المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إشارة ‌ ‌التعريف فى اللغة كلمة أشارة مصدر فعله أشار الثلاثى المزيد بالهمزة، - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ١٠

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌إشارة

‌التعريف فى اللغة

كلمة أشارة مصدر فعله أشار الثلاثى المزيد بالهمزة، فأصل مادته شار، جاء فى لسان العرب، أشار اليه وشور: أومأ، يكون ذلك بالكف والعين والحاجب.

وقد أنشد ثعلب فى ذلك قول الشاعر نسر الهوى الا اشارة حاجب:

هناك والا أن تشير الأصابع وروى عن ابن السكيت: شور اليه بيده أى أشار

وفى الحديث: كان يشير فى الصلاة أى يومئ باليد، والرأس، أى يأمر وينهى بالاشارة.

ومنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للذى كان يشير بأصبعه فى الدعاء: أحد أحد.

ومنه ما جاء فى الحديث أنه صلى الله عليه وسلم كان اذا أشار بكفه أشار بها كلها: أراد أن اشاراته كلها مختلفة فما كان منها فى ذكر التوحيد والتشهد، فانه كان يشير بالمسبحة وحدها، وما كان فى غير ذلك كان يشير بكفه كلها، ليكون بين الاشارتين فرق.

ومنه: واذا تحدث اتصل بها أى وصل حديثه باشارة تؤكده.

وفى حديث أبى هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أشار الى أخيه بحديدة فان الملائكة تلعنه حتى يدعه، وان كان أخاه لأبيه وأمه.

وقال: لا يشير أحدكم الى أخيه بالسلاح فانه لا يدرى أحدكم لعل الشيطان ينزع فى يده فيقع فى حفرة من النار

(1)

.

والمشيرة هى الأصبع التى يقال لها السبابة وهو منه، ويقال للسبابتين المشيرتان.

وأشار عليه بأمر كذا نصحه أن يفعله مبينا ما فيه من صواب.

وأشار اليه وأشار بيده أو نحوها: أومأ اليه معبرا عن معنى من المعانى، كالدعوة الى الدخول أو الخروج.

وأشار الرجل يشير اشارة اذا أومأ بيديه.

ويقال: شورت اليه بيدى وأشرت لوحت اليه

(2)

.

(1)

صحيح مسلم بشرح النووى ج 6 ص 169، ص 170 طبع المطبعة المصرية ومكتبتها بمصر.

(2)

لسان العرب لابن منظور والمعجم الوسيط اخراج مجمع اللغة العربية مادة شور.

ص: 5

‌التعريف فى اصطلاح الفقهاء

لا يكاد الفقهاء، وأئمة المذاهب فى استعمالاتهم لكلمة اشارة، يخرجون على ما ورد فى استعمال اللغويين لها، فهى فى استعمالهم تفيد الايماء أو التلويح، سواء كان ما يشار به يدا أو رأسا أو أصبعا أو اسم اشارة أو غير ذلك.

‌الاشارة فى استعمال الأصوليين

جاء فى كشف الأسرار: أن الوقوف على أحكام النظم على أربعة أوجه هى الوقوف على حكم النظم بعبارته.

والوقوف عليها باشارته.

والوقوف عليها بدلالته.

والوقوف عليها باقتضائه

(1)

.

‌التعريف عند الأصوليين

جاء فى كشف الأسرار: أن الاستدلال بأشارة النص هو الاستدلال بما ثبت بنظم الكلام أى بتركيبه من غير زيادة ولا نقصان، الا أن ذلك الثابت غير مقصود من الكلام ولا سيق له الكلام.

وقيل فى تفسير الاشارة هى دلالة نظم الكلام لغة على ما ضمن فيه من المعنى غير المقصود

(2)

.

وجاء فى التقرير والتحبير: أن الاشارة هى دلالة اللفظ على ما لم يقصد به.

وسميت هذه الدلالة بالاشارة، لأن السامع لاقباله على ما سيق له الكلام كأنه غفل عما فى ضمنه فهو يشير اليه.

ونظير العبارة والاشارة من المحسوس أن ينظر انسان الى مقبل عليه فيدركه ويدرك غيره بلحظه يمنة ويسرة فادراكه المقبل كالعبارة، وادراكه غير المقبل كالاشارة

(3)

.

وجاء فى شرح المنار أن الاستدلال باشارة النص هو العمل بما ثبت بنظمه أى بتركيبه من غير زيادة ولا نقصان - لغة - لكن ما ثبت بنظمه غير مقصود، ولا سيق له النص

(4)

.

وذكر صاحب المستصفى أن اشارة اللفظ يعنى بها ما يتبع اللفظ من غير تجريد قصد اليه، فكما أن المتكلم قد يفهم باشارته وحركته فى أثناء كلامه ما لا يدل عليه نفس اللفظ فيسمى اشارة فكذلك قد يتبع اللفظ ما لم يقصد به ويبنى عليه.

(1)

كشف الأسرار على أصول البزدوى لعبد العزيز البخارى ج 2 ص 210 طبع مكتبة الصنايع سنة 1307 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 210 نفس الطبعة السابقة.

(3)

التقرير والتحبير شرح ابن أمير الحاج ج 1 ص 107 على تحرير الامام الكمال بن الهمام فى كتاب على هامشه شرح الاسنوى المسمى نهاية السول فى شرح منهاج الوصول الى علم الأصول الطبعة الأولى طبعة المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة 1316 هـ.

(4)

شرح المنار لابن ملك على متن المنار للشيخ أبى البركات المعروف بحافظ الدين النسفى ج 1 ص 521، 522 طبعة المطبعة العثمانية سنة 1315 هـ.

ص: 6

مثال ذلك: استدلال الامام الشافعى رحمه الله تعالى، فى تنجس الماء القليل بنجاسة لا تغيره، بقول النبى صلى الله عليه وسلم: اذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده فى الاناء حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدرى أين باتت يده، اذ قال: لولا أن يقين النجاسة ينجس

(1)

لكان توهمها لا يوجب الاستحباب.

وجاء فى طلعة الشمس أن اللفظ الدال بأشارته هو ما دل على ما ليس له السياق بدلالة المطابقة أو التضمن أو الالتزام.

مثال الدال بالمطابقة قوله تعالى «وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا}

(2)

» فانه اشارة فى بيان الحل والحرمة. وهو المعنى المطابق لها.

ومثال الدال بالتضمن قول الرجل لأمرأته كل أمرأة له طالق. اذا كان انما ساق هذا الكلام لطلاق غير المخاطبة فانه يحكم عليه بطلاق المخاطبة أيضا، لأن كلامه يتضمن طلاقها أيضا، وان كانت عبارته فى طلاق غيرها.

ومثال الدال بالالتزام: نحو قول الله تعالى «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»

(3)

.

فانها اشارة فى أن النسب الى الآباء وهو لازم للولادة لأجل الأب.

ومنه أيضا قوله تعالى «لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً وَيَنْصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ 4» فانه اشارة فى زوال ملكهم عما خلفوا فى دار الحرب فتكون الآية دليلا على أن ما اغتصبه المشركون من المسلمين انما هو للمشركين وليس لأربابه المسلمين فيه ملك كما هو مذهب بعض أصحابنا

(5)

.

وأما ابن حزم الظاهرى فقد قصد بالاشارة اسم الاشارة فقال فى كتابه الاحكام: والاشارة بخلاف الضمير وهى عائدة الى أبعد مذكور.

وهذا حكمها فى اللغة اذا كانت الاشارة ب (ذلك أو تلك أو أولئك) فان كانت الاشارة ب (هذا أو هذه) فهى راجعة الى حاضر قريب ضرورة، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من أهل

(1)

المستصفى من علم الأصول للامام أبى حامد الغزالى ج 2 ص 188، 189 فى كتاب مع فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية ببولاق بمصر سنة 1324 هـ.

(2)

الآية رقم 275 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 8 من سورة الحشر.

(5)

شرح طلعة الشمس على الألفية المسماة بشمس الأصول لناظمها أبى محمد عبد الله بن حميد السالمى ج 1 ص 256 طبع بمطبعة الموسوعات بمصر.

ص: 7

اللغة، ولا يعرف نحوى أصلا غير ما ذكرنا.

ولذلك أوجبنا أن يكون القرء فى حكم العدة هو الطهر خاصة دون الحيض وان كان القرء فى اللغة واقعا على الحيض كوقوعه على الطهر ولا فرق.

ولكن لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مره فليراجعها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر. فتلك العدة التى أمر الله تعالى أن تطلق لها النساء» فكان قوله صلى الله عليه وسلم «تلك» اشارة تقتضى بعيدا، وأبعد مذكور فى الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:«تطهر» فلما صح ان الطهر بهذا الحديث هو العدة المأمور أن تطلق لها النساء صح أنه هو العدة المأمور بحفظها، لاكمال العدة

(1)

.

كما أن ابن حزم قصد بالاشارة حركة أحد أعضاء الجسم، وذلك قوله: وقد يرد البيان بالاشارة على ما فى حديث كعب بن مالك مع أبى حدرد، اذ أشار اليه صلى الله عليه وسلم بيده أن ضع النصف

(2)

.

‌حكم ما اذا تعارضت الاشارة والعبارة

جاء فى كشف الاسرار: أن العبارة والاشارة سواء فى ايجاب الحكم - أى فى اثباته - لأن الثابت بكل واحد منهما ثابت بنفس النظم.

وليس معنى هذا أنه لا يقع تفاوت بين العبارة والاشارة، بل أنه يجوز أن يقع بينهما تفاوت فى غير ايجاب الحكم مثل كون كل واحد منهما قطعيا وغير قطعى، لأن العبارة قطعية، والاشارة قد تكون قطعية وغير قطعية.

قال القاضى الامام فى التقويم: ثم الاشارة من النص بمنزلة التعريض والكناية من الصريح والمشكل من الواضح، اذ لا ينال المراد بها الا بضرب تأويل وتبيين، ثم قد يوجب العلم بموجبها بعد البيان، وقد لا يوجب.

وذكر فى بعض الشروح أنهما سواء فى ايجاب الحكم، أى يثبت الحكم بهما قطعا، الا أن الوجه الثابت بالعبارة عند التعارض أحق من الثابت بالاشارة، لكون الثابت بالعبارة مقصودا، بينما الثابت بالاشارة غير مقصود.

مثال ذلك ما قاله الامام الشافعى رحمه الله تعالى: لا يصلى على الشهيد لقوله تعالى «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ 3» سيقت هذه الآية لبيان منزلة الشهداء وعلو درجاتهم عند الله تعالى:

وفيه اشارة الى أنه لا يصلى عليهم، لأن الله تعالى سماهم أحياء، وصلاة الجنازة غير مشروعة على الحى، ولكن قوله تعالى:«وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ 4» عبارة فى

(1)

الاحكام فى أصول الاحكام للحافظ أبى محمد على بن حزم الظاهرى ج 4 ص 27 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1345 هـ

(2)

الأحكام ج 1 ص 83 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 169 من سورة آل عمران.

(4)

الآية رقم 103 من سورة التوبة.

ص: 8

ايجاب الصلاة فى حق الأموات على العموم، والشهداء أموات حقيقة وحكما، بدليل جواز قسمة أموالهم، وتزوج نسائهم، وغير ذلك فترجح العبارة على الاشارة. هكذا ذكر فى بعض الشروح.

ومثاله كذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم فى النساء «انهن ناقصات عقل ودين، فقيل: ما نقصان دينهن؟ قال: تقعد احداهن فى قعر بيتها شطر دهرها أى نصف عمرها - لا تصوم ولا تصلى» . سيق الكلام لبيان نقصان دينهن.

وفيه اشارة الى أن أكثر الحيض خمسة عشر يوما كما ذهب اليه الشافعى.

هو معارض بما روى أبو أمامة الباهلى رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: أقل الحيض ثلاثة أيام وأكثره عشرة أيام. وفى بعض الروايات: أقل الحيض للجارية البكر والثيب ثلاثة أيام ولياليها وأكثره عشرة أيام وهو عبارة فترجح على الاشارة

(1)

.

ومن ذلك قول الله تعالى - «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً 2» فان هذا النص مسوق لبيان منة الوالد على الولد، لأنه تعالى أمر بالاحسان الى الوالدين، ثم بين السبب فى جانب الأم بقوله تعالى «وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ 3». والكره المشقة ثم زاد فى البيان بقوله:«وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» أى مشقة الحمل لم تكن مقتصرة على زمان قليل بل هى مع مشقات الرضاع ممتدة هذه المدة، وفى ذلك اشارة الى أن أقل مدة الحمل ستة أشهر كما قال على وابن عباس رضى الله تعالى عنهم فيما روى أن أمرأة ولدت لستة أشهر من وقت التزوج فرفع ذلك الى عمر - وفى رواية الى عثمان رضى الله تعالى عنهما - فهم برجمها فقال على وابن عباس رضى الله تعالى عنهم: أما انها لو خاصمتكم بكتاب الله لخصمتكم - أى غلبتكم فى الخصومة - قال الله تعالى: «وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً» وقال عز اسمه:

«وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ 4» فبقى ستة أشهر لحملها فأخذ عمر بقوله وأثنى عليه، ودرأ عنها الحد.

وقال أبو اليسر رحمه الله تعالى: وهذه اشارة غامضة وقف عليها عبد الله بن عباس بدقة فهمه، وقد اختفى هذا

(1)

كشف الأسرار على أصول البزدوى ج 2 ص 210، ص 211 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 15 من سورة الأحقاف.

(3)

الآية رقم 15 من سورة الأحقاف.

(4)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

ص: 9

الحكم على الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، فلما أظهره قبلوا منه.

ولا يقال: لا بد فى الاشارة من لفظ يدل على المشار اليه وليس ذلك فيما ذكرت، بل هو من قبيل بيان الضرورة، لأنا نقول قوله:«ثلاثون» يشمل أفراده مطابقة فيكون الستة بعض مدلوله فيكون ثابتا بالنظم، ولا منافاة بين بيان الضرورة والاشارة فليكن بيان ضرورة أيضا

(1)

.

وجاء فى شرح المنار أن الثابت بالاشارة كالثابت بالعبارة من حيث أنه ثابت بصيغة الكلام فيكون عاما قابلا للتخصيص، لأن كلا منهما ثبت بنظم الكلام والعموم من أوصاف اللفظ، ولهذا قلنا فى اشارة قوله تعالى:«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ» خص منها اباحة وط ء الأب جارية ابنه وان كانت اللام تستلزم أن يكون الولد وأمواله ملكا للأب، ومختصا به.

وقال أبو زيد: الاشارة لا تحتمل التخصيص لأن معنى العموم فيما سيق له الكلام، فأما ما يقع الاشارة اليه من غير أن يكون سياق الكلام له فهو زيادة على المطلوب بالنص، ومثل هذا لا يسمع فيه معنى العموم، حتى يقبل التخصيص

(2)

.

وجاء فى كشف الأسرار أن القاضى الامام قال: الاشارة زيادة معنى على معنى النص وانما يثبت بايجاب النص اياه لا محالة، فلا يحتمل الخصوص وبيان أنه غير ثابت

(3)

.

والبحث فى هذا الميدان طويل ينظر فى مصطلح (دلالة).

‌حكم ما اذا تعارضت الاشارة

والدلالة (أى دلالة النص)

جاء فى كشف الأسرار أنه اذا تعارض الثابت بالدلالة مع الثابت بالاشارة فان الثابت بالدلالة يكون دون الثابت بالاشارة، لأن فى الاشارة وجد النظم والمعنى اللغوى، وفى الدلالة لم يوجد الا المعنى اللغوى - لأن الثابت بالدلالة هو المعنى الذى أدى اليه الكلام، كالايلام من الضرب فانه يفهم من اسم الضرب لغة لا شرعا، فتقابل المعنيان وبقى النظم سالما عن المعارضة فى الاشارة فترجحت بذلك.

مثال ذلك ما قال الشافعى رحمه الله تعالى: ان الكفارة تجب فى القتل العمد، لأنها لما وجبت فى القتل الخطأ للجناية مع قيام العذر بقوله تعالى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا الا خطأ.

ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا.

(1)

كشف الأسرار ج 1 ص 72، ص 73 الطبعة المذكورة السابقة.

(2)

شرح المنار وحاشية الرهاوى ج 1 ص 525 الطبعة المذكورة السابقة.

(3)

كشف الأسرار على أصول البزدوى ج 2 ص 253 الطبعة المتقدمة.

ص: 10

فان كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة.

وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة الى أهله وتحرير رقبة مؤمنة.

{فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً 1»} .

لما وجبت فى هذا فلأن تجب فى العمد ولا عذر فيه، كان أولى.

ويعارضها قوله تعالى: «وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها»

(2)

.

فانه يشير الى عدم وجوب الكفارة فيه، وذلك لأنه تعالى جعل كل جزائه جهنم اذ الجزاء اسم للكامل التام فلو وجبت الكفارة معه كان المذكور بعض الجزاء فلم يكن كاملا تاما.

ألا ترى أن فى جانب الخطأ لما وجبت الدية مع الكفارة جمع بينهما فقال:

«فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ»

(3)

فعرفنا بلفظ الجزاء أن من موجب النص انتفاء الكفارة، فرجحنا الاشارة على الدلالة

(4)

.

والبحث فى هذا الميدان طويل ينظر فى مصطلح (دلالة).

‌أنواع الاشارة باللفظ

جاء فى التقرير والتحبير: أن الاشارة تنقسم قسمين اشارة ظاهرة واشارة غامضة، وذلك لأن الاشارة لا تعرف الا بنوع تأمل واستدلال من غير أن يزاد على الكلام أو ينقص منه.

ثم ان كان ذلك الغموض يزول بأدنى تأمل فهى اشارة ظاهرة، وان كان محتاجا الى زيادة تأمل فهى اشارة غامضة فلا جرم أن قال صاحب الكشف وغيره، فكما أن ادراك ما ليس بمقصود بالنظر مع ادراك المقصود به من كمال قوة الابصار، كذا فهم ما ليس بمقصود بالكلام فى ضمن المقصود به من كمال قوة الذكاء وصفاء القريحة، ولهذا يختص بفهم الاشارة الخواص، وتعد من محاسن الكلام البليغ

(5)

.

‌أقسام الاشارة باللام

جاء فى فواتح الرحموت أن اللام للاشارة الى معلومية المدخول، وأقسامه أربعة معروفة.

الأول منها لام العهد الخارجى الذى فيه الاشارة الى حصة معينة من المدخول.

والثانى منها لام الاستغراق الذى فيه الاشارة الى كل فرد منه.

(1)

الآية رقم 92 من سورة النساء.

(2)

الآية رقم 93 من سورة النساء.

(3)

الآية رقم 92 من سورة النساء.

(4)

كشف الأسرار على أصول البزدوى ج 2 ص 219، ص 220 الطبعة السابقة.

(5)

التقرير والتحبير شرح تحرير الكمال ابن الهمام ج 1 ص 107 الطبعة السابقة.

ص: 11

والثالث: لام الجنس الذى فيه اشارة الى الجنس.

والرابع: لام العهد الذهنى الذى فيه اشارة الى فرد ما منه. وهذا فى المعنى كالنكرة.

ثم ذكر قسما خامسا وهو لام الطبيعة الذى فيه الاشارة الى الطبيعة من حيث الاطلاق، مثل قولنا: الانسان نوع، وليس هذا القسم داخلا فى لام الجنس من حيث هو اشارة الى الجنس، سواء أخذ من حيث الاطلاق، أو من حيث هو، لأن الأنسب أن يخمس حين التقسيم، لمغايرة هذين اللامين بالاحكام كاللامات الأخرى.

ثم الراجح العهد الخارجى لافادته فائدة جديدة، وكون الذكر سابقا قرينة عليه.

ثم الراجح الاستغراق للأكثرية فى موارد الاستعمال، خصوصا فى استعمال الشارع.

ثم الراجح الجنس لعدم افادته فائدة جديدة معتدا بها.

وقيل: بالعكس أى بأن الراجح الجنس على الاستغراق، ويعزى الى علماء المعانى والبيان.

والاستعمال شاهد بالأول فهو الأحق بالاعتبار، كيف؟ وهذا قول علماء الأصول، وهم متقدمون فى أخذ المعانى من قوالب الألفاظ.

وظهر من هذا أن اللام حقيقة فى التعريف والاشارة وهو يعرف المدخول وان كان مستعملا فى معناه المجازى

(1)

.

‌حكم اشارة المصلى فى الصلاة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أنه ينبغى للمصلى أن يدفع الشخص الذى يمر من أمامه حتى لا يشغله عن صلاته لما روى عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم:

قال: «لا يقطع الصلاة مرور شئ قأدرأوا ما استطعتم» .

وينبغى أن يكون دفعه عن المرور بالتسبيح، أو بالاشارة، أو الأخذ بطرف ثوبه من غير مشى ولا معالجة شديدة حتى لا تفسد صلاته.

ومن الناس من قال: ان لم يقف المار باشارة المصلى جاز دفعه بالقتال لما روى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه: أنه كان يصلى فأراد ابن مروان أن يمر بين يديه فأشار اليه فلم يقف، فلما حازاه ضربه فى صدره ضربة أقعده على استه، فجاء الى أبيه يشكو أبا سعيد فقال: لم ضربت ابنى؟ فقال: ما ضربت ابنك انما ضربت

(1)

فواتح الرحموت لعبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى بشرح مسلم الثبوت فى أصول الفقه ج 1 ص 251 فى كتاب مع المستصفى من علم الأصول للغزالى الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1322 هـ.

ص: 12

شيطانا. فقال: لم تسمى ابنى شيطانا؟ فقال: لأنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اذا صلى أحدكم فأراد مار أن يمر بين يديه فليدفعه، فان أبى فليقاتله فانه شيطان.

ولنا قول النبى صلى الله عليه وسلم:

ان فى الصلاة لشغلا، يعنى أعمال الصلاة والقتال ليس من أعمال الصلاة فلا يجوز الاشتغال به

(1)

.

وجاء فى الهداية أن المصلى يدرأ المارة اذا لم يكن بين يديه سترة أو كان ومر بينه وبين السترة لقول النبى صلى الله عليه وسلم «ادرءوا ما استطعتم» .

ويدرأ بالاشارة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بولد أم سلمة رضى الله عنها، أو يدفع بالتسبيح، ويكره الجمع بين الاشارة والتسبيح لأن بأحدهما كفاية

(2)

.

ولا ينبغى للرجل أن يسلم على المصلى، ولا للمصلى ان يرد سلامه باشارة ولا غير ذلك.

أما السّلام فلأنه يشغل قلب المصلى عن صلاته، فيصير مانعا له عن الخير وأنه مذموم.

وأما رد السّلام بالقول والاشارة فلأن رد السّلام من جملة كلام الناس لما روينا من حديث عبد الله بن مسعود فيه أنه لا يجوز الرد بالاشارة، لأن عبد الله قال: فسلمت عليه فلم يرد على، فيتناول جميع أنواع الرد.

ولأن الاشارة ترك سنة اليد وهى الكف لقول النبى صلى الله عليه وسلم كفوا أيديكم فى الصلاة، غير أنه اذا رد بالقول فسدت صلاته لأنه كلام.

أما اذا رد بالاشارة لم تفسد صلاته لأن ترك السنة لا يفسد الصلاة، ولكنه يوجب الكراهة

(3)

.

وجاء فى شرح تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين عليه أن المصلى لا يشير بسبابته عند الشهادة وعليه الفتوى كما فى الولوالجية والتجنيس وعمدة المفتى وعامة الفتاوى.

لكن المعتمد ما صححه الشراح ولا سيما المتأخرون كالكمال والحلبى والبهنسى وغيرهم من أنه يشير وذلك لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ونسبوه الى

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 217 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

(2)

الهداية شرح بداية المبتدى للشيخ أبى الحسن بن على بن أبى بكر بن عبد الجليل طبعة مصطفى البابى الحلبى ج 1 ص 43 سنة 1355 هـ، سنة 1936 م.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 1 ص 237 الطبعة السابقة.

ص: 13

محمد والامام وكذا نقلوه عن أبى يوسف فى الامالى فهو منقول عن أئمتنا الثلاثة.

بل فى متن درر البحار وشرحه غرر الأفكار المفتى به عندنا أنه يشير باسطا أصابعه كلها.

وفى الشرنبلالية عن البرهان: الصحيح أنه يشير بمسبحته وحدها يرفعها عند النفى ويضعها عند الاثبات.

وروى ابن عابدين عن المحيط: أنها سنة يرفعها عند النفى ويضعها عند الاثبات كما تقدم - وهو قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وكثرت به الآثار والأخبار فالعمل به أولى.

وقال ابن عابدين: فهو صريح فى أن المفتى به هو الاشارة بالمسبحة مع عقد الأصابع على الكيفية المذكورة لا مع بسطها فانه لا اشارة مع البسط عندنا.

ولذا قال فى منية المصلى فان أشار يعقد الخنصر والبنصر، ويحلق الوسطى بالابهام ويقيم السبابة.

وقال فى شرحها الصغير: وهل يشير عند الشهادة؟ عندنا فيه اختلاف.

صحح فى الخلاصة والبزازية أنه لا يشير.

وصحح فى شرح الهداية أنه يشير وكذا فى الملتقط وغيره.

وصفتها أنه يحلق من يده اليمنى عند الشهادة الابهام والوسطى ويقبض البنصر والخنصر. ويشير بالمسبحة أو يعقد ثلاثة وخمسين بأن يقبض الوسطى والبنصر والخنصر ويضع رأس ابهامه على حرف مفصل الوسطى الأوسط ويرفع الاصبع عند النفى، ويضعها عند الاثبات.

وقال فى الشرح الكبير: قبض الأصابع عند الاشارة هو المروى عن محمد فى كيفية الاشارة وكذا عن أبى يوسف فى الامالى وهذا فرع تصحيح الاشارة.

وعن كثير من المشايخ: لا يشير أصلا وهو خلاف الدراية والرواية.

فعن محمد أن ما ذكره فى كيفية الاشارة قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى: ومثله فى فتح القدير.

وفى القهستانى: وعن أصحابنا جميعا أنه سنة فيحلق ابهام اليمنى ووسطاها ملصقا رأسها برأسها، ويشير بالسبابة.

فهذه النقول كلها صريحة بأن الاشارة المسنونة انما هى على كيفية خاصة وهى العقد أو التحليق.

أما ما روى من بسط الأصابع فليس فيه اشارة أصلا.

وأما ما عليه عامة الناس فى زماننا من الاشارة مع البسط بدون عقد فلم أر أحدا قال به سوى الشارح تبعا للشرنبلالى عن البرهان.

واذا تقرر أن المصلى يشير بمسبحته فليس له أن يشير الا بالمسبحة فقط فلو

ص: 14

أشار بالمسبحتين كان ذلك مكروها كما فى الفتح وغيره

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الحطاب أن الاشارة لكلام أو حاجة لا تكره فى الصلاة.

وقيل يكره ذلك.

وفصل ابن الماجشون فقال: تكره الاشارة لحاجة لا لرد السّلام.

قال سند: والمذهب أظهر.

ولا فرق فى الاشارة بين الجواب وبين الابتداء.

وفى سماع عبد الملك قال ابن وهب:

ولا بأس فى أن يشير الرجل بلا أو نعم فى الصلاة.

قال القاضى: هذا مثل ما فى المدونة.

والأصل فى ذلك ما ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج الى قباء فسمعت الأنصار به فجاءوا يسلمون عليه وهو يصلى فرد عليهم اشارة بيده.

فكان مالك لا يرى بأسا فى أن يرد الرجل الى الرجل جوابا بالاشارة فى الصلاة وأن يرد اشارة على من سلم عليه ولم يكره شيئا من ذلك.

وقد روى عنه زياد أنه كره أن يسلم على المصلى وأن يرد المصلى على من سلم عليه اشارة برأس أو بيد أو بشئ.

والحجة لهذه الرواية ما روى أن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه سلم على النبى صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فلم يرد عليه.

والأظهر من القولين عند تعارض الأثرين أنه يجب رد السّلام اشارة لقول الله عز وجل: واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها

(2)

.

وأما اشارة الرجل الى الرجل فى الصلاة ببعض حوائجه فالأولى والأحسن أن يقبل على صلاته، ولا يشتغل بذلك الا أن يكون ترك ذلك سببا لتمادى اشتغال باله فى صلاته. فيكون فعله كذلك أولى.

قال ابن عربى نزلت نازلة ببغداد فى أبكم أشار فى صلاته فقال: بعض شيوخنا:

بطلت صلاته، لأن اشارة الأبكم مثل كلامه.

وقال بعضهم: لا تبطل، لأن الاشارة فى الصلاة جائزة، كما ذكر أنه لا فرق فى الاشارة بين أن تكون بالرأس أو باليد.

(1)

حاشية ابن عابدين على رد المحتار على الدر المختار على متن تنوير الابصار للعلامة ابن عابدين ج 1 ص 357 فى كتاب على هامشه الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1323 هـ.

(2)

الآية رقم 86 من سورة النساء.

ص: 15

قال فى المدونة: ولا يكره السّلام على المصلى فى فرض أو نافلة وليرد مشيرا بيده أو برأسه

(1)

.

وذكر صاحب منح الجليل: أنه لو كانت الاشارة بيد أو رأس لابتداء سلام فانها تجوز ولا سجود لها.

وروى ذلك عن سند.

والراجح أن الاشارة لرد السّلام واجبة، ورده باللفظ عمدا أو جهلا مبطل أما اذا كان سهوا فانه يقتضى السجود.

فان كانت الاشارة للرد على شخص مشمت فانها تكون مكروهة

(2)

.

‌حكم صلاة العاجز بالاشارة أو الايماء

جاء فى شرح الخرشى أن العاجز عن جميع الأركان الا عن القيام يفعل صلاته كلها من قيام ويومئ لسجوده أخفض من الركوع، فان قدر على القيام مع الجلوس أيضا أومأ للركوع من قيام ويمد يديه لركبتيه فى ايمائه ويجلس ويومئ للسجدة الأولى والثانية من جلوس.

ثم من صلى ايماء من قيام أو جلوس قيل:

أن عليه أن يأتى من هذا الايماء بوسعه بحيث لا يطيق زائدا عليه حتى لو قصر عن طاقته فسدت صلاته.

وهو ظاهر ما فى رواية ابن شعبان فى مختصره واستظهر لأنه أقرب الى الأصل.

وقيل يكفى ما يسمى ايماء مع القدرة على أكثر منه، ولا يشترط أن يأتى بنهاية وسعه، وأخذه اللخمى والمازرى من المدونة.

ومن بجبهته قروح تمنعه من السجود فلا يسجد على أنفه وانما يومئ كما قاله ابن القاسم فى المدونة فان وقع ونزل وسجد على أنفه فقال أشهب: يجزئه لأنه زائد على الايماء

(3)

.

والمومئ للركوع من قيام أو جلوس فانه فى حالة الانحناء يشير بيديه لركبتيه وفى حالة الجلوس يضعهما على ركبتيه

(4)

.

والمومئ للسجود اذا أومأ له من قيام أومأ بيديه وان أومأ له من جلوس وضعهما على الأرض كما يفعل الساجد غير المومئ وهذا هو المختار عند اللخمى وبعض القرويين.

وهل يومئ مع ايمائه بظهره ورأسه للسجود بيديه أيضا اذا صلى قائما

(1)

شرح الحطاب على خليل ج 2 ص 32.

(2)

شرح منح الجليل ج 1 ص 183.

(3)

شرح أبى عبد الله محمد الخرشى على المختصر الجليل ج 1 ص 297 الطبعة الثانية فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى طبع مطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1317 هـ.

(4)

حاشية الشيخ على العدوى على شرح الخرشى ج 1 ص 297 الطبعة السابقة.

ص: 16

ويضعهما أن صلى جالسا على الأرض فى ايماء السجود ان قدر كما يحسر عمامته عن جبهته فى ايمائه له أو لا يفعل باليدين شيئا مما ذكر من ايماء قائما أو وضع لهما جالسا بل يجعلها على ركبتيه تأويلان

(1)

.

‌حكم صلاة الخائف بالاشارة أو الايماء

اذا لم يمكن قسم الجماعة - فى حالة الخوف - ولا تفرقتهم لكثرة عدو ونحوه ورجوا أن ينكشف قبل خروج الوقت المختار بحيث يدركون الصلاة فيه أخروا استحبابا فاذا بقى من الوقت ما يسع الصلاة صلوا ايماء على خيولهم ويكون السجود أخفض من الركوع

(2)

.

‌حكم اشارة الامام بقصد الاستخلاف

جاء فى التاج والاكليل: أن الباجى قال: من سنة الصلاة أن لا يتكلم الامام اذا طرأ له ما يمنعه التمادى ويستخلف باشارة الا أن يخاف أن لا يفقهوا فليتكلم.

قال ابن بشير: ويصح الاستخلاف لأنه بالطارئ خرج عن أن يكون اماما.

وقال ابن القاسم: ان تكلم فى استخلافه وقال: يا فلان تقدم لم يضرهم ذلك

(3)

.

وجاء فى شرح الخرشى أنه اذا خرج الامام من صلاته لعذر مبطل لها كحدث سبقه أو حدث ذكر وأراد الاستخلاف فانه يندب له أن لا يتكلم ليستتر فى خروجه بل يشير لمن يقدمه.

ويشمل ذلك أيضا رعاف غير البناء أما رعاف البناء فانه يجب معه ترك الكلام.

ويندب له اذا خرج أن يمسك أنفه ليورى أنه قد حصل له رعاف

(4)

.

ويندب للمصلين أن يستخلفوا ان خرج الامام ولم يستخلف عليهم، ولو أشار اليهم الأول بأن ينتظروه الى أن يأتى ويتم بهم على ظاهر المذهب خلافا لابن نافع فى ايجاب انتظاره حيث أشار لهم أن امكثوا

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى حاشيتى قليوبى وعميرة على منهاج الطالبين أن الاشارة فى الصلاة لا تبطلها ولو كانت من أخرس أو باللسان وأن قصد بها الافهام

(6)

.

(1)

شرح الخرشى ج 1 ص 298 الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 95 الطبعة المتقدمة.

(3)

التاج والاكليل فى كتاب على هامش الحطاب ج 2 ص 135 الطبعة المتقدمة.

(4)

شرح الخرشى ج 2 ص 51 الطبعة المتقدمة.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 51، ص 52 الطبعة المتقدمة.

(6)

حاشيتى قليوبى وعميرة على متن منهاج الطالبين ج 1 ص 186، 187.

ص: 17

وجاء فى نهاية المحتاج الى شرح المنهاج: أنه يسن رد السّلام للمصلى وذلك بالاشارة على من سلم عليه وان كان سلامه غير

(1)

مندوب.

وجاء فى مغنى المحتاج أنه يسن للمصلى فى التشهد أن يضع يسراه على طرف ركبته اليسرى بحيث تسامت رءوسهما الركبة منشورة الاصابع ويقبض من يمناه بعد وضعها على فخذه اليمنى الخنصر والبنصر. وكذا الوسطى فى الأظهر للاتباع كما رواه مسلم.

والثانى يحلق بين الوسطى والابهام، هذا ويرسل المسبحة على القولين وهى - بكسر الباء، الأصبع التى تلى الابهام.

سميت بذلك لأنه يشار بها الى التوحيد والتنزيه.

وتسمى أيضا السبابة لأنه يشار بها عند المخاصمة والسب. ويرفعها مع امالتها قليلا كما قاله المحاملى وغيره عند قوله: الا الله: للاتباع رواه مسلم من غير ذكر امالة.

ويسن أن يكون رفعها الى القبلة ناويا بذلك التوحيد والاخلاص ويقيمها ولا يضعها كما قاله نصر المقدسى.

وخصت المسبحة بذلك لأن لها اتصالا بنياط القلب فكأنها سبب احضوره.

والحكمة فى ذلك هى الاشارة الى أن المعبود سبحانه وتعالى واحد ليجمع فى توحيده بين القول والفعل والاعتقاد.

وتكره الاشارة بمسبحته اليسرى ولو من مقطوع اليمنى.

وقال الولى العراقى: بل فى تسميتها مسبحة نظر، فانها ليست آلة التنزيه والرفع عند الهمزة، لأنه حال اثبات الوحدانية لله تعالى.

وقيل: يشير بها فى جميع التشهد، ولا يحركها عند رفعها لأنه صلى الله عليه وسلم كان لا يفعله رواه أبو داود من رواية عبد الله بن الزبير.

وقيل: يحركها لأن وائل بن حجر روى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعله.

هذا والأظهر ضم الابهام الى المسبحة كعاقد ثلاثة وخمسين بأن يضعها تحتها على طرف راحته لحديث ابن عمر فى مسلم كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا قعد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة.

والثانى يضع الابهام على الوسطى

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 2 ص 44.

ص: 18

كعاقد ثلاثة وعشرين. رواه مسلم أيضا عن ابن الزبير

(1)

.

‌حكم صلاة العاجز بالاشارة أو الايماء

جاء فى نهاية المحتاج أن المصلى ان عجز عن الركوع والسجود أومأ برأسه والسجود أخفض من الركوع فان عجز عن الايماء برأسه فبطرفه.

وظاهر كلامهم أنه لا يجب هنا ايماء للسجود أخفض وهو متجه خلافا للجوجرى لظهور التمييز بينهما فى الايماء بالرأس دون الطرف ثم ان عجز عن الايماء بطرفه صلى بقلبه

(2)

.

‌حكم صلاة الخائف بالاشارة أو الايماء

جاء فى مغنى المحتاج أن المصلى فى شدة الخوف يكفيه الايماء بركوعه وسجوده ويكون سجوده أخفض من ركوعه لما روى البخارى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى على راحلته حيث توجهت به يومئ ايماء الا الفرائض

(3)

.

‌حكم اشارة الامام بقصد الاستخلاف

جاء فى المجموع: أن الامام اذا أحدث فى الصلاة قدم هو أو قدم المأمومون من يتم بهم الصلاة وذلك انما يكون بالاشارة

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه لا بأس بالاشارة فى الصلاة باليد والعين لما روى ابن عمر وأنس رضى الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشير فى الصلاة

(5)

. فقد روى عن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: قلت لبلال: كيف كان النبى صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه فى الصلاة قال: كان يشير بيده.

وعن صهيب قال: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلى فسلمت عليه فرد على اشارة وقال:

لا أعلم الا أنه قال اشارة بأصبعه قال الترمذى: كلا الحديثين صحيح

(6)

.

وجاء فى كشاف القناع: أن المصلى اذا جلس للتشهد فعليه أن يجلس مفترشا جاعلا يديه على فخذيه - اليمنى على اليمنى واليسرى على اليسرى - لأنه أشهر فى الاخبار، لا يلقمهما ركبتيه، باسطا أصابع يسراه مضمومة

(1)

مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج ج 1 ص 174.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 1 ص 450 الطبعة المتقدمة.

(3)

مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للعلامة الخطيب الشربينى ج 1 ص 146 الطبعة المتقدمة.

(4)

المجموع للنووى شرح المهذب ج 4 ص 244 طبع ادارة الطباعة المنيرية.

(5)

المغنى والشرح الكبير لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 613 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 1 ص 674.

ص: 19

على فخذه اليسرى، لا يخرج بها عنها، بل يجعل أطراف أصابعه مسامتة اركبته مستقبلا بها القبلة، قابضا من يمناه الخنصر والبنصر محلقا ابهامه مع وسطاه.

لما روى وائل بن حجر أن النبى صلى الله عليه وسلم وضع مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم عقد من أصابعه الخنصر والتى تليها، وحلق بأصبعه الوسطى على الابهام ورفع السبابة يشير بها رواه أحمد وأبو داود.

وروى ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا جلس فى الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع أصبعه التى تلى الابهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته باسطا عليها رواه مسلم.

ثم يتشهد سرا ندبا كتسبيح ركوع وسجود، وقول: رب أغفر لى بين السجدتين فيندب الاسرار بذلك لعدم الداعى للجهر به.

ويشير فى تشهده بسبابته اليمنى لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ولا يشير بغير سبابته اليمنى ولو عدمت سبابة اليمنى.

هذا ويشير مرارا كل مرة عند لفظ الله تنبيها على التوحيد ولا يحركها، لفعل النبى صلى الله عليه وسلم.

ويشير أيضا بسبابته اليمنى عند دعائه فى صلاة وغيرها لقول عبد الله بن الزبير كان النبى صلى الله عليه وسلم يشير بأصبعه اذا دعا ولا يحركها رواه أبو داود والنسائى.

وعن سعيد بن أبى وقاص قال: مر على النبى صلى الله عليه وسلم وأنا أدعو بأصابعى فقال: أحد أحد وأشار بالسبابة رواه النسائى

(1)

.

‌حكم صلاة العاجز بالاشارة أو الايماء

جاء فى المغنى والشرح الكبير: أن المصلى ان عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما ويجعل السجود أخفض من الركوع وان عجز عن السجود وحده ركع وأومأ بالسجود وان لم يمكنه أن يحنى ظهره حنى رقبته فأما ان رفع الى وجهه شيئا فسجد عليه فقال بعض أصحابنا لا يجزيه.

وروى عن ابن مسعود وابن عمر وجابر وأنس رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا يومئ ولا يرفع الى وجهه شيئا.

وروى الأثرم عن أحمد رحمه الله تعالى أنه قال أى ذلك فعل فلا بأس يومئ أو يرفع المرفقة فيسجد عليها.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 235، 236 للشيخ منصور بن ادريس الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.

ص: 20

وعن أحمد أنه قال: الايماء أحب الى وان رفع الى وجهه شيئا فسجد عليه أجزأه

(1)

وان لم يقدر على الايماء برأسه أومأ بطرفه ونوى بقلبه ولا تسقط الصلاة عنه ما دام عقله ثابتا

(2)

.

وجاء فى كشاف القناع أنه ان عجز عن الايماء برأسه لركوعه وسجوده أومأ بطرفه ونوى بقلبه لما روى زكريا الساجى باسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن على بن الحسين ابن أبى طالب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فان لم يستطع أومأ بطرفه.

وظاهر كلام جماعة أنه لا يلزمه وصوبه فى الفروع لعدم ثبوته

(3)

.

‌حكم صلاة الخائف بالاشارة أو الايماء

جاء فى كشاف القناع

(4)

: أنه اذا اشتد الخوف بالمسلمين صلوا وجوبا ولا يؤخرونها رجالا أو ركبانا متوجهين الى القبلة أو غيرها يومئون بالركوع والسجود ايماء على قدر الطاقة لأنهم لو تمموا الركوع والسجود لكانوا هدفا لأسلحة الكفار معرضين أنفسهم للهلاك ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم كالمريض وسواء وجد اشتداد الخوف قبل الصلاة أو فيها لعموم الآية

(5)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه اذا سلم شخص على المصلى حين صلاته فليرد عليه اشارة لا كلاما، بيده اليمنى أو برأسه فاذا تكلم عمدا بطلت صلاته

(6)

.

ويستحب للمصلى أن يشير اذا جلس للتشهد بأصبعه ولا يحركها ويده اليمنى على فخذه اليمنى ويضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى.

وذلك لما روى عن مالك عن مسلم بن أبى مريم عن على بن عبد الرحمن قال:

رآنى عبد الله بن عمر أعبث بالحصى فى الصلاة فلما انصرف نهانى وقال:

اصنع كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع اذا جلس فى الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار

(1)

المغنى على مختصر أبى القاسم عمر ابن الحسين الخرقى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة فى كتاب مع الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 785 الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 786 الطبعة المتقدمة.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 322 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 339 الطبعة السابقة.

(5)

يشير بذلك الى قوله تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً فَإِذا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَما عَلَّمَكُمْ ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ الآية رقم 239 من سورة البقرة.

(6)

المحلى لابن حزم ج 4 ص 46 مسئلة رقم 402.

ص: 21

بأصبعه التى تلى الابهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى

(1)

.

‌حكم صلاة العاجز بالاشارة أو الايماء

جاء فى المحلى أن من عجز عن الركوع أو عن السجود خفض لذلك قدر طاقته فمن لم يقدر على أكثر من الايماء أومأ.

لقول الله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}

(2)

.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم

(3)

».

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن المصلى اذا قعد للتشهد فله أمران أحدهما: أن يضع يديه على ركبتيه فاليسرى على أصل الخلقة من غير ضم ولا تفريق.

ومنهم من قال: يفرق.

ومنهم من قال: يضم.

وأما اليمنى ففى ذلك أربعة أقوال:

الأول: ظاهر مذهب الهادى والقاسم أنه يضعها مبسوطة من غير قبض وتكون على أصل الخلقة.

القول الثانى: أن يقبض الأصابع الا المسبحة.

والقول الرابع: أن يعقد الخنصر والبنصر ويحلق بالابهام والوسطى ويشير بالمسبحة.

والقول الرابع: أن يعقد الخنصر والبنصر والوسطى ويبسط الابهام والمسبحة يشير بها.

قال الامام: فيكون المصلى مخيرا وما فعل به فقد أتى بالسنة لأنه صلى الله عليه وسلم قد فعلها.

الأمر الثانى أن يشير بمسبحته اليمنى.

قال النووى وتكره الاشارة بمسبحته اليسرى لأن السنة فيها البسط دائما هذا وتكون الاشارة عند قوله:

وحده، لا خلاص التوحيد

(4)

.

‌حكم صلاة العاجز بالاشارة والايماء

جاء فى البحر الزخار أن القاعد يركع ويسجد.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 151 مسئلة رقم 460.

(2)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(3)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 3 ص 276 مسئلة رقم 370 وج 4 ص 176 مسئلة رقم 475، 476 الطبعة المتقدمة.

(4)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار ج 1 ص 255، ص 256 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 22

فان تعذر السجود أومأ له أخفض ما يمكن لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «ويجعل السجود أخفض من الركوع» .

وان تعذر الركوع أومأ له من قيام وللسجود من قعود لخبر عمران، وايماء القائم أقرب الى حالة الراكع. ويومئ برأسه فى الاضطجاع وللسجود أخفض فان تعذر الايماء بالرأس سقطت اذ الذكر وحده ليس بصلاة.

وقيل يومئ بالعين والحاجب فان تعذر الايماء سقطت

(1)

.

‌حكم صلاة الخائف بالاشارة أو الايماء

جاء فى البحر الزخار: أنه اذا اتصلت المدافعة فعل المصلى ما أمكن ولو فى الحضر لقول الله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً» ومهما أمكن الايماء بالرأس وجب ولا قضاء عليه والا وجب الذكر لحرمة الوقت والقضاء اذ لم يأت بصلاة

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة أن الأخرس اذا أراد أن ينوى الدخول فى الصلاة يعقد قلبه بمعناها مع الاشارة وتحريك اللسان كما قيدوا الاشارة بالأصبع

وخالف بعض العلماء بأنها تحريك الرأس. كما ذكروا أنه يكبر بالاشارة بأصبعه من دون ذكر عقد قلبه وتحريك لسانه.

وفى الارشاد يعقد قلبه ويشير بأصبعه.

وفى كشاف اللثام: أنه لم يقيد الاشارة بالأصبع كما قيدها بها غيره.

لأن التكبير لا يشار اليه بالأصبع غالبا وانما يشار بها الى التوحيد

(3)

.

وحكى صاحب مفتاح الكرامة أن الاجماع على أن رد السّلام فى الصلاة بالكلام ولا تكفى الاشارة كما ذكر فى المسالك ومثله اجماع الخلاف وهذه وان لم تكن نصا فى المراد لكنها تؤيده وتشهد عليه، لأنها منقولة فى مقام الرد على من منع من الرد بغير الاشارة وعلى من لم يجوزه بالنطق والاشارة

(4)

.

وجاء فى الخلاف أنه اذا مر بين يديه وهو يصلى انسان رجلا كان أو أمرأة أو حمارا أو بهيمة أو كلبا أو أى شئ كان فلا يقطع صلاته وان لم يكن قد نصب بين يديه شيئا سواء كان بالقرب منه

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 1 ص 176، 177 الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 53 الطبعة المتقدمة.

(3)

مفتاح الكرامة ج 2 ص 340.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 41 الطبعة المتقدمة.

ص: 23

أو بالبعد منه وان كان ذلك مكروها وبه قال جميع الفقهاء الا ما حكى عن الحسن البصرى أنه قال:

اذا كان المار بين يديه كلبا أو امرأة أو حمارا قطع الصلاة وبه قال جماعة من أصحاب الحديث.

وقد روى أبو الوداك عن أبى سعيد الخدرى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يقطع الصلاة شئ فادرأوا ما استطعتم فانما هو شيطان

(1)

.

وجاء فى الروضة البهية أنه يستحب فى الجلوس للتشهد ايماء المنفرد بالتسليم الى القبلة ثم يومئ بمؤخر عينه عن يمينه.

أما الأول فلم يقف على مستنده وانما النص والفتوى على كونه الى القبلة بغير ايماء.

وفى الذكرى: ادعى الاجماع على نفى الايماء الى القبلة بالصيغتين وقد أثبته هنا وفى الرسالة النقلية.

وأما الثانى فذكره الشيخ وتبعه عليه الجماعة واستدلوا عليه بما لا يفيده.

والامام يومئ بصفحة وجهه يمينا بمعنى أنه يبتدئ به الى القبلة ثم يشير بباقيه الى اليمين بوجهه.

والمأموم كذلك يومئ الى يمينه بصفحة وجهه كالامام مقتصرا على تسليمة واحدة ان لم يكن على يساره أحد وان كان على يساره أحد سلم أخرى بصيغة السّلام عليكم موميا بوجهه الى يساره أيضا

(2)

.

‌حكم صلاة العاجز بالاشارة أو الايماء

جاء فى شرائع الاسلام أن المصلى اذا لم يقدر على السجود رفع ما يسجد عليه فان لم يقدر أومأ

(3)

، وان عجز عن الركوع أصلا اقتصر على الايماء

(4)

.

‌حكم صلاة الخائف بالاشارة أو الايماء

جاء فى الخلاف أنه فى شدة الخوف وهى حالة المسايفة والتحام القتال يصلى بحسب الامكان ايماء وغير ذلك ولا تجب عليه الاعادة لاجماع الفرقة ولقول الله تعالى: «حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطى وَقُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً}

(5)

(1)

الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 158، 159 مسئلة رقم 185 الطبعة الثانية مطبعة زنكين فى طهران سنة 1377 هـ.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 82.

(3)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 52 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 54 الطبعة المتقدمة.

(5)

كتاب الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 257 مسئلة رقم 9 الطبعة الثانية طبع مطبعة زنكين فى طهران سنة 1377 هـ.

ص: 24

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أن المصلى اذا لم يمكنه ركوع ولا سجود صلى قاعدا بايماء وان أمكنه ركوع وقيام فكذلك.

وقيل يصلى قائما ويركع ويسجد بانحناء أسفل من الركوع ما قدر، ويقوم ويرجع كذلك قبل أن يصل، حيث ركع ويرفع ويمكث حيث وصل فى السجدة الأولى ويقرأ التحيات وذلك اذا وصلها والقعود بايماء هو أولى من قيام بايماء.

وقيل: القيام أولى.

والمراد هنا بالأولوية الاستحقاق على الوجوب - والقيام به هو أولى من اضطجاع به حيث قدر عليهما دون القعود.

والايماء قائما أن يشير الى كل فعل وهو قائم ويشير للسجود أسفل من الركوع ولا يركع لأنه ان ركع وسجد أسفل الركوع كان كهيئة التذبح وهى لا تجوز وان أومأ للسجود أرفع من الركوع كان السجود أرفع منه وهو لا يجوز.

ووجه كون القعود أولى: أن أكثر الأعمال فيه فالاشارة فيه للكل أولى

(1)

.

هذا وعلى القاعد للتشهد أن يضع المصلى يديه على فخذيه مفرقا أصابعه ولا يضر ضمها - وكذا بين السجدتين - وموصلا أنامله لأطراف ركبتيه بلا فساد ان لم يفرق أو لم يوصل.

والمراد بايصال الأنامل أن تكون المفاصل العليا من الأصابع فى أطراف ركبتيه وذلك المراد بالكفين فى حديث جعله كفيه على ركبتيه بدليل وجوب الاعتدال وفسدت أن تركهما فى الهواء أو على الأرض أو فى غير الفخذين كالكتف والبطن أو الخد أو الظهر أو الرأس أو فيهما غير مبسوطتين أو على جنبهما أو على جنب الفخذين أو تحتهما أو على رأس الأصابع لا لعذر أو نسيان

(2)

.

‌حكم صلاة المريض بالاشارة أو الايماء

جاء فى شرح النيل أن من بطلت احدى رجليه أو يديه بأن لا تصل أحداهما الأرض أو تصلها بجانب أو بورائها أو حزت صلى قاعدا بايماء أى اشارة لركوع وسجود لانتفاء السجود على سبعة أعضاء

(3)

.

ويصلى عاجز عن قيام قاعدا ان قدر والا فليصل مضطجعا بايماء بركوع وسجود الى جهة القبلة لا الى

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطفيش ج 1 ص 419 طبع المطبعة البارونية.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 420، ص 421 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 1 ص 365 طبع مطبعة البارونى وشركاه.

ص: 25

صدره وان عجز عن الايماء فى قعود واضطجاع

(1)

.

وقيل أن عجز مريض عن ايماء بركوع وسجود مع اضطجاع أو استلقاء رجع للتكبير وهو الأصح

(2)

.

والايماء للسجود أخفض من الايماء الذى هو بدل الركوع.

وقيل: ايماء الركوع بمد العنق والسجود بضمه نظرا الى أن السجود تسفل من قيام

(3)

.

‌حكم اشارة المأموم الى امام

الصلاة بقصد تعيينه

‌مذهب الحنفية:

ذكر ابن عابدين فى حاشيته أن المأموم اذا نوى الصلاة مؤتما وعين الامام باسمه وعرفه بالاشارة اليه فبان غير من سمى صحت صلاته.

كما لو نوى الاقتداء بالامام القائم فى المحراب الذى هو زيد فاذا بالقائم فى المحراب غير زيد، أو نوى الاقتداء بهذا الامام الذى هو زيد فبان أن من أشار اليه لم يكن زيدا.

وذلك لأن (أل) فى الصورة الأولى يشار بها الى الموجود فى الخارج أو الموجود فى الذهن وعلى كل فقد نوى الاقتداء بالامام الموجود فلغت التسمية.

وكذلك الأمر فى الصورة الثانية لأنه نوى الاقتداء بالمشار اليه فلغت التسمية كما فى الخانية وغيرها، هذا اذا كانت الاشارة بصفة عامة.

أما اذا كانت الاشارة بصفة خاصة كأن ينوى الاقتداء بهذا الشاب ثم يتبين أنه شيخ فلا يصح.

وان عكس فنوى الاقتداء بهذا الشيخ فاذا هو شاب صح.

لأن الشاب يدعى شيخا لعلمه، هذا الى أن زيدا وعمرا جنس واحد من حيث الذات وان اختلفا من حيث الأوصاف والمشخصات، لأن الملحوظ اليه فى العلم هو الذات.

ففى قوله هذا الامام الذى هو زيد فظهر أن المشار اليه عمر يكون قد اختلف المسمى والمشار اليه فلغت التسمية وبقيت الاشارة معتبرة لكونهما من جنس واحد فصح الاقتداء.

وأما الشيخ والشاب فهما من الأوصاف الملحوظ فيها الصفات دون الذات ومعلوم أن صفة الشيخوخة تباين صفة الشباب فكانا جنسين.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 366 الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 367 الطبعة المتقدمة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 368 الطبعة المتقدمة.

ص: 26

فاذا قال هذا الشاب فظهر أنه شيخ لا يصح الاقتداء على ما ذكر - لأنه وصفه بصفة خاصة لا يوصف بها من بلغ سن الشيخوخة فقد خالفت الاشارة التسمية مع اختلاف الجنس فلغت الاشارة واعتبرت التسمية بالشاب فيكون قد اقتدى بغير موجود كمن اقتدى بزيد فبان غيره.

وأما اذا قال: هذا الشيخ فظهر أنه شاب فانه يصح لأن الشيخ صفة مشتركة فى الاستعمال بين الكبير فى السن والكبير فى القدر كالعالم وبالنظر الى المعنى الثانى يصح أن يسمى الشاب شيخا فقد اجتمعت الصفتان فى المشار اليه لعدم تخالفهما فلم يلغ أحدهما فيصح الاقتداء

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى حاشية البجرمى أنه لا يشترط تعين الامام حين الاقتداء به بل يكفى نية الاقتداء بالامام الحاضر.

فلا يجب تعين الامام باسمه أو صفته التى منها الحاضر.

واذا عينه باسمه أو صفته ولم يشر اليه أى اشارة حسية كانت أو قلبية وليس المراد تعيينه بالاشارة القلبية الى ذاته بل المراد أنه يعتقد بقلبه زيدا فتبين أنه عمرو وان عينه ولم يكن التعيين باشارة والا فالاشارة من أفراد التعيين وسواء كانت الاشارة مع التعيين بالاسم أو كان تعيينه بنفس الاشارة الحسية أى المتعلقة بالشخص واذا تعارضت مع العبارة روعيت الاشارة هنا.

والحاصل أنه اذا علق القدوة بالشخص لا يضر الغلط فى الاسم وان لم يعلقها بالشخص ضر الغلط فى الاسم ومعلوم أنه مع الاشارة يكون الاقتداء بالشخص

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة أنه يشترط تعيين الامام بلا خلاف بالاسم أو الصفة أو الحاضر معه بعد العلم باستجماعه لشرائط الامامة.

وذكر فى المصابيح أنه لو نوى الاقتداء بهذا الحاضر على أنه زيد أو سماه فبان أنه عمرو فلو لم يكن عمرو عنده عادلا ففى صحة صلاته أشكال لظهور عدم الاقتداء بعادل.

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 1 ص 298 للسيد محمد أمين المعروف بابن عابدين الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1323 هـ.

(2)

حاشية البجرمى على منهج الطلاب للشيخ سليمان البجرمى فى كتاب على هامشه مع الشرح نفائس ولطائف الشيخ محمد المرصفى فى شرح العلامة ج 1 ص 331 طبعة مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1345 هـ.

ص: 27

وأما اذا كانا عادلين عنده فالظاهر صحة صلاته لوقوع التعيين بالاشارة وعدم ثبوت ضرر فيما اعتقده خطأ.

وكما صحت صلاته فى الصورة التى تتردد بين كون امامه زيد العادل عنده أو عمرو كذلك وعين باشارته بكونه هذا الحاضر سواء كان زيدا أو عمرا صحت أيضا باشارته بكونه هذا الحاضر وان كان اعتقد من بينهما أنه زيد فظهر كونه عمرا لأن المناط المصحح هو تعيينه باشارته لان دليل التعيين فى النية هو تحقق الامتثال العرفى.

وهذا القدر من التعيين كاف لا يضر معه الخطأ فى الاعتقاد

(1)

.

‌حكم الاشارة الى الحجر

الأسود فى الحج

‌مذهب الحنفية:

جاء فى حاشية ابن عابدين: أن من سنن الحج استقبال الحجر الأسود وذلك بأن يمر بجميع بدنه على جميع الحجر، وأن يستلمه بعد أن يرسل يديه.

والاستلام يكون بوضع كفيه على الحجر ووضع فمه بين كفيه وتقبيله فان لم يقدر على تقبيله الا بالايذاء أو لم يقدر مطلقا وضع يديه عليه ثم يقبلهما أو وضع أحداهما والأولى أن تكون اليمنى لأنها المستعملة فيما فيه شرف.

وان لم يمكنه وضع يديه أو احداهما يمس، بضم أوله وكسر ثانية من الامساس - مشيرا اليه بباطن كفيه أى بأن يرفع يديه حذاء أذنيه ويجعل باطنهما نحو الحجر مشيرا بهما اليه ثم يقبل كفيه بعد الاشارة المذكورة ويفعل فى كل شوط ما يفعله فى الابتداء

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الخرشى ان من سنن الطواف تقبيل الحجر الأسود بالفم فى الشوط الأول وتقبيله فيما عداه مستحب.

ولا بأس باستلامه بغير طواف ولكن ليس ذلك من شأن الناس.

هذا ولا يكون التقبيل بغير الفم فان لم يقدر على تقبيل الحجر فانه يمسه بيد ان قدر ثم يضعها على فيه من غير تقبيل على المشهور فان عجز فانه يمسه بعود ثم يضعه على فيه من غير تقبيل فلا يكفى العود مع امكان اليد ولا اليد مع امكان التقبيل بالفم ثم ان عجز عن اللمس بما ذكر كبر فقط

(1)

مفتاح الكرامة فى شرح العلامة ج 3 ص 429، ص 430 الطبعة السابقة.

(2)

رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 2 ص 170، 171 لابن عابدين الطبعة الثالثة سنة 1323 هـ.

ص: 28

ومضى بغير اشارة اليه بيده ولا رفع لها - على مذهب المدونه - واختار عياض فى قواعده الاشارة اليه مع التقبيل والأكثرون على عدمها

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى

(2)

المحتاج: أن من سنن الحج أن يستلم الحجر الأسود بعد استقباله ويستلمه بيده أول طوافه ويسن أن تكون يده اليمنى ويقبله للاتباع رواه الشيخان فان لم يتمكن من الاستلام باليد استلم بخشبة ونحوها ويضع بعد ذلك جبهته عليه للاتباع رواه البيهقى.

ويسن أن يكون التقبيل والسجود ثلاثا كما فى المجموع فان عجز عن تقبيله ووضع جبهته عليه لزحمة مثلا أو لعجز عن استلامه بيده أو غيرهما أشار اليه بيده أو بشئ فيها كما صرح به فى المجموع.

وروى البخارى عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: طاف النبى صلى الله عليه وسلم على بعير له كلما أتى الركن أشار اليه بشئ عنده وكبر ولا يندب أن يشير الى القبلة بالفم، لأنه لم ينقل.

واعلم أن الاستلام والاشارة انما يكونان باليد اليمنى فان عجز فباليسرى، هذا ويراعى ذلك أى الاستلام وما بعده فى كل طوفة من الطوفات السبع لما فى أبى داود والنسائى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدع أن يستلم الركن اليمانى والحجر الأسود فى كل طوفة وهو فى الأوتار آكد لحديث ان الله وتر يحب الوتر، ولأنه يصير مستلما فى افتتاحه واختتامه وهو أكثر عددا.

ولا يقبل الركنين الشاميين - وهما اللذان عندهما الحجر بكسر المهملة - ولا يستلمهما بيده ولا بشئ فيها أى لا يسن ذلك لما فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يستلم الا الحجر والركن اليمانى.

ويستلم الركن اليمانى ندبا فى كل طوفة للحديث المذكور ولا يقبله لأنه لم ينقل، ولكن يقبل بعد استلامه ما استلمه به فان عجز عن استلامه أشار اليه كما نقله ابن عبد السّلام لأنها بدل عنه لترتبها عليه عند العجز فى الحجر الأسود فكذا هذا.

ومقتضى القياس أنه يقبل ما أشار به وهو كذلك كما أفتى به شيخى.

(1)

شرح الخرشى على مختصر الجليل ج 2 ص 325، ص 326 الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1317.

(2)

مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج ج 1 ص 471، ص 472 الطبعة السابقة.

ص: 29

وجاء فى حاشيتى قليوبى وعميرة على شرح منهاج الطالبين: أن بعضهم بحث تثليث الاشارة والتقبيل لما أشار به أيضا هذا ويشير بقبلة أيضا الى مقام ابراهيم صلى الله عليه وسلم الذى هو من الجنة كالحجر الأسود

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن من سنن الحج فى الطواف أن يستلم الحجر الأسود ويمسحه بيده اليمنى لقول جابر رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه، الحديث.

هذا ويقبل الحجر أيضا من غير صوت يظهر للقبلة لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم استقبل الحجر ووضع شفتيه عليه يبكى طويلا ثم التفت فاذا هو بعمر بن الخطاب يبكى فقال يا عمر هاهنا تسكب العبرات، رواه ابن ماجه.

فان شق استلامه وتقبيله لم يزاحم واستلمه بيده وقبل يده لحديث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم استلمه وقبل يده.

فان شق استلامه بيده استلمه بشئ وقبله فان شق استلامه بيده أو بشئ أشار اليه بيده أو بشئ واستقبله بوجهه.

ولا يقبل المشار به لعدم وروده ولا يزاحم لاستلام الحجر وتقبيله أو السجود عليه فيؤذى أحدا من الطائفين

(2)

.

هذا وان المرأة لا تزاحم الرجال لتستلم الحجر الأسود ولا لغيره خوف المحظور لانه أستر لكن تشير المرأة الى الحجر كالرجل الذى لا يمكنه الوصول اليه الا بمشقة

(3)

.

وكلما حاذى الحجر الأسود والركن اليمانى استلمهما استحبابا لما روى ابن عمر قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم لا يدع أن يستلم الركن اليمانى والحجر فى طوافه.

قال نافع: وكان ابن عمر يفعله رواه أبو داود.

وان شق استلامهما للزحام أشار اليهما لما مر.

ويقول كلما حاذى الحجر الأسود الله أكبر فقط لحديث البخارى عن

(1)

حاشيتى قليوبى وعميرة على شرح منهاج الطالبين ج 2 ص 106 طبع محمد على صبيح مصر.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 1 ص 605 الطبعة المتقدمة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 604 الطبعة المتقدمة.

ص: 30

ابن عباس قال: طاف النبى صلى الله عليه وسلم على بعير كلما أتى الركن أشار بيده وكبر

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أنه يندب للحاج أن يبتدئ فى طوافه من الحجر الأسود، وأن يلمسه حال طوافه ويسجد على الحجر الأسود ان أمكن وأن يستلم الركن والاستلام وضع اليد على الركن ثم يقبلها.

وقيل: وضعها عليه ثم يمسح وجهه بها فان تعذر الاستلام أشار الى الركن بيمينه.

وأما الحجر الأسود فيقبله فان كان راكبا أشار اليه بيده أو شئ فى يده.

هذا ويقول فى حال الاستلام أو الاشارة {رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ} .

والمرأة لا ينبغى أن تزاحم الرجال للاستلام بل تشير وتخفض صوتها ملبية

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى وسائل الشيعة: أنه يستحب للحاج أن يستلم الحجر الأسود فى الطواف الواجب والندب، وذلك باليد اليمنى مع تقبيله فان لم يمكن استلامه بيده استحب أن يشير اليه.

ويجدد الاقرار بالعهد والميثاق، ولذلك روى عن معاوية بن عمار، عن أبى عبد الله قال: اذا دنوت من الحجر الأسود فارفع يديك واحمد الله - الى أن قال - ثم استلم الحجر وقبله فان لم تستطع ان تقبله فاستلمه بيدك فان لم تستطع أن تستلمه بيدك فأشر اليه رواه الشيخ باسناده عن محمد بن يعقوب

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح

(4)

النيل أن الحاج اذا وصل ركن الحجر استلمه واستلامه للحجر استلامه للركن لأنه منه هذا ان قدر والا كبر حياله بلا ايذاء، ثم يكبر عنده ثلاثا.

هذا ويمسح الركن فى كل من الأشواط ويقبله بفيه ان أمكنه ذلك وأن لم

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 606 الطبعة المتقدمة.

(2)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 110، 111 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.

(3)

وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة ج 2 من المجلد الخامس ص 402 للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملى طبعة المطبعة الاسلامية بطهران سنة 1381 هـ.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 2 ص 345، ص 346 الطبعة السابقة.

ص: 31

يمكنه كبر حياله وأشار اليه ان شاء مع التكبير وان شاء مسه بيده أو بعود ان لم يستطع بيده ثم يقبل ما مسه به ان لم يقدر على تقبيله بفيه ومن لم يقبله ولم يمسه فى شئ من أشواط الطواف الواجب فعليه دم وقيل: لا وأساء.

‌حكم اشارة المحرم الى الصيد

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أنه يحرم على المحرم صيد البر وذلك لقوله تعالى: «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً 1» .

وقوله تعالى: «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ 2» .

ظاهر الآيتين يقتضى تحريم صيد البر للمحرم عاما أو مطلقا الا ما خص أو قيد بدليل.

وقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ 3» .

والمراد منه الابتلاء بالنهى.

لقوله تعالى فى سياق الآية: «فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ» .

أى اعتدى بالاصطياد بعد تحريمه والمراد منه صيد البر لأن صيد البحر مباح بقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}

(4)

.

وكذا لا يحل له ان يدل عليه ولا أن يشير اليه لقوله صلى الله عليه وسلم: «الدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله» .

ولأن الدلالة والاشارة سبب الى القتل وتحريم الشئ تحريم لأسبابه، وكذلك لحديث أبى قتادة - وهو ما رواه الشيخان - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين سألوه عن لحم حمار وحش اصطاده أبو قتادة:

هل منكم من أمره أو أشار اليه قالوا:

لا. قال: فكلموا ما بقى من لحمه.

علق لحمه على عدم الاشارة

(5)

.

ولو أعان محرم محرما أو حلالا على صيد ضمن لأن الاعانة على الصيد تسبب الى قتله وهو متعد فى هذا التسبب لأنه تعاون على الاثم والعدوان وقد قال الله تعالى: «وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ»

(6)

.

(1)

الآية رقم 96 من سورة المائدة.

(2)

الآية رقم 95 من سورة المائدة.

(3)

الآية رقم 94 من سورة المائدة.

(4)

الآية رقم 96 من سورة المائدة.

(5)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 197 الطبعة المتقدمة.

(6)

الآية رقم 2 من سورة المائدة.

ص: 32

ولو دل عليه أو أشار اليه فان كان المدلول يرى الصيد أو يعلم به من غير دلالة أو اشارة فلا شئ على الدال أو المشير، لأنه اذا كان يراه أو يعلم به من غير دلالة فلا أثر لدلالته فى تفويت الأمن على الصيد فلم تقع الدلالة سببا الا أنه يكره ذلك لأنه نوع تحريض على اصطياده.

أما ان رآه المدلول بدلالته فقتله فعلى الدال الجزاء عند أصحابنا لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه قال: الدال على الشئ كفاعله. وروى الدال على الخير كفاعله والدال على الشر كفاعله - وقد تقدم.

فظاهر الحديث يقتضى أن يكون للدلالة حكم الفعل الا ما خص بدليل: وقد تقدم كذلك ما روى فى شأن حمار الوحش الذى صاده أبو قتادة.

فلولا أن الحكم يختلف بالاعانة والاشارة لما كان لفحصه صلى الله عليه وسلم عن ذلك معنى ودل ذلك على حرمة الاعانة والاشارة وذا يدل على وجوب الجزاء.

هذا وقد روى أن رجلا سأل عمر رضى الله تعالى عنه فقال: انى أشرت الى ظبية فقتلها صاحبى، فسأل عمر عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنهما فقال ما ترى؟ فقال: أرى عليه شاة فقال عمر رضى الله تعالى عنه وأنا أرى مثل ذلك.

وروى أن رجلا أشار الى بيضة نعامة فكسرها صاحبه فسأل عن ذلك عليا وابن عباس رضى الله تعالى عنهما فحكما عليه بالقيمة.

ولأن المحرم قد أمن الصيد باحرامه والدلالة تزيل الأمن لأن أمن الصيد فى حال قدرته ويقظته يكون بتوحشه عن الناس وفى حال عجزه ونومه يكون باختفائه عن الناس.

والدلالة تزيل الاختفاء فيزول الأمن فكانت الدلالة فى ازالة الأمن كالاصطياد.

ولان الاعانة والدلالة والاشارة تسبب الى القتل وهو متعد فى هذا التسبب لكونه مزيلا للأمن

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل: أن دلالة الحاج المحرم على الصيد أو الاعانة عليه بمناولة سوط أو رمح أو باشارة اليه أو أمر غيره بقتله اساءة منه ولا شئ عليه على المشهور كالقاتل الا أن يكون محرما فعليه جزاء، هذا وكل ما صاده محرم أى مات بصيده أو ذبحه وان لم يصده أو أمر بذبحه أو أعان عليه باشارة أو مناولة سوط ونحوه فان ذلك كله ميتة لا يجوز أكله لحلال ولا لحرام.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 2 ص 203، ص 204 الطبعة المتقدمة.

ص: 33

وذلك لحديث أبى قتادة الذى يدل على ان ما صاده المحرم أو ذبحه ميتة وفيه دليل على أنه لو أمره أحد أن يحمل عليه أو أشار اليه لم يؤكل

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المجموع: أنه يحرم على المحرم أن يأكل ما أعان على قتله بدلالة أو إعارة لما روى عبد الله بن أبى قتادة قال: كان أبو قتادة فى قوم محرمين وهو حلال فابعد حمار وحش فاختلس من بعضهم سوطا فضربه به حتى صرعه ثم ذبحه وأكله هو وأصحابه فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل أشار إليه أحد منكم؟ قالوا لا قال فلم ير بأكله بأسا»

(2)

.

وجاء فى الأشباه والنظائر أن المحرم اذا أشار الى صيد فصيد، ثم أكل منه قيل: يلزمه الجزاء وقيل لا يلزمه والقول الأخير أظهر

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(4)

: أنه يحرم على المحرم أن يدل على الصيد وكذلك الاشارة اليه والاعانة عليه ولو بإعارة سلاح ليقتله أو ليذبحه به سواء كان مع الصائد ما يقتله به أولا، أو يناوله سلاحه أو سوطا أو يدفع اليه فرسا لا يقدر على أخذ الصيد الا به لأنه وسيلة الى الحرام فكان حراما كسائر الوسائل.

ولحديث أبى قتادة لما صاد الحمار الوحشى وأصحابه محرمون قال النبى صلى الله عليه وسلم: هل أشار اليه انسان منكم أو أمره بشئ، قالوا:

لا وفيه أبصروا حمارا وحشيا فلم يدلونى وأحبوا لو أنى أبصرته فالتفت فأبصرته ثم ركبت ونسيت السوط أو الرمح فقلت لهم ناولونى فقالوا:

لا والله لا نعينك عليه بشئ انا محرمون فتناولته فأخذته ثم أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته فأتيت به أصحابى فقال بعضهم كلوا وقال بعضهم لا تأكلوا فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فسألته فقال: كلوه وهو حلال.

هذا ويضمن المحرم الصيد اذا دل عليه أو أشار اليه ولا ضمان على دال ولا مشير بعد أن رآه من يريد صيده لأنه لم يكن سببا فى تلفه.

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل ج 3 ص 176، 177 الطبعة الأولى طبعة مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.

(2)

المجموع شرح المهذب للامام الحافظ أبى زكريا يحيى الدين بن شرف النووى ج 7 ص 301 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.

(3)

الاشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية للإمام جلال الدين السيوطى ص 313 الطبعة الأخيرة طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1378 هـ، سنة 1959 م.

(4)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 579 للشيخ منصور بن ادريس الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 34

وكذا لو وجد من المحرم عند رؤية الصيد ضحك أو استشراف نفس ففطن له.

ويحرم على المحرم أن يأكل من الصيد الذى أشار اليه لما تقدم فى حديث أبى قتادة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية: أنه يحرم على المحرم أن يعين على صيد سواء كان ذلك بدلالة عليه أو اشارة اليه بأحد الأعضاء.

ولا فرق فى ذلك بين ما اذا كان المعان محرما أو محلا، أو أن تكون الاشارة خفية أو واضحة نعم لو كان المدلول عالما به بحيث لم يفده زيادة انبعاث عليها فلا حكم لها

(2)

.

وجاء فى وسائل الشيعة: ان المحرم اذ دل على صيد محلا أو محرما أو أشار اليه فقتل لزمه الفداء ولذلك روى عن أبى عبد الله أنه قال:

لا تستحلن شيئا من الصيد وأنت حرام ولا وأنت حلال فى الحرم ولا تدلن عليه محلا ولا محرما فيصطاده ولا تشر اليه فيستحل من أجلك فان فيه فداء لمن تعمده

(3)

.

‌حكم الاشارة فى النكاح

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن النكاح ينعقد بالاشارة من الأخرس اذا كانت اشارته معلومة كما ينعقد بالعبارة والكتابة

(4)

.

وذكر ابن عابدين أن المهر المسمى اذا كان من جنس المشار اليه فان العقد يتعلق بالمشار اليه، لأن المسمى موجود فى المشار اليه ذاتا والوصف يتبعه.

وان كان من خلاف جنسه فان العقد يتعلق بالمسمى لأن المسمى مثل المشار اليه وليس بتابع له والتسمية أبلغ فى التعريف من حيث أنها تعرف الماهية والاشارة تعرف الذات

(5)

.

فلو قال تزوجتك على هذا العبد فاذا هو حر فهو لا يخلو اما أن يكون قد سمى ما يصلح مهرا وأشار الى ما لا يصلح مهرا واما أن يكون سمى ما لا

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 580 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 181 للجبعى العاملى طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.

(3)

وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملى ج 2 من المجلد 5 ص 208 طبع المطبعة الاسلامية بطهران سنة 1381 هـ.

(4)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكسانى ج 2 ص 231 الطبعة السابقة.

(5)

حاشية ابن عابدين ج 1 ص 298 الطبعة المتقدمة.

ص: 35

يصلح مهرا فأشار الى ما يصلح مهرا فان سمى ما يصلح مهرا وأشار الى ما لا يصلح مهرا بأن قال تزوجتك على هذا العبد فاذا هو حر أو على هذه الشاة الذكية فاذا هى ميتة أو على هذا الزق من الخل فاذا هو خمر.

فالتسمية فاسدة فى جميع ذلك ولها مهر المثل فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

لأن الاشارة والتسمية كل واحد منهما وضعت للتعريف الا أن الاشارة أبلغ فى التعريف لأنها تحصر العين وتقطع الشركة والتسمية لا توجب احضار العين ولا تقطع الشركة فسقط اعتبار التسمية عند الاشارة وبقيت الاشارة، والمشار اليه لا يصلح مهرا، لأنه ليس بمال فيجب مهر المثل كما لو أشار الى الميتة والدم والخمر والخنزير ولم يسم.

وفى قول أبى يوسف تصح التسمية فى الكل وعليه فى الحر قيمة الحر لو كان عبدا وفى الشاة قيمة الشاة لو كانت ذكية وفى الخمر مثل ذلك الزق من خل لأن المسمى هو العبد.

والشاة الذكية والخل وكل ذلك مال فصحت التسمية الا أنه اذا ظهر أن المشار اليه خلاف جنس المسمى فى صلاحية المهر تعذر التسليم فتجب القيمة فى الحر والشاة لأنهما ليسا من المثليات وفى الخمر يجب مثله فلا لأنه مثلى كما لو هلك المسمى أو استحق.

أما محمد فقد فرق فقال مثل قول أبى حنيفة فى الحر والميتة ومثل قول أبى يوسف فى الخمر، لأن الاشارة مع التسمية اذا اجتمعتا فى العقود.

فان كان المشار اليه من جنس المسمى فان العقد يتعلق بالمشار اليه.

وان كان من خلاف جنسه فان العقد يتعلق بالمسمى.

هذا أصل مجمع عليه فى البيع والحر من جنس العبد لاتحاد جنس المنفعة وكذا الشاة الميتة من جنس الشاة الذكية فكانت العبرة للاشارة والتحقت التسمية بالعدم والمشار اليه لا يصلح مهرا فصار كأنه اقتصر على الاشارة ولم يسم بأن قال تزوجتك على هذا وسكت.

فأما الخل مع الخمر فجنسان مختلفان لاختلاف جنس المنفعة فتعلق العقد بالمسمى لكن تعذر تسليمه وهو مثلى فيجب مثله خلا

(1)

‌مذهب المالكية:

ذكر الحطاب فى مواهب الجليل: أن النكاح لا ينعقد بالكتابة والاشارة ونحو ذلك وهو مقتضى كلامه فى الاشراف

(1)

بدائع الصنائع ج 2 ص 279، 281 الطبعة المتقدمة.

ص: 36

وكذلك فى الاستذكار، والنكاح يفتقر الى التصريح ليقع الاشهاد عليه.

وكلام ابن عبد السّلام يقتضى أنه لا ينعقد بالكتابة والاشارة.

وقال ابن الحاجب: الصيغة لفظ يدل على التأبيد مدة الحياة كأنكحت وزوجت وملكت وبعت، وكذلك وهبت بتسمية صداق.

وقال ابن عبد السّلام فى شرح قول ابن الحاجب: (ومن الزوج ما يدل على القبول) يعنى أن الصيغ المتقدمة هى المشترطة من المولى وقد يتسع الكلام فيها.

وأما جانب الزوج فيكفى فيه كل لفظ يدل على القبول

(1)

دون صيغة معينة، وكذا الاشارة وكل ما يدل على القبول

قال خليل: ولا أعلم نصا فى الاشارة والظاهر أنها لا تكفى من جهة الزوج لأن النكاح لا بد فيه من الشهادة ولا تمكن الا مع التصريح من الولى والزوج ليقع الاشهاد عليها.

وقال ابن عرفة قال أبو عمر: اشارة الأخرس به كلفظ.

وقال الشيخ زروق فى شرح الارشاد قال أبو عمر: اشارة الأخرس كافية اجماعا

(2)

. واذا لم يكن المهر مضمونا فان كان ذاتا مشارا اليها كدار أو عبد أو ثوب بعينه فانه يجب تسليمه للمرأة بالعقد قاله اللخمى: وان كان الزوجان صغيرين أو كان أحدهما مريضا

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب: أن نكاح الأخرس ينعقد باشارته التى لا يختص بفهمها الفطن وكذا بكتابته - على ما فى المجموع - وهو محمول على ما اذا لم تكن له اشارة مفهمة وتعذر توكيله لاضطراره حينئذ ويلحق بكتابته فى ذلك اشارته التى يختص بفهمها الفطن، فكتابة الأخرس واشارته كنايتان وينعقد بهما النكاح منه تزويجا وتزوجا وبعضهم منع انعقاده، بالكتابة مطلقا حتى فى هاتين الصورتين قال ولا ينعقد نكاح الأخرس بالاشارة الا اذا كان يفهمها كل أحد فان لم يفهم اشارته أحد زوجه الأب فالجد فالحاكم

(4)

وجاء فى حاشيتى قليوبى وعميرة: أن الأب يزوج الصغيرة بغير أذنها ولكن من على حاشية النسب فانه لا يزوج الصغيرة الا بصريح الاذن، أى بالنطق به

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 3 ص 419، 420 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لمختصر خليل للمواق الطبعة الأولى مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 422 الطبعة المتقدمة.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 501 الطبعة السابقة.

(4)

حاشية البجيرمى على شرح منهج الطلاب ج 3 ص 332، ص 333 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1345 هـ.

ص: 37

من الناطقة وبالاشارة أو الكتابة من غيرها فان لم يكن ذلك فهى كالمجنونة فلا يزوجها مطلقا

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير: أن النكاح لا ينعقد الا بلفظ النكاح والتزويج بالعربية لمن يحسنها وبمعناهما الخاص بكل لسان لمن لا يحسنها وعلى ذلك.

فالأخرس أن فهمت اشارته صح نكاحه بها لأنه معنى لا يستفاد الا من جهته فصح باشارته كبيعه وطلاقه ولعانه.

وان لم تفهم اشارته لم يصح منه، كما لا يصح غيره من التصرفات القولية ولأن النكاح عقد بين شخصين فلابد من فهم كل واحد منهما ما يصدر عن صاحبه ولو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضا لأن الشهادة شرط ولا يصح على ما لا يفهم.

وأما الاشارة من القادر على النطق ففيها وجهان ذكرهما فى المجرد.

أولهما عدم الصحة لأنه يمكن أن يستغنى عن ذلك

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار، أن ايجاب النكاح وقبوله يصحان بالاشارة المفهمة من المصمت

(3)

. والأخرس الذى يفهم الشرعيات.

وقيل: الذى يفهم عقد النكاح

(4)

.

ورضاء الثيب يكون بالنطق بالماضى وبما فى حكم النطق بالماضى وذلك نحو أن تكون خرساء فتشير برأسها أنها قد رضيت ومثل الخرساء فى ذلك غير الخرساء للعرف

(5)

.

ويشترط لصحة عقد النكاح أن تعين المرأة حال العقد وذلك يحصل باشارة اليها لأنه لا يؤمن أن تكون محرمة أو مزوجة فيقعا فى المحظور نحو أن يقول زوجتك هذه المشار اليها أو تلك التى قد عرفتها ولو كانت غائبة

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مستمسك العروة الوثقى: أن الأخرس يكفيه الاشارة للتعبير عن

(1)

حاشيتى قليوبى وعميرة على متن منهاج الطالبين ج 3 ص 223.

(2)

المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ج 7 ص 373، ص 374 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

(3)

المصمت هو الذى عرض له مانع من الكلام لأجل علة عرضت ولو مما يرجى زواله كوجع الحلق وقد كان مفصحا.

(4)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار ج 2 ص 233، 234 لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 243، 244 الطبعة السابقة.

(6)

المرجع السابق ج 2 ص 245، 246 الطبعة المتقدمة.

ص: 38

الايجاب والقبول فى النكاح مع قصد الانشاء وان تمكن من التوكيل على الأقوى

(1)

.

ويشترط تعيين كل من الزوج والزوجة على وجه يمتاز به كل منهما عن غيره وذلك يكون بالاسم أو الوصف الموجب له أو الاشارة اليه

(2)

.

فلو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما مع الاشارة أخذ بما هو المقصود والغى ما وقع غلطا وذلك كما لو قال:

زوجتك الكبرى من بناتى فاطمة وتبين أن اسمها خديجة صح العقد على خديجة التى هى الكبرى.

ولو قال: زوجتك فاطمة وهى الكبرى فتبين أنها صغرى صح على فاطمة لأنها المقصود ووصفها بأنها كبرى وقع غلط فيلغى.

وكذا لو قال: زوجتك هذه وهى فاطمة أو وهى الكبرى فتبين أن اسمها خديجة أو أنها الصغرى فان المقصود تزويج المشار اليها وتسميتها بفاطمة أو وصفها بأنها الكبرى وقع غلطا فيلغى

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أن الأصم والأبكم اذا نشآ مع قوم يعرفون بالاشارة ما يريد ان جاز عليهما ما صنعا من طلاق أو نكاح أو غيرهما كايلاء وظهار وفداء وبيع وشراء.

وقيل: لا طلاق لهما ولو أفهماه باشارة أو كتابة.

والصحيح الأول

(4)

.

ويجوز أن يقول الولى فى النكاح:

زوجت هذه بهذا أو هذا بهذه مشيرا بذلك الى حاضرين وان لم تكن الاشارة بأسمائهما.

قال أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر رضى الله تعالى عنهم: لا تصح شهادة الشهود على النكاح الا باستماع مفهوم، ومعرفة للزوج والمرأة بحضورهما أو بمعرفة أسمائهما وأسماء آبائهما وقبائلهما.

وجاز: زوجت لك بدن هذه المرأة، ولا يجوز زوجت لك اسمها.

وان قال: هذه الأمة وهى حرة، أو هذا الرجل وهو امرأة، أو هذه الطفلة وهى بالغة، وهم عارفون جاز.

وقيل: لا يجوز

وان قال: نصف هذه المرأة أو لنصف هذا الرجل لم يجز. كما لا يجوز زوجت لك هذه أو هذه، ولا زوجت لك من شئت من هاتين

(5)

(1)

مستمسك العروة الوثقى ج 12 ص 313.

(2)

المرجع السابق ج 12 ص 328.

(3)

المرجع السابق ج 12 ص 330، 331.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 3 ص 623 طبع المطبعة الأدبية بمصر.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 168 الطبعة المتقدمة.

ص: 39

وينسب مجهول الأب الى أمه ان عرفت سواء كان لقيطا أو حجاوبا من العبيد البيض أو السود وان لم تعرف الأم أحضر وأشير اليه باسمه ولو امرأة.

وكان ابن بركة اذا زوج امرأة لا يعرف نسبها ولا وليها يقول قد زوجت فلان ابن فلان لفلانة بنت فلان فيقول نعم، ثم يقول للزوج أقبلت؟ فاذا قال نعم قال أشهد عليك من حضر أن عليك هذا الصداق ويشهد على من لا يعرف نسبه اذا حضر بما أوجب على نفسه لا أنه فلان ابن فلان كما سمى نفسه أو سماه غيره الا بعادلة أو بتواطؤ الاخبار وان أحضر من له أب وأشير اليه بلا ذكر لأبيه ولا له أو بذكره دون ذكر أبيه جاز.

وكذا المرأة

(1)

.

‌حكم الاشارة فى الطلاق

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أن التكلم بالطلاق ليس بشرط وهو جائز، ولكن الطلاق يقع بالكتابة المستبينة والاشارة المفهومة من الأخرس لأن الكتابة المستبينة تقوم مقام اللفظ والاشارة المفهومة تقوم مقام العبارة

(2)

.

وجاء فى تبيين الحقائق انه لو قال أنت طالق هكذا وأشار بثلاث أصابع فهى ثلاث.

لأن الاشارة بالأصابع تفيد العلم بالعدد عرفا وشرعا اذا اقترنت بالاسم المبهم.

فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وأشار بأصابعه العشرة يعنى ثلاثين يوما ثم قال: الشهر هكذا وهكذا وهكذا وخنس ابهامه فى الثالثة يعنى تسعة وعشرين يوما.

وعلى هذا فلو أن الطلاق كان مقرونا بعدد الثلاث نصا كان طلاقا بائنا كما لو قال لها أنت طالق هكذا وأشار بثلاث أصابع فهى ثلاث طلقات.

ولو أشار بالواحدة طلقت واحدة.

ولو أشار بالثنتين طلقت ثنتين.

والاشارة تقع بالمنشورة منها دون المضمومة للعرف والسنة ولو نوى الاشارة بالمضمومتين صدق ديانة لاقضاء وكذا لو نوى الاشارة بالكف لأنه يحتمله لكنه خلاف الظاهر. وقيل: اذا أشار بظهورها فبالمضمومة منها وهو أن يجعل ظهر الكف اليها وبطون الاصابع الى نفسه.

وقيل: ان كان بطن كفه الى السماء فالعبرة للنشر وان كان الى الأرض فلعبرة للضم.

وقيل: ان كان نشرا عن ضم فالعبرة للنشر، وان كان ضما عن نشر فالعبرة للضم ولا فرق بين أصبع وأصبع.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 169 الطبعة المتقدمة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 100.

ص: 40

ولو قال أنت طالق وأشار بأصابعه ولم يقل هكذا فهى واحدة لأن الاشارة تفسير للعدد المبهم ولم يوجد فلغت فيكون العامل فيه قوله: أنت طالق.

وهو لا يحتمل العدد

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح منح الجليل: أن الطلاق يلزم بالاشارة التى شأنها أن يفهم منها التطليق بأن يصاحبها قرينة يقطع من عاينها بأنها تدل على الطلاق وان لم تفهمه الزوجة منها.

ولو كانت تلك الاشارة صادرة من قادر على النطق على المعتمد.

وهى كاللفظ الصريح فى عدم الافتقار الى نية فان كانت الاشارة غير مفهمة لم يلزم بها الطلاق حتى ولو قصده، لأنها فعل الا لعرف جار بأن يطلق بها

قال ابن عرفة وفيها ما علم من الأخرس باشارة أو كتابة من طلاق فانه يلزمه حكم المتكلم به.

وروى الباجى أن اشارة المتكلم بالطلاق برأسه أو يده كلفظه لقول الله عز وجل:

قال «آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً»

(2)

قلت انما يحسن هذا دليلا للأخرس لأنه آية زكريا عليه السلام فكان لا قدرة له على الكلام فى الثلاثة الأيام وقياس السليم عليه فيه نظر.

وقال ابن شاس: الاشارة المفهمة بالطلاق هى من الأخرس كالصريح وهى من القادر كالكتابة وتبعه ابن الحاجب.

وتعقبه ابن عبد السّلام بأنه تقرر فى أصول الفقه أن الفعل لا دلالة له من ذاته الا ما ينضم اليه من القرائن فان أفادت القطع كانت كالصريح سواء كانت من أخرس أو من قادر وان لم تفد القطع فهى كالكتابة من الأخرس والقادر.

وما استدل به ابن عبد السّلام يرد بأن دلاله القرائن مع الاشارة من الأخرس لا يزاحمها امكان ما هو أدل منها من غير نوعها وهو النطق بحال فكانت كالصريح ودلالة القرائن مع الاشارة من القادر يزاحمها امكان ما هو أدل منها من غير نوعها وهو النطق فلم تكن فى حقه كالصريح

(3)

.

وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أن الطلاق يلزم بالاشارة المفهمة بأن انضم اليها من القرائن ما يقطع من عاينها بأنها تدل على الطلاق سواء وقعت من أخرس أو متكلم هذا اذا فهمت المرأة

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 2 ص 211 الطبعة الأولى.

(2)

الآية رقم 41 من سورة آل عمران.

(3)

شرح منح الجليل وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل الطبعة الأولى سنة 1338 هـ مطبعة السعادة بمصر ج 2 ص 236، ص 237.

ص: 41

تلك الاشارة وعرفت منها أنها يقصد بها الطلاق مع القرائن التى انضمت اليها.

وكذا اذا لم تفهمها المرأة لبلادتها.

أما اذا كانت الاشارة غير مفهمة وهى التى لا قرينة معها أو معها قرينة لكن لا يقطع من عاين تلك الاشارة بأنها تدل على الطلاق فانها لا يقع بها الطلاق ولو قصده لأنها من الافعال لا من الكنايات الخفية خلافا لبعضهم

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى حاشية البجرمى على المنهاج أنه لو أشار ناطق بطلاق كأن قالت له زوجته طلقنى فأشار بيده أن اذهبى فانها لغو، لأن عدوله اليها عن العبارة يفهم أنه غير قاصد للطلاق وان قصده بها فهى لا تقصد للافهام الا نادرا، ولا هى موضوعة له بخلاف الكتابة فانها حروف موضوعة للافهام كالعبارة.

أما اشارة الأخرس فانه يعتد بها فى الطلاق سواء كان الخرس أصليا أو طارئا ومنه من اعتقل لسانه ولم يرج برؤه وأما من رجى برؤه بعد ثلاثة أيام فأكثر فلا يلحق به وأن ألحقوه به فى اللعان لأنه قد يضطر الى اللعان بخلاف غيره وذلك يكون من الاخرس للضرورة لأنه ليس كل أحد يفهم الكتابة والا فقد يقال مع قدرته على الكتابة لا ضرورة للاشارة وذلك جائز من الأخرس بخلاف الحنث فى الكلام كأن حلف لا يتكلم ثم خرس أو أشار بالحلف على عدم الكلام ثم أشار به لا حنث.

وقال شيخنا العزيزى اذا أشار بالحلف ثم أشار بالكلام حنث لأنه حلف بالاشارة أن لا يكلمه بها وقد كلمه بها.

هذا واشارة الاخرس ان فهمها كل أحد فصريحة والا بأن اختص بفهمها فطنون - فكناية تحتاج الى نية.

وتعرف نيته فيما اذا أتى باشارة أو كناية أخرى فكأنهم اغتفروا تعريفه بها مع أنها كناية ولا اطلاع لنا بها على نية ذلك للضرورة

(2)

.

وجاء فى مغنى المحتاج أنه لو قال رجل لزوجته أنت طالق وأشار بأصبعين أو ثلاث ولم يقل هكذا لم يقع عدد الا بنية له عند قوله طالق لأن الطلاق لا يتعدد الا بلفظ أو نية ولم يوجد واحد منهما ولا اعتبار بالاشارة هنا ولكن يفهم من ذلك أنه تقع طلقة واحدة لأن الواحد ليس بعدد.

فان قال مع ذلك القول أو الاشارة هكذا طلقت فى اشارة أصبع طلقه واحدة وفى اشارة أصبعين طلقتين وفى أشارة ثلاث من الأصابع ثلاث طلقات وان لم ينو.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 384 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى.

(2)

البجيرمى على المنهاج للشيخ سليمان البجرمى طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1342 هـ ج 4 ص 8.

ص: 42

لأن الاشارة بالأصابع فى العدد بمنزلة النية وفى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم: «الشهر هكذا هكذا هكذا وأشار بأصابعه الكريمة وخنس ابهامه فى الثالثة وأراد تسعة وعشرين.

فدل على أن اللفظ مع الاشارة يقوم مقام اللفظ بالعدد.

ولكن لا بد من أن تكون الاشارة مفمهة للطلقتين أو الثلاث كالنظر للأصابع أو تحريكها أو ترديدها، والا فقد يعتاد الانسان على أن يشير بأصابعه الثلاثة فى الكلام فلا يظهر الحكم بوقوع العدد، الا بقرينة قاله الامام (امام الحرمين (وأقراه (أى النووى والرافعى) ولو قال بعد ذلك أردت واحدة لم يقبل.

أما لو قال الرجل لزوجه: أنت هكذا وأشار باصابعه الثلاثة ولم يقل طالق فانها لا تطلق، وان نوى الطلاق كما فى زيادة الروضة لأن اللفظ لا يشعر بطلاق

وان بسط ثلاث أصابع ثم قال: أردت بالاشارة بالثلاث الاصبعين المقبوضتين صدق بيمينه ولم يقع أكثر من طلقتين لاحتمال الاشارة بهما.

فان قال: أردت أحدهما لم يصدق، لان الاشارة صريحة فى العدد كما مر فلا يقبل خلافهما.

ولو عكس فأشار بأصبعين ثم قال:

أردت بالاشارة الثلاث المقبوضة صدق بطريق الأولى، لأنه غلظ على نفسه.

ولو كانت الاشارة بيد مجموعة ولم ينو عددا وقع طلقة واحدة كما بحثه الزركشى.

ولو قال: أنت الثلاث ونوى الطلاق لم يكن شيئا ذكره الماوردى وغيره.

ولو قال: أنت طالق وأشار باصبعه ثم قال أردت بها الاصبع دون الزوجة لم يقبل ظاهرا قطعا

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن الطلاق يقع باشارة مفهومة من أخرس فقط لانه يفهم منها الطلاق فأشبهت الكناية فلو لم يفهم الاشارة الا البعض فكناية بالنسبة اليه.

وتأويل الأخرس مع الصريح من الاشارة مثل تأويله مع النطق فيما يقبل أو يرد.

وان أشار الأخرس بأصابعه الثلاثة لم يقع الا واحدة لأن اشارته لا تكفى وفيه نظر اذا نواه وكتابة الأخرس بما يبين طلاقه كالناطق وأولى.

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب طبعة المطبعة الميمنية ج 3 ص 303.

ص: 43

وأما القادر على الكلام فلا يصح طلاقه باشارة ولو كانت مفهومة لقدرته على النطق

(1)

.

ولو أن الرجل قال لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه الثلاثة طلقت ثلاثا لان التفسير يحصل بالاشارة وذلك يحصل للبيان لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «الشهر هكذا وهكذا وهكذا» .

فان قال: أردت أنها طالق بعدد المقبوضتين قبل منه ووقع ثنتان، لأن ما يدعيه محتمل كما لو فسر المجمل بما يحتمله.

وفى الرعاية: ان أشار بالكل فواحدة، وان لم يقل هكذا بل أشار فقط كانت طلقة واحدة لان اشارته لا تكفى وتوقف أحمد قال فى الرعاية ما لم يكن له نية فيعمل بها

(2)

.

ولو قال لزوجته ان كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته فلم يسمع لتشاغله أو غفلته أو خفض صوتها بحيث لو رفعته يسمعها حنث لانها كلمته وانما لم يسمع لشغل قلبه أو غفلته.

وان أشارت اليه بيد أو عين أو غيرهما كرأس وأصبع لم تطلق بذلك لان الاشارة ليست بكلام عند أهل الشرع

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(4)

: أن من لا يحسن العربية يطلق بلغته باللفظ الذى يترجم عنه فى العربية بالطلاق ويطلق الأبكم والمريض بما يقدر عليه كل منهما من الصوت أو الاشارة التى يوقن بها من سمعهما قطعا أنهما أرادا بها الطلاق وذلك لقول الله عز وجل: لا يكلف الله نفسا الا وسعها

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن كناية الطلاق على ضربين لفظ وغير لفظ فغير اللفظ هو كالكتابة المرتسمة - ومثل الارتسام خرق مواضع الاحرف من القرطاس أو نحوه اذ هو كالنقر فى الحجر.

قلت: وأما الطابع لو وضعه من لا يعرف الكتابة لم يقع طلاقا اذ ليس بكاتب ولا ناطق ولا مشير فان عرف أن وضعه يؤثر فى كناية الطلاق فوضعه

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع على هامش شرح المنتهى للشيخ منصور البهوتى الطبعة اولى سنة 1319 هـ طبعة المطبعة العامرة الشرفية ج 3 ص 150.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 158 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 186 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 197 مسئلة رقم 1961 الطبعة الأولى سنة 1351 هـ طبع مطبعة الطباعة المنيرية بمصر.

(5)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

ص: 44

بنيته احتمل أن يكون كاشارة الأخرس كما أن اشارة الأخرس ونحوه ممن لا يمكنه الكلام فى الحال اذا كانت مفهمة يقع بها الطلاق، وهى تعتبر كالكتابة بخلاف الاشارة ممن يمكنه الكلام أو الاشارة غير المفهمة له فلا يقع بها الطلاق

(1)

.

‌مذهب الأمامية:

جاء فى شرائع الاسلام: أن الطلاق لا يقع بالكتابة ولا بغير اللغة العربية مع القدرة على التلفظ باللفظ المخصوص.

وكذا لا يقع بالاشارة الا مع العجز عن النطق ويقع طلاق الأخرس بالاشارة الدالة

(2)

.

هذا ويشترط أن تكون المطلقة معينة بأن يقول فلانة طالق أو يشير اليها بما يرفع الاحتمال ولو قال هذه طالق أو هذه قال الشيخ يعين للطلاق من شاء وربما قيل بالبطلان لعدم اليقين.

ولو قال: هذه طالق أو هذه أو هذه طلقت الثالثة ويعين من شاء من الأولى أو الثانية

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الأصم والأبكم اذا نشأ مع قوم يعرفون بالاشارة ما يريدان جاز عليهما ما صنعا من طلاق.

وقيل لا طلاق لهما ولو أفهما باشارة أو كتابة والصحيح الأول

(4)

.

هذا ومن تزوج ثم خرس لسانه أو قطع فلا يطلق عنه وليه أو خليفته اتفاقا واختلف فى طلاقه بالاشارة فقيل يقع، وقيل لا يقع وقيل ان فهمت اشارته فى طلاقه ونكاحه وتيقنت جاز الطلاق والنكاح. وان شك فيهما بطلت

(5)

.

‌حكم الاشارة فى اللعان

‌مذهب الحنفية:

جاء فى تبيين الحقائق أن اللعان لا يكون بقذف الأخرس وذلك لأنه قائم مقام حد القذف فى حقه وقذفه لا يعرى عن شبهة.

والحدود تدرأ بها ولأنه لا بد من أن يأتى بلفظ الشهادة فى اللعان حتى لو قال: أحلف مكان أشهد فانه لا يجوز واشارته لا تكون شهادة

(1)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 ج 2 ص 385، 386.

(2)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1930 م ج 2 ص 55.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 54، 55.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش طبع المطبعة الأدبية بالقاهرة ج 3 ص 623.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 624.

ص: 45

وكذلك اذا كانت هى خرساء لأن قذفها لا يوجب الحد لاحتمال أنها تصدقه أو لتعذر الاتيان بلفظ الشهادة

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الخرشى ان الأخرس يلاعن بما يفهم منه من اشارته أو كتابته وتكرر الاشارة أو الكتابة من الأخرس مثل تكرر اللفظ ولو انطلق لسانه فقال لم أرد ذلك لم يقبل منه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج: أنه اذا لاعن الشخص بالاشارة أشار بكلمة الشهادة أربع مرات، ثم بكلمة اللعن، وان لاعن بالكتابة كتب كلمة الشهادة أربع مرات ثم كلمة اللعن ولكن لو كتب كلمة الشهادة مرة وأشار اليها أربعا جاز.

قال الرافعى: وهذا جمع بين الاشارة والكتابة وهو جائز لا فرق فى ذلك بين الرجل والمرأة كما صرح به فى الشامل والتتمة وغيرهما وان كان النص على خلاف ذلك.

ولو نطق لسان الأخرس من بعد قذفه ولعانه بالاشارة ثم قال لم أرد القذف. باشارتى لم يقبل منه لأن اشارته أثبتت حقا لغيره أو قال:

لم أرد اللعان بها قبل منه فيما عليه لا فيما له فيلزمه الحد والنسب ولا ترتفع الفرقة والحرمة المؤبدة.

وانما جاز لعان الأخرس باشارة مفهمه أو كتابة بخطه لأنهما فى حقه كالنطق من الناطق وليس كالشهادة منه لضرورته اليه دونها لان الناطقين يقومون بها

(3)

.

وذكر صاحب نهاية المحتاج: أننا لو افترضنا تغليب الشهادة على اللعان فان من اعتقل لسانه مضطر اليها هنا بخلافه هناك يعنى فى الشهادة لأن الناطقين يقومون بها وما تقرر من التسوية بين الزوجين فى اللعان بالاشارة هو المعتمد وان نقل عن النص أن الزوجة لا تلاعن بالاشارة لانها غير مضطرة ويؤخذ من علته تلك أن محل عدم ملاعنة الزوجة بالاشارة اذا كان لعانها قبل لعان الزوج لا بعده لأنه اذا كان بعد لعان الزوج كانت مضطرة حينئذ الى درء الحد عنها فيكره الاشارة أو الكتابة خمسا، أو يشير للبعض ويكتب البعض.

أما اذا لم تكن له اشارة مفهمة ولا كتابة فلا يصح منه لتعذر معرفة مراده.

(1)

تبيين الحقائق للزيلعى الطبعة الأولى الطبعة الأميرية بمصر سنة 1324 هـ ج 3 ص 20.

(2)

شرح الخرشى ج 4 ص 130.

(3)

مغنى المحتاج ج 3 ص 347 الطبعة السابقة.

ص: 46

وقال الشبراملسى: بل محل ذلك - يعنى عدم ملاعنتها بالاشارة - اذا كان الزوج يلاعن لنفى الولد أما ان كان يلاعن لدفع الحد عنه فانها تلاعن بالاشارة لانها حينئذ مضطرة اليه

(1)

.

وجاء فى حاشيتى قليوبى وعميرة أنه لو نطق فى أثناء اللعان بنى على ما أشار به أو كتبه ولا بد من كتابة الكلمات الخمس وله كتابة بعضها والاشارة للباقى

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن الزوج يقول فى اللعان - بحضرة حاكم أو نائبه: أشهد بالله انى لمن الصادقين فيما رميت به امرأتى هذه من الزنا مشيرا اليها ان كانت حاضرة.

ولا يحتاج مع حضورها ومع الاشارة اليها الى تسميتها وبيان نسبها كما لا يحتاج الى ذلك فى سائر العقود اكتفاء بالاشارة

(3)

.

واذا فهمت اشارة الأخرس منهما أو كتابته صح لعانه بها كالطلاق ولدعاء الحاجة وان لم تفهم اشارته ولا كتابته فلا يصح لعانه.

واذا قذف الأخرس ولاعن بالاشارة المفهومة أو الكتابة ثم أطلق لسانه فتكلم فأنكر القذف واللعان لم يقبل انكاره للقذف لأنه تعلق به حق لغيره بحكم الظاهر ويقبل انكاره اللعان فيما عليه فيطالب بالحد ان كانت محصنة والا فالتعزير ويلحقه النسب ولا تعود الزوجية لأنها حرمت باللعان على التأبيد.

كما يصح اللعان ممن اعتقل لسانه وأيس من نطقه باشارة مفهومة كالأخرس الأصلى

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن الأخرسين يتلاعنان كما يقدران بالاشارة لان الله عز وجل يقول: لا يكلف الله نفسا الا وسعها.

والأخرس ليس فى وسعه الكلام فلا يجوز أن يكلف اياه.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.

فصح أنه يلزم كل أحد مما أمر الله تعالى به ما استطاع

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 7 ص 110 لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج طبع شركة مكتبة ومطبعة البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ

(2)

حاشيتى قليوبى وعميرة ج 4 ص 58.

(3)

كشاف القناع ج 3 ص 241 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 242.

ص: 47

والأخرس يستطيع أن يفهم الآخرين بالاشارة فعليه أن يأتى بها.

فان كانت المرأة الملاعنة حاملا فبتمام الالتعان منهما جميعا ينتفى عنه الحمل سواء ذكره أو لم يذكره

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(2)

: ان الأخرس لا يصح لعانه وذكر بعض العلماء أنه يصح اللعان بين الأخرس والخرساء بالاشارة.

وجاء فى البحر الزخار: أن من قذف ثم اعتقل لسانه وقال طبيب عارف:

ان علته لا تزول كان حكمه كحكم الأخرس والا فالاحتمالان كالأخرس لعمل النبى صلى الله عليه وسلم باشارة الأمة التى رضخ رأسها، وعمل الصحابة باشارة أمامة.

وقيل: لا يجوز باشارته كالساكت

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى كتاب الخلاف: ان الأخرس اذا كانت له اشارة معقولة أو كتابة مفهمة فانه يصح قذفه ولعانه ونكاحه وطلاقه ويمينه وسائر عقوده

(4)

وذلك اذا أمكن معرفة اللعان بالاشارة المعقولة.

وقيل: يمنع من اللعان بالاشارة لأن اللعان مشروط بالألفاظ الخاصة دون الاشارة بخلاف الاقرار والشهادة فانهما يقعان بأى عبارة اتفقت، ولأن الأصل ان اللعان لا يثبت الا مع تيقنه وهو منتف هاهنا. ولكن الأول أصح، لأن الالفاظ الخاصة انما تعتبر مع الامكان.

واشارة الأخرس قائمة مقام تلك الألفاظ كما قامت فى الطلاق وغيره من الأحكام المعتبرة بالألفاظ الخاصة

(5)

.

‌حكم الاشارة فى البيع

‌مذهب الحنفية:

جاء فى حاشية ابن عابدين ان البيع ينعقد بلفظى الايجاب والقبول،

(1)

المحلى لابن حزم الطبعة الأولى سنة 1351 هـ ج 10 ص 144 وما بعدها الى ص 147 مسئلة رقم 1944 طبع ادارة الطباعة المنيرية بالقاهرة.

(2)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للشيخ أبى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية سنة 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بالقاهرة ج 2 ص 511.

(3)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى الطبعة الأولى سنة 1368 هـ ج 3 ص 253 طبع مطبعة الخانجى بمصر.

(4)

الخلاف فى الفقه للشيخ أبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى الطبعة الثانية طبع مطبعة زنكين بطهران سنة 1377 ج 2 ص 281.

(5)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشيخ السعيد زين الدين الجبعى العاملى طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر ج 2 ص 182، 183.

ص: 48

وظاهر ذلك أنه لا ينعقد بالاشارة بالرأس، ويدل عليه ما فى الحاوى من أنه لو باع فضولى مال غيره فبلغه فسكت متأملا فقال ثالث: هل أذنت لى فى الاجازة؟ فقال نعم فأجازه فان بيعه ينفذ، أما لو حرك رأسه - بنعم فلا ينفذ لأن تحريك الرأس فى حق الناطق لا يعتبر، لكن قد يقال: اذا قال له، بعنى كذا بكذا فأشار برأسه أن نعم، فقال الآخر: اشتريت وحصل التسليم بالتراضى فانه يكون بيعا بالتعاطى بخلاف ما اذا لم يحصل التسليم من أحد الجانبين كما فى بيع التعاطى أنه لا بد من وجوده ولو من أحدهما.

وفى الأشباه والنظائر لابن نجيم من أحكام الاشارة: وان لم يكن معتقل اللسان لم تعتبر اشارته الا فى أربع هى: الكفر والاسلام والنسب والافتاء

(1)

.

وحكى ابن عابدين عن حاوى الزاهدى أنه لو باع شخص حنطة قدرا معلوما ولم يعينها لا بالاشارة ولا بالوصف فانه لا يصح وذلك لأن المراد بمعرفة القدر والوصف ما ينفى الجهالة الفاحشة وذلك بما يخصص المبيع عن أنظاره وذلك بالاشارة اليه لو كان حاضرا فى مجلس العقد. والا فبيان مقداره مع بيان وصفه.

هذا واذا كان الثمن من غير النقود كالحنطة كان لا بد من بيان قدرها ووصفها مثل كر حنطة بحيرية أو صعيدية كما أفاده الكمال وحققه النهر وذلك لأن المشار اليه فيهما لا يحتاج الى معرفة قدره ووصفه

(2)

.

وجاء فى تبيين الحقائق للزيلعى:

أنه لا بد من معرفة قدر ووصف ثمن مبيع غير مشار اليه، لأن جهالتهما تفضى الى النزاع المانع من التسليم والتسلم فيخلو العقد عن الفائدة وكل جهالة تفضى الى هذا النزاع يكون مفسدا.

هذا ولا يحتاج الى معرفة القدر والوصف فى المشار اليه من الثمن أو المبيع لأن الاشارة أبلغ أسباب التعريف وجهالة وصفه وقدره بعد ذلك لا تفضى الى المنازعة فلا يمنع الجواز لأن العوضين حاضران.

هذا وشرط فى جواز بيع الجزاف أن يكون مميزا مشارا اليه ولو كاله بعد ذلك ورضى المشترى به جاز، لأنه صار مميزا مشارا اليه وان باعه بعد ذلك قبل أن يعيد الكيل جاز لأنه اشتراه مجازفة فكان المستحق هو المشار اليه.

(1)

حاشية ابن عابدين ج 4 ص 9 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1325 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 23 الطبعة المتقدمة.

ص: 49

هذا ومن باع صبرة كل صاع بدرهم صح فى صاع عند أبى حنيفة.

أما صاحباه فقالا يجوز فى الكل لان المبيع معلوم بالاشارة لأن المشار اليه لا يحتاج الى معرفة مقداره لجواز البيع وجهالة الثمن بايديهما رفعهما فيجوز كما لو باع عبدا من عبدين على أن يأخذ أيهما شاء بخلاف ما اذا آجر داره كل شهر بدرهم حيث لا يجوز الا فى شهر واحد، لأن الشهور لا نهاية لها فلا يمكن ازالة الجهالة فيها فيصرف الى الأقل

(1)

.

واذا كان المبيع مختلف الجنس فان العقد يتعلق بالمسمى اذا اختلف فيه المسمى والمشار اليه لأن التسمية أبلغ فى التعريف من الاشارة لأن الاشارة لتعريف الذات، فانه اذا قال هذا صار الذات معينا ولا يشاركه فيه غيره والتسمية لاعلام الماهية وهو أمر زائد على أصل الذات فكان أبلغ فى التعريف.

ويحتاج فى مقام التعريف الى ما هو أبلغ فيه فكانت الاشارة أولى بالاعتبار فى متحدى الجنس لأن المسمى موجود فى المشار اليه ذاتا والوصف يتبعه فأمكن الجمع بينهما بأن تجعل الاشارة للتعريف، والتسمية للترغيب فيثبت له الخيار عند فوات الوصف المرغوب فيه بخلاف مختلفى الجنس لان المسمى فيه مثل المشار اليه وليس بتابع له فلا يمكن أى يجعل أحدهما تبعا للآخر فيعتبر الأعرف عند تعذر الجمع بينهما، وهذا هو الأصل فى العقود كلها

(2)

.

وجاء فى بدائع الصنائع: أنه اذا كان البيع سلما فانه لا يكفى الاشارة الى رأس ماله وانما يشترط بيان جنسه ونوعه وصفته وقدره، هذا اذا كان رأس المال مما يتعلق العقد بقدره من المكيلات والموزونات والمعدودات المتقاربة وهذا قول الامام أبى حنيفة وسفيان الثورى رحمهما الله تعالى.

وقال أبو يوسف ومحمد: ان هذا ليس بشرط والتعيين بالاشارة كاف لأن الحاجة الى تعيين رأس المال وذلك حصل بالاشارة اليه فلا حاجة الى اعلام قدره.

أما اذا كان رأس المال مما لا يتعلق العقد بقدره من الذرعيات والعدديات المتفاوتة فانه لا يشترط أعلام قدره ويكتفى فيه بالاشارة بالاجماع وكذا أعلام قدر الثمن فى بيع العين ليس بشرط والاشارة كافية بالاجماع.

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية ببولاق سنة 1314 هـ ج 4 ص 4، ص 5.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 53 الطبعة السابقة.

ص: 50

فلو قال شخص لآخر: أسلمت اليك هذه الدراهم أو هذه الدنانير ولا يعرف وزنها، أو هذه الصبرة ولم يعرف كيلها فانه لا يجوز عند أبى حنيفة ويجوز عند صاحبيه.

ولو قال: أسلمت اليه هذا الثوب ولم يعرف ذرعه، أو هذا القطيع من الغنم ولم يعرف عدده جاز بالاجماع

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: أن البيع ينعقد بما يدل على الرضا من العاقدين، وذلك يكون بأى شئ كبعت واشتريت وغيره من الأقوال، أو بالكتابة والاشارة والمعاطاة من الجانبين أو يكون بالكتابة منهما أو بقول من أحدهما وكتابة من الآخر أو اشارة منهما أو من جانب وقول أو كتابة من الجانب الآخر

(2)

.

هذا والاشارة أولى من المعاطاة لأنها يطلق عليها أنها كلام قال الله تعالى «آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً 3» .

والرمز الاشارة، وعلى ذلك فان كل اشارة يفهم منها الايجاب والقبول يلزم بها البيع.

وغير الأخرس كالاخرس قاله أبو الحسن فى شرح مسئلة المدونة المذكور ونصه: وكذا غير الأخرس اذا فهم عنه بالاشارة

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى حاشية البجرمى على المنهج أن البيع لا بد فيه من التراضى بين البائع والمشترى والتراضى يكون باللفظ أو ما فى معناه من الكتابة واشارة الأخرس

(5)

.

وذكر صاحب نهاية المحتاج: أنه يشترط أن لا يطول الفصل بين لفظى المتعاقدين أو اشارتيهما أو لفظ أحدهما وكتابته أو اشارة الآخر

(6)

.

ولا بد من قصد اللفظ لمعناه، فلو سبق لسانه اليه، أو قصده لا لمعناه - كتلفظ أعجمى به من غير معرفة مدلوله - لم ينعقد.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 201، 202 الطبعة المتقدمة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى ج 3 ص 3.

(3)

الآية رقم 41 من سورة آل عمران.

(4)

مواهب الجليل لشرح خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب ج 4 ص 229.

(5)

حاشية البجرمى على منهج الطلاب وبهامشه نفائس ولطائف الشيخ محمد المرصفى طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1345 هـ ج 2 ص 168.

(6)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ومعه حاشية أبى الضياء الشبراملسى طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ 1938 م ج 3 ص 370.

ص: 51

وكذلك اشارة الأخرس وكتابته هذا ان فهمها - يعنى الاشارة - من الأخرس كل أحد، فتكون صريحة.

أما ان فهمها الفطن وحده فتكون كناية وحينئذ فيحتاج الى اشارة أخرى لأنه يتعذر بيعه بالكناية باعتبار الحكم عليه به ظاهرا كما هو ظاهر، اذ لا علم بنيته وتوفر القرائن لا يفيد

(1)

.

واذا كان البيع سلما فقال المسلم:

أسلمت اليك فى ثوب أو فى صاع بر مثل هذا الثوب أو هذا البر لم يصح لأن المشار اليه قد يتلف وذلك لأن الاشارة الى المعين لم تعتمد الصفة

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير أن البيع يقوم على الايجاب والقبول أو لفظ يدل عليهما فان خرس أحدهما قامت اشارته مقام لفظه، فان لم تفهم اشارته قام وليه من الأب أو وصيه أو الحاكم مقامه

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن البيع والشراء يصحان من الأخرس وذلك بالاشارة التى يفهم بها مراده، فأما الاشارة من الصحيح فلا حكم لها

(4)

.

هذا ويصح بيع مقدر معلوم نحو مد أو رطل أو رمانة أو ذراع أو نحو ذلك فان كان ذلك فى صبرة مستوية الأجزاء صح البيع مطلقا وان كانت مختلفة لم يصح بيع الجزء المقدر الا اذا ميز فى المختلف قبل البيع أما بعزل أو اشارة فان لم يميز فسد البيع الا أن يشرط الخيار لأحدهما

(5)

.

وكذلك يجب أن يعين المبيع اذا كان أرضا حال العقد بما يميزه عما يلتبس بما شاء من اشارة اليها وذلك كأن يقول له بعتك هذه الأرض مشيرا اليها

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام: أن عقد البيع هو اللفظ الدال على نقل الملك من مالك الى آخر بعوض معلوم، ولا يكفى التقابض من غير لفظ وان حصل من الامارات ما يدل على ارادة البيع سواء كان فى الحقير أو الخطير ويقوم مقام اللفظ الاشارة مع العذر

(7)

.

(1)

المرجع السابق 3 ص 373 الطبعة المتقدمة.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ ج 2 ص 102.

(3)

المغنى والشرح الكبير الطبعة الثانية طبعة مطبعة المنار ج 4 ص 9.

(4)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للشيخ أبو الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية سنة 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بمصر ج 3 ص 9.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 29.

(6)

المرجع السابق ج 3 ص 30.

(7)

شرائع الاسلام ج 1 ص 165.

ص: 52

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أن البيع ينعقد بالألفاظ التى تدل عليه كبعت لك كذا بكذا وكذلك بالاشارة أو كتابة من أخرس وممنوع من كلام ونحو ذلك مما يدل على رضى بالبيع مثل أن يناوله لمريد الشراء.

ولا يجوز البيع باشارة أو كتابة ممن ليس أخرس ولا ممنوعا من كلام على المشهور وجاز أن كان لا يعرف المشترى كلامه ولا يعرف هو كلام المشترى

(1)

.

وكما يجوز البيع بالاشارة يجوز أيضا الشراء باشارة أو كتابة ممن لا يتكلم أو لا يعرف البائع كلامه ولا يعرف لغة البائع لا من غيره على المشهور

(2)

.

‌حكم الاشارة فى الوصية

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق أن الوصية تارة تكون بالألفاظ وتارة تكون بالاشارة المفهمة.

قال فى فتاوى أبى الليث لو أن مريضا أوصى وهو لا يقدر على الكلام لضعفه فأشار برأسه يعلم منه أنه يعتمد، قال ابن مقاتل: تجوز وصيته عندى ولا تجوز عند أصحابنا وكان الفقيه ابو الليث يقول اذا فهم منه الاشارة يجوز واذا قرئ صك الوصية على رجل فقيل له: هو كذا فأشار برأسه ان نعم فانه يجوز

(3)

.

وجاء فى بدائع الصنائع: أن ابن سماعة روى فى نوادره عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن الرجل اذا أوصى فقال لفلان شاة من غنمى أو نخلة من نخلى أو جارية من جوارى، ولم يقل من غنمى هذه، ولا من جوارى هؤلاء ولا من نخلى هذه فان الوصية فى هذا تقع يوم موت الموصى ولا تقع يوم أوصى حتى لو ماتت غنمه تلك أو باعها فاشترى مكانها أخرى أو ماتت جواريه فاشترى غيرهن أو باع النخل واشترى غيرها فان للموصى له نخلة من نخلة يوم يموت وليس للورثة أن يعطوه غير ذلك.

لأن الوصية عقد مضاف الى الموت فكأنه قال فى تلك الحالة: لفلان شاة من غنمى فيستحق شاة من الموجود دون ما قبله فان ولدت الغنم قبل ان يموت الموصى أو ولدت الجوارى قبل موته، فلحقت الأولاد الأمهات ثم مات الموصى.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل ج 4 ص 119 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للشيخ محمد بن يوسف طبعة محمد بن يوسف البارونى ج 4 ص 120.

(3)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 8 ص 465 الطبعة الأولى بالمطبعة العلمية بمصر.

ص: 53

فان للورثة أن يعطوه أن شاءوا من الامهات وان شاءوا من الأولاد لان الاسم يتناول الكل عند الموت فكان المستفاد بالولادة كالمستفاد بالشراء

(1)

وان اختار الورثة أن يعطوه شاة من غنمه ولها ولد قد ولدته بعد موت الموصى فان ولدها يتبعها وكذلك صوفها ولبنها.

لأن الوصية وان تعلقت بشاة غير معينة لكن التعيين من الورثة يكون بيانا ان الشاة المعينة هى من الموصى بها كأن الوصية وقعت بهذه المعينة ابتداء فما حدث من نمائها بعد الموت يكون للموصى له.

فأما ما ولدت قبل موت الموصى فلا يستحقه الموصى له لأن الوصية انما تعتبر بما عند الموت فالحادث قبل الموت يحدث على ملك الورثة وكذلك الصوف المنفصل واللبن المنفصل قبل الموت لما قلنا.

فأما ان كان متصلا بها فهو للموصى له وان حدث قبل الموت لأنه لا ينفرد عنها بالتمليك.

ولو قال: أوصيت له بشاة من غنمى هذه، أو بجارية من جوارى هؤلاء.

أو قال: قد أوصيت له باحدى جاريتى هاتين، فهذا على هذه الغنم، وهؤلاء الجوارى لأنه عين الموصى به وهو الشاة من الغنم المشار اليها حتى لو ماتت الغنم أو باعها بطلت الوصية.

كما لو قال: أوصيت بهذه الشاة أو بهذه الجارية فهلكت ولو ولدت الغنم أو الجوارى فى حال حياة الموصى ثم أراد الورثة أن يعطوه من الأولاد لم يكن لهم ذلك.

لأن الوصية تعلقت بعين مشار اليها وان لم يثبت الملك فيها ينزل فى غيرها

فان دفع الورثة اليه جارية من الجوارى لم يستحق ما ولدت قبل الموت، لأن الوصية لم تكن وجبت فيها اذ الملك فى الوصية انما ينتقل بالموت

(2)

.

وروى بشر عن أبى يوسف رحمه الله تعالى: انه لو أوصى رجل بثلث ماله لرجل مسمى وأخبر الموصى ان ثلث ماله ألف أو قال هو هذا فاذا ثلث ماله أكثر من ألف فان أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال: ان الثلث من جميع ماله والتسمية التى سمى باطلة لا ينقض الوصية خطؤه فى ماله انما غلط فى الحساب. ولا يكون هذا منه رجوعا فى الوصية.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 333 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ 1910 م.

(2)

المرجع السابق 7 ص 333، ص 334 الطبعة المتقدمة.

ص: 54

وهذا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى لانه لما أوصى بثلث ماله فقد أتى بوصية صحيحة، لأن صحة الوصية لا تقف على بيان مقدار الموصى به فوقعت الوصية صحيحة بدونه ثم بين المقدار وغلط فيه والغلط فى قدر الموصى به لا يقدح فى أصل الوصية فبقيت الوصية متعلقة بثلث جميع المال ولأنه يحتمل أن يكون هذا رجوعا عن الزيادة على القدر المذكور ويحتمل أن يكون غلطا فوقع الشك فى بطلان الوصية فلا يبطل مع الشك على الأصل المعهود أن الثابت بيقين لا يزول بالشك.

ولو قال: أوصيت بغنمى كلها وهى مائة شاة فاذا هى أكثر من مائة وهى تخرج من الثلث فالوصية جائزة فى جميعها لما ذكرنا من أنه أوصى بجميع غنمه ثم غلط فى العدد.

ولو قال: أوصيت له بغنمى وهى هذه وله غنم غيرها تخرج من الثلث فان هذا فى القياس مثل ذلك ولكنى أدع القياس فى هذا وأجعل له الغنم التى تسمى من الثلث لأنه جمع بين التسمية والاشارة وكل واحد منهما للتعيين غير أن هذه الاشارة أقوى لأنها تحصر العين وتقطع الشركة فتعلقت الوصية - من أجل ذلك - بالمشار اليه فلا يستحق الموصى له غيره.

بخلاف ما اذا قال: أوصيت له بثلث مالى وهو هذا وله مال آخر غيره، فان الموصى له فى هذه الحالة يستحق ثلث جميع المال لأن الاشارة هنا لم تصح لأنه قال: ثلث مالى والثلث اسم للشائع والمعين غير السائع، فلغت الاشارة فتعلقت الوصية لذلك بالمسمى وهو ثلث المال.

أما فى الحالة الأولى فان الوصية صحت بالاشارة وهى اقوى من التسمية فتعلقت الوصية بالمشار اليه

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل: أن الايجاب فى الوصية يصح بالاشارة المفهمه روى عن أشهب فى الموازية أنهم لو قرؤا الوصية وقالوا نشهد بانها وصيتك فقال برأسه نعم ولم يتكلم جاز ذلك.

قال ابن عبد السّلام وتعقب على ابن الحاجب تفسير الصيغة بالاشارة فان الاشارة من الأفعال، والصيغة من العوارض والأقوال وهو صحيح لو كان المراد بها ما يريده النحويون، أما اذا كان مراده بالصيغة ما يدل على مراد الشخص وجعل ذلك حقيقة عرفية فى هذا الفن ولا يسمى على رأى المالكية فى كثير من أبواب الفقه

(2)

.

وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: أن الموصى به أن كان معينا وباعه الموصى بطلت وصيته فلو قال: أوصيت له

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 381 الطبعة المتقدمة.

(2)

مواهب الجليل لشرح خليل على هامش التاج والاكليل لمختصر خليل ج 6 ص 366.

الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة سنة 1329 هـ

ص: 55

بثيابى هذه أو بثوبى هذا فباعها أو باعه واستخلفها بغيرها قبل موته فلا شئ للموصى له.

أما اذا أوصى له بثوب معين فباعه ثم اشتراه أو ملكه ثانية ولو بارث له فلا تبطل الوصية وكان من حق الموصى له أن يأخذه بخلاف ما اذا اشترى مثل المشار اليه فان الوصية تبطل وليس للموصى له ذلك المثل لأنه غير ما عين له

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج: أنه يكفى فى الوصية من الأخرس اشارته المفهمة والناطق اذا اعتقل لسانه وأشار بالوصية برأسه أو بقوله نعم لقراءة كتاب الوصية عليه لأنه عاجز مثل الأخرس

(2)

.

وجاء فى حاشية البجرمى: أن الموصى لو قال: هذا لوارثى مشيرا الى الموصى به بطلت وصيته، لأنه لا يكون لوارثه الا اذا انقطع تعلق الموصى له عنه.

وفرق بين هذا وبين ما لو أوصى لزيد بمعين ثم أوصى به لعمرو حيث يكون شريكا لاحتمال نسيانه الوصية الأولى مع اتيان ذلك هنا بان الموصى له الثانى ثم صار للأول فى الاستحقاق الطارئ فلم يكن ضمه اليه صريحا فى رفعه فأثر فيه احتمال النسيان وشركنا بينهما اذ لا مرجح بخلاف الوارث فانه مغاير له لأن استحقاقه أصلى فكان ضمه اليه صريحا فى رفعه فلم يؤثر فيه احتمال النسيان لقوته

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أنه لا تصح الوصية ممن اعتقل لسانه باشارة ولو فهمت اذا لم يكن مأيوسا من نطقه فهو كقادر على الكلام.

وفى مصنف ابن أبى شيبة بسند صحيح عن قتادة عن حلاس أن امرأة قيل لها فى مرضها أوصى بكذا فأومأت برأسها فلم يجزه على بن أبى طالب كرم الله تعالى وجهه.

ولا تصح الوصية من أخرس لا تفهم اشارته فان فهمت اشارته صحت لأن تعبيره انما يحصل بذلك عرفا فهى كاللفظ من قادر عليه

(4)

.

ولو أوصى لزيد مثلا بمثل نصيب وارث معين بالتسمية أو الاشارة ونحوها كقوله

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 430 طبع دار احياء الكتب العربية بمصر.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 72.

(3)

حاشية البجيرمى على شرح منهج الطلاب ج 3 ص 286، 287 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1345 هـ.

(4)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 2 ص 497 الطبعة الاولى سنة 1319 هـ فى كتاب على هامش شرح منتهى الارادات.

ص: 56

أوصيت لفلان بمثل نصيب ابنى فلان أو ابنى هذا أو أختى أو نحوه أو أوصى له بنصيب الوارث المعين فللموصى له مثل نصيب الوارث المعين

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن الوصية تصح بالاشارة من الأخرس اجماعا.

وأما المصمت فالمذهب أنه كذلك وقيل لا حكم لاشارته.

قال الطحاوى ما لم ييأس من برئه فى سنة كالعنين.

وذلك لما روى أن امامة بنت أبى العاص لما أصمتت قال لها الحسن والحسين عليهما السلام: ألفلان كذا فأشارت أن نعم. فأجاز وصيتها بذلك وهو صريح فى الوصية.

ولما روى من أن جارية رضخ رأسها اليهودى وكان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: خصمك فلان فكانت تشير برأسها أن لا فلما ذكر لها اليهودى أشارت نعم، وأقر اليهودى فقتله النبى صلى الله عليه وسلم

(2)

.

ولو قال أوصيت بهذه الأرض للحج ثم استغل الورثة من هذه الأرض لا يبعد أن تكون الغلة لهم، لأنها لا تكون للحج ولكنها وصية يبيعها.

قال وليست كأرض يوصى بها للفقراء ووجه الفرق أن العرف جار بأن ما أوصى به للحج المقصود به القدر، لا ما أوصى به للفقراء فان فهم له قصد عمل به فعلى هذا ما أوصى به للحج لا يجب الكراء سواء أوصى ببيع الأرض للحج أم بعينها وهو بالخيار ان شاء استأجر بها أو بدارهم وقضاها أو باعها واستأجر بثمنها

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية أن الوصية تصح وتكفى بالاشارة الدالة على المراد قطعا فى ايجاب الوصية مع تعذر اللفظ لخرس أو اعتقال لسان بمرض ونحوه وكذا تكفى الكناية مع القرينة الدالة قطعا على قصد الوصية بها لا مطلقا

(4)

، لأنها أعم ولا تكفيان مع الاختيار، لما روى أبو عبد الله عن أبيه أن أمامة بنت أبى العاص وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تحت على بن أبى طالب كرم الله وجهه بعد فاطمة عليها السلام فخلف عليها بعد على كرم الله وجهه المغيرة بن نوفل فذكر أنها وجعت وجعا شديدا حتى اعتقل

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 524 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 470، 471.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 488 الطبعة السابقة.

(4)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 44 الطبعة السابقة.

ص: 57

لسانها فجاءها الحسن والحسين ابنا على عليه السلام وهى لا تستطيع الكلام فجعلا يقولان لها والمغيرة كاره لذلك أعتقت فلانا وأهله فجعلت تشير برأسها أن لا، وكذا وكذا؟ فجعلت تشير برأسها: أن نعم لا تفصح بالكلام، وأجازا ذلك لها

(1)

.

وجاء فى الخلاف أنه اذا قال الرجل أوصيت لفلان بثلث هذا العبد أو بثلث هذه الدار أو هذا الثوب، ثم مات الموصى وخرج ثلثا ذلك العبد أو تلك الدار استحقاقا فان الوصية تصح فى الثلث الباقى اذا خرج من الثلث لأنه اذا قال أوصيت لفلان بثلث هذه الدار فانه أوصى له بما يملكه. ألا ترى أنه اذا قال له: بعت ثلث هذه الدار فان ذلك ينصرف الى الثلث الذى يملكه منها. واذا كان أوصى له بما يملكه وخرج من الثلث وجب أن يصح كما لو أوصى له بعبد يملكه

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أنه اذا اعتجم لسان المريض فدعا بقرطاس فكتب على من الدين كذا، وللأقربين كذا وصية منى فأشهد يا فلان ويا فلان على بهذا فقد أمسك على، اشهدوا على بما فى هذا الذى كتبت بيدى فانه وصيتى جاز ولو لم يقرءوه ان كان يكتب وان لم يكن يكتب فلا يجوز الا أن قرءوه عليه وأقر بفهمه ويشهدهم بذلك ويكون فى أيديهم ويعرفون ما فيه.

وان أومأ برأسه أو أشار بيده لما يريده فى وصيته أن يوصى به لم يجز.

ولو استدل على مراده لأن الحكم لا يقع الا على صحة العقل وهو هنا لا يعلم مراده باشارته الا بالظن والظن لا يغنى لأنا لا نعلم ثبوت عقله الا بلسانه

(3)

ولو أوصى بألف درهم فى داره أو نخلته هذه أو ثوب أو عبد فيها أو بعشرة دراهم فى عبده هذا أو بنخلة فى أرضه هذه فلا تثبت الوصية بهذا الا فى المعين وان تلفت بطلت

(4)

.

‌حكم الاشارة فى الدعوى

‌مذهب الحنفية:

جاء فى تبيين الحقائق أن الدعوى لا تخلو من أحد أمرين فهى اما أن تقع فى الدين أو فى العين ثم هى ان وقعت فى العين لا تخلو من أحد أمرين فالعين اما أن تكون عقارا أو منقولا.

والدعوى فى المنقول لا تخلو من أحد أمرين فالمنقول اما أن يكون قائما أو هالكا.

فان ادعى منقولا قائما فان أمكن ان يحضره فى مجلس الحكم فالقاضى لا يسمع

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 437 الطبعة المتقدمة.

(2)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر بن محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 95 مسئلة رقم 19 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد أطفيش ج 6 ص 179 طبع البارونية.

(4)

المرجع السابق ج 6 ص 191 الطبعة المتقدمة.

ص: 58

الدعوى من المدعى ولا شهادة شهوده الا بعد احضار ما وقع فيه يشير اليه المدعى والشهود لتنقطع الشركة بين المدعى وغيره.

قال شمس الأئمة السرخسى: ومن المنقولات ما لا يمكن احضاره عند القاضى كالصبرة من الطعام والقطيع من الغنم فالقاضى بالخيار ان شاء حضر ذلك الموضع لو تيسر له ذلك وان كان لا يتهيأ له الحضور وكان مأذونا بالاستخلاف يبعث خليفته الى ذلك الموضع.

وهو نظير ما اذا كان القاضى فى داره ووقعت الدعوى فى جمل ولا يسع باب داره فانه يخرج الى باب داره أو يأمر نائبه حتى يخرج ليشير اليه الشهود بحضرته.

هذا ويتعلق بالدعوى وجوب احضار العين المدعاة الى مجلس القاضى على المدعى عليه اذا كانت منقولة قائمة فى يده حتى يشير المدعى أو الشهود اليها أو يشير اليها المدعى عليه عند الاستحلاف.

ولو وقعت الدعوى فى غير محدود لم تصح الدعوى حتى يحضر الحاكم عند الأرض فيسمع الدعوى على عينها ويشير الشهود اليها بالشهادة.

هذا واذا كان المدعى دينا لا عينا لا يشترط فيه الاحضار الى مجلس القاضى كما يشترط فى العين القائمة لأن الاحضار انما اشترط ثمة ليمتاز المدعى من غيره بالاشارة التى عند الدعوى والشهادة وعند استحلاف المدعى عليه لأن العين قد تشترك مع عين أخرى فى الوصف والحلية فلا ينقطع الشك ما لم تكن الاشارة اليها فى الحضور.

والدين لا يمكن اعلامه بالاشارة اليه فلا يلزم احضاره بل اكتفى فيه بيان الجنس والقدر والوصف بخلاف ما اذا كانت العين مستهلكة حيث تقبل الشهادة عليه من غير اشارة لأن الدعوى فى قيمتها لم تكن من ذوات الأمثال وفى مثلها ان كانت من ذوات الأمثال والمثل والقيمة دين فى الذمة والشهادة على الديون تقبل بلا اشارة اليها بل لا بد من بيان الجنس والقدر

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج: أن المدعى عليه اذا أصر على السكوت عن جواب الدعوى لغير دهشة أو غباوة جعل حكمه كمنكر للمدعى به ناكل عن اليمين، وحينئذ فترد اليمين على المدعى بعد أن يقول له القاضى أجب عن دعواه والا جعلتك ناكلا فان كان سكوته لنحو دهشة أو غباوة شرح له ثم حكم بعد ذلك عليه.

وسكوت الأخرس عن الاشارة المفهمة الجواب كسكوت الناطق.

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج 4 ص 291 وما بعدها الى ص 293 للامام فخر الدين عثمان بن على الزيلعى الطبعة الاولى طبع المطبعة الاميرية ببولاق مصر سنة 1314 هـ.

ص: 59

ومن لا اشارة له مفهمة كالغائب والاصم الذى لا يسمع أصلا ان كان يفهم الاشارة فهو كالأخرس وان لم يكن يفهم الاشارة فهو كالمجنون فلا تصح دعواه عليه

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أنه ان كان المدعى به عينا حاضرة فى المجلس عينها المدعى بالاشارة اليها لينتفى اللبس وان كانت حاضرة فى البلد لكن لم تحضر مجلس الحكم اعتبر احضارها لتعيين وازالة اللبس

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن من شروط صحة الدعوى تعيين أعواض العقود نحو أن يدعى عوض مبيع أو أجرة أو مهرا فانها لا تصح دعواه فى شئ من تلك الأعواض حتى يعينها بمثل ما عينها للعقد، فان كان أرضا أو دارا فبالحدود.

وان كان غير ذلك من العروض فبما يتميز به من اشارة أو وصف. وكذا الغصب والهبة

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام: أن جواب المدعى عليه ان كان به آفة من طرش توصل الى معرفة جوابه بالاشارة المفيدة لليقين ولو استغلقت اشارته بحيث يحتاج الى المترجم لم يكف الواحد وافتقر فى الشهادة باشارته الى مترجمين عدلين

(4)

.

‌حكم الاشارة فى الشهادة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى المبسوط أن شهادة الأعمى صحيحة فيما تجوز الشهادة فيه بالتسامع لأن الأعمى فى السماع كالبصير وانما عدم آلة العينين.

ولكنا نقول: فى أداء الشهادة هو محتاج الى أن يشير الى المشهود له والمشهود عليه، ولا يتمكن من ذلك الا بدليل مشتبه وهو الصوت والنغمة.

وعلى هذا الأصل قال أبو يوسف رحمه الله تعالى اذا تحمل الشهادة وهو بصير ثم أداها وهو أعمى تقبل شهادته لأن تحمله قد صح بطريق ثبت له العلم به، وبعد صحة العلم انما يحتاج الى الحفظ

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 431 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 203 الطبعة الاولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(3)

شرح الازهار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 123.

(4)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى ج 2 ص 212 للشيخ محمد جواد مغنية نشر دار مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 60

والأعمى فى ذلك كالبصير ويحتاج الى الأداء باللسان والأعمى فى ذلك كالبصير فتعريف المشهود له والمشهود عليه بذكر الاسم والنسب والاشارة اليهما بالطريق الذى يعلم أنه مصيب فى ذلك يكفى لأداء الشهادة.

ألا ترى أن الأعمى يباح له وط ء زوجته وجاريته ولا يميزهما من غيرهما الا بالصوت والنغمة، وأن البصير اذا شهد على ميت أو غائب يقام ذكر الاسم والنسب مقام الاشارة الى العين فى صحة أداء الشهادة فهذا مثله.

أما الامام أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى فيقولان: لا يقبل شهادته لما روى عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أنه شهد عنده أعمى فقالت أخت المشهود عليه أنه أعمى فذكر ذلك لعلى رضى الله تعالى عنه فرد شهادته. وذلك فيما هو خاص بالشهادة فى الأموال والمعنى فيه ان فى شهادة الأعمى تهمة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود وذلك يمنع قبول الشهادة كما فى شهادة الأب لولده.

وبيان الوصف أنه يحتاج عند أداء الشهادة الى التمييز بين المشهود له والمشهود عليه والاشارة اليهما والى المشهود به فيما يجب احضاره وآلة هذا التمييز البصر وقد عدم الأعمى ذلك المعنى.

هذا وان الشهادة فى الوط ء يجوز ان يعتمد فيه على خبر الواحد اذا أخبره أن هذه امرأته وقد زفت اليه وهذا لأن الضرورة تتحقق فيه فالأعمى يحتاج الى قضاء الشهوة والنسل كالبصير ولا ضرورة هنا ففى الشهود كثرة وهذا بخلاف الموت فان ذلك لا يمكن التحرز عنه بجنس الشهود فالمدعى وان استكثر من الشهود يحتاج الى اقامة الاسم والنسبة مقام الاشارة عند موت المشهود عليه أو غيبته على أن هناك الاشارة تقع الى وكيل الغائب ووصى الميت وهو قائم مقامه.

هذا ولا تجوز شهادة الأخرس، لأن أداء الشهادة يختص بلفظ الشهادة حتى اذا قال الشاهد أخبر وأعلم لا يقبل ذلك منه ولفظ الشهادة لا يتحقق من الأخرس ثم شهادة الأخرس مشتبه فانه يستدل باشارته على مراده بطريق غير موجب للعلم فتتمكن فى شهادته تهمة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود ولا تكون اشارته أقوى من عبارة الناطق

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أن شهادة الأخرس جائزة كما قال ابن شعبان ويؤديها

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 16 ص 129، ص 130 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة.

ص: 61

باشارته المفهمة أو بالكتابة

(1)

. ولا يجوز تعيينه فى القضاء فاذا عين وحكم نفذ قضاؤه ووجب عزله

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج: أن شرط الشاهد ألا يكون أخرس وان فهم اشارته كل أحد، اذ لا يخلو عن احتمال

(3)

.

هذا وتصح الشهادة من الأعمى بما ثبت بالتسامع ان لم يحتج الى تعيين واشارة بأن يكون الرجل مشهورا باسمه وصفته وله أن يطأ زوجته اعتمادا على صوتها للضرورة ولأن الوط ء يجوز بالظن.

هذا ومن سمع قول شخص أو رأى فعله فان عرف عينه واسمه ونسبه شهد عليه فى حضوره اشارة لا باسمه ونسبه فقط كما لو لم يعرف بها

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى والشرح الكبير: أنه لا تقبل شهادة الأخرس نص عليه أحمد لانها شهادة بالاشارة فلم تجز كاشارة الناطق لأن الشهادة يعتبر فيها اليقين ولذلك لا يكتفى بايماء الناطق ولا يحصل اليقين بالاشارة وانما اكتفى باشارته فى أحكامه المختصة به للضرورة ولا ضرورة ههنا ولو شهد الناطق بالاشارة والايماء لم تصح شهادته اجماعا فعلم أن الشهادة تفارق غيرها من الأحكام، ويحتمل أن تقبل فيما طريقه الرؤية اذا فهمت اشارته لان اشارته بمنزلة نطقه كما فى سائر أحكامه، والأول أولى لأنا انما قبلنا اشارته فيما يختص به للضرورة ولا ضرورة هاهنا

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أنه لا تصح شهادة الأخرس وكل من تعذر عليه النطق وذلك فى أى نوع من أنواع الشهادات، لأن من حق الشهادة أن يأتى بلفظها لأن شرط الشهادة التلفظ بها

(6)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام: أن الأخرس يصح منه تحمل الشهادة وأداؤها ويبنى على ما يتحقق الحاكم من اشارته فان جهلها اعتمد على ترجمة العارف باشارته نعم يفتقر الى مترجمين ولا يكون

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 168.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 130.

(3)

نهاية المحتاج للرملى ج 8 ص 277.

(4)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج ج 4 ص 410 ص 411 للشيخ محمد الشربينى الخطيب.

(5)

المغنى والشرح الكبير لابن قدامه المقدسى ج 12 ص 33.

(6)

شرح الازهار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 192.

ص: 62

المترجمان شاهدين على شهادته بل يثبت الحكم بشهادته أصلا لا بشهادة المترجمين فرعا

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أن الشهادة تقبل من الأخرس بايماء أو اشارة

(2)

.

‌حكم الاشارة فى الاقرار

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أن الاقرار بالاشارة من غير الأخرس لا يعتبر اقرارا، فلو قرئ على انسان كتاب وقيل له أهو كما كتب فيه فأشار برأسه أى نعم لا يصير مقرا، وكل اقرار اخبار وكذا لو حلف لا يقر لفلان بمال فقيل له: الفلان عليك ألف درهم فأشار برأسه أى نعم لا يكون ذلك منه اقرارا، وكذا اذا قرأ على انسان كتاب الأخبار فقيل له:

أهو كما قرأت عليك فأومأ برأسه أى نعم، فليس له أن يروى عنه بحدثنا ولا بأخبرنا فدل أن الايماء ليس باخبار

(3)

.

أما ان كانت الاشارة بالاقرار صادرة من الأخرس فانه يكون اقرارا معتبرا فلو أن الأخرس أومأ بما يعرف أنه اقرار بهذه الاشياء فانه يجوز بخلاف الذى اعتقل لسانه لأن للأخرس اشارة معهودة فاذا أتى بها يحصل العلم بالمشار اليه وليس ذلك لمن اعتقل لسانه ولان اقامة الاشارة مقام العبارة أمر ضرورى والخرس ضرورة لأنه أصلى فأما اعتقال اللسان فليس من باب الضرورة لكونه على شرف الزوال

(4)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الخرشى: أن الاقرار يصح أن يكون باللفظ أو بالاشارة المفهمة سواء كانت تلك الاشارة المفهمة من ناطق أو أخرس

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

يذهب الشافعية الى أن الاشارة من الأخرس فى الحدود تعتبر اقرارا منه بثبوت الحد عليه وأن الاشارة من الأخرس تشعر بالالتزام بالحق.

وقد جاء فى نهاية المحتاج ومغنى المحتاج أنه يكفى فى ثبوت الحد فى الزنا الاشارة من الأخرس ان فهمها كل أحد، وكذلك يعتد باشارته المفهمة أو كتابته فى القذف

(6)

.

(1)

شرائع الإسلام ج 2 ص 236.

(2)

شرح النيل ج 6 ص 592.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 54.

(4)

المرجع السابق ج 7 ص 223 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الخرشى ج 6 ص 88 الطبعة الثانية طبع المطبعة الاميرية ببولاق مصر سنة 1317 هـ.

(6)

نهاية المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للرملى ج 5 ص 76 طبع مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ و 1938 م.

ص: 63

وجاء فى نهاية المحتاج: ان اشارة الأخرس التى تشعر بأنه يلتزم بحق تصح أن تكون صيغة من صيغ الاقرار المستوفية للشروط.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

أن الاقرار يصح من الأخرس باشارة معلومة لأن اشارته تقوم مقام نطقه ولا يصح الاقرار بالاشارة من الناطق كما لا يصح الاقرار بالاشارة ممن اعتقل لسانه لانه غير مأيوس من نطقه ولذا أشبه الناطق. هذا اذا كان الاقرار بالاشارة فقط. أما اذا لفظ بالاقرار مصحوبا بالاشارة كما لو قال المقر:

هذه الدار لفلان ولى نصفها. أو قال هذه الدار لفلان الا نصفها، أو قال: الا هذا البيت أو قال هذه الدار له وهذا البيت لى فان ذلك الاقرار يقبل منه حيث لا بينة بما يخالف ولو كان البيت أكثرها - يعنى الدار - لأن الاشارة جعلت الاقرار فيما عدا الاستثناء فالمقر به معين فوجب أن يصح

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن الاقرار يصح من الأخرس باشارته ما دامت تلك الاشارة مفهومة.

واذا جنى الأخرس فانه يقتص منه اما بالبينة أو بالاشارة وقيل لا يقتص منه.

أما بالنسبة لحد الزنا والسرقة والقذف والشرب فلا يعتد باقراره لأن هذه الأشياء لا يصح منه الاقرار بها

(3)

. على ما جاء فى شرح الأزهار من أن الاخرس الأصلى يسقط عنه الحد عندنا بلا أشكال.

وأما الذى طرأ عليه الخرس فان كان الخرس قد طرأ قبل أن يصدر منه اقرار وقبل أن يشهد الشهود نانه يسقط عنه الحد أيضا وان كان قد طرأ عليه الخرس بعد أن أقر على نفسه بالزنا أو بعد أن شهد الشهود فقد قال عليه السلام يحتمل أن يسقط عنه الحد لجواز أن يقر بعد الشهادة أو يرجع عن الأقرار

(4)

.

وقال صاحب شرح

(5)

الأزهار فى حد السرقة: يقطع الأخرس اذا سرق سواء كان الخرس أصليا أو كان طارئا قيل:

كان القياس أن يسقط القطع عن الأخرس لجواز دعوى الشبهة لكن

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 335 الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 341 الطبعة المتقدمة.

(3)

شرح الازهار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 159 الطبعة المتقدمة.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 385 الطبعة المتقدمة.

(5)

المرجع السابق ج 4 ص 350 الطبعة المتقدمة.

ص: 64

خصه بالاجماع مع أن لقائل أن يقول دعوى الشبهة مع الأخرس ممكن

(1)

.

وقال صاحب شرح الأزهار فى حد القذف: يثبت القذف باقرار القاذف بشرط أن يكون بالغا عاقلا غير أخرس. ثم قال

(2)

فى حد الشرب: يشترط فى حد الشرب أن لا يكون الشارب أخرس

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

يعتبر الإمامية اشارة الأخرس المفهمة اقرارا منه كاللفظ ويثبت بها الحد على ما جاء فى الروضة البهية وشرائع الاسلام من أنه يثبت الزنا بالاقرار أربع مرات ويكفى فى الاقرار به اشارة الأخرس المفهمة يقينا كغيره ويعتبر تعددها أربعا كاللفظ بطريق أولى ولو لم يفهمها الحاكم اعتبر المترجم العارف باشارته

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

يرى الإباضية أن اشارة الأخرس فى الاقرار غير معتبرة ولا يعتد بها على ما جاء فى جوهر النظام من أن الاقرار لا يثبت من الأخرس

(5)

.

‌حكم اشارة الحالف

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أن من حلف لا أظهر سرك لفلان أو لا أفشى.

أو حلف ليكتمن سره. أو ليسترنة أو ليخفينه.

فسأله فلان عن ذلك وقال: أكان من الأمر كذا؟ فأشار الحالف برأسه أى نعم فهو حانث.

لوجود شرط الحنث وهو اظهار السر، اذ الاظهار اثبات الظهور وذلك لا يقف على العبارة بل يحصل بالدلالة والاشارة.

ألا ترى أنه يقال: ظهر لى اعتقاد فلان اذا فعل ما يدل على اعتقاده.

وكذا الاشارة بالرأس عقيب السؤال يثبت به ظهور المشار اليه فكان اظهارا، فان نوى به الكلام أو الكتاب دون الايماء دين فى ذلك لأنه نوى تخصيص ما فى لفظه فيدين فيما بينه وبين الله عز وجل.

وكذلك لو حلف لا يعلم فلانا بمكان فلان فسأله المحلوف عليه أفلان فى

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 364 الطبعة المتقدمة والتاج المذهب ج 4 ص 236 الطبعة المتقدمة.

(2)

شرح الازهار ج 4 ص 385 الطبعة المتقدمة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 233 الطبعة المتقدمة.

(4)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 349 الطبعة السابقة وشرائع الإسلام ج 2 ص 444 الطبعة السابقة.

(5)

جوهر النظام ص 449.

ص: 65

موضع كذا وكذا فأومأ برأسه أى نعم يحنث لوجود شرط الحنث وهو الاعلام.

اذ هو اثبات العلم الذى يحد بأنه صفة يتجلى بها المذكور لمن قامت هى به فان نوى به الاخبار بالكلام أو بالكتاب يدين فيما بينه وبين الله تعالى لأنه نوى تخصيص العموم وأنه جائز.

وان كان خلاف الظاهر فيصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يصدق فى القضاء لمخالفته الظاهر.

ولو كان مكان الاعلام اخبار، بأن حلف لا يخبر فلانا بمكان فلان فانه لا يحنث الا بالكلام أو بالكتاب أو بالرسالة.

ولو أومأ برأسه لا يحنث.

لأن شرط الحنث هو الاخبار والاشارة ليست بخبر، اذ الخبر من أقسام الكلام.

ألا ترى أنهم قالوا: أقسام الكلام أربعة، أمر ونهى وخبر واستخبار ويحد بأنه كلام عرى عن معنى التكليف والاشارة ليست بكلام فلم تكن خبرا.

ولو نوى بالاخبار الاظهار أو الاعلام يحنث اذا أومأ لأنه جعله مجازا عن الاظهار لمناسبة بينهما.

ولو حلف على أن لا يدلهم فأومأ اليهم برأسه أو أشار اليهم كان ذلك منه دلالة الا أن يعنى بالدلالة الخبر باللسان أو بالكتاب فيكون على ما عنى لأن اسم الدلالة يقع على الفعل والقول لوجود معناها فيهما

(1)

.

ولو حلف لا يأكل من هذا الدقيق فأكل من خبزه ولم تكن له نية حنث لأن الدقيق هكذا يؤكل عادة ولا يستف الا نادرا والنادر ملحق بالعدم، فلم يكن له حقيقة مستعملة وله مجاز مستعمل وهو كل ما يتخذ منه فحمل عليه.

ولو حلف لا يأكل من هذا الكفرى شيئا فصار بسرا.

أو حلف لا يأكل من هذا البسر شيئا فصار رطبا.

أو لا يأكل من هذا الرطب شيئا فصار تمرا.

أو لا يأكل من هذا العنب شيئا فصار زبيبا فأكله.

أو حلف لا يأكل من هذا اللبن شيئا فأكل من جبن صنع منه أو مصل أو أقط أو شيراز.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 3 ص 53، 54 للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى الطبعة الاولى طبع مطابع الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

ص: 66

أو حلف لا يأكل من هذه البيضة فصارت فرخا فأكل من فرخ خرج منها.

أو حلف لا يذوق من هذه الخمر شيئا فصارت خلا لم يحنث فى جميع ذلك.

والأصل أن اليمين متى تعلقت بعين تبقى ببقاء العين وتزول بزوالها والصفة فى العين المشار اليه غير معتبرة لأن الصفة لتمييز الموصوف من غيره.

والاشارة تكفى للتعريف فوقعت الغنية عن ذكر الصفة وغير المعين لا يحتمل الاشارة فيكون تعريفه بالوصف.

واذا عرف هذا نقول العين بدلت فى هذه المواضع فلا تبقى اليمين التى عقدت على الأول.

والعين فى الرطب وان لم تبدل لكن زال بعضها وهو الماء بالجفاف، لأن اسم الرطب يستعمل على العين والماء الذى فيها فاذا جف فقد زال عنها الماء فصار أكلا بعض العين المشار اليها فلا يحنث.

كما لو حلف لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه.

بخلاف ما اذا حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما صار شيخا فانه يحنث لأن هناك العين قائمة وانما الفائت هو الوصف لا بعض الشخص فيبقى كل المحلوف عليه فبقيت اليمين.

وهناك فرق آخر هو أن الصفات التى فى هذه الأعيان مما تقصد باليمين منعا وحملا كالرطوبة التى هى فى التمر والعنب فان المرطوب تضربه الرطوبات فتعلقت اليمين بها.

والصبا والشباب مما لا يقصد بالمنع بل الذات هى التى تقصد فتعلقت اليمين بالذات دون هاتين الصفتين.

كما اذا حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباعه ثم كلمه فانه يكون حانثا لما قلنا كذا هذا.

وكذا اذا حلف لا يأكل من لحم هذا الحولى فأكله بعد ما صار كبشا أو من لحم هذا الجدى فأكله بعد ما صار تيسا فانه يحنث لما قلنا.

وكذا لو حلف لا يجامع هذه الصبية فجامعها بعد ما صارت امرأة فانه يحنث لما قلنا.

ولو نوى فى الفصول المتقدمة ما يكون من ذلك حنث.

لأنه شدد على نفسه ولو حلف لا يأكل من هذه الحبة فأكلها بعد ما صارت بطيخا فهذا لا رواية فيه.

واختلف المشايخ فيه قال بشر عن أبى يوسف: لو أن رجلا حلف لا يذوق من هذا اللبن شيئا. أو لا يشرب فصب فيه ماء فذاقه أو شربه فان كان اللبن غالبا حنث لأنه اذا كان غالبا يسمى لبنا.

ص: 67

وكذلك لو حلف على نبيذ فصبه فى خل أو على ماء ملح فصب على ماء عذب.

والأصل فى هذا أن المحلوف عليه اذا اختلط بغير جنسه فان الغلبة تعتبر فيه بلا خلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، غير أن أبا يوسف اعتبر الغلبة فى اللون أو الطعم لا فى الأجزاء.

فقال ان كان المحلوف عليه يستبين لونه أو طعمه حنث وان كان لا يستبين له لون ولا طعم لا يحنث سواء كانت أجزاؤه أكثر أو لم تكن لأن اللون والطعم اذا كانا باقيين كان الاسم باقيا.

ألا ترى أنه يقال لبن مغشوش، وخل مغشوش واذا لم يبق له لون ولا طعم لا يبقى الاسم، ويقال ماء فيه لبن وماء فيه خل فلا حنث.

أما محمد فانه يعتبر غلبة الأجزاء فقد قال: ان كانت أجزاء المحلوف عليه غالبا يحنث وان كانت مغلوبة لا يحنث لأن الحكم يتعلق بالأكثر والأقل يكون تبعا للأكثر فلا عبرة به

(1)

.

ولو حلف لا يتكلم بسر فلان ولا بمكانه فكتب أو أشار لا يحنث لأن الكتابة والاشارة ليست بكلام وانما تقوم مقامه ألا ترى أن الله تعالى أنزل الينا كتابه ولا يقال ان الله تعالى فى العرف كلمنا.

فان سئل عنه فقال نعم فقد تكلم لأن قوله نعم لا يستقل بنفسه ويضمر فيه السؤال كما فى قوله تعالى: «فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ» أى وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فقد أتى بكلام دال على المراد.

ولو حلف لا يستخدم فلانة ثم أشار اليها بالخدمة فقد استخدمها فهو حانث لأن الاستخدام طلب الخدمة وقد وجد

ولو كانت هذه الأيمان كلها وهو صحيح ثم خرس فصار لا يقدر على الكلام كانت ايمانه فى هذا كله على الاشارة والكتاب فى جميع ما وصفنا الا فى خصلة واحدة. وهى أن يحلف أن لا يتكلم بسر فلان فلا يحنث الا بالتكلم لأن الكلام العرفى اسم لحروف منظومة تدل على معنى مفهوم، وذلك لا يوجد فى الاشارة والخبر والافشاء والاظهار من الأخرس انما يكون بالاشارة فيحنث بهما وكل شئ حنث فيه من هذه الأشياء بالاشارة فقال: أشرت وأنا لا أريد الذى حلفت عليه فان كان فعل ذلك جوابا لشئ مما سئل عنه لم يصدق فى القضاء لأن الاشارة فيها احتمال فان كان هناك دلالة حال زال الاحتمال وان لم يكن يرجع الى نيته

(2)

.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 3 ص 62 الطبعة المتقدمة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 54، 55.

ص: 68

واذا جمع الحالف فى المحلوف عليه بين اضافة الملك والاشارة بأن قال لا أكلم عبد فلان هذا أو لا أدخل دار فلان هذه أو لا أركب دابة فلان هذه أو لا ألبس ثوب فلان هذا فباع المالك عبده أو داره أو دابته أو ثوبه، ثم كلم الحالف هذا العبد بعد بيعه. أو دخل الدار، أو ركب الدابة، أو لبس الثوب لم يحنث فى قول أبى حنيفة الا أن يعنى غير ذلك الشئ خاصة

وعند محمد يحنث الا أن يعنى ما دامت ملكا لفلان.

فهما يعتبران الاشارة والاضافة جميعا وقت الفعل للحنث فما لم يوجدا لا يحنث لأن الحالف لما جمع بين الاضافة والاشارة لزم اعتبارهما ما أمكن لأن تصرف العاقل واجب الاعتبار ما أمكن وأمكن اعتبار الاضافة ههنا مع وجود الاشارة.

لأنه باليمين منع نفسه عن مباشرته المحلوف والظاهر أن العاقل لا يمنع نفسه عن شئ منعا مؤكدا باليمين لا لداع يدعوه اليه.

وهذه الأعيان لا تقصد بالمنع لذاتها بل لمعنى فى المالك أما الدار ونحوها فلا شك فيه وكذا العبد لأنه لا يقصد بالمنع لخسته وانما يقصد به مولاه وقد زال بزوال الملك عن المالك وصار كأنه قال مهما دامت لفلان ملكا.

ومحمد يعتبر الاشارة دون الاضافة.

وأما فى اضافة السبة فلا يشترط قيام الاضافة وقت الفعل للحنث بالاجماع حتى لو حلف لا يكلم زوجة فلان هذا أو صديق فلان هذا فبانت زوجته منه أو عادى صديقه فكلم يحنث لأن الاضافة والاشارة كل واحد منهما للتعريف والاشارة أبلغ فى التعريف لأنها تخصص العين وتقطع الشركة فتلغو الاضافة كما فى اضافة النسبة

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل: أنه لو حلف أن لا يكلمه فأشار اليه فلا يحنث وقيل يحنث.

وذكر مالك وابن القاسم وابن حبيب وغيرهم أنه لو حلف لا يكلمه، فأشار اليه يحنث.

وسواء كان المحلوف عليه أصم أو سميعا ونص ما فى العتبية قال فى رجل حلف أن لا يكلم رجلا فأشار اليه بالسلام أو غيره فقال ما أرى الاشارة وأحب الى أن يترك ذلك وكأنه لم ير عليه حنثا ان فعل.

وقال ابن الماجشون انه حانث احتج بقوله تعالى: «أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً 2» فجعل الرمز كلاما لأنه استثناء من الكلام.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 78، 79 الطبعة المتقدمة.

(2)

الآية رقم 41 من سورة آل عمران.

ص: 69

وليس ذلك بحجة قاطعة لاحتمال أن يكون الاستثناء منفصلا غير متصل مقدر بلكن.

ومثل قول ابن الماجشون لأصبغ فى سماعه من هذا الكلام.

وجه القول الأول أن الكلام عند الناس فيما يعرفون انما هو الافهام بالنطق باللسان فعمل يمين الحالف على ذلك ان عريت من نية أو بساط يدل على ما سواه.

ووجه القول الثانى: أن حقيقة الكلام والقول هو المعنى القائم بالنفس قال تعالى «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}

(1)

.

وقال: «وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ 2» .

فاذا أفهم الرجل ما فى نفسه بلفظ أو اشارة فقد كلمه حقيقة لأنه أفهمه ما فى نفسه من كلامه بذاته دون واسطة من رسول أو كتاب.

والقول الأول أظهر لأن التكليم وان كان يقع على ما سوى الافهام باللسان فقد تعورف بالنطق بالافهام باللسان دون ما سواه فوجب أن يحمل الكلام على ذلك وأن لا يحنث الحلف على ترك تكليم الرجل بما سواه الا أن ينوى به

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج: أنه لو حلف لا يدخل دار زيد أو لا يكلم عبده أو زوجته فباع الدار والعبد أو بعضهما أو طلق زوجته طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت عدتها، فدخل الدار وكلم العبد أو الزوجة لم يحنث تغليبا للحقيقة.

وذلك بخلاف ما لو قال الحالف، أى حلف بأن لا يدخل دار زيد هذه أو زوجته هذه أو عبده هذا فيحنث تغليبا للاشارة

اللهم الا أن يريد الحالف بما ذكر ما دام ملكه عليه فلا يحنث مع الاشارة اذا دخل الدار أو كلم العبد بعد زوال الملك أو الزوجية بعد الطلاق البائن عملا بارادته

(4)

.

هذا ولو حلف لا يدخل الدار من هذا الباب فنزع من محله ونصب موضع آخر منها أى الدار لم يحنث بالدخول من المنفذ الثانى ويحنث بالأول فى الأصح

(1)

الآية رقم 8 من سورة المجادلة.

(2)

الآية رقم 13 من سورة الملك.

(3)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 3 ص 300، ص 301 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لمختصر خليل الطبعة الاولى طبع مطبعة السعادة سنة 1328 هـ.

(4)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج ج 4 ص 306.

ص: 70

المنصوص فيها حملا لليمين على المنفذ لأنه المحتاج اليه فى الدخول دون المنصوب الخشب ونحوه.

والثانى عكسه حملا على المنصوب.

والثالث لا يحنث بدخول واحد منهما حملا على المنفذ والمنصوب معا

(1)

.

ولو قال فى حلفه مشيرا الى حنطة مثلا، لا آكل هذه حنث بأكلها على هيئتها وبطحنها وخبزها تغليبا للاشارة هذا عند الاطلاق فان نوى شيئا حمل عليه.

ولو صرح فى حلفه بالاشارة مع الاسم كأن قال: لا آكل هذه الحنطة حنث بها مطبوخة مع بقاء حياتها ونيئة ومقلية لأن الاسم لم يزل فان هرست فى طبخها لم يحنث لزوال اسم الحنطة

(2)

.

ولو حلف لا يكلم فلانا فسلم عليه حنث ولو كاتبه أو راسله أو أشار اليه بيد أو غيرها بعين أو رأس فلا حنث عليه بذلك فى الجديد حملا للكلام على الحقيقة بدليل صحة النفس عن ذلك فيقال ما كلمه ولكن كاتبه أو راسله وفى التنزيل «فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} {، فَأَشارَتْ إِلَيْهِ 3» وفى القديم يحنث حملا للكلام على الحقيقة فى المجاز ويدل له قول الله تعالى: «وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً}

(4)

فاستثنى الوحى والرسالة من التكلم فدل على أنها منه وقوله تعالى:

«أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً 5» فاستثنى الرمز من الكلام فدل على أنه منه

ومنهم من قطع بالجديد وحمل ما نقل عن القديم على ما اذا نوى فى يمينه المكاتبة والمراسلة.

قال الرافعى: وهو صريح فى أنه عند النية يحنث قطعا وهو واضح.

وانما أقيمت اشارة الأخرس فى المعاملات مقام النطق للضرورة كذا ذكره الرافعى.

وتعقب بما فى فتاوى القاضى من أن الأخرس لو حلف لا يقرأ القرآن فقرأه بالاشارة حنث

(6)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن حلف أن لا يكلم زيدا فان أشار اليه حنث.

قال القاضى: لأن الاشارة فى معنى المكاتبة والمراسلة فى الافهام.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 306، ص 307.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 310 الطبعة المتقدمة.

(3)

الآية رقم 29/ 26 من سورة مريم.

(4)

الآية رقم 51 من سورة الشورى.

(5)

الآية رقم 41 من سورة آل عمران.

(6)

مغنى المحتاج للشيخ محمد الخطيب ج 4 ص 317، ص 318 الطبعة المتقدمة.

ص: 71

وقال أبو الخطاب: لا يحنث لأنه ليس بكلام قال الله تعالى لمريم عليها السلام:

«فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَها تَحْمِلُهُ قالُوا يا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيًّا يا أُخْتَ هارُونَ ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَما كانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا، فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا»

(1)

.

وأما قوله تعالى: {قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ: آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ 2».

فهو استثناء منقطع

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن يمين الأبكم واستثناءه لازمان على حسب طاقته من صوت يصوته أو اشارة ان كان مصمتا لا يقدر على أكثر لما ذكر من أن الايمان اخبار من الحالف عن نفسه والأبكم والمصمت مخاطبان بشرائع الاسلام كغيرهما.

وقد قال الله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»

(4)

.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .

فوجب عليهما من هذه الشريعة ما استطاعاه وان يسقط عنهما ما ليس فى وسعهما وأن يقبل منهما ما يخبران به عن أنفسهما حسب ما يطيقان ويلزمهما ما التزماه

(5)

.

ولو حلف لا يكلم فلانا فأوصى اليه أو كتب اليه لم يحنث لأنه لا يسمى الكتاب ولا الوصية كلاما.

وكذلك لو أشار اليه قال الله عز وجل: «آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا» «فَإِمّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» الى قوله تعالى: «فَأَشارَتْ إِلَيْهِ» .

فصح أن الاشارة والايماء ليسا كلاما

(6)

.

(1)

الآية رقم 29/ 26 من سورة مريم.

(2)

الآية رقم 41 من سورة آل عمران.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 153 الطبعة الأولى.

(4)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(5)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 48 مسئلة رقم 1138 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنيرية سنة 1350 هـ

(6)

المرجع السابق ج 8 ص 56 المسئلة رقم 1152 الطبعة المتقدمة.

ص: 72

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أنه لو حلف لا أكلم زيدا لم يحنث باشارة ولا بكتابة ولا برسالة اليه

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف: أنه اذا حلف شخص بأن قال لا أكلت هذه الحنطة وأشار الى حنطة بعينها ثم طحنها دقيقا أو سويقا فأكلها لم يحنث

(2)

.

واذا حلف بأن قال: لا أكلت هذا الدقيق فخبزه وأكله

(3)

لم يحنث.

واذا حلف لا كلمت فلانا فكتب اليه كتابا أو أرسل اليه رسولا أو أومأ اليه برأسه أو غمز بعينه أو أشار بعينه لم يحنث.

وبه قال أهل العراق لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل.

وأيضا فلا يسمى شئ مما عددناه كلاما على الحقيقة فيجب أن لا يحنث به.

وقال الله تعالى: «فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا» ثم قال: فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان فى المهد صبيا».

فوجه الدلالة أنها نذرت أن لا تكلم أحدا ثم أشارت اليه فثبت أن الاشارة ليست بكلام

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أنه لا يكون الكتاب ولا الاشارة بجارحة - كحاجب ورأس ويد وعين وغير ذلك - كلاما وان فهم فلا يحنث من حلف أن لا يكلم فلانا ثم أشار اليه.

وقيل: ان فهمت اشارته تكون كلاما وعليه فيكون حانثا - والراجح أن لا يحنث بالايماء - أى الاشارة - أى نوى الكلام باللسان

(5)

.

(1)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار ج 4 ص 25.

(2)

الخلاف فى الفقه ج 2 ص 573 للامام أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى الطبعة الثانية طبعة طهران سنة 1382 هـ مسئلة رقم 76.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 574 مسئلة رقم 77 الطبعة المتقدمة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 575 مسئلة رقم 85 الطبعة السابقة.

(5)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 2 ص 465 الطبعة المتقدمة.

ص: 73

‌اشتباه

‌التعريف فى اللغة:

(اشتباه) مصدر فعله اشتبه المزيد بالهمزة والتاء فأصل مادته: شبه.

جاء فى لسان العرب

(1)

:

الشبه والشبه والشبيه: المثل والجمع أشباه، وأشبه الشئ الشئ ماثله.

وفى المثل: من أشبه أباه فما ظلم.

وبينهما شبه بالتحريك، والجمع مشابه على غير قياس، وأشبهت فلانا وشابهته واشتبه على وتشابه الشيئان واشتبها:

أشبه كل واحد منهما صاحبه، وفى التنزيل:«مشتبها وغير متشابه» وشبه اياه وشبه به مثله

والمشتبهات من الأمور: المشكلات، والمتشابهات المتماثلات، وتشبه فلان بكذا، والتشبيه التمثيل.

وفى حديث حذيفة - وذكر فتنة - فقال تشبه مقبلة وتبين مدبرة.

قال عمر: معناه أن الفتنة اذا أقبلت شبهت على القوم وأرتهم انهم على الحق حتى يدخلوا فيها ويركبوا منها ما لا يحل، فاذا أدبرت وانقضت بان أمرها فعلم من دخل فيها أنه كان على الخطأ.

والشبهة الالتباس، وأمور مشتبهة ومشبهة مشكلة يشبه بعضها بعضا.

قال الشاعر: واعلم بأنك فى زمان مشبهات هن هنه.

ويقال: شبه عليه: خلط عليه الأمر حتى اشتبه بغيره.

وروى أبو العباس عن ابن الاعرابى:

يقال شبه الشئ اذا أشكل وشبه اذا ساوى بين شئ وشئ.

قال: وسألته عن قوله تعالى:

{وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً} .

فقال: ليس من الاشتباه المشكل انما هو من التشابه الذى هو بمعنى الاستواء.

وقال الليث: المشتبهات من الأمور: المشكلات.

وتقول: شبهت على يا فلان اذا خلط عليك.

واشتبه الأمر اذا اختلط واشتبه على الشئ.

(1)

لسان العرب للامام العلامة أبى الفضل جمال الدين بن مكرم بن منظور الافريقى المصرى ج 57 ص 503، ص 504 مادة شبه طبع دار صادر دار بيروت ببيروت سنة 1374 هـ، سنة 1955 م الطبعة الاولى.

ص: 74

وجمع الشبهة شبه، وهو اسم من الاشتباه.

وروى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال: اللبن يشبه عليه ومعناه أن المرضعة اذا أرضعت غلاما فانه ينزع الى أخلاقها فيشبهها.

وقد جاء فى لسان العرب وغيره من كتب اللغة أن الشك ضد اليقين.

وفى اصطلاح العلماء هو ادراك الطرفين على سواء على خلاف الظن الذى هو ادراك الطرف الراجح والوهم الذى هو ادراك الطرف المرجوح.

ولما كان الشك بهذا المعنى يؤدى حتما الى اشتباه الأمر فيما وقع فيه الشك على الشخص، وفرع الفقهاء الأحكام فى المسائل والفروع على هذا الأساس، فسيتناول الكلام فى مصطلح اشتباه حكم المسائل التى وقع فيها الاشتباه نتيجة حصول الالتباس والاختلاط أول الأمر، وعجز الشخص عن التمييز.

كما يتناول حكم المسائل والفروع التى وقع فيها الالتباس والاشتباه نتيجة شك الشخص فى فعله وتصرفاته كالشك فى الصلاة مثلا، لأن الأمر فى الحالتين أمر اشتباه والتباس أما أولا وأما أخيرا.

وسيكون من نتيجة ذلك ألا يبقى ما يكتب بصفة مستقلة ومغايرة فى مصطلح (شك).

ولذلك يقتصر الأمر فى هذا المصطلح «شك» على تعريفه لغة واصطلاحا والفرق بينه وبين الظن والوهم - ثم يحال بأحكام المسائل والفروع التى يتناولها على مصطلح (اشتباه)

‌التعريف فى اصطلاح الفقهاء

لا يكاد الائمة الفقهاء يخرجون فى استعمالهم لكلمة اشتباه عن معناها اللغوى فهى حين ترد على ألسنتهم يعنون بها الالتباس والاختلاط.

‌الاشتباه

فى الطّهارة

‌حكم اشتباه الماء الطاهر بغيره

‌مذهب الحنفية:

ذكر صاحب البحر الرائق

(1)

أن الاصل فى الماء الطهارة.

فلو أخبر عدل بنجاسة الماء، وأخبر عدل آخر بطهارته، فانه يحكم بطهارته.

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق ج 1 ص 143 الطبعة الاولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.

ص: 75

والأصل فيه أن الخبرين اذا تعارضا تساقطا، ويبقى ما كان ثابتا قبل الخبر على ما كان ففى الماء قبل الخبر الثابت اباحة شربه وطهارته.

فلما تعارض الدليلان تساقطا، فبقى ما كان من الاباحة والطهارة.

ولكن ذكر الامام جلال الدين الخبازى فى حاشية الهداية تفصيلا حسنا فى مسألة الماء تسكن اليه النفس ويميل اليه القلب.

فقال: فان قيل اذا أخبر عدل بنجاسة الماء وأخبر عدل آخر بطهارته لم لا يصير الماء مشكوكا مع وقوع التعارض بين الخبرين؟

قلنا: لا تعارض ثمة لأنه أمكن ترجيح أحدهما، فان المخبر عن الطهارة لو استقصى فى ذلك بأن قال: أخذت هذا الماء من النهر وسددت فم هذا الاناء ولم يخالطه شئ أصلا رجحنا خبره، لتأيده بالأصلى.

وان بنى خبره على الاستصحاب وقال:

كان طاهرا فيبقى كذلك رجحنا خبر النجاسة، لأنه أخبر عن محسوس مشاهد وأنه راجح على الاستصحاب.

قال صاحب البحر: والذى ظهر لى أنه يحمل كلام المشايخ على ما اذا لم يبين مستند أخباره، فاذا لم يبين يعمل بالأصل وهو الطهارة، وان بين فالعبرة بهذا التفصيل.

وروى صاحب البدائع

(1)

عن أبى حنيفة أنه لو بال رجل فى الماء الجارى وهناك رجل أسفل منه يتوضأ به فانه لا بأس به.

وهذا لأن الماء الجارى مما لا يخلص بعضه الى بعض فالماء الذى يتوضأ به يحتمل أنه نجس، ويحتمل أنه طاهر، والماء طاهر فى الأصل، فلا نحكم بنجاسته بالشك.

وان وقعت نجاسة فى الماء وكانت مرئية كالجيفة ونحوها، وكان الماء يجرى عليها النصف، أو دون النصف، فالقياس أن يجوز التوضؤ به، وفى الاستحسان لا يجوز احتياطا.

ثم قال

(2)

أما اذا تنجست البئر فغار ماؤها وجف أسفلها، ثم عاودها الماء.

فقال محمد بن سلمة: هو نجس.

ووجهه أن ما نبع يحتمل أنه ماء جديد ويحتمل أنه الماء النجس فلا يحكم بطهارته بالشك.

(1)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 71 الطبعة الاولى سنة 1327 طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 73 الطبعة السابقة.

ص: 76

وقد روى هذا القول عن أبى يوسف.

وقال نصير بن يحيى هو طاهر.

ووجهه أن تحت الأرض ماء جاريا فيختلط الغائر به، فلا يحكم بكون العائد نجسا بالشك.

وقول نصير أوسع.

وقول محمد بن سلمة أحوط

(1)

.

وجاء فى المبسوط

(2)

أنه ان ماتت فأرة فى بئر وتوضأ رجل منها بعد ما ماتت الفأرة فيها فعليه اعادة الوضوء والصلاة جميعا، لأنه تبين أنه توضأ بالماء النجس.

وان كان لا يدرى متى وقع فيها.

وقد كان وضوؤه من ذلك البئر.

فان كانت منتفخة أعاد صلاة ثلاثة أيام ولياليها فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى احتياطا.

وان كانت غير منتفخة يعيد صلاة يوم وليلة.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: ليس عليه أن يعيد شيئا من صلاته ما لم يعلم أنه توضأ منها وهو فيها.

والقياس ما قالا، لأنه على يقين من طهارة البئر فيما مضى وفى شك من نجاسته واليقين لا يزال بالشك.

وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول أولا بقول أبى حنيفة حتى رأى طائرا فى منقاره فأرة ميتة وألقاها فى بئر فرجع الى هذا القول، وقال: لا يعيد شيئا من الصلاة بالشك.

وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول:

ظهر لموت الفأرة سبب وهو وقوعها فى البئر فيحال موتها عليه، كمن جرح انسانا فلم يزل صاحب فراش حتى مات يحال موته على تلك الحالة، لأنه هو الظاهر من السبب.

ثم الانتفاخ دليل تقادم للعهد، وأدنى حد التقادم ثلاثة أيام.

ألا ترى أن من دفن قبل أن يصلى عليه يصلى على قبره الى ثلاثة أيام، ولا يصلى عليه بعد ذلك، لأنه لا يتفسخ فى هذه المدة.

وقولهما: ان فى نجاسة البئر فيما مضى شكا، قلنا يؤيد هذا الشك تيقن النجاسة فى الحال فوجب اعتباره والقول به للاحتياط فيه.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 73 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 59 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ طبع الساسى.

ص: 77

وجاء فى البدائع

(1)

: اذا وقع الحيوان فى البئر فان علم بيقين أن على بدنه نجاسة أو على مخرجها نجاسة تنجس الماء لاختلاط النجس به، سواء وصل فمه الى الماء أولا.

وان لم يعلم ذلك اختلف المشايخ فيه.

قال بعضهم العبرة لاباحة الأكل وحرمته.

فان كان مأكول اللحم لا ينجس، ولا ينزح شئ، وسواء وصل لعابه الى الماء أولا.

وان لم يكن مأكول اللحم ينجس، سواء كان على بدنه أو مخرجه نجاسة أولا.

وقال بعضهم المعتبر هو السؤر.

فان كان لم يصل فمه الى الماء لا ينزح شئ.

وان وصل فان كان سؤره طاهرا فالماء طاهر ولا ينزح منه شئ، وان كان نجسا فالماء نجس، وينزح كله، وان كان مكروها يستحب أن ينزح عشر دلاء، وان كان مشكوكا فيه فالماء كذلك وينزح كله كذا ذكر فى الفتاوى الهندية. وجاء فى البحر الرائق

(2)

: ان سؤر الحمار والبغل مشكوك فيه وهذه عبارة أكثر مشايخنا.

وأبو طاهر الدباسى أنكر أن يكون شئ من أحكام الله تعالى مشكوكا فيه وقال: سؤر الحمار طاهر لو غمس فيه الثوب جازت الصلاة معه الا أنه محتاط فيه فأمر بالجمع بينه وبين التيمم ومنع منه حالة القدرة.

والمشايخ قالوا: المراد بالشك التوقف، لتعارض الأدلة لا أن يعنى بكونه مشكوكا الجهل بحكم الشرع لأن حكمه معلوم وهو وجوب الاستعمال وانتفاء النجاسة وضم التيمم اليه، والقول بالتوقف عند تعارض الأدلة دليل العلم وغاية الورع.

وبيان التعارض على ما فى المبسوط تعارض الأخبار فى أكل لحمه.

فانه روى أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر.

وروى غالب بن أبحر قال لم يبق لى مال الا حميرات فقال عليه الصلاة والسلام: كل من سمين مالك.

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 74 الطبعة السابقة.

(2)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 140، ص 141 الطبعة السابقة.

ص: 78

قال شيخ الاسلام خواهر زاده فى مبسوطه: وهذا لا يقوى، لأن لحمه حرام بلا أشكال، لأنه اجتمع المحرم والمبيح فغلب المحرم على المبيح.

كما لو أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبيحة مجوسى، وأخبر الآخر أنه ذبيحة مسلم، لا يحل أكله، لغلبة الحرمة، فكان لحمه حراما بلا اشكال، ولعابه مولد منه، فيكون نجسا بلا أشكال.

وقيل سبب الاشكال اختلاف الصحابة.

فانه روى عن ابن عمر أنه كان يكره التوضؤ بسؤر البغل.

وعن ابن عباس أنه قال: الحمار يعلف القت والتبن فسؤره طاهر

قال شيخ الاسلام: وهذا لا يقوى أيضا، لأن الاختلاف فى طهارة الماء ونجاسته لا يوجب الاشكال، كما فى اناء أخبر عدل أنه طاهر، وأخبر آخر أنه نجس، فالماء لا يصير مشكلا، وقد استوى الخبران، وبقى العبرة للأصل، فكذا هاهنا.

ولكن الأصح فى التمسك أن دليل الشك هو التردد فى الضرورة، فان الحمار يربط فى الدور والأفنية فيشرب من الأوانى.

وللضرورة أثر فى اسقاط النجاسة، كما فى الهرة والفأرة، الا أن الضرورة فى الحمار دون الضرورة فيهما، لدخولهما مضايق البيت، بخلاف الحمار.

ولو لم تكن الضرورة ثابتة أصلا كما فى الكلب والسباع لوجب الحكم بالنجاسة بلا أشكال.

ولو كانت الضرورة مثل الضرورة فيهما لوجب الحكم باسقاط النجاسة.

فلما ثبتت الضرورة من وجه دون وجه واستوى ما يوجب الطهارة والنجاسة تساقطا للتعارض، فوجب المصير الى الأصل.

والأصل هاهنا شيئان: الطهارة فى جانب الماء، والنجاسة فى جانب اللعاب، لأن لعابه نجس كما بينا، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فبقى الأمر مشكلا، لأنه نجس من وجه، وطاهر من وجه، فكان الاشكال عند علمائنا بهذا الطريق، لا للاشكال فى لحمه، ولا لاختلاف الصحابة فى سؤره.

وبهذا التقرير يندفع كثير من الأسئلة.

منها: أن المحرم والمبيح اذا اجتمعا يغلب المحرم احتياطا.

ص: 79

وجوابه أن القول بالاحتياط انما يكون فى ترجيح الحرمة فى غير هذا الموضع.

أما هاهنا فالاحتياط فى اثبات الشك، لأنا ان رجحنا الحرمة للاحتياط يلزم ترك العمل بالاحتياط، لأنه حينئذ لا يجوز استعمال سؤر الحمار مع احتمال كونه مطهرا باعتبار الشك، فكان متيمما عند وجود الماء فى أحد الوجهين، وذلك حرام فلا يكون عملا بالاحتياط ولا بالمباح.

وما قيل ان فى تغليب الحرمة تقليل النسخ، فذلك فى تعارض النصين، لا فى الضرورة.

ومنها أن يقال لما وقع التعارض فى سؤر وجب المصير الى الخلف وهو التيمم، كمن له اناءان أحدهما طاهر والآخر نجس فاشتبه عليه فانه يسقط استعمال الماء ويجب التيمم، فكذا هاهنا؟

قلنا: الماء هاهنا طاهر لما ذكرنا أن قضية الشك أن يبقى كل واحد على حاله ولم يزل الحدث، لأنه لما كان ثابتا بيقين فيبقى الى أن يوجد المزيل بيقين، والماء طاهر، ووقع الشك فى طهوريته، فلا يسقط استعماله بالشك، بخلاف الاناءين، فان أحدهما نجس يقينا، والآخر طاهر يقينا، لكنه عجز عن استعماله لعدم علمه، فيصار الى الخلف.

ومنها أن التعارض لا يوجب الشك كما فى اخبار عدلين بالطهارة والنجاسة حيث يتوضأ بلا تيمم.

قلنا فى تعارض الخبرين وجب تساقطهما، فرجحنا كون الماء مطهرا باستصحاب الحال، والماء كان مطهرا قبله، وهاهنا تعارض جهتا الضرورة فتساقطتا، فأبقينا ما كان على ما كان أيضا.

الا أن ها هنا ما كان ثابتا على حاله قبل التعارض شيئان جانب الماء وجانب اللعاب، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فوجب الشك.

ومنها ما قيل فى استعمال الماء ترك العمل بالاحتياط من وجه آخر، لأنه ان كان نجسا فقد تنجس العضو؟

قلنا: أما على القول بأن الشك فى الطهورية فظاهر، وأما على القول المرجوح من أن الشك فى كونه طاهرا.

فالجواب: أن العضو طاهر بيقين فلا يتنجس بالشك والحدث ثابت بيقين فلا يزول بالشك فيجب ضم التيمم اليه، كذا فى معراج الدراية وغيره.

وقال صاحب البحر

(1)

: ثم اختلف مشايخنا.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 142 الطبعة المتقدمة.

ص: 80

فقيل الشك فى طهارته.

وقيل فى طهوريته.

وقيل فيهما جميعا.

والأصح أنه فى طهوريته وهو قول الجمهور، كذا فى الكافى.

وهذا مع اتفاقهم أنه على ظاهر الرواية لا ينجس الثوب والبدن والماء، ولا يرفع الحدث.

ولهذا قال فى كشف الأسرار شرح أصول فخر الاسلام ان الاختلاف لفظى، لأن من قال الشك فى طهوريته لا فى طهارته أراد أن الطاهر لا يتنجس به ووجب الجمع بينه وبين التراب لا أن ليس فى طهارته شك أصلا، لأن الشك فى طهوريته انما نشأ من الشك فى طهارته، لتعارض الأدلة فى طهارته ونجاسته.

وبهذا التقرير علم ضعف ما استدل به فى الهداية لقول من قال الشك فى طهوريته بأنه لو وجد الماء المطلق لا يجب عليه غسل رأسه، فان وجوب غسله انما يثبت بتيقن النجاسة، والثابت الشك فيها، فلا يتنجس الرأس بالشك فلا يجب.

وعلم أيضا ضعف ما فى فتاوى قاضيخان تفريعا على كون الشك فى طهارته: أنه لو وقع فى الماء القليل أفسده لأنه لا افساد بالشك.

وقال صاحب البحر

(1)

: وفرع فى المحيط على كون سؤر الحمار مشكوكا: ما لو اغتسلت المرأة بسؤر الحمار تنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج، لأنه مشكوك فيه، فان كان طاهرا فلا رجعة، وان كان نجسا لم يكن مطهرا فله الرجعة، فاذا احتمل انقطعت احتياطا، ولا تحل لغيره احتياطا،

ثم قال صاحب البحر: واذا لم يجد الشخص ماء مطلقا توضأ بسؤرهما وتيمم، يعنى يجمع بين الوضوء والتيمم.

والمراد بالجمع أن لا تخلو الصلاة الواحدة عنهما.

وان لم يوجد الجمع فى حالة واحدة حتى لو توضأ بسؤر الحمار وصلى ثم أحدث وتيمم وصلى تلك الصلاة جاز، لأنه جمع بين الوضوء والتيمم فى حق صلاة واحدة وهو الصحيح.

كذا فى فتاوى قاضيخان، فأفاد أن فيها اختلافا.

وفى الجامع الصغير للمحبوبى وعن نصير بن يحيى فى رجل لم يجد الا سؤر الحمار قال: يهريق ذلك

(1)

البحر الرائق لابن نجيم ج 1 ص 142 الطبعة السابقة.

ص: 81

السؤر حتى يصير عادما للماء، ثم يتيمم.

فعرض قوله هذا على القاسم الصغار فقال: هو قول جيد.

وذكر محمد فى نوادر الصلاة لو توضأ بسؤر الحمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا ولم يتوضأ به حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار فعليه اعادة التيمم، وليس عليه اعادة الوضوء بسؤر الحمار، لأنه اذا كان طاهرا فقد توضأ به وان كان نجسا فليس عليه الوضوء لا فى المرة الأولى ولا فى المرة الثانية كذا فى النهاية.

وفى الخلاصة ولو تيمم وصلى ثم أراق سؤر الحمار يلزمه اعادة التيمم والصلاة لأنه يحتمل أن سؤر الحمار كان طهورا.

فان قيل: هذا الطريق يستلزم أداء الصلاة بغير طهارة فى احدى المرتين لا محالة وهو مستلزم للكفر لتأديه الى الاستخفاف بالدين، فينبغى أن لا يجوز ويجب الجمع فى أداء واحد.

قلنا: ذلك فيما أدى بغير طهارة بيقين، فأما اذا كان أداؤه بطهارة من وجه فلا، لانتفاء الاستخفاف، لأنه عمل بالشرع من وجه وهاهنا كذلك، لأن كل واحد من السؤر والتراب مطهر من وجه دون وجه، فلا يكون الأداء بغير طهارة من كل وجه، فلا يلزم منه الكفر.

ثم قال صاحب البحر: ولو قدم الوضوء على التيمم أو قدم التيمم على الوضوء جاز حتى لو توضأ ثم تيمم جاز بالاتفاق وان عكس جاز عندنا خلافا لزفر، لأنه لا يجوز المصير الى التيمم مع وجود ماء هو واجب الاستعمال فصار كالماء المطلق.

ودليلنا وهو الأصح: أن الماء ان كان طهورا فلا معنى للتيمم، سواء تقدم أو تأخر، وان لم يكن طهورا فالمطهر هو التيمم سواء تقدم أو تأخر ووجود هذا الماء وعدمه بمنزلة واحدة، وانما يجمع بينهما لعدم العلم بالمطهر منهما عينا فكان الاحتياط فى الجمع دون الترتيب.

وكذا الاختلاف فى الاغتسال به فعندنا لا يشترط تقديمه خلافا له لكن الأفضل تقديم الوضوء والاغتسال به عندنا.

وجاء فى شرح نور الايضاح على حاشية الطحاوى

(1)

: أنه لو اختلطت الأوانى اختلاط مجاورة لا ممازجة وكان أكثرها طاهرا وأقلها نجسا فانه يتحرى للتوضؤ والاغتسال.

وقال الطحاوى: الأفضل ان يمزجها.

(1)

كتاب حاشية العالم العلامة الشيخ أحمد الطحطاوى على مراقى الفلاح شرح نور الايضاح ج 1 ص 21 الطبعة الثانية طبع المطبعة الأزهرية المصرية سنة 1328 هـ.

ص: 82

وعند عامة العلماء الأفضل ان يريقها ويتيمم لفقد المطهر قطعا.

وكذلك يتيمم ان كانت الأوانى الطاهرة مساوية للأوانى النجسة.

وان وجد ثلاثة رجال ثلاث أوان أحدهما نجس وتحرى كل أناء جازت صلاتهم وحدانا، ولا يصح اقتداء بعضهم ببعض، لأن كلا لا يجوز الوضوء بما تحراه الآخر، لكونه نجسا فى حقه بحسب تحريه، فكان الامام غير متطهر فى حق المأموم.

ولو اختلطت الأوانى الطاهرة بالنجسة وكثر الطاهر، فانه يتحرى لارادة الشرب، لأن المغلوب كالمعدوم.

وإن اختلط إناءان ولم يتحر وتوضأ بكل وصلى صحت إن مسح موضعين من رأسه كل موضع قدر الربع.

وهذا التفصيل فى الرأس، لأن باقى الاعضاء يغسل.

فاذا كان قد توضأ بالنجس فبالغسل ثانيا بالطاهر تطهر ويرتفع به الحدث.

وان كان قد توضأ بالطاهر ارتفع الحدث من أول الأمر فتصح صلاته، ولا يضره تنجس الأعضاء بالغسل ثانيا بالنجس، لأنه حينئذ فاقد لما يزيل به النجاسة وفاقده يصلى بالنجاسة ولا يعيد.

وان مسح محلا من رأسه بالماءين دار الأمر بين الجواز لو قدم الطاهر وعدم الجواز لتنجس البلل بأول ملاقاة لو أخر الطاهر فلا يجوز للشك احتياطا، وينتقل للتيمم لفقده المطهر.

وان كان أكثر الأوانى المختلطة بالمجاورة نجسا فلا يتحرى الا للشرب لنجاسة كلها حكما للغالب، ويريقها عند عامة المشايخ.

ويمزجها لسقى الدواب عند الطحاوى ثم يتيمم.

ولو اختلطت أوانيه بأوانى أصحابه فى السفر وهم غيب أو اختلط رغيفه بأرغفتهم قال بعضهم يتحرى.

وقال بعضهم ينتظر حتى يجئ أصحابه.

وهذا فى حال الاختيار.

أما فى حال الاضطرار فانه يتحرى مطلقا.

ولو تحرى اناء ثم تبدل اجتهاده الى طهارة غيره فالعبرة لاجتهاده الأول ولا يعتبر الثانى.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(1)

: ان الماء اذا تغير وشك فى الذى غيره هل هو

(1)

مواهب الجليل شرح مختصر خليل ج 1 ص 53 وبهامشه التاج والاكليل للمواق فى كتاب طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

ص: 83

مما يسلبه الطهورية أو مما لا يسلبه الطهورية فالأصل بقاؤه على الطهورية.

وعزا الشارح والمصنف فى التوضيح هذا الفرع للمازرى، وهو فى المدونة.

لكنه أخل به البراذعى، بل كلامه فيه يوهم غير المقصود، وهى من المسائل التى تعقبها عليه عبد الحق، واختصرها ابن يونس بلفظ قال مالك:

لا بأس بماء البئر تنتن من الحمأة وغيرها.

قال ابن القاسم، وكذلك ما وجد فى الفلوات من بئر أو غدير قد أنتنا ولا أدرى لم ذلك ولا بأس بالوضوء منها، قاله مالك فى الواضحة.

وقال فى الطراز هذا هو القياس أن الشئ متى شك فى حكمه رد الى أصله، والأصل فى الماء الطهارة والتطهير.

وقال فى سماع موسى أن ابن القاسم قال فى الحوض يتغير ريحه ولم ير فيه أثر ميتة ولا جيفة والدواب والسباع تشرب منه، قال ابن القاسم:

لا بأس به اذا لم ير فيه شئ يعلم أن فساد الماء منه.

قال ابن رشد هو معنى ما فى المدونة، لأن المياه محمولة على الطهارة.

وفهم من قول خليل: (شك) أن هذا الحكم حيث يتساوى الاحتمالان.

وأحرى اذا ترجح جانب الطهارة.

وأما اذا ترجح جانب النجاسة أو سلب الطهورية فيعمل عليه.

قال الباجى واذا لم يدر من أى شئ تغير الماء نظر لظاهر أمره فيقضى به.

فان لم يكن له ظاهر ولم يدر من أى شئ هو حمل على الطهارة.

قال ابن ناجى فى شرح المدونة وأما آبار المدن اذا أنتنت فقال المازرى ان كانت هنا حالة تريب كالآبار القريبة من المراحيض فان مالكا قال: تترك اليومين فان طابت، والا لم يتوضأ منها، ولو علم أن نتنها ليس من ذلك ما رأيت بأسا أن يتوضأ منها.

قال ابن رشد حمل الماء على أنه انما أنتن من نجاسة قنوات المراحيض التى تتخلل الدور فى القرى، بخلاف البئر فى الصحراء اذا أنتن ولم يدر بماذا، فانه يحمل على الطهارة، وأنه انما أنتن من ركوده وسكونه فى موضعه اذا لم يعلم لنجاسته سبب.

ولو علم أن نتن البئر ليس من قنوات المراحيض التى بجانبها لم يكن به بأس.

ثم قال

(1)

: واذا خالط الماء شئ أجنبى

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 64، ص 65 الطبعة السابقة.

ص: 84

ينفك عنه غالبا ولكنه موافق لأوصاف الماء الثلاثة، أعنى اللون والطعم والريح فلم يغيره فهل يجعل ذلك المخالط الموافق لأوصاف الماء كأنه مخالف للماء فيسلبه الطهورية لأن الاوصاف الموجودة والحالة هذه انما هى أوصاف للماء والمخالط وأدنى الأمور فى ذلك الشك فيه أو لا يجعله مخالفا، لأنه يصدق على الماء أنه باق على أوصاف خلقته وذلك يقتضى استعماله؟ فى ذلك نظر.

قال ابن عبد السّلام: واعلم أن الأصل التمسك ببقاء أوصاف الماء حتى يتحقق زوالها، أو يظن، كما لو كان المخالط للماء هو الأكثر.

قال: ولا تقدر الأوصاف الموافقة مخالفة لعدم الانضباط مع التقدير، اذ يلزم اذا وقعت نقطة أو نقطتان من ماء الزهر أن لا تؤثر، لأنها لا تغير الماء.

ولو كانت من ماء الورد لأثرت لأنها تغيره وكذلك ربما غيره مقدار من ماء الورد ولم يغيره ذلك المقدار من ماء آخر من مياه الورد لرداءته فلو روعى مثل هذا الماء لما انضبط والشريعة السمحة تقتضى طرح ذلك.

وذكر عن الشيخ أبى على ناصر الدين أن المخالط اذا كان نجسا فالماء نجس مطلقا

قال الحطاب: وظاهر هذا أن النظر فى جعل المخالط الموافق كالمخالف ولو غلب على الظن أن ذلك المخالط لو كان باقيا على أوصافه لغير الماء، وهذا مشكل.

والذى يظهر لى أنه يفصل فى المسألة فان حصل الشك فى ذلك المخالط هل يسلب الطهورية لو كان باقيا على أوصافه.

فيمكن أن يقال كما قال ابن عطاء الله أنه ان وجد غيره لم يستعمله، وان لم يجد استعمله وتيمم، وهذا على وجه الاحتياط.

وقد يقال الأصل فى الماء الطهورية حتى يغلب على الظن حصول ما يسلبها.

وأما حيث يغلب على الظن شئ فى أمر المخالط فينبغى أن يعمل عليه.

فان كان الماء كثيرا والمخالط يسيرا بحيث يغلب على الظن أنه لو كان باقيا على صفاته لم يغير الماء.

فان كان طاهرا فلا شك فى جواز استعماله ولو كان غيره موجودا.

وان كان نجسا فينظر الى كثرة الماء وقلته.

فان كان الماء كثيرا أكثر من آنية الوضوء والغسل فهو طهور بلا كراهة والا فهو مكروه، لأنه ماء يسير حلته نجاسة ولم تغيره وان كان الماء قليلا والمخالط كثيرا بحيث

ص: 85

يغلب على الظن أنه لو كان باقيا على أوصافه لغير الماء.

فان كان المخالط طاهرا كان الماء طاهرا غير مطهر.

وان كان نجسا كان الماء نجسا.

وجاء فى شرح الحطاب

(1)

: أن هناك صورتين للاشتباه فى الأوانى.

الصورة الأولى أن يشتبه الطهور بالمتنجس وذلك على أوجه.

فاما أن يكون أحد الأوانى وقعت فيه نجاسة كثيرة تغيره ولم يعلم تغير الماء الذى فى الأوانى جميعها بقراره أو بما يتولد منه.

أو تكون الأوانى متغيرة تغيرا واحدا بعضها بشئ طاهر لم يسلبه التطهير وبعضها بشئ نجس كأن يتغير أحدهما بتراب طاهر طرح فيه ويتغير الآخر بتراب نجس طرح فيه.

أو يكون الماء يسيرا حلته نجاسة لم تغيره على القول بنجاسته.

والصورة الثانية: أن يشتبه الطهور بالنجس كما اذا اشتبه الماء بالبول المقطوع الرائحة الموافق لصفة الماء.

واعلم أن الخلاف منصوص فى الصورة الأولى.

وأما الصورة الثانية فخرجها القاضى عبد الوهاب على الأولى، ورأى أنه لا فرق بينهما.

وقال ابن العربى هو الذى تقتضيه أصولنا وبه أقول.

وروى ابن عرفه عن المذهب أن اشتباه اناء بول كمتنجس.

وذكر خليل ان الحكم فى الصورتين أنه يتوضأ ويصلى بعدد النجس وزيادة اناء.

يعنى أنه يتوضأ من احدهما، ثم يصلى، ثم يتوضأ من آخر، ثم يصلى، يفعل ذلك بعدد النجس وزيادة واحد.

فاذا كانت الاوانى خمسة والنجس منها اثنان، فيتوضأ من ثلاثة منها، ويصلى بكل وضوء صلاة، وان كان النجس ثلاثة توضأ من أربعة منها وصلى بكل وضوء صلاة، وان كان النجس أربعة توضأ منها جميعا وصلى كذلك، قال فى التوضيح وهذا هو القول الصحيح.

وحاصل ما ذكروه من الخلاف فى هذه المسألة خمسة أقوال فيما علمت.

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 1 من ص 170 الى ص 174 فى كتاب مع التاج والاكليل الطبعة الأولى سنة 1328 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.

ص: 86

الأول: ما ذكره خليل وهو الصحيح وعزاه ابن عرفه لسحنون فى أحد قوليه وابن الماجشون.

الثانى: كالأول بزيادة ويغسل ما أصابه من الماء الأول بالماء الثانى ثم يتوضأ منه، وهو قول ابن مسلمة.

قال فى الجواهر قال الأصحاب: وهو الأشبه بقول مالك، واختاره القاضى أبو محمد.

وزاد فى التوضيح فى نقله لهذا القول، فان لم يغسل فلا شئ عليه لأن النجاسة غير محققة.

الثالث: يتحرى أحدهما ويتوضأ به ويصلى وتحريه كما يتحرى فى القبلة، وهو قول لمحمد بن المواز وابن سحنون.

قال فى التوضيح قال ابن العربى وهو الصحيح.

الرابع: كقول ابن مسلمة ان قلت الأوانى وكقول ابن المواز وابن سحنون ان كثرت وهو قول القاضى أبى الحسن بن القصار.

الخامس: بترك الجميع ويتيمم وهو قول سحنون الثانى.

وظاهر كلامهم أنه لا يحتاج الى أن يريقها قبل تيممه.

قال صاحب الجمع ظاهر كلام الشافعية أنه يريقها ويتيمم لتحقق عدم الماء.

وسحنون جعل وجودها كالعدم والأعمى، كالبصير على المشهور، وعلى غيره من الأقوال، الا على القول بالاجتهاد فاختلف فيه، هل هو كالبصير أو لا؟ قولان ذكرهما فى الذخيرة بناء على أنه يتأتى منه الاجتهاد.

واذا أهريقت الأوانى ولم يبق منها غير واحد قال ابن عرفة عن المازرى:

لا نص.

ويتيمم على قول سحنون.

ويجمع بينه وبين التيمم على قول ابن الماجشون وعلى قول ابن مسلمة زاد عنه صاحب الجمع.

ويجرى الخلاف فى البداءة به على الخلاف فى الماء المشكوك.

وعلى القول بالتحرى يعمل على ما غلب على ظنه.

فان غلب على ظنه نجاسته تركه أو جمع بينه وبين التيمم.

وقال ابن عرفه: وعلى القول بالتحرى فى تحديد قول المازرى ونقله ابن شاس.

وقال ابن عبد السّلام الاشتباه الالتباس.

ص: 87

وعلى القول بالتحرى فلا بد هناك من امارة أو دليل، فليس الالتباس بحقيقى، لأنه انما يكون عند تعارض الأمارات.

قال الحطاب ولذلك قال ابن شاس عن ابن المواز وابن سحنون القائلين بالتحرى ولا يجوز له أخذ أحد الأوانى الا بالاجتهاد وطلب علامة تغلب على الظن الطهارة فان لم تظهر له علامة فالظاهر على مذهبهما أنه يترك الجميع ويتيمم.

ونقل ذلك صاحب الجمع عن الغزالى متمما به هذا القول وقول ابن القصار.

واذا اشتبهت الأوانى على رجلين فأكثر.

فعلى القول الاول الذى مشى عليه خليل وما أشبهه من الأقوال لا أشكال فى ذلك، فيتوضؤن من الأوانى بعدد النجس، ويصلون، ويجوز أن يؤمهم أحدهم. وعلى القول بالتحرى فان اتفق تحريهم على اناء فلا أشكال.

وان اختلف اجتهادهم فتحرى كل واحد خلاف ما تحراه الآخر قال المازرى لم يأتم أحدهم بصاحبه فى الصلاة التى تطهر لها بالماء الذى خالفه فيه.

قال: وكذلك لو كثرت الأوانى وكثر المجتهدون واختلفوا فكل من ائتم منهم بمن يعتقد أنه تطهر بالماء النجس فلا تصح صلاته.

ونقل صاحب الجمع عن ابن هارون بعد ذكر كلام المازرى ما نصه: عدم الائتمام عندى مقيد بأن يكون الطاهر منها واحدا.

وأما لو كان الطاهر منها أكثر من واحد لجاز أن يأتم به اذ لا يجزم بخطأ امامه.

هذا ان كان مذهبه تصويب المجتهد.

وان كان ممن يرى الصواب فى طريق واحد ففيه نظر.

قال الحطاب فى كلام المازرى ايماء الى أنه ان كثرت الأوانى فلا يمتنع الائتمام الا بمن يعتقد أنه تطهر بالنجس.

وقد بحث صاحب الجمع فى هذه المسألة. وأطال.

قال ابن عبد السّلام ذكر فى الجواهر فرعا مرتبا على قول ابن مسلمة قال: لو كان معه اناءان فتوضأ منهما وصلى على ما تقدم ثم حضرت صلاة أخرى.

فان كانت طهارته باقية، وهو يعلم الاناء الذى توضأ به آخرا صلى

ص: 88

صلاة بالطهارة التى هو عليها، ثم غسل أعضاءه من الاناء الذى توضأ به أولا وصلى.

وان لم يكن على طهارة أو كان عليها ولم يعلم الاناء الذى توضأ منه آخرا توضأ بالاناءين كما فعل أولا.

قال ابن عبد السّلام يعنى والله أعلم بعد أن يغسل أعضاءه من الاناء الذى يبتدئ الآن منه الطهارة.

وجاء فى تهذيب الفروق

(1)

للقرافى:

أن من التبست عليه الأوانى أو الثياب يجتهد بنية جازمة بوجوب الاجتهاد عليه بسبب الشك.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

: أنه اذا تيقن طهارة الماء وشك فى نجاسته توضأ به، لأن الأصل بقاؤه على الطهارة.

وان تيقن نجاسته وشك فى طهارته لم يتوضأ به، لأن الاصل بقاؤه على النجاسة.

وان لم يتيقن طهارته ولا نجاسته توضأ به، لأن الأصل طهارته.

فان وجده متغيرا ولم يعلم بأى شئ تغير توضأ به لأنه يجوز أن يكون تغيره بطول المكث.

وان رأى حيوانا يبول فى ماء ثم وجده متغيرا وجوز أن يكون تغيره بالبول لم يتوضأ به، لأن الظاهر أن تغيره من البول.

وان رأى هرة أكلت نجاسة ثم وردت على ماء قليل فشربت منه ففيه ثلاثة أوجه.

أحدها أنها تنجسه لأنا تيقنا نجاسة فمها.

والثانى: أنها ان غابت ثم رجعت لم تنجسه، لأنه يجوز أن تكون قد وردت على ماء فطهر فمها فلا يتنجس ما تيقنا طهارته بالشك.

والثالث: لا ينجس بكل حال، لأنه لا يمكن الاحتراز منها فعفى عنها.

فلهذا قال النبى صلى الله عليه وسلم: انها من الطوافين عليكم والطوافات.

وان ورد على ماء فأخبره رجل بنجاسته لم يقبل حتى يبين بأى شئ نجس، لجواز أن يكون قد رأى سبعا ولغ فيه فاعتقد أنه نجس بذلك، فان بين

(1)

الفروق للأمام شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس المشهور بالقرافى مع حاشية عمدة المحققين سراج الدين أبى القاسم المعروف بابن الشاطر وبالهامش تهذيب الفروق والقواعد السنية للشيخ حسين مفتى المالكية ج 1 ص 228 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1344 هـ.

(2)

من كتاب المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزبادى الشيرازى مع النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال الركبى ج 1 ص 8، ص 9 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 89

النجاسة قبل منه كما يقبل ممن يخبره بالقبلة.

ويقبل فى ذلك قول الرجل والمرأة والحر والعبد لأن أخبارهم مقبولة.

ويقبل خبر الأعمى فيه، لأن له طريقا الى العلم به بالحس والخبر.

ولا يقبل فيه قول صبى ولا فاسق ولا كافر لأن أخبارهم لا تقبل.

وجاء فى نهاية

(1)

المحتاج: أنه لو اشتبه على شخص أهل للاجتهاد ولو صبيا مميزا فيما يظهر ماء طاهر أى طهور بماء نجس أو تراب بضده أو ماء أو تراب مستعمل بطهور، اجتهد أى بذل جهده فى ذلك وان قل عدد الطاهر كاناء من مائة، لأن التطهر شرط من شروط الصلاة يمكن التوصل اليه بالاجتهاد فوجب عند الاشتباه كالقبلة لكل صلاة أرادها بعد حدثه وجوبا إن لم يقدر على طهور بيقين موسعا ان اتسع الوقت ومضيقا ان ضاق الوقت وجوازا ان قدر على طهور بيقين كأن كان على شط نهر أو بلغ الماءان المشتبهان قلتين بخلطهما بلا تغير اذ العدول الى المظنون مع وجود المتيقن جائز، لأن بعض الصحابة رضى الله تعالى عنهم كان يسمع من بعض مع قدرته على المتيقن وهو سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وفارق القادر على اليقين فى القبلة من وجوه.

أحسنها كما فى المجموع أن القبلة فى جهة واحدة فاذا قدر عليها كان طلبه لها فى غيره عبثا، بخلاف الماء الطهور فانه فى جهات كثيرة.

وما تقرر من وجوب الاجتهاد تارة وجوازه أخرى هو ما صرح به فى المجموع.

وعبارة العباب: الاجتهاد فى الماء واجب ان اشتبه مطلق بمستعمل أو بمتنجس اذا دخل الوقت ولم يجد غيرهما وتضيق ان ضاق والا فجائز، اذ استعمال أحدهما قبله غير جائز لبطلان طهارته فيكون متلبسا بعبادة فاسدة.

وحينئذ فلا تنافى بين من عبر بالجواز والوجوب لأن الجواز من حيث أن له الأعراض عنهما والوجوب من حيث قصده ارادة استعمال أحدهما.

لا يقال لابس الخف الأفضل فى حقه الغسل مع أن الواجب عليه أحد الأمرين فلم لم يقل به هنا.

لأنا نقول لم يختلف هناك فى جواز المسح مع القدرة على الغسل بخلافه

(1)

نهاية المحتاج الى شرح ألفاظ المنهاج لشمس الدين بن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى عليه وبهامشه المغربى ج 1 ص 77، ص 78، 79، ص 80 مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 90

هنا والاجتهاد والتحرى والتأخى بذل المجهود فى طلب المقصود وتطهر بما ظن طهارته بأمارة تدل على ذلك كاضطراب أو رشاش أو تغير أو قرب كلب.

وللاجتهاد شروط.

أحدها بقاء المشتبهين الى تمام الاجتهاد فلو أنصب أحدهما أو تلف امتنع الاجتهاد ويتيمم ويصلى من غير اعادة وان لم يرق ما بقى.

وذكر صاحب المهذب

(1)

: أنه أن اشتبه عليه ماءان طاهر ونجس ثم انقلب أحدهما قبل الاجتهاد ففيه وجهان.

أحدهما أنه يتحرى فى الثانى لأنه قد ثبت جواز الاجتهاد فيه فلم يسقط بالانقلاب.

والثانى - وهو الأصح - أنه لا يجتهد لأن الاجتهاد يكون بين أمرين.

فاذا قلنا لا يجتهد فما الذى يصنع؟ فيه وجهان.

قال أبو على الطبرى: يتوضأ به لأن الأصل فيه الطهارة فلا يزال اليقين بالشك.

وقال القاضى أبو حامد يتيمم ولا يتحرى، لأن حكم الأصل قد زال بالاشتباه بدليل أنه منع من استعماله من غير تحر فوجب أن يتيمم.

وجاء فى نهاية المحتاج

(2)

: أن الشرط الثانى للاجتهاد فى الماء هو أن يتأيد الاجتهاد بأصل الحل فلا يجتهد فى ماء اشتبه ببول وان كان يتوقع ظهور العلامة اذ لا أصل للبول فى حل المطلوب وهو التطهير هنا.

الشرط الثالث: أن يكون للعلامة فيه مجال أى مدخل كالأوانى والثياب بخلاف المحرم بنسوة، وزاد بعضهم سعة الوقت فلو ضاق عن الاجتهاد تيمم وصلى والأوجه خلافه.

واشترط بعضهم أيضا أن يكون الاناءان لواحد فان كانا لاثنين لكل واحد توضأ كل بانائه كما لو علق كل من اثنين طلاق زوجته بكون ذا الطائر غرابا وغير غراب فانه لا حنث على واحد منهما.

والأوجه كما فى الاحياء خلافه عملا باطلاقهم.

وشرط العمل بالاجتهاد ظهور العلامة فان لم يظهر له شئ أراق الماءين أو أحدهما فى الآخر ثم يتيمم

وقيل أن قدر على طاهر بيقين أى طهور آخر فلا يجوز له الاجتهاد، بل يستعمل المتيقن، لقوله صلى الله عليه وسلم «دع ما يريبك الى ما لا يريبك» .

(1)

المهذب للشيرازى ج 1 ص 8، ص 9 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ج 1 ص 77، ص 78، ص 79، ص 80 الطبعة السابقة.

ص: 91

كمن كان بمكة ولا حائل بينه وبين الكعبة ولكن كان فى ظلمة، أو كان أعمى، أو حال بينه وبينها حائل حادث غير محتاج اليه وكما لو وجد الحاكم النص والأصح الجواز.

وحمل قائله الحديث على الاستحباب والأعمى كبصير فى الأظهر لتمكنه من الوقوف على المقصود بالشم والذوق والسمع واللمس.

ويفارق ما سيأتى فى القبلة بأن أدلتها بصرية بخلاف الأدلة هنا.

نعم لو فقد الأعمى تلك الحواس امتنع عليه الاجتهاد كما قال الأذرعى أنه يجب الجزم به وهو حسن.

والثانى: لا يجتهد لفقد البصر الذى هو عمدة الاجتهاد بل يقلد.

وما تقرر من جواز الذوق هو ما قاله الجمهور منهم القاضى والماوردى والبغوى والخوارزمى وهو المعتمد.

وما نقله فى المجموع عن صاحب البيان من منع الذوق لاحتمال النجاسة ممنوع، اذ محل منع ذوقها عند تحققها ويحصل بذوقها وهنا لم نتحققها.

فان تحير الأعمى قلد بصيرا أو أعمى أقوى ادراكا منه فيما يظهر.

فان لم يجد من يقلده أو وجده فتحير تيمم، أو اشتبه عليه ماء وبول أى معا لطهارة أو نحوه انقطعت رائحته لم يجتهد فيهما على الصحيح، لأن الاجتهاد يقوى ما فى النفس من الطهارة الأصلية والبول لا أصل له فى الطهارة فامتنع العمل به سواء أكان أعمى أم بصيرا.

والثانى: يجتهد كالماءين وفرق الأول بما تقدم.

والمراد بقولهم له أصل فى التطهير عدم استحالته عن خلقته الأصلية كالمتنجس والمستعمل فانهما لم يستحيلا عن أصل خلقتهما الى حقيقة أخرى بخلاف نحو البول وماء الورد فان كلا منهما قد استحال الى حقيقة أخرى بل يخلطان أو يراقان أو يراق من أحدهما فى الآخر. ونبه بالخلط على بقية أنواع التلف فلا اعتراض عليه ثم يتيمم ويصلى بلا اعادة.

ولو اشتبه عليه

(1)

ماء وماء ورد انقطعت رائحته توضأ بكل منهما مرة ولا يجتهد فيهما

وانما جاز له التوضؤ بكل منهما لتيقن استعمال الطهور ويعذر فى تردده فى النية للضرورة كمن نسى صلاة من الخمس

(1)

نهاية المحتاج الى شرح ألفاظ المنهاج للرملى ج 1 ص 80، ص 81، ص 82 الطبعة السابقة.

ص: 92

ومقتضى العلة أنه يمتنع ذلك عند القدرة على ماء طاهر بيقين، لفقد الضرورة وليس كذلك لأنهم لما لم يوجبوا عليه سلوك الطريق المحصلة للجزم فكذلك لا يجب عليه استعمال الطهور بيقين اذا قدر عليه وان كان محصلا للجزم على أنه يمكن الجزم بالنية كأن يأخذ بكفه من أحدهما وبالأخرى من الآخر ويغسل بهما خديه معا ناويا ثم يعكس ثم يتم وضوءه بأحدهما ثم بالآخر ويلزمه حيث لم يقدر على طهور بيقين التطهر بكل منهما.

ولو زادت قيمة ماء الورد على قيمة ماء الطهارة خلافا لابن المقرى فى روضه.

ويفرق بينه وبين لزوم تكميل الناقص به ان لم تزد قيمته على ثمن ماء الطهارة بأن الخلط ثم يذهب ماليته بالكلية من حيث كونه ماء ورد وهنا استعماله منفردا لا يذهبها بالكلية لامكان تحصيل غسالته وهذا أولى الفروق كما أوضحته فى شرح العباب.

ثم ما تقدم من منع الاجتهاد فى ماء الورد محله بالنسبة للتطهير أما بالنسبة لشربه فيجوز كما قاله الماوردى وله التطهير بالآخر للحكم عليه بأنه ماء والفرق بينه وبين الطهر أنه يستدعى الطهورية وهما مختلفان والشرب يستدعى الطاهرية وهما طاهران.

وذكر

(1)

صاحب المهذب أنه ان اشتبه عليه ماءان طاهر ونجس ولما اجتهد فيهما لم يغلب على ظنه شئ أراقهما، أو صب أحدهما فى الآخر ويتيمم فان تيمم وصلى قبل الاراقة أو الصب أعاد الصلاة لأنه تيمم ومعه ماء طاهر بيقين.

وان غلب على ظنه طهارة أحدهما توضأ به.

والمستحب أن يريق الآخر حتى لا يتغير اجتهاده بعد ذلك.

فان تيقن أن الذى توضأ به كان نجسا غسل ما أصابه منه وأعاد الصلاة لأنه تعين له يقين الخطأ فهو كالحاكم اذا أخطأ النص.

وان لم يتيقن ولكن تغير اجتهاده فظن أن الذى توضأ به كان نجسا قال أبو العباس يتوضأ بالثانى، كما لو صلى الى جهة بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده.

والمنصوص فى حرملة أنه لا يتوضأ بالثانى لأنا لو قلنا أنه يتوضأ به ولم يغسل ما أصابه الماء الأول من ثيابه وبدنه أمرناه أن يصلى وعلى بدنه نجاسة بيقين وهذا لا يجوز.

(1)

المهذب للشيرازى ج 1 ص 9 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 93

وان قلنا أنه يغسل ما أصابه من الماء الأول نقضنا الاجتهاد بالاجتهاد وهذا لا يجوز.

ويخالف القبلة فان هناك لا يؤدى الى الأمر بالصلاة الى غير القبلة ولا الى نقض الاجتهاد بالاجتهاد.

واذا قلنا بقول أبى العباس توضأ بالثانى وصلى ولا اعادة عليه.

وان قلنا بالمنصوص فانه يتيمم ويصلى، وهل يعيد الصلاة؟ فيه ثلاثة أوجه.

أحدها: أنه لا يعيد لأن ما معه من الماء ممنوع من استعماله بالشرع فصار وجوده كعدمه كما لو تيمم ومعه ما يحتاج اليه للعطش.

والثانى: يعيد لأنه تيمم ومعه ماء محكوم بطهارته.

والثالث: وهو قول أبى الطيب بن سلمه ان كان قد بقى من الأول بقية أعاد لأن معه ماء طاهرا بيقين وان لم يكن بقى معه شئ لم يعد، لأنه ليس معه ماء طاهر بيقين.

وان اشتبه عليه ماءان ومعه ماء ثالث يتيقن طهارته ففيه وجهان.

أحدهما لا يتحرى لأنه يقدر على اسقاط الفرض بيقين فلا يؤدى بالاجتهاد كالمكى فى القبلة.

والثانى: أنه يتحرى لأنه يجوز اسقاط الفرض بالطاهر فى الظاهر مع القدرة على الطاهر بيقين ألا ترى أنه يجوز أن يترك ما ينزل من السماء ويتيقن طهارته ويتوضأ بما يجوز نجاسته.

وان اشتبه عليه ماء مطلق وماء مستعمل ففيه وجهان.

أحدهما: لا يتحرى، لأنه يقدر على اسقاط الفرض بيقين بأن يتوضأ بكل واحد منهما.

والثانى: أنه يتحرى، لأنه يجوز أن يسقط الفرض بالطاهر مع القدرة على اليقين.

وان اشتبه الماء الطاهر بالماء النجس على رجلين، فأدى اجتهاد أحدهما الى طهارة أحدهما، واجتهاد الآخر الى طهارة الآخر، توضأ كل واحد منهما بما أداه اليه اجتهاده، ولم يأثم أحدهما بالآخر، لأنه يعتقد أن صلاة امامه باطلة.

وان كثرت الأوانى وكثر المجتهدون فأدى اجتهاد كل واحد منهم الى طهارة اناء وتوضأ به وتقدم أحدهم وصلى بالباقين الصبح، وتقدم آخر وصلى بهم الظهر، وتقدم آخر وصلى بهم العصر، فكل من صلى خلف امام يجوز أن يكون طاهرا فصلاته خلفه صحيحة وكل من صلى خلف امام يعتقد أنه نجس فصلاته خلفه باطلة.

ص: 94

وجاء فى نهاية

(1)

المحتاج: أنه لا تنجس قلتا الماء بملاقاة نجس، لحديث اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث أى يدفع النجاسة، كما يقال فلان لا يحمل الظلم أى يدفعه عن نفسه:

وشمل ذلك ما لو شك فى كثرته عملا بأصل الطهارة، ولأنا شككنا فى نجاسة منجسه، ولا يلزم من حصول النجاسة التنجيس سواء أكان ذلك ابتداء أم جمع شيئا فشيئا وشك فى وصوله لهما، كما لو شك المأموم هل تقدم على امامه أم لا فانه لا تبطل صلاته ولو جاء من قدامه عملا بالأصل أيضا.

ويعتبر فى القلتين قوة التراد فلو كان الماء فى حفرتين فى كل حفرة قلة وبينهما اتصال من نهر صغير غير عميق فوقع فى احدى الحفرتين نجاسة قال الامام فلست أرى أن ما فى الحفرة الأخرى دافع للنجاسة.

واقتضى اطلاق النووى النجاسة أنه لا فرق بين كونها جامدة أو مائعة وهو كذلك ولا يجب التباعد عنها حال الاغتراف من الماء بقدر قلتين على الصحيح، بل له أن يغترف من حيث شاء حتى من أقرب موضع الى النجاسة فان غير النجس الملاقى فنجس بالاجماع سواء أكان التغير قليلا أم كثيرا، وسواء المخالط والمجاور ولا فرق بين الحسى والتقديرى.

وبيان التقديرى بأن وقعت فيه نجاسة مائعة توافقه فى الصفات كبول انقطعت رائحته ولو فرض مخالفا له فى أغلظ الصفات. كلون الحبر وطعم الخل وريح المسك لغيره فانه يحكم بنجاسته ولو تغير بعضه فقط فالمتغير نجس وأما الباقى فان كان كثيرا لم ينجس والا تنجس.

ولو بال فى البحر مثلا فارتفعت منه رغوة فهى طاهرة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى، لأنها بعض الماء الكثير خلافا لما فى العباب.

ويمكن حمل كلام القائل بنجاستها على تحقق كونها من البول.

وان طرحت فى البحر بعرة مثلا فوقعت منه قطرة بسبب سقوطها على شئ لم تنجسه، فان زال تغيره الحسى أو التقديرى بنفسه لا بعين، كطول مكث وهبوب ريح أو بماء ولو نجسا زيد عليه أو نبع منه أو نقص منه والباقى بعده كثير طهر، لزوال سبب النجاسة فعاد كما كان عليه قبل.

والعلة أن القليل لا يطهر بانتفاء تغيره وهو ظاهر.

ويحتمل أن يطهر بذلك فيما اذا كان تغيره بميت لا يسيل دمه أو نحوه مما يعفى عنه.

(1)

نهاية المحتاج للرملى ج 1 ص 63، ص 64، ص 65، ص 66 الطبعة السابقة.

ص: 95

ولو زال التغير ثم عاد فان كانت النجاسة جامدة وهى فيه فنجس.

وان كانت مائعة أو جامدة وقد أزيلت قبل التغير الثانى لم ينجس وطهر أو زال التغير أى ظاهرا، ريحه بمسك ولونه بسبب زعفران أو طعمه بخل مثلا فلا يطهر حال كدورته فلا تعود طهوريته بل هو باق على نجاسته للشك فى أن التغير زال أو استتر بل الظاهر الاستتار وكذا تراب وجص فى الأظهر فان صفى ولم يبق به تغير طهر ويحكم بطهورية التراب أيضا.

والحاصل أنه اذا صفى الماء ولم يبق فيه تكدر يحصل به شك فى زوال التغير طهر كل من الماء والتراب سواء أكان الباقى عما رسب فيه التراب قلتين أم لا نعم ان كان عين التراب نجسة لا يمكن تطهيرها كتراب المقابر المنبوشة اذ نجاسته مستحكمة فلا يطهر أبدا لأن التراب حينئذ كنجاسة جامدة فان بقيت كثرة الماء لم يتنجس والا تنجس وغير التراب مثله فى ذلك. والجارى كراكد فى تنجسه بالملاقاة وفيما يستثنى، لكن العبرة فى الجارى بالجرية نفسها، لا مجموع الماء، فان الجريات متفاصلة حكما وان اتصلت فى الحس، لأن كل جرية طالبة لما قبلها هاربة عما بعدها.

فاذا كانت الجرية وهى الدفعة التى بين حافتى النهر فى العرض دون قلتين تنجست بملاقاة النجاسه سواء أتغير أم لا لمفهوم حديث القلتين المار فان لم يفصل فيه بين الجارى والراكد ويكون محل تلك الجرية من النهر نجسا ويطهر بالجرية بعدها وتكون فى حكم غسالة النجاسة حتى لو كانت مغلظة فلا بد من سبع جريات عليها.

هذا فى نجاسة تجرى بجرى الماء.

فان كانت جامدة واقفة فذلك المحل نجس وكل جرية تمر بها نجسة الى أن يجتمع قلتان منه فى حوض أو موضع متراد.

وفى القديم لا ينجس بلا تغير لقوته بوروده على النجاسة فأشبه الماء الذى يطهرها به وعليه فمقتضاه أن يكون طاهرا.

وجاء فى المجموع

(1)

: أنه ان كان معه اناءان فأخبره رجل أن اكلب ولغ فى أحدهما قبل قوله ولم يجتهد، لأن الخبر مقدم على الاجتهاد كما نقوله فى القبلة.

(1)

المجموع للنووى شرح المهذب وهامشه للعلامة الفقيه أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى وفتح العزيز شرح الوجيز للامام أبى القاسم الرافعى ج 1 ص 177 وما بعدها طبع المطبعة العربية بمصر ادارة الطباعة المنيرية لمحمد ابن عبده أغا.

ص: 96

وان أخبره رجل أنه ولغ فى هذا دون ذاك وقال آخر بل ولغ فى ذاك دون هذا حكم بنجاستهما، لأنه يمكن صدقهما بأن يكون ولغ فيهما فى وقتين.

وان قال أحدهما ولغ فى هذا دون ذاك فى وقت معين وقال الآخر بل ولغ فى ذاك دون هذا فى ذلك الوقت بعينه فهما كالبينتين اذا تعارضتا.

فان قلنا انهما تسقطان سقط خبرهما وجازت الطهارة بهما لأنه لم يثبت نجاسة واحد منهما.

وان قلنا لا تسقطان أراقهما أو صب أحدهما فى الآخر ثم يتيمم.

أما المسألة الأولى وهى اذا أخبره ثقة بولوغ الكلب فى أحد الاناءين بعينه فصورتها أن يكون له اناءان يعلم أن الكلب ولغ فى أحدهما ولا نعلم عينه.

كذا صورها الامام الشافعى فى حرملة.

وكذا نقله عنه المحاملى فى كتابيه.

وكذا صورها الشيخ أبو حامد وآخرون، وهو واضح، فيجب قبول خبره ويحكم بنجاسة ذلك المعين وطهارة الآخر وهذا لا خلاف فيه وحينئذ لا يجوز الاجتهاد.

وأما المسألة الثانية وهى اذا أخبره ثقة بولوغه فى ذا وثقة بولوغه فى ذاك فيحكم بنجاستهما بلا خلاف أيضا نص عليه الشافعى فى الأم وحرملة واتفق عليه الأصحاب لما ذكره من احتمال الولوغ فى وقتين ومتى أمكن صدق المخبرين الثقتين وجب العمل بخبرهما.

وأما المسألة الثالثة وهى اذا أخبره ثقة بولوغه فى ذا دون ذاك حين بدا حاجب الشمس يوم الخميس مثلا فقال الآخر بل ولغ فى ذاك دون ذا فى ذلك الوقت فقد اختلف الأصحاب فيها.

فقطع الصيدلانى والبغوى بأنه يجتهد فيهما، ويستعمل ما غلب على ظنه طهارته، ولا يجوز أخذ أحدهما بغير اجتهاد، لأن المخبرين اتفقا على نجاسة أحدهما فلا يجوز الغاء قولهما.

وقطع أصحابنا العراقيون وجمهور الخراسانيين بأن المسألة تبنى على القولين المشهورين فى البينتين اذا تعارضتا أصحهما تسقطان.

والثانى: يستعملان وفى الاستعمال ثلاثة أقوال.

أحدها: بالقرعة.

والثانى: بالقسمة.

والثالث: يوقف حتى يصطلح المتنازعان قالوا ان قلنا يسقطان سقط خبر الثقتين وبقى الماء على أصل الطهارة فيتوضأ بأيهما شاء، وله أن يتوضأ بهما جميعا.

ص: 97

قالوا: لأن تكاذبهما وهن خبرهما ولا يمكن العمل بقولهما للتعارض فسقط

قالوا: وان قلنا تستعملان لم يجئ قول القسمة بلا خلاف وامتناعه واضح

وأما القرعة فقطع الجمهور بأنها لا تجئ أيضا كما قطع به المصنف.

وحكى صاحب المذهب - بضم الميم واسكان الذال - وجها أنه يقرع ويتوضأ بما اقتضت القرعة طهارته وحكى هذا الوجه صاحب البيان وأشار اليه المحاملى فى المجموع فقال ويمكن الاقراع وهو شاذ ضعيف.

وأما الوقف فقد جزم المصنف بأنه لا يجئ فانه جزم بأنه على قول الاستعمال يرفقهما ووافقه على هذا صاحبه الشاشى صاحب المستظهرى وهو شاذ.

والصحيح الذى عليه الجمهور مجئ الوقف وممن صرح به الشيخ أبو حامد وصاحباه القاضى أبو الطيب فى تعليقه والمحاملى فى كتابيه المجموع والتجريد، والبندنيجى، وصاحب الشامل، وآخرون من العراقيين، وصاحبا التتمة والبحر وآخرون من الخراسانيين.

قال القاضى أبو الطيب وصاحب الشامل والتتمة وغيرهم فعلى هذا يتيمم ويصلى ويعيد الصلاة لأنه تيمم ومعه ماء محكوم بطهارته.

ووجه جريان الوقف أنه ليس هنا ما يمنعه بخلاف القسمة والقرعة.

ووجه قول المصنف لا يجئ الوقف القياس على من اشتبه عليه اناءان واجتهد وتحير فيهما فانه يريقهما ويصلى بالتيمم بلا اعادة لأنه معذور فى الاراقة ولم يقولوا بالوقف فكذا هنا فهذا ما ذكره الأصحاب.

واختار الشيخ أبو عمرو بن الصلاح أنه يجتهد على جميع أقوال الاستعمال لأن قول المخبرين على هذا القول مقبول وقد اتفقا على نجاسة أحد الاناءين دون الآخر فيجب العمل بذلك ويميز بالاجتهاد، لأنه طريق التمييز فى هذا الباب بخلاف البينتين وسلك امام الحرمين طريقة أخرى انفرد بها فقال اذا تعارض خبراهما وكان أحد المخبرين أوثق وأصدق عنده اعتمده كما اذا تعارض خبران وأحد الروايتين أوثق قال فان استويا فلا تعلق بخبرهما هذا كلام الامام، ومقتضاه أنه اذا كان المخبر فى أحد الطرفين أكثر رجح وعمل به، وقد ذكر مثله صاحب البحر وهو الصحيح بل الصواب.

وخالف فى ذلك صاحب البيان فقال لا فرق بين أن يستوى المخبرون وبين أن يكون أحد الطرفين أكثر فالحكم واحد.

وهذا الذى قاله ليس بشئ وليس هذا من باب الشهادات التى لها نصاب لا تأثير للزيادة عليه فلا يقع فيها

ص: 98

ترجيح بزيادة العدد، بل هو من باب الاخبار التى يترجح فيها بالعدد، ودليله أنه يقبل فى النجاسة قول الثقة الواحد والعبد والمرأة بلا خلاف، بخلاف الشهادة فهذا ما ذكره الأصحاب وحاصله أوجه.

أرجحها عند الأكثرين أنه يحكم بطهارة الاناءين فيتوضأ بهما.

والثانى يحكم بنجاسة أحدهما ويجب الاجتهاد وبه قطع الصيدلانى والبغوى.

والثالث يقرع وهو ضعيف أو غلط.

والرابع يوقف حتى يتبين ويصلى بالتيمم ويعيد.

وهذه الأوجه اذا استوى المخبران فى الثقة فان رجح أحدهما أو زاد العدد عمل به على المذهب.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: أنه ان شك فى نجاسة ماء أو غيره كثوب أو اناء ولو كان الشك فى نجاسته مع تغير الماء بنى على أصله لحديث دع ما يريبك الى ما لا يريبك.

والتغير يحتمل أن يكون بمكثه أو نحوه أوشك فى طهارته وقد تيقن نجاسته قبل ذلك بنى على أصله الذى كان متيقنا قبل طرو الشك، لأن الشئ اذا كان على حال فانتقاله عنها يفتقر الى عدمها ووجود الأخرى وبقائها بطاهر وبقاء الأولى لا يفتقر الا الى مجرد البقاء فيكون أيسر من الحدوث وأكثر

والأصل الحاق الفرد بالأعم الأغلب ولا يلزمه السؤال عما لم يتيقن نجاسته، لأن الأصل طهارته.

ويلزم من علم النجس اعلام من أراد استعماله فى طهارة أو شرب أو غيره ان شرطت ازالة تلك النجاسة للصلاة من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

وان اشتبه

(2)

طهور مباح بنجس أو اشتبه طهور مباح بمحرم لم يتحر، ولو زاد عدد الطهور أو المباح، خلافا لأبى على النجاد، لأنه اشتبه المباح بالمحظور فى

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الادارات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 30، ص 31، ص 32 طبع المطبعة الشرفية بمصر سنة 1329 الطبعة الاولى والاقناع فى فقه الامام أحمد ابن حنبل للشيخ شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 1 ص 10 طبع المطبعة المصرية بمصر سنة 1351 هـ.

(2)

كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 32، ص 33 الطبعة السابقة والاقناع لشرف الدين الحجاوى ج 1 ص 12 الطبعة السابقة.

ص: 99

موضع لا تبيحه الضرورة كما لو اشتبهت أخته بأجنبيات أو كان أحدهما بولا، لأن البول لا مدخل له فى التطهير أو كان النجس غير بول فلا يتحرى.

ووجب الكف عن المشتبهين احتياطا للحظر كميتة اشتبهت بمذكاة لا ميتة فى لحم مصر أو قرية.

قال أحمد أما شاتان لا يجوز التحرى فأما اذا كثرت فهذا غير هذا.

ونقل الأثرم أنه قيل له فثلاثة قال لا أدرى ويتيمم من عدم طهورا غير المشتبه من غير اعدامهما ولا خلطهما خلافا للخرقى، لأنه عادم للماء حكما لكن ان أمكن تطهير أحدهما بالآخر بأن يكون الطهور قلتين فأكثر وعنده اناء يسعهما لزم الخلط ليتمكن به من الطهارة الواجبة.

وان علم النجس بعد تيممه وصلاته فلا اعادة كمن تيمم لعدم الماء ثم وجده بعد أن صلى.

وعلم منه أنه اذا علم فى الصلاة وجب القطع والطهارة والاستئناف وكذا الطواف وان توضأ من أحدهما فبان أنه الطهور لم يصح وضوؤه كما لو صلى قبل أن يعلم دخول الوقت فصادفه، وظاهره سواء تحرى أولا.

خلافا للانصاف حيث قال من غير تحر وعارضه فى شرح المنتهى.

ويلزم التحرى لحاجة أكل وشرب، لأنه حال ضرورة.

ولا يلزمه غسل فمه بعد الأكل والشرب اذا وجد طهورا استصحابا لأصل الطهارة.

وكذا لو تطهر من أحدهما لا يلزمه غسل أعضائه وثيابه استصحابا للأصل.

وقال ابن أحمد أنه يجب.

وعلم منه أنه لا يجوز أن يأكل أو يشرب بلا تحر.

ولا يتحرى من اشتبه عليه طاهر بنجس مع وجود غير مشتبه لعدم الحاجة اليه.

وان اشتبه طاهر بنجس غير الماء كالمائعات من خل ولبن وعسل ونحوها حرم التحرى بلا ضرورة ويجوز معها وحيث جاز التحرى عند الضرورة ولم يظهر له شئ تناول من أحدهما للضرورة.

وان اشتبه طاهر غير مطهر بطهور لم يتحر. أى لم يجتهد فى الطهور منهما كما لو اشتبه الطهور بالنجس وتوضأ منهما وضوءا واحدا من هذا غرفة ومن هذا غرفة تعم كل غرفة المحل من محال الوضوء ليؤدى الفرض بيقين ويجوز

ص: 100

له هذا ولو كان عنده طهور بيقين، لأنه توضأ من ماء طهور بيقين، وصلى صلاة واحدة، أى فلا يلزمه أن يصلى الفرض مرتين.

قلت: والغسل فيما تقدم كالوضوء، وكذا ازالة النجاسة.

ولو توضأ من واحد منهما فقط ثم بان أنه مصيب أعاد ما صلاه لعدم صحة وضوئه.

ولو احتاج الى شرب تحرى وشرب ما ظهر له أنه الطاهر وتوضأ بالطهور ثم تيمم معه احتياطا ان لم يجد طهورا غير مشتبه ليحصل له اليقين.

وجاء فى المغنى

(1)

أنه: اذا كان مع الرجل فى السفر اناءان نجس وطاهر واشتبها عليه أراقهما ويتيمم وانما خص حالة السفر بهذه المسألة، لأنها الحالة التى يجوز التيمم فيها ويعدم فيها الماء غالبا، هذا اذا لم يجد ماء غير الاناءين المشتبهين، فانه متى وجد ماء طهورا غيرهما توضأ به ولم يجز التحرى ولا التيمم بغير خلاف.

ولا تخلو الآنية المشتبه فيها من حالين.

أحدهما أن لا يزيد عدد الطاهر على النجس فلا خلاف فى المذهب أنه لا يجوز التحرى فيهما.

والثانى أن يكثر عدد الطاهرات فذهب أبو على النجاد من أصحابنا الى جواز التحرى فيهما لأن الظاهر اصابة الطاهر ولأن وجهة الإباحة قد ترجحت فجاز التحرى.

وظاهر كلام أحمد أنه لا يجوز التحرى فيها بحال.

وهو قول أكثر أصحابه وهو قول المزنى وأبى ثور.

وقال ابن الماجشون يتوضأ من كل واحد منهما وضوءا ويصلى به.

وبه قال محمد بن مسلمة الا أنه قال: يغسل ما أصابه من الأول، لأنه أمكنه أداء فرضه بيقين فلزمه، كما لو اشتبه طاهر بطهور، وكما لو نسى صلاة من يوم لا يعلم عينها، أو اشتبهت عليه الثياب.

ولنا أنه اشتبه المباح بالمحظور فيما لا تبيحه الضرورة فلم يجز التحرى، كما لو استوى العدد عند أبى حنيفة، وكما لو كان أحدهما بولا عند الشافعى فانه قد سلمه، واعتذر أصحابه بأنه لا أصل له فى الطهارة، قلنا وهذا الماء قد زال عنه أصل الطهارة وصار نجسا

(1)

المغنى لابن قدامه على مختصر الخرقى فى كتاب مع الشرح الكبير على متن الاقناع لابن قدامه المقدسى ج 1 ص 50، ص 51، ص 52 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الأولى.

ص: 101

فلم يبق للأصل الزائل أثر على أن البول قد كان ماء فله أصل فى الطهارة كهذا الماء النجس.

ثم قال: وهل يجوز له التيمم قبل اراقتهما؟ على روايتين.

احداهما لا يجوز، لأن معه ماء طاهرا بيقين فلم يجز له التيمم مع وجوده، فان خلطهما أو أراقهما جاز له التيمم، لأنه لم يبق معه ماء طاهر.

والثانية: يجوز التيمم قبل ذلك، اختاره أبو بكر وهو الصحيح، لأنه غير قادر على استعمال الطاهر، فأشبه ما لو كان هذا الماء فى بئر لا يمكنه استقاؤه.

وان احتاج اليهما للشرب لم تجز اراقتهما بغير خلاف، فانه يجوز له التيمم لو كانا طاهرين، فمع الاشتباه أولى.

واذا أراد الشرب تحرى وشرب من الطاهر عنده لأنها ضرورة تبيح الشرب من النجس اذا لم يجد غيره فمن الذى يظن طهارته أولى وان لم يغلب على ظنه طهارة أحدهما شرب من أحدهما، وصار هذا كما لو اشتبهت ميتة بمذكاة فى حال الاضطرار، ولم يجد غيرهما، فانه اذا جاز استعمال النجس فاستعمال ما يظن طهارته أولى.

واذا شرب من أحدهما أو أكل من المشتبهات ثم وجد ماء طهورا.

فقيل: لا يلزمه غسل فيه لان الأصل طهارة فيه فلا تزول عن ذلك بالشك.

والثانى يلزمه، لأنه محل منع استعماله من أجل النجاسة فلزمه غسل أثره كالمتيقن.

واذا علم عين النجس استحب اراقته ليزول الشك عن نفسه.

وان احتاج الى الشرب شرب من الطاهر ويتيمم اذا لم يجد غير النجس.

وان خاف العطش فى ثانى الحال فقال القاضى: يتوضأ بالماء الطاهر ويحبس النجس، لأنه غير محتاج الى شربه فى الحال، فلم يجز التيمم مع وجوده.

والصحيح ان شاء الله أنه يحبس الطاهر ويتيمم، لأن وجود النجس كعدمه عند الحاجة الى الشرب فى الحال وكذلك فى المآل وخوف العطش فى اباحة التيمم لحقيقته.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

أن من كان بحضرته ماء وشك أولغ فيه

(1)

المحلى للامام محمد على بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 2 ص 225 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الأولى لمحمد بن عبده أغا الدمشقى.

ص: 102

الكلب أم لا؟ أم هو فضل امرأة أم لا فله أن يتوضأ به لغير ضرورة وأن يغتسل به كذلك لانه على يقين من طهارته فى أصله وجواز التطهير به ثم شك هل حرم ذلك أم لا والحق اليقين لا يسقطه الظن.

فقد قال الله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي 1 مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} .

فان شك أهو ماء أم هو معتصر من بعض النباتات لم يحل له الوضوء ولا الغسل، لأنه ليس على يقين من أنه جاز به التطهر يوما ما، والوضوء والغسل فرضان فلا يرفع الفرض بالشك.

وان كان بين يديه إناءان فصاعدا فى أحدهما ماء طاهر بيقين، وسائرها مما ولغ فيه الكلب، أو فيها واحد ولغ فيه كلب، وسائرها طاهر، ولا يميز من ذلك شيئا، فله أن يتوضأ بأيها شاء، ما لم يكن على يقين من أنه قد تجاوز عدد الطهارات وتوضأ بما لا يحل الوضوء به، لأن كل ماء منها على أصل طهارته على انفراده فإذا حصل على يقين التطهر فيما لا يحل التطهر به فقد حصل على يقين الحرام، فعليه أن يطهر أعضاءه إن كان ذلك الماء حراما استعماله، فان كان فيها واحد معتصر لا يدرى لم يحل له الوضوء بشئ منها، لأنه ليس على يقين من أنه توضأ بماء، واليقين لا يرتفع بالظن.

‌مذهب الزيدية:

قال صاحب شرح الازهار

(2)

:

القليل من الماء فى البئر اذا وقعت فيه النجاسة نزح الى القرار من البئر بالدلاء.

قال أبو مضر ثم بالقصاع حتى يبلغ القرار.

وقال البعض تكفى الدلاء من أعلى البئر ويعفى عن الباقى فان كان قد تغير وجب تكرار النزح بالدلاء ثم بالقصاع حتى يزول التغير.

والملتبس من ماء البئر أقليل هو أم كثير اذا وقعت فيه النجاسة نزح الى القرار كما فى القليل أو الى أن يغلب الماء النازح.

والمراد بالغلبة أن يكون هناك عين نابعة فلا بد من بلوغ القرار أو الغلبة مع زوال التغير فى القليل والملتبس فتطهر الجوانب الداخلة من البئر بعد النزح المذكور وما صاك الماء

(1)

الآية رقم 36 من سورة يونس.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 47، ص 48 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 103

من الأرشية وكذا الدلاء فأما رأس البئر فيجب غسله وكذلك النازح اذا أصابه شئ من ذلك.

ثم قال

(1)

: أما اذا وقعت النجاسة فى الماء القليل فانه ينجس بوقوعها فى جملته ولو لم يباشر كل أجزائه، سواء تغير بها أو لم يتغير والماء القليل هو ما ظن المستعمل للماء استعمال النجاسة الواقعة فيه أى باستعمال الماء - وهذا الحد ذكره الأخوان.

واعترضه البعض باعتراضين ذكرهما فى الغيث.

ثم قال فالأولى ان يزاد فى الحد فيقال هو ما ظن استعمالها باستعماله تحقيقا أو تقديرا لأجل قلته وأطلق البعض فى الشرح أن حد القليل ما يغلب فى الظن أن تستوعبه القوافل الكبار شربا وطهورا وعكس ذلك كثير وحكاه فى شرح الابانة عن الهادى، وقدرت القوافل بقافلة بدر وهم ثلاثمائة وبضع عشرة وفرسان وسبعون راحلة.

قال البعض وفيه غاية اللبس، لأنا لا ندرى كم يغترفون وهل يكون شربهم قبل الاغتراف أو بعده.

وقال البعض ان الكثير قلتان من قلال هجر.

ثم قال البعض ظاهر اطلاقهم أنه يعمل فى الكثرة والقلة بالظن، سواء وافق الماء قبل وقوع النجاسة فيه أم بعده.

قال: والقياس أنه بعد وقوع النجاسة فيه لا يعمل الا بالعلم عند البعض والظن المقارب له عند المؤيد بالله، لأنه بعد وقوع النجاسة فيه انتقال لا تبقيه على الأصل، فأما قبل وقوعها فانه تبقية على الأصل لا انتقال.

ومثل ما ذكره البعض ذكره الفقيه على.

ولو التبس هل تستعمل النجاسة باستعماله ام لا فان هذا لا حق بما لا تلتبس قلته، لأن الأصل القلة واذا التبس حال الشئ رجع الى أصله.

هذا فيما كان أصله القلة ثم زيد عليه والتبس حاله بالكثرة فالأصل القلة والنجاسة.

وان كان الماء كثيرا ثم نقص منه فصار ملتبسا حاله ثم وقعت فيه نجاسة فالأصل الكثرة والطهارة

(2)

.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 54، ص 55، ص 56 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 56، ص 57، ص 58 الطبعة السابقة.

ص: 104

ثم ذكر أنه لكى يرفع الماء الحدث فلا بد من أن يكون مباحا طاهرا، وأن يكون مما لم يشبه أى لم يختلط به مستعمل لقربه - وهو الذى توضأ به متوضئ لفرض أو نفل لا للتبرد.

واختلف فى الماء الذى طهر عنده المحل.

فقال الامام يحيى وعلى خليل أنه مستعمل.

وقل مولانا عليه السلام انه ليس بمستعمل.

وقال البعض أخيرا أنه طاهر مطهر.

قال البعض ثم انا بينا أن المستعمل اذا اختلط بغيره لم يضر مهما كان دونه لا مثله ما لم يستعمل فصاعدا فانه يصير بذلك لاحقا بالمستعمل فى أنه طاهر غير مطهر، وهو الذى صحح للمذهب.

وعن الأمير على بن الحسين أنه اذا كان مثله فهو مطهر.

وهذا الخلاف راجع الى ترجيح جنبة الحظر أو الاباحة.

فان التبس الأغلب من المستعمل وغيره اذا اخلتطا غلب الأصل وهو الذى طرأ عليه غيره.

فان كان المستعمل الطارئ والتبس الأغلب الطارئ أو المطروء عليه، غلب المطروء عليه، لأن الأصل فيه التطهير.

وان كان الطارئ غير المستعمل فالعكس

فان أوردا معا أو التبس الطارئ جاء الخلاف فى ترجيح الحظر أو الاباحة.

قال عليه السلام: والصحيح ترجيح الحظر.

وجاء فى شرح الأزهار

(1)

: أنه اذا وجد شخص ماءا متغيرا ولم يعلم بماذا تغير؟ أبنجس أم بطاهر أم بمكث؟ فإنه يحكم بالأصل، وأصل الماء الطهارة.

ويترك من المياه ماء التبس بغصب أو متنجس، كأن يكون معه آنية فيها ماء فبعضها طاهر وبعضها متنجس أو مغصوب والتبس أيها بالطاهر أو المباح فأنها تترك جميعا ويعدل الى التيمم.

أما حيث التبس المباح بالمغصوب فالترك واجب وان كثرت آنية المباح.

وأما حيث التبس المتنجس بالطاهر، فانما يترك حيث تستوى آنية الطاهر والمتجنس أو تكون آنية المتنجس أكثر.

فأما اذا زادت آنية الطاهر فانه يتحرى حينئذ والى هذا أشار عليه السلام بقوله الا أن تزيد آنية الطاهر فيتحرى.

واعلم أنه لا يصح التحرى حيث يجب الا بشروط أربعة.

وهى أن تكون آنية الطاهر أكثر.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 60، ص 61، ص 62 الطبعة السابقة.

ص: 105

وأن لا يجد ماء محكوما بطهارته.

وخرج على خليل للمؤيد بالله أنه يجوز التحرى وان وجد الطاهر،

والشرط الثالث أن يحصل له ظن الطهارة فى أحدها أو النجاسة.

والشرط الرابع أن يكون الملتبس له أصل فى التطهير لا نجس عين.

وقال البعض بل يجوز التحرى وان كان الملتبس عين النجاسة.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة

(1)

: أنه ينجس الماء القليل بموت ذى النفس السائلة دون غيره وان كان من حيوان الماء كالتمساح.

ولو اشتبه استناد موت الصيد فى القليل الى الجرح أو الماء احتمل العمل بالأصلين فيحرم الصيد، ويكون الماء طاهرا، كما فى جامع المقاصد والذخيرة والدلائل.

واليه ذهب السيد صدر الدين فى شرح الوافيه وقواه فى التحرير بعد اختيار التنجيس.

وقال فى المنتهى أن الشيخ اختاره فى بعض كتبه.

ثم قال: وليس بجيد لأن العمل بالأصلين مشروط بعدم لزوم التنافى، والتنافى هنا حاصل.

وفى الدلائل أن غير معلوم التذكية هل هو نجس أو غير نجس وانما منع الشارع من استعماله والانتفاع والأقوى الثانى فترجع المسألة الى مسئلة الشك فى نجاسة الواقع والوجه المنع من العمل بهما فيحكم بنجاسة الماء كما فى المنتهى.

وفى المعتبر بعد أن تردد فى تنجيس الماء كما تردد فى نهاية الأحكام قال:

والأحوط التنجيس.

وفى جامع المقاصد بعد أن جعل العمل بالأصلين أقوى جعل هذا أحوط.

واستندوا فى ذلك الى الضرب الأول من الشكل الأول وهو: هذا ماء وقع فيه غير مذكى وكلما كان كذلك فهو نجس.

وجاء فى مفتاح الكرامة

(2)

أيضا:

أن المتطهر لو علم بالنجاسة بعد فعل الطهارة وشك فى سبقها عليها فالأصل الصحة كما فى المعتبر والتحرير ونهاية الأحكام وغيرها لأصل تأخر الحادث.

(1)

مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة المحقق السيد محمد الجواد بن محمد الحسينى العاملى ج 1 ص 133 طبع المطبعة الرضوية بمصر سنة 1324 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 132 الطبعة السابقة.

ص: 106

ولو علم سبقها وشك فى بلوغ الكرية أعاد كما فى المعتبر ونهاية الأحكام والتحرير وغيرها.

واحتمل فى المنتهى عدم الاعادة لأصل طهارة الماء وعموم النص.

والفتوى على أن كل ماء طاهر حتى يعلم.

والأصل براءة الذمة من الاعادة، ولأنه شك بعد الفراغ وقوى الأول الاستاذ لأنه اذا انتفت الكرية ثبتت الاعادة والأصول المذكورة مبنية على الكرية ولو شك فى نجاسة الواقع بنى على الطهارة.

ثم

(1)

قال: وفى نهاية الأحكام لو اشتبه اناء المطلق بالمضاف لم يتطهر بأحدهما عند بعض علمائنا.

وفى المبسوط والمنتهى والروض أنه اذا تمكن من الطهارة بالمزج والتكرير فالأحوط المزج لمساواة الممزوج المطلق، ومع وجود المطلق لا يجوز الترديد.

واحتمل المصنف فى النهاية التخيير بينه وبين التكرير.

قال الأستاذ والمسألة مبنية على أن الاحتياط طريق فى الاختيار وأنه انما يسوغ عند الاضطرار، ومع انقلاب أحدهما فالأقرب وجوب الوضوء والتيمم كما فى الذكرى وجامع المقاصد والروض، وهو الوجه كما فى الايضاح وهو ظاهر الدلائل، لأنه رد ما استدلوا به من أنه كان المطلق موجودا بيقين فلا يجوز له التيمم.

وفى نهاية الأحكام احتمل وجوب التيمم خاصة.

وعلى قول ابن ادريس والقاضى فى المشتبه يتعين التيمم لعدم جريان الأصل بل هو جار على العكس ويقين الفراغ حاصل بالتيمم على هذا الرأى.

قال فى جامع المقاصد ولا يخفى أنه يجب تقديم الوضوء على التيمم ووجهه بأنه اذا توضأ أولا صار فاقدا للماء بيقين.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح

(2)

النيل: ويحكم بطهارة الماء ان كان كثيرا خلط بنجس لم يغير النجس وصفا منه.

أما ان غيره فانه يكون نجسا على الصحيح.

وقيل لا ينجس حتى يغير جميع الأوصاف من اللون والطعم والريح.

(1)

مفتاح الكرامة للحسينى العاملى ج 1 ص 128، ص 129 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 62، ص 63 طبع مطبعة محمد ابن يوسف البارونى وشركاه بمصر.

ص: 107

وقيل ماء غير المطر ينجس بتغير وصف وماء المطر لا ينجس الا بتغيرها جميعا.

ومن شك فى وقوع مغيره فيه أو هل غيره أولا أو هو نجس فينجس الماء ان غيره أو لا فهو طاهر رافع للحدث ما لم يتيقن.

ثم قال

(1)

: واذا علم الحل وغلب على الظن طرو محرم فان لم تستند غلبته لعلامة تتعلق بعينه لم تعتبر.

ومن ثم حكمنا بطهارة ثياب الخمارين أو الجزارين والكفار والمتدينين باستعمال النجس وان استندت لعلامة متعلقة بعينه اعتبر وألغى أصل الحل، لأنها أقوى منه.

فلو وجد ظبية تبول فى ماء كثير فوجده عقب البول متغيرا فشك هل تغير به أو بمكث مثلا وأمكن تغيره به فهو نجس.

بخلاف ما لو وجده متغيرا بعد مدة أو وجده عقب البول غير متغير ثم ظهر التغير أو لم يمكن التغير به لقلته وأنه طاهر عملا بالأصل الذى لم يعارضه حينئذ ما هو أقوى منه.

والماء

(2)

المشكوك فى نجسه يجوز استعماله استصحابا للأصل، ويجوز التيمم الا ان قويت الشبهة فلا يستعمله، لأن قلب الانسان حينئذ يفتيه بالمنع وقد أمر الانسان باستفتاء القلب.

وجاء فى شرح

(3)

النيل: أنه لا يصح الاستنجاء بماء انائين تنجس أحدهما واشتبه عليه الحال هذا هو الصحيح.

ومنهم من قال يستنجى بأحدهما بعد التحرى.

والحق أنه ان لم يبق ما يتحرى به أن لا يجيز له أحد الاستنجاء به اذ لا يجوز التقدم على شبهة ولا التعبد بشئ على شك، ولأنه قد يوافق النجس فيكون قد التطخ بالنجس والالتطاخ بالنجس لا يجوز مع امكان التحرز عنه، ولأنه يصير باشتباههما غير واجد للماء المعلوم طهارته.

وقيل أنه يستعمل أحدهما ويمكث حتى ييبس فيلبس ثوبه، ثم يصلى، ثم يستعمل الآخر ويمكث حتى ييبس، ثم يلبسه، ثم يصلى بعد ما غسل كل ما وصله الأول، وفيه البحث السابق كله، الا أن هذا قد وافق الطاهر والصلاة به قطعا وهو أحوط، وفيه كلفة وليس حوطة الا لتلك الصلاة أو ما جمع من الصلوات، لامكان أن يكون الأخير هو النجس.

وأما قول السدويكشى على قول فكذلك أيضا للدلالة على أن هناك قولا

(1)

المرجع السابق ج 10 ص 73 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 1 ص 41 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 43 الطبعة السابقة.

ص: 108

واقتصر عليه، لأنه هو بمعرض تعداد ما لا يستنجى به وكذا الكلام فى الآنية المتعددة اذا اشتبه طاهرها بنجسها، وكذا اناء اختلط بآنية، وكذا الاناءان والاناءات اختلطت بآنية طفل أو مجنون أو بالغ غائب.

وقيل أن نوى الحل جاز له التقدم أو الغرم للطفل والمجنون أو كان له حق على أحد هؤلاء أو باشره أى مسه مجذوم أو مجدور ان خيف منهم ضرر وليتيمم من لم يجد غير ما ذكر.

‌حكم اشتباه الثياب والأماكن

الطاهرة بغيرها

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الفتاوى

(1)

الهندية: أن طهارة الثوب شرط من شروط صحة الصلاة فاذا اشتبه عليه ثوب طاهر بثوب نجس تحرى وصلى، وان كانت الغلبة للثياب النجسة كذا فى السراجية.

وجاء فى حاشية الطحطاوى

(2)

: أنه اذا وجدت ثياب مختلطة فانه يتحرى مطلقا، أى سواء كان أكثرها طاهرا أو كان أكثرها نجسا، لأنه لا خلف للثوب فى ستر العورة أما الماء فيخلفه التراب.

وان صلى فى أحد ثوبين متحريا لنجاسة أحدهما، ثم أراد صلاة أخرى، فوقع تحريه على غير الذى صلى فيه ام يصح، لأن امضاء الاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله، الا فى القبلة، لأنها تحتمل الانتقال الى جهة أخرى بالتحرى لأنه أمر شرعى، والنجاسة أمر حسى لا يصيرها طاهرة بالتحرى، للزوم الاعادة بظهور النجاسة بعد التحرى فى الثياب والأوانى.

فمتى جعلنا الثوب طاهرا بالاجتهاد للضرورة لا يجوز جعله نجسا باجتهاد مثله.

فتفسد كل صلاة يصليها بالذى تحرى نجاسته أو لا.

وتصح بالذى تحرى طهارته.

وجاء فى الفتاوى الهندية أيضا

(3)

: أنه اذا كان مع الرجل ثوبان أو ثياب والبعض نجس والبعض طاهر، فان أمكن التمييز بالعلامة يميز.

وان تعذر التمييز بالعلامة، فاما أن تكون الحالة حالة الاضطرار، أو تكون الحالة حالة الاختيار.

(1)

الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للامام فخر الدين حسن بن منصور الاوزجندى الفرغانى الحنفى ج 1 ص 60 وهما فى كتاب واحد الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1310 هـ.

(2)

حاشية الطحطاوى على مراقى الفلاح ج 1 ص 21 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الهندية لفخر الدين الأوزجندى الفرغانى ج 5 ص 383، ص 384 الطبعة السابقة.

ص: 109

فان كانت الحالة حالة الاضطرار، بأن لا يجد ثوبا طاهرا بيقين، واحتاج الى الصلاة وليس معه ما يغسل به أحد الثوبين أو أحد الثياب، فانه يتحرى.

وان كانت الحالة حالة الاختيار فان كانت الغلبة للطاهر يتحرى.

وان كانت الغلبة للنجس أو كانا على السواء لا يتحرى، كذا فى الذخيرة.

وان وقع تحريه فى الثوبين على أحدهما أنه هو الطاهر فصلى فيه الظهر، ثم وقع أكبر رأيه على أن الآخر هو الطاهر، فصلى فيه العصر لا يجوز لأنا حين حكمنا بجواز الظهر فيه فان الطاهر ذلك الثوب ومن ضرورته الحكم بنجاسة الثوب الآخر فلا يعتبر أكبر رأيه بعد ما جرى الحكم بخلافه.

فان استيقن أن الذى صلى فيه الظهر هو النجس أعاد صلاة الظهر، وكذلك لو لم يحضره تحر ولكنه أخذ أحد الثوبين فصلى فيه الظهر فهذا وما لو فعله بالتحرى سواء، لأن فعل المسلم محمول على الصحة ما لم يتبين الفساد فيه فيجعل كأن الطاهر هذا الثوب ويحكم بجواز صلاته ان لم يتبين خلافه.

ولو كان له ثلاثة أثواب فتحرى وصلى الظهر فى أحدها، وصلى العصر فى الثانى، وصلى المغرب فى الثالث، ثم صلى العشاء فى الأول فصلاة الظهر والعصر جائزة وصلاة المغرب والعشاء فاسدة، لأنه لما صلى الظهر والعصر فى الأول والثانى، وقد حكم بطهارتهما فتعين الثالث للنجاسة، فلم تجز المغرب فيه وحين صلى العشاء فى الثوب الطاهر فقد صلى وعليه قضاء المغرب فلم تجز أيضا لمراعاة الترتيب.

وفى رواية أخرى صلاة العشاء جائزة كذا فى محيط السرخسى.

وفى النوادر أنه اذا كان أحد الثوبين نجسا فصلى فى أحدهما الظهر من غير تحر، وصلى فى الآخر العصر، ثم وقع تحريه على أن الأول طاهر.

قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: هذا لم يصل به شيئا.

وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى:

صلاة الظهر جائزة كذا فى المحيط.

وفى النوادر لو كان رجلان فى السفر معهما ثوبان أحدهما طاهر والآخر نجس، وصلى أحدهما فى ثوب بالتحرى، وصلى الآخر فى الثوب الآخر بالتحرى، تجوز صلاة كل واحد منهما منفردا.

ص: 110

ولو أم أحدهما واقتدى به الآخر فصلاة الامام جائزة دون صلاة المقتدى كذا فى الذخيرة.

وجاء فى بدائع الصنائع

(1)

أنه اذا أصابت النجاسة ثوبا وهى كثيرة فجفت وذهب أثرها وخفى مكانها غسل جميع الثوب، وكذا لو أصابت أحد الكمين ولا يدرى أيهما هو غسلهما جميعا وكذا اذا راثت البقرة أو بالت فى الكديس

(2)

ولا يدرى مكانه غسل الكل احتياطا.

وقيل اذا غسل موضعا من الثوب كالدخريص

(3)

ونحوه وأحد الكمين وبعضا من الكديس يحكم بطهارة الباقى.

وهذا غير سديد، لأن موضع النجاسة غير معلوم وليس البعض أولى من البعض.

ولو كان الثوب طاهرا فشك فى نجاسته جاز له أن يصلى فيه، لأن الشك لا يرفع اليقين.

وكذا اذا كان عنده ماء طاهر فشك فى وقوع النجاسة فيه.

ثم قال فى موضع

(4)

آخر: ولا بأس بلبس ثياب أهل الذمة والصلاة فيها الا الازار والسراويل، فانها تكره الصلاة فيها وتجوز.

أما الجواز فلأن الأصل فى الثياب هو الطهارة فلا تثبت النجاسة بالشك، ولأن التوارث جار فيما بين المسلمين بالصلاة فى الثياب المغنومة من الكفرة قبل الغسل.

وأما الكراهة فى الازار والسراويل فلقربهما من موضع الحدث وعسى لا يستنزهون من البول فصار شبيه يد المستيقظ ومنقار الدجاجة المخلاة.

وجاء فى المبسوط

(5)

: أن من رأى فى «ثوبه» نجاسة لا يدرى متى أصابته لا يلزمه اعادة شى من الصلاة عند صاحبى أبى حنيفة رحمهم الله تعالى.

وقال أبو حنيفة: ان كانت النجاسة بالية يعيد صلاة ثلاثة أيام ولياليها وان كانت طرية يعيد صلاة يوم وليلة.

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 81 الطبعة السابقة.

(2)

الكديس والكدس العرمة من الطعام والتمر والدراهم ونحو ذلك والجمع أكداس وهو الكديس، لسان العرب للامام العلامة بن منظور ج 1 ص 192 مادة كدس الطبعة السابقة وترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير للاستاذ طاهر أحمد الزاوى ج 4 ص 22 الطبعة الاولى طبع الرسالة بمصر سنة 1959.

(3)

الدخريص والدخريص من القميص والدرع واحد الدخاريص وهو ما يوصل به البدن ليوسعه لسان العرب ج 28 ص 35.

(4)

بدائع للكاسانى ج 1 ص 83 الطبعة السابقة.

(5)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 59 الطبعة السابقة.

ص: 111

وحكى صاحب البحر

(1)

الرائق عن أبى حنيفة خلافا فى هذه المسألة.

فقال فى الظهيرية: المصلى اذا رأى على ثوبه نجاسة ولا يدرى متى أصابته ففيه تقاسيم واختلافات.

والمختار عند أبى حنيفة أنه لا يعيد الا الصلاة التى هو فيها.

وحكى الزيلعى

(2)

: عن ابن رستم أنه ذكر أن من وجد فى ثوبه منيا أعاد الصلاة من آخر نومة نامها للشك فيما قبله.

وفى البدائع يعيد من آخر ما احتلم فيه.

وقيل فى البول يعتبر من آخر ما بال وفى الدم من آخر ما رعف.

ونقل الشلبى عن المحيط أنه قال فى الدم لا يعيد حتى يستيقن لأن الدم قد يصيبه فى الطريق، بخلاف المنى، فان كان الثوب يلبسه هو وغيره فهو كالدم.

وقال الزيلعى: ولو فتق جبة فوجد فيها فأرة ميتة ولم يعلم متى دخلت فيها فان لم يكن لها ثقب يعيد الصلاة منذ يوم وضع القطن فيها وان كان فيها ثقب يعيدها منذ ثلاثة أيام عنده.

‌مذهب المالكية:

حكى الحطاب

(3)

عن ابن رشد قوله: اذا اختلط نجس بأشياء طاهرة كثيرة غير مائعة ولم يعلم النجس فانه لا يكلف بطرح الجميع لأجل الشك، وذلك كما لو اختلطت تفاحة نجسة أو رطبة أو نحوها بكوم تفاح أو رطب.

وقال خليل

(4)

ان عرف موضع النجاسة من الثوب النجس غسله والا فجميع المشكوك فيه ككمية بخلاف ثوبه فيتحرى.

قال الحطاب: ان من تحقق من اصابة النجاسة لمحل فان عرف موضعها منه غسله، وان لم يعرف موضع النجاسة مع تحققه الاصابة فانه يغسل جميع ما شك فى اصابة النجاسة له، لأنه لما تحقق اصابة النجاسة وجب غسلها، ولما لم يتميز موضعها تعين غسل الجميع، لأنه لا يتحقق زوالها الا بذاك.

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 232 الطبعة السابقة.

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للعلامة فخر الدين عثمان على الزيلعى وبهامشه حاشية الامام العلامة الشيخ الشلبى ج 1 ص 31 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1313 هـ.

(3)

الحطاب ج 1 ص 110 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 160 الطبعة السابقة.

ص: 112

قال فى المدونة ومن أيقن أن نجاسة أصابت ثوبه لا يدرى موضعها غسله كله وان علم تلك الناحية غسلها.

قال ابن ناجى رحمه الله تعالى هذا متفق عليه.

قال فى التوضيح الا أن لا يجد من الماء ما يعم به الثوب ويضيق الوقت فانه يتحرى موضعها نص عليه فى الذخيرة.

قال الحطاب وأصله لصاحب الطراز وهو ظاهر.

والثوب المتصل اذا تحققت اصابة النجاسة له وشك فى محلها فلا بد من غسل جميع المشكوك فيه ولو وقع الشك فى جهتين متميزتين كالكمين ولا يجتهد فى أحد الجهتين وهذا هو المذهب قاله سند.

وقال ابن العربى يجتهد فما أداه اجتهاده أنه النجس غسله كما سيأتى فى الثوبين.

ووجه المذهب أن الكمين متصلان بالثوب والثوبين منفصلان.

وقول خليل بخلاف ثوبيه فيتحرى يعنى أنه اذا تحقق من اصابة النجاسة لأحد ثوبيه وطهارة الآخر فاشتبه الطاهر بالنجس فانه يتحرى أى يجتهد بعلامة تميز الطاهر منهما من النجس فما أداه اجتهاده الى أنه طاهر صلى به وما أداه اجتهاده الى أنه نجس تركه حتى يغسله وهذا هو المشهور.

وقال ابن الماجشون يصلى بعدد النجس وزيادة ثوب كالأوانى.

وقال ابن مسلمة كذلك ما لم يكثر، هذا تحصيل ابن عرفة.

وحكى ابن الحاجب القولين الأولين فقط.

قال فى التوضيح ظاهر كلام ابن الحاجب يتحرى فى الثياب عدم اشتراط الضرورة وكلامه فى الجواهر قريب منه.

ونص سند على أنه انما يتحرى فى الثوبين عند الضرورة وعدم وجود ما يغسل به الثوبين.

قال الحطاب وهكذا نقل صاحب الجمع عن ابن هارون أنه انما يتحرى اذا لم يجد ثوبا طاهرا أو ما يطهر به ما اشتبه عليه من الثياب ونقله عن سند أيضا.

قال وظاهر كلام ابن شاس وغيره الاطلاق من غير تقييد بضرورة وهو غير صحيح، لأنه اذا لم يكن

ص: 113

مضطرا فقد أدخل احتمال الخلل فى صلاته بغير ضرورة وهو ظاهر.

قال

(1)

: وعلى هذا فلا فرق بين الشك فى الثوبين أو فى الثوب الواحد فى وجوب الغسل مع عدم الضرورة وأما مع الضرورة فيتحرى فى الثوبين.

وأما الثوب الواحد فلا فائدة للتحرى فيه الا فى الصورة التى تقدمت عن التوضيح.

وهى ما اذا لم يجد من الماء ما يغمر به الثوب وضاق الوقت وهكذا قال سند بعد أن ذكر الفرق بين الثوبين والثوب الواحد بأنه اذا تحرى فى الثوبين صلى بأحدهما من غير غسل.

وأما الثوب الواحد فلا بد من الغسل والشك فى جميع الثوب فيغسل جميعه.

قال وفى التحقيق لا فرق بينهما وذكر ما تقدم.

واذا قلنا: لا يتحرى الا مع الضرورة فقيل حكمه حكم المتيمم.

فالآيس من زوال السبب يصلى فى أول الوقت.

والراجى زواله يصلى فى آخره.

والمتردد بين هذا أو ذاك يصلى فى وسطه.

وقيل لا يصلى بالتحرى الا فى آخر الوقت المختار.

وقد تردد فى ذلك صاحب الجمع وفى كلامه ميل الى الثانى.

قال والفرق بينه وبين المتيمم أن التيمم طهارة بدل عن طهارة وازالة النجاسة لا بدل لها فيؤخر الى آخر الوقت المختار.

ثم قال ويمكن أن يجاب بأنه غير مصل بالنجاسة بل يحتمل احتمالا مرجوحا.

قال الحطاب الظاهر انه لا يتحرى الا مع الضرورة كما قال سند وغيره وأنه يفصل فيه كالتيمم وأنه ان وجد ثوبا طاهرا أو ما يغسل به يعيد فى الوقت كما قال فى العتبية.

واذا قلنا بالتحرى مع عدم الضرورة فلا يلزمه الا غسل أحدهما وهو ما حكم اجتهاده بأنه نجس وهذا اختيار ابن العربى، وفرع عليه ما اذا لبسهما وصلى بهما قال فتجوز صلاته لأن أحد الثوبين طاهر بيقين وهو الذى غسله والآخر طاهر بالاجتهاد.

(1)

الحطاب والتاج والاكليل ج 1 ص 161 الطبعة السابقة.

ص: 114

وجاء فى الحطاب

(1)

: قال البرزلى عن ابن أبى زيد لو أن مسلما اشترى ثوبا ملبوسا من السوق وفى البلد يهود ونصارى مختلطين مع المسلمين فى لباسهم فان له أن يصلى به الا أن يستريب أمرا فيغسله، أو يكون الغالب فى البلد النصارى، أو أن يبيعه من يكثر شرب الخمر، وقد لبسه فليغسله.

ومن اشترى من أهل الدين صدقه.

وان شك فى خبر التاجر وشك فى الحوائج غسلها بخلاف العمامة.

قال اللخمى وهذا فى القميص وما أشبهها.

وأما ما يستعمل للرأس من منديل أو عمامة فالأمر فيه أخف، لأن الغالب سلامته سواء كان البائع ممن يصلى أولا، الا أن يكون ممن يشرب الخمر فلا يصلى به حتى يغسله.

وأما ما يلبس فى الوسط فلا أرى أن يصلى فيه حتى يغسله سواء كان البائع ممن يصلى أم لا، لأن كثيرا من الناس لا يحسن الاستبراء من البول، وان كان لا يتعمد الصلاة بالنجاسة.

قال اللخمى ان علم أن بائعه ممن يصلى، فلا بأس بالصلاة فيه، وان كان ممن لا يصلى لم يصل حتى يغسل وان لم يعلم بائعه فينظر الى الأشبه ممن يلبس ذلك فالاحتياط بالغسل أفضل.

ونص سند على ان ما اشترى من مسلم مجهول الحال محمول على السلامة قال وان شك فيه نضحه بالماء.

ولا مخالفة بين كلام سند واللخمى لأن اللخمى قال الغسل أفضل وسند قال: ينضح والنضح هو الواجب فيما شك فيه.

وجاء فى الشرح الكبير

(2)

: أنه لا يصح أن يصلى بثياب غير مصل أصلا أو غالبا كالنساء والصبيان سواء أعدها للنوم أو لا لعدم توقيه النجاسة غالبا.

(1)

الحطاب وبهامشه التاج والاكليل ج 1 ص 123 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 1 ص 62 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 115

قال الدسوقى وتحرم الصلاة فيها، وهذا اذا تحققت نجاستها أو ظنت أو شك فيها أما اذا تحققت طهارتها أو ظنت جازت الصلاة فيها.

وظاهر قول خليل أنه يمنع الصلاة بثياب غير المصلى ولو أخبر بطهارتها ودخل فى الثياب الخف وهو ظاهر ما قاله شيخنا.

فلو شك فى طهارة ثوب للشك فى صلاة صاحبها وعدم صلاته صلى فى ثياب الرجال فقط، لأن الغالب صلاتهم دون النساء لأن الغالب عدم صلاتهن.

وهل ثياب الصبيان محمولة على الطهارة حتى يتيقن النجاسة أو محمولة على النجاسة حتى يتيقن الطهارة؟ قولان المعتمد منهما الثانى.

ثم استثنى من ثياب غير المصلى ثياب رأسه من عمامة وعرقية ومنديل فمحمولة على الطهارة اذ الغالب عليه عدم وصول النجاسة اليها.

وفى الدسوقى قال البنانى بحث فى هذا ابن مرزوق فقال: لا يخفى أنهم منعوا الصلاة بما ينام فيه مصل آخر من أجل الشك فى نجاسته والشك فى نجاسة ثوب رأس غير المصلى أقوى بكثير، لأن من لا يتحفظ من النجاسة لا يبالى أين تصل النجاسة.

وقد يقال: انا لا نسلم أن الشك فى نجاسة ثوب رأس غير المصلى أقوى لأنه وان كان لا يبالى أين تصل النجاسة الا ان الغالب عدم وصول النجاسة لثوب الرأس كذا قرر شيخنا.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(1)

: أن طهارة الثوب الذى يصلى فيه شرط فى صحة الصلاة.

والدليل عليه قول الله تعالى «وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ 2» .

وان كان على ثوبه نجاسة غير معفو عنها ولم يجد ما يغسل به صلى عريانا، ولا يصلى فى الثوب النجس.

وقال البويطى وقد قيل يصلى فيه ويعيد.

والمذهب الأول، لأن الصلاة مع العرى يسقط بها الفرض ومع النجاسة لا يسقط، لأنه تجب

(1)

المهذب للامام أبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 61 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 4 من سورة المدثر.

ص: 116

اعادتها فلا يجوز أن يترك صلاة يسقط بها الفرض الى صلاة لا يسقط بها الفرض وان اضطر الى لبس الثوب النجس لحر أو برد.

صلى فيه وأعاد اذا قدر، لأنه صلى بنجس نادر غير متصل فلا يسقط معه الفرض كما لو صلى بنجاسة نسيها.

وان قدر على غسله وخفى عليه موضع النجاسة لزمه أن يغسل الثوب كله ولا يتحرى فيه، لأن التحرى انما يكون فى عينين.

فاذا أداه اجتهاده الى طهارة أحدهما رده الى أصله وأنه طاهر بيقين وهذا لا يوجد فى الثوب الواحد.

وان شقه نصفين لم يتحر فيه، لأنه يجوز أن يكون الشق فى موضع النجاسة فتكون القطعتان نجستين.

وان كان معه ثوبان وأحدهما طاهر والآخر نجس واشتبها عليه تحرى وصلى فى الطاهر على الأغلب عنده، لأنه شرط من شروط الصلاة يمكنه التوصل اليه بالاجتهاد فيه فجاز التحرى فيه كالقبلة.

وان اجتهد ولم يؤد اجتهاده الى طهارة أحدهما صلى عريانا واعاد، لأنه صلى عريانا ومعه ثوب طاهر بيقين.

وان أداه اجتهاده الى طهارة أحدهما ونجاسة الآخر فغسل النجس عنده جاز أن يصلى فى كل واحد منهما فان لبسهما معا وصلى فيهما ففيه وجهان.

قال أبو اسحاق تلزمه الاعادة لأنهما صارا كالثوب الواحد وقد تيقن حصول النجاسة وشك فى زوالها، لأنه يحتمل أن يكون الذى غسله هو الطاهر فلم تصح صلاته كالثوب الواحد اذا أصابته نجاسة وخفى عليه موضعها فتحرى وغسل موضع النجاسة بالتحرى وصلى فيه.

وقال أبو العباس لا اعادة عليه، لأنه صلى فى ثوب طاهر بيقين وثوب طاهر فى الظاهر فهو كما لو صلى فى ثوب اشتراه لا يعلم حاله وثوب غسله.

وان كانت النجاسة فى أحد الكمين واشتبها عليه ففيه وجهان.

قال أبو اسحاق لا يتحرى لأنه ثوب واحد.

وقال أبو العباس يتحرى لأنهما عينان متميزتان فهما كالثوبين وان فصل أحد الكمين من القميص جاز التحرى فيه بلا خلاف.

ص: 117

وجاء فى المهذب

(1)

: أنه ان خفى على المصلى موضع النجاسة فان كانت فى أرض واسعة فصلى فى موضع منها جاز، لأنه غير متحقق لها، ولأن الأصل فيها الطهارة.

وان كانت النجاسة فى بيت وخفى عليه موضعها لم يجز أن يصلى فيه حتى يغسله.

ومن أصحابنا من قال يصلى فيه حيث شاء كالصحراء وليس بشئ، لأن الصحراء لا يمكن حفظها من النجاسة ولا يمكن غسل جميعها والبيت يمكن حفظه من النجاسة فذا نجس أمكن غسله واذا خفى موضع النجاسة منه غسله كله كالثوب.

وان كانت النجاسة فى أحد البيتين واشتبها عليه تحرى كما يتحرى فى الثوبين.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: أنه ان اشتبهت ثياب طاهرة مباحة بثياب نجسة أو بثياب محرمة ولم يكن عنده ثوب طاهر بيقين أو ثوب مباح بيقين لم يتحر، وصلى فى كل ثوب صلاة واحدة يكررها بعدد الثياب النجسة أو المحرمة وزاد على عدد النجسة أو المحرمة صلاة ليصلى فى ثوب طاهر يقينا ينوى بكل صلاة الفرض احتياطا، على معنى أنها صلاة لا تعاد.

والظاهر أنه تكفى نيتها ظهرا مثلا اذ لا تتعين الفرضية كمن نسى صلاة من يوم.

وفرق أحمد بين ما هنا وبين القبلة والأوانى، بأن الماء يلصق ببدنه فيتنجس به وأنه مباح صلاته فيه عند العدم بخلاف الماء النجس.

قال القاضى ولأن القبلة يكثر الاشتباه فيها والتفريط هنا حصل منه بخلافها، ولأن لها ادلة تدل عليها بخلاف الثياب.

وان جهل من اشتبهت عليه الثياب عددها أى عدد النجسة أو المحرمة صلى فرضه فى كل ثوب منها فيصلى فى ثوب بعد آخر حتى يتيقن أنه صلى فى ثوب طاهر أو مباح، ينوى بكل صلاة الفرض ليخرج من الواجب بيقين وظاهره ولو كثرت لانه يندر جدا.

وقال ابن عقيل يتحرى فى أصح الوجهين دفعا للمشقة.

وان اشتبه مباح بمكروه اجتهد ويحتمل أن يصلى فيما شاء بدونه ويحتمل أن

(1)

المهذب للشيرازى ج 1 ص 61، ص 62 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 33، ص 34 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 12 الطبعة السابقة.

ص: 118

يصلى بكل ثوب صلاة وان صلى بهما معا كره قاله فى الرعاية الصغرى.

ثم قال

(1)

ولا تصح امامة من اشتبهت عليه الثياب أو البقعة الضيقة الطاهرة بالنجسة، لأنه عاجز عن شرط الصلاة وهو الطاهر المتيقن وكذا الأمكنة الضيقة اذا تنجس بعضها واشتبهت ولا يوجد بقعة طاهرة بيقين.

فاذا تنجست زاوية من بيت وتعذر خروجه منه وما يفرشه عليه صلى الفرض مرتين فى زاويتين.

وان تنجس زاويتان صلى ثلاث مرات فى ثلاث زوايا وهكذا.

ويصلى فى فضاء واسع كصحراء وحوش كبير تنجس بعضه واشتبه حيث شاء بلا تحر للحرج والمشقة.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار

(2)

: أن من التبس عليه ثوب متنجس من عشرة طاهرة.

قال البعض فانه يصلى الصلاة فى كل واحد من العشرة، ليعلم أنه قد أداها فى طاهر وفيها سهو فانه يحصل العلم بثوبين.

قال البعض وهذا اذا لم يخش فوت الوقت الاضطرارى فان خشى تحرى ولو فى ثوبين.

قال ومهما كان الوقت موسعا وخشى فوت وقت الاختيار أو وقت التكسب اعتبر غلبة الطاهر كمسألة الآنية والا لم يجز التحرى.

قال البعض لا فرق فى جواز التحرى فى الثياب بين الاختيارى والاضطرارى.

وجاء فى الحواشى تعليقا على قوله فأنه يصلى الصلاة فى كل واحد، من العشرة قوله: قيل أن الرواية شاذة.

وقيل ان المراد تسعة نجسة وواحد طاهر.

وجاء فيها تعليقا على قوله وفيها سهو قوله ليس فيها سهو وأنما مراده أنها فاتته صلاة من خمس والتبس عليه فأراد أن يصلى فى هذه الثياب العشرة فانه يصلى عشر مرات فى كل ثوب صلاة ليخرج بيقين.

ثم قال

(3)

: واذا التبس الثوب الحرير وكذا المزعفر فى حق المحرم

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 31 الطبعة السابقة والاقناع ج 1 ص 12 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 65، 66 الطبعة السابقة.

(3)

هامش كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 179، ص 180 الطبعة السابقة.

ص: 119

ولو امرأة وذلك نحو أن يكون أعمى أو فى ظلمة فانه يتحرى ولو مع اتساع الوقت ولا يصليها فيهما، لأنه يؤدى الى ارتكاب محظور، فان لم يحصل له ظن صلى فى أيهما شاء فيكون كالعادم.

ولو التبس جلد مذكاة وميتة صلاها فيهما بخلاف التباس الماء بالبول.

ولو التبس عليه الثوب الغصب بالمباح، فلا يتحرى، بل يتركهما معا كالماءين، ولو صلاها فيهما أثم وأجزأ.

واذا التبس الثوب الطاهر بغيره صلى فى كل واحد من الثوبين مرة، نحو أن يريد صلاة الظهر ومعه ثوبان أحدهما طاهر والتبس عليه أيهما هو، فانه يصلى الظهر فى هذا مرة وفى هذا مرة ثانية.

فان كان الثياب ثلاثة والمتنجس اثنان صلاها ثلاث مرات ثم كذلك.

فان ضاقت الصلاة بأن لا يبقى من وقتها ما يتسع لفعلها مرتين فى ثوبين أو أكثر حسب الحال.

وكذا فى الماءين اذا لم يبق ما يسعها والوضوء مرتين أو أكثر حسب الحال تحرى المصلى بأن يرجح بين الامارات التى يتعين بها الطاهر والمطهر من غيره ويعمل بما غلب فى ظنه، فان لم يحصل له ظن فى تحريه صلى عاريا فى الخلاء وترك الماءين ويتيمم بعد اراقة الماء.

واذا اشتبه

(1)

عليه المكان الطاهر بالمتنجس فان القياس يقضى بأن حكمه حكم الثياب فمن تيقن نجاسة فى بعض بقاع المسجد والتبست لزمه أن يصليها مرتين فى بقعتين، كما ذكروا فى الثوبين، ولا يلزم ذلك الا فى المكان المنحصر كالمسجد والمنزل دون ما لا ينحصر أو يشق حصره فلا يلزم كما لا يلزم تحريم نساء غير منحصرات أو يشق انحصارهن.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة

(2)

: وفى الدروس لو عدم أحد الثوبين المشتبهين صلى فى الباقى وقيل يصلى عاريا.

وفى جامع المقاصد أن اختيار المصنف هنا ضعيف.

وفى الذكرى وعلى القول بجواز الصلاة فى متيقن النجاسة تكفيه الصلاة فى الباقى.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لعبد الله الحسن ابن مفتاح ج 1 ص 180، ص 181 الطبعة السابقة.

(2)

من كتاب مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة لمولانا السيد محمد الجواد بن محمد الحسينى العاملى ج 1 ص 129 طبع المطبعة الرضوية بمصر سنة 1324 هـ.

ص: 120

وفى حاشية الارشاد أن الصلاة بالثوب النجس أفضل من الصلاة عاريا.

وفى كشف اللثام ان بين تلف أحد الاناءين وتلف أحد الثوبين فرقا واضحا لوجود الساتر والشك فى نجاسته فى الثانى بخلاف الماء للطهارة فالشك فى وجود أصله ولذا قد يتخيل الاكتفاء بالصلاة بالثوب الباقى.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل نقلا عن الديوان أن من شك فى ثوبه أنه نجس فانه لا يتركه بالشك ولكن يصلى

(1)

به فان شاء بعد ذلك غسله وان شاء تركه بالشك ولم يصل به، ثم لو أراد بعد ذلك أن يصلى به من غير غسل فانه لا يصيب ذلك واما ان صلى به مرة ثم بعد ذلك زال عنه الشك فأراد أن يصلى به فلا بأس عليه.

وذكر فى الدفتر أنه يعيد بالنجس ثم يغسله.

وقيل يترك الشك بعد اثباته وحفظت أن شيخا شك فى ثوب فشرع فى غسله فأطارت الريح اليه ماء الغسل فترك الغسل وصلى به.

ولو اجتمع لديه ثوبان: أحدهما نجس والآخر حرير فان صلاته فى النجس أولى من الصلاة فى الحرير لأن الحرير منهى عنه لذاته والنجس منهى عن الصلاة به لمعنى فى غيره، وقيل: الصلاة فى الحرير أولى من النجس.

وثوب الريبة الطاهر ولو ريبة محققة ان اطمأن قلبه الى أنه لو علم صاحبه لرضى أولى من الصلاة فى ثوب الحرير وثوب مشرك لم يتيقن تنجيسه أولى من نجس، هذا هو الصحيح، لأن العلة النجس وما تيقن بنجاسته يؤخر عما شك فى نجاسته، وانما يستحسن تقديم النجس على ثوب المشرك ان كان ثوبه نجسا بالذات وليس كذلك

(2)

.

‌حكم الاشتباه فى اصابة النجاسة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى المبسوط

(3)

: أن من سال عليه من موضع شئ ولا يدرى ما هو فغسله أحسن، لأن غسله لا يريبه وتركه يريبه، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: دع ما يريبك الى ما لا يريبك، فان تركه جاز، لأنه على يقين من الطهارة فى ثوبه، وفى شك من حقيقة النجاسة.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن أطفيش ج 10 ص 70 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 339، ص 340 الطبعة السابقة.

(3)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 85، ص 86 الطبعة السابقة.

ص: 121

فان كان فى أكبر رأيه أنه نجس غسله، لأن أكبر الرأى فيما لا تعلم حقيقته كاليقين.

وكان شيخنا الامام شمس الأئمة الحلوانى رحمه الله تعالى يقول فى بلدتنا لا بد من غسله لأن الظاهر أنه انما يراق البول أو الماء النجس من السطوح.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الحطاب

(1)

انه اذا شك انسان فى اصابة النجاسة لثوب فهو على ثلاثة أوجه.

الأول أن يشك فى الاصابة نفسها أى هل اصابته النجاسة أم لا.

والثانى أن يتحقق من الاصابة ويشك فى المصيب هل هو نجس أم لا.

والثالث أن يشك فى الاصابة وفى نجاسة المصيب.

والوجه الأول أن المكلف اذا تحقق من نجاسة شئ وشك هل أصاب ذلك الشئ النجس ثوبه أو لم يصبه فانه يجب عليه أن ينضحه.

قال فى التوضيح وهذا القسم متفق فيه على النضح.

وقال ابن بشير يلزم النضح فيه بلا خلاف.

وحكى ابن رشد فى رسم البز من سماع ابن القاسم ان ابن لبابة ذهب الى غسل ما شك فيه من الابدان والثياب، ولم ير النضح الا مع الغسل فى الموضع الذى ورد فيه الحديث، يعنى قوله اغسل ذكرك وأنثييك وانضح.

وحكى ذلك عن ابن نافع.

قال ابن رشد وهو خروج عن المذهب.

ولعل ابن بشير لم يعتبره، ولهذا جزم بنفى الخلاف، الا أن قوله يلزم النضح بلا خلاف يقتضى وجوب النضح من غير خلاف.

وقد قال سند اختلف فى النضح هل هو واجب أو مستحب.

قال عبد الوهاب مستحب، لأنه لا يزيل شيئا.

وظاهر المذهب أنه واجب.

فتحصل من ذلك ثلاثة أقوال.

وجوب النضح.

واستحبابه.

ووجوب الغسل.

(1)

شرح الحطاب ج 1 ص 165، 166، ص 167، ص 168، ص 169، ص 170، ص 171 الطبعة السابقة.

ص: 122

وعلى الأول مشى خليل، لقول سند أنه ظاهر المذهب.

وكذا قال صاحب اللباب أنه ظاهر المذهب.

ودليله أمره عليه الصلاة والسلام فى حديث الصحيحين ينضح الحصير الذى اسود من طول ما لبث، وذلك لحصول الشك فيه، وبقول عمر رضى الله تعالى عنه حين شك فى ثوبه هل أصابه منى: اغسل ما رأيت، وانضح ما لم تر.

وقال مالك فى المدونة مستدلا على ثبوت النضح بعمل الصحابة والتابعين: هو من أمر الناس.

فظاهر كلام صاحب الجمع ان ابن لبابة يقول بعدم وجوب الغسل، والنضح فيما شك فيه فانه قال وخالفنا الامام الشافعى وأبو حنيفة ووافقهما ابن لبابة هنا.

الوجه الثانى من أوجه الشك:

وهو ما اذا تحقق الاصابة وشك فى نجاسته.

والمشهور عدم النضح.

وقال الباجى انه المذهب.

وقيل فيه النضح، رواه ابن نافع عن مالك.

وعزاه ابن عرفة لرواية ابن القاسم.

واستظهره بعضهم قياسا على الوجه الأول، بجامع حصول الشك.

وأيضا فهو ظاهر قول مالك وهو طهور لكل ما شك فيه.

واستضعف ابن عبد السّلام النضح فى الوجه الاول بعدم وجوبه هنا.

ثم فرق بينهما بأنه قد يقال:

ان أكثر الموجودات من المائعات وغيرها طاهرة فالحاق هذا المصيب بالاعم الأغلب أولى ولأن هذا المصيب ان رجع فيه الى الأصل فالأصل الطهارة وان رجع الى الغالب فالغالب كذلك ولا كذلك فى القسم الأول فتأمله.

الوجه الثالث: وهو أن يشك فى الاصابة وفى نجاسة المصيب والنضح ساقط هنا اتفاقا، لأن الشك لما تركب من وجهين ضعف وقد ذكر خليل رحمه الله هذا الفرع تتميما للمسألة ولو تركه لاستغنى عنه بما قبله.

وذكر الباجى رحمه الله من أقسام الشك قسما آخر وهو اذا تحقق اصابة النجاسة وشك فى الازالة قال ولا خلاف فى وجوب الغسل، لأن النجاسة متيقنة فلا يرتفع حكمها: الا بيقين.

واختلف فى الجسد هل هو كالثوب، فاذا شك هل أصابته نجاسة أم لا وجب نضحه، أو ليس هو كالثوب، بل يجب غسله، قولان مشهوران.

ص: 123

وعن القول الأول قال ابن شاس أنه ظاهر المذهب.

وقال ابن الحاجب انه هو الأصح.

وأخذ من قول مالك فى المدونة وهو طهور لكل ما شك فيه.

وعزاه ابن رشد لابن شعبان وضعفه

وقال ابن ناجى رحمه الله تعالى وهو مقتضى ما فى العتبية واختصار البرادعى

وعزاه عبد الحق لأبى عمران.

قال ابن عرفة ونقله المازرى عن المذهب.

والقول الثانى قال ابن عرفة أنه المشهور.

وجعله ابن رشد المذهب.

وعزا مقابله لابن شعبان، وضعفه.

وأخذ من قوله فى المدونة ولا يغسل أنثييه من المذى الا أن يخشى اصابته اياهما.

وقال فى التوضيح مقتضى كلامه فى البيان أن المذهب وجوب غسل الجسد، لأنه قال: وأصل مالك أن ما شك فى نجاسته من الأبدان لا يجزئ فيه الا الغسل بخلاف الثياب.

ومن الدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: اذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها فى الاناء، فان أحدكم لا يدرى أين باتت يده، فأمر بغسل اليد للشك فى نجاستها.

وفى الشرح الكبير

(1)

: وان شك شخص فى اصابة النجاسة لثوب أو حصير أو خف أو نعل وجب نضحه، فلو غسله أجزاه، ومثله الظن الضعيف، فان قوى فالغسل، لا ان توهم، فلا شئ عليه، وان ترك النضح وصلى أعاد الصلاة كما يعيد الصلاة تارك غسل النجاسة المحققة.

قال الدسوقى والحاصل أنه يجب الغسل فى حالتين.

ما اذا تحقق الاصابة.

أو ظنها ظنا قويا.

ويجب النضح فى حالتين.

ما اذا شك فى الاصابة.

أو ظنها ظنا ضعيفا.

والحالة الخامسة وهى توهم الاصابة فهذه لا يجب فيها شئ.

أما اذا تحقق من الاصابة، ثم شك فى نجاسة المصيب، أو شك فى الاصابة والنجاسة فلا غسل ولا نضح، لأن الأصل الطهارة وعدم الاصابة.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 81 الطبعة السابقة.

ص: 124

قال الدسوقى وهذا الحكم باتفاق، لأن الشك لما تركب من وجهين ضعف أمره.

‌مذهب الشافعية:

ذكر صاحب

(1)

نهاية المحتاج: أن من سنن الوضوء غسل كفيه الى كوعيه مع التسمية قبل المضمضة وان تيقن طهارتهما أو توضأ من اناء بالصب، فان لم يتيقن طهرهما بأن تردد فيه كره غمسهما فى الاناء الذى فيه مائع وان كثر. أو مأكول رطب أو ماء قليل قبل غسلهما ثلاثا، لخبر اذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده فى الاناء حتى يغسلها ثلاثا، فانه لا يدرى أين باتت يده، رواه الشيخان.

والأمر بذلك انما هو لأجل توهم النجاسة، لأنهم كانوا أصحاب أعمال، ويستنجون بالأحجار، واذا ناموا جالت أيديهم، فربما وقعت على محل النجو، فاذا صادفت ماء قليلا نجسته، فهذا محمل الحديث، لا مجرد النوم كما ذكره المصنف فى شرح مسلم.

ويعلم منه أن من لم ينم واحتمل نجاسة يده فهو فى معنى النائم، وهو مأخوذ من كلامه.

وعلم مما تقرر أنه لو تيقن نجاسة يده كان الحكم بخلاف ذلك فيكون حراما وان قلنا بكراهة تنجس الماء القليل لما فيه من التضمخ بالنجاسة، وهو حرام، والغسلات المذكورة هى المطلوبة أول الوضوء، غير أنه أمر بفعلها خارج الاناء عند الشك، ولا تزول الكراهة الا بالثلاث، وان حصل تيقن الطهر بواحدة، لأن الشارع اذا غيا حكما بغاية، فانما يخرج عن العهدة منه باستيعابها.

ومحل عدم الكراهة عند تيقن طهرهما اذا كان مستندا ليقين غسلهما ثلاثا.

فلو كان غسلهما فيما مضى عن نجاسة متيقنة أو مشكوكة مرة أو مرتين كره غمسهما قبل اكمال الثلاث كما بحثه الأذرعى.

ولو كان الشك فى نجاسة مغلظة فالظاهر كما قاله بعض المتأخرين عدم زوال الكراهة الا بغسل اليد سبعا احداها بالتراب.

والحديث وكلام الأصحاب خرج مخرج الغالب.

‌مذهب الحنابلة:

قال صاحب

(2)

المغنى: اذا سقط على انسان من طريق ماء لم يلزمه السؤال عنه، لأن الأصل طهارته.

(1)

نهاية المحتاج ج 1 ص 169، ص 170 وما بعدها.

(2)

المغنى لابن قدامة ج 1 ص 54 الطبعة السابقة.

ص: 125

قال صالح سألت أبى عن الرجل يمر بالموضع فيقطر عليه قطرة أو قطرتان فقال: أن كان مخرجا - يعنى خلاء - فاغسله، وان لم يكن مخرجا فلا يسأل عنه، فان عمر رضى الله تعالى عنه مر هو وعمرو بن العاص على حوض فقال عمرو: يا صاحب الحوض أترد على حوضك السباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض لا تخبرنا، فانا نرد عليها وترد علينا، رواه مالك فى الموطأ.

فان سأل فقال ابن عقيل: لا يلزم المسئول رد الجواب، لخبر عمر.

ويحتمل أن يلزمه، لأنه سأل عن شرط الصلاة فلزمه الجواب اذا علم كما لو سأل عن القبلة.

وخبر عمر رضى الله عنه يدل على أن سؤر السباع غير نجس.

وروى صاحب كشاف

(1)

القناع عن الأزجى أنه يوجب الجواب ان علم نجاسته قال فى الانصاف: وهو الصواب.

‌مذهب الزيدية:

قال فى شرح الأزهار

(2)

: متى علمنا طهارة شئ من ماء أو غيره علما يقينا لم ننتقل عن هذا اليقين بما يطرأ من الظنون الصادرة عن الامارة ما لم يحصل علم يقين بنجاسته. أو خبر عدل.

مثاله أن يأخذ الانسان ماء نابعا من الأرض أو نازلا من السماء فيضعه فى اناء ويغفل عنه، وعنده كلاب لا غير، ثم يأتى وقد نقص وترششت جوانب الاناء والكلاب تلمق فيظن أنها ولغت فيه فى غفلته، فانه لا يعمل بظنه، لأنه من طهارة الماء على يقين، فلا ينتقل عنه الا بيقين وكذا فى العكس.

ولو تيقن أن ثوبا أصابته نجاسة فيظن لما يرى فيه من أمارات الغسل أنه قد طهر، لم يعمل بذلك.

وهذا مذهب أبو طالب وتخريجه ليحيى عليه السلام.

فأما خبر العدل فانه يعمل به فى الطهارة وغيرها وان لم يفد الا الظن.

وقال فى الشرح يعمل بخبر الثقة، ولو لم يفد ظنا.

فان عارضه خبر ثقة آخر رجع الى الأصل من طهارة أو نجاسة.

قال المؤيد بالله أو ظن مقارب للعام

يعنى قال المؤيد بالله: يصح الانتقال عن اليقين فى الطهارة والنجاسة باليقين أو الظن المقارب له فيحكم بنجاسة الماء

(1)

كشاف القناع على متن الاقناع ج 1 ص 32 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 62، ص 63 الطبعة السابقة.

ص: 126

المتقدم ذكره وهذا مذهبه وتخريجه ليحيى عليه السلام.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة

(1)

: أن المشتبه بالنجس حكمه حكم النجس فيمنع من استعماله اجماعا كما فى الخلاف وغيره، ولا يجوز الوضوء به اجماعا كما فى الغنية والتذكرة وغيرهما.

وفى الذخيرة الظاهر أنه لا خلاف فيه.

وفى المنتهى والتذكرة الاجماع صريحا فى الثوبين المشتبهين ويلوح من المستند العموم.

وفى الخلاف وغيرهما التعرض لخصوص الاناءين.

وفى الغنية عدم التفاوت بين الواحد والمتعدد وهو المنقول عن المفيد بل صرح فى المنتهى والتذكرة والتحرير بعدم الفرق بين أكثرية عدد الطاهر وعدمه.

وزاد فى التذكرة والتحرير اشتبه بالمنجس أو النجاسة سفرا وحضرا.

وظاهر المدارك دعوى الاجماع على أنه لا ينجس الماء لو تعلق الشك بوقوع النجاسة فى الماء وخارجه وقال أن الأصحاب معترفون بعدم وجوب الاجتناب فى غير المحصور.

والأمر كما قال، لأنا لم نجد فى ذلك خلافا.

والوجه فيه أن المستفاد من الأخبار بالنسبة الى الاشتباه بالمحصور أن تكون أفراد الاشتباه أمورا معلومة معينة بخلاف غير المحصور وهذا من الثانى.

ولك أن تقول أن القاعدة المذكورة انما تتعلق بالأفراد المندرجة تحت ماهية واحدة والجزئيات التى تحويها حقيقة واحدة لا وقوع الاشتباه كيفما اتفق.

وصرح فى المنتهى بأنه لو اشتبه أحد المشتبهين بعد انقلاب الآخر بطاهر وجب الاجتناب عنهما.

واستشكله بعضهم بأنه خارج عن محل النص.

ونقل الاجماع فى الخلاف والغنية على عدم جواز التحرى.

وبعض العامة قال: اذا زاد عدد الطاهر جاز وآخرون أوجبوا التحرى مطلقا.

وفى الخلاف وجوب التيمم مع فقد غيرهما وعمل الأصحاب كما فى الذخيرة والمدارك على بطلان صلاة من تمكن من تكرير الطهارة والصلاة أزيد من عدد النجس بواحد مع صب الماء على أعضاء الوضوء فى كل طهارة سوى الأولى،

(1)

مفتاح الكرامة ج 1 ص 126، ص 127.

ص: 127

لازالة المحتمل من المتنجس، بما قبلها ففعل ذلك وصلى، وهو ظاهر التحرير وصريح الذكرى.

واحتمل الصحة فى نهاية الأحكام، ومال اليه فى المدراك.

وفى الذخيرة يمكن الاستدلال على وجوب هذا من الآية.

واحتمل المصنف فى النهاية وجوب ازالة النجاسة بواحد منهما مع عدم الانتشار، لأن شك النجاسة أولى من يقينها.

قال: ومع الانتشار اشكال وقوى أنه يجب عليه الاجتهاد وحينئذ فلا يجوز له أخذ أحدهما الا بعلامة تقتضى ظن طهارته ثم احتمل العدم.

ثم قال

(1)

ولو اشتبه المطلق بالمضاف تطهر بكل منهما طهارة على ما ذهب اليه الأصحاب كما فى المدارك.

وفى الذخيرة قطعوا بوجوب الطهارة بكل منهما وعليه نص فى المبسوط على ما نقل عنه وغيره.

ونقل فى المختلف عن القاضى: أنه قال لو اشتبه الماء المطلق بالمستعمل فى الكبرى فالأحوط ترك استعمالهما معا، والمستعمل فى الكبرى كالمضاف.

وفى نهاية الأحكام أنه لو اشتبه اناء المطلق بالمضاف لم يتطهر بأحدهما عند بعض علمائنا.

وجاء فى شرائع الاسلام

(2)

: أن المصلى اذا علم موضع النجاسة من الثوب غسل.

وان جهل موضعه غسل كل موضع يحصل فيه الاشتباه.

‌حكم الاشتباه فى الوضوء أو الغسل

‌مذهب الحنفية:

ذكر ابن عابدين

(3)

أن المتوضئ لو شك فى ترك عضو من أعضاء وضوئه أعاد ما شك فيه، لو كان الشك فى خلال الوضوء، ولم يكن الشك عادة له.

فان لم يكن الشك فى خلال الوضوء، بل كان بعد الفراغ منه، أو كان الشك عادة له، وان كان فى خلاله فلا يعيد شيئا قطعا للوسوسة عنه كما فى التتارخانية وغيرها.

ولو علم أنه لم يغسل عضوا، وشك فى تعيينه غسل رجله اليسرى، لأنه آخر العمل.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 128 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 41 طبع مطابع دار الحياة للطباعة والنشر ببيروت سنة 1295 هـ.

(3)

من حاشية العلامة الفقيه الشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين المسماه رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 1 ص 139 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1329 هـ.

ص: 128

قال فى الفتح: ولا يخفى أن المراد اذا كان الشك بعد الفراغ من الوضوء.

وقياسه أنه لو كان الشك فى أثناء الوضوء فانه يغسل الأخير.

كما اذا علم أنه لم يغسل رجليه عينا وعلم أنه ترك فرضا مما قبلهما وشك فى أنه ما هو فانه يمسح رأسه.

واذا علم سبق

(1)

الطهارة وشك فى عروض الحدث بعدها، أو علم سبق الحدث وشك فى الطهارة بعده أخذ باليقين، وهو السابق.

قال فى الفتح: الا أن تأبد اللاحق.

فعن محمد أنه أن علم المتوضئ دخول الخلاء للحاجة، وشك فى قضائها قبل خروجه فان عليه الوضوء.

أو علم بأنه جلس للوضوء من اناء وشك فى اقامته قبل قيامه فلا وضوء عليه.

وفى حاشية الحموى عن فتح المدبر للعلامة محمد السمديسى: أن من تيقن بالطهارة والحدث وشك فى السابق، يؤمر بالتذكر فيما قبلهما.

فان كان محدثا فهو الآن متطهر، لأنه تيقن الطهارة بعد ذلك الحدث وشك فى انتقاضها، لأنه لا يدرى هل الحدث الثانى قبلها أو بعدها.

وان كان متطهرا فان كان يعتاد التجديد فهو الآن محدث، لأنه متيقن حدثا بعد تلك الطهارة وشك فى زواله، لأنه لا يدرى هل الطهارة الثانية متأخرة عنه أم لا بأن يكون والى بين الطهارتين.

وجاء فى المبسوط

(2)

: أن من توضأ وبزق فخرج من بزاقه دم.

فان كان البزاق هو الغالب فلا وضوء عليه، لأن الدم ما خرج بقوة نفسه، وانما أخرجه البزاق والحكم للغالب.

وان كان الدم هو الغالب فعليه الوضوء، لأنه خارج بقوة نفسه.

وان كانا سواء ففى القياس لا وضوء عليه، لأنه تيقن بصفة الطهارة وهو فى شك من الحدث.

ولكنه استحسن فقال: البزاق سائل بقوة نفسه، فما ساواه يكون سائلا بقوة نفسه أيضا.

ثم اعتبار أحد الجانبين يوجب الوضوء واعتبار الجانب الآخر لا يوجب الوضوء فالأخذ بالاحتياط أولى، لقوله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمع الحلال

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 139، ص 140 الطبعة السابقة.

(2)

المبسوط ج 1 ص 77 الطبعة السابقة وبدائع الصنائع ج 1 ص 26، ص 27 الطبعة السابقة.

ص: 129

والحرام فى شئ الا وقد غلب الحرام الحلال.

وقال صاحب بدائع الصنائع: الأخذ بالاحتياط عند الاشتباه واجب فى ذلك

وفى الكتاب قال: أحب الى أن يعيد الوضوء وهو اشارة الى أنه غير واجب وهو اختيار محمد بن ابراهيم الميدانى.

وأكثر المشايخ على أنه يجب الوضوء لما بينا.

وجاء فى الفتاوى الهندية

(1)

: أنه اذا استيقظ الرجل ووجد على فراشه أو فخذه بللا وهو يتذكر احتلاما فان شك فى أنه منى أو مذى فعليه الغسل.

وان استيقظ فرأى بللا، الا أنه لم يتذكر الاحتلام، ثم شك فى أنه منى أو مذى ففى حكمه قولان.

أحدهما: ما قال به أبو يوسف رحمه الله تعالى، وهو أنه لا يجب عليه الغسل حتى يتيقن بالاحتلام، لأن الأصل براءة الذمة، فلا يجب الغسل الا بيقين، وهو القياس.

وثانيهما: ما قال به أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وهو أنه يجب عليه الغسل أخذا بالاحتياط، لأن النائم غافل، والمنى قد يرق بالهواء، فيصير مثل المذى فيجب عليه الغسل احتياطا.

وهكذا ذكره شيخ الاسلام.

وقال القاضى الامام ابو على النسفى ذكر هشام فى نوادره عن محمد أنه اذا استيقظ الرجل فوجد بللا فى احليله ولم يتذكر حلما فان كان ذكره منتشرا قبل النوم فلا غسل عليه الا أن تيقن أنه منى وان كان ذكره ساكنا قبل النوم فعليه الغسل.

واذا وجد فى الفراش منى ويقول الزوج هو من المرأة وتقول المرأة هو من الزوج فالأصح أنه يجب الغسل عليهما احتياطا كذا فى الظهيرية.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج

(2)

والاكليل: أن ابن يونس قال من شك فى بعض وضوئه فليغسل ما شك فيه.

ولو أيقن بالوضوء ثم شك فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم لا فليعد

(1)

من الفتاوى العالمكرية المعروفة بالفتاوى الهندية فى مذهب الامام الأعظم أبى حنيفة النعمان وبهامشه الفتاوى البزازية ج 1 ص 14، ص 15 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية بسنة 1310 هـ ومن تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان ابن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبى ج 1 ص 16 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المعزية سنة 1313 هـ.

(2)

التاج والاكليل على هامش الحطاب ج 1 ص 300، ص 301 الطبعة السابقة.

ص: 130

وضوءه الا أن يكون كثير الشك فلا يلزمه اعادة شئ من وضوء ولا صلاة.

قال ابن حبيب: واذا خيل اليه أن ريحا خرج منه فلا يتوضأ الا أن يوقن به وكذلك ان دخله الشك بالحس وأتى بالحديث.

ثم قال: أما ان شك هل بال أو أحدث أم لا فهذا يعيد الوضوء.

ومن أيقن بالوضوء وشك فى الحدث ابتدأ الوضوء، كأن الشك طرأ عليه فى هذه المسألة بعد دخوله فى الصلاة فوجب أن لا ينصرف. عنها الا بيقين.

أما ان طرأ عليه الشك فى طهارته قبل دخوله فى الصلاة فيجب أن لا يدخل فيها الا بطهارة متيقنة.

وقال أبو عمر فى حديث: اذا شك أحدكم فى صلاته فلم يدركم صلى أثلاثا أم أربعا، فليصل ركعة ويسجد سجدتين وهو جالس قبل التسليم، فان كانت الركعة التى صلى خامسة شفعها بهاتين السجدتين، وان كانت رابعة فالسجدتان ترغيم للشيطان.

قال: فى هذا الحديث أصل عظيم يطرد فى أكثر الأحكام، وهو أن اليقين لا يزيله شك، وان الشئ مبنى على أصله المعروف حتى يزيله بيقين لا شك معه، والأصل فى الظهر أربع ركعات فلا يبرئه الا يقين مثله.

وقد غلط بعضهم فظن أن الشك أوجب الاتيان بالركعة.

وهذا غلط، بل اليقين أنها أربع أوجب عليه اتمامها.

يرجحه حديث: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا، فلم ينقله صلى الله عليه وسلم عن أصل طهارته المتيقنة بشك عرض له حتى يستيقن الحدث.

الا أن مالكا قال: من أيقن بالوضوء وشك فى الحدث ابتدأ الوضوء ولم يتابعه على هذا غيره.

وخالف ابن نافع وقال: لا وضوء عليه.

وهو قول سائر الفقهاء.

وأجمعوا أيضا على أنه اذا أيقن بالحدث وشك فى الوضوء فان شكه لا يفيد فائدة وعليه الوضوء.

وقال أبو الفرج الوضوء عند مالك فى ذلك انما هو استحباب واحتياط.

وقال فى موطئه فيمن وجد فى ثوبه احتلاما وقد بات فيه ليالى وأياما أنه لا يعيد صلاة ولا يغتسل الا من آخر نوم نامه.

قال أبو عمر وهذا يرد قوله فيمن أيقن بالوضوء وشك فى الحدث أنه يتوضأ.

ص: 131

وعبارة الباجى ما صلى قبل تلك النومة هو فيها شاك، وهذا الشك انما طرأ بعد اكمال الصلاة وبراءة الذمة منها. فيه قولان.

أحدهما: أنه غير مؤثر فيها، كما لو سلم من الصلاة ثم شك هل أحدث بعد طهارته فلا شئ عليه، لأنه شك طرأ بعد تيقن سلامة العبادة.

والثانى: ان الشك يؤثر فيعيد من أول نومة وفى التمهيد نهى عن صوم يوم الشك اطراحا لأعمال الشك.

وهذا أصل عظيم من الفقه أن لا يدع الانسان ما هو عليه من الحال المتيقنة الا بيقين فى انتقالها.

وذكر فى الفروق فى الفرق الرابع والأربعين الفرق بين الشك فى السبب والشك فى الشرط وقد أشكل على جمع من الفضلاء قال: شرع الشارع الأحكام وشرع لها أسبابا وجعل من جملة ما شرعه من الأسباب الشك وهو ثلاثة.

مجمع على اعتباره كمن شك فى الشاة المذكاة والميتة وكمن شك فى الأجنبية وأخته من الرضاعة.

ومجمع على الغائه كمن شك هل طلق أم لا وهل سها فى صلاته أم لا فالشك هنا لغو.

وقسم ثالث اختلف العلماء فى نصبه سببا كمن شك هل أحدث أم لا اعتبره مالك دون الشافعى وكمن حلف يمينا وشك ما هى ومن شك هل طلق واحدة أو ثلاثا.

وقال فى الفرق العاشر: بين الشك فى السبب والشك فى الشرط فرق.

الشك فى الطهارة شك فى شرط والشك فى الطلاق شك فى سبب، اذ الطلاق سبب زوال العصمة.

والقاعدة كل مشكوك اجعله كالعدم.

يبقى البحث فيمن أيقن بالوضوء وشك فى الحدث.

وقال ابن العربى لو تيقن طهرا وحدثا وشك فى السابق منهما فلا نص لعلمائنا.

وجاء فى حاشية

(1)

الدسوقى: أنه ان شك من وجد بفرجه أو ثوبه أو فخذه شيئا من بلل أو أثر، أمذى هو أو منى وكان شكه فيهما مستويا وجب عليه الاغتسال احتياطا.

وان لم يكن الشك فيهما مستويا عمل بمقتضى الراجح منهما، كمن تيقن الطهارة وشك فى الحدث.

ولو وجد هذا الشخص الشئ الذى شك فيه هل هو منى أو مذى فى ثوبه واشتبه عليه

(1)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 1 ص 131، 132 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 132

الأمر، ولم يدر أى نومة حصل فيها هذا اغتسل وأعاد صلاته من آخر نومة نامها فيه سواء كان ينزعه أو لا كتحققه أنه منى ولم يدر وقت حصوله.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(1)

: أن من تيقن الطهارة وشك فى الحدث بنى على يقين الطهارة، لأن الطهارة يقين فلا يزال ذلك بالشك، لقول النبى صلى الله عليه وسلم «إذا وجد أحدكم فى بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شئ أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا رواه مسلم.

وان تيقن الحدث وشك فى الطهارة بنى على يقين الحدث لأن الحدث يقين فلا يزال بالشك.

وان تيقن الطهارة والحدث وشك فى السابق منهما نظر.

فان كان قبلهما طهارة فهو الآن محدث، لأنه قد تيقن أن الطهارة قبلهما ورد عليها حدث فأزالها وهو يشك هل ارتفع هذا الحدث بطهارة بعده أم لا فلا يزال يقين الحدث بالشك ..

وان كان قبلهما حدث فهو الآن متطهر، لأنه قد تيقن أن الحدث قبلهما قد ورد عليه طهارة فأزالته وهو يشك هل ارتفعت هذه الطهارة بحدث بعدها أم لا فلا يزال يقين الطهارة بالشك

وهذا كما نقول فى رجل أقام بينة بدين وأقام المدعى عليه بينة بالبراءة فانا نقدم بينة البراءة، لأنا تيقنا أن البراءة وردت على دين واجب فازالته ونحن نشك هل اشتغلت ذمته بعد البراءة بدين بعدها فلا نزيل يقين البراءة بالشك.

وجاء فى موضع

(2)

آخر: لو شك هل أحدث أولا فتوضا ثم بان أنه كان محدثا لم يصح وضوؤه.

ثم قال

(3)

: ولو توضأ الشاك بعد وضوئه فى حدثه محتاطا فبان محدثا لم يجزه للتردد فى النية من غير ضرورة كما لو قضى فائتة شاكا فى كونها عليه، ثم تبين أنها عليه حيث لا تكفيه، أما اذا لم يتبين حدثه فانه يجزئه للضرورة.

ولو توضأ من شك فى وضوئه بعد حدثه أجزأه وان كان مترددا لأن الأصل بقاء الحدث، وقد فعل واجبا، بل لو نوى فيها ان كان محدثا فعن حدثه، والا فتجديد صح أيضا وان تذكر كما نقله فى المجموع عن البغوى وأقره.

وجاء فيه

(4)

أيضا أنه لا مسح لشاك فى بقاء المدة كأن نسى ابتداءها،

(1)

المهذب ج 1 ص 25 الطبعة السابقة ونهاية المحتاج ج 1 ص 114 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 141 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج ج 1 ص 146 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 192 الطبعة السابقة.

ص: 133

أو أنه مسح حضرا أو سفر لأن المسح رخصة فاذا شك فيها رجع للأصل وهو الغسل ..

وجاء فى

(1)

المهذب: أنه ان احتلم الشخص ولم ير المنى أو شك هل خرج المنى لم يلزمه الغسل.

وان رأى المنى ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل، لما روت عائشة رضى الله تعالى

عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام قال: يغتسل، وعن الرجل يرى أنه احتلم ولا يجد البلل قال: لا غسل عليه.

وان رأى المنى فى فراش نام فيه هو وغيره لم يلزمه الغسل، لأن الغسل لا يجب بالشك ..

والأولى أن يغتسل.

وان كان لا ينام فيه غيره لزمه الغسل وأعاد الصلاة من آخر يوم نام فيه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: أن من تيقن الطهارة وشك فى الحدث أو تيقن الحدث وشك فى الطهارة بنى على اليقين، ولو عارضه ظن، ولو فى غير صلاة.

فان تيقنهما وجهل أسبقهما فهو على ضد حاله قبلهما فان جهل حاله قبلهما تطهر، وان تيقن فعلهما رفعا لحدث ونقضا لطهارة وجهل أسبقهما فعلى مثل حاله قبلهما، وكذا لو تيقنهما وعين وقتا لا يسعهما سقط اليقين لتعارضه.

وجاء فيه أيضا

(3)

: أنه لا يضر شك المتوضئ فى النية بعد فراغ الطهارة كسائر العبادات أو شكه فى غسل عضو أو مسحه بعد الفراغ من الطهارة نصا كشكه فى وجود الحدث مع تيقن الطهارة.

وان شك فى النية فى أثناء الطهارة لزمه استئنافها، لأن الأصل أنه لم يأت بها.

وكذا ان شك فى غسل عضو فى أثناء طهارته أو شك فى مسح رأسه فى أثناء الطهارة لزمه أن يأتى بما شك فيه ثم بما بعده لأن الأصل أنه لم يأت به كما لو شك فى ركن فى الصلاة.

وجاء فى المغنى

(4)

: أنه اذا انتبه الرجل من النوم فوجد بللا لا يعلم هل هو منى أو غيره فقال أحمد اذا وجد بلة اغتسل الا أن يكون به أبردة أو لاعب أهله فانه ربما خرج منه مذى فأرجو أن لا يكون به بأس.

(1)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 29، ص 30 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 98، ص 99 الطبعة السابقة والاقناع ج 1 ص 40 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 63 الطبعة السابقة.

(4)

المغنى لابن مقدامة المقدسى ج 1 ص 205، ص 206 الطبعة السابقة.

ص: 134

كذلك ان كان انتشر من أول الليل بتذكر أو رؤية لا غسل عليه.

وهو قول الحسن، لأنه مشكوك فيه يحتمل أنه مذى وقد وجد سببه فلا يوجب الغسل مع الشك.

وان لم يكن وجد ذلك فعليه الغسل، لخبر عائشة رضى الله تعالى عنها لأن الظاهر أنه احتلام وقد توقف أحمد فى هذه المسألة فى مواضع ..

وقال مجاهد وقتادة لا غسل عليه حتى يوقن بالماء الدافق قال قتادة يشمه وهذا هو القياس، لأن اليقين بقاء الطهارة فلا يزول بالشك.

والأولى الاغتسال لموافقة الخبر وازالة الشك.

فان رأى فى ثوبه منيا وكان هذا الثوب مما لا ينام فيه غيره فعليه الغسل، لأن عمر وعثمان اغتسلا حين رأياه فى ثوبيهما، ولأنه لا يحتمل أن يكون الا منه.

ويعيد الصلاة من أحدث نومة نامها فيه.

الا أن يرى أمارة تدل على أنه قبلها فيعيد من أدنى نومة يحتمل أنه منها.

وان كان الرائى له غلاما يمكن وجود المنى منه كابن اثنتى عشرة سنة فهو كالرجل، لأنه وجد دليله وهو محتمل للوجود.

وان كان أقل من ذلك فلا غسل عليه، لأنه لا يحتمل فيتعين حمله على أنه من غيره ..

فأما أن وجد الرجل منيا فى ثوب ينام فيه هو وغيره ممن يحتلم فلا غسل على واحد منهما، لأن كل واحد منهما بالنظر اليه مفردا يحتمل أن لا يكون منه فوجوب الغسل عليه مشكوك فيه، وليس لأحدهما أن يأتم بصاحبه، لأن أحدهما جنب يقينا فلا تصح صلاتهما.

‌مذهب الظاهرية:

ذكر صاحب

(1)

المحلى: أن من أيقن بالوضوء والغسل ثم شك هل أحدث أو كان منه ما يوجب الغسل أم لا؟ فهو على طهارته، وليس عليه أن يجدد غسلا ولا وضوءا، فلو اغتسل وتوضأ ثم أيقن أنه كان محدثا أو مجنبا أو انه قد أتى بما يوجب الغسل لم يجزه الغسل ولا الوضوء اللذان أحدثا بالشك، وعليه أن يأتى بغسل آخر، ووضوء آخر ..

ومن أيقن بالحدث وشك فى الوضوء أو الغسل، فعليه أن يأتى بما شك فيه من ذلك، فان لم يفعل وصلى بشكه ثم أيقن أنه لم يكن محدثا ولا كان عليه غسل لم تجزه صلاته تلك أصلا ..

وذلك لقول الله تعالى: «إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً»

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 79، 80 الطبعة السابقة المسألة رقم 211.

ص: 135

«وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث.

قال على: فان توضأ كما ذكرنا وهو شاك فى الحدث ثم أيقن بأنه كان أحدث لم يجزه ذلك الوضوء لأنه لم يتوضأ الوضوء الواجب عليه وانما توضأ وضوءا لم يؤمر به ولا ينوب وضوء لم يأمر الله عز وجل به عن وضوء أمر الله تعالى به.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح

(1)

الأزهار: أنه لا يرتفع يقين الطهارة والحدث الا بيقين أو خبر عدل اذ لا فرق بينهما.

وعلى هذا فان من تيقن الطهارة لم ينتقل عن هذا اليقين بما يعرض له من شك أو ظن فيعمل بالطهارة حتى يتيقن ارتفاعها.

أما من تيقن الحدث ثم تعقبه شك فى وقوع الطهارة فانه لا يكفى بل يجب الوضوء.

قال فى الزوائد اجماعا.

ومن تيقن الطهارة والحدث وشك فى السابق توضأ رجوعا الى الأصل، بخلاف ما اذا تيقن موجب الغسل ورافعه فأنه لا يجب الغسل، لأن الأصل الطهارة.

فان تيقن الحدث ثم تعقبه ظن الطهارة فعندنا أنه كالشك فمن لم يتيقن غسل عضو من أعضاء الوضوء قطعى الدليل على وجوب غسله أعاد غسل ذلك العضو وما بعده لأجل الترتيب.

ولو حصل له ظن بأنه قد غسله لم يكتف بذلك الظن بل يعيد فى الوقت المضروب للصلاة التى ذلك الوضوء لأجلها، سواء كان قد صلى أو لم يصل، فانه يعيده، والصلاة مهما بقى الوقت، ويعيد غسله بعد الوقت أيضا، والصلاة قضاء ان ظن تركه فيعيد صلاة يومه والأيام الماضية أيضا، وكذا يعيد غسله بعد الوقت والصلاة قضاء ان ظن فعل الغسل لذلك العضو أو شك هل كان غسله أم لم يغسله الا للأيام الماضية فانه لا يقضى صلاتها اذا غلب فى ظنه أنه كان قد غسل ذلك العضو أو شك، وانما يعيد صلاة يومه أداء وقضاء ..

قيل: ويعيد صلاة ليلته، لأن الليلة تتبع اليوم والعكس للعرف.

وقيل أن الليلة لا تتبع اليوم فلا يقضى من ذلك اليوم الا الفجر فقط ..

وقال البعض: لا حكم للشك بعد انقضاء الوقت فلا يعيد من الصلاة الا ما بقى وقته.

وقيل اذا فرغ من صلاته فلا حكم لشكه فى الوضوء كما لا حكم لشكه فى الصلاة بعد فراغه منها.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 102، ص 103، ص 104 الطبعة السابقة.

ص: 136

قال مولانا عليه السلام، وهذا ليس بصحيح، لأن الشاك فى عضو كالشاك فى جملة الصلاة والشاك فى جملتها يعيد مطلقا.

فأما من لم يتيقن غسل عضو ظنى - وهو الذى دليل وجوب غسله ظنى - فلا يعيد غسله الا فى وقت الصلاة التى غسله لأجلها لا بعد خروجه ان ظن المتوضئ تركه فان كان قد فعل الصلاة أعادها أيضا ان كان وقتها باقيا.

وأما من شك فى غسل عضو ظنى أعاد غسله وما بعده لصلاة مستقبلة ليس ذلك المتوضئ داخلا فيها فأما الصلاة المستقبلة التى قد دخل فيها فلا يعيده لها، لأن الدخول فيها كالحكم بصحتها ان شك فى غسل ذلك العضو الظنى.

وقال أبو جعفر يعيد للمستقبلة والتى هو فيها لا للماضية.

وقال أبو الفضل الناصر: وللماضية أيضا ان بقى وقتها.

وجاء فى شرح

(1)

الأزهار أن من يتوضأ ونسى التسمية ثم ذكرها فى أثناء الوضوء فلو التبس عليه العضو الذى ذكرها عنده فالأقرب أنه يعيد الوضوء من أوله.

وفى الغيث يجب أن يعود الى آخر عضو وهى الرجل اليسرى ..

ثم قال

(2)

: ولو شك فى وضوء نواه لصلاة الظهر فقط وأعاد بنية مشروطة وقال فى الشرط لصلاة الظهر ان لم تصح الأولى والا فلصلاة العصر لا كلام أنه يجزيه للظهر وهل يجزيه للعصر أم لا؟، التحقيق أنه لا يجزيه.

وقال صاحب البحر الزخار: لا بد من تيقن المنى فى وجوب الغسل ويكفى طن الشهوة اذ سئل النبى صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام فقال يغتسل لا العكس اذ لا دليل، والأصل الطهارة.

أما اذا خرج المنى بعد الغسل فانه لا يوجبه لعدم اقتران الشهوة ..

قال الامام يحيى: خروج المنى يوجبه مطلقا لما مر.

وفى المذهب أن المنى ان خرج قبل البول أوجب الغسل اذ هو من الأول لا بعده.

قال الأكثر ولا شئ فى الشهوة ما لم يمن، لقول النبى صلى الله عليه وسلم لمن احتلم ولم يجد بللا لا غسل عليك.

ولا وجه لمن يقول بأن الشهوة دليل الانتقال وتأخره نادر لأن العبرة بالبروز لقوله صلى الله عليه وسلم: اذا فضخت الماء فاغتسل، هذا ويجب أن يغتسل

(1)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ج 1 ص 81 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 83 الطبعة السابقة.

ص: 137

ان تيقن المنى فى ثوب لم يلبسه غيره ولا اغتسل بعد أقرب نومة عن جنابة ولم يحوزه من غيره، وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم لمن وجد البلل ولم يذكر الاحتلام يغتسل ..

هذا ويغتسل الخنثى ان خرج من فرجيه.

وفى خروجه من أحدهما وجهان.

وخروجه من الدبر لا يوجب، اذ لا شهوة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة

(2)

البهية: أن على الشاك فى الوضوء فى أثنائه أن يستأنف والمراد بالشك فيه نفسه فى الأثناء، الشك فى نيته، لأنه اذا شك فيها فالأصل عدمها، ومع ذلك لا يعتد بما وقع من الأفعال بدونها، وبهذا صدق الشك فيه فى أثنائه.

وأما الشك فى أنه هل توضأ أو هل شرع فيه أم لا، فلا يتصور تحققه فى الأثناء.

والشاك فى الوضوء بالمعنى المذكور بعد الفراغ منه لا يلتفت اليه، كما لو شك فى غيرها من الأفعال.

والشاك فى البعض يأتى بذلك البعض المشكوك فيه اذا وقع الشك حال الوضوء بحيث لم يكن فرغ منه.

وان كان قد تجاوز ذلك البعض الا مع الجفاف للأعضاء السابقة عليه فيعيد لفوات الموالاة.

ولو شك فى بعضه بعد انتقاله عنه وفراغه منه لا يلتفت اليه، والحكم منصوص متفق عليه.

والشاك فى الطهارة مع تيقن الحدث محدث لأصالة عدم الطهارة.

والشاك فى الحدث مع تيقن الطهارة متطهر أخذا بالمتيقن.

والشاك فيهما أى فى المتأخر منهما مع تيقن وقوعهما محدث لتكافؤ الاحتمالين.

ولا فرق بين أن يعلم حاله قبلهما بالطهارة أو بالحدث أو يشك.

وربما قيل بأنه يأخذ مع علمه بحاله ضد ما علمه، لأنه ان كان متطهرا فقد علم نقض تلك الحالة، وشك فى ارتفاع الناقض، لجواز تعاقب الطهارتين، وان كان محدثا فقد علم انتقاله عنه بالطهارة، وشك فى انتقاضها بالحدث، لجواز تعاقب الأحداث.

(1)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام المهدى لدين الله أحمد بن يحيى ابن المرتضى ويليه كتاب جواهر الأخبار والاثار للعلامة المحقق محمد بن يحيى بهران الصعدى ج 1 ص 98، ص 99 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1366 هـ، سنة 1947 م.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 25، ص 26 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر.

ص: 138

ويشكل بأن المتيقن حينئذ ارتفاع الحدث السابق، أما اللاحق المتيقن وقوعه فلا، وجواز تعاقبه لمثله متكافئ لتأخره عن الطهارة ولا مرجح ..

نعم لو كان المتحقق طهارة رافعة وقلنا بأن المجدد لا يرفع أو قطع بعدمه توجه الحكم بالطهارة فى الأول.

كما أنه لو علم عدم تعاقب الحدثين بحسب عادته أو فى هذه الصورة تحقق الحكم بالحدث فى الثانى الا أنه خارج عن موضع النزاع بل ليس من حقيقة الشك فى شئ الا بحسب ابتدائه وبهذا يظهر ضعف القول باستصحاب الحالة السابقة بل بطلانه.

وجاء فى شرائع الاسلام

(1)

أن المغتسل اذا رأى بللا مشتبها هو بعد الغسل فان كان قد بال أو استبرأ لم يعد والا كان عليه الاعادة.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: أن من وجد بللا فى ذكره ليلا ولم يغتسل انهدم صومه ان كان صائما.

وقيل: لا ان لم تكن فيه رائحة النطفة ..

وان وجد نطفة فى فخذه أو حرزه أو طرف ثوبه الذى يليه احتاط بالغسل وان لم يحتط رخص بعض أن لا ينهدم صومه ان لم يعلم بالجنابة، ولا غسل عليه ان وجدها فى ثوبه من خارج، أو فى جسده حيث لا يتوهمها منه.

ومن اغتسل ثم وجد أثر النطفة فى ثوبه فان رقد بعد الاغتسال فعليه اغتسال آخر ان لم يتبين أنها من الجنابة الأولى.

وان وجدت المرأة أثرها وقال زوجها جامعتك وصدقته ولم تغتسل انهدم صومها وان كان أمينا فلا بد من تصديقه، وكذلك ان لم تجد أثرها، وكذا المجنونة والمريضة التى كانت لا تعقل.

ولا غسل على من لم يكن لها بعل ولو وجدتها فى جسدها ولا على طفلة بلغت بعد الجماع ولا على طفل بلغ بعده.

ومن رأى

(3)

جنابة فى ثوبه ولم يدر من أى وقت فاغتسل من حينه فلا عليه، والا قضى ما مضى من صلاته وصومه ومن نام على جنابة يظن أن أصحابه يوقظونه لسحور فلم يوقظوه قضى يومه فقط.

(1)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 30 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 238، ص 239 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 259 الطبعة السابقة.

ص: 139

ثم قال

(1)

: ومن نزل فى الماء لنية الاغتسال وخرج وشك هل اغتسل؟ لم يلزمه الا أن أيقن أنه لم يتوضأ ..

وان نام اثنان فى موضع فوجدت نطفة فاعترف أحدهما بالاحتلام لم يلزم الاخر اغتسال ان لم يجد احتلاما.

ثم قال

(2)

ويكره تكرير المغسول أكثر من ثلاث فان شك فى غسل الثلاث أمسك عن بعض لئلا يزيد عليها.

وقيل يزيد مرة لعدم اليقين وهو الراجح استصحابا للأصل وان شك فى الواحدة فليأت بها ..

ثم قال

(3)

: ومن شك أتيمم أم لا واشتبه عليه الأمر وجب أن يتيمم.

ولا يجب أن شك فى انتقاضه بحدث ولو بريح فى غير الصلاة.

ولا يجوز له أن يقطع الصلاة بالشك فى خروج الريح.

ومن بالغ فى

(4)

الاستجمار فمحله طاهر والاستنجاء بعد ذلك تعبد.

وقيل غير طاهر.

وفى الأثر يجوز الاستجمار بالأرض.

ومن كان تارة يحس اذا شك فيجد النجس وتارة يشك ويحس فلا يجد وشك تارة ولم يحس حكم بأنه طاهر ولو كان الغالب الوجود ..

والاحوط أن يغسل اذا كان الغالب انه يجد.

‌اشتباه الحائض فى وقت حيضها

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر

(5)

الرائق: أن الحائض اذا نسيت عدد أيام حيضها أو نسيت مكانه أو نسيتهما معا فان الأصل أنها متى تيقنت بالطهر فى وقت صلت فيه بالوضوء لوقت كل صلاة وصامت.

ومتى تيقنت بالحيض فى وقت تركتهما فيه.

ومتى شكت فى وقت أنه وقت حيض أو طهر تحرت، فان لم يكن لها رأى تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة وتصوم وتقضيه دونها ..

ومتى شكت فى وقت أنه حيض، أو طهر أو خروج عن الحيض، تصلى فيه

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 305 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 98 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 242 لمحمد بن يوسف اطفيش الطبعة السابقة.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 1 ص 301 الطبعة السابقة.

(5)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 219، ص 220 الطبعة السابقة.

ص: 140

بالغسل لكل صلاة، لجواز أنه وقت الخروج من الحيض، ولا يأتيها زوجها بحال.

لاحتمال الحيض.

فاذا نسيت الحائض عدد أيامها بعد ما انقطع الدم عنها أشهرا واستمر وعلمت أن حيضها فى كل شهر مرة، فانها تدع الصلاة ثلاثة أيام من أول الاستمرار، لتيقنها بالحيض فيها. ثم تغتسل سبعة أيام لكل صلاة، لتردد حالها فيها بين الحيض والطهر والخروج من الحيض، ثم تتوضأ عشرين يوما لوقت كل صلاة لتيقنها فيها بالطهر ويأتيها زوجها.

وأما اذا لم تعلم أنه فى كل شهر مرة فهو على ثلاثة أوجه.

أحدها: ما اذا لم تعلم عدد حيضها وطهرها فانها تدع الصلاة ثلاثة أيام من أول الاستمرار، ثم تصلى سبعة بالاغتسال لوقت كل صلاة، ثم تصلى ثمانية بالوضوء لوقت كل صلاة، لتيقنها بالطهر فيها، ويأتيها زوجها فيها، ثم تصلى ثلاثة بالوضوء لوقت كل صلاة، للتردد بين الطهر والحيض، ثم تصلى بالاغتسال لكل صلاة.

وثانيها: اذا علمت أن طهرها خمسة عشر ولم تعلم عدد حيضها فانها تدع الصلاة ثلاثة أيام، ثم تصلى سبعة بالغسل، ثم تصلى ثمانية بالوضوء باليقين، ثم تصلى ثلاثة أيام بالوضوء بالشك فبلغ ذلك أحدا وعشرين يوما.

فان كان حيضها ثلاثة فابتداء طهرها الثانى بعد أحد وعشرين يوما وان كان حيضها عشرة فابتداء طهرها الثانى بعد خمسة وثلاثين، فتصلى فى هذه الأربعة عشر التى بعد الأحد والعشرين بالاغتسال لكل صلاة، للتردد بين الثلاثة، ثم تصلى يوما بالوضوء لوقت كل صلاة بيقين، لتيقنها بالطهر، لأنه اليوم الخامس عشر منه الذى هو السادس والثلاثون، ثم تصلى ثلاثة بالوضوء لوقت كل صلاة، للتردد فيها بين الحيض والطهر، ثم تغتسل لكل صلاة أبدا، لأنه ما من ساعة الا ويتوهم أنه وقت خروجها من الحيض.

وثالثها: اذا علمت أن حيضها ثلاثة ولا تعلم عدد طهرها فانها تدع الصلاة ثلاثة أيام من أول الاستمرار، ثم تصلى خمسة عشر يوما بالوضوء لوقت كل صلاة، لتيقنها بالطهر فيه، ثم تصلى ثلاثة بالوضوء للتردد بين الحيض والطهر، ثم تغتسل لكل صلاة أبدا، لتوهم خروجها عن الحيض كل ساعة.

وان علمت أنها كانت تحيض فى كل شهر مرة من أوله أو آخره، ولا تدرى العدد، تتوضأ ثلاثة أيام فى أول الشهر، لتردد حالها فيه بين الحيض والطهر، ثم تغتسل سبعة أيام، للتردد بين الثلاثة، ثم تتوضأ الى آخر الشهر، وتغتسل مرة واحدة لتمام الشهر، لجواز خروجها من الحيض، لأن الشك فى العشرة الأولى والاخيرة لا فى الوسطى.

ص: 141

وأما اذا نسيت مكان حيضها - وهو ما يسمى بالاضلال بالمكان - فأصله أنها متى أضلت أيامها فى ضعفها من العدد أو أكثر من الضعف فلا تتيقن بالحيض فى شئ منه، كما لو أضلت ثلاثة فى ستة أو أكثر.

ومتى أضلت أيامها فى دون ضعفها من العدد فانها تتيقن بالحيض فى شئ منه كما لو أضلت ثلاثة فى خمسة فانها تتيقن بالحيض فى اليوم الثالث فانه أول الحيض أو آخره.

فان علمت أن أيامها كانت ثلاثة ولا تعلم موضعها من الشهر تصلى ثلاثة أيام من أول الشهر بالوضوء لوقت كل صلاة، للتردد بين الحيض والطهر، ثم تغتسل سبعة وعشرين لكل صلاة لتوهم خروجها من الحيض فى كل ساعة.

وان علمت أن أيامها أربعة توضأت فى الأربعة، ثم اغتسلت لكل صلاة الى آخر العشر، وكذا لو علمت أن أيامها خمسة توضأت خمسة ثم اغتسلت الى آخر العشر.

ولو علمت أن أيامها ستة توضأت أربعة من أول العشر، وتدع الصلاة والصوم يومين لتيقنها بالحيض فيهما لما قدمناه من الأصل، ثم تغتسل أربعة لكل صلاة، لتوهم خروجها من الحيض فى كل ساعة.

وان علمت أن أيامها سبعة صلت بالوضوء ثلاثة أيام من أولها وتدع أربعة أيام، لتيقنها بالحيض فيها، ثم تغتسل لكل صلاة ثلاثة أيام، وعلى هذا القياس الثمانية والتسعة.

وأما الاضلال بالزمان والمكان كما اذا استحيضت ونسيت عدد أيامها ومكانها.

فقد قال فى المبسوط

(1)

: اذا كانت المرأة تحيض ونسيت عدد أيامها وموضعها فانها تبنى على أكبر رأيها، لأن الطهارة شرط لصحة الصلاة كاستقبال القبلة فكما أنه عند اشتباه أمر القبلة تجب عليها أن تتحرى، فكذا اشتباه حالها فى الحيض والطهر، يجب عليها أن تتحرى.

فكل زمان يكون أكبر رأيها أنها حائض فيه تترك الصلاة.

وكل زمان أكثر رأيها على أنها فيه طاهرة تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك.

وكل زمان لم يستقر رأيها فيه على شئ بل تتردد بين الحيض والطهر والدخول فى الحيض، فانها تصلى فيه بالوضوء لوقت كل صلاة بالشك.

وكل زمان لم يستقر رأيها فيه على شئ بل تردد رأيها فيه بين الحيض والطهر والخروج عن الحيض فانها تصلى فيه بالغسل لكل صلاة بالشك.

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 3 ص 193، ص 194، ص 195 الطبعة السابقة.

ص: 142

والقياس فيما اذا لم يكن لها رأى أن تغتسل فى كل ساعة، لأنه ما من ساعة الا ويتوهم أنه وقت خروجها من الحيض.

ولكن لو أخذنا بهذا كان فيه حرج بين فانها لا تتفرغ عن الاغتسال لشغل آخر دينى أو دنيوى فأمرناها بالاغتسال لكل صلاة لهذا.

وكان أبو على الدقاق رحمه الله تعالى يقول: هذا قياس أيضا.

والاستحسان أنها تغتسل لوقت كل صلاة، وزعم أن هذا هو قول محمد رحمه الله تعالى، لأن فى أمرنا أياها بالاغتسال لكل صلاة من الحرج ما لا يخفى.

فكما أن فى المستحاضة التى تعرف أيامها يقام الوقت مقام الصلاة حتى يكفيها فى كل وقت وضوء واحد.

فكذلك فى الاغتسال.

ولكن الأصح ما ذكر فى الكتاب من أنها تغتسل لكل صلاة، لأن اعتبار الحرج فيما لا نص فيه بخلافه.

والأثر هنا جاء بالاغتسال لكل صلاة، فان حمنة بنت جحش رضى الله تعالى عنها لما استحيضت سبع سنين أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل لكل صلاة فان كانت فيه قد نسيت أيامها فهو نص.

وان كانت تحفظ أيامها فلما أمرنا بالاغتسال لكل صلاة من حفظت أيامها فلمن نسيت أولى، وبه أمر حمنة بنت جحش، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه، وبه أمر سهلة بنت سهيل وكانت تحت أبى حذيفة رضى الله تعالى عنه فشق عليها ذلك، فأمرها أن تؤخر الصلاة الى آخر الوقت، ثم تصلى الظهر فى آخر الوقت والعصر فى أول الوقت بغسل واحد، ثم تؤخر المغرب الى آخر الوقت فتغتسل وتصلى المغرب فى آخر الوقت والعشاء فى أول الوقت بغسل واحد، ثم تغتسل للفجر، وبه أخذ ابراهيم النخعى رحمه الله تعالى.

وتأويله عندنا أنها تذكرت أن خروجها من الحيض كان يكون فى آخر هذه الأوقات.

وقال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: رفعت فتوى الى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما بعد ما كف بصره فدفعه الى فقرأته عليه فاذا فيه: انى امرأة من المسلمين ابتليت بالدم وقد سألت عليا رضى الله تعالى عنه فأمرنى أن أغتسل لكل صلاة، فقال: وأنا أرى مثل ما رأى على رضى الله تعالى عنه، فلهذه الآثار أمرناها بالاغتسال لكل صلاة.

ص: 143

وكان أبو سهل رحمه الله تعالى يقول تغتسل فى وقت وتصلى ثم تغتسل فى الوقت الثانى لأداء صلاة الوقت وتعيد ما صلت قبل هذا الوقت لتتيقن أداء أحدهما بصفة الطهارة لأن الاحتياط فى باب العبادات واجب وانما تصلى المكتوبات والسنن المشهورة، لأنها تبع للمكتوبات شرعت لجبر النقصان المتمكن فيها، وكذلك تصلى الوتر لأنها واجبة أو سنة مؤكدة ولا تصلى شيئا من التطوعات سوى هذا، لأن أداء التطوع فى حالة الطهر مباح وفى حالة الحيض حرام.

وما تردد بين المباح والبدعة لا يؤتى به فان التحرز عن البدعة واجب وفيما تصلى تقرأ فى كل ركعة آية واحدة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وثلاث آيات عندهما قدر ما يتم به فرض القراءة.

ومن مشايخنا رحمهم الله تعالى من يقول: تقرأ الفاتحة فى الأوليين من المكتوبة وفى السنن فى كل ركعة، لان الفاتحة تعينت واجبة فى حق العمل فلا تترك قراءتها.

ولا تقرأ السورة معها، كما لا تقرأ خارج الصلاة آية تامة، لأن ما تردد بين السنة والبدعة لا يؤتى به.

وكذلك لا تمس المصحف ولا تدخل المسجد، لأنها فى كل وقت على احتمال أنها حائض، وليس للحائض مس المصحف ولا دخول المسجد ولا قراءة آية تامة من القرآن.

فان سمعت سجدة فسجدت كما سمعت سقطت عنها، لأنها ان كانت طاهرة فقد أدت ما لزمها، وان كانت حائضا فلا تجب السجدة على الحائض بالسماع.

وان سجدت بعد ذلك يلزمها أن تعيدها بعد عشرة أيام لجواز أن سماعها كان فى حالة الطهر فلزمتها السجدة ثم أدت فى حالة الحيض فلا تسقط عنها، فاذا أعادت بعد عشرة أيام تيقنت أن احداهما كانت فى حالة الطهر.

وان حجت فلا تأتى بطواف التحية أصلا، لأنه سنة وما تردد بين السنة والبدعة لا يؤتى به.

فأما طواف الزيارة فركن الحج لا بد أن تأتى به، ثم تعيده بعد عشرة أيام، لتتيقن أن أحدهما حصل فى حالة الطهر، فتتحلل به بيقين وتأتى بطواف الصدر ثم لا تعيده، لأن طواف الصدر واجب على الطاهر دون الحائض، فان كانت حائضا فليس عليها ذلك وان كانت طاهرة فقد أتت به.

ولا يطؤها زوجها، لأن الوط ء لا تتحقق فيه الضرورة ولكنه اقتضاء

ص: 144

للشهوة وهو حرام فى حالة الحيض.

وقد قال بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى: للزوج أن يتحرى ويطأها بالتحرى، لأنه حقه فى حالة الطهر وزمان الطهر أكثر من زمان الحيض وعند غلبة الحلال يجوز التحرى كالمساليخ

(1)

اذا اختلطت والحلال غالب على الميتة.

ولكن هذا غير صحيح فان التحرى فى باب الفروج لا يجوز، نص عليه فى كتاب التحرى فى الجوارى.

وانما التحرى فيما يحل تناوله بالاذن دون الملك.

وأما فى الصوم فقد جاء فى البحر

(2)

الرائق أنها تصوم كل شهر رمضان لاحتمال طهارتها كل يوم وتعيد بعد رمضان عشرين يوما وهو على ثلاثة أوجه.

الأول: أن علمت ابتداء حيضها كان يكون بالليل فانها تقضى عشرين يوما لجواز أن حيضها فى كل شهر عشرة أيام، فاذا قضت عشرة يجوز حصولها فى الحيض فتقضى عشرة أخرى.

والثانى: أن علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار، فتقضى اثنين وعشرين يوما، لأن أكثر ما فسد من صومها فى الشهر أحد عشر يوما فتقضى ضعفه احتياطا.

والثالث: ان لم تعلم شيئا فقال عامة مشايخنا تقضى عشرين، لأن الحيض لا يزيد على عشرة.

وقال الفقيه أبو جعفر الهندوانى:

تقضى اثنين وعشرين يوما، وهو الأصح احتياطا، لجواز أن يكون بالنهار، وهذا اذا علمت دورها فى كل شهر.

فان لم تعلم ذلك ثم أنها علمت أن ابتداء حيضها كان بالليل، فيجب أن تقضى خمسة وعشرين يوما، لجواز أنها حاضت عشرة فى أوله وخمسة فى آخره، أو على العكس فعليها قضاء خمسة عشر يوما، فاذا قضته موصولا بالشهر فعلى التقدير الاول فخمسة أيام من شوال بقية حيضها الثانى، فلا يجزئ الصوم فيها، ويجزئها فى خمسة عشر بعدها، وعلى العكس فيوم الفطر أول يوم من طهرها لا تصوم فيه، ثم يجزئها الصوم فى أربعة عشر يوما، ثم لا يجزئها فى

(1)

فى لسان العرب السلخ كشط الاهاب عن ذيه والسلخ ما سلخ عنه وشاة سليخ كشط عنها جلدها والمسلوخة اسم يلتزم الشاة المسلوخة بلا بطون ولا جزارة ج 12 ص 24، ص 25 مادة سلخ.

(2)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 221 الطبعة السابقة.

ص: 145

عشرة، ثم يجزئها فى آخر يوم فجملته خمسة وعشرون يوما، وكذلك ان قضته مفصولا، لتوهم أن ابتداء القضاء كان وافق أول يوم من حيضها فلا يجزئها الصوم فى عشر ثم يجزئها فى خمسة عشر.

أما ان لم تعلم دورها كل شهر.

ثم أنها ان علمت أن ابتداء حيضها كان بالنهار، فيجب أن تقضى اثنين وثلاثين يوما ان قضته موصولا برمضان، لأن أكثر ما فسد من صومها من أول الشهر ستة عشر يوما وان قضته مفصولا تقضى ثمانية وثلاثين يوما، لتوهم ان ابتداء القضاء وافق أول يوم من حيضها فلا يجزئها الصوم فى أحد عشر ثم يجزئها فى أربعة عشر، ثم لا يجزئها فى أحد عشر ثم يجزئها فى يومين فجملته ثمانية وثلاثون يوما.

وان كانت لا تعلم شيئا قال عامة مشايخنا تصوم خمسة وعشرين يوما.

وقال الفقيه أبو جعفر: ان قضته موصولا صامت اثنين وثلاثين، وان قضته مفصولا صامت ثمانية وثلاثين يوما وهو الأصح، وهذا كله اذا كان شهر رمضان كاملا.

فان كان ناقصا وعلمت أن ابتداء حيضها كان بالليل، أو لم تعلم، فان وصلت. قضت ثلاثة وثلاثين يوما، وان فصلت صامت سبعة وثلاثين يوما.

هذا اذا كان اشتباه الحائض فى صيام رمضان.

أما ان كان اشتباهها فى صيام كفارة القتل وكفارة الفطر، فقد جاء فى المبسوط

(1)

: أنه لو وجب على المرأة صوم شهرين متتابعين فى كفارة القتل أو فى كفارة الفطر بأن كانت أفطرت قبل هذه الحالة اذ فى هذه الحالة لا تلزمها الكفارة لتمكن الشبهة فى كل يوم بالتردد بين الحيض والطهر.

ثم هذا على وجهين.

وذلك لأنها اما أن تكون على علم بأن حيضها كان يكون فى كل شهر أو لا ..

وكل وجه من هذين على وجهين.

أما ان كانت تعلم أن ابتداء حيضها بالليل أو بالنهار أو لا تعلم ذلك.

فأما الفصل الأول وهو ما اذا كان دورها فى كل شهر فان علمت أن

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 3 ص 197 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 146

ابتداء حيضها كان يكون بالليل فعليها أن تصوم تسعين يوما، وان الواجب عليها ستين يوما متتابعة فمن كل ثلاثين يتيقن بجواز صومها فى عشرين، فاذا صامت تسعين يوما تيقنت بجواز صومها فى ستين يوما، فتسقط به الكفارة عنها وان علمت ان ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فعليها أن تصوم مائة يوم وأربعة أيام، لجواز أن يكون ابتداء صومها يوافق ابتداء حيضها فلا يجزئها فى أحد عشر يوما، ثم يجزئها فى تسعة عشر يوما، ثم لا يجزئها فى أحد عشر، ثم يجزئها فى تسعة عشر، ثم فى الشهر الثالث كذلك فيبلغ العدد تسعين يوما.

وان كانت لا تدرى أن حيضها كان يكون بالليل أو بالنهار فعلى قول أكثر مشايخنا رحمهم الله تعالى تصوم تسعين يوما.

وعلى ما ذكره الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى تأخذ بأحوط الوجهين فتصوم مائة وأربعة أيام.

وأما الفصل الثانى وهى ما اذا كانت لا تدرى أن دورها فى كم يكون فان علمت أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل فعليها أن تصوم مائة يوم، لأن من كل خمسة وعشرين تتيقن بجواز صومها فى خمسة عشر بأن كان حيضها عشرة وطهرها خمسة عشر، فاذا صامت مائة يوم جاز صومها فى ستين يوما بيقين فتسقط عنها الكفارة به.

وان كانت تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار فعليها أن تصوم مائة وخمسة عشر يوما، لأن من الجائز أن يوافق ابتداء الصوم ابتداء الحيض فلا يجزئها فى أحد عشر، ثم يجزئها فى أربعة عشر، ثم لا يجزئها فى أحد عشر، ثم يجزئها فى أربعة عشر، فيبلغ العدد مائة وانما جاز صومها فى ستة وخمسين يوما، ثم لا يجزئها فى أحد عشر يوما، ثم يجزئها فى أربعة من أربعة عشر يوما تتمة ستين فبلغ مائة وخمسة وعشرين، وانما جاز صومها فيه فى ستين يوما.

وان كانت لا تدرى كيف كان ابتداء حيضها فهو على الاختلاف الذى بينا.

وأما ان تعلق هذا الاشتباه فى صوم كفارة اليمين فقد جاء فى المبسوط

(1)

:

أنه لو وجب عليها صوم ثلاثة أيام فى كفارة اليمين، فان كانت تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالليل، فعليها أن تصوم خمسة عشر يوما لأنه أن وافق ابتداء صومها ابتداء الحيض لم يجزئها فى عشرة، ثم يجزئها فى ثلاثة بعدها وذلك ثلاثة عشر، فان كانت حين افتتحت الصوم بقى من طهرها

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 3 ص 198، ص 199 الطبعة السابقة.

ص: 147

يوم أو يومان جاز صومها فيهما ثم لم يجز فى عشرة فانقطع به التتابع فان صوم ثلاثة أيام فى كفارة اليمين متتابعة وعذر الحيض فيه لا يكون عفوا، لأنها تجد ثلاثة أيام خالية عن الحيض بخلاف الشهرين فعليها أن تحتاط بصوم خمسة عشر يوما حتى اذا كان الباقى من طهرها يومين حين افتتحت الصوم لم يجزها صومها فيهما عن الكفارة، لانقطاع التتابع فى العشرة بعدهما، لعذر الحيض، وجاز صومها فى ثلاثة بعدها، فكانت الجملة خمسة عشر يوما.

وان شاءت صامت ثلاثة أيام ثم بعد عشرة أيام تصوم ثلاثة أيام أخرى فتيقن أن احدى الثلاثتين وافقت زمان طهرها وجاز صومها فيها عن الكفارة.

وان كانت تعلم أن ابتداء حيضها كان يكون بالنهار، فعليها أن تصوم ستة عشر يوما، لان من الجائز أن الباقى من طهرها حين افتتحت الصوم يومان، فلا يجزئها الصوم فيهما عن الكفارة، لانقطاع التتابع، ثم لا يجزئها فى أحد عشر يوما بسبب الحيض، ثم يجزيها فى ثلاثة أيام، فتكون الجملة ستة عشر يوما، صامت ثلاثة أيام، ثم أفطرت أحد عشر، ثم صامت ثلاثة أيام، فتيقن أن احدى الثلاثين فى زمان طهرها فيجزيها.

ولو أن هذه المرأة طلقها زوجها بعد الدخول بها فعلى قول أبى عصمة سعد بن معاذ رضى الله عنه أنه لا تنقضى عدتها فى حكم التزوج بزوج آخر أبدا، لأنه لا يقدر أكثر الطهر بشئ، فان التقدير بالرأى لا يجوز.

وعلى قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى اذا مضى من وقت الطلاق تسعة عشر شهرا وعشرة أيام غير أربع ساعات يجوز لها أن تتزوج، لأنه يقدر أكثر مدة الطهر بستة أشهر غير ساعة، ومن الجائز أن الطلاق كان بعد مضى ساعة من حيضها، فلا تحتسب هذه الحيضة من العدة، وذلك عشرة أيام غير ساعة، ثم بعد ثلاثة أطهار كل طهر ستة أشهر غير ساعة وثلاثة حيض كل حيضة عشرة أيام، فاذا جمعت الكل بلغ تسعة عشر شهرا وعشرة أيام غير أربع ساعات فيحكم بانقضاء عدتها بهذه المدة ولها أن تتزوج بعدها.

وعلى قول من يقدر مدة الطهر فى حقها بتسعة وعشرين يوما تتزوج بعد أربعة أشهر ويوم واحد غير ساعة، لأن من الجائز أن الطلاق كان بعد مضى ساعة من حيضها، فلا تحسب هذه الحيضة من العدة وهو عشرة أيام غير ساعة، ثم بعد ثلاثة أطهار كل طهر سبعة وعشرين يوما وثلاث حيض كل حيضة عشرة فيبلغ عدد الجملة مائة وأحدا

ص: 148

وعشرين يوما غير ساعة فلهذا كان لها أن تتزوج بعد هذه المدة.

فأما حكم انقطاع الرجعة فاذا مضى تسعة وثلاثون يوما من وقت الطلاق انقطعت الرجعة، لأن بابها مبنى على الاحتياط ومن الجائز أن حيضها كان ثلاثة وطهرها خمسة عشر وكان وقوع الطلاق فى آخر جزء من أجزاء طهرها فتنقضى عدتها بتسع وثلاثين يوما فلهذا حكمنا بانقطاع الرجعة بهذا القدر احتياطا.

ولو أن هذه المبتلاة كانت أمة فاشتراها انسان فمدة استبرائها على قول أبى عصمة رحمه الله تعالى لا تقدر بشئ.

وعلى قول محمد بن ابراهيم رحمه الله تعالى تقدر بستة أشهر وعشرين يوما غير ساعتين هذا اذا كان الاشتباه فى دم الحيض.

فان كان فى النفاس فاذا

(1)

كان السقط قد ظهر بعض خلقه، فهو كالساقط بعد تمامه فى الأحكام فتصير المرأة به نفساء وتنقضى به العدة.

وان كان لا يدرى أمستبين هو أم لا، بأن أسقطت فى المخرج واستمر بها الدم فان أسقطت أول أيامها تركت الصلاة قدر عادتها بيقين، لأنها أما حائض أو نفساء، ثم تغتسل وتصلى عادتها فى الطهر بالشك، لاحتمال كونها نفساء أو طاهرة، ثم تترك الصلاة قدر عادتها بيقين، لأنها اما نفساء أو حائض ثم تغتسل وتصلى عادتها فى الطهر بيقين ان كانت استوفت أربعين من وقت الاسقاط والا فبالشك فى القدر الداخل فيها وبيقين فى الباقى، ثم تستمر على ذلك.

وان أسقطت بعد أيام حيضها فانها تصلى من ذلك الوقت قدر عادتها فى الطهر بالشك، ثم تترك قدر عادتها فى الحيض بيقين.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الدسوقى

(2)

: اذا رأت المرأة حيضا فى ثوبها واشتبه عليها الأمر ولم تدر وقت حصوله فان حكمها حكم من رأى منيا فى ثوبه، ولم يدر وقت حصوله فتغتسل وتعيد الصلاة من آخر نومة وتعيد الصوم من أول يوم صامته فيه كذا قال الشيخ سالم والتتائى ففرقا بين الصلاة والصوم.

والمعتمد أنه لا فرق بينهما.

وذكر ابن عرفة أن ابن القاسم قال:

من رأت فى ثوبها حيضا لا تذكر وقت

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 1 ص 230 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير فى كتاب ج 1 ص 132، ص 133 الطبعة السابقة.

ص: 149

اصابته، فان كانت لا تترك ذلك الثوب أعادت الصلاة مدة لبسه لاحتمال طهرها وقت أول صلاة من أول يوم لبسته بأن أتاها الدم دفعة وانقطع، وان كانت تنزعه فى بعض الأوقات فمن آخر لبسة وتعيد صوم ما تعيد صلاته ما لم يجاوز عادتها والا اقتصرت عليها.

أما ابن حبيب فقال: لا تعيد الصوم الا يوما فقط. وظاهره سواء كانت تنزعه فى بعض الأوقات أم لا.

قال ابن يونس ووجه قول ابن القاسم باعادة الصوم مدة عادتها مع أنه يمكن أن الدم أتاها لحظة وانقطع فالذى بطل صومه يوم نزولها فقط امكان تمادى الدم أياما ولم تشعر.

وقول ابن حبيب أبين عندى، لأن الدم انما أتاها لحظة وانقطع اذ لو استمر نزوله عليها لشعرت به ولم يظهر فى ثوبها فقط.

واعترض على ابن حبيب بأن الحيض يقطع التتابع ويرفع النية فقد صامت بلا نية فوجب اعادة الجميع.

وأجيب بأنها حيث لم تعلم فهى على النية الأولى لم ترفعها فلا يبطل التتابع.

وجاء فى موضع

(1)

آخر: لو شكت امرأة واشتبه عليها الأمر هل طهرت قبل الفجر أو بعده سقطت الصلاة يعنى صلاة العشاءين، وهذا هو الصواب بخلاف ما فى الشراح من أنها الصبح اذ الصبح واجبة قطعا لطهرها فى وقتها.

قال الدسوقى ويمكن تصحيح ما فى الشراح بحمله على ما اذا استيقظت بعد الشمس وشكت هل طهرت قبل الفجر أو بعده أو بعد الشمس فتسقط عنها صلاة الصبح حينئذ كما تسقط العشاءان

ثم قال

(2)

: ووجب على المرأة الصوم مع القضاء له أيضا ان شكت هل طهرت قبل الفجر أو بعده.

قال الدسوقى: يعنى اذا شكت بعد الفجر - وأراد بالشك مطلق التردد أو ما قابل الجزم - هل طهرت قبل الفجر أو بعده فانه يجب عليها الامساك، لاحتمال طهرها قبله والقضاء لاحتماله بعده.

قال والظاهر أنه لا كفارة عليها ان لم تمسك وليس كيوم الشك لظهور التحقيق فيه.

قال ابن رشد وهذا بخلاف الصلاة فانها لا تؤمر بفعل ما شكت فى وقته هل كان الطهر فيه أم لا فاذا شكت بعد

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 172 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 522 الطبعة السابقة.

ص: 150

الفجر هل طهرت قبل الفجر أو بعده فلا تجب عليها العشاء واستشكل ذلك بأن الحيض مانع من وجوب الأداء فى كل من الصلاة والصوم والشك فيه موجود فى كل منهما فلم وجب الأداء فى الصوم دون الصلاة وأجيب بأن سلطان الصلاة قد ذهب بخروج وقتها فلذا لم تؤد بخلاف الصوم فأنه يستغرق النهار فللزمن فيه حرمة فوجب عليها الامساك كمن شك هل كان أكله قبل الفجر أو بعده.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(1)

: انه ان كانت المرأة ناسية لوقت الحيض ذاكرة - للعدد فكل زمان تيقنا فيه الحيض ألزمناها اجتناب ما تجتنبه الحائض، وكل زمان تيقنا طهرها أبحنا فيه ما يباح للطاهر وأوجبنا ما يجب على الطاهر، وكل زمان شككنا فى طهرها حرمنا وطأها، وأوجبنا ما يجب على الطاهر احتياطا، وكل زمان جوزنا فيه انقطاع الحيض أوجبنا عليها أن تغتسل فيه للصلاة ويعرف ذلك بتنزيل أحوالها.

وان قالت كان حيضى فى كل شهر عشرة أيام لا أعرفها وكنت فى اليوم السادس طاهرا، فانها من أول الشهر الى آخر السادس فى طهر بيقين، ومن السابع الى آخر الشهر فى طهر مشكوك فيه، فتتوضأ لكل فريضة الى أن يمضى عشرة أيام بعد السادس، ثم تغتسل، لامكان انقطاع الدم فيه، ثم تغتسل بعد ذلك لكل صلاة، الا أن تعرف الوقت الذى كان ينقطع فيه الدم فتغتسل كل يوم فيه دون غيره.

وان قالت كان حيضى فى كل شهر خمسة أيام لا أعرف موضعها، وأعلم أنى كنت فى الخمسة الأخيرة طاهرا، وأعلم أن لى طهرا صحيحا غيرها فى كل شهر.

فانه يحتمل أن يكون حيضها فى الخمسة الأولى والباقى طهر.

ويحتمل أن يكون حيضها فى الخمسة الثانية والباقى طهر، ولا يجوز أن يكون فى الخمسة الثالثة، لأن ما قبلها وما بعدها دون أقل الطهر.

ويحتمل أن يكون حيضها فى الخمسة الرابعة ويكون ما قبلها طهرا.

ويحتمل أن يكون حيضها فى الخمسة الخامسة، ويكون ما قبلها طهرا، فيلزمها أن تتوضأ لكل صلاة فى الخمسة الأولى وتصلى، لأنه طهر مشكوك فيه، ثم تغتسل لكل فريضة من أول السادس الى آخر العاشر، لأنه طهر مشكوك فيه.

ويحتمل انقطاع الدم فى كل وقت منه، ومن أول الحادى عشر الى آخر

(1)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 42، ص 43 الطبعة السابقة.

ص: 151

الخامس عشر تتوضأ لكل فريضة، لأنه طهر بيقين، ومن أول السادس عشر تتوضأ لكل صلاة الى آخر العشرين، لأنه طهر مشكوك فيه لا يحتمل انقطاع الحيض فيه، ثم تغتسل لكل صلاة الى آخر الخامس والعشرين، لأنه طهر مشكوك فيه، وتغتسل لكل صلاة لأنه يحتمل انقطاع الحيض فى كل وقت منها، ومن أول السادس والعشرين الى آخر الشهر تتوضأ لكل فريضة لأنه طهر بيقين.

فان قالت كان حيضى فى كل شهر عشرة أيام ولى فى كل شهر طهر صحيح وكنت فى اليوم الثانى عشر حائضا فانها فى خمسة عشر يوما من آخر الشهر فى طهر بيقين، وفى اليوم الأول والثانى من أول الشهر فى طهر بيقين، وفى الثالث والرابع والخامس فى طهر مشكوك فيه تتوضأ فيه لكل فريضة، وفى السادس الى تمام الثانى عشر فى حيض بيقين، ومن الثالث عشر الى تمام الخامس عشر فى طهر مشكوك فيه، ويحتمل انقطاع الحيض فى كل وقت منها فتغتسل لكل صلاة.

وان قالت كان حيضى خمسة أيام من العشر الأول وكنت فى اليوم الثانى من الشهر طاهر وفى اليوم الخامس حائضا.

فانه يحتمل أن يكون ابتداء حيضها من الثالث وآخره الى تمام السابع.

ويحتمل أن يكون من الرابع وآخره الى تمام الثامن.

ويحتمل أن يكون ابتداؤه من الخامس وآخره الى تمام التاسع، فاليوم الاول والثانى طهر بيقين، والثالث والرابع طهر مشكوك فيه، والخامس والسادس والسابع حيض بيقين ثم تغتسل فى آخر السابع فيكون ما بعده الى تمام التاسع طهرا مشكوكا فيه تغتسل فيه لكل صلاة.

وان قالت كان لى فى كل شهر حيضتان ولا أعلم موضعهما ولا عددهما فان الشيخ أبا حامد الاسفرايينى رحمه الله تعالى ذكر أن أقل ما يحتمل أن يكون حيضها يوما من أول الشهر ويوما من آخره ويكون ما بينهما طهرا وأكثر ما يحتمل أن يكون حيضها أربعة عشر يوما من أول الشهر أو من آخره ويوما وليلة من أول الشهر أو من آخره، ويكون بينهما خمسة عشر يوما طهرا.

ويحتمل ما بين الأقل والأكثر فيلزمها أن تتوضأ وتصلى فى اليوم الأول من الشهر لأنه طهر مشكوك فيه، ثم تغتسل لكل صلاة الى آخر الرابع عشر، لاحتمال انقطاع الدم فيه ويكون الخامس عشر والسادس عشر طهرا بيقين، لأنه ان كان ابتداء الطهر فى اليوم الثانى فاليوم السادس عشر

ص: 152

آخره، وان كان من الخامس عشر فالخامس عشر والسادس عشر داخل فى الطهر، ومن السابع عشر الى آخر الشهر طهر مشكوك فيه.

وقال شيخنا القاضى أبو الطيب الطبرى رحمه الله تعالى: هذا خطأ، لأنا اذا أنزلناها هذا التنزيل لم يجز أن يكون هذا حالها فى الشهر الذى بعده، بل يجب أن تكون فى سائر الشهور كالمتحيرة الناسية لأيام حيضها ووقته، فتغتسل لكل صلاة، ولا يطؤها الزوج، وتصوم رمضان وتقضيه.

فان كانت ذاكرة للوقت ناسية للعدد نظرت.

فان كانت ذاكرة لوقت ابتدائه، بان قالت: كان ابتداء حيضى من أول يوم من الشهر، حيضناها يوما وليلة من أول الشهر، لأنه يقين ثم تغتسل بعده، فتحصل فى طهر مشكوك فيه الى آخر الخامس عشر، وتصلى، وتغتسل لكل صلاة لجواز انقطاع الدم فيه، وما بعده طهر بيقين الى آخر الشهر، فتتوضأ لكل صلاة.

وان كانت ذاكرة لوقت انقطاعه بأن قالت: كان حيضى ينقطع فى آخر الشهر قبل غروب الشمس حيضناها قبل ذلك يوما وليلة وكانت طاهرا من أول الشهر الى آخر الخامس عشر تتوضأ لكل صلاة فريضة، ثم تحصل فى طهر مشكوك فيه الى آخر التاسع والعشرين تتوضأ لكل صلاة، لأنه لا يحتمل انقطاع الدم ولا يجب الغسل الا فى آخر الشهر فى الوقت الذى تيقنا انقطاع الحيض فيه.

وان قالت كان حيضى فى كل شهر خمسة عشر يوما، وكنت أخلط أحد النصفين بالآخر أربعة عشر فى أحد النصفين ويوما فى النصف الآخر، ولا أدرى أن اليوم فى النصف الأول أو الأربعة عشر.

فهذه يحتمل أن يكون اليوم فى النصف الثانى والأربعة عشر فى النصف الأول فيكون ابتداء الحيض من اليوم الثانى من الشهر وآخره تمام السادس عشر.

ويحتمل أن يكون اليوم فى النصف الأول والأربعة عشر فى النصف الثانى فيكون ابتداء الحيض من أول الخامس عشر وآخره التاسع والعشرون، فاليوم الأول والآخر من الشهر طهر بيقين والخامس عشر والسادس عشر حيض بيقين، ومن الثانى الى الخامس عشر طهر مشكوك فيه، ومن أول السابع عشر الى آخر التاسع والعشرين طهر مشكوك فيه فتغتسل فى آخر السادس عشر وفى آخر التاسع والعشرين لأنه يحتمل انقطاع الدم فيهما وعلى هذا التنزيل والقياس.

فان قالت: كان حيضى خمسة عشر يوما وكنت أخلط اليوم وأشك هل كنت أخلط بأكثر من يوم فالحكم فيه كالحكم فى المسألة قبلها الا فى شئ

ص: 153

واحد وهو أن هاهنا يلزمها أن تغتسل لكل صلاة بعد السادس عشر لجواز أن يكون الخلط بأكثر من يوم فيكون ذلك الوقت وقت انقطاع الحيض الا أن تعلم انقطاع الحيض فى وقت بعينه من اليوم فتغتسل فيه فى مثله.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

ان المرأة الحائض ان كانت لها أيام أنسيتها فانها تقعد ستا أو سبعا فى كل شهر.

وهى المستحاضة وهى من لا عادة لها ولا تمييز وهذا القسم نوعان.

أحدهما: الناسية ولها ثلاثة أحوال.

أحدها: أن تكون ناسية لوقتها وعددها وهذه يسميها الفقهاء المتحيرة.

والثانية: أن تنسى عددها وتذكر وقتها.

والثالثة: أن تذكر عددها وتنسى وقتها.

فالناسية لهما هى التى ذكر الخرقى حكمها، وانها تجلس فى كل شهر ستة أيام أو سبعة يكون ذلك حيضها، ثم تغتسل وهى فيما بعد ذلك مستحاضة تصوم وتصلى وتطوف.

وعن أحمد أنها تجلس أقل الحيض.

ثم ان كانت تعرف شهرها وهو مخالف للشهر المعروف جلست ذلك من شهرها.

وان لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعروف، لأنه الغالب.

وذلك لما روت حمنة بنت جحش قالت:

كنت استحاض حيضة كبيرة شديدة، فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم استفتيه فوجدته فى بيت أختى زينب بنت جحش فقلت: يا رسول الله انى أستحاض حيضة كبيرة شديدة فما تأمرنى فيها قد منعتنى الصيام والصلاة قال:

«أنعت لك الكرسف فانه يذهب الدم قلت: هو أكثر من ذلك انما أثج ثجا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم سآمرك أمرين أيهما صنعت أجزأ عنك فان قويت عليهما فأنت أعلم: فقال انما هى ركضة من الشيطان فتحيضى ستة أيام أو سبعة أيام فى علم الله ثم اغتسلى فاذا رأيت أنك قد طهرت واستنقأت فصلى أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها وصومى، فان ذلك يجزئك، وكذلك فافعلى كما يحيض النساء، وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن فان قويت أن تؤخرى الظهر وتعجلى العصر، ثم تغتسلين حتى تطهرين وتصلين الظهر والعصر جميعا، ثم تؤخرين المغرب وتعجلين العشاء، ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين وتغتسلين للصبح فافعلى وصومى ان قويت على ذلك فقال:

رسول الله صلى الله عليه وسلم «وهو

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 340، ص 341، ص 342، ص 343، 344، ص 345 الطبعة السابقة.

ص: 154

أعجب الامرين الى «رواه أبو داود والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح.

قال: وسألت محمدا عنه فقال:

هو حديث حسن.

وحكى ذلك عن أحمد أيضا.

وهو بظاهرة يثبت الحكم فى حق الناسية، لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها هل هى مبتدأة أو ناسية، ولو افترق الحال لاستفصل وسأل.

واحتمال أن تكون ناسية أكثر فان حمنة امرأة كبيرة كذلك قال أحمد ولم يسألها النبى صلى الله عليه وسلم عن تمييزها، لأنه قد جرى من كلامها من تكثير الدم وصفته ما أغنى عن السؤال عنه ولم يسألها هل لها عادة فيردها اليها، لاستغنائه عن ذلك لعلمه اياه اذ كان مشتهرا وقد أمر به أختها أم حبيبة، فلم يبق الا ان تكون ناسية ولأن لها حيضا لا تعلم قدره فيرد الى غالب عادات النساء كالمبتدأة ولانها لا عادة لها ولا تمييز فأشبهت المبتدأة وقولهم لها أيام معروفة قلنا قد زالت المعرفة فصار وجودها كالعدم وأما أمر أم حبيبة بالغسل لكل صلاة فانما هو ندب كأمره لحمنة فى هذا الخبر فان أم حبيبة كانت معتادة ردها الى عادتها وهى التى استفتت لها أم سلمة.

على أن حديث أم حبيبة انما روى عن الزهرى وأنكره الليث بن سعد فقال:

لم يذكر ابن شهاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أم حبيبة أن تغتسل لكل صلاة، ولكنه شئ فعلته هى وقوله صلى الله عليه وسلم ستا أو سبعا فالظاهر أنه ردها الى اجتهادها ورأيها فيما يغلب على ظنها أنه أقرب الى عادتها أو عادة نسائها أو ما يكون أشبه بكونه حيضا ذكره القاضى فى بعض المواضع.

وذكر فى موضع آخر: أنه خيرها بين ست وسبع لا على طريق الاجتهاد كما خير واطئ الحائض بين التكفير بدينار أو نصف دينار بدليل أن حرف أو للتخيير والأول ان شاء الله أصح، لأنا لو جعلناها مخيرة أفضى الى تخييرها فى اليوم السابع بين أن تكون الصلاة عليها واجبة وبين كونها محرمة وليس اليها فى ذلك خيرة بحال، أما التكفير ففعل اختيارى يمكن التخيير بين اخراج دينار أو نصف دينار والواجب نصف دينار فى الحالين، لأن الواجب لا يتخير بين فعله وتركه، وقولهم: أن أو للتخيير قلنا: وقد يكون للاجتهاد كقول الله تعالى: «فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمّا فِداءً» واما «كأو» فى وضعها وليس للامام فى الأسرى الا فعل ما يؤديه اليه اجتهاده أنه الأصلح.

ص: 155

ولا تخلو الناسية من أن تكون جاهلة بشهرها أو عالمة به.

فان كانت جاهلة بشهرها رددناها الى الشهر الهلالى فحيضناها فى كل شهر حيضة، لحديث حمنة، ولأنه الغالب فترد اليه كردها الى الست والسبع.

وان كانت عالمة بشهرها حيضناها فى كل شهر من شهورها حيضة، لأن ذلك عادتها فترد اليها كما ترد المعتادة الى عددها فى عدد الأيام، الا أنها متى كان شهرها أقل من عشرين يوما لم نحيضها منه أكثر من الفاضل عن ثلاثة عشر يوما أو خمسة عشر يوما، لأنها لو حاضت أكثر من ذلك لنقص طهرها عن أقل الطهر ولا سبيل اليه.

وهل تجلس أيام حيضها من أول كل شهر أو بالتحرى والاجتهاد؟ فيه وجهان.

أحدهما: تجلسه من أول كل شهر اذا كان يحتمل، لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لحمنة «تحيضى ستة أيام أو سبعة أيام فى علم الله ثم اغتسلى وصلى أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها» فقدم حيضها على الطهر ثم أمرها بالصلاة والصوم فى بقيته، ولأن المبتدأة تجلس من أول الشهر مع أنه لا عادة لها فكذلك الناسية، ولأن دم الحيض دم جبلة والاستحاضة عارضة فاذا رأت الدم وجب تغليب دم الحيض.

والوجه الثانى: انها تجلس ايامها من الشهر بالتحرى والاجتهاد وهذا قول ابى بكر وابن أبى موسى، لأن النبى صلى الله عليه وسلم ردها الى اجتهادها فى القدر بقوله «ستا أو سبعا» فكذلك فى الزمان، ولان للتحرى مدخلا فى الحيض، بدليل أن المميزة ترجع الى صفة الدم. فكذلك فى زمنه.

فان تساوى عندها الزمان كله ولم يغلب على ظنها شئ تعين اجلاسها من اول الشهر لعدم الدليل فيما سواه.

القسم الثانى: الناسية لعددها دون وقتها كالتى تعلم أن حيضها فى العشر الاول من الشهر ولا تعلم عدده، فهى فى قدر ما تجلسه كالمتحيرة تجلس ستا أو سبعا فى أصح الروايتين، الا أنها تجلسها من العشر دون غيرها، وهل تجلسها من اول العشر او بالتحرى؟ على وجهين.

وان قالت اعلم اننى كنت أول الشهر حائضا ولا اعلم آخره أو اننى كنت آخر الشهر حائضا ولا أعلم أوله أو لا أعلم هل كان ذلك اول حيضى أو آخره؟ حيضناها اليوم الذى

ص: 156

علمته وأتمت بقية حيضها مما بعده فى الصورة الاولى، ومما قبله فى الثانية، وبالتحرى فى الثالثة، او مما يلى أول الشهر على اختلاف الوجهين.

القسم الثالث: الناسية لوقتها دون عددها وهذه تتنوع نوعين.

أحدهما: أن لا تعلم لها وقتا أصلا مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام فأنها تجلس خمسة من كل شهر اما من أوله أو بالتحرى على اختلاف الوجهين.

الثانى: أن تعلم لها وقتا مثل أن تعلم أنها كانت تحيض أياما معلومة من العشر الاول من كل شهر فانها تجلس عدد أيامها اما أن يكون زائدا على نصف ذلك الوقت أو لا يزيد.

فان كان زائدا على نصفه مثل أن تعلم أن حيضها ستة أيام من العشر الاول من كل شهر أضعفنا الزائد فجعلناه حيضا بيقين وتجلس بقية ايامها بالتحرى فى احد الوجهين.

وفى الآخر من أول العشر، ففى هذه المسألة الزائد يوم وهو السادس فتضعفه ويكون الخامس والسادس حيضا بيقين، لاننا متى عددنا لها ستة أيام من أى موضع كان من العشر دخل فيه الخامس والسادس يبقى لها اربعة أيام.

فان اجلسناها من الاول كان حيضها من اول العشر الى آخر السادس منها يومان حيض بيقين والاربعة حيض مشكوك فيه والاربعة الباقية طهر مشكوك فيه.

وأن اجلسناها بالتحرى فأداها اجتهادها الى انها من اول الشهر فهى كالتى ذكرنا.

وأن جلست الاربعة من آخر الشهر كانت حيضا مشكوكا فيه والاربعة الاولى طهر مشكوك فيه.

وأن قالت حيضى سبعة أيام من العشر الأول فقد زادت يومين على نصف الوقت فتضعفهما فيصير لها اربعة أيام حيضا بيقين وهى من أول الرابع الى آخر السابع، ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها من أول العشر أو بالتحرى، فيكون ذلك حيضا مشكوكا فيه ويبقى لها ثلاثة طهرا مشكوكا فيه وسائر الشهر طهر.

وحكم الحيض المشكوك فيه حكم الحيض المتيقن فى ترك العبادات.

وأن كن حيضها نصف الوقت فما دون فليس لها حيض بيقين، لانها متى كانت تحيض خمسة أيام احتمل أن تكون الخمسة الأولى وأن تكون الثانية، وأن تكون بعضها من الاولى، وباقيها من الثانية فتجلس خمسة بالتحرى او من اول العشر على اختلاف الوجهين.

وجاء فى كشاف القناع

(1)

: أنه ان كان دم المرأة متميزا بعضه أسود أو تخين أو منتن وبعضه رقيق أحمر غير منتن فحيضها زمن الاسود أو زمن الثخين أو زمن المنتن أن صلح أن يكون حيضا بأن لا ينقص عن أقل الحيض يوم وليلة ولا يجاوز اكثره خمسة عشر يوما قال ابن تميم ولا ينقص غيره عن أقل الطهر

(1)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الارادات لابن منصور البهوتى ج 1 ص 146 الطبعة السابقة.

ص: 157

فتجلسه من غير تكرار، لما روت عائشة قالت: جاءت فاطمة بنت ابى حبيش فقالت:

يا رسول الله انى استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال انما ذلك عرق وليس بالحيضة، فاذا اقبلت الحيضة فدعى الصلاة، وأذا أدبرت فاغسلى عنك الدم وصلى متفق عليه.

وفى لفظ النسائى اذا كان الحيض فأنه اسود يعرف فأمسكى عن الصلاة وأذا كان الآخر فتوضئى وصلى فأنما هو دم عرق ولانه خارج من الفرج يوجب الغسل فيرجع الى صفته عند الاشتباه كالمنى والمذى.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى: أن المرأة المتصلة الدم الاسود الذى لا يتميز ولا تعرف أيامها، فأن الغسل فرض عليها أن شاءت لكل صلاة فرض أو تطوع، وأن شاءت اذا كان قرب آخر وقت الظهر اغتسلت وتوضأت وصلت الظهر بقدر ما تسلم منها بعد دخول وقت العصر ثم تتوضأ وتصلى العصر، ثم اذا كان قبل غروب الشفق اغتسلت وتوضأت وصلت المغرب بقدر ما تفرغ منها بعد غروب الشفق، ثم تتوضأ وتصلى العتمة، ثم تغتسل وتتوضأ لصلاة الفجر وأن شاءت حينئذ أن تتنفل عند كل صلاة فرض وتتوضأ بعد الفريضة أو قبلها فلها ذلك

(1)

.

أما أن كانت الجارية مبتدأة بأن رأت الدم اول ما تراه اسود فهو دم حيض، تدع الصلاة والصوم، ولا يطؤها بعلها، أو سيدها.

فان تلون أو انقطع الى سبعة عشر يوما فأقل، فهو طهر صحيح، تغتسل، وتصلى وتصوم، ويأتيها زوجها وان تمادى أسود تمادت على أنها حائض الى سبع عشرة ليلة، فان تمادى أسود فانها تغتسل ثم تصلى وتصوم ويأتيها زوجها، وهى طاهر أبدا لا ترجع الى حكم الحائضة الا أن ينقطع أو يتلون كما ذكرنا فيكون حكمها اذا كان اسود حكم الحيض واذا تلون أو انقطع أو زاد على السبع عشرة حكم الطهر.

فأما التى قد حاضت وطهرت فتمادى بها الدم فكذلك أيضا فى كل شئ، الا فى تمادى الدم الاسود متصلا، فأنها اذا جاءت الايام التى كانت تحيضها أو الوقت الذى كانت تحيضه أما مرارا فى الشهر، أو مرة فى الشهر، أو مرة فى أشهر أو فى عام - فاذا جاء ذلك الامد امسكت عما تمسك به الحائض، فاذا انقضى ذلك الوقت اغتسلت وصارت فى حكم الطاهر فى كل شئ، وهكذا ابدا ما لم يتلون الدم أو ينقطع.

فان كانت مختلفة الايام بنت على آخر أيامها قبل أن يتمادى بها الدم.

فان لم تعرف وقت حيضها لزمها فرضا أن تغتسل لكل صلاة، وتتوضأ لكل صلاة، أو تغتسل وتتوضأ وتصلى الظهر فى آخر وقتها، ثم تتوضأ وتصلى العصر فى أول وقتها، ثم

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 27، ص 164، ص 207 وما بعدها المسألة رقم 186 الطبعة السابقة.

ص: 158

تغتسل وتتوضأ وتصلى المغرب فى آخر وقتها ثم تتوضأ وتصلى العتمة فى أول وقتها، ثم تغتسل وتتوضأ لصلاة الفجر، وأن شاءت أن تغتسل فى أول وقت الظهر للظهر والعصر فذلك لها، وفى أول وقت المغرب للمغرب والعتمة فذلك لها، وتصلى كل صلاة لوقتها ولا بد، وتتوضأ لكل صلاة فرض ونافلة فى يومها وليلتها.

فان عجزت عن ذلك وكان عليها فيه حرج تيممت.

برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزهرى عن عروة عن فاطمة بنت أبى حبيش:، كانت استحيضت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن دم الحيض اسود يعرف فاذا كان ذلك فأمسكى عن الصلاة واذا كان الآخر فتوضئى وصلى فأنما هو عرق

(1)

.

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إذا اقبلت الحيضة فدعى الصلاة فاذا ادبرت فاغتسلى وصلى، وفى بعضها فاذا ادبرت فاغسلى عنك الدم وتوضئى وصلى.

وهكذا رويناه من طريق حماد بن زيد وحماد ابن سلمة، وكلاهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ففى هذه الاخبار ايجاب مراعاة تلون الدم.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(2)

: أن المرأة التى اشتبه عليها الحيض أما أن تكون مبتدئة أولا

فأن كانت مبتدئة فأنها ترجع الى الصفة عند اللبس.

وأن كانت متحيرة ناسية لوقتها وعددها كمجنونة سنين استحيضت فيها.

فان ذكرت ابتداء الدم قدرت منه والا.

فان ذكرت لها حالة طهر قدرت الابتداء منه.

فان لم تذكر شيئا من ذلك صلت وصامت واحترمت المسجد والمصحف والوط ء والقراءة الا فى الصلاة واغتسلت لكل صلاة، أذ هو الاحوط.

وقيل: تكون من وقتها كالمبتدأة.

قلت: وهو قوى ما لم تتيقن مخالفة لقرائبها

وأن كانت معتادة فأنها تجعل قدر عادتها حيضا والزائد طهرا ان ابتدأها لعادتها أو فى غيرها، وقد مطلها فيه أذ المطل أمارة كون الآتى من بعد حيضا أو لم يمطل وعادتها تنتقل.

قال القاضى زيد: والا فاستحاضة كله لبعده عن أمارات الحيض مع اتصاله بالاستحاضة.

وفى قول للمؤيد بالله: بل قدر عادتها حيض، اذ هى معتادة أتاها وقت امكان.

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 164، ص 207 الطبعة السابقة المسألة رقم 186.

(2)

البحر الزخار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 1 ص 140، ص 141 الطبعة السابقة.

ص: 159

وقال أبو طالب بل العشر الاولى حيض والزائد استحاضة كالمبتدأة التى لا قرائب لها.

فان نسيت العدد لا الوقت تحيضت ثلاثا من أول وقتها المعتاد، ثم اغتسلت لكل صلاة الى آخر العشر، ثم توضأت لكل صلاة الى ذلك الوقت، ثم تستمر كذلك والوجه واضح.

فان ذكرت العدد دون الوقت فلها صور.

منها أن لا تعرف فى أى شهر هو فتصلى بالوضوء من أول كل شهر قدر ذلك العدد ثم بالغسل لكل صلاة الى آخر الشهر وتقضى من رمضان قدر ذلك العدد، وتزيد يوما، لجواز الخلط.

وأنما يصح قضاؤها فى شهر واحد بصيام مثلى ذلك العدد، لتجويز احد المثلين حيضا، فمن عددها اربع يتم قضاؤها فى الشهر بصيام عشر والزيادة لجواز الخلط.

ومنها أن تعرف العدد من العشر الاولى فى كل شهر، والتبس هل من أولها أم من آخرها فتصلى بالوضوء من اول العشر فيما جوزته طهرا كالثلاث اول العشر الا ما تيقنته حيضا كأربع من وسط العشر من عددها سبع ثم تغتسل فيما جوزته انتهاء حيض كالثلاث بعد الاربع ويكون قضاء الصيام كما فات.

ومنها أن تعرف أنه فى أول عشر والتبس فى اى اعشار الشهر، فتصلى بالوضوء فى أول كل عشر قدر ذلك العدد، ثم تغتسل مرة واحدة ثم تتوضأ الى كمال العدد من العشر الثانية ثم كذلك الى آخره وقضاء الصيام كما مر.

وأن علمته فى آخر عشر من أعشار الشهر لا بعينها، فأول كل عشر طهر بيقين حتى لا يبقى فيها الا ذلك العدد فتصليه بالوضوء وتغتسل لكمال العشر مرة، ثم كذلك الى آخر الشهر.

فان التبس فى أى العشر هو وفى أى العشرات صلت متوضئة الى كمال عددها، ثم تغتسل الى كمال العشر ثم كذلك فى كل عشر فلو كانت تعلم أنها تخلط عشرا بعشر صلت بالوضوء الى مغرب أول العشر الثانية ثم تغتسل لكل صلاة الى كمال عددها، ثم تصلى بالوضوء الى مغرب أول يوم من العشر الاخرى، ثم تغتسل الى كمال عددها، ثم تصلى متوضئة الى آخر الشهر، تفعل كذلك فى كل شهر.

فأما التى التبس وقتها وعددها وهل تخلط شهرا بشهر أم لا؟

فان عرفت أنها لا تخلط شهرا بشهر تحيضت من ابتداء الدم عشرا لمجيئه وقت امكانه.

فأن جهلت ابتداءه وعرفت تقدمه بعشر فصاعدا، فان كانت فى وسط الشهر صلت بالغسل الى آخر الشهر ثم بالوضوء فى أول كل شهر ثلاثة أيام، ثم بالغسل الى آخر الشهر تفعل كذلك مستمرا فى غير شهر الابتداء وتصوم هذه رمضان، ثم تقضى منه واحدا وعشرين لتجويز العشر الاولى والاخرى منه حيضا والحادى والعشرين لجواز الخلط أذ يجوز ابتداؤه فى وسط اليوم فى اول الشهر فتوفى العشر من الحادى عشر، فيتم قضاؤها لمضى أربعة وأربعين يوما من أول شوال لجواز كون أول شوال طهرا أو آخره

ص: 160

طهرا، وبطلان صوم يوم العيد منه ويوم آخر لجواز الخلط فى العاشر، وأول القعدة حيض فبطل منه أحد عشر يوما، لجواز الخلط فى الحادى عشر، والثلاث بعده يصح القضاء فيها فيكمل القضاء بمضى أربعة عشر يوما من القعدة ويصح ما ذكرناه. هذا معنى كلام أبى العباس.

قيل: الا أنه مبنى على أن المراد بقولهم أنها لا تخلط شهرا بشهر فى الحيض دون الطهر، أذ لو كانت لا تخلط شهرا بشهر فى طهر ولا حيض لم يستقم هذا التقدير بحال ولو رأت ثلاثة أحمر وثلاثة أسود، وثلاثة أصفر كان الجميع حيضا، أذ لا لبس.

ولو رأت أسود يوما ثم أحمر حتى تعدى العشر فاستحاضة فان لم يتعد العشر رجعت المعتادة الى عادتها والمبتدأة الى نسائها فان رأت شهرا أحمر ثم رأت السواد فى الشهر الثانى ثم أحمر، اغتسلت بعد الثلاثة ان احمر فيها أو عقيبها والا فهو عند التغير استحاضة كالاول المتعدى.

وأن رأت خمسة أسود وطهرت خمسة ثم دميت أحمر عشرا كان النقاء وما قبله حيضا والاحمر طهرا.

وأن رأت فى أربعة أيام اسود نصف اليوم ونصفه أحمر وكل الخامس أسود ثم أحمر وتعدى العشر كانت الخمسة الاول حيضا والاخرى استحاضة لاجل الصفة والتعدى.

وأن رأت ثلاثة أحمر ثم ثلاثة أسود ثم تعدى فالست الأول حيض.

وأن رأت ثلاثة عشر أسود، ومثلها أحمر فالاحمر استحاضة ومن الاسود ما زاد على عاداتها أو عادة نسائها لما مر.

وجاء فى شرح الازهار

(1)

: أنه أن كان فى فرجها جراحة والتبس عليها هل الدم منها أو حيض فأنها ترجع الى التمييز فان لم يتميز لها فلا غسل عليها.

‌مذهب الإمامية

جاء فى شرائع الاسلام

(2)

: أن المرأة لو رأت الدم مرة ثم بلغت اليأس أكملت العدة بشهرين.

ولو استمر بالمعتدة الدم مشتبها رجعت الى عادتها فى زمان الاستقامة واعتدت به.

ولو لم تكن لها عادة اعتبرت صفة الدم واعتدت بثلاثة أقراء.

ولو اشتبه رجعت الى عادة أمثالها.

ولو اختلفن اعتدت بالاشهر.

ولو كانت لا تحيض الا فى ستة أشهر أو خمسة أشهر اعتدت بالاشهر.

ومتى طلقت فى أول الهلال اعتدت بثلاثة أشهر أهلة.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 150 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 32 الطبعة السابقة.

ص: 161

ولو طلقت فى أثنائه اعتدت بهلالين وأخذت من الثالث بقدر الفائت من الشهر الاول وقيل تكمل ثلاثين وهو أشبه.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: أن المرأة لو رأت الدم ثلاثة أيام، ثم انقطع ورأت قبل العاشر، كان الكل حيضا، ولو تجاوز العشرة رجعت الى التفصيل الذى نذكره.

ولو تأخر بمقدار عشرة أيام، ثم رأته كان الأول حيضا منفردا، والثانى يمكن أن يكون حيضا مستأنفا.

وأذا انقطع الدم لدون عشرة فعليها الاستبراء بالقطنة، فأن خرجت نقية اغتسلت، وأن كانت متلطخة صبرت المبتدأة حتى تنقى أو تمضى لها عشرة أيام.

وذات العادة تغتسل بعد يوم أو يومين من عادتها، فأن استمر الى العاشر وانقطع قضت ما فعلته من صوم، وأن تجاوز كان ما أتت به مجزيا.

وكل ما تراه المرأة أقل من ثلاثة ولم يكن دم قرح ولا جرح فهو استحاضة.

وكذا كل ما يزيد على العادة ويتجاوز العشرة أو يزيد عن أكثر أيام النفاس أو يكون مع الحمل على الاظهر أو مع اليأس أو قبل البلوغ.

واذا تجاوز الدم عشرة أيام وهى ممن تحيض فقد امتزج حيضها بطهرها فهى اما مبتدئه وأما ذات عادة مستقرة واما مضطربة فالمبتدئة ترجع الى اعتبار الدم.

فما شابه دم الحيض فهو حيض.

وما شابه دم الاستحاضة فهو استحاضة.

والشرط أن يكون ما شابه دم الحيض لا ينقص عن ثلاثة ولا يزيد عن عشرة.

وأما أذا كانت عادتها مستقرة عددا ووقتا فرأت ذلك العدد متقدما على ذلك الوقت أو متأخرا عنه تحيضت بالعدد وألغت الوقت، لأن العادة تتقدم وتتأخر، سواء رأته بصفة دم الحيض أو لم يكن.

والمضطربة العادة ترجع الى التميز فتعمل عليه، ولا تترك هذه الصلاة الا بعد مضى ثلاثة أيام على الاظهر، فان فقدت التميز فهاهنا مسائل ثلاث.

الاولى: لو ذكرت العدد ونسيت الوقت، قيل: تعمل فى الزمان كله ما تعمله المستحاضة، وتغتسل للحيض فى كل وقت يحتمل انقطاع الدم فيه وتقضى صوم عادتها.

الثانية: لو ذكرت الوقت ونسيت العدد، فان ذكرت أول حيضها أكملته ثلاثة أيام، وأن ذكرت آخره جعلته نهاية الثلاثة وعملت فى بقية الزمان ما تعمله المستحاضة وتغتسل للحيض فى كل زمان تفرض فيه الانقطاع، أو تقضى صوم عشرة أيام احتياطا، ما لم يقصر الوقت الذى عرفته عن العشرة.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 30 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 162

الثالثة: لو نسيتهما جميعا، فهذه تتحيض فى كل شهر سبعة أيام أو ستة أو عشرة من شهر وثلاثة من آخر ما دام الاشتباه باقيا

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أن دماء الشبهة التى تعذر فى ترك العبادة بها بعض عذر لاجل الاشتباه أن جهلت سبعة دماء وهى ما وجدته من الدم فى فخذها أو فى عقبها - وهو مؤخر الرجل - أو فى حجر قميصها - أراد ما يلى فرجها من أى ثوب لها - أو فى مكان قامت منه أو فى حجر مسحها أو بعد حملها أو أياسها، وزيد ما رأت فى جسدها مطلقا وما رأت فى بولها أو غائطها، ومثل السبعة صفرة تؤول الى الدم، فان تركت بها فريضة جاهلة أن حكمها هو عدم اعتبارها، بأن تبقى على حكم الطهر.

فقيل لا تكفر بترك الصلاة أو الصوم ولا ينهدم صومها قضاء ولا أداء بالافطار أو يومها بترك الصلاة، لانه ليس بكبيرة هنا ولتعد ما تركت فى الايام من الصلاة كالصوم

وقيل لا يكون لها ذلك شبهة فينهدم ما صامت وتلزمها المغلظة.

وقيل يكون لها ذلك شبهة الا الثوب والمكان قالوه فى الديوان وطهر الشبهة فى ذلك كله كدم الشبهة فى المحل والحكم.

قالوا: وأما الصفرة فشبهة لان منهم من يقول تكون حيضا ان جاءت حين يجئ الحيض وأما الكدرة والترية والنيبس فلا يكون لها ذلك شبهة.

قال: ومن وقت حيضها وطهرها عشرة ورأت الصفرة أو الكدرة أو الترية فأطرت فشبهة.

وكذا أن تركت الصلاة لدم ثم ايقنت أنه دم علقة قد دخلتها أو مضى من وقت صلاتها اقل من عشرة فرأت دما فأطرت وتركت الصلاة.

وقيل ليس هذا الاخير شبهة وهو الصحيح، ولا يكون ذلك ولا ما خرج من الدبر أو مع بول حيضا، وكذا الطهر اذا رأته فى ذلك أو مع بول أو خرج من الدبر لا يكون طهرا.

ثم قال

(2)

: وأن تشابه وقت المرأة فى الحيض لخلل فى عقلها أو مرض، أو جنون، أو نسيان، أو تضييع، أو نحو ذلك ما بين سبعة لعشرة أى لم تدر أن وقتها ثمانية، أو تسعة، أو عشرة، فرأت دما، تركت الصلاة الى سبعة تيقنتها، وأنتظرت أى تأخرت عن الصلاة والصوم، وتركتهما ثلاثة أن دام الدم، وتعتقد أنه ان كان وقتها فى نفس الامر سبعة فقد اخذت بقول الانتظار ثلاثة، وأن كانت ثمانية فبقول الاثنين والثامن حيض، وأن كان تسعة فبقول الواحد

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 1 ص 120، ص 121 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 193 الطبعة السابقة.

ص: 163

والاثنان حيض، وأن كان عشرة فبقول عدم الانتظار والثلاثة حيض.

فأن كان وقتها الله سبعة فقد أخذت بقول القائل الانتظار فى دم الحيض كالنفاس ثلاثة.

وان كان وقتها ثمانية فقد أخذت بقول يومين فى الانتظار.

وان كان تسعة فقد اخذت بقول يوم واحد فى الانتظار.

وان كان عشرة فقد أخذت بقول عدم الانتظار، ولزمها أن تنوى أنه أن كان كذا فكذا.

وأن تشابه بين خمسة وستة انتظرت بعد الخمسة يومين، فان كان خمسة فقد انتظرت يومين، وان كان ستة فقد انتظرت يوما على قول من قال الانتظار يوم.

‌الاشتباه

فى العبادات

‌حكم الاشتباه فى قبلة الصلاة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى تبيين الحقائق

(1)

: أن من اشتبهت عليه القبلة تحرى، لما روى عامر بن ربيعة رضى الله تعالى عنه أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة، فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل قول الله تعالى:«فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ 2» .

وقال على رضى الله تعالى عنه: قبلة المتحرى جهة قصده، ولان العمل بالدليل الظاهر واجب اقامة للواجب بقدر الوسع.

هذا اذا لم يكن بحضرته من يسأله عن القبلة.

أما اذا كان بحضرته من يسأله عنها وهو من أهل هذا المكان عالم بالقبلة فلا يجوز له التحرى، لان الاستخبار فوق التحرى لكون الخبر ملزما له ولغيره والتحرى ملزم له دون غيره فلا يصار الى الادنى مع امكان الاعلى.

قال فى الشلبى فان كان بحضرته أناس فلم يسألهم حتى تحرى وصلى الى الجهة التى وقع عليها تحريه ثم سألهم عن القبلة فلم يعلموا ايضا جهة القبلة فصلاته جائزة، لانه تبين أنه لا فائدة فى السؤال فترك السؤال لم يغير الحكم.

وان كانوا يعلمون جهة القبلة نظر، فان تبين أنه أصاب تمت صلاته، وأن تبين أنه أخطأ القبلة فى الصلاة أو بعدها يعيد، ولا عبرة بالتحرى لانه حصل لا فى موضعه.

ولو سألهم قبل الشروع فلم يخبروه، فتحرى وصلى الى جهة، جازت صلاته، وان تبين أنه اخطأ القبلة.

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 1 ص 101 الطبعة السابقة وبدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 118 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 145 من سورة البقرة.

ص: 164

وان تبين له فى اثناء الصلاة أنه اخطأ القبلة يحول وجهه الى القبلة ولا يستقبل الصلاة لانه فعل ما عليه وهو السؤال

وقال الزيلعى

(1)

: ولو تحرى جماعة من الناس فى ليلة مظلمة فصلى امامهم الى جهة وصلى كل واحد من المأمومين الى جهة، ولا يدرون ما صنع الامام، يجزيهم أذا كانوا خلف الامام، لان كل واحد منهم متوجه الى القبلة وهى جهة التحرى وهذه المخالفة لا تمنع كما فى جوف الكعبة ومن علم منهم حال أمامه تفسد صلاته لاعتقاده أن امامه على الخطأ.

وجاء فى الفتاوى الهندية

(2)

: أنه لو اشتبهت عليه القبلة فى المفازة فوقع اجتهاده الى جهة فأخبره عدلان أن القبلة الى جهة أخرى فان كانا مسافرين لا يلتفت الى قولهما.

أما أذا كانا من أهل ذلك الموضع فأنه لا يجوز له الا أن يأخذ بقولهما كذا فى الخلاصة، فأن تحرى وصلى الى غير جهة التحرى اعاد صلاته وأن اصاب القبلة.

ولو صلى الى جهة من غير أن يشك فى أمر القبلة ثم شك بعد ذلك فهو على الجواز حتى يعلم فساده بيقين فيجب عليه الاعادة فان ظهر فى خلال الصلاة أنه اخطأ يلزمه الاستقبال.

وأن ظهر أنه اصاب القبلة اختلفوا فيه.

والصحيح أنه يتم ولا يستقبل.

ولو شك ولم يتحر وصلى من غير تحر فان زال الشك فى الصلاة بأن اصاب أو اخطأ يستقبل الصلاة والا فان ظهر الخطأ بعد الفراغ أو لم يظهر شئ يعيد.

وأن ظهرت الاصابة مضى الامر.

وأن شك وتحرى فلم يقع تحريه على شئ قيل يؤخر الصلاة وقيل يصلى الى أربع جهات وقيل يخير، والأصوب الاداء.

ومن دخل مسجدا لا محراب له وقبلته مشكلة فصلى بالتحرى، ثم ظهر أنه اخطأ كان عليه الاعادة لانه قادر على السؤال من الأهل، وأن تبين أنه أصاب جازت صلاته:

ولو سألهم فلم يخبروه وتحرى وصلى جاز وأن تبين أنه اخطأ.

ومن صلى فى المسجد فى ليلة مظلمة بالتحرى فتبين أنه صلى الى غير القبلة جازت صلاته، لانه ليس عليه أن يقرع ابواب الناس للسؤال عن القبلة.

ولو صلى ركعة بالتحرى ثم تحول رأيه الى جهة أخرى فصلى الركعة الثانية الى الجهة الثانية ثم تحول رأيه الى الجهة الاولى اختلف فيه المشايخ.

فمنهم من قال يتم صلاته الى الجهة الاولى.

ومنهم من قال يستقبل الصلاة كذا فى فتاوى قاضيخان.

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 1 ص 103 الطبعة السابقة.

(2)

الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية لأبى الحسن الاوزجندى ج 1 ص 64 الطبعة السابقة.

ص: 165

ومن اشتبهت عليه القبلة فى مفازة فصلى بالتحرى فاقتدى به رجل من غير تحر قال أصاب الامام القبلة جازت صلاتهما وأن اخطأ جازت صلاة الامام دون المقتدى.

ومن اشتبهت عليه القبلة بمكة فان كان محبوسا ولم يكن بحضرته من يسأله فصلى بالتحرى ثم تبين أنه اخطأ روى عن محمد رحمه الله تعالى أنه لا اعادة عليه وهو أقيس وكذلك الحكم اذا كان بالمدينة هكذا فى الظهيرية.

ولو اشتبهت القبلة على رجل فصلى ركعة بالتحرى فتحول رأيه الى جهة فصلى الثانية الى تلك الجهة هكذا صلى اربع ركعات الى اربع جهات فعن محمد رحمه الله تعالى انه يجوز، ولو صلى ركعة بالتحرى الى جهة، ثم تحول رأيه الى جهة أخرى فصلى الركعة الثانية الى الجهة الثانية ثم تذكر أنه ترك سجدة من الركعة الاولى اختلف المشايخ فيه والصحيح أنه تفسد صلاته.

ولو أن قوما اشتبهت عليهم القبلة فى ليلة مظلمة وهم فى بيت ليس بحضرتهم احد عدل يسألونه وليس ثمة علامة يستدل بها على جهة القبلة، أو كانوا فى المفازة فتحروا جميعا وصلوا، ان صلوا وحدانا جازت صلاتهم اصابوا القبلة او لا، ولو صلوا بجماعة يجزيهم أيضا الا صلاة من تقدم على أمامه أو علم بمخالفة امامه فى الصلاة.

وجاء فى المبسوط

(1)

أن المريض اذا اشتبهت عليه القبلة فتحرى الى جهة وصلى اليها ثم تبين انه اخطأ القبلة تجوز صلاته وأن تعمد لا تجوز، لحديث على رضى الله تعالى عنه أنه قال: قبلة المتحرى جهة قصده.

فالحاصل أن المريض أنما يفارق الصحيح فيما هو عاجز عنه وأما فيما هو قادر عليه هو والصحيح سواء.

ثم الصحيح أذا اشتبهت عليه القبلة فى المفازة فتحرى الى جهة وصلى اليها، ثم تبين انه اخطأ القبلة تجوز صلاته ولو تعمد لا تجوز وكذلك هذا.

ثم قال فى المبسوط: لو أن قوما مرضى كانوا فى بيت مظلم واشتبهت عليهم جهة القبلة فصلوا بجماعة فتحرى كل واحد منهم الى جهة وصلى اليها جازت صلاة الكل، لانها تجوز من الاصحاء بهذه الصفة فمن المرضى أولى.

قال الحاكم رحمه الله تعالى: انما جازت صلاة المقتدى اذ كان المقتدى لا يعلم أنه خالف أمامه فاذا علم أنه خالف أمامه فانه لا تجوز صلاته، لانه اعتقد فساد صلاة الامام.

والأصل أن المقتدى اذا اعتقد فساد صلاة الامام تفسد صلاته.

ثم قال فى المبسوط

(2)

: لو أن مريضا اشتبهت عليه القبلة وتحرى أو ان مسافرا اشتبهت عليه القبلة وتحرى ثم تبين له فى خلال الصلاة أنه أخطأ القبلة فان له أن يحول وجهه

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 215 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 216 الطبعة السابقة.

ص: 166

الى القبلة ويبنى على صلاته ولا يجب عليه أن يستقبل، لحديث أهل قباء أخبروا فى خلال الصلاة أن القبلة حولت من بيت المقدس الى الكعبة فاستداروا كهيئتهم وهم ركوع فجوز لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولان المؤدى حصل بالاجتهاد، وهذا اجتهاد آخر، والاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله، كالقاضى اذا قضى فى حادثة بالاجتهاد، ثم ظهر أن اجتهاده كان خطأ فى تلك الحادثة باجتهاد آخر لا ينقض قضاؤه فكذلك هاهنا.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير

(1)

: أن غير المجتهد اذا لم يجد مجتهدا يقلده ولا محرابا أو أن المجتهد تحير بأن خفيت عليه أدلة القبلة بحبس أو غيم، أو التبست عليه، تخير له جهة من الجهات الأربع، وصلى اليها صلاة واحدة وسقط عنه الطلب لعجزه.

ولو صلى كل منهما أربعا لكل جهة صلاة لحسن عند ابن الحكم.

واختير عند اللخمى.

والمعتمد الأول.

وهذا اذا كان تحيره وشكه فى الجهات الأربع، والا ترك ما يعتقد أنه ليس بقبلة وصلى صلاة واحدة لغيره على الأول، وكررها بقدر ما شك فيه على الثانى.

وكان الظاهر أن يقول وهو المختار لانه قول ابن مسلمة مخالفا به قول الكافة واستحسنه ابن عبد الحكم واختاره اللخمى لا أنه اختاره من نفسه.

قال الدسوقى: ومن التبست عليه الأدلة مع ظهورها أى تعارضت عند الامارات والأولى قصر التحير على هذا أى على من التبست عليه الأدلة لانه هو الذى يختار له جهة من الجهات من أول الأمر ولا يقلد غيره ولا محرابا

وأما من خفيت عليه الأدلة فهذا حكمه كالمقلد كما لسند.

ونقله فى التوضيح عن ابن القصار

وحينئذ فلا يختار له جهة الا اذا لم يجد مجتهدا يقلده ولا محرابا.

وقال الشيخ عليش

(2)

: واذا اختلف ظن رجلين فى القبلة لم يجز أن يكون أحدهما اماما للآخر، وليس هذا مما يراعى فيه مذهب الامام، بل ذاك فى الأحكام الفقهية، وكون القبلة فى هذه الجهة أو هذه ليس منها كما هو الحال فى شأن التباس الطهور بغيره.

وجاء فى الفروق للقرافى

(3)

: أن من شك فى جهة الكعبة وقلنا يصلى أربع

(1)

الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 227 وبلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير لسيدى أحمد الدردير وبهامشه شرح القطب الشهير سيدى أحمد الدردير ج 1 ص 102 طبع مطبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1223 هـ.

(2)

الشرح الكبير مع حاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 226 الطبعة السابقة.

(3)

الفروق للقرافى ج 1 ص 226 الطبعة السابقة.

ص: 167

صلوات جزمنا بوجوب أربع عليه بسبب الشك ويصلى الأربع بنية جازمة.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(1)

: أن من أمكنه علم القبلة بأن كان بالمسجد الحرام، أو بمكة ولا حائل، أو على جبل أبى قبيس، أو على سطح، وهو متمكن من معاينتها، وحصل له شك فيها لنحو ظلمة، لم يجز له العمل بغير علمه، وحرم عليه التقليد، أى الاخذ بقول مجتهد والاجتهاد، فلا يجوز له العمل به. كالحاكم اذا وجد النص.

ويمتنع عليه أيضا الأخذ بخبر الغير ولو عن علم.

ويفرق بين هذا واكتفاء الصحابة رضى الله عنهم بالأخبار عنه صلى الله عليه وسلم مع امكان اليقين بالسماع منه، والأخذ بقول الغير فى المياه ونحوها، بأن المدار فى القبلة لكونها أمرا حسيا مشاهدا على اليقين، بخلاف الأحكام ونحوها.

ولو بنى محرابه على المعاينة صلى اليه أبدا من غير احتياج الى المعاينة فى كل صلاة ما لم يفارق محله ويتطرق اليه الاحتمال.

وفى معنى المعاين من نشأ بمكة وتيقن اصابة القبلة، وان لم يعاينها حال صلاته.

ولو كان حاضرا بمكة وحال بينه وبين الكعبة حائل خلقى كجبل أو حادث كبناء جاز له الاجتهاد لما فى تكليفه المعاينة من المشقة ذكره فى التحقيق.

وهو مقيد بما اذا فقد ثقة يخبره عن علم، والا فهو مقدم على الاجتهاد.

وبما اذا كان بناء الحائل لحاجة.

فان كان لغير حاجة لم تصح صلاته بالاجتهاد، لتفريطه.

ولا اجتهاد فى محاريب المسلمين ومحاريب جادتهم أى معظم طريقهم وقراهم القديمة التى نشأ بها قرون من المسلمين وان صغرت وخرجت حيث سلمت من الطعن، لانها لم تنصب الا بحضرة جمع من أهل المعرفة بسمت الكواكب والأدلة فجرى ذلك مجرى الخبر وفى معناه خبر عدل باتفاق جمع من المسلمين على جهة وخبر صاحب الدار وهو ظاهر ان علم أن صاحبها يخبر عن غير اجتهاد، والا لم يجز تقليده.

ثم محل امتناع الاجتهاد فيما ذكر بالنسبة للجهة.

أما بالنسبة للتيامن والتياسر فيجوز اذ لا يبعد الخطأ فيهما بخلافه فى الجهة، وهذا فى غير محاريبه صلى الله عليه وسلم ومساجده.

أما هى فيمتنع الاجتهاد فيها مطلقا لانه لا يقر على خطأ فلو تخيل حاذق فيها يمنة أو يسرة فخياله باطل ومساجده هى التى

(1)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 1 ص 419، ص 420، ص 421، ص 422، ص 423، ص 424 الطبعة السابقة.

ص: 168

صلى فيها ان ضبطت ومحاريبه كل ما ثبت صلاته فيه اذ لم يكن فى زمنه محاريب.

ولا يلحق بذلك ما وضعه الصحابة كقبلة الكوفة والبصرة والشام وبيت المقدس وجامع مصر القديمة وهو الجامع العتيق، لانهم لم ينصبوها الا عن اجتهاد واجتهادهم لا يوجب القطع بعدم انحرافه وان قل.

ويجوز له الاجتهاد فى خربة أمكن أن يأتيها الكفار.

وكذا فى طريق يندر مرور المسلمين بها أو يستوى مرور الفريقين بها كما صرح به فى الروضة.

وان لم يمكنه علم القبلة بشئ مما ذكر أو ناله مشقة فى تحصيله أخذ وجوبا بقول ثقة بصير مقبول الرواية ولو عبدا أو امرأة يخبر عن علم بالقبلة أو محراب معتمد، سواء أكان فى الوقت أم غيره.

ويجب عليه السؤال عمن يخبر بذلك عند حاجته اليه.

ولا ينافى ذلك ما مر من أن من كان بمكة وبينه وبين القبلة حائل له الاجتهاد، لأن السؤال لا مشقة فيه بخلاف الطلوع فان فرض أن عليه مشقة فى السؤال لبعد المكان أو نحوه كان الحكم فيها كما فى تلك نبه عليه الزركشى وهو ظاهر.

وخرج بمقبول الرواية غيره كصبى ولو مميزا وكافر وفاسق فلا يقبل اخباره بما ذكر كغيره، لانه متهم فى خبر الدين.

قال الماوردى لو استعلم مسلم من مشرك دلائل القبلة ووقع فى قلبه صدقه واجتهد لنفسه فى جهات القبلة جاز، لانه عمل فى القبلة على اجتهاد نفسه، وانما قبل حبر المشرك فى غيرها، قال الأذرعى: وما أظنهم يوافقونه عليه.

ونظر فيه الشاشى وقال: اذا لم يقبل خبره فى القبلة لا يقبل فى أدلتها الا أن يوافق عليها مسلم وسكون نفسه الى خبره لا يوجب أن يعول عليه الحكم وهذا هو المعتمد.

وعلم مما تقدم من عدم جواز الاجتهاد مع القدرة على الخبر عدم جواز الأخذ بالخبر مع القدرة على اليقين وهو كذلك.

فلا يجوز للأعمى ولا لمن هو فى ليلة مظلمة الأخذ به مع القدرة على اليقين بالمس ويعتمد كل منهما المس وان لم يره قبل العمى.

فلو اشتبه عليه مواضع لمسها فان خاف فوت الوقت صلى كيف اتفق وأعاد.

فان فقد ما ذكر وأمكنه الاجتهاد بأن كان بصيرا يعرف أدلة القبلة وهى كثيرة وأضعفها الرياح لاختلافها وأقواها القطب قالا: وهو نجم صغير فى بنات نعش الصغرى بين الفرقدين والجدى، ويختلف باختلاف الأقليم.

ففى العراق يجعله المصلى خلف أذنه اليمنى.

ص: 169

وفى مصر خلف اليسرى وفى اليمن قبالته مما يلى جانبه الأيسر.

وفى الشام وراءه ونجران وراء ظهره.

ولذلك قيل ان قبلتها أعدل القبل، وكأنهما سمياه نجما لمجاورته له والا فهو كما قال السبكى وغيره ليس نجما، وانما هو نقطة تدور عليها هذه الكواكب بقرب النجم حرم عليه التقليد وهو قبول قول من يخبر عن اجتهاد اذ المجتهد لا يقلد مجتهدا ويجب عليه الاجتهاد الا ان ضاق الوقت عنه فلا اجتهاد بل يصلى على حسب حاله وتلزمه الاعادة.

ويجوز الاعتماد على بيت الابرة فى دخول الوقت والقبلة، لافادتها الظن بذلك كما يفيده الاجتهاد أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وهو ظاهر.

وان تحير المجتهد فلم يظهر له شئ لنحو غيم أو تعارض أدلة لم يقلد فى الأظهر، لانه مجتهد والتحير عارض يرجى زواله عن قرب غالبا وصلى كيف كان لحرمة الوقت ويقضى لندرته.

والقول الثانى يقلد بلا قضاء لانه الآن عاجز عن معرفة الصواب فأشبه الأعمى.

ومحل الخلاف كما قاله الامام عن ضيق الوقت.

أما قبله فيمتنع التقليد قطعا لعدم الحاجة اليه.

ونازعه فى شرح الوسيط وقال: ان ما قاله الامام (امام الحرمين) شاذ، والمشهور التعميم ويجب تجديد الاجتهاد أو ما يقوم مقامه كالتقليد فى نحو الأعمى.

وجاء فى نهاية المحتاج

(1)

: ومن عجز عن الاجتهاد فيها وعن تعلم الأدلة كأعمى البصر أو البصيرة قلد حتما ثقة ولو عبدا أو امرأة عارفا يجتهد له ولغيره لقول الله عز وجل «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 2» .

أما الأول: فلأن معظم الأدلة تتعلق بالمشاهدة والريح ضعيفة والاشتباه عليه فيها أكثر.

وأما الثانى: فلأنه أسوأ من فاقد البصر بخلاف الفاسق والمميز وغير العارف.

فلو صلى من غير تقليد لزمته الاعادة وان صادف القبلة.

أما ما صلاه بالتقليد وصادف فيه القبلة أو لم يتبين له الحال فلا اعادة عليه فيه.

فان قال المخبر رأيت القطب أو الجم الغفير يصلون هكذا فهو اخبار عن علم فالاخذ به قبول خبر لا تقليد.

ولو اختلف عليه فى الاجتهاد اثنان قلد من شاء منهما لكن الأوثق والأعلم

(1)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 1 ص 425 ص 426 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 43 من سورة النحل.

ص: 170

عنده أولى، ويجب عليه اعادة السؤال لكل فريضة تحضر بناء على الاختلاف فى تجديد الاجتهاد كما ذكره فى الكفاية.

وان قدر المكلف على تعلم أدلتها فالأصح وجوب التعلم عند ارادة السفر، لعموم حاجة المسافر اليها وكثرة الاشتباه عليه فكن فرض عين فيه بخلافه فى الحضر ففرض كفاية اذ لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ثم السلف بعده أنهم ألزموا آحاد الناس تعلمها بخلاف شروط الصلاة وأركانها.

ولو سافر من قرية الى أخرى قريبة بحيث يقطع المسافة قبل خروج وقت الصلاة فهو كالحضر كما استظهره الشيخ.

وينبغى أن يلحق بالمسافر أصحاب الخيام والنجعة اذا قلوا وكذا من قطن بموضع بعيد من بادية أو قرية ونحو ذلك والمراد بتعلم الأدلة تعلم الظاهر منها دون دقائقها كما صرح به الامام والأرغيانى فى فتاويه فيحرم عليه التقليد فان قلد لزمه القضاء فان ضاق الوقت فكتحير المجتهد.

ولو دخل فى الصلاة باجتهاد فعمى فيها أتمها ولا اعادة فان دار أو أداره غيره عن تلك الجهة استأنف باجتهاد غيره نقله فى المجموع عن نص الأم، ومنه يؤخذ أنه يجب اعادة الاجتهاد للفرض الواحد اذا فسد ولا قضاء، لان الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، حتى لو صلى أربع ركعات لأربع جهات، بالاجتهاد المؤدى الى ذلك فلا اعادة ولا قضاء، لانه وان تيقن الخطأ فى ثلاث قد أدى كلا منها باجتهاد لم يتيقن فيه الخطأ، فان استويا ولم يكن فى صلاة تخير بينهما لعدم مزية أحدهما على الآخر أو فيها وجب العمل بالأول ويفرق بينهما بأنه التزم بدخوله فيها جهة فلا يتحول الا بأرجح مع أن التحول فعل أجنبى لا يناسب الصلاة فاحتيط لها، وهذا التفصيل هو ما نقلاه عن البغوى وأقراه واعتمده جمع متأخرون وهو المعتمد.

فما فى المجموع وغيره من وجوب التحول أخذا من اطلاق الجمهور ضعيف اذ اطلاقهم محمول على ما اذا كان دليل الثانى أرجح بدليل تقييدهم اقتران ظهور الصواب بظهور الخطأ اذ كيف يظهر له الصواب مع التساوى المقتضى للشك ويؤيد الأول بل هو فرد من أفراده قول المجموع عن الأم واتفاق الاصحاب.

ولو دخل فى الصلاة باجتهاده ثم شك ولم يترجح له جهة أتمها الى جهته ولا اعادة.

وبما تقرر علم أن محل العمل بالثانى فى الصلاة واستمرار صحتها اذا ظن الصواب مقارنا لظهور الخطأ والا بأن لم يظنه مقارنا بطلت وان قدر على الصواب على قرب لمضى جزء منها الى غير قبلة.

ولو اجتهد اثنان فى القبلة واتفق اجتهادهما واقتدى أحدهما بالآخر فتغير

ص: 171

اجتهاد واحد منهما لزمه الانحراف الى الجهة الثانية وينوى المأموم المفارقة وان اختلفا تيامنا وتياسرا وذلك عذر فى مفارقة المأموم.

ولو قال مجتهد لمقلد وهو فى صلاة أخطأ بك فلان والمجتهد الثانى أعرف عنده من الأول أو أكثر عدالة كما اقتضاه كلام الروضة.

أو قال له أنت على الخطأ قطعا وان لم يكن أعرف عنده من الأول تحول ان بان له الصواب مقارنا للقول.

بأن أخبر به وبالخطأ معا لبطلان تقليد الأول بقول من هو أرجح منه فى الأولى، وبقطع القاطع فى الثانية فلو كان الأول أيضا فى الثانية قطع بأن الصواب ما ذكره ولم يكن الثانى أعلم لم يؤثر قاله الامام فان لم يبن له الصواب مقارنا بطلت وان بان له الصواب عن قرب.

ولو قيل لأعمى وهو فى صلاته صلاتك الى الشمس وهو يعلم أن قبلته غيرها استأنف لبطلان تقليد الأول بذلك،

وان أبصر وهو فى أثنائها وعلم أنه على الاصابة للقبلة لمحراب أو نجم أو خبر ثقة أو غيرها أتمها أو على الخطأ أو تردد بطلت لانتفاء ظن الاصابة.

وان ظن الصواب غيرها انحرف الى ما ظنه.

وفى نهاية المحتاج

(1)

: لو اشتبهت القبلة على من يريد قضاء الحاجة وجب عليه أن يجتهد حيث لا سترة فان كانت هناك سترة استحب له ذلك.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: أن المصلى اذا اشتبهت عليه القبلة فان كان فى قرية ففرضه التوجه الى محاريبهم، فان لم تكن لهم محاريب لزمه السؤال عن القبلة.

قال فى المبدع ظاهره يقصد المنزل فى الليل فيستخبر ان كان جاهلا بأدلة القبلة.

فان وجد من يخبره عن يقين ففرضه الرجوع الى خبره ولا يجتهد كالحاكم يجد النص.

وان كان يخبره عن ظن ففرضه تقليده ان كان المخبر من أهل الاجتهاد فيها وهو العالم بأدلتها وضاق الوقت والا لزمه التعلم والعمل باجتهاده.

وان كان اشتبهت عليه القبلة فى السفر وكان عالما بأدلتها ففرضه الاجتهاد فى معرفتها، لان ما وجب اتباعه عند وجوده وجب الاستدلال عليه عند خفائه، كالحكم فى الحادثة.

(1)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 1 ص 121 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الارادات لابن منصور البهوتى ج 1 ص 206، ص 207، ص 208، ص 209، ص 210 والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 102، ص 103، ص 104، ص 105، 106 الطبعة السابقة.

ص: 172

فاذا اجتهد وغلب على ظنه جهة أنها القبلة صلى اليها، لتعينها قبلة له أقامة للظن مقام اليقين لتعذره.

فان ترك الجهة التى غلبت على ظنه وصلى الى غيرها أعاد ما صلاه الى غيرها وان أصاب لانه ترك فرضه كما لو ترك القبلة المتيقنة.

وان تعذر عليه الاجتهاد لغيم ونحوه كما لو كان مطمورا أو كان به مانع من الاجتهاد كرمد ونحوه أو تعادلت عنده الامارات صلى على حسب حاله بلا اعادة كعادم الطهورين.

وكل من صلى من هؤلاء المذكورين قبل فعل ما يجب عليه من استخبار ان وجد من يخبره عن يقين، أو اجتهاد ان قدر عليه ولم يجد من يخبره عن يقين، أو تقليد ان لم يقدر على الاجتهاد لعدم علمه بالادلة أو عجزه عنه لرمد أو نحوه أو تحر فيما اذا لم يجد الأعمى أو الجاهل من يقلده فعليه الاعادة وان أصاب القبلة، لتفريطه بترك ما وجب عليه ويستحب أن يتعلم أدلة القبلة والوقت.

واذا اختلف اجتهاد رجلين فأكثر فى جهتين فأكثر لم يتبع واحد صاحبه ولم يصح اقتداؤه به فان كان فى جهة واحدة بأن قال أحدهما يمينا والآخر شمالا صح أن يأتم أحدهما بالاخر لاتفاق اجتهادهما ومن بان له الخطأ انحرف وأتم، وينوى المأموم منهما المفارقة للعذر ويتبعه من قلده فان اجتهد أحدهما ولم يجتهد الآخر لم يتبعه.

ويتبع جاهل بأدلة القبلة وأعمى وجوبا أوثقهما فى نفسه علما بدلائل القبلة فان تساوى المجتهدان عند الجاهل بأدلتها أو الأعمى خير فيقلد أيهما شاء، لأنه لم يظهر لواحد منهما أفضلية أحدهما على غيره حتى يترجح عليه.

فان أمكن الأعمى الاجتهاد بشئ من الأدلة كالانهار الكبار غير المخدودة والجبال ومهبات الرياح لزمه الاجتهاد ولم يقلد، لقدرته على الاجتهاد.

واذا صلى البصير فى حضر فأخطأ أو صلى الأعمى بلا دليل، بأن لم يستخبر من يخبره ولم يلمس المحراب ونحوه مما يمكن أن يعرف به القبلة أعادا ولو أصابا أو اجتهد البصير، لان الحضر ليس بمحل اجتهاد لقدرة من فيه على الاستدلال بالمحاريب ونحوها، ولوجود من يخبره عن يقين غالبا.

وانما وجبت الاعادة عليهما لتفريطهما بعدم الاستخبار أو الاستدلال بالمحاريب مع القدرة عليه، فان لم يجد الأعمى من يقلده، أو لم يجد الجاهل من يقلده، أو لم يجد البصير المحبوس ولو فى دار الاسلام من يقلده صلى بالتحرى الى ما يغلب على ظنه أنه جهة القبلة، ولم يعد أخطأ أو أصاب، لأنه أتى بما أمر به على وجهه فسقطت عنه الاعادة كالعاجز عن الاستقبال.

ومن صلى بالاجتهاد ان كان من أهل الاجتهاد أو التقليد ان لم يكن من أهل

ص: 173

اجتهاد ثم علم خطأ القبلة بعد فراغه لم يعد، لانه أتى بالواجب عليه على وجهه مع عدم تفريطه فسقط عنه، ولان خفاء القبلة فى الاسفار يقع كثيرا لوجود الغيوم وغيرها من المواقع فيجاب الاعادة مع ذلك فيه حرج وهو منتف شرعا.

ولو دخل فى الصلاة باجتهاد بعد أن غلب على ظنه جهة القبلة وأحرم ثم شك لم يلتفت الى ذلك الشك، لانه لا يساوى غلبة الظن التى دخل بها فى الصلاة ويبنى على صلاته وكذا ان زاد ظن الخطأ ولم يبن له الخطأ ولا ظهر له جهة أخرى فلا يلتفت اليه ويبنى.

ولو غلب على ظنه خطأ الجهة التى يصلى اليها بأن ظهر له أنه يصلى الى غير القبلة ولم يظن جهة غيرها بطلت صلاته، لأنه لا يمكنه استدامتها الى غير القبلة وليست له جهة يتوجه اليها فبطلت لتعذر اتمامها.

ولو أخبر من يصلى باجتهاد أو تقليد وهو فى الصلاة بالخطأ فى القبلة يقينا وكان المخبر ثقة لزمه قبوله بأن يعمل به ويترك الاجتهاد أو التقليد كما لو أخبره بذلك قبل اجتهاده أو تقليده.

وان لم يكن الاخبار عن يقين لم يجز للمجتهد قبول خبره ولا العمل به، لما تقدم من أنه لا يقلد مجتهدا خالفه.

وان اراد مجتهد صلاة أخرى غير التى صلاها بالاجتهاد اجتهد لها وجوبا، فيجب الاجتهاد لكل صلاة، لانها واقعة متجددة فتستدعى طلبا جديدا كطلب الماء فى التيمم وكالحادثة فى الأصح فيها لمفت ومستفت.

قلت فيؤخذ من التعليل الأول أن المراد صلاة من الفرائض بخلاف النوافل فلا يلزمه التحرى لكل ركعتين لو أراد التنفل فى وقت واحد.

ويؤخذ من التعليل الثانى أنه اذا كان مقلدا لا يلزمه أن يجدد التقليد لكل صلاة كما هو مفهوم مجتهد.

فان تغير اجتهاده عمل بالاجتهاد الثانى.

لانه ترجح فى ظنه فصار العمل به واجبا فيستدير الى الجهة التى أداه اجتهاده اليها ثانيا ولم يعد ما صلى بالاجتهاد الأول، لئلا ينقض الاجتهاد بالاجتهاد، والعمل بالثانى ليس نقضا للأول، بل لانه مجتهد أداه اجتهاده الى جهة فلم تجز له الصلاة الى جهة غيرها.

ولهذا قال عمر لما قضى فى المشركة فى العام الثانى بخلاف ما قضى به فى الأول ذاك على ما قضينا، وهذا على ما نقضى اذا تقرر ذلك فيعمل بالاجتهاد الثانى ولو كان فى صلاة وبنى على ما عمله بالاجتهاد الأول نصا فلو فرض أنه صلى بكل اجتهاد ركعة من الرباعية الى جهة صحت صلاته الى الجهات الأربع.

ص: 174

وان أمكن المقلد الجاهل بأدلة القبلة تعلم الأدلة والاجتهاد قبل خروج الوقت لزمه ذلك عند خفاء القبلة عليه.

قال فى شرح المنتهى قولا واحدا لقصر زمنه.

قال فى الشرح، فان صلى قبل ذلك لم تصح صلاته، لانه قدر على الصلاة باجتهاده فلم يجز له التقليد كالمجتهد.

فان ضاق الوقت عن تعلم أدلة القبلة فعليه التقليد لان القبلة يجوز تركها للضرورة وهو شدة الخوف ولا يعيد بخلاف الطهارة.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أنه يلزم الجاهل أن يصدق فى تحديد جهة القبلة من أخبره من أهل المعرفة اذا كان يعرفه بالصدق، لان هذا أمر لا سبيل لمن غاب عن موضع القبلة الى معرفة جهتها الا بالخبر ولا يمكن غير ذلك نعم ومن كان حاضرا فيها فانه لا يعرف أن هذه هى الكعبة الا بالخبر ولا بد.

وهذا من الشريعة التى توجب على المسلم أن يقبل خبر الواحد العدل فيها.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(2)

: أن المصلى اذا لم يتمكن من استقبال عين القبلة الا بقطع مسافة بعيدة نحو أن يحتاج الى صعود جبل عال حتى يتمكن من اليقين طلب اليقين ولا يجزيه التحرى حينئذ.

فأما لو غلب فى ظنه أنه لا يدرك اليقين الا بعد خروج الوقت فانه يجزئه التحرى فى أوله هذا معنى كلام أبو طالب.

قال مولانا عليه السلام وهو مبنى على أصل يحيى عليه السلام فى طلب الماء.

وقال البعض لا تجب المقابلة للعين الا اذا كان بينه وبينها ميل فما دون ولا يجب أكثر من ذلك.

قال البعض وهو الذى صحح للمذهب وهو أيضا مبنى على طلب الماء، لانهم هناك صححوا كلام المنصور بالله.

ثم ان غير المعاين اذا لم يمكنه التحرى ففرضه تقليد الحى اذا وجده وكان ممن يمكنه التحرى ولا يرجع الى المحاريب المنصوبة ذكره البعض.

وقال البعض الرجوع الى المحاريب أولى، لانها وضعت بآراء واجتماع.

قال فى الزوائد عن بعض الناصرية: اذا كان المخبر واحدا، أما لو كان أكثر فانه يرجع اليهم وفاقا بينهما.

وقال على خليل الأولى أن يرجع الى الأصوب عنده من قول المخبر أو المحاريب يعنى أن ذلك موضع اجتهاد.

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 228 المسألة رقم 352 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 190، ص 191، ص 192، ص 193، ص 194، ص 195، ص 196، ص 197 الطبعة السابقة.

ص: 175

قال مولانا عليه السلام وهذا عندنا قول حسن، لانه ربما يكون المخبر فى أعلى درجات المعرفة لما يجب من التحرى، وأعلى درجات الورع والتقشف، ولا يؤمن أن لا يكون حضر نصب المحراب من هو فى درجة كماله.

وان كانوا جماعة فان الرجوع الى هذا حينئذ أرجح من المحراب قال: ولا أظن المؤيد بالله ولا غيره يخالف فى مثل هذه الصورة.

وربما كانت معرفة الحى قاصرة لا تسكن النفس اليها نحو أن يكون من آحاد العوام الذين لهم بعض تمييز، فان الرجوع الى محراب جامع مأهول فى بعض الأمصار أولى من قول ذلك الرجل حينئذ قال ولا أظن أبو طالب يخالف فى ذلك.

ثم ان لم يمكنه التحرى ولا وجد حيا يمكنه التحرى ليقلده ففرضه الرجوع الى المحراب وانما يصح الرجوع اليه بشرطين.

أحدهما أن لا يجد حيا يقلده.

والثانى أن يعلم أو يظن أنه نصبه ذو معرفة ودين.

ثم ان لم يجد شيئا من ذلك بل التبس عليه الحال من كل وجه، فان فرضه أن يصلى الى حيث يشاء من الجهات آخر الوقت، لان صلاته ناقصة.

وأصل الهادوية التأخير.

وعن المؤيد بالله يجوز التقديم أول الوقت.

وقال البعض يصلى تلك الصلاة أربع مرات الى كل واحدة من الجهات مرة.

فان كان فرض التوجه ساقطا عنه نحو أن يكون مسايفا - يعنى مجاهدا - أو مربوطا لا يمكنه الانصراف الى الجهة أو لراكب سفينة أو غيرها على وجه يتعذر عليه الاستقبال أو مريضا لم يجد من يوجهه اليها فان فرضه أن يصلى الى حيث أمكنه آخر الوقت.

ويعفى من استقبال القبلة متنفل راكب فى غير محمل أما اذا كان المتنفل متمكنا فانه لا يعفى منه دون مضرة الا بشروط ثلاثة.

الأول: أن تكون الصلاة نفلا لا فرضا.

الثانى: أن يكون المصلى راكبا لا ماشيا قال عليه السلام هكذا ذكر الأصحاب وهل من شرطه أن يكون الركوب فى حال السفر؟

قال البعض لم يصرح بذلك الأصحاب.

الا الامام يحيى فصرح باشتراط أن يكون فى السفر.

قال فى الانتصار. وفى الحضر وجهان.

المختار أنه لا يجوز الى غير القبلة.

الثالث: أن يكون ركوبه فى غير المحمل، لانه اذا كان فى المحمل أمكنه أن يستقبل القبلة من دون انقطاع السير.

ص: 176

ويكفى مقدم التحرى فى طلب القبلة على التكبيرة التى للاحرام بالصلاة ان ظن الاصابة فى تحريمه فدخل فى الصلاة بالتكبيرة ثم شك بعدها وقبل الفراغ من الصلاة أن يتحرى تحريا ثانيا، بأن ينظر أمامه لطلب الامارة، ولا يلتفت الا يسيرا لا يعد مفسدا ان لم يكن قد غلب فى ظنه الخطأ.

فأما اذا تحرى بعد الشك فغلب فى ظنه أن الأول خطأ وجب عليه أن يتم صلاته وينحرف الى حيث الاصابة ولو كان انحرافا كثيرا نحو من قدام الى وراء ويبنى على ما قد فعله من الصلاة.

ويفعل كذلك كلما ظن خطأ التحرى الأول ولو أدى الى أنه يصلى الظهر ونحوه كل ركعة الى جهة من يمين وشمال وقدام ووراء.

ولا يجوز له الخروج من الصلاة والاستئناف الا أن يعلم علما يقينا خطأ الأول.

فأما لو لم يكن قد تحرى قبل التكبيرة لزمه الاستئناف للصلاة من أولها الا أن يعلم الاصابة على قول من يعتبر الحقيقة.

ولا يعيد المتحرى المخطئ الا فى الوقت ان تيقن الخطأ.

قال مولانا عليه السلام فقولنا المتحرى ممن صلى بغير تحر فانه يعيد فى الوقت وبعده، الا أن يعلم الاصابة فانها تجزئه عند من اعتبر الانتهاء، لا عند من اعتبر الابتداء، وهو الأظهر من قولى المؤيد بالله.

وقولنا المخطئ احتراز من المصيب فانه لا يعيد ولو صلى الى غير متحراه ان تيقن الاصابة عند البعض لا عند المؤيد بالله.

وقولنا الا فى وقت احتراز من أن ينكشف له الخطأ بعد خروج الوقت فانه لا ينقض ولو تيقن الخطأ.

ثم لما كانت مخالفة جهة الامام حكمها حكم المخالفة للقبلة فى وجوب الاعادة فى الوقت لا بعده عندنا ذكرنا ذلك بقولنا كمخالفة جهة امامه وانما يتصور ذلك فى ظلمة أو ما فى حكمها.

ولهذا قلنا اذا كان المخالف جاهلا فانه يعيد فى الوقت لا بعده ان تيقن الخطأ.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(1)

: أنه يجب الاستقبال فى الصلاة مع العلم بجهة القبلة لقول الله تبارك وتعالى «فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ 2» أى شطر المسجد الحرام، والشطر بمعنى الجهة والجانب والناحية، والمراد نحو الكعبة كما يظهر من الأخبار.

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى وهامشه ج 1 ص 59، ص 60 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 150 من سورة البقرة.

ص: 177

والعلم يتحقق هنا بالشياع والخبر المحفوف بالقرائن، ومحراب المعصوم، واستعمال العلامات المفيدة لذلك كالجدى ونحوه على بعض الوجوه.

وأما وجوب التعويل لفاقد العلم على الأمارات المفيدة للظن فللاتفاق.

وقد ذكر من الامارات المفيدة للظن الرياح الأربعة ومنازل القمر فانه يكون ليلة سبعة من الشهر فى قبلة العراق أو قريبا منها عند المغرب، وليلة الرابعة عشر منه نصف الليل، وليلة الحادى والعشرين منه عند الفجر.

وهذا كله تقريب.

وحصول الظن كاف فى مبحث القبلة.

واذا كانت المسألة ظنية وجب التعويل فيها على أقوى الظنين.

ويؤيده عموم قوله عليه السلام، يجزئ التحرى أبدا اذا لم يعلم أين وجه القبلة والاستخبار ممن يفيد قوله الظن نوع من التحرى.

والأقوى عند المحقق وبعض الأصحاب أن خبر الكافر اذا أفاد الظن عمل به أيضا ان لم يكن للمصلى طريق الى الاجتهاد وبالامارات الأخر بل مع وجود الطريق لو كان خبره أقوى ظنا.

ويجوز لمن أراد الصلاة أن يعول على قبلة البلد من غير أن يجتهد الا مع علم الخطأ فيجب حينئذ الاجتهاد فيها تيامنا وتياسرا وان لم يعلم الخطأ.

والمراد بقبلة البلد محراب مسجده وتوجه قبوره ونحوه، ولا فرق بين الكبير والصغير.

والمراد به بلد المسلمين فلا عبرة بمحراب المجهولة كقبورها كما لا عبرة بنحو القبر والقبرين للمسلمين ولا بالمحراب المنصوب فى طريق قليلة المارة منهم.

ولو فقد الامارات الدالة على الجهة المذكورة هنا وغيرها قلد العدل العارف بها سواء كان رجلا أم امرأة حرا أم عبدا.

ولا فرق بين فقدها لمانع رؤيتها كغيم ورؤيته كعمى وجهل بها كالعامى مع ضيق الوقت عن التعلم على أحد الأقوال وهو الذى يقتضيه اطلاق العبارة وللمصنف وغيره فى ذلك اختلاف.

ومن فقد العلامات كغيم مع قدرته على الاجتهاد فذهب العلامة فى القواعد والتذكرة والمختلف الى وجوب التقليد عليه كالاعمى، واحتمل وجوب الأربع فى القواعد وهو مذهب الشيخ فى المبسوط والمصنف فى البيان.

وقال فى الدروس: لو خفيت عليه الامارات ففيه القولان.

وذهب العلامة فى كثير من كتبه والمصنف فى الذكرى الى وجوب الصلاة الى أربع جهات وهو مذهب الشيخ فى الخلاف.

ص: 178

أما من فقدها لعمى أو لجهل بها مع ضيق الوقت عن التعلم أو حبس ونحو ذلك فالمشهور وجوب التقليد عليه وهو مذهب المصنف فى سائر كتبه.

وظاهر الشيخ فى الخلاف وجوب الصلاة الى الأربع جهات.

ولو فقد التقليد صلى الى أربع جهات متقاطعة على زوايا قوائم مع الامكان، فان عجز اكتفى بالممكن والحكم بالأربع حينئذ مشهور ومستنده ضعيف واعتباره حسن، لان الصلاة كذلك تستلزم اما القبلة أو الانحراف عنها بما لا يبلغ اليمين واليسار وهو موجب للصحة مطلقا سواء ظهر انحرافه عن القبلة فى الوقت أو بعد خروجه فلا يعيد ويبقى الزائد عن الصلاة الواحدة واجبا من باب المقدمة لتوقف الصلاة الى القبلة أو ما فى حكمها الواجب عليه كوجوب الصلاة الواحدة فى الثياب المتعددة المشتبهة بالنجس لتحصيل الصلاة فى واحد طاهر، ومثل هذا يجب بدون النص فيبقى النص له شاهدا وان كان مرسلا.

وذهب السيد رضى الدين بن طاووس هنا الى العمل بالقرعة استضعافا لسند الأربع مع ورودها لكل أمر مشتبه وهذا منه نادر، لان القرعة فى المعاملات لا فى العبادات.

ولو انكشف الخطأ بعد الصلاة بالاجتهاد أو التقليد حيث يسوغ لم يعد ما كان بين اليمين واليسار أى ما كان دونهما الى جهة القبلة وان قل ويعيد ما كان اليهما محضا فى وقته لا خارجه.

والمستدبر وهو الذى صلى الى ما يقابل سمت القبلة الذى تجوز الصلاة اليه اختيارا يعيد ولو خرج الوقت على المشهور جمعا بين الأخبار الدال أكثرها على اطلاق الاعادة فى الوقت وبعضها على تخصيصه بالمتيامن والمتياسر واعادة المستدبر مطلقا والأقوى الاعادة فى الوقت مطلقا لضعف مستند التفصيل الموجب لتقييد الصحيح المتناول باطلاقه موضع النزاع وعلى المشهور كل ما خرج عن دبر القبلة الى أن يصل الى اليمين واليسار يلحق بهما وما خرج عنهما نحو القبلة يلحق بها.

والأعمى

(1)

يرجع الى غيره لقصوره عن الاجتهاد فان عول على رأيه مع وجود المبصر لامارة وجدها صح والا فعليه الاعادة

واذا صلى الى جهة اما لغلبة الظن أو لضيق الوقت ثم تبين خطأه فان كان منحرفا يسيرا فالصلاة ماضية والا أعاد فى الوقت.

وقيل ان بان أنه استدبرها أعاد وان خرج الوقت والأول أظهر، فأما ان تبين الخلل وهو فى الصلاة فانه يستأنف على كل حال الا أن يكون منحرفا يسيرا فانه يستقيم ولا اعادة.

واذا اجتهد لصلاة ثم دخل وقت أخرى فان تجدد عنده شك استأنف الاجتهاد والا بنى على الأول.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: أن المصلى أن

(1)

شرائع الاسلام ج 1 ص 46، 47.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 1 ص 353، ص 354، ص 355 الطبعة السابقة.

ص: 179

تحير فى جهة القبلة ولم يدر الى أى جهة تكون اجتهد وصلى.

ومن أمكنه أن يجتهد بأدلة القبلة وظهرت.

فقيل لا بد له من أن يجتهد.

وقيل: يكفى نظر غيره، ومن لم يمكنه أن يجتهد أو خفيت عليه لظلمة فقيل: لا بد أن يجتهد.

وقيل يقلد من علم

ويقتدى متحير بمهتد وان كان غير أمين فى أحواله لكنه مأمون فى القبلة.

ثم قال وان تحيرت جماعة فلا يقتد كل بآخر وان اجتمع اجتهادهم صلوا معا.

والمتحير الذى لا مرشد له يصلى الواحدة أربع مرات لأربع نواح كل ناحية بصلاة.

ثم قال:

(1)

ومن صلى لغير القبلة خطأ مثل أن يدخل بيتا أو دارا لغيره فظن أن القبلة فى جهة فصلى اليها فتبين خلاف ما اتجه اليه وما أشبه ذلك فانه يعيد أبدا.

وقيل يعيد أن تبين فى الوقت.

وقيل لا يعيد أصلا.

وان تحير اجتهد وصلى فان بان خطؤه ففى حكمه أقوال.

أولها: أنه يعيد فى الوقت أو بعده.

وثانيها: أنه لا يعيد فى الوقت أو بعده.

وثالثها: المختار أن يعيد ان لم يخرج الوقت لا أن خرج لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر المخطئ بالاعادة اذ سأله بعد خروج الوقت.

ورابعها: أن يعيد ان استدبر القبلة ولو بعد الوقت وان شرق أو غرب لم يعد بعده وينحرف عن غير القبلة ان بان خطؤه فى الصلاة بلا اعادة.

وقيل يقطعها ويستأنف وهو الصحيح وان بان خطؤه بأمين واحد.

وقيل وان بغيره ويقطعها ويستأنف اجماعا ان اختار اجتهادا آخر من نفسه فاتبعه وانحرف.

‌حكم الاشتباه فى الصلاة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق

(2)

.

أن من فاتته صلاة من يوم واحد ولا يدرى أى صلاة هى فان عليه أن يعيد صلاة يوم وليلة لأن صلاة يوم بيقين كانت واجبة فلا يخرج عن عهدة الواجب بالشك.

واذا شك فى صلاة أنه صلاها أم لا فان كان وقت الصلاة قائما ثم شك فى أدائها فعليه أن يعيد، لأن سبب الوجوب قائم، وانما لا يعمل هذا السبب بشرط الأداء قبله وفيه شك،

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 353 الطبعة السابقة.

(2)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 2 ص 87 الطبعة السابقة.

وبدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 12 الطبعة السابقة.

ص: 180

وان خرج الوقت ثم شك فلا شئ عليه، لأن سبب الوجوب قد فات.

وان شك فى نقصان الصلاة بأن شك فى ترك ركعة فان كان لم يفرغ من الصلاة فعليه اتمامها ويقعد فى كل ركعة، وان شك بعد ما فرغ وسلم فلا شئ عليه.

وذكر فى الخلاصة فى مسألة الشك فى الصلاة هل صلاها أو لا وكان فى الوقت:

(1)

لو كان الشك فى صلاة العصر يقرأ فى الركعة الأولى والثالثة ولا يقرأ فى الثانية والرابعة وكان وجهه أن التنفل بعد صلاة العصر مكروه فان قرأ فى الكل أو فى الأوليين كان متنفلا بالأربع أو بالأوليين على تقدير أنه صلى الفرض أولا.

واذا ترك القراءة فى ركعة من كل شفع تمحض للفرض على تقدير أنه لم يصل أو للفساد على تقدير أنه صلى الفرض أو لا فلم يكن متنفلا على كل تقدير.

وجاء فى متن كنز الدقائق

(2)

أن المصلى ان شك فى أنه كم صلى أول مرة استأنف، وان كثر تحرى، والا أخذ بالأقل، قال صاحب البحر:

لقوله صلى الله عليه وسلم: اذا شك أحدكم فى صلاته فليستقبل، فيحمل على ما اذا كان أول شك عرض له توفيقا بينه وبين ما فى الصحيح مرفوعا، اذا شك أحدكم فليتحر الصواب فليتم عليه فيحمل على ما اذا كان الشك يعرض له كثيرا، وبين ما رواه الترمذى مرفوعا، اذا سها أحدكم فى صلاته فلم يدر واحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، وان لم يدر ثنتين صلى أو ثلاثا فليبن على ثنتين، فان لم يدر ثلاثا صلى أو أربعا فليبن على ثلاث وليسجد سجدتين قبل أن يسلم، وصححه بحمله على ما اذا لم يكن له ظن فانه يبنى على الأقل، وهذا اذا كان الشك قبل الفراغ من الصلاة، فلو شك بعد الفراغ منها أنه صلى ثلاثا أو أربعا فلا شئ عليه ويجعل كأنه صلى أربعا حملا لأمره على الصلاح، كذا فى المحيط، والمراد بالفراغ منها الفراغ من أركانها سواء قبل السّلام أو بعده، كذا فى الخلاصة.

واستثنى فى فتح القدير ما اذا كان الشك فى التعيين ليس غير بأن تذكر بعد الفراغ أنه ترك فرضا وشك فى تعيينه قالوا: يسجد سجدة واحدة

ثم يقعد ثم يقوم فيصلى ركعة بسجدتين ثم يقعد ثم يسجد للسهو.

قال صاحب البحر: ولا حاجة الى هذا الاستثناء لأن كلامنا فى الشك

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 2 ص 88 الطبعة السابقة.

(2)

متن كنز الدقائق مع شارحه البحر الرائق لابن نجيم ج 2 ص 117، ص 118 الطبعة السابقة.

ص: 181

بعد الفراغ وهذا الذى قد تذكر ترك ركن يقينا انما وقع الشك فى تعيينه، نعم يستثنى منه ما ذكره فى الخلاصة من أنه لو أخبره رجل عدل بعد السّلام أنك صليت الظهر ثلاثا وشك فى صدقه وكذبه فانه يعيد احتياطا لأن الشك فى صدقه شك فى الصلاة بخلاف ما اذا كان عنده أنه صلى أربعا فانه لا يلتفت الى قول المخبر.

وكذا لوقع الاختلاف بين الامام والقوم، ان كان الامام على يقين لا يعيد، والا أعاد بقولهم.

ولو اختلف القوم، قال بعضهم:

صلى ثلاثا وقال بعضهم صلى أربعا والامام مع أحد الفريقين يؤخذ بقول الامام.

وان كان معه واحد فان أعاد الامام الصلاة وأعاد القوم معه مقتدين به صح اقتداؤهم، لأنه ان كان الامام صادقا يكون هذا اقتداء المتنفل بالمتنفل، وان كان كاذبا يكون اقتداء المفترض بالمفترض الى آخر ما فى الخلاصة.

وأكمل ابن عابدين عبارة الخلاصة فى تعليقه فقال: وتمام عبارتها: ولو استيقن واحد من القوم أنه صلى ثلاثا واستيقن واحد أنه صلى أربعا والامام والقوم فى شك ليس على الامام والقوم شئ، وعلى المستيقن بالنقصان الاعادة ولو كان الامام استيقن انه صلى ثلاثا كان عليه أن يعيد بالقوم ولا اعادة على الذى تيقن بالتمام.

ولو استيقن واحد من القوم بالنقصان وشك الامام والقوم فان كان ذلك فى الوقت أعادوها احتياطا وان لم يعيدوا لا شئ عليهم الا اذا استيقن عدلان بالنقصان وأخبرا بذلك.

ثم قال فى البحر

(1)

: ومن شك أنه كبر للافتتاح أو لا أو هل أحدث أو لا أو هل أصابت النجاسة ثوبه أو لا أو هل مسح رأسه أم لا استقبل ان كان أول مرة والا فلا، بخلاف ما لو شك أن هذه تكبيرة الافتتاح أو تكبيرة القنوت فانه لا يصير شارعا لأنه لا يثبت له شروع بعد الجعل للقنوت ولا يعلم أنه نوى ليكون للافتتاح.

والمراد بالاستقبال: الخروج من الصلاة بعمل مناف لها والدخول فى صلاة أخرى.

والاستقبال بالسلام قاعدا أولى، لأنه عرف محللا دون الكلام ومجرد النية لغو لا يخرج بها من الصلاة كذا قالوا.

وظاهره أنه لا بد من عمل فلو لم يأت بمناف وأكملها على غالب ظنه لم تبطل الا أنها تكون نفلا ولزمه

(1)

البحر الرائق لابن نجيم ج 2 ص 118 الطبعة السابقة.

ص: 182

أداء الفرض لو كانت الصلاة التى شك فيها فرضا فلو كانت نفلا ينبغى أن يلزمه قضاؤه وان أكملها لوجوب الاستئناف.

ثم قال

(1)

: والتحرى هو طاب الأحرى وهو ما يكون أكبر رأيه عليه وعبروا عنه تارة بالظن وتارة بغالب الظن.

وذكروا أن الشك تساوى الأمرين والظن رجحان جهة الصواب والوهم رجحان جهة الخطأ فان لم يترجح عنده شئ بعد الطلب فانه يبنى على الأقل فيجعلها واحدة، وهذا فيما لو شك فى الركعة التى قام اليها أنها الثانية، ويجعلها ثانية لو شك أنها الثالثة، ويجعلها ثالثة لو شك أنها الرابعة.

وعند البناء على الأقل يقعد فى كل موضع يتوهم أنه محل قعود فرضا كان القعود أو واجبا، كيلا يصير تاركا فرض القعدة أو واجبها، فان وقع الشك فى رباعى أنها الأولى أو الثانية يجعلها الأولى ثم يقعد ثم يقوم فيصلى ركعة أخرى ويقعد ثم يقوم فيصلى ركعة أخرى ويقعد ثم يقوم فيصلى ركعة أخرى فيأتى بأربع قعدات:

قعدتان مفروضتان وهى الثالثة والرابعة وقعدتان واجبتان، لكن اقتصر فى الهداية على قوله: يقعد فى كل موضع يتوهم انه آخر صلاته كيلا يصير تاركا فرض القعدة.

ولو شك فى صلاة الفجر فى سجوده أنه صلى ركعتين أو ثلاثا ان كان فى السجدة الأولى أمكنه اصلاح صلاته، لأنه ان كان صلى ركعتين كان عليه اتمام هذه الركعة، لأنها ثانية فيجوز وان كانت ثالثة من وجه لا تفسد صلاته عند محمد، لأنه كما تذكر فى السجدة الأولى ارتفعت تلك السجدة وصارت كأنها لم تكن، كما لو سبقه الحدث فى السجدة الأولى فى الركعة الخامسة، وان كان هذا الشك فى السجدة الثانية فسدت صلاته.

ثم قال فى البحر ولو شك فى الفجر أنها ثانية أم ثالثة ولم يقع تحريه على شئ وكان قائما يقعد فى الحال، ثم يقوم ويصلى ركعة ويقعد.

وان كان قاعدا والمسألة بحالها يتحرى

فان وقع تحريه أنها ثانية مضى على صلاته.

وان وقع تحريه على أنها ثالثة يتحرى فى القعدات.

فان وقع تحريه أنه لم يقعد على رأس الركعتين فسدت صلاته.

وان لم يقع تحريه على شئ فسدت صلاته أيضا.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 119 الطبعة السابقة.

ص: 183

وكذا الشك فى ذوات الأربع: اذا شك أنها الرابعة أو الخامسة.

ولو شك أنها ثالثة أو خامسة فعلى ما ذكرنا فى الفجر فيعود الى القعدة ثم يصلى ركعة أخرى ويتشهد ثم يقوم فيصلى ركعة أخرى ويقعد ويسجد للسهو.

وذكر صاحب المبسوط

(1)

: انه اذا شك فى شئ من صلاته ثم استيقن به فان طال تفكره حين شك حتى شغله عن شئ من صلاته سجد للسهو، وان لم يطل تفكره فليس عليه سهو.

وفى القياس هما سواء ولا سهو عليه، لأنه لا يتمكن النقصان فى صلاته حين تذكر أنه أداها على وجهها.

ومجرد التفكر لا يوجب عليه السهو كما لو شك فى صلاته قبل هذا ثم تذكر أنه أداها لا سهو عليه وان طال تفكره.

ووجه الاستحسان أنه اذا أطال تفكره حتى شغله عن شئ من صلاته فقد تمكن النقصان بتأخير الركن عن آوانه بخلاف ما اذا لم يطل تفكره.

ثم السهو انما يوجب السجدة اذا كان هذا فى هذه الصلاة، فاذا شك فى صلاة أخرى لم يكن سهوه فى هذه الصلاة فلهذا لا سهو عليه.

ولو أن رجلا

(2)

افتتح الصلاة فقرأ ثم شك فى تكبيرة الافتتاح وأعاد التكبير والقراءة ثم علم أنه كان كبر فعليه سجود السهو لأنه زاد على التكبير والقراءة ساهيا وكذلك ان كان ركع قبل أن يشك بنى على ذلك الركوع وليس تكبير الثانى يقطع الصلاة.

واذا قعد

(3)

المصلى فى آخر صلاته قدر التشهد ثم شك فى شئ من صلاته حتى شغله ذلك عن التسليم ثم ذكر أنه فى الصلاة فسلم فعليه سجود السهو لتأخيره السلام وان عرض له ذلك بعد ما سلم تسليمة واحدة فلا سهو عليه لأنه بالتسليمة الواحدة صار خارجا من الصلاة.

وجاء فى بدائع الصنائع

(4)

: أنه لو احتلم الصبى ليلا ولم ينتبه حتى طلع الفجر فقد اختلف المشايخ فيه.

قال بعضهم ليس عليه قضاء العشاء لأنه وان بلغ بالاحتلام لكنه نائم فلا يتناوله الخطاب ولأنه يحتمل أنه احتلم بعد طلوع الفجر، ويحتمل أنه احتلم قبله فلا تلزمه الصلاة بالشك.

(1)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 219 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للسرخسى ج 1 ص 232 الطبعة السابقة.

(3)

المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 237 الطبعة السابقة.

(4)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 144 الطبعة السابقة.

ص: 184

وقال بعضهم: عليه صلاة العشاء لأن النوم لا يمنع الوجوب، ولأنه اذا احتمل أنه احتلم قبل طلوع الفجر واحتمل أنه احتلم بعده فالقول بالوجوب أحوط.

وجاء فى الفتاوى

(1)

الهندية: أنه لو شك فى صلاته أنه مسافر أو مقيم فانه يصلى أربعا ويقعد على الثانية احتياطا كذا فى التتارخانية.

ثم قال فى الفتاوى الهندية: لو أن رجلا صلى بقوم فلما صلى ركعتين وسجد السجدة الثانية شك فى أنه صلى ركعة أو ركعتين أو شك فى الرابعة والثالثة فلحظ الى من خلفه ليعلم بهم: ان قاموا قام هو معهم وان قعدوا قعد يعتمد بذلك فلا بأس به ولا سهو عليه كذا فى المحيط،

وذكر صاحب البدائع

(2)

: انه اذا كبر المقتدى ولا يدرى أنه كبر قبل الامام أو بعده فقد ذكر هذه المسألة فى الهارونيات وجعلها على ثلاثة أوجه:

ان كان أكبر رأيه أنه كبر قبل الامام لا يصير شارعا فى صلاة الامام.

وان كان أكبر رأيه بعد الامام يصير شارعا فى صلاته لأن غالب الرأى حجة عند عدم اليقين بخلافه.

وان لم يقع رأيه على شئ فالأصل فيه هو الجواز ما لم يظهر أنه كبر قبل الامام بيقين، ويحمل على الصواب ما لم يستيقن بالخطأ كما قلنا فى باب الصلاة عند الاشتباه فى جهة القبلة .. الخ.

وذكر صاحب البحر الرائق

(3)

:

ان المصلى لو شك فى الوتر وهو فى حالة القيام أهو فى الثانية أم فى الثالثة فانه يتم تلك الركعة ويقنت فيها لجواز أنها الثالثة ثم يقعد فيقوم فيضيف اليها ركعة أخرى ويقنت فيها أيضا وهو المختار، وفى المحيط أنه لو شك أنه فى الأولى أو فى الثانية أو فى الثالثة فانه يقنت فى الركعة التى هو فيها ثم يقعد ثم يقوم فيصلى ركعتين بقعدتين ويقنت فيهما احتياطا.

وفى قول آخر لا يقنت فى الكل أصلا.

وذكر صاحب البدائع

(4)

: أنه لو شك فى سجود السهو يتحرى ولا يسجد لهذا السهو لأن تكرار سجود السهو فى صلاة واحدة غير مشروع.

ثم قال

(5)

: انه يجب الترتيب فى

(1)

الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية للاوزجندى ج 1 ص 131 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 138، ص 139 الطبعة السابقة.

(3)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 2 ص 44 الطبعة السابقة.

(4)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 165 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 1 ص 132 الطبعة السابقة.

ص: 185

الصلاة الفائته اذا كانت الفوائت فى حد القلة لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم لما شغل عن أربع صلوات يوم الخندق قضاهن بعد هوى من الليل على الترتيب ثم قال: صلوا كما رأيتمونى - أصلى. فلو شك فى ثلاث صلوات: الظهر من يوم والعصر من يوم والمغرب من يوم.

ذكر القدورى أن المتأخرين اختلفوا فى هذا.

منهم من قال: أنه يسقط الترتيب لأن ما بين الفوائت يزيد على ست صلوات فصارت الفوائت فى حد الكثرة فلا يجب اعتبار الترتيب فى قضائها فيصلى أية صلاة شاء.

وهذا غير سديد، لأن موضع هذه المسائل فى حالة النسيان على ما يذكر والترتيب عند النسيان ساقط فكانت المؤديات بعد الفائتة فى أنفسها جائزة لسقوط الترتيب فبقيت الفوائت فى أنفسها فى حد القلة فوجب اعتبار الترتيب فيها فينبغى أن يصلى فى هذه الصورة سبع صلوات: يصلى الظهر أو لا ثم العصر ثم الظهر ثم المغرب ثم الظهر ثم العصر ثم الظهر مراعاة للترتيب.

والأصل فى ذلك أن يعتبر الفائتتين اذا انفردتا فيعيدهما على الوجه الذى بينا ثم يأتى بالثالثة ثم يأتى بعد الثالثة ما كان يفعله فى الصلاتين.

وعلى هذا اذا كانت الفوائت أربعا بأن ترك العشاء من يوم آخر فانه يصلى سبع صلوات كما ذكرنا فى المغرب ثم يصلى العشاء ثم يصلى بعدها سبع صلوات مثل ما كان يصلى قبل الرابعة.

فان قيل: فى الاحتياط هاهنا حرج عظيم فانه اذا فاتته خمس صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر من أيام مختلفة لا يدرى أى ذلك أول، يحتاج الى أن يؤدى احدى وثلاثين صلاة وفيه من الحرج ما لا يخفى.

فالجواب أن بعض مشايخنا قالوا: ان ما قالاه هو الحكم المراد لأنه لا يمكن ايجاب القضاء مع الاحتمال الا أن ما قاله أبو حنيفة رحمه الله تعالى احتياط لا حتم.

ومنهم من قال: لا بل الاختلاف بينهم فى الحكم المراد واعادة الأولى واجبة عند أبى حنيفة لأن الترتيب فى القضاء واجب فاذا لم يعلم به حقيقة وله طريق فى الجملة يجب المصير اليه، وهذا وان كان فيه نوع مشقة لكنه مما لا يغلب وجوده فلا يؤدى الى الحرج هذا

ص: 186

اذا شك فى صلاتين فأكثر

(1)

.

فأما اذا شك فى صلاة واحدة فاتته ولا يدرى أية صلاة هى فيجب عليه التحرى، فان لم يستقر قلبه على شئ يصلى خمس صلوات ليخرج عما عليه بيقين.

وقال محمد بن مقاتل الرازى أنه يصلى ركعتين ينوى بهما الفجر ويصلى ثلاث ركعات أخرى بتحريمة على حدة ينوى بها المغرب ثم يصلى أربعا ينوى بها ما فاتته فان كانت الفائتة ظهرا أو عصر أو عشاء انصرفت هذه اليها.

وقال سفيان الثورى: يصلى أربعا ينوى بها ما عليه لكن بثلاث قعدات فيقعد على رأس الركعتين والثلاث والأربع، وهو قول بشر حتى لو كانت المتروكة فجرا لجازت لقعوده على رأس الركعتين والثانى يكون تطوعا ولو كانت المغرب لجازت لقعوده على الثلاث ولو كانت من ذوات الأربع كانت كلها فرضا وخرج عن العهدة بيقين.

الا أن ما قلناه أحوط، لأن من الجائز أن يكون عليه صلاة أخرى كان تركها فى وقت آخر، ولو نوى ما عليه ينصرف الى تلك الصلاة أو يقع التعارض فلا ينصرف الى هذه التى يصلى فيعيد صلاة يوم وليلة ليخرج عن عهدة ما عليه بيقين.

وعلى هذا لو ترك سجدة من صلب صلاة مكتوبة ولم يدر أية صلاة هى يؤمر باعادة خمس صلوات لأنها من أركان الصلاة فصار الشك فيها كالشك فى الصلاة.

وذكر صاحب الفتاوى

(2)

الهندية نقلا عن فتاوى أهل سمرقند:

لو أن رجلا صلى خمس صلوات ثم انه لم يقرأ فى الأوليين من احدى الصلوات الخمس ولا يعلم تلك فانه يعيد الفجر والمغرب احتياطا.

ولو تذكر انه ترك القراءة فى ركعة واحدة ولا يدرى من أية صلاة تركها قالوا: يعيد صلاة الفجر والوتر.

ولو تذكر انه ترك القراءة فى ركعتين يعيد صلاة الفجر والمغرب والوتر.

ولو تذكر أنه ترك القراءة فى أربع ركعات يعيد صلاة الظهر والعصر والعشاء ولا يعيد الوتر والفجر والمغرب.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الحطاب

(3)

: أن من شك هل سها فى صلاته أم لا فتذكر قليلا

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 134 الطبعة السابقة.

(2)

الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية ج 1 ص 125 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب مواهب الجليل شرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 2 ص 22 الطبعة السابقة.

ص: 187

ثم تيقن من عدم السهو فلا سجود عليه.

وقال أبو الحسن الصغير وكذا الحكم لو أطال التفكر لأن الشك بانفراده لا يوجب سجود سهو وتطويل الفكر فى ذلك انما هو على وجه العمد فلا يتعلق به سجود سهو وعلى ذلك تدل أصول المذهب.

وأشهب يوجب سجود السهو فى ذلك بخلاف ما اذا كان ينوى به التفكر فى موضع شرع تطويله ونحوه لابن ناجى.

وقال سند هذا ان كان السهو والتفكر القليل فى محل شرع فيه اللبث كالقيام والجلوس والسجود وشبهه فقد اتفق أصحابنا أنه لا سجود عليه.

أما ان كان فى غير هذه المواطن فقد اختلف ابن القاسم وأشهب ثم قال فلو تفكر فلم يتيقن فهذا يبنى على الأقل.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: ولو شك وهو فى جلوس التشهد هل هو ثانية الشفع او فى الوتر فانه يجعلها ثانية الشفع ويسجد بعد السّلام ويأتى بالوتر.

وكذلك لو شك وهو فى أثناء الركعة فانه يتمها بنية الشفع ويسجد بعد السّلام ويأتى بالوتر. وقال الامام مالك فى المدونة ومن لم يدر أجلوسه فى الشفع أو فى الوتر سلم وسجد بعد السّلام وأوتر.

وجاء فى الفروق للقرافى

(2)

: من شك فى صلاته فلم يدركم صلى ثلاثا أو أربعا فانه يجعلها ثلاثا ويصلى ركعة ويسجد سجدتين بعد السّلام.

وجاء فى التاج والاكليل

(3)

: انه ان شك فى أثناء صلاته هل هو على وضوء أم لا فتمادى فى صلاته وهو على شكه ذلك فلما فرغ من صلاته استيقن انه كان على وضوء فان صلاته مجزئة عنه الا أن يكون نواها نافلة حين شك.

قال ابن رشد انما قال ان صلاته تامة وان تمادى على شكه، لأنه دخل فى الصلاة بطهارة متيقنة فلا يؤثر فيها الشك الطارئ عليه بعد دخوله فى صلاته لحديث، ان الشيطان يغشى بين اليتى أحدكم فلا ينصرف من صلاته حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.

وليس هذا بخلاف لما فى المدونة

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 19 الطبعة السابقة.

(2)

الفروق للامام شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية للشيخ محمد بن على بن الشيخ حسين مفتى المالكية ج 1 ص 227 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية الطبعة الأولى سنة 1344 هـ.

(3)

التاج والاكليل ج 1 ص 300

ص: 188

من أن من أيقن بالوضوء وشك فى الحدث ابتدأ الوضوء، لأن الشك طرأ عليه فى هذه المسألة بعد دخوله فى الصلاة فوجب أن لا ينصرف عنها الا بيقين كما فى الحديث، ومسألة المدونة طرأ عليه الشك فى طهارته قبل دخوله فى الصلاة فوجب عليه أن لا يدخل فيها الا بطهارة متيقنة وهو فرق بين.

وقال أبو عمر فى حديث من شك فلم يدر أثلاثا صلى قال فى هذا الحديث أصل عظيم يطرد فى أكثر الأحكام وهو أن اليقين لا يزيله شك وأن الشئ مبنى على أصله المعروف حتى تزيله بيقين لا شك معه.

والأصل فى الظهر أربع ركعات فلا يبرئه الا بيقين مثله.

وقد غلط بعضهم فظن أن الشك أوجب الاتيان بالركعة وهذا غلط بل اليقين أنها أربع أوجب عليه اتمامها يرجحه حديث لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا فلم ينقله صلى الله عليه وسلم عن أصل طهارته المتيقنة بشك عرض له حتى يستيقن الحدث.

الا أن مالكا قال من أيقن بالوضوء وشك فى الحدث ابتدأ الوضوء ولم يتابعه على هذا غيره وخالفه ابن نافع وقال لا وضوء عليه وهو قول سائر الفقهاء.

وقال أبو الفرج الوضوء عند مالك فى ذلك انما هو استحباب واحتياط.

وقال فى موطئه فيمن وجد فى ثوبه احتلاما وقد بات فيه ليالى وأياما أنه لا يعيد صلاة ولا يغتسل الا من آخر نومة نامها.

وقال أبو عمر وهذا يرد قوله فيمن أيقن بالوضوء وشك فى الحدث أنه يتوضأ، وعبارة الباجى ما صلى قبل تلك النومة وهو فيها شاك، وهذا الشك انما طرأ بعد اكمال الصلاة وبراءة الذمة منها فيه قولان.

أحدهما: أنه غير مؤثر فيها كما لو سلم من الصلاة ثم شك هل أحدث بعد طهارته فلا شئ عليه لأنه شك طرأ بعد تيقن سلامة العبادة

والثانى: أن الشك يؤثر فيعيد من أول نومه.

وجاء فى الحطاب

(1)

: أن من شك فى صلاته ثم بان الطهر لم يعد ولكن هل يؤمر بقطع الصلاة أو بالتمادى فيها؟ يجرى ذلك على القولين المتقدمين عن صاحب الطراز

(1)

كتاب مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 1 ص 303، الطبعة السابقة.

ص: 189

والباجى، فان كان فى الصلاة فوجد بللا فلما قطع الصلاة لم يجد شيئا ثم عرض له ذلك فى صلاة أخرى فوجد البلل فعليه أنه يقطع صلاته ويستبرئ فان تمادى على الشك وظهرت السلامة صحت على مذهب ابن القاسم وأعادها على مذهب غيره.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: واذا تيقن الامام من اتمام صلاته وشك المأمومون فى ذلك أو تيقنوا خلافه بنى كل واحد منهم على يقين نفسه ولا يرجع الى يقين غيره.

وقد قيل اذا كثر الجمع رجع الامام الى ما عليه المأمومون.

وما ذكره من أنه اذا تيقن لا يرجع الا اذا كان المأمومون عددا كثيرا هو قول محمد بن مسلمة عزاء اللخمى له واستحسنه ونصه، واختلف فيما اذا بقى على يقينه هل يتم لهم أو ينصرف فذكر ابن القصار عن مالك فى ذلك قولين.

وقال محمد بن مسلمة ان كثر من خلفه صدقهم وأتم بهم وان كان الاثنان والثلاثة لم يصدقهم وانصرف وأتمواهم وهذا أحسنها.

وجاء فى الخطاب

(2)

: ان شك المصلى فى سجدة لم يدر محلها وتحقق أنه تركها فلا يخلو اما أن يذكر وهو فى التشهد الأول، أو فى قيام لثالثة، أو فى قيام لرابعة أو فى التشهد الأخير.

والحكم فيه أن يسجدها فى جميع الصور على مذهب ابن القاسم.

فان كان ذكرها فى التشهد الأول قام فأتى بركعة بالفاتحة وسورة وتكون ثانية، لاحتمال أن تكون السجدة من الأولى فتبطل، وتصير الثانية أولى، وهذه التى أتى بها ثانية، فيتشهد، ثم يصلى ركعتين، ثم يسجد بعد السّلام، وهذه الصورة لم يذكرها المؤلف وذكر بقية الصور.

وان ذكر السجدة فى الجلسة الأخيرة فانه يسجدها لاحتمال أن تكون من الرابعة، ثم يأتى بركعة بالفاتحة فقط لرجوع الثانية أولى والثالثة ثانية والرابعة ثالثة ويسجد قبل السّلام، هذا قول ابن القاسم.

وقيل يأتى بركعة بالفاتحة وسورة ويسجد بعد السّلام.

فان ذكرها فى قيام ثالثة فانه يسجد السجدة من قيام أن تذكر أنه كان جلس، والا جلس ثم سجدها قياسا على ما تقدم فى قوله وسجدة يجلس ثم يقوم ولا يجلس ولا يتشهد فيأتى بثلاث الأولى منهن بالفاتحة وسورة

(1)

الحطاب وهامشه التاج والاكليل ج 20 ص 30، ص 31 الطبعة السابقة.

(2)

الحطاب وهامشه ج 2 ص 50، ص 51 الطبعة السابقة.

ص: 190

ويجلس ويتشهد ثم اثنتين بالفاتحة فقط ويسجد بعد السّلام، وهذا هو المشهور.

وقيل يسجد السجدة ثم يتشهد ثم يأتى بثلاث.

وقيل لا يسجد، بل يبنى على ركعة فقط ويأتى بثلاث.

وان ذكر السجدة فى قيام الرابعة فانه يسجدها ويتشهد، ثم يأتى بركعتين بالفاتحة فقط ويسجد قبل السّلام لنقص السورة من الثالثة التى صارت ثانية.

أما المأموم فذكر فى التاج والاكليل

(1)

: عن ابن الحاجب أنه ان ذكر المأموم سجدة فى قيام الثانية فان طمع فى ادراكها قبل عقد ركوع امامه سجدها ولا شئ عليه وان لم يطمع تمادى وقضى ركعة بسورة ثم ان كان على يقين لم يسجد والا سجد بعده.

قال ابن عبد السّلام فى ذلك أما عدم سجود السهو فى حال التيقن فلأن الزيادة وهى الركعة التى فاتته منها السجدة كانت من المأموم مع وجود الامام فالامام يتحملها ولا شك فى ذلك على أصل المذهب وأما سجود المأموم للسهو بعد السّلام اذا كانت على شك وهو المراد من قول المؤلف والا سجد بعده فلأن شك المأموم هنا أحد محمليه الا يكون ترك شيئا فتكون الركعة المؤتى بها بعد سلام الامام زيادة فاستلزم ذلك شكا فى الزيادة وذلك موجب للسجود البعدى على المشهور.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(2)

: ولو شك بعد خروج وقت الفريضة هل فعلها أو لا لزمه قضاؤها كما لو شك فى النية ولو بعد خروج وقتها بخلاف ما لو شك بعد وقتها هل الصلاة عليه أو لا فانه لا يلزمه شئ.

ثم قال

(3)

: ان من اشتبه عليه الوقت فى يوم غيم حتى يتيقنه أو يظن فواته لو أخرها فالأفضل أن يصلى مرتين مرة فى أول الوقت ومرة فى آخره وضابطه ان كل ما ترجحت مصلحة فعله ولو أخر فائت يقدم على الصلاة وأن كل كمال كالجماعة اقترن بالتأخير وخلا عنه التقديم يكون التأخير معه أفضل.

(1)

التاج والاكليل للمواق هامش مواهب الجليل للحطاب ج 2 ص 56 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين بن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير مع حاشية الشبراملسى عليه ج 1 ص 366 طبع مطبعة البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 358 الطبعة السابقة.

ص: 191

وجاء فى المهذب

(1)

: أن من أحرم (أى نوى الصلاة) ثم شك هل نوى أو لا ثم ذكر أنه نوى فان كان قبل أن يحدث شيئا من أفعال الصلاة أجزأه، وان ذكر ذلك بعد ما فعل شيئا من ذلك بطلت صلاته لأنه فعل ذلك وهو شاك فى صلاته (أى فى نيتها) وان نوى الخروج من الصلاة أو نوى أنه سيخرج أو شك هل يخرج أم لا بطلت صلاته، لأن النية شرط فى جميع الصلاة وقد قطع ذلك بما أحدث فبطلت صلاته كالطهارة اذا قطعها بالحدث.

وجاء فى نهاية المحتاج

(2)

: أن المصلى لو شك فى السجود فى طمأنينة الاعتدال مثلا لم يؤثر شكه عند من يرى أن الطمأنينة صفة تابعة كما لو شك فى بعض حروف الفاتحة بعد فراغها.

أما على رأى من يجعلها مقصودة فانه يلزمه العود للاعتدال فورا كما لو شك فى أصل قراءة الفاتحة بعد الركوع فانه يعود اليها.

وجاء فيه أيضا

(3)

: لو شك فى أنه أحرم أو لا فأحرم قبل أن ينوى الخروج من الصلاة لم تنعقد، لأنا نشك فى هذه النية انها شفع أو وتر فلا تنعقد الصلاة مع الشك وهذا من الفروع النفيسة.

ثم قال

(4)

: ولو شك هل ترك حرفا فأكثر من الفاتحة بعد تمامها لم يؤثر، لأن الظاهر حينئذ مضيها تامة، ولان الشك فى حروفها يكثر لكثرتها فعفى عنه للمشقة فاكتفى فيها بغلبة الظن بخلاف بقية الأركان.

ولو شك فى ذلك قبل تمامها أو هل قرأها أو لا استأنف، لأن الأصل عدم قراءتها.

والأوجه الحاق التشهد بها فيما ذكر كما قاله الزركشى لا سائر الأركان فيما يظهر ولو كرر آية منها للشك أو التفكر أو لا لسبب عمدا ففى المجموع عن جمع انه يبنى.

وعن ابن سريج انه يستأنف.

والأصح الأول وصححه فى التحقيق.

ثم قال: ولو شك قبل القيام فى أنه لم يجلس عاد للجلوس، لأنه لم يتحقق الانتقال عنه.

ولو شك المأموم فى ركوعه أنه

(1)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 70 طبع مطبعة البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(2)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 1 ص 430، ص 432، ص 433، ص 434 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 1 ص 442 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 463 الطبعة السابقة.

ص: 192

ترك الفاتحة لم يعد اليها بل يصلى ركعة بعد سلام الامام.

وعلى هذا لو كان الشاك اماما فعاد بعد ركوع المأمومين معه أو سجودهم فهل ينتظرون فى الركن الذى عاد منه الامام وان كان قصيرا كالجلوس بين السجدتين أو يعودون معه حملا على أنه تذكر أنه لم يقرأ الفاتحة أو تتعين نية المفارقة فيه نظر ولا يبعد الأول حملا له على أنه عاد ساهيا، لكن ينبغى اذا عاد والمأموم فى الجلوس بين السجدتين أن يسجد وينتظره فى السجود حذرا من تطويل الركن القصير.

ولو شك فى سجوده أنه ترك الركوع فانه يرجع الى القيام ليركع منه ولا يكفيه أن يقوم راكعا لان الانحناء غير معتد به

(1)

.

وجاء فيه أيضا

(2)

: انه لو شك مصل فى ترك بعض معين كقنوت سجد للسهو اذ الأصل عدم فعله بخلاف ما لو شك فى ترك بعض مبهم أو فى أنه سها أم لا أو علم ترك مسنون واحتمل كونه بعضا لعدم تيقن مقتضيه مع ضعف المبهم بالابهام.

ولو علم سهوا وشك فى انه بالأول أى بالبعض المعين أو بالثانى أى بغير المعين سجد كما لو علمه وشك أمتروكه القنوت أم التشهد.

ولو سها بما يقتضى سجوده وشك أى تردد هل سجد للسهو أولا، أو هل سجد سجدتين أو واحدة فليسجد ثنتين فى الأولى وواحدة فى الثانية، لان الأصل عدم سجوده وجريا على القاعدة المشهورة أن المشكوك فيه كالمعدوم.

ولو شك أى تردد فى رباعية أصلى ثلاثا أم أربعا أتى بركعة، لان الاصل عدم اتيانه بها ولا يرجع لظنه ولا لقول غيره أو فعله وان كان جمعا كثيرا

وأما مراجعته صلى الله عليه وسلم الصحابة وعوده للصلاة فى خبر ذى اليدين فليس من باب الرجوع الى قول غيره، وانما هو محمول على تذكره بعد مراجعته، أو انهم بلغوا عدد التواتر بقرينة ما يأتى اذ محل عدم الرجوع الى قول غيره ما لم يبلغوا عدد التواتر، فان بلغوا عدده بحيث يحصل العلم الضرورى بأنه فعلها رجع لقولهم، لحصول اليقين له، لان العمل بخلاف هذا العلم تلاعب كما ذكر ذلك الزركشى وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى.

ويلحق بما ذكر ما لو صلى فى جماعة وصلوا الى هذا الحد فيكتفى بفعلهم فيما يظهر.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 519، ص 520، ص 521، ص 522 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى مع حاشية الشبراملسى ج 2 ص 74، ص 75، ص 76، ص 77، ص 78 الطبعة السابقة.

ص: 193

لكن أفتى الوالد رحمه الله تعالى بخلافه.

ووجهه أن الفعل لا يدل بوضعه وسجد للسهو لخبر مسلم اذا شك أحدكم فى صلاته فلم يدر أصلى ثلاثا أم أربعا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ويسجد سجدتين قبل أن يسلم، فان كان صلى خمسا شفعن له صلاته، وان كان صلى اتماما لاربع كانتا ترغيما للشيطان.

ومعنى شفعن له صلاته ردتها السجدتان مع الجلوس بينهما لاربع لجبرهما خلل الزيادة كالنقص لا أنهما صيراها ستا.

وقد أشار فى الخبر الى أن سبب السجود هنا التردد فى الزيادة، لانها ان كانت واقعة فظاهر والا فوجود التردد يضعف النية ويحوج للجبر ولهذا يسجد. وان زال تردده قبل سلامه كما قال.

والأصح أنه يسجد وان زال شكه قبل سلامه بأن تذكر أنها رابعة لفعلها مع التردد.

والثانى لا يسجد اذ لا عبرة بالتردد بعد زواله وكذا حكم ما يصليه مترددا واحتمل كونه زائدا فيسجد لتردده فى زيادته وان زال شكه قبل سلامه.

ولا يسجد لما يجب بكل حال اذا زال شكه كما لو شك فى رباعية فى الركعة الثالثة فى نفس الأمر أثالثة هى أم رابعة فتذكر فيها أى الثالثة قبل قيامه للرابعة أنها ثالثة لم يسجد، لان ما أتى به مع الشك لازم بكل تقدير.

ولو تذكر فى الركعة الرابعة فى نفس الأمر المأتى بها أن ما قبلها ثالثة مع احتمال أنها خامسة ثم زال تردده فى الرابعة أنها رابعة سجد لتردده حال القيام اليها فى زيادتها المحتملة فقد أتى بزائد على تقدير دون تقدير.

وانما كان التردد فى زيادتها مقتضيا للسجود، لانها ان كانت زائدة فظاهر، والا فتردده أضعف النية وأحوج الى الجبر.

ولو شك بعد السّلام الذى لا يحصل به عود للصلاة فى ترك فرض غير النية وتكبيرة الاحرام لم يؤثر على المشهور، لان الظاهر مضيها على الصحة والا لعسر على الناس خصوصا على ذوى الوسواس.

والثانى يؤثر، لان الأصل عدم فعله فيبنى على اليقين ويسجد كما فى صلب الصلاة ان لم يطل الفصل، فان طال استأنف.

ص: 194

أما الشك فى النية وتكبيرة الاحرام فيؤثر على المعتمد، خلافا لمن أطال فى عدم الفرق لشكه فى أصل الانعقاد من غير أصل يعتمده.

ومنه ما لو شك أنوى فرضا أم نفلا لا الشك فى نية القدوة فى غير الجمعة كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى.

وانما لم يضر الشك بعد فراغ الصوم فى نيته لمشقة الاعادة فيه ولانه اغتفر فيها فيه (أى الصوم) ما لم يغتفر فيها هنا.

وخرج بقوله بعد السّلام ما قبله.

وقد علم أنه ان كان فى ترك ركن أتى به ان بقى محله والا فبركعة وسجد للسهو فيهما لاحتمال الزيادة أو لضعف النية بالتردد فى مبطل.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: أن من شك فى دخول الوقت لم يصل حتى يغلب على ظنه دخوله، لان الأصل عدم دخوله.

فان صلى مع الشك فعليه الاعادة، وان وافق الوقت، لعدم صحة صلاته، كما لو صلى من اشتبهت عليه القبلة من غير اجتهاد.

قال ابن حمدان من أحرم بفرض مع ما ينافيه لا مع ما ينافى الصلاة عمدا أو جهلا أو سهوا فسد فرضه.

ونفله يحتمل وجهين.

قلت يأتى أنه يصح نفلا اذا لم يكن عالما، فان غلب على ظنه دخول الوقت بدليل من اجتهاد أو تقليد عارف أو تقدير الزمان بقراءة أو صنعة كمن جرت عادته بقراءة شئ الى وقت الصلاة أو بعمل شئ مقدر من صنعته الى وقت الصلاة جاز له أن يصلى ان لم يمكنه اليقين بمشاهدة الزوال ونحوه أو اخبار عن يقين، لانه أمر اجتهادى فاكتفى فيه بغلبة الظن كغيره، ولان الصحابة كانوا يبنون أمر الفطر على غلبة الظن.

والأولى تأخيرها قليلا احتياطا حتى يتيقن دخول الوقت ويزول الشك.

الا أن يخشى خروج الوقت أو تكون صلاة العصر فى يوم غيم فيستحب التبكير، لحديث بريدة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة فقال: بكروا بصلاة العصر فى

(1)

كشاف القناع مع هامشه منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 177، ص 178 طبع المطبعة العامرة الشرفية الطبعة الأولى سنة 1319 هـ بمصر، والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل للمحقق أبى النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 1 ص 84، ص 85 طبع المطبعة المصرية بالأزهر سنة 1351 هـ.

ص: 195

اليوم الغيم فانه من فاتته صلاة العصر حبط عمله رواه البخارى.

قال الموفق معناه والله أعلم التبكير بها اذا حل فعلها بيقين أو غلبة ظن، وذلك لان وقتها المختار فى زمن الشتاء ضيق فيخشى خروجه.

وقال فى الانصاف فعلى المذهب يستحب التأخير حتى يتيقن دخول الوقت قاله ابن تميم وغيره.

والأعمى ونحوه يقلد العارف فى دخول الوقت فان عدم الأعمى ونحوه من يقلده وصلى أعاد، ولو تيقن أنه أصاب، كمن اشتبهت عليه القبلة فيصلى بغير اجتهاد.

وان كان الاخبار بدخول الوقت عن اجتهاد لم يقبله، لانه يقدر على الصلاة باجتهاد نفسه وتحصيل مثل ظنه أشبه بحال اشتباه القبلة.

زاد ابن تميم وغيره اذا لم يتعذر عليه الاجتهاد.

فان تعذر الاجتهاد عمل بقول المخبر عن اجتهاد.

ومن الاخبار بدخول الوقت عن اجتهاد الاذان فى غيم ان كان عن اجتهاد فلا يقبله اذا لم يتعذر عليه الاجتهاد فيجتهد من يريد الصلاة ان قدر على الاجتهاد، لقدرته على العمل باجتهاد نفسه.

وان كان المؤذن يعرف الوقت بالساعات وهو العالم بالتسيير والساعات والدقائق والزوال أو كان يؤذن بتقليد عارف بالساعات عمل بآذانه اذا كان ثقة فى الغيم وغيره.

ومتى اجتهد من اشتبه عليه الوقت وصلى، فبان أنه وافق الوقت أو ما بعده أجزاه ذلك فلا اعادة عليه، لانه أدى ما خوطب به وما فرض عليه وان وافق ما قبل الوقت لم يجزه عن فرضه، لان المكلف انما يخاطب بالصلاة عند دخول وقتها ولم يوجد بعد ذلك ما يزيله ولا ما يبرئ الذمة منه فبقى بحاله وكانت صلاته نفلا وعليه الاعادة أى فعل الصلاة اذا دخل وقتها.

ثم قال

(1)

: ولو شك فى صلاة هل صلى ما قبلها ودام شكه حتى فرغ من صلاته فبان أنه لم يصل اعاد الفائتة ثم الحاضرة ليحصل الترتيب.

وان نسى صلاة من يوم بليلته يجهل عينها بأن لم يدر أظهر هى أم غيرها صلى خمسا بنية الفرض وذلك بأن ينوى بكل واحدة من الصلوات الخمس الفرض الذى عليه.

(1)

من كتاب كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات ج 1 ص 180 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 85 الطبعة السابقة.

ص: 196

ولو نسى ظهرا وعصرا من يومين وجهل السابق منهما بدأ باحداهما بالتحرى، أى الاجتهاد.

فان لم يترجح عنده شئ بدأ بأيهما شاء للعذر.

ولو علم أن عليه من يوم الظهر وصلاة أخرى لا يعلم هل هى المغرب أو الفجر لزمه أن يصلى الفجر ثم الظهر ثم المغرب اعتبارا بالترتيب الشرعى.

ولو شك مأموم أصلى الامام الظهر أو العصر؟ اعتبر بالوقت فان أشكل فالاصل عدم الاعادة.

وجاء فى كشاف القناع

(1)

: ولو ظن مكلف أن عليه ظهرا فاتته فقضاها فى وقت ظهر اليوم ثم بان أنه لا قضاء عليه لم تجزه الظهر التى صلاها عن الظهر الحاضرة لانه لم ينوها، أشبه ما لو نوى قضاء عصر، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم:«وانما لكل امرئ ما نوى» .

وكذا لو نوى ظهر اليوم فى وقتها وعليه فائتة لم تجزه عنها.

ثم قال

(2)

: ولو شك فى أثناء الصلاة هل نوى فعمل مع الشك عملا من أعمال الصلاة كركوع أو سجود أو رفع منهما أو قراءة أو تسبيح أو نحوها ثم ذكر أنه نوى بطلت صلاته، لخلو ما عمله عن نية جازمة.

ولو شك فى تكبيرة احرام بطلت، على معنى أنه يجب استئناف الصلاة، لانه لا يدخل فى الصلاة الا بتكبيرة الاحرام والأصل عدمها.

أو شك هل أحرم بظهر أو عصر أى شك فى تعيين الصلاة ثم ذكر فيها بعد أن عمل مع الشك عملا فعليا أو قوليا بطلت صلاته، لخلو ما عمله عن نية جازمة.

أو نوى أنه سيقطع النية أو علق قطع النية على شرط كأن نوى ان جاء زيد قطعها بطلت صلاته لمنافاة ذلك للجزم بها.

وان شك هل نوى الصلاة فرضا أو نفلا أتمها نفلا، لان الأصل عدم نية الفرض الا أن يذكر أنه نوى الفرض قبل أن يحدث عملا من أعمال الصلاة الفعلية والقولية فيتمها فرضا، لانه لم يخل عمل من أعمالها عن النية الجازمة

(3)

.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 211 الطبعة السابقة والاقناع ج 1 ص 106 الطبعة السابقة.

(2)

من كتاب كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 213، ص 214، 263، 265 الطبعة السابقة والاقناع ج 1 ص 107، ص 140، ص 141 الطبعة السابقة.

(3)

من كتاب كشاف القناع مع هامشه منتهى الارادات ج 1 ص 265، ص 266، ص 268 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد ابن حنبل ج 1 ص 141، ص 142، ص 143 الطبعة السابقة.

ص: 197

وان ذكر أنه نوى الفرض بعد أن أحدث عملا بطل فرضه، لخلو ما عمله عن نية الفرضية الجازمة.

وان أحرم بفرض صلاة رباعية ثم سلم من ركعتين يظنها جمعة أو فجرا أو التراويح ثم ذكر ولو قريبا بطل فرضه، وظاهره تصح نفلا، ولم يبن على الركعتين نصا، لقطع نية الرباعية بسلامه ظانا ما ذكر، كما لو كان سلم منها عالما لقطعه نية الصلاة.

وان شك فى الصلاة هل هو امام أو مأموم لم تصح صلاته لعدم الجزم بنية الامامة أو الائتمام.

ومن نسى ركنا غير تكبيرة الاحرام لعدم انعقاد الصلاة بتركها وكذا النية على القول بركنيتها فذكره بعد شروعه فى قراءة الركعة التى بعد المتروك منها الركن بطلت الركعة التى تركه منها فقط نص عليه، لانه ترك ركنا ولم يمكنه استدراكه لتلبسه بالركعة التى بعدها فلغت ركعته وصارت التى شرع فيها عوضا عنها ولا يعيد الاستفتاح.

وان شك فى الركوع والسجود جعله ركوعا فيأتى به ثم بالسجود.

فان ترك آيتين متواليتين من الفاتحة جعلهما من ركعة عملا بالظاهر، وان لم يعلم تواليهما جعلهما من ركعتين احتياطا.

لئلا يخرج من الصلاة وهو شاك فيها، فيكون مغررا بها، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا غرار فى الصلاة ولا تسليم» رواه أبو داود.

ثم قال ومن شك فى عدد الركعات بنى على اليقين، ولو كان الشاك اماما.

روى ذلك عن عمر وابنه وابن عباس رضى الله عنهم.

لما روى أبو سعيد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا شك أحدكم فى صلاته فلم يدركم صلى فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم رواه مسلم، وكطهارة وطواف ذكره ابن شهاب، ولان الأصل عدم ما شك فيه.

وكما لو شك فى أصل الصلاة وسواء تكرر ذلك منه أولا.

قاله فى المستوعب وغيره.

وعنه يبنى امام على غالب ظنه.

والمنفرد يبنى على اليقين.

ذكر فى المقنع أن هذا ظاهر المذهب وجزم به فى الكافى والوجيز، وذكر فى الشرح أنه المشهور عن أحمد وأنه اختيار الخرقى ولأن للامام من ينبهه ويذكره اذا أخطأ الصواب بخلاف المنفرد.

هذا اذا كان المأموم أكثر من واحد.

وان لم يكن المأموم أكثر من واحد بنى الامام على اليقين كالمنفرد، لانه لا يرجع اليه بدليل أن المأموم الواحد لا يرجع الى فعل امامه وقد اختار

ص: 198

القول بأن الأمام يبنى على غالب ظنه جمع ويأخذ مأموم عند شكه وحده دون سائر المأمومين بفعل امامه اذا كان المأموم اثنين فأكثر: لانه يبعد خطأ اثنين (أى الامام والمأموم الآخر) واصابة واحد (وهو المأموم الذى شك).

قال فى المبدع وأما المأموم فيتبع امامه مع عدم الجزم بخطئه، وان جزم بخطئه لم يتبعه ولم يسلم قبله.

والمأموم فى فعل نفسه يبنى على اليقين فلو شك المأموم هل دخل مع الامام فى الركعة الأولى أو الثانية جعل الدخول معه فى الثانية فيقضى ركعة اذا سلم امامه احتياطا.

ولو أدرك المأموم الامام راكعا ثم شك بعد تكبيره للاحرام هل رفع الامام رأسه قبل ادراكه راكعا لم يعتد بتلك الركعة لاحتمال رفعه من الركوع قبل ادراكه فيه.

وحيث بنى المصلى على اليقين فانه يأتى بما بقى عليه فان كان مأموما أتى به بعد سلام امامه كالمسبوق ولا يفارقه قبل ذلك لعدم الحاجة اليه وسجد للسهو ليجبر ما فعله مع الشك فانه نقص فى المعنى.

وان كان المأموم واحدا وشك فى عدد الركعات ونحوه لم يقلد امامه لاحتمال السهو منه كما لم يرجع النبى صلى الله عليه وسلم. لقول ذى اليدين وحده. ويبنى على اليقين فان سلم امامه أتى بما شك فيه، ولا أثر لشك المصلى بعد سلامه، وكذلك سائر العبادات لو شك فيها بعد فراغها، لان الظاهر أنه أتى بها على الوجه المشروع.

ومن شك قبل السّلام فى ترك ركن فهو كتركه ويعمل باليقين، لان الأصل عدمه.

ولا يسجد لشكه فى ترك واجب لان الأصل عدم وجوبه فلا يسجد بالشك ولا يسجد لشكه هل سها أو لا، لان الأصل عدمه أو شكه فى زيادة بأن شك فى التشهد هل زاد شيئا أو لا لم يسجد، لان الأصل عدم الزيادة الا اذا شك فيها وقت فعلها بأن شك فى الأخيرة هل هى زائدة أو لا أو وهو ساجد هل سجوده زائد أو لا فيسجد لذلك جبرا للنقص الحاصل فيه بالشك ولا يسجد لشكه اذا زال شكه وتبين أنه مصيب فيما فعله اماما كان أو غيره لزوال موجب السجود.

ولو شك من سها هل سجد لسهوه أم لا سجد للسهو وكفاه سجدتان، وليس على المأموم سجود سهو لحديث ابن عمر يرفعه ليس على من خلف الامام سهو.

فان سها الامام فعليه وعلى من خلفه رواه الدار قطنى.

ص: 199

الا أن يسهو امامه فيسجد المأموم معه ولو لم يتم التشهد ثم يتمه ولو مسبوقا سواء كان سهو امامه فيما أدركه معه أو قبله وسواء سجد امامه قبل السّلام أو بعده.

وان شك فى محل

(1)

سجوده بأن حصل له سهو وشك هل السجود له قبل السّلام أو بعده سجد قبل السّلام لانه الأصل.

ثم قال

(2)

: ولو صلى الفجر ثم شك هل طلع الفجر أو لا لزمته الاعادة وله أن يؤم فيها من لم يصل، لان الأصل بقاء الصلاة فى ذمته ووجوب فعلها أشبه ما لو شك هل صلى أو لا.

ثم قال

(3)

: واذا ائتم مسافر بمن يشك فى كونه مسافرا أو ائتم بمن يغلب على ظنه أنه مقيم ولو بان الامام بعد مسافرا لزم المأموم أن يتم لعدم الجزم بكونه مسافرا عند الاحرام.

واذا شك فى الصلاة هل نوى القصر أم لا ولو ذكر بعد ذلك فى أثناء الصلاة أنه كان نواه لزمه أن يتم لوجود ما أوجب الاتمام فى بعضها فغلب لانه الأصل.

ثم قال

(4)

: ولو شك من يجب عليه حضور الجمعة هل صلى الظهر قبل الامام أو بعده لم تصح صلاته، لانه صلى ما لم يخاطب به وترك ما خوطب به فلم تصح كما لو صلى العصر مكان الظهر وكشكه فى دخول الوقت، لانها فرض الوقت فعيدها ظهرا اذا تعذرت الجمعة ثم ان ظن أنه يدرك الجمعة سعى اليها لانها المفروضة فى حقه والا انتظر حتى يتيقن ان الامام صلى ثم يصلى الظهر.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم فى المحلى

(5)

: من أيقن أنه نسى صلاة لا يدرى أى صلاة هى فان عليه أن يصلى صلاة واحدة أربع ركعات فقط لا يقعد الا فى الثانية والرابعة ثم يسجد للسهو ينوى فى ابتدائه اياها أنها التى فاتته فى علم الله تعالى ثم يسجد للسهو بعد السّلام.

والدليل على صحة قولنا: ان الله عز وجل لما فرض عليه بيقين مقطوع لا شك فيه ولا خلاف من أحد منهم ولا منا - صلاة واحدة وهى التى فاتته فمن أمره بخمس صلوات أو ثمان

(1)

كشاف القناع مع منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 268 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 143 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 313 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 328، ص 329 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد ابن حنبل ج 1 ص 181 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 1 ص 343 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 190 الطبعة السابقة.

(5)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 182، ص 183 المسألة رقم 480 الطبعة السابقة.

ص: 200

صلوات أو ثلاث صلوات أو صلاتين فقد أمره يقينا بما لم يأمره الله تعالى به ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وفرضوا عليه صلاة أو صلاتين أو صلوات ليست عليه وهذا باطل بيقين فلا يجوز أن يكلف الا صلاة واحدة كما هى عليه ولا مزيد.

ثم قال

(1)

: ومن كبر لصلاة فرض وهو شك هل دخل وقتها أم لا لم تجزه سواء وافق الوقت أم لم يوافقه، لأنه صلاها بخلاف ما أمر وانما أمر أن يبتدئها فى وقتها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(2)

: أن من التبست عليه فائتة وجب عليه قضاء خمس صلوات، ليعلم يقينا أنه قد أتى بها.

ثم قال

(3)

: ومن التبس عليه بقاء الوقت نوى صلاة وقته وأجزأه ذلك لانها متضمنة للأداء مع البقاء والقضاء مع الانقضاء.

ومن غلب على ظنه خروج الوقت فنوى صلاته قضاء أو ظن بقاءه فنواها أداء ثم انكشف خلاف ما ظنه فقياس المذهب فى عدم التعرض للأداء والقضاء أنها تصح صلاته فى الصورتين ولا يضر الخطأ فى تلك النية.

«وفى الأثمار» المختار صحتها حيث أطلق لا اذا نوى أداء أو قضاء، لان النية مغيرة وأخذ من هذا أن من مكث فى مكان عشرين سنة يصلى الصبح بظنه دخول الوقت فانه لا يجب عليه الا قضاء صلاة واحدة، لان صلاة كل يوم تقع عما قبلها، هذا مع عدم نية الأداء، والا فالنية مغيرة اذ الأعمال بالنيات، ولا يلزم نية للأداء حيث يصلى أداء، ولا للقضاء حيث يصلى قضاء الا للبس وذلك حيث يريد أن يقضى فى وقت يصلح للأداء، فانه يلزمه حينئذ تعيين ما يريد فعله من أداء أو قضاء.

وحكى البعض عن المؤيد بالله أن نية القضاء لا تجب.

وظاهر ما قال به أبو طالب أنها تجب.

وقال المؤيد بالله يكفى من جاء والامام فى صلاة ولم يدر ما صلاته أن ينوى أصلى صلاة أمامى هذا وانما يجزيه ذلك حيث التبس عليه صلاة الامام أظهر أم جمعة فقط وانما خص لبس الظهر بالجمعة وصحت هذه النية، لان الوجه فيهما واحد، وذلك لان الظهر والجمعة بمنزلة الفرض الواحد، اذ كل منهما بدل عن الآخر، بمعنى أنه اذا فعل أحدهما على وجه الصحة سقط عنه الاخر.

وصحت النية المجملة عند المؤيد بالله

(1)

المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 195، ص 196 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 66 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 228 وهامشه ص 229 الطبعة السابقة.

ص: 201

لان المصلحة فيها واحدة بخلاف سائر الصلوات فان المصلحة فيها مختلفة.

ولا تصح هذه النية حيث التبس عليه أظهر أم عصر كما ذكره فى الغيث.

فلو دخل معه هذا الوجه والتبس عليه عند سلام الامام ما صلى خرج من الصلاة لتعذر المضى عليه.

قال على بن يحيى الوشلى: ولو ظن أنها ظهرا فاتمها فانكشف أنها جمعة صحت عند المؤيد بالله، لان زيادة المتظنن لا تفسد عنده.

وأعلم أن ذلك لا يصح فى صلاة الجمعة عند الهادوية، لانهم يشترطون فى صحتها سماع شئ من الخطبة.

فاللاحق على أصلهم ينوى صلاة الظهر مؤتما، ويتم ركعتين.

وأما اذا التبس الظهر والعصر فينوى أنها ظهر وتجزيه ان انكشف الاتفاق والا فلا.

قال المؤيد بالله: ويكفى المحتاط وهو الذى يؤدى صلاة فيشك فى صحتها وأراد أن يعيدها احتياطا وعليه فائت من جنسها أى ينوى أصلى آخر ما على من صلاة كذا، نحو أن يشك فى صلاة الظهر فيقول فى الاعادة أصلى آخر ما على من صلاة الظهر، فانه اذا لم تكن الأولى صحيحة فهى آخر ما عليه، وان كانت صحيحة كانت من آخر ما فات عليه من جنسها.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: قال الناصر وزيد بن على وبعض العلماء: لا ترتيب فى السجدات فاذا ترك أربع سجدات من أربع ركعات أتى بها عندهم فى حال التشهد، وان لا يكن ترك الفرض فى موضعه سهوا بل تركه عمدا أو تركه سهوا لكن لم يأت به قبل التسليم أو أتى به لكن لم يلغ ما تخلل فاذا كان أى من هذه الأمور بطلت صلاته عندنا.

هذا اذا عرف موضع المتروك.

فان جهل موضعه فلم يدر أين تركه بنى على الأسوأ، وهذا أدنى ما يقدر، لانه المتيقن.

ثم قال

(2)

ومن شك هل نقص من المسنون أو زاد عليه.

فقال صاحب المرشد يسجد للسهو.

وفى حواشى الافادة أن ذلك ان شك فى النقصان فقط.

وقال: أبو مضر يسجد بنية مشروطة فان قطع أثم.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 1 ص 318، ص 319 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 من ص 322 إلى ص 328 الطبعة السابقة.

ص: 202

وقال المنصور بالله يكره السجود الا لمن عرف أنه سها، لانه لم يشرع الا للسهو.

وأما لو شك هل أتى بالمسنون أم لا فان ذلك يوجب سجود السهو.

ولا أثر للشك بعد الفراغ من الصلاة على معنى أنه لا يوجب اعادتها ولا سجود سهو اذا كان مجرد شك أما لو حصل له ظن بالنقصان فعليه الاعادة.

وعن أحمد بن يحيى أن مجرد الشك يوجب الاعادة كما لو شك فى فعل الصلاة جملة، فأما اذا عرض الشك قبل الفراغ من الصلاة فاختلف الناس فى ذلك.

قال فى الانتصار محكيا عن على عليه السلام وأبى بكر وعمر وابن مسعود رضى الله تعالى عنهم أن الشاك يبنى على اليقين مطلقا سواء شك فى ركعة أم فى ركن.

وقال المؤيد بالله - وهو قول المنصور بالله: انه يعمل بظنه مطلقا من غير فرق بين الركعة والركن والمبتدئ والمبتلى.

فان لم يحصل له ظن أعاد المبتدئ وبنى المبتلى على الأقل.

قال على: الا أن يكون ممن يمكنه التحرى ولم يحصل له ظن فانه يعيد كالمبتدئ.

والمذهب التفصيل المذكور فى الأزهار حيث قال: اذا كان الشك فى ركعة نحو أن يشك فى صلاة الظهر هل قد صلى ثلاثا أم أربعا فانه يعيد المبتدئ.

وان لم يكن ذلك الشاك مبتدئا بل مبتلى فان الواجب أن يتحرى المبتلى اذا كان يمكنه التحرى.

قال فى الشرح والمبتدئ هو من يكون الغالب من حاله السلامة من الشك وان عرض له فهو نادر، والمبتلى عكسه.

وقال ابن معرف: المبتلى من يشك فى الاعادة واعادة الاعادة فيشك فى ثلاث صلوات قال مولانا عليه السلام والأول هو الصحيح.

وأما حكم من لا يمكنه التحرى فانه يبنى على الأقل.

بمعنى أنه اذا شك هل صلى ثلاثا أم أربعا بنى على أنه قد صلى ثلاثا.

والذى لا يمكنه التحرى هو الذى قد عرف من نفسه أنه لا يفيده النظر فى الأمارات ظنا عند عروض الشك له وذلك يعرف بأن يتحرى عند عروض الشك فلا يحصل له ظن ويتفق له ذلك مرة بعد مرة فانه حينئذ يعرف من نفسه أنه لا يمكنه التحرى.

ص: 203

وأما حكم من يمكنه التحرى فى العادة الماضية وهو الذى يعلم أنه متى ما شك فتحرى حصل له بالتحرى تغليب أحد الأمرين اللذين شك فيهما، ولكنه تغيرت عادته فى هذه الحال بأن لم يفده التحرى فى هذه الحال ظنا فانه يعيد الصلاة أى يستأنفها.

وأما اذا كان الشك فى ركن من اركان الصلاة كركوع أو قراءة أو تكبيرة الافتتاح أو نية الصلاة فكالمبتلى أى فان حكم الشاك فى الركن سواء كان مبتدئا أو مبتلى حكم المبتلى بالشك اذا شك فى ركعة على ما تقدم من أنه يعمل بظنه ان حصل والا أعاد الا أن يكون مبتلى لا يمكنه التحرى بنى على الأقل.

قال المؤيد بالله ويكره الخروج من الصلاة فورا لاجل الشك العارض اذا كان الشاك ممن يمكنه التحرى ولو كان مبتدئا، بل يتحرى وهذا من المؤيد بالله بنى على مذهبه، لانه لا يفرق بين المبتدئ والمبتلى مع حصول الظن بل يقول يعمل به المبتدئ كالمبتلى فأما على المذهب فانما يكره الخروج اذا كان مبتلى يمكنه التحرى.

فأما المبتدئ فيخرج ويستأنف.

والذى لا يمكنه التحرى يبنى على الأقل.

نعم والكراهة كراهة حظر اذا كان ذلك فى فريضة لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ 1» .

قال المؤيد بالله والعادة تثمر الظن سالم يحصل معه شاغل عظيم عنده يعنى اذا كان عادة هذا الشخص الاتيان بالصلاة تامة فى غالب الأحوال وعرض له الشك فى بعض الحالات ولم تحصل له امارة على كونه لم يغلط الا كون عادته التحفظ وعدم السهو، فان ذلك يفيده الظن فيعمل به.

وكذا لو كان عادته كثرة السهو وعرض له الشك عمل بالعادة، لانها تفيد الظن.

قال مولانا عليه السلام هذا صحيح اذا حصل الظن.

فأما اذا لم يحصل ظن فلا تأثير للعادة.

وهل يستمر الحال فى أنهاتفيد الظن؟ فيه نظر.

ولهذا أشرنا الى ضعف المسألة بقولنا قال المؤيد بالله: ويعمل بخبر العدل فى الصحة نحو أن يعرض له الشك فى حال الصلاة أو بعد تمامها هل هى كاملة صحيحة أم لا فيخبره عدل أو عدلة حر أو عبد أنها صحيحة فانه يعمل بخبره مطلقا سواء كان شاكا فى

(1)

الآية رقم 32 من سورة محمد.

ص: 204

فسادها أم غالبا فى ظنه أنها فاسدة وأما فى الفساد فلا يعمل بخبر العدل الا مع الشك فى صحتها لا لو غلب فى ظنه أنها صحيحة لم يجب العمل بخبر العدل بفسادها بل يعمل بما عند نفسه.

ولا يعمل المصلى بظنه أو شكه فيما يخالف امامه من أمر صلاته، ولكن هذا فيما يتابع فيه الامام فأما فى تكبيره وتسليمه وتسبيحه فيتحرى لنفسه.

وليعد متظنن وهو الذى عرض له الشك فى صلاته فتحرى فظن النقصان فبنى على الأقل ثم أنه لما بنى على الأقل ارتفع اللبس وتيقن الزيادة أى علم علما يقينا فحكمه بعد هذا اليقين حكم المتعمد للزيادة ذكره أبو طالب وأبو العباس الحسينى.

وقال المؤيد بالله ليس المتظنن كالعامد فلا تجب عليه الاعادة.

قال مولانا عليه السلام ولعل الخلاف حيث تيقن الزيادة والوقت باق.

فأما لو لم يتيقنها حتى خرج الوقت فالاقرب أنه لا يعيد الصلاة اتفاقا.

ويكفى الظن فى أداء الظنى.

يعنى أن ما وجب بطريق ظنى من نص أو قياس ظنيين أو نحوهما كفى المكلف فى الخروج عن عهدة الامر به أن يغلب فى ظنه أنه قد أداه، ولا يلزمه تيقن أدائه، وذلك كنية الوضوء وترتيبه وتسميته والمضمضة وقراءة الصلاة والاعتدال ونحو ذلك، ومن الواجب العلمى، وهو الذى طريق وجوبه قطعى ما يجوز أداؤه بالظن، وذلك فى أبعاض منه، لا فى جملته.

ولا بد فى هذه الأبعاض أن تكون مما اذا أعيدت لا يؤمن عود الشك فيها، وذلك كأبعاض الصلاة وأبعاض الحج.

أما اذا كان يؤمن عود الشك فيها وذلك نحو أن يشك فى جملة أى أركان الحج نحو أن يشك فى الوقوف أو فى نفس طواف الزيارة أو الاحرام فان هذه الأبعاض اذا شك فيها لزمت اعادتها ولم يكف الظن فى أدائها.

واذا التبس يوم

(1)

صلاة العيد فظن أنه اليوم الثانى فترك الصلاة فى اليوم الأول ثم انكشف أن اليوم الأول هو يوم الصلاة فاذا انكشف ذلك جاز فى هذه الحالة قضاؤها فى ذلك الوقت المخصوص.

ثم قال

(2)

: ومن فاتت عليه صلاة والتبس أى الصلاة الخمس هى.

فالمذهب ما ذكره أحمد بن يحيى من

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 338 المطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 342 الطبعة السابقة.

ص: 205

أنه يصلى ركعتين وثلاثا وأربعا ينوى بالأربع ما فات عليه من الرباعيات لكنه فى الرباعية خاصة يجهر فى ركعة منها بقراءته ويسر فى ركعة اخرى، لان الرباعية تتردد بين الظهر والعصر والعشاء. فاذا جهر فى ركعة وأسر فى أخرى فقد أتى بالواجب من الجهر ان كان الفائت العشاء ومن الاسرار ان كان أحد العصرين.

ثم قال

(1)

: ومتى أقيم جمعتان فى مكانين فى بلد واحد كبير بينهما دون الميل فان لم يعلم تقدم أحدهما بل علم وقوعهما فى حالة واحدة أو التبس الحال أعيدت الجمعة والخطبة ويؤم بعضهم بعضا اذ اللبس مبطل.

وقال فى منهاج ابن معرف اذا وقعتا فى حالة واحدة صحت جمعة من فيهم الامام الأعظم فان علم تقدم أحدهما ولم يلتبس المتقدم أعاد الآخرون ظهرا، لأن جمعتهم غير صحيحة ولو كان فيهم الامام الأعظم.

وقال فى الانتصار اذا كان فيهم الامام الأعظم صحت جمعتهم، فان التبس المتقدمون بالمتأخرين بعد أن علم أن أحد الفريقين متأخر أعادوا جميعا ظهرا ولا تعاد جمعة ذكره البعض وأطلقه للمذهب فى التذكرة.

وقال فى الانتصار يعيدون جميعا الجمعة لا الظهر.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(2)

: أنه لا تنعقد جمعتان فى أقل من فرسخ بل يجب على من يشتمل عليه الفرسخ الاجتماع على جمعة واحدة كفاية.

ولا يختص الحضور بقوم الا أن يكون الامام فيهم فمتى أخلوا به أثموا جميعا.

ومحصل هذا الشرط وما قبله أن من بعد عنها بدون فرسخ يتعين عليه الحضور، ومن زاد عنه الى فرسخين يتخير بينه وبين اقامتها عنده ومن زاد عنهما يجب اقامتها عنده أو فيما دون الفرسخ مع الامكان والا سقطت.

وأن أهل البلدة لو صلوا أزيد من جمعة فيما دون الفرسخ صحت السابقة خاصة ويعيد اللاحقة ظهرا، وكذا المشتبه مع العلم به (أى بالسبق) فى الجملة.

أما لو اشتبه السبق والاقتران فانه يجب اعادة الجمعة مع بقاء وقتها

(1)

شرح الأزهار وهامشه المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 358، ص 359 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 90 الطبعة السابقة.

ص: 206

خاصة على الأصح مجتمعين أو متفرقين بالمعتبر والظهر مع خروجه.

ثم قال: ولو

(1)

شك فى عدد صلاة الكسوف نظرا الى أنها ثنائية أو أزيد، والأقوى أنها فى ذلك ثنائية وان الركوعات أفعال فالشك فى محلها يوجب فعلها وفى عددها يوجب البناء على الأقل وفى عدد الركعات مبطل

وجاء فى موضع آخر

(2)

: لو أن المصلى جهل عين الفائتة من الخمس صلى صبحا ومغربا معينين وأربعا مطلقة بين الرباعيات الثلاث، ويتخير فيها بين الجهر والاخفات وفى تقديم ما شاء من الثلاث ولو كان فى وقت العشاء ردد بين الأداء والقضاء.

والمسافر يصلى مغربا وثنائية مطلقة بين الثنائيات الأربع مخيرا كما سبق.

ولو اشتبه فيها القصر والتمام فرباعية مطلقة ثلاثيا وثنائية مطلقة رباعيا ومغرب يحصل الترتيب عليهما.

ثم قال

(3)

: ولو فات المكلف من الصلاة ما لم يحصه لكثرته تحرى أى اجتهد فى تحصيل ظن بقدر ويبنى على ظنه وقضى ذلك القدر سواء كان الفائت متعددا كأيام كثيرة أم متحدا كفريضة مخصوصة متعددة.

ولو اشتبه الفائت فى عدد منحصر عادة وجب قضاء ما تيقن به البراءة كالشك بين عشر وعشرين.

وفيه وجه: البناء على الأقل.

وهو ضعيف.

ويعدل الى الفريضة السابقة لو شرع فى قضاء اللاحقة ناسيا مع امكانه بأن لا يزيد عدد ما فعل عن عدد السابقة أو تجاوزه ولما يركع فى الزائدة مراعاة للترتيب حيث يمكن.

والمراد بالعدول أن ينوى بقلبه تحويل هذه الصلاة الى السابقة الى آخر مميزاتها متقربا.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(4)

: قال فى التاج أن من شك فى صلاته فنقضها أعاد الاقامة.

وقيل لا.

وقيل يعيدها ويعيد التوجيه.

وقيل يعيده دونها.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 94 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 107 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 109 الطبعة السابقة.

(4)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 1 ص 376 الطبعة السابقة.

ص: 207

وقيل يعيد الاحرام فقط.

ثم قال

(1)

: وان شك فى السّلام قبل أن يشرع فى عمل لا لصلاة سلم.

وان شك فيه بعد الشروع فى عمل غير الصلاة فلا يشتغل بالشك وكذا أن بدأ فى التسليم فشرع فى غيره قبل تمامه يتمه ان شرع فى أمر الصلاة، ويعيد الصلاة ان شرع فى غير أمر الصلاة.

وقيل لا.

وكذا كل عمل خرج منه أى من محله ثم شك فيه ولم يتيقن أنه لم يعمله لا يشتغل به.

وفى التاج: ومن كان فى الدعاء وشك فى التسليم سلم.

وقيل لا.

وقيل يسلم ما لم ينحرف أو يأخذ فى غير أمر الصلاة.

وقيل مطلقا.

وجاء فى موضع آخر

(2)

: ومن صلى كما لا يجوز فى ظنه فوافق الجائز لم يعد وأساء.

وقيل يعيد مثل أن يصلى بتيمم على أن له ماء فوافق أن لا ماء له وكذا فى الثوب، أو يصلى كمسافر على أنه مقيم فوافق أنه مسافر وعكس ذلك وهكذا.

وفى الديوان أن من صلى فى مكان طاهر فى ظنه أو ثوب كذلك فى ظنه فاذا هو نجس ولا يجد موضعا طاهرا أو ثوبا طاهرا قيل يعيد.

وقيل لا.

‌حكم صلاة الجنازة على من اشتبه حاله

‌مذهب الحنفية:

جاء فى حاشية ابن عابدين

(3)

: ان من يصلى الجنازة ان اشتبه عليه حال الميت أذكر هو أم أنثى فيكفيه أن يقول نويت أصلى مع الامام على من يصلى عليه الامام.

وأفاد فى الأشباه بحثا أنه لو نوى الصلاة على الميت الذكر فبان أنه أنثى أو عكسه لم يجز، وانه لا يضر تعيين عدد الموتى الا اذا بان أنهم أكثر لعدم نية الزائد.

وجاء فى الدر المختار

(4)

: اذا وجد ميت ولم يدر أمسلم هو أم كافر وليس فيه علامة تميزه، فان كان

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 431 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 606 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية ابن عابدين المعروف برد المحتار على الدر المختار ج 1 ص 393 الطبعة السابقة.

(4)

رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 805 الطبعة السابقة والمبسوط لشمس الدين السرخسى ج 2 ص 54 الطبعة السابقة وبدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 303 الطبعة السابقة.

ص: 208

موجودا فى دارنا غسل وصلى عليه

قال فى المبسوط: فان كان فى قرية من قرى أهل الشرك فالظاهر أنه منهم فلا يصلى عليه الا أن يكون عليه سيما المسلمين كالختان والخضاب فحينئذ يغسل ويصلى عليه.

واذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار ولا علامة اعتبر الأكثر فان استووا غسلوا.

واختلف فى الصلاة عليهم.

فقيل لا يصلى، لأن ترك الصلاة على المسلم مشروع فى الجملة كالبغاة وقطاع الطريق فكان أولى من الصلاة على الكافر لكونها غير مشروعة لقول الله تعالى «وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً 1» .

وقيل يصلى عليهم ويقصد المسلمين لأنه ان عجز عن التعيين لا يعجز عن القصد.

قال فى الحلية: فعلى هذا ينبغى أن يصلى عليهم فى الحالة الثانية أيضا أى حالة ما اذا كان الكفار أكثر.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(2)

: ان المحكوم بكفرهم ان اختلطوا مع مسلمين غير شهداء غسلوا جميعا وكفنوا وميز المسلم بالنية فى الصلاة ودفنوا فى مقابر المسلمين.

ومؤنة غسلهم وكفنهم من بيت المال ان كان المسلم منهم فقيرا لا مال له.

ولا يقال الكافر لا حق له فى بيت المال، لأنا نقول غسل المسلم ومواراته وتكفينه لا تتحقق الا بفعل ذلك فى الكافر وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

أما ان كان للمسلم مال سواء كان معه أم لا فان مؤنة جميعهم تؤخذ من مال المسلم، هذا اذا كان المحكوم بكفرهم قد اختلطوا بغير شهداء، أما اذا اختلط المحكوم بكفره بشهيد معركة فانه لا يغسل واحد منهم ودفنوا بمقبرة المسلمين تغليبا لحق المسلم.

بقى ما لو اختلطط مسلم يغسل بشهيد معترك.

والظاهر أن يغسل الجميع ويكفنوا

(1)

الآية رقم 84 من سورة التوبة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 427 الطبعة السابقة.

ص: 209

مع دفنهم بثيابهم احتياطا فى الجانبين ويصلى عليهم وهل يميز غير الشهيد بالنية أولا، لأنه قد قيل بالصلاة على الشهيد فليس كالكافر.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(1)

: أنه لو اختلط من يصلى عليه بغيره ولم يتميز كأن اختلط مسلمون أو أحد منهم بكفار أو غير شهيد بشهيد، أو سقط يصلى عليه بسقط لا يصلى عليه وتعذر التمييز وجب خروجا من عهدة الواجب غسل الجميع، وتكفينهم، والصلاة عليهم، ودفنهم، اذ الواجب لا يتم بدون ذلك.

ولا يعارض ما تقرر حرمة الصلاة على الفريق الآخر، ولا يتم ترك المحرم الا بترك الواجب، لأن الصلاة فى الحقيقة ليست على الفريق الآخر كما يعلم من قوله فان شاء صلى على الجميع دفعة بقصد المسلمين منهم فى الأولى، وغير الشهيد فى الثانية، وبقصد السقط الذى يصلى عليه فى الثالثة، وهو الأفضل والمنصوص وليس فيه صلاة على غير من يصلى عليه، والنية جازمة.

هذا اذا كان من يصلى عليه أكثر من واحد.

فان كان واحدا فواحد ناويا الصلاة عليه ان كان مسلما فى الأولى وفى الثانية ان كان غير شهيد، وفى الثالثة ان كان هو السقط الذى يصلى عليه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: انه ان اختلط من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه بأن اختلط أموات من المسلمين والكفار واشتبه من يصلى عليه بمن لا يصلى عليه كمسلم وكافر اشتبها ولو من غير اختلاط صلى على الجميع.

وذلك بأن ينوى الصلاة على من يصلى عليه منهم، لأن الصلاة على المسلمين واجبة ولا طريق اليها هنا الا بالصلاة على الجميع.

وصفة الصلاة عليهم أن يصفهم بين يديه ويصلى عليهم دفعة واحدة وينوى بالصلاة المسلمين منهم، لأن الصلاة على الكافر لا تجوز فلم يكن بد من ذلك بعد غسلهم وتكفينهم، لأن الصلاة على الميت لا تصح الا بعد غسله وتكفينه مع القدرة على ذلك فوجب أن يغسلوا ويكفنوا كلهم.

وسواء كان ذلك فى دار الاسلام أو غيرها كثر المسلمون منهم أو قلوا.

(1)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 23 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع هامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 402 الطبعة السابقة والمغنى لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 405.

ص 406 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 229 الطبعة السابقة.

ص: 210

ودفنوا منفردين عن المسلمين والكفار كل واحد بمكان وحده ان أمكن ذلك لئلا يدفن مسلم مع كافر.

وان لم يمكن أفرادهم فانهم يدفنون مع المسلمين احتراما لمن فيهم من المسلمين.

وان وجد ميت فلم يعلم أمسلم هو أم كافر ولم يتميز بعلامة من ختان وثياب وغير ذلك.

فان كان فى دار الاسلام غسل وصلى عليه.

وان كان فى دار كفر لم يغسل ولم يصل عليه، لأن الأصل أن من كان فى دار فهو من أهلها يثبت له حكمهم ما لم يقم على خلافه دليل.

ولو مات من تعهده ذميا فشهد عدل أنه مات مسلما لم يحكم بشهادته فى توريث قريبه المسلم وحكم بها فى الصلاة عليه بناء على ثبوت هلال رمضان بواحد.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

: أنه اذا وجد ميت مجهول الحال فى الاسلام وعدمه لم تجب الصلاة عليه الا ان شهدت قرينة باسلامه.

وأقوى القرائن ما اختص به كالختان، وخضاب الشيب، وقص الشارب، وفرق الرأس.

فان لم يظهر فيه شئ من هذه الخصال نحو أن تكون امرأة أو رجلا لم يتبين فيه شئ من ذلك رجع الى الدار التى مات فيها فان كانت دار اسلام فمسلم يصلى عليه وان كانت دار كفر فالعكس.

وان وجد فى فلاة لا يحكم عليها بأنها دار كفر ولا دار اسلام ولا ظهر فيها سيما أى الفريقين.

قيل فالأقرب أنه يحكم له بأقرب الجهتين اليه.

فان استويا أو التبس فالاسلام، لأن كل مولود يولد على الفطرة.

فان التبس المسلم بكافر أو فاسق نحو أن يختلط قتلى المسلمين والكفار أو الفساق فعليهما تصح الصلاة وان كثر الكافر، أى تجب الصلاة عليهم ولو كان الكفار أكثر من المسلمين.

لكن يأتى المصلى بنية مشروطة فينوى ان صلى عليهم دفعة واحدة أن صلاته ودعاءه على المسلم منهم.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 425، ص 426، ص 427 الطبعة السابقة.

ص: 211

وان صلى على كل واحد منهم وحده نوى أن صلاته ودعاءه له ان كان مسلما.

وهذا ذكره فى الشرح عن أحمد ابن يحيى، وهكذا فى الوافى عن المرتضى انما يصلى اذا كان المسلمون أكثر.

وقال فى الكافى انه يصلى على الجميع مطلقا ويقبرون فى مقابر المسلمين.

وعند أصحابنا تعتبر الغلبة فان استووا أو التبس فعند زيد والهادى والناصر يدفنون فى مقابر الكفار ولا يصلى عليهم تغليبا لجانب الحظر.

وعند المؤيد بالله عكس ذلك.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(1)

: أنه يجب مواراة المسلم المقتول فى المعركة دون الكافر.

فان اشتبه بالكافر فليوار كميش الذكر أى صغيره لما روى من فعل النبى صلى الله عليه وسلم فى قتلى بدر وقال لا يكون ذلك الا فى كرام الناس.

وقيل يجب دفن الجميع احتياطا وهو حسن وللقرعة وجه.

أما الصلاة عليه فقيل تابعة للدفن وقيل يصلى على الجميع وينفرد المسلم بالنية وهو حسن.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: ويقصد بالصلاة على الميت من يصلى عليه اذا اختلط بمن لا يصلى عليه حتى لا يميز كمن ذكر مع غيرهم وكالمشركين مع الموحدين.

قال أبو العباس واذا لم يميزوا جعلوا لهم كلهم سنن الأموات الا من تبين فليتركوه.

‌حكم الاشتباه فى الصيام

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الأشباه والنظائر

(3)

: أن من شك فيما عليه من الصيام ينبغى أن يلزمه الأكثر أخذا من قولهم لو ترك صلاة وشك أنها أية صلاة تلزمه صلاة يوم وليلة عملا بالاحتياط.

قال الحموى الشك فى مسألة الصلاة فى تعيين الفائتة مع الجزم

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 220 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 1 ص 679 الطبعة السابقة.

(3)

الأشباه والنظائر مع شرحه غمز عيون البصائر للحموى لمولانا زين العابدين ابراهيم المشتهر بابن نجيم المصرى وأما الشرح فهو لمولانا السيد أحمد بن محمد الحنفى الحموى ج 1 ص 92 طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1257 هـ.

ص: 212

بأنها واحدة فلا يخرج عن العهدة الا بقضاء الخمس.

والشك فى الصيام ليس على وزانه، لأنه متردد فيما عليه من الأقل والاكثر.

وقضية كلامهم فى نظائره الأخذ بالأقل لانه المتيقن.

وجاء فى البدائع

(1)

: أنه لو شك الصائم فى طلوع الفجر فالمستحب له أن لا يأكل.

هكذا روى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه قال: اذا شك الصائم فى الفجر فأحب الى أن يدع الأكل، لأنه يحتمل أن الفجر قد طلع فيكون الأكل افسادا للصوم فيتحرز عنه.

والأصل فيه ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة بن معبد: الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك الى ما لا يريبك.

ولو أكل وهو شاك فانه لا يحكم بوجوب القضاء عليه، لأن فساد الصوم مشكوك فيه لوقوع الشك فى طلوع الفجر مع أن الأصل هو بقاء الليل فلا يثبت النهار بالشك.

أما الأكل مع الشك فقيل يكره ذلك وقد روى هشام عن أبى يوسف هذا القول.

وقيل لا يكره روى ذلك القول ابن سماعة عن محمد.

والصحيح ما روى عن أبى يوسف.

وهكذا روى الحسن عن أبى حنيفة أنه اذا شك فلا يأكل وان أكل فقد أساء.

لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الا ان لكل ملك حمى ألا وان حمى الله محارمه فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

والذى يأكل مع الشك فى طلوع الفجر يحوم حول الحمى فيوشك أن يقع فيه فكان بالأكل معرضا صومه للفساد فيكره له ذلك.

ثم قال

(2)

ولو شك الصائم فى غروب الشمس لم يصح له أن يفطر لجواز أن الشمس لم تغرب فكان الافطار افسادا للصوم.

ولو أفطر وهو شاك فى غروب الشمس ولم يتبين الحال بعد ذلك أنها غربت أم لا فانه يلزمه القضاء

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 105 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للكاسانى ج 1 ص 106 الطبعة السابقة.

ص: 213

على ما ذكره القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى وان كان لم يذكر ذلك فى الأصل.

وجاء فى الفتاوى الهندية

(1)

: أنه لو شهد اثنان أن الشمس غابت وشهد آخران أنها لم تغب فأفطر ثم ظهر أنها لم تغب فعليه القضاء دون الكفارة بالاتفاق.

ولو شهد

(2)

اثنان على طلوع الفجر وشهد اثنان آخران على أنه لم يطلع فأفطر ثم ظهر أنه قد طلع فعليه القضاء والكفارة بالاتفاق، وتقبل الشهادة على الاثبات ولا يعارضها الشهادة على النفى.

وان شهد واحد على طلوع الفجر وشهد آخر أنه لم يطلع فأكل ثم ظهر أنه كان قد طلع لا تجب الكفارة، لأن شهادة الواحد على الطلوع ليست بحجة تامة.

وجاء فى البدائع

(3)

والبحر الرائق:

أن الأسير فى يد العدو اذا اشتبه عليه شهر رمضان فتحرى وصام شهرا عن رمضان، فلا يخلو اما أن يوافق هذا الشهر شهر رمضان أو لا يوافق بأن تقدم عن رمضان أو تأخر عنه فان وافق شهر رمضان جاز صومه لأنه أدى ما عليه، وان تقدم لم يجز، لأنه أدى الواجب قبل وجوبه وقبل وجود سبب وجوبه.

وان تأخر فان وافق شوالا يجوز لكن يراعى فيه موافقة الشهرين فى عدد الأيام وتعيين النية ووجودها من الليل.

أما موافقة العدد فلأن صوم شهر آخر بعده يكون قضاء، والقضاء يكون على قدر الفائت، والشهر قد يكون ثلاثين يوما، وقد يكون تسعة وعشرين يوما.

وأما تعيين النية ووجودها من الليل، فلأن صوم القضاء لا يجوز بمطلق النية ولا بنية من النهار وهل تشترط نية القضاء؟

ذكر القدورى فى شرحه مختصر الكرخى أنه لا يشترط.

وذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى أنه يشترط.

والصحيح ما ذكره القدورى، لأنه نوى ما عليه من صوم رمضان.

واذا وافق صومه شهر شوال ينظر ان كان رمضان كاملا وشوال

(1)

الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية ج 1 ص 195 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن منصور الأوزجندى ج 1 ص 194 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 86، ص 87 والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين الدين بن نجيم ج 2 ص 283 الطبعة السابقة.

ص: 214

كاملا قضى يوما واحدا، لأجل يوم الفطر، لأن صوم القضاء لا يجوز فيه.

وان كان رمضان كاملا وشوال ناقصا قضى يومين، يوما لأجل يوم الفطر، ويوما لأجل النقصان، لان القضاء يكون على قدر الفائت.

وان كان رمضان ناقصا، وشوال كاملا فلا شئ عليه، لأنه أكمل عدد الفائت.

وان وافق صومه هلال ذى الحجة، فان كان رمضان كاملا، وذو الحجة كاملا قضى أربعة أيام يوما لأجل يوم النحر، وثلاثة أيام لأجل أيام التشريق، لأن القضاء لا يجوز فى هذه الأيام.

وان كان رمضان كاملا وذو الحجة ناقصا قضى خمسة أيام يوما للنقصان، وأربعة أيام ليوم النحر وأيام التشريق.

وان كان رمضان ناقصا وذو الحجة كاملا قضى ثلاثة أيام لأن الفائت ليس الا هذا القدر.

وان وافق صومه شهرا آخر سوى هذين الشهرين.

فان كان الشهران كاملين أو ناقصين أو كان رمضان ناقصا والشهر الآخر كاملا فلا شئ عليه.

وان كان رمضان كاملا والشهر الآخر ناقصا قضى يوما واحدا لأن الفائت يوم واحد.

ولو اشتبه عليه رمضان وصام بالتحرى سنين كثيرة ثم تبين أنه صام فى كل سنة قبل شهر رمضان، فهل يجوز صومه فى السنة الثانية عن الأولى وفى السنة الثالثة عن الثانية وفى السنة الرابعة عن الثالثة؟.

هكذا قال بعضهم.

وبنوا ذلك على أنه فى كل سنة من الثانية والثالثة والرابعة صام صوم رمضان الذى عليه وليس عليه الا القضاء فيقع قضاء عن الأول.

وقال بعضهم لا يجوز وعليه قضاء الرمضانات، لأنه صام فى كل سنة عن رمضان قبل دخول رمضان.

وفصل الفقيه أبو جعفر الهندوانى رحمه الله تعالى فى ذلك فقال: ان صام فى السنة الثانية عن الواجب عليه الا أنه ظن أنه من رمضان يجوز.

وكذا فى الثالثة والرابعة، لأنه صام عن الواجب عليه، والواجب عليه قضاء صوم رمضان الأول دون الثانى، ولا يكون عليه الا قضاء رمضان الأخير خاصة، لأنه ما قضاه فعليه قضاؤه.

ص: 215

وان صام فى السنة الثانية عن الثالثة وفى السنة الثالثة عن الرابعة لم يجز وعليه قضاء الرمضانات كلها.

أما عدم الجواز عن الرمضان الأول، فلأنه ما نوى عنه وتعيين النية فى القضاء شرط، ولا يجوز عن الثانى، لأنه صام قبله متقدما عليه، وكذا الثالث والرابع.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى

(1)

: أن من علم الشهور ولكن لا يمكنه رؤية للهلال ولا غيرها من اخبار به كأسير ومسجون كمل الشهور، أى بنى فى صيام رمضان بعينه على أن الشهور كلها كاملة، كما اذا توالى غيمها وصام رمضان كذلك فهذا حيث عرف رمضان من غيره ولم تلتبس عليه الشهور وانما التبست عليه معرفة كمال الأهلة

وان التبست عليه الشهور فلم يعرف رمضان من غيره عرف الأهلة أم لا وظن شهرا أنه رمضان صامه.

وان لم يظن بل تساوت عنده الاحتمالات تخير شهرا وصامه هذا اذا تساوت جميع الشهور عنده فى الشك فيها كما فى الحطاب.

والظاهر أن الأكثر كالكل بل ما زاد على الأربعة كالكل أخذا من تحديدهم اليسير بالثلث فى غير موضع.

وأما لو شك فى شهر قبل صومه هل هو شعبان أو رمضان أو قطع فيما عداهما بأنه غير رمضان صام شهرين، لأن كلا من الشهرين محتمل لكونه رمضان، والذمة لا تبرأ الا بيقين، فاذا صام الشهرين صادف رمضان ولا محالة.

وكذا لو شك هل هو شعبان أو رمضان أو شوال فانه يصوم شهرين أيضا فاذا صامهما فلا بد من أن يصادف رمضان.

ولو شك فى شهر هل هو شوال أو رمضان صامه فقط، لأنه ان كان رمضان فلا اشكال، وان كان شوالا كان قضاء له، نعم يلزمه أن يقضى يوما عن العيد، لأن القضاء على احتماله بالعدد.

ولو شك هل هو رجب أو شعبان أو رمضان صام ثلاثة أشهر.

وكذا يقال فى أكثر كما لو شك هل هو رجب أو شعبان أو رمضان أو شوال.

وبالجملة الشك فى رمضان وما بعده يكفيه شهر.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 519، ص 520 الطبعة السابقة.

ص: 216

والشك فى رمضان وما قبله يزيد على ما قبله شهرا، فاذا زاده فاما أن يصادف رمضان أو قضاءه.

وما ذكره خليل من تخيره شهرا اذا تساوت عنده الاحتمالات ولم يظن شهرا هو المشهور.

وقال ابن بشير يلزمه صوم سنة قياسا على صلاة أربع فى التباس القبلة.

وفرق المشهور بين هذا وذاك بعظم المشقة هنا.

ثم قال

(1)

: ومن أكل شاكا فى الفجر فعليه القضاء مع الحرمة، وان كان الأصل بقاء الليل.

والمراد بالشك عدم اليقين فيدخل فيه ما لو قال له رجل: أكلت بعد الفجر، وقال له آخر: أكلت قبله.

واعلم أن النفل يخالف الفرض فى هذا فليس عليه قضاء كما هو الظاهر، قاله عبد الباقى.

ورده البنانى بأن الأكل مع الشك فى الفجر من العمد الحرام وهو يوجب القضاء حتى فى النفل.

ثم قال والحرمة عند الشك فى الفجر مختلف فيها اذ قد قيل بالكراهة كما فى الخرشى.

وعند الشك فى غروب الشمس متفق عليها.

وعدم الكفارة فى الأكل مع الشك فى الفجر متفق عليها ومختلف فيها فى الأكل مع الشك فى الغروب وان كان المشهور عدمها.

قال الدردير: ومن أكل معتقدا بقاء الليل أو حصول الغروب ثم ثم طرأ الشك فالقضاء بلا حرمة.

وقال الدسوقى: اعلم أن وجوب القضاء فى مسألة طرو الشك خاص بالفرض وأما النفل فلا قضاء فيه اتفاقا لأن أكله ليس من العمد الحرام كما فى المواق عن المدونة.

وجاء فى الفروق للقرافى

(2)

: ان من شك هل صام أم لا فانه يصوم وينوى التقرب بذلك الصيام.

‌مذهب الشافعية

جاء فى نهاية المحتاج

(3)

: انه يجب صوم رمضان بأكمال شعبان ثلاثين يوما أو رؤية الهلال ليلة الثلاثين منه أو علم القاضى، لخبر: صوموا لرؤيته،

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 526 الطبعة السابقة.

(2)

الفروق للقرافى ج 1 ص 125 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج ج 3 ص 146، ص 147 الطبعة السابقة.

ص: 217

وافطروا لرؤيته، فان غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما.

ويضاف الى الرؤية كما قال الاذرعى واكمال العدد ظن دخوله بالاجتهاد وعند الاشتباه على أهل ناحية حديث عهد باسلام أو أسارى.

وهل الأمارة الظاهرة الدلالة فى حكم الرؤية مثل أن يرى أهل القرية القريبة من البلد القناديل قد علقت ليلة الثلاثين من شعبان بمنابر المصر كما هو العادة، الظاهر نعم وان اقتضى كلامهم المنع.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: لو شك عند النية فى أنها مقدمة على الفجر أو لا لم يصح صومه وهو كذلك كما صرح به فى المجموع، لأن الأصل عدم تقدمها.

ولو نوى ثم شك هل طلع الفجر او لا صح، اذ الاصل بقاء الليل.

ولو شك نهارا هل نوى ليلا ثم تذكر ولو بعد الغروب كما قاله الاذرعى صح أيضا اذ هو مما لا ينبغى التردد فيه، لأن نية الخروج لا تؤثر فكيف يؤثر الشك فى النية، بل متى تذكرها قبل قضاء ذلك اليوم لم يجب قضاؤه والتعبير بما ذكر للاشارة الى أنه لا يشترط تذكرها على الفور.

ولو شك بعد الغروب هل نوى لولا اجزأه.

ثم قال

(2)

: ولو قال ليلة الثلاثين من شعبان أصوم غدا نفلا أن كان منه والا فمن رمضان، ولم يكن ثم، أمارة، فبان من شعبان صح صومه نفلا لان الاصل بقاؤه.

صرح به المتولى وغيره أى وهو ممن يحل له صومه وان بان من رمضان لم يصح صومه فرضا ولا نفلا.

ولو نوى ليلة الثلاثين من رمضان صوم غد ان كان من رمضان اجزأه ان كان منه عملا بالاستصحاب، ولان تعليق النية مضر ما لم يكن تصريحا بمقتضى الحال، او استند الى اصل.

وله الاعتماد فى نية على حكم الحاكم ولو بشهادة عدل، ولا اثر لتردد يبقى بعد حكمه.

وبذلك علم رد ما جرى عليه فى الاسعاد وتبعه الشمس الجوجرى من جعل حكمه مفيدا للجزم.

ولو اشتبه رمضان على محبوس أو اسير أو نحوهما صام وجوبا شهرا بالاجتهاد، كما فى اجتهاده للصلاة

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 155 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج خ 3 ص 159 الطبعة السابقة والمهذب للشيرازى ج 1 ص 70، ص 180 الطبعة السابقة.

ص: 218

فى القبلة ونحوها وذلك بأمارة كخريف أو حر أو برد.

فلو صام بغير اجتهاد فوافق رمضان لم يجزه، لتردده فى النية.

فلو اجتهد وتحير فلم يظهر له شئ لم يلزمه الصوم كما فى المجموع، وانما لم يلزمه ويقضى كالمتحير فى القبلة، لعدم تحقق الوجوب أو ظنه بخلاف القبلة فقد تحقق دخول وقت الصلاة وعجز عن شرطها فأمر بالصلاة على حسب الامكان لحرمة وقتها.

ولو لم يعرف الليل من النهار واستمرت الظلمة لزمه التحرى والصوم، ولا قضاء عليه كما فى المجموع.

فلو ظهر له أنه كان يصوم الليل ويفطر النهار وجب القضاء كما فى الكفاية عن الاصحاب.

فان وافق صومه بالاجتهاد رمضان وقع اداء وان نواه قضاء لعذره بظنه خروجه كما قاله الرويانى.

أو ما بعد رمضان اجزأه جزما وأن نوى الاداء كما فى الصلاة وهو قضاء على الصحيح، لوقوعه بعد الوقت.

والثانى اداء، لان العذر قد يجعل غير الوقت وقتا كما فى الجمع بين الصلاتين

فلو نقص الشهر الذى صامه بالاجتهاد، ولم يكن شوالا ولا ذا الحجة وكان رمضان تاما لزمه يوم آخر، لانه ثبت فى ذمته كاملا فلو انعكس الحال فكان ما صامه تاما، ورمضان ناقصا، وقلنا انه قضاء، فله افطار اليوم الأخير اذا عرف الحال، وان كان الذى صامه ورمضان تامين أو ناقصين أجزأه بلا خلاف، وان وافق صومه شوال فالصحيح منه تسعة وعشرون ان كان كملا وثمانية وعشرون ان كان ناقصا.

ولو وافق ذا الحجة فالصحيح منه ستة وعشرون أن كان كملا، وخمسة وعشرون أن كان ناقصا.

ولو غلط فى اجتهاده وصومه بالتقديم وادرك رمضان بعد تبين الحال لزمه صومه قطعا، لتمكنه منه فى وقته.

والا أى وان لم يدرك رمضان بأن لم يتبين له الحال الا بعده أو فى اثنائه.

فالجديد وجوب القضاء لما فاته، لاتيانه بالعبادة قبل وقتها فلا يجزيه كما فى الصلاة.

والقديم لا يجب للعذر وافهم كلامه عدم لزوم شئ له حيث لم يتبين له الحال كما فى الصلاة وهو كذلك اذ الظاهر صحة الاجتهاد.

ولو تحرى لشهر نذر فصام شهرا قضاء فوافق رمضان لم يسقط شئ منهما كما صرح به ابن المقرى، لانه لم ينو الا النذر ورمضان لا يقبل غيره.

ومثله ما لو كان عليه صوم قضاء فأتى به فى رمضان ولو صام يومين احدهما عن نفل ثم علم انه لم ينو فى احدهما ولم يدر أهو الفرض أو النفل لزمته اعادة الفرض.

ص: 219

وجاء فى موضع آخر

(1)

: انه يجوز الأكل اذا ظن بقاء الليل بالاجتهاد، لان الاصل بقاؤه.

ولو أخبره عدل بطلوع الفجر امسك.

قلت: وكذا لو شك فيه والله أعلم.

لان الاصل بقاء الليل.

ولو أكل باجتهاد أولا أى أول اليوم أو آخرا أى آخر اليوم، وبان الغلط بطل صومه لتحققه خلاف ما ظنه ولا عبرة بالظن البين خطؤه.

فان لم يبن الغلط، بأن بان الامر كما ظنه، أو لم يبن له خطأ ولا اصابة صح صومه.

أو بلا ظن بأن هجم وهو جائز فى آخر الليل حرام فى آخر النهار، ولم يبن الحال صح أن وقع فى أوله يعنى آخر الليل، وبطل فى آخره أى آخر النهار عملا بالاصل فيهما، اذ الاصل بقاء الليل فى الاولى، والنهار فى الثانية.

قال الشارح: ولا مبالاة بالتسمح فى هذا الكلام، لظهور المعنى المراد، وهو أنه أدى اجتهاده الى عدم طلوع الفجر فأكل، او الى غروب الشمس فأكل، وان بان الغلط قضى فيهما، أو الصواب صح صومه فيهما.

والفرق بينه وبيين القبلة اذا ترك الاجتهاد فأصابها انه هناك شك فى شرط انعقاد العبادة، وها هنا شك فى فسادها بعد انعقادها.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف

(2)

القناع: انه اذا اشتبهت الاشهر على اسير، أو مطمور أو من بمفازة ونحوهم كمن كان بدار الحرب تحرى اى اجتهد فى معرفة شهر رمضان وجوبا لأنه أمكنه تأدية فرضه بالاجتهاد فلزمه كاستقبال القبلة وصام الشهر الذى ظهر له أنه رمضان، فان وافق ذلك الشهر شهر رمضان أجزأه وكذا أن وافق بعد رمضان كذى القعدة أو محرم ونحوه كالصلاة ان لم يكن الشهر الذى صامه رمضان السنة القابلة.

فان كان فلا يجزئ عن واحد منهما، لاعتبار نية التعيين.

وأن تبين أن الشهر الذى صامه يظنه رمضان ناقص ورمضان الذى فاته تمام لزمه قضاء النقص، لان القضاء يجب أن يكون بعدد المتروك.

بخلاف من نذر شهرا وأطلق، لأنه يحمل على ما تناوله الاسم ويأتى ذلك فى حكم القضاء.

ويقضى يوم عيد وأيام التشريق، يعنى لو صام ذا الحجة باجتهاده أنه رمضان لزمه قضاء يوم العيد وأيام

(1)

نهاية المحتاج ج 3 ص 171 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 507، ص 536 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 305 الطبعة السابقة.

ص: 220

التشريق، لعدم صحة صومها.

أما ان وافق صومه شهرا قبل رمضان كشعبان، فانه لا يجزيه نص عليه، لانه أتى بالعبادة قبل وقتها، فلم يجزه كالصلاة.

فلو وافق بعضه رمضان فما وافقه أو بعده أجزأه دون ما قبله.

وان تحرى وشك هل وقع الشهر الذى صامه قبل رمضان أو بعده أجزأه لتأدية فرضه بالاجتهاد.

ولا يضر التردد فى النية لمكان الضرورة.

ولو صام شعبان ثلاث سنين متوالية ثم علم أن صومه كان بشعبان فى الثلاث سنين، صام ثلاثة أشهر بنية قضاء ما فاته من الرمضانات شهرا على أثر شهر، أى شهرا بعد شهر، يرتبها بالنية، كالصلاة اذا فاتته وذلك لان الترتيب بين الصلوات واجب فكذا بين الرمضانات اذا فاتت.

وان صام من اشتبهت عليه الأشهر بلا اجتهاد كان كمن خفيت عليه القبلة لا يجزيه مع القدرة على الاجتهاد.

وان ظن أن الشهر لم يدخل فصام لم يجزه، ولو أصاب.

وكذا لو شك فى دخول شهر رمضان ولم يغلب على ظنه دخوله كما لو تردد المصلى فى دخول وقت الصلاة

ثم قال

(1)

: ومن أكل أو شرب أو جامع شاكا فى طلوع الفجر، ودام شكه فلا قضاء عليه، لظاهر الآية، ولان الأصل بقاء الليل، فيكون زمان الشك منه.

وان أكل يظن طلوع الفجر فبان ليلا ولم يجدد نية صومه الواجب قضى، لانه قطع نية الصوم بأكله يعتقده نهارا، والصوم لا يصح بغير نية.

قال فى الفروع كذا جزم به بعضهم.

والمراد بالظن والله أعلم اعتقاده طلوعه.

ولهذا فرضه صاحب المحرر فيمن اعتقده نهارا فبان ليلا، لان الظان شاك، ولهذا خصوا المنع باليقين، واعتبروه بالشك فى نجاسة طاهر، ولا أثر للظن فيه، وقد يحتمل أن الظن والاعتقاد واحد، وأنه يأكل مع الشك والتردد ما لم يظن أو يعتقد النهار.

وان أكل أو شرب أو جامع شاكا فى غروب الشمس ودام شكه قضى، لان الأصل بقاء النهار، أما ان كان صنع ذلك ظانا غروب الشمس ودام ظنه، فانه لا قضاء عليه لان الأصل براءته.

(1)

كشاف القناع مع منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 1 ص 516 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 312 الطبعة السابقة.

ص: 221

ولو شك فى غروب الشمس بعد الأكل ونحوه ودام شكه، فلا قضاء عليه، لانه لم يوجد يقين أزال ذلك الظن الذى بنى عليه، فأشبه ما لو صلى بالاجتهاد، ولم يشك فى الاصابة بعد صلاته.

ولو أكل يظن بقاء النهار قضى ما لم يتحقق أنه كان بعد الغروب، لان الله تعالى أمر باتمام الصوم الى الليل ولم يتمه وان بان أن أكله ونحوه كان ليلا لم يقض لانه أتم صومه.

وان أكل أو شرب أو جامع يظن أو يعتقد أنه ليل، فبان نهارا فى أوله، كأن يأكل يظن أن الفجر لم يطلع وقد طلع أو بان نهارا فى آخره، كأن يظن أن الشمس قد غربت، بينما هى لم تغب، فعليه القضاء، لان الله تعالى أمر باتمام الصوم وهو هنا لم يتمه.

وقالت أسماء رضى الله تعالى عنها أفطرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يوم غيم ثم طلعت الشمس.

قيل لهشام ابن عروة - وهو راوى الحديث - وهل أمروا بالقضاء؟ قال:

لا بد من قضاء رواه أحمد والبخارى رحمهما الله تعالى ولانه جهل وقت الصوم فلم يعذر كالجهل بأول رمضان.

ولو أكل أو شرب أو جامع أو نحو ذلك ناسيا فظن أنه قد أفطر بذلك فأكل أو نحوه عمدا قضى.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أنه لا يلزم صوم فى رمضان ولا فى غيره الا بتبين طلوع الفجر الثانى.

وأما ما لم يتبين فالأكل والشرب والجماع مباح، كل ذلك سواء كان على شك من طلوع الفجر أو كان على يقين من أنه لم يطلع.

فمن رأى الفجر وهو يأكل فليقذف ما فى فمه من طعام أو شراب وليصم ولا قضاء عليه.

ومن رأى الفجر وهو يجامع فليترك من وقته وليصم ولا قضاء عليه.

وسواء فى كل ذلك كان طلوع الفجر بعد مدة طويلة أو قريبة.

فلو توقف باهتا فلا شئ عليه وصومه تام.

ولو أقام عامدا فعليه الكفارة.

ومن أكل شاكا فى غروب الشمس أو شرب، فهو عاص لله تعالى، مفسه لصومه، ولا يقدر على القضاء.

فان جامع شاكا فى غروب الشمس فعليه الكفارة.

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 229، ص 230 المسألة رقم 756 الطبعة السابقة.

ص: 222

برهان ذلك قول الله عز وجل «فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ 1» .

وهذا نص ما قلنا، لان الله تعالى أباح الوط ء والأكل والشرب الى أن يتبين لنا الفجر.

ولم يقل تعالى: حتى يطلع الفجر.

ولا قال حتى تشكوا فى الفجر.

فلا يحل لاحد أن يقوله، ولا أن يوجب صوما بطلوعه ما لم يتبين للمرء.

ثم أوجب الله تعالى التزام الصوم الى الليل وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يغرن أحدكم نداء بلال من السحور ولا هذا البياض حتى يستطير.

وقال ابن حزم

(2)

: والأسير فى دار الحرب ان عرف رمضان لزمه صيامه ان كان مقيما، لانه مخاطب بصومه فى القرآن الكريم.

فان سوفر به أفطر ولا بد لانه على سفر وعليه قضاؤه.

فان لم يعرف الشهر وأشكل عليه سقط عنه صيامه ولزمته أيام أخر ان كان مسافرا، والا فلا.

برهان ذلك قول الله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ 3» .

فلم يوجب الله تعالى صيامه الا على من شهده.

وبالضرورة ندرى أن من جهل وقته لم يشهده قال الله عز وجل «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»

(4)

وقال الله تعالى «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ 5» فلم يكن فى وسعه معرفة دخول رمضان فلم يكلفه الله تعالى صيامه بنص القرآن.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار وهامشه

(6)

: أنه اذا كان شخص فى سجن أو نحوه، كأن يكون فى مكان لا تبلغه فيه الشرائع أو أن يكون هو ذاهلا عن عدد الشهور، والتبس عليه شهر رمضان متى هو، لعدم ذكره للشهور الماضية، ولعدم من يخبره بذلك، فانه يسقط عنه وجوب

(1)

الآية رقم 187 من سورة البقرة.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 6 ص 261، ص 262 الطبعة السابقة مسألة رقم 769.

(3)

الآية رقم 185 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(5)

الآية رقم 78 من سورة الحج.

(6)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 2 ص 10، ص 11، ص 12، ص 13، ص 14 الطبعة السابقة.

ص: 223

صوم شهر رمضان أداء، ويلزمه القضاء.

ولا يعمل أسير الكفار بخبر الكفار.

بخلاف أسير البغاة فله أن يعمل بخبرهم.

أو علم شهر رمضان لكن التبس ليله بنهاره، وكذا الصلاة، لكونه أعمى، أو فى مكان مظلم، فلم يتميز له الليل من النهار، ولم يجد من يخبره، فانه يسقط عنه الأداء أيضا - وكذا الصلاة - ويلزمه القضاء.

فان لم يتميز بل بقى اللبس حتى مات، فلا شئ عليه.

وان ميز الشهور فغلب فى ظنه تعيين شهر رمضان وميز الليل من النهار بأمارة صام وجوبا، ويكون صيامه بالتحرى، للوقت.

والتحرى على وجهين.

أحدهما: أن يتحرى أول شهر رمضان ولا يلتبس عليه الليل من النهار، وذلك بأن يكون فى سجن أو غمت شهور متقدمة، واللبس أول رمضان أو آخره، فيخبره من يغلب فى ظنه صدقه أن هذا الشهر الذى نحن فيه شهر جمادى مثلا فيحسب منه الى رمضان.

فان التبس عليه أول رجب رجع الى كبر الهلال وصغره وطلوعه وغروبه.

والوجه الثانى أن يلتبس عليه الليل من النهار، ثم يحصل له تمييز بينهما من دون يقين، فانه يتحرى حينئذ.

واذا صام بالتحرى من التبس شهره وحصل له تمييز، ندب له التبييت للنية، بحيث أنه ينوى قبل الفجر فى غالب ظنه لانه لا يأمن أن يكون ذلك اليوم من غير رمضان فيكون قضاء.

ويندب له أيضا الشرط فى النية فينوى أنه ان كان من رمضان فأداء، والافقضاء ان كان قد مضى رمضان، والا فتطوع ان لم يكن قد مضى، هذا حيث التبس شهره.

وأما حيث التبس ليله بنهاره وحصل له ظن بالتمييز، فانه ينوى الصيام ان كان مصادفا للنهار، والا فلا فيقول اذا نطق بالنية نويت الصيام ان كان نهارا

واذا صام بالتحرى فهو انما يعتد بعد انكشاف اللبس بما انكشف أنه من شهر رمضان فاذا انكشف أن ذلك اليوم الذى صامه من شهر رمضان اعتد به، ولم يلزمه القضاء، أو انكشف أن اليوم الذى صامه بالتحرى وقع بعد شهر رمضان فانه يعتد به ويكون قضاء اذا كان مما يجوز له صومه.

فأما أن انكشف أنه وقع بعد رمضان، لكنه وافق الأيام التى لا يجوز صومها كالعيدين وأيام التشريق، فانه لا يعتد به، بل يلزمه القضاء.

ص: 224

أو التبس عليه الحال هل وافق رمضان أم بعده أم قبله فانه يعتد به.

ولا حكم للبس بعد أن تحرى وعمل بغالب الظن.

وان خالف صومه هذه الصور الثلاث وهى موافقته لرمضان أو بعده مما له صومه أو التبس لم يعتد به وذلك فى صورتين.

أحداهما أن ينكشف أنه وقع قبل رمضان فانه لا يجزيه.

والثانية أن ينكشف أنه بعده، لكن صادف اليوم الذى لا يجوز صيامه، فانه لا يعتد به أيضا.

ويجب على الصائم أن يتحرى اذا شك فى الغروب، أى لا يفطر وهو شاك فى غروب الشمس، بل يؤخر الافطار حتى يتيقن غروبها، فاذا أفطر وهو شاك فى الغروب ولم يتبين له أن افطاره كان بعد غروبها فسد صومه، لانه على يقين من النهار.

واذا شك فى طلوع الفجر ندب له أن يترك المفطرات ولو لم يتيقن طلوع الفجر عملا بالاحتياط.

فلو تسحر وهو شاك فى طلوعه ولم يتبين له أنه تسحر بعد الطلوع كان صومه صحيحا، لانه على يقين من الليل.

وندب للصائم أيضا توقى مظان الافطار.

ومن التبس

(1)

عليه قدر ما فاته من الصيام، فانه يتحرى فى ملتبس الحصر، أى لا يزال يصوم حتى يغلب فى ظنه أنه قد أتى بكل ما فات عليه.

وقال البعض التحرى انما هو فى الزائد على المتيقن ويقضى المتيقن بنية القطع والزائد بنية مشروطة.

ثم قال

(2)

: فان أوجب صوم يوم معين أبدا ثم التبس ذلك اليوم المؤبد أى الأيام هو، كأن يقول لله على أن أصوم يوم يقدم زيد أبدا، فقدم زيد، ثم التبس أى الأيام كان قدومه فيه.

قال البعض الأقرب أنه يبطل نذره وعليه كفارة يمين.

قال: ويحتمل أن يصوم السبت أبدا لانه آخر الأيام.

وقال البعض بل يصوم فى الاسبوع الأول من يوم يخبر بقدومه آخر الاسبوع وهو يوم علم بقدومه فيه بنية مشروطة مبيتة ندبا وظاهر البيان وجوبا، ثم يستمر على صيام ذلك اليوم فى كل اسبوع.

هذا اذا التبس عليه يوم علم بقدومه هل هو قدم فى ذلك اليوم أو قبله.

وان علم أن قدومه قبله، لكن التبس

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 28 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص 40 الطبعة السابقة.

ص: 225

عليه فى أى يوم، فانه يصوم فى الاسبوع الثانى اليوم الأول قبل اليوم الذى علم أن فيه قدومه، ثم يستمر على صيامه فى كل اسبوع، لان كل يوم يجوز أنه قدم فيه، وأنه ما قدم فيه، والأصل براءة الذمة.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى اللمعة الدمشقية

(1)

: أن الصائم يقضى لو تناول المفطر من دون مراعاة ممكنة للفجر أى من غير محاولة لتعرف الحقيقة، أو الليل ظانا حصوله فأخطأ بأن ظهر تناوله نهارا، سواء كان مستصحب الليل، بأن تناول آخر الليل من غير مراعاة بناء على أصالة عدم طلوع الفجر، أو النهار بأن أكل آخر النهار ظانا أن الليل دخل فظهر عدمه.

أما لو تناول كذلك مع عدم امكان المراعاة (أى مع عدم امكان المحاولة لتعرف الحقيقة) لغيم أو حبس أو عمى حيث لا يجد من يقلده، فانه لا يقضى، لانه متعبد بظنه.

ويفهم من ذلك أنه لو راعى (أى بذل محاولة) فظن فلا قضاء فيهما وان أخطأ ظنه.

وقيل لو أفطر لظلمة موجبة لظن دخول الليل ظانا دخوله من غير مراعاة بل استنادا الى مجرد الظلمة المثيرة للظن، فلا قضاء، استنادا الى أخبار تقصر عن الدلالة مع تقصيره فى المراعاة.

ثم قال

(2)

فى اللمعة: والمريض يتبع ظنه، فان ظن الضرر بسبب الصوم أفطر، والاصام وانما يتبع ظنه فى الافطار.

أما الصوم فيكفى فيه اشتباه الحال - يعنى أنه مع الشك فى الضرر وعدمه يجب عليه الصوم فلا يجوز الأفطار حتى يحصل له الظن بالضرر.

ثم قال

(3)

: والمحبوس بحيث غمت عليه الشهور يتوخى، أى يتحرى شهرا يغلب على ظنه أنه هو فيجب عليه صومه.

فان وافق أو ظهر متأخرا أو استمر الاشتباه أجزأ.

وان ظهر التقدم أعاد.

ويلحق ما ظنه حكم الشهر فى وجوب الكفارة فى افساد يوم منه ووجوب متابعته واكماله ثلاثين لو لم ير الهلال وأحكام العيد بعده من الصلاة والفطرة

ولو لم يظن شهرا تخير فى كل سنة شهرا مراعيا للمطابقة بين الشهرين.

(1)

اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد محمد ابن جمال الدين مكى العاملى ج 2 ص 92، ص 93، ص 94 طبع مطبعة الآداب فى النجف الأشرف سنة 1387 هـ، سنة 1967 م.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 105 الطبعة السابقة.

(3)

اللمعة الدمشقية وشرحها الروضة البهية ج 2 ص 114 للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى الطبعة السابقة.

ص: 226

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

أول الصوم عند الأكثر طلوع الفجر المستطير أى المنتشر الأبيض المبيح للصلاة.

وزعم قوم أن أوله الأحمر الذى يكون بعد الأبيض.

وعن مسروق عن ابن مسعود كنا نعد أنه الذى يملأ البيوت والطرق وهو غير معمول به للاجماع على خلافه ولقوله كنا نعد ذلك فالمراد أنه ترك بعد.

وهل موجب الامساك نفس طلوع الفجر؟ وهو الأصح، وعليه الأكثر.

أو تبينه للناظر، ونسبه بعض للجمهور؟ خلاف.

فائدته فيمن كشف أنه أكل أو شرب أو فعل مفسدا للصوم وقد نظر الى الفجر ولم يره لخلل كسحاب رقيق لم يظنه سحابا ولم يره وكضعف بصره، لنوم أو غيره، والحال أنه قد التبس عليه الأمر، فان عليه أن يقضى يوما على رأى من يقول بأن موجب الامساك فى الصوم هو نفس طلوع الفجر وهو الصحيح.

أما من يقول بأن موجب الامساك فى الصوم هو تبيين الفجر للناظر، فانه لا يوجب عليه القضاء.

ولا يعارض الرأى الأول بقول الله تعالى «حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ 2» لانه قد تبين له بعد ذلك أنه أكل بعد ما تبين، ولانه كمن صلى بثوب طاهر فى ظنه فاذا هو نجس فانه يعيد، ولانه اذا طلع الفجر تبين لنا فى الجملة، ولان طلوع الفجر من خطاب الوضع كسائر الأوقات من زوال أو عصر وغيرهما.

ولاجل ما ذكر من أن الطلوع من خطاب الوضع أوجبوا القضاء على من ظن أن الشمس قد غابت فأكل، فاذا هى لم تغب.

ثم هل يجب على هذا الذى ظن أن الشمس قد غابت فأكل فاذا هى لم تغب أن يعيد ما مضى أو يعيد يومه فقط؟ قولان.

والثانى هو الأصح وعليه الأكثر.

وقيل انهدم صومه ولزمته المغلظة، ذكره فى الديوان.

ومن ظن أن الشمس غابت فأذن وأكل الناس به أعاد ما مضى.

وقيل يومه وأعادوا يومهم فقط.

جاء الوجهان عن عمر.

ولا يأكل منتبه من نوم ليلة غيم حتى

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 2 ص 90، ص 192 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.

(2)

الآية رقم 187 من سورة البقرة.

ص: 227

يسأل، فان تعمد أكلا قبل السؤال، ثم بان أن الأكل بعد الاصباح، فسد ماضيه ويومه، ولم يذكره، لانه أولى بالفساد.

وهو الصحيح على قياس المذهب، لان أكله قبل السؤال مساهلة فى أمر الدين، وتقصير فيه، فكأنه تعمد الأكل بعد الاصباح، غير أنه لم يكفر لعدم علمه بالاصباح، ولا كفارة عليه، لانه تضييع لا عمد.

ورخص فى اعادة يومه أى يلزمه أن يعيده فقط وهو قول ابان.

قال فى الديوان: والقولان أيضا فيمن لم يرقد، ولكن تباطأ حتى لا يدرى ما مضى من الليل بالغيم.

ومن انتبه فأكل من غير أن يعرف ما بقى، فان وافق الليل فبئس ما صنع، والا انهدم ما صام.

وكذلك من لم يعرف الليل فأكل، نظر أو لم ينظر.

وقيل لزم هؤلاء بدل يومهم فقط.

وكذلك من رأى ناسا يأكلون فأكل فصح أنه أكل بعد الاصباح.

ومن نظر الى المغرب ظنا أنه القبلة (أى ظانا أنه جهة المشرق) فأكل فتبين أنه بعد الاصباح أعاد يومه.

وذكر فى التاج أن من تسحر ولم ينظر وظن أنه فى الليل فاذا هو قد أكل بعد الفجر أعاد يومه.

وقيل لا.

ولا قائل بالاثم هنا فضلا عن الكفارة.

وعلى هذا الخلاف حكم من اعتاد تسحره سماع تحرك جاره لسحوره فسمعه يوما تحرك لغيره كالوضوء مثلا فظنه للسحور، فأكل على عادته فاذا هو قد أصبح.

ومثله أن يعتاد دق الباب عليه للسحور فدقه يوما للصلاة أو غيرها بعد الطلوع فظنه للسحور فأكل.

فقيل يعيد ما مضى ويومه.

وقيل يومه.

ثم قال

(1)

: وقد اختلف علماء الإباضية فيمن أكل وهو يشك فى طلوع الفجر.

فقيل له الأكل والشرب.

وقيل لا.

وذلك فيمن يعرف الفجر من غيره.

وأما من لا يعرف، فان وافق النهار انهدم صومه.

وقيل يومه.

وزعموا عن مجاهد وعطاء وعروة ابن الزبير أنه لا قضاء عليه.

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 2 ص 261 الطبعة السابقة.

ص: 228

وان أذن فى غيم ثم ظهرت الشمس أعاد يومه كل من أكل به ويعلم كل من قدر عليه، ولا شئ عليه فيمن لم يعلم به، أو لم يقدر عليه، ويعيد الآذان.

وأنه قيل لابن عباس آكل حتى أشك؟ فقال كل حتى لا تشك.

فما تفسير قوله حتى لا تشك؟

قال بعض: كل حتى لا تشك الا انك فى الليل.

وقال من قال كل حتى تعلم أن الصبح قد طلع لقوله تعالى «كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}

(1)

الآية».

وجاء فى موضع آخر: ان اختلط على مسافر بفلاة أو على من يحبس فى رمضان لعدم علمه بحساب الشهور، أو لغير ذلك اجتهد وصام.

فان وافق ما بعده أجزأه مع أنه صامه أداء لابنية القضاء للضرورة.

لا ان وافق ما قبله.

وقيل لا يجوز وان وافق ما بعده.

وكذلك فى الأعمى والأسير اذا لم يجد مخبرا.

وان صام هؤلاء شهرا تطوعا ووافقه (أى وافق رمضان) ففى الاجزاء قولان.

وان كانوا مسافرين فلا يجب عليهم صوم. وذكر فى الديوان أن من تشاكل عليه رمضان فى فلاة أو حبس ولم يجد مخبرا وهو مقيم، فليحتط ويصم دهره.

وان كان مسافرا صام شهرا وأكل شهرا.

وان لم يجد الأعمى والمحبوس ومريض العينين مخبرا بأن التبس عليهم الأمر أفطروا باجتهاد، وان بان أكلهم فى النهار أعادوا يومهم

(2)

.

‌حكم الاشتباه فى الحج

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(3)

: أنه لو اشتبه على الناس هلال ذى الحجة فوقفوا بعرفة بعد أن أكملوا عدة دى القعدة ثلاثين يوما ثم شهد الشهود أنهم رأوا الهلال يوم كذا، وتبين أن ذلك اليوم كان يوم النحر فوقوفهم صحيح وحجتهم تامة استحسانا.

وذلك لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: صومكم يوم

(1)

الآية رقم 187 من سورة البقرة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 2 ص 246، ص 247 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 126 الطبعة السابقة.

ص: 229

تصومون وأضحاكم يوم تضحون وعرفتكم يوم تعرفون.

وروى حجكم يوم تحجون.

فقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم وقت الوقوف أو الحج وقت تقف أو تحج فيه الناس.

والقياس أن لا يصح.

وذلك لانهم وقفوا فى غير وقت الوقوف فلا يجوز، كما لو تبين أنهم وقفوا يوم التروية.

والمعنى فى صحة الوقوف وتمام الحج من وجهين.

أحدهما ما قال بعض مشايخنا: أن هذه شهادة قامت على النفى وهى نفى جواز الحج والشهادة على النفى باطلة.

والوجه الثانى أن شهادتهم جائزة مقبولة لكن وقوفهم جائز أيضا، لان هذا النوع من الاشتباه مما يغلب ولا يمكن التحرز عنه، فلو لم نحكم بالجواز لوقع الناس فى الحرج.

بخلاف ما اذا تبين أن ذلك كان يوم التروية لان ذلك نادر غاية الندرة فكان ملحقا بالعدم.

وهل يجوز وقوف الشهود؟

روى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى أنه يجوز وقوفهم وحجهم أيضا.

وقد قال محمد: اذا شهد عند الامام شاهدان عشية يوم عرفة برؤية الهلال فان كان الامام لم يمكنه الوقوف فى بقية الليل مع الناس أو أكثرهم لم يعمل بتلك الشهادة، ووقف من الغد بعد الزوال، لانهم وان شهدوا عشية عرفة لكن لما تعذر على الجماعة الوقوف فى الوقت وهو ما بقى من الليل صاروا كأنهم شهدوا بعد الوقت، فان كان الامام يمكنه الوقوف قبل طلوع الفجر مع الناس أو أكثرهم، بأن كان يدرك الوقوف عامة الناس، الا أنه لا يدركه ضعفة الناس جاز وقوفه، فان لم يقف فات حجه، لانه ترك الوقوف فى وقته مع علمه به والقدرة عليه.

قال محمد رحمه الله تعالى: فان اشتبه على الناس فوقف الامام والناس يوم النحر وقد كان من رأى الهلال وقف يوم عرفة لم يجزه وقوفه وكان عليه أن يعيد الوقوف مع الامام، لان يوم النحر صار يوم الحج فى حق الجماعة ووقت الوقوف لا يجوز أن يختلف فلا يعتد بما فعله بانفراده.

وجاء فى البحر الرائق

(1)

: أنه لو شك فى أركان الحج ذكر الخصاف أنه يتحرى كما فى الصلاة.

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 2 ص 117 الطبعة السابقة.

والأشباه والنظائر لابن نجيم ج 1 ص 90 الطبعة السابقة.

ص: 230

وقال عامة مشايخنا يؤدى ثانيا لان تكرار الركن والزيادة عليه لا يفسد الحج، وزيادة الركعة تفسد الصلاة فكان التحرى فى باب الصلاة أحوط كذا فى المحيط.

وفى البدائع أنه ان كان الشك فى الحج فانه يبنى على الأقل فى ظاهر الرواية.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الصغير للدردير

(1)

: أنه لو أخطأ أهل الموقف بأن لم يروا الهلال لعذر من غيم أو غيره فأتموا عدة ذى القعدة ثلاثين يوما، فوقفوا يوم التاسع فى اعتقادهم فثبت أنه يوم العاشر من ذى الحجة ليلة الحادى عشر منه بنقصان ذى القعدة فيجزئهم، بخلاف التعمد، وبخلاف خطئهم بثامن أو حادى عشر أو أخطأ بعضهم فلا يجزئ.

وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(2)

: أنه يجزئ الحاج الوقوف يوم العاشر ان تبين لهم فى بقية يومه أو بعده أنه العاشر.

وأما اذا تبين أنه العاشر قبل الوقوف فلا يذهبون للوقوف، ولا يجزيهم اذا وقفوا، كما قال سند.

وفرق بين الحالتين بأن الأول أوقع الوقوف فى وقته المقدر له شرعا.

والثانى لو وقف كان وقوفه فى غير وقته المشروع وهذا الذى قلناه من التفرقة بين الحالتين هو الصواب كما يفيده نقل الشيخ أحمد الزرقانى خلافا لبعض فقهاء المالكية ومن تبعهم حيث قالوا بالاجزاء سواء تبين الخطأ بعد الوقوف أو قبله.

وجاء فى التاج والاكليل

(3)

: أن ابن شاس قال: لو وقف الحاج يوم العاشر غلطا فى الهلال أجزأهم الحج، ولم يجب القضاء ويمضون على عملهم ولو تبين ذلك لهم وثبت عندهم بقية يومهم أو بعده، ويكون حالهم فى شأنه كله كحال من لم يخطئ.

ولو وقفوا اليوم الثامن لم يجزهم.

واذا أخطأ جماعة أهل الموسم وهو المراد بالحج فوقفوا فى اليوم العاشر، فأن وقوفهم يجزئهم.

أما اذا أخطأوا ووقفوا فى الثامن فان وقوفهم لا يجزئهم.

وهذا هو المعروف من المذهب.

وقيل يجزئهم فى الصورتين.

وقيل لا يجزئ فى الصورتين.

(1)

بلغة السالك لأقرب المسالك لسيدى أحمد الدردير المعروف بالشرح الصغير ج 1 ص 259 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 37 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل حاشية الحطاب ج 3 ص 95 الطبعة السابقة.

ص: 231

حكى الأقوال الثلاثة ابن الحاجب وغيره.

وعلى التفرقة أكثر أهل العلم وهو قول مالك والليث والأوزاعى وأبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد بن الحسن.

والفرق بين الصورتين أن الذين وقفوا يوم النحر فعلوا ما تعبدهم الله به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من اكمال العدة دون اجتهاد بخلاف الذين وقفوا فى الثامن، فان ذلك باجتهادهم وقبولهم شهادة من لا يوثق به.

وجاء فى الحطاب

(1)

: من أحرم بنسك معين ثم ان نسى ما أحرم به، فانه يبنى على القران، ويجدد الآن نية الاحرام بالحج احتياطا.

فان احرامه الأول ان كان حجا أو قرانا لم يضره ذلك.

وان كان عمرة ارتدف ذلك الحج عليها وقد صار قارنا ويكمل حجه، فاذا فرغ من حجه الأول أتى بعمرة لاحتمال أن يكون احرامه الاول، انما هو بحجة فقط فلم يحصل له عمرة قال فى التوضيح اذا أحرم بمعين ثم نسى ما أحرم به أهو عمرة أو قران أو أفراد فانه يحمل على الحج والقران، أى يحتاط بأن ينوى الحج اذ ذاك يعنى وقت شكه ويطوف ويسعى بناء على أنه قارن ويهدى للقران، ويأتى بعمرة لاحتمال أن يكون انما أحرم أولا بافراد.

هذا ان لم يكن طاف وسعى.

أما ان كان طاف وسعى فانه يجزئه.

وخالف سند فى اطلاق هذا الحكم فقال: انه اذا وقع شكه فى أثناء الطواف والسعى فليمر على ما هو عليه حتى اذا فرغ من سعيه أحرم بالحج.

وما قاله سند هو الظاهر.

ثم قال: فان عجل فنوى الحج فى أثناء الطواف والسعى جرى على الاختلاف فى ارداف الحج فيهما.

ونص كلامه: ولو نوى شيئا ونسيه فهذا قارن ولا بد.

وقاله أشهب فى المجموعة.

والوجه عندى أن ينوى احراما بالحج.

فان كان احرامه الاول بالحج، لم يضره، وان كان بالعمرة، ولم يطف بعد فهو قارن، ويصح الحج فى الصورتين.

وان كان بعد السعى فأحرم بالحج فهو متمتع ان كان فى أشهر الحج ويصح حجه أيضا، وهو أصلح من أن يبقى على احرامه ولعله بعمرة فلا يصح له به حج.

وينبغى أن يهدى احتياطا لخوف تأخير الحلاق.

(1)

الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 3 ص 47 الطبعة السابقة.

ص: 232

ان وقع شكه بعد سعيه وان كان فى أثناء الطواف والسعى فليستمر على ما هو عليه، حتى اذا فرغ من سعيه أحرم بالحج.

وان عجل فنوى الحج هل يجزئه ذلك؟

يخرج على الاختلاف فى ارداف الحج فى أثناء الطواف أو السعى، وذلك لانه لا يتعين ما كان احرامه.

فان قدرنا عمرة وصححنا الارداف فقد صح حجه، وان لم نصحح الارداف لم يصح حجه.

فلهذا قلنا يجدد نية الحج بعد السعى ليكون على يقين من صحة حجه وان لم يفعل لم يجزئ بحجه وعليه القضاء لكونه على غير يقين من احرامه.

والمشهور أن الارداف يصح من غير كراهة فى أثناء الطواف وبالكراهة بعد الطواف وقبل الركوع وأما بعد الركوع وأثناء السعى فلا يصح الارداف.

وقوله فى التوضيح ويطوف ويسعى بناء على انه قارن ظاهره أنه لو وقع شكه فى أثناء الطواف ونوى الحج أن يكمل طوافه ويسعى فى هذه الصورة كذلك.

وليس هذا بمنزلة من أردف فى الحرم لان هذا ليس على يقين مما أحرم به لاحتمال أن يكون احرامه الأول قرانا أو افرادا.

وأما لو وقع شكه بعد الركوع أو فى أثناء السعى ونوى الحج لم يصح ويعيد النية بعد السعى كما قال سند.

ومن شك هل أفرد أو قرن تمادى على نية القران وحده قال اللخمى وانظر لو شك هل قرن أو تمتع والظاهر أنه يمضى على القران.

وذكر الحطاب عن ابن عرفة

(1)

: وعن الموطأ أن الشك فى النقص فى عدد الطواف كتحققه.

قال الباجى: يحتمل أن الشك بعد تمامه غير مؤثر.

وسمع ابن القاسم تخفيف مالك للشك قبول خبر رجلين طافا معه، قال الشيخ وفى رواية قبول خبر رجل معه.

قال الباجى عن الأبهرى: القياس الغاء قول غيره وبناؤه على يقينه كالصلاة، وقاله عبد الحق.

وفرق الباجى بين الصلاة والطواف بأن الصلاة عبادة شرعت فيها الجماعة، والطواف عبادة لم يشرع فيها الجماعة، فيعتبر قول من ليس معه فيها كالوضوء والصوم.

(1)

الحطاب مع التاج والاكليل فى كتاب ج 3 ص 80 الطبعة السابقة.

ص: 233

ثم قال الحطاب

(1)

: ومن تذكر أنه نسى حصاة من أول يوم ولا يدرى من أى جمرة فقال مالك: مرة يرمى الأولى بحصاة ثم يرمى الوسطى والعقبة بسبع سبع وبه أقول.

ثم قال مرة أخرى يرمى كل جمرة بسبع سبع.

قال فى النكت وفى كتاب الأبهرى قال:

ومن بقيت بيده حصاة فلم يدر من أى جمرة هى فليرم بها الاولى ثم يرمى الباقيتين بسبع سبع.

وقد قيل انه يستأنفهن.

والأول أحب الينا.

وجه قوله يأتى بحصاة للأولى جواز أن تكون الحصاة منها ولا يصح رمى ما بعدها الا بتمامها، فوجب فى الاحتياط أن يجعلها من الأولى، ليكون على يقين

ووجه قوله أنه يستأنفهن أنه قذ انقطع بناء رمى الأولى للحصاة التى بقيت فوجب أن يبتدئ لرميهن كلهن حتى يوالى الرمى وجاء نحوه فى ابن يونس ونقله أبو الحسن الصغير.

وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(2)

: أن من رمى الجمار الثلاث ثم تيقن أنه ترك حصاة من واحدة منها ولم يدر من أيها تركها أو شك فى ترك حصاة من واحدة وعدم تركها وعلى تقدير تركها لم يدر من أيها تركها فانه يعتد ست من الجمرة الأولى، لاحتمال كونها منها فيكملها بحصاة، ثم يرمى الثانية والثالثة بسبع سبع ولادم عليه ان كمل الأولى.

وفعل الثانية والثالثة فى يومه فان رمى الجمار الثلاث فى يومين وتحقق ترك واحدة ولم يدر من أى الجمار الثلاث تركت.

وهل هى من اليوم الأول أو الثانى فانه يعتد بست من الأولى فى كلا اليومين ويكمل عليها ويعيد ما بعدها ويلزمه دم لتأخر رمى اليوم الأول لليوم الثانى.

وكذا الحكم اذا لم يدر موضع حصاتين فانه يعتد بخمس من الأولى وهكذا كلما زاد الشك اعتد بغير المشكوك فيه وهذا أيضا مبنى على ندب التتابع وأما على وجوبه فلا يعتد بشئ.

وجاء فى التاج والاكليل

(3)

: أن ابن بشير قال من ترك حصاة فلا يخلو أن يذكر موضعها أو يشك فان ذكر موضعها فهل يعيد الجمرة من

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 125 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 51، ص 52 وحاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 264 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل مع الحطاب فى كتاب ج 3 ص 135، ص 136 الطبعة السابقة.

ص: 234

أصلها أو يكفيه رمى حصاة واحدة؟ ثلاثة أقوال.

أحدها: أنه لا يعيد بل يرمى حصاة واحدة وهذا هو المشهور.

والثانى: أنه يعيد الجمرة من أصلها.

والثالث: اذا ذكرها يوم الأداء أعادها خاصة وان ذكرها يوم القضاء أعاد الجمرة من أصلها.

وسبب الخلاف يقوم على الاختلاف فى حكم الموالاة فى الجمرة الواحدة بين الوجوب والاستحباب فمن أوجبها أوجب الاعادة للكل ومن لم يوجبها اجتزأ برمى ما نسى خاصة ومن فرق فلأنه رأى حكم القضاء والأداء مختلفان فلا يجتمعان فى جمرة واحدة.

وان لم يدر موضعها فقولان.

أحدهما: أنه يرمى عن الأولى الحصاة ثم يعيد ما بعدها.

والثانى: أنه يرمى الجميع ولا يعتد بشئ.

وقال فى الطراز أيضا

(1)

: ويستحب أن يتحرى فى ثوبى احرامه حل ملكهما وخلوصية أصلهما، وقد كان سيدنا مالك رحمه الله تعالى يحرم فى ثوب حججا وذلك يدل على أنه كان يرفعه للاحرام ويعده له اذ لو امتهنه لما أقام حججا لا يغسله.

قال مالك رحمه الله تعالى فى الموازية: ومن ابتاع ثوبين من أسود فخاف أن يكونا مسروقين فلا يحرم فيهما ان شك قيل فان باعهما وتصدق بثمنهما؟ قال: قد أصاب.

والذى قاله من باب الورع والفضيلة لا من باب الوجوب ونقل فى النوادر كلام الموازية ولا شك فى أنه ينبغى أن يحتاط فى هذا الباب ويتركهما اذا حصلت له ريبة وان ضعفت بخلاف باب الطهارة فلا يعمل فيه بالاحتمالات البعيدة.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(2)

: أنه لو جهل الحاج مانع الوجوب من نحو وجود عدو أو عدم زاد استصحب الأصل وعمل به ان وجد، والا وجب الخروج للحج، اذ الأصل عدم المانع ويتبين وجوب الخروج بتبين عدم المانع فلو ظنه فترك الخروج من أجله ثم بان عدمه لزمه النسك.

ثم قال

(3)

: لو قال معضوب

(4)

(1)

الحطاب ج 3 ص 152

(2)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 242 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 247 الطبعة السابقة.

(4)

المعضوب: الضعيف الزمن المخبول لا حراك له يقال «انه لمعضوب اللسان» اذا كان عييا فدما .. ترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير وأساس البلاغة لطاهر أحمد الزاوى ج 3 ص 213 الطبعة الأولى سنة 1959 م طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة.

ص: 235

من حج عنى فله مائة درهم.

فمن حج عنه ممن سمعه أو سمع من أخبره عنه استحقها.

وان أحرم عنه اثنان مرتبا استحقها الأول.

فان أحرما معا أو جهل السابق منهما مع جهل سبقه أو بدونه وقع حجمها ولا شئ لهما على القائل اذ ليس أحدهما أولى من الآخر.

ولو علم سبق أحدهما ثم نسى وقف الأمر على قياس نظائره.

ولو كان العوض مجهولا كقوله من حج عنى فله ثوب وقع الحج عنه بأجرة المثل.

وجاء فى المهذب

(1)

: أنه لو استأجر من يريد الحج رجلا ليحج عنه فأحرم عنه وعن نفسه انعقد الاحرام عن نفسه، لأنه تعارض التعيينان فسقطا، وبقى مطلق الاحرام فانعقد له.

وان أحرم بنسك معين، ثم نسيه قبل أن يأتى بنسك ففيه قولان.

قال فى الأم: يلزمه أن يقرن، لأنه شك لحقه بعد الدخول فى العبادة فيبنى فيه على اليقين كما لو شك فى عدد ركعات الصلاة.

وقال فى القديم يتحرى لأنه يمكنه أن يدرك بالتحرى فيتحرى فيه كالقبلة فاذا قلنا يقرن لزمه أن ينوى القرآن فاذا قرن أجزأه ذلك عن الحج.

وهل يجزئه عن العمرة.

ان قلنا يجوز ادخال العمرة على الحج أجزأه عن العمرة أيضا.

وان قلنا لا يجوز ففيه وجهان.

أحدهما: لا يجزئه لأنه يجوز أن يكون أحرم بالحج وأدخل عليه العمرة فلم يصح واذا شك لم يسقط الفرض.

والثانى: أنه يجزئه، لأن العمرة انما لا يجوز ادخالها على الحج من غير حاجة، وهاهنا به حاجة الى ادخال العمرة على الحج.

والمذهب الأول.

وان نسى بعد الوقوف وقبل طواف القدوم، فان نوى القران وعاد قبل طواف القد - وم أجزأه الحج، لأنه ان كان حاجا أو قارنا فقد انعقد احرامه بالحج.

وان كان معتمرا فقد أدخل الحج على العمرة قبل طواف العمرة فصح حجه ولا يجزئه عن العمرة لأن ادخال العمرة على الحج لا يصح فى أحد القولين، ويصح فى الآخر ما لم يقف بعرفة، فاذا وقف بعرفة لم يصح فلم يجزه.

وان نسى بعد طواف القدوم وقبل

(1)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 205، ص 206 الطبعة السابقة.

ص: 236

الوقوف، فان قلنا ان ادخال العمرة على الحج لا يجوز لم يصح له الحج ولا العمرة، لأنه يحتمل أنه كان معتمرا فلا يصح ادخال الحج على العمرة بعد الطواف فلم يسقط فرض الحج مع الشك ولا تصح العمرة لأنه يحتمل أن لا يكون أحرم بها أو أحرم بها على حج فلا يصح.

وجاء فى نهاية المحتاج

(1)

: أنه لو أحرم قبل أشهر الحج، ثم شك هل أحرم بحج أو عمرة فهو عمرة أو أحرم بحج ثم شك هل كان احرامه فى أشهره أم قبلها، قال الصيمرى كان حجا لأنه تيقن احرامه الآن وشك فى تقدمه قاله فى المجموع.

ثم قال

(2)

: نقل الماوردى عن الأصحاب أنه لو شك هل أحرم بالحج قبل الشروع فى الطواف أو بعده صح احرامه بالحج، ويبرأ بذلك من الحج والعمرة، لأن الأصل جواز ادخال الحج على العمرة حتى يتعين المنع، فصار كمن أحرم وتزوج، ولم يدر هل كان احرامه قبل تزوجه أو بعده، فانه يصح تزوجه.

ولا يجوز عكسه، وهو ادخال العمرة على الحج فى الجديد، لأنه لا يستفيد به شيئا بخلاف الأول يستفيد به الوقوف والرمى والمبيت، ولأنه يمتنع ادخال الضعيف على القوى كفراش النكاح مع فراش الملك لقوته عليه جاز ادخاله عليه دون العكس، حتى لو نكح أخت أمته جاز وطؤها بخلاف العكس والقديم الجواز وصححه الامام كعكسه فيجوز ما لم يشرع فى أسباب تحلله.

ثم قال

(3)

: ولو وقفوا اليوم العاشر غلطا لظنهم أنه التاسع كأن غم عليهم هلال الحجة فأكملوا القعدة ثلاثين يوما، ثم بان أنه تسعة وعشرون.

وان كان وقوفهم بعد تبين أنه العاشر كما اذا ثبت ليلا ولم يتمكنوا من الوقوف فيه فيصح للاجماع، ولأنهم لو كلفوا بالقضاء لم يأمنوا وقوع مثله فيه، ولأن فيه مشقة عامة.

واذا وقفوا العاشر غلطا لم يصح وقوفهم فيه قبل الزوال كما بحثه الأذرعى بل بعده.

قال المتولى ان وقوفهم فى العاشر يقع أداء لا قضاء، لأنه لا يدخله القضاء أصلا.

وقد قالوا ليس يوم الفطر أول

(1)

نهاية المحتاج الى شرح ألفاظ المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 250 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للرملى ج 3 ص 313، ص 314 وهامشها الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 290، ص 291 الطبعة السابقة.

ص: 237

شوال مطلقا بل يوم يفطر الناس، وكذا يوم النحر يوم يضحى الناس، ويوم عرفة اليوم الذى يظهر لهم أنه يوم عرفة سواء التاسع والعاشر، لخبر:«الفطر يوم يفطر الناس والأضحى يوم يضحى الناس رواه الترمذى وصححه وفى رواية للشافعى» وعرفة يوم يعرف الناس.

ولو وقفوا ليلة الحادى عشر لا يجزئ، وهو ما صححه القاضى حسين.

لكن بحث السبكى الاجزاء كالعاشر، لأنه من تتمته.

وهو مقتضى كلام الحاوى الصغير وفروعه وافتاء الوالد وهو الأقرب.

وان وقفوا فى اليوم الثامن غلطا بأن شهد شاهدان برؤية هلال ذى الحجة ليلة الثلاثين من القعدة، ثم بانا كافرين أو فاسقين وعلموا قبل فوت الوقوف وجب الوقوف فى الوقت تداركا له.

وان علموا بعده أى فوات وقت الوقوف وجب القضاء لهذه الحجة فى عام آخر فى الأصح لندرة الغلط.

وفارق العاشر بأن تأخير العبادة عن وقتها أقرب الى الحساب من تقديمها عليه، وبأن الغلط بالتقديم يمكن الاحتراز عنه، لأنه انما يقع لغلط فى الحساب أو خلل فى الشهود الذين شهدوا بتقديم الهلال والغلط بالتأخير قد يكون بالغيم الذى لا حيلة فى دفعه.

والثانى: لا يجب القضاء عليهم قياسا على ما اذا غلطوا بالتأخير وفرق الأول بما مر ولو غلطوا بيومين فأكثر أو فى المكان لم يصح جزما لندرة ذلك.

ثم قال

(1)

: ولو جرح الصيد فغاب فوجده ميتا وشك أمات بجرحه أم بحادث لم يجب عليه غير الأرش لأن الاصل براءة ذمته عما زاد.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(2)

: أنه اذا أخطأ الناس العدد فوقفوا فى غير ليلة عرفة أجزأهم ذلك.

لما روى الدار قطنى باسناده عن عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوم عرفة الذى يعرف فيه الناس.

«فان اختلفوا فأصاب بعضهم وأخطأ بعض وقت الوقوف لم يجزئهم، لأنهم غير معذورين فى هذا.

وروى أبو هريرة أن رسول الله

(1)

المرجع السابق لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 341 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 553 الطبعة السابقة.

ص: 238

صلّى الله عليه وسلم: قال:

«فطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون رواه الدار قطنى وغيره.

ثم قال

(1)

: ومن لم يكن طريقه على ميقات فاذا حاذى أقرب المواقيت اليه أحرم.

وجملة ذلك أن من سلك طريقا بين ميقاتين، فانه يجتهد حتى يكون احرامه بحذو الميقات الذى هو الى طريقه أقرب.

لما روينا أن أهل العراق قالوا لعمر رضى الله عنه ان قرنا جور عن طريقنا، فقال: انظروا حذوها من طريقكم فوقت لهم ذات عرق، ولأن هذا مما يعرف بالاجتهاد والتقدير، فاذا اشتبه دخله الاجتهاد كالقبلة.

فان لم يعرف حذو الميقات المقارب لطريقه احتاط فأحرم من بعد بحيث يتيقن أنه لم يجاوز الميقات الا محرما لأن الاحرام قبل الميقات جائز وتأخيره عنه لا يجوز فالاحتياط فعل ما لا شك فيه.

ولا يلزمه الاحرام حتى يعلم أنه قد حاذاه، لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالشك.

فان أحرم ثم علم بعد أنه قد جاوز ما يحاذيه من المواقيت غير محرم فعليه دم.

وان شك فى أقرب الميقاتين اليه فالحكم فى ذلك على ما ذكرنا وان كانا متساويين فى القرب اليه أحرم من حذو أبعدهما.

ثم قال

(2)

: واذا أحرم بنسك ثم نسيه قبل الطواف فله صرفه الى أى الأنساك شاء.

فانه ان صرفه الى عمرة وكان المنسى عمرة فقد أصاب وان كان حجا مفردا أو قرانا فله فسخهما الى العمرة.

وان صرفه الى القران وكان المنسى قرانا فقد أصاب، وان كان عمرة فادخال الحج على العمرة جائز قبل الطواف فيصير قارنا، وان كان مفردا لغا احرامه بالعمرة وصح بالحج وسقط فرضه.

وان صرفه الى الافراد وكان مفردا فقد أصاب وان كان متمتعا فقد أدخل الحج على العمرة فصار قارنا فى الحكم وفيما بينه وبين الله تعالى وهو يظن أنه مفرد، وان كان قارنا فكذلك.

والمنصوص عن أحمد رحمه الله تعالى أنه يجعله عمرة.

قال القاضى هذا على سبيل الاستحباب.

لأنه اذا استحب ذلك فى حال العلم فمع عدمه أولى.

(1)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 214 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 252، ص 253 الطبعة السابقة.

ص: 239

وقال أبو حنيفة يصرفه الى القران وهو قول الشافعى فى الجديد.

وقال فى القديم يتحرى فيبنى على غالب ظنه، لأنه من شرائط العبادة فيدخله التحرى كالقبلة.

ومنشأ الخلاف على فسخ الحج الى العمرة، فانه جائز عندنا، وغير جائز عندهم.

فعلى هذا ان صرفه الى المتعة فهو متمتع عليه دم المتعة ويجزئه عن الحج والعمرة جميعا.

وان صرفه الى افراد أو قران لم يجزئه عن العمرة اذ من المحتمل أن يكون المنسى حجا مفردا، وليس له ادخال العمرة على الحج، فتكون صحة العمرة مشكوكا فيها، فلا تسقط من ذمته بالشك، ولا دم عليه لذلك فانه لم يثبت حكم القران يقينا، ولا يجب الدم مع الشك فى سببه، ويحتمل أن يجب.

فاما ان شك بعد الطواف لم يجز صرفه الا الى العمرة، لأن ادخال الحج على العمرة بعد الطواف غير جائز.

فان صرفه الى حج أو قران فانه يتحلل بفعل الحج ولا يجزئه عن واحد من النسكين، لأنه يحتمل أن يكون المنسى عمرة فلم يصح ادخال الحج عليها بعد طوافها.

ويحتمل أن يكون حجا وادخال العمرة عليه غير جائز فلم يجزئه واحد منهما مع الشك، ولا دم عليه للشك فيما يوجب الدم، ولا قضاء عليه للشك فيما يوجبه.

وان شك وهو فى الوقوف بعد أن طاف وسعى جعله عمرة فقصر ثم أحرم بالحج، فانه ان كان المنسى عمرة فقد أصاب وكان متمتعا، وان كان افرادا أو قرانا لم ينفسخ بتقصيره وعليه دم بكل حال، فانه لا يخلو من أن يكون متمتعا عليه دم المتعة أو غير متمتع فيلزمه دم لتقصيره.

وان شك ولم يكن طاف وسعى جعله قرانا، لأنه ان كان قارنا فقد أصاب، وان كان معتمرا فقد أدخل الحج على العمرة وصار قارنا، وان كان مفردا لغا احرامه بالعمرة وصح احرامه بالحج.

وان صرفه الى الحج جاز أيضا.

ولا يجزئه عن العمرة فى هذه المواضع لاحتمال أن يكون مفردا وادخال العمرة على الحج غير جائز ولا دم عليه للشك فى وجود سببه.

ثم قال

(1)

: واذا شك فى الطهارة وهو فى الطواف لم يصح طوافه ذلك، لأنه شك فى شرط العبادة قبل

(1)

المرجع السابق لابن قدامه المقدسى ج 3 ص 392، ص 393 الطبعة السابقة.

ص: 240

الفراغ منها فأشبه ما لو شك فى الطهارة فى الصلاة وهو فيها.

وان شك بعد الفراغ منه لم يلزمه شئ لأن الشك فى شرط العبادة بعد فراغها لا يؤثر فيها وان شك فى عدد الطواف بنى على اليقين.

قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك، ولأنها عبادة فمتى شك فيها وهو فيها بنى على اليقين كالصلاة.

ولو أخبره ثقة عن عدد طوافه رجع اليه اذا كان عدلا.

وان شك فى ذلك بعد فراغه من الطواف لم يلتفت اليه كما لو شك فى عدد الركعات بعد فراغ الصلاة.

قال أحمد اذا كان رجلان يطوفان فاختلفا فى الطواف بنيا على اليقين وهذا محمول على أنهما شكا فأما ان كان أحدهما تيقن حال نفسه لم يلتفت الى قول غيره.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أن من أخطأ فى رؤية الهلال لذى الحجة فوقف بعرفة اليوم العاشر وهو يظنه التاسع ووقف بمزدلفة الليلة الحادية عشرة وهو يظنها العاشرة فحجه تام ولا شئ عليه.

لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: ان الوقوف بعرفة لا يكون الا فى اليوم التاسع من ذى الحجة أو الليلة العاشرة منها.

وانما أوجب صلى الله عليه وسلم الوقوف بها ليلا أو نهارا.

فصح أن كل من وقف بها أجزأه ما لم يقف فى وقت لا يختلف اثنان فى انه لا يجزيه فيه.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار وهامشه

(2)

:

أن قطع شجر الحرمين المكى والمدنى انما يكون محظورا اذا كان الشجر ثابتا فى الحرمين وكذا لو كان بعض عروق أصله فى الحرم كان محرما.

فان التبس هل هو فى الحل أو فى الحرم فالأصل براءة الذمة فيجوز قطعه.

ثم قال

(3)

: وعلى كل من ورد بين

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 191 المسألة رقم 858 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار وهامشه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 103، ص 104 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 2 ص 76، ص 77 الطبعة السابقة.

ص: 241

المواقيت المضروبة بلا احرام أن يحرم اذا حاذى أدناها اليه منه فان التبس عليه ذلك تحرى.

قال

(1)

: واذا نوى الحج وعين ما نواه، ثم التبس عليه ما قد كان عين أو نوى انه محرم كاحرام فلان، أى بما أحرم به فلان من حج، أو عمرة، أو تمتع، أو قران وجهله، أى لم يعلم ما أحرم له فلان، بل التبس عليه صحت تلك النية، ولم يفسد بعروض اللبس

لكن اذا اتفق له ذلك طاف وسعى وجوبا مثنيا ندبا.

وانما يندب له تثنية الطواف والسعى لجواز كونه قارنا فى الصورتين، لأنه يستحب للقارن تقديم طواف القدوم والسعى.

نعم ويكون فى طوافه الأول وسعيه ناويا ما أحرم له على سبيل الجملة، هكذا أطلق أبو طالب للمذهب.

ولا يتحلل عقب السعى أى لا يحلق ولا يقصر، لجواز كونه قارنا أو مفردا،

ثم اذا فرغ من السعى لزمه أن يستأنف نية معينة للحج كأنه مبتدئ للاحرام بالحج، ويكون ذلك الابتداء من أى مكة.

وتكون تلك النية مشروطة بأن لم يكن أحرم له فيقول فى نيته اللهم انى محرم بالحج ان لم أكن محرما به لئلا يدخل حجة على حجة، ثم يستكمل المناسك المشروعة فى الحج كالمتمتع أى يفعل بعد استئناف النية للحج كما يفعل المتمتع حين يحرم للحج من مكة فأنه يستكمل أعمال الحج مؤخرا لطواف القدوم.

ويلزمه أيضا دمان ونحوهما من يكون قارنا وشاة لترك السوق أن كان قارنا أو لترك الحلق أو التقصير بين النسكين ان كان متمتعا.

ويلزمه أيضا دمان ونحوهما من الصيام والصدقات يلزم ذلك لما ارتكب من محظورات احرامه فما فعله مما يوجب دما لزمه دمان، وما يوجب صيام يوم يلزمه صيام يومين، وما يوجب صدقة يلزمه صدقتان، اذا ارتكب شيئا من ذلك قبل كمال السعى الأول.

فأما بعده فلا يتثنى عليه شئ من ذلك وانما يثنى عليه ذلك قبل كمال السعى الأول، لجواز كونه قارنا.

ويجزيه للفرض ما التبس نوعه أى

اذا تيقن أنه نوى حجة الاسلام لكن التبس عليه هل جعله قارنا

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 80، ص 81، ص 82 الطبعة السابقة.

ص: 242

أو متمتعا أو مفردا فالتبس نوعه لا عينه فانه يفعل فى أعمال الحج ما تقدم فيمن نسى ما أحرم له.

ويجزيه ذلك عن حجة الاسلام.

ولا يجزيه عن حجة الاسلام ما التبس بالنذر والنفل.

أما الالتباس بالنذر فذلك يكون حيث ينذر بحجة فلما أحرم التبس عليه هل نوى النذر أم حجة الاسلام.

وأما الالتباس بالنفل فهو أن ينسى ما عقد أحرامه عليه هل بفريضة أم نافلة فان حجه فى هاتين الصورتين لا يجزيه عن فريضة الاسلام.

ثم قال

(1)

: وان التبس عليه يوم عرفة تحرى وعمل على غالب ظنه، والأحوط أن يقف يومين.

وتحصيل هذه المسألة أنه لا يخلو من أحد أمرين.

اما أن يتحرى أولا.

فان لم يتحر ووقف من غير تحر فلا يخلو اما أن تنكشف له الاصابة أو عدم الاصابة.

فان انكشفت له الاصابة أجزأه الوقوف.

وان انكشف الخطأ لم يجزه.

وان بقى اللبس قال المهدى: فالأقرب أنه لا يجزيه.

هذا اذا لم يتحر.

أما اذا تحرى فلا يخلو أما أن يحصل اللبس بين التاسع والعاشر أو بين التاسع والثامن فان وقع اللبس بين التاسع والثامن فلا يخلو اما أن يحصل له ظن أولا.

فان لم يحصل له ظن فقد قال كثير من المذاكرين ان هنا يجب عليه أن يقف مرتين ويفيض فى اليوم الأول ويعمل بموجبه ثم يعود فى اليوم الثانى فيعمل بموجبه.

قال المهدى وفى هذا نظر.

والقياس هنا أن يرجع الى الأصل كما قال أهل المذهب فيمن شك فى آخر رمضان أنه يجب عليه الرجوع الى الأصل والأصل بقاء رمضان فيصوم حتى يتيقن الكمال.

وهنا الأصل أنه قد مضى الأقل من الشهر لا الاكثر فيبنى على أن الذى قد مضى هو الثمان فلا يجب أن يقف فى اليوم الذى يشك أنه ثامن بل يبنى على أنه الثامن بقاء على الاصل وهو أنه لم يمض الا الأقل، كما قالوا فى رمضان الا أن يريد الاحتياط فعلى ما ذكره المذاكرون لا على جهة الوجوب عندى.

(1)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 2 ص 115، 116، ص 117، ص 118 الطبعة السابقة.

ص: 243

وأما اذا حصل له ظن فالواجب عليه أن يعمل بظنه ويستحب له

أن يقف يومين ليأخذ باليقين.

ثم فى هذه الصورة لا يخلو اما ان يقف يوما أو يومين.

فان وقف يوما واحدا فلا يخلو اما أن ينكشف له الخطأ أولا.

فأن لم ينكشف له الخطأ أجزأه، لأنه قد تحرى.

وان انكشف له الخطأ وهو أنه وقف الثامن وكان ظنه تاسعا فان علم ذلك يوم عرفة لزمه الاعادة، وان علم بعد مضيه فقد أجزأه وقوف الثامن على ما دل عليه كلام أبى طالب.

وأما اذا وقف يومين فهذا هو الاحتياط.

ولا أشكال فى أن الوقوف قد أجزأه لأنه قد وافق فى نفس الأمر يوم عرفة.

وأما اذا كان اللبس بين التاسع والعاشر فانه يتحرى.

ثم لا يخلو اما أن يحصل له ظن أولا.

فان لم يحصل له ظن فظاهر كلام الاصحاب أنه يقف يومين أيضا.

قال المهدى: ولكن هذا غير صحيح ولا أظنهم يقولون به.

فان قالوا، فهو سهو وغلط، لأنه لا وجه لوقوف يومين فى هذه الصورة رأسا، لكن الواجب عليه أن يقف فى هذا اليوم الذى وقع فيه اللبس هل هو تاسع أم عاشر، فان انكشف أنه تاسع أجزأه، وان انكشف أنه العاشر ولم يكن حصل له الظن قال المهدى فلم أقف فيه على نص.

والأقرب أنه يجزيه اذ لا يقف فيه الا لظن أو بناء منه على الأصل وهو مضى الأقل.

وأما اذا حصل له ظن عمل بظنه ومتى عمل بظنه أجزأه ما لم يتيقن الخطأ.

فان تيقن الخطأ من بعد أنه وقف العاشر فحكى فى الياقوتة عن البعض أنه قد أجزأه.

وقال البعض لا يجزيه.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مستمسك العروة الوثقى

(1)

:

أنه اذا شك فى مقدار ماله وأنه وصل الى حد الاستطاعة أو لا هل

(1)

مستمسك العروة الوثقى ج 10 ص 88، ص 89 المسألة رقم 21 للسيد محسن الطباطبائى الحكيم طبع مطبعة النجف الطبعة الثانية سنة 1381 هـ.

ص: 244

يجب عليه الفحص أو لا؟ وجهان أحوطهما ذلك.

وكذا اذا علم مقداره وشك فى مقدار مصرف الحج وأنه يكفيه أو لا.

فلو كان بيده مقدار نفقة الذهاب والاياب وكان له مال غائب لو كان باقيا يكفيه فى رواج أمره بعد العود، لكن لا يعلم بقاءه أو عدم بقائه فالظاهر وجوب الحج بهذا الذى بيده استصحابا لبقاء الغائب فهو كما لو شك فى أن أمواله الحاضرة تبقى الى ما بعد العود أو لا فلا يعد من الأصل المثبت

(1)

.

وجاء فى شرائع الاسلام

(2)

: أن من نسى الوقوف بعرفة رجع فوقف بها ولو الى طلوع الفجر اذا عرف أنه يدرك المشعر قبل طلوع الشمس.

فلو غلب على ظنه الفوات اقتصر على ادراك المشعر قبل طلوع الشمس وقد تم حجه.

وكذا لو نسى الوقوف بعرفات ولم يذكر الا بعد الوقوف بالمشعر الحرام قبل طلوع الشمس.

ثم قال

(3)

: ولو وقعت الجمرة على شئ وانحدرت على الجمرة جاز ولو قصرت فتممها حركة غيره من حيوان أو انسان لم يجز وكذا لو شك فلم يعلم وصلت الجمرة أم لا.

ولو طرحها على الجمرة من غير رمى لم يجز.

ثم قال

(4)

: ومن شك فى عدد الطواف بعد انصرافه لم يلتفت اليه.

وان كان الشك فى أثنائه.

فان كان شك فى الزيادة قطع ولا شئ عليه.

وان كان الشك فى النقصان استأنف فى الفريضة وبنى على الأقل فى النافلة.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(5)

: أن من خرج من الطواف ثم شك فيه ثم تيقن أنه طاف ستة ركع ركعتين ثم يرجع فيطوف ثمانية ثم يركع ثم يطوف طواف الفريضة لا زيادة ولا نقصان فيه.

وان شك قبل الخروج من الطواف بنى على يقينه حتى يتم السبعة ثم يركع ويطوف سبعة تامة.

(1)

المرجع السابق ج 10 ص 89، ص 90 المسألة رقم 22 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الامامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 125 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق للمحقق الحلى ج 1 ص 127 الطبعة السابقة.

(4)

شرائع الاسلام فى الفقه الامامى الجعفرى ج 1 ص 132 الطبعة السابقة.

(5)

شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 349 الطبعة السابقة.

ص: 245

وقيل كل من طاف أقل من سبعة رجع وأتم ما بقى وعليه لتأخيره دم.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: أنه لو امتشط المحرم فرأى شعرا وشك هل نتفه أو انتتف فلا فدية عليه لأن النتف لم يتحقق والأصل براءة الذمة.

ثم قال

(2)

: ومن أخذ احدى وعشرين حصاة فرمى الجمار وبقيت بيده حصاة والتبس عليه الأمر فلم يدر من أيهن؟ رمى بها الأولى وأعاد على الباقيتين سبعا سبعا.

وقال أهل مكة يجزيه أن يرمى كلا بحصاة وكذا ان بقيت بيده حصاتان أو ثلاث وان بقى أربع حصيات أو أكثر أعاد الرمى لكل سبع.

ومن رأى هلال

(3)

ذى الحجة وحده ورد قوله فليقف يوم عرفات ويقض المناسك فى أوقاتها بحسب رؤيته ويستر ان خاف وان ألغى رؤيته واتبع الناس فلا حج له.

وزعم قوم أنه يجوز له اتهام نفسه فى الرؤية وتكذيبها واذا نادى منادى السلطان أن الحج يوم كذا جاز اتباعه ولو كان جائرا ان اعتيد صدقه.

وان شهد قوم بالهلال وكذبوا أنفسهم أو قالوا اشتبه لنا أعاد الناس ما فعلوا وأدركوا وذلك بأن يتموا وقوفهم الى الغروب ويفيضوا للمزدلفة واذا صلوا الفجر وذكروا الله عندها دفعوا الى منى للرمى عند الطلوع ثم يرجعون الى عرفات ويعيدون ذلك.

ومن شهدا بالهلال زورا فحج الناس بهما وتابا لم يلزمهما اظهار ذلك، لأنه لا يقبل قولهما.

واعتبرت رؤية الحاج لا أهل بلادهم أو غيرهم ان قالوا عند الرجوع سبق الهلال أو تأخر.

وقيل ان ثبتت رؤيتهم قبل رؤية الحجاج وصحت بعدول أعادوا حجهم والصحيح الأول.

وجاء فى شرح النيل

(4)

: وان شك هل أفرد أو قرن فليكن على القران.

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 374 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 421 الطبعة السابقة.

(3)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 371، ص 372 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 310 الطبعة السابقة.

ص: 246

‌حكم الاشتباه فى الاضحية

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الهداية وشروحها

(1)

: أن وقت الاضحية يدخل بطلوع الفجر من يوم النحر.

الا انه لا يجوز لأهل الامصار الذبح حتى يصلى الامام العيد.

فأما اهل السواد فيذبحون بعد الفجر

والأصل فيه قول النبى صلى الله عليه وسلم، من ذبح شاة قبل الصلاة فليعد ذبيحته، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه، وأصاب سنة المسلمين.

وقوله صلى الله عليه وسلم، أن اول نسكنا فى هذا اليوم الصلاة ثم الاضحية.

وجاء فى بدائع الصنائع

(2)

: انه ان كانت الصلاة فى المصر فى موضعين، بأن كان الامام قد خلف من يصلى بضعفة الناس فى الجامع، وخرج هو الى المصلى وهو الجبانة.

ذكر الكرخى رحمه الله تعالى: انه اذا صلى اهل احد المسجدين ايهما كان جاز ذبح الاضاحى.

وذكر فى الاصل أنه اذا صلى اهل المسجد فالقياس أن لا يجوز ذبح الاضحية.

وفى الاستحسان يجوز.

ووجه القياس أن صلاة العيد لما كانت شرطا لجواز الاضحية فى حق اهل المصر فاعتبار صلاة اهل احد الموضعين يقتضى أن يجوز، واعتبار صلاة اهل الموضع الاخر يقتضى ان لا يجوز، فوقع الشك، وفى العبادات يؤخذ بالاحتياط، فلا يحكم بالجواز بالشك، بل يحكم بعدم الجواز احتياطا.

ووجه الاستحسان ان الشرط صلاة العيد والصلاة فى المسجد الجامع تجزى عن صلاة العيد، بدليل أنهم لو اقتصروا عليها جاز، ويقع الاكتفاء بذلك، فقد وجد الشرط فجاز.

وجاء فى نتائج الافكار

(3)

: أن قاضى زاده قال تعليقا على الوجهين: أقول هنا بحث وهو أن ما ذكر من وجه الاستحسان لا يدفع وجه القياس الذى ذكروه، لأن كون صلاة أهل المسجد صلاة معتبرة لا ينافى كون صلاة أهل الجبانة أيضا صلاة معتبرة، فاذا كانت كلتا الصلاتين معتبرة وقع الشك فى جواز التضحية بعد احدى الصلاتين

(1)

من نتائج الأفكار فى كشف الرموز والأسرار وهى تكملة فتح القدير للمحقق الكمال ابن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية للامام أكمل الدين محمد بن محمود البابرتى وحاشية المحقق سعد الله بن عيسى المفتى الشهير بسعدى جلبى ج 8 ص 72، 73 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الأولى سنة 1318 هـ

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 73 الطبعة السابقة.

(3)

نتائج الأفكار فى كشف الرموز والأسرار لقاضى زاده ج 8 ص 73 الطبعة السابقة.

ص: 247

قبل الأخرى، واقتضى الأخذ بالاحتياط فى العبادات عدم جوازها، فلم يتم وجه الاستحسان الذى ذكروه، فى مقابلة وجه القياس، فكيف يترك به القياس.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(1)

: انه اذا اختلطت الأضحيتان قبل الذبح، اما أن يتساويا، أولا، فان تساويا فواضح، وان لم يتساويا فمن أخذ الأفضل ذبحه، ومن أخذ المفضول فان ترك الأفضل لصاحبه من غير حكم عد كأنه أبدل الأعلى بالادنى فيكره له ذلك، واما ان كان بحكم القرعة، فالظاهر أنه لا كراهة عليه، ولكن اقتصر على الأدنى، والحاصل له بالقرعة.

وقيل كره له ذلك.

ويستحب له أن يبدله بمثل الأعلى.

وقال خليل: ان ذلك مكروه، سواء ترك الأفضل بالحكم بالقرعة أو اختيارا.

وفى التاج والاكليل: وسئل سحنون عن رفيقين اشتركا فى شراء شاتين للأضحية فيقتسمانهما، فان استويا فى السمانة فلا بأس، وان لم يستويا كرهت ذلك، لآخذ الدنية الا أنها تجزئه.

وقال خليل

(2)

: وجاز أخذ العوض ان اختلطت بعد الذبح على الأحسن.

قال الحطاب: ظاهره سواء كان المختلط الجزء أو الكل، وهو كذلك على ما استحسنه ابن عبد السّلام.

وظاهره سواء كان العوض من الجنس أو من غير الجنس، وهو كذلك على ما قاله فى التوضيح.

وتجزئ عن صاحبها على ما قاله ابن عرفة.

وقال ابن يونس: اذا اختلطت أضحيتا رجلين بعد ذبحهما فانهما يجزئانهما، ولا يأكلان لحمهما، وليتصدقا به.

وقال ابن يونس انما أجزأتاهما، لأنهما بالذبح وجبتا أضحية، فلا يقدح اختلاطهما فى الاجزاء.

وانما لم يأكلا لحمهما، لأن كل واحد قد يأكل لحم شاة صاحبه، فيصير بيعا للحم أضحيته بلحم أضحية صاحبه.

قال ابن بشير: لو اختلطت أضحية أو جزء منها بغيرها ففى اباحة أخذ العوض قولان.

(1)

مواهب الجليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 249 الطبعة السابقة.

(2)

مواهب الجليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 249، ص 250 الطبعة السابقة.

ص: 248

وقال مالك:

(1)

: واذا اختلطت الرءوس فى الفرن كرهت لك أن تأكل متاع غيرك، ولعل غيرك لا يأكل متاعك، أو لعل متاعه خير من متاعك.

وانما كره مالك للرجل اذا اختلطت رءوس الضحايا فى الأفران ان يأكل متاع غيره، ولم يحرم ذلك، لأن حكمه حكم لقطة ما لا يبقى من الطعام حيث لا يوجد له ثمن اذ لا يجوز بيعه فأكله جائز اذا لم يعلم صاحبه وخشى عليه الفساد، لقول النبى صلى الله عليه وسلم فى الشاة هى لك، أو لأخيك أو للذئب، والتصدق بذلك أفضل.

بخلاف الخبز واللحم من غير الأضاحى تختلط فى الفرن فلا يعلم الرجل لمن هذا الذى سيق اليه، ولا عند من صار متاعه، لأنه يجب عليه أن يبتاعه ويوقف ثمنه على حكم اللقطة اذا لم تبق، ووجد لها ثمن

والحاصل أن أخذ العوض يجوز على البعض وعلى الكل من غير الجنس.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المجموع

(2)

: أنه لا يجزئ فى الأضحية الا الأنعام، وهى الابل والبقر والغنم، لقول الله تبارك وتعالى «لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ 3» .

ولا يجزئ فيها الا الجذعة من الضأن، والثنية من المعز والابل والبقر، لما روى جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«لا تذبحوا الا مسنة الا أن تعسر عليكم فاذبحوا جذعة من الضأن، وعن على رضى الله عنه قال «لا يجوز فى الضحايا الا الثنى من المعز والجذعة من الضأن، وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال «لا تضحوا بالجذع من المعز والابل والبقر» .

ويجوز فيها الذكر والانثى، لما روت أم كرز عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «على الغلام شاتان، وعلى الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو اناثا واذا جاز ذلك فى العقيقة بهذا الخبر، دل على جوازه فى الأضحية، ولأن لحم الذكر أطيب، ولحم الانثى أرطب.

قال فى المجموع فشرط المجزئ فى الأضحية أن يكون من الانعام، وهى الابل والبقر والغنم سواء فى ذلك جميع أنواع الابل من البخاتى والعراب، وجميع أنواع البقر من الجواميس والعراب والدربانية، وجميع أنواع الغنم من الضأن والمعز وأنواعهما.

ولا تجزئ غير الانعام من بقر الوحش وحميره والضبا وغيرها بلا

(1)

المرجع السابق للحطاب ج 3 ص 250 الطبعة السابقة.

(2)

المجموع للنووى ج 8 ص 392، ص 393 ص 394، ص 395 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 34 من سورة الحج.

ص: 249

خلاف، وسواء الذكر والانثى من جميع ذلك، ولا خلاف فى شئ من هذا عندنا.

ولا تجزئ من الضأن الا الجذع والجذعة فصاعدا.

ولا من الابل والبقر والمعز الا الثنى أو الثنية فصاعدا هكذا نص عليه الشافعى وقطع به الأصحاب.

وحكى الرافعى وجها أنه يجزئ الجذع من المعز.

وهو شاذ ضعيف بل غلط ففى الصحيحين عن البراء بن عازب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لأبى بردة بن دينار خال البراء بن عازب «تجزئك يعنى الجذع من المعز ولا تجزئ أحدا بعدك» والله أعلم.

ثم الجذع ما استكمل سنة فى أصح الأوجه.

والوجه الثانى: ما استكمل ستة أشهر.

والثالث: ثمانية أشهر.

والرابع: ان كان متولدا بين شابين فستة أشهر، والا فثمانية.

قال أبو الحسن العبادى وغيره اذا قلنا بالمذهب أن الجذع ماله سنة كاملة فلو أجذع قبل تمام السنة أى سقطت سنة أجزأ فى الأضحية، كما لو تمت السنة قبل أن يذبح.

ويكن ذلك كالبلوغ بالسن أو الاحتلام فانه يكفى فيه أسبقهما.

وهكذا صرح البغوى به فقال:

الجذع ما استمكلت سنة أو أجذعت قبلها وأما الثنى من الابل فما استكملت خمس سنين ودخل فى السادسة.

وروى حرملة عن الشافعى أنه الذى استكمل ست سنين ودخل فى السابعة.

قال الرويانى وليس هذا قولا آخر للشافعى، وان توهمه بعض أصحابنا، ولكنه اخبار عن نهاية سن الثنى.

وما ذكره الجمهور هو بيان لابتداء سنه والله أعلم.

وأما الثنى من البقر فهو ما استكمل سنتين ودخل فى الثالثة.

وروى حرملة عن الشافعى أنه ما استكمل ثلاث سنين ودخل فى الرابعة.

والمشهور من نصوص الشافعى الأول، وبه قطع الأصحاب وغيرهم من أهل اللغة وغيرهم.

وأما الثنى من المعز ففيه وجهان.

أصحهما ما استكمل سنتين.

والثانى: ما استكمل سنة.

ولا تجزى بالمتولد من الظباء والغنم، لأنه ليس من الانعام.

ص: 250

ونقل جماعة اجماع العلماء عن التضحية لا تصح الا بالابل أو البقر أو الغنم فلا يجزئ شئ من الحيوان غير ذلك.

وحكى ابن المنذر عن الحسن بن صالح أنه يجوز أن يضحى ببقر الوحش عن سبعة وبالضبا عن واحد.

وبه قال داود فى بقرة الوحش.

وأجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الابل والبقر والمعز الا الثنى ولا من الضأن الا الجذع وأنه يجزئ هذه المذكورات.

الا ما حكاه العبدرى وجماعة من أصحابنا عن الزهرى أنه قال: لا يجزئ الجذع من الضأن.

وعن الأوزاعى أنه يجزى الجذع من الابل والبقر والمعز والضأن.

وحكى صاحب البيان عن ابن عمر كالزهرى وعن عطاء كالأوزاعى هكذا نقل هؤلاء.

ونقل القاضى عياض الاجماع على أنه يجزئ الجذع من الضأن وأنه لا يجزئ جذع المعز.

دليلنا على الأوزاعى حديث البراء بن عازب السابق قريبا عن الصحيحين، واحتج له بحديث عقبة بن عامر أن النبى صلى الله عليه وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا قبقى عتود فذكره للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: ضح أنت بها رواه البخارى ومسلم.

قال أبو عبيد وغيره من أهل اللغه العتود من أولاد المعز ما رعى وقوى.

قال الجوهرى وغيره وهو ما بلغ سنة.

قال البيهقى كانت هذه رخصة لعقبة ابن عامر قال.

وقد روينا ذلك من رواية الليث بن سعد، ثم ذكره باسناده الصحيح عن عقبة قال «أعطانى رسول الله صلى الله عليه وسلم غنما أقسمها ضحايا بين أصحابى فبقى عتود فقال:

ضح بها أنت ولا رخصة لاحد فيها بعدك.

وجاء فى حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج

(1)

: أنه لا يضر فى الأضحية فقد الية خلقة، اذ المعز لا الية له ولا فقد ضرع اذ الذكر لا ضرع له.

وظاهره أنه لا فرق فى ذلك بين كون الالية صغيرة فى ذاتها كما هو مشاهد فى بعض الغنم، وكونها كبيرة.

ولا ينافيه قوله لا يضر فقد فلقة يسيرة من عضو كبير لان المراد الكبر النسبى

(1)

نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى عليه ج 8 ص 128 الطبعة السابقة.

ص: 251

فالالية وان صغرت فهى من حيث هى كبيرة بالنسبة للأذن.

هذا ويبقى النظر فيما لو وجدت ألية قطع جزء منها وشك فى أن المقطوع كان كبيرا فى الأصل فلا يجزئ ما قطعت منه الآن أو صغيرا فيجزئ فيه نظر والأقرب الاجزاء، لأنه الاصل فيما قطعت منه والموافق للغالب فى أن الذى يقطع لكبر الالية صغير.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

أنه لو ضحى اثنان كل بأضحية الآخر عن نفسه غلطا كفتهما ولا ضمان استحسانا.

والقياس ضمانهما ذكره القاضى وغيره.

ونقل الأثرم وغيره فى الاثنين ضحى هذا بأضحية هذا يترادان اللحم ويجزئ ولو فرق كل منهما لحم ما ذبحه لاذن الشرع فى ذلك.

وان ذبح المعينة هديا أو أضحية ذابح فى وقتها بغير اذن ربها أو وليه ونواها عن ربها أو أطلق أجزأت عن ربها، ولا ضمان على الذابح، لان الذبح فعل لا يفتقر الى النية.

فاذا فعله غير صاحبه أجزأ عن صاحبه كغسل ثوبه من النجاسة، ولأنها وقعت موقعها بذبحها فى وقتها فلم يضمن ذابحها حيث لم يكن متعديا، ولان الذبح اراقة دم تعين اراقته لحق الله تعالى، فلم يضمن مريقه كقاتل المرتد بغير اذن الامام.

وان نوى الذابح الأضحية عن نفسه مع علمه أنها أضحية الغير، لم تجز عن مالكها، سواء فرق الذابح اللحم أولا.

ويضمن الذابح قيمتها ان فرق لحمها.

وارش الذبح ان لم يفرقه لغصبه واستيلائه على مال الغير واتلافه أو تنقيصه عدوانا.

وان ذبحها عن نفسه ولم يعلم أنها أضحية الغير لاشتباهها عليه مثلا أجزأت عن ربها ان لم يفرق الذابح لحمها، لما تقدم من أن الذبح لا يفتقر الى نية كازالة النجاسة.

فان فرق اللحم اذن ضمن لأن الاتلاف يستوى فيه العمد وغيره.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم

(2)

: من أخطأ فذبح أضحية غيره بغير أمره فهى ميتة لا تؤكل وعليه ضمانها.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 641 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 388 الطبعة السابقة.

ص: 252

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

: أنه اذا اتفق قارنان أو متمتعان أو غير ذلك، أو التبس على قارنين أو متمتعين هدايا بعضهم ببعض وكل كل واحد منهم صاحبه فى أن يذبح عنه بنية مشروطة عما لزمه ان كان حقه، والا فعن فلان، وأجزأهم الجميع.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى وسائل الشيعة

(2)

: أنه روى محمد بن الحسن باسناده عن سعد عن أبى جعفر عن أبى قتادة محمد بن حفص القمى، وموسى بن القاسم اليمانى عن على بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال سألته:

عن الأضحية يخطئ الذى يذبحها فيسمى غير صاحبها أتجزئ عن صاحب الأضحية؟ فقال نعم: انما له ما نوى.

ورواه الصدوق باسناده عن على بن جعفر.

وروى أحمد بن على بن أبى طالب الطوسى فى الاحتجاج عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميرى عن صاحب الزمان عليه السلام أنه كتب اليه يسأله عن رجل اشترى هديا لرجل غائب عنه وسأله أن ينحر عنه هديا بمنى، فلما أراد نحر الهدى نسى اسم الرجل، ونحر الهدى، ثم ذكره بعد ذلك أيجزى عن الرجل أم لا؟ الجواب: لا بأس بذلك وقد أجزأ عن صاحبه.

وجاء فى الفروع من الكافى

(3)

: انه روى عن على بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبى عمير عن حماد عن الحلبى قال سألت أبا عبد الله عليه السلام عن الابل والبقر أيهما أفضل أن يصحى بها؟ قال: ذوات الارحام.

فسألته عن أسنانها فقال: أما البقر فلا يضرك بأى أسنانها ضحيت،

وأما الابل فلا يصلح الا الثنى فما فوق.

وعن على بن ابراهيم عن أبيه عن ابن أبى نجران عن محمد بن حمران عن أبى عبد الله عليه السلام قال:

أسنان البقر تبيعها ومسنها فى الذبح سواء - التبيع ما دخل فى الثانية والمسن ما دخل فى الثالثة.

وجاء فى الروضة البهية

(4)

: أنه

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 195 وهامشه الطبعة السابقة.

(2)

وسائل الشيعة الإمامية الجزء الثالث من المجلد الخامس ص 128 الطبعة السابقة.

(3)

الفروع من الكافى ج 4 ص 489 الطبعة السابقة.

(4)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 195، ص 196 وما بعدها الطبعة السابقة والمرجع السابق للجبعى العاملى ج 1 ص 198 الطبعة السابقة.

ص: 253

يجب فى الذبح لهدى التمتع جذع من الضأن قد كمل سنه سبعة أشهر.

وقيل ستة.

أو ثنى من غيره، وهو من البقر والمعز ما دخل فى الثانية، ومن الابل فى السادسة تام الخلقة غير مهزول، بأن يكون ذا شحم على الكليتين، وان قل.

ويكفى فيه الظن المستند الى نظر أهل الخبرة لتعذر العلم غالبا.

فمتى ظنه كذلك أجزأ وان ظهر مهزولا لتعبده بظنه.

بخلاف ما لو ظهر ناقصا فانه لا يجزئ لأن تمام الخلقة أمر ظاهر فتبين خلافه مستندا الى تقصيره.

وظاهر العبارة أن المراد ظهور المخالفة فيها بعد الذبح اذ لو ظهر التمام قبله أجزأ قطعا.

ولو ظهر الهزال قبله مع ظن سمنه عند الشراء ففى اجزائه قولان.

أجودهما الاجزاء للنص.

وان كان عدمه أحوط.

ولو اشتراه من غير اعتبار أو مع ظن نقصه أو هزاله لم تجزئ الا أن تظهر الموافقة قبل الذبح.

ويحتمل قويا الاجزاء ولو ظهر سمينا بعده.

والأضحية فانها يطلق عليها الهدى وشرائطها وسننها كالهدى.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: ولا بدل على مصرى اشترى ضحية ونواها ان ماتت بآفة، وكذا من لم تلزمه من باد أو حاج أو معتمر لم يمتع، أو متمتع اذا زاد ضحية غير ما لزمه من هدى ونحو ذلك.

وأراد بالمصرى ما يشمل القروى وذلك اذا ماتت بلا تعمد منه.

وكذا سائر المتالف بلا عمد.

وجاز ابدال أضحيته بأفضل منها أو مثلها.

ومراده بابدالها ابدالها بأخرى واحدة بواحدة، أو مع زيادة، أو بيعها بثمن وشراء أخرى به، أو تجديد غيرها، وتركها لا ذبحها قبل يوم النحر أو بيعها، لا لبدل، أما لبدل فيجوز أن يشترى بثمنها وحده أو بزيادة عليه أخرى، أو ما هو أفضل منها.

وعندى أن الأحوط أن لا يبدلها بمثلها، ولان الأصل بقاؤه على نيته فيها فلا يحسن له ابدالها.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 389، ص 390 الطبعة السابقة.

ص: 254

وترك نيته الأولى فيها الا بأرجح منها الا بأمر اعتراه كاحتياج لأكل، ولا يجد فى حينه مثلها، أو ضيافة أو نحو ذلك فلا كراهة ولو كان الابدال بمثلها فقط، وتلزم، حتى انه ان ضاعت بوجه لزمه مثلها أو أفضل.

والذى عندى أنه لا بدل عليه أن ضاعت بلا تضييع، لأنه قد عينها ان سماها بلسانه ضحية ونواها مطلقا فى العشر أو قبلها.

وقيل تلزم: ان سماها فى العشر لا قبلها.

وله ابدالها وبيعها لشراء بثمنها.

‌حكم الاشتباه فى الذبائح

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الفتاوى الهندية

(1)

: أنه اذا كان للرجل مساليخ بعضها ذبيحة، وبعضها ميتة، فان أمكن التمييز بالعلامة يميز، ويباح التناول.

وان تعذر التمييز بالعلامة.

فان كانت الحالة حالة الاضطرار بأن اضطر الى الأكل فانه يباح التناول بالتحرى.

وان كانت الحالة حالة الاختيار.

فان كانت الغلبة للحرام أو كانا سواء لم يجز التناول بالتحرى.

وان كانت الغلبة للحلال جاز التناول بالتحرى.

وجاء فى حاشية الطحاوى

(2)

أنه لو تعارض عدلان فى الحل والحرمة، بأن أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبحه مجوسى، وأخبر عدل آخر بأنه ذكاة مسلم، فلا يحل أكله لبقاء اللحم على الحرمة التى هى الأصل، اذ حل الأكل متوقف على تحقق الذكاة الشرعية، وبتعارض الخبرين لم يتحقق الحل فبقيت الذبيحة على الحرمة، وقد تساقط الخبران لاستوائهما فى الصدق.

وقد قالوا ان الشك على ثلاثة أضرب.

شك طرأ على أصل حرام.

وشك طرأ على أصل مباح.

وشك لا يعرف أصله.

فالأول مثل أن يجد شاة مذبوحة فى بلد فيها مسلمون ومجوس، فلا تحل حتى يعلم انها ذكاة مسلم، لأن الأصل فيها الحرمة اذ حل الاكل يتوقف على تحقق الذكاة الشرعية، فصار حل الاكل مشكوكا فيه.

فلو كان الغالب فيها المسلمين جاز الأكل عملا بالغالب المفيد للحل.

(1)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للامام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندى ج 5 ص 385 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1310 هـ.

(2)

حاشية العلامة الشيخ أحمد الطحطاوى على مراقى الفلاح شرح نور الايضاح فى مذهب الامام الأعظم أبى حنيفة النعمان ج 1 ص 22 الطبعة الثانية طبع المطبعة الأزهرية المصرية سنة 1328 هـ.

ص: 255

وجاء فى بدائع الصنائع

(1)

: أنه يشترط فى اباحة أكل الصيد كون الكلب معلما.

واختلف فى حد تعليم الكلب على أقاويل.

فروى بشر بن الوليد رحمه الله تعالى عن أبى يوسف قال: سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى: ما حد تعليم الكلب قال:

ان يقول أهل العلم بذلك أنه معلم.

وذكر الحسن بن زياد فى المجرد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى: انه قال:

لا يأكل ما يصيد أولا ولا الثانى ولو أكل الثالث وما بعده.

وأبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى قدراه بالثلاث فقالا: اذا أخذ صيدا فلم يأكل ثم صاد ثانيا فلم يأكل ثم صاد ثالثا فلم يأكل فهذا معلم.

قال صاحب البدائع

(2)

: ثم اذا صار الكلب معلما فى الظاهر على اختلاف الأقاويل وصاد به صاحبه ثم أكل بعد ذلك، فما صاد قبل ذلك لا يؤكل شئ منه ان كان باقيا فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وذلك لأن علامة التعلم لما كانت ترك الأكل، فاذا أكل بعد ذلك علم أنه لم يكن معلما، وان امساكه لم يكن لصيرورته معاما بل لشبعه فى الحال اذ غير المعلم قد يمسكه بشبعه للحال الى وقت الحاجة، فاستدللنا بأكله بعد ذلك على أن امساكه فى الوقت الذى قبله كان على غير حقيقة التعليم، أو يحتمل ذلك فلا تحل مع الاحتمال احتياطا.

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: يؤكل كله، وذلك لأن أكل الكلب يحتمل أن يكون لعدم التعلم.

ويحتمل أن يكون مع التعلم لفرط الجوع.

ويحتمل أن يكون للنسيان، لأن المعلم قد ينسى فلا يحرم ما تقدم من القيود بالشك والاحتمال.

ومن شروط

(3)

: اباحة أكل الصيد أن يعلم أن تلف الصيد بارسال أو رمى هو سبب الحل من حيث الظاهر.

فان شاركهما معنى أو سبب يحتمل حصول التلف به والتلف به مما لا يفيد الحل لا يؤكل الا اذا كان ذلك المعنى مما لا يمكن الاحتراز عنه.

لأنه اذا احتمل حصول التلف بما لا يثبت به الحل فقد احتمل الحل والحرمة فيرجح جانب الحرمة احتياطا لانه أن أكل عسى أنه أكل الحرام ويأثم وان لم يأكل فلا شئ عليه والتحرز عن الضرر واجب عقلا وشرعا.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 52 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 53 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لكاسانى ج 5 ص 58 الطبعة السابقة.

ص: 256

والاصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة ابن معبد رضى الله تعالى عنه: الحلال بين والحرام بين وبينهما امور مشتبهات فدع ما يريبك الى ما لا يريبك.

وقال عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنهما: ما اجتمع الحلال والحرام فى شئ الا وقد غلب الحرام الحلال.

وعلى هذا يخرج ما اذا رمى صيدا وهو يطير فأصابه فسقط على جبل ثم سقط منه على الأرض فمات أنه لا يؤكل وهذا تفسير المتردى، لأنه يحتمل أنه مات من الرمى.

ويحتمل أنه مات بسقوطه عن الجبل وكذلك لو كان على جبل فأصابه فسقط منه شئ على الجبل ثم سقط على الأرض فمات.

أو كان على سطح فأصابه فهوى فأصاب حائط السطح، ثم سقط على الأرض فمات.

أو كان على نخلة أو شجرة فسقط منها على جذع النخلة.

أو ند من الشجرة ثم سقط على الأرض فمات أو وقع على رمح مركوز فى الأرض وفيه سنان فوقع على السنان ثم وقع على الارض فمات.

أو نشب فيه السنان فمات عليه.

أو أصاب سهمه صيدا فوقع فى الماء فمات فيه فانه لا يحل، لأنه يحتمل أنه مات بالرمى.

ويحتمل أنه مات بهذه الأسباب الموجودة بعده.

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ان وقع فى الماء فلا تأكله فلعل الماء قتله فقد بين النبى صلى الله عليه وسلم الحكم وعلل بما ذكرنا من احتمال موته بسبب آخر وهو وقوعه فى الماء والحكم المعلل بعلة يتعمم بعموم العلة.

ولو اجتمع على الصيد

(1)

معلم وغير معلم أو مسمى عليه وغير مسمى فانه لا يؤكل، لاجتماع سببى الحظر والاباحة ولم يعلم أيهما قتله.

ولو أرسل مسلم كلبه فاتبع الكلب كلب آخر غير معلم لكنه لم يرسله أحد، ولم يذكره بعد انبعاثه أو سبع من السباع أو ذو مخلب من الطير مما يجوز أن يعلم فيصاد به فرد الصيد عليه ونهشه أو فعل ما يكون معونة للكلب المرسل فأخذه الكلب المرسل وقتله فانه لا يؤكل - لأن رد الكلب ونهشه مشاركة فى الصيد فأشبه مشاركة المعلم والمسمى عليه غير المسمى عليه.

ومن الشروط أيضا أن يلحق المرسل أو الرامى الصيد أو من يقوم مقامه قبل التوارى عن عينه أو قبل انقطاع الكلب منه اذا لم يدرك ذبحه.

فان توارى عن عينه وقعد عن

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 59 الطبعة السابقة.

ص: 257

طلبه ثم وجده لم يؤكل.

فأما اذا لم يتوار عنه أو توارى لكنه

لم يقعد عن الطلب حتى وجده فانه يؤكل استحسانا.

والقياس أنه لا يؤكل.

ووجه القياس أنه يحتمل أن الصيد مات من جراحة كلبه أو من سهمه، ويحتمل أنه مات بسبب آخر فلا يحل أكله بالشك.

ووجه الاستحسان ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بالروحاء على حمار وحش عقير فتبادر أصحابه اليه فقال: دعوه فسيأتى صاحبه فجاء رجل من فهر فقال: هذه رميتى يا رسول الله، وأنا فى طلبها وقد جعلتها لك، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدنا أبا بكر رضى الله تعالى عنه فقسمه بين الرفاق، ولأن الضرورة توجب ذلك لأن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه فى الصيد.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه

(1)

: أنه ان التبس المذكى بغيره فان كان كل بيد شخص وجزم كل واحد بذكاة ما بيده أكلاهما.

وجاء فى الفروق للقرافى

(2)

: ان من التبست عليه المذكاة بالميتة حرمتا فجاء الجزم بالتحريم لوجود سببه الذى هو الشك.

وجاء فى الحطاب

(3)

: أنه قال فى آخر كتاب الصيد من المدونة: من رمى صيدا فى الجو فسقط أو رماه فى الجبل فتردى منه فأدركه ميتا لم يؤكل، اذ لعله من السقطة مات الا ان يكون أنفذ مقاتله بالرمية.

قال ابن ناجى وجه قولها أنه لا يؤكل اذا لم تنفذ مقاتله، لأنه حينئذ من باب الشك فى المقتضى بخلاف اذا أنفذت المقاتل، لأنه تحقق المقتضى وشك فى المانع.

فان قيل: يحتمل أن يكون هذا الانفاذ بالسقوط على السهم.

أجيب بسبقية الرمية والآخر مشكوك فيه فوجب الاستناد الى المحقق.

وقال أبو الحسن

(4)

: لو أرسل الصائد كلبه المعلم ونوى واحدا غير معين فأخذ الكلب واحدا أكله فان أخذ اثنين أكل الأول، ولا يأكل الثانى.

فان التبس عليه الحال وشك فى الأول منهما لم يأكل منهما شيئا.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 402 الطبعة السابقة.

(2)

الفروق للقرافى وبهامشة تهذيب الفروق ج 1 ص 226 الطبعة السابقة.

(3)

مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 3 ص 217 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 216 الطبعة السابقة.

ص: 258

وجاء فى الشرح الصغير للدردير

(1)

:

انه لا يحل أكل الصيد ان تردد فى المبيح لأكله بأن شاركه أى الجارح المبيح غيره فى قتله ككلب كافر أرسله به الكافر على الصيد فشارك كلب المسلم فى قتله فلم يعلم والتبس عليه الحال هل الذى قتله كلب المسلم أو الكافر.

وكذا لو رمى المسلم سهمه ورمى الكافر سهمه فأصاباه ومات من ذلك فلا يؤكل للتردد فى المبيح.

أو شارك فى قتله كلب غير معلم كلب المسلم المعلم فلا يؤكل للشك فى المبيح.

وكذا لو رماه المسلم المميز فسقط فى ماء ومات والتبس عليه الحال، فلا يؤكل، للشك فى المبيح هل مات من السهم، فيؤكل، أو من الماء، فلا يؤكل.

أو رماه بسهم مسموم لاحتمال موته من السم الغير المبيح، لا من السهم المبيح، أو بات الصيد عن الصائد، فوجده بالغد ميتا، لم يؤكل، لاحتمال موته بشئ آخر كالهوام.

ثم قال والمبيت ليس بقيد، بل المراد أنه خفى عليه مدة من الليل فيها طول بحيث يلتبس الحال، ولا يدرى هل مات من الجارح أو بشئ من الهوام التى تظهر فى الليل.

ومفهوم المبيت أنه لو رماه نهارا أو غاب عليه ثم وجده ميتا فانه يؤكل حيث لم يتراخ فى اتباعه ولو غاب عليه يوما كاملا.

والفرق بين الليل والنهار أن الليل تكثر فيه الهوام دون النهار فاذا غاب ليلا احتمل مشاركة الهوام.

وجاء فى الحطاب

(2)

: أن القرطبى قال: فان وجد الصائد مع كلبه كلبا آخر فهو محمول على أنه غير مرسل من صائد آخر، وانه انما انبعث فى طلب الصيد بنفسه.

ولا يختلف فى هذا، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: فان خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل.

وفى رواية: فانما سميت على كلبك ولم تسم على غيره.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(3)

: أنه لو أخبر فاسق أو كتابى أنه ذكى هذه الشاة قبلناه، لأنه من أهل الذكاة.

(1)

بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للقطب الشهير سيدى أحمد الدردير ج 1 ص 295 طبع مطبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1223 هـ.

(2)

مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 3، ص 218 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 8 ص 107 الطبعة السابقة.

ص: 259

ولو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر أذبحها مسلم أو مجوسى.

فان كان فى البلد مجوس لم تحل ما لم يغلب من تحل ذبيحته.

ولو شك فى كون

(1)

المخالط لحمامه مملوكا لغيره، أو مباحا جاز له التصرف فيه، لأن الأصل الاباحة.

ولو ادعى انسان تحول حمامه الى برج غيره لم يصدق.

والورع تصديقه ما لم يعلم كذبه.

فان اختلط وعسر التمييز لم يصح ببع أحدهما وهبته شيئا منه لثالث، لأنه لا يتحقق الملك فيه.

ويجوز لصاحبه فى الأصح، للضرورة الداعية لذلك، وقد تدعو الى المسامحة ببعض الشروط.

ولهذا صححوا القراض والجعالة مع ما فيها من الجهالة، وكالبيع غيره من سائر التصرفات.

والثانى المنع للجهالة.

وينبغى تخصيص الخلاف بما اذا جهلا العدد والقيمة، فان علماها اتحه القطع بالصحة، كما قاله ابن الملقن والزركشى.

فان باعاهما أى الحمامتين المختلطتين الثالث، ولا يدرى أحدهما عين ماله، والعدد معلوم، والقيمة سواء، صح، لصحة التوزيع على أعدادهما، ويغتفر الجهالة فى البيع، للضرورة.

فان كان لواحد مائة وللآخر مائتان فالثمن بينهما أثلاث.

والا بأن كان العدد مجهولا، والقيمة متفاوتة، فلا يصح، لانه لم يعرف كل واحد ما يستحقه من الثمن.

والطريق أن يقول كل منهما بعتك الحمام الذى فى هذا البرج بكذا فيكون الثمن معلوما ويحتمل الجهل فى المبيع للضرورة.

ولو اختلطت حمامة مملوكة بحمامات برجه فله الأكل بالاجتهاد الا واحدة كما لو اختلطت ثمرة غيره بثمرته أو حمام مملوك محصور أو غيره بحمام بلد مباح غير محصور، أو انصب ماؤه فى نهر لم يحرم على أحد اصطياد واستقاء من ذلك فان كان المباح محصورا حرم.

ولو اختلطت دراهم أو دهن أو نحوهما حرام بدراهمه أو دهنه فميز قدر الحرام وصرفه لما يجب صرفه له وتصرف فى الباقى جاز للضرورة، ولا يخفى الورع.

وقد قال بعضهم ينبغى للمتقى اجتناب طير البرج وبنائهما.

(1)

المرجع السابق للرملى ج 8 ص 121.

122 الطبعة السابقة.

ص: 260

وجاء فى المجموع

(1)

أنه قال: لو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر من ذبحها فان كان فى بلد فيه من لا يحل ذكاته كالمجوس لم تحل سواء تمحضوا او كانوا مختلطين بالمسلمين للشك فى الذكاة المبيحة، والاصل التحريم.

وان لم يكن فيهم احد منهم حلت فان غلب المسلمون تحل والله اعلم.

ثم قال

(2)

: ولو وقع بعيران فى بئر احدهما فوق الاخر فطعن الأعلى فمات الاسفل بثقله حرم الاسفل، فلو تعدت الطعنة فأصابته ايضا حلا جميعا.

فان شك هل مات بالطعنة النافذة أم بالثقل، وقد علم أن الطعنة اصابته قبل مفارقة الروح، حل.

وأن شك هل اصابته قبل مفارقة الروح أم بعدها، قال البغوى فى الفتاوى يحتمل وجهين، بناء على القولين فى العبد المنقطع خبره هل يجزئ فى الكفارة والاعتبار فى الترتيب.

وجاء فى المهذب

(3)

انه أن وجد مع كلبه كلبا آخر لا يعرف حاله، ولا يعلم القاتل منهما، لم يحل.

لما روى عدى بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت ارسلت كلبى ووجدت مع كلبى كلبا آخر لا ادرى أيهما أخذه فقال: لا تأكل، فانما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره، ولان الاصل فيه الحظر، فاذا اشكل بقى على اصله.

وان رمى طائرا فوقع على الارض فمات أو على حائط أو جبل فتردى منه ومات لم يحل.

لما روى عدى بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله عليه فان وجدته ميتا فكل، الا أن تجده قد وقع فى الماء فمات فانك لا تدرى الماء قتله أو سهمك.

ثم قال

(4)

: وان رأى صيدا فظنه حجرا او حيوانا غير الصيد فرماه فقتله حل اكله، لانه قتله بفعل قصده، وانما جهل حقيقته والجهل بذلك لا يؤثر، كما

(1)

من المجموع شرح المهذب للامام العلامة الحافظ أبى زكريا يحيى الدين بن شرف النووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام أبى القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعى ويليه التلخيص الحبير للامام الحافظ أبى الفضل أحمد بن حجر العسقلانى ج 9 ص 80 طبع مطبعة التضامن الأخوى بمصر ادارة الطباعة المنيرية لصاحبها محمد منير عبده أغا الدمشقى.

(2)

المرجع السابق للنووى ج 9 ص 125 الطبعة السابقة.

(3)

من كتاب المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزبادى الشيرازى مع النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال الركبى ج 1 ص 253، ص 254 الطبعة مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(4)

المرجع السابق للفيروزبادى الشيرازى ج 1 ص 255، الطبعة السابقة.

ص: 261

لو قطع شيئا فظنه غير الحيوان فكان حلق شاة.

وأن أرسل على ذلك كلبا فقتله ففيه وجهان.

احدهما: يحل اذا رماه بسهم.

والثانى: لا يحل، لانه ارسله على غير صيد، فأشبه ما اذا ارسله على غير شئ.

وفى نهاية المحتاج

(1)

: أنه لو حال بينه وبين الصيد سبع فلم يصل اليه حتى مات بالجرح حل.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: انه لو اشتبه مباح ومحرم حرما تغليبا، لجانب الحظر.

وكذا لو اشتبه مالا تعرفه العرب ولا ذكر فى الشرع مباحا ومحرما، فانه يحرم.

ولو اشتبهت

(3)

ميتة بمذكاة ولم يجد غيرهما تحرى المضطر فيهما، وأكل مما يغلب على ظنه انها المذكاة للحاجة، وحرمتا على غيره ممن ليس بمضطر، كما لو اشتبهت اخته بأجنبيات.

ومحل

(4)

الذكاة الحلق واللبة.

فان ذبحها من قفاها ولو عمدا فأتت السكين على موضع ذبحها وفيها حياة مستقرة أكلت، ويعلم ذلك بوجود الحركة

فان ذبحها من قفاها وشك هل حياته مستقرة قبل قطع الحلقوم والمرئ أو لا، نظر.

فان كان الغالب بقاء ذلك لحدة الالة وسرعة القطع، أبيح.

وان كانت كالة وابطأ قطعه وطال تعذيبه لم يبح.

وجاء فى الكافى

(5)

: أن ذكاة الجنين المأكول تحصل بتذكية أمه اشعر اولا.

واستحب الامام احمد ذبحه، وعنه لا بأس به، وأن خرج بحياة مستقرة حل بذبحه، كذا نقله عنه الجماعة.

وقد جاء فى المحرر انه بمنزلة المنخنقة ونحوها.

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 8 ص 109 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 4 ص 113، ص 114 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 310 الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منتهى الارادات ج 4 ص 117 الطباعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 من 313 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لابن ادريس الحنبلى ج 4 ص 122 الطبعة السابقة والاقناع لأبى النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 4 ص 318 الطبعة السابقة.

(5)

كتاب الفروع فى فقه الامام الربانى أبى عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيبانى للفقيه الشيخ أبى عبد الله بن محمد بن مفلح مع كتاب تصحيح للفروع للشيخ الفقيه علاء الدين أبو الحسن على بن سليمان المقدسى ج 3 ص 682 طبع مطبعة المنار سنة 1345 هـ الطبعة الأولى.

ص: 262

وعنه لا بد من ذبحه اذا خرج حيا.

وعنه تحل بموته قريبا.

وفى قياس الواضح لابن عقيل مثل ما قاله أبو حنيفة: انه لا يحل بتذكية امه اذا اشتبه امره، لان الاصل فيه الحظر.

ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الصيد: اذا وقع فى الماء بعد عقره، لا تأكله، فانك لا تدرى الماء قتله أو سهمك.

وكذا اذا خالط كلبه كلب آخر.

فهذا تنبيه منه صلى الله عليه وسلم على عدم الحل ولا يؤثر فى ذكاة امه تحريمه لتحريم أبيه.

ولو وجأ بطن أمه فأصاب مذبحه تذكى بذلك، والام ميتة، ذكره فى الانتصار عن اصحابنا.

وقال فى الكافى

(1)

وغيره: اذا اجتمع فى الصيد مبيح ومحرم مثل أن يقتله بمثقل ومحدد، أو بسهم مسموم، أو بسهم مسلم ومجوسى، أو بسهم فيه مسمى عليه، او كلب مسلم ومجوسى، او غير مسمى عليه، او غير معلم، أو اشتركا فى ارسال الجارحة عليه، أو وجد مع كلبه كلبا آخر لا يعرف مرسله، أو لا يعرف حاله، أو وجد مع سمهه سهما كذلك، لم يبح ذلك.

واحتج فى ذلك بالخبر بقوله صلى الله عليه وسلم، وان وجدت معه غيره فلا تأكل، الحديث.

وبأن الاصل فيه الحظر بخلاف الاطعمة، فاذا شككنا هنا فى المبيح رد الى أصله.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(2)

: ان من رمى صيدا فأصابه وغاب عنه يوما، أو أكثر، أو أقل، ثم وجده ميتا.

فان ميز سهمه انه أصاب مقتله حل له أكله.

والا فلا يحل له.

وكذلك لو رماه فأصابه، ثم تردى من جبل، او فى ماء.

فان ميز سمهه وأيقن انه اصاب مقتله حل له أكله.

والا فلا.

ومن

(3)

وجد مع جارحه جارحا آخر، أو سبعا لم يدر ايهما قتل الصيد، فهو

(1)

المرجع السابق لابن مفلح ج 3 ص 689، ص 690 الطبعة السابقة والمغنى لابن قدامة المقدسى ج 11 ص 14، ص 15، ص 16، ص 17، ص 18 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 463 مسألة رقم 1072 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 477 مسألة رقم 1094 الطبعة السابقة.

ص: 263

ميتة، لا يحل اكله، الا أن تدرك ذكاته، فيذكى، فيحل.

لما روينا من طريق أحمد بن شعيب .. عن عدى بن حاتم عن النبى صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث، وفيه فان خالط كلبك كلابا فقتلن فلم يأكلن، فلا تأكل منه شيئا، فانك لا تدرى ايهما قتل.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(1)

: انه اذا اختلط الصيد المملوك بالمباح لم يحرم الصيد كرضيعة التبست بنساء غير محصورات.

فان التبس بمحصور حرم المحصور الا على المالك.

فان التبس مملوك غير محصور بمباح غير محصور فوجهان.

يحل أذ فى الامتناع صعوبة.

ولا يحل لاستوائهما فى عدم الحصر.

وجاء فى التاج المذهب

(2)

: أن الاصل فيما التبس من صيد البحر، هل قذف حيا، أو ميتا، أو جرز عنه الماء أو نضب الحياة.

فلو قذف الماء الصيد فوجده ميتا، ولم يعلم هل قذفه الماء حيا، أم ميتا فانه يرجع الى الأصل وهو الحياة فيحل أكله كشاة مذبوحة شككنا هل ذبحت حية أو ميتة.

وان علم

(3)

، أو ظن أو التبس ان موته من الرمية حل وان علم أو ظن أن موته من التردى حرم.

وان لم يحصل شئ من ذلك، فان تردى على ما يقتل كالماء والنار والحجر غير الحاد أو مرتين، حرم، والا حل.

وانما يحل صيد المسلم بارسال الكلب والرمى بالسهم، حيث لم يشاركه كافر فيهما.

فان شاركه فى ذلك حرم.

والاصل فى الملتبس مع الظن هل مات بسهم الكافر او بسهم المسلم، او التبس هل مات بالحد او بالمثقل، او التبس هل قتله كلب المسلم أو كلب الكافر الحظر.

ويغلب على جانب الاباحة.

ولو أن رجلين رميا صيدا فأصاباه وحب أن يقال هو لمن اثر سهمه فيه أو نحوه من آلات الصيد فيصير مستحقا له.

فان اثرا معا أو التبس أيهما المؤثر، أو اثرا فيه بالانضمام فبينهما.

واذا استحقه ثم رماه غيره فالرامى المتأخر جان، يلزمه الارش للرامى الأول.

(1)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 302 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ، سنة 1948 م الطبعة الأولى.

(2)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الائمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد ابن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 454 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.

(3)

المرجع السابق لابن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 457، ص 458 الطبعة السابقة.

ص: 264

فان كانت جناية الثانى فى غير موضع الذكاة بما لا يذكى به كبندق الطين ونحوها، وجب الارش، أو القيمة ان كانت قاتلة.

وان كانت فى موضع الذكاة، كما لو ذبح فيجب الارش فقط، وهو ما بين قيمة الحيوان غير مذكى ومذكى.

ويخير ان نقل بين قيمته وتركه، وبين اخذه.

ولا شئ على الثانى فى الاثم حيث خرجت قبل اصابة الاول ووقعت فى

لا فى الضمان فلا فرق فيضمن حيث خرجت قبل اصابة الاول ووقعت فى الصيد بعد اصابة الاول.

وجاء فى البحر

(1)

الزخار: أن من ذبح فى ظلمة ولم يعلم حياة المذبوح قبل الذبح حرم، وذلك حيث هى مربضة، أو مسبوعة، أو نحو ذلك، لتعارض الحظر والاباحة، والا، فالاصل الحياة.

وجاء فى هامش الازهار

(2)

: ان من وجد حيوانا مذكى فى دار الاسلام، ولم تعلم تذكيته، حل، ما لم تكن فيه اثر جراحة تدل على أنه مات منها.

وجاء فى البحر الزخار

(3)

إن التحرى مشروع عند لبس الطاهر بالنجس، لوجوب العمل بالظن، عند تعذر اليقين، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «فأتوا منه ما استطعتم» لا كلبس ميتة بمذكاة.

قلنا تركهما احوط.

وجاء فى التاج المذهب

(4)

: واذا شككنا فى شاه مذبوحة هل ذبحت حية أو ميتة فانه يرجع الى الاصل، وهو الحياة فيحل أكله.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مفتاح الكرامة

(5)

: انه لو اشتبه استناد موت الصيد الى الجرح او الماء احتمل العمل بالاصلين، فيحرم الصيد، ويكون الماء طاهرا، كما فى جامع المقاصد، والذخيرة، والدلائل.

واليه ذهب السيد صدر الدين فى شرح الوافية.

وقواه فى التحرير بعد اختيار التنجيس

وقال فى المنتهى ان الشيخ اختاره فى بعض كتبه.

(1)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لابن يحيى المرتضى ج 4 ص 310 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 84 وهامشه الطبعة السابقة.

(3)

كتاب البحر الزخار لابن يحيى المرتضى ج 1 ص 39 الطبعة السابقة.

(4)

التاج المذهب لأحكام المذهب ج 3 ص 454 الطبعة السابقة.

(5)

كتاب مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة السيد محمد الجواد بن محمد بن الحسينى العاملى المجاور بالنجف الأشرف النووى ج 1 ص 133 طبع مطبعة القاهرة المعزية بالمطبعة الرخوية سنة 1324 هـ بمصر.

ص: 265

ثم قال: وليس بجيد. لان العمل بالاصلين مشروط بعدم لزوم التنافى، والتنافى هنا حاصل.

وفى الدلائل أن غير معلوم التذكية هل هو نجس أو غير نجس، وانما منع الشارع من استعماله والانتفاع.

والاقوى الثانى، فترجع المسألة الى مسألة الشك فى نجاسة الواقع.

والوجه المنع من العمل بهما، فيحكم بنجاسة الماء، كما فى المنتهى، والتحرير والايضاح، والذكرى، والبيان، وعليه ثانى الشهيدين والشارح.

وفى المعتبر بعد أن تردد فى تنجس الماء كما تردد فى نهاية الاحكام قال: والاحوط التنجيس.

وفى جامع المقاصد بعد أن جعل العمل بالاصلين اقوى جعل هذا احوط.

وجاء فى شرائع

(1)

الاسلام: انه لو نصب شبكة فمات بعض ما حصل فيها واشتبه الحى بالميت.

قيل: حل الجميع، حتى يعلم الميت بعينه.

وقيل: يحرم الجميع، تغليبا للحرمة.

والاول حسن.

وجاء فى شرائع الاسلام: انه اذا تيقن بقاء الحياة بعد الذبح، فهو حلال وان تيقن الموت قبله فهو حرام.

وان اشتبه الحال ولم يعلم حركة المذبوح، ولا خروج الدم المعتدل، فالوجه تغليب الحرمة.

ثم قال

(2)

ولو أرسل المسلم والوثنى آلتهما فقتلاه، لم يحل، سواء اتفقت آلتهما، مثل أن يرسلا كلبين، أو سهمين، أو اختلفا، كأن يرسل احدهما كلبا، والاخر سهما، سواء اتفقت الاصابة فى وقت واحد، أو وقتين، اذا كان اثر كل واحدة من الآلتين قاتلا.

ولو أثخنه المسلم فلم تعد حياته مستقرة ثم اجهز عليه الاخر حل، لان القاتل المسلم.

ولو انعكس الفرض، لم يحل.

ولو اشتبه الحالان، حرم تغليبا للحرمة

ولو كان مع المسلم كلبان، ارسل احدهما واسترسل الاخر، فقتلا، لم يحل.

ولو رمى سهما فأوصلته الريح الى الصيد، فقتله، حل وان كان لولا الريح لم يصل.

وكذا لو أصاب السهم الارض، ثم وثب فقتل.

والاعتبار فى حل الصيد بالمرسل، لا بالمعلم.

(1)

شرائع الاسلام فى الفقه الامامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 139، ص 140 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للمحقق الحلى ج 2 ص 136 الطبعة السابقة.

ص: 266

فان كان المرسل مسلما فقتل حل، ولو كان المعلم مجوسيا أو وثنيا.

ولو كان المرسل غير مسلم لم يحل، ولو كان المعلم مسلما.

ولو أرسل كلبه على صيد، وسمى فقتل غيره حل.

وكذا لو ارسله على صيود كبار فتفرقت عن صغار فقتلها حلت اذا كانت ممتنعة.

وكذا الحكم فى الآلة.

اما لو ارسله ولم يشاهد صيدا فاتفق اصابة الصيد لم يحل ولو سمى، سواء كانت الالة كلبا أو سلاحا، لانه لم يقصد الصيد، فجرى مجرى استرسال الكلب.

والذى يحل بقتل الكلب له أو الآلة فى غير موضع الذكاة هو كل ما كان ممتنعا وحشيا كان أو انسيا.

وكذلك كل ما يصول من البهائم، أو يتردى فى بئر وشبهها، ويتعذر ذبحه، أو نحره، فانه يكفى عقرها فى استباحتها، ولا يختص العقر حينئذ بموضع من جسدها.

ولو رمى فرخا لم ينهض فقتل لم يحل.

وكذا لو رمى طائرا أو فرخا لم ينهض فقتلهما حل الطائر دون الفرخ.

ولو تقاطعت الكلاب الصيد قبل ادراكه لم يحرم.

ولو رمى صيدا فتردى من جبل او وقع فى الماء فمات لم يحل، لاحتمال أن يكون موته من السقطة.

نعم لو صير حياته غير مستقرة حل، لانه يجرى مجرى المذبوح.

ولو قطعت الآلة منه شيئا كان ما قطعته ميتة، ويذكى ما بقى أن كانت حياته مستقرة.

ولو قطعته نصفين فلم يتحركا فهما حلال.

فلو تحرك احدهما فالحلال هو دون الاخر.

وقيل: يؤكلان أن لم يكن فى المتحرك حياة مستقرة، وهو اشبه.

وفى رواية يؤكل ما فيه الرأس.

وفى أخرى يؤكل الاكبر دون الاصغر.

وكلاهما شاذ.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أنه أن ذبح رجل طائرا فطار، فتبعه، فوجد ميتا.

جاز أكله ما لم يحل عنه الليل بأن خفى عليه مدة من الليل، بحيث يلتبس عليه الحال، ولا يدرى هل مات من الجارح، او بشئ من الهوام التى تظهر فى الليل.

وان غابت ذبيحته أو ذابح قبل موتها جاز أكلها، ما لم يعلم انه حدث فيها ما يحرمها.

وقيل: لا يجوز.

وقيل لا: تؤكل أن واراها ليل.

وان وجد بها اثر يموت مثلها به أن كان حيا لم تؤكل.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 533 الطبعة السابقة.

ص: 267

وان كان لا يموت فشبهة.

ثم قال

(1)

: واذا شك فى المحلل والمحرم فان تعادلا، استصحب السابق، وان كان احدهما أقوى لصدوره عن دلالة معتبرة فى العين فالحكم له.

فلو رمى صيدا فجرحه فوقع فى ماء، او اناء او على سطح، أو على جبل فسقط منه، او على شجرة فضره غصنها، او ارسل كلبا وشاركه فيه كلب آخر، وشك فى قاتله منهما حرم، لان الاصل فى هذه المسائل التحريم، أى لانه شاهد قاتلا محرما وهو الماء او نحوه، فلا يزول الاصل بالشك فى المبيح.

فلو جرح طير الماء وهو على الماء ومات، أو جرحه وهو خارج الماء فوقع فيه حل.

واذا كان الاصل التحريم ثم طرأ عليه ما يقتضى الحل بظن غالب، فان اعتبر سبب الظن شرعا حل والغى النظر لذلك الاصل، والا فلا.

فلو أرسل كلبا على صيد ثم غاب عنه بعد جرحه حل، أن كان الجرح قاتلا، سواء كان فيه أثر غيره أم لا.

وكذا ان كان الجارح غير قاتل ولم يكن فيه أثر غيره.

بخلاف ما لو غاب عنه قبل جرحه ثم وجده مجروحا ميتا فانه يحرم، وأن نضح الكلب بدمه.

ولو وجدت شاة مذبوحة ولم يدر من ذبحها فان كان اهل البلد مسلمين فقط، أو كانوا اغلب، حلت.

وان كان المجوس اكثر، او استويا حرمت، لان الاصل التحريم حينئذ، ولم يعارضه أقوى منه.

وهذا مبنى على أن ذبيحة المجوسى لا تحل

والصحيح الحل أن كانوا يعطون الجزية

ثم قال

(2)

وان ذبح متدين بالتسمية على انها شرط لحل اكل الذبيحة، ثم شك واشكل عليه الامر، هل ذكرها ام لا، أكلت.

وان تعمد عدم الذكر لم تؤكل.

وقيل تؤكل.

وقيل اساء، وتؤكل.

وكذا الخلاف أن ذبح على الشك فى الذكر.

ثم قال

(3)

: ومن أرسل جارحه أو نحو سهم على صيد واحد، فصادف اثنين، أو ثلاثة فصاعدا جاز أكلهما أو أكلها، الا أن عين الوحش بالذكر كما سمى على المرسل وان اشتبه عليه تركهما.

وكذا أن سمى على صيد فصادف آخر لم يؤكل، الا ان كان قد سمى ايضا على المرسل.

قال فى الاثر: أن وجدت مع كلبك او سهمك آخر فلا تأكل.

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 10 ص 72، ص 73 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 544 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 563، ص 564 الطبعة السابقة.

ص: 268

‌حكم الاشتباه فى الزكاة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق

(1)

: أنه لو شك شخص فيما اذا كان قد أدى جميع ما عليه من الزكاة أم لا بان كان يؤدى متفرقا ولا يضبطه فانه يلزمه الاعادة، حيث لم يغنب على ظنه دفع قدر معين، لأنه ثابت فى ذمته بيقين فلا يخرج عن العهدة بالشك.

وجاء فى الأشباه والنظائر لابن نجيم

(2)

: مى ن كان له ابل وبقر وغنم سائمة وشك فى أن عليه زكاة كلها أو بعضها ينبغى أن تلزمه زكاة الكل.

وجاء فى الفتاوى الهندية

(3)

: أن المزكى اذا دفع الزكاة وهو شاك فى أن من دفعت اليه مضرف من مصارف الزكاة ولم يتحر أو تحرى ولم يظهر له أنه مصرف فهو على الفساد الا اذا تبين أنه مصرف هكذا فى التبيين.

ثم قال

(4)

: وان اشتبه على المزكى حال المدفوع اليه، ثم تحرى، ووقع فى أكبر رأيه أنه فقير، أو أخبره المدفوع اليه أو عدل آخر أنه فقير، أو رآه فى زى الفقراء، أو رآه جالسا فى صف الفقراء أو رآه يسأل الناس، ووقع فى قلبه أنه فقير.

ففى هذه الوجوه كلها ان علم أنه فقير، أو كان أكبر رأيه أنه فقير، أو لم يعلم بشئ، أو كان أكبر رأيه أنه غنى، أو علم انه غنى جاز فى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.

وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى:

الجواب كذلك الا فى فصل واحد، وهو ما اذا علم أنه غنى فانه فى هذه الصورة لا يجزئه عن زكاة ماله عنده ..

‌مذهب المالكية:

جاء فى الفروق للقرافى

(5)

: أن من شك هل اخرج الزكاة ام لا فانه يجب عليه اخراج الزكاة وينوى التقرب بها وهو كثير فى الشريعة.

وجاء فى الشرح الكبير

(6)

: ان من التبس عليه الحال فيمن هو مستحق للزكاة او غير مستحق وجب عليه التحرى والاجتهاد.

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 2 ص 228، ص 229 الطبعة السابقة.

(2)

الاشباه والنظائر لابن نجيم ج 2 ص 92 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية ج 1 ص 190 الطبعة السابقة وبدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 50 الطبعة السابقة.

(4)

الفتاوى الهندية ج 5 ص 383 الطبعة السابقة.

(5)

الفروق للقرافى وبهامشه تهذيب الفروق ج 1 ص 225 الطبعة السابقة.

(6)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 1، 501 ص 502 الطبعة السابقة.

ص: 269

فاذا دفعت الزكاة باجتهاد لغير مستحق فى الواقع كغنى وذى رق وكافر مع ظنه انه مستحق وتعذر ردها منه لم تجزه.

فان امكن ردها أخذها او اخذ عوضها منه فان فاتت بغير سماوى أو به وغره لا ان لم يغره الا الامام يدفعها باجتهاد فتبين انه اخذها غير مستحق فتجزئ لان اجتهاده حكم لا يتعقب وظاهره لو أمكن ردها.

قال الدسوقى: وفيه نظر، لان فى كلام ابن عرفة والتوضيح وغيرهما ما يفيد انها تنزع من يد من دفع له الحاكم أذا كان غير مستحق، وهو ظاهر أذ كيف تكون الزكاة بيد الاغنياء ولا تنزع من ايديهم.

ويدل لذلك ما فى المواق عن اللخمى وهو ظاهر كلام خليل لان موضوع كلامه التعذر.

وجاء فى التاج والاكليل

(1)

: ان الزكاة لا تجزئ ان دفعت لغير مستحق.

قال اللخمى ان اعطى الزكاة لغنى او لعبد او لنصرانى وهو عالم لم تجز.

وان لم يعلم او التبس عليه الحال وكانت قائمة بايديهم، انتزعت منهم، وصرفت لمن يستحقها، فان اكلوها غرموها على المستحسن من القول، لانهم صانوا بها اموالهم.

واذا زكى شخص مال يتيمه ثم انكشف أنه اعطاه غنيا وهو يظنه فقيرا لم يكن عليه أكثر مما صنع، لان الذى تعبد به انما هو الاجتهاد فى ذلك.

الا ترى ان من اهل العلم من يقول أنه اذا أعطى زكاته لغنى، وهو لا يعلم اجزأته زكاته.

ولا خلاف فى انه يجب أن تسترد من عنده اذا علم به وقدر عليه.

وان دفعها لشخص يظنه غنيا ثم تبين انه فقير فانها تجزئه الا انه لا ثواب له لأنه آثم.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى اعانة

(2)

الطالبين انه لو شك فى نية الزكاة بعد دفعها هل يضر او لا؟ والذى يظهر الثانى.

ولا يشكل بالصلاة، لانها عبادة بدنية بخلاف هذه، وايضا هذه توسع فى نيتها، لجواز تقديمها وتفويضها الى غير المزكى ونحو ذلك فليتأمل.

(1)

التاج والاكليل على هامش الحطاب فى كتاب ج 2 ص 359 الطبعة السابقة.

(2)

اعانة الطالبين للسيد أبو بكر المشهور بالسيد البكرى ابن العارف بالله محمد شطا الدمياطى على حل ألفاظ فتح المعين للعلامة زين الدين المليبارى مع تقريرات شريفة للسيد البكرى ج 2 ص 180، ص 181 طبع دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1350 هـ بمصر.

ص: 270

ثم قال: ولو كان عليه زكاة وشك فى اخراجها فأخرج شيئا، ونوى ان كان على شئ من الزكاة فهذا عنه، والا فتطوع.

فان بان عليه زكاة اجزأه عنها، والا وقع له تطوعا، كما افتى به شيخنا.

والذى ارتضاه فى التحفة فى نظير هذه المسألة خلافه، وهو أنه ان لم يبن له شئ وقع عما فى ذمته، وان بان لا يقع كوضوء الاحتياط، ونصها: ولو ادى عن مال مورثه بفرض موته وارثه له ووجوب الزكاة فيه، فبان كذلك، لم يجزئه، للتردد فى النية، مع أن الاصل عدم الوجوب عند الاخراج.

وأخذ منه بعضهم ان من شك فى زكاة فى ذمته فاخرج عنها ان كانت والا فمعجل عن زكاة تجارته مثلا لم يجزئه عما فى ذمته بان له الحال أولا ولا عن تجارته لتردده فى النية، وله الاسترداد ان علم القابض الحال، والا فلا،.

وقضية ما مر فى وضوء الاحتياط ان من شك ان فى ذمته زكاة فاخرجها أجزأته ان لم يبن الحال عما فى ذمته للضرورة.

وبه يرد قول ذلك البعض بان الحال اولا.

وجاء فى المهذب

(1)

: ان دفع الامام الزكاة الى من ظاهره الفقر، ثم بان انه غنى لم يجزه ذلك عن الفرض.

فان كان باقيا استرجع منه ودفع الى فقير.

وان كان فائتا اخذ البدل وصرف الى فقير.

فان لم يكن للمدفوع اليه مال لم يجب على رب المال ضمانه، لانه قد سقط الفرض عنه بالدفع الى الامام، ولا يجب على الامام، لانه أمين غير مفرط فهو كالمال الذى يتلف فى يد الوكيل.

وان دفع الزكاة الى رجل ظنه مسلما وكان كافرا، أو الى رجل ظنه حرا فكان عبدا، فالمذهب أن حكمه حكم ما لو دفع الى رجل ظنه فقيرا فكان غنيا.

ومن اصحابنا من قال: يجب الضمان ها هنا قولا واحدا، لان حال الكافر والعبد لا يخفى فكان مفرطا فى الدفع اليهما وحال الغنى قد يخفى فلم يكن مفرطا.

وفى البحر

(2)

لو شك هل مات القابض قبل الحول أو بعده أجزأ فى أقرب الوجهين.

وقيل: أن القابض اذا مات وهو

(1)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 175 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للعلامة الخطيب الشربينى ج 1 ص 404، ص 405 الطبعة السابقة.

ص: 271

معسر فى أثناء الحول أنه يلزم المالك دفع الزكاة ثانيا الى المستحقين وهو كذلك.

وقال فى المجموع هو الذى يقتضيه كلام الجمهور.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

: أنه لو كان للمزكى مال غائب فشك فى سلامته جاز له اخراج الزكاة عنه وكانت نية الاخراج صحيحة.

لان الأصل بقاؤه.

فان نوى أن كان مالى سالما فهذه زكاته، وان كان تالفا فهى تطوع فبان سالما أجزأت نيته، لانه اخلص النية للغرض ثم رتب عليها النفل وهذا حكمها كما لو لم يقله فاذا قاله لم يضر.

ولو قال: هذا زكاة مالى الغائب أو الحاضر صح، لان التعيين ليس بشرط، بدليل أن من له أربعون دينارا اذا أخرج نصف دينار عنها صح، وان كان ذلك يقع عن عشرين غير معينة.

وان قال: هذا زكاة مالى الغائب أو تطوع لم يجزئه، ذكره أبو بكر، لانه لم يخلص النية للفرض أشبه ما لو قال: أصلى فرضا أو تطوعا.

وان قال: هذا زكاة مالى الغائب ان كان سالما، والا فهو زكاة مالى الحاضر أجزأه عن السالم منهما، وان كانا سالمين فعن أحدهما، لان التعيين ليس بشرط.

وان قال: زكاة مالى الغائب وأطلق فبان تالفا لم يكن له أن يصرفه الى زكاة غيره، لانه عينه فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة عينها فلم يقع عنها، لم يكن له صرفه الى كفارة أخرى.

هذا التفريع فيما اذا كانت الغيبة مما لا تمنع اخراج زكاته فى بلد رب المال اما لقربه أو لكون البلد لا يوجد فيه أهل السهمان، أو على الرواية التى تقول باخراجها فى بلد بعيد من بلد المال.

وان كان له مورث غائب فقال: ان كان مورثى قد مات فهذه زكاة ماله الذى ورثته منه فبان ميتا، لم يجزئه ما أخرج لانه يبنى على غير أصل، فهو كما لو قال وان ليلة الشك ان كان غد من رمضان فهو فرض وان لم يكن فهو نفل.

وجاء فى كشاف القناع

(2)

: أنه لا زكاة فى مغشوش الذهب والفضة حتى يبلغ قدر ما فيه من الخالص ذهبا كان أو فضة نصابا.

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 506 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الارادات لابن منصور بن ادريس البهوتى ج 1 ص 462 الطبعة السابقة.

ص: 272

نقل حنبل فى دراهم مغشوشة فلو خلصت نقصت الثلث أو الربع لا زكاة فيها، لان هذه ليست بمائتين هما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاذا تمت ففيها الزكاة.

فان شك هل ما فى المغشوش من ذهب أو فضة نصاب خالص، خير بين سبكه واخراج قدر زكاة نقده ان بلغ نقده نصابا، وبين أن يحتاط للأمر ويخرج زكاته بيقين.

ومتى ادعى رب المال أنه علم الغش، أو أنه احتاط وأخرج الفرض قبل منه بلا يمين وان وجبت الزكاة فى المغشوش لتيقن بلوغ خالصه نصابا.

ولو شك فى زيادة المغشوش على نصاب احتاط ليبرأ بيقين.

فان كان له ألف ذهب وفضة مختلطة ستمائة من أحدهما وأربعمائة من الآخر.

واشتبه عليه من أيهما الستمائة وتعذر المتميز زكى على اعتبار أن ماله ستمائة ذهبا وأربعمائة فضة لانه يبرأ بذلك بيقين.

وجاء فى المغنى

(1)

: أنه اذا أعطى من يظنه فقيرا فبان غنيا فعن أحمد فيه روايتان.

احداهما: يجزئه اختارها أبو بكر.

وهذا قول الحسن وأبى عبيدة: لان النبى صلى الله عليه وسلم «أعطى الرجلين الجلدين» وقال ان شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب.

وقال للرجل الذى سأله الصدقة «ان كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك» ولو اعتبر حقيقة الغنى لما اكتفى بقولهم.

وروى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال رجل لأتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها فى يد غنى فأصبحوا يتحدثون تصدق على غنى فأتى فقيل له: أما صدقتك فقد قبلت لعل الغنى أن يعتبر فينفق مما أعطاه الله» متفق عليه.

والرواية الثانية لا يجزئه لانه دفع الواجب الى غير مستحقه فلم يخرج من عهدته كما لو دفعها الى كافر أو ذى قرابة كديون الآدميين وهذا قول الثورى والحسن بن صالح.

وجاء فى كشاف القناع

(2)

: لا يجوز دفع الزكاة الا لمن يعلم أنه من أهلها أو يظنه من أهلها، لانه لا يبرأ بالدفع الى من ليس من أهلها فاحتاج الى العلم به لتحصل البراءة، والظن يقوم مقام العلم، لتعذر أو عسر الوصول اليه.

فلو لم يظنه من أهلها فدفعها اليه، ثم بان من أهلها لم يجزئه الدفع.

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 528 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 499، ص 500 الطبعة السابقة.

ص: 273

فان دفع الزكاة الى من لا يستحقها لكفر أو شرف، كأن يكون هاشميا، أو لكونه عبدا غير مكاتب ولا عامل أو لكونه قريبا من عمودى النسب. أى نسب المزكى أو تلزمه مؤنته، لكونه يرثه بفرض أو تعصيب، وهو لا يعلم عدم استحقاقه، ثم علم ذلك، لم يجزئه، لانه ليس بمستحق، ولا يخفى حاله غالبا، فلم يعذر بجهالته، كدين الآدمى.

ويستردها ربها بزيادتها مطلقا، أى سواء كانت متصلة كالسمن أو منفصلة، كالولد، لانه نماء ملكه.

وان تلفت الزكاة فى يد القابض لها مع عدم أهليته لما سبق ضمنها، لعدم ملكه لها بهذا القبض، وهو قبض باطل، لا يجوز له قبضه لعدم أهليته.

وان كان الدافع للزكاة الى من لا يستحقها هو الامام أو الساعى ضمن، لتفريطه، الا اذا بان المدفوع اليه غنيا، فلا ضمان على الامام، ولا على نائبه، لان ذلك يخفى غالبا بخلاف الكفر ونحوه.

والكفارة كالزكاة، فلا يجوز دفعها الا لمن يعلمه أو يظنه من أهلها.

وان دفعها الى من لا يستحقها لم تجزئه الا الغنى اذا ظنه فقيرا.

ولو دفع صدقة التطوع الى غنى وهو لا يعلم غناه لم يرجع.

وجاء فى المغنى

(1)

: أنه انما فرق فى الحكم بين ما اذا دفعت الزكاة الى من بان غنيا وبين ما اذا دفعت الزكاة الى من لا يستحقها لكفر أو شرف أو نحو ذلك، لان الفقر والغنى مما يعسر الاطلاع عليه والمعرفة بحقيقته. قال الله تعالى:

«يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ»

(2)

فاكتفى بظهور الفقر ودعواه بخلاف غيره.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار وهامشه

(3)

: أن الحول يعتبر للزيادة الحاصلة فى المال حول جنسها، نحو أن يستفيد غنما الى غنمه أو بقرا أو ابلا أو ذهبا أو فضة.

فكل ما حصل له من جنس قد كان معه نصاب كان حول الزيادة حول ذلك النصاب وان لم يمض عليه يعنى على المال الذى هو الزيادة الا يوم أو ساعة.

فلو التبس متى استفاد هل قبل تمام الحول أو بعده فلا زكاة لان الأصل براءة الذمة.

ثم قال

(4)

: واذا كان لرجل مال غائب

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 528 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 273 من سورة البقرة.

(3)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 455 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 461، ص 462 الطبعة السابقة.

ص: 274

فأخرج قدر الزكاة بنية كونه زكاة ان كان المال سالما، وان كان غير سالم فهو تطوع، أجزأ ذلك عن الزكاة، ان كان المال باقيا، وان لم يكن باقيا فهو تطوع.

قال المهدى: ولا بد فى الشرط الذى يقيد به أن يكون حاليا - وذلك بأن يقول ان كان المال باقيا - لا مستقبلا.

فلو قال: صرفت: اليك هذا عن زكاتى ان جاء زيد، أو ان دخلت دارى، لم يصح قوله، فلا يسقط بها المتيقن.

وذلك نحو أن يشك هل عليه دين لفقير فأعطاه مالا عن الدين ان كان، والا فعن الزكاة والزكاة متيقن لزومها، فهذه النية تصح.

لكن ان انكشف لزوم الدين أخرج عن الزكاة مالا آخر.

وان انكشف عدمه فقد أجزأه عن الزكاة.

وان التبس عليه أمر الدين هل ثم شئ أم لا، ولم ينكشف، لم يسقط عنه المتيقن، وهو الزكاة فيلزمه أن يخرج عن الزكاة مالا آخر بنية مشروطة.

ولا يلزم أن يردها الفقير الى المخرج مع الاشكال فى أمر الدين.

قال على بن يحيى: لان الفقير قد ملكه بيقين أما عن الدين ان كان والا فعن الزكاة.

وهكذا الحكم فى العكس، وهو أن يكون المشكوك فيه هو الزكاة، والمتيقن هو الدين.

فاذا أعطى الفقير مالا عن الزكاة ان كانت والا فعن الدين، فان انكشف الحال عمل بحسبه، وان التبس وجب على المالك أن يسلم دين الفقير لانه متيقن لزومه.

واذا أخذ الفقير أو المسكين

(1)

شيئا من الزكاة فانه لا يجوز لهما أن يستكملا نصابا من جنس واحد فى دفعة واحدة ولا فى دفعات، فيجب عليهما الاقتصار على ما دون النصاب من الجنس، نص عليه الامام يحيى.

وان لم يقتصرا بل أخذا نصابا حرم النصاب كله، حيث أخذه دفعة واحدة أو بعضه، وذلك حيث أخذ الدفعات، فانه يحرم بعضه، وهو الذى يكون موفيه نصابا فصاعدا.

فلو التبس عليه اللدفعة الأخيرة فقبل الخلط يعمل بظنه فى تعيينها، وبعد الخلط هى مثلية يرد قدرها من جملة المخلوط للصارف ان كان معلوما، وان كان ملتبسا فبين محصورين قسم قدر الدفعة.

ويلزم كل واحد أن يعيد قدر الدفعة الأخيرة ان كان كل واحد منهم صرف

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث. المدرار وهامشه ج 1 ص 510، ص 511 الطبعة السابقة.

ص: 275

فيه قدرها، وبغير محصورين صرف قدرها فى مصرف المظالم.

فان التبس عليه قدر الدفعة الأخيرة بعد خلطها عمل فى قدرها بالظن كما مر.

وان كانت قيمته فقبل الخلط يرد للصارف ان كان معلوما، وان كان ملتبسا فكما مر.

وبعد الخلط على وجه لا يتميز يملكها بذلك وضمن قيمتها للصارف.

فان التبس بمحصورين قسمت القيمة بينهم وبغير محصورين فكالمظلمة.

وقيل يحرم الكل كما لو التبست الخامسة.

ثم قال

(1)

: هذا والاصناف التى تدفع اليهم الزكاة يقبل قولهم فى دعواهم الفقر لاخذ الزكاة، فلا يحتاجون الى اقامة بينة على على أنهم فقراء ما لم يحصل ظن الغنى فيهم فان كانت فيهم قرينة الغنى طولبوا بالبينة.

وقال أبو جعفر: أنه لا بد من البيان عند اللبس.

ثم قال

(2)

: ولا تحل الزكاة للغنى والفاسق ولا يجوز صرفها اليهما الا فى حالين.

وهما: حيث يكون الغنى أو الفاسق عاملا على الزكاة، أو مؤلفا، فانه يجوز صرف الزكاة اليهما لهذين الوجهين، لا سواهما عندنا.

وقال المؤيد بالله: انه يجوز صرف الزكاة للفاسق، ويكره اذا كان فسقه بأمر غير مضارة المسلمين من قطع سبيل ونحوه، فان كان فسقه لذلك لم يجز عند الجميع، لعموم قول الله تعالى:«إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 3» .

أما اذا التبس الفسق والايمان، فانه يجب الرجوع الى ظاهر الاسلام، ولا يجب البحث الا أن يكون قد بدت عليه قرائن الفسق، فينبغى البحث.

فأما اذا كان ظاهره الفسق وأظهر التوبة عند اعطائه ولم يكن قد أظهرها من قبل فيحتمل أن يقال ان المعطى يعمل بظنه على حسب ما يظهر له من القرائن.

فان التبس فالأولى المنع رجوعا الى الأصل.

ثم قال

(4)

: واذا أقر رب المال بوجوب الزكاة لكن ادعى أنه قد فرقها قبل

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار وهامشه ج 1 ص 519 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار وهامشه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 520 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 60 من سورة التوبة.

(4)

شرح الأزهار وهامشه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 530 الطبعة السابقة.

ص: 276

مطالبة الامام فى مستحقها ولم يتحقق المصدق ذلك فانه يبين مدعى التفريق.

(أى يقيم البينة)، لان الأصل عدم الاخراج، ويبين أيضا أنه وقع التفريق قبل الطلب من الامام.

فان التبس هل التفريق قبل الطلب أو بعده.

قيل: أعاد الاخراج، لان الأصل عدم التفريق حتى وقع الطلب.

ويحتمل صحة الاخراج عند الهادوية، لان الاصل عدم الطلب حتى وقع الاخراج.

وكان مقتضى القياس عدم الاجزاء، لانه لا يسقط المتيقن بالظن أو الشك.

ثم قال

(1)

: ولا يجوز للزارع أن يعتد بخمس اذا أخرجه زكاة وظنه الفرض الذى فرضه الله تعالى فى المال، بل يلزمه اخراج العشر، ولا يحتسب بذلك الخمس، وليس له ارتجاعه حيث دفعه الى الفقير فان كان الى المصدق جاز الارتجاع، فان لم يظنه الفرض، بل التبس عليه فنواه عن الفريضة أجزأه لصحة النية المجملة عند الهادوية.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مستمسك العروة الوثقى

(2)

: أنه اذا علم بتعلق الزكاة بماله وشك فى أنه أخرجها أم لا وجب عليه الاخراج، للاستصحاب، الا اذا كان الشك بالنسبة الى السنين الماضية فان الظاهر جريان قاعدة الشك بعد الوقت أو بعد تجاوز المحل.

هذا ولو شك فى أنه أخرج الزكاة عن مال الصبى فى مورد يستحب اخراجها كمال التجارة له بعد العلم بتعلقها به، فالظاهر جواز العمل بالاستصحاب، لانه دليل شرعى والمفروض أن المناط فيه شكه ويقينه، لانه المكلف لا شك الصبى ويقينه وبعبارة أخرى ليس نائبا عنه.

واذا باع الزرع أو الثمر وشك فى أوان البيع بعد زمان تعلق الوجوب حتى تكون الزكاة عليه أو قبله حتى يكون على المشترى ليس عليه شئ، الا اذا كان زمان التعلق معلوما، وزمان البيع مجهولا، فان الأحوط حينئذ الاخراج على أشكال فى وجوبه.

وكذا الحال بالنسبة الى المشترى اذا شك فى ذلك، فانه لا يجب عليه شئ الا اذا علم زمان البيع، وشك فى تقدم

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 543 الطبعة السابقة.

(2)

مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 9 ص 313، ص 314، ص 315 طبع مطبعة النجف الطبعة الثانية سنة 1381 هـ.

ص: 277

التعلق وتأخره، فان الاحوط حينئذ اخراجه على اشكال فى وجوبه.

واذا مات المالك بعد تعلق الزكاة وجب الاخراج من تركته.

وان مات قبله وجب على من بلغ سهمه النصاب من الورثة.

واذا لم يعلم أن الموت كان قبل التعلق أو بعده لم يجب الاخراج من تركته ولا على الورثة اذا لم يبلغ نصيب واحد منهم النصاب الا مع العلم بزمان التعلق والشك فى زمان الموت فان الاحوط حينئذ الاخراج.

وأما اذا بلغ نصيب كل منهم النصاب أو نصيب بعضهم فيجب على من بلغ نصيبه منهم للعلم الاجمالى بالتعلق به اما بتكليف الميت فى حياته أو بتكليفه هو بعد موت مورثه، بشرط أن يكون بالغا عاقلا، والا فلا يجب عليه، لعدم العلم الاجمالى بالتعلق حينئذ.

واذا علم أن مورثه كان مكلفا باخراج الزكاة، وشك فى أنه أداها أم لا.

ففى وجوب اخراجه من تركته، لاستصحاب بقاء تكليفه، أو عدم وجوبه للشك فى ثبوت التكليف بالنسبة الى الوارث، واستصحاب بقاء تكليف الميت لا ينفع فى تكليف الوارث وجهان.

أوجههما الثانى، لان تكليف الوارث بالاخراج فرع تكليف الميت حتى يتعلق الحق بتركته وثبوته فرع شك الميت واجرائه لاستصحاب لا شك الوارث وحال الميت غير معلوم أنه متيقن بأحد الطرفين أو شاك.

وفرق بين ما نحن فيه وما اذا علم نجاسة يد شخص أو ثوبه سابقا وهو نائم وشك فى أنه طهرهما أم لا، حيث ان مقتضى الاستصحاب بقاء النجاسة، مع أن حال النائم غير معلوم أنه شاك أو متيقن.

اذ فى هذا المثال لا حاجة الى اثبات التكليف بالاجتناب بالنسبة الى ذلك الشخص النائم، بل يقال ان يده كانت نجسة، والأصل بقاء نجاستها، فيجب الاجتناب عنها.

بخلاف المقام حيث أن وجوب الاخراج من التركة فرع ثبوت تكليف الميت واشتغال ذمته بالنسبة اليه من حيث هو.

نعم لو كان المال الذى تعلق به الزكاة موجودا أمكن أن يقال: الأصل بقاء الزكاة فيه.

ففرق بين صورة الشك فى تعلق الزكاة بذمته وعدمه والشك فى أن هذا المال الذى كان فيه الزكاة أخرجت زكاته أم لا.

وهذا كله اذا كان الشك فى مورد لو كان حيا وكان شاكا وجب عليه الاخراج.

ص: 278

وأما اذا كان الشك بالنسبة الى الاشتغال بزكاة السنة السابقة أو نحوها مما يجرى فيه قاعدة التجاوز والمضى وحمل فعله على الصحة فلا اشكال.

وكذا الحال اذا علم اشتغاله بدين أو كفارة أو نذر أو خمس أو نحو ذلك.

ثم قال

(1)

: واذا شك فى اشتغال ذمته بالزكاة فأعطى شيئا للفقير، ونوى أنه ان كان عليه الزكاة كان زكاة، والا فان كان عليه مظالم كان منها، والا فان كان على أبيه زكاة كان زكاة له، والا فمظالم له، وان لم يكن على أبيه شئ فلجده ان كان عليه، وهكذا فالظاهر الصحة.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: أن من أمره رجلان بأن يدفع زكاتهما لفلان، فبين له كل واحد من الرجلين ما يدفعه، فتشاكل عليه ما لكل منهما، سواء أشكل عليه عينه أو عدده - ان تخالف العدد - ولا يخلصهما الا ان أذنا له.

فقيل يرد ما أعطاه لهما، لانه انما يدفع على نية ما قالا، وقد نسيها، فلم يجز له أن يدفع على غير علم، والا فقد خالف ما عزما له فتبطل امارته، وأيضا قد يظهر زيف فيه، وأيضا قد يرجع الى حساب ما وصله من فلان دينا أو هدية فلا يهتدى الى الجزاء، وقضاء الكمية.

وقيل يدفعه له كما فى الديوان.

وعليه فاذا أراد الدفع نوى أنه يدفع على حد ما ذكرا له أولا الله يعلم ما لكل منهما.

وكذا ان كان ما أعطاه أحدهما زكاة أو انتصالا (أى خروجا من شئ لزمه شرعا) أو غيرهما والآخر غير ذلك.

وكذا ان أمره واحد أن يدفع عنه هذا فى الزكاة، وهذا فى التنصل، أو هذا فى الكفارة، وهذا فى الاحتياط، أو غير ذلك فتشاكل عليه ما لكل نوع ففيه الخلاف

وعلى جواز الدفع يقول خذ هذا عن فلان بعضه كذا، وبعضه كذا.

وان أمره رجل أن يدفع هذا لفلان، وهذا لفلان فتشاكل عليه ما يدفع لكل درهما لصاحبها.

وان أمره رجلان كل منهما أمره أن يدفع ما أمره به لرجل سماه فتشاكل عليه ما لكل منهما أو اختلط عليه أو تشاكل من يدفع له ما أمر به فليرده.

وكذا ان نسى أيدفعه زكاة أو غير ذلك.

ومن أرسل زكاته أو غيرها لمعين أو

(1)

وستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 9 ص 321 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 158، ص 159 الطبعة السابقة.

ص: 279

غيره مع أمين أو غيره لزمه أن يسأل رسوله ويتحرى هل وصلت أم لا ليتيقن ببراءة ذمته.

فان قال له غير الامين قد وصلت وصدقه أجزأه.

فعلى هذا ان لم يجد رسوله احتاط.

وقيل لا يلزمه السؤال والتحرى مع الأمين.

ثم قال

(1)

: ومن شك هل أخرج الزكاة لزمه اخراجها وقيل ان اعتاد الاعطاء فى وقت فخرج ذلك الوقت وشك هل أعطى فلا يشتغل بالشك.

وجاء فى شرح النيل

(2)

: ومن رأى عناء غلته (أى تكاليفها) بعد ادراكها يعنى ما يلزمه عليها فى الزكاة وكان ذلك أكثر من قيمتها أو مثلها أو دونها لكنه استقل الفائدة فيها أو استرابها، مثل أن يستريب البذر، بأن يكون متهما بحرام أو بربا أو الأرض بذلك أو الماء بعد ما دخل غافلا عن ذلك لم يذكر له أو لم ينتبه له وأما ان دخل على الريبة فكالحرام فلا تلزمه زكاتها ان تركها أو لم يتركها الا على قول من قال ان الحرام تلزمه زكاته من بيده ويجب عليه تركها حينئذ كما يجب ترك ما تيقن أنه حرام.

وقيل ان الربية العارضة والمدخول عليها من أول مرة سواء لا تلحق احداهما بالحرام.

وهذا صريح فى أن من بيده حرام لا تلزمه زكاته.

وان لم يعلم أنه حرام فقيل يؤاخذه الله عليها ان لم يؤدها.

وقيل لا.

أو خاف تباعة دينية أو دنيوية.

فالدينية أن يخاف اختلاطها بمال اليتيم أو غيره وأن يكون شريكه فيخاف أن لا يفى بحقه، وان يخاف من خطر الزكاة.

والدنيوية أن يخاف من جائر أن يضره ان لم يتركها ونحو ذلك تلزمه بها فتركها مدركة أو غير مدركة هل يلزمه عشره أو نصفه، ولا يعط مما استراب، بل يعطى عنه من غير ما استراب، لانه لا يتقرب الى الله بريبة ولا يتصرف فيها أو لا يلزمه قولان.

والصحيح لزوم الزكاة عليه، لوجوبها قيل عليه الا فى الريبة فالصحيح أن لا زكاة عليه فيها.

وظاهر الديوان اختيار الثانى.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 174 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 27، ص 28 الطبعة السابقة.

ص: 280

‌الاشتباه

فى النّكاح

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق

(1)

: أنه لو تزوج الرجل اختين فى عقدين ولم يدر الاول منهما فرق بينه وبينهما، لان نكاح احداهما باطل بيقين.

ولا وجه الى التعيين، لعدم الاولوية.

ولا الى التنفيذ مع التجهيل لعدم الفائدة أو للضرر.

فتعين التفريق.

وطولب بالفرق بين هذا وبين ما اذا طلق احدى نسائه بعينها ونسيها حيث يؤمر بالتعيين ولا يفارق الكل.

وأجيب بامكانه هناك لا هنا، لأن نكاحهن كان متيقن الثبوت، فله أن يدعى نكاح من شاء بعينه منهن تمسكا بما كان متيقنا، ولم يثبت هنا نكاح واحدة منهما، فدعواه حينئذ تمسك بما لم يتحقق ثبوته.

ومعنى فرق بينه وبينهما، أنه يفترض عليه مفارقتهما.

ولو علم القاضى بذلك وجب عليه أن يفرق بينهما دفعا للمعصية بقدر الامكان كما فى المحيط.

ولم يذكر فى المختصر أن هذا التفريق طلاق أو فسخ.

وفى فتح القدير: والظاهر أنه طلاق حتى ينقص من طلاق كل منهما طلقة لو تزوجها بعد ذلك.

فان وقع قبل الدخول فله أن يتزوج أيتهما شاء للحال.

ولو وقع بعد الدخول فليس له التزوج بواحدة منهما حتى تنقضى عدتهما.

وان انقضت عدة احداهما دون الأخرى فله تزوج التى لم تنقض عدتها دون الأخرى، كيلا يصير جامعا.

وان وقع بعده باحداهما فله أن يتزوجها فى الحال دون الأخرى، فان عدتها تمنع من تزوج أختها.

وقيد بكونهما فى عقدين، اذ لو كانا فى عقد واحد بطلا يقينا.

وقيده فى المحيط بأن لا تكون احداهما مشغولة بنكاح الغير أو عدته.

فان كانت كذلك صح نكاح الفارغة لعدم تحقق الجمع بينهما.

كما لو تزوجت امرأة زوجين فى عقد واحد وأحدهما متزوج بأربع نسوة فانها تكون زوجة للآخر، لانه لم يتحقق الجمع بين رجلين اذا كانت هى لا تحل لاحدهما.

واذا كانا فى عقد واحد فرق بينه وبينهما أيضا.

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 3 ص 128 الطبعة السابقة.

ص: 281

فان كان قبل الدخول فلا مهر لهما ولا عدة عليهما.

وان دخل بهما وجب لكل الأقل من المسمى ومن مهر المثل، كما هو حكم النكاح الفاسد، وعليهما العدة.

وقيده بعدم علم العقد الأول، اذ لو علم فهو الصحيح، والثانى باطل.

وفى تزوج أختين فى عقدين ولم يدر الأول والتفريق بينه وبينهما لهما نصف المهر، لانه وجب للأولى منهما وانعدمت الأولوية للجهل بالأولية فيصرف اليهما.

قال صاحب البحر وهو مقيد بأربعة قيود كما قالوا.

الأول: أن يكون المهر مسمى فى العقد فلو لم يكن مسمى وجبت متعة واحدة لهما بدل نصف المهر.

الثانى: أن يكون مهراهما متساويين اذ لو كانا مختلفين يقضى لكل واحدة منهما بربع مهرها.

الثالث: أن يكون بالفرقة قبل الدخول اذ لو كانت الفرقة بعد الدخول يجب لكل واحدة المهر كاملا لانه استقر بالدخول فلا يسقط منه شئ.

الرابع: ان تدعى كل واحدة منهما أنها الأولى ولا بينة لهما، أما اذا قالتا لا ندرى أن النكاحين أول لا يقضى لهما بشئ لان المقضى له مجهول وهو يمنع صحة القضاء.

ثم قال

(1)

: واذا اجتمع فى الصغير والصغيرة وليان فى الدرجة على السواء فزوج كل واحد من الوليين رجلا على حدة ولا يدرى السابق من اللاحق فلا يجوز، لانه لو جاز جاز بالتحرى والتحرى فى الفروج حرام.

وجاء فى حاشية الشلبى

(2)

: قال الاتقانى والشبهة على نوعين:

شبهة اشتباه وهو أن يشتبه عليه الحال بأن يظن أنها تحل له وهذه الشبهة تسمى شبهة فى الفعل.

والنوع الثانى شبهة فى المحل: وهى أن تكون الشبهة ناشئة فى المحل بأن يكون فى المحل شبهة الملك أى ملك الرقبة أو ملك البضع، وهذه الشبهة تسمى شبهة حكمية باعتبار أن المحل أعطى له حكم الملك فى اسقاط الحد وأن لم يكن الملك ثابتا حقيقة.

ثم كل واحد من الشبهتين يسقط بها الحد لاطلاق الحديث الا أن فى كل موضع تثبت فيه شبهة الاشتباه اذا قال علمت انها على حرام وجب الحد لارتفاع الشبهة بارتفاع الاشتباه، وفى شبهة المحل لا يجب الحد وان قال علمت أنها على حرام لقيام الشبهة بقيام المحل.

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 3 ص 128 الطبعة السابقة.

(2)

الزيلعى ج 1 ص 175 الطبعة السابقة.

ص: 282

وقال الكمال: وأصحابنا قسموا الشبهة قسمين شبهة فى الفعل، وتسمى شبهة اشتباه، وشبهة مشابهة أى شبهة فى حق من اشتبه عليه دون من لم يشتبه عليه، وشبهة فى المحل وتسمى شبهة حكمية وشبهة ملك أى الثابت شبهة حكم الشرع بحل المحل.

ثم قال الكمال عند قوله فى الهداية:

ثم الشبهة عند أبى حنيفة تثبت بالعقد، وان كان العقد متفقا على تحريمه وهو عالم به، وعند الباقين لا تثبت هذه الشبهة اذا علم بتحريمه ويظهر أثر ذلك فى نكاح المحارم فصارت الشبهة على قول أبى حنيفة ثلاثة: شبهة فى الفعل، وشبهة فى المحل، وشبهة فى العقد وكذا قسمها فى المحيط.

وذكر الزيلعى أن

(1)

: الشبهة ثلاثة أنواع: شبهة فى الفعل، وشبهة فى المحل، وشبهة فى العقد.

فالاول يسمى شبهة اشتباه، وهو أن يظن غير الدليل دليلا فيتحقق فى حق من اشتبه عليه فقط، لان المحل خال عن الملك والحق، ويكون الوط ء زنا حقيقة، غير أنه يسقط الحد لمعنى راجع اليه وهو الظن، ولهذا لو جاءت بولد لا يثبت نسبه وان ادعاه.

والنوعان الآخران الشبهة فى كل واحد منهما حكمية فيثبت النسب مطلقا، لان الشبهة فيه لدليل قائم به يقتضى الحل.

ولا يجب الحد بشبهة المحل وان علم حرمته كوط ء أمة ولده وولد ولده ومعتدة الكنايات، وذلك لاجل شبهة وجدت فى المحل وان علم حرمته، لان الشبهة اذا كانت فى الموطوءة يثبت فيها الملك من وجه فلم يبق معه اسم الزنا فامتنع الحد على التقارير كلها.

وهذا لان الدليل المثبت للحل قائم وان تخلف عن اثباته حقيقة لمانع فأورث شبهة فلهذا سمى هذا النوع شبهة فى المحل لانها نشأت عن دليل موجب للحل فى المحل.

وبيانه أن قوله عليه الصلاة والسلام أنت ومالك لابيك يقتضى الملك لان اللام فيه للملك، وكذا أمة ولد الولد.

والمعتدة التى طلقها بالكنايات فيها اختلاف الصحابة.

فمذهب عمر رضى الله عنه أنها رجعية فأورثت شبهة وان كان المختار قول على رضى الله عنه ولهذه المسائل أخوات.

منها الجارية المبيعة فى حق البائع قبل التسليم، لانها فى ضمانه ويده وتعود الى ملكه بالهلاك قبل التسليم وكان مسلطا على الوط ء بالملك واليد وقد بقيت اليد فتبقى الشبهة.

(1)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للامام عثمان بن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشلبى ج 3 ص 175 طبع المطبعة الكبرى الأميرية طبعة اولى سنة 1314 هـ.

ص: 283

ومنها الجارية المشتركة بينه وبين غيره لان ملكه فى البعض ثابت حقيقة فتكون الشبهة فيها أظهر.

ويسقط الحد لاجل الشبهة فى الفعل أن ظن أن وطأها حلال له كمعتدة الثلاث وأمة أبويه وزوجته وسيده، ويسمى هذا النوع من الشبهة شبهة فى الفعل، لان الملك والحق غير ثابت فى هؤلاء، لان حرمة المطلقة ثلاثا مقطوع بها، فلم يبق له فيها ملك ولا حق، غير أنه بقى فيها بعض الأحكام كالنفقة والسكنى والمنع من الخروج وثبوت النسب وحرمة أختها وأربع سواها وعدم قبول شهادة كل واحد منهما لصاحبه فحصل الاشتباه لذلك فأورث شبهة أن ظن حله لانه فى موضع الاشتباه فيعذر.

ولا فرق فى ذلك بين أن يوقع الثلاث جملة أو متفرقا، ولا اعتبار بخلاف من أنكر وقوع الجملة لكونه مخالفا للقطعى.

وكذا الاملاك متباينة بينه وبين أبويه وكذا بينه وبين زوجته فلا ملك له ولا حق فى مالهم وكذا العبد فى مال مولاه غير أن البسوطة تجرى بينهم فى الانتفاع بالأموال والرضا بذلك عادة وهى تجوز الانتفاع بماله شرعا فاذا ظن الوط ء من هذا القبيل حلالا يعذر لان وط ء الجوارى من قبيل الاستخدام فيشتبه عليه الحال والاشتباه فى محله معذور فيه، ولهذه المسائل أيضا أخوات.

منها المطلقة على مال لان حرمتها ثابتة بالاجماع فصارت كالمطلقة ثلاثا.

ومنها أم الولد اذا أعتقها مولاها لثبوت حرمتها بالاجماع وتثبت الشبهة عند الاشتباه لبقاء أثر الفراش وهى العدة.

ومنها الجارية المرهونة فى حق المرتهن فى رواية كتاب الحدود وهو المختار، لان الاستيفاء من عينها لا يتصور، وانما يتصور من معناها، فلم يكن الوط ء حاصلا فى محل الاستيفاء، وهذا لان الرهن لا يفيد ملك العين حقيقة، ولهذا لو مات العبد المرهون يكون كفنه على الراهن والوط ء يصادف العين ولئن أفاد ملك العين لا يتصور أن يفيد ملك المتعة بحال، لأنه يصير مستوفيا لها بعد الهلاك، وفى ذلك الوقت لا يتصور ملك المتعة فيها فصارت كالجارية المستأجرة للخدمة وكجارية الميت فى حق الغريم بخلاف المشتراه بشرط الخيار للبائع لأن الملك فيها يثبت حقيقة فى حال قيامها عند نفوذ البيع وذلك سبب لملك المتعة.

فان قيل: فعلى هذا وجب أن يجب الحد على المرتهن مطلقا اشتبه عليه أو لم يشتبه كما فى الجارية المستأجرة للخدمة وكجارية الميت فى حق الغريم.

قلنا: الاستيفاء سبب لملك المال فى الجملة وملك المال سبب لملك المتعة فى الجملة فحصل الاشتباه بخلاف المستأجرة وجارية الميت، لأن الاجارة لا تفيد المتعة بحال والغريم لا يملك عين التركة وانما يستوفى حقه من الثمن، ولو ملك

ص: 284

العين أو تعلق حقه بها لما جاز بيعها الا باذنه كالرهن.

ثم كما يسقط الحد عنهما بدعوى الفحل يسقط عنهما بدعوى الجارية.

وعن أبى حنيفة رحمه الله أنه لا يسقط عنه، لانها تبع فسقوطه عن التبع لا يوجب السقوط عن الأصل، كالبالغ اذا زنى بصبية.

والظاهر الأول لأن سقوط الحد عن الجارية باعتبار الشبهة فيتعدى اليه، لأن الفعل واحد بخلاف الصبية لان عدم الوجوب عليها باعتبار عدم الأهلية فلا يمكن تعديته اليها فاقتصر عليها.

ثم قال فى الزيلعى: والنسب يثبت فى شبهة المحل ولا يثبت فى شبهة الفعل وأن ادعاه، لأن النسب يعتمد قيام الملك أو الحق فى المحل، لأنه لا يثبت بدون الفراش والفراش أو شبهته توجد بأحدهما، وفى شبهة المحل يوجد أحدهما، فلم يتمحض زنا، ولم يتحقق فى شبهة الفعل فتمحض زنا.

وانما سقط الحد لمعنى راجع اليه وهو اشتباه الأمر عليه، والمحل خال عن الملك وعن الحق ولهذا يجب عليه الحد اذا لم يدع الاشتباه.

ويحد بوط ء أمة أخيه وعمه وان ظن حله وامرأة وجدت فى فراشه يعنى وان ظن أنها تحل له، لأنه لا بسوطة فى مال هؤلاء عادة، فلم يستند ظنه الى دليل، فلم يعتبر.

وكذا فى سائر المحارم سوى الولاء.

بخلاف السرقة منهم حيث لا تقطع بها يده، لأن حد السرقة يجب بهتك الحرز، ولم يوجد الحرز فى حقه، لأن المحارم يدخل بعضهم على بعض بغير استئذان ولا حشمة لوجود الأذن بالدخول عادة فيدرأ به الحد.

وأما هنا يجب الحد بالزنا وقد وجد ويدرأ بالحل أو بشبهته ولم يوجد.

ويحد بوط ء امرأة أجنبية وجدت فى فراشه، وان قال ظننت أنها امرأتى، لأنه بعد طول الصحبة لا تشتبه عليه امرأته، وقد ينام فى فراشها غيرها من المحارم والمعارف والجيران، فلم يستند الظن الى دليل فلا يعتبر.

وكذا اذا كان أعمى، لأن امرأته لا تخفى عليه بعد طول الصحبة يعرفها بالحس والنفس والرائحة والصوت فلا يعذر بترك التفحص عنها الا اذا دعاها فأجابته أجنبية فقالت أنا امرأتك فوطئها، فانه لا حد عليه، لأن ظنه استند الى دليل شرعى، وهو الاخبار.

وكذا لو قالت أنا فلانة باسم

ص: 285

امرأته فواقعها لا يحد لما قلنا ولو جاءت بولد يثبت نسبه منه.

وان أجابته ولم تقل أنا امرأتك ولا أنا فلانة يحد، لعدم ما يوجب السقوط ولو أكرهها يجب عليه الحد دونها ولا يجب عليه المهر عندنا خلافا للشافعى وهو نظير الاختلاف فى ضمان المسروق مع القطع.

ولا يجب الحد بوط ء أجنبية زفت اليه، وقيل له: هى زوجتك فيما اذا تزوج امرأة ولم يدخل بها بعد، لأنه اعتمد دليلا شرعيا فى موضع الاشتباه وهو الاخبار فيطلق له العمل اذ المرء لا يميز بين زوجته وغيرها فى أول الوهلة، ولا دليل يقف عليه سوى هذا ولهذا قلنا يثبت نسبه وان كانت شبهة اشتباه لعدم الملك وشبهته، لأن الشارع جعل الأخبار بالملك، كالتحقق دفعا لضرر الغرور عنه فى الأمة التى اشتراها، ثم استحقت بعد ما وطئها واستولدها.

ولا يحد قاذفه لأنه وط ء حرام فى غير الملك فيسقط به احصانه.

وعن أبى يوسف رحمه الله انه لا يسقط احصانه، لأن هذا الوط ء حلال له ظاهرا والحكم يبنى على الظاهر.

قلنا: ليس له فيها ملك ولا شبهته فكان زنا حقيقة فيبطل به احصانه، واستناده الى دليل شرعى لا يمنع من ذلك كمن وطئ جارية ابنه فانه يسقط احصانه بذلك علقت أو لم تعلق ادعاه أو لم يدع، وعليه مهر.

لأن عليا رضى الله عنه قضى بذلك ولأن الوط ء فى دار الاسلام لا يخلو عن الحد أو المهر وقد سقط الحد عنه فتعين المهر وهو مهر المثل والشبهة فى العقد تكون فى وط ء محرم تزوجها سواء كان عالما بالحرمة أو لم يكن عالما بها.

ولا يجب عليه الحد عند أبى حنيفة رحمه الله لكن أن كان عالما يوجع بالضرب تعزيرا له.

وقال أبو يوسف ومحمد: ان كان عالما يحد فى كل امرأة محرمة عليه على التأبيد أو ذات زوج، لأن حرمتهن ثبتت بدليل قطعى، واضافة العقد اليهن كاضافته الى الذكور، لكونه صادف غير المحل فيلغو، لأن محل التصرف ما يكون محلا لحكمه، وهو الحل هنا.

وهى من المحرمات، فيكون وطؤها زنا حقيقة، لعدم الملك فيها والحق

ومن الشبهة فى العقد وط ء المتزوجة بغير شهود، أو بغير اذن المولى، أو وط ء أمة تزوجها على حرة أو تزوج خمسا فى عقدة فوطئهن أو وطئ مجوسية أو مشركة تزوجها، أو جمع بين أختين فى عقدة فوطئهما.

ص: 286

وفى جميع ذلك لا يجب الحد عند أبى حنيفة كيفما كان.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(1)

: أنه اذا عقد شخص على أم وابنتها مترتبين ولم يدخل بواحدة ولم تعلم السابقة فى العقد، فالارث بينهما، لثبوت سببه وجهل مستحقه، ولكل منهما نصف صداقها المسمى لها، لأن بالموت تكمل عليه الصداق، وكل تدعيه، والوارث يناكرها، فيقسم بينهما.

ومثل ذلك من تزوج خمسا فى عقود أو أربعة فى عقد وأفرد الخامسة، ولم تعلم الخامسة، فالارث بينهن أخماسا، ولمن مسها منهن صداقها.

فان دخل بالجميع فلهن خمسة أصدقة.

وان دخل بأربع فلكل صداقها، وللتى لم يدخل بها نصف صداقها لأنها تدعى انها ليست بخامسة والوارث يكذبها فيقسم بينهما.

وان دخل بثلاث فلكل صداقها، وللباقى صداق ونصف يكون لكل منهما ثلاثة أرباع صداقها بنسبة قسم صداق ونصف عليهما وان دخل باثنتين فللباقى صداقان ونصف.

قال الدسوقى: لان لاثنتين منهن صداقهن قطعا وصداق الثالثة ينازع فيه الوارث، لأنه يقول واحدة من اللاتى لم يدخلن خامسة فلا شئ لها، وهن يقلن الخامسة ليست واحدة منا بل من اللتين دخل بهما قلنا ثلاثة أصدقة كوامل، فيقسم ذلك الصداق الذى وقع فيه التنازع بين الوارث وبينهن فيصير صداقان ونصف، واذا قسم ذلك على ثلاثة خص كل واحدة ثلاثة أرباع صداقها وثلث ربعه.

قال خليل: وان دخل بواحدة فللباقى ثلاثة أصدقه ونصف، لكل واحدة ثلاثة أرباع صداقها، وثمن صداقها.

وان لم يدخل بواحدة فأربعة أصدقة لكل منهن أربعة أخماس صداقها.

ثم قال

(2)

: ويجب مهر المثل فى النكاح الفاسد وفى وط ء الشبهة.

وتعتبر فيه الأوصاف المذكورة فيه يوم الوط ء بخلاف النكاح الصحيح ولو تفويضا فتعتبر فيه الأوصاف المذكورة فيه يوم العقد.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 254 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 317 الطبعة السابقة.

ص: 287

ويتحد المهر فى تعدد الوط ء فى واحدة أن اتحدت الشبهة سواء كانت الشبهة بسبب اتحاد النوع.

كما لو غلط مرارا بغير عالمة بأنه أجنبى - بأن كانت نائمة أو اعتقدت أنه زوجها - حيث يظنها فى المرة الأولى زوجته هند، وفى الثانية زوجته دعد، وفى الثالثة يظنها زوجته زينب

أو كانت الشبهة بسبب اتحاد الشخص كما لو كان فى المرات الثلاث يظنها زوجته هند.

أما لو علمت الزوجة بانه أجنبى فانها تكون زانية تحد ولا شئ لها.

هذا ان اتحدت الشبهة.

فان لم تتحد الشبهة، بل تعددت - كان يطأ امرأة لا تعلم بانه أجنبى وهو يظن أنها زوجته، ثم يطأ أخرى يظن انها امته - تعدد المهر عليه بتعدد الظنون كالزنا بالحرة غير العالمة - أما لنومها أو لظنها انه زوج - فيتعدد عليه المهر بتعدد الوط ء لعذرها مع تجرئه، وسمى ذلك زنا باعتباره لا باعتبارها فانه شبهة

(1)

.

وجاء فى التاج والاكليل ان ابن عرفة قال: لا يجب على الزوج فى المغلوط بها الا مهر واحد ولو تعددت وطآته اياها، كما هو ظاهر المدونة.

ونص عبارة المدونة أنه ان تزوج اخوان أختين فادخلت زوجة كل منهما على الآخر.

قال مالك ترد كل واحدة منهما الى زوجها، ولا يطؤها الا بعد ثلاث حيض استبراء لكل منهما صداقها على من وطئها ان ظنته زوجها وان علمت أنه غيره حدت ولا صداق لها، ورجع الواطئ بالصداق على من ادخلها عليه ان غره منها.

قال ابن القاسم: وكذا من تزوج امرأة فادخلت عليه غيرها.

وقال ابن حبيب: وان لم يغره أحد لم يرجع به على أحد

(2)

.

وجاء فى حاشية الدسوقى أن الموطوءة وط ء شبهة أما أن تكون لا زوج لها واما أن تكون لها زوج.

فان كان لها زوج فتارة تكون مدخولا بها وتارة لا تكون مدخولا بها.

فان لم تكن ذات زوج فان حملت فالنفقة والسكنى على الغالط وان لم تحمل فالسكنى عليه والنفقة عليها.

وان كانت ذات زوج ولم يدخل بها فان حملت من الغالط فسكناها ونفقتها على الغالط.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 317 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل على هامش الحطاب فى كتاب ج 3 ص 517 الطبعة السابقة.

ص: 288

وان لم تحمل فالسكنى على الغالط والنفقة عليها لا على الغالط على الراجح.

واما لو بنى بها زوجها فنفقتها وسكناها على زوجها سواء حملت أم لم تحمل الا ان ينفى الزوج حملها بلعان فلا نفقة لها عليه.

ولها السكنى على الزوج ما لم يلتحق بالغالط فان لحق به فالنفقة والسكنى حينئذ على الغالط

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(2)

: لو اختلطت محرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو محرمة بسبب آخر كلعان أو تمجس بنسوة قرية كبيرة بأن كن غير محصورات نكح ان أراد منهن ولو قدر بسهولة على متيقنة الحل خلافا للسبكى رخصة منه تعالى.

وحكمة ذلك أنه لو لم بيح له ذلك ربما انسد عليه باب النكاح فانه وان سافر لبلد لا يأمن مسافرتها اليه وينكح الى أن يبقى عدد محصور كما رجحه الرويانى.

ولا يخالفه ترجيحهم فى الأوانى الأخذ الى أن يبقى واحد، اذ النكاح يحتاط له فوق غيره وما فرق به من أن ذلك يكفى قيه الظن فيباح المظنون مع القدرة على المتيقن بخلافه هنا مردود بما تقرر من حل المشكوك فيها مع وجود متيقنة الحل.

نعم لو تيقن صفة بمحرمة كسواد نكح غير ذات السواد مطلقا كما هو ظاهر واجتنبها ان انحصرن ثم ما عسر عده بمجرد النظر كألف غير محصور وما سهل عده كمائة كما صرحوا به فى باب الأمان وذكره فى الأنوار هنا محصور وبينهما أوساط تلحق بأحدهما بالظن وما شك فيه يستفتى فيه القلب قاله الغزالى.

والذى رجحه الأذرعى التحريم عند الشك، لأن من الشروط العلم بحلها.

واعترض بما لو زوج أمة مورثة ظانا حياته فبان ميتا أو تزوجت زوجة المفقود فبان ميتا فانه يصح.

ولو اختلطت زوجته بأجنبيات امتنع وط ء واحدة منهن مطلقا، لأن الوط ء انما يباح بالعقد دون الاجتهاد.

لو طرأ مؤبد تحريم بفتح الباء - على نكاح قطعه كوط ء زوجة أبيه بشبهة وكوط ء الزوج أم أو بنت زوجته بشبهة فينفسخ النكاح الحاقا للدوام بالابتداء، لأنه معنى يوجب تحريما مؤبدا فاذا طرأ قطع كالرضاع.

وبهذا يتضح أنه لا فرق بين كون

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 489 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج ج 6 ص 270 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 289

الموطوءة محرما للواطئ كبنت أخيه وغيرها خلافا لمن قيد بالثانية.

وخرج بنكاح ما لو طرأ على ملك اليمين كوط ء الأصل أمة فرعه، فانها وان حرمت به على الفرع أبدا لا ينقطع به ملكه، حيث لا احبال ولا شئ عليه بمجرد تحريمها لبقاء المالية ومجرد الحل هنا غير متقوم.

ولو عقد أب على امرأة وابنه على ابنتها وزفت كل لغير زوجها ووطئها غلطا انفسخ النكاحان، ولزم كلا لموطوءته مهر المثل، وعلى السابق منهما بالوط ء لزوجته نصف المسمى، وفيما يلزم الثانى منهما وجوه

أوجهها كما أفاده الشيخ يجب لصغيرة لا تعقل ومكرهة ونائمة، لأن الانفساخ حينئذ غير منسوب اليها.

فكان كما لو أرضعت زوجته الكبيرة الصغيرة ينفسخ نكاحها، وللصغيرة نصف المسمى على الزوج، ويرجع على السابق بنصف مهر المثل، لا بمهر المثل، ولا بما غرم، ولا يجب لعاقلة مطاوعة فى الوط ء ولو غلطا.

وان وطئا معا فعلى كل لزوجته نصف المسمى، ويرجع كل على الآخر فى أحد وجهين يظهر الله تعالى ترجيحه بنصف ما كان يرجع به لو انفرد ويهدر نصفه.

ولو أشكل الحال ولم يعلم سبق ولا معية وجب للموطوءة مهر المثل، وانفسخ النكاحان، ولا رجوع لأحدهما على الآخر ولزوجة كل نصف المسمى، ولا يسقط بالشك كما قاله ابن الصباغ.

ولو نكح امرأة وبنتها جاهلا مرتبا فالثانى باطل.

فان وطئ الثانية فقط عالما بالتحريم فنكاح الأولى بحاله أو جاهلا به بطل نكاح الأولى ولزمه لها نصف المسمى وتحرم عليه أبدا.

وللموطوءة مهر المثل وحرمت عليه أبدا ان كانت هى الأم وان كانت البنت لم تحرم أبدا الا ان كان قد وطئ الأم.

ثم قال

(1)

: ولو أسلم وتحته أم وبنتها نكحهما معا أو لا وهما كتابيتان أم غير كتابيتين - ولكن أسلمتا فان دخل بهما أو شك فى عين المدخول بها حرمتا أبدا ولو قلنا بفساد أنكحتهم - لأن وط ء كل بشبهة يحرم الأخرى، ولكل المسمى ان صح والا فمهر المثل.

وان لم يدخل بواحدة منهما أو شك هل دخل بواحدة منهما أو لا تعينت البنت واندفعت الأم لحرمتها

(1)

نهاية المحتاج ج 6 ص 297، 298 الطبعة السابقة.

ص: 290

أبدا بالعقد على البنت بناء على صحة انكحتهم.

وفى قول: يتخير بناء على فسادهما.

وان دخل بالبنت فقط تعينت البنت أيضا لحرمة الأم أبدا بالعقد على البنت أو بوطئها.

وان دخل بالأم حرمتا أبدا الأم بالعقد على البنت بناء على صحة انكحتهم وهى (أى البنت) بوط ء الأم، وللأم مهر المثل بالدخول على ما نقله الرافعى عن البغوى - وجزم به فى الروضة، وهو محمول على ما اذا كان المسمى فاسدا والا فالواجب المسمى.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: أنه أن اشتبهت أخته أو نحوها من محارمه بأجنبية أو أجنبيات لم يجز له أن يتحرى للنكاح منهن وكف عنهن احتياطا للحظر.

ان اشتبهت أخته أو نحوها فى قبيلة كبيرة وفى بلدة كبيرة فله النكاح منهن ولم يلزمه أن يتحرى ولا مدخل للتحرى فى العتق والطلاق.

فاذا طلق واحدة من نسائه أو أعتق واحدة من امائه ثم نسيها أو كانت ابتداء مبهمة أقرع بينهن.

وجاء فى قواعد ابن رجب

(2)

: أنه لو اشتبهت زوجته بأجانب فطلقها فله اخراجها بالقرعة ونكاح البواقى على قياس ما ذكره الأصحاب فيمن أسلم على أكثر من أربع فطلق الجميع ثلاثا أنه يخرج أربعا بالقرعة ثم ينكح البواقى.

ولو اشتبهت أخته بأجنبيات فقال القاضى فى خلافه لا يمتنع التميز بالقرعة كما لو زوج احدى بناته برجل واشتبهت فيهن فانها تميز بالقرعة على المنصوص.

وجاء فى كشاف القناع

(3)

: أن المهر يتعدد بتعدد الشبهة.

مثل أن تشتبه الموطوءة بزوجته، ثم يتبين له الحال، ويعرف أنها ليست زوجته، ثم تشتبه الموطوءة عليه مرة أخرى.

أو ان تشتبه عليه بزوجته فاطمة ثم تشتبه بزوجته الأخرى أو بأمته ونحو ذلك.

ويتعدد المهر بوط ء الزنا اذا كانت

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 34 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 12 الطبعة السابقة.

(2)

القواعد لابن رجب ج 1 ص 368 الطبعة الأولى.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 3 ص 96 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد ابن حنبل ج 3 ص 225 الطبعة السابقة.

ص: 291

مكرهة أو أمة مطاوعة بغير اذن سيدها لا بتعدد وط ء شبهة.

مثل ان اشتبهت عليه بزوجته ودامت تلك الشبهة حتى وطئ مرارا ولا بتعدده فى نكاح فاسد.

ولا يجب أرش بكارة مع وجوب المهر للحرة الموطؤة بشبهة أو زنا.

ومن طلق امرأته قبل الدخول والخلوة طلقة وظن أنها لا تبين بها فوطئها لزمه مهر المثل بالوط ء، لأنه وط ء شبهة ولزمه أيضا نصف المسمى بالطلاق قبل الدخول.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج

(1)

: المذهب: أنه مما يحرم الزواج بهن لأجل صفة وليس من أجل النسب أو الرضاع أو المصاهرة الملتبسات بالمحرم اذا كن منحصرات.

كما اذا علم أن رضيعة له دخلت بين نساء منحصرات كنسوة قرية صغيرة والتبست أيتهن رضيعته لم يجز له أن يتزوج واحدة من أولئك النساء الملتبسات بالمحرم حتى يعلم أن تلك المنكوحة غير المحرم ولا يكفى فى ذلك الظن.

وجاء فى شرح

(2)

الأزهار: أنه متى اتفق عقدا وليين مأذونين مستويين لشخصين فى وقت واحد، أو أشكل وقتهما بأن لم يعرف هل وقعا فى وقت واحد، أو فى وقتين بطل العقدان جميعا بهذه الشروط.

فمتى اتفق عقدان لم يبطلا الا بهذه الشروط فيبطلان مطلقا، أى سواء أقرت بسبق أحدهما أم لم تقر، وسواء دخل بها أحدهما برضاها أم لم يدخل.

قال المهدى: وهكذا حكم الصغيرة اذا اتفق عقدا ولييها بطل العقدان بالشروط المذكورة الا قولنا مأذونين فانه لا معنى لاذن الصغيرة على الصحيح من المذهب.

وكذا ان علم أن العقدين وقعا فى وقتين وعلم الثانى - أى المتأخر - ثم التبس أيهما هو فانه يبطل العقدان جميعا كالمسألة الأولى الا أن هذه الصورة تخالف المسألة الأولى بحكم واحد، وهو أنه يصح من المرأة تصحيح أحد العقدين فى هذه الصورة، لاقرارها بسبق أحدهما، أو دخول برضاها.

(1)

التاج المذهب لاحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الائمة الاطهار لاحمد بن قاسم العنسى ج 2 ص 12 الطبعة الاولى سنة 1366 هـ طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لاصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص 210، ص 211 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص 252، 253، 254 الطبعة السابقة.

ص: 292

فانها اذا أقرت لأحد الشخصين أن عقده هو السابق فانه يصح عقده، ويبطل عقد الثانى.

وهكذا اذا كان أحدهما قد دخل بها برضاها فانه يصح عقده دون الآخر لأن رضاها بدخوله بمنزلة الاقرار بسبقه.

قال المهدى: وما ذكرناه للمذهب من أنه يبطل العقدان حيث علم تقدم أحدهما، ثم التبس المتقدم الا لاقرارها بسبق أحدهما أو دخول برضاها هو قول السادة القاسمية والناصرية.

وقال أبو مضر والحقينى والأزرقى أن العقدين لا يبطلان بل يبقيان موقوفين.

ثم قال

(1)

: ومن أسلم من الكفار أو دخل فى الذمة عن عشر زوجات أو أكثر أو أقل، والمراد أكثر من أربع وأسلمن معه عقد بأربع منهن ان جمعهن عقد بأن كان تزوج العشر فى عقد واحد.

وان لم يجمعهن عقد بل تزوجهن فى عقود بطل منها ما كان من العقود داخلة فيه المرأة الخامسة، سواء كان متقدما أم متأخرا وصح ما سواه من العقود.

فلو تزوج امرأتين فى عقد وثلاثا فى عقد صح نكاح الثنتين وبطل نكاح الثلاث، لأن فيه الخامسة.

فلو كان نكاح الثلاث أو لا صح نكاحهن وبطل نكاح الثنتين فان تزوج واحدة ثم ستا ثم ثنتين ثم واحدة بطل نكاح الست وصح نكاح البواقى.

وحاصله أنه يبقى معه نكاح ولا يحتاج الى تجديده ان وافق الاسلام قطعا أو اجتهادا.

وما خالف لم يبق عليه ووجب تجديده على الوجه الذى يصح فى الاسلام.

فان التبس العقد الذى فيه الخامسة صح من العقود ما قد وطئ فيه وبطل ما لم يطأ فيه، وهذا حيث تصادقوا فى ذلك.

فأما مع المناكرة فمن أقر الزوج بتأخرها فقد أقر ببطلان نكاحها فاذا ادعت عليه أنها المتقدمة على غيرها فعليها البينة فاذا بينت استحقت ما وجب لها وعليه اليمين اذا لم تبين وتسقط الحقوق ان حلف.

فان التبس العقد الذى وطئ فيه أو لم يدخل بواحدة من العشر رأسا وقد التبس عليه العقد الذى فيه الخامسة أو دخل بهن جميعا والتبس المتقدم بطل نكاح العشر كلهن فى الصور الثلاثة مع استمرار الجهل والاياس من

(1)

شرح الازهار ج 2 ص 377، ص 378، ص 379 الطبعة السابقة.

ص: 293

معرفة المتقدم منهن واذا بطل نكاحهن فيعقد بأربع منهن ان شاء.

وقال القاضى زيد: وهو خلاف المذهب أنه يطلق العشر ويعقد بأربع منهن فيختلف عند القاضى زيد حكمهن حينئذ فى المهر والميراث.

أما اختلافهن فى المهر فان كن مدخولا بهن ومهرهن مسمى فلكل واحدة نصف المسمى ونصف الأقل من المسمى ومهر المثل.

وذلك لأنك تجوز فى كل واحدة أن نكاحها صحيح فتستحق المسمى.

وتجوز أنه باطل فتستحق الأقل من المسمى ومهر المثل فأعطيت نصف ما تستحقه فى كل حال بالتحويل

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(2)

: أنه يشترط تعيين الزوجة والزوج بالاشارة أو بالاسم أو الوصف الرافعين للاشتراك.

فلو كان له بنات وزوجه واحدة منهن ولم يسمها فان أبهم ولم يعين شيئا فى نفسه بطل العقد لامتناع استحقاق الاستمتاع بغير معين.

وان عين فى نفسه من غير أن يسميها لفظا فاختلفا فى المعقود عليها حلف الأب اذا كان الزوج رآهن والا بطل العقد.

ومستند الحكم رواية أبى عبيدة الحذاء عن الباقر عليه السلام، وفيها على تقدير قبول قول الأب أن عليه فيما بينه وبين الله تعالى أن يدفع الى الزوج الجارية التى نوى أن يزوجها اياه عند عقد النكاح.

ويشكل بأنه اذا لم يسم للزوج واحدة منهن فالعقد باطل سواء رآهن أم لا لما تقدم.

وأن رؤية الزوجة غير شرط فى صحة النكاح فلا مدخل لها فى الصحة والبطلان.

ونزلها الفاضلان على أن الزوج اذا كان قد رآهن فقد رضى بما يعقد عليه الأب منهن ووكل الأمر اليه فكان كوكيله وقد نوى الأب واحدة معينة فصرف العقد اليها.

وان لم يكن رآهن بطل لعدم رضاء الزوج بما يسميه الأب.

ويشكل بأن رؤيته لهن أعم من تفويض التعيين الى الأب وعدمها أعم من عدمه والرواية مطلقة والرؤية غير شرط فى الصحة فتخصيصها بما ذكر، والحكم به لا دليل عليه، فالعمل

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 115 ص 116، ص 117 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة الهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 71 الطبعة السابقة.

ص: 294

باطلاق الرواية كما صنع جماعة أو ردها مطلقا نظرا الى مخالفتها لأصول المذهب كما صنع ابن ادريس وهو الأولى أولى.

ولو فرض تفويضه اليه التعيين ينبغى الحكم بالصحة وقبول قول الأب مطلقا نظرا الى أن الاختلاف فى فعله وأن نظر الزوجة ليس بشرط فى صحة النكاح وان لم يفوض اليه التعيين بطل مطلقا.

وجاء فى الخلاف

(1)

: أنه اذا اشترك اثنان فى وط ء امرأة فى طهر واحد وكان وطئا يصح أن يلحق به النسب وأتت به لمدة يمكن أن يكون من كل واحد منهما أقرعنا بينهما فمن خرجت قرعته الحقناه به، وبه قال على عليه السلام.

وجاء فى العروة الوثقى

(2)

: اذا زوجها أحد الوكيلين من رجل وزوجها الوكيل الآخر من آخر.

فان علم السابق من العقدين فهو الصحيح.

وان علم الاقتران بطلا معا.

وان شك فى السبق والاقتران فكذلك لعدم العلم بتحقق عقد صحيح والأصل عدم تأثير واحد منهما.

وان علم السبق واللحوق ولم يعلم السابق من اللاحق، فان علم تاريخ أحدهما حكم بصحته دون الآخر.

وان جهل التاريخان ففى المسألة وجوه.

أحدها: التوقيف حتى يحصل العلم.

الثانى: خيار الفسخ للزوجة.

الثالث: ان الحاكم يفسخ.

الرابع: القرعة، والأوفق بالقواعد هو الوجه الأخير.

وكذا الكلام اذا زوجه أحد الوكيلين برابعة والآخر بأخرى أو زوجه أحدهما بامرأة والآخر ببنتها أو أمها أو أختها.

وكذا الحال اذا زوجت نفسها من رجل وزوجها وكيلها من آخر أو تزوج بامرأة وزوجه وكيله بأخرى لا يمكن الجمع بينهما.

ولو ادعى أحد الرجلين المعقود لهما السبق وقال الآخر لا أدرى من السابق وصدقت المرأة المدعى للسبق حكم بالزوجية بينهما لتصادقهما عليها.

(1)

كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 644 مسألة رقم 33 الطبعة الثانية سنة 1382 هـ

(2)

العروة الوثقى للفقيه للسيد محمد كاظم الطباطبائى ج 1 ص 659، ص 660 طبع مطبعة دار الكتب الاسلامية للشيخ محمد الاخوندى الطبعة الثالثة سنة 1388 هـ.

ص: 295

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أنه ان اشتبه زوجتان فصاعدا بغيرهما أو بنساء على زوج أو بنساء أخريات ولا بيان فادعت كل أنها هى زوجته لم يجبر على انفاق الزوجة فلا تدرك عليه واحدة منهن الانفاق، ولأنه لا يعرف أنها زوجته، ولا بيان لها، ولا سبيل الى انفاقهن كلهن، لأن الزوجة واحدة.

وليس المراد بالتشابه تشابه الصور والالوان فقط.

بل اما تشابه ذلك ولا بيان.

واما الشك أهى هذه أو هذه ولا بيان.

أو اتفاق الأسماء وأسماء الآباء ولا بيان.

وأما بنسيان أيهن أو أيهما زوجها من بناته ولا بيان واما غير ذلك.

وكذا لا نفقة فى الحكم على أحد متعدد لم يتبين زوجها منهم وأشكل عليها الأمر.

وكذا الولى اذا اشتبه عليه الحال أهذا المحتاج هو ولى فلان أو هذا المحتاج بأى وجه اشتبه.

أما الولى الذى يلزمه الانفاق اذا اشتبه بغيره لا نفقة عليه حيث قال:

ولا يدرك ولى نفقته على ولى تشاكل عليه بغيره حتى يتبين وذلك أن يقول مثلا كل منهما أو منهم أن ابن أخيك هو أنا لا هذا.

أما ان صدق الولى أحدهما لزمته نفقته.

‌حكم الاشتباه فى الطلاق

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: أن شرط الحكم بوقوع الطلاق عدم الشك من الزوج فى الطلاق.

فلو شك فيه فانه لا يحكم بوقوعه حتى لا يجب عليه أن يعتزل امرأته، لأن النكاح كان ثابتا بيقين، ووقع الشك فى زواله بالطلاق فلا يحكم بزواله بالشك كحياة المفقود، فانها لما كانت ثابتة ووقع الشك فى زوالها لا يحكم بزوالها بالشك حتى لا يورث ما له ولا يرث هو أيضا من أقاربه.

والأصل فى نفى اتباع الشك قول الله تبارك وتعالى «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ 3» وقول النبى صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الرجل يخيل اليه أنه يجد الشئ فى الصلاة: لا ينصرف

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 7 ج 7 ص 316، ص 317 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 126 الطبعة السابقة.

(3)

الاية رقم 36 من سورة الاسراء.

ص: 296

حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا، اعتبر اليقين وألغى الشك.

ثم شك الزوج لا يخلو اما أن يقع فى أصل التطليق أطلقها أم لا.

وأما أن يقع فى عدد الطلاق وقدره أنه طلقها واحدة أو ثنتين أو ثلاثا.

أو ان يقع فى صفة الطلاق: هل طلقها رجعية أو بائنة.

فان وقع الشك فى اصل الطلاق لا يحكم بوقوعه لما قلنا.

وان وقع فى القدر يحكم بالأقل لأنه متيقن به وفى الزيادة شك.

وان وقع فى صفة يحكم بالرجعية لأنها أضعف الطلاقين فكانت متيقنا بها.

ثم قال

(1)

: فلو قال الرجل لزوجته: أنت طالق أقبح الطلاق فهو طلاق رجعى عند أبى يوسف رحمه الله تعالى، لأن قوله أقبح الطلاق يحتمل القبح الشرعى، وهو الكراهية الشرعية، ويحتمل القبح الطبعى وهو الكراهية الطبيعية، وهو أن يطلقها فى وقت يكره الطلاق فيه طبعا، فلا تثبت البينونة فيه بالشك، وكذا قوله أقبح الطلاق يحتمل القبح بجهة الابانة ويحتمل القبح بايقاعه فى زمن الحيض أو فى طهر جامعها فيه فلا تثبت البينونة بالشك.

ولو قال أنت طالق للبدعة فهى واحدة رجعية، لأن البدعة قد تكون فى البائن، وقد تكون فى الطلاق حالة الحيض، فوقع الشك فى ثبوت البينونة فلا تثبت البينونة بالشك.

وكذا لو قال لها أنت طالق طلاق الشيطان فهو كقوله - أنت طالق للبدعة.

وقال محمد رحمه الله تعالى فيمن قال لزوجته أنت طالق أقبح الطلاق هو طلاق بائن، لأنه وصف الطلاق بالقبح والطلاق القبيح هو الطلاق المنهى عنه وهو البائن، فيقع بائنا.

خلافا لأبى يوسف رحمه الله تعالى على ما تقدم.

ولو قال لزوجته أنت طالق مثل الجبل أو مثل حبة الخردل فهى واحدة بائنة فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى

وعند أبى يوسف هى واحدة يملك الرجعة.

ووجه قول أبى يوسف أن قوله مثل الجبل أو مثل حبة الخردل يحتمل التشبيه فى التوحد، لأن الجبل بجميع أجزائه شئ واحد غير متعدد فلا تثبت البينونة بالشك.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 110، ص 111 الطبعة السابقة.

ص: 297

ثم قال

(1)

: ولو قال لزوجته أنت طالق وطالق وطالق لا يقع الا الأول عند عامة العلماء، لأن الواو للجمع المطلق، والجمع المطلق فى الوجود لا يتصور بل يكون وجوده على أحد الوضعين عينا اما القران واما الترتيب فان كان الوقوع بصفة الترتيب لا يقع الا الأول وان كان بصفة القران يقع الثانى والثالث فيقع الشك فى وقوع الثانى والثالث فلا يقع للشك.

ثم قال:

(2)

أن الكلام فى الطلاق المبهم مجمله أن الجهالة فيه اما أن تكون أصلية بأن يضاف الطلاق الى غير معينة كأن يقول لزوجاته احداكن طالق، أو لزوجتيه احداكما طالق.

وأما أن تكون طارئة وهى أن يضاف الطلاق الى امرأة معلومة ثم يجهل كما اذا طلق زوجة معينة من زوجاته أو زوجتيه ثم نسى المطلقة بعد ذلك.

ففى الجهالة الأصلية يجرى الكلام فى الأحكام فى حالتين حالة حياة الزوج وحالة ما بعد وفاته.

ففى الحالة الأولى لو قال: لزوجتيه احداكما طالق ثلاثا وماتتا جميعا قبل البيان، بأن سقط عليهما حائط أو غرقتا فانه يرث من كل واحدة منهما نصف ميراثها، لأنه لا يستحق ميراث كل واحدة منهما فى حال ويستحقه فى حال فيتنصف كما هو أصلنا فى اعتبار الأحوال.

وكذلك اذا ماتتا جميعا أو احداهما بعد الأخرى لكن لا يعرف التقدم والتأخر فهذا بمنزلة موتهما معا.

وفى الحالة الثانية اذا قال لزوجتيه احداكما طالق ثلاثا ومات قبل البيان.

فان كانتا مدخولا بهما فلكل واحدة منهما جميع المهر، لأن كل واحدة منهما تستحق جميع المهر منكوحة كانت أو مطلقة.

أما المنكوحة فلا شك فيها.

وأما المطلقة فلأنها مطلقة بعد الدخول.

وان كانتا غير مدخول بهما فلهما مهر ونصف مهر بينهما، لكل واحدة منهما ثلاثة أرباع المهر، لأن كل واحدة منهما يحتمل أن تكون منكوحة، ويحتمل أن تكون مطلقة.

فان كانت منكوحة تستحق جميع المهر، لأن الموت بمنزلة الدخول.

وان كانت مطلقة تستحق النصف لأن

(1)

المرجع السابق للكاسانى ج 3 ص 138 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 225، ص 226 الطبعة السابقة.

ص: 298

النصف قد سقط بالطلاق قبل الدخول، فلكل واحدة منهما كل المهر فى حال والنصف فى حال وليست احداهما بأولى من الأخرى فينتصف فيكون لكل واحدة ثلاثة أرباع مهر.

هذا اذا كان قد سمى لهما مهرا.

فان كان لم يسم لهما مهرا فلهما مهر ومتعة بينهما لأن كل واحدة منهما ان كانت منكوحة فلها كمال مهر المثل.

وان كانت مطلقة فلها كمال المتعة فكل واحدة منهما تستحق كمال مهر المثل فى حال ولا تستحق شيئا من مهر المثل فى حال وكذا المتعة فتنتصف كل واحدة منهما فيكون لهما مهر ومتعة بينهما لكل واحدة منهما نصف مهر المثل ونصف متعة.

وان كان سمى لاحداهما مهرا ولم يسم للأخرى فللمسمى لها ثلاثة أرباع المهر وللتى لم يسم لها مهرا نصف مهر المثل لان المسمى لها اذا كانت منكوحة فلها جميع المسمى.

وان كانت مطلقة فلها النصف فينتصف كل ذلك فيكون لها ثلاثة أرباع المهر المسمى.

والتى لم يسم لها ان كانت منكوحة فلها جميع مهر المثل.

وان كانت مطلقة فليس لها من مهر المثل شئ فاستحقت المهر فى حال ولم تستحق شيئا منه فى حال فيكون لها نصف مهر المثل.

والقياس أن يكون لها نصف المتعة أيضا وهو قول زفر رحمه الله تعالى.

وفى الاستحسان ليس لها الا نصف مهر المثل.

ووجه القياس أنها ان كانت منكوحة فلها كمال مهر المثل.

وان كانت مطلقة فلها كمال المتعه فكان لها كمال مهر المثل فى حال، وكمال المتعة فى حال

(1)

فينتصف كل واحد منهما فيكون لها نصف مهر مثلها ونصف متعتها.

ووجه الاستحسان أن نصف مهر المثل اذا وجب لها امتنع وجوب المتعة، لان المتعة بدل عن نصف مهر المثل والبدل والمبدل منه لا يجتمعان.

هذا اذا كانت المسمى لها مهر المثل معلومة.

فان لم تكن معلومة فلهما مهر وربع مهر اذا كان مهر مثلهما سواء ويكون بينهما، لأن كل واحدة منهما يحتمل أن

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 227، ص 228 الطبعة السابقة.

ص: 299

تكون هى المسمى لها المهر فيكون لها ثلاثة أرباع المهر لما ذكرنا.

ويحتمل أن تكون غير المسمى لها المهر فيكون لها نصف مهر المثل، ففى حال يجب ثلاثة أرباع المهر وفى حال يجب نصف المهر فينتصف كل ذلك فيكون لهما مهر وربع مهر بينهما لكل واحدة منهما نصف مهر وثمن مهر. نصف مهر المسمى وثمن مهر المثل.

ولا تجب المتعة استحسانا.

والقياس أن يجب نصف المتعة أيضا ويكون بينهما وهو قول زفر.

وأما حكم الميراث فهو أنهما يرثان منه ميراث امرأة واحدة ويكون بينهما نصفين فى الأحوال كلها، لأن احداهما منكوحة بيقين، وليست احداهما بأولى من الأخرى، فيكون قدر ميراث امرأة واحدة بينهما.

فان كان للزوج امرأة اخرى سواهما لم يدخلها فى الطلاق فلها نصف ميراث النساء ولهما النصف لأنه لا يزاحمها الا واحدة منهما، لأن المنكوحة واحدة منهما، والاخرى مطلقة فكان لها النصف ثم النصف الثانى يكون بين الأخريين نصفين اذ ليست احداهما بأولى من الأخرى.

وأما حكم العدة فعلى كل واحدة منهما عدة الوفاة وعدة الطلاق، لأن احداهما منكوحة والأخرى مطلقة، وعلى المنكوحة عدة الوفاة لا عدة الطلاق، وعلى المطلقة عدة الطلاق لا عدة الوفاة فدارت كل واحدة من العدتين فى حق كل واحدة من المرأتين بين الوجوب وعدم الوجوب، والعدة يحتاط فى ايجابها، ومن الاحتياط القول بوجوبها على كل واحدة منهما.

أما الجهالة الطارئة على الطلاق وهى أن يكون الطلاق مضافا الى معلومة ثم تجهل كما اذا طلق الرجل امرأة بعينها من نسائه ثلاثا ثم نسى المطلقة والكلام فى هذا الفصل فى موضعين.

أحدهما فى كيفية هذا التصرف.

والثانى فى بيان أحكامه.

أما الأول فلا خلاف فى أن الواحدة منهن طالق قبل البيان، لأنه أضاف الطلاق الى معينة وانما طرأت الجهالة بعد ذلك والمعينة محل لوقوع الطلاق فيكون البيان هاهنا اظهارا أو تعيينا لمن وقع عليها الطلاق.

وأما الأحكام المتعلقة به فنوعان نوع يتعلق به حال حياة الزوج ونوع يتعلق به بعد مماته.

أما الذى يتعلق به فى حال حياة الزوج فهو أنه لا يحل له أن يطأ

ص: 300

واحدة منهن حتى يعلم التى طلقها فيجتنبها لأن احداهن محرمة بيقين.

وكل واحدة منهما يحتمل أن تكون هى المحرمة فلو وطئ واحدة منهما وهو لا يعلم بالمحرمة فربما وطئ المحرمة.

والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة ابن معبد الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك الى ما لا يريبك.

ولا يجوز أن تطلق واحدة منهن بالتحرى.

والأصل فيه أن كل ما لا يباح عند الضرورة لا يجوز فيه التحرى والفرج لا يباح عند الضرورة فلا يجوز فيه التحرى.

بخلاف الذكية اذا اختلطت بالميتة فانه يجوز التحرى فى الجملة.

واذا طلق الرجل واحدة من نسائه بعينها فنسيها ولم يتذكر فينبغى فيما بينه وبين الله تعالى أن يطلق كل واحدة منهن تطليقة رجعية ويتركها حتى تنقضى عدتها فتبين لأنه لا يجوز له أن يمسكهن فيقربهن جميعا، لأن احداهن محرمة بيقين.

ولا يجوز له أن يطأ واحدة منهن بالتحرى لأنه لا مدخل للتحرى فى الفروج.

ولا يجوز له أن يتركهن بغير بيان لما فيه من الأضرار بهن بابطال حقوقهن من هذا الزوج ومن غيره بالنكاح، اذ لا يحل لهن النكاح، لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون منكوحة فيوقع على كل واحدة منهن تطليقة رجعية ويتركها حتى تنقضى عدتها فتبين.

واذا انقضت عدتهن وبن فأراد أن يتزوج الكل فى عقدة واحدة قبل أن يتزوجن لم يجز لأن واحدة منهن مطلقة ثلاثا بيقين.

وجاء فى الأشباه والنظائر

(1)

: أنه لو شك هل طلق واحدة أو أكثر بنى على الأقل كما ذكره الاسبيجابى الا أن يتيقن بالأكثر أو يكون أكبر ظنه على خلافه.

وقال ابن نجيم وعن الامام حلف بطلاقها ولا يدرى أثلاث أم أقل يتحرى وان استويا عمل بأشد ذلك عليه.

قال الحموى قيل ينبغى اذا استويا أن يأخذ بالأقل لأنه هو المتيقن ولان الاصل العدم.

وجاء فى بدائع الصنائع

(2)

: وعدة الحامل أن تضع حملها ومقدارها بقية

(1)

الاشباه والنظائر لابن نجيم ج 1 ص 91 الطبعة السابقة والفتاوى الهندية ج 2 ص 363 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 135 الطبعة السابقة.

ص: 301

مدة الحمل قلت أو كثرت، حتى لو ولدت بعد وجوب العدة بيوم أو أقل أو أكثر انقضت به العدة، لكن يشترط أن يكون ما وضعت قد استبان خلقه أو بعض خلقه.

فان لم يستبن رأسا بأن أسقطت علقة أو مضغة لم تنقض به العدة، لأنه اذا استبان خلقه أو بعض خلقه فهو ولد، فقد وجد وضع الحمل فتنقضى به العدة، واذا لم يستبن لم يعلم كونه ولدا، بل يحتمل أن يكون، ويحتمل أن لا يكون، فيقع الشك فى وضع الحمل فلا تنقضى العدة بالشك.

ولو مات مولى أم الولد

(1)

وزوجها ولم يعلم أيهما مات أولا ولم يعلم أيضا كم بين موتيهما فقد اختلف فى مقدار العدة عليها.

قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: عليها أربعة أشهر وعشر لا حيض فيها، لقول الله تعالى:«وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً 2» .

وهذا تقدير لعدة الوفاة بأربعة أشهر وعشر، فلا يجوز الزيادة عليه الا بدليل، ولان الأصل فى كل أمرين حادثين لم يعلم تاريخ ما بينهما أن يحكم بوقوعهما معا كالغرقى والحرقى والهدمى.

واذا حكم بموت الزوج مع موت المولى فقد وجبت عليها العدة وهى حرة فكانت عدة الحرائر فلم يكن لايجاب الحيض محل فلا يمكن ايجابها.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: عليها أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض.

لانه يحتمل أن الزوج مات أولا وانقضت العدة ثم مات المولى بعد انقضاء العدة فيجب عليها ثلاث حيض.

ويحتمل أن يكون المولى مات أولا فعتقت بموته ثم مات الزوج فيجب أربعة أشهر وعشر، فيراعى فيه الاحتياط، فيجمع بين الاربعة الاشهر والعشر والحيض.

وبناء على هذا الأصل قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: اذا تزوج الرجل أم الولد بغير اذن مولاها، ودخل بها الزوج، ثم مات الزوج والمولى، ولا يعلم أيهما مات أولا، ولا كم بين موتيهما فعليها حيضتان فى قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى لانه يحكم بموتهما معا.

وفى قول أبى يوسف: يجب عليها ثلاث حيض فى أربعة أشهر وعشر، بناء على أصله فى اعتبار الاحتياط، لانه يحتمل أن المولى مات أولا فنفذ النكاح لموته، لانها عتقت فجاز نكاحها بعتقها، ثم

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 203 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 234 من سورة البقرة.

ص: 302

مات الزوج وهى حرة، فوجب عليها أربعة أشهر وعشر.

ويحتمل أنه مات الزوج أولا وانقضت عدتها، ثم مات المولى بعد انقضاء العدة فعليها عدة المولى ثلاث حيض فوجب عليها أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض احتياطا.

وان لم يعلم

(1)

أيهما مات أولا ولكن علم أن بين موتيهما لا تحيض فيه حيضتين فعليها أربعة أشهر وعشر، فيها حيضتان، لان عدة المولى قد سقطت، سواء مات أولا أو آخرا، اذا كان بين موتيهما ما لا تحيض فيه حيضتين.

ووقع التردد فى عدة الزوج.

لانه ان مات المولى أولا فعتقت نفذ نكاحها بعتقها فوجب عليها عدة الحرائر بالوفاة.

وان مات الزوج أولا وجب عليها حيضتان فيجمع بينهما احتياطا.

ولو حاضت حيضتين بين موتيهما فعليها أربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض.

لانه ان مات المولى أولا فعتقت فنفذ نكاحها فلما مات الزوج وجب عليها عدة الشهور.

وان مات الزوج أولا ثم مات المولى بعد انقضاء العدة فيجب عليها ثلاث حيض فيجمع بين الشهور والحيض احتياطا.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير

(2)

واختار المسلم الذى أسلم على أكثر من أربع أربعا منهن ان أسلمن معه أو كن كتابيات تزوجهن فى عقد أو عقود بنى بهن أو ببعضهن أو لا، كانت الأربع هى الأواخر أو لا، واليه أشار بقوله وان كن أواخر.

وان شاء اختار أقل من أربع.

أو لم يختر شيئا منهن.

واختار احدى أختين ونحوهما من كل محرمتى الجمع اذا أسلم عليهما مطلقا من نسب أو رضاع كانا فى عقد أو عقدين دخل بهما أو بأحداهما أو لا.

واختار اما وابنتها لم يمسهما، والواو بمعنى أو أى يختار من شاء منهما سواء جمعهما فى عقد أو عقدين، لان العقد الفاسد لا أثر له والا لحرمت الأم مطلقا.

وان مسهما أى تلذذ بهما حرمتا أبدا، لانه وط ء شبهة وهو ينشر الحرمة.

وان مس احداهما تعينت أى للبقاء ان شاء أى ان أراد ابقاء واحدة تعينت الممسوسة للبقاء وحرمت الأخرى أبدا.

ولا يتزوج ابنه أى ابن من أسلم على أم وابنتها أو أبوه من فارقها.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 202، ص 203 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 271، ص 272، ص 273 الطبعة السابقة.

ص: 303

ويتبادر من ذكر ذلك عقب مسئلة الام وبنتها أن ذلك خاص بهما.

وعليه فالنهى للكراهة لا للتحريم ان كان الفراق قبل البناء، لانه لم يكن الا العقد وعقد الكفر لا ينشر الحرمة.

وان كان بعده فللتحريم.

ويحتمل أن كلامه فى محرمتى الجمع مطلقا أو فيمن أسلم على أكثر من أربع.

وعليه فالنهى للتحريم ان كانت التى فارقها مسها، لان مسها بمنزلة العقد الصحيح فتحرم على أصله وفرعه.

واختار بطلاق أى يعد مختارا بسبب طلاق اذ لا يكون الطلاق الا فى زوجة.

فان طلق واحدة معينة كان له من البواقى ثلاث.

وان طلق أربعا لم يكن له شئ كأن طلق واحدة مبهمة أو ظهار، لانه يدل على الزوجية أو ايلاء لانه لا يكون الا فى الزوجة، أو وط ء فمتى وطئ بعد اسلامه واحدة، أو تلذذ بها ممن أسلمن، أو كن كتابيات عد مختارا لها.

فان وطئ أكثر من أربع فالعبرة بالأول.

واختار الغير أى غير المفسوخ نكاحها ان فسخ الزوج نكاحها.

أى يختار غير من فسخ نكاحها.

أى اذا قال من أسلم فسخت نكاح فلانة ففسخه يعد فراقا، ويختار أربعا غيرها.

والفرق بين الطلاق والفسخ أن الفسخ يكون فى المجمع على فساده، بخلاف الطلاق فانما يكون فى الزوجة من الصحيح والمختلف فيه.

ولو قال وغير من فسخ نكاحها لكان أخصر وأظهر.

أو اختار الغير ان ظهر أنهن أى المختارات أخوات ونحوهن من محرمتى الجمع فيختار غيرهن.

وكذا له اختيار واحدة منهن خلافا لظاهر المصنف.

فلو قال وواحدة ممن ظهر أنهن أخوات لكان أحسن.

ما لم يتزوجن أى غير المختارات وجمع باعتبار المعنى.

أى ويتلذذ الثانى بهن غير عالم بان من فارقها له اختيارها لظهور أن من اختارهن أخوات قياسا على ذات الوليين.

فان لم يتلذذ أصلا أو تلذذ عالما بما ذكر فلا يفوت اختياره لها.

فلو قال المصنف وواحدة ممن ظهر أنهن كأخوات وباقى الأربع من سواهن ما لم يتلذذ بهن زوج غير عالم لأفاد بلا كلفة.

ص: 304

ولا شئ من الصداق لغيرهن أى لغير المختارات ان لم يدخل به أى بالغير.

فان دخل فلها صداقها.

فان لم يختر شيئا أصلا من العشرة بأن فارقهن قبل البناء بعد اسلامه لزمه لاربع منهن غير معينات صداقان اذ فى عصمته شرعا أربع واذا قسم اثنان على عشرة ناب كل واحدة منهن خمس صداقها.

كاختياره أى المسلم مطلقا اعم من أن يكون أصليا أو كافرا ثم أسلم واحدة كائنة من أربع رضيعات تزوجهن وبعد عقده عليهن أرضعتهن امرأة تحل له بناتها فصرن اخوة من الرضاع.

فان اختار واحدة فلا شئ لغيرها من الصداق.

فان لم يختر شيئا وطلقهن قبل البناء لزمه نصف صداق لغير معينة.

فلكل ثمن مهرها اذ هو الخارج بقسمة نصف صداق على أربعة.

فان أرضعتهن أمه أو أخته لم يختر منهن شيئا.

ومن أسلم على أكثر من أربع نسوة أربع صداقات تقسم بينهن بنسبة مالهن ان مات ولم يختر شيئا منهن.

فاذا كن عشرة فلكل واحدة خمسا صداقها بنسبة قسم أربع صداقات على عشرة.

واذا كانت ستا كان لكل واحدة ثلثا صداقها.

وهذا اذا لم يكن دخل بهن.

والا فللمدخول بها صداق كامل

ولغيرها خمسا صداقها أو ثلثاه.

ثم قال: ولا ارث لمن أسلمت منهن ان مات مسلما قبل أن يختار وتخلف أربع كتابيات حرائر عن الاسلام، لاحتمال أنه كان يختارهن فوقع الشك فى سبب الارث ولا ارث مع الشك.

فلو تخلف عن الاسلام دونهن فالارث للمسلمات لان الغالب فيمن اعتاد الاربع فأكثر أن لا يقتصر على أقل.

والحاصل كما قاله اللدسوقى أن اللدخول بعد الاسلام اختيار.

فاذا دخل بأربع كان اختيارا لهن فلا صداق لغيرهن.

وان دخل بأقل من أربع كانت المدخول بها مختارة فلها صداق كامل ولغيرها من صداقها بنسبة قسمة باقى الاصدقة الاربعة على عدد من لم يدخل بها.

وأما الدخول قبل الاسلام فليس اختيارا فما زال أربعة شائعة فى العشر مثلا فلكل واحدة من الأربعة الاصدقة بنسبة قسمتها على عددهم ويكمل للمدخول بها صداقها فقط.

ص: 305

وجاء فى الشرح

(1)

الكبير وحاشية الدسوقى عليه: أنه لو مات مسلم عن زوجتين مسلمة وكتابية وقد طلق احداهما والتبست المطلقة بائنا أو رجعيا بأن قال لاحداهما: أنت طالق ومات قبل البناء ولم تعلم المطلقة من غيرها أو طلقها بعد البناء طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت العدة قبل موته ثم مات ولم تعلم المطلقة من غيرها.

فلا ارث للمسلمة لثبرت الشك فى زوجيتها.

أما اذا كان الطلاق رجعيا ومات قبل انقضاء العدة فلا التباس والارث كله للمسلمة لانه على احتمال أن تكون المطلقة هى الكتابية فالميراث كله للمسلمة.

وعلى احتمال كون المطلقة هى المسلمة والعدة لم تنقض فلها الميراث أيضا.

قال خليل: أما ان طلق رجل احدى زوجتيه المسلمتين طلاقا غير بائن وجهلت المطلقة منهما ودخل باحداهما وعلمت ولم تنقض العدة فللمدخول بها الصداق كاملا وثلاثة أرباع الميراث، لانها تنازع غير المدخول بها فى الميراث، وتقول:

أنا لم أطلق بائنا فهو لى بتمامه، وغير المدخول بها تدعى أنها فى العصمة وان لها نصف الميراث وللأخرى نصفه، فيقسم النصف بينهما نصفين، لان المنازعة انما وقعت فيه.

وصورة المسألة هى: طلق رجل احدى زوجتيه المسلمتين طلاقا قاصرا عن الغاية وجهلت المطلقة، بأن قال احداكما طالق وادعى أنه قصد واحدة بعينها ولم يعينها للبينة، والحال أنه دخل باحداهما، وعلمت ثم مات المطلق قبل أن تنقضى عدة الطلاق، وقد علمت أن هذا الطلاق رجعى بالنسبة للمدخول بها، وبائن بالنسبة لغيرها، فللمدخول بها الصداق، ولغير المدخول بها ربع الميراث ولها ثلاثة أرباع الصداق أى صداقها، لانها ان كانت هى المطلقة، فليس لها الا نصفه، ونصفه الآخر للورثة، وان كانت المطلقة هى المدخول بها فلهذه جميع صداقها لتكمله بالموت فالنزاع بينهما وبين الورثة فى النصف الثانى فيقسم بينهما نصفين فلها منه الربع مع النصف الذى لا منازع لها فيه فيصير لها ثلاثة أرباع الصداق وللورثة ربعه بعد يمين كل على ما ادعى، ونفى دعوى صاحبه.

أما لو انقضت العدة قبل موته فالصداق على ما سبق ذكره والميراث بينهما نصفين، وكذا لو كان بائنا.

وان لم يدخل بواحدة فلكل واحدة ثلاثة أرباع الصداق، والميراث بينهما سواء.

وان دخل بهما فلكل صداقها والميراث بينهما سواء.

الا أنه اذا كان الطلاق رجعيا لم يكن من صور الالتباس.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 274، ص 275، ص 276 الطبعة السابقة.

ص: 306

قال الدسوقى تكلم المصنف والشارح على ما اذا جهلت المطلقة وعلم المدخول بها.

وأما لو علمت المطلقة وجهل المدخول بها فللتى لم تطلق الصداق كاملا، وللمطلقة ثلاثة أرباع الصداق للنزاع فى النصف الثانى، لاحتمال عدم دخولها.

وان جهل كل من المطلقة والمدخول بها فلكل واحدة سبعة أثمان صداقها، لانهما يقولان المطلقة من دخلت فيكمل للثانية صداقها ويقول الوارث لكما صداق ونصف والمطلقة لم تدخل فتنازعهما فى نصف فيقسم فلهما صداق وثلاثة أرباع يتنازعان فيهما فيقسمان ذلك بينهما، والميراث بينهما مناصفة فى المسألة الثالثة وثلاثة أرباعه للتى لم تطلق فى المسألة الاولى.

وجاء فى الشرح الكبير

(1)

: ولو شك فى الأيمان التى حلفها أمر بانفاذها اذا التبس عليه الحال من غير قضاء (أى ديانة فيما بينه وبين الله تعالى).

فلو حلف وحنث وشك هل حلف بطلاق أو عتق أو مشى أو صدقة فليطلق نساءه ويعتق رقيقه ويمش لمكة ويتصدق بثلث ماله.

يؤمر بذلك كله من غير قضاء على ما قاله فى المدونة.

ولا يؤمر بالفراق ان شك هل حصل منه ما يوجب الطلاق أم لا.

فيشمل شكه هل قال أنت طالق أم لا.

وشكه هل حلف وحنث أو لا.

وشكه فى حلفه على فعل غيره هل فعله أم لا.

الا أن يستند فى شكه لشئ يدل على فعل المحلوف عليه وهو سالم الخاطر من الوسواس أى غير مستنكح الشك، كرؤية شخص داخلا فى دار، وقد كان حلف على زيد مثلا لا يدخلها، والتبس عليه الحال فى كونه زيدا المحلوف عليه، أو هو غيره، وغاب عنه بحيث يتعذر تحقيقه، فيؤمر بالطلاق اتفاقا.

ثم قيل يجبر عليه وينجز.

وقيل يؤمر به بلا جبر.

فان كان غير سالم الخاطر بان استنكحه الشك فلا شئ عليه.

وان طلق احدى زوجتيه بعينها وشك أهند هى أم غيرها، بأن قال: هند طالق، ثم شك هل طلق هندا أو غيرها أو قال ان دخلت الدار فهند طالق ودخل ثم شك هل حلف بطلاق هند أو غيرها طلقتا معا ناجزا.

قال الدسوقى أى من غير امهال.

وقيل يمهل ليتذكر فان ذكرها لم يطلق غيرها، قاله فى الشامل.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 401، ص 402 وما بعدهما الطبعة السابقة والخرشى ج 4 ص 65 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 307

وعلى كل من القولين فلا يحتاج فى طلاقها الى استئناف طلاق، قاله ابن عرفة.

وجاء فى الشرح الكبير وحاشية

(1)

الدسوقى عليه: أنه لو قال لزوجتيه احداكما طالق ولم ينو معينة، أو نواها ونسيها طلقتا معا.

وكذا ان كن أكثر وقال: احداكن، أو قال: أنت طالق، ثم قال للأخرى: بل أنت، طلقتا معا.

ولو شك بعد تحقق الطلاق أطلق زوجته طلقة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لم تحل له الا بعد زوج آخر، لاحتمال كونه ثلاثا.

وصدق ان ذكر أن الذى صدر منه أقل من الثلاث، وارتجع فى العدة بلا عقد، وبعدها بعقد بلا يمين فيهما.

ثم ان تزوجها بعد زوج وطلقها طلقة أو اثنتين فكذلك لا تحل له الا بعد زوج، لانه اذا طلقها واحدة يحتمل أن يكون المشكوك فيه اثنتين وهذه ثالثة.

ثم ان تزوجها وطلقها لا تحل له الا بعد زوج، لاحتمال كون المشكوك فيه واحدة وهاتان اثنتان محققتان.

ثم ان طلقها ثالثة بعد زوج لم تحل له الا بعد زوج، لاحتمال كون المشكوك فيه ثلاثا وقد تحقق بعدها ثلاث وهكذا لغير نهاية.

وجاء فى الفروق للقرافى

(2)

: أن من شك هل طلق ثلاثا أم اثنتين ألزمه مالك الطلقة المشكوك فيها.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(3)

: أنه اذا شك الرجل هل طلق امرأته أم لا، لم تطلق، لان النكاح ثابت بيقين واليقين لا يزول بالشك.

والدليل عليه ما روى عبد الله ابن زيد رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يخيل اليه أنه يجد الشئ فى الصلاة فقال:

لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.

والورع أن يلتزم الطلاق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دع ما يريبك الى ما لا يريبك» .

فان كان بعد الدخول راجعها.

وان كان قبل الدخول جدد نكاحها.

وان لم يكن له فيها رغبة طلقها لتحل لغيره بيقين.

وان شك فى عدده بنى الأمر على الأقل.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 402 الطبعة السابقة.

(2)

الفروق للقرافى ج 1 ص 226 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب ج 2 ص 100 الطبعة السابقة.

ص: 308

لما روى عبد الرحمن بن عوف رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا شك أحدكم فى صلاته فلم يدر أواحدة صلى أو اثنتين فليبن على واحدة، وان لم يدر اثنتين صلى أم ثلاثا فليبن على اثنتين، وان لم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليبن على ثلاث ويسجد سجدتين قبل أن يسلم فرد الى الأقل، ولان الأقل يقين والزيادة مشكوك فيها، فلا يزال اليقين بالشك.

والورع أن يلتزم الاكثر.

فان كان الشك فى الثلاث وما دونها طلقها ثلاثا حتى تحل لغيره بيقين.

وجاء فى مغنى المحتاج

(1)

: أن الشك فى الطلاق على ثلاثة أقسام.

شك فى أصله.

وشك فى عدده.

وشك فى محله.

وهذا كمن طلق معينة ثم نسيها.

فاذا شك، أى تردد برجحان أو غيره فى وقوع طلاق منه، أو فى وجود الصفة المعلق بها كقوله: ان كان هذا الطائر غرابا فأنت طالق، وشك هل كان غرابا أو لا فلا نحكم بوقوعه.

قال المحاملى: بالاجماع، لان الأصل عدم الطلاق، وبقاء النكاح.

أو لم يشك فى طلاق بل تحقق وقوعه، ولكن شك فى عدد منه هل طلق طلقة أو أكثر، فالأقل يأخذ به.

ولا يخفى الورع فى الصورتين وهو الاخذ بالاسوأ لخبر: «دع ما يريبك الى ما لا يريبك» رواه الترمذى وصححه.

ففى الأولى يرجع ان كان له الرجعة، والا فيجدد نكاحها ان كان له فيها رغبة، والا فلينجز طلاقها لتحل لغيره يقينا.

وفى الثانية ان شك فى أنه طلق ثلاثا أم ثنتين لم ينكحها حتى تنكح زوجا غيره.

فلو شك هل طلق ثلاثا أو لم يطلق شيئا طلقها ثلاثا.

قال الرافعى لتحل لغيره يقينا.

وهذا ليس بظاهر، فانها تحل لغيره يقينا فى الصورة الثانية بأى شئ أوقعه ولو طلقة.

نعم فائدة ايقاع الثلاث أنه لو تزوجها بعد دخول الثانى بها وتطليقه اياها ملك عليها الثلاث بيقين.

ولو علق اثنان بنقيضين، كأن قال شخص ان كان هذا الطائر غرابا مثلا فأنت طالق، وقال آخر ان لم يكنه فامرأتى طالق، وجهل الحال فى الطائر،

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للعلامة الخطيب الشربينى ج 3 ص 281 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 309

لم يحكم بطلاق أحد، لانه لو انفرد أحدهما بما قال، لم يحكم بوقوع طلاقه، لجواز أنه غير غراب، والأصل بقاء النكاح، فتعليق الآخر لا يغير حكمه.

فان قالهما رجل لزوجتيه، طلقت احداهما لا بعينها، لوجود احدى الصفتين لانه لا بد فيه من أحد الوصفين، اذ ليس بين النفى والاثبات واسطة، ولزمه مع الاعتزال عنهما الى تبين الحال، لاشتباه المباحة بغيرها - البحث عن الطائر والبيان لزوجته ان أمكن واتضح له حال الطائر، ليعلم المطلقة دون غيرها، فان طار ولم يعلم حاله لم يلزمه بحث ولا بيان.

هذا فى الطلاق البائن.

وفى الرجعية اذا انقضت عدتها، لما سيأتى من عدم وجوب البيان فيما لو طلق احدى زوجتيه طلاقا رجعيا، لان الرجعية زوجة.

ولو طلق احداهما بعينها كأن خاطبها بطلاق وحدها أو نواها بقوله احداكما طالق ثم جهلها بعد ذلك بنسيان ونحوه وقف وجوبا أمره عنهما من قربان وغيره.

حتى يتذكر المطلقة بأن يعرفها.

والجهل المقارن للطلاق كما لو طلق فى ظلمة كذلك.

ولا يطالب الزوج ببيان للمطلقة أن صدقتاه أى الزوجتان فى الجهل بها، لان الحق لهما.

فان كذبتاه وبادرت واحدة وقالت أنا المطلقة لم يقنع منه بقوله نسيت أو لا أدرى وان كان قوله محتملا بل يطالب بيمين جازمة أنه لم يطلقها فان نكل حلفت وقضى بطلاقها.

قال الأذرعى: ولو ادعت كل منهما أو احداهما أنه يعلم التى عناها بالطلاق وسألت تحليفه أنه لا يعلم ذلك، ولم تقل فى الدعوى أنه يعلم المطلقة، فالوجه قبول هذه الدعوى وتحليفه على ذلك.

ولو قال لزوجته ولأجنبية احداكما طالق وقال: قصدت بالطلاق الاجنبية قبل قوله بيمينه فى الأصح.

وعبر فى الروضة بالصحيح المنصوص لان الكلمة مترددة بينهما محتملة لهذه ولهذه فاذا قال عنيتها صار كما لو قال للاجنبية أنت طالق.

والثانى لا يقبل وتطلق زوجته، لانها محل الطلاق فلا ينصرف عنها الى الاجنبية بالقصد.

أما اذا لم يكن له قصد فتطلق زوجته وهو ما فى الروضة وأصلها عن فتاوى البغوى وأقراه فى المهمات.

ويتجه أن محل ما قاله البغوى فيما اذا لم يصدر على الاجنبية طلاق منه أو من غيره فان كان قد وقع عليها ذلك لم يحكم بطلاق زوجته بما وقع منه، لان الكلام الذى صدر منه صادق عليهما

ص: 310

صدقا واحدا والأصل بقاء الزوجية.

ويؤيده ما ذكره الرافعى فى باب العتق أنه اذا أعتق عبدا ثم قال له ولعبد آخر احدكما حر لم يقتض ذلك عتق الآخر.

فان قال لزوجته ولرجل أو دابة وقال أردت الرجل أو الدابة فانه لا يقبل، لان ذلك ليس محلا للطلاق. وأمته مع زوجته وفاسدة النكاح مع صحيحته كالاجنبية مع الزوجة.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

: ان من شك فى طلاقه لم يلزمه حكمه نص عليه أحمد.

والأصل فى هذا حديث عبد الله بن زيد رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يخيل اليه أنه يجد الشئ فى الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا متفق عليه، فأمره بالبناء على اليقين واطراح الشك، ولانه شك طرأ على يقين فوجب اطراحه، كما لو شك المتطهر فى الحديث أو المحدث فى الطهارة فلا يزال يقين النكاح بشك الطلاق.

والورع التزام الطلاق فان كان المشكوك فيه طلاقا رجعيا راجع امرأته ان كانت مدخولا بها أو جدد نكاحها ان كانت غير مدخول بها أو قد انقضت عدتها.

وان شك فى طلاق ثلاث طلقها واحدة وتركها، لانه اذا لم يطلقها فيقين نكاحه باق فلا تحل لغيره.

وحكى عن شريك أنه اذا شك فى طلاقه طلقها واحدة ثم راجعها، لتكون الرجعة عن طلقة فتكون صحيحة فى الحكم.

وليس بشئ لان التلفظ بالرجعة ممكن مع الشك فى الطلاق، ولا يفتقر الى ما تفتقر اليه العبادات من النية، ولانه لو شك فى طلقتين فطلق واحدة لصار شاكا فى تحريمها عليه فلا تفيده الرجعة.

واذا طلق

(2)

فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا اعتزلها، وعليه نفقتها ما دامت فى العدة.

فان راجعها فى العدة لزمته النفقة ولم يطأها حتى يتيقن كم الطلاق، لانه متيقن للتحريم شاك فى التحليل.

وجملة ذلك أنه اذا طلق وشك فى عدد الطلاق، فانه يبنى على اليقين.

نص عليه أحمد فى رواية ابن منصور فى رجل لفظ بطلاق امرأته لا يدرى واحدة أم ثلاثا؟

قال: اما الواحدة فقد وجبت عليه وهى عنده حتى يستيقن، لان ما زاد

(1)

المغنى والشرح الكبير ج 8 ص 422 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 423 الطبعة السابقة.

ص: 311

على القدر الذى تيقنه طلاق مشكوك فيه، فلم يلزمه، كما لو شك فى أصل الطلاق.

واذا ثبت هذا فانه تبقى أحكام المطلق دون الثلاث من اباحة الرجعة، واذا راجع وجبت النفقة وحقوق الزوجية.

قال الخرقى ويحرم وطؤها، لأنه تيقن وجود التحريم بالطلاق، وشك فى رفعه بالرجعة، فلا يرتفع بالشك، كما لو أصاب ثوبه نجاسة وشك فى موضعها، فانه لا يزول حكم النجاسة بغسل موضع من الثوب، ولا يزول الا بغسل جميعه.

وفارق لزوم النفقة فانها لا تزول بالطلقة الواحدة فهى باقية، لانها كانت باقية، ولم يتيقن زوالها.

وظاهر قول غير الخرقى من أصحابنا أنه اذا راجعها حلت له.

وهو ظاهر كلام أحمد فى رواية ابن منصور، لان التحريم المتعلق بما ينفيه يزول بالرجعة يقينا، فان التحريم أنواع.

تحريم تزيله الرجعة.

وتحريم يزيله نكاح جديد.

وتحريم يزيله نكاح بعد زوج واصابة.

ومن تيقن الأدنى لا يثبت فيه حكم الأعلى، كمن تيقن الحدث الاصغر، لا يثبت فيه حكم الاكبر، ويزول تحريم الصلاة بالطهارة الصغرى.

ويخالف الثوب فان غسل بعضه لا يرفع ما تيقنه من النجاسة.

فنظير مسئلتنا أن يتيقن نجاسة كم الثوب ويشك فى نجاسة سائرة فان حكم النجاسة فيه يزول بغسل الكم وحدها كذا هاهنا.

ويمكن منع حصول التحريم ههنا ومنع يقينه، فان الرجعة مباحة لزوجها فى ظاهر المذهب فما هو اذا متيقن للتحريم بل شاك فيه متيقن للاباحة.

واذا رأى

(1)

رجلان طائرا فحلف أحدهما بالطلاق أنه غراب، وحلف الآخر بالطلاق أنه حمام، فطار ولم يعلما حاله لم يحكم بحنث واحد منهما، لان يقين النكاح ثبت ووقوع الطلاق مشكوك فيه.

فان ادعت امرأة أحدهما حنثه فيها فالقول قوله، لان الأصل معه واليقين فى جانبه.

ولو كان الحالف واحدا فقال: ان كان غرابا فنساؤه طوالق، وان كان حماما فعبيده أحرار، أو قال: ان كان غرابا فزينب طالق، وان كان حماما فهند طالق، ولم يعلم ما هو، لم يحكم بحنثه فى شئ، لانه متيقن للنكاح، شاك فى

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 424، ص 425 الطبعة السابقة.

ص: 312

الحنث فلا يزول عن يقين النكاح والملك بالشك.

فاما ان قال أحد الرجلين: ان كان غرابا فامرأته طالق ثلاثا، وقال الآخر:

ان لم يكن غرابا فامرأته طالق ثلاثا فطار ولم يعلما حاله فقد حنث أحدهما لا بعينه، ولا يحكم به فى حق واحد مهما بعينه، بل تبقى فى حقه أحكام النكاح من النفقة والكسوة والسكنى، لأن كل واحد منهما يقين نكاحه باق ووقوع طلاقه مشكوك فيه.

فأما الوط ء فذكر القاضى أنه يحرم عليهما، لان احدهما حانث بيقين، وامرأته محرمة عليه، وقد أشكل، فحرم عليهما جميعا كما لو حنث فى احدى امرأتيه لا بعينها.

وان قال

(1)

: ان كان غرابا فهذه طالق وان لم يكن غرابا فهذه الأخرى طالق، فطار، ولم يعلم حاله فقد طلقت احداهما، فيحرم عليه قربانهما، ويؤخذ بنفقتهما حتى تبين المطلقة منهما، لانهما محبوستان عليه لحقه.

وذهب أصحابنا الى أنه يقرع بينهما فتخرج بالقرعة المطلقة منهما.

والصحيح ان القرعة لا مدخل لها ههنا لما سنذكره فيما اذا طلق واحدة وأنسيها وهو قول أكثر أهل العلم.

فعلى هذا يبقى التحريم فيهما الى أن يعلم المطلقة منهما ويؤخذ بنفقتهما.

فان قال هذه التى حنثت فيها حرمت عليه ويقبل قوله فى حل الأخرى.

فان ادعت التى لم يعترف بطلاقها أنها المطلقة فالقول قوله، لانه المنكر، وهل يحلف؟ يخرج على روايتين.

واذا قال

(2)

لزوجاته احداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها أقرع بينهن فأخرجت بالقرعة المطلقة منهن.

وجملته أنه اذا طلق امرأة من نسائه لا بعينها فانها تخرج بالقرعة، نص عليه أحمد فى رواية جماعة.

وما ذكرناه مروى عن على وابن عباس رضى الله تعالى عنهما، ولا مخالف لهما فى الصحابة، ولانه ازالة ملك بنى على التغليب والسراية فتدخله القرعة كالعتق.

واذا قال لنسائه احداكن طالق غدا، فجاء غد، طلقت واحدة منهن، وأخرجت بالقرعة، فان مات قبل الغد ورثته كلهن وان ماتت احداهن ورثها لانها ماتت قبل وقوع الطلاق، فاذا جاء غد أقرع بين الميتة والاحياء، فان وقعت القرعة على الميتة لم يطلق شئ من الاحياء وصارت كالمعينة بقوله أنت طالق غدا.

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 427 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 428، ص 429، ص 430 الطبعة السابقة.

ص: 313

وقال القاضى قياس المذهب أن يتعين الطلاق فى الاحياء، فلو كانتا اثنتين فماتت احداهما طلقت الاخرى، كما لو قال لامرأته وأجنبية احداكما طالق.

والفرق بينهما ظاهر، فان الأجنبية ليست محلا للطلاق وقت قوله فلا ينصرف قوله اليها، وهذه قد كانت محلا للطلاق، وارادتها بالطلاق ممكنة، وارادتها بالطلاق كارادة الأخرى، وحدوث الموت بها لا يقتضى فى حق الأخرى طلاقا فتبقى على ما كانت عليه.

واذا طلق واحدة من نسائه

(1)

وأنسيها، فان أكثر أصحابنا على أنها تخرج بالقرعة فيثبت حكم الطلاق فيها ويحل له الباقيات.

وقد روى اسماعيل بن سعيد عن أحمد ما يدل على أن القرعة لا تستعمل ههنا لمعرفة الحل، وانما تستعمل لمعرفة الميراث.

فانه قال سألت أحمد عن الرجل يطلق امرأة من نسائه ولا يعلم أيتهن طلق؟ قال أكره أن أقول فى الطلاق بالقرعة.

قلت أرأيت ان مات هذا؟ قال:

أقول بالقرعة، وذلك لانه تصير القرعة على المال.

وجماعة من روى عنه القرعة فى المطلقة المنسية انما هو فى التوريث.

فأما فى الحل فلا ينبغى أن يثبت بالقرعة وهذا قول أكثر أهل العلم، فالكلام اذا فى المسألة فى شيئين أحدهما فى استعمال القرعة فى المنسية للتوريث.

والثانى فى استعمالها فيها للحل.

أما الأول فوجهه ما روى عبد الله بن حميد قال: سألت أبا جعفر عن رجل قدم من خراسان وله أربع نسوة قدم البصرة فطلق احداهن ونكح، ثم مات لا يدرى الشهود أيتهن طلق.

فقد قال على رضى الله عنه اقرع بين الاربع وانذر منهن واحدة وأقسم بينهن الميراث، ولان الحقوق اذا تساوت على وجه لا يمكن التمييز الا بالقرعة صح استعمالها كالشركاء فى القسمة والعبيد فى الحرية.

وأما القرعة فى الحل فى المنسية فلا يصح استعمالها، لانه اشتبهت عليه زوجته بأجنبية فلم تحل له احداهما بالقرعة كما لو اشتبهت بأجنبية لم يكن له عليها عقد، ولان القرعة لا تزيل التحريم من المطلقة، ولا ترفع الطلاق عمن وقع عليه، ولاحتمال كون المطلقة غير من خرجت عليها القرعة ولهذا لو ذكر ان المطلقة غيرها حرمت عليه، ولو ارتفع التحريم أو زال الطلاق لما عاد بالذكر فيجب بقاء التحريم بعد القرعة كما كان قبلها.

وقد قال الخرقى فيمن طلق امرأته

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 431، ص 432، ص 433 الطبعة السابقة.

ص: 314

فلم يدر أواحدة طلق أم ثلاثا؟ ومن حلف بالطلاق ان لا يأكل ثمرة فوقعت فى تمر فأكل منه واحدة: لا تحل له امرأته حتى يعلم انها ليست التى وقعت عليها اليمين فحرمها، مع ان الاصل بقاء النكاح، ولم يعارضه يقين التحريم، فهنا أولى.

وهكذا الحكم فى كل موضع وقع الطلاق فيه على امرأة بعينها، ثم اشتبهت بغيرها مثل أن يرى امرأة فى روزنة او مولية فيقول: أنت طالق ولا يعلم عينها من نسائه.

وكذلك اذا وقع الطلاق على احدى نسائه فى مسئلة الطائر وشبهها فأنه يحرم جميع نسائه عليه حتى تتبين المطلقة، ويؤخذ بنفقة الجميع، لانهن محبوسات عليه.

وأن اقرع بينهن لم تفد القرعة شيئا.

ولا يحل لمن وقعت عليها القرعة التزوج، لانها يجوز أن تكون غير المطلقة.

ولا يحل للزوج غيرها، لاحتمال أن تكون المطلقة.

وقال اصحابنا أذا اقرع بينهن فخرجت القرعة على احداهن ثبت حكم الطلاق فيها فحل لها النكاح بعد قضاء عدتها، وحل للزوج من سواها، كما لو كان الطلاق فى واحدة غير معينة.

واحتجوا بما ذكرنا من حديث على، ولانها مطلقة لم تعلم بعينها فأشبه ما لو قال احداكن طالق، ولانه ازالة احد الملكين المبنيين على التغليب والسراية اشبه العتق.

والصحيح ان القرعة لا تدخل ههنا لما قدمنا

وفارق ما قاسوا عليه فان الحق لم يثبت لواحد بعينه فجعل الشرع القرعة معينة فانها تصلح للتعيين وفى مسألتنا الطلاق واقع فى معينة لا محالة والقرعة لا ترفعه عنها ولا توقعه على غيرها، ولا يؤمن وقوع القرعة على غيرها، واحتمال وقوع القرعة على غيرها، كاحتمال وقوعها عليها، بل هو أظهر فى غيرها، فانهن اذا كن اربعا، فاحتمال وقوعه فى واحدة منهن بعينها اندر من احتمال وقوعه فى واحدة من ثلاث.

ولذلك لو اشتبهت أخته بأجنبية، او ميتة بمذكاة، أو زوجته بأجنبية او حلف بالطلاق لا يأكل تمرة فوقعت فى تمر، وأشباه ذلك مما يطول ذكره، لا تدخله قرعة فكذا ههنا.

واما حديث على فهو فى الميراث لا فى الحل وما نعلم بالقول بها فى الحل من الصحابة قائلا

(1)

.

فعلى قول اصحابنا اذا ذكر أن المطلقة غير التى وقعت عليها القرعة فقد تبين انها كانت محرمة عليه، ويكون وقوع الطلاق

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 433 الطبعة السابقة.

ص: 315

من حين طلق لا من حين ذكر، وقوله فى هذا مقبول، لانه يقر على نفسه، وترد اليه التى خرجت عليها القرعة، لاننا تبينا انها غير مطلقة، والقرعة ليست بطلاق لا صريح ولا كناية.

فان لم تكن تزوجت ردت اليه، وقبل قوله فى هذا، لانه أمر من جهته لا يعرف الا من قبله، الا أن تكون قد تزوجت، أو يكون بحكم حاكم، لانها اذا تزوجت تعلق بها حق الزوج الثانى، فلا يقبل قوله فى فسخ نكاحه، والقرعة من جهة الحاكم بالفرقة لا يمكن الزوج رفعها فتقع الفرقة بالزوجين.

قال احمد فى رواية الميمونى: اذا كان له اربع نسوة فطلق واحدة منهن ولم يدر أيتهن طلق يقرع بينهن، فان أقرع بينهن فوقعت القرعة على واحدة، ثم ذكر التى طلق فقال: هذه ترجع اليه، والتى ذكر انه طلق يقع الطلاق عليها، فان تزوجت فهذا شئ قد مر، فان كان الحاكم اقرع بينهن فلا احب أن ترجع اليه، لان الحاكم فى ذلك اكبر منه.

وقال ابو بكر وابن حامد: متى اقرع.

ثم قال بعد ذلك أن المطلقة غيرها وقع الطلاق بهما جميعا ولا ترجع اليه واحدة منهما، لا أن التى عينها بالطلاق تحرم بقوله، وترثه أن مات، ولا يرثها.

ويجئ على قياس قولهما أن تلزمه نفقتها ولا يحل وطؤها.

فان مات قبل ذلك اقرع

(1)

الورثة وكان الميراث للبواقى منهن، نص احمد على هذا

ووجه قول الخرقى قول على رضى الله عنه، ولانهن قد تساوين، ولا سبيل الى التعيين، فوجب المصير الى القرعة، كمن اعتق عبيدا فى مرضه لا مال له سواهم، وقد ثبت الحكم فيهم بالنص، ولان توريث الجميع توريث لمن لا يستحق يقينا، والوقف لا الى غاية حرمان لمن يستحق يقينا والقرعة يسلم بها من هذين المحذورين، ولها نظير فى الشرع.

فان مات بعضهن أو جميعهن أقرع بين الجميع، فمن خرجت القرعة لها حرمناه ميراثها.

وان مات بعضهن قبله، وبعضهن بعده وخرجت القرعة لميتة قبله حرمناه ميراثها.

وان خرجت لميتة بعده حرمناها ميراثه والباقيات يرثهن ويرثنه.

فان قال الزوج بعد موتها هذه التى طلقتها أو قال فى غير المعينة هذه التى أردتها حرم ميراثها، لانه يقر على نفسه ويرث الباقيات سواء صدقه ورثتهن او كذبوه، لان علم ذلك انما يعرف من جهته، ولان الاصل بقاء النكاح بينهما وهم يدعون طلاقه لها والاصل عدمه.

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 436، ص 437، ص 438 الطبعة السابقة.

ص: 316

وهل يستحلف على ذلك؟ فيه روايتان.

فان قلنا يستحلف فنكل حرمناه ميراثها لنكوله ولم يرث الاخرى، لاقراره بطلاقها.

فان مات فقال ورثته لاحداهن هذه المطلقة فأقرت، او اقر ورثتها بعد موتها حرمناها ميراثه.

وان انكرت او انكر ورثتها فقياس ما ذكرناه أن القول قولها، لانها تدعى بقاء نكاحها وهم يدعون زواله، والاصل معها فلا يقبل قولهم عليها الا ببينة.

وأن شهد اثنان من ورثته أنه طلقها قبلت شهادتهما اذا لم يكونا ممن لا تقبل عليهما ميراثها ولا على من لا تقبل شهادتهما له كأمهما وجدتهما، لان ميراث احدى الزوجات لا يرجع الى ورثة الزوج، وانما يتوفر على ضرائرها.

وان ادعت احدى الزوجات انه طلقها طلاقا تبين به فأنكرها، فالقول قوله.

وان مات لم ترثه لاقرارها بأنها لا تستحق ميراثه فقبلنا قولها فيما عليها دون مالها، وعليها العدة، لاننا لم نقبل قولها فيما عليها.

وهذا التفريع فيما اذا كان الطلاق يبينها.

فاما أن كان رجعيا ومات فى عدتها أو ماتت ورث كل واحد منهما صاحبه.

واذا كان له أربع نسوة فطلق احداهن ثم نكح أخرى بعد قضاء عدتها ثم مات ولم يعلم ايتهن طلق فللتى تزوجها ربع ميراث النسوة، نص عليه احمد، ولا خلاف فيه بين اهل العلم.

ثم يقرع بين الاربع فأيتهن خرجت قرعتها خرجت وورث الباقيات نص عليه احمد ايضا.

وقال احمد فى رواية ابن منصور فى رجل له أربع نسوة طلق واحدة منهن ثلاثا.

وواحدة اثنتين، وواحدة واحدة، ومات على اثر ذلك، ولا يدرى ايتهن طلق ثلاثا، وأيتهن طلق اثنتين، وأيتهن واحدة يقرع بينهن، فالتى ابانها تخرج ولا ميراث لها.

هذا فيما اذا مات فى عدتهن وكان طلاقه فى صحته فانه لا يحرم الميراث الا المطلقة ثلاثا فالباقيتان رجعيتان يرثنه فى العدة.

ويرثهن ومن انقضت عدتها منهن لم ترثه ولم يرثها.

ولو كان طلاقه فى مرضه الذى مات فيه لورثه الجميع فى العدة وفيما بعدها قبل التزويج روايتان.

واذا طلق واحدة من نسائه

(1)

لا بعينها او بعينها فانسيها فانقضت عدة الجميع فله نكاح خامسة قبل القرعة.

وخرج ابن حامد وجها فى انه لا يصح نكاح الخامسة، لان المطلقة فى حكم نسائه بالنسبة الى وجوب الانفاق عليها، وحرمة النكاح فى حقها.

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 438 الطبعة السابقة.

ص: 317

ولا يصح، لاننا علمنا ان منهن واحدة بائنا منه ليست فى نكاحه ولا فى عدة من نكاحه فكيف تكون زوجته، وانما الانفاق عليها لاجل حبسها ومنعها من التزوج بغيره لاجل اشتباهها.

ومتى علمناها بعينها اما بتعيينه او قرعة فعدتها من حين طلقها لا من حين عينها.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

: إذا طلق امرأته طلاقا معلقا على شرط فهى باقية على الزوجية حتى يغلب ظنه أن شرط طلاقها قد وقع فيثبت الطلاق.

ولهذا قال اصحابنا ولو أن رجلا رأى طائرا فقال أن كان هذا غرابا فأمرأته طالق فطار الطائر، ولم يعرف انه كان غرابا، او غيره، لم يقع الطلاق على قياس قول يحيى عليه السلام، لنصه على أن النكاح المتيقن لا يرتفع بالشك.

لكن يستحب له رفع اللبس، فيقول: وان لم يكن غرابا فهى طالق، ثم يراجعها.

وما أوقع من الطلاق على غير معين، كاحداكن طلق ولم يقصد واحدة معينة، أو طلق واحدة معينة منهن، ثم التبس عليه بعد تعيينه على من أوقعه منهن، أو التبس ما وقع شرطه وقد طلق كل واحدة طلاقا مشروطا، وقد وقع بعض الشروط، لكن التبس أيتهن التى وقع شرط طلاقها كمسألة الطائر حيث قال: ان كان غرابا فأنت يا فلانة طالق، وان لم يكن غرابا فأنت يا فلانة طالق، ثم طار الطائر، والتبس ما هو، فان احداهما قد وقع شرط طلاقها لا محالة، لكن التبس ايهما، فان الحكم فى هذه الصور سواء عندنا.

وقال المؤيد بالله والبعض ان الطلاق فى الصورة الأولى، وهى احداكن يثبت فى الذمة.

وأختلف فقهاء المؤيد بالله فى تفسير قوله يثبت فى الذمة.

فقال على خليل وابو مضر: معناه، أن الطلاق انما يقع بتعيينه لا بالايقاع، وهكذا فى الانتصار عن ابى يحيى.

قيل: وهذا القول فيه نظر، لانهم اثبتوا الرجعة حيث رفع اللبس، ولا رجعة قبل وقوع الطلاق.

وقال الكنى وحكاه فى الانتصار أن الطلاق قد وقع من وقت الايقاع لكن اليه تعيينه.

وفائدة هذين القولين تظهر فى مسائل.

الاولى: أن العدة تكون من وقت الايقاع لا من وقت التعيين عند الكنى.

وعلى القول الاول من وقت التعيين.

الثانية: له أن يتزوج خامسة عند الكنى.

وعلى القول الاول ليس له ذلك حتى يعين

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 411، ص 412 الطبعة السابقة.

ص: 318

الثالثة: اذا ماتت احداهن فعينها صح عند الكنى لا على القول الاول.

وقال البعض بل يتفقون انه لا تعيين على ميتة.

الرابعة: اذا تزوج اخت واحدة منهن ثم عين اختها صح نكاح الاخت عند الكنى اذا وقع بعد انقضاء العدة.

وعلى القول الاول لا يصح.

الخامسة: أن التعيين يقع بالوط ء عند الكنى، فاذا وطئ ثلاثا تعينت الاخرة.

وعلى القول الاول له أن يطأهن ولا يكون تعيينا، ذكر ذلك بعض المذاكرين.

وفى شرح ابى مضر أن الوط ء والموت تعيين للطلاق فى غير الموطوءة والميتة.

فمتى وقع الطلاق على أى هذه الصور أوجب على الزوج اعتزال الجميع من الزوجات اللاتى التبس الطلاق بينهن.

فلو وطئ احداهن وظن أنها المطلقة اثم، ولا حد، ولا مهر، لان الاصل براءة الذمة حتى يطأ الجميع فيحد فيلزمه مهر واحدة.

وفى التذكرة لا يحد ولو عالما، لقوة الشبهة ويجب المهر، ولا يخرجن من نكاحه الا بطلاق فلا يجوز لهن أن يتزوجن الا بعد طلاقه وانقضاء العدة فيجبر الزوج الممتنع من طلاقهن او مراجعتهن على ما يقتضيه كلام الازرقى.

وعند الحقينى وأبى مضر يفسخه الحاكم.

والاصح للمذهب قول الازرقى

(1)

انه يجبر فان تمرد بعد الاجبار فالفسخ.

قال مولانا عليه السلام وهو صحيح على المذهب قال: ولا وجه لمن قال ليس بصحيح على المذهب، لانه اذا تمرد وابقيناه على تمرده كان فى ذلك اضرار بالنساء وقد قال الله تعالى:«وَلا تُضآرُّوهُنَّ»

(2)

.

ولا يصح منه التعيين للطلاق فى احداهن، لان حكمهن فيه على سواء مع اللبس.

ولا خلاف فى ذلك فى الصورتين الاخيرتين.

فأما فى الصورة الاولى فالخلاف فيها للبعض، فانهم يقولون ان التعيين اليه ولا يحتاج الى أن يعين بايقاع طلاق.

ويصح من الزوج رفع اللبس بعد ايقاع الطلاق الملتبس برجعة اذا كان الطلاق الملتبس رجعيا فيقول: من طلقت منكن فقد راجعتها فيرتفع اللبس.

وتستمر الزوجية عند من اجاز الرجعة المبهمة وهى مراجعة امرأة غير معينة وهو المذهب على ما ذكره أبو العباس.

والمؤيد بالله وابو طالب يخالفان فى ذلك وقال أبو مضر والامير على بن الحسين.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 412، ص 413، ص 414 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

ص: 319

والاولى أن يقول لكل واحدة منهن بعينها راجعتك ان كنت المطلقة يعنى ليكون اخذا بالاجماع، لان هذه الرجعة تصح عند المؤيد بالله وأبى طالب، لان التى راجعها فى هذه الصورة ليست مجهولة.

قال مولانا عليه السلام هذا صحيح.

ولا وجه لمن اعترض عليه بأن المراجعة ايضا مجهولة هنا، لانه لا جهالة قطعا مع خطابه لكل واحدة.

وقال الكنى ورجع اليه البعض أن صورة الخلاف اذا طلق نساءه أجمع ثم قال راجعت احداكن.

فأما اذا طلق واحدة ثم قال راجعت من طلقت فهذه ليست مجهولة وهى تصح وفاقا.

او يرفع اللبس بايقاع طلاق نحو أن يقول من لم اكن طلقتها منكن فهى طالق فيصرن كلهن مطلقات ثم يراجع جميعهن ان أحب فيكون اللبس قد ارتفع، فان كان قد طلق واحدة منهن تطليقة قبل هذا القول.

فان لم يرد رفع الالتباس بالطلاق راجعهن كما تقدم، والمطلقة الاولى تبقى عنده بواحدة لجواز أن تكون الثانية وقعت عليها وكل واحدة من البواقى باثنتين لجواز أن تكون كل واحدة هى المطلقة.

فان كانت المطلقة الأولى ملتبسة أيضا كان كل واحدة من الزوجات عنده بواحدة، لجواز أن تكون المطلقة الاولى هى المطلقة الثانية.

فاذا اراد رفع الالتباس قال لهن من لم أكن طلقتها منكن ثانيا فهى طالق، فيصرن كلهن مطلقات، ثم يراجعهن، ثم يقول من لم أكن طلقتها أو لا منكن فهى طالق، ثم يراجعن فيكن كلهن قد بقين عنده بواحدة.

ثم قال

(1)

: ولو كان للزوج امرأتان وقد دخل بهما ثم طلق احداهما طلاقا بائنا فمات ولم تعلم المطلقة، فانه يجب على كل واحدة منهما أن تعتد اربعة أشهر وعشرا، فيها ثلاث حيض من يوم طلقها، فان انقضت ثلاث حيض من يوم طلقها قبل الشهور أكملت الشهور.

وأن انقضت الشهور وليس فيها ثلاث حيض استكملتها بعد الاشهر.

ولهما فى اقصر العدتين لكل واحدة نفقة كاملة لانه يعلم أن كل واحدة منهما باقية فى العدة وأما بعد مضى أقصر العدتين فلا يستحقان الا قدر نفقة واحدة فقط

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 470، ص 471 الطبعة السابقة والتاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأحمد بن قاسم العنسى ج 2 ص 220، ص 221 الطبعة السابقة.

ص: 320

تقسم بينهما نصفين لانه يعلم أن احداهما قد انقضت عدتها قطعا.

أما المتوفى عنها او المطلقة فلم تلزم الا نفقة واحدة ولم يعلم أيهما يستحقها فقسمت بينهما نصفين كغير المدخولتين اذا التبس ايهما المطلقة وأيهما المتوفى عنها لم لم يستحقا الا نفقة واحدة فى الكل من العدتين لانا نعلم ان المطلقة لا تستحق نفقة رأسا والمتوفى عنها تستحق النفقة ولم يعلم أيهما فيقسم بينهما.

فان اختلفا فكانت احداهما مدخولة والاخرى غير مدخولة والتبست المطلقة بالمتوفى عنها فقس ما تقدم.

فالمدخولة تعتد بأربعة أشهر وعشر فيها ثلاث حيض ولها نفقة كاملة فى أقصر العدتين ونصف نفقة فى الزائد.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(1)

: أنه لا يلزم الطلاق بالشك فيه لتندفع الشبهة الناشئة من احتمال وقوعه، بل يبقى على حكم الزوجية، لاصالة عدمه وبقاء النكاح، ولكن لا يخفى الورع فى ذلك فيراجع أن كان الشك فى طلاق رجعى، ليكون على يقين من الحل او فى البائن بدون ثلاث جدد النكاح او بثلاث أمسك عنها، وطلقها ثلاثا لتحل لغيره يقينا.

وكذا يبنى على الاقل لو شك فى عدده والورع الاكثر.

وجاء فى شرائع الاسلام

(2)

: انه لو نسى أن له زوجة فقال: نسائى طوالق أو زوجتى طالق ثم ذكر لم يقع به فرقة.

ولو اوقع وقال اقصد الطلاق قبل منه ظاهرا ودين بنيته باطنا وان تأخر تفسيره ما لم تخرج عن العدة لانه اخبار عن نيته.

وللمطلق تعيين المطلقة وهو أن يقول فلانة طالق أو يشير اليها بما يرفع الاحتمال.

فلو كان له واحدة فقال زوجتى طالق صح لعدم الاحتمال.

ولو كان له زوجتان أو زوجات فقال زوجتى طالق فان نوى معينة صح ويقبل تفسيره، وان لم ينو قيل يبطل الطلاق لعدم التعيين.

وقيل يصح وتستخرج بالقرعة وهو اشبه.

ولو قال هذا طالق أو هذه قال الشيخ يعين للطلاق من شاء.

وربما قيل بالبطلان لعدم اليقين.

ولو نظر الى زوجته وأجنبيه فقال: احداكما طالق ثم قال: أردت الأجنبية قبل.

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 153، ص 154 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 53، ص 54 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 321

ولو كانت له زوجة وجارة كل منهما سعدى فقال سعدى طالق ثم قال أردت الجارة لم يقبل، لان احداهما يصلح لهما وايقاع الطلاق على الاسم يصرف الى الزوجة وفى الفرق نظر.

ولو ظن اجنبية زوجته فقال انت طالق لم تطلق زوجته لانه قصد المخاطبة.

ولو كان له زوجتان زينب وعمرة فقال يا زينب فقالت عمرة لبيك فقال انت طالق طلقت المنوية لا المجيبة.

ولو قصد المجيبة ظنا انها زينب قال الشيخ تطلق زينب.

وفيه اشكال لانه وجه الطلاق الى المجيبة لظنها زينب فلم تطلق المجيبة لعدم القصد ولا زينب لتوجه الخطاب الى غيرها.

ثم قال

(1)

: ولو شك المطلق فى ايقاع الطلاق لم يلزمه الطلاق لرفع الشك وكان النكاح باقيا.

وجاء فى الروضة

(2)

البهية: انه لو طلق ذو الاربع احدى الاربع وتزوج بخامسة ومات قبل تعيين المطلقة او بعده ثم اشتبهت المطلقة من الاربع فللمعلومة بالزوجية وهى التى تزوج بها أخيرا ربع النصيب الثابت للزوجات وهو الربع او الثمن وثلاثة ارباعه بين الاربع الباقيات التى اشتبهت المطلقة فيهن بحيث احتمل أن يكون كل واحدة هى المطلقة بالسوية هذا هو المشهور بين الاصحاب لا نعلم فيه مخالفا غير أبن ادريس، ومستنده رواية ابى بصير عن الباقر عليه السلام، ومحصولها ما ذكرناه وفى طريق الرواية على ابن فضال وحاله مشهور.

ومع ذلك فى الحكم مخالفة للاصل من توريث من يعلم عدم ارثه للقطع بأن احدى الاربع غير وارثة.

ومن ثم قيل والقائل ابن ادريس بالقرعة لانها لكل امر مشتبه أو مشتبه فى الظاهر مع تعيينه فى نفسه الامر وهو هنا كذلك لان احدى الاربع فى نفس الامر ليست وارثة.

فمن اخرجتها القرعة بالطلاق منعت من الارث وحكم بالنصيب للباقيات بالسوية وسقط عنها الاعتداد لان المفروض انقضاء عدتها قبل الموت من حيث انه تزوج بالخامسة

وعلى المشهور هل يتعدى الحكم الى غير المنصوص كما لو اشتبهت المطلقة فى اثنين او ثلاث خاصة او فى جملة الخمس او كان للمطلق دون اربع زوجات فطلق واحدة وتزوج بأخرى وحصل الاشتباه بواحدة أو بأكثر، أو لم يتزوج واشتبهت المطلقة بالباقيات، أو بعضهن، أو طلق أزيد من واحدة وتزوج كذلك، حتى لو طلق الاربع وتزوج بأربع واشتبهن، أو فسخ نكاح واحدة لعيب أو غيره أو ازيد، وتزوج غيرها أو لم يتزوج وجهان.

(1)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 55 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 327، ص 328 الطبعة السابقة.

ص: 322

القرعة كما ذهب اليه ابن ادريس فى المنصوص، لانه غير منصوص مع عموم انها لكل امر مشتبه.

وانسحاب الحكم السابق فى كل هذه الفروع لمشاركتها للمنصوص فى المقتضى، وهو اشتباه المطلقة بغيرها من الزوجات وتساوى الكل فى الاستحقاق، فلا ترجيح ولانه لا خصوصية ظاهرة فى قلة الاشتباه وكثرته، فالنص على عين لا يفيد التخصيص بالحكم، بل التنبيه على مأخذ الحكم، والحاقه بكل ما حصل فيه الاشتباه.

فعلى الاول اذا استخرجت القرعة المطلقة قسم النصيب بين الاربع او ما الحق بها بالسوية.

وعلى الثانى يقسم نصيب المشتبهة وهو ربع النصيب أن اشتبهت بواحدة.

ونصفه أن اشتبهت باثنين بين الاثنين أو الثلاث بالسوية ويمكن للمعينتين نصف النصيب وللثلاث ثلاثة أرباعه وهكذا ولا يخفى أن القول بالقرعة فى غير موضع النص هو الاقوى، بل فيه أن لم يحصل الاجماع والصلح خير.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أنه ان طلق الرجل واحدة لا بعينها أو ظاهر منها لا بعينها أو عين فى ذلك واحدة ونسيها حقق لكل منهن أو لمن أراد منهن الرجوع اليها طلقة أو ظهارا فيكون كل واحدة منهن على تطليقة واحدة فى الحكم.

وقال ان لم تكن هى المطلقة أو لا.

ثم يراجعهن بتفريق ان كان فى صورة الطلاق حقق لهن التطليق على تفريق، والا فله المراجعة بمرة.

قال الشارح: والذى عندى أن له المراجعة بمرة مطلقا.

وان كانت واحدة منهن مطلقة مثلا ثم طلق لا بتعيين أو طلق واحدة فنسيها.

فان حقق بعد بتطليقة لم تجز له مراجعة واحدة، لأن كلا منهن يمكن أن تكون اياها.

ثم قال الشارح والذى عندى أن من طلق واحدة لا بعينها مثل أن يقول واحدة أو امرأتى طالق يقع طلاقه عليهن جميعا بلا تحقيق طلاق آخر اذ لا خيار فى الطلاق

(1)

.

ومن له زوجات ثلاث فقال، ان كلمت فلانا فامرأتى فلانة طالق، أو فلانة أو فلانة طلقت زوجة واحدة فى ذلك كله، وليختر من شاء فيوقعه عليها قبل أن يكلمه أو بعده.

وان ماتت احداهما قبل أن يختار واحدة أو يعينها، فان قال: عنيت الحية أو اختارها بالطلاق فارقها وورث الميتة ويحلف ان اتهم.

وان ماتتا ولم يتبين أمرهما فالقول

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 530، ص 531 طبع محمد ابن يوسف البارونى وشركاه بمصر.

ص: 323

قوله مع يمينه ان اتهم ولا ترثانه ان مات، وذلك ان طلق ثلاثا أو بائنا أو تقدمت قبل اثنتان أو طلق تطليقتين وتقدمت قبل واحدة أو كانت احداهما أو كلتاهما غير مدخول بها، ولو كان الطلاق واحدا.

وان قصد بالطلاق معينة فاشتبهت أخذ بطلاقهما.

وان ماتتا قبل أن يطلق ورث واحدة.

وترثانه ان مات قبله ميراث واحدة فتقتسمانه وتتحالفان ان تنازعتا.

وان مس احداهما فارقها أبدا.

وان تبين بعد المس أن الممسوسة هى المطلقة امسك الأخرى.

وان قال لواحدة من زوجتيه ان لم أبت عندك فصاحبتك طالق فاشتبهت اختار احداهما وطلق الأخرى، كذا قيل.

قلت: بل يطلقهما معا فتكونان بعد على واحدة.

وان قال لزوجته عائشة يا عائشة فأجابته زوجته فاطمة فقال لها أنت طالق يظنها عائشة طلقتا معا باللفظ وبالنية عند الأكثر

وقيل: تطلق المنوية وهى عائشة فقط.

وقيل: تطلق المجيبة باللفظ وهى فاطمة فقط.

قال ابن وصاف واحسب أن أبا على الحسن بن أحمد قال: عن بعض لا يقع الطلاق على أحداهما فى الحكم.

والذى عندى أنه تطلق عائشة فقط، لأنها المنوية فى قلبه وبلفظه ولو كان بأثر جواب فاطمة.

وكذا الخلاف فيما اذا خرجت احدى الزوجتين من البيت فقال لها يا فلانة ظنا أنها التى لم تخرج - أنت طالق

(1)

.

ثم قال

(2)

: وعدة المرأة الحامل وضع الحمل لقول الله تبارك وتعالى:

«وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ»

(3)

واذا حصل شك وريبة فى كونها حاملا فان كان سبب الريبة تأخير الحيض عن وقته تربصت تسعة أشهر استبراء، ثم ثلاثة أشهر كالعدة فى قول بعض.

وان كان لمرض أو ارضاع انتظرت الاقراء والاياس على المشهور.

فاذا أيست اعتدت ثلاثة أشهر.

وقيل تحل بمضى السنة وان كان بسبب الريبة حبس البطن.

قال والمرتابة بحبس البطن لا تنكح الا بعد أقصى أمد الوضع وهو خمسة أعوام على المشهور.

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 3 ص 612، ص 613 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 573، ص 574 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 4 من سورة الطلاق.

ص: 324

وروى أربعة.

وروى سبعة.

فاذا مضت المدة تزوجت ولو بقيت الريبة وان زالت قبل المدة تزوجت أيضا.

وسواء فى ذلك كله فارقت الزوج بطلاق أو موت أو غير ذلك أو كان ذلك من زنا.

قال العاصمى وخمسة الأعوام أقصى الحمل وستة الأشهر فى الاقل، وهذا اذا كانت الريبة، هل حركة بطنها بريح أو حمل أو نحو ذلك.

وأما ان تحقق وجود الولد فلا تحل أبدا حتى تضع.

وقال الشيخ اسماعيل وغيره من أصحابنا: أقصى مدة الحمل سنتان، وكأنه أراد أنه يلحق بالزوج الذى فارقته ما لم تتم سنتان ان لم يتحقق انه منه بتحركه عنده.

فلو مضت السنتان وتحرك بعدهما فهو ابن أمه ان لم تتزوج ولم يكن بحيث يلحق بالثانى.

وقيل يلحق بالأول ما لم يحكم الحاكم بالطلاق.

‌حكم الاشتباه فى الرضاع

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق

(1)

: انه لو أدخلت امرأة حلمة ثديها فى فم رضيع ولا يدرى أدخل اللبن فى حلقه أم لا، لا يحرم النكاح لان فى المانع شكا كذا فى الولوالجية، وفى الخانية لو أن صبية أرضعها قوم كثير من أهل قرية أقلهم أو أكثرهم، ولا يدرى من أرضعها، وأراد واحد من أهل تلك القرية أن يتزوجها.

قال أبو القاسم الصغار. اذا لم يظهر له علامة ولا يشهد له بذلك يجوز نكاحها.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه

(2)

: أنه لو خلط لبن امرأة بلبن امرأة أخرى صار الرضيع ابنا لهما مطلقا، سواء تساويا أم لا.

فيؤخذ من ذلك أنه لا يحل لاحدهما النكاح من الآخر.

أما لو خلط لبن المرأة بغيره من طعام أو شراب وكان غالبا أو مساويا لغيره بأن لم يبق له طعم فلا يحرم.

وجاء فى التاج والاكليل

(3)

- أن ابن

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 3 ص 238 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 503 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل للمواق مع مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 4 ص 178 الطبعة السابقة.

ص: 325

عرفة قال: اللبن المخلوط بطعام أو بدواء وكان اللبن غالبا محرم، وعكسه مذهب المدونة لغو.

وجاء فى الفروق للقرافى

(1)

: ومن التبست عليه الأجنبية بأخته بأن شك فى الأجنبية وأخته من الرضاع حرمتا معا، وسبب التحريم هو الشك.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(2)

: أنه لو شك هل رضع خمسا، أم أقل، أو هل رضع فى حولين، أم بعد الحولين فلا تحريم، لأن الأصل عدمه.

ولا يخفى الورع حيث وقع الشك للكراهة حينئذ، كما هو ظاهر أنه حيث وجد خلاف يعتد به فى التحريم وجدت الكراهة ومعلوم انها أغلظ لأن الاحتياط هنا لنفى الريبة فى الايضاع المختصة بمزيد احتياط ففى المحارم المختصة باحتياط أولى.

وجاء فى البجرمى

(3)

: أنه يشترط فى الرضيع كونه حيا حياة مستقرة فلا أثر لوصول اللبن الى جوف غيره، لخروجه عن التغذى، وكونه لم يبلغ حولين فى ابتداء الخامسة، وان بلغهما فى أثنائها يقينا، فلا أثر لذلك بعدهما، ولا مع الشك فى ذلك، لخبر لا رضاع الا ما فتق الأمعاء وكان قبل الحولين رواه الترمذى وحسنه، ولخبر لا رضاع الا ما كان فى الحولين رواه البيهقى وغيره وللآية «وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ» وللشك فى سبب التحريم فى صورة الشك.

وما ورد مما يخالفه فى قصة سالم مخصوص به أو يقال منسوخ.

ويقيدان بالأهلة فان انكسر الشهر الأول كمل بالعدد من الخامس والعشرين.

وابتداؤهما من وقت انفصال الولد بتمامه.

وشرط فى اللبن وصوله أو وصول ما حصل منه من جبن أو غيره جوفا

(1)

الفروق للامام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى وحاشية عمدة المحققين سراج الدين أبى القاسم قاسم بن عبد الله الأنصارى المعروف بابن الشاط وبهامش الكتابين تهذيب الفروق والقواعد لمحمد على بن الشيخ حسن مفتى المالكية ج 1، ص 227 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية طبع الشيخ محمد بن على ابن الشيخ حسين مفتى المالكية بمكة المكرمة طبعة أولى سنة 1344 هـ.

(2)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 7 ص 167 الطبعة السابقة وحاشية العلامة البجرمى للشيخ سليمان البجرمى على شرح منهج الطلاب وبهامشه مع الشرح نفائس ولطائف الشيخ المرصفى ج 4 ص 99، ص 100 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر.

(3)

حاشية البجرمى للشيخ سليمان البجرمى على شرح منهج الطلاب وبهامشه مع الشرح نفائس ولطائف للشيخ المرصفى ج 4 ص 98 - ص 100 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر.

ص: 326

من معدة أو دماغ، ولو اختلط بغيره غالبا كان أو مغلوبا، وان تناول بعض المخلوط، أو كان بايجار، بأن يصب اللبن فى الحلق، فيصل الى معدته أو اسعاط بأن يصب اللبن فى الأنف، فيصل الى الدماغ، فانه يحرم لحصول التغذى بذلك.

أو بعد موت المرأة لانفصاله منها وهو محترم لا وصوله بحقنة أو تقطير فى نحو أذن كقبل، لانتفاء التغذى بذلك.

وشرطه أى الرضاع ليحرم كونه خمسا من المرات انفصالا ووصولا للبن يقينا، فلا أثر لدونها ولا مع الشك فيها، كأن تناول من المخلوط ما لا يتحقق كون خالصه خمس مرات للشك فى سبب التحريم.

وقد روى مسلم عن عائشة رضى الله تعالى عنها: كان فيما أنزل الله فى القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، فنسخن بخمس معلومات، فتوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهن فيما يقرأ من القرآن، أى يتلى حكمهن أو يقرؤهن من لم يبلغه النسخ، لقربه وقدم مفهوم هذا الخبر على مفهوم خبر مسلم أيضا لا تحرم الرضعة ولا الرضعتان، لاعتضاده بالأصل، وهو عدم التحريم.

والحكمة فى كون التحريم بخمس ان الحواس التى هى سبب الادراك خمس عرفا.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: أنه اذا شك فى وجود الرضاع أو فى عدده المحرم بنى على اليقين، لأن الأصل عدم الرضاع فى المسألة الاولى، وعدم وجود الرضاع المحرم فى الثانية، لكن تكون من الشبهات وتركها أولى.

قال الشيخ: لحديث من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه.

وان شكت المرضعة فى الرضاع أو كماله فى الحولين ولا بينة فلا تحريم.

وجاء فى المغنى

(2)

: انه اذا وطئ رجلان امرأة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلا صار ابنا لمن ثبت نسب المولود منه سواء ثبت نسبه منه بالقافة أو بغيرها، وان الحقته القافة بهما صار المرتضع ابنا لهما، فالمرتضع فى كل موضع تبع للمناسب، فمتى لحق المناسب بشخص فالمرتضع مثله، وان انتفى المناسب عن أحدهما فالمرتضع مثله، لأنه بلبنه ارتضع، وحرمته فرع على حرمته.

وان لم يثبت نسبه منهما لتعذر القافة أو لاشتباهه عليهم ونحو ذلك،

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 3 ص 293، ص 294 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 133، ص 134 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 9 ص 204، ص 205 الطبعة السابقة.

ص: 327

حرم عليهما تغليبا للحظر، لأنه يحتمل أن يكون منهما، ويحتمل أن يكون من أحدهما، فيحرم عليه أقاربه دون أقارب الآخر، وقد اختلطت أخته بغيرها فحرم الجميع.

كما لو علم أخته بعينها ثم اختلطت بأجنبيات.

وان انتفى عنهما جميعا بأن تأتى به لدون ستة أشهر من وطئهما أو لأكثر من أربع سنين من وط ء الآخر انتفى المرتضع عنهما أيضا.

فان كان المرتضع جارية حرمت عليهما تحريم المصاهرة.

ويحرم أولادهما عليهما أيضا لأنها ابنة موطوءتهما فهى ربيبة لهما.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

أنه اذا شرب الصبى اللبن مع جنسه وهو لبن الآدميات فانه يقتضى التحريم مطلقا - أى سواء كان غالبا أو مغلوبا اذا كان يصل الجوف لو انفصل عن الخلط، أو خلط مع غير جنسه كالماء، ولبن البهائم والمرق، وكان هو الغالب لما خلط به فانه يقتضى التحريم.

ولا بد من أن يقدر أنه او انفصل وصل الجوف.

فان كان اللبن مساويا لما خلط به أو مغلوبا أو التبس الأغلب فلا تحريم.

واذا التبس

(2)

دخول المرضعة فى السنة العاشرة فلم يعلم هل لها عشرة أعوام أم أقل، فانه يقتضى التحريم.

وهذا مبنى على أنه قد تحقق دخولها فى العاشرة والتبس هل وقع الرضاع قبلها أم فيها.

فأما لو التبس حين الرضاع هل دخلت فى السنة العاشرة أم هى فى التاسعة فأنه يحكم بالأصل، وهو عدم دخول العاشرة.

بخلاف ما اذا التبس حين رضاع الصبى هل قد زاد عمره على الحولين أم لا بل هو فى الحولين فان الرضاع مع هذا اللبس لا يقتضى التحريم.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف

(3)

: انه اذا شبب اللبن بغيره ثم سقى المولود لم ينشر الحرمة غالبا كان اللبن أو مغلوبا، وسواء شيب بجامد كالسويق والدقيق والأرز

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن بن مفتاح ج 2 ص 560 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن مفتاح ج 2 ص 561 الطبعة السابقة.

(3)

الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الامام الطوسى ج 2 ص 322 مسألة رقم 11 ومسألة رقم 12 الطبعة السابقة.

ص: 328

ونحوه، أو بمائع كالماء والخل واللبن، كان مستهلكا أو غير مستهلك.

دليلنا قول الله تبارك وتعالى «وَأُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ 1» وهذه ما أرضعت:

ولأن الأصل نفى التحريم واثباته يحتاج الى دليل.

واذا جمد اللبن أو غلى لم ينشر الحرمة

وجاء فى شرائع الاسلام

(2)

: أنه لا بد من توالى الرضعات، بمعنى أن المرأة الواحدة تنفرد باكمالها، فلو رضع من واحدة بعض العدد، ثم رضع من أخرى بطل حكم الأول.

ولو تناوب عليه عدة نساء لم ينشر الحرمة ما لم يكمل من واحدة خمس عشرة رضعة ولاء.

ولا يصير صاحب اللبن مع اختلاف المرضعات أبا ولا أبوه جدا ولا المرضعة أما.

ولا بد من ارتضاعه من الثدى فى قول مشهور تحقيقا لمسمى الارتضاع.

فلو وجر فى حلقه أو أوصل الى جوفه بحقنه وما شاكلها لم ينشر.

وكذا لو جبن فأكله جبنا.

وكذا يجب أن يكون اللبن بحاله فلو مزج بأن القى فى فم الصبى مائع ورضع فامتزج حتى خرج عن كونه لبنا لم ينشر.

ولو ارتضع ثدى ميتة أو رضع بعض الرضعات وهى حية ثم أكملها وهى ميتة، لم ينشر، لأنها خرجت بالموت عن التحاق الأحكام فهى كالبهيمة المرتضعة، وفيه تردد.

وأن يكون فى الحولين ويراعى فى ذلك المرتضع لقوله صلى الله عليه وسلم «لارضاع بعد فطام.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(3)

: أنه ان اختلط لبن امرأة بأخرى، بأن جعلت نساء ألبانهن، أو امرأتان لبنهما فى اناء واحد، فشرب طفل بعضه فشبهة بينهن، لاحتمال أن يكون البعض المشروب لبن هذه، أو لبن هذه، أو لبنهن.

وأما هو فقد تحقق أنه شرب لبن غير أمه، فلا يتزوج ولا يصافح واحدة منهن.

وان شربه كله فرضاع منهن.

وان شربه أو شرب بعضه فريق متعدد من الأطفال فشبهة فى حق كل واحد مع الآخر وعليهن جميعا.

(1)

الآية رقم 23 من سورة النساء.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الامامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 13 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 349، ص 350 الطبعة السابقة.

ص: 329

وان اختلط

(1)

لبن امرأة بأن جعلته فى نحو ماء أو لبن شاة أو غيرها، أو بطعام غير يابس فلم يعلم موضع اللبن منه أعنى لبن المرأة أو علم موضعه لكنه رطب كثيرا بحيث يسرى فسقته أو أطعمته الكل أو الأكثر فشمل النصف، لأنه غير قليل، فذلك رضاع.

والأقل أى القليل وهو ما دون النصف سقيه أو اطعامه شبهة.

وان تفرد اللبن فى جانب وتبين ولم يشرب فلا رضاع ولا شبهة.

وقيل: لو قطرت قطرة من لبن امرأة فى بئر فشرب منها صبى لكان رضاعا.

وقيل: لا ان استهلكت عين اللبن ولونه وغلب عليه الماء.

وقيل: لا أيضا ان كان الماء أكثر، ذكره فى التاج ويدل له جواز التوضؤ به.

وان جعلته بأن خلطته بدقيق أو طعام يابس فأطعمته، ولو قليله، فذلك رضاع ان لم يتبين موضعه، أو عجنت به ذلك الطعام.

وقيل: شبهة ان لم تبين، ولم تطعمه الكل، ولا الأكثر.

وان تبين لم يكن رضاعا ما لم تطعمه.

ولا شك ان عجنته كله به وحده فانه رضاع.

وان طبخت لبنها فى أرز، فأكل منه صبى أو شرب من مائة فشبهة، ويكون رضاعا الا ان جف الأرز جفوفا لا تلحقه وطوبة منه وتغير، واحتمله، وذهب عينه.

واختير الاحتياط كذا ذكر المصنف فى بعض مختصراته.

وفى الديوان قولان.

اذا ذهب لونه وطعمه فى نحو ماء أو طعام وان طبخ وحده أو مع غيره حتى غيرته النار لم يكن رضاعا.

قلت: هو رضاع.

واذا وقع لبنها فى طعام وتيبس حتى ذهبت رطوبته، فأكله الصبى، لم يكن رضاعا، لزواله.

ألا ترى أن الموضع النجس يطهر باليبس ومضى المدة وأصل الحكم بطهره زوال رطوبة النجس، ولا يشترط فى اللبن الا زوال رطوبته فى الرضاع.

وان جعلت

(2)

امرأة ثديها بفم طفل وشكت أنه تجرع، أى ابتلع لبنها، أو قطرته فى أذنه، أو عينه أو منخره، أو فى جرح بحلقه أو جعلته حيث يصل جوفه بتداو، أو غيره كما يصب اللبن فى عين الصبى لرمد، وخص التداوى، لأن غيره كالعبث، لا ينبغى أن يقع، وشكت فى وصوله جوفه، فذلك شبهة، أى

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 348، ص 349 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 347 الطبعة السابقة.

ص: 330

موجب شبهة فلا يتزوجها، مخافة أن يكون قد وصل الجوف، ولا يصافحها كما يصافح ذات محرم، مخافة أن يكون لم يصل، وكذا غيره وغيرها ممن يحرم بهما.

وكذا لو فعلت ذلك بطفلة فتحتمل الوصول فهى بنتها، فلا يتزوجها ولدها، ولا تتزوج بنتها ابن الكبيرة.

وان وقع التزويج أو المصافحة لم يحكم بالتحريم ولا يجب التفريق.

وان تغير لبن امرأة

(1)

بدم أو قيح أو بهما فتجرعه فهو شبهة أى موجب لها ولو كان اللبن مغلوبا فى باب التحرج والتورع لا يتزوج ولا يصافح.

وأما الحكم فيكون للغالب.

فان كان اللبن مغلوبا فلا رضاع.

أو غالبا فرضاع.

وان استوى بغيره رجح الجرم بأنه رضاع.

واختلف فيما حلبته امرأة من ثديها مشوبا أى مخلوطا مكدرا بغيره وكذا فى لبن ثدى الرجل لا خالص لبن هل هو رضاع شرعى أو لا قولان.

ثالثهما: أنه رضاع ان كان ينبت اللحم.

روت أم الفضل عن النبى صلى الله عليه وسلم «لا يحرم من الرضاع الا ما فتق» .

وان ألقم صبى

(2)

الثدى ومصه وقعت شبهة والرضاع أولى، وتركت الشبهة، وذلك ان كان فيه لبن.

والمص دون ظهور اللبن لا يوجب رضاعا، لأنه قد يمص ولا ينحدر له اللبن الا أنه شبهة.

ولا يحكم الا بالصحة، أو بظهور اللبن فى طرفى شفتيه أو باحساسها اللبن يتحلب منها، وبالشهادة على ذلك.

وقيل: اذا رأته يمص وغلب على ظنها أنه وصل جوفه فرضاع.

والطفلة كالطفل بالنسبة الى ابن مرضعتها ومن يحرم برضاعها.

‌الاشتباه

فى الدّعوى

وما يتعلق بها

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق

(3)

: ويصح دعوى الملك المطلق فى العقار بلا بيان سبب الملك.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 354، ص 355، الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 350 الطبعة السابقة.

(3)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين ج 7 ص 218، ص 219 الطبعة الأولى طبع المطبعة العالمية بمصر سنة 1310 هـ.

ص: 331

وفى دعوى البزازيه من فصل التناقض:

واعلم أن مشايخ فرغانه ذكروا أن الشرط فى دعوى العقار فى بلاد قدم بناؤها بيان السبب، ولا نسمع فيه دعوى الملك المطلق، لأن دعوى الملك المطلق دعوى الملك من الأصل بسبب الخطة ومعلوم أن صاحب الخطة فى مثل تلك البلاد غير موجود، فيكون كذبا لا محالة، فكيف يقضى به.

واذا تعذر القضاء بالمطلق لذلك فلا بد من أن يقضى بالملك بسبب، وذلك اما سبب مجهول أو معلوم.

فالمجهول لا يمكن القضاء به للجهالة.

والمعلوم لعدم تعيين المدعى اياه.

ثم ان الاستحقاق لو فرض بسبب حادث يجوز أن يكون ذلك السبب شراء ذى اليد من آخر.

ثم يجوز أن يكون السبب سابقا على تملك ذى اليد فيمنع الرجوع.

ويجوز أن يكون لاحقا فلا يمنع الرجوع فيشتبه.

وحكم أداء اليمين فى الدعوى

(1)

انقطاع الخصومة للحال مؤقتا الى غاية احضار البينة .. الخ.

فلو قال المدعى للمدعى عليه أحلف وأنت برئ من هذا الحق الذى ادعيت، أو أنت برئ من هذا الحق، ثم أقام البينة قبلت، لأن قوله أنت برئ يحتمل البراءة للحال، أى برئ عن دعواه، وخصومته للحال.

ويحتمل البراءة عن الحق فلا يجعل ابراء بالشك كذا فى السراج الوهاج.

وجاء فى الأشباه والنظائر

(2)

: أنه لو كان على شخص دين وشك فى قدره ينبغى لزوم اخراج القدر المتيقن.

وفى البزازيه من القضاء اذا شك فيما يدعى عليه فينبغى أن يرضى خصمه ولا يحلف احتراز عن الوقوع فى الحرام.

وان أبى خصمه الا حلفه، فان كان أكبر رأيه أن المدعى محق لا يحلف، وان كان أكبر رأيه أنه مبطل ساغ له الحلف.

وذكر صاحب البدائع

(3)

: فى حكم تعارض الدعوتين مع تعارض البينتين أن الكلام فى ذلك يقع فى موضعين.

أحدهما فى بيان حكم تعارض الدعوتين مع تعارض البينتين القائمتين على أصل الملك.

والثانى: فى بيان حكم تعارض البينتين القائمتين على قدر الملك.

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 7 ص 225 الطبعة السابقة.

(2)

من كتاب الاشباه والنظائر مع شرحه غمز عيون البصائر للحموى والمتن لمولانا زين العابدين ابراهيم الشهير بابن نجيم المصرى والشرح لمولانا السيد أحمد بن محمد الحنفى الحموى ج 1 ص 92 طبع مطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1290 هـ

(3)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 232 الطبعة الأولى مطبعة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1328 هـ.

ص: 332

أما الأول: فالأصل أن البينتين اذا تعارضتا فى أصل الملك من حيث الظاهر.

فان أمكن ترجيح احداهما على الأخرى يعمل بالراجح، لأن البينة حجة من حجج الشرع، والراجح ملحق بالمتيقن فى أحكام الشرع.

وان تعذر الترجيح فان أمكن العمل بكل واحدة منهما من كل وجه وجب العمل به، وان تعذر العمل بهما من كل وجه، وأمكن العمل بهما من وجه وجب العمل بهما، لأن العمل بالدليليز واجب بقدر الامكان.

وان تعذر العمل بهما أصلا سقط اعتبارهما والتحقا بالعدم، اذ لا حجة مع المعارضة، كما لا حجة مع المناقضة.

ثم قسم الدعوى بعد ذلك الى دعوى الملك.

ودعوى اليد.

ودعوى الحق.

ثم قال عن دعوى الملك أنها أما أن تكون من الخارج على ذى اليد.

أو من الخارجين على ذى اليد.

أو تكون من صاحبى اليد أحدهما على الآخر.

فان كانت الدعوى

(1)

من الخارج على ذى اليد دعوى الملك وأقاما البينة.

فاما أن تكون البينتان على ملك مطلق عن الوقت.

واما أن تكونا على ملك مؤقت.

واما أن تكون احداهما على ملك مطلق، والأخرى على ملك مؤقت.

وفى كل ذلك أما أن تكون بسبب.

واما أن تكون بغير سبب.

فان قامت البينتان على ملك مطلق عن الوقت من غير سبب فبينة الخارج أولى، لأن البينة حجة المدعى وذو اليد ليس بمدع فلا تكون البينة حجة.

وان قامت البينتان على ملك مؤقت من غير سبب، فان استوى الوقتان يقضى للخارج، لأنه بطل اعتبار الوقتين للتعارض، فبقى دعوى ملك مطلق.

وان كان أحدهما أسبق من الآخر يقضى للأسبق وقتا أيهما كان فى قول أبو حنيفة وأبى يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى.

وروى ابن سماعة عن محمد أنه رجع عن هذا القول وقال: لا تقبل من صاحب اليد بينة على وقت وغيره الا فى النتاج.

والصحيح جواب ظاهر الرواية.

وان قامت احداهما على ملك مطلق والأخرى على ملك مؤقت من غير سبب لا عبرة بالوقت عندهما ويقضى للخارج.

وعند أبى يوسف يقضى لصاحب الوقت أيهما كان.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 233، 234 الطبعة السابقة.

ص: 333

وروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى مثله.

ووجه قول أبى يوسف أن بينة صاحب الوقت أظهرت الملك له فى وقت خاص لا يعارضها فيه بينة مدعى الملك المطلق بيقين، بل يحتمل المعارضة وعدمها، لأن الملك المطلق لا يتعارض للوقت، فلا تثبت المعارضة بالشك.

ولهذا لو ادعى كل واحد من الخارجين على ثالث وأقام كل واحد منهما البينة أنه اشتراه من رجل واحد، ووقتت بينة أحدهما، وأطلقت الأخرى أنه يقضى لصاحب الوقت كذا هذا.

ولهما أن الملك احتمل السبق والتأخير، لأن الملك المطلق يحتمل التأخير والسبق، لجواز أن صاحب البينة المطلقة لو وقتت بينته كان وقتها أسبق، فوقع الاحتمال فى سبق الملك المؤقت فسقط اعتبار الوقت فبقى دعوى مطلق الملك فيقضى للخارج.

أما اذا كان فى دعوى ذلك سبب، وكان السبب هو النتاج، وهو الولادة فى الملك ففى دعوى النتاج من الخارج على ذى اليد لو أقام أحدهما البينة على النتاج، والآخر على الملك المطلق عن النتاج، فبينة النتاج أولى، لأنها قامت على أولية الملك لصاحبه.

وان وقتت البينتان فان اتفق الوقتان سقط اعتبارهما للتعارض فبقى دعوى الملك المطلق.

وان اختلفا بحكم سن الدابة فتقضى لصاحب الوقت الذى وافقه السن لأنه ظهر أن البينة الأخرى كاذبة بيقين.

أما اذا أشكل سن الدابة سقط اعتبار التاريخ، لأنه يحتمل أن يكون سنها موافقا لهذا الوقت، ويحتمل أن يكون موافقا لذلك الوقت، ويحتمل أن يكون مخالفا لهما جميعا، فيسقط اعتبارهما كأنهما سكتا عن التاريخ أصلا.

وان خالف سنها الوقتين جميعا سقط الوقت.

كذا ذكره فى ظاهر الرواية لأنه ظهر بطلان التوقيت فكأنهما لم يوقتا فبقيت البينتان قائمتين على مطلق الملك من غير توقيت.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه

(1)

: أنه اذا تنازع الخصمان فأراد أحدهما الرفع لقاض وأراد الآخر الرفع لقاض آخر، كان القول للطالب، وهو صاحب الحق، دون المطلوب.

ثم ان لم يكن طالب مع مطلوب بأن كان كل يطالب صاحبه رفع الى قاض سبق رسوله لطلب الاتيان عنده.

والا يسبق رسول قاض بل استويا فى المجئ مع دعوى كل أنه الطالب أقرع

(1)

الشرح الكبير على حاشية الدسوقى وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 4 ص 135 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 334

للقاضى الذى يذهبان اليه، فمن خرج سهمه للذهاب له ذهبا له، كما يقرع بينهما فى الادعاء بعد اتيانهما للقاضى الذى أقرعا فى الذهاب اليه، أو الذى اتفقا على الذهاب له، ثم تنازعا فى تقديم الدعوى اذ الموضوع أن كلا طالب.

وان جهل المدعى

(1)

بأن قال كل أنا المدعى فالجالب لصاحبه بنفسه أو برسول القاضى، هو الذى يؤمر بالكلام ابتداء.

وان لم يكن أحدهما جالبا أقرع بينهما.

وان ادعى

(2)

أخ أسلم أن أباه أسلم ومات مسلما وادعى الاخ النصرانى أنه استمر على النصرانية ومات على نصرانيته فالقول للنصرانى استصحابا للأصل المتفق عليه.

ولو أقام كل منهما بينة على دعواه قدمت بينة المسلم، لأنها ناقلة عن الأصل فقد علمت ما لا تعلمه الأولى.

وهذا اذا كان معلوم النصرانية.

وأما اذا كان مجهولها كأن تشهد لكل بينة على دعواه فشهدت للابن النصرانى بأن أباه تنصر عند الموت أى نطق بالنصرانية، أو بأنه مات على النصرانية، وان لم تقل نطق بها، وشهدت للابن المسلم أنه أسلم، ومات، فلا تقدم بينة المسلم، ليأخذ المال ان جهل أصله، ولم يعلم ذلك الأب هل هو نصرانى أو مسلم.

واذا لم تقدم بينة المسلم صارت البينتان متعارضتين فيقسم المال بينهما نصفين، اذا لم يوجد مرجح كمال نتازعه الاثنان فيقسم بينهما كمجهول الدين، ولا بينة لواحد منهما فيقسم المال بينهما وعبر أو لا بأصله وهنا بالدين تفننا.

واذا كان لمجهول الدين ثلاثة أولاد مثلا، مسلم، ويهودى، ونصرانى، ادعى كل أن أباه كان على دينه، قسم ماله على الجهات بالسوية، لجهة الاسلام الثلث، ولكل من الآخرين الثلث.

واذا أخذت كل جهة ثلثها قسموه على حكم الميراث عند كل ملة.

هذا هو الظاهر.

ويحتمل أن الذكر والانثى سواء.

وظاهر أنا لا نحكم عليهم بشرعنا الا اذا ترافعوا الينا.

فاذا لم يترافعوا الينا سلمنا لهم ما يخصهم يفعلون به ما يقتضيه رأيهم.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 143 الى ج 144 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 224.

ص: 335

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(1)

: أنه اذا ادعى اثنان عينا كل واحد منهما يدعيها لنفسه وهى فى يد ثالث لم ينسبها ذو اليد الى أحدهما قبل البينة ولا بعدها، وأقام كل منهما بينة سطقت الدعويان لتعارضهما ولا مرجح، فأشبه الدليلين اذا تعارضا بلا ترجيح، وحينئذ فيحلف كل منهما يمينا.

فان أقر ذو اليد لأحدهما قبل البينة أو بعدها رجحت بينته.

وفى قول تستعملان صيانة لهما عن الالغاء حسب الامكان فتنزع من ذى اليد.

وعليه ففى قول تقسم العين بينهما بالسوية لخبر أبى داود بذلك.

وحمله الأول على أن العين كانت بيدهما.

وفى قول يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة رجح لخبر فيه مرسل وله شاهد.

وأجاب الأول بحمله على أنه كان فى عتق أو قسمة.

وفى قول يوقف الأمر اذا أشكل الأمر حتى يتبين الحال أو يصطلحا لأن احداهما صادقة والاخرى كاذبة فيوقف، كما لو زوج المرأة وليان ونسى السابق.

ولم يرجح واحدا من الأقوال لعدم اعتنائه بها لتفريعها على الضعيف.

وأصحها الأخير.

ومحل تساقط البينتين اذا وقع تعارض حيث لم يتميز أحدهما بمرجح والا قدم.

ولو

(2)

أطلقت بينة بأن لم تتعرض لزمن الملك، وأرخت بينة، ولا يد لاحدهما، واستويا فى أن لكل شاهدين مثلا، ولم تبين الثانية سبب الملك.

فالمذهب أنهما سواء فيتعارضان.

ومجرد التاريخ غير مرجح، لاحتمال أن المطلقة لو فسرت فسرت بما هو أكثر من الأول.

نعم لو شهدت احداهما بدين، والأخرى بابراء من قدره رجحت هذه لانه انما يكون بعد الوجوب، والاصل عدم تعدد الدين.

بخلاف ما لو أثبت على زيد اقرارا بدين فأثبت زيد اقرار المدعى بعدم استحقاقه عليه شيئا فانه لا يؤثر فى الاقرار، لاحتمال حدوث الدين بعد، ولأن الثبوت لا يرتفع بالنفى المحتمل.

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب حاشية الشبراملسى عليه وبهامشه المغربى ج 8 ص 338، ص 339 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 8 ص 343 الطبعة السابقة.

ص: 336

وجاء فى المهذب

(1)

: أنه ان ادعى رجل ملك عبد، فأقام عليه بينة، وادعى آخر انه باعه، أو أوقفه، أو أعتقه وأقام عليه بينة، قدم البيع والوقفا والعتق، لأن بينة الملك شهدت بالأصل، وبينة البيع والوقف والعتق شهدت بأمر حادث خفى على بينة الملك، فقدمت على بينة الملك ..

وان كان فى يد رجل عبد فادعى رجل انه ابتاعه، وأقام عليه بينة، وادعى العبد أن مولاه أعتقه وأقام عليه بينة، فان عرف السابق منهما بالتاريخ قضى بأسبق التصرفين، لأن السابق منهما يمنع صحة الثانى، فقدم عليه.

وان لم يعرف السابق منهما تعارضتا وفيهما قولان.

أحدهما: أنهما يسقطان ويرجع الى من فى يده العبد، وان كان كذبهما حلف لكل واحد منهما يمينا على الانفراد، وان صدق أحدهما قضى لمن صدقه.

والقول الثانى: أنهما يستعملان فيقرع بينهما فى أحد الأقوال.

فمن خرجت له القرعة قضى له.

ويقسم فى القول الثانى فيعتق نصفه ويحكم للمبتاع بنصف الثمن.

ولا يجئ القول بالوقف لأن العقود لا توقف.

واذا مات رجل

(2)

وخلف ابنا مسلما وابنا نصرانيا وادعى كل واحد منهما أن أباه مات على دينه وأنه يرثه وأقام على ما يدعيه بينة.

فان عرف أنه كان نصرانيا نظرت.

فان كانت البينتان غير مؤرختين حكم ببينة الاسلام، لأن من شهد بالنصرانية شهد بالأصل، والذى شهد بالاسلام شهد بأمر حادث خفى على من شهد بالنصرانية، فقدمت شهادته، كما تقدم بينة الجرح على بينة التعديل.

فان شهدت احداهما بأنه مات، وآخر كلامه الاسلام، وشهدت الأخرى بأنه مات، وآخر كلامه النصرانية، فهما متعارضتان وفيهما قولان.

أحدهما: أنهما يسقطان فيكون كما لو مات ولا بينة فيكون القول قول النصرانى لأن الظاهر معه.

والثانى: أنهما يستعملان فان قلنا بالقرعة أقرع بينهما فمن خرجت له القرعة ورث.

وان قلنا بالوقف وقف وان قلنا بالقسمة ففيه وجهان.

أحدهما: انه يقسم كما يقسم فى غير الميراث.

(1)

كتاب المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم ابن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج 2 ص 314 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1276 هـ.

(2)

المهذب لأبى اسحاق الفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 315 الطبعة السابقة.

ص: 337

والثانى: وهو قول أبى اسحاق أنه لا يقسم لأنه اذا قسم بينهما تيقن الخطأ فى توريثهما وفى غير الميراث يجوز أن يكون المال مشتركا بينهما فقسم.

وان لم يعرف أصل دينه تعارضت البينتان سواء كانتا مطلقتين أو مؤرختين وفيهما قولان.

أحدهما: أنهما يسقطان.

فان كان المال فى يد غيرهما فالقول قول من فى يده المال.

وان كان فى يديهما كان بينهما.

وان قلنا أنهما يستعملان، فان قلنا يقرع أقرع بينهما.

وان قلنا يوقف وقف الى أن ينكشف.

وان قلنا يقسم قسم.

وقال أبو اسحاق لا يقسم، لأنه يتيقن الخطأ فى توريثهما.

والمنصوص أنه يقسم.

وما قاله أبو اسحاق خطأ لأنه يجوز أن يموت وهو نصرانى فورثه ابناه وهما نصرانيان ثم أسلم أحدهما وادعى أن أباه مات مسلما ليأخذ الجميع.

ويغسل الميت ويصلى عليه فى المسائل كلها ويدفن فى مقابر المسلمين وينوى بالصلاة عليه ان كان مسلما كما قلنا فى موتى المسلمين اذا اختلطوا بموتى للكفار.

وان مات رجل وخلف ابنين واتفق الابنان أن أباهما مات مسلما وان أحد الابنين أسلم قبل موت الأب واختلفا فى الآخر فقال أسلمت أنا أيضا قبل موت أبى فالميراث بيننا وأنكر الآخر فالقول قول المتفق على اسلامه لأن الأصل بقاؤه على الكفر.

ولو اتفقا على اسلامهما واختلفا فى وقت موت الأب، فقال أحدهما:

مات أبى قبل اسلامك فالميراث لى، وقال الآخر بل مات بعد اسلامى أيضا، فالقول قول الثانى، لأن الأصل حياة الأب.

وان مات رجل وخلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فقال الأبوان مات كافرا، وقال الابنان مات مسلما فقد قال أبو العباس يحتمل قولين.

أحدهما: أن القول قول الأبوين، لأنه اذا ثبت أنهما كافران كان الولد محكوما بكفره الى أن يعلم الاسلام.

والثانى: أن الميراث يوقف الى أن يصطلحوا أو ينكشف الأمر، لأن الولد انما يتبع الأبوين فى الكفر قبل البلوغ فأما بعد البلوغ فله حكم نفسه.

ويحتمل أنه كان مسلما.

ويحتمل أنه كان كافرا فوقف الأمر الى أن ينكشف.

وجاء فى نهاية المحتاج

(1)

: انه اذا

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 8 ص 261، ص 262 الطبعة السابقة.

ص: 338

ادعى عينا غائبة عن البلد وان كانت فى غير محل ولايته يؤمن اشتباهها كعقار وعبد وفرس معروفات بالشهرة أو بتحديد الاول سمع القاضى بينته، وحكم بها على حاضر وغائب، وكتب الى قاضى بلد المال ليسلمه للمدعى، كما يسمع البينة ويحكم بها على الغائب وغلب غير العاقل على خلاف القاعدة الاكثرية كقوله تعالى:«يُسَبِّحُ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ»

(1)

، فدعوى أنه خلاف الصواب غير صحيح.

ويعتمد فى معرفة العقار حدوده الاربعة أن لم يعرف الا بها، والا فالمعرفة فيه لا تتقيد بها، فقد يعرف بالشهرة التامة فلا يحتاج لذكر حد ولا غيره، وقد لا يحتاج لذكر حدوده الاربعة بل يكتفى بثلاثة وأقل منها.

ولهذا قال ابن الرفعة: ان تميز بحد كفى.

ويشترط ايضا ذكر بلده وسكنه ومحله منها، لا قيمته، لحصول التمير بدونها.

وان كانت العين لا يؤمن اشتباهها كغير المعروف مما ذكر.

فالاظهر سماع البينة على عينها وهى غائبة ليميزها بالصفة مع دعاء الحاجة الى اقامة الحجة عليها كالعقار والثانى: المنع لكثرة الاشتباه ويبالغ حتما المدعى فى الوصف للمثلى بما يمكن الاستقصاء به، ليحصل التميز به الحاصل غالبا بذلك.

وأشترطت المبالغة هنا دون السلم، لانها تؤدى الى عزة الوجود المنافية لصحته

ويذكر القيمة حتما ايضا فى المتقوم، لانه لا يصير معلوما بدونها.

واعلم أن ذكر القيمة فى المثلى والمبالغة فى وصف المتقوم مندوب كما قالاه هنا.

وأنما يجب وصف العين بصفة السلم دون قيمتها، مثلية كانت أو متقومة اذا كانت عينا حاضرة بالبلد يمكن احضارها مجلس الحكم.

والاظهر انه لا يحكم بما قامت البينة عليه، لان الحكم مع حظر الاشتباه والجهانة بعيد، والحاجة تندفع بسماع البينة اعتمادا على صفاتها والمكاتبة بها.

ومقابلة لا ينظر الى ذلك بل يكتب الى قاضى بلد المال بما شهدت به البينة.

فان ظهر الخصم ثم عينا اخرى مشاركة له بيده أو يد غيره اشكل الحال

وان لم يأت بدافع عمل الحاكم المكتوب اليه به حيث وجد بالصفة التى تضمنها الكتاب وحينئذ فيأخذه ممن هو عنده ويبعثه الى القاضى الكاتب

(1)

الاية رقم 1 من سورة الجمعة.

ص: 339

ليشهدوا على عينه ليحصل اليقين.

ولكن الاظهر أنه لا يسلمه للمدعى الا بكفيل.

‌مذهب الحنابلة:

ذكر ابن رجب

(1)

فى قواعده: أن اشتباه المدعى عليه اذا كتب القاضى الى قاضى بلد آخر أن لفلان على فلان ابن فلان المسمى الموصوف كذا، فأحضره المكتوب اليه بالصفة والنسب، فادعى أن له مشاركا فى ذلك، ولم يثبت حكم عليه.

وان ثبت أن له مشاركا فى الاسم والصفة والنسب وقف حتى يعلم الخصم منهما، ولم يجز القضاء مع عدم العلم.

أما لو كان المدعى المكتوب فيه حيوانا أو عبدا موصوفا ولم يثبت له مشارك ففيه وجهان.

اشهرهما انه يسلم الى المدعى مختوم العنق، ويؤخذ منه كفيل، حتى يأتى القاضى الكاتب، فيشهد الشهود على عينه ويقضى له به، وان لم يشهدوا على عينه، وجب رده الى الحاكم الدى سلمه ويكون فى ضمان الذى اخذه، لانه اخذه بغير استحقاق.

والوجه الثانى لا يسلم الا بالشهادة على عينه.

والفرق بينهما وبين التى قبلها أن الحر قد طابق قول المدعى اسمه ونسبه وصفته فيبعد الاشتراك فى ذلك والعبد والحيوان انما حصل الاتفاق فى صفته او فى وصفه واسمه والوصف كثير الاشتباه وكذلك الاسم.

ونظير هذا ما ذكروه فى شهادة الاعمى أنه أن عرف المشهود عليه باسمه ونسبه قبلت شهادته.

وأن عرفه برؤيته قبل عماه فوصفه ففى قبولها وجهان، لان الوصف المجرد يحصل فيه الاشتراك.

وجاء فى كشاف

(2)

القناع: أنه أن كان المدعى به عينا حاضرة فى المجلس عينها المدعى بالاشارة اليها لينتفى اللبس.

وان كانت حاضرة فى البلد لكن لم تحضر

(1)

القواعد للحافظ أبى الفرج عبد الرحمن ابن رجب، الحنبلى فى الفقه الاسلامى ج 1 ص 236، ص 237 الطبعة الاولى سنة 1352 هـ، سنة 1933 طبع مطبعة الصدق الخيرية بمصر ومكتبة الخانجى لأصحابها أولاد محمد ابن الخانجى بمصر.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 4 ص 203 طبع المطبعة الشرفية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الاولى.

ص: 340

مجلس الحكم اعتبر احضارها للتعيين وازالة اللبس.

ويجب احضارها على المدعى عليه أن أقر أن بيده مثلها فيوكل به حتى يحضرها.

فمن ادعى عليه بغصب عبد وأقر أن بيده عبدا امره الحاكم باحضاره لتكون الدعوى على عينه.

وروى صاحب المغنى

(1)

عن أحمد انه لو اخذ رجل من رجلين ثوبين احدهما بعشرة، والاخر بعشرين، ثم لم يدر أيهما ثوب هذا، فادعى احدهما ثوبا من هذين الثوبين، وادعاه الاخر أقرع بينهما، فأيهما اصابته القرعة حلف، وكان الثوب الجيد له، والاخر للاخر.

وانما قال ذلك لانهما تنازعا عينا فى يد غيرهما.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(2)

: انه لو تداعى رجلان شيئا وليس فى ايديهما ولا بينة لهما اقرع بينهما على اليمين.

فأيهما خرج سهمه حلف وقضى له به

وهكذا كل ما تداعيا فيه مما يوقن بلا شك انه ليس لهما جميعا.

كدابة يوقن انها نتاج احدى دابتيهما.

لما روينا أن رجلين ادعيا بعيرا أو دابة فأتيا به النبى صلى الله عليه وسلم ليس لواحد منهما بينة فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج

(3)

المذهب: القول لمنكر اعواض المنافع، وهو المستعمل، لاتفاقهما ان تفويت المنافع كان بأذن المالك وهو يدعى اثبات العوض، لان الظاهر فى المنافع عدم العوض فيبين المالك.

والمراد بالمسئلة اذا لم يكن لصاحب الدابة ونحوها عادة بالاجارة، أو بالاعارة، بل ذلك اول ما فعل، او كان يعتاد الامرين على سواء، او التبس

فان بينا معا حكم ببينة العوض

(1)

المغنى للامام العلامة موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد محمود بن قدامة على مختصر للامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن ابن أبى عمر بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 12 ص 186 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

(2)

المحلى للامام محمد بن على بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 6 ص 436، ص 437 مسألة رقم 1813.

(3)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة محمد بن أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 23، ص 24 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.

ص: 341

لانه يحتمل انه وقع عقد اجارة وعقد اعارة.

فأما لو اعتاد احدهما، أو كان احدهما هو الغالب فالقول من ادعى المعتاد والغالب.

أما لو اختلفا قبل الركوب هل ذلك اعارة او اجارة؟ فعلى مدعى الاجارة البينة ولو معتادا.

وكذلك العتق والطلاق، نحو ان يعتق عبده، أو يطلق زوجته او يعفو عن القصاص، واختلفوا هل بعوض ام بغير عوض.

فالقول لمنكر العوض ما لم تكن عادته او عادة اهل الناحية.

فان حلفت الزوجة فلا شئ عليها.

وهو بائن فى حقه فلا يرثها أن ماتت معتدة.

وان مات ورثته.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف

(1)

: انه اذا تعارضت البينتان على وجه لا ترجيح لاحداهما على الاخرى اقرع بينهما.

فمن خرج اسمه حلف واعطى الحق.

هذا هو المعول عليه عند اصحابنا.

وقد روى انه يقسم بينهما نصفين، وذلك لاجماع الفرقة على أن القرعة تستعمل فى كل امر مجهول مشتبه، وهذا داخل فيه.

والاخبار فى عين المسألة كثيرة اوردناها فى كتب الاخبار.

وروى سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أمر، وجاء كل واحد منهما بشهود عدول على عدة واحدة، فأسهم النبى صلى الله عليه وسلم بينهما، وقال اللهم انت تقضى بينهما، وهذا نص.

وقد روى أنه قسم بينهما نصفين.

وروى ابو موسى الاشعرى قال: رجلان ادعيا بعيرا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث كل واحد منهما شاهدين، فقسمه النبى صلى الله عليه وسلم بينهما نصفين.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل وشفاء العليل

(2)

:

(1)

من كتاب الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الامام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 638 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران عاصمة ايران سنة 1382 هـ.

(2)

من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 700 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

ص: 342

أنه ان ادعى حران ما بأيديهما ولم يبين كل منهما أنه له حلف كل للآخر أنه له لأن كلا منهما منكر واليمين على من أنكر وقسماه بينهما

فمن نكل أى تولى عن اليمين وتركها دفع عن الشئ وأعطى من حلف.

وذكر قومنا انه صلى الله عليه وسلم عرض على قوم اليمين فأسرعوا، فأمر أن يسهم بينهم فيها ايهم يحلف.

وان صورة الاشتراك فى اليمن أن يتنازع اثنان شيئا ليس فى يد احدهما، ولا بينة لاحدهما، بأن التبس الامر فيقرع بينهما.

فمن خرجت له القرعة حلف واستحقه

ويؤيد ذلك ما روى من طريق أبى رافع عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رجلين اختصما فى متاع، ولا بينة لواحد منهما، فقال صلى الله عليه وسلم: استهما على اليمين ما كان احبا ذلك أو كرها.

وسواء فى ذلك العروض والاصول كما هو ظاهر المصنف والعاصمى.

وقيل: ذلك فيما يخشى فساده، كالحيوان والرقيق والطعام.

واما ما لا يخشى فساده كالدور فانه يترك حتى يأتى احدهما بأعدل مما يأتى به صاحبه الا أن طال الزمان ولم يأتيا بشئ فأنه يقسم لان تركه ضرر

وفى موضع

(1)

آخر وان التبس المدعى بالمدعى عليه بأن قال كل منهما امام الحاكم: أنا المدعى، والحال انه لا بيان لاحدهما امرهما بالارتفاع عنه، حتى يأتى احدهما بطلب الخصومة فهو المدعى.

وقيل: اذا لم يعرف المدعى اقرع بينهما.

وقيل: يبدأ بأيهما شاء.

أما اذا تزاحمت الخصوم فالسابق فالسابق الا المسافر وما يخاف فوته.

اما ان لم يعرف السابق ولا بيان عليه اقرع بينهم.

وينبغى للحاكم أن يوكل من يعرف الاول، واليه ذهب العاصمى.

‌حكم الاشتباه فى القضاء

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: أنه اذا كان القاضى من اهل الاجتهاد واشكل عليه حكم الحادثة، استعمل رأيه فى ذلك وعمل به.

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 6 ص 584 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 5 الطبعة السابقة.

ص: 343

والافضل أن يشاور اهل الفقه فى ذلك.

فان اختلفوا فى حكم الحادثة نظر فى ذلك فأخذ بما يؤدى الى الحق ظاهرا.

وأن اتفقوا على رأى يخالف رأيه عمل برأى نفسه أيضا، لان المجتهد مأمور بالعمل بما يؤدى اليه اجتهاده، فحرم عليه تقليد غيره، لكن لا ينبغى أن يعجل بالقضاء، ما لم يقض حق التأمل والاجتهاد، وينكشف له وجه الحق.

فاذا ظهر له الحق باجتهاده قضى بما يؤدى اليه اجتهاده.

ولا يكون خائفا فى اجتهاده بعد ما بذل مجهوده لاصابة الحق فلا يقولن: انى أرى، وانى اخاف، لان الخوف والشك والظن يمنع من اصابة الحق، ويمنع من الاجتهاد، فينبغى أن يكون جريئا جسورا على الاجتهاد، بعد أن لم يقصر فى طلب الحق، حتى لو قضى مجازفا لم يصح قضاؤه فيما بينه وبين الله سبحانه وتعالى.

وان كان من اهل الاجتهاد الا انه اذا كان لا يدرى حاله يحمل على أنه قضى برأيه ويحكم بالصحة حملا لامر المسلم على الصحة والسداد ما أمكن.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه

(1)

: أنه اذا اشكل الحكم على القاضى، ولو كان مجتهدا احضر العلماء ندبا.

وقيل: وجوبا.

أو شاورهم ان لم يحضرهم.

وهذا فى الامور المهمة التى شأنها تدقيق النظر فيها.

وأما الاحكام الظاهرة فلا حاجة له باحضارهم، كما هو ظاهر.

قال ابن مرزوق: وظاهر قول خليل: انه مخير فى ذلك، وهو قول ثالث مخالف لما نقله غيره من ان فى المسألة قولين.

فقيل: انه يحضرهم مشاورا لهم، كفعل عثمان، فانه كان اذا جلس احضر اربعة من الصحابة ثم استشارهم فان رأوا ما رآه امضاه.

وقيل: انه يستشيرهم بعد فراغه من مجلس الحكم كفعل عمر.

والاول قول اشهب وابن المواز.

والثانى قول الأخوين.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

أن من المستحب أن

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 4 ص 139 الطبعة السابقة.

(2)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 297 الطبعة السابقة.

ص: 344

يحضر مجلس القاضى الفقهاء ليشاورهم فيما يشكل.

لقول الله تبارك وتعالى: «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ»

(1)

.

قال الحسن أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مشاورتهم لغنيا.

ولكن اراد الله تعالى أن يستسن بذلك الحكام.

ولان النبى صلى الله عليه وسلم شاور فى اسارى بدر.

فأشار ابو بكر رضى الله تعالى عنه بالفداء.

واشار عمر رضى الله تعالى عنه بالقتل.

وروى عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه أن ابا بكر رضى الله تعالى عنه كان اذا نزل به أمر يريد فيه مشاورة اهل الرأى والفقه دعا رجالا من المهاجرين، ورجالا من الانصار، ودعا عمر، وعثمان، وعليا، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبى بن كعب، وزيد ابن ثابت رضى الله تعالى عنهم، فمضى ابو بكر على ذلك.

ثم ولى عمر رضى الله تعالى عنه، وكان يدعو هؤلاء النفر.

فان اتفق امر مشكل شاورهم فيه.

فان اتضح له الحق حكم به.

فان لم يتضح أخره الى أن يتضح.

ولا يقلد غيره، لانه مجتهد فلا يقلد.

وقال ابو العباس أن ضاق الوقت وخاف الفوت بأن يكون الحكم بين مسافرين وهم على الخروج قلد غيره وحكم كما قال فى القبلة اذا خاف فوت الصلاة.

وان اجتهد فأداه اجتهاده الى حكم فحكم به ثم بان له أنه اخطأ.

فان كان ذلك بدليل مقطوع به كالنص والاجماع والقياس الجلى نقض الحكم لقول الله تبارك وتعالى، «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ»

(2)

.

ولما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه انه قال: ردوا الجهالات الى السنة.

وكتب الى أبى موسى لا يمنعك قضاء قضيت به ثم راجعت فيه نفسك فهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فان الحق قديم لا يبطله شئ، وأن الرجوع الى الحق أولى من التمادى فى الباطل، ولانه مفرط فى حكمه غير معذور فيه فوجب نقضه.

(1)

الآية رقم 159 من سورة آل عمران.

(2)

الآية رقم 49 من سورة المائدة.

ص: 345

واذا حضر

(1)

خصوم واحد بعد واحد قدم الاول فالاول لان الاول سبق الى حق له فقدم على من بعده، كما لو سبق الى موضع مباح.

وان حضروا فى وقت واحد او سبق بعضهم واشكل السابق اقرع بينهم.

فمن خرجت له القرعة قدم لانه لا مزية لبعضهم على بعض فوجب التقديم بالقرعة كما قلنا فيمن أراد السفر ببعض نسائه.

فان ثبت السبق لاحدهم فقدم السابق غيره على نفسه جاز لان الحق له فجاز أن يؤثر به غيره.

وان تقدم الى الحاكم اثنان فادعى احدهما على الاخر حقا فقال المدعى عليه انا جئت به وانا المدعى. قدم السابق بالدعوى، لان ما يدعيه كل واحد منهما محتمل، وللسابق بالدعوى حق السبق فقدم.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(2)

: انه اذا نزل بالقاضى الامر المشكل عليه مثله شاور فيه اهل العلم والامانة على معنى أن الحاكم اذا حضرته قضية تبين له حكمها فى كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، او اجماع، أو قياس جلى، حكم، ولم يحتج الى رأى غيره، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه الى اليمن: بم تحكم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فان لم تجد؟ قال: اجتهد رأيى، ولا آلو، قال: الحمد لله الذى وفق رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يرضى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فان احتاج الى الاجتهاد استحب له أن يشاور، لقول الله تبارك وتعالى «وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ» .

قال الحسن: أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لغنيا عن مشاورتهم، وانما اراد ان يستن بذلك الحكام بعده.

وقد شاور النبى صلى الله عليه وسلم اصحابه فى أسارى بدر، وفى مصالحة الكفار يوم الخندق، وفى لقاء الكفار يوم بدر.

(1)

المهذب للشيرازى ج 2 ص 298، ص 299 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع ج 11 ص 395، ص 396، ص 397، ص 398 الطبعة السابقة.

ص: 346

وروى ما كان احد اكثر مشاورة لاصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وشاور ابو بكر الناس فى ميراث الجدة وعمر فى دية الجنين.

وشاور الصحابة فى حد الخمر.

وروى أن عمر كان يكون عنده جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم عثمان، وعلى، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، اذا نال به الامر شاورهم فيه، ولا مخالف فى استحباب ذلك.

قال احمد: لما ولى سعد بن ابراهيم قضاء المدينة كان يجلس بين القاسم وسالم يشاورهما، وولى محارب بن دثار قضاء الكوفة فكان يجلس بين الحكم وحماد يشاورهما، ما احسن هذا لو كان الحكام يفعلونه، يشاورون، وينتظرون ولانه قد ينتبه بالمشاورة ويتذكر ما نسيه بالمذاكرة، ولان الاحاطة بجميع العلوم متعذرة، وقد ينتبه لاصابة الحق ومعرفة الحادثة من هو دون القاضى، فكيف بمن يساويه او يزيد عليه؟

فقد روى أن أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه جاءته الجدتان فورث أم الأم وأسقط أم الأب، فقال له عبد الرحمن ابن سهل: يا خليفة رسول الله لقد اسقطت التى لو ماتت ورثها وورثت التى لو ماتت لم يرثها، فرجع أبو بكر فأشرك بينهما.

والمشاورة هاهنا لاستخراج الادلة ويعرف الحق بالاجتهاد.

ولا يجوز أن يقلد غيره ويحكم بقول سواه سواء ظهر له الحق فخالفه غيره فيه أو لم يظهر له شئ، وسواء ضاق الوقت او لم يضق.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج

(1)

المذهب: انه يندب للحاكم استحضار العلماء فى مجلس حكمه، ليتراجعوا فيما فيما التبس امره، الا لتغيير حاله بحضورهم، فلا يستحضرهم، بل يشاورهم فى غير مجلس الحكم.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(2)

: انه اذا وضح الحكم امام القاضى لزمه القضاء اذا التمسه المقضى له، فيقول: حكمت، او قضيت، أو انفذت، او مضيت، او التزمت، ولا يكفى ثبت عندى، أو أن دعواك

(1)

التاج المذهب لاحكام المذهب لاحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 191 الطبعة السابقة وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 318 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 240 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر.

ص: 347

ثابتة، وفى اخراج اليه من حقه، أو امره بأخذه العين، أو التصرف فيها قول، جزم به العلامة، وتوقف المصنف.

ويستحب له قبل الحكم ترغيبهما فى الصلح.

فان تعذر حكم بمقتضى الشرع.

فان اشتبه ارجأ حتى يتبين، وعليه الاجتهاد فى تحصيله.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أن الحاكم اذا اشكل عليه الامر فى قضية رجع الى مشاورة العلماء.

لما روى أن أبا بكر قال لعمر رضى الله تعالى عنهما: اعلم انه ليس شئ اعظم عند الله من الحكم، وما عظمه فهو عظيم.

وانه صلى الله عليه وسلم لما أمر بالحكم صاح صيحة، واشتد عليه، ثم سكن لامر الله فوفقه فحكم بما امره، وأنت اليوم يا عمر انما تحكم برأيك، وليس لك أن تترك حقوق الناس، ولا تلبس عليهم، فاحكم بما أمرتك به، وما اشكل عليك فأرجعه الى، فان الله يوفقنى كما اخبرنى نبى الله صلى الله عليه وسلم.

وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه قال: من ابتلى منكم بقضاء فليقض بما فى كتاب الله.

فان لم يجد ذلك فى كتاب الله فليقض بما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فان لم يجد ذلك فيما قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليقض بما قضى به الصالحون.

فان لم يجد فليجتهد رأيه ولا يقل انى ارى وانى اخاف فان الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور متشابهات فدع ما يريبك الى ما لا يريبك.

وجاء فى موضع

(2)

آخر: اختلف قومنا فى انفاذ القاضى ما كتب اليه قاض آخر مات أو عزل قبل انفاذه وان مات المنفوذ اليه او عزل انفذ من يلى بعده.

وان أتى الكتاب الى القاضى فلان ابن فلان الفلانى وفى تلك القبيلة رجلان أو ثلاثة على ذلك الاسم، واشكل عليه فلا يحكم على احدهم، حتى يتبين له فيمن كتبت له البطاقة منهم.

وكذلك ان مات واحد منهم وعاش الاخر، وقد كان فى تاريخه انه لم يكتبها

(1)

من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 546، ص 547 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 576، ص 577 الطبعة السابقة.

ص: 348

الا بعد موته بزمان طويل فلا يشتبه ذلك عليه، وليحكم على الحى منهم.

وأن أتاه كتاب القاضى فيما اختلف فيه العلماء ولكنه لم يؤخذ بذلك القول فلا يحكم به، لان هذا القاضى هو الذى يحكم بينهم، ولا يحكم الا بما حكم قبل ذلك.

‌حكم الاشتباه فى الشهادة

‌مذهب الحنفية:

ذكر ابن عابدين فى حاشيته

(1)

على الدر المختار: أن الشاهد لو قال: اشهد بكذا فيما اعلم لم تقبل شهادته، كما لو قال: فى ظنى، وذلك لان قوله فيما اعلم أو فى ظنى يبطل الشهادة للشك أذ أن ركن الشهادة لفظ اشهد لا غبر لتضمنه معنى مشاهدة وقسم واخبار للحال، فكأنه يقول اقسم بالله لقد اطلعت على ذلك، وأنا اخبر به، وهذه المعانى مفقودة فى غيره، فتعين، حتى لو زاد قوله (فيما أعلم) بطل للشك.

وجاء فى الهداية

(2)

وشروحها: أن الشاهد لو سمع من وراء الحجاب لا يجوز له أن يشهد.

ولو فسر للقاضى بأن قال: اشهد بالسماع من وراء الحجاب - فلا يقبله القاضى، لان النغمة وهى الكلام الخفى - تشبه النغمة والمشتبه لا يفيد العام فلم يحصل العلم - الا اذا كان دخل البيت وعلم انه ليس فيه احد سواه، ثم جلس على الباب، وليس فى البيت مسلك غيره، فسمع اقرار الداخل ولا يراه، فله أن يشهد.

قال فى الفتح: ونحوه ما فى الاقضية انه اذا ادعى على ورثة مالا فقال الشاهدان نشهد أن فلانا المتوفى قبض من المدعى صرة فيها دراهم ولم يعلما كم وزنها أن فهما قدرها، وأنها دراهم، وأن كلها جياد بما يقع عليه يقينهما بذلك.

فاذا شهدا

(3)

به جاز.

(1)

الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 4 ص 513 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.

(2)

من شرح فتح القدير للامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى ثم السكندرى المعروف بابن الهمام على الهداية شرح بداية المبتدى لشيخ الاسلام برهان الدين على بن أبى بكر المرغينانى بهامشه شرح العناية على الهداية للامام أكمل الدين محمد بن محمود البابرتى وحاشية سعد الله بن عيسى المفتى الشهير بسعدى جلبى ج 6 ص 16 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1316 هـ.

(3)

الهداية وشروحها فتح القدير والعناية وحاشية سعد جلبى ج 6 ص 17 الطبعة السابقة.

ص: 349

ولا يحل للشاهد اذا رأى خطه أن يشهد الا أن يتذكر الشهادة، لان الخط يشبه الخط فلم يحصل العلم، والمشتبه لا يفيد العلم كما تقدم.

قيل: هذا على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وعندهما يحل له أن يشهد.

وقيل: عدم حل الشهادة بالاتفاق.

ولا يجوز للشاهد أن يشهد

(1)

بشئ لم يعاينه بأن لم يقطع به من جهة المعاينة بالعين أو السماع، الا فى النسب، والموت، والنكاح، أو ولاية القاضى، فانه يسعه أن يشهد بهذه الامور اذا اخبره بها من يثق به من رجلين عدلين، أو رجل وامرأتين، وهذا استحسان.

والقياس أن لا تجوز: لان الشهادة مشتقة من المشاهدة، وذلك بالعلم، ولم يحصل، فصار كالبيع.

ووجه الاستحسان أن هذه أمور تختص بمعاينة اسبابها خواص من الناس، ويتعلق بها احكام تبقى على انقضاء القرون، فلو لم تقبل فيها الشهادة بالتسامع ادى الى الحرج وتعطيل الاحكام، بخلاف البيع، لانه يسمعه كل احد.

ومن شهد ولم يبرح

(2)

حتى قال:

اوهمت بعض شهادتى فان كان عدلا جازت شهادته، ومعنى قوله: اوهمت اى اخطأت بنسيان ما كان يحق على ذكره او بزيادة كانت باطلة.

ووجهه أن الشاهد قد يبتلى بمثله لمهابة مجلس القضاء، فكان العذر واضحا فتقبل اذا تداركه فى اوانه، وهو عدل، بخلاف ما اذا قام عن المجلس ثم عاد، وقال: اوهمت، لانه يوهم الزيادة من المدعى بتلبيس وخيانة، فوجب الاحتياط.

وروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى: اذا شهد شاهدان لرجل بشهادة ثم زادا فيها قبل القضاء أو بعده وقالا: اوهمنا وهما غير متهمين قبل منهما.

وظاهر هذا أنه يقضى بالكل.

وعن أبى يوسف فى رجل شهد ثم جاء بعد يوم وقال شككت فى كذا وكذا، فان كان القاضى يعرفه بالصلاح تقبل شهادته فيما بقى، وأن لم يعرفه بالصلاح فهذه تهمة.

وعن محمد: اذا شهدوا بأن الدار للمدعى وقضى القاضى بشهادتهم، ثم قالوا: لا ندرى لمن البناء، فانى لا

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 20 الطبعة السابقة.

(2)

فتح القدير على الهداية للمرغينانى ج 6 ص 50، ص 51 الطبعة السابقة.

ص: 350

أضمنهم قيمة البناء وحده كما لو قالوا شككنا فى شهادتنا، وأن قالوا: ليس البناء للمدعى ضمنوا قيمة البناء للمشهود عليه.

فعلم بهذا أن الشهود لا يختلف الحكم فى قولهم شككنا قبل القضاء وبعده فى انه يقبل اذا كانوا عدولا، بخلاف ما اذا لم يكن موضع شبهة، وهو ما اذا ترك لفظ الشهادة او الاشارة الى المدعى عليه، او المدعى، او اسم احدهما، فأنه وان جاز بعد المجلس يكون قبل القضاء، لان القضاء لا يتصور بلا شرطه، وهو لفظة الشهادة والتسمية.

ولو قضى لا يكون قضاء.

وجاء فى موضع آخر

(1)

انه لا تقبل شهادة الاعمى، لان الاداء يفتقر الى التمييز بالاشارة بين المشهود له والمشهود عليه ولا يميز الاعمى الا بالنغمة، وفيه شبهة يمكن التحرز عنها بجنس الشهود، والنسبة لتعريف الغائب دون الحاضر.

وقال زفر رحمه الله وهو رواية عن ابى حنيفة رحمه الله تعالى: تقبل فيما يجرى فيه التسامع، لان الحاجة فيه الى السماع، ولا خلل فيه.

وقال ابو يوسف يجوز اذا كان بصيرا وقت التحمل، لحصول العلم بالمعاينة، والاداء يختص بالقول، ولسانه غير مؤوف، والتعريف يحصل بالنسبة، كما فى الشهادة على الميت.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(2)

: أن الشاهدين أن قالا بعد الاداء وقبل الحكم وهمنا أو غلطنا فى شهادتنا بدم او حق مالى، ليس الذى شهدنا عليه هذا الشخص، بل هو هذا لشخص غيره، سقطت الشهادتان معا.

الأولى: لاعترافهما بالوهم.

والثانية: لاعترافهما بعدم عدالتهما، حيث شهدا على شك.

وكذا بعد الحكم، وقبل الاستيفاء فى الدم، لا فى المال، فلا يسقط، بل يغرمه المشهود عليه للمدعى، ثم يرجع به عليهما.

ونقض الحكم أن ثبت بعده كذبهم أن امكن كما قال ابن الحاجب، وذلك قبل الاستيفاء فى القتل والقطع، فان لم يثبت الا بعد الاستيفاء لم يبق الا الغرم.

ولا يشهد شاهد على من لا يعرف

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 27 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 206 الطبعة السابقة.

ص: 351

نسبه حين الاداء او التحمل، او يعرف نسبه وتعدد، وأراد الشهادة على واحد من المتعدد، الا على عينه

(1)

.

وليسجل القاضى بأن يكتب فى سجله من زعمت انها ابنة فلان.

أى أن البينة اذا شهدت بدين مثلا على عين امرأة، لعدم معرفة نسبها، واخبرت بأنها بنت فلان الفلانى، فليس للقاضى أن يسجل انها بنت فلان الفلانى، ما لم تشهد بينة بذلك.

وانما يسجل من زعمت او اخبرت او قالت انها بنت فلان، لاحتمال انتسابها لغير ابيها.

والرجل مثل المرأة، وخص المرأة لغلبة الجهل بها.

ومثل من جهل نسبه علمه حيث تعدد المنسوب لمعين، وأراد الشهادة على واحد من المتعدد، كمن له بنتان، فاطمة وزينب، وأراد الشاهد أن يشهد على فاطمة، والحال انه انما يعرف ان لفلان بنتين فاطمة وزينب، ولا يعلم عين هذه من هذه فلا يشهد الا على عينها، ما لم يحصل له العلم بها وان بامرأة.

وأما أن لم يكن للمعين الا بنت واحدة، ولا يعرف له غيرها وكان الشاهد يعلم أن هذه بنت فلان فهذه من معروفة النسب لان الحصر ظاهر فيها، ولا يشهد على من لا يعرف نسبه فى حال من الاحوال، الا فى حال تعين شخصه وحليته بحيث يكون المعول عليه من وجدت فيه تلك الاوصاف، لاحتمال أن يضع المشهود عليه اسم غيره على نفسه بدل اسمه.

والحاصل انه لا يجوز تحمل الشهادة ولا اداؤها على من لا يعرف نسبه، الا على شخصه وأوصافه المميزة له، بحيث يقول اشهد أن لزيد دينارا على الرجل او على المرأة التى صفتها كذا، أو اشهد ان المرأة التى صفتها كذا تزوجها او طلقها فلان.

ولا يجوز تحمل شهادة على امرأة متنقبة حتى تكشف عن وجهها ليشهد على عينها ووصفها، لتتعين للاداء.

وان قال الشهود اشهدتنا بدين مثلا متنقبة، وكذلك نعرفها على تلك الحالة، أى متنقبة، وأن كشفت وجهها لا نعرفها قلدوا أى عمل بجوابهم فى تعيينها أذ الفرض انهم عدول لا يتهمون وعلى الشهود وجوبا اخراجها أى اخراج امرأة شهدوا على عينها ولم يعرفوا نسبها بدين او نكاح او ابراء من بين نسوة خلطت بهن أن كلفوا باخراجها

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 193، ص 194 الطبعة السابقة.

ص: 352

وقيل لهم عينوها، فان قالوا: هذه هى التى اشهدتنا عمل بشهادتهم.

وروى صاحب التاج

(1)

والاكليل:

عن سحنون أن الشهود لو شهدوا على امرأة بنكاح أو اقرار أو براءة وسأل الخصم ادخالها فى نساء، ليخرجوها، وقالوا:

شهدنا عليها عن معرفتها بعينها ونسبها، ولا ندرى هل نعرفها اليوم وقد تغيرت حالها، وقالوا: لا نتكلف ذلك فلا بد من أن يخرجوا عينها.

وأن قالوا: نخاف أن تكون تغيرت قيل لهم: أن شككتم وقد ايقنتم انها ابنة فلان وليس لفلان الا بنت واحدة من حين شهدوا عليها الى اليوم جازت الشهادة.

وجاء فى الحطاب

(2)

: وتجوز شهادة الاعمى على الاقوال اذا كان فطنا ولا يشتبه عليه الاصوات، ويتيقن المشهود له وعليه.

فان شك فى شئ من ذلك لم تجز شهادته.

ولا تقبل فى المرئيات الا أن يكون قد تحملها بصيرا، ثم عمى، وهو يتيقن عين المشهود عليه أو يعرفه باسمه ونسبه.

وقال ابن حجر: فى شرح البخارى فى كتاب الشهادات مال البخارى الى اجازة شهادة الاعمى، وهو قول الليث، سواء علم ذلك قبل العمى، او بعده.

وفصل الجمهور فأجازوا ما تحمله قبله لا بعده وكذا ما يتنزل فيه منزلة البصير كان يشهده شخص بشئ ويتعلق هو به الى أن يشهد به عليه.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(3)

أنه تقبل الشهادة من أصم لحصول العلم بالمشاهدة، وعلم من كلامه عدم سماع الشهادة بقيمة عين الا ممن رآها، وعرف جميع أوصافها.

والأقوال كعقد وفسخ يشترط سمعها وأبصار قائلها حال صدورها منه، فلا يكفى سماعه من وراء حجاب، وان علم صوته، لان ما كان ادراكه ممكنا باحدى الحواس، يمتنع العمل فيه بغلبة الظن، لجواز تشابه الأصوات، وقد يحاكى الانسان صوت غيره فيشتبه به.

(1)

التاج والاكليل للمواق مع مواهب الجليل بشرح مختصر أبى الضياء خليل المعروف بالحطاب ج 6 ص 190 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الاولى.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمّد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 6 ص 154 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 8 ص 299، ص 300 الطبعة السابقة.

ص: 353

نعم لو كان ببيت وحده وعلم بذلك جاز له اعتماد صوته وان لم يره.

كذا لو علم اثنين ببيت لا ثالث لهما وسمعهما يتعاقدان، وعلم الموجب منهما من القابل لعلمه بمالك المبيع ونحو ذلك، فله الشهادة بما سمعه منهما.

ولا يقبل أعمى لانسداد طريق المعرفة مع اشتباه الأصوات وامكان التصنع فيها، ومثله من يدرك الاشخاص ولا يميزها وانما جاز له وط ء زوجته اعتمادا على صوتها، لكونه أخف، ولذا نص الشافعى على حل وطئها اعتمادا على لمس علامة يعرفها فيها وان لم يسمع صوتها، وعلى أن من زفت له زوجته أن يعتمد قول امرأة:

هذه زوجتك، ويطؤها.

بل ظاهر كلامهم جواز اعتماده على قرينة قوية أنها زوجته، وان لم يخبره أحد بذلك الا أن يقر انسان لمعروف الاسم والنسب فى أذنه بنحو مال، أو طلاق أولا فى أذنه، بأن تكون يده بيده وهو بصير حال الاقرار فيتعلق به، حتى يشهد عند قاض به على الصحيح، لحصول العلم بأنه المشهود عليه وان لم يكن فى خلوة.

وتقبل شهادته أيضا بالاستفاضة كالموت وغيره مما يأتى اذا لم يحتج الى تعيين واشارة، وكذا فى الترجمة أو مع وضع يده على ذكر بفرج فيمسكهما حتى يشهد عليهما بذلك عند قاض، لانه أبلغ من الرؤية وفيما اذا كان جالسا بفراش غيره، فيتعلق به حتى يشهد عليه والثانى المنع حسما للباب.

ولو حمل الشهادة بصير، ثم عمى شهد، ان كان المشهود له والمشهود عليه معروفى الاسم والنسب، فقال: أشهد أن فلان ابن فلان فعل كذا، أو أقربه، لانه فى هذا كالبصير، بخلاف ما اذا لم يعرف ذلك وما بحثه الأذرعى من قبول شهادته على زوجته حال خلوته بها وعلى بعضه اذا عرف خلوه به للقطع بصدقه حينئذ محل توقف.

والفرق بينه وبين ما مر فى قولنا (نعم لو علمه ببيت الى آخره) ظاهر فان البصير يعلم أنه ليس ثم من يشتبه به، بخلاف الأعمى، وان اختلى به.

ومن سمع قول شخص أو رأى فعله، فان عرف عينه واسمه ونسبه أى أباه وجده شهد عليه فى حضور اشارة اليه، ولا يكفى مجرد ذكر الاسم والنسب، وشهد عليه عند غيبته المجوزة للدعوى عليه وموته باسمه ونسبه معا، لحصول التمييز بهما دون أحدهما، أما لو لم يعرف اسم جده فيجزئه الاقتصار على ذكر اسمه ان عرفه القاضى بذلك، والا فلا، كما أفاده فى المطلب جامعا به بين كلامهم الظاهر التنافى.

ص: 354

ويكفى لقب خاص كسلطان مصر فلان بعد موته قال غيره وبه يزول الاشكال فى للشهادة على عتقاء السلطان والأمراء وغيرهم، فان الشهود لا تعرف أنسابهم مع ما يميزهم من أوصافهم وعليه العمل عند الحكام وارتضاه البلقينى وغيره

(1)

.

فان جهل الاسم والنسب أو أحدهما ام يشهد عنه موته وغيبته، لانتفاء الفائدة به، بخلاف ما اذا حضر وأشار اليه، فان مات ولم يدفن أحضر ليشهد على عينه وان لم يترتب على ذلك نقل محرم ولا تغير له، أما بعد دفنه فلا يحضر وان أمن تغيره واشتدت الحاجة لحضوره خلافا للغزالى.

ولا يصح تحمل شهادة على منتقبة (بنون ثم تاء) للأداء عليها اعتمادا على صوتها.

كما لا يتحمل بصير فى ظلمة اعتمادا عليه لاشتباه الأصوات ولا أثر لحائل رقيق.

بخلاف ما اذا سمعها فتعلق بها الى قاض وشهد عليها فان ذلك يجوز كالاعمى بشرط أن يكشف نقابها ليعرف القاضى صورتها.

قال جمع: ولا ينعقد نكاح منتقبة الا ان عرفها الشاهدان اسما ونسبا، أو صورة.

أما لو تحملا على منتقبة بوقت كذا بمجلس كذا وشهد آخران أن هذه الموصوفة فلانة بنت فلان جاز وثبت الحق بالبينتين ولو شهد على امرأة باسمها ونسبها فسألهم الحاكم أتعرفون عينها أم اعتمدتم صوتها، لم تلزمهم اجابته، ومحله كما علم فى مشهورى الديانة والضبط، قاله الأذرعى والزركشى وغيرهما.

فان عرفها بعينها أو باسم ونسب جاز تحمله عليها، ولا يضر النقاب، بل لا يجوز كشف الوجه حينئذ.

ويشهد عند الأداء بما يعلم من اسم ونسب، فان لم يعرف ذلك كشف وجهها وضبط حليتها، وكذا يكشفه عند الأداء.

وله الشهادة بالتسامع حيث لم يعارضه أقوى منه كانكار المنسوب اليه أو طعن أحد فى الانتساب اليه.

نعم يتجه أنه لا بد من طعن لم تقم قرينة على كذب قائله على نسب لذكر، أو انثى كائن من أب وقبيلة كهذا ولد فلان، أو من قبيلة كذا، لتعذر اليقين فيهما، اذ مشاهدة الولادة لا تفيد الا الظن، فسومح فى ذلك.

قال الزركشى أو على كونه من بلد كذا المستحق من ريع الوقف على أهلها ونحو ذلك.

وكذا أم فتقبل بالتسامع على نسب

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 8 ص 301 الطبعة السابقة.

ص: 355

منها فى الأصح، كالأب وان تيقن مشاهدة الولادة.

والثانى المنع، لامكان رؤية الولادة بخلاف العلوق.

وتقبل بالتسامع على موت على المذهب كالنسب.

وقيل فيه وجهان كالولاء وما فى معناه، لانه يمكن فيه المعاينة.

وجاء فى حاشية البجرمى

(1)

: أنه قد تجوز الشهادة فى نحو الزنا والغصب بلا أبصار كأن يضع أعمى يده على ذكر رجل داخل فرج امرأة فيمسكهما، حتى يشهد عليهما عند قاض بما عرفه فيقبل فى ذلك.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(2)

: أن الشهادة لا تجوز الا بما علمه بدليل قوله تعالى «إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ 3 وَهُمْ يَعْلَمُونَ» وقوله جل ذكره «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً 4» وتخصيصه لهذه الثلاثة بالسؤال لان العلم بالفؤاد وهو يستند الى السمع والبصر، ولان مدرك الشهادة الرؤية والسماع، وهما بالبصر والسمع.

وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة قال «وهل ترى الشمس؟ قال نعم قال: على مثلها فاشهد أودع» رواه الخلال فى الجامع باسناده.

اذا ثبت هذا فان مدرك العلم الذى تقع به الشهادة اثنان الرؤية والسماع.

وما عداهما من مدارك العلم كالشم والذوق واللمس لا حاجة اليها فى الشهادة فى الأغلب.

فأما ما يقع بالرؤية فالأفعال كالغصب والاتلاف والزنا وشرب الخمر وسائر الأفعال.

وكذلك الصفات المرئية كالعيوب فى المبيع ونحوها فهذا لا تتحمل الشهادة فيه الا بالرؤية، لانه تمكن الشهادة عليه قطعا فلا يرجع الى غير ذلك.

وأما السماع فنوعان.

(1)

حاشية البجرمى على المنهج للشيخ سليمان البجرمى على شرح منهج الطلاب وبهامشه الشرح نفائس ولطائف تقرير العلامة الشيخ الكبير محمد المرصفى ج 4 ص 348 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1345 هـ.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 12 ص 19، ص 20، ص 22، ص 23، ص 24 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 86 من سورة الزخرف.

(4)

الآية رقم 36 من سورة الاسراء.

ص: 356

أحدهما من المشهود عليه مثل العقود، كالبيع، والاجارة، وغيرهما من الأقوال، فيحتاج الى أن يسمع كلام المتعاقدين ولا تعتبر رؤية المتعاقدين اذا عرفهما وتيقن أنه كلامهما، وبهذا قال ابن عباس والزهرى، وربيعة، والليث، وشريح، وعطاء، وابن أبى ليلى، لانه عرف المشهود عليه يقينا، فجازت شهادته عليه، كما لو رآه، وجواز اشتباه الأصوات، كجواز اشتباه الصور.

وانما تجوز الشهادة لمن عرف المشهود عليه يقينا.

وقد يحصل العلم بالسماع يقينا، وقد اعتبره الشرع بتجويزه الرؤية من غير رؤية ولهذا قبلت رواية الاعمى ورواية من روى عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير محارمهن.

النوع الثانى وهو ما يعلمه بالاستفاضة، وأجمع أهل العلم على صحة الشهادة بها فى النسب والولادة.

قال ابن المنذر: أما النسب، فلا أعلم أحدا من أهل العلم منع منه، ولو منع ذلك لاستحالت معرفة الشهادة به اذ لا سبيل الى معرفته قطعا بغيره ولا تمكن المشاهدة فيه، ولو اعتبرت المشاهدة لما عرف أحد أباه ولا أماه ولا أحدا من أقاربه وقد قال الله تعالى «يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ 1» .

واختلف أهل العلم فيما تجوز الشهادة عليه بالاستفاضة غير النسب والولادة.

فقال أصحابنا: هو تسعة أشياء:

النكاح والملك المطلق، والوقف، ومصرفه، والموت، والعتق والولاء، والولاية، والعدل. وبهذا قال ابو سعيد الأصطخرى وبعض أصحاب الشافعى لان هذه الأشياء تتعذر الشهادة عليها فى الغالب بمشاهدتها، أو مشاهدة أسبابها، فجازت الشهادة عليها بالاستفاضة كالنسب.

وقال أحمد فى رواية المروزى: أشهد أن دار بختان لبختان وان لم يشهدك، وقيل له تشهد أن فلانة امرأة فلان ولم تشهد النكاح؟ فقال: نعم اذا كان مستفيضا فأشهد أقول أن فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن خديجة وعائشة زوجاه، وكل أحد يشهد بذلك من غير مشاهدة.

فان قيل: يمكنه العلم فى هذه الاشياء بمشاهدة السبب.

قلنا: وجود السبب لا يفيد العلم بكونه سببا يقينا، فانه يجوز أن يشترى ما ليس بملك البائع، ويصطاد صيدا صاده غيره، ثم انفلت منه، وان تصور ذلك فهو نادر.

وذكر القاضى فى المجرد أنه يكفى أن يسمع من اثنين عدلين، ويسكن قلبه الى خبرهما، لان الحقوق تثبت بقول اثنين.

(1)

الآية رقم 146 من سورة البقرة.

ص: 357

وجاء فى المغنى

(1)

: والمرأة كالرجل فى أنه اذا عرفها وعرف اسمها ونسبها جاز أن يشهد عليها مع غيبتها، وان لم يعرفها لم يشهد عليها مع غيبتها.

قال أحمد فى رواية الجماعة لا تشهد الا لمن تعرف، وعلى من تعرف، ولا يشهد الا على امرأة قد عرفها، وان كانت ممن قد عرف اسمها، ودعيت، وذهبت، وجاءت فليشهد، والا فلا يشهد.

فأما ان لم يعرفها فلا يجوز أن يشهد مع غيبتها.

ويجوز أن يشهد على عينها اذا عرف عينها ونظر الى وجهها.

قال أحمد، ولا يشهد على امرأة حتى ينظر الى وجهها، وهذا محمول على الشهادة على من لم يتيقن معرفتها.

فأما من تيقن معرفتها وتعرف بصوتها يقينا فيجوز أن يشهد عليها اذا تيقن صوتها.

فان لم يعرف المشهود عليه فعرفه عنده من يعرفه، فقد روى عن أحمد أنه قال: لا يشهد على شهادة غيره الا بمعرفته لها.

وقال: لا يجوز للرجل أن يقول للرجل:

أنا أشهد أن هذه فلانة ويشهد على شهادته، وهذا صريح فى المنع من الشهادة على من لا يعرفه بتعريف غيره.

وقال القاضى: يجوز أن يحمل هذا على الاستحباب لتجويزه الشهادة بالاستفاضة وظاهر قوله المنع منه.

وقال احمد: لا يشهد على امرأة الا باذن زوجها، وهذا يحتمل أنه لا يدخل عليها بيتها، ليشهد عليها، الا باذن زوجها، لما روى عمرو بن العاص قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستأذن على النساء، الا باذن أزواجهن رواه احمد فى مسنده.

فأما الشهادة عليها فى غير بيتها فجائزة لان اقرارها صحيح وتصرفها اذا كانت رشيدة صحيح فجاز أن يشهد عليها به.

وجاء فى موضع آخر

(2)

: تجوز شهادة الأعمى اذا تيقن الصوت، روى هذا عن على، وابن عباس، وبه قال ابن سيرين، وعطاء، والشعبى والزهرى، لقول الله تبارك وتعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ 3 مِنْ رِجالِكُمْ» . وسائر الآيات فى الشهادة، ولانه رجل عدل مقبول الرواية، فقبلت شهادته كالبصير.

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع ج 12 ص 21، ص 22 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 12 ص 61، ص 62 الطبعة السابقة.

(3)

الاية رقم 282 من سورة البقرة.

ص: 358

وجاء فى قواعد ابن رجب

(1)

: أن الشهادة بالمبهم تصح ان كان المشهود به يصح مبهما كالعتق والطلاق والاقرار والوصية، والا لم يصح لا سيما الشهادة التى لا تصح بدون دعوى فانها تابعة للدعوى فى الحكم، أما ان شهدت البينة أنه طلق أو أعتق أو أبطل وصية معينة وأدعت نسيان عينها ففى القبول وجهان حكاهما فى المحرر، وجزم ابن أبى موسى بقبول الشهادة بالرجوع عن احدى الوصيتين مطلقا.

وكذلك حكى عن أبى بكر ونقل ابن منصور عن أحمد فى شاهدين شهدا على رجل أنه أخذ من يتيم ألفا وشهد آخران على آخر أنه هو الذى أخذها، فان للولى أن يأخذ بأيهما شاء، ولعل المراد أنه اذا صدق احدى البينتين حكم له بها.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(2)

: ان ما يحتاج الى معاينة عند أداء الشهادة لا تقبل فيه شهادة الأعمى كثوب أو عبد، قال البعض الا أن يكون الثوب أو العبد فى يده من قبل ذهاب بصره، وأما ما لا يحتاج الى معاينة.

فان كان مما يثبت بطريق الاستفاضة كالنكاح والنسب والوقف والولاء والموت فانها تقبل شهادته فيه بكل حال، سواء أثبته قبل ذهاب بصره، أم بعده.

وان كان مما لا يثبت بطريق الاستفاضة، فان كان قد تحمل الشهادة فيه قبل ذهاب بصره، قبلت شهادته فيه كالدين والاقرار - وكذا لو ميزه بالحدود ونحوها.

وان كان أثبته بعد ذهاب بصره فانها لا تقبل شهادته فيه قيل.

وهذا مبنى على أن الشهادة على الصوت لا تصح.

فلو قلنا بصحتها قبلت.

وجاء فى التاج

(3)

المذهب اذا كانت شهادة الشاهد مكتوبة بخطه أو بخط من يثق به من حاكم أو غيره، ولكن نسى تفصيل ما شهد به فى ذلك الأمر، فانه يكفى الناسى فيما عرف جملته والتبس تفصيله الخط ذكره فى شرح أبى مضر لان أمثال ذلك يتعذر ضبطها، ولولا التعذر لم يحتج الى القبالة، قال ولا خلاف فيه.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(4)

: أن الأعمى

(1)

قواعد ابن رجب ج 1 ص 234 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 199، ص 200 الطبعة السابقة.

(3)

التاج المذهب لأحكام المذهب لأحمد ابن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 115 الطبعة السابقة وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 237، ص 238 الطبعة السابقة.

(4)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 236، ص 237 طبع مطبعة دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1290 هـ.

ص: 359

تقبل شهادته فى العقد قطعا لتحقق الآلة الكافية فى فهمه.

فان انضم الى شهادته معرفان جاز له الشهادة على العاقد مستندا الى تعريفهما، كما يشهد المبصر على تعريف غيره.

ولو لم يحصل ذلك، وعرف هو صوت العاقد معرفة يزول معها الاشتباه.

قيل: لا تقبل، لان الأصوات تتماثل.

والوجه أنها تقبل، فان الاحتمال يندفع باليقين، لانا نتكلم على تقديره.

وبالجملة فان الأعمى تصح شهادته متحملا ومؤديا عن علمه وعن الاستفاضة.

ولو تحمل شهادة وهو مبصر ثم عمى، فان عرف نسب المشهود أقام الشهادة فان شهد على العين، وعرف الصوت يقينا جاز أيضا.

أما شهادته على المقبوض فماضية قطعا.

ومن وجد قتيلا

(1)

فى رخام على قنطرة أو بئر أو جسر أو مصنع فديته على بيت المال.

وكذا لو وجد فى جامع عظيم أو شارع.

وكذا لو وجد فى فلاة.

ولا يثبت اللوث فى شهادة الصبى ولا الفاسق ولا الكافر ولو كان مأمونا فى نحلته.

نعم لو أخبر جماعة من الفساق أو النساء مع ارتفاع المواطأة أو مع ظن ارتفاعها كان لوثا.

ولو كان الجماعة كفارا أو صبيانا لم يثبت اللوث، ما لم يبلغوا حد التواتر.

ويشترط فى اللوث خلوصه عن الشك.

فلو وجد بالقرب من القتيل ذو سلاح متلطخ بالدم مع سبع من شأنه قتل الانسان بطل اللوث لتحقق الشك.

وجاء فى العروة الوثقى

(2)

: أنه لو اشتبه الأمر على الشهود على وجه صاروا معذورين فالظاهر أنه لا بأس به.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(3)

: أن الشاهد اذا تحقق من البعض وتردد فى الزائد فيشهد بما تحقق ويترك الزائد المشكوك فيه، وهذه الصورة جائزة فى الديوان.

(1)

المرجع السابق للمحقق الحلى ج 2 ص 278 الطبعة السابقة.

(2)

العروة الوثقى للعلامة الفقيه السعيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 3 ص 11 الطبعة الثانية طبع مطبعة دار الكتب الاسلامية بطهران سنة 1388 هـ.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 613، ص 614 الطبعة السابقة.

ص: 360

فان أيقن الشهود من بعض الدين ولم يوقنوا من بعض آخر فانهم يشهدون بما تبين لهم من ذلك وأيقنوه.

وأما لو ارتاب الشاهد فى شهادته بحيث لم يتحقق منها شيئا فينبغى أن لا يجرى فيها خلاف.

وقد جزم فى الديوان بعدم جوازها حيث قال: ولا يجوز للشهود أن يشهدوا الا كما أخذوا الشهادة.

وان تشاكل مقدار الدين أو من أى جنس كان، أو تشاكل عليهم طول الأجل، أو ما أشبه هذا، فلا يشهدون، ولا يشتغلون بقول الخصم فى ذلك دون الآخر، وكذلك قول الشهود فيما بينهم لا يشتغلون بقولهم.

ومنهم من يقول يقتدى بعضهم ببعض فى ذلك.

وان أيقنوا ببعض الدين وتشاكل عليهم البعض الآخر، فانهم يشهدون بما تبين لهم من ذلك أقوال.

وفى التاج: ان نسى الشاهد وذكره من لا يشك فى قوله، كره له أن يشهد حتى يتذكر بنفسه.

واذا شهد الشهود بحق كدين ولم يحققوا مقداره أو عدده فمذهبنا الغاء تلك الشهادة.

واذا قال الشاهد

(1)

بعد أن شهد ذكرت كلمة كذا أو أتوهم أنى زدتها فيزيدها أو ينقصها مرارا، فما زاد أو نقص، فانه مقبول، ما لم يحكم به ويحكم بآخر ما شهد به، وان حكم بها قبل النزاع، ثم وقع النزاع مضى الحكم ولزمهما غرم ما زاد يعطيانه المشهود عليه.

وفى الديوان اذا رجع الشاهدان عن شهادتهما قبل أن يحكم الحاكم بطلت الا العتق والطلاق.

وقيل: لا يحكم فيهما بها وان قالا.

غلطنا أو نسينا أو تشاكل علينا كذا اشتغل بهما ما لم يحكم وان قالا ذلك بعد الحكم لم يشتغل بهما.

وقيل: لا يحكم، لأن

(1)

هذا ريبة.

وان قال المشهود عليه

(2)

للحاكم سل الشاهدين من أين علما أن هذا الحق على أو للمشهود له فله أن يسألهما أو يترك قيل وكل من لم يعرفه الحاكم سواء كان ذكرا أو انثى ساترة الوجه أو لا يعرفها، ولو كشفته وأقر الخصم انه هو الذى شهد له عليه، فله أن يحكم عليه باقراره.

واذا أخبره العدلان أنها فلانة فلا يشهد أنها هى، ولكن يشهد، ويقول:

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 623 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 667 الطبعة السابقة.

ص: 361

أخبرنى بها العدلان، فان شهد بها لم يثبت.

وقيل: يثبت وقيل: اذا عرفها فى قلبه وزال عنه الريب.

ولو أبصرها قليلا جاز له أن يشهد.

وقيل اذا شهر اسمها فى البلد فأراه اياها عدلتان وشهدتا أنها هى جاز له أن يشهد.

وقيل: اذا أخبرته واحدة وشهدت له أخرى جاز.

وقيل: ان قال له ثقة ولو امرأة انها فلانة جاز كما أجاز بعضهم التعديل بواحد.

وقيل: ان أشهدتك من لا تشك فى معرفتها من خلف باب أو غيره وعرفتها جاز له لا ان لم تعرفها الا بصوت لتشابه الاصوات وقيه يجوز بالصوت.

وقيل لا يشهد الا على وجه مكشوف، وكذا الخلاف فى الحكم لها أو عليها.

وأجاز أبو مالك تحمل الشهادة ليلا بلا نار ولا قمر اذا تيقن الشاهد معرفة المشهود عليه، وتزوج رجل ليلا، فطلب الفسخ نهارا، واحتج أنه تزوج عند الظلام، مفأمر أبو مالك أن يؤدوا الشهادة ان تيقنوا بمعرفة الزوج.

ثم قال:

(1)

: وذهب قوم منا بجواز شهادة الأعمى فى كل ما يعقل فيه صوت المتكلم ويميزه عن غيره لو جاء فى جملة ناس وتكلموا عزله بكلامه.

وفى الديوان وشهادة الأعمى جائزة فيما يدرك علمه بالصفة، سواء علمه قبل ذهاب بصره، أو بعد ذهابه، مثل النكاح، والطلاق، والعتق، والنسب، والاقرار فى الأنفس، وما دونها، والاقرار فى الأموال بالمعاملات والتعديات.

وقيل شهادة الأعمى جائزة فيما علمه قبل ذهاب بصره.

وأما ما علم بعد ذهاب بصره فلا تجوز شهادته فيه.

وأما صحيح البصر ان استشهد بالليل فانه يشهد بما تبين له من ذلك لا بما لم يتبين.

وفى الأثر وجازت الشهادة من أعمى فيما يستدل عليه بالخبر المشهور، كالموت، والنسب، والنكاح مما لا يشك فيه اذا كان فى أهل بيت نشأ فيه حتى كان كأحدهم ولم يتهم.

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 586، ص 587 الطبعة السابقة.

ص: 362

‌الاشتباه فى الايمان والنذور

‌مذهب الحنفية:

قال ابن نجيم فى الاشباه والنظائر:

(1)

من شك هل حلف بالله أو بالطلاق أو بالعتاق فحلفه باطل.

قال الحموى أى فلا شئ عليه.

أما الطلاق والعتاق فانهما لا يقعان بالشك.

وأما الحلف بالله فلأن الأصل براءة الذمة فلا تجب الكفارة بالشك.

وفى اليتيمة اذا كان يعرف أنه حلف ملعقا بالشرط، ويعرف الشرط، وهو دخول الدار ونحوه، الا أنه لا يدرى أن كان حلفه بالله، أم كان بالطلاق، فلو وجد الشرط فانه حينئذ يحمل على اليمين بالله تعالى، ان كان الحالف مسلما.

وانما يحمل على اليمين بالله تعالى، لأن الحلف بالطلاق والعتاق غير مشروع، فيجب حمل المسلم على الاتيان بالمشروع، دون المحظور.

ومن قيل له: كم يمينا عليك قال:

أعلم أن على ايمانا كثيرة غير انى لا أعرف عددها حمل على الأقل حكما، وأما الاحتياط فلا نهاية له.

وجاء فى بدائع الصنائع:

(2)

: انه اذا اختلط المحلوف عليه بغير جنسه كمن حلف لا يذوق من هذا اللبن شيئا، أو لا يشرب منه فصب فيه ماء فذاقه أو شربه، فان كان اللبن غالبا حنث، لأنه اذا كان غالبا يسمى لبنا.

واعتبار الغلبة بلا خلاف بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى.

غير أن أبا يوسف اعتبر الغلبة فى اللون والطعم لا فى الاجزاء فقال: ان كان المحلوف عليه يستبين لونه أو طعمه حنث، وان كان لا يستبين له لون ولا طعم لا يحنث، سواء كانت أجزاؤه أكثر، أو لم تكن.

واعتبر محمد غلبة الاجزاء.

وقال أبو يوسف: فان كان طعمهما واحدا، أو لونهما واحدا، فأشكل عليه، تعتبر الغلبة من حيث الاجزاء.

فان علم أن أجزاء المحلوف عليه هى الغالبة يحنث.

(1)

الأشباه والنظائر لابن نحيم ج 1 ص 92 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 3 ص 62 الطبعة السابقة.

ص: 363

وان علم أن أجزاء المخالط له أكثر لا يحنث.

وان وقع الشك فيه ولا يدرى ذلك فالقياس أن لا يحنث، لأنه وقع الشك فى حكم الحنث فلا يثبت مع الشك.

وفى الاستحسان يحنث، لأنه عند احتمال الوجود والعدم على السواء، فالقول بالوجود أولى احتياطا، لما فيه من براءة الذمة بيقين، وهذا يستقيم فى اليمين بالله تعالى، لان الكفارة حق الله تعالى، فيحتاط فى ايجابها.

فأما فى اليمين بالطلاق والعتاق فلا يستقيم، لأن ذلك حق العبد، وحقوق العباد لا يجرى فيها الاحتياط، للتعارض، فيعمل فيها بالقياس.

ولو حلف لا يأكل سمنا فأكل سويقا قدلت بسمن ولا نية له ذكر محمد رحمه الله تعالى فى الأصل: أن أجزاء السمن اذا كانت تستبين فى السويق، ويوجد طعمه يحنث وان كان لا يوجد طعمه ولا يرى مكانه لم يحنث، لأنها اذا استبانت لم تصر مستهلكة، فكأنه أكل السمن بنفسه منفردا، واذا لم تستبن فقد صارت مستهلكة فلا يعتد بها.

وروى المعلى عن محمد: انه كان السمن مستبينا فى السويق، وكان اذا عصر سال السمن حنث، وان كان على غير ذلك لم يحنث.

وجاء فى الاشباه والنظائر

(1)

: أن الناذر لو شك فى المنذور هل هو صلاة، أم صيام، أو عتق، أو صدقة، ينبغى أن تلزمه كفارة يمين أخذا من قولهم: لو قال: على نذر فعليه كفارة يمين، لأن الشك فى المنذور كعدم تسميته.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه

(2)

: أن الحالف يؤمر بانفاذ الايمان المشكوك فيها من غير قضاء.

فلو حلف وحنث وشك، هل حلف بطلاق، أو عتق، أو مشى، أو صدقة، فليطلق نساءه، ويعتق رقيقه، ويمشى لمكة، ويتصدق بثلث ماله، يؤمر بذلك كله من غير قضاء، قاله فى المدونة.

ولا يؤمر بالفراق ان شك هل حصل منه ما يوجب الطلاق، كما لو شك هل قال: أنت طالق أم لا، أو شك هل حلف وحنث أو لا، أو شك فى حلفه على فعل غيره هل فعله أم لا، الا ان يستند فى شكه بشئ يدل على فعل المحلوف عليه، وهو سالم الخاطر من الوسواس،

(1)

الاشباه والنظائر لابن نجيم ج 1 ص 92 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى والشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 2 ص 401، ص 405 الطبعة السابقة.

ص: 364

كرؤية شخص داخلا فى دار وقد كان حلف أن زيدا مثلا لا يدخلها فشك فى كون الداخل زيدا المحلوف عليه أو هو غيره وغاب عنه بحيث يتعذر تحقيقه، فيؤمر بالطلاق اتفاقا.

وهل يجير عليه وينجز أو يؤمر بلا جبر تأويلان.

فان كان غير سالم الخاطر، بأن استنكحه الشك فلا شئ عليه.

وأما ان ظن أنه طلق وقع عليه.

وأما لو شك هل اعتق أو لا فانه يلزمه العتق، لتشوف الشارع الى الحرية وبغضه للطلاق.

ولم ينظروا للاحتياط فى الفروج وقد أتوا هنا على القاعدة من الغاء الشك فى المانع، لأن الطلاق مانع من حلية الوط ء، لأن الاصل عدم وجوده بخلاف الشك فى الحدث لسهولة الأمر فيه.

ثم قال:

(1)

ولا كفارة فى كل يمين غموس تعلقت بماض، وذلك بأن يشك الحالف فى المحلوف عليه، أو يظن ظنا غير قوى.

وأولى أن تعمد الكذب وحلف شاكا أو ظنا أو متعمدا للكذب، واستمر على ذلك بلا تبين صدق، فان تبين صدقه لم تكن غموسا، وفيه نظر، وكذا ان قوى الظن، لقول خليل فى الشهادات، واعتمد البات على ظن قوى.

وكذا اذا قال فى يمينه فى ظنى، كما لو شك فى مجئ زيد أمس، وعدم مجيئه، ثم حلف مع شكه أنه قد جاء أو ظن أنه جاء وحلف أنه جاء، ولم يتبين صدقه بأن تبين أن الأمر على خلاف ما حلف، وانه لم يجئ، أو بقى على شكه، ومن باب أولى ما اذا علم عدم مجيئه وحلف أنه قد جاء.

وفى الحطاب

(2)

قال البرزلى عن ابن الحاج: لو أن شخصا من عليه أبوه بما يشتريه فحلف بالحلال عليه حرام ان أكل شيئا مما يشتريه أبوه ثم تبدل خبزه فى الفرن، واختلط بخبز أبيه، فأكله فانه لا يحنث.

قال البرازلى: قال الحطاب: لأنه أكله على معنى العوض فلا منة عليه، ولم يكن قصد عين الطعام، كما قال فى المدونة لو اشترى منه شيئا كما يشترى من الناس.

ولها نظائر كخلط الرءوس عند الشواء.

وخلط المقارض طعامه مع طعام غيره وخلط الأزواد.

وجاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 128، ص 129 الطبعة السابقة.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 3 ص 292 الطبعة السابقة.

ص: 365

عليه

(1)

: أن من نذر المشى فى حج أو عمرة، ولم يعين واحدا منهما بلفظ ولا نية حين نذره أو حلفه بل نذر المشى مبهما، وصرفه فى أحدهما فله فى عام رجوعه المخالفة لما أحرم به أو لا.

ومحل الرجوع أن ظن الناذر أو الحالف حين خروجه القدرة على مشى جميع المسافة ولو فى عامين فخالف ظنه.

وان لم يظن القدرة حين خروجه، ولكنه قد ظن القدرة حين يمينه على مشى الجميع فى عام واحد، بأن علم، أو ظن حين خروجه العجز، مشى اذا خرج مقدوره ولو نصف ميل، وركب معجوزه وأهدى فقط من غير رجوع ثانيا.

أما من ظن العجز حين يمينه، أو نوى أن لا يمشى الا ما يطيقه، فانه يخرج أول عام، ويمشى مقدوره، ويركب معجوزه، ولا رجوع عليه ولا هدى.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(2)

أنه لو حلف لا يأكل هذه التمرة فاختلطت بتمر، فأكله، الا تمرة أو بعضها، وشك هل هى المحلوف عليها أو غيرها، لم يحنث، لأن الأصل براءة ذمته من الكفارة.

والورع أن يكفر.

فأن أكل الكل حنث لكن من آخر جزء أكله فيعتد فى حلفه بطلاق من حينئذ، لأنه المتيقن، أو حلف ليأكلنها فاختلطت بتمر، وانبهمت لم يبر الا بأكل الجميع لاحتمال أن تكون المتروكة هى المحلوف عليها، فاشترط تيقن أكلها.

ومن ثم لو اختلطت بجانب من الصبرة أو مما هو بلونها وغيره، وقد حلف لا يأكلها، لم يحنث الا بأكله مما فى جانب الاختلاط، وما هو بلونها فقط.

وجاء فى موضع آخر:

(3)

: لو حلف ليضربنه مائة سوط أو خشبة فشد مائة، وضربه بها مائة، بران علم أصابة الكل، أو تراكم بعض على بعض فوصله ألم الكل.

ولو شك أى تردد باستواء أو مع ترجيح الاصابة - فى اصابة الجميع بر على النص، لأن الظاهر الاصابة.

وفارق ما لو مات المعلق بمشيئة وشك فى صدورها منه فانه كتحقق العدم.

ثم قال

(4)

: ولو حلف لا يأكل طعاما، أو من طعام اشتراه زيد اذ التنكير

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 167، ص 168 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 8 ص 192 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 199 الطبعة السابقة.

(4)

نهاية المحتاج الى شرح ألفاظ المنهاج للرملى ج 8 ص 206 الطبعة السابقة.

ص: 366

يقتضى الجنسية فلم يشترط أكل الجميع، فاختلط ما اشتراه زيد وحده بمشترى غيره يعنى مملوكه، ولو بغير شراء، لم يحنث حتى يتيقن أى يظن أكله من ماله، بأن أكل قدرا صالحا، كالكف ونحوه، لأنه به يعلم الحنث بخلاف نحو عشرين حبة اذ التنكير يقتضى الجنسية، فلم يشترط أكل الجميع.

ولا ينافيه ما مر من أنه لو حلف لا يأكل تمره، واختلطت بتمر، فأكله الا واحدة، لم يحنث لانتفاء تيقنه، أو ظنه عادة ما بقيت تمرة ولا كذلك هنا.

ولو نوى هنا نوعا مما ذكر تعلق الحنث به.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

: من حلف على شئ يظنه كما حلف، فلم يكن، فلا كفارة عليه، لأنه من لغو اليمين.

وأكثر أهل العلم على أن هذه اليمين لا كفارة فيها، قاله ابن المنذور يروى هذا عن ابن عباس، وأبى هريرة، وأبى مالك، والحسن النخعى، ومالك، وأبى حنيفة، والثورى.

وممن قال هذا لغو اليمين مجاهد، وسليمان بن يسار، والأوزاعى، والثورى، وأبو حنيفة وأصحابه.

وأكثر أهل العلم على أن لغو اليمين لا كفارة فيه.

وقال ابن عبد البر أجمع المسلمون على هذا.

وقد حكى عن النخعى فى اليمين على شئ يظنه حقا فيتبين بخلافه أنه من لغو اليمين، وفيه الكفارة، وهو أحد قولى الشافعى، وذلك لقول الله تبارك وتعالى «لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ 2 فِي أَيْمانِكُمْ» وهذه منه، ولانها يمين غير متعقدة، فلم تجب فيها كفارة كيمين الغموس، ولأنه غير مقصود للمخالفة فأشبه ما لو حنث ناسيا.

وروى عن أحمد: أن فيه الكفارة، وليس من لغو اليمين، لأن اليمين بالله تعالى وجدت مع المخالفة، فأوجبت الكفارة كاليمين على مستقبل.

ومن حلف

(3)

بالطلاق أن لا يأكل تمرة فوقعت فى تمر، فأكل منه واحدة

منع من وط ء زوجته، حتى يعلم أنها.

ليست التى وقعت اليمين عليها، ولا يتحقق حنثه حتى يأكل التمر كله، وجملته أن حالف هذه اليمين لا يخلو من أحوال ثلاثة.

أحدها أن يتحقق أكل التمرة المحلوف عليها، فأما أن يعرفها بعينها أو بصفتها

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 11 ص 181 الطبعة السابقة.

(2)

الاية رقم 225 من سورة البقرة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 11 ص 325 الطبعة السابقة.

ص: 367

أو يأكل التمر كله، أو الجانب الذى وقعت فيه كله، فهذا يحنث بلا خلاف بين أهل العلم، لأنه أكل التمرة المحلوف عليها.

الثانى: أن يتحقق أنه لم يأكلها، لما بأن لا يأكل من التمر شيئا، أو أكل شيئا يعلم انه غيرها، فلا يحنث أيضا بلا خلاف، ولا يلزمه اجتناب زوجته.

الثالث: أكل من التمر شيئا أما واحدة أو أكثر، الى أن لا يبقى منه الا واحدة، ولم يدر هل أكلها أم لا؟ فهذه مسألة الخرقى، فلا يتحقق حنثه، لأن الباقية يحتمل أنها المحلوف عليها، ويقين النكاح ثابت، فلا يزول بالشك، فعلى هذا يكون حكم الزوجية باقيا فى لزوم نفقتها وكسوتها ومسكنها، وسائر أحكامها، الا الوط ء، فان الخرقى قال: يمنع وطأها، لأنه شاك فى حلها فحرمت عليه، كما لو اشتبهت عليه امرأته بأجنبية.

وذكر أبو الخطاب: أنها باقية على الحل، لأن الأصل الحل، فلا يزول بالشك كسائر أحكام النكاح، ولأن النكاح باق حكما فأثبت الحل، كما لو شك هل طلق أم لا.

وان كانت يمينه ليأكلن هذه التمرة فلا يتحقق بره حتى يتحقق أنه أكلها.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أن من حلف على أن لا يفعل أمرا فشك أفعل ما حلف أن لا يفعله أم لا؟ فلا كفارة عليه، ولا اثم.

ومن حلف على ما لا يدرى أهو كذلك أم لا؟ وعلى ما قد يكون ولا يكون كمن حلف لينزلن المطر غدا فنزل أو لم ينزل فلا كفارة فى شئ من ذلك، لأنه لم يتعمد الحنث.

ولا كفارة الا على من تعمد الحنث وقصده لقول الله تعالى «وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ 2» .

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(3)

أن الكفارة لا تلزم فى اليمين اللغو، وهى ما ظن صدقها فانكشف خلافه مما عدا المعقودة.

وهذا يدخل فيه الماضى والحال والاستقبال.

وان التبسا المعين

(4)

المحلوف منه بغيره، لم يحنث ما بقى قدره.

فلو حلف لا أكل هذه الرمانة المعينة فاختلطت بمحصورات، فأكلهن الا واحدة، لم يحنث، لاحتمال أن تكون هى الباقية،

(1)

المخلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 35 مسألة رقم 1131.

(2)

الاية رقم 89 من سورة المائدة.

(3)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 8، ص 9 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 20، ص 21 الطبعة السابقة.

ص: 368

والأصل براءة الذمة ما لم يغلب فى الظن أنه قد أكلها.

وجاء فى التاج المذهب

(1)

: أنه لو أكل مال نفسه، وهو يظن أنه لغيره، لم يحنث، لأن العبرة بالانتهاء.

وأما لو أكل مال غيره وهو يظن أنه له فانه يحنث.

ولو نذر

(2)

نذرا ولم يسم ذلك النذر ولا نية له أو نسى ما سماه بالكلية فانها تلزمه كفارة يمين وجميع ألفاظ النذر على سواء فى ذلك.

قال فى الرياض ما معناه والمسألة على وجوه أربعة.

الأول: ان يلتبس عليه هل سمى أم لا، فهاهنا الأصل عدم التسمية.

الثانى أن يتحقق جنس ما سمى وينسى قدره وجب الأقل، لأن الأصل براءة الذمة.

الثالث أن يتحقق التسمية، وينسى هل هى صلاة، أو صوم، أو صدقة، أو مباح، أو معصية، فهذا لا يلزمه شئ، لجواز أنه سمى مباحا.

الرابع أن يتحقق أنه سمى شيئا من واجبات منحصرة، فهذا يلزمه أن يفعل الأقل من كل جنس.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(3)

: أنه اذا حلف لا يأكل طعاما اشتراه زيد، لم يحنث بأكل ما يشتريه زيد وعمرو، ولو اقتسماه على تردد.

ولو اشترى كل واحد منهما طعاما وخلطاه، قال الشيخ: ان أكل زيادة عن النصف حنث وهو حسن.

ولو حلف لا يأكل تمرة معينة فوقعت فى تمر، لم يحنث الا بأكله أجمع، ولو تلف منه تمرة لم يحنث بأكل الباقى مع الشك.

وجاء فى موضع آخر

(4)

: أنه لو شك بين نذر وظهار فنوى التكفير، لم يجز، لأن النذر لا يجرى فيه نية التكفير.

ولو نوى ابراء ذمته من أيهما كان جاز.

ولو نوى العتق مطلقا، لم يجز، لأن احتمال ارادة التطوع أظهر عند الاطلاق.

(1)

التاج المذهب لأحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 419 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 442 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 121 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق للمحقق الحلى ج 2 ص 80 الطبعة السابقة.

ص: 369

وكذا لو نوى الوجوب لأنه قد يكون لا عن كفارة.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: ذهب بعض علماء الإباضية الى أن اليمين اللغو هو الحلف على شئ قطعى فى ظن الحالف والمراد بظنه اعتقاده الجازم، لكنه غير مطابق للواقع، ثم يتبين خلاف ما حلف عليه، مثل أن يتكلم بحسب ما سمعه مطمئنا اليه، وهو فى نفس الأمر ليس كذلك، الا أنه لا يدرى.

ومثل أن ينظر بحول مثلا فيرى الشئ الواحد شيئين، فيحلف على الشيئين.

أو يرى بعيرا، فيحلف أنه جمل لا ناقة لأمارة رآها، وهى كاذبة، أو يعتقد أن زيدا هو الشخص الفلانى، فيحلف أنه رآه، أو أنه فى المكان الفلانى، وقد كان فى الواقع أن زيدا ليس هو ذلك الشخص، وعلى هذا تلزم الكفارة على الحنث.

ثم قال

(2)

: ومن حلف عن شرب شئ كلبن، أو عن أكله فخلط بغيره، حتى ملك فيه، ولم يتبين، لم يحنث.

ومن حلف لا يكلم

(3)

انسانا فشبهه بغيره فناداه يا فلان باسم المشبه به، فاذا هو المحلوف عنه، لم يحنث، الا ان قال: يا رجل ظانا أنه فلان، فاذا هو المحلوف عنه، وقد كلمه يظنه غيره.

وجاء فى موضع آخر

(4)

: ولا حنث على المختار فيمن حلف على معدوم يظن بقاءه كحالف ليأكلن ما فى الوعاء وقد سبق لأكله أو فات بغير الأكل، أو ليذبحن الشاة التى فى الموضع الفلانى، وقد سبق بذبحها، أو ماتت ونحو ذلك من فوات المحلوف عليه قبل يمينه.

‌الاشتباه

فى الحدود

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(5)

: أنه اذا قتل المكاتب وترك وفاء وورثة أحرارا غير المولى، فلا قصاص على القاتل بالاجماع، لأن المولى مشتبه يحتمل أن يكون هو الوارث، ويحتمل أن يكون هو المولى، لاختلاف الصحابة الكرام رضى الله تعالى عنهم فى موته حرا، أو عبدا.

فان مات حرا كان وليه الوارث.

وان مات عبدا كان وليه المولى.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 427 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 463 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 464 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 442 الطبعة السابقة.

(5)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 240 الطبعة السابقة.

ص: 370

وموضع الاختلاف موضع التعارض والاشتباه فلم يكن الولى معلوما فامتنع الوجوب، لأنه يشترط فى وجوب استيفاء القصاص أن يكون ولى القتيل معلوما.

فان كان مجهولا لم يجب القصاص، لأن وجوب القصاص وجوب استيفاء، والاستيفاء من المجهول متعذر، فتعذر الايجاب له.

وان اجتمعا فليس لهما أن يستوفيا، لأن الاشتباه لا يزول بالاجتماع.

هذا اذا ترك وفاء وورثة غير المولى.

فأما اذا ترك وفاء ولم يترك ورثة غير المولى، فقد اختلف أصحابنا فيه.

عندهما يجب القصاص للمولى.

وعند محمد لا يجب القصاص أصلا وهو رواية عن أبى يوسف أيضا.

ووجه قول محمد أنه وقع الاشتباه فى سبب ثبوت الولاية، لأنه أن مات حرا كان سبب ثبوت الولاية القرابة، فلا تثبت الولاية للمولى.

وان مات عبدا كان السبب هو الملك فتثبت الولاية للمولى، فوقع الاشتباه فى ثبوت الولاية فلا تثبت ودليلهما أن من له الحق متعين غير مشتبه لأن الاشتباه موجب المزاحمة ولم يوجد.

ولو قتل ولم يترك وفاء وجب القصاص بالاجماع، لأن الولى معلوم وهو المولى، لأنه يموت رقيقا بلا خلاف، فكان القصاص للمولى، كالعبد القن، وكذا المدبر والمدبرة وأم الولد وولدها بمنزلة العبد القن لأنهم قتلوا على ملك المولى فكان الولى معلوما.

ولو قتل عبد المكاتب فلا قصاص، لأن المكاتب له نوع ملك، وللمولى أيضا فيه نوع ملك فاشتبه الولى فامتنع الوجوب.

وعلى هذا يخرج ما اذا قطع رجل يد عبد فأعتقه مولاه، ثم مات من ذلك، لأنه ان كان للعبد وارث حر غير المولى، فلا قصاص لاشتباه ولى القصاص، لأن القصاص يجب عند الموت مستندا الى القطع السابق، والحق عند القطع للمولى لا للورثة، وعند ثبوت الحكم وهو الوجوب، وذلك عند الموت يكون الحق للوارث لا للمولى فاشتبه الولى فلم يجب القصاص.

ولو اجتمع المولى مع الوارث فلا قصاص لأن الاشتباه لا يزول باجتماعهما.

وفرق بين هذا وبين العبد الموصى برقبته لانسان وبخدمته لآخر قتل، واجتمعا أنه يجب القصاص، لأنه لا يشتبه الولى، لأن لصاحب الرقبة ملكا ولصاحب الخدمة حقا يشبه الملك فلم يشتبه الولى.

أما هنا فقد اشتبه الولى، لأن وقت القطع لم يكن للوارث فيه حق، ووقت

ص: 371

الموت لم يكن للمولى فيه حق، فصار الولى مشتبها فامتنع الوجوب

وان لم يكن وارث سوى المولى فهو على الاختلاف الذى ذكرنا من أن على قولهما للمولى أن يستوفى القصاص، لأن الحق له وقت القطع ووقت الموت.

وعلى قول محمد ليس له حق الاقتصاص لاشتباه سبب الولاية، لأن الثابت للمولى وقت القطع كان ولاية الملك وبعد الموت له ولاية العتاقة، فاشتبه سبب الولاية.

هذا اذا كان القطع عمدا.

فأما اذا كان خطأ فاعتقه، ثم مات من ذلك، فلا شئ على القاطع غير أرش اليد، وهو نصف قيمة العبد واعتاقه اياه بمنزلة برئه فى اليد، لتبدل المحل حكما بالاعتاق، فتنقطع آية السراية.

هذا اذا أعتقه المولى بعد القطع عمدا أو خطأ فمات من ذلك.

فأما اذا لم يعتقه، ولكنه دبره أو كانت أمة فاستولدها ثم مات من ذلك، فان كان القطع عمدا، فللمولى القصاص، لأن الحق له وقت القطع والموت جميعا فلم يشتبه الولى - وان كان خطأ لا تنقطع السراية فيجب نصف القيمة ودية اليد، ويجب ما نقص بعد الجناية قبل الموت، لحصول ذلك فى ملك المولى.

ولو كاتبه والمسألة بحالها فان كان القطع عمدا، ينظر.

ان مات عاجزا فللمولى القصاص لأنه مات عبدا.

وان مات عن وفاء فان كان له وارث يحجب المولى، أو يشاركه، لا يجب القصاص، لاشتباه الولى وعليه أرش اليد لا غير، ولو لم يكن له وارث غير المولى، فللمولى أن يقتص عندهما.

وعند محمد: ليس له أن يقتص وعليه أرش اليد.

وان كان القطع خطأ لا شئ على القاطع.

الا أرش اليد هذا اذا كان القطع قبل الكتابة.

فان كان بعدها فمات فان كان القطع عمدا ينظر.

ان مات عاجزا فللمولى أن يقتص، لأنه مات عبدا.

وان مات عن وفاء فان كان مع المولى وارث آخر أو غيره يشاركه فى الميراث فلا قصاص، لاشتباه الولى، وان لم يكن له وارث غير المولى فعلى الاختلاف الذى ذكرنا.

ثم قال:

(1)

من شرائط وجوب القسامة والدية أن يكون الموجود قتيلا،

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 287 الطبعة السابقة.

ص: 372

وهو أن يكون به أثر القتل من جراحة، أو أثر ضرب، أو خنق.

فاذا لم يكن فى الميت أثر القتل من جراحة، أو أثر ضرب، أو خنق، فلا قسامة فيه، ولا دية، لأنه اذا لم يكن به أثر القتل، فالظاهر أنه مات حتف أنفه، فلا يجب فيه شئ.

فاذا احتمل أنه مات حتف أنفه، واحتمل أنه قتل احتمالا على السواء، فلا يجب شئ بالشك والاحتمال.

وذكر صاحب البدائع

(1)

: ان الاعضاء التى يقصد بها المنفعة لا يجب فيها أرش كامل حتى يعلم صحتها، فاذا علم ذلك فقد وجد تفويت منفعة الجنس فيجب أرش كامل.

اما اذا لم يعلم فقد وقع الشك فى وجود سبب وجوب كمال الأرش فلا يجب بالشك.

ولا يقال ان الأصل هو الصحة والآفة عارض فكانت الصحة ثابتة ظاهرا، لأنا لا نسلم هذا الأصل فى الصغير، بل الأصل فيه عدم الصحة والسلامة لأنه كان نطفة وعلقة ومضغة فما لم يعلم صحة العضو فهو على الأصل.

على أن هذا الأصل متعارض، لأن براءة ذمة الجانى أصل أيضا، فتعارض الأصلان فسقط الاحتجاج بالأصل على الصحة.

وجاء فى الزيلعى

(2)

: أن حد الزنا يسقط بشبهة الاشتباه، وهو أن يظن غير الدليل دليلا، فيتحقق ذلك فى حق من اشتبه عليه الحل والحرمة، ولا دليل فى السمع يفيد الحل، بل ظن غير الدليل دليلا، كما يظن أن جارية زوجته تحل له، لظنه أنه استخدام واستخدامها حلال، فلا بد من الظن، لأنه وأن كان زنا حقيقة غير أنه سقط الحد لمعنى راجع اليه، وهو الظن، ولهذا لو جاءت بولد لا يثبت نسبه وان ادعاه.

وجاء فى بدائع الصنائع

(3)

: أن الرجل لو وطئ جارية الأب أو الأم.

فان ادعى الاشتباه، بأن قال ظننت أنها تحل لى، لم يجب الحد.

وان لم يدع الاشتباه يجب الحد، وهو تفسير شبهة الاشتباه. -

وانها تعتبر فى سبعة مواضع.

فى جارية الأب، وجارية الأم، وجارية المنكوحة، وجارية المطلقة ثلاثا ما دامت فى

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 323 الطبعة السابقة.

(2)

من تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للعلامة فخر الدين عثمان بن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبى ج 3 ص 176 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر المعزية سنة 1313 هـ.

(3)

بدائع الصنائع ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 36 الطبعة السابقة.

ص: 373

العدة، وأم الولد ما دامت تعتد منه، والعبد اذا وطئ جارية مولاه، والجارية المرهونة اذا وطئها المرتهن فى رواية كتاب الرهن.

وفى رواية كتاب الحدود يجب الحد ولا يعتد بظنه.

وزاد فى فتح القدير

(1)

جارية المطلقة بائنا على مال، وهى فى العدة فجعلها ثمانية.

قال فى البدائع: أما وط ء جارية أبيه أو أمه أو زوجته، فلأن الرجل ينبسط فى مال أبويه وزوجته، وينتفع به من غير استئذان وحشمة عادة ألا ترى أنه يستخدم جارية أبويه ومنكوحته من غير استئذان، فظن أن هذا النوع من الانتفاع مطلق له شرعا أيضا.

وهذا وان لم يصلح دليلا على الحقيقة، لكنه لما ظنه دليلا اعتبر فى حقه، لاسقاط ما يندرئ بالشبهات.

واذا لم يدع ذلك فقد عرى الوط ء عن شبهة الاشتباه فتمحض حراما فيجب الحد.

ولا يثبت نسب الولد سواء ادعى الاشتباه أو لا، لأن اثبات النسب يعتمد قيام معنى فى المحل وهو الملك من كل وجه، أو من وجه، ولم يوجد.

ولو ادعى أحدهما الظن ولم يدع الآخر فلا حد عليهما، ما لم يقرا جميعا أنهما قد علما بالحرمة، لأن الوط ء يقوم بهما جميعا.

وأما من سوى الأب والأم، من سائر ذوى الارحام المحارم، كالاخ والاخت، ونحوهما اذا وطئ جاريته فيجب الحد، وان قال ظننت أنها تحل لى، لأن هذا دعوى الاشتباه فى غير موضع الاشتباه، لأن الانسان لا ينبسط بالانتفاع بمال أخيه وأخته عادة، فلم يكن هذا ظنا مستندا الى دليل، فلا يعتبر.

وكذلك اذا وطئ جارية ذات رحم محرم من امرأته لما قلنا.

أما وط ء المطلقة ثلاثا فى العدة فلأن النكاح قد زال فى حق الحل أصلا، لوجود المبطل لحل المحلية وهو الطلقات الثلاث وانما بقى فى حق الفراش والحرمة على الأزواج فقط فتمحض الوط ء حراما فكان زنا فيوجب الحد، الا اذا ادعى الاشتباه، وظن الحل، لأنه بنى ظنه على نوع دليل، وهو بقاء النكاح فى حق الفراش، وحرمة الأزواج، فظن أنه بقى فى حق الحل أيضا.

وهذا وان لم يصلح دليلا على الحقيقة لكنه لما ظنه دليلا اعتبر فى حقه ..

وان كان طلاقها واحدة بائنة لم يجب الحد، وان قال علمت أنها على حرام، لأن زوال الملك بالابانة وسائر الكنايات

(1)

فتح القدير شرح الهداية ج 4 ص 142 الطبعة السابقة.

ص: 374

مجتهد فيه، لاختلاف الصحابة رضى الله تعالى عنهم.

فان مثل سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه يقول فى الكنايات أنها رواجع وطلاق الرجعى لا يزيل الملك فاختلافهم يورث شبهة.

ولو خالعها أو طلقها على مال فوطئها فى العدة.

ذكر الكرخى أنه ينبغى أن يكون الحكم فيه كالحكم فى المطلقة ثلاثا.

وهو الصحيح، لأن زوال الملك بالخلع والطلاق على مال مجمع عليه فلم تتحقق الشبهة فيجب الحد، الا اذا ادعى الاشتباه لما ذكرنا فى المطلقة الثلاث.

وكذلك اذا وطئ أم ولده وهى تعتد منه، بأن أعتقها، لأن زوال الملك بالاعتاق مجمع عليه فلم تثبت الشبهة.

وأما العبد اذا وطئ جارية مولاه فان العبد ينبسط فى مال مولاه عادة بالانتفاع فكان وطؤه مستندا الى ما هو دليل فى حقه فاعتبر فى حقه لاسقاط الحد، واذا لم يدع يحد.

وأما المرتهن اذا وطئ الجارية المرهونة فقد قال فى العناية على الهداية وفتح القدير

(1)

: اذا قال المرتهن ظننت أنها تحل لى، لا يحد وذلك على رواية فى كتاب الحدود.

ووجهه أن عقد الرهن عقد لا يفيد ملك المتعة بحال فقيامه لا يورث شبهة حكمية، قياسا على الاجارة، فانها لا تفيد ملك المتعة بحال، فما أورث قيامها فى المحل شبهة حكمية.

وعلى هذا كان يجب عليه الحد اشتبه أو لم يشتبه كما فى الجارية المستأجرة للخدمة.

الا انه لا يجب الحد اذا اشتبه عليه لأنه موضع اشتباه، لأن ملك المال فى الجملة سبب لملك المتعة، وان لم يكن سببا فى الرهن، وقد انعقد له سبب ملك فى حق المال فيشتبه أنه هل يثبت له بهذا القدر ملك المتعة، أو لا.

بخلاف الاجارة فان الثابت بها ملك المنفعة، ولا يتصور أن يكون ذلك سبب ملك المتعة بحال، فقد اشتبه عليه ما لا يشتبه.

وبخلاف البيع بشرط الخيار، لأنه انما يفيد الملك حال قيام الجارية وملك المال حال قيام الجارية سبب لملك المتعه فقد انعقد له سبب ملك المتعه.

وهاهنا انما يملك مالية المرهون عند الهلاك، ومال الملك بعد الهلاك، لا يفيد ملك المتعة فى حال من الأحوال، فكان بمنزلة ملك المنفعة.

(1)

شرح العناية على الهداية للامام البابرتى وشرح فتح القدير للامام كمال الدين بن الهمام ج 4 ص 142 الطبعة السابقة.

ص: 375

وعلى رواية كتاب الرهن: لا يجب الحد سواء ادعى الظن، أو لم يدع كما فى الجارية المشتركة، لأنه وطئ جارية انعقد له فيها سبب الملك، فلا يجب عليه الحد، اشتبه عليه، أو لم يشتبه، قياسا على ما لو وطئ جارية اشتراها على أن البائع بالخيار.

وانما قلنا انعقد له فيها سبب الملك، لأنه بالهلاك يصير مستوفيا حقه من وقت الرهن، واذا كان كذلك فقد انعقد له فيها سبب الملك فى الحال، ويحصل حقيقة الملك عند الهلاك.

وجاء فى الهداية وشروحها

(1)

: أن من زفت اليه غير امرأته وقالت النساء أنها زوجتك فوطئها، فلا حد عليه، وعليه المهر.

وقضى بذلك على رضى الله تعالى عنه وبالعدة، ولأنه اعتمد دليلا وهو الاخبار فى موضع الاشتباه، اذ الانسان لا يميز بين امرأته وبين غيرها فى أول وهلة، فصار كالمغرور.

ولا يحد قاذفه الا فى رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى، لأن الملك منعدم حقيقة.

ومن وجد امرأة على فراشه فوطئها فعليه الحد، لأنه لا اشتباه بعد طول الصحبة، فلم يكن الظن مستندا الى دليل، وهذا لأنه قد ينام على فراشها غيرها من المحارم التى فى بيتها.

وكذا اذا كان أعمى، لأنه يمكنه التمييز بالسؤال وغيره، الا اذا كان قد دعاها فأجابته أجنبية، وقالت: أنا زوجتك فواقعها، لأن الاخبار دليل، وجاز تشابه النغمة خصوصا اذا لم تطل الصحبة.

وجاء فى بدائع الصنائع

(2)

: أن الحد لا يجب مع الشبهة، فمع الاحتمال أولى.

فلو قال لامرأة يازانية، فقالت، زنيت معك، فلا حد على الرجل ولا على المرأة.

أما على الرجل، فلوجود التصديق منها اياه، وأما على المرأة فلأن قولها: زنيت معك يحتمل أن يكون المراد منه زنيت بك، ويحتمل أن يكون معناه زينت بحضرتك، فلا يجعل قذفا مع الاحتمال.

ولو قال لرجل انت تزنى فلا حد عليه، لأن هذا اللفظ يستعمل للاستقبال، ويستعمل للحال فلا يجعل قذفا مع الاحتمال.

ولو قال لغيره

(3)

: ليس هذا أبوك، أو قال: لست أنت ابن فلان لأبيه، أو قال انت

(1)

الهداية وشروحها ج 4 ص 146، ص 147 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 42 وما بعدها الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 7 ص 44 الطبعة السابقة.

ص: 376

ابن فلان لأجنبى.

فان كان فى حال الغضب فهو قذف.

وان كان فى غير حال الغضب فليس بقذف، لأن هذا الكلام قد يذكر لنفى النسب، وقد يذكر لنفى التشبه فى الاخلاق أى اخلاقك لا تشبه اخلاق أبيك أو أخلاقك تشبه اخلاق فلان الأجنبى، فلا يجعل قذفا مع الشك والاحتمال.

وكذلك اذا قال لرجل يا ابن مزيقيا أو يا ابن ماء السماء أنه يكون قذفا فى حالة الغضب، ولا يكون قذفا فى حالة الرضا، لأنه فى حالة الرضا يحتمل أنه أراد به نفى النسب، ويحتمل أنه اراد به المدح بالتشبيه برجلين من سادات العرب.

ولو قال

(1)

لامرأة: زنيت بفرس، أو حمار، أو بعير، أو ثور، لاحد عليه، لأنه يحتمل انه أراد به تمكينها من هذه الحيوانات، لأن ذلك متصور حقيقة، ويحتمل انه أراد به جعل هذه الحيوانات عوضا وأجرة على الزنا.

فان أراد به الأول لا يكون قذفا، لأنها بالتمكين منها لا تصير مزنيا بها، لعدم تصور الزنا من البهيمة.

وان أراد به الثانى يكون قذفا.

كما اذا قال: زنيت بالدراهم أو بالدنانير أو بشئ من الأمتعة فلا يجعل قذفا مع الاحتمال.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى

(2)

عليه، ويقتل الجميع غير الممالئين بواحد اذا ضربوه عمدا عدوانا ومات مكانه أو رفع مغمورا، واستمر حتى مات أو منفوذ المقاتل، ولم تتميز الضربات، أو تميزت واستوت، أو اختلفت ولم يعلم عين من ضربته هى التى ينشأ عنها الموت.

فان تأخر موته غير منفوذ مقتل ولا مغمور قتل واحد فقط بقسامة، اذ لا يقتل بالقسامة أكثر من واحد.

وفى اللخمى خلاف ذلك اذا انفذ احداها مقاتله، ولم يدر من أى الضربات مات، فانه يسقط القصاص اذا لم يتعاقدوا على قتله والدية فى أموالهم.

قال خليل: وان تميزت جنايات كل واحد واختلفت قدم الاقوى ان علم.

ثم قال

(3)

: وان تميزت جنايات من جماعة ولم يمت بلاتمالؤ فمن كل يقتص كفعله أى بقدر فعله بالمساحة، ولا ينظر لتفاوت العضو بالرقة والغلظ.

واذا لم تتميز فهل يلزمهم دية الجميع، أو يقتص من كل واحد بقدر الجميع؟

لكن الثانى بعيد جدا، اذ لو كانوا ثلاثة قلع احدهم عينه، والثانى قطع يده، والثالث

(1)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 45 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 245 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 250 الطبعة السابقة.

ص: 377

قطع رجله، ولم يتميز فعل كل واحد لزم قلع عين كل واحد وقطع يده، ورجله، مع أنه لم يجن الا على عضو فقط.

وأما ان تمالؤا اقتص من كل بقدر الجميع تميزت أم لا.

وجاء فى موضع آخر

(1)

آخر: ولا قصاص على شريك مخطئ، ولا شريك مجنون، لأجل الشك، لاحتمال أن يكون الموت من رمى المخطئ او المجنون.

وعلى المتعمد الكبير نصف الدية فى ماله وعلى عاقلة المخطئ أو المجنون نصفها.

وهل يقتص من شريك مرض حدث ذلك المرض بعد الجرح بأن جرحه ثم حصل للمجروح مرض ينشأ عنه الموت غالبا، ثم مات، ولم يدر أمات من الجرح، أو من المرض أو لا يقتص منه وانما عليه نصف الدية فى ماله ويضرب مائة ويحبس عاما قولان.

ثم قال

(2)

: ومن ادعى زوال عقله بجناية، وشك فى زواله جرب اهل المعرفة عقله باستغفاله فى خلواته فيتجسس عليه فيها هل يفعل افعال العقلاء أو غيرهم ويحتمل أنا نجلس معه فيها ونحادثه ونسايره فى الكلام حتى نعلم خطابه وجوابه.

فان علم أهل المعرفة ما نقص منه بالجناية عمل بذلك.

وان شكوا انقص الربع أو الثلث حمل فى العمد على الثانى، لأن الظالم احق بالحمل عليه، وفى الخطأ على الأول، لان الاصل براءة الذمة فلا نكلف بمشكوك فيه.

وظاهر أن المدعى هنا هو ولى المجنى عليه أو من يقوم مقامه.

وجرب النطق بالكلام من المجنى عليه بالاجتهاد من أهل المعرفة بأن يرجع الى ما يقوله أهل المعرفة باجتهادهم فيما نقص منه من ثلث أو ربع، أو غير ذلك.

فان شكوا أو اختلفوا فيما نقص عمل بالأحوط والظالم أحق بالحمل عليه.

وجاء فى موضع آخر

(3)

: واذا قال المقتول: قتلنى فلان فانه يكون لوثا ان شهد على قوله عدلان، واستمر على اقراره.

فان رجع عن قوله بأن قال: بل فلان آخر أو قال: ما قتلنى بل غيره، أو لا أدرى من الذى قتلنى، بطل اللوث، فلا قسامه.

ثم قال:

(4)

ولو شهد اثنان على شخص أنه قتل آخر عمدا، ودخل فى جماعة ولم يعرف، واشتبه عليهم الأمر استحلف كل منهم خمسين يمينا،

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه 4 ص 247 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 274، ص 275، ص 276 الطبعة السابقة.

(3)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 288 الطبعة السابقة.

(4)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 292 الطبعة السابقة ..

ص: 378

لتناول التهمة كل فرد منهم، والدية عليهم فى أموالهم أن حلفوا أو نكلوا من غير قسامة على أولياء المقتول، أو على من نكل دون من حلف وان حلف بعضهم بلا قسامة على الأولياء، لان البينة شهدت بالقتل، هذا اذا شهدا بالقتل عمدا.

فلو شهدا عليه بالقتل خطأ لكانت على عواقلهم.

ولو شهد واحد لم يكن الحكم كذلك.

والحكم أنهم يقسمون خمسين يمينا أن واحدا من هؤلاء الجماعة قتله ويستحقون الدية على الجميع.

وجاء فى حاشية الدسوقى

(1)

: ولا حد على من شرب المسكر غلطا، بأن ظنه غير مسكر، كأن ظنه خلا مثلا فشربه، فاذا هو خمر، فلا حد عليه، لعذره، كمن وطئ أجنبية يظنها زوجته، وصدق ان كان مأمونا لا يتهم.

ثم قال

(2)

: وان زاد الامام على الحد بالجلد، كأن يزيد على المائة سوط، أو أتى على النفس، بأن أدى للموت فلا اثم عليه ولا دية اذا لم يقصد ذلك، وانما قصد التشديد فيما يقتضى التشديد، كسب الصحابة، أو آل البيت، ونحو ذلك، فأدى الى الهلاك، فان ظن عدم السلامة، أو شك منع وضمن فى الشك ما سرى على نفس، أو عضو، أو جرح أى ضمن دية ما سرى لكن على العاقلة، وهو كواحد منهم، وأما لو ظن عدم السلامة، وأولى ان جزم فالقود.

والحاصل أنه ان ظن السلامة فخاب ظنه فهدر عند الجمهور.

وان ظن عدمها فالقصاص.

وان شك فالدية على العاقلة وهو كواحد منهم.

وسواء فى الثلاثة الأقسام شهد العرف بالتلف منه أم لا، هذا هو الراجح.

ويعلم الظن والشك من اقراره ومن قرائن الأحوال.

ثم قال

(3)

: ومن ظن الربع دينار أو الثلاثة دراهم، فلوسا نحاسا حال السرقة فاذا هو أحدهما فيقطع أو ظن الثوب المسروق فارغا، فاذا فيه نصاب ان كان مثله يوضع فيه ذلك لا ان كان خلقا، ولا حد على من سرق خشبة أو حجرا يظنها فارغة، فاذا فيها نصاب فلا قطع الا ان تكون قيمة تلك الخشبة ونحوها نصابا.

(1)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 352 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 355 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 335 الطبعة السابقة.

ص: 379

ثم قال

(1)

: ومن قال لجماعة احدكم زان أو ابن زانية، فلا حد، ولو قاموا كلهم، لعدم تعيين المعرة لواحد منهم، اذ لا يعرف، ولا يدرى من أراد والحد انما هو للمعرة، وهذا اذا كثرت الجماعة كأن زادوا على ثلاثة، فان كانوا ثلاثة أو اثنين، حد ان قاموا، أو قام بعضهم الا أن يحلف ما أراد القائم.

وجاء فى موضع آخر:

(2)

ان زنت امرأة بصبى مثله يجامع الا أنه لم يحتلم، فلا حد عليها، وان جهل الواطئ العين الموطوءة بأن يظن أنها حليلته، فتبين خلافها، أو يجهل التحريم مع علمه بعين الموطوءة ان جهل مثله كقريب عهد باسلام، فلا يحد، لعذره بالجهل، أو كان الوقت ليلا مظلما، والنساء مختلطات، والمرأة التى وطئها مماثلة لحليلته فى النحافة أو السمن.

أما الزنا الواضح فلا يعذر فيه بجهل العين كاتيانه لكبيرة ادعى الغلط بها، وامرأته صغيرة، أو العكس أو كانت حليلته فى غاية النحافة، والتى ادعى أنه ظن أنها هى فى غاية السمن أو العكس، ولا يعذر المرتهن اذا وطئ المرهونة، وقال ظننت أنها تحل لى.

ثم قال

(3)

: أن الزوج ان رمى الزوجة بغصب بأن قال زنت مغصوبة أو وط ء بشبهة، بأن قال: وطئها رجل أو فلان وظنته اياى، وأنكرت الزوجة الوط ء فى الصورتين، بأن كذبته، أو صدقته فيهما، ولم يثبت ببينة، ولم يظهر للناس كالجيران بالقرائن، فان الزوجين يتلاعنان معا.

وتقول الزوجة اذا صدقته على حصول الغصب أو الشبهة ما زنيت، أى تقول أربعا أشهد بالله ما زنيت، ولقد غلبت، وانى لمن الصادقين، وتقول فى خامستها غضب الله عليها ان كانت من الكاذبين.

ويقول الزوج فى الغصب لقد غصبت وفى الاشتباه لقد غلبت أو وطئت مشتبهة.

ولا يحلف لقد زنيت لأنه يدعى أنها غصبت، أو وطئت بشبهة.

وثمرة لعانه نفى الولد عنه.

وثمرة لعانها نفى الحد عنها.

وأما ان كذبته فتقول ما زنيت بحال، وفرق بينهما.

فان نكلت رجمت، والا بأن ثبت الغصب أو ظهر بقرينة كمستغيثة عند النازلة التعن الزوج فقط دونها، لأنها تقول يمكن أن يكون من الغصب، أو الشبهة.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 330.

(2)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 316.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 465، ص 475 الطبعة السابقة.

ص: 380

فان نكل لم يحد.

وظاهر كلامه أنه يلاعن، ولو لم يكن بها حمل.

وقيل محله ان ظهر بها حمل.

ولا يفرق بينهما، لأنه انما يفرق بينهما بتمام لعانها.

وجاء فى الحطاب

(1)

: ان من طلق امرأته قبل البناء طلقة واحدة، ثم وطئها بعد الطلقة، وقال: ظننت أنه لا يبينها منه الا الثلاث فلها صداق واحد، ولا حد عليه اذا عذر بجهل.

ولو طلقها بعد البناء ثلاثا، ثم وطئها فى العدة، وقال: ظننت ذلك يحل لى، فان عذر بالجهالة لم يحد.

وكذلك من تزوج خامسة أو أخته من الرضاع وعذر بالجهالة فى التحريم لم يحد.

وفى التاج والاكليل

(2)

: ومن طلق امرأته قبل البناء طلقة، ثم وطئها، وقال: ظننتها رجعية كالمدخول بها، فلا حد عليه ان رجع عذر بالجهالة.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(3)

: أنه ان قتل واحد جماعة أو قطع عضوا من جماعة دفعة واحدة، وأشكل الحال أقرع بينهم.

فمن خرجت له القرعة اقتص له، لأنه لا مزية لبعضهم على بعض، فقدم بالقرعة كما قلنا فيمن أراد السفر ببعض نسائه.

فان خرجت القرعة لواحد فعفا عن حقه أعيدت القرعة للباقين لتساويهم، وان ثبت القصاص لواحد منهم بالسبق أو بالقرعة فبدر غيره واقتص صار مستوفيا لحقه، وان أساء فى التقدم على من هو أحق منه.

وجاء فى نهاية المحتاج

(4)

: أنه ان جهل كون الذى شربه خمرا فشربها ظانا اباحتها لم يحد لعذره ويصدق بيمينه بعد صحوه ان ادعاه كما فى البحر.

ومثله دعوى الاكراه حيث بينه ان لم يعلم منه أنه يعرفه ولو قرب اسلامه، فقال: جهلت تحريمها، لم يحد لأنه قد يخفى عليه ذلك والحد يدرء بالشبهة.

ويؤخذ منه أن من نشأ بين المسلمين بحيث يقتضى حاله عدم خفاء ذلك عليه يحد، كما اعتمده الأذرعى، وغيره.

(1)

الحطاب ج 6 ص 292.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 293 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب لشيرازى ج 2 ص 183 الطبعة السابقة.

(4)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 8 ص 10 الطبعة السابقة.

ص: 381

أو قال علمت التحريم وجهلت الحد حد اذ كان من حقه اجتنابها بحيث علم تحريمها.

ويحد بدردى خمر وهو ما بقى فى آخر انائها وكذا بثخينها اذا أكله لا بخبز عجن دقيقه بها لاضمحلال عينها بالنار، ولم يبق الا أثرها، وهو النجاسة ومعجون هى فيه وما فيه بعضها والماء غالب لاستهلاكها.

وجاء فى المهذب

(1)

: أن السارق لا يقطع فيما له فيه شبهة، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «ادرءوا الحدود بالشبهات» فان سرق مسلم من مال بيت المال، لم يقطع.

لما روى أن عاملا لعمر رضى الله تعالى عنه كتب اليه يسأله عمن سرق من مال بيت المال قال لا تقطعه فما من أحد الا وله فيه حق.

وروى الشعبى ان رجلا سرق من بيت المال فبلغ ذلك عليا كرم الله وجهه، فقال: ان له فيه سهما، ولم يقطعه.

وان سرق ذمى من بيت المال قطع، لأنه لا حق له فيه.

وان كفن ميت بثوب من بيت المال فسرقه سارق قطع، لأن بالتكفين به انقطع عنه حق سائر المسلمين.

وان سرق من غلة وقف على المسلمين لم يقطع، لأن له فيه حقا.

وان سرق فقير من غلة وقف على الفقراء، لم يقطع، لأن له فيه حقا.

وان سرق منها غنى قطع لأنه لا حق له فيها.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(2)

أنه لو قتل فى أرض الحرب من يظنه كافرا، ويكون مسلما، فلا خلاف فى أن هذا خطأ لا يوجب قصاصا، لأنه لم يقصد قتل مسلم.

فأشبه ما لو ظنه صيدا فبان آدميا.

الا أن هذا لا تجب به دية أيضا.

ولا يجب الا الكفارة

(3)

.

ثم قال: ولا تسمع الدعوى فى القسامة على غير معين.

فلو كانت الدعوى على أهل مدينة أو محلة أو أحد غير معين أو جماعة منهم بغير أعيانهم، لم تسمع الدعوى، لأنها دعوى فى حق، فلم تسمع على غير معين، كسائر الدعاوى.

وان سرق

(4)

نصابا أو غصبه فأحرزه

(1)

المهذب للفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 281 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 9 ص 340 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 10 ص 4، ص 5 الطبعة السابقة.

(4)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 258 ص 259 الطبعة السابقة.

ص: 382

فجاء المالك فهتك الحرز، وأخذ ماله، فلا قطع عليه عند أحمد سواء أخذه، أو أخذ غيره، لأنه أخفى ماله.

وان سرق غيره ففيه وجهان.

أحدهما: لا قطع، لأن له شبهة فى هتك الحرز وأخذ ماله فصار كالسارق من غير حرز، ولأن له شبهة فى أخذ قدر ماله لذهاب بعض العلماء الى جواز أخذ الانسان قدر دينه من مال من هو عليه.

الثانى: عليه القطع لأنه سرق نصابا من حرزه لا شبهة له فيه، وانما يجوز له أخذ قدر ماله اذا عجز عن أخذ ماله، وهذا أمكنه أخذ ماله فلم يجز له أخذ غيره.

وكذلك الحكم اذا أخذ ماله وأخذ من غيره نصابا متميزا عن ماله، فان كان مختلطا بماله غير متميز منه فلا قطع عليه، لأنه أخذ ماله الذى له أخذه وحصل غيره مأخوذا ضرورة أخذه، فيجب أن لا يقطع فيه، ولأن له فى أخذه شبهة والحد، يدرأ بالشبهات.

ثم قال

(1)

: وان نقص النصاب قبل الاخراج، لم يجب القطع لعدم الشرط قبل تمام السبب، وسواء نقصت بفعله أو بغير فعله.

وان وجدت ناقصة ولم يدر هل كانت ناقصة حين السرقة أو حدث النقص بعدها؟ لم يجب القطع، لأن الوجوب لا يثبت مع الشك فى شرطه ولأن الاصل عدمه.

وجاء فى موضع آخر

(2)

: ان زفت الى الرجل غير زوجته، وقيل: هذه زوجتك فوطئها يعتقدها زوجته، فلا حد عليه، لا نعلم فيه خلافا.

وان لم يقل له هذه زوجتك أو وجد على فراشه امرأة ظنها امرأته، أو جاريته فوطئها، أو دعا زوجته، أو جاريته فجاءته غيرها، فظنها المدعوة فوطئها، أو اشتبه عليه ذلك لعماه، فلا حد عليه، لأنه وط ء اعتقد اباحته بما يعذر مثله فيه، فأشبه ما لو قيل له: هذه زوجتك، ولأن الحدود تدرأ بالشبهات وهذه من أعظمها.

فأما ان دعا محرمة عليه فأجابه غيرها، فوطئها يظنها المدعوة، فعليه الحد، سواء كانت المدعوة ممن له فيها شبهة كالجارية المشتركة، أو لم يكن، لأنه لا يعذر بهذا، فأشبه ما لو قتل رجلا يظنه ابنه أو عبده فبان أجنبيا.

وجاء فى كشاف القناع

(3)

: أنه لو

(1)

المرجع السابق ج 10 ص 278 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 10 ص 155، 156 الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع ومنتهى الارادات ج 4 ص 58 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد ابن حنبل لشيخ الاسلام المحقق أبى النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 4 ص 253 الطبعة السابقة.

ص: 383

وطئ جارية ولده فلا حد عليه، سواء وطئها الابن أولا، لأنه وط ء تمكنت الشبهة فيه، كوط ء الأمة المشتركة.

يدل عليه قول النبى صلى الله عليه وسلم: أنت ومالك لأبيك.

ولو وطئ امرأة ظن أن له أو لولده أو لبيت المال فيها شركا، فلا حد للشبهة.

وان أقر

(1)

بوط ء امرأة وادعى أنها امرأته فأنكرت المرأة الزوجية، ولم تعترف بوطئه اياها فلا حد عليه، للشبهة لاحتمال صدقه ولا مهر لها.

وان اعترفت بوطئه وأنه زنى بها مطاوعة، فلا مهر، ولا حد على واحد منهما، الا ان تقر أربع مرات.

وان أقرت الموطوءة أنه أكرهها عليه أى الواطئ أو أنه اشتبه عليها، فعليه المهر ما نال من فرجها، ولا حد عليهما.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(2)

: أنه لو ضرب الجماعة الواحد فمات ولم يدر من منهم أصابه، فانه ان وجد مقتولا فى دار قوم، فادعى أهله على أهل تلك الدار، وكان الذين ضربوه من أهل تلك الدار، ففيه حكم القسامة.

وان كان الذين ضربوه من غير أهل تلك الدار، فليس ها هنا حكم القسامة، ولكن حكم التداعى، فالبينة هاهنا على مدعى الدم، فان جاء بها فله القود وان لم يأت بها حلفوا له ان ادعى على جميعهم، أو حلف له من ادعى عليه منهم وبرئوا.

واما المصطدمان سواء كانا راجلين أو على دابتين، أو اصطدمت السفينتان، فروى الشعبى فى السفينتين يصطدمان، أنه لا ضمان فى شئ من ذلك.

ثم قال:

(3)

: ولو ان امرأة دلست نفسها لأجنبى، فوطئها يظن أنها امرأته، فهى زانية ترجم وتجلد.

وجاء فى موضع آخر

(4)

: من قال لآخر يازانى فقال له انسان صدقت، أو قال: نعم فان تيقن أن القائل: صدقت أو نعم قد سمع القذف وفهمه، فهو مقر بلا شك، وعليه الحد.

وان وقع شك أسمع القذف أو لم يسمعه وفهمه أو لم يفهمه فلا حد فى ذلك، لأنه قد يهم ويظن أنه قال كلاما آخر، وقد قال النبى صلّى الله عليه

(1)

كشاف القناع ج 4 ص 59، ص 60 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد ابن حنبل ج 4 ص 255 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 501، ص 502 مسألة رقم 2086 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى ج 11 ص 246.

(4)

المحلى ج 11 ص 298.

ص: 384

وسلم «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام» ، فصح أنه لا يستباح بشئ مما ذكرنا الا بيقين لا اشكال فيه.

ثم قال

(1)

: ومن دست اليه غير امرأته فوطئها وهو لا يدرى من هى يظن أنها زوجته فلا حد عليه.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(2)

: أنه اذا التبس صاحب الجناية القاتلة بالسراية فلم يعرف سقط القود، وكان اللازم هو الأرش فقط فى الجناية القاتلة بالسراية، والجناية غير القاتلة مع لبس صاحب الجنابة القاتلة بالسراية.

فاذا التبس صاحب السراية فلا يلزم فيها وفى الجنايات غير القاتلات الا الأرش على كل واحد أرش كامل للجنايات غير القاتلات.

فان زاد على الدية لم يلزم الا قدرها فقط.

وان نقص عن الدية فالزائدة على بيت المال، لأنه يحمل ما لم يحمل، ولا تجب قسامة هنا مع أخذ الأرش منهما، أو من أحدهما.

فان لم يأخذ ولى الدم أرشا فله أن يدعى القسامة أو يدعى على من يشاء منهما ان غلب فى ظنه أنه القاتل.

والحكم فى القاتلة المباشرة والباقيات غير قاتلات كما مر من أن القود على صاحبها ان علم المباشر، سواء تقدم أم تأخر أم التبس تقدمه.

ويلزم الآخر أرش الجراحة حيث لا قصاص فيها ولا شئ على من سواهما.

ثم قال

(3)

: ولو وجد القتيل فى موضع بين قريتين مستويتين فى التصرف فيه لكن أهل أحداهما منحصرون دون الثانية سقطت القسامة عن الكل، لتعلق التهم بمن لا ينحصر، كما اذا وجد فى قرية ينحصر أهلها، لكنه يختلط بهم من لا ينحصر، وتكون الدية من بيت المال.

ولو وجد القتيل فى قرية

(4)

ثم مات أهل القرية فلوليه أن يطالب ورثة الأموات، وتكون اليمين على العلم ما قتل فى زمان مورثيهم، وان لم يحلفوا ألزمت الدية من عواقل الأموات، وسقطت القسامة.

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 11 ص 372 مسألة رقم 2292 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب لأحكام المذهب ج 4 ص 270 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لأحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 349 الطبعة السابقة.

(4)

التاج المذهب ج 4 ص 352، ص 353 الطبعة السابقة.

ص: 385

واذا التبس من كان كامل الشروط فى ذلك الوقت فلا دية للالتباس.

وان وجد

(1)

القتيل بين صفين مقتتلين مفترقين غير مختلطين فعلى الأقرب اليه من الصفين ان كانوا من ذوى جراحته من رماة ان كانت من جرائح الرماة فعليهم، وعلى غيرهم من ذوى السيوف، ان كانت بالسيف، وان كان بالرمح فعلى ذوى الارماح.

ويلزم الأبعد ان كانت جراحته لا تكون الا من أسلحة الأبعدين.

فان استوت المسافة والأسلحة فعلى من هو مقبل اليه ان كانت فى قبله وعلى من وراءه ان كانت فى دبره.

فان كانت فى احدى جنبيه كانت على الذى شقه.

فان كانوا فى شقه جميعا أو لم يكن أحد شقه أو التبس فى الاقبال والادبار بعد ما أصيب أو كان تارة كذا، وأخرى كذا أو كانوا مختلطين فى الأسلحة فعليهم جميعا.

وجاء فى موضع آخر

(2)

: أن من الأمور المسقطة للحد الشبهة المحتملة للبس نحو أن يقول ظننتها زوجتى أو أمتى أو نحو ذلك مع الاحتمال، لوجود زوجة أو أمة معه ويمكن مع ذلك حصول اللبس عليه، كأن يكون أعمى، أو تكون فى ظلمة فانه يسقط عنه الحد للشبهة المحتملة، فأما لو لم يحتمل لم يسقط الحد.

وجاء فى شرح الازهار

(3)

: واذا كان الشركان فى الامة هما الاب وأبنه ووطئاها فأن الولد يكون للأب وحده، لأن جانبه أرجح من حيث أن الابن ليس له الا ملك فقط يعنى، وللأب ملك وشبهة ملك، قلنا لا حكم للأضعف مع وجود الأقوى كالشفعة.

وكذا حيث وطئا أمة الابن فادعياه، فيلحق بالابن فقط على كلام التفريعات لأنه ليس مع الأب الا شبهة ملك والولد ملك وينظر فى المسألة على الأصول، لأنه ان تقدم وط ء الابن، فلا شبهة للأب فيحد مطلقا.

وان تقدم وط ء الأب فقد استهلكها بالوط ء المفضى الى العلوق فيحقق هل يصح مع اللبس وقيل مع اللبس الأصل بقاء الملك للولد ويسقط الحد للشبهة.

وجاء فى التاج المذهب

(4)

: أن عدد الجلد ان التبس حال الضرب بنى على الأكثر فى جميع الحدود.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 354 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب لأحكام المذهب ج 4 ص 219، ص 220 الطبعة السابقة.

(3)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص 364، ص 367، ص 368 وهامشه الطبعة السابقة.

(4)

التاج المذهب لأحكام المذهب لأحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 212 الطبعة السابقة.

ص: 386

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(1)

: أنه كل من طرق رجلا أناء الليل، فأخرجه من منزله، فهو ضامن له، الا أن يقيم البينة أنه رده الى منزله.

وأما ضمانه بالدية فللشك فى موجب القصاص فينتفى للشبهة والضمان الموجود فى الاخبار يتحقق بضمان الدية، لأنها بدل النفس.

وأما تخصيصه الضمان بما لو وجد مقتولا فلأصالة البراءة من الضمان دية ونفسا حتى يتحقق سببه وهو فى غير حالة القتل مشكوك فيه.

ولو وجد ميتا ففى الضمان نظر من اطلاق الأخبار

وفتوى الأصحاب ضمانه الشامل لحالة الموت بل للشك فيه ومن أصالة البراءة والاقتصار فى الحكم المخالف للأصل على موضع اليقين وهو القتل، ولأنه مع الموت لم يوجد أثر القتل ولا لوث ولا تهمة.

وعلى تقديرها فحكمه حكم اللوث لا أنه يوجب الضمان مطلقا والى الضمان ذهب الأكثر بل حكموا به مع اشتباه حاله.

ثم اختلفوا فى أن ضمانه مطلقا هل هو بالقود، أو بالدية؟

فذهب الشيخ وجماعة الى ضمانه بالقود ان وجد مقتولا، الا أن يقيم البينة على قتل غيره له، والدية ان لم يعلم قتله.

واختلف كلام المحقق، فحكم فى الشرائع بضمانه بالدية ان وجد مقتولا، وعدم الضمان لو وجد ميتا.

وفى النافع بضمانه بالدية فيهما.

وكذلك العلامة فحكم فى التحرير بضمان الدية مع فقده أو قتله حيث لا يقيم البينة على عوده وبعدمها لو وجد ميتا.

وفى المختلف بالدية مع فقده وبالقيود ان وجد مقتولا مع التهمة والقسامة الا أن يقيم البينة على غيره، وبالدية ان وجد ميتا مع دعواه موته حتف أنفه، ووجود اللوث، وقسامة الوارث.

وتوقف فى القواعد والارشاد فى الضمان مع الموت.

والأجود فى هذه المسألة الاقتصار بالضمان على موضع الوفاق لضعف أدلته، فان فى سند الخبرين من لا تثبت عدالته والمشترك بين الضعيف والثقة، وأصالة البراءة تدل على عدم الضمان فى وضع الشك مع مخالفة حكم المسألة للأصل من ضمان الحر باثبات اليد عليه، ولللازم

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 421 الطبعة السابقة.

ص: 387

من ذلك ضمانه بالدية ان وجد مقتولا ولا لوث هناك، والا فبموجب ما أقسم عليه الولى من عمد أو خطأ.

ومع عدم قسامته يقسم المخرج وعدم ضمانه ان وجد ميتا للشك مع احتمال موته حتف أنفه.

وجاء فى الخلاف

(1)

: أنه اذا وجد الرجل فى فراشه امرأة فظنها زوجته فوطئها، لم يكن عليه الحد، لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل.

وجاء فى شرائع الاسلام

(2)

: أنه لو قذف اللقيط قاذف، وقال: انت رق فقال بل حر للشيخ فيه قولان.

أحدهما لا حد عليه، لأن الحكم بالحرية غير متيقن، بل على الظاهر وهو محتمل، فيتحقق الاشتباه الموجب لسقوط الحد.

والثانى عليه الحد، تعويلا على الحكم بحريته ظاهرا، والأمور الشرعية منوطة بالظاهر فيثبت الحد كثبوت القصاص والأخير أشبه.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(3)

: ان من أصبح ميتا ولا يدرى هل قتل نفسه عمدا، أو خطأ، أو لم يقتلها فان عاقلته تحمل ديته.

والذين

(4)

يحلفون فى القسامة هم أهل البلد الموجود فيه القتيل الذى لا يدرى قاتله، لا كما قال قوم منا يحلف أولياء القتيل، فيأخذون الدية من المدعى عليه.

ومن قتل فى زحام وأشكل حاله، فلا قسامة.

وان اتهم أحد حلف.

وفى الأثر وان وجد فى سوق أو جامع أو زحام، ففى بيت المال.

وقيل: فيه القسامة على اهل البلد.

ثم قال

(5)

: وان وجد قتيل موحد أو مشرك بقرية أو نحوها أصلها لذوى الشرك والاسلام، ولم يدر قاتله هل هو من ذوى الشرك أو الاسلام؟ وهل تلزم القسامة كالدية الكل من المشركين والمسلمين، لشمول القرية أو نحوها الجميع، أو تختص بذوى الاسلام يحلفون ويدون وحدهم، بناء على أن ذلك من الأحكام الجارية على المسلمين وحدهم، كالزكاة، والجلد على الخمر؟ خلاف.

وان وجد جريح فى قبيلة، ولم يدر من أوقع الضرب والصقه به، ولم يزل لازم الفراش حتى مات، لزمتهم قسامته، وديته.

(1)

من كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 444 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى ج 2 ص 174، ص 175 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 110 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 8 ص 126، ص 127 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 138، ص 139 الطبعة السابقة.

ص: 388

وان كان صحيحا يجئ ويذهب فلا شئ فيه.

وجاء فى موضع آخر

(1)

ولا يقتل المبين عليه أن رجعت بينته، بأن كذبوا أنفسهم، أو قالوا غلطنا أو التبس علينا.

قال عزان أخبرنى أبو الجهم أن قوما من نخل قتلوا رجلا فأقروا بقتله، وقالوا:

ظنناه فلانا، فلم ير عليهم ابن على قودا ورآه عليهم المشايخ، ثم رجع ابن على اليهم، وذلك فى عصر الامام حميد.

ثم قال

(2)

: وان تلف مقر أو مبين عليه فى جماعة أو مع واحد حتى لا يفرز كف عن قتلة، حتى يتبين باقرار، أو شهادة وان قال قتلته خطأ، بضربى الى غيره، أو بظنى أنه من حل لى قتله، أو بقول الناس أنه الذى حل لى قتله، أو بغير ذلك من الخطأ، أو قال قتلته وأنا طفل، أو مجنون، أو نائم، أو سكران بما أعذر به فى العلم أو بغى على أو قتل وليى، أو حل قتله، وقد التبس عليه الأمر فقتله خوصم.

فان بين دعواه فالدية عليه حيث تكون، والا فالدية، أو القتل.

وقيل: لا يشتغل به فى نصب الخصومة، فلا تنصب له بل يقتل، أو تؤخذ عنه الدية.

وان بين بلا خصام فلا قتل الا أن بين دعواه، أو قال أن لى بيانا فى موضع كذا يحضر وقت كذا.

وقيل: يحبس حتى يبين.

ثم قال

(3)

: وان ضرب رجل رجلا الى أن صارت الروح فيه تجئ وتذهب، ثم قتله آخر ولم يدر من القاتل لزم الأخير القود لاشتراكهما فى دمه، أن فتكا به قلت أو لم يفتكا.

وأن اطعمه أو سقاه سما أو ما يقتله ولا يدرى، بأن جعل السم فى طعامه حيث لا يعلم أو قهره بالقتل على بلعه، أو ابلعه ذلك ابلاعا فمات منه، قتل به، أى بقتيله الذى أطعمه، أو سقاه ما يموت به عمدا، وانما يقتل بالسيف.

وجاء فى موضع آخر

(4)

: وان قدر انسان على تنجية انسان آخر وهو من نزل به ضرر بلا تلفه لزمه تنجيته، أن تحقق عنده الوصول اليها، بأن ظهر له، واتضح، لا ان اشتبه الوصول، أو النجاة.

واذا اشتبهت التنجية جازت ولم تجب.

واما التنجية من نحو هدم فلا يجوز الا مع ظن نجاة المنجى.

واذا كان لا ينجو الا بموت المنجى له من انسان فله الخيار، ولا يلزمه التنجية والدفع لعدم من ينجى أو يدفع عنه.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل ج 8 ص 155، ص 156، ص 157 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 160 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل ج 8 ص 130 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 7 ص 580.

ص: 389

واذا اشترط التنجية على المنجى لم يجز الوفاء به الا ان طمع الموفى أن ينجو واشتبه عليه هل ينجو أو هل يصل الى التنجية فيجوز له ولا يجب.

وقيل لا يجوز ولو طمع الا أن ظهرت له النجاة واتضحت وظهر له الوصول الى التنجية واتضح.

ثم قال

(1)

: وان شهد أربعة على زان بامرأة لا يعرفونها فلا يحد لاحتمال انها زوجته أو سريته الا باقرار، أو بيان.

ومن لم يعرف محصنا ولا بكرا جلد، وليس لهم أن يفتشوا عن حاله.

وان ادعى أنه عبد لم يحد فيما قيل.

والظاهر أنه يجلد خمسين اذا لم يتبين أنه محصن فيرجم فيكون جلده زيادة.

وان شهد ثلاثة بالزنا حدوا حد القذف.

وان رجع بعض الأربعة قبل الحكم أو شك فى شهادته حدوا كلهم.

وان توقف الرابع حد الثلاثة.

قيل ولا حد بشبهة وشمل قول النبى صلى الله عليه وسلم «ادرءوا الحد بالشبهة ما استطعتم» .

أو أن تكون شبهة للزانى أن ذلك ليس زنا وان يقول المأمور قد ضربت الحد.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 537 الطبعة السابقة.

ص: 390

روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وأل التعريف.

وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.

ص: 392

بسم الله الرحمن الرحيم

‌حرف الألف:

‌ابراهيم النخعى:

انظر ج 1 ص 279

‌الأبهرى:

انظر أبو بكر ج 7 ص 387

‌الأثرم:

انظر ج 1 ص 247

‌الامام أحمد:

انظر ابن حنبل ج 1 ص 247

‌ابن أحمد:

أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى الهمامى شهاب الدين المقدسى ثم الدمشقى المقرى ويعرف بالعجيمى وفى الشام بالمقدسى قرأ القراءات على جماعة منهم العلاء بن اللفت ومهر فيها وتصدى لاقرائها فانتفع به جماعة، أولاده وغيرهم وهو ممن أخذ أيضا عن ابن الهمام والعماد بن شرف وآخرين وتحول الى الشام فى سنة خمس وعشرين باستدعاء محمد بن منجك لاقراء بنيه فقطنها، وتكسب بكتابة المصاحف، وكان متقنا فيها مقصودا من الآفاق بسببها، مات بدمشق فى جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وثمانمائة.

‌أحمد بن الحسين:

انظر المؤيد بالله ج 1 ص 257 ج 7 ص 385

‌الشيخ أحمد الزرقانى:

انظر ج 5 ص 370

‌أحمد بن شعيب:

انظر النسائى ج 1 ص 279

‌أحمد بن على بن أبى طالب الطوسى:

انظر ج 1 ص 265

‌أحمد بن يحيى:

انظر أبو يحيى ج 9 ص 386

‌ابن ادريس:

انظر ج 2 ص 343

‌الأذرعى:

انظر ج 1 ص 248

‌الأرغيانى:

توفى سنة 512 هـ: سلمان ناصر بن عمران الأنصارى النيسابورى الأرغيانى أبو القاسم من الأئمة فى علم الكلام والتفسير مولده ووفاته فى نيسابور ونسبته الى أرغيان من نواحيها وكان تلميذا لامام الحرمين من بيت صلاح وتصوف وزهد صنف كتاب القنية فى فقه الشافعية وشرح الارشاد لامام الحرمين وضعف بصره وسمعه فى آخر عمره وقيل وفاته سنة 511 هـ.

‌الأزرقى:

انظر ج 9 ص 370

‌الاسبيجابى:

انظر ج 2 ص 343

‌أبو اسحاق:

انظر الشيرازى ج 1 ص 263

‌الشيخ اسماعيل:

انظر ج 8 ص 370

‌اسماعيل بن سعيد:

انظر ج 2 ص 344

‌أبى بن كعب:

انظر ج 1 ص 247

‌اشهب:

انظر ج 1 ص 249

‌ابو امامه الباهلى:

انظر ج 4 ص 360

‌امام الحرمين:

انظر ج 1 ص 249

‌امامة بنت ابى العاص:

امامة بنت ابى العاص ابن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف العبشمية وهى من زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الزبير فى كتاب النسب كانت زينب تحت أبى العاص فولدت له أمامة وعليا وثبت ذكرها فى الصحيحين من حديث أبى قتادة أن النبى صلّى الله عليه وسلّم

ص: 393

كان يحمل أمامة بنت زينب على عاتقه فاذا سجد وضعها واذا قام حملها أخرجاه من رواية مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير

‌أنس:

انظر ج 1 ص 249

‌الأوزاعى:

انظر ج 1 ص 249

‌حرف الباء:

‌الباجى:

انظر ج 1 ص 250

‌الباقر:

انظر ابو جعفر ج 2 ص 347

‌البخارى:

انظر ج 1 ص 250

‌البراء بن عازب:

انظر ج 2 ص 345

‌البراذعى:

انظر ج 1 ص 250

‌أبو بردة بن دينار:

انظر ج 2 ص 345

‌البرزلى:

انظر ج 5 ص 365

‌ابن بركة:

انظر ج 7 ص 386

‌البرهان:

انظر ج 6 ص 382

‌بريدة:

انظر ج 3 ص 338

‌بشر:

انظر ج 4 ص 361

‌ابن بشر:

انظر ج 4 ص 361

‌أبو بصير:

أبو غسيل الأعمى ويقال له أبو بصير ذكر الثعلبى فى التفسير من طريق حميد الطويل قال أبصر النبى صلى الله عليه وسلم أعمى يتوضأ فقال له «بطن القدم» فجعل يغسل تحت قدمه حتى سمى ابا غسيل وأخرج الخطيب فى التاريخ من طريق أبى معاوية عن يحيى بن سعيد الأنصارى عن محمد بن محمود بن محمد بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل مصاب البصر يتوضأ فقال «باطن رجلك يا أبا بصير» فسمى أبا بصير.

‌البغوى:

انظر ج 2 ص 245

‌أبو بكر:

انظر ج 8 ص 371

‌بلال:

انظر ج 4 ص 361

‌البنانى:

انظر محمد البنانى ج 7 ص 398

‌البندنيجى:

انظر ج 4 ص 361

‌البهنسى توفى سنة 628 هـ:

الحارث بن مهلب ابن حسن بن بركات أبو الأشبال مجد الدين البهنسى وزير من الكتاب الشعراء مصرى سافر الى الشام وغيرها استكتبه الديوان العزيز الى ملوك النواحى واستوزره الملك الأشرف مظفر الدين موسى بن الملك العادل أبى بكر بن أيوب ثم عزله وصادره وحبسه مدة وتوفى بدمشق عن نيف وسبعين عاما.

‌البويطى:

انظر ج 5 ص 371

‌البيهقى:

انظر ج 1 ص 251

‌حرف التاء:

‌التتائى:

انظر ج 8 ص 371

‌الترمذى:

انظر ج 1 ص 251

‌حرف الثاء:

‌ثعلب:

انظر ج 4 ص 361

‌الثورى:

انظر ج 1 ص 252

‌حرف الجيم:

‌جابر رضى الله عنه:

صحابى انظر ج 3 ص 339

‌أبو جعفر:

انظر ج 7 ص 387

‌جعفر بن محمد:

انظر ج 2 ص 347

‌أبو جعفر الهندوانى:

انظر ج 1 ص 253

‌الامام جلال الدين الخبازى:

توفى سنة 691 هـ:

عمر بن محمد بن عمر الخبازى الجحندى أبو محمد جلال الدين فقيه حنفى من أهل دمشق جاور بمكة سنة وعاد اليها له المغنى فى أصول الفقه وشرح الهداية.

‌أبو الجهم:

توفى سنة 70 هـ: عامر، أو عمير، أو عبيد بن حذيفة بن غانم من قريش من بنى عدى بن كعب أحد المعمرين أسلم يوم فتح مكة واشترك فى بناء الكعبة مرتين الأولى فى الجاهلية والثانية حين بناها ابن الزبير سنة 64 هـ ومات فى تلك الفينة وهو أحد الأربعة الذين دفنوا عثمان وله خبر مع معاوية.

‌الجوهرى:

أنظر ج 4 ص 263

ص: 394

‌حرف الحاء:

‌ابن الحاج:

أنظر ج 9 ص 371

‌أبن الحاجب:

أنظر ج 1 ص 253

‌أبن حامد:

أنظر ج 2 ص 348

‌القاضى أبو حامد:

أنظر ج 1 ص 246

‌ابن حبيب:

أنظر ج 1 ص 253

‌أم حبيبة:

أنظر ج 5 ص 366

‌أبن حجر:

أنظر ج 1 ص 254

‌أبو حدرد:

الصحابى رضى الله عنه وهو والد أم الدرداء الكبرى خيرة وهو أسلمى قيل اسمه سلامه بن عمر بن أبى سلامه وقال أحمد بن حنبل حدثت عن أبى اسحاق أن اسمه عبد الله وقال على بن المدينى اسمه عبيد وهو حجازى روى عنه ابنه حدرد بن أبى حدرد.

‌أبو حذيفة:

أنظر ج 8 ص 372

‌حرملة:

توفى سنة 243 هـ: أبو عبد الله حرملة ابن يحيى بن عبد الله حرملة بن عمران ابن قراد مولى سلمة بن مخرمة التجيى المصرى أبو عبد الله فقيه من أصحاب الشافعى كان حافظا للحديث له فيه المبسوط والمختصر مولده ووفاته بمصر وروى عنه مسلم بن الحجاج فأكثر فى صحيحه من ذكره.

‌ابن حزم:

أنظر ج 1 ص 254

‌الحسن بن زياد:

أنظر ج 1 ص 254

‌الحسن بن صالح:

أنظر ج 4 ص 362

‌أبو الحسن الصغير:

توفى سنة 339 هـ: قاضى الاسكندرية على بن عبد الله بن أبى مطر المعافرى الاسكندرانى الفقيه أبو الحسن المالكى وله مائة سنة روى عن محمد بن عبد الله بن ميمون صاحب الوليد ابن مسلم وغيره.

‌الحسن بن على:

أنظر ج 2 ص 349

‌الحسن النخعى:

أنظر ج 1 ص 279

‌أبو الحسن العبادى توفى سنة 495 هـ:

بفتح العين وتشديد الباء من أصحاب الشافعى الفضلاء وهو صاحب كتاب الرقم وهو والد الشيخ أبى عاصم العبادى الامام واسمه أبى الحسن توفى فى جمادى سنة خمس وتسعين وأربعمائة وهو ابن ثمانين سنة.

‌القاضى أبو الحسن بن القصار:

أنظر ابن القصار ج 3 ص 354

‌الحسين بن على:

أنظر سيدنا الحسين ج 3 ص 341

‌الحطاب:

أنظر ج 1 ص 254

‌الحقينى:

توفى سنة 490 هـ: على بن جعفر بن الحسين بن عبد الله بن على بن الحسين ابن الحسن بن على بن أحمد الحقينى وهو الذى سكن قرية حقينة بالقرب من المدينة، ابن على بن الحسين الاصغر بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب الهاشمى الحسينى أبو الحسن الامام الهادى المعروف بالحقينى الصغير والكبير والده قام فى بلد الاستثارية من أرض الديلم بعد وفاة الناصر الصغير سنة 472 هـ وكان الحقينى مشتغلا بالأمر فى بلاد ديلمان وكان أبو الرضى محتسبا فى بلاد جيلان كان الحقينى فقيها متكلما له المقالات فى العلوم والتأليف من أهل البصرة ولم يزل قائما بأمر الله الى أن حضر يوما فى بلدة كجوة من بلاد الاستندارية فوثب عليه رجل حبشى فى المسجد فقتله رضوان الله عليه فى يوم الاثنين فى رجب ونقل الى بكار ودفن بقرية قفشكين.

‌أبن الحكم:

أنظر ج 2 ص 349

‌حلاس:

«حلاش» : حلاس بن عمرو الهجرى عده الشيخ فى رجاله من أصحاب على عليه السلام وعد حلاش بن عمرو من دون وصفه بالهجرى من أصحاب الحسين عليه السلام وحلاش بالحاء المهملة واللام المشددة والألف والشين المعجمة وفى بعض نسخ رجال الشيخ حلاس بالسين المهملة بدل الشين.

‌الحلبى:

أنظر ج 6 ص 384

‌شمس الأئمة الحلوانى:

أنظر ج 1 ص 255

‌حماد:

أنظر ج 3 ص 342

‌حماد بن زيد:

أنظر ج 3 ص 342

‌حماد بن سلمة:

أنظر ج 1 ص 255

‌ابن حمدان:

توفى سنة 695 هـ: أحمد بن حمدان ابن شبيب بن حمدان التحيرى الحرانى أبو عبد الله فقيه حنبلى أديب ولد ونشأ بحران ورحل الى حلب ودمشق وولى نيابة القضاء فى القاهرة فسكنها وأسن وكف

ص: 395

بصره وتوفى بها، من كتبه الرعاية الكبرى والرعاية الصغرى كلاهما فى الفقه وصفة المفتى والمستغنى ومقدمة فى أصول الدين وجامع الفنون وسلوة المحزون.

‌حمنة بنت جحش:

صحابية: انظر ج 5 ص 386

‌الحموى:

أنظر ج 2 ص 350

‌الامام حميد:

أنظر ج 3 ص 342

‌أبو حنيفة:

أنظر ج 1 ص 255

‌حرف الخاء:

‌الخرقى:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخصاف:

أنظر ج 1 ص 256

‌أبو الخطاب:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخلال:

أنظر ج 1 ص 256

‌خليل:

أنظر ج 1 ص 256

‌الخوارزمى:

أنظر ج 7 ص 390

‌خواهرزادة:

أنظر ج 1 ص 257

‌حرف الدال:

‌الدار قطنى:

أنظر ج 1 ص 256

‌الدسوقى:

أنظر ج 1 ص 257

‌أبو داود:

أنظر ج 1 ص 257

‌حرف الراء:

‌الرافعى:

أنظر ج 1 ص 258

‌أبو رافع:

أنظر ج 1 ص 258

‌ربيعة:

أنظر ج 1 ص 258

‌أبن رجب:

أنظر ج 1 ص 258

‌أبن رستم:

توفى سنة 211 هـ: ابراهيم بن رستم أبو بكر المروزى أحد الأئمة الأعلام سمع منصور بن عبد الحميد وهو شيخ يروى عن أنس بن مالك وسمع أيضا مالك بن أنس ومحمد بن عبد الرحمن بن أبى ذئب وسفيان الثورى وغيرهم قدم بغداد غير مرة وحدث بها فروى عنه من العراقيين سعيد بن سليمان سعدويه وأحمد بن حنبل وزهير بن حرب وغيرهم، قال العباس بن مصعب كان ابراهيم بن رستم من أهل كرمان ثم نزل مرو فى سكة الدباغين وكان أولا من أصحاب الحديث فحفظ الحديث فنقم عليه من أحاديث فخرج الى محمد بن الحسن وغيره من أهل الرأى فكتب كتبهم وحفظ كلامهم فاختلف الناس اليه وعرض عليه القضاء فلم يقبله فدعاه المأمون فقربه منه وحدثه، روى أنه لما عرض عليه القضاء فامتنع وانصرف الى منزله تصدق بعشرة آلاف درهم وأتاه ذو الرياستين الى منزله مسلما فلم يتحرك له ولا فرق أصحابه فقال اشكاب وكان رجلا متكلما عجبا لك يأتيك وزير الخليفة فلا تقوم له من أجل هؤلاء الدباغين عندك فقال رجل من هؤلاء المتفقهة نحن من دباغى الدين، الذى رفع ابراهيم بن رستم حتى جاءه وزير الخليفة فسكت «اشكاب» وسئل عنه يحيى بن معين فقال ثقة وذكر عن الدرامى توثيقه أيضا، قال اسحاق بن ابراهيم الحفصى مات ابراهيم ابن رستم المروزى بنيسابور قدمها حاجا وقد مرض بسرخس فبقى عندنا تسعة أيام وهو عليل ومات فى اليوم العاشر سنة احدى عشرة ومائتين وقيل سنة عشر ومائتين.

‌أبن رشد:

أنظر ج 1 ص 258

‌السيد رضى الدين بن طاووس:

توفى سنة 664 هـ:

يطلق غالبا على رضى الدين أبى القاسم بن موسى بن جعفر بن طاووس الحسنى الحسينى السيد الأجل الأورع الازهد قدوة العارفين الذى ما اتفقت كلمة الأصحاب على اختلاف مشاربهم وطريقتهم، وقال العلامة فى منهاج الصلاح فى مبحث الاستخارة ورويت عن السيد السند رضى الدين على ابن موسى بن طاووس وكان أعبد من رأيناه من أهل زمانه، له التصانيف الكثيرة البالغة الى حدود الثمانين التى منها كتاب البشرى فى الفقه ست مجلدات والملاذ فيه أربع مجلدات.

‌ابن الرفعة:

أنظر ج 1 ص 259

‌الرويانى:

أنظر ج 2 ص 352

‌حرف الزاى:

‌الزبير بن العوام:

أنظر ج 1 ص 259

‌الزركشى:

أنظر ج 1 ص 259

‌زروق:

أنظر ج 3 ص 344

ص: 396

‌زفر:

أنظر ج 1 ص 259

‌زكريا الساجى توفى سنة 243 هـ:

زكريا بن يحيى ابن عبد الرحمن بن محمد بن عدى الضبى البصرى الساجى أبو يحيى محدث البصرة فى عصره كان من الحفاظ الثقات له كتاب جليل فى حلل الحديث يدل على تبحره ومن كتبه اختلاف الفقهاء توفى بالبصرة.

‌أبو زيد:

أنظر دبوسى ج 1 ص 257

‌القاضى زيد:

أنظر ج 1 ص 260

‌زيد بن ثابت:

أنظر ج 1 ص 260

‌زيد بن على:

أنظر ج 1 ص 260

‌زينب بنت جحش:

صحابية: أنظر ج 8 ص 374

‌زينب بنت رسول الله:

توفيت سنة 8 هـ: زينب بنت سيد ولد آدم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب القرشية الهاشمية هى أكبر بناته وأول من تزوج منهن تزوجها ابن خالتها أبو العاص بن الربيع العبشمى وأمه هالة بنت خويلد أخرج ابن سعد بسند صحيح عن الشعبى قال هاجرت زينب مع أبيها وأبى زوجها أبو العاص أن يسلم فلم يفرق النبى صلى الله عليه وآله وسلم بينهما، وعن الواقدى بسند له عن عباد ابن عبد الله بن الزبير عن عائشة أن أبا العاص شهد مع المشركين بدرا فأسر فقدم أخوه عمرو فى فدائه وأرسلت معه زينب قلادة من جزع كانت خديجة أدخلتها بها على أبى العاص فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم عرفها ورق لها وذكر خديجة فترحم وكلم الناس فأطلقوه ورد عليها القلادة وأخذ على أبى العاص أن يخلى سبيلها ففعل قال الواقدى هذا أثبت عندنا ويتأيد هذا بما ذكر ابن اسحاق عن يزيد ابن رومان قال صلى النبى صلى الله عليه وسلم الصبح فنادت زينب أنى أجرت أبا العاص بن الربيع فقال بعد أن انصرف هل سمعتم ما سمعت قالوا نعم قال والذى نفس محمد بيده ما علمت شيئا مما كان حتى سمعت وأنه يجير على المسلمين أدناهم وذكر الواقدى من طريق محمد بن ابراهيم التيمى قال خرج أبو العاصى فى عير لقريش فبعث النبى صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة فى سبعين ومائة راكب فلقوا العير بناحية العيص فى جمادى الأولى سنة ست فأخذوا ما فيها وأسروا أناسا منهم أبو العاص فدخل على زينب فأجارته فذكر نحو هذه القصة وزاد وقد أجرنا من أجارت فسألته زينب أن يرد عليها ما أخذ منه ففعل وأمرها أن لا يقربها ومضى أبو العاص الى مكة فأدى الحقوق الى أهلها ورجع فأسلم فى المحرم سنة سبع فرد عليه زينب بالنكاح الأول.

‌حرف السين:

‌الشيخ سالم:

أنظر ج 8 ص 375

‌السبكى:

أنظر ج 1 ص 260

‌سحنون:

أنظر ج 1 ص 261

‌أبن سحنون:

أنظر ج 7 ص 391

‌السدويكشى:

أنظر ج 9 ص 374

‌سعد بن ابراهيم:

توفى سنة 201 هـ: هو سعد ابن ابراهيم بن سعد الزهرى العوفى قاضى واسط سمع أباه وابن أبى ذئب.

‌سعد بن أبى وقاص:

أنظر ج 2 ص 353

‌سعيد بن جبير:

أنظر ج 1 ص 261

‌أبو سعيد الخدرى:

أنظر ج 1 ص 261

‌سعيد بن المسيب:

أنظر ج 1 ص 261

‌سفيان الثورى:

أنظر ج 8 ص 376

‌ابن السكيت:

أنظر ج 4 ص 365

‌سليمان بن يسار:

أنظر ج 2 ص 366

‌ابن سماعة:

أنظر ج 4 ص 365

‌سند:

أنظر ج 3 ص 347

‌أبو سهل:

أنظر ج 4 ص 365

‌سهلة بنت سهيل:

أنظر ج 5 ص 371

‌السيد صدر الدين:

توفى سنة 903 هـ: محمد ابن ابراهيم بن محمد بن اسحاق يتصل نسبه بالامام زين العابدين فقيه امامى من أهل شيراز يلقب بصدر الدين الكبير تمييزا عن الصدر الشيرازى اشتهر بقوة العارضة وكان له منصب الصدارة للسلطان «شاه طهماسب» الصفوى وقتله التركمان فى شيراز من كتبه رسالة فى علم الفلاحة وحاشية على الكشاف وحواشى فى الفقه والمنطق ورسائل بالفارسية.

‌ابن سيرين:

أنظر ج 1 ص 262

ص: 397

‌حرف الشين:

‌ابن شاس:

أنظر ج 2 ص 354

‌الشاشى:

أنظر القفال ج 1 ص 272

‌الشافعى:

أنظر ج 1 ص 262

‌الشبراملسى:

أنظر ج 1 ص 262

‌الشرنبلالى:

أنظر ج 1 ص 262

‌شريح:

أنظر ج 1 ص 263

‌شريك:

توفى سنة 177 هـ شريك بن عبد الله بن الحارث النخعى الكوفى أبو عبد الله عالم بالحديث فقيه اشتهر بقوة ذكائه وسرعة بديهته استقضاه المنصور العباسى على الكوفة سنة 153 هـ ثم عزله وأعاده المهدى فعزله موسى الهادى وكان عادلا فى قضائه مولده فى بخارى ووفاته بالكوفة.

‌الشعبى:

أنظر ج 1 ص 263

‌شمس الأئمة السرخسى:

أنظر السرخسى ج 1 ص 261

‌الشمس الجوهرى:

أنظر ج 4 ص 362

‌ابن شهاب:

أنظر ج 3 ص 348

‌ابن أبى شيبة:

أنظر ج 9 ص 377

‌حرف الصاد:

‌صالح:

أنظر ج 1 ص 264

‌الصدوق:

أنظر ج 2 ص 355

‌صهيب:

توفى سنة 38 هـ: صهيب بن سنان بن مالك من بنى النمر بن قاسط صحابى من أرمى العرب سهما وله بأس وهو أحد السابقين الى الاسلام كان أبوه من أشراف الجاهلية ولاه كسرى على الأبلة «البصرة» وكانت منازل قومه فى أرض الموصل على شط الفرات مما يلى الجزيرة والموصل وبها ولد صهيب فأغارت الروم على ناحيتهم فسبوا صهيبا وهو صغير فنشأ بينهم فكان ألكن واشتراه منهم أحد بنى كلب وقدم به مكة فابتاعه عبد الله بن جدعان التيمى ثم أعتقه فأقام بمكة يحترف التجارة الى أن ظهر الاسلام فأسلم ولم يتقدمه غير بضعة وثلاثين رجلا فلما أزمع المسلمون الهجرة الى المدينة كان صهيب قد ربح مالا وفيرا من تجارته فمنعه مشركو قريش وقالوا جئتنا صعلوكا حقيرا فلما كثر مالك هممت بالرحيل فقال أرأيتم ان تركت مالى تخلون سبيلى قالوا نعم فجعل لهم مالهم أجمع فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم ذلك فقال ربح صهيب ربح صهيب وشهد بدرا واحدا والمشاهد كلها له فى الصحيحين 307 أحاديث وتوفى فى المدينة وكان يعرف بصهيب الرومى وفى الحديث أنا سابق العرب وصهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة.

‌الصيدلانى:

أنظر ج 4 ص 367

‌الصيمرى:

أنظر ج 7 ص 393

‌حرف الطاء:

‌أبو طالب:

أنظر ج 1 ص 264

‌أبو طاهر الدباس:

أنظر ج 2 ص 351

‌الطحاوى:

أنظر ج 1 ص 262

‌الطحطاوى:

أنظر ج 1 ص 265

‌طلحة:

أنظر ج 8 ص 377

‌القاضى أبو الطيب:

أنظر ج 3 ص 353

‌أبو الطيب بن سلمة:

توفى سنة 308 هـ: من متقدمى أصحاب الشافعى وائمتهم أصحاب الوجوه هو الامام أبو الطيب محمد بن الفضل بن سلمة بن عاصم البغدادى واشتهر بأبى الطيب بن سلمة نسب الى جده قال الخطيب البغدادى كان من كبار الفقهاء ومتقدميهم قال ويقال أنه درس على أبى العباس بن سريج قال وصنف كتبا عدة وتوفى فى المحرم سنة ثمان وثلثمائة.

‌حرف العين:

‌السيدة عائشة:

أنظر ج 1 ص 265

‌العاصمى:

أنظر ج 6 ص 386

‌عامر بن ربيعة:

توفى سنة 32 هـ: عامر بن ربيعة ابن كعب بن مالك بن ربيعة بن عامر بن سعد بن عبد الله بن الحارث بن رفيده بن عنز بن وائل العنزى وقيل فى نسبه غير ذلك وعنز بسكون النون أخو بكر بن وائل أبو عبد الله حليف بنى عدى ثم الخطاب

ص: 398

والد عمر ومنهم من ينسبه الى مذجح كان أحد السابقين الأولين وهاجر الى الحبشة ومعه امرأته ليلى بنت أبى خيثمة ثم هاجر الى المدينة أيضا وشهد بدرا وما بعدها وله رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم من طريق أبيه عبد الله ومن طريق عبد الله ابن عمر وعبد الله بن الزبير وأبى أسامة ابن سهل وغيرهم وذلك فى الصحيحين وغيرهما وكان صاحب عمر لما قدم الجابية واستخلفه عثمان على المدينة لما حج مات سنة اثنين وثلاثين وقيل ان موته كان بعد قتل عثمان بأيام وقيل فى وفاته غير ذلك.

‌أبن عباس:

أنظر ج 1 ص 267

‌أبو العباس:

أنظر ج 1 ص 266

‌أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر:

أنظر ج 1 ص 266

‌أبو العباس الحسينى:

أنظر ج 1 ص 266

‌عبد الباقى:

أنظر ج 9 ص 378

‌ابن عبد البر:

أنظر ج 1 ص 266

‌عبد الحق:

أنظر ج 6 ص 387

‌أبن عبد الحكم:

أنظر ج 1 ص 266

‌العبدرى:

توفى سنة 582 هـ: بيش بن محمد بن على بن بيشى أبو بكر العبدرى قاض من المشتغلين بالحديث من أهل شاطبة كان معدودا فى أهل الشورى والفتيا قبل أن يلى القضاء وتوفى بشاطبة وهو قاضيها له التصحيح فى اختصار الصحيح للبخارى وكتاب فى جمع الأحاديث التى زاد مسلم فى تخريجها على البخارى.

‌عبد الرحمن بن سهل:

أنظر ج 2 ص 356

‌عبد الرحمن بن عوف:

أنظر ج 1 ص 266

‌عبد الرحمن بن القاسم:

أنظر ج 1 ص 271 ابن عبد السّلام أنظر ج 1 ص 266

‌عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد:

صحابى:

عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد ذكره ابن أبى داود وابن شاهين فى الصحابة وأخرج ابن شاهين من طريق العوام بن حوشب عن السباح بن مطر عن عبد العزيز بن عبد الله بن أسيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يوم عرفة يوم يعرف الناس» وقد أخرجه ابن منده من هذا الوجه فقال عن عبد العزيز ابن عبد الله عن أبيه وعبد الله هو ابن خالد بن أسيد ابن أبى العيص الأموى وهو ابن أخى عتاب بن أسيد قتل أبوه خالد باليمامة كما مضى فى الأول وكذا مضى ذكر أبيه عبد الله ابن خالد.

‌أبو عبد الله:

أنظر ج 6 ص 387

‌عبد الله بن حميد:

توفى سنة 248 هـ: محمد بن حميد بن حيان التميمى الرازى أبو عبد الله حافظ للحديث من أهل الرى زار بغداد وأخذ عنه كثير من الأئمة كابن حنبل وابن ماجه والترمذى وكذبه آخرون.

‌عبد الله بن زيد:

أنظر ج 7 ص 394

‌عبد الله بن عوف:

هو عبد الله بن عوف بن عبد عوف الزهرى أخو عبد الرحمن قال ابن شاهين أسلم يوم فتح مكة وقال الزبير بن بكار لم يهاجر وقال الآجرى قلت لأبى داود تقادم موته قال نعم قلت رأى النبى صلى الله عليه وسلم قال نعم وذكره الطبرى وابن السكن والبارودى فى الصحابة قال الواقدى أسلم بعد الفتح وسكن المدينة وذكر عمر ابن شيبة أنه سكن المدينة وبنى بها دار البلاط وهو والد طلحة بن عبد الله بن عوف المعروف بطلحة الجود قاله الطبرى وقال الجوزجانى فى تاريخه لا أعلم له حديثا وكان باقيا بعد عبد الرحمن بن عوف لما طلق تماضر بنت الأصبغ فى مرض موته ثم مات قال عبد الله بن عوف أخوه لا أورثها.

‌عبد الله بن مسعود:

أنظر ج 1 ص 267

‌عبد الملك:

أنظر ابن حبيب ج 1 ص 253

‌القاضى عبد الوهاب:

أنظر ج 1 ص 267

‌أبو عبيدة:

أنظر ج 4 ص 368

‌عثمان بن عفان:

أنظر ج 1 ص 268

‌العدوى:

أنظر الدردير ج 1 ص 257

‌عدى بن حاتم:

أنظر ج 1 ص 268

‌ابن العربى:

أنظر ج 1 ص 268

‌ابن عرفة:

أنظر ج 1 ص 268

‌عزان:

توفى سنة 280 هـ: عزان بن تميم الخروصى الأزدى من أئمة الإباضية فى عمان بويع له بنزوى بعد خلع راشد بن النضر سنة 277 هـ فعزل أكثر ولاة راشد وكانت أيامه كأيام من قبله فتنا وخطوبا وتخلف كثير من أهل عمان عن بيعته وزحف عليه محمد ابن بور عامل المعتضد العباسى فى البحرين فاستولى

ص: 399

على بلقان وتوام والسر بعد قتال شديد وقصد نزوى وفيها عزان «الامام» فتخاذل أصحابه عنه فخرج الى سمد الشأن فتبعه محمد بن بور واقتتلا فانهزم أهل عمان وقتل عزان وأرسل ابن بور رأسه الى المعتضد ببغداد.

‌العزيزى:

أنظر ج 1 ص 268

‌أبو عصمة:

سعد بن معاذ أنظر ج 3 ص 345

‌عطاء:

أنظر ج 2 ص 257

‌ابن عطاء الله:

توفى سنة 709 هـ: الشيخ تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم ابن عطاء الله السكندرى الشاذلى كان جامعا لأنواع العلوم من تفسير وحديث ونحو وأصول وفقه على مذهب مالك وصحب فى التصوف أبا العباس المرسى وكان أعجوبة زمانه فيه وأخذ عنه التقى السبكى استوطن القاهرة يعظ الناس ويرشدهم وله الكلمات البديعة دونها أصحابه له تاج العروس وقمع النفوس فى التصوف ومفتاح الفلاح وحكم ابن عطاء الله والتنوير فى اسقاط التدبير الى غير ذلك

‌عقبة بن عامر:

أنظر ج 3 ص 351

‌ابن عقيل:

أنظر ج 2 ص 358

‌على بن ابراهيم:

على بن ابراهيم بن محمد بن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن الحسين ابن على بن الحسن بن على بن أبى طالب أبو الحسن الجوانبى بفتح الجيم وتشديد الواو ثقة صحيح الحديث خرج مع أبى الحسن عليه السلام الى خراسان.

‌على بن جعفر:

توفى سنة 210 هـ على بن جعفر الصادق بن محمد بن على بن الحسين العلوى الحسينى روى عن أبيه وأخيه موسى وسفيان الثورى وكان من جلة السادة الأشراف

‌على بن الحسين بن أبى طالب:

أنظر ج 3 ص 351

‌الأمير على بن الحسين:

توفى تقريبا سنة 670 هـ:

على بن الحسين بن يحيى بن عم الأمير شمس الدين وبدر الدين هو الأمير الكبير العالم الشهير جمال الدين وصاحب الزهد المتيم، له فى الفقه اللمع معتمد كتب الزيدية وله شروح أجودها الديباج النظير للقاضى عبد الله الدوارى وغيره من الشروح وقال فى المستطاب: أفتى الأمير على أنه يجوز القعود فى صنعاء أيام الغزو فاعترضه الفقيه حميد بن أحمد المحلى بأنه لا يجوز أن يفتى بذلك الا مجتهد فأجاب الأمير أنه أفتى وهو معتقد أنه مجتهد فى تلك المسألة ومن مشايخه ابن معرف قيل وفاته فى عشر السبعين والستمائة تقريبا.

‌على خليل:

على بن محمد الخليلى الزيدى الجيلى الشيخ الجليل قال فى المستطاب: هو من أتباع المؤيد بالله وله مؤلفات منها الجمع بين الافادة والافادات وله المجموع المشهور كان فى أوائل المائة الخامسة قال الامام المهدى المجموع مجلدان.

‌أبو على الدقاق:

أبو على المعروف بكنيته واسمه الحسن النيسابورى العالم المفسر المتأله الواعظ أبو زوجة القشيرى وأستاذه، توفى سنة 405 هـ أو سنة 412 هـ وقبره فى نيسابور له كلمات معروفة وكتاب فى الوعظ مشتمل على 360 مجلسا.

‌على بن أبى طالب:

أنظر ج 1 ص 269

‌أبو على الطبرى:

توفى سنة 350 هـ: هو الامام البارع المتفق على جلالته ذو الفنون أبو على الحسن بن القاسم منسوب الى طبرستان تفقه على أبى على بن أبى هريرة قال الشيخ أبو اسحاق صنف المجرد فى النظر وهو أول كتاب صنف فى الخلاف المجرد وصنف الافصاح فى المذهب وصنف أصول الفقه وصنف الجدال قال ودرس ببغداد بعد أستاذه أبى على ابن أبى هريرة توفى سنة خمسين وثلاثمائة.

‌على بن عبد الرحمن:

توفى سنة 399 هـ: على ابن عبد الرحمن بن أحمد بن يونس الصدفى المصرى أبو الحسن فلكى من العلماء وكان عارفا بالأدب وله شعر كثير يرمى بالغفلة لقلة اكتراثه ولرثاثة ثيابه اختص بصحبة الحاكم الفاطمى وتوفى بالقاهرة له الزيج الحاكمى ويعرف بزيج ابن يونس فى أربع مجلدات صحح به أغلاط من سبقه من من مصنفى الأزياج وكان تعويل أهل مصر عليه وفى كتاب مدينة العرب لفوستاف لوبون وضع ابن يونس فى القاهرة زيجه الحاكمى المشهور فأنسى كل زيج قبله فى العالم حتى عنى به فلكيو الصين فذكره أحدهم كوشيوكينغ سنة 1280 م ومن كتب

ص: 400

ابن يونس التعديل المحكم وجداول السمت وجد اول فى الشمس والقمر وغاية الانتفاع فى معرفة الدواء والسمت من قبل الارتفاع.

‌أبو على النجاد:

أنظر ج 4 ص 373

‌أبو على النسفى:

أنظر ج 1 ص 279

‌على بن يحيى الوشلى:

توفى سنة 777 هـ: على ابن يحيى بن حسن بن راشد الوشلى الزيدى العلامة المذاكر من ذرية سلمان الفارسى رضى الله عنه كان علامة حجة فى المذهب مولده سنة 662 هـ وله تصانيف منها الزهرة على اللمع وقيل ان له اللمعة غير لمعة الجلال وقال أنه لم يضع شيئا فى كتبه الا ما كان مذهبا للهادى وكان الفقيه على رحمه الله صاحب فضل وورع كبير توفى بصعدة سنة سبعمائة وسبع وسبعين قال الفقيه يوسف من ورعه أنه وعد رجلا بكراء حانوت لمسجد صعده فجاء آخر فبذل زيادة فأكراه من الأول وفاء بما وعد وكان يسلم الزائد من ماله رحمه الله.

‌ابن عمر:

أنظر ج 1 ص 267

‌أبو عمر:

أنظر ج 2 ص 359

‌عمر بن الخطاب:

أنظر ج 1 ص 269

‌عمران:

أنظر ج 2 ص 359

‌أبو عمران:

أنظر ج 8 ص 379

‌أبو عمرو بن الصلاح:

أنظر ابن الصلاح ج 1 ص 264

‌عمرو بن العاص:

أنظر ج 3 ص 350

‌القاضى عياض:

أنظر ج 1 ص 257

‌حرف الغين:

‌غالب بن أبحر:

صحابى غالب بن أبحر المزنى أبو حاتم الرازى له صحبة وهو كوفى ويقال فيه ابن ديخ بكسر أوله ومثناة تحتية بعدها معجمة له حديث فى سنن أبى داود فى الحمر الأهلية اختلف فى اسناده اختلافا كثيرا قال ابن السكن مخرج حديثه عن شيخ من أهل الكوفة قال قتيبة حدثنا عبد المؤمن أبو الحسن حدثنا عبد الله بن خالد العبسى عن عبد الرحمن بن مقرن عن غالب بن أبحر قال ذكرت قيس عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال ان قيسا لأسد الله ورواه الحسن بن سفيان فى مسنده عن قتيبة ومن طريقه أبو نعيم رواه ابن قانع عن موسى ابن هارون عن قتيبة وابن منده من طريق موسى وفرق ابن قانع بينهما.

‌الغزالى:

أنظر ج 1 ص 270

‌حرف الفاء:

‌فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنظر ج 1 ص 271

‌فاطمة بنت أبى حبيش:

صحابية: أنظر ج 5 ص 374

‌أبو الفرج:

أنظر ج 5 ص 375

‌ابن فضال:

توفى سنة 224 هـ: الحسن بن على ابن فضال التيمى بالولاء، أبو محمد فاضل من مصنفى الامامية من أهل الكوفة من كتبه «الرد على الغالية» والنوادر، والتفسير، والملاحم، والرجال.

‌أبو الفضل الناصر:

أنظر ج 1 ص 278

‌حرف القاف:

‌القاسم الصفار:

أنظر الصفار ج 3 ص 341

‌ابن القاسم:

أنظر ج 1 ص 271

‌القاضى:

أنظر ج 1 ص 248

القاضى: أنظر ج 2 ص 361

القاضى: أنظر ج 2 ص 361

‌قتادة:

أنظر ج 3 ص 353

‌أبو قتادة:

أنظر ج 2 ص 362

‌القدورى:

أنظر ج 1 ص 272

‌القرافى:

أنظر ج 1 ص 272

‌ابن القصار:

أنظر ج 3 ص 354

‌القمى:

أنظر ج 6 ص 390

ص: 401

‌حرف الكاف:

‌الكمال:

أنظر ج 1 ص 273

‌الكرخى:

أنظر ج 1 ص 273

‌كعب بن مالك:

أنظر ج 4 ص 370

‌الكنى:

أنظر ج 6 ص 391

‌حرف اللام:

‌أبن لبابة:

أنظر ج 6 ص 391

‌اللخمى:

أنظر ج 1 ص 274

‌الليث بن سعد:

أنظر ج 1 ص 274

‌ابن أبى ليلى:

أنظر ج 1 ص 274

‌حرف الميم:

‌المؤيد بالله:

أنظر ج 1 ص 275

‌ابن الماجشون:

أنظر ج 2 ص 363

‌المازرى:

أنظر ج 1 ص 274

‌مالك:

أنظر ج 1 ص 275

‌أبو مالك:

أنظر ج 7 ص 397

‌الماوردى:

أنظر ج 1 ص 278

‌مجاهد:

أنظر ج 3 ص 355

‌محارب بن دثار:

توفى سنة 116 هـ: محارب بن دثار بن كردوس السدوسى الشيبانى الكوفى أبو المطرف قاضى الكوفة كان فقيها فاضلا حسن السيرة زاهدا شجاعا من أفرس الناس وكان من المرجئة فى على وعثمان وله فى ذلك شعر، عزل عن القضاء وأعيد وتوفى وهو قاض.

‌المحاملى:

أنظر ج 4 ص 371

‌المحبوبى توفى سنة 747 هـ:

عبيد الله بن مسعود ابن محمود بن أحمد المحبوبى البخارى الحنفى صدر الشريعة الأصغر ابن صدر الشريعة الأكبر من علماء الحكمة والطبيعيات وأصول الفقه والدين، له كتاب تعديل العلوم «خ» والتنقيح «ط» فى أصول الفقه وشرحه بتوضيح، وشرح الوقاية لجده محمود فى فقه الحنفية، والنقاية مختصر الوقاية «ط» مع شرح القهستانى والوشاح فى علم المعانى توفى فى بخارى.

‌محمد:

أنظر ج 1 ص 275

‌القاضى أبو محمد:

أنظر القاضى عبد الوهاب ج 2 ص 261

‌محمد بن ابراهيم الميدانى:

توفى سنة 518 هـ:

أبو الفضل أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم النيسابورى كان أديبا فاضلا أخذ من أبى الحسن على بن أحمد الواحدى وصنف تصانيف حسنة أشهرها مجمع الأمثال والسامى فى الأسامى ونزهة الطرف فى علم الصرف والهادى للشادى توفى بنيسابور سنة 518 هـ.

‌محمد بن حمران:

محمد بن حمران بن الحارث ابن معاوية من بنى جعفى من سعد العشيرة شاعر جاهلى ممن سمى «محمدا» قبل الاسلام قال الزبيدى له خبر مع امرئ القيس الكندى يدل على أنه من معاصريه وهو من لقبه بالشويعر قال الآمدى وله فى فى كتاب «بنى جعفى» أشعار جياد.

‌محمد بن سلمة:

أنظر ج 2 ص 364

‌محمد بن مسلمة:

أنظر ج 4 ص 372

‌محمد بن مقاتل:

أنظر ج 1 ص 258

‌محمد بن المواز:

أنظر ج 1 ص 278

‌محمد بن يعقوب:

توفى سنة 329 هـ: محمد بن يعقوب بن اسحاق أبو جعفر الكلينى فقيه امامى من أهل كلين «بالرى» كان شيخ الشيعة ببغداد وتوفى فيها من كتبه الكافى فى علم الدين ثلاثة أجزاء الأول فى أصول الفقه والأخيران فى الفروع صنفه فى عشرين سنة والرد على القرامطة ورسائل الأئمة وكتاب فى الرجال.

‌ابن مرزوق:

أنظر ج 3 ص 356

‌مسروق:

أنظر ج 1 ص 276

‌ابن مسعود:

صحابى: أنظر ج 1 ص 276

‌مسلم:

أنظر ج 1 ص 276

ص: 402

‌أبو مضر:

أنظر ج 4 ص 372

‌معاذ بن جبل:

أنظر ج 1 ص 276

‌معاوية بن عمار:

أنظر ج 1 ص 276

‌ابن معرف:

محمد بن معرف الشيخ العلامة الزيدى من علماء الزيدية الأعلام عاصر الامام المهدى أحمد بن الحسين وشهد باماماته ودرس على الأمير على بن الحسين وفى المستطاب أنه شيخ الأمير الحسين بن محمد فقد تردد بين امامين وامتد زمانه الى أيام الحسن ابن بدر الدين وبايعه وله مؤلفات منها المذاكرة والمنهاج والمستصفى وهو أحد المذاكرين وفضله مشهور.

‌المعلى:

أنظر ج 1 ص 277

‌المغيرة بن نوفل:

المغيرة بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب بن هاشم الهاشمى. قال أبو عمر ولد قبل الهجرة وقيل ولد بعدها بأربع سنين وذكره ابن شاهين فى الصحابة وأخرج من طريق على بن عيسى الهاشمى عن سليمان ابن نوفل عن عبد الملك بن نوفل بن المغيرة بن نوفل عن أبيه عن جده المغيرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من لم يحمد عدلا ولم يذم جورا فقد بارز الله بالمحاربة» قال ابن شاهين غريب ولا أعلم للمغيرة غيره وجزم به أبو أحمد العسكرى بأن هذا الحديث مرسل وذكر ابن حبان المغيرة هذا فى ثقات التابعين والراجح ما قاله أبو عمر والحديث ليس بثابت والمغيرة هذا كان قاضيا بالمدينة فى خلافة عثمان.

‌ابن المقرى:

أنظر ج 5 ص 378

‌ابن الملقن توفى سنة 804 هـ:

عمر بن على بن أحمد الأنصارى الشافعى سراج الدين أبو حفص ابن النحوى المعروف بابن الملقن من أكابر العلماء بالحديث والفقه وتاريخ الرجال أصله من وادى آش بالأندلس ومولده ووفاته فى القاهرة له نحو ثلاثمائة مصنف منها اكمال تهذيب الكمال فى أسماء الرجال تراجم والتذكرة فى علوم الحديث رسالة والأعلام بفوائد عمدة الاحكام.

‌ابن المنذر:

أنظر ج 1 ص 277

‌المنصور بالله:

أنظر ج 1 ص 277

‌ابن منصور:

انظر ج 2 ص 364

‌المهدى:

انظر ج 6 ص 392

‌ابن المواز:

انظر ج 1 ص 278

‌ابن أبى موسى:

أنظر ج 2 ص 365

‌أبو موسى الأشعرى:

انظر ج 3 ص 358

‌موسى بن جعفر:

انظر الكاظم ج 8 ص 380

‌حرف النون:

‌الناصر:

أنظر ج 1 ج 278

‌ابن ناجى:

انظر ج 5 ص 379

‌ابن نافع:

انظر ج 1 ص 278

‌ابن أبى نجران:

عبد الرحمن بن أبى نجران التميمى الكوفى الضبط نجران بالنون المفتوحة والجيم الساكنة والراء المهملة والألف والنون وله كتب أجبر بها جماعة عن أبى المفضل عن ابن بطة عن أحمد بن أبى عبد الله عن أبيه عن عبد الرحمن بن أبى نجران وقال النجاشى عبد الرحمن ابن أبى نجران واسمه عمرو بن مسلم التميمى مولى كوفى أبو الفضل روى عن الرضا وروى أبوه أبو نجران عن أبى عبد الله ثم روى عن أبى نجران حنان وكان عبد الرحمن ثقة معتمدا على ما يرويه، له كتب كثيرة وقال أبو العباس لم أر منها الا كتابه فى البيع والشراء.

‌ابن نجيم:

انظر ج 1 ص 279

‌نصر المقدسى توفى سنة 490 هـ:

نصر بن ابراهيم ابن نصر بن ابراهيم بن داود النابلسى المقدسى، أبو الفتح شيخ الشافعية فى عصره بالشام. أصله من نابلس كان يعرف بابن أبى حافظ وقام برحلة، وعمره نحو عشرين عاما، فتفقه بصور، وصيدا، وغزه، وديار بكر، ودمشق، والقدس، ومكة، وبغداد، وأقام عشر سنين فى صور ثم تسع سنين فى دمشق واجتمع فيها بالامام الغزالى، وتوفى بها. وكان يعيش من غلة أرض له بنابلس، ولا يقبل من أحد شيئا. من كتبه «الحجة على تارك المحجة» فى الحديث والتهذيب فقه فى عشر مجلدات والكافى «فقه» فى مجلد، والتقريب، والفصول.

‌النووى:

أنظر ج 1 ص 279

ص: 403

‌حرف الهاء:

‌الهادى:

انظر ج 1 ص 280

‌ابن هارون توفى سنة 750 هـ:

محمد بن هارون الكنانى التونسى أبو عبد الله فقيه مالكى من مدرسى جامع الزيتونة بتونس له شروح واختصارات منها شرح مختصرى ابن الحاجب وشرح المعالم الفقهية ومختصر التهذيب.

‌أبو هريرة:

انظر ج 1 ص 280

‌هشام:

انظر ج 2 ص 366

‌هشام بن عروة:

انظر ج 1 ص 280

‌حرف الواو:

‌وائل بن حجر:

انظر ج 4 ص 374

‌وابصة بن معبد:

عمرو بن وابصة بن معبد - تابعى معروف أخرجه البارودى فى الصحابة وساق من طريق معمر عن منصور بن هلال بن يساف عن زياد بن أبى الجعد عن عمرو بن وابصة أن النبى صلى الله عليه وسلم أبصر رجلا يصلى خلف الصف فأمره أن يعيد وهذا خطأ نشأ عن تصحيف وانما هو عن عمرو بن وابصة فتصحف عن فصارت ابن فعمرو وهو ابن راشد والصحابى هو وابصة فقد أخرجه أبو داود والترمذى من طريق شعبة عن عمرو بن مرة عن هلال على الصواب.

‌ابن وهب:

انظر ج 2 ص 366

‌حرف الياء:

‌الامام يحيى:

انظر ج 1 ص 280

‌ابو يحيى:

انظر ج 9 ص 386

‌أبو اليسر:

انظر ج 8 ص 383

‌أبو يوسف:

انظر ج 1 ص 281

‌ابن يونس:

انظر ج 1 ص 281

ص: 404