو حاتم: اضطر الناس إليه أخيرًا، من صغار التاسعة، مات سنة (236 هـ) أو (235 هـ) وله بضع وتسعون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 269 رقم 2834).
(6)
هو سليمان بن حرب الأزدي الواشحي البصري قاضي مكة، ثقة إمام حافظ، من التاسعة، مات سنة (224 هـ) وله ثمانون سنة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 250 رقم 2545).
(7)
«السنن الكبرى» كتاب الرهن، باب ما جاء في زيادات الرهن (6/ 64 رقم 11208).
وذكر الدارقطني أنه اختلف عن يحيى بن حماد وشيبان في رفعه أيضًا، وأن عفانًا
(1)
وقفه عن أبي عوانة
(2)
.
ثم ذكر الخطيب أن سفيان الثوري، وهشيمًا
(3)
، ومحمد بن فضيل
(4)
،
وجرير بن عبد الحميد
(5)
رووه عن الأعمش موقوفًا.
وكأن الخطيب استفاد هذا من الدارقطني، فقد قال في «العلل»:«ورواه الثوري، وهشيم، ومحمد بن فضيل، وجرير بن عبد الحميد، عن الأعمش موقوفًا على أبي هريرة»
(6)
.
(1)
هو عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي أبو عثمان الصفار البصري، ثقة ثبت، قال ابن المديني: كان إذا شك في حرف من الحديث تركه وربما وهم، وقال ابن معين: أنكرناه في صفر سنة تسع عشرة -يعني: ومائتين- ومات بعدها بيسير، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 393 رقم 4625).
(2)
«علل الدارقطني» (10/ 112).
(3)
هو هُشيم بن بَشير بن القاسم بن دينار السلمي أبو معاوية ابن أبي خازم الواسطي، ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي، من السابعة، مات سنة (183 هـ) وقد قارب الثمانين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 574 رقم 7312).
(4)
هو محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف رُمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة (195 هـ)، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 502 رقم 6227).
(5)
هو جرير بن عبد الحميد بن قُرْط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها، ثقة صحيح الكتاب، قيل: كان في آخر عمره يهم من حفظه، مات سنة (188 هـ) وله إحدى وسبعون سنة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 139 رقم 916).
(6)
«علل الدارقطني» (10/ 113).
ولم أجد الرواية الموقوفة لهؤلاء الأربعة، ولكني وجدت رواية مرفوعة لسفيان الثوري، أخرجها ابن عدي عن الحسن بن عثمان بن زياد، عن خليفة بن خياط وحفص بن عمر الرازي قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا سفيان، عن منصور، عن إبراهيم. وعن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«الرهن محلوب ومركوب» .
(1)
.
والحسن بن عثمان هذا قال فيه ابن عدي: «كان عندي يضع، ويسرق حديث الناس» .
وذكر أنه سأل عبدان الأهوازي عنه فقال: «هو كذاب»
(2)
.
وقد رواه جماعة آخرون عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفًا عليه منهم:
- وكيع؛ كما في نسخته
(3)
، ورواه عنه ابن أبي شيبة
(4)
، والبيهقي
(5)
.
(1)
«الكامل» (3/ 208).
(2)
«الكامل» (3/ 207).
(3)
«نسخة وكيع عن الأعمش» (ص: 73 رقم 16).
(4)
«مصنف ابن أبي شيبة» كتاب الرد على أبي حنيفة، مسألة استعمال الرهن والاستفادة منه (7/ 288 رقم 36155).
(5)
«السنن الكبرى» كتاب الرهن، باب ما جاء في زيادات الرهن (6/ 64 رقم 11209).
- سفيان بن عيينة، ورواه عنه الشافعي
(1)
، ومن طريقه رواه البيهقي
(2)
.
- معمر بن راشد، رواه عنه عبد الرزاق
(3)
.
- شعبة، رواه عنه مسلم بن إبراهيم
(4)
، وروايته أخرجها البيهقي
(5)
.
لكن رواه نصر بن حماد أبو الحارث الوراق عن شعبة فرفعه، وروايته أخرجها ابن عدي في ترجمة نصر من «الكامل»
(6)
ثم قال ابن عدي: «وهذا من حديث شعبة موصولًا لم أكتبه إلا عن عبدان» .
وذكر له أحاديث أخرى ثم قال في نهاية ترجمته: «وهذه الأحاديث التي ذكرتها عن نصر عن شعبة -وله غيرها عن شعبة- كلها غير محفوظة، ومع ضعفه يُكتب حديثه» .
فهي رواية غير محفوظة تفرد بها نصر بن حماد، وهو غير ثقة، واتهمه بعض الحفاظ بالكذب
(7)
.
(1)
«الأم» كتاب الرهن الكبير، باب زيادة الرهن (3/ 167).
(2)
«السنن الكبرى» كتاب الرهن، باب ما جاء في زيادات الرهن (6/ 64 رقم 11209)، و «معرفة السنن والآثار» كتاب الرهن، باب الزيادة في الرهن (8/ 227 رقم 11724).
(3)
«مصنف عبد الرزاق» كتاب البيوع، باب ما يحل للمرتهن من الرهن (8/ 244 رقم 15066).
(4)
هو مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي أبو عمرو البصري، ثقة مأمون مكثر عمي بأخرة، من صغار التاسعة، مات سنة (222 هـ) وهو أكبر شيخ لأبي داود، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 529 رقم 6616).
(5)
«السنن الكبرى» كتاب الرهن، باب ما جاء في زيادات الرهن (6/ 64 رقم 11209).
(6)
«الكامل» (8/ 289).
(7)
ينظر: «تهذيب الكمال» (29/ 343).
وقد رجح الدارقطني أن الصواب عن شعبة موقوف، فقال: «فأما الأعمش فرواه عنه شعبة، واختلف عنه فرفعه أبو الحارث الوراق نصر بن حماد، عن شعبة، وروي عن وهب
(1)
بن جرير أيضًا مرفوعًا، وغيرهما يرويه عن شعبة موقوفًا، وهو الصواب»
(2)
.
ولم أقف على رواية وهب هذه فيما لديَّ من مصادر، ووهب ثقة، ولكن قد تُكلِّم في روايته عن شعبة
(3)
.
- عيسى بن يونس
(4)
، رواه عنه إسحاق بن راهويه
(5)
.
لكن رواه لوين
(6)
عن عيسى بن يونس مرفوعًا، كما وقع عند ابن المقرئ
(7)
.
ومن هذا العرض يتبين أن أكثر مَن رواه إنما رواه موقوفًا، فلذلك رجح الخطيب الرواية الموقوفة على المرفوعة، وعلى ذلك جَمْعٌ من أهل العلم، منهم:
(1)
في المطبوع من «علل الدارقطني» : «وهيب» .
(2)
«علل الدارقطني» (10/ 112).
(3)
ينظر: ترجمة وهب بن جرير بن حازم من «الكامل» لابن عدي (8/ 342).
(4)
سبقت ترجمته (ص: 232).
(5)
«مسند إسحاق بن راهويه» (1/ 304 رقم 282).
(6)
هو محمد بن سليمان بن حبيب الأسدي أبو جعفر العلاف الكوفي ثم المصيصي، لقبه لوين بالتصغير، ثقة، من العاشرة، مات سنة (245 هـ) أو (246 هـ)، وقد جاز المائة. «تقريب التهذيب» (ص: 481 رقم 5925).
(7)
«معجم ابن المقرئ» (ص: 75 رقم 152).
- الإمام الشافعي؛ حيث رواه في «الأم» عن سفيان بن عيينة موقوفًا كما تقدم، وقد ذكر البيهقي روايته ثم قال: «وهذا موقوف، وذكره المزني مرفوعًا بالإسناد
(1)
، ولم يذكره الشافعي مرفوعًا، وإنما ذكره موقوفًا، وهو الصحيح»
(2)
.
- الترمذي؛ فقد قال ابن حجر: «وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على الأعمش وغيره ورجح الموقوف، وبه جزم الترمذي»
(3)
.
والذي وجدته في «سنن الترمذي» : أنه روى حديث وكيع، عن زكريا، عن عامر، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظهر يُركب إذا كان مرهونًا، ولبن الدر يُشرب إذا كان مرهونًا، وعلى الذي يركب ويشرب نفقته» .
(4)
فالله أعلم.
- ابن عدي؛ حيث قال: «وهذا الحديث قوله: «الرهن محلوب ومركوب» الأصل فيه موقوف، وقد رواه عن الأعمش: أبو عوانة، وعيسى بن يونس، وأبو معاوية، وشعبة، والثوري مرفوعًا وموقوفًا، والأصح هو الموقوف»
(5)
.
(1)
ينظر: «مختصر المزني» (8/ 197).
(2)
«معرفة السنن والآثار» كتاب الرهن، باب الزيادة في الرهن (8/ 227 رقم 11726).
(3)
«فتح الباري» (5/ 143).
(4)
«سنن الترمذي» أبواب البيوع، باب ما جاء في الانتفاع بالرهن (3/ 547 رقم 1254).
(5)
«الكامل» (9/ 160).
- الدارقطني؛ حيث قال بعد عرضه لأوجه الاختلاف فيه: «ورواه الثوري، وهشيم، ومحمد بن فضيل، وجرير بن عبد الحميد، عن الأعمش موقوفًا على أبي هريرة، وهو المحفوظ عن الأعمش»
(1)
.
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة جعفر بن محمد بن سليمان الخلال من «تاريخ بغداد» عن بشرى بن عبد الله قال: أخبرنا أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد الفقيه
(2)
قال: حدثنا جعفر بن محمد بن سليمان
(3)
قال: حدثنا
الربيع بن ثعلب قال: حدثنا الفرج بن فضالة، عن لقمان بن عامر، عن أبي الدرداء قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ناقدتَ الناس ناقدوك، وإن تركتَهم لم يتركوك، وإن هربتَ منهم أدركوك» . قال: قلتُ: فما أصنع؟ قال: «هَبْ عرضك ليوم فقرك»
(4)
.
قال أبو بكر: قد رأيتُه في كتاب جعفر الخلال في موضعين، في موضع رفعه، وفي موضع موقوفًا، وقد حدثنا بهذا الحديث جماعة عن غير الربيع، فمنهم من أوقفه، ومنهم من أسنده.
(1)
«علل الدارقطني» (10/ 113 رقم 1903).
(2)
هو المعروف بغلام الخلال، قال فيه ابن أبي يعلى:«كان أحد أهل الفهم، موثوقًا به في العلم، متسع الرواية، مشهورًا بالديانة، موصوفًا بالأمانة، مذكورًا بالعبادة» . «طبقات الحنابلة» (3/ 214).
(3)
هو أبو الفضل الخلال الدوري، لم يذكر الخطيب في ترجمته له جرحًا ولا تعديلًا، ولم أجد أحدًا ذكره بذلك.
(4)
رواه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 245 رقم 1219)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (47/ 178) كلاهما من طريق الخطيب به مرفوعًا.
قلت (أي: الخطيب): «رواه نُعيم بن الهيصم، عن فرج بن فضالة موقوفًا، وهو الصحيح، حدثناه الحسن بن علي الجوهري إملاء قال: أخبرنا عمر بن محمد بن علي بن الزيات قال: حدثنا أحمد بن الحسن بن عبد الجبار قال: حدثنا نُعيم بن الهيصم قال: حدثنا أبو فضالة الحمصي فرج بن فَضالة، عن لقمان، عن أبي الدرداء قال: «إن ناقرتَ الناس ناقروك، وإن تقربتَ منهم أدركوك، وإن تركتَهم لم يتركوك» . قال: فكيف أصنع؟ قال: «هب عرضك ليوم فقرك» .
كذا أملاه الجوهري بالراء، وكذا كان في أصل كتابه»
(1)
.
فهذا الحديث رواه الربيع بن ثعلب عن الفرج بن فضالة مرفوعًا، والربيع بن ثعلب قال فيه يحيى بن معين: رجل صالح. وقال صالح بن محمد
المعروف بجزرة: صدوق ثقة. وقال الدارقطني: بغدادي ثقة
(2)
.
ورواه نعيم بن الهيصم عن الفرج بن فضالة موقوفًا، ونعيم بن الهيصم قال فيه يحيى بن معين: رجل صدوق، وهو من العرب. وقال الدارقطني والخطيب: ثقة
(3)
.
فهذان ثقتان: الربيع بن ثعلب ونعيم بن الهيصم روياه عن الفرج بن فضالة مرة مرفوعًا ومرة موقوفًا، والذي يترجح لي أن هذا اضطراب من الفرج نفسه، فكان يرفعه مرة ويوقفه أخرى، وقد ضعَّفه جَمْعٌ من أهل
(1)
«تاريخ بغداد» (8/ 100)، ورواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (47/ 178) من طريق الخطيب به موقوفًا.
(2)
هذه الأقوال الثلاثة من «تاريخ بغداد» (9/ 410 - 411).
(3)
«تاريخ بغداد» (15/ 418).
العلم، منهم: علي بن المديني، والبخاري، ومسلم، والنسائي، والدارقطني، والساجي
(1)
.
وقد رجح الخطيب الرواية الموقوفة، ولعل ذلك لما ذكره الخطيب أنه وقع في كتاب جعفر الخلال -وهو راوي الرواية المرفوعة عن الربيع بن ثعلب- في موضع مرفوعًا وفي موضع موقوفًا.
وقد جزم ابن الجوزي بأن الرواية المرفوعة خطأ من الفرج بن فضالة فقال: «هذا الحديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وغلط من رفعه، وإنما هو كلام أبي الدرداء، قال ابن حبان: كان الفرج بن فضالة يقلب الأسانيد ويلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به
(2)
»
(3)
.
ومما يؤيد أن الصواب في هذه الرواية الوقف: أن هذا الكلام لا يشبه كلام النبوة، إنما يشبه كلام الحكماء، وحري أن يكون بكلام أبي الدرداء أشبه، وقد جاء من طرق أخرى موقوفًا عليه:
منها ما رواه ابن أبي شيبة
(4)
-ومن طريقه أبو نعيم
(5)
- وأبو داود في «الزهد»
(6)
، وابن عساكر
(7)
كلهم من طريق محمد بن بشر قال: حدثنا مسعر، عن عون بن عبد الله، عن أبي الدرداء قال: إن قارضت الناس
(1)
ينظر ترجمته في «تهذيب الكمال» (23/ 156).
(2)
«المجروحين» (2/ 206).
(3)
«العلل المتناهية» (2/ 245 رقم 1219).
(4)
«مصنف ابن أبي شيبة» كتاب الزهد، كلام أبي الدرداء (7/ 112 رقم 34596).
(5)
«حلية الأولياء» (1/ 218).
(6)
«الزهد» (ص: 214 رقم 235).
(7)
«تاريخ دمشق» (47/ 178).
قارضوك، وإن تركتهم لم يتركوك. قال: فما تأمرني؟ قال: اقرض من عرضك ليوم فقرك
(1)
.
ومنها ما رواه ابن أبي الدنيا
(2)
-ومن طريقه ابن عساكر
(3)
- عن إبراهيم بن المنذر الحزامي، حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض، عن يحيى بن
سعيد قال: قال أبو الدرداء: أدركت الناس ورقًا لا شوك فيه، فأصبحوا شوكًا لا ورق فيه، إن نقدتهم نقدوك، وإن تركتهم لا يتركوك. قالوا: فكيف نصنع؟ قال: تقرضهم من عرضك ليوم فقرك
(4)
.
(1)
ورجاله ثقات: محمد بن بشر هو ابن الفرافصة، ثقة حافظ، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 469 رقم 5756).
ومسعر هو ابن كدام، ثقة ثبت فاضل، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 528 رقم 6605).
وعون بن عبد الله هو ابن عتبة بن مسعود الهذلي، ثقة عابد. «تقريب التهذيب» (ص: 434 رقم 5223).
إلا أنه لم يثبت سماع عون بن عبد الله من أبي الدرداء، فقد قال المزي في «تهذيب الكمال» (22/ 454):«يقال: إن روايته عن الصحابة مرسلة» .
(2)
«مداراة الناس» (ص: 31 رقم 13)، و «الإشراف في منازل الأشراف» (ص: 219 رقم 252).
(3)
«تاريخ دمشق» (47/ 179).
(4)
رجاله ثقات: إبراهيم بن المنذر الحزامي، صدوق تكلم فيه أحمد لأجل القرآن. «تقريب التهذيب» (ص: 94 رقم 253).
وأبو ضمرة، ثقة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 115 رقم 564).
ويحيى بن سعيد لعله ابن قيس الأنصاري المدني أبو سعيد القاضي، ثقة ثبت، مات سنة أربع وأربعين ومائة أو بعدها. «تقريب التهذيب» (ص: 591 رقم 7559).
فإن كان هو فالإسناد منقطع؛ لأنه لم يدرك أبا الدرداء، فقد مات أبو الدرداء في أواخر خلافة عثمان على الأرجح، كما في «تقريب التهذيب» (ص: 434 رقم 5228).
ومنها ما رواه ابن وهب
(1)
عن مالك أنه قال: بلغني عن أبي الدرداء قال: أدركت الناس ورقًا لا شوك فيه، فهم اليوم شوك لا ورق فيه، إن نقدتهم
(2)
وإن تركتهم لم يبرئوك.
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة علي بن الحسن بن عَبدُويه الخزَّاز من «تاريخ بغداد» ومن طريقه قال: حدثنا شاذان أسود بن عامر
(3)
قال: أخبرنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم
صلى على المنفوس
(4)
، ثم قال:«اللهم أَعِذْه من عذاب القبر» .
ثم قال الخطيب: «تفرد برواية هذا الحديث هكذا مرفوعًا علي بن الحسن، عن أسود بن عامر، عن شعبة، وخالفه غيره، فرواه عن أسود موقوفًا.
كما أخبرنا علي بن محمد بن عبد الله بن بشران قال: أخبرنا محمد بن عمرو بن البختري الرزاز قال: حدثنا أحمد بن الوليد قال: حدثنا شاذان قال: أخبرنا سفيان بن سعيد، [عن يحيى بن سعيد]
(5)
، عن سعيد بن
(1)
«الجامع» لابن وهب (ص: 524 رقم 416 - تحقيق أبي الخير).
(2)
كذا، وكأنه سقط منه شيء.
(3)
الأسود بن عامر الشامي نزيل بغداد، يكنى أبا عبد الرحمن، ويلقب شاذان، ثقة، مات في أول سنة ثمان ومائتين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 111 رقم 503).
(4)
المنفوس: هو الطفل حين يولد. «النهاية في غريب الحديث» (ن ف س).
(5)
ما بين المعقوفتين سقط من مطبوعة «تاريخ بغداد» ، ولا بد منه، وقد أثبتُّه من «إثبات عذاب القبر» للبيهقي (ص: 133 رقم 230) حيث رواه عن شيخ الخطيب ابن بشران به.
المسيب، عن أبي هريرة، أنه صلى على منفوس، ثم قال: اللهم إني أعيذه من عذاب القبر.
وقال شاذان: أخبرنا شعبة، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة بنحوه.
وهكذا رواه أصحاب شعبة عنه، وكذلك رواه مالك، والحمادان، وغيرهم، عن يحيى بن سعيد موقوفًا على أبي هريرة، وهو الصواب»
(1)
.
فهذا الحديث ذكر الخطيب أن علي بن الحسن بن عبدويه الخزاز تفرد بروايته عن شاذان عن شعبة مرفوعًا، وروايته أخرجها أيضًا ابن شاذان
(2)
،
والبيهقي
(3)
.
قال ابن شاذان: «تفرد برفعه شاذان عن شعبة» .
وقال البيهقي: «هكذا رواه مرفوعًا، وإنما رواه غيره عن شاذان موقوفًا» .
وعلي بن الحسن بن عبدويه الخزاز قال فيه الخطيب: كان ثقة. ونقل عن الدارقطني أنه قال فيه: لا بأس به
(4)
.
فهذا الثقة قد تفرد برفع هذا الحديث عن شاذان عن شعبة، وخالفه أحمد بن الوليد -وهو ابن أبي الوليد الفحام، وهو ثقة أيضًا قال فيه الخطيب:
(1)
«تاريخ بغداد» (13/ 300).
(2)
«مشيخة ابن شاذان الصغرى» (ص: 20 رقم 12).
(3)
«إثبات عذاب القبر» (ص: 105 رقم 160).
(4)
«تاريخ بغداد» (13/ 299).
كان ثقة
(1)
- فرواه عن شاذان عن شعبة موقوفًا، وروايته أخرجها أيضًا البيهقي
(2)
.
وذكر الخطيب أن أصحاب شعبة هكذا يروونه عنه موقوفًا، وممن وقفت عليه منهم:
1 -
وهب بن جرير
(3)
، وروايته أخرجها الطحاوي
(4)
.
2 -
عمرو بن مرزوق
(5)
، وروايته أخرجها الطبراني
(6)
.
3 -
علي بن الجعد
(7)
، وروايته أخرجها ابن أبي الدنيا
(8)
.
ثم ذكر الخطيب أنه رواه مالك، والحمادان، وغيرهم، عن يحيى بن سعيد موقوفًا على أبي هريرة أيضًا، وذكر أن سفيان الثوري يرويه أيضًا موقوفًا،
(1)
«تاريخ بغداد» (6/ 420).
(2)
«السنن الكبرى» كتاب الجنائز، باب السقط يغسل ويكفن ويصلى عليه إن استهل أو عُرفت له حياة (4/ 14 رقم 6793).
(3)
هو وهب بن جرير بن حازم بن زيد أبو عبد الله الأزدي البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة ست ومائتين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 585 رقم 7472).
(4)
«شرح معاني الآثار» كتاب الجنائز، باب الطفل يموت أيصلى عليه أم لا؟ (1/ 509).
(5)
هو عمرو بن مرزوق الباهلي أبو عثمان البصري، ثقة فاضل له أوهام، من صغار التاسعة، مات سنة أربع وعشرين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 426 رقم 5110).
(6)
«الدعاء» (ص: 362 رقم 1204).
(7)
هو علي بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي، ثقة ثبت رُمي بالتشيع، من صغار التاسعة، مات سنة ثلاثين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 398 رقم 4698).
(8)
«النفقة على العيال» (2/ 602 رقم 420).
وساق ذلك بإسناده كما تقدم، وهذا سرد بأسماء من رواه عن يحيى بن سعيد موقوفًا، مع تخريج روايتهم:
1 -
مالك بن أنس، وروايته في «الموطأ»
(1)
.
2 -
سفيان الثوري، وروايته أخرجها عبد الرزاق
(2)
-ومن طريقه ابن المنذر
(3)
- والبيهقي
(4)
.
3 -
حماد بن زيد، وروايته أخرجها الطبراني
(5)
، واللالكائي
(6)
.
4 -
أبو معاوية الضرير
(7)
، وروايته أخرجها هناد بن السري
(8)
.
5 -
هشيم
(9)
، وروايته أخرجها عبد الله بن أحمد
(10)
.
6 -
عبدة بن سليمان
(11)
، وروايته أخرجها ابن أبي شيبة
(12)
.
(1)
«الموطأ» كتاب الجنائز، باب ما يقول المصلي على الجنازة (1/ 228).
(2)
«مصنف عبد الرزاق» كتاب الجنائز، باب الصلاة على الصغير والسقط وميراثه (3/ 533 رقم 6610).
(3)
«الأوسط» (5/ 406 رقم 3096).
(4)
«السنن الكبرى» كتاب الجنائز، باب السقط يغسل ويكفن ويصلى عليه إن استهل أو عُرفت له حياة (4/ 14 رقم 6793)، و «إثبات عذاب القبر» (ص: 133 رقم 230).
(5)
«الدعاء» (ص: 362 رقم 1204).
(6)
«شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (6/ 1210 رقم 2141).
(7)
سبقت ترجمته (ص: 288).
(8)
«الزهد» (1/ 213 رقم 351).
(9)
سبقت ترجمته (ص: 291).
(10)
«السنة» (2/ 596 رقم 1419).
(11)
سبقت ترجمته (ص: 276).
(12)
«مصنف ابن أبي شيبة» كتاب الجنائز، باب ما قالوا في السقط، من قال يصلى عليه (3/ 10 رقم 11587).
7 -
يحيى بن سعيد القطان، وروايته أخرجها أبو يعلى
(1)
.
8 -
عبد الوهاب بن عبد المجيد
(2)
، وروايته أخرجها أبو يعلى
(3)
.
9 -
حماد بن سلمة، ذكر روايته الخطيب فيما تقدم، وذكرها أيضًا الدارقطني
(4)
.
10 -
زائدة بن قدامة
(5)
.
11 -
زهير بن معاوية
(6)
.
12 -
علي بن مُسْهِر
(7)
.
13 -
أبو حمزة
(8)
.
14 -
سفيان بن عيينة، هؤلاء الخمسة ذكر روايتهم الدارقطني
(9)
.
(1)
«حديث محمد بن بشار» لأبي يعلى (ص: 103 رقم 14).
(2)
هو عبد الوهاب بن عبد المجيد بن الصلت الثقفي أبو محمد البصري، ثقة تغير قبل موته بثلاث سنين، مات سنة أربع وتسعين ومائة، عن نحو من ثمانين سنة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 368 رقم 4261).
(3)
«حديث محمد بن بشار» لأبي يعلى (ص: 103 رقم 14).
(4)
«علل الدارقطني» (9/ 205 رقم 1724).
(5)
هو زائدة بن قدامة الثقفي أبو الصلت الكوفي، ثقة ثبت صاحب سنة، مات سنة ستين ومائة، وقيل بعدها، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 213 رقم 1982).
(6)
سبقت ترجمته (ص: 281).
(7)
علي بن مُسهر، القرشي الكوفي قاضي الموصل، ثقة له غرائب بعد أن أضر، مات سنة تسع وثمانين ومائة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 405 قم 4800).
(8)
لعله أبو حمزة السكري، محمد بن ميمون المروزي، ثقة فاضل، مات سنة سبع أو ثمان وستين ومائة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 510 رقم 6348).
(9)
«علل الدارقطني» (9/ 205 رقم 1724).
فهؤلاء أربعة عشر راويًا من الثقات الأثبات قد رووه عن يحيى بن سعيد الأنصاري موقوفًا على أبي هريرة، مما يدل دلالة واضحة أن الصواب في هذا الحديث الوقف.
أما شعبة فالراجح أنه رواه موقوفًا أيضًا، حيث رواه ثلاثة من الثقات -وهم وهب بن جرير وعمرو بن مرزوق وعلي بن الجعد- عنه موقوفًا، وإن جاءت رواية يرويها علي بن الحسن بن عبدويه -وهو ثقة- عن شاذان عن شعبة مرفوعًا؛ فقد خالفه الثقة أحمد بن الوليد الفحام فرواه عن شاذان عن شعبة موقوفًا كما رواه الجماعة.
فلا شك أن رواية الجماعة هي الصحيحة، وأن الرواية المرفوعة خطأ لتفرد راو واحد بها؛ ولذلك فقد رجح الخطيب رواية الجماعة وهي الرواية الموقوفة، وذهب إلى ذلك أيضًا الدارقطني، حيث عرض الخلاف في رفعه ووقفه، ثم صوَّب الرواية الموقوفة
(1)
.
- المثال الرابع:
روى الخطيب في ترجمة سعيد بن نصير البغدادي من طريق أبي الطاهر الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فيل الأنطاكي
(2)
قال: حدثنا سعيد بن نصير البغدادي قال: حدثنا سيار بن حاتم قال: حدثنا جعفر بن سليمان الضبعي قال: سمعت محمد بن المنكدر يحدث عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مر رجل ممن كان قبلكم بجمجمة فنظر إليها فحدث نفسه بشيء، ثم قال:
يا رب أنت أنت، وأنا أنا، أنت العواد بالمغفرة، وأنا العواد بالذنوب، وخر لله ساجدًا، فقيل له: ارفع رأسك، فأنت العواد بالذنوب، وأنا العواد بالمغفرة».
ثم قال الخطيب: «تفرد بروايته هكذا مرفوعًا سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان.
ورواه العباس بن الوليد النرسي، عن جعفر، عن ابن المنكدر، عن جابر موقوفًا من قوله، وذاك أصح»
(1)
.
فهذا الحديث رواه سيار بن حاتم عن جعفر بن سليمان، عن ابن المنكدر، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروايته أخرجها ابن عدي
(2)
، وتمام
(3)
، والحنائي
(4)
، وقاضي المارستان
(5)
، وقوام السنة
(6)
، وابن عساكر
(7)
.
قال ابن عدي: «وهذا الحديث لا أعرفه إلا من هذا الطريق» .
وقال النخشبي
(8)
: «هذا حديث حسن من حديث جعفر بن سليمان
(1)
«تاريخ بغداد» (10/ 131).
(2)
«الكامل» (2/ 384).
(3)
«فوائد تمام» (1/ 269 رقم 659).
(4)
«الحنائيات» (2/ 1016 رقم 196).
(5)
«مشيخة قاضي المارستان» (3/ 1373 رقم 714).
(6)
«الترغيب والترهيب» (2/ 195 رقم 1415).
(7)
«تاريخ دمشق» (5/ 149)، (37/ 313).
(8)
هو الإمام الحافظ عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم النسفي النخشبي. قال الحافظ يحيى بن منده: كان أوحد زمانه في الحفظ والإتقان، لم نر مثله في الحفظ في عصرنا، دقيق الخط، سريع الكتابة والقراءة، حسن الأخلاق. وأثنى عليه أيضًا الخطيب البغدادي، والصوري، وإسماعيل بن محمد الحافظ، توفي سنة سبع وخمسين وأربعمائة. ينظر:«سير أعلام النبلاء» (18/ 267).
الضبعي الجرشي، عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، ما نعرفه مرفوعًا إلا من حديث أبي سلمة سيار بن حاتم العنزي البصري عنه.
وقد رواه العباس بن الوليد النرسي وغيره عن جعفر بن سليمان موقوفًا من قول جابر، وهو أقرب إلى الصواب إن شاء الله تعالى»
(1)
.
وقد تفرد به سيار بن حاتم مرفوعًا، كما نص عليه ابن عدي والخطيب
والنخشبي. وسيار بن حاتم قال فيه أبو أحمد الحاكم: في حديثه بعض المناكير. وقال العقيلي: أحاديثه مناكير، ضعفه ابن المديني. وقال الأزدي: عنده مناكير
(2)
. وقال ابن حجر: صدوق له أوهام
(3)
.
وخالفه العباس بن الوليد النرسي
(4)
فرواه عن جعفر بن سليمان عن ابن المنكدر من قول جابر موقوفًا عليه، والعباس بن الوليد بن نصر النرسي قال فيه ابن حجر: ثقة
(5)
.
فهو أوثق من سيار بن حاتم، فلا شك أن روايته الموقوفة هي الراجحة، لا سيما وقد تابعه عفان بن مسلم الثقة الثبت
(6)
، فرواه عن جعفر بن سليمان،
(1)
تخريج «الحنائيات» (2/ 1016 رقم 196) باختصار.
(2)
انظر هذه الأقوال في «تهذيب التهذيب» (4/ 290)، وقول العقيلي لم أجده في كتابه «الضعفاء» .
(3)
«تقريب التهذيب» (ص: 261 رقم 2714).
(4)
لم أجد روايته هذه فيما لديَّ من مصادر.
(5)
«تقريب التهذيب» (ص: 294 رقم 3193).
(6)
«تقريب التهذيب» (ص: 393 رقم 4625).
عن ابن المنكدر، عن جابر موقوفًا عليه بمعناه، وروايته أخرجها ابن أبي شيبة
(1)
.
فهذان ثقتان (العباس بن الوليد النرسي، وعفان بن مسلم) قد اتفقا على وقف هذه الرواية، وجاء سيار بن حاتم الذي وُصف برواية المناكير فرفعها، فلا شك أن روايته المرفوعة خطأ وهي من مناكيره، وأن الرواية الموقوفة هي
المحفوظة، وهو ما رجحه الخطيب والنخشبي
(2)
.
- المثال الخامس:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن أحمد بن إبراهيم الحَكيمي من «تاريخ بغداد» من طريق يحيى بن معين، عن هشام بن يوسف، عن أمية بن شبل قال: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي موسى على المنبر قال: «وقع في نفس موسى: هل ينام الله عز وجل؟ فبعث الله إليه ملكًا فأرَّقه ثلاثًا، ثم أعطاه قارورتين، وأمره أن يحتفظ بهما، فجعل ينام وتكاد يداه تلتقيان، ثم يستيقظ فيُنَحِّي إحداهما عن الأخرى، حتى نام نومة فاصطفقت
(3)
يداه، فانكفأت القارورتان، قال: ضرب الله له مثلًا، أن الله لو كان ينام لم تستمسك السماوات والأرض».
(1)
«مصنف ابن أبي شيبة» كتاب الزهد، كلام ابن عباس (7/ 137 رقم 34791).
(2)
وينظر: «سلسلة الأحاديث الصحيحة» (7/ 703 رقم 3231).
(3)
اصطفقت: اضطربت واهتزت. «تاج العروس» (ص ف ق).
ثم رواه من طريق الحسن بن أبي الربيع، عن عبد الرزاق
(1)
قال: قال معمر: أخبرني الحكم بن أبان، عن عكرمة مولى ابن عباس في قوله تعالى:{لَا تَأْخُذُهُ? سِنَة? وَلَا نَوْم?} [البقرة: 255]، أن موسى سأل الملائكة هل ينام الله تعالى؟ فأوحى الله إلى الملائكة وأمرهم أن يؤرقوه ثلاثًا فلا يتركوه ينام،
ففعلوا. ثم أعطوه قارورتين فأمسكها ثم تركوه وحذروه أن يكسرهما. قال: فجعل ينعس وهما في يديه في كل يد واحدة. قال: فجعل ينعس وينتبه حتى نعس نعسة فضرب إحداهما بالأخرى فكسرهما.
قال معمر: إنما هو مثل ضربه الله تعالى، يقول: فكذلك السماوات والأرض في يديه
(2)
.
فهذا الحديث رواه أمية بن شبل، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة مرفوعًا، وروايته أخرجها أبو يعلى
(3)
، والطبري
(4)
، والبيهقي
(5)
، وقوام السنة
(6)
، وابن عساكر
(7)
، وابن الجوزي
(8)
.
(1)
وهو في «تفسير عبد الرزاق» (1/ 362 رقم 321، 322).
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 86).
(3)
«مسند أبي يعلى» (12/ 21 رقم 6669).
(4)
«تفسير الطبري» (4/ 534).
(5)
«أسماء الله وصفاته» (1/ 212 رقم 79)، وقد رواه البيهقي من طريقين عن أمية بن شبل، الطريق الأولى: عن أبي هريرة، والطريق الثانية: عن ابن عباس، وكلاهما مرفوع.
(6)
«الحجة في بيان المحجة» (2/ 472 رقم 461).
(7)
«تاريخ دمشق» (61/ 157).
(8)
«العلل المتناهية» (1/ 26 رقم 22، 23).
وأمية بن شبل قال فيه يحيى بن معين: ثقة
(1)
. وقال علي بن المديني: ما بحديثه بأس
(2)
. وقد تفرد به؛ قال الدارقطني: «تفرد به الحكم بن أبان عن
عكرمة، وتفرد به أمية عن الحكم، وتفرد هشام عن أمية»
(3)
.
وخالفه معمر بن راشد، فرواه عن الحكم بن أبان عن عكرمة من قوله، وروايته أخرجها الطبري
(4)
، وابن أبي حاتم
(5)
، وابن عساكر
(6)
.
ومعمر بن راشد ثقة ثبت فاضل
(7)
، فلا شك في أنه أوثق من أمية بن شبل؛ فالرواية الموقوفة على عكرمة هي الراجحة؛ ولذلك فقد أتبع الخطيب رواية شبل المرفوعة بذكر رواية معمر المخالفة لها؛ إشارة إلى خطأ شبل في رفع الحديث. وقد صرح بعض أهل العلم بترجيح الرواية الموقوفة، منهم:
1 -
البيهقي؛ حيث أورده موقوفًا على أبي بردة بلفظ: «إن موسى قال له قومه: أينام ربنا؟» ، ثم أورد رواية أمية بن شبل المرفوعة هذه، ثم قال:«متن الإسناد الأول -يعني: الموقوف- أشبه أن يكون هو المحفوظ»
(8)
.
(1)
«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (2/ 302).
(2)
«سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لابن المديني» (ص: 149 رقم 202).
(3)
كما في «العلل المتناهية» (1/ 27 رقم 23)، وينظر:«أطراف الغرائب والأفراد» (5/ 224 رقم 5529).
(4)
«تفسير الطبري» (4/ 533).
(5)
«تفسير ابن أبي حاتم» (2/ 488 رقم 2584).
(6)
«تاريخ دمشق» (61/ 158).
(7)
«تقريب التهذيب» (ص: 541 رقم 6809).
(8)
«أسماء الله وصفاته» (1/ 212 رقم 79).
2 -
ابن الجوزي؛ حيث قال: «قلت: ولا يثبت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وغلط من رفعه، والظاهر أن عكرمة رأى هذا في كتب اليهود فرواه، فما يزال عكرمة يذكر عنهم أشياء، لا يجوز أن يخفى هذا على نبي
الله عز وجل، وقد روى عبد الله بن أحمد بن حنبل في كتاب «السنة» عن سعيد بن جبير قال:«إن بني إسرائيل قالوا لموسى عليه السلام: هل ينام ربنا؟»
(1)
، وهذا هو الصحيح؛ فإن القوم كانوا جهالًا بالله عز وجل»
(2)
.
3 -
الذهبي؛ حيث ترجم لأمية بن شبل في «الميزان» من أجل هذا الحديث فقال: «أمية بن شبل، يماني، له حديث منكر، رواه عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن أبي هريرة مرفوعًا قال: «وقع في نفس موسى هل ينام الله؟» الحديث.
رواه عنه هشام بن يوسف، وخالفه معمر، عن الحكم عن عكرمة قوله، وهو أقرب. ولا يسوغ أن يكون هذا وقع في نفس موسى، وإنما رُوي أن بني إسرائيل سألوا موسى عن ذلك»
(3)
.
(1)
«السنة» (2/ 455 رقم 1028).
(2)
«العلل المتناهية» (1/ 27 رقم 23).
(3)
«ميزان الاعتدال» (1/ 276 رقم 1032). وينظر: «تخريج أحاديث الكشاف» للزيلعي (1/ 159)، و «السلسلة الضعيفة» (3/ 121 رقم 1034).
وينظر أمثلة أخرى لترجيح الخطيب الوقف على الرفع في: «تاريخ بغداد» (2/ 85)، (4/ 242)، (5/ 430)، (11/ 502)، (13/ 257، 329)، (15/ 602)، (16/ 249، 282).
المطلب الثالث
النقد بمخالفة الراوي لغيره بوصل المرسل
قرَّر الخطيب في كتابه «الكفاية» أن الرواة إذا اختلفوا في الحديث، فبعضهم وصله وبعضهم أرسله، أن الصواب مع من وصله، وقد ذكرت كلامه في المطلب قبل السابق
(1)
.
ولكن من خلال مطالعة كتابه «تاريخ بغداد» يتبين جليًّا أنه يرجِّح بالأحفظ والأكثر، وغيرهما من القرائن، ويسير في نقده في هذه المسألة على نهج أئمة الحديث ونقاده، بل هو في الغالب يرجِّح الإرسال على الوصل، وقد خالف بذلك ما قرره في «الكفاية» من ترجيح الوصل مطلقًا.
وهذه بعض الأمثلة التي توضِّح ذلك:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة يحيى بن محمد بن يحيى النيسابوري من «تاريخ بغداد» عن البَرْقاني قال: أخبرنا علي بن عمر الحافظ
(2)
قال: حدثنا ابن مخلد قال: حدثنا أبو زكريا يحيى بن محمد بن يحيى النيسابوري. قال: وحدثنا ابن مخلد قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم أبو علي القُوهُسْتاني
(3)
قالا: حدثنا
(1)
ينظر: (ص: 267).
(2)
هو الدارقطني، وقد روى هذا الحديث بهذا الإسناد في «العلل» (9/ 125).
(3)
أحاديثه مستقيمة حسان تدل على حفظه وثقته، مات سنة سبع وستين ومائتين. «تاريخ بغداد» (5/ 15).
يحيى بن يحيى قال: أخبرنا ابن لهيعة، عن عُقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أُتي بالباكورة من الفاكهة
(1)
وضعها على فيه، ثم وضعها على عينيه، ثم قال:«اللهم كما أطعمتنا أوله فأطعمنا آخره» .
قال أبو علي القُوهُسْتاني: سمعتُ يحيى بن يحيى يقول: في هذا الحديث «عروة عن عائشة» في كتابي بين السطرين. وزاد يحيى بن محمد في حديثه: ثم يناوله مَن يحضره من الولدان.
ثم قال الخطيب: «رواه قتيبة، عن ابن لهيعة، عن عُقيل، عن الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فيه عائشة ولا عروة، وذاك أصح»
(2)
.
فهذا الحديث يرويه يحيى بن يحيى النيسابوري عن ابن لهيعة، عن عُقيل، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة مرفوعًا، ويحيى بن يحيى ثقة ثبت إمام
(3)
.
وقد ذكر القُوهُسْتاني أن يحيى بن يحيى أخبره أن قوله: «عن عروة عن عائشة» كان في كتابه بين السطرين، أي: ملحقًا في كتابه ليس من أصله، وهذا يجعلنا نتشكك في هذه الزيادة، وأنها ليست مسموعة له، ويدل على ذلك قول الدارقطني، فإنه لما ذكر الاختلاف في هذا الحديث وأن بعضهم يرويه عن ابن لهيعة مرفوعًا قال:«وكذلك قيل: عن يحيى بن يحيى»
(4)
. فذكره بصيغة التمريض، والله أعلم.
(1)
أي: أول الفاكهة. «مختار الصحاح» (ب ك ر).
(2)
«تاريخ بغداد» (16/ 319).
(3)
ينظر: «تقريب التهذيب» (ص: 598 رقم 7668).
(4)
«علل الدارقطني» (9/ 123).
وقد تابعه عثمان بن صالح بن صفوان بذكر هذه الزيادة، وروايته أخرجها الطبراني عن يحيى بن عثمان بن صالح، عن أبيه قال: حدثنا ابن لهيعة، عن عقيل به مرفوعًا
(1)
.
وعثمان بن صالح وابنه صدوقان وقد تُكلِّم فيهما
(2)
.
وقد وجدت متابعة أخرى أخرجها الدارقطني
(3)
من طريق عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير عن أبيه عن ابن لهيعة عن عقيل مرفوعًا.
وعمرو بن عثمان صدوق
(4)
، وأبوه ثقة عابد
(5)
.
وقد ذكر الخطيب أنه رواه قتيبة بن سعيد
(6)
، عن ابن لهيعة، عن عُقيل،
(1)
«الدعاء» للطبراني (ص: 557 رقم 2004).
(2)
أما عثمان بن صالح، فقد وثقه ابن معين والدارقطني، وقال ابن رشدين: رأيته عند أحمد بن صالح متروكًا. وقال أبو زرعة: لم يكن عندي ممن يكذب، ولكن كان يكتب مع خالد بن نجيح -قال أبو حاتم: هو كذاب كان يفتعل الأحاديث، كما في الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (3/ 355) - فبُلوا به؛ كان يُملي عليهم ما لم يسمعوا. ينظر:«تهذيب التهذيب» (7/ 122). ولكن قال الحافظ في «تقريب التهذيب» (4480): «صدوق» .
وأما ابنه يحيى؛ فقد قال الحافظ ابن حجر: صدوق، رُمي بالتشيع، وليَّنه بعضهم؛ لكونه حدَّث من غير أصله. «تقريب التهذيب» (ص: 594 رقم 7605).
(3)
«علل الدارقطني» (9/ 125).
(4)
«تقريب التهذيب» (ص: 424 رقم 5073).
(5)
«تقريب التهذيب» (ص: 383 رقم 4472).
(6)
هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف الثقفي أبو رجاء البَغْلاني، ثقة ثبت، من العاشرة، مات سنة (240 هـ) عن تسعين سنة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 454 رقم 5522).
عن
الزهري، عن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يذكر فيه عائشة ولا عروة، وأن هذه الرواية أصح من الرواية السابقة.
ورواية قتيبة أخرجها ابن سعد
(1)
، والدارقطني
(2)
.
وقد تابعه موسى بن داود الضبي، وروايته أخرجها ابن سعد
(3)
، وموسى بن داود الضبي صدوق فقيه زاهد له أوهام
(4)
.
وقد رجَّح الدارقطني المرسل أيضًا، فقال بعد أن عرض الخلاف على الزهري في رفعه وإرساله:«ورواه قتيبة، عن ابن لهيعة، عن عقيل، عن الزهري مرسلًا، وهو المحفوظ، ولا يصح مسندًا عن واحد منهم»
(5)
.
والظاهر أن الخطيب قد استفاد هذا النقد من الدارقطني، بل استفاد روايته لهذا الحديث منه.
ومما يؤيد أن الراجح في هذا الحديث أنه عن الزهري مرسلًا:
1 -
أن أبا عبيد الآجري سأل أبا داود السجستاني عن عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد الخدري
(6)
فقال: لا أعرفه. فقال الآجري: حدَّث عن يونس
(1)
«الطبقات الكبرى» (1/ 387).
(2)
«علل الدارقطني» (9/ 126).
(3)
«الطبقات الكبرى» (1/ 387).
(4)
«تقريب التهذيب» (ص: 550 رقم 6959).
(5)
«علل الدارقطني» (9/ 123).
(6)
كذا في «سؤالات الآجري لأبي داود» (ص: 361). والذي في «الضعفاء» للعقيلي (2/ 351 رقم 954)، و «ميزان الاعتدال» (2/ 597 رقم 5003)، و «لسان الميزان» (5/ 147 رقم 4717):«العُذري» ، ولعله الصواب كما في «تكملة الإكمال» لابن نقطة (4/ 285 رقم 4356).
وهو ضعيف، قال العقيلي (2/ 351):«مجهول لا يقيم الحديث من جهته» . وقال أبو أحمد الحاكم -كما في «لسان الميزان» (5/ 148) -: «لا يُعتمد على روايته» .
عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة، حديث الباكورة. فقال أبو داود: قد بان أمره في هذا الحديث؛ هذا حديث عن الزهري مرسل»
(1)
.
وهذا يدل على أن المعروف عند أبي داود أن هذا الحديث عن الزهري مرسل، حتى إنه قد بان له ضعف عبد الرحمن بن يحيى بن سعيد الخدري عندما أخبره الآجري أنه رفع هذا الحديث، مع أنه لم يكن يعرفه في بداية الأمر.
2 -
أن ابن عدي روى من طريق عثمان بن فائد أبي لبابة
(2)
، عن صالح بن أبي الأخضر
(3)
، عن الزهري عن سعيد، عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أُتي بالباكورة من الرطب وضعها على وجهه وعلى عينيه.
(4)
.
3 -
أن العقيلي رواه أيضًا من طريق عثمان بن فائد به كما في رواية ابن عدي السابقة، ثم رواه من طريق جرير بن حازم عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أُتي بالباكورة وضعها على فمه وعينيه» .
ثم قال: «هذا أولى»
(5)
.
(1)
«سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل» (ص: 361).
(2)
قال ابن عدي في «الكامل» (6/ 270): «منكر الحديث» .
(3)
ضعيف يُعتبر به. «تقريب التهذيب» (ص: 271 رقم 2844).
(4)
«الكامل» (6/ 270).
(5)
«الضعفاء الكبير» (3/ 212). وينظر: «ميزان الاعتدال» (3/ 51).
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة اليسع بن إسماعيل الضرير ومن طريقه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع حاديًا يحدو
(1)
، فقال:«اعدلوا بنا إليه» .
(2)
.
فهذا الحديث تفرد بروايته اليسع بن إسماعيل عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
، واليسع بن إسماعيل قال فيه الدارقطني: ضعيف
(4)
.
وقد خالفه ثقتان وهما سعدان بن نصر المُخَرِّمي
(5)
، ومحمود بن آدم المروزي
(6)
، فرووه عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عكرمة،
عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، لم يذكرا فيه ابن عباس.
(1)
الحدو: سوق الإبل والغناء لها. «مختار الصحاح» (ح د ا).
(2)
«تاريخ بغداد» (16/ 522).
(3)
لم أجد رواية اليسع هذه عند غير الخطيب فيما لديَّ من مصادر.
(4)
«تاريخ بغداد» (16/ 523).
(5)
قال أبو حاتم: صدوق. وقال الدارقطني: ثقة مأمون. «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (4/ 291)، و «سؤالات السلمي للدارقطني» (ص: 179 رقم 150).
(6)
قال ابن أبي حاتم: كان ثقة صدوقًا. وقال الدارقطني: ثقة. «الجرح والتعديل» (8/ 291)، و «سؤالات السلمي للدارقطني» (ص: 275 رقم 318).
ورواية سعدان هي في «جزئه»
(1)
، ورواها عنه البيهقي
(2)
.
أما رواية محمود بن آدم المروزي فلم أعثر عليها.
فهذان الثقتان (سعدان، ومحمود بن آدم) قد خالفا اليسع بن إسماعيل وهو ضعيف، فأرسلا الحديث، فلا شك أن روايتهما هي المحفوظة؛ ولذلك فقد رجحها الخطيب.
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة علي بن محمد بن حفص من «تاريخ بغداد» من طريق عتاب بن محمد الحافظ قال: حدثنا علي بن محمد بن حفص بغدادي من أصله قال: حدثنا العباس بن عبد الله بن أبي عيسى قال: حدثنا محمد بن المبارك قال: حدثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يَعنيه» .
ثم قال: «الصحيح عن مالك، عن الزهري، عن علي بن الحسين مرسلًا،
عن النبي صلى الله عليه وسلم»
(3)
.
فهذا الحديث رواه محمد بن المبارك عن مالك بن أنس، عن الزهري، عن
(1)
«جزء سعدان» (ص: 46 رقم 153).
(2)
«السنن الكبرى» كتاب الشهادات، باب لا بأس باستماع الحداء ونشيد الأعراب كثر أو قل (10/ 386 رقم 21039)، و «معرفة السنن والآثار» كتاب الشهادات، باب شهادة أهل الغناء (14/ 331 رقم 20176).
تنبيه: قوله: «عن عمرو بن دينار» سقط من المطبوع من «معرفة السنن والآثار» .
(3)
«تاريخ بغداد» (13/ 530).
أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا
(1)
، ومحمد بن المبارك ثقة
(2)
، لكن في الطريق إليه علي بن محمد بن حفص البغدادي، وقد قال فيه الخطيب:«إن لم يكن هذا الجويباري، فلا أعرفه»
(3)
. والجويباري هو علي بن محمد بن حفص، ذكره الخطيب قبل هذا مباشرة ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الذهبي:«شيخ نكرة»
(4)
. فعلى كل حال هو مجهول لا يُعرف، فلا تثبت رواية محمد بن المبارك عن مالك بهذا الإسناد.
وقد ذكر الخطيب أن الصحيح في هذا الحديث عن مالك، أنه إنما يرويه عن الزهري، عن علي بن الحسين مرسلًا، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد رواه هكذا مرسلًا مالك في «الموطأ»
(5)
، ورواه عنه جماعة كثيرة من أصحابه منهم:
1 -
عبد الله بن وهب
(6)
.
(1)
لم أجد روايته هذه فيما لديَّ من مصادر.
(2)
«تقريب التهذيب» (ص: 504 رقم 6262).
(3)
«تاريخ بغداد» (13/ 530).
(4)
«ميزان الاعتدال» (3/ 154 رقم 5926).
(5)
«موطأ مالك» رواية يحيى الليثي، كتاب حسن الخلق، باب ما جاء في حسن الخلق (2/ 903)، ورواية أبي مصعب الزهري، كتاب الجامع، باب ما جاء في حسن الخلق (2/ 74 رقم 1883)، ورواية محمد بن الحسن الشيباني، باب فضل الحياء (ص: 334 رقم 949).
(6)
«الجامع» لابن وهب (ص: 410 رقم 297 - تحقيق أبي الخير)، ورواها عنه ابن بطة في «الإبانة» (1/ 412 رقم 325)، والقضاعي في «مسند الشهاب» (1/ 144 رقم 193).
2 -
علي بن الجعد
(1)
.
3 -
قتيبة بن سعيد
(2)
، وروايته أخرجها الترمذي
(3)
، وأبو أحمد الحاكم
(4)
.
4 -
عبد الله بن مسلمة القعنبي، وروايته أخرجها العقيلي
(5)
، والبيهقي
(6)
.
5 -
عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي، وروايته أخرجها أبو الشيخ
(7)
.
6 -
أبو نعيم الفضل بن دكين، وروايته أخرجها البيهقي
(8)
.
7 -
إسحاق بن عيسى الطباع
(9)
، وروايته أخرجها الرامهرمزي
(10)
.
(1)
«مسند ابن الجعد» (ص: 428 رقم 2925)، ورواها عنه ابن أبي الدنيا في «الصمت» (ص: 92 رقم 107)، وأبو أحمد الحاكم في «عوالي مالك» (ص: 144 رقم 134).
(2)
سبقت ترجمته (ص: 314).
(3)
«سنن الترمذي» أبواب الزهد (4/ 558 رقم 2318).
(4)
«عوالي مالك» (ص: 144 رقم 135).
(5)
«الضعفاء الكبير» (2/ 9).
(6)
«شعب الإيمان» (13/ 268 رقم 10315).
(7)
«ذكر الأقران» (ص: 120 رقم 451).
(8)
«المدخل إلى السنن الكبرى» (ص: 223 رقم 288).
(9)
هو إسحاق بن عيسى بن نجيح بن الطباع، سكن أذنة، صدوق، من التاسعة، مات سنة (214 هـ) وقيل: بعدها بسنة. «تقريب التهذيب» (ص: 102 رقم 375).
(10)
«المحدث الفاصل» (ص: 191 رقم 92).
8 -
كامل بن طلحة الجحدري
(1)
، وروايته أخرجها أبو أحمد الحاكم
(2)
، وابن الحاجب
(3)
.
9 -
حماد بن مسعدة
(4)
، وروايته أخرجها السِّلفي
(5)
.
10 -
محرز بن عون
(6)
، وروايته أخرجها أبو اليمن الكندي
(7)
.
11 -
خلف بن هشام
(8)
، وروايته أخرجها ابن أبي الدنيا
(9)
،
وابن الحاجب
(10)
.
(1)
هو كامل بن طلحة الجحدري، نزيل بغداد، لا بأس به، من صغار التاسعة، مات سنة (231 هـ) أو (232 هـ)، وله بضع وثمانون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 459 رقم 5603).
(2)
«عوالي مالك» رواية أبي أحمد الحاكم (ص: 144 رقم 136).
(3)
«عوالي مالك» رواية ابن الحاجب (ص: 396 رقم 76).
(4)
هو حماد بن مسعدة التميمي أبو سعيد البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة (202 هـ) روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 178 رقم 1505).
(5)
«الطيوريات» (3/ 837 رقم 750).
(6)
هو محرز بن عون الهلالي أبو الفضل البغدادي، صدوق، من العاشرة، مات سنة (231 هـ)، وله سبع وثمانون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 522 رقم 6503).
(7)
«عوالي مالك» رواية أبي اليمن الكندي (ص: 358 رقم 64).
(8)
هو خلف بن هشام بن ثعلب البزار المقرئ البغدادي، ثقة له اختيار في القراءات، من العاشرة، مات سنة (229 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 194 رقم 1737).
(9)
«الصمت» (ص: 92 رقم 107).
(10)
«عوالي مالك» رواية ابن الحاجب (ص: 394 رقم 69).
12 -
خالد بن خداش
(1)
، وروايته أخرجها ابن أبي الدنيا
(2)
.
كل هؤلاء قد رووه عن مالك مرسلًا، ولذلك فقد رجح الخطيب الرواية المرسلة، وقد رجحها أيضًا جَمْعٌ من الحفاظ، منهم:
1 -
البخاري؛ فقد قال في «التاريخ الكبير» : «وقال لنا ابن يوسف: عن مالك، عن ابن شهاب، عن علي بن حسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أصح بانقطاعه. وقال بعضهم: عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولا يصح إلا عن علي بن حسين عن النبي صلى الله عليه وسلم»
(3)
.
2 -
الترمذي؛ فقد قال في «سننه» بعد أن رواه عن قتيبة بن سعيد عن مالك عن الزهري مرسلًا: «وهكذا روى غير واحد من أصحاب الزهري، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحو حديث مالك مرسلًا، وهذا عندنا أصح من حديث أبي سلمة، عن
أبي هريرة
…
»
(4)
.
3 -
العقيلي؛ فقد قال بعد أن رواه من حديث مالك مرسلًا، ومن طرق أخرى موصولًا:«والصحيح حديث مالك»
(5)
.
(1)
هو خالد بن خداش أبو الهيثم المهلبي مولاهم البصري، صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة (224 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 187 رقم 1623).
(2)
«الصمت» (ص: 92 رقم 107).
(3)
«التاريخ الكبير» للبخاري (4/ 220).
(4)
«سنن الترمذي» أبواب الزهد (4/ 558 رقم 2318).
(5)
«الضعفاء الكبير» (2/ 9).
4 -
الدارقطني، فقد قال بعد أن ذكر أوجه الخلاف فيه:«والصواب من ذلك قول من قال: عن الزهري، عن علي بن الحسين مرسلًا»
(1)
.
5 -
البيهقي؛ فقد قال بعد أن رواه مرسلًا: «هذا هو الصحيح مرسلًا»
(2)
.
- المثال الرابع:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي الرازي من «تاريخ بغداد» ومن طريقه عن أحمد بن منيع قال: حدثنا محمد بن حيان البغوي وكان جارنا، قال: حدثنا مالك بن أنس قال: حدثنا هشيم بن أبي خازم، عن يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد، عن صخر الغامدي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» .
ثم قال: «تفرد برواية هذا الحديث عن مالك أبو الأحوص البغوي، ولم يروه عن أحمد بن منيع موصولًا هكذا سوى محمد بن إبراهيم بن زياد وأخطأ
فيه، والصواب ما حدثني أبو القاسم الأزهري قال: حدثنا أبو عمر محمد بن العباس الخزاز وأبو الفضل عبيد الله بن عبد الرحمن الزهري وآخرون قالوا: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز قال: حدثني جدي أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو الأحوص محمد بن حيان البغوي، عن مالك بن
(1)
«علل الدارقطني» (13/ 258 رقم 3158). وينظر أيضًا «علل الدارقطني» (3/ 108 رقم 310)، (8/ 25 رقم 1389)، (13/ 147 رقم 3024).
(2)
«الأربعون الصغرى» (ص: 51 رقم 18). وينظر: «التمهيد» لابن عبد البر (9/ 195).
أنس، عن هشيم بن أبي خازم، عن يعلى بن عطاء، عن عمارة بن حديد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«اللهم بارك لأمتي في بكورها» لم يذكر فيه صخرًا.
وكان عبد الله بن محمد البغوي لا يحدث بهذا الحديث إلا في كل سنة مرة واحدة»
(1)
.
فهذا الحديث تفرد بروايته محمد بن إبراهيم بن زياد عن أحمد بن منيع موصولًا، وروايته أخرجها الطبراني، ثم قال:«لم يرو هذا الحديث عن مالك إلا أبو الأحوص، تفرد به: أحمد بن منيع»
(2)
.
ومحمد بن إبراهيم بن زياد ذكر الخطيب في ترجمته أن الدارقطني قال فيه: «متروك» ، وأنه قال في موضع آخر:«ضعيف» ، وذكر الخطيب أيضًا أنه سأل أبا بكر البَرْقاني عنه فقال:«بئس الرجل»
(3)
.
وخالفه عبد الله بن محمد بن عبد العزيز -وهو أبو القاسم البغوي الحافظ الثقة
(4)
- فرواه عن جده أحمد بن منيع مرسلًا.
ولا شك في أن رواية أبي القاسم البغوي المرسلة هي الصحيحة؛ لثقة راويها، وأن رواية محمد بن إبراهيم بن زياد الموصولة خطأ؛ لوهاء راويها، وهو ما ذهب إليه الخطيب رحمه الله.
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 299).
(2)
«المعجم الأوسط» (7/ 70 رقم 6883).
(3)
«تاريخ بغداد» (2/ 301).
(4)
قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (11/ 326): «كان ثقة ثبتًا مكثرًا فهِمًا عارفًا» . وسيأتي تخريج روايته قريبًا.
- وقد اختُلف أيضًا على أبي القاسم البغوي؛ حيث قال الخطيب في ترجمة عبد الله بن الحسين الخلال: «أخبرنا العتيقي من أصل كتابه قال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن الحسين الخلال قال: أخبرنا عبد الله بن محمد البغوي قال: حدثني جدي أحمد بن منيع قال: حدثنا أبو الأحوص محمد بن حيان، عن مالك بن أنس، عن هشيم، عن يعلى، عن عطاء، عن عمارة بن حديد، عن صخر الغامدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» .
قال العتيقي: هكذا حدثناه الخلال إملاء، وذكر فيه: صخرًا الغامدي.
قلت: قد وهم الخلال في ذلك؛ لأن أبا القاسم البغوي ما كان يذكر صخرًا، وإنما ذكره محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي، عن أحمد بن منيع.
سألت العتيقي عن الخلال، فقال: كان ثقة صحيح الأصول»
(1)
.
فذهب الخطيب إلى أن عبد الله بن الحسين الخلال -مع ثقته- قد وهم على أبي القاسم البغوي في وصل هذه الرواية؛ لأن المحفوظ عن أبي القاسم البغوي أنه كان يرويها مرسلة، وأن محمد بن إبراهيم بن زياد الرازي هو الذي كان يرويها عن أحمد بن منيع موصولة.
وقد وجدتُ متابعًا لعبد الله بن الحسين الخلال، فقد رواه ابن الجوزي عن
يحيى بن الحسن بن البنا، حدثنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الآبنوسي، حدثنا عبيد الله بن محمد بن حَبَابة قال: حدثنا البغوي قال: حدثني جدي، فذكره موصولًا بذكر صخر فيه
(2)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (11/ 104).
(2)
«العلل المتناهية» (1/ 320 رقم 523). وهذا الإسناد صحيح إلى البغوي:
يحيى بن الحسن بن البنا قال ابن السمعاني كما في «تاريخ الإسلام» (11/ 559): «شيخ صالح، حسن السيرة، مكثر، واسع الرواية» .
وأبو الحسين محمد بن أحمد بن الآبنوسي قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (2/ 219): «كتبت عنه وكان سماعه صحيحًا» .
وعبيد الله بن محمد بن حبابة، قال فيه ابن ماكولا في «الإكمال» (2/ 372):«كان ثقة» .
وابن حبابة ثقة، وقد تابع الخلال في وصل الحديث عن البغوي، ولكني وجدت أن ابن الآبنوسي يرويه في «مشيخته» عن ابن حبابة عن البغوي عن جده مرسلًا بدون ذكر صخر
(1)
، فالله أعلم.
على أن جماعة من ثقات أصحاب البغوي قد رووا الحديث عنه مرسلًا، مثل: ابن عدي
(2)
، وأبي بكر الأَبْهَري
(3)
، وأبي طاهر المخلِّص
(4)
، ومحمد بن
المظفر
(5)
، ومحمد بن العباس الخزاز المعروف بابن حيويه
(6)
، وأبي بكر
(1)
«مشيخة الآبنوسي» (1/ 77 رقم 22).
(2)
«الكامل» (8/ 454).
(3)
«فوائد أبي بكر الأبهري» (ص: 17 رقم 1)، ورواها السِّلفي من طريقه في «الطيوريات» (2/ 597 رقم 529). والأبهري هو محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح أبو بكر الفقيه المالكي الأبهري، ذكر الخطيب في «تاريخ بغداد» (3/ 493) أن محمد بن أبي الفوارس قال فيه:«كان ثقة أمينًا مستورًا، وانتهت إليه الرياسة في مذهب مالك» .
(4)
«المخلصيات» (2/ 363 رقم 1761 - (185)). وأبو طاهر المخلِّص هو محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا، قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (3/ 559):«كان ثقة» .
(5)
رواها عنه الخطيب في «موضح أوهام الجمع والتفريق» (2/ 535). وقد قال الخطيب عن ابن المظفر في «تاريخ بغداد» (4/ 427): «كان حافظًا فَهِمًا صادقًا مكثرًا» .
(6)
رواها عنه السِّلفي في «الطيوريات» (3/ 848 رقم 762). وابن حيويه قال فيه الخطيب في «تاريخ بغداد» (4/ 205): «كان ثقة» .
يوسف بن القاسم الميانجي
(1)
، وعمر بن إبراهيم بن أحمد بن كثير المقرئ، ومحمد بن الحسن بن الفتح الصفار
(2)
.
وهذا يدل على أن المحفوظ عن أبي القاسم البغوي أنه رواه مرسلًا؛ لكثرة من رواه عنه هكذا، وهو الذي رجحه الخطيب.
ثم نبَّهني أستاذنا الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب إلى أنه قد رواه البغوي عن ابن الجعد عن شعبة، وهشيم، عن يعلى، عن عطاء، عن عمارة بن حديد، عن صخر الغامدي، موصولًا
(3)
، فالله أعلم
(4)
.
* * *
(1)
رواها عنه الذهبي «معجم الشيوخ» (2/ 118). والميانجي قال فيه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (74/ 254): «كان ثقة نبيلًا مأمونًا» .
(2)
رواها عنهما الخليلي في «الإرشاد» (1/ 251 رقم 32). وعمر بن إبراهيم بن أحمد بن كثير قال فيه الخطيب في «تاريخ بغداد» (13/ 138): «كان ثقة» . ومحمد بن الحسن بن الفتح الصفار قال فيه الخليلي في «الإرشاد» (2/ 760): «له من السماعات ما لا يُحصى، سمعنا منه سنة أربع وسبعين -يعني وثلاثمائة- وقد نيف على التسعين» .
(3)
«مسند ابن الجعد» (1696، 2464).
(4)
وينظر أيضًا غير ما ذكرته من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (2/ 80 - 81)، (9/ 250، 298)، (12/ 204).
المطلب الرابع
النقد بمخالفة الراوي لغيره بخلاف الحالتين السابقتين
إذا اختلف الرواة في الحديث على شيخ ما، فبعضهم ذكره عنه على وجه وبعضهم ذكره على وجه آخر، أو ذكر بعضهم راويًا ولم يذكره غيرهم، أو زاد بعضهم لفظة وأهملها الآخرون، أو غير ذلك من الاختلاف في الحديث غير ما سبق من الخلاف في رفع الموقوف أو وصل المرسل؛ فإننا نجد الخطيب يرجِّح أيضًا بالأحفظ والأكثر، وغير ذلك من القرائن، مثل: الترجيح بوجود الحديث في كتاب الشيخ، والترجيح بأن الحديث معروف عند أهل العلم أنه مروي على طريقة معينة، والترجيح بأن الراوي لم يسلك في روايته السهولة والجادة المعروفة.
وهذه بعض الأمثلة التي توضح ذلك:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة الفضل بن يعقوب الرُّخامي من «تاريخ بغداد» ومن طريقه أنه قال: حدثنا الفريابي، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد وأبي سلمة وسليمان بن يسار، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم»
(1)
.
(1)
أصل الحديث أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب الخضاب (5899)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب في مخالفة اليهود في الصبغ (2103) من طريق ابن عيينة، عن الزهري، عن أبي سلمة، وسليمان بن يسار، عن أبي هريرة به.
(1)
.
فهذا الحديث رواه الفضل بن يعقوب الرُّخامي، عن محمد بن يوسف الفريابي
(2)
، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وسليمان بن يسار، عن أبي هريرة، وقد تفرد بذكر سعيد بن المسيب فيه، وروايته أخرجها البزار
(3)
، والدارقطني
(4)
، والخطيب
(5)
.
والفضل بن يعقوب الرُّخامي ثقة حافظ
(6)
.
وقد خالفه محمد بن يحيى الذهلي فرواه عن الفريابي فلم يذكر سعيد بن المسيب فيه
(7)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (14/ 334).
(2)
وهو ثقة فاضل، يقال أخطأ في شيء من حديث سفيان، وهو مقدَّم فيه مع ذلك عندهم على عبد الرزاق، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 515 رقم 6415).
(3)
«مسند البزار» (14/ 133 رقم 7649).
(4)
«علل الدارقطني» (9/ 265).
(5)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 378 رقم 871)، و «المتفق والمفترق» (3/ 1770 رقم 1322).
(6)
«تقريب التهذيب» (ص: 447 رقم 5422).
(7)
لم أجد رواية محمد بن يحيى الذهلي، وقد ذكرها الدارقطني في «العلل» (9/ 265).
ومحمد بن يحيى الذهلي ثقة حافظ جليل، وهو أعلم الناس بحديث الزهري
(1)
.
ولذلك فقد رجح الخطيب روايته على رواية الرُّخامي، بالإضافة إلى أنه قد تابع الذهلي جماعة من الرواة، وهم: محمد بن زكريا بن يحيى أبو شريح القُضاعي
(2)
، ومحمد بن خلف
(3)
، وسعيد بن أبي زيدون
(4)
، وابن عمرو
(5)
، وأبو سليم
(6)
.
وذكر الخطيب أيضًا أن جماعة من الرواة قد تابعوا الفريابي فرووه عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان بن يسار حسب، وهؤلاء
الرواة
(1)
«تهذيب الكمال» (26/ 623)، و «تقريب التهذيب» (ص: 512 رقم 6387).
(2)
قال ابن يونس: كان يحفظ الحديث ويفهم، وكان رجلًا صالحًا. «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» (8/ 295 رقم 9774).
وروايته أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (9/ 296 رقم 3674).
(3)
هو محمد بن خلف بن عمار أبو نصر العسقلاني، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة (260 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 477 رقم 5859).
(4)
هو سعيد بن عبدوس بن أبي زيدون الرملي، كاتب الفريابي، قال ابن أبي حاتم الرازي: صدوق. وقال مسلمة: ثقة. «الجرح والتعديل» (4/ 53)، و «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» (4/ 499 رقم 4477).
(5)
لعله عبد الله بن محمد بن عمرو بن الجراح الغزي، ثقة، من الحادية عشرة. «تقريب التهذيب» (ص: 322 رقم 3596).
(6)
هو إسماعيل بن حصن الجُبيلي، قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه وهو صدوق. «الجرح والتعديل» (2/ 166).
وقد أخرج رواية هؤلاء الأربعة ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (8/ 382) في إسناد واحد.
هم: الوليد بن مسلم
(1)
، وعيسى بن يونس
(2)
، والوليد بن مَزْيد
(3)
، وبشر بن بكر
(4)
.
ويبدو أنه استفاد ذكر هؤلاء الرواة من الدارقطني؛ فقد ذكرهم في «العلل» هكذا
(5)
.
وقد وجدتُ رواة آخرين قد تابعوا الفريابي عن الأوزاعي عن الزهري عن أبي سلمة وسليمان بن يسار حسب، وهؤلاء الرواة هم: شعيب بن
(1)
هو الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 584 رقم 7456).
ولم أجد من أخرج روايته، وقد ذكرها الدارقطني في «العلل» (9/ 264).
(2)
سبقت ترجمته (ص: 232).
وروايته أخرجها النسائي في «السنن الصغرى» كتاب الزينة، الإذن بالخضاب (8/ 137 رقم 5072)، وفي «السنن الكبرى» كتاب الزينة، الأمر بالخضاب (8/ 325 رقم 9290).
(3)
الوليد بن مَزْيد أبو العباس البيروتي، ثقة ثبت، قال النسائي: كان لا يخطئ ولا يدلس، من الثامنة، مات سنة ثلاث وثمانين. «تقريب التهذيب» (ص: 583 رقم 7454).
وروايته أخرجها أبو عوانة في «المستخرج» باب بيان النهي عن التزعفر والأمر بخضاب اللحية وصبغها وحظر الخضاب بالسواد (5/ 273 رقم 8713)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (26/ 450).
(4)
بشر بن بكر التنيسي أبو عبد الله البجلي، ثقة يغرب، مات سنة خمس ومائتين، وقيل: سنة مائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 122 رقم 677).
وروايته أخرجها أبو عوانة في «المستخرج» باب بيان النهي عن التزعفر والأمر بخضاب اللحية وصبغها وحظر الخضاب بالسواد (5/ 273 رقم 8712).
(5)
«علل الدارقطني» (9/ 264).
إسحاق
(1)
، وعمرو بن أبي سلمة
(2)
، ومبشر بن إسماعيل الحلبي
(3)
.
وبعد هذا العرض يتضح جليًّا رجحان رواية محمد بن يحيى الذهلي ومن تابعه على رواية الرُّخامي؛ لأنهم الأكثر عددًا.
وهو ما ذهب إليه الدارقطني، حيث قال:«ومن قال: عن سعيد بن المسيب، فقد وهم، ما قاله إلا فضل الرخامي»
(4)
.
ويبدو أن الخطيب قد استفاد هذا النقد منه، والله أعلم.
- هذا، وقد روى البزار هذا الحديث عن الفضل بن يعقوب الرخامي بذكر سعيد بن المسيب، وأبي سلمة، وسليمان بن يسار، ثم قال:«وهذا الحديث رواه ابن عيينة ومعمر، عن الزهري، عن أبي سلمة وسليمان بن يسار، عن أبي هريرة، وقال الأوزاعي: عن سعيد، وأبي سلمة وسليمان بن يسار، عن أبي هريرة»
(5)
.
(1)
هو شعيب بن إسحاق بن عبد الرحمن الأموي مولاهم، ثقة رُمي بالإرجاء، وسماعه من ابن أبي عروبة بأخرة، مات سنة تسع وثمانين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 266 رقم 2793).
وروايته أخرجها ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (13/ 154).
(2)
هو عمرو بن أبي سلمة التنِّيسي، صدوق له أوهام، مات سنة ثلات عشرة ومائتين أو بعدها، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 422 رقم 5043).
وروايته أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (9/ 297 رقم 3677)، وابن عساكر في «تاريخه» (46/ 61).
(3)
هو مبشِّر بن إسماعيل الحلبي أبو إسماعيل الكلبي مولاهم، صدوق، مات سنة مائتين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 519 رقم 6465).
وروايته أخرجها أبو يعلى في «مسنده» (10/ 397 رقم 6001).
(4)
«علل الدارقطني» (9/ 265).
(5)
«مسند البزار» (14/ 133).
كذا قال رحمه الله، وكأنه لما روى له شيخه الفضل الرُّخامي الثقة الحافظ هذا الحديث عن الفريابي عن الأوزاعي، ظن أنه هكذا رواه الأوزاعي، ولم يعلم أن الرخامي قد وهم في هذا، وأن الثقات قد رووه عن الأوزاعي بدون ذكر سعيد بن المسيب، وهو المحفوظ عنه، والله أعلم.
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن إبراهيم بن قَحْطَبة القَحْطبي المؤدِّب، عن علي بن عبد العزيز الطاهري قال: أخبرنا عيسى بن حامد بن بشر قال: حدثنا قاسم بن زكريا قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن قَحْطَبة المؤدب قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحُنَيني قال: حدثنا مالك، عن الزهري، عن أنس بن مالك قال: رأيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوجِّه إلى خيبر على حمار يصلِّي يومئ إيماء.
ثم قال الخطيب: «قلت: روى هذا الحديث أبو الحسن الدارقطني، عن أبي محمد بن السَّبيعي، عن قاسم
(1)
.
ويقال: إن الحُنَيني تفرد بروايته عن مالك، وتفرد به أيضًا القَحْطبي عنه، وقد تابعه علي بن زيد الفرائضي فرواه عن الحُنَيني كذلك وهو وهم، إنما حدَّث به مالك، عن عمرو بن يحيى، عن أبي الحُباب سعيد بن يسار، عن ابن عمر، كذلك هو في «الموطأ» »
(2)
.
فهذا الحديث رواه القَحْطبي عن الحُنَيني عن مالك عن الزهري عن أنس، وروايته أخرجها ابن عدي
(3)
.
(1)
لم أجد رواية الدارقطني هذه فيما لديَّ من مراجع.
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 273).
(3)
«الكامل» (1/ 555).
والقَحْطبي قال فيه ابن أبي حاتم: «كتبت عنه مع أبي وهو صدوق»
(1)
. والحُنَيني ضعيف
(2)
.
وقد ذكر الخطيب أنه «يقال: إن الحُنَيني تفرد بروايته عن مالك، وتفرد به أيضا القَحْطبي عنه» .
وقد صرح بتفرد الحُنَيني عن مالك ابن عدي حيث أورد في ترجمة الحُنَيني حديثين له عن مالك هذا أحدهما، ثم قال:«وهذان الحديثان لا يرويهما عن مالك غير الحُنَيني هذا» .
وصرح بتفرد ابن قَحْطبة عن الحُنَيني ابن عبد البر، فقال:«وهذا مما تفرد به ابن قَحْطبة عن الحُنَيني»
(3)
.
لكن صرح الخطيب بأن علي بن زيد الفرائضي تابع القَحْطبي فرواه عن الحُنَيني كذلك
(4)
.
وعلي بن زيد الفرائضي قال ابن يونس: تكلموا فيه. وقال مسلمة بن قاسم: ثقة
(5)
.
لكن مسلمة بن قاسم: ضعيف
(6)
؛ فلا يُقبل قوله لا سيما إذا خالف.
(1)
«الجرح والتعديل» (7/ 187).
(2)
«تقريب التهذيب» (ص: 99 رقم 337).
(3)
«التمهيد» (20/ 131).
(4)
لم أجد رواية الفرائضي هذه فيما لديَّ من مراجع.
(5)
«لسان الميزان» (5/ 541 رقم 5397).
(6)
ينظر: «ميزان الاعتدال» (4/ 112 رقم 8528)، و «لسان الميزان» (8/ 61 رقم 7737).
على كل حال؛ الحُنَيني ضعيف، وقد تفرد بهذه الرواية عن مالك، فلذلك حكم عليها الخطيب بالوهم، وأن مالكًا إنما حدَّث به عن عمرو بن يحيى، عن أبي الحُباب سعيد بن يسار، عن ابن عمر، وهو كذلك في «الموطأ»
(1)
.
وهذه الرواية رواها عن مالك جمع من الثقات مثل: عبد الله بن وهب
(2)
، والشافعي
(3)
، وعبد الرحمن بن مهدي
(4)
، وقتيبة بن سعيد
(5)
، والقعنبي
(6)
، ويحيى بن يحيى
(7)
.
(1)
«الموطأ» رواية يحيى الليثي، كتاب قصر الصلاة في السفر، باب صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل والصلاة على الدابة (1/ 150)، ورواية أبي مصعب الزهري، كتاب وقوت الصلاة، باب صلاة المسافر وهو راكب (1/ 154 رقم 398)، ورواية محمد بن الحسن الشيباني، أبواب الصلاة، باب: الصلاة على الدابة في السفر (ص: 83 رقم 207). وقال ابن عبد البر في «التمهيد» (20/ 131): «هكذا هو في الموطأ عند جميع الرواة» .
(2)
وروايته أخرجها في «الجامع» له، من كتاب الصلاة (1/ 121 رقم 208 - تحقيق د/ رفعت)، ومن طريقه أبو عوانة في «المستخرج» كتاب الصلاة، بيان إباحة الوتر في السفر على الراحلة حيث ما توجهت به (2/ 72 رقم 2355).
(3)
وروايته أخرجها في «مسنده» (ص: 24).
(4)
وروايته أخرجها أحمد (8/ 114 رقم 4520)، وأبو يعلى (10/ 36 رقم 5666).
(5)
وروايته أخرجها النسائي في «السنن الصغرى» كتاب المساجد، باب الصلاة على الحمار (2/ 60 رقم 740)، وفي «السنن الكبرى» كتاب المساجد، باب الصلاة على الحمار (1/ 405 رقم 821).
(6)
وروايته أخرجها أبو داود، تفريع صلاة السفر، باب التطوع على الراحلة والوتر (2/ 9 رقم 1226)، والطبراني في «المعجم الكبير» (12/ 334 رقم 13273)، وابن عدي في «الكامل» (6/ 240).
(7)
هو يحيى بن يحيى بن بكر بن عبد الرحمن التميمي أبو زكريا النيسابوري، ثقة ثبت إمام، مات سنة (226 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 598 رقم 7668).
وروايته أخرجها مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت (1/ 487 رقم 700/ 35)، والمروزي في «السنة» (ص: 102 رقم 376).
وقد رجح هذه الرواية أيضًا ابن عبد البر فقال: «حديث مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبي الحُباب سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر أنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو على حمار متوجه إلى خيبر. هكذا هو في «الموطأ» عند جميع الرواة، ورواه محمد بن إبراهيم بن قحطبة عن إسحاق بن إبراهيم الحُنيني عن مالك عن الزهري عن أنس قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو متوجه إلى خيبر على حمار يصلي على الحمار ويومئ إيماء. وهذا مما تفرد به ابن قحطبة عن الحُنيني وهو خطأ لا شك عندهم فيه، وصواب إسناده ما في «الموطإ»: مالك عن عمرو بن يحيى عن أبي الحُباب عن ابن عمر»
(1)
.
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن جعفر بن الحسن صاحب المصلَّى من «تاريخ بغداد» عن علي بن أبي علي المعدَّل قال: حدثنا أبو الفرج محمد بن جعفر بن الحسن بن سليمان بن علي صاحب المصلَّى من حفظه قال: حدثنا محمد بن محمد بن سليمان الباغندي
(2)
قال: حدثنا أبو نُعيم عُبيد بن هشام
(1)
«التمهيد» (20/ 131).
(2)
قال الخطيب: «كان كثير الحديث رحل فيه إلى الأمصار البعيدة، وعُني به العناية العظيمة، وأخذ عن الحفاظ والأئمة
…
وكان فَهِمًا حافظًا عارفًا، وبلغني أن عامة ما حدث به كان يرويه من حفظه».
وقد أورد الخطيب طعن بعض أهل العلم فيه، ثم قال:«لم يثبت من أمر ابن الباغندي ما يعاب به سوى التدليس، ورأيتُ كافة شيوخنا يحتجون بحديثه ويخرجونه في الصحيح» . «تاريخ بغداد» (4/ 343).
الحلبي قال: حدثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«انتظار الفرج عبادة» .
ثم قال الخطيب: «وهِمَ هذا الشيخ على الباغندي وعلى مَن فوقه في هذا الحديث وهمًا قبيحًا؛ لأنه لا يُعرف إلا من رواية سليمان بن سلمة الخبائري، عن بقية بن الوليد، عن مالك، وكذلك حدث به الباغندي.
أخبرنيه أبو القاسم الأزهري من أصل كتابه، قال: أخبرنا محمد بن المظفر قال: أخبرنا محمد بن محمد بن سليمان أبو بكر الواسطي قال: حدثنا سليمان بن سلمة الخبائري قال: حدثنا بقية بن الوليد قال: حدثنا مالك بن أنس الأَصْبَحي المديني قال: أخبرني ابن شهاب الزهري، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العبادة انتظار الفرج من الله» .
قال أبو بكر (هو الباغندي): أنكرته عليه أشد الإنكار، وقلت: ليس من هذا شيء البتة، وكان أمر سليمان هذا شيئًا عجيبًا، الله أعلم به.
وقد رواه شيخ كذَّاب كان بعسكر مُكْرم
(1)
، عن عيسى بن أحمد العسقلاني، عن بقية، وأفحش في الجرأة على ذلك؛ لأنه معروف أن الخبائري تفرد به، والله أعلم»
(2)
.
فهذا الحديث رواه صاحب المصلى عن الباغندي عن أبي نُعيم الحلبي عن
مالك عن الزهري عن أنس
(3)
.
(1)
هو بلد مشهور من نواحي خوزستان، وخوزستان هي بلاد الأهواز بين البصرة وفارس. «معجم البلدان» (2/ 404، 4/ 123).
(2)
«تاريخ بغداد» (2/ 537).
(3)
لم أجد هذه الرواية فيما لديَّ من مراجع.
وصاحب المصلى هذا قال فيه الخطيب: «له أحاديث تدل على سوء ضبطه، وضعف حاله»
(1)
.
ونقل عن حمزة بن يوسف السهمي أنه قال فيه: «ضعيف لا يُحتج بحديثه، ما رأيتُ له أصلًا جيدًا، ولا رأيتُ أحدًا يُثني عليه خيرًا، وسمعتُ جماعة يحكون أنه غصب كتب أبي مسلم بن مهران البغدادي
(2)
، وحدَّث بها ولم يكن له فيها سماع»
(3)
.
وذكر الخطيب أن صاحب المصلى قد وهِمَ على الباغندي وعلى مَن فوقه في هذا الحديث وهمًا قبيحًا؛ لأن هذا الحديث لا يُعرف إلا من رواية سليمان بن سلمة الخبائري، عن بقية بن الوليد، عن مالك، وكذلك حدث به الباغندي، ثم رواه الخطيب من طريق الباغندي به.
ورواية الباغندي عن سليمان بن سلمة الخبائري أخرجها ابن عدي
(4)
.
وقد تابع الباغنديَّ أحمدُ بن عمرو بن الضحاك
(5)
فرواه عن سليمان بن
سلمة الخبائري به، وروايته أخرجها القضاعي
(6)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 537) بتصرف يسير.
(2)
هو أبو مسلم عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهران بن سلمة، كان متقنًا حافظًا، مع ورع وتديُّن وزهد وتصوُّن، مات سنة خمس وسبعين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (11/ 604).
(3)
«سؤالات حمزة للدارقطني» (ص: 95 رقم 42)، و «تاريخ بغداد» (2/ 539).
(4)
«الكامل» (2/ 266)، (4/ 297)، ورواها البيهقي في «شعب الإيمان» (12/ 357 رقم 9534) من طريق ابن عدي.
(5)
هو أبو بكر بن أبي عاصم، حافظ كبير، إمام، بارع، متبع للآثار، كثير التصانيف. «سير أعلام النبلاء» (13/ 430).
(6)
«مسند الشهاب» (2/ 245 رقم 1283).
وتابعه أيضًا أحمدُ بن إسحاق بن صالح العسكري
(1)
، فرواه عن سليمان بن سلمة الخبائري به، وروايته أخرجها الدارقطني
(2)
.
وقد ذكر الخطيب أن الباغندي قد أنكره على سليمان بن سلمة الخبائري، والخبائري هذا متروك الحديث
(3)
.
ثم ذكر أنه رواه شيخ كذَّاب كان بعسكر مُكْرَم
(4)
، عن عيسى بن أحمد العسقلاني
(5)
، عن بقية، وأنه أفحش في الجرأة على ذلك؛ لأنه معروف أن الخبائري تفرد به، والله أعلم.
وقد ذهب ابن عدي أيضًا أن سليمان الخبائري قد تفرد به فقال: «لا أعلم يرويه عن بقية غير سليمان، وهو منكر من حديث مالك»
(6)
.
وقولهما متعقَّب بأنه رواه البزار من طريق أبي أيوب سليمان بن شرحبيل
(7)
، عن بقية، عن مالك به
(8)
.
(1)
لم أجد له ترجمة؛ فالله أعلم بحاله.
(2)
«علل الدارقطني» (12/ 181)، ورواها ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 381 رقم 1448) من طريق الدارقطني.
(3)
ينظر: «ميزان الاعتدال» (2/ 209 رقم 3472).
(4)
هذا الشيخ الكذاب هو أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن الجارود، كما في «بغية الطلب» (2/ 976)، وينظر ترجمته في «ميزان الاعتدال» (1/ 116 رقم 450). ولم أجد روايته هذه فيما لديَّ من مراجع.
(5)
هو عيسى بن أحمد بن عيسى بن وردان العسقلاني، ثقة يُغْرِب، مات سنة ثمان وستين ومائتين، وقد قارب التسعين. «تقريب التهذيب» (ص: 438 رقم 5286).
(6)
«الكامل» (4/ 297).
(7)
هو أبو أيوب سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى التميمي الدمشقي ابن بنت شرحبيل، صدوق يخطئ، مات سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 253 رقم 2588).
(8)
«مسند البزار» (13/ 7 رقم 6297).
وكلام الخطيب يدل على أنه إذا كان الحديث معروفًا عند أهل العلم أنه تفرد به شخص ما، ثم جاء راو آخر فرواه؛ فإنه يستدل بذلك على خطئه، والله أعلم.
- المثال الرابع:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن محمد بن أحمد بن عثمان الطِّرازي ومن طريقه عن أبي سعيد الحسن بن علي بن زكريا قال: حدثنا خِراش بن عبد الله الطحان قال: حدثنا مولاي أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النظر إلى الوجه الحسن يجلو البصر، والنظر إلى الوجه القبيح يورث الكَلَح
(1)
».
ثم قال: «هذا الحديث لم يروه أبو سعيد العدوي عن خراش عن أنس، وإنما رواه بإسناد آخر» .
ثم رواه من طريق أبي الطيب الحسن بن عبد الواحد العابد ومحمد بن أحمد بن القاسم العبدي، عن الحسن بن علي بن زكريا البصري قال: حدثنا بشر بن معاذ قال: حدثنا بشر بن المفضل، عن أبيه، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «النظر إلى الوجه الحسن يجلو البصر، والنظر إلى الوجه القبيح يورث الكَلَح»
(2)
.
ثم قال: «وبهذا الإسناد رواه عن أبي سعيد جماعة، وهو المحفوظ عنه. وقد كنت أرى أن السهو دخل على الطِّرازي في روايته إياه، وأقول لعله سمعه من أبي سعيد، عن بشر بن معاذ بالإسناد المذكور فتوهَّمه في نسخة خراش
(1)
الكلح: تقلُّص الشفتين. «مشارق الأنوار» (1/ 341).
(2)
رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (1/ 252 رقم 337) من طريق الخطيب.
لاشتهار العدوي بها، حتى رأيت له أحاديث جماعة سلك فيها السهولة، واتبع في روايتها المجرَّة
(1)
، وكان يحدث كثيرًا من حفظه».
ثم روى للطِّرازي ثلاثة أحاديث رواها عن أبي سعيد العدوي عن خراش عن أنس، ثم قال:«وجميع نسخة أبي سعيد العدوي التي رواها عن خراش أربعة عشر حديثًا، وليس فيها شيء من هذه الأحاديث. وقد رأيتُ للطِّرازي أشياء مستنكرة غير ما أوردته تدل على وهاء حاله وذهاب حديثه»
(2)
.
فهذا الحديث يرويه الطِّرازي
(3)
عن أبي سعيد الحسن بن علي بن زكريا العدوي
(4)
عن خراش عن أنس، وروايته أخرجها ابن عساكر
(5)
.
وقد وَهِم الطِّرازي في ذلك على أبي سعيد العدوي؛ لأن هذا الحديث لم يروه أبو سعيد العدوي عن خراش عن أنس، وإنما رواه عن بشر بن معاذ عن بشر بن المفضل عن أبيه عن أبي الجوزاء عن ابن عباس، وهذه الرواية
أخرجها ابن عساكر
(6)
.
وقد استدل الخطيب على خطأ الطرازي بأمور:
(1)
أي: اتبع الطريق المعتاد المسلوك في أحاديث شيوخه. ينظر: «تحرير علوم الحديث» للجديع (2/ 742 - 743).
(2)
«تاريخ بغداد» (4/ 366 وما بعدها).
(3)
قال الخطيب في ترجمته من «تاريخ بغداد» (4/ 366): «كان فيما بلغني يظهر التقشف، وحُسن المذهب، إلا أنه روى مناكير وأباطيل» .
(4)
وهو كذاب، ينظر ترجمته في «تاريخ بغداد» (8/ 378 وما بعدها).
(5)
«تاريخ دمشق» (19/ 57)، و «معجم ابن عساكر» (1/ 475).
(6)
«معجم ابن عساكر» (1/ 474 رقم 576).
الأول: أنه قد رواه جماعة عن العدوي عن بشر بن معاذ به، وقد أورده الخطيب من رواية اثنين عنه، وهما أبو الطيب الحسن بن عبد الواحد العابد
(1)
، ومحمد بن أحمد بن القاسم العبدي
(2)
.
الثاني: أن الطِّرازي قد سلك في روايته هذه المعتاد المعروف؛ فإن العدوي مشهور برواية نسخة خراش، فلما حدث الطِّرازيَّ بحديثه هذا عن بشر بن معاذ عن بشر بن المفضل به، توهمه في نسخة خراش لاشتهار العدوي بها.
الثالث: أن الطرازي كان يحدث كثيرًا من حفظه.
الرابع: أنه روى ثلاثة أحاديث أخرى عن العدوي عن خراش عن أنس، وجميع نسخة أبي سعيد العدوي التي رواها عن خراش أربعة عشر حديثًا، وليس فيها شيء من هذه الأحاديث.
الخامس: أن الخطيب رأى للطِّرازي أحاديث منكرة غير ما أورده تدل على وهاء حاله وذهاب حديثه.
- المثال الخامس:
روى الخطيب في ترجمة إسماعيل بن الحسين بن علي البخاري: عن أبي جعفر السِّمْناني، عن إسماعيل بن الحسين البخاري، عن بكر بن محمد بن حمدان المروزي قال: حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا محمد بن خالد بن
(1)
لم أجد له ترجمة فيما لديَّ من مراجع.
(2)
هو محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن السري بن الغطريف أبو أحمد الغطريفي الجرجاني. قال الذهبي: كان حافظًا متقنًا صوامًا قوامًا، صنف الصحيح على المسانيد. «تاريخ الإسلام» (8/ 443).
عَثْمة الحنفي قال: حدثنا مالك بن أنس، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَرُّوا آباءكم يَبَرَّكم أبناؤكم، وعِفُّوا تعِف نساؤكم، ومن تُنُصِّل إليه فلم يقبل لم يَرِد عليَّ الحوض» .
ثم قال: «هذا الحديث قد وُهِم فيه على محمد بن يونس الكُدَيمي؛ لأنه إنما رواه عن علي بن قتيبة الرفاعي عن مالك، ولم يكن عنده ولا عند غيره عن ابن عَثْمة، وهو محفوظ أن علي بن قتيبة تفرد بروايته.
وقد أخبرنا بصوابه عن محمد بن يونس أبو الحسن محمد بن طلحة النعالي قال: حدثنا عثمان بن محمد بن بشر بن سنقر
(1)
السَّقَطي قال: حدثنا محمد بن يونس قال: حدثنا علي بن قتيبة الرفاعي قال: حدثنا مالك بن أنس، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بَرُّوا آباءكم يَبَرَّكم أبناؤكم، وعِفُّوا تعِف نساؤكم، ومن تُنُصِّل إليه فلم يقبل فلن يَرِدَ عليَّ الحوض»
(2)
.
وهكذا رواه عن علي بن قتيبة غير واحد، وحدَّث به بعض الناس عن إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمذاني عن علي بن قادم عن مالك، فوهم فيه أقبح من وَهْم من رواه عن ابن عثمة، والله أعلم»
(3)
.
(1)
كذا وقع في المطبوع من «التاريخ» ، وقد ترجم له الخطيب (13/ 193) باسم عثمان بن محمد بن بشر السقطي المعروف بابن سنقة، وعلق عليه المحقق الفاضل بقوله:«اقتبسه السمعاني في «السنقي» من الأنساب»، وعليه فابن سنقة هو الصواب، وابن سنقر تصحيف، والله أعلم.
(2)
رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (3/ 283 رقم 1516) من طريق الخطيب، ثم ذكر نقد الخطيب للرواية الأولى بالمعنى، ولم يعزه إليه.
(3)
«تاريخ بغداد» (7/ 313).
فهذا الحديث رواه الخطيب عن أبي جعفر السِّمْناني
(1)
، عن إسماعيل بن الحسين البخاري
(2)
، عن بكر بن محمد بن حمدان المروزي
(3)
، عن محمد بن يونس
(4)
، عن محمد بن خالد بن عَثْمة الحنفي
(5)
عن مالك، فذهب الخطيب إلى أن هذا وهمٌ على محمد بن يونس، ولم يذكر من الذي وَهِم عليه؛ هل هو السِّمْناني، أو إسماعيل البخاري، أو المروزي؟
وعلَّل ذلك بأنه إنما رواه محمد بن يونس عن علي بن قتيبة الرفاعي
(6)
عن مالك، وأن ابن عثمة لم يروه عن مالك، وأن المحفوظ أن علي بن قتيبة تفرد بروايته.
ثم أورده من رواية عثمان بن محمد بن بشر السَّقَطي
(7)
عن محمد بن يونس عن علي بن قتيبة الرفاعي عن مالك به
(8)
.
(1)
هو محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد أبو جعفر القاضي السمناني، قال الخطيب: كتبتُ عنه، وكان ثقة عالمًا فاضلًا سخيًّا حسن الكلام. «تاريخ بغداد» (2/ 218).
(2)
وصفه الخطيب في ترجمته له بالفقيه الزاهد، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. «تاريخ بغداد» (7/ 312).
(3)
وثَّقه الخليلي. «الإرشاد» (3/ 922).
(4)
هو محمد بن يونس بن موسى بن سليمان الكُدَيمي البصري، ضعيف، مات سنة (286 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 515 رقم 6419).
(5)
صدوق يخطئ، من العاشرة. «تقريب التهذيب» (ص: 476 رقم 5847).
(6)
قال العقيلي: يحدث عن الثقات بالبواطيل وما لا أصل له. «الضعفاء الكبير» (3/ 249).
(7)
وثَّقه البرقاني والخطيب. «تاريخ بغداد» (13/ 194).
(8)
ورواه أبو القاسم الحرفي في «الفوائد» رواية الثقفي (ص: 153 رقم 11) عن عثمان بن محمد السقطي به.
وقد تابعه إبراهيم بن محمد بن عرفة
(1)
فرواه عن محمد بن يونس عن علي بن قتيبة عن مالك به، وأخرج هذه الرواية ابن الجوزي
(2)
.
ثم ذكر الخطيب أنه رواه عن علي بن قتيبة عن مالك به غير واحد، وقد وجدتُ أربعة منهم وهم: أحمد بن داود المكي
(3)
، وإبراهيم بن محمد
(4)
، وإبراهيم بن الحسين بن ديزيل
(5)
، وإبراهيم بن محمد بن إسحاق بن
أبي الجحيم
(6)
.
فهؤلاء أربعة من الثقات رووه عن علي بن قتيبة عن مالك به، مما يدل على خطأ من رواه عن ابن عثمة عن مالك.
(1)
هو الملقب نفطويه النحوي المشهور، قال الدارقطني: لا بأس به. وقال الخطيب: كان صدوقًا. «تاريخ بغداد» (7/ 93، وما بعدها).
(2)
«الموضوعات» (3/ 322 رقم 1558).
(3)
وثَّقه ابن يونس. «تاريخ الإسلام» (6/ 673).
وروايته أخرجها: العقيلي (3/ 249)، وابن عدي (6/ 354)، وأبو نعيم في «الحلية» (6/ 335).
(4)
أتى هكذا مهملًا في الرواية، وهو شيخ العقيلي، ولعله إبراهيم بن محمد بن الهيثم أبو القاسم القطيعي صاحب الطعام، وثَّقه الدارقطني والخطيب. «تاريخ بغداد» (7/ 86).
وروايته أخرجها العقيلي (3/ 249).
(5)
هو حافظ كبير ثقة. «سير أعلام النبلاء» (13/ 184).
وروايته أخرجها الحاكم في «المستدرك» كتاب البر والصلة (4/ 171 رقم 7259)، وابن عمشليق في «جزئه» (ص: 63 رقم 30).
(6)
وثَّقه مسلمة وابن حبان. «الثقات» لابن حبان (8/ 88 رقم 12369)، و «الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة» (2/ 229 رقم 1169).
وروايته أخرجها قوام السنة في «الترغيب والترهيب» (1/ 281 رقم 449).
ثم ذكر الخطيب أنه حدَّث به بعض الناس عن إبراهيم بن الحسين بن ديزيل الهمذاني عن علي بن قادم عن مالك، فوهم فيه أقبح مِن وهم مَن رواه عن ابن عثمة، وذلك لأنه معروف أن علي بن قتيبة تفرد به عن مالك، وقد سبق وأن ذكرت أن ابن ديزيل قد رواه عن علي بن قتيبة كما رواه الجماعة، ورواه عنه أبو جعفر أحمد بن عبيد الأسدي
(1)
، وعبدان بن يزيد الدقاق
(2)
، وأبو أحمد بن أبي صالح الهمذاني
(3)
، مما يدل على وهم من حدث به عن ابن ديزيل عن علي بن قادم، والله أعلم.
وقد صرح أبو نعيم الأصبهاني بتفرد علي بن قتيبة به عن مالك فقال:
«غريب من حديث مالك عن أبي الزبير، تفرد به علي بن قتيبة»
(4)
.
وكذلك أبو القاسم الحُرْفي حيث قال: «هذا حديث غريب من حديث مالك، لا أعلم رواه عنه غير علي بن قتيبة الرفاعي، وحدث عنه جماعة»
(5)
.
(1)
وثَّقه الخليلي. «الإرشاد» (2/ 659).
(2)
هو الحسن بن يزيد بن يعقوب المعروف بعبدان، كان صدوقًا. «تاريخ الإسلام» (7/ 549).
(3)
هو القاسم بن بندار بن إسحاق الهمذاني، وثَّقه صالح بن أحمد والخليلي. «الإرشاد» (2/ 657)، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 388).
(4)
«حلية الأولياء» (6/ 335).
(5)
«فوائد أبي القاسم الحرفي» رواية الثقفي (ص: 153 رقم 11).
وينظر أمثلة أخرى تصلح في هذا المطلب: «تاريخ بغداد» (2/ 77)، (3/ 85 - 86)، (5/ 153)، (6/ 487 - 488)، (7/ 588 - 589)، (13/ 235 - 236)، (14/ 501 - 502)، (16/ 232 - 233).
الفصل الثاني
النقد بالاضطراب والقلب والتصحيف
وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: الاضطراب.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الحديث المضطرب.
المطلب الثاني: بيان الخطيب للاضطراب في الأحاديث.
- المبحث الثاني: القلب.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب وأقسامه.
المطلب الثاني: بيان الخطيب للقلب في الأحاديث.
- المبحث الثالث: التصحيف.
وفيه مطلبان:
المطلب الأول: تعريف التصحيف.
المطلب الثاني: بيان الخطيب للتصحيف في الأحاديث.
المبحث الأول
الاضطراب
المطلب الأول
تعريف الحديث المضطرب
المضطرب لغة:
اضطرب الشيء: تحرك وماج. واضطرب الرجل: طال مع رخاوة. ورجل مضطرب الخَلق: طويل غير شديد الأسر. واضطرب أمره: اختل. يقال: حديث مضطرب السند، وأمر مضطرب. ويقال: اضطرب حبلهم، واضطرب الحبل بين القوم؛ إذا اختلفت كلمتهم
(1)
.
فكلمة الاضطراب تدل على حركة واختلاف، وعدم ثبات الشيء واختلاله وعدم انضباطه.
المضطرب اصطلاحًا:
عرَّفه ابن الصلاح بقوله: «المضطرب من الحديث: هو الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له. وإنما نسميه مضطربًا إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجَّحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى، بأن يكون راويها أحفظ أو أكثر صحبة للمروي عنه، أو
(1)
«تاج العروس» (ض ر ب).
غير ذلك
من وجوه الترجيحات المعتمدة، فالحكم للراجحة، ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب، ولا له حكمه.
ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث، وقد يقع في الإسناد، وقد يقع ذلك من راوٍ واحد، وقد يقع بين رواة له جماعة.
والاضطراب موجب ضعف الحديث؛ لإشعاره بأنه لم يُضبط. والله أعلم»
(1)
.
ونستخلص من هذا الكلام أن للمضطرب شرطين:
الأول: وجود اختلاف في رواية الحديث على وجوه.
الثاني: أن تكون هذه الوجوه متساوية لا يمكن ترجيح إحداها على الأخرى، فإن أمكن الترجيح فلا اضطراب.
وقد اعترض الزركشي على هذا الشرط بقوله: «قوله: وإنما نسميه مضطربًا إذا تساوت الروايتان
…
إلى آخره.
كان ينبغي أن يقول: وإنما يؤثر الاضطراب إذا تساوت، وإلا فلا شك في الاضطراب عند الاختلاف، تكافأت الروايات أم تفاوتت»
(2)
.
يريد أن الاضطراب متحقِّق حتى مع عدم التساوي وإمكانية الترجيح، وإنما يؤثر الاضطراب في صحة الحديث عند التساوي وعدم الترجيح.
ولعل هذا هو ما عليه أئمة الحديث المتقدِّمون؛ فإني وجدتهم يطلقون أحيانًا الاضطراب مع الترجيح، فالترجيح لا ينفي الاضطراب والاختلاف الذي وقع في الحديث، ومن أمثلة ذلك:
أن ابن أبي حاتم سأل أباه عن حديثٍ يُروى عن العلاء بن عبد الرحمن
(1)
، عن أبيه
(2)
، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: «إن من أصححتُه، وأوسعتُ له؛ لم يزرني في كل خمسة أعوام لمحروم»
(3)
.
فذكر له أن الناس يضطربون فيه، ثم سرد له أوجه هذا الاضطراب، فقال لأبيه: فأيها الصحيح منها؟
فقال أبو حاتم: «هو مضطرب» . فأعاد عليه، فلم يزده على قوله:«هو مضطرب» .
ثم قال له أبوه: «العلاء بن المسيب
(4)
، عن يونس بن خباب
(5)
، عن أبي سعيد، موقوفًا مرسلًا
(6)
أشبه»
(7)
.
(1)
هو العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب الحُرَقي المدني، صدوق ربما وهم، مات سنة بضع وثلاثين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 435 رقم 5247).
(2)
هو عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني مولى الحُرَقة، ثقة من الثالثة. «تقريب التهذيب» (ص: 353 رقم 4046).
(3)
أخرجه العقيلي في «الضعفاء» (2/ 206)، وابن عدي في «الكامل» (5/ 123)، والبيهقي في «السنن الكبرى» جماع أبواب آداب السفر، باب فضل الحج والعمرة (5/ 431 رقم 10393) من طريق العلاء بن عبد الرحمن به.
(4)
هو العلاء بن المسيب بن رافع الكاهلي الكوفي، ثقة ربما وهم، من السادسة. «تقريب التهذيب» (ص: 436 رقم 5258).
(5)
هو يونس بن خباب الأسيدي مولاهم الكوفي، صدوق يخطئ ورُمي بالرفض، من السادسة. «تقريب التهذيب» (ص: 613 رقم 7903).
(6)
أي: موقوف على أبي سعيد، ومرسل لأن يونس بن خباب لم يسمع من أبي سعيد، كما سيأتي من كلام أبي حاتم. وينظر:«تهذيب الكمال» (32/ 504).
(7)
لم أجد هذه الرواية فيما لديَّ من مراجع.
فقال لأبيه: لم يسمع يونس من أبي سعيد؟ قال: «لا»
(1)
.
فوصف أبو حاتم هذا الحديث بالاضطراب مع ترجيحه لرواية من رواياته، والله أعلم
(2)
.
وقد ذكر الدارقطني أوجه الخلاف على عبد الملك بن عمير
(3)
في حديث: «المستشار مؤتمن» .
ثم قال: «ويشبه أن يكون الاضطراب من عبد الملك، والأشبه بالصواب قول شيبان
(4)
، وأبي حمزة
(5)
»
(6)
.
(1)
«علل الحديث» (3/ 282 رقم 869).
(2)
وينظر مثال آخر في «علل الحديث» لابن أبي حاتم (6/ 559 رقم 2756).
(3)
هو عبد الملك بن عمير بن سويد اللخمي الكوفي، ثقة فصيح عالم تغيَّر حفظه وربما دلس، مات سنة ست وثلاثين ومائة، وله مائة وثلاث سنين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 364 رقم 4200).
(4)
هو شيبان بن عبد الرحمن التميمي مولاهم النحوي أبو معاوية البصري، ثقة صاحب كتاب، مات سنة أربع وستين ومائة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 269 رقم 2833).
وروايته أخرجها أبو داود، كتاب الأدب، باب في المشورة (4/ 333 رقم 5128)، والترمذي، أبواب الزهد، باب ما جاء في معيشة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (4/ 583 رقم 2369)، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب المستشار مؤتمن (2/ 1233 رقم 3745) عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به مرفوعًا.
قال الترمذي: «هذا حديث حسن صحيح غريب» .
(5)
هو أبو حمزة السكري محمد بن ميمون المروزي، ثقة فاضل، مات سنة سبع أو ثمان وستين ومائة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 510 رقم 6348).
وروايته أخرجها النسائي في «السنن الكبرى» كتاب الوليمة، باب استقبال من قد دُعي (6/ 212 رقم 6583) عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
(6)
«علل الدارقطني» (8/ 19 رقم 1381).
فمع تقريره أن الاضطراب في الحديث من عبد الملك إلا أنه رجح رواية شيبان وأبي حمزة عنه.
- وقد وجدتُ بعض النقاد يطلقون الاضطراب على الحديث، ويعنون به: أنه وقع فيه اختلال قوي أو خطأ فظيع أو تدليس فاحش، وهو بهذا قريب من معنى المضطرب اللغوي، فمن أمثلة ذلك:
قال ابن أبي حاتم: «سألت أبي عن حديث رواه علي بن عياش
(1)
، عن شعيب بن أبي حمزة
(2)
، عن محمد بن المنكدر، عن جابر قال: كان آخر الأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مسَّت النار؟
(3)
.
فسمعت أبي يقول: هذا حديث مضطرب المتن؛ إنما هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل كتفًا ولم يتوضَّأ
(4)
؛ كذا رواه الثقات عن ابن المنكدر عن جابر، ويحتمل أن يكون شعيب حدَّث به من حفظه فوهم فيه»
(5)
.
(1)
هو علي بن عياش الألهاني الحمصي، ثقة ثبت، مات سنة تسع عشرة ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 404 رقم 4779).
(2)
هو شعيب بن أبي حمزة الأموي مولاهم أبو بشر الحمصي، ثقة عابد، مات سنة اثنتين وستين ومائة أو بعدها، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 267 رقم 2798).
(3)
أخرجه أبو داود، كتاب الطهارة، باب في ترك الوضوء مما مست النار (1/ 49 رقم 192)، والنسائي، كتاب الطهارة، باب ترك الوضوء مما غيَّرت النار (1/ 108 رقم 185).
(4)
أخرجه أحمد (22/ 164، 203 رقم 14262، 14299)، وأبو داود، كتاب الطهارة، باب في ترك الوضوء مما مست النار (1/ 49 رقم 191)، وأبو يعلى (4/ 116 رقم 2160) من طرق عن ابن المنكدر به.
(5)
«علل الحديث» (1/ 644 رقم 168).
فوصفَ المتن بالاضطراب؛ لأن راويه أخطأ فيه هذا الخطأ الفاحش، حيث رواه من حفظه فاختصره فغيَّر المعنى، وجعله صريحًا في النسخ، وليس كذلك.
وقال ابن أبي حاتم أيضًا: «سألت أبي عن حديث رواه محمد بن بشار قال: حدثنا محمد بن خالد بن عثمة
(1)
قال: حدثنا سعيد بن بشير الدمشقي
(2)
، عن قتادة، عن أبي قلابة
(3)
، عن أبي الشعثاء
(4)
، عن يونس بن شداد
(5)
، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«أيام التشريق إنها أيام أكل وشرب» ؟
(6)
.
قال أبي: هذا إسناد مضطرب؛ أبو قلابة عن أبي الشعثاء لا يجيء؛ وذاك أن
(1)
هو الحنفي البصري، صدوق يخطئ، من العاشرة. «تقريب التهذيب» (ص: 476 رقم 5847).
(2)
هو الأزدي مولاهم، أصله من البصرة أو واسط، ضعيف، مات سنة ثمان أو تسع وستين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 234 رقم 2276).
(3)
هو عبد الله بن زيد الجرمي البصري، ثقة فاضل كثير الإرسال، مات سنة أربع ومائة وقيل بعدها، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 304 رقم 3333).
(4)
هو جابر بن زيد الأزدي البصري، ثقة فقيه، مات سنة ثلاث وتسعين، ويقال: ثلاث ومائة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 136 رقم 865).
(5)
قال أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (5/ 2815): «يونس بن شداد مجهول، ذكره بعض المتأخرين، وقال: حديثه عند أبي الشعثاء جابر بن زيد» . وينظر: «الإصابة» (6/ 544).
(6)
أخرجه عبد الله بن أحمد في «زوائد المسند» (27/ 260 رقم 16706)، والبزار كما في «كشف الأستار» (1/ 498 رقم 1068) من طريق محمد بن خالد بن عثمة.
قال البزار: «لا نعلمه أسند يونس بن شداد إلا هذا، ولا نعلم له إسنادًا إلا هذا، ولم يتابع محمد بن خالد عليه» .
الذي يُعرف: أبو الشعثاء جابر بن زيد، وأبو قلابة عن جابر بن زيد يستحيل، ويونس بن شداد لا نعرفه»
(1)
.
فهذا الإسناد وصفه أبو حاتم بالاضطراب، مع أنه لم يأت إلا من وجه واحد ولم يُختلف فيه، بل لأنه إسناد خطأ؛ فإن أبا قلابة لا يمكن أن يروي عن أبي الشعثاء جابر بن زيد
(2)
، كما أن يونس بن شداد مجهول.
* ولم أجد تعريفًا للحديث المضطرب عند الخطيب، ولكني وجدت كلامًا له يمكننا أن نستخلص منه بعض معاني الاضطراب عنده، حيث يقول في معرض حديثه عن الترجيح بين الأخبار: «فمما يوجب تقوية أحد الخبرين المتعارضين وترجيحه على الآخر: سلامته في متنه من الاضطراب، وحصول ذلك في الآخر؛ لأن الظن بصحة ما سلم متنه من الاضطراب يقوى، ويضعف في النفس سلامة ما اختلف لفظ متنه، فإن كان اختلافًا يؤدي إلى اختلاف معنى الخبر، فهو آكد وأظهر في اضطرابه، وأجدر أن يكون راويه ضعيفًا قليل الضبط لما سمعه، أو كثير التساهل في تغيير لفظ الحديث.
وإن كان اختلاف اللفظ لا يوجب اختلاف معناه فهو أقرب من الوجه الأول، غير أن ما لم يختلف لفظه أولى بالتقديم عليه.
فإن قيل: يجب أن تكون رواية الزيادة في المتن اضطرابًا.
(1)
«علل الحديث» (3/ 251 رقم 839).
(2)
لا أدري لماذا تستحيل رواية أبي قلابة عن أبي الشعثاء، غير أني لم أجد أحدًا قد نص على روايته عنه، وينظر ترجمة أبي قلابة من «تهذيب الكمال» (14/ 542)، و «سير أعلام النبلاء» (4/ 468).
قلنا: لا يجب ذلك؛ لأنه في معنى خبرين منفصلين على ما بيناه.
وإن عُرف محدث بكثرة الزيادات في الأحاديث التي يرويها الجماعة الحفاظ بغير زيادة، وسبق إلى الظن قلة ضبطه وتساهله بالتغيير والزيادة، قُدِّم خبرُ غيرِه عليه.
ومما يوجب ذلك أيضًا: أن يكون سنده عاريًا من الاضطراب، وسند الآخر مضطربًا، واضطراب السند: أن يذكر راويه رجالًا فيُلَبِّس أسماءهم وأنسابهم ونعوتهم تدليسًا للرواية عنهم، وإنما يفعل ذلك غالبًا في الرواية عن الضعفاء»
(1)
.
فهذا الكلام يدل على أن الاضطراب عند الخطيب يقع في المتن والسند معًا.
أما الاضطراب الذي في المتن فنوعان:
الأول: اضطراب يؤدي إلى اختلاف اللفظ دون المعنى.
والثاني: اضطراب يؤدي إلى اختلاف اللفظ والمعنى معًا، وهو أشد من الأول.
وأما الاضطراب الذي في السند، فقد عرَّفه بتعريف يشابه تعريف تدليس الشيوخ، وهو غريب، والله أعلم.
(1)
«الكفاية» (ص: 434).
المطلب الثاني
بيان الخطيب للاضطراب في الأحاديث
وصفَ الخطيب ثلاثة أحاديث بالاضطراب في كتابه «تاريخ بغداد» ، وقع الاضطراب فيها كلها في الإسناد، حديثان منها حدث في كل منهما الاضطراب من راوٍ واحد فرواه على أكثر من وجه، والحديث الثالث حدث فيه الاضطراب بين أكثر من راوٍ، وهذا عرض لهذه الأحاديث:
- الحديث الأول:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن أحمد بن يونس البزاز ومن طريقه عن إبراهيم بن يوسف الكوفي قال: حدثنا الأشجعي عبيد الله، عن سفيان، عن سهيل، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد لدغته عقرب، فقال:«أما إنك لو قلتَ حين أمسيتَ: أعوذ بكلمات الله التامات كلها من شر ما خلق لم يضرك شيء حتى تصبح» .
ثم قال الخطيب: «تفرد برواية هذا الحديث عن سفيان الثوري هكذا مجوَّدًا الأشجعي.
ورواه غير واحد، عن الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن رجل من أسلم، أنه لدغته عقرب من غير ذِكر لأبي هريرة.
ورواه عمر بن مدرك الرازي، عن عصام بن يوسف، عن الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رجل من أسلم.
وروى هذا الحديث عن سهيل -كما رواه الأشجعي عن سفيان-
مالك بن
أنس، وسعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي، ومحمد بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي.
ورواه عن سهيل أيضًا، عن أبيه، عن رجل من أسلم: شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، وخالد بن عبد الله الطحان.
ونرى أن سهيلًا كان يضطرب فيه ويرويه على الوجهين جميعًا، والله أعلم»
(1)
.
فهذا الحديث تفرد عبيد الله الأشجعي
(2)
بروايته عن سفيان الثوري عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة، وروايته أخرجها ابن ماجه
(3)
، والنسائي
(4)
، والطبراني
(5)
، وأبو نعيم
(6)
، والمخلِّص
(7)
، والهروي
(8)
.
قال أبو نعيم: «تفرد به الأشجعي عن الثوري» .
وقد وجدتُ متابعًا للأشجعي وهو أبو حذيفة موسى بن مسعود
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 258).
(2)
هو عبيد الله بن عبيد الرحمن الأشجعي أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة مأمون أثبت الناس كتابًا في الثوري، مات سنة (182 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 373 رقم 4318).
(3)
«سنن ابن ماجه» ، كتاب الطب، باب رقية الحية والعقرب (2/ 1162 رقم 3518).
(4)
«السنن الكبرى» ، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (9/ 220 رقم 10353)، ورواه من طريقه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 22 رقم 23).
(5)
«الدعاء» (ص: 130 رقم 349).
(6)
«حلية الأولياء» (7/ 143).
(7)
«المخلصيات» (2/ 136 رقم 1217).
(8)
«الأربعون في دلائل التوحيد» (ص: 87 رقم 36).
النهدي،
وروايته أخرجها الطحاوي
(1)
. وأبو حذيفة النهدي: صدوق سيئ الحفظ وكان يصحِّف
(2)
.
ومعنى قول الخطيب: «مجوَّدًا» : أن الأشجعي جوَّد الحديث، وسلك به الطريق المعروف المشهور، فسهيل مشهور بالرواية عن أبيه عن أبي هريرة.
ثم ذكر الخطيب أنه رواه غير واحد، عن الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن رجل من أسلم، أنه لدغته عقرب من غير ذِكر لأبي هريرة.
وقد وجدتُ جماعة من الثقات يروونه عن الثوري كذلك وهم: وكيع
(3)
، وقتيبة بن سعيد
(4)
، ومحمد بن يوسف الفريابي
(5)
. وذكر الدارقطني
(6)
أنه يرويه كذلك أيضًا محمد بن كثير
(7)
.
ثم ذكر الخطيب أنه رواه عمر بن مدرك الرازي، عن عصام بن يوسف، عن الثوري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن رجل من أسلم
(8)
.
(1)
«شرح مشكل الآثار» (1/ 18 رقم 17).
(2)
«تقريب التهذيب» (ص: 554 رقم 7010).
(3)
وروايته أخرجها: أحمد (38/ 175 رقم 23083)
(4)
سبقت ترجمته (ص: 314). وروايته أخرجها: النسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (9/ 220 رقم 10356).
(5)
سبقت ترجمته (ص: 329). وروايته أخرجها: الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 26 رقم 33)، والبيهقي في «الدعوات الكبير» (1/ 93 رقم 36).
(6)
«علل الدارقطني» (10/ 178).
(7)
لعله محمد بن كثير العبدي البصري، ثقة لم يصب من ضعفه، مات سنة (223 هـ) وله تسعون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 504 رقم 6252).
(8)
لم أجد من أخرج هذه الرواية، وقد ذكرها الدارقطني في «العلل» (10/ 178).
وعمر بن مدرك الرازي كذَّبه يحيى بن معين
(1)
، وعصام بن يوسف قال فيه ابن عدي:«وقد روى عصام هذا عن الثوري وعن غيره أحاديث لا يتابع عليها»
(2)
. فلا يُعتد بهذه الرواية، والله أعلم.
ثم ذكر الخطيب أنه روى هذا الحديث عن سهيل -كما رواه الأشجعي عن سفيان- مالك بن أنس، وسعيد بن عبد الرحمن الجُمَحي، ومحمد بن رفاعة بن ثعلبة بن أبي مالك القرظي.
أما رواية مالك، فهي في «الموطأ»
(3)
، وقد رواها عنه قتيبة بن سعيد
(4)
، وابن وهب
(5)
، والقعنبي
(6)
، وعبد الله بن يوسف
(7)
، وإسحاق بن
(1)
«تاريخ بغداد» (13/ 51).
(2)
«الكامل» (7/ 87).
(3)
«الموطأ» رواية يحيى الليثي، كتاب الشعر، باب ما يؤمر به من التعوذ (2/ 951)، ورواية أبي مصعب الزهري، كتاب الجامع، باب ما يؤمر به من التعوذ (2/ 129 رقم 2001).
(4)
وروايته أخرجها النسائي في «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (ص: 389 رقم 589).
(5)
وروايته أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 18 رقم 16).
(6)
وروايته أخرجها البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص: 97)، والطبراني في «الدعاء» (ص: 129 رقم 346).
(7)
هو عبد الله بن يوسف التنِّيسي الكلاعي، ثقة متقن من أثبت الناس في الموطأ، مات سنة (218 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 330 رقم 3721).
وروايته أخرجها البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص: 97)، والطبراني في «الدعاء» (ص: 129 رقم 346)، وقوام السنة في «الحجة في بيان المحجة» (1/ 351 رقم 175).
عيسى
(1)
، وابن أبي أويس
(2)
، وابن بكير
(3)
.
وأما رواية سعيد بن عبد الرحمن الجمحي
(4)
فقد رواها البخاري في «خلق أفعال العباد»
(5)
.
وأما رواية محمد بن رفاعة
(6)
فقد رواها البخاري تعليقًا في «خلق أفعال العباد»
(7)
، والطبراني
(8)
.
(1)
هو إسحاق بن عيسى بن نجيح الطباع، صدوق، مات سنة (214 هـ) وقيل: بعدها بسنة. «تقريب التهذيب» (ص: 102 رقم 375).
وروايته أخرجها أحمد (14/ 464 رقم 8880).
(2)
هو إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني، صدوق أخطأ في أحاديث من حفظه، مات سنة (226 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 108 رقم 460).
وروايته أخرجها البغوي في «شرح السنة» كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا نزل منزلًا (5/ 146 رقم 1348).
(3)
هو يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري، ثقة في الليث وتكلموا في سماعه من مالك، مات سنة (231 هـ)، وله سبع وسبعون. «تقريب التهذيب» (ص: 592 رقم 7580).
وروايته أخرجها البيهقي في «أسماء الله وصفاته» (2/ 487 رقم 371).
(4)
هو سعيد بن عبد الرحمن الجمحي من ولد عامر بن حذيم أبو عبد الله المدني قاضي بغداد، صدوق له أوهام وأفرط ابن حبان في تضعيفه، مات سنة (176 هـ) وله اثنتان وسبعون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 238 رقم 2350).
(5)
«خلق أفعال العباد» (ص: 97).
(6)
هو محمد بن رفاعة بن ثعلبة القُرَظي، مقبول، من السابعة. «تقريب التهذيب» (ص: 478 رقم 5879).
(7)
«خلق أفعال العباد» (ص: 97).
(8)
«المعجم الأوسط» (3/ 111 رقم 2644)، و «الدعاء» (ص: 130 رقم 348).
وقد وجدتُ آخرين لم يذكرهم الخطيب قد رووا الحديث عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة كما رواه الأشجعي بمعناه، وهم: هشام بن حسان
(1)
،
وعبيد الله بن عمر
(2)
، وحماد بن سلمة
(3)
، وحماد بن زيد
(4)
، وروح بن
(1)
هو هشام بن حسان الأزدي القردوسي البصري، ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين وفي روايته عن الحسن وعطاء مقال؛ لأنه قيل كان يرسل عنهما، مات سنة (147 هـ) وقيل بعدها، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 572 رقم 7289).
وروايته أخرجها ابن أبي شيبة في «المصنف» كتاب الدعاء، باب ما يؤمر الرجل أن يدعو فلا يضره لسعة العقرب (6/ 100 رقم 29799)، وأحمد (13/ 274 رقم 7898)، والترمذي في أبواب الدعوات، باب في الاستعاذة (5/ 555 رقم 3604 (1)) -طبعة دار الغرب وهو ساقط من الطبعة المصرية-، والنسائي في «عمل اليوم والليلة» ، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (ص: 390 رقم 590)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 20 رقم 20).
(2)
هو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري، ثقة ثبت، قدَّمه أحمد بن صالح على مالك في نافع، وقدَّمه ابن معين في القاسم عن عائشة على الزهري عن عروة عنها، مات سنة بضع وأربعين ومائة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 373 رقم 4324).
وروايته أخرجها البزار (16/ 32 رقم 9065)، والنسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (9/ 220 رقم 10352)، وابن حبان في «الصحيح» كتاب الرقائق، باب الاستعاذة (3/ 309 رقم 1036)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 21 رقم 22).
(3)
وروايته أخرجها ابن السني في «عمل اليوم والليلة» (ص: 654 رقم 712). وذكر الدارقطني في «العلل» (10/ 177) أنه اختلف على حماد بن سلمة في هذا الحديث ولم يبين ما هو هذا الاختلاف.
(4)
وروايته أخرجها النسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (9/ 219 رقم 10349) -ومن طريقه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 20 رقم 19) - والطبراني في «المعجم الأوسط» (6/ 144 رقم 6038) كلهم من طريق محمد بن سليمان لوين عن حماد بن زيد. وقال الطبراني:«لم يرو هذا الحديث عن حماد بن زيد مجوَّدًا عن أبي هريرة إلا محمد بن سليمان، ورواه الناس عن حماد عن سهيل عن أبيه عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم» . وينظر: «علل الدارقطني» (10/ 179).
القاسم
(1)
، وعبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون
(2)
، ومحمد بن سليمان الأصبهاني
(3)
، وجرير بن حازم
(4)
، وعبد العزيز بن محمد
(5)
.
(1)
هو روح بن القاسم التميمي العنبري البصري، ثقة حافظ، مات سنة (141 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 211 رقم 1970).
وروايته أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 20 رقم 18)، والطبراني في «الدعاء» (ص: 130 رقم 347).
(2)
هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون مولى آل الهدير، ثقة فقيه مصنف، من السابعة، مات سنة (164 هـ) روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 357 رقم 4104).
وروايته أخرجها أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (1/ 496 رقم 612).
(3)
هو محمد بن سليمان بن عبد الله الكوفي الأصبهاني، صدوق يخطئ، مات سنة (181 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 481 رقم 5930).
وروايته أخرجها الخرائطي في «مكارم الأخلاق» (ص: 283 رقم 869).
(4)
هو جرير بن حازم بن زيد بن عبد الله الأزدي البصري والد وهب، ثقة لكن في حديثه عن قتادة ضعف وله أوهام إذا حدَّث من حفظه، مات سنة (170 هـ) بعدما اختلط لكن لم يحدث في حال اختلاطه، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 138 رقم 911).
وروايته أخرجها البخاري في «خلق أفعال العباد» (ص: 97)، وابن حبان في «الصحيح» كتاب الرقائق، باب الاستعاذة (3/ 299 رقم 1022)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 20 رقم 21)، والطبراني في «الدعاء» (ص: 130 رقم 349)، والحاكم في «المستدرك» كتاب الرقى والتمائم (4/ 461 رقم 8280)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (5/ 150).
(5)
هو عبد العزيز بن محمد بن عبيد الدراوردي، صدوق كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله العمري منكر، مات سنة (186 هـ) أو (187 هـ) روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 358 رقم 4119).
وروايته أخرجها البزار في «مسنده» (16/ 32 رقم 9066).
وقد ذكر الدارقطني في «العلل» (10/ 176) أنه يرويه كذلك أيضًا عبد الله بن عمر أخو عبيد الله، وعبيدة بن حميد، ولم أجد روايتهما.
تنبيه: ذكر الدارقطني في «العلل» (10/ 179) أنه روي أيضًا عن الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن رجل من أسلم. ولم أجد هذه الرواية.
ثم ذكر الخطيب أنه رواه عن سهيل أيضًا عن أبيه عن رجل من أسلم: شعبة بن الحجاج، وسفيان بن عيينة، وخالد بن عبد الله الطحان.
أما رواية شعبة فقد أخرجها أحمد
(1)
، والطحاوي
(2)
، وأبو نعيم الأصبهاني
(3)
.
وقد ذكر الدارقطني أنه قد اختلف على شعبة في هذا الحديث فرُوي عنه عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أيضًا
(4)
.
وأما رواية سفيان بن عيينة فقد أخرجها الطحاوي
(5)
.
وأما رواية خالد بن عبد الله الطحان
(6)
فلم أجدها
(7)
.
(1)
«مسند أحمد» (24/ 479 رقم 15709)، (39/ 57 رقم 23650).
(2)
«شرح مشكل الآثار» (1/ 23 رقم 25).
(3)
«معرفة الصحابة» (6/ 3107 رقم 7169).
(4)
«علل الدارقطني» (10/ 178)، ولم أجد هذه الرواية.
(5)
«شرح مشكل الآثار» (1/ 22 رقم 24).
(6)
هو خالد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي المزني مولاهم، ثقة ثبت، مات سنة (182 هـ)، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 189 رقم 1647).
(7)
وقد ذكرها الدارقطني في «العلل» (10/ 177).
وقد وجدتُ آخرين لم يذكرهم الخطيب قد رَوَوُا الحديث عن سهيل عن أبيه عن رجل من أسلم، وهم: معمر بن راشد
(1)
، وزهير بن معاوية
(2)
، وأبو عوانة
(3)
، ووهيب بن خالد
(4)
.
ثم رجَّح الخطيب بعد عرضه لهذا الاختلاف أن سهيلًا كان يضطرب فيه ويرويه على الوجهين جميعًا؛ وذلك لأن كل وجه منهما قد رواه عنه ثقات
(1)
وهي في «الجامع» لمعمر (11/ 36 رقم 19834 ضمن مصنف عبد الرزاق)، ورواها البيهقي من طريقه في «دلائل النبوة» (7/ 105).
(2)
سبقت ترجمته (ص: 281).
وروايته أخرجها أبو داود، كتاب الطب، باب كيف الرقى (4/ 13 رقم 3898)، والنسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (9/ 220 رقم 10355)، والطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 23 رقم 26).
وقد ذكر الدارقطني في «العلل» (10/ 178) أنه اختلف على زهير بن معاوية، فروي عنه عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة أيضًا. ولم أجد هذه الرواية.
(3)
سبقت ترجمته (ص: 281).
وروايته أخرجها الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 23 رقم 27).
(4)
وُهيب بن خالد بن عجلان الباهلي مولاهم أبو بكر البصري، ثقة ثبت لكنه تغير قليلًا بأخرة، مات سنة (165 هـ) وقيل بعدها، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 586 رقم 7487).
وروايته أخرجها النسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (9/ 220 رقم 10354)، ومن طريقه الطحاوي في «شرح مشكل الآثار» (1/ 23 رقم 29).
وقد ذكر الدارقطني في «العلل» (10/ 177) أنه يرويه كذلك أيضًا جرير بن عبد الحميد، ولم أجد روايته.
أثبات، فلا يمكن ترجيح أحد هذين الوجهين على الآخر، مما يدل على أن هذا الاضطراب من سهيل نفسه، والله أعلم.
وقد أشار إلى ذلك الطحاوي فقال: «ولما اختلفوا علينا في إسناد هذا الحديث عن سهيل كما قد رويناه من اختلافهم عليه في هذا الباب، طلبناه من غير رواية سهيل، من حديث مَن رواه عن أبي صالح سواه وسوى أخيه؛ لنقف بذلك على حقيقته، هل هو عن أبي هريرة، أو عن رجل من أسلم؟»
(1)
.
وقال الدارقطني: «والمحفوظ: عن سهيل، عن أبيه، عن رجل من أسلم. وأما قول من قال: عن أبي هريرة، فيشبه أن يكون سهيل حدث به مرة هكذا فحفظه عنه مَن حفظه كذلك؛ لأنهم حفاظ ثقات، ثم رجع سهيل إلى إرساله.
وروى هذا الحديث القعقاع بن حكيم
(2)
، ويعقوب بن عبد الله بن الأشج
(3)
، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(1)
«شرح مشكل الآثار» (1/ 24).
(2)
هو القعقاع بن حكيم الكناني المدني، ثقة، من الرابعة. «تقريب التهذيب» (ص: 456 رقم 5558).
وروايته أخرجها مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره (4/ 2081 رقم 2709)، والنسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (9/ 219 رقم 10348)، وابن حبان في «الصحيح» كتاب الرقائق، باب الاستعاذة (3/ 297 رقم 1020) من طريق يعقوب بن عبد الله الأشج عن القعقاع عن أبي صالح.
(3)
هو يعقوب بن عبد الله بن الأشج أبو يوسف المدني مولى قريش، ثقة، مات سنة اثنتين وعشرين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 608 رقم 7821).
وروايته أخرجها مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب في التعوذ من سوء القضاء ودرك الشقاء وغيره (4/ 2081 رقم 2709/ 55)، والنسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب عمل اليوم والليلة، باب ما يقول إذا خاف شيئًا من الهوام حين يمسي (9/ 218 رقم 10346) من طريق جعفر عن يعقوب أنه ذكر له أن أبا صالح أخبره أنه سمع أبا هريرة.
وكذلك قال أبو حنيفة، عن هيثم الصيدلاني
(1)
، عن أبي صالح، عن أبي هريرة
(2)
»
(3)
.
وقال ابن حجر: «وذكر الدارقطني الاختلاف فيه على سهيل، ورجح قول شعبة ومن وافقه، وكأنه رجح بالكثرة، ويعارضه كون مالك أحفظ بحديث المدنيين من غيره.
والذي يظهر لي أنه كان عند سهيل على الوجهين، فإن له أصلًا من رواية أبي صالح عن أبي هريرة كما تقدم في رواية مسلم، وهكذا رواه الهيثم الصراف
(4)
عن أبي صالح»
(5)
.
الحديث الثاني:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن الفضيل الخراساني البغدادي، عن
(1)
هو الهيثم بن حبيب الصيرفي الكوفي، صدوق، من السادسة. «تقريب التهذيب» (ص: 577 رقم 7360).
(2)
أخرجه أبو نعيم في «مسند أبي حنيفة» (ص: 257)، وابن حجر في «نتائج الأفكار» (2/ 360).
(3)
«علل الدارقطني» (10/ 176 رقم 1965).
(4)
هو الصيدلاني الذي تقدم في كلام الدارقطني.
(5)
«نتائج الأفكار» (2/ 360).
أبي الحسن علي بن يحيى بن جعفر الإمام، وأبي الفرج عبد الواحد بن
محمد بن عبد الله البُزَاني جميعًا بأصبهان قالا: أخبرنا عبد الله بن الحسن بن بندار المديني قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال: حدثنا محمد بن فضيل البغدادي، عن الحَفَري، عن عاصم بن النعمان، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن شقيق، عن علي، مثل حديث قبله أنه خطب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة عهدًا، ولكنه رأي رأيناه فاستُخلف أبو بكر فقام واستقام. وذكر الحديث.
ثم قال الخطيب: «كذا روياه لنا فقالا: عن عمرو بن شقيق، وإنما هو عمرو بن سفيان.
وقالا أيضًا: عاصم بن النعمان، وإنما هو عصام بن النعمان بن أبي خالد ابن أخي إسماعيل بن أبي خالد، رواه عن سفيان الثوري هكذا
(1)
.
وخالفه أبو عاصم الضحاك بن مخلد فرواه عن الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو بن سفيان، عن أبيه.
ورواه يحيى بن يمان عن الثوري، عن الأسود، عن سفيان بن عمرو، أو عمرو بن سفيان.
ورواه عبد الصمد بن حسان، فلم يقم إسناده، وقال: عن سفيان، عن رجل، عن الأسود بن قيس، عن علي.
ورواه أبو يحيى الحِمَّاني، وعبد الرزاق، وقبيصة، عن الثوري، عن
(1)
سيأتي في مبحث التصحيف (ص: 397) دراسة كلامه على هذين الخطأين.
الأسود بن قيس، عن شيخ غير مسمى، عن علي، وكذلك رواه شريك، عن
الأسود بن قيس.
ورواه عبثر بن القاسم، عن الثوري، عن سوار، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، عن علي.
وكان الثوري يضطرب فيه ولا يُثبت إسناده»
(1)
.
فهذا الحديث يرويه أبو داود الحَفَري
(2)
عن عصام بن النعمان
(3)
، عن سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان، عن علي، وروايته أخرجها عبد الله بن أحمد
(4)
، والدارقطني
(5)
.
ثم ذكر الخطيب أنه خالفه أبو عاصم الضحاك بن مخلد
(6)
فرواه عن الثوري، عن الأسود بن قيس، عن سعيد بن عمرو بن سفيان، عن أبيه،
(1)
«تاريخ بغداد» (4/ 276).
(2)
هو عمر بن سعد بن عبيد، ثقة عابد، مات سنة (203 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 413 رقم 4904).
(3)
لم أجد له ترجمة فيما لديَّ من مراجع.
(4)
«السنة» (2/ 569 رقم 1334).
(5)
«علل الدارقطني» (4/ 86).
تنبيه: روى البيهقي في «الاعتقاد» (ص: 357)، وفي «دلائل النبوة» (7/ 223)، ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (30/ 292) من طريق شعيب بن أيوب، عن أبي داود الحفري، عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان قال: لما ظهر علي رضي الله عنه على الناس يوم الجمل فذكره، ولم يذكر عصام بن النعمان، والله أعلم.
(6)
سبقت ترجمته (ص: 232).
وروايته أخرجها عبد الله بن أحمد
(1)
، وابن أبي عاصم
(2)
، والعقيلي
(3)
، والدارقطني
(4)
، واللالكائي
(5)
، والبيهقي
(6)
، وابن عساكر
(7)
، والضياء المقدسي
(8)
.
ثم ذكر الخطيب أنه رواه يحيى بن يمان
(9)
عن الثوري، عن الأسود، عن سفيان بن عمرو، أو عمرو بن سفيان
(10)
.
ثم ذكر أنه رواه عبد الصمد بن حسان
(11)
، فلم يقم إسناده، وقال: عن سفيان، عن رجل، عن الأسود بن قيس، عن علي
(12)
.
(1)
«السنة» (2/ 570 رقم 1336).
(2)
«السنة» (2/ 575 رقم 1218).
(3)
«الضعفاء» (1/ 178).
(4)
«علل الدارقطني» (4/ 86).
(5)
«شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة» (7/ 1406 رقم 2527).
(6)
«الاعتقاد» (ص: 358).
(7)
«تاريخ دمشق» (42/ 438)، (48/ 52).
(8)
«الأحاديث المختارة» (2/ 94 رقم 471).
(9)
هو يحيى بن يمان العجلي الكوفي، صدوق عابد يخطئ كثيرًا وقد تغيَّر، مات سنة (189 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 598 رقم 7679).
(10)
لم أجد هذه الرواية فيما لديَّ من مراجع، وقد ذكرها الدارقطني في «العلل» (4/ 85).
(11)
هو عبد الصمد بن حسان المروزي، ويقال: المروذي. قال الذهبي: وهو صدوق إن شاء الله، يقال: تركه أحمد بن حنبل، ولم يصح هذا. «ميزان الاعتدال» (2/ 620).
(12)
لم أجد هذه الرواية فيما لديَّ من مراجع، وقد ذكرها الدارقطني في «العلل» (4/ 85).
ثم ذكر أنه رواه أبو يحيى الحِمَّاني، وعبد الرزاق، وقبيصة، عن الثوري، عن
الأسود بن قيس، عن شيخ غير مسمى، عن علي.
أما رواية أبي يحيى الحِمَّاني
(1)
، فقد أخرجها الدارقطني
(2)
.
وأما رواية عبد الرزاق، فقد أخرجها أحمد
(3)
، ونعيم بن حماد
(4)
، والدارقطني
(5)
.
أما رواية قبيصة
(6)
، فقد رواها أبو حاتم الرازي
(7)
.
ثم ذكر الخطيب أنه كذلك رواه شريك، عن الأسود بن قيس، يعني: عن شيخ غير مسمى عن علي، وذكر ذلك أيضًا الدارقطني
(8)
.
(1)
هو عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو يحيى الحِمَّاني الكوفي، صدوق يخطئ ورُمي بالإرجاء، مات سنة (202 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 334 رقم 3771).
(2)
«علل الدارقطني» (4/ 87).
(3)
«مسند أحمد» (2/ 244 رقم 921)، و «فضائل الصحابة» (1/ 331 رقم 477)، ورواه من طريقه ابنه عبد الله في «السنة» (2/ 566 رقم 1327)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (30/ 292).
(4)
«الفتن» (1/ 86 رقم 197).
(5)
«علل الدارقطني» (4/ 87).
(6)
هو قبيصة بن عقبة بن محمد بن سفيان السُّوائي أبو عامر الكوفي، صدوق ربما خالف، مات سنة (215 هـ) على الصحيح، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 453 رقم 5513).
(7)
«بيان خطأ البخاري في تاريخه» (1/ 85 رقم 389)، وذكرها في «العلل» (6/ 423).
(8)
«علل الدارقطني» (4/ 86).
ولم أجد هذه الرواية فيما لديَّ من مراجع، ولكن رواها أحمد (2/ 411 رقم 1256) عن أبي نعيم، عن شريك، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن سفيان قال: خطب رجل يوم البصرة حين ظهر علي، فقال علي: هذا الخطيب الشحشح سبق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصلى أبو بكر، وثلَّث عمر، ثم خبطتنا فتنة بعدهم يصنع الله فيها ما شاء.
وقد وجدتُ راويًا آخر لم يذكره الخطيب قد روى الحديث عن سفيان الثوري، عن الأسود بن قيس، عن رجل، عن علي، وهو زيد بن الحُبَاب
(1)
، وروايته أخرجها عبد الله بن أحمد
(2)
.
ثم ذكر الخطيب أنه رواه عَبْثر بن القاسم
(3)
، عن الثوري، عن سوار، عن الأسود بن قيس، عن أبيه، عن علي، وذكر ذلك أيضًا الدارقطني
(4)
.
ثم رجَّح الخطيب أن هذا الاختلاف من الثوري نفسه؛ فإنه لم يحفظ إسناده كما ينبغي، فكان يضطرب فيه ويرويه على هذه الأوجه المختلفة، ولا يمكن ترجيح واحد منها على الأوجه الأخرى؛ لأن معظم هذه الأوجه قد رواها ثقات أو من أهل الصدق.
وقد سبقه إلى ذلك الدارقطني -وقد استفاد الخطيب هذا النقد منه- فقال
(1)
هو زيد بن الحُباب أبو الحسين العُكْلي، أصله من خراسان وكان بالكوفة، ورحل في الحديث فأكثر منه، وهو صدوق يخطئ في حديث الثوري، مات سنة (203 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 222 رقم 2124).
(2)
«السنة» (2/ 569 رقم 1333).
(3)
هو عَبْثَر بن القاسم الزُّبيدي أبو زُبيد الكوفي، ثقة، مات سنة (179 هـ)، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 294 رقم 3197).
(4)
«علل الدارقطني» (4/ 86).
بعد أن عرض الخلاف في هذا الحديث: «والثوري رحمه الله كان يضطرب فيه
ولم يثبت إسناده»
(1)
.
وذهب ابن حجر أيضًا إلى أن في هذا الحديث اضطرابًا
(2)
.
- الحديث الثالث:
روى الخطيب في ترجمة أبي الأحوص محمد بن نصر بن سليمان المُخرِّمي ومن طريقه عن يعقوب بن القاسم قال: حدثنا عبد الرزاق، عن المعتمر بن سليمان، عن القاسم بن الفضل الحُدَّاني، عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتري، عن عثمان قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وقال له عمار وهو يُعذَّب: هكذا الدهر أبدًا؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللهم اغفر لآل ياسر، موعدكم الجنة» .
ثم قال: «لا أعلم روى هذا الحديث هكذا عن القاسم بن الفضل غير معتمر بن سليمان وعنه عبد الرزاق.
ورواه مسلم بن إبراهيم، عن القاسم بن الفضل، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عثمان.
وتابع مسلمًا أبو داود الطيالسي وعبد الله بن بكر السهمي فروياه كذلك عن القاسم.
ورواه الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عثمان،
(1)
المصدر السابق.
(2)
«تقريب التهذيب» ترجمة قيس والد الأسود (ص: 458 رقم 5601)، وينظر:«تهذيب الكمال» (24/ 92 رقم 4931).
حدَّث به عن الأعمش هكذا منصور بن أبي الأسود، وهذا القول يشد رواية
مسلم بن إبراهيم ومن تابعه.
وقيل أيضًا: عن الأعمش عن سالم من غير ذكر لعمرو بن مرة.
وروي عن الأعمش فيه قول آخر.
والحديث في الأصل مضطرب، فالله أعلم»
(1)
.
فهذا الحديث ذكر الخطيب أنه تفرد بروايته عبد الرزاق، عن المعتمر بن سليمان، عن القاسم بن الفضل الحُدَّاني
(2)
، عن عمرو بن مرة، عن أبي البَخْتري، عن عثمان، وروايته أخرجها ابن عساكر
(3)
.
ثم ذكر أنه رواه مسلم بن إبراهيم
(4)
، عن القاسم بن الفضل، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عثمان، وروايته أخرجها ابن سعد
(5)
مقرونًا بأبي قطن عمرو بن الهيثم
(6)
، وابن عساكر
(7)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (4/ 505).
(2)
هو القاسم بن الفضل بن معدان الحُدَّاني أبو المغيرة البصري، ثقة رُمي بالإرجاء، مات سنة (167 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 451 رقم 5482).
(3)
«تاريخ دمشق» (43/ 371)، ولكن وقع فيه:«عن سلمان» بدل: «عن عثمان» .
(4)
سبقت ترجمته (ص: 293).
(5)
«الطبقات الكبرى» (3/ 248).
(6)
هو عمرو بن الهيثم بن قَطَن القُطَعي أبو قَطَن البصري، ثقة، مات على رأس المائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 428 رقم 5130).
(7)
«تاريخ دمشق» (43/ 369، 370).
ثم ذكر أنه تابع مسلمًا أبو داود الطيالسي
(1)
، وعبد الله بن بكر السهمي
(2)
فروياه كذلك عن القاسم.
وقد تابع مسلمًا أيضًا على روايته هذه عبد الصمد بن عبد الوارث
(3)
، وعبد العزيز بن أبان
(4)
، وعبد الملك بن إبراهيم الجُدِّي
(5)
، وموسى بن إسماعيل الْمِنْقَري
(6)
.
(1)
ذكر هذه الرواية الدارقطني في «العلل» (3/ 33).
(2)
عبد الله بن بكر بن حبيب السهمي الباهلي أبو وهب البصري نزيل بغداد، ثقة امتنع من القضاء، مات سنة (208 هـ)، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 297 رقم 3234).
ولم أجد روايته هذه فيما لديَّ من مراجع.
(3)
هو عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم التَّنُّوري أبو سهل البصري، صدوق ثبت في شعبة، مات سنة (207 هـ)، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 356 رقم 4080).
وروايته أخرجها أحمد (1/ 492 رقم 439).
(4)
هو عبد العزيز بن أبان بن محمد بن عبد الله بن سعيد بن العاص الأموي أبو خالد الكوفي، متروك وكذَّبه ابن معين وغيره، مات سنة (207 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 356 رقم 4083).
وروايته أخرجها الحارث في «مسنده» كما في «بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث» (2/ 923 رقم 1016)، ومن طريقه أبو نعيم في «الحلية» (1/ 140).
(5)
هو عبد الملك بن إبراهيم الجُدِّي المكي مولى بني عبد الدار، صدوق، مات سنة أربع أو خمس ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 362 رقم 4163).
وروايته ذكرها أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (5/ 2813).
(6)
هو موسى بن إسماعيل المِنْقَري أبو سلمة التبوذكي، مشهور بكنيته وباسمه، ثقة ثبت، ولا التفات إلى قول ابن خراش: تكلم الناس فيه، مات سنة (223 هـ)، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 549 رقم 6943).
وروايته ذكرها أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (5/ 2813).
ثم ذكر الخطيب أنه رواه منصور بن أبي الأسود
(1)
، عن الأعمش، عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عثمان، وروايته أخرجها الخطيب
(2)
، وابن عساكر
(3)
.
وذكر أن هذه الرواية تقوِّي رواية مسلم بن إبراهيم ومن تابعه.
وذكر الدارقطني أن شعبة قد رواه أيضًا عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد، عن عثمان
(4)
.
ثم ذكر الخطيب أنه رُوي أيضًا عن الأعمش عن سالم من غير ذكر لعمرو بن مرة، وقد رواه عن الأعمش كذلك حسين بن عيسى بن زيد
(5)
، وروايته أخرجها قاضي المارستان
(6)
، وابن عساكر
(7)
.
(1)
هو منصور بن أبي الأسود الليثي الكوفي، صدوق رُمي بالتشيع، من الثامنة. «تقريب التهذيب» (ص: 546 رقم 6896).
(2)
«تاريخ بغداد» (13/ 254).
(3)
«تاريخ دمشق» (43/ 368، 369).
(4)
«علل الدارقطني» (3/ 33).
(5)
هو الحسين بن عيسى بن زيد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب، روى عن أبيه، روى عنه عمرو بن حماد بن طلحة القناد، كذا ذكره أبو حاتم الرازي ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا. «الجرح والتعديل» (3/ 60 رقم 268).
(6)
«مشيخة قاضي المارستان» (2/ 690 رقم 188).
(7)
«تاريخ دمشق» (43/ 368)، ورواه ابن عساكر أيضًا في نفس الموضع المذكور عن حسين بن عيسى بن زيد عن أبيه عن الأعمش عن سالم به، وقد ذكر ذلك أيضًا أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (5/ 2812 رقم 6662). وينظر:«تاريخ بغداد» (13/ 254).
ثم ذكر الخطيب أنه رُوي عن الأعمش فيه قول آخر، ولعله يريد ما رواه سليمان بن قَرْم
(1)
، عن الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن عثمان بن عفان، وهذه الرواية أخرجها الطبراني
(2)
، وابن عساكر
(3)
.
ثم ذهب الخطيب إلى أن الحديث في الأصل مضطرب، مع أننا إذا نظرنا في الوجوه المذكورة وجدنا أنه يمكن ترجيح وجه منها.
أما رواية عبد الرزاق عن معتمر، فقد تفردا بها، وحكم عليها الدارقطني بالوهم
(4)
.
وأما رواية الأعمش عن سالم من غير ذكر لعمرو بن مرة، فقد رواها حسين بن عيسى بن زيد، ولم يُذكر فيه جرح ولا تعديل.
وأما رواية الأعمش، عن عبد الرحمن بن أبي زياد، عن عبد الله بن الحارث، عن عثمان بن عفان، فقد رواها سليمان بن قَرْم، وهو سيئ الحفظ يتشيع.
(1)
هو سليمان بن قَرْم بن معاذ أبو داود البصري النحوي، سيئ الحفظ يتشيع، من السابعة. «تقريب التهذيب» (ص: 253 رقم 2600).
(2)
«المعجم الكبير» (24/ 303 رقم 769)، ومن طريقه أبو نعيم في «معرفة الصحابة» (6/ 3361 رقم 7690).
(3)
«تاريخ دمشق» (43/ 371). وينظر: «تاريخ بغداد» (13/ 254).
(4)
«علل الدارقطني» (3/ 34).
فيتضح من ذلك أن الرواية الراجحة هي رواية مسلم بن إبراهيم ومن تابعه؛ فقد رواها جماعة من الثقات.
* بعد دراسة نقد الخطيب لهذه الأحاديث الثلاثة، يتبين لنا أن هذه الأحاديث قد وقع فيها الاضطراب في الإسناد، وأن وصف الخطيب لهذه الأحاديث بالاضطراب، يتفق مع ما عليه أهل الاصطلاح من تعريف الاضطراب في الإسناد، ولا يتفق مع تعريف الخطيب للاضطراب في الإسناد، الذي ذكرته في آخر المطلب السابق، والذي يشابه تعريف تدليس الشيوخ، والله الموفِّق.
* * *
المبحث الثاني
القلب
المطلب الأول
تعريف الحديث المقلوب وأقسامه
المقلوب لغة:
يقال: قلبته قلبًا -من باب ضرب- حوَّلته عن وجهه، وكلام مقلوب مصروف عن وجهه، وقلبت الرداء حوَّلته وجعلت أعلاه أسفله، وقلبت الشيء للابتياع قلبًا أيضًا تصفَّحته فرأيتُ داخله وباطنه، وقلبت الأمر ظهرًا لبطن اختبرته، وقلبت الأرض للزراعة، وقلَّبت بالتشديد في الكل مبالغة وتكثير، وفي التنزيل:{وَقَلَّبُواْ لَكَ الْأُمُورَ} [التوبة: 48]
(1)
.
المقلوب اصطلاحًا:
هو تغيير مَن يُعرف بروايةٍ ما بغيره عمدًا أو سهوًا
(2)
.
وهو قسمان:
القسم الأول: أن يكون الحديث مشهورًا براوٍ، فيُجعل مكانه راوٍ آخر في
(1)
«المصباح المنير» (ق ل ب).
(2)
«النكت على كتاب ابن الصلاح» لابن حجر (2/ 864)، و «فتح المغيث» (1/ 335). وينظر أيضًا «النكت على مقدمة ابن الصلاح» للزركشي (2/ 299).
طبقته؛ ليصير بذلك غريبًا مرغوبًا فيه، كحديث مشهور بسالم فيُجعل مكانه نافع، وكحديث مشهور بمالك فيُجعل مكانه عبيد الله بن عمر، ونحو ذلك.
وقد يدخل في هذا القسم أيضًا ما إذا انقلب عليه اسم راوٍ، مثل مرة بن كعب بكعب بن مرة، وسعد بن سنان بسنان بن سعد
(1)
.
القسم الثاني: وهو أن يؤخذ إسناد متن، فيُجعل على متن آخر، ومتن هذا فيُجعل بإسناد آخر، وهذا قد يُقصد به أيضًا الإغراب؛ فيكون ذلك كالوضع، وقد يُفعل اختبارًا لحفظ المحدِّث، وهذا يفعله أهل الحديث كثيرًا، وفي جوازه نظر، إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثًا، وإنما يقصد اختبار حفظ المحدِّث بذلك، أو اختباره؛ هل يقبل التلقين، أم لا؟
(2)
.
* ولم أجد تعريفًا للحديث المقلوب عند الخطيب، وللخطيب كتاب في أحد قسمي المقلوب اسمه:«رافع الارتياب في المقلوب من الأسماء والأنساب»
(3)
، وقد أعلَّ الخطيب عددًا من الأحاديث بالقلب، وهو ما سنوضِّحه في المطلب الآتي.
* * *
(1)
ينظر: «الموقظة» (ص: 60).
(2)
ينظر: «الاقتراح في بيان الاصطلاح» (ص: 25)، و «النكت على مقدمة ابن الصلاح» للزركشي (2/ 299)، و «شرح التبصرة والتذكرة» (1/ 319)، و «تدريب الراوي» (1/ 342).
(3)
«موضح أوهام الجمع والتفريق» (1/ 78).
المطلب الثاني
بيان الخطيب للقلب في الأحاديث
أعلَّ الخطيب في كتابه «تاريخ بغداد» ثلاثة أحاديث بأنه قد حدث فيها قلب، وهذا بيانها:
- الحديث الأول:
روى الخطيب في ترجمة القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسداباذي قال: «أخبرنا أبو عبد الله الصَّيْمَري وأبو القاسم التَّنُوخي قالا: أخبرنا القاضي أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسداباذي ببغداد قال: حدثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة قال: حدثني محمد بن المغيرة السكري قال: حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي، عن مالك بن أنس، عن يحيى بن سعيد قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر، أراه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9] قال: «وما ذاك؟» . قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: «تنصروه» .
وأخبرنا الصَّيْمَري والتَّنُوخي قالا: أخبرنا عبد الجبار بن أحمد قال: حدثنا عبد الرحمن بن حمدان الجلاب قال: حدثنا عبد الله بن إسحاق أبو العباس نزيل حلب قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان الثوري قال: حدثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مثل أمتي مثل المطر؛ لا يُدرى أوله خير أو آخره» .
وقد انقلب على عبد الجبار هذان الحديثان، والصواب في الحديث الأول: عن هشام بن عبيد الله، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، كذلك أخبرناه أبو القاسم عبد الرحمن بن أحمد بن إبراهيم القزويني قال: حدثنا علي بن إبراهيم بن سلمة القطان قال: أخبرنا محمد بن المغيرة الهمذاني ويُعرف بحمدان قال: حدثنا هشام بن عبيد الله الرازي قال: حدثنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن أنس بن مالك، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«مثل أمتي مثل المطر؛ لا يُدرى أوله خير أم آخره» .
وأما حديث جابر، فيرويه غير واحد، عن إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن يحيى بن حسان، عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد القطان
(1)
، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر.
أخبرناه علي بن يحيى بن جعفر الأصبهاني قال: حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني قال: أخبرنا محمد بن حماد المصيصي في كتابه إلينا قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، وأخبرناه الأزهري قال: أخبرنا أبو المفضل محمد بن عبد الله بن محمد الكوفي قال: حدثنا عبد الله بن أبي سفيان الشعراني قال: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: حدثنا يحيى بن حسان قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: حدثنا سفيان الثوري -وفي حديث الطبراني سفيان بن سعيد- قال: حدثنا يحيى بن سعيد القطان قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن عبد الله قال: لما نزلت على
(1)
كذا وقعت الرواية هنا، والثوري يروي عن تلميذه القطان، ينظر:«تهذيب الكمال» (31/ 332).
رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9]، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ما ذاكم؟» . قلنا: الله ورسوله أعلم. قال: «تنصروه»
(1)
.
ينبِّه الخطيب على خطأ القاضي عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الأسداباذي
(2)
في هذين الحديثين، فقد انقلبا عليه، ودخل عليه حديث في حديث.
حيث إن هناك حديثين؛ الأول يرويه هشام بن عبيد الله الرازي، عن مالك، عن الزهري، عن أنس مرفوعًا:«مثل أمتي مثل المطر؛ لا يُدرى أوله خير أم آخره»
(3)
.
والثاني يرويه إبراهيم بن سعيد الجوهري، عن يحيى بن حسان، عن ابن مهدي، عن سفيان الثوري، عن يحيى بن سعيد القطان، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر: لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَتُعَزِّرُوهُ} [الفتح: 9]
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (12/ 415).
(2)
قال الخليلي: كتبتُ عنه وكان ثقة في حديثه، لكنه داعٍ إلى البدعة، لا تحل الرواية عنه. «لسان الميزان» (5/ 55 رقم 4541).
(3)
أخرجه ابن حبان في «المجروحين» (3/ 90)، والخليلي في «الإرشاد» (2/ 653 رقم 186)، وابن عبد البر في «التمهيد» (20/ 254)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (43/ 16)، والسِّلفي في «معجم السفر» (ص: 414 رقم 1405) كلهم من طريق محمد بن المغيرة عن هشام بن عبيد الله الرازي به.
(4)
أخرجه أبو الشيخ في «ذكر الأقران» (ص: 96 رقم 344) من طريق محمد بن أحمد بن أيوب البغدادي عن إبراهيم بن سعيد الجوهري به. وأخرجه الخطيب في «تاريخ بغداد» (6/ 618)، وفي «الرحلة في طلب الحديث» (ص: 164 رقم 66) من طريق عبد الله بن أبي سفيان الشعراني عن إبراهيم بن سعيد الجوهري به.
فأخطأ القاضي عبد الجبار، فروى الحديث الأول عن هشام بن عبيد الله الرازي، عن مالك، عن يحيى القطان، عن ابن عيينة، بإسناد الحديث الثاني ومتنه.
وروى الحديث الثاني عن الجوهري عن يحيى بن حسان، عن ابن مهدي، عن الثوري، عن مالك، عن الزهري، بإسناد الحديث الأول ومتنه.
وهكذا انقلب عليه الحديثان، ودخل عليه حديث في حديث.
- الحديث الثاني:
روى الخطيب في ترجمة أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال: «أخبرنا محمد بن محمد بن إبراهيم بن غيلان من أصل كتابه غير مرة
(1)
قال: حدثنا أبو بكر الشافعي إملاء قال: حدثنا أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البِرْتي القاضي قال: حدثنا أبو معمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا أبو معاوية، عن محمد بن عبد الله، عن مسعر بن كدام، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن أبيه، عن جده، عن أسماء قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل في البيت إلا أنتم يا بني عبد المطلب؟» قلنا: لا يا رسول الله. قال: «إذا نزل بأحدكم همٌّ أو غمٌّ أو سقم أو أَزْل
(2)
أو لَأْواء
(3)
- قال: وذكر السادسة فنسيتها- فليقل: الله الله ربي لا أشرك به شيئًا».
(1)
«الغيلانيات» (1/ 628 رقم 836)، ورواه من طريقه الشجري في «ترتيب الأمالي الخميسية» (1/ 303 رقم 1055).
(2)
الأَزْل: الضيق والشدة والقحط. «تاج العروس» (أ ز ل).
(3)
اللأواء: الشدة. «تاج العروس» (ل أ ي).
هكذا رواه الشافعي عن البِرْتي، ووهم فيه؛ إذ قدَّم محمد بن عبد الله على مسعر، وصوابه عن أبي معاوية وهو شيبان بن عبد الرحمن، عن مسعر، عن محمد بن عبد الله. وكذلك رواه غير الشافعي، عن البِرْتي.
أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال: حدثنا إسماعيل بن محمد الصفار قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي قال: وأخبرناه الحسن بن أبي بكر قال: أخبرنا أبو سهل بن زياد القطان قال: حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى قال: حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمر قال: حدثنا عبد الوارث قال: حدثنا شيبان قال: حدثنا مسعر، عن محمد بن عبد الله، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز، عن أبيه، عن جده، عن أسماء بنت عميس قالت: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله، فقال:«هل إلا أنتم يا بني عبد المطلب؟» . فقلنا: لا. فقال: «إذا نزل بأحد منكم كرب أو غم أو سقم -وفي حديث ابن زياد: إذا نزل بأحد منكم غم أو هم أو سقم أو لَأْواء أو أَزْل. وذكر السابعة فأنسيتها- فليقل: الله الله ربي، لا أشرك به شيئًا» ثلاث مرات»
(1)
.
فهذا الحديث رواه أبو بكر الشافعي
(2)
عن البِرْتي
(3)
فأخطأ فيه وقلب
(1)
«تاريخ بغداد» (3/ 483).
(2)
هو محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن عبدويه بن موسى أبو بكر البزاز المعروف بالشافعي، قال الخطيب: كان ثقة ثبتًا كثير الحديث، حسن التصنيف، جمع أبوابًا وشيوخًا، وكُتب عنه قديمًا وحديثًا. «تاريخ بغداد» (3/ 483).
(3)
هو أحمد بن محمد بن عيسى بن الأزهر أبو العباس البِرْتي القاضي، كان ثقة ثبتًا حجة، يُذكر بالصلاح والعبادة. «تاريخ بغداد» (6/ 219).
إسناده فقال: «عن محمد بن عبد الله
(1)
عن مسعر»، والصواب:«عن مسعر عن محمد بن عبد الله» .
وقد رواه غير واحد عن البِرْتي على الصواب، ذكر منهم الخطيب في روايته اثنين، وهما: إسماعيل بن محمد الصفار
(2)
، وأبو سهل بن زياد القطان
(3)
، ورواه عنه على الصواب أيضًا الباغندي
(4)
.
وقد ذهب الدارقطني أيضًا إلى خطأ أبي بكر الشافعي في ذلك، فقال:«ورواه شيبان بن عبد الرحمن، عن محمد بن عبد الله، عن مسعر، عن عبد العزيز، عن أبيه، عن جده، عن أسماء. والصواب: شيبان، عن مسعر، عن محمد بن عبد الله، غلط فيه الشافعي»
(5)
.
- الحديث الثالث:
قال الخطيب في ترجمة سليمان بن أيوب صاحب البصري: «أخبرني الحسن بن محمد الخلال قال: حدثنا عمر بن محمد بن علي الناقد قال: حدثنا
(1)
لم أجد له ترجمة.
(2)
هو إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح أبو علي الصفار النحوي صاحب المبرد، قال الدارقطني: ثقة. «تاريخ بغداد» (7/ 301).
(3)
هو أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد بن عباد أبو سهل القطان. قال الدارقطني: ثقة. وقال البرقاني والخطيب: صدوق. «تاريخ بغداد» (6/ 194).
(4)
«مسند عمر بن عبد العزيز» للباغندي (ص: 63 رقم 17). والباغندي هو أبو بكر محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث، حافظ كبير، تكلَّم فيه بعض أهل العلم، لكن دفع ذلك الخطيب بقوله: لم يثبت من أمر ابن الباغندي ما يعاب به سوى التدليس، ورأيت كافة شيوخنا يحتجون بحديثه ويخرجونه في الصحيح. «تاريخ بغداد» (4/ 343).
(5)
«علل الدارقطني» (15/ 303).
أحمد بن الحسن الصوفي قال: حدثنا سليمان بن أيوب صاحب البصري في منزل عبيد الله القواريري قال: حدثنا حماد بن زيد، عن أبي الزبير قال: سألت ابن عمر عن استلام الحجر، فقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله. قال: قلت: أرأيت إن زُحِمتُ، أرأيت إن غُلِبتُ؟ قال: اجعل أرأيت باليمن.
كذا قال لي الخلال: «عن أبي الزبير» ، والصواب:«عن الزبير» وهو ابن عربي»
(1)
.
ينبِّه الخطيب على خطأ أحد الرواة فبدلًا من أن يقول: «عن الزبير بن عربي» قال: «عن أبي الزبير» ، وهذا الحديث مشهور أنه عن الزبير بن عربي، وقد رواه عن حمادٍ الثقاتُ من أصحابه كذلك، مثل: مسدد بن مسرهد
(2)
، وقتيبة بن سعيد
(3)
، وأبي داود الطيالسي
(4)
، والحسن بن موسى
(5)
، وروح بن عبادة
(6)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (10/ 64).
(2)
وروايته أخرجها البخاري، كتاب الحج، باب تقبيل الحجر (2/ 151 رقم 1611).
(3)
وروايته أخرجها الترمذي، أبواب الحج، باب ما جاء في تقبيل الحجر (3/ 206 رقم 861)، والنسائي، كتاب مناسك الحج، باب العلة التي من أجلها سعى النبي صلى الله عليه وسلم بالبيت (5/ 231 رقم 2946).
(4)
وروايته في «مسنده» (3/ 390 رقم 1976).
(5)
هو الحسن بن موسى الأشيب أبو علي البغدادي قاضي الموصل وغيرها، ثقة، مات سنة تسع أو عشر ومائتين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 164 رقم 1288).
وروايته أخرجها أحمد (10/ 452 رقم 6396).
(6)
هو روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي أبو محمد البصري، ثقة فاضل له تصانيف، مات سنة خمس أو سبع ومائتين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 211 رقم 1962).
وروايته أخرجها أحمد (10/ 452 رقم 6396).
المبحث الثالث
التصحيف
المطلب الأول
تعريف التصحيف وأقسامه
التصحيف لغة:
هو تغيير اللفظ حتى يتغيَّر المعنى المراد من الموضع، وأصله الخطأ، يقال: صحَّفه فتصحَّف، أي: غيَّره فتغيَّر حتى التبس
(1)
. وهو أيضًا الخطأ في الصحيفة بأشباه الحروف
(2)
.
التصحيف اصطلاحًا:
هو تحويل الكلمة من الهيئة المتعارفة إلى غيرها
(3)
.
ومنشأ هذه التسمية أن قومًا كانوا قد أخذوا العلم من الصُّحُف، من غير أن يلقوا فيها العلماء، وقد كانت الكتابة العربية تُكتب عهدًا طويلًا من غير إعجام للحروف ولا عناية بالتفرقة بين المشتبه منها، فكان يقع فيما يرويه هؤلاء التغيير، فيقال عنده: قد صحَّفوا، أي: رَوَوْه عن الصُّحُف، وهم مُصَحِّفون، والمصدر: التصحيف
(4)
.
(1)
«المصباح المنير» (ص ح ف).
(2)
«تاج العروس» (ص ح ف).
(3)
«فتح المغيث» (4/ 57)، و «توضيح الأفكار» (4/ 160).
(4)
ينظر: «تصحيفات المحدثين» (1/ 24)، و «الغاية في شرح الهداية» للسخاوي (ص: 224)، وتعليق الشيخ محيي الدين عبد الحميد على «توضيح الأفكار» (4/ 160).
وقد فرَّق الحافظ ابن حجر بين التصحيف والتحريف فقال: «إن كانت المخالفة بتغيير حرف أو حروف مع بقاء صورة الخط في السياق، فإن كان ذلك بالنسبة إلى النقط؛ فالمُصَحَّف. وإن كان بالنسبة إلى الشكل؛ فالمُحَرَّف»
(1)
.
وقد تعقَّبه الشيخ أحمد شاكر بقوله: «وهو اصطلاح جديد، وأما المتقدِّمون فإن عباراتهم يُفهم منها أن الكلَّ يسمى بالاسمين، وأن التصحيف مأخوذ من النقل عن الصُّحُف، وهو نفسه تحريف»
(2)
.
أقسام التصحيف:
للتصحيف ثلاثة تقاسيم:
- التقسيم الأول: ينقسم التصحيف فيه إلى قسمين؛ أحدهما في المتن، والثاني في الإسناد.
- التقسيم الثاني: ينقسم فيه إلى قسمين:
أحدهما: تصحيف البصر وهو الأكثر.
وهو التغيير الناتج عن سوء القراءة، بسبب تشابه الحروف والكلمات لتقارب رسمها، فيقرأ الكلمة ويحدِّث بها على غير وجهها الصحيح
(3)
.
(1)
«نزهة النظر» (ص: 96).
(2)
«شرح ألفية السيوطي» (ص: 101)، وتعقبه بنحو من ذلك الشيخ محيي الدين عبد الحميد في تعليقه على «توضيح الأفكار» (4/ 160 - 161). وينظر:«روايات الجامع الصحيح ونُسخه» للدكتور جمعة فتحي (2/ 461 وما بعدها).
(3)
ينظر: «روايات الجامع الصحيح ونُسخه» (2/ 468)، و «أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء» للدكتور ماهر الفحل (ص: 486).
والثاني: تصحيف السمع.
وهو أن يكون الاسم واللقب، أو الاسم واسم الأب على وزن اسم آخر ولقبه، أو اسم آخر واسم أبيه؛ والحروف مختلفة شكلًا ونطقًا، فيشتبه ذلك على السمع، كأن يكون الحديث لعاصم الأحول، فيجعله بعضهم عن واصل الأحدب
(1)
.
- التقسيم الثالث: ينقسم فيه إلى قسمين: تصحيف اللفظ وهو الأكثر، وإلى تصحيف يتعلق بالمعنى دون اللفظ
(2)
.
* وقد ضرب الخطيب بحظٍّ وافر في مسألة التصحيف، فقد صنَّف كتابًا في الرواة الذين تشتبه أسماؤهم وأنسابهم في الخط وتختلف في اللفظ، سماه «تلخيص المتشابه في الرسم» .
وأوصى طالب العلم أن يتلقَّى العلم عن أفواه المشايخ لا عن الصُّحُف، فقال عند كلامه عن صفة من يُحتج بروايته إذا كان يحدِّث من حفظه:«يجب أن يكون حفظه مأخوذًا عن العلماء لا عن الصُّحُف» ثم روى عن سليمان بن موسى
(3)
أنه قال: «لا تأخذوا العلم من الصُّحفيين»
(4)
.
(1)
ينظر: «شرح التبصرة والتذكرة» (2/ 105).
(2)
«مقدمة ابن الصلاح» (ص: 476)، و «شرح التبصرة والتذكرة» (2/ 102).
(3)
هو سليمان بن موسى الأموي مولاهم الدمشقي الأشدق، صدوق فقيه في حديثه بعض لين وخولط قبل موته بقليل، من الخامسة. «تقريب التهذيب» (ص: 255 رقم 2616).
(4)
«الكفاية» (ص: 162).
(1)
.
ثم قرَّر أن «التصحيف والإحالة يسبقان إلى من أخذ العلم عن الصُّحُف»
(2)
.
وقد عقد فصلًا في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي» بعنوان «تقييد الأسماء بالشكل والإعجام حذرًا من بوادر التصحيف والإيهام» قال فيه: «في رواة العلم جماعة تشتبه أسماؤهم وأنسابهم في الخط، وتختلف في اللفظ، مثل بشر وبُسر، وبُريد وبَريد، وبَريد ويزيد، وعياش وعباس، وحيان وحبان، وحبان وحنان، وعُبيدة وعَبيدة، وغير ذلك مما قد ذكرناه في كتاب «التلخيص» ، فلا يؤمَن على من لم يتمهَّر في صنعة الحديث تصحيف هذه الأسماء، وتحريفها، إلا أن تُنقَط وتُشكَل، فيؤمن دخول الوهم فيها ويسلم من ذلك حاملها وراويها»
(3)
.
وعقد فصلًا في أخبار المصحِّفين سماه: «بعض أخبار أهل الوهم والتحريف، والمحفوظ عنهم من الخطأ والتصحيف، نبتدئ بأخبار من صحَّف في الأسانيد، ثم نتبعها بأخبار من صحَّف في المتون بمشيئة الله»
(4)
.
(1)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 297).
(2)
«الكفاية» (ص: 163).
(3)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 269).
(4)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 285).
المطلب الثاني
بيان الخطيب للتصحيف في الأحاديث
سنعرض في هذا المطلب بعض الأمثلة التي تبيِّن كيفية نقد الخطيب للأحاديث التي وقع فيها تصحيف في المتن أو في الإسناد.
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة عبد القدوس بن حبيب الشامي، من طريق العباس بن محمد الدوري عن يحيى بن معين
(1)
قال: قال حجاج الأعور
(2)
: رأيت عبد القدوس في زمن أبي جعفر على باب مدينة أبي جعفر وهو مغلق، وكان لا يفتح حتى يُصبح الناس جدًّا، فجاء رجل إلى عبد القدوس وهو واقف بباب المدينة، فقال له: أصلحك الله، الحديث الذي حدَّثت به أعِده عليَّ، أو نحو هذا من الكلام قاله يحيى، فقال:«لا تتخذوا شيئًا فيه الرَّوح عرضًا» .
فقال له الرجل: أي شيء تعني بهذا؟ فقال له عبد القدوس: هو الرجل يُخرج من داره شبيه القَسْطرون.
(1)
«تاريخ ابن معين» رواية الدوري (4/ 399 رقم 4977)، ورواه من طريق الدوري كل من العقيلي في «الضعفاء» (3/ 96)، وابن عدي في «الكامل» (7/ 45)، وابن عساكر في «تاريخ دمشق» (36/ 421).
(2)
هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور، ثقة ثبت لكنه اختلط في آخر عمره لما قدم بغداد قبل موته، مات سنة ست ومائتين، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 153 رقم 1135).
قلت ليحيى: ما يعني بهذا؟ قال: أهل الشام يسمون الرَّوْشن
(1)
والكَنِيف يخرج إلى خارجٍ القَسْطرون
(2)
.
قال الخطيب: «قلت: صحَّف فيه عبد القدوس، وفسَّر تصحيفه؛ لأن الحديث: «لا تتخذوا شيئًا فيه الرُّوح -بضم الراء- غرضًا»
(3)
بالغين المعجمة»
(4)
.
ينبِّه الخطيب على تصحيف عبد القدوس لحديث: «لا تتخذوا شيئًا فيه الرُّوح غَرَضًا» ، فقد قال فيه:«لا تتخذوا شيئًا فيه الرَّوح عَرْضًا» فصحَّف مرتين؛ فقال: «الرَّوح» بفتح الراء، و «عَرْضًا» بالعين المهملة وإسكان الراء، ولم يكتفِ بذلك، ففسَّر هذا التصحيف بما ذكره، وصوابه:«الرُّوح» بضم الراء، و «غَرَضًا» بالغين المعجمة والراء المفتوحتين، ومعناه: نهى أن نتخذ
(1)
الروشن: الكُوَّة. «مختار الصحاح» (ر ش ن).
(2)
في «تاريخ ابن معين» رواية ابن محرز (1/ 150 رقم 825): قال عبد القدوس: هو الجناح الذي يخرج في الحائط مثل الكنيف وأشباهه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
وروى مسلم في مقدمة «صحيحه» (1/ 25) -ومن طريقه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (36/ 420) - عن شبابة قال: سمعت عبد القدوس يقول: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الرَّوح عرضًا، قال: فقيل له: أي شيء هذا؟ قال: يعني تتخذ كوة في حائط ليدخل عليه الرَّوح.
والرَّوح هنا بمعنى: برد نسيم الريح. «تاج العروس» (ر و ح).
(3)
أخرجه مسلم، كتاب الصيد والذبائح وما يؤكل من الحيوان، باب النهي عن صبر البهائم (3/ 1549 رقم 58) من حديث ابن عباس رضي الله عنه ب.
(4)
«تاريخ بغداد» (12/ 434).
الحيوان الذي فيه الروح غرضًا، أي: هدفًا للرمي فيُرمى إليه بالنشاب وشبهه
(1)
.
وقد تعجَّب ابن معين من تفسير عبد القدوس لتصحيفه هذا؛ قال ابن محرز: «جعل يحيى بن معين يضحك، وأحسب أنه قال: تفسيره أعجب عندي من تصحيفه»
(2)
.
وعبد القدوس بن حبيب أحد المتروكين؛ قال عمرو بن علي الفلاس: «عبد القدوس الشامي أجمع أهل العلم على ترك حديثه»
(3)
.
وقد ذكروا له تصحيفًا آخر، وهو أنه كان يقول: حدثنا سويد بن عَقَلة
(4)
، بالعين المهملة والقاف، وإنما هو بالغين المعجمة والفاء المفتوحتين
(5)
.
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة أحمد بن محمد بن الجراح الضرَّاب، عن علي بن أبي علي قال: أخبرنا القاضي أبو الحسن علي بن الحسن الجراحي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الجراح من أصل كتابه قال: حدثنا سعدان بن نصر قال: حدثنا إسحاق الأزرق قال: حدثنا سفيان الثوري، عن واصل
(1)
ينظر: «صيانة صحيح مسلم» لابن الصلاح (ص: 125)، و «شرح صحيح مسلم» للنووي (1/ 114)، و «فتح المغيث» (4/ 61).
(2)
«تاريخ ابن معين» رواية ابن محرز (1/ 150 رقم 825).
(3)
«تاريخ بغداد» (12/ 436).
(4)
مقدمة «صحيح مسلم» (1/ 25).
(5)
«صيانة صحيح مسلم» (ص: 128).
الأحدب، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: شرب النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم وهو قائم
(1)
.
ثم روى من طريق عبد الله بن محمد بن أبي علي الحاجب أبي العباس قال: حدثنا إسحاق الأزرق قال: حدثنا سفيان الثوري، عن عاصم الأحول، عن الشعبي، عن ابن عباس قال: شرب النبي صلى الله عليه وسلم من بئر زمزم قائمًا
(2)
.
فقد تفرد أحمد بن محمد بن الجراح
(3)
عن سعدان بن نصر
(4)
عن إسحاق الأزرق
(5)
بقوله: «عن واصل الأحدب» ، وقد رواه أصحاب سفيان الثوري بما فيهم إسحاق الأزرق فقالوا:«عن عاصم الأحول» .
وممن رواه عن سفيان الثوري كذلك: عبد الرحمن بن مهدي
(6)
،
(1)
لم أجد هذه الرواية فيما لديَّ من مراجع.
(2)
«تاريخ بغداد» (6/ 85)، ولم أجد رواية إسحاق الأزرق فيما لديَّ من مراجع.
(3)
قال الخطيب: كان ثقة. «تاريخ بغداد» (6/ 86).
(4)
قال أبو حاتم: صدوق. وقال الدارقطني: ثقة مأمون. «الجرح والتعديل» (4/ 291)، و «تاريخ بغداد» (10/ 283).
(5)
هو إسحاق بن يوسف بن مرداس المخزومي الواسطي المعروف بالأزرق، ثقة، مات سنة (195 هـ) وله ثمان وسبعون سنة، روى له الجماعة. «تقريب التهذيب» (ص: 104 رقم 396).
(6)
وروايته أخرجها أحمد (5/ 262 رقم 3186).
وأبو نُعيم الفضل بن دكين
(1)
، والأسود بن عامر شاذان
(2)
، وخلاد بن يحيى
(3)
.
وقد ذكر الدارقطني أن هذا من تصحيف السمع لا من تصحيف البصر، قال ابن الصلاح:«كأنه ذهب - والله أعلم - إلى أن ذلك مما لا يشتبه من حيث الكتابة، وإنما أخطأ فيه سمعُ مَن رواه»
(4)
.
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن الفضيل الخراساني البغدادي من «تاريخ بغداد» عن أبي الحسن علي بن يحيى بن جعفر الإمام، وأبي الفرج عبد الواحد بن محمد بن عبد الله البُزَاني جميعًا بأصبهان قالا: أخبرنا عبد الله بن الحسن بن بندار المديني قال: حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال: حدثنا محمد بن فضيل البغدادي، عن الحَفَري، عن عاصم بن النعمان،
(1)
وروايته أخرجها البخاري، كتاب الأشربة، باب الشرب قائمًا (7/ 110 رقم 5617).
(2)
سبقت ترجمته (ص: 300). وروايته أخرجها أبو عوانة في «المستخرج» كتاب الحج، باب في الإفاضة إلى البيت (2/ 319 رقم 3279) ورواها شاذان عن سفيان الثوري، وشعبة، والحسن بن صالح، وابن المبارك، كلهم عن عاصم الأحول.
(3)
هو خلاد بن يحيى بن صفوان السلمي أبو محمد الكوفي نزيل مكة، صدوق رُمي بالإرجاء، وهو من كبار شيوخ البخاري، مات سنة (213 هـ) وقيل سنة (217 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 196 رقم 1766).
وروايته أخرجها أبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (2/ 757 رقم 1039).
(4)
«مقدمة ابن الصلاح» النوع الخامس والثلاثون (ص: 476).
عن سفيان، عن الأسود بن قيس، عن عمرو بن شقيق، عن علي، مثل حديث قبله أنه خطب فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعهد إلينا في الإمارة عهدًا، ولكنه رأي رأيناه فاستُخلف أبو بكر فقام واستقام. وذكر الحديث.
ثم قال الخطيب: «كذا روياه لنا فقالا: عن عمرو بن شقيق، وإنما هو عمرو بن سفيان.
وقالا أيضًا: عاصم بن النعمان، وإنما هو عصام بن النعمان بن أبي خالد ابن أخي إسماعيل بن أبي خالد
(1)
»
(2)
.
ينبِّه الخطيب على أن بعض الرواة صحَّف فقال: «شقيق» بدل «سفيان» ، ولقائل أن يقول: كيف يمكن أن يتصحَّف «سفيان» إلى «شقيق» مع اختلافهما في الصورة والنقط؟
والجواب: أن الكتابة في القديم كانت تختلف عن الكتابة الحديثة؛ فكانوا يكتبون الحروف بلا نقط في الغالب، وكانوا لا يرسمون الألف المتوسطة في الكلمة، فيكتبون «سفيان» هكذا:«سفين» بلا ألف ولا نقط كذلك، فيسهل تصحيفها إلى «شقيق» .
ويمكن أن يقال نحوه في «عصام» فإنهم كانوا يكتبونها بلا ألف هكذا: «عصم» ، فيسهل تصحيفها إلى «عاصم» .
(1)
لم أجد له ترجمة فيما لديَّ من مراجع.
(2)
«تاريخ بغداد» (4/ 276).
- المثال الرابع:
قال الخطيب في ترجمة أبي ذر عمار بن محمد بن مخلد البغدادي: «أخبرنا أبو سهل عبد الواحد بن محمد اللِّحياني الخشَّاب بنيسابور قال: أخبرنا أبو ذر عمار بن محمد بن مخلد البغدادي بمكة قال: حدثنا أبي قال: حدثنا حاتم بن الليث قال: حدثتني حكَّامة بنت عثمان بن دينار قالت: حدثني أبي، عن أخيه مالك بن دينار، عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء»
(1)
.
كذا حدثنا عنه اللِّحياني بهذا الحديث، وبحديث آخر عن الحسن بن أحمد بن المبارك الطوسي، ولم يذكر الغنجار ولا ابن البيِّع، أن أبا ذر هذا يروي عن أبيه، فأخشى أن يكون رُوي الحديث لشيخنا عن محمد بن مخلد بن حفص الدوري، عن حاتم بن الليث، فظن شيخنا أن الدوري والده والله أعلم»
(2)
.
ينبِّه الخطيب على خطأ يظنه وقع من شيخه اللِّحياني
(3)
، وذلك أنه حدَّثه
(1)
أخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب بدأ الإسلام غريبًا (3987) من طريق آخر عن أنس. وأصل الحديث في «صحيح مسلم» كتاب الإيمان، باب بدأ الإسلام غريبًا (145) من حديث أبي هريرة.
(2)
«تاريخ بغداد» (14/ 184).
(3)
هو أحد كبار المشايخ، مؤثر الفقه، مرضي الأخلاق، وحميد السيرة، قليل الادخار، سخي النفس، من مشايخ الصوفية والمحققين في الطريقة العارفين بدقائق المعاملة، سمع الكثير. «المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور» (ص: 369).
عن أبي ذر عمار بن محمد بن مخلد
(1)
عن أبيه عن حاتم بن الليث بحديث، ولم يذكر الغنجار
(2)
ولا ابن البيِّع
(3)
- وهما اللذان اعتمد عليهما الخطيب في سياق ترجمته- أن عمارًا يروي عن أبيه، فيخشى الخطيب أن يكون عمار قد روى الحديث عن محمد بن مخلد الدوري
(4)
، فظن اللِّحياني أن الدوري هو والد عمار؛ لاتفاقهما في الاسم واسم الأب.
ويُعَد هذا من باب الخطأ الناتج عن الرواية بالمعنى، وهو ما يسمى بـ «تصحيف المعنى» .
* * *
(1)
قال أبو بكر السمعاني: ثقة كثير الحديث. «تاريخ دمشق» (43/ 343).
(2)
هو محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل البخاري أبو عبد الله الحافظ، المعروف بالغنجار، ثقة من أئمة الحديث، صنف تاريخًا لعلماء بخارى كتابًا حسنًا مفيدًا، مات سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. «المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور» (ص: 46)، و «تاريخ الإسلام» (9/ 206).
(3)
هو الإمام الحافظ الناقد العلامة الحاكم النيسابوري محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن البيِّع صاحب التصانيف، مات سنة خمس وأربعمائة. «سير أعلام النبلاء» (17/ 162).
(4)
قال الدارقطني: ثقة مأمون. وقال الخطيب: كان أحد أهل الفهم موثوقًا به في العلم، متسع الرواية، مشهورًا بالديانة، موصوفًا بالأمانة، مذكورًا بالعبادة. «تاريخ بغداد» (4/ 500).
الفصل الثالث
نقد المتون عند الخطيب
لقد اهتم المحدِّثون بنقد المتون اهتمامًا عظيمًا، واعتنوا به اعتناءًا بالغًا؛ فنرى كثيرًا من مباحث علوم الحديث تنقسم إلى قسمين؛ قسم في الإسناد وقسم في المتن، مثل: المضطرب، والمدرج، والمقلوب، والمصحَّف، والمعلَّل.
كما أن هناك مباحث أخرى خاصة بالمتن، لا دخل للإسناد فيها، مثل: غريب الحديث، ومختلف الحديث، وأسباب الحديث، وناسخ الحديث ومنسوخه.
وما اهتمام المحدثين بالأسانيد إلا وسيلة لحفظ المتون، وحمايتها من أن يدخل فيها ما ليس منها، وتنقيتها مما وقع في ألفاظها من خلل.
وقد ضرب الخطيب في نقد المتون مع المحدِّثين بسهم، من ذلك أنه ألَّف كتاب «الفصل للوصل المدرج في النقل» خصَّ معظم أبوابه لتمييز ما أُدرج في المتون من ألفاظ وليست منها.
ومن ذلك أيضًا أنه تعرَّض لنقد بعض المتون في كتبه الأخرى، ومنها كتابه «تاريخ بغداد» ، وقد استخلصت منها بعض قواعد نقد المتن عند الخطيب وهي:
القاعدة الأولى: الاستدلال على بطلان المتن بمخالفته للتاريخ ووقائعه:
فمن ذلك أنه قال في مقدمة «تاريخ بغداد» : «أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال
(1)
: حدثنا أبو أحمد الغِطْريفي قال: حدثنا عبد الرحمن بن أحمد بن عبدوس الهمذاني، قال أبو نعيم: وحدثنا أبو محمد بن حيان والسياق له، قال
(2)
: حدثنا عبد الله بن محمد بن الحجاج، وأبو بكر محمد بن عبد الله المؤدب قالا: حدثنا عبد الرحمن بن أحمد بن عبدوس قال: حدثنا قَطَن بن إبراهيم
(3)
قال: حدثنا وهب بن كثير بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سلمان الفارسي
(4)
قال: حدثتني أمي
(5)
، عن أبي كثير بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سلمان الفارسي
(6)
، عن أبيه
(7)
، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم أملى الكتاب على علي بن أبي طالب:«هذا ما فادى محمد بن عبد الله رسول الله، فدى سلمان الفارسي من عثمان بن الأشهل اليهودي ثم القُرَظي بغرس ثلاثمائة نخلة وأربعين أوقية ذهبًا، وقد برئ محمد بن عبد الله رسول الله لثمن سلمان الفارسي، وولاؤه لمحمد بن عبد الله رسول الله وأهل بيته، فليس لأحد على سلمان سبيل» . شهد على ذلك: أبو بكر الصديق، وعمر بن
(1)
«أخبار أصبهان» (1/ 77).
(2)
«طبقات المحدثين بأصبهان» لأبي الشيخ الأصبهاني (1/ 224).
(3)
هو قَطَن بن إبراهيم بن عيسى القشيري النيسابوري، صدوق يخطئ، مات سنة إحدى وستين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 455 رقم 5553).
(4)
لم أجد له ترجمة.
(5)
لم أجد لها ترجمة.
(6)
ترجم له الخطيب في «تلخيص المتشابه» (1/ 153)، وذكر له هذا الحديث، ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا.
(7)
قال العلائي: لا أعرفه. «لسان الميزان» (5/ 111 رقم 4652).
الخطاب،
وعلي بن أبي طالب، وحذيفة بن سعد بن اليمان، وأبو ذر الغفاري، والمقداد بن الأسود، وبلال مولى أبي بكر، وعبد الرحمن بن عوف، وكتب علي بن أبي طالب يوم الاثنين في جمادى الأولى من سنة مُهاجَر محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم»
(1)
.
ثم قال: «في هذا الحديث نظر، وذلك أن أول مشاهد سلمان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة الخندق
(2)
، وكانت في السنة الخامسة من الهجرة، ولو كان تخلَّص سلمان من الرق في السنة الأولى من الهجرة لم يَفُتْهُ شيء من المغازي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأيضًا فإن التاريخ بالهجرة لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأول من أرَّخ بها عمر بن الخطاب في خلافته، والله أعلم»
(3)
.
القاعدة الثانية: الاستدلال على نكارة المتن بمخالفته للمشهور:
من ذلك أنه روى في ترجمة أحمد بن الصلت بن المُغَلِّس الحِمَّاني
(4)
من «تاريخ بغداد» ومن طريقه قال: حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر بن الحارث
(5)
قال: سمعت ابن عيينة قال: العلماء: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، وأبو حنيفة في زمانه، والثوري في زمانه
(6)
.
(1)
رواه الخطيب في «تلخيص المتشابه» (1/ 153) بنفس الإسناد، ومن طريقه رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (21/ 403).
(2)
ينظر: «أخبار أصبهان» لأبي نعيم الأصبهاني (1/ 74).
(3)
«تاريخ بغداد» (1/ 517 - 518). وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (1/ 549 - 550)، (4/ 649)، (8/ 317).
(4)
كان يضع الحديث. «تاريخ بغداد» (5/ 338).
(5)
قال ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 95): «كتبت عنه مع أبي وهو صدوق» .
(6)
رواه الخطيب عن القاضي الحسين بن علي الصيمري في «أخبار أبي حنيفة» (ص: 83).
ثم قال: «قلت: ذِكر أبي حنيفة في هذه الحكاية زيادة من الحِمَّاني، والمحفوظ ما أخبرناه علي بن محمد بن عبد الله المقرئ الحذاء قال: أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم الخُتُّلي قال: حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الخالق قال: حدثنا أبو بكر المرُّوذي قال: حدثني محمد بن أبي محمد، عن سفيان بن عيينة قال: علماء الأزمنة ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه.
فإن قيل: ما أنكرتَ أن تكون رواية الحِمَّاني صحيحة، والرواية الثانية نقص منها ذكر أبي حنيفة وحذفه بعض النقلة؟
قلت: منع من ذلك أمران:
أحدهما: أن عبد الرزاق بن همام روى عن ابن عيينة مثل هذا القول الثاني سواء
(1)
.
والأمر الآخر: أن المحفوظ عن ابن عيينة سوءُ القول في أبي حنيفة، من ذلك ما أخبرنا محمد بن عبيد الله الحِنَّائي قال: أخبرنا أبو محمد عبد الله بن أحمد بن الصديق المروزي قال: حدثنا أحمد بن محمد المنكدري قال: حدثنا محمد بن أبي عمر قال: سمعت ابن عيينة يقول. وأخبرنا ابن الفضل، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه قال: حدثنا يعقوب بن سفيان
(2)
قال: حدثني محمد بن أبي عمر يعني العدني قال: قال سفيان: ما وُلد في الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة.
(1)
رواه البخاري في «التاريخ الكبير» (6/ 451)، والبغوي في «الجعديات» (ص: 268 رقم 1773) كلاهما من طريق عبد الرزاق به.
(2)
«المعرفة والتاريخ» (2/ 783).
وهكذا روى الحُميدي عن ابن عيينة، ولسفيان بن عيينة في أبي حنيفة كلام غير هذا كثير يشبهه في المعنى، قد ذكرناه في أخبار أبي حنيفة
(1)
، ولو كان ابن عيينة أعظمَ أبا حنيفة ذاك الإعظام، وجعله رابع أئمة علماء الإسلام، لم يقدم عليه بالقول الشنيع هذا الإقدام، فبان بما ذكرناه أن أحمد بن المغلِّس زاد فيما روى واختلق ما حكى، ونسأل الله العصمة من الزلل، والتوفيق لصالح القول والعمل»
(2)
.
القاعدة الثالثة: الاستدلال على الخطأ في المتن بمخالفة راويه لمن هو أولى منه:
قال الخطيب في ترجمة محمد بن جعفر بن الحسن بن سليمان بن علي بن صالح صاحب المصلي: «أخبرنا علي بن أبي علي قال: حدثنا محمد بن جعفر الصالحي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن بشار بن أبي العجوز قال: حدثنا الحسن بن هارون بن عَقَّار قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يُملي مصاحفنا إلا غلمان بني هاشم» .
وقد وَهِم الصالحي في متن هذا الحديث، وصوابه عن ابن أبي العجوز: حدثنا أبو طاهر عبد الغفار بن محمد بن جعفر المؤدب قال: أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن أبي العجوز ببغداد وما كتبناه إلا عنه قال: حدثنا الحسن بن هارون ابن أخي سلمة بن عَقَّار قال: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سمرة
(1)
ينظر: «تاريخ بغداد» (15/ 526، 575).
(2)
«تاريخ بغداد» (5/ 340).
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يُملين مصاحفنا إلا غلمان قريش، أو غلمان
ثقيف» وهكذا رواه محمد بن المظفر، عن ابن أبي العجوز»
(1)
.
فهذا الحديث أخطأ أحد الرواة في متنه، وهو محمد بن جعفر الصالحي، وهو ضعيف الحديث
(2)
، فرواه عن ابن أبي العجوز
(3)
بلفظ: «لا يُملي مصاحفنا إلا غلمان بني هاشم» .
والصواب أن ابن أبي العجوز قد رواه بلفظ: «لا يُملين مصاحفنا إلا غلمان قريش، أو غلمان ثقيف» ، والفرق واضح بين اللفظين، وممن رواه عنه هكذا:
1 -
أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي
(4)
، وقد ساقه الخطيب بإسناده كما سبق.
2 -
محمد بن المظفر
(5)
، كما ذكر الخطيب، وقد رواه الخطيب أيضًا في موضع آخر من «تاريخه»
(6)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 538).
(2)
قال حمزة بن يوسف السهمي: ضعيف لا يحتج بحديثه، ما رأيت له أصلًا جيدًا، ولا رأيت أحدًا يثني عليه خيرًا. وقال الخطيب: له أحاديث تدل على سوء ضبطه، وضعف حاله. «تاريخ بغداد» (2/ 537، 539).
(3)
وثَّقه الدارقطني والخطيب. «تاريخ بغداد» (6/ 74).
(4)
قال الخطيب: في حديثه غرائب ومناكير، وكان حافظًا صنف كتبًا في علوم الحديث، وسألت محمد بن جعفر بن علان عنه فذكره بالحفظ، وحسن المعرفة بالحديث، وأثنى عليه. «تاريخ بغداد» (3/ 37).
(5)
قال الخطيب: كان حافظًا فَهِمًا صادقًا مكثرًا. «تاريخ بغداد» (4/ 427).
(6)
«تاريخ بغداد» (8/ 492).
3 -
أبو إسحاق بن حمزة
(1)
، وقد رواه عنه أبو نعيم
(2)
.
فقد استدل الخطيب بخطأ الصالحي في متن هذا الحديث بمخالفته لرواية الثقات.
القاعدة الرابعة: الاستدلال على بطلان لفظة في المتن بوهاء المنفرد بها:
قال الخطيب في ترجمة محمد بن مزيد أبي بكر الخزاعي المعروف بابن أبي الأزهر: «فمن حديثه ما أخبرنيه أبو القاسم الأزهري قال: حدثنا يوسف بن عمر القواس، والمعافى بن زكريا الجريري قالا: حدثنا ابن أبي الأزهر.
وأخبرنا الحسن بن علي الجوهري قال: أخبرنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو بكر بن أبي الأزهر قال: حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء قال: حدثنا إسماعيل بن صبيح قال: حدثنا أبو أويس قال: حدثنا محمد بن المنكدر قال: حدثنا جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: «أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، ولو كان لكُنتَه»
(3)
.
(1)
هو أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن حمزة بن عمارة، قال أبو نعيم: أبو إسحاق الحافظ واحد زمانه في الحفظ، لم يُر بعد ابن مظاهر مثله في الحفظ، جمع الشيوخ وصنف المسند. «أخبار أصبهان» (1/ 240).
(2)
«معرفة الصحابة» (2/ 545 رقم 1526).
(3)
رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (42/ 176)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 225 رقم 359) كلاهما من طريق الخطيب، ورواه الشجري في «ترتيب الأمالي الخميسية» (1/ 176 رقم 658) عن الحسن بن علي عن أحمد بن إبراهيم به.
قوله: «ولو كان لكُنتَه» زيادة لا نعلم رواها إلا ابن أبي الأزهر، والصواب ما أخبرنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن الصلت قال: أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد الكوفي قال: حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي قال: حدثنا إسماعيل بن صبيح اليَشكُري قال: حدثنا أبو أويس بإسناده نحوه، ولم يذكر الزيادة
(1)
»
(2)
.
فهذه الزيادة زادها ابن أبي الأزهر في متن هذا الحديث، وهو غير ثقة يضع الأحاديث على الثقات، كما قال الخطيب
(3)
.
وقال الشجري بعد أن روى هذه الزيادة من طريق ابن أبي الأزهر: «هذه الزيادة في الحديث ما كتبناها إلا من هذه الرواية»
(4)
.
وقال الذهبي في ترجمته لابن أبي الأزهر: «وضع في حديث «لا نبي بعدي» : ولو كان لكنتَه يا علي»
(5)
.
القاعدة الخامسة: قد يكون الإسناد صحيحًا في الظاهر ويكون المتن باطلًا:
لم تكن المتون الباطلة الواردة بأسانيد صحيحة في الظاهر بالتي تخدع الخطيب فتجعله يحكم عليها بالصحة، بل كان رحمه الله يتأمَّل المتون جيدًا
(1)
ورواه ابن أبي خيثمة في «التاريخ الكبير» (2/ 675 رقم 2829 - السفر الثاني)، وابن أبي عاصم في «السنة» (2/ 602 رقم 1349)، وأبو بكر الشافعي في «الغيلانيات» (1/ 170 رقم 128) من طريق أبي أويس به بدون هذه الزيادة.
(2)
«تاريخ بغداد» (4/ 465).
(3)
«تاريخ بغداد» (4/ 464).
(4)
«ترتيب الأمالي الخميسية» (1/ 176 رقم 658).
(5)
«سير أعلام النبلاء» (15/ 42).
وينقدها نقد الصيرفي، فإذا رآها باطلة فإنه يحكم عليها بالبطلان حتى مع صحة أسانيدها في الظاهر.
فمن ذلك أنه روى في ترجمة أحمد بن روح البزاز
(1)
من «تاريخ بغداد» ومن طريقه عن عمرو بن مرزوق الباهلي
(2)
قال: حدثنا عمران القطان
(3)
، عن قتادة، عن أنس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات مبتدع فإنه قد فُتح على الإسلام فتح»
(4)
.
ثم قال: «الإسناد صحيح، والمتن منكر»
(5)
.
فلم تغُرَّ الخطيبَ صحةُ إسناده في الظاهر، بل تأمَّل المتن وحكم عليه بالنكارة، والله أعلم
(6)
.
* * *
(1)
لم يذكر الخطيب في ترجمته له جرحًا ولا تعديلًا، وقال الذهبي في «ميزان الاعتدال» (1/ 98 رقم 377):«بغدادي يجهل» .
(2)
هو عمرو بن مرزوق الباهلي أبو عثمان البصري، ثقة فاضل له أوهام، مات سنة أربع وعشرين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 426 رقم 5110).
(3)
هو عمران بن داوَر أبو العوام القطان البصري، صدوق يَهِم ورُمي برأي الخوارج، مات بعد الستين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 429 رقم 5154).
(4)
ورواه ابن الجوزي في «العلل المتناهية» (1/ 139 رقم 213) من طريق الخطيب.
(5)
«تاريخ بغداد» (5/ 256).
(6)
وينظر مثال آخر سبقت دراسته في مطلب النقد بالطعن في الراوي بالكذب (ص: 153).
الباب الرابع
الخصائص العامة للنقد عند الخطيب
وفيه فصلان:
الفصل الأول: تأثر الخطيب بالنقاد المتقدمين مع عدم تقليده لهم.
الفصل الثاني: كيفية معرفة الخطيب بنقد الراوي والرواية.
الفصل الأول
تأثر الخطيب بالنقاد المتقدمين مع عدم تقليده لهم
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تأثر الخطيب بالنقاد المتقدمين في أحكامه النقدية على الأحاديث.
المبحث الثاني: شرح الخطيب لكلام النقاد.
المبحث الثالث: نقد الخطيب للأحكام النقدية لسابقيه وعدم التقليد.
المبحث الأول
تأثر الخطيب بالنقاد المتقدمين في أحكامه النقدية على الأحاديث
كان الخطيب رحمه الله واسع المعرفة كثير الاطلاع، قد قرأ على مشايخه كتبًا كثيرة، وسمع عليهم مسموعات عديدة، وكانت كتب علل الحديث ونقد رجاله، والتي عليها اعتماد الخطيب في نقد الحديث، من ضمن هذه الكتب والمسموعات التي قرأها ودرسها واستفاد منها وتأثر بما فيها
(1)
.
وهذه بعض الأمثلة التي تبين مدى تأثر الخطيب بمتقدمي النقاد في أحكامه النقدية على الأحاديث:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة محمد بن صَبيح المعروف بابن السماك، من طريق أحمد بن جعفر القَطِيعي
(2)
، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي
(3)
قال: حدثنا محمد بن السماك، عن يزيد بن أبي زياد، عن المسيب بن رافع، عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تشتروا السمك في الماء؛ فإنه غَرَر»
(4)
.
(1)
ينظر: «موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» (ص: 255 - 474).
(2)
هو في «جزء الألف دينار» للقطيعي (ص: 362 رقم 231).
(3)
هو في «مسند أحمد» (6/ 197 رقم 3676).
(4)
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (10/ 209 رقم 10491)، والبيهقي في «السنن الكبرى» كتاب البيوع، باب ما جاء في النهي عن بيع السمك في الماء (5/ 555 رقم 10859)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 105 رقم 978) كلهم من طريق عبد الله بن أحمد به.
ثم ذكر أن الإمام أحمد قال: «وحدثنا به هُشيم عن يزيد فلم يرفعه»
(1)
.
فنبَّه الإمام أحمد إلى أن هشيم بن بشير الثقة الثبت
(2)
قد خالف محمد بن السماك
(3)
فرواه عن يزيد به موقوفًا، وفي هذا إشارة إلى تصحيح الرواية الموقوفة، وهذا ما فهمه الخطيب فقال بعد ذلك مباشرة: «وكذلك رواه زائدة بن
(4)
قدامة
(5)
، عن يزيد بن أبي زياد موقوفًا على ابن مسعود، وهو الصحيح»
(6)
.
- المثال الثاني:
ذكر الخطيب في ترجمة أحمد بن الحسن بن عبد الجبار بن راشد الصوفي
(7)
، أنه روى عن سويد بن سعيد
(8)
، عن مالك، عن الزهري،
(1)
«تاريخ بغداد» (3/ 349).
(2)
سبقت ترجمته (ص: 291). ولم أجد روايته هذه فيما لديَّ من مراجع.
(3)
قال ابن نمير: صدوق. وقال مرة: حديثه ليس بشيء. وقال الدارقطني: لا بأس به. «لسان الميزان» (7/ 205 رقم 6924).
(4)
تصحفت في المطبوع من «تاريخ بغداد» إلى: «عن» .
(5)
سبقت ترجمته (ص: 304). وروايته أخرجها الطبراني في «المعجم الكبير» (9/ 321 رقم 9607).
(6)
«تاريخ بغداد» (3/ 349).
(7)
قال الخطيب: «كان ثقة» . «تاريخ بغداد» (5/ 132).
(8)
هو سويد بن سعيد بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني أبو محمد، صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه؛ فأفحش فيه ابن معين القول، مات سنة أربعين ومائتين، وله مائة سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 260 رقم 2690).
عن أنس بن مالك، عن أبي بكر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى جملًا لأبي جهل
(1)
.
ثم ذكر أن الدارقطني
(2)
والبَرْقاني وغيرهما من الحفاظ ذهبوا إلى أن الصوفي قد وهم في هذا الحديث، وأن الصواب: عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى جملًا لأبي جهل، مرسلًا
(3)
.
ولكن الخطيب لم يوافقهم على إلصاق الوهم بالصوفي؛ لأنه قد توبع عليه، وذهب إلى أن الحمل فيه على سويد، واستدل بأن الحفاظ قديمًا قد أنكروه على سويد، ثم روى عن أبي داود السجستاني أنه قال: سمعتُ يحيى بن معين، وقال له الفضل بن سهل الأعرج: يا أبا زكريا، سويد الحدثاني، عن مالك، عن الزهري، عن أنس، عن أبي بكر الصديق: أن النبي صلى الله عليه وسلم أهدى جملًا لأبي جهل. فقال يحيى: لو أن عندي فرسًا خرجت أغزوه
(4)
.
- المثال الثالث:
قال الخطيب في ترجمة عبد الله بن حفص الوكيل: «أخبرنا أبو سعد
(1)
أخرجه الإسماعيلي في «معجم الشيوخ» (1/ 312)، ومن طريقه البيهقي في «السنن الكبرى» جماع أبواب الهدي، باب جواز الذكر والأنثى في الهدايا (5/ 377 رقم 10163) عن الصوفي به.
(2)
«علل الدارقطني» (1/ 226).
(3)
أخرجه مالك في «الموطأ» كتاب الحج، باب ما يجوز في الهدي (1/ 377).
(4)
«تاريخ بغداد» (5/ 132 - 135).
الماليني قراءة قال: أخبرنا عبد الله بن عدي الحافظ
(1)
قال: حدثنا عبد الله بن حفص الوكيل قال: حدثنا سريج بن يونس قال: حدثنا هشيم بن بشير، عن سيار، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا أفتقد أحدًا من أصحابي غير معاوية بن أبي سفيان، لا أراه ثمانين عامًا أو سبعين عامًا، فإذا كان بعد ثمانين عامًا أو سبعين عامًا، يُقبل إليَّ على ناقة من المسك الأذفر
(2)
، حشوها من رحمة الله، قوائمها من الزبرجد، فأقول: معاوية؟ فيقول: لبيك يا محمد. فأقول: أين كنت من ثمانين عامًا؟ فيقول: في روضة تحت عرش ربي عز وجل يناجيني وأناجيه، ويُحَيِّيني وأُحَيِّيه، ويقول: هذا عوض مما كنتَ تُشتم في دار الدنيا».
ثم قال: «هذا حديث باطل إسنادًا ومتنًا، ونراه مما وضعه الوكيل، وأن إسنادَه رجالُه كلهم ثقات سواه»
(3)
.
ظاهر من إسناد الخطيب أنه استفاد رواية هذا الحديث من كتاب «الكامل في الضعفاء» للحافظ ابن عدي، حيث يرويه عن شيخه الماليني عن ابن عدي، وقد استفاد نقد الحديث منه أيضًا، حيث قال ابن عدي في ترجمة الوكيل: «عبد الله بن حفص الوكيل، شيخ ضرير، كتبت عنه بسُرَّ من رأى، كان يسرق الحديث، وأملى عليَّ من حفظه أحاديث موضوعة، ولا أشك أنه
هو الذي وضعها».
(1)
«الكامل في ضعفاء الرجال» (5/ 433).
(2)
مسك أذفر: ذَكِي الرِّيح. «تاج العروس» (ذ ف ر).
(3)
«تاريخ بغداد» (11/ 115).
ثم أورد له الحديث المذكور بإسناده، ثم قال:«وهذا حديث موضوع، وضعه عبد الله بن حفص هذا»
(1)
.
* وكان من أكثر الحفاظ الذين استفاد منهم الخطيب وتأثر بهم في أحكامه النقدية هو إمام العلل في عصره الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني رحمه الله، لا سيما في كتابه «علل الحديث» ، والدارقطني هو شيخ شيخ الخطيب، فالخطيب يروي كتب الدارقطني عن شيخه البَرقاني عن الدارقطني مباشرة، وكان البَرْقاني من أخص تلاميذ الدارقطني وأجلِّهم، وكان يورِّق له فترة من حياته، وكتابه «العلل» قد أملاه على البَرْقاني من حفظه غير مرتَّب، ثم رتَّبه البَرْقاني على المسانيد بعد استئذان الدارقطني، وقرأه عليه من كتابه الذي كتبه البَرْقاني بخطه، ونسخه الناس من نسخة البَرْقاني
(2)
.
فالبَرْقاني إذن أعلم الناس بكتاب «علل الدارقطني» ، ونسخته منه أوثق النسخ، وعن البَرْقاني أخذ الخطيب هذا الكتاب بغير واسطة، ودرسه واستوعب ما فيه، فتأثر به تأثرًا شديدًا، وقد ظهرت ملامح هذا التأثر على أحكام الخطيب النقدية.
وتوجد أمثلة عديدة تبين أوجه تأثُّر الخطيب بالدارقطني، قد سبقت
دراسة بعضها في مباحث الرسالة
(3)
.
(1)
وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (5/ 97)، (5/ 125 وما بعدها)، (13/ 335 وما بعدها).
(2)
ينظر: «تاريخ بغداد» (13/ 491).
(3)
ينظر: (ص: 291، 315، 331، 332، 372).
المبحث الثاني
شرح الخطيب لكلام النقاد
بيَّنتُ في المبحث السابق سعة اطلاع الخطيب رحمه الله على كتب نقد الحديث ورجاله وتأثره بنقاد الحديث، ولا شك أنه قد درس هذه الكتب دراسة متأنية، واستوعبها استيعابًا كاملًا، فكان من أحسن الناس فهمًا لكلام النقاد، فنراه يشرح كثيرًا من أحكامهم المشكلة وألفاظهم الغامضة، فمن أمثلة ذلك:
- المثال الأول:
روى الخطيب في ترجمة سعيد بن داود الزَّنْبَري
(1)
، عن عبد الله بن علي بن المديني قال: سمعت أبي يقول: كتبت عن الزَّنْبَري أحاديث عن مالك من أخبار الناس، ولو كان رواها عن أبيه!
قال أبي: ولقد حسبت سنَّه فإذا هو قد كان رجلًا، وكان أبوه أجود الناس منزلة من مالك، وضعَّفه.
ثم فسَّر الخطيب قوله: «ولو كان رواها عن أبيه!» قائلًا: «يعني: كان ذلك أقرب لحاله، واحتُملت روايته لها، فلما رواها عن مالك استعظم عليٌّ ذلك واستنكره»
(2)
.
(1)
هو صدوق له مناكير عن مالك، ويقال اختلط عليه بعض حديثه، وكذَّبه عبد الله بن نافع في دعواه أنه سمع من لفظ مالك، مات في حدود (220 هـ). «تقريب التهذيب» (ص: 235 رقم 2298).
(2)
«تاريخ بغداد» (10/ 115 - 116).
- المثال الثاني:
روى الخطيب في ترجمة الزَّنْبَري أيضًا عن أبي بكر الأثرم أنه ذكر للإمام أحمد بن حنبل أن حديث الإفك رواه مالك. فقال له الإمام أحمد: من يرويه عن مالك؟ فقال الأثرم: هذا الذي هاهنا الزَّنْبَري. فتبسَّم الإمام أحمد وسكت.
ففسَّر الخطيب ذلك بقوله: «إنما كان سكوته وتبسُّمه استنكارًا للحديث؛ لأنه لم يروه عن مالك سوى الزَّنْبَري» . ثم رواه الخطيب من طريق الزَّنْبَري عن مالك
(1)
.
- المثال الثالث:
روى الخطيب في ترجمة أبي الصلت عبد السلام بن صالح الهروي
(2)
، من طريق القاسم بن عبد الرحمن الأنباري قال: حدثنا أبو الصلت الهروي قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه»
(3)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (10/ 116).
(2)
هو أبو الصلت الهروي مولى قريش، نزل نيسابور، صدوق له مناكير وكان يتشيع، وأفرط العقيلي فقال: كذاب. «تقريب التهذيب» (ص: 355 رقم 4070).
(3)
أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (11/ 65 رقم 11061)، والحاكم في «المستدرك» ، كتاب معرفة الصحابة، باب من مناقب علي بن أبي طالب (3/ 137 رقم 4637) كلاهما من طريق عبد السلام بن صالح الهروي به.
وصححه الحاكم، وقد تعقبه الذهبي بقوله:«بل موضوع» .
قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح.
ففسَّر ذلك الخطيب بقوله: «أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية وليس بباطل؛ إذ قد رواه غير واحد عنه»
(1)
.
ثم استدل على تفسيره هذا بما رواه عن العباس بن محمد الدوري
(2)
أنه قال: سمعت يحيى بن معين يوثِّق أبا الصلت عبد السلام بن صالح، فقلت أو قيل له: إنه حدَّث عن أبي معاوية عن الأعمش: «أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها» .
فقال: ما تريدون من هذا المسكين؟! أليس قد حدَّث به محمد بن جعفر الفيدي
(3)
عن أبي معاوية؟!
(4)
.
* * *
(1)
يعني: أن ابن معين لم يصحح الحديث مطلقًا؛ إنما صححه من حديث أبي معاوية، على معنى أنه حدث به؛ لينفي التهمة عن أبي الصلت الهروي، والله أعلم.
(2)
لم أجده في «تاريخ الدوري» ، والله أعلم.
(3)
هو العلاف، نزل الكوفة ثم بغداد، مقبول، مات بعد الثلاثين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 472 رقم 5786).
(4)
«تاريخ بغداد» (12/ 320). وينظر مثال رابع في «تاريخ بغداد» (3/ 219).
المبحث الثالث
نقد الخطيب للأحكام النقدية لسابقيه وعدم التقليد
قد تقرَّر في المبحثين السابقين تأثر الخطيب في أحكامه النقدية بالنقاد المتقدمين واستفادته منهم، إلا أن هذا لا يفيد أنه كان مقلِّدًا لهم عالةً عليهم، بل كان مجتهدًا في نقد الحديث، له أحكامه الخاصة به، وقد سبقت دراسة كثير من أحكامه على طول الدراسة، وكان إذا خالف اجتهادُه اجتهادَ من سبقه من النقاد صرَّح بمخالفته له، وبيَّن ذلك بالأدلة والبراهين، وسأورد بعض الأمثلة التي تبين ذلك:
- المثال الأول:
ذكر الخطيب في ترجمة محمد بن أحمد بن إبراهيم بن قريش الحَكيمي، أنه سأل شيخه أبا بكر البَرْقاني عنه، فقال: ثقة إلا أنه يروي مناكير.
فتعقَّبه الخطيب قائلًا: «وقد اعتبرتُ أنا حديثه فقلَّما رأيتُ فيه منكرًا»
(1)
.
فالبَرْقاني حكم على هذا الراوي بأنه ثقة إلا أن في أحاديثه مناكير، وتُعرف المناكير في حديث المحدِّث، إذا ما عُرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، أو لم تكد توافقها
(2)
.
لكن الخطيب لم يرتضِ بحكم البَرْقاني، وذهب إلى أن المناكير قليلة في أحاديث الحَكيمي؛ حيث إنه اعتبر أحاديثه واختبرها، فوجدها موافقة
(1)
«تاريخ بغداد» (2/ 87).
(2)
مقدمة «صحيح مسلم» (1/ 7).
لأحاديث الثقات الذين شاركوه فيها، لم تخالف أحاديث الثقات إلا في القليل النادر.
- المثال الثاني:
ذكر الخطيب في ترجمة أحمد بن محمد بن سوادة، أن الدارقطني قال فيه:«يُعتبر بحديثه ولا يُحتج به» .
فتعقَّبه الخطيب قائلًا: «ما رأيتُ أحاديثَه إلا مستقيمة، فالله أعلم»
(1)
.
فالدارقطني قد حكم على هذا الراوي بأن أحاديثه يُعتبر بها في الشواهد والمتابعات، ولا يُحتج بها، فلم يرتضِ الخطيب بحكم الدارقطني، وذهب إلى أنه فحص أحاديث هذا الراوي فوجدها مستقيمة خالية من الأخطاء والمناكير.
- المثال الثالث:
ذكر الخطيب في ترجمة الحسين بن محمد بن بهرام المَرْوَرُّوذي
(2)
، أن عبد الرحمن بن أبي حاتم
(3)
سأل أباه عن حديث رواه الحسين المَرْوَرُّوذي، عن جرير بن حازم، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، أن رجلًا زوَّج ابنته وهي كارهة، ففرَّق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (6/ 143).
(2)
ثقة، مات سنة ثلاث عشرة ومائتين أو بعدها بسنة أو سنتين. «تقريب التهذيب» (ص: 168 رقم 1345).
(3)
«علل الحديث» (4/ 59).
(4)
أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها (2/ 232 رقم 2096)، والنسائي في «السنن الكبرى» ، كتاب النكاح، باب البكر يزوجها أبوها وهي كارهة (5/ 176 رقم 5366)، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب من زوج ابنته وهي كارهة (1/ 603 رقم 1875) كلهم من طريق حسين المروروذي به.
فقال أبو حاتم: هذا خطأ، إنما هو كما روى الثقات: عن أيوب، عن عكرمة، أن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، منهم ابن عُلَيَّة وحماد بن زيد، وهو الصحيح
(1)
.
فقال ابن أبي حاتم: الوهم ممن هو؟ قال: من حسين ينبغي أن يكون؛ فإنه لم يروه عن جرير غيره. ثم قال أبو حاتم: رأيت حسينًا المَرْوَرُّوذي، ولم أسمع منه.
فلم يوافق الخطيب أبا حاتم الرازي على إلصاق الوهم بحسين المَرْوَرُّوذي، وتعقبه قائلًا: «قد رواه سليمان بن حرب
(2)
، عن جرير بن حازم أيضًا كما رواه حسين، فبرئت عهدته، وزالت تبعته». ثم رواه من طريق سليمان بن حرب
(3)
.
ولم يوافق أيضًا على إعلال الحديث بالإرسال، فذهب يذكر من تابع جريرًا
(1)
أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب في البكر يزوجها أبوها ولا يستأمرها (2/ 232 رقم 2097) من طريق حماد بن زيد به مرسلًا.
قال أبو داود: «لم يذكر ابن عباس، وكذلك رواه الناس مرسلًا، معروف» .
ولم أجد رواية ابن علية، والله أعلم.
(2)
ثقة إمام حافظ، مات سنة أربع وعشرين ومائتين، وله ثمانون سنة. «تقريب التهذيب» (ص: 250 رقم 2545).
(3)
وأخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (5/ 222)، وابن الجوزي في «العلل المتناهية» (2/ 130 رقم 1021) كلاهما من طريق الخطيب به.
على روايته عن أيوب موصولًا فقال: «ورواه أيوب بن سويد
(1)
هكذا، عن الثوري، عن أيوب موصولًا
(2)
. وكذلك رواه مُعمَّر بن سليمان
(3)
، عن زيد بن حبان
(4)
، عن أيوب
(5)
»
(6)
.
* * *
(1)
صدوق يخطئ، مات سنة ثلاث وتسعين ومائة، وقيل: سنة اثنتين ومائتين. «تقريب التهذيب» (ص: 118 رقم 615).
(2)
أخرجه الدارقطني في «السنن» ، كتاب النكاح (4/ 341 رقم 3569) من طريق أيوب بن سويد به.
(3)
هو مُعمَّر - بالتشديد - ابن سليمان النخعي الرقي، ثقة فاضل، أخطأ الأزدي في تليينه، وأخطأ من زعم أن البخاري أخرج له، مات سنة إحدى وتسعين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 541 رقم 6815).
(4)
هو زيد بن حبان الرقي كوفي الأصل مولى ربيعة، صدوق كثير الخطأ وتغير بأخرة، مات سنة ثمان وخمسين ومائة. «تقريب التهذيب» (ص: 222 رقم 2125).
(5)
أخرجه ابن ماجه، كتاب النكاح، باب من زوج ابنته وهي كارهة (1/ 603 رقم 1875 م)، والنسائي في «السنن الكبرى» كتاب النكاح، باب البكر يزوجها أبوها وهي كارهة (5/ 177 رقم 5368) من طريق معمر بن سليمان الرقي، عن زيد بن حبان به.
(6)
«تاريخ بغداد» (8/ 651). وينظر لمزيد من الأمثلة في ذلك: «تاريخ بغداد» (2/ 43)، (5/ 132 - 135)، (7/ 124)، (9/ 512)، (16/ 445 - 446).
الفصل الثاني
كيفية معرفة الخطيب بنقد الراوي والرواية
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: كيفية معرفة الخطيب بنقد الراوي.
المبحث الثاني: كيفية معرفة الخطيب بنقد الرواية.
المبحث الأول
كيفية معرفة الخطيب بنقد الراوي
هناك علاقة وطيدة بين نقد الراوي (الجرح والتعديل) ونقد الرواية (علل الحديث)، فعلم الجرح والتعديل يبحث جانبين أساسيين في الرواة: العدالة، والضبط. ومعرفة ضبط الراوي تعتمد اعتمادًا رئيسًا على علم علل الحديث؛ لأن علم علل الحديث يتبين فيه خطأ الراوي من خلال اعتبار حديثه؛ حيث يتم مقارنة مرويات الراوي بمرويات غيره من أهل الحفظ والإتقان، فيتبين لنا الخطأ منها والصواب، فنستطيع أن نحكم على الرواة بمقتضى ما تبين لنا من رواياتهم، فالراوي الذي تقل أخطاؤه يكون ثقة، والراوي الذي تكثر أخطاؤه يكون ضعيفًا، وهكذا
(1)
.
كذلك، فإن علم علل الحديث يستند على علم الجرح والتعديل في التعرُّف على أخطاء الرواة وأوهامهم، وذلك بمقارنة رواياتهم واعتبار مراتبهم في الضبط والإتقان؛ لترجيح ما اختلفوا فيه أو لقبول ما تفردوا به، وفي هذا يقول الخطيب رحمه الله:«والسبيل إلى معرفة علة الحديث: أن يُجمع بين طرقه، ويُنظر في اختلاف رواته، ويُعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط»
(2)
.
(1)
ينظر: «شرح لغة المحدث» للدكتور طارق بن عوض الله (ص: 309)، و «منهج الإمام أحمد في التعليل» للدكتور أبي بكر كافي (ص: 578).
(2)
«الجامع لأخلاق الراوي» (2/ 295)، وينظر:«منهج الإمام أحمد في التعليل» (ص: 580).
وهذا مثال واحد يبين كيفية نقد الخطيب للراوي وللرواية معًا، ويوضِّح مقدار ما كان يلاقيه رحمه الله من عناء ومشقة في سبيل ذلك:
قال الخطيب في ترجمة شيخه محمد بن علي بن يعقوب أبي العلاء الواسطي: «رأيت لأبي العلاء أصولًا عُتُقًا سماعه فيها صحيح، وأصولًا مضطربة، وسمعته يذكر أن عنده تاريخ شباب العُصْفري، فسألته إخراجَ أصله به لأقرأه عليه فوعدني بذلك.
ثم اجتمعت مع أبي عبد الله الصوري فتجارينا ذِكره، فقال لي: لا تُرِد أصله بتاريخ شباب؛ فإنه لا يصلح لك. قلت: وكيف ذاك؟
فذكر أن أبا العلاء أخرج إليه الكتاب، فرآه قد سمَّع فيه لنفسه تسميعًا طريًّا
(1)
؛ مشاهدته تدل على فساده.
وذاكرتُ أبا العلاء يومًا بحديث كتبته عن أبي نُعيم الحافظ عن أبي محمد بن السقَّاء
(2)
، فقال: قد سمعتُ هذا الحديث من ابن السقَّاء، وكتبه عني أبو عبد الله بن بُكير
(3)
، وكتاب ابن بُكير عندي.
فسألته إخراجه إليَّ، فوعدني بذلك، ثم أخرجه إليَّ بعد أيام، وإذا جزء كبير
(1)
أي: أنه ألحق اسمه في طباق السماع بخط حديث؛ ليدَّعي أنه سمع الكتاب، وسيأتي تفصيل ذلك بعد قليل.
(2)
هو عبد الله بن محمد بن عبد الله بن عثمان بن المختار أبو محمد المزني الواسطي، يعرف بابن السقاء، كان فَهِمًا حافظًا، توفي سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (11/ 354).
(3)
هو الحسين بن أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن بكير أبو عبد الله الصيرفي، كان حافظًا، مات سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (8/ 523).
بخط ابن بُكير، قد كتب فيه عن جماعة من الشيوخ، وقد علَّق عن أبي العلاء فيه الحديث، ونظرت في الجزء فإذا ضربٌ طريٌّ على تسميع من بعض أولئك الشيوخ، ظننتُ أنَّ أبا العلاء كان قد ألحق ذلك التسميع لنفسه، ثم لما أراد إخراج الجزء إليَّ خشي أن أستنكر التسميع لطراوته، فضرب عليه.
ورأيت له أشياء سماعه فيها مفسود، إما محكوك بالسكين، أو مُصلَّح بالقلم.
ثم قرأت عليه حديثًا من المسلسلات، فقال: هذا الحديث عندي بعلو من طريق غير هذا، فسألته إخراجه، فأخرجه إليَّ في رقعة بخطه، وقرأه عليَّ من لفظه، فقال: حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن عثمان المزني الحافظ، وهو آخذ بيدي قال: حدثنا أبو يعلى أحمد بن علي الموصلي، وهو آخذ بيدي قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني، وهو آخذ بيدي قال: حدثني مالك، وهو آخذ بيدي قال: حدثني نافع، وهو آخذ بيدي قال: حدثني ابن عباس، وهو آخذ بيدي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي: «من أخذ بيد مكروب أخذ الله بيده»
(1)
.
فلما قرأه عليَّ استنكرته، وأظهرت التعجُّب منه، وقلت له: هذا الحديث من هذا الطريق غريب جدًّا، وأُراه باطلًا!
فذكر أن له به أصلًا نقله منه إلى الرُّقعة، وأن الأصل قريب إليه لا يتعذر إخراجه عليه، واعتلَّ بأن له شغلًا يمنعه عن إخراجه في ذلك الوقت، فسألته أن يخرجه بعد فراغه من شغله، فأجاب إلى أنه يفعل ذلك.
(1)
لم أجد من أخرجه من هذا الطريق.
وانصرفت من عنده، فالتقيت ببعض من كان يختص به، فذكرت له القصة، وقلت: هذا حديث موضوع على أبي يعلى الموصلي، وكنت قد سمعته من غير أبي العلاء بنزول، وقلت: ما أظن القاضي إلا قد وقع إليه نازلًا من الطريق الموضوع، فركَّبه وألزقه في روايته فحدَّث به عن عبد الله بن محمد بن عثمان المعروف بابن السقاء.
فلما كان بعد أسبوع اجتمعت معه، فقال لي: قد طلبت أصل كتابي بالحديث، وتعبت في طلبه فلم أجده، وهو مختلط بين كتبي. فسألته أن يعيد طلبه إياه، فقال: أنا أفعل.
ومكثت مدة أقتضيه به، وهو يحتج بأنه ليس يجده، ثم قال لي: أيش قدر هذا الحديث؟ وكم عندي مثله يُروى عني؟ فما سمَّعني غيرَه.
وسئل أبو العلاء بعد إنكاريه
(1)
عليه أن يحدِّث به فامتنع، ولم يروه لأحد بعدي، والله أعلم.
حدثني القاضي أبو العلاء بعد هذه القصة التي شرحتها بمدة طويلة من أصل كتابه وهو آخذ بيدي قال: حدثني أبو الطيب أحمد بن علي بن محمد الجعفري، وهو آخذ بيدي قال: حدثني أبو الحسين أحمد بن الحسين الفقيه الشافعي الصوفي، وهو آخذ بيدي قال: حدثنا أبو بكر محمد بن عاصم المعروف بابن المقرئ بأصبهان، وهو آخذ بيدي قال: حدثنا أبو يعلى الموصلي، وهو آخذ بيدي قال: حدثنا أبو الربيع الزهراني، وهو آخذ بيدي قال: حدثني مالك، وهو آخذ بيدي قال: حدثني نافع، وهو آخذ بيدي قال: حدثني
(1)
كذا في المطبوع.
ابن عباس، وهو آخذ بيدي قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيدي: «من أخذ بيد مكروب أخذ الله بيده» .
فلما حدثني أبو العلاء بهذا الحديث، قال لي: كنتُ سمعتُ من أبي محمد بن السقَّاء، حديث أبي يعلى الموصلي، عن أبي الربيع الزهراني كله، ثم كتبت هذا الحديث عن الجعفري فظننته في جملة ما سمعته من ابن السقَّاء عن أبي يعلى فرويته عنه.
فأعلمتُ أبا العلاء أنه حديث موضوع لا أصل له. فقال: لا يُروى عني غير حديث الجعفري هذا.
ورأيت بخط أبي العلاء عن بعض الشيوخ المعروفين حديثًا استنكرته، وكان متنه طويلًا موضوعًا مركَّبًا على إسناد واضح صحيح عن رجال ثقات أئمة في الحديث، فذاكرت به أبا عبد الله الصوري، فقال لي: قد رأيت هذا الحديث في كتاب أبي العلاء واستنكرته فعرضتُه على حمزة بن محمد بن طاهر
(1)
، فقال لي: اطلب من القاضي أصلًا به؛ فإنه لا يقدر على ذلك. وكانت مذاكرتي به الصوري بعد مدة من وفاة حمزة رحمه الله.
أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي من كتابه في سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة قال: أخبرنا عبد الله بن موسى السلامي الشاعر بفائدة ابن بكير
(2)
(1)
هو حمزة بن محمد بن طاهر بن يونس بن جعفر بن محمد بن الصباح أبو طاهر الدقاق مولى أمير المؤمنين المهدي، قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صدوقًا، فَهِمًا، عارفًا، مات سنة أربع وعشرين وأربعمائة. «تاريخ بغداد» (9/ 62).
(2)
يعني: أن ابن بكير هو الذي دلَّه على سماع هذا الحديث من السلامي، والله أعلم.
قال: حدثني أبو علي مفضَّل بن الفضل الشاعر قال: حدثني خالد بن يزيد الشاعر قال: حدثني أبو تمام حبيب بن أوس الشاعر قال: حدثني صهيب بن أبي الصهباء الشاعر قال: حدثني الفرزدق الشاعر قال: حدثني عبد الرحمن بن حسان بن ثابت الشاعر قال: حدثني أبي حسانُ بن ثابت الشاعر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اهجُ المشركين وجبريلُ معك» . وقال لي: «إن من الشعر حكمة»
(1)
.
أفدتُ هذا الحديث عن أبي العلاء جماعةً من أصحابنا البغداديين والغرباء مع تعجُّبي منه؛ فإن عبد الله بن موسى السلامي صاحب عجائب وطرائف، وكان موطنه وراء نهر جَيْحون، وحدَّث ببخارى وسمرقند وتلك النواحي، ولم ألحق بخراسان من سمع منه، ولا علمت أنه قدم بغداد
(2)
.
فلما حدثني عنه أبو العلاء جوَّزت أن يكون ورد إلينا حاجًّا فظفر به أبو عبد الله بن بكير وسمع معه أبو العلاء منه، ولم يتسع له المقام حتى يروي ما يشتهر به حديثه، وتظهر عندنا رواياته.
فلما كان في سنة تسع وعشرين وأربعمائة وقع إليَّ جزء بخط أبي عبد الله بن بكير، قد كان جمع فيه أحاديث مسندة لجماعة من الشعراء وكتبها بخطه، فوجدت في جملتها بخط ابن بكير: حدثني الحسن بن علي بن طاهر أبو علي الصيرفي قال: أخبرني عبد الله بن موسى السلامي الشاعر مشافهة قال: حدثني أبو علي مفضَّل بن الفضل الشاعر بالحديث الذي ذكرته عن أبي العلاء عن السلامي بعينه بسياقه ولفظه.
(1)
أخرجه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (12/ 17) من طريق الخطيب.
(2)
وقد ترجم له الخطيب في «تاريخ بغداد» (11/ 383).
وكان في الجزء حديث آخر عن ابن طاهر الصيرفي أيضًا عن السلامي، ذكر ابن طاهر أن السلامي أخبرهم به مناولة.
فأوقفتُ على كتاب ابن بكير جماعةً من شيوخنا وأصحابنا، وشرحت هذه القصة لأبي القاسم التَّنُوخي
(1)
فاجتمع مع أبي العلاء، وقال له: أيها القاضي، لا تروِ عن عبد الله بن موسى السلامي؛ فإن هذا الشيخ حدَّث بنواحي بخارى ولم يَرِد بغداد. فقال أبو العلاء: ما رأيت هذا السلامي ولا أعرفه»
(2)
.
وفي النقاط التالية أبيِّن كيفية معرفة الخطيب بجرح الرواة وتعديلهم:
1 -
فحص أحاديث الراوي:
إذا أراد الخطيب -وكذلك غيره من النقاد- أن يعرف حال راوٍ، فإنه يجمع أحاديثه ويقارنها بأحاديث الثقات الذين شاركوه فيها، فإن كثرت موافقته لهم كان ثقةً مثلهم، وإن كثرت مخالفته لهم كان منكر الحديث، وبقدر الموافقة والمخالفة بقدر ما يُعرف حفظ الراوي وضبطه
(3)
.
ذكر الخطيب في ترجمة عبد الله بن خيران من «تاريخ بغداد» أن العقيلي قال: «عبد الله بن خيران بغدادي لا يُتابع على حديثه»
(4)
.
(1)
هو علي بن المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم أبو القاسم التنوخي، كان متحفِّظًا في الشهادة محتاطًا، صدوقًا في الحديث، تقلَّد قضاء نواحٍ عدة، مات سنة سبع وأربعين وأربعمائة. «تاريخ بغداد» (13/ 604).
(2)
«تاريخ بغداد» (4/ 163 وما بعدها).
(3)
ينظر: مقدمة «صحيح مسلم» (1/ 7).
(4)
«الضعفاء الكبير» (2/ 245).
فتعقَّبه الخطيب قائلًا: «قد اعتبرتُ من رواياته أحاديث كثيرة، وجدتُها مستقيمة تدل على ثقته، والله أعلم»
(1)
.
فقد اختبر العقيلي أحاديث هذا الراوي فوجده ينفرد بأحاديث لا يتابعه عليها الثقات.
لكن الخطيب قد اختبر أحاديث كثيرة من مرويات هذا الرجل، فوجدها موافقة لأحاديث الثقات الذين شاركوه فيها، وهذا يدل على أنه ثقة
(2)
.
ونرى الخطيب في مواضع كثيرة من «تاريخه» يقول: «أحاديث فلان تدل على سوء ضبطه» ، أو «كان غير ثقة روى أحاديث باطلة» ، أو «أحاديثه تدل على ثقته» ، أو «أحاديثه مستقيمة تدل على صدقه» ، أو نحوها من العبارات
(3)
.
فهذا دليل واضح على أنه يتوصل إلى معرفة حال الراوي عن طريق دراسته لمروياته.
2 -
الترجيح بين أقوال النقاد في الرواة المتقدِّمين:
إذا اختلفت أقوال النقاد في راو بين معدِّل ومجرِّح؛ فإن الخطيب يدرس أقوالهم جيدًا ويرجح بينها بالأدلة والقرائن.
(1)
«تاريخ بغداد» (11/ 118).
(2)
وينظر مثال آخر سبق (ص: 425).
(3)
ينظر على سبيل المثال: «تاريخ بغداد» (2/ 537)، (3/ 550)، (4/ 368)، (5/ 15)، (10/ 452)، (15/ 607).
- ذكر الخطيب في ترجمة الحسين بن داود الملقَّب بسُنَيد، أن
أبا عبيد الآجري سأل أبا داود عنه فقال: لم يكن بذاك، كان ينزل الثغر
(1)
.
ثم ذكر عن النسائي أنه قال: الحسين بن داود -يعني سنيدًا- ليس بثقة
(2)
.
فتعقبهما الخطيب بقوله: «لا أعلم أي شيء غمصوا على سُنَيد، وقد رأيتُ الأكابر من أهل العلم رووا عنه واحتجوا به، ولم أسمع عنهم فيه إلا الخير، وقد كان سُنَيد له معرفة بالحديث وضبط له، فالله أعلم.
وذكره أبو حاتم الرازي في جملة شيوخه الذين روى عنهم، وقال: بغدادي صدوق
(3)
»
(4)
.
- وذكر الخطيب في ترجمة خالد بن خداش، أن زكريا بن يحيى الساجي قال: خالد بن خداش المُهلَّبي فيه ضعف؛ قال يحيى بن معين: قد كتبتُ عنه، تفرد عنه حماد بن زيد بأحاديث
(5)
.
فتعقَّبه الخطيب قائلًا: «لم يورد زكريا في تضعيفه حجة سوى الحكاية عن يحيى بن معين أنه تفرد برواية أحاديث، ومثل ذلك موجود في حديث مالك بن أنس، والثوري، وشعبة، وغيرهم من الأئمة.
(1)
لم أجده في المطبوع من «سؤالات الآجري» والله أعلم.
(2)
لم أجده.
(3)
«الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم (4/ 326 رقم 1428).
(4)
«تاريخ بغداد» (8/ 575).
(5)
لم أجده.
ومع هذا فإن يحيى بن معين وجماعةً غيره قد وصفوا خالدًا بالصدق، وغير واحد من الأئمة قد احتج بحديثه».
ثم ذكر أن عبد الخالق بن منصور قال: سئل يحيى بن معين عن خالد بن خداش فقال: صدوق
(1)
. وأن يعقوب بن شيبة قال: كان ثقة صدوقًا. وأن صالح بن محمد جزرة قال: صدوق. وأن ابن سعد قال: كان ثقة
(2)
.
3 -
التاريخ:
استعمال التاريخ من أهم الأمور المُعِينة على معرفة صدق الرواة وكذبهم، وقد قرَّر الخطيب ذلك في كتابه «الجامع لأخلاق الراوي» وبيَّن أن أصحاب الحديث قيَّدوا مواليد الرواة، وتاريخ موتهم؛ ليختبروا كذب الرواة الذين يدَّعون السماع ممن لم يلقوه
(3)
.
وقد استعمل الخطيب هذه الطريقة في «تاريخ بغداد» ، فقد روى في ترجمة أبي بكر محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت الأُشناني
(4)
ومن طريقه، عن حنبل بن إسحاق بن حنبل قال: حدثنا وكيع، عن شعبة، عن الحجاج، عن مِقْسَم، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هبط عليَّ جبريلُ وعليه
(1)
لم أجده. وفي «تاريخ ابن معين» رواية ابن محرز (1/ 86): «لا بأس به» .
(2)
«الطبقات الكبرى» (7/ 347)، و «تاريخ بغداد» (9/ 247). وينظر مثالان آخران في «تاريخ بغداد» (7/ 106)، (7/ 165 - 166).
(3)
«الجامع لأخلاق الراوي» (1/ 131)، و «الكفاية» (ص: 119).
(4)
قال الخطيب في «تاريخ بغداد» (3/ 456): «كان كذَّابًا يضع الحديث» .
طَنْفَسةٌ
(1)
وهو مُتَخَلِّلٌ بها
(2)
، فقلت: يا جبريلُ، ما نزلتَ إليَّ في مثل هذا
الزي! قال: إنَّ اللهَ أمر الملائكةَ أن تتخلَّلَ في السماء كتخلُّل أبي بكر في الأرض».
ثم قال الخطيب: «ما أبعد الأُشناني من التوفيق، تراه ما علم أن حنبلًا لم يرو عن وكيع، ولا أدركه أيضًا!» اهـ
(3)
.
وذلك أن وكيعًا توفي سنة (196 هـ) أو سنة (197 هـ)
(4)
، ووُلد حنبل قبل المائتين
(5)
.
- وذكر الخطيب في ترجمة أحمد بن أبي سليمان القواريري من «تاريخ بغداد» أنه قال: «وُلدت في سنة إحدى وخمسين ومائة، وكتبت عن حماد بن سلمة،
…
وكتبت من محمد بن إسحاق، ولكن لم أكتب عنه المغازي، وأول شيء كتبت عن محمد بن إسحاق كتبت عنه بالكوفة، ثم تبعته إلى المدينة
…
».
فتعقَّبه الخطيب بقوله: «كذب هذا الشيخ ظاهر، يغني عن تعليل روايته بجواز دخول السهو عليه، وإلحاق الوهم به، وذلك أن محمد بن
(1)
الطنفسة: نوع من الثياب. «تاج العروس» (ط ن ف س).
(2)
أي: جمع بين طرفي ثوبه بخلال من عود أو حديد. «النهاية في غريب الحديث» (2/ 73 - خلل).
(3)
«تاريخ بغداد» (3/ 456).
(4)
«تقريب التهذيب» (ص: 581 رقم 7414).
(5)
«سير أعلام النبلاء» (13/ 51)، و «تاريخ الإسلام» (6/ 543).
إسحاق كانت وفاته في سنة إحدى أو اثنتين وخمسين ومائة، وقد قيل أيضًا توفي قبل
ذلك
(1)
، فكيف يكتب عنه هذا الشيخ ومولده على ما ذكر في سنة إحدى وخمسين؟! وأعجب من هذا ادعاؤه سماعه منه بالكوفة ثم بالمدينة، وإنما قدم ابن إسحاق الكوفة في حياة الأعمش، وذلك قبل مولد هذا الشيخ بسنين كثيرة، وفي بعض ما ذكرنا دلالة كافية على بيان حاله وظهور اختلاطه»
(2)
.
4 -
النظر في أصول الراوي وكتبه التي سمع فيها الحديث:
اكتمل تدوين الحديث في الكتب والجوامع والأجزاء المشهورة في العصور المتأخرة من القرن الرابع وما بعده، وقلَّت رواية الأحاديث من صدور الرجال، وأصبح الشائع هو رواية الكتب والأجزاء، فكانت تُعقد المجالس لقراءة كتب الحديث على الشيوخ الذين يروونها، وفي نهاية الكتاب تُكتب أسماء جميع السامعين في صفحة أو صفحتين أو أكثر حسب عددهم، وتسمى بـ «طباق السماع» .
وأحيانًا يأتي بعض الكذابين ويحصل على كتاب لم يسمعه، فيُلحق اسمه بين الأسطر في طباق السماع، والناقد البصير هو الذي يكتشف هذا التزوير عن طريق المقارنة بين الخطوط
(3)
.
(1)
ينظر: «تقريب التهذيب» (ص: 467 رقم 5725).
(2)
«تاريخ بغداد» (5/ 287 - 288).
(3)
ينظر: «معرفة علوم الحديث» للحاكم (ص: 16).
وقد كان الخطيب خبيرًا بمثل هذا التزوير، وقد جرَّح كثيرًا من الرواة به،
فمن ذلك:
- قال الخطيب في ترجمة أبي الحسن محمد بن عبيد الله بن حَبَابة: «رأيت في أصل أبي محمد بن ماسي
(1)
سماعَ أبي الحسن بن حَبَابة مع أبيه بالخط العتيق، ونظرت في بعض أصول أبيه أبي القاسم بن حَبَابة
(2)
فرأيته قد ألحق لنفسه فيها السماع منه بخط طري، ورأيت أيضًا أصلًا لأبيه عن أبي بكر بن أبي داود، وعلى وجه الكتاب سماع لعبيد الله بن محمد بن حَبَابة، وقد ألحق ابنه بخط طري: ولابنه محمد»
(3)
.
- وقال في ترجمة إسماعيل بن سعيد بن سويد المعدَّل من «تاريخ بغداد» : «كان بعض سماعاته صحيحًا في كتب أخيه
(4)
، وبعضها مفسودًا، رأيت إلحاقه لنفسه السماع مع أخيه في جزء عن ابن الأنباري إلحاقًا ظاهرًا بيِّن الفساد، وكذلك رأيته في جزء آخر عن ابن دُرَيد، وحدَّث بالجميع، وحدَّث أيضًا من كتب لأخيه لم يكن له فيها سماع قديم ولا مُلْحَق»
(5)
.
(1)
هو عبد الله بن إبراهيم بن أيوب بن ماسي، أبو محمد البزاز، كان ثقة ثبتًا، توفي سنة تسع وستين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (11/ 60).
(2)
هو عبيد الله بن محمد بن إسحاق بن سليمان بن مخلد البزاز، كان ثقة، توفي سنة تسع وثمانين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (12/ 108).
(3)
«تاريخ بغداد» (3/ 586 - 587).
(4)
لم أجد له ترجمة.
(5)
«تاريخ بغداد» (7/ 310).
- وقال في ترجمة الحسن بن الحسين بن العباس المعروف بابن دوما النعالي:
«كتبنا عنه وكان كثير السماع، إلا أنه أفسد أمره بأن ألحق لنفسه السماع في أشياء لم تكن سماعه»
(1)
.
* * *
(1)
«تاريخ بغداد» (8/ 255)، وينظر لمزيد من الأمثلة:«تاريخ بغداد» (2/ 626)، (3/ 45، 49، 666)، (5/ 533)، (8/ 394 - 395)، (9/ 63)، (12/ 190)، (13/ 234).
المبحث الثاني
كيفية معرفة الخطيب بنقد الرواية
مرَّ بنا على طول الرسالة عديدٌ من الأمثلة التي تبين كيفية معرفة الخطيب بنقد الروايات، وأُجمل في هذا المبحث أهم الطرق التي يتبعها لمعرفة نقد الرواية، فمن هذه الطرق:
1 -
الاعتبار:
وهو من أهم الطرق التي يستخدمها النقاد -ومنهم الخطيب رحمه الله - لمعرفة صحة الرواية وضعفها، فما من حديث يراد معرفة صحته أو ضعفه إلا واستُعمل معه هذه الطريقة.
والاعتبار: هو تتبُّع الطرق من الجوامع والمسانيد والأجزاء لذلك الحديث الذي يُظن أنه فرد؛ ليُعلم هل له متابع أم لا؟
(1)
.
يقول الخطيب رحمه الله: «والسبيل إلى معرفة علة الحديث أن يُجمع بين طرقه، ويُنظر في اختلاف رواته، ويُعتبر بمكانهم من الحفظ، ومنزلتهم في الإتقان والضبط»
(2)
.
فالخطيب رحمه الله في نقده للحديث الذي يُظن أن صاحبه تفرد به يتتبع طرق هذا الحديث من الكتب والأجزاء ومن صدور الرجال، ويقارن بعضها
ببعض؛ ليظهر ما فيها من اتفاق، أو تفرد، أو اختلاف؛ ليعامل كلًّا بحسبه، فالاتفاق مظنة الصواب، والتفرد والاختلاف مظنتا الخطأ.
أورد الخطيب في ترجمة عمر بن جعفر بن أبي السَّري الورَّاق البصري
(1)
، أن القاضي أبا بكر محمد بن عمر الجِعَابي
(2)
ذكر أن عمر بن جعفر الورَّاق قد أخطأ في أحاديث منها أنه قال: حدثنا أبو خليفة
(3)
قال: حدثنا محمد بن كثير، عن شعبة، عن مُشَاش، عن عطاء، عن ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ضَعَفة بني هاشم أن يرتحلوا من جمع بليل
(4)
.
ثم قال الوراق بعقبه: هكذا قال أبو خليفة، ولم يذكر الفضل بن عباس.
فتعقَّبه الجِعَابي قائلًا: وهذا القول منه طريف، فليته سكت عنه، فكان عند العالمين بما أتاه أجمل؛ فقد حدثناه أبو خليفة غير مرة قال: حدثنا محمد بن كثير، عن شعبة، عن مُشَاش، عن عطاء، عن ابن عباس، عن الفضل، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر ضَعَفة بني هاشم
…
وساقه.
فتعقب الخطيبُ الجِعَابيَّ قائلًا: «وقد حدثنا ابن رزقويه
(5)
عن عمر بهذا الحديث على الصواب، فإما أن يكون ما حكاه الجِعَابي انتهى إليه من وجه غير
(1)
كان الناس يكتبون بإفادته، ويسمعون بانتخابه على الشيوخ، وقد طعن فيه بعضهم، وكانت كتبه رديئة، توفي سنة سبع وخمسين وثلاثمائة. «تاريخ بغداد» (13/ 101).
(2)
هو حافظ، من أئمة هذا الشأن، إلا أنه فاسق رقيق الدين. «ميزان الاعتدال» (3/ 670 رقم 8006).
(3)
هو الفضل بن الحباب بن محمد بن شعيب أبو خليفة الجمحي البصري، كان محدثًا ثقة مكثرًا، راوية للأخبار والأدب، فصيحا مفوَّهًا. «تاريخ الإسلام» (7/ 92).
(4)
لم أجده من هذا الوجه.
(5)
ينظر ترجمته (ص: 22).
موثوق به، أو يكون عمر أخطأ فرواه على ما ذكر، ثم تنبَّه أو نُبِّه على الصواب، فعاد إليه»
(1)
.
فلكي يعلم الخطيب هل هذه الرواية التي ذكرها الجِعَابي عن عمر الوراق صواب أو خطأ؟ بحث عن طرق أخرى للحديث، فوجد الحديث قد حدَّث به شيخه ابن رزقويه عن عمر الوراق على الصواب، فتوصَّل عند ذلك إلى أن هناك احتمالين:
الأول: أن تكون الرواية التي أوردها الجِعَابي عن عمر الوراق غير صحيحة النسبة إليه.
الثاني: أن يكون عمر الوراق قد رواها على ما ذكر الجِعَابي، ثم تنبه أو نبهه أحد على الخطأ، فرواه على الصواب بعد ذلك
(2)
.
والأحاديث التي درستُها على طول الرسالة، تبين كيفية استعمال الخطيب لهذه الطريقة في نقد الأحاديث، من جمع للطرق ومقارنة بعضها ببعض ثم الترجيح، والله الموفق.
2 -
سلوك الجادة:
هناك بعض الأسانيد التي يكثر دورانها، بسبب كثرة رواية الراوي، وكثرة الرواة عنه وهكذا، فكثرة تداول أحد هذه الأسانيد بصورة واحدة تجعله إسنادًا مشهورًا، ويسمى عندهم: طريقًا، أو جادَّة، أو محجَّة، أو مجرَّة؛ يسهل حفظه كما يسهل سلوك الناس للجادة التي يمشون عليها.
(1)
«تاريخ بغداد» (13/ 102).
(2)
وينظر مثالان آخران في «تاريخ بغداد» (1/ 549 - 550)، (11/ 118).
وربما جاء حديث آخر يشترك مع هذا الإسناد المشهور (الجادة) في بعض رجاله، ويختلف في بعضهم الآخر، فيرويه بعض الرواة فَيَهِم، فيذكر الإسناد المشهور بتمامه بحكم الاشتراك في بعضه، فينبه العلماء على هذا الوهم، ويوضِّحون سببه
(1)
.
ذكر الخطيب في حديث يرويه عاصم بن كُليب عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر، أن غير واحد جعلوه عن عاصم بن كُليب عن أبيه عن وائل بن حجر، وأنه وهِم، وإنما سلك به الذي وهم فيه المحجَّة السهلة؛ لأن عاصم بن كُليب عن أبيه عن وائل بن حجر، أسهل عليه من عاصم بن كليب عن عبد الجبار بن وائل عن بعض أهله عن وائل بن حجر
(2)
.
3 -
مخالفة الرواية للمشهور:
من الطرق التي يُعلم بها صحة الرواية من ضعفها، موافقة الرواية للأمر المشهور أو مخالفتها له، فإذا كانت الرواية موافقة للمشهور المعروف كان هذا من أدلة صحتها، وإذا كانت مخالفة له كان من أدلة ضعفها ووهائها.
وقد سبق مثال يوضح ذلك في فصل نقد المتون
(3)
.
4 -
عدم وجود الرواية في كتاب الشيخ:
إن من الطرق التي يُعرف بها وهاء الرواية تحديث الراوي عن شيخ له
(1)
ينظر: «تدريب الراوي» (1/ 306)، ومقدمة تحقيق «علل الحديث» لابن أبي حاتم (1/ 118).
(2)
«الفصل للوصل» (1/ 439)، وينظر مثال آخر سبقت دراسته (ص: 340).
(3)
ينظر: (ص: 403).
كتاب معروف بشيء يخالف ما في هذا الكتاب، أو تحديثه عن شيخ له نسخة معروفة يرويها عن شيخ آخر بحديث ليس في هذه النسخة.
روى الخطيب في ترجمة خيران بن أحمد، من طريق يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا الحسين بن سلمة بن أبي كبشة اليَحْمَدي بالبصرة قال: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن مالك بن أنس، عن الزهري، عن السائب يعني ابن يزيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر
(1)
.
ثم قال: «تفرد برواية هذا الحديث هكذا مسندًا ابن أبي كبشة
(2)
عن ابن مهدي عن مالك، والمحفوظ عن مالك عن الزهري مرسلًا، ليس فيه ذكر السائب، وكذلك هو في الموطأ
(3)
»
(4)
.
(1)
أخرجه الترمذي في «السنن» أبواب السير، باب ما جاء في أخذ الجزية من المجوس (4/ 147 رقم 1588)، وفي «العلل الكبير» (ص: 262 رقم 477 - ترتيب)، والطبراني في «المعجم الكبير» (7/ 149 رقم 6660) من طريق ابن أبي كبشة به.
تنبيه: ذهب بعض الباحثين إلى أن هذا الحديث ليس في «سنن الترمذي» ، وإنما هو زيادة في المطبوع، وعللوا ذلك بأنه ليس موجودًا في مسند السائب بن يزيد من «تحفة الأشراف» ، ولا في مسنده من «جامع المسانيد والسنن» ، ولا في «تحفة الأحوذي» ، وهو مذكور في «مجمع الزوائد» ، والله أعلم. وينظر:«المسند الجامع» (6/ 26).
(2)
وهو صدوق. «تقريب التهذيب» (ص: 166 رقم 1323).
(3)
«موطأ مالك» رواية يحيى الليثي، كتاب الزكاة، باب جزية أهل الكتاب والمجوس (1/ 278)، ورواية محمد بن الحسن الشيباني، كتاب الزكاة، باب الجزية (ص: 117 رقم 332)، ورواية القعنبي، كتاب الزكاة، باب ما جاء في جزية أهل الكتاب والمجوس (ص: 312 رقم 455).
(4)
«تاريخ بغداد» (9/ 298).
ففي هذا الحديث اختلف الرواة على مالك، فبعضهم رواه عنه مسندًا، وبعضهم رواه مرسلًا، وقد رجَّح الخطيب الرواية المرسلة، وعلَّل ذلك بأنه وقع هكذا مرسلًا في موطأ مالك
(1)
.
5 -
الرواية بالمعنى:
من أسباب الخطأ في الحديث روايته بالمعنى على نحوٍ يغيِّر المعنى المقصود منه، ويقع هذا في المتن، إلا أنه يقع أحيانًا في الإسناد، وقد سبقت دراسة مثال يوضِّح ذلك
(2)
.
6 -
التاريخ:
يستدل الخطيب على بطلان الحديث باشتمال سنده أو متنه على ما يخالف التاريخ ووقائعه.
فمثال ما وقع في السند: أنه روى في ترجمة محمد بن عبد الله بن إبراهيم بن ثابت الأُشناني، ومن طريقه أنه قال: حدثنا سري بن مغلِّس السَّقَطي سنة إحدى وسبعين ومائتين قال: حدثنا إسماعيل بن عُلَيَّة، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم متكئًا على علي بن أبي طالب، وإذا أبو بكر وعمر قد أقبلا، فقال له:«يا أبا الحسن أحبهما، فبحبهما تدخل الجنة» .
ثم قال: «ولو لم يذكر التاريخ كان أخفى لبليَّته، وأستر لفضيحته؛ وذلك
(1)
ينظر مثال آخر في «تاريخ بغداد» (2/ 273)، وينظر أيضًا مثال آخر سبقت دراسته (ص: 176).
(2)
ينظر (ص: 399).
أن سريًّا مات في سنة ثلاث وخمسين ومائتين، ولا نعلم خلافًا في ذلك
(1)
» اهـ
(2)
.
يعني: فكيف يزعم أن سريًّا حدَّثه سنة إحدى وسبعين ومائتين؟!
والأُشناني هذا قال فيه الخطيب: «كان كذابًا يضع الحديث» .
ونقل عن الدارقطني أنه قال فيه: «كذاب دجال»
(3)
.
ومثال ما وقع في المتن: أنه روى في ترجمة الحسن بن عبد الله بن عمر الكَرْميني، من طريق محمد بن تميم الفريابي قال: حدثنا عبد الله بن عيسى الجرجاني قال: حدثنا عبد الله بن المبارك، عن مسعر بن كدام، عن عون، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، فاستقبله سعد بن معاذ الأنصاري، فصافحه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له: «ما هذا الذي أكْنَبَتْ يداك
(4)
؟».
فقال: يا رسول الله، أضرب بالمَر والمِسْحاة
(5)
فأنفقه على عيالي. قال: فقبَّل النبي صلى الله عليه وسلم يده، فقال:«هذه يد لا تمسها النار أبدًا»
(6)
.
(1)
ينظر ترجمة السري من «تاريخ بغداد» (10/ 266).
(2)
«تاريخ بغداد» (3/ 458).
(3)
«تاريخ بغداد» (3/ 456، 459)، وكلام الدارقطني في «الضعفاء والمتروكين» (494).
(4)
أكْنَبَت اليد: إذا ثخنت وغلظ جلدها وتعجَّر من معاناة الأشياء الشاقة. «النهاية في غريب الحديث» (ك ن ب).
(5)
المَر، بالفتح: الحبل، أو المسحاة، أو مقبضها. والمِسحاة، بالكسر: كالمجرفة إلا أنها من حديد. «تاج العروس» (م ر ر، س ح و).
(6)
رواه ابن الجوزي في «الموضوعات» (3/ 32 رقم 1241) من طريق الخطيب.
(1)
.
فقد تأمَّل الخطيب متن هذا الحديث، وتبين له مخالفته لوقائع التاريخ المشهورة، ففي هذا الحديث أن سعد بن معاذ استقبل النبي صلى الله عليه وسلم وهو راجع من غزوة تبوك، وقد مات سعد بن معاذ بعد غزوة بني قريظة وذلك سنة خمس من الهجرة
(2)
، وكانت غزوة تبوك سنة تسع من الهجرة
(3)
، فلم يكن سعد بن معاذ حيًّا في غزوة تبوك، وأحد رواة هذا الحديث وهو محمد بن تميم الفريابي كذاب يضع الحديث
(4)
.
(1)
«تاريخ بغداد» (8/ 317).
(2)
ينظر: «الإصابة» (3/ 70).
(3)
ينظر: «البداية والنهاية» (7/ 144).
(4)
له ترجمة في «لسان الميزان» (7/ 21 رقم 6567). وينظر لمزيد من الأمثلة: «تاريخ بغداد» (1/ 549 - 550)، (4/ 649). وينظر:(ص: 402).
الخاتمة
بعد هذا التطواف في أرجاء هذا البحث وجَنَباته، يجدر بي أن أختم الكلام بأهم النتائج التي توصلتُ إليها، ثم أُتبعها بأهم التوصيات والمقترحات.
أولًا: أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة:
1 -
مصادر الخطيب الحديثية في «تاريخه» لم تكن من الكتب الصحاح والمشاهير، مثل: الكتب الستة، وصحاح ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ومسانيد الطيالسي والحميدي وأحمد بن حنبل ونحوها، بل كانت من كتب أخرى هي دون الكتب المذكورة في الصحة والشهرة، مثل: كتب المعاجم والمشيخات والأمالي والأجزاء والغرائب والأفراد والفوائد والعلل وتراجم الرجال ونحوها؛ ذلك لأنه لم يكن مقصوده إيراد الأحاديث للاحتجاج أو الاستشهاد، بل كان مقصوده إيراد ما اتصل له بالإسناد من أحاديث المترجَم له، لا سيما تلك التي تفرَّد بها، أو أُنكرت عليه؛ لذلك كانت مصادره في الغالب الكتب المذكورة، والتي هي مَظِنَّة الأفراد والغرائب والمناكير.
2 -
ينقل الخطيب أحيانًا كلام النقاد على الأحاديث التي يوردها في «تاريخه» ، فتارة يوافقهم، وتارة يعارضهم، وتارة يسكت.
3 -
تكلم الخطيب على أحاديث كثيرة، وبيَّن ما فيها من تفرُّد أو اختلاف أو علل أو ضعف.
4 -
بيَّنت الدراسة دقة نقد الخطيب للأحاديث، وخبرته بأخطاء الرواة، وعِلمه من أين يأتي الخطأ.
5 -
قرَّر الخطيب في «الكفاية» أن الصواب في مسألة اختلاف الرواة في الحديث بين الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف، أو زيادة لفظة وعدمها، هو وجوب قبول الوصل والرفع والزيادة في كل الأحوال، إذا كان الراوي ثقة.
إلا أنه في «تاريخ بغداد» قد ردَّ كثيرًا من الزيادات ورجَّح الإرسال على الوصل والوقف على الرفع، معتمدًا في ترجيحه على الأحفظ والأكثر وغيرهما من القرائن، وسار في نقده في هذه المسألة على نهج أئمة الحديث ونقاده، وقد خالف بذلك ما قرره في «الكفاية» من ترجيح الزيادة والوصل والرفع مطلقًا.
6 -
من أصول النقد عند الخطيب:
أ- معرفة التاريخ من أهم الأمور التي تُستعمل للتوصل لكذب الرواة.
ب- الراوي إذا لم يكن مشهورًا بالثقة والأمانة، ثم أتى بأحاديث منكرة لا تُعرَف إلا من جهته؛ فإنه هو المتهم بوضعها، لا سيما إذا كان كل مَن عداه في الإسناد ثقة.
ج- قد يُحكم على الحديث بأنه موضوع، مع أن راويَه غيرُ مشهور بالكذب، بل قد يكون موثَّقًا من بعض أهل العلم.
د- إذا كان الحديث معروفًا عند أهل العلم أنه تفرد به شخص ما، ثم
جاء راو آخر فرواه؛ فإنه يُستدل بذلك على خطئه.
هـ- من أسباب الخطأ في الحديث روايته بالمعنى على نحوٍ يغيِّر المعنى المقصود منه، ويقع هذا في المتن، إلا أنه يقع أحيانًا في الإسناد.
و- سلوك الجادَّة، ومخالفة الرواية للمشهور، وعدم وجود الرواية في كتاب الشيخ، من الطرق التي يُستدل بها على خطأ الراوي.
ي- اشتمال المتن على ما يخالف وقائع التاريخ، أو على ما يخالف الأحاديث المشهورة، من أدلة بطلانه، حتى لو كان إسناده صحيحًا في الظاهر.
7 -
تأثَّر الخطيب بمتقدمي النقاد في أحكامه النقدية على الأحاديث، وكان من أكثر الحفاظ الذين استفاد منهم الخطيب وتأثر بهم في أحكامه النقدية هو إمام العلل في عصره الحافظ الدارقطني رحمه الله، إلا أن هذا لا يفيد أن الخطيب كان مقلِّدًا لمتقدِّمي النقاد عالةً عليهم، بل كان مجتهدًا في نقد الحديث، له أحكامه الخاصة به، وكان إذا خالف اجتهادُه اجتهادَ من سبقه من النقاد صرَّح بمخالفته له، وبيَّن ذلك بالأدلة والبراهين.
8 -
تأثَّر بأحكام الخطيب النقدية على الأحاديث كثيرٌ ممن أتى بعده واستفادوا منها، أمثال: ابن عساكر، وابن الجوزي، والذهبي، والعراقي، وابن حجر، والسخاوي، والسيوطي، وغيرهم.
ثانيًا: أهم التوصيات والمقترحات:
1 -
الاستمرار في مثل هذه الدراسات التي تعنى بدراسة مناهج الأئمة النقاد، ومقارنة أقوالهم النظرية بتطبيقاتهم على الأحاديث.
2 -
العناية بدراسة الجوانب العلمية الأخرى عند الخطيب البغدادي، مثل: منهجه في الجرح والتعديل، وآرائه في مسائل مصطلح الحديث، وآرائه في المسائل الأصولية والفقهية وغير ذلك.
3 -
الاهتمام بجمع أقوال الخطيب في الجرح والتعديل، وأقواله في نقد الأحاديث.
هذا آخر ما منَّ الله به عليَّ من بحث حول هذا الموضوع، أسأل الله عز وجل أن ينفع به، وأن يجعله في ميزان حسناتي يوم ألقاه، وأن يغفر لي وللإمام الخطيب البغدادي، ولشيخنا الفاضل الأستاذ الدكتور عبد المجيد محمود مشرف الرسالة، وللسادة الدكاترة الأفاضل والمشايخ العلماء مناقشي الرسالة، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه وسلَّم.
* * *
فهرس
المصادر والمراجع
1 -
القرآن الكريم.
2 -
الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير، المؤلف: الحسين بن إبراهيم بن الحسين بن جعفر، أبو عبد الله الهمذاني الجورقاني، المحقق: الدكتور عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، الناشر: دار الصميعي للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، مؤسسة دار الدعوة التعليمية الخيرية، الهند، الطبعة: الرابعة، 1422 هـ - 2002 م.
3 -
الإبانة الكبرى، المؤلف: أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان العُكْبَري المعروف بابن بَطَّة، المحقق: رضا معطي، وعثمان الأثيوبي، ويوسف الوابل، والوليد بن سيف النصر، وحمد التويجري، الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع، الرياض، سنة 1426 هـ.
4 -
إثبات عذاب القبر وسؤال الملكين، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، المحقق: د. شرف محمود القضاة، الناشر: دار الفرقان - عمان الأردن الطبعة: الثانية، 1405 هـ.
5 -
أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء، المؤلف: د. ماهر ياسين فحل الهيتي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، عام النشر: 1430 هـ - 2009 م.
6 -
أحاديث الشيوخ الثقات (المشيخة الكبرى)، المؤلف: محمد بن عبد الباقي بن محمد الأنصاري الكعبي، أبو بكر، المعروف بقاضي
المارستان، المحقق: الشريف حاتم بن عارف العوني، الناشر: دار عالم الفوائد للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى 1422 هـ.
7 -
الأحاديث المختارة (المستخرج من الأحاديث المختارة مما لم يخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما)، المؤلف: ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي، دراسة وتحقيق: الأستاذ الدكتور عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، الناشر: دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة: الثالثة، 1420 هـ - 2000 م.
8 -
أخبار أبي حنيفة وأصحابه، المؤلف: الحسين بن علي بن محمد بن جعفر، أبو عبد الله الصَّيْمَري الحنفي، الناشر: عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الثانية، 1405 هـ - 1985 م.
9 -
أخبار أصبهان، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، المحقق: سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ-1990 م.
10 -
أخبار أصبهان، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، المحقق: سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ-1990 م.
11 -
الأربعون الصغرى، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، المحقق: أبو إسحاق الحويني، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1408 هـ.
12 -
أربعون حديثا عن أربعين شيخا في أربعين، جمعها الشيخ الإمام: أبو بكر أحمد بن المقرب الكرخي، تحقيق: صلاح بن عياض الشلاجي، الناشر: دار ابن حزم، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م.
13 -
الأربعون في دلائل التوحيد، المؤلف: أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري الهروي، المحقق: د. علي بن محمد بن ناصر الفقيهي، الناشر: المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1404 هـ.
14 -
الأربعين في شيوخ الصوفية، المؤلف: أبو سعد أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن حفص بن خليل الأنصاري الهروي الماليني، تقديم وتحقيق وتعليق: الدكتور عامر حسن صبري، الناشر: دار البشائر الإسلامية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م.
15 -
الإرشاد في معرفة علماء الحديث، المؤلف: أبو يعلى الخليلي، خليل بن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني، المحقق: د. محمد سعيد عمر إدريس، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى، 1409.
16 -
الإرشادات في تقوية الأحاديث بالشواهد والمتابعات، المؤلف: أبو معاذ طارق بن عوض الله بن محمد، الناشر: مكتبة ابن تيمية - القاهرة، توزيع: دار زمزم - الرياض، الطبعة: الأولى 1417 هـ - 1998 م.
17 -
إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، المؤلف: محمد ناصر الدين الألباني، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الثانية 1405 هـ - 1985 م.
18 -
أسماء الله وصفاته، المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، المحقق: محمد محب الدين أبو زيد، الناشر: مكتبة التوعية الإسلامية، مصر، الطبعة: الأولى، 1430 هـ - 2009.
19 -
الإشراف في منازل الأشراف، المؤلف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا، المحقق: د. نجم عبد الرحمن خلف، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض - السعودية، الطبعة: الأولى، 1411 هـ 1990 م.
20 -
الإصابة في تمييز الصحابة، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود وعلى محمد معوض، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت، الطبعة: الأولى - 1415 هـ.
21 -
أطراف الغرائب والأفراد من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم للإمام الدارقطني، المؤلف: أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد المقدسي الشيباني، المعروف بابن القيسراني، المحقق: محمود محمد محمود حسن نصار، والسيد يوسف، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م.
22 -
الاعتقاد والهداية إلى سبيل الرشاد على مذهب السلف وأصحاب الحديث، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، المحقق: أحمد عصام الكاتب، الناشر: دار الآفاق الجديدة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1401 هـ.
23 -
الاقتراح في بيان الاصطلاح، المؤلف: تقي الدين أبو الفتح محمد بن
علي بن وهب بن مطيع القشيري، المعروف بابن دقيق العيد، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
24 -
الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، المؤلف: سعد الملك، أبو نصر علي بن هبة الله بن جعفر بن ماكولا، الناشر: دار الكتب العلمية -بيروت-لبنان، الطبعة: الأولى 1411 هـ-1990 م.
25 -
ألفية السيوطي في الحديث، صححها وشرحها الشيخ أحمد محمد شاكر، الناشر: المكتبة العلمية.
26 -
الأم، المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، سنة النشر: 1410 هـ-1990 م.
27 -
الأمالي في آثار الصحابة، المؤلف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني، المحقق: مجدي السيد إبراهيم، الناشر: مكتبة القرآن - القاهرة.
28.
الأمالي، المؤلف: أبو عبد الله البغدادي الحسين بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن سعيد بن أبان الضبي المحاملي، رواية: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن مهدي الفارسي، المحقق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: دار النوادر، الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م.
29.
إنباه الرواة على أنباه النحاة، المؤلف: جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: دار الفكر
العربي - القاهرة، ومؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1982 م.
30.
الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي الحنبلي، أبو اليمن، مجير الدين، المحقق: عدنان يونس عبد المجيد نباتة، الناشر: مكتبة دنديس - عمان، الطبعة: الأولى، 1420 هـ.
31.
الأنساب، المؤلف: عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني المروزي، أبو سعد، المحقق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني وغيره، الناشر: مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد، الطبعة: الأولى، 1382 هـ - 1962 م.
32.
الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، المؤلف: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، تحقيق: أبو حماد صغير أحمد بن محمد حنيف، الناشر: دار طيبة - الرياض - السعودية، الطبعة: الأولى - 1405 هـ، 1985 م.
33.
الباعث الحثيث (اختصار علوم الحديث)، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، المحقق: أحمد محمد شاكر، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الثانية، 1370 هـ.
34.
البحر المحيط في أصول الفقه، المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي، الناشر: دار الكتبي، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1994 م.
35.
البداية والنهاية، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الثانية، 1424 هـ - 2003 م.
36.
البدر المنير في تخريج الأحاديث والأثار الواقعة في الشرح الكبير، المؤلف: ابن الملقن سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الشافعي المصري، المحقق: مصطفى أبو الغيط وعبد الله بن سليمان وياسر بن كمال، الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع - الرياض-السعودية، الطبعة: الاولى، 1425 هـ-2004 م.
37.
بغية الباحث عن زوائد مسند الحارث، المؤلف صاحب المسند: أبو محمد الحارث بن محمد بن داهر التميمي البغدادي الخصيب المعروف بابن أبي أسامة، المنتقي: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثمي، المحقق: د. حسين أحمد صالح الباكري، الناشر: مركز خدمة السنة والسيرة النبوية - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1413 هـ - 1992 م.
38.
بغية الطلب في تاريخ حلب، المؤلف: عمر بن أحمد بن هبة الله بن أبي جرادة العقيلي كمال الدين ابن العديم، المحقق: د. سهيل زكار، الناشر: دار الفكر.
39.
بغية الوعاة في طبقات اللغويين والنحاة، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، المحقق: محمد أبو الفضل إبراهيم، الناشر: المكتبة العصرية، لبنان - صيدا.
40.
بيان الوهم والإيهام في كتاب الأحكام، المؤلف: علي بن محمد بن عبد الملك الكتامي الحميري الفاسي، أبو الحسن ابن القطان، المحقق: د. الحسين آيت سعيد، الناشر: دار طيبة - الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ-1997 م.
41.
بيان خطأ البخاري، المؤلف: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، ابن أبي حاتم، تحقيق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمى اليماني، الناشر: دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن.
42.
تاج العروس من جواهر القاموس، المؤلف: محمد بن محمد بن عبد الرزاق الحسيني، أبو الفيض، الملقب بمرتضى الزبيدي، المحقق: مجموعة من المحققين، الناشر: وزارة الإعلام بالكويت، الطبعة: الثالثة مصورة 1414 هـ.
43.
تاريخ ابن معين رواية الدوري، المؤلف: أبو زكريا يحيى بن معين بن عون بن زياد بن بسطام بن عبد الرحمن المري بالولاء، البغدادي، المحقق: د. أحمد محمد نور سيف، الناشر: مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي - مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1399 - 1979 م.
44.
تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 2003 م.
45.
التاريخ الكبير المعروف بتاريخ ابن أبي خيثمة - السفر الثالث، المؤلف: أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة، المحقق: صلاح بن فتحي هلال،
الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م.
46.
التاريخ الكبير، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، الطبعة: دائرة المعارف العثمانية، حيدر آباد - الدكن، طبع تحت مراقبة: محمد عبد المعيد خان.
47.
تاريخ بغداد، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: الدكتور بشار عواد معروف، الناشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2002 م.
48.
تاريخ دمشق، المؤلف: أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر، المحقق: عمرو بن غرامة العمروي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، عام النشر: 1415 هـ - 1995 م.
49.
تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، المؤلف: ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الثالثة، 1404 هـ.
50.
تحرير علوم الحديث، المؤلف: عبد الله بن يوسف الجديع، الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م.
51.
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، المؤلف: أبو العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفورى، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ.
52.
تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، المؤلف: جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، المحقق: عبد الصمد شرف الدين، طبعة: المكتب الإسلامي، والدار القيمة، الطبعة: الثانية: 1403 هـ، 1983 م.
53.
تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل، المؤلف: أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين أبو زرعة ولي الدين، ابن العراقي، المحقق: عبد الله نوارة، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولي، 1419 هـ.
54.
التحقيق في أحاديث الخلاف، المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1415 هـ.
55.
تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في تفسير الكشاف للزمخشري، المؤلف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي، المحقق: عبد الله بن عبد الرحمن السعد، الناشر: دار ابن خزيمة - الرياض، الطبعة: الأولى، 1414 هـ.
56.
تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، حققه: أبو قتيبة نظر محمد الفاريابي، الناشر: دار طيبة.
57.
تذكرة الحفاظ، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، الناشر: دار الكتب العلمية بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1419 هـ- 1998 م.
58.
ترتيب الأمالي الخميسية، مؤلف الأمالي: يحيى (المرشد بالله) بن الحسين (الموفق) بن إسماعيل بن زيد الحسني الشجري الجرجاني، رتبها: القاضي محيي الدين محمد بن أحمد القرشي العبشمي، تحقيق: محمد حسن محمد حسن إسماعيل، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2001 م.
59.
الترغيب والترهيب، المؤلف: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة، المحقق: أيمن بن صالح بن شعبان، الناشر: دار الحديث - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م.
60.
تسمية ما انتهى إلينا من الرواة عن الفضل بن دكين، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، تحقيق: عبد الله بن يوسف الجديع، الناشر: مطابع الرشيد، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1409 هـ.
61.
تصحيفات المحدثين، المؤلف: أبو أحمد الحسن بن عبد الله بن سعيد بن إسماعيل العسكري، المحقق: محمود أحمد ميرة، الناشر: المطبعة العربية الحديثة - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1402 هـ.
62.
تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المحقق: د. إكرام الله إمداد الحق، الناشر: دار البشائر- بيروت، الطبعة: الأولى -1996 م.
63.
تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المحقق: د. عاصم بن عبدالله القريوتي، الناشر: مكتبة المنار - عمان، الطبعة: الأولى، 1403 هـ - 1983 م.
64.
تعليقات الدارقطني على المجروحين لابن حبان، المؤلف: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني، تحقيق: خليل بن محمد العربي، الناشر: الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، دار الكتاب الإسلامي - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1994 م.
65.
تفسير الطبري: جامع البيان عن تأويل آي القرآن، المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، بالتعاون مع مركز البحوث والدراسات الإسلامية بدار هجر، الناشر: دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2001 م.
66.
تفسير القرآن العظيم، المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي الحنظلي الرازي، ابن أبي حاتم، المحقق: أسعد محمد الطيب، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثالثة - 1419 هـ.
67.
تفسير عبد الرزاق، المؤلف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني، الناشر: دار الكتب العلمية، دراسة وتحقيق:
د. محمود محمد عبده، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، سنة 1419 هـ.
68.
تقريب التهذيب، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المحقق: محمد عوامة، الناشر: دار الرشيد - سوريا، الطبعة: الأولى، 1406 - 1986.
69.
التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد، المؤلف: محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع، أبو بكر، معين الدين، ابن نقطة الحنبلي البغدادي، المحقق: كمال يوسف الحوت، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1408 هـ - 1988 م.
70.
التقييد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح، المؤلف: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، المحقق: عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر: محمد عبد المحسن الكتبي صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1389 هـ- 1969 م.
71.
تكملة الإكمال لابن ماكولا، المؤلف: محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع، أبو بكر، معين الدين، ابن نقطة الحنبلي البغدادي، المحقق: د. عبد القيوم عبد رب النبي، الناشر: جامعة أم القرى - مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1410 هـ.
72.
التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني،
تحقيق: أبو عاصم حسن بن عباس بن قطب، الناشر: مؤسسة قرطبة - مصر، الطبعة: الأولى، 1416 هـ- 1995 م.
73.
تلخيص المتشابه في الرسم، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، تحقيق: سكينة الشهابي، الناشر: طلاس للدراسات والترجمة والنشر، دمشق، الطبعة: الأولى، 1985 م.
74.
تلخيص كتاب الموضوعات لابن الجوزي، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المحقق: أبو تميم ياسر بن إبراهيم بن محمد، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م.
75.
التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، المؤلف: أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن عاصم النمري القرطبي، تحقيق: مصطفى بن أحمد العلوي، محمد عبد الكبير البكري، الناشر: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب، عام النشر: 1387 هـ.
76.
التمييز، المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، المحقق: د. محمد مصطفى الأعظمي، الناشر: مكتبة الكوثر - المربع - السعودية، الطبعة: الثالثة، 1410 هـ.
77.
تنقيح التحقيق في أحاديث التعليق، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المحقق: مصطفى أبو الغيط عبد الحي عجيب، الناشر: دار الوطن - الرياض، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2000 م.
78.
التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل، المؤلف: عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن محمد المعلمي العتمي اليماني، مع تخريجات وتعليقات: محمد ناصر الدين الألباني - زهير الشاويش - عبد الرزاق حمزة، الناشر: المكتب الإسلامي، الطبعة: الثانية، 1406 هـ - 1986 م.
79.
تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، المؤلف: محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري، المحقق: محمود محمد شاكر، الناشر: مطبعة المدني - القاهرة، 1982 م.
80.
تهذيب التهذيب، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، الناشر: مطبعة دائرة المعارف النظامية، الهند، الطبعة: الطبعة الأولى، 1326 هـ.
81.
تهذيب الكمال في أسماء الرجال، المؤلف: يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف، أبو الحجاج، جمال الدين ابن الزكي أبي محمد القضاعي الكلبي المزي، المحقق: د. بشار عواد معروف، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1400 - 1980 م.
82.
تهذيب اللغة، المؤلف: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منصور، المحقق: محمد عوض مرعب، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 2001 م.
83.
تهذيب مستمر الأوهام على ذوي المعرفة وأولي الأفهام، المؤلف: سعد الملك، أبو نصر علي بن هبة الله بن جعفر بن ماكولا، المحقق: سيد كسروي حسن، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ.
84.
توجيه النظر إلى أصول الأثر، المؤلف: طاهر بن صالح بن أحمد بن موهب السمعوني الجزائري، ثم الدمشقي، المحقق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية - حلب، الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1995 م.
85.
توضيح الأفكار شرح تنقيح الأنظار، المؤلف: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، المحقق: محمد محب الدين أبو زيد، الناشر: مكتبة الرشد، الطبعة: الأولى: 1432 هـ.
86.
الثقات ممن لم يقع في الكتب الستة، المؤلف: أبو الفداء زين الدين قاسم بن قطلوبغا الجمالي الحنفي، دراسة وتحقيق: شادي بن محمد بن سالم آل نعمان، الناشر: مركز النعمان للبحوث والدراسات الإسلامية وتحقيق التراث والترجمة صنعاء، اليمن، الطبعة: الأولى، 1432 هـ - 2011 م.
87.
الثقات، المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي، أبو حاتم البُستي، طبع بإعانة: وزارة المعارف للحكومة الهندية، تحت مراقبة: الدكتور محمد عبد المعيد خان مدير دائرة المعارف العثمانية، الناشر: دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الدكن الهند، الطبعة: الأولى، 1393 هـ- 1973 م.
88.
جامع الأصول في أحاديث الرسول، المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، الناشر:
مكتبة الحلواني - مطبعة الملاح - مكتبة دار البيان، الطبعة: الأولى، 1389 هـ، 1969 م.
89.
جامع التحصيل في أحكام المراسيل، المؤلف: صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي العلائي، المحقق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: عالم الكتب - بيروت، الطبعة: الثانية، 1407 - 1986 م.
90.
جامع المسانيد والسنن الهادي لأقوم سنن، المؤلف: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري ثم الدمشقي، المحقق: د عبد الملك بن عبد الله الدهيش، الناشر: دار خضر للطباعة والنشر والتوزيع بيروت - لبنان، طبع على نفقة المحقق ويطلب من مكتبة النهضة الحديثة - مكة المكرمة، الطبعة: الثانية، 1419 هـ - 1998 م.
91.
الجامع، المؤلف: أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم المصري القرشي، المحقق: الدكتور رفعت فوزي عبد المطلب - الدكتور علي عبد الباسط مزيد، الناشر: دار الوفاء، الطبعة: الأولى 1425 هـ - 2005 م.
92.
الجامع في الحديث (طبعة أخرى)، المؤلف: أبو محمد عبد الله بن وهب بن مسلم المصري القرشي، المحقق: الدكتور مصطفى حسن حسين محمد أبو الخير، الناشر: دار ابن الجوزي - الرياض، الطبعة: الأولى 1416 هـ - 1995 م.
93.
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، المؤلف: أبو بكر أحمد بن
علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: د. محمود الطحان، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض.
94.
الجرح والتعديل، المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم، الناشر: طبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية - بحيدر آباد الدكن - الهند، دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1271 هـ - 1952 م.
95.
جزء ابن عمشليق، المؤلف: أحمد بن علي بن محمد الجعفري أبو الطيب، المحقق: خالد بن محمد بن علي الأنصاري، الناشر: دار ابن حزم - بيروت، لبنان، الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1996 م.
96.
جزء ابن فيل، المؤلف: أبو طاهر الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن فيل البالسي، المحقق: موسى إسماعيل البسيط، الناشر: مطبعة مسودي - القدس، الطبعة: الأولى 1421 هـ - 2001 م.
97.
جزء الألف دينار، وهو الخامس من الفوائد المنتقاة والأفراد الغرائب الحسان، المؤلف: أبو بكر أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك بن شبيب البغدادي المعروف بالقطيعي، المحقق: بدر بن عبد الله البدر، الناشر: دار النفائس - الكويت، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م.
98.
جزء الحسن بن عرفة العبدي، المؤلف: أبو علي الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي البغدادي، حققه وعلق عليه وخرج أحاديثه وآثاره: عبد الرحمن بن عبد الجبار الفريوائي، الناشر: دار الأقصى، الكويت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1985 م.
99.
جزء سعدان، المؤلف: سعدان بن نصر بن منصور، أبو عثمان الثقفي المخرمي البزاز، المحقق: عبد المنعم إبراهيم، الناشر: مكتبة نزار مصطفى الباز. مكة المكرمة - الرياض، الطبعة: الأولى، 1420 هـ - 1999 م.
100.
الجعديات للبغوي، مطبوع باسم مسند ابن الجعد، المؤلف: علي بن الجعد بن عبيد الجوهري البغدادي، تحقيق: عامر أحمد حيدر، الناشر: مؤسسة نادر - بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 - 1990 م.
101.
الجواهر والدرر في ترجمة شيخ الإسلام ابن حجر، المؤلف: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي، المحقق: إبراهيم باجس عبد المجيد، الناشر: دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1999 م.
102.
الحاوي للفتاوي، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر، بيروت-لبنان، عام النشر: 1424 هـ - 2004 م.
103.
الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، المؤلف: إسماعيل بن محمد بن الفضل بن علي القرشي الطليحي التيمي الأصبهاني، أبو القاسم، الملقب بقوام السنة، المحقق: محمد بن ربيع بن هادي عمير المدخلي، الناشر: دار الراية - الرياض، الطبعة: الثانية، 1419 هـ - 1999 م.
104.
حديث أبي الفضل الزهري، المؤلف: عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف العوفي، الزهري، القرشي، أبو الفضل البغدادي، دراسة وتحقيق: الدكتور حسن بن محمد بن علي شبالة البلوط، الناشر: أضواء السلف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1998 م.
105.
حديث محمد بن بشار بندار عن شيوخه، المؤلف: أبو يعلى أحمد بن علي بن المثُنى بن يحيى بن عيسى بن هلال التميمي، الموصلي، المحقق: د. عبد الرحيم بن يحيى الحمود، الناشر: مجلة الأحمدية - العدد 18 الطبعة: 2004 م.
106.
حديث محمد بن عبد الله الأنصاري، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن أنس بن مالك البصري الأنصاري، المحقق: مسعد عبد الحميد محمد السعدني، الناشر: أضواء السلف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1998 م.
107.
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، الناشر: السعادة - بجوار محافظة مصر، 1394 هـ - 1974 م.
108.
الحنائيات، المؤلف: أبو القاسم الحسين بن محمد بن إبراهيم الحنائي، تخريج: أبي محمد عبد العزيز بن محمد بن محمد بن عاصم النخشبي، المحقق: خالد رزق محمد جبر أبو النجا، الناشر: أضواء السلف، الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م.
109.
الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث، المؤلف: الدكتور محمود الطحان، طُبع على نفقة المؤلف، الطبعة الأولى: 1401 هـ.
110.
خلق أفعال العباد، المؤلف: محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة البخاري، المحقق: الدكتور عبد الرحمن عميرة، الناشر: دار المعارف السعودية - الرياض.
111.
الدعاء للطبراني، المؤلف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، المحقق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1413 هـ.
112.
الدعوات الكبير، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، المحقق: بدر بن عبد الله البدر، الناشر: غراس للنشر والتوزيع - الكويت، الطبعة: الأولى للنسخة الكاملة، 2009 م.
113.
دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى، أبو بكر البيهقي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى - 1405 هـ.
114.
ذكر الأقران وروايتهم عن بعضهم بعضًا، المؤلف: أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني، المحقق: مسعد السعدني، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1417 هـ - 1996 م.
115.
ذم من لا يعمل بعلمه (المجلس الرابع عشر من أمالي ابن عساكر)، المؤلف: ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف
بابن عساكر، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، الناشر: دار الفكر - دمشق [طبع مع: ذم قرناء السوء]، الطبعة: الأولى 1399 هـ - 1979 م.
116.
ذيل تاريخ بغداد، لابن النجار، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الطبعة: الأولى، 1417 هـ.
117.
ذيل ميزان الاعتدال، المؤلف: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، المحقق: علي محمد معوض وعادل أحمد عبد الموجود، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1416 هـ - 1995 م.
118.
الرحلة في طلب الحديث، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: نور الدين عتر، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1395 م.
119.
رسالة أبي داود إلى أهل مكة وغيرهم في وصف سننه، المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، المحقق: محمد الصباغ، الناشر: دار العربية - بيروت.
120.
الرسالة، المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد المطلب بن عبد مناف المطلبي القرشي المكي، المحقق: أحمد شاكر، الناشر: مكتبه الحلبي، مصر، الطبعة: الأولى، 1358 هـ- 1940 م.
121.
روايات الجامع الصحيح ونسخه «دراسة نظرية تطبيقية» ، المؤلف: دكتور جمعة فتحي عبد الحليم، الناشر: دار الفلاح للبحث العلمي
وتحقيق التراث، الفيوم - جمهورية مصر العربية، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2013 م.
122.
الروض الباسم في تراجم شيوخ الحاكم، المؤلف: أبو الطيب نايف بن صلاح بن علي المنصوري، قدم له وراجعه ولخص أحكامه: أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني، الناشر: دار العاصمة للنشر والتوزيع، الرياض - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1432 هـ - 2011 م.
123.
الزهد والرقائق، المؤلف: أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي، التركي ثم المروزي، المحقق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت.
124.
الزهد، المؤلف: أبو السري هناد بن السري، المحقق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ.
125.
الزهد، المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، تحقيق: أبو تميم ياسر بن ابراهيم بن محمد، أبو بلال غنيم بن عباس بن غنيم، قدم له وراجعه: فضيلة الشيخ محمد عمرو بن عبد اللطيف، الناشر: دار المشكاة للنشر والتوزيع، حلوان، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م.
126.
زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة، المؤلف: الدكتور خلدون الأحدب، الناشر: دار القلم - دمشق.
127.
السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة راويين عن شيخ واحد، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: محمد بن مطر الزهراني، الناشر: دار الصميعي، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الثانية، 1421 هـ -2000 م.
128.
سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، الناشر: مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة: الأولى، (لمكتبة المعارف)، عام النشر: 1415 هـ - 1422 هـ.
129.
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة، المؤلف: أبو عبد الرحمن محمد ناصر الدين، بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم، الأشقودري الألباني، دار النشر: دار المعارف، الرياض - الممكلة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1412 هـ- 1992 م.
130.
السلوك لمعرفة دول الملوك، المؤلف: أحمد بن علي بن عبد القادر أبو العباس الحسيني العبيدي، تقي الدين المقريزي، المحقق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م.
131.
السنة، المؤلف: أبو بكر بن أبي عاصم وهو أحمد بن عمرو بن الضحاك بن مخلد الشيباني، المحقق: محمد ناصر الدين الألباني، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1400 هـ.
132.
السنة، المؤلف: أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانيّ البغدادي، المحقق: د. محمد بن سعيد بن سالم القحطاني، الناشر: دار ابن القيم - الدمام، الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986 م.
133.
السنة، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المروزي، المحقق: سالم أحمد السلفي، الناشر: مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1408 هـ.
134.
سنن ابن ماجه، المؤلف: ابن ماجه أبو عبد الله محمد بن يزيد القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية - فيصل عيسى البابي الحلبي.
135.
سنن أبي داود، المؤلف: أبو داود سليمان بن الأشعث بن إسحاق بن بشير بن شداد بن عمرو الأزدي السجستاني، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا - بيروت.
136.
سنن الترمذي، المؤلف: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى، تحقيق وتعليق: أحمد محمد شاكر وأكمله آخرون، الناشر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي - مصر، الطبعة: الثانية، 1395 هـ - 1975 م.
137.
سنن الدارقطني، المؤلف: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني، حققه وضبط نصه وعلق عليه: شعيب الارنؤوط، حسن عبد المنعم شلبي، عبد اللطيف حرز الله، أحمد برهوم، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2004 م.
138.
السنن الصغرى للنسائي، المؤلف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية - حلب، الطبعة: الثانية، 1406 هـ - 1986 م.
139.
السنن الكبرى، المؤلف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني النسائي، حققه وخرج أحاديثه: حسن عبد المنعم شلبي، أشرف عليه: شعيب الأرناؤوط، قدم له: عبد الله بن عبد المحسن التركي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م.
140.
السنن الكبرى، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، المحقق: محمد عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الثالثة، 1424 هـ - 2003 م.
141.
سؤالات ابن الجنيد لابن معين، المحقق: أحمد محمد نور سيف، دار النشر: مكتبة الدار - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1408 هـ، 1988 م.
142.
سؤالات أبي عبيد الآجري أبا داود السجستاني في الجرح والتعديل، المحقق: محمد علي قاسم العمري، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1403 هـ -1983 م.
143.
سؤالات السلمي للدارقطني، المؤلف: محمد بن الحسين بن محمد بن موسى بن خالد بن سالم النيسابوري أبو عبد الرحمن السلمي، تحقيق:
فريق من الباحثين بإشراف وعناية د. سعد بن عبد الله الحميد و د. خالد بن عبد الرحمن الجريسي، الطبعة: الأولى، 1427 هـ.
144.
سؤالات حمزة السهمي للدارقطني وغيره من المشايخ، المؤلف: أبو القاسم حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي القرشي الجرجاني، المحقق: موفق بن عبد الله بن عبدالقادر، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1404 هـ - 1984 م.
145.
سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني، المحقق: موفق عبد الله عبد القادر، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1404 هـ.
146.
سير أعلام النبلاء، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، المحقق: مجموعة من المحققين بإشراف الشيخ شعيب الأرناؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ - 1985 م.
147.
شذرات الذهب في أخبار من ذهب، المؤلف: عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد الحنبلي أبو الفلاح، حققه: محمود الأرناؤوط، خرج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، الناشر: دار ابن كثير، دمشق - بيروت، الطبعة: الأولى، 1406 هـ - 1986 م.
148.
شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، المؤلف: أبو القاسم هبة الله بن الحسن بن منصور الطبري الرازي اللالكائي، تحقيق: أحمد بن سعد بن حمدان الغامدي، الناشر: دار طيبة - السعودية، الطبعة: الثامنة، 1423 هـ - 2003 م.
149.
شرح التبصرة والتذكرة (شرح ألفية العراقي)، المؤلف: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم العراقي، المحقق: عبد اللطيف الهميم - ماهر ياسين فحل، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2002 م.
150.
شرح السنة، المؤلف: محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي الشافعي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط-محمد زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي - دمشق، بيروت، الطبعة: الثانية، 1403 هـ - 1983 م.
151.
شرح ألفية السيوطي في الحديث، المسمى «إسعاف ذوي الوَطَر بشرح نظم الدُّرَر في علم الأثر» ، المؤلف: محمد بن علي بن آدم ابن موسى الأثيوبي الولوي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م.
152.
شرح صحيح مسلم (المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج)، المؤلف: أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت، الطبعة: الثانية، 1392 هـ.
153.
شرح علل الترمذي، المؤلف: زين الدين عبد الرحمن بن أحمد بن رجب بن الحسن، السلامي، البغدادي، ثم الدمشقي، الحنبلي، المحقق: الدكتور همام عبد الرحيم سعيد، الناشر: مكتبة المنار - الزرقاء - الأردن، الطبعة: الأولى، 1407 هـ - 1987 م.
154.
شرح لغة المحدث، منظومة في علم مصطلح الحديث، نظم وشرح الدكتور طارق بن عوض الله بن محمد، الناشر: مكتبة ابن تيمية، الطبعة: الأولى، 1422 هـ.
155.
شرح مذاهب أهل السنة ومعرفة شرائع الدين والتمسك بالسنن، المؤلف: أبو حفص عمر بن أحمد بن عثمان المعروف بابن شاهين، المحقق: عادل بن محمد، الناشر: مؤسسة قرطبة للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1995 م.
156.
شرح مشكل الآثار، المؤلف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى - 1415 هـ، 1994 م.
157.
شرح معاني الآثار، المؤلف: أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن عبد الملك بن سلمة الأزدي الحجري المصري المعروف بالطحاوي، حققه وقدم له:(محمد زهري النجار - محمد سيد جاد الحق) من علماء الأزهر الشريف، راجعه ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: د يوسف عبد الرحمن المرعشلي، الناشر: عالم الكتب، الطبعة: الأولى - 1414 هـ، 1994 م.
158.
شرح نخبة الفكر في مصطلحات أهل الأثر، المؤلف: علي بن سلطان محمد، أبو الحسن نور الدين الملا الهروي القاري، المحقق: محمد نزار تميم وهيثم نزار تميم، الناشر: دار الأرقم، لبنان - بيروت.
159.
شرف أصحاب الحديث، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: د. محمد سعيد خطي أوغلي، الناشر: دار إحياء السنة النبوية - أنقرة.
160.
شعب الإيمان، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: الدكتور عبد العلي عبد الحميد حامد، أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي، الناشر: مكتبة الرشد بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند، الطبعة: الأولى، 1423 هـ - 2003 م.
161.
الشماريخ في علم التاريخ، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، المحقق: عبد الرحمن حسن محمود، الناشر: مكتبة الآداب.
162.
صبح الأعشى في صناعة الإنشا، المؤلف: أحمد بن علي بن أحمد الفزاري القلقشندي ثم القاهري، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت.
163.
صحيح ابن حبان (الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان)، المؤلف: محمد بن حبان بن أحمد بن حبان التميمي، أبو حاتم، البستي، ترتيب: الأمير علاء الدين علي بن بلبان الفارسي، حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الأولى، 1408 هـ - 1988 م.
164.
صحيح ابن خزيمة، المؤلف: أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة بن المغيرة بن صالح بن بكر السلمي النيسابوري، المحقق: د. محمد مصطفى الأعظمي، الناشر: المكتب الإسلامي - بيروت.
165.
صحيح البخاري (الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه)، المؤلف: محمد بن إسماعيل أبو عبدالله البخاري الجعفي، المحقق: محمد زهير ابن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي)، الطبعة: الأولى، 1422 هـ.
166.
صحيح مسلم (المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم)، المؤلف: مسلم بن الحجاج أبو الحسن القشيري النيسابوري، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي - بيروت.
167.
الصمت وآداب اللسان، المؤلف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا، المحقق: أبو إسحاق الحويني، الناشر: دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة: الأولى، 1410 هـ.
168.
صيانة صحيح مسلم من الإخلال والغلط وحمايته من الإسقاط والسقط، المؤلف: عثمان بن عبد الرحمن، أبو عمرو، تقي الدين المعروف بابن الصلاح، المحقق: موفق عبد الله عبد القادر، الناشر: دار الغرب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الثانية، 1408 هـ.
169.
الضعفاء الكبير، المؤلف: أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار المكتبة العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1404 هـ - 1984 م.
170.
الضعفاء والمتروكون، المؤلف: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي بن مسعود بن النعمان بن دينار البغدادي الدارقطني، المحقق:
د. عبد الرحيم محمد القشقري، الناشر: مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، نُشر على 3 أعداد في مجلة الجامعة الإسلامية رقم 59، 60، 63، سنة 1403 - 1404 هـ.
171.
طبقات الحنابلة، المؤلف: أبو الحسين محمد بن محمد بن أبي يعلى، المحقق: محمد حامد الفقي، الناشر: دار المعرفة - بيروت.
172.
طبقات الشافعية الكبرى، المؤلف: تاج الدين عبد الوهاب بن تقي الدين السبكي، المحقق: د. محمود محمد الطناحي د. عبد الفتاح محمد الحلو، الناشر: هجر للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة: الثانية، 1413 هـ.
173.
طبقات الفقهاء، المؤلف: أبو اسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي، هذبه: محمد بن مكرم بن منظور، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار الرائد العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1970 م.
174.
الطبقات الكبرى، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي بالولاء، البصري، البغدادي المعروف بابن سعد، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى، 1968 م.
175.
طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها، المؤلف: أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأنصاري المعروف بأبي الشيخ الأصبهاني، المحقق: عبد الغفور عبد الحق حسين البلوشي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الثانية، 1412 - 1992 م.
176.
طرق حديث من كذب علي متعمدًا، المؤلف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي أبو القاسم الطبراني، المحقق: علي حسن علي
عبد الحميد، هشام إسماعيل السقا، الناشر: المكتب الإسلامي، دار عمار - عمان - الأردن، الطبعة: الأولى، 1410 هـ.
177.
الطيوريات، انتخاب: صدر الدين أبو طاهر السلفي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم سلفه الأصبهاني، من أصول: أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار الصيرفي الطيوري، دراسة وتحقيق: دسمان يحيى معالي، عباس صخر الحسن، الناشر: مكتبة أضواء السلف، الرياض، الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004 م.
178.
علل الحديث، المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن المنذر التميمي، الحنظلي، الرازي ابن أبي حاتم، تحقيق: فريق من الباحثين بإشراف وعناية د: سعد بن عبد الله الحميد و د: خالد بن عبد الرحمن الجريسي، الناشر: مطابع الحميضي، الطبعة: الأولى، 1427 هـ - 2006 م.
179.
العلل الكبير، المؤلف: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، الترمذي، أبو عيسى، رتبه على كتب الجامع: أبو طالب القاضي، المحقق: صبحي السامرائي، أبو المعاطي النوري، محمود خليل الصعيدي، الناشر: عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1409 هـ.
180.
العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: إرشاد الحق الأثري، الناشر: إدارة العلوم الأثرية، فيصل آباد، باكستان، الطبعة: الثانية، 1401 هـ - 1981 م.
181.
العلل الواردة في الأحاديث النبوية، المؤلف: أبو الحسن علي بن
عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدارقطني، المجلدات من الأول، إلى الحادي عشر، تحقيق وتخريج: محفوظ الرحمن زين الله السلفي، الناشر: دار طيبة - الرياض، الطبعة: الأولى 1405 هـ - 1985 م، والمجلدات من الثاني عشر، إلى الخامس عشر، علق عليه: محمد بن صالح بن محمد الدباسي، الناشر: دار ابن الجوزي - الدمام، الطبعة: الأولى، 1427 هـ.
182.
علم الرجال نشأته وتطوره من القرن الأول إلى نهاية القرن التاسع، المؤلف: أبو ياسر محمد بن مطر بن عثمان آل مطر الزهراني، الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة: الأولى، 1417 هـ -1996 م.
191.
عمل اليوم والليلة، المؤلف: أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي الخراساني النسائي، المحقق: د. فاروق حمادة، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الثانية، 1406 هـ.
183.
عمل اليوم والليلة، المؤلف: أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المعروف بـ «ابن السني» ، المحقق: كوثر البرني، الناشر: دار القبلة للثقافة الإسلامية ومؤسسة علوم القرآن - جدة - بيروت، الطبعة الأولى: 1418 هـ.
184.
عوالي مالك، رواية زيد بن الحسن بن زيد الحميري أبي اليمن، تاج الدين الكندي، المحقق: محمد الحاج الناصر، [طبع مع مجموعة من عوالي الإمام مالك]، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الثانية، 1998 م.
185.
عوالي مالك، رواية عمر بن محمد بن منصور الأميني أبو حفص، عز
الدين، المعروف بابن الحاجب، المحقق: محمد الحاج الناصر، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الثانية، 1998 م.
187.
عوالي مالك، رواية أبي أحمد محمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق النيسابوري الكرابيسي المعروف بالحاكم الكبير، المحقق: محمد الحاج الناصر، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الثانية 1998 م.
188.
الغاية في شرح الهداية في علم الرواية، المؤلف: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المحقق: أبو عائش عبد المنعم إبراهيم، الناشر: مكتبة أولاد الشيخ للتراث، الطبعة: الأولى، 2001 م.
189.
غريب الحديث، المؤلف: إبراهيم بن إسحاق الحربي أبو إسحاق، المحقق: د. سليمان إبراهيم محمد العايد، الناشر: جامعة أم القرى - مكة المكرمة، الطبعة: الأولى، 1405 هـ.
190.
الغنية فهرست شيوخ القاضي عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، المحقق: ماهر زهير جرار، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى 1402 هـ - 1982 م.
191.
الغيث الهامع شرح جمع الجوامع، المؤلف: ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم العراقي، المحقق: محمد تامر حجازي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004 م.
192.
فتح الباري شرح صحيح البخاري، المؤلف: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، 1379 هـ، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، قام
بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه: محب الدين الخطيب، عليه تعليقات الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز.
193 -
فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، المؤلف: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي، المحقق: علي حسين علي، الناشر: مكتبة السنة - مصر، الطبعة: الأولى، 1424 هـ - 2003 م.
194.
الفتن، المؤلف: أبو عبد الله نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي المروزي، المحقق: سمير أمين الزهيري، الناشر: مكتبة التوحيد - القاهرة، الطبعة: الأولى، 1412 هـ.
195.
الفصل للوصل المدرج في النقل، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: محمد بن مطر الزهراني، الناشر: دار الهجرة، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م.
196.
فضائل الخلفاء الأربعة وغيرهم، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، تحقيق: صالح بن محمد العقيل، الناشر: دار البخاري للنشر والتوزيع، المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م.
197.
فضائل الصحابة، المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني، المحقق: د. وصي الله محمد عباس، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1403 - 1983 م.
198.
الفقيه والمتفقه، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: أبو عبد الرحمن عادل بن يوسف الغرازي، الناشر: دار ابن الجوزي - السعودية، الطبعة: الثانية، 1421 هـ.
199.
الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة، المؤلف: محمد بن علي الشوكاني، المحقق: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان.
200.
الفوائد، المؤلف: أبو القاسم تمام بن محمد بن عبد الله بن جعفر الرازي، المحقق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى، 1412 هـ.
201.
الفوائد، المؤلف: عبد الرحمن بن عبيد الله أبو القاسم الحربي الحُرْفي، رواية: أبي عبد الله القاسم بن الفضل الثقفي، المحقق: أبو عبد الله حمزة الجزائري، الناشر: الدار الأثرية [ضمن مجموع أبي القاسم الحرفي]، الطبعة: الأولى، 2007 م.
202.
فيض القدير شرح الجامع الصغير، المؤلف: زين الدين محمد المعروف بعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي، الناشر: المكتبة التجارية الكبرى - مصر، الطبعة: الأولى، 1356 هـ.
203.
القراءة خلف الإمام، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي أبو بكر البيهقي، المحقق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1405 هـ.
204.
قواطع الأدلة في الأصول، المؤلف: أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، المحقق: محمد حسن الشافعي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1418 هـ -1999 م.
205.
القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع، المؤلف: شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد السخاوي، الناشر: دار الريان للتراث.
206.
الكامل في التاريخ، المؤلف: أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد الشيباني الجزري عز الدين بن الأثير، تحقيق: عمر عبد السلام تدمري، الناشر: دار الكتاب العربي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م.
207.
الكامل في ضعفاء الرجال، المؤلف: أبو أحمد بن عدي الجرجاني، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود-علي محمد معوض، شارك في تحقيقه: عبد الفتاح أبو سنة، الناشر: الكتب العلمية - بيروت-لبنان، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م.
208.
كتاب الفوائد (الغيلانيات)، المؤلف: أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعي البزَّاز، حققه: حلمي كامل أسعد الناشر: دار ابن الجوزي - السعودية، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م.
209.
كشف الأستار عن زوائد البزار، المؤلف: نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الأولى، 1399 هـ - 1979 م.
210.
الكشف الحثيث عمن رمي بوضع الحديث، المؤلف: برهان الدين الحلبي أبو الوفا إبراهيم بن محمد الشافعي سبط ابن العجمي، المحقق: صبحي السامرائي، الناشر: عالم الكتب- بيروت، الطبعة: الأولى، 1407 هـ- 1987 م.
211.
كشف المناهج والتناقيح في تخريج أحاديث المصابيح، المؤلف: صدر الدين محمد بن إبراهيم السلمي المناوي، دراسة وتحقيق: د. محمد إسحاق محمد إبراهيم، الناشر: الدار العربية للموسوعات، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1425 هـ - 2004 م.
212.
الكشف والبيان عن تفسير القرآن، المؤلف: أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، تحقيق: أبي محمد بن عاشور، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى 1422 هـ - 2002 م.
213.
الكفاية في علم الرواية، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: أبو عبدالله السورقي، إبراهيم حمدي المدني، الناشر: المكتبة العلمية - المدينة المنورة.
214.
اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، المؤلف: عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين السيوطي، المحقق: صلاح عويضة، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م.
215.
لسان العرب، المؤلف: محمد بن مكرم بن علي، أبو الفضل، جمال الدين بن منظور الأنصاري الإفريقي، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الثالثة - 1414 هـ.
225.
لسان الميزان، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المحقق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: دار البشائر الإسلامية، الطبعة: الأولى، 2002 م.
217.
اللطائف من دقائق المعارف في علوم الحفاظ الأعارف، المؤلف: محمد بن عمر بن أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني المديني، أبو موسى، المحقق: أبو عبد الله محمد علي سمك، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى 1420 هـ - 1999 م.
218.
المتفق والمفترق، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، تحقيق: الدكتور محمد صادق آيدن الحامدي، الناشر: دار
القادري للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1997 م.
219.
المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، المؤلف: محمد بن حبان التميمي، أبو حاتم البستي، المحقق: محمود إبراهيم زايد، الناشر: دار الوعي - حلب، الطبعة: الأولى، 1396 هـ.
220.
مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، المؤلف: أبو الحسن نور الدين علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي، المحقق: حسام الدين القدسي، الناشر: مكتبة القدسي، القاهرة، عام النشر: 1414 هـ، 1994 م.
221.
المحصول، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن عمر التيمي، فخر الدين الرازي خطيب الري، دراسة وتحقيق: الدكتور طه جابر فياض العلواني، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الثالثة، 1418 هـ - 1997 م.
222.
مختار الصحاح، المؤلف: زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الحنفي الرازي، المحقق: يوسف الشيخ محمد، الناشر: المكتبة العصرية - الدار النموذجية، بيروت - صيدا، الطبعة: الخامسة، 1420 هـ - 1999 م.
223.
مختصر المزني (مطبوع ملحقًا بالأم للشافعي)، المؤلف: إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل، أبو إبراهيم المزني، الناشر: دار المعرفة - بيروت، سنة النشر: 1410 هـ-1990 م.
224.
مختصر منتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، المؤلف: جمال الدين أبي عمرو عثمان بن عمر بن الحاجب، المحقق: الدكتور نذير حمادو، الناشر: دار ابن حزم، بيروت، الطبعة الأولى: 1427 هـ.
225.
المخلصيات وأجزاء أخرى لأبي طاهر المخلص، المؤلف: محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا البغدادي المخلص، المحقق: نبيل سعد الدين جرار، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لدولة قطر، الطبعة: الأولى، 1429 هـ - 2008 م.
226.
مداراة الناس، المؤلف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد الأموي المعروف بابن أبي الدنيا، المحقق: محمد خير رمضان يوسف، الناشر: دار ابن حزم - بيروت، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1998 م.
227.
المدخل إلى السنن الكبرى، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي الخراساني، أبو بكر البيهقي، المحقق: د. محمد ضياء الرحمن الأعظمي، الناشر: دار الخلفاء للكتاب الإسلامي - الكويت.
228.
المدخل إلى كتاب الإكليل، المؤلف: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري المعروف بابن البيع، المحقق: د. فؤاد عبد المنعم أحمد، الناشر: دار الدعوة - الاسكندرية.
229.
المراسيل، المؤلف: أبو محمد عبد الرحمن بن محمد بن إدريس التميمي، الحنظلي الرازي، ابن أبي حاتم، المحقق: شكر الله نعمة الله قوجاني، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1397 هـ.
230.
المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس، دراسة نظرية وتطبيقية على مرويات الحسن البصري، تأليف حاتم بن عارف العوني، الناشر: دار الهجرة، الطبعة الأولى: 1418 هـ.
231.
المستخرج، المؤلف: أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم النيسابوري الإسفراييني، تحقيق: أيمن بن عارف الدمشقي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1419 هـ- 1998 م.
232.
المستدرك على الصحيحين، المؤلف: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري المعروف بابن البيع، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الأولى، 1411 هـ - 1990 م.
233.
مسند أبي يعلى، المؤلف: أبو يعلى أحمد بن علي بن المثُنى الموصلي، المحقق: حسين سليم أسد، الناشر: دار المأمون للتراث - دمشق، الطبعة: الأولى، 1404 هـ - 1984 م.
234.
مسند أحمد بن حنبل، المؤلف: أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، المحقق: شعيب الأرنؤوط وآخرون، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421 هـ - 2001 م.
235.
مسند إسحاق بن راهويه، المؤلف: أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم الحنظلي المروزي المعروف بابن راهويه، المحقق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، الناشر: مكتبة الإيمان - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1991 م.
236.
مسند الإمام أبي حنيفة رواية أبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، المحقق: نظر محمد الفاريابي، الناشر: مكتبة الكوثر - الرياض، الطبعة: الأولى، 1415 هـ.
236.
مسند البزار المنشور باسم البحر الزخار، المؤلف: أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد الله العتكي المعروف بالبزار،
المحقق: محفوظ الرحمن زين الله، (حقق الأجزاء من 1 إلى 9)، وعادل بن سعد (حقق الأجزاء من 10 إلى 17)، وصبري عبد الخالق الشافعي (حقق الجزء 18)، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، (بدأت 1988 م، وانتهت 2009 م).
238.
المسند الجامع، حققه ورتبه وضبط نصه: محمود محمد خليل، الناشر: دار الجيل للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، الشركة المتحدة لتوزيع الصحف والمطبوعات، الكويت، الطبعة: الأولى، 1413 هـ - 1993 م.
239.
مسند الدارمي المعروف بـ (سنن الدارمي)، المؤلف: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن الفضل بن بهرام بن عبد الصمد الدارمي التميمي السمرقندي، تحقيق: حسين سليم أسد الداراني، الناشر: دار المغني للنشر والتوزيع، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 2000 م.
240.
مسند الشافعي، المؤلف: الشافعي أبو عبد الله محمد بن إدريس المطلبي القرشي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، صُحِّحت هذه النسخة: على النسخة المطبوعة في مطبعة بولاق الأميرية والنسخة المطبوعة في بلاد الهند، عام النشر: 1400 هـ.
241.
مسند الشهاب، المؤلف: أبو عبد الله محمد بن سلامة القضاعي المصري، المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، الناشر: مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة: الثانية، 1407 هـ- 1986 م.
242.
مسند أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، المؤلف: محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث أبو بكر الواسطي الباغندي الصغير، المحقق:
محمد عوامة، الناشر: مؤسسة علوم القرآن - دمشق، الطبعة: 1404 هـ.
243.
مسند عبد الله بن المبارك، المؤلف: أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي المروزي، المحقق: صبحي البدري السامرائي، الناشر: مكتبة المعارف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1407 هـ.
244.
مسند الطيالسي، المؤلف: أبو داود سليمان بن داود بن الجارود الطيالسي، المحقق: الدكتور محمد بن عبد المحسن التركي، الناشر: دار هجر - مصر، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1999 م.
245.
مشارق الأنوار على صحاح الآثار، المؤلف: عياض بن موسى بن عياض بن عمرون اليحصبي السبتي، أبو الفضل، دار النشر: المكتبة العتيقة ودار التراث.
246.
مشيخة ابن شاذان الصغرى، المؤلف: الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن الحسن ابن محمد بن شاذان، أبو علي البَزَّاز، المحقق: عصام موسى هادي، الناشر: مكتبة الغرباء الأثرية - المدينة المنورة- السعودية، الطبعة: الأولى، 1419 هـ- 1998 م.
247.
مشيخة الآبنوسي، المؤلف: أبو الحسين محمد بن أحمد بن محمد بن علي الصيرفي الآبنوسي البغدادي، المحقق: د: خليل حسن حمادة، الناشر: جامعة الملك سعود - كلية التربية - قسم الدراسات الإسلامية، الطبعة: الأولى 1421 هـ.
248.
المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، المؤلف: أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت.
249.
المصنف في الأحاديث والآثار، المؤلف: أبو بكر بن أبي شيبة، عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستي العبسي، المحقق: كمال يوسف الحوت، الناشر: مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة: الأولى، 1409 هـ.
250.
المصنف، المؤلف: أبو بكر عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني، المحقق: حبيب الرحمن الأعظمي، الناشر: المجلس العلمي- الهند، يطلب من: المكتب الإسلامي - بيروت، الطبعة: الثانية، 1403 هـ.
251.
معجم ابن الأعرابي، المؤلف: أبو سعيد بن الأعرابي أحمد بن محمد بن زياد بن بشر بن درهم البصري الصوفي، تحقيق وتخريج: عبد المحسن بن إبراهيم بن أحمد الحسيني، الناشر: دار ابن الجوزي، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1418 هـ - 1997 م.
252.
معجم الأدباء، المؤلف: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار الغرب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1414 هـ - 1993 م.
253.
المعجم الأوسط، المؤلف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، المحقق: طارق بن عوض الله بن محمد، عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني، الناشر: دار الحرمين - القاهرة.
254.
معجم البلدان، المؤلف: شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الرومي الحموي، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1995 م.
255.
معجم السفر، المؤلف: صدر الدين، أبو طاهر السِّلَفي أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم سِلَفَه الأصبهاني، المحقق: عبد الله عمر البارودي، الناشر: المكتبة التجارية - مكة المكرمة.
256.
معجم الشيوخ الكبير، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المحقق: الدكتور محمد الحبيب الهيلة، الناشر: مكتبة الصديق، الطائف - المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1408 هـ - 1988 م.
257.
معجم الشيوخ، المؤلف: ثقة الدين، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله المعروف بابن عساكر، المحقق: الدكتورة وفاء تقي الدين، الناشر: دار البشائر - دمشق، الطبعة: الأولى 1421 هـ - 2000 م.
258.
المعجم الصغير، المؤلف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، المحقق: محمد شكور محمود الحاج أمرير، الناشر: المكتب الإسلامي، دار عمار - بيروت، عمان، الطبعة: الأولى، 1405 - 1985 م.
259.
المعجم الكبير، المؤلف: سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطبراني، المحقق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، دار النشر: مكتبة ابن تيمية - القاهرة.
260.
معجم المؤلفين، المؤلف: عمر بن رضا كحالة الدمشقي، الناشر: مكتبة المثنى - بيروت، دار إحياء التراث العربي بيروت.
261.
المعجم الوسيط، المؤلف: مجمع اللغة العربية بالقاهرة، (إبراهيم مصطفى - أحمد الزيات - حامد عبد القادر - محمد النجار)، الناشر: دار الدعوة.
262.
المعجم في أسامي شيوخ أبي بكر الإسماعيلي، المؤلف: أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس بن مرداس الإسماعيلي الجرجاني، المحقق: د. زياد محمد منصور، الناشر: مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة، الطبعة: الأولى، 1410 هـ.
263.
المعجم لابن المقرئ، المؤلف: أبو بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم بن زاذان الأصبهاني الخازن، المشهور بابن المقرئ، تحقيق: عادل بن سعد، الناشر: مكتبة الرشد، الرياض، شركة الرياض للنشر والتوزيع، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م.
264.
معجم مقاييس اللغة، المؤلف: أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا القزويني الرازي، المحقق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1399 هـ - 1979 م.
265.
معرفة الرجال عن يحيى بن معين، وفيه عن علي بن المديني وأبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير وغيرهم، رواية: أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، المحقق: محمد كامل القصار، الناشر: مجمع اللغة العربية - دمشق، الطبعة: الأولى، 1405 هـ، 1985 م.
266.
معرفة السنن والآثار، المؤلف: أحمد بن الحسين بن علي بن موسى الخسروجردي الخراساني، أبو بكر البيهقي، المحقق: عبد المعطي أمين قلعجي، الناشرون: جامعة الدراسات الإسلامية (كراتشي - باكستان)، دار قتيبة (دمشق -بيروت) وغيرهما، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1991 م.
267.
معرفة الصحابة، المؤلف: أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني، تحقيق: عادل بن يوسف
العزازي، الناشر: دار الوطن للنشر، الرياض، الطبعة: الأولى 1419 هـ - 1998 م.
268.
معرفة علوم الحديث، المؤلف: أبو عبد الله الحاكم محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري المعروف بابن البيع، المحقق: السيد معظم حسين، الناشر: دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة: الثانية، 1397 هـ - 1977 م.
269.
المعرفة والتاريخ، المؤلف: يعقوب بن سفيان بن جوان الفارسي الفسوي، أبو يوسف، المحقق: أكرم ضياء العمري، الناشر: مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة: الثانية، 1401 هـ- 1981 م.
270.
مفرج الكروب في أخبار بني أيوب، المؤلف: جمال الدين محمَّد بن سالم بن نصر الله بن سالم بن واصل، أبو عبد الله المازني التميمي الحموي، تحقيق: الدكتور جمال الدين الشيال - الدكتور حسنين محمد ربيع - الدكتور سعيد عبد الفتاح عاشور، الناشر: دار الكتب والوثائق القومية - المطبعة الأميرية، القاهرة - جمهورية مصر العربية، عام النشر: 1377 هـ - 1957 م.
271.
مقدمة ابن الصلاح (علوم الحديث)، المؤلف: عثمان بن الصلاح عبدالرحمن بن موسى بن أبي النصر الشافعي، المحقق: د عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) أستاذ الدراسات العليا، كلية الشريعة بفاس، جامعة القرويين، الناشر: دار المعارف.
272.
مكارم الأخلاق ومعاليها ومحمود طرائقها، المؤلف: أبو بكر محمد بن جعفر بن محمد بن سهل بن شاكر الخرائطي السامري،
تقديم وتحقيق: أيمن عبد الجابر البحيري، الناشر: دار الآفاق العربية، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1999 م.
273.
- من الفوائد الغرائب الحسان، المؤلف: محمد بن عبد الله بن محمد بن صالح، أبو بكر التميمي الأبهري المالكي، تحقيق: حسام محمد بوقريص، الناشر: دار إيلاف الدولية - الكويت، الطبعة: الأولى - 1999 م.
274.
المنتخب من علل الخلال، المؤلف: أبو محمد موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الجماعيلي المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي، الشهير بابن قدامة المقدسي، تحقيق: أبي معاذ طارق بن عوض الله بن محمد، الناشر: دار الراية للنشر والتوزيع.
275.
المنتخب من كتاب السياق لتاريخ نيسابور، المؤلف: تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الصريفيني، المحقق: خالد حيدر، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر التوزيع، سنة النشر 1414 هـ.
276.
المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، المؤلف: جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، المحقق: محمد عبد القادر عطا، مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412 هـ - 1992 م.
277.
منهج الإمام أحمد في إعلال الأحاديث، المؤلف: بشير علي عمر، الناشر: وقف السلام، الطبعة: الأولى 1425 هـ - 2005 م.
278.
منهج الإمام أحمد في التعليل وأثره في الجرح والتعديل من خلال كتابه العلل ومعرفة الرجال، المؤلف: الدكتور أبو بكر بن الطيب كافي، الناشر: دار ابن حزم- بيروت، الطبعة: الأولى 1426 هـ- 2005 م.
279.
المهروانيات (الفوائد المنتخبة الصحاح والغرائب)، المؤلف: أبو القاسم يوسف بن محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد المهرواني الهمذاني، تخريج: الإمام أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، دراسة وتحقيق: د. سعود بن عيد بن عمير بن عامر الجربوعي، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة - عمادة البحث العلمي - رقم الإصدار (41)، الطبعة: الأولى، 1422 هـ - 2002 م.
280.
موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، المؤلف: الدكتور أكرم ضياء العمري، الناشر: دار طيبة، الطبعة: الثانية، 1405 هـ- 1985 م.
281.
موجز التاريخ الإسلامي منذ عهد آدم عليه السلام إلى عصرنا الحاضر، المؤلف: أحمد معمور العسيري، الناشر: فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية - الرياض، الطبعة: الأولى، 1417 هـ - 1996 م.
282.
موضح أوهام الجمع والتفريق، المؤلف: أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت بن أحمد بن مهدي الخطيب البغدادي، المحقق: د. عبد المعطي أمين قلعجي، الناشر: دار المعرفة - بيروت، الطبعة: الأولى، 1407 هـ.
283.
الموضوعات من الأحاديث المرفوعات، المؤلف: أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي، المحقق: د. نور الدين بن شكري، الناشر: أضواء السلف بالرياض، الطبعة: الأولى، 1418 هـ- 1997 م.
284.
موطأ الإمام مالك، المؤلف: مالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني، رواية يحيى الليثي، صححه ورقمه وخرج أحاديثه
وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان، عام النشر: 1406 هـ - 1985 م.
285.
موطأ مالك، رواية أبي مصعب الزهري، المحقق: بشار عواد معروف - محمود خليل، الناشر: مؤسسة الرسالة، سنة النشر: 1412 هـ.
286.
موطأ مالك، رواية عبد الله بن مسلمة القعنبي، المحقق: عبد المجيد تركي، الناشر: دار الغرب الإسلامي، الطبعة: الأولى، 1999 م.
287.
موطأ مالك، رواية محمد بن الحسن الشيباني، المحقق: عبد الوهاب عبد اللطيف، الناشر: المكتبة العلمية، الطبعة: الثانية.
288.
الموقظة في علم مصطلح الحديث، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، اعتنى به: عبد الفتاح أبو غُدّة، الناشر: مكتبة المطبوعات الإسلامية بحلب، الطبعة: الثانية، 1412 هـ.
289.
ميزان الاعتدال في نقد الرجال، المؤلف: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، الناشر: دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1382 هـ - 1963 م.
290.
الميسر في علم تخريج الحديث النبوي، المؤلف: أبو ذر عبد القادر بن مصطفى بن عبد الرزاق المحمدي، الناشر: بحث منشور في مجلة جامعة الأنبار 2010 م.
291.
نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، المؤلف: الحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، الناشر: دار ابن كثير.
292.
نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار، المؤلف: محمود مقديش، تحقيق: علي الزواري، محمد محفوظ، الناشر: دار الغرب الاسلامي، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1988 م.
293.
نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، المحقق: نور الدين عتر، الناشر: مطبعة الصباح، دمشق، الطبعة: الثالثة، 1421 هـ - 2000 م.
294.
نسخة وكيع عن الأعمش، المؤلف: أبو سفيان وكيع بن الجراح الرؤاسي، المحقق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، الناشر: الدار السلفية - الكويت، الطبعة: الثانية، 1406 هـ.
295.
نصب الراية لأحاديث الهداية مع حاشيته بغية الألمعي في تخريج الزيلعي، المؤلف: جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن محمد الزيلعي، صححه ووضع الحاشية: عبد العزيز الديوبندي الفنجاني، إلى كتاب الحج، ثم أكملها محمد يوسف الكاملفوري، المحقق: محمد عوامة، الناشر: مؤسسة الريان للطباعة والنشر، بيروت - دار القبلة للثقافة الإسلامية- جدة، الطبعة: الأولى، 1418 هـ-1997 م.
296.
النفقة على العيال، المؤلف: أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن قيس البغدادي الأموي القرشي المعروف بابن أبي الدنيا، المحقق: د نجم عبد الرحمن خلف، الناشر: دار ابن القيم - السعودية - الدمام، الطبعة: الأولى، 1410 هـ - 1990 م.
297.
النكت الوفية بما في شرح الألفية، المؤلف: برهان الدين إبراهيم بن عمر البقاعي، المحقق: ماهر ياسين الفحل، الناشر: مكتبة الرشد ناشرون، الطبعة: الأولى، 1428 هـ - 2007 م.
298.
النكت على كتاب ابن الصلاح، المؤلف: أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن أحمد بن حجر العسقلاني، المحقق: ربيع بن هادي عمير المدخلي، الناشر: عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1404 هـ - 1984 م.
299.
النكت على مقدمة ابن الصلاح، المؤلف: أبو عبد الله بدر الدين محمد بن عبد الله بن بهادر الزركشي الشافعي، المحقق: د. زين العابدين بن محمد بلا فريج، الناشر: أضواء السلف - الرياض، الطبعة: الأولى، 1419 هـ - 1998 م.
300.
النهاية في غريب الحديث والأثر، المؤلف: مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد ابن محمد بن محمد ابن عبد الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي - محمود محمد الطناحي، الناشر: المكتبة العلمية - بيروت، 1399 هـ - 1979 م.
301.
الوافي بالوفيات، المؤلف: صلاح الدين خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدي، المحقق: أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، الناشر: دار إحياء التراث - بيروت، عام النشر: 1420 هـ- 2000 م.
302.
الوسيط في تفسير القرآن المجيد، المؤلف: أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، تحقيق وتعليق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود، الشيخ علي محمد معوض، وآخرين، قدمه وقرظه: الأستاذ الدكتور عبد الحي الفرماوي، الناشر: دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، الطبعة: الأولى، 1415 هـ - 1994 م.
303.
الوسيط في علوم ومصطلح الحديث، المؤلف: محمد بن محمد بن سويلم أبو شهبة، الناشر: دار الفكر العربي.
304.
وفيات الأعيان، المؤلف: أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر ابن خلكان البرمكي، المحقق: إحسان عباس، الناشر: دار صادر - بيروت، الطبعة الأولى: 1994 م.