المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌تنبيه قد يجد القارئ فى بعض الكلمات المنشورة بهذا الجزء احالات، - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌تنبيه

قد يجد القارئ فى بعض الكلمات المنشورة بهذا الجزء احالات، فيقال مثلا (أنظر يمين)، والكلمة المحال عليها (يمين) غير موجودة فى هذا الجزء.

وستبحث فى موضعها من الأجزاء الثالثة.

ص: 2

‌حرف الهمزة

‌آبد

قال فى المصباح المنير: أبد الشئ من بابى ضرب وقتل نفر وتوحش فهو آبد على وزن فاعل .. وكذا قال فى لسان العرب:

أبدت البهيمة توحشت .. وهذا المعنى هو ما صرح به ابن الأثير فى الجزء الأول من كتاب النهاية فى غريب الحديث.

والفقهاء يعبرون عن معنى الآبد بعبارات مختلفة، كالمتوحش والناد.

أما حكمه فى التذكية فإنه يكفى عقره عند العجز عن الذبح فيما يذبح أو النحر فيما ينحر على تفصيل فى ذلك - انظر مصطلح (تذكية).

‌آبق

1 -

‌ التعريف بالآبق، والفرق بينه وبين الضال:

الآبق فى اللغة من حصل منه الإباق، والإباق هو الهرب سواء أكان الهارب عبدا أم حرا فقد قال تعالى «وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ. إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ»

(1)

أما فى الاصطلاح فكما يلى:

‌الحنفية

يعرفه الحنفية بأنه انطلاق العبد تمردا والتمرد هو الخروج عن الطاعة وهذا يشمل ما إذا كان هروب العبد من سيده أو مستأجره أو مستعيره أو مودعه أو الوصى على من كان صغيرا وآل إليه العبد

(2)

فالآبق إذا هو الذى انطلق تمردا على من ذكروا. أما الضال فهو الذى ضل الطريق إلى منزل سيده أو غيره ممن ذكروا بلا قصد

(3)

.. ويتحقق التمرد بأن يكون الانطلاق من العبد لغير ظلم ممن هو فى يده كما بين ذلك صاحب الجوهرة (شرح القدورى نقلا عن الثعالبى)

(4)

.

‌المالكية:

يعرف المالكية الآبق بأنه من ذهب مختفيا بلا سبب وفرقوا بينه وبين الهارب بأن الهارب من ذهب مختفيا لسبب ولكن قد قال الدسوقي فى حاشيته على الشرح الكبير للدردير

(5)

بعد أن ذكر المعنى السابق ولعل هذا فرق بحسب الأصل وإلا فالعرف الآن أن من ذهب مطلقا أى لسبب أو غيره يقال له آبق وهارب. وقد بين الصاوى فى حاشيته على الشرح الصغير للدردير أن الآبق غير الضال فقد قال به عند تعليقه على عبارة الشرح الصغير فيما يتعلق بجعل من عادته رد الآبقين وأنه له جعل مثله ان اعتاده أى كان عادته الاتيان بهم أو غيرهم فقد

(1)

الآيتان: 139، 140 سورة الصافات

(2)

الدر المختار حاشية ابن عابدين «رد المختار عليه» ج 3 ص 355 - 356 طبعة دار الكتب العربية.

(3)

حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 3 ص 355 الطبعة السابقة.

(4)

ج 1 ص 466.

(5)

ج 4 ص 127 طبعة دار احياء الكتب العربية.

ص: 3

قال الصاوى هنا «أو غيرها كالإتيان بالضوال»

(1)

فالضال إذن غير الآبق بناء على هذا.

‌الشافعية:

أما الشافعية فقد بينوا الفرق بين الآبق والضال فعرفوا الآبق بأنه من كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل فقد قال صاحب المغنى شرح المنهاج: «الضال لا يقع إلا على الحيوان إنسانا أو غيره، أما الآبق فقال الثعالبى: لا يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل وإلا فهو هارب، قال الأزرعى: لكن الفقهاء يطلقونه عليهما»

(2)

.

‌الحنابلة:

الحنابلة جعلوا الآبق هو الهارب من سيده فقد قال فى كشاف القناع: يقال أبق العبد إذا هرب من سيده. ثم قال: وقال الثعالبى فى سر اللغة لا يقال للعبد آبق إلا إذا كان ذهابه من غير خوف ولا كد فى العمل وإلا فهو هارب

(3)

ولم يعقب صاحب كشاف القناع على كلام الثعالبى كما فعل الشافعية على ما تقدم ويظهر من هذا أن الآبق عنده هو الهارب مطلقا ولم يبين تعريف الضال.

‌الظاهرية:

يرى من صنيع ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى ما يدل على أن الآبق غير الضال فقد قال فى المحلى كتاب اللقطة والضالة «وهى تشمل العبد الضال والآبق» ثم سرد الحكم فيها وجعل كل هذه الأصناف سواء فى الحكم من حيث أخذها والتعريف بها وإعطائها لصاحبها .. الخ ما ذكره. ولكنه لم يبين معنى الضال ولا معنى الآبق اعتمادا على اختلافهما فى اللغة على نحو ما روى عن الثعالبى وهو ما ذكرناه فيما تقدم قريبا عند الكلام عن مذهب الشافعية فى ذلك

(4)

.

‌الشيعة والزيدية:

لم نعثر على نص صريح فى التفرقة بين الضال والآبق عندهم من حيث التعريف بهما.

‌الإباضية:

قد ذهب الإباضية إلى أن الآبق هو الهارب دون أن يقيدوا الهرب بأنه من غير خوف ولا كد فى العمل كما ذكر الثعالبى وسار عليه الحنابلة وغيرهم على ما تقدم فقد جاء فى النيل «وأبق بهمزة مفتوحة تليها باء مكسورة وهو الإنسان المملوك الهارب فى اباقته بكسر الهمزة»

(5)

.

‌السن التى يعتبر فيها العبد آبقا:

‌الحنفية:

يرى الحنفية أن السن التى يعتبر فيها العبد آبقا هى السن التى يعقل فيها الإباق فقد قال فى الأنقروية نقلا عن مختصر التتارخانية «قال محمد فى الأصل: والحكم فى رد الصغير كالحكم فى الكبير إن رده من دون مسافة السفر، فله الرضخ وهو عطاء قليل غير مقدر وفى الكبير أكثر مما يردخ فى الصغير إن كان الكبير أشد مؤنة.

قالوا: وما ذكر فى الجواب فى الصغير محمول

(1)

ج 2 ص 257 طبعة المطبعة الخيرية.

(2)

ج 2 ص 13 طبعة مصطفى الحلبى.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 420 المطبعة العامرية الشرقية سنه 1319.

(4)

المحلى ج 8 ص 257 طبعه ادارة الطباعة لمنيرية.

(5)

النيل ج 4 ص 73.

ص: 4

على صغير يعقل الإباق، أما من لا يعقله فهو ضال وراد الضال لا يستحق الجعل»

(1)

وقد حدد صاحب الكافى وشارحه السرخسى فى المبسوط ذلك بأن يكون قد قارب الحلم، فقد جاء فى المبسوط: «وإذا أبقت الأمة ولها صبى رضيع فردها رجل فله جعل واحد لأن الإباق من الرضيع لا يتحقق ثم قال: وإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله جعلان ثمانون درهما لأن الإباق تحقق منهما

(2)

وقد علل الكمال ابن الهمام وجوب الجعل على من قارب الحلم فقال فى فتح القدير: «لأن من لم يراهق لم يعتبر آبقا»

(3)

ولكن ابن عابدين قال نقلا عن النهر أن قوله أى فى المبسوط قد قارب الحلم غير قيد لقول شارح الوهبانية: «اتفق الأصحاب ان الصغير الذى يجب الجعل برده فى قول محمد هو الذى يعقل الإباق وحاصله أنه لا يشترط كونه مراهقا فى وجوب الجعل برده سواء كان مع أحد أبويه أو وحده بل الشرط أن يعقل الإباق»

(4)

.

‌المالكية:

يرى المالكية أن الآبق من كان كبيرا فقد قال الدسوقى فى حاشيته: على الشرح الكبير للدردير عند تعريف الدردير اللقطة بأنها مال معصوم: المال المعصوم يشمل الرقيق الكبير والاصطلاح أنه آبق لا لقطة:

«نعم الرقيق الصغير لقطة» ولكنه لم يذكر حد الكبر»

(5)

.

‌الشافعية:

لم نعثر فيما قرأنا من كتب للشافعية على نص يدل على السن التى يعتبر فيها العبد آبقا، غير أنه جاء فى كتاب المنهاج ما قد يؤخذ منه هذا فإنه قد جاء فيه فى باب اللقطة ويجوز أن يلتقط عبدا غير مميز وعند هذه العبارة قال صاحب المغنى ولا يجوز التقاط المميز فى الأمن:«لا فى مفازة ولا غيرها لأنه يستدل فيه على سيده فيصل إليه» ومقتضى هذا أن المميز الذى يراد التقاطه يكون ضالا. وإذا اعتبر التمييز أولى.

‌الحنابلة:

بتحقق الضلال فإنه يعتبر للإباق من باب لم نعثر فيما لدينا من كتبهم على سن محددة للآبق بحيث لو لم يبلغها يكون ضالا ولا يكون آبقا ولكن يمكن أن يؤخذ من جعلهم الآبق الهارب - أن السن فى الإباق هى التى يمكن معها الهرب وهى على الأقل سن التمييز فغير المميز ضال وليس بآبق وقد ذكرنا سابقا ما جاء فى كشاف القناع يقال أبق العبد اذا هرب من سيده

(6)

.

‌الزيدية:

يرى الزيدية أن الإباق الذى يعتبر إباقا شرعا يرد به العبد المبيع إنما يكون إذا كان كبيرا قال صاحب البحر الزخار: «ولو أبق صغيرا ثم أبق عند المشترى كبيرا لم يرد» .

ثم نسب إلى الإمام حد الكبر .. فقال:

«وحده أى حد الكبر البلوغ وقيل المراهقة قلنا البلوغ أضبط وأقيس

(7)

وعدم الرد إلا إذا أبق كبيرا عند المشترى يدل على أن الإباق فى الصغر عند البائع ليس عيبا فليس اباقا شرعا.

(1)

ج 1 ص 199، المطبعة الأميرية.

(2)

ج 1 ص 24، طبعة الساسى.

(3)

ج 4 ص 439، المطبعة الأميرية.

(4)

رد المحتار ج 4 ص 358، دار الكتب العربية الكبرى.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 117 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(6)

كشاف القناع ج 2 ص 420 المطبعة العامرية الشرفية 1319.

(7)

البحر الزخار ج 2 ص 257 طبعة 1949.

ص: 5

‌الظاهرية:

لم نعثر على سن يكون به العبد آبقا عندهم والذى يظهر أنهم لما اعتمدوا على اللغة فى الفرق بين الضال والآبق يكونون قد اعتبروا أن الإباق ملحوظ فيه الهرب من الكد والإيذاء، ولا يكون هذا إلا من مميز فيكون التميز هو مناط الإباق.

‌الشيعة الإمامية:

لم نعثر على نص صريح عندهم بخصوص السن التى يكون بها الإباق، ولكنا وجدنا من النصوص ما يؤخذ منه أن الآبق يلزم أن يكون مميزا، فقد جاء فى كتاب شرائع الإسلام بصدد تقسيمه للملقوط بأنه إنسان أو حيوان أو غيره «اللقيط: وهو كل صبى ضائع لا كافل له ولا ريب فى تعلق الحكم بالتقاط الطفل غير المميز وسقوطه فى طرف البالغ العاقل وفى الطفل المميز تردد أشبهه جواز التقاطه لصغره وعجزه عن دفع ضرورته» ثم قال فى شأن من التقط «ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط لم يضمن ولو كان بتفريط ضمن» . فهذا النص يؤخذ منه أن اللقيط إذا أبق من آخذه لا يكون ضامنا واللقيط هو الصغير الذى لم يبلغ على ما ذكره هو فى أول كلامه والمعقول أن الهروب لا يكون من الصغير إلا إذا كان مميزا يعقل الهرب وليس بلازم أن يكون قد بلغ سن المراهقة فغير المميز ضال وليس بهارب.

(1)

‌الإباضية:

لم نعثر على نص عندهم فى هذا ولكنهم لما جعلوا الأبق هو الهارب كما تقدم فإنه يمكن أن يقال إن الآبق عندهم إنما يكون آبقا إذا كان ممن يتأتى منه الهرب وهذا إنما يتصور فى سن التمييز.

‌حكم أخذ الآبق

‌الحنفية:

إذا نظرنا إلى الحكم بمعنى الصفة الشرعية فإن أخذ واجده له أفضل من تركه إن كان يقدر على حفظه حتى يرد إلى مولاه وإن كان يعلم من نفسه العجز عن ذلك والضعف فلا، وذلك لأن الآبق هالك فى حق المولى فيكون الرد إحياء له، ولكن ابن الهمام اختار أن يكون فيه التفصيل الذى فى اللقطة فقال: ويمكن أن يجرى فيه التفصيل الذى فى اللقطة بين أن يغلب على ظنه تلفه على المولى إن لم يأخذه مع قدرة تامة عليه فيجب أخذه وإلا فلا، وذلك بخلاف الضال وهو الذى لم يهتد إلى طريق منزله فقد قيل أخذة أفضل لما فيه من إحياء النفوس والتعاون على البر، وقيل تركه أفضل لأنه لا يبرح مكانه منتظرا لمولاه حتى يجده وقد جعل ابن الهمام هذا الخلاف فى الضال إذا لم يعلم واجد الضال مولاه ولا مكانه فقال:

«ثم لا شك أن محل هذا الخلاف إذا لم يعلم وأجد الضال مولاه ولا مكانه أما إذا علمه فلا ينبغى أن يختلف فى أفضلية أخذه ورده

(2)

وإذا أخذه وجب عليه فى اختيار

(1)

شرائع الإسلام ج 2 ص 173 طبعة دار مكتبة الحياة سنة 1930.

(2)

البداية وشرح الهداية وفتح القدير والعناية ج 4 ص 434 الطبعة الاميرية.

ص: 6

شمس الأئمة السرخسى أن يأتى به إلى السلطان أو القاضى فيحبسه منعا له عن الإباق لأنه لا يستطيع هو أن يحفظه أما شمس الأئمة الحلوانى فإنه يختار أن الآخذ بالخيار أن شاء حفظه بنفسه إن كان يقدر على ذلك وإن شاء دفعه إلى الأمام

(1)

. أما الحكم بمعنى الأثر المترتب على الأخذ فان الآخذ للآبق إن كان قد أشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده تكون يده عليه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدى فإذا هلك أو أبق لا يضمن وكذا إذا حبسه عن صاحبه بعد أن وصل إليه رادا له حتى يستوفى الجعل فأبق أو هلك ولكنه فى هذه الحال لا جعل له

(2)

، أما إذا لم يشهد فانه يكون فى حكم الغاصب لأنه حينئذ يكون قد أخذه لنفسه، وأخذ ملك الغير بدون إذنه غصب، فيكون ضامنا له إذا هلك أو أبق كذا يضمنه إذا استعمله فى الطريق فى حاجة نفسه ثم ابق منه ولا جعل له فى هذه الحال

(3)

.

‌المالكية:

أما حكمه بمعنى الصفة الشرعية فإنه يندب لمن وجد آبقا وعرف ربه أن يأخذه له لأنه من باب حفظ الأموال إذا لم يخش ضياعه فإن خشى ضياعه وجب عليه أن يأخذه لسيده حتى وإن علم الواجد خيانة نفسه، وعليه أن يترك الخيانة اللهم الا إذا خاف على نفسه ضررا من السلطان إذا أخذه ليخبر صاحبه به فإن خاف على نفسه هذا حرم عليه أن يأخذه وإذا كان لا يعرف ربه يكره له أخذه لاحتياجه إلى الإنشاد والتعريف فيخشى أن يصل إلى علم السلطان فيأخذه وإذا أخذه وهو لا يعرف صاحبه رفعه إلى الأمام لرجاء من يطلبه منه

(4)

.

وأما حكمه بمعنى الأثر المترتب عليه فإن يده عليه يد أمانة لا يضمن إلا بالتقصير فى حفظه أو التعدى ولذا إذا أبق من عنده بعد أخذه أو أنه مات عنده أو تلف فلا ضمان عليه لربه إذا حضر حيث لم يفرط لأنه أمين ولا يمين عليه، أما إذا فرط كما لو أرسله فى حاجة يأبق فى مثلها فأبق فإنه يضمن

(5)

، وكذلك يضمنه الملتقط إن أرسله (أى أطلقه) بعد أخذه ولو كان ذلك لخوف من شدة النفقة عليه أى يضمن قيمته يوم الإرسال لربه إذا حضر إن كان هلك وسواء فى ذلك ما إذا كان قد أرسله قبل مضى السنة التى يجب عليه تعريفه فيها أو بعده إلا أن يكون قد أرسله لخوف منه أن يقتله أو يؤذيه فى نفسه أو ماله أو لخوف من السلطان بسبب أخذه أن يقتله أو يأخذ ماله أو يضربه ولو كان الضرب ضعيفا لذى مروءة بملأ، والظاهر أن عدم الضمان إذا أرسله لخوف منه محله اذا لم يمكن رفعه للأمام وإلا رفعه ولا يرسله فإن أرسله مع إمكان رفعه ضمن. ومحله أيضا إذا كان لا يمكنه التحفظ منه بحيلة أو بحارس ولو بأجرة وإلا فلا يرسله ارتكابا لأخف الضررين، والظاهر رجوعه بأجرة الحارس كما يرجع بالنفقة، لأنها من متعلقات حفظه

(6)

».

(1)

العناية شرح الهداية وفتح القدير ج 4 ص 434 (المطبعة الأميرية)، والمبسوط ج 11 ص 19 (طبعة الساسى).

(2)

الانقروية نقلا عن البزازية ج 1 ص 198، المطبعة الأميرية.

(3)

المصدر السابق.

(4)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 128، طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(6)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 128 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

ص: 7

‌الشافعية:

جاء فى كلام الشافعية ما يدل على أن حكم الأخذ بمعنى الصفة الشرعية غير جائز بدون رضا المالك فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى «وإن عمل بلا اذن كأن عمل قبل النداء فلا شئ له، لأنه عمل متبرعا وإن كان معروفا برد الضوال. ودخل العبد - مثلا - فى ضمانه كما جزم الماوردى

(1)

».

وجاء فيه أيضا وألحق الأئمة بقول الأجنبى:

من رد عبد زيد فله على كذا «قوله: فله كذا، وإن لم يقل على لأن ظاهره التزام، فإن قيل: لا يجوز لأحد بهذا القول وضع يده على الأبق بل يضمن، فكيف يستحق الأجرة؟ أجيب بأنه لا حاجة إلى الإذن فى ذلك لأن المالك راض به قطعا، أو بأن صورة ذلك أن يأذن المالك لمن شاء فى الرد

(2)

»، فهذان النصان يدلان على أنه لا يجوز أخذ الآبق بدون إذن صاحبه: كأن ينادى بجعل لمن يرد آبقه أما قبل الإذن فلا يصح التقاطه، وقد جعلوا نداء الأجنبى كإذن المالك، لأن المالك يرضى بالرد والجعل قطعا. وأما حكمه بمعنى الأثر المترتب على الأخذ - فهو أن من أخذه بدون رضا المالك بصورة ما يكون ضامنا له، لأنه فى حكم الغاصب حينئذ، أما إذا أخذه بعد إذنه فإنه يكون أمينا لا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى المغنى «يد العامل على ما يقع فى يده (والآبق داخل فى ذلك) إلى أن يرده يد أمانة فإن خلاه بتفريط ضمن لتقصيره

(3)

».

‌الحنابلة:

يرى الحنابلة أن حكم أخذ الآبق - بمعنى صفته الشرعية - جائز فقد جاء فى كشاف القناع «وليس لواجده بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو (أى الآبق) كضوال الإبل، لكن جاز التقاطه لأنه لا يؤمن لحاقه بدار الحرب

(4)

» والذى يدل على أن المراد بالعبد فى عبارة كشاف القناع هو الآبق - كما فسرته - ما جاء فى المغنى لابن قدامة: «ويجوز أخذ الآبق لمن وجده .. ثم علل ذلك بقوله: وذلك لأن العبد لا يؤمن لحاقه بدار الحرب وارتداده واشتغاله بالفساد، بخلاف الضوال التى تحتفظ بنفسها

(5)

ولم يستدل من كتب المذهب على المراد بالجواز عندهم: هل هو الاستحباب أو الإباحة؟ ولعله الإباحة لأنهم قابلوه بما لا يجوز أخذة، وهو الضوال التى تحتفظ بنفسها، لاختلافه عنها بأنه يخشى لحاقه بدار الحرب أو اشتغاله بالفساد.

أما حكم الأخذ بمعنى الأثر المترتب عليه - فهو أن الآبق أمانة: لا يضمن أخذه إلا بالتقصير أو التعدى. فقد جاء فى المغنى لابن قدامة فإن أخذه فهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه وإن وجد صاحبه دفعه إليه إذا أقام البينة أو اعترف العبد أنه سيده، وإن لم يجد سيده دفعه للأمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه ثم قال:

وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد يحتفظ بنفسه (أى لا يتلف) فهو كضوال الابل

(6)

».

(1)

ج 2 ص 429 طبعة مصطفى الحلبى.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 430.

(3)

المغنى شرح المنهاج ج 2 ص 434 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 421 الطبعة العامرية الشرفية 1319.

(5)

المرجع السابق ج 6 ص 357 طبعة المنار 1346.

(6)

المغنى شرح المنهاج ج 2 ص 434 الطبعة السابقة.

ص: 8

‌الزيدية:

يرى الزيدية أن ضبط العبد الآبق من حيث الحكم بمعنى الصفة الشرعية مستحب فقد جاء فى حواشى شرح الأزهار «والعبد الآبق كالضالة، فيستحب ضبطه وينفق عليه من كسبه إن كان، وإلا فكالضالة

(1)

».

أما حكمه بمعنى الأثر المترتب على أخذه فإن يد آخذه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى البحر الزخار فى كتاب الضالة «ولا يضمن الملتقط إجماعا إلا لتفريط أو جناية إذ هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه فإن جنى أو فرط فالأكثر يضمن

(2)

».

وقوله هنا فى هذا النص: حيث لم يأخذ لغرض نفسه يريد منه إذا لم يأخذ للتملك لأنه قد قال فى الضالة وإن أخذها ليملك فهو غاصب، وقوله الأكثر يريد منه العترة والأئمة الأربعة والآبق كالضالة من حيث جواز الالتقاط فيأخذ حكمها من حيث ضمان الأخذ وعدم ضمانه. وكذلك يضمن إذا أخذها بنية الرد، ولكنه أعادها إلى حيث كانت فقد جاء فى البحر الزخار» ومن أخذ لمجرد نية الرد لم يضمن ما تلف، فإن ردها إلى حيث كانت ضمن للتفريط

(3)

.

‌الظاهرية:

يرى ابن حزم الظاهرى أن حكم أخذ الآبق من حيث صفته الشرعية أنه فرض، فقد جاء فى كتابه المحلى (والإباق من العبيد والإماء، وما أضل صاحبه منها، والغنم التى تكون ضوال بحيث لا يخاف عليها الذئب ولا إنسان وغير ذلك كله ففرض أخذه وضمه وتعريفه أبدا، فإن يئس من معرفة صاحبها أدخلها الحاكم أو واجدها فى جميع مصالح المسلمين

(4)

. ثم استدل على أخذ الإباق والضوال من الحيوان والضال من العبيد بقوله، وبقى حكم الحيوان كله حاشا ما ذكرنا

(5)

موقوفا على قوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى 6» ،} ومن البر والتقوى إحراز مال المسلم أو الذمى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» فلا يحل لأحد مال أحد إلا ما أحله الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم أما حكم أخذ الأبق من حيث الأثر المترتب عليه فإنه يجب على من أخذه أن يعرفه أبدا فإن يئس من معرفة صاحبه أدخلها الحاكم أو الواجد فى جميع مصالح المسلمين ولا يملكه الواحد أبدا، وقد ظهر لك هذا من النقل الذى نقلناه عن المحلى فى أول الكلام عن هذا الموضوع ولكنه يجب عليه قبل التعريف أن يشهد عند أخذه كما يظهر ذلك من قوله: من وجد مالا فى قرية أو مدينة أو صحراء فى أرض العجم أو أرض العرب العنوة أو الصلح مدفونا أو غير مدفون، إلا أن عليه علامة أنه ضرب مدة الإسلام أو وجد مالا قد سقط أى مال كان فهو لقطة وفرض عليه أخذة وأن يشهد عليه عدلا واحدا فأكثر ثم يعرفه ولا يأتى بعلامته وتعريفه هو أن يقول فى المجامع التى يرجو وجود صاحبها فيها أو لا يرجو: من ضاع

(1)

شرح الأزهار ج 4 ص 68 الطبعة الثانية لسنة 1358.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 281.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 28.

(4)

المحلى ج 8 ص 270، 271 طبة دار الطباعة المنيرية.

(5)

والذى ذكره هو الإبل القوية على الرعى وورود الماء فإنها لا يحل أخذها، والغنم التى يخاف عليها الذئب أو غيره فإنها تؤخذ وتصير حلالا لأخذها ولو جاء صاحبها وجدها حية أو مذبوحة.

(6)

سورة المائدة: 2.

(7)

المحلى ج 8 ص 257.

ص: 9

له مال فليخبر بعلامته هذا كله إذا لم يعرف صاحبها أما اذا عرفه فيقول ابن حزم الظاهرى فيه: وأما ما عرف ربه فليس ضالة لأنها لم تضل جملة بل هى معروفة وإنما الضالة ما ضلت جملة فلم يعرف صاحبها أين هى ولا عرف واجدها لمن هى وهى التى أمر عليه السلام بنشدها

(1)

.

ومقتضى هذا النص أنه لا يجب عليه نشدها أى التعريف ولكن يجب عليه أخذها ليردها إلى صاحبها من حيث ذكر فى الآبق والضال سابقا وجوب أخذه ونشده إلى أن ييأس من معرفة صاحبه، فاذا انتفى هنا وجوب نشده لمعرفة صاحبه، بقى وجوب أخذه والرد على صاحبه.

‌الشيعة الإمامية

يرى الشيعة عدم أخذ العبد الذى ليس فى يد صاحبه إن كان بالغا أو مراهقا، ولم يفرقوا بين الضال والآبق وجعلوه كالضالة الممتنعة من السباع والإنسان وتحتفظ بنفسها، فقد جاء فى شرائع الإسلام: إذا وجد مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ، وكان كالضالة الممتنعة

(2)

.

هذا هو الحكم بمعنى الصفة الشرعية أما الحكم بمعنى الأثر المترتب على أخذ الآبق فإنه يكون ضامنا له ولا يبرأ لو أرسله بعد أخذه ويجب عليه أن يسلمه لصاحبه أو إلى الحاكم، وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام حينما أحال حكم أخذ الآبق إلى حكم الضالة الممتنعة فى النص السابق، وإننا حينما ننظر إلى حكم الضالة الممتنعة نجده يقول:«فالبعير لا يؤخذ إذا وجد فى كلأ وماء أو كان صحيحا لقوله صلى الله عليه وسلم «خفه حذاؤه وكرشه سقاؤه فلا تمتحه» أى لا تأخذه، فلو أخذه ضمنه ولا يبرأ لو أرسله ويبرأ لو سلمه لصاحبه فإن فقده أى لم يجد صاحبه أو لم يعرفه سلمه إلى الحاكم لأنه منصوب للمصالح، فإن كان له (أى الحاكم) حمى أرسله فيه، وإلا باعه وحفظ ثمنه لصاحبه

(3)

. ومراده بالضالة الممتنعة التى تمتنع على صغار السباع كالإبل القوية والبقر الكبار والغزلان المملوكة، وفى النص السابق ذكر أنه أخذ عبدا مملوكا بالغا أو مراهقا ولم يفصل بين ما إذا كان ضالا أو آبقا فيكون مقتضاه أن حكمهما واحد، وأن الأبق مثل الضال وضالة الإبل القوية ونحوها مما ذكرنا.

‌ما يجب أن يفعله أخذ الأبق عند أخذه:

‌الحنفية

يرى الحنفية أنه يجب على آخذ الأبق أن يشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده على مالكه، لأنه يجب عليه أن يفعل ذلك عند أخذ اللقطة إذ الآبق حكمه فى ذلك حكم اللقطة، وقد قال صلى الله عليه وسلم «من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل، وليحفظ عفاصها ووكاءها، فإن جاء صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها، وان لم يجئ صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء» . رواه أحمد وابن ماجه.

«والعفاص: الوعاء الذى تكون فيه النفقة من جلد أو خرقة، والوكاء هو الرباط الذى

(1)

المحلى ج 8 ص 271.

(2)

شرائع الإسلام ج 2 ص 177 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 176.

ص: 10

تربط به. وهذا عند أبى حنيفة ومحمد، أما أبو يوسف فإنه يذهب إلى أن الإشهاد ليس بواجب، بل مستحب

(1)

».

وبعد هذا الإشهاد يجب عليه أن يأتى به إلى السلطان إذا كان لا يقدر على حفظه بنفسه، أما إذا كان يقدر على ذلك فإنه مخير بين أن يأتى به إلى السلطان ليحفظه وبين أن يحفظه بنفسه، وهذا التفصيل هو ما اختاره شمس الأئمة الحلوانى أما شمس الأئمة السرخسى فإنه يختار أن يأتى به إلى السلطان لأن الآخذ لا يقدر على حفظه عادة من الإباق بعد أخذه إياه والسلطان أو القاضى هو الذى يستطيع أن يحبسه منعا له عن الإباق مرة أخرى

(2)

فإذا أخذه السلطان حبسه تعذيرا الى أن يجئ صاحبه

(3)

.

‌المالكية:

يرى المالكية أنه إذا أخذه وكان يعرف صاحبه يرده عليه، وإن لم يكن يعرفه وأخذه مع إن ذلك مكروه وجب عليه أن يرفعه إلى الحاكم لرجاء من يطلبه منه ويجب عليه عند أخذه سواء أكان يعرف صاحبه أم لم يعرفه أن يشهد عند التقاطه وإن يستمر فى تعريفه سنة وإذا خاف على نفسه أو ماله منه دفعه إلى الحاكم

(4)

.

‌الشافعية:

ذهب الشافعية إلى أنه لا يجب على آخذ الآبق الإشهاد ككل لقطة، فقد جاء فى المنهاج والمذهب أنه لا يجب الإشهاد على الالتقاط

(5)

. وإذا أشهد يذكر فى الأشهاد بعض صفات اللقطة ليكون فى الأشهاد فائدة ثم قال ولا يستوعبها لئلا يتوصل إليها كاذب.

‌الحنابلة:

يذهب الحنابلة إلى أن آخذ الآبق يحفظه وهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريطه، وعليه أن يعرفه وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه، لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإذا جاء صاحبه دفعه إليه إذا أقام صاحبه البينة أو اعترف العبد أنه سيده وإن لم يجد سيده دفعه للأمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فى بيعه ونحو ذلك

(6)

.

‌الزيدية:

لم نجد كلاما خاصا بالآبق عندهم فى هذا الموضوع ولكنهم يجعلونه فى الالتقاط وفى الضمان كالضالة واللقطة فالظاهر أنه عندهم كذلك فيما يجب أن يفعله آخذه، وقد جاء فى مفتاح الأزهار شرح المنتزع وحواشيه أنه لا يلزمه أن يدفعها للأمام فقد قال فيه «وهى (أى اللقطة بمعنى الضالة) كالوديعة إلا فى أربعة أحكام ثم ذكر منها وتصييرها إلى الإمام غير واجب بل إذا أحب ذلك وإلا فالولاية إليه» . ثم قال ويجب التعريف وقت الالتقاط بما لا يتسامح بمثله

(7)

.

‌الظاهرية:

يؤخذ من كلام ابن حزم الظاهرى الذى نقلنا نصه فى حكم آخذ الآبق أنه يجب عليه

(1)

الزيلعى (تبيين الحقائق) ج 3 ص 309 فى باب الآبق، وص 302 فى باب اللقطة، وحاشية الشلبى على الزيلعى ج 3 ص 302 المطبعة الأميرية.

(2)

العناية شرح الهداية على هامش فتح القدير ج 4 ص 434 المطبعة الأميرية.

(3)

الزيلعى (تبيين الحقائق) ج 3 ص 308، المطبعة الأميرية.

(4)

الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 126، 127، طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(5)

المنهاج وشرح المغنى عليه ج 2 ص 407 طبعة شركة مكتبة مصطفى البابى الحلبى وأولاده سنة 1377 - المغنى الصفحة السابقة.

(6)

المغنى لابن قدامة ج 6 ص 257 طبعة المنار سنة 1347.

(7)

شرح الازهار، شرح المنتزع وحواشيه ج 4 ص 61 و 62 و 64 - الطبعة الثانية لسنة 1358.

ص: 11

بعد أخذه أن يشهد عليه على الوضع الذى سبق ذكره.

‌الشيعة الجعفرية:

قد ذكرنا فيما تقدم فى حكم (أخذ الآبق) أن الشيعة الجعفرية يرون ألا يؤخذ المملوك إذا كان بالغا أو مراهقا وأن حكمه حكم الضالة الممتنعة.

‌مقدار الجعل ومتى يستحق

ومتى يكون عليه الجعل

الجعل هو المقدار المعين من المال الذى يستحقه من رد الآبق أو الضالة وكلامنا عليه هنا يكون فى مقداره، ومتى يستحق وعلى من يكون، وللفقهاء فى هذا آراء نذكرها فيما يأتى:

‌الحنفية:

مقدار الجعل عند الحنفية كان بتقدير الشارع وهو قول الرسول عليه السلام «جعل الآبق أربعون درهما» وهو أربعون درهما إذا رده من مسافة قصر للصلاة وهى ثلاثة أيام بلياليها فأكثر فإن رده لأقل من ذلك فقولان، قول بأن الجعل يكون بحسب المسافة التى رد منها منسوبة للأربعين درهما أى أنه إذا رده لربع مسافة القصر يكون له عشرة دراهم وإذا رده لنصفها يكون له عشرون درهما وهكذا، وقول بأنه يرضخ له أى يعطى قليلا غير كثير فإن اتفقا على الرضخ فبها، وإن اختلفا قدره الإمام وكذلك إذا رده فى المصر يكون بحسابه أو يرضخ له بناء على الرأيين السابقين وروى عند أبى حنيفة أنه لا شئ له إذا رده فى المصر، ولكن الرضخ هو المفتى به على ما ذكر صاحب الدر المختار وجعله صاحب رد المختار ابن عابدين نقلا عن صاحب البحر أنه الصحيح

(1)

ولا فرق فى إيجاب الأربعين بين ما إذا كانت قيمة الآبق أقل من أربعين أو أربعين فأكثر على الرأى المشهور عند الحنفية وهو رأى أبى يوسف، لأن تقديره ثبت بالنص بلا تعرض لقيمته فيمنع النقصان كما تمنع الزيادة ولذا يكون الصلح بأكثر منه غير جائز بخلاف الصلح على الأقل لأنه حط للبعض ولو حط الكل كان جائزا فكذا البعض، أما محمد فقد قال: تجب قيمته إلا درهما لأن وجوبه ثبت إحياء لحقوق الناس نظرا لهم ولا نظر فى إيجاب أكثر من قيمته، وقد روى أيضا عن كل من محمد وأبى يوسف مثل رأى صاحبه وروى عن أبى يوسف أيضا أنه ينقص منه قدر ما تقطع اليد

(2)

، أما أبو حنيفة فرأيه كرأى محمد كما ذكر الشهاب الشلبى فى حاشيته على كتاب تبيين الحقائق للزيلعى على الكنز نقلا عن شرح الطحاوى

(3)

وكذا ذكره الكمال ابن الهمام فى فتح القدير

(4)

، وقد ثبت الجعل للراد استحسانا وإن لم يشترط لأن القياس يقضى بأنه لا شئ له إلا بالشرط كأن يقول مالكه: من رد عبدى على فله كذا لأنه فى حالة عدم الشرط يكون متبرعا بمنفعته، ووجه هذا الاستحسان هو ما روى عن عمرو بن دينار أنه قال: لم نزل نسمع أنه عليه الصلاة والسلام قال: «جعل الآبق

(1)

الدر المختار ورد المختار ج 3 ص 358، 359 طبعة دار الكتب العربية.

(2)

الزيلعى «تبيين الحقائق» على الكنز ج 3 ص 208 الطبعة الأميرية.

(3)

الزيلعى ج 3 ص 308.

(4)

فتح القدير ج 4 ص 436 الطبعة الاميرية.

ص: 12

أربعون درهما» فقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم لرد الآبق جعلا، أما الضال فلا جعل فى رده لأنه لم يسمع عنه صلى الله عليه وسلم جعلا فى رده فيلزم الاقتصار فى ذلك على مورد النص ولأن إيجاب الجعل فى رد الآبق حامل لواجده على رده إذ الحسبة نادرة فتحصل صيانة أموال الناس والحاجة إلى صيانة الضال أقل من الحاجة إلى صيانة الآبق، لأن الآبق يختفى عن أعين الناس هربا من الرجوع إلى سيده، أما الضال فإنه يظهر ليرده الناس

(1)

.

ويستوى فى وجوب الجعل كل رقيق أبق ولو كان فيه شائبة الحرية كالمدبر وأم الولد إلا المكاتب، فإنه لا جعل له، لأن المدبر وأم الولد وإن كان فيهما شائبة الحرية لتحرر المدبر بموت سيده متى خرج من الثلث وأم الولد تعتق بموت سيدها - إلا أنهما مملوكان للسيد ويستكسبهما كالقن، فيحصل بالرد إحياء المالية من هذا الوجه.

والجعل إنما كان لإحياء المالية، أما المكاتب فإنه أحق بمكاسبه، فلا يوجد فيه إحياء لمال المولى وهذا فيما إذا رد المدبر وأم الولد فى حياة المولى. أما إذا ردا بعد وفاته فلا جعل للراد بخلاف ما إذا رد القن بعد وفاته، وذلك لأن المدبر إن خرج من الثلث يعتق، ولا جعل فى الحر، وإن لم يخرج فكذلك عند الصاحيين، لأنه حر عليه دين، إذ العتق لا يتجزأ عندهما، وهو عند الإمام مكاتب ولا جعل على المكاتب، وأما أم الولد فإنها تعتق بموت سيدها، فلا جعل فيها لحريتها بعد موت سيدها ولا جعل فى الحر أما القن الذى جاء به الراد بعد موت سيده ففيه الجعل، لأنه لا يزال رقيقا

(2)

.

أما متى يستحق الجعل فإن الراد يستحقه برده لسيده، فلو مات أو أبق منه قبل الرد فلا جعل له، ويعتبر متسلما له إذا باعه من الراد عند حضوره وقبل أن يقبضه بيده لسلامة البدل وهو الثمن له أى للسيد وكذا لو اعتقه فى هذه الحال لأن الإعتاق منه قبض، وكذا إذا وهبه لابنه الصغير لأن هبة الآبق لصغيره جائزة لأنه باق فى يده حكما فيصير قابضا للصغير باليد الحكمى الذى بقى له أما إذا وهبه لغير صغيره ولو كان للراد نفسه لا يكون قابضا قبل الوصول إلى يده

(3)

وهذا مشروط بأن يصدقه السيد فى الإباق فإذا أنكر المولى إباقه كان القول له مع يمينه إلا إذا شهد شهود أنه أبق من مولاه أو يشهدوا على إقرار المولى بإباقه

(4)

ولكنه يلزم مع ما تقدم لاستحقاق الجعل أن يشهد عند أخذه أنه أخذه ليرده على سيده متى تمكن من الإشهاد وإلا فلا يشترط الإشهاد ويكون القول قوله فى أنه لم يتمكن وإن لم يشهد عند أخذه مع التمكن لا يكون له الجعل لأنه يكون آخذا لنفسه فيكون

(1)

الزيلعى ج 3 ص 308 الطبعة الأميرية.

(2)

الزيلعى ج 3 ص 309.

(3)

المبسوط ج 11 ص 22 طبعة الساسى والعناية وفتح القدير والهداية ج 4 ص 438 الطبعة الاميرية.

(4)

فتح القدير والهداية ج 4 ص 438.

ص: 13

غاصبا، ولو كان الراد قد اشتراه من واجده وأشهد حين اشتراه أنه قد اشتراه ليرده على سيده يكون له الجعل لأنه لا يقدر على رده إلا بالشراء ولكنه يكون متبرعا بالثمن وكذلك يلزم لاستحقاق الراد الجعل ألا يكون ممن يجب عليه ذلك ولا ممن يعمل متبرعا فليس للسلطان أو نائبه ولا لحافظ المدينة ولا للخفير جعل، لأن ذلك مما يجب عليه ولا لوصى اليتيم المالك للعبد ولا لعائله جعل لأن من شأنه حفظ ماله، وكذا من استعان به السيد فى رده كان يقول له السيد: إن وجدته فخذه فقال: نعم لأن ذلك متبرع بالإعانة، ومثله كل من جرت العادة بأنه يرده عليه تبرعا كأحد الزوجين أو أحد الأبناء أو أحد الشركاء أو من يكون فى عياله بأن يكون ممن يعوله المالك ويمونه فلا جعل للأب أو الأم إذا رد عبد الابن إذا كان فى عيال الابن

(1)

أما إذا لم يكن أحد الأبوين فى عيال الابن فله الجعل لأن خدمة الابن غير مستحقة عليه

(2)

.

واشتراط إشهاد الراد - عند أخذ الآبق - أنه أخذه ليرده حتى يستحق الجعل هو المشهور عند الحنفية، وهو رأى أبى حنيفة ومحمد، أما أبو يوسف فإنه يذهب إلى أنه يستحق الجعل وإن لم يشهد ما دام قد أخذه ليرده لا لنفسه، لأن الإشهاد غير واجب عليه عنده، بل مستحب

(3)

أما من يكون عليه الجعل فهو السيد فيما ذكرنا: من القن والمدبر وأم الولد، وكذا إذا كان مأذونا ولم يركبه دين، أما إذا كان مأذونا وركبه دين فإنه يكون على السيد إذا اختار قضاء دينه، وعلى الغرماء إذا اختار بيعه فى الدين. وحينئذ يأخذ الراد جعله من الثمن، وما بقى يعطى لأصحاب الديون لأنه مؤنة الملك فيجب على من يستقر له الملك ويكون على صاحب الخدمة إذا أوصى سيده برقبته لشخص وبخدمته لأخر يدفعه المخدوم فى الحال ولكنه يرجع به على صاحب الرقبة عند انتهاء الخدمة أو يباع العبد فيه إن لم يدفع صاحب الرقبة الجعل، لأن الموصى له بالرقبة فى حكم المالك ويكون على المرتهن إذا كانت قيمته مساوية للدين أو أقل أما إذا كانت أكثر فعليه بقدر دينه والباقى على الراهن لأن حقه: أى المرتهن، بالقدر المضمون منه أى من العبد وهو قيمة الدين فلو كانت قيمته أربعمائة والدين ثلثمائة يكون على المرتهن ثلاثون وعلى الراهن عشرة لأن الجعل المقدر شرعا أربعون درهما وإن اصطلح على أقل يكون بهذه النسبة

(4)

ويكون على من سيصير اليه اذا كان العبد قد جنى خطأ قبل الإباق أو بعده قبل أن يأخذه الراد فيكون على المولى ان اختار

(1)

الدر المختار ورد المختار (ابن عابدين) ج 3 ص 357 طبعة دار الكتب العربية الكبرى.

(2)

العناية على هامش فتح القدير ج 4 ص 437 الطبعة الأميرية.

(3)

حاشية الشلبى على شرح الزيلعى للكنز ج 3 ص 302 الطبعة الأميرية.

(4)

الزيلعى على الكنز ج 3 ص 309، 310 الطبعة الأميرية وفتح القدير ج 4 ص 439 الطبعة الاميرية.

ص: 14

فداءه وعلى أولياء الجناية إن اختار دفعه إليهم، ولو اختار المولى الدفع ثم قضى عليه بدفع العبد إلى أولياء الجناية كان له الرجوع على المدفوع إليه الجعل، وإنما كان الجعل على المولى إن اختار فداءه لأنه طهره عن الجناية باختياره فصار كإنه لم يجن وأحيا الراد ماليته بالرد عليه، وأما كون الجعل على أولياء الجناية إن اختار المولى دفعه بها فلأن الراد برده قد أحيا حقهم

(1)

.

أما الموهوب له هذا الآبق فقد جاء عنه فى الزيلعى «فإن الجعل عليه وإن رجع الواهب فى هبته بعد الرد لأن الموهوب له هو المالك وزوال ملكه فى حالة رجوع الواهب بعد الرد إنما كان بتقصير منه وهو بتركه التصرف فيه فلا يسقط عنه ما وجب عليه بالرد، أما إذا كان الآبق مغصوبا فإن جعله على الغاصب لأن ضمان جناية العبد المغصوب تكون على الغاصب، وإذا كان الأبق ملكا لصبى فجعله فى ماله لأنه مؤنة ملكه

(2)

» وما دام الجعل يكون على المالك فى بعض الأحوال. «فإنه إذا كان الآبق مشتركا بين شخصين يكون على كل واحد من الجعل بقدر نصيبه فلو كان أحدهما غائبا فأعطى الحاضر الجعل كله للراد لا يكون متبرعا بنصيب الغائب لأنه لا يمكن أن يأخذه حتى يعطى تمام الجعل فيكون له الرجوع على الغائب بما أصابه من الجعل لأنه مضطر فيما أعطاه للراد إذ أنه لا يصل إلى نصيبه إلا بذلك

(3)

».

‌المالكية:

مقدار الجعل عندهم هو ما سماه الجاعل وسمعه العامل مباشرة أو بالواسطة وليس عندهم قدر معين شرعا فى الجعل كما هو عند الحنفية على نحو ما ذكرنا عنهم فقد قال الدردير فى الشرح الكبير: من سمع قائلا يقول: من يأتينى بعبدى الآبق مثلا فله كذا فأتاه به من غير تواطؤ فإنه يستحق ما التزمه الجاعل

(4)

.

وقد ينتقل الجعل من المسمى إلى جعل المثل فقد قال الدسوقى: لا يشترط العلم بالمجعول عليه بل تارة يكون مجهولا كالآبق فإنه لا بد فى صحة الجعل على الإتيان به ألا يعلم مكانه فإن علمه ربه فقط لزمه الأكثر مما سمى وجعل المثل وإن علمه العامل فقط كان له بقدر تعبه عند ابن القاسم، وقيل لا شئ له وإن علماه معا فينبغى أن له جعل مثله نظرا لسبق الجاعل بالعداء

(5)

وكذلك يستحق جعل المثل إذا لم يسمع العامل - ولو بالواسطة - الجاعل حينما سمى جعلا فى رد آبقه إذا كان هذا العامل من عادته رد الإباق فقد قال الدسوقى: «ولمن لم يسمع الجاعل أى لا مباشرة ولا بالواسطة وإلا استحق المسمى بتمام العمل وحاصله أنه إذا قال المالك من أتى بعبدى الآبق فله كذا فجاء شخص لم يسمع كلام ربه لا مباشرة ولا بالواسطة أو أن ربه لم يقل شيئا فجاء به

(1)

الدر المختار وشرحه رد المختار (ابن عابدين) ج 3 ص 359 طبعة دار الكتب العربية والزيلعى على الكنز ج 3 ص 310 الطبعة الأميرية.

(2)

الزيلعى على الكنز ج 3 ص 310.

(3)

الفتاوى الانقروبة ج 1 ص 199 الطبعة الأميرية.

(4)

الدردير على الشرح الكبير ج 4 ص 60، 61 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(5)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 61 طبعة دار احياء الكتب العربية.

ص: 15

شخص فانه يستحق جعل المثل سواء كان جعل المثل أكثر من المسمى أو أقل منه أو مساويا له بشرط كون ذلك الشخص الآتى به من عادته طلب الإباق قان لم يكن عادته ذلك فلا جعل له وله النفقة فقط

(1)

» والمراد من النفقة التى ذكرها هو ما أنفقه فى سبيل تحصيله فقد قال الدسوقى نفسه: أى فله ما أنفقه حال تحصيله على نفسه وعلى العبد من أجرة دابة أو مركب اضطر إليها بحيث لم يكن الحامل على صرف تلك الدراهم إلا تحصيله لأن تلك الدراهم بمثابة ما فدى به من ظالم، أما ما شأنه أنه ينفقه العامل على نفسه فى الحضر كالأكل والشرب فلا يرجع به على ربه، ثم قال تعليقا على كلام الدردير: وما أنفقه عليه من أكل وشرب، الأولى اسقاط ذلك لأن نفقة الطعام والشراب والكسوة على ربه ولو وجب للعامل جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه

(2)

أما إذا سمعه من شأنه رد الإباق ولو بالواسطة فلا شئ له إلا المسمى وفى حالة ما إذا لم يسمعه يكون لرب الآبق أن يترك عبده للعامل فقد قال الدردير: ولربه - أى الآبق - تركه للعامل حيث لم يسمع من عادته طلب الضول وأتى به لربه كانت قيمته قدر جعل المثل أو أقل أو أكثر ولا مقال له، بخلاف ما ادا سمعه سمى شيئا ولو بالواسطة فله ما سماه ولو زاد على قيمة العبد لأن ربه ورطه

(3)

وكذلك يكون له جعل المثل إن اختلفا فى الجعل وتحالفا ولم يشهد الظاهر لقول أحدهما، فقد جاء فى الشرح الكبير للدردير بعد أن ذكر أن جعل المثل يكون لمن لم يسمع ولكنه معتاد لطلب الإباق: كحلفهما أى المتجاعلين بعد تخالفهما أى بعد اختلافهما فى قدر الجعل بعد تمام العمل ولم يشبها أى لم يشبه أحدهما فى قوله ظاهر الأمر فيقضى له بجعل المثل

(4)

وإن جاء به اثنان يكون الجعل بنسبة ما سمى لكل منهما فقد جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أن رب الآبق إذا جعل لرجل درهما على أن يأتيه بعبده الآبق وجعل لأخر نصف درهم على أن يأتيه بعبده فأتيا به معا فإنهما يشتركان فى ذلك الدرهم، إذ هو غاية ما يلزم رب العبد بنسبة ما سماه لكل منهما بجموعة التسميتين فيأخذ الأول ثلثه ويأخذ الثانى ثلثه لأن نسبة نصف الدرهم إلى درهم ونصف: ثلث، ونسبة الدرهم كذلك ثلثان. ثم ذكر أن هذا هو المشهور وهو قول ابن القاسم، وآن ابن نافع وأبن عبد الحكم قالا أن لكل واحد منهما نصف ما جعل له، ورجحه التونسى واللخمى

(5)

.

هذا ما يتعلق بمقدار الجعل أما متى يستحق الجعل فإنه يكون عند تسليم الراد الآبق لسيده وذلك يكون بتمكينه منه أو أن يكون الآبق قد استحق لشخص آخر أو حرره سيده بعد وصوله إلى بلد صاحب الآبق وقبل قبضه له. فقد جاء فى شرح الدردير وحاشية الدسوقى عليه «يستحقه أى الجعل السامع من الجاعل ولو بواسطة أن ثبت أنه قاله بالتمام للعمل بتمكين ربه منه وذلك بأن يمكن المجاعل رب الشئ المجاعل عليه منه فإن أبق قبل قبضه

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 64 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(2)

المرجع السابق ص 65 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ص 64، 65 الطبعة السابقة.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 64 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ص 65 الطبعة السابقة.

ص: 16

بعد مجئ العامل به لبلد ربه لم يستحق العامل جعلا»

(1)

.

وقال الدردير أن من أتى بالعبد الآبق فاستحقه شخص أو استحق بحرية فإنه يستحق الجعل على الجاعل ولو لم يقبضه لأنه ورطه فى العمل ولولا الاستحقاق لقبضه واستولى علية ولا يرجع الجاعل بالجعل على المستحق عند ابن القاسم وهو المشهور وقد بين الدسوقى وقت الاستحقاق للآبق الذى لا يسقط به الجعل فقال: «وإن استحق أى بعد وصول المجاعل للبلد وقبل قبض ربه أما لو أستحق منه وهو فى الطريق قبل إتيانه للبلد فلا جعل له كما ارتضاه البنانى

(2)

».

واشترطوا لاستحقاق الجعل عند التسليم أو الاستحقاق بعد وصول البلد أن يكون هناك عقد جعالة بين سيد العبد وبين الراد وذلك يكون بإيجاب وقبول أو بأن يقول رب العبد من رد عبدى فله كذا وسمع الراد ذلك مباشرة أو بالواسطة إن ثبت أنه قاله كما قدمنا أما إذا كان راد الآبق ممن اعتادوا رد الإباق فإنه يستحق جعل المثل إن لم يتعاقد معه أو لم يسمع ولو بالواسطة أما إذا تعاقد معه فلا يستحق إلا ما سمى متى مكنه منه كما قدمنا وأما من يكون عليه الجعل فهو الملتزم له من المتجاعلين لأنه نشأ عن تعاقد.

قال الدردير فى الجعل المعلوم يستحقه السامع من الجاعل ولو بواسطة أن ثبت أنه قاله

(3)

وقال فى حالة ما إذا استحق الآبق قبل تسليمه لصاحبه فإنه أى العامل يستحق الجعل على الجاعل ولو لم يقبضه ثم قال ولا يرجع الجاعل بالجعل على المستحق عند ابن القاسم وهو المشهور.

وقد علق الدسوقى على هذا فبين الرأى الآخر غير المشهور فقال أى خلافا لمحمد بن المواز القائل للجاعل أن يرجع على المستحق بالأقل من المسمى ومن أجر المثل

(4)

.

‌الشافعية:

أما مقدار الجعل عندهم فهو ما اتفق عليه بين الإذن بالعمل والعامل فقد جاء فى الأم للشافعى: «ولا جعل لأحد جاء بآبق ولا ضالة إلا أن يكون جعل له فيه فيكون له ما جعل له وسواء فى ذلك من يعرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به

(5)

» فهم يخالفون المالكية فى جعل من عرف بطلب الضوال واعتاده من حيث أنهم لا يجعلون له جعلا إلا بالتسمية بخلاف المالكية كما يعلم مما تقدم ولكن قد ينتقل من الجعل المسمى إلى جعل أزيد أو أنقص قبل الفراغ من العمل بناء على اتفاق

(6)

.

والجعل يقبل التجزئة عندهم على قدر العمل فقد جاء فى المنهاج والمغنى ولو قال شخص بناء على صحة الجعالة على عمل معلوم من رد عبدى مثلا من بلد كذا فله كذا فرده العامل من مكان أقرب منه فله قسطه.

أى قسط الأقرب من الجعل، لأنه جعل كل الجعل فى مقابلة العمل، فبعضه فى مقابلة البعض فإن رده من نصف الطريق

(1)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 61

(2)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 4 ص 62 الطبعة السابقة.

(3)

الشرح الكبير للدردير ومتنه ج 4 ص 60، 61 الطبعة السابقة.

(4)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 62 الطبعة السابقة.

(5)

الأم للشافعى ج 4 ص 69 طبعة شركة الطباعة الفنية المتحدة ونشر مكتبة الكليات الأزهرية.

(6)

المنهاج وشرحه المغنى ج 4 ص 433، 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى.

ص: 17

مثلا استحق نصف الجعل ويجب فرضه كما قال ابن الرفعة فيما إذا تساوت الطريق سهولة وحزونة، فإن تفاوتت بأن كانت أجره نصف المسافة ضعف أجرة النصف الآخر فيقابله ثلثا الجعل

(1)

.

وأما متى يستحق الراد الجعل؟ فإن الراد يستحقه بتمام العمل فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى «ولو تلف المردود قبل وصوله كأن مات الآبق بغير قتل المالك له فى بعض الطريق ولو بقرب دار سيده أو غصب، أو تركه العامل، أو هرب ولو فى دار المالك قبل تسليمه له، فلا شئ للعامل وإن حضر الآبق لأنه لم يرده» .

ثم قال «وإذا رده: أى الآبق العامل على سيده فليس له حبسه لقبض الجعل، لأن الاستحقاق بالتسليم، ولا حبس قبل الاستحقاق

(2)

».

ومن هذا النص يؤخذ أن الرد الذى يستحق به الجعل هو نفس التسليم، ولا تكفى مواجهته له.

ويشترط لاستحقاق الراد الجعل أن يأذن رب الآبق أو غيره بالعمل، فقد جاء فى المغنى «فلو عمل بلا إذن، أو أذن لشخص فعمل غيره - فلا شئ له. ولو قال أجنبى:

من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبى، لأنه التزمه.

وإن قال الأجنبى: قال زيد: من رد عبدى فله كذا - وكان الأجنبى كاذبا - لم يستحق العامل عليه: أى على الأجنبى، لعدم التزامه، ولا على زيد إن كذب القائل

(3)

».

أما من يكون عليه الجعل فإنه يؤخذ من النصوص السابقة أنه يكون على الملتزم:

وسواء فى ذلك أن يكون رب العبد وأن يكون أجنبيا، ولكن لا يعتبر ولى الصغير أجنبيا يكون عليه الجعل فى ماله هو إذا طلب رد الآبق من مال موليه، بل يكون فى مال الصغير، فقد جاء فى المغنى:«قد يفهم تعبير المصنف كغيره - بالأجنبى» أى فى قوله: ولو قال أجنبى: من رد عبد زيد فله كذا استحقه الراد على الأجنبى «أنه لو قال الولى ذلك عن محجور على وجه المصلحة بحيث يكون الجعل قدر أجرة مثل ذلك العمل أن الراد يستحقه فى مال المالك بمقتضى قول وليه، قال بعض المتأخرين وهو واضح، ولم أر من تعرض له

(4)

».

ولو كان مغصوبا فإن الجعل يكون على الغاصب، فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: «وعلى الغاصب الرد للمغصوب عند التمكن وإن عظمت المؤنة فى رده ولو كان غير متمول كحبة بر أو كلب يقتنى، للحديث المار: على اليد ما أخذت حتى تؤديه

(5)

».

‌الحنابلة:

مقدار الجعل عندهم هو ما سمى، فإن لم يسم فله ما قرره الشارع، فقد جاء فى المحرر: «ولا يستحق الجعل بغير شرط إلا فى رد الآبق خاصة فإن له الجعل بالشرع:

دينارا أو اثنى عشر درهما. وعنه (أى عن أحمد) إن رده من خارج المصر فله

(4)

أربعون درهما

(6)

».

(1)

شرح المغنى ج 2 ص 431 طبعة مصطفى الحلبى

(2)

ج 2 ص 434 الطبعة السابقة.

(3)

ج 2 ص 430 الطبعة السابقة.

(4)

ج 2 ص 430 الطبعة السابقة.

(5)

ج 2 ص 276، 277 الطبعة السابقة.

(6)

ج 1 ص 372 طبعة مطبعة أنصار السنة المحمدية.

ص: 18

ولكن هل إذا سميا جعلا يكون اللازم ما سميا؟ قد بين هذا صاحب كشاف القناع فقال: «إذا كان المسمى ليس أكثر من المقدر شرعا فإنه حينئذ يكون له ما قدره الشارع وتلغى التسمية، قطع بهذا الحارثى وصاحب المبدع، لأن من أوجب عليه الشارع شيئا مقدرا من المال عند وجود سببه استقر عليه كاملا بوجود سببه

(1)

».

ومقتضى هذا النص أنه إذا سمى أقل من المقدر شرعا يكون لة المقدر أما إذا لم يسم جعل فإن الجعل يكون ما قدره الشارع كما يفهم من عبارة المحرر السابقة.

وكما روى عن أحمد روايتان فى المقدر شرعا كما يفهم من عبارة المحرر السابقة فيما إذا جاء به من خارج المصر، فقد روى عنه فيما إذا جاء به من المصر نفسه أنه عشرة دراهم أو دينار

(2)

.

وقد روى عنه أيضا أنه لا جعل فى رد الآبق فقد جاء فى المغنى: «وقد روى عن أحمد أنه لم يكن يوجب ذلك: أى جعلا إذا لم يوجد شرط» .

قال أبو منصور: «سئل أحمد عن جعل الآبق فقال: لا أدرى، تكلم الناس فيه، لم يكن فيه عنده حديث صحيح. فظاهر هذا أنه لا جعل فيه، وهو ظاهر قول الخرقى ثم علل ذلك بقوله: لأنه عمل لغيره عملا من غير أن يشرط له عوضا

(3)

».

والجعل المتفق عليه، أو المقدر شرعا إن لم يكن شرط جعل يستحقه العامل على الرواية الراجحة. وإن زاد على قيمة العبد. وسواء فى ذلك أن يكون الراد معروفا برد الإباق أولا فقد جاء فى المغنى:

«ولا فرق عند إمامنا بين أن يزيد الجعل على قيمة العبد أو ينقص .. ثم علل ذلك بقوله: ولنا عموم الدليل (أى الأدلة التى وردت عن السلف بتقدير الجعل الذى لم يشترط). ولأنه جعل يستحق فى رد الآبق، فاستحقه وإن زاد على قيمته كما لو جعله صاحبه

ثم قال إذا ثبت هذا فلا فرق بين كونه من المعروفين برد الإباق أو لم يكن

(4)

».

وبهذا يخالفون المالكية فى أنه لا يكون جعل فى حالة عدم الشرط إلا لمن اعتاد رد الإباق.

وقد ينتقل الجعل عندهم من المسمى إلى أجره المثل، وذلك إذا فقد شرطا من شروط صحة الجعل.

فقد جاء فى المغنى: «متى شرط عوضا مجهولا كقوله: إن رددت عبدى فلك ثوب أو فلك سلبه، أو شرط عوضا محرما كالخمر والحر، أو غير مقدور عليه كقوله: «من رد عبدى فله ثلثه، أو من رد عبدى فله أحدهما فرده إنسان - استحق أجر المثل، لأنه عمل عملا بعوض لم يسلم له، فاستحق أجره كما فى الإجارة

(5)

».

أما من يكون له الجعل فإنه الراد إن كان هو الذى اتفق معه سيد الأبق أو كان السيد لم يعين أحدا، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: «ويجوز أن يجعل الجعل فى الجعالة لواحد بعينه فيقول له: إن رددت عبدى فلك دينار، فلا يستحق الجعل من

(1)

ج 2 ص 417 المطبعة الشرفية سنة 1319.

(2)

المغنى ج 6 ص 356 طبعة المنار سنة 1347.

(3)

ج 6 ص 355 الطبعة السابقة.

(4)

ج 6 ص 356، 357 طبعة المنار سنة 1347.

(5)

ج 6 ص 354 الطبعة السابقة.

ص: 19

يرده سواه. ويجوز أن يجعله لغير معين فيقول من رد عبدى فله دينار، فمن رده استحق الجعل

(1)

».

ولا فرق عندهم فى الراد من حيث استحقاق الجعل أن يكون من ولد المالك، أو زوجا، أو غير ذلك، فقد جاء فى كشاف القناع:«وسواء (أى فى استحقاق الجعل) كان الراد زوجا للرقيق الآبق، أو ذا رحم فى عيال المالك أولا، لعموم ما سبق» يريد مما سبق الأدلة الدالة على استحقاق الجعل

(2)

.

وقد يكون للراد جزء من الجعل المسمى بقدر نصيبه فى العمل، وذلك بأن يشترك فى العمل أكثر من واحد من المبدأ إلى النهاية فقد جاء فى المغنى: «فإن قال: من رد لقطتى فله دينار، فردها ثلاثة فلهم الدينار بينهم أثلاثا، لأنهم اشتركوا فى العمل الذى يستحق به الجعل، فاشتركوا فى العوض، كالأجرة فى الإجارة

(3)

».

والآبق عندهم كاللقطة فى هذا لأن الكلام قبل هذه العبارة فى جواز جعل الجعل لواحد. فقد جاء فى المغنى فى نفس الموضوع «ويجوز أن يجعل الجعل لواحد بعينه فيقول له: إن رددت عبدى فلك دينار استحق الجعل» ثم ذكر حالة ما إذا لم يجعله لواحد بعينه كما فى العبارة السابقة وفى نفس الصفحة.

وكذلك إذا حدد السيد مكانا فرده الراد من منتصف طريق هذا المكان مثلا، فقد جاء فى المغنى

(4)

«وإن قال: من رد عبدى من بلد كذا فله دينار فرده إنسان من نصف طريق ذلك البلد استحق نصف الجعل» .

هذا إذا جعل جعلا واحدا. أما إذا جعل أجعالا مختلفة فإن كل واحد يأخذ من جعله بنسبة عمله، فقد جاء فى المغنى: «فإن جعل لواحد فى ردها دينارا، ولآخر دينارين، ولثالث ثلاثة فرده الثلاثة - فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له، لأنه عمل ثلث العمل فاستحق ثلث المسمى

(5)

».

وأما متى يستحق الجعل؟ فإنهم لا يجعلونه إلا بالرد بشرط أن يكون العمل بعد النداء بالرد، وسواء فى ذلك ما اذا كان قد شرط الجعل أو لم يشرط، لأنه حينئذ يستحق المقدر شرعا، فقد قال الخرقى فى المختصر:

«وإن كان التقطها قبل ذلك (أى قبل نداء صاحبها بالجعل) فردها لعلة الجعل لم يجز له أخذه

(6)

».

وجاء فى المغنى: «أما العبد الآبق فإنه يستحق الجعل برده وإن لم يشترط له

(7)

».

والجعل حينئذ هو المقدر شرعا، وقد سبق أن ذكرناه.

وليس للعامل حبس الآبق حتى يسترد الجعل، فقد جاء فى كشاف القناع: «وإذا رد العامل اللقطة أو العبد أو نحوهما لم يكن له الحبس، أى حبس المردود على الجعل، وإن حبسه عليه وتلف ضمنه

(8)

».

أما من يكون عليه الجعل فإنه يكون على السيد ولو مات، فقد جاء فى المغنى:

«ويستحقه إن مات سيده فى تركته

(9)

».

(1)

ج 6 ص 352 الطبعة السابقة.

(2)

ج 2 ص 419 طبعة العامرية الشرفية عام 1919.

(3)

ج 6 ص 352 الطبعة السابقة.

(4)

ج 6 ص 353 الطبعة السابقة.

(5)

ج 6 ص 353 الطبعة السابقة.

(6)

المغنى ج 6 ص 358 الطبعة السابقة.

(7)

ج 6 ص 355.

(8)

ج 3 ص 418 طبعة المطبعة العامرية الشرفية.

(9)

ج 6 ص 356 طبعة المنار سنة 1347.

ص: 20

ومقتضاه أنه على صاحب العبد.

وهذا إذا أبق من يد سيده، أما إذا أبق من يد مستأجره فإن ما ينفقه عليه فى سبيل الرد يكون على المالك، فقد جاء فى المغنى:

«وقياس المذهب أن له الرجوع (أى الرجوع بما أنفق على الجمال التى استأجرها وهرب مالكها) لقولنا يرجع بما أنفق على الأبق وعلى عيال الغائب وزوجاته والدابة ألمرهونة

(1)

».

وكذلك إذا كان مرهونا، فقد جاء فى المغنى: «أن مؤنة الرهن من طعامه وكسوته ومسكنه وحافظه وحرزه ومخزنه وغير ذلك على الراهن

(2)

».

ثم قال: «وإن أبق العبد فأجرة من يرده على الراهن» .

وأما إذا كان مغصوبا فإن أجرة رده تكون على غاصبه، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة:

«فإن المغصوب متى كان باقيا وجب عليه (أى الغاصب) رده، لقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «على اليد ما أخذت حتى ترد»

ثم قال: «فإن غصب شيئا فبعده لزم رده وأن غرم عليه أضعاف قيمته، لأنه جنى بتبعيده فكان ضرر ذلك عليه

(3)

».

‌الزيدية:

الجعل عندهم ما شرطه المتجاعلان فى الجعالة، أو ما سماه الجاعل، كأن يقول:

من رد عبدى أو ضالتى فله كذا. ويكون هذا المسمى هو الجعل. ويستحقه من سمع النداء وفعل، لا من لم يسمع

(4)

.

ومقتضى قولهم: لا من لم يسمع صادق بصورتين: ألا ينادى صاحب الآبق بجعل، أو ينادى ولكن لم يسمعه الراد. وعلى هذا لا بد أن يكون هناك جعل مسمى، وأن يسمع الراد تسميته.

وقد ينتقل الجعل من المسمى إلى أجرة المثل، وذلك فيما إذا اختلفا فى مقدار الجعل، فقد قال صاحب البحر الزخار:

«وأما فى قدر الجعل (أى اذا اختلفا عليه) فكالأجرة

(5)

».

وحكم الأجرة إذا اختلفا جاء فى قول صاحب البحر الزخار: «وإذا اختلفا فى قدر الأجرة أو جنسها ولا بينة تحالفا وبطل العقد، وتجب أجرة المثل بعد العمل

(6)

».

ومقتضى هذا أنه إذا لم توجد بينة يتحالفان، ويبطل العقد، ويكون للراد أجرة مثل عمله. أما إذا بينا فقد قال فيه صاحب البحر الزخار:«فإن بينا فبينة مستحقها أولى، إذ هو الخارج» ثم قال قلت:

القياس أن القول للمستأجر كالمشترى

(7)

».

ومقتضى هذا ان بينة الراد تقدم، ولكن صاحب البحر الزخار اختار أن تقدم بينة رب العبد.

وكذلك يكون له أجر المثل إذا كان المسمى مجهولا، فقد جاء فى البحر الزخار

(8)

:

«فإن عقدا على أن الحاصل بينهما أى شركا فسد العقد لجهالة الأجرة كجهالة الثمن

ثم قال ومتى فسد العقد لجهالة الأجرة من أصله لزمت أجرة المثل بعد استيفاء المنافع أو بعضها، كتفويت العين المملوكة». وقد

(1)

ج 6 ص 98 الطبعة السابقة.

(2)

ج 4 ص 495 - 496 الطبعة السابقة.

(3)

ج 5 ص 423 طبعة المنار سنة 1947.

(4)

انظر البحر الزخار ج 4 ص 62 - 63 الطبعة الأولى سنة 1949.

(5)

ج 4 ص 63 الطبعة السابقة.

(6)

ج 4 ص 61 الطبعة السابقة.

(7)

ج 4 ص 61 الطبعة السابقة.

(8)

البحر الزخار ج 4 ص 33 الطبعة السابقة.

ص: 21

نسب هذا إلى العترة من الزيدية، وارتضاه.

ويعتبر الجعل الأخير هو الجعل المسمى إذا سمى اجعالا مختلفة فى أزمان مختلفة فقد جاء فى البحر الزخار: وتدخلها، «أى الأجرة المجعولة» الزيادة والنقص، كمن رد ضالتى فله مائة، ثم قال من ردها فله خمسون، ونحو ذلك - ويستقر الأخير منهما

(1)

.

والجعل الذى يستقر يستحقه الراد، أو يستحق منه بقدر عمله إذا كان رب العبد قد عين مكان الأخذ فقد جاء فى البحر الزخار: ولو قال: من رد عبدى من مكة فرده من نصف الطريق استحق النصف وكذا ما أشبهه، ولو رد من غير جهتها لم يستحق شيئا وإن كان أبعد

(2)

.

وأما وقت استحقاق الجعل فإنهم قالوا إنما يستحق الجعل بعد تمام العمل فلو هرب الآبق بعد إيصاله إلى باب المالك سقط الجعل.

وظاهر من عبارة (فلو هرب

الخ) أن تمام العمل يكون بقبض ربه له. ولكن هل يلزم قبضه وتسلمه بالفعل، أو يكفى التمكين من قبضه؟ الظاهر من فروعهم أن التمكين من قبضه يكفى، لأنهم قالوا يصح للراد أن يحبس الآبق ولا يسلمه لربه حتى يستوفى النفقة، والجعل حقه كالنفقة، وقد جاء بخصوص النفقة على الآبق فى البحر الزخار: «وينفق عليه (أى على الآبق) من كسبه إن كان، وإلا فكالقطة

(3)

.

وجاء فيما يتعلق بنفقة اللقطة قوله:

ويرجع بما أنفق عليها أو لنقلها

ثم قال:

وله حبسها حتى يستوفى بما أنفق

(4)

.

وأما من يكون عليه الجعل فإنه يكون على مالكه إذا أبق من يده، فإن أبق من يد غيره فإن كان مستأجرا فأبق من يد مستأجره فلا جعل عليه فقد جاء فى البحر الزخار من المبادئ ما يدل عليه وإن لم يكن نصا فيه إذ جاء فيه أن يد المستأجر يد أمانة، فقد قال: ويضمن بالتضمين، ويصير كالمستأجر على الحفظ ببعض المنافع فصح كتضمين العارية

(5)

.

ومقتضاه أن العين المؤجرة أمانة فى يده، وهو لا يضمنها - إن لم يضمن - إلا بتقصير أو تعد فأولى ألا يلتزم بجعل ردها وأما إذا كان مرهونا فإن كان هو الذى جاعل على ردها يكون عليه أن يدفع الجعل للعامل، لأن المطالب بالجعل هو المجاعل.

والظاهر من مبادئهم أنه يرجع به على المالك فقد جاء فى البحر الزخار «ومؤن الرهن كنفقته وتجهيزه وتكفينه

ونحو ذلك - على الراهن

(6)

».

وأما إن كان مغصوبا فعلى غاصبه، فقد جاء فى البحر الزخار:«ويجب الرد الى موضع ألغصب وإن كان له مؤنة لوجوب رده كما أخذه، وهذا من صفاته» .

وقد نسب هذا إلى أبى طالب الآملى أحد علماء العترة. والقاضى زيد الجيلى علامة الزيدية

(7)

.

أما إذا أبق من الوصى فالجعل فى مال المالك القاصر، لأن يد الوصى يد أمانة.

(1)

ج 4 ص 63 الطبعة السابقة.

(2)

ج 4 ص 63 الطبعة السابقة.

(3)

ج 4 ص 279 - 280 الطبعة السابقة.

(4)

ج 4 ص 282 الطبعة السابقة.

(5)

ج 4 ص 33 الطبعة السابقة.

(6)

ج 4 ص 120 طبعة سنة 1949 م.

(7)

ج 4 ص 179 الطبعة السابقة.

ص: 22

‌الظاهرية:

يقول أبن حزم الظاهرى: «لا يجوز الحكم بالجعل على أحد، فمن قال لآخر (أى أجير): إن جئتنى بعبدى الآبق فلك على دينار، أو قال إن فعلت كذا وكذا فلك على درهم أو ما أشبه هذا فجاءه بذلك أو هتف وأشهد على نفسه: من جاءنى بكذا فله كذا فجاءه به - لم يقض عليه بشئ ويستحب لو وفى بوعده - وكذلك من جاءه بآبق فلا يقضى له بشئ (أى من غير ان يهتف ويشهد بالجعل) سواء عرف بالمجئ بالإباق أو لم يعرف بذلك. إلا أن يستأجره على طلبه مدة معروفة، أو ليأتيه به من مكان معروف فيجب ما استأجره به

(1)

».

وقد علل ذلك بأن هذا فرض عليه حيث يقول: «محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم

(2)

».

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اضاعة المال. وقال تعالى: «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ}

(3)

» ففرض على كل مسلم حفظ مال أخيه إذا وجده. ولا يحل له أخذ ماله بغير طيب نفسه، فلا شئ لمن أتى بآبق، لأنه فعل فعلا هو فرض عليه كالصلاة والصيام ولو أعطاه بطيب نفسه لكان حسنا ولو أن الإمام يرتب لمن فعل ذلك عطاء لكان حسنا

(4)

.

‌الشيعة الإمامية:

أما من حيث مقدار الجعل فإنهم يرون أنه هو ما سماه الجاعل على رد الآبق، ولو لم يسم كان له ما قدره الشارع، وهو دينار إذا أخذه من مصره، فاذا أخذه من غير مصره كان أربعة دنانير، فقد جاء فى شرائع الإسلام للمحقق الحلى: «إذا بذل جعلا فإن عينه فعليه تسليمه مع الرد، وإن لم يعينه لزم مع الرد أجرة المثل إلا فى رد الآبق على رواية أبى سيار عن أبى عبد الله عليه السلام أن النبى صلى الله عليه وعلى آله وسلم جعل فى الآبق دينارا إذا أخذ فى مصره، وإن أخذ فى غير مصره فأربعة دنانير وقال الشيخ هذا على الأفضل لا على الوجوب. والعمل على الرواية ولو نقصت قيمة العبد

أما لو أستدعى الرد ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ، لأنه تبرع بالعمل».

وقد يأخذ الواحد بنسبة عمله من المسمى، كما إذا قال من رد عبدى فله كذا فرده جماعة قال فى شرائع الإسلام: إذا قال: من رد عبدى فله دينار فرده جماعة كان الدينار لهم جميعا بالسوية لأن الرد حصل من الجميع

ثم قال: «لو جعل لكل واحد من ثلاثة جعلا أزيد من الآخر فجاءوا به جميعا كان لكل واحد ثلث ما جعل له»

ثم قال: «لو جعل لبعض الثلاثة جعلا معلوما ولبعضهم مجهولا (كأن يقول: أن جئتنى به فلك ثوب أو دابة) فجاءوا به جميعا، كان لصاحب المعلوم ثلث ما جعل له. وللمجهول ثلث أجرة مثله

(5)

.

ولا جعل إلا لمن سمى له، وإن شاركه غيره كان متبرعا - فقد جاء فى شرائع الإسلام

(6)

: «لو جعل لواحد جعل على الرد فشاركه أخر فى الرد كان للمجعول له

(1)

ج 8 ص 204 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.

(2)

سورة الفتح: 29.

(3)

سورة المائدة: 2

(4)

ج 8 ص 210 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.

(5)

ج 2 ص 117 - 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت

(6)

ج 2 ص 118 نشر المكتبة السابقة.

ص: 23

نصف الأجرة، لأنه عمل نصف العمل، وليس للأخر شئ، لأنه تبرع وقال الشيخ:

يستحق نصف أجرة المثل، وهو بعيد».

ثم قال: «لو جعل جعلا معينا على رده من مسافة معينة فرده من بعضها كان له من الجعل بنسبة المسافة

(1)

».

والتسمية الأخيرة تكون هى المعتبرة، فقد جاء فى شرائع الإسلام «ولو عقب الجعالة على عمل معين بأخرى وزاد فى العوض أو نقص عمل بالأخيرة

(2)

».

أما متى يستحق الجعل - فان الجعل عندهم يستحق بالتسليم، فقد جاء فى شرائع الإسلام «ويستحق الجعل بالتسليم، فلو جاء به إلى البلد ففر لم يستحق الجعل، ويشترط لاستحقاق الجعل عند التسليم أن يبذله أى يسميه الجاعل أو لا، فلو استولى عليه إنسان قبل بذل الجعل لزمه التسليم ولا شئ له. فقد جاء فى شرائع الإسلام: «لا يستحق العامل الأجرة إلا إذا بذلها الجاعل أولا، ولو حصلت الضالة، (ومثلها الآبق فى هذا) فى يد إنسان قبل تسمية الجعل لزمه التسليم، ولا أجرة، وكذا لو سعى فى التحصيل تبرعا

(3)

».

ومن السعى فى التحصيل تبرعا ما لو نادى برد آبقه ولم يسم جعلا. فقد قال فى شرائع الإسلام: «أما لو أستدعى الرد ولم يبذل أجرة لم يكن للراد شئ، لأنه تبرع بالعمل

(4)

».

وتسليم الآبق حتى يستحق الجعل يتحقق بالتخلية

(5)

.

وأما من يكون عليه الجعل - فهو الجاعل ولو كان أجنبيا، أما الجاعل المالك فلأنه التزم دفع الجعل، والجعالة لازمة من طرف الجاعل، وأما الأجنبى فقد قال فى شرائع الإسلام: «ولو تبرع أجنبى بالجعل وجب عليه الجعل

(6)

».

هذا إذا أبق من المالك، أما إذا أبق من يد غيره ففيه تفصيل: إن كانت يد من أبق منه يد ضمان كالغاصب فقد جاء فى شرائع الإسلام: «يجب رد المغصوب ما دام باقيا ولو تعسر

(7)

».

وقال أيضا: «اذا نقل المغصوت إلى غير بلد الغصب لزم إعادته. ولو طلب المالك الأجرة على إعادته لم يلزم الغاصب، لأن الحق هو النقل

(8)

».

أما إذا كانت اليد يد أمانة فإنه لا يلزم بالجعل إلا إذا فرط فى حفظه أو تعدى تعديا تسبب فى الإباق فقد جاء فى تهذيب الأحكام للطوسى «إذا ارتهنت عبدا أو دابة فماتا فلا شئ عليك وإن هلكت الدابة أو أبق الغلام فأنت ضامن. فالمعنى فيه أيضا أن يكون سبب هلاكه أو إباقة شيئا من جهة المرتهن فأما إذا لم يكن بشئ من جهته لم يلزمه شئ، وكان حكمه حكم الموت سواء

(9)

».

وما دام لا شئ عليه إذا لم يقصر تكون نفقة رده بما فيها من جعل ليست على المرتهن، وحينئذ فعلى من تكون؟ يظهر هذا مما جاء فى شرائع الاسلام

(10)

: «اذا وجد

(1)

ج 2 ص 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(2)

ج 2 ص 117 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(3)

ج 2 ص 117 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(4)

ج 2 ص 118 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(5)

ج 1 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(6)

ج 2 ص 117 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(7)

ج 2 ص 152 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(8)

ج 2 ص 157 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(9)

ج 7 ص 173 مطبعة النعمان بالنجف.

(10)

ج 2 ص 177 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 24

مملوكا بالغا أو مراهقا لم يؤخذ وكان له حكم الضوال الممتنعة».

وقال فى الضوال التى يأخذها الآخذ وإن كان لا يجوز له الأخذ: «اذا لم يجد الآخذ سلطانا ينفق على الضالة انفق من نفسه ورجع به، وقيل لا يرجع، لأن عليه الحفظ، وهو لا يتم إلا بالإنفاق، والوجه الرجوع دفعا لتوجه الضرر بالالتقاط

(1)

».

‌الإباضية:

جاء فى كتاب النيل: «وإن قال: من جاءنى بعبدى أو غيره من الحيوان - وقد هرب فله كذا جاز عند بعض، وقيل: له العناء. وإن استأجر اثنين أو أكثر بإجارة مختلفة فوجده أحدهما فله ما سمى له، وللآخر عناؤه» .

وأن وجدوه جميعا فلكل واحد منهم نصف ما سمى له. وقيل لكل واحد ما سمى له، وقيل لكل واحد عناؤه

(2)

».

وإذا كان مرهونا يكون الجعل فى رده على الراهن، فقد جاء فى كتاب النيل:

«وإذا كان الرهن رقيقا أو بهيمة لزمه ما احتاج إليه من ختان ومداواة الختان أو احتجام

من ماله لا منه: أى لا من الرهن أيضا، وكذا نكاح الرقيق وطلاقه وفداؤه وارتجاعه وكفنه ودفنه وغسله إن مات بيده: أى فى بلده أو أمياله، دون المرتهن أو المسلط عليه، فإنهما لا يلزمهما شئ من ذلك

(3)

».

وكذا إذا كان فى يد وصى فأبق منه فإن جعل رده يكون فى مال المولى عليه، اذ يد الوصى يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى كتاب النيل: «فإن قبلها: أى قبل الوصى الوصية لزمته حالة كونها أمانة فى عنقه، وليجتهد فى إنفاذها لوجوب أداء الأمانة الى أهلها

(4)

».

‌نفقة الآبق، والرجوع بها

‌الحنفية

.

يرى الحنفية أن آخذ الآبق إذا انفق عليه بدون إذن الحاكم يكون متبرعا، فلا يرجع بما أنفق على سيده، أما إذا أذنه الحاكم فإنه يرجع على سيده بما أنفق بشرط أن يقول فى إذنه له:«على أن ترجع بما أنفقت» فإذا لم يقل ذلك لا يكون له الرجوع فى الأصح، وذلك لأنه لو أذنه بشرط الرجوع يكون دينا على سيده، لأن للقاضى ولاية فى مال الغائب، وهو هنا السيد وولايته على الآبق نظرا لهما وقد يكون النظر بالإنفاق. أما إذا لم يشترط فى إذنه الرجوع فإنه لا يكون دينا فى الأصح ولآخذ الآبق أن يحبسه عن السيد حتى يأخذ ما أنفق، كما يصح للبائع أن يحبس المبيع حتى يأخذ الثمن

(5)

.

وإذا كان المنفق عليه السلطان فى حالة ما إذا عجز الآخذ عن حفظه وأتى به إلى السلطان فإن السلطان ينفق عليه من بيت المال مدة حبسه، ثم يأخذ ما أنفقه من صاحبه عند ما يجئ لطلبه ويرده إلى بيت المال. فإذا لم يجئ للعبد طالب وطالت مدته: بأن بلغت ثلاثة أيام كما جاء فى فتح القدير، وستة أشهر كما جاء فى ابن عابدين نقلا عن التترخانية - باعه القاضى وامسك ثمنه بعد أخذ ما أنفق لبيت المال منه. فإذا

(1)

ج 2 ص 176 - 177 الطبعة السابقة.

(2)

ج 5 ص 96.

(3)

ج 5 ص 531.

(4)

ج 6 ص 493.

(5)

مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر ج 1 ص 434، 436 طبعة دار الطباعة العامرة.

ص: 25

جاء مالكه وأقام البينة على أنه مالكه وحلف أنه لا يزال على ملكه - وهو قائم فى يد المشترى - لا يأخذه ولا ينتقض بيع القاضى، لأنه كحكمه، ولا يؤجره السلطان أو آخذه وينفق عليه من أجرته، لأنه يخشى إباقه، ولا يقاس فى ذلك على الضال، لأن الضال لا يخشى إباقه، كما أنه لا يقاس عليه فى عدم بيعه وإن طالت مدته، لأن الضال ينفق عليه من أجرته فلا يخشى أن تستأصل النفقة ثمنه. أما الآبق فإن دارة النفقة تستأصل ثمنه، ضرورة أن نفقته من ثمنه لا من أجرته

(1)

.

‌المالكية:

يرى المالكية أن نفقة العبد الآبق فى رقبته لا فى ذمة سيده، قال الدردير فى الشرح الكبير فى حالة ما إذا أبق العبد الآبق من الملتقط: «لا يمين على الملتقط (أى يصدق فى دعواه أنه أبق عنده من غير يمين) لأن نفقته على الآبق فى رقبته فلا يتهم بالتفريط لضياع نفقته عليه

(2)

».

ومعنى كونها فى رقبته أنه إذا جاء سيده لأخذه دفعها، لأن الرقبة للسيد، فقد جاء فى حاشية الدسوقى: «إن نفقة الطعام والشراب والكسوة على ربه، ولو وجب للعامل جعل المثل أو المسمى فإذا قام بها العامل رجع بها عليه

(3)

».

وقد تقدم فى عنصر (حكم أخذ الآبق) أن الظاهر أنه يرجع على السيد أيضا بما أنفقه على المحافظة على الآبق كأجرة الحارس إذا كان يخشى منه إيذاء لأنها من متعلقات حفظه.

هذا إذا كان من رده غير معتاد لرد الإباق والضلال أما إذا كان معتادا ذلك وقد وجب له الجعل، أو وجب له جعل المثل، فإن نفقة الآبق عليه ولو استغرقت الجعل

(4)

.

أما إذا كان الآخذ قد رفعه إلى الأمام فإن الأمام ينفق عليه من بيت المال مدة وقفه (أى حفظه)، وهى سنة. فإذا جاء ربه أخذ منه النفقة وردها إلى بيت المال.

أما اذا لم يجئ إلى نهاية السنة فإنه يبيعه، كما أن له أن يبيعه قبل مضيها إن خشى عليه ويأخذ ما أنفق من ثمنه ويرده إلى بيت المال

(5)

.

‌الشافعية:

يرى الشافعية أن الإنفاق على الآبق ممن أخذه ليرده يكون تبرعا إلا إذا كان قد انفق عليه مدة الرجوع بإذن الحاكم، أو يشهد أن لم يجد الحاكم أنه أنفق ليرجع، فقد جاء فى المغنى للخطيب الشربينى: «وإن أنفق عليه مدة الرجوع فمتبرع إلا أن يأذن الحاكم، أو يشهد عند فقده (أى فقد الحاكم وعدم وجوده عنده) ليرجع

(6)

».

وليس له حبسه حتى يأخذ النفقة إذا كانت بإذن المالك، كما أنه لا يحبسه حتى يأخذ الجعل، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج: «وإذا رده: أى الآبق على سيده فليس له حبسه لقبض الجعل، لأن الاستحقاق بالتسليم. ولا حبس قبل التسليم. وكذا

(1)

فتح القدير ج 4 ص 435 الطبعة الأميرية.

ابن عابدين ج 4 ص 356 طبعة دار الكتب العربية

(2)

ج 4 ص 128 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(3)

ج 4 ص 65 الطبعة السابقة.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير والشرح الكبير ج 4 ص 65 الطبعة السابقة.

(5)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(6)

ج 2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى واولاده.

ص: 26

لا يحبسه لاستيفاء ما أنفقه عليه بإذن المالك

(1)

».

‌الحنابلة:

يرى الحنابلة أنه إذا أنفق عليه آخذه ليرده إلى سيده تكون النفقة على سيده، يأخذها منه عند رده، فقد جاء فى مختصر الخرقى وشرحه المغنى: «وإذا أبق العبد فلمن جاء به إلى سيده ما أنفق عليه. وإنما كان كذلك لأن نفقة العبد على سيده، وقد قام الذى جاء به مقام سيده فى الواجب عليه، فرجع به عليه كما لو أذن له، وأنه أدى عنه ما وجب عليه عند تعذر أدائه منه، فرجع به عليه، كما أدى الحاكم عن الممتنع من الإنفاق على إمرأته ما يجب عليه من النفقة

(2)

».

‌الزيدية:

يرون أن آخذه ينفق عليه من كسبه إن كان له كسب، وإلا فكاللقطة، فقد جاء فى البحر الزخار: «وينفق عليه من كسبه إن كان، وإلا فهو كاللقطة

(3)

».

وقد ذكر حكم الإنفاق على اللقطة بقوله:

«يرى القاسمية أن عليه أن ينفق عليها ولو بنية الرجوع. ويرجع بما أنفق عليها، أو لنقلها، ولو بغير إذن الحاكم. ويرى زيد بن على والناصر والمؤيد بالله أنه لا ينفق عليها إلا بإذنه. قلنا: له الولاية على حفظها بدليل مطالبة غاصبها بعينها أو قيمتها، فكذا إنفاقها، وله حبسها حتى يستوفى بما أنفق

(4)

».

‌الظاهرية:

يرى ابن حزم الظاهرى أن من وجد الضالة فأنفق عليها كان متبرعا، لأن صاحبه لم يأذنه بذلك، فقد قال فى المحلى: «ولا يلزم من وجد متاعه إذا أخذه أن يؤدى إلى الذى وجده عنده ما أنفق عليه، لأنه لم يأمره بذلك، فهو متطوع بما أنفق

ثم روى عن الشعبى: إن رجلا أضل بعيرا له نضوا أى مهزولا فأخذه رجل فأنفق عليه حتى صلح وسمن، فوجده صاحبه عنده فخاصمه إلى عمر بن عبد العزيز فقضى له بالنفقة ورد الدابة إلى صاحبها. قال الشعبى: أما أنا فأقول: يأخذ ماله حيث وجده: سمينا أو مهزولا. ولا شئ عليه

(5)

».

فهو كما ترى يأخذ برأى الشعبى فى الضالة، والآبق عنده فى حكم الضالة كما ذكرنا.

‌الشيعة الإمامية:

يرون أن نفقة الآبق تكون على مالكه، إن لم يكن قد وضع عليه يد ضامنة كيد الغاصب، وقد تقدم أن ذكرنا ذلك حين الكلام على من يكون عليه الجعل، وقد قال صاحب شرائع الإسلام: «ولو التقط مملوكا ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه

ثم قال: ولو أنفق عليه باعه فى النفقة إن تعسر عليه استيفاؤها

(6)

».

‌دية الآبق، ولمن تكون وعلى من يكون ضمان

ما يتلفه هو

؟

‌الحنفية:

يذهب الحنفية إلى أن حكم الآبق فى الجناية منه أو عليه كالحكم فيها فى المصر،

(1)

ج 2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده.

(2)

ج 9 ص 317 طبعة المنار سنة 1347.

(3)

ج 4 ص 279 - 280 الطبعة الأولى سنة 1949.

(4)

ج 4 ص 281 - 282 الطبعة الأولى سنة 1949.

(5)

ج 8 ص 241 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.

(6)

ج 2 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 27

فقد جاء فى المبسوط للسرخسى: «والحكم فى جناية الآبق والجناية عليه وفى حدوده كالحكم فيها فى المصر لأن الرق فيه باق بعد الإباق. وملك المولى قائم فيه. وباعتباره يخاطب بالدفع أو الفداء عند قدرته عليه

(1)

»

فتكون ديته إذا قتل على وجه يستوجب الدية، أو قطع من أطرافه ما يستوجب الأرش - لسيده. ودية العبد بقدر قيمته، ونصفها بقدر نصفها، وما دون ذلك فبالنسبة إليها.

أما متى تجب الدية كاملة أو نصفها أو دون ذلك فينظر فيه مصطلح (دية).

‌ضمان ما يتلفه الآبق:

حكم الآبق فى جنايته على شئ كالحكم فيها فى المصر كما قدمنا. والعبد فى المصر قد تكون جنايته إتلافا للنفس أو لجزء من آدمى، وقد تكون إتلافا لمال، فقد جاء فى الفتاوى الأنقروية بشأنهما «ففى الأول خير المولى بين الدفع والفداء. وفى الثانى خير بين الدفع والبيع

(2)

».

أما فى حالة القصاص فإنه لا بد أن يدفعه إلى الحاكم أو ولى الدم ليستوفى منه القصاص إلا إذا رضى ولى الدم بالعفو عنه وتصالح على أخذ الدية. ومتى اختار المولى أحد الأمرين الدفع أو الفداء فى الحالة الأولى وفعله فلا شئ لولى الجناية سواه.

أما الدفع فلأن حق ولى الجناية متعلق به فإذا خلى بينه وبين الرقبة سقط حق المطالبة عن المولى. وأما الفداء فلأنه لا حق له إلا الأرش. فإذا أوفاه حقه سلم العبد له. وكذا إذا اختار أحدهما قولا ولم يفعل، أو فعل ولم يختره قولا يسقط حق ولى الجناية فى الأخر لأن المقصود تعيين المحل حتى يتمكن من الاستيفاء. والتعيين يحصل بالقول كما يحصل بالفعل ولا فرق فيما ذكر بين أن يكون المولى قادرا على الأرش أو غير قادر عند أبى حنيفة رحمه الله لأنه اختار أصل حقهم إذ أصل حقهم الأرش، وإنما جاز دفع العبد تخفيفا عنه، ومتى اختار أصل حقهم بطل حقهم فى العبد لأن ولاية التعيين للمولى لا لأولياء الدم.

وقال الصاحبان: لا يصح اختياره الفداء إذا كان مفلسا إلا برضاء الأولياء، لأن العبد صار حقهم بإفلاسه لأن الأصل عندهم دفع العبد، حتى إن المولى يضمنه بالإتلاف، فلا يملك إبطال حقهم إلا برضاهم أو بوصول البدل إليهم، وهو الدية. ومتى اختار أحدهما وجب عليه حالا

(3)

.

أما إن كان ما أتلفه مالا فقد بينا لك أنه مخير بين الدفع والبيع ليدفع قيمة ما أتلفه فيما نقلناه عن الفتاوى الأنقروية، وإذا كان مرهونا فإن ما يتلفه يكون على المرتهن إذا كانت قيمة العبد تساوى الدين أو أقل.

أما إذا كانت أكثر فإن قيمة ما يتلفه تقسم بين المرتهن والراهن بنسبة الدين والزيادة فى القيمة

(4)

.

‌المالكية:

أما المالكية فعندهم دية العبد هى قيمته بالغة ما بلغت، فقد قال ابن رشد الحفيد:

«وأما إذا قتل العبد خطأ أو عمدا على من لا يرى القصاص فيه، فقال قوم على القاتل قيمته بالغة ما بلغت وان زادت على دية الحر

(1)

ج 11 ص 23 طبعة الساسى.

(2)

ج 1 ص 184 الطبعة الأميرية.

(3)

الزيلعى تبيين الحقائق، شرح الكنز ج 6 ص 154 الطبعة الأميرية.

(4)

فتح القدير ج 4 ص 439 الطبعة الاميرية.

ص: 28

وبه قال مالك والشافعى وأبو يوسف»

ثم قال: وعمدة مالك أنه مال قد أتلف فوجب فيه القيمة أصله سائر الأموال

(1)

.

وواضح ان الأبق لا يزال عبدا مملوكا لسيده فديته تكون لسيده.

أما ما يتلفه العبد فأما أن يكون بجناية على الآدمى، وأما أن يكون بجناية على المال.

فإن كان بجناية على آدمى. فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: «وإن قتل عبد عبدا مثله أو حرا عمدا وثبت القتل ببينة أو قسامة فى الحر - خير ولى المقتول ابتداء فى قتل العبد واستحيائه (أى طلب بقائه حيا على أن يأخذه أو يأخذ الدية) فإن اختار القتل فواضح، وإن استحياه فلسيده الخيار ثانيا فى أحد أمرين تسليمه، أو فداؤه

(2)

.

وما دام سيده له فداؤه فهو الذى سيكون ملزما بهذا الفداء نظير جناية العبد الآبق وواضح أن هذا الخيار لا يتحقق إلا إذا كان الآبق قد رد فلا تلزمه هذه الدية إلا بعد رد الآبق.

‌الشافعية:

يرى الشافعية أن دية الرقيق لسيده والآبق رقيق، فقد جاء فى الإشباه والنظائر للسيوطى: من أستحق القصاص فعفى عنه على مال فهو له

(3)

- أنظر جناية الرقيق وديته.

وقال فى الإشباه أيضا: «إذا جنى على عبد فى حال رقه فقطع يده مثلا ثم عتق ومات بالسراية فوجب فيه دية حر فإن للسيد فيها على أصح القولين - أقل الأمرين: من كل الدية ونصف القيمة

(4)

.

ومعروف أن الآبق لا يزال عبدا. فيكون حكمه ما ذكر.

أما ما يتلفه الآبق فإما بجناية على الآدمى، أو على المال. فإن كان جناية على الآدمى وكانت موجبة للمال فقد قال صاحب المنهاج وشارحه صاحب المغنى:«جناية العبد الموجبة للمال وهى ما كانت غير عمد أو عمدا وعفا ولى الجناية على مال فالمال يتعلق برقبته بالإجماع كما حكاه البيهقى إذ لا يمكن الزامه لسيده لأنه إضرار به مع براءته ولا أن يكون فى ذمة العبد إلى عتقه للإضرار بالمستحقين» ثم بين صاحب المغنى معنى التعلق بالرقبة بأنه يباع ويصرف ثمنه إلى الجناية، ولا يملكه المجنى عليه بنفس الجناية وإن كانت قيمته أقل من أرشها لما فيه من إبطال حق السيد من التمكن من الفداء .. ثم بين هذا الفداء فقال وله أيضا فداؤه فيتخير بين الأمرين فإن اختار الفداء فيفديه فى الجديد بالأقل من قيمته ومن الأرش لأن الأقل إن كان القيمة فليس عليه غير تسليم الرقبة وهى بدلها أو الأرش فهو الواجب ثم قال: وفى القديم يفديه بأرشها بالغا ما بلغ لأنه لو سلمه ربما بيع بأكثر من قيمته

(5)

.

وواضح أن ثبوت حق الولى فى الاختيار إنما يكون بعد رد الآبق أما قبله فلا يمكن الاختيار فينتظر إلى أن يرد فإذا لم يرد فلا شئ عليه، ويدل على هذا، أو يوحى به

(1)

بداية المجتهد ج 2 ص 347 طبعة الأستانة.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 241 طبعة مصطفى الحلبى وأولاده.

(3)

الإشباه والنظائر للسيوطى ص 350 طبعة المكتبة التجارية.

(4)

الإشباه والنظائر للسيوطى ص 360 طبعة المكتبة التجارية.

(5)

المنهاج وشرحه المغنى ج 4 ص 100 طبعة الحلبى سنة 1377 هـ.

ص: 29

ما جاء فى المنهاج والمغنى: «ولو هرب العبد الجانى أو مات قبل اختيار السيد الفداء برئ سيده من عهدته لأن الحق متعلق برقبته وقد فاتت إلا إذا طلب تسليمه منه ليباع فى الجناية فمنعه» ..

ثم قال صاحب المغنى لو علم السيد موضع العبد الهارب وأمكنه رده - قال الزركشى:

يتجه أن الرد يجب لأن التسليم واجب عليه

(1)

.

وقد استثنوا من الخيار بين التسليم لتباع وبين الفداء ما إذا كان الجانى أم ولد فقد جاء فى المنهاج والمغنى: «ويفدى السيد وجوبا أم ولده الجانية حتما بالأقل من قيمتها والأرش قطعا لأنه بالاستيلاد منع من بيعها مع بقاء الرق فيها فأشبه ما إذا جنى العبد فلم يسلمه للبيع

ثم قال: وقيل فى جناية أم ولده: القولان السابقان فى جناية القن. ولعل مأخذه جواز بيع أم الولد

(2)

».

وعلى القول بوجوب الفداء فى أم الولد يكون حق المجنى عليه قد تعلق بالسيد، فقد قال السيوطى فى الأشباه والنظائر فى الأمور المتعلقة بالعبد: «الرابع ما يتعلق بالسيد، وذلك جناية المستولدة والعبد الأعجمى (أى الذى أمره آمر بالجناية فإنها تكون على الآمر لأنه يعتقد طاعة آمره)

(3)

أما ما يتلفه من المال فإنه يباع فيه لأنه يتعلق برقبته فقد قال السيوطى فى الأشباه فى الأمور المتعلقة بالعبد: الأول «ما يتعلق برقبته فيباع فيه، وذلك أرش الجناية، وبدل المتلفات سواء كان بإذن السيد أم لا، لوجوبه بغير رضا المستحق

(4)

».

وظاهر أن بيع الآبق إنما يكون بعد أن يرد.

‌الحنابلة:

يرى الحنابلة أن دية العبد تكون لسيده ولم يفرقوا بين كونه آبقا أو غير آبق. فقد جاء فى المحرر عند الكلام على ما يشترط لوجوب القود: «ولو قال العبد اقتلنى أو إجرحنى ففعل المقول له ضمن الفاعل لسيده المال

(5)

».

وقال فى المغنى «وإن قطع يد عبد فأعتق ثم عاد فقطع رجله وأندمل القطعان فلا قصاص فى اليد لأنها قطعت حال رقه.

ويجب فيها نصف قيمته أو ما نقصه القطع لسيده

(6)

».

أما ما يتلفه فإنه يتعلق برقبته سواء أكانت جناية على آدمى أو مال، فقد جاء فى المحرر: وإذا جنى العبد خطأ أو عمدا لا قود فيه، أو فيه قود واختير فيه المال أو أتلف مالا فسيده بالخيار بين شيئين فقط فداؤه أو بيعه فى الجناية وعن أحمد رواية أخرى يخير بين الفداء أو دفعه بالجناية فقط. وعنه يخير بين الثلاثة وهنالك تفصيلات أخرى.

انظر مصطلح (دية).

‌الزيدية:

يرون أن دية العبد بقدر قيمته إلا بعض علماء الزيدية فإنهم يشترطون ألا تزيد القيمة على دية الحر فان زادت لم يضمن الزائد، ومن حيث أن الآبق لا يزال مملوكا

(1)

المنهاج وشرحه المغنى ج 4 ص 101، 102 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1377 هـ - 1958 م.

(2)

المنهاج والمغنى ج 4 ص 101، 102 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى ج 4 ص 100، 197 طبعة التجارية.

(4)

ص 196 طبعة المكتبة التجارية.

(5)

ج 2 ص 125 طبعة السنة المحمدية.

(6)

ج 9 ص 401 طبعة المنار سنة 1348.

ص: 30

لسيده فهو داخل فى ذلك الحكم، وقد جاء فى البحر الزخار عن دية العبد:

«والعبد والمدبر وأم الولد مضمونون بالقيمة إذ هم مال كالثياب والأسلحة» ثم نسب إلى زيد بن على، ولكتاب المنتخب، وللمؤيد بالله، ويحيى بن الحسين من علماء العترة وأبى العباس الهاشمى الحسنى. أنهم قالوا: «إذا تعدت القيمة دية الحر لم يضمن الزائد لقول على عليه السلام (لا يزاد) الخبر وهو توقيف وقد روى صاحب جواهر الأخبار كلام على عليه السلام فقال العبد مال يؤدى ثمنه ولا تكون دية العبد أبدا أكثر من دية الجر

(1)

».

وتكون أطراف العبد وأروشه (بدل جراحاته) منسوبة إلى قيمته فقد جاء فى البحر الزخار منسوبا إلى العترة «وأطراف العبد وأروشه منسوبة إلى قيمته كنسبتها إلى الدية فى الحر إذ روى عن على عليه السلام وعمر بن الخطاب ولم يخالفا

(2)

».

وفى هذا تفصيل ينظر فى مصطلح «دية» .

أما لمن تكون دية الآبق فالذى يدل عليه كلامهم أنها تكون للسيد لأنه لا يزال عبدا له ودية العبد لسيده فقد جاء فى البحر الزخار منسوبا إلى المؤيد بالله ويحيى بن الحسين أبو طالب من العترة «وإذا جنى على العبد فلمالكه إمساكه ويطالب بالأرش كغيره من السلع

(3)

».

أما جناية الآبق فإنها كجناية كل عبد تتعلق برقبته، فقد جاء فى البحر الزخار:

«فإن هلك العبد وفى رقبته جناية لم يضمنه سيده. قلت: ولو بعد تمرده، لتعلقها برقبته، إلا أن يموت بعد اختياره للفداء

(4)

».

ومقتضى هذا أن الآبق كغيره فى تعلق الجناية برقبته. فإذا جنى ففى ذلك تفصيل، لأنه إما أن يكون أبق من سيده، أو أبق ممن عليه ضمانه كالغاصب. فإن كان قد أبق من سيده - فان كانت جنايته على النفس وتستوجب قصاصا فإنه يجب على سيده تسليمه بعد الرد إلى ولى الجناية، فقد قال صاحب البحر الزخار: «وإذا قتل عبد حرا سلمه مالكه لولى الجناية. ويخير ولى الجناية بين قتله، واسترقاقه، والتصرف فيه بأنواع التصرف إذ الاسترقاق والتصرف أخف حكما من القتل، وقد جاز القتل.

وله أن يعفو أو يصالح

(5)

».

أما إذا تنازل ولى الجناية عن القصاص على أن يعوض عن الجناية مالا فإن السيد عند رده - يكون مخيرا بين تسليمه أو فدائه، فقد جاء فى البحر الزخار - كما نقلنا سابقا - أن لولى الجناية أن يعفو أو يصالح والمصالح معه السيد، وما دام قد صالح فإنه يكون الحكم كما لو جنى على عضو، وقد جاء فى البحر عن الجناية على عضو: «وإذا جنى على طرف فللولى القصاص أو العفو بعوض أو لا، إذ الحق له.

وإذا اختار الأرش خير السيد بين تسليمه أو فدائه بالغا ما بلغ. وكذا لو جنى ما لا قصاص فيه». هذا إذا كان قنا. أما

(1)

البحر الزخار وجواهر الأخبار معه ج 5 ص 261 الطبعة الأولى 949.

(2)

البحر الزخار الجزء والصفحة السابقة.

(3)

ج 5 ص 261 الطبعة السابقة.

(4)

ج 5 ص 263 الطبعة السابقة.

(5)

ج 5 ص 263 الطبعة السابقة.

ص: 31

إذا كان الجانى أم ولد (والفرض أنها آبقة) فإنها لا تسلم للاسترقاق بل للقصاص، وقد جاء فى البحر الزخار فى ذلك: «ولا تسلم أم الولد للاسترقاق، بل للقصاص، إلا عند من جوز البيع. وحيث يسقط القصاص يلزم السيد الأقل من قيمتها أو الأرش

ثم قال: فإن أعسر السيد سعت فى قدر قيمتها فقط

(1)

».

وأما إذا كان الجانى مكاتبا فإنه يسلم للقصاص وإن استحق فى الجناية أرش لمصالحة ولى الجناية فإنه يكون من كسبه، ولا شئ على السيد، فقد جاء فى البحر الزخار:«والمكاتب يقتص منه كالحر، لكن بشرط التكافؤ. ويتأرش من كسبه» ولكن الإمام يحيى بن حمزة الحسينى قال على ما رواه صاحب البحر الزخار:

«إن أيسر السيد فعليه إلى قدر قيمته كالمدبر، والجامع كونه عتق بإذن مولاه.

وإن أعسر فوجهان: يسعى فيه وفى الكتابة ويقدم ما طلب. فإن نفقت فالجناية أقدم.

إذ الدماء أعظم حرمة فان عجز فكالرق

(2)

»

أما إذا كان الجانى مدبرا فإنه يقدم للقصاص، لا للاسترقاق ولو رضى ولى الدم بالعوض المالى فإن سيده يدفع الأرش، وقد قال صاحب البحر الزخار فى ذلك:

«ويقتص من المدبر كغيره، ولا يسترق، وما لا قصاص فيه فعلى سيده الموسر اتفاقا، كأم الولد» . ولكن القاسمية من الزيدية يرون أن هذا مقيد بيسار السيد، فقد قال صاحب البحر الزخار «نقلا عن القاسمية فإن أعسر فالقن: يسلمه أو يفديه

(3)

».

هذا إذا كانت جنايته على آدمى. أما إذا كانت جنايته على مال فإنها بناء على أن الجناية تتعلق برقبته فيكون على المالك تسليمه لصاحب المال، أو الأرش كله متى رد إليه، فقد جاء فى البحر الزخار:

«عن المؤيد بالله، وأبى طالب يحيى بن الحسين، وجناية العبد على المال تتعلق برقبته فيسلمها المالك، أو كل الأرش.

وقيل: بل قدر قيمته. قلنا: إمساكه حول الجناية إلى ذمة السيد فضمنها»: أى أن السيد لما اختار إمساكه يكون قد حول الجناية إلى ذمته فيضمنها

(4)

.

هذا فى القن أما المدبر وأم الولد فلاخيار للسيد بين التسليم ودفع الأرش بل يلزم بدفع الأرش لأن تسليمهما إنما يكون ليسترقهما من أصابه التلف، وهما لا يسترقان وقد قال صاحب البحر الزخار فى هذا:

«وأما أم الولد والمدبر فتسليمهما للرق متعذر، فتعين فى ماله قيمتهما حيث لا قصاص

ثم قال: بخلاف القن فاختيار إمساكه اختيار لتسليم كل الأرش لصحة استرقاقه. وما زاد على قيمتها من الأرش ففى رقبة المدبر، إذ يصح بيعه للضرورة وفى ذمة أم الولد إذ لا يصح بيعها. أما جناية المكاتب فمن كسبه

(5)

».

هذا كله إذا رد الآبق إلى السيد. أما إذا لم يرد بحيث يهلك قبل أن يرد فلا شئ على السيد، كما لو هلك غير الآبق قبل أن يختار سيده التسليم فى الجناية أو الفداء وهذا ما أفصح عنه صاحب البحر الزخار

(1)

ج 5 ص 263 الطبعة السابقة.

(2)

ج 5 ص 263 الطبعة السابقة.

(3)

الجزء والصفحة والطبعة السابقة.

(4)

انظر ج 5 ص 267 الطبعة الأولى سنة 1949.

(5)

انظر ج 5 ص 268 الطبعة السابقة.

ص: 32

بقوله «وإن هلك العبد وفى رقبته جناية لم يضمنه سيده. قلت: ولو بعد تمرده، لتعلقها برقبته إلا أن يموت بعد اختياره للفداء

(1)

».

ويكون السيد مختارا للفداء إذا عبر بذلك صراحة أو فعل ما يتضمن أنه اختار الفداء بأن يعتقه أو يبيعه، أو يقتله بعد أن يكون قد علم جنايته، وهذا ما ذكره صاحب البحر بقوله: «فإن أعتقه أو قتله أو باعه عالما فهو اختيار للفداء فيلزمه، لا المشترى إذ لم تقع فى ملكه. وكذا لو رهنه بعد الجناية إذ أوجب فيه حقا للغير كالبيع

(2)

».

أما إذا كان قد أبق ممن يضمنه كأن يكون غاصب قد غصبه فإن ضمان جنايته على الغاصب وإن تعلقت برقبته. فقد قال صاحب البحر الزخار: «وجناية المغصوب على غاصبه إلى قيمته أى مضمومة إلى قيمته ثم فى رقبته. ثم قال: فإن قتل غاصبه اقتص منه الورثة، وعليهم قيمته من تركة الغاصب.

وكذا لو قتل العبد سيده اقتص منه ورثته، وضمن الغاصب قيمته، إذ لا مسقط لضمانه

(3)

».

‌الظاهرية:

الآبق لا يزال رقيقا، وملكه لا يزال لسيده، فالجناية عليه جناية على عبد مملوك فإذا جنى عليه بما يستوجب الدية أو أرش الجناية فقد بينه ابن حزم الظاهرى بقوله:

«وكل ما جنى على عبد أو أمة فإن فى الخطأ فى العبد وفى الأمة خطأ أو عمدا ما نقص من قيمته بالغا ما بلغ. وأما العبد والأمة ففيما جنى عليهما عمدا القود وما نقص من قيمتهما. أما القود فللمجنى عليه، وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله

(4)

».

ثم قال: «والعبد والأمة مال فعلى متلفهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ

(5)

».

ومقتضى هذا أنه لا يحدد للرقيق دية:

بأن تكون على النصف من دية الحر، أو أنها قيمته ما لم تبلغ عشرة آلاف درهم فإن بلغت لا يعطى سيده إلا عشرة آلاف درهم ينقص منها عشرة إن كان عبدا أو خمسة آلاف درهم ينقص منها خمسة إن كان أمة، إلى غير ذلك مما لا يجعل الدية قيمته بالغة ما بلغت ولو وصلت إلى عشرين ألف درهم أو يزيد، وقد علل ابن حزم رأيه بأن العبد والأمة مال فعلى متلفهما لسيدهما مثل ما تعدى فيه بالغا ما بلغ كما تقدم أما من حيث القصاص إن كان القاتل عبدا أو حرا فينظر فيه مصطلح (قصاص).

وأما ما يتلفه العبد آبقا أو غيره فقد بينه ابن حزم بقوله: «وأما جناية العبد على مال غيره ففى مال العبد إن كان له مال. فإن لم يكن له مال ففى ذمته يتبع بها حتى يكون له مال فى رقه أو بعد عتقه، وليس على سيده فداؤه، لا بما قل، ولا بما كثر، ولا إسلامه فى جنايته ولا بيعه فيها وكذلك جناية المدبر والمكاتب وأم الولد والمأذون وغير المأذون سواء. الدين والجناية فى كل ذلك سواء

(6)

»

أما جناية العبد على النفس فإن كان القتل عمدا ففيه القصاص، وان كان خطأ ففيه الدية المقررة. وينظر فى ذلك مصطلح

(1)

ج 5 ص 268 الطبعة السابقة.

(2)

ج 5 ص 268 الطبعة السابقة.

(3)

ج 5 ص 264 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى ج 8 ص 149 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.

(5)

المحلى ج 8 ص 155 الطبعة السابقة.

(6)

المحلى ج 8 ص 156 الطبعة السابقة.

ص: 33

(قصاص) ومصطلح (دية). ولكن الدية تكون على العبد آبقا أو غيره فى ماله إن كان له مال، وألا تكون فى ذمته يتبع بها إلى أن يكون له مال فى رقه أو بعد عتقه.

ويرى ابن حزم أن العبد يملك

(1)

.

‌الشيعة الإمامية:

يرون أن دية العبد (آبقا أو غيره) إنما هى قيمته، وإنها تكون لسيده، فقد جاء فى شرائع الإسلام: «ودية العبد قيمته ولو جاوزت دية الحر ردت إليها

ثم قال: ودية أعضائه وجراحاته، مقيسة على دية الحر، فما فيه دية ففى العبد قيمته كاللسان لكن لو كان قد جنى عليه جان بما فيه قيمته لم يكن لمولاه المطالبة إلا مع دفعه. وكل ما فيه مقدر فى الحر من ديته فهو فى العبد كذلك من قيمته: ولو جنى عليه جان بما لا يستوعب قيمته كان لمولاه المطالبة بدية الجناية مع إمساك العبد وليس له دفع العبد والمطالبة بقيمته

(2)

».

أما تفصيل الديات من حيث وجوب كلها أو نصفها أو غير ذلك - فلينظر فيه مصطلح (دية).

وأما ما يجنيه العبد (آبقا أو غيره) فإما أن يكون جناية على النفس، وإما أن يكون جناية على المال.

فإن كان جناية على النفس ووجب فيه المال فصاحبه مخير بين فدائه ودفعه بالجناية فقد جاء فى شرائع الإسلام «ولو جنى العبد على الحر خطأ لم يضمنه المولى، ودفعه إن شاء أو فداه بأرش الجناية، والخيار فى ذلك إليه. ولا يتخير المجنى عليه. وكذا لو كانت جنايته لا تستوعب ديته تخير مولاه فى دفع أرش الجناية أو تسليم العبد ليسترق منه بقدر تلك الجناية. ويستوى فى ذلك كله القن والمدبر: ذكرا كان أو أنثى. وفى أم الولد تردد على ما مضى - والأقرب أنها كالقن فإذا دفعها المالك فى جنايتها استرقها المجنى عليه أو ورثته، وفى رواية جنايتها على مولاها

(3)

».

ومقتضى ما تقدم أن ما يتلفه العبد (آبقا أو غيره) بالجناية على النفس أو الأطراف يتعلق برقبته، وقد صرح بهذا صاحب شرائع الإسلام حيث قال: «ولو قتل العبد عبدا عمدا فالقود لمولاه، فإن قتل جاز، وإن طلب الدية تعلقت برقبة الجانى، وإن تساوت القيمتان كان لمولى المقتول استرقاقه، ولا يضمنه مولاه، لكن لو تبرع فكه بقيمة الجناية

(4)

».

وكذلك ما يتلفه من المال يتعلق برقبته، وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام حيث يقول: «ولو اركب مملوكه دابة ضمن المولى جناية الراكب، ومن الأصحاب من شرط صغر المملوك وهو حسن. ولو كان بالغا كانت الجناية فى رقبته إن كانت على نفس آدمى. ولو كانت على مال لم يضمن المولى. وهل يسعى فيه العبد؟ الأقرب أنه يتبع به إذا عتق

(5)

».

وقال فى موضع آخر: «إذا التقط العبد ولم يعلم المولى فعرف حولا ثم أتلف العبد

(1)

المحلى ج 8 ص 159 الطبعة السابقة.

(2)

ج 2 ص 290 نشر مكتبة الحياة.

(3)

شرائع الإسلام ج 2 ص 290 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(4)

ج 2 ص 270 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(5)

ج 2 ص 296 نشر مكتبة الحياة.

ص: 34

اللقطة تعلق الضمان برقبته يتبع بذلك إذا أعتق كالغرض الفاسد

(1)

».

‌الإباضية:

الآبق لا يزال على ملك سيده فحكمه فى الدية حكم كل العبيد. ودية الرقيق قدر قيمته فقد جاء فى كتاب النيل: «ودية الرقيق قدر قيمته، ولا يجاوز بها دية حر

(2)

».

هذا إذا كان قد قتل إما إذا كان قد جرح جراحة فيها دية فعلى نحو ما فى الحر بالنسبة لقيمته فقد جاء فى كتاب النيل:

«وما فى حر كنصف ديته أو ثلثها ففى الرقيق كذلك، والتام كالتام

الخ

(3)

».

وتكون الدية إذا قتله حر، فقد جاء فى كتاب النيل: «والحر لا يقتل بالعبد، وعليه قيمته

(4)

».

ومقتضى النص الذى قبل هذا أن الواجب القيمة ما لم تبلغ دية الحر، ولكن جاء فى كتاب النيل فى موضع آخر: «ثم رأيت ما نصه: ومن قتل عبدا فعليه قيمته: عمدا أو خطأ، وإن جاوزت دية الحر

(5)

».

أما إذا قتله عبد فإن ربه مخير بين عدة أمور ذكرها صاحب النيل ومتنه فيما يأتى:

«وإن قتل العبد عبدا مثله فى القيمة خير رب العبد القتيل فى أخذه، أو أخذ قيمته، أو فى قتله أو العفو، وقد مر حكم كون العبد القاتل أكثر قيمة من العبد المقتول إذ قال (أى صاحب المتن) ولا عبدا أكثر قيمة بآخر حتى يرد ربه الفضل. وخير رب العبد القتيل فى أخذ العبد القاتل أو قيمته، أو قتله أو العفو فى عكسه، وهو أن يكون العبد القاتل أقل قيمة

(6)

»

وواضح من النصوص المتقدمة أن ديته تكون لسيده. أما إذا جنى الآبق على غيره فإن جنايته إما أن تكون على النفس أو على المال، فإن كانت على النفس بقتل عمد أو خطأ فقد بين صاحب النيل حكمه بقوله:

«وان قتل عبد حرا ولو خطأ فهو أى العبد لوليه أى لولى الحر مطلقا: شاء سيده أو ولى القتيل أو كره أحدهما، استحقه بوليه:

إن شاء استعبده وإن شاء قتله. كما أنه إذا أراد الولى قتل الحر الذى قتل وليه أدرك ذلك ولو أراد القاتل أن يعطى الدية: شاء الولى قيمة العبد أو لا. ماله إلا العبد. وقيل له العبد إن شاء، وإلا أدرك قيمته على سيده. وقيل: إن قتله عمدا فله العبد لا غيره أو خطأ فالخيار لربه».

أما إذا كانت جنايته لم تصل إلى القتل:

بأن كانت جروحا أو غيرها فقد بين صاحب النيل الحكم فى ذلك إذ يقول «ودون النفس من الجروح والآثار وفوات المنافع كالصمم - الخيار لربه إذا كان الجرح مثل قيمة العبد أو أكثر. وكذا غير الجرح كذهاب السمع. فإن شاء رب العبد أعطاه ذلك العبد، وإن شاء أعطاه قيمته بتقويم العدول. وإن كان أقل من نفس العبد فالأرش

(7)

».

وأما إذا كانت جنايته على عبد مثله فى القيمة، أو أكثر منه أو أقل بالقتل فقد تقدم حكمه فى النص الذى قدمناه فى الجناية على العبد.

(1)

ج 2 ص 179 نشر مكتبة الحياة.

(2)

ج 8 ص 57 المطبعة السلفية.

(3)

ج 8 ص 58 المطبعة السلفية.

(4)

ج 8 ص 178.

(5)

ج 8 ص 59 المطبعة السلفية.

(6)

ج 8 ص 189 - 190 طبعة المطبعة السلفية.

(7)

ج 8 ص 189 الطبعة السابقة.

ص: 35

وأما إذا أتلف مالا فى عمد أو خطأ فلا يلزم ربه أكثر من قيمته

(1)

، وذلك يظهر من قول صاحب النيل وشارحه «والعبد إن قتل أو قتل خطأ. أو أفسد بالخطأ مالا لم يلزم عاقلة ربه، إذ لا تعقل عبدا ولا عمدا: أى ما تعمده الإنسان - ولا اعترافا: أى ما أقر به الجانى قبل أن يبين عليه بالبينة العادلة، ولا صلحا

إلى أن قال: ولا يلزم ربه أكثر من قيمته وإن فى عمد، إن لم يأمره، وإن أمره لزمه كل ما فعل فى مال أو نفس ولو ديات أو أموالا عظيمة».

وما دام كلامنا فى جناية الآبق حين إباقه فغير معقول أن يكون سيده أمره بالإتلاف وحينئذ لا يكون على ربه أكثر من قيمته.

‌بيع الآبق ومتى يجوز

؟

‌الحنفية:

بيع الآبق قد يكون من المالك وقد يكون من القاضى وقد يكون من الآخذ فالمالك يصح له أن يبيعه إن كان قادرا على تسليمه للمشترى، وذلك بأن يحضر به الآخذ إلى سيده ليرده فباعه إليه السيد قبل تسليمه فعلا لأنه بالتخلية بين الأبق والراد يعتبر مسلما فقد جاء فى المبسوط: «وإذا انته الرجل بالعبد الآبق إلى مولاه فلما نظر إليه أعتقه فالجعل واجب

إلى أن قال:

وكذلك إن باعه مولاه من الذى أتاه به لأنه صار قابضا له لما نفذ تصرفه فيه بالتمليك من غيره». «أى الراد»

(2)

.

بخلاف ما إذا باعه لغير واجده فإنه لا يجوز للعجز عن التسليم.

قال صاحب المبسوط: «ويجوز بيع الآبق ممن أخذه» أى لمن أخذه لأن امتناع جواز بيعه من غيره لعجزه عن التسليم إليه ولا يوجد ذلك هنا لأنه بنفس العقد يصير مسلما إلى المشترى لقيام يده فيه فلهذا جاز بيعه منه

(3)

.

أما بيع القاضى له فإنه يكون له بيعه إذا حبسه وطالت مدة حبسه ولم يحضر صاحبه ليأخذه، وقد جاء فى فتح القدير أن طول هذه المدة يقدر بثلاثة أيام

(4)

.

وعلل ذلك بأن دارة النفقة أى استمرارها مستأصلة ولا نظر فى ذلك للمالك بحسب الظاهر، واعتبره فى هذا بالضالة الملتقطة.

ولكن صاحب الفتاوى الأنقروية قد ذكر نقلا عن التترخانية أن مدة هذا الحبس تقدر بستة أشهر ثم يبيعه بعدها

(5)

.

أما آخذه، فإنه لا يصح له بيعه إلا إذا كان ذلك بأمر القاضى فقد جاء فى المبسوط:

«رجل أخذ عبدا آبقا فباعه بغير إذن القاضى ثم أقام المولى بينة أنه عبده فإنه يسترده من المشترى والبيع باطل لأن الآخذ باعه بغير ولاية له فإن ولاية تنفيذ البيع له فى ملك الغير إنما تثبت بإذن المولى أو إذن القاضى بعد ما تثبت الولاية له فإذا باعه بدون إذن القاضى كان البيع باطلا

(6)

».

‌المالكية:

يرى المالكية أن بيع المالك للآبق حال إباقه لا يصح إلا إذا علم المبتاع مكانه وإنه عند من يسهل أخذه منه وعلم صفته، فقد قال الدسوقى فى حاشيته على الشرح

(1)

ج 8 ص 107 طبعة المطبعة السلفية.

(2)

ج 11 ص 20 طبعة الساسى.

(3)

ج 11 ص 28 الطبعة السابقة.

(4)

ج 4 ص 43 الطبعة الأميرية.

(5)

الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 198 الطبعة الأميرية

(6)

المبسوط ج 11 ص 26 طبعة الساسى.

ص: 36

الكبير نقلا على المتيطى: «ويجوز بيع العبد الآبق إذا علم المبتاع موضعه وصفته وكان عند من يسهل خلاصه منه فإن وجد هذا الآبق على الصفة التى علمها المبتاع قبضه وصح البيع وإن وجده قد تغير أو تلف كان ضمانه من البائع ويسترجع المبتاع الثمن

(1)

».

أما القاضى فله بيعه بعد مضى سنة والقاضى هنا هو الإمام أو القاضى الذى أنابه عنه فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: «فإن أخذه (أى الملتقط) رفعه إلى الأمام رجاء من يطلبه منه ووقف عند الإمام سنة: أى وينفق عليه فيها فإن أرسله فيها ضمن ثم إذا مضت السنة ولم يجئ ربه باعه الإمام: أى إذا لم يخش عليه قبلها وإلا بيع قبلها ولا يهمل أمره بل يكتب اسمه وحليته «أى أوصافه» مع بيان التاريخ والبلد وغير ذلك مما يحتاج إلى تسجيله ويشهد على ذلك ويجعل ثمنه فى بيت المال حتى يعلم ربه ويأخذ النفقة التى أنفقها عليه فى السنة من ثمنه ولا يلزمه الصبر إلى أن يحضر ربه وكذا أجرة الدلال ومضى بيعه وإذا قال ربه عند حضوره: كنت أعتقته سابقا قبل الإباق أو بعده لا يلتفت إلى قوله لاتهامه على نقض بيع القاضى ولكن إذا أقام بينة عمل بها ونقض البيع

(2)

».

وأما الآخذ فلا يصح له بيعه فقد جاء فى حاشية الدسوقى والشرح الكبير: «ولا يلزمه (أى القاضى) الصبر (أى بنفقته وعدم بيعه) إلى أن يحضر ربه: أى بخلاف من أخذه لكونه يعرف ربه فإنه يلزمه الصبر بنفقته حتى يحضر ربه ولا يجوز له بيعه وأخذ نفقته من الثمن قبل أن يجئ ربه

(3)

».

‌الشافعية:

يرى الشافعية أنه لا يصح للمالك بيع الآبق ولا الضال ولا الرقيق المنقطع خبره ولا المغصوب لأنه غير مقدور على تسليمه ولكنهم استثنوا بعض حالات يصح فيها هذا البيع فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى:

«الثالث (أى من شروط البيع) إمكان تسليمه فلا يصح بيع الضال والرقيق المنقطع خبره والمغصوب من غير غاصبه للعجز عن تسليم ذلك حالا

ثم قال: فإن باعه: أى المغصوب لقادر على انتزاعه دونه أو الآبق لقادر على رده دونه صح على الصحيح نظرا لوصوله إليهما إلا أن احتاجت قدرته إلى مؤنة فالظاهر البطلان. والثانى (أى المقابل للصحيح) لا يصح لأن التسليم واجب على البائع وهو عاجز عنه أما إذا كان البائع قادرا على انتزاعه أو رده فإنه يصح بلا خلاف إلا إذا كان فيه تعب شديد والأصح عدم الصحة»

(4)

.

أما الوالى ومن يتوب عنه كالقاضى فإنه يجوز له بيعه إذا كان قد وصل إليه فقد جاء فى الأم للشافعى: «وإذا كانت الضالة فى يدى الوالى فباعها فالبيع جائز ولسيد الضالة ثمنها فإن كانت عبدا فزعم سيد العبد أنه اعتقه قبل البيع قبلت قوله مع يمينه إن شاء المشترى يمينه وفسخت البيع وجعلته حرا ورددت المشترى بالثمن الذى أخذ منه.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 11 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة.

(4)

ج 2 ص 13 طبعة مصطفى الحلبى واولاده بمصر

ص: 37

قال الربيع: وفيه قول آخر أنه لا يفسخ البيع إلا ببينة تقوم لأن بيع الوالى كبيع صاحبة فلا يفسخ بيعه إلا ببينة أنه أعتقه قبل بيعه»

(1)

.

والشافعى قد جعل الآبق والضال متماثلان فى هذا الحكم لأنهما فى حكم اللقطة فقد جاء عنه فى الأم: «وإذا كان فى يدى رجل العبد الآبق أو الضال من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة» .

‌الحنابلة:

يرى الحنابلة أنه يجوز للمالك بيع عبده الآبق فى بعض الحالات فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى «ولا يجوز بيع المغصوب لعدم امكان تسليمه فان باعه لغاصبه أو لقادر على أخذه منه جاز لعدم الغرر فيه ولامكان قبضه، وكذلك إن باع الآبق لقادر عليه صح كذلك وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن هو فى يده صح البيع فإن عجز عن استنقاذه منه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء لأن العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه وثبت له الفسخ للعجز عن القبض»

(2)

.

أما الإمام أو نائبه كالقاضى فإنه يبيعه إذا رأى المصلحة فى ذلك فقد جاء فى المغنى لابن قدامة:

«وإن لم يجد (أى الآخذ) سيده دفعه إلى الإمام أو نائبه فيحفظه لصاحبه أو يبيعه إن رأى المصلحة فى بيعه»

(3)

.

وأما الآخذ فإنه لا يجوز له بيعه فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: «وليس لملتقطه بيعه ولا تملكه بعد تعريفه لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل فإن باعه فالبيع فاسد»

(4)

.

‌الزيدية:

يرى بعض الزيدية أن بيع العبد الآبق لا يجوز ويرى بعض آخر أنه موقوف ويرى بعض ثالث أنه يجوز لمن يكون فى يده وهذا يظهر من عبارة صاحب البحر الزخار: عن الهادى والمؤيد بالله: ولا «معطوف على عدم جواز البيع فيما سبق» العبد الآبق والمسروق والفرس الشارد ونحوه، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر

ثم نسب «إلى تخريج أبى العباس أحمد بن ابراهيم الهاشمى الحسينى الذى كان إماميا ثم تزيد وإلى المؤيد بالله أحمد بن الحسين الحسنى الآملى والى أبى طالب يحيى بن الحسين» : يصح موقوفا على التسليم لعموم: «وأحل الله البيع وحرم الربا»

(5)

مع خيار التعذر وقد رده صاحب البحر بقوله: «قلنا يلزم فى الطير» أى مع أن هؤلاء لم يقولوا به ونسب إلى العترة:

«فأما إلى من أبق إليه فيجوز إذ لا غرر

(6)

»

وخيار التعذر الذى ذكره هو الذى يكون للبائع والمشترى مدة ثلاثة أيام عند بيع ما يتعذر تسليمه فى الحال وقيل للمشترى فقط إن جهل لا إن علم

(7)

.

‌الظاهرية:

يرى ابن حزم الظاهرى أن بيع الآبق جائز: عرف مكانه أو لم يعرف دون تفصيل فى المشترى من حيث قدرته على أخذه أو معرفته لمكانه أو غير ذلك فقد جاء فى المحلى

(1)

ج 4 ص 68 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.

(2)

ج 4 ص 28 طبعة المنار سنة 1347 هـ.

(3)

ج 1 ص 357 الطبعة السابقة.

(4)

ج 4 ص 257 الطبعة السابقة.

(5)

سورة البقرة: 275.

(6)

ج 3 ص 313 الطبعة الأولى سنة 949.

(7)

ج 2 ص 354 الطبعة السابقة.

ص: 38

له: «وبيع العبد الآبق: عرف مكانه أو لم يعرف جائز وكذلك بيع الجمل الشارد:

عرف مكانه أو لم يعرف وكذلك الشارد من سائر الحيوان ومن الطير المتفلت وغيره إذا صح الملك عليه قبل ذلك وإلا فلا يحل بيعه ثم قال: وكل ما ملكه المرء فحكمه فيه نافذ بالنص إن شاء وهبه وإن شاء باعه وإن شاء أمسكه وإن مات فهو موروث عنه

(1)

.

وقد بنى هذا على الملك كما تقدم وعلى أن التسليم ليس بلازم ولم يوجبه القرآن ولا السنة ولا دليل أصلا وإنما اللازم ألا يحول البائع بين المشترى وبين ما بيع له فقط ثم قال: «ويملكه المشترى ملكا صحيحا فإن وجده فذلك وإن لم يجده فقد استعاض الأجر الذى هو خير من الدنيا وما فيها وربحت صفقته

(2)

.

‌الشيعة الإمامية:

لا يصح عندهم بيع الآبق إلا اذا انضم اليه فى الصفقة شئ آخر مقدور التسليم وقد بين هذا صاحب شرائع الإسلام فقال:

«الثالث (أى من شروط المبيع) أن يكون مقدورا على تسليمه فلا يصح بيع الآبق منفردا ويصح منضما إلى ما يصح بيعه ولو لم يظفر به لم يكن له رجوع على البائع وكان الثمن مقابلا للضميمة»

(3)

.

‌الإباضية:

لا يجوز عندهم بيع العبد الآبق حال إباقه فقد جاء فى كتاب النيل: «والأكثر على منع بيع سمك فى بركة .. ثم قال: وذلك للجهل به وهو فى الماء، إذ لا يتبين فيه، ولأنه قد لا يملك قبضه، لامتناعه بالماء وأبق: بهمزة مفتوحة تليها باء مكسورة وهو الإنسان المملوك الهارب فى إباقته: بكسر الهمزة. ومثله بيع حيوان فى نفاره وهروبه»

(4)

.

‌هل الإباق عيب فى العبد

‌الحنفية:

الإباق عيب فى العبد عندهم، بخلاف الهرب، اذ الإباق الهرب من غير ظلم السيد له أما الهرب فيكون إذا كان السيد قد ظلمه. قال صاحب الجوهرة نقلا عن الثعالبى: الآبق الهارب من غير ظلم السيد له، فإن هرب من الظلم لا يسمى آبقا، بل يسمى هاربا فعلى هذا الإباق عيب والهرب ليس بعيب

(5)

.

وعلى ذلك يكون للمشترى رده بالعيب

‌المالكية:

الإباق عند المالكية عيب فى العبد كالحنفية، فقد قال ابن رشد الجد فى المقدمات الممهدات حين الكلام على العيوب التى يرد بها:«وهذا فى العيوب التي تكون ظاهرة فى البدن، وأما ما لا يظهر: من الإباق والسرقة وما أشبه ذلك فادعى المبتاع أنه كان بالعبد قديما فقال ابن القاسم يحلف البائع واحتج بروايته عن مالك، وقال أشهب لا يمين عليه» وقد بين حكم البيع بوجود العيوب قديمة فقال: «فأما العيب القديم فيرد به فى القيام والرجوع بقيمته فى الفوات

(6)

».

(1)

ج 8 ص 388 طبعة إدارة الطباعة المنيرية.

(2)

ج 8 ص 389 الطبعة السابقة.

(3)

ج 1 ص 166 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(4)

ج 4 ص 73.

(5)

الجوهرة على القدورى ج 1 ص 466 طبعة الأستانة.

(6)

ج 2 ص 254، 255 طبعة الساسى.

ص: 39

‌الشافعية:

كذلك يرى الشافعية إن الإباق عيب، ولكن لهم فيه تفصيل بينه صاحب المغنى فى شرحه للمنهاج وقال عند قول صاحب المنهاج (للمشترى الخيار لظهور عيب قديم كخصاء رقيق وزناه وسرقته وإباقه): «أى كل منها، وإن لم يتكرر ولو تاب منها ..

ثم قال: وما تقرر من أن السرقة والإباق مع التوبة عيب هو المعتمد .. خلافا لبعض المتأخرين .. ثم قال: واستثنى من إباق العبد ما لو خرج عبد من بلاد الهدنة بعد أن اسلم وجاء إلينا فللإمام بيعه، ولا يجعل بذلك إباقا من سيده موجبا للرد، لأن هذا الإباق مطلوب

(1)

».

‌الحنابلة:

الإباق عيب فى العبد عندهم، وذلك إذا كان قد جاوز العاشرة، لأن الصبى العاقل يتحرز من مثل هذا عادة كتحرز الكبير، فوجوده منه فى تلك الحال يدل على أن الإباق لخبث فى طبعه وحد ذلك بالعشر، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بتأديب الصبى على ترك الصلاة عندها، والتفريق بينهم فى المضاجع لبلوغها. أما من دون ذلك فيكون هذا منه لضعف عقله وعدم تثبته

(2)

.

‌الزيدية:

يرى الزيدية إن الإباق عيب فى العبد يكون للمشترى الخيار معه، لأنه وصف مذموم تنقص به قيمة ما اتصف به عن قيمة جنسه السليم، فقد قال صاحب البحر «فى التمثيل للعيوب التى تنقص بها القيمة:

نقصان عين كالعور، أو زيادة. كالإصبع الزائد

أو حال كالبخر والإباق

(3)

».

ولكنه لا يكون عيبا إلا فى الكبير إذا عاد الإباق عند المشترى. قال فى البحر بصدد تعداد العيوب: «والإباق والصرع ونحوه، ولا يرد به حتى يعود مع المشترى لتجويز زواله. ولو أبق صغيرا ثم أبق عند المشترى كبيرا لم يرد» .. ثم قال منسوبا إلى الإمام: «وحد الكبر البلوغ، وقيل المراهقة. قلنا: البلوغ أضبط وأقيس

(4)

».

‌الظاهرية:

يرى ابن حزم الظاهرى - كغيره من الفقهاء السابقين - أن الإباق عيب يرد به المبيع إن لم يبين له، فقد قال فى المحلى:

«ومن اشترى عبدا أو أمة فبين له بعيب الإباق أو الصرع فرضيه فقد لزمه، ولا رجوع له بشئ: عرف مدة الإباق وصفة الصرع أو لم يبين له ذلك، لأن جميع أنواع الإباق إباق، وجميع أنواع الصرع صرع، وقد رضى بجملة إطلاق ذلك. فلو قلل له الأمر فوجد خلاف ما بين له بطلت الصفقة، لأنه غير ما اشترى. ولو وجد زيادة على ما بين لة فله الخيار فى رد أو إمساك، لأنه عيب لم يبين له

(5)

».

‌الشيعة الإمامية:

يرون أن الإباق عيب فى العبد يرد به فى البيع إذا ثبت انه آبق عند بائعه، قال الطوسى فى تهذيب الأحكام رواية عن الرضى

(1)

ج 2 ص 50 طبعة مصطفى الحلبى.

(2)

المغنى لابن قدامه ج 4 ص 276، 277 الطبعة الأولى لمطبعة المنار سنة 1347 هـ.

(3)

ج 3 ص 355.

(4)

ج 3 ص 357.

(5)

ج 9 ص 73 طبعة ادارة الطباعة المنيرية.

ص: 40

يقول: «يرد المملوك من أحداث السنة:

من الجنون والجزام والبرص. فإذا اشتريت مملوكا فوجدت فيه شيئا من هذه الخصال ما بينك وبين ذى الحجة فرده على صاحبه.

فقال له محمد بن على فأبق، قال: لا يرد إلا أن يقيم البينة أنه أبق عنده

(1)

.

‌الإباضية:

الإباق عندهم عيب فى العبد يرد به عند البيع، فقد جاء فى كتاب النيل - فى أثناء ذكر عيوب المبيع: «وإباقه، وغصب، وشرك

(2)

»

‌طريق ثبوت ملكية الآبق لمدعيها وما يلزم

فى ذلك:

‌الحنفية:

إذا حبس الإمام الآبق فجاء رجل وادعاه يلزم أن يقيم بينة أنه عبده، فإذا أقامها يستحلفه بالله انه باق الى الآن على ملكه لم يخرج ببيع ولا هبة، فإذا حلف دفعه إليه.

وهذا الاستحلاف لاحتمال أنه عرض بعد علم الشهود بثبوت ملكه على وجه زواله بسبب لا يعلمونه. وإنما يستحلفه مع عدم وجود خصم يدعى لصيانة قضائه من الخطأ، ونظرا لمن هو عاجز عن النظر لنفسه من مشتر أو موهوب له. ثم إذا دفعة لة عن بينة ففى أولوية أخذ الكفيل وتركه روايتان وكذلك يثبت الملك بإقرار العبد أنه لة، فيدفعه له إذا أقر العبد بذلك. ولكن هنا يجب أن يأخذ من المدفوع إليه كفيلا رواية واحدة

(3)

.

هذا إذا كان فى يد السلطان وهو الذى يدفعه إليه. أما إذا كان فى يد الآخذ له فإن الأوثق ألا يدفعه إليه إلا بأمر القاضى.

فإذا دفعه بغير أمر القاضى فهلك فى يد المدفوع إليه ثم جاء رجل فاستحقه فله أن يضمن الدافع إن شاء. وإن شاء يضمن المدفوع إليه، فإن ضمن الدافع ينظر فإن كان الدافع حين دفعه إليه صدقه أنه له لا يرجع عليه بما ضمن. وإن كان حين دفعه كذبه، أو لم يكذبه ولم يصدقه، أو صدقه وضمن. فله أن يرجع عليه فى الآبق

(4)

.

وإذا دفعه بأمر القاضى لا يكون له أن يأخذ عليه كفيلا بعد ثبوت انه له، واذا دفعه بغير أمر بمجرد العلامة أو تصديق العبد الآبق أنه سيده كان له أن يأخذ كفيلا

(5)

.

‌المالكية:

يستحق - عندهم - سيد الآبق آبقه إن كان تحت يد ملتقطه بشاهد ويمين. وقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: «واستحقه سيده من يد الملتقط إذا كان لا يعرف سيده فحضر إنسان وادعى إنه سيده فإنه يستحقه بشاهد ويمين (أى يمين المدعى أنه عبده) وأولى من الشاهد واليمين فى استحقاقه بهما الشاهدان، يستحقه بشهادتهما من غير يمين، ويأخذه مدعيه حوزا لا ملكا إن لم يكن إلا دعواه أنه عبدى إن صدقة العبد على دعواه. وذلك بعد الرفع للحاكم والإمهال فى الدفع له وهذا الإمهال يكون باجتهاد الحاكم. وكون مدعيه يأخذه حوزا لا ملكا فى حالة تصديق العبد له، إن لم يكن للمدعى إلا دعواه

(1)

ج 7 ص 63 طبعة مطبعة النعمان بالنجف.

(2)

ج 4 ص 240.

(3)

فتح القدير ج 4 ص 434، 435 الطبعة الأميرية.

(4)

الفتاوى الأنقروية نقلا عن النتف ج 1 ص 198 طبعة دار الطباعة المصرية ببولاق سنة 1281 هـ.

(5)

الفتاوى الأنقروية الجزء والصفحة السابق ذكرهما نقلا عن فتاوى ابن نجيم.

ص: 41

يقتضى أنه لا يجوز له بيعه ولا وطؤها إن كانت أمة وإن جاز له ذلك فيما بينه وبين الله إن كان صادقا

(1)

.

وكذلك له أخذه إن كذبه العبد على التفصيل الذى ذكره الدردير فى الشرح الكبير بقوله: «ومفهوم صدقه أنة إن كذبة أخذه أيضا إن وصفه ولم يقر العبد إنه لفلان، أو أقر وكذبه المقر له

(2)

».

‌الشافعية:

إذا كان الآبق فى يد آخذه وجاء ربه يريد أخذه فالحكم فى ذلك كما قال الإمام الشافعى فى الأم: «وإذا كان فى يدى رجل العبد الآبق أو الضالة من الضوال فجاء سيده فمثل اللقطة ليس عليه أن يدفعه إلا ببينة يقيمها. فإذا دفعها ببينة يقيمها عنده كان الاحتياط له ألا يدفعه إلا بأمر الحاكم، لئلا يقيم عليه غيره بينة فيضمن، لأنه إذا دفعه ببينة تقوم عنده فقد يمكن أن تكون البينة غير عادلة ويقيم الآخر بينة عادلة فيكون أولى. ثم قال: وإذا أقام رجل شاهدا على اللقطة أو ضالة حلف مع شاهده وأخذ ما أقام عليه بينة لأن هذا مال

(3)

».

أما إذا كان فى يد القاضى فقد جاء فى كتاب الأم للشافعى ما يؤخذ منه حكم ثبوت الملكية لمدعيه فقد قال: «وإذا أقام الرجل بمكة بينة على عبد ووصفت البينة العبد، وشهدوا أن هذه صفة عبده، وأنه لم يبع ولم يوهب، أو لم نعلمه باع ولا وهب وحلف رب العبد - كتب الحاكم بينته إلى قاض بلد غير مكة فوافقت الصفة صفة العبد الذى فى يديه لم يكن للقاضى أن يدفعه إليه بالصفة ولا يقبل إلا أن يكون شهود يقدمون عليه فيشهدون عليه بعينه

(4)

»

فهذا يدل على أن القاضى الأول لا يدفعه إلى صاحبه إن كان عنده بمجرد الصفة بل لا بد من بينة تقوم على النحو الذى ذكره: من وصف للعبد وإنه لم يبع ولم يوهب ويحلف رب العبد، أو يقيم شاهدا ويحلف ليكون له أخذه.

‌الحنابلة:

يرى الحنابلة أن العبد الآبق إذا جاء سيده يطلبه من آخذه رده إليه بعد أن يقيم بينة، أو يعترف العبد بأنه سيده. فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: «فإذا أخذ الآبق فهو أمانة فى يده. إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه. وإن وجد صاحبه دفعه إلية إذا أقام به البينة أو اعترف العبد أنه سيده

(5)

».

وإذا كان الآبق عند القاضى فإنه لا يدفعه لمدعيه إلا إذا أقام البينة على أنه له. فقد جاء فى المغنى ما يدل على هذا وهو: «فإذا أبق العبد فحصل فى يد حاكم فأقام سيده بينة عند حاكم بلد آخر أن فلانا الذى صفته كذا وكذا واستقصى صفاته - عبد فلان ابن فلان أبق منه فقبل الحاكم بينته، وكتب إلى الحاكم الذى عنده العبد: ثبت عندى إباق عبد فلان الذى صفته كذا وكذا قبل كتابه وسلم العبد

(6)

».

وهذا يؤخذ منه أنه لا يثبت عند الحاكم الذى كتب إلا إذا أقيمت البينة وشهدت بأوصافه وأنه عبد فلان هذا، وأن الذى عنده العبد يكتفى بهذا الاثبات.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 128.

(2)

الجزء والصفحة السابقة.

(3)

ج 4 ص 67 نشر مكتبة الكليات الأزهرية.

(4)

ج 4 الصفحة والطبعة السابقة.

(5)

ج 6 ص 357 طبعة المنار سنة 1347 هـ.

(6)

ج 6 ص 257 الطبعة السابقة.

ص: 42

‌الزيدية:

لم نجد للزيدية كلاما خاصا بالآبق فى هذا الموضوع، ولكنهم يجعلون أخذه مستحبا كأخذ الضالة - كما قدمنا - وقد ذكرنا سابقا أن آخذ الضالة يعرف بها وأنه يجوز له أن يستبقيها عنده، وعلى هذا فماذا يجب عليه إذا جاء رب الضالة يطلبها؟

قد بين ذلك صاحب مفتاح الأزهار فقال:

«ولا يجوز للملتقط أن يرد الضالة إلى من ادعاها إلا أن يحكم له الحاكم أنه يستحقها ويجوز الحبس عمن لم يحكم له ببينة» ثم قال: «وحاصل الكلام فى المسألة أن مدعى اللقطة لا يخلو إما أن يكون له بينة أولا إن كان له بينة وحكم بها حاكم لزم الملتقط ردها. فإن أقام غيره البينة بأنها له لم يلزم الملتقط له بشئ لانضمام الحكم إلى بينة خصمه. وإن لم يحكم له ببينة قال الفقيه أبو العباس: جاز الرد ولا يجب، وهو ظاهر كلام أبى طالب .. وأما إذا لم تكن له بينة، بل أتى بأمارتها وأوصافها ففى ذلك ثلاثة أقوال:

الأول: المذهب أنه لا يجوز الرد، قال عليه السلام: وظاهر كلام أصحابنا ولو غلب فى ظنه صدقه، لأن العمل بالظن فى حق الغير لا يجوز.

الثانى: ذكره فى شرح الإبانة قال فيه:

يجوز الرد بالعلامة ولا يجب فى قول عامة أهل البيت.

الثالث: أنه يجب، وقد ذكر هذا منسوبا للهادى والمؤيد بالله: أنه يجب فيما بينه وبين الله تعالى، لأن العمل بالظن واجب

(1)

».

أما إذا كانت فى يد الحاكم فلم نجد نصا صريحا فيه، ولكن جاء فى البحر الزخار أن القاضى لا يحكم باستحقاقه لة إلا إذا أقام البينة بأنه ملكه. فقد جاء فى البحر الزخار: «ويحكم بالبينة العادلة الكاملة ما لم تعارض إجماعا، وفى تأكيدها باليمين خلاف

(2)

».

‌الظاهرية:

يبين ابن حزم الظاهرى طريق ثبوت ملكية من يدعى العبد الآبق بقولة فى المحلى عند كلامه فى الآبق واللقطة والضالة: وأن اللقطة ما وجد من مال سقط أى مال كان بقوله:

«فإن جاء من يقيم بينة، أو من يصف عفاصه (أى الوعاء الذى يكون فيه الملتقط من جلد أو خرقه أو نحوها إن كان فى وعاء) ويصدق فى صفته، ويصف وعاءه، ويصدق فيه ويصف رباطه ويصدق فيه ويعرف عدده ويصدق فيه، أو يعرف ما كان له من هذا: أما العدد والوعاء ان كان لا عفاص له ولا وكاء (الرباط) أو العدد إن كان منثورا فى غير وعاء دفعه إليه كانت له بينة أو لم تكن

(3)

».

ولا شك أن التعريف للعبد بأوصافه يكون كالتعريف بالعفاص والوكاء ونحوها.

وإذن يكون إثبات الملكية عنده بالبينة أو الوصف. كما يشعر به ما سبق أن ذكرناه فى حكم أخذ الآبق. من أنه يبقى عند واجدة أو الحاكم حتى يجئ صاحبه ويعرفه فهو يرى أنه لا ضرورة لإقامة البينة لثبوت ملكيته للآبق بل يكفى وصفه.

(1)

ج 4 ص 62، 63 الطبعة الثانية سنة 1358 هـ

(2)

ج 4 ص 396 الطبعة السابقة.

(3)

ج 8 ص 257 طبعة ادارة الطباعة المنيرية.

ص: 43

‌الشيعة الإمامية:

عندهم أن الآبق والضال لا يصح أخذه، ولو أخذه يرده لصاحبه، وإلا دفعة إلى الحاكم، فإذا جاء صاحب العبد لزم أن يقيم بينة. وقد قال صاحب شرائع الإسلام:

«ومن وجد عبده فى غير مصره فأحضر من شهد على شهوده بصفته لم يدفع إليه لاحتمال التساوى فى الأوصاف، ويكلف إحضار الشهود ليشهدوا بالعين. ولو تعذر إحضارهم لم يجب حمل العبد إلى بلدهم ولو رأى الحاكم ذلك صلاحا جاز

(1)

».

‌حكم الإباق من يد كل من المستأجر والمرتهن

والغاصب والوصى:

الكلام هنا يتعلق بالجعل والضمان: أما الجعل فقد سبق الكلام عليه وأما الضمان فتفصيله كما يلى:

‌الحنفية:

أما المستأجر فإن الحنفية يرون أنه لا ضمان عليه ما دامت يده يد أمانة فلا يكون ضامنا له بإباقه إلا إذا كان ذلك ناشئا عن تعد منه، فقد جاء فى جامع الفصولين: «لو قال إذا جاء غد فقد أجرتك هذه الدابة فحمل المستأجر على الدابة فى الليل، فلما طلعت الشمس تلفت لم يضمن، إذ صار غاصبا بحمله، إلا أنه عند طلوع الفجر انعقدت الإجارة فصارت اليد يد أمانة

(2)

».

وأما المرتهن فإنه يكون مضمونا عليه إذا أبق منه بالأقل من قيمته ومن الدين فقد جاء فى جامع الفصولين: «ولو رهن قنا فابق سقط الرهن. فلو وجده عاد رهنا ويسقط من الدين بحسابه لو كان أول إباق له ولو أبق قبل ذلك لا يسقط من الدين شئ

(3)

».

والمراد من أنه يسقط من الدين بحسابه هو أنة يسقط من الدين بقدر نقصانه الذى هو عيب الإباق وقد بين هذا صاحب التنوير وشارحه صاحب الدر المختار وابن عابدين بقولهم: «ولو أبق عبد الرهن وجعله الراهن أو القاضى بالدين ثم عاد يعود الدين إلا بقدر نقصان عيب الإباق

(4)

».

وأما الغاصب فانه يكون ضامنا له فيلزم بقيمته فقد قال صاحب جامع الفصولين:

«ولو رهن قنا فأبق فجعله القاضى بما فيه ثم ظهر القن قال أبو يوسف رحمه الله هو رهن كما كان وقال زفر هو للمرتهن كغاصب ضمن القيمة

(5)

».

وأما الوصى فإنه إذا أبق منه العبد فإنه لا ضمان عليه لأن يده على مال الموصى عليه يد أمانة فلا يضمن إلا بالتعدى

(6)

».

‌المالكية:

يرون أن يد المستأجر يد أمانة فلا ضمان عليه إلا بالتقصير أو التعدى. وعليه فإباق العبد من يد المستأجر إن لم يكن بتفريط فى حفظه أو بسبب اعتداء عليه منه لا يجعله ضامنا. وقد بين ذلك الدردير فى الشرح الكبير والدسوقى فى حاشيته عليه، إذ جاء فيهما: «وهو: أى من تولى المعقود عليه أو من تولى العين المؤجرة: من مؤجر بالفتح كراع، ومستأجر كمكترى الدابة ونحوها - أمين فلا ضمان عليه إن ادعى

(1)

ج 2 ص 177 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(2)

ج 2 ص 156 الطبعة الاولى بالطبعة الأزهرية.

(3)

ج 2 ص 162 الطبعة السابقة.

(4)

ج 5 ص 330 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(5)

ج 2 ص 162 الطبعة الأولى بالمطبعة الأزهرية.

(6)

الزيلعى على الكنز ج 3 ص 310 الطبعة الاميرية.

ص: 44

الضياع أو التلف: كان مما يغاب عليه (أى يمكن إخفاؤه وكتمه) أولا. ويحلف إن كان منهما لقد ضاع وما فرطت. ولا يحلف غيره (أى غير المتهم) وقيل يحلف ما فرطت: أى يحلف على التفريط فقط.

ولا يحلف على الضياع، بل يصدق فيه من غير حلف عليه، لأن الضياع ناشئ عن تفريطه غالبا. فيكفى حلفه ما فرطت.

وفى المسألة قول ثالث وهو أنه يحلف على الضياع والتفريط

(1)

».

وأما المرهون فلا يكون مصمونا على المرتهن إلا إذا كذبه شهود فى دعواه أنه أبق.

فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: «لو كان الرهن بيد المرتهن وهو مما لا يغاب عليه (أى لا يمكن إخفاؤه وكتمه) كدور وعبيد والحال أنه لم يحصل من المرتهن تعد فلا ضمان على المرتهن ولو اشترط الراهن على المرتهن ثبوت الضمان عليه، خلافا لا شهب الذى قال: أنه يعمل بالشرط، إلا أن يكذبه عدول. وحلف المرتهن فيما يغاب عليه وأولى فيما لا يغاب عليه - لأنه إذا حلف فيما يضمنه فأولى فيما لا يضمنه

(2)

».

وأما المغصوب فان غاصبة يتعلق به الضمان من يوم استيلائه عليه والحيلولة بينه وبين مالكه. أما الضمان بالفعل فإنما يكون إذا حصل مفوت ولو بسماوى أو جناية غير الغاصب عليه، فقد جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: «وضمن الغاصب المميز بالاستيلاء على المغصوب عقارا أو غيره: أى تعلق الضمان بالغاصب بهذا الاستيلاء: أى الحيلولة بينه وبين مالكه، ولا يحصل الضمان بالفعل إلا إذا حصل مفوت ولو بسماوى أو جناية غيره

(3)

»

وإباق العبد مفوت له

(4)

.

وأما الوصى فإنه أمين فى مال موليه فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى

(5)

.

‌الشافعية:

يرى الشافعية أن يد المستأجر على العين المستأجرة يد أمانة فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: «ويد المكترى على المستأجر من الدابة والثوب وغيرهما يد أمانة مدة الأجارة جزما، فلا يضمن ما تلف فيهما بلا تقصير، إذ لا يمكن استيفاء حقه إلا بوضع اليد عليها

(6)

».

وهذا يقتضى أن العبد إذا أبق لا يكون مضمونا على المستأجر إلا إذا كان اباقه بتقصير من المستأجر أو بتعد عليه سبب هذا الإباق.

وكذلك المرتهن فإنه لا يضمن إذا تلف إلا بتقصير أو تعد كما فى المستأجر ولا يسقط من ديته شئ به فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: «وهو (أى المرهون) أمانة فى يد المرتهن، لخبر (الرهن من راهنه): أى من ضمان راهنه له غنمه وعليه غرمه. ثم قال: فلو شرط كونه مضمونا لم يصح الرهن، ولا يسقط بتلفه شئ من ديته

(7)

»

وأما المغصوب إن أبق فإنه يكون مضمونا على الغاصب فقد جاء فى المنهاج وشرحه المغنى: (وعلى الغاصب الرد

(1)

ج 4 ص 24 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(2)

ج 3 ص 255 الطبعة السابقة.

(3)

ج 3 ص 443 الطبعة السابقة.

(4)

ج 3 ص 447 الطبعة السابقة والمرجع السابق.

(5)

المرجع السابق ج 4 ص 454 الطبعة السابقة.

(6)

ج 2 ص 351 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده.

(7)

ج 2 ص 136، 137 الطبعة السابقة.

ص: 45

للمغصوب على الفور عند التمكن وإن عظمت المؤنة فى رده .. ثم استدل على هذا بحديث: على اليد ما أخذت حتى تؤديه

(1)

»

وأما الوصى إذا أبق منه عبد موليه فلا يضمن لأن يده يد أمانة إلا بالتقصير أو التعدى

(2)

.

‌الحنابلة:

يرى الحنابلة أن العين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر، فإذا أبق منه العبد المستأجر دون تقصير فإنه لا يكون مضمونا عليه إلا بالتقصير أو التعدى فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: «والعين المستأجرة أمانة فى يد المستأجر. إن تلفت بغير تفريط لا يضمنها.

ثم قال: ووجهه أنه عقد لا يقتضى الضمان فلا يقتضى رده ومؤنته كالوديعة»

(3)

.

أما المرتهن فإنه كالمستأجر لا ضمان عليه إلا بالتقصير أو التعدى، فقد جاء فى الشرح الكبير لابن قدامة المقدسى:«أن الرهن إذا تلف فى يد المرتهن فإن كان تلفة بتعد أو تفريط فى حفظه ضمنه، لا نعلم فى ذلك خلافا، لأنه أمانة فى يده، فلزمه ضمانه إذا تلف بتعديه، أو تفريطه كالوديعة. فأما إن تلف بغير تعد منه ولا تفريط فلا ضمان عليه وهو من مال الراهن»

(4)

.

وإباق العبد إن لم يكن تلفا فهو دونه فلا يضمن من باب أولى إلا إذا قصر فى المحافظة عليه.

وأما الغاصب فان الآبق يكون مضمونا عليه فقد جاء فى المغنى: «أن من غصب شيئا يعجز عن رده كعبد أبق أو دابة شردت فللمغصوب منه المطالبة ببدله فإذا أخذه ملكه ولا يملك الغاصب العين المغصوبة بل متى قدر عليها لزمه ردها ويسترد قيمتها التى أداها»

(5)

.

وأما الوصى فإن يده على مال موليه يد أمانة، فلا يضمن إلا بالتقصير أو التعدى

(6)

.

‌الزيدية:

يرون أن المستأجر لعين غير ضامن لها ما لم يشترط الضمان عند العقد

(7)

.

كما أنه يضمن إذا كان إباقه بعد انتهاء مدة الإجارة المتفق عليها وقبل رده إلا لعذر فقد جاء فى البحر الزخار: «وعلى المستأجر الرد إذ لا وجه لإمساكها بعد استيفاء الحق ثم قال: فإن لم يرد (أى العين المستأجرة) ضمنها وأجرتها وإن لم ينتفع كالمغصوب إلا لعذر»

(8)

.

وأما المرتهن فإنه يكون ضامنا لما ارتهنه ولو تلف بآفة سماوية ومن باب أولى بالتعدى فقد قال صاحب البحر الزخار:

«ومتى جنى عليه المرتهن ضمنه إجماعا لقوله صلى الله علية وسلم: «على اليد ما أخذت حتى ترد» ثم قال زيد بن على:

والقاسمية وكذا إن تلف بآفة سماوية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمرتهن الفرس فنفق ذهب حقك»

(9)

.

وأما الغاصب فإنه يضمنه إذا أبق ويكون ضمانه بقيمته فقد جاء فى البحر الزخار:

«وإذا أبق المغصوب فهو فى ضمان الغاصب حتى يقبضه المالك وإن جهله، لقوله صلى الله علية وسلم:(على اليد ما أخذت حتى ترد)

(10)

.

(1)

ج 2 ص 276، 277 الطبعة السابقة.

(2)

ج 3 ص 78 الطبعة السابقة.

(3)

ج 6 ص 117 طبعة المنار سنة 1347 هـ.

(4)

ج 4 ص 467 وقد وضع بديل المغنى.

(5)

ج 5 ص 417 الطبعة السابقة.

(6)

ج 6 ص 372 الطبعة السابقة.

(7)

البحر الزخار ج 4 ص 63 طبعة سنة 1949.

(8)

ج 4 ص 33 الطبعة السابقة.

(9)

ج 4 ص 113 الطبعة السابقة.

(10)

ج 4 ص 187 الطبعة السابقة.

ص: 46

ويعتبر فى قيمته أوفر القيم من يوم الغصب إلى يوم التلف، فقد جاء فى البحر الزخار: «وفى تالف القيمى أوفر القيم من الغصب إلى التلف، إذ هو مطالب فى كل وقت

(1)

».

وأما الوصى فهو أمين على ما فى يده من مال المولى عليه، فلا يضمن إلا بالتعدى أو التقصير فى الحفظ، وقد جاء فى ذلك قول صاحب البحر الزخار:«ويعمل باجتهاده، إذ هى ولاية، إلا فيما عين له» . ثم قال:

«ويضمن بمخالفة الموصى وبالجناية والتفريط فى الحفظ

(2)

».

‌الظاهرية:

يرون أن يد المستأجر يد أمانة فلا يضمن

(3)

.

أما إذا أبق العبد من يد المرتهن فلا ضمان، بل يبقى دينه على الراهن، ويتبعه المرتهن به، فقد قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى:

«فإن مات الرهن أو تلف أو أبق العبد أو فسد أو كانت أمة فحملت من سيدها أو أعتقها أو باع الرهن أو وهبه أو تصدق به أو أصدقه فكل ذلك نافذ، وقد بطل الرهن، وبقى الدين كله بحسبه

(4)

».

وأما الغاصب فإن الآبق مضمون عليه إن لم يرد. وقد بين هذا ابن حزم الظاهرى بقوله: «لا يحل لأحد مال مسلم ولا مال ذمى إلا بما أباح الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى القرآن أو السنة نقل ماله عنه إلى غيره، أو بالوجه الذى أوجب الله به تعالى أيضا كذلك نقله عنه إلى غيره، كالهبات الجائزة والتجارة الجائزة، أو القضاء الواجب بالديات والتقاص، وغير ذلك مما هو منصوص، فمن أخذ شيئا من مال غيره أو صار إليه بغير ما ذكرنا: فإن كان عامدا عالما بالغا مميزا فهو عاص لله عز وجل، وإن كان غير عالم أو غير عامد أو غير مخاطب فلا إثم عليه، إلا أنهما سواء فى الحكم فى وجوب رد ذلك إلى صاحبه، أو فى وجوب ضمان مثله إن كان ما صار إليه قد تلفت عينه، أو لم يقدر عليه

(5)

».

‌الشيعة الإمامية:

العين المستأجرة عندهم يد المستأجر لها يد أمانة لا يضمن إلا بالتعدى قال صاحب شرائع الإسلام: «إذا تعدى فى العين المستأجرة ضمن قيمتها وقت العدوان

(6)

».

فالأساس فى الضمان عندهم التلف بالعدوان، وهذا يقتضى أن العبد إذا أبق بسبب تعديه يكون ضامنا، لأن الإباق تلف، فقد جاء فى شرائع الإسلام: «لو فك القيد عن الدابة فشردت، وعن العبد المجنون فأبق ضمن، لأنه فعل يقصد به الإتلاف

(7)

».

وأما المرتهن فقد ذكرنا نص كلام الطوسى فى أنه لا ضمان عليه إذا أبق بدون تسبب منه، أما إذا تسبب فى إباقه فإنه يكون ضامنا. ويكون ضمانه بقيمته يوم قبضه، فقد جاء فى شرائع الاسلام: «اذا فرط

(1)

ج 4 ص 175 الطبعة السابقة.

(2)

ج 4 ص 332، 333 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى ج 8 ص 183.

(4)

ج 8 ص 93 الطبعة السابقة.

(5)

المحلى ج 8 ص 134، 135 الطبعة السابقة.

(6)

ج 1 ص 237 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(7)

ج 2 ص 151 الطبعة السابقة.

ص: 47

فى الرهن وتلف لزمه قيمته يوم قبضه، وقيل يوم هلاكه، وقيل أغلى القيم، فلو اختلفا فى القيمة كان القول قول الراهن، وقيل القول قول المرتهن وهو الأشبه أى الذى تدل عليه أصول المذهب

(1)

.

وأما الغاصب فان يده على المغصوب يد ضمان ويجب عليه رده ولو تعسر، والآبق متعسر الرد، وواجب عليه رده، فكل ما أنفقه على رده يكون ملزما به. كما أنه يكون ضامنا له إذا أبق، لأن الإباق تلف، فقد جاء فى شرائع الإسلام:«فإن تلف المغصوب (ولا شك أن الإباق تلف) ضمنه الغاصب بمثله إن كان مثليا، فإن تعذر المثل ضمن قيمته يوم الإقباض لا يوم الإعواز أى المرافعة إلى الحاكم» . ولو أعوز فحكم الحاكم فزادت أو نقصت لم يلزم ما حكم به الحاكم، وحكم بالقيمة يوم تسليمها، لأن الثابت فى الذمة ليس إلا المثل، فإن لم يكن مثليا ضمن قيمته يوم الغصب، وهو اختيار الأكثر. وقال بعضهم يضمن أعلى القيم من حين الغصب الى حين التلف، وهو حسن

(2)

».

وأما الوصى فإنه لا ضمان عليه إلا إذا قصر فى المحافظة عليه، أو تعدى، لأنه أمين وقد قال فى ذلك صاحب شرائع الإسلام:

«والوصى أمين لا يضمن ما يتلف إلا عن مخالفته لشرط الوصية أو تفريط

(3)

».

‌الإباضية:

يرون أن العبد إذا أبق من مستأجره لا يكون ضامنا، لأن يده يد أمانة، فلا ضمان عليه ما لم يكن إباق بتقصير منه أو تعد. ولكن جاء فى شرح النيل ما يدل على ضمان المستأجر فى رأى، فقد جاء فيه:

«وضمن الأجير: أراد به ما يشمل المكترى .. ثم علل ذلك بقوله: إن الأجير والمكترى كليهما بمعنى واحد. وهو الذى فى يده مال غيره على أجر معلوم للعمل

(4)

».

وأما إذا أبق من يد مرتهن فقد جاء ما يتعلق بذلك فى النيل وشرحه: «إن ضاع رهن بيد مرتهن بلا تعد منه ولا تضييع فقيل:

لا يرجع احدهما على الآخر بشئ مطلقا:

زاد الدين على قيمة الرهن أو نقص

ثم قال: وقيل: يترادان الفضل وقيل يرجع المرتهن على الراهن بما زاد الدين على الرهن إن زاد لا عكسه إن زاد الرهن على الدين، لأن المرتهن أمين فيه. ثم قال: وإن شرط الراهن أن تكون المصيبة على المرتهن فى الكل أو فى مقدار الرهن فهما على شرطهما

(5)

».

وأما إذا أبق من يد وصى فإنه لا ضمان عليه، لأن يده يد أمانة، إلا إذا قصر فى حفظه أو تعدى عليه بما قد أدى إلى إباقه، فقد جاء فى النيل وشرحه: «فإن قبلها، أى قبل الوصية، لزمته حالة كونها أمانة فى عنقه، وليجتهد فى إنفاذها، لوجوب أداء الأمانة إلى أهلها

(6)

».

‌عتقه قبل الرد

‌الحنفية:

لو أعتق المولى عبده الآبق قبل استلامه من الراد صح عتقه، وصار بهذا العتق

(1)

ج 1 ص 198 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

(2)

ج 2 ص 152 الطبعة السابقة.

(3)

ج 1 ص 264 الطبعة السابقة.

(4)

ج 5 ص 162.

(5)

ج 5 ص 544.

(6)

ج 6 ص 493.

ص: 48

قابضا لة، ولذا يجب الجعل للراد، لأن الإعتاق إتلاف للمالية فيصير كما لو قبضه ثم اعتقه، وذلك كما فى العبد المشترى فإنه يصح أن يعتقه قبل أن يقبضه ويصير بإعتاقه قابضا، ولذا يجب عليه الثمن

(1)

.

‌المالكية:

كذلك يرى المالكية أن عتق العبد حال إباقه وقيل الرد جائز، فقد قال الدردير فى الشرح الكبير: «وله، أى لرب الآبق عتقه حال إباقه والتصدق به والإيصاء به للغير وهبته لغير ثواب، أى لغير عوض

(2)

».

‌الشافعية

كذلك يرى الشافعية جواز عتق الآبق، فقد جاء فى المغنى شرح المنهاج «ولو اعتق المالك رقيقه قبل رده، قال ابن الرفعة:

يظهر أن يقال: لا أجرة للعامل إذا رده بعد العتق وإن لم يعلم، لحصول الرجوع ضمنا:

أى فلا أجرة لعمله بعد العتق تنزيلا لاعتاقه منزلة فسخه

(3)

».

وهذا يدل على أن عتق الآبق جائز، ولا جعل لمن رده بعد العتق.

‌الحنابلة:

عتق العبد عندهم جائز ولازم بمجرد العقد، فإذا عتق السيد عبده الآبق قبل الرد جاز، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة:

«وإن باعه الإمام، أى الآبق، لمصلحه رآها فى بيعه فجاء سيده واعترف أنه كان أعتقه قبل منه» . فقوله هنا: «كان أعتقه» صادق بأنه أعتقه حين الإباق أو قبله

(4)

.

‌الزيدية:

يرى الزيدية أن عتق الآبق حال إباقه جائز، إذ أنهم إنما يعتمدون على ملك المعتق

(5)

.

‌الظاهرية:

يرى ابن حزم الظاهرى أن العتق يعتمد على ملك المعتق للمعتق له

(6)

.

‌الشيعة الإمامية

يرون أن عتق السيد لآبقه جائز متى كان ممن يملك العتق، فقد جاء فى شرائع الإسلام:«ويعتبر فى المعتق الإسلام والملك» .

ثم قال: «ولو أعتق غير المالك لم ينفذ عتقه

(7)

».

‌آباق العبد من أخذه قبل الرد

‌الحنفية

؟

إذا أبق العبد من آخذه فإن كان قد أخذه ليرده فلا ضمان عليه إذا كان قد أشهد أنه أخذه ليرده، لأن يده حينئذ يد أمانة. أما إذا لم يشهد فإنه يضمن، لأنه حينئذ فى حكم الغاصب

(8)

.

وكذلك يكون ضامنا له إذا أبق منه فى الطريق وكان قد استعمله فى حاجة نفسه

(9)

.

‌المالكية:

يرى المالكية أن الآبق إذا أبق من ملتقطه لا ضمان عليه إلا إذا كان متعديا فقد جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير:

«إن من التقط آبقا ثم بعد أخذه أبق من

(1)

الهداية وفتح القدير والعناية ج 4 ص 438 الطبعة الأميرية.

(2)

ج 4 ص 127 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(3)

ج 4 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده.

(4)

ج 4 ص 357 طبعة المنار سنة 1347 هـ.

(5)

البحر الزخار ج 4 ص 192 الطبعة الأولى سنة 1949.

(6)

المحلى ج 8 ص 185.

(7)

ج 2 ص 93.

(8)

الكنز وشرح الزيلعى عليه «تبيين الحقائق» ج 3 ص 309.

(9)

الفتاوى الأنقروية نقلا عن شرح المجمع لابن ملك ج 1 ص 198.

ص: 49

عنده أو أنه مات عنده أو تلف فلا ضمان عليه لربه إذا حضر حيث لم يفرط، لأنه أمين ولا يمين عليه.

أما إذا فرط كما لو أرسله فى حاجة يأبق فى مثلها فأبق فإنه يضمن

(1)

.

‌الشافعية:

يد الراد على الآبق يد أمانة فلا يضمن إلا بالتفريط، فقد جاء فى المغنى على المنهاج:

«يد العامل على ما يقع فى يده إلى أن يرده يد أمانة. فإن خلا الآبق بتفريط ضمن لتقصيره

(2)

».

‌الحنابلة:

لا ضمان على الراد إن أبق منه دون تلف ودون تفريط فى حفظه، فقد جاء فى المغنى لابن قدامة: «فإذا أخذه فهو أمانة فى يده إن تلف بغير تفريط فلا ضمان عليه

(3)

».

‌الزيدية:

لا ضمان على آخذه إذا أبق منه قبل رده

(4)

.

‌الشيعة الإمامية:

يرون أن العبد إذا أبق من ملتقطه لا ضمان عليه، فقد جاء فى شرائع الإسلام:

«ولو التقط مملوكا، ذكرا أو أنثى لزمه حفظه وإيصاله إلى صاحبه، ولو أبق منه أو ضاع من غير تفريط لم يضمن، ولو كان بتفريط ضمن، ولو اختلفا فى التفريط ولا بينة فالقول قول الملتقط بيمينه

(5)

».

‌آسن

المعنى اللغوى: ذكر القاموس ولسان العرب أن الآسن من الماء مثل الآجن وأن المعنى فى كليهما: الماء المتغير بطول مكثه سواء أكان التغير فى طعمه أو لونه.

ونقل اللسان عن ثعلبة أن التغير قد يكون فى ريحه، وجملة هذا أن الماء الذى تغير أحد أوصافه الثلاثة أو كلها بالمكث دون شئ القى فيه هو الذى يسمى آسنا أو آجنا، وفعله من باب ضرب. ودخل فمصدره يكون أسنا أو أسونا.

‌مواضع استعمال لفظ آسن

ولفظ آسن يذكر فى باب الطهارة عند الكلام على أنواع المياه كما ذكره المالكية فى الجزء الأول من الشرح الصغير، وكما ذكره الشافعية فى كتاب الطهارة من شرح الجلال المحلى، وكما ذكره الحنابلة والأحناف فى باب الطهارة أيضا.

‌المعنى الفقهى:

والمعنى الفقهى للفظ آسن هو نفس المعنى اللغوى، الماء المتغير بطول مكثه فى مكانه.

‌حكم استعماله:

نص الحنابلة فى كتاب كشاف القناع على جواز استعمال الآسن فى التطهر به من

(1)

ج 4 ص 128 طبعة دار إحياء الكتب العربية.

(2)

ج 2 ص 434 طبعة مصطفى البابى الحلبى.

(3)

ج 6 ص 357 طبعة المنار سنة 1347.

(4)

البحر الزخار ج 4 ص 63 طبعة سنة 1949

(5)

ج 2 ص 173 نشر مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 50

غير كراهة، لأن تغيره بطول مكثه مع مشقة الاحتراز عنه سواء أكان مكثه فى أرض أو إناء من جلد أو نحاس أو سوى ذلك.

واستشهد الحنابلة على ذلك بما ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم توضأ من بئركان ماؤه نقاعة الحناء، وعللوا ذلك بمشقة الاحتراز عنه

(1)

.

ويتفق أصحاب المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والأحناف

(2)

مع هذا الذى ذكره الحنابلة فى جواز استعمال الماء الآسن فى الطهارة، ومن باب أولى فى غير الطهارة كالشرب لمن أراده.

‌المذهب الزيدى

الماء الآسن، أى المتغير لمكث طاهر مطهر عند الزيدية

(3)

.

جاء فى شرح الأزهار ما نصه: والأصل فى ماء التبس مغيره الطهارة، يعنى إذا وجد ماء متغير ولم يعلم بماذا تغير أبنجس أم بطاهر أم بمكث فإنه يحكم بالأصل، وأصل الماء الطهارة.

وقد جاء ما نصه

(4)

: أن الماء الذى ظهرت له رائحة مستخبثة ولم تكن ثائرة عن نجس أنه يجوز التطهر به لدخوله فى الماء المطلق.

‌الإمامية:

الماء الآسن عندهم طاهر مطهر مكروه استعماله مع وجود غيره

(5)

. ولو مازجه، أى الجارى، وما فى حكمه طاهر فغيره لونا أو طعما أو رائحة أو تغير من قبل نفسه من غير ممازجة لشئ لم يخرج عن كونه طاهرا مطهرا ما دام إطلاق الاسم باقيا، وبما يرشد إليه أيضا كراهية الطهارة بالماء الآسن إذا وجد غيره.

وما نقل عن المنتهى

(6)

لو كان تغير الماء لطول بقائه فإن سلبه الاسم لم يجز الطهور به ولا يخرج عن كونه طاهرا، وإلا فلا بأس ولكنه مكروه، ولا خلاف بين عامة أهل العلم فى جواز الطهارة به إلا ابن سيرين.

‌المذهب الإباضى:

يقولون أن المانع من استعمال الماء ينقسم قسمين: إما نجاسة تمنع التطهر به، وإما تغيير يمنع حكم التطهر به

(7)

.

‌المذهب الظاهرى:

الماء الراكد عندهم طاهر مطهر يجوز الوضوء منه وفيه ويجوز الاغتسال منه لكن لا يجوز الاغتسال المفروض فيه فإن اغتسل فيه لم يكن مغتسلا وله أن يعيد الغسل منه

(8)

.

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 5 ومنتهى الارادات ج 1 ص 11 طبعة سنة 1319 هـ.

(2)

للمالكية: الشرح الصغير ج 1 ص 13 المطبعة التجارية.

وللشافعية: المهذب ج 1 ص 8 طبعة الحلبى.

وللأحناف: الطهطاوى على مراقى الفلاح ص 7.

(3)

شرح الأزهار ج 1 ص 60.

(4)

الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 1 ص 179.

(5)

جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ج 1 ص 104

(6)

المرجع السابق.

(7)

كتاب الوضع ص 41 الطبعة الأولى.

(8)

المحلى ج 1 ص 210

ص: 51

‌آفة

التعريف بها: يقال فى اللغة آفة أوفا:

أضره وأفسده، وآفت البلاد أوفا وآفة وأووفا صارت فيها آفة - والآفة العاهة وما يفسد - وهو عرض مفسد لما أصاب من شئ

(1)

ولم يخرج بها الفقهاء والأصوليين فى استعمالاتهم عن هذه المعانى اللغوية.

الآفة عند الأصوليين: هى عند الأصوليين سماوية ومكتسبة، يذكرونها عند الكلام على عوارض الأهلية.

أما السماوية فهى ما ثبتت من قبل صاحب الشرع بلا اختيار للعبد فيها مثل الجنون (انظر جنون)، ومثل العته (انظر عته)، ومثل اعتقال اللسان (انظر اعتقال اللسان) وغير ذلك.

والمكتسبة ما يكون لاختيار العبد فى حصولها مدخل مثل الجهل (انظر جهل)، ومثل السفه (انظر سفه)

(2)

. ويترتب على الآفة بقسميها تغيير فى بعض الأحكام مثل إسقاط كل العبادات المحتملة للسقوط كالصلاة والصوم عن المجنون (انظر جنون).

ومثل الجهل فى موضع الاجتهاد الصحيح أو فى موضع الشبهة إذ يصلح عذرا وشبهة دارئة للحد والكفارة كما إذا أفطر المحتجم فى رمضان ظانا أن الحجامة مفطرة وأن الأكل بعدها مباح جهلا منه، فإن جهله عذر (انظر جهل)، ومثل منع مال السفيه عنه (انظر سفه)

(3)

.

الآفة عند الفقهاء: ويستعملها الفقهاء مفرديها بالحكم حينا كما يستعملونها ضمن استعمالهم لمصطلح تلف، وقد تحدث الفقهاء عن الآفة السماوية التى تصيب الثمار والزروع وما يترتب عليها من أحكام فى بعض الأبواب الفقهية وعرفوها بأنها ما لا صنع لآدمى فيها، كالثلوج والغبار والريح الحار والجراد والنار ونحو ذلك

(4)

.

أثرها فى الزكاة: ذهب الحنفية فى الزروع التى تصيبها آفة سماوية، وهى ما لا صنع لآدمى فيه

إلى أنها تسقط عنها الزكاة إذا أهلكت المال الذى تجب فيه.

وذلك لأن الواجب عندهم جزء من النصاب تحقيقا للتيسير فيسقط

(5)

. وإن هلك البعض يسقط الواجب بقدره وتؤدى زكاة الباقى قل أو كثر فى قول أبى حنيفة، وعند أبى يوسف ومحمد من الحنفية يعتبر قدر الهالك مع الباقى فى تكميل النصاب إن بلغ نصابا يؤدى، وإلا فلا.

وفى رواية عن أبى يوسف يعتبر كمال النصاب فى الباقى بنفسه من غير ضم قدر الهالك إليه

(6)

.

أما الحنابلة: فيقولون لو تلف المال بعد الحول قبل التمكين من إخراج الزكاة ضمنها، ولا تسقط الزكاة بتلف المال، أما بالنسبة للحبوب والثمار فإن وجوب الزكاة لا يستقر فيها إلا بجعلها فى جرين

(7)

ومسطاح ونحوه، فإن تلفت قبل الوضع بها بغير قصد من

(1)

لسان العرب مادة «أوف» .

(2)

شرح المنار ص 947 وما بعدها.

(3)

المرجع السابق.

(4)

الروض المربع ج 1 ص 186. شرح النيل ج 2 ص 23. كشاف القناع ج 1 ص 452.

(5)

فتح القدير ج 1 ص 514، 515 الطبعة الاميرية سنة 1315 هـ.

(6)

بدائع الصنائع للكاسانى الطبعة الأولى ج 2 ص 65

(7)

الجرين جمع جرن. وهو موضع تجفيف الثمر ونموه. المسطاح: الحصير من الخوص.

ص: 52

صاحبها سقطت الزكاة خرصت الثمرة أو لم تخرص، وإن تلف البعض من الزرع أو الثمر قبل الاستقرار زكى المالك الباقى إن كان نصابا، وإن لم يكن نصابا فلا زكاة فيه، وإن تلف بعد الاستقرار فى الجرين والمسطاح ونحوها لم تسقط زكاتها كتلف النصاب بعد الحول

(1)

.

ويرى المالكية: أن إصابة الثمر بعد التخريص بجائحة (أى إصابته بآفة سماوية) فإنها تعتبر فى سقوط الزكاة فيزكى ما بقى إن وجبت فيه زكاة وإلا فلا

(2)

زكاة فيه.

ويرى الشافعية: عدم وجوب الزكاة فيما يتلف من الزرع بآفة سماوية لفوات الإمكان فإن بقى فيه بعد طروء الآفة عليه نصاب زكاة أو دونه أخرج حصته بناء على أن التمكن شرط للضمان لا للوجوب

(3)

.

ويرى ابن حزم الظاهرى: أن كل ما وجبت فيه زكاة من الأموال والزروع والثمار وإن تلف كله أو بعضه أكثره أو أقله، أثر إمكان إخراج الزكاة منه، أثر وجوب الزكاة بما قل من الزمن أو كثر بتفريط تلف أو بغير تفريط، فالزكاة كلها واجبة فى ذمة صاحبه، كما كانت لو لم يتلف، لأن الزكاة واجبة فى الذمة لا فى العين، وكذلك لو أخرج وعزلها ليدفعها إلى أهل الصدقات فضاعت الزكاة كلها أو بعضها فعليه إعادتها كلها ولا بد لأنه فى ذمته حتى يوصلها إلى من أمره الله تعالى بتوصيلها إليه

(4)

.

ويرى الزيدية: أن الزكاة قبل إمكان الأداء كالوديعة قبل أن يطالب بها، إذا تلفت فإنها لا تضمن إلا أن تتلف بتفريط الوديع أو بجنايته وإن تلفت من دون تفريط ولا جناية فلا ضمان وكذلك المال وما أخرجت الأرض إذا تلف قبل إمكان أداء الزكاة إن تلفت بتفريط ضمن الزكاة وإلا فلا، فلو تلف بعض المال من دون تفريط وبقى البعض وجب إخراج زكاة الباقى ولو قل، ولا يضمن زكاة التالف

(5)

.

أما بعد إمكان الأداء فتجب وجوبا مضيقا فيضمن إذا لم يخرج بعد الأداء حتى تلف المال ولو بغير تفريط

(6)

.

أما الشيعة الجعفرية: فلا يجوزون تأخير دفع الزكاة عن وقت وجوبها مع الإمكان ويضمنون بالتأخير لا لعذر ولو كان تلف المال من غير تفريط كما لا يجوزون نقل الزكاة من بلد إلى بلد إلا عند عدم وجود المستحق، فإن نقلت مع وجوده ثم هلكت ضمن وإلا فإن تلفت مع النقل لعدم وجود المستحق فإنه لا يضمن

(7)

.

وعند الإباضية: تسقط الزكاة عن الغلة بعد وجوب الحق فيها وقبل إمكان إخراجه إذا تلفت بريح أو نار أو سيل لا بتفريط فإن بقى بعضها زكى عليه وحده إن وجبت فيه وقيل مطلقا وجبت أو لم تجب عن الباقى وعن التالف أما إن اجتيحت بعد تمكن من إخراج بلا تفريط فالأكثر على التضمين فى

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 434، 451 طبعة المطبعة العامرية الشرفية سنة 1319 الطبعة الأولى.

(2)

دردير ج 1 ص 203 المطبعة التجارية الكبرى.

(3)

نهاية المحتاج ج 3 ص 81، 82 طبعة مصطفى الحلبى سنة 1357 هـ.

(4)

محلى ج 5 ص 263 طبع منير.

(5)

شرح الأزهار ج 1 ص 457 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة.

(6)

شرح الأزهار ج 1 ص 457.

(7)

الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 127 طبع دار الكتاب العربى والمختصر النافع فى فقه الإمامية الطبعة الثانية ص 82 طبع وزارة الاوقاف.

ص: 53

زكاة ما تلف وزكاة الباقى وإن قل والأقوى سقوط التضميين عما تلف. ولا يزكى الباقى إلا إذا بلغ نصابا فإن اجتيحت بتفريط ضمنت اتفاقا

(1)

.

‌أثر الآفة فى البيع:

يذهب الأحناف إلى أن هلاك المبيع كله قبل القبض بآفة سماوية يفسخ البيع، وإذا انفسخ البيع سقط الثمن عن المشترى. وكذا اذا هلك بفعل المبيع بأن كان حيوانا فقتل نفسه لأن فعله على نفسه هدر فكأنه هلك بآفة سماوية

(2)

.

فإذا هلك كله بعد القبض بآفة سماوية لا ينفسخ البيع والهلاك على المشترى وعليه الثمن لأن البيع تقرر بقبض المبيع فتقرر الثمن وإذا هلك بعض المبيع فان كان قبل القبض وهلك بآفة سماوية ينظر إن كان النقصان نقصان قدر بأن كان مكيلا أو موزونا أو معدودا ينفسخ العقد بقدر الهالك وتسقط حصته من الثمن لأن كل قدر من المقدرات معقود عليه فيقابله شئ من الثمن

(3)

وهلاك كل المعقود عليه يوجب انفساخ البيع وسقوط الثمن بقدره والمشترى بالخيار فى الباقى إن شاء أخذ بحصته من الثمن وإن شاء ترك لأن الصفقة قد تفرقت عليه، وإن كان النقصان نقصان وصف - وهو كل ما يدخل فى البيع من غير تسمية كالشجر والبناء فى الأرض وأطراف الحيوان والجودة فى المكيل والموزون - لا ينفسخ البيع أصلا ولا يسقط عن المشترى شئ من الثمن لأن الأوصاف لا حصة لها من الثمن إلا إذا ورد عليها القبض أو الجناية لأنها تصير مقصودة بالقبض والجناية فالمشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك لتعيب المبيع قبل القبض وإن هلك بفعل المبيع بأن جرح نفسه لا ينفسخ البيع ولا يسقط عن المشترى شئ من الثمن لأن جنايته على نفسه هدر فصار كما لو هلك بعضه بآفة سماوية وهلاك بعضه نقصان الوصف والأوصاف لا تقابل بالثمن ولا يسقط شئ من الثمن ولكن المشترى بالخيار إن شاء أخذه بجميع الثمن وإن شاء ترك لتغير المبيع، وإذا هلك بعضه بعد القبض بآفة سماوية فالهلاك على المشترى لأن المبيع خرج عن ضمان البائع بقبض المشترى فتقرر عليه الثمن

(4)

.

أما الحنابلة: ففى كشاف القناع: وأن تلف المكيل والموزون والمعدود والمزروع أو تلف بعضه بآفة (أى عاهة) سماوية، لا صنع لآدمى فيها قبل قبضه فهو من البائع، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن، والمراد به ربح ما بيع قبل القبض وينفسخ العقد فيما تلف بآفة قبل القبض سواء كان التالف الكل أو البعض لأنه من ضمان بائعه، ويخير المشترى فى الباقى بين أخذه بقسطه من الثمن وبين رده

(5)

.

وفيه أيضا: «وإن تلفت الثمرة المبيعة دون أصولها قبل بدو صلاحها بشرط القطع بجائحة قبل التمكن من أخذ الثمن ضمنه البائع» .

وفى الروض المربع: «وإن تلفت ثمرة بيعت بعد بدو صلاحها دون أصلها قبل أو ان

(1)

شرح النيل ج 2 ص 23.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى الطبعة الأولى ج 5 ص 239.

(3)

المرجع السابق ص 240.

(4)

بدائع الصنائع للكاسانى الطبعة الأولى ج 5 ص 241.

(5)

كشاف القناع ج 2 ص 80 طبعة المطبعة العامرية الشرقية سنة 1319 هـ الطبعة الاولى.

ص: 54

جذاذها بآفة سماوية (وهى ما لا صنع لأدمى فيها كالريح والحر والعطش) رجع ولو بعد القبض على البائع لحديث جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح

(1)

.

ويرى المالكية: أن تلف المبيع وقت ضمان البائع بسماوى مبطل لعقد البيع فلا يلزم البائع الإتيان بمثله، إلا إذا كان موصوفا متعلقا بالذمة كالسلم، فان المسلم إليه إذا احضر المسلم فيه فتلف قبل قبضه لزمه الإتيان بمثله، وإذا تلف بعضه ينظر فى الباقى بعد التلف ان كان الباقى نصفا فأكثر لزم الباقى بحصته من الثمن إن تعدد وكان قائما، فإن اتحد أو فات خير المشترى وإن كان الباقى أقل تعين الفسخ إلا إذا كان مثليا فيخير المشترى مطلقا

(2)

.

والشافعية يذهبون: فى تلف المبيع قبل القبض بآّفة سماوية إلى ما ذهب إليه الأحناف إلا إذا رضيه المشترى وأجاز البيع فانه يأخذ المبيع بكل الثمن

(3)

.

وفى المحلى لابن حزم الظاهرى: كل بيع صح وتم فهلك المبيع أو كان ثمرا قد حل بيعه فأجيح كله أو أكثره أو أقله فكل ذلك من المبتاع ولا رجوع له على البائع بشئ

(4)

.

ويذهب العترة من الزيدية: كما جاء فى كتاب البحر الزخار إلى أنه إذا تلف المبيع بآّفة سماوية أنفسخ العقد لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إذا بعت من أخيك تمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا»

(5)

.

ورأى المذهب أنه إذا تلف بعضه قبل القبض لم ينفسخ فى الباقى بل فى التالف فقط

(6)

.

ويرى الشيعة الإمامية: أن المبيع لو تلف قبل القبض ضمن البائع إذا كان تلفه من الله تعالى فإذا تلف بعضه أو تعيب من قبل الله تعالى تخير المشترى فى الإمساك مع الأرش وفى الفسخ

(7)

.

الإباضية: جاء فى كتاب النيل: «ويوضع بقدر المصاب من المجاح ولو قل وقيل لا يوضع ما دون ثلث الثمار، لقول النبى صلى الله عليه وسلم: إذا أصيب ثلث الثمرة فصاعدا فقد وجب على البائع الوضيعة، ولا يعتبر الثلث فى القيمة بل فى الثمار ولا وضع إذا بيعت مع الأصل أو بيع الأصل ثم بيعت.

وإن بيعت أولا فالوضع واجب والثمر والتمر فى ذلك كله سواء. وتوضع جائحة البقول وإن قلت، وقيل الثلث فصاعدا، مثل أن تنقطع عنه عين سقيه أو المطر ولا جائحة فى الزرع وما يبس من الثمار، والجائحة ما لا يستطاع دفعه كالثلج والجليد والريح والبرد والجيش والجراد.

وليس منها السارق عند الأكثر، لأنه يطاق دفعه لو علم به، وقيل لا يجوز بيع الثمار

(1)

الروض المربع ج 1 ص 185.

(2)

بلغة السالك ج 2 ص 67.

(3)

نهاية المحتاج ج 4 ص 79، 80، 82.

(4)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 389 طبع منير.

(5)

البحر الزخار ج 3 ص 368 الطبعة الاولى سنة 1366 هـ مطبعة السعادة بمصر.

(6)

المرجع السابق ج 3 ص 369.

(7)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 336 للشهيد الجيعى العاملى طبع دار الكتاب العربى.

ص: 55

قبل بدو الصلاح، ولو قطع لعموم ظاهر النهى

(1)

.

وإن تلف المبيع فى يد المشترى ثم خرج «ظهر» عيب كان قبل البيع فمن ماله ويدرك «أى يرجع به» على البائع أرش العيب فيما بينه وبين الله إلا أن تلف بذلك العيب فإنه يدرك عليه الثمن كله وكذا إن كان فى يد البائع بالتعدى وهلك بالعيب أو هلك فى يد المشترى بفعل البائع، وإن هلك فى يد البائع وكان بيده أمانة أو عارية أو وديعة أو بإجارة ونحو ذلك مما ليس تعديا أو خيانة فمن مال المشترى

(2)

.

وإن تلف المبيع بعد القبض فضمانه من المشترى وإن هلك قبل القبض وبعد العقد ففيه خلاف، قيل من مال المشترى وقيل من مال البائع وذلك إذا كان الهلاك فجأة على أثر العقد قبل إمكان القبض أو بلا فجأة لكن قبل إمكانه، وإذا لم يمنع المشترى من القبض فالحق أنه من مال المشترى ومجرد تخليتة قبض وقيل من مال البائع ما لم يقبضه المشترى بيده وعلى هذا فإذا قال له البائع اقبضه أو خذه أو نحو ذلك كان من مال المشترى، وأصحابنا يشترطون القبض، لكن التخلية قبض عندهم، واستدل مشترط القبض

(3)

بنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم تقبض، وربح ما لم تضمن.

‌أثر الآفة فى عقد المساقاة:

يذهب الحنفية إلى أن عقد المساقاة الصحيح لا ينفسخ إذا لم تخرج الأرض ثمرا لآفة وبقى العقد صحيحا ولا شئ لكل من صاحب الأرض ولا زارعها عند صاحبه

(4)

.

أما الحنابلة: فإنهم يقولون إن ساقاه إلى مدة تكمل فيها الثمرة غالبا، فلم تحمل الثمرة تلك السنة فلا شئ للعامل لأنه دخل على ذلك

(5)

.

ويرى المالكية: ان العامل فى المساقاة ليس له شئ إذا ما أجيحت الثمرة لكن له الخيار بين التمادى فى لزوم العقد أو الخروج منه

(6)

.

ويتفق الشافعية مع الأجناف فى لزوم عقد المساقاة ولو تلفت الثمرة كلها بآفة

(7)

.

ويرى ابن حزم الظاهرى: فى المحلى الجزء الثامن المسألة 1330، والمسألة 1346 بأن الأرض اذا لم تخرج فلا شئ للعامل ولا شئ عليه

(8)

.

ويذهب الشيعة الجعفرية: إلى أن تلف الزرع جميعه لا يضمن لصاحب الأرض عند الزراع، ولو تلف البعض سقط منه بالنسبة

(9)

.

(1)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 64.

(2)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 262.

(3)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 4 ص 287، 288.

(4)

فتح القدير ج 8 ص 47 الطبعة الأولى سنة 1318

(5)

كشاف القناع ج 2 ص 278، 279 طبعة المطبعة العامرية الشرفية سنة 1319 الطبعة الأولى.

(6)

بلغة السالك لأقرب المسالك ج 2 ص 238.

(7)

نهاية المحتاج ج 5 ص 255.

(8)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 211.

(9)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجيعى العاملى ج 1 ص 359 طبع دار الكتاب العربى.

ص: 56

‌آل

كلمة «آل» اسم ثلاثى، عينه ألف ممدودة، ومن اللغويين من ذهب إلى أن أصلها الواو كما هو الحال فى مثل قال وصال. ومنهم من قال: إن أصلها الهاء وسهلت.

ولكلمة «آل» معان كثيرة أوردتها كتب اللغة، فالآل هو الشخص. وهو ما تراه أول النهار وآخره مما يشبه السراب وليس هو السراب. والآل ما أشرف من البعير. والخشب. وعمد الخيمة. واسم جبل وأطراف الجبل ونواحيه

وليس فى هذه المعانى ما يناسب المعنى الذى تكلم فيه الفقهاء.

وآل الرجل أهله وعياله، وآله أيضا أتباعه وأولياؤه. وهذه هى المعانى المناسبة لما تكلم فيه الفقهاء. والفقهاء تكلموا فى آل الرجل، أى رجل كان، فى الوقف وفى الوصية.

وتكلموا فى آل محمد صلى الله عليه وسلم فى تحريم الصدقة عليهم، وفى استحقاقهم للخمس، وفى الصلاة عليهم فى التشهد، وفى غيره، وفى حجية إجماعهم، وفى الكفاءة والسيادة والشرف، وفى غير ذلك.

‌الآل والوقف عليهم والوصية لهم:

قال فقهاء مذهب أبى حنيفة

(1)

: أنه لو وقف على أهل بيته، أو وقف على آله، كان الحكم واحدا فى الحالين، وهو أن يدخل فى وقفه كل من يناسبه بآبائه إلى أقصى أب له فى الإسلام، وهو أبوه الذى أدرك الإسلام وإن لم يسلم، ويدخل فيه أبو الواقف وولده، فى كل من آله وأهل بيته، ويدخل فيه الذكور والإناث من ولده لصلبه ومن ولد الذكور من أولاده، أما أولاد الإناث فلا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين، لأنهم ليسوا من آله ولا من أهل بيته وإن كانوا من ذريته ومن قرابته.

وقالوا أيضا: إن الوصية للآل أو لأهل البيت يدخل فيها كل من اجتمع مع من أضيف له الآل أو البيت بآبائه إلى أقصى أب له فى الإسلام، فلو أوصى لأله أو لأهل بيته وكان علويا دخل فى وصيته كل من ينتسب بآبائه إلى على، وأن كان عباسيا دخل فيها كل من ينتسب إلى العباس، ذكرا كان أو أنثى، إذا كان ينتسب بنفسه أو بواسطة الأباء، إلا أولاد النساء فإنهم لا يدخلون إذا كان آباؤهم من قوم آخرين.

ومن أوصى لآله أو أهل بيته دخل فى وصيته أبوه وجده الصحيح إذا كانا غير وارثين.

ولو أوصى إلى أهل فلان كانت الوصية لزوج فلان خاصة فى قول أبى حنيفة، وعند صاحبيه تكون الوصية لكل من يعولهم فلان ممن تضمهم نفقته من الأحرار، فتدخل فيها زوجه واليتيم الذى فى حجره، والولد إذا كان يعوله، أما إذا كان كبيرا قد اعتزل عنه، أو كان بنتا قد تزوجت، فليس من أهله، فلا يدخل فى الوصية للأهل المماليك، ولا وارث الموصى اذا كانت وصيته. لأهله، ولا يدخل فى

(1)

أحكام الوقوف والصدقات للخصاف ص 36، 41 بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 351 وما بعدها.

ص: 57

الوصية لأهل فلان فلان نفسه، هذا هو فرق ما بين الوصية لأهل فلان وبين الوصية لآله أو لأهل بيته.

وقال فقهاء مذهب مالك

(1)

: أنه لو وقف على آله أو وقف على أهله، كان وقفه هذا على عصبته وعلى كل امرأة لو رجلت - أى فرضت رجلا - كانت عصبة، فلا يدخل أولاد النساء من قرابة الأب، كما لا يدخل فيه أحد من قرابة الأم.

والراجح عندهم أن الوقف على الأقارب يشمل الأقارب من جهة الأب ومن جهة الأم، وقيل إنه لا يشمل الأقارب من النساء من الجهتين، غير أنهم لم يفرقوا بين العصبة وغير العصبة منهم. فالآل والأهل معناهما وأحد عندهم فى الوقف .. كما أنه يختلف عن معني القرابة.

وقالوا: أنه لو أوصى لأقاربه، أو لأهله، أو لذى رحمه، ولم يكن له أقارب من جهة أبيه أو كان له أقارب من جهته يرثونه لم يدخلوا فى وصيته واختص بها قرابته من جهة الأم. وإن كان له أقارب من جهة الأب وكانوا لا يرثونه اختصوا بالوصية ولا يشاركهم فيها قرابته من جهة الأم. ولو أوصى لأقارب فلان، أو لأهل فلان، أو لذي رحم فلان، وكان له أقارب من الجهتين اختص بالوصية أقارب فلان من جهة الأب وارثين كانوا أو غير وارثين لفلان، وأن لم يكن لفلان أقارب من جهة أبيه استحق الوصية أقاربه من جهة أمه وقد صرحوا بأن كلا من الألفاظ الثلاثة يشمل القرابتين معا فى الوصية، وأن قرابة الأب تحجب قرابة الأم إذا اجتمعت القرابتان وكانت قرابة الأب تستحق الوصية، ولا تحجبها اذا كانت غير مستحقة للوصية.

والموازنة بين ما قيل فى الوقف وفى الوصية تظهر مدى اختلاف المعاني فى البابين.

وقال فقهاء مذهب أحمد

(2)

أنه لو وقف على آله، أو على أهل بيته، أو على أهله، أو على قرابته، أو على قومه، أو على نسبائه، أو وقف على آل فلان، أو على أهل بيت فلان، أو على أهل فلان، أو ..

أو .. إلخ، كان الوقف على الذكر والأنثى من أولاد الواقف أو من أولاد فلان، ومن أولاد أبيه، ومن أولاد جده، ومن أولاد جد أبيه، أربعة آباء. ويستوى فى ذلك الذكر والأنثى والصغير والكبير والغنى والفقير، من قبل أبيه. ولا يدخل فى هذا الوقف من يخالفه فى الدين، ولا أمه، ولا من تكون قرابته له من قبل أمه إلا أن يكون فى كلامه ما يدل على أنه أراد ذلك.

وقيل إن وقفه على آله أو على آل فلان، أو على أهله أو أهل فلان أو .. أو .. إلخ يكون كما لو وقف على ذوى رحمه وهم ولده وقرابته من الجهتين.

ونقل صالح عن أحمد أنه لو وقف على آله، أو .. أو .. إلخ، اختص بهذا الوقف من بصلة الواقف من قرابة أبيه وقرابة أمه وإن جاوز أربعة آباء.

واختار ابن الجوزى الفرق بين الوقف على أهل البيت أو على القوم وبين الوقف على القرابة وقال: إن هذا الأخير يختص به قرابة الأب أما الآخر فيكون لقرابة الأبوين.

(1)

مختصر خليل والشرح الكبير للدردير ج 4 ص 94، 432.

(2)

المغنى لابن قدامة ج 6 ص 549، 553، 554.

الفروع لابن مفلح ج 2 ص 886، 888.

كشاف القناع ج 2 ص 467.

ص: 58

وقال ابن تيمية: أنه لو وقف على أهله أو على أهل بيته دخل فى هذا الوقف أزواجه، وأنه لو وقف على آله ففى دخول أزواجه فى هذا الوقف روايتان، وأختار هو الرواية التي تقول بدخولهن فى هذا الوقف. وقالوا: إنه لو وقف على آله أو على أهل بيته دخل هو فى هذا الوقف أما لو وقف على أهله فإنه لا يدخل فيه.

وقالوا: أنه لو أوصى لآله كان كمن أوصى لقرابته فتكون الوصية لقرابته من قبل أبيه، وذلك لأنه جاء فى بعض الروايات لحديث زيد بن أرقم أنه قيل له: من آل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال:

أهله وعشيرته الذين حرمت عليهم الصدقة:

آل على وآل العباس وآل جعفر وآل عقيل.

وفى الوصية لأهل بيته والوصية لقرابته روايات كالتي ذكرت فى الوقف، غير أنى لم أقف على أنها ذكرت فى الوصية للآل.

‌آل محمد صلى الله عليه وسلم

تحريم الصدقة عليهم:

رويت أحاديث كثيرة - قالوا: إنها متواترة المعنى - فى تحريم الصدقة على آل محمد.

ومما جاء فيها قوله صلى الله عليه وسلم:

«إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة» . «إن الصدقة حرام على محمد وعلى آل محمد، وإن مولى القوم من أنفسهم» . «إن الصدقة لا تنبغى لآل محمد إنما هى أوساخ الناس» .

وقد اتفق الفقهاء على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حرمت عليه الصدقة المفروضة وصدقة التطوع، ولكنهم اختلفوا فيمن هم آله الذين حرمت عليهم الصدقة وفى الصدقة التى حرمت عليهم.

ذهب الحنفية إلى أن آل محمد الذين حرمت عليهم الصدقة هم بنو هاشم بن عبد مناف إلا من ورد النص بنفي قرابتهم.

وهاشم لا ولد له إلا من أبنه عبد المطلب.

فمن يعتبرون آل محمد وقرابته فى هذا الباب هم آل على، وآل العباس، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل الحارث، من أولاد عبد المطلب، أما آل أبى لهب بن عبد المطلب فليسوا من آل محمد هنا، ولا تحرم عليهم الصدقة وإن كانوا مسلمين، وذلك لأن تحريم الصدقة على بني هاشم إنما كان تكريما من الله تعالى لهم ولذريتهم لقاء نصرتهم له عليه الصلاة والسلام فى الجاهلية وفى الإسلام، أما أبو لهب فكان أحرص الناس على آذاه عليه الصلاة والسلام، حتي أنه عليه الصلاة والسلام قد برئ من قرابته، فقال:«لا قرابة بينى وبين أبى لهب، لقد آثر علينا الأفخرين، فلم يستحق لا هو ولا ذريته هذه الكرامة» . وآل محمد فى هذا الباب لا يتناول آل المطلب وآل عبد شمس وآل نوفل أبناء عبد مناف وليسوا ممن حرمت عليهم الصدقة.

وما ذهب إليه الحنفية فى هذا هو المشهور من مذهب مالك، وإحدى الروايتين عن أحمد، وهو مذهب الزيدية ومذهب الإمامية.

وقال الشافعى وابن حزم: إن آل محمد هنا هم بنو هاشم وبنو المطلب فقط، وهو مقابل المشهور من مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد.

ص: 59

والحجة فى ذلك ما ورد فى الصحاح عن جبير بن مطعم (من ولد نوفل) أنه جاء هو وعثمان بن عفان (من ولد عبد شمس) يكلمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قسم من الخمس بين بنى هاشم وبنى المطلب فقال جبير: يا رسول الله قسمت لإخواننا بنى المطلب ولم تعطنا شيئا وقرابتنا وقرابتهم واحدة.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إنما بنو هاشم وبنو المطلب شئ واحد» .

فقالوا: إذن لا يفرق بين حكمهم فى شئ أصلا لأنهم شئ واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام، فصح أنهم آل محمد، وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام، وخرج بنو نوفل وبنو عبد شمس وسائر قريش عدا هذين البطنين. وقال أصبغ بن الفرج المالكى: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم جميع قريش وهم بنو قصى. وعن غيره من المالكية أنهم بنو غالب.

وقال فقهاء الحنفية: إن آل محمد الذين تحرم عليهم الصدقة هم الذين ينتسبون إلى هاشم بأنفسهم أو بواسطة آبائهم دون من ينتسبون إليه بواسطة النساء. فأولاد البنات من آل محمد ليسوا من آل محمد ولا تحرم عليهم الصدقة، وبهذا قال جمهور الفقهاء ولا يعرف من خالف فى هذا إلا السيد المرتضى من فقهاء أهل البيت فقد قال: إن أولاد البنات من آل محمد - وإن كان آباؤهم من قوم آخرين - تحرم عليهم الصدقة ويكونون ممن يستحقون فى الخمس. وقد وافقه على ذلك جماعة من فقهاء الشيعة الإمامية ذكرهم صاحب جواهر الكلام وقال: إن بعض فضلاء الأعاجم قد ألف رسالة فى الانتصار لهذا المذهب. ولكن عدم دخولهم هو الأشهر الذى عليه عامة الإمامية.

وقال فقهاء الحنفية إن موالى آل محمد منهم وتحرم عليهم الصدقة، وهذا هو مذهب ابن حزم، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلا من بنى مخزوم على الصدقة فأراد أن يصحبه أبو رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبى إلا أن يستأذن رسول الله عليه الصلاة والسلام فقال له:«إن الصدقة لا تحل لآل محمد وإن مولى القوم من أنفسهم» .

أما مذهب أحمد ومذهب الشيعة الإمامية أن موالى آل محمد ليسوا من قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يكونون من آل محمد فتحل لهم الصدقة. وقال ابن قدامة فى المغنى: إن هذا قول أكثر العلماء.

ولا إختلاف بين الفقهاء فى أن أزواج بنى هاشم لسن من آل محمد فى هذا الباب فتحل لهن الصدقة. غير أن ابن قدامة قال: إن الخلال روى بإسناده عن ابن أبى مليكة أن خالد بن سعيد بن العاص بعث إلى عائشة شعيرة من الصدقة فردتها وقالت: إنا آل محمد صلى الله عليه وسلم لا تحل لنا الصدقة. وهذا يدل على تحريمها على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم.

وقد اتفق الفقهاء على أن الزكاة المفروضة صدقة محرمة على آل محمد فلا يحل لأحد منهم أن يتناول منها إذا كان من الأصناف التى تستحق الزكاة لو لم يكونوا من بنى

ص: 60

هاشم سوى صنف العاملين عليها ففيه اختلافهم كما سيجئ.

وقال الإمامية: إنها محرمة عليهم لا فرق فى ذلك بين أهل العصمة وغيرهم، وقد ورد فى الخبر الذى رواه أبو خديجة عن أبى عبد الله قوله: أعطوا الزكاة من أرادها من بنى هاشم وإنما تحرم على النبى وعلى الإمام بعده وعلى الأئمة. فقالوا: إن فى سند هذا الخبر مقالا، وبغض النظر عن ذلك فانه يجب طرحه، او حمله على حال الضرورة، وهى حال لا تقوم بالنبي ولا بالأئمة، أو حمله على صدقة التطوع التى اختص منصب النبوة ومنصب الإمامة بالترفع عنها.

وجمهور الحنفية على أنه لا يحل لأحد من الآل أن يكون عاملا على الصدقة يتناول أجر عمله منها، وهذا هو مذهب الشافعى وأظهر الروايتين عن أحمد، ومذهب ابن حزم، ومذهب الإمامية، وإحتجوا فى هذا بقوله عليه الصلاة والسلام للفضل بن العباس وعبد المطلب بن ربيعة حينما سألاه أن يؤمرهما على بعض الصدقة ليصيبا كما يصيب غيرهما: أن الصدقة لا تنبغى لأل محمد إنما هى أوساخ الناس، وبحديث أبى رافع الذى سبق ذكره، وقالوا: إن الصدقة تخرج من مال المتصدق إلى الأصناف التي سماها الله تعالى فيملك العامل على الصدقة بعضها على أنه مصرف لها وعلى أنها صدقة وذلك لا يحل لأحد من آل محمد.

وقال الطحاوى: إن أبا يوسف كان يكره لبنى هاشم أن يعملوا على الصدقة إذا كانت جعالتهم منها وخالفه فى ذلك آخرون، فقالوا: لا بأس أن يعمل الهاشمي على الصدقة ويأخذ أجره منها لأنه إنما يملك أجره بعمله لا على أنه صدقة عليه، فالأجر لا يصل إليه باسم الصدقة، فهو كالصدقة إذا بلغت محلها ثم أهدى منها من أخذها إلى من لا تحل له الصدقة فإنه يحل له تناول هذا وإن كان أصله الصدقة وساق فى بيان هذا حديث بريرة وغيره.

وقال فى حديث الفضل وصاحبه: قد يجوز أنه ما منعهما العمل على الصدقة إلا ليجنبهما العمل على أوساخ الناس لا لأن أخذهما أجرهما منها محرم عليهما، وقال أنه وجد ما يدل على ذلك وهو أن العباس سأله عليه الصلاة والسلام أن يستعمله على الصدقة فقال له:«ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس» .

ثم قال إن هذا هو النظر وهو أصح مما قال أبو يوسف فى ذلك

وما ذهب إليه الطحاوى رواية عن أحمد، وقد وجهوها بأن أجر العامل عليها كأجر بيته لو استؤجر لتوضع فيه الصدقة.

وذهب فقهاء الحنفية إلى تحريم ما أوجبه الله سبحانه من الصدقة سوى الزكاة على آل محمد، فلا يجوز أن يصرف إليهم شئ من كفارة اليمين والظهار والقتل وجزاء الصيد وعشر الأرض، أخذا بعموم السنن التى وردت فى تحريم الصدقة على آل محمد، وهذا هو مذهب المالكية والشافعية وابن حزم وأحد وجهين فى مذهب أحمد وبه قال جماعة من الإمامية، وقال آخرون منهم: إن الحرمة قاصرة على الزكاة، وهذا هو الاحتمال الآخر فى مذهب أحمد.

وفى مؤلفات متأخري الحنفية عد النذر من الصدقة المحرمة على آل محمد من غير

ص: 61

إشارة إلى خلاف فى ذلك. وهذا متفق مع أوجه الاحتمالين فى مذهب الشافعى، وصرح بعض الإمامية بأن من الصدقة المحرمة الصدقة الواجبة بالنذر، والصدقة الموصى بها، والهدى الواجب.

وواضح أن من يقولون بحرمة صدقة التطوع عليهم يقولون بحرمة هذا النوع من الصدقة عليهم. والاحتمال غير الوجيه فى مذهب الشافعية أن النذور تحل لهم.

ومذهب أحمد أنه يجوز لهم الأخذ من الوصايا للفقراء ومن النذور لأنها من صدقة التطوع، فهم لا ينظرون إلا إلى إيجاب الشارع، أما إيجاب العبد على نفسه فإنه لا يخرج الصدقة عن أن تكون صدقة تطوع.

أما صدقة النفل أو التطوع فقد اختلفت بشأنها عبارات مؤلفى الحنفية. فالطحاوى بعد أن روى السنن الواردة فى التحريم قال:

فدل ذلك على أن كل الصدقات من التطوع وغيره قد كان محرما على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى سائر بني هاشم، والنظر يدل على استواء حكم الفرائض والتطوع فى ذلك.

وذلك أنا رأينا غير بنى هاشم من الأغنياء والفقراء فى الصدقات المفروضات والتطوع سواء. من حرم عليه أخذ صدقة مفروضة حرم عليه اخذ صدقة غير مفروضة، فلما حرم على بنى هاشم أخذ الصدقات المفروضات حرم عليهم اخذ الصدقات غير المفروضات. فهذا هو النظر فى هذا الباب، وهو قول أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله.

وقد اختلف النقل عن أبى حنيفة فى ذلك، فروى عنه أنه قال: لا بأس بالصدقات كلها على بنى هاشم.

وذهب فى ذلك عندنا إلى أن الصدقات إنما كانت حرمت عليهم من أجل ما جعل لهم فى الخمس من سهم ذوى القربى فلما انقطع ذلك عنهم ورجع الى غيرهم بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم حل لهم بذلك أخذ ما كان محرما عليهم من أجل ما كان قد أحل لهم.

وقد حدثنى سليمان بن شعيب عن أبيه عن محمد عن أبى يوسف عن أبى حنيفة فى ذلك مثل قول أبى يوسف، فبهذا نأخذ

هذا كلام الطحاوى وهو قاطع فى أن عن أبى حنيفة روايتين: رواية حرمة المفروضة والتطوع وإن انقطع حقهم فى الخمس. ورواية حلهما بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وانقطاع حقهم فى الخمس.

وهذا ما يقرره البابرتى فى «العناية» ، فقد قال: وذكر فى «شرح الآثار» أن النافلة والمفروضة محرمتان عليهم عندهما وعن أبى حنيفة فيهما روايتان غير أنه نقل فى «فتح القدير» عن النهاية أن صدقه النفل تجوز لهم بالإجماع.

وجاء فيه أيضا أن جواز صدقة التطوع قد ورد فى «الكافى» من غير إشارة إلى خلاف.

وهذا هو ما صنعه صاحب الهداية أيضا، وقال الكمال: إنه قد ورد فى «شرح الكنز» أنه لا فرق بين الصدقة الواجبة وصدقة التطوع.

ثم قال: وقال بعضهم يحل لهم التطوع.

وقال الكمال أنه قد اثبت الخلاف على وجه

ص: 62

يشعر بترجيح حرمة النافلة وهو الموافق للعمومات فوجب اعتباره.

وفى العناية أن صاحب الفتاوى الكبرى أختار حرمة التطوع.

وقد حقق الكمال أن الوقف من صدقة التطوع بعد أن نقل أن فيه عند الحنفية أقولا ثلاثة: الجواز مطلقا، والمنع مطلقا، والجواز إذا سماهم حتي يكون كالوقف على الأغنياء.

والقول بحرمة صدقة التطوع عليهم مذهب الشافعى ومذهب أبن حزم، وقول فى مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أحمد. وحل هذه الصدقة لأل محمد هو المعتمد فى مذهب مالك مع الكراهة، وهو أظهر الروايتين عن أحمد.

وقال الإمامية: أن صدقة التطوع محرمة على النبى وعلى الأئمة جائزة لغيرهم من آل محمد.

وقد وقفنا على ما جاء بإحدى الروايتين عن أبى حنيفة من حل المفترضة والتطوع لهم وما رأى الطحاوى أنه وجه ذلك عنده وهو انقطاع حقهم فى الخمس.

وأن الرواية الأخرى هى الحرمة فيهما وإن انقطع ذلك، وأن هذا هو قول أبى يوسف ومحمد. والحرمة مع ذلك هى أيضا المذهب عند الشافعية.

أما رواية الحل فى الصدقتين فهى أيضا مذهب المالكية إذا أصابهم ضر ومذهب الإمامية، وقول فى مذهب الشافعية.

ومذهب الحنفية أن الصدقة لا تحل لهم وأن كانت من بعضهم لبعض، وهذا مذهب المالكية أيضا.

وفى رواية عن أبى يوسف وأخرى عن بى حنيفة حل الصدقة من آل محمد بعضهم لبعض، وذلك مذهب الإمامية.

وقال الشوكانى: أنه قد نقل فى البحر عن زيد بن على وعن المرتضى وأبى العباس والإمامية وأنه نقل فى الشفاء عن أبنى الهادي والقاسم، وقال إنه قول جماعة وافرة من أئمة العترة وأتباعهم وأولادهم، وأن البعض قد أدعى إجماع فقهاء الشيعة على ذلك، ولكنه أنكر هذه الدعوى وأفاض فى ردها واستنكار ما كان يجرى باليمن فى عهده

(1)

.

‌مستحقو الخمس والفئ:

أثبت الكتاب الكريم لذى القربى - قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا فى خمس الغنائم بقوله تعالى: «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى}

(1)

أرجع الى:

شرح معانى الآثار للطحاوى ج 1 ص 297 وما بعدها.

بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 44، 49.

الهداية وفتح القدير والعناية ج 2 ص 24، 25 رد المحتار لابن عابدين ج 2 ص 68، 69.

الطحطاوى على مراقى الفلاح ص 700، 701 من كتب الحنفية.

وارجع الى:

مختصر خليل والشرح الكبير للدردير ج 1 ص 493 وما بعدها، من كتب المالكية.

وارجع الى:

الانوار مع حاشيته ج 2 ص 952، من كتب الشافعية.

وارجع الى:

المغنى لابن قدامة ج 2 ص 519 وما بعدها، من كتب الحنفية.

وارجع الى:

المحلى لابن حزم ج 6 ص 146، من كتب الظاهرية.

وارجع الى:

نيل الاوطار للشوكانى ج 4 ص 146.

شرائع الإسلام وشرحه جواهر الكلام ج 3 ص 99 وما بعدها، 157 وما بعدها، من كتب الشيعة.

ص: 63

{عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»

(1)

.

وحقا فى الفئ بقوله تعالى: «ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ، وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ، وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَاتَّقُوا اللهَ، إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ»

(2)

.

وقد اختلف الفقهاء فى مقدار استحقاق ذى القربى، وفى مصير هذا الاستحقاق بعد موته عليه الصلاة والسلام وفى كثير من الأحكام المتصلة بهذا، فيرجع إلى معرفة ذلك كله فى مواد: «خمس. غنيمة.

فئ».

وذوو القربى هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم آل محمد الوارد ذكرهم فى تحريم الصدقة، فمن ذهب فيهم إلى رأى هناك قال به هنا ما عدا الحنفية الذين أخذوا هنا بحديث جبير بن مطعم الذى سبق إيراده هناك.

فهم هنا بنو هاشم وبنو المطلب عند الحنفية والشافعية وابن حزم، وفى قول عند المالكية ورواية فى مذهب أحمد.

وهم بنو هاشم وحدهم إلا آل أبى لهب فى القول المشهور عند المالكية والرواية الأخرى فى مذهب أحمد، ونقل هذا عن عمر بن عبد العزيز وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين، وإليه ذهب جميع أهل البيت.

ومن قال هناك بدخول أولاد البنات قال به هنا، ومن أخرجهم هناك أخرجهم هنا، ولم أر من عرض لذكر الموالى والأزواج هنا سوى قول ابن حزم ولا حق فيه لمواليهم ولا لخلفائهم ولا لبنى بناتهم من غيرهم

(3)

.

‌الصلاة على آل محمد:

جمهور العلماء على أن الصلاة على آل محمد فى التشهد الأخير مندوبة والراجح من مذهب الشافعى إنها سنة، وقال الشيعة إنها واجبة فى التشهدين. ويرجع فى تفصيل ذلك إلى مادة «صلاة. تشهد» .

وقال الجمهور: أنه لا ينبغى لأحد أن يصلى على آل محمد استقلالا، وإنما الصلاة عليهم تكون تبعا للصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم

فالآل فى ذلك كغيرهم من الناس.

واختلف العلماء فى معنى الآل فى هذا المقام ونظائره على أقوال كثيرة، فقيل هم الأزواج والذرية. وقيل هم الذين حرمت عليهم الصدقة وهم بنو هاشم وحدهم أو بنو هاشم وبنو المطلب. وقيل على وفاطمة والحسنان وأولادهم. وقيل هم القرابة بغير تقييد. وقيل هم الأمة جميعا. وقال النووى إن هذا أظهر الأقوال

(4)

.

وفيما يتعلق بإجماع آل محمد وشرفهم وكفاءتهم ونسبهم يرجع إلى مواد «اجماع.

كفاءة. نسب».

(1)

سورة الانفال: 40.

(2)

سورة الحشر: 6.

(3)

ارجع الى:

مبسوط السرخسى ج 10 ص 9.

مختصر خليل والشرح الكبير ج 2 ص 190.

الوجيز للغزالى ج 1 ص 173.

التحفة لابن حجر ج 3 ص 80.

المحلى لابن حزم ج 7 ص 327.

نيل الأوطار للشوكانى ج 8 ص 58.

جواهر الكلام ج 3 ص 157 وما بعدها.

(4)

ارجع الى:

الوجيز للغزالى ج 1 ص 53.

شرح الحلبى لمنية المصلى ص 3.

جواهر الكلام ج 2 ص 341 وما بعدها.

نيل الأوطار ج 2 ص 244.

ص: 64

‌آلة

‌التعريف بكلمة آلة:

جاء فى القاموس واللسان فى بعض معانى الآلة أنها ما اعتملت به من الأداة، يكون واحدا وجمعاً، والمراد «باعتملت» استعنت، ويفسرون الأداة بالآلة، ويقول ابن منظور

(1)

«إن أداة الحرب سلاحها .. »

والآلة لا تخرج فى اصطلاح الفقهاء وتعبيراتهم عن هذا المعنى اللغوى، وإنما يذكرونها فى أبواب من الفقه لمناسبات يتعلق بالآلة فيها حكم شرعى، والذى يعنينا بيانه مما ورد مبعثرا فى كتب الفقه فى استعمال الفقهاء لكلمة آلة وما يتعلق بها من أحكام هو الآتى:

1 -

آلة الرى، وآلة الصناعة، فى كتاب الزكاة.

2 -

آلة الصيد، وآلة الذبح، فى باب الصيد والذبائح.

3 -

آلة القتل، وآلة الحد، فى الجنايات والقصاص والحدود.

4 -

آلة القتال، فى الجهاد.

5 -

آلة اللهو، فى البيوع والإجارة وما يتعلق بضمان المتلفات، والقطع فى سرقتها.

‌آلة الرى:

اتفق الفقهاء

(2)

فى زكاة الزروع والثمار على أن ما سقى بالأمطار وماء الأنهار بلا آلة وجب فيه العشر، وأما المسقى بآلة كالدلو والدولاب والساقية والناقة ونحو ذلك، فيجب فيه نصف العشر، لأن المؤنة تكثر فيه وتقل فيما يسقى بالسماء أو السيح.

وقد نقل أبو شجاع من الشافعية عن البيهقى الاجماع على ذلك، كما حكاه صاحب البحر الزخار من الزيديه وقال ابن قدامة الحنبلى لا نعلم فيه خلافا.

وفى مسلم: «وفيما يسقى بالسانية نصف العشر» . والسوانى هى النواضح التى هى الإبل يستقى بها لشرب الأرض.

وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: بعثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم الى اليمن، فأمرنى أن آخذ مما سقت السماء أو سقى بعلا العشر، ومما سقى بدالية نصف العشر، إلا أن بعض المالكية لا يعتبرون النقالات من البحر وهى النطالة والشادوف على حد

(1)

راجع القاموس المحيط لمحمد بن يعقوب الفيروزآبادى، لسان العرب لمحمد بن منظور.

(2)

راجع فى الفقه الحنفى «فتح القدير» للكمال بن الهمام على الهداية ج 2 ص 2 مطبعة مصطفى محمد، حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الابصار ج 2 ص 53 - 55 المطبعة الميمنية سنة 1307 وفي فقه الشافعية تحفة الحبيب للبجرمى على الاقناع فى حل ألفاظ أبى شجاع طبع القاهرة سنه 1294 وفي فقه الحنابلة المغنى لابن قدامة ج 2 ص 698 طبع دار المنار سنه 1367، وفى فقه المالكية حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 1 ص 449 المطبعة الإزهرية بمصر، وفي فقه الظاهرية المحلى لابن حزم ج 5 ص 256 مطبعة الإمام بالقاهرة، وفي الفقه الاباضى كتاب الوضع لابى زكريا الجناوى 179 - 180 الطبعة الأولى مطبعة الفجالة الجديدة بمصر، وفي الفقه الزيدى البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 168 - 170 مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1366، وفى فقه الشيعة الجعفرية الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ج 1 ص 126 طبعة دار الكتاب العربى.

ص: 65

تعبيرهم من الآلات ويقول بعضهم أنها منها.

‌آلة الصناعة:

قال الأحناف

(1)

: لا زكاة فى آلات المحترفين سواء كانت مما لا تستهلك عينه فى الانتفاع كالقدوم والمبرد، أو تستهلك ولا يبقى أثر عينه كالصابون للغسال، أما ما يستهلك ويبقى أثر عينه كالعصفر والزعفران للصباغ والدهن والعفص للدباغ ففيه الزكاة إذا حال عليه الحول، ونصوا على أن مثل قوارير العطار ولجم الخيل والحمير إن كان من غرض المشترى بيعها ففيها الزكاة وإلا فلا، وقريب من هذا يقول الشافعية

(2)

والحنابلة

(3)

والإباضية

(4)

من أن آلات الصناعة لا زكاة فيها إلا إذا كانت للتجارة وأما مسلك المالكية

(5)

فإنهم يقولون فى العروض بوجه عام - ويدخل فيها آلات الصناعة - أنه لا زكاة فيها مطلقا إلا فى عرض تلك بمعاوضة مالية وتملكه بنية التجارة ولو صاحبها نية الإقتناء بشرط إلا تكون فى عينه زكاة أخرى، وقالوا

(6)

:

لا زكاة فى المباخر والمراود والمكاحل ونحوها إذا اتخذت كراء إلا إذا كان كراء محرما.

وأما ابن حزم فيصور مذهب الظاهرية

(7)

بقوله: إن السلف اتفقوا على أنه لا زكاة فى كل ما اكتسب للقنية. مثل آلات الصناعة، لا للتجارة من آنية وسلاح وغير ذلك كله لا تحاشى منه شيئا.

ولم نقف للشيعة الإمامية على ذكر لآلات الصناعة بين ما تجب فيه الزكاة أو تستحب إلا فى شمول قول صاحب الروضة البهية

(8)

«وتستحب الزكاة فى مال التجارة، وقيل تجب» فمفهومه أن الآلات إذا كانت لغير التجارة لا زكاة فيها.

ويقول الزيدية

(9)

: لا تجب الزكاة فى غير أجناس عشرة عدها صاحب البحر، وليس منها آلات الصناعة إلا لتجارة أو استغلال، وهذا يفيد أنها لا تجب فيها الزكاة إلا إذا اتخذت للتجارة أو الاستغلال.

‌آلة الصيد:

قد تكون آلة الصيد حيوانا معلما يصاد به كالكلب، وقد تكون جمادا كالسهام والنبال ونحوها، ولكل من النوعين شروط واعتبارات قد تختلف باختلاف المذاهب.

‌الاصطياد بالحيوان المعلم:

الأصل فيه قول الله تعالى: «قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ، وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ، تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللهُ، فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ 10» .

وقد اتفق الفقهاء على أنه يجوز الاصطياد بالكلب المعلم ويحل صيده بشروط مبينة فى موضعها من كتب الفقه، انظر «صيد»

واختلفوا فى جواز الاصطياد ببعض الحيوانات الأخرى .. أنظر «جارح» .

وإليك بيان الحكم فى المسألتين فى المذاهب.

(1)

راجع الفتح والهداية ج 1 ص 489، حاشية ابن عابدين ج 2 ص 9.

(2)

الاقناع ج 2 ص 274.

(3)

المغنى ج 3 ص 30.

(4)

الوضع ص 184.

(5)

حاشية الدسوقى على شرح الدردير ج 1 ص 472

(6)

المرجع السابق ص 460.

(7)

المحلى ج 5 ص 214.

(8)

الروضة البهية ج 1 ص 121.

(9)

البحر الزخار ج 2 ص 145.

(10)

سورة المائدة: 4

ص: 66

أجمع فقهاء المذاهب على حل الصيد بكل ذى ناب من السباع ومخلب من الطير بشرط كونه معلما، ما عدا الزيدية، فإنهم يجيزون الاصطياد بالكلب والفهد لا غير، ويضاف إليهما الأسد والنمر إن قدرنا على قبولهما التعليم قياسا على الكلب، وعدا الإباضية كذلك فإنهم يجيزون الإصطياد بغير السبع كالهر.

كما أجمعوا على وجوب التسمية الا أن للفقهاء اعتبارات واشتراطات فى التعليم، وفى بعض شروط أخرى

انظر «تذكية» .

‌آلات الصيد غير الحيوان المعلم:

لا خلاف بين الفقهاء

(1)

فى جواز الاصطياد بالشبكة والشرك، وإلجاء الصيد إلى مضيق لا يفر منه، وبالسهام والنبال والرماح، وبكل محدد وإن كان له ثقل كالمعراض والحجر بشرط أن يقتل بحده ولم يجيزوا الصيد بالبندقة الثقيلة ولو كانت محددة - والمراد بالبندقة الكرة من الطين المجمد -، لأنها تقتل بثقلها، ويقولون:

إن مثقل الحديد وغير الحديد سواء إن خرق حل وإلا فلا.

وخالف الظاهريه إذ أجازوا الاصطياد بالبندقة والحجر ونحوهما مما لا يقتل بحده إذ يقول أبن حزم

(2)

فى تصوير المذهب:

إن كل ما شرد فلم يقدر عليه من حيوان البر كله وحشيه وانسيه لا تحاشى شيئا لا طائرا ولا ذا أربع مما يحل أكله، فان ذكاته أن يرمى بما يعمل عمل الرمح أو عمل السهم أو عمل السيف أو عمل السكين فان أصيب بذلك فمات قبل أن تدرك ذكاته فأكله حلال.

ثم ذكر حديث عدى بن حاتم وقد سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن المعراض فقال: «أذا أصاب بحده فكل، وإذا أصاب بعرضه فقتل فانه وقيذه فلا تأكل» .

ثم قال: وقد اختلف الناس فى هذا، فقال عمار بن ياسر إذا رميت بالحجر أو البندقة ثم ذكرت اسم الله فكل، ونقل مثله عن سعيد ابن المسيب، ونقل عن عمر بن الخطاب خلاف هذا

ثم قال إن من ذهب إلى قول عمار وسعيد يحتج بقول الله تعالى:

«لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ 3» .

وبقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبى ثعلبة الخشنى: «ما أصبت بقوسك فاذكر أسم الله عليه وكل» .

ثم قال: إنه لا حجة فى حديث عدى بن حاتم لأنه لا يحل ترك نص لنص، ورجح مذهب القائلين بإباحة الصيد بالبندقة ونحوها بإطلاق

ثم قال: ومن نصب فخا أو حبالة أو حفر زبية للصيد فكل ما وقع من شئ من ذلك فهو له.

ويقول الدسوقى المالكى: فيما يتعلق بصيد بندق الرصاص «أن الصيد ببندق الرصاص لم يوجد فيه نص للمتقدمين لحدوث الرمى به بحدوث البارود فى وسط

(1)

حاشية ابن عابدين الحنفى على الدر المختار ج 5 ص 320، وحاشية البجرمى على الاقناع للخطيب الشافعى ج 4 ص 256 ونهاية المحتاج وحواشيه ج 8 ص 116، وحاشية الدسوقى على شرح الدردير المالكى ج 2 ص 103، والمغنى لابن قدامه الحنبلى ج 8 ص 551 - 564، والبحر الزخار ج 4 ص 299، الروضة البهية ج 2 ص 265، شرح كتاب النيل ج 2 ص 559.

(2)

المحلى لابن حزم ج 7 ص 539 - 547 مسألة 1067.

(3)

سورة المائدة: 94.

ص: 67

المائة الثامنة، وأختلف فيه المتأخرون، فمنهم من قال بالمنع قياسا على بندق الطين، ومنهم من قال: بالجواز لما فيه من الانهار والاجهاز بسرعة».

وقد نص الحنابلة على أنه لا يجوز صيد السمك بالنجس كالعذرة، وعلى كراهة الصيد بالخراطيم وكل ما فية الروح، وعلى جواز أن يطعم الصيد ما يسكره.

‌آلة الذبح:

نص الأحناف

(1)

على حل الذبح بكل ما أفرى الأوداج - أى قطعها - وأنهر الدم - أى أساله - ولو بقشرة قصب إلا السن والظفر إذا كانا قائمين، ولو كانا منزوعين حل مع الكراهه، ويندب إحداد الشفرة.

ولم يخالف الزيدية

(2)

والإباضية

(3)

والحنابلة

(4)

فى هذا، إلا أنهم أطلقوا القول بمنع الذبح بالسن والظفر حيث نصوا على أن تكون الآلة محددة، وألا تكون سنا ولا ظفرا، كما نص الإباضية على أن الذبح بالسكين الكالة منهى عنه.

ووافقهم الشافعية على ذلك وزادوا عدم جواز الذبح بالعظام.

يقول صاحب الاقناع

(5)

: تجوز الذكاة بكل ما يجرح كمحدد حديد وقصب وحجر ورصاص وذهب وفضة، إلا بالسن والظفر وباقى العظام متصلا كان أو منفصلا من آدمى أو غيره.

ونصوا على حل الذبح بالسكين الكالة بشرط ألا يحتاج القاطع إلى قوة الذبح

(6)

.

أما المالكية

(7)

: فيوافقون على جواز الذبح بالحديد المحدد، وبكل محدد غيره اذا لم يوجد الحديد، وعلى ندب الاحداد قبل الذبح، ألا أنهم يجيزون الذبح بالعظم والسن متصلين أو منفصلين، ويقول بعضهم أن محل الجواز أن أنفصلا ومنعها بعضهم مطلقا كالحنابلة والشافعية، إلا أن المالكية يقولون: أن محل الخلاف عندهم إن وجدت آلة للذبح غير الحديد، فإن وجد الحديد تعين، وإن لم يوجد غيرهما جاز جزما.

ويوافق الجعفرية المالكية فى ذلك حيث قالوا

(8)

: «يجب التذكية الاختياريه أن تكون الآلة حديدا يفرى الأعضاء ويخرج الدم، فان تعذر الحديد جاز بما يفرى الأعضاء كالليطة. وهى القشر الأعلى للقصب، المتصل به، والمروة الحادة - وهى حجر يقدح النار - والزجاج، وكذا ما أشبهها من الآلات الحادة غير الحديد لما نقل عن الصادق قال: إذبح بالحجر والعظم والقصبة والعود إذا لم تصب الحديد إذا قطع الحلقوم وخرج الدم، ومثله عن الكاظم وفى السن والظفر متصلين أو منفصلين للضرورة قول بالجواز» .

أما مسلك الظاهرية فيصوره ابن حزم إذ يقول

(9)

: التذكية جائزة بكل شئ إذا قطع قطعة السكين، أو نفذ نفاذ الرمح سواء فى ذلك العود المحدد والحجر الحاد والقصب الحاد وكل شئ حاشا آلة أخذت بغير حق، وحاشا السن والظفر وما عمل منهما منزوعين أو غير منزوعين، وإلا عظم الخنزير

(1)

حاشية أبن عابدين ج 5 ص 304.

(2)

البحر الزخار ج 4 ص 306.

(3)

شرح كتاب النيل ج 2 ص 520.

(4)

المغنى ج 8 ص 573.

(5)

الاقناع للخطيب الشافعى مع حاشية البجرمى ج 4 ص 256.

(6)

المرجع السابق ص 252.

(7)

حاشية الدسوقى على شرح الدردير ج 2 ص 107.

(8)

الروضة البهية ج 2 ص 167.

(9)

المحلى ج 7 ص 527 مسألة 1051.

ص: 68

والحمار الأهلى، أو عظم سبع من ذوات الأربع أو الطير حاشا الضباع، أو عظم انسان فلا يكون حلالا ما ذبح أو نحر بشئ مما ذكرنا.

والتذكية جائزة بعظم الميتة، وبكل عظم حاشا ما ذكرنا، وهى جائزة بمدى الحبشة، فلو عمل من ضرس الفيل سهم أو رمح أو سكين لم يحل أكل ما ذبح أو نحر لأنه سن، فلو عملت من سائر عظامه حل الذبح والنحر بها.

‌آلة القتل فى الجنايات:

آلة القتل العمد عند أبى حنيفة السلاح وما أجرى مجرى السلاح، كالمحدد من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار، ويستدل على أن ذلك هو العمد، بأن العمد هو القصد، ولا يوقف على القصد إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة، فإذا كانت الآلة غير السلاح ولا ما أجرى مجرى السلاح فهى آلة شبه العمد.

وقال أبو يوسف ومحمد: أن من آلة العمد أن يضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة أو ما إلى ذلك مما يقتل غالبا، وأما آلة شبه العمد، فهى ما لا يقتل غالبا، لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لأنه يقصد بها غيره، كالتأديب ونحوه، فكان شبه عمد

(1)

.

وفى التنوير وشرحه الدر وحاشية أبن عابدين عليه

(2)

: ومما يعتبر آلة للعمد عند أبى حنيفة الحديد والسيف والسكين والرمح والخنجر والنشابة والإبرة فى مقتل، وجميع ما كان من الحديد سواء كان يقطع أو يبضع كمطرقة الحداد والزبرة، سواء كان الغالب منه الهلاك أم لا، ولا يشترط الجرح فى الحديد فى ظاهر الرواية لأنه وضع للقتل، وروى الطحاوى عن الإمام اعتبار الجرح فى الحديد، قال صدر الشهيد وهو الأصح ورجحه فى الهداية وغيرها قال ابن عابدين: وعلى كل فالقتل بالبندقة الرصاص عمد لأنها من جنس الحديد وتجرح، ونقل الحصكفى عن شرح الوهبانية ان كل ما به الذكاة فيه القود وإلا فلا، ونقل عن البرهان: أن الحديد غير المحدد كالسنجة فيه روايتان أظهرهما أنها عمد.

ومن آلات القتل العمد عند الامام أيضا الابرة فى المقتل قال فى الاختيار

(3)

: روى أبو يوسف عن أبى حنيفة فيمن ضرب رجلا بإبرة وما يشبهها عمدا فمات لا قود فيه، وفى المسلة ونحوها القود لأن الإبرة لا يقصد بها القتل عادة بخلاف المسلة.

وفى روايه أخرى أن غرز بالإبرة فى المقتل قتل وإلا فلا، وفى البزازية غرزه بابرة حتى مات يقتص به لأن العبرة للحديد، وقال فى موضع آخر: لا قصاص إلا إذا غرزه فى المقتل وكذا لو عضه.

والشافعية كالصاحبين يقولون: أن آلة القتل العمد ما يقتل غالبا جارحا كان أو مثقلا، وينصون على أنه يدخل فى المثقل التجويع والسحر والخصاء. فيكون هذا

(1)

الهداية ج 4 ص 128 طبعة المطبعة الخيرية بالقاهرة سنة 1326.

(2)

حاشية ابن عابدين ج 5 ص 369 - 371.

(3)

حاشية ابن عابدين ج 5 ص 270.

(4)

المنهاج وحواشيه ج 7 ص 236، الاقناع وحاشية البجرمى ج 4 ص 102 - 103.

ص: 69

من قبيل القتل العمد، أما آلة القتل شبه العمد فهى ما لا يقتل غالبا، ومثلوا له بالضرب بالسوط وبالعصا الخفيفة فى غير مقتل وبالابرة كذلك.

والحنابلة لا يختلفون عن ذلك

(1)

، قال أبن قدامة:«إن القتل العمد يكون بمحدد يقطع ويدخل فى البدن كالسيف والسكين والسنان وما فى معناه مما يحدد فيجرح من الحديد والنحاس والرصاص والذهب والفضة والزجاج والقصب والخشب، فهذا كله إذا جرح به جرحا كبيرا فمات فهو قتل عمد، وكذلك غير المحدد مما يغلب على الظن حدوث الزهوق به عند استعماله» ثم يقول: إن غير المحدد يتنوع أنواعا منها المثقل الكبير الذى يقتل مثله غالبا سواء أكان من حديد كالسندان والمطرقة أو حجر ثقيل أو خشبة كبيرة، ومن هذا النوع الحائط والصخرة، ومنها المثقل الصغير كالعصا والسوط والحجر الصغير إذا كان فى مقتل أو فى حال ضعف من المضروب أو فى زمن مفرط الحر أو البرد، أو كرر الضرب حتى قتله، ومنها أن يمنع نفسه كأن يجعل فى عنقه حبلا ثم يعلقه فى خشبة أو شئ بحيث يرتفع عن الأرض فيختنق ويموت سواء مات فى الحال أو بقى زمنا لأن هذا أسرع أنواع القتل، وهو الذى جرت العادة بفعله من الولاة مع بعض المفسدين، ومنها أن يخنقه وهو على الأرض بيديه أو منديل أو حبل أو بوسادة أو شئ يضعه على فمه أو أنفه أو يضع يده عليهما فيموت، ومنها أن يلقيه فى مهلكة ويدخل فيه ما اذا ألقاه من شاهق كرأس جبل أو حائط عال يهلك به غالبا فيموت، ويدخل فيه أن يلقيه فى نار أو ماء يغرق ولا يمكنه التخلص منه أما لكثرة الماء أو النار واما لعجزه عن التخلص لمرض أو صغر أو كونه مربوطا أو منعه الخروج، أو كونه فى حفيرة لا يقدر على الصعود منها، ويدخل فيه ان يجمع بينه وبين أسد أو نمر فى مكان ضيق فيقتله، وكذلك إذا حبسه فى مكان ومنعه من الطعام والشراب مدة لا يبقى فيها حتى يموت، وكذلك اذا سقاه سما فمات، وكذلك إذا قتله بسحر يقتل غالبا، كما يدخل فيه أن يتسبب فى قتله بما يقتل غالبا أن يكره رجلا على قتل آخر فيقتله، أو يشهد رجلان على رجل، - أى شهادة زور - بما يوجب قتله فقتل.

وأما آلة شبه العمد فهى ما لا يقتل غالبا كالضرب بالسوط والعصا والحجر الصغير والوكز باليد وسائر ما لا يقتل غالبا اذا كان بقصد الضرب لا القتل.

اما المالكية

(2)

: فمسلكهم أن آلة القتل الموجب للقصاص هى المحدد والمثقل والقضيب والسوط إن فعله لعداوة أو غضب ومات من ذلك، وكذلك الخنق ومنع الطعام والشراب بقصد الاماتة، وكذلك طرح غير محسن للعوم فى نهر عداوة، وكذلك البئر يحفرها الرجل وكذلك المزلق كقشرة البطيخ إذا قصد الضرر مع هلاك المقصود، وكذلك الكلب العقور والاكراه فإن الشخص المكره على القتل يعتبر آلة إذا كان لا يمكنه المخالفة، وكذلك الطعام المسموم يقدمه الشخص

(1)

المغنى ج 7 ص 637 - 647.

(2)

حاشية الدسوقى ج 2 ص 242 - 244.

ص: 70

العالم به لغير العالم به فيتناوله فيموت، وكذلك الحية يرميها على شخص فيموت.

وقال الدسوقى

(1)

: انه إذا أشار بآلة القتل إلى شخص فهرب فطلبه فمات فإما أن يموت بدون سقوط أو يسقط، وفى كل ذلك إما أن يكون بينهما عداوة أو لا، فإن لم يكن عداوة فليست بآلة قتل موجبة للقصاص، وإن كان بينهما عداوة فهى آلة قتل موجب للقصاص.

والعبرة عند الظاهريه

(2)

فى العمد ان تكون الآلة مما قد يمات بمثله وقد لا يمات بمثله، مع التعمد، فإذا تعمد بما لا يموت به أحد أصلا لم يكن عمدا ولا خطأ.

ولا يبعد الشيعة الجعفريه عن مسلك الظاهرية فهم يقولون

(3)

: إن آلة القتل العمد ما يقتل به غالبا أو نادرا إذا اتفق به القتل، نظرا لأن العمد يتحقق بقصد القتل من غير نظر إلى الآلة فانه إذا لم يقصد به القتل وإن اتفق الموت كالضرب بالعود الخفيف والعصا الخفيفة فى غير مقتل اعتبر القتل شبه خطأ

ويقولون أيضا أنه لو كرر ضربه بما لا يحتمل مثله بالنسبة إلى بدنه وزمانه فهو عمد، وكذا لو ضربه دون ذلك فاعقبه مرض فمات أو رماه بسهم أو بحجر غامز - أى كابس على البدن بثقله، أو خنقه بحبل ولم يرخ عنه حتى مات، أو بقى المخنوق ضمينا - أى مزمنا - ومات بذلك، أو طرحه فى النار فمات، أو فى اللجة فمات منها ولم يقدر على الخروج أو جرحه عمدا فسرى الجرح عليه ومات، أو ألقاه من مكان شاهق أو قدم له طعاما مسموما يقتل مثله ولم يعلمه، أو جعله فى منزله ولم يعلمه به، أو حفر بئراً بعيدة القعر فى الطريق، أو فى بيته ودعا غيره إلى المرور عليها مع جهالته بها فوقع فمات، أو أغرى به كلبا عقورا فقتله ولا يمكنه التخلص

إلى غير ذلك مما لا يخرج عن ما ورد فى كتب المالكية والحنابلة.

ومسلك الزيدية: أن آلة القتل الخطأ ما مثله لا يقتل فى العادة، والعمد ما مثله يقتل فى العادة، ويقولون

(4)

أن كل ما يحصل عقبه الموت فهو إما شرط أو علة أو سبب.

فالشرط كمن حفر بئرا أو أعطى سكينا أو نصب سلما فتوصل به القاتل إلى القتل فلا شئ على فاعل الشرط إلا التوبة، وأن حصل الموت عقب علة من غير واسطة كالإغراق وإصابة المقتل، أو بواسطة كجرح قاتل بالسراية إلى المقتل فهو موجب للقود، وأما السبب فمنه ما يشبه المباشرة كالإكراه وشهادة الزور وتقديم الطعام المسموم، وهذا موجب للقصاص، وما لا يشبهه كحفر بئر فى الطريق فيوجب الديه.

ولا يختلف مذهب الإباضية فى جملته عن الشافعية والحنابلة إلا أن الإباضية يذكرون

(5)

قولا بأن آلة شبه العمد ما ليس من شأنه القتل كالسوط والعصا واللطمة والوكز، أو ما من شأنه القتل لكن ليس بقصد القتل كفعل الذابح لولده، أو يكون على صفة القتل وتتقدمه القرائن على عدم القتل كالمصارعة.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 244.

(2)

المحلى ج 10 ص 417.

(3)

الروضة البهية ج 2 ص 397 - 398.

(4)

البحر الزخار ج 5 ص 215، 216.

(5)

شرح كتاب النيل ج 8 ص 92، 94.

ص: 71

‌آلة القصاص:

ونص الأحناف

(1)

: على أن القصاص يكون بالسيف إن كان القتل بغيره، ونقل فى الدر عن الكافى أن المراد بالسيف السلاح وذكر أيضا أن ذلك هو ما صرح به فى كتاب «المضمرات» في باب الحج حيث قال: اننا ألحقنا الرمح والخنجر بالسيف فى قوله عليه الصلاة والسلام: «لا قود إلا بالسيف» .

كما نصوا

(2)

: «على أن آلة القصاص فى العين بعد ذهاب ضوئها المرآة المحماة مع وضع قطن رطب على عين الجانى الذى يراد القصاص منها، وان ذلك مأثور عن جماعة من الصحابة.

ونصوا أيضا على أن القصاص فى السن يكون بالمبرد بأن تبرد به سن الجانى بقدر ما كسر من المجنى عليه».

ووافق الإباضية الأحناف فى هذا المسلك فقالوا

(3)

: «ويقتص بمثل السيف كالخنجر والموسى والشفرة الحادة، ولا يستعمل الكليل فى القصاص ولو كانت الجنايه بآلة كالة إلا إذا وجدت بعينها عند القصاص، ويضيفون إلى ذلك أن الجانى اذا فر أو امتنع جاز أن يسلط عليه سبع أو كلب» .

كما نصوا

(4)

: على أن من فقئت عينه أو تلفت نتيجة عدوان فإن المقتص يجعل على وجه المقتص منه مانعا من حرارة النار ثم يحمى مرآة هندية فيمسكها مقابلها حتى تسيل، ويصح باليد إذا لم يتجاوز ما فعل به، ويقولون فى السن عند القصاص أنها تنشر بمبرد حتى تساويها أو تساوى اللثة.

وعلق على ذلك شارح كتاب «النيل» بقوله: لا يحسن شئ من هذا، والواجب الدية.

أما الحنابلة

(5)

ففى روايه عن أحمد أن القصاص لا يستوفى إلا بالسيف فى العنق وهو مذهب الشيعة الجعفرية

(6)

والزيدية

(7)

يستدلون بحديث «لا قود الا بالسيف» رواه ابن ماجة، والرواية الأخرى عن أحمد: أن القصاص يعتمد المماثلة

(8)

لأن الجانى أهل لأن يفعل به كما فعل لقوله تعالى: «وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ»

(9)

. وقوله: «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ 10» .

ولأن النبى صلى الله عليه وسلم رض رأس يهودى - أى هشمها - لرضه رأس جارية من الأنصار، ولما روى أنه قال:

«من حرق حرقناه

» إلخ. وهو مذهب الشافعية والمالكية والظاهريه

(11)

، ورأى أورده الشيعة الجعفريه عن أبن الجنيد، وان كان بعضهم يختلف فى بعض استثناءات وتصويرات تصورها كتبهم.

يقول الشافعية

(12)

: «إن من قتل بمحدد كسيف أو غيره كحجر أو خنق أو تجويع ونحوه كتغريق بماء ملح أو عذب اقتص

(1)

تنوير الأبصار والدر مع حاشية أبن عابدين ج 5 ص 376 تكملة الفتح على الهداية والعناية.

بهامشه ج 8 ص 260، الكنز بشرح العينى ج 2 ص 302 مطبعة وادى النيل بمصر سنة 1299.

(2)

الكنز لشرح العينى ج 2 ص 305 تكملة الفتح ج 8 ص 270، 271.

(3)

شرح كتاب النيل وشفاء العليل ج 8 ص 203، 206.

(4)

المرجع السابق ج 8 ص 219، 220.

(5)

المغنى ج 7 ص 685

(6)

الروضة البهية ج 2 ص 414.

(7)

البحر الزخار ج 5 ص 235، 237.

(8)

المغنى ج 7 ص 685.

(9)

سورة النحل: 126.

(10)

سورة البقرة: 194.

(11)

المحلى ج 10 ص 450.

(12)

المنهاج وحواشيه ج 7 ص 289.

ص: 72

بمثله أن شاء وله العدول إلى السيف وإن لم يرض الجانى لأنه أسرع، ولو تعذر معرفة آلة القتل فهل يؤخذ باليقين أو يعدل إلى السيف؟ الأصح الأول. وأن كان القتل بسحر تعين فى آلة القصاص سيف غير مسموم، وان قتله بانهاش أفعى قتل بالنهش فى أرجح القولين وعليه تتعين تلك الأفعى، فإن فقدت فمثلها، والخمر واللواط يتعين فى كل منهما السيف فى الأصح. والظاهر أنه لو قتله بالغمس فى الخمر لم يفعل به مثله لأن التضمخ (أى التلطخ) بالنجاسة حرام.

وقيل: لو قتل بشرب الخمر يوجر فى القاتل مائع كخل أو ماء حتى يموت، ويقولون أنه يتعين بالسيف جزما فيما لا مثل له. كما لو جامع صغيرة فى قبلها فقتلها، ولو ذبحه كالبهيمة جاز قتله بمثله فيما يظهر خلافا لابن الرفعة من تعين السيف.

ويقولون

(1)

: لا قصاص بكسر السن كما لا قصاص فى كسر العظام إلا إذا كان لأهل الصنعة آلات قطاعة.

وقالوا

(2)

: لو أوضحه فذهب ضوء عينه أوضحه، فان ذهب الضوء فبها وإلا أذهب بأخف ممكن كتقريب حديدة محماة من حدقة عينه، أو وضع كافور فيها.

ويقول المالكية

(3)

: ان آلة القصاص تكون بمثل ما قتل به ولو نارا، إلا إذا ثبت القتل بقسامة فيقتل بالسيف، وكذلك القتل بخمر أو لواطة أو سحر، أو ما يطول كمنعه طعاما أو ماء حتى مات، فإنه يقتص بالسيف، والقصاص من القاتل بالسم فيه وجهان: قيل يقتل بالسيف وقيل يقتل به ويجتهد فى قدره. ويقولون كالشافعية: إن مستحق الدم إذا طلب أن يقتص من الجانى بالسيف فانه يجاب الى ذلك سواء الجانى قتل بالسيف أو غيره، حتى لو قتل بأخف من السيف خلافا لابن عبد السّلام.

ويقولون

(4)

: فيمن أذهب بصر غيره والعين قائمة إن آلة القصاص ما يستطاع به إذهاب البصر بحيلة من الحيل.

‌آلة الرجم:

اتفق الفقهاء ما عدا الإباضية على مشروعية رجم الزانى المحصن بالحجارة المتوسطة التى هى دون الكبيرة وفوق الصغيرة.

إلا أن لهم مسالك فى التصوير وفى التوسعة أو التضييق نوردها فيما ننقله من كتبهم، فيقول الأحناف

(5)

: أن آلة حد الزنا للمحصن الرجم بالحجارة حتى يموت.

وينص المالكية

(6)

على كون هذه الحجاره متوسطة بين الصغير والكبير دون الصغار خشية التعذيب والعظام خشية التشويه، ويقول الحنابلة

(7)

: أن آلة الرجم تكون بالحجارة وغيرها.

ونص الشافعية

(8)

: على أنها تكون بالمذر (أى الطين المتحجر) وبنحو خشب وعظم، والأولى كونه بنحو حجارة معتدلة بأن يكون كل منها يملأ الكف، ويحرم حجر كبير مذفف لتفويته المقصود من التنكيل،

(1)

الاقناع حاشية البجرمى ج 4 ص 911.

(2)

نهاية المحتاج وحواشية ج 7 ص 272.

(3)

حاشية الدسوقى على الدردير ج 4 ص 265.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 253.

(5)

الهداية ج 2 ص 72.

(6)

الدسوقى على الدردير ج 4 ص 320، بلغة السالك ج 2 ص 392.

(7)

المغنى ج 8 ص 158.

(8)

المنهاج وحواشيه ج 7 ص 413.

ص: 73

ويحرم صغير ليس له كبير تأثير لطول تعذيبه.

ويقول الشيعة الجعفريه

(1)

: ان آلة حد الزنا القتل بالسيف ونحوه للزانى بالمحترم النسبى كالأم والأخت وللذمى إذا زنا بالمسلمة مطاوعة أو مكرهة، والزانى مكرها للمرأة، ولا يعتبر الاحصان فى هذه المسائل الثلاث كما تكون عقوبه حد الزنا الرجم بالحجارة المتوسطة وهذا بالنسبة للمحصن إذا زنا ببالغة عاقلة.

ونصوا

(2)

: على أنه لا يجوز الرجم بغير الحجارة.

والزيديه ينصون

(3)

على أن الرجم بالنسبة للزانى المحصن يكون بالحجارة المتوسطة ويجزئ ضرب الرقبة بالسيف إذ القصد القتل.

أما الإباضية فليس لهم كلام فى الرجم لأنهم لا يقولون به.

وأما الظاهريه فلم نقف على أكثر من قولهم بالرجم للزانى المحصن دون تعرض لما يكون به الرجم.

‌آلة الجلد:

نص الأحناف

(4)

على أن آلة الجلد سوط لا ثمرة له، أى لا عقده ويكون فى جريمة الزنا لغير المحصن والقذف والشرب.

كما نصوا

(5)

على أن من كان حده الجلد وهو مريض أنتظر حتى يبرأ لأنه إذا كان مريضا لحقه الضرر أكثر من المستحق عليه، وكذا إذا كان الحر شديدا والبرد شديدا.

والشافعية

(6)

يوافقون الأحناف على أن الجلد بالسوط لغير المريض إلا إذا كان لا يرجى برؤه، فإنه يجلد عندهم بعثكال (أى عرجون) عليه مائة غصن، فإن كان عليه خمسون ضرب به مرتين بحيث تمس الأعضاء جميعها، فان برئ أجزأه.

كما نصوا

(7)

على أنه يجوز جلد القوى السليم بسوط أو أيد أو نعال أو أطراف الثياب إذا كانت الأطراف مشدودة مفتولة، وقيل يتعين السوط لأن الزجر لا يحصل إلا به، ولا يجوز السوط فى المريض.

ثم نصو على أن سوط الحدود والتعازير يكون بين قضيب (أى غصن رقيق) وعصا غير معتدلة، وبين رطب ويابس، ليحصل به الزجر مع أمن الهلاك، ويمتنع بخلاف ذلك لما يخشى من شدة ضرره او عدم ايلامه.

وينص الحنابلة

(8)

على أن آلة الجلد السوط الوسط الذى ليس بخلق ولا جديد وإن خيف من الوسط لم يتعين فيقام بطرف ثوب وعثكول نخل.

وينص أبن قدامة على التفرقة بين حد الخمر وغيره فيقول

(9)

: أن آلة الجلد السوط ولا نعلم فى هذا خلافا بين أهل العلم غير حد الخمر، فأما الخمر فقال بعضهم يقام الحد فيه بالأيدى والنعال وأطراف الثياب.

(1)

الروضة ج 2 ص 352.

(2)

المرجع السابق ص 355.

(3)

البحر الزخار ج 5 ص 158.

(4)

الفتح على الهداية ومعه العناية ج 4 ص 121، 126، 185، 186، 190.

(5)

الجوهرة النيرة على القدروى ج 1 ص 240 طبعة سنة 1301 بالقاهرة.

(6)

المنهاج وحواشية ج 7 ص 414.

(7)

المرجع السابق ج 8 ص 13.

(8)

منتهى الارادات ج 2 ص 457، 458.

(9)

المغنى ج 8 ص 512، 515.

ص: 74

قال: وذكر بعض أصحابنا أن للامام فعل ذلك إن رآه.

ثم قال: ولنا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: إذا شرب الخمر فاجلدوه.

والجلد إنما يفهم من اطلاق الضرب بالسوط، ولأنه أمر بجلده، كما أمر بجلد الزانى فكان بالسوط مثله.

والخلفاء الراشدون ضربوا بالسياط وكذلك غيرهم فكان اجماعا.

أما المالكية

(1)

فقالوا: إن آلة الجلد فى الحدود مطلقا سوط له رأس لين لا رأسان، ولا يجزئ فيها القضيب ولا الشراك، أى النعل، ولا الدرة، وإنما كانت درة عمر للتأديب.

والشيعة الجعفريه

(2)

سلكوا مسلكا قريبا من الحنابلة اذ قالوا: إن آلة الجلد للصحيح السوط وللمريض الضغث، وهى جملة من العيدان ونحوها المشتمل على العدد المعتبر فى الحد وضربه به دفعة واحدة مؤلمة بحيث يمسه الجميع أو تكبس بعضها على بعض فيناله ألمها، ولو لم تسع اليد العدد أجمع ضربه به مرتين فصاعدا إلى أن يكمل ولا يشترط وصول كل واحد من العيدان إلى بدنه، ولو احتمل سياطا خفافا فهى أولى من الضغث، والظاهر الاجتزاء فى الضغث بمس المضروب به مع حصول الألم به فى الجملة وإن لم يحصل بآحاده.

ويرى الظاهرية

(3)

: أن آلة الجلد فى الزنا والقذف سوط أو حبل من شعر أو كتان أو قنب أو صوف أو قضيب من خيزران أو غيره، أما آلة حد الخمر فهى كما ورد فى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم جلد فيها بالجريد والنعال، وفى حديث آخر أنه قال فى الشارب: أضربوه.

فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه.

فالجلد فى الخمر خاصة يكون بذلك، فأى شئ رآه الحاكم من ذلك فحسن، ولا يمتنع أن يجلد فى الخمر بسوط لا يكسر ولا يجرح ولا يعفن لحما.

ونصوا

(4)

على أن من كان مريضا أو ضعيفا جدا جلد بشمروخ فيه مائة عثكول جلدة واحدة، أو فيه ثمانون عثكالا كذلك، ويجلد فى الخمر أن اشتد ضعفه بطرف ثوب على حسب طاقة كل أحد ولا مزيد، ثم قال: وبهذا انقطع بأنه الحق.

والزيدية

(5)

ينصون على أنه لا يكون الجلد بخشبة لئلا يكسر عظما بل بسوط أو عود بين الرقيق والغليظ والجديد والعتيق، خلى من العقد فإن أيس ضربه بعثكول أن احتمله لأمر الرسول أن يأخذوا مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة، ولا بد أن يباشره كل ذيوله ليقع المقصود، وقيل يجزئ وإن تداخلت ولا يجزئ بالنعال وأطراف الثياب.

والإباضية فى آلة حد الشرب يأخذون بما روى عن أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم أوتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين. قال وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر رضى الله عنه.

(1)

بلغة السالك ج 2 ص 407، الدسوقى ج 4 ص 354.

(2)

الروضة ج 2 ص 358.

(3)

المحلى ج 11 ص 206 - 209.

(4)

المحلى ج 11 ص 213.

(5)

البحر الزخار ج 5 ص 155.

ص: 75

وعن على فى قصة الوليد بن عقبة جلد النبى صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلى

(1)

.

‌آلة القطع فى حد السرقة:

لم نقف لفقهاء المذاهب عن بيان لآلة القطع إلا ما جاء فى كتب الزيدية

(2)

: عن آلة القطع فى حد السرقة إذ قالوا يشد فى الكف حبل وفى الساعد الآخر، ويجذب كل إلى ناحية حتى يبين المفصل ويظهر مفصل الكف، ثم يقطع بحاد قطعة واحدة. اذ القصد الحد لا التعذيب وقالوا: إنه يندب حسم موضع القطع بزيت أو سمن أو قطران مغلاة بالنار ويكون بإذن السارق، فإن كره لم يحسم.

وقد جاء فى كتب الأحناف

(3)

والمالكية

(4)

والشافعية

(5)

وصف الحسم الذى يحدث بعد القطع، غير أن كتب الشافعية التى بأيدينا تنقل عن الماوردى الشافعى: أنه خص الغمس فى زيت أو دهن بأهل الحضر، أما البدو فيحسم بالنار لأنه عادتهم.

‌آلة التعزيز:

الفقهاء

(6)

متفقون على أن التعزير يكون بالسوط وغيره مما يراه ولى الأمر أو من يقوم مقامه كالضرب بالدرة والصفع بالكف مبسوطة أو بجمع الكف أو بالحبس وبغير ذلك.

‌آلة القتال:

يقول الله تعالى: «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ}

(7)

».

قال المفسرون: أن المراد بالقوة ما يتقوى به فى الحرب.

وعن ابن عباس أن القوة أنواع الأسلحة.

وقال عكرمة: هى الحصون والمعاقل، وفى الحديث:«ألا إن القوة الرمى» .

وهى تشمل كل ما يرمى به العدو من سهم أو قذيفة وغير ذلك

(8)

.

ومن الآلات الواردة فى كتب الأحناف:

المجانيق تنصب على الأعداء والنبال يرمون بها ونحو ذلك.

قال ابن عابدين

(9)

: إنها تركت اليوم للاستغناء عنها بالمدافع الحادثة والرصاص فى زماننا.

ومما نص عليه الشافعية

(10)

: أن العدو يرمى أيضا بالنار، وأن من آلات الحرب الدروع.

وزاد أبن قدامة

(11)

أن من آلات الحرب الخيل والابل والفيلة ونحوها، كما أن منها الأظافر لقول عمر رضى الله عنه:

«وفروا الأظافر فى أرض العدو فانه سلاح» .

وقال الحكم بن عمرو: أمرنا رسول الله ألا نحفى الأظافر فى الجهاد.

(1)

شرح النيل ج 7 ص 652.

(2)

البحر الزخار ج 5 ص 188.

(3)

أبن عابدين ج 3 ص 224.

(4)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 332.

(5)

نهاية المحتاج ج 7 ص 444.

(6)

أبن عابدين ج 3 ص 242 الوقاية نتاج الشريعة وشرحها لجنيد، صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود مطبوع بهامش كشف الحقائق على الكنز الطبعة الاولى سنة 1318 بالمطبعة الاديبية، المنهاج وحواشية ج 8 ص 19، الأحكام السلطانية للمأوردى ص 226، منتهى الارادات ج 2 ص 478، المغنى ج 8 ص 324، 326، حاشية الدسوقى على الدردير ج 4 ص 355، المدونة ج 16 ص 49، 50 تبصره الحكام لابن فرحون ج 2 ص 184 وص 207 الطبعة الأولى بمصر، المحلى ج 11 ص 206، 207، الروضة البهية ج 2 ص 389، البحر الرخار ج 5 ص 211.

(7)

سورة الأنفال: 60.

(8)

المحلى ج 10 ص 414 - 415.

(9)

حاشية ابن عابدين ج 3 ص 242.

(10)

نهاية المحتاج ج 8 ص 61.

(11)

المغنى ج 8 ص 448، ج 8 ص 409.

ص: 76

ونص المالكية:

(1)

أن من آلات القتال السيف والرمح وقطع الماء عليهم حتى يغرقوا وبالنار أن لم يمكن بغيرها وقد خيف منهم ولم يكن فيهم مسلم.

ونصوا على تحريم القتال بالنبال المسمم والرمح المسمم وغيرهما وجاء فى بلغة السالك

(2)

: المرد بآلة القتال جميع أنواع الأسلحة وما ألحق بها كالقلاع.

ونصوا أيضا على منع بيع آلة الحرب للحربيين من سلاح وكراع وسرج وكل ما يتقوى به فى الحرب من نحاس وغيره.

ونص الشيعة الجعفرية:

(3)

على هدم الحصون وكراهة إرسال الماء على العدو ومنعه عنهم، وإرسال النار، أما إلقاء السم فيحرم إن أمكن بدونه، ويجوز أن توقف عليه الفتح.

أما الزيدية

(4)

: فأجازوا أيضا الاحراق والاغراق إن تعذر السيف، كما أجازوا الرمى بالحيات والعقارب والمبارزة.

وجاء فى النيل وشرحه فى فقه الإباضية

(5)

:

والدفاع يكون بما قدرت عليه وإن بلا سلاح إن لم يجد أو عوجل عليه أو كان الدفع بغيره أولى له.

ثم قال

(6)

: وأفضل السلاح السكين ثم السيف ثم الرمح. والأفضل فى كل نوع أشده قطعا

وإن لم يمسك الأفضل فلا إثم.

وليس من السلاح عصا لم يكن فى رأسها التى يضرب بها حديد، وان كان فى رأسها حديد فهى سلاح ولو لم يكن قاطعا، ولا درع ولا درقة ومغفر ونحوهن وما يستصحب فى القتال.

وقال قبل ذلك

(7)

: ويرفع العدو عن نفسه أو ماله أو عنهما بما قدر عليه مما يرجون الدفع ومثل لذلك.

‌آلة اللهو:

نقل الأحناف

(8)

عن الإمام تضمين من يكسر معزفا وهو آلة لهو كبربيط ومزمار ودف وطبل وطنبور وأنه يصح بيعها كلها لأنها أموال متقومة لصلاحيتها للانتفاع بها فى غير اللهو فلم تناف الضمان، وعن الصاحبين أنه لا ضمان بالمتلف ولا يصح بيعها وعليه الفتوى.

ونصوا على أن طبل الغزاة والصيادين والدف الذى يباح فى العرس مضمون اتفاقا.

ونص الكاسانى

(9)

: على جواز بيع آلات الملاهى عند أبى حنيفة، لكنه يكره، وعند الصاحبين لا ينعقد بيعها لأنها معدة للتلهى بها.

ثم قال: وعلى هذا الخلاف بيع النرد والشطرنج.

قال الكاسانى: والصحيح قول أبى حنيفة لأن كل واحد منهم منتفع به شرعا بأن يجعل صنجات للميزان.

وفى ابن عابدين

(10)

لا تصح الاجارة لأجل المعاصى مثل الغناء والنوح والملاهى كالمزامير والطبل واذا كان الطبل لغير اللهو فلا بأس به كطبل الغزاة والعرس والقافلة.

(1)

حاشية الدسوقى ج 2 ص 177 - 178، ج 3 ص 7

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 332.

(3)

الروضة البهية ج 1 ص 219.

(4)

البحر الزخار ج 5 ص 398.

(5)

ج 7 ص 631.

(6)

ج 7 ص 633.

(7)

ج 7 ص 483.

(8)

متن التنوير والدر وحاشية أبن عابدين ج 5 ص 146.

(9)

البدائع ج 5 ص 146.

(10)

ابن عابدين ج 5 ص 37.

ص: 77

وفيه عن البزازيه

(1)

: استماع صوت الملاهى كضرب قضيب ونحوه حرام لقوله صلى الله عليه وسلم: «استماع الملاهى معصية» .

وفى التنوير وشرحه

(2)

: لا قطع فى سرقة آلة اللهو ولو كان طبل الغزاة لأن صلاحيته للهو صار شبهة تمنع القطع.

وعلق ابن عابدين بأنه لا خلاف فى ذلك لعدم تقومها عندهما حتى لا يضمن متلفها، وعنده وإن ضمنها لصلاحيتها لغير اللهو إلا أن يتأول اخذها للنهى عن المنكر.

والشافعية كالصاحبين من الأحناف فى عدم القطع فى سرقة آلات اللهو معللين ذلك بأنه توصل إلى إزالة المعصية.

وقالوا

(3)

: اذا بلغ «مكسره» نصابا فيقطع لأنه سرق نصابا، ولو كسر إناء الطنبور ثم أخرجه قطع أن بلغ نصابا، وكذلك لا يصح بيع آلات اللهو المحرمة عندهم ولا يباح استعمالها إلا للضرورة فيما اذا أخبره الطبيب العدل بأن هذا المرض يزول بسماعها

(4)

.

وفى نهاية المحتاج

(5)

: يصح بيع نرد صلح لبيادق شطرنج من غير كبير كلفة فيما يظهر، وبيع جاريه غناء محرم، وقيل يصح بيع هذه الآلات ان اعتبر مكسرها مالا لأن فيها نفعا متوقعا.

أما المالكية

(6)

: فيقولون فى القطع تعتبر القيمة بالبلد التى بها السرقة، والعبرة بالتقويم شرعا بأن تكون المنفعة التى لأجلها التقويم شرعية ويرتبون على هذا أن آلات اللهو لو كانت لا تساوى الثلاثة دراهم، التى هى نصاب القطع عندهم، دون اللهو وكانت معها تساويها فلا قطع على سارقها.

ونصوا

(7)

على كراهة اكراء دف ومعزف ويشمل المزمار والإعداد لعرس، وقيل يجوز فى النكاح، ولا يلزم من جوازها جواز كرائها.

والراجح أن الدف والكيرة جائزان لعرس مع كراهة الكراء، وأن المعازف حرام كالجميع فى غير النكاح فيحرم كراؤها.

ونصوا

(8)

فى البيع على أن من شروط صحه البيع فى المعقود عليه الطهارة والانتفاع به والإباحة وعدم النهى.

والحنابلة

(9)

كالشافعية والصاحبين، فهم يقولون: من كسر مزمارا أو عودا أو طبلا أو دفا بصنوج أو نردا فلا ضمان لأنه لا يحل بيعه، ومثل ذلك آلة السحر أو التعزيم أو التنجيم عندهم.

ويقولون

(10)

بعدم القطع فى آلة اللهووان بلغت قيمته نصابا مفصلا.

ونصوا

(11)

على حرمه بيع الأمة للغناء أو اجارتها، وأشباه ذلك، على ان العقد يعتبر باطلا.

ونصوا

(12)

على أنه لا تجوز اجارة ما منفعته محرمة كالمزمور والنوح والغناء. قال ابن قدامة به وبه قال مالك والشافعى وأبو حنيفة وصاحباه وأبو ثور.

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 242.

(2)

ج 5 ص 216 مع حاشية ابن عابدين.

(3)

الاقناع للخطيب وحاشية البجرمى ج 4 ص 32.

(4)

حاشية البجرمى على الإقناع ج 3 ص 8.

(5)

ج 3 ص 384.

(6)

حاشية الدسوقى مع شرح الدردير ج 4 ص 334.

(7)

المرجع السابق ج 4 ص 18.

(8)

المرجع السابق ج 3 ص 10.

(9)

المغنى ج 5 ص 278، منتهى الارادات ج 1 ص 526.

(10)

المغنى ج 8 ص 273.

(11)

المغنى ج 4 ص 223.

(12)

المغنى ج 5 ص 502.

ص: 78

أما مذهب الظاهرية فيصوره أبن حزم بقوله

(1)

: بيع الشطرنج والمزامير والمعازف والطنابير والعيدان حلال، ومن كسر شيئا من ذلك ضمنه الا أن يكون صورة مصورة فلا ضمان على كاسرها. وكذلك بيع الجوارى المغنيات وأبتياعهن لأن الله تعالى قال:«وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ»

(2)

.

ولم يأت نص بتحريم بيع شئ من ذلك، ويقول ابن حزم

(3)

: لا يحل بيع النرد

والصور ألا للعب الصبايا فقط.

والجعفرية

(4)

: يحرمون بيع آلات اللهو من الدف والمزمار والقصب وغيرها، وآلات القمار كالنرد والشطرنج وبيع الخشب لتصنع منه آلات محرمة.

والزيدية: ينصون

(5)

على كراهة بيع الخشب للمزامير ونحوها، كما نصوا

(6)

على أنه يضمن ما يصح تحوله لا ما لا قيمة له ولا آلات الملاهى للمسلم، ويجب تكسير الآلات وان لم يظهرها لتحريمها عليه، ولا يجوز أحراقها أذ فيه اتلاف مال ولا يكفى تقطيع الأوتار بل ترض بالحجارة وقيل يكفى ازالة تأليفها بحيث يحتاج الى اعادة صنعتها، فان أزال تأليفها وبقيت أكسارها تنفع فى مباح ضمنها الكاسر لها ثانيا.

ونصوا

(7)

على أنه لا قطع فى طبل الملاهى لا طبل الحرب لصحه تملكها ولا قطع فى النرد والشطرنج.

والإباضية كما فى النيل وشرحه يقولون

(8)

:

يجعل الحاكم أو نحوه على كل سوق قائما بمصالحه يعبر عليهم موازينهم ومكاييلهم، كما يكسر المزمار والطبل ونحوه

لأن ابقاءه ضرر.

‌آمة

‌تعريف الآمة:

الآمة فى اللغة

(9)

هى الشجة التى تفضى إلى أم الدماغ وأم الدماغ جلدة رقيقة مفروشة عليه متي انكشفت عنه مات من أصابه ذلك غالبا.

ولا يختلف معنى الآمة فى الفقه عن معناها اللغوى، ومن ذلك قول الحنابلة الآمة والمأمومة شئ واحد.

قال ابن عبد البر: أهل العراق يقولون لها الآمة، وأهل الحجاز: المأمومة، وهى الجراحة الواصلة إلى أم الدماغ.

سميت أم الدماغ لأنها تحوطه وتجمعه.

فإذا وصلت إليها سميت آمة ومأمومة ويوافقهم فى هذا الاستعمال الحنفية والشافعية والمالكية والظاهرية والشيعة والجعفرية والزيدية

(10)

. ويزيد الإباضية

(1)

المحلى ج 9 ص 66 - 68.

(2)

سورة الأنعام: 119.

(3)

المرجع السابق ج 9 ص 29 - 30.

(4)

الروضة البهية ج 1 ص 271.

(5)

البحر الزخار ج 3 ص 300.

(6)

المرجع السابق ج 4 ص 174.

(7)

المرجع السابق ج 4 ص 184.

(8)

شرح النيل ج 7 ص 200.

(9)

لسان العرب مادة أمم.

(10)

المغنى فى فقه الحنابلة ج 9 ص 446 طبعة المنار بمصر سنه 1348، الاختيار شرح المختار لابن مودود الموصلى الحنفى طبعة الحلبى سنة 1355 بمصر ج 2 ص 173، أقرب المسالك الى مذهب الامام مالك للشيخ أحمد الدردير طبعة صبيح بمصر سنة 1350 ج 2 ص 372، الأنوار فى فقه الشافعى للإردبيلى المطبعة الميمنية بمصر سنة 1326 ج 2 ص 253، شرح اللمعة الدمشقية فى فقه الإمامية للعاملى مطبوع بمصر سنة 1378 ج 2 ص 442، الروض النضير فى فقه الزيدية للصنعانى مطبعة السعادة بمصر سنة 1349 ج 4 ص 257، والمحلى لابن حزم الظاهرى مطبعة منير بمصر سنة 1352 ج 10 ص 461.

ص: 79

فيطلقون على الأمة أيضا «الناقبة» و «اللآمة» لما فيها من معنى اللفظين

(1)

.

‌أحكام الآمة

حكم القصاص فى عمدها:

قال الإمام مالك فى «الموطأ» : الأمر المجتمع عليه عندنا أن المأمومة والجائفة ليس فيها قود (أى قصاص) وعلق عليه شارحه أبو الوليد الباجى فقال: «وبهذا قال أكثر الفقهاء، وهو المروى عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، قال ابن المواز:

أجمع جميع الفقهاء على ذلك إلَا ربيعة

والدليل على ما نقوله أن معني القصاص أن يحدث عليه مثل ما جني، ولما كان الغالب من هذه الجناية أنها لا تقف على ما انتهت اليه فى المجني عليه بل تؤدى إلى النفس (أى إلى إزهاقها) لم يجز القصاص فيها لأن قصد القصاص يكون قصدا إلى أتلاف النفس».

وإلى هذا ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية وهو الراجح فى مذهب الإمامية

(2)

.

وقد خالف فى ذلك أبو محمد على بن حزم الظاهرى

(3)

إذ يرى أنه يقتص فى عمد الآمة كما يقتص من سائر جراح العمد إلا أن يعفو صاحب الحق ويتصالح لأن النص عام فى قوله تعالى: «وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ}

(4)

» بضم الحاء، وفى قوله تعالى: «وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ، فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ}

(5)

» «وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا 6» .

فلو علم الله تعالى أن شيئا من ذلك لا يمكن فيه مماثلة لما أجمل لنا أمره بالقصاص فى الجروح جملة ولم يخص شيئا منها.

‌الحكم فى الآمة:

الحنفية والمالكية والحنابلة والزيدية يقولون: يجب فى الآمة ثلث الدية لا فرق بين عمدها وخطئها ويستدلون بما ورد فى كتاب النبى صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن وهو الذى رواه عمرو بن حزم عن أبيه من قوله «وفى المأمومة ثلث الدية» وبأدلة أخرى

(7)

يقررها ابن قدامة.

والراجح فى مذهب الشافعية

(8)

أنه لا يجب فيها إلا ثلث الدية خلافا لمن يرى أن فيها مع الثلث حكومة (ما يقدره خبير وهو الأرش المقدر) لخرق غشاوة الدماغ كما أن فى الجائفة الثلث والحكومة.

والإباضية يقولون

(9)

: فى المأمومة ثلث الدية ويفرقون بين الخطأ والعمد فيقولون «ولا تأديب فى الخطأ ولا قصاص، وأما العمد ففيه التأديب ولو بتعزير أو نكال مع الأرش أو العفو» :

وأما ابن حزم الظاهرى

(10)

: فيرى أنه لا تجب دية فى شئ مما دون النفس خطأ ويقول بعد تقريره أن القصاص واجب فى كل ما كان بعمد من جرح أو كسر.

(1)

كتاب النيل فى فقه الإباضية ج 8 ص 10.

(2)

انظر شرح الباجى على الموطأ مطبعة السعادة بمصر سنة 1332 ج 7 ص 88 وبهامشه الموطأ، الدر المختار طبع استانبول ج 5 ص 512 فى عدم القصاص وص 510 فى ترتيب الشجاج والأنوار ج 2 ص 253، والمغنى ج 9 ص 446، والمختصر النافع للجعفرية طبع مصر سنة 1378 ص 315، والروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 442 وشرح الروض النضير ج 4 ص 258 وشرح كتاب النيل ج 2 ص 208.

(3)

المحلى ج 10 ص 461.

(4)

سورة المائدة: 45.

(5)

سورة البقرة: 194.

(6)

سورة مريم: 64.

(7)

المغنى ج 9 ص 646، الاختيار شرح المختار ج 2 ص 172، 174، وأقرب المسالك ج 2 ص 372.

والروض النضير ج 4 ص 257، 258.

(8)

شرح المنهاج طبعة الحلبى ج 4 ص 133.

(9)

كتاب النيل ج 8 ص 13.

(10)

المحلى ج 10 ص 403 وما بعدها.

ص: 80

وبقى الكلام: هل فى ذلك العمد دية يتخير المجنى عليه فيها أو فى القصاص أم لا؟ وهل فى الخطأ فى ذلك دية مؤقتة (أى معينة من الشارع مبينة) أم لا؟

قال على (يعني نفسه): فنظرنا فى هذا فوجدنا الله تعالى يقول: «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ، وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}

(1)

».

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . وقال الله تعالى: «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ}

(2)

».

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام» فصح بكل ما ذكرنا أن الخطأ كله معفو عنه لا جناح على الإنسان فيه، وإنما الأموال محرمة، فصح من هذا ألا يوجب على أحد حكم فى جنايه خطأ، ألا أن يوجب ذلك نص صحيح أو إجماع متيقن وإلا فالأموال محرمة والغرامة ساقطة لما ذكرنا.

‌الحكم فى الآمة تقع على العبد:

الحنفية

(3)

: إذا جنى أحد على العبد آمة ففى المذهب قولان: أحدهما وهو الصحيح وظاهر الرواية أن أرشها ثلث قيمة العبد بالغة ما بلغت.

الثانى: وهو الذى فى عامة الكتب وجزم به فى الملتقى أن الأرش هو ثلث القيمة غير أنه لا يزاد على ما يجب للحر من الدية بل يجب أن ينقص ثلثه عن ثلث دية الحر بثلاثة دراهم وثلث درهم، وذلك أخذا بأثر ابن مسعود الذى يقرر أنه «لا يبلغ بقيمة العبد دية الحر وينقص منه عشرة دراهم» وهذا كالمروى عن النبى صلى الله عليه وسلم لأن المقادير لا تعرف بالقياس، وإنما طريق معرفتها السماع من صاحب الوحى.

ولما كان المقدر نقصه فيما يقابل بالدية الكاملة من قيمة العبد هو عشرة دراهم كان الذى ينقص من الثلث إذا بلغ ثلث الدية هو ثلاثة دراهم وثلث درهم.

وفى مذهب الحنابلة

(4)

: إذا كان الفائت بالجناية على العبد مؤقتا فى الحر ففيه عن أحمد روايتان إحداهما أن فيه ما نقصه بالغا ما بلغ، وذكر أبو الخطاب أن هذا هو اختيار الخلال.

والأخرى: وهى ظاهر المذهب أن فيه من القيمة بمقدار ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة تقع على العبد ثلث قيمته.

وفى مذهب الشافعية

(5)

: قولان كما فى مذهب الحنابلة، أرجحهما أن فى الجناية على العبد من القيمة ما للحر من الدية، وعلى هذا يكون فى الآمة ثلث القيمة.

والقول الثانى: وهو القديم، ان فيها ما نقص من القيمة نظرا إلى انه مال.

اما المالكية والزيدية والإمامية والإباضية فيرون أن ما وجب فيه للحر ثلث الدية كالأمة فيه ثلث القيمة من العبد

(6)

.

(1)

سورة الأحزاب: 5.

(2)

سورة النساء: 29.

(3)

الدر المختار ج 5 ص 547 وحاشية ابن عابدين عليه.

(4)

المغني ج 9 ص 667.

(5)

شرح المنهاج ج 4 ص 144.

(6)

المالكية أقرب المسالك ج 2 ص 382. الزيدية الروض النضير ج 4 ص 270. الإمامية المختصر النافع ص 317. الإباضية كتاب النيل ج 8 ص 58.

ص: 81

ويرى ابن حزم الظاهرى

(1)

: أنه إذا جنى أحد على عبد أو أمة خطأ ففى ذلك ما نقص من قيمته بأن يقوم صحيحا مما جنى عليه ثم يقوم كما هو الساعة ويكلف الجانى أن يعطى مالكه ما بين القيمتين وإذا جنى أحد عليهما عمدا ففى ذلك القود وما نقص من قيمتهما، أما القود فللمجنى عليه وأما ما نقص من القيمة فللسيد فيما اعتدى عليه من ماله.

‌الواجب فى الآمة يحدثها العبد:

يقول الحنفية

(2)

: إذا جنى عبد جناية دون النفس (كالآمة مثلا) عمداً أو خطأ فمولاه بالخيار بين أن يدفعه إلى ولى الجناية فيملكه بجنايته وبين أن يفديه بأرشها، وذلك لما روى عن ابن عباس أنه قال:

«إذا جنى العبد فمولاه بالخيار ان شاء دفعه وإن شاء فداه» .

واختلفوا هل الواجب الأصلى هو دفع العبد او هو فداؤه على قولين أولهما هو الصحيح كما فى الهداية والزيلعى، ويترتب على القول الأول أن يسقط الواجب بموت العبد، وعلى القول الثانى أن السيد لو اختار الفداء ولم يقدر عليه أداه متى وجد ولا يبرأ بهلاك العبد.

وإذا فدى السيد عبده ثم جنى العبد بعد ذلك جناية أخرى فحكمها كالأولى بالتفصيل الذى ذكرناه لأنه لما فداه عن الأولى صارت كان لم تكن، وكانت الجناية الثانية كالمبتدأة، فإن جنى جنايتين دفعه بهما الى وليهما أو فداه بأرشهما.

والمالكية يقولون: إذا جنى الآمة عبد على حر فثلث الدية فى رقبة العبد أى أن العبد تتعلق جنايته بنفسه لا بذمته ولا بذمة سيده، فهو فيما جنى، فإن شاء سيده أسلمه فيها وأن شاء فداه بأرشها ولا يطالب السيد ولا العبد بشئ إذا زاد ثلث الدية عن قيمته.

وإذا كانت جناية العبد على عبد فكذلك غير أن الثلث الواجب هنا هو ثلث قيمة العبد المجنى عليه فيخير سيد العبد الجانى بين ان يسلم عبده لولى الجناية أو يفديه

(3)

.

والشافعية يقولون

(4)

: إذا جنى العبد جناية موجبة للمال ومنها الآمة تعلق المال برقبته لا بذمته والسيد بالخيار بين بيعه بنفسه أو تسليمه للبيع وبين أن يفديه بأقل الأمرين من قيمته وأرش الجناية فان لم يفعل باعه القاضى وصرف الثمن الى المجنى عليه وإذا سلمه للبيع وكان الأرش يستغرق قيمته بيع كله وإلا فبقدر الحاجة إلا أن يأذن السيد أو لم يوجد من يشترى بعضه.

والحنابلة يقولون

(5)

: إذا جنى العبد آمة أو غيرها فعلى سيده أن يفديه أو يسلمه فإن كانت الجناية أكثر من قيمته لم يكن على سيده أكثر من قيمته.

وقال ابن قدامة تعليقا عليه وتعليلا للحكم فى الموضع نفسه: هذا فى الجناية التى تودى بالمال أما لكونها لا توجب إلا المال وأما لكونها موجبة للقصاص فعفا عنها الى

(1)

المحلى ج 8 ص 142، 149.

(2)

الدر المختار ج 5 ص 538، 539، وحاشية ابن عابدين علية.

(3)

شرح أقرب المسالك للدردير ج 2 ص 370، والباجى على الموطأ ج 7 ص 21 وشرح أبى الحسن على رسالة أبى زيد القيروانى وحاشية العدوى علية ج 2 ص 337.

(4)

الأنوار للإردبيلى ص 279.

(5)

مختصر الإمام أبى القاسم الخرقى - متن المغنى ج 9 ص 511، 512 من الطبعة السالفة الذكر.

ص: 82

المال، فان جناية العبد تتعلق برقبته، إذ لا يخلو من أن تتعلق برقبته او ذمته أو ذمة سيده أو لا يجب شئ، ولا يمكن إلغاؤها لأنها جناية آدمى فيجب اعتبارها كجناية الحر، ولأن جناية الصغير والمجنون غير ملغاة مع عذره وعدم تكليفه، فجناية العبد أولي، ولا يمكن تعلقها بذمته لأنه يفضى إلى إلغائها أو تأخير حق المجني عليه الى غير غاية، ولا بذمة السيد لأنه لم يجن فتعين تعلقها برقبة العبد. ولأن الضمان موجب جنايته فتعلق برقبته كالقصاص ثم لا يخلو أرش الجناية من أن يكون بقدر قيمته فما دون أو أكثر، فإن كان بقدرها فما دون فالسيد مخير بين أن يفدية بأرش جنايته أو يسلمه الى ولى الجناية فيملكه، لأنه إن دفع أرش الجناية فهو الذى وجب للمجنى عليه فلم يملك المطالبة بأكثر منه، وإن سلم العبد فقد أدى المحل الذى تعلق الحق به، ولأن حق المجني عليه لا يتعلق بأكثر من الرقبة وقد أداها، وإن طالب المجنى عليه بتسليمه إليه وأبى ذلك سيده لم يجبر عليه لما ذكرنا. وأن دفع السيد عبده فأبى الجانى قبوله، وقال بعه وأدفع إلى ثمنه فهل يلزم ذلك؟ على روايتين، واما ان كانت الجناية أكثر من قيمته ففيه روايتان:

إحداهما: أن سيده يخير بين أن يفديه بقيمته أو أرش جنايته وبين أن يسلمه.

والرواية الثانية: يلزمه تسليمه إلا أن يفديه بأرش جنايته بالغة ما بلغت.

والزيديه

(1)

: عندهم روايتان عن على إحداهما إذا جنى العبد جناية لا قصاص فيها ومنها الآمة لا يلزم سيده أكثر من ثمنه فإذا اختار ولى الدم الأرش فليس على سيده الا تسليم قيمته فقط ما لم تعد دية الحر.

وهذا مذهب الهادى والمؤيد وحجته ما رواه زيد بن على عن أبيه عن جده عن على قال فى جناية العبد لا يلزم سيده أكثر من ثمنه ولا يبلغ بدية عبد دية حر.

والأخرى أن السيد يخير بين تسليم العبد للمجنى عليه فيسترقه وبين أن يسلم له كل الأرش بالغا ما بلغ.

وقد روى هذه الرواية الأخيرة محمد ابن منصور بأسانيده عن الحارث عن على ولا شئ على السيد إن امتنع المجنى عليه من قبول العبد، فلو باعه أو اعتقه بعد ذلك لم يلزمه إلا قدر قيمته والزائد على العبد يطالب به إذا اعتق بخلاف ما إذا باعه او أعتقه قبل ذلك فانه يكون اختيارا منه لالتزام الأرش فيلزمه جميعه، وكذا لو أخرجه عن ملكه بأى وجه من وجوه التصرف بعد علمه بالجناية فهو مختار وعليه الأرش وتصرفه صحيح وأن كان لا يعلم فعليه الأقل من قيمته ومن أرش الجناية وأن مات العبد قبل ان يختار سيده لم يلزم المولى شئ من أرش الجناية.

ويقول الإمامية

(2)

: جناية العبد تتعلق برقبته ولا يضمنها المولى، وللمولى فكه بأرش الجناية ولا تخير لمولى المجنى عليه ولو كانت الجناية لا تستوعب قيمته تخير المولى فى دفع الأرش أو تسليمه ليستوفى

(1)

الروض النضير ج 4 ص 283، 284

(2)

المختصر النافع ص 317.

ص: 83

المجنى عليه قدر الجناية استرقاقا أو بيعا.

والإباضية يقولون

(1)

: إذا أحدث العبد جرحا (كآمة) مثلا فان كان الأرش الواجب فيها مساويا لقيمة العبد أو أكثر كان لرب العبد الخيار فى أن يعطيه العبد الجانى أو يعطيه قيمته وان كان الأرش الواجب أقل من نفس العبد كان للمجنى عليه أرشه الواجب له فقط، وهو هنا الثلث ثلث الدية إن كانت الجناية على حر وثلث القيمة إن كانت الجناية على عبد.

ويرى ابن حزم الظاهرى

(2)

: أن جناية العبد التى يترتب عليها مال هى فى مال العبد إن كان له مال، فإن لم يكن له مال ففى ذمته يتبع به حتى يكون له مال فى رقَه أو بعد عتقه وليس على سيده فداؤه لا بما قل ولا بما كثر ولا اسلامه فى جنايته ولا بيعه فيها.

‌آنية

‌مدلول الكلمة:

جاء فى المصباح: الإناء والآنية الوعاء والأوعية وزنا ومعني، والأوانى جمع الجمع.

بهذا المعنى يستعمله الفقهاء فى كتب المذاهب.

‌حكم استعمال الآنية:

جمهور الفقهاء على حظر استعمال آنية الذهب والفضة فى الوضوء وغيره، وفى استعمال غيرها تفصيل تختلف المذاهب فى بعضه باختلاف أنواع الآنية وجواهرها، وسنورد ما يصور ذلك فى المذاهب.

قال الأحناف

(3)

: لا يجوز الأكل والشرب والإدهان والتطيب فى آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، وكذا لا يجوز الأكل بملعقة الذهب والفضة، وكذلك المكحلة والمحبرة وغير ذلك.

وأما الآنية من غير الذهب والفضة فلا بأس بالأكل والشرب فيها والإدهان والتطيب منها والانتفاع بها للرجال والنساء كالحديد والصفر والنحاس والرصاص والخشب والطين ولا بأس باستعمال آنية الزجاج والرصاص والبللور والعقيق وكذا الياقوت ويجوز الشرب فى الإناء المفضض عند أبى حنيفة إذا كان يتقى موضع الفضة بحيث لا يلاصقه الفم ولا اليد وقال أبو يوسف يكره ذلك وعن محمد روايتان إحداهما مع الإمام والأخرى مع أبى يوسف وعلى هذا الخلاف الإناء المضبب بالذهب والفضة.

وأما التمويه فلا بأس به إجماعا فى المذهب.

وفى متن التنوير وشرحه وحاشيته

(4)

:

التصريح بكراهة الأكل والشرب والدهان والتطيب ونحو ذلك من آنية الذهب والفضة وأن محل الكراهة إذا استعملت ابتداء فيما صنعت له بحسب متعارف الناس وإلا فلا كراهة حتي لو نقل الطعام من إناء الذهب الى موضع آخر أو صب الماء أو الدهن فى كفه لا على رأسه ابتداء ثم استعمله فلا بأس به.

(1)

المنيل ج 8 ص 189.

(2)

المحلى ج 8 ص 155، 159.

(3)

الجوهرة النيرة على مختصر القدوري ج 2 ص 383 طبع استامبول سنة 1301.

(4)

حاشية ابن عابدين ج 5 ص 236 المطبعة الميمنية سنة 1307.

ص: 84

وقال صاحب الدر

(1)

: ان محل الكراهة فيما يرجع للبدن وأما لغيره تجملا بأوان متخذة من ذهب او فضة فلا بأس به بل فعله السلف.

ونقل ابن عابدين عن جماعة من فقهاء الأحناف القول بأن نقل الطعام منها إلى موضع آخر استعمال لها ابتداء وأخذ الدهن باليد ثم صبه على الرأس استعمال متعارف.

وقد نص

(2)

صاحب التنوير على كراهة إلباس الصبي ذهبا أو حريرا، وعلله الشارح بأن ما حرم لبسه وشربه حرم إلباسه وأشرابه. ومقتضاه كراهة استعمال آنية الذهب والفضة للصبية بواسطة غيرهم.

أما المالكية

(3)

: فيصرحون بتحريم استعمال إناء الذهب والفضة فى كل من الأكل والشرب والطبخ، والطهارة مع صحة الصلاة بها، كما يصرحون بحرمة الاقتناء (أى اقتناء إناء الذهب والفضة) ولو لعاقبة دهر وبحرمة التجمل على المعتمد خلافا للأحناف ويقولون: إن المغشى ظاهره بنحاس أو رصاص والمموه أى المطلى ظاهره بذهب أو فضة فيه قولان مستويان عندهم.

وفى حرمة استعمال واقتناء الإناء المضبب أى المشعب بخيوط من الذهب أو الفضة وذى الحلقة من ذهب أو فضة قولان أيضا، وفى حرمة استعمال واقتناء إناء الجوهر النفيس كزبرجد وياقوت وبلور قولان، والجواز هو الراجح وهو ما قال به الأحناف.

والشافعية يوافقون الأحناف فى التصريح بعدم جواز استعمال شئ من أوانى الذهب والفضة للرجل والمرأة، ويستدلون بقوله عليه الصلاة والسلام:

«لا تشربوا فى آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا فى صحافها» .

وقياس غير الأكل والشرب عليهما.

ويقول البجرمى: ان سائر وجوب الاستعمال مقيسة على الأكل والشرب فى عدم الجواز ولو كان الاستعمال على وجه غير مألوف كأن كب الإناء على رأسه واستعمل أسفله فيما يصلح له ثم قال وفهم من عدم الجواز حرمة الاستئجار على الفعل وأخذ الأجرة على الصنعة وعدم الغرم على الكاسر كآلة اللهو لأنه أزال المنكر.

وقال صاحب الإقناع: ويحرم على الولى أن يسقى الصغير بمشفط من إنائهما ثم قال ولا فرق بين الإناء الصغير والكبير

(4)

.

ويوافق الشافعية المالكية فى حرمة اقتناء آنية الذهب والفضة فيصرح الخطيب بقوله:

وكما يحرم استعمالهما يحرم اتخاذهما من غير استعمال لأن ما لا يجوز استعماله يحرم اتخاذه، ويرون حل استعمال كل أناء طاهر ليس من الذهب والفضة سواء كان من نحاس أو غيره، فإن موه إناء من نحاس أو نحوه بالنقد ولم يحصل منه شئ، أى لم يزد على أن يكون لونا أو موه النقد بغيره أو صدئ مع حصول شئ من المموه

(1)

حاشية ابن عابدين ج 5 ص 238.

(2)

حاشية ابن عابدين على شرح الرد لمتن التنوير ج 5 ص 252.

(3)

شرح الدردير مع حاشية الدسوقى ج 1 ص 64 المطبعة الازهرية بمصر.

(4)

الاقناع وحاشية البجرمى ج 1 ص 101، 102 طبعة القاهرة.

ص: 85

به أو الصدى حل استعماله لقلة المموه فى الأولى فكأنه معدوم، ولعدم الخيلاء فى الثانية.

ثم أكد التعميم

(1)

فى إباحة آنية غير الذهب والفضة بقوله: ويحل استعمال واتخاذ النفيس كياقوت وزبرجد وبلور، وصرح بأن ما ضبب من أناء بفضة ضبة كبيرة حرم استعماله وأتخاذه أو صغيرة بقدر الحاجة فلا تحرم.

ويقول البجرمى: إن من الاستعمال المحرم أخذ ماء الورد منها لاستعماله ولو بصب غيره أو كان الذهب على البزبوز فقط. ثم قال: نعم، أن أخذ منه بشماله ثم وضع الماء فى يمينه واستعمله جاز مع حرمة الأخذ منه لأنه استعمال حينئذ، وذهب بعضهم الى عدم الحرمة.

والحنابلة ينصون على حرمة استعمال آنية الذهب والفضة دون خلاف عندهم، وعلل لذلك ابن قدامه

(2)

بأنه يتضمن الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء وعندهم خلاف فى صحة الوضوء والاغتسال من آنية الذهب والفضة، فيقول بعضهم تصح طهارته لأن فعل الطهارة وماءها لا يتعلق بشئ من ذلك ويقول بعضهم: لا تصح لأنه استعمل المحرم فى العبادة كالصلاة فى الأرض المغصوبة، وقالوا لو جعل آنية الذهب والفضة مصبا للوضوء ينفصل الماء عن أعضائه إليه صح الوضوء.

قال ابن قدامة: ويحتمل أن تكون ممنوعة لتحقق الفخر والخيلاء وكسر قلوب الفقراء.

وهم كالشافعية والمالكية يحرمون إتخاذ آنية الذهب والفضة لعلة أن ما حرم استعماله حرم اتخاذه. ويقولون فى المضبب بالذهب والفضة أن كان كثيرا فهو محرم بكل حال.

وأما اليسير من الذهب والفضة فأكثر الحنابلة

(3)

على أنه لا يباح اليسير من الذهب إلا إذا دعت اليه ضرورة، وأما الفضة فيباح منها اليسير لما روى عن أنس أن قدح النبى صلى الله عليه وسلم إنكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة. رواه البخارى. ولأن الحاجة تدعو إليه وليس فيه سرف ولا خيلاء قال القاضى «أبو يعلى» يباح ذلك مع الحاجة وعدمها إلا أن ما يستعمل من ذلك بذاته لا يباح كالحلقة وما لا يستعمل كالضبة يباح.

وقال أبو الخطاب لا يباح اليسير إلا لحاجة لأن الخبر ورد فى شعب القدح فى موضع الكسر، وهو لحاجة، ويفسرون الحاجة بأن تدعو حاجة الى ما فعله به وان كان غيره يقوم مقامه.

ثم صرح بأن سائر الآنية بعد ذلك مباح اتخاذا واستعمالا ولو كانت ثمينة كالياقوت والبلور، ولا يكره استعمال شئ منها فى قول العامة.

قال صاحب المغنى: إلا أنه روى عن ابن عمر أنه كره الوضوء من الصفر والنحاس والرصاص وما أشبه ذلك، وأختاره المقدسى لأن الماء يتغير فيها.

ويقول ابن حزم الظاهرى

(4)

: لا يحل الوضوء ولا الغسل ولا الشرب ولا الأكل

(1)

الاقناع وحاشية البجرمى ج 1 ص 104.

(2)

المغنى ج 1 ص 75، 77.

(3)

المغنى ج 1 ص 78 طبعة دار المنار سنة 1376.

(4)

المحلى ج 1 ص 391 مطبعة الامام بالقاهرة.

ص: 86

لرجل ولا لامرأة فى إناء عمل من عظم ابن آدم ولا فى إناء عمل من عظم خنزير ولا فى إناء من جلد ميتة قبل الدبغ ولا فى أناء فضة أو ذهب، وكل أناء بعد هذا من صفر أو نحاس أو رصاص أو قصدير أو بلور أو ياقوت أو غير ذلك فمباح أكلا وشربا ووضوءا وغسلا للرجال والنساء. ثم قال والمذهب والمضبب بالذهب حلال للنساء دون الرجال لأنه ليس أناء ذهب أو فضة، وكذلك المفضض والمضبب.

والزيدية

(1)

: يصرحون كالمالكية والحنابلة بتحريم استعمال آنية الذهب والفضة فى الوضوء وغيره، ويصح التوضؤ منه وإن عصى (أى مستعملها) لانفصال الطاعة (يريدون أن الطاعة بالوضوء منفصلة عن المعصية بالاستعمال).

وفى اقتنائها وجهان، وقال يحيى أصحهما المنع للخيلاء. وفى الياقوتة ونحوها وجهان أصحهما كالذهب لنفاسته. قال يحيى:

وكذلك الزجاج والخشب والنحاس إذا عظم بالصنعة والزخرفة قدرها للخيلاء. وقالوا لا يحرم الإناء من المدر (طين متماسك لا يخالطه رمل) وما لم يعظم بالصنعة قدره ويكره الرصاص والنحاس المطعم بالذهب والفضة والمفضض والمموه والمضبب.

والجعفرية قالوا

(2)

: بحرمة استعمال أوانى الذهب والفضة فى الأكل والشرب والوضوء والغسل وتطهير النجاسات وغيرها من سائر الاستعمالات حتي وضعها على الرفوف للتزين بل يحرم اقتناؤها من غير استعمال ويحرم بيعها وشراؤها وصياغتها وأخذ الأجرة عليها، بل نفس الأجرة حرام، لأنها عوض محرم، وإذا حرم الله شيئا حرم ثمنه وقالوا ان الصفر أو غيره الملبس بأحدهما يحرم استعماله إذا كان على وجه لو انفصل كان إناء مستقلا، وأما إذا لم يكن كذلك فلا يحرم كما إذا كان الذهب والفضة قطعا منفصلات لبس بهما الاناء من الصفر داخلا أو خارجا. ولا بأس بالمفضض أو المطلى أو المموه بأحدهما نعم يكره استعمال المفضض بل يحرم الشرب منه إذا وضع فمه على موضع الفضة.

ولا يحرم استعمال الممتزج من أحدهما مع غيرهما إذا لم يصدق عليه اسم أحدهما.

ويحرم ما كان ممتزجا منهما وأن لم يصدق عليه اسم أحدهما، وكذا ما كان مركبا منهما بأن كان قطعة منه ذهبا وقطعة فضة وقالوا إن المراد بالأواني ما يكون من قبيل الكأس والكوز والصينى والقدر والفنجان وما يطبخ فيه القهوة وكوز الغليان والمصفاة ونحو ذلك.

وقالوا إن الأحوط فيما يشبه ذلك الاجتناب وذلك كقراب السيف والخنجر والسكين وقاب الساعة وظرف الغالية (أى المسك) وظرف الكحل، ويقولون إنه لا فرق فى حرمة الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة بين مباشرتهما لفمه أو أخذ اللقمة منها ووضعها فى الفم، وكذا إذا وضع ظرف الطعام فى الصينى من أحدهما وكذا لو فرغ ما فى الإناء من أحدهما فى ظرف آخر لأجل الأكل والشرب لا لأجل

(1)

البحر الزخار ج 1 ص 41 مطبعة السعادة بالقاهرة سنة 1366.

(2)

مستمسك العروة الوثقى الطبعة الثانية بالنجف سنة 1336 لآية الله العظمى الطباطبائى ج 2 ص 130 وما بعدها.

ص: 87

التفريغ فإن الظاهر حرمة الأكل والشرب لأن هذا يعد استعمالا لهما فيهما.

ونقل الطباطبائى عن بعض العلماء أنه إذا أمر شخص خادمه فصب الشاى من القدر المصنوع من الذهب أو الفضة فى الفنجان وأعطاه شخصا آخر فشرب فإن الخادم والآمر عاصيان، والشارب لا يبعد أن يكون عاصيا، ويعد هذا منه استعمالا، وقالوا إذا كان المأكول أو المشروب فى آنية من أحدهما ففرغه فى ظرف آخر بقصد التخلص من الحرام لا بأس به ولا يحرم الشرب والأكل بعد هذا.

وقالوا إذا انحسر ماء الوضوء أو الغسل فى إحدى الآنيتين وأمكن تفريغه فى ظرف آخر وجب وإلا سقط وجوب الوضوء والغسل ووجب التيمم وإن توضأ أو اغتسل منهما بطل سواء أخذ الماء منهما بيده أو صبه على محل الوضوء بهما أو انغمس فيهما وأن كان له ماء آخر أو أمكن التفريغ فى ظرف ومع ذلك توضأ أو اغتسل منهما فالأقوى البطلان لأنه وإن لم يكن مأمورا بالتيمم إلا أن الوضوء أو الغسل حينئذ يعد استعمالا لهما عرفا فيكون منهيا عنه بل الأمر كذلك لو جعلهما محلا لغسالة الوضوء لأن ذلك يعد فى العرف استعمالا.

وقالوا إنه لا فرق فى الذهب والفضة بين الجيد والردئ والمعدنى والمصنوعى والمغشوش والخالص إذا لم يكن الغش إلى حد يخرجها عن صدق الاسم وإن لم يصدق الخلوص أما إذا توضأ أو اغتسل من أناء الذهب أو الفضة مع الجهل بالحكم أو الموضوع صح، أما الأوانى من غير الجنسين فلا مانع منها وإن كانت أعلى وأغلى كالياقوت والفيروزج، وكذلك الذهب الفرنكى لأنه ليس ذهبا.

وقالوا إنه إذا اضطر إلى استعمال آنية الذهب والفضة جاز إلا فى الوضوء والاغتسال فإنه ينتقل الى التيمم، وإذا دار الأمر فى حالة الضرورة بين استعمالها واستعمال المغصوب قدمهما.

وقالوا لا يجوز استعمال الظروف المعمولة من جلد نجس العين أو الميتة فيما يشترط فيه الطهارة من الأكل والشرب والوضوء والغسل، بل الأحوط عدم استعمالها فى غير ما يشترط فيه الطهارة أيضا بل وكذا سائر الانتفاعات غير الاستعمال، فإن الأحوط ترك جميع الانتفاعات منها، وأما ميتة ما لا نفس له كالسمك ونحوه فحرمة استعمال جلده غير كالسمك ونحوه فحرمة استعمال جلده غير معلوم وإن كان أحوط وكذا لا يجوز استعمال المغصوبة مطلقا والوضوء والغسل منها مع العلم باطل، نعم لو صب الماء منها فى ظرف مباح فتوضأ أو أغتسل صح وأن كان عاصيا من جهة تصرفه فى المغصوب، وأما أواني المشركين وسائر الكفار فإنها طاهرة ما لم يعلم ملاقاتهم لها مع الرطوبة التى تسرى إليها بشرط ألا تكون من الجلود، ولا يكفى الظن فى ذلك، وإلا فمحكومة بالنجاسة إلا إذا علم تذكية حيوانها أو علم سبق يد مسلم عليها، وكذا غير الجلود.

أما ما لا يحتاج إلى التذكية فطاهر إلا مع العلم بالنجاسة، ويجوز عندهم استعمال أوانى الخمر بعد غسلها وإن كانت من

ص: 88

الخشب أو القرع أو الخزف غير المطلى بالقير أو نحوه فلا يضر نجاسة باطنها بعد تطهير ظاهرها داخلا وخارجا، ويكفى تطهير الداخل. نعم يكره استعمال ما نفذ الخمر إلى باطنه إلا إذا غسل على وجه يطهر باطنه.

وجاء فى الفقه الإباضى

(1)

: «وكره الوضوء من المشمس» الذى سخن ماؤه فى الشمس.

«أو من إناء ذهب، أو فضة، أو صفر» بضم فسكون نحاس، ولو أبيض، وذلك كله للإسراف «وقيل» التوضؤ «من الأولين» الذهب والفضة «حرام» ، فيعاد. والقولان فى الرجل والمرأة جميعا لأن المحلل للنساء لبس الذهب لا الشرب فيه ونحو الشرب بدليل كراهة الفضة أو تحريمها أيضا عليها وعليه فى الوضوء.

والذى أقول أن ما فيه فخر يكره أيضا مثل أناء القزدير فيكره مطلقا ولو لم يفخر به سدا للذريعة.

‌اختلاط الأوانى:

قال الأحناف

(2)

: إذا تجاوزت أوان بكل منها ماء واشتبه الشخص فيها - لأن بعضها طاهر وبعضها نجس - فإن كان أكثرها طاهراً وأقلها نجس فإنه يتحرى لكل من الوضوء والاغتسال، وإن تساوت الأوانى - فكان عدد الطاهر مثل عدد النجس - فانه يعدل عنها ويتيمم لفقد المطهر قطعا، وإن وجد ثلاثة رجال ثلاثة أوان أحدها نجس، وتحرى كل أناء، جازت صلاتهم وحدانا، وكذا يتحرى مع كثرة الطاهر لأوانى الشرب لأن المغلوب كالمعدوم وإن اختلط إناءان ولم يتحر وتوضأ بكل وصلى صحت إن مسح فى موضعين من رأسه لا فى موضع لأن تقديم الطاهر مزيل للحدث.

وأما إن كان أكثر الأوانى نجسا فإنه لا يتحرى الا للشرب لنجاسة كلها حكما للغالب فيريقها عند عامة المشايخ ويمزجها لسقى الدواب عند الطحاوى ثم يتيمم.

وأما مسلك المالكية

(3)

فإنهم قالوا إذا اشتبه طهور بمتنجس كما لو كان عنده جملة من الأواني تغير بعضها بتراب طاهر وتغير بعضها بتراب نجس واشتبهت هذه بهذه، فان مريد التطهير يصلى صلوات بعدد أوانى النجس كل صلاة بوضوء وزيادة إناء ويبني على الأكثر أى يجعل الأكثر هو النجس فإن كان عنده ستة أوان علم أن أربعة منها من نوع واثنتين من نوع وشك هل الأربعة من نوع النجس أو من نوع الطهور فانه يجعلها من النجس ويصلى خمس صلوات بخمس وضوءات هذا إذا اتسع الوقت وإلا تركه ويتيمم.

ولو اشتبه طهور بطاهر، أى غير مطهر كالماء المستعمل. فانه يتوضأ بعدد الطاهر وزيادة إناء ويصلى صلاة واحدة ويبني على الأكثر أن شك.

وأما الشافعية

(4)

: فإنهم يقولون إن الاشتباه فى الأوانى يقتضى الاجتهاد مطلقا ولو قل عدد الطاهر كإناء من مائة وجوبا إن لم يقدر على طهور بيقين، وجوازا إن قدر على طهور بيقين، إذ العدول إلى المظنون مع جواز المتيقن جائز.

(1)

شرح النيل ج 1 ص 53، 54.

(2)

حاشية الطحطاوى ج 1 ص 21.

(3)

حاشية الدسوقى على الدردير ج 1 ص 82.

(4)

نهاية المحتاج ج 1 ص 76.

ص: 89

وللحنابلة فى هذا المقام تفصيل

(1)

:

خلاصته، أن الأواني المشتبهة لا تخلو من حالين:

أحدهما: ألا يزيد عدد الطاهر على النجس فلا خلاف فى المذهب أنه لا يجوز التحرى فيها بل يريقها ويتيمم.

فهم كالأحناف فى هذا.

الثانى: أن يكثر عدد الطاهر فذهب بعضهم إلى جواز التحرى لأن الظاهر إصابة الطاهر لأن جهة الإباحة قد ترجحت فجاز التحرى، وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز التحرى فيها بحال، وهو قول أكثر أصحابه.

ثم قال ابن قدامة

(2)

: إذا أشتبه طهور بماء قد بطلت طهوريته توضأ من كل واحد وضوءا كاملا وصلى بالوضوءين صلاة واحدة، وقال أنه لا يعلم فى ذلك خلافا لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين فلزمه كما لو كانا طهورين ولم يكف أحدهما وهذا غير ما لو كان أحدهما نجسا لأنه ينجس أعضاءه بيقين فلا يأمن أن يكون النجس هو الثانى فإن احتاج إلى أحد الإناءين فى الشرب تحرى وتوضأ بالطهور عنده ويتيمم معه ليحصل له اليقين.

ويقول ابن حزم

(3)

: ان كان بين يدى المتوضئ إناءان فصاعدا فى أحدهما ماء طاهر بيقين وسائرها نجس أو فيها واحد نجس وسائرها طاهر ولا يميز من ذلك شيئا فله أن يتوضأ بأيها شاء ما لم يكن على يقين من أنه قد تجاوز عدد الطاهرات وتوضأ بما لا يحل الوضوء به لأن كل ماء منها فعلى أصل طهارته على انفراده فإذا حصل على يقين التطهر فيما لا يحل التطهر به فقد حصل على يقين الحرام فعليه أن يطهر أعضاءه إن كان ذلك الماء حراما استعماله جملة، فإن كان فيها واحد «معتصر» لا يدريه لم يحل له الوضوء بشئ منها لأنه ليس على يقين من أنه توضأ بماء واليقين لا يرتفع بالظن.

وأما الزيدية

(4)

: فيقولون كالشافعية إن التحرى مشروع عند لبس الطاهر بالنجس مطلقا لوجوب العمل بالظن.

ونقل صاحب البحر عن الأكثر - العترة والأئمة الأربعة - أنه لا بد فى التحرى من اجتهاد بأمارة من ترشيش أو غيره فإن أريقت الأنية كلها إلا واحدا فوجوه، أصحها تبين طهارة الباقى رجوعا إلى الأصل وقيل يتيمم إذ لا تحرى إلا بين اثنين وقيل يتحرى فى الباقى لإمكانه.

وإذا ظن قبل الصلاة أن الذى توضأ به هو النجس يتيمم لبطلان الأول فإن وجد أناء تيقن طهارة مائه ترك الملتبس حتما إذ لا يكفى الظن مع إمكان اليقين، ونقل عن الأكثر أن له التحرى.

ونقل عن المنصور بالله وبعض البغداديين أنه إذا التبس قراح (أى طهور) بطاهر غير مطهر استعملها لتيقن الامتثال.

وهذا النقل كالذى سبق عن المالكية ونقل عن الخراسانيين أنه يتحرى فى هذا أيضا.

ولم نقف للجعفرية على كلام فى مسألة اختلاط الأوانى.

(1)

المغنى ج 1 ص 60.

(2)

المرجع السابق ص 63.

(3)

المحلى ج 2 ص 225.

(4)

البحر الزخار ج 1 ص 39.

ص: 90

‌الإباضية:

وإن اختلط إناء نجس أو اثنان أو أكثر بإناء طاهر أو إناءين أو أكثر، تطهر بأحدهما وأمسك عن ثوبه حتى يجف بدنه ثم يصلى ثم بأخر كذلك الى آخرها ويصادف الطاهر ولا بد أن يتطهر بعد لامكان أن يكون ختم بالنجس، وذلك خطأ، لأنه يتنجس بأحدها ويتوضأ بلا غسل النجس إن كان يتوضأ وكذا الاغتسال إلا أن ينوى بالمرتين غسل النجس إن كان ما قبله نجسا عند الله وبالمرة بعد رفع الحدث أو ينوى الأولى مثلا أن كان طهر عند الله ما قبلها.

وقيل يتحرى أحدها فيستعمله وهو خطأ إذ لا يعمل على شك.

والصواب أن يتيمم. وزعم بعض أنه يخلطها كلها فلا يبقى معه طاهر فيكون غير واجد وهو ضعيف.

وقيل إن كانت طاهرة إلا واحدا تطهر بواحد ولزمه شراء الماء أو الآلة بالثمن فى محله أو أقل لا بأكثر

(1)

.

تطهير الأوانى:

قال الحنفية

(2)

: تطهر الآنية المصقولة التى لا مسام لها من النجاسة بمسح يزول به أثرها مطلقا سواء كانت النجاسة لها جرم أو لا رطبة أو يابسة، مع أن الأصل فى التطهير عندهم هو الماء.

ولم تذكر المذاهب الأخرى تطهيرا للآنية بغير الماء إلا ما ذكر من خلاف فى أهاب الحيوان.

ونقل ابن عابدين عن الخانية أن الظاهر أن اليابسة ذات الجرم تطهر بالحت والمسح بما فيه بلل ظاهر حتى يذهب أثرها.

وقالوا

(3)

فى سؤر الكلب أنه نجس ويغسل الإناء من ولوغه فيه ثلاثا - انظر سؤر - طهارة.

ويقول المالكية

(4)

: بكراهة استعمال إناء ولغ فيه الكلب وماؤه قليل ولو تحققت سلامة فمه من النجاسة، وعندهم

(5)

قول فى المذهب بأن مسح الصقيل وتدخل فيه بعض الآنية مطهر له (انظر سؤر).

ويقول الشافعية

(6)

: ما تنجس بملاقاة شئ من الكلب سواء كان بجزء منه أو من فضلاته غسل سبعا إحداهن بالتراب.

وقالوا إن الخنزير كالكلب فى الأظهر لأنه أسوأ حالا منه.

وقال الحنابلة

(7)

: كل إناء حل فيه نجاسة من ولوغ كلب أو بول أو غيره فإنه يغسل سبع مرات إحداهن بالتراب.

وعن أحمد أنه يجب غسلها ثمانية إحداهن بالتراب، فإن جعل مكان التراب غيره من الاشنان والصابون والنخالة ففيه وجهان (انظر سؤر).

المذهب الظاهرى

(8)

: يقول ابن حزم أن تطهير الإناء إذا كان لكتابى مما يجب التطهير منه يكون بالماء، إذا لم يجد غير ذلك الإناء سواء علم فيه نجاسة أو لم يعلم فإن كان إناء مسلم فهو طاهر فان تيقن فيه

(1)

شرح النيل ج 7 ص 298.

(2)

الدر وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 226.

(3)

الهداية ج 1 ص 12.

(4)

حاشية الدسوقى ج 1 ص 43.

(5)

المرجع السابق ص 34.

(6)

نهاية المحتاج ج 1 ص 234.

(7)

المغنى ج 1 ص 52.

(8)

المحلى ج 1 ص 92 فما بعدها.

ص: 91

ما يلزم اجتنابه فبأى شئ أزاله كائنا ما كان من الطاهرات إلا أن يكون لحم حمار أهلى أو ودكه أو شحمه أو شيئا منه فلا يجوز أن يطهر إلا بالماء، فإن ولغ فى الإناء كلب مطلقا صغيرا أو كبيرا كلب صيد او غيره غسل بالماء سبع مرات ولا بد أولاهن بالتراب مع الماء فان أكل الكلب فى الإناء أو أدخل رجله أو ذنبه أو وقع بكله فيه لم يلزم غسل الإناء ولا إراقة ما فيه (انظر سؤر).

الجعفرية

(1)

: يطهر الإناء المتنجس بصب الماء عليه مرتين. ويكفى صب الماء فيه بحيث يصيب النجس وإفراغه منه ولو بآلة لا تعود اليه ثانيا إلا طاهرا، وإن ولغ فى الاناء كلب قدم على الغسلتين بالماء مسحه بالتراب الطاهر دون غيره مما أشبهه وألحق بولوغ الكلب لطمه الإناء دون مباشرته له بسائر أعضائه، وقالوا لو تكرر الولوغ تداخل كغيره من النجاسات ويستحب غسله سبع مرات خروجا من خلاف من أوجبها كما تستحب السبع عندهم فى الفأرة والخنزير.

الزيديه

(2)

: نقل صاحب البحر عن العترة والشافعى وأصحابه أن طهارة الصقيل كالخشن بالغسل خلافا للأحناف الذين قالوا تطهر بالمسح.

ونقل

(3)

عند كلامه عن سؤر الكلب أنه يكفى عند العترة التثليث بالغسل من ولوغ الكلب.

الإباضية: وكل إناء تنجس وإن بكونه من ذمى احتيج اليه واستحسن التعجيل بازالة النجس وان بمسح عند تعذر الماء.

والنطفة والغائط والقئ إذا خالطا أناء فيصح غسلها منه ولو رطوبات غير مقشرات ولا مخلوطات بتراب.

ويصعب فى مصنوع كقصعة وفخار أن سبق النجس إليه قبل كل مائع هل يطهر بالماء ثلاثا بإبقائه فيه كل مرة يوما وليلة ثم يراق أو ليلا فقط فيراق نهارا ويجعل فى الشمس فارغا إلى الليل أو بماء واحد يوما وليلة أو لا حد فى ذلك إلا غلبة الظن بالطهارة وبلوغها حيث بلغ النجس أقوال

(4)

.

ويقولون: يسن غسل أناء ولغ فيه الكلب غير المعلم على الصحيح سبعا أولاهن وأخراهن بتراب، وصحح الجواز بثلاث كغيره.

‌الضمان

آنية الضمان:

نقصر الكلام فيما يتعلق بالضمان فى الآنية على ما له أحكام خاصة فى المذاهب التى أفردت أحكاما لبعضها كآنية الذهب والفضة وآنية الخمر وهو ما قاله ابن حزم الظاهرى

(5)

وهو مذهب الشافعية

(6)

.

مذهب الحنابلة

(7)

: من كسر آنية من ذهب أو فضة لم يضمنها لأن اتخاذها محرم وحكى أبو الخطاب رواية أخرى عن أحمد أنه يضمن فإن بعضهم نقل عنة فيمن هشم على غيره إبريقا فضة علية قيمته بصوغه

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 20.

(2)

البحر الزخار ج 1 ص 18.

(3)

المرجع السابق 20

(4)

شرح النيل ج 1 ص 243، 285، 286، 287

(5)

محلى ج 8 ص 171.

(6)

نهاية المحتاج ج 5 ص 166.

(7)

المغنى ج 5 ص 278.

ص: 92

وكان قيل له أليس قد نهى النبى عن اتخاذها فسكت. والصحيح أنه لا ضمان عليه، نص عليه أحمد فى رواية المروزى فيمن كسر إبريق فضة أنه لا ضمان علية لأنه اتلف ما ليس بمباح فلم يضمن كالميتة، ورواية البعض السابقة تدل على أنة رجع عن قولة بعدم الضمان لكونه سكت حين ذكر لسائل تحريمه، وإن كسر آنية الخمر ففيها روايتان:

احداهما: يضمنها لأنة مال يمكن الانتفاع به ويحل بيعه فيضمنها كما لو لم يكن فيها خمر، ولأن كون جعل الخمر فيها لا يقتضى سقوط ضمانها كالبيت الذى جعله مخزنا للخمر.

والثانية: لا يضمن لما روى أحمد فى مسنده بسنده لعبد الله بن عمر قال: أمرنى رسول الله أن آتيه بمدية فأتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال: اغد بها على ففعلت، فخرج بأصحابه الى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جلبت من الشام فأخذ المدية منى فشق ما كان من تلك الزقاق بحضرته كلها، وأمر أصحابه الذين كانوا معه أن يمضوا معى ويعاونونى، وأمرني أن آتى الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر الا شققته. ففعلت.

يقول الشافعية

(1)

: فى إناء الخمر إن بلغ نصابا ولم يقصد - آخذه - بإخراجه إراقتها، وقد دخل بقصد السرقة قطع به على الصحيح أما لو قصد بإخراج الإناء تيسر إفساد الخمر وإن أخرجه بقصد السرقة فلا قطع.

ويقول الأحناف

(2)

: انه لا قطع فى إناء الخمر ولو كان ذهبا لأن الإناء تابع ولم يقطع فى المتبوع. فكذا فى التبع. وفى رواية عن أبى يوسف انه يقطع ورجحة فى الفتح فيما تعاين ذهبيتة بأن الظاهر إن كلا مقصود بالأخذ بل أخذ الإناء أظهر

(3)

.

ويقول الشيعة الجعفرية

(4)

: يجب على صاحب آنية الذهب والفضة كسرها، وأما غيره إن علم إن صاحبها يقلد من يحرم اقتناءها أيضا وإنهما من الأفراد المعلومة فى الحرمة يجب علية نهيه. وإن توقف على الكسر يجوز له كسرها ولا يضمن قيمة صياغتها.

نعم لو تلف الأصل ضمن وإن احتمل أن يكون صاحبها ممن يقلد من يرى جواز الإقتناء أو كائنا مما هو محل خلاف فى كونه آنية أم لا. لا يجوز له التعرض له.

‌آية

‌معنى الآية فى اللغة:

قال فى القاموس: الآية العلامة، والشخص والجمع آيات وآى، والعبرة والإمارة، ومن القرآن: كلام متصل إلى انقطاعه

(5)

.

‌الآية فى الاصطلاح:

قيل الآية طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها ليس بينها شبه بما سواها.

وقال ابن المنير فى البحر: ليس فى القرآن كلمة واحدة آية الا «مدهامتان» .

(1)

نهاية المحتاج ج 7 ص 421.

(2)

أبن عابدين ج 3 ص 315.

(3)

الاختيار ج 3 ص 63 طبعة الحلبى سنة 1355

(4)

مستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 155، 156 مطبعة النجف.

(5)

ج 4 ص 302.

ص: 93

وقال بعضهم: الصحيح أنها إنما تعلم بتوقيف من الشارع لا مجال للقياس فيه كمعرفة السورة.

فالآية، طائفة حروف من القرآن علم بالتوقيف بانقطاعها معنى عن الكلام الذى قبلها وعن الكلام الذى بعدها

(1)

.

‌هل البسملة آية من القرآن أو بعض آية:

لا خلاف بين علماء المسلمين فى أن البسملة الواردة فى سورة النمل من قوله تعالى: «إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ 2» ليست آية كاملة بل هى بعض آيه.

وإنما الخلاف بينهم فى البسملة الواردة فى أوائل السور ما عدا براءة.

ففى المجموع للنووى قال: هناك رواية للإمام أحمد أنها ليست من الفاتحة

(3)

.

وفى المجموع أيضا قال مذهبنا (أى الشافعية) أن بسم الله الرحمن الرحيم آية كاملة بلا خلاف، وليست فى أول براءة بإجماع المسلمين، وأما باقى السور غير الفاتحة وبراءة ففى البسملة فى أول كل سورة منها ثلاثة أقوال حكاها الخراسانيون وأشهرها، وهو الصواب، أو الأصوب:

أنها آيه كاملة. والثانى أنها بعض آية.

والثالث أنها ليست بقرآن فى أوائل السور غير الفاتحة.

والمذهب أنها قرآن فى أوائل السور غير براءة

(4)

.

ثم قال فى المجموع: واحتج أصحابنا بأن الصحابة رضى الله عنهم أجمعوا على إثباتها فى المصحف جميعا فى أوائل السور سوى براءة بخط المصحف بخلاف الأعشار وغيرها فإنها تكتب بمداد أحمر، فلو لم تكن قرآنا لما استجازوا إثباتها بخط المصحف من غير تمييز لأن ذلك يحمل على اعتقاد إنها قرآن فيكونون مغررين بالمسلمين حاملين لهم على اعتقاد ما ليس بقرآن قرآنا، فهذا مما لا يجوز اعتقاده فى الصحابة رضى الله عنهم

(5)

.

وفى حاشية الصفتى للمالكية

(6)

: قال وذهب الإمام مالك وجماعة إلى أن البسملة ليست فى أوائل السور من القرآن أصلا، وإنما هى للفصل بين السور. والدليل على ذلك أحاديث كثيرة منها ما رواه مالك والبخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال: صليت خلف النبى صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، ولم يكونوا يفتتحون القراءة ببسم الله الرحمن الرحيم.

والحديث القدسى الذى رواه مالك فى الموطأ ومسلم فى صحيحه - واللفظ له - «عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهى خداج

(7)

ثلاثا غير تمام فقيل لأبى هريرة: إنا نكون وراء الإمام! فقال: اقرأ بها فى نفسك، فإنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال

(1)

ج 1 ص 166.

(2)

سورة النمل: 30.

(3)

ج 3 ص 334.

(4)

ج 3 ص 333.

(5)

ج 3 ص 335.

(6)

ص 5، 6.

(7)

الخداج: النقصان. يقال خدجت الناقة إذا ألقت ولدها قبل أوان النتاج.

ص: 94

الله تعالى: قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين ولعبدى ما سأل. فاذا قال العبد الحمد لله رب العالمين. قال الله تعالى:

حمدنى عبدى. وإذا قال: الرحمن الرحيم قال الله تعالى: اثنى على عبدى. وإذا قال:

مالك يوم الدين. قال: مجدنى عبدى.

وقال مرة: فوض الى عبدى. فاذا قال:

إياك نعبد وإياك نستعين. قال: هذا بينى وبين عبدى ولعبدى ما سأل. فإذا قال:

إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين. قال: هذا لعبدى. ولعبدى ما سأل»

(1)

.

قال النووى فى شرح مسلم: وهذا من أوضح أدلة المالكية.

وعند الحنابلة: قال فى كشاف القناع:

وليست بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة. جزم به أكثر الأصحاب وصححه ابن الجوزى وابن تميم. وصاحب الفروع وحكاه القاضى إجماعا لحديث «قسمت الصلاة» .

ولو كانت آيه لعدها وبدأ بها ولما تحقق التنصيف وقال أيضا إنها ليست آية من غير الفاتحة

(2)

.

وعند الإمامية: قال فى تذكرة الفقهاء:

البسملة آية من الحمد ومن كل سورة عدا براءة وفى النمل آية (أى فى أولها) وبعض آية (أى فى وسطها) وذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم وعدها آية «الحمد لله رب العالمين» آيتين.

وقال عليه الصلاة والسلام: إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها من أم الكتاب، وإنها من السبع المثانى.

وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها ومن طريق الخاصة قول الصادق وقد سأله معاويه بن عمار: إذا قمت إلى الصلاة اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فى فاتحه الكتاب؟ قال نعم: قلت فإذا قرأت فاتحة الكتاب اقرأ بسم الله الرحمن الرحيم مع السورة؟ قال: نعم.

وقد أثبتها الصحابة بخط المصحف مع تشددهم فى عدم كتابة ما ليس من القرآن فيه. ومنعهم من النقط والتعشير

(3)

.

وعند الزيدية قال فى البحر الزخار:

والبسلمة آية اذ هى المصاحف ولم يثبت فيها (أى المصاحف) غير القرآن.

ثم قال: وهى آية من كل سورة لانفصالها معنى وخطا ولفظا

وهى سابعة الفاتحة قطعا لتواترها معها خطا ولفظا.

ويؤيد ذلك ما روى عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: كم الحمد آية؟

قال: سبع آيات.

قلت: فأين السابعة؟

قال: بسم الله الرحمن الرحيم.

وعن ابن عباس أيضا: «ولقد آتيناك سبعا من المثانى

(4)

» قال: فاتحة الكتاب

ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم. وقال: هى السابعة.

وحكى فى الكشاف إنه قال: من تركها فقد ترك مائة وأربع عشرة آية

(5)

.

(1)

صحيح مسلم ج 4 ص 101، 102.

(2)

ج 1 ص 223.

(3)

ج 1 ص 113 طبع حجر.

(4)

الحجر: 87.

(5)

ج 4 ص 244.

ص: 95

وعند الظاهرية قال ابن حزم فى المحلى:

ومن كان يقرأ برواية من عد من القراء بسم الله الرحمن الرحيم آيه من القرآن لم تجزه الصلاة إلا بالبسملة. وهم عاصم بن أبى النجود وحمزة والكسائى وعبد الله بن كثير وغيرهم من الصحابه والتابعين رضى الله عنهم.

ومن كان يقرأ برواية من لا يعدها آية من أم القرآن فهو مخير بين أن يبسمل وبين إلا يبسمل وهم ابن عامر وأبو عمرو ويعقوب. وفى بعض الروايات عن نافع

(1)

.

وعند الحنفية: قال الإمام أبو بكر الجصاص فى أحكام القرآن:

ولا خلاف بين علماء الأمة وقرائها أن البسلمة ليست بآيه تامة فى سورة النمل وإنها هناك بعض آية، وإن ابتداء الآية من قوله سبحانه «أنه من سليمان» ، ومع ذلك فكونها ليست بآية تامة فى سورة النمل لا يمنع أن تكون آية تامة فى غيرها، لأنا نجد مثل ذلك فى مواضع من القرآن ألا ترى أن قول الله تعالى «الرحمن الرحيم» فى ثنايا سورة الفاتحة آية تامة، وليست بآيه تامة من قوله عز وجل «بسم الله الرحمن الرحيم» باتفاق الجميع.

وكذا قوله سبحانه «الحمد لله رب العالمين» آية تامة فى أول الفاتحة. وبعض آية فى قوله تعالى: «وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}

(2)

»، وإذا كان كذلك احتمل أن تكون بعض آية فى فصول السور، واحتمل أن تكون آية، فالأولى أن تكون آية تامة من القرآن من غير سورة النمل، لأن التى فى سورة النمل ليست بآية تامة باتفاق الأمة.

والدليل على أنها آية تامة حديث ابن أبى مليكة عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها فى الصلاة فعدها آية. وفى لفظ آخر أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعد بسم الله الرحمن الرحيم آية فاصلة، كما رواه الهيثم بن خالد فثبت بهذا إنها آيه إذ لم تعارض هذه الأخبار أخبار غيرها فى كونها آية

(3)

.

وعند الإباضية: فى كتاب النيل وشفاء العليل. والبسملة آية من كل سورة على المختار

(4)

.

‌آية البسملة فى بدء القراءة:

قال الإمام أبو بكر الجصاص: وافتتاح القراءة بالبسملة أمر ورد مصرحا به فى أول وحى قرآنى أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى: «اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» فقد أمر سبحانه فى افتتاح القراءة بالتسمية كما أمر بتقديم الاستعاذة أمام القراءة فى قوله تعالى:

«فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ}

(5)

»، والبسملة وإن كانت خبرا فإنها تتضمن معنى الأمر. لأنه لما كان معلوما أنه خبر من الله عز وجل بأنه يبدأ باسم الله ففيه أمر لنا بالابتداء به والتبرك بافتتاحه لأنه سبحانه إنما أخبرنا به لنفعل مثله (6).

‌آى فاتحة الكتاب سبع:

وهل تقرأ البسملة معها فى الصلاة

؟

فى تفسير القرطبى: أجمعت الأمة على ان فاتحة الكتاب سبع آيات الا ما روى عن

(1)

ج 2 ص 251.

(2)

سورة يونس: 10.

(3)

ج 1 ص 10، 11.

(4)

ج 1 ص 60.

(5)

سورة النمل: 98.

ص: 96

حسين الجعفى انها ست وعن عمرو بن عبيد أنها ثمان آيات، ويؤيد ما أتفقت عليه الأمة من أن الفاتحة سبع آيات، قوله تعالى:

«وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ»

(1)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: فيما يروية عن ربه عز وجل: «قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين

الحديث»، وبه يرد على هذه الأقوال (2).

وفى الإتقان للسيوطى: ويردها أيضا ما أخرجه الدار قطنى بسند صحيح عن عبد خير قال: سئل على كرم الله وجهه عن السبع المثانى، فقال: الحمد لله رب العالمين.

فقيل له: إنما هى ست آيات.

فقال: بسم الله الرحمن الرحيم آية (3).

وأما قراءة البسملة مع الفاتحة فى الصلاة فاختلف الفقهاء فيها على النحو الآتى:

فكان أبو حنيفة وأصحابه يقولون بقراءتها فى الصلاة سرا، لا يرون الجهر بها لامام ولا لمنفرد، بعد الاستفادة وقبل فاتحة الكتاب تبركا بها فى الركعة الأولى كالتعوذ، باتفاق الروايات عن أبى حنيفة، وذلك مسنون فى المشهور عند أهل المذهب.

وصحح الزاهدى وغيره وجوبها كما فى البحر الرائق، وقال ابن عابدين فى حاشيته على البحر ناقلا عن النهر، والحق أنهما قولان مرجحان فى المذهب، إلا أن المتون على الأول.

واختلف الحنفية فى الإتيان بها فى كل ركعة، ولأبى حنيفة رحمه الله روايتان:

الأولى: ما رواه محمد بن الحسن والحسن بن زياد أنه قال: إذا قرأها فى أول ركعة عند ابتداء القراءة لم يكن عليه أن يقرأها حتى يسلم، لأنها ليست من الفاتحة عندنا، وإنما تفتح القراءة بها تبركا، وذلك مختص بالركعة الأولى شأنها شأن الاستعاذة.

الثانية: ما رواه المعلى عن أبى يوسف عن أبى حنيفة أنه يأتى بها فى كل ركعة وهو قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، وهو أقرب الى الاحتياط لاختلاف العلماء والأثار، ولأن التسمية وأن لم تجعل من الفاتحة قطعا بخبر الواحد، لكن خبر الواحد يوجب العمل فصارت من الفاتحة عملا (4).

وقالت المالكية: تكره البسملة فى صلاة الفرض لكل مصل، إماما كان أو مأموما أو منفردا، سرا كانت الصلاة أو جهرا، فى الفاتحة وغيرها، قال ابن عبد البر:

هذا هو المشهور عن الإمام مالك رضى الله عنه وبه وردت السنة المطهرة، وعليه عمل الخلفاء الراشدين رضى الله عنهم.

قال أنس رضى الله عنه: صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر وعثمان وعلى، فكانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين ولم اسمعهم يبسملون.

(1)

ج 1 ص 12.

ص: 97

وقيل بإباحتها، وقيل بندبها، وقيل بوجوبها.

قال القرافى وغيره: الورع البسملة أول الفاتحة للخروج من الخلاف.

ثم قال: ومحل كراهة الإتيان بالبسملة إذا لم يقصد الخروج من خلاف المذاهب فإن قصده فلا كراهة

(1)

.

وفى حاشية الصفتى قال: وأما التسمية فى النافلة فجائزة مطلقا فى السر والجهر، فى الفاتحة والسورة

(2)

.

وعند الشافعية: آية البسملة تفرض قراءتها مع الفاتحة، لأنها آية مكملة لها.

فلا تكمل الفاتحة بدونها.

قال فى شرح الإقناع: «الرابع من أركان الصلاة قراءة الفاتحة فى كل ركعة، وبسم الله الرحمن الرحيم آية منها لما روى إنه صلى الله عليه وسلم عد الفاتحة سبع آيات، وعد بسم الله الرحمن الرحيم آيه منها» رواه البخارى فى تاريخه.

وروى الدار قطنى عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قرأتم الحمد لله فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم، انها أم الكتاب وأم القرآن والسبع المثانى، وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» .

وروى ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أم سلمة أن النبى صلى الله عليه وسلم عد بسم الله الرحمن الرحيم آية، والحمد لله رب العالمين

إلى آخرها ست آيات

(3)

.

مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة فى المغنى: واختلفت الروايات فى البسملة عن الإمام أحمد، هل هى آية من الفاتحة تجب قراءتها فى الصلاة أو لا؟ فعنه إنها من الفاتحة، لحديث أم سلمة وحديث أبى هريرة «إذا قرأتم الحمد لله رب العالمين فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم» .

ولأن الصحابه إثبتوها فى المصحف، ولم يثبتوا بين الدفتين سوى القرآن.

وروى عن الامام احمد إنها ليست من الفاتحة، ولا آية من غيرها، ولا تجب قراءتها فى الصلاة. وهى الرواية المقصودة عند أصحابه، والدليل على أنها ليست آيه من الفاتحة حديث «قسمت الصلاة بينى وبين عبدى نصفين .. إلخ

(4)

».

مذهب الإمامية: قالوا البسملة آية من الحمد ومن كل سورة، عدا براءة. أى فتجب قراءتها فى الصلاة.

قال فى تذكرة الفقهاء: البسملة آية من الحمد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قرأ فى الصلاة ببسم الله الرحمن الرحيم، وعدها آية

إلى آخر الحديث.

وقال عليه الصلاة والسلام: «إذا قرأتم الحمد فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم

إلخ»

(5)

.

وفى مجمع البيان للطبرسى قال: اتفق أصحابنا على ان بسم الله الرحمن الرحيم آيه من سورة الحمد وان من تركها فى الصلاة بطلت صلاته سواء كانت الصلاة فرضا أو نفلا

(6)

.

(1)

جواهر الأكليل على شرح خليل ج 1 ص 53.

(2)

ص 188.

(3)

ج 1 ص 117، 118.

(4)

ج 1 ص 480.

(5)

ج 1 ص 113.

(6)

ج 1 ص 26.

ص: 98

وعند الزيدية: البسملة آية من الفاتحة أى فتجب قراءتها مع الفاتحة. وتبطل الصلاة بتركها.

قال فى البحر الزخار (وهى أى البسملة) سابعة الفاتحة قطعا لتواترها معها خطا ولفظا ويؤيده الأخبار التي سبق الاستدلال بها على أنها آية من الفاتحة فى مذهبهم.

وفى فقه الإباضية من كتاب النيل: قال «ولزمت البسملة مع الفاتحة وهى أية من أول كل سورة على المختار سرا فى سر، وجهرا فى جهر. وإن تعمد تركها أعاد صلاته. وأن تذكر البسملة فى ركوع مضى. وهل يرجع إليها إن ذكرها فى قراءة ما لم يتم الفاتحة أو السورة؟ قولان

ويعيدها ما قرأ إن رجع»

(1)

.

مذهب الظاهرية: سبق ذكر رأى صاحب المحلى فى هذا عند الكلام على كونها آيه من كل سورة.

‌الآيات التى يطلب قراءتها

مع الفاتحة فى الصلاة

وحكم البسملة معها

قال فى البدائع: والواجب عند الحنفية آية طويلة أو ثلاث آيات قصار أو سورة تعدل ثلاث آيات من أى جهة من القرآن شاء لما روى «لا صلاة الا بفاتحة الكتاب وسورة معها» وفى رواية «وشئ معها» ولمواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأقل السور ثلاث آيات.

وفى فقه الإباضية: فرض الصلاة قراءة سورة مع الفاتحة بمحل الجهر على خلاف فى مقدار هذه السورة

(2)

.

وعند المالكية: قال فى الشرح الصغير وسن قراءة آية (أى بعد الفاتحة) واتمام السورة مندوب ويقوم مقام الآية بعض آيه طويلة له بال أى شأن نحو «الله لا اله الا هو الحى القيوم

(3)

»، ولا يكفى قراءة ذلك قبل الفاتحة. وإنما يسن ما زاد على أم القرآن فى الركعة الأولى والثانية إذا اتسع الوقت فإن ضاق بحيث يخشى خروجه بقراءتها لم تسن بل يجب تركها لإدراكه

(4)

.

وعند الشافعية: يسن قراءة سورة ولو قصيرة فى الركعتين الأوليين من كل صلاة ولو نقلا بعد الفاتحة وذلك هيئة من هيئات الصلاة ولو تركها لا يسجد للسهو عنها.

ففى شرح الوجيز للرافعى قال: ويسن للإمام والمنفرد قراءة سورة بعد الفاتحة فى ركعتى الصبح والأوليين من سائر الصلوات، وهذأ يتأدى بقراءة شئ من القرآن لكن السورة أحب حتى أن السورة القصيرة أولى من بعض سورة طويلة

(5)

.

وعند الحنابلة: قال فى كشاف القناع:

«ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة كاملة» ، ولا خلاف بين أهل العلم فى استحباب قراءة سورة مع الفاتحة. فى الركعتين الأوليين من كل صلاة وتجزئ آية، الا أن الامام استحب أن تكون الأيه طويلة، كآية الدين وآية الكرسى، لتشبه بعض السور القصار

(6)

.

(1)

ج 1 ص 160.

(2)

كتاب النيل ج 1 ص 61.

(3)

سورة البقرة: 255.

(4)

ج 1 ص 107.

(5)

ج 3 ص 354.

(6)

ج 1 ص 228.

ص: 99

وعند الإمامية: قال فى المختصر النافع:

«وفى وجوب سورة مع الحمد فى الفرائض للمختار مع سعة الوقت وامكان التعلم قولان أظهرهما الوجوب»

(1)

.

وعند الزيدية: قال فى الروض النضير:

ذهب القاسم والهادى والمؤيد بالله واختاره صاحب النجوم، ويحكى عن عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وعثمان بن أبى العاص الى أنه لا بد من شئ مع الفاتحة، فقال الهادى: ثلاث آيات لتسمى قرآنا.

وقال القاسم والمؤيد بالله أو آية طويلة.

واحتجوا بحديث أبى داود والنسائى «لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب فصاعدا»

(2)

.

ومذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى المحلى: «والجمع بين السور فى ركعة واحدة فى الفرض والتطوع أيضا حسن، وكذا قراءة بعض السور فى الركعة فى الفرض والتطوع أيضا حسن للامام والفذ»

(3)

.

‌هل الآية الواحدة تكفى فى الصلاة

بدل الفاتحة

؟

مذهب جميع الأئمة فرضية قراءة الفاتحة فى الصلاة ما عدا مذهب الحنفية.

غير أن أبا حنيفة رحمه الله قال فيمن لا يحسن إلا آية واحدة لا يلزمه تكرارها بل يكفيه قراءتها مرة واحدة. وقال صاحباه لا بد من ثلاث آيات.

أما مذهب الحنفية فان الفرض الذى تصح به الصلاة هو مطلق القراءة وعند أبى حنيفة يكفى قراءة آية ولو قصيرة وعند الصاحبين لا بد من قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة بمقدارها.

اما العاجز فقد قال فى منية المصلى:

«ومن كان لا يحسن إلا قراءة آية واحدة من القرآن لا يلزمه تكرار تلك الآية عند أبى حنيفة، وعندهما يلزمه التكرار ثلاث مرات. بناء على أن مذهبهما أن صحة الصلاة تتوقف على قراءة ثلاث آيات قصار أو آية طويلة تبلغ هذا المقدار من القراءة

(4)

.

ثم قال: وأما القادر على قراءة آيه واحدة لو كرر نصف تلك الآية مرتين أو كرر كلمة مرارا حتى بلغ قدر آيه لا يجوز عند أبى حنيفة. وكذا القادر على قراءة ثلاث آيات لو كرر آية ثلاث مرات لا يجوز عندهما لأن التكرار لا يؤدى معنى المجموع من القرآنية فلا تجزئ عنه عند القراءة

(4)

.

‌قراءة الآية بغير العربية فى الصلاة:

مذهب الأئمة جميعا ما عدا الحنفية أنه لا تجزئ القراءة بغير العربية فى الصلاة مطلقا، سواء كان قادرا على العربية أم عاجزا عنها. أما الحنفية فقد قال فى الهداية «ثم جواز الصلاة وصحتها كما يثبت بالقراءة بالعربية يثبت بالقراءة بغيرها فارسية كانت أو غير فارسية وهو الصحيح من مذهب أبى حنيفة»

(5)

.

وزاد فى المبسوط سواء كان يحسن العربية أو لا يحسنها، فالقراءة جائزة غير أنه يكره أن كان يحسن العربية، وقال

(1)

ج 1 ص 54.

(2)

ج 2 ص 22، 23.

(3)

ج 3 ص 56.

(4)

ج 3 ص 279.

(5)

ج 2 ص 200.

ص: 100

أبو يوسف ومحمد ان كان لا يحسن العربية يجوز. وإن كان يحسن العربية لا يجوز.

‌هل يغنى عن الآية

أو الآيات شئ من الذكر

أو الدعاء فى الصلاة

عند الشافعية والظاهرية: من عجز عن الفاتحة وغيرها من القرأن يأتى بذكر ودعاء بدلها وإن عجز عن الذكر والدعاء سكت بمقدار الفاتحة وليسع فى تعلمها وجوبا.

وعند الزيدية: من لا يحسن الفاتحة يسبح الله ويذكره بدل الفاتحة. قال فى الروض النضير: سألت زيد بن على عن الأمى الذى لا يحسن أن يقرأ كيف يصلى؟

فقال: يسبح ويذكر الله تعالى ويجزئه ذلك

(1)

.

وعند المالكية: إن لم يجد معلما أو لم يقبل التعليم يأتم بمن يحسنها. فإن لم يجد إماما سقطت القراءة عنه

(2)

.

وعند الإمامية: قال فى المختصر النافع:

ولو عجز سبح الله وكبره وهلله بقدر القراءة

(3)

.

وعند الإباضية: أن قرأ القرأن بغير العربية أو قرأ غير القرآن فسدت الصلاة

(4)

.

‌آيات سجود التلاوة

تسمى سجود القراءة وسجود العزائم، كما فى المصباح. وعزائم السجود ما أمر بالسجود فيها وعدد آيات سجود التلاوة عند الأحناف والشافعية والحنابلة والظاهرية أربع عشرة سجدة إلا أن بينهم خلافا فى تعيينها سنذكره إن شاء الله بعد.

وعند المالكية: عددها إحدى عشرة سجدة لأنهم يقولون ليس فى المفصل منها شئ.

وعند الإمامية والزيدية: إن آى السجود فى أربع سور من القرآن:

1 -

حم السجدة، فصلت.

2 -

ألم، تنزيل

(5)

.

3 -

سورة النجم.

4 -

وسورة اقرأ.

‌تعيين آيات السجود

عند غير الإمامية والزيدية

اتفق الفقهاء ما عدا الإمامية والزيدية على عشرة مواضع:

1 -

آخر سورة الأعراف وهى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ» .

2 -

فى سورة الرعد وهى قوله تعالى «وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ» .

3 -

فى سورة النحل وهى قوله «وَلِلّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ» .

4 -

فى سورة الإسراء وهى قوله تعالى: «إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً}.

{وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً».

(1)

ج 2 ص 23.

(2)

حاشية الصفتى ص 147، 148.

(3)

ص 30.

(4)

النيل ج 1 ص 62.

(5)

سورة السجدة.

ص: 101

5 -

فى سورة مريم وهى قوله تعالى «أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَإِسْرائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا، إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا» .

6 -

الأولى من سورة الحج وهى قوله تعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذابُ، وَمَنْ يُهِنِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ، إِنَّ اللهَ يَفْعَلُ ما يَشاءُ» .

7 -

فى سورة الفرقان وهى قوله تعالى «وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِما تَأْمُرُنا وَزادَهُمْ نُفُوراً» .

8 -

فى سورة النمل وهى قوله تعالى «أَلاّ يَسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَيَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَما تُعْلِنُونَ. اللهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ» }.

9 -

فى سورة ألم تنزيل، السجدة، وهى قوله تعالى:«إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ» .

10 -

فى حم، فصلت، السجدة وهى قوله تعالى:«وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ، لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ، وَاسْجُدُوا لِلّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيّاهُ تَعْبُدُونَ، فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ» .

وأما الآيات التى أختلف فيها الأئمة فهى آيه «ص» والآية الأخيرة من سورة الحج، والآيات الثلاث التى فى المفصل، واليك بيان مذاهبهم فيها:

فأما المالكية: فاعتبروا آيه «ص» هى الحادية عشرة، وهى قوله تعالى «وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ» .

واقتصروا فى عد آيات السجود على ذلك، ولم يعدوا منها آيات المفصل الثلاثة كما سبق.

وأما الأحناف فانهم وإن وافقوا المالكية فى عد آية «ص» من آيات السجود إلا أنهم زادوا على المالكية ثلاث آيات فى المفصل وهى ما يأتى:

1 -

فى سورة النجم وهى قوله تعالى:

«أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ}.

{وَلا تَبْكُونَ. وَأَنْتُمْ سامِدُونَ. فَاسْجُدُوا لِلّهِ وَاعْبُدُوا».

2 -

فى سورة الانشقاق، وهى قوله تعالى:«فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ» .

3 -

فى سورة العلق، وهى قوله تعالى:

«كَلاّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ» .. }. فهى عندهم أربع عشرة سجدة وآية «ص» منها.

وأما الشافعية: فقالوا أيضا: انها أربع عشرة سجدة ولم يعدوا آية «ص» منها، بل عدوا بدلها الآيه التى فى آخر سورة الحج وهى قوله تعالى:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ» .

ص: 102

ووافق الحنابلة الشافعية فى عد الثانية من سورة الحج ولم يعدوا آية «ص» من عزائم السجود بل اعتبروها كالشافعية سجدة شكر تسن فى غير صلاة، لقول النبى صلى الله عليه وسلم:«سجدها داود توبة ونسجدها شكرا» رواه النسائى.

وأما الظاهرية: فقد وافقوا الأحناف فى عد آيه «ص» ولم يعدوا الآية الأخيرة من سورة الحج.

وقد علم مما سبق ان الإمامية

(1)

والزيدية

(2)

يعدون آيات السجود أربعا فقط. ويقولون لما روى عن على عليه السلام أنه قال: عزائم القرآن أربع:

1 -

حم، السجدة، فصلت.

2 -

الم تنزيل، السجدة.

3 -

سورة النجم.

4 -

سورة {اِقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .

وسائر ما فى القرآن ان شئت فاسجد، وان شئت فاترك.

وفى رواية ذكر سورة إذا السماء انشقت بدلا من سورة النجم، والذى حكاه فى مجموع زيد بن على عليه السلام نحو الرواية الأولى فقط.

ومذهب الإباضية فى آيات السجود: قال فى النيل: «سن للتلاوة والسجود بلا إحرام ولا سلام بعده فى:

1 -

خاتمة الأعراف.

2 -

الرعد.

3 -

النحل.

4 -

الاسراء.

5 -

مريم.

6 -

الحج.

7 -

الفرقان.

8 -

النمل.

9 -

الم تنزيل.

10 -

«ص» .

11 -

حم، تنزيل من الرحمن الرحيم، عند قوله تعالى «لا يَسْأَمُونَ»

(3)

.

‌حكم قراءة آية

أو كتابتها للجنب والحائض والنفساء

وحكم مس آية أو حملها لغير المتوضئ

مذهب الأحناف: قال فى الفتاوى الهندية وغيرها: يحرم على الجنب والحائض والنفساء قراءة شئ من القرآن ولو بالفارسية قل أو كثر، والآية وما دون الآية سواء فى التحريم على الأصح إلا إذا لم يقصد قراءة القرآن بما دون الآية مثل أن يقول الحمد لله عند الخبر السار أو يقصد بذلك شكر نعم الله تعالى عليه، أو يقول بسم الله عند الأكل أو الشرب أو للتبرك بها عند دخول مكان أو بدء عمل، أو سبحان الله عند ألاستحسان أو التعجب، أو يقرأ الآيات التى تشبه الدعاء قاصدا الدعاء لا التلاوة، مثل قوله تعالى: «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنا عَذابَ النّارِ}

(4)

»

فإن ذلك لا بأس به.

ولو قصد التعليم ولقن الآيه كلمة كلمة مع قطع الكلمات بعضها عن بعض جاز.

(1)

تذكرة الفقهاء ج 1 ص 115.

(2)

البحر الزخار ج 1 ص 343.

(3)

ج 1 ص 100 من كتاب النيل.

(4)

سورة البقرة: 200.

ص: 103

وكذا التهجى، والحائض والجنب فى ذلك سواء على ما هو المختار من المذهب

(1)

.

وفى الدر المختار مع حاشية ابن عابدين، وكذا يحرم على من أحدث حدثا أصغر أو أكبر مس أى شئ مكتوب فيه آية أو أقل مثل الدرهم والجدار والورق وكذا المصحف

(2)

.

وعند المالكية: قال فى الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى، ومنع حدث أصغر أو أكبر مس مصحف سواء كان مصحفا جامعا أو جزءا أو ورقة فيها بعض سورة أو لوحا أو كتفا عليها آية أو آيات مكتوبة

(3)

.

وعند الشافعية: قال ابن حجر، ويحرم بالحدث الأصغر حمل المصحف ومس ورقه وحواشيه وجلده المتصل به لا المنفصل عنه

(4)

.

مذهب الحنابلة: قال فى كشاف القناع، ويحرم على المحدث ولو أصغر مس مصحف وبعضه ولو من صغير حتى جلد المصحف وحواشيه وما فيه من ورق أبيض لأنه يشمله اسم المصحف

(5)

.

مذهب الظاهرية: قال ابن حزم فى المحلى وقراءة القرآن والسجود فيه ومس المصحف وذكر الله تعالى جائز كل ذلك بوضوء وبغير وضوء وللجنب وللحائض

(6)

.

مذهب الإمامية: قال فى تذكرة الفقهاء:

يحرم على الجنب قراءة العزائم دون ما عداها ويكره ما زاد على سبع آيات من غيرها وتتأكد الكراهة فيما زاد على سبعين

(7)

.

مذهب الزيدية: قال فى البحر الزخار ما نصه: ولا يقرأ الجنب والحائض باللسان أو الكتابه المرتسمة ولو بعض آية، ويجوز ما فعل لغير التلاوة، وفى الروض النضير ما يفيد عدم جواز مس المصحف لهما

(8)

.

مذهب الإباضية: قال فى النيل: والأكثر على منع الجنب من القراءة ومس المصحف

(9)

ومنع الحائض من القراءة ومس المصحف

(10)

.

‌حكم قراءة آية أو أكثر أو كتابتها

وحملها لدفع ضر أو جلب نفع

وقد ذكر الحافظ ابن حجر فى فتح البارى ما يلى: قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط:

1 -

أن يكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته.

2 -

أن يكون باللسان العربى أو بما يعرف معناه من غيره.

3 -

أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها

(11)

. (انظر: رقية)

وقال الخطيب الشربينى الشافعى فى آخر باب الحيض: ويحرم مس ما كتب لدرس قرآن ولو بعض آيه كلوح، لأن القران قد أثبت فيه الدراسة فأشبه المصحف. أما ما كتب لغير الدراسة كالتميمة وهى ورقة يكتب فيها شئ من القرآن وتعلق على الرأس مثلا للتبرك. فلا يحل مسها ولا حملها.

(1)

ج 1 ص 38، 39.

(2)

ج 1 ص 122.

(3)

ج 1 ص 135.

(4)

ص 76 - 80.

(5)

ج 1 ص 100، 101.

(6)

ج 1 ص 77.

(7)

ج 1 ص 23.

(8)

ج 1 ص 103.

(9)

ج 1 ص 17.

(10)

ج 1 ص 34.

(11)

ج 1 ص 153.

ص: 104

ثم قال: ويكره كتابه الحروز (التمائم) وتعليقها ألا اذا جعل عليها وقاية كشمع أو نحوه.

ثم قال: ولا يكره كتب شئ من القرآن فى إناء ليسقى ماؤه للشفاء، وأكل الطعام (أى المكتوب عليه قرآن) كشرب الماء لا كراهة فيه

(1)

.

‌حكم أخذ الاجرة على قراءة

آية أو تعليمها

قال ابن عابدين فى حاشيته على الدر المختار: واختلف فى أخذ الأجرة على تعليم القرآن فقال الحاكم من أصحابنا فى كتابه الكافى: ولا يجوز أن يستأجر رجل رجلا ليعلم أولاده القرآن والفقه

إلخ.

ثم قال: وفى خلاصة الفتاوى لا يجوز الاستئجار على الطاعة كتعليم القرآن والفقه والأذان، يعنى لا يجب الأجر.

وفى الزيلعى: والفتوى اليوم على جواز الاستئجار لتعليم القرآن، وهو مذهب المتأخرين من مشايخ بلخ، استحسنوا ذلك وقالوا: بنى المتقدمون الجواب على ما شاهدوه من قلة الحفاظ ورغبة الناس، وكان لهم عطيات فى بيت المال، فكانوا يفتون بوجوب التعليم خوفا من ذهاب القرآن. وتحريضا على التعليم فيكثر حفاظ القرآن. وأما اليوم فذهب ذلك كله، واشتغل الحفاظ بمعاشهم، وقل من يعلم حسبة، ولا يتفرغون له أيضا فان حاجتهم تمنعهم من ذلك، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر لذهب القرآن. فأفتوا بذلك لذلك ورأوه حسنا، وقالوا: الأحكام تختلف بإختلاف الزمان. ألا ترى أن النساء كن يخرجن الى الجماعات فى زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وفى زمن أبى بكر رضى الله عنه حتى منعهن عمر رضى الله عنه واستقر الأمر عليه وكان ذلك هو الصواب

(2)

.

وقال الصنعانى فى سبل السلام: ذهب الجمهور ومالك والشافعى إلى جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن سواء كان المتعلم صغيرا أم كبيرا ولو تعين تعليمه، عملا بحديث البخارى عن ابن عباس عن النبى صلى الله عليه وسلم:«ان أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله»

(3)

.

وقال ابن حزم فى المحلى: والإجارة جائزة على تعليم القرأن وعلى تعليم العلم مشاهرة وجملة وكل ذلك جائز، وعلى الرقى وعلى نسخ المصاحف ونسخ كتب العلم لأنه لم يأت فى النهى نص، بل جاءت الاباحة فى حديث «أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله»

(4)

.

وفضلت الإمامية بين الأجر الذى يؤخذ بطريق الاشتراط وبين ما لم يكن مشروطا بل جاء بطريق الإهداء:

1 -

ففى تذكرة الفقهاء قال: يجوز أخذ الأجرة على تعليم الحكم والآداب والأشعار وتكره على تعليم القرآن، لحديث «من أخذ على تعليم القرآن أجرا كان حظه يوم القيامة» .

2 -

وورد عن الصادق عليه السلام قال:

«المعلم لا يعلم بالأجرة ويقبل الهدية إذا أهدى اليه» .

(1)

ج 1 ص 92.

(2)

ج 5 ص 124.

(3)

ج 3 ص 110.

(4)

ج 8 ص 193.

ص: 105

3 -

ولا تنافى بين الخبرين لأن الأول محمول على أنه لا يجوز له أن يشارط فى تعليم القرآن أجرا معلوما. والثانى على أنه ان أهدى اليه بشئ، وأكرم بتحفة جاز له أخذها

(1)

.

وفى كشاف القناع: ويحرم ولا يصح اجارة على عمل لا يقع الا قربه لفاعله ويصح أخذ جعالة على ذلك كما يجوز أخذه عليه بلا شرط وكذا حكم الرقية

(2)

.

مذهب الإباضية: فى حكم أخذ الأجرة على التعليم والقراءة، قال فى النيل

(3)

:

«وجاز أخذ عوض على تعليم القرآن وعمل مؤد لنفعه ونفع مؤاجره» .

‌هل تعليم آية او آيات من القرآن

يجزئ مهرا الزوجة

قال فى البحر الرائق شرح كنز الدقائق:

«يجب مهر المثل اذا جعل الصداق تعليم القرآن لأن المشروع إنما هو الابتغاء بالمال، أى وهو قوله تعالى: «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ»

(4)

.

والتعليم ليس بمال، وكذا المنافع على أصلنا لأن التعليم عبادة فلا يصح أن يكون صداقا، ولأن قوله تعالى: «فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ}

(5)

» يدل على انه لا بد أن يكون المفروض مما له نصف حتى يمكنه أن يرجع عليها بنصفه اذا طلقها قبل الدخول بعد القبض، ولا يمكن ذلك فى التعليم.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم:

«زوجتكها بما معك من القرآن» فليست الباء منعينة للعوض لجواز أن تكون للسببية أو للتعليل أى لأجل أنك من أهل القرآن أو المراد ببركة ما معك من القرآن فلا يصلح دليلا

(6)

.

وفى حاشية ابن عابدين الحنفى قال: يجب مهر المثل فيما لو تزوجها على أن يعلمها القرآن أو نحوه، لأن المسمى ليس بمال كما فى البدائع لعدم صحة الاستئجار على الطاعات عند أئمتنا الثلاثة رحمهم الله تعالى ثم قال: ولما جوز الامام الشافعى رحمه الله أخذ الأجرة على تعليم القرآن صح تسميته مهرا

(7)

.

وفى كشاف القناع

(8)

: وان أصدقها تعليم شئ معين من القرآن لم يصح الإصداق، لأن الفروج لا تستباح إلا بالمال لقوله تعالى:«أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ» «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً}

(9)

» والطول المال، ولأن تعليم القرآن قربة، ولا يصح ان تكون صداقا كالصوم. وحديث الموهوبة معناه زوجتكها لأنك من أهل القرآن.

وفى البحر الزخار

(10)

للزيدية قال: ويصح جعل تعليم القرآن أو بعضه مهرا فتطالبه بالتعليم على عادة المعلمين، ولها المطالبة بأى السور لاستوائها فى الفضل، فان سمت بعضا لزمه بعينه لسؤاله صلى الله عليه وسلم خطيب الواهبة عما معه من القرآن فقال البقرة والتى تليها، فقال:«زوجتكها على أن تعلمها عشرين آية» ويصح أصداق الكتابية تعليم القرآن ان رجا إسلامها لقوله تعالى «حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللهِ»

(11)

.

(1)

من تذكرة الفقهاء باب أنواع الكسب ج 1

(2)

ج 2 ص 300، 301.

(3)

ج 2 ص 78.

(4)

سورة النساء: 24.

(5)

سورة البقرة: 237.

(6)

ج 3 ص 168.

(7)

ج 2 ص 342، 343.

(8)

ج 3 ص 77.

(9)

سورة النساء: 24، 25.

(10)

ج 3 ص 108.

(11)

سورة التوبة: 6.

ص: 106

وفى المختصر النافع للإمامية: قال: كل ما يملكه المسلم يكون مهرا عينا كان أو دينا أو منفعه كتعليم الصنعة والسورة ويستوى فيه الزوج والأجنبى

(1)

.

وفى المحلى لابن حزم قال: وجائز أن يكون صداقا كل ماله نصف قل أو كثر ولو إنه حبة بر أو حبة شعير أو غير ذلك، وكذا كل عمل حلال موصوف كتعليم شئ من القرآن، أو من العلم أو البناء أو الخياطة أو غير ذلك اذا تراضيا بذلك

(2)

.

‌الاستماع الى صدى الصوت

قال فى غنية المتملى، مذهب الأحناف:

ولو تهجى آية السجود لا يجب عليه السجود ولا على من سمعه لأنه تعداد للحروف وليس بقراءة وكذا لا يجب بالكتابة أو النظر من غير تلفظ لأنه لم يقرأ ولم يسمع ولو سمعها من الطائر أو الصدى (صدى الصوت) لا يجب السجود لأنها محاكاة

(3)

(انظر مادة قرآن).

‌هل الآية الواحدة تسمى قرآنا

؟

قال ابن حزم فى المحلى: وبعض الآية والآية قرآن بلا شك

(4)

.

وقال ابن حزم أيضا: ومن الآيات ما هو كلمة واحدة مثل «والضحى. والعصر.

والفجر. ومدهامتان». ومنها كلمات كبيرة

(5)

.

وفى البرهان للزركشى: حد الأيه قرآن مركب من جمل ولو تقديرا ذو مبدأ ومقطع مندرج فى سورة

(6)

.

وقال فى المجموع للنووى: والمذهب أن البسملة قرآن فى أوائل السور غير براءة وأنها آية كاملة بلا خلاف

(7)

.

‌آيس

‌معنى الإياس

الإياس كما فى القاموس، القنوط وعدم الرجاء ومثله اليأس، وقد عرفه الفقهاء

(8)

بأنه أن تبلغ المرأة من السن ما لا تحيض فيه مثلها.

‌سن الإياس

يروى عن أبى حنيفة أن سن الإياس يتحقق بأن تبلغ من السن ما لا تحيض فيه مثلها فإن بلغته وانقطع دمها حكم بإياسها والمماثلة تتحقق بالمشابهة فى تركيب البدن والسمن والهزال.

ويقول الحنفية: أنه إذا انقطع دمها قبل أن تبلغ هذه السن كالمرضع فى مدة الرضاع فليست بآيس

(9)

، وكذلك إذا بلغت ذلك السن والدم يأتيها إذا كانت تراه على العادة.

وقيل

(10)

إنه يحد بخمسين سنة، وجاء فى التنوير وشرحه أن هذا هو المعول عليه وعليه الفتوى.

(1)

ص 212.

(2)

ج 9 ص 494.

(3)

ج 1 ص 500.

(4)

ج 1 ص 78.

(5)

ج 1 ص 79.

(6)

ج 1 ص 266.

(7)

ج 3 ص 333.

(8)

شرح التنوير مع حاشية ابن عابدين ج 1 ص 221 المطبعة الأميرية.

(9)

فتح القدير ج 3 ص 78 المطبعة الاميرية سنة 1316 وابن عابدين ج 1 ص 221، 222.

(10)

ابن عابدين ج 1 ص 222.

ص: 107

وقيل: يحد بخمس وخمسين، وعن محمد بن الحسن أنه قدره فى الروميات بخمس وخمسين سنة، وفى غيرهن بستين وفى رواية

(1)

عنه بسبعين.

ويقول المالكية: أن الآيسة على سبيل الجزم من بلغت سبعين سنة، وإن المرأة إذا رأت الدم بين الخمسين والسبعين سئل عنه النساء فإن قلن ليس بحيض اعتبرت آيسة وأما من انقطع حيضها بعد الخمسين فهى آيس

(2)

.

ويقول الشافعية: إن المعتبر فى اليأس يأس أقاربها من الأبوين الأقرب فالأقرب، وفى قول عندهم المعتبر يأس كل النساء وحدده بعضهم باثنتين وستين سنة، وقال بعضهم: أقصاها خمس وثمانون وأدناها خمسون

(3)

.

وقد اختلف النقل عن ابن حنبل فى سن اليأس، ففى رواية إن أوله خمسون سنة وفى رواية إن كانت من نساء العجم فخمسون، وإن كانت من العرب فستون، وصحح ابن قدامة أن المرأة إذا بلغت خمسين فأنقطع حيضها عن عادتها مرات لغير سبب فقد صارت آيسة، وإن رأت الدم بعد الخمسين على العادة التى كانت عليها فهو حيض، وإن رأته بعد الستين فليس بحيض

(4)

.

ويقول الشيعة الجعفريه: إن فى حد اليأس روايتين أشهرهما خمسون، والأخرى ستون

(5)

.

وبها قال الزيدية وقالوا انه الأحوط ولا دليل على الأقل

(6)

وهو اختيار الإباضية أيضا

(7)

.

أما الظاهرية فلم نر لهم تحديدا لسن اليأس، ولكن ابن حزم يعبر عن الآيس بالعجوز المسنة

(8)

.

‌عدة الايس:

لا خلاف بين الفقهاء

(9)

فى أن عدة الآيس إذا كانت مطلقة وهى حرة بعد الدخول بها ثلاثة أشهر هلالية لقوله تعالى: «وَاللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ}

(10)

».

أما إذا كانت متوفى عنها زوجها فعدتها أربعة أشهر وعشرة أيام كغيرها، واذا كانت غير مدخول بها فلا عدة عليها كغيرها، والأمة الآيسة عدتها نصف عدة الحرة عند الجمهور على ما هو مبين فى موضعه (انظر «عدة»).

‌الآيس إذا رأت الدم:

يقول الأحناف

(11)

: إذا كانت المرأة آيسة فاعتدت بالشهور فرأت دم الحيض أثناء الأشهر أو بعدها انتقض ما مضى من عدتها

(1)

فتح القدير ج 3 ص 278.

(2)

حاشية الدسوقى ج 2 ص 473 المطبعة الازهرية سنة 1354.

(3)

نهاية المحتاج ج 7 ص 126 طبعة الحلبى سنة 1357.

(4)

المغنى ج 7 ص 460، 461 طبعة المنار سنة 1367.

(5)

المختصر النافع ص 200 طبعة دار الكتاب العربى.

الروضة البهية، شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 34 طبعة دار الكتاب العربى.

(6)

البحر الزخار ج 1 ص 134، 135 طبعة السعادة.

(7)

شرح النيل ج 3 ص 579.

(8)

المحلى ج 1 ص 369.

(9)

انظر المراجع السابقة فى المواضع المذكورة والمحلى ج 10 ص 322 مطبعة الإمام.

(10)

سورة الطلاق: 4.

(11)

الفتح ج 3 ص 277، 278 طبعة مصطفى محمد وابن عابدين ج 2 ص 657.

ص: 108

وعليها أن تستأنف العدة بالحيض وقيل أنها لا تنتقض سواء رأته أثناء الأشهر أو بعدها، وقيل إذا رأته قبل تمام الأشهر تنتقض وقيل تنتقض اذا لم يقض القاضى بإياسها. والذى صححه الكمال بن الهمام أنها تنتقض بالنسبة للمستقبل فلا تعتد إلا بالحيض لا بالنسبة للماضى فلا يفسد النكاح إذا كانت تزوجت بعد الأشهر الثلاثة.

ويقول الشافعية

(1)

: إنه لو حاضت الآيس فى أثناء العدة بالأشهر وجبت الأقراء وإذا رأته بعد انقضاء الأشهر فانها تعتد بالأقراء أيضا لتتبين إنها ليست آيسة فإن كانت تزوجت بآخر فلا شئ عليها لانقضاء عدتها ظاهرا مع تعلق حق الزوج بها.

ويقول المالكية

(2)

: أنه يرجع إلى النساء فيما تراه الآيسة، أى المشكوك فى يأسها وهى بنت الخمسين إلى السبعين على ما ذكرناه قبل، فمن رأت الدم بعد السبعين فإنه لا يعتبر حيضا قطعا، وتعتد بالشهور.

والحنابلة يرون إن الدم الذى تراه الآيسة ليس حيضا حتى يتغير به الحكم، بل هى تعتد بالأشهر. وقد نص صاحب منتهى الإرادات على ذلك اذ يقول: إنما تعرف النساء الحمل بانقطاع الدم ولأنه زمن لا يرى فيه الدم غالبا فلم يكن ما تراه حيضا كالآيسة

(3)

.

وفى الفقه الظاهرى يقول ابن حزم

(4)

:

إن المعتدة إذا حاضت فى العدة فليست من اللائى يئسن من المحيض فوجب أن عدتها ثلاثة قروء. فصح أن حكم الاعتداد بالشهور قد بطل وصح إنها تنتقل إلى الأقراء.

وفى الفقه الإباضى أن الآيسة إذا رأت الدم بعد الإياس كعادتها لا عبرة به وتصوم معه وتصلى

(5)

.

ولم نجد عند الشيعة الجعفرية ولا الزيدية شيئا فى هذا.

‌طروء الإياس على ذات الاقراء:

المعتدة بالأقراء لو حاضت حيضة أو حيضتين ثم آيست تستأنف العدة بالأشهر فى المذاهب الثمانية

(6)

.

‌أب

قال الراغب فى مفرداته «غريب القرآن):

الأب الوالد، ويسمى كل من كان سببا فى ايجاد شئ أو إصلاحه أو ظهوره أبا.

‌بيان ما تكون به الأبوة

تتحقق الأبوة النسبية بواحد من ثلاثة، الفراش، والاستيلاد، والدعوة والاستلحاق

(1)

الإقناع بحاشية البجرمى ج 4 ص 43 المطبعة الميمنية سنة 1310.

(2)

حاشية الدسوقى ج 2 ص 473.

(3)

منتهى الارادات ج 1 ص 94 بهامش كشاف القناع المطبعة العامرية سنة 1319.

(4)

المحلى ج 10 ص 325 مطبعة الامام.

(5)

شرح النيل ج 3 ص 580 فى باب العدة وقوله صامت وصلت يفيد أنه ليس بحيض.

(6)

الهداية والفتح ج 3 ص 279.

ابن عابدين ج 2 ص 658.

الإقناع وحاشية البجرمى ج 4 ص 43.

الدردير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 499.

المغنى ج 7 ص 465.

المحلى ج 10 ص 226.

شرح النيل ج 3 ص 578.

البحر الزخار ج 3 ص 212.

الروضة البهية ج 2 ص 156.

ص: 109

وينتفى النسب عن الولد والأبوة عن الأب باللعان غالبا، وقد ينتفى الولد بدون لعان وذلك فى مسائل تأتى.

الأب هو الراعى الأول لأسرته والمسئول عن أولاده، فهم أمانة أودعها الله عنده، وفرض عليه حفظهم، وأوجب عليه أن يسعى فيما يصلحهم، ويجتهد فيما يقومهم، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، فالرجل راع فى أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية فى بيت زوجها وهى مسئولة عن رعيتها، والخادم راع فى مال سيده وهو مسئول عن رعيته، والولد راع فى مال أبيه وهو مسئول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته» .

‌أمر الأب أولاده بالصلاة

وتعليمهم ما به تصح

أتفق الفقهاء على أنه يجب على الأب أن يأمر ولده بالصلاة لسبع، ويضربه ويؤدبه عليها لعشر، ويعلمه ما به تصح الصلاة من الطهارة وغيرها، فلا تجب الصلاة على صبى ولو مميزا

(1)

ويأمره الأب بها إذا ميز ولو قضاء لما فاته بعد التمييز ويضرب على تركها بعد عشر سنين لخبر: «مروا الصبى بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، وإذا بلغ عشر سنين فاضربوه عليها» أى: على تركها.

صححه الترمذى وغيره.

قال فى المجموع والأمر والضرب واجبان على الولى، أبا كان أو جدا أو وصيا أو قيما من جهة القاضى

قال الطبرى: ولا يقتصر على مجرد صيغة الأمر، بل لا بد من التهديد وقال فى الروضة: يجب على الآباء والأمهات تعليم أولادهم الطهارة والصلاة والشرائع

(2)

وهذا الحكم يجرى فى الصوم ونحوه أيضا كما ذكره النووى فى شرح المهذب، ويعرف بطلب المأمورات وترك المنهيات، وأنه بالبلوغ يدخل فى التكليف ويعرفه ما يبلغ به. وقيل هذا التعليم مستحب والصحيح وجوبه.

والأمر والضرب فى حقه لتمرينه عليها حتى يألفها ويعتادها فلا يتركها بعد البلوغ.

وذهب الحنابلة إلى مثل ما سبق عن الشافعية، وزادوا وجوب تعليم الأولاد جميع ما يلزم من أمور الدين، وأجرة تعليمه من مال الطفل إن كان له مال، وإلا فعلى من تلزمه نفقته

(3)

.

وعند المالكية مثل ما سبق، إِلا أنهم قيدوا الضرب على ترك الصلاة ونحوها بما إذا ظن أَنه يفيد

(4)

.

وعند الظاهرية قال ابن حزم فى المحلى:

لا صلاة على من لم يبلغ من الرجال والنساء، ويستحب لو علموها إذا عقلوها.

ثم ساق أحاديث مثل ما سبق وزاد قول النبى صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المبتلى حتى يبرأ، وعن الصبى حتى يكبر» . ثم قال: ويستحب أن يدرب عليها، فإذا بلغ عشر سنين أدب عليها

(5)

.

(1)

شرح أبى شجاع ج 1 ص 10.

(2)

شرح الخطيب: كتاب الصلاة.

(3)

كشاف القناع ج 1 ص 157، 158.

(4)

الشرح الصغير ج 1 ص 89.

(5)

المحلى ج 2 ص 232.

ص: 110

وفى مذهب الإباضية: من حق الابن على أبويه تأديبه وتعليمه القرآن والصلاة ومعانيها وشرائع الإسلام كلها قبل البلوغ، وإذا بلغ ثلاث عشرة ضرب على الصلاة، وفى الحديث يؤمر بالصلاة ابن ثمان ويضرب عليها ابن عشر

(1)

.

‌الأب وإلباس موليه الصغير

الذهب والحرير

مذهب الحنابلة: يحرم على الولى، أبا أو غيره، إلباس صبى ما يحرم على رجل من اللباس من حرير أو منسوج بذهب أو فضة أو مموه بأحدهما: لقوله عليه الصلاة والسلام «وحرم على ذكورها» .

وعن جابر قال: كنا ننزعه عن الغلمان ونتركه على الجوارى، رواه أبو داود.

وشقق عمرو بن مسعود وحذيفة قميص الحرير على الصبيان، رواه الخلال، ويتعلق التحريم بالمكلفين بتمكينهم من الحرام كتمكينهم من شرب الخمر، وصلاة الصبى فى المحرم ولبسه كصلاة الرجل.

وعند الشافعية: فى باب اللباس: وللولى إلباس ما ذكر من الحرير، وما صنع أكثره من الحرير صبيا، إذ ليس له شهامة تنافى خنوثة الحرير بخلاف الرجل، ولأنه غير مكلف

(2)

.

وعند الحنفية: يكره أن يلبس الذكور من الصبيان الذهب والحرير، لأن التحريم لما ثبت فى حق الذكور وحرم اللبس حرم الإلباس، كالخمر لما حرم شربها حرم سقيها

(3)

.

مذهب الزيدية

(4)

: يحرم على الذكر ويمنع الصغير من لبس واستعمال ما فوق ثلاث أصابع من المشبع صفرة وحمرة وقيل أنه يجب منعه من لبس الحلى والمذهّب.

مذهب المالكية

(5)

: جاء فى الحطاب عن بعض فقهاء المالكية أنه يحرم على ولى غير المكلف أن يلبسه شيئا من حلى الذهب ولكن ظاهر المذهب عند كثير من الشيوخ كراهة تحلية الصغار بالذهب.

مذهب الإمامية

(6)

: لا بأس بلبس الصبي الحرير، فلا يحرم على الولى إلباسه إياه، وتصح صلاته فيه بناء على المختار من كون عباداته شرعية.

‌الأب وغسل الميت:

(انظر غسل الميت)

‌الأب والزكاة فى مال الصبى:

يختلف الفقهاء فى وجوب الزكاة فى مال الصبى - والمخاطب بها حينئذ وليه أبا كان أو غيره - أو عدم وجوبها أصلا لسقوط التكليف عنه (انظر زكاة).

‌الأب وزكاة الفطر عن أولاده:

مذهب الأحناف

(7)

: يزكى الأب زكاة الفطر عن نفسه. ويخرجها عن أولاده الصغار، عند أبى حنيفة والشافعى ومالك وابن حنبل. ويخرج عن أولاده الصغار

(1)

شرح النيل ج 2 ص 601، 602، 605.

(2)

الخطيب الشربينى ج 1 ص 177.

(3)

الهداية ج 4 ص 65.

(4)

التاج المذهب ج 3 ص 484، 485.

(5)

الخطاب ج 1 ص 124.

(6)

مستمسك العروة الوثقى ج 5 ص 313.

(7)

الهداية ج 1 ص 89.

ص: 111

لأن السبب رأس يمونه ويلى عليه لأنها تضاف إليه يقال زكاة الرأس وهى أمارة السببية، والإضافة إلى الفطر باعتبار أنه وقته، ولهذا تتعدد بتعدد الرءوس مع اتحاد اليوم، والأصل فى الوجوب رأسه وهو يمونه ويلى عليه فيلحق به ما هو فى معناه كأولاده الصغار.

وعند الشافعية

(1)

: ومن وجبت عليه فطرته وجبت عليه فطرة من تلزمه نفقته إذا كانوا مسلمين.

وعند المالكية

(2)

: زكاة الفطر واجبة على الحر المسلم القادر عن نفسه وعن كل مسلم تلزمه مؤنته لقرابة كوالدين فقيرين، وأولاده الذكور للبلوغ قادرين على الكسب، والإناث للدخول بالزواج أو الدعاء إليه.

وعند الحنابلة

(3)

: وتلزمه فطرة قريبة ممن تلزمه مؤنته كولده الصغير، ولا تجب عن جنين، بل تستحب الفطرة عن الجنين لفعل عثمان. وعن أبى قلابة: كان يعجبهم أن يعطوا زكاة الفطرة عن الصغير والكبير حتى عن الحمل فى بطن أمه. روى فى الشافى.

وعند الإمامية

(4)

: زكاة الفطر إنما تجب على البالغ العاقل الحر الغنى، يخرجها عن نفسه وعياله من مسلم وكافر وحر وعبد وصغير وكبير ولو عال تبرعا، وتعتبر النية فى آدائها، وتسقط عن الكافر لو أسلم.

أما الزيدية فقد جاء فى الروض النضير

(5)

:

حدثنى زيد بن على عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقة الفطر على المرء المسلم يخرجها عن نفسه، وعمن هو فى عياله، صغيرا كان أو كبيراً، ذكرا أو أنثى، حرا أو عبداً، نصف صاع من بر، أو صاعا من تمر، أو صاعا من شعير.

وعند الظاهرية

(6)

: يخرج عن الصغار زكاة الفطر الأب والولى من مالهم إِن كان لهم، وإن لم يكن لهم مال فلا زكاة فطر عليهم حينئذ ولا بعد ذلك.

مذهب الإباضية

(7)

: زكاة الفطر يخرجها المرء عن نفسه وعمن لزمته نفقته كزوجة وولد وعبد ولو مشركا.

‌دفع الأب الزكاة لأولاده

وأخدها منهم

عند الحنفية

(8)

: لا يدفع المزكى زكاته إلى أبيه وجده وإن علا ولا إلى ولده وولد ولده وإن سفل، لأن منافع الأملاك بينهم متصلة، فلا يتحقق التمليك على الكمال.

وقالوا: إن دفع إليه فى ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه. وقال أبو يوسف:

عليه الإعادة لظهور خطئه بيقين.

وعند الشافعية

(9)

: لا يجوز دفع الزكاة إلى من تلزمه نفقته من الأقارب والزوجات من سهم الفقراء، لأن ذلك إنما جعل للحاجة ولا حاجة بهم مع وجوب النفقة.

وعند المالكية

(10)

: لا تجزئ إن دفعت لمن تلزمه نفقته أو دفع عرضا عنها بقيمتها.

(1)

المهذب ج 1 ص 163.

(2)

الشرح الصغير ج 1 ص 217.

(3)

كشاف القناع ج 1 ص 473.

(4)

المختصر النافع ص 85.

(5)

ج 2 ص 439.

(6)

المحلى ج 6 ص 138.

(7)

شرح النيل ج 2 ص 165.

(8)

الهداية ج 1 ص 87.

(9)

المهذب ج 1 ص 174.

(10)

الشرح الصغير ج 1 ص 216.

ص: 112

وعند الحنابلة

(1)

: لا يجوز دفع الزكاة إلى عمودى نسبه.

وعند الإمامية

(2)

: من شروط من تعطى له الزكاة ألا يكون ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا والأولاد وإن نزلوا والزوجة والمملوك ويعطى باقى الأقارب.

مذهب الظاهرية

(3)

: ومن كان أبوه أو أمه أو ابنه أو أخوته أو امرأته من الغارمين أو غزوا فى سبيل الله أو كانوا مكاتبين - جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض، لأنه ليس عليه آداء ديونهم ولا عونهم فى الكتابة والغزو كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء ولم يأت نص بالمنع مما ذكرنا.

مذهب الزيدية

(4)

: ولا يجزئ أحدا أن يصرف زكاته فى أصوله وهم آباؤه وأجداده وأمهاته وجداته ما علوا وفصوله وهم أولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا ويدخل فى ذلك أولاد البنات.

مذهب الإباضية

(5)

: ولا يدفع الأب زكاته لمن تلزمه نفقته من أولاده، لأن القاعدة عندهم أن الرجل لا يدفع زكاته لمن تلزمه نفقته.

‌الأب والعقيقة عن ولده

وما يطلب من الأب بعد الولادة:

العقيقة هى ما يذبح عن المولود، وقيل:

هى الطعام الذى يصنع ويدعى إليه من اجل المولود يقدمها الأب. وأختلفت المذاهب فى حكمها، فقيل إنها سنة، وقيل إنها مندوب، وقيل إنها فرض. (انظر: عقيقة).

‌الأب والضحية عن الصبى

عند الأحناف

(6)

: الأضحية واجبة على كل حر مسلم موسر فى يوم الأضحى عن نفسه وعن أولاده الصغار على تفصيل فى المذاهب. (انظر أضحية).

‌الأب والولاية على المحجور عليه

لصغر أو جنون أو سفه

مذهب المالكية

(7)

: والولى أصالة - على المحجور عليه من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد رشده أو مجنون - هو الأب الرشيد، لا الجد ولا الأخ ولا العم، إلا بإيصاء الأب. ونصوا على أن المجنون محجور عليه والحجر لأبيه أو وصيه أن كان، وإلا فللحاكم أن وجد منتظما وإلا فلجماعة المسلمين ويمتد الحجر للإفاقة من جنونه.

مذهب الأحناف: قالوا: الأب أولى الأولياء بالولاية فى النفس والمال باتفاق فقهائهم، إلا فى تزويج المجنونة الكبيرة إذا كان لها ابن. (انظر ولاية).

مذهب الشافعية

(8)

: فى باب الحجر على الصبى والمجنون: وينظر فى ماله الأب ثم الجد، لأنها ولاية فى حق الصغير. وقدم الأب والجد فيها على غيرها كولاية النكاح، فإن لم يكن أب ولا جد نظر الوصى لأنه نائب عن الأب والجد.

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 497.

(2)

المختصر النافع ص 59.

(3)

المحلى ج 6 ص 151.

(4)

شرح الأزهار ج 1 ص 525.

(5)

شرح النيل ج 1 ص 144، 145.

(6)

الهداية ج 4 ص 55.

(7)

الشرح الصغير ج 2 ص 130.

(8)

المهذب ج 1 ص 329.

ص: 113

مذهب الحنابلة

(1)

: وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكرا كان أو أنثى للأب.

مذهب الزيدية

(2)

: وذهب الزيدية إلى مثل ذلك.

مذهب الإمامية

(3)

: الأب والجد يليان على الصغير والمجنون، فإن فقدا فالوصى، فإن فقدا فالحاكم.

مذهب الظاهرية

(4)

: يقول ابن حزم: من حجر عليه ماله لصغر أو جنون فسواء كان عليه وصى من أب أو من قاض كل من نظر له نظراً حسنا فى بيع أو ابتياع أو عمل ما فهو نافذ لازم لا يرد وان أنفذ عليه الوصى ما ليس نظراً لم يجز لقول الله تعالى:

«كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}

(5)

» (انظر ولاية).

‌الأب وتصرفه فى مال أولاده:

مذهب الشافعية: جاء فى المهذب:

لا يتصرف الناظر أبا أو غيره فى مال الصغير إلا بما فيه حظ واغتباط. ثم قال فى المهذب أيضاً

(6)

: ولا يسافر بمال الصغير من غير ضرورة، فإن دعت إليه ضرورة بأن خاف عليه الهلاك فى الحضر لحريق أو نهب جاز أن يسافر به، لأن السفر هاهنا أحوط.

ولا يودع ماله ولا يقرضه من غير حاجة لأنه يخرجه من يده فلم يجز. فان خاف من نهب أو حريق أو غرق أو أراد سفر او خاف عليه جاز الإيداع والإقراض، فان قدر على الإيداع دون الإقراض أودعه ثقة، وإن قدر على الإقراض دون الإيداع أقرضه ثقة مليئا فإن أقرض ورأى أخذ الرهن عليه أخذ، وان رأى ترك الرهن لم يأخذ، وأن قدر على الإيداع والإقراض فالإقراض أولى لأن القرض مضمون بالبدل والوديعه غير مضمونة فكان القرض أحوط.

ويجوز أن يقترض له إذا دعت إليه الحاجة ويرهن ماله عليه لأن فى ذلك مصلحه له فجاز.

وينفق عليه بالمعروف من غير إسراف ولا تقتير وإن رأى أن يخلط ماله بماله فى النفقة جاز لقوله تعالى: «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ}

(7)

».

فإن بلغ الصبى واختلفا فى النفقة فإن كان الولى هو الأب أو الجد فالقول قوله وإن كان غيرهما ففيه وجهان:

أحدهما يقبل لأن فى إقامة البينة على النفقة مشقة فقبل قوله.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 223.

(2)

التاج المذهب ج 4 ص 160، 166.

(3)

المختصر النافع ص 141.

(4)

المحلى ج 8 ص 323.

(5)

سورة النساء: 135.

(6)

ج 1 ص 33.

(7)

سورة البقرة: 220.

ص: 114

والثانى: لا يقبل قوله كما لا يقبل فى دعوى الضرر والغبطة فى بيع العقار.

وإِن أراد أن يبيع ماله بماله

(1)

فان كان أبا أو جداً جاز ذلك، لأنهما لا يتهمان فى ذلك لكمال شفقتهما، وإن كان غيرهما لم يجز لأنه متهم فى طلب الحظ له فى بيع مال موليه من نفسه. ثم قال: وان أراد أن يأكل من ماله فإن كان غنيا لم يجز لقوله تعالى «وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ}

(2)

» وإن كان فقيرا جاز أن يأكل لقوله تعالى «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ»

(2)

.

وفى ضمان الأب للبدل قولان:

أحدهما: لا يضمن لأنه أجيز له الأكل بحق الولاية فلم يضمنه كالرزق الذى يأكله الإمام من أموال المسلمين.

والثانى: يضمن لأنه مال لغيره أجيز له أكله للحاجة فوجب ضمانه كمن اضطر إلى مال غيره.

ويرى الحنابلة: أن للأب أن يبيع ويشترى ويرهن لنفسه من مال موليه، ولا يصح

(3)

إقرار الولى عليه بمال ولا اتلاف، لأنه قرار على الغير. وأما تصرفاته النافذة منه كالبيع والإجارة وغيرهما فيصح إقراره بها كالوكيل ولا يصح أن يأذن له فى حفظ ماله.

ولوليه مكاتبة رقيقه وعتقه على مال إن كان فيه حظ، وله تزويج رقيقه من عبيد وإماء لمصلحة. والسفر بما له لتجارة وغيرها فى مواضع آمنة فى غير بحر، ولا يدفعه إلا إلى الأمناء، ولا يغرر بماله، وله المضاربة بماله بنفسه ولا أجرة له فى نظير اتجاره به، والربح كله للمولى عليه والتجارة بماله أولى من تركها لحديث «اتجروا فى أموال اليتامى لئلا تأكلها الصدقة» فقاسوا الأب على ولى اليتيم فى ذلك. وله دفعه مضاربة إلى أمين يتجر فيه بجزء من الربح وله ابضاعه وهو دفعه إلى من يتجر فيه، والربح كله للمولى عليه. وله بيعه نسيئة لملئ وقرضه لمصلحة فيهما، ولا يقرضه الولى لمودة ومكافأة.

ولا يقترض وصى ولا حاكم منه شيئا لنفسه، كما لا يشترى من نفسه ولا يبيع لنفسه للتهمة، وجاز ذلك للأب لعدم التهمه عند الأب لكمال شفقته. وللأب أن يرتهن ماله لنفسه، ولا يجوز ذلك لولى غيره، ولوليه أبا كان أو غيره شراء العقار له من ماله ليستغل مع بقاء الأصل له. وله بناؤه بما جرت به عادة أهل بلده ومتى كان خلط مؤنته بقوت وليه

(4)

أرفق وألين لعيشه فهو أولى طلبا للرفق، قال تعالى «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» وإن كان أفراده أرفق أفرده، ويجوز تركه فى المكتب ليتعلم ما ينفعه، وتعليم الخط والرماية والأدب وما ينفعه وأداء الأجرة عنه من ماله. وله أن يسلمه فى صناعة إذا كانت مصلحة. وله بيع عقاره لمصلحه ولو لم يحصل زيادة على ثمن مثله.

وأنواع المصلحة كثيرة إما لاحتياج نفقة أو كسوة أو قضاء دين أو ما لا بد منه وليس له ما تندفع به حاجته أو يخاف عليها الهلاك

(1)

المهذب ج 1 ص 331.

(2)

سورة النساء: 6.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 225.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 225، 226.

ص: 115

بغرق أو خراب أو يكون فى بيعه غبطة أو يكون فى مكان لا ينتفع به أو كان نفعه فيه قليلا فيبيعه ويشترى له بثمنه. وإن أوصى له بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته وجب على الولى قبول الوصية وإلا لم يجز له قبوله.

وتملك الأب مال الولد بشروط ستة:

أحدها: أن يكون فاضلا عن حاجة الولد لئلا يضره.

الثانى: ألا يعطيه الأب لولد آخر فلا يملك من مال ولده زيد ليعطيه لولده عمرو.

الثالث: ألا يكون التملك فى مرض موت أحدهما.

الرابع: ألا يكون الأب كافرا والابن مسلما، لا سيما إذا كان الابن كافرا ثم أسلم وقال ابن قدامة صاحب المغنى: الأشبه أن الأب المسلم ليس له أن يأخذ من مال ولده الكافر شيئا لانقطاع الولاية والتوارث بينهما.

الخامس: أن يكون ما يتملكه الأب عينا موجودة فلا يتملك الأب دين ابنه بقبضه.

السادس: ولا يصح تصرفه فى مال ولده قبل القبض مع القول أو النية ولو عتقا.

ولا يملك الأب إبراء نفسه من دين ولده، ولو أقر الأب بقبض دين ولده من غريمه فأنكر الولد أو أقر بالقبض رجع الولد على غريمه بدينه لعدم براءته بالدفع إلى أبيه، ورجع الغريم على الأب بما أخذه منه إن كان باقيا، وببدله أن كان تالفا، لأنه قبض ما لبس له قبضه لا بولاية ولا بوكالة، ولو أقر بقبض دين ابنه فأنكر رجع على غريمه وليس لولد ولا لورثته مطالبة أبيه بدين قرض ولا ثمن مبيع ولا قيمة متلف ولا ارش جناية ولا بأجرة ما أنتفع به من ماله، لما روى الخلال أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم بأبيه يقتضيه دينا عليه فقال «أنت ومالك لأبيك» وليس للابن أن يحيل عليه بدينه ولا مطالبة للولد على والده بغير ذلك من سائر الحقوق إلا بنفقته الواجبة على الأب لفقر الابن وعجزه عن التكسب فله الطلب بها وله مطالبته بعين مال له فى يده ويحرم الربا بينهما كما يحرم بين الأجنبيين لتمام ملك الولد على ماله واستقلاله بالتصرف فيه ووجوب زكاته عليه وتوريث ورثته وحديث «أنت ومالك لأبيك» على معنى سلطة التملك ويدل عليه إضافة المال للولد.

ويثبت للولد فى ذمة الوالد الدين من بدل قرض وثمن مبيع ونحوه

(1)

.

ولا يسقط بموته فيؤخذ من تركته، ولا يملك إحضاره فى مجلس الحكم، فإن أحضره فادعى الولد عليه فأقر الأب بالدين أو قامت به بينة لم يحبس، وإن وجد عين ماله الذى أقرضه لأبيه أو باعه له بعد موته فله أخذه إن لم يكن قبض ثمنه لتعذر العوض، ولا يكون ما وجد من عين المال ميراثا لورثة الأب بل هو له دون سائر الورثة. ولو قضى الأب الدين الذى عليه لولده فى مرضه أو أوصى بقضائه فمن رأس ماله، لأنه حق ثابت لا تهمة فيه، فكان من رأس المال كدين الأجنبى، ولا اعتراض للأب على تصرف

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 487.

ص: 116

الولد فى مال نفسه بعقود المعاوضات وغيرها، لتمام ملك الولد على ماله.

وعند الأحناف

(1)

: إذا أذن ولى الصبى للصبى فى التجارة وكان يعقل البيع والشراء ينفذ تصرفه، والمعتوه الذى يعقل البيع والشراء بمنزلة الصبى يصير مأذونا بإذن الأب والجد دون غيرهما وحكمه حكم الصبى.

ويجوز للأب أن يرهن بدين عليه عينا لابنه الصغير لأنه يملك الإيداع وهذا أنظر فى حق الصبى منه لأن قيام المرتهن بحفظها أبلغ خيفة الغرامة ولو هلكت تهلك مضمونة والوديعة تهلك أمانة والوصى بمنزلة الأب فى هذا الباب لما بينا.

وعن أبى يوسف وزفر - رحمهما الله - أنه لا يجوز ذلك منهما، وهو القياس، اعتبارا بحقيقة الإيفاء ووجه الفرق على الظاهر وهو الاستحيان أن فى حقيقة الإيفاء إزالة ملك الصغير من غير عوض يقابله فى الحال، وفى هذا نصب حافظ لماله ناجزا مع بقاء ملكه فوضح الفرق. وإذا جاز الرهن يصير المرتهن مستوفيا دينه لو هلك فى يده، ويصير الأب أو الوصى موفيا له ويضمنه للصبى لأنه قضى دينه. ثم قال: وإذا رهن الأب متاع الصغير من نفسه، أو من ابن له صغير، أو عبد له تاجر لا دين عليه - جاز، لأن الأب لوفور شفقته أنزل منزلة شخصين وأقيمت عبارته مقام عبارتين فى هذا العقد، كما فى بيعه مال الصغير من نفسه فتولى طرفى العقد

(2)

وإذا رهن الأب متاع الصغير فأدرك الابن ومات الأب فليس للابن أن يرده حتى يقضى الدين، لوقوعه لازما من جانبه، إذ تصرف الأب بمنزلة تصرفه بنفسه بعد البلوغ لقيامه مقامه، ولو كان الأب رهنه لنفسه فقضاه الابن رجع به فى مال الأب، لأنه مضطر فيه لحاجته إلى إحياء ملكه فأشبه معير الرهن. وكذا إذا هلك قبل أن يفتكه لأن الأب يصير قاضيا دينه بما له فله أن يرجع عليه. ولو رهنه بدين على نفسه وبدين على الصغير جاز، لاشتماله على أمرين جائزين. فإن هلك ضمن الأب حصته من ذلك للولد لإيفائه دينه من ماله لهذا المقدار وكذا الوصى وكذا أب الأب إذا لم يكن الأب أو وصى الأب.

‌مذهب المالكية

(3)

:

إن للأب بيع مال ولده المحجور عليه تحت ولايته أصلا أو ثمرة، إذ تصرفه محمول على المصلحة وإن لم يبين السبب، وله الأخذ بالشفعة، وترك قصاص وجب للمحجور عليه بالنظر والمصلحة، وليس له العفو عن عمد أو خطأ بالمجان. وله إسقاط الشفعة إذا كان ذلك عن نظر فلا تسقط بلا نظر على الراجح، ومقابله أنها تسقط بإسقاطه مطلقا.

ويجوز للأب أن يرهن مال محجوره فى دين استدانه على المحجور لمصلحته كالطعام والكسوة وغيرهما من الأمور الضرورية

(4)

(1)

الهداية ج 4 ص 8، 9.

(2)

الهداية ج 4 ص 100.

(3)

الشرح الصغير ج 2 ص 130، 206، 211.

(4)

الشرح الصغير ج 2 ص 102، 131.

ص: 117

ويجوز للأب رد تصرف سفيه أو صبى مميز بمعاوضة باشره بلا إذن وليه كبيع وشراء وهبة ثواب، فإن لم يكن بمعاوضة، كهبة وصدقة وعتق، تعين على الأب رده، كإقرار من المحجور عليه بدين فى ذمته أو بإتلافه شيئا لغيره فيتعين عليه رد الإقرار.

وإذا ترك الأب رد ذلك كان للصبى المميز رده إذا رشد

(1)

.

والظاهرية والإمامية والزيدية: يجيزون للولى، أبا أو غيره، أن يتصرف فى مال من فى ولايته للمصلحة. أما بالنسبة للرهن فيقول الظاهرية: لا يجوز للأب ولا للوصى أن يرهن مال موليه عن نفسه، كما لا يجوز لأحد أن يرهن مالا لغيره إلا بإذن مالكه

(2)

.

ويقول الإمامية: وللولى أن يرهن لمصلحة المولى عليه، وليس للراهن التصرف فى الرهن بإجارة ولا سكنى ولا وط ء، لأنه تعريض للإبطال وفيه رواية بالجواز مهجورة.

‌الأب وإسقاط حق موليه فى الشفعة:

ترك الأب طلب الشفعة لموليه لا يسقط حقه فى الشفعة وله الأخذ بها إذا بلغ وعقل ورشد على تفصيل فى المذاهب. (انظر شفعة).

‌الأب وأحكام الهبة:

يذهب الحنابلة

(3)

إلى أن الأب يقبض الهبة لولده الصغير والمجنون، ولو كان الأب غير مأمون قبل الحاكم الهبة للصغير ونحوه، أو كان الأب مجنونا قبل الحاكم الهبة لولده أو كان قد مات ولا وصى له، وللأب الحر أن يتملك من مال ولده ما شاء.

ثم قال صاحب كشاف القناع: للأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء ما لم يتعلق به حق كالرهن، مع حاجة الأب الى تملك بمال ولده ومع عدمها، فى صغر الولد وكبره، وسخطه ورضاه، وبعلمه وبغير علمه، لما روى الترمذى، وذكر انه حديث حسن، عن عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم» وروى الطبرانى فى معجمه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال:

«جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبى اجتاح مالى، فقال: أنت ومالك لأبيك» .

ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع، وما كان موهوبا كان له أخذ ماله كعبده، ويؤيده أن سفيان بن عيينة قال فى قوله تعالى: «وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً}

(1)

الشرح الصغير ج 2 ص 126، 127.

(2)

المحلى ج 8 ص 102، المختصر النافع ص 137، 141. التاج المذهب ج 4 ص 166.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 476.

ص: 118

{طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ»

(1)

ذكر الأقارب دون الأولاد لدخولهم فى قوله تعالى «مِنْ بُيُوتِكُمْ» ،} لأن بيوت أولادهم كبيوتهم ولأن الرجل يلى مال ولده من غير تولية كمال نفسه.

مذهب الأحناف

(2)

: وإذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد، لأنه فى قبض الأب فينوب عن قبض الهبة، ولا فرق بين ما إذا كان فى يده أو فى يد مودعه، لأن يده كيده، بخلاف ما إذا كان مرهونا أو مغصوبا أو مبيعا بيعا فاسدا، لأنه فى يد غيره أو فى ملك غيره، والصدقة فى هذا كالهبة.

مذهب الشافعية

(3)

: وإن وهب للولد أو ولد الولد وإن سفل جاز أن يرجع لما روى ابن عمر وابن عباس رضى الله عنهما رفعاه إلى النبى صلى الله عليه وسلم «لا يحل للرجل أن يعطى العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما أعطى ولده» ، ولأن الأب لا يتهم فى رجوعه لأنه لا يرجع إِلا لضرورة أو لإصلاح الولد، وإن تصدق عليه فالمنصوص أن له أن يرجع كالهبة، ومن أصحابنا من قال لا يرجع لأن القصد بالصدقة طلب الثواب وإصلاح حاله مع الله عز وجل، فلا يجوز أن يتغير رأيه فى ذلك، والقصد من الهبة إصلاح حال الولد، وربما كان الصلاح فى استرجاعه، فجاز له الرجوع، وإن تداعى رجلان نسب مولود ووهبا له مالا لم يجز لواحد منهما أن يرجع، لأنه لم يثبت له بنوته، فإن لحق أحدهما ففيه وجهان:

أحدهما: يجوز، لأنه فى ملك من يجوز له الرجوع فى هبته.

والثانى: لا يجوز، لأنه رجوع على غير من وهب له فلم يجز.

وأن وهب لولده شيئا فأفلس الولد وحجر عليه ففيه وجهان:

أحدهما: يرجع، لأن حقه سابق لحقوق الغرماء.

والثانى: لا يرجع، لأنه تعلق به حق الغرماء فلم يجز له الرجوع كما لو رهنه.

وللفقهاء فى جواز رجوعه فى الهبة شروط هى محل خلاف بينهم (انظر رجوع).

مذهب المالكية

(4)

: جاء فى الشرح الصغير:

وصح حوز وأهب شيئا وهبه لمحجوره من صغير أو سفيه أو مجنون، كان وليه الواهب أبا أو غيره، لأنه هو الذى يحوز له. ثم قال

(5)

: وجاز للأب فقط لا الجد اعتصارها أى الهبة، أى: أخذها من ولده قهراً عنه بلا عوض مطلقا، ذكرا كان أو أنثى، صغيراً أو كبيراً، فقيراً أو غنياً، سفيهاً أو رشيداً، حازها الولد أولا.

مذهب الظاهرية

(6)

: جاء فى المحلى: ومن وهب هبة صحيحة لم يجز له الرجوع فيها أصلا مذ يلفظ بها، إلا الوالد والأم فيما أعطيا أو أحدهما لولدهما، فلهما الرجوع فيه أبداً، الصغير والكبير سواء، وسواء

(1)

سورة النور: 61.

(2)

الهداية ج 3 ص 182.

(3)

المهذب ج 1 ص 453.

(4)

الشرح الصغير ج 2 ص 288.

(5)

المرجع السابق ص 289.

(6)

المحلى ج 9 ص 127.

ص: 119

تزوج الولد أو الابنة على تلك العطية أو لم يتزوجا، داينا عليها أو لم يداينا. فإن فات عينها فلا رجوع لهما بشئ، ولا رجوع لهما بالغلة، ولا بالولد الحادث بعد الهبة. فإن فات البعض وبقى البعض كان لهما الرجوع فيما بقى.

مذهب الزيدية

(1)

: جاء فى التاج المذهب:

ويقبل إذا وهب للصبى وكذا المجنون وليه المتولى لماله ولو من جهة الصلاحية أو يقبل هو فإنه يصح قبوله إن كان مأذونا له بالتصرف مطلقا، وإن لم يكن مأذونا لم يصح قبوله، بل يقبل له ولى ماله. قال فى البيان:

ولا حكم لرد المولى لما قبله له الأجنبى وقبله الصبى المميز، فإذا أجازه الولى من بعد إجازة الصبى بعد بلوغه صح.

قال فى التاج

(2)

المذهب، وهو يتحدث عن شروط جواز الرجوع فى الهبة: ألا يكون الموهوب له ذا رحم محرم، نسبا لا رضاعا، فإن كان ذا رحم محرم نسبا لم يجز الرجوع فيها ولم يصح سواء كانت الهبة لله أم لا، إلا الأب ولو فاسقا أو كافرا، فله الرجوع فى هبة طفله متى لم يحصل أحد الموانع، وإذا لم يكن طفلا بل كان بالغا ولو مجنونا أصليا أم طارئا لم يصح للأب الرجوع فيما وهب له. فلو وهب له فى صغره وأراد الرجوع بعد بلوغه لم يصح ذلك. وقال

(3)

:

ويكره تنزيها مخالفة التوريث فى الهبة والصدقة ونحوهما من نذر ووقف ووصية، لأنه يؤدى إلى إيغار الصدور، ولما فيه من الحيف عن سنن العدل، وصريح الأحاديث قاضية بالعدل والتسوية بين الأولاد فى النحل والعطية، إلا أن يفضل أحد الورثة، لبره، أو لكثرة عائلته، أو لضعفه: كالأعمى والمقعد ونحوهما، أو لفضله، فإن ذلك غير مكروه إلى قدر الثلث.

مذهب الإمامية

(4)

: قال فى المختصر النافع: لو وهب الأب أو الجد للولد الصغير لزم لأنه مقبوض بيد الولى ولا يرجع - أى الولد - فى الهبة لأحد الوالدين بعد القبض.

مذهب الإباضية

(5)

: جاء فى شرح النيل:

يشترط القبض فى صحة هبة الأب لولده ذكرا أو أنثى، كذا قيل. وذكر قومنا أن من أعطى ابنه أو ابنته عند التزوج شيئا لم يحتج للقبض، فإن مات ابنه أو بنته أخذ منه وارثه، لأنه لما أنعقد عليه النكاح صار كالبيع، وقيل لا تصح إلا بالقبض.

(وصح عود والد فيها) أى فى الهبة، وذلك فى الحكم وعند الله، إلا أن عنى التقرب إلى الله بإعطائه ولده فلا يجوز له الرجوع عند الله، وإن أحدث الولد أمرا فيه لم يصح الرجوع إلا إن خرج من ملكه ثم رجع فلا رجوع للأب فيه لحديث «لا يحل الرجوع فى الهبة الا لوالد» .

‌الأب وأحكام الوصية والإيصاء

وعند الشافعية

(6)

: «من ثبتت له الولاية فى مال ولده ولم يكن له ولى بعده جاز له أن يوصى إلى من ينظر فى ماله، لما روى سفيان بن عيينة رضى الله عنه عن هشام بن عروة قال: «أوصى إلى الزبير تسعة من

(1)

ج 3 ص 264.

(2)

المرجع السابق ص 269.

(3)

المرجع السابق ص 274.

(4)

ص 160.

(5)

ج 6 ص 5، 8.

(6)

المهذب ج 1 ص 455.

ص: 120

أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم منهم عثمان والمقداد وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود رضى الله عنهم، فكان يحفظ عليهم أموالهم وينفق على أبنائهم من ماله».

وإن كان له جد لم يجز أن يوصى إلى غيره، لأن ولاية الجد مستحقة بالشرع فلا يجوز نقلها عنه بالوصية.

ومن ثبتت له الولاية فى تزويج ابنته لم يجز أن يوصى إلى من يزوجها.

وقال أبو ثور: يجوز كما يجوز أن يوصى إلى من ينظر فى مالها، وهذا خطأ، لما روى ابن عمر قال: زوجنى قدامة بن مظعون ابنة أخيه عثمان بن مظعون، فأتى قدامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا عمها ووصى أبيها وقد زوجتها من عبد الله بن عمر. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها يتيمة ولا تنكح إلا بإذنها» ولأن ولاية النكاح لها من يستحقها بالشرع فلا يجوز نقلها بالوصية كالوصية بالنظر فى المال مع وجود الجد.

مذهب المالكية: قال فى الشرح الصغير

(1)

:

وإنما يقيم وصيا على محجور عليه لصغر أو سفه أب رشيد أو وصيه إن لم يمنعه الأب من الإيصاء بأن قال أوصيتك على أولادى وليس لك أن توصى عليهم. وكذلك للأب أن يوصى على تزويج بناته، والراجح له الجبر أن ذكر البضع أو النكاح أو التزويج بأن قال له الأب أنت وصى على بضع بناتى أو على نكاحهن أو على تزويجهن أو على بنتى حتى تزوجها قبل البلوغ أو بعده أو ممن شئت وإن لم يذكر شيئا من الثلاثة، فالظاهر عدم الجبر كما إذا قال أنت وصى على بناتى. أما لو قال أنت وصى فقط أو على مالى فلا جبر اتفاقا.

مذهب الحنابلة: قال فى كشاف القناع

(2)

:

يملك الأب الإيصاء على أولاده. كما قال:

وتصح وصية المسلم إلى كل مسلم مكلف رشيد عدل، ولو مستوراً أو أعمى أو امرأة أو أم ولد أو عدوا للطفل الموصى عليه، وكذا لو كان عاجزا، ويضم إليه قوى أمين معان، ولا تزال يده عن المال، ولا يزال نظره. وهكذا إن كان قويا فحدث فيه ضعف، ويكون الأول هو الوصى دون الثانى أى وهو المعين.

مذهب الأحناف

(3)

: للأب أن يقيم وصيا على أولاده الصغار ومن فى حكمهم، كما له أن يقيم وصيا على تركته عند الحاجة إلى ذلك، من تنفيذ وصاياه أو قضاء ديونه أو استيفائها ونحو ذلك، كقسمة التركة.

ويكون الوصى حينئذ مقدما على الجد، وهو ما يسمى بالوصى المختار.

(1)

ج 2 ص 432.

(2)

ج 2 ص 533.

(3)

الهداية ج 4 ص 195.

ص: 121

وتفصيل أحكام الإيصاء - ينظر مصطلح (إيصاء).

مذهب الإمامية

(1)

: يعتبر فى الذى يجعله الأب وصيا أن يكون مكلفا مسلما، وفى اعتبار العدالة تردد أشبهه أنها لا تعتبر. أما لو أوصى إلى عدل ففسق بطلت وصيته، ولا يوصى إلى المملوك إلا بأذن مولاه.

ويصح إلى الصبى منضما إلى كامل لا منفردا، ويتصرف الكامل حتى يبلغ الصبى ثم يشتركان، وليس له نقض ما أنفذه الكامل بعد بلوغه. ولا تصح الوصية من المسلم إلى الكافر، وتصح من مثله وتصح الوصية إلى المرأة. وللموصى تغيير الأوصياء، وللموصى إليه رد الوصية ويصح أن بلغ الرد. ولو مات الموصى قبل بلوغه لزمت الوصية، وإذا ظهر من الوصى خيانة استبدل به، والوصى أمين لا يضمن إلا مع تعد أو تفريط، وتختص ولاية الوصى بما عين له الموصى، عموما كان أو خصوصا ويأخذ الوصى الأجرة (أجرة المثل)، وقيل قدر الكفاية، هذا مع الحاجة. وإذا أذن له فى الوصية جاز، ولو لم يأذن فقولان، أشبههما أنه لا يصح، ومن لا وصى له فالحاكم وصى تركته.

وتصح الوصية بالمضاربة بمال ولده الأصاغر. ولا يجوز إخراج الولد من الإرث ولو أوصى الأب، وفيه رواية مطرحة.

مذهب الزيدية

(2)

: قال فى التاج المذهب:

وإنما يتعين وصيا من جمع شرطين:

الأول - أن يكون قد عينه الميت ولو امرأة، بأن قال: أنت وصيتى، أو أنت وصبى، أو قم على أولادى بعدى، أو نفذ ما أوصيت به، أو أنت خليفتى، أو أخلفنى أو وكلتك بعد موتى، أو أنت وكيلى فى حياتى وبعد مماتى.

مذهب الإباضية

(3)

: ومن قال فلان وصيى فهو وصيه ولو فى أولاده وتزويج بناته، وقيل إلا فيهن وليس للجد أن يوصى فى أولاد أولاده إلا أن أوصاه ولده أى أبوهم، ولا وصاية لغير الأب فيهم.

مذهب الظاهرية

(4)

: ومن أوصى إذا مات أن تزوج ابنته البكر الصغيرة أو البالغ فهى وصية فاسدة، لا يجوز إنفاذها، برهان ذلك أن الصغيرة إذا مات أبوها صارت يتيمة، وقد جاء النص بأن لا تنكح اليتيمة حتى تستأذن، وأما الكبيرة فليس لأبيها أن يزوجها فى حياته بغير اذنها فكيف بعد موته.

‌الأب وأحكام العتق

مذهب الشافعية

(5)

: إذا ملك الأب أحد أولاده عتق عليه وكذا العكس. ومن ملك أحد الوالدين وإن علوا أو أحد المولودين

(1)

المختصر النافع ص 165، 166.

(2)

ج 4 ص 385.

(3)

شرح النيل ج 6 ص 454.

(4)

المحلى ج 9 ص 464.

(5)

المهذب ج 2 ص 4.

ص: 122

وإن سفلوا عتقوا عليه، لقوله تعالى «تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً. وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً. إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً»

(1)

فالآية تدل على التنافى بين الولدية والعبودية.

‌مذهب الأحناف

(2)

:

ومن قال عن عبده: هذا ابنى وثبت ذلك عتق. ومعنى المسألة: إذا كان يولد مثله لمثله ثم إن لم يكن للعبد نسب معروف يثبت نسبه منه، لأن ولاية الدعوة بالملك ثابتة، والعبد محتاج إلى النسب فيثبت نسبه منه وإذا ثبت نسبه عتق، لأن النسب يستند إلى وقت العلوق، أى الحمل. وإن كان له نسب معروف لا يثبت منه للتعذر، ويعتق إعمالا للفظ فى مجازه عند تعذر أعماله بحقيقته.

‌مذهب الحنابلة

(3)

:

ولا يصح أن يعتق الأب عبد ولده الصغير، كما لا يصح أن يعتق عبد ولده الكبير، ولا عبد ولده المجنون، ولا عبد يتيمه الذى فى حجره، لأنه تبرع وهو ممنوع منه.

ومن ملك ذا رحم محرم عليه للنسب عتق عليه ولو كان مخالفا له فى الدين

(4)

.

‌مذهب المالكية

(5)

:

وعتق بنفس الملك بدون حكم حاكم على المشهور أصله نسبا لا رضاعا، وإن علا فيعتق الجد وفرعه، وإن سفل بالإناث فأولى بالذكور.

‌مذهب الظاهرية

(6)

:

من ملك ذا رحم محرم هو حر ساعة يملكه، فإن ملك بعضه لم يعتق عليه إلا الوالدان خاصة والأجداد والجدات خاصة فإنهم يعتقون عليه كلهم أن كان له مال يحمل قيمتهم، فإن لم يكن له مال يحمل قيمتهم استسعوا، وهم كل من ولده من جهة أم أو جدة أو جد أو أب، وكل من ولده هو من جهة ولد أو ابنة.

وقال فى المحلى

(7)

:

لا يجوز للأب عتق عبد ولده الصغير.

‌مذهب الزيدية:

من أسباب العتق ملك ذى الرحم المحرم كالأباء وإن علو والأولاد وإن سفلوا

(8)

.

‌مذهب الإمامية

(9)

:

قد يحصل العتق بالملك فيما إذا ملك الذكر أحد العمودين أو إحدى المحرمات نسبا أو رضاعا.

‌الأب والكتابة للعبد

‌مذهب الأحناف

(10)

:

وإذا اعتق المكاتب عبده على مال، أوباعه من نفسه، أو زوج عبده، لم يجز، لأن هذه الأشياء ليست من الكسب ولا من توابعه. وكذلك الأب والوصى فى رقيق الصغير بمنزلة المكاتب، لأنهما يملكان الاكتساب كالمكاتب.

(1)

سورة مريم: 91، 92، 93.

(2)

الهداية ج 2 ص 43.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 627.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 628.

(5)

الشرح الصغير ج 2 ص 405.

(6)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 200.

(7)

المرجع السابق ج 9 ص 215.

(8)

شرح الأزهار ج 53 ص 566.

(9)

الروضة البهية ج 2 ص 195.

(10)

ج 3 ص 208.

ص: 123

ثم قال: وإذا اشترى أباه أو ابنه دخل فى كتابته، لأنه من أهل أن يكاتب وإن لم يكن من أهل الإعتاق فيجعل مكاتبا تحقيقا للصلة بقدر الإمكان. الا ترى أن الحرمتى كان يملك الإعتاق يعتق عليه.

‌مذهب الزيدية

(1)

:

وإذا أدخل المكاتب معه غيره، نحو أن يكاتب عن نفسه وأولاده بعقد واحد. فلا يعتق واحد منهم إلا بدفع مال المكاتبة عن الجميع منهم أو من غيرهم، سواء تميزت حصص عوض الكتابة بأن يقول كاتبت كل واحد منكم بمائة، أم لم تميز، لئلا يفرق العقد.

وأما إذا كانت العقود مختلفة عتق من أو فى ما عليه أو أدى عنه تقدم أو تأخر. ثم إن الأب إن كاتب بإذنهم رجع عليهم كل بحصته حيث سلم بإذنهم، فإن كانت بغير أذنهم لم يرجع.

(انظر مصطلح: عتق، كتابة).

‌ولاية الأب فى النكاح

‌مذهب الشافعية

(2)

:

وإن كانت من يراد تزويجها حرة فأولى الناس بذلك أبوها. وقالوا إنه يجوز للأب أن يزوج أبنه الصغير إذا رأى ذلك

(3)

.

ويجوز للأب

(4)

والجد تزويج البكر من غير رضاها، صغيرة كانت أو كبيرة، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«الثيب أحق بنفسها، والبكر يستأمرها أبوها فى نفسها» فدل على أن الولى أحق بالبكر، وإن كانت بالغة فالمستحب أن يستأذنها للخبر، وأذنها صماتها، لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن فى نفسها، وأذنها صماتها» ولأنها تستحى أن تأذن لأبيها بالنطق فجعل صماتها إذنا. ولا يجوز لغير الأب والجد تزويجها إلا أن تبلغ وتأذن.

وأما الثيب فإنها إن ذهبت بكارتها بالوط ء فان كانت بالغة عاقلة لم يجز لأحد تزويجها إلا بأذنها، لما روت خنساء بنت خذام الأنصارية أن أباها زوجها وهى ثيب فكرهت ذلك فذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.

وأذنها بالنطق لحديث ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «والبكر تستأذن فى نفسها وأذنها صماتها» فدل على أن أذن الثيب النطق.

وإن كانت صغيرة لم يجز تزويجها حتى تبلغ وتأذن، لأن إذنها معتبر فى حال الكبر، فلا يجوز الإفتيات عليها فى حال الصغر.

وإن كانت مجنونة جاز للأب والجد تزويجها صغيرة كانت أو كبيرة، لأنه لا يرجى لها حال تستأذن فيها. ولا يجوز لسائر العصبات تزويجها لأن تزويجها إجبار، وليس لسائر العصبات غير الأب والجد ولاية الاجبار.

(1)

التاج المذهب ج 3 ص 399.

(2)

متن المهذب ج 2 ص 38.

(3)

المهذب ج 2 ص 42.

(4)

المهذب ج 2 ص 39.

ص: 124

‌مذهب الأحناف:

يجوز نكاح الصغير والصغيرة إذا زوجهما الولى، بكرا كانت الصغيرة أو ثيبا، والولى هو العصبة، فإن زوجها الأب أو الجد، أى الصغير أو الصغيرة، فلا خيار لهما بعد البلوع

(1)

. وإذا اجتمع فى المجنونة أبوها وابنها فالولى فى أنكاحها أبنها فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله. وقال محمد رحمه الله أبوها لأنه أوفر شفقة من الابن.

وهم

(2)

لا يجيزون للولى إجبار البكر البالغة على النكاح.

‌مذهب الحنابلة

(3)

:

أحق الناس الذين لهم ولاية النكاح بنكاح المرأة الحرة أبوها، لأن الولد موهوب لأبيه، قال تعالى: «وَوَهَبْنا لَهُ يَحْيى}

(4)

»، وقال على لسان إبراهيم الخليل:

«الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ}

(5)

»، وقال عليه الصلاة والسلام «أنت ومالك لأبيك» وإثبات ولاية للموهوب له على الهبة أولى من العكس، ولأن الأب أكمل شفقة وأتم نظراً، بخلاف الميراث، بدليل أنه يجوز أن يشترى لها من ماله وله من مالها.

وكذلك يذهب الحنابلة

(6)

:

إلى أن للأب خاصة تزويج بنيه الصغار وبنيه المجانين ولو كان بنوه المجانين بالغين، لأنهم لا قول لهم، فكان له ولاية تزويجهم كأولاده الصغار. وروى الأثرم أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير فاختصموا إلى زيد فأجازاه جميعا.

وحيث زوج الأب ابنه لصغره وجنونه فإنه يزوجه بحرة لئلا يسترق ولده ويزوجه غير معيبة عيبا يرد به النكاح. ويزوج ابنه الصغير أو المجنون بمهر المثل وغيره ولو كرها، لأن للأب تزويج ابنته البكر بدون صداق مثلها، وهذا مثله، فإنه قد يرى المصلحة فى ذلك، فجاز له بذل المال فيه كمداواته بل هذا أولى، فإن الغالب أن المرأة لا ترضى أن تتزوج المجنون إلا أن ترغب بزيادة على مهر مثلها فيتعذر الوصول إلى النكاح بدون ذلك.

وليس لهم، أى للبنين الصغار والمجانين، إن زوجهم الأب خيار إذا بلغوا وعقلوا كما لو باع مالهم. وللأب تزويج بناته الأبكار ولو بعد البلوغ لحديث ابن عباس مرفوعا:

(الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأمر، وإذنها صماتها) رواه أبو داود.

فلما قسم النساء قسمين، وأثبت الحق لأحدهما، دل على نفيه عن الأخر وهى البكر فيكون وليها أحق منها بها، ودل الحديث على أن الاستئمار هنا والاستئذان فى حديثهم مستحب غير واجب.

وللأب أيضا تزويج ثيب لها تسع سنين بغير أذنها، لأنه لا أذن لها. وإذا زوج ابنه الصغير فبامرأة واحدة، وله تزويجه بأكثر إن رأى فيه مصلحه، وهذا ضعيف جدا، وليس فى ذلك مصلحة بل مفسدة.

(1)

الهداية ج 1 ص 155، 158.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 154 وما بعدها.

(3)

كشاف القناع ج 3 ص 28.

(4)

سورة الأنبياء: 90.

(5)

سورة إبراهيم: 40.

(6)

كشاف القناع ج 3 ص 23.

ص: 125

وعندهم

(1)

: وحيث أجبرت البكر، زوجت بمن تختاره بنت تسع سنين فأكثر كفئا لا بمن يختاره المجبر من أب أو وصيه، لأن النكاح يراد للرغبة فلا تجبر على غير ما ترغب فيه. وشروط الإجبار: أن يزوجها من كفء بمهر المثل، وألا يكون الزوج معسرا، وألا يكون بينهما وبين الأب عداوة ظاهرة، وأن يزوجها بنقد البلد. فإن امتنع المجبر عن تزويج من أختارته بنت تسع سنين فأكثر فهو عاضل، فتسقط ولايته ويفسخ به إن تكرر.

وليس للأب تزويج ابنه البالغ العاقل بغير إذنه، لأنه لا ولاية له عليه إلا أن يكون سفيها وكان النكاح أصلح له، بأن يكون زمنا أو ضعيفا يحتاج إلى إمراة تخدمه، فإن لم يكن محتاجا إليه فليس له تزويجه.

وللأب قبول النكاح لابنه الصغير ولو مميزا ولابنه المجنون.

مذهب الزيدية

(2)

: وولى عقد النكاح فى الحرة الأقرب فالأقرب المكلف الحر من عصبة النسب، واقرب العصبة هو الابن، ثم ابنه ما نزل، ثم الأباء، وأقربهم الأب ثم أبوه.

‌وذهب الزيدية:

إلى أنه إذا زوجها أبوها أو وكيله لمعين فى صغرها فإنه لا خيار لها إذا بلغت بشرطين.

أحدهما: أن يكون زوجها كفئا لها فى نسبه ودينه.

الشرط الثانى: أن يكون زوجها من لا يعاف فى عشرته.

فأما لو زوجها أبوها من تعاف عشرته، كالأجذم والأبرص، فإنها اذا بلغت بالحيض ثبت لها الخيار بأول الحيض، واستمر خيارها فى اليوم الأول والثانى والثالث، ولا يبطل الخيار إلا إذا تراخت بعد الثلاثة، لأنها قد تيقنت أن الثلاثة حيض بمجاوزتها.

وذهبوا كذلك إلى أن الصغير من الذكور كالأنثى إذا عقد له ولى نكاحه بزوجة كفء كان النكاح موقوفا، فيخير متى بلغ إلا من زوجه أبوه فلا خيار له عند بلوغه إن زوجه من هى كفء له لا تعاف وعلى الجملة فهو كالأنثى فى الأصح من المذهب.

‌مذهب الإمامية

(3)

:

ولاية الأب والجد على الصغيرة ثابتة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره، ولا خيار لها.

‌ويرى الإمامية

(4)

:

أن ولاية الأب والجد ثابتة على الصغيرة ولو ذهبت بكارتها بزنا أو غيره، لأن مناط الولاية للأب والجد على الثيب صغرها، فلا فرق بين وجود الوصف بين كونها بكراً أو ثيبا لوجود المقتضى فيهما. ولا خيار للصبية مع البلوغ، وفى الصبى قولان، أظهرهما أنه كذلك.

ولو زوجها أبوها وجدها فالعقد للسابق، فإن اقترنا ثبت عقد الجد. وتثبت ولايتهما على البالغ مع فساد عقله ذكرا كان أو أنثى ولا خيار له لو أفاق. والثيب تزوج نفسها،

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 24.

(2)

التاج المذهب ج 2 ص 17.

(3)

المختصر النافع ص 172، 173.

(4)

المرجع السابق ص 172.

ص: 126

ولا ولاية عليها لأب ولا لغيره. ولو زوجها من غير إذنها وقف على إجازتها. أما البكر البالغة الرشيدة فأمرها بيدها. ولو كان أبوها حيا قيل لها الانفراد بالعقد دائما كان أو منقطعا، وقيل: العقد مشترك بينها وبين الأب فلا ينفرد أحدهما به، وقيل أمرها إلى الأب وليس لها معه أمر.

‌ويرى المالكية

(1)

:

أن الولى قسمان: مجبر، وغير مجبر.

فالمجبر المالك ولو أنثى، فالأب له الإجبار ولو بدون صداق، ولو كان الزوج أقل حالا منها أو لقبح منظر.

والإجبار لثلاث من بناته:

الأولى: البكر ما دامت بكرا ولو عانسا بلغت ستين سنة أو أكثر، إلا إذا رشدها الأب، أى جعلها رشيدة أو أطلق الحجر عنها لما قام بها من حسن التصرف، فلا جبر عليها حينئذ ولا بد أن تأذن بالقول كما يأتى، أو أقامت سنة ببيت زوجها ثم تأيمت وهى بكر.

الثانية: ثيب صغيرة لم تبلغ، تأيمت أو كبرت وزالت بكارتها بزنا ولو تكرر منها، أو لدت منه، أو زالت بكارتها بعارض لا بنكاح فاسد.

الثالثة: مجنونة إلا من تفيق فتنتظر إفاقتها.

وقال

(2)

: والأولى عند تعدد الأولياء تقديم ابن للمرأة فابنه على الأب فأب للمرأة فمرتبته بعد الابن وابنه. وقيل تقديم أولى الوليين واجب لا سنة، فإن فقد المجبر ينتقل الحق لمن يليه الأقرب فالأقرب.

وقال

(3)

: ويزوج السفيه ذو الرأى مجبرته بإذن وليه، وإن لم يأذن له نظر الولى ما فيه المصلحة، فإن كان صوابا أبقاه وإلا رده.

وقال

(4)

: وإذا تزوج صغير بغير أذن وليه كان لوليه فسخ عقده إذا اطلع عليه، ولا مهر للزوجة ولا عدة عليها إن وطئها ولو أزال بكارتها، لأن وطأه كالعدم وفسخه بطلاق. وإذا تزوج سفيه

(5)

بغير أذن وليه كان للولى رد نكاحه بطلقة فقط بائنة إن لم يرشد. وللزوجة إن فسخ الولى النكاح ربع دينار إن دخل بها لأن كل عقد مختلف فى صحته يفسخ بطلاق ويحرم الأصول والفروع كالعقد الصحيح. فالعقد الفاسد المختلف فيه يحرمها على أصوله وفروعه ويحرم عليه أصولها لأن العقد على البنات يحرم الأمهات.

وقال

(6)

: وجبر أب ووصى وحاكم ذكراً مجنونا مطيقا وصغيرا لمصلحة والصداق على الأب إذا جبر ابنه الصغير أو المجنون أن أعدما، أى لم يكن لهما مال. ولو شرط الأب خلافه فان كانا موسرين فعليهما المهر، ولا يلزم الوصى والحاكم مطلقا إلا لشرط من ولى الزوجة على الأب أو على الوصى أو على الحاكم فيعمل به. وان اختلف الابن والأب على التزام المهر، فإن كان قبل الدخول فسخ ولا مهر وإن لم يلتزمه أحدهما، وإن كان بعد الدخول حلف الأب وبرئ ولزم الزوج صداق المثل وحلف أن كان أقل من المسمى، ويرجع للأب نصف

(1)

الشرح الصغير ج 1 ص 347.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 350.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 360.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 360.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 363.

(6)

المرجع السابق ج 1 ص 362.

ص: 127

الصداق الذى التزمه إذا حصل طلاق قبل الدخول.

قال

(1)

: ويرجع نصف الصداق للأب الذى زوج ولده وضمن له الصداق، أو زوج ابنته لشخص بصداق والتزمه بالطلاق قبل الدخول، وليس للزوج المطلق فيه حق، ورجع جميعه بالفساد أى بالفسخ قبل الدخول، ولا رجوع للأب على الزوج بما استحقته الزوجة من النصف قبل الدخول أو الكل بعده.

وقال

(2)

: وليس للأم كلام فى تزويج الأب ابنته الموسرة المرغوب فيها من فقير لا مال له، إلا لضرر بين كأن يزوجها بذى عيب أو فاسق.

‌مذهب الظاهرية

(3)

:

ولا يحل للمرأة نكاح، ثيبا كانت أو بكرا، إلا بأذن وليها الأب أو غيره من الأولياء. ومعنى ذلك أن يأذن لها فى الزواج، فإن آبى أولياؤها من الأذن لها زوجها السلطان. برهان ذلك قوله تعالى:

«وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ وَالصّالِحِينَ مِنْ عِبادِكُمْ وَإِمائِكُمْ}

(4)

» وهذا خطاب للأولياء لا للنساء.

مذهب الإباضية

(5)

: وأولى الأولياء بالنكاح الأب.

‌الأب ومحرمات النكاح

‌ينص الشافعية

(6)

:

على أنه يحرم على الرجل من جهة النسب البنت وإن سفلت. وجاء عندهم فى حرمة المصاهرة: وتحرم عليه حليلة الابن لقوله تعالى: «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}

(7)

»، وتحرم حليلة كل من ينتسب إليه بالبنوة من بنى الأولاد وأولاد الأولاد، كما أن حليلة الأب تحرم على فروعه لقوله تعالى: «وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ}

(8)

».

وإن زنى بامرأة فأتت منه بابنة فقد قال الشافعى رحمه الله أكره أن يتزوجها، فإن تزوجها لم أفسخ» فمن أصحابنا من قال:

إنما كره خوفا من أن تكون منه، فعلى هذا لو علم قطعا أنها منه بأن أخبره النبى صلى الله عليه وسلم فى زمانه لم تحل له.

ومنهم من قال إنما كره ليخرج من الخلاف، لأن أبا حنيفة يحرمها، وعلى هذا لو تحقق أنها منه لم تحرم، وهو الصحيح، لأنها ولادة لا يتعلق بها ثبوت النسب، فلم يتعلق بها التحريم، كالولادة لما دون ستة أشهر من وقت الزنا.

واختلف أصحابنا فى المنفية باللعان فمنهم من قال يجوز للملاعن نكاحها لأنها منفية، فهى كالبنت من الزنا، ومنهم من قال لا يجوز للملاعن نكاحها، لأنها غير منفية عنه قطعا، ولهذا لو أقر بها ثبت النسب.

وجاء فى المهذب

(9)

: ويحرم على الأب نكاح جارية ابنه ولا يحد لأن له فيها شبهة تسقط الحد.

‌ومذهب الأحناف

(10)

:

إلى أنه لا يحل للرجل أن يتزوج ببنته

(1)

الشرح الصغير ج 1 ص 363.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 364.

(3)

محلى ج 9 ص 451.

(4)

سورة النور: 32.

(5)

شرح النيل ج 1 ص 265، 267.

(6)

شرح المهذب ج 2 ص 44 - 55.

(7)

سورة النساء: 23.

(8)

سورة النساء: 22.

(9)

المهذب ج 2 ص 48.

(10)

الهداية ج 1 ص 150.

ص: 128

ولا ببنت ولده وإن سفلت للإجماع، ولا بامرأة أبيه وأجداده، ولا بامرأة ابنه وبنى أبنائه نسبا أو رضاعا دون زوجة المتنبى.

فاذا تزوج

(1)

المجوسى ابنته ثم أسلما فرق بينهما، لأن نكاح المحارم له حكم البطلان فيما بينهم عند الصاحبين، أما عند أبى حنيفة فله حكم الصحة فى الصحيح، إلا أن المحرمية تنافى بقاء النكاح فيفرق.

‌مذهب المالكية

(2)

:

والمالكية يحرمون على الشخص إجماعا الأصل، وهو كل من له ولادة وإن علا والفرع وإن كان من زنا، وزوج الأصل والفرع فيحرم عليك زوجة أبيك وزوجة جدك وإن علا وزوجة ابنك وإن سفل.

وحرم تزوج من هى فى ملك فرعه، وفسخ أبدا، ولو كان ملك الفرع للامة طارئا بعد التزوج بشراء أو هبة أو صدقة أو أرث.

ويملك الأب أمة ولده بتلذذه بها بالوط ء، أو مقدماته بالقيمة يوم التلذذ، ويتبع بها فى ذمته أن أعدم، وتباع عليه فى عدمه إن لم تحمل.

‌وينص الحنابلة

(3)

:

على أن من المحرمات أبدا البنت من حلال أو من حرام أو من شبهة أو منفية بلعان، لدخولهن فى عموم لفظ «بناتكم» ولأن ابنته من الزنا خلقت من مائه فحرمت عليه كتحريم الزانية على ولدها، والمنفية بلعان لا يسقط احتمال كونها من مائه، ويكفى فى التحريم أن يعلم أنها ابنته ظاهراً وإن كان النسب لغيره. وبنات الأولاد ذكورا كانواً أو إناثا وأن سفلن لقوله تعالى «وَبَناتُكُمْ» . ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب، فيحرم على الأب ابنته من الرضاع وبنات أولاده من الرضاع ذكوراً أو إناثا، وحليلة الابن وإن سفل من نسب أو رضاع لقوله تعالى: «وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ}

(4)

» مع قوله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» وقوله «من أصلابكم» للاحتراز من المتبنى. وليس للأب

(5)

أن يتزوج أمة ولده من النسب دون الرضاع فله أن يتزوج أمة ولده من الرضاع.

‌مذهب الزيدية

(6)

:

يحرم على المرء ذكرا كان أم أنثى أصوله، وهى الأمهات والجدات من قبل الأم والأب وأبويهما ما علوا، وفصوله أى فروعه ولو من زنا، سواء الزوجات والمملوكات، وسواء قد كان وطئ الأصل أو الفرع الزوجة أو عقد عليها فقط، وأما المملوكة فلا بد أن يكون قد نظر أو لمس بشهوة أو نحو ذلك.

‌مذهب الإمامية

(7)

:

حرمت الموطوءة على أبى الواطئ وإن علا وأولاده وان نزلوا، ولو تجرد العقد عن الوط ء حرمت عليه أمها عينا على الأصح، وبنتها جمعا لا عينا. فلو فارق الأم حلت البنت. ولا تحرم مملوكة الابن على الأب، بالملك وتحرم بالوط ء، وكذا

(1)

الهداية ج 1 ص 173.

(2)

الشرح الصغير ص 364، 368.

(3)

كشاف القناع ج 3 ص 40.

(4)

سورة النساء: 23.

(5)

كشاف القناع ج 3 ص 51.

(6)

التاج المذهب ج 2 ص 7.

(7)

المختصر النافع ص 174 وما بعدها.

ص: 129

مملوكة الأب. ولا يجوز لأحدهما أن يطأ مملوكة الأخر ما لم يكن عقد أو تحليل.

نعم يجوز أن يقوم الأب مملوكة ابنه الصغير على نفسه ثم يطأها.

‌الأب وصداق أولاده

‌مذهب الحنابلة

(1)

:

لأب المرأة الحرة أن يشترط شيئا من صداقها لنفسه، بل يصح ولو اشترط الكل، لأن شعيبا زوج موسى عليهما الصلاة والسلام ابنته على رعاية غنمه، ولأن للوالد الأخذ من مال ولده، لقوله عليه الصلاة والسلام:«أنت ومالك لأبيك» ولقوله عليه الصلاة والسلام: «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم» رواه أبو داود والترمذى وحسنه

فإذا شرط شيئا لنفسه من مهر ابنته صح إذا كان ممن يصح تملكه (انظر مصطلح تملك)، فيكون ذلك أخذا من مالها، فتعتبر له شروطه

فإذا تزوجها على ألف لها، وألف لأبيها صح ذلك، وكان الألفان جميعا مهرها، وعلى أن الكل له يصح أيضا، وكان الكل مهرها، ولا يملكه الأب إلا بالقبض مع النية لتملكه كسائر مالها، وشرطه إلا يجحف بمال البنت، وقيل ليس بشرط.

فإن طلقها قبل الدخول بعد قبضه رجع الزوج عليها فى الأولى بألف لأنه نصف الصداق، وفى الثانية بقدر نصف ما شرط له، ولا شئ على الأب فيما أخذه من نصف أو كل إن قبضه بنية التملك، لأنه أخذه من مال أبنته فلا رجوع عليه بشئ منه كسائر مالها، وإن طلقها قبل القبض للصداق المسمى سقط عن الزوج نصف المسمى ويبقى النصف للزوجة ويأخذ الأب من النصف الباقى لها ما شاء.

وللأب تزويج ابنته البكر والثيب بدون صداق مثلها وإن كرهت، كبيرة كانت أو صغيرة، لأن عمر خطب الناس وقال:

«لا تغالوا فى صداق النساء، فما أصدق النبى صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه ولا بناته أكثر من اثنتى عشرة أوقية» وكان ذلك بمحضر من الصحابة ولم ينكر، فكان اتفاقا منهم على أن له أن يزوج بذلك وإن كان دون مهر مثلها، ولأنه ليس المقصود من النكاح العوض، وإنما المقصود السكن والازدواج ووضع المرأة فى منصب عند من يكفيها ويصونها.

والظاهر من الأب مع تمام شفقته وحسن نظره أنه لا ينقصها من الصداق إلا لتحصيل المعانى المقصودة، بخلاف عقود المعاوضات، فإن المقصود منه العوض.

وإن زوج الأب ابنه الصغير بمهر المثل أو أكثر صح، لأن تصرف الأب ملحوظ فيه المصلحة، ولزم الصداق ذمة الابن، لأن العقد له، ولا يلزم به الأب إلا إذا ضمنه. وإن تزوج امرأة فضمن أبوه أو غيره نفقتها عشر سنين مثلا صح الضمان موسرا كان الأب أو معسرا. وإن دفع الأب الصداق عن ابنه الصغير أو الكبير ثم طلق الابن قبل الدخول فنصف الصداق

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 80.

ص: 130

للابن دون الأب. وكذا لو ارتدت الزوجة قبل الدخول فرجع الصداق جميعه فهو للابن دون الأب ولو قبل بلوغ الابن، لأن الابن هو المباشر للطلاق الذى هو سبب استحقاق الرجوع بنصف الصداق، وليس للأب الرجوع فيه بمعنى الرجوع فى الهبة، لأن الابن ملكه من غير أبيه وهى الزوجة.

وللأب قبض صداق ابنته المحجور عليها من صغر أو سفه أو جنون، لأنه يلى مالها، فكان له قبضه كثمن مبيعها. ولا يقبض صداق الكبيرة الرشيدة ولو بكرا الاباذنها، لأنها المتصرفة فى مالها، فاعتبر إذنها، فلا يبرأ الزوج. وإذا غرم رجع على الأب.

ولا يملك

(1)

الأب العفو عن نصف مهر ابنته الصغيرة إذا طلقت ولو قبل الدخول.

‌مذهب الشافعية

(2)

:

إذا زوج الرجل ابنه الصغير وهو معسر ففيه قولان:

قال فى القديم يجب المهر على الأب، لأنه لما زوجه مع العلم بوجوب المهر والإعسار كان ذلك رضا منه بالتزام المهر.

وقال فى الجديد: يجب على الابن، وهو الصحيح، لأن البضع له فكان المهر عليه.

‌مذهب الأحناف

(3)

:

إذا زوج الأب ابنته الصغيرة ونقص من مهرها أو ابنه الصغير وزاد فى مهر امرأته جاز ذلك عليهما، ولا يجوز ذلك لغير الأب والجد، وهذا عند أبى حنيفة رحمه الله.

وقالا: لا يجوز الحط والزيادة إلا بما يتغابن الناس فيه أى يتسامحون فى الغبن فيه.

‌مذهب المالكية

(4)

:

للأب فى مجبرته الرضا بدون صداق المثل ولو بعد الدخول. ولو جهز الرجل

(5)

ابنته بزائد على صداقها ومات قبل البناء أو بعده اختصت به عن بقية الورثة إن أورد الجهاز بيتها أو أشهد لها الأب بذلك قبل موته. ولا يضر إبقاؤه تحت يده بعد الإشهاد أو اشتراه الأب ووضعه عند غيره كأمها أو عندها هى فإنها تختص به إن سماه لها وأقرت الورثة بالتسمية لها أو شهدت البينة بالتسمية.

‌مذهب الزيدية

(6)

:

إذا زوج الأب صغيرته بدون مهر مثلها لم تستحق توفيته، وأما إذا كانت كبيرة فزوجها بغير رضاها بأقل من مهر مثلها فإنها تستحق التوفية إلى مهر مثلها. وكذلك إذا زوجها بأقل مما رضيت من المهر فإنها تستحق أن توفى مهر مثلها إذا ما كان المسمى دون ذلك، كما تستحق ذلك أيضا إذا أذنت بأن تزوج لفلان بدون مهر مثلها فزوجها أبوها من غيره بما أذنت به.

‌مذهب الإمامية

(7)

:

لو سمى لها مهرا ولأبيها شيئا سقط ما سمى لأبيها.

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 86.

(2)

المهذب ج 2 ص 65.

(3)

الهداية ج 1 ص 159.

(4)

الشرح الصغير ج 1 ص 381.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 384.

(6)

التاج المذهب ج 2 ص 53.

(7)

المختصر النافع ص 188.

ص: 131

‌مذهب الظاهرية

(1)

:

لا يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، ولا يلزمها حكم أبيها فى ذلك وتبلغ إلى مهر مثلها. برهان ذلك أنه حق لها، لقول الله عز وجل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً»

(2)

فإذا هو حق لها ومن جملة مالها، فلا حكم لأبيها فى مالها لقول الله عز وجل: «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها}

(3)

». ولا يجوز أن يقضى بتمام مهر مثلها على أبيها إلا أن يضمنه مختارا لذلك فى ماله، لأن الله تعالى يقول:«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»

(4)

. والصداق بنص القرآن على الزوج لا على الأب، والقضاء به على الأب فى ماله قضاء ظالم وجور وأكل مال بالباطل لا يحل.

‌الأب والتفويض فى الصداق والنكاح

‌مذهب الحنابلة

(5)

:

تفويض البضع: أن يزوج الأب ابنته المجبرة بغير صداق، أو تأذن المرأة لوليها أن يزوجها بغير صداق، سواء سكت عن الصداق أو شرط ألا صداق فيصح العقد.

ويجب لها مهر المثل لقوله تعالى «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً»

(6)

، ولقضائه صلى الله عليه وسلم فى بروع بنت واشق. ولا فرق فى ذلك

(7)

. بين أن يقول زوجتك بغير مهر، أو يزيد: لا فى الحال ولا فى المآل، لأن معناهما واحد. وتفويض المهر، وهو أن يتزوجها على ما شاءت أو ما شاء الولى، فالنكاح صحيح، ويجب مهر المثل بالعقد فى الحالتين.

ثم قال

(8)

: وإذا أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول أو بعده فلحرة مكلفة الفسخ.

فلو رضيت بالمقام معه مع عسرته أمتنع الفسخ، ولها بعد رضاها منع نفسها حتى تقبض مهرها الحال. ولا خيار لولى زوجة صغيرة ومجنونة ولو أبا، لأن الحق لها فى الصداق دون وليها وقد ترضى بتأخيره.

‌مذهب الشافعية

(9)

:

يستحب تسمية المهر فى العقد، فإن لم يسم صح العقد بالإجماع لكن مع الكراهة.

وقد تجب التسمية فى صور:

الأولى: إذا كانت الزوجة غير جائزة التصرف، أو مملوكة لغير جائز التصرف.

الثانية: إذا كانت جائزة التصرف وأذنت لوليها أبا أو غيره أن يزوجها ولم تفوض فزوجها هو أو وكيله.

الثالثة: إذا كان الزوج غير جائز التصرف وحصل الاتفاق على أقل من مهر مثل الزوجة. وإذا خلا العقد عن التسمية، فإن لم تكن مفوضة استحقت مهر المثل بالعقد، وإن كانت مفوضة. والتفويض: أن تقول الحرة الرشيدة لوليها: زوجنى بلا مهر، فيزوج على ذلك، أو يزوج ويسكت، وحينئذ يصح العقد، ويجب لها المهر بواحد من ثلاثة أشياء:

1 -

أن يفرضه الزوج على نفسه وترضى بذلك ولها حبس نفسها حتى يفرض لها.

(1)

محلى ج 9 ص 466، 467.

(2)

سورة النساء: 4.

(3)

سورة الأنعام: 164.

(4)

سورة النساء: 29.

(5)

كشاف القناع ج 3 ص 92.

(6)

سورة البقرة: 236.

(7)

كشاف القناع ج 3 ص 93.

(8)

كشاف القناع ج 3 ص 97.

(9)

الخطيب الشربينى فى شرح أبى شجاع ج 2 ص 136، 137 طبعة الحلبى.

ص: 132

2 -

أن يفرضه الحاكم اذا متنع الزوج من فرضه ولا يفرض الحاكم الا مهر المثل.

3 -

أن يدخل بها فيجب لها مهر المثل وان أذنت له فى وطئها على ألا مهر لها، لأن الوط ء لا يباح بالإباحة لما فيه من حق الله تعالى. وجاء فى الحاشية: خرج بالرشيدة ما لو كانت صغيرة أو كبيرة مجنونة أو سفيهة فانه يجب لها مهر المثل بمجرد العقد. ولا يتوقف على فرض زوج أو حاكم ولا على وط ء، ومثل هذه مجبرة يجب لها مهر المثل، ولا يقال لها مفوضة. ثم قال: إذا قالت له الرشيدة زوجنى بمهر المثل فإنه لا يكون تفويضا، فيجب لها مهر المثل بالعقد فإن زوج بمهر المثل فالأمر ظاهر، وإن نقص عنه استحقت مهر المثل بالعقد كما تقدم.

‌مذهب الأمامية

(1)

:

إذا زوج الأب ولده الصغير الذى لم يبلغ ويرشد وللولد مال يفى بالمهر ففى ماله المهر، والا يكن له مال أصلا ففى مال الأب ولو ملك مقدار بعضه فهو فى ماله والباقى على الأب. هذا هو المشهور بين الأصحاب.

‌مذهب الزيدية

(2)

:

قال الناصر: لا يصح أن يزوج الصغيرة غير الأب والجد. وقال: الأوزاعى، وروى عن القاسم، لا يزوجها إلا الأب فقط.

وتخير الصغيرة تخييرا مضيقا متى بلغت، أى إذا زوجت صغيرة كان لها الخيار متى بلغت، إن شاءت فسخت النكاح، وإن لم تفسخ نفذ. وقيل لا يشترط علمها بأن لها الخيار إلا من زوجها أبوها فى صغرها، فإنه لا خيار لها إذا بلغت اجماعا، لكن بشرطين:

أن يكون زوجها كفوا، وأن يكون ممن لا يعاف. وكذلك الصغير من الذكور كالأنثى، لا يصح العقد له من غير الأب، بل يكون العقد موقوفا حقيقة فلا يصح فيه شئ من أحكام النكاح حتى يبلغ فيجيز العقد.

‌مذهب المالكية

(3)

:

يجوز للأب أن يجبر الذكر المجنون والصغير لمصلحة اقتضت تزويجهما بأن خيف الزنا على المجنون أو الضرر فتحفظه الزوجة، ومصلحة الصبى تزويجه من غنية أو شريفة أو ابنة عم أو لمن تحفظ ماله.

والصداق على الأب إذا أجبر ابنه المجنون أو الصغير وإن مات الأب لأنه لزم ذمته بجبره لهما فلا ينتقل عنها ويؤخذ من تركته، وهذا إن أعَدما، أى لم يكن لهما مال حال العقد، ولو أيسرا بعد ذلك. ولو شرط الأب خلافه بأن قال ولا يلزمنى صداق بل الصداق على الصبى أو المجنون فلا يعمل بشرطه وإلا يعدما حال العقد بأن كانا موسرين به أو ببعضه حاله وإن أعَدما بعده فعليهما ما أيسرا به كلا أو بعضا لا على الأب إلا لشرط من وَلىّ الزوجة على الأب.

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 122.

(2)

شرح الأزهار ج 2 ص 248، 251.

(3)

الدردير ج 1 ص 369.

ص: 133

وإن عقد أب لابن رشيد بإذنه ولم يبين كون الصداق عليه أو على ابنه وتطارحه ابن رشيد وأب تولى العقد بأن قال الابن لأبيه أنت التزمت الصداق رضيت إلا أنه عليك وقال الأب بل ما قصدت إلا أنه أبنى، فإن كان قبل الدخول فسخ ولا مهر على واحد منهما ان لم يلتزمه أحدهما، وإلا لزم من التزمه ولا فسخ. وإن تطارحاه بعد الدخول حلف الأب أنه ما قصد به الصداق إلا على أبنه وبرئ ولزم الزوج صداق المثل.

‌مذهب الأحناف

(1)

:

ولاية قبض المهر للأب بحكم الأبوة لا باعتبار أنه عاقد.

‌مذهب الظاهرية

(2)

:

لا يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بأقل من مهر مثلها، ولا يلزمه حكم أبيها فى ذلك، وتبلغ الى مهر مثلها ولا بد. برهان ذلك أنه حق لها لقول الله عز وجل «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً»

(3)

.

‌الأب وطلاق زوجة ابنه

وخلع ابنته الصغيرة

‌مذهب الشافعية

(4)

:

ولا يجوز للأب أن يطلق امرأة الابن الصغير بعوض وغير عوض، لما روى عن عمر رضى الله عنه قال: إنما الطلاق بيد الذى يحل له الفرج، ولأن طريقه الشهوة، فلم يدخل فى الولاية. ولا يجوز أن يخلع البنت الصغيرة من الزوج بشئ من مالها، لأنه يسقط بذلك حقها من المهر والنفقة والاستمتاع. فان خالعها بشئ من مالها لم يستحق ذلك، وإن كان بعد الدخول فله أن يراجعها لما ذكرنا. ومن أصحابنا من قال:

إذا قلنا إن الذى بيده عقدة النكاح هو الولى فله أن يخالعها بالإبراء من نصف مهرها، وهذا خطأ، لأنه إنما يملك الإبراء على هذا القول بعد الطلاق وهذا الإبراء قبل الطلاق.

‌مذهب الحنابلة

(5)

:

ليس للأب خلع زوجة ابنه الصغير والمجنون ولا طلاقها لقوله عليه الصلاة والسلام «إنما الطلاق لمن أخذ بالساق» .

والخلع فى معناه. وليس لأب خلع ابنته الصغيرة أو المجنونة أو السفيهة بشئ من مالها، لأنه إنما يملك التصرف بما لها فيه الحظ، وليس فى ذلك حظ، بل فيه إسقاط حقها الواجب لها. والأب وغيره من الأولياء فى ذلك سواء.

‌مذهب المالكية

(6)

:

جاز الخلع من المجبر، أبا كان أو وصيا أو سيدا، عن مجبرته بغير إذنها ولو بجميع مهرها، وذلك ظاهر قبل الدخول وبعده ولا يجوز لغيره من الأولياء إلا بأذن منها له فيه.

وفى كون السفيهة كالمجبرة خلاف. ثم قال

(7)

: «وموجب الطلاق أى موقعه زوج مكلف ولو سفيها أو عبدا أو ولى غير

(1)

الهداية ج 1 ص 167.

(2)

المحلى ج 9 ص 466.

(3)

سورة النساء: 4.

(4)

المهذب ج 2 ص 75.

(5)

كشاف القناع ج 3 ص 127.

(6)

الشرح الصغير ج 1 ص 403.

(7)

المرجع السابق ج 1 ص 405.

ص: 134

المكلف من صبى أو مجنون لنظر، أى مصلحة، ولا يجوز عند مالك وابن القاسم أن يطلق الولى عنهما بلا عوض، ونقل ابن عرفة عن اللخمى أنه يجوز لمصلحة، إذ قد يكون فى بقاء العصمة فساد لأمر ظهر أو حدث.

‌مذهب الأحناف

(1)

:

من خلع ابنته وهى صغيرة بمالها لم يجز، لأنه لا نظر لها فيه، إذ البضع فى حالة الخروج غير متقوم والبدل متقوم بخلاف النكاح، لأن البضع متقوم عند الدخول. ولهذا يعتبر خلع المريضة من الثلث ونكاح المريض بمهر المثل من جميع المال وإذا لم يجز لا يسقط المهر ولا يستحق مالها، ثم يقع الطلاق فى رواية، وفى رواية لا يقع.

والأول أصح لأنه تعليق بشرط قبوله فيعتبر بالتعليق بسائر الشروط. وإن خالعها على ألف على أنه ضامن فالخلع واقع والألف على الأب، لأن اشتراط بدل الخلع على الأجنبى صحيح، فعلى الأب أولى.

ولا يسقط مهرها لأنه لم يدخل تحت ولاية الأب. وان شرط الألف عليها توقف على قبولها إن كانت من أهل القبول، فإن قبلت وقع الطلاق لوجود الشرط، ولا يجب المال لأنها ليست من أهل الغرامة. فإن قبله الأب عنها ففيه روايتان، وكذا إن خالعها على مهرها ولم يضمن الأب المهر توقف على قبولها، فإن قبلت طلقت ولا يسقط المهر، فإن قبل الأب عنها فعلى الروايتين. وإن ضمن الأب المهر وهو ألف درهم طلقت لوجود قبوله وهو الشرط، ويلزمه خمسمائة استحسانا لحصوله قبل الدخول بها. وفى القياس يلزمه الألف نظرا لضمانه وأصله فى الكبيرة إذا اختلعت قبل الدخول على ألف ومهرها ألف، ففى القياس عليها خمسمائة زائدة، وفى الاستحسان لا شئ عليها لحدوث المقاصة من مالها من المهر وما لزم بالخلع لأنه يراد به عادة حاصل ما يلزم لها.

‌مذهب الظاهرية

(2)

:

ولا يجوز أن يخالع عن المجنونة ولا عن الصغيرة أب ولا غيره، لقول الله تعالى:

«وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها»

(3)

، وقوله تعالى: «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ}

(4)

» فمخالفة الأب أو الوصى أو السلطان عن صغيرة أو كبيرة كسب على غيره وهذا لا يجوز. واستحلال الزوج مالها بغير رضا منها أكل مال بالباطل فهو حرام.

‌مذهب الزيدية

(5)

:

ولا يصح الخلع من ولى مال الصغيرة إلا إذا كان لها فيه مصلحة، ولا يصح مع المصلحة الا إذا كان العوض من غيرها لعدم اعتبار نشوزها قبل التكليف. أى لأن الخلع لا يكون إلا عن نشوز منها عن شئ مما يلزمها، فإذا خالع عن الصغيرة أبوها بمهرها لزمه لها ذلك سواء صح أم لا، ويكون الطلاق خلعا لأنه يصح فيه العوض

(1)

الهداية ج 2 ص 14.

(2)

المحلى ج 10 ص 244.

(3)

سورة الأنعام: 164.

(4)

سورة النساء: 29.

(5)

التاج المذهب ج 2 ص 177.

ص: 135

من الغير، وللمرأة أن تطالب الزوج بمهرها وهو يرجع به على أبيها.

‌مذهب الإمامية

(1)

:

لوليها الإجبارى الذى بيده عقدة النكاح أصالة وهو الأب والجد للأب بالنسبة إلى الصغيرة العفو عن البعض، أى بعض النصف الذى تستحقه بالطلاق قبل الدخول، لأن عفو الولى مشروط بكون الطلاق قبل الدخول.

ولو بلغ الصبى فطلق قبل الدخول كان النصف المستعاد للولد لا للأب، لأن دفع الأب له كالهبة للابن، وملك الابن له بالطلاق ملك جديد لا إبطال لملك المرأة السابق ليرجع إلى مالكه. وكذا لو طلق قبل أن يدفع الأب عنه لأن المرأة ملكته بالعقد وإن لم تقبضه. وقطع بسقوط النصف عن الأب، وأن الابن لا يستحق مطالبته بشئ. ولو دفع الأب عن الولد الكبير المهر تبرعا أو عن أجنبى ثم طلق قبل الدخول ففى عود النصف إلى الدافع أو الزوج قولان.

‌الاب والنفقة

من الاولاد وعليهم

‌مذهب الشافعية

(2)

:

ويجب على الأب نفقة الولد، لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله عندى دينار، فقال: أنفقه على نفسك.

قال: عندى آخر، فقال: أنفقه على ولدك.

قال: عندى آخر، فقال: أنفقه على أهلك.

قال: عندى آخر، فقال: أنفقه على خادمك. قال: عندى آخر، قال: أنت أعلم به».

ويجب نفقة ولد الولد وان سفل لأن اسم الولد يقع عليه.

وان كان له أب وأم موسران كانت النفقة على الأب لقوله تعالى: «فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»

(3)

فجعل أجرة الرضاع على الأب. وروت عائشة رضى الله عنها أن هندا أم معاوية جاءت الى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، ان أبا سفيان رجل شحيح، وانه لا يعطينى ما يكفينى وولدى الا ما أخذت منه سرا وهو لا يعلم، فهل على فى ذلك شئ؟ قال النبى صلى الله عليه وسلم:«خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف» ، ولأن الأب ساوى الأم فى الولادة وانفرد بالتعصيب فقدم.

وان كان

(4)

له أب، فقيرا مجنونا أو فقيرا زمنا، واحتاج الى الاعفاف - وجب على الولد اعفافه على المنصوص، وخرج بعضهم قولا آخر أنه لا يجب، لأنه قريب يستحق النفقة فلا يستحق الاعفاف كالابن.

والمذهب الأول، لأنه معنى يحتاج الأب اليه ويلحقه الضرر بفقده، فوجب كالنفقة وان كان صحيحا قويا، وقلنا انه تجب نفقته ففى اعفافه وجهان:

أحدهما لا يجب، لأنه لا تجب نفقته فلا يجب اعفافه.

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 118، 123.

(2)

المهذب ج 2 ص 177.

(3)

سورة الطلاق: 6.

(4)

المهذب ج 2 ص 179.

ص: 136

والثانى، وهو قول ابى اسحاق: انه يجب، لأن نفقته ان لم تجب على القريب أنفق عليه من بيت المال، والاعفاف لا يجب فى بيت المال فوجب على القريب.

وان طلبت أجرة المثل وللأب من يرضعه بغير عوض أو بدون أجرة المثل ففيه قولان:

أحدهما: ان الأم أحق بأجرة المثل فكانت أحق به.

والثانى: ان الأب أحق، لأن الرضاع فى حق الصغير كالنفقة فى حق الكبير. ولو وجد الكبير من يتبرع بنفقته لم يستحق على الأب النفقة، فكذلك اذا وجد من يتبرع بارضاعه لم تستحق الأم أجرة الرضاع.

وان ادعت المرأة أن الأب لا يجد غيرها فالقول قول الأب لأنها تدعى استحقاق أجرة المثل والأصل عدمه

(1)

.

‌مذهب الاحناف

(2)

:

ويرى الأحناف أن نفقة الأولاد الصغار على الأب لا يشاركه فيها أحد، كما لا يشاركه فى نفقة الزوجة، لقوله تعالى:

«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» .

(3)

والمولود له هو الأب. وان كان المولود صغيرا فليس على أمه أن ترضعه لما بينا أن الكفاية على الأب وأجرة الرضاع كالنفقة ولأنها عساها لا تقدر عليه لعذر بها، فلا معنى للجبر عليه، وقيل فى تأويل قوله تعالى:«لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها»

(4)

بالزامها الارضاع مع كراهتها، وهذا الذى ذكرنا بيان الحكم، وذلك اذا كان يوجد من ترضعه أما اذا كان لا توجد من ترضعه تجبر الأم على الارضاع صيانة للصبى عن الضياع.

قال: «ويستأجر الأب من ترضعه عندها» ، أما استئجار الأب فلأن الأجر عليه. وقوله:«عندها» معناه اذا أرادت ذلك.

لأن الحجر لها. وان استأجرها وهى زوجته أو معتدته لترضع ولدها لم يجز، لأن الارضاع مستحق عليها ديانة. قال تعالى «والوالدات يرضعن أولادهن»

(5)

الا أنها عذرت لاحتمال عجزها، فاذا أقدمت عليه بالأجر ظهرت قدرتها فكان الفعل واجبا عليها، فلا يجوز أخذ الأجرة، وهذا فى المعتدة عن طلاق رجعى رواية واحدة، لأن النكاح قائم، وكذا فى المبتوتة فى رواية، وفى رواية أخرى جاز استئجارها لأن النكاح قد زال، وجه الأولى أنه باق فى حق بعض الأحكام، ولو استأجرها وهى منكوحته أو معتدته لارضاع ابن له من غيرها جاز، لأنه غير مستحق عليها، واذا انقضت عدتها فاستأجرها يعنى لارضاع ولدها جاز، لأن النكاح قد زال بالكلية، وصارت كالأجنبية. فان قال الأب: لا أستأجرها وجاء بغيرها، فرضيت الأم بمثل أجرة الأجنبية، أو رضيت بغير أجر كانت هى أحق لأنها أشفق، فكان نظرا للصبى فى الدفع اليها. وان التسمت زيادة لم يجبر الزوج عليها دفعا للعذر عنه، واليه الاشارة بقوله تعالى: «لا تضار والدة بولدها ولا

(1)

المهذب ج 2 ص 180.

(2)

الهداية ج 2 ص 38.

(3)

سورة البقرة: 233.

(4)

الآية السابقة.

(5)

سورة البقرة: 233.

ص: 137

مولود له بولده»

(1)

أى بالزامه لها أكثر من أجرة الأجنبية على الزوج.

ونفقة الصغير واجبة على أبيه وان خالفه فى دينه، كما تجب نفقة الزوجة على الزوج وان خالفته فى دينه. أما الولد فلاطلاق ما تلونا، ولأنه جزؤه، فيكون فى معنى نفسه، وأما الزوجة فلأن السبب هو العقد الصحيح فانه بازاء الاحتباس الثابت به، وقد صح العقد بين المسلم والكافرة وترتب عليه الاحتباس فوجبت النفقة. وفى جميع ما ذكرنا انما تجب النفقة على الأب اذا لم يكن للصغير مال. أما اذا كان، فالأصل أن نفقة الانسان فى مال نفسه، صغيرا كان أو كبيرا.

ثم قال: وتجب نفقة الابنة البالغة والابن الزمن على أبويه أثلاثا: على الأب الثلثان، وعلى الأم الثلث. لأن الميراث لهما على هذا المقدار، وهذه رواية الخصاف والحسن رحمهما الله. وفى ظاهر الرواية كل النفقة على الأب لقوله تعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ»

(2)

وصار كالولد الصغير، ووجه الفرق على الرواية الأولى أنه اجتمعت للأب فى الصغير ولاية ومؤنة، حتى وجبت عليه صدقة فطره فاختص بنفقته، ولا كذلك الكبير، لانعدام الولاية فيه فتشاركه الأم وفى غير الوالد يعتبر قدر الميراث حتى تكون نفقة الصغير على الجد والأم أثلاثا.

واذا كان للابن الغائب مال قضى فيه بنفقة أبويه، واذا باع أبوه متاعه فى نفقته جاز عند أبى حنيفة رحمه الله

(3)

، وهذا استحسان، واذا باع العقار لم يجز. وفى قولهما: لا يجوز فى ذلك كله، وهو القياس، لأنه لا ولاية له لانقطاعها بالبلوغ.

ولهذا لا يملك فى حال حضرته، ولا يملك البيع فى دين له سوى النفقة، وكذا لا تملك الأم فى النفقة. ولأبى حنيفة رحمه الله ان للأب ولاية الحفظ فى مال الغائب، ألا ترى أن للوصى ذلك، فالأب أولى لوفور شفقته وبيع المنقول من باب الحفظ، ولا كذلك العقار، لأنها محصنة بنفسها، وبخلاف غير الأب من الأقارب، لأنه لا ولاية لهم أصلا فى التصرف حال الصغر، ولا فى الحفظ بعد الكبر. واذا جاز بيع الأب والثمن من جنس حقه وهو النفقة - فله الاستيفاء منه، كما لو باع العقار والمنقول على الصغير جاز لكمال الولاية، ثم له أن يأخذ منه بنفقته لأنه من جنس حقه. وان كان للابن الغائب مال فى يد أبويه وأنفقا منه لم يضمنا، لأنهما استوفيا حقهما، لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر، وقد أخذا جنس الحق. وان كان له مال فى يد أجنبى، وأنفق عليهما بغير اذن القاضى، ضمن لأنه تصرف فى مال الغير بعير ولاية لأنه نائب فى الحفظ لا غير، بخلاف ما اذا أمره القاضى لأن أمره ملزم لعموم ولايته، واذا ضمن لا يرجع على القابض، لأنه ملكه بالضمان، فظهر انه كان متبرعا به.

‌مذهب المالكية

(4)

:

وشروط وجوب نفقة الحمل على أبيه حريته وحرية أبيه ولحوقه به. وتجب على

(1)

سورة البقرة: 233.

(2)

المهذب ج 2 ص 190.

(2)

سورة البقرة: 233.

(3)

الشرح ج 2 ص 40.

(4)

الشرح الصغير ج 1 ص 477 - 480.

ص: 138

الحر الموسر نفقة والديه الحرين المعسرين ولو كافرين والولد مسلم، ولا يجب على الولد المعسر التكسب لينفق على والديه ولو قدر على التكسب وأجبر الوالدان على التكسب اذا قدرا عليه على الراجح. وتجب نفقة خادمهما بخلاف خادم الولد فلا تلزم الأب، وتجب نفقة خادم زوجة الأب المتأهلة للخدمة. ويجب على الولد اعفاف الأب بزوجة، ولا تتعدد نفقة زوجات الأب بتعددهن، ووزعت على الأولاد الموسرين بقدر اليسار حيث تفاوتوا، وقيل: على الرءوس فالذكر كالأنثى، وقيل: على الميراث. وتجب نفقة الولد الحر على أبيه فقط حتى يبلغ الذكر قادرا على الكسب، أو يدخل الزوج بالأنثى ولو لم يكن بالغا، أو يدعى الزوج للدخول. وعادت النفقة على الأب لابنته ان عادت له من الزوج صغيرة أو بكرا ولو بالغا أو زمنة وقد دخل بها زمنة، فان دخل بها صحيحة ثم طرأت عليها الزمانة وعادت الى أبيها زمنة لم تجب عليه، وكذا ان صحت بعد الدخول ثم عادت زمنة لم تعد النفقة على الأب، وتسقط النفقة عن الولد والوالد بمضى الزمن الا بقضاء.

‌مذهب الحنابلة

(1)

:

تجب على الولد نفقة والديه وان علوا لقوله تعالى: «وَقَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً»

(2)

. ومن الاحسان الانفاق عليهما، ولقوله تعالى:

«وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً»

(3)

. ومن المعروف القيام بكفايتهما عند حاجتهما، ولقوله عليه الصلاة والسلام:«إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم» رواه أبو داود والترمذى وحسنه.

قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة فى مال الولد، ويجب عليه أيضا نفقة ولده وان سفل، لقوله تعالى:«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» ،} ولأن الانسان يجب عليه أن ينفق على نفسه وزوجته، فكذا على فرعه وأصله.

ثم قال فى الاختيارات: وعلى الولد الموسر أن ينفق على أبيه المعسر وزوجة أبيه واخوته الصغار، وان كان للفقير ولو حملا وارث غير أب فنفقته عليهم على قدر ميراثهم منه لأن الله رتب النفقة على الارث، فيجب أن يرتب المقدار عليه.

ويلزم المنفق خدمة قريب بنفسه أو غيره لحاجة الى الخدمة.

ثم قال

(4)

: فان كان له أبوان قدم الأب على الأم، لفضله وانفراده بالولاية واستحقاق الأخذ من ماله، فان كان معهما ابن قدم عليهما لوجوب نفقته بالنص. قال القاضى فيما اذا اجتمع الأبوان والابن: ان كان الابن صغيرا أو مجنونا فهو أحق وان كان الابن كبيرا والأب زمنا فالأب أحق لأن حرمته آكد. ويلزمه نفقة واعفاف من وجبت له نفقة من أب وان علا ومن ابن وان سفل وغيرهم كأخ، اذا احاج الى النكاح لزوجة تعفه أو يدفع اليه مالا يتزوج به.

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 313.

(2)

سورة الاسراء: 23.

(3)

سورة لقمان: 15.

(4)

كشاف القناع ج 3 ص 316.

ص: 139

ثم قال

(1)

: وتجب نفقة مرضعة الصغير، أى مرضعته ذكرا كان أو أنثى، فى ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه نفقته من أب أو غيره، لأن نفقة مرضعة الصغير كنفقة الكبير، ويختص وجوبها بالأب وحده ان كان، لقوله تعالى «وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» ولا يلزمه نفقة المرضعة لما فوق الحولين، وان طلبت الأم أجرة مثلها ووجد الأب من يتبرع له برضاعه فهى أحق، سواء كانت زوجة أو مطلقة لقوله تعالى:

«وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ»

(2)

. فان طلبت أكثر من أجرة مثلها ولو بيسير لم تكن أحق به مع من يتبرع، أو يرضع بأجرة المثل لقوله تعالى:«وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى»

(3)

.

ولو كانت مع زوج آخر وطلبت رضاعه بأجرة مثلها ووجد من يتبرع برضاعه فأمه أحق به اذا رضى الزوج الثانى بذلك للآية، وقد رضى الزوج باسقاط حقه فأشبهت غير المتزوجة. واذا أرضعت المرأة وهى فى عصمة والده فاحتاجت الى زيادة نفقة لزمه ذلك، اذ كفايتها واجبة، لحق الزوجية، ولرضاع الولد.

‌مذهب الظاهرية

(4)

:

يجبر كل أحد على النفقة على من لا مال له ولا عمل له بيده مما يقوم منه على نفسه من أبويه وأجداده وجداته وان علوا، وعلى البنين والبنات وبنيهم وان سفلوا.

‌مذهب الزيدية

(5)

:

تجب نفقة الولد الحر ذكرا كان أو أنثى غير العاقل لصغر أو جنون سواء كان طارئا أم أصليا، ولو كان ذا ولد موسر. وكذا تجب نفقته وكسوته وسكناه وكل ما يحتاج اليه على أبيه لمكان ولايته عليه. ولو كان الوالد كافرا غير حربى والولد مسلما فتسلم النفقة الى الحاكم، لأنه لا ولاية له على ابنه، أو كان الوالد معسرا لكن له كسب يعود عليه من صناعة أو وقف أو غيرهما فانه يلزمه نفقة ولده غير العاقل ولو كان الولد غنيا. ثم اذا توفى الأب أو كان معسرا ولا كسب له وجبت نفقة الولد فى ماله له ولأبيه، وأما الولد البالغ العاقل المسلم المعسر ولو أمكنه التكسب فنفقته ولو عاقلا على أبويه الموسرين حسب الارث، على الأم ثلث، وعلى الأب الثلثان، الا أن يكون هذا الولد العاقل المعسر ذا ولد موسر فعليه نفقة والده وما يحتاج اليه اذا كان لا يقدر على التكسب، ولا شئ على جده لوالده، ولا يلزم الولد للأب أن يعفه بزوجة أو أمة اذا اضطر الى النكاح الا أن يتضرر فيكون من باب الدواء. ولا تلزمه نفقة زوجة أبيه وعبده، ولا يلزم الأب أن يعف الولد، وهذا أولى وأحرى. ولا يلزم الابن التكسب لنفقة أبويه اذا كانا معسرين يمكنها التكسب الا للعاجز منهما عن التكسب فيجبر الولد على التكسب له، كما يجبر الأب على التكسب على ابنه الصغير لا الكبير ولو كان عاجزا عن التكسب. فان كان الأب وابنه قادرين على التكسب فلا يجبر أيهما

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 318.

(2)

سورة البقرة: 233.

(3)

سورة الطلاق: 6.

(4)

المحلى ج 10 ص 100.

(5)

التاج المذهب ج 2 ص 288.

ص: 140

على التكسب للآخر، واذا اكتسب أحدهما وفضل له عن قوته أدخل الآخر معه فيما فضل له.

ثم قال: وللأب المعسر العاجز عن التكسب - لا للأم الا بأمر الحاكم - أن يأخذ من مال ولده الصغير والمجنون والغائب الأعيان التى يحتاج اليها كالطعام والثياب والدراهم والدنانير ويستنفق منها ما يحتاج لنفسه بالمعروف، ولا يحتاج الى اذن الحاكم، لأنها نفس ما وجب، وأما اذا كان الولد عاقلا حاضرا فلا، الا أن يتمرد فباذن الحاكم لأنه يمكن اجباره بحضوره بخلاف الغائب.

‌مذهب الإمامية

(1)

:

وأما القرابة فالنفقة على الأبوين والأولاد لازمة. وفيمن علا من الآباء والأمهات تردد أشبهه اللزوم.

‌الأب والقصاص منه للولد والعكس

‌مذهب الشافعية

(2)

:

لا يجب القصاص على الأب بقتل ولده، ولا على الأم بقتل ولدها، لما روى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«لا يقاد الأب من ابنه» فإذا ثبت هذا فى الأب ثبت فى الأم لأنها كالأب فى الولادة. ولا يجب على الجد وإن علا، ولا على الجدة وإن علت بقتل ولد الولد وإن سفل، لمشاركتهم الأب والأم فى الولادة وأحكامها.

وإن ادعى رجلان نسب لقيط ثم قتلاه قبل أن يلحق نسبه بأحدهما لم يجب القصاص، لأن كل واحد منهما يجوز ان يكون هو الأب. وإن رجعا فى الدعوى لم يقبل رجوعهما، لأن النسب حق وجب عليهما فلا يقبل رجوعهما فيه بعد الإقرار.

ويقتل الابن بالأب، لأنه إذا قتل بمن يساويه فلأن يقتل بمن هو أفضل منه أولى.

وإن جنى المكاتب على أبيه والأب فى ملكه ففيه قولان:

أحدهما: لا يقتص منه، لأن المولى لا يقتص منه لعبده.

والثانى: يقتص منه، وإليه أومأ الشافعى رحمه الله فى بعض كتبه، لأن المكاتب ثبت له حق الحرية بالكتابة، وأبوه ثبت له حق الحرية بالابن، ولهذا لا يملك بيعه فصار كالابن الحر إذا جنى على أبيه الحر.

‌مذهب الظاهرية

(3)

:

ويبطل القود إذا قتل الأب ابنه.

‌مذهب المالكية

(4)

:

إذا قتل أحد ولدين أباه ثم مات غير القاتل ولا وارث له سوى القاتل فقد ورث القاتل دم نفسه كله فصار معصوما.

ولو أكره شخص أبا على قتل ابنه فقتله فلا قصاص على الأب للشبهة

(5)

.

‌مذهب الإمامية

(6)

:

ولا يقتل الوالد وإن علا بابنه وإن نزل، لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يقاد لابن من أبيه» والبنت كالابن إجماعا أو بطريق أولى. وفى بعض الأخبار عن الصادق: لا

(1)

المختصر النافع ص 195.

(2)

المهذب ج 2 ص 186.

(3)

المحلى ج 11 ص 361.

(4)

الدردير ج 2 ص 365.

(5)

شرح الخطاب ج 6 ص 242.

(6)

الروضة البهية ج 2 ص 407.

ص: 141

يقتل والد بولده ويقتل الولد بوالده، وهو شامل للأنثى. ويعزر الوالد بقتل الولد ويكفر وتجب الدية لغيره من الورثة.

‌مذهب الإباضية

(1)

:

ولا يقتل الأب بابنه ولا الأم ويقتل الولد بهما.

‌مذهب الأحناف

(2)

:

لا يقتل الرجل بابنه، لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا يقاد الوالد بولده» ولأنه سبب أحيائه، فمن المحال أن يستحق له افناؤه، ولهذا لا يجوز له قتله وإن وجده فى صف الأعداء مقاتلا أو زانيا وهو محصن، فالقصاص يستحقه المقتول ثم يخلفه وارثه. والجد من قبل الرجال أو النساء وإن علا بمنزلة الأب، وكذا الوالدة والجدة من قبل الأب أو الأم قربت أم بعدت لما بينا. ويقتل الولد بالوالد لعدم المسقط.

‌مذهب الحنابلة

(3)

:

فى شروط القصاص: الشرط الرابع: ألا يكون المقتول من ذرية القاتل، فلا يقتل والده أبا كان أو أما وإن علا بولده. وقال عليه الصلاة والسلام «أنت ومالك لأبيك» فمقتضى هذه الإضافة تمكينه إياه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية تثبت بالإضافة بشبهة فى إسقاط القصاص ولأنه كان سببا فى إيجاده فلا يكون سببا فى إعدامه، ولا تأثير لاختلاف الدين واختلاف الحرية، فلو كان أحدهما مسلما والأخر كافرا أو أحدهما رقيقا والآخر حرا فلا قصاص كاتفاقهما فى الدين والحرية. فلو قتل الكافر ولده المسلم أو العبد ولده الحر لم يجب القصاص لشرف الحرية إلا أن يكون ولده من رضاع أو زنا فيقتل الوالد به، لأنه ليس بولده حقيقة.

ولو تداعى شخصان نسب صغير مجهول النسب ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحد منهما فلا قصاص عليهما لأنه يجوز أن يكون ابن كل واحد منهما أو ابنهما وإن ألحقته القافة بواحد منهما، ثم قتلاه لم يقتل أبوه وقتل الآخر لأنه ليس بأب وإن رجعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما عن إقرارهما كما لو ادعاه واحد فالحق به ثم جحده فإنه لا يقبل جحوده لأن النسب حق للولد فرجوعه عنه رجوع إقرار بحق لأدمى وإن رجع أحدهما صح رجوعه وثبت نسبه من الآخر ويسقط القصاص عن الذى لم يرجع ويجب على الراجع لأنه أجنبى وإن عفا عنه ولى المقتول فعليه نصف الدية، ولو اشترك رجلان فى وط ء امرأة فى طهر واحد وأتت بولد يمكن أن يكون منهما فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما لم يجب القصاص على واحد منهما وإن نفيا نسبه لم ينتف إلا باللعان بشروطه التى منها أن يكون بين زوجين وأن يتقدمه قذف وأن نفاه أحدهما لم ينتف لقوله لأنه لحقه بالفراش فلا ينتفى إلا باللعان ويقتل الولد بالوالد لأنه يحد بقذفه فيقتل به.

(1)

شرح النيل ج 8 ص 75.

(2)

الهداية ج 4 ص 130.

(3)

كشاف القناع ج 3 ص 351.

ص: 142

‌مذهب الزيدية

(1)

:

لا يجب القصاص يفرع من النسب فلا يقتص من أصل له، فلا يقتل أب ولا جد وإن علا ولا أم ولا جدة وإن علت لفرع لهم وإن سفل.

‌القصاص فيما دون النفس

من لا يقاد بغيره فى النفس لا يقاد به فيما دون النفس، ومن اقتيد بغيره فى النفس اقتيد به فيما دون النفس، لأنه لما كان ما دون النفس كالنفس فى وجوب القصاص كان كالنفس.

‌الأب واستيفاء القصاص أو العفو

‌مذهب الأحناف

(3)

:

إذا قتل ولى المعتوه فلأبيه أن يقتل لأنه من الولاية على النفس شرع لأمر راجع إليها وهو تشفى الصدور فيليه كالانكاح، وله أن يصالح لأنه أنظر فى حق المعتوه، وليس له أن يعفو لأن فيه إبطال حقه وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما ذكرنا.

‌مذهب الحنابلة

(4)

:

لولى المجروح بعد السراية العفو عن القصاص، وله حينئذ كمال الدية. وإن عفا الولى مطلقا أو عفا عن القود مطلقا فله الدية، لأن الواجب أحد الشيئين فإذا سقط القود تعنيت الدية.

ثم قال

(5)

«ومن لا يجرى القصاص بينهما فى النفس لا يجرى فى الطرف، كالأب وأبنه والحر مع العبد والمسلم مع الكافر، فلا تقطع يد الأب بيد ابنه ولا يد الحر بيد العبد ولا يد المسلم بيد الكافر.

‌مذهب المالكية

(6)

:

الاستيفاء فى النفس للعاصب الذكر على ترتيب الولاية فى النكاح إلا الجد والإخوة فسيان. ولو كان

(7)

للصغير ولى من أب أو وصى واستحق الصغير قصاصا بلا مشارك له - فعلى وليه النظر بالمصلحة فى القتل وأخذ الدية كاملة. ويخير إن استوت، ولا يجوز له أخذ بعض الدية مع يسر الجانى، والحكم كذلك لو قطع أحد يد الصغير مثلا فله الصلح بأقل، أما لو قتل الصغير فلا كلام لوليه لانقطاع نظره بالموت والكلام للعاصب.

ولولى الصغير النظر فى القتل أو الدية كاملة، قال فى المدونة: من وجب لابنه الصغير دم، عمدا أو خطأ - لم يجز له العفو إلا على الدية لا أقل منها.

وإن قتل شخص عبد الصبى أو جرحه فالأولى للولى أخذ القيمة أو الأرش دون القصاص، إذ لا نفع للصبى فيه. ويقتل أب أمر صبيا بقتل إنسان فقتله، ولا يقتل الصغير لعدم تكليفه.

‌مذهب الظاهرية

(8)

:

عفو الأب عن جرح ابنه الصغير أو المجنون أو استقادته له غير جائز بل هما على حقهما فى القود حتى يبلغ الصغير ويفيق المجنون.

‌مذهب الزيدية

(9)

:

ليس للأب أن يتولى القصاص عن

(1)

التاج المذهب ج 4 ص 265.

(2)

المهذب ج 2 ص 190.

(3)

الهداية ج 4 ص 131.

(4)

كشاف القناع ج 3 ص 369.

(5)

المرجع السابق ص 371، 373.

(6)

الشرح الصغير ج 2 ص 355. والحطاب ج 6 ص 252.

(7)

المرجع السابق ص 357.

(8)

المحلى ج 10 ص 485.

(9)

التاج المذهب ج 4 ص 280، 284.

ص: 143

الصبى وكذا سائر الأولياء، بل ينتظر بلوغه وللأب أن يعفو عن القاتل لمصلحة. ولو قتل رجل أباه وله أخ وأم فإن عليه القتل للأخ والأم، فإذا قتل الأخ الأم أو ماتت سقط عن قاتل الأب القود، لأنه قد ورث نصيب الأم أو بعضه، ويقتل قاتل الأم.

‌مذهب الإمامية

(1)

:

ولو كان الولى صغيرا وله أب أو جد لم يكن له أى وليه من الأب لاستيفاء إلى بلوغه، لأن الحق له ولا يعلم ما يريده حينئذ، ولأن الغرض التشفى ولا يتحقق تعجيله قبله وحينئذ فيحبس القاتل حتى يبلغ.

وقال أكثر المتأخرين يراعى المصلحة، فإن اقتضت تعجيله جاز، لأن مصالح الطفل منوطة بنظر الولى، ولأن التأخير ربما استلزم تفويت القصاص وهو أجود.

‌مذهب الإباضية

(2)

:

ويقتص طفل بواسطة أبيه لا غيره، أى يقتص له أبوه من بالغ إن كان له أب وإلا اقتص أبو أبيه.

‌الأب والأذن لولده

فى الجهاد والحج وغيره

‌مذهب الشافعية

(3)

:

إن كان أحد أبويه مسلما لم يجز له أن يجاهد بغير إذنه، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه فى الجهاد فقال: «أحى والداك؟» قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد. وروى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال:

سألت النبى صلى الله عليه وسلم: أى الأعمال أفضل؟ فقال عليه الصلاة والسلام:

«الصلاة لميقاتها» قلت: ثم ماذا؟ قال:

«بر الوالدين» . قلت: ثم ماذا؟ قال:

«الجهاد فى سبيل الله» . فدل على أن بر الوالدين مقدم على الجهاد، ولأن الجهاد فرض على الكفاية ينوب عنه فيه غيره، وبر الوالدين فرض يتعين عليه لأنه لا ينوب عنه فيه غيره، ولهذا قال رجل لابن عباس رضى الله عنهما: إنى نذرت أن أغزو الروم وان أبوى منعانى، فقال:«أطع أبويك فإن الروم ستجد من يغزوها غيرك» .

وإن كان الأبوان كافرين جاز أن يجاهد من غير إذنهما، لأنهما متهمان فى الدين.

وإن كانا مملوكين فقد قال بعض أصحابنا إنه يجاهد من غير إذنهما، لأنه لا أذن لهما فى أنفسهما فلم يعتبر أذنهما لغيرهما، وقيل إنه لا يجوز أن يجاهد إلا بإذنهما لأن المملوك كالحر فى البر والشفقة فكان كالحر فى اعتبار الأذن.

وإن أراد الولد أن يسافر فى تجارة أو طلب علم جاز من غير إذن الأبوين لأن الغالب فى سفره السلامة.

وإن

(4)

أذن الوالد لولده ثم رجع أو كان كافرا فأسلم فإن كان ذلك قبل التقاء الزحفين لم يجز الخروج أى للجهاد إلا بالأذن، وإن كان بعد التقاء الزحفين ففيه قولان:

أحدهما: أنه لا يجوز أن يجاهد إلا بالأذن لأنه عذر يمنع وجوب الجهاد، فإذا طرأ منع من الوجوب كالعمى والمرض.

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 415، 416.

(2)

شرح النيل ج 8 ص 207.

(3)

المهذب ج 2 ص 245.

(4)

المرجع السابق ص 246.

ص: 144

والثانى: أنه يجاهد من غير أذن لأنه اجتمع حقان متعينان، وتعين الجهاد سابق فقدم.

وإن أحاط العدو بهم تعين فرض الجهاد وجاز من غير إذن الأبوين، لأن ترك الجهاد فى هذه الحالة يؤدى إلى الهلاك فقدم على حق الأبوين.

‌مذهب الحنابلة

(1)

:

لا يجاهد متطوعا من أبواه حران مسلمان عاقلان إلا بإذنهما وإن كان أحدهما حرا مسلما عاقلا لم يجاهد تطوعا إلا بإذنه، لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال:

جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أجاهد. فقال: «لك أبوان؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» . وروى البخارى معناه من حديث ابن عمرو. روى أبو داود عن أبى سعيد أن رجلا هاجر إلى النبى صلى الله عليه وسلم من اليمن فقال: «هل لك أحد باليمن؟» . فقال: أبواى. فقال: «أذنا لك؟» قال: لا. قال: «فارجع فاستأذنهما، فإن أذنا لك فجاهد، وإلا فبرهما.

ولأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية والأول مقدم إلا أن يتعين عليه الجهاد لحضور الصف أو حصر العدو أو استنفار الإمام له أو نحوه، فيسقط إذنهما، لأنه يصير فرض عين وتركه معصية، ولا طاعة للوالدين فى ترك فريضة، كتعلم علم واجب يقوم به دينه من طهارة وصلاة وصيام ونحو ذلك، وإن لم يحصل فله السفر لطلبه بلا أذنهما، لأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.

ولا إذن لجد ولا لجدة، فإن خرج فى جهاد تطوع بإذن والديه ثم منعاه منه بعد سيره وقبل تعينه عليه فعليه الرجوع، إلا أن يخاف على نفسه فى الرجوع، أو يحدث له عذر من مرض ونحوه، فإن أمكنه الإقامة فى الطريق أقام حتى يقدر على الرجوع فيرجع وإلا مضى مع الجيش، وإذا حضر الصف تعين عليه لحضوره، وسقط إذنهما.

وإن كانا كافرين فأسلما ثم منعاه كان كمنعهما بعد إذنهما على ما تقدم تفصيله.

‌مذهب الظاهرية

(2)

:

لا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين، إلا أن ينزل العدو بقوم من المسلمين ففرض على كل من يمكنه إغاثتهم أن يقصدهم مغيثا لهم، أذن الأبوان أم لم يأذنا، إلا أن يضيعا أو أحدهما بعده، فلا يحل له ترك من يضيع منهما. وروى البخارى: حدثنا آدم وحدثنا شعبة وحدثنا حبيب بن أبى ثابت قال: سمعت أبا العباس الشاعر وكان لا يتهم فى الحديث قال: سمعت عبد الله ابن عمرو بن العاص يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنه فى الجهاد، فقال له عليه الصلاة والسلام:

«أحى والداك؟» قال: نعم. قال: «ففيهما فجاهد» . ثم ذكر عن ابن عمر رضى الله عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

«السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة» .

‌مذهب الزيدية

(3)

:

حيث يكون الواجب آكد كالجهاد والنفقة

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 657.

(2)

المحلى ج 7 ص 292.

(3)

التاج المذهب ج 4 ص 416.

ص: 145

الواجبة أو نحوهما أو أفضل نحو أن يكون فى غير وطنه أقرب إلى الطاعات وأبعد عن الشبهات، فإنه يجب عليه الخروج للواجب، ويندب للمندوب. فإن كره الوالدان أو أحدهما خروجه فلا يصده كراهتهما عن الخروج ما لم يتضررا أو أحدهما بخروجه، سواء كان التضرر من جهة الإنفاق أو البدن لحدوث علة أو زيادتها أو بط ء برئها فلا يجوز خروجه، إذ طاعتهما آكد، وتضررهما محظور ولو كافرين غير حربيين.

وترك الواجب - وهو الخروج - أهون من فعل المحظور، وهو تضررهما. قال تعالى:«وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»

(1)

ولا يمتنع الخروج لتضرر الوالدين الحربيين كما لا يجب الإنفاق عليهما.

‌مذهب الأحناف

(2)

:

إذا تعين الجهاد بهجوم العدو فلا يحتاج الابن لإذن أبويه فى الخروج للجهاد فان لم يتعين فلا بد من إذنهما.

‌مذهب المالكية

(3)

:

للوالدين منع الولد من الجهاد إذا كان فرض كفاية. أما إذا كان الجهاد فرض عين فلا يحتاج لإذنهما ولو لم يكونا فى كفاية، وهو مذهب المدونة.

‌مذهب الأمامية

(4)

:

وللأبوين منع الولد من الجهاد إذا كان المقصود جهاد المشركين ابتداء لدعائهم للإسلام، إلا أن يتعين عليه الجهاد بأمر الإمام له أو بضعف المسلمين عن المقاومة بدونه، إذ يجب عليه حينئذ الجهاد عينا، فلا يتوقف على أذن الأبوين. أما جهاد من يدهم على المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلاءهم على بلادهم وأخذ مالهم وما أشبهه وإن قل فإنه لا يحتاج إلى أذن الأبوين.

‌مذهب الإباضية

(5)

:

أن تعين الجهاد على الابن واحتيج إليه ككونه إماما عادلا احتيج لحضوره، أو كان قائما بأمر من أمور الحرب لا يقوم به غيره - فإنه يخرج بدون إذن الأبوين. فإن كان له أبوان فقيران أو كبيران أو مريضان ولم يكن لهما غنى عن الابن - فالإقامة معهما أفضل من الجهاد وذلك حيث لم يتعين الجهاد. فإن كان لهما غنى عنه فإنه يخرج إلى الجهاد استحسانا ولو كرها لأنهما لا يمنعانه مما لم يمنعه الله منه.

‌هل للأب منع ولده من الحج وغيره:

‌مذهب الحنابلة

(6)

:

وليس للوالدين منع ولدهما من حج الفرض والنذر ولا تحليله منه، ولا يجوز للولد طاعتهما فيه، أى: فى ترك الحج، أو فى التحليل. وكذا كل ما وجب كصلاة الجماعة والجمع والسفر للعلم الواجب لأنها فرض عين، فلم يعتبروا فيه إذن الوالدين.

ولهما منعه من حج التطوع ومن كل سفر مستحب كالجهاد، وكما أن لهما منعه من الجهاد مع أنه فرض كفاية لأن بر الوالدين فرض عين، ولكن ليس لهما تحليله من حج

(1)

سورة العنكبوت: 8.

(2)

ابن عابدين ج 3 ص 304، 306.

(3)

الحطاب ج 3 ص 350.

(4)

الروضة البهية ج 1 ص 216 - 218.

(5)

شرح النيل ج 2 ص 586.

(6)

كشاف القناع ج 1 ص 552.

ص: 146

التطوع إذا شرع فيه، ويلزم طاعتهما فى غير معصية.

‌قتل الابن أباه الكافر فى الحرب

‌مذهب الشافعية

(1)

:

ويكره أن يقصد قتل ذى رحم محرم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أبا بكر من قتل ابنه. فإن قاتله لم يكره أن يقصد قتله، كما لا يكره إذا قصد قتله وهو مسلم. وإن سمعه يذكر اسم الله عز وجل أو رسوله صلى الله عليه وسلم بسوء لم يكره أن يقتله، لأن أبا عبيدة بن الجراح رضى الله عنه قتل أباه وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سمعته يسبك، ولم ينكر عليه.

‌مذهب الأحناف

(2)

:

يكره أن يبتدئ الرجل أباه من المشركين فيقتله، لقوله تعالى:«وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» ولأنه يجب عليه إحياؤه بالإنفاق فيناقضه الإطلاق فى إفنائه، فان أدركه امتنع عليه حتى يقتله غيره، لأن المقصود يحصل بغيره من غير اقتحام المأثم.

وان قصد الأب قتله بحيث لا يمكنه دفعه إلا بقتله فلا بأس به، لأن مقصوده الدفع، ألا ترى أنه لو شهر الأب المسلم سيفه على ابنه ولا يمكنه دفعه ألا بقتله يقتله لما بينا فهذا أولى.

‌مذهب الحنابلة

(3)

:

يقتل المسلم أباه وابنه ونحوهما من ذوى قرابته فى المعترك لأن أبا عبيده قتل أباه فى الجهاد فأنزل الله «لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ»

(4)

.

وإن سبى

(5)

غير البالغ مع أبويه فهو على دينهما لبقاء التبعية، وإن أسلم أبو حمل أو طفل أو مميز فالابن مسلم. لا إن أسلم جد وجدة فلا يحكم بإسلامه بذلك، أو أسلم أحدهما فمسلم أو مات أحدهما فى دارنا أو عدما أو عدم أحدهما بلا موت فمسلم فى الجميع للخبر السابق وانقطاع التبعية. وإذا بلغ من حكم بإسلامه تبعا لأبويه أو موته بدارنا عاقلا ممسكا عن الإسلام والكفر قتل قاتله لأنه مسلم معصوم الدم.

ومن أسلم

(6)

منهم قبل القدرة عليه أحرز ماله ودمه أو أسلم حربى فى دار الحرب أحرز دمه وماله ولو منفعة أجارة لقوله عليه الصلاة والسلام «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم» وأولاده الصغار والمجانين ولو حملا، فى السبى كانوا أو فى دار الحرب، للحكم بإسلامهم تبعا له، وإن دخل كافر دار الإسلام فأسلم وله أولاد صغار فى دار الحرب أو حمل صاروا مسلمين تبعا له ولم يجز سبيهم لعصمتهم بالإسلام.

‌مذهب الزيدية

(7)

:

لا يجوز أن يقتل مسلم ذو رحم رحمه من الكفار سواء كان يحرم عليه نكاحه لو

(1)

المهذب ج 2 ص 249.

(2)

الهداية ج 2 ص 117.

(3)

كشاف القناع ج 1 ص 661.

(4)

سورة المجادلة: 22.

(5)

كشاف القناع ج 1 ص 664.

(6)

المرجع السابق ص 665.

(7)

التاج المذهب ج 4 ص 431.

ص: 147

كان أنثى أم لا، وذلك كالأب وان علا والابن وإن سفل والإخوة والأعمام وبنيهم ونحو ذلك، لأن فى ذلك قطيعة رحم، إلا فى أحد وجهين فإنه يجوز قتله:

الأول: أن يقتله مدافعة عن نفسه أو عن غيره أو ماله أو مال غيره حيث لم يندفع إلا بالقتل.

أو يقتل رحمه بنفسه فإنه يجوز لئلا يحقد على من قتله من المسلمين لو قتله غيره فيؤدى إلى التباغض والشحناء بينه وبين غيره من سائر المسلمين.

وهذا هو الوجه الثانى من وجهى جواز قتل الرحم.

‌مذهب الإباضية

(1)

:

ولا يمنع الأبوان ولدهما عن طاعة ربه، ولا طاعة لهما فى ترك طاعته، ويأمرهما بالمعروف وينهاهما عن المنكر. وإذا وجب عليهما حد أو أدب أو حبس فالأولى أن يلى ذلك غيره، وكذا فى القتال إن تعرض له أبوه فالأولى ألا يقتله، وإن فعل ذلك فلا بأس عليه.

‌مذهب المالكية

(2)

:

وكره للرجل قتل أبيه أى دنية حالة كون ذلك الأب من البغاة، سواء كان مسلما أو لا، بارز ولده بالقتال أم لا. ولا يكره قتل أخيه أو جده أو ابنه.

‌مذهب الظاهرية

(3)

:

إذا رأى العادل أباه الباغى أو جده يقصد إلى مسلم يريد قتله أو ظلمه ففرض على الابن حينئذ إلا يشتغل بغيره عنه، وفرض عليه دفعه عن المسلم بأى وجه أمكنه، وإن كان فى ذلك قتل الأب والجد والأم.

‌الأب وعصمة إسلام ولده الصغير

‌مذهب المالكية

(4)

:

الحربى الذى أسلم وفر إلينا، أو بقى حتى غزا المسلمون بلده، ولده فئ إن حملت به أمه قبل إسلام أبيه.

‌مذهب الشافعية

(5)

:

إن بلغ صبى من أولاد أهل الذمة فهو فى أمان، لأنه كان فى الأمان بأمان أبيه، فلا يخرج منه من غير عناد.

فإن اختار أن يكون فى الذمة ففيه وجهان:

أحدهما: أن يستأنف له عقد الذمة، لأن العقد الأول كان للأب دونه فعلى هذا جزيته على ما يقع عليه التراضى.

والثانى: لا يحتاج إلى استئناف عقد، لأنه تبع الأب فى الأمان فتبعه فى الذمة.

وإن أسلم رجل وله ولد صغير تبعه الولد فى الإسلام، لقوله تعالى «وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمانٍ أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ»

(6)

وإن أسلم أحدهما - أى الأبوين - والولد حمل، تبعه فى الإسلام، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع المسلم منهما كالولد.

وإن أسلم أحد الأبوين دون الأخر تبع الولد المسلم منهما، لأن الإسلام أعلى، فكان إلحاقه بالمسلم منهما أولى. وإن لم يسلم واحد منهما فالولد كافر، لما روى أبو

(1)

شرح النيل ج 2 ص 594.

(2)

الشرح الكبير على الدسوقى ج 4 ص 300.

(3)

المحلى ج 11 ص 109.

(4)

الشرح الصغير ج 1 ص 334.

(5)

المهذب ج 2 ص 266.

(6)

سورة الطور: 21.

ص: 148

هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» .

فإن بلغ وهو مجنون فأسلم أحد أبويه تبعه فى الإسلام، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع الأبوين فى الإسلام كالطفل. وإن بلغ عاقلا ثم جن ثم أسلم أحد أبويه ففيه وجهان، أحدهما: أنه لا يتبعه لأنه زال حكم الاتباع ببلوغه عاقلا فلا يعود إليه.

والثانى: أنه يتبعه، وهو المذهب، لأنه لا يصح إسلامه بنفسه، فتبع أبويه فى الإسلام كالطفل. وإن سبى المسلم صبيا فإن كان أحد أبويه معه كان كافراً

(1)

.

‌مذهب الأحناف

(2)

:

من أسلم منهم فى دار الحرب أحرز بإسلامه نفسه وأولاده الصغار لأنهم مسلمون بإسلامه تبعا.

وإذا دخل الحربى

(3)

دارنا بأمان فأسلم ها هنا وله أولاد صغار - فإنهم يكونون مسلمين تبعا لإسلام أبيهم إذا كانوا فى يده وتحت ولايته، ومع تباين الدارين لا يتحقق ذلك. وإن أسلم فى دار الحرب ثم جاء فظهر على الدار فأولاده الصغار أحرار مسلمون تبعا لأبيهم، لأنهم كانوا تحت ولايته حين أسلم، إذ الدار واحدة. وما كان من مال أودعه مسلما أو ذميا فهو له، لأنه فى يد محترمة، ويده كيده، وما سوى ذلك فئ.

‌مذهب الظاهرية

(4)

:

إذا أسلم الحربى فأولاده الصغار مسلمون أحرار، وكذلك الذى فى بطن امراته إن كان الجنين لم ينفخ فيه الروح بعد فامرأته حرة لا تسترق، لأن الجنين حينئذ بعضها، ولا يسترق لأنه جنين مسلم، ومن كان بعضها حرا فهى كلها حرة، بخلاف حكمها إذا نفخ فيه الروح قبل إسلام أبيه، لأنه حينئذ غيرها، وهو ربما كان ذكرا وهى أنثى. وأى الأبوين الكافرين أسلم فكل من لم يبلغ من أولادهما مسلم بإسلام من أسلم منهما، الأم أسلمت أو الأب.

‌مذهب الزيدية

(5)

:

من أسلم من الحربيين أو دخل فى الذمة وهو حال إسلامه فى دارنا لم يحصن فى دارهم إلا طفله الموجود وولده المجنون حال الإسلام ولو بالغا، فلا يجوز للمسلمين إذا استولوا على دار الحرب أن يسبوا طفله أو ولده المجنون ولا مال طفله المنقول، لأنه قد صار مسلما بإسلام والده.

‌مذهب الإمامية

(6)

:

حكم الطفل حكم أبويه، فإن أسلما أو أسلم أحدها لحق بحكمه ولو أسلم حربى فى دار الحرب حقن دمه.

‌مذهب الحنابلة

(7)

:

وإذا أسلم أبوا الطفل الكافران أو أحدهما أو سبى الطفل منفردا عنهما حكم بإسلامه. وإن سبى مع أحدهما فى دار بإسلامه. وأن سبى مع أحدهما وهما على دينهما أو ماتا أو أحدهما فى دار الإسلام.

فهل يحكم بإسلامه؟ على روايتين.

والمميز كالطفل فيما ذكرنا نص عليه، وقيل لا يحكم بإسلامه حتى يسلم بنفسه كالبالغ. ولا يتبع الصغير جده ولا جدته فى الاسلام.

(1)

المهذب ج 2 ص 255، 256.

(2)

الهداية ج 2 ص 123.

(3)

الهداية ج 2 ص 132.

(4)

المحلى ج 7 ص 311.

(5)

التاج المذهب ج 4 ص 443.

(6)

المختصر النافع ص 114.

(7)

المحرر ج 2 ص 169.

ص: 149

‌الأب لا يحد بقذف ولده

‌مذهب الشافعية

(1)

:

إن قذف الوالد ولده أو قذف الجد ولد ولده لم يجب عليه الحد، وقال أبو ثور:

يجب عليه الحد لعموم الآية: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً، وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً، وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ}

(2)

».

والمذهب الأول، لأنه عقوبة تجب لحق الآدمى، فلم تجب للولد على الوالد كالقصاص. وإن قذف زوجته فماتت وله منها ولد سقط الحد، لأنه لما لم يثبت له عليه الحد بقذفه لم يثبت له. وإن كان لها ابن آخر من غيره وجب له لأن حد القذف يثبت لكل واحد من الورثة على الانفراد.

وإن مات من له الحد أو التعزير وهو ممن يورث انتقل ذلك إلى الوارث

(3)

.

‌مذهب الأحناف

(4)

:

إذا كان المقذوف محصنا جاز لابنه الكافر والعبد أن يطالب بالحد خلافا لزفر.

‌مذهب المالكية

(5)

:

ليس لمن قذفه أبوه أو أمه تصريحا حد والديه على الراجح وهو مذهب المدونة.

ومقابله يقول: له حدهما ويحكم بفسقه، وأما فى التعريض فلا يحد الأبوان اتفاقا.

‌مذهب الحنابلة

(6)

:

لا يحد الأبوان لولدهما وإن نزل فى قذف ولا غيره، فلا يرث الولد حد القذف على أبويه، كما لا يرث القود عليهما. فإن قذف أم أبنه وهى أجنبية منة أى غير زوجة له فماتت المقذوفة قبل استيفائه لم يكن لابنه المطالبة به عليه، لأنه إذا لم يملك طلبه بقذفه لنفسه فلغيره أولى، وكالقود فإن كان لها ابن آخر من غيره كان له استيفاؤه فله إذا ماتت بعد المطالبة لتبعضه أى لقبوله التجزئة بخلاف القود، ويحد الابن بقذف كل واحد من آبائه وأمهاته وإن علوا.

وإذا تشاتم

(7)

والد وولده لم يعزر الوالد لحق ولده، كما لا يحد بقذفه ولا يقاد به، ويعزر الولد لحق الوالد كما يحد لقذفه ويقاد به. ولا يجوز تعزيره إلا بمطالبة الوالد بتعزيره لأن للوالد تعزيره بنفسه، ولا يحتاج التعزير إلى مطالبة إلا فى هذه الصورة لأنه مشروع للتأديب فيقيمه الإمام إذا رآه.

‌مذهب الزيدية

(8)

:

لو كان القاذف والدا للمقذوف فإنه يلزمه الحد لقذف ابنه ولا يسقط لحق الأبوة، قال فى الغيث: فإن قيل لم حد للقذف ولم يقتص منه مع أنه لا شبهة له فى بدنه؟ قلنا:

القذف مشوب يحق الله تعالى والقصاص له محض.

‌مذهب الإمامية

(9)

:

لا يحد الأب لقذف ولده وإنما يعزر

‌مذهب الظاهرية

(10)

:

الحدود والقود واجبان على الأب للولد فى القذف والسرقة وقتله إياه وجرحه اياه فى أعضائه.

(1)

المهذب ج 2 ص 290.

(2)

سورة النور: 4.

(3)

المهذب ج 2 ص 292.

(4)

الهداية ج 2 ص 86، 96.

(5)

الشرح الصغير ج 2 ص 389.

(6)

كشاف القناع ج 2 ص 62.

(7)

كشاف القناع ج 4 ص 73.

(8)

التاج المذهب ج 4 ص 227.

(9)

المختصر النافع ص 299.

(10)

المحلى ج 11 ص 296.

ص: 150

‌الأب والقطع بالسرقة من مال ولده والعكس

‌مذهب الشافعية

(1)

:

من سرق من ولده أو ولد ولده وإن سفل أو من أبيه أو من جده وإن علا لم يقطع، وقال أبو ثور: يقطع لقوله عز وجل «وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»

(2)

» نعم ولم يخص. وهذا خطأ لقوله عليه الصلاة والسلام «ادرءوا الحدود بالشبهات» ، وللأب شبهة فى مال الابن، وللابن شبهة فى مال الأب، لأنه جعل ماله كماله فى استحقاق النفقة ورد الشهادة فيه، والآية نخصها بما ذكرناه.

‌مذهب الحنابلة

(3)

:

يشترط انتفاء الشبهة لقوله عليه الصلاة والسلام «ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» فلا يقطع بسرقة مال ولده وان سفل، ولا قطع لسرقة ولد مال والده وإن علا، لأن النفقة تجب للولد على الوالد فى مال والده حفظا له فلا يجوز إتلافه لحفظ ماله.

‌مذهب الأحناف

(4)

:

من سرق من أبويه أو ولده أو ذى رحم محرم منه لم يقطع.

‌مذهب المالكية

(5)

:

لا قطع إن قويت الشبهة كوالد سرق نصابا من ملك ولده فلا قطع بخلاف العكس.

وجاء فى حاشية الصاوى: إنما لم يقطع الأب لقوله فى الحديث «أنت ومالك لأبيك» .

‌مذهب الظاهرية

(6)

:

قال ابن حزم: قال أصحابنا: القطع واجب على من سرق من ولده أو من والديه.

‌مذهب الزيدية

(7)

:

ولا يقطع والد من النسب لولده إذا سرقه وكان الولد حراً وأن سفل الولد كابن الابن ومن تحته، ويقطع الوالد إذا سرق ولده العبد لأنه لا شبهة له فى ملك الغير، وكذا يقطع إذا سرق من مال ولده من الزنا، فأما الولد إذا سرق من مال أبويه فإنه يقطع عندنا كسائر المحارم.

‌مذهب الإمامية

(8)

:

يشترط فى قطع يد السارق ألا يكون والدا لمن سرق منه.

‌مذهب الإباضية

(9)

:

لا قطع على ولد إن سرق من بيت والده إن كان تحته ولم يحزه ولو لم يكونا فى منزل واحد ولو لم يسرق من منزل هما فيه، وإن أحازه قطع، ولا قطع على أبويه:

أبيه أو أمه مطلقا، ولو من منزل لم يسكنوا فيه.

(1)

المهذب ج 2 ص 299.

(2)

سورة المائدة: 38.

(3)

كشاف القناع ج 4 ص 84.

(4)

الهداية ج 2 ص 105.

(5)

الشرح الصغير ج 2 ص 392.

(6)

المحلى ج 11 ص 343.

(7)

التاج المذهب ج 4 ص 251.

(8)

المختصر النافع ص 223.

(9)

شرح النيل ج 8 ص 75.

ص: 151

‌الأب والقضاء لولده أو عليه وبالعكس

‌مذهب الشافعية

(1)

:

لا يجوز أن يحكم لوالده وإن علا ولا لولده وإن سفل، وقال أبو ثور: يجوز، وهذا خطأ، لأنه متهم فى الحكم لهما كما يتهم فى الحكم لنفسه. وإن تحاكم والد القاضى مع ولد القاضى إليه فقد قال بعض أصحابنا أنه يحتمل وجهين:

أحدهما: أنه لا يجوز كما لا يجوز إذا حكم له مع أجنبى.

والثانى: أنه يجوز لأنهما استويا فى التعصيب فارتفعت عنه تهمة الميل. وإن أراد أن يستخلف فى أعماله والده أو ولده جاز، لأنهما يجريان مجرى نفسه ثم يجوز أن يحكم فى أعماله، فجاز أن يستخلفهما للحكم فى أعماله. وأما إذا فوض الإمام إلى رجل أن يختار قاضيا لم يجز أن يختار والده أو ولده، لأنه لا يجوز أن يختار نفسه فلا يجوز أن يختار والده أو ولده.

‌مذهب الأحناف

(2)

:

حكم الحاكم لأبوية وزوجته وولده باطل، والمولى والمحكم فيه سواء، وهذا لأنه لا تقبل شهادته لهؤلاء لمكان التهمة، فكذلك لا يصح القضاء له، بخلاف ما إذا حكم عليه، لأنه تقبل شهادته عليه لانتفاء التهمة، فكذا القضاء.

‌مذهب المالكية

(3)

:

لا يحكم الحاكم لمن لا يشهد له كأبيه وابنه، وجاز أن يحكم عليه.

‌مذهب الحنابلة

(4)

:

ليس لمن ولاه الإمام تولية القضاة أن يولى نفسه ولا والده ولا ولده.

‌الأب وشهادته لولده وعليه والعكس

‌مذهب الشافعية

(5)

:

ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا، ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا. وقال المزنى وأبو ثور. تقبل، ووجهه قوله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ}

(6)

» فعم ولم يخص، ولأنهم كغيرهم فى العدالة فكانوا كغيرهم فى الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابن عمر رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى أحنة» .

والظنين: المتهم، وهذا متهم لأنه يميل إليه ميل الطبع، ولأن الولد بضعة من الوالد، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام:«يا عائشة إن فاطمة بضعة منى، يريبنى ما يريبها» .

ولأن نفسه كنفسه، وماله كماله، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لأبى معشر الدارمى:

«أنت ومالك لأبيك» وقال عليه الصلاة والسلام «إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه» ولهذا يعتق عليه إذا ملكه، ويستحق عليه النفقة اذا احتاج، والآية نخصها بما ذكرناه.

والاستدلال بأنهم كغيرهم فى العدالة يبطل بنفسه، فإنه كغيره فى العدالة، ثم لا تقبل شهادته لنفسه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر فى جميع الحقوق. ومن أصحابنا من

(1)

المهذب ج 2 ص 309.

(2)

الهداية ج 3 ص 87.

(3)

الشرح الصغير ج 2 ص 311.

(4)

كشاف القناع ج 4 ص 172.

(5)

المهذب ج 2 ص 347.

(6)

سورة البقرة: 282.

ص: 152

قال: لا تقبل شهادة الولد على الوالد فى إيجاب القصاص وحد القذف، لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه، فلا يلزمه ذلك بقوله. والمذهب الأول، لأنه إنما ردت شهادته له للتهمة، ولا تهمة فى شهادته عليه.

‌مذهب الأحناف

(1)

:

لا تقبل شهادة الوالد لولده وولد ولده، ولا شهادة الولد لأبويه وأجداده، والأصل فيه قوله عليه الصلاة والسلام «لا تقبل شهادة الولد لوالده، ولا الوالد لولده، ولا المرأة لزوجها، ولا الزوج لامرأته، ولا العبد لسيده، ولا المولى لعبده، ولا الأجير لمن استأجره» ولأن المنافع بين الأولاد والأباء متصلة، ولهذا لا يجوز آداء الزكاة إليهم، فتكون شهادة لنفسه من وجه أو تتمكن فيه التهمة.

‌مذهب الحنابلة

(2)

:

موانع الشهادة ستة أشياء، أحدها قرابة الولادة، فلا تقبل شهادة عمودى النسب بعضهم لبعض من والد وان علا، ولو من جهة الأم كأب الأم وابنه وجده، ومن ولد وإن سفل من ولد البنين والبنات، لأن كلا من الوالدين والأولاد متهم فى حق صاحبه، لأنه يميل إليه بطبعه، بدليل قوله عليه الصلاة والسلام:«فاطمة بضعة منى يريبنى ما أرأبها» وسواء اتفق دينهم أو اختلف، وسواء جر بها نفعا للمشهود له أو لا كقذف وعقد نكاح، إلا الولد من زنا أو رضاع، فتقبل شهادة الولد لأبيه من زنا أو رضاع وعكسه، لعدم وجوب الإنفاق والصلة وعتق أحدهما على صاحبه. وتقبل شهادة بعضهم على بعض، لقوله تعالى «كُونُوا قَوّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}

(3)

» ولأن شهادته عليه لا تهمة فيها وهى أبلغ فى الصدق كشهادته على نفسه.

‌مذهب المالكية

(4)

:

لا تصح شهادة لمتأكد القرب لاتهامه بجر النفع لقريبه كوالد لولده وإن علا كالجد وأبيه، وولد لوالده وإن سفل كابن الابن أو البنت وزوجها، فلا يشهد الوالد لزوجة ابنه ولا لزوج ابنته ولا الولد لزوجة أبيه وزوج أمه.

‌مذهب الزيدية

(5)

:

تجوز شهادة الابن لأبيه والأب لابنه الكبير لا الصغير.

‌الأب ومسائل الإقرار بالنسب أو الإرث

‌مذهب الأحناف

(6)

:

ومن أقر بغلام يولد مثله لمثله وليس له نسب معروف أنه ابنه وصدقه الغلام - ثبت نسبه منه وإن كان مريضا، لأن النسب مما يلزمه خاصة، فيصح إقراره به، وشرط أن يولد مثله لمثله، كى لا يكون مكذبا فى الظاهر، وشرط ألا يكون له نسب معروف،

(1)

الهداية ج 3 ص 98.

(2)

كشاف القناع ج 4 ص 261.

(3)

سورة النساء: 135.

(4)

الشرح الصغير ج 2 ص 319.

(5)

التاج المذهب ج 4 ص 76.

(6)

الهداية ج 3 ص 153.

ص: 153

لأنه يمنع ثبوته من غيره، وإنما شرط تصديقه، لأنه فى يد نفسه إذ المسألة فى غلام يعبر عن نفسه بخلاف الصغير. ولا يمتنع بالمرض، لأن النسب من الحوائج الأصلية، ويشارك الورثة فى الميراث، لأنه لما ثبت نسبه منه صار كالوارث المعروف فيشارك ورثته ويجوز إقرار الرجل بالوالدين والولد والزوجة والمولى

(1)

.

‌مذهب الحنابلة

(2)

:

إن أقر مكلف بنسب صغير أو مجنون مجهول النسب بأن قال إنه ابنى وهو يحتمل أن يولد لمثل المقر بأن يكون أكبر ممن أقربه بعشر سنين فأكثر ولم ينازعه منازع - ثبت نسبه منه، لأن الظاهر أن الشخص لا يلحق به من ليس منه كما لو أقر بمال. وإن كان الصغير أو المجنون المقر به ميتا ورثه، لأن سبب ثبوت النسب مع الحياة الإقرار، وهو موجود هنا. وإن كان المقر به كبيراً عاقلا لم يثبت نسبه من المقر حتى يصدقه، لأن له قولا صحيحا فاعتبر تصديقه، كما لو أقر له بمال. وإن كان ميتا ثبت إرثه ونسبه لأنه لا قول له فأشبه الصغير.

‌مذهب الزيدية

(3)

:

لو أقر بصغير كان الصغير فى حكم المصدق، لأنه فى حال الصغر لا يصح منه الإنكار. فإذا بلغ ولم يصدق فإنه يبطل الإقرار ولو حكم الحاكم، لأن الحكم مشروط بالتصديق. ومن أقر بأحد توأمين أنه ابنه وصدقه لزمه الثانى ولو كذبه، لأنه إذا ثبت نسب أحدهما ثبت نسب الثانى.

‌مذهب الشافعية

(4)

:

وإن هنأه رجل بالولد فقال: بارك الله لك فى مولودك وجعله الله لك خلفا مباركا، وأمن على دعائه، أو قال استجاب الله دعاءك - سقط من النفى (أى نفى نسب الولد)، لأن ذلك يتضمن الإقرار به.

‌مذهب الشافعية

(5)

:

الإقرار بالنسب يشترط فيه أهلية المقر للإقرار، ببلوغه وعقله وإمكان إلحاق المقر به بالمقر شرعا. ويشترط التصديق، أى تصديق المقر به للمقر فى دعواه النسب، فيما عدا الولد الصغير ذكرا كان أم أنثى، والمجنون كذلك، والميت.

‌مذهب الإباضية:

ومذهب الإباضية كالأحناف.

‌مذهب المالكية

(6)

:

وإذا أقر أن مجهول النسب ابنه لحق به الولد إن لم يكذبه عقل لصغره أى مدعى الأبوة. أو عادة كاستلحاقه من ولد ببلد بعيدة جدا يعلم أنه لم يدخلها أو شرع، فلو

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 154.

(2)

كشاف القناع ج 4 ص 299، 300.

(3)

التاج المذهب ج 4 ص 44 وما بعدها.

(4)

المهذب ج 2 ص 123.

(5)

الروضة البهية ج 2 ص 225.

(6)

الدردير ج 2 ص 181.

ص: 154

كان مجهول النسب المستلحق (بالفتح) رقا أو مولى (أى عتيقا) لمكذبه، أى لشخص كذب الأب المستلحق له - لم يصدق مدعى أبوته، لأنه يتهم على نزعه من مالكه آو الحائز لولائه.

‌مذهب الظاهرية

(1)

:

وإقرار المريض فى مرض موته وفى مرض أفاق منه لوارث ولغير وارث نافذ من رأس المال كإقرار الصحيح ولا فرق.

‌الأب والميراث

فيه مباحث:

أولا: أن الأب أحد الأفراد الخمسة الذين لا يحجبون عن الميراث بغيرهم بحال.

ثانيا: يرث الأب تارة بالفرض فقط، ويرث تارة بالتعصيب فقط، ويرث تارة بهما معا فله فى الارث ثلاثة أحوال:

1 -

بالفرض فقط.

2 -

بالتعصيب فقط.

3 -

بهما معا.

الحالة الأولى: يرث بالفرض إذا كان للميت فرع وارث ذكر. يكون للأب السدس فرضا، لأنه وإن كان من العصبة إلا أن مرتبته من عصوبة الإرث مؤخرة عن عصوبة البنوة، قال تعالى «وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ»

(2)

.

الحالة الثانية: يرث بالتعصيب فقط إذا لم يكن للميت فرع وارث ذكر أو أنثى، فيأخذ التركة كلها إن انفرد، ويأخذ الباقى بعد ذوى الفروض أن كان معه ذو فرض.

الحالة الثالثة: يرث بالفرض والتعصيب معا إذا كان للميت فرع وارث أنثى، فيأخذ الأب فرضه السدس أولا، ثم يقف عاصبا يرصد ما بقى من أصحاب الفروض، فإن بقى شئ أخذه بالتعصيب، وان لم يبق شئ من أصحاب الفروض أقتصر الأب على السدس الذى ورثه بالفرض فقط، يأخذه الأب فرضا ولم يبق له شئ يأخذه بالتعصيب.

ثالثا: لا يحجب الأب فرع الميت ذكراً أو أنثى وإن نزل، ولا يحجب الأم وإن علت، ولا يحجب الزوج ولا الزوجة، ويحجب من عدا هؤلاء.

(1)

المحلى ج 8 ص 254.

(2)

سورة النساء: 11.

ص: 155

‌إباحة

‌الإباحة عند أهل اللغة:

ذكر علماء اللغة للإباحة عدة معان نذكر منها ما يتصل بمعناها الفقهى وذلك قولهم:

«أبحتك الشئ أحللته لك، وأباح الشئ أطلقه»

(1)

.

‌الإباحة عند الأصوليين:

ينظر الأصوليون للإباحة باعتبار أنها مأخوذة من أبحتك الشئ بمعنى أحللته لك وأطلقتك فيه.

ويعرفونها بأنها: التخيير بين فعل الشئ وتركه. وهذا مفاد تعريف الإمام الغزالى للجواز الذى هو مرادف للإباحة عنده إذ يقول

(2)

: إن حقيقة الجواز مرادف للإباحة.

ثم يقول: إن الجواز هو التخيير بين الفعل والترك بتسوية الشرع.

وقد ارتضى كل من البيضاوى والإسنوى هذا التعريف وقالا

(3)

: لا اعتراض عليه.

لكن الآمدى اعترض عليه بأنه تعريف غير مانع لدخول الواجب المخير والموسع فيه، (انظر مصطلح واجب).

وقال

(4)

: إن الأقرب لسلامة التعريف أن يزاد فيه قيد «من غير بدل» ليخرج ما عدا الإباحة فيكون التعريف: الإباحة هى التخيير بين فعل الشئ وتركه من غير بدل.

والشاطبى رأى ما رآه الآمدى من فساد التعريف المذكور ورأى

(5)

زيادة قيد من غير مدح ولا ذم لا على الفعل ولا على الترك» ويكون تعريفها «التخيير بين فعل الشئ وتركه من غير مدح ولا ذم لا على الفعل ولا على الترك» .

وهناك تعريف آخر نقله الآمدى أيضا يفيد إن الإباحة أعلام الفاعل أو دلالته أنه لا ضرر عليه فى فعل الشئ أو تركه ولا نفع له فى الآخرة.

ولابن السبكى تعريف للإباحة قريب من هذا. وكذا منلا خسرو، وعبيد الله بن مسعود صدر الشريعة. والشوكانى

(6)

.

لكن الآمدى نص على أنه تعريف غير جامع لأنه يخرج عن حد الإباحة ما خير الشارع فيه مع اشتمال الفعل أو الترك على ضرر، كما يخرن عنها ما دل الدليل على الاستواء فيه فى الدنيا والآخرة.

ثم انته الآمدى بوضع تعريف للإباحة بأنها «دلالة خطاب الشارع على التخيير بين فعل الشئ وتركه من غير بدل» .

‌الإباحة عند الفقهاء:

يستعمل الفقهاء لفظ الإباحة كثيرا وخاصة الأحناف عند الكلام عن الحظر والإباحة، ونقل كل من الميدانى وأبى بكر اليمنى والحصكفى عن عبد الله بن مودود الموصلى أن الإباحة ضد الحظر وأن المباح

(1)

يراجع القاموس المحيط ولسان العرب وغيرهما

(2)

المستصفى ج 1 ص 74 المطبعة الأميرية.

(3)

المنهاج وشرحه بهامش التقرير والتحبير ج 1 ص 31، 36.

(4)

الأحكام لأصول الأحكام ج 1 ص 175، 178 طبع دار الكتب بمصر.

(5)

الموافقات ج 1 ص 68، 69 المطبعة السلفية سنة 1341.

(6)

جمع الجوامع لابن السبكى ج 1 ص 105 الطبعة الأولى سنة 1316.

مرآة الأصول، شرح مرقاة الوصول لمنلا خسرو ص 278 طبع الآستانة سنة 1296.

التنقيح والتوضيح لصدر الشريعة ج 3 ص 75 الطبعة الأولى سنة 1332.

إرشاد الفحول للشوكانى الطبعة الاولى ص 6.

ص: 156

ما أجيز للمكلفين فعله وتركه بلا استحقاق ثواب ولا عقاب أو مأخذ فيه

(1)

.

وفسر العينى الاباحة بأنها «الإطلاق فى مقابلة الحظر الذى هو المنع»

(2)

. وسلك مسلكه فى هذا كل من قاضى زاده

(3)

وشيخ زاده، وقد ورد هذا التعبير أيضا فى عبارة صاحب الاختيار حيث قال

(4)

وهو بصدد التعليل لتسمية صاحب القدورى مسائل باسم الحظر والإباحة: «هو صحيح لأن الحظر المنع، والإباحة الإطلاق»

(5)

.

فتفسير العيني ومن سلك مسلكه للإباحة لوحظ فيه المعني اللغوى الذى هو الإطلاق سواء أكان من جانب الله أم من جانب العباد، فهو أعم من التعريف الأول للفقهاء الذى قصروا الإباحة فيه على تخيير الله لعباده.

وعلى التعريف الفقهى الثانى تكون الإباحة لمعنى الإذن وهو ما جرى عليه الشريف الجرجانى فى تعريفها حيث قال

(6)

:

«الإباحة الإذن بإتيان الفعل كيف شاء الفاعل» .

فالإباحة ليست إجراء تعاقديا، فلا يشترط فيها أن يكون المأذون له معينا معلوما للإذن وقت الإذن لا بشخصه ولا باسمه، فمن يضع الجوابى والأباريق على قارعة الطريق مملوءة بالماء فانه يبيح بذلك لكل من يمر أن يشرب منها دون تعيين للمأذون له لا بالاسم ولا بالوصف.

وكذلك فان الإباحة جائزة، كما يقول أبن حزم الظاهرى

(7)

فى المجهول، وذلك كطعام يدعى إليه قوم يباح لهم أكله ولا يدرى كم يأكل كل منهم.

وقال: أن هذا منصوص من عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فقد قال:«من شاء أن يقتطع إذا نحر الهدى، كما أمر المرسل بالهدى إذا عطب أن ينحره ويخلى بينه وبين الناس» .

‌صيغ الإباحة:

بتتبع ألفاظ القرآن لم نجد كلمة الإباحة ولا شيئا مما تصرف منها بفعل أو مشتق، وإنما يوجد فى أساليب القرآن، كما يوجد فى السنة النبوية الكريمة ما يدل عليها، ولا سبيل إلى حملها على غير الإباحة، على ما تفيده عبارات المفسرين وإفهام الفقهاء ومن ذلك نفى كل الحرج ونفى الجناح والإثم والمؤاخذة والحنث والسبيل والبأس وكثيرا ما استعمل الفقهاء كلمة لا بأس بمعنى الإباحة فى كتب الفقه، ومن ذلك قول صاحب الاختيار

(8)

: ولا بأس بتوسه

(1)

راجع:

للميدانى اللباب شرح الكتاب المطبعة الأزهرية سنة 1927 م ص 384 ولأبى بكر اليمنى:

الجوهرة النيرة طبع الاستانة سنة 1304 هـ ج 2 ص 382. وللحصكفى: الدر المختار ج 3 ص 609 المطبعة المليحية بمصر. ولعبد الله بن مودود: الاختبار ج 3 ص 127 مطبعة الحلبى سنة 1355 هـ.

(2)

رمز الحقائق ج 2 ص 265.

(3)

راجع القاضى زاده: نتائج الأفكار تكملة فتح القدير على الهداية ج 8 ص 79 المطبعة التجارية، ولشيخ زاده مجمع الأنهر طبع الآستانة ج 2 ص 523.

(4)

الاختبار ج 3 ص 108.

(5)

والواقع أن هذا لا يعتبر تعريفا منه للإباحة بناء على تعريفه السابق الذى نقل عنة فى الكتب ولا سيما أنه عبر عنه فى ص 127 بما يفيد أن المباح هو الذى لا أجر فيه ولا وزر، فقولة الحظر المنع إذن يكون مجرد تفسير لغوى لبيان المناسبة.

(6)

التعريفات الجرجانية ص 2 المطبعة الخيرية الطبعة الأولى.

(7)

المحلى ج 9 ص 163 مطبعة الامام سنة 1964 م

(8)

الاختيار شرح المختار ج 3 ص 222.

ص: 157

الحرير وافتراشه، ولا بأس بلبس ما سداه إبريسم ولحمته قطن أو خز، ومثله فى درر المنتقى

(1)

.

وهناك أساليب يترجح فيها معنى الإباحة ومنها إثبات الحل، فانه وإن كان صالحا للاستعمال فى الإباحة وغيرها مما ليس بحرام، فإن السياق والقرينة هما اللذان يحددان الغرض، ولذلك قال الفقهاء فى الحديث الذى رواه أبو داود وابن ماجة عن عبد الله بن عمر عن الرسول:«إن أبغض الحلال إلى الله الطلاق» : أن الطلاق مباح.

ومن الأساليب التى يترجح فيها معنى الإباحة نفى التحريم مثل قوله تعالى: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ}

(2)

». ونفى النهى مثل قوله تعالى: «لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ}

(3)

». والاستثناء من التحريم الصريح مثل قوله تعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ»

(4)

.

والاستثناء الضمنى من التحريم الصريح كما فى قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ» إلى قوله: «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»

(5)

.

فقد صرح القرطبى المالكى

(6)

باعتبار هذا الأسلوب إباحة حيث قال: فاشترط فى إباحة الميتة للضرورة ألا يكون باغيا.

ومن الألفاظ التى يستفاد منها الإباحة صيغة الأمر، وقد نقل الآمدى

(7)

عن بعض الأصوليين أن صيغة الأمر وضعت حقيقة لإفادة الإباحة، وأنها تفيد غيرها بطريق المجاز، وتحتاج فى إفادتها غير الإباحة إلى قرينة.

ومنهم من قال أنها حقيقة فى الطلب مجاز فيما سواه ودلالة صيغة الأمر على الإباحة تعتبر مجازية عند من يقول أن الأمر موضوع للندب وهو أبو هاشم الجبائى والمعتزلة ورواية عن الشافعى.

وكذلك تعتبر مجازيه على رأى الماتريدى وأتباعه الذين يقولون أن صيغة الأمر موضوعة فى الأصل للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب، فإنها تفيد الاباحة بطريق المجاز، ويحتاج فى افادة ذلك الى قرينة. وكذلك بالنسبة للقائلين بأن صيغة الأمر مشتركة بين كل من الوجوب والندب، أى موضوعة لكل على حدة، فإنها تكون مجازا أيضا فى استعمالها للإباحة.

وحتى عند القائلين بأن صيغة الأمر مشتركة فى إفادة الوجوب والندب والإباحة حقيقة والقائلين بأنها مشتركة فى إفادة ذلك وفى إفادة التهديد أيضا فإن استعمالها فى الإباحة وإن كان حقيقيا عندهم إلا أنه يحتاج إلى قرينة باعتباره مشتركا، إذ المشترك لا يستعمل إلا بقرينة دفعا للبس، وبذا يكون لا بد من القرينة فى استعمال

(1)

درر المنتقى ج 2 ص 525 مطبوع بهامش مجمع الأنهر طبع الآستانة.

(2)

سورة الأعراف: 32.

(3)

سورة الممتحنة: 8.

(4)

سورة الأنعام: 119.

(5)

المائدة: 3.

(6)

القرطبى ج 2 ص 216 طبع دار الكتب الطبعة الأولى.

(7)

الأحكام فى أصول الاحكام ص 208.

ص: 158

الأمر للإباحة سواء قلنا انه مجاز أو مشترك

(1)

.

ويقول البيضاوى

(2)

: إن صيغة الأمر تستعمل فى الإباحة نحو «كلوا من الطيبات

(3)

» وعلى على ذلك الأسنوى بقوله: يجب أن تكون الإباحة معلومة من غير الأمر حتى تكون قرينة لحمله على الإباحة كما وقع العلم به هنا.

وقد نقل الشوكانى

(4)

عن بعض الأصوليين أن صيغة الأمر مشتركة اشتراكا لفظيا بين الوجوب والندب والإباحة وأن المرتضى من الشيعة قال إنها للقدر المشترك بين الوجوب والندب والإباحة وأن جمهور الشيعة قالوا إنها مشتركة بين الثلاثة المذكورة والتهديد وهو محكى عن ابن سريج. ومن استعمالات الأمر فى الإباحة بالقرينة قول الله تعالى:

«وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا»

(5)

بقرينة أنه كان ممنوعا وقت الاحرام بقوله تعالى: «غير ولهذا يقول الأصوليون: ان الأمر بعد {مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ»

(6)

.

الحظر يفيد الإباحة

(7)

فإن ورد الأمر بعد حظر لمتعلقه أو استئذان فيه - على رأى الرازى - فهو للإباحة حقيقة لتبادرها الى الذهن فى ذلك، وقيل للوجوب، ومما جاء دالا على الإباحة قوله صلوات الله عليه فيما رواه الطبرانى عن شداد بن أوس «صلوا فى نعالكم ولا تشبهوا باليهود». فالأمر هنا يدل على الإباحة ويفيد أن الصلاة بالنعل جائزة على سبيل الإباحة ما دامت طاهرة. وقد علق على ذلك الحديث العلقمى بقوله: صلوا فى نعالكم إن شئتم، فالأمر للإباحة، فالصلاة بالنعل جائزة حيث لا نجاسة

(8)

.

ويقول الآمدى

(9)

: إذا وردت صيغة أفعل «الأمر» بعد الحظر فمن قال أنها للوجوب قبل الحظر اختلفوا، فمنهم من أجراها على الوجوب، ومنهم من قال أنها للإباحة وهم أكثر الفقهاء، ومنهم من توقف كامام الحرمين. وذكر من أمثلة ذلك قوله تعالى:«وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» «فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا»

(10)

«فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا»

(11)

وقوله عليه الصلاة والسلام:

«كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى، فادخروا» .

ثم رجح احتمال الحمل على الإباحة نظرا إلى غلبة ورود مثل ذلك للإباحة دون الوجوب.

ومن الألفاظ التي تستفاد منها الإباحة:

النهى بعد الوجوب على بعض الآراء.

قال السبكى والمحلي فى جمع الجوامع وشرحه: إن النهى بعد الوجوب للتحريم عند الجمهور، وقيل للكراهة، وقيل للاباحة، نظرا الى أن النهى عن الشئ بعد وجوبه يرفع طلبه فيثبت التخيير فيه.

وجاء فى تقرير الشربينى على جمع الجوامع بهذا الصدد: «ان الوجوب لشئ إذا نسخ بقى الجواز بمعني عدم الحرج فى الفعل والترك، وقيل تبقى الإباحة فقط، كما قالوا

(1)

راجع مختصر الأصول لابن الحاجب ج 1 ص 428

(2)

المنهاج ج 1 ص 253 بهامش التقرير.

(3)

سورة المؤمنون: 51.

(4)

إرشاد الفحول ص 89.

(5)

سورة المائدة: 2.

(6)

سورة المائدة: 1.

(7)

جمع الجوامع وشرحه ج 1 ص 431.

(8)

العزيزى على الجامع الصغير ج 2 ص 255.

(9)

الأحكام ج 2 ص 260.

(10)

سورة الاحزاب: 53.

(11)

سورة الجمعة: 10.

ص: 159

بالنسبة لنسخ الوجوب فى آية الوصية، وقيل يبقى الاستحباب.

وجاء فى المنهاج للبيضاوى وشرحه للأسنوى

(1)

: إن القائلين بالإباحة فى الأمر بعد الحظر اختلفوا فى النهى بعد الوجوب فمنهم من طرد القياس، وحكم بالإباحة، لأن تقدم الوجوب قرينة، ومنهم من حكم بأنه للتحريم كما لو ورد إبتداء.

وقالوا: إن مما يدل على الإباحة استعمال مادة المشيئة فى مثل قوله تعالى:

«تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ}

(2)

»، فإنها تفيد إباحة ترك الرسول صلوات الله عليه القسم بين زوجاته، وذلك إذا لم تكن هناك قرينة تدل على أن المراد التهديد كما فى قوله تعالى: «فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ}

(3)

» فى مسألة المباح.

ومما يؤيد ذلك قول الغزالى

(4)

: ان من الأفعال ما صرح الشارع فيه، وقال إن شئتم فافعلوه، وإن شئتم فاتركوه، ومنها ما لم يرد فيه خطاب بالتخيير، لكن دل دليل السمع على نفى الحرج فى فعله وتركه.

ومما يدل على الإباحة من غير لفظ أفعال الرسول فى بعض أنواعها فقد نص الآمدى

(5)

على أن ما كان من الأفعال الجبلية أى الطبيعية كالقيام والقعود والأكل والشرب ونحوه، فلا نزاع فى كونه على الإباحة بالنسبة إلى النبى وإلى أمته.

ويقول الشوكانى

(6)

: إن ما لا يتعلق بالعبادات ووضح فيه أمر الجبلية كالقيام والقعود ونحوها فليس فيه تأس ولا به اقتداء ولكنه يدل على الإباحة عند الجمهور ثم أورد خلافا لغيرهم فى ذلك فقد نقل الباقلانى عن قوم أنه مندوب وقال كذا حكاه الغزالى فى كتابه المنخول، وقال:

كان عبد الله بن عمر يتتبع مثل هذا ويقتدى به كما هو معروف عنه.

وأما تقرير النبى عليه الصلاة والسلام:

فإن ما سكت النبى عنه ولم يكن قد سبق منه النهى عنه ولا عرف تحريمه فإن سكوته عنه يدل على إباحته، ومثل الشوكانى

(7)

لذلك بأكل العنب بين يدى الرسول ونقل عن أبن القشيرى أن هذا مما لا خلاف فيه

يقول الآمدى

(8)

: إن ما أقره النبى ولم يكن قد سبق منه النهى ولا عرف تحريمه فسكوته عن فاعله وتقريره له يدل على جوازه ورفع الحرج عنه لأنه لو لم يكن فعله جائزا لكان تقريره له عليه مع القدرة على إنكاره حراما على النبى عليه الصلاة والسلام، فحيث لم يوجد منه ذلك دل على الجواز غالبا.

‌الصلة بين الإباحة والتخيير والحل

والجواز والصحة والعفو

‌الصلة بين الإباحة والتخيير:

الإباحة عند الأصوليين هى التخيير بين الفعل والترك من غير ثواب ولا عقاب على ما تقدم، أما التخيير فهو أعم من ذلك لأنه تارة يكون على سبيل الإباحة وتارة يترتب على الترك عقاب، وعلى الفعل ثواب فى

(1)

المنهاج للبيضاوى وشرحه للأسنوى ج 1 ص 269

(2)

سورة الأحزاب: 51.

(3)

سورة الكهف: 29.

(4)

المستصفى ج 1 ص 75.

(5)

الأحكام فى أصول الأحكام ج 1 ص 270.

(6)

إرشاد الفحول ص 33.

(7)

إرشاد الفحول ص 29.

(8)

الأحكام فى أصول الاحكام ج 1 ص 270

ص: 160

الجملة كتزويج البكر الطالبة للنكاح من أحد الكفأين الخاطبين، وعند الإمامة لأحد الإمامين الصالحين

(1)

. (انظر «تخيير»).

2 -

‌ الصلة بين لفظي الإباحة والحل:

الحل ومشتقاته يستعمل فى لسان الشرع بمعنى ما يقابل التحريم ومشتقاته، ومن ذلك قوله تعالى:«وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا»

(2)

.

ومقتضى ذلك أن الحلال مقابل للحرام وقسيم له فوجب أن يشمل الحلال كل ما عدا الحرام فيكون أعم من المباح، وهذا ما فهمه الفقهاء وظهر فى عباراتهم واضحا

(3)

‌الصلة بين لفظي الإباحة والجواز:

الغزالى يرى أن لفظ الجواز مرادف للفظ الإباحة حيث يقول إن حقيقة الجواز التخيير بين الفعل والترك والتسوية بينهما بتسوية الشرع.

ولكن الأحناف يرون

(4)

أنه مرادف للحل وأعم من الإباحة (انظر جواز).

‌الصلة بين لفظي الإباحة والصحة:

يرد البيضاوى الصحة إلى الإباحة فيقول

(5)

: الصحة إباحة الانتفاع.

أما جمهور الأصوليين فإنهم يرون أن الصحة وصف للفعل الذى يقع من المكلف إن كان مستجمعا لشرائطه فهى من الأحكام الوضعية أو العقلية كما يرى بعض الأصوليين

(6)

، بينما الإباحة من الأحكام التكليفية (أنظر: صحة. حكم).

‌الصلة بين لفظى الإباحة والعفو:

لما كان ما فى مرتبة العفو ليس مطلوبا فعله ولا تركه التبس بالمباح لرفع المؤاخذة فى كل وإن لم يكن العفو من الأقسام الخمسة التكليفية: الواجب، المندوب، المباح، المكروه، الحرام

على ما بينه الشاطبى

(7)

.

وأدخل الشاطبى فى مرتبة العفو كل فعل صدر عن غافل أو ناس أو مخطئ. وقال:

أن مما يظهر فيه معنى العفو الرخص، لا فرق بين أن تكون الرخصة مباحة أو مطلوبة، فلفظ العفو مما يتردد ذكره فى الشريعة الإسلامية، وهو قريب المعنى من المباح، وإن لم يكن مندرجا تحته فى بعض الجزئيات والاطلاقات.

وهذه الجزئيات والاطلاقات على الجملة أما أن تكون مسكوتا عنها فى الشريعة، وهذه تتسم بسمة الإباحة الأصلية التي عبر عنها الأصوليون أحيانا بالبراءة الأصلية وأما أن تكون منصوصا على حكمها بالطلب أو المنع، وخالف المكلف من غير عمد ولا قصد، أو بحكم الاضطرار، فيتجاوز الشارع عن ترتيب الأثر ويدخل هذا تحت مفهوم الإباحة العارضة.

تغير وصف الإباحة: قد يكون الشئ فى قد يكون الشئ فى ذاته مباحا، ولكنه يكون فى بعض الأحيان ذريعة إلى مطلوب أو محظور، فيأخذ حكمه.

قال الشاطبى

(8)

: المباح من حيث ما هو ذريعة اليه ثلاثة أقسام:

(1)

المستصفى ج 1 ص 67.

(2)

سورة البقرة: 275.

(3)

راجع المنتقى شرح الملتقى ج 2 ص 524 بهامش مجمع الأنهر وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 205 والإقناع ج 1 ص 40.

(4)

التوضيح لصدر الشريعة ج 1 ص 69.

(5)

الأسنوى على المنهاج بهامش التقرير ج 1 ص 27

(6)

جمع الجوامع ج 1 ص 26 والتعريفات الجرجانية ص 57.

(7)

الموافقات للشاطبى ج 1 ص 107، 119.

(8)

الموافقات ج 1 ص 72.

ص: 161

ذريعة إلى ما هو منهى عنه، فيكون من تلك الجهة مطلوب الترك، أى على سبيل التحريم والكراهة.

الثانى: ما يكون ذريعة إلى مأمور به كالمستعان به على أمر أخروى. ففى الحديث «نعم المال الصالح للرجل الصالح» ، وذلك فى الشريعة كثير لأنها لما كانت وسائل إلى مأمور به كان لها حكم ما توسل بها إليه، وهذا القسم مطلوب الفعل على سبيل الوجوب أو الندب.

الثالث: ما لا يكون ذريعة إلى شئ فهو المباح المطلق، وعلى الجملة فإذا فرض ذريعة إلى غيره، فحكمه حكم ذلك الغير.

‌أقسام الإباحة:

يقسم الغزالى

(1)

، الأفعال المباحة ثلاثة أقسام:

الأول: ما بقى على الأصل فلم يرد فيه تعرض لا بصريح اللفظ ولا بدليل من أدلة السمع، فينبغى أن يقال استمر فيه ما كان ولم يتعرض له السمع فليس فيه الحكم.

الثانى: ما صرح فيه الشارع بالتخيير وقال إن شئتم فافعلوه وإن شئتم فاتركوه، فهذا خطاب والحكم لا معني له إلا الخطاب ولا سبيل إلى إنكاره وقد ورد.

الثالث: ما لم يرد الخطاب فيه بالتخيير، ولكن دل دليل السمع على نفى الحرج عن فعله وتركه فقد عرف بدليل السمع، ولولا هذا لكان يعرف بدليل العقل نفى الحرج عن فاعله وبقاؤه على النفى الأصلى.

وعلى هذا فالمباح لذاته عند الغزالى قسمان: ما ورد فيه حكم الشارع بالتخيير أى ما ثبت بالدليل السمعى الصريح، التالي:

ما لم يرد فيه خطاب صريح، لكن دل عليه دليل سمعى غير صريح وأيده العقل. أما الفقهاء فإنهم لما كانوا يستعملون الإباحة استعمالا دارجا بمعني الإذن، وكان مصدر هذا الإذن مختلفا فى الظاهر أمكن تقسيم الإباحة من ناحية منشأ الإذن المباشر إلى قسمين: إباحة مصدرها الشارع مباشرة بما ورد من نصوص تدل عليه أو استنباط المجتهدين له، وإباحة مصدرها المباشر العباد بعضهم مع بعض.

كما أنها تنقسم من ناحية متعلقها إلى قسمين أيضا:

1 -

إباحة استهلاك.

2 -

إباحة استعمال.

وفى كل هذا فإنها إما أن تكون إباحة عامة أو إباحة خاصة، فالإذن العام من الشارع بالاستهلاك كما فى الأشياء التي ورد النص على أن الناس شركاء فيها فتكون مباحة لكل من يستولى عليها، ومن ذلك صيد البحر مطلقا وصيد البر لغير المحرم، ومن ليس فى الحرم يقول الله تعالى:«أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً»

(2)

ومما ورد فيه الإذن العام الماء والكلأ والنار بنص الحديث الذى رواه الخلال أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «الناس شركاء فى ثلاث: الماء والكلأ والنار» .

ومن ذلك الأرض الموات، يقول النبى عليه الصلاة والسلام فيما رواه الترمذى عن سعيد بن زيد: «من أحيا أرضا ميتة فهى

(1)

المستصفى ج 1 ص 75.

(2)

سورة المائدة: 96.

ص: 162

له

» إلى غير ذلك مما جاء فى كتب الفقه (انظر صيد - حرم - موات).

الإذن العام من الشارع بالاستعمال:

يتناول إباحة المنافع العامة التي أباحها الشارع لاستعمال المعين بنص شرعى أو قاعدة عامة تتصل بمصالح العباد، وذلك كالطرق العامة، فحق المرور فيها ثابت للناس جميعا بالاباحة الأصلية ولأصحاب العقار المتصل بها أيضا بعض نواحى الانتفاع الأخرى كفتح الأبواب والنوافذ وغيرها مما لا ضرر فيه.

يقول الغزالى

(1)

: فالشوارع على الإباحة كالموات إلا فيما يمنع الطروق (أى المرور) فلكل واحد أن يتصرف بما لا يضر المارة وكذلك الهواء كما يقول السرخسى

(2)

.

ويقول الفقهاء فى الطريق الخاص: «إن حق العامة يتعلق به أيضا فيستعملونه فيما شرع من أجله من المرور واللجوء إليه وقت الزحام ما دام أصحاب الطريق لم ينشئوا عند أحداثه ما يدل على تخصيصه بهم، والإذن الخاص من الشارع بإباحة الانتفاع بشئ مثل إباحة الرسول عليه الصلاة والسلام لأحد الأفراد أن يتزوج امرأة بما معه من القرآن دون أن ينقذها مهرا أو يشترط لها التعلم كما فى الحديث المتفق عليه أن النبى صلى الله عليه وسلم وهب امرأة لرجل بقوله ملكتكها بما معك من القرآن، فقد أباح له المتعة بما لم يبحها به لغيره

(3)

.

ومن ذلك فيما يرى الخطابى الشخص الذى جامع امرأته فى نهار رمضان ولما ذهب إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقص عليه، قال له فى شأن الكفارة وكانت الإطعام:

«أذهب فأطعمه أهلك» .

ويقول الخطابى: «إن الاذن فى اطعام الكفارة لأهله الذين تجب نفقتهم عليه كان رخصة له خاصة»

(4)

.

ومن ذلك الإذن للمسافر فى الفطر على ما ذكره ابن الحاجب والبيضاوى فى المنهاج. والإذن للطبيب بالاطلاع على عورة المرأة للعلاج إذا لم يكن متعينا لذلك العلاج وإلا كان واجبا لا مباحا.

إذن العباد بعضهم مع بعض: ويتحقق هذا فى أمرين، أحدهما: الأموال الخاصة التى يأذن فيها بعض الناس لبعض كاباحتهم الطعام والشراب إباحة عامة أو خاصة.

وكذا فى نثر الدراهم والورود أو ترك شئ من ذلك مع الإذن بأخذه، ففى هذه الجزئيات وأمثالها تسليط على نفس العين وإباحة لاستهلاكها.

الثانى: منافع هذه الأموال، وكذا الحقوق التى تستباح بإباحة الأفراد وهى ما كانت حقا خالصا للعباد، لأنها تستباح بإباحة المالك وتتحقق الإباحة الخاصة فى ذلك بالإذن لأخر من مالك العين أو من مالك المنفعة لينتفع المأذون له بالعين على الوجه الذى أذن له فيه، كأن يأذن إنسان لآخر بأن يركب سيارته أو يضيفه للمبيت عنده أو يأذنه باجتياز ممره الخاص أو

(1)

الوجيز ج 1 ص 178.

(2)

المبسوط ج 27 ص 9.

(3)

نيل الأوطار ج 2 ص 171.

(4)

البخارى بشرح الكرمانى ج 9 ص 110 المطبعة المصرية.

ص: 163

إمرار الماء فى مجراه الخاص، ويستوي فى ذلك أن يكون الآذن مالكا لرقبة ما أذن فيه ومنفعته أو مالكا لمنفعته فقط، كأن يأخذه بطريق الإجارة أو الإعارة أو الوصية أو الوقف إذا تحقق شرط صحة الإذن لمالك المنفعة على التفصيل الوارد فى كتب الفقه فى مواضعه.

‌أسباب الإباحة:

الإباحة الأصلية سببها فى الواقع انتفاع الناس والتوسعة عليهم، يقول الله تعالى:

«هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}

(1)

» فاللام تفيد الاختصاص على جهة الانتفاع للمخاطبين ألا ترى أنك لو قلت الثوب لزيد فإن معناه أنه مختص بنفعه

(2)

.

ويرى الشاطبى فى موافقاته «أن الرخصة غالبا من قبيل الحكم التخييرى فغالب الرخص على نمط المباح، فالترخيص غالبا سبب من أسباب الإباحة الطارئة لأن معنى الترخيص التيسير والتسهيل على المكلف بتخييره بين الأخذ بالعزيمة أو الرخصة، وهذا هو معنى الإباحة ولا أدل على ذلك من ورود الترخيص بأساليب الإباحة فى النصوص القرآنية قال تعالى: «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»

(3)

. ففى الإثم من أساليب الإباحة وقد ورد الترخيص به، قال تعالى: «وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ}

(4)

». فالترخيص ورد بأسلوب الإباحة وهو نفى الجناح الأمر الذى يدل على أن المرخص به مباح، وأن الترخيص من أسباب الإباحة الطارئة، وقد أورد الشاطبى شبها على هذا ورد عليها

(5)

(انظر رخصة).

وغيره من الأصوليين يقسمون الرخصة إلى واجبة كأكل الميتة عند الاضطرار، ومندوبة كقصر الصلاة للمسافر، ومباحة كالسلم والإجارة. فلا يعد الترخيص سببا من أسباب الإباحة عندهم إلا فى القسم الأخير، فالترخيص الذى يعد سببا هو ترخيص الشارع للمكلف بفعل المرخص به أو تركه دون أن يكون أحدهما راجحا على الأخر

(6)

وكذا فإنه يباح للمضطر أن يتناول من الميتة عند ضرورة خوف الهلاك من شدة الجوع بأن يأخذ منها ما يسد به رمقه عند الحنفية والمالكية والشافعية والظاهرية، وقد أوجبه الحنابلة

(7)

. وكقتل الصائل فإنه يباح للمجني عليه قتل الجانى أو قطع طرفه والمعتبر فى الفقه عدم ترتب أى جزاء على هذا القتل، فعدم ترتب الجزاء من ناحية العقوبة أو المثوبة دليل على أن الفعل مباح مستوى الطرفين ولا خلاف بين العلماء فى أن الإكراه الملجئ يكون سببا من أسباب الإباحة لقول الرسول عليه الصلاة والسلام:«رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» والمرفوع هو الإثم باتفاق الفقهاء، وهذا آية اباحة الفعل المكره عليه، إذ لو لم يكن مباحا لما أرتفع إثمه ولما ارتفعت المؤاخذة عليه، فالمكره على شرب الخمر إكراها تاما يباح له أن

(1)

سورة البقرة: 29.

(2)

الأسنوى ج 4 ص 352.

(3)

البقرة: 173.

(4)

سورة النساء: 101.

(5)

الموافقات للشاطبى ج 1 ص 215.

(6)

الأسنوى على المنهاج بهامش التقرير والتخيير ج 1 ص 53، 55 المطبعة الأميرية.

(7)

باب الإكراه فى البدائع وحاشية الدسوقى وحاشية الشرقاوى على التحرير والمحلى وكشاف القناع.

ص: 164

يتناول الخمر ولو تناوله لا يقام عليه الحد اتفاقا.

وقال أبو يوسف، من الأحناف: إنه يباح له أن يترك التناول حتى لو مات كان غير آثم، وذهب جمهور العلماء إلى أن المكره على شرب الخمر لا يسعه أن يترك الشرب فالترك الجائز له بمقتضى الإباحة التى تدل على استواء الطرفين يمنع منه انه يفضى الى التهلكة، وهذا محرم بقول الله تعالى: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}

(1)

» وإن كان الإكراه ناقصا فالأحناف على أن الشرب يحرم على المكره فلا يكون الإكراه الناقص سببا من أسباب الإباحة ويرى بعض العلماء أن الإكراه بنوعيه التام أو الناقص يبيح الفعل عملا بالإطلاق الموجود فى حديث «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .

غير أن المالكية والظاهرية يرون الإكراه على إتلاف مال الغير لا يبيح الفعل ولو كان الإكراه تاما لتعلق حق العبد به فالشارع لم يبح لإنسان أن يدفع الضرر عن نفسه بإضرار غيره ولقول الرسول: «لا ضرر ولا ضرار» ، وقد يكون الاستحسان سببا من أسباب الإباحة كالسلم مثلا محظور أستفيد حظره من قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تبع ما ليس عندك» لأن النهى يفيد الحظر، ولكن ورد نص شرعي يقتضى استثناءه من عموم هذا الحظر وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«من أسلف فليسلف فى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم» .

فللمكلف بمقتضى هذا الاستحسان أن يتعامل بالسلم وأن يترك التعامل به فهو مخير بين فعله بناء على الاستحسان، وتركه بناء على أصل الحظر، ومن ذلك أيضاً إباحة عقد الإجارة وهى عقد على المنافع، فالأصل فيها الحظر لاندراجها تحت حديث «لا تبع ما ليس عندك» ، إذ المنافع معدومة، لكن ورد نص شرعى يقتضى إخراجها من عموم هذا الحديث وهو قوله عليه الصلاة والسلام:«أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» .

ومن ذلك إباحة وقف الكتب وآلات الحرب، وإباحة استعمال سؤر سباع الطير قياسا على سؤر الإنسان، مع أن القاعدة أن الوقف لا يكون الا مؤبدا، والقياس على سؤر سباع البهائم يقتضى عدم إباحة سؤر الطير.

والبيع بشرط محظور عملا بما روى عن النبى عليه الصلاة والسلام: أنه نهى عن بيع وشرط، ولكن جرى العرف ببيع الساعة مثلا بشرط إصلاحها مدة معينة، فجريان العرف بذلك جعل البيع بشرط مع كونه محظورا باعتبار النص، مباحا باعتبار العرف. ومن ذلك الاستصناع، فالأصل فيه الحظر لأن المعقود عليه غير موجود، فهو مخالف للقواعد العامة التى تقضى بوجود المعقود عليه، لكن لما جرى العرف بذلك كان جريان العرف سببا من الأسباب المبيحة لذلك المحظور، فالمكلف مخير بين أن يتعامل بالاستصناع وبين أن يتركه، وإذا كان هناك فعل حظره الشارع كقتل المسلم بغير حق، فقد تعرض لهذا المحظور

(1)

سورة البقرة: 195.

ص: 165

مصلحة تجعل القتل مباحا كما إذا تترس الكفار بجماعة من المسلمين، بحيث لو كففنا عنهم لتغلب الكفار علينا واستولوا على دار الإسلام، ولو رمينا الترس وقتلنا المسلمين الذين معهم لاندفعت القوة عن كافة المسلمين قطعا، فهذا القتل وإن كان الدافع له المصلحة إلا أن هذه المصلحة لم يدل دليل من الشرع على اعتبارها ولا على إلغائها، وهى التى كانت سببا فى إباحة القتل المحظور.

وأكثر الفقهاء والأصوليين على أن الطلب بعد الحظر يفيد الإباحة، وإن كان المعتزلة يرون أنه يفيد الوجوب.

وتوقف أمام الحرمين فى حكمه، فقد طلب الرسول ادخار لحوم الأضاحى بعد نهيه عن ذلك، وذلك فيما روى عنه من أنه قال:«كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحى، فكلوا وادخروا» .

كما طلب زيارة القبور بعد نهيه عن ذلك فيما روى عنه من قوله: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها»

فكل من الادخار من لحوم الأضاحى وزيارة القبور كان محظورا، فطلب الشارع فعله فذهب أكثر الفقهاء إلى أن هذا يفيد إباحة ما كان محظورا لا وجوبه أو ندبه

(1)

.

ومن ذلك قوله تعالى: «وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا}

(2)

». وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ، وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»

(3)

.

‌طروء الإباحة على الواجب:

قد ينسخ الواجب فيصبح النسخ سببا فى إباحته اتفاقا، وهذا إذا ورد فى النص الناسخ ما يفيد الإباحة. أما إذا كان النص الناسخ لم يرد فيه ما يدل على إباحته أو تحريمه فهو أيضا يفيد الإباحة عند بعض العلماء.

وخالف فى ذلك الغزالى لأن الوجوب يتضمن جواز الفعل مع الحرج في الترك ومعنى ذلك أنه لا حرج فى الفعل ولا حرج فى الترك، وهذا هو المباح لاستواء الطرفين من حيث الفعل والترك.

‌هل الإباحة حكم شرعى

؟:

أجمع الأصوليون على أن الإباحة حكم شرعى. يقول صاحب مسلم الثبوت

(4)

:

الإباحة حكم شرعى، لأنه خطاب الشرع تخييرا والإباحة الأصلية نوع منه.

ويقول الغزالى

(5)

: «المباح من الشرع» ولم يخالف فى ذلك الا بعض المعتزلة فإنهم قالوا: «إنه ليس من الشرع، إذ معنى المباح رفع الحرج عن الفعل والترك، وذلك ثابت قبل السمع، فمعنى إباحة الشارع شيئا أنه تركه على ما كان عليه قبل ورود السمع ولم يغير حكمه» ، «وكل ما لم يثبت تحريمه ولا وجوبه بقى على النفى الأصلى فعبر عنه بالمباح» وقد ناقش الغزالى المعتزلة بما خلاصته: أن بعض الأفعال نص الشارع على التخيير فيه صراحة، وبعضها ذكر ما يدل على التخيير فيه بغير لفظ صريح وأيده العقل.

(1)

الأحكام للآمدى ج 2 ص 27.

(2)

سورة المائدة: 2.

(3)

سورة الجمعة: 9، 10.

(4)

بهامش المستصفى ج 1 ص 112.

(5)

المستصفى ج 1 ص 75.

ص: 166

فهذه إباحة شرعية بلا كلام.

وأما ما لم ينص الشارع فيه على شئ، فيمكن أن يقال أن السمع دل عليه على معنى أنه قال:«ما لم يرد فيه طلب فعل ولا ترك فالمكلف مخير فيه» كما رد الآمدى عليهم بقوله: «نحن لا ننكر أن انتفاء الحرج عن الفعل والترك ليس بإباحة شرعية، وإنما الإباحة الشرعية خطاب الشارع بالتخيير، وذلك غير ثابت قبل ورود الشرع ولا يخفى الفرق بين القسمين، فإذن ما أثبتناه من الإباحة الشرعية لم يتعرض المعتزلة لنفيه، وما نفى غير ما أثبتناه.

‌مذهب الكعبى فى الإباحة:

هذا وقد نفى الكعبى من المعتزلة وجود المباح فى الشرع إذ كل فعل موصوف بالإباحة مظهره تخيير المكلف بين الفعل والترك هو فى الواقع واجب مأمور به، لأن الأمور فى الشرع مترددة بين أن يكون فعلها هو المطلوب أو تركها هو المطلوب، تبعا للأكثر نفعا، إذ الشارع إنما يأمر بالذى نفعه أكثر من ضرره، ولا يمكن أن يتساوى الفعل والترك بالنسبة لنفع المكلف وضرره وما دام كذلك فلا يكون هناك تخيير فى الحقيقة، لأن الذى نفعه اكثر مأمور به والذى ضرره أكثر منهى عنه لانتفاء التساوى بين النفع والضرر على هذا الوجه ومادام التساوى منتفيا فالتخيير بين الفعل والترك غير متصور، فينتج أنه لا يمكن أن يكون فى الشرع مباح.

فالأكل والشرب كل منهما مطلوب بالقدر الذى يقيم الأود، واللهو المشروع مطلوب بالقدر الذى ينتفع به الذهن والجسم، والنوم مطلوب بالقدر الذى يسلم به العقل والجسم، والسعى فى طلب الرزق مطلوب بالقدر الذى تبقى به الحياة

وهكذا بالنسبة لكل ما اتصف بأنه مباح.

ونص دليل الكعبى الذى نقله الآمدى هو «ما من فعل يوصف بكونه مباحا إلا ويتحقق بالتلبس به ترك حرام ما، وترك الحرام واجب ولا يتم تركه دون التلبس بضد من أضداده، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبذا يكون فعل ما ظاهره التخيير واجبا عند الكعبى» .

وقد نقل الآمدى

(1)

ردا على الكعبى بأنه «إن كان ترك الحرام واجبا فالمباح ليس هو نفس ترك الحرام بل شئ يترك به الحرام مع إمكان تحقق ترك الحرام بغيره فلا يلزم أن يكون واجبا» .

ثم يقول: «وهذا الموضوع فى غاية الغموض والإشكال» .

‌هل المباح يدخل تحت التكليف

ومما يتصل بهذين الموضوعين كون المباح داخلا تحت التكليف أم لا؟

فجمهور العلماء اتفقوا على أنه غير داخل فى التكاليف، إذ التكليف يكون بطلب ما فيه كلفة ومشقة، وهذا غير متصور فى التخيير بين الفعل والترك، غير أن أبا اسحاق الاسفرايينى يرى دخول المباح تحت التكاليف، لأنه يجب اعتقاد إباحته والوجوب من خطاب التكليف.

(1)

الاحكام ج 1 ص 179.

ص: 167

ولعلهم يدخلون المباح الذى عبروا عنه بالتخيير فى التكليف تغليبا للأحكام التكليفية عليه لكثرة أنواعها من ناحية، إذ التكليف إلزام ما فيه كلفة ومشقة، ولا شئ من ذلك فى المباح، وقد يكون ذلك التغليب لأن كثيرا من الأفعال المباحة جاءت بصيغة الطلب الذى هو الاقتضاء، وقد يكون ذلك بالنظر إلى وجوب اعتقاد كونه مباحا لا بالنظر إلى الفعل نفسه، وقد قال الشاطبى: إن المباح لا يكون مطلوب الفعل، ولا مطلوب الاجتناب، وأفاض فى الاستدلال على ذلك.

‌حكم أفعال العباد الاختيارية

قبل بعثة الرسول

نقلت كتب الأصول خلافا طويلا فى هذا فجمهور أهل السنة على أن أفعال العباد الاختيارية قبل بعثة الرسل لا ثواب عليها ولا عقاب، فتكون كل الأفعال على البراءة الأصلية التى يعبرون عنها أحيانا بالإباحة الأصلية.

أما المعتزلة: فيقولون فيما أدرك العقل حسنه وقبحه وانعدام كل منهما فيه أنه ينقسم إلى الأقسام الخمسة التي تعلق فيها حكم الشرع بأفعال المكلفين بعد ورود الشرع وما لم يدرك العقل حسنه ولا قبحه، فإنهم يختلفون فيه على ثلاثة مذاهب: مذهب يقول بالإباحة. وآخر يقول بالتحريم. وثالث بالتوقف.

على أن هذه الأقوال نفسها تنقل عن الأشاعرة من أهل السنة فى الأفعال الاختيارية بصفة عامة قبل البعثة

(1)

.

‌ما لم يرد نص بحكمه من أفعال المكلفين:

وأما أفعال المكلفين بعد بعثة الرسل فيما لم يرد نص بحكمه، فيقول الأسنوى

(2)

:

الأصل فى الأشياء النافعة الإباحة، وفى الأشياء الضارة الحرمة.

ويقول ابن السبكى

(3)

فى جمع الجوامع وشرح المحلى: الصحيح فى حكم أفعال العباد بعد البعثة فيما لم يرد به نص أن أصل المضار التحريم والمنافع الحل.

وقد نقل الكمال

(4)

خلافا بين أهل السنة فى أن الأصل فى الأفعال الإباحة أو الحظر وناقش كلا من الرأيين بما يفيد ان الخلاف فى الأفعال قبل البعثة.

ويقول الشوكانى

(5)

: الأصل فيما وقع فيه الخلاف ولم يرد فيه دليل يخصه أو يخص نوعه الإباحة أو المنع أو الوقف فذهب جماعة من الفقهاء إلى أن الأصل الإباحة، وذهب الجمهور إلى أن الأصل المنع، وذهب الأشعرى وبعض الشافعية إلى الوقف، وصرح الرازى فى المحصول بأن الأصل فى المنافع الإذن وفى المضار المنع.

‌اثر الإباحة:

إذن الشارع بالاستهلاك والاستعمال يقتضى ملكية مستقرة بالاستيلاء الحقيقى

(1)

المستصفى ج 1 ص 63.

الأحكام ج 1 ص 130.

شرح المنهاج ج 1 ص 96، 105.

جمع الجوامع وشرحة ج 1 ص 79.

(2)

الأسنوى ج 3 ص 119.

(3)

ج 1 ص 79.

(4)

تيسير التحرير ج 2 ص 121.

(5)

ارشاد الفحول ص 265.

ص: 168

على المأذون فيه أو اختصاصا لمن سبق فلا يملك أحد أن ينتزعه منه أو ينحيه عنه إذ لا يتصور انتهاؤها من الإذن.

وأما إذن العباد فانه مختلف فى أثره بين المذاهب على الوجه الآتي:

‌أولا - المذهب الحنفى:

جاء فى رد المختار

(1)

: إذا تعلقت الإباحة بعين كما إذا ترك شخص ماله وقال من شاءه فليأخذه، ومن نثر نقودا ليأخذ كل من تناله يده أو دعا صديقا إلى تناول طعامه فالجمهور من الحنفية على أن المال يظل مملوكا لصاحبه إلى أن تناله يد المباح له فيمتلكه بأخذه أو بتناوله، فإذا استهلكه بعد ذلك فقد استهلك مالا مملوكا.

وذهب آخرون إلى أن ذلك ليس من قبيل التمليك وأن المباح له لا يتملك المال بتناوله وإنما يظل المال ملكا لصاحبه ويستهلكه المباح له على ملك صاحبه بإذنه ولهذا لا يضمنه وعلى الرأي الأول أفتى فى كثير من المسائل.

وفى الدر المختار

(2)

أن من دعا قوما إلى طعام وفرقهم على أخونة فليس لأهل خوان مناولة أهل خوان آخر، ولا إعطاء سائل وخادم وهرة وكلب، ومثله فى الفتاوى الهندية

(3)

والبرازية

(4)

.

وعلله صاحب الجوهرة

(5)

بأنه أباح لهم خوانهم دون غيرهم، فإن ناول أهل خوان غيرهم لا يحل لهم أن يأكلوه. ومثله فى الفتاوى الهندية

(6)

بل ذكر صاحب الفتاوى الهندية أنه لا يجوز أن يدفع الضيف إلى ولد صاحب المائدة وعبده وسنوره، ثم قال: أن الاستحسان جواز ذلك.

وفى التتارخانية

(7)

عن فتاوى النسفى:

سئل نجم الدين عن امرأة أعطت زوجها مالا بسؤاله ليتوسع بالتصرف فيه فى المعيشة فظفر بالزوج بعض الغرماء واستولى على المال، هل للمرأة أن تأخذ ذلك المال من ذلك الغريم؟

قال: إن كانت وهبته للزوج أو أقرضته له فلا. وإن كانت أعطته ليتصرف فيه على ملكها فلها ذلك.

وفى الفتاوى الهندية أيضا: أن من وضع مقدارا من السكر أو عددا من الدارهم بين قوم وقال: من شاء أخذ منه شيئا، أو قال: من أخذ منه شيئا فهو له.

فكل من اخذ منه شيئا يصير ملكا له ولا يكون لغيره ان يأخذ ذلك منه

(8)

.

ومن أصرح ما أورده الفقهاء فى هذا المقام من عدم افادة الإباحة التمليك ما جاء فى مبسوط السرخسى، من أن المباح له الطعام لا يملكه وانما يتناوله على ملك المبيح وفى تقرير الرافعى ما يفيد أنه يستهلكه وهو على ملك صاحبه.

‌ثانيا - فى الفقه الشافعى:

جاء فى حاشية البجرمى على الإقناع

(9)

أن رجلا لو أعطى آخر كفنا لأبيه فكفنه فى غيره فعليه رده له أن كان لم يقصد التبرع

(1)

رد المختار ج 3 ص 355 طبعة الحلبى.

(2)

الدر المختار ج 4 ص 373.

(3)

الفتاوى الهندية ج 5 ص 254.

(4)

البزازية ج 6 ص 243.

(5)

ج 2.

(6)

الفتاوى الهندية ج 5 ص 344.

(7)

التتارخانية ج 4 ص 404.

(8)

الفتاوى الهندية ج 1 ص 15.

(9)

حاشية البجرمى ج 3 ص 227.

ص: 169

على الوارث وعلم قصده، فان قصد التبرع وعلم قصده كان هبة للوارث فلا يلزمه رده، وعبارة الشافعية تتفق فى دلالتها مع مسلك بعض الأحناف من أن مجرد الإباحة لا تفيد تمليكا وإنما هى طريق إليه.

يقول القليوبى فى حاشيته على شرح المنهاج

(1)

: «إن الملك فى الضيافة يترتب عليها بالوضع فى الفم أو بالازدراد على الأصح، ورجح صاحب نهاية المحتاج تبعا للشرح الصغير والمفتى به عندهم أنه يملكه بوضعه فى فمه» .

ثم قال: إنه يحل التقاط المنثور فى الأملاك وليمة النكاح، كالسكر واللوز والفلوس، وأن من أخذ من المنثور أو التقط وبسط ثوبه لأجله فوقع فيه ملكه.

وفى حاشية الباجورى

(2)

على ابن القاسم والمنهاج وشرحه أيضا

(3)

.

يجوز للضيف الأكل مما قدم له بلا لفظ من مضيفه اكتفاء بالقرينة العرفية كما فى الشرب من السقايات التي فى الطريق إلا أن ينتظر الداعى غيره أو يكون قبل تمام السفرة، فلا يأكل حتى يحضر أو يأذن المضيف لفظا بخلاف غير ما قدم له فليس له الأكل منه.

ولا يتصرف فيما قدم له بغير الأكل لأنه المأذون فيه عرفا، فلا يطعم منه سائلا ولا هرة إلا بإذن صاحبه أو علم رضاه. نعم، له أن يلقم منه غيره من الأضياف إلا أن يفاضل المضيف الطعام بينهم فليس لمن خص بنوع أن يطعم غيره منه ويملك الضيف ما التقمه بوضعه فى فمه بمعنى أنه إن ازدرده استقر على ملكه، وإن أخرجه من فمه تبين بقاؤه على ملك صاحبه.

‌ثالثاً - فى الفقه المالكى:

جاء فى حاشية الصاوى على الشرح الصغير للدردير

(4)

:

«هل الطعام المقدم للضيوف يملكونه بمجرد التقديم أو لا يملكونه إلا بالأكل وعلى كل لا يجوز للواحد من الضيوف أن يعطى أحدا منه شيئا بغير إذن صاحبه بناء على أنه لا يملكه إلا بالأكل أو بغير إذن من بقية أصحابه بناء على ملكهم له بالتقديم فعلى الأول العبرة بإذن بعضهم وعلى الثانى العبرة بإذن صاحب الطعام.

وفى فتاوك عليش

(5)

: «وسئل سيدى أحمد الدردير عن ذى فرح نثر على حاضريه دراهم فوقع فى حجر رجل منهم دراهم أكثر من غيره فهل يختص بها عن الحاضرين؟ قال: يختص الذى سقط فى حجره الدراهم الزائدة بها.

وينقل القرطبى المالكى

(6)

وغيره من المفسرين عند قوله تعالى فى سورة النور:

«وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا}

(7)

»، ينقلون عن أئمة السلف أن الإباحة فى هذه المسائل لا تعدو أن تكون إذنا بالانتفاع القاصر، وأنه لا يجوز للمباح له أن ينقل الطعام إلى الخارج ولو إلى نفسه، هذا وإباحة المنافع كإباحة الأعيان لا تقتضى تمليكا فلا يملك المأذون له الإنابة ولا المعاوضة، وقد

(1)

شرح المنهاج ج 3 ص 110.

(2)

حاشية الباجورى ج 2 ص 139.

(3)

المنهاج وشرحه ج 3 ص 298.

(4)

حاشية الصاوى ج 2 ص 490 طبعة الحلبى.

(5)

ج 2 ص 196 المطبعة الشرفية.

(6)

تفسير القرطبى ج 12 ص 15 والفخر الرازى ج 24 ص 36.

(7)

سورة النور: 61.

ص: 170

سمى القرافى من المالكية

(1)

إعطاء هذا الحق بتمليك الانتفاع وفرق بينه وبين ملك المنفعة وعبارته: تمليك الانتفاع يراد به أن يباشره هو بنفسه فقط وتمليك المنفعة أعم وأشمل فيباشر بنفسه ويمكن غيره من الانتفاع بعوض وبغير عوض، وتمليك الانتفاع كسكنى المدارس والرباط، ومنه الوقف على السكن إذا لم يزد على ذلك فإن زاد كقوله ينتفع بجميع أنواع الانتفاع، فهو تصريح بتمليك المنفعة وصار من النوع الثانى.

وفى تهذيب الفروق

(2)

: «القاعدة أن الأصل بقاء الأملاك على ملك أربابها والنقل والانتقال على خلاف الأصل، فلذا متي شككنا فى رتب الانتقال حملناه على أدنى المراتب استصحابا للأصل فى الملك السابق» .

وفرع على هذا أنه لا يجوز للضيف أن يبيع الطعام المعد للضيافة، ولا أن يملكه للغير، بل يأكله هو خاصة، على جرى العادة. نعم، له إطعام الهرة اللقمة واللقمتين ونحوهما بشهادة العادة بذلك.

‌رابعاً - فى الفقة الحنبلى:

ينقل ابن قدامة فى المغنى

(3)

أن النثار وإن كان مكروها الا أنه لو حصل فى حجره شئ من النثار فهو له غير مكروه لأنه مباح حصل فى حجره فملكه كما لو وثبت سمكة من البحر فوقعت فى حجره، وليس لأحد أن يأخذه من حجره

(4)

.

وفى المحرر فى باب الوليمة: «النثار والتقاطه مكروه تنزيها وعنه لا يكره كالمضحى يقول من شاء اقتطع ويملكه من أخذه أو وقع فى حجره مع القصد له وبدون القصد وجهان» .

‌خامسا - فى الفقة الظاهرى

(5)

:

جاء فى المحلى:

«وكدار يبيح سكناها ودابة يمنح ركوبها وأرض يمنح ازراعها وعبد يخدمه فما حازه الممنوح من كل ذلك فهو له لا طلب للمانح فيها وللمانح أن يسترد عين ما منح متى شاء سواء عين مدة أو لم يعين أشهد أو لم يشهد لأنه لا يحل مال أحد بغير طيب نفسه إلا بنص، ولا نص فى هذا وتعيينه المدة عدة والوعد لا يلزم الوفاء به فى باب النذور .. فما قبضه المجعول له فلا رجوع لصاحب الرقبة فيه وما لم يقبضه المجعول له فلصاحب الرقبة استرجاع رقبة ماله.

‌سادسا - فى فقة الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة

(6)

: ملك المباحات متوقف على الحيازة والنية، ومع هذا فقد جاء فى موضع أخر: «إن المباح لا يحتاج فى تملكه إلى نية إذ نيته عين إحرازه عند بعضهم.

‌سابعاً: فى فقة الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(7)

: النثار مباح إذ ما نثره مالكه إلا إباحة له ولا قول للهادى فيه لا نصا ولا تخريجا. وفيه: من مد

(1)

الفروق ج 1 ص 187.

(2)

ج 1 ص 194.

(3)

المغنى ج 7 ص 13، 14.

(4)

وهذا أيضا من قبيل الهبة المعطاة التى تتحقق بها الهبة فى مذهب أحمد.

(5)

المحلى ج 9 ص 163.

(6)

مفتاح الكرامة ج 6 ص 179.

(7)

البحر الزخار ج 3 ص 87، 88.

ص: 171

ثوبه فله ما وقع فيه كالشبكة فإن سقط منه شئ ففى جواز أخذه تردد الأصح لا يجوز. وكذا انتهاب الناهب واحضاره يغنى عن الإباحة وقيل لا.

قلنا القرينة كافية، وإنما يؤكل بالإباحة كالطعام وله الرجوع ما لم يمضغ على الخلاف فى الطعام، قال وفيه نظر. إذ قد جعلوا له حكم الملك بعد الإحراز، وفيه أيضا: الإباحة لا تفتقر إلى لفظ بل تكفى القرائن كتقديم الطعام لعرف المسلمين والجهاز للمجهز ما لم يصدر منه لفظ تمليك أو قرينة هدية. إذ مجرد التسليم غير كاف بل ملك لمن صار إليه العرف المطرد فى دفعه تمليكا كالهدية وعدم ارتجاعه لا غرامة لما أتلف منه قولا واحدا إذ أدنى حاله الاباحة.

‌ثامنا - فى الفقه الإباضى:

يقول صاحب شرح النيل

(1)

: «ولا تناول أحداً شيئا على مائدة غيرك وهذا حق على الضيف فإن شاء صاحب الطعام أعطى سائلا أو قطا أو غيرهما أو إذن للضيف فى الإعطاء

وإن اعطى بدلالة عليه صحيحه مقبولة شرعا جاز، وان رأى ما لا بد فى حسن النظر من إعطائه شاور صاحب المال.

‌ما تنتهى به الإباحة:

أشرنا إلى أن اباحة الشارع لا يتصور إنهاؤها من قبله بعد انتهاء فترة الوحي، وأما الإباحة التى مصدرها العباد فان الاذن فيها ينته بانتهاء المدة إن كان هناك أمد من الأذن أو بعدول الآذن عن إذنه ورجوعه فيه أو بوفاته أو بوفاة المأذون له، فاذا وجد شئ من هذه الأشياء بطل حق المأذون له فى الانتفاع ولم يبق لورثته حق فيه، لأن الإباحة لا تفيد تمليكا وإنما تفيد حق انتفاع شخص وانتهاء الإذن بانتهاء أمده أمر واضح لا يحتاج الى بيان.

واما أنتهاؤه برجوع الآذن فلأن هذا الإذن لا يتقيد به الآذن ولا يلزمه المضي فيه عند جمهور العلماء لأنه تبرع صرف.

غير ان الاباحة لا تنته بمجرد الرجوع وإنما تتوقف على علم المأذون له بذلك فى قول عند الشافعية.

وروى السيوطى فى الأشباه قولا آخر يفيد أن الإباحة تنتهي بمجرد رجوع الآذن ولو لم يعلم المأذون له بذلك.

وأما انتهاؤها بموت الأذن فلأن الاستحقاق منوط ببقاء الاذن وقد بطل بالوفاء، وكذلك تنته الإباحة بوفاة المأذون له لأن حق الانتفاع رخصة شخصية فلا تنتقل الى الورثة.

‌إبانة

بيان المعنى: يقال فى اللغة: بأن الأمر يبين فهو بين أى واضح. وبان الشئ إذا انفصل فهو بائن وأبنته فصلته. ويقال:

ضربه فأبان رأسه عن جسده أي فصله.

وبانت المرأة بالطلاق فهى بائن وأبانها زوجها فهى مبانة. والبين بفتح الباء يطلق على الوصل كما يطلق على الفرقة فهو من الأضداد. وأستعمل الفقهاء كلمة إبانة بمعنى الفرقة والفصل فى إبانة جزء من الحيوان أو الصيد وفى ابانة المرأة بالطلاق.

(1)

ج 2 ص 695.

ص: 172

‌حكم ما أبين من الحيوان قبل ذكاته:

إذا أبين جزء من حيوان حى مأكول اللحم - غير السمك والجراد - قبل ذبحه قال فقهاء الحنفية إن الجزء المبان يعتبر ميتة فلا بحل أكله. فإذا قطع إنسان قطعة من إليه الشاة أو من فخذها أو من سنم البعير أو فخذه أو من دجاجة قبل ذبح الشاة أو البعير أو الدجاجة فإن الجزء المبان لا يحل أكله لأن شرط حل الأكل من الحيوان البرى المأكول - غير الجراد - هو الذكاة فلا يحل الأكل من الحيوان بدون الذكاة لقوله عز وجل {(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ}

(1)

استثنى سبحانه وتعالى من الأشياء المذكورة المحرمة ما ذكى والاستثناء من التحريم إباحة. وأيضا قال تعالى {(يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ»

(2)

وقال:

عز وجل {(وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ}

(3)

والحيوان البرى لا يعتبر طيبا إلا بخروج الدم المسفوح وذلك بذكاته. وروى أن أهل الجاهلية كانوا يقطعون قطعة من الية الشاة أو من سنام البعير فيأكلونها فلما بعث النبى عليه الصلاة والسلام نهاهم عن ذلك فقال عليه السلام (ما أبين من الحى فهو ميت) وهذا الجزء المبان لا يحل أكله وإن ذبح الحيوان بعد ذلك لأن حكم الذكاة لم يكن ثابتا ولا موجودا وقت الإبانة.

ويعتبر هذا الجزء ميتا لا تحله ذكاة الحيوان بعد حتى ولو بقى متعلقا بجلد الحيوان لأن بقاءه متعلقا بالجلد لا اعتبار له فكان وجوده بمنزلة العدم فهو مبان حكما.

أما إذا بقى متعلقا باللحم فإن ذكاة الحيوان تحل أكل الحيوان واكل الجزء المبان لأنه لا يزال معتبرا من جملة الحيوان فذكاة الحيوان تكون له ولما اتصل به. والذكاة التى تحل أكل الحيوان وأكل الجزء المبان الذى بقى متعلقا باللحم يجب أن تكون مستوفية لشرائطها الشرعية التى سيأتى بيانها كما أن الحيوانات التى يحل أكلها والتى لا يحل سيأتى بيانها - انظر ذبائح وحيوان

(4)

.

ومذهب المالكية كمذهب الحنفية بالنسبة لما تقدم مستندين فى ذلك إلى قوله عليه السلام (ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميته)

غير أن فقهاء المالكية خالفوا الحنفية فيما إذا بقى الجزء المبان متعلقا باللحم إذ قالوا إن الجزء المبان يعتبر ميتا لا تحله ذكاة الحيوان إذا بقى متعلقا بجزء يسير من جلد الحيوان أو اللحم

(5)

.

ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية أيضا بالنسبة لما تقدم غير أن فقهاء الشافعية يقولون أن العضو المبان إذا بقى متعلقا بجلد الحيوان فقط حل بذبح الحيوان لأن كلمة الإبانة لا تصدق على مثل ذلك

(6)

.

(1)

سورة المائدة آية 3.

(2)

سورة المائدة آية 4.

(3)

سورة الاعراف آية 157.

(4)

البدائع ج 5 ص 40، 44، 45 طبعة 1328 هـ الدر المختار، حاشية ابن عابدين ج 5 ص 270 الطبعة الثالثة سنة 1299 هـ.

الهداية وحواشيها ج 8 ص 50، 65 طبعة سنة 1318 هـ.

(5)

راجع بداية المجتهد ج 1 ص 357 طبعة سنة 1933 هـ.

الشرح الكبير ج 2 ص 109 طبعة سنة 1355 ج 1 ص 53.

(6)

راجع: شرح المحلى على المنهاج وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 241 طبعة سنة 1368 هـ.

ص: 173

ومذهب الحنابلة كمذهب الشافعية واستندوا إلى الحديث الذى استند إليه فقهاء المالكية

(1)

.

ومذهب الظاهرية والزيدية والإباضية والإمامية كمذهب الحنفية بالنسبة لما أبين من حيوان حى مأكول اللحم - غير السمك والجراد - قبل ذبحه فلا يحل أكل الجزء المبان حتى ولو ذكى الحيوان بعد ذلك

(2)

.

‌حكم إبانة جزء من الجراد أو السمك:

قال فقهاء الحنفية: إذا أبين جزء من الجراد او السمك وهو حى أكل الجزء المبان. وقوله عليه الصلاة والسلام: «وما أبين من الحى فهو ميت» ، وأن تناول بعمومة السمك والجراد، إلا أن ما أبين من السمك والجراد يحل أكله لأن ميتة السمك والجراد يحل أكلها لقوله عليه الصلاة والسلام:«أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد واما الدمان فالكبد والطحال» ، وهذا الحديث صريح فى أن ميتة السمك والجراد يحل أكلها فما أبين منها وإن كان ميتة إلا أنه يحل أكله لهذا الحديث وهو يعتبر استثناء من حديث «ما أبين من الحى فهو ميت» .

كما أن حديث «أحلت لنا ميتتان إلخ» حديث مشهور مؤيد بالإجماع فيجوز تخصيص الكتاب به، فقوله تعالى:

«حرمت عليكم الميتة»

(3)

خصصت بهذا الحديث.

والجزء المبان من السمك يحل أكله سواء أكان السمك حيا أم ميتا إلا أنهم استثنوا من ذلك السمك الطافى فلا يحل أكل الجزء المبان منه لأن السمك الطافى لا يحل أكله عند الحنفية.

والطافى هو الذى مات حنف أنفه فطفا فوق الماء وبطنه من فوق. أما الذى لم يمت حتف أنفه فلا يعتبر طافيا سواء مات بسبب إنسان مسلم أو غير مسلم أو قتله حيوان.

والحكم الخاص بحل الجزء المبان من السمك يشمل جميع أنواع السمك ومنه الجريت بكسر المعجمة وتشديد المهملة وهو سمك اسود مدور والمارماهى وهو سمك فى صورة الحية.

وهذا الحكم خاص بأنواع السمك فقط فلا يشمل باقى أنواع الحيوانات المائية فما أبين من غير السمك لا يحل أكله لأن الحيوانات المائية غير السمك لا يحل أكلها

(4)

.

ومذهب المالكية كمذهب الحنفية بالنسبة لابانة جزء من السمك غير أنهم قالوا إن جميع أنواع الحيوان المائى حكمها حكم السمك. أما الجراد فلا يؤكل عندهم من غير ذكاة. وذكاته عندهم أن يقتل إما بقطع رأسه أو بغير ذلك فإذا أبين من الجراد جناحه فمات من ذلك أكل الجراد وما أبين منه لأن هذه ذكاته

(5)

.

(1)

راجع: المغنى ج 11 ص 40، 41، 53، 54 طبعة 1348 هـ وشرح منتهى الارادات ج 3 ص 415 طبعة 1366 هـ.

(2)

راجع فى فقه الظاهرية: المحلى لابن حزم ج 7 ص 393، 398، 437، 438، 449

وراجع فى فقه الزيدية البحر الزخار ج 4 ص 309 طبعة سنة 1366.

وفى فقه الإباضية شرح النيل ج 2 ص 516، 536، 537، 570.

وفى فقه الإمامية الروضة البهية ج 2 ص 264، 273 طبعة سنة 1378 هـ.

(3)

آية 3 سورة المائدة.

(4)

راجع الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 267، 268 الطبعة الثالثة سنة 1299 هـ.

والبدائع والهداية وحواشيها.

(5)

راجع بداية المجتهد ج 1 ص 356، 359 طبعة سنة 1333 هـ والشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 109، 114 طبعة 1355 هـ.

ص: 174

واختلف فقهاء الشافعية فى حكم الجزء المبان من السمكة وهى حية فيرى بعضهم أنه لا يحل أكل الجزء المبان لعموم قوله عليه السلام (ما أبين من الحى فهو ميت) والأصح عندهم أنه يحل أكل الجزء المبان من السمك لأنه يحل أكل ميتة السمك وما حلت ميتته لا حاجة الى تذكيته. وجميع أنواع الحيوان المائى وهى التى لا تعيش إلا فى البحر ولا تبقى فى البر إلا بمقدار حياة المذبوح فقط حكمها عند الشافعية حكم السمك. والحراد عندهم حكمه حكم السمك فى جميع أحواله

(1)

.

مذهب الحنابلة

(2)

: وقال فقهاء الحنابلة أن السمك وغيره من ذوات الماء التى لا تعيش إلا فيه يحل أكل ميتته لقوله عليه السلام فى البحر (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) وهذا أيضا هو حكم الجراد عندهم. والظاهر من ذلك إن الجزء المبان من كل يحل أكله.

‌وقال ابن حزم الظاهرى:

أن ميتة الجراد حلال وكذلك السمك وكل ما يسكن جوف الماء ولا يعيش إلا فيه.

وأما ما يعيش فى الماء والبر كالسلحفاة فلا يحل أكله إلا بذكاة عدا الضفدع فإنه لا يحل أكله أصلا.

ويؤخذ من هذا أنه إذا أبين جزء من حيوان حى يعيش فى الماء وفى البر مما يؤكل عندهم قبل ذكاته فلا يحل أكل هذا الجزء المبان كما أن تذكية الحيوان بعد ذلك لا تحل الجزء المبان

(3)

.

ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية بالنسبة لإبانة جزء من الجراد أو السمك.

والجزء المبان من السمك يحل أكله سواء أبين من السمك وهو حى أو كان قد مات بسبب اصطياد الإنسان له أو بسبب جزر الماء عنه وبقاء السمك مكشوفا أو بسبب قذف الماء له فى البر أو بسبب نضوب الماء أو بسبب ازدحامه فى الحظيرة التى أعدها الصائد لإصطياد السمك. فان مات السمك بسبب سوى ما تقدم اعتبر طافيا فلا يحل أكله لقوله عليه الصلاة والسلام: «ما وجدتموه طافيا فلا تأكلوه» ومن قبيل الطافى عندهم ما قتله حيوان. فهم يخالفون الحنفية فى بيان معنى الطافى.

والحكم الخاص بحل الجزء المبان من السمك يشمل عندهم كل ما يحل آكله من حيوان الماء. أما ما لا يحل أكله من حيوان الماء فلا يحل أكل الجزء المبان منه. وهم يحرمون من حيوان الماء ما حرم شبهه من حيوان البر كالمارماهى والسلحفاة كما أن ما يعيش فى الماء والبر كالضفدع يحرم أكله لخبثه

(4)

.

ومذهب الإباضية كمذهب الحنفية فى أن ما أبين من السمك والجراد يحل أكله سواء أكان السمك أو الجراد حيا أو ميتا والصحيح من مذهبهم أن صيد البحر يشمل كل حيوان مائى وإن كان على صورة كلب أو خنزير أو آدمى

(5)

.

وفقهاء الإمامية يقولون: أن السمك والجراد لا يحل أكلهما بدون التذكية.

وتذكية السمك عندهم استيلاء الإنسان عليه

(1)

راجع: شرح المحلى على المنهاج وحاشية القليوبى وعميرة ج 4 ص 241 طبعة سنة 1368 هـ.

(2)

راجع المغنى ج 11 وشرح منتهى الإرادات ج 3 المراجع السابقة الإشارة إليها.

(3)

راجع المحلى لابن حزم ج 7 ص 393، 398، 437، 438 طبعة سنة 1347 هـ.

(4)

راجع البحر الزخار ج 4 ص 291، 302، 304 طبعة سنة 1366.

(5)

راجع شرح النيل ج 2 ص 574.

ص: 175

خارج الماء حيا سواء أخرجه الإنسان من الماء أو خرج بنفسه من الماء فأدركه الإنسان حيا وأخذه ولو كان الآخذ له غير مسلم متى شاهده المسلم والراجح عندهم أنه يجوز أكله حيا وقيل لا يباح حتى يموت.

وبناء على ما تقدم فإن ما أبين من السمك وهو حى يحل أكله على الرأى الأول ولا يحل أكله على الرأى الثانى.

وتذكية الجراد عندهم أخذه حيا باليد أو الآلة ولو كان الأخذ له غير مسلم إذا شاهده المسلم.

ويباح أكله حيا إذا كان الجراد يطير بنفسه. أما الدبى - أى الجراد قبل أن يطير - فلا يحل أكله.

وبناء على ذلك فإن ما أبين من الجراد وهو حى يحل أكله متى كان الجراد يطير بنفسه وذكى

(1)

.

‌حكم ما آبين من الحيوان بعد تذكيته

وقبل موته:

قال فقهاء الحنفية: إذا أبين جزء من الحيوان بعد ذبحه وقبل موته حل أكل هذا الجزء مع الكراهة سواء أكان الجزء المبان هو الرأس أو غيرها. وقوله عليه السلام «ما أبين من الحى فهو ميت» لا يقتضى تحريم هذا الجزء لأن كلمة الحى وردت فى الحديث مطلقة والمطلق ينصرف إلى الفرد الكامل وذلك بأن يكون الحى حيا حقيقة وحكما. والحيوان بعد ذبحه وقبل موته وإن كانت فيه حياة حقيقة إلا أنه يعتبر ميتا حكما لأن الشارع لا يعتبر مثل هذه الحياة ولا يرتب عليها حكما وإنما كره إبانة جزء من الحيوان فى هذه الحالة لأنه تعذيب بلا فائدة. وكل ما فيه تعذيب للحيوان بلا فائدة فهو مكروه

(2)

.

ومذهب المالكية كمذهب الحنفية فى ذلك

(3)

والظاهر من مذهب الشافعية إن الجزء المبان فى هذه الحالة يحل أكلة لأن شرط حل أكل الحيوان البرى المأكول هو الذكاة وقد وجدت ولم يشترطوا فى حل الأكل الموت مع الذكاة. وأما الإبانة فى ذاتها فقال بعضهم ان ذلك محرم وقال بعضهم أنه مكروه والحرمة أو الكراهة إنما هى لذات الفعل لما فى ذلك من تعذيب الحيوان

(4)

.

ومذهب الحنابلة كمذهب الحنفية فى ذلك فيحل أكل الجزء المبان عندهم لأن الإبانة كانت بعد حصول الذكاة فكانت شبيهة بالابانة بعد الموت. أما الكراهة فلأن إبانة هذا الجزء قد يترتب عليها سرعة زهوق الروح فضلا عن أنه تعذيب للحيوان وذلك مكروه واستندوا فى ذلك الى ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل ابن ورقاء الخزاعى على جمل أورق يصيح فى فجاج منى بكلمات منها: «لا تعجلوا الأنفس أن تزهق» واستندوا أيضا إلى قول عمر رضى الله عنه: «لا تعجلوا الأنفس حتى تزهق»

(5)

.

(1)

راجع الروضة البهية ج 2 ص 272، 273 طبعة سنة 1378 هـ.

(2)

راجع الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 258، 270 الطبعة الثالثة سنة 1299 هـ.

(3)

راجع حاشية الدسوقى ج 2 ص 109 طبعة سنة 1355 هـ.

(4)

راجع شرح المحلى على المنهاج وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 239، 242، 243 طبعة سنة 1368 هـ

(5)

راجع شرح منتهى الإرادات ج 3 ص 409 طبعة سنة 1366، والمغنى ج 11 ص 53، 54 طبعة سنة 1348 هـ.

ص: 176

وقال ابن حزم الظاهرى: أن الجزء المبان فى هذه الحالة لا يحل أكله مادام الحيوان حيا فإذا مات الحيوان حل أكله وأكل الجزء المبان واستندوا فى ذلك إلى قوله تعالى:

«فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها}

(1)

» فالله لم يبح أكل شئ من الحيوان بعد تذكيته إلا بعد وجوب الجنب وهو فى اللغة الموت فإذا مات الحيوان حل أكله وأكل الجزء المبان

(2)

.

ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية فى ذلك واستندوا فى كراهة الإبانة فى هذه الحالة إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تعجلوا الأنفس

الحديث»، ولأنه تعذيب للحيوان بلا فائدة

(3)

.

وقال فقهاء الإباضية أنه يحرم إبانة جزء من الحيوان بعد ذبحه وقبل موته ولا يحل أكل هذا الجزء المبان لأنه أبين من حى أما باقى الحيوان فقد اختلفوا فى جواز أكله

(4)

.

وقال فقهاء الإمامية: «إذا ذبحت الذبيحة وسلخت أو سلخ شئ منها قبل أن تموت فليس يحل أكلها» ، وقالوا أيضا:

إن تذكية الحيوان مشروطة بموته بالذبح أو النحر أو ما فى حكمهما.

وهذا يفيد أنه إذا أبين جزء من الحيوان بعد ذبحه حرم أكل الجزء المبان كما حرم أكل باقى الحيوان أما الفعل فى ذاته فقال بعضهم أنه محرم استنادا إلى تلازم تحريم الأكل وتحريم الفعل وقال بعضهم أنه مكروه لاشتماله على تعذيب الحيوان.

وهذا الحكم خاص بإبانة غير الرأس أما الرأس فقد اختلفوا فى إبانتها بعد الذبح وقبل الموت فقال بعضهم أن ذلك مكروه لحديث روى عندهم هو: «لا تنخع ولا تقطع الرقبة بعد ما تذبح» ، وقال بعضهم أن ذلك حرام لأن النهى فى الحديث المشار إليه يقتضى التحريم. كما اختلفوا فى أن إبانة الرأس تحرم الذبيحة أم لا؟

فقال بعضهم أن ذلك يحرم الذبيحة لأن الزائد عن قطع الأعضاء يخرجه عن كونه ذبحا شرعيا فلا يكون مبيحا وقال بعضهم أن الذبيحة لا تحرم بذلك لأن المعتبر فى الذبح قد حصل فلا اعتبار بالزائد

(5)

.

‌«رمى الصائد الصيد فأبان عضوا منه هل

يؤكل هذا العضو

؟»

قال فقهاء الحنفية إذا رمى الصائد صيدا يؤكل لحمه فأبان عضوا منه فان كانت حياة الصيد ممكنة بعد إبانه هذا العضو - أى بقيت فيه حياة فوق حياة المذبوح - فان العضو المبان لا يؤكل لأن العضو المبان قد أبين من حى فهو ميتة لقوله عليه السلام «ما أبين من الحى فهو ميت» والصيد هنا يعتبر حيا حقيقة وحكما أما حقيقة فلوجود الحياة فيه وأما حكما فلأن الشارع أعتبره حيا بعد إبانة العضو منه.

ولذلك لو وقع الصيد فى الماء بعد ذلك فمات فإنه لا يؤكل لحمه لاحتمال أن يكون موته بسبب وقوعه فى الماء.

وإذا بقى العضو متعلقا بالصيد فى هذه الحالة فان كان يمكن التئامه فان هذا

(1)

آية 36 سورة الحج.

(2)

راجع المحلى لابن حزم ج 7 ص 398، 449 طبعة 1349 هـ.

(3)

راجع البحر الزخار ج 4 ص 308 طبعة 1366 هـ

(4)

راجع شرح النيل ج 2 ص 536، 537.

(5)

راجع الروضة البهية ج 2 ص 270، 273 طبعة سنة 1378 هـ.

ص: 177

العضو يكون حكمه حكم باقى الصيد لأنه لا يصدق عليه أنه أبين، وإن كان لا يمكن التئامه كأن بقى متعلقا بجلد الصيد فقط فإنه لا يؤكل لأنه مبان حكما.

وإن كانت حياة الصيد بعد إبانة العضو منه غير ممكنة - أى لم تبق فيه حياة أكثر من حياة المذبوح - فإنه يحل أكل الجزء المبان سواء كان الجزء المبان هو الرأس أو غيرها لأن العضو المبان فى هذه الحالة هو مبان من حى صورة لا حكما إذ الحياة الباقية فيه لا يعتبرها الشارع ولا يرتب عليها حكما ولذلك لو وقع الصيد فى الماء أو تردى من جبل أو سطح فمات يحل أكله.

والجزء المبان إنما يحل أكله إذا تحققت الشروط التى اشترطها الفقهاء فى الصائد وفى الصيد التى سيأتى بيانها

(1)

. (انظر صائد وصيد).

وقال فقهاء المالكية إذا أبان الجارح أو السهم جزءا من الصيد فان كان فى ابانة هذا الجزء انفاذ مقتل حل أكل الجزء المبان وإن لم تكن فى الإبانة إنفاذ مقتل لا يحل أكل الجزء المبان لأنه ميتة حتى ولو بقى متعلقا بجزء يسير من جلد الصيد أو لحمه.

وقيد فقهاء المالكية الصيد بما له نفس سائلة - أى دم يسيل - لأن ما لا نفس له سائلة كالجراد مثلا إذا قطع جناحه فمات من ذلك أكل الجميع لأن هذه ذكاة

(2)

.

وقال فقهاء الشافعية إذا رمى الصائد الصيد فأبان عضوا منه بجرح مذفف - أى مسرع للقتل - فمات فى الحال حل العضو المبان كما يحل باقى الصيد. أما إذا لم يمت فى الحال ثم تركه بعد قدرته عليه حتى مات لم يحل العضو المبان وكذلك لا يحل الصيد لأن شرط حل الصيد أن يموت قبل أن يتمكن من ذبحه. أما إذا أدركه ولو بعد جرح مذفف وفيه حياة مستقرة - أى فيه حركة قوية أو تفجر دم أو قيام - وأمكنه ذبحه ولم يذبحه ومات فإنه يحرم. أما إذا أبان منه عضوا بجرح غير مذفف ثم تمكن من ذبحه وذبحه أو لم يتمكن من ذبحه ولكنه جرحة جرحا آخر مذففا حرم الجزء المبان وحل باقى الصيد. وإذا لم يتمكن من ذبحه ومات بالجرح الأول قيل يحل الجزء المبان والمعتمد أنه يحرم لأنه أبين من حى

(3)

.

وقال فقهاء الحنابلة إذا رمى الصائد الصيد فقطعه قطعتين متساويتين أو متفاوتتين أو أبان رأسه أو عضوا آخر منه ولم يبق فى الصيد حياة مستقرة حل العضو المبان وباقى الصيد وإذا بقى فى الصيد حياة مستقرة يمشى معها ويذهب ويجئ فلا يحل العضو المبان لأنه مبان من حى. وإذا بقى العضو معلقا بجلد الحيوان حل العضو إذا حل الحيوان لأن العضو المعلق بالجلد لا يصدق عليه أنه أبين

(4)

.

(1)

راجع الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 418، 419 الطبعة الثالثة سنة 1299 هـ.

والهدايه وحواشيها ج 8 ص 185، 186.

والبدائع ج 5 ص 44، 45 طبعة سنة 1328 هـ.

والزيلعى ج 6 ص 59 طبعة سنة 1315 هـ.

(2)

راجع الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 109 طبعة سنة 1355 هـ.

(3)

راجع شرح الجلال المحلى على المنهاج وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 241، 242.

(4)

راجع شرح منتهى الارادات ج 3 ص 414 طبعة سنة 1366 هـ.

والمغنى ج 11 ص 23 طبعة سنة 1348 هـ.

ص: 178

وابن حزم الظاهرى وافق الحنفية فيما إذا رمى الصائد الصيد فأبان منه عضوا ولم تبق فيه حياة أكثر من حياة المذبوح فقالوا أن العضو المبان يؤكل كما يؤكل باقى الصيد.

أما إذا بقى فى الصيد حياة أكثر من حياة المذبوح فإن مات الصيد بسبب هذا الجرح لكن الصائد لم يدركه إلا بعد موته أو أدركه وقد حضرته أسباب الموت أكل العضو المبان كما يؤكل باقى الصيد ولا حاجة الى تذكيته. وأما إذا أدركه وفيه حياة أكثر من حياة المذبوح فإن الجزء المبان لا يحل أكله

(1)

.

وقال فقهاء الزيدية ما أبين من الصيد يحل أكله إذا كانت الإبانة بضربة أدت إلى موت الصيد

(2)

.

وقال فقهاء الإباضية إذا رمى الصائد الصيد فأبان رأسه فان وجد الصيد ميتا أكلت الرأس والجسد وإن وجد حيا حرم أكل الكل وإن كانت هذه الحياة غير معتادة.

وإن أبان عضوا غير الرأس حرم هذا العضو سواء وجد الصيد ميتا أو حيا وقيل يحل العضو ان مات الصيد بمجرد الإبانة.

والعضو المبان ان بقى معلقا بالجلد فقط يعتبر مبانا حكما وإن بقى معلقا باللحم لا يعتبر مبانا

(3)

.

وقال فقهاء الإمامية إذا أبين من الصيد عضو بسهم أو سيف أو رمح فإن بقى فى الصيد بعد الإبانة حياة مستقرة لا يؤكل العضو المبان وإن لم يبق فى الصيد حياة مستقرة حل أكل العضو المبان

(4)

.

‌إبانة المرأة بالطلاق:

الطلاق قد يكون بائنا وذلك بأن يطلق الرجل زوجته قبل الدخول بها أو يطلقها على مال أو يطلقها الطلقة الثالثة - إلى غير ذلك من أقسام الطلاق البائن - وفيه يقال أن الزوجة طلقت تطليقه بائنة. وهذا هو المقصود من إبانة المرأة بالطلاق - انظر بائن، طلاق.

‌إبراء

‌1 - التعريف به:

الابراء فى اللغة التنزيه من التلبس بشئ

وفى الشريعة اسقاط شخص حقا له فى ذمة آخر كإسقاط الدائن دينا له فى ذمة مدينه بقوله، له: ابرأتك من ديونى أو ما يفيد ذلك المعنى يريد بذلك إسقاط ما فى ذمته من دين له.

وقد يكون الابراء فى صورة اخبار به مثل ان يقول الدائن: أبرأت فلانا من دينى، فى معرض اقراره بذلك، وقد يكون فى صورة هبة كأن يقول الدائن لمدينه وهبتك ما لى فى ذمتك من دين. وقد يكون فى وصية كأن يقول الدائن لمدينه أوصيت

(1)

راجع المحلى لابن حزم ج 8 ص 465 طبعة سنة 1743 هـ.

(2)

راجع البحر الزخار ج 4 ص 300، 301 طبعة سنة 1366.

(3)

راجع شرح النيل ج 2 ص 569، 570.

(4)

راجع الروضة البهية ج 2 ص 265، 266 طبعة سنة 1378 هـ.

(5)

راجع:

تكملة ابن عابدين ج ص 347 طبعة بولاق.

الاشباه للسيوطى 187.

الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 99 طبعة الحلبى.

شرح الأزهار المتفرع من الغيث المدرار ج 4 ص 258.

كشاف القناع ج 2 ص 477.

ص: 179

لك بما فى ذمتك من دين لى فلا يبرأ بذلك الا بعد وفاته.

وقد يكون فى صورة اقرار كما فى ابراء الاستيفاء، وسيأتى.

والابراء كما يظهر من التعريف به اسقاط لحق شخص قبل شخص آخر ولذا كان ضربا أو نوعا من الاسقاط، لأن الاسقاط كما يكون تركا لحق فى ذمة شخص واطراحا له كما فى اسقاط الدين تشغل به ذمة المدين يكون لحق ثابت لصاحبه دون ان تشغل به ذمة آخر كما فى اسقاط الشفيع حقه فى الشفعة وكما فى اسقاط الموصى له بسكنى دار حقه فى سكناها وعلى ذلك يكون كل ابراء اسقاطا وليس كل اسقاط ابراء ومع ظهور هذا المعنى فيه على هذا التفسير فانه يحتمل تفسيرا آخر يجعله من قبيل التمليك، ذلك لأن صاحب الدين لا يستطيع محو دينه الثابت فى ذمة مدينه وإنما يستطيع تركه واطراحه وذلك ما يعنى تركه للمدين وتمليكه اياه وعدم مطالبته به.

وعلى هذا الأساس البادى من التأويلين السابقين ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والزيدية والشيعة الإمامية الى أنه يحمل معنيين معنى الاسقاط بالنظر إلى الدائن إذ قد تخلى عنه فلم يبق من عناصر ثرائه وأنقطعت مطالبته به ومعنى التمليك بالنظر إلى المدين إذ قد تملكه فزاد ثراؤه بقدره ألا يرى أنه كان مطالبا بانتقاص قدره من ماله فى سبيل الوفاء به فاستبقى له ذلك وذلك ما يعنى تملكه إياه وقد كان لهذين المعنيين فيه أثر فيما أعطى من أحكام فأعطى بعض أحكام التمليك تغليبا لهذه الناحية فيه، وأعطى بعض أحكام الإسقاط تغليبا لهذه الناحية فيه، كما كان من قبيل التبرع لأنه يتم لا فى نظير عوض.

‌أما الحنابلة:

فقد كان نظرهم إليه على أنه إسقاط فكان له حكم الإسقاط عندهم فى جميع أحواله أو أن ذلك كان نظر جمهورهم

(1)

.

‌2 - أركانه:

وركنه عند الحنفية الإيجاب الصادر من صاحب الحق وهو ما يصدر منه من عبارة تدل على ترك حقه واطراحه دلالة واضحة لا احتمال فيها أو ما يقوم مقام ذلك من كتابة أو إشارة.

والشافعية ومن أجرى علي اصطلاحهم يرون أن أركانه أربعة: صاحب الحق المبدئى وعبارته «الايجاب» والحق المبرأ منه والمدين اذ أن الإبراء لا يتحقق إلا بهذه الأركان ولا يتصور إلا بها.

ويكون إيجاب فيه بمثل إبرأتك من دينى أو أحللتك منه أو أسقطته عنك أو ملكتك إياه أو تركته لك أو نحو ذلك.

ويرى ابن حزم عدم صحته بألفاظ التمليك مثل وهبت أو أعطيت أو ملكت لأنه لا يملك ألا الشئ الموجود المادى المعلوم مكانه، أما الأوصاف الأعتبارية فلا تقبل تمليكا، ولكنه مع ذلك أستثنى صحته بلفظ التصديق، وإن كانت من ألفاظ التمليك، لورود النص بذلك، فقد قال تعالى: «وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا}

(2)

» وتصدقهم عند ذلك انما يكون

(1)

راجع تكملة ابن عابدين ج 2 ص 347 طبعة بولاق والاشباه للسيوطى ص 187. والدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 99 طبعة الحلبى وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 258 وكشاف ج 2 ص 477.

(2)

آية 92 سورة النساء.

ص: 180

بتنازلهم عنها وإبرائهم منها، ولما روى عن أبى سعيد الخدرى قال: أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«تصدقوا عليه» ، وهو خطاب لغرمائه، وتصدقهم يكون بابرائه من ديونهم

(1)

.

‌3 - قبول الابراء من المدين:

الدين حق خالص لصاحبه واقدام صاحبه على إسقاطه تصرف منه فى خالص حقه دون أن يمس ذلك حقا لغيره ودون أن يستوجب تكليفا على أحد ومن ثم لم يتوقف نفاذه على قبوله ممن عليه الدين بل ينفذ مع رد المدين له

ذهب إلى ذلك الحنابلة وجمهور الحنفية والشافعية وجمهور الشيعة الجعفرية تغليبا لمعنى الإسقاط فيه على التمليك

(2)

.

وذهب زفر إلى أنه يتوقف على القبول لغلبة معنى التمليك فيه وهو قول لبعض الشيعة الجعفرية.

وللمالكية والزيدية فى ذلك قولان، أحدهما: أنه يتوقف على القبول مراعاة لجانب التمليك فيه وهو الأرجح.

وثانيهما: أنه لا يتوقف ويتم من غير قبول بل ومع رده مراعاة لمعنى الإسقاط فيه كالطلاق والعتق. وعلى القول باشتراط القبول فيه عند المالكية يجوز أن يتراخى القبول عن مجلس الإيجاب، وهو صريح ما ذكره ابن عرفة، كما يجوز رجوع الدائن فيه قبل القبول

(3)

.

وإذا كان الإبراء من الدين بهبته للمدين كان توقفه على القبول محل خلاف عند الحنفية، ذهب بعضهم إلى أن هبة الدين للمدين لا تتوقف على القبول فتنفذ مع سكوت المدين فى مجلس الإيجاب لما فيها من معنى الإسقاط

(4)

. وهو مذهب الشافعية والحنابلة. وذهب آخرون إلى أنها تتوقف لما فيها من معنى التمليك وذلك رأى المالكية فيها لأنها نص فى التمليك.

وكذلك يرى الحنفية أن الإبراء من الكفالة والحوالة لا يتوقف على القبول ولا يرتد بالرد لتمحضه فى معنى الإسقاط، وأستثنى الحنفية من عدم توقف الإبراء على القبول الإبراء عن بدلى الصرف والسلم، إذ يرون توقفه على القبول دون خلاف فيه عندهم، حتى لا ينفرد أحد العاقدين فيهما وهو من أبرأ بفسخ عقد الصرف أو السلم وكلاهما عقد لازم لا يجوز أن يستبد بفسخه أحد طرفيه إذ أن فى نفاذ الإبراء فوات القبض فى المجلس وهو شرط فى صحه كل منهما.

والمشهور عند الحنفية أن هبة الدين للمدين وإبراءه منه كلاهما يتم من غير قبول ويرتد بالرد فهما فى ذلك سواء وإذا إرتدا بالرد لم يجز قبول بعد الرد لبطلان الإيجاب بالرد.

‌4 - رد الإبراء من المدين

ذهب الحنفية والزيدية إلى أن الإبراء يرتد برد المدين فى المجلس وبعده ما دام لم يحدث منه قبول صريح قبل رده، وذلك لما فيه من معنى التمليك.

ومن الحنفية من قيد صحة الرد ونفاذه بأن يكون فى مجلس الإبراء لا بعده، فالرد

(1)

المحلى ج 9 ص 117.

(2)

المهذب للشيرازى من كتاب الهبة ج 1 ص 454 والأشباه للسيوطى ص 188 وكشاف القناع ج 2 ص 478.

(3)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 99 وشرح الأزهار ج 4 ص 258 والفروق للقرافى ج 2 ص 101، 111.

(4)

نهاية المحتاج ج 5 ص 410.

كشاف القناع ج 2 ص 478.

ص: 181

بعد المجلس لا أثر له عندهم، والرد فى المجلس صحيح يرتد به الإبراء ولا يسقط به الدين إذا لم يسبقه قبول صريح له من المدين، لأن الرد بعده غير صحيح مطلقا فى المجلس وبعده. وتستوى هبة الدين للمدين فى هذا الحكم مع الإبراء منه.

وخالف الشافعية والحنابلة فذهبوا إلى أن الإبراء يتم بإرادة الدائن ولا يرتد برد المدين تغليبا لمعنى الإسقاط فيه. ولذا لا يفتقر الى القبول من المدين عندهم.

ويرى المالكية أنه يرتد بالرد فيبطل الإيجاب برد المدين لغلبة معنى التمليك فيه ولذا يحتاج الى القبول عندهم على الأصح به.

وذهب الحنفية إلى صحة إبراء المدين بعد موته وعندئذ يرتد برد الوارث عند أبى يوسف خلافا لمحمد. وإذا كان الإبراء إبراء من الحوالة كان أبرأ المحتال المحال عليه من الحوالة، أو كان ابراء من الدائن للكفيل من كفالته، أو كان الإبراء مطلقا بعد طلبه من المدين لم يرتد بالرد مطلقا. أما فى الإبراء من الحوالة والكفالة فلتمحضه فى الاسقاط فلم يتوقف على القبول ولم يقبل الرد. وأما الابراء بعد طلبه من المدين فلأن رده يعد كأنه رد بعد قبوله ولا يرتد الابراء بالرد بعد القبول

(1)

.

وذهب الزيدية الى أن الابراء يرتد بالرد لغلبة معنى التمليك فيه ولذا توقف على القبول عندهم، فإن خلا من معنى التمليك فكان اسقاطا محضا كالإبراء من الشفعة لم يتوقف على القبول ولم يرتد بالرد.

ومن الزيدية من غلب فيه معنى التمليك فى جميع أحواله فتوقف على القبول عندهم وأرتد بالرد

(2)

.

وإذا صدر الإبراء من فضولى توقف على أجازة الدائن فإن أجازه نفذ عند الحنفية والزيدية.

‌شروط الإبراء:

من شروط الإبراء شروط ترجع إلى المبرئ، وشروط ترجع إلى صيغة الإبراء، وشروط ترجع إلى المبرأ، وشروط ترجع إلى المبرأ منه.

فأما ما يرجع الى المبرئ فهو أن يكون من أهل التبرع فيجب أن يكون عاقلا بالغا غير محجور عليه لسفه أو لدين، لأن الإبراء تبرع من الدائن إذ لا يقابله عوض من المدين، ويلاحظ أن عدم الحجر للدين انما هو شرط نفاذ، فإبراء المحجور عليه بسبب الدين لمدينه صحيح متوقف على إجازة دائنيه لأن منعه من التبرع إنما هو للمحافظة على حقوقهم

وهذا مذهب الحنفية مع ملاحظه أن أبا حنيفة رحمه الله لا يرى الحجر للدين وإنما يراه الصاحبان وأثره عندهما هو المنع من التبرع محافظة على حقوق الغرماء دون أن يمس الحجر أهلية

(1)

الفتاوى الهندية ج 4 ص 384 وما بعدها طبعة بولاق.

الأشباه والنظائر لابن نجيم طبعة إسلامبول.

تكملة ابن عابدين ج 2 ص 347 طبعة بولاق.

كشاف القناع ج 2 ص 478 طبعة المطبعة الشرفية سنة 1319.

الأشباه للسيوطى ص 188 وما بعدها.

المهذب ج 2 ص 454 طبعة دار الكتب العربية لمصطفى الحلبى.

مطالب أولى النهى شرح غاية المنتهى ج 4 ص 392 وما بعدها طبعة سنة 1961.

(2)

شرح الأزهار ج 4 ص 298 وما بعدها.

الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 99.

ص: 182

المحجور عليه للدين، أما من يراه ماسا بأهليته من الفقهاء فهو عندهم شرط صحة.

(أنظر مصطلح حجر ومصطلح تبرع).

كما يشترط فيه أن يكون ذا ولاية فى إبرائه كأن يكون هو الدائن أو وصيا على الدائن وقد وجب الدين المبرأ منه أثرا لعقد باشره عنه فعند ذلك تصح براءته ويضمن ما أبرأ المدين منه، ولكن إذا كان الدين لم يجب أثرا لعقده لم يصح إبراؤه.

وأما ما يرجع إلى الصيغة فهو أن تكون دالة دلالة ظاهرة غير محتملة على تمليك الحق للمدين أو على سقوطه.

وأما ما يرجع إلى المدين المبرأ فهو أن يكون معلوما غير مجهول، فاذا كان مجهولا لم يصح إبراؤه، كما لو قال شخص:

أبرأت كل مدين لى، أو كل مدين لمورثى، أو أبرأت أحد هذين. ولكن إذا كان من أبرأه الدائن محصورا معلوما، كأبرأت هؤلاء المدينين لى صح الإبراء. وقد ذهب إلى اشتراط هذا الشرط فى المبرأ الحنفية والشافعية والحنابلة والمالكية.

ومن الفقهاء الحنابلة من ذهب إلى أن الدائن إذا قال: أبرأت أحد غريمى هذين صح الإبراء وطلب إليه التبيين والبيان.

ولكن جاء فى كشاف القناع أن المذهب عدم صحة الإبراء مع إبهام المحل، كأبرأت أحد غريمى هذين أو أبرأت فلانا من أحد دينى اللذين فى ذمته.

والشافعية لا يرون صحه الإبراء مع جهالة المدين المبرأ لغلبة معنى التمليك فيه ولا يملك المجهول وعلى هذا لا يصح الإبراء ولو كان بصيغة إقرار إذا ما قال الدائن: لا دين لى قبل أحد. أو قال: كل مدين لى فهو برئ إلا أن يتبين أنه يقصد بذلك شخصا بعينه

(1)

.

ويشترط الزيدية مع ما تقدم خلو الإبراء من التدليس فإذا أفهم شخص دائنه بأن ما عليه من الدين حقير تافه فأبرأه منه بناء على ذلك ثم تبين خلاف ذلك للدائن لم يصح إبرأؤه لغلبة معنى التمليك فيه.

وأما ما يرجع الى الحق موضوع الايراء فهو ما يأتى:

أولا: ألا يكون عينا من الأعيان، والأعيان المشخصة لا تثبت فى الذمة فلا تقبل الإسقاط وإنما يقبل الإسقاط ما يشغل الذمم من الحقوق ولذا كان الإبراء من الأعيان المشخصة باطلا. أما ما كان من الإعيان دينا فإنه يقبل الإبراء إذ أنه يقبل الإسقاط كالديات من الإبل مثلا ونحو ذلك وعلى ذلك إذا غصب شخص كتابا فأبرأه منه مالك الكتاب كان إبرأء باطلا لا يترتب عليه أثر

وعلى ذلك صح الإبراء عن الديون بأنواعها.

وصح الإبراء عن الدعوى لانها حق فإذا قال المدعى للمدعى عليه أبرأتك من أدعاء هذه العين أو من دعواى هذه العين لم تقبل له فيها دعوى ملك بعد ذلك «مجمع الانهر» وكذلك يصح إبراء الدائن الكفيل من الكفالة وإبراؤه المحال عليه من الحوالة إذ البراءة فيهما تنصب على حق هو الكفالة أو الحوالة.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 478 طبعة المطبعة الشرفية الأشباه للسيوطى ص 187.

جامع الفصولين المطبعة الأزهرية سنة 1300 هـ ج 1 ص 125 وما بعدها.

ص: 183

ثانيا: أن يكون موجودا عند الإبراء وعلى ذلك يبطل الإبراء من الحق قبل وجوده، فلا يصح أن تبرأ شخصا من كل ما سيقرضه منك أو مما سيجب لك علية، كما لا يصح ابراء الزوجة زوجها من نفقة مستقبلة ولا من نفقة العدة قبل أن يطلقها، لأن الإبراء إسقاط وما سيوجد ساقط فعلا فلا يقبل إسقاطا. وسنبين فيما يأتى الحكم فى الإبرأء عن النفقة.

ولا يشترط فى الحق المبرأ منه أن يكون معلوما

ذهب إلى ذلك الحنفية والحنابلة والمؤيد من الزيدية، فجوزوا الإبرأء من الحق المجهول سواء أكان مجهولا لدى المبرئ أم لدى المبرأ.

وخالف فى ذلك الشافعية والناصر من الزيدية فاشترطوا علم المبرئ بما أبرأ منه واستثنوا من هذا الحكم أن يكون الدائن جاهلا مقدار دينه ولكنه ذكر له عند الإبراء منه نهاية يتحقق أن دينه دونها فى المقدار، كما إذا قال له أبرأتك من دينى البالغ الفا جنيه وهو متحقق من أن دينه دون ألالف

(1)

.

وذهب الحنابلة الى أن البراءة من الدين لا تصح اذا كان المبرئ لا يعلم بوجود الدين فى حين أن المدين يعلمه ولكنه كتمه عنه خوفا من أنه إذا علمه طالبه به ولم يبرئه منه لأن هذا يعد هضما للحق وظلما للدائن ولا يعد الإبراء فى هذه الحال صادرا من صاحبه عن إرادة معتبرة وإنما صدر منه على وجه الهزل أو اللعب.

ويرون صحه الإبراء من المجهول ولو لم يتعذر العلم به، كما يرون صحه الإبراء ممن يعتقد أنه لا لدين له فى ذمة من أبراء ثم تبين أنه كان مدينا عند إقدامه على إبرائه.

والإبراء من دين الأب مع ظن حياته فبان أن الأب كان ميتا عند صدور الإقرار

(2)

.

وذهب الزيدية إلى عدم صحة الإبراء مع التدليس كأن يبرئ الدائن مدينه بناء على تفهيم المدين اياه بأنه فقير أو أن الدين حقير ثم تبين خلاف ذلك

(3)

. وأختلف الزيدية فى صحة الإبراء من المجهول، فمنهم من ذهب إلى صحته ومنهم من ذهب الى عدم صحته.

‌موضوع الابراء

الإبراء عن الأعيان

الإبراء عن الحقوق

ذكرنا فى شروط الإبراء أن الإبراء لا يكون الا عن حق للمبرئ قبل غيره ويجب فيه أن يكون موجودا عند الإبراء وهذا محل اتفاق بين المذاهب. وذكرنا أنه لا يشترط فيه أن يكون معلوما عند المبرأ ولا عند المدين المطالب به وهو من عليه الحق وذكرنا خلاف الشافعية فى ذلك - وبناء على ذلك كان الإبراء عن الأعيان غير صحيح ولا يترتب عليه أى أثر فى أكثر أحواله أذ أن الإبراء اسقاط أو يحمل معنى الإسقاط، والأعيان بطبيعتها لا تقبل الإسقاط، ولذا يصح الإبراء فيها إذا كان القصد منه الإبراء من حق متعلق بها لا الايراء منها، أما الإبراء منها فلا أثر له.

(1)

الأشباه للسيوطى ص 571.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 478.

(3)

الازهار ج 4 ص 278، 301 وما بعدها.

(4)

مطالب أولى النهى ص 392.

ص: 184

ولا يعد تمليكا لها بناء على ما يحمله من معنى التمليك بل تظل فى يد من هى فى يده مملوكة لصاحبها وله إذا ظفر بها أن يأخذها ولكن مع ذلك لا تسمع دعواه بها بعد الإبراء منها إذ ينصرف إبراؤه هذا إلى حق الإدعاء بها، فلا يبقى له حق فى الدعوى بها بعد الإبراء بل يسقط به. وليس هذا الحكم محل إتفاق عند الحنفية فقد جاء فى الخلاصة قال: أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتى فيها أو عن دعواى فيها .. فهذا كله باطل حتى لو ادعاها بعد هذا الإبراء سمعت دعواه ولو أقام بينته لاثباتها قبلت.

وجاء فى الخانية أن الابراء عن العين المغصوبه إبراء عن ضمانها وتصير به أمانة فى يد الغاصب، ولو كانت العين مستهلكة صح الإبراء وبرأ من قيمتها.

وقد نقل صاحب الأشباه هذا وعلق عليه بقوله: فقولهم الإبراء عن الأعيان باطل معناه أنها لا تكون به ملكا والا كالابراء عنها بقصد سقوط ضمانها صحيح أو يحمل قولهم على الإبراء عن الأمانة، أى أن البطلان محل إذا كان الإبراء عن أعيان هى أمانة لأنها اذا كانت أمانة لم تلحقه عهدتها فلا وجه للابراء منها.

وحاصله: ان الابراء المتعلق بالأعيان أما أن يكون عن دعواها وذلك صحيح بلا خلاف مطلقا لأنه فى الواقع إسقاط لحق وأما أن يتعلق بنفسها. فإن كانت فى هذه الحال مغصوبة هالكة صح أيضا كالإبراء من الدين إذ يعد إبراء من قيمتها، وإن كانت قائمة كان معنى البراءة منها البراءة من ضمانها لو هلكت فتصير بعد هذا الإبراء كالأمانة لا تضمن إلا بالتعدى عليها.

ويرى الزيدية أن الإبراء عن العين المضمونة مثل أن يبرئ مالكها الغاصب إسقاط لضمانها

وهذا أحد قولى المؤيد بالله، وذهب بعضهم إلى أنه يفيد إباحتها.

وذهب زفر إلى عدم صحة الإبراء فى هذه الحال فتظل بعده العين مضمونة (خانية).

وإن كانت العين أمانة فالبراءة منها لا تصح ديانة بمعنى أنه إذا ظفر بها صاحبها أخذها وتصح قضاء فلا يجوز للقاضى أن يسمع دعواه بها بعد البراءة.

ويرى الزيديه أنه يعد إباحة لها فيجوز لذى اليد أن يستهلكها ولمالكها أن يرجع عن هذا الإبراء قبل إستهلاكها. ومنهم من ذهب إلى أن الابراء عن الاعيان يفيد تمليكها لا فرق فى ذلك بين عين مضمونة وعين هى أمانة فى يد صاحب اليد عليها

(1)

.

وبناء على ما تقدم لا يصح الإبراء عن الأعيان على معنى تمليكها لمن هى فى يده وإنما يفيد ابراءه عن ضمانها اذا كانت فى يده مضمونة فتنقلب أمانة فى يده. وكذلك لا يصح بالنسبة إلى الأعيان غير المضمونة على هذا الإعتبار، وإنما يصح على أساس البراءة من الإدعاء بها. وعليه يكون للمبرأ أن يأخذها إذا ما ظفر بها لأنها ما زالت على ملكه. وكذلك لا يصح الإبراء من الحقوق التى لا تقبل الإسقاط كحق الرجوع فى الهبة والرجوع فى الوصية، لأن فى جواز ذلك

(1)

شرح الازهار ج 4 ص 298، 299.

ص: 185

تغييرا للشرع وذلك غير جائز خلافا للمالكية كما فى التزامات الحطاب.

وكذا لا يصح الإبراء من خيار رؤية المبيع ولا من حق الاستحقاق فى الوقف وحق الارث لنفس السبب.

أما ما عدا ذلك من الحقوق المالية أو المتعلقة بالأموال فيصح الإبراء منها كالإبراء من الديون بأنواعها، والإبراء من الديات، والابراء من القصاص، والإبراء من حق القسم بالنسبة إلى الزوجة، والإبراء من حق الإنتفاع، ومن حق الفسخ بخيار العيب ونحو ذلك من الحقوق التى تثبت فى الذمم.

وفيما يلى بيان لأحكام الإبراء فى بعض الحقوق لاختصاصها بأحكام خاصة.

‌الابراء من نفقة الزوجة:

إذا صارت نفقة الزوجة دينا فى ذمة زوجها صح ابراؤه منها أما قبل شغل ذمة الزوج بها فلا يصح إبراء الزوج منها لأن الابراء لا يكون إلا من دين قائم موجود عند حدوثه كما قدمنا.

وبناء على ذلك لا يصح إبراء الزوجة زوجها من نفقتها إلا إذا كانت مفروضة بالقضاء أو الرضا عند الحنفية، لأنها لا تصير دينا واجبا عندهم إلا بفرضها من القاضى أو بالتراضى إذ تشغل بها ذمة الزوج بذلك لا قبل ذلك، إذا ما ابتدأت مدتها، فإذا فرضت مشاهرة شغلت بها ذمة الزوج بدخول الشهر فيصح الابراء عن نفقة هذا الشهر فى بدايتة اذا ما حل أو فى أثنائه، ولا يصح عن نفقة شهر آخر يأتى بعده لأن الذمة لم تشغل بها، كما يصح الإبراء عن النفقات المتجمدة التى سبق فرضها لصيرورتها دينا شاغلا للذمة لعدم أدائها، وعلى ذلك إذا أبرأت الزوجة زوجها فى بداية السنة عن نفقتها لم يصح الإبراء إلا إذا كانت قد فرضت لها مسانهة، فان كانت قد فرضت مشاهرة صح الابراء عن الشهر الأول فقط منها، وإن كانت مياومة صح عن اليوم الأول منه الذى حدث فيه الابراء وما قد يكون سبقه من الأيام وهكذا.

وهذه الأحكام محل اتفاق لاتفاق الفقهاء على اشتراط وجود الدين عند الإبراء غير أنه يلاحظ أن من الفقهاء من لا يشترط فى شغل ذمة الزوج بنفقة زوجته القضاء بها أو التراضى عليها (أنظر نفقة الزوجة فى نفقة وبما تصير دينا فى ذمة الزوج).

‌المبارأة بين الزوجين:

المبارأة مفاعلة من البراءة وتكون بين الزوجين لفصم عرى الزوجية بينهما نظير عوض مالى تدفعه الزوجة لزوجها وتستوجب سقوط الحقوق الزوجية بينهما، ويترتب عليها بينونة الزوجة بطلقة بائنة عند الحنفية، فهى بين الزوجين بمنزلة الخلع بينهما فتفيد انفصام عقد الزواج مع سقوط الحقوق الزوجية لكل منهما قبل الآخر نظير ما تدفعه الزوجة لزوجها وذلك بأن يقول الزوج لزوجته: بارأتك على ألف جنيه.

فتقول له: قبلت.

أو ما فى معنى ذلك، والمعنى خالعتك من الزواج على ذلك وهذا عند الحنفية «انظر مصطلح خلع» .

يجوز إبراء المدين بعد وفاته من دينه وهذا محل إتفاق وفى التتار خانية .. رجل

ص: 186

مات فوهبت له امرأته مهرها الشاغل لذمته جاز لأن قبول المدين ليس بشرط فى صحة البراءة. وقال قاضيخان: رجل له على آخر دين فبلغه أنه قد مات فقال: جعلته فى حل من دينى، أو قال أبرأته منه. ثم ظهر أنه حى لم يكن للدائن المبرئ أن يأخذه منه لأنه قد وهبه إياه بلا شرط.

وفيه دليل على عدم صحة رجوع المبرأ عن إبرائه

هذا وقد اختلفت الحنفية فى جواز رد الإبراء من الوارث إذا ما أبرأ الميت دائنه.

وقد علمت أن الشافعية والحنابلة يرون أن الإبراء لا يرتد بالرد وفى ارتداده بالرد عند الزيديه خلاف، وهو مذهب المالكية وإن كان الأرجح عندهم أنه يرتد بالرد

(1)

.

‌أحوال صيغة الابراء:

الأصل فى الإبراء أن يكون منجزا مثل أن يقول الدائن لمدينه ابرأتك من دينى، واذا علق على شرط لم يصح ولم يترتب عليه أثر

ذهب إلى ذلك الحنفية والشافعية والحنابلة، وذلك لما فيه من معنى التمليك فكان معتبرا بالتمليكات وإن كان فيه معنى الإسقاط وهذا إذا علق على غير الموت، فان علق على الموت صح، وكذلك إذا أضيف إلى ما بعده لأنه يكون حينئذ وصية والوصية بالبرأءة من الدين جائزة

ذهب إلى ذلك الحنابلة والحنفية.

وجاء فى البحر أن تعليق الإبراء على الشرط مفسد له إذا كان الشرط غير متعارف، أما إذا كان الشرط متعارفا فانه يصح تعليقه عليه. وقال أنه يجب تقييد كلام من قال من الفقهاء كصاحب الكنز أن الإبراء يبطل بتعليقه على الشرط. ويؤيد ذلك ما جاء فى القنية وهو أن تعليق الإبراء على الشرط المتعارف جائز.

وفساد الإبراء بالتعليق إنما يكون فى الإبراء الذى يعد تمليكا كالإبراء من الدين أما الذى يعد من قبيل الإسقاط كالإبراء من الكفالة أو الحوالة فيصح تعليقه بالشرط الملائم. فاذا قال الدائن للكفيل: ان وافيتنى بالمدين غدا فأنت برئ من الكفالة.

فوافاه به فى الغد برأ منها

ذهب إلى ذلك بعض الحنفية، واختاره صاحب التكملة وقال إنه الأوجه لأن الإبراء فى هذه الحال إسقاط محض.

وجاء فى البحر على الكنز إن الإبراء يجوز تقييده بالشرط الصحيح ويبطل اذا اقترن بالشرط الفاسد وأن أضافة الإبراء تبطله وإذا اقترن بخيار الشرط صح الإبراء وبطل الشرط

(2)

وذهب الزيدية الى صحة الإبراء مع اقترانه بالشرط ولا يضيره أن يكون شرطا مجهولا وقت حدوثه أو شرطا لا تتعلق به أغراض الناس كتقييده بنزول المطر أو بنعيب

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 99.

الأزهار ج 4 ص 298.

كشاف القناع ج 2 ص 478.

الأشباه للسيوطى ص 188.

الدر وابن عابدين ج 2 ص 614 وما بعدها طبعة الحلبى.

(2)

الاشياء للسيوطى ص 187.

المهذب للشيرازى ج 1 ص 454.

جامع الفصولين ج 2 ص 2، 4، 182.

التكملة على الهداية ج 7 ص 44.

البحر ج 7 ص 310، 322.

الهندية ج 4 ص 385.

مطالب اولى النهى ج 4 ص 392، 393.

ص: 187

الغراب مثل أن يقول الدائن لمدينه: أبرأتك بشرط نزول المطر فى وقت كذا أو عند نزول المطر. وإذا قيد بشرط لم يصح الرجوع فيه قبل تحقق الشرط أى إذا علق على شرط لم يصح أن يرجع فيه قبل تحقق الشرط.

وهذا دليل صحة تعليقه على الشرط عند الزيديه، وأجازوا أن يكون فى نظير عوض مالى أو غير مالى كأبرأتك على أن تهب لى كذا أو على أن تطلق زوجتك فلانة فإذا تحقق ذلك صح وإلا لم يصح وتصح اضافته إلى الموت عندهم وعندئذ يكون وصية

(1)

.

‌أنواع الابراء:

يتنوع الإبراء بالنظر إلى صيغته نوعين عند الحنفية: ابراء اسقاط، وابراء استيفاء فإذا دلت صيغته وضعا على الإسقاط كأبراتك من الدين أو أسقطت عنك الدين أو أحللتك منه أو تصدقت به عليك، أو نحو ذلك .. كان إبراء إسقاط لأن الدائن قد عبر بما يدل على أنه قد ترك دينه وأسقطه عن مدينه، وسواء فى ذلك أن يكون ذلك بالنسبة إلى الدين كله أم بالنسبة إلى بعضه.

وإذا دلت صيغته على أن زوال الدين بسبب وفائه كان إبراء استيفاء، ويكون ذلك بإقرار الدائن باستيفاء دينه من مدينه كقوله: استوفيت دينى قبل فلان، ونحو ذلك. مما يدل على هذا المعنى من العبارات وإنما سمى هذا النوع إبراء نظرا إلى نتيجته وهى عدم جواز المطالبة به بعد ذلك وسواء فى ذلك أن يكون المدين قد قام بالوفاء فعلا أم لا، إذ الأثر فى الحالين واحد، وهن عين الأثر فى النوع الأول

وذلك الأثر هو سقوط الدين.

ولاختلاف هذين النوعين فى العبارة الدالة على زوال الدين ودلالتها قالوا إن إبراء الإسقاط يختص بالديون إذ أن العبارة فيه صريحه فى اسقاطها، ولا يصح فى الأعيان، وذلك لعدم صحه إسقاط الأعيان.

أما إبراء الاستيفاء فإنه يكون فى الدين والعين جميعا، إذ الإقرار بالوفاء كما يتحقق فى الدين يتحقق فى العين، وذلك بدفعها إلى مالكها

(2)

.

وإبراء الاستيفاء إذا كان إقرارا بالوفاء كما بينا لا يحمل معنى الاسقاط، ويتمحض تمليكا بخلاف إبراء الاسقاط، فإنه كما تقدم، كما يمكن أن يعد تمليكا للدين للمدين، يمكن أن يعد اسقاط له. ذلك لأن وفاء الدين لا يكون إلا بتمليك مثله للدائن.

ومن هذا قال فقهاء الحنفية أن الديون تقضى بأمثالها، فإذا أعطى المدين الدائن مثل دينه فيه فقد ملكه مثله واستوجب عليه بهذا التمليك مطالبته به لولا ما عليه من دين مماثل يستوجب عليه مطالبته به من قبل الدائن فسقطت مطالبته بما أوفى نظير سقوط مطالبة الدائن إياه بما له من دين فى ذمته.

وهذا معنى قولهم ان الدينين يلتقيان قصاصا. ونتيجة لذلك يرى أن ذمة كل من

(1)

شرح الأزهار ج 4 ص 258.

(2)

تكملة ابن عابدين ج 2 ص 352 وما بعدها طبعة بولاق.

ص: 188

المدين والدائن بعد الوفاء بالدين مشغولة فذمة المدين لا تزال مشغولة بالدين ولكن لا يطالب به، وذمة الدائن أصبحت بالوفاء مشغولة بما أعطى فى دينه فإذا ما أبرأ الدائن مدينه فى هذه الحال أى بعد وفاء الدين إبراء اسقاط صادف ذلك الإبراء محلا، وهو دينه الذى لا يزال شاغلا ذمة المدين فسقط بذلك الإبراء وخلصت ذمته منه وأصبحت ذمة الدائن وحدها مشغولة بما كان قد أعطى فى دينه من المال لا فى نظير شئ، فكان للمدين بسبب ذلك أن يسترد من الدائن مما سبق إن كان وفاه به، وهذا هو حكم الإبراء من الدين بعد الوفاء به.

أما إبراء الاستيفاء فإذا كان اقرار بالوفاء لم يكن إلا إخبارا بما حدث من تمليك للدائن فى نظير دينه، فلم يترتب عليه سقوط أحد العوضين، ولم يكن للدائن ولا للمدين مطالبة الآخر

(1)

بشئ، وهذا هو اختيار السرخسى، والصدر الشهيد، وذكر خواهر زاده أنه لا رجوع فى الحالين، واختاره بعض المشايخ.

ويتنوع إبراء الاسقاط بالنظر إلى موضوعه نوعين:

إبراء خاص وإبراء عام، فيكون خاصا إذا ما كان موضوعه حقا معينا أو حقوقا معينة مثل أن يقول شخص لآخر: أبرأتك من دينى أو من ديونى التى ثبتت لى فى ذمتك فى سنة كذا أو من دعواى هذه الأرض أو من جميع الدعاوى التى رفعتها عليك أو القائمة بينى وبينك الآن.

ويكون عاما إذا كان موضوعه عاما يتناول كل حق للمبرأ قبل شخص معين أبرأه.

على أن عموم الإبراء وخصوصه مسألة نسبية، فإن قول شخص لآخر: أبراتك من كل دعوى تتعلق بأى عقار تحت يدك فى بلد كذا، يعد عاما بالنسبة لما تحت يد المبرأ من عقار فى هذا البلد، ويعد خاصا بالنظر إلى حقوقه كلها، سواء تعلقت بهذا العقار أو بغيره والإبراء سواء أكان خاصا أو عاما لا يتناول إلا ما تدل عليه العبارة من حق قائم عند الإبراء، ولا يتناول ما يجد من حقوق بعده، وإن شملته العبارة كما تقدم ذلك.

وبناء على ذلك إذا قال شخص لآخر:

لا حق لى قبلك، يشمل جميع الدعاوى المتعلقة بالأعيان أمانة كانت أم مضمونة، وجميع الديون وجميع الحقوق من كل حق هو مال ومن كل حق ليس بمال كالكفالة والقصاص وحق القذف وما إلى ذلك، فلا تسمع منه دعوى بحق ثابت على هذا الإبراء، وكذلك إذا قال أبرأت فلانا من كل دعوى لى قبله لا يحق له أن يدعى عليه بشئ سابق على هذا الإبراء سواء أكان الادعاء متعلقا بدين أو بعين وإذا قال أبرأته من كل دين لى قبله سقطت جميع ديونه التى له قبل هذا

(1)

تكملة ابن عابدين ج 2 ص 352 وما بعدها طبعة بولاق.

ص: 189

الإقرار، فلا يملك مخاصمته فى دين سابق عليه.

وجاء فى تكملة ابن عابدين: لا تسمع دعوى بعد الإبراء العام إلا ضمان الدرك.

«والضمان الدرك هو ضمان ما يدرك المبيع أو اليمن من استحقاق الغير له كله، أو بعضه بعد العقد» .

ذلك لأن ضمان الدرك الحق فيه لم يثبت إلا بعد الإبراء وإن كان سببه سابقا على صدوره فعند صدوره لم تكن الذمة مشغولة بشئ معين، ولم يحكم بالإستحقاق إلا بعد الإبراء ولو قال أبرأت فلانا من كل حق لى عنده تناول الأمانات فيسقط الإدعاء بها دون الديون

(1)

.

‌حكم الابراء:

وفيه حكم الرجوع عنه وبطلانه ببطلان ما تضمنه.

إذا صدر الإبراء مستوفيا شروطه ترتب عليه أثره، وهو سقوط الحق المبرأ منه ان كان الإبراء خاصا، وإذا سقط لم تجز المطالبة به بعد ذلك، وإذا كان عاما شمل جميع الحقوق الموجودة عند صدوره التى تتناولها عبارته، فلا تجوز المطالبة بحق منها ولا يتناول ما يحدث بعده من الحقوق ولزم ذلك المبرئ فلا يقبل منه رجوع ولا عدول فيه، لأن الحق إذا سقط لم يعد مرة أخرى، وهو مذهب الحنفية والحنابلة

(2)

.

وقد جاء فى تكملة ابن عابدين ان الدائن لا يملك أن يرجع فى هبته الدين لمدينه بعد قبوله ويرجع فيها قبل قبوله، لأنها اسقاط أى والساقط لا يعود.

وذهب الشافعية إلا أن الإبراء إذا كان من أب لولده لم يصح الرجوع فيه على قول مراعاة لمعنى الإسقاط فيه ويصح الرجوع فيه على قول آخر مراعاة لمعنى التمليك ألا يرى أن الأب له الرجوع فى هبته لابنه، ذكر ذلك الرافعى.

وقال النووى: ينبغى ألا يكون للمبرئ حق الرجوع عن ابرائه فى جميع الأحوال.

وجملة القول أن الابراء إنما يتناول ما تدل عليه عبارة المبرئ من حق قائم عند صدورها، أما ما يحدث من الحقوق بعد ذلك فلا يتناوله الإبراء.

ومن المسائل التى فرعت على ذلك ما إذا أدعى المبرئ حقا وكانت دعواه بعد الإبراء دون أن يؤرخ ثبوت هذا الحق له، ففى الاستحسان أنها لا تسمع حملا للحق على انه سابق على الإبراء «حامديه» وقد ذكروا أن الدعوة بعد الإبراء العام تسمع فى أربع مسائل:

1 -

إذا أبرأ إبراء عاما ثم ادعى عليه ضمان الدرك فى بيع سابق على الإبراء، إذ الحق وهو الضمان لم يحدث إلا بعد الإبراء فتسمع استحسانا.

2 -

اذا بلغ القاصر فأبرأ وصية من كل حق ثم ظهر له شئ لم يكن يعلمه سمعت دعواه اذ التناقض مغتفر فيما فيه خفاء.

(1)

تكملة ابن عابدين ج 1 ص 359.

الفتاوى الهند ج 4 ص 204.

(2)

تكملة ابن عابدين ج 2 ص 347 طبعة بولاق.

كشاف القناع ج 2 ص 478 المطبعة الشرقية سنة 1319.

(3)

الاشباه للسيوطى ص 188.

ص: 190

3 -

إذا أقر الوصى أنه استوفى جميع ما كان للميت على الناس جميعا ثم ادعى على رجل دينا للميت سمعت دعواه لارتفاع التناقض بسبب وجود الخفاء، وأيضا يلاحظ فيه أن المبرأ مجهول وتقدم عدم صحة إبراء المجهول.

4 -

إذا أقر الوارث أنه استوفى جميع ما كان للمورث على الناس جميعا ثم أدعى لمورثه دينا على آخر سمعت دعواه للسب السابق فى المسألة قبلها.

هذا ويبطل الإبراء اذا بطل ما تضمنه إذا كان الإبراء قائما على حقوق تترتب على ما تضمنه وبناء على ذلك إذا باع شخص عينا وقبض ثمنها، وتضمن عقد البيع براءة البائع من كل دعوى تتعلق بالعين أو براءة المشترى من كل دعوى تتعلق بالثمن، ثم بطل البيع لاستحقاق العين المبيعة فإنه لا يكون لهذا الإبراء الذى تضمنه عقد البيع أثر فى استحقاق المشترى مطالبة البائع برد الثمن كما لا يكون له أثر فى مطالبة المشترى برد المبيع إذا ما كان الثمن عينا ظهر استحقاقها فبطل البيع بناء على ذلك.

وكذلك إذا تضمن الصلح إبراء من أحد طرفيه للآخر ثم بطل الصلح بسبب من الأسباب بطل تبعا لذلك ما تضمنه من الإبراء، لأن الإبراء كان من عناصر الصلح فإذا بطل الصلح بطلت أيضا عناصره

(1)

.

‌إبراء المريض:

يراد بالمريض من به مرض الموت وهو ما يغلب فيه الموت عادة ويتصل به، والإبراء عند الحنفية كما قدمنا. إما إبراء اسقاط وإما إبراء استيفاء، فإن كان إبراء اسقاط فهو فى مرض الموت من قبيل التبرع المنجز وحكمه حكم الوصية، وإن لم يكن وصية فإن كان لوارث توقف على إجازه سائر الورثة، وأن كان لأجنبى نفذ فى حدود ثلث التركة بعد سداد الديون، ولا تنفذ فيما زاد على ذلك الا بإجازة الورثة بعد وفاة المبرئ وهم من أهل التبرع عالمين بما أجازوا.

وفى حكم إبراء الوارث إبراء المريض أجنبيا من دين كفله أحد ورثته لأن أبراء الأصيل يستلزم براءة الكفيل، فكان إبراؤه المدين الأجنبى إبراء لوارثه.

وإن كان الإبراء الصادر من المريض إبراء استيفاء وقد علمت أنه عبارة عن إقراره باستيفاء حقه، أختلف الحكم فيه بإختلاف أحواله بحسب صدوره لوارث أو لأجنبى فى حدود الثلث أو فيما تجاوزه، وفيه أختلاف الفقهاء (أنظر مصطلح إقرار) وإلى مذهب الحنفية ذهب الزيدية.

وأعلم أن الإبراء إذا صدر فى صورة إقرار كأن يقول المريض لا حق لى قبل فلان ونحوه، فإن كان ذلك لوارث توقف نفاذه على تصديق سائر الورثة عند الحنفية سواء إعتبرته إقرار أم إبراء.

وإن كان لأجنبى فهو نافذ أن عد اخبارا وله حكم الوصية أن عد إبراء من دين معلوم

(2)

.

ذلك رأى الحنفية. أما الشافعية فلهم رأيان فى إبراء المريض لوارثه وفى ابرائه

(1)

شرح الجوهرة على القدورى من كتاب الاقرار والاشباه والنظائر من كتاب القضاء والشهادة والدعوى ص 357 طبعة اسلامبول.

(2)

الهندية ج 4 ص 179، 181.

تكملة أبن عابدين ج 2 ص 347.

والأزهار ج 4 ص 300.

ص: 191

لأجنبى عنه، أحدهما يقضى بصحته فى الحالين.

والآخر يقضى بإعطائه حكم الوصية كما ذهب إليه الحنفية

(1)

.

ولم نعثر على رأى للحنابلة فى إبراء المريض غير أن رأيهم فى إقرار المريض كرأى الحنفية فيه فهل الأمر كذلك فى الإبراء؟

وذهب ابن حزم إلى أنه لا فرق بين إبراء المريض وإبرأء الصحيح، ذلك لأنه لا يرى تفرقة بين تصرف الصحيح وتصرف المريض فى الحكم، والحكم فيهما الصحة والنفاذ فى جميع الأحوال

(2)

‌إبط

الأبط: ما تحت الجناح

(3)

والكلام عنه فى موضعين:

الأول: حكم تنفه، أى ازالة الشعر الموجود فيه.

الثانى: حكم جعل الرداء تحت الإبط الأيمن وإلقائه على الكتف الأيسر فى الحج وهو المسمى بالاضطباع.

أما نتفه فمسنون عند جميع المذاهب

(4)

، يقول صلى الله عليه وسلم، فى روايات متعددة ومختلفه فى بعض ألفاظها: عشر من الفطرة: قص الشارب، واعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الأبط، وحلق العانة، وإنتفاض الماء، أى الاستنجاء، قال مصعب بن شيبة: ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضمة.

وأما الاضطباع، ويقال له التوشح والتأبط فسنة أيضا، فقد روى أن الرسول صلي الله عليه وسلم وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت، وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم، ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى، وهذا عند الحنفية والشافعية والحنابلة والزيديه والإباضية

(5)

.

وقال مالك ليس الاضطباع سنة لأنه لم يسمع أحدا من أهل العلم ببلدة يذكر ذلك ولم نعثر على حكمه عند الإمامية والظاهرية

‌إبطال

‌معناه لغة:

الإبطال فى اللغة النقض والإلغاء والإفساد والإزالة. يقال أبطل الشئ، جعله باطلا، ويقال أبطل إذا جاء بالباطل وهو ضد الحق أو الهزل، وأثر الإبطال البطلان وهو

(1)

نهاية المحتاج وحاشية الشبرا ملسى عليه ج 5 ص 70 طبعة الحلبى.

(2)

المحلى ج 9 ص 348 وما بعدها.

(3)

المصباح المنير.

(4)

فتح القدير ج 1 ص 38 طبعة الأميرية.

رسالة ابن أبى زيد القيروانى بشرح الآبى ص 553 طبعة دار الكتب العربية.

والمجموع شرح المهذب ج 1 ص 283.

المغنى ج 1 ص 87 طبعة المنار.

المحلى لابن حزم ج 2 ص 218.

البحر الزخار ج 2 ص 298.

المختصر النافع ص 82.

النيل ج 1 ص 516.

(5)

فتح القدير ج 2 ص 150.

المجموع ج 8 ص 58.

المغنى ج 3 ص 372.

البحر الزخار ج 2 ص 352.

النيل ج 2 ص 354.

ص: 192

الضياع والفساد، يقال بطل بطولا إذا ذهب ضياعا وخسرا

(1)

.

‌معناه اصطلاحا:

يستعمله الفقهاء بمعنى الإلغاء والإفساد والنقض، ومحله عندهم الأفعال الشرعية كالصلاة والصوم والحج والأقوال، وتتناول التصرفات الشرعية والأحكام والأدلة، يقولون: أبطل عقده أو قوله إذا نقضه وأفسده أو عدل عن المضى فيه، وأبطل صلاته أو صيامه أو حجه إذا أفسده بما يجعله فى نظر الشارع فاسدا غير مجزئ فكان ما صدر عنه من ذلك مسلوب الأثر الشرعى الذى رتبه الشارع على وجوده صحيحا على وفق ما طلب، وأبطل دليله إذا نقضه فجعله غير منتج للنتيجة التى أريدت منه، وهذا هو معنى البطلان فى الأدلة.

أما معناه فى الأفعال والتصرفات الشرعية فهو صيرورتها على خلاف ما طلب الشارع فيها سواء أكان ذلك الطلب متعلقا بأركانها وعناصرها الأساسية التى يتوقف وجود حقيقتها الشرعية على تحققها أم متعلقا بأوصافها العارضة لها التى رأى الشارع وجوب وجودها عليها. ومن ثم وصف بالبطلان كل فعل أو قول أو عقد وجد على خلاف ما طلب الشارع.

وإلى هذا المعنى ذهب الشافعية والحنابلة والمالكية والزيديه.

وذهب الحنفية إلى أن البطلان مخالفة القول أو التصرف لما بينه الشارع فى حقيقته وأركانه، فإذا وجد مخالفا لهذا البيان كان باطلا وغير مشروع بأصله، أما مخالفته لما طلبه فيه من أوصاف عارضة يجب أن يوجد عليها، فلا تسمى عندهم بطلانا، وإنما تسمى عندهم فساداً ووجوده على هذه الأوصاف التى كره الشارع وجوده عليها تجعله فاسدا لا باطلا، ويكون غير مشروع بوصفه.

وجملة القول فى ذلك أن الشارع إذا نهى عن تصرف من التصرفات فقد يكون مرجع هذا النهى إلى خلل فى أركانه أو فى محله أو لعدم تحقق معناه، وقد يكون مرجعه إلى وصف ملازم للتصرف عارض له، وقد يكون مرجعه إلى أمر مجاور له غير ملازم وليس شرطا فيه وإنما عرض له بسبب المجاورة فهذه أحوال ثلاثة. ففى الحال الأولى يكون أثر المخالفة فيها البطلان اتفاقا كما فى بيع الميتة وعقد المجنون.

وفى الحال الثانية يكون الأثر فيها الفساد عند الحنفية والبطلان أيضا عند غيرهم، كما فى بيع أجل الثمن فيه الى الميسرة، أو بيع دابه من قطيع، ومن هذأ يتبين أن الحنفية قد فرقوا بين البطلان والفساد، وخالفهم فى ذلك المالكية والشافعية والحنابلة، فلم يفرقوا بين هذين الحالين فى التسمية وفى الأثر، وكانت المخالفة فيهما عندهم بطلانا أو فسادا وكان اللفظان عندهم مترادفين.

وهذا ما جرى عليه استعمالهم فى أكثر أبواب الفقه بصفة عامة، وقد يرى فى بعض الأبواب أنهم يفرقون بين معنى البطلان والفساد بناء على اختلاف فى الأحكام،

(1)

المعجم الوسيط - مفردات الراغب - القاموس في مادة بطل.

ص: 193

وذلك ما يفصل فى مصطلح بطلان وفساد فارجع اليه.

أما مخالفة الحال اليالثة فلا توجب بطلانا ولا فسادا، ولا تسمى بذلك عند الحنفية والمالكية والشافعية، وإنما توجب الكراهة فقط، وهذه رواية عن أحمد.

وفى رواية أخرى عنه أنها توجب الفساد والبطلان، ذلك فيما يتعلق بالتصرفات الشرعية على العموم سواء أكانت عقودا أم التزاما بارادة منفردة ما عدا النكاح اذ يرى فيه جمهور الفقهاء أن لا فرق بين باطله وفاسدة فى الحكم، ومن ثم أطلقوا على ما يوجد منها مخالفا لطلب الشارع أسم الباطل تارة، وأسم الفاسد تارة أخرى من غير تفرقة بين الحالين فى المعنى سواء أكان مرد ذلك إلى مخالفة فى أصل العقد أو مخالفه فى وصفه كما فى النكاح المؤقت أما فى الأفعال الشرعية كالصلاة والصوم عدا الحج فإن الإتيان بفعل منها على وضع مخالف لما أمر الشارع يجعلها غير مجزئة فلا تبرأ بها الذمة ولا يتحقق بها الإمتثال المطلوب أو الطاعة الواجبة سواء أكان مرجع النهى فيما نهى عنه منها هو فقدان ركن من أركانها أو شرط من شروطها أو وجودها على صفه كرهها الشارع فيها ومن ثم يصفها الفقهاء فى هذه الحال تارة بالبطلان وتارة بالفساد من غير تفرقة بين حال وحال فيقولون الصلاة بغير ركوع باطلة أو فاسدة والصلاة بغير طهارة باطلة أو فاسدة والصلاة مع كشف العورة فاسدة أو باطلة لا يفرقون فى الوصف ولا فى الأثر بين حال وحال

(1)

. (انظر مصطلح: بطلان وفساد)

أما الحج فقد فرقوا بين فاسده وباطنه إذ أوجبوا المضى فى فاسده وأوجبوا على الحاج مع ذلك الذبح والإعادة مرة أخرى وإنما وجبت الإعادة لتمكن الخلل فى الحج الذى أتى به لا لعدمة

(2)

.

ويلاحظ أن المخالفة إذا كانت راجعة إلى فقدان ركن من الأركان أو فقدان معنى التصرف فإن أثرها حينئذ هو انعدام الفعل المطلوب أو العقد المراد انشاؤه، وعند ذلك لا يتحقق لهما وجود شرعى وأن ثبت لهما وجود حسى فى الواقع، فالصلاة إذا فقدت أركانها لا تعد صلاة ولا يتحقق لها وجود عند ذلك شرعا، وكذلك العقد إذا فقد أحد أركانه لم يكن له وجود فى نظر الشارع. وفى هذه الحال يوصف كل منهما بالبطلان، فيقال فى الصلاة حينئذ أنها باطلة وفى العقد أنه باطل، ومعنى ذلك فى واقع الأمر إنعدام كل منهما شرعا وفى مثل هذه الحال لا يكون كل منهما محلا للابطال، إذ معناه جعل الفعل أو التصرف باطلا بعد أن بدأ صحيحا، فإذا بدأ باطلا لم يقبل إبطالا، لأن الباطل لا يبطل.

ومن ثم كان البطلان الذى يحدث أثرا للإبطال حكما طارئا يطرا على الفعل

(1)

راجع الشرح الكبير للدردير فى كتاب البيع من الجزء الثالث، وفى كتاب النكاح من الجزء الثانى طبعة الحلبى وشرح مسلم الثبوت ج 1 ص 122 والإحكام للآمدى ج 1 ص 187 وروضة الناظر فى أصول فقه الحنابلة ج 1 ص 164 وما بعدها المطبعة السلفية سنة 1342، وارشاد الفحول للشوكانى ص 104 مطبعة السعادة سنة 1327.

(2)

ابن عابدين ج 2 ص 228، 229.

ص: 194

الشرعى أو التصرف، وعلى هذا لا يقال لمن صلى بلا ركوع وسجود أبطل صلاته الا على معنى جاء بصلاة باطلة غير موجودة ولا لمن باع سلعة بغير قبول أبطل بيعه إلا على معنى جاء بعقد باطل، وقد يكون المراد بالإبطال إظهار بطلان الفعل الباطل أو العقد الباطل، وذلك يحدث فى القضاء بإبطال تصرف من التصرفات إذ لا يراد بقول القاضى أبطلت هذا العقد أو هذا الحق إلا أظهرت بطلانه، ذلك لأن القضاء مظهر ولا ينشئ إلا نادرا فى أحوال خاصة

ومما تقدم يتبين ما يأتى:

أولا: أن الإبطال جعل الفعل أو القول باطلا، وذلك بإعدامه فى نظر الشارع وتجريده من وصف الوجود شرعا، وهو الوجود الذى ناط به الشارع ترتب الآثار الشرعية عليه، ومن ثم عد الباطل معدوما فى نظر الشارع واعتباره وكان العقد الباطل معدوما لا يترتب عليه أثر، والصوم الباطل معدوما لا يجزئ عن الواجب الشاغل للذمة وهو بهذا المعنى يتناول معنى الفسخ كما سيتضح ذلك فيما يأتى.

ثانيا: ان الإبطال عند الحنفية يكون بادخال سبب مبطل على الفعل أو التصرف بعد بدايته بداية صحيحة، وذلك باعدام ركن من أركانه، كمن بدأ صلاته بداية صحيحة، ثم ترك فيها ركوعا أو سجودا أو بدأ صيامه، ثم أكل عامدا فى أثناء النهار أو بدأ حجه ثم أرتد أو باع ثم أبطل بيعه بخيار مجلس عند القائل به أو بخيار شرط إذا ما شرطه لنفسه فى العقد أو أذن الموهوب له فى قبض العين الموهوبة ثم عدل عن إذنه أو أوجب فى عقد من العقود ثم عدل عن إيجابه فى مجلس العقد أو تزوج ثم أبطل زواجه بردته أو بخيار بلوغ، فكل ذلك ابطال لما بدأ صحيحا، وهذا بخلاف الإفساد فإن معناه عندهم إلحاق مفسد بما شرع فيه من عمل أو تصرف، كمن شرع فى صلاته ثم تكلم فيها بما يتكلم به الناس أو انحرف فيها عن القبلة انحرافا جعلها إلى ظهره، أو صام فجامع فى صيامه، أو حج فجامع قبل وقوفه بعرفة، أو باع بثمن فأجله إلى وقت الميسرة أو اشترط فيه شرط خيار لمدة سنة أو بغير مدة، أو قارض فاشترط لنفسه ربحا معين المقدار، أو رهن فاشترط بقاء الرهن تحت يده

فذلك كله عند الحنفية إفساد لا إبطال، إذ أنه لا يرجع إلى خلل فى أصل الفعل أو التصرف، وإنما يرجع إلى وصف من أوصافه، ولا يفرق غيرهم بين الحالين فهى عندهم إبطال أو إفساد. (راجع مصطلح: بطلان وفساد)

‌الفرق بين الإبطال والفسخ:

بينا فيما سبق معنى الإبطال ومحله، ونقرر هنا أن الإبطال كما يحدث أثناء القيام بالعمل الشرعى، كما فى المصلى يتحدث فى صلاته بما يشبه كلام الناس، وكما فى البيع إذا فصل بين إيجاب البائع وقبول المشترى ما يحول دون اتصال

ص: 195

القبول بالإيجاب من قيام أو كلام أو اشتغال بأى عمل يترتب عليه ذلك عرفا، وكما فى الزواج إذا أقترن بقبول الزوج ما يوجب بطلان العقد من ردة أو فعل يوجب حرمة المصاهرة، كذلك يحدث الإبطال بعد التمام. غير أن ذلك لا يتصور فى الأفعال الشرعية كالصلاة والصيام والحج إذ بعد تمامها لا يمكن أن يلحق بها ما يبطلها، لأنها وقعت على وفق طلب الشارع مجزئة وبرأت منها الذمة، فلا تشغل بها مرة أخرى.

ولكنه يحدث فى التصرفات

فقد ذكروا أن الوقف يبطل بردة الواقف بعد تمامه، وأن الوصية تبطل برجوع الموصى عنها، وأن التوكيل يبطل بعدول الموكل عنه بشرط وصول الخبر إلى الوكيل، وأن العارية تبطل برجوع المعير عنها، وأن البيع يبطل بخيار العيب وبخيار الرؤية عند إرادة الرد بهما، وأن الهبة تبطل برجوع الواهب فيها بشرط رضا الموهوب له أو قضاء القاضى، والمسائل من هذا النوع كثيرة عديدة يخطئها الحصر.

ولكن الملاحظ أن التعبير عن الابطال بعد التمام فى أكثر الحالات والمواضع يكون بالفسخ، وقد يستعمل لفظ الإبطال، ولكن التعبير الأول أكثر استعمالا، ويندر أن يعبر عن الإبطال الحادث فى أثناء العمل بالفسخ وإذا عبر عنه بذلك كان من قبيل التجوز فى التعبير.

ففى الإقالة قالوا إنها فسخ فى حق المتعاقدين عقد جديد فى حق غيرهما، وفى العقد غير اللازم قالوا أنه ما يستبد أحد العاقدين بفسخه وفى الرجوع فى الهبة من الواهب قالوا إذا رجع الواهب فى هبته بقضاء أو رضا كان فسخا لعقد الهبة وإعادة لملكه لا هبة جديدة، وفى خيار العيب قالوا إن الرد بخيار العيب قبل القبض يعد فسخا كالرد بخيار الرؤية أو بخيار الشرط

(1)

وهكذا، كما عبروا فى مثل هذه المواضع بالإبطال

(2)

.

وأذن فالفرق بين الإبطال والفسخ أن الإبطال أعم من الفسخ، فالإبطال كما يكون فى أثناء المباشرة يكون بعد التمام والفسخ لا يكون ألا بعد التمام، فكل فسخ أبطال، وليس كل إبطال فسخا، وذلك ما يشعر به ويدل عليه لفظ الفسخ لغة

(3)

، فهو فيها النقض والتفريق، فقول العرب فسخت الشئ فرقته، وفسخت المفصل عن موضعه أزلته، وتفسخ الشعر عن الجلد، وليس يكون ذلك إلا عند إتصال شيئين فتفرق بينهما (أنظر مصطلح فسخ).

‌أسباب الابطال:

تبين مما سبق أن الابطال هو جعل العمل أو التصرف باطلا، وإنما يكون ذلك ممن يباشر العمل بالنسبة للأفعال الشرعية أو ممن له شأن فى التصرف بالنسبة للتصرفات بناء على ثبوت الحق له فى ذلك شرعا تطبيقا لحكم شرعى، وعلى ذلك لا يكون الابطال

(1)

الدر المختار ج 4 ص 96.

(2)

أرجع الى ابن عابدين ج 4 ص 80 من باب خيار العيب.

(3)

المصباح المنير والقاموس والاساس فى مادة فسخ.

ص: 196

إلا بسبب مبطل شرعا، أى بسبب رتب الشارع عليه حكم الإبطال عند تحققه، فما لا يبطل به العمل أو التصرف شرعا لا يصلح سببا للإبطال، وإذا جعل سببا للإبطال لم يترتب عليه، وبناء على ذلك لا يملك المصلى أو الصائم أو الحاج أن يبطل صلاته أو صيامه أو حجه إلا بما جعله الشارع مبطلا لها فلا يملك المصلى أن يبطل صلاته بنظره إلى السماء عند صلاته أو بقيامه على رجل واحدة، ولا يستطيع الصائم أن يبطل صيامه بأكله ناسيا، ولا يستطيع الحاج أن يبطل حجه بلبس مخيط فى إحرامه. إذ أن الشارع لم يرتب على شئ من ذلك بطلان العمل، وليس لإرادة المصلى أو الصائم أو الحاج سلطان فى ذلك، بل الحكم فيه للشارع.

ومما يجب ملاحظته أن أقدام المكلف على أبطال عمله المتطوع به فى غير حج وعمرة بغير عذر مكروه، فإذا أبطله لزمه أعادته عند أبى حنيفة ومالك لقوله تعالى:

«وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ}

(1)

» فقد أمر بعدم أبطالها، فوجبت بالشروع فيها، وذلك ما يستوجب الاستمرار فيها وحرمة إبطالها بغير عذر ووجوب قضائها إذا أبطلها مطلقا.

وذهب الشافعى وأحمد

(2)

إلى استحباب اتمامه، وإذا أبطله لم يلزمه قضاؤه. والمراد فى الآية بابطالها ابطال ثوابها بالمن أو الرياء والشروع فى التطوع لا يغير حقيقته وحكمه أما الحج والعمرة فيجب المضى فيهما وإعادتهما عند إبطالهما.

وذهب الشيعة الإمامية إلى عدم جواز إبطال الصلاة اختيارا من غير عذر، وإلى أنها تصير واجبة بالشروع فيها

(3)

.

وكذلك بالنظر إلى التصرفات الشرعية لا يستطيع ذو الشأن أن يبطلها إلا بما جعله الشارع مبطلا لها فالتصرف اذا كان غير لازم بالنسبة إلى طرفيه كالعارية والوكالة والشركة والوديعة يكون لكل عاقد حق أبطاله أو فسخه بإرادته المنفردة دون أن يتوقف ذلك على رضا الطرف الآخر، وإذا كان لازما بالنسبة إلى أحد طرفية غير لازم بالنسبة إلى الطرف الأخر كالرهن والكفالة كان لمن لا يلزم العقد بالنسبة له فقط أن يبطله بإرادته المنفردة، فكان للمرتهن هذا الحق دون الراهن، وكان للمكفول له هذا الحق دون الكفيل. أما الراهن أو الكفيل فليس له الإبطال إلا برضا المرتهن أو المكفول له، وإذا كان التصرف لازما بالنسبة إلى طرفيه كالبيع والاجارة ونحوهما لم يملك أحدهما ابطاله الا برضا الطرف الأخر، وهذا ما يسمى بالإقالة، وإذا فقد لزومه بسبب خيار كخيار رؤية أو شرط أو عيب كان له إبطاله بارادته بناء على خياره وإذا كان التصرف بإرادة المتصرف المنفردة كالوقف والوصية والهبة والجعالة كان له إبطاله إذا جعله الشارع غير لازم كالوصية والجعالة والهبة فى بعض أحوالها، ولم يكن له ذلك بإرادته فيما جعله الشارع لازما كالوقف وعقد الصبى المميز موقوف فلوليه إبطاله عند الأحناف والمالكية، وكذلك عقد

(1)

سورة محمد: 33.

(2)

كشاف القناع ج 1 ص 528.

وأحكام القرآن لابن العربى.

وأحكام القرآن للجصاص ج 3 ص 219.

وأحكام القرآن للقرطبى ج 16 ص 255.

(3)

مصابيح الفقه وكتاب الصلاة ص 427، 428.

ص: 197

الفضولى لصاحب الشأن فيه أبطاله عند القائلين بوقفه.

وعلى الجملة فليرجع الى مبطلات الأعمال والعقود والالتزامات على العموم فى مصطلحاتها فيرجع إلى مبطلات الصلاة فى مصطلح صلاة، وإلى مبطلات الصوم فى مصطلح صوم وإلى مبطلات الحج فى مصطلح حج والى مبطلات البيع والاجارة والرهن والصلح والوقف فى مصطلحاتها وهكذا، والى مبطلات الأحكام فى مصطلح قضاء.

‌أثر الإبطال وحكمه:

إذا حدث الإبطال قبل إتمام العمل الشرعى أو الإلتزام الشرعى كان أثره البطلان وبذلك صار معدوما فى نظر الشارع، وترتب على ذلك صيرورة العمل غير مجزئ وصيرورة الالتزام لاغيا لا يترتب عليه أثر، وهذا محل إتفاق بين المذاهب، اذ أن ترتب الآثار على أسبابها إنما هو نتيجة لإعتبار الشارع لها وترتيبها عليها، وإنما يكون ذلك عند وجوده فى اعتباره ونظره. أما اذا حدث الإبطال بعد التمام، وذلك لا يتصور كما قلنا إلا فى التصرفات الشرعية، فإن أثره حينئذ هو إنهاء التصرف، ولا يكون لهذا الإنهاء عندئذ أثر رجعى فلا يترتب على إبطال الزواج حرمة ما حدث فيه من مباشرة سابقة ولا إنتفاء ما ثبت به من أنساب ولا سقوط ما وجب فيه من نفقات على الزوج، وكذلك الحال فى الهبة يرجع فيها الواهب بعد تمامها بالقبض، فإن جميع منافع العين وزوائدها قبل إبطالها وفسخها تكون للموهوب له متى كانت منفصلة لأنه المالك للعين الموهوبة قبل الرجوع، وزيادة الملك ونماؤه لمالكه ولا تكون للواهب، غير أن الزيادة المتصلة كالسمن مثلا تمنع الرجوع عند الحنفية وتمنع الإعتصار عند مالك، وهو رجوع الأب فيما وهبه لولده وتمنع الرجوع كذلك عند أحمد على رواية جواز رجوع الأصل فيما وهبه لفرعه ولا تمنع رجوع الأصل فيما وهبه لفرعه عند الشافعى بل تتبع أصلها فتكون للواهب، وهو مذهب الإباضية.

أما المنفصلة فتظل ملكا للموهوب له وإلى هذا ذهب الشيعة الجعفرية.

ولا يرى أهل الظاهر جواز الرجوع فى الهبة

(1)

.

وذهب الزيدية الى أن الزيادة المتصلة تمنع الرجوع لا المنفصلة اذ تكون للموهوب له

(2)

ونتيجة ذلك اقتضاء الرجوع فى الهبة وعدم استناده إلى وقتها، وكذلك الحكم فى الوكالة إذا أبطلها أحد عاقديها، والشركة والقراض والعاريه والمساقاة والمزارعة والإجارة إذا فسخت بسبب عذر أو بإقالة، فالفسخ فى جميع هذه الأحوال لا يستند إلى وقت حدوث العقد، وإنما يقتصر الإبطال على وقته فلا يترتب عليه أثره إلا من ذلك الوقت، إذ أن الإبطال لا يرفع عقدا ولا يبطله، فقد حدث بعد تمامه وترتب آثاره عليه، وانما ينهيه من وقت فسخه فيرفعه بذلك الفسخ والابطال.

(1)

تكملة ابن عابدين فى الهبة ج 2 فى آخره.

كشاف القناع ج 2 ص 185.

الخرشى ج 7 ص 134.

البجرمى على المنهج ج 3 ص 244.

المحلى وتحرير الاحكام ج 1 ص 284.

(2)

شرح الأزهار ج 3 ص 441.

ص: 198

وبناء على ذلك اذا حدث الفسخ أو الإبطال قبل تمام العقد وترتب آثاره عليه فإن الحكم يختلف تبعا لما تم من آثاره وما لم يتم ومما فرع على ذلك عقد البيع إذا كان فيه خيار شرط أو خيار رؤية أو خيار عيب ذلك أن خيار الشرط يقف ترتب آثار العقد عليه عند الحنفية. فإذا حدث الفسخ الإبطال بناء عليه لم يترتب على العقد شئ جديد، وأرتفع بالفسخ

(1)

.

ويرى مالك فى أصح أقواله أن خيار الشرط يحول كذلك دون ترتب آثاره عليه أيضا، وعلى ذلك فالبيع فى زمن الخيار لا يزال مملوكا للبائع، والثمن لا يزال مملوكا للمشترى سواء أكان الخيار لأحدهما أم لهما وعلى ذلك فيكون الحكم هو ما ذكرنا عند الحنفية وهو أن العقد لم يترتب عليه أثر جديد وأنه بالفسخ يرتفع وعلى ذلك يكون نماء المبيع وزوائده للبائع متى كانت حادثة زمن الخيار سواء أجيز العقد أم فسخ، وهناك آراء أخرى للمالكية فى ذلك

(2)

.

ويرى الشافعى أن ملك المبيع فى مدة الخيار لمن له الخيار، فإن كان الخيار للبائع وحده فهو المالك للمبيع وحده، وإن كان الخيار للمشترى وحده كان ملك المبيع له كما يكون ملك الثمن للبائع، وإذا كان الخيار لهما فالأمر موقوف إلى أن يظهر مآل العقد، فإذا فسخ البيع ظهر أن المبيع لم يخرج من ملك البائع وأن الثمن لم يزل فى ملك المشترى، وعلى هذا الأساس يكون الحكم على الزوائد والنماء فى مدة الخيار فهى لمن له الملك فى تلك المدة قبل أن يئول العقد إلى فسخه

(3)

.

ويرى أحمد أن اشتراط الخيار لا يحول دون ترتب آثاره عليه، وهذا ظاهر المذهب وعلى هذا الأساس يكون الحكم على الزيادة والنماء فيهما للمشترى لحدوثهما على ملكه وفسخ العقد إنما يكون من وقت الفسخ لا من وقت إنشائه. غير أن الزيادة كانت متصلة كالسمن فإنها تتبع أصلها عند الفسخ

(4)

فتكون لمن كان له ملك أصلها.

وعلى هذا يرى أيضا أن الفسخ أو الإبطال يقتصر على وقت حدوثه فلا يثبت بأثر رجعى إلى وقت نشأة العقد. ويلاحظ أنه بالنسبة إلى العقد الموقوف عند فسخه، فإن فسخه يثبت بأثر رجعى إلى وقت إنشائه، ذلك لأن العقد الموقوف لا يترتب عليه آثر وانما ينفذ بالاجازة (راجع خيارات).

وفى الجملة ففسخ العقد يقتصر على وقت إنشائه عند الفقهاء اذ لا يعدم التزاما وجد صحيحا فى زمن صحته، وإنما ينهيه من وقت حدوثه، وذلك ما يرى أنه ليس محلا للخلاف. ويلاحظ كذلك أن العقد إذا حدث فاسدا كان له وجود فى نظر الحنفية ووجب على كل من طرفيه فسخه، وإذا وصل علم القاضى إليه فسخه القاضى إن لم يفسخه أحد طرفيه، أما عند غيرهم فليس له وجود حتى يقتضى ذلك فسخه وابطاله

(5)

(1)

راجع البدائع ج 5 ص 364.

(2)

الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 104.

الخرشى ج 5 ص 137.

شرح النيل ج 6 ص 10.

شرح الأزهار ج 35 ص 441.

(3)

نهايه المحتاج ج 4 ص 19.

روض الطالب ج 2 ص 53.

(4)

المغنى ج 4 ص 26.

كشاف القناع ج 2 ص 50

(5)

الدر المختار أحكام البيع الفاسد.

ص: 199

‌أبطح

‌1 - التعريف به:

1) المعني اللغوى: جاء فى لسان العرب ومثله فى القاموس أنه اسم لمسيل واسع فيه دقاق الحصى. وقيل بطحاء الوادى تراب لين مما جرته السيول، فإن اتسع وعرض فهو الأبطح. وقال ابن الأثير: إن أبطح الوادى حصاة اللين فى بطن المسيل، وفى الحديث أنه عليه الصلاة والسلام صلى بالأبطح، يعنى أبطح مكة وهو مسيل واديها، وفى المصباح أن الأبطح كل مكان متسع، والأبطح بمكة هو المحصب، ثم فسر كلمة محصب بأنه موضع بمكة على طريق منى، وبأنه مرمى الجمار بها.

ب) المعنى الاصطلاحى: يقول الأحناف

(1)

أنه اسم الموضع الذى نزل به رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من منى إلى مكة ويسمى المحصب والأبطح. وهو فناء مكة ما بين الجبلين المتصلين بالمقابر إلى الجبال المقابلة لذلك وأنت صاعد فى الشق الأيسر فى طريقك إلى منى من بطن الوادى، ولم يختلف عليهم أحد من أهل المذاهب الأخرى فى التعريف به.

2 -

حكم النزول به:

يقول الأحناف أنه يسن للحاج بعد رمى الجمار أن يأتى الأبطح فينزل به لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل به قصدا وذلك لما روى عن أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: إنا نازلون غدا بالخيف

(2)

خيف بنى كنانة حيث تقاسم المشركون فيه على شركهم. يريد الرسول عليه الصلاة والسلام بذلك الإشارة إلى عهد المشركين فى ذلك الموضع على هجران بنى هاشم وبنى المطلب بألايناكحوهم ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم الرسول، فعرفنا بذلك أن نزوله بالأبطح كان قصدا ليرى المشركين لطيف صنع الله به، وليتذكر فيه نعمته سبحانه عليه حيث يقارن بين نزوله هذا وما كان عليه أيام الحصار فيكون النزول فيه سنة بمنزلة الرمل فى الطواف واستدلوا أيضا بأن الخلفاء نزلوا كذلك بهذا المكان وقد صرح بعضهم كما فى ابن عابدين بأن الأظهر أن النزول به سنة كفاية، لأن الموضع لا يسع جميع الحجاج، ويتحقق أصل السنة عندهم بأن ينزل الحاج ولو ساعة يقف على راحلته يدعو.

وذكر الكمال بن الهمام أن الحاج يصلى فيه الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويهجع هجعة ثم يدخل مكة.

وهذه كما يقول ابن عابدين: سنة كمال وقد صرح المالكية

(3)

: بأن النزول به مع الصلوات الأربع مندوب، واستثنوا المتعجل فى سفره، ومن كان رجوعه يوم الجمعة،

(1)

المبسوط ج 4 ص 24 مطبعة السعادة سنة 1324 البدائع للكاشانى الطبعة الاولى بالقاهرة سنة 1327 ج 2 ص 160.

الفتح ج 2 ص 187 مطبعة مصطفى محمد.

الدر المختار حاشية ابن عابدين ج 2 ص 201 المطبعة الميمنية سنة 1307 هـ.

(2)

الخيف فى الأصل ما ارتفع عن الوادى قليلا عن مسيل الماء وقد اشتهر إطلاقه على مكان قرب منى فيه مسجد الخيف.

(3)

الدردير والدسوقى ج 2 ص 53 طبعة المطبعة الأزهرية سنة 1345.

ص: 200

وصرحوا أيضا أن محل ندب صلاة الظهر إذا وصله قبل ضيق وقتها فلو ضاق عليه الوقت يصلى الظهر حيث أدركه. ونصوا على أن الراجع من منى يفعل ذلك سواء أكان آفاقيا

(1)

أم من مكة أم مقيما بمكة، وأنه يقصر الصلاة ولو كان مكيا لأنه من تمام المناسك.

ويرى الشافعية

(2)

: أنه يندب لمن نفر من منى أن ينزل بالمحصب الذى يقال له الأبطح وخيف بنى كنانة، ويصلى به العصرين والمغربين، ويبيت به لاتباع الرسول وقالوا:

إن ذلك ليس من المناسك.

وصرح الحنابلة

(3)

: باستحباب النزول وأداء الصلوات الأربع المذكورة والاضطجاع اليسير، وروى ابن قدامة أن ابن عمر يرى التحصيب سنة.

ونص الشيعة الجعفرية

(4)

: على أن النزول به مستحب. كما نصوا

(5)

على أنه يستحب الإكثار من الصلاة بمسجد الخيف.

ويضيف الزيدية

(6)

للحكم بندب النزول به أن الحاج يصلى فيه العصر والعشاءين ويدخل مكة بعد هجعة كفعله صلى الله عليه وسلم.

هذا وقد أوردت كتب الأحناف والحنابلة والزيدية التي أشرنا إليها اختلافا بين بعض الصحابة وبعض فى أن النزول به سنة أو غير سنة، ويرجع اختلافهم فى ذلك إلى أن نزول الرسول صلى الله عليه وسلم به أكان عن قصد أم غير قصد، ونقلوا عن ابن عباس وعائشة أن نزوله به كان اتفاقا لا قصدا، وقد واجههم الحنفية بالرد بما تقدم.

ولم نعثر فى كتابى المحلى فى الفقه الظاهرى وشرح النيل فى الفقه الإباضى على شئ فى ذلك الموضوع.

‌أبكم

فى اللغة يقال: رجل أبكم أى خرس.

والأخرس: هو الذى منع من الكلام خلقة. أى خلق ولا نطق له.

وقد وضع الفقهاء له أحكاما تتعلق بذبيحته وصلاته وطلاقه ووصيته وعقوده وإشارته

إلى غير ذلك (انظر أخرس)

‌إبل

‌التعريف بالإبل:

الإبل بكسرتين وبتسكين الباء: الجمال والنوق، لا واحد له من لفظه، مؤنث، وجمعه آبال، ويقال: إبلان للقطيعين من الإبل

(7)

.

‌منافع الإبل:

وقد أحل الله تعالى ذكور الإبل وإناثها فقال سبحانه: «وَمِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً}

(1)

أى من خارج مكة.

(2)

المهذب ج 1 ص 231 طبعة عيسى الحلبى.

حاشية القليوبى على المنهاج ج 2 ص 124 طبعة الحلبى سنة 1353.

(3)

المغنى ج 3 ص 457 الطبعة الثالثة بدار المنار.

(4)

المختصر النافع ص 98 طبع دار الكتاب العربى.

(5)

الروضة البهية ج 1 ص 203 مطبعة دار الكتاب العربى.

(6)

البحر الزخار ج 2 ص 360.

(7)

القاموس (أبل).

ص: 201

{كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ. ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَمِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ} .. الآية

(1)

».

ونعى سبحانه على من عطل منافعها فى الأكل أو فى العمل بأى نوع من أنواع التعطيل فقال: «ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ}

(2)

».

البحيرة: كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر، بحروا أذنها أى شقوها، وحرموا ركوبها، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى، وإذا لقيها المعيى لم يركبها واسمها البحيرة

(3)

.

السائبة: وكان الرجل يقول: إذا قدمت من سفرى أو برئت من مرضى فناقتى سائبة وجعلها كالبحيرة فى تحريم الانتفاع بها واسمها السائبة

(4)

.

الوصيلة: الناقة البكر، تبكر فى أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثنى بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر

(5)

.

الحام: والحام فحل الإبل، يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه تركوه للطواغيت وأعفوه عن الحمل فلم يحمل عليه شئ وسموه الحامى

(6)

.

‌طهارة الإبل:

والإبل الحية طاهرة ما دام جسمها خاليا من ملابسة النجاسات التي تخرج من الإبل، ومن غيرها من النجاسات، ولمن شاء أن يزاول أية منفعة من المنافع التى تطلب من الإبل دون حرج أو مانع فإذا تلبست بنجاسة وجب أن يتحرز الإنسان من تلك النجاسة وأن يزيلها.

ما يخرج من أبدان الإبل، ما يأتى:

1 -

أبوالها.

2 -

أرواثها.

3 -

الدم السائل منها.

أما أبوالها، فقد قال أبو حنيفة وأبو يوسف: أنها نجسة، وقال محمد: أنها طاهرة، حتى لو وقع فى الماء القليل لا يفسده ويتوضأ منه ما لم يغلب عليه

(7)

.

ويقول الشافعية: كل مائع خرج من أحد السبيلين نجس سواء كان ذلك من حيوان مأكول اللحم أم لا

(8)

.

ويرى المالكية: أن بول ما يباح أكله طاهر إذا لم يعتد التغذى بنجس، والإبل مباحة الأكل فبولها طاهر

(9)

.

وعند الحنابلة: بول الإبل وما يؤكل لحمه طاهر إلا اذا كانت تأكل النجاسة

(1)

سورة الأنعام الآيات 142، 143، 144.

(2)

سورة المائدة الآية 103.

(3)

الكشاف ص 277.

(4)

المرجع السابق.

(5)

ابن كثير ج 2 ص 107.

(6)

المرجع السابق.

(7)

البدائع ج 1 ص 61، 62.

(8)

البجرمى ج 1 ص 296.

(9)

الدسوقى ج 1 ص 51.

ص: 202

فبولها نجس، فإن منعت من أكلها ثلاثة أيام لا تأكل فيها إلا طاهرا صار بولها طاهرا

(1)

.

والزيدية: ترى أن بول ما يؤكل لحمه كالإبل طاهر لقوله عليه الصلاة والسلام:

«لا بأس ببول البقر والغنم والإبل» ، وبول الجلالة نجس

(2)

.

وابن حزم يقول: البول كله من كل حيوان، إنسان أو غير إنسان، مما يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، أو من طائر يؤكل لحمه أو لا يؤكل لحمه، فكل ذلك حرام أكله وشربه، إلا لضرورة تداو أو إكراه أو جوع أو عطش فقط، وفرض اجتنابه فى الطهارة والصلاة الا ما لا يمكن فهو معفو عنه

(3)

.

والإمامية قالوا: أن بول الإبل طاهر

(4)

.

والإباضية يرون: أن بول الإبل نجس إذ يقولون أن البول مطلقا من الإنسان والحيوان خبيث لأن النبى صلى الله عليه وسلم سماه خبيثا فكل بول خبيث

(5)

.

روث الإبل:

أما الأرواث فيقول الأحناف: إنها نجسة عند عامة العلماء وقال زفر: روث ما يؤكل لحمه طاهر

(6)

.

ويقول الشافعية: إن كل ما خرج من السبيلين من حيوان مأكول فنجس كالبعر والروث

(7)

.

ويرى المالكية: أن الروث الخارج من مباح الأكل كالإبل والبقر طاهر إذا لم يعتد التغذى بالنجاسة فإن اعتاد التغذى بها يقينا أو ظنا فروثه نجس

(8)

.

ويرى الحنابلة أن روث الحيوان الذى يؤكل طاهر

(9)

.

ويرى الزيدية أن زبل الإبل والحيوانات المأكولة طاهر، فإذا كانت جلالة كان زبلها نجسا قبل الاستحالة، فأما بعد الاستحالة التامة بتغير اللون والطعم والريح عما كانت عليه فإنه يحكم بطهارته

(10)

.

ويرى ابن حزم الظاهرى: أنه نجس، وتجب إزالته عما يصيبه من جسم الإنسان وثيابه ومكانه وكل ما يخصه لأن الله تعالى أمر على لسان رسوله بإزالته

(11)

.

وقال الإمامية: إن روث الإبل نجس لأن العذرات نجسة

(12)

.

‌حكم الدم السائل من الإبل:

اتفقت المذاهب على أن الدم الذى يسيل من الإبل بأن يفارق مكانه نجس كغيره من دماء الحيوانات الأخرى - انظر مصطلح (دم).

‌حكم الإبل الميتة:

اتفق فقهاء المذاهب ما عدا الحنفية على أن ميتة الإبل التى تموت بغير تذكية نجسة بجميع أجزائها، أما الحنفية فيرون أن الأجزاء التى فيها دم سائل منها نجسة، لاحتباس الدم النجس فيها وهو الدم

(1)

منتهى الإرادات ج 1 ص 89.

كشاف القناع ج 1 ص 139.

(2)

شرح الأزهار ج 1 ص 35.

(3)

المحلى ج 1 ص 168.

(4)

المختصر النافع ص 255.

(5)

الوضع ص 41.

(6)

البدائع ج 1 ص 62.

(7)

البجرمى ج 1 ص 296.

(8)

الدسوقى ج 1 ص 51.

(9)

منتهى الإرادات ج 1 ص 89.

(10)

شرح الأزهار ج 1 ص 35.

(11)

المحلى ج 1 ص 91، 94.

(12)

المختصر النافع ص 255.

ص: 203

المسفوح، وأما الأجزاء التي ليس فيها دم، فإن كانت صلبة كالعظم والسن والخف والصوف والأنفحة الصلبة، فليست بنجسة بلا خلاف بين أصحاب أبى حنيفة، وأما الأنفحة المائعة واللبن فكذلك عند أبى حنيفة وعند الصاجين نجس.

‌سؤر الإبل وعرقها:

السؤر هو ما بقى فى الإناء من الماء بعد الشرب منه، والعرق معروف.

ويرى الحنفية أن سؤر الإبل طاهر كسؤر مأكول اللحم من الحيوانات الأخرى إلا الجلالة التى يظهر لها رائحة منتنة اذا قربت، فان سؤرها مكروه وعرقها نجس، ويرى الشافعية والمالكية والحنابلة والظاهرية والإمامية أن سؤر الإبل وعرقها طاهران

(1)

.

‌حكم الوضوء من أكل لحم الإبل:

يرى الحنابلة وابن حزم من الظاهرية أن الوضوء ينتقض بأكل لحم الجزور، أى الإبل، فعلى من أكل منه أن يتوضأ.

ويرى الأحناف والمالكية والزيدية والإمامية والشافعية فى المعول عليه عندهم أنه لا ينتقض الوضوء بأكله، غير أن الأحناف والشافعية نصوا على أنه يندب الوضوء من أكله مراعاة للمذاهب الأخرى

(2)

.

‌الصلاة بمعاطن الإبل:

الأحناف: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فى معاطن الإبل بقوله: «صلوا فى مرابض الغنم ولا تصلوا فى معاطن الإبل» ، والنهى هنا للكراهة، ومعاطن الإبل مباركها

(3)

.

والشافعية: قالوا تكره الصلاة فى عطن الإبل ولو طاهرا

(4)

.

وقال المالكية: كرهت الصلاة بمعطن إبل وهو موضع بروكها عند الماء للشرب، وأما موضع مبيتها وقيلولتها فليس بمعطن، فلا تكره الصلاة فيه، وقيل: تكره، فالمعطن محل بروكها مطلقا، ولو أمن النجاسة أو فرش فرشا طاهرا ويعيد صلاته ندبا

(5)

.

وقال الحنابلة: ولا تصح أيضا تعبدا صلاة فى أعطان الإبل، للحديث السابق، والأعطان ما تقيم فيها الإبل، وتأوى إليها طاهرة كانت أو نجسة فيها ابل حال الصلاة أو لا، لعموم الخبر، وأما ما تبيت فيه الإبل فى مسيرها أو تناخ فيه لعلفها أو سقيها لا يمنع من الصلاة فيه لأنه ليس بعطن

(6)

.

وقال ابن حزم الظاهرى: لا تحل الصلاة فى عطن إبل، وهو الموضع الذى تقف فيه الإبل عند ورودها الماء وتبرك، وفى المراح والمبيت، فإن كان لرأس واحد من الإبل، أو لرأسين فالصلاة فيه جائزة، وإنما تحرم الصلاة إذا كان لثلاثة فصاعدا، فمن صلى فى عطن إبل بطلت صلاته عامدا كان أو جاهلا

(7)

.

(1)

للأحناف البدائع ج 1 ص 64.

وللشافعية البجرمى ج 1 ص 103.

وللمالكية الدسوقى ج 1 ص 34، 35، 44، 50.

وللحنابلة منتهى الإرادات ج 1 ص 90.

كشاف القناع ج 1 ص 139.

وللظاهرية المحلى ج 1 ص 129، 132.

وللإمامية الروضة البهية ج 1 ص 18.

(2)

للأحناف مراقى القلاع ص 50.

وللشافعية البجرمى ج 1 ص 190.

وللشافعية البجرمى ج 1 ص 190، 191.

وللمالكية الدسوقى ج 1 ص 123، 124.

وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 96، 97.

وللظاهرية المحلى ج 1 ص 241.

وللإمامية الروضة البهية ج 1 ص 22.

وللزيدية البحر الزخار ج 1 ص 95، 96.

(3)

البدائع ج 1 ص 115.

(4)

البجرمى ج 1 ص 87.

(5)

الدسوقى ج 1 ص 189.

(6)

منتهى الإرادات ج 1 ص 146، 147.

(7)

المحلى ج 4 ص 24.

ص: 204

وقال الإمامية: تكره الصلاة فى المعطن، (بكسر الطاء) واحد المعاطن، وهى مبارك الإبل عند الماء للشرب

(1)

.

أما الزيدية فلم نعثر على رأى صريح لهم فى هذا الصدد، لكنه ورد بشرح الأزهار حديث رسول الله الذى ينهى فيه عن الصلاة بمعاطن الإبل

(2)

.

ولمعاطن الإبل أحكام تتعلق بمواضع اتخاذها ومقدارها انظر مصطلح (إحياء - موات).

‌زكاة الإبل:

قال الأحناف: ليس فيما دون خمس من الإبل زكاة، وفى الخمس شاة وفى العشر شاتان، وفى خمسة عشر ثلاث شياه، وفى عشرين أربع شياه، وفى خمس وعشرين بنت مخاض، وهى ما تم لها سنة ودخلت فى الثانية من الإبل، وفى ست وثلاثين بنت لبون، وهى التى تمت لها سنتان، ودخلت فى الثالثة، وفى ست وأربعين حقة وهى التى دخلت فى الرابعة، وفى إحدى وستين جذعة وهى التى دخلت فى الخامسة وهى أقصى سن لها مدخل فى الزكاة، والأصل فيه ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى أبى بكر الصديق رضى الله عنه، فكتبه أبو بكر لأنس، وكان فيه:

وفى أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم، فى كل خمس ذود

(3)

شاة فاذا كانت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض فإذا كانت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فإذا كانت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقه، فإذا كانت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا كانت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا كانت إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين ففيها حقتان.

ولا خلاف فى هذه الجملة.

واختلف العلماء فى الزيادة على مائة وعشرين:

فقال الأحناف: إذا زادت الإبل على مائة وعشرين تستأنف الفريضة، ويدار الحساب على الخمسينيات فى النصاب، وعلى الحقاق فى الواجب، لكن بشرط عدد ما قبله من الواجبات والأوقاص

(4)

بقدر ما يدخل فيه وبيان ذلك إذا زادت الإبل على مائة وعشرين فلا شئ فى الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون حقتان وشاة، وفى العشر شاتان وحقتان، وفى خمسة عشر ثلاث شياه وحقتان، وفى عشرين أربع شياه وحقتان، وفى خمس وعشرين بنت مخاض وحقتان إلى مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق فى كل خمسين حقة، ثم تستأنف الفريضة، فلا شئ فى الزيادة حتى تبلغ خمسا فيكون فيها شاة وثلاث حقاق، وفى العشر شاتان وثلاث حقاق، وفى خمس عشرة ثلاث شياه وثلاث حقاق، وفى عشرين أربع شياه وثلاث حقاق فإذا بلغت مائة وخمسا وسبعين ففيها بنت مخاض وثلاث حقاق، فإذا بلغت مائة وستة وثمانين ففيها بنت لبون وثلاث حقاق، إلى مائة وستة وتسعين ففيها أربع حقاق، إلى مائتين فإن شاء أدى منها أربع حقاق، من

(1)

الروضة البهية ج 1 ص 65.

(2)

شرح الأزهار ج 1 ص 184.

(3)

الذود يقال للثلاثة من الإبل إلى العشرة واستعملت هنا فى الواحد: فتح القدير ج 1 ص 494.

(4)

الأوقاص جمع وقص وهو ما بين الفريضتين نحو أن تبلغ الإبل خمسا ففيها شاة ولا شئ فى الزيادة حتى تبلغ عشرا ففيها شاتان المعجم الوسيط ج 2 ص 1062 مادة (وقص).

ص: 205

كل خمسين حقة، وإن شاء أدى خمس بنات لبون، من كل أربعين بنت لبون، ثم يستأنف الفريضة أبدا، فى كل خمسين كما استؤنفت من مائة وخمسين إلى مائتين، فيدخل فيها بنت مخاض وبنت لبون وحقة مع الشياه

(1)

واستدل الأحناف بحديث عمرو ابن حزم، وفيه: فإذا زادت الإبل عن مائة وعشرين استؤنفت الفريضة، فما كان أقل من خمس وعشرين ففيها الغنم، فى كل خمس ذود شاة، وروى هذا المذهب عن على وابن مسعود، وهذا باب لا يعرف بالاجتهاد، فيدل على سماعهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والشافعية كالأحناف إلى أن يصير عدد الإبل مائة وعشرين، فإذا زادت الإبل إلى مائة وإحدى وعشرين وجب ثلاث بنات لبون، ثم يستمر ذلك إلى مائة وثلاثين فيتغير الواجب فيها، وفى كل عشر بعدها ففى كل أربعين من الإبل بنت لبون، وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين بنتا لبون وحقة، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفى مائة وخمسين ثلاث حقاق

(2)

.

والمالكية قالوا: إذا زادت الإبل عن مائة وعشرين إلى مائة وتسعة وعشرين فلا شئ فى هذه الزيادة، ولكن يخير الساعى إن شاء أخذ حقتين أو ثلاث بنات لبون إن وجد النوعان أو فقدا فإن وجد أحدهما تعين إخراج الزكاة منه، ثم فى عشر بعد المائة والثلاثين يتغير الواجب فيجب فى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون، وفى مائة وخمسين ثلاث حقاق، وفى مائة وستين أربع بنات لبون. وهكذا

(3)

.

الحنابلة قالوا: إذا زادت الإبل واحدة عن عشرين ومائة كان فيها ثلاث بنات لبون وقالوا أنه بالواحدة حصلت الزيادة، ثم تستقر الفريضة ففى كل أربعين بنت لبون وفى كل خمسين حقة، ففى مائة وثلاثين حقة وبنتا لبون، وفى مائة وأربعين حقتان وبنت لبون وهكذا، إلى مائتين فيخير فله أن يخرج خمس حقاق أو خمس بنات لبون فهم كالشافعية

(4)

.

أما الزيدية فقد أخذوا فى تفصيلات نصاب الإبل مأخذ الأحناف

(5)

.

وجرى ابن حزم الظاهرى مجرى الحنابلة فى بيان نصاب الإبل

(6)

.

وجعل الإمامية نصاب الإبل اثنى عشر نصابا، تبدأ من خمس من الإبل، وتجب فيها شاة، وينته الثانى عشر بأنه مائة وإحدى وعشرون من الإبل، وهم ينهجون منهج غيرهم من المذاهب الا فى ثلاث مسائل:

1) النصاب الخامس عندهم خمس وعشرون من الإبل، ففيها خمس شياه، بينما هو فى بقية المذاهب مبدأ وجوب الزكاة من الإبل وعدم جواز الأغنام وفيه ابنة مخاض.

(1)

البدائع ج 2 ص 26، 27.

ومثله فى الدرر ج 1 ص 175، 176.

والفتح ج 1 ص 194.

والتنوير والدر وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 18.

(2)

البجرمى ج 2 ص 296، 297.

(3)

الدسوقى ج 1 ص 422، 434.

(4)

كشاف القناع ج 1 ص 426، 437.

ومنتهى الإرادات على هامش السابق ص 462، 465.

(5)

شرح الازهار ج 1 ص 481، 482.

(6)

المحلى ج 6 ص 17، 18.

ص: 206

ب) جعلوا وجوب ابنة المخاض فى الصدقة يبدأ عند ما يتكامل عدد الإبل ستة وعشرين بينما هو عند سواهم خمسة وعشرين.

ج) فى النصاب الأخير (الثانى عشر (وهو مائة وإحدى وعشرون، وفيها فى كل خمسين حقة، وفى كل أربعين بنت لبون بمعنى أنه يجوز أن يحسب أربعين أربعين وفى كل منها بنت لبون وخمسين خمسين وفى كل منها حقة ويتخير بينهما إلخ

(1)

.

الإباضية: وأما نصاب الإبل عندهم فهو على إحدى عشرة درجة. الدرجة الأولى خمس من الإبل ثم زيادة خمس أربع مرات، ثم زيادة عشر مرتين، ثم زيادة خمس عشرة ثلاث مرات، ثم زيادة ثلاثين مرة واحدة.

ويعد صغير الإبل وكبيرها ذكرها وأنثاها، والحجة على نصاب الإبل من السنة (ليس فيما دون خمس ذود) صدقة وأما الناقة فهى فرض الإبل إذا بلغت خمسا وعشرين لأنه روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كتب كتابا فى زكاة الإبل ولم نجده بتمامه إلا هنا فنذكره لذلك «بسم الله الرحمن الرحيم هذه فريضة الصدقة التى فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التى أمره الله بها، فمن سألها على وجهها يعطاها، ومن سألها على غير وجهها لا يعطاها ألا فى الأربع والعشرين من الإبل فما دونها، فى كل خمس شاة، فإذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مخاض، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لبون، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حقة طروقة الفحل، فإذا بلغت إحدى وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فإذا بلغت ستا وسبعين إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى مائة وعشرين ففيها حقتان، فإذا زادت واحدة على المائة وعشرين ففيها ثلاث بنات لبون، ثم بعد ذلك ففى كل أربعين بنت لبون، وفى كل خمسين حقة»

(2)

.

وقد أجاز الإباضية فيما إذا بلغت خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ابن لبون ذكرا إذا لم تكن بنت مخاض.

أما نصاب زكاة الإبل فى حال الاشتراك بين اثنين فأكثر وهو المعبر عنه فى كتب الفقه (بالخلطة) فهو كغيره، من الشركة فى بقية الأنعام، اختلف فيه الفقهاء. (انظر زكاة - زكاة الخلطة).

‌الزكاة فى السائمة والمعلوفة من الإبل:

حكم الزكاة فى السائمة والمعلوفة من الإبل وما يتعلق بها من صفات وشروط فيما تجب فيه الزكاة وما يؤخذ (انظر مصطلح زكاة وسائمة).

‌أجزاء الإبل فى الهدى:

للفقهاء فى هذا تفصيل «ينظر فيه مصطلح هدى» .

‌أجزاء الإبل فى الأضحية: «انظر أضحية» :

‌تذكية الإبل:

التذكية شرط لحل الأكل من الحيوان، وهى إما اضطرارية أو اختيارية (انظر مصطلح تذكية».

وتذكية الإبل عند الأحناف إما بالنحر وهو قطع العروق فى أسفل العنق عند الصدر وإما بالذبح بقطع العروق فى أعلا العنق تحت

(1)

مستمسك العروة الوثقى ج 9 ص 57، 64.

(2)

الوضع ص 178، 181.

ص: 207

اللحيين والعروق هى: الحلقوم والمرئ والودجان

(1)

.

ويكتفى بقطع ثلاث منها، وندب نحر الإبل لموافقة السنة ولاجتماع العروق فى المنحر، وكره ذبحها لمخالفته للسنة وإن كان ذلك لا يمنع الجواز والحل

(2)

.

والشافعية قالوا: وما قدر على ذكاته أى ذبحه أو نحره من الحيوان المأكول فذكاته فى حلقه ولبته إجماعا والحلق أعلا العنق واللبة أسفله، ويسن نحر الإبل فى اللبة، والنحر: الطعن بما له حد فى المنحر وهو وهدة فى أعلا الصدر وأصل العنق، ولا بد فى النحر من قطع كل الحلقوم والمرئ، ويجوز ذبح الإبل بلا كراهة، وما لم يقدر على ذكاته فذكاته عقره بجرح مزهق للروح فى أى موضع من بدنه

(3)

.

وقال المالكية: الزكاة فى النحر طعن بلبة، وإن لم يقطع شيئا من الحلقوم والودجين، والذكاة الاضطرارية لا تحل الإبل ولا تجيز أكلها بل لا بد من ذبحها، إذ لا تحل الأنعام الشاردة ولا المشرفة على الهلاك فى حفرة ونحوها - وعجز عن إخراجه - فلا يأكل بالعقر أى بالطعن بحربة مثلا فى غير محل الذكاة، ولا بد من ذكاته بالذبح أو بالنحر إن كان مما ينحر وقال ابن حبيب: يؤكل الحيوان المتردى المعجوز عن ذكاته مطلقا بقرا أو غيره بالعقر صيانة للأموال ووجب نحر إبل ووجب ذبح غيره

(4)

.

وعند الحنابلة: هى ذبح الحيوان المقدور عليه أو نحره المباح أكله الذى يعيش فى البر، ولا بد لصحة الذكاة من قطع الحلقوم والمرئ - وهو تحت الحلقوم - ولا يشترط قطع الودجين - وهما عرقان محيطان بالحلقوم - والأولى قطعهما خروجا من الخلاف، وما عجز عن ذبحه كواقع فى بئر كأن ينفر بعير أو يتردى من علو فلا يقدر المذكى على ذبحه فذكاته بجرحه فى أى محل كان، فى أى موضع أمكنه جرحه منه ويسن نحر الإبل قائمة معقولة يدها اليسرى فيطعنها بالحربة فى الوهدة التى بين أصل العنق والصدر

(5)

.

وقال الإمامية: لا بد من قطع الأعضاء الأربعة المرئ والودجان والحلقوم، ويكفى فى النحر الطعن فى الثغرة ويشترط نحر الإبل وذبح ما عداها فلو ذبح المنحور لم يحل، وما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصى والمتردى فى بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يجرح إذا خشى تلفه

(6)

.

وقال ابن حزم الظاهرى كل ما جاز نحره جاز ذبحه، وكل ما جاز ذبحه جاز نحره، الإبل والبقر وسائر ما يؤكل لحمه وما لا يتمكن من ذبحه فذكاته بإماتته حيث أمكن منه من خاصرة أو عجز أو فخذ أو غير ذلك

(7)

.

‌الإبل فى الدية:

للإبل مباحث كثيرة متنوعة يشملها الحديث فى مصطلحى (دية - عاقلة)، ولكنها فى نطاق علاقتها بالإبل تختص بمقدار الدية فيها وهذا ما نعرض له.

(1)

الحلقوم مجرى النفس والمرئ مجرى الطعام والشراب. والودجان عرقان حول الحلقوم والمرئ يجرى فيهما الدم.

(2)

الدرر ج 1 ص 276، 281 والبدائع ج 5 ص 40.

(3)

البجرمى ج 4 ص 264، 268.

(4)

الدسوقى ج 2 ص 99، 114.

(5)

نيل المآرب شرح دليل الطالب ج 2 ص 158.

160 ج 1 ص 113.

(6)

المختصر النافع ص 250، 252.

(7)

المحلى ج 7 ص 438، 445، 446.

ص: 208

والدية من الإبل عند الحنفية بالنسبة للذكر مائة ثم دية القتل الخطأ من الإبل أخماس بلا خلاف، عشرون بنت مخاض وعشرون ابن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وهذا قول عبد الله بن مسعود رضى الله عنه وقد رفعه إلى النبى عليه الصلاة والسلام. ودية شبه العمد أرباع عند الشيخين خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وهو مذهب عبد الله بن مسعود رضى الله عنه، وعند محمد أثلاث ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ما بين ثنية إلى بازل، وكلها خلفة وهو ما دخل فى السنة السادسة وهى الحوامل وهو مذهب سيدنا عمر وزيد بن ثابت رضى الله عنهما، وعن سيدنا علىَّ رضى الله عنه أنه قال فى شبه العمد أثلاث: ثلاثة وثلاثون حقة وثلاثة وثلاثون جذعة وأربعة وثلاثون خلفة.

‌دية الأنثى:

ودية المرأة على النصف من دية الرجل.

فإنه روى عن سيدنا عمر وسيدنا على وابن مسعود وزيد بن ثابت رضوان الله تعالى عليهم أنهم قالوا فى دية المرأة: أنها

(1)

على النصف من دية الرجل. ولم ينقل أنه أنكر عليهم أحد فيكون إجماعا.

والشافعية قالوا: الدية الواجبة على ضربين: مغلظة ومخففه. فالمغلظة مائة من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهى الحوامل، وتجب فى القتل العمد سواء وجب فيه قصاص وعفى على مال أو وجب فيه المال

(2)

ابتداء كقتل الوالد ولده.

والمخففة مائة من الإبل وتجب أخماسا عشرون بنت مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت لبون وعشرون ابن لبون وهى واجبة فى القتل الخطأ

(3)

.

ودية المرأة على النصف من دية الرجل

(4)

.

المالكية: والدية من الإبل فى القتل الخطأ مخمسة بنت مخاض وبنت لبون وابن لبون وحقة وجذعة، عشرون من كل نوع من هذه الأنواع الخمسة.

وهى فى العمد مغلظة وتجب فى الحقة والجذعة وبنت اللبون وبنت المخاض من كل نوع من هذه الأنواع خمس وعشرون.

وثلث الدية فيما لو قتل أحد الوالدين ولده فيجب ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وجملة ذلك مائة من الإبل

(5)

.

وللأنثى نصف دية الذكر.

الحنابلة: والدية من الإبل مائة وتجب أرباعا فى القتل عمدا أو شبه عمد خمس وعشرون من كل من بنات المخاض وبنات اللبون والحقة والجذعة، وقيل: هى ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة.

وإن كان خطأ وجبت أخماسا ثمانون من الأربعة المذكورة أولا وعشرون بنو مخاض.

ودية نفس المرأة على النصف من دية الرجل

(6)

(انظر مصطلح دية).

‌لقطة الإبل:

الأحناف قالوا: ويجوز الالتقاط فى الشاة والبقر والبعير، وقال الأئمة الثلاثة مالك والشافعى وأحمد إذا وجد البعير والبقر فى الصحراء فالترك أفضل،

(1)

البدائع ج 7 ص 252، 254.

(2)

البجرمى ج 4 ص 122.

(3)

المرجع السابق ص 123، 126.

(4)

المرجع السابق ص 123، 126.

(5)

الدسوقى ج 4 ص 266 - 268.

(6)

المحرر ج 2 ص 1445 - 145.

ص: 209

واستدلوا بأن الأصل فى أخذ مال الغير الحرمة والإباحة مخافة الضياع، وإذا كان معها ما تدفع عن نفسها به كالقرن مع البقر وكالرفس مع الكدم وزيادة القوة فى البعير يقل الضياع ولكن يتوهم فيقضى بكراهة أخذها ويندب إلى تركها.

وقال الأحناف ردا على ذلك: إنها لقطة يتوهم ضياعها فيستحب أخذها وتعريفها صيانة لأموال الناس كما فى الشاة

(1)

.

وقال الشافعية - أنه يجوز التقاط الحيوان فى المفازة والعمران للتملك والحفظ إلا الحيوان الممتنع من صغار السباع إما بفضل قوة كالإبل والخيل والبغال والحمير، وإما بشدة عدوه كالأرانب والظباء المملوكة وإما بطيرانه كالحمام فإنه لا يجوز التقاطها للتملك متى كانت فى مفازة آمنة لأنه مصون بالامتناع عن أكثر السباع مستغن بالرعى إلى أن يجده صاحبه لطلبه له، ولأن طروق الناس فيها لا يعم، فمن أخذه للتملك ضمنه، ويبرأ من الضمان برده إلى القاضى لا برده إلى موضعه، هذا إذا أخذها للتملك أما إذا أراد أخذها للحفظ فيجوز للحاكم ونوابه وللآحاد لئلا يضيع بأخذ خائن، ولو كانت المفازة والصحراء غير آمنة بأن كان زمن نهب فإنه يجوز التقاط الحيوان الممتنع للتملك، لأنه حينئذ يضيع بامتداد اليد الخائنة إليه

(2)

.

وقال المالكية: اللقطة مال معصوم عرضة للضياع فلا تدخل الإبل فى هذا التعريف لأنها لا يخشى عليها الضياع فإنها تترك سواء وجدها فى الصحراء أو فى العمران ولو بمحل خوف إلا إذا خيف عليها من أخذ الخائن فإنها تؤخذ وتعرف وعدم التقط الإبل قيل: إن ذلك فى جميع الزمان وهو ظاهر قول مالك وقيل: هو خاص بزمن العدل وصلاح الناس، وأما فى الزمن الذى فسد، فالحكم فيه أن تؤخذ وتعرف فإن لم تعرف بيعت ووقف ثمنها لربها فإذا آيس منه تصدق به كما فعل عثمان لما دخل الفساد على الناس فى زمنه، وقد روى ذلك عن مالك أيضا، ولا يراعى فيها خوف جوع أو عطش أو ضياع

(3)

وقال الحنابلة: والقسم الثانى من أقسام اللقطة وهو الذى لا يجوز التقاطه ولا يملك بتعريفه وهى الضوال التى تمتنع من صغار السباع كالأسد الصغير والذئب وابن آوى وامتناعها اما لكبر جثتها كالإبل ونحوها فيحرم التقاطها، لقول النبى صلى الله عليه وسلم عن ضالة الإبل:«مالك ولها، دعها فإن معها حذاءها (أى إخفافها) وسقاءها (أى فمها) ترد الماء، وتأكل الشجر حتى يجدها ربها» وتضمن كالغصب ولو كان الملتقط لها الإمام أو نائبه إذا أخذها على سبيل الالتقاط لا على سبيل الحفظ. ولا يزون ضمان ما حرم التقاطه عن ملتقطها إلا بدفعها للإمام أو نائبه، لأن للإمام النظر فى ضوال الناس فيقوم مقام المالك، أو يرد اللقطة المذكورة إلى مكانها بإذن الإمام أو نائبه، ومن كتم شيئا مما لا يجوز التقاطه عن ربه ثم أقر به أو قامت به بينة فتلف لزمه قيمته مرتين، واذا تبع شئ من الضوال المذكورة دوابه فطرده أو دخل شئ

(1)

فتح القدير ج 4 ص 428، 429 فى كتاب اللقطة والبدائع ج 6 ص 200.

(2)

البجرمى باب اللقطة.

(3)

الدسوقى ج 4 ص 117، 122.

ص: 210

منها داره فأخرجه لم يضمنه فى الصورتين حيث لم يأخذه

(1)

.

وقال الإمامية: والبعير الضال لا يؤخذ، ولو أخذ ضمنه الآخذ، ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد فى غير كلأ ولا ماء، ويملكه الآخذ

(2)

.

‌ابن

1 -

‌ التعريف به وهل يدخل ضمن الأقارب:

فى اللغة: الابن: الولد الذكر، والابن من الأناسى يجمع على بنين جمع سلامة، وجمع القلة أبناء، وأما غير الأناسى مما لا يعقل مثل ابن مخاض وابن لبون، فيقال:

فى الجمع بنات مخاض وبنات لبون، وفى لغة محكية عن الأخفش أنه يقال: بنات عرس وبنو عرس، وقد يضاف ابن إلى ما يخصصه لملابسة بينهما نحو ابن السبيل، أى مار الطريق

(3)

.

وفى الشريعة: الابن بالنسبة للأم: كل ذكر ولدته أمه، سواء من نكاح أو من سِفاح. وأما بالنسبة للأب: فهو كل ذكر ولد له على فراش صحيح، أو نتيجة لمخالطة بناء على عقد نكاح فاسد، أو بناء على شبهة معتبرة شرعا، أما ابن الرجل من الزنا فهو وإن كان ابنه حقيقة إلا أنه لا يعتبر ابنه شرعا.

والابن لا يعد من أقارب أبيه، ولا من أقارب أمه، لأن القريب عرفا من يتقرب إليه غيره بواسطة الغير، والابن قريب بنفسه لا بغيره.

‌عقيقة الابن وختانه:

العقيقة هى: ما يذبح أو ما يعد من طعام بمناسبة ولادة الصغير، وقد اختلف الفقهاء فى حكمها

(4)

(انظر عقيقة).

والختان: قطع الجلدة التى فوق حشفة الذكر، وقد اختلف الفقهاء فى حكمه

(5)

(انظر ختان).

‌تعويد الابن على الصلاة:

من حق الابن على أبيه أن يعوده على الصلاة طبقا لما أمر به الشارع، وقد بين فى أحكام الأب

(6)

(انظر مصطلح أب).

‌وهل يجوز دفع المصحف إليه قبل البلوغ

؟

الابن قبل البلوغ يجوز دفع المصحف إليه، لأنه ليس أهلا للتكليف بالطهارة

(7)

(انظر مصحف).

‌إذا بلغ الابن أثناء السفر مع أبيه

هل يقصر الصلاة أو يتمها

؟

الابن قبل البلوغ إذا خرج مع أبيه فى سفر ثلاثة أيام فصاعدا، ثم بلغ الابن أثناء السفر، فإن كان وقت البلوغ لا يزال بينهما وبين مقصدهما مدة السفر - أى ثلاثة أيام فصاعدا - فإن الابن يقصر الصلاة، وإن كانت المدة الباقية أقل من مدة السفر، قال بعض الفقهاء: إن الصبى يتم الصلاة، لأنه لا يعتبر مسافرا إلا من وقت البلوغ، وقال بعضهم: يقصر الصلاة بناء على أن الابن تابع لأبيه المسافر

(8)

(انظر مصطلح سفر - قصر).

‌الابن والنفقة

قال فقهاء الحنفية: الابن إذا كان غنيا تكون نفقته فى ماله، سواء كان صغيرا

(1)

نيل المآرب فى شرح دليل الطالب ج 1 ص 178، 179.

(2)

المختصر النافع ص 263.

(3)

راجع المصباح المنير ولسان العرب.

(4)

حاشية الدرر ج 1 ص 266 طبعة سنة 1329.

(5)

الدر ج 5 ص 656، 657 الطبعة الثالثة.

والزيلعى ج 6 ص 226، 227.

(6)

الدرر ج 1 ص 50.

(7)

الدرر ج 1 ص 21.

(8)

الدرر ج 1 ص 136.

ص: 211

أو كبيرا. وإن كان فقيرا فإن كان قادرا على الكسب فنفقته فى كسبه، لأنه حينئذ يكون مستغنيا بكسبه، وإن كان غير قادر على الكسب لعجزه حقيقة بأن كان صغيرا لم يبلغ حد الكسب أو مريضا مرضا مزمنا منعه عن الكسب كالجنون والعته والشلل ونحو ذلك، أو لعجزه عن الكسب حكما، بأن كان مشتغلا بطلب العلم، فإن نفقته تكون على أبيه إذا كان الأب موسرا أو قادرا على الكسب، ولا يشترط فى وجوب نفقة الابن على أبيه اتحاد الدين، لأنها وجبت بسبب الولادة والجزئية وإن كان الأب غير موجود أو كان فقيرا وعاجزا عن التكسب، وكانت الأم موسرة فنفقة الابن تجب على الأم إذا لم يكن معها جد صحيح للابن، فان كان معها جد صحيح فالنفقة عليها وعلى الجد أثلاثا - الثلث على الأم والثلثان على الجد. وكما تجب نفقة الابن على أحد أبويه على النحو الذى سبق بيانه، فإن نفقة الأبوين الفقيرين، تكون واجبة على الابن، إذا كان الابن موسرا، ولو كان صغيرا، وإن كان الابن فقيرا وعاجزا عن الكسب فلا نفقة لهما عليه، وإن كان قادرا على الكسب وفى كسبه فضل يتسع لنفقة الفقير منهما أو لنفقتهما معا وكانا فقيرين فعليه النفقة، وإن كان فضل كسبه لا يتسع إلا لنفقة أحدهما وكلاهما فقير فهل يكلف بالإنفاق على أبيه أو على أمه؟ اختلف العلماء فى ذلك، ولا يشترط فى وجوب نفقة الأب الفقير على ابنه عجزه عن الكسب بل تجب له النفقة ولو كان قادرا على الكسب، ولا يكلف بالتكسب لما فى ذلك من الإيذاء المنهى عنه شرعا، لأن الإيذاء فى ذلك أكثر منه فى التأفيف المحرم بقوله تعالى:«فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما»

(1)

.

أما الأم الفقيرة فإنها بحكم أنوثتها تعتبر عاجزة عن التكسب ولا يشترط فى وجوب نفقة الأبوين على الابن اتحاد الدين لما سبق بيانه، وتسقط نفقة الابن بمضى المدة الطويلة حتى ولو كانت مفروضة إلا إذا كانت مستدانة بإذن القاضى - أى أذن له القاضى بالإستدانة واستدانها - فعلا والمدة الطويلة هى الشهر فأكثر، وإنما سقطت نفقته بمضى المدة الطويلة، لأنها وجبت له على أبيه باعتبار حاجته إليها، ومحافظة على نفسه من الهلاك، فإذا مضت المدة ولم يطالب بها فقد تبين بذلك أن حاجته إلى النفقة قد اندفعت واستثنى بعض الفقهاء نفقة الصغير المفروضة وألحقها بنفقة الزوجة فى أنها تصير دينا بالقضاء ولا تسقط بمضى المدة الطويلة فى هذه الحالة

(2)

وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة:

الابن الغنى نفقته فى ماله، والفقير العاجز عن الكسب نفقته على أبيه الموسر، والفقير القادر على الكسب نفقته فى كسبه، ويرى بعض الشافعية أن الابن الفقير القادر على الكسب نفقته على أبيه الموسر.

وقال فقهاء الزيدية: نفقة الابن الصغير أو المجنون سواء كان موسرا أو معسرا على أبيه إن كان موسرا أو فقيرا كسوبا، فإن كان الأب لا كسب له فنفقة الابن فى ماله إن كان غنيا، وإن كان فقيرا فنفقته على أمه الموسرة لترجع بها على الأب على تفصيل

(1)

سورة الإسراء: 23.

(2)

الدرر وحاشيته ج 1 ص 418 - 421.

والدرر وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 923 وما بعدها الطبعة الثالثة.

ص: 212

على أبويه على حسب الإرث على الأم الثلث على أبويه على حسب الإرث على الأم الثلث وعلى الأب الثلثان

(1)

(انظر مصطلح نفقة)

‌أحكام الابن بالنسبة للحضانة:

قال فقهاء الحنفية: الابن فى حال صغره يحتاج إلى رعاية خاصة من ناحية إرضاعه وأكله وشربه ونظافته وملبسه، والنساء على ذلك أقدر، ولذلك كانت حضانته من وقت ولادته إلى أن يستغنى عن خدمة الغير من حق النساء، فتكون للأم أولا ما لم يقم بها مانع

(2)

وهذا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية

(3)

(انظر مصطلح حضانة).

‌دفع الزكاة واللقطة إلى الابن إذا لم يتبين

صاحبها:

قال فقهاء الحنفية: لا يجوز للإنسان أن يدفع إلى ابنه زكاة ماله أو صدقة الفطر أو العشر أو الكفارات، وهذا الحكم عام بالنسبة لكل ابن، سواء أكان الابن ثبت نسبه شرعا أم كان من زنا، وكذلك لا يدفع الإنسان شيئا مما ذكر إلى الولد الذى نفى نسبه منه

(4)

وعدم جواز دفع الزكاة إلى الابن هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية

(5)

(انظر زكاة)

أما خمس الركاز، فيجوز دفعه للابن الفقير عند الحنفية.

وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة مصرفه مصرف الزكاة (انظر ركاز).

وإذا وجد أحد الأبوين لقطة وعرف عليها إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها كان له أن يدفعها إلى ابنه الفقير، لينتفع بها، كما أن الابن إذا وجد لقطة وعرف عليها إلى أن علم أن صاحبها لا يطلبها كان له أن يدفعها إلى أبويه الفقيرين

(6)

.

فإن جاء صاحبها ووجدها قائمة فله أخذها، وإن كانت هالكة فله قيمتها.

وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة:

إن اللقطة إذا دخلت فى ملك الملتقط بعد تعريفها شرعا كان ضامنا لها فإن جاء صاحبها ووجدها قائمة عند الملتقط فله أخذها وإن كانت هالكة فله قيمتها

(7)

(انظر لقطة).

‌حكم صدقة الفطر بالنسبة للابن:

قال فقهاء الحنفية: إذا كان الابن بالغا عاقلا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له على

(1)

راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 522 وما بعدها.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى ج 4 ص 84 وما بعدها.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 3 ص 356 وما بعدها.

وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 546، 547.

(2)

الدرر ج 1 ص 410.

والدر وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 871 وما بعدها.

(3)

للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 526.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 88.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 3 ص 363.

وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 522.

وللظاهرية المحلي ج 10 ص 323.

(4)

الدرر ج 1 ص 185.

(5)

للمالكية المرجع السابق ج 1 ص 492.

وللشافعية النهاية ج 1 ص 168.

وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 497.

وللزيدية شرح الأزهار ج 1 ص 525.

(6)

الدرر ج 2 ص 130.

(7)

للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 123، 124.

وللشافعية النهاية ج 2 ص 101، 103.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 2 ص 460.

ص: 213

أبيه، سواء أكان غنيا أم فقيرا، لأنه إن كان غنيا وجب عليه أداؤها من ماله، وإن كان فقيرا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له، وإذا كان الابن صغيرا فقيرا وجبت صدقة الفطر بالنسبة له على أبيه الموسر، وكذلك الحكم بالنسبة للابن الكبير الفقير إذا كان مجنونا أو معتوها وإذا كان الابن صغيرا غنيا فلا تجب صدقة الفطر بالنسبة له على أبيه، وكذلك الحكم بالنسبة للابن الكبير المجنون أو المعتوه إذا كان غنيا، ولكن هل تجب صدقة الفطر فى مالهما فيخرجها الولى من مالهما؟ اختلف فقهاء الحنفية فى ذلك بناء على اختلافهم فى أن كلا من العقل والبلوغ شرط فى وجوب صدقة الفطر أم لا

(1)

وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة الابن الموسر تجب صدقة الفطر فى ماله، والابن الفقير إذا كانت نفقته واجبة على أبيه فصدقة الفطر على أبيه، وقال فقهاء الزيدية:

تجب صدقة الفطر فى مال الابن إن كانت نفقته فى ماله وإن كانت نفقته على أبيه فصدقة فطره على أبيه إن كان الأب موسرا، وإن كان معسرا وله كسب والابن موسر فهل تجب صدقة الفطر بالنسبة للابن فى ماله؟ قولان، والأظهر أنها تجب فى ماله لأنه موسر

(2)

(انظر صدقة الفطر).

‌حكم الزكاة بالنسبة لمال الابن:

قال فقهاء الحنفية: الابن الغنى إذا كان بالغا عاقلا وجبت عليه زكاة ماله أما إذا كان صغيرا أو مجنونا [فلا تجب فى ماله وأما بالنسبة لزكاة الفطر][*] فقد اختلف فقهاء الحنفية فى وجوب الزكاة فى ماله: فقال محمد:

إن البلوغ والعقل شرطان فى وجوب الزكاة، فلا تجب الزكاة فى مال الابن الصغير أو المجنون، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن العقل والبلوغ ليسا بشرط لوجوب الزكاة، لأنها حق مالى فتجب الزكاة فى مالهما كما تجب نفقة الزوجات والأقارب فى مالهما

(3)

.

وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية: تجب الزكاة فى مال الابن ولو كان صغيرا أو مجنونا

(4)

(انظر زكاة).

‌الأضحية عن الابن:

الراجح عند فقهاء الحنفية أن الابن الصغير الفقير لا تجب على أبيه الأضحية بالنسبة له، لأنها عبادة، والأصل فى العبادات أنها لا تجب على أحد بسبب غيره، وقيل: تجب على الأب الأضحية بالنسبة له لأنه فى معنى نفسه، والابن الصغير والمجنون الموسران، اختلف فقهاء الحنفية فى وجوب الأضحية بالنسبة لهما، فقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن البلوغ والعقل ليسا من شرائط وجوب الأضحية، فتجب الأضحية فى مال الصبى والمجنون الموسرين، وقال محمد:

إن العقل والبلوغ من شرائط الوجوب فلا تجب الأضحية فى مال الصبى والمجنون الموسرين، حتى لو ضحى الأب من مالهما يضمن

(5)

.

(1)

الدرر ج 1 ص 193، 194.

(2)

راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 504 - 506.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 2 ص 32، 34.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 1 ص 514.

وللزيدية شرح الأزهار ج 1 ص 548، 549.

(3)

البدائع ج 2 ص 4.

(4)

للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 455.

وللشافعية شرح جلال الدين وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 2 ص 39.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 1 ص 445.

وللزيدية شرح الأزهار ج 1 ص 45.

(5)

الدرر ج 1 ص 267 والبدائع ج 5 ص 64.

[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين معكوفين سقط من الطبع، واستدركه الطابع بآخر المجلد الثاني

ص: 214

وقال فقهاء المالكية: الابن عديم الأهلية إن كان موسرا، فالأضحية سنة فى ماله، وإن كان فقيرا فيسن لأبيه أن يضحى عنه إن كان الأب ملزما بنفقته.

وقال فقهاء الشافعية: الابن الصغير أو المجنون الموسران لا يضحى عنهما أبوهما، من مالهما ويسن أن يضحى عنهما من ماله.

وقال فقهاء الحنابلة: الابن عديم الأهلية إن كان موسرا فالأضحية تكون من ماله صغيرا كان أو كبيرا وإن كان فقيرا فلا أضحية بالنسبة له.

وقال فقهاء الزيدية: الأضحية سنة بالنسبة للمكلف فلا تصح من الصغير، واذا فالابن عديم الأهلية لا أضحية بالنسبة له موسرا كان أو فقيرا

(1)

(انظر أضحية).

‌الولاية على الابن فى النكاح والمال والنفس:

تثبت الولاية على الابن الصغير أو المجنون أو المعتوه فى نفسه وفى ماله وفى تزويجه على تفصيل فى المذاهب (انظر مصطلح ولاية)

‌تصرف الابن الصغير فى ماله:

الابن الصغير إذا كان غير مميز كانت تصرفاته القولية كلها باطلة، سواء أكان التصرف يعتبر نفعا محضا كقبول الهبة بغير عوض أو يعتبر ضررا محضا كالهبة والوصية والوقف والطلاق، أو كان دائرا بين النفع والضرر كالبيع والشراء، وغير المميز هو الذى لا يميز بين الضار والنافع، ولا يعقل أن البيع سالب للملك عن البائع وأن الشراء جالب للملك إلى المشترى، وهو الذى لم يبلغ السابعة من عمره، ومثله الابن المجنون والابن المميز - أى الذى يميز بين الضار والنافع وهو الذى بلغ السابعة من عمره - تصرفاته أقسام ثلاثة:

أولا - تصرف فيه نفع محض وهو التصرف الذى يترتب عليه أخذ شئ بغير مقابل كقبول الهبة بغير عوض، وهذا التصرف يصح منه ولا يتوقف على إجازة الولى ومن هذا القسم شهر إسلامه.

ثانيا - وتصرف فيه ضرر محض: وهو التصرف الذى يترتب عليه خروج شئ من ملكه بغير مقابل كالهبة والوصية والوقف والطلاق، وهذا التصرف غير صحيح وإن أجازه الولى إلا أنه أجيز للصبى المميز الوصية بتجهيز نفسه ودفنه.

ثالثا - وتصرف دائر بين النفع والضرر:

أى يحتمل الربح والخسارة كالبيع والشراء والإجارة والشركة، وهذا التصرف إن صدر منه بعد إذن الولى له بمباشرة هذه التصرفات يكون صحيحا ونافذا وإن صدر منه قبل إذن الولى له بذلك يكون موقوفا على إجازة الولى، والابن المعتوه مثل الابن المميز فى تصرفاته

(2)

(انظر صغير).

‌شفعة الأب فيما يشتريه لابنه:

الابن الصغير إذا اشترى له أبوه دارا وكان الأب يستحقها بالشفعة فللأب أخذها

(1)

راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 118.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 249.

وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 644، 645 وللزيدية شرح الأزهار وحواشيه ج 4 ص 84.

(2)

الدرر ج 1 ص 319، ج 2 ص 176، 220، 273، 281.

والزيلعى ج 5 ص 190، 191.

ص: 215

بالشفعة بأن يقول: اشتريت وأخذت بالشفعة، فتصير الدار له ولا يحتاج إلى القضاء، وقيد بعض الفقهاء ذلك بما إذا لم يكن فيه للابن ضرر ظاهر قياسا على شرائه مال ابنه لنفسه

(1)

(انظر شفعة).

‌ثبوت نسب الابن وهل يصح الصلح عن نسب

الابن:

نسب الولد لأمه شرعا، سببه ولادتها له بغض النظر عن سبب حملها به، فمتى جاءت المرأة بولد ثبت نسبه منها، سواء جاءت به بناء على عقد زواج صحيح أو فاسد، أو نتيجة لمخالطة بشبهة أو جاءت به من زنا، أما ثبوت نسب الابن من أبيه فسببه (أولا) الفراش الصحيح بأن تكون أم الابن حلالا للرجل بناء على عقد زواج صحيح (ثانيا) الدخول بناء على عقد نكاح فاسد كالعقد بغير شهود (ثالثا) الوط ء بشبهة معتبرة شرعا، وإذا أقر الرجل ببنوة ابن مجهول النسب إقرارا مستوفيا شرائطه الشرعية ثبت نسبه منه على أساس افتراض أنه رزق به نتيجة لإحدى الحالات السابقة ونسب الابن متى ثبت لا ينتفى بالنفى كما أن الصلح عن دعوى نسب الابن لا يصح، لأن الصلح إما إسقاط أو معارضة والنسب لا يحتملهما

(2)

.

(انظر نسب).

‌حفظ الوديعة عند الابن:

للأب أن يحفظ الوديعة بواسطة ابنه الذى يسكن معه بشرط أن يكون أمينا ولو كان صغيرا متى كان مميزا وقادرا على الحفظ فإذا هلكت الوديعة عند ذلك فإن الأب لا يضمن. فإن كان الابن غير أمين ويعلم الأب خيانته فليس له حفظ الوديعة عنده

(3)

(انظر وديعة).

‌الجزية على الابن الصغير:

إذا فرضت الجزية على الأب فلا تفرض على ابنه الصغير لأن الجزية لا تفرض على صبى

(4)

(انظر جزية).

‌ولاية القود على الابن:

إذا قطع أجنبى يد الابن عديم الأهلية بأن كان صغيرا أو مجنونا أو معتوها كان لأبيه ولاية المطالبة بالقود وكذلك إذا قتل أجنبى ابن الابن وكان الابن عديم الأهلية تثبت للأب ولاية المطالبة بالقود باعتباره وليا على نفسه وله أن يصالح عن القود بشرط أن يكون الصلح على قدر الدية أو على أكثر منه وليس له حق العفو

(5)

. (انظر مصطلح قود).

‌شهادة الابن وقضاؤه:

قال فقهاء الحنفية: الابن لا تقبل شهادته لأحد أبويه لأنه متهم فى شهادته والأصل فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته ولا العبد لسيده ولا المولى لعبده ولا الأجير لمن استأجره» .

أما شهادة الابن على أحد أبويه فإنها جائزة لانتفاء التهمة فى هذه الحالة، ويصح أن يكون الابن شاهدا فى عقد نكاح أحد

(1)

الدرر وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 216.

(2)

الدرر ج 2 ص 351، 352، 395، 98.

(3)

الدرر وحاشيته ج 2 ص 245، 247.

والدرر وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 681، 682.

(4)

الدرر ج 1 ص 298.

(5)

الدرر ج 2 ص 94.

ص: 216

أبويه لأنه أهل للولاية فيكون أهلا للشهادة أى لتحمل الشهادة، ولكن لا تقبل شهادته فى إثبات هذا العقد إذا كان المشهود له هو أحد أبويه وعدم صحة كونه شاهدا لأحد أبويه لا يمنع من صحة العقد بشهادته، لأنه لا يلزم من كونه غير أهل لأداء الشهادة أن يكون غير أهل لتحمل الشهادة، أما إذا كان الابن شاهدا على أحد أبويه فى إثبات العقد فإن شهادته تقبل لكن تجوز شهادته عليه ويجوز أن يكون الابن شاهدا على شهادة أبيه بأن يقول الأب لابنه: اشهد على شهادتى بأنى أشهد بكذا، ولا تقبل شهادة الابنين أن أباهما أقام فلانا وصيا على التركة لأنهما متهمان فى هذه الشهادة لأنها تجر لأنفسهما نفعا بنصب حافظ للتركة ولا يجوز أن يكون الابن قاضيا لأحد أبويه، لأنه إذا كانت لا تقبل شهادته لهما فأولى ألا يصح قضاؤه لهما، ويجوز قضاؤه عليه على تفصيل فى كل ذلك

(1)

.

وعدم جواز شهادة الابن وقضائه لأحد أبويه هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة غير أن بعض الشافعية يرى جواز قضائه بناء على البينة.

أما شهادة أحدهما على الآخر فهى جائزة عند الشافعية والحنابلة وفيها تفصيل فى مذهب

‌المالكية:

وقال فقهاء الزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية تجوز شهادة الابن لأحد أبويه.

وقال فقهاء الإباضية: لا تجوز شهادة الابن لأحد أبويه، أما قضاؤه لأحدهما فإن كانت الخصومة بين أحد الأبوين وأجنبى فالأولى أن يدفعها الابن إلى غيره وإن حكم بينهما بالحق فحسن وإن كانت الخصومة بين أحد الأبوين وقريبه جاز الحكم بينهما

(2)

(انظر شهادة وقضاء).

‌إقرار الابن:

الأب إذا توفى عن ابنين فأقر أحدهما بأن أباه قبض كل دينه أو نصفه وكذبه الابن الآخر فلا شئ للمقر من هذا الدين ويكون لغير المقر نصف الدين فى الحالين بعد أدائه اليمين، واليمين هنا تكون على نفى العلم فيحلف غير المقر بالله ما يعلم أن والده قبض كل الدين أو ما يعلم أن والده قبض نصف الدين، ولا يرجع الابن المقر على أخيه بنصف ما قبضه حتى ولو تصادقا على أن يكون المقبوض شركة بينهما، ولو أقر الابن بعد قسمة تركة والده بدين على أبيه تعلق حق الدائن بما أخذه الابن المقر من التركة، ولذلك يجب على الابن أن يدفع كل ما فى يده من التركة إذا كان الدين مستغرقا لما فى يده منها، لأن الدين مقدم على الميراث فيكون مقرا بتقدم دين المقر له على إرثه فيقدم حق المقر له على حق الابن فى الإرث

(3)

على تفصيل فى مصطلح «اقرار» .

(1)

الدرر ج 1 ص 329 وج 2 ص 379، 391، 411، 450.

(2)

راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 152، 168، 171.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 4 ص 268، 325، 326.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى اللقيوبى وعميرة ج 4 ص 303، 322.

وللزيدية شرح الأزهار ج 4 ص 198.

وللظاهرية المحلى ج 9 ص 415.

وللإباضية شرح النيل ج 6 ص 584، 585، 656.

(3)

الدرر ج 2 ص 367، 369، 438.

ص: 217

‌الابن والوصية:

قال فقهاء الحنفية: أنه لا تجوز الوصية للابن باعتباره وارثا إلا إذا أجازها الورثة

(1)

وإذا اقر أحد الابنين بعد قسمة التركة بينهما بوصية صادرة من أبيه بثلث ماله لفلان قال بعض الفقهاء يجب على المقر أن يدفع للموصى له نصف ما فى يده وهذا هو القياس، لأن إقراره يتضمن أن الموصى له يستحق مثله فى التركة أى لكل منهما الثلث فعليه أن يعطيه نصف ما فى يده ليكون مساويا له وقال بعض الفقهاء: عليه أن يدفع ثلث نصيبه فقط وهذا استحسان، لأنه اقر له بثلث شائع فى التركة وهو فى أيديهما فيكون مقرا بثلث ما فى يده فقط، لأن الموصى له يستحق ثلث التركة فيكون لكل وارث مثلاه

(2)

والابن لا يدخل فى الوصية الصادرة من أحد أبويه ولا فى الوقف إذا أوصى أحدهما لأقاربه أو أقربائه بثلث ماله أو وقف عليه لأن القريب عرفا من يتقرب بواسطة الغير والابن قريب بنفسه لا بغيره وقد سبقت الإشارة إلى ذلك فى تعريف الابن

(3)

أما إذا أوصت الأهل لأهل بيتها وجنسها، فإن كان الابن من قوم أبيها بأن كانت تزوجت ابن عمها مثلا فإن الابن يدخل فى هذه الوصية أما إذا لم يكن ابنها من قوم أبيها أى أنها تزوجت أجنبيا عنها فإن الابن لا يدخل فى الوصية

(4)

.

وعدم جواز صحة الوصية للابن باعتباره وارثا

(5)

هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم من فقهاء الظاهرية وإن اختلف هؤلاء فى جوازها إن أجازها باقى الورثة فقال بعضهم: تجوز، وقال بعضهم لا تجوز.

وأجاز فقهاء الزيدية الوصية للوارث، وقالوا: إنها مندوبة لقوله تعالى «كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}

(6)

» (انظر وصية).

‌أحكام الابن فى الميراث:

قال فقهاء الحنفية: الابن من العصبات النسبية وهو عصبة بنفسه لأن العصبة بالنفس كل ذكر لا تدخل فى نسبته إلى الميت أنثى، والعاصب بنفسه إذا انفرد أخذ جميع التركة بطريق التعصيب وإن اجتمع معه أصحاب فروض أخذ الباقى بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم وإن تعدد الأبناء يكون المال بينهم بالسوية، والابن يعصب البنت إن وجدت معه فإذا مات الميت عن ابن وبنت كان المال لهما بطريق التعصيب للذكر مثل حظ الأنثيين لقوله تعالى «يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ»

(7)

والابن لا يحجبه غيره من الميراث أصلا لا حجب حرمان ولا حجب نقصان والابن إذا تحققت فيه شروط الإرث قد يحجب غيره حجب حرمان أو حجب نقصان فيحجب غيره من العصبات حجب حرمان فلا يرث أحد منهم

(1)

المرجع السابق ص 429.

(2)

الدرر وحاشيته ج 2 ص 438.

(3)

المرجع السابق ص 440.

(4)

المرجع السابق ص 442.

(5)

راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 40 ص 427.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 3 ص 159.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات ج 2 ص 549.

وللظاهرية المحلى ج 9 ص 316.

وللزيدية شرح الأزهار ج 4 ص 516.

(6)

سورة البقرة: 180.

(7)

سورة النساء: 11.

ص: 218

معه إلا الأب والجد فيرثان معه، ولكن بطريق الفرض لا بطريق التعصيب وهو أيضا يحجب جميع الحواشى وذوى الأرحام حجب حرمان، ويحجب الزوج والزوجة والأم حجب نقصان، فيحجب الزوج من النصف إلى الربع والزوجة من الربع إلى الثمن والأم من الثلث إلى السدس، وأحكام الابن فى الميراث السابق بيانها هو محل إجماع المذاهب الإسلامية

(1)

.

‌عتق الابن أو الأب بملك أحدهما للآخر:

قال فقهاء الحنفية: إذا ملك الابن أحد أبويه بأى سبب من الأسباب عتق عليه، وكذلك إذا ملك أحدهما ابنه عتق عليه، بشرط أن تكون الأبوة أو البنوة من جهة النسب، والأصل فيه أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه لقوله صلى الله عليه وسلم:

(من ملك ذا رحم محرم منه فهو حر) وملك الابن أحد أبويه يكون سببا للعتق ولو كان الابن صبيا أو مجنونا أو مسلما أو كافرا إذا كان فى دار الإسلام، أما فى دار الحرب فلا يكون الملك سببا فى العتق عند أبى حنيفة ومحمد، وقال أبو يوسف: أنه يكون سببا للعتق، وملك الابن أباه أو ملك الأب ابنه هو سبب للعتق فى باقى المذاهب، وقد استند الشافعية فى ذلك الى قوله صلّى الله عليه وسلام:(لن يجزى ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه) كما أن المالكية يرون أنه إنما يعتق الأب بدخوله فى ملك ابنه نسبا إذا كانا مسلمين أو أحدهما مسلما

(2)

. (انظر عتق)

‌صلاة الجنازة على الابن القاتل والمسبى:

قال فقهاء الحنفية: إذا قتل الابن أحد أبويه عمدا ثم قتل قصاصا، فإنه لا يصلى عليه إهانة له وزجرا لغيره وإذا سبى الابن الصغير أو البالغ المجنون مع أحد أبويه، ثم مات قبل إسلامه أو إسلام أحد أبويه فإنه لا يصلى عليه لتبعيته لأحد أبويه، وإذا مات بعد إسلام أحد أبويه اعتبر مسلما حكما فيصلى عليه وكذلك يصلى عليه إذا كان مميزا وأسلم، لأنه يعتبر مسلما حقيقة، أما إذا سبى الابن وحده فإنه يصلى عليه إذا مات لأن تبعية الأبوين تنقطع باختلاف الدار فيحكم بإسلامه تبعا للسابى أو الدار

(3)

وفقهاء المالكية لم يمنعوا الصلاة على الابن إذا قتل أحد أبويه عمدا ثم قتل قصاصا، لكن يكره عندهم للإمام وأهل الفضل الصلاة عليه، باعتباره قد قتل قصاصا، لأنهم نصوا على كراهية صلاة الإمام وأهل الفضل على من حده القتل، ومذهب المالكية كمذهب الحنفية فيما إذا سبى الابن الصغير مع أبيه أو سبى وحده وكان مجوسيا، أما اذا سبى

(1)

راجع السراجية ص 5، 11، 21، 28 وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 459.

وما بعدها.

وللشافعية المهذب ج 2 ص 25، 59.

وللحنابلة كشاف القناع ج 2 ص 543 وما بعدها.

وللإباضية شرح النيل ج 8 ص 253 وما بعدها.

وللزيدية: الروض النضير ج 2 ص 26.

وللإمامية الروضة البهية ج 2 ص 295 وما بعدها.

وللظاهرية المحلى ج 9 ص 253، 258، 262.

(2)

راجع للأحناف الزيلعى ج 3 ص 70 والدرر ج 2 ص 4، 5.

وللمالكية: الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 366.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 354.

وللحنابلة كشاف القناع ج 2 ص 628، 629.

وللظاهرية المحلى ج 2 ص 200.

وللزيدية شرح الأزهار ج 3 ص 566.

وللإمامية الروضة البهية ج 1 ص 294، ج 2 ص 195.

وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 75.

(3)

الدرر وحاشيته ج 1 ص 163، 166.

ص: 219

وحده وكان كتابيا، فالراجح عندهم أنه لا يعتبر مسلما تبعا لإسلام سابيه، وإذا فلا يصلى عليه إذا مات، فقد جاء فى الشرح الكبير فى باب الردة وأحكامها: وحكم بإسلام مجوسى صغير لإسلام سابيه، وجاء فى حاشية الدسوقى: المجوسى يحكم بإسلامه تبعا لإسلام سابيه، ثم قال: الكتابى لا يحكم بإسلامه تبعا لإسلام مالكه مطلقا، وإذا أسلم الابن الصغير الذى سبى وكان مميزا ثم مات فإنه يصلى عليه لأن إسلام المميز معتبر

(1)

، ومذهب الشافعية لا نص فيه على منع الصلاة على الابن إذا قتل أحد أبويه عمدا ثم قتل قصاصا، والشافعية كالحنفية فيما إذا سبى الابن الصغير أو البالغ المجنون مع أحد أبويه، وكذلك يعتبر الابن الصغير أو المجنون البالغ مسلما إذا سبى وحده وكان السابى له مسلما سواء كان السابى عاقلا أو مجنونا بالغا أو صغيرا، أى فيصلى عليه إذا مات، أما إذا كان السابى ذميا فلا يحكم بإسلامه بل يكون على دين سابيه، فإذا مات لا يصلى عليه

(2)

.

ومذهب الحنابلة: لا نص فيه على منع الصلاة على الابن إذا قتل أحد أبويه عمدا ثم قتل قصاصا وإذا سبى الابن غير البالغ سواء كان مميزا أو غير مميز مع أبويه ثم مات قبل أبويه وقبل إسلام أحدهما فإنه لا يصلى عليه لأنه لا يعتبر مسلما لتبعيته لأبويه فى الدين، وملك السابى له لا يمنع تبعيته لأبويه، واستندوا فى ذلك إلى حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) وإذا أسلم الأبوان أو أحدهما اعتبر الابن مسلما تبعا لإسلامهما أو إسلام أحدهما، فإذا مات صلى عليه وكذلك يعتبر هذا الابن مسلما إذا مات أحد أبويه بدار الإسلام، لأن الحديث المشار إليه قد جعل تبعية الولد لأبويه معا فإذا لم يكن أبواه معه انقطعت التبعية ووجب بقاؤه على حكم الفطرة، ويترتب على هذا أنه إذا سبى الابن غير البالغ وحده أو مع أحد أبويه فقط وكان السابى مسلما، فإنه يعتبر مسلما، لانقطاع تبعيته لأبويه فى الحالين بانقطاعه عنهما أو عن أحدهما، فإذا مات يصلى عليه، وإذا كان السابى له ذميا فإنه يعتبر ذميا تبعا لسابيه فى كل حال يكون فيه مسلما تبعا لسابيه المسلم، والابن الذى بلغ مجنونا إذا سبى يعتبر كالابن غير البالغ فى جميع ما تقدم. أما الابن الذى بلغ عاقلا ثم جنَّ فإنه لا يتبع أحد أبويه فى الدين لزوال حكم التبعية ببلوغه عاقلا فلا يعود حكم التبعية بزوال العقل

(3)

.

وقال فقهاء الزيدية: الابن إذا قتل أحد أبويه ثم قتل قصاصا، فإن كان قتله قصاصا بعد التوبة، فإنه يغسل ويصلى عليه، وإن كان قبل التوبة فإنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وليس هذا خاصا بمن قتل قصاصا لقتله أحد أبويه بل هو عام فى كل من قتل قصاصا

(4)

، وإذا سبى الابن الصغير أو المجنون مع أبويه غير المسلمين فإنه يعتبر غير مسلم تبعا لأبويه، فاذا مات قبل موتهما

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 424، 426، 427، وج 4 ص 308.

(2)

النهاية ج 3 ص 99.

(3)

كشاف القناع ج 1 ص 401، 663، 664، 723.

(4)

شرح الازهار ج 1 ص 403 - 406.

ص: 220

وقبل إسلامهما أو إسلام أحدهما فإنه لا يصلى عليه، وإذا مات بعد إسلام أحدهما فإنه يصلى عليه لأنه يعتبر مسلما بإسلام أحد أبويه، ولو كان الآخر كافرا، وكذلك إذا مات أبواه قبله حكم بإسلامه لأنه إذا مات الأبوان ولو كانا ذميين ولهما ابن صغير فى دار الإسلام حكم بإسلامه بعد موت أبويه، لأن كل مولود يولد على فطرة الإسلام فإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه، فإذا ماتا انقطعت تبعية الابن لهما، وحكم بإسلامه تبعا لدار الإسلام، وإذا سبى الابن الصغير أو المجنون وحده فإنه يعتبر مسلما بكونه فى دار الإسلام تبعا للدار فإذا مات صلى عليه

(1)

ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية: إنه يصلى على الابن إذا قتل قصاصا لقتله أحد أبويه، لأنه نص على أنه يصلى على كل مسلم بر أو فاجر مقتول فى حد أو فى حرابة أو فى بغى، ويصلى عليهم الإمام وغيره

(2)

.

ويرى ابن حزم أن الابن الصغير إذا سبى ثم مات فإنه يصلى عليه سواء سبى وحده أو مع أبويه أو مع أحدهما ولذلك يقول ومن سبى من صغار أهل الحرب فسواء سبى مع أبويه أو مع أحدهما أو دونهما هو مسلم، لأن حكم أبويه قد زال عن النظر له، وصار سيده أملك به، فبطل إخراجهما له عن الإسلام الذى ولد عليه ويقول فى موضع آخر: والصغير يسبى مع أبويه أو أحدهما أو دونهما، فيموت، فانه يدفن مع المسلمين فيصلى عليه، قال تعالى:{(فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}

(3)

، فصح أن كل مولود فهو مسلم إلا من أقره الله تعالى على الكفر، وليس إلا من ولد بين ذميين كافرين، أو حربيين كافرين، ولم يسب حتى بلغ. ومن عدا هذين فمسلم

(4)

.

وفى مذهب الإمامية يصلى على الابن إذا قتل قصاصا لقتله أحد أبويه لأن الصلاة تجب عندهم على كل ميت مسلم حقيقة، كالبالغ العاقل الذى نطق بالشهادتين، أو حكما كالطفل والمجنون المتولدين من مسلم، والذى لا يصلى عليه عندهم هو من حكم بكفره فقط

(5)

والمختار عند فقهاء الإمامية أن الابن إذا سبى بيد مسلم اعتبر مسلما وعلى ذلك إذا مات يصلى عليه

(6)

.

‌قتل الابن أباه الحربى أو الباغى:

قال فقهاء الحنفية: لا يجوز للابن أن يقتل أباه الحربى ابتداء، لقوله تعالى:

{(وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً}

(7)

وليس من المعروف البداءة بالقتل، ولأنه تسبب فى حياته فلا يكون هو سببا لإفنائه ولكن يمنعه من الرجوع إلى صفوف الحربيين حتى لا يكون حربا على المسلمين. وإن قتل الابن أباه فى هذه الحالة لا يجب عليه شئ، لأن دم الأب غير معصوم، وإن أراد غير الابن قتله ليس للابن أن يمنعه من قتله، وإذا قصد الأب قتل ابنه ولم يمكنه دفعه إلا بقتله جاز قتله، لأن هذا يعتبر دفاعا عن

(1)

التاج المذهب ج 4 ص 465، 466.

(2)

المحلى ج 5 ص 169.

(3)

سورة الروم: 30.

(4)

المحلى ج 7 ص 234، ج 5 ص 143.

(5)

الروضة البهية ج 1 ص 38، 42.

(6)

المرجع السابق ص 38.

(7)

سورة لقمان: 15.

ص: 221

النفس، والدفاع عن النفس واجب فان الأب المسلم إذا قصد قتل ابنه جاز للابن قتله فالكافر أولى

(1)

ولا يجوز للابن أن يقتل أباه إذا كان من أهل البغى

(2)

وهم الخارجون على الإمام.

وقال فقهاء الشافعية: يكره للابن أن يقتل أباه الحربى وليس هذا الحكم عندهم خاصا بقتل الابن أباه بل يكره لكل غاز قتل قريب له من الكفار فإذا كان القريب محرما كانت الكراهية أشد، إلا أن يسمعه يسب الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم فلا يكره قتله

(3)

.

وقال فقهاء الحنابلة

(4)

: للابن أن يقتل أباه الحربى، لأن أبا عبيدة قتل أباه فى الجهاد فأنزل الله تعالى {(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

(5)

.

وقال فقهاء المالكية يكره للابن قتل أبيه الباغى سواء كان الأب مسلما أو غير مسلم بارز ولده بالقتال أم لا، وكذلك يكره للابن قتل أمه، بل هى أولى لما جبلت عليه من الحنان والشفقة ولضعف مقاتلتها عن مقاتلة الرجال وإذا قتل الابن أباه ورثه إن كان مسلما لأن القتل وإن كان عمدا لكنه غير عدوان، ولا يكره قتل الابن أو الجد أو الأخ

(6)

.

وقال فقهاء المالكية أيضا يجوز للابن قتل الأب الحربى لأن بر الوالدين وإن كان واجبا حتى ولو كانا مشركين لقوله تعالى: {(وَإِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً}

(7)

إلا أن هذا فى غير الحربيين، أما الأبوان الحربيان فيجب اجتنابهما وللابن قتلهما

(8)

.

وقال فقهاء الزيدية لا يجوز للابن أن يقتل أباه إذا كان حربيا أو من أهل البغى، وليس هذا الحكم عندهم خاصا بوصف الأبوة والبنوة، بل عام يشمل الرحم مطلقا، سواء كان محرما أو غير محرم، فيشمل الأب وإن علا والابن وإن سفل، والإخوة والأعمام وبنيهم ونحو ذلك، لأن فى ذلك قطيعة الرحم، واستثنوا من ذلك ما يأتى:

أولا: إذا قتله دفاعا عن نفسه أو عن غيره أو دفاعا عن ماله أو مال غيره إذا كان لم يندفع إلا بالقتل.

ثانيا: للابن أن يقتل أباه الحربى أو الباغى بنفسه إذا خاف أن يقتله غيره من المسلمين لئلا يحقد على من قتله فيؤدى إلى التباغض والشحناء بينه وبين غيره من سائر المسلمين (9).

ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أنه لا حرج على الابن فى قصده قتل أبيه الحربى

(1)

الزيلعى ج 3 ص 245 والدرر ج 1 ص 283، 284.

(2)

حاشية الدرر ج 1 ص 283.

(3)

شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 218.

(4)

كشاف القناع ج 1 ص 661.

(5)

سورة المجادلة: 22.

(6)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 300.

(7)

سورة لقمان: 15.

(8)

التاج المذهب ج 4 ص 431.

ص: 222

أو الباغى وإن كان الأولى ألا يعمد إلى أبيه أو جده ما دام يجد غيرهما، وسنده فى ذلك أن بر الوالدين وصلة الرحم إنما أمر الله تعالى بهما، ما لم يكن فى ذلك معصية لله تعالى، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:(لا طاعة لأحد فى معصية الله تعالى)، وقد أمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية ولم يخص بذلك ابنا من أجنبى قال الله تعالى {(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ}

(1)

وقال تعالى: {(لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» وقتال أهل البغى قتال فى الدين، وإذا رأى الابن أباه أو جده يقصد إلى مسلم يريد قتله وجب على الابن حينئذ الدفاع عن المسلم بأى وجه أمكنه، حتى ولو كان فى ذلك قتل الأب أو الجد

(2)

ويرى فقهاء الإباضية أن الأولى للابن ألا يقتل أباه حتى ولو تعرض له أبوه فى القتال وأن يترك ذلك لغيره، لكن إن قتله فلا شئ عليه، فقد نصوا فى حقوق الأبوين على الابن على أن (يأمرهما وينهاهما وينتصف منهما لغيره باللين وإذا وجب عليهما حد أو أدب أو حبس فالأولى أن يلى ذلك غيره وكذا فى القتال إن تعرض له أبوه فالأولى ألا يقتله وإن فعل ذلك فلا بأس عليه

(3)

.

‌القود فى قتل الابن لأبيه:

قال فقهاء الحنفية: الابن إذا قتل أحد أبويه قتلا يوجب القصاص، وجب القصاص من الابن للعموم الوارد فى قوله تعالى:

{(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ}

(4)

وقوله تعالى: {(كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى}

(5)

وقوله عليه الصلاة والسلام:

(العمد قود) فعموم هذه النصوص يوجب القود من الابن إذا قتل أباه ولم يرد نص يقتضى إسقاط القصاص بالنسبة

(6)

.

ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية فيقتل الابن إذا قتل أباه قتلا يوجب القصاص، لأنه إذا قتل بمن يساويه فلأن يقتل بمن هو أفضل منه أولى

(7)

.

ومذهب الحنابلة كمذهب الحنفية أيضا

(8)

ومذهب المالكية كمذهب الحنفية فى ذلك أيضا لأنهم إنما استثنوا من وجوب القتل قصاصا الأب فقط فى حالة خاصة وهى ما إذا لم يقصد إزهاق روح ابنه أما الابن فانه كغيره

(9)

.

(1)

سورة الممتحنة: 8، 9.

(2)

المحلى ج 11 ص 108، 109.

(3)

شرح النيل ج 2 ص 593، 594.

(4)

سورة المائدة: 45.

(5)

سورة البقرة: 178.

(6)

الزيلعى ج 6 ص 105 والدرر ج 2 ص 91.

(7)

المهذب ج 2 ص 186 والنهاية ج 3 ص 46، 47.

(8)

كشاف القناع ج 3 ص 352.

(9)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 237، 267.

ص: 223

ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية أيضا

(1)

ويرى فقهاء الإمامية أن الابن إذا قتل أباه فإن هذا القتل يوجب القود متى وجد التكافؤ فى الدين والحرية، فيقتل الابن بوالده إلا إذا كان الابن مسلما والأب كافرا أو الابن حرا والأب رقيقا، فلا يقتل الابن لعدم التكافؤ فى الدين والحرية

(2)

.

ويرى فقهاء الإباضية أن الولد إذا قتل أحد أبويه قتلا يوجب القصاص فإنه يقتل بهما، فقد نصوا: على أنه يقتل الولد بهما أى بالأب والأم

(3)

.

وقال ابن حزم من فقهاء الظاهرية ولا قود على مجنون فيما أصاب من جنونه، ولا على سكران فيما أصاب من سكره المخرج له من عقله، ولا على من لم يبلغ، ولا على أحد من هؤلاء دية ولا ضمان، وهؤلاء والبهائم سواء، لما ذكرنا فى الطلاق وغيره من الخبر الثابت فى رفع القلم عن الصبى حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق والسكران حتى يعقل، والحق المتيقن فى هذا أن الأحكام لازمة لكل بالغ حتى يوقن أنه ذاهب العقل بجنون أو سكر وأما ما لم يوقن ذلك فالأحكام له لازمة، وظاهر مما تقدم أن ابن حزم يرى أنه لا وقود على القاتل عمدا إذا كان عديم الأهلية لصغر أو جنون أو سكر، ومن عداه يجب عليه القود، لا فرق فى ذلك بين الابن وغيره، وإذا فالابن إذا قتل أباه فإن هذا القتل يوجب القود

(4)

.

‌إرث الابن ولاية الدم على أبيه:

قال فقهاء الحنفية إذا ورث الابن قودا على أبيه سقط القود، سواء فى ذلك قود النفس وما دونها فإذا قتل الأب أخ امرأته ثم ماتت المرأة قبل أن يقتص منه فإن ابنها منه يرث القصاص الذى لها على أبيه ويسقط القصاص فى هذه الحالة لحرمة الأبوة وكذلك إذا قتل الأب زوجته عمدا ليس لابنه منها أن يطلب القصاص منه بل يسقط القصاص وكذلك إذا قطع يدها عمدا

(5)

.

‌ومذهب الشافعية والحنابلة كمذهب الحنفية

(6)

ومذهب المالكية أن الابن إذا ورث القود على أبيه لا يسقط هذا القود لأن الأب إذا قصد قتل ابنه حقيقة أو حكما فانه يقتص منه، فأولى اذا قتل أم ابنه عمدا عدوانا

(7)

.

ومذهب الزيدية كمذهب الحنفية فى ذلك إذ نصوا على أنه إذا كان المقتول أو ولى الدم فرعا فلا يجب القود، فإذا قتلت المرأة زوجها أو ابن ابنها أو أخاه أو عمه، وولاية القصاص أو بعضه إلى ابنها، لم يكن لولدها أن يقتلها

(8)

.

وذهب ابن حزم من فقهاء الظاهرية إلى أن الابن إذا ورث القود على أبيه فإن هذا القود لا يسقط لأنه يرى أن الأب اذا قتل ابنه عمدا فان هذا القتل يوجب القود، وقد

(1)

التاج المذهب ج 4 ص 261، 265.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 406.

(3)

شرح النيل ج 2 ص 75.

(4)

المحلى ج 1 ص 345.

(5)

الزيلعى ج 6 ص 105، 106 والدرر ج 2 ص 94.

(6)

للشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 107 وللحنابلة كشاف القناع ج 3 ص 352.

(7)

الشرح الكبير ج 4 ص 267.

(8)

التاج المذهب ج 4 ص 265.

ص: 224

تقدم بيان ذلك، فأولى إذا قتل الأب أم ابنه عمدا.

‌حد الابن بالسرقة من أحد أبويه:

قال فقهاء الحنفية لا يحد الابن إذا سرق من أحد أبويه ولو كان المسروق مال غيرهما وليس هذا الحكم خاصا بوصف البنوة والأبوة، بل الأصل فيه أن السرقة من ذى الرحم المحرم لا توجب الحد، لأن حد السرقة - أى قطع اليد - لا يجب إلا بأخذ المال وهتك الحرز، وهتك الحرز هنا غير موجود، لوجود الإذن بالدخول عادة ولهذا يدخل الرحم المحرم من غير استئذان فلا يبقى المال محرزا فى حق السارق، فانتفى شرط القطع وإذا سرق الابن مال أحد أبويه من بيت أجنبى فهل هذه السرقة توجب الحد؟ قالوا: إن سرقة مال ذى الرحم المحرم من بيت غيره توجب القطع لوجود الحرز وهذا بعمومه يفيد أن سرقة الابن مال أحد أبويه من بيت أجنبى توجب القطع ولكن الإمام الزيلعى رضى الله عنه يقول: (وينبغى ألا يقطع فى الولاء لما ذكرنا من الشبهة فى ماله) أى أنه يرى أنه لا قطع فى سرقة الفرع مال أصله ولا فى سرقة الأصل مال فرعه لوجود الشبهة بالنسبة للمال، وإذا سرق الابن من أحد أبويه رضاعا فهذه السرقة توجب الحد وروى عن أبى يوسف رضى الله عنه أن السرقة من الأم رضاعا لا توجب الحد لأنه يدخل عليها من غير استئذان فبينهما انبساط فى دخول المنزل وهذا كاف لدرء الحد، والراجح فى المذهب هو وجوب الحد لأن المحرمية بدون القرابة لا تحترم، ولذلك فإن السرقة من الأخت رضاعا توجب القطع إجماعا، وأيضا فإن الرضاع اشتهاره قليل عادة فلا انبساط بينهما تحرزا عن موقف التهمة، بخلاف الأم من النسب فإن النسب أمر يشتهر، فالانبساط متحقق لا محالة

(1)

.

وقال فقهاء المالكية: إن الابن إذا سرق من أحد أبويه يحد، لضعف الشبهة، ولذلك يحد الابن إذا وطئ جارية أبيه، أما سرقة أحد الأبوين مال الابن فإنها لا توجب الحد للشبهة القوية فى مال الولد، ولذلك لا يحد الأب إذا وطئ جارية ابنه

(2)

.

وقال فقهاء الحنابلة: لا يحد الابن بسرقة مال أحد أبويه لأن نفقته تجب عليهما فى مالهما حفظا له، فلا يجوز إتلافه حفظا للمال

(3)

.

وقال فقهاء الشافعية: لا يحد الابن إذا سرق مال أحد أبويه لأن من شروط وجوب الحد عندهم عدم الشبهة فى المال المسروق، فلا قطع بسرقة مال الأصل أو الفرع لما بينهما من الاتحاد

(4)

وقال فقهاء الزيدية: إن الابن إذا سرق من أحد أبويه فإنه يحد

(5)

.

وهذا هو رأى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أيضا، لأنه نص على أن القطع واجب على من سرق من ولده أو من والديه أو من

(1)

الزيلعى وحاشيته ج 3 ص 220، الدرر ج 2 ص 80.

والهداية وفتح القدير ج 3 ص 328، 239.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 337.

(3)

كشاف القناع ج 4 ص 84.

(4)

شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 188.

(5)

التاج المذهب ج 4 ص 251.

ص: 225

جدته أو من جده أو من ذى رحم محرم أو غير محرم

(1)

.

ومذهب الإمامية: يحد الابن بسرقته من أحد أبويه، لأن الشبهة التى تمنع إقامة الحد عندهم كون الحرز والمال أو أحدهما مملوكا للابن، أما إذا كان المال مملوكا لأحد الأبوين فإنه لا يعتبر شبهة تمنع من إقامة الحد

(2)

.

وقال فقهاء الإباضية: لا قطع على ولد إن سرق من بيت والده إن كان تحته ولم يحزه ولو لم يكونا فى منزل واحد ولو لم يسرق من منزل هما فيه وإن أحازه قطع والظاهر من هذا أنه لا يجب الحد على الولد إن سرق من بيت والده، سواء كان يقيم مع والده فى المنزل الذى سرق منه أو كان يقيم فيه والده فقط أو كانا لا يقيمان فيه، وهذا إذا كان المال المسروق لا يزال تحت يد الابن ولم يعطه إلى غيره، أما إذا أعطاه إلى غيره فقد وجب الحد

(3)

.

‌تبعية الابن لأبيه:

‌التبعية فى الدين:

الابن البالغ العاقل لا يتبع أحد أبويه فى الدين والابن الصغير والذى بلغ مجنونا قال فقهاء الحنفية: إنه يتبع خير الأبوين دينا، لأن هذا أنفع للابن، فإذا كان أحدهما مسلما والآخر غير مسلم اعتبر مسلما، سواء أكان إسلامه أصليا بأن تزوج مسلم كتابية أو كان إسلامه عارضا بأن كانا كافرين فأسلم أحدهما، وإذا كان أحدهما كتابيا والآخر مجوسيا اعتبر كتابيا، لأن الكتابى له دين سماوى بحسب دعواه، ولهذا يحل للمسلمين أكل ذبيحة الكتابيين والتزوج بنسائهم وتبعية الابن لأحد أبويه فى الدين إنما تكون إذا اتحدت الدار بينهما واتحاد الدار قد يكون حقيقة بأن يكونا معا فى دار الإسلام أو فى دار الحرب وقد يكون حكما كما إذا كان الصغير فى دار الإسلام وأسلم أبوه فى دار الحرب لأن الأب يعتبر من أهل دار الإسلام حكما. وأما إذا اختلفت الدار بأن كان الصغير فى دار الحرب ووالده فى دار الإسلام فأسلم والده فلا يكون الصغير مسلما تبعا لأبيه لأنه لا يمكن أن يجعل الوالد من أهل دار الحرب، لأن هذا يقتضى أن تسرى عليه أحكام دار الحرب على أنه مسلم فى دار الإسلام

(4)

والمرتد إذا كانت له أمة مسلمة ولدت بعد ارتداده وثبت نسب الولد منه بادعائه بنوته، فهذا الابن يعتبر مسلما سواء كان بين الارتداد والولادة أقل من ستة أشهر أو أكثر لأنه يعتبر مسلما تبعا لأمه، وإن كانت الأمة مسيحية أو يهودية وجاءت به لأقل من ستة أشهر من

(1)

المحلى ج 11 ص 344.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 375، 376.

(3)

شرح النيل ج 8 ص 75.

(4)

الزيلعى ج 2 ص 173 الدر وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 541 و 542 الدرر ج 1 ص 353.

ص: 226

وقت الارتداد وثبت نسبه منه بادعائه بنوته فإنه يعتبر مسلما أيضا فى هذه الحالة لأن الحمل به كان منه فى حال الإسلام فيكون مسلما، وإن جاءت به لستة أشهر فأكثر من وقت الردة فهو مرتد لأن حصول الحمل كان منه وهو مرتد، وإنما اعتبر الابن مرتدا فى هذه الحالة تبعا للأب، لأن الأب باعتباره مرتدا هو أقرب إلى الإسلام من الأم، لأنه يجبر على الإسلام والظاهر من حاله أن يسلم فكانت تبعية الابن لأبيه خيرا له من تبعيته لأمه

(1)

.

ومذهب الشافعية كمذهب الحنفية فى تبعية الابن لأحد أبويه فى الدين فقالوا: إن الابن يتبع أعلى الأبوين دينا فيكون الابن مسلما إذا كان أحد أبويه مسلما، سواء كان إسلامه أصلبا أو عارضا بأن كانا كافرين فأسلم أحدهما - الأب أو الأم

(2)

- وابن المرتد عند الشافعية يكون مسلما إذا كانت أمه مسلمة أو كان أحد أصوله - أى أحد أجداده - مسلما فإن كانت أمه مسيحية ولم يكن أحد أجداده مسلما كان مسيحيا.

وإن كانت أمه مرتدة أيضا وأحد أجداده مسلما اعتبر مسلما، وإن لم يكن أحد أجداده مسلما قال: بعضهم أنه يكون مسلما، وقال بعضهم: أنه يعتبر مرتدا، وقال بعضهم إنه يعتبر كافرا أصليا

(3)

.

وقال فقهاء المالكية: إن الابن يتبع أباه فى الدين، فإذا كان أبوه مسلما أصليا أو عارضا، كان الابن مسلما تبعا له، وإن كان أبواه كافرين فأسلمت أمه لا يعتبر مسلما بإسلام أمه، ولذلك جاء فى الشرح الكبير «وحكم بإسلام من لم يميز لصغر أو جنون ولو بالغا إذا كان جنونه قبل الإسلام بإسلام أبيه فقط لا بإسلام جده أو أمه» .

وجاء فى حاشية الدسوقى فى موضوع آخر «لتبعية الولد لأمه فى الرق والحرية ولأبيه فى الدين»

(4)

.

وقال فقهاء الحنابلة: إن الابن الكبير العاقل لا يتبع أحد أبويه فى الدين، أما الابن الصغير أو الكبير المجنون فإنه:

أولا - يكون تبعا لأبويه أو لأحدهما فى الدين إذا كانا مسلمين أو كان أحدهما مسلما، سواء كان هذا الإسلام أصليا أو عارضا، فإذا كان أبوه مسلما كان مسلما تبعا له ولو كانت أمه غير مسلمة وإذا كان أبواه غير مسلمين فأسلم أبوه أو أمه كان مسلما تبعا لمن أسلم منهما.

ثانيا - يكون تبعا لأبويه غير المسلمين فى الدين إذا كان معهما، سواء كان الأبوان ذميين أو حربيين ولو فى دار الإسلام بعقد أمان أو كان قد سبى معهما، لقوله عليه

(1)

الزيلعى ج 3 ص 288، 289.

والدرر ج 1 ص 303.

والدر ج 2 ص 420، 421.

(2)

المهذب ج 2 ص 255 وحاشية القليوبى على شرح جلال الدين المحلى ج 1 ص 69.

(3)

شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 177، 178.

(4)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 200.

وج 4 ص 308.

ص: 227

الصلاة والسلام «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه» رواه مسلم.

ثالثا - إذا كان أبواه غير مسلمين فماتا أو مات أحدهما بدار الإسلام، انقطعت تبعيته لأبويه فى الدين بانقطاعه عنهما أو عن أحدهما ويكون مسلما تبعا للدار - أى لدار الإسلام - وكذلك إذا عدم أحد أبويه بلا موت كذمية جاءت بابن من سفاح فإنه لا يكون تبعا لأمه فى الدين، بل يكون مسلما تبعا لدار الإسلام لأن الذى يهوده أو ينصره هما الأبوان معا للحديث المشار إليه سابقا، والموجود أحدهما فقط، أما إذا مات أبواه بدار الحرب فإنه لا يجعل مسلما بذلك، لأنها دار كفر لا دار إسلام

(1)

.

ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أن الابن قبل البلوغ إذا كان أبواه أو أحدهما مسلما فإنه يكون مسلما تبعا لهما أو لمن أسلم منهما سواء كان الذى أسلم هو الأب أو الأم وسواء كان الإسلام أصليا أو طارئا وسواء كان إسلامه فى دار الإسلام أو فى دار الحرب فالأبوان الكافران إذا أسلم أحدهما كان الابن قبل البلوغ مسلما تبعا لمن أسلم منهما، وإذا كان الابن قبل البلوغ أبواه غير مسلمين فإن الابن يكون غير مسلم تبعا لأبويه، لما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مولود الا يولد على الفطرة أبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء

(2)

هل تحس فيها من جدعاء» والحديث يدل على أن الابن الذى يعتبر غير مسلم هو الذى اتفق أبواه على تهويده أو تنصيره أو تمجيسه فقط فإذا أسلم أحدهما فلا يصدق عليه أن أبويه نصراه أو هو داه ولذلك يكون الابن مسلما تبعا لمن أسلم منهما كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وكذلك إذا كان له أحد الأبوين فقط كالابن من الزنا فإنه يكون مسلما ولو كانت أمه غير مسلمة لأنه ولد على ملة الإسلام وليس له أبوان يخرجانه من الإسلام فيكون مسلما لذلك

(3)

.

وقال فقهاء الزيدية الابن الصغير أو المجنون سواء كان الجنون أصليا أو طارئا إذا كان مع أبويه كان تابعا لهما فى الدين فان كانا غير مسلمين كان غير مسلم تبعا لهما وإذا كانا مسلمين أو أحدهما مسلما اعتبر مسلما تبعا لهما أو لمن أسلم منهما لا فرق فى ذلك بين الأب والأم، وإذا كان وحده فى دار الإسلام اعتبر مسلما تبعا لدار الإسلام، سواء كان أبواه حيين فى دار الحرب أو ميتين، وكذلك يعتبر الابن مسلما إذا كان أبواه ذميين وماتا بدار الإسلام وتركاه صغيرا، لأن كل مولود يولد على فطرة الإسلام وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه فإذا ماتا حكم بإسلامه تبعا لدار الإسلام، واستثنوا من ذلك رهائن

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 663، 664، 665.

شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 1 ص 723، 724.

(2)

جمعاء أى سليمة من العيوب مجتمعة الأعضاء كاملتها فلا جدع فيها ولا كى.

(3)

المحلى ج 7 ص 322، 323، 324.

ص: 228

الكفار فإن وجودهم فى دار الإسلام دون أبويهم لا يكون سببا للحكم بإسلامهم

(1)

.

وقال فقهاء الإمامية: لو كان الزوجان غير المسلمين صغيرين قد أنكحهما الولى فالمعتبر إسلام أحد الأبوين فى إسلام ولده

(2)

ونص فقهاء الإمامية أيضا على أن (ولد الكافر يتبعه فى النجاسة إلا إذا أسلم بعد البلوغ أو قبله مع فرض كونه عاقلا مميزا وكان إسلامه عن بصيرة).

ونصوا أيضا: على أنه لو كان أحد الأبوين مسلما فالولد تابع له إذا لم يكن عن زنا، بل مطلقا على وجه

(3)

.

وظاهر مما تقدم أن الأبوين إذا كانا مسلمين كان الولد مسلما تبعا لهما وإذا كانا كافرين كان الولد كافرا تبعا لهما وإذا أسلم أحد الأبوين الكافرين كان الولد مسلما تبعا لمن أسلم منهما سواء أكان الأب أو الأم إذا كان الولد ثابت النسب.

أما إذا كان الابن من زنا فهل يعتبر هذا الابن مسلما بإسلام أحد أبويه أم لا.

اختلفوا فى ذلك، والابن الصغير إذا كان مميزا واسلم صح إسلامه.

‌تبعية الابن لأحد أبويه فى النسب:

قال فقهاء الحنفية الابن يتبع أباه فى النسب لأن المقصود من النسب التعريف وذلك يكون بنسبته إلى أبيه لأن الأم لا تشتهر ولا تعرف (انظر مصطلح نسب

(4)

.

‌تبعية الابن لأحد أبويه فى الرق والملك والحرية:

قال فقهاء الحنفية: الابن يتبع أمه فى الرق والملك والحرية لأنه منها بيقين، فولد الأمة يكون رقيقا ومملوكا لسيدها تبعا لأمه، ولو كان أبوه حرا، واستثنوا من ذلك ما يأتى:

أولا - إذا كان أبوه هو سيد الأمة فإنه يكون حرا، لأنه منه فيعتق عليه، وقد ترجح جانب الأب هنا باعتباره سيدا للأمة لأن ماء الأمة مملوك له أيضا.

ثانيا - إذا اشترى رجل أمة من بائعها على أنها ملك البائع فولدت من المشترى ولدا، ثم تبين أنها ملك لغير البائع فإن الولد يكون حرا تبعا لأبيه.

ثالثا - إذا تزوج رجل امرأة على أنها حرة فولدت ولدا ثم تبين أنها أمة فإن الولد يكون حرا تبعا لأبيه.

وإنما كان الولد حرا فى المسألتين الثانية والثالثة لأنه ابن حر ولم يرض أبوه أن يكون ابنه رقيقا، ويلزم الأب بقيمة الولد فى هاتين الصورتين رعاية لجانب التبعية الأصلية التى أهدرت، وهى تبعية الأم والولد فى الصورتين، يقال له ولد المغرور، لأن أباه كان مغرورا حين استولد أم الصغير على أنها مملوكة له أو حين تزوجها على

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 67، ج 4 ص 466.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 99.

(3)

العروة الوثقى ج 1 ص 320، 321، 323.

(4)

الزيلعى ج 3 ص 72 الدرر ج 2 ص 6.

الدر وحاشية ابن عابدين ج 3 ص 18.

ص: 229

أنها حرة فتبين خلاف ذلك

(1)

.

وقال فقهاء المالكية إن الابن يتبع الأم فى الرق والحرية وهذا هو مذهب الشافعية أيضا

(2)

وقال فقهاء الزيدية: الولد يتبع أمه فى الملك والرق والحرية فإن كانت حرة كان الولد حرا ولو كان أبوه عبدا، وإن كانت مملوكة كان الولد مملوكا لمالكها ولو كان أبوه حرا

(3)

.

وهذا هو مذهب الحنابلة أيضا

(4)

ويرى فقهاء الإمامية: إن الولد يتبع أحد الأبوين فى الحرية، فإذا كانا حرين أو أحدهما حرا كان الابن حرا تبعا لهما أو لأحدهما، وإن كانا رقيقين كان الابن رقيقا تبعا لهما، ويكون مملوكا لمولاهما إن كانا مملوكين لواحد، وإذا كان كل من الأبوين مملوكا لمالك وأذن كل منهما فى النكاح أو لم يأذن أحدهما بالنكاح فالابن مملوك لهما معا لأنه نماء ملكهما، ولا مزية لأحدهما على الآخر، وإن أذن أحدهما بالنكاح فقط فالولد لمن لم يأذن، سواء كان مولى الأب أو مولى الأم ولو شرط أحد الموليين انفراده بملكية الولد أو بأكثره صح الشرط لعموم (المؤمنون عند شروطهم) ولأنه شرط لا ينافى النكاح.

وإذا كان أحد الزوجين حرا وشرط مولى الرقيق منهما أن يكون رقيقا قال بعضهم:

جاز هذا الشرط وصار الابن رقيقا، وقال بعضهم: إن هذا الشرط لا تأثير له فى حرية الابن

(5)

.

وقال ابن حزم من فقهاء الظاهرية: وجاز بيع الحامل بحملها إذا كانت حاملا من غير سيدها وهى وحملها للمشترى

(6)

. وهذا يفيد أن ولد الأمة إذا لم يكن من سيدها فإنه يكون رقيقا تبعا لها سواء كان أبوه حرا أو رقيقا ويكون مملوكا لسيدها.

‌عصمة الابن تبعا لأبيه:

مذهب الحنفية: الابن الكبير العاقل لا يكون معصوما بإسلام أبيه الحربى أو المستأمن لأنه لا يكون مسلما تبعا لإسلام أبيه.

والابن الصغير يكون معصوما بإسلام أبيه إذا اعتبر الابن وهو فى دار الحرب مسلما تبعا لإسلام أبيه فإذا كانا معا فى دار الحرب وأسلم الأب هناك فإن الابن يكون معصوما بإسلام أبيه لأنه صار مسلما تبعا له. فإذا جاء الأب بعد ذلك إلى دار الإسلام وبقى الابن فى دار الحرب ثم استولى المسلمون على الابن فإنه يكون حرا مسلما ولا يسترق. أما إذا أسلم الأب بعد دخوله فى دار الإسلام فإن ابنه الصغير الذى بقى فى دار الحرب لا يكون معصوما لأن الابن لا يعتبر مسلما تبعا لأبيه فى هذه الحالة

(1)

الزيلعى ج 3 ص 72.

والدرر ج 2 ص 6.

والدر ج 3 ص 15، 16.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 200 وج 4 ص 269.

وشرح جلال الدين المحلى على المنهاج وحاشيته ج 1 ص 69، وج 4 ص 361.

(3)

التاج المذهب ج 2 ص 85.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 628، 638.

وشرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 3 ص 76.

(5)

الروضة البهية ج 2 ص 108، 109.

(6)

المحلى ج 8 ص 393.

ص: 230

لتباين الدارين

(1)

وقال فقهاء المالكية: إن الحربى إذا أسلم فولده الذى حملت به أمه قبل إسلامه لا يكون معصوما بل يكون غنيمة سواء كان الولد صغيرا أو كبيرا وسواء أسلم الحربى وفر إلينا أو بقى فى دار الحرب، وأما ولده الذى حملت به أمه بعد إسلام أبيه فيكون حرا، أى يكون معصوما بإسلام أبيه

(2)

.

وقال فقهاء الشافعية إذا أسلم الحربى قبل أسره فإن ابنه الصغير والكبير المجنون والحمل يكون معصوما بإسلام أبيه، لأنه يكون مسلما تبعا لأبيه وكذلك إذا أسلم الحربى بعد الأسر لأنه إذا أسلم بعد الأسر فقد عصم الإسلام دمه لقوله عليه الصلاة والسلام (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم). وولده الصغير والكبير المجنون والحمل يكون مسلما تبعا لإسلام أبيه فيكون معصوما

(3)

.

ومذهب الحنابلة: كمذهب الشافعية فإذا أسلم الحربى فى دار الحرب أو بعد السبى فإن ابنه الصغير والكبير المجنون والحمل يكون معصوما بإسلام أبيه لأنه يكون مسلما تبعا له. أما ابنه الكبير العاقل فإنه لا يكون معصوما بإسلام أبيه فقد جاء فى كشاف القناع: إذا أسلم حربى فى دار الحرب أحرز دمه وماله ولو منفعة أجارة لقوله عليه الصلاة والسلام (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم). وأحرز أولاده الصغار والمجانين ولو حملا، فى السبى كانوا أو فى دار الحرب، للحكم بإسلامه تبعا له، ولا يعصم أولاده الكبار لأنهم لا يتبعونه

(4)

وقال فقهاء الزيدية: إذا أسلم الحربى فى دار الإسلام أو فى دار الحرب فإن ابنه الصغير أو المجنون حال إسلامه يكون معصوما بإسلام أبيه، فلا يجوز للمسلمين إذا استولوا على دار الحرب أن يسبوا طفله وولده المجنون لأنه قد صار مسلما بإسلام أبيه

(5)

.

ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية أن الابن الصغير والحمل الذى فى بطن الزوجة كلاهما يكون معصوما بإسلام أبيه سواء أسلم الأب الحربى فى دار الإسلام أو فى دار الحرب ثم خرج إلى دار الإسلام أو لم يخرج لأن الابن الصغير يعتبر مسلما حرا تبعا لأبيه، وكذلك الحمل الذى فى بطن الزوجة أما الابن الكبير فإنه لا يكون معصوما بإسلام أبيه. فإذا سبى كان فيئا

(6)

.

ويذهب فقهاء الإمامية: إلى أن الأناسى تملك بالسبى مع الكفر الأصلى وكونهم غير ذمة. واحترز بالأصلى عن الارتداد فلا يجوز السبى وإن كان المرتد حكمه كالكافر فى جملة من الأحكام وحيث يملكون بالسبى يسرى الرق فى أعقابهم وإن أسلموا بعد الأسر ما لم يعرض لهم سبب محرر من عتق أو كتابة أو غير ذلك

(7)

.

(1)

الزيلعى ج 3 ص 270 الدرر ج 1 ص 294، 295.

الدر ج 3 ص 348، 349.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 200.

(3)

شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 220، 221.

(4)

كشاف القناع ج 1 ص 655 شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 1 ص 724.

(5)

التاج المذهب ج 4 ص 443.

(6)

المحلى ج 7 ص 309.

(7)

الروضة البهية ج 2 ص 293.

ص: 231

‌ابن الابن

‌التعريف به وهل يدخل ضمن الأقارب:

فى اللغة: ابن الابن هو الولد الذكر للابن.

وفى الشريعة: هو كل ذكر ولد للابن على فراش صحيح، أو نتيجة لمخالطة بناء على عقد نكاح فاسد، أو بناء على شبهة معتبرة شرعا.

وابن الابن يعد من الأقارب لأن القريب عرفا من يتقرب إليه غيره بواسطة الغير، وابن الابن قريب بغيره لا بنفسه.

‌أحكام الابن فى الميراث:

قال فقهاء الحنفية: ابن الابن من العصبات النسبية، وهو عصبة بنفسه فإذا انفرد أخذ جميع التركة بطريق التعصيب، وان اجتمع مع أصحاب فروض أخذ الباقى بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، وأن تعدد أبناء الأبناء يكون المال بينهم بالسوية، وابن الابن لا يحجبه غيره حجب نقصان، ويحجب حجب حرمان بالابن وبمن هو أقرب منه درجة من أبناء الأبناء فيحجب ابن ابن الابن بابن الابن، ولا يحجب بالبنت واحدة أو أكثر، بل يعتبر عصبة فيأخذ الباقى بعد استيفائهن فرضهن، كما لا يحجب ببنت الابن إذا كانت أقرب منه درجة وابن الابن إذا كان وارثا قد يحجب غيره حجب حرمان أو حجب نقصان، فيحجب غيره من العصبات عدا الابن حجب حرمان، فلا يرث أحد منهم معه إلا الأب والجد فيرثان معه لكن بطريق الفرض، لا بطريق التعصيب، ويحجب جميع الحواشى وذوى الأرحام حجب حرمان وكذلك يحجب من هو أنزل منه درجة من أولاد الأبناء ذكورا واناثا حجب حرمان، ويحجب الزوج والزوجة والأم حجب نقصان، فيحجب الزوج من النصف إلى الربع، والزوجة من الربع إلى الثمن، والأم من الثلث إلى السدس.

وابن الابن يعصب بنت الابن إذا كان مساويا لها فى الدرجة، بأن كان أخاها أو ابن عمها أما إذا كان أقرب منها درجة فإنه يحجبها حجب حرمان، وإذا كان أنزل منها درجة فانه يعصبها اذا لم يبق لها شئ من نصيب البنات وهو الثلثان، بأن كان للمتوفى بنتان فأكثر، أما إذا كان له بنت واحدة فإن بنت الابن ترث معها السدس فلا يعصبها ابن ابن هو أنزل منها درجة، وما تقدم هو أيضا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإباضية غير أن الإباضية يرون أن ابن الابن يعصب من فوقه من بنات الابن، وإن لم يكن للمتوفى بنت، فقد جاء فى شرح النيل

(1)

: ويعصبهن الذكر من جنسهن ولو كان ابن عم لهن فى درجتهن أو أسفلهن، مثاله فى درجتهن أن يترك بنت ابن وابن ابن آخر أو بنت ابن ابن وابن ابن ابن آخر ومثاله أسفل، بنت ابن وابن ابن ابن.

ومذهب ابن حزم من فقهاء الظاهرية كمذهب الحنفية إلا فيما يأتى:

أولا: أنه لا يعصب من فوقه، ثانيا: أنه لا يعصب من فى درجته إن كان للميت بنتان، ويعصب من فى درجته بشرط ألا يزيد نصيبهن عن السدس إن كان للميت بنت، فإذا ترك الميت بنتين وبنت ابن وابن ابن ابن فللبنتين الثلثان والباقى لابن ابن الابن ولا

(1)

شرح النيل ج 8 ص 301.

ص: 232

شئ لبنت الابن، وإن ترك الميت بنتين وأبناء ابن ذكورا وإناثا كان للبنتين الثلثان والباقى للذكور من أبناء الابن ولا شئ لبنات الابن، وإذا ترك الميت بنتا وأبناء ابن ذكورا وإناثا كان للبنت النصف والباقى لأولاد الابن الذكور والإناث، للذكر مثل حظ الأنثيين بشرط ألا يزيد نصيب الإناث على السدس، فإن زاد نصيبهن على السدس أعطى لهن السدس فقط، والباقى للذكور.

وقال فقهاء الإمامية: ابن الابن يقوم مقام أبيه، وهو الابن فى أحكام الميراث عند عدم الابن، فيحجب الزوج من النصف إلى الربع، ويحجب الزوجة من الربع إلى الثمن، ويحجب الأم من الثلث إلى السدس، وإذا انفرد أبناء الابن وكانوا ذكورا فقط فالباقى بينهم بالسوية وان كانوا ذكورا واناثا فللذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان للمتوفى أبناء ابن وأبناء بنت أخذ كل فريق نصيب أصله

(1)

.

‌ابن الابن والنفقة:

ابن الابن الموسر والمعسر القادر على الكسب حكمه كالابن عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، فتكون نفقته فى ماله أو فى كسبه (انظر ابن).

والفقير العاجز عن الكسب تكون نفقته على جده عند الحنفية والشافعية.

وقال فقهاء المالكية: لا تجب نفقته على جده.

وقال فقهاء الحنابلة: تكون على من يرثه على قدر إرثهم.

وقال فقهاء الزيدية ابن الابن الموسر نفقته فى ماله، والمعسر ولو أمكنه التكسب نفقته على عصبته على حسب الإرث

(2)

.

‌أحكام ابن الابن بالنسبة للحضانة:

قال فقهاء الحنفية ابن الابن فى حال صغره كالابن يحتاج إلى رعاية خاصة من ناحية إرضاعه ومأكله ومشربه ونظافته وملبسه، والنساء على ذلك أقدر ولذلك تكون حضانته لأم الأم ما لم يقم بها مانع، وهذا هو رأى المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية

(3)

.

‌دفع الزكاة إلى ابن الابن:

لا يجوز دفع الزكاة إلى ابن الابن، وهذا هو مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية.

وقال فقهاء المالكية: يجوز دفع الزكاة اليه

(4)

.

(1)

راجع للأحناف السراجية طبعة 1326 ص 13، 21، 22، 23، 27، 28.

وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 459، 460، 461، 465، 466 طبعة سنة 1355.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 3 ص 139، 140، 141، 142 طبعة سنة 1768.

وللحنابلة كشاف القناع ج 2 ص 542 وما بعدها.

وللزيدية البحر الزخار ج 5 ص 339 وما بعدها.

وللإباضية شرح النيل ج 8 ص 283 وما بعدها طبعة سنة 1343.

وللظاهرية المحلى لابن حزم ج 9 ص 253، 271 وللإمامية الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 كتاب الميراث. والمختصر النافع ص 269.

(2)

راجع للمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 522، 523.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 84.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 3 ص 356، 357.

وللزيدية شرح الازهار وحواشيه ج 2 ص 546 وما بعدها.

(3)

راجع للأحناف الدر وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 877.

وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 527.

(4)

راجع للأحناف الزيلعى ج 1 ص 168 وللشافعية النهاية ج 1 ص 168 وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 497 وللزيدية شرح الأزهار ج 1 ص 255 وللمالكية منح الجليل ج 1 ص 384.

ص: 233

‌حكم صدقة الفطر بالنسبة لابن الابن:

قال فقهاء الحنفية: إن كان ابن الابن بالغا عاقلا فلا تجب صدقة فطره على جده، وإن كان عديم الأهلية لصغر أو جنون أو عته، فإن كان فقيرا فصدقة فطره على جده إن كانت نفقته واجبة عليه، وإن كان موسرا قال أبو حنيفة وأبو يوسف: تجب صدقة فطره فى ماله، وقال محمد: لا تجب صدقة الفطر بالنسبة اليه.

وقال فقهاء المالكية: لا تجب صدقة فطر ابن الابن على الجد، لأنه لا نفقة له عليه.

وقال فقهاء الشافعية والحنابلة والزيدية إن كان ابن الابن موسرا وجبت صدقة الفطر فى ماله، وإن كانت نفقته على جده وجبت صدقة فطره على جده

(1)

.

‌حكم الزكاة بالنسبة لمال ابن الابن:

حكم الزكاة بالنسبة لمال ابن الابن كحكم الزكاة بالنسبة لمال الابن (راجع ابن).

‌حكم الأضحية عن ابن الابن:

فى مذهب الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية ابن الابن كالابن بالنسبة للأضحية (راجع ابن).

وقال فقهاء المالكية إن كان ابن الابن موسرا، فهو كالابن أى تكون الأضحية سنة فى ماله، وإن كان فقيرا فلا يضحى عنه جده لأنه لا يلزم بنفقته

(2)

.

‌عتق ابن الابن أو الجد بملك أحدهما الآخر:

قال فقهاء الحنفية: إذا ملك ابن الابن أحد أجداده نسبا بأى سبب من الأسباب عتق عليه، وكذلك إذا ملك أحد الأجداد ابن ابنه عتق عليه وهذا أيضا هو مذهب المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية وابن حزم من فقهاء الظاهرية

(3)

.

‌صلاة الجنازة على ابن الابن المسبى:

إذا سبى ابن الابن الصغير أو البالغ المجنون وحده أو مع جده ثم مات فحكمه بالنسبة للصلاة عليه كحكم الابن الصغير إذا سبى وحده ثم مات (انظر ابن).

‌قتل ابن الابن جده الحربى أو الباغى:

قال فقهاء الحنفية: حكم قتل ابن الابن أحد أجداده إذا كان حربيا أو من أهل البغى والخوارج كحكم قتل الابن أباه الحربى أو الباغى (انظر ابن).

وقال فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة والزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية حكم قتل ابن الابن جده الحربى كحكم قتل الابن أباه الحربى (انظر ابن).

وقال فقهاء المالكية لابن الابن أن يقتل جده إذا كان من أهل البغى، ولا كراهية فى ذلك كما أن الجد له أن يقتل ابن ابنه إذا كان من أهل البغى

(4)

.

‌القود فى قتل ابن الابن لجده:

ابن الابن إذا قتل أحد أجداده قتلا يوجب القصاص وجب القصاص من ابن الابن، لأن الابن إذا قتل أحد أبويه وجب القصاص من الابن، فأولى إذا قتل ابن الابن جده وهذا الحكم محل إجماع المذاهب الاسلامية (راجع ابن).

(1)

راجع للأحناف الدر وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 99 وما بعدها.

وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 1 ص 504 وما بعدها.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 2 ص 32 وما بعدها.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 1 ص 514

وللزيدية شرح الازهار وحواشيه ج 1 ص 548 وما بعدها.

(2)

راجع الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 118.

(3)

راجع لمراجع السابق بيانها فى مصطلح (ابن).

(4)

راجع الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 300.

ص: 234

‌إرث ابن الابن ولاية القصاص على جده:

قال فقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية: ابن الابن إذا ورث قصاصا على أحد أجداده يسقط القصاص

(1)

.

وقال فقهاء المالكية وابن حزم من فقهاء الظاهرية إذا ورث ابن الابن قصاصا على أحد أجداده لا يسقط القصاص لأن الابن إذا ورث القصاص على أبيه لا يسقط القصاص، فأولى اذا ورثه ابن الابن على جده (راجع ابن).

‌حد ابن الابن بالسرقة من أحد أجداده:

يرى فقهاء الحنفية والشافعية: أنه لا يحد ابن الابن بسرقته من أحد أجداده (راجع ابن).

وهذا أيضا هو مذهب الحنابلة

(2)

.

ويرى فقهاء المالكية والزيدية والإمامية وابن حزم من فقهاء الظاهرية انه يحد لأن الابن إذا سرق من مال أبيه فإنه يحد، فأولى إذا سرق ابن الابن من مال جده.

(راجع ابن)

‌تبعية ابن الابن لاحد اجداده فى الدين:

لم يقل أحد من الفقهاء أن ابن الابن يتبع أحد أجداده فى الدين إلا ما ورد فى مذهب الشافعية من أن ابن المرتد يكون مسلما إذا كان أحد أصوله مسلما (راجع ابن).

‌شهادة ابن الابن وقضاؤه:

ابن الابن كالابن فلا تجوز شهادته وقضاؤه لجده عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وكذلك لا تجوز شهادته لجده عند الإباضية، أما قضاؤه له فإن كانت الخصومة بين الجد وأجنبى فأولى أن يدفعها إلى غيره، وإن حكم بينهما بالحق فحسن، وإن كانت الخصومة بين الجد وقريبه جاز الحكم بينهما.

وقال فقهاء الزيدية وابن حزم من فقهاء الظاهرية أن شهادة ابن الابن لأحد أجداده جائزة.

‌ابن الابن والوصية

(3)

:

ابن الابن إن كان وارثا فحكمه كالابن عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم من فقهاء الظاهرية وتجوز عند الزيدية (راجع ابن).

وإن كان غير وارث فهى جائزة عند الزيدية من باب أولى وتجوز أيضا عند الحنفية والمالكية والشافعية وقال فقهاء الحنابلة: تسن الوصية له إن كان فقيرا ويرى ابن حزم من فقهاء الظاهرية: أنها فرض لقوله تعالى {(كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ. فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}

(4)

.

(1)

راجع للأحناف الزيلعى ج 6 ص 105، 106.

وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 4 ص 107.

وفى مذهب الحنابلة كشاف القناع ج 3 ص 352.

وللزيدية التاج المذهب ج 4 ص 265

(2)

راجع كشاف القناع ج 4 ص 84.

(3)

راجع للأحناف الدرر ج 2 ص 427.

وللمالكية الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 427 وللشافعية شرح جلال الدين المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 3 ص 157.

وللحنابلة شرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع ج 2 ص 548، 549.

وللزيدية شرح الأزهار ج 4 ص 198.

وللظاهرية المحلى ج 9 ص 314.

(4)

سورة البقرة آية 180، 181.

ص: 235

‌ابن الأخ

ابن الأخ عند الإطلاق ينصرف إلى ابن الأخ النسبى، وإن كان قد يطلق بالتقييد على ابن الأخ من الرضاع، بأن يقال ابن الأخ رضاعا، وهذا ليست له أحكام فقهية واضحة إلا فى مسألة تحريم الزواج بسبب الرضاع، فتحرم عليه عمته رضاعا على ما هو مبين فى موضعه (انظر مصطلح رضاع).

أما ابن الأخ النسبى فقد يكون ابن أخ شقيق، وقد يكون ابن أخ لأب، وقد يكون ابن أخ لأم. وسنتناول أحكامه بأقسامه فى الميراث، والولاية، والنفقة، والرجوع فى الهبة، ودفع الزكاة له.

‌أولا - فى الميراث:

أما ابن الأخ لأم فإنه من ذوى الأرحام، ولا ميراث لذوى الأرحام مطلقا مع وجود أصحاب الفروض النسبية أو العصبات، واذا انعدم هؤلاء فقد اختلف الفقهاء فى توريثهم على ما هو مبين فى ميراث ذوى الأرحام.

وميراث ابن الأخ لأم عند القائلين بتوريث ذوى الأرحام إنما يكون بعد انعدام من هم أولى منه جهة، وأقرب درجة وأشد قوة، فلا يرث مع وجود أحد من أصحاب الفروض النسبية، ولا العصبات، ولا فروع الميت أو أصوله من ذوى الأرحام، ولا الفروع الذين ينتمون إلى أبوى الميت من ذوى الأرحام ممن هم أقوى منه قرابة، كأولاد الأخوات لأبوين، أو بنات الأخوة كذلك، وهو يحجب فى الميراث من هو أضعف منه قرابة من ذوى الأرحام، وهم الفروع الذين ينتمون إلى أبوى الميت، إلى أجداد الميت وجداتهم، كالأعمام لأم.

وابن الأخ لأم يرث مع صاحب فرض سببى، وهو الزوج أو الزوجة عند انعدام من هو أحق منه بالإرث. (انظر مصطلح:

ذوى أرحام).

وأما أبن الأخ شقيقا كان أو لأب، فهو عاصب بنفسه، فيرث الباقى بعد أصحاب الفروض عند انعدام من هو أقرب منه فى التعصيب، إذ يقدم عليه العصبة من فروع الميت أو من أصوله أو من حواشيه القريبة كالأخ شقيقا أو لأب.

على أن ابن الأخ الشقيق يقدم فى التعصيب على ابن الأخ لأب، لأنهما وإن استويا فى الجهة والدرجة، فإن ابن الأخ الشقيق أقوى فى القرابة على ما هو مبين فى الإرث بالتعصيب. انظر فى مصطلح (ارث) العصبة.

‌ثانيا - فى الولاية:

وتتناول ولايته فى النكاح، ثم فى الحضانة، ثم فى القصاص.

‌أ) ولاية ابن الأخ فى النكاح:

المذهب الحنفى: لا يكون ابن الأخ شقيقا أو لأب وليا فى النكاح مع وجود أحد من العصبة - الفروع أو الأصول أو الحواشى القريبين - ويقدم عند انعدام هؤلاء ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، (1) يرجع فى هذا إلى باب الميراث فى سائر كتب الفقه.

ص: 236

لقوة قرابته، وكلاهما يقدم على الأعمام وأبنائهم

(1)

.

وإذا كان ابن الأخ هو ولى النكاح وزوج من فى ولايته بغير كفء أو بغبن فاحش فى المهر، فالزواج غير صحيح، وإذا كان بكفء وبمهر المثل، فالزواج صحيح نافذ، لازم عند أبى يوسف، لتحقق المصلحة، وغير لازم عند الطرفين، فيثبت لها خيار البلوغ عند أبى حنيفة ومحمد، ولا يثبت عند أبى يوسف

(2)

.

وأما ابن الأخ لأم فليس له ولاية فى النكاح عند محمد، إذ ليس لغير العصبات ولاية عنده، وتثبت له الولاية عندهما، يبينها صاحب الدر المختار. بقوله: الأم

(3)

وأم الأب والبنت وبنت الابن وبنت البنت وبنت ابن الابن وبنت بنت البنت وبقية الفروع وإن سفلوا، والجد الفاسد والأخت الشقيقة والأخت لأب والأخ لأم ذكرا كان أو أنثى وابن الأخ لأم بعد هؤلاء تثبت ولايته عند الشيخين ويقدم على العمات والأخوال والخالات

الخ.

المذهب المالكى: جاء فى كتب المالكية

(4)

أن ولاية ابن الأخ شقيقا أو لأب لا تكون إلا بعد فقد الأبناء وإن سفلوا، والآباء والأخوة الأشقاء والأخوة لأب، على أن يقدم أبناء الأخوة الأشقاء على أبناء الأخوة لأب، ثم الجد ثم العمومة ثم المولى ثم السلطان فهم يقدمون ابن الأخ الشقيق أو لأب على الجد.

مذهب الشافعية

(5)

: لا ولاية لابن الأخ مطلقا فى النكاح، إلا بعد الأب والجد والأخ الشقيق والأخ لأب، ويقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، ويليهما العم وابنه، فإذا عدمت العصبات، فالمعتق ثم عصباته ثم الحاكم، ولم يذكر كل من المالكية والشافعية ذوى الأرحام، ومنهم ابن الأخ لأم فى ولاية النكاح.

المذهب الحنبلى

(6)

: لا ولاية لابن الأخ مطلقا فى النكاح مع وجود الأب والجد والابن وابنه والأخ الشقيق والأخ لأب، وهو مقدم على الأعمام وأبنائهم، وقالوا: ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب كالأخ لأم وابنه، ونقل أنه قول الشافعى وأحد روايتين عن أبى حنيفة.

المذهب الظاهرى كما يصوره ابن حزم:

أجمل ابن حزم فقال

(7)

: إن الولى فى النكاح، الأب أو الأخوة أو الجد أو الأعمام أو بنو الأعمام وان بعدوا، والأقرب فالأقرب أولى، وليس ولد المرأة وليا الخ ..

ثم قال: فإن أبى أولياؤها من الاذن لها زوجها السلطان.

الشيعة الجعفرية

(8)

: ينصون على أنه لا ولاية فى النكاح لغير الأب والجد له وإن علا، والمولى والحاكم والوصى، فلا ولاية لابن الأخ من أى نوع كان عندهم.

الزيدية

(9)

: والزيدية كالأحناف فى ترتيب ولاية النكاح عندهم بين العصبات فيقدم

(1)

حاشية ابن عابدين ج 2 ص 337.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 330، 332.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 338.

(4)

حاشية الدسوقى على الدردير ج 2 ص 225.

وبداية المجتهد لابن رشد ج 2 ص 11.

(5)

شرح الخطيب على ابى شجاع ج 3 ص 241.

(6)

المغنى لابن قدامة ج 6 ص 456، 460 طبعة المنار سنة 1367.

(7)

المحلى ج 9 ص 551.

(8)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 71

(9)

البحر الزخار ج 3 ص 46.

ص: 237

فيها جهة البنوة، ثم الأبوة ثم الأخوة ثم العمومة، ويقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، وكلاهما يقدم على الأعمام وبنيهم، ولا يذكر الزيدية أيضا كالمالكية والشافعية ذوى الأرحام ومنهم ابن الأخ لأم فى ولاية النكاح.

الإباضية

(1)

: أولى الأولياء بالنكاح الأب فالجد فالأخ فابن الأخ.

ويلاحظ أن من ذهب من الفقهاء إلى إثبات الولاية لابن الأخ فى النكاح يرى أنها ليست ولاية إجبار، ما عدا الأحناف، إذ يجعلون للولى حق تزويج الصغيرة والصغير دون انتظار لبلوغهما - انظر مصطلح ولاية، نكاح.

‌ب) ولاية ابن الأخ فى الحضانة:

المذهب الحنفى: الحضانة لا تكون لابن الأخ إلا بعد انعدام النساء اللاتى لهن حق الحضانة والآباء، والأخ لأبوين أو لأب، على أن يقدم ابن الأخ الشقيق على ابن الأخ لأب، جاء فى التنوير وشرحه وحاشية ابن عابدين:«تثبت الحضانة للأم، ثم أم الأم، ثم أم الأب وإن علت، ثم الأخت الشقيقة، ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب، ثم بنت الأخت كذلك، ثم الخالات كذلك، ثم العمات كذلك» وقال صاحب الدر: ثم خالة الأم كذلك، ثم خالة الأب كذلك، ثم عمات الأمهات والآباء بهذا الترتيب، ثم العصبات بترتيب الإرث، فيقدم الأب ثم الجد، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم بنوه كذلك.

وقال ابن عابدين: أى بنو الأخ الشقيق ثم بنو الأخ لأب وكذلك كل من سفل من أولادهم، ثم العم

(2)

إلخ.

فابن الأخ لأم على هذا لا يستحق فى الحضانة، لأنه ليس من نساء ذوى الأرحام ولا من العصبات غير أن العينى فى شرحه على الكنز

(3)

يقول: «إذا لم يكن للصغير عصبة يدفع إلى ذوى الأرحام عند أبى حنيفة كالأخ من الأم، وعم من الأم، وخال ونحوهم، لأن لهم ولاية النكاح، فكذا الحضانة» وهذه العبارة تشمل ابن الأخ لأم.

‌المذهب الشافعى:

للشافعية نظام فى ترتيب الحضانة فيما إذا اجتمع النساء فقط، أو الذكور فقط، أو اختلط الصنفان، ومرتبة ابن الأخ لأبوين أو لأب إذا اجتمع الذكور فقط، تكون بعد الأب، والجد، والأخ بأقسامه الثلاثة، ويلى هؤلاء العم لأبوين أو لأب، فإذا اجتمع النساء والرجال فإن منزلة ابن الأخ تكون بعد انعدام الأصناف الأربعة: الأم وأمهاتها والأب وأمهاته ثم انعدام الأقرب من الحواشى، ذكورا كانوا أو إناثا.

‌المذهب الحنبلى

(4)

:

يقول الحنابلة أن ترتيب ابن الأخ الشقيق فابن الأخ لأب بين الرجال من العصبات فى استحقاق الحضانة يكون بعد الأب والجد والأخ الشقيق والأخ لأب، أما الأخ لأم فهو من الرجال ذوى الأرحام الذين لا حق لهم

(1)

شرح النيل ج 1 ص 266.

(2)

التنوير وشرحه وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 687 فما بعدها.

(3)

ج 1 ص 228 مطبعة وادى النيل بمصر سنة 1299

(4)

المغنى لابن قدامة ج 7 ص 622 فما بعدها.

ص: 238

فى الحضانة عند وجود أحد من أهل الحضانة سواهم، فإن لم يكن هناك غيرهم احتمل وجهين، أحدهما: تثبت لهم الحضانة، والثانى لا حق لهم فيها وينتقل الأمر إلى الحاكم.

وإذا اجتمع الرجال والنساء وانعدمت الأمهات والآباء والأخوات والأخوة تكون الحضانة لأبنائهم، ولا حضانة لابن الأخ لأم

(1)

.

‌المذهب المالكى

(2)

:

الحضانة لابن الأخ تكون عند انعدام الأمهات والخالات وجدة الأب والأب والأخت والعمة وخالة الأب والوصى والأخ والجد، ويقدم ابن الأخ الشقيق ثم لأم ثم لأب، يقول خليل والدردير

(3)

: «يقدم الشقيق ذكرا أو أنثى، ثم الذى للأم، ثم الذى للأب فى جميع المراتب التى يمكن فيها ذلك» ونصوا على أنه يقدم فى المتساويين بالصيانة والشفقة.

‌المذهب الظاهرى:

نص ابن حزم

(4)

على أن الحضانة تكون للأم والجدة، ثم الأب والجد، ثم الأخ والأخت، ثم الأقرب فالأقرب، هذا إذا استووا فى صلاح الحال.

‌الشيعة الجعفرية:

ينصون

(5)

على أن الحضانة بعد الأم والأب والجد تكون للأقارب، الأقرب منهم فالأقرب وقيل لا حضانة لغير الأبوين اقتصارا على موضع النص.

‌الزيدية يقولون

(6)

:

متى بطلت حضانة النساء فالأقرب فالأقرب من العصبة المحارم كذلك، ولا حق لمن عدا الأب من الرجال مع وجود أحد من النساء ولو فى درجتهن قربا.

(انظر ترتيب الحضانة فى مصطلح حضانة).

‌ج) ولاية ابن الأخ فى استيفاء القصاص:

‌المذهب الحنفى:

يقول ابن عابدين

(7)

: إن القود من قبيل الولاية على النفس، فيليه الأب كالإنكاح. والأخ يملك الإنكاح

ولا يملك القود

وقد جعل التشفى للأب كالحاصل للابن بخلاف الأخ، ثم نقل عن الاتقانى: أن الأخ يملك القود أيضا إذا لم يكن ثمة أقرب منه.

فعلى القول بأن الأخ لا ولاية له هنا فلا ولاية لابنه بالأولى، وعلى القول بإثبات الولاية له هنا عند انعدام من هو أقرب من العصبات، فيحتمل أن يحل ابن الأخ الشقيق أو لأب محل الأخ الشقيق أو لأب.

وأما أبن الأخ لأم فإنه من ذوى الأرحام، ولا ولاية لهم فى القصاص.

‌المذهب المالكى:

يقول المالكية

(8)

إن الاستيفاء فى النفس للعاصب الذكر

ويقدم الابن فابنه كالولاء يقدم الأقرب فالأقرب من العصبة فى إرثه إلا الجد والأخوة، فسيان هنا فى القتل والعفو، قال الدردير:«وأشعر الاستثناء بسقوط بنيهم مع الجد لأنه بمنزلة أبيهم»

(1)

المغنى لابن قدامة ج 7 ص 604.

(2)

الدردير على خليل وحاشية الدسوقى ج 3 ص 526.

(3)

المرجع السابق ص 528.

(4)

المحلى ج 10 ص 392.

(5)

الروضة البهية ج 2 ص 140.

(6)

البحر الزخار ج 3 ص 288.

(7)

ج 5 ص 376.

(8)

الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 256.

ص: 239

‌المذهب الشافعى:

نص الشافعية

(1)

: على أن الصحيح ثبوته لكل وارث بفرض أو تعصيب بحسب إرثهم للمال، سواء أورث بنسب وإن بعد كذوى رحم إن ورثناه، أم بسبب كالزوجين، فابن الأخ الوارث يستحق استيفاء القصاص بحسب حاله فى الميراث.

‌مذهب الحنابلة:

ينص الحنابلة على أن القصاص لورثة المقتول

(2)

، ولم نر لهم بيان ترتيب معين، ويظهر من إضافة الحكم إلى الوراثة أن الترتيب يكون حسب ترتيب الوراثة.

ولم نقف للظاهرية على تحديد فى ذلك.

‌الشيعة الجعفرية:

يرى الجعفرية

(3)

: أن القصاص يرثه وارث المال مطلقا، إلا الزوجين وقيل ترثه العصبة لا غير، وهم الأب ومن تقرب منه دون الأخوة والأخوات لأم ومن يتقرب بها من الخئولة وأولادهم، والأول أقوى، وواضح أن القول الأول يشمل ابن الأخ الشقيق أو لأب دون ابن الأخ لأم.

‌الزيدية:

يرى الزيدية

(4)

أن ولاية القصاص يستحقها الوارث بنسب أو سبب وينقلون ذلك عن الأحناف والشافعية كما ينقلون عن المالكية أنه يختص بالعصبة كولاية النكاح .. انظر مصطلح قود.

‌ثالثا - النفقة على ابن الأخ وله:

‌المذهب الحنفى

(5)

:

تجب النفقة لكل رحم محرم عاجز عن الكسب بقدر الإرث، ويتحقق فى ابن الأخ أنه رحم محرم، فتجب له النفقة من عمه أو عمته، كما تجب عليه النفقة لعمه أو عمته بقدر الإرث.

وقد نص الحنابلة

(6)

: على أنه لا نفقة لابن الأخ على عمته، ولا نفقة لها عليه وفى رواية عن أحمد

(7)

بوجوب النفقة على ابن الأخ لعمته، وقال القاضى: أن الرواية السابقة محمولة على العمة من الأم.

كما نصوا

(8)

على أن النفقة تجب على كل وارث لمورثه بشروط، فيدخل فيهم بتلك الشروط ابن الأخ.

كما نصوا

(9)

: على أن ترتيب النفقات الواجبة على ترتيب الإرث.

وينص ابن حزم الظاهرى

(10)

: أنه ان فضل شئ عن نفقة الشخص على نفسه وأصوله وفروعه والأخوة والأخوات والزوجات أجبر على النفقة على ذوى رحمه المحرمة وموروثيه إن كان لا مال لهم ولا عمل، وهم الأعمام والعمات وإن علوا، وبنو الأخوة وإن سفلوا.

وينص الزيدية

(11)

على قاعدة عامة تقول:

على كل موسر نفقة معسر على ملته إذا كان يرثه بالنسب ونقلوا عن بعض المذاهب موافقتهم على ذلك.

وينص الشيعة الجعفرية

(12)

على أن النفقة بعد الزوجة والأبوين والأولاد لا تجب على

(1)

نهاية المحتاج ج 7 ص 283.

(2)

المغنى ج 7 ص 742.

(3)

الروضة البهية ج 2 ص 415.

(4)

البحر الزخار ج 5 ص 235.

(5)

الدر وابن عابدين عليه ج 2 ص 729، 740

(6)

المغنى ج 7 ص 586.

(7)

المرجع السابق ص 590.

(8)

المرجع السابق ص 589.

(9)

المرجع السابق ص 592.

(10)

المحلى ج 10 ص 124.

(11)

البحر الزخار ج 3 ص 280.

(12)

المختصر النافع ص 915.

ص: 240

غيرهم، بل تستحب وتتأكد فى الوارث.

فنفقة ابن الأخ له وعليه مستحبة مؤكدة فى حال الإرث عندهم.

أما المالكية والشافعية فلم نقف فيما رجعنا

(1)

إليه عندهم فى النفقة على غير الأصول والفروع من الأقارب (انظر مصطلح نفقة الأقارب).

‌رابعا - رجوح ابن الأخ فى الهبة:

الأحناف يقولون

(2)

: إن من موانع الرجوع فى الهبة القرابة، على معنى أنه لو وهب لذى رحم محرم منه لا يرجع فى الهبة. وابن الأخ داخل فى ذلك كالعم والعمة.

ويرى المالكية

(3)

: كما فى متن خليل والدردير وحاشية الدسوقى: أن الهبة من ابن الأخ أو له لا رجوع فيها إذ لا يرون الاعتصار، أى الرجوع فى الهبة إلا لكل من الأب والأم فى بعض الأحوال للأبناء، وفى رواية عن مالك

(4)

قصر ذلك على الأب فقط.

والشافعية

(5)

كالمالكية فى عدم جواز الرجوع فى الهبة لابن الأخ أو منه، وكذا الظاهرية

(6)

ولم يجز الحنابلة

(7)

الرجوع فى الهبة إلا للأب وحده، وكذا الإباضية

(8)

والزيدية

(9)

، والجعفرية

(10)

يقولون: إن الرحم مانع وإن لم يكن محرما، ففى الهبة لابن الأخ أو منه لا يصح الرجوع. (انظر مصطلح هبة - رجوع - اعتصار).

‌خامسا - دفع الزكاة لابن الأخ:

الأحناف: الزكاة تجوز لمن عدا الأصول والفروع كالإخوة والأعمام الفقراء، بل هم أولى، لأنها صلة وصدقة، حتى لو كانت نفقته واجبة عليه مادام لا يحبسها من النفقة

(11)

ولا يمنع المالكية إعطاءها للأقارب، ومنهم ابن الأخ والعم إلا إذا كانت نفقته تلزم المزكى

(12)

.

وينص الشافعية

(13)

: على أن من الأصناف الذين لا تدفع لهم الزكاة من تلزم المزكى نفقته بزوجية أو بعضية فلا يدفعها إليهم باسم الفقراء، ولا من سهم المساكين، وله دفعها إليهم من سهم باقى الأصناف إذا كان منهم، وابن الأخ لا تلزم النفقة إليه، لا بزوجية ولا ببعضية.

ويقول الحنابلة

(14)

: إن من عدا الأصول والفروع فمن لا يورث منهم يجوز دفع الزكاة إليه، وفى رواية عن بعض أئمة المذهب أن يعطى كل القرابة إلا الأبوين والولد، وفى رواية لا يجوز دفعها إلى من تلزمه مؤنته، فعلى هذا إن كان أحدهما يرث الآخر كالعمة مع ابن أخيها، فعلى

(1)

حاشية الدسوقى والخطيب على أبى شجاع.

(2)

الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 596 والعينى على الكنز ج 2 ص 188.

(3)

حاشية الدسوقى والدردير على خليل ج 4 ص 110.

(4)

بداية المجتهد ج 2 ص 279.

(5)

حاشية البجرمى على الاقناع ج 2 ص 224.

(6)

المحلى ج 9 ص 155.

(7)

المغنى ج 5 ص 609، 610.

(8)

النيل وشرحه ج 6 ص 8.

(9)

البحر الزخار ج 4 ص 139.

(10)

الروضة البهية ج 1 ص 268.

(11)

أبن عابدين ج 2 ص 69.

(12)

حاشية الدسوقى ج 1 ص 498.

(13)

البجرمى على الاقناع ج 2 ص 317.

(14)

المغنى ج 2 ص 647، 648.

ص: 241

الوارث منهما نفقة مورثه، وليس له دفع زكاته إليه.

ويقول الشيعة الجعفرية: تعطى الزكاة لجميع الأقارب إلا من تلزمه نفقته، جاء فى المختصر النافع

(1)

: إن من شروط الزكاة ألا يكون المعطى ممن تجب نفقته كالأبوين وإن علوا، والأولاد وإن نزلوا، والزوجة والمملوك ويعطى باقى الأقارب.

ويقول ابن حزم الظاهرى

(2)

: من كان أبوه أو أمه أو ابنه أو أخوته أو امرأته من الغارمين، أى مدينين أو غزوا فى سبيل الله، جاز له أن يعطيهم من صدقته الفرض، لأنه ليس عليه أداء ديونهم، ولا عونهم فى الغزو كما تلزمه نفقتهم إن كانوا فقراء، ومقتضاه أن من تلزمه نفقتهم لا تدفع الزكاة لهم، وقد تقدم رأيه فى النفقة لابن الأخ.

ونص الزيدية

(3)

: على أن الزكاة لا تجزئ فى أصوله أو فروعه ولا فيمن يلزمه إنفاقه حال الإخراج إذ ينتفع بها بإسقاط النفقة.

ونص الإباضية

(4)

: على أن الرجل لا يعطى زكاته لكل من تلزمه نفقته.

(انظر مصطلح زكاة).

‌ابن الأخت

ابن الأخت قد يكون ابن أخت شقيقة أو لأب أو لأم، أما الابن رضاعا من الأخت النسبية أو الابن النسبى من الأخت الرضاعية فيرجع فيه إلى رضاع.

وابن الأخت رحم محرم لخالته فيحرم عليه نكاحها.

‌ميراث ابن الأخت:

يشمل الكلام فى ميراث ابن الأخت نقطتين:

الأولى: ميراثه باعتباره من ذوى الأرحام والثانية: كيفية توريثه عند من يقول بتوريثه.

وقد اختلف الفقهاء فى النقطة الأولى:

فمذهب الحنفية والحنابلة والإمامية والزيدية والإباضية أنه من الوارثين باعتباره من ذوى الأرحام، لأن ذوى الأرحام يرثون عندهم.

أما المالكية فلهم فى ذلك آراء: فرأى متقدميهم أن ذوى الأرحام لا ميراث لهم، ويعطى المال الباقى بعد أصحاب الفروض والعصبات أو المال كله عند عدم وجود أحد منهم لبيت المال، ولو كان غير منتظم، واتفق شيوخ المالكية المعتد بهم بعد المائتين على توريث ذوى الأرحام، إذا كان بيت المال غير منتظم، وقيل أن بيت المال إذا كان غير منتظم يتصدق بالمال عن المسلمين، لا عن الميت، والقياس صرفه فى مصارف بيت المال إن أمكن، وذو الرحم أولى إن كان من مصارف بيت المال.

وعند الشافعية رأيان: الأول وهو المذهب عدم توريث ذوى الأرحام ويصرف فى مصالح المسلمين.

(1)

ص 79.

(2)

المحلى ج 5 ص 447.

(3)

البحر الزخار ج 2 ص 177.

(4)

شرح النيل ج 1 ص 145.

ص: 242

والثانى: أنهم يرثون بعد أصحاب الفروض والعصبات.

وابن حزم الظاهرى يرى عدم توريث ذوى الأرحام ومن بينهم ابن الأخت.

أما فى النقطة الثانية: فالحنفية يقسمون ذوى الأرحام إلى أصناف أربعة: فروع الميت وأصوله، وفروع أبويه وفروع أجداده، فيكون ابن الأخت عندهم من الصنف الثالث، وإنما يرث عند عدم وجود أحد من الصنفين الأولين، فإذا انفرد أخذ كل التركة، فإذا اشترك معه غيره من الصنف الثالث قدم الأقرب درجة، ثم الأقوى قرابة، وعند الاستواء يكون للذكر مثل حظ الأنثيين.

وعند الحنابلة والزيدية والإمامية والإباضية ومن يورثه من المالكية والشافعية:

ينزل منزلة أصله الذى يدلى به إلى الميت، وهو الأصح عند المالكية ممن يورثون، فيعطى ابن الأخت على هذا نصيب أمه

(1)

.

‌الهبة لابن الأخت:

إذا وهب الرجل لابن أخته فتمت الهبة بالقبض امتنع عليه الرجوع فى جميع المذاهب اتفاقا، أما قبل القبض فإن الهبة لم تتم، وعلى ذلك يكون الرجوع فى هذه الحالة رجوعا عن الإيجاب، وهو جائز سواء أكان ذلك قبل القبول أم بعده، خلافا لمالك، فإنه يمتنع عليه الرجوع بعد ايجابه على المشهور ولو بعد القبول

(2)

.

‌ابن الاخت فى النفقة:

مذهب الحنفية والظاهرية والإباضية والزيدية تجب النفقة لذى الرحم المحرم، ومنهم ابن الأخت بشروط وجوبها (انظر نفقة)، أما الحنابلة فعندهم روايتان: الأولى تقضى بعدم وجوبها إن كانوا من غير ذوى الرحم، نص عليها أحمد، والثانية وهى رواية أبى الخطاب تقضى بأن النفقة تلزمهم عند عدم العصبات، وذوى الفروض، لأنهم وارثون فى تلك الحالة

(3)

.

‌ابن الأخت فى أحكام الجنازة:

الحنفية: إذا ماتت المرأة ولا امرأة معها تغسلها، ولكن معها ذو رحم محرم منها كابن أختها فإنه ييممها باليد لا بالخرقة، ولا فرق بين العجوز والشابة.

المالكية والشافعية والزيدية: يغسل الميتة ذو الرحم المحرم منها، يدلك ما ينظره ويصب على العورة مستترة.

الإباضية: ورد فى مذهبهم أقوال:

منشؤها هل يجوز للرجل مس ما يباح النظر اليه من المرأة أم لا؟

(1)

راجع للحنفية الميدانى على مختصر القدورى ج 3 ص 327. وللمالكية حاشية الدسوقى ج 4 ص 528 وللشافعية أسنى المطالب ج 3 ص 31، 32. وللحنابلة المغنى ج 7 ص 95 وما بعدها. وللظاهرية المحلى ج 9 ص 316. وللزيدية البحر الزخار ج 5 ص 352.

وللإباضية شرح النيل ج 8 ص 411. وللامامية شرح تحرير الاحكام ج 2 ص 155.

(2)

مراجع للحنفية: فتح القدير ج 7 ص 134.

وللمالكية: حاشية الدسوقى باب الهبة ج 4.

وللشافعية: أسنى المطالب ج 2 ص 483.

وللحنابلة: المغنى ج 6 باب الهبة.

وللزيدية: البحر الزخار ج 4 ص 135 وما بعدها

وللظاهرية: المحلى ج 9 ص 137.

وللإباضية: شرح النيل ج 6 ص 35.

وللامامية: تحرير الاحكام ج 1 ص 282.

(3)

راجع للحنفية: فتح القدير ج 3 ص 35.

وللحنابلة: المغنى ج 9 ص 260.

وللزيدية: البحر الزخار ج 3 ص 241 وما بعدها

وللظاهرية: المحلى ج 10 ص 100.

وللإباضية: شرح النيل ج 7 باب النفقة.

ص: 243

وبهذا قالوا: إذا كان الرجل منفردا أو المرأة منفردة فالرجل تغسله ذات الرحم المحرم كالخالة مثلا، غير الفرجين، لا العكس أى لا يغسل الرجل ذات الرحم المحرم منه بل ييممها، وقيل يُغسَّل كل منهما الآخر من فوق ثوب ويدلك بما يصلح للتدليك، وقيل يصب الماء عليه صبا، والطفل إلى سن السابعة يغسله الرجال والنساء.

الظاهرية والإمامية: ذو الرحم المحرم وذات الرحم المحرم يغسل كل منهما الآخر من فوق الثياب فلا يحل تركه

(1)

.

‌ابن الأخت فى الزكاة:

مذهب الحنفية: يجوز دفع الزكاة إلى القريب الفقير، كابن الأخت مثلا، حتى ولو كان فى عيال المزكى بشرط ألا يفترض القاضى له نفقة على المزكى، فإن كانت له نفقة مفروضة من القاضى فدفعها إليه بنية الزكاة لا يجوز، لأنه أداء واجب بواجب آخر، وهذا لا يجوز، أما إذا دفعها إليه ولم تحسب من النفقة المفروضة عليه، فذلك جائز، لأنه صدقة وصلة، والمالكية والشافعية والحنابلة والزيدية والإمامية يجوز عندهم دفعها له بشرطين، ألا يكون وارثا، وألا يكون له نفقة مفروضة من القاضى، لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «الصدقة على المسكين صدقة وهى لذى الرحم ثنتان، صدقة وصلة» .

الإباضية: لا يجوز دفعها إلى القريب الفقير إلا بإذن الإمام أو نائبه.

الظاهرية: لا يجوز دفع الزكاة إلى ذى الرحم المحرم كابن الأخت مثلا وغيره، إلا إذا كان من الأصناف المستحقة للزكاة، فإذا كان من المستحقين فهو أولى، لكونها صدقة وصلة، وإن دفعت إليه وهو غير مستحق استردت منه إن كانت قائمة، وإلا أعاد إخراجها لحديث «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد

(2)

».

‌ابن الاخت فى حد السرقة:

اذا سرق الرجل مقدار نصاب من مال ذى الرحم المحرم كخاله وخالته وبالعكس فهل تقطع يده حدا؟ قال الحنفية: لا حد عليه، لأنه مال ذى رحم محرم، ولا قطع فى سرقته، لأنها قرابة تمنع النكاح وتبيح النظر وتوجب النفقة، أشبه بقرابة الولادة، وفى وجوب الحد عليه تفصيل فى المذاهب الأخرى (انظر سرقة)

(3)

.

(1)

راجع للحنفية: فتح القدير ج 1 ص 452 - 456

وللشافعية: أسنى المطالب ج 1 ص 313.

وللظاهرية: المحلى ج 5 ص 95.

وللزيدية: البحر الزخار ج 2 باب غسل الميت.

وللإباضية: شرح النيل ج 1 ص 368 - 379.

وللإباضية: تحرير الاحكام الشرعية ج 1 ص 17

وللمالكية: الدردير ج 1 ص 181، 182.

(2)

راجع للحنفية: فتح القدير ج 2 ص 22.

وللمالكية: حاشية الدسوقى ج 1 باب الزكاة.

وللشافعية: أسنى المطالب ج 1 ص 338.

وللحنابلة: المغنى ج 2 ص 512.

وللظاهرية: ج 6 ص 146.

وللزيدية: البحر الزخار ج 2 ص 184.

وللإباضية: شرح النيل ج 2 ص 21.

وللامامية: تحرير الاحكام الشرعية ج 1 ص 58.

(3)

فتح القدير ج 4 ص 226.

ص: 244

يلاحظ أن الأعلام الواردة فى هذا الجزء روعى فى ترتيبها أول حرف منها دون اعتداد بألفاظ «أب» ، «أم» ، «ابن» ، «ال» التى للتعريف.

ص: 246

‌حرف الألف

‌آدم الخرسانى

توفى سنة 220 هـ

- هو آدم بن أبى اياس الخراسانى البغدادى شيخ البخارى نزيل عسقلان سمع شعبة وابن أبى ذئب وروى الكثير وكان صالحا قانتا.

‌الآمدى

توفى سنة 631 هـ

- أبو الحسن على بن أبى على محمد الملقب بسيف الدين الآمدى الفقيه الأصولى المتكلم كان حنيفا ثم انتقل الى مذهب الشافعى، وأشهر مؤلفاته كتاب الاحكام فى أصول الأحكام

‌الأبى

سنة 827 هـ

- محمد بن خلفة بن عمر الأبى الوشتاتى المالكى عالم بالحديث من أهل تونس ونسبته الى (أبة) من قراها كان قاضيا ومن مؤلفاته (اكمال المعلم لفوائد كتاب مسلم وشرح المدونة وغيرهما)

‌الابيانى

سنة 1936

- هو محمد زيد الابيانى مدرس الشريعة الاسلامية بمدرسة الحقوق بمصر من آل زيد فى ابيانة بالغربيه فى مصر ولد بها وتعلم بالأزهر ثم بدار العلوم فى القاهرة وتولى تدريس الشريعة فى مدرسه الحقوق مدة ثمان وثلاثين سنة توفى بالقاهرة ومن مؤلفاته شرح الأحكام الشرعية فى الأحوال الشخصية المعروف

‌أبى بن كعب

سنة 21

- أبى بن كعب بن قيس بن عبيد من بنى النجار من الخزرج أبو المنذر صحابى أنصارى وكان من كتاب الوحى وشهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يفتى على عهد الرسول واشترك فى جمع القرآن فى عهد عثمان، وفى الخبر «اقرأ أمتى أبى بن كعب» مات بالمدينة

‌الاتقانى

سنة 758 هـ

- أمير كاتب العميد ابن أمير غازى قوام الدين المكنى بأبى حنيفة الاتقانى الفارابى، نسبته الى فاراب ناحية وراء نهر سيحون كان رأسا فى الحنفية بارعا فى الفقه واللغة العربية كثير الاعجاب بنفسه شديد التعصب على من يخالفه شرح المنتخب الحسامى وسماه التبيين وشرح الهداية للميرغينانى وسماه غاية البيان ونادرة الأقران تنقل بين بغداد وتولى التدريس بها وقدم دمشق مرتين وقدم مصر

‌الاثرم

سنة 261

- أحمد بن محمد بن هانئ الطائى أو الكلبى الاسكافى أبو بكر الاثرم من حفاظ الحديث أخذ عن الامام وآخرين له كتاب فى علل الحديث وآخر فى السنن

‌ابن الأثير

توفى سنة 606 هـ

- أبو السعادات مجد الدين المبارك بن محمد بن محمد، محدث لغوى أصولى له النهاية فى غريب الحديث، وجامع الأصول وغيرها

‌احمد

- انظر ابن حنبل

‌احمد جودت

سنة 1312

- أحمد جودت (باشا) بن اسماعيل بن على مؤرخ تركى من الوزراء، له اشتغال بالعربية ولد وتعلم فى مدينة لوفجه التابعة لولاية الطونة وسكن الاستانة وبها توفى وتولى نظارة العدلية

ص: 247

‌الأخفش

توفى سنة 292 هـ

- هارون بن موسى بن شريك التغلبى أبو عبد الله شيخ القراء بدمشق يعرف بالأخفش الدمشقى أو أخفش باب الجابية (من أحياء دمشق) وكان قيما بالقراءات السبع عارفا بالتفسير والنحو والمعانى والغريب والشعر وعنه اشتهر قراءة أهل الشام

‌الاذرعى

سنة 677

- سليمان بن أبى العز بن وهيب بن عطاء الأذرعى شيخ الحنفية فى زمانه من أهل أذرعات قرب دمشق أقام فى دمشق يدرس ويفتى ثم انتقل الى القاهرة تولى قضاء القضاة فى أيام الظاهر بيبرس وعاد الى دمشق فدرس بالظاهرية وولى القضاء قبيل وفاته ومات بدمشق وله (الوجيز الجامع لمسائل الجامع) فى فقة الحنفية وغيره

‌الأردبيلى

سنة 799

- جمال الدين يوسف الأردبيلى من فقهاء الشافعية، له كتاب الأنوار لأعمال الأبرار مع حاشيه الكمثرى

‌ابن أرقم

سليمان بن أرقم أبو معاذ البصرى مولى قريظة أو النضير، قدم بغداد، وحدث بها عن الحسن البصرى وغيره وروى عنه على بن حمزة الكسائى وغيره

‌ابن أرقم

توفى سنة 68 هـ

- زيد بن أرقم الخزرجى الأنصارى صحابى غزا مع النبى صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة وشهد صفين مع على ومات بالكوفة روى له البخارى ومسلم سبعين حديثا

‌اسامة بن زيد

سنة 54 هـ

- أبو محمد أسامة بن زيد بن حارثه حبيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن حبيبة. ولد بمكة ونشأ على الاسلام لأن اباه كان من أول الناس اسلاما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ان يبلغ العشرين فكان مظفرا مات بالجرف ضاحية المدينة

‌أسد بن الفرات

توفى سنة 214 هـ

- أسد بن الفرات بن سنان مولى بنى سليم ابو عبد الله قاضى القيروان وأحد القادة الفاتحين نشأ بالقيروان ثم بتونس ورحل الى الشرق فى طلب الحديث وكان صاحب رأى صنف الأسدية فى الفقه المالكى وتوفى من جراحات اصابته فى احدى المعارك

‌الاسفرايينى

سنة 406

- أبو حامد أحمد بن محمد بن أحمد الاسفرايينى من أعلام الشافعية، ولد فى اسفرايين بالقرب من نيسابور ورحل الى بغداد فتفقه فيها وعظمت مكانته وألف كتبا، منها مطول فى أصول الفقه ومختصر فى الفقه سماه الرونق وتوفى ببغداد

‌الاسفرايينى

سنة 418

- أبو اسحق ابراهيم بن محمد بن ابراهيم بن مهران الاسفرايينى الفقيه الشافعى المتكلم الأصولى صاحب أول مدرسة بنيت للفقة والأصول (بنيسابور) وقد بلغ درجة الاجتهاد

‌الاسفرايينى

سنة 429

- عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادى التميمى الاسفرايينى أبو منصور عالم متفنن من أئمة الأصول كان صدر الاسلام فى عصره ولد ونشأ فى بغداد ورحل الى خراسان واستقر فى نيسابور ومات فى اسفرائين كان يدرس فى سبعة عشر فنا وله تصانيف كثيرة منها التحصيل فى أصول الفقه ومعيار النظر وغيرها

ص: 248

‌الاسنوى

سنة 772

- عبد الرحيم بن الحسن بن على جمال الدين، فقيه أصولى من علماء العربية ولد باسنا وانتقل الى القاهرة وبقى بها حتى انتهت اليه رياسة الشافعية، له مؤلفات منها الأشباه والنظائر. ونهاية السول شرح منهاج الوصول وغيرها

‌اشهب

سنة 204

- أشهب بن عبد العزيز القيسى فقيه مصر ولد سنة 145 وانتهت اليه رياسة المذهب المالكى بمصر بعد ابن القاسم

‌اصبغ بن الفرج

سنة 225

- جده سعيد بن نافع وكان من كبار المالكية بمصر وكان كاتب ابن وهب وله عدة تصانيف

‌الاصطخرى

سنة 328

- أبو سعيد الحسن بن أحمد بن يزيد فقيه شافعى ولى حبه بغداد واستقضاه المقتدر على سجستان وله كتب منها «أدب القضاء» و «الفرائض» وغيرها

‌اطفيش

توفى سنة 1332 هـ

- محمد بن يوسف بن عيسى اطفيش الحفصى العدوى اباضى المذهب مجتهد كان له أثر بارز فى قضية بلاده السياسية مولده ووفاته فى بلدة يسجن من وادى ميزاب فى الجزائر له أكثر من ثلثمائة مؤلف منها شامل الأصل والفرع فى علوم الشريعة وشرح النيل فى عشرة أجزاء كبيرة فى الفقه الاباضى

‌امام الحرمين

سنة 478

- عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن محمد الجوينى أمام الحرمين لى من أصحاب الشافعى ولد فى جوين من نواحى نيسابور ورحل الى بغداد فمكة والمدينة وجمع طرق المذاهب ثم عاد الى نيسابور واشتغل بالتدريس بها وله مصنفات كثيرة من أشهرها (البرهان) فى أصول الفقه وتوفى بنيسابور

‌الامير

توفى سنة 1232 هـ

- محمد بن محمد بن احمد السنباوى الأزهرى. من فقهاء المالكية وعلماء اللغة العربية ولد فى ناحية سنبو بمصر وتعلم فى الازهر وتوفى بالقاهرة وكانت لجده أحمد امرة بالصعيد فلقب بالأمير اكثر كتبه حواش وشروح ومنها الأكليل شرح مختصر خليل وحاشية على شرح الزرقانى على الغمرية فقه أيضا

‌انس بن مالك

سنة 93

- جده النضر بن ضمضم النجارى الخزرجى خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولد بالمدينة وتوفى بالبصرة وهو من الستة المكثرين للحديث من الصحابة وهو آخر من مات من الصحابة بالبصرة

‌الأوزاعى

سنة 157

- عبد الرحمن بن عمرو يحمد الأوزاعى أبو عمرو امام الديار الشامية فى الفقه والزهد ولد بن بعلبك ونشأ فى البقاع وسكن بيروت وتوفى بها له كتاب السنن فى الفقه

‌حرف الباء

‌البابرتى

توفى سنة 786 هـ

- محمد بن محمد بن محمود أكمل الدين علامة بفقه الحنفية وعارف بالأدب نسبته الى بابرت من أعمال دجيل ببغداد، رحل الى حلب ثم الى القاهرة وتوفى بمصر من كتبه العناية فى شرح الهداية، والتقرير على أصول البزدوى وشرح المنار وشرح مختصر ابن الحاجب

ص: 249

‌الباجورى

سنة 1277

- ابراهيم بن محمد بن أحمد الباجورى شيخ الجامع الأزهر من فقهاء الشافعية ولد ونشأ فى الباجور وتعلم فى الأزهر وولى مشيخته وله كتب وحواشى كثيرة منها التحفة الخيرية وحاشيته على الشنشورية فى الفرائض وغيرها

‌الباجى

سنة 474

- سليمان بن خلف بن سعد التجيبى القرطبى فقيه مالكى كبير من رجال الحديث أصله من بطليوس ومولده فى باجة بالأندلس ترحل فى بعض البلاد وعاد الى الأندلس تولى القضاء فى بعض أنحائها وتوفى بالمرية ومن كتبه «السراج فى علم الحجاج» «وأحكام الأصول وغيرها»

‌الباقلانى

سنة 403

- محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر أبو بكر قاض من كبار علماء الكلام انتهت اليه الرياسة فى مذهب الأشاعرة كان جيد الاستنباط سريع الجواب من كتبه اعجاز القرآن والانصاف وغيره

‌البجيرمى

سنة 1221

- سليمان بن محمد بن عمر البجيرمى فقيه مصرى ولد فى بجيرمة وتعلم فى الأزهر ودرس وكف بصره، له التجريد حاشية على شرح المنهج فى فقه الشافعية وله حاشيه على شرح الخطيب المسمى بالاقناع

‌البخارى

سنة 256 هـ

- أبو عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة ولد سنة 149 ودرس القرآن والحديث منذ حياته له رحلات واسعه فى أقطار الاسلام بحثا فى الحديث حتى صار أماما ومرجعا فيه

‌البخارى

توفى سنة 730 هـ

- عبد العزيز بن أحمد بن محمد علاء الدين البخارى فقيه حنفى من علماء الأصول له تصانيف منها شرح أصول البزدوى وشرح المنتخب الحسامى

‌برهان الدين

سنة 616 هـ

- برهان الدين محمود بن أحمد من فقهاء الحنفية له المحيط البرهانى وغيره

‌البراذعى

سنة 400 هـ

- (ويقال ابن البراذعى) هو خلف بن أبى القاسم الأزدى فقيه من فقهاء المالكية ولد وتعلم فى القيروان وانتقل الى صقلية فاتصل بأميرها وصنف عنده كتبا منها التهذيب فى اختصار المدونة وتمهيد مسائل المدونة واختصار الواضحة ثم رحل أصبهان فكان بها حتى توفى

‌بروع بنت واشق

- هى بروع بنت واشق الكلابية، وكانت أمرأة هلال بن مرة، وهى صحابية

‌بريرة

- من موالى الصحابة وهى مولاة السيدة عائشة ومعتقتها

‌البزدوى

سنة 482 هـ

- على بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم أبو الحسن فخر الاسلام البزدوى فقيه أصولى من أكابر الحنفية من سكان سمرقند نسبته الى بزدة قلعة بقرب نسف له تصانيف منها المبسوط وكنز الوصول فى أصول الفقه يعرف بأصول البزدوى

‌البغدادى

توفى سنة 463 هـ

- «الخطيب» - البغدادى أحمد بن على بن ثابت أبو بكر ولد فى غزية - بين الكوفة ومكة - نشأ ومات ببغداد له مؤلفات كثيرة منها تاريخ و (الفقيه والمتفقه)

‌ابو بكر الصديق

سنة 13 هـ

- عبد الله بن أبى قحافه عثمان بن عامر التيمى القرشى أول الخلفاء الراشدين وأول من آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال ولد بمكة ونشأ سيدا من سادات قريش وغنيا من كبار موسريهم وعالما بأنساب القبائل وأخبارها وسياستها وكانت العرب تلقبه بعالم قريش شهد الغزوات

ص: 250

كلها وبذل الأموال فى سبيل الله وبويع بالخلافة يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة 11 هجرية

‌ابو بكر اليمنى

سنة 800 هـ

- أبو بكر بن على بن محمد الحوارى اليمنى فقيه حنفى شرح مختصر القدورى بكتاب أسماه الجوهرة النيرة وله شرح آخر على مختصر القدورى اسمه السراج الوهاج مخطوط بمكتبة الأزهر

‌البيضاوى

سنة 685

- أبو الخير نصر الدين البيضاوى عبد الله بن عمر، قاض مفسر ولد فى البيضاء قرب شيراز بفارس وولى قضاء شيراز ثم صرف عن القضاء فرحل الى تبريز وبها توفى من تصانيفه التفسير المشهور أنوار التنزيل، وطلائع الانوار فى التوحيد، ومنهاج الوصول فى الأصول وغيرها

‌البيهقى

سنة 458 هـ

- أحمد بن الحسين بن على أبو بكر من ائمة الحديث نشأ فى بيهق ورحل الى بغداد ثم الى الكوفة ومكة وغيرهما وطلب الى نيسابور فلم يزل بها الى أن مات ونقل جثمانه الى بلده، له كتب كثيرة فى نصرة مذهب الشافعى وبسط موجزه وتأييد آرائه، صنف كتبا كثيرة منها السنن الصغرى. والأسماء والصفات وغيرها

‌حرف التاء

‌الترمذى

توفى سنة 295 هـ

- أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذى، سمع من البخارى وغيره حتى صار اماما محدثا حجة وألف كتابه السنن، وكتاب العلل وتوفى بترمذ مدينة على طرف نهر جيحون

‌التلمسانى

سنة 771

- «الشريف» . أبو عبد الله محمد بن احمد بن على الادريسى باحث من اعلام المالكية «انتهت اليه رياستهم بالمغرب كان من قرية تسمى القلوين من أعمال تلمسان ونشأ بتلمسان ورحل عنها فى ظروف مختلفة ثم عاد اليها وبقيت له فيها مدرسة صار يدرس فيها الى ان توفى ومن كتبه المفتاح فى أصول الفقه وشرح «جمل الخونجى»

‌التونسى

سنة 763 هـ

- محمد بن محمد بن أبى القاسم بن جميل الربعى التونسى من فضلاء المالكية تونسى الأصل واستقر بمصر

‌ابن تيمية

توفى سنة 728 هـ

- أحمد بن عبد الحليم بن عبد السّلام بن عبد الله النميرى الحرانى الدمشقى الحنبلى أبو العباس تقى الدين بن تيمية الامام شيخ الاسلام ولد فى حران وتحول به أبوه الى دمشق فنبغ وأشتهر وطلب الى مصر فقصدها ثم عاد الى دمشق ومات معتقلا فى قلعتها وله مؤلفات كثيرة جدا منها (الفتاوى)(وكتاب الايمان)(ومنهاج السنة)

‌حرف الثاء

‌الثعالبى

توفى سنة 875 هـ

- عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبى الجزائرى - أبو زيد - مفسر، من كتبه الجواهر الحسان فى تفسير القرآن، وجامع الأمهات فى أحكام العبادات وغيرها

ص: 251

‌أبو ثعلبة

سنة 75

- أبو ثعلبة الخشنى مشهور بكنيته ولهذا اختلف فى اسمه خرج له الستة أربعين حديثا منها أربعة فى الصحيحين

‌أبو ثور

توفى سنة 240 هـ

- ابراهيم بن خالد بن أبى اليمان الكلبى البغدادى الفقيه صاحب الشافعى صنف الكتب وفرع على السنن مات ببغداد شيخا. ومن كتبه اختلاف مالك والشافعى

‌الثورى

سنة 161

- سفيان بن سعيد بن مسروق الثورى من بنى ثور من أعلام المحدثين نشأ فى الكوفة وراوده المنصور على أن يلى الحكم فأبى وخرج من الكوفة هاربا ثم انتقل الى البصرة ومات بها مستخفيا وله من الكتب «الجامع الكبير» و «الجامع الصغير» فى الحديث وكتاب فى الفرائض

‌حرف الجيم

‌جابر بن عبد الله

توفى سنة 78 هـ

- جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الخزرجى الانصارى السلمى صحابى من المكثرين فى الرواية عن النبى صلى الله عليه وسلم غزا سبع عشرة غزوة

‌جبير بن مطعم

سنة 59 هـ

- جبير بن مطعم بن عدى بن نوفل صحابى جليل كان من علماء قريش وسادتهم توفى بالمدينة وكان عليما بانساب قريش والعرب قاطبة وله فى البخارى ومسلم ستون حديثا

‌الجرجانى

سنة 816 هـ

- السيد الشريف على بن محمد بن على الجرجانى، من كبار علماء العربية ولد فى تاكو ودرس فى شيراز وأقام بها الى أن توفى وله نحو خمسين مصنفا منها «التعريفات» وشرح المواقف، وشرح السراجية

‌ابن جريج

توفى سنة 489 هـ

- عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، أبو الوليد، وأبو خالد فقيه الحرم المكى كان أمام أهل الحجاز فى عصره وهو أول من صنف التصانيف فى العلم بمكة

‌ابن جرير الطبرى

توفى سنة 310 هـ

- محمد بن جرير بن يزيد الطبرى أبو جعفر الفقيه المفسر المؤرخ ولد فى آمل طبرستان واستوطن بغداد وتوفى بها أمتنع عن القضاء وولاية المظالم له جامع البيان فى تفسير القرآن وله اختلاف الفقهاء وأخبار الرسل والملوك ويعرف بتاريخ الطبرى

‌جستنيان

565 م

- بيتروس ساباتيوس جستينانوس ولد سنة 478 م فى بلدة تورزيوم على حدود البانيا من اعمال مقدونيا نشأ وتربى فى كنف عمه جيستين الأول ثم أصبح أمبراطورا سنة 518 شكل عدة لجان لتجميع التراث القانونى الرومانى فجمعت ثم نسبت اليه وعرفت بموسوعة جستنيان

‌الجصاص

توفى سنة 370 هـ

- أحمد بن على الرازى أبو بكر الجصاص سكن بغداد ومات فيها انتهت اليه رئاسة الحنفية امتنع عن تولى القضاء ألف كتاب أحكام القرآن وكتابا فى أصول الفقه

‌أبو جعفر

- انظر نسفى

ص: 252

‌أبو جعفر الهندوانى

سنة 362

- محمد بن عبد الله بن محمد أبو جعفر الهندوانى البلخى الحنفى لقب بأبى حنيفة الصغير توفى ببخارى

‌جلال الدين المحلى

سنة 864 هـ

- محمد بن أحمد بن محمد بن ابراهيم المحلى الشافعى أصولى مفسر مولده ووفاته بالقاهرة، من كتبه تفسير الجلالين أتمه الجلال السيوطى وكنز الراغبين فى شرح المنهاج والبدر الطالع فى حل جمع الجوامع وغيره

‌ابن الجنيد

توفى سنة 381 هـ

- محمد بن أحمد بن الجنيد أبو على فاضل امامى من أهل الرأى له نحو خمسين كتابا منها تهذيب الشيعة لأحكام الشريعة فى نحو عشرين مجلدا

‌ابن الجوزى

سنة 597

- عبد الرحمن بن على بن محمد الجوزى القرشى البغدادى أبو الفرج علامة عصره فى التاريخ والحديث كثير التصانيف مولده ووفاته ببغداد ونسبته الى (مشرعة الجوز) له نحو ثلثمائة مصنف منها شذور العقود فى تاريخ العهود والمدهش فى المواعظ وصولة العقل على الهوى والناسخ والمنسوخ

‌جولد تسهير

سنة 1921 م

- اجناس كولد صهير مستشرق مجرى موسوى تعلم فى بودابست وبرلين ورحل الى سوريا كما انتقل الى فلسطين ومصر ولازم بعض علماء الأزهر عين استاذا فى جامعه بودابست وتوفى بها وله تصانيف كثيرة فى الفقه الاسلامى باللغات الأجنبية

‌حرف الحاء

‌ابن الحاجب

سنة 646

- أبو عمر عثمان بن عمر بن أبى بكر بن يونس فقيه مالكى من كبار العلماء بالعربية كردى الأصل ولد فى أسنا من صعيد مصر ونشأ فى القاهرة وسكن دمشق ومات بالاسكندرية وكان أبوه حاجبا فعرف به.

من مؤلفاته (مختصر الفقه) أستخرجه من ستين كتابا، (منتهى السول والأمل فى علمى الأصول والجدل) وغيرها

‌الحارثى

توفى سنة 711 هـ

- مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثى سعد الدين، العراقى ثم المصرى، فقيه حنبلى، ولد ونشأ بمصر وسكن دمشق ثم عاد الى مصر فدرس بجامع ابن طولون وولى القضاء قبل وفاته بعامين وظل الى أن توفى من كتبه شرح المقنع لابن قدامة توفى بالقاهرة

‌الحاكم الشهيد

334 هـ

- محمد بن محمد بن احمد أبو الفضل المروزى الشهير بالحاكم الشهيد قاض وزير كان عالم مرو وامام الحنفية فى عصره ولى قضاء بخارى ثم وزارة خراسان قتل شهيدا فى الرى من أشهر «كتبه الكافى والمنقى» فى فروع الحنفية

‌ابن حبيب

سنة 238

- عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن هارون السلمى القرطبى أبو مروان عالم الأندلس وفقيهها فى عصره. زار مصر ثم عاد الى الاندلس فتوفى بقرطبة كان رأسا فى فقه المالكية. له تصانيف كثيرة منها طبقات الفقهاء والتابعين، وتفسير موطأ مالك وغيرهما

‌حبيب بن أبى ثابت

سنة 119 هـ

- حبيب بن أبى ثابت الكاهلى مولاهم أبو يحيى الكوفى أخذ عن خلق من الصحابة والتابعين وأخذ عنه مسعر والثورى وشعبة غيرهم له نحو مائتى حديث قيل مات سنة 119، وقيل سنة 122 هـ

ص: 253

‌ابن حجر

العسقلانى

سنة 852

- أحمد بن على بن محمد الكنانى العسقلانى من أئمة العلم والتاريخ أصله من عسقلان بفلسطين مولده ووفاته بالقاهرة انكب على الحديث ورحل فى طلبه وولى القضاء مرات وتصانيفه كثيرة منها (الدرر الكامنة فى أعيان المائة الثامنة) وأشهرها الفتح البارى فى شرح صحيح البخارى.

‌ابن حجر الهيثمى

توفى سنة 974 هـ

- أحمد بن محمد بن على السعدى الأنصارى شيخ الاسلام أبو العباس فقيه باحث مصرى مولده فى محلة أبو الهيثم غربية واليها نسبته، تعلم فى الأزهر وله تصانيف كثيرة وله كتب كثيرة منها تحفة المحتاج لشرح المنهاج

‌حذيفة بن اليمان

توفى سنة 36 هـ

- حذيفة بن اليمان العبسى صاحب سر رسول الله ولد بالمدينة وشهد أحدا والخندق توفى بالمدينة.

‌ابن حزم

سنة 456 هـ

- على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى أبو محمد. عالم الأندلس فى عصره ولد بقرطبة كانت له ولأبيه من قبله رياسة الوزارة وتدبير المملكة فزهد بها وانصرف الى العلم والتأليف وكان يستنبط الأحكام من الكتاب والسنة. انتقد كثيرا من الفقهاء توفى فى بادية لبلة بالأندلس وله فى الفقة كتاب المحلى وفى الأصول الأحكام

‌أبو الحسن

- انظر قدورى

‌أبو الحسن

- انظر الكرخى

‌الحسن البصرى

سنة 110 هـ

- الحسن بن يسار البصرى أبو سعيد تابعى كان أمام أهل البصرة ولد بالمدينة له مواقف مع الحجاج بن يوسف توفى بالبصرة

‌الحسن بن زياد

سنة 204 هـ

- الحسن بن زياد اللؤلؤى الكوفى أبو على واشتهر باللؤلؤى نسبة الى بيع اللؤلؤ وكان أبوه من موالى الانصار قاض فقيه من اصحاب أبى حنيفة ولى القضاء بالكوفة ومن كتبه «أدب القاضى» و «معانى الايمان» و «النفقات»

‌حسين الجعفى

سنة 203 هـ

- الحسين بن على الجعفى كان من كبار المحدثين والرواة وهو منسوب الى جعفى قبيله من ولد جعفر بن سعد العشيرة من «مذحج» وكان رأسا فى الزهد والعبادة مع تقدمه فى العلم

‌الحصكفى

توفى سنة 1088 هـ

- محمد بن على بن محمد مفتى الحنفية فى دمشق، ولد وتوفى بها وكان عاكفا على التدريس، من كتبه «الدر المختار فى شرح تنوير الأبصار والدر المنتقى شرح ملتقى الأبحر»

‌الحصيرى

سنة 636 هـ

- محمود بن أحمد بن عبد السيد بن عثمان أبو المحامد انتهت اليه رياسة الحنفية فى زمانه مولده فى بخارى ونسبته الى محلة كان يعمل فيها الحصير من كتبه التحرير فى شرح الجامع الكبير والطريقة الحصيرية فى الخلاف بين الشافعية والحنفية.

‌الحطاب

سنة 954

- أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى الفقيه المالكى أصله من المغرب ولد واشتهر بمكة ومات فى طرابلس المغرب ومن كتبه قرة العين شرح ورقات امام الحرمين

ص: 254

‌الحكم بن عمرو

سنة 50 هـ

- الحكم بن عمرو بن مجدع الغفارى، صحابى له رواية، وحديثه فى البخارى وغيره، صحب النبى صلى الله عليه وسلم الى ان مات وانتقل الى البصرة فى أيام معاوية فوجهه زياد الى خراسان كان صالحا فاضلا مقداما فغزا واقام بمرو ومات بها

‌الحكم بن هشام

توفى سنة 206 هـ

- الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الداخل، الأموى أبو العاص من أفحل ملوك بنى أمية بالأندلس يلقب بالربضى لايقاعه بأهل الربض ولد ونشأ بقرطبة. توفى بقرطبة

‌الحلى «المحقق»

سنة 676

- الحسن بن يحيى بن الحسين بن سعيد نجم الدين أبو القاسم - جعفر بن فقيه امامى مقدم من أهل الحلة فى العراق كان مرجع الشيعة الامامية فى عصره من تصانيفه شرائع الاسلام والنافع مختصر الشرائع توفى فى الحلة

‌الحلوانى «شمس

الأئمة»

سنة 448

- عبد العزيز بن أحمد بن نصر بن صالح الحلوانى البخارى الملقب بشمس الأئمة فقيه الحنفية منسوب الى عمل الحلوان كان امام أهل الرأى فى وقته ببخارى من كتبه المبسوط فى الفقه والنوادر فى الفروع والفتاوى وشرح أدب القاضى لأبى يوسف ودفن ببخارى

‌حماد بن أبى سليمان

سنة 120 هـ

- حماد بن أبى سليمان رواية ابراهيم النخعى ويكنى بأبى اسماعيل مولى ابراهيم بن أبى موسى الأشعرى كان استاذا لأبى حنيفة اذ درس عليه ثمانى عشرة سنة

‌حماد بن سلمة

توفى سنة 167 هـ

- أبو سلمة، حماد بن سلمة بن دينار البصرى، الربعى بالولاء مفتى البصرة وأحد رجال الحديث وكان حافظا ثقة مأمونا

‌حمزة بن حبيب

سنة 156 هـ

- حمزة بن حبيب بن عمارة كان مولى لآل عكرمة التميمى وكان يتجر بالزيت ومات بحلوان بالعراق فى خلافة المنصور وهو احد القراء المشهورين

‌ابن حنبل

سنة 241

- أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشيبانى الوائلى امام المذهب الحنبلى واحد الأئمة الأربعة أصله من مرو وكأن أبوه والى سرخس، ولد ببغداد ونشأ مكبا على طلب العلم وسافر فى سبيله كثيرا، وصنف المسند ستة مجلدات تحتوى ثلاثين الف حديث

‌أبو حنيفة

سنة 150 هـ

- النعمان بن ثابت التيمى بالولاء الكوفى الفقيه المجتهد أحد الأئمة الأربعة ونسب اليه المذهب الحنفى

‌حرف الخاء

‌خالد بن سعيد

توفى سنة 14 هـ

- جده العاصى بن أمية صحابى من الولاة الغزاة قديم الاسلام لزم الرسول صلى الله عليه وسلم يصلى معه فى نواحى مكة خاليا هاجر الى الحبشة فبقى بها طويلا غزا مع النبى صلى الله عليه وسلم وحضر فتح مكة وتبوك توفى فى وقعة مرج الصغرى فى عهد أبى بكر

‌الخثعمية

- صحابية قال الحفاظ أنها لم تسم مشهورة بحديثها فى حجة الوداع الذى سألت فيه النبى صلى الله عليه وسلم عن الحج عن أبيها

ص: 255

‌الخرقى

سنة 334 هـ

- أبو القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقى فقيه حنبلى من أهل بغداد نسبته الى بيع الخرق ووفاته بدمشق له تصانيف احترقت وبقى منها المختصر فى الفقه

‌ابن خزيمة

سنة 311 هـ

- محمد بن اسحق بن خزيمه السلمى امام نيسابور فى عصره كان فقيها مجتهدا عالما بالحديث مولده ووفاته بنيسابور ورحل الى العراق والشام والجزيرة ومصر له مصنفات كثيرة منها كتاب التوحيد واثبات صفات الرب

‌الخشنى

- انظر أبى ثعلبه

‌الخصاف

توفى سنة 261 هـ

- أحمد بن عمر بن مهير الشيبانى أبو بكر المعروف بالخصاف فقيه حاسب فرضى كان مقدما عند الخليفة المهتدى بالله وكان ورعا يأكل من كسب يده توفى ببغداد ومن تآليفه - أحكام الاوقاف الحيل. الوصايا. أدب القاضى

‌الخطابى

سنة 388 هـ

- أحمد بن أبراهيم بن الخطاب الخطابى البوستى كان فقيها أديبا محدثا له تصانيف منها غريب الحديث ومعالم السنن وأعلام السنن وغير ذلك

‌ابن الخطاب

- انظر عمر

‌أبو الخطاب

سنة 510

- محفوظ بن أحمد بن الحسن الكلوذانى امام الحنابلة فى عصره أصله من كلوذاى من ضواحى بغداد ومولده ووفاته ببغداد، من كتبه (التمهيد) فى أصول الفقه والأنتصار فى المسائل الكبار وغيرها

‌الخطيب الشربينى

سنة 977

- محمد بن أحمد الشربينى شمس الدين. فقيه شافعى. مفسر من أهل القاهرة له تصانيف كثيرة منها مفتى المحتاج فى شرح منهاج الطالبين، والاقناع فى حل الفاظ أبى شجاع وغيرها

‌ابن خلدون

سنة 808

- عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن خلدون أبو زيد ولى الدين الحضرمى الأشبيلى الفيلسوف المؤرخ العالم اشتهر بكتابه: (العبر وديوان المبتدأ والخبر فى تاريخ العرب والعجم والبربر) طبع فى 7 مجلدات أولها المقدمة التى تعرض أصول علم الاجتماع

‌الخلال

سنة 211 هـ

- أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون مفسر عالم بالحديث واللغة من كبار الحنابلة، من أهل بغداد قال الذهبى عنه: أنه جامع علم أحمد ومرتبه له تفسير الغريب «وطبقات اصحاب ابن حنبل» وغيره

‌الخلال

- انظر غلام الخلال

‌خليل بن اسحاق

توفى سنة 776 هـ

- ضياء الدين خليل بن اسحاق بن موسى الجندى فقيه مالكى من اهل مصر، تعلم فى القاهرة وولى الافتاء على مذهب مالك له «المختصر فى الفقه» ترجم الى الفرنسية وغيره

‌خنساء بنت خزام

- خنساء بنت خزام الانصارية الصحابية وهى التى انكحها أبوها وهى كارهة فرد الرسول نكاحها، وروى حديثها هذا أبو داود والنسائى

ص: 256

‌خواهر زاده

سنة 483

- محمد بن الحسين بن محمد أبو بكر البخارى المعروف ببكر خواهر زادة فقيه كان شيخ الأحناف فيما وراء النهر مولده ووفاته فى بخارى له المبسوط. والمختصر والتجنيس فى الفقه

‌حرف الدال

‌الدار قطنى

توفى سنة 385 هـ

- على بن عمر بن أحمد بن مهدى أبو الحسن الدار قطنى الشافعى أول من صنف القراءات. ولد بدار القطن من أحياء بغداد ورحل الى مصر وعاد الى بغداد فتوفى بها من تصانيفه كتاب السنن

‌الداراوردى

توفى سنة 186 هـ

- أبو محمد عبد العزيز بن محمد بن عبيد الداراوردى الجهنى بالولاء المدنى محدث روى عنه خلق كثير منهم سفيان وشعبه نسبته الى دراورد من قرى خراسان أصله منها ومولده ووفاته بالمدينة

‌داود الظاهرى

سنة 270 هـ

- داود بن على بن خلف الاصبهانى أبو سليمان الملقب بالظاهرى احد الأئمة المجتهدين فى الاسلام تنسب اليه طائفة الظاهرية وسميت بذلك لأخذها بظاهر الكتاب والسنة واعراضها عن القياس وهو من أهل قاشان ومولده بالكوفة سكن بغداد وانتهت اليه رياسة العلم وبها توفى

‌الدبوسى

سنة 340 هـ

- عبد الله بن عمر بن عيسى أبو زيد أول من وضع علم الخلاف كان فقيها باحثا نسبته الى دبوسية بين بخارى وسمرقند وفاته فى بخارى ومن مؤلفاته تأسيس النظر فى ما اختلف فيه الامام وصاحباه ومالك والشافعى وكذا الأسرار فى الاصول والفروع عند الحنفيه

‌أبو الدرداء

سنة 32 هـ

- عويمر بن مالك بن قيس بن أمية الأنصارى الخزرجى أبو الدرداء صحابى من الحكماء ولاه معاوية قضاء دمشق بأمر عمر بن الخطاب وهو أول قاض بها وهو أحد الذين جمعوا القرآن حفظا على عهد النبى صلى الله عليه وسلم مات بالشام

‌أبو داود

سنة 275

- سليمان بن الأشعث بن اسحاق بن بشير الأسدى السجستانى أبو داود امام أهل الحديث فى زمانه توفى بالبصرة له كتاب السنن جزءان وهو أحد الكتب الستة

‌الدردير

سنة 1201 هـ

- أبو البركات أحمد بن محمد بن أحمد العدوى فاضل من فقهاء المالكية ولد فى بنى عدى بمصر وتعلم بالأزهر وتوفى بالقاهرة وكان من كبار الصوفية فى عصره ومن كتبه أقرب المسالك لمذهب مالك ومنح القدير فى شرح مختصر خليل وغيرها

‌الدسوقى

سنة 1230 هـ

- محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقى المالكى من علماء العربية، من أهل دسوق تعلم وأقام وتوفى بالقاهرة وكان من المدرسين فى الأزهر، له كتب منها «الحدود الفقهية» فى فقة المالكية، وحواش على مفتى اللبيب والسعد التفتازانى والشرح الكبير على مختصر خليل وشرح السنوسى لمقدمة أم البراهين

‌ابن دقيق العيد

توفى سنة 702 هـ

- محمد بن على بن وهب بن مطيع أبو الفتح تقى الدين القشيرى المعروف كأبيه وجده بابن دقيق العبد قاض من اكابر العلماء بالاصول مجتهد.

اصل أبيه من منفلوط بمصر وانتقل الى قوص وتعلم بدمشق والاسكندرية ثم بالقاهرة ولى قضاء الديار المصرية سنة 695 هـ توفى بالقاهرة له تصانيف منها أحكام الاحكام فى الحديث

ص: 257

‌حرف الراء

‌الرازى

توفى سنة 606

- محمد بن عمر الحسن بن الحسين أبو عبد الله فخر الدين الرازى أصله من طبرستان ومولده فى الرى ويقال له ابن خطيب الرى، له مؤلفات كثيرة من أشهرها مفاتيح الغيب فى التفسير وله كتاب المحصول فى علم الأصول توفى فى هراه

‌الراغب

سنة 502

- الراغب الاصفهانى أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل من الحكماء العلماء من أهل اصبهان وسكن بغداد واشتهر حتى كان يقرن بالغزالى وله كتب منها محاضرات الأدباء ومفردات القرآن.

‌ابو رافع

- هو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم واسمه أسلم قيل انه كان مولى للعباس بن عبد المطلب فوهبه للنبى فلما أسلم العباس بشر أبو رافع النبى باسلامه فاعتقه وزوجه سلمى مولاته

‌الرافعى

سنة 623 هـ

- أبو القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم الرافعى القزوينى فقيه من كبار الشافعية كان له مجلس بقزوين للتفسير والحديث وتوفى بها له كتاب «المحرر» فى الفقه «فتح العزيز فى شرح الوجيز» و «شرح مسند الشافعى»

‌الرافعى

سنة 1308 هـ

- عبد الغنى بن أحمد عبد القادر الرافعى البيسارى الفاروقى قاض من فقهاء الحنفية ولد وتعلم فى طرابلس الشام وأخذ الحديث عن علماء دمشق وعين مفتيا لطرابلس ثلاث سنوات

‌الربيع المؤذن

توفى سنة 270 هـ

- الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل، أبو محمد، صاحب الشافعى وراوى كتبه، وأول من أملى الحديث بجامع ابن طولون، كان مؤذنا مولده ووفاته بمصر

‌ربيعة الرأى

سنة 136 هـ

- ربيعة بن فروخ التميمى بالولاء المدنى أبو عثمان امام حافظ فقيه مجتهد لقب بربيعة الرأى لأنه كان بصيرا بالرأى والقياس كان صاحب الفتوى بالمدينة وتفقه عليه مالك، توفى بالهاشمية

‌ابن رجب

سنة 795

- عبد الرحمن بن أحمد بن رجب السلامى البغدادى ثم الدمشقى أبو الفرج من العلماء ولد فى بغداد ونشأ وتوفى فى دمشق ومن كتبه - القواعد الفقهية - الاستخراج لأحكام الخراج وذيل طبقات الحنابلة لابن أبى يعلى وغيرها

‌ابن رشد

سنة 520 هـ

- محمد بن احمد بن رشد أبو الوليد قاضى الجماعة بقرطبة من أعيان المالكية له تآليف منها «المقدمات الممهدات» فى الأحكام الشرعيه «البيان والتحصيل» فقه «وشرح معانى الآثار» وغيرها. مولده ووفاته بقرطبة

‌ابن رشد الحفيد

سنة 595

- محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رشد الاندلسى أبو الوليد الفليسوف ويلقب بالحفيد تمييزا له عن جده المتوفى سنة 520 توفى بمراكش ودفن فى قرطبه وله كتب كثيرة منها «بداية المجتهد ونهايه المقتصد» فى الفقه قال ابن الأبار، كان يفزع الى فتواه فى الخطب كما يفزع الى فتواه فى الفقه

ص: 258

‌الرضى

سنة 203 هـ

- على بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق من اجلاء السادة اهل البيت وفضلائهم ولد فى المدينة عهد اليه المأمون العباسى بالخلافة من بعده ولكن أهل بغداد ثاروا فخلعوا المأمون، من أئمة الامامية

‌ابن الرفعة

سنة 710 هـ

- أحمد بن محمد بن على الأنصارى أبو العباس، فقيه شافعى كان محتسب القاهرة وناب فى الحكم وله كتب منها (الكفاية) فى شرح التنيه (والمطلب) فى شرح الوسيط

‌الرملى

سنة 1004 هـ

- محمد بن أحمد بن حمزة شمس الدين الرملى فقيه الديار المصرية فى عصره ومرجعها فى الفتوى يقال له الشافعى الصغير، نسبة الى الرملة من قرى المنوفية بمصر مولده ووفاته بالقاهرة ولى افتاء الشافعية وصنف شروحا وحواشى كثيرة منها .. «نهاية المحتاج الى شرح المنهاج»

‌حرف الزاى

‌الزاهدى

توفى سنة 658 هـ

- مختار بن محمود أبو الرجا نجم الدين الزاهدى القزوينى فقيه من أكابر الحنفية من أهل غزمين بخوارزم رحل الى بغداد والروم. ومن كتبه الحاوى فى الفتاوى والمجتبى شرح مختصر القدورى فى الفقه

‌زبان بن العلاء

- انظر (أبو عمرو)

‌الزبير بن العوام

سنة 36 هـ

- هو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصى بن كلاب ابن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله ويكنى أبا عبيد الله. وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد أصحاب الشورى.

‌ابن الزبير

توفى سنة 73 هـ

- عبد الله بن الزبير بن العوام القرشى الاسدى أول مولود فى المدينة بعد الهجرة بويع له بالخلافة سنة 64 هـ وكانت له مع الامويين وقائع هائلة انتهت بقتله وصلبه، رضى الله عنه.

‌ابو زرعة

توفى سنة 302

- محمد بن عثمان بن ابراهيم بن زرعه من موالى ثقيف من أهل دمشق ولى القضاء بمصر ثم عاد الى دمشق فولى قضاءها الى أن توفى بها

‌الزركشى

سنة 794

- محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشى، أبو عبد الله عالم بفقه الشافعيه والأصول تركى الأصل - مصرى المولد والوفاة، له تصانيف كثيرة منها «لقطة العجلان، والبحر المحيط، والمنثور» ويعرف بقواعد الزركشى

‌الزعفرانى

سنة 259

- الحسن بن محمد بن الصباح البزار الزعفرانى البغدادى فقيه من رجال الحديث، ثقة كان راويا للامام الشافعى

‌زفر

توفى سنة 158 هـ

- زفر بن الهذيل بن قيس العنبرى فقيه كبير من اصحاب أبى حنيفة اصله من أصبهان أقام بالبصرة وولى قضاءها وتوفى بها، كان من أصحاب الحديث فغلب عليه الرأى

‌زكريا الانصارى

سنة 926

- أبو يحيى شيخ الاسلام زكريا بن محمد بن زكريا الانصارى السفيكى المصرى الشافعى قاض مفسر من حفاظ الحديث ولد فى سفيكة «بشرقية مصر» ولاه السلطان قايتباى القضاء بمصر بعد الحاح، له مؤلفات كثيرة - منها «تنقيح تحرير اللباب فى الفقة. وغاية الوصول فى الأصول»

‌أبو الزناد

سنة 131

- عبد الله بن ذكوان القرشى المدنى محدث كبير قال عنه مصعب الزبيرى كان فقيه أهل المدينة وكان صاحب كتابة وحساب

ص: 259

‌الزهرى

سنة 124 هـ

- أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهرى من بنى زهرة ابن كلاب من قريش «أول من دون الحديث واحد كبار الحفاظ والفقهاء تابعى من أهل المدينة كان يحفظ كثيرا جدا بالنسبة لعصره من الأحاديث مات بشعب آخر حد الحجاز»

‌ابن أبى زيد

- انظر القيروانى

‌أبو زيد

- انظر دبوسى

«القاضى» زيد

- زيد بن محمد الكلاوى الجيلى علامة الزيديه وحافظ أقوالهم وفقيههم قال فى الانتصار: كان من اتباع المؤيد بالله ولم يعاصره وكان من حفاظ الفاظ العنرة وله العناية العظمى فى خدمة المذهب الزيدى

‌زيد بن أرقم

توفى سنة 68 هـ

- زيد بن أرقم الخزرجى الأنصارى صحابى غزا مع النبى صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة وشهد صفين مع على ومات بالكوفة روى له البخارى ومسلم سبعين حديثا

‌زيد بن ثابت

سنة 45 هـ

- زيد بن ثابت بن الضحاك الأنصارى الخزرجى أبو خارجة صحابى من أكابرهم كان أحد كتاب الوحى ولد فى المدينة ونشأ بمكة وهاجر مع النبى صلى الله عليه وسلم وتعلم وتفقه فى الدين وكان رأسا بالمدينة فى القضاء والفتوى والفرائض وكان كاتب مصحف أبى بكر وعثمان حين جهز المصاحف للأمصار.

‌زيد بن على

سنة 122

- زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب، ويقال له زيد الشهيد كانت اقامته بالكوفه وقرأ على واصل بن عطاء رأس المعتزله وانتقل الى الشام فضيق عليه هشام بن عبد الله وحبسه خمسة أشهر وعاد الى العراق ثم الى المدينة ثم رجع الى الكوفة سنة 120 فبايعه كثير من أهلها على الدعوة الى الكتاب والسنة وجهاد الظالمين قتل بالكوفة وحمل رأسه الى الشام ثم الى المدينه ثم الى مصر

‌الزيلعى

سنة 743 هـ

- عثمان بن على بن محمد، فخر الدين الزيلعى فقيه حنفى، قدم القاهرة سنة 705 هـ فأفتى ودرس وتوفى فيها له «تبيين الحقائق فى شرح كنز الدقائق» و «شرح الجامع الكبير» فى الفقة وغيرهما

‌حرف السين

‌ابن الساعاتى

سنة 694

- أحمد بن على بن تغلب مظفر الدين ابن الساعاتى ولد فى بعلبك وانتقل مع أبيه الى بغداد فنشأ بها فى المدرسة المستنصريه وتولى تدريس الحنفية هناك له مؤلفات منها مجمع البحرين وشرحه وجامع النظام فى أصول الفقه

‌السبكى

توفى سنة 356 هـ

- تقى الدين السبكى على بن عبد الكافى بن على بن تمام السبكى الانصارى الخزرجى شيخ الاسلام فى عصره وهو والد التاج السبكى صاحب الطبقات ولد فى سبك من أعمال المنوفية بمصر وانتقل الى القاهرة ثم الى الشام وولى قضاء الشام وعاد الى القاهرة فتوفى بها. وله مختصر طبقات الفقهاء والمسائل الحلبية وأجوبتها فى فقه الشافعية

ص: 260

‌ابن السبكى

سنة 771 هـ

- عبد الوهاب بن على بن عبد الكافى السبكى أبو نصر قاضى القضاه المؤرخ الباحث ولد فى القاهرة وانتقل الى دمشق مع والده فسكنها وتوفى بها نسبة الى «سبك» من أعمال المتوفية بمصر، وهو صاحب طبقات الشافعية وجامع الجوامع

‌سحنون

سنة 240 هـ

- عبد السّلام بن سعيد بن حبيب التنوخى - قاض - فقيه، انتهت اليه رياسة العلم فى المغرب، حمصى الأصل ومولده فى القيروان وولى القضاء بها واستمر الى أن مات

‌السرخسى

سنة 483 هـ

- محمد بن أحمد بن سهل أبو بكر شمس الأئمة قاض من كبار الأحناف مجتهد من أهل سرخس فى «خراسان» أشهر كتبه المبسوط فى الفقة وله شرح الجامع الكبير للامام محمد وشرح السير الكبير وشرح مختصر الطحاوى وسكن فرغانه فى آخر حياته حتى توفى بها

‌ابن سريج

سنة 306

- أحمد بن عمر بن سريج فقيه الشافعيه فى عصره، مولده ووفاته ببغداد له نحو أربعمائه مصنف ولى القضاء بشيراز

‌ابو السعود

سنة 982

- محمد بن محمد بن مصطفى العمادى من علماء الترك المستعمرين ولد بقسطنطنية ودرس فى بلاد متعددة وتقلد القضاء فى بروسة فالقسطنطنية فالربع وأضيف اليه الافتاء. له مؤلفات منها التفسير المشهور

‌سعيد بن جبير

سنة 95 هـ

- سعيد بن جبير الأسدى بالولاء تابعى كان أعلمهم على الاطلاق حبشى الأصل من موالى بنى والبه أخذ عن ابن عباس وابن عمر قتله الحجاج بواسط.

‌أبو سعيد الخدرى

سنة 74

- سعد بن مالك بن سنان الخدرى الأنصارى الخزرجى أبو سعيد صحابى كان من ملازمى النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه احاديث كثيرة وغزا اثنتى عشرة غزوة وله فى الصحيحين أحاديث كثيرة توفى بالمدينة

‌سعيد بن زيد

توفى سنة 51 هـ

- سعيد بن زيد بن عمرو صحابى من خيار الصحابه شهد المشاهد كلها الا بدرا وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ولد بمكة وتوفى بالمدينة وله فى الصحيحين 48 حديثا

‌سعيد بن المسيب

سنة 94 هـ

- سعيد بن المسيب بن حزن بن أبى وهب المخزومى القرشى احد فقهاء المدينة السبعة كان يعيش من تجارة الزيت وكان أحفظ الناس بأحكام عمر بن الخطاب وأقضيته حتى سمى رأويه عمر توفى بالمدينة

‌سفيان بن عيينة

سنة 198 هـ

- هو سفيان بن عيينة بن ميمون الهلالى الكوفى أبو محمد محدث الحرم المكى من الموالى ولد بالكوفة وسكن مكة وتوفى بها كان حافظة فقيها واسع العلم

‌أبو سفيان

سنة 31

- هو صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس صحابى من سادات قريش فى الجاهلية وهو والد معاوية رأس الدولة الأموية أسلم يوم الفتح وأبلى بعد اسلامه وشهد حنينا والطائف واليرموك وغيرها وتوفى بالمدينة

‌أم سلمة

سنة 62 هـ

- هند بنت سهيل بن مغيرة القرشية من زوجات النبى تزوجها فى السنة الرابعة وكانت زوجه من قبل لأبى سلمة بن عبد الأسد بن المغيرة وهاجرت معه الى الحبشة ثم الى المدينة ولما مات بالمدينة من أثر جرح تزوجها الرسول

ص: 261

‌سليمان بن شعيب

- سليمان بن شعيب بن الليث بن سعد المصرى روى عن ابن لهيعه، قال ابن يونس روى مناكير، وقال العقيلى حديثه غير محفوظ

‌السمرقندى

- أنظر أبو الليث

‌ابن السيد

سنة 521

- عبد الله بن محمد بن السيد البطليوسى من علماء اللغة والأدب ولد فى بطليوس ونشأ بها وانتقل الى بلنسية فسكنها وتوفى بها، وكتابه فى أسباب الاختلاف يسمى الانصاف فى التنبيه على الأسباب التى أوجبت الخلاف بين المسلمين وله كتاب الاقتضاب فى اللغة

‌ابن سيرين

توفى سنة 110 هـ

- محمد بن سيرين البصرى الأنصارى بالولاء أبو بكر امام وقته فى علوم الدين بالبصرة تابعى ولد ومات بالبصرة اشتهر بالورع وتعبير الرؤيا.

‌السيوطى

توفى سنة 911 هـ

- عبد الرحمن بن أبى بكر بن محمد بن سابق الدين الخصيرى السيوطى جلال الدين أمام حافظ مؤرخ أديب له نحو ستمائة مصنف نشأ فى القاهرة يتيما وبها توفى ومن أشهر مؤلفاته الاتقان فى علوم القرآن والأشباه والنظائر فى العربية، والأشباه والنظائر فى فروع الشافعية والحاوى للفتاوى

‌حرف الشين

‌ابن الشاط

سنة 723

- عمدة المحققين سراج الدين أبو القاسم قاسم بن عبد الله الأنصارى ولد سنة 643 هـ وهو فقيه أصولى

‌الشاطبى

توفى سنة 790 هـ

- ابراهيم بن موسى بن محمد اللخمى الغرناطى الشهير بالشاطبى، أصولى حافظ من أهل غرناطة كان من أئمة المالكية وهو صاحب الموافقات فى أصول الفقة، والمجلى شرح كتاب البيوع من صحيح البخارى

‌الشافعى

سنة 204 هـ

- محمد بن ادريس بن العباس القرشى أبو عبد الله أحد الأئمة الأربعة ولد فى غزة وحمل منها طفلا الى مكة ونشأ بالبادية وتعلم الشعر والفروسية وتفقه على مالك بالمدينة وذهب الى بغداد مرتين ثم قصد مصر وتوفى بها

‌الشبراملسى

سنة 1087 هـ

- على بن على الشبراملسى أبو الضياء نور الدين فقيه شافعى مصرى تعلم وعلم بالأزهر وصنف كتبا منها حاشية على نهاية المحتاج وغيره

‌ابو شجاع

توفى سنة 593 هـ

- أحمد بن الحسين بن أحمد الاصفهانى الشهير بأبى شجاع ولد سنة 533 هـ وتولى الوزارة ومات بالمدينة المنورة وله كتاب الاقناع المشهور فى فقه الشافعية

‌شداد بن أوس

سنة 58 هـ

- شداد بن أوس أبو يعلى الأنصارى وهو أبن أخى حسان بن ثابت نزل بيت المقدس فعد من أهل الشام وتوفى بها

‌الشرقاوى

سنة 1227

- عبد الله بن حجازى بن ابراهيم الشرقاوى الازهرى فقيه من علماء مصر تعلم فى الأزهر وولى مشيخته وصنف كتبا منها فتح المجدى لشرح مختصر الزبيدى وحاشيه على شرح التحرير فى فقه الشافعية وغير ذلك

ص: 262

‌الشرنبلالى

سنة 1069

- حسن بن عمار بن على الشرنبلالى المصرى فقيه حنفى مكثر من التصفيف نسبته الى شبرا بلوله نقله والده منها الى القاهرة فنشأ بها ودرس فى الأزهر وأصبح المعول عليه فى الفتوى، له نور الايضاح ومراقى الفلاح وحاشية على درر الحكام لملا خسرو وتوفى بالقاهرة

‌شريح

توفى سنة 78 هـ

- شريح بن الحارث بن قيس الكندى من أشهر القضاة الفقهاء أصلا من اليمن ولى قضاء الكوفة فى زمن عمر وعثمان وعلى ومعاوية، استعفى زمن الحجاج توفى بالكوفه

‌شعبة

سنة 160 هـ

- هو أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكى من أئمة رجال الحديث حفظا ودراية ولد ونشأ بواسط وسكن البصرة الى أن توفى، له كتاب «الغرائب» فى الحديث

‌الشعبى

سنة 105 هـ

- عامر بن شرحبيل ولد بالكوفه وكان يكره الرأى سمع عليه ابو حنيفة الحديث ولى قضاء الكوفة

‌الشعرانى

سنة 973 هـ

- عبد الوهاب بن أحمد بن على الحنفى - نسبه الى محمد بن الحنفيه - الشعرانى أبو محمد ولد فى قلقشندة بمصر وتوفى بالقاهرة له تصانيف كثيرة منها الميزان - ومدارك السالكين وارشاد الطالبين الى مراتب العلماء العاملين وغيرها

‌الشلبى

توفى سنة 1010 هـ

- شهاب الدين أحمد بن يونس من علماء الحنفية له حاشيه على شرح الكنز مطبوع على هامش تبيين الحقائق

‌الشوكانى

1250 هـ

- محمد بن على بن محمد فقيه مجتهد من كبار علماء اليمن من صنعاء ولد بهجرة شوكان ونشأ بصنعاء وولى قضاءها سنة 1229 ومات حاكما بها وكان يرى تحريم التقليد، من مؤلفاته، نيل الأوطار، والفوائد المجموعة فى الأحاديث الموضوعة، والدرر البهية فى المسائل الفقهية، وارشاد الفحول فى الأصول وغيرها

‌الشيخ

- انظر الطوسى

‌الشيخ زادة

سنة 1087 هـ

- عبد الرحمن بن محمد بن سليمان المعروف بشيخى زاده فقيه حنفى من أهل كليبولى بتركيا من قضاة الجيش له مجمع الأنهر فى شرح ملتقى الأبحر ونظم الفرائد فى مسائل الخلاف فى التوحيد

‌الشيرازى

توفى سنة 476 هـ

- أبو اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف ولد فى فيروزاباد بفارس وانتقل الى شيراز فقرأ على علمائها وانصرف الى البصرة ثم الى بغداد ونبغ فى علوم الشريعة وكان مفتى الأمة فى عصره له مؤلفات كثيرة

‌حرف الصاد

‌الصادق

سنة 148

- أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر الهاشمى العلوى أحد أئمة الزيديه روى عنه مالك والثورى وابن عيينه وقال أبو حنيفة عنه ما رأيت افقه منه

ص: 263

‌صالح بن أحمد

توفى سنة 265 هـ

- هو صالح بن الامام أحمد بن حنبل وكنيته ابو الفضل ولد ببغداد ونشأ بين يدى أبيه الامام أحمد وأخذ عنه ثم ولى القضاء بأصبهان وتوفى فيها

‌الصاوى

سنة 1241

- أحمد بن محمد الخلوتى الشهير بالصاوى فقيه مالكى نسبته الى «صا الحجر» فى محافظه الغربية وتوفى بالمدينة المنورة من كتبه «حاشيته على تفسير الجلالين وحواش على بعض كتب الشيخ أحمد الدردير فى فقه المالكيه

‌صدر الشريعة

سنة 747 هـ

- عبد الله بن مسعود بن محمود البخارى الحنفى صدر الشريعة الاصغر من صدر الشريعة الأكبر من علماء أصول الفقه والدين له كتاب التنقيح فى أصول الفقه وشرح التوضيح وكتاب شرح الوقايه فى فقه الأحناف توفى فى بخارى

‌الصدر الشهيد

سنة 236 هـ

- عمر بن عبد العزيز بن عمر بن مازة أبو محمد برهان الائمة حسام الدين المعروف بالصدر الشهيد من أكابر الحنفيه من أهل خراسان وله كتب كثيرة منها الفتاوى الصغرى والفتاوى الكبرى وشرح الجامع الصغير قتل بسمرقند ودفن فى بخارى

‌الصفتى

- عبده يوسف بن الشيخ سعيد الصفتى أحد علماء المالكية المتأخرين. له حاشيه على شرح العلامه ابن تركى على العشماوية فى فقه المالكيه

‌الصفدى

764 هـ

- صلاح الدين الصفدى خليل بن أيبك بن عبد الله الصفدى ولد فى صفد بفلسطين وتعلم فى دمشق وتوفى بها وله تصانيف كثيرة

‌ابن الصلاح

سنة 643 هـ

- عثمان بن عبد الرحمن صلاح الدين بن موسى الشهرزورى المعروف بابن الصلاح ولد فى شرخان قرب شهرزور وانتقل الى الموصل ثم خراسان فبيت المقدس فدمشق وتوفى بها. له (شرح الوسيط) فى فقه الشافعية وأدب المفتى والمستفتى وطبقات فقهاء الشافعية وغيرها

‌الصنعانى

سنة 1182 هـ

- محمد بن اسماعيل الأمير اليمنى الصنعانى صاحب كتاب «سبل السّلام» شرح بلوغ المرام لابن حجر الهيثمى وهو من فقهاء الزيدية

‌الصيرفى

سنة 330 هـ

- أبو بكر محمد بن عبد الله المعروف بالصيرفى الفقيه الشافعى البغدادى كان عالما فى أصول الفقه حتى قال عنه القفال أنه كان أعلم الناس بأصول الفقه بعد الشافعى ومن كتبه .. البيان فى دلائل الاعلام على أصول الأحكام كتاب الفرائض، والصيرفى نسبة مشهورة لمن يصرف الدراهم والدنانير

‌حرف الطاء

‌أبو طالب الآملى

سنة 424

- يحيى بن الحسين بن هارون أبو طالب، له مؤلفات وله تخريجات على مذهب الهادى وكان يرى أن ما لا يوجد للهادى فيه نص فمذهبه كأبى حنيفة. بويع بالخلافة بعد موت أخيه المؤيد بالله وتوفى بآمل طبرستان

‌الطباطبائى

- السيد محسن الطباطبائى الحكيم آية الله العظمى من كبار فقهاء الامامية المعاصرين بالنجف الأشرف - له مستمسك العروة الوثقى وغيره

ص: 264

‌الطبرانى

سنة 360 هـ

- الحافظ سليمان بن أحمد الشامى اللخمى الطبرانى ولد بطبرية بالشام سنة 260 وانتقل الى الحرمين واليمن ومصر وبغداد والكوفه وغيرها طلبا للحديث وأقام فى الرحلة ثلاثة وثلاثين سنة

‌الطبرسى

سنة 548 هـ

- أمين الدين أبو على الفضل بن الحسن بن الفضل مفسر محقق لغوى من أجلاء الامامية منسوب الى طبرستان له مجمع البيان فى تفسير القرآن توفى فى «سبزوار» ونقل الى مشهد الرضوى

‌الطبرى

- انظر ابن جرير

‌الطحاوى

توفى سنة 321 هـ

- أحمد بن محمد بن سلامة بن سلمه الأزدى الطحاوى أبو جعفر فقيه انتهت اليه رياسة الحنفية بمصر، ولد ونشأ فى «طحا» من قرى مصر وتفقه على مذهب الشافعى ثم تحول حنفيا رحل الى الشام وتوفى بالقاهرة له المختصر فى الفقه والاختلاف بين الفقهاء

‌الطحطاوى

توفى سنة 1211 هـ

- أحمد بن محمد بن اسماعيل فقيه حنفى اشتهر بكتابه حاشية الدر المختار ولد بطهطا بالقرب من أسيوط وتعين بالأزهر ثم تقلد مشيخة الحنفية بمصر وتوفى بالقاهرة

‌الطوسى

سنة 460 هـ

- أبو جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى، مفسر، نعته السبكى بفقيه الشيعة ومصنفهم، انتقل من خراسان الى بغداد وأقام أربعين سنة ورحل الغرى (بالنجف) فاستقر الى ان توفى له تصانيف كثيرة منها «تهذيب الأحكام» والتبيان الجامع لعلوم القرآن، ويطلق عليه فى كتب الامامية لقب «الشيخ»

‌حرف العين

‌عائشة

توفيت سنة 58 هـ

- عائشة بنت أبى بكر الصديق عبد الله بن عثمان من قريش افقه نساء المسلمين وأعلمهن بالدين والأدب كانت تكنى بأم عبد الله تزوجها النبى قبل الهجرة وبنى بها فى الثانية بعد الهجرة وكانت أحب نسائه اليه وأكثرهن رواية للحديث عنه

‌ابن عابدين

سنة 1252 هـ

- محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقى فقيه الديار الشاميه وأمام الحنفية فى عصره مولده ووفاته فى دمشق وله الكتاب المشهور رد المختار على الدر المختار خمسه مجلدات فى الفقه يعرف بحاشية ابن عابدين وغير ذلك

‌عاصم بن أبى

النجود

سنة 127 هـ

- هو عاصم بن بهدلة المكنى بأبى النجود، كوفى، أسدى بالولاء وهو أحد القراء السبعة تابعى مولده ووفاته بالكوفة

‌ابن عامر

- انظر عبد الله

‌العاملى

سنة 965 هـ

- الامام زين الدين بن الامام نور الدين على بن أحمد بن محمد بن جمال الدين بن تقى الدين بن صالح بن مشرف أو أشرف الجبعى العاملى ولد فى جبع وجود القرآن وهو ابن تسع سنين نشأ فى بيت علم له مؤلفات تجاوزت السبعين منها الروضة البهية فى شرح اللمعة الدمشقية فى فقه الشيعة الامامية

ص: 265

‌العباس بن عبد

المطلب

سنة 32 هـ

- جده هاشم بن عبد مناف وكنيته أبو الفضل كان من أكابر قريش فى الجاهلية والاسلام وهو عم النبى صلى الله عليه وسلم وجد الخلفاء العباسيين وأبو حبر الأمة عبد الله بن عباس .. اسلم قبل الهجرة وكتم اسلامه وأقام بمكة يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار المشركين وله فى الصحيحين 35 حديثا توفى بالمدينة

‌ابن عباس

- انظر عبد الله

‌أبو العباس

سنة 353

- احمد بن ابراهيم بن الحسن وهو امام فقيه مناضل كان اماميا ثم رجع الى الزيدية وعنه أخذت جميع كتب الشيعة فى عصره

‌أبو العباس الشاعر

- هو السائب بن فروخ المكى أبو العباس الشاعر أخذ عن عبد الله بن عمرو وابن عمر وأخذ عنه حبيب بن أبى ثابت وعمرو بن دينار ووثقه أحمد

‌ابن عبد البر

سنة 463 هـ

- يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمرى القرطبى المالكى أبو عمر ومن كبار حفاظ الحديث ومؤرخ أديب بحاثة ولد بقرطبة ورحل رحلات طويلة وولى قضاء لشبونة وغيرها توفى بشاطبة. من كتبه الدرر فى اختصار المغازى والسير والاستيعاب فى تراجم الصحابة وغيرها

‌ابن عبد الحكم

توفى سنة 214

- عبد الله بن الحكم بن أيمن بن ليث بن رافع أبو محمد، فقيه مصرى من العلماء كان من أحلة أصحاب مالك، انتهت اليه الرياسة بمصر بعد أشهب، ولد فى الاسكندرية وتوفى بالقاهرة - له مصنفات فى الفقه وغيره

‌عبد الرحمن بن

عوف

توفى سنة 32 هـ

- أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن عوف بن عبد الحارث الزهرى القرشى صحابى من أكابرهم وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة فيهم شهد المشاهد كلها توفى بالمدينة

‌عبد الرحمن بن

القاسم

سنة 191 هـ

- «انظر ابن القاسم»

‌ابن عبد السّلام

سنة 749

- محمد بن عبد السّلام بن يوسف بن كثير الهوارى المنستيرى، أبو عبد الله فقيه مالكى. كان قاضى الجماعة بتونس وولى القضاء بها سنة 734 هـ له كتب منها شرح جامع الأمهات لابن الحاجب

‌عبد القاهر بن طاهر

سنة 429 هـ

- هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد بن عبد الله البغدادى التميمى الاسفرايينى من أئمة الأصول كان صدر الاسلام فى عصره ولد ونشأ فى بغداد ورحل الى خراسان وكانت وفاته فى اسفرايين ومن مؤلفاته الفرق بين الفرق وكتاب أصول الدين

‌عبد الكريم سلمان

سنة 1918 م

- عبد الكريم بن حسين بن سلمان أغا. تعلم فى الأزهر واتصل بجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ورأس تحرير الوقائع المصرية بعد محمد عبده وعين مفتشا بالمحاكم الشرعية وكان من أعضاء مجلس الأزهر ومن الكتاب المشهورين

ص: 266

‌عبد الله بن اباض

سنة 86 هـ

- عبد الله بن أباض المقاعسى المرى التميمى من بنى مرة رأس الإباضية واليه نسبتهم كان معاصرا لمعاوية

‌عبد الله بن الزبير

- انظر ابن الزبير

‌عبد الله بن عامر

المتوفى سنة 118

- هو عبد الله بن عامر اليحصبى، يرجع فى أصله الى حمير، وهو من التابعين، كان امام أهل الشام فى القراءة وهو أحد القراء السبعة

‌عبد الله بن عباس

سنة 68 هـ

- عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى أبو العباس حبر الأمة والصحابى الجليل ولد بمكة وشهد مع على «الجمل وصفين» وينسب اليه كتاب فى تفسير القرآن جمعه بعض أهل العلم من مرويات المفسرين عنه فى كل آية

‌عبد الله بن عمر

سنة 73 هـ

- عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوى أبو عبد الرحمن صحابى نشأ فى الاسلام وهاجر الى المدينة مع أبيه وشهد فتح مكة أفتى الناس فى الاسلام ستين سنة وغزا افريقية مرتين وهو آخر من توفى بمكة من الصحابة وكان مولده ووفاته بها

‌عبد الله بن عمرو

سنة 65 هـ

- عبد الله بن عمرو بن العاص من قريش صحابى من أهل مكة أسلم قبل أبيه شهد الحروب والغزوات وشهد صفين مع معاوية وولاه معاوية الكوفة وانزوى فى عهد يزيد له فى الصحيحين سبعمائة حديث

‌عبد الله بن كثير

سنة 130 هـ

- عبد الله بن كثير الدارى المكى أحد القراء السبعة كان قاضى الجماعة بمكة مولده ووفاته بها

‌عبد الله بن مسعود

سنة 32 هـ

- عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلى من أكابر الصحابة ومن أقربهم الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو من السابقين الى الاسلام وكان خادم رسول الله وصاحب سره ولى بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم بيت مال الكوفه ثم قدم المدينة فى خلافه عثمان فتوفى بها

‌عبد المطلب بن

ربيعة

سنة 62 هـ

- جده الحارث بن عبد المطلب بن هاشم صحابى سكن المدينة وانتقل الى الشام فى خلافة عمر فتوفى فى دمشق له ثمانية أحاديث

‌عبد الملك بن مروان

سنة 86 هـ

- عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموى القرشى أبو الوليد نشأ فى المدينة فقيها واسع العلم واستعمله معاوية على المدينة وانتقلت اليه الخلافة بموت أبيه سنة 65 هـ ونقلت فى أيامة الدواوين من الفارسية والروميه الى العربية وضبطت الحروف بالنقط والحركات وهو أول من صك الدنانير فى الاسلام توفى فى دمشق

‌عبد الوهاب

«القاضى»

سنة 422 هـ

- عبد الوهاب بن على بن نصر الثعلبى البغدادى أبو المجد قاض من فقهاء المالكية ولد ببغداد ورحل الى الشام وتوجه الى مصر وتوفى بها له كتاب التلقين فى فقه المالكية وشرح المدونة وشرح فصول الأحكام

‌أبو عبيدة بن الجراح

سنة 18 هـ

- هو عامر بن الجراح بن هلال الفهرى القرشى فاتح الديار الشامية صحابى لقبه النبى صلى الله عليه وسلم بأمين الأمة وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة له فى الصحيحين 14 حديثا

ص: 267

‌عثمان بن أبى

العاص

سنة 51 هـ

- جده بشر بن عبد بن دهمان من ثقيف صحابى من أهل الطائف أسلم فى وفد ثقيف فاستعمله النبى صلى الله عليه وسلم على الطائف فبقى كذلك الى عهد عمر فولاه عمان والبحرين وعزله عثمان فسكن البصرة الى أن توفى

‌عثمان بن الحكم

سنة 163 هـ

- عثمان بن الحكم الحزامى المصرى شيخ لعبد الله بن وهب، قال عنه أبو حاتم ليس بالمتقن عرض عليه قضاء مصر فأبى

‌عثمان بن عفان

سنة 35 هـ

- عثمان بن عفان بن أبى العاص بن أمية من قريش أمير المؤمنين ذو النورين ثالث الخلفاء الراشدين، وأحد العشرة المبشرين من كبار من اعتز بهم الاسلام فى عهد ظهوره ولد بمكة وأسلم بعد البعثة بقليل وكان غنيا شريفا فى الجاهلية ومن أظهر أعماله فى الاسلام جمع القرآن الكريم فى مصحف واحد وتجهيز جيش العسرة بماله صارت اليه الخلافه بعد وفاة عمر سنة 23 هـ

‌عثمان بن مظعون

سنة 2 هـ

- صحابى جليل من الرهط الذين ذهبوا يسألون عن عبادة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكأنهم تقالوها فنهاهم الرسول عليه السلام عن التبتل، استشهد فى غزوة بدر

‌عدى بن حاتم

سنة 67 هـ

- عدى بن حاتم الطائى قدم على النبى سنة سبع من الهجرة ونزل بالكوفة وسكنها، وفقئت عينه يوم الجمل مع على، مات بالكوفة وكان سنه 120 سنة

‌ابن العربى

- محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن أحمد الامام الحافظ القاضى أبو بكر المعروف بابن العربى ختام علماء الأندلس وآخر أئمتها له أحكام القرآن

‌ابن عرفة

سنة 803 هـ

- محمد بن محمد بن عرفة الورغنى أبو عبد الله امام تونس ولد وتوفى بها ومن كتبه المختصر الكبير فى كتب المالكيه ومختصر الفرائض والحدود فى التعاريف الفقهية وهو منسوب الى (ورغمة) قرية بافريقية

‌أبو عروبة

توفى سنة 318 هـ

- الحسين بن محمد بن مودود السلمى الحرانى، محدث حران وفقيهها، كان حافظا للحديث عارفا برجالة له، «تاريخ» وكتاب فى «الأمثال

‌عز الدين بن عبد

السّلام

سنة 660 هـ

- عز الدين بن عبد السّلام بن ابى القاسم شيخ الاسلام ولد سنة 577 هـ وأخذ الأصول عن الآمدى والفقه عن ابن عساكر وقد انتهت اليه معرفة مذهب الشافعى بلغ مرتبة الاجتهاد ولقب بسلطان العلماء توفى بمصر

‌العزيزى

سنة 1070 هـ

- على بن أحمد بن محمد بن ابراهيم العزيزى البولاقى الشافعى، فقيه مصرى من العلماء بالحديث مولده بالعزيزية شرقية ووفاته ببولاق من كتبه السراج المنير شرح الجامع الصغير

‌عكرمة

سنة 107 هـ

- أبو عبد الله عكرمة البربرى مولى ابن عباس كان فقيها عالما بالتفسير والسنة الا انه يرى رأى الخوارج، ولهذا تجنبه الامام مالك والأمام مسلم فلم يرويا له، ويقال هو الذى أدخل مذهب الإباضية الى المغرب توفى بالمدينه

ص: 268

‌علاء الدين

الطرابلسى

توفى سنة 844 هـ

- على بن خليل أبو الحسن، علاء الدين الطرابلسى فقيه حنفى كان فاضيا بالقدس، له معين الحكام فيما يتردى بين الخصمين من الأحكام

‌علقمة

سنة 62 هـ

- علقمة بن قيس بن عبد الله بن مالك النخعى الهمدانى تابعى كان فقيه العراق ولد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وروى الحديث عن الصحابة وشهد صفين وغزا خراسان وسكن الكوفة وتوفى بها

‌عليش

سنة 1299

- محمد بن أحمد بن محمد عليش أبو عبد الله فقيه من أعيان المالكية ولد فى القاهرة وتعلم فى الأزهر وولى مشيخة المالكية فيه من تصانيفه فتح العلى المالك على مذهب الامام مالك وهو مجموع فتاويه وشرح على مختصر خليل وغيره

‌على بن أبى

طالب

سنه 40 هـ

- على بن أبى طالب بن عبد المطلب أمير المؤمنين أول الناس اسلاما بعد خديجه ولد بمكة وربى فى حجر النبى صلى الله عليه وسلم وكان اللواء فى يده ولى الخلافة بعد مقتل عثمان فأقام بالكوفة وقتل شهيدا فى 17 رمضان سنة 40 هـ

‌أبو على

- انظر نسفى

‌عمار بن ياسر

سنة 37 هـ

- عمار بن ياسر بن عامر الكنانى القحطانى أبو اليقظان صحابى من الولاة الشجعان ومن السابقين الى الاسلام، هاجر الى المدينة وشهد بدرا واحدا وغيرهما، ولاه عمر الكوفة ثم عزله وشهد الجمل وصفين وقتل فيها

‌عمر بن الخطاب

توفى سنة 23 هـ

- عمر بن الخطاب بن نفيل القرشى العدوى أبو حفص ثانى الخلفاء الراشدين وأول من لقب بأمير المؤمنين، مضرب المثل فى العدل، كان فى الجاهلية من أبطال قريش وأشرافهم وله السقاية فيهم أسلم قبل الهجرة بخمس سنين وشهد الوقائع وكانت له تجارة بين الشام والحجاز بويع بالخلافة بعد وفاة أبى بكر بعهد منه

‌عمر بن عبد العزيز

سنة 101 هـ

- أبو حفص، عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموى ولى الحكم بعد سليمان بن عبد الملك فكان خليفه صالحا عادلا وربما لقب بخامس الخلفاء الراشدين

‌ابن عمر

- انظر عبد الله

‌عمرو بن حزم

سنة 51، 54 هـ

- أبو الضحاك، عمرو بن حزم بن زيد بن لوزان بن عمرو الانصارى الخزرجى المدنى، وقيل فى نسبه غير ذلك، اول مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، واستعمله الرسول صلى الله عليه وسلم على نجران باليمن وبعث معه كتابا فيه الفرائض والسنن والصدقات والجروح والديات وكتابه هذا مشهور فى كتب السنه، توفى بالمدينة احدى وقيل ثلاث وقيل أربع وخمسين.

‌عمرو بن دينار

توفى سنة 126 هـ

- أبو محمد عمرو بن دينار المكى الجمحى مولاهم، سمع ابن عمرو ابن عباس وجابرا وآخرين من الصحابه وخلائق من أئمة التابعين وروى عنه جعفر الصادق وأيوب وقتاده وخلائق من الأئمة وأجمعوا على جلاله وامامته وتوثيقه اختلف فى سنة وفاته ومات وهو ابن ثمانين سنة على التقريب

ص: 269

‌عمرو بن شعيب

سنة 218 هـ

- أبو ابراهيم عمرو بن شعيب بن محمد السهمى من رجال الحديث كان يسكن مكة

‌عمرو بن عبيد

سنة 144 هـ

- عمرو بن عبيد بن باب التيمى بالولاء أبو عثمان البصرى شيخ المعتزلة فى عصره وأحد الزهاد المشهورين أشتهر بعلمه وزهده له رسائل وخطب وكتب منها «التفسير» والرد على القدرية توفى بحران بقرب مكة

‌ابن عمرو

- انظر عبد الله

‌أبو عمرو بن العلاء

المتوفى 154 هـ

- زبان بن العلاء بن عمار التميمى المازنى البصرى، أحد القراء السبعة ليس فيهم اكثر شيوخا منه، سمع أنس بن مالك وغيره، وقرأ على الحسن البصرى وغيره، ومات بالكوفة

‌عميرة

- شهاب الدين أحمد البرلس المشهور بعميرة من علماء القرن العاشر الهجرى وله حاشية على شرح جلال الدين المحلى المسمى كنز الراغبين شرح منهاج الطالبين للنووى

‌عيسى بن عمر

توفى سنة 149 هـ

- عيسى بن عمر الثقفى بالولاء أبو سليمان من أئمة اللغة وهو شيخ الخليل وسيبويه وابن العلاء وأول من هذب النحو ورتبه وهو من أهل البصرة

‌العينى

سنة 855 هـ

- أبو محمد محمود بن أحمد العينى قاضى القضاة ولد بمصر سنه 762 وولى الحسبة بالقاهرة وقضاء الأحناف، من مؤلفاته، شرح صحيح البخارى، وشرح الهدايه، وشرح الكنز فى فقة الأحناف

‌ابن عيينة

سنة 198 هـ

- سفيان بن عيينه بن ميمون الهلالى الكوفى، محدث الحرم المكى، ولد بالكوفة وتوفى بها وكان حافظا ثقة، واسع العلم كبير القدر، قال الشافعى: لولا مالك وسفيان لذهب علم الحجاز. له (الجامع) فى الحديث، وكتاب فى التفسير

‌حرف الغين

‌الغزالى

توفى سنة 505 هـ

- هو الفيلسوف الفقيه الأصولى أبو حامد محمد بن محمد الغزالى الشافعى ولد فى مدينة طوس من أعمال خراسان وتوفى بها تجول فى طلب العلوم الشرعية والعقلية حتى نبغ فيها ثم أثر التصوف وغلب عليه وله اكثر من مائتى كتاب ومقالة ورسالة

‌غلام الخلال

سنة 363 هـ

- أبو بكر عبد العزيز بن جعفر بن أحمد البغوى مفسر ثقة فى الحديث من أعيان الحنابلة من أهل بغداد كان تلميذا لأبى بكر الخلال فلقب به ومن كتبه «الشافى» والمقنع فى الفقة كبيران جدا وتفسير القرآن والخلاف مع الشافعى وزاد المسافر والتنبيه

‌حرف الفاء

‌ابن فارس

توفى سنة 395 هـ

- احمد بن فارس زكريا القزوينى الرازى من أئمة اللغة والأدب ومن شيوخ البديع الهمذانى والصاحب بن عباد أصله من قزوين اليها ينسب وله تآليف كثيرة منها كتاب المجمل المشهور فى فقة اللغة

ص: 270

‌فاطمة

سنة 11 هـ

- فاطمة بنت رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم بن عبد الله بن عبد المطلب الهاشمية القرشية وامها خديجة بنت خويلد من نابهات قريش واحدى الفصيحات العاقلات. تزوجها على بن أبى طالب رضى الله عنه ولدت له الحسن والحسين وأم كلثوم وزينب لها 18 حديثا

‌ابن فرحون

سنة 799

- برهان الدين ابراهيم ابن الامام شمس الدين على بن محمد بن فرحون المالكى كان عالما بالفقه والأصول والرجال رحل الى مصر والقدس ودمشق ولى القضاء بالمدينة ومن مؤلفاته (تسهيل المهمات فى شرح جامع الامهات)(والتبصرة فى أصول الأقضية) وكان قاضيا للمالكية بالمدينه ومات بها

‌الفضل بن العباس

توفى سنة 13 هـ

- والده العباسى بن عبد المطلب كان من شجعان الصحابة ووجوههم وكان أسن اخوته ثبت مع أبيه يوم حنين وأردفه النبى صلى الله عليه وسلم وراءه فى حجة الوداع استشهد فى وقعة اجنادين بفلسطين.

‌ابن فورك

سنة 406

- محمد بن الحسن بن فورك الانصارى الأصبهانى أبو بكر واعظ عالم بالأصول والكلام من فقهاء الشافعية سمع بالبصرة وبغداد وحدث بنيسابور وتوفى على مقربة منها ونقل اليها، له تصانيف كثيرة منها (الحدود فى الأصول) وغيره

‌الفيروزابادى

سنة 817

- محمد بن يعقوب بن محمد بن ابراهيم بن عمر أبو طاهر مجد الدين الشيرازى من أئمة اللغة والأدب ولد بكازرون وانتقل الى العراق وجال فى مصر والشام ودخل بلاد الروم والهند أشهر كتبه القاموس المحيط وله كثير غيره

‌حرف القاف

‌القاسم

سنة 244

- الامام القاسم بن ابراهيم الرسى الحسنى امام من أئمة الزيدية ولد سنة 170 وتوفى بالرسى

‌قاسم بن أصبغ

توفى سنة 340 هـ

- قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف القرطبى سكن قرطبة ومات بها وكان جده من موالى بنى أمية له مسند مالك وأحكام القرآن والناسخ والمنسوخ

‌ابن القاسم

سنة 191 هـ

- عبد الرحمن بن القاسم بن خالد بن جنادة العتقى المصرى أبو عبد الله وعرف بابن القاسم فقيه تفقه بالامام مالك ونظرائه، ولد ومات بمصر روى المدونة عن مالك

‌قاضى خان

سنة 572 هـ

- حسن بن منصور بن أبى القاسم محمود بن عبد العزيز فخر الدين المعروف بقاضى خان الأوزدنجى الفرغانى فقيه حنفى من كبارهم له مؤلفات منها الفتاوى فى أربعة أجزاء والأمانى والواقعات والأوزدنجى نسبة الى أوزدنج بنواحى أصبهان

‌قاضى زاده

سنة 998 هـ

- شمس الدين أحمد بن تودر المعروف بقاضى زادة، له نتائج الأفكار فى تكمله كتاب فتح القدير لابن الهمام

‌ابن قدامة

سنة 620 هـ

- عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة بن مقدام بن نصر بن عبد الله المقدسى ثم الدمشقى الحنبلى موفق الدين رحل الى بغداد وسمع بها من عبد القادر

ص: 271

الجيلانى وغيره ثم عاد الى دمشق وصنف كتاب المغنى ورحل الى بغداد بعد ذلك توفى بدمشق ومن كتبه الكافى فى الفقه، مختصر العلل - مختصر الهداية وروضة الناظر وجنة المناظر.

‌ابن قدامة «شمس

الدين»

توفى سنة 682 هـ

- عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الجماعيلى الحنبلى من أعيان الحنابلة ولد وتوفى فى دمشق وهو أول من ولى القضاء بها من الحنابلة، له تصانيف منها الشافى وهو الشرح الكبير للمقنع فى فقه الحنابلة

‌قدامة بن مظعون

سنة 36 هـ

- قدامة بن مظعون بن حبيب الجمحى صحابى شهد بدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمله عمر على البحرين ثم عزله

‌القدورى

توفى سنة 428 هـ

- أحمد بن محمد بن أحمد القدورى فقيه حنفى ولد ومات فى بغداد، انتهت اليه رئاسة الحنفية فى العراق وصنف المختصر المعروف باسمه «القدورى» فى فقه الحنفية، ومن كتبه التجريد فى سبعه أجزاء يشتمل على الخلاف بين الشافعية والحنفية وكتاب النكاح

‌القرافى

سنة 684 هـ

- أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن أبو العباس شهاب الدين الصنهاجى القرافى من علماء المالكيه والقرافى نسبة الى القرافه محلة مجاورة لقبر الامام الشافعى بالقاهرة وهو مصرى المولد والمنشأ والوفاة له مصنفات جليله فى الفقة والأصول

‌القرطبى

سنة 276 هـ

- قاسم بن محمد بن قاسم بن محمد بن سيار الاموى مولاهم البياتى الأندلسى القرطبى أبو محمد، من اعلام الفقهاء والمحدثين فى الاندلس؛ وهو أحد المجتهدين له كتاب، «الايضاح» ومولده ووفاته بقرطبة رحل الى مصر رحلتين

‌ابن القشيرى

سنة 465

- عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة النيسابورى القشيرى من بنى قشير شيخ خراسان فى عصره ومن كتبه «التيسير فى التفسير» و «لطائف الاشارات» والرساله القيشريه

‌القرطبى

671 هـ

- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبى بكر بن نوح الانصارى الخزرجى كان مقره منية أبن خصيب (محافظة المنيا بمصر) توفى ودفن بها وله كتاب جامع أحكام القرآن فى تفسير القرآن

‌القفال

توفى سنة 417 هـ

- عبد الله أحمد المروزى أبو بكر فقيه شافعى كان وحيد زمانه فقها وحفظا وزهدا كثير الآثار فى مذهب الامام الشافعى له كتاب شرح فروع محمد بن الحداد المصرى فى الفقه وكانت صناعته عمل الاقفال قبل الاشتغال بالفقه يلقب بالقفال الصغير توفى بسجستان

‌القفال الشاشى

سنة 507 هـ

- محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر أبو بكر الشاشى القفال الفارقى رئيس الشافعية بالعراق فى عصره ولد بميافارقين ورحل الى بغداد فتولى التدريس بها فى المدرسة النظاميه واستمر الى أن توفى من كتبه «حلية العلماء» فى معرفة مذاهب الفقهاء» وغيره

ص: 272

‌أبو قلابة

سنة 104

- عبد الله بن زيد بن عمرو الجرمى عالم بالقضاء والأحكام ناسك من أهل البصرة رفض القضاء وهرب الى الشام فمات بها وكان من رجال الحديث الثقات

‌القليوبى

سنة 1069 هـ

- أحمد بن أحمد بن سلامه أبو العباسى شهاب الدين القليوبى، ففيه شافعى من أهل قليوب بمصر له حواش وشروح ورسائل وكتاب فى تراحم جماعة من أهل البيت سماه «تحفة الراغب»

‌القيروانى

سنة 386 هـ

- ابن أبى زيد عبد الله بن عبد الرحمن النفزاوى القيروانى فقيه من اعيان القيروان مولده ومنشأه ووفاته بها كان أمام المالكية فى عصره يلقب بقطب المذهب وبمالك الأصفر له عدة كتب منها النوادر والزيادات نحو مائه جزء ومختصر المدونة وأشهر كتبه الرسالة فى اعتقاد أهل السنة

‌ابن القيم

سنة 751

- محمد بن أبى بكر بن أيوب بن سعد الزرعى الدمشقى أحد كبار العلماء مولده ووفاته فى دمشق تتلمذ لشيخ الاسلام ابن تيميه وهو الذى هذب كتبه ونشر علمه الف تصانيف كثيرة منها اعلام الموقعين - الطرق الحكميه فى السياسة الشرعيه وغيرها

‌حرف الكاف

‌الكاشانى

توفى سنة 587 هـ

- أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاشانى علاء الدين فقيه حنفى من أهل حلب له بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع والسلطان المبين فى أصول الدين توفى فى حلب

‌ابن كثير

- انظر عبد الله

‌ابن كثير الحافظ

سنة 774

- اسماعيل بن عمر بن كثير القرشى الدمشقى أبو الفداء عماد الدين حافظ مؤرخ ولد فى قرية من أعمال بصرى الشام وانتقل مع أبيه الى دمشق ورحل فى طلب العلم حتى صار من الائمة المشار اليهم وتوفى بدمشق وهو صاحب التفسير المشهور والبداية والنهاية فى التاريخ

‌الكرخى

340 هـ

- هو عبيد الله بن الحسين الكرخى أبو الحسن فقيه انتهت اليه رياسة الحنفيه بالعراق مولده فى الكوفة ووفاته ببغداد له رسالة فى أصول الأحناف

‌الكسائى

سنة 189 هـ

- على بن حمزة بن عبد الله الأسدى بالولاء الكوفى امام فى اللغه والنحو والقراءة ولد فى بعض قرى الكوفة وتعلم بها وتوفى بالرى عن سبعين عاما وله كتاب معانى القرآن وكتاب القراءات

‌الكعبى

سنة 319

- عبد الله بن محمود الكعبى أبو القاسم أحد أئمة المعتزله وله آراء ومقالات فى الكلام انفرد بها وهو من أهل بلخ وتوفى بها له كتب منها التفسير وتأييد مقاله ابو الهذيل وغيرها

‌الكمال بن الهمام

سنة 861 هـ

- محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسى ثم الاسكندرى كمال الدين المعروف بابن الهمام، امام من علماء الحنفية عارف بأصول

ص: 273

الديانات والتفسير والفرائض والفقة .. صله من سيواس، ولد بالاسكندرية ونبغ فى القاهرة وجاور بالحرمين ثم كان شيخ الشيوخ بالخانقاه بالشيخونية بمصر

‌حرف اللام

‌ابن اللبان

سنة 402

- أبو الحسين بن اللبان محمد بن عبد الله بن الحسن عالم وقته فى الفرائض والمواريث من أهل البصرة له كتب فى الفرائض، قال السبكى: ليس لأحد مثلها

‌اللخمى

توفى سنة 478 هـ

- أبو الحسن على بن محمد الربعى فقيه مالكى له معرفة بالأدب والحديث قيروانى الأصل نزل سفاقس وتوفى بها صنف كتبا مفيدة من احسنها تعليق كبير على المدونة فى فقه المالكية سماه «النصرة»

‌أبو لهب

سنة 2 هـ

- عبد العزى بن عبد المطلب بن هاشم، عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من أشد الناس عداوة له بعد ظهور الاسلام، وفيه نزلت سورة «تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ

»

‌الليث

سنة 175 هـ

- الليث بن سعد بن عبد الرحمن الفهمى بالولاء امام أهل مصر فى عصره حديثا وفقها كانت له مكانة عظمى حتى ان القاضى والنائب من تحت أمره ومشورته أصله من خراسان ومولده فى قلقشنده ووفاته بالقاهرة

‌أبو الليث

السمرقندى

توفى سنة 373 هـ

- نصر بن محمد بن أحمد بن ابراهيم السمرقندى أبو الليث الملقب بامام الهدى من أئمة الحنفية - له تصانيف نفيسة منها - خزانة الفقه والمقدمة فى الفقه وشرح الجامع الصغير فى الحديث ومختلف الرواية فى الخلافيات بين أبى حنيفة ومالك والشافعى

‌ابن أبى ليلى

توفى سنة 148 هـ

- محمد بن عبد الرحمن بن أبى ليلى الانصارى الكوفى الفقيه قاضى الكوفة من أصحاب الرأى له أخبار مع الامام أبى حنيفة وغيره مات بالكوفة

‌حرف الميم

‌ابن ماجة

سنة 273

- محمد بن يزيد الربعى القزوينى أبو عبد الله بن ماجه أحد الائمة فى علم الحديث من أهل قزوين، رحل الى البصرة وبغداد والشام ومصر والحجاز والرى فى طلب الحديث وصنف كتابه «سنن ابن ماجة» وهو أحد الكتب الستة المعتمدة وله غيره فى التفسير والتاريخ

‌الماتريدى

سنة 333 هـ

- محمد بن محمد بن محمود الماتريدى امام المتكلمين فى عصره وسمى بالماتريدى نسبة الى بلدته ما تريد محله بسمرقند وله فى الفقة كتاب مأخذ الشرائع وفى الأصول كتاب الجدل

‌المازرى

سنة 536

- محمد بن على بن عمر التميمى محدث من فقهاء المالكية منسوب الى مازر بجزيرة صقلية ووفاته بالمهديه - من كتبه «المعلم بفوائد مسلم» والتلقين فى الفروع وغيرهما

ص: 274

‌مالك

سنة 179

- مالك بن انس بن مالك الاصبحى الحميرى أبو عبد الله، امام دار الهجرة وأحد الأئمة الأربعه مولده ووفاته فى المدينة، كان صلبا فى دينه بعيدا عن الأمراء والملوك، له كتاب الموطأ ورسالة فى الوعظ وكتاب فى المسائل ورسالة فى الرد على القدرية وتفسير غريب القرآن

‌الماوردى

توفى سنة 450 هـ

- أبو الحسن على بن محمد بن حبيب، أقضى قضاة عصره، من العلماء الباحثين أصحاب التصانيف الكثيرة النافعه ولد فى البصرة، وانتقل الى بغداد وكان يميل الى مذهب الاعتزال نسبته الى بيع ماء الورد ووفاته ببغداد، من كتبه «أدب الدنيا والدين» و «الأحكام السلطانيه» و «الحاوى» فى فقه الشافعية وغيرها

‌المؤيد بالله

توفى سنة 411 هـ

- أحمد بن الحسين بن هارون الحسنى الآملى كان مبرزا فى علم النحو واللغة والحديث وغيرها ولد بآمل طبرستان وبويع بالخلافة سنة 380 هـ

‌محمد بن الحسن

سنة 189 هـ

- محمد بن الحسن بن فرقد من موالى بنى شيبان امام فى الفقه والأصول وهو الذى نشر علم أبى حنيفة اصله من قرية هو سته فى غوطة دمشق وولد بواسطة ونشأ بالكوفه فسمع من أبى حنيفة وغلب عليه مذهبه وعرف به وانتقل الى بغداد فولاه الرشيد القضاء بالرقة ثم عزله مات فى الرى

‌محمد عبده

توفى سنة 1905 م

- محمد عبده بن حسن خير الله من آل التركمانى مفتى الديار المصرية ومن كبار رجال الاصلاح والتجديد فى الاسلام ولد فى شنرا من قرى الغربية بمصر ونشأ فى محلة نصر بالبحيرة وتعلم بالجامع الاحمدى بطنطا ثم الأزهر، وقد تقلب فى شتى الشئون والوظائف والبلدان من مؤلفاته الاسلام والنصرانيه وهى كثيرة متداولة

‌محمد بن على

سنة 449 هـ

- محمد بن على بن عثمان الكراجكى أبو الفتح باحث امامى من كبار أصحاب الشريف المرتضى، له كتب منها «كنز الفوائد ومعونة الفارض» فى الفرائض وغيرها توفى بصور

‌محمد بن منصور

- محمد بن منصور بن يزيد المرادى الكوفى الزيدى أحد أئمة الزيديه وجامع أقوال الأئمه مؤلفاته كثيرة جمع تفسير الغريب للامام زيد بن على توفى سنة نيف وتسعين ومائتين

‌المرتضى

سنة 310 هـ

- محمد بن الامام يحيى الهادى بن الحسين الحسنى الامام المرتضى.

كان عالما بالفقه. وأصول الدين له فى الفقه كتابان «الايضاح والنوازل» وغيرهما

‌المرغينانى

سنة 593 هـ

- برهان الدين أبو الحسن على بن أبى بكر بن عبد الجليل الرشدانى المرغينانى فقيه من فقهاء الاحناف وله كتاب بداية المبتدى وشرحه الهداية

‌مروان بن الحكم

توفى سنة 65 هـ

- مروان بن الحكم بن أبى العاص بن أمية أبو عبد الملك الخليفة الأموى هو أول من ملك من بنى الحكم واليه ينسب بنو مروان ولد بمكة ونشأ بالطائف وسكن المدينة وجعله عثمان فى خاصته واتخذه كاتبا له، تقلبت به الأحوال حتى توفى فى دمشق بالطاعون

‌المروزى

سنة 294 هـ

- محمد بن نصر المروزى أبو عبد الله امام فى الفقه والحديث ولد ببغداد ونشأ بنيسابور ثم استوطن سمرقند وتوفى بها له كتب كثيرة منها القسامة فى الفقة

ص: 275

‌المزنى

سنة 264 هـ

- اسماعيل بن يحيى بن اسماعيل أبو ابراهيم المزنى نسبة الى مزينة من مضر صاحب الامام الشافعى من أهل مصر كان زاهدا عالما مجتهدا قوى الحجة له كتاب الجامع الكبير والجامع الصغير والمختصر

‌مسروق

سنة 63 هـ

- مسروق بن الأجدع بن مالك الهمدانى تابعى ثقه من أهل اليمن قدم المدينة فى أيام أبى بكر وشهد حروب على كان أعلم بالفتيا من شريح

‌ابن مسعود

- انظر عبد الله

‌مسلم

توفى سنة 261

- مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيرى النيسابورى أبو الحسين حافظ من أئمة المحدثين ولد بنيسابور ورحل الى الحجاز ومصر والشام والعراق وتوفى بظاهر نيسابور وأشهر كتبه - صحيح مسلم جمع فيه اثنا عشر الف حديث كتبها فى خمس عشرة سنه وهو أحد الصحيحيين المعول عليها عند أهل السنة فى الحديث وقد شرحه كثيرون وله كتب اخرى

‌ابن المسيب

- انظر سعيد

‌ابن مظعون

توفى سنة 2 هـ

- عثمان بن مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافه بن جمح الجمحى، أسلم بعد ثلاثة عشر رجلا وهاجر الى الحبشه هو وابنه السائب فى الهجرة الأولى وفى الصحيحين عن سعد بن أبى وقاص قال: رد النبى صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصت توفى بعد شهوده بدرا وهو أول من مات بالمدينة من المهاجرين وأول من دفن بالبقيع منهم

‌أبو المظفر

- محيى الدين بن محمد أورنك زيب بهادر عالم كبير بادشاه واحد من سلاطين الهند الغازين فى سبيل الله ممن عنوا بالشريعة الاسلامية ونشر آثارها فقرب العلماء واستعان بهم وكان من آثاره كتاب «الفتاوى الهندية» التى حشد لها العلماء وفتح لهم مكتبة وأغدق عليهم العطايا حتى ظهرت وصارت من أهم المراجع فى الفقه الحنفى

‌معاذ بن جبل

سنة 18 هـ

- معاذ بن جبل بن عمرو بن أوس الأنصارى الخزرجى أبو عبد الرحمن صحابى جليل وكان أعلم الائمة بالحلال والحرام وهو أحد الستة الذين جمعوا القرآن على عهد النبى صلى الله عليه وسلم شهد العقبة مع الأنصار السبعين وشهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها مع الرسول صلى الله عليه وسلم وبعثه الرسول صلى الله عليه وسلم قاضيا ومرشدا لأهل اليمن توفى بناحية الاردن

‌المعافى النهروانى

سنة 390 هـ

- المعافى بن زكريا بن يحيى الجريرى النهروانى أبو الفرج بن طرار من الأدباء الفقهاء مولده ووفاته بالنهروان فى العراق ولى القضاء ببغداد له تصانيف كثيرة

‌معاوية بن أبى

سفيان

سنه 60 هـ

- معاوية بن أبى سفيان صخر بن حرب القرشى الأموى مؤسس الدولة الأموية فى الشام واحد دهاة العرب ولد بمكة قبل الهجرة بعشرين سنة واسلم يوم فتحها سنة 8 هـ وكان من كتاب الوحى بويع له بالخلافة بعد الحسن بن على سنة 41 هـ ومات فى دمشق سنة 60 هـ

‌معاوية بن عمار

سنة 145

- معاوية بن عمار العبدى الدهنى من مشايخ الشيعة من أهل الكوفة أخذ عن سعيد بن جبير وروى عنه الثورى له كتاب الحديث

ص: 276

‌أبو معشر الدارمى

توفى سنة 58 هـ

- صحابى جليل جاء فيه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك»

‌المعلى بن منصور

توفى سنة 211 هـ

- المعلى بن منصور الرازى أبو يعلى من رجال الحديث ثقة من أصحاب أبى يوسف ومحمد بن الحسن وأخذ عنه كثيرون، طلب للقضاء غير مرة فأبى، أصله من الرى وسكن بغداد من كتبه «النوادر» و «الأمالى» كلاهما فى الفقه

‌معمر

سنة 153 هـ

- معمر بن راشد بن أبى العمر الأزدى أبو عروة فقيه حافظ متقن ثقة، من أهل البصرة ولد واشتهر فيها وسكن اليمن وهو عند مؤرخى رجال الحديث: أول من صنف باليمن

‌ابن مفلح

سنة 763

- محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج أبو عبد الله أعلم أهل عصره بمذهب الامام أحمد بن حنبل ولد ونشأ فى بيت المقدس وتوفى بصالحية دمشق من مؤلفاته كتاب الفروع والنكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لأبن تيميه وغيرها

‌المقداد

سنة 33، 37 هـ

- المقداد بن عمرو ويعرف بابن الأسود الكندى البهرانى الحضرمى أبو معبد أو أبو عمرو، صحابى من الأبطال وهو أحد السبعة الذين كانوا أول من أظهر الاسلام، شهد بدرا وغيرها وسكن المدينه ودفن بها

‌المقرى

سنة 758 هـ

- محمد بن محمد بن أحمد أبو بكر التلمساني باحث من الفقهاء الأدباء المتصوفين من علماء الحنابلة، ولد وتعلم بتلمسان وبها دفن بعد وفاته بفاس وهو جد الأديب صاحب نفح الطيب ومن مؤلفاته القواعد ويشتمل على 1200 قاعدة

‌ابن ملك

سنة 801 هـ

- عبد اللطيف بن عبد العزيز بن أمين الدين بن فرشتا الكرمانى المعروف بابن ملك فقيه حنفى له شرح مجمع البحرين فى الفقة وشرح المنار فى الأصول وغيرهما

‌ابن ابى ملكية

توفى سنة 117 هـ

- ولاه ابن الزبير قضاء الطائف

ولاه ابن الزبير قضاء الطائف

‌ابن المنذر

سنة 277

- محمد بن ادريس بن المنذر بن داود بن مهران أبو حاتم الحنظلى الرازى كان أحد الأئمة الحفاظ سمع محمد بن عبد الله الانصارى وأبا زيد النحوى وعثمان بن الهيثم المؤذن والامام أحمد فى آخرين وروى عنه يونس بن عبد الأعلى، والربيع بن سليمان المصريان وغيرهما. قدم بغداد وحدث بها. وأول كتبه الحديث سنة تسع ومائتين

‌المنصور

سنة 158 هـ

- عبد الله بن محمد بن على بن العباس أبو جعفر المنصور ثانى خلفاء بنى العباس وأول من عنى بالعلوم من ملوك العرب كان عارفا بالفقه والأدب محبا للادباء وهو بانى مدينة بغداد دفن بالحجون بمكة

‌المنصور بالله

سنة 614

- عبد الله بن حمزة بن سليمان بن على بن حمزة بن أبى هاشم الحسنى القاسمى المنصور بالله أحد أئمة الزيديه وله مؤلفات كثيرة أهمها كتاب الشافى

ص: 277

‌أبو منصور

توفى سنة 460 هـ

- أبو منصور على بن الحسن القرميسين فقيه حنبلى ودفن بمقبرة الامام أحمد

‌أبو منصور

- انظر الماتريدى

‌ابن منظور

سنة 711

- محمد بن مكرم بن على جمال الدين بن منظور صاحب لسان العرب الامام اللغوى الحجة ولد بمصر وخدم فى ديوان الانشاء بالقاهرة وتوفى بمصر ومن مؤلفاته مختصر الأغانى

‌أبو موسى الاشعرى

سنة 44 هـ

- عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار بن حرب من بنى الأشعر بن قحطان صحابى من الولاة الفاتحين وأحد الحكمين اللذين رضى بهما على ومعاويه ولد فى زبيد باليمن وقدم مكة عند ظهور الاسلام وأسلم وهاجر الى أرض الحبشة ثم استعمله الرسول على الزبيد وعدن وولاه عمر البصره سنة 17 هـ وأقره عثمان عليها وعزله على توفى بالكوفة

‌ابن مودود الموصلى

توفى سنة 683

- عبد الله بن محمود بن مودود الموصلى، فقيه حنفى، ولد بالموصل ورحل الى دمشق وولى قضاء الكوفة مدة واستمر ببغداد مدرسا وفيها توفى، له كتاب المختار وشرحه الاختيار

‌ابن المواز

توفى سنة 281 هـ

- محمد بن ابراهيم بن زياد المواز أبو عبد الله فقيه مالكى من أهل الاسكندرية انتهت اليه رياسة المذهب فى عصره

‌الميدانى

1298 هـ

- عبد الغنى بن طالب بن حمادة الغنيمى الدمشقى من فقهاء الحنفية، وهو صاحب كتاب اللباب شرح القدورى وشروح ورسائل فى الصرف والتوحيد

‌الميرغنانى

سنة 616 هـ

- برهان الدين محمود بن أحمد صاحب كتاب المحيط البرهانى فى فقه الحنفية

‌حرف النون

‌الناصر

توفى سنة 304 هـ

- أبو محمد الحسن بن على بن الحسن بن على بن عمر بن على بن الحسين ابن على ابن أبى طالب الحسينى الامام الناصر الكبير كان عالما شجاعا ورعا زاهدا اليه تنسب الناصريه

‌الناطفى

سنة 446 هـ

- أحمد بن محمد بن عمر أبو العباس الناطفى فقيه حنفى من أهل الرى منسوب الى عمل الناطف من كتبه الأجناس والفروق والأحكام

‌نافع بن عبد

الرحمن المدنى

توفى سنة 169 هـ

- هو نافع بن عبد الرحمن بن أبى نعيم أبو رويم، ويقال: أبو نعيم الليثى مولاهم. أحد القراء السبعة الأعلام. ثقة صالح، اصله من اصبهان، أخذ القراءة عرضا عن تابعى أهل المدينة: عبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وابى جعفر القارئ، وشيبه بن نصاح وغيرهم. توفى سنة 165 وقيل غير ذلك

‌ابن نافع

سنة 206

- أبو محمد عبد الله بن نافع الضائغ المدنى القرشى المخزومى مولاهم سمع مالكا وابن أبى ذؤيب، وهشام بن عروه وغيرهم، قال ابن سعد: كان قد لزم مالك بن أنس لزوما شديدا، وكان لا يقدم عليه أحدا

ص: 278

‌نجم الدين

سنة 767

- عمر بن يوسف نجم الدين من أكابر اليمن فى الدولة الرسولية له آثار منها المدرسة العمرية بتعز

‌ابن نجيم

سنة 970

- زين الدين بن ابراهيم بن محمد فقيه حنفى مصرى له تصانيف منها الأشباه والنظائر فى أصول الفقه - البحر الرائق فى شرح كنز الدقائق وغيرها

‌النخعى

سنة 96 هـ

- ابراهيم بن يزيد بن قيس بن الاسود أبو عمران النخعى، من أكابر التابعين صلاحا وحفظا للحديث من أهل الكوفة مات مختفيا من الحجاج

‌ابن النديم

سنة 438

- محمد بن اسحق بن محمد بن اسحق أبو الفرج بن أبى يعقوب النديم صاحب كتاب الفهرست وهو من أقدم كتب التراجم ومن أفضلها. وهو بغدادى وكان معتزليا متشيعا ألف الفهرست فى شبابه وعاود النظر فيه فى كهولته وله كتاب آخر سماه (التشبيهات)

‌النسائى

سنة 303 هـ

- أحمد بن على بن شعيب أبو عبد الرحمن صاحب السنن أصله من نسا نجراسان واستوطن مصر ثم خرج الى الرملة فمات بها ودفن ببيت المقدس

‌النسفى

414 هـ

- أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمود النسفى له تعليقة فى الخلاف وكان قنوعا أخذ عن أبى بكر الرازى الفقة

‌النسفى

424 هـ

- أبو على الحسين بن خضر النسفى تفقه على أبى بكر محمد بن الفضل وأخذ عنه شمس الأئمة عبد العزيز الحلوانى وجعفر بن محمد النسفى وله الفوائد والفتاوى وكان امام عصره

‌النسفى

سنة 533 هـ

- عبد العزيز بن عثمان بن ابراهيم امام عصره فى بخارى تفقه على برهان الدين الكبير عن السرخس عن الحلوانى ومن مؤلفاته المنقذ من الزلل فى مسائل الجدل وكفاية الفحول فى الأصول

‌النظام

سنة 231

- ابراهيم بن سيار بن هانئ البصرى أبو اسحاق النظام من أئمة المعتزلة تبحر فى علوم الفلسفة وانفرد بآراء خاصة تابعة فيها فرقة من المعتزلة تسمى النظامية نسبة اليه واشتهر بالنظام لاجادته نظم الكلام وكان شاعرا أديبا بليغا

‌نظام الملك

سنة 485 هـ

- الحسن بن على بن اسحاق الطوسى أبو على الملقب بقوام الدين وزير حازم أصله من نواحى طوس تأدب بآداب العرب وسمع الحديث الكثير واشتغل بالأعمال السلطانية قال ابن عقيل، كانت ايامه دولة أهل العلم ودفن فى اصبهان

‌النووى

توفى سنة 676 هـ

- يحيى بن شرف بن مرى بن حسين الحزامى الحورانى النووى، الشافعى علامة بالفقة والحديث مولده ووفاته فى نوا (من قرى حوران بسورية) من كتبه فى فقه الشافعية (تصحيح التنبيه) وله كتب كثيرة فى الحديث والتوحيد والفتاوى

‌النيسابورى

سنة 548 هـ

- محمد بن يحيى بن منصور أبو سعد محيى الدين النيسابورى رئيس الشافعية فى نيسابور فى عصره نفقه على الامام الغزالى ودرس بنظامية نيسابور وقتلته الغز، ومن كتبه المحيط فى شرح الوسيط والانتصاف فى مسائل الخلاف وغيرها

ص: 279

‌حرف الهاء

‌الهادى

سنة 298

- يحيى بن الحسن بن القاسم بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم (طباطبا) ابن الحسن بن الحسن بن على بن أبى طالب امام من أئمة الزيدية كتب فى الفقه وغيره كتبا قيمة منها كتاب الأحكام على نمط كتاب الموطأ للامام مالك حيث يذكر اجتهاداته ووجوهها ويربط أكثر المسائل بالأدلة وقلده فى اجتهاده كثير من أهل اليمن

‌أبو هاشم الجبانى

توفى سنة 321 هـ

- أبو هاشم عبد السّلام بن أبى على محمد الجبائى كان هو وأبوه من كبار المعتزلة وكتب الكلام مشحونة بمذهبهما والجبائى بضم الجيم نسبة الى قرية من قرى البصرة

‌ابن هبيرة

توفى سنة 560 هـ

- يحيى بن هبيرة بن محمد الزهرى الشيبانى أبو المظفر من كبار الوزراء فى الدولة العباسية عالم بالفقه والأدب ولد بقرية بالعراق ودخل بغداد فى صباه وتوفى بها. من تصانيفه الايضاح والتبيين فى اختلاف الائمة المجتهدين والافصاح عن معانى الصحاح وغيرها

‌أبو هريرة

سنة 59

- عبد الرحمن بن صخر الدوسى الملقب بأبى هريرة كان اكثر الصحابة حفظا للحديث ورواية له. نشأ يتيما ثم قدم المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر فأسلم سنة سبع ولزم صحبة النبى فروى عنه 5344 حديثا توفى بالمدينة المنورة

‌هشام بن عبد الحكم

توفى سنة 402 هـ

- هشام بن الحكم بن عبد الرحمن الناصر أبو الوليد المؤيد الأموى من خلفاء الدولة الأموية بالأندلس ولد بقرطبة وقتل بها

‌هشام بن عروة

سنة 146 هـ

- هشام بن عروة بن الزبير بن العوام، الفقيه أبو المنذر الأسدى المدنى، أحد أئمة الحديث أدرك عمه عبد الله بن الزبير، وقال: مسح ابن عمر رأسى ودعا لى

‌ابن الهمام

- انظر الكمال

‌هند بنت عتبة

توفيت سنة 14 هـ

- جدها ربيعة بن عبد شمس صحابية قرشية عالية الشهرة وهى أم الخليفة معاوية كانت فصيحة جريئة شاعرة اسلمت يوم فتح مكة وقد شهدت اليرموك وحرضت على الروم

‌الهندوانى

- انظر أبو جعفر

‌حرف الياء

‌يحيى بن حمزة

سنة 745 هـ

- (الامام) يحيى بن حمزة بن على الحسينى العلوى الطالبى من أكابر أئمة الزيدية وعلمائهم فى اليمن ولد فى صنعاء وتلقب بالمؤيد بالله أو المؤيد برب العزة من تصانيفه الشامل فى أصول الدين ونهاية الوصول الى علم الأصول والحاوى فى الفقه وكثير غيرها

ص: 280

‌يحيى بن يحيى

توفى 234 هـ

- جده أبو عيسى كثير بن دسلاس الليثى بالولاء عالم الاندلس فى عصره بربرى الأصل من قبيلة قصموده، رحل الى المشرق فسمع الموطأ من الامام مالك وأخذ عن علماء مكة ومصر، وعاد الى الأندلس فنشر فيها مذهب مالك وكان لا يولى قاض الا بأمره توفى بقرطبة

‌يعقوب

سنة 205

- هو يعقوب بن اسحاق بن زيد، أبو محمد الخضرمى، مولاهم البصرى، احد القراء العشرة، وامام أهل البصرة ومقريها. أخذ القراءة عرضا عن سلام الطويل ومهدى بن ميمون وأبى الاشهب العطاردى وغيرهم، سمع الحروف من الكسائى، وسمع من حمزة حروفا

‌ابو يعلى الكبير

توفى سنة 458 هـ

- محمد بن الحسين بن محمد بن خلف عالم عصره فى الأصول والفروع وأنواع الفنون من أهل بغداد ولى قضاء الخلافة والحريم وحران وحلوان تصانيفه كثيرة منها «المجرد» فى الفقه على مذهب أحمد وكان شيخ الحنابلة

‌أبو يعلى الصغير

سنة 560

- محمد بن محمد بن محمد بن الحسين عماد الدين بن القاضى أبى خازن بن أبى يعلى الكبير قاض من كبار الحنابلة ببغداد وتوفى بها من كتبه (التعليقة) فى مسائل الخلاف و (النكت والاشارات) فى مسائل المفردات وغيرها

‌يوسف أصاف

سنة 1938 م

- يوسف بن همام أصاف، محام، مترجم، فاصل لبنانى المولد تعلم العربية والسريانية والايطالية ومبادئ العلوم فى لبنان ثم عين مدرسا فى «عكا» ورحل الى ايطاليا وتركيا ثم استقر بمصر واستخدم مترجما بالاسكندرية وكانت وفاته بلبنان

‌يوسف شخت

- مستشرق ألمانى أستاذ فى العلوم الشرقية وله عدة كتب أشهرها كتاب الحيل فى الفقه لأبى حاتم القزوينى

‌ابو يوسف

سنة 182

- يعقوب بن ابراهيم بن حبيب الأنصارى الكوفى البغدادى أبو يوسف صاحب الامام أبى حنيفة وتلميذه وأول من نشر مذهبه ولد بالكوفة وولى القضاء ببغداد وكان أول من دعى قاض القضاه وله كتاب الخراج والآثار وغيره مات ببغداد

‌ابن يونس

سنة 415

- أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس الصقلى، كان فقيها اماما فرضيا، وكان ملازما للجهاد الف كتابا فى الفرائض وكتابا جامعا للمدونه اضاف اليها غيرها من الامهات

ص: 281