المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الاشتباه في البيوع ‌ ‌مذهب الحنفية: جاء في بدائع الصنائع (1) : ان من شروط - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ١١

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌الاشتباه في البيوع

‌مذهب الحنفية:

جاء في بدائع الصنائع

(1)

: ان من شروط المعقود عليه أن يكون مالا، لأن البيع مبادلة المال بالمال.

ولو جمع بين ما هو مال

(2)

وبين ما ليس بمال في البيع، بأن جمع بين حر وعبد أو بين عصير وخمر، أو بين ذكية وميتة، وباعهما صفقة واحدة، فان لم يبين حصة كل واحد منهما من الثمن لم ينعقد العقد أصلا بالاجماع، وان بين فكذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، لأن الصفقة واحدة وقد فسدت فى أحدهما فلا تصح فى الآخر.

وعند صاحبيه يجوز فى العصير والعبد والذكية، ويبطل فى الحر والخمر والميتة.

ولو جمع بين قن ومدبر، أو أم ولد ومكاتب، أو بين عبده وعبد غيره وباعهما صفقة واحدة، جاز البيع فى عبده بلا خلاف.

ووجه قولهما: أن الفساد بقدر المفسد، لأن الحكم يثبت بقدر العلة، والمفسد خص أحدهما، فلا يتعمم الحكم مع خصوص العلة فلو جاء الفساد انما يجئ من قبل جهالة الثمن، فاذا بين حصة كل واحد منها من الثمن فقد زال هذا المعنى أيضا.

ولهذا جاز بيع القن اذا جمع بينه وبين المدبر أو المكاتب أو أم الولد وباعهما صفقة واحدة، كذا هذا.

ومن الشروط

(3)

أيضا أن يكون المعقود عليه مقدور التسليم عند العقد.

فان كان معجوز التسليم عند العقد لا ينعقد وان كان مملوكا له كبيع الآبق فى جواب ظاهر الروايات، حتى لو ظهر يحتاج الى تجديد الايجاب والقبول، الا اذا تراضيا فيكون بيعا مبتدأ بالتعاطى. فان لم يتراضيا وامتنع البائع من التسليم لا يجبر على التسليم.

ولو سلم وامتنع المشترى من القبض لا يجبر على القبض، لأن القدرة على التسليم لذا العاقد شرط انعقاد العقد، لأنه لا ينعقد الا لفائدة، ولا يفيد اذا لم يكن قادرا على التسليم، والعجز عن التسليم ثابت حالة العقد، وفى حصول القدرة بعد ذلك شك واحتمال قد

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 140 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق للكاسانى ج 5 ص 145 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 147 الطبعة السابقة.

ص: 5

يحصل وقد لا يحصل، وما لم يكن منعقدا بيقين لا ينعقد لفائدة تحتمل الوجود والعدم على الأصل المعه د أن ما لم يكن ثابتا بيقين أنه لا يثبت بالشك والاحتمال.

بخلاف ما اذا أبق بعد البيع قبل القبض أنه لا ينفسخ، لأن القدرة على التسليم كانت ثابتة لذا العقد فانعقد، ثم زالت على وجه يحتمل عودها فيقع الشك في زوال المنعقد بيقين، والثابت باليقين لا يزول بالشك فهو الفرق.

وذكر الكرخى رحمه الله تعالى أنه ينعقد بيع الآبق، حتى لو ظهر وسلم يجوز، ولا يحتاج الى تجديد البيع، لأن الأباق لا يوجب زوال الملك.

ألا ترى أنه لو أعتقه أو دبره ينفذ.

ولو وهبه من ولده الصغير يجوز، وكان ملكا له، فقد باع مالا مملوكا له، الا أنه لم ينفذ فى الحال للعجز عن التسليم، فان سلم زال المانع فينفذ، وصار كبيع المغصوب الذى فى يد الغاصب اذا باعه المالك لغيره، أنه ينعقد موقوفا على التسليم، لما قلنا، كذا هذا.

وعلى هذا يخرج بيع اللبن

(1)

فى الضرع، لأن اللبن لا يجتمع فى الضرع دفعة واحدة بل شيئا فشيئا فيختلط المبيع بغيره على وجه يتعذر التمييز بينهما فكان المبيع معجوز التسليم عند البيع فلا ينعقد.

وكذا بيع الصوف على ظهر الغنم فى ظاهر الرواية لأنه ينمو ساعة فساعة فيختلط الموجود عند العقد بالحادث بعده على وجه لا يمكن التمييز بينهما فصار معجوز التسليم بالجز، والنتف استخراج أصله وهو غير مستحق بالعقد.

والاجازة

(2)

فى البيع تلحق تصرف الفضولى بشرائط.

منها: أن يكون له مجيز عند وجوده فما لا مجيز له عند وجوده لا تلحقه الأجازة.

لأن ماله مجيز متصور منه الاذن للحال وبعد وجود التصرف، فكان الانعقاد عند الاذن القائم مفيدا فينعقد، وما لا مجيز له يتصور الاذن به للحال، والاذن فى المستقبل قد يحدث وقد لا يحدث، فان حدث كان الانعقاد مفيدا، وان لم يحدث لم يكن مفيدا، فلا ينعقد مع الشك فى حصول الفائدة على الأصل المعه د ان ما لم يكن ثابتا بيقين لا يثبت مع الشك، واذا لم ينعقد لا تلحقه الاجازة، لأن الاجازة للمنعقد.

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 148 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 149 الطبعة السابقة.

ص: 6

ويشترط

(1)

لصحة البيع أن يكون المبيع معلوما، وثمنه معلوما علما يمنع من المنازعة.

فان كان أحدهما مجهولا جهالة مفضية الى المنازعة فسد البيع، وان كان مجهولا جهالة لا تفضى الى المنازعة لا يفسد.

لأن الجهالة اذا كانت مفضية الى المنازعة كانت مانعة من التسليم والتسلم، فلا يحصل مقصود البيع.

واذا لم تكن مفضية الى المنازعة لا تمنع من ذلك فيحصل المقصود.

ومن ذلك ما اذا قال: بعتك شاة من هذا القطيع أو ثوبا من هذا العدل

(2)

فالبيع فاسد، لأن الشاة من القطيع، والثوب من العدل مجهول جهالة مفضية الى المنازعة، لتفاحش التفاوت بين شاة وشاة، وثوب وثوب فيوجب فساد البيع، فان عين البائع شاة أو ثوبا وسلمه اليه ورضى به جاز.

وأما جهالة المبيع

(3)

فلأن العقد فى أحدهما بات وفى الآخر خيار ولم يعين أحدهما من الآخر فكان المبيع مجهولا.

واذا بيع الثمر على الشجر واستأجر المشترى من البائع الشجر للترك الى وقت الادراك، طاب للمشترى الفضل، لأن الترك حصل باذن البائع

(4)

.

ولكن لا تجب الأجرة، لأن هذه الاجارة باطلة.

ولو أخرجت الشجرة فى مدة الترك ثمرة أخرى فهى للبائع سواء كان الترك باذنه أو بغير اذنه لأنه نماء ملك البائع فيكون له، ولو حللها له البائع جاز.

وان اختلط الحادث بعد العقد بالموجود عنده حتى لا يعرف ينظر.

فان كان قبل التخلية بطل البيع لأن المبيع صار معجوز التسليم بالاختلاط للجهالة وتعذر التمييز، فأشبه العجز عن التسليم بالهلاك.

وان كان بعد التخلية لم يبطل البيع، لأن التخلية قبض، وحكم البيع يتم ويتناهى بالقبض والثمرة تكون بينهما، لاختلاط ملك أحدهما بالآخر اختلاطا لا يمكن التمييز بينهما، فكان الكل مشتركا بينهما.

والقول قول المشترى فى المقدار، لأنه صاحب يد، لوجود التخلية، فكان الظاهر شاهدا له، فكان القول قوله.

والحيوان

(5)

مع اللحم ان اختلف الأصلان

(1)

المرجع السابق للكاسانى ج 5 ص 156 الطبعة السابقة.

(2)

العدل بالكسر المثل والنظير والقيمة - ترتيب القاموس ج 3 ص 249 مادة عدل.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 157 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 173 الطبعة السابقة.

(5)

بدائع الصنائع ج 5 ص 189.

ص: 7

فهما جنسان مختلفان، كالشاة الحية مع لحم الأبل والبقر.

فيجوز بيع البعض بالبعض مجازفة نقدا ونسيئة لانعدام الوزن والجنس فلا يتحقق الربا أصلا.

وان اتفقا كالشاة الحية مع لحم الشاة فمن مشايخنا من اعتبرهما جنسين مختلفين.

وبنوا عليه جواز بيع لحم الشاة بالشاة الحية مجازفة عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى.

وعللوا لهما بأنه باع الجنس بخلاف الجنس.

ومنهم من اعتبرهما جنسا واحدا.

وبنوا مذهبهما على أن الشاة ليست بموزونة.

وجريان ربا الفضل يعتمد اجتماع الوصفين: الجنس مع القدر.

فيجوز بيع أحدهما بالآخر مجازفة ومفاضلة بعد أن يكون يدا بيد.

وهو الصحيح على ما عرف فى الخلافيات.

وقال محمد رحمه الله تعالى: لا يجوز الا على وجه الاعتبار، على أن يكون وزن اللحم الخالص أكثر من اللحم الذى فى الشاة الحية بالحزر والظن، فيكون اللحم بازاء اللحم، والزيادة بازاء أخلاف الجنس من الأطراف والسقط والرأس والأكارع والجلد والشحم.

فان كان اللحم الخالص مثل قدر اللحم الذى فى الشاة الحية، أو أقل، أو لا يدرى، فانه لا يجوز.

وعلى هذا الخلاف اذا باع الشاة الحية بشحم الشاة، أو بأليتها، وهذا مذهب أصحابنا.

وأما بيع

(1)

دهن الجوز بالجوز، فقد اختلف المشايخ فيه.

قال بعضهم: يجوز مجازفة.

وقال بعضهم: لا يجوز الا على طريق الاعتبار.

وأجمعوا على أن بيع النصال بالحديد غير المصنوع جائز مجازفة بعد أن يكون يدا بيد.

ووجه قول محمد رحمه الله أن فى تجويز المجازفة ها هنا احتمال الربا فوجب التحرز عنه ما أمكن، وأمكن بمراعاة طريق الاعتبار، فلزم مراعاته قياسا على بيع الدهن بالسمسم.

والدليل على أن فيه الربا أن اللحم موزون، فيحتمل أن يكون اللحم المنزوع أقل من اللحم الذى فى الشاة وزنا، فيكون

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 190

ص: 8

شئ من اللحم مع السقط زيادة، ويحتمل أن يكون مثله فى الوزن، فيكون السقط زيادة، فوجب مراعاة طريق الاعتبار تحرزا عن الربا عند الامكان، ولهذا لم يجز بيع الدهن بالسمسم والزيت بالزيتون الا على طريق الاعتبار.

ومن شروط

(1)

البيع الخلو عن احتمال الربا، فلا يجوز المجازفة فى أموال الربا بعضها ببعض، لأن حقيقة الربا كما هى مفسدة للعقد، فاحتمال الربا مفسد له أيضا.

لقول عبد الله بن مسعود رضى الله تعالى عنه، ما اجتمع الحلال والحرام فى شئ الا وقد غلب الحرام الحلال.

والأصل فيه أن كل ما جازت فيه المفاضلة جاز فيه المجازفة، وما لا فلا، لأن التماثل والخلو عن الربا فيما يجرى فيه الربا لما كان شرط الصحة فلا يعلم تحقيق المماثلة بالمجازفة، فيقع الشك فى وجود شرط الصحة، فلا تثبت الصحة على الأصل المعه د فى الحكم المعلق على شرط اذا وقع الشك فى وجود شرطه أنه لا يثبت، لأن غير الثابت بيقين لا يثبت بالشك، كما أن الثابت بيقين لا يزول بالشك.

وبيان هذا الأصل فى مسائل:

اذا تبايعا حنطة بحنطة مجازفة.

فان لم يعلما كيلهما، أو علم أحدهما دون الآخر، أو علما كيل أحدهما دون الآخر، لا يجوز، لما قلنا.

وان علم استواؤهما فى الكيل.

فان علم فى المجلس جاز البيع، لأن المجلس وان طال فله حكم حالة العقد، فكأنه عند العقد.

وان علم بعد الافتراق لم يجز.

ولو تبايعا حنطة بحنطة وزنا بوزن متساويا فى الوزن لم يجز، لأن الحنطة مكيلة، والتساوى فى الكيل شرط جواز البيع فى المكيلات، ولا تعلم المساواة بينهما فى الكيل، فكان بيع الحنطة بالحنطة مجازفة.

وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه اذا غلب استعمال الوزن فيها تصير وزنية، ويعتبر التساوى فيها بالوزن وان كانت فى الأصل كيلية.

وعلى هذا تخرج المزابنة والمحاقلة أنهما لا يجوزان.

لأن المزابنة بيع التمر على رؤوس النخل بمثل كيله من التمر خرصا لا يدرى أيهما أكثر، وبيع الزبيب بالعنب لا يدرى أيهما أكثر.

والمحاقلة بيع الحب فى السنبل بمثل كيله من الحنطة خرصا لا يدرى أيهما أكثر، فكان هذا بيع مال الربا مجازفة، لأنه لا تعرف المساواة بينهما فى الكيل.

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 193، ص 194

ص: 9

وقد روى عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المزابنة والمحاقلة.

ولو اشترى فضة مع غيرها بفضة مفردة بأن اشترى سيفا محلى بفضة مفردة أو اشترى ذهبا وغيره بذهب مفرد، كما اذا اشترى ثوبا منسوجا بالذهب بذهب مفرد، أو جارية مع حليها وحليها ذهب بذهب مفرد ونحو ذلك، فانه لا يجوز مجازفة عندنا، بل يراعى فيه طريق الاعتبار، وهو أن يكون وزن الفضة المفردة أو الذهب المفرد بمثله من المجموع والزيادة بخلاف جنسه، فلا يتحقق الربا.

فان كان وزن المفرد أقل من وزن المجموع أو كان مثله لا يجوز.

وكذلك اذا كان لا يعلم وزنه أنه أكثر، أو أقل، أو اختلف أهل النظر فيه، فقال بعضهم: الثمن أكثر، وقال بعضهم: هو مثله لا يجوز عندنا.

وعند زفر يجوز، ووجه قوله أن الأصل فى البيع جوازه والفساد يعارض الربا وفى وجوده شك فلا يثبت الفساد بالشك.

ويشترط

(1)

فى المسلم فيه أن يكون موجودا من وقت العقد الى وقت الأجل.

فان لم يكن موجودا عند العقد، أو عند محل الأجل، أو كان موجودا فيهما لكنه انقطع من أيدى الناس فيما بين ذلك كالثمار والفواكه واللبن وأشباه ذلك، فلا يجوز السلم، لأن القدرة على التسليم ثابتة للحال، وفى وجودها عند المحل شك لاحتمال الهلاك.

فان بقى حيا الى وقت المحل ثبتت القدرة وان هلك قبل ذلك لا تثبت والقدرة لم تكن ثابتة فوقع الشك فى ثبوتها فلا تثبت مع الشك.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى

(2)

عليه: أنه ان اشترى على رؤية متقدمة، فادعى المشترى أنه ليس على الصفة التى رآه عليها، وادعى البائع أنه عليها، حلف البائع على بقاء الصفة التى رآه المشترى عليها ولم يتغير.

فان حصل شك هل تغير فيما بين الرؤية والقبض أم لا؟

فان قطع أهل المعرفة بعدم التغير، فالقول للبائع بلا يمين.

وان قطع بالتغير فالقول للمشترى.

وان رجحت لواحد منهما فالقول له بيمين.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 211 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 25 طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية طبع عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 10

وكره بيع

(1)

، مغشوش، كذهب فيه فضة بمثله مراطلة أو مبادلة، أو غيرهما لمن لا يؤمن أن يغش به، بأن شك فى غشه وفسخ ممن يعلم أنه يغش به، فيجب رده على بائعه، الا أن يفوت بذهاب عينه، أو يتعذر المشترى.

فان فات فهل يتجدد ملكه لثمن المغشوش فلا يجب أن يتصدق به، وان ندب له التصدق أو يتصدق وجوبا بالجميع أى جميع الثمن، أو بالزائد على فرض بيعه ممن لا يغش به، لأنه اذا بيع ممن يغش يباع بأزيد؟ أقوال أعدلها ثالثها.

وجاء فى الحطاب

(2)

: ومن باع ثوبا، وادعى المشترى أن شراءه كان أكثر مما باعه به، وأنه غلط فيه، واختلط له بغيره، ولم يمكن الفرز والتمييز، فان كان البيع مرابحة صدق، وان كانت له شبهة من رقم أو شهادة قوم على ما وقع به عليه فى مقاسمة أو شبه ذلك.

واختلف ان ادعى الغلط فى بيع المساومة، وزعم أنه اختلط له بغيره، وهو ذو أثواب كثيرة، فقيل: انه بمنزلة المرابحة، وهو ظاهر الرواية.

وما فى كتاب الأقضية من المدونة وما فى نوازل سحنون من كتاب العيوب محتمل.

وقيل: البيع لازم، ولا حجة له فيما ذكر واليه ذهب ابن حبيب.

سئل مالك عمن باع مصلى فقال المشترى:

أتدرى ما هذا المصلى؟ هى والله خز، فقال البائع: ما علمت أنه خز، ولو علمته ما بعته بهذا الثمن، قال مالك: هو للمشترى: ولا شئ للبائع لو شاء استبرأه قبل بيعه.

وكذا لو باعه مرويا، ثم قال: لم أعلم أنه مروى، انما ظننته كذا أو كذا أرأيت لو قال مبتاعه ما اشتريته الا ظنا أنه خز وليس بخز فهذا مثله.

وكذا من باع حجرا بثمن يسير، ثم تبين أنه ياقوتة أو زبرجدة تبلغ مالا كثيرا لو شاء استبرأه قبل البيع.

بخلاف من قال اخرج لى ثوبا مرويا بدينار فأخرج له ثوبا أعطاه اياه ثم وجده من أثمان أربعة دنانير هذا يحلف ويأخذ ثوبه.

قال ابن رشد فى سماع أبى زيد خلاف هذا أن من اشترى ياقوتة، وهو يظنها حجرا، ولا يعرفها البائع ولا المبتاع فيجدها على ذلك، أو يشترى القرط يظنه ذهبا فيجده نحاسا أن البيع يرد فى الوجهين.

وهذا الاختلاف انما هو اذا لم يسم أحدهما الشئ بغير اسمه، وانما سماه باسم يصلح له على كل حال.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 43 الطبعة السابقة.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 4 ص 466، ص 467 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1338 هـ الطبعة الأولى.

ص: 11

ثم قول البائع أبيعك هذا الحجر، أو قول المشترى: بع منى هذا الحجر، فيشتريه وهو يظنه ياقوتة فيجده غير ياقوتة، أو يبيع البائع يظن أنها ياقوتة، فاذا هو غير ياقوتة، فيلزم المشترى.

وان علم البائع أنها غير ياقوتة والبائع البيع وان علم المشترى أنها ياقوتة على رواية أشهب.

ولا يلزم ذلك فى الوجهين على ما فى سماع أبى زيد.

وأما اذا سمى أحدهما الشئ بغير اسمه، مثل أن يقول البائع أبيعك هذه الياقوتة فيجدها غير ياقوتة، أو يقول المشترى بع منى هذه الزجاجة، ثم يعلم البائع أنها ياقوتة، فلا خلاف فى أن الشراء لا يلزم المشترى والبيع لا يلزم البائع، وكذا القول فى المصلى وشبه ذلك.

وأما القرط يظنه المشترى ذهبا يشترط أنه ذهب فيجده نحاسا، فلا خلاف أن له أن يرده اذا كان قد صنع على صفة أقراط الذهب. أو كان مغسولا بالذهب.

وقد اختلف اذا أبهم أحدهما لصاحبه فى التسمية ولم يصرح.

فقال ابن حبيب أن ذلك يوجب الرد.

وقال غيره غير ذلك.

وقال مالك

(1)

فيمن خلط سلعة بتركة ميت ولم يبين فان للمبتاع الرد، وكذلك فيما جلب من رقيق أو حيوان فخلط اليها رأسا، أو دابة ويصيح عليه الصائح، فان لمبتاعه الرد اذا علم.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج

(2)

: أنه لا يصح بيع اللبن فى الضرع وان حلب منه شئ ورؤى قبل البيع، للنهى عنه، ولاختلاطه بالحادث، ولأن تسليمه انما يمكن باستئصاله، وهو مؤلم للحيوان.

فان قبض قبضة وقال: بعتك هذه، صح قطعا كما فى المجموع.

ولا يصح بيع الأكارع والرءوس قبل الابانة.

ولا المذبوح أو جلده أو لحمه قبل السلخ أو السمط، لأنه مجهول.

قال الأذرعى: وكذا مسلوخ لم ينق جوفه وبيع وزنا، فان بيع جزافا صح.

بخلاف السمك والجراد فيصح مطلقا، لقلة ما فى جوفه.

ولا يصح بيع مسك اختلط بغيره لجهل المقصود كنحو لبن مخلوط بنحو

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 4 ص 492، ص 493 الطبعة السابقة.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 2 ص 20، ص 21 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ

ص: 12

ماء، نعم ان كان معجونا بغيره كالغالية والندصح، لأن المقصود بيعهما، لا المسك وحده.

ولو باع المسك فى فأرته لم يصح.

ولو فتح رأسها كاللحم فى الجلد فان رآها فارغة ثم ملئت مسكا لم يره ثم رأى أعلاه من رأسها أو رآه خارجها ثم اشتراه بعد رده اليها جاز.

ولو باعه السمن وظرفه، أو المسك وفأرته، كل قيراط بدرهم مثلا صح وان اختلفت قيمتهما ان عرفا وزن كل واحد منهما وكان للظرف قيمة، والا فلا يصح.

ويجوز بيع حنطة مختلطة بشعير كيلا ووزنا وجزافا.

ولا يصح بيع تراب معدن قبل تمييزه من الذهب والفضة ولا تراب صاغه، لأن المقصود مستور بمالا مصلحة له فيه عادة، كبيع اللحم فى الجلد.

ولو كان الثوب على منسج قد نسج بعضه، فباعه على أن ينسج البائع الباقى، لم يصح البيع قطعا، نص عليه.

والأصح ان وصف الشئ الذى يراد بيعه بصفة السلم أو سماع وصفه بطريق التواتر لا يكفى عن الرؤية، لأنها تفيد أمورا تقصر عنها العبارة وفى الخبر «ليس الخبر كالعيان» .

وجاء فى نهاية المحتاج

(1)

: أن من باع ما بدا صلاحه من ثمر أو زرع وأبقى لزمه سقيه، حيث كان مما يسقى قبل التخلية وبعدها قدر ما ينميه ويقيه من التلف، لأنه من تتمة التسليم الواجب، كالكيل فى المكيل، والوزن فى الموزون.

فلو شرط كونه على المشترى بطل البيع، لمخالفته مقتضاه.

فلو باعه مع شرط قطع أو قلع لم يجب بعد التخلية سقى كما بحثه السبكى، الا اذا لم يتأت قطعه الا فى زمن طويل يحتاج فيه الى السقى، فنكلفه ذلك فيما يظهر أخذا من تعليلهم المذكور، وان نظر فيه الأذرعى.

ولو باع الثمرة لمالك الشجرة لم يلزمه سقى، كما هو ظاهر.

وفى كلام الروضة ما يدل له، لانقطاع العلق بينهما.

ويتصرف مشترى ما ذكر بعد التخلية، لحصول القبض بها.

ولو عرض مهلك أو تعيب بعد التخلية من

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى وبهامشه المغربى ج 4 ص 149 وما بعدهما طبع مطبعة شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه ومغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشربيني الخطيب ج 2 ص 87 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 13

غير ترك سقى واجب كبرد بفتح الراء واسكانها.

فالجديد: أنه من ضمان المشترى، لما تقرر من حصول القبض بها لخبر مسلم «أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بالتصدق على من أصيب فى ثمر اشتراه، ولم يسقط ما لحقه من ثمنها» فخبره أنه أمر بوضع الجوائح محمول على الأول أو على ما قبل القبض جمعا بين الدليلين.

أما لو عرض المهلك من ترك ما وجب على البائع من السقى كان من ضمانه.

والقديم أنه من ضمان البائع.

ولو كان مشترى الثمر مالك الشجر ضمنه جزما، كما لو كان المهلك نحو سرقة أو بعد أوان الجذاذ بزمن يعد التأخير فيه تضييعا.

أما ما قبلها فمن ضمان البائع.

فان تلف البعض انفسخ فيه فقط.

فلو تعيب الثمر المبيع منفردا من غير مالك الشجر بترك البائع السقى الواجب عليه، فللمشترى الخيار، لأن الشرع الزم البائع التنمية بالسقى فالتعييب بتركه كالتعييب قبل القبض، حتى لو تلف بذلك انفسخ العقد أيضا.

هذا كله ما لم يتعذر السقى.

فان تعذر بأن غارت العين، أو انقطع ماء النهر فلا خيار له كما صرح به أبو على الطبرى، ولا يكلف فى هذه الحالة تكليف ماء آخر، كما هو قضية نص الأم، وكلام الجوينى فى السلسلة.

فان آل التعييب الى التلف والمشترى عالم به ولم يفسخ لم يغرم له البائع فى أحد وجهين، كما رجحه بعض المتأخرين.

ولو بيع نحو ثمر قبل أو بعد بدو صلاحه بشرط قطعه، ولم يقطع حتى هلك بجائحة، فأولى بكونه من ضمان المشترى ما لم يشرط قطعه لتفريطه.

ومن ثم قطع بعضهم بكونه من ضمانه.

وقطع بعض آخر بكونه من ضمان البائع.

قال الأذرعى: لا وجه له اذا أخر المشترى عنادا.

ولو بيع ثمر أو زرع بعد بدو الصلاح، ولو بعضه مما يندر اختلاطه، أو يتساوى فيه الأمران، أو يجهل حاله، صح بشرط القطع والابقاء.

ومع الاطلاق أو مما يغلب تلاحقه واختلاط حادثه بالموجود، بحيث لا يتميزان كتين وقثاء وبطيخ، لم يصح البيع، لانتفاء القدرة على تسليمه، الا أن يشترط المشترى أى أحد المتعاقدين ويوافقه الآخر قطع ثمره أو زرعه عند خوف الاختلاط فيصح البيع حينئذ، لانتفاء المحذور.

فلو لم يتفق قطع حتى اختلط فكما فى قوله ولو حصل الاختلاط قبل التخلية

ص: 14

فيما يندر فيه الاختلاط، أو فيما يتساوى فيه الأمران، أو جهل فيه الحال، فالأظهر أنه لا ينفسخ البيع، لبقاء عين المبيع، وتسليمه ممكن بالطريق الآتى:

فدعوى مقابلة تعذره ممنوع، وان صححه النووى فى بعض كتبه، وانتصر له جمع من المتأخرين، وادعوا أنه المذهب.

بل يتخير المشترى بين الاجازة والفسخ، اذ الاختلاط عيب حدث قبل التسليم.

ويؤخذ من ذلك تصحيح ما دل كلام الرافعى عليه أنه خيار عيب فيكون فوريا، ولا يتوقف على حاكم لصدق حد العيب السابق عليه، فانه بالاختلاط صار ناقص القيمة، لعدم الرغبة فيه حينئذ، وان ذهب كثيرون الى أنه على التراخى، وتوقفه على الحاكم، لأنه لقطع النزاع، لا للعيب.

والثانى ينفسخ، لتعذر تسليم المبيع.

وعلى الأول فان سمح بفتح الميم له البائع بما حدث بهبة أو غيرها ويملك به أيضا هنا، كما فى الأعراض عن السنابل، بخلافه عن النعل لأن عوده الى المشترى متوقع، ولا سبيل هنا الى تمييز حق البائع سقط خياره فى الأصح، لزوال المحذور، ولا أثر للمنة هنا لكونها فى ضمن عقد، وفى مقابلة عدم فسخه.

والثانى: لا يسقط، لما فى قبوله من المنة.

وكلام المصنف كأصله تبعا للامام والغزالى يقتضى تخيير المشترى أولا حتى تجوز مبادرته للفسخ.

فان بادر البائع أولا وسمح سقط خياره وهو الأصح.

وان قال فى المطلب أنه مخالف لنص الشافعى والأصحاب، فانهم خيروا البائع أولا فان سمح بحقه أقر العقد، والا فسخ.

أما لو وقع الاختلاط بعد التخلية، فلا انفساخ أيضا، ولا خيار، بل ان اتفقا على شئ، فذاك، والا صدق ذو اليد بيمينه فى قدر حق الآخر.

وهل اليد بعد التخلية للبائع، أو للمشترى، أولهما؟ فيه أوجه.

أوجهها ثانيها كما اقتضاه كلام الرافعى.

ولو اشترى شجرة وعليها ثمرة للبائع يغلب تلاحقها، ففى وجوب القطع ووقوع الاختلاط والانفساخ ما مر، خلافا لبعضهم.

ولو باع جزة من القت مثلا بشرط القطع فلم يقطعها حتى طالت وتعذر التمييز جرى القولان.

ويجريان أيضا فيما لو باع حنطة فأنصب عليها مثلها قبل القبض، وكذا فى المائعات.

ولو اختلط الثوب بأمثاله أو الشاة المبيعة بأمثالها، فالصحيح الانفساخ، لأن ذلك

ص: 15

يورث الاشتباه، وهو مانع من صحة العقد، ولو فرض ابتداء، وفى نحو الحنطة غاية ما يلزم الاشاعة، وهى غير مانعة.

وجاء فى مغنى المحتاج

(1)

: ان المالك ان قارض شخصا على مالين فى عقدين، فخلطهما، ضمن، لتعديه فى المال، بل ان شرط فى العقد الثانى بعد التصرف فى المال الأول، ضم الثانى الى الأول فسد القراض فى الثانى، وامتنع الخلط، لأن الأول استقر حكمه ربحا وخسرانا.

وان شرط قبل التصرف صح، وجاز الخلط، وكأنه دفعهما اليه معا، نعم ان شرط الربح فيهما مختلفا امتنع الخلط.

ويضمن العامل أيضا لو خلط مال القراض بماله، أو قارضه اثنان فخلط مال أحدهما بمال الآخر، ولا ينعزل بذلك عن التصرف كما نقله الامام عن الأصحاب.

واذا اشترى بألفى المقارضين له عبدين فاشتبها عليه وقعا له، وغرم لهما الألفين، لتفريطه بعدم الأفراد.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى قواعد ابن رجب

(2)

: أن القرعة تستعمل فى تمييز المستحق اذا ثبت الاستحقاق ابتداء لمبهم عير معين عند تساوى أهل الاستحقاق.

ويستعمل أيضا فى تمييز المستحق المعين فى نفس الأمر عند اشتباهه، والعجز على الاطلاع عليه.

وسواء فى ذلك الأموال والابضاع فى ظاهر المذهب.

وفى الابضاع قول آخر: أنه لا تؤثر القرعة فى حل المعين منها فى الباطن.

ولا يستعمل فى الحاق النسب عند الاشتباه على ظاهر المذهب.

ويستعمل فى حقوق الاختصاص والولايات وغيرهما ولا تستعمل فى تعيين الواجب المبهم من العبادات ونحوها ابتداء.

وفى الكفارة وجه ضعيف أن القرعة تميز اليمين المنسية.

ولو اشتبه

(3)

عبده بعبد غيره فهل يصح بيع عبده المشتبه من مال الآخر قبل تمييزه؟

قال القاضى فى خلافه يحتمل أن لا يصح العقد حتى يقع التمييز.

وبماذا يقع؟ يحتمل أن يقرع بينهما

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 2 ص 298 الطبعة السابقة.

(2)

من كتاب القواعد للحافظ أبى الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلى فى الفقه الاسلامى ج 1 ص 348 القاعدة 160 الطبعة الأولى طبع مطبعة الصدق الخيرية بمصر مكتبة الخانجى بمصر.

(3)

المرجع السابق لابن رجب الحنبلى ج 1 ص 349، ص 350 الطبعة السابقة.

ص: 16

فيعين بالقرعة، ثم يبيعه لأنه قد اختلط المستحق بغيره.

ويحتمل أن يقف على المراضاة ولو سلمناه فلأن الجهالة هنا بغير فعله فعفى عنها.

قال وأجود ما يقال فيها: أنهما يبيعان العبدين ويقتسمان الثمن على قيمة العبدين، كما قلنا اذا اختلط زيته بزيت الآخر، وأحدهما أجود من الآخر، انهما يبيعان الزيت، ويقتسمان الثمن على قدر القيمة.

وذكر الشيخ تقى الدين

(1)

أن مقتضى المذهب أنه اذا شهدت البينتان بالعقدين، أو الاقرارين أو الحكمين، أن يصدق البينتان به ان علم السابق، والا كان بمنزلة أن تشهد بينة واحدة بالعقدين، ولا يعلم السابق منهما، فهنا اما أن يقرع أو يبطل على صاحب اليد.

قال: قياس المذهب فيما اذا اشتبه أسبق عقدى البيع أن يفسخهما، الا اذا تعذر موجب الفسخ من رد الثمن ونحوه، فانه يقرع، لأن من أصلنا: أنه اذا اشتبه المالك بغير المالك أو الملك بغير الملك، فانا نقرع، فاذا أمكن فسخ العقد، ورد كل مال الى صاحبه فهو خير من خطر القرعة.

وجاء فى المغنى

(2)

: أنه ان اشترى زيتا فخلطه بزيت، أو قمحا فخلطه بما لا يمكن تمييزه منه، سقط حق الرجوع، لأنه لم يجد عين ماله، فلم يكن له الرجوع، كما لو تلفت، ولأن ما يأخذه من غير عين ماله انما يأخذه عوضا عن ماله، فلم يختص به دون الغرماء كما لو تلف ماله.

وجاء فى كشاف القناع

(3)

: أنه ان اختلط المبيع بكيل ونحوه بغيره، ولم يتميز لم ينفسخ البيع، لبقاء عين المبيع، وهما أى المشترى ومالك ما اختلط به المبيع شريكان فى المختلط بقدر ملكيهما.

وجاء فى الشرح الكبير على المغنى

(4)

: أنه ليس للمضارب أن يخلط مال المضاربة بماله، فان فعل ولم يتميز ضمنه، لأنه أمانة فهو كالوديعة، فان قال له أعمل برأيك جاز ذلك، لأنه قد يرى الخلط أصلح له، فيدخل فى قوله: اعمل برأيك.

وهكذا القول فى المشاركة به ليس له فعلها الا أن يقول له: أعمل برأيك، فيملكها.

وان مات

(5)

المضارب ولم يعرف مال المضاربة فهو دين فى تركته، لأن الأصل بقاء المال فى يده، واختلاطه بجملة التركة

(1)

قواعد ابن رجب ج 1 ص 364، ص 365 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 4 ص 463 ويليه الشرح الكبير على متن المقنع طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

(3)

كشاف القناع وبهامشه منته الارادات ج 2 ص 81 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 110 الطبعة السابقة.

(4)

الشرح الكبير على المغنى لابن قدامة المقدسى ج 5 ص 154 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 5 ص 74 الطبعة السابقة.

ص: 17

ولا سبيل الى معرفة عينة، فكان دينا، كالوديعة اذا لم يعرف عينها، وكما اذا خلطها بماله على وجه لا يتميز منه، ولأنه لا سبيل الى اسقاط حق رب المال، لأن الأصل بفاؤه ولم يوجد ما يعارض ذلك ويخالفه، ولا سبيل الى اعطائه عينا من التركة، لأنه يحتمل أن تكون غير مال المضاربة فلم يبق الا تعلقه بالذمة.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أنه ان بيع شئ من الغائبات بغير صفة، ولم يكن مما عرفه البائع، لا برؤية، ولا بصفة من يصدق ممن رأى ما باعه ولا مما عرفه المشترى برؤية أو بصفة من يصدق، فالبيع فاسد مفسوخ أبدا، لا خيار فى جوازه أصلا

ويجوز ابتياع المرء ما وصفه له البائع، سواء صدقه أو لم يصدقه.

ويجوز بيع المرء ما وصفه له المشترى صدقه، أو لم يصدقه.

فان وجد المبيع بتلك الصفة فالبيع لازم.

وان وجد بخلافها فالبيع باطل ولابد.

ويجوز بيع الحب بعد اشتداده كما هو فى أكمامه بأكمامه، وبيع الكبش حيا ومذبوحا كله لحمه مع جلده، وبيع الشاة بما فى ضرعها من اللبن، وبيع النوى مع التمر، لأنه كله ظاهر مرئى.

ولا يحل بيعه دون أكمامه، لأنه مجهول، لا يدرى أحد صفته، ولا بيع اللحم دون الجلد، ولا النوى دون التمر، ولا اللبن دون الشاة كذلك.

ولا يخلو بيع كل ذلك قبل ظهوره من أن يكون اخراجه مشترطا على البائع، أو على المشترى، أو عليهما، أو على غيرهما، أو لا على أحد.

فان كان مشترطا على البائع أو على المشترى، فهو بيع

(2)

بثمن مجهول، واجارة بثمن مجهول، وهذا باطل، لأن البيع لا يحل بنص القرآن الا بالتراضى والتراضى بضرورة الحس لا يمكن أن يكون الا بمعلوم لا بمجهول، فكذلك ان كان مشترطا عليهما أو على غيرهما.

والبرهان على بطلان بيع ما لم يعرف برؤية ولا بصفة صحة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وهذا عين الغرر، لأنه لا يدرى ما اشترى أو باع، وقول الله تعالى «إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»

(3)

، ولا يمكن أصلا وقوع التراضى على ما لا يدرى قدره ولا صفاته.

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 342 مسألة رقم 1413 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 343 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 29 من سورة النساء.

ص: 18

وبيع العبد الآبق

(1)

سواء عرف مكانه أو لم يعرف جائز.

وكذلك بيع الجمل الشارد سواء عرف مكانه أو لم يعرف.

وكذلك الشارد من سائر الحيوان، ومن الطير المنفلت وغيره إذا صح الملك عليه قبل ذلك، والا فلا يحل بيعه.

وأما كل ما لا يملك أحد بعد، فانه ليس أحد أولى به من أحد، فمن باعه فانما باع ما ليس له فيه حق فهو أكل مال بالباطل.

وأما ما عدا ذلك من كل ما ذكرنا فقد صح ملك مالكه له.

وكل ما ملكه المرء فحكمه فيه نافذ بالنص إن شاء وهبه، وإن شاء باعه، وإن شاء أمسكه، وإن مات فهو موروث عنه، لا خلاف فى أنه ماله وموروث عنه فما الذى حرم بيعه وهبته.

وقد أبطلنا قول من فرق بين الصيد يتوحش وبين الأبل والبقر والغنم والخيل يتوحش.

وكذلك لا فرق بين الصيد من السمك، ومن الطير، ومن النحل، ومن ذوات الأربع، كل ما ملك من ذلك فهو مال من مال مالكه بلا خلاف من أحد.

ولا يحل بيع شئ من المغيبات

(2)

دون ما عليها أصلا، فلا يحل بيع النوى - أى نوى كان - قبل اخراجه واظهاره دون ما عليه.

ولا بيع المسك دون النافجة قبل اخراجه من النافجة.

ولا بيع البيض دون القشر قبل اخراجه عنه.

ولا بيع حب الجوز واللوز والفستق والصنوبر والبلوط والقسطل والجلوز وكل ذى قشر دون قشره قبل اخراجه من قشره.

ولا بيع العسل دون شمعه قبل اخراجه من شمعه.

ولا لحم شاة مذبوحة دون جلدها قبل سلخها.

ولا بيع زيت دون الزيتون قبل عصره ولا بيع شئ من الأدهان دون ما هو فيه قبل اخراجه منها ولا بيع حب البر دون أكمامه قبل اخراجه منها.

ولا بيع سمن من لبن قبل اخراجه.

ولا بيع لبن قبل حلبه أصلا.

ولا بيع الجزر والبصل والكرات والفجل قبل قلعه، لا مع الأرض ولا دونها، لأن كل ذلك بيع غرر لا يدرى مقداره، ولا صفته، ولا رآه أحد فيصفه، وهو أيضا أكل

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 388 مسألة رقم 1421 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 394، ص 395 مسألة رقم 1425 الطبعة السابقة.

ص: 19

مال بالباطل، قال الله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» }. وبالضرورة يدرى كل أحد أنه لا يمكن البتة وجود الرضى على مجهول، انما يقع التراضى على ما علم وعرف، فاذ لا سبيل الى معرفة صفات كل ما ذكرنا، ولا مقداره، فلا سبيل الى التراضى به، واذ لا سبيل الى التراضى، فلا يحل بيعه، وهو أكل مال بالباطل.

وأما الجزر والبصل والكرات والفجل فكل ذلك شئ لم يره قط أحد، ولا تدرى صفته، فهو بيع غرر، وأكل مال بالباطل اذا بيع وحده، وأما بيعه بالأرض معا فليس مما ابتدأ الله تعالى خلقه فى الأرض، فيكون بعضها، وانما هو شئ من مال الزارع لها أودعه فى الأرض، كما لو أودع فيها شيئا من سائر ماله ولا فرق، فما لم يستحل البذر عن هيئته فبيعه جائز مع الأرض ودونها، لأنه شئ موصوف معروف القدر، وقد رآه بائعه أو من وصفه له فبيعه جائز، لأن التراضى به ممكن، وأما اذا استحال عن حاله فقد بطل أن يعرف كيف هو وما صفته، وليس هو من الأرض، ولكنه شئ مضاف اليها، فهو مجهول الصفة جملة، ولا يحل بيع مجهول الصفة بوجه من الوجوه، لأنه بيع غرر حتى يقلع ويرى.

ولا يحل

(1)

بيع مخيض لبن قبل أن يمخض، ولا يحل السمن دون الجبن قبل عصره، لأنه لا يرى ولا يتميز، ولا يعرف مقداره، فقد يخرج المخض والعصير قليلا، وقد يخرج كثيرا.

ولا يحل بيع تراب

(2)

الصاغة أصلا بوجه من الوجوه، لأنه انما يقصد المشترى ما فيه من قطع الفضة والذهب، وهو مجهول لا يعرف فهو غرر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر.

ويجوز

(3)

بيع ما ظهر من المقاتى وان كان صغيرا جدا، لأنه يؤكل.

ولا يحل بيع ما لم يظهر بعد من المقاتى والياسمين والنور وغير ذلك، ولا جزة ثانية من الفصيل، لأن كل ذلك بيع ما لم يخلق، ولعله لا يخلق، وان خلق فلا يدرى أحد غير الله تعالى ما كميته، ولا ما صفاته، فهو حرام بكل وجه، وبيع غرر، وأكل مال بالباطل.

ولا يحل بيع

(4)

شئ غير معين من جملة مجتمعة لا بعدد ولا بوزن ولا بكيل، كمن باع رطلا، أو قفيزا، أو صاعا، أو أوقية من هذه الجملة من الثمر، أو البر، أو

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 398، ص 399 مسألة رقم 1426 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 404 مسألة رقم 1429 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 407 مسألة رقم 1434 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 429، ص 430 مسألة رقم 1458 الطبعة السابقة.

ص: 20

اللحم، أو الدقيق، أو كل مكيل فى العالم، أو موزون كذلك.

وبرهان ذلك قول الله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»

(1)

فحرم الله تعالى أخذ المرء مال غيره بغير تراض منهما، وسماه باطلا.

وبضرورة الحس

(2)

يدرى كل أحد أن التراضى لا يمكن البتة الا فى معلوم متميز.

وكيف أن قال البائع: أعطيك من هذه الجهة وقال المشترى: بل من هذه الجهة كيف العمل؟

وبرهان آخر وهو نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، ولا غرر أكثر من أن لا يدرى البائع أى شئ هو الذى باع، ولا يدرى المشترى أى شئ اشترى، وهذا حرام بلا شك.

ولا يجوز بيع

(3)

شئ لا يدرى بائعه ما هو، وان دراه المشترى، ولا ما لا يدرى المشترى ما هو، وان دراه البائع، ولا ما جهلاه جميعا، كمن اشترى فصا لا يدرى أزجاج هو أم ياقوت فوجده ياقوتا، وهكذا فى كل شئ.

وبرهان ذلك ما ذكرنا.

ومن أسلم

(4)

فى صنفين ولم يبين مقدار كل صنف منهما، فهو باطل مفسوخ، مثل أن يسلم فى قفيزين من قمح وشعير، لأنه لا يدرى كم يكون منهما قمحا، وكم يكون شعيرا، ولا يجوز القطع بأنهما نصفان، لأنه لا دليل على ذلك.

ولا بد من وصف ما يسلم فيه بصفاته الضابطة له، لأنه ان لم يفعل ذلك كان تجارة عن غير تراض اذ لا يدرى المسلم ما يعطيه المسلم اليه، ولا يدرى المسلم اليه ما يأخذ منه المسلم، فهو أكل مال بالباطل والتراضى لا يجوز ولا يمكن الا فى معلوم.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(5)

: أنه يجوز معاملة الظالم بيعا وشراء فيما لم يظن تحريمه من مغصوب أو غيره.

فأما فيما علم أو ظن تحريمه، فانه لا يجوز بلا أشكال.

ولا أشكال فى جواز ما علم أو ظن أنه حلال. ولكنه يكره، لأن فى ذلك ايناسا لهم.

وأما اذا التبس عليه الأمر بعد علمه أن الشخص الذى يعامله معه ما هو حلال وحرام، فظاهر المذهب أنه يجوز.

(1)

الآية رقم 29 من سورة النساء.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 430 مسألة رقم 1457 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 439 مسألة رقم 1462 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 113 مسألة رقم 1619 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 15، ص 16 الطبعة السابقة.

ص: 21

وقال المؤيد بالله انه لا يجوز، وأن الظاهر مما فى أيدى الظلمة أنه حرام.

وفى الزوائد عن أبى جعفر الناصر وأبى هاشم وقاضى القضاة أنه يجوز، بشرط أن يكون الأكثر مما فى أيديهم حلالا.

وفى الزوائد أيضا عن المؤيد بالله وأبى على والفقهاء أنه يجوز بشرط أن يقول من هو فى يده أنه حلال.

هذا اذا كان اللبس مع شخص واحد.

وأما اذا كان اللبس بين أشخاص فان التبس من معه الحرام بقوم غير محصورين جاز بلا اشكال وان كان بين قوم محصورين قال الفقيه على فلعله جائز بالاجماع.

وان اختلط

(1)

التمر والأغصان والورق الموجود فى الشجر عند العقد بما حدث على تلك الشجر من غير تلك التى لم تدخل بعد أن صارت فى ملك المشترى حتى التبست القديمة بالحادثة بعد العقد قبل القبض.

قال البعض فسد العقد بذلك، لأنه تعذر به تسليم المبيع، ذكر ذلك أبو مضر.

وقال يحيى هذا ضعيف والصحيح أنه لا يفسد، لأن الجهالة طارئة، وأيضا فان المبيع متميز وانما الجهالة فى أمر حادث.

قال مولانا عليه السلام وهذا هو الصحيح.

أما اذا كان الاختلاط بعد قبض المبيع، فانه لا يؤثر فى العقد.

‌مذهب الأمامية:

جاء فى الروضة

(2)

البهية: أنه لو تنازع المأذونان بعد شراء كل منهما صاحبه فى الأسبق منهما ليبطل بيع المتأخر لبطلان الاذن بزوال الملك ولا بينة لهما ولا لأحدهما بالتقدم، قيل: يقرع، والقائل بها مطلقا غير معلوم.

والذى نقله المصنف وغيره عن الشيخ القول بها مع تساوى الطريقين عملا برواية وردت بذلك.

وقيل بها مع اشتباه السابق أو السبق.

وقيل يمسح الطريق التى سلكها كل واحد منهما الى مولى الآخر.

ويحكم بالسبق لمن طريقه أقرب مع تساويهما فى المشى فان تساويا بطل البيعان لظهور الاقتران، هذا اذا لم يجز الموليان، ولو أجيز عقدهما فلا اشكال فى صحتهما.

ولو تقدم العقد من أحدهما صح خاصة من غير توقف على اجازة، الا مع اجازة الآخر، فيصح العقدان، ولو كانا وكيلين صحا معا.

(1)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 3 ص 129 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 300، ص 301 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.

ص: 22

والفرق بين الاذن والوكالة أن الاذن ما جعلت تابعة للملك، والوكالة ما أباحت التصرف المأذون فيه مطلقا، والفارق بينهما مع اشتراكهما فى مطلق الاذن.

أما تصريح المولى بالخصوصيتين أو دلالة القرائن عليه ولو تجرد اللفظ عن القرينة لأحدهما فالظاهر حمله على الاذن لدلالة العرف عليه.

وأعلم أن القول بالقرعة لا يتم مطلقا فى صورة الاقتران، لأنها لاظهار المشتبه، ولا اشتباه حينئذ.

وأولى بالمنع تخصيصها فى هذه الحالة.

والقول بمسح الطريق مستند الى رواية ليست سليمة الطريق.

والحكم للسابق مع علمه لا اشكال فيه، كما أن القول بوقوفه مع الاقتران كذلك، ومع الاشتباه تتجه القرعة، ولكن مع اشتباه السابق يستخرج برقعتين لاخراجه، ومع اشتباه السبق والاقتران ينبغى ثلاث رقع، فى احداها الاقتران، ليحكم بالوقوف معه، هذا اذا كان شراؤهما لمولاهما.

أما لو كان لأنفسهما كما يظهر من الرواية فان أحلنا ملك العبد بطلا، وان أجزناه صح السابق وبطل المقارن واللاحق حتما اذ لا يتصور ملك العبد لسيده.

ويجوز بيع

(1)

الخضر بعد انعقادها وان لم يتناه عظمها لقطة ولقطات معينة أى معلومة العدد، كما يجوز شراء الثمرة الظاهرة، وما يتجدد فى تلك السنة وفى غيرها مع ضبط السنين، لأن الظاهر منها بمنزلة الضميمة الى المعدوم سواء كانت المتجددة من جنس الخارجة أم من غيره.

ويرجع فى اللقطة الى العرف فما دل على صلاحيته للقطع يقطع، وما دل على عدمه لصغره أو شك فيه لا يدخل.

أما الأول فواضح.

وأما المشكوك فيه فلأصالة بقائه على ملك مالكه وعدم دخوله فيما أخرج باللقط.

فلو امتزجت الثانية بالأولى لتأخير المشترى قطعها فى أوانه، تخير المشترى بين الفسخ والشركة للتعيب بالشركة، ولتعذر تسليم المبيع منفردا.

فان اختار الشركة فطريق التخلص بالصلح.

ولو اختار الامضاء فهل للبائع الفسخ لعيب الشركة؟ نظر أقربه ذلك اذا لم يكن تأخر القطع بسببه، بأن يكون قد منع المشترى منه وحينئذ أى حين اذ يكون الخيار للبائع لو كان الاختلاط بتفريط المشترى مع تمكين البائع كما لو حصل مجموع التلف من قبله.

ولو قيل بأن الاختلاط أن كان قبل القبض تخير المشترى مطلقا، لحصول النقض مضمونا

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 304 الطبعة السابقة.

ص: 23

على البائع كما يضمن الجملة كذلك، وان كان بعده فلا خيار لأحدهما، لاستقرار البيع بالقبض وبراءة البائع من دركه بعده كان قويا.

وهذا القول لم يذكر فى الدروس غيره جازما به، وهو حسن أن لم يكن الاختلاط قبل القبض بتفريط المشترى، والا فعدم الخيار له أحسن، لأن العيب من جهته، فلا يكون مضمونا على البائع.

وحيث ثبت الخيار للمشترى بوجه لا يسقط ببذل البائع له ما شاء، ولا الجميع على الأقوى، لأصالة بقاء الخيار، وان انتفت العلة الموجبة له، كما لو بذل للمغبون التفاوت ولما فى قبول المسموح به من المنة.

وحلية السيف

(1)

والمركب يعتبر فيها العلم أن أريد بيع الحلية بجنسها، والمراد بيع الحلية والمحلى لكن لما كان الغرض التخلص من الربا والصرف خص الحلية ويعتبر مع بيعها بجنسها زيادة الثمن عليها، لتكون الزيادة فى مقابلة السيف والمركب ان ضمهما اليها.

فان تعذر العلم كفى الظن الغالب بزيادة الثمن عليها.

والأجود اعتبار القطع وفاقا للدروس وظاهر الأكثر.

فان تعذر بيعت بغير جنسها.

بل يجوز بيعها بغير الجنس مطلقا، ولو باعه بنصف دينار فشق أى نصف كامل مشاع لأن النصف حقيقة فى ذلك الا أن يراد نصف صحيح عرفا، بأن يكون هناك نصف مضروب، بحيث ينصرف الاطلاق اليه أو نطقا بأن يصرح بارادة الصحيح، وان لم يكن الاطلاق محمولا عليه فينصرف اليه.

وعلى الأول فلو باعه بنصف دينار آخر.

تخير بين أن يعطيه شقى دينارين، ويصير شريكا فيهما وبين أن يعطيه دينارا كاملا عنهما

وعلى الثانى لا يجب قبول الكامل، وكذلك القول فى نصف درهم وأجزائهما غير النصف

وحكم تراب الذهب والفضة عند الصياغة بفتح الصاد وتشديد الياء جمع صائغ - حكم تراب المعدن، فى جواز بيعه مع اجتماعهما بهما وبغيرهما وبأحدهما مع العلم بزيادة الثمن عن مجانسة ومع الانفراد بغير جنسه.

ويجب على الصائغ الصدقة به مع جهل أربابه بكل وجه.

ولو علمهم فى محصورين وجب التخلص منهم ولو بالصلح مع جهل حق كل واحد بخصوصه

وتخير مع الجهل بين الصدقة بعينه وقيمته

والأقرب الضمان لو ظهروا ولم يرضوا بالصدقة، لعموم الأدلة الدالة على ضمان ما أخذت اليد.

خرج منه ما اذا رضوا أو استمر الاشتباه فيبقى الباقى.

(1)

المرجع السابق للجبعى العاملى ج 1 ص 309، ص 310 وهامشه الطبعة السابقة.

ص: 24

ووجه العدم اذن الشارع له فى الصدقة فلا يتعقب الضمان.

ومصرف هذه الصدقة الفقراء والمساكين ويلحق بها ما شابهها من الصنائع الموجبة لتخلف أثر المال، كالحدادة، والطحن والخياطة والخبازة.

ولو كان بعضهم معلوما وجب الخروج من حقه.

وعلى هذا يجب التخلص من كل غريم يعلمه، وذلك يتحقق عند الفراغ من عمل كل واحد، فلو أخر حتى صار مجهولا أثم بالتأخير، ولزمه حكم ما سبق - ظاهره أن مناط الاثم التأخير الى أن يصير مجهول المالك، أو يصير حق المالك مجهولا، بأن صار مخلوطا بحق غيره.

فلو أخره مع حفظ المالك والحق لا يحصل هنا اشتباه بأحد الوجهين، لا يكون اثما ولا يخفى أن مناط الاثم انما هو خلط مال المالك بغيره لا التأخير المذكور، كتأخير الوديعة مع عدم طلب صاحبها الى أن يؤدى الى الجهل، فلا اثم حينئذ.

ولعل وجه الاثم بالتأخير كون تراب الصياغة أمانة شرعية فيجب ردها فورا والا اثم.

وجاء فى الروضة البهية

(1)

: ولا تضر عقد التبن والزوان بضم الزاى وكسرها وبالهمز وعدمه اليسير فى أحد العوضين دون الآخر، أو زيادة عنه لأن ذلك لا يقدح فى اطلاق المثلية والمساواة قدرا، ولو خرجا عن المعتاد ضرا، ومثلهما يسير التراب وغيره مما لا ينفك الصنف عنه غالبا، كالدردى فى الدبس والزيت.

ويتخلص منه أى من الربا اذا أريد بيع أحد المتجانسين بالآخر متفاضلا بالضميمة الى الناقص منهما أو الضميمة اليهما مع اشتباه الحال فيكون الضميمة فى مقابل الزيادة

وجاء فى مفتاح الكرامة

(2)

: أنه لو أخذ مائة من رجل، ومثلها من آخر، واشترى بكل مائة عبدا، واختلطا اصطلحا، أو أقرع.

أما اذا اصطلحا وتراضيا فلا بحث كما فى جامع المقاصد.

وان تشاحا أقرع، لأن كل أمر مشكل فيه القرعة.

وفى المبسوط والمهذب والتذكرة والتحرير أنهما يباعان، ويدفع الى كل واحد منهما نصف الثمن، فان كان هناك فضل أخذ كل منهما رأس ماله، واقتسما الربح على الشرط.

وقال فى المبسوط أنه المنصوص لأصحابنا.

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 320 الطبعة السابقة.

(2)

من كتاب مفتاح الكرامة شرع قواعد العلامة للسيد محمد بن محمد بن الحسينى العاملى المجاور بالنجف الأشرف الفردى ج 7 ص 485، ص 486 طبع مطبعة القاهرة المعزية بالمطبعة الرضوية سنة 1324 هـ بمصر.

ص: 25

وقال فان كان فيه خسران فالضمان على العامل، لأنه فرط فى الخلط، ومعناه كما هو صريح التذكرة والتحرير: أنه لو كان الخسران لانخفاض السوق لم يضمن، لأنه يزيد على الغاصب، ثم أنه قوى فى المبسوط القرعة.

ورده فى المهذب بأنه منصوص فلا وجه للقرعة.

ولعلهما أشارا الى خبر اسحاق بن عمار الآتى:

وفى المختلف أن كلا من القولين جائز، لأن النص ورد فى الثوبين ولم يذكر فيه المضاربة، بل الابضاع.

وفى طريق الرواية قول والقول بالقرعة ليس بعيدا من الصواب.

ومن الصحاح وظاهر كلام الكتب المذكورة عدا المهذب والتذكرة أنهما مخيران بين بيعهما منفردين، أو مجتمعين ان أمكن كل منهما، وان الربح يقسم عليهما. وان بيعا منفردين وكان الربح فى أحدهما، وان ذلك على سبيل القهر ان تعاسر، الا أن تقول أن مرادهم فى الكتب الأربعة أنهما يباعان معا قهرا، كما فى كل مال ممتزج غير متميز، كما نبه عليه فى المهذب والتذكرة، حيث استدلا على ذلك فيهما بالخبر، لأنه لو اشترى لرجلين ثوبين واشتبها أنهما يباعان معا منفردين، فان تساويا فى الثمن فلكل مثل صاحبه، وان تفاوتا فالأقل لصاحبه، ومعناه أنهما يباعان مجتمعين حيث لا يمكن الانفراد، لعدم الراغب، والحال أنهما تعاسرا، أى لم يخبر أحدهما صاحبه، صار كالمال المشترك شركة اجبارية، كما لو امتزج الطعامان فيقسم الثمن على رأس المال، وعليه تنزل الرواية.

وان أمكن بيعهما منفردين وجب.

فان تساويا فلكل واحد ثمن ثوب.

وان اختلفا فالأكثر لصاحب الأكثر، والأقل لصاحب الأقل، بناء على الغالب من عدم الغبن، وان أمكن خلافه الا أنه نادر لا أثر له شرعا.

وقد روى اسحاق بن عمار عن الصادق عليه السلام أنه قال فى الرجل يبضعه الرجل ثلاثين درهما فى ثوب، وآخر عشرين فى ثوب فبعث الثوبين، فلم يعرف هذا ثوبه، وهذا ثوبه، قال:

يباع الثوبان، ويعطى صاحب الثلاثين ثلاثة أخماس الثمن، والآخر خمسى الثمن.

فان قلت: فان قال: صاحب العشرين لصاحب الثلاثين اختر أيهما شئت، قال: قد أنصفه، وقد عمل به الأصحاب فى باب الصلح على أن ذلك قهرى.

وقال جماعة أنه لا يتعدى بها الى غير موردها من الثياب المتعددة والأثمان والأمتعة.

ص: 26

واحتمل آخرون التعدية لاتحاد الطريق.

ومما يشبه مسألة الثوبين ما لو أودعه رجل درهمين وآخر درهما وامتزجا لا بتفريط وتلف أحدهما.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أنه ان استحق مجهول كمشتر أكثر من فدان واحد، فاستحق منه، أى من ذلك الأكثر، أو من المشترى فدان واحد لا بعينه، بحيث لا يعلم بعد ذلك بعينه، وكذا ان باع له جنة فاستحقت فيها نخلة لا تعرف ما هى؟ أهذه أم هذه، وما أشبه ذلك فسخ البيع كله، سواء كان الشريك أبا، أو نحوه، أم غيرهما، معلوما أو مجهولا.

وجاء فى شرح النيل: انه لا يجوز لأحد أن يشترى حراما.

ومن دخل سوقا فيه حرام وحلال، وخاف العقوبة ان سأل عن الحرام، فلا بأس ما لم يعلم أنه اشترى حراما، أو أخبره ثقة.

ومن رأى شبه ما يعرفه حراما ولو بيد قريب من كان ذلك الحرام بيده، كزوجة جاز له شراؤه ما لم يتيقن.

والمندوب أن يتنزه عن مشكوك فيه، ويدع ما يريبه.

ومن بيده حلال وحرام جازت معاملته، والأكل عنده حتى يعلم بحرام.

وقيل يحكم على الأغلب حتى يعلم خلافه.

وقيل يصدق فيما قال انه حلال.

وقد قال الربيع وجماعة أن المال اما حلال واما حرام وهو ظاهر قول جابر.

والجمهور على اثبات قسم ثالث وهو الريبة، حملا للاحاديث الواردة فى الريبة والشبهة على ظاهرها من العموم فى المال وغيره وهو أولى.

ومن بيده حرام غصبه أو سرقه أو دخل يده وقد علمه حراما ولا يعرف ربه بأن التبس عليه الحال، ندب له بيعه ان تاب، والا فلا يصدق أنه ندب له أن يبيعه ويأكل ثمنه بل يجب عليه أن يتوب.

ويندب له البيع أيضا فيما لا يعرف فيه من المواضع أنه حرام، ليشترى منه، ولئلا يساء به الظن، ولئلا يصيبه ضر عليه وانفاق ثمنه على الفقراء قصدا لصاحبه.

(1)

(من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 4 ص 310، ص 311 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.)

ص: 27

ومن راب

(1)

مبيعا قبل شرائه فاشتراه فحكمه حكم الحرام على المشهور.

وقيل: لا

ومن رابه بعد شرائه هل يمسكه ولا يبال، لأنه لم يدخل على ارتياب، ولما ثبت فى يده لم يخرج منه الا بحرمة متيقنة أو يبيعه ويمسك قدر الثمن الذى أعطى، وينفق الباقى على الفقراء؟

قال البرادى وهو الأقيس، لأنه قد علم بالريبة فلا يكون، كأن لم يعلمها، ولو لم يعلمها الا بعد الشراء، وان كان ثمنا أبد له بثمن آخر أو مثمن أيضا وأمسك قدر الثمن الذى أعطى فقط، وان بقدر ما اشترى أو أقل فلا عليه.

أو يبيعه وينتفع بالثمن كله؟

قال البرادى رحمه الله وهو المعتمد عليه عند مشايخنا أن ثمن الشئ مثله، ولعله أراد بالانتفاع ما دون الأكل لأن أكل أشياء المريب يفسد القلب كالأعضاء، أقوال.

وجاء فى شرح النيل

(2)

: أنه لا يشك فى الحلال، الا ان دخلت عليه معان توجب الشك فيه، كمبادلة من صاحب المالين خلطا أعطاك ماله وأخذ مالك خطأ، أو من جانب فقط، لكن تناولا ولم يدر أحدهما أن ما أخذ من الآخر هو مال الآخر، أو غلط بأن أخذ أحدهما مال الآخر بلا مبادلة خطأ، أو اخراج ملك فنسى ذلك، وهذا النسيان فى حيز الشك، كأنه قال مثلا هل خرج من ملكى بوجه كذا أو بوجه ما، فنسيه.

والمبادلة أن يأخذ مال غيره ويترك ماله بلا باب من أبواب البيع، كما اذا اجتمع ماله ومال غيره، فأخذ مال غيره يظنه ماله فهذا غلط.

والفرق بين الغلط والمبادلة.

ان المبادلة أن تأخذ مال غيرك المجتمع مع مال غيرك تظنه مالك.

والغلط أن تأخذ مال غيرك تظنه لك بدون أن يجتمع مع مالك.

وأما البدل بالبيع ففى المعوض لك الزكاة بحسب ما مر من الزمان أو بحسب الزمان من حين المبادلة.

وأيضا قد يبدل الثمار مع شجرهن أو الثمار وحدهن بعد الادراك فتلزمه الزكاة أيضا فيما أخرج من ملكه، ومراده أنه لا يعصى بالشك ان دخلت عليه تلك المعانى.

وأما الحقوق فلا تسقط عنه بالشك.

وكذلك الحقوق ان أعطى فيها شيئا معلوما،

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لاطفيش ج 4 ص 314 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 10 ص 64، ص 65 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 28

كدراهم مخصوصة، أو شاة كذلك، أو ثمارا كذلك معينة مخصوصة على حد اعطائها فى زكاة أو دين، أو نحو ذلك، فشك اله ذلك الشئ الذى أعطى فى الحقوق فيجزئه أم لا، فلا يجزئه فى الحقوق، لأنه ملك لغيره.

فان كان هو القاعد فيه حكما بشرط أن لا يريبه عذر أجزاه اعطاؤه اياه فى الحقوق ولو كان عند الله حراما بوجه ما أو ملك لغيره لمعونة أنه بحيث يكون هو القاعد فيه والا فلا يجزئه اذا شك اعطاؤه فى الحقوق الا أن يعيد الاعطاء فيعطى غير ذلك الشئ، لأنه أعطى ما لم يكن قاعدا فيه.

واذا أعاد فان كان الشئ المعطى أو لا

ملكا له فى الوصف عند الله أو فى نفس الأمر، ولا سيما ان لم يكن له فى الوصف سقط عنه الفرض، وكان اعطاؤه ثانيا نفلا ملتحقا بالفرض فى الثواب.

وهكذا عندى كل اعادة لفرض تصحيحا له لشك فيه يعظم ثوابه ان شاء الله والا يكن له فقد أدى الفرض بالاعطاء الثانى.

ومن أرسل

(1)

مع أحد فصاعدا ديونا، أو حقوقا، أو ديونا وحقوقا مفترقة الى واحد كقرض وثمن مبيع، وكأثمان مبيعات، وكقرض وأرش وثمن مبيع، أو أرسل رجلان لواحد ماله عليهما، أو رجال لواحد ماله عليهم، أو رجل لرجال، أو رجلان أو رجال لاثنين، أو واحد لهما فاختلط للرسول قبل الوصول، أو تشاكل عليه من يدفع له أو من أرسله، رد الكل على الأول، وهو الذى أرسله.

والمراد الجنس فشمل ما اذا أرسله واحد، أو ما فوق ذلك اذا لم يتشاكل عليه من أرسله، وتشاكل عليه من يدفع له أو اختلط فى يده، وكان من واحد الى متعدد، أو كان متعددا الى واحد من واحد، أو من متعدد، أو يمسكه حتى يتيقن من يدفعه له، فيدفعه اذا التبس عليه من يدفعه له، أو يتيقن من أرسله به اذا التبس عليه، فيدفعه بعد تيقنه الى من أرسل اليه، أو يتيقن من أرسله بعد التباسه والتباس من يدفع له فيرده الى مرسله اذا تبين، ولم يتبين من يدفع اليه.

واذا كان لمتعدد فخلط بلا فعل

(1)

من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 501، ص 502 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

ص: 29

منه ولا تضييع رده الى المتعدد، فيتفقون فيه على ما يتفقون.

وان كان بفعله أو تضييعه ضمنه لهم وأخذه لنفسه.

هذا والمراد بالاختلاط الاختلاط المحسوس فى الخارج، كاختلاط شعير بشعير، أو بر ببر، أو شعير ببر ونحو ذلك، ودراهم بدراهم، أو دنانير بدنانير، أو ريالات بريالات، ونحو ذلك مما لا يتميز.

والاختلاط المعقول مثل أن لا يدرى هذا الحب من هذا، أو من هذا أو الى هذا، أو الى هذا أو هذه الريالات من ذلك، أو من ذلك أو الى ذلك أو الى ذاك، أو هذه الأدوار من هذا، أو الريالات من ذلك، وبالعكس، ونحو ذلك مع عدم اختلاط الذوات، بل هى متميزة.

ثم قال ورخص فى دفع متفق اختلط أن أرسل لواحد من واحد أو متعدد، سواء اختلط الاختلاط المحسوس أو المعقول، أو اختلط مرسله فلا يدرى من أرسل هذا، أو هذا، لأن المقصود ذلك الواحد، وقد وصله

وجوز الدفع للواحد أيضا وان كان فى مختلف اختلط هو من متعدد أو من واحد أو تشاكل مرسله لأن المقصود ذلك الواحد، وقد وصله.

وجوز بعضهم الدفع أيضا لمتعدد ان اختلط واتفق، أو تشاكل ممن هذا أو ممن ذاك، كما يدل له ما فى الأثر أن بعض المشايخ أعطاه ناس أموالا فخلطها فاشترى بها حبا وأنفقه على الفقراء كما أراد أصحابها

‌الاشتباه فى الرهن

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(1)

: أن من شروط صحة القبض فى الرهن أن يكون المرهون منفصلا متميزا عما ليس بمرهون.

فان كان متصلا به غير متميز عنه لم يصح قبضه لأن قبض المرهون وحده غير ممكن، والمتصل به غير مرهون، فأشبه رهن المشاع.

وعلى هذا الأصل يخرج ما اذا رهن الأرض بدون البناء أو بدون الزرع والشجر أو الزرع والشجر بدون الأرض، أو الشجر بدون الثمر، أو الثمر بدون الشجر أنه لا يجوز، سواء سلم المرهون بتخلية الكل أولا، لأن المرهون متصل بما ليس رهنا، وهذا يمنع صحة القبض.

ولو جذ الثمر وحصد الزرع وسلم

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 140، ص 141 الطبعة السابقة.

ص: 30

منفصلا جاز، لأن المانع من النفاذ قد زال.

ولو جمع بينهما فى عقد الرهن فرهنهما جميعا وسلم متفرقا جاز.

وان فرق الصفقة بأن رهن الزرع ثم الأرض أو الأرض، ثم الزرع، ينظر.

ان جمع بينهما فى التسليم جاز الرهن فيهما جميعا.

وان فرق لا يجوز فيهما جميعا سواء قدم أو أخر، بخلاف الفصل الأول، لأن المانع فى الفصلين مختلف، فالمانع من صحة القبض فى هذا الفصل هو الاتصال، وهو لا يختلف، والمانع من صحة القبض فى الفصل الأول هو الشغل، وهو يختلف.

وذلك كما اذا رهن نصف داره مشاعا من رجل، ولم يسلم اليه حتى رهنه النصف الباقى، وسلم الكل فانه يجوز.

ولو رهن النصف وسلم ثم رهن النصف الباقى وسلم، فانه لا يجوز كذا هذا.

وعلى هذا اذا رهن صوفا على ظهر غنم بدون الغنم، فانه لا يجوز، لأن المرهون متصل بما ليس بمرهون، وهذا يمنع صحة القبض.

ولو جزه وسلمه جاز، لأن المانع قد زال.

وعلى هذا أيضا اذا رهن دابة عليها حمل بدون الحمل، فانه لا يجوز.

ولو رفع الحمل عنها وسلمها فارغة جاز، لما قلنا.

بخلاف ما اذا رهن ما فى بطن جاريته، أو ما فى بطن غنمه، أو ما فى ضرعها، أو رهن سمنا فى لبن، أو دهنا فى سمسم، أو زيتا فى زيتون، أو دقيقا فى حنطة فانه يبطل، وان سلطه على قبضه عند الولادة أو عند استخراج ذلك فقبض، لأن العقد هناك لم ينعقد أصلا، لعدم المحل، لكونه مضافا الى معدوم، أما هنا فالعقد منعقد موقوف نفاذه على صحة التسليم بالفصل والتمييز فاذا وجد فقد زال المانع.

وجاء فى تبيين الحقائق للزيلعى

(1)

:

أنه اذا اشتبهت قيمة الرهن بعد ما هلك المرهون، بأن قال كل من الراهن والمرتهن: لا أدرى كم كان قيمته، فيكون مضمونا بما فيه من الدين، لقول النبى صلى الله عليه وسلم «إذا عمى الرهن فهو بما فيه.

وجاء فى الفتاوى الهندية

(2)

: أنه

(1)

تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 6 ص 64 الطبعة السابقة.

(2)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للاوزجندى ج 5 ص 436 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.

ص: 31

لو رهن شاتين بثلاثين احداهما بعشرة والأخرى بعشرين، ولم يبين أيهما لم يجز الرهن، لأنه بسبب الجهالة تقع المنازعة بين الراهن والمرتهن، عند الهلاك فانه اذا هلكت احادهما لا يدرى ماذا سقط من الدين بازائها.

ولو بين وهلكت احداهما سقط الدين بقدرها كذا فى محيط السرخسى.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(1)

: أن الرهن اذا كان مما لا يغاب عليه وادعى المرتهن تلفه وكذبه العدول صريحا، بأن قالوا:

أنه باعها ونحوه، أو ضمنا، بأن قال جيرانه أو المصاحبون له فى السفر لا نعلم موتها فانه يضمنها.

أما لو صدقه العدول كما لو قالوا:

ان هذا الرجل كانت معه دابة وماتت، فأشكل عليهم الأمر، وقالوا: لا ندرى هل هى دابة الرهن أو غيرها فانه لا يضمن.

وأولى اذا قالوا أنها دابة الرهن، لكن فى الأولى لا بد من حلفه أنها هى دون الثانية.

وكونهم عدول أنه لو كذبه غيرهم لم يضمن لتطرق التهمة بكتمهم الشهادة له بموتها.

واذا هلك

(2)

الرهن أو ضاع عند المرتهن وجهل الراهن والمرتهن صفته وقيمته، بأن قال كل منهما لا أعلم قيمته الآن، ولا صفته، فانه لا شئ لواحد منهما قبل الآخر، لأن كلا لا يدرى هل يفضل له شئ عند صاحبه أم لا.

وهل لا بد من ايمانهما لتجاهل المتبايعين الثمن أو لا.

قال الشيخ سالم السنهورى: لم أر فيه نصا، والظاهر أنه مثله كما قاله شيخنا.

هذا اذا جهل الراهن والمرتهن.

أما اذا جهله أحدهما وعلمه الآخر حلف العالم على ما ادعى فان نكل فالرهن بما فيه فيكون فى مقابلة الدين الذى رهن فيه.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(3)

: ان فى رهن الثمرة قبل بدو الصلاح قولين.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 255 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 260 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب لأبى اسحاق الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 309 الطبعة السابقة.

ص: 32

أحدهما لا يصح، لأنه عقد لا يصح فيما لا يقدر على تسليمه، فلم يجز فى الثمرة قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع كالبيع.

والثانى أنه يصح، لأنه ان كان بدين حال فمقتضاه أن تؤخذ فتباع فيأمن أن تهلك بالعاهة، وان كان بمؤجل فتلفت الثمرة لم يسقط دينه وانما تبطل وثيقته والغرر فى بطلان الوثيقة مع بقاء الدين قليل، فجاز البيع، فان العادة فيه أن يترك الى أوان الجذاذ، فلا يأمن أن يهلك بعاهة فيذهب الثمن، ولا يحصل المبيع فيعظم الضرر فلم يجز من غير شرط القطع.

وان كان له أصول تحمل فى السنة مرة بعد أخرى كالتين والقتاء فرهن الحمل الظاهر، فان كان بدين يستحق فيه بيع الرهن قبل أن يحدث الحمل الثانى، ويختلط به، جاز لأنه يأمن الغرر بالاختلاط.

وان كان بدين لا يستحق البيع فيه الا بعد حدوث الحمل الثانى واختلاطه به، نظرت.

فان شرط أنه اذا خيف الاختلاط قطعه جاز، لأنه منع الغرر بشرط القطع.

وان لم يشترط القطع ففيه قولان.

أحدهما أن العقد باطل، لأنه يختلط بالمرهون غيره فلا يمكن امضاء العقد على مقتضاه.

والثانى انه صحيح لأنه يمكن الفصل عند الاختلاط بأن يسمح الراهن بترك ثمرته للمرتهن، أو ينظر كم كان المرهون فيحلف عليه ويأخذ ما زاد، فاذا أمكن امضاء العقد لم يحكم ببطلانه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

: أنه لو رهن ثمرة شجر يحمل فى السنة حملين لا يتميز أحدهما من الآخر فرهن الثمرة الأولى الى محل تحدث الثانية على وجه لا يتميز، فالرهن باطل، لأنه مجهول حين حلول الحق، فلا يمكن استيفاء الدين منه فلم يصح، كما لو كان مجهولا حين العقد، وكما لو رهنه اياها بعد اشتباهها.

فان شرط قطع الأولى اذا خيف اختلاطها بالثانية صح، فان كان الحمل المرهون بحق حال، وكانت الثمرة الثانية تتميز من الأولى اذا حدثت، فالرهن صحيح -، فان وقع التوانى فى قطع الأولى حتى اختلطت

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج بن قدامة المقدسى ج 4 ص 384، ص 385 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.

ص: 33

بالثانية وتعذر التمييز، لم يبطل الرهن، لأنه وقع صحيحا، وقد اختلط بغيره على وجه لا يمكن فصله.

فعلى هذا ان سمح الراهن بكون الثمرة رهنا أو اتفقا على قدر المرهون منهما فحسن، وان اختلفا فالقول قول الراهن مع يمينه فى قدر الرهن لأنه منكر للقدر الزائد والقول قول المنكر.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

ان رهن المرء حصته من مشاع مما ينقسم أولا ينقسم عند الشريك فيه وعند غيره جائز لأن الله تعالى قال: (فرهان مقبوضة) ولم يخص تعالى مشاعا من مقسوم {(وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)}

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(3)

: أنه اذا تلف الرهن أو تعيب فى يد المرتهن لم يلزم ابداله الا حيث يكون مشروطا فى الدين.

والقول للمرتهن فى تقديم العيب اذ يريد الراهن تضمينه والأصل البراءة.

كذا لو اختلفا فى قدر الأرش مع بقاء الرهن.

وأما مع تلفه فالقول للراهن ويحمل على أنه التبس بقاء الدين وقيمة المرهون بعد التلف ليوافق الأصول والا فالقول للمرتهن.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(4)

: أنه اذا رهن النخل لم يدخل الثمرة وان لم تؤبر، وكذا ان رهن الأرض لم يدخل الزرع ولا الشجر ولا النخل ولو قال بحقوقها أدخل فهو فيه تردد ما لم يصرح، وكذا ما ينبت فى الأرض بعد رهنها سواء أنبته الله سبحانه وتعالى أو الراهن أو الأجنبى اذا لم يكن الغرس من الشجر المرهون.

وهل يجبر الراهن على ازالته.

قيل: لا.

وقيل: نعم، وهو الأشبه.

ولو رهن لقطة مما يلقط كالخيار، فان كان الحق يحل قبل تجدد الثانية صح.

وان كان متأخرا تأخرا يلزم منه

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 88 مسألة رقم 1210 الطبعة السابقة.

(2)

الأية رقم 64 سورة مريم.

(3)

البحر الزخار ج 4 ص 125.

(4)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 197 طبع مطابع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.

ص: 34

اختلاط الرهن بحيث لا يتميز قيل يبطل.

والوجه أنه لا يبطل.

وكذا البحث فى رهن الخرطة مما يخرط والجزة مما يجز.

وجاء فى مفتاح الكرامة

(1)

: أنه لو رهن مما يمتزج بغيره كلقطة من الباذنجان صح، ان كان الحق يحل قبل تجدد الثانية أو بعدها، وان لم يتميز على رأى لا أشكال، ولا بحث فى الجواز حيث لا يحصل الاشتباه، كما فى جامع المقاصد والمسالك لوجود المقتضى، وعدم المانع.

أما مع الاشتباه وعدم التمييز ففى المبسوط والتذكرة فى موضع منها أنه لا يصح الرهن، لتعذر الاستيفاء بسبب عدم التمييز، ولأنه لا يصح بيعه عند الأجل لجهله فلا يصح رهنه ويرد على الأول أنه يمكن الاستيفاء بالصلح، على أن حصوله غير مقطوع به، لامكان التخلف، وان الراهن قد يسمح برهن الجميع، أو يتفقان على قدر الرهن.

فان لم يحصل ذلك كله، كان القول قول الراهن مع اليمين.

ويرد على الثانى أن المعتبر اجتماع الشرائط وقت الرهن وهى حاصلة وصحة البيع لو سلمت شرطيتها فالمعتبر، منها ما كان عند انشاء الراهن، لأنه وقت اعتبار الشرائط وهى حاصلة أيضا وأطبق المتأخرون ممن تعرض للفرع على الصحة ومما صرح بها الشرائع والتحرير والارشاد والايضاح والدروس وغاية المرام وجامع المقاصد والمسالك ومجمع البرهان فيكونان شريكين.

أما الصحة فلما عرفت من كونه عينا مملوكة صالحة للبيع وأخذ الدين منها من غير مانع كسائر الأموال، ووجه الشركة وجود موجبها وهو المزج مع عدم التمييز فحكمه حكم سائر المشتركات، وكذلك هذا اذا وقع المزج وعدم التمييز بعد القبض.

وأما لو وقع قبل القبض فالأقرب الفسخ والبطلان كما نبه عليه فى الدروس.

وقال فى المبسوط اذا اشترطا قطعه اذا حدث البطن الثانى صح الرهن.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: أنه يجوز

(1)

من كتاب مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة للحسينى العاملى ج 5 ص 190، ص 191 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 5 ص 445 الطبعة السابقة.

ص: 35

الرهن فى الدين الواجب كله ما أحل وما لم يحل، اذا كان معلوما.

وأما الدين المجهول فلا يجوز فيه الرهن.

ومنهم من يقول جائز فيما كان مجهولا، وسواء كان الدين من قبل التعدى أو من قبل المعاملة، وسواء الدين من الصامت أو غيره من جميع الأموال.

واذا كان

(1)

لرجل على رجل ديون شتى فرهن له رهنا فى أحدهما ولم يعينه أو قال له رهنته فيما شئت منها فلا يجوز وان قصد الى أحدها فرهنه له فيه أو رهنه فيها جميعا جاز ويكون على عددها تفاضلت أو تساوت اتفقت أجناسها أو اختلفت.

ولا يصح رهن

(2)

ما بذمة كشياه السلم وشياه الدية قبل القبض، لأنه ولو تعين الذى كان الشئ فى ذمته تعينت كميته، لكن لم تتعين ذاته، لأن من عليه مائة دينار أيما مائة دينار أعطاها كانت خلاصا له.

والحق الذى يعقد

(3)

الرهن بسببه هو المال المضمون معينا أو لازما فى ذمة كأثمان المبيعات وكالزكاة، فانه يجوز للامام أو نائبه ونحوهما قبل الرهن فيها لا فى الخراج كما فى المنهاج وعناء الاجارات وأرش الجنايات والصدقات وضمان الأموال والتبعات بتعيين لكمية الصداق والأرش وغيرهما، فلو لم يتعين لم يحكم بالرهن فيه، مثل أن يرهن له فى الأرش قبل أن يفرض له الحاكم ما هو وكم هو ومثل أن يكون ثمن المبيع أو واحد مما ذكر بعده كله معلوما، ثم نسى، أو تولى عقد ذلك غير مالكه، فلم يعلم مالكه كم هو أو ما هو، فلا يصح فى الحكم أن يرهن فيه، وأما فيما بينهما وبين الله تعالى اذا تراضيا على الرهن فيه على أن يبيع الرهن اذا علم ذلك أو يبيعه ويحفظ ثمنه حتى يعلم، فيجوز ذلك.

وان ارتهن شيئا

(4)

فى حق غير معلوم لا فى معلوم مما يرد لقيمة على أن يبيعه ويقبض ثمنه قبل أن يعرف ماله على الراهن بقيمة عدول، لأنه لا يكتفى بعدلين فى التقويم، وأجيز الاكتفاء بهما وأجيز بواحد قضى منه حقه أو على أن يقبضه رهنا، فاذا عرف ماله على الراهن بتقويم العدول على حد ما مر باعه وقضى من ثمنه جاز على امضاء بعد الجواز لما فعلاه قبل

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 5 ص 453 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 5 ص 446 الطبة السابقة.

(3)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ص 466 الطبعة السابقة.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل ج 5 ص 467 الطبعة السابقة.

ص: 36

الجواز، وذلك اذا رضيا به، وان تحاكما لم يحكم الحاكم به.

وان رهن

(1)

أكثر من فدان واحد أى ما زاد على الواحد، وكذا الأشياء غير الفدان كالجمال والنخل والدور فاستحق واحد لا بعينه سواء استحقه المرتهن أو غيره انفسخ الرهن للالتباس، بأن يلتبس فدان من آخر، ولو كان لا يتبين بعد لموت الشهود مثلا أو يكون الفدان بالأذرع لا بالتشخيص.

وان قال

(2)

الراهن عند موته هذا العرض عندى رهن فى كذا ولم يسم ربه فلا يبيعه وارثه، ولا يستوفى منه حقه، بل يحفظه الورثة ويبحثون عن صاحبه ويوصون وصيا بعد وصى.

وقيل: اذا أيسوا باعوه وتصدقوا بثمنه على الفقراء، واذا تبين خيروه بين الأجر والضمان له، الا أن قال هذا رهن عندى فى كذا ولم يسم ربه، ووجدوا بيانا على أنه رهن عنده فى ذلك وأنه لفلان فانهم يبيعونه وما بقى حفظوه لصاحبه، واذا أبوا أوصوا اليه به أو تصدقوا به على حد ما ذكرت، وان وجدوا بيانا أنه رهن عنده فى كذا، ولم يتبين صاحبه، فلا يبيعوه، ويستوفوا بل يحفظونه ويوصون به، أو يبيعونه ويتصدقون به.

وقيل: يبيعونه ويستوفون، وان بقى شئ حفظوه وأوصوا به أو تصدقوا به.

وان جهل المرتهن صاحب الرهن فلا يبعه.

وقيل يبيعه وذلك مذكور عن الديوان.

وفى الديوان أيضا أن نسى صاحب الرهن فانه يبيع الرهن ويقضى من ثمنه رأس ماله، فان فضل شئ فليمسكه حتى يجئ صاحبه، فاذ أيس منه فينفقه.

وكذلك ان مات الراهن أو فقد أو زال عقله أو غاب فانه يبيع فى هذه الوجوه كلها.

وان تشاكل عليه الرهن مع غيره فلا يبعه أيضا.

وان رهن شيئين من رجل واحد فى ديون شتى فتشاكل عليه ما رهن له فى كل دين فلا يبعه حتى يتبين له.

وان كان الرهن فى الدنانير أو فى الدراهم أو فى كل ما يوزن أو يكال،

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 5 ص 511، ص 512 طع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 5 ص 591، 592، 593

ص: 37

فتشاكل عليه جملة ما رهن فيه، أو تشاكل عليه جنس الذى رهن فيه، فانه يبيعه ويمسك الثمن حتى يتبين له.

وان اتفق المرتهن

(1)

والراهن على الدين، فقال أحدهما: لم نعين أحدا من هذين الشيئين فى الرهن، وقال له صاحبه: قد بيناه وهو هذا - أو تشاكل على فمن ادعى أنه قد تبين فهو المدعى، وان قال أحدهما انما وقع الرهن فى التسمية من هذا الشئ، وقال الآخر فى الشئ كله، فان كان الشئ مما لا يجوز رهن التسمية، فالقول قول من ادعى رهن الكل، وان كان مما يجوز فيه فالمدعى من قال انه رهن كله.

وان كان الشئ المرتهن فى يد رجلين فادعى كل واحد منهما أنه رهن عنده من ذلك الرجل دون صاحبه، فلا يكون أحدهما أقعد فيه للآخر، فان نسباه الى رجل فادعى كل أنه رهن عنده من ذلك الرجل، فان القول قول ذلك الرجل من أثبته له فله، الا أن يبين الآخر، وان جحدهما فعليهما البينة، فان أتيا بها فهو رهن لهما، وان أتى بها واحد فهو أولى به، وان صدقهما فهو لهما.

وان قال: رهنته لواحد منهما ولم أدره، أو تشاكل على، فليس فى ذلك شئ.

وان نسبه كل منهما الى رجل فالرجلان أقعد فيه، وترجع الخصومة بين المرتهن والرجلين للذين نسباه اليهما.

وان قال رهنته لواحد منهما، ولم أدر من هو أو رهنته لهما جميعا، فأراد أخذه بعد ذلك لم يجده.

وكذا ان قال: لم أدر أرهنته أم لا، وان قال لم أرهن لهما شيئا لم يجد أخذه أيضا حتى تنقضى دعوتهما.

وكذا ان قال رهنته لرجل ولا أدرى ذلك الرجل منكما أو من غيركما أو رهنته لرجلين لا أدرى أنكما هما أو غيركما.

وان قال: رهنته لرجل آخر غيركما ولا شهادة لهما حلفاه وأخذ شيئه.

وتجوز

(2)

الشهادة فى الرهن وغيره على الأصول كلها وكل ما اتصل بها سواء كان نباتا أو غيره، واذا قلع وكان مما يشتبه كالبصل، والكرات، والرمان، واللوز، والتين، والعنب، والفول، وما أشبه ذلك

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 5 ص 619 وص 620 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لأطفيش ج 5 ص 625، 626 الطبعة السابقة.

ص: 38

من القطانى وغيرها، والتبن، والنخالة، والدقيق، والعجين، والخبز المتردد والليف والخوص والشجر، وفى نوى التمر وورق الشجر والريحان والحناء اذا تواروا عن ذلك، فلا تجوز عليه.

قال: ومالا يشتبه تجوز عليه، كالكرنب، والباذنجان، والفجل، والقصب، والجريد، والغصون اذا كان معينا مقصودا اليه.

واذا قرن بالتعيين ما يشتبه عليه جازت عليه الشهادة مثل أن يقال رأيناه قلع هذا البصل من الأرض الفلانية أو أخذه من يد فلان ولم يغب عنا الى هذه الساعة، وان توارى الشهود عنه لم يجز عليه، وان شهدوا أخبرهم الحاكم أنهم لا يشهدون على ما توارى عنهم، وان شهدوا فليجوزهم الحاكم.

وقيل: لا تقبل شهادتهم اذا علم أنهم تواروا وتجوز على عود الزان والخشب والمنوال وأبواب البيوت اذا عرفوا ذلك ولو تواروا عنه.

ولا تجوز الشهادة على مالا يعرف بعينه اذا غاب.

وتجوز الشهادة على الحيوان اذا حضر وان غاب فلا الا أن تبين بالوصف وأحاطوا بعلمه وتجوز على ما ذبح منها ما لم يفارق الرأس الجسد، واذا فارقه جازت على الرأس لا الجسد.

‌الاشتباه فى الوديعة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(1)

: أنه اذا خلط المودع الوديعة بماله خلطا لا يتميز، فانه يضمن الوديعة، لأنه اذا كان لا يتميز فقد عجز المالك من الانتفاع بالوديعة، فكان الخلط منه اتلافا، فيضمن ويصير ملكا بالضمان، وان مات كان ذلك لجميع الغرماء والمودع أسوة بالغرماء فيه.

ولو اختلطت الوديعة بماله من غير صنعة لا يضمن وهو شريك لصاحبها.

أما عدم وجوب الضمان فلانعدام الاتلاف منه بل تلفت بنفسها لانعدام الفعل من جهته.

وأما كونه شريكا لصاحبها، فلوجود معنى الشركة وهو اختلاط الملكين.

ولو أودعه رجلان كل واحد منهما ألف درهم فخلط المودع المالين خلطا لا يتميز، فلا سبيل لهما على أخذ الدراهم، ويضمن المودع لكل واحد منهما ألفا، ويكون المخلوط له، وهذا قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

(1)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 213 الطبعة السابقة.

ص: 39

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: هما بالخيار، ان شاءا اقتسما المخلوط نصفين، وان شاءا ضمنا المودع ألفين.

وعلى هذا سائر المكيلات والموزونات اذا خلطا الجنس بالجنس خلطا لا يتميز، كالحنطة بالحنطة، والشعير بالشعير، والدهن بالدهن.

ووجه قولهما أن الوديعة قائمة بعينها، لكن عجز المالك عن الوصول اليها بعارض الخلط فان شاءا اقتسما لاعتبار جهة القيام، وان شاءا ضمنا لاعتبار جهة العجز.

ووجه قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه لما خلطهما خلطا لا يتميز، فقد عجز كل واحد منهما عن الانتفاع بالمخلوط فكان الخلط منه اتلاف الوديعة على كل واحد منهما، فيضمن، ولهذا يثبت اختيار التضمين عندهما، واختيار التضمين لا يثبت الا بوجود الاتلاف دل أن الخلط منه وقع اتلافا.

ولو أودعه رجل حنطة وآخر شعيرا فخلطهما، فهو ضامن لكل واحد منهما مثل حقه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، لأن الخلط اتلاف.

وعندهما لهما أن يأخذا العين ويبيعاها، ويقتسما الثمن على قيمة الحنطة مخلوطا بالشعير، وعلى قيمة الشعير غير مخلوط بالحنطة، لأن قيمة الحنطة تنقص بخلط الشعير وهو يستحق الثمن، لقيام الحق فى العين وهو مستحق العين، بخلاف قيمة الشعير، لأن قيمة الشعير تزداد بالخلط وتلك الزيادة ملك الغير فلا يستحقها صاحب الشعير.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية

(1)

الدسوقى عليه: أن المودع يضمن اذا خلط الوديعة بغيرها وترتبت فى ذمته بمجرد خلطها بغيرها، وان لم يحصل فيها تلف اذا تعذر التمييز أو تعسر، بأن التبس عليه الحال كما لو كانت الوديعة سمنا، وخلطها بدهن أو زيت أو عسل، حيث يتعذر التمييز بين المخلوطين، وكما لو كانت فولا فخلطها بشعير حيث يتعسر التمييز.

أما اذا كانت الوديعة قمحا ثم خلطه بمثله جنسا وصفة فلا يضمن.

وكذا اذا كانت دراهم فخلطها بدنانير لتيسر التمييز، هذا اذا كان الخلط لأجل الحفظ والرفق، والا ضمن، لأنه يمكن

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 420 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 40

اذا أبقى كلا على حدته أن يضيع أحدهما دون الآخر.

ثم ان تلف بعضه بعد الخلط للاحراز فبينهما على حسب الأنصباء.

فاذا تلف واحد من ثلاثة لأحدهما واحد ولصاحبه اثنان، فعلى صاحب الواحد ثلثه، وعلى صاحب الاثنين ثلثاه، الا أن يتميز التالف، كما فى الدنانير والدراهم، فالتالف من ربه خاصة، وذلك بأن يعرف أنه لشخص معين منهما فمصيبته من ربه خاصة.

قال شيخنا العدوى يؤخذ من هذا أن المركب اذا وسقت بطعام لجماعة غير شركاء وأخذ ظالم منه شيئا.

فان كان الطعام مخلوطا بعضه على بعض، ولم يتميز أحدهما من الآخر، فما أخذ مصيبته من الجميع، يقسم بينهم على حسب أموالهم.

وأما اذا كان غير مختلط بعضه ببعض، بل كان طعام كل واحد متميزا على حدة فما أخذ مصيبته من ربه وأما ما جعل ظلما على المركب بتمامها فيوزع على جميع ما فيها سواء كان هناك اختلاط أم لا كالمجعول على القافلة.

وجاء فى

(1)

فى التاج والاكليل للحطاب:

أن اللخمى قال: ان كان عند رجل وديعتان قمح وشعير، فخلطهما ضمن لكل واحد منهما مثل ما خلط له فان اختارا رفع العداء عنه، وان يأخذاه مخلوطا، ويكونان شريكين فيه جاز ذلك عند ابن القاسم وأشهب خلافا لسحنون.

وقال ابن القاسم: وتكون شركتهما على قيمة القمح معيبا والشعير غير معيب، ولا يجوز أن يقتسماه على ذلك، وانما يقتسمان الثمن.

والذى لابن رشد سواء خلطهما عداء أو غير عداء، قال: والذى يوجبه الحكم أن يقتسماه بينهما مخلوطا على قيمة القمح والشعير يوم الخلط، ويقوم القمح غير معيب.

خلاف قول سحنون: أن القمح يقوم معيبا والشعير غير معيب، وقوله يباع ويقتسمان الثمن استحسان، اذ لا مانع يمنع من اقتسام الطعام بعينه على القيم، ولو لم يجز اقتسامه بعينه على القيم، لما جاز اقتسام ثمنه على ذلك، لأنه انما يباع على ملكهما فانما هو يأخذ ثمن ما كان أخذه له، ولا يجوز لهما أن يقتسماه على الكيل واختلاط الزرع، قال ابن حبيب:

انهم يقتسمونه على حسب الزريعة.

وذكر من رسم حلف من سماع عيسى ان كل واحد يحلف ما بذر ويقتسمون الطعام على عدد ذلك.

(1)

كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبو الضياء خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل بن عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 5 ص 253 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

ص: 41

قال ابن رشد وهذا كما قال ومعنى هذا عندى بعد أن يتراجعوا بما لبعضهم على بعض من فضل فى العمل.

وقال ابن أبى زيد فى قسمة الشعير والزيتون عند الخلط أن يتقارر أرباب ذلك بينهم على شئ معلوم فهو كذلك.

وان تجاهلوا والتبس عليهم الحال فليس لهم الا الاصطلاح.

وكذلك ما اختلط على يد اللصوص من الزرع والأطعمة.

وكذا ما وقع فى الرواية فى السفن اذا اختلط فيها الطعام.

وفى طرر ابن عات اذا اختلط الكتان فى الوادى لسيل أو غيره ولم يعرف كل واحد ما له تحلل أصحابه فى ذلك.

وكذا الطعام المستهلك ان أخذ مالا يشك أنه أقل من طعامه جاز مع ما تقدم لابن حبيب من قسمة الزرع المخلوط على حسب الزريعة، مع ما تقدم لابن رشد من تخفيف اقتسام الطعام المخلوط بالقيمة، ولو خلط عداء، وهل يكون ذلك كله مسوغا للذين يخلطون ألبانهم أن يأخذ الانسان من الجبن القدر الذى لا يشك فى أن يخرج له من لبن غنمه لو أفردها، وقد بسطت فى سنن المهتدين أن اقدام المرء على شئ بتأويل ليس كمن أقدم عليه مجاهرا ومن أكل حراما يعتقد أنه حلال أثيب على قصده ولا يعاقب على فعله ولا يظلم به قلبه ومن أقدم على حلال صرف يعتقد شبهته قسا قلبه به وأظلم.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(1)

: ان الشخص ان أودع دراهم فخلطها بمثلها من ماله ضمن، لأن صاحبها لم يرض أن يخلط ماله بمال غيره، فان خلطها بدراهم لصاحب الدراهم ففيه وجهان.

أحدهما لا يضمن لأن الجميع له.

والثانى أنه يضمن وهو الأظهر، لأنه لم يرض أن يكون أحدهما مختلطا بالآخر.

وان أودعه دراهم فى كيس مشدود فحله أو خرق ما تحت الشد ضمن ما فيه، لأنه هتك الحرز من غير عذر.

وان أودعه دراهم فى غير وعاء فأخذ منهما درهما ضمن الدرهم، لأنه تعدى فيه، ولا يضمن الباقى لأنه لم يتعد فيه.

فان رد الدرهم، فان كان متميزا بعلامة لم يضمن غيره، وان لم يتميز

(1)

المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم ابن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج 1 ص 361 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1279 هـ.

ص: 42

بعلامة فقد قال الربيع يضمن الجميع، لأنه خلط المضمون بغيره فضمن الجميع.

والمنصوص أنه لا يضمن الجميع، لأن المالك رضى أن يختلط هذا الدرهم بالدراهم فلم يضمن، فان أنفق الدرهم ورد بدله، فان كان متميزا عن الدراهم لم يضمن الدراهم، ولأنها باقية كما كانت، وان كان غير متميز ضمن الجميع لأنه خلط الوديعة بما لا يتميز عنها فضمن الجميع.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: ان المستودع ان خلط الوديعة بمالا تتميز منه كزيت بزيت، أو شيرج ودراهم بدراهم ولو كان التعدى بشئ مما سبق فى احدى عينين مودعتين، وكان فعل ما تقدم بغير اذن المالك بطلت الوديعة، وضمن المستودع، لأنه صيرها فى حكم التالف، وفوت على نفسه ردها أشبه ما لو ألقاها فى بحر، وسواء خلطها بماله أو مال غيره، وسواء خلطها بمثلها أو دونها أو أجود.

وفى الرعاية اذا خلط احدى وديعتى زيد بالأخرى بلا اذن وتعذر التمييز فوجهان.

ولا تعود وديعة بعد التعدى فيها بشئ مما سبق الا بعقد وديعة جديد لبطلان الاستئمان بالعدوان.

وحيث بطلت الوديعة وجب الرد فورا، لأن يده صارت عادية كالغاصب.

وان خلط الوديعة غير المستودع بمالا تتميز منه فالضمان على الخالط دون المستودع، لوجود العدوان من الخالط.

ومتى حدد المستودع استئمانا برئ، فان تلفت بعد لم يضمن، لأنه لم يتعد فى الاستئمان الذى تلفت فيه، والأول قد زال أو ابراه المالك من الضمان بتعديه برئ المستودع فلا يضمنها أن تلفت بعد، لأنه ممسكها باذن ربها وزال حكم التعدى بالبراءة ولا يضمن المستودع بمجرد نية التعدى فى الوديعة اذا تلفت الوديعة بلا تعد ولا تفريط بخلاف الملتقط نوى التملك، والفرق أن الايداع عقد والنية ضعيفة فيه فلا يزيله بخلاف الالتقاط.

أما ان اختلط مودع غير متميز كبر ببر أو دقيق بدقيق بغير تفريط منه فلا ضمان، فان ضاع البعض جعل من مال المودع فى ظاهر كلام أحمد، ذكر المجد فى شرحه.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منته الارادات ج 2 ص 401، ص 402 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 381 الطبعة السابقة.

ص: 43

وان أخذ المستودع درهما ثم رد بدله غير متميز، وضاعت الوديعة، فيضمن الجميع لخلطه الوديعة بمالا يتميز منه، كما لم يدر أيهما ضاع بأن ضاع درهم مثلا، ولم يدر أهو المردود أو غيره من الوديعة فيضمنه، لأن الأصل عدم براءته

(1)

.

وان سلم المستودع الوديعة الى من يظنه صاحبها فتبين خطؤه ضمنها، لأنه فوتها على ربها.

وان ادعى الوديعة اثنان وقال المودع هى لأحدهما، ولا أعرف عينه، فان صدقاه أو سكتا عن تصديقه وتكذيبه، فلا يمين عليه اذ لا اختلاف، ويقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة سلمت اليه بيمينه، وان كذباه بأن قالا: بل تعرف أينا صاحبها حلف لهما يمينا واحدة انه لا يعلم عينه، وكذا ان كذبه أحدهما وحده، ويقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة حلف أنها له، لاحتمال عدمه، وأخذها بمقتضى القرعة.

فان نكل المودع عن اليمين أنه لا يعلم صاحبها حكم عليه بالنكول، وألزم تعيين صاحبها، فان أبى التعيين أجبر على القيمة ان كانت متقومة وعلى المثل ان كانت مثلية فتؤخذ القيمة أو المثل والعين فيقترعان عليهما أو يتفقان عليهما.

قال فى التخليص وكذلك اذا قال أعلم المستحق ولا أحلف، ثم ان قامت بينة بالعين لآخذ القيمة سلمت اليه العين للبينة وتقدمها على القرعة، وردت القيمة الى المودع، ولا شئ للقارع على المودع، لأنه لم يفوت عليه شيئا بل المفوت البينة.

‌مذهب الظاهرية:

اذا

(2)

ادعى المودع شيئا ينقل به الوديعة عن ملك المودع الى ملك غيره، فانه ينظر، فان كانت الوديعة لا تعرف للمودع الا بقول المودع، بأن كانت مختلطة بغيرها، ولم تميز، فالقول قول المودع مع يمينه فى كل ما ذكر له من أمره اياه ببيعها أو الصدقة بها أو بهبتها، أو أنه وهبها له وسائر الوجوه، ولا فرق، لأنه لم يقر له بشئ فى ماله، ولا بشئ فى ذمته، ولا بدين، ولا بتعد، ولا قامت له عليه بينه بحق، ولا بتعد، وماله محرم على غيره.

وأما ان كانت الوديعة معروفة العين للمودع ببينة أو بعلم الحاكم، فان

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منته الارادات ج 2 ص 404، ص 405، ص 406 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 3 ص 384، ص 385 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 277، ص 278 مسألة رقم 1392 طبع إدارة الطباعة المنيرية سنة 1350 هـ.

ص: 44

المودع مدع نقل ملك المودع عنها، فلا يصدق الا ببينة، وقد أقر حينئذ فى مال غيره بما قد منع الله تعالى منه اذ يقول:«ولا تكسب كل نفس الا عليها» فهو ضامن.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

وهامشه: ان المالك ان عين للتصدق بالوديعة وقتا، نحو قوله: ان لم أعد اليك فى وقت كذا فتصدق بها على الفقراء، فلم يعد فى ذلك الوقت، جاز له أن يتصدق بها، ما لم يتيقن موته.

فان ثبت أن المودع كان ميتا فى ذلك الوقت لزم الوديع للورثة ضمانها.

وان التبس فلا ضمان، لأن الأصل الحياة وبراءة الذمة.

وان أتى بلفظ يشمل التوكيل والايصاء كقوله: تصدق بها حيا كنت أو ميتا، فلا ضمان ان تصدق بها قبل الموت، وقبل المرض المخوف، أو التبس هل تصدق قبله أو بعده، أو تيقن أنها بعده، وهى تنفذ من الثلث أو أكثر، وأجاز الورثة، والا ضمن الزيادة على الثلث ان علم، أو قصر فى البحث، لا ان جهل، لأن الموصى غار له.

واذا أودع رجلان

(2)

عند رجل وديعتين فتلفت احداهما، فادعى كل واحد من الرجلين أن الباقية وديعته، والتبس على الوديع من هى له.

وكذا اذا التبس عليه أى الرجلين أودعه استحقها من قامت بينته منهما فى الصورتين جميعا.

ثم اذا لم يكن لهما بينة كانت لمن حلف منهما على أنها له، ثم نصفان حيث بينا جميعا، أو حلفا جميعا، قال على: أو نكلا جميعا ولا يمين لهما على الوديعة، الا أن يدعى عليه أنه استهلكه عليه بدعوى اللبس كان له تحليفه على ذلك.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(3)

: ان المودع ان كان غاصبا مزج ما غصبه بماله، ثم أودع الجميع، فان أمكن المستودع تمييز المالين رد عليه ماله، ومنع الآخر، وان لم يمكن تمييزهما وجب اعادتهما على الغاصب.

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 3 ص 515 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ

(2)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 3 ص 516، ص 517 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 228 الطبعة السابقة.

ص: 45

وجاء فى الروضة البهية

(1)

: ان المستودع اذا مزج الوديعة بماله أو بمال غيره، بحيث لا يتميز، سواء مزجها بأجود، أم بأدون، بل لو مزج احدى الوديعتين بالأخرى ضمنهما معا، وان كانا لواحد.

ومثله لو خلطها بمال لمالكها غير مودع عنده للتعدى فى الجميع.

وليرد الوديعة حيث يؤمر به أو يريده هو الى المالك أو وكيله المتناول وكالته مثل ذلك مخيرا فيهما، فان تعذر المالك أو وكيله، فالحاكم الشرعى عند الضرورة الى ردها لا بدونه، لأن الحاكم لا ولاية له على من له وكيل والمدعى بمنزلته.

وجاء فى مفتاح الكرامة

(2)

: أنه لو استودع من اثنين ثلاثة، ثم تلف واحد من غير تفريط واشتبه، بخلاف ممتزج الأجزاء، أى وكذا الحكم لو استودع انسان من رجل دينارين مثلا، ومن آخر دينارا، ثم امتزجا اما بغير تفريط منه أو باذن المالكين، ثم تلف واحد بغير تفريط، فانا ندفع الى صاحب الدينارين دينارا، لأن الآخر معترف له به، والدينار الآخر يقسم بينهما نصفين، وهذا هو المشهور كما فى الدروس والتنقيح وايضاح المنافع والمسالك والروضة والكفاية والرياض.

وفى جامع المقاصد نسبته الى الأكثر تارة والى الأصحاب أخرى.

وقد نسب الى الأصحاب فى الدروس والمسالك والروضة، ولم أجد فيه خلافا الا من المصنف فى التحرير، فانه قال: الأولى عندى قسمة التالف على رأس المالين فيعطى صاحب الدينارين دينارا وثلثا، وصاحب الدينار ثلثا دينار.

وقد مال الشهيدان والمحقق الثانى الى القرعة، لأنها مقتضى القواعد، لكنهم لم يجسروا على المخالفة.

ودليل المشهور خبر السكونى عن الصادق عليه السلام عن آبائه عليهم السلام فى رجل استودع رجلا دينارين، واستودعه آخر دينارا منهما، فقال: يعطى صاحب الدينارين دينارا، يقتسمان الدينار الباقى بينهما نصفين، والشهرة المعلومة والمستفيض نقلها تجبر ما هنالك من ضعف.

وقد قال الشهيد الثانى وصاحب الرياض يشكل هنا مع ضعف السند أن التالف غير محتمل كونه لهما بل من أحدهما خاصة، لامتناع الاشاعة

(1)

الروضه البهيه شرح اللمعه الدمشقيه للجبل العاملى ج 1 ص 387 طبع مطبعه دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.

(2)

(من كتاب مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامه للحسينى العاملى ج 5 ص 497، ص 498 الطبعة السابقة.)

ص: 46

هنا، فكيف يقسم الدرهم بينهما مع انه مختص بأحدهما قطعا.

وقالا: ان القول فى اليمين كما مر من عدم تعرض الأصحاب له.

وقال فى الدروس ان الأصحاب لم يذكروا يمينا هنا وفى التى قبلها، وذكروهما فى باب الصلح فجاز أن يكون الصلح قهريا، وجاز أن يكون ذلك اختياريا، فان امتنعا فاليمين.

وفى جامع المقاصد: أن ظاهر الرواية وكلام الأصحاب أن ذلك قهرى، وأنه بغير يميين، بل ربما امتنعت اليمين اذا صرح كل واحد بعدم العلم بعين حقه.

قلت: لعل ما ذكره الأصحاب انما هو عند التخاصم والتداعى، كما فى المسألة الأولى، فالحكم فيها حينئذ سواء، فيجئ أنه لا بد من اليمين، وتصح قسمة الدرهم بينهما، لأنهما اتفقا على أن أحدهما بعينه لصاحب الاثنين، واختلفا فى الباقى المعين، اذ كل منهما يدعيه أنه درهمه فيقسم بينهما.

وأما اذا طلبا حكم الله سبحانه وتعالى عند الاشتباه عليهما وتصريح كل واحد بعدم العلم بعين حقه فالحكم القرعة، وعلى هذا فلا اشكال، وليس للتأمل مجال.

على أنا نقول قد اتفقت كلمتهم فى باب الشركة على الحكم بالاشاعة شرعا فيما اذا مزجا الدراهم أو الثياب أو الصوف أو الشعير ونحو ذلك مما هو قيمى، وان كان غير مشاع واقعا، ولذلك عرفوها بأنها اجتماع أموال الملاك على سبيل الاشاعة، مع أن أظهر أفرادها مزج الدراهم والاشتراك بها.

واحترز بقوله من غير تفريط عما لو فرط فى الحفظ أو المزج، فان الودعى يضمن التالف، كما صرح به جماعة كالمصنف فى التذكرة، والمقداد، والمحقق الثانى، والشهيد الثانى، وغيرهم، فيضم اليها، ويقتسمان من غير نقص.

وقد يقع مع ذلك التعاسر على العين فتتجه القرعة، لأنه يكون على تقدير الضمان لكل واحد منهما نصف الدرهم الواحد فيكون النزاع والتعاسر فى الأخذ من الضامن وأخذ الباقى.

وأما ممتزج الأجزاء كالدهن والحنطة والشعير، فاذا كان لأحدهما قفيزان مثلا، وللآخر قفيز وتلف قفيز بعد امتزاجهما بعد تفريط، فالتالف على نسبة المالين، وكذا الباقى، فيكون لصاحب القفيزين قفيز وثلث، وللآخر ثلثا قفيز كما صرح به فى التذكرة والدروس والتلقيح معا، بخلاف الدرهم، لأنه مختص بأحدهما، ويحتمل أن يكون الحكم فيه ما تقدم.

ص: 47

ويباع الثوبان مع الاشتباه معا ان لم يمكن الانفراد، ويقسط الثمن على القيمتين مع التعاسر، فان بيعا منفردين، فان تساويا فى الثمن، فلكل مثل صاحبه، وان تفاوتا فالأقل لصاحبه ونحوه ما ذكره فى التذكرة غير أنه لم يقيد فيها بيعهما معا بعدم امكان الانفراد.

ويظهر ما فى الكتاب أنه متى أمكن بيعهما منفردين امتنع الاجتماع.

وحاصله أنهما ان بيعا مجتمعين حيث لا يمكن الانفراد، بأن يباع كل واحد وحده لعدم الراغب وتعاسرا بمعنى لم يخير أحدهما صاحبه صارا كالمال المشترك شركة اجبارية كما لو امتزج الطعامان فيقسم الثمن على رأس المال، وعليه تنزل الرواية.

وان أمكن بيعهما منفردين وجب، فان تساويا فلكل واحد ثمن ثوب، وان اختلفا فالأكثر لصاحب الأكثر، والأقل لصاحبه بناء على الغالب من عدم الغبن، وان أمكن خلافه، الا أنه نادر، لا أثر له شرعا، ويلزم على ما ذكره فى التذكرة ما ذكره من ترجيح أحد الأمرين من بيعهما معا أو منفردين، اذ الحكم مختلف فتتحد العبارتان.

قال فى الدروس لكن الرواية مطلقة فى البيع، ويؤيدها أن الاشتباه مظنة تساوى القيمتين، فاحتمال تملك كل منهما لكل منهما قائم فكانا بمثابة الشريكين.

وقال فى جامع المقاصد فعلى هذا يكون مورد الرواية ما اذا تساوت القيمتان، فيبقى ما اذا تفاوتا خاليا عن النص فيجب العمل فيه بما ذكره المصنف، اذ لاراد له، وقول ابن ادريس بالقرعة وان كان له وجه، الا أن مخالفة النص، وكلام الأصحاب مشكل.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: ويصدق مستودع ومستعير، ومضارب، لا بيمين فى تلف أى يصدقون فى ادعائهم تلف ما بأيديهم ان كانوا أمناء عند الحاكم، وان لم يكونوا عنده أمناء احتاجوا الى الشهود بكونهم أمناء، وان كانوا غير أمناء أو لا يدرى حالهم، بأن التبس الأمر على الحاكم حلفوا، وكذا الأمانة، والوديعة ما بيد انسان بوضع صاحبه فيه.

وقيل يحلفون فى ذلك كله ولو أمناء.

قال بعضهم الأمين أمين، ويحلف، والمراد التلف الذى يعذر فيه كالغصب والموت، لا الذى لا يعذر فيه كالسقوط أو النسيان فى موضع والغلط، وكذا وارثهم ان ادعى تلفه بيد مورثه لا يمين عليه انه تلف بيد موروثه، لا أن ادعى تلفه فانه يغرم ولا يصدق فى تلفه،

(1)

من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 7 ص 235 طبع يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ

ص: 48

لأنه لم يؤتمن عليه، وانما أؤتمن عليه موروثه الا أن بين أنه تلف.

وقيل: لا غرم عليه، ولكن يحلف أنه ذهب، لأنه بقى فى يده من الموروث كالأمانة.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: ولا تنصب حكومة فى حرام بالذات كخمر وخنزير وعذرة أو لعارض كمغصوب ومسروق وربا وثمن ذلك ولا بين أهل ريبة أو يعلن أهل ريبة، وبعض غير أهل ريبة اذا تنازعوا فى شئ ريب انه لغيرهم.

وأما ما علم أنه حلال فتنصب بينهم ليوصل الى صاحبه منهم.

‌الاشتباه فى الهبة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: أنه يشترط فى الموهوب أن يكون موجودا وقت الهبة، فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد، بأن وهب ما يثمر نخله العام، وما تلد أغنامه السنة، ونحو ذلك، لأن الهبة تمليك للمال، وتمليك المعدوم محال، وكذلك لو وهب ما فى بطن هذه الجارية أو ما فى بطن هذه الشاة، أو ما فى ضرعها لا يجوز، وان سلطه على القبض عند الولادة والحلب، لأنه لا وجه لتصحيحه للحال، لاحتمال الوجود والعدم، لأن انتفاخ البطن قد يكون للحمل، وقد يكون لداء فى البطن وغيره، وكذا انتفاخ الضرع قد يكون باللبن، وقد يكون بغيره، فكان له خطر الوجود والعدم، ولا سبيل لتصحيحه بالاضافة الى ما بعد زمان الحدوث.

وكذلك لو وهب زبدا فى لبن أو دهنا فى سمسم أو دقيقا فى حنطة لا يجوز وان سلطه على قبضه عند حدوثه.

ويشترط فى الموهوب

(3)

ألا يكون متصلا بما ليس بموهوب اتصال الأجزاء، لأن قبض الموهوب وحده لا يتصور وغيره ليس بموهوب.

وعلى هذا يخرج ما اذا وهب أرضا فيها زرع دون الزرع، أو شجرا عليها ثمر دون الثمر أو وهب الزرع دون الأرض أو الثمر دون الشجر، وخلى بينه وبين الموهوب له أنه لا يجوز، لأن الموهوب متصل بما ليس بموهوب اتصال جزء بجزء فمنع صحة القبض.

واذا زادت

(4)

الهبة زيادة متصلة بالأصل فى يد الموهوب له، فانها تمنع

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 41، ص 42 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 119 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق للكاسانى ج 6 ص 125 الطبعة السابقة.

(4)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 129 الطبعة السابقة.

ص: 49

الرجوع فى الهبة، سواء كانت الزيادة بفعل الموهوب له أولا، وسواء كانت متولدة أو غير متولدة، نحو ما اذا كان الموهوب جارية هزيلة فسمنها، أو دارا فبنى فيها، أو كان ثوبا فصبغه بعصفر أو زعفران، أو قطعه قميصا، لأنه لا سبيل الى الرجوع فى الأصل بدون الزيادة، لأنه غير ممكن فامتنع الرجوع أصلا.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والاكليل

(1)

: ان من وهب لرجل موروثه من فلان، وهو لا يدرى كم هو سدس أو ربع، أو وهبه نصيبه من دار أو جدار وهو لا يدرى ذلك، كم ذلك فذلك جائز، ونقله فى النوادر فى كتاب الهبات والصدقات عن كتاب ابن المواز، وقال قبله، قال أبو محمد وأعرف لابن القاسم فى غير موضع أن هبة المجهول جائزة.

وقال ابن عبد الحكم تجوز هبة المجهول ولو ظهر له أنها كثير بعد ذلك.

قال فى النوادر عن كتاب ابن المواز وان تصدق عليه ببيت من داره ولم يسم له مرفقا، فليس له منعه من مدخل، ومخرج، ومرفق بئر، ومرحاض ان لم يسمه فى الصدقة، وليس له أن يقول له افتح بابا حيث شئت.

وقال ابن عرفة

(2)

: اذا وهب الأب لصغار ولده، فان حوزه لهم يصح، اذا كان ما وهبه يعرف بعينه.

قال ابن رشد هذا محل اتفاق.

قال الباجى وأما مالا يتعين كالدنانير والدراهم، فانها ان بقيت بيد الأب غير مختوم عليها لم يتصرف فيها لابنه الصغير.

قال ابن القاسم انه ان مات الأب وهى على ذلك فالعطية باطلة.

وكذلك لو تصدق عليه بعشرة دنانير معينة فقال مالك لا يجوز وان طبع عليها حتى يدفعها الى غيره ويخرجها عن ملكه، وذلك أنها غير معروفة العين ولا متعينة بالاشارة اليها، ولا يصح أن تعرف بعينها اذا أفردت من غيرها.

ولم يختلف أصحابنا فى ذلك اذا وهبه عشرة دنانير من دنانيره.

وأما اذا ختم عليها أو أمسكها عنده فقد روى عن مالك أنها تبطل.

زاد ابن المواز وان ختم عليها الشهود والأب وبه أخذ ابن القاسم والمصريون،

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 51، ص 52 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للحطاب ج 6 ص 60 الطبعة السابقة.

ص: 50

ووجهه أنها مالا يتعين بالعقد فلا يصح فيها حيازة مع بقائها بيد المعطى كالتى لم يختم عليها.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج

(1)

: انه لو اصطلح الذين وقف المال بينهم على تساو أو تفاوت جاز، قال الامام: ولا بد أن يجرى بينهم تواهب، وهذا التواهب لا يكون الا عن جهالة، ولكنها تحتمل للضرورة.

ومنها ماذا اختلط حمام برجين فوهب صاحب أحدهما نصيبه للآخر، فانه يصح على الصحيح وان كان مجهول القدر والصفة للضرورة.

ومثل ذلك ما لو اختلطت حنطته بحنطة غيره أو مائعه بمائع غيره أو ثمرته بثمرة غيره.

ومنها ما لو قال: انت فى حل مما تأخذ من مالى، أو تعطى، أو تأكل، فانه يجوز له الأكل، دون الأخذ والاعطاء، لأن الأكل اباحة، وهى تصح مجهولة بخلافهما.

ومنها صوف الشاة المجعولة أضحية ولبنها كما قاله الرويانى.

ومنها الطعام المغنوم من دار الحرب تجوز هبته للمسلمين بعضهم من بعض ما داموا فى دار الحرب كما يجوز لهم أكله هناك، ولا يصح لهم تبايعه قاله الزركشى وهذه فى الحقيقة لا تستثنى، لأن الآخذ لا يملك المأخوذ حتى يملكه لغيره، وانما هو مباح للغانم غير مملوك.

ومنها الثمار قبل بدو الصلاح تجوز هبتها من غير شرط القطع بخلاف البيع وكذا الزرع الأخضر قبل اشتداد الحب.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: انه ان تعذر علم المجهول كزيت اختلط بزيت أو شيرج صحت هبته كصلح عنه للحاجة.

وجاء فى الشرح الكبير

(3)

لا تصح هبة المجهول كالحمل فى البطن واللبن فى الضرع، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعى رحمهما الله تعالى وأبو ثور، لأنه مجهول معجوز عن تسليمه.

وفى الصوف على الظهر وجهان بناء على صحة بيعه، ومتى اذن له فى جز الصوف وحلب الشاة كان اباحة، ولا تصح هبة المعدوم كالذى تثمر شجرته

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للأمام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 2 ص 370، ص 371 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.

(2)

كشاف القناع عن متن اقناع وبهامشه منته الارادات ج 2 ص 479 الطبعة السابقة

(3)

الشرح الكبير على المغنى لابن قدامه المقدسى ج 6 ص 263، ص 264 الطبعة السابقة

ص: 51

أو تحمل أمته، لأن الهبة عقد تمليك فى الحياة فلم تصح فى هذا كله كالبيع.

ثم قال: قد ذكرنا أن هبة المجهول لا تصح، نص عليه أحمد فى رواية أبى داود وحرب، وبه قال الشافعى.

قال شيخنا ويحتمل أن الجهل اذا كان من الواهب منع الصحة، لأنه غرر فى حقه، وان كان من الموهوب له لم يمنعها، لأنه لا غرر فى حقه فلم يعتبر فى حقه العلم بما يوهب له كالوصية.

وقال مالك تصح هبة المجهول، لأنه تبرع فصح فى المجهول كالنذر والوصية.

ولنا أنه عقد تمليك لا يصح تعليقه بالشروط فلم يصح فى المجهول كالبيع بخلاف النذر والوصية، فأما مالا يقدر على تسليمه فتصح هبته فى أحد الاحتمالين اذا قلنا أن القبض ليس بشرط فى صحة الهبة.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

أن من وهب شيئا غير معين من جملة أو عدد كذلك أو زرعا كذلك أو وزنا كذلك أو كيلا كذلك، فهو باطل، لا يجوز، مثل أن يعطى درهما من هذه الدراهم، أو دابة من هذه الدواب، أو خمسة دنانير من هذه الدنانير، أو رطلا من هذا الدقيق، أو صاعا من هذا الثمر، أو ذراعا من هذا الثوب، وهكذا فى كل شئ، والصدقة بكل هذا والهبة، والاصداق، والبيع، والرهن، والاجارة باطل كل ذلك سواء فيما اختلفت أبعاضه، أو لم تختلف، لا لشريك، ولا لغيره، ولا لغنى، ولا لفقير، لأنه لم يوقع الهبة، ولا الصدقة، ولا الصداق، ولا الرهن، ولا الاجارة على شئ أبانه عن ملكه.

لما روينا من طريق عبد الرازق عن معمر سألت الزهرى عن الرجل يكون شريكا لأبيه، فيقول له أبوه: لك مائة دينار من المال الذى بينى وبينك؟ فقال الزهرى قضى أبو بكر وعمر رضى الله عنهما أنه لا يجوز حتى يحوزه من المال ويعزله.

وباسناده الى معمر عن سماك بن الفضل كتب عمر بن عبد العزيز أنه لا يجوز من النحل الا ما أفرد وعزل.

ثم قال ابن حزم: ومن أعطى شيئا من غير مسألة ففرض عليه قبوله وله أن يهبه بعد ذلك، وبعد أن ساق ابن حزم الدليل النقلى على ذلك قال: ولا يخلو من اعطاء سلطان أو غير سلطان كائنا من كان من بر أو ظالم من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها.

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 152 ص 153، 154 مسألة رقم 1624 ومسألة رقم 1635 الطبعة السابقة.

ص: 52

اما أن يوقن المعطى أن الذى أعطى حرام.

وأما أن يوقن أنه حلال.

وأما أن يشك فلا يدرى أحلال هو أم حرام، ثم ينقسم هذا القسم ثلاثة أقسام.

أما أن يكون أغلب ظنه أنه حرام.

أو يكون أغلب ظنه أنه حلال.

واما أن يكون كلا الأمرين ممكنا على السواء.

فان كان موقنا أنه حرام وظلم وغصب، فان رده فهو فاسق عاص لله تعالى ظالم، لأنه يعين به ظالما على الاثم والعدوان.

ثم لا يخلو من أن يكون يعرف صاحبه الذى أخذ منه بغير حق أو لا يعرفه.

فان كان يعرفه فهنا زاد فسقه وتضاعف ظلمه، لأنه قدر على رد المظلمة الى صاحبها، وعلى ازالتها عن الظالم فلم يفعل، بل أعان الظالم وأيده وأعان على المظلوم.

وان كان لا يعرف صاحبه فكل مال لا يعرفه صاحبه فهو فى مصالح المسلمين، فالقول فى هذا القسم كالقول فى الذى قبله، لأنه قوى الظالم بما لا يحل.

وان كان يوقن أنه حلال فان الذى أعطاه مكتسب بذلك حسنات فهو فى رده عليه ما أعطاه غير ناصح له اذ منعه الحسنات الكثيرة.

وان كان لا يدرى أحلال هو أم حرام فهذه صفة كل ما يتعامل به الناس الا فى اليسير الذى يوقن فيه أنه حلال أو أنه حرام، فلو حرم أخذ هذا لحرمت المعاملات كلها الا فى النادر القليل جدا.

وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقات ومعاملات فاسدة غير مشهورة، فما حرم النبى صلى الله عليه وسلم قط من أجل ذلك أخذ مال يتعامل به الناس، الا أن قوما من أهل الورع اتقوا ما الا غلب عندهم أنه حرام، فما كان من هذا القسم فهو داخل فى باب وجوب النصيحة بأخذه، فان طابت نفسه عليه فحسن، وان اتقاه فليتصدق به فيؤجر على كل حال.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

: أنه يشترط فى الهبة تمييز الشئ الموهوب بما يميزه للبيع فهبة المجهول لا تصح اذا كان

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 436 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357

ص: 53

عينا، كما لا يصح بيعه، فاذا ميز للهبة بمثل ما يميز للبيع صحت.

وأجاز المؤيد بالله الهبة اذا ذكر لها حاصرا، نحو كل ما أملك أو ما ورثت من فلان.

وحمله القاضى زيد وأبو مضر على معرفة الجنس.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى العروة الوثقى

(1)

: أنه اذا تغيرت العين فى حالة شك معه صدق القيام بعينه وعدمه، فالظاهر عدم جواز الرجوع، لأنه معلق على عنوان القيام بعينه، والمفروض الشك فى صدقه، ولا مجرى، لاستصحاب بقاء الجواز، لأنه لا يثبت أن هذا الموجود ويجوز الرجوع فيه فتأمل.

هذا اذا لم يعلم بقاء الموضوع فى الاستصحاب وشك فيه فان المستصحب حينئذ بقاء الجواز الثابت سابقا ولا يثبت.

وأما اذا علم بقاء الموضوع عرفا فلا مانع من استصحاب بقاء جواز الرجوع الثابت فيه فلا يكون من الأصل المثبت.

واذا علم بالتغير

(2)

والرجوع وشك فى السابق واللاحق فمع الجهل بتاريخهما أو العلم بتاريخ التغيير قدم قول المتهب.

وان علم تاريخ الرجوع قدم قول الواهب.

واذا علم الرجوع وموت المتهب وشك فى السابق واللاحق قدم قول وارث المتهب مع الجهل بتاريخهما أو العلم بتاريخ الموت وقول الواهب ووارثه مع العلم بتاريخ الرجوع.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(3)

: انه لا تصح الهبة فى مال شركة ذى شياع يتوصل فيه الى تحقيق سهامه وأهله أى، ولا فى ذى شياع جهلت فيه الانصباء، اذ قد تجوز فيه هبة الغلة.

ولا تصح هبة ما فى ذمة وما فيها من دين أو قرض أو غيرهما عند من اشترط القبول والقبض، لعدم القبض.

(1)

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى وعليها تعليقات لأشهر مراجع العصر وزعماء الشيعة الإمامية ج 5 ص 176 ص 177 طبع مطبعة دار الكتب الاسلامية للشيخ محمد الأخواندى بطهران الطبعة الثانية سنة 1388 هـ.

(2)

المرجع السابق للطباطبائى اليزدى ج 2 ص 183 مسألة رقم 17 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 6، ص 7 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ

ص: 54

وتصح عند من لم يشترطها وعند من اشترط القبول فقط.

وذكر أبو زكريا فى الأحكام ما يدل على أنه يصح هبة ما فى الذمة.

وتصح هبة لشريك فى مشترك مثل أن يشترك اثنان فى أصل أو عرض فيهب أحدهما سهمه للآخر ان لم يشترك ثالث معهما فصاعدا، والا لم تصح لبقاء شريك آخر أو شركاء لم تتميز سهامهم لشياعها، ولو تميزت بالتسمية فلا قبض حينئذ.

ولا تصح هبة مجهول

(1)

ولا المجهول وجوزت فى كل ذلك اذا تبينت صفتها أو اسمها ولو كان الشئ مجهولا.

وان وهب شريك حصته

(2)

لشريكه مثل دار لم تقسم فهل المذكور من الهبة أو ذلك الاعطاء قبض، لأن المشترك فى قبضة كل من الشركاء، لأن حصته منه غير متعينة وتجوز، هذا قول الربيع، أعنى أنه يعد ذلك قبضا، ولكنه لا يشترط القبض.

ومن اشترطه فعد ذلك قبضا أجازها أولا يكون ذلك قبضا فلا تجوز حتى تقسم فتتعين الأنصباء وتصلح للقبض، وهو قول ابن عبد العزيز يقول لا تجوز الهبة حتى تكون معلومة مقسومة مقبوضة هذان قولان أيضا، والمختار الجواز فيهما أى فى مسألة هبة الحصة للشريك.

ومسألة هبة ما لم يقسم لمتعدد والمتعدد ينزل منزلة الواحد، اذ جعل واحدا وان بلا قبض، أو الشركة غير قبض.

‌الاشتباه فى الوقف

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الفتاوى الهندية

(3)

: أن شيخ الاسلام سئل عن وقف مشهور اشتبهت مصارفه وقدر ما يصرف الى مستحقيه قال:

ينظر الى المعه د من حاله فيما سبق من الزمان أن قوامها كيف يعملون فيه والى من يصرفون وكم يعطون، فيبنى على ذلك كذا فى المحيط.

أما الوقوف التى تقادم أمرها، ومات وارثها، ومات الشهود الذين يشهدون عليها، فان كانت لها رسوم فى دواوين القضاة يعمل عليها، فاذا تنازع أهلها فيها أجريت على الرسوم الموجودة فى ديوانهم، وان لم تكن لها رسوم فى دواوين القضاة يعمل عليها، تجعل موقوفة، فمن أثبت فى ذلك حقا قضى له به.

(1)

المرجع السابق لأطفيش ج 6 ص 8 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 12، ص 13 الطبعة السابقة.

(3)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشها فتاوى قاضيخان ج 1 ص 436 الطبعة السابقة.

ص: 55

هذا كله اذا لم تبق ورثة الواقف.

فان بقيت وتنازع قوم يرجع الى ورثة الواقف فى الوجهين جميعا، فاذا أقروا بشئ يؤخذ باقرارهم، فان تعذر يرجع الى الرسوم، فان تعذر تجعل موقوفة الى قيام الدليل، كذا فى المضمرات، فان اصطلحوا وأرادوا أخذ ذلك كان للقاضى فى الاستحسان أن يقسم ذلك بينهم.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة

(1)

: ان مالكا رحمه الله تعالى قال: من حبس حبسا على ولد له صغار فمات وعليه دين لا يدرى الدين كان قبل أم بعد الحبس، وقام الغرماء، فعلى الولد اقامة البينة أن الحبس كان قبل الدين، والا بطل الحبس.

ومن تصدق بدار له

(2)

على رجل وولده ما عاشوا ولم يذكر لها مرجعا الا صدقة هكذا، لا شرط فيها فهلك الرجل وولده، فانها ترجع حبسا على فقراء أقارب الذى حبس ولا توارث.

قال عياض: ان قال مالك هو حبس أو وقف هو صدقة، فان عينها لمجهولين محصورين مما يتوقع انقطاعه كقوله على ولد فلان أو فلان وولده، فاختلف فيه.

قال مالك وقاله فى الكتاب هى حبس مؤبد يرجع بعد انقراضهم مرجع الأحباس، سواء قال ما عاشوا أولا.

قال وان جعلها لمجهولين غير محصورين كالمساكين، فهى ملك لهم تقسم عليهم ان كانت مما ينقسم، أو بيعت وقسمت وانقضت فيما يحتاج اليه ذلك الوجه المجهول، وتعيين المجهول ليس هنا باجتهاد الناظر فى موضع الحكم ووقته ولا يلزم عمومهم اذ لا يقدر عليه.

وسئل ابن علاق عن حبس

(3)

على طلاب العلم للغرباء أنه ان لم يوجد غرباء دفع لغير الغرباء.

قال: ويشهد لهذا فتيا سحنون فى فضل الزيت على المسجد أنه يؤخذ منه فى مسجد آخر.

وفتيا ابن فرحون فى حبس على حصن تغلب عليه يدفع فى حصن آخر.

قال وما كان لله تعالى واستغنى عنه فجائز أن يستعمل فى غير ذلك الوجه ما هو لله تعالى.

(1)

مواهب الجليل على شرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 25 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق على مختصر خليل ج 6 ص 27 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل للمواق هامش مواهب الجليل على مختصر خليل المعروف بالحطاب ج 6 ص 32 الطبعة السابقة.

ص: 56

ومنها فتيا ابن رشد فى فضل غلات مسجد زائدة على حاجته أن يبنى بها مسجد تهدم.

وقال عياض ان جعل حبسه على وجه معين غير محصور كقوله حبس فى السبيل أوفى وقيد مسجد كذا أو اصلاح قنطرة كذا فحكمه حكم الحبس المبهم يوقف على التأبيد، ولا يرجع ملكا.

فان تعذر ذلك الوجه بجلاء البلد أو فساد موضع القنطرة حتى يعلم أنه لا يمكن أن تبنى وقف ان طمع بعوده الى حاله أو صرف فى مثله.

قال عياض ان قال مكان هو حبس أو وقف هى صدقة.

فان عينها لشخص معين فهى ملك له.

وان قال دارى حبس على فلان وعين شخصا، فاختلف فيه قول مالك هل يكون مؤبدا لا يرجع ملكا، فان مات فلان رجعت حبسا لأقرب الناس بالمحبس على سنة مراجع الأحباس، فان لم يكن له قرابة رجعت للفقراء والمساكين.

والقول الآخر أنها ترجع بعد موت المحبس عليه ملكا للمحبس، أو ورثته ان مات كالعمرى.

قال عياض: ان قال: صدقة وجعلها لمجهولين غير محصورين كالمساكين، فهى ملك لهم، ويجتهد الناظر اذ لا يقدر على تعميمهم.

وقال عياض أيضا اما لفظة الحبس المبهم كقوله دارى حبس فلا خلاف أنها وقف مؤبد، ولا ترجع ملكا، وتصرف عند مالك فى الفقراء والمساكين.

وان كان فى الموضع عرف للوجوه التى التى توضع فيها الاحباس وتجعل لها حملت عليه.

وقال ابن رشد لا خلاف فى أن من حبس أو وهب أو تصدق أنه لا رجوع له فى ذلك ويقضى عليه بذلك أن كان لمعين اتفاقا ولغير معين باختلاف، وهذا مذهب المدونة

(1)

.

ومن حبس على من لا يحاط به أو على قوم وأعقابهم.

أو على كولده ولم يعينهم فضل المتولى أهل الحاجة والعيال فى غلة وسكنى أما مسئلة القسم على من يحاط به أو على قوم وأعقابهم.

فقال ابن عرفة قسم ما على غير منحصر بالاجتهاد اتفاقا.

وروى ابن عبدوس من حبس على قوم وأعقابهم فهذا كالصدقة يوصى وان تفرق على المساكين لمن وليها، أو يفضل أهل الحاجة والمسكنة والمؤنة والعيال وللزمانة وكذا غلة الحبس.

وقال ابن رشد المشهور ان قسم

(1)

التاج والاكليل للمواق على هامش مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 6 ص 47، ص 48 الطبعة السابقة.

ص: 57

الحبس لمعقب بين آحادهم بقدر حاجتهم، وما على معينين هم فيه بالسواء.

وأما القسم على نحو ولده ولم يعينهم فقال ابن رشد: معلوم قول ابن القاسم وروايته فى المدونة أن الآباء يؤثرون على الأبناء ولا يكون للابناء معهم فى السكنى الا ما فضل عنهم، وسواء على قوليهما قال حبس على ولدى ولم يزد فدخل معهم فى السكنى الأبناء بالمعنى أو قال على ولده وولد ولده فدخلوا معهم بالنص.

وقال مالك

(1)

: من حبس دارا على ولده فسكنها بعضهم ولم يجد بعضهم فيها مسكنا فقال الذى لم يجد:

أعطونى من الكراء بحساب حقى، فلا كراء له، ولا أرى أن يخرج أحد لأحد، ولكن من مات أو غاب غيبة يريد المقام بالوضع الذى انتقل اليه استحق الحاضر مكانه.

وأما ان أراد السفر الى موضع ثم يرجع فهو على حقه.

قال فى كتاب محمد وله أن يكرى منزله الى أن يرجع.

وسمع عيسى من حبس على قوم وهم متكافئون فى الغنى والفقر اجتهد فى ذلك، ليسكن فيها من رأى أو يكريها فيقسم كراءها عليهم، ومن سبق وسكن فهو أولى، ولا يخرج منها.

قال ابن رشد معناه فى غير المعين كتحبيسه على أولاده أو أولاد فلان.

وان كان على معينين مسميين لم يستحق السكنى من سبق اليه، وهم فيه بالسوية حاضرهم وغائبهم قاله ابن القاسم.

قال محمد: وغنيهم وفقيرهم سواء الا بشرط.

روى ابن القاسم من حبس على ولده أو غيرهم حائطا وسمى لبعضهم ما يعطى كل عام من الكيل، ولم يسم للآخرين فيبدأ بالذى سمى له، الا أن يعمل فى ذلك عامل فيكون أولى بحقه قال ابن القاسم وكذا فى غلة الدور.

وقال ابن المواز

(2)

فى الشامل ومن وقف على قوم وأعقابهم أو من لا يحاط بهم، فضل الناظر ذا حاجة وعيال فى غلة وسكنى على المشهور باجتهاده.

فان استووا فقرا وغنى أوثر الأقرب فالأقرب، ودفع الفضل لمن يليه، فأما على ولده وولد ولده، أو مواليه ولم يعينهم فكذلك.

(1)

التاج والاكليل للمواق هامش مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 6 ص 49 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل للمواق هامش مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 6 ص 48 الطبعة السابقة.

ص: 58

وقيل: الغنى والفقير سواء، فان عينهم سوى بينهم، فان كان للغنى ولد فقير أعطى بقدر حاجته.

وقال فى النوادر ومن المجموعة من حبس على قوم وأعقابهم أن ذلك كالصدقة، ولا يعطى الغنى منها شيئا، ويعطى المسدد بقدر حاله، فان كان للاغنياء أولاد كبار فقراء وقد بلغوا أعطوا بقدر حاجتهم.

قال الباجى يريد بالمسدد الذى له كفاية وربما ضاق حاله لكثرة عياله.

وفهم من قوله ولم يعينهم أنه لو عينهم أنه يسوى بينهم وهو كذلك.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(1)

: أن الواقف ان قال وقفت على أولادى دخل فيه الذكر والأنثى والخنثى، لأن الجميع أولاده، ولا يدخل فيه ولد الولد، لأن ولده حقيقة ولده من صلبه.

فان كان له حمل لم يدخل فيه حتى ينفصل.

فاذا انفصل استحق ما يحدث من الغلة بعد الانفصال دون ما كان حدث قبل الانفصال، لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولدا.

وان وقف على ولده وله ولد فنفاه باللعان لم يدخل فيه.

وقال أبو اسحق يدخل فيه، لأن اللعان يسقط النسب فى حق الزوج، ولا يتعلق به حكم سواه، ولهذا تنقضى به العدة.

والمذهب الأول، لأن الوقف على ولده باللعان قد بان أنه ليس بولده، فلم يدخل فيه.

وان وقف على أولاد أولاده دخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات، لأن الجميع أولاد أولاده فان قال على نسلى أو عقبى أو ذريتى دخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات قربوا أو بعدوا لأن الجميع من نسله وعقبه وذريته، ولهذا قال الله تعالى «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 2، وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى 3. وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحِينَ، وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكلاًّ فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمِينَ}

(4)

» فجعل هؤلاء كلهم من ذريته على البعد وجعل عيسى من ذريته وهو ينسب اليه بالأم.

فان وقف على عترته فقد قال ابن الأعرابى وثعلب هم ذريته.

وقال القتيبى: هم عشيرته.

(1)

من كتاب المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 444 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1276 هـ مطبعة دار احياء الكتب العربية.

(2)

الآية رقم 84 من سورة الانعام.

(3)

الآية رقم 85 من سورة الانعام.

(4)

الآية رقم 86 من سورة الانعام.

ص: 59

وان وقف على من ينسب اليه لم يدخل فيه أولاد البنات، لأنهم لا ينسبون اليه.

قال الشاعر: بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأجانب.

وان وقف على البنين لم يدخل فيه الخنثى المشكل لأنا لا نعلم أنه من البنين فان وقف على البنات لم يدخل فيه، لأنا لا نعلم أنه من البنات.

فان وقف على البنين والبنات ففيه وجهان أحدهما أنه لا يدخل فيه لأنه ليس من البنين ولا من البنات.

والثانى أنه يدخل، لأنه لا يخلو من أن يكون ابنا أو بنتا وان أشكل علينا فان وقف على بنى زيد لم يدخل فيه بناته.

فان وقف على بنى تميم وقلنا ان الوقف صحيح ففيه وجهان.

أحدهما لا يدخل البنات، لأن البنين اسم للذكور حقيقة.

والثانى يدخلن فيه، لأنه اذا أطلق اسم القبيلة دخل فيه كل من ينسب اليها من الرجال والنساء.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى قواعد ابن رجب

(1)

: انه لو وجد فى كتاب وقف أن رجلا وقف على فلان وبنى بنيه واشتبه هل المراد بنى بنيه (جمع ابن) أو بنى بنيه (واحدة البنات) قال ابن عقيل فى فنونه: يكون بينهما عندنا، لتساويهما، كما فى تعارض البينات.

قال الشيخ تقى الدين: ليس هذا من تعارض البينتين، بل هو بمنزلة تردد البينة الواحدة، ولو كان من تعارض البينتين فالقسمة عند التعارض رواية مرجوحة والا فالصحيح اما التساقط واما القرعة، فيحتمل أن يقرع هاهنا، لأن الحق ثبت لاحدى الجهتين، ولم يعلم عينها، ويحتمل أن يرجح بنو البنين، لأن العادة أن الانسان اذا وقف على ولد بنيه لا يخص منهما الذكور بل يعم أولادهما، بخلاف الوقف على ولد الذكور، بل يعم أولادهما، بخلاف الوقف على ولد الذكور، فانه يخص ذكورهم كثيرا كآبائهم، ولأنه لو أراد ولد البنت لسماها أو لشرك بين ولدها وولد سائر بناته، قال: وهذا أقرب الى الصواب.

وأفتى رحمه الله فيمن وقف على أحد أولاده وله عدة أولاد جهل اسمه أنا يميز بالقرعة.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(2)

: أن الواقف اذ

(1)

القواعد للحافظ أبى الفرج عبد الرحمن ابن رجب الحنبلى فى الفقه الاسلامى ج 1 ص 237 طبع مطبعة الصدق الخيرية بمصر مكتبة الخانجى الطبعة الأولى سنة 1352 هـ، سنة 1933 م.

(2)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرا فى فقه الأئمة الأطهار ج 3 ص 461، ص 62 الطبعة السابقة.

ص: 60

عين العين الموقوفة ثم التبس ما قد عين فى النية بغيره بلا تفريط صار للمصالح وبه قيمة أحدهما فقط.

فلو وقف واحدا من شيئين وعينه فى نفسه، ثم التبس ما قد عين فانه ينظر، هل وقع منه تفريط فى ترك التعيين حتى التبس أم لا، فان لم يقع منه تفريط بطل الوقف، وصار الشيئان جميعا للمصالح.

وان فرط حتى التبس عليه أو مات ولم يعرف الورثة ولا توجد شهادة بطل الوقف أيضا، وصار ملكا له أولهم، ولزمه للمصالح قيمة الأقل منهما.

ولمتولى الوقف تأجيره مدة معلومة لكن لا يكون الا دون ثلاث سنين لأن خلاف ذلك يؤدى الى اشتباه الوقف بالملك.

قال

(1)

الهادى عليه السلام: تجوز اجارة الوقف مدة قريبة نحو سنة أو سنتين دون المدة الطويلة، فان ذلك مكروه كراهة حظر تمنع الصحة مع حصول اللبس.

واذا حدث الاختلاط

(2)

فالتبست أملاك الأعداد وأوقافها لا بخالط نحو أن يختلط ملكان أو وقفان لشخصين أو لمسجدين أو زكاة وغلة لمسجد أو نحو ذلك، حتى لا يتميز ما لكل واحد منهما، ولم يكن ذلك بخلط خالط، بل برياح أو من لا تضمن جنايته من حيوان أو غيره، فاذا كان الخلط على هذه الصفة قسمت تلك الأملاك على الرءوس، سواء كانت مثلية أو قيمية على ما تقتضيه القسمة، ويبين مدعى الزيادة والفضل.

فمن ادعى أن نصيبه أكثر، أو أفضل كانت عليه البينة، الا اذا كان الخلط ملكا بوقف بطل الوقف، وصارا جميعا ملكا للمصالح رقبتهما.

قيل: أو كان المختلط وقفين أحدهما لآدمى، والآخر لله تعالى، فان غلتهما تكون للمصالح، ولا يبطل الوقف، فيصيران للمصالح، وهما الملك والوقف والوقفان رقبة الأول وهو الملك والوقف، وغلة الثانى وهما الوقفان هكذا.

وقال على وغيره بل الأولى أن تقسم الغلة كالملكية، ولا يقاس على اختلاط الملك بالوقف، لأن الوقف لا يصح التراضى على مصيره، ملكا، لأنه لا يباع فلهذا صارا جميعا للمصالح هناك، وأما هنا فان الغلة تباع فيصح التراضى فيها فالأولى القسمة، ولا تصير للمصالح كالملكية.

قال مولانا المهدى عليه السلام: هذا هو القوى.

وأما اذا كان اختلاط الأملاك والأوقاف بخالط فلا يخلو اما أن يكون متعديا

(1)

المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 497 وهامشه الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 350، 351، 352، ص 353 الطبعة السابقة.

ص: 61

بذلك أولا، والتعدى أن يفعله من غير أمرهم ان كان لا باذن بل متعد، فالمخلوط اما أن يكون من ذوات القيم أو من ذوات الأمثال.

فان كان من ذوات القيم ملك القيمى بلا خلاف.

وان كان من ذوات الأمثال، فاما أن يتفق جنسه ونوعه وصفته أو يختلف.

فان اختلف وتعذر التمييز ملكه، نحو أن يخلط السليط بالسمن أو رطلا من المسمن يساوى درهما برطل منه يساوى درهمين، اذ لا فرق عندنا بين الاختلاف فى الجنس، أو فى الصفة، أو فى النوع فى انه يكون استهلاكا، والمتعدى بالخلط اذا ملكه لزمته الغرامة لأربابه، مثل المثلى وقيمة المتقوم، ويلزمه التصدق بما خشى فساده قبل المراضاة، ولا يجوز له فيه التصرف قبلها، ذكر ذلك الكنى.

وقال القاضى زيد: انه يجوز له فيه كل تصرف قبل المراضاة.

واذا كان المخلوط مثليا متفقا فى الجنس والصفة والنوع لم يملكه الخالط، لكن اذا تلف قبل أن يقسمه ضمن الخالط ذلك المثلى المتفق، وقسمه على الرءوس، ويبين مدعى الزيادة والفضل.

ولمتولى الوقف

(1)

تأجيره مدة معلومة لكن لا يكون الا دون ثلاث سنين، لأن خلاف ذلك يؤدى الى اشتباه الوقف بالملك.

ولمتولى الوقف أن يعمل بالظن فيما التبس مصرفه.

قال على: الواجب أن يعمل بعلمه فان لم يحصل له علم نظر فى الثقات المتصرفين قبله، فان كان عملهم عن علم وجب الرجوع اليهم، وان كان علمهم عن ظن فتقديم ظنه أولى، وان لم يحصل له ظن ولا من يرجع اليه فعلى أحد قولى المؤيد بالله والهادوية بقسم بين المصارف كالذى التبس بين قوم محصورين.

وعلى أحد قوليه يكون الجميع لبيت المال.

وان كان اللبس بين مصارف منحصرات قسمت الغلة بينهن بالسوية.

وان كانت غير منحصرات بل وقع اللبس مطلقا، فان الغلة تكون لبيت المال، وكذلك الرقبة اذا لم يعلم كونها وقفا، وان عرف أنها وقف بقيت وقف.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى العروة الوثقى

(2)

: أنه اذا

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 3 ص 498 الطبعة السابقة.

(2)

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 2 ص 226، ص 227 مسألة رقم 38 الطبعة السابقة.

ص: 62

اشتبه الموقوف عليه بين شخصين أو عنوانين فالمرجع القرعة أو الصلح القهرى.

واذا شك فى وقف أنه ترتيب أو تشريك فان كان هناك اطلاق وشك فى تقييده وعدمه حكم بالتشريك، لاصالة عدم التقييد وان لم يعلم كيفية اجراء الصيغة فقد يقال بالتشريك أيضا لكنه مشكل، بل مقتضى القاعدة أن يدفع الى أهل المرتبة المتقدمة المقدار الذى يكون لهم على فرض التشريك، لأنه المتيقن على التقديرين والبقية المردودة بين أن يكون لهم أيضا أو للمرتبة المتأخرة تقسم بين الجميع بمقتضى الصلح القهرى.

واذا كان

(1)

وقف لم يعلم مصرفه من جهة الجهل به أو نسيانا من الأول أو فى الاثناء لم يحكم ببطلانه بلا أشكال، وحينئذ فبعد اليأس عن ظاهر الحال ان كان الترديد مع انحصار الأطراف يوزع عليهم، أو يقرع بينهم، وان كان مع عدم الانحصار فان كان الترديد بين الجماعات غير المحصورين، كأن لم يعلم أنه وقف على الفقراء أو الفقهاء أو على أولاد زيد أو أولاد عمرو.

وهكذا جرى عليه حكم المال المجهول مالكه من التصدق ونحوه.

ففى خبر أبى على بن راشد اشتريت أرضا الى جنب ضيعتى بألفى درهم، فلما دفعت المال خبرت ان الأرض وقف فقال: لا يجوز شراء الوقف، ولا تدخل الغلة فى ملكك، ادفعها الى من أوقفت عليه، قلت: لا أعرف لها ربا، قال: تصدق بغلتها.

وان كان بين الجهات غير المحصورة، كأن لم يعلم أنه وقف على المسجد، أو القنطرة، أو نحو ذلك من الجهات صرف فى وجوه البر غير الخارج عن أطراف الترديد.

وأما اذا علم المصرف، لكن تعذر صرفه فيه لانقراضه، ففى مثل الوقف على الجماعات.

وأما فى الوقف على الجهات مثل المسجد والقنطرة ونحوهما، فمقتضى القاعدة بطلان الوقف ورجوعه الى الواقف أو ورثته، كما فى خروج العين الموقوفة عن الانتفاع بها أو عدم امكان الصرف عليه، لكن المشهور بقاء الوقف على حاله، وصرف منافعه فى وجوه البر، حيث قالوا: لو وقف على مصلحة فبطل رسمها يصرف فى وجوه البر، بل قيل:

لا خلاف فيه، الا من المحكى فى النافع، حيث أنه نسبه الى قول مشعر بتردده فيه.

نعم عن المسالك التفصيل بين ما اذا كانت المصلحة الموقوفة عليها مما يتعرض

(1)

المرجع السابق للطباطبايى اليزدى ج 2 ص 248، ص 249 مساله رقم 29 الطبعة السابقة.

ص: 63

غالبا، كالوقف على مصلحة مثل شجرة التين والعنب فيجرى عليه حكم منقطع الآخر من العود الى الواقف، أو وارثه، وبين ما اذا كان مما يدوم غالبا كالوقف على مصلحة عين ماء مخصوص مما تقضى العادة بدوامه فاتفق غوره، أو قنطرة على نهر كذلك، فالمتجه ما ذكره المشهور وبين ما يكون مشتبه الحال كالوقف على مسجد فى قرية صغيرة، ففى حمله على أى الجهتين نظر، من أصالة البقاء، ومن الشك فى حصول شرط الانتقال عن مالكه مطلقا وعدمه، فيؤخذ بالقدر المتيقن من الخروج عن ملكه، ثم استقرب الأخذ بالأقرب الى تلك المصلحة.

واستدل للمشهور بأن الملك قد خرج عن ملك الواقف فعوده يحتاج الى دليل وليس، فالأصل بقاؤه على الوقفية وحيث لا يمكن صرفه على ذلك المعين فيصرف فى وجوه البر.

واذا علم

(1)

أنه وقف داره على أولاده، ولم يعلم أنه على الذكور فقط، أو على الأعم منهم، ومن الاناث، أو علم أنه أعم، ولكن لم يعلم أنه تشريك، أو ترتيب، فان كان هناك اطلاق، كأن علم أنه قال: على أولادى، ولم يعلم أنه قيدهم بالذكور أولا، أو لم يعلم أنه قيد الاناث بصورة عدم الذكور أولا، فمقتضى الأصل والاطلاق عدم التخصص بالذكور، أو عدم التقييد بالترتيب فيحكم بالتسوية بينهما.

وكذا الحال ان شك فى تفضيل الذكور على الاناث وعدمه، فيقال:

الأصل عدم التفضيل.

وأما ان لم يعلم كيفية الوقف، ولم يكن الاطلاق معلوما، حتى يقال:

الأصل عدم التقييد، فيرجع الأمر الى أن وقفه على الذكور معلوم، وعلى الاناث غير معلوم، لكن القدر المتيقن للذكور هو النصف مثلا، فيبقى النصف الآخر مرددا بين كونه لهم أيضا أو هو للاناث، فيحتمل أن يكون المرجع القرعة، لكن الأولى الصلح القهرى، فيكون للاناث من منافع الوقف الربع، وللذكور ثلاثة أرباع، نظير ما اذا تردد الوقف بين كونه على زيد فقط، أو عليه وعلى عمرو، حيث يقال: أن كون النصف لزيد متيقن، والنصف الآخر مردد بينه وبين عمرو فيحكم بالقرعة أو الصلح القهرى «ودعوى» أن كونه وقفا على الذكور معلوم، وعلى الاناث مشكوك مدفوع بالأصل «مدفوعة» بأنه لا يثبت بذلك كون تمامه لزيد، اذ الأصل عدم الوقف على زيد أيضا بالنسبة الى الزائد على النصف.

وبعبارة أخرى اصالة عدم شركة الاناث معارضة بأصالة عدم الاختصاص

(1)

العروة الوثقى للسيد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 2 ص 270، ص 272 مسألة رقم 65 ومسألة رقم 66 الطبعة السابقة.

ص: 64

بالذكور، اذ الشك يرجع الى كيفية صدور العقد، نعم لو كان الموقوف عليه من المصرف للوقف أن لا يكون المراد منهم العموم، ولم يعلم أن المصرف هو الفقراء فقط أو الأعم منهم ومن الفقهاء، بحيث لو علم كونه أعم جاز الاقتصار على أحدهما، يمكن أن يقال:

مقتضى أصالة عدم الوقف على الفقهاء كونه بتمامه للفقراء، وهذا الكلام فى الشك بين الترتيب والتشريك اذا لم يكن اطلاق مثلا اذا علم أنه وقف على أولاده الذكور والاناث، ولكن لم يعلم أن الاناث فى عرض الذكور أو بعد فقدهم، فانه مع عدم تحقق الاطلاق، يقال:

كون نصفه مثلا للذكور معلوم، وانما الشك فى النصف الآخر فيحكم بالشركة فيه من باب الصلح القهرى.

ومما ذكرنا ظهر أنه لا وجه لاطلاق ما ذكره المحقق القمى فى أجوبة مسائله من التشريك مطلقا، حيث أنه فى جواب سؤال، حاصله: أنه اذا وقف على أولاده، ولم يعلم أنه على الذكور أو على الاناث لا بعنوان الاطلاق، ولا بعنوان التقييد، ولم تكن الكيفية معلومة كيف تقسم؟ قال: انه يقسم على الجميع بالتسوية، ثم قال: وهذا من مهمات المسائل، واضطرب فيه العلماء، وأنا عثرت على حكمه، وكلهم رجعوا الى قولى، فاحفظ ذلك، فانه الحكم فى كل مورد كان الموقوف عليه مشتبها بين جماعة، والتحقيق ما ذكرنا، نعم لو تردد بين كونه وقفا على الذكور فقط، أو على الاناث فقط، كان الحكم ما ذكرناه ان لم نقل بالقرعة.

وفى الأوقاف العامة وعلى الجهات اذا شك فى اعتبار قيد أو خصوصية فى الموقوف عليه هو فاقد لهما لم يجز له التصرف الا بعد احراز أنه من أهله، وان كان الوقف ينطبق عليه.

فاذا شك فى أن المدرسة وقف على مطلق المشتغلين، أو على خصوص طالبى الفقه، أو على خصوص الفقراء من المشتغلين، أو على العدول منهم، أو على من لا مسكن له أو نحو ذلك لم يجز له السكنى فيها الا بعد العلم بعدم الشرط، أو بكونه واجدا له، ولا مجرى لأصالة عدم الاشتراط اذا لم يكن اطلاق يمكن التمسك به فى نفى التقييد.

وكذا اذا كان هناك كتب موقوفة على المشتغلين، واحتمل اعتبار قيد لا ينطبق الوقف معه عليه وهكذا.

واذا ترددت العين

(1)

الموقوفة بين شيئين، أو ثلاثة، كأن لم يعلم أنه وقف داره أو دكانه بعد العلم بوقوع عقد صحيح جامع للشرائط على أحدهما، فالمرجع القرعة أو الصلح القهرى بنصف كل منهما.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 268 مسألة رقم 6 الطبعة السابقة.

ص: 65

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أن من احتضر، وقال: اجعلوا كذا من مالى فى سبيل الله تعالى ولم يبين وجه السبيل وتشاكل عليه الحال، فان كان سلاحا أو فرسا أو مما يناسب الجهاد كالدرع، فقد استحسن ابن عبد العزيز تقوى المجاهدين أو المرابطين به فى رباطهم، وهو ملازمة الثغر للعدو ودون ذلك أن يجعل طعاما أو لباسا لهم فى حال الخروج، أو الاستعداد أو الرباط وما ينفعهم، ودون هذا أن ينفق فى وجه الأجر مطلقا، كالنفقة على طلبة العلم كل ذلك جائز.

وان كان عينا أو نعما أو أصلا أو نحو ذلك من العروض مما ليس يناسب الجهاد بذاته ففى سبيل الله تعالى وهو الجهاد والرباط أو فى حج أو عمرة أو عتق يشترى به عبد فيعتق، أو يكاتب به عبد، أو صلة لرحم الموصى، أو للمساكين، أو طلبة العلم، أو نحوها، مثل أن يشترى ما يكون صدقة جارية أو يعان به فيه كحفر بئر فى طريق المؤمنين، حيث لا ماء، ففى أى وجه من وجوه العبادة جعل أجزأ.

واذا أوصى لسفن المسلمين فاذا عنى الجهاد جعل فيها اذا خرجوا للجهاد.

وضابط ذلك أن يجعل فيما يناسب الشئ كالفرس والسلاح للجهاد، وان لم يناسب ففى الجهاد أو وجوه الأجر، والا فرق على فقرائهم، وان لم يكن العدل وقف حتى يكون العدل وجعل فيها.

وجازت الوصية للشراة فان لم يكونوا انتظر وجودهم ويدفعها للامام، ويعلمه أنها لهم.

وقيل: ان لم يحد فيها حدا ولم يوجد فيهم أحدا أعطيت فقراء المسلمين لأنهم من الشراة.

‌الاشتباه فى الوصيّة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: أنه يشترط فى الموصى له أن لا يكون مجهولا جهالة لا يمكن ازالتها، فان كان، لم تجز الوصية له، لأن الجهالة التى لا يمكن استدراكها تمنع من تسليم الموصى به الى الموصى له، فلا تفيد الوصية.

وعلى هذا يخرج ما اذا أوصى بثلث ماله لرجل من الناس أنه لا يصح بلا خلاف، ولو أوصى لأحد هذين الرجلين صح عند صاحبى أبى حنيفة رضى الله تعالى عنهم.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 286، ص 287 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 340 الطبعة السابقة.

ص: 66

غير أن أبا يوسف رحمه الله تعالى يرى أن الوصية تكون بينهما نصفين.

أما محمد رحمه الله تعالى فيرى أن الخيار الى الوارث يعطى أيهما شاء، وذلك لأن الايجاب وقع صحيحا، لأن أحدهما وان كان مجهولا ولكن هذه جهالة تمكن ازالتها، الا ترى أن الموصى لو عين أحدهما حال حياته لتعين.

ثم ان محمدا يقول: أن الموصى لما مات عجز عن التعيين بنفسه فيقوم وارثه مقامه فى التعيين.

أما أبو يوسف فيقول: أنه لما مات الموصى قبل التعيين شاعت الوصية لهما وليس أحدهما بأولى من الآخر، كمن أعتق أحد عبديه، ثم مات قبل البيان، فان العتق يشيع فيهما جميعا، فيعتق من كل واحد منهما نصفه، كذا ها هنا، يكون لكل واحد منهما نصف الوصية.

أما أبو حنيفة

(1)

رحمه الله تعالى فان ذلك لا يصح عنده لأن الوصية تمليك عند الموت فاستدعى كون الموصى له معلوما عند الموت، بينما الموصى له هنا عند الموت مجهول، فلم تصح الوصية من الأصل، لما لو أوصى لواحد من الناس فلا يمكن القول بالشيوع، ولا يقام الوارث مقام الموصى فى البيان، لأن ذلك حكم الايجاب الصحيح، ولم يصح، الا أن الموصى لو بين الوصية فى أحدهما حال حياته صحت، لأن البيان انشاء الوصية لأحدهما، فكان وصية مستأنفة لأحدهما عينا، وأنها صحيحة.

ولو كان له عبدان فأوصى بأرفعهما لرجل وبأخسهما لآخر ثم مات الموصى ثم مات أحد العبدين، ولا يدرى أيهما هو فالوصية بطلت فى قول أبى حنيفة وزفر رحمهما الله تعالى، سواء اجتمعا على أخذ الباقى، أو لم يجتمعا.

وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى:

ان اجتمعا على أخذ الباقى فهو بينهما نصفان، وان لم يجتمعا على أخذه فلا شئ لهما.

وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه بينهما نصفان سواء اجتمعا أو لم يجتمعا.

وعلى هذا يخرج الوصية لقوم لا يحصون أنها باطلة اذا لم يكن فى اللفظ ما ينبئ عن الحاجة، وان كان فيه ما ينبئ عن الحاجة فالوصية جائزة، لأنهم اذا كانوا لا يحصون، ولم يذكر فى اللفظ ما يدل على الحاجة وقعت الوصية تمليكا منهم، وهم مجهولون، والتمليك من المجهول جهالة لا يمكن ازالتها لا يصح.

(1)

المرجع السابق للكاسانى ج 7 ص 342 الطبعة السابقة.

ص: 67

ثم اختلف فى تفسير الاحصاء.

قال أبو يوسف: أن كانوا لا يحصون الا بكتاب أو حساب فهم لا يحصون.

وقال محمد: ان كانوا أكثر من مائة فهم لا يحصون.

وان كان فى اللفظ

(1)

ما يدل على الحاجة كان وصيته بالصدقة وهى اخراج المال الى الله سبحانه وتعالى لواحد معلوم، فصحت الوصية.

ثم اذا صحت الوصية فالأفضل أن يعطى الثلث لمن يقرب اليه منهم.

فان جعله فى واحد فما زاد جاز عند أبى حنيفة وأبى يوسف.

وعند محمد لا يجوز الا أن يعطى اثنين منهم فصاعدا.

ولا يجوز أن يعطى واحدا الا نصف الوصية.

وبيان هذه الجملة فى مسائل.

اذا أوصى بثلث ماله للمسلمين لم تصح لأن المسلمين لا يحصون، وليس فى لفظ المسلمين ما ينبئ عن الحاجة فوقعت الوصية تمليكا من مجهول، فلم تصح.

ولو أوصى لفقراء المسلمين أو المساكين صحت الوصية، لأنهم ان كانوا لا يحصون، لكن عندهم اسم الفقير والمسكين ينبئ عن الحاجة، فكانت الوصية لهم تقربا الى الله تبارك وتعالى طلبا لمرضاته لا لمرضاة الفقير.

وروى بشر عن أبى يوسف

(2)

رحمه الله تعالى فى رجل أوصى بثلث ماله لرجل مسمى، وأخبر الموصى أن ثلث ماله ألف، أو قال هو هذا، فاذا ثلث ماله أكثر من ألف فان أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال: ان له الثلث من جميع ماله، والتسمية التى سمى باطلة لا ينقض الوصية خطؤه فى ماله انما غلط فى الحساب، ولا يكون رجوعا فى الوصية وهذا قول أبى يوسف، لأنه لما أوصى بثلث ماله فقد أتى بوصية صحيحة، لأن صحة الوصية لا تقف على بيان مقدار الموصى به، فوقعت الوصية صحيحة بدونه، ثم بين المقدار وغلط فيه، والغلط فى قدر الموصى به لا يقدح فى أصل الوصية، فبقيت الوصية متعلقة بثلث جميع المال، ولأنه يحتمل أن يكون هذا رجوعا عن الزيادة على القدر المذكور، ويحتمل أن يكون غلطا فوقع الشك فى بطلان الوصية، فلا تبطل مع الشك، على الأصل المعه د، أن الثابت بيقين لا يزول بالشك.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 343 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للكاسانى ج 7 ص 381 الطبعة السابقة.

ص: 68

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والأكليل

(1)

: ان من قال فى وصيته ثلث مالى لفلان وللمساكين، أو قال فى السبيل والفقراء واليتامى قسم بينهم بالاجتهاد، لا أثلاثا، ولا أنصافا.

قال ابن الحاجب: ان أوصى بثلثه لزيد والفقراء، أعطى زيدا بالاجتهاد فان مات قبل القسم فلا شئ لورثته ويكون جميع الثلث للمساكين وقال أيضا أن كان فى الوصية مجهول كوقود مصباح على الدوام، أو تفرقة خبز ونحوه ضرب له بالثلث ووقفت حصته.

ونقل عن المدونة

(2)

أنه ان كانت الوصية لقوم مجهولين لا يعرف عددهم لكثرتهم، كقوله على بنى تميم، أو المساكين، فانما يكون ذلك لمن حضر القسمة منهم.

ومن أوصى بعتق

(3)

نسمة تشترى، ولم يسم ثمنا أخرجت بالاجتهاد بقدر قلة المال وكثرته، وكذا ان قال عن ظهار.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(4)

: ان الوارث ان أجاز ما زاد على الثلث ثم قال أجزت لأنى ظننت أن المال قليل، وان ثلثه قليل.

وقد بان أنه كثير، لزمت الأجازة فيما علم، والقول قوله فيما لم يعلم مع يمينه، فاذا حلف لم يلزمه، لأن الاجازة فى أحد القولين هبة، وفى الثانى اسقاط، والجميع لا يصح مع الجهل به.

وان أوصى بعبد فأجازه الوارث، ثم قال أجزت، لأنى ظننت أن المال كثير وقد بان أنه قليل ففيه قولان.

أحدهما أن القول كالمسألة قبلها.

والثانى أنه يلزمه الوصية، لأنه عرف ما أجازه.

ويخالف المسألة قبلها فان هناك لم يعلم ما أجازه.

وان أوصى

(5)

له بثمرة بستانه فان كانت موجودة اعتبرت قيمتها من الثلث، وان لم تخلق، فان كانت على التأبيد ففى التقويم وجهان.

(1)

التاج والاكليل للمواق هامش مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 6 ص 375 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق المعروف بالحطاب ج 6 ص 374 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 376 الطبعة السابقة.

(4)

من كتاب المهذب للفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 450، ص 451 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق للشيرازى ج 1 ص 455 الطبعة السابقة.

ص: 69

أحدهما يقوم جميع البستان.

والثانى يقوم كامل المنفعة، ثم يقوم مسلوب المنفعة، ويعتبر ما بينهما من الثلث، فان احتمله الثلث نفذت الوصية فيما بقى من البستان، وان احتمل بعضها كان للموصى له قدر ما احتمله الثلث، يشاركه فيه الورثة فان كان الذى يحتمله النصف، كان للموصى له من ثمرة كل عام النصف، وللورثة النصف.

وان أوصى بطعام

(1)

معين فخلطه بغيره كان ذلك رجوعا، لأنه جعله على صفة لا يمكن تسليمه.

فان وصى بقفيز من صبرة، ثم خلط الصبرة بمثلها لم يكن ذلك رجوعا، لأن الوصية مختلطة بمثلها، والذى خلطه به مثله فلم يكن رجوعا، فان خلطه بأجود منه كان رجوعا، لأنه أحدث فيه بالخلط زيادة لم يرض بتمليكها.

فان خلطه بما دونه ففيه وجهان.

أحدهما وهو قول أبى على بن أبى هريرة أنه ليس برجوع، لأنه نقص أحدثه فيه فلم يكن رجوعا، كما لو أتلف بعضه.

والثانى أنه رجوع، لأنه يتغير بما دونه كما يتغير بما هو أجود منه.

فان نقله الى بلد أبعد من بلد الموصى له ففيه وجهان.

أحدهما أنه رجوع، لأنه لو لم يرد الرجوع لما أبعده عنه.

والثانى أنه ليس برجوع لأنه باق على صفته.

وجاء فى نهاية المحتاج

(2)

: أنه اذا اجتمع تبرعات متعلقة بالموت، وعجز الثلث عنها، فان تمحض العتق، كأعتقتكم أو أنتم أحرار، أو سالم وغانم وخالد أحرار بعد موتى، أو سالم حر بعد موتى، وغانم كذلك، أو دبر عبدا، أو أوصى باعتاق آخر أقرع، سواء أوقع ذلك معا أم مرتبا، فمن أقرع عتق منه ما يفى بالثلث به لأن مقصود العتق التخلص من الرق، ولا يحصل مع التشقيص أو تمحض غيره قسط الثلث على الجميع باعتبار القيمة، أو المقدار، لعدم المرجح مع اتحاد وقت الاستحقاق.

فلو أوصى لزيد بمائة، ولبكر بخمسين، ولعمرو بخمسين، ولم يرتب، وثلثه

(1)

من كتاب المهذب للشيرازى ج 1 ص 462 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى وبهامشه المغربى ج 6 ص 56، ص 57 طبع شركة مكتبة مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 70

مائة. اعطى الأول خمسين، وكل من الأخيرين خمسة وعشرين.

أو اجتمع هو أى العتق وغيره، كأن أوصى بعتق سالم ولزيد أو الفقراء بمائة، أو عين مثلية أو متقومة قسط الثلث عليهما بالقيمة أو مع المقدار، لاتحاد وقت الاستحقاق، نعم لو تعدد العتق أقرع فيما يخصه، أو دبر قنه وهو بمائة، وأوصى له بمائة وثلث ماله مائة قدم عتقه، ولا شئ له بالوصية.

وفى قول يقدم العتق لقوته.

أما لو اعتبر الموصى وقوعها مرتبة كأعتقوا سالما، ثم غانما، أو فغانما وأعطوا زيدا مائة، ثم عمرا مائة، وكأعتقوا سالما، ثم أعطوا زيدا مائة فلابد من تقديم ما قدمه، أو اجتمع تبرعات منجزة مرتبة بالفعل، كأن أعتق، ثم تصدق، ثم وقف، ثم وهب وأقبض، وكقوله سالم حر وغانم حر لا جران قدم الأول فالأول، حتى يتم الثلث لقوته لسبقه، وما زاد يتوقف على الاجازة، ولو تأخر القبض عن الهبة، اعتبر وقته، لأن الملك متوقف عليه، نعم المحاباة فى نحو بيع غير مفتقرة لقبض، لأنها تابعة فان وجدت دفعة بضم الدال، واتحد الجنس كعتق عبيد أو ابراء جمع كأعتقتكم أو أبرأتكم أقرع فى العتق، لخبر مسلم، ان رجلا أعتق ستة لا يملك غيرهم عند موته، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزأهم أثلاثا، وأقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة وقسط فى غيره باعتبار القيمة أو المقدار.

وفيما اذا كان فيها حج تطوع يعتبر أجرة المثل، لأنها قيمة المنفعة، ولا يقوم على غيره فيما يظهر.

ولو أعتقهما وشك فى الترتيب والمعية عتق من كل نصفه، وكالشك ما لو علم ترتيب دون عين السابق، أو نسيت، أى ولو لم يرج بيانها وان اختلف الجنس.

وصورة وقوعها معا حينئذ أما بأن قيل له أعتقت وأبرأت ووقفت، فيقول نعم، أو بأن تصرف وكلاء له فيها، بأن وكل وكيلا فى هبة وقبض، وآخر فى صدقة، وآخر فى ابراء وتصرفوا معا فان لم يكن فيها عتق قسط الثلث عليها، وان كان فيها عتق قسط الثلث، وأقرع فيما يخص العتق.

وفى قول يقدم العتق.

ولو اجتمع منجزة ومعلقة بالموت قدمت المنجزة للزومها.

ولو كان له عبدان فقط أى لا ثالث له غيرهما، ولا يخرج من الثلث الا أحدهما سالم وغانم وهو يخرج من ثلثه وحده، فقال: ان أعتقت غانما فسالم حر سواء أقال فى حال اعتاقى غانما أم لا ثم أعتق غانما فى مرض موته عتق غانم، ولا أقراع، لاحتمال أن تخرج

ص: 71

القرعة بالحرية لسالم، فيلزم ارقاق غانم فيفوت شرط عتق سالم.

ولو أوصى بعين حاضرة هى ثلث ماله وباقيه دين أو غائب وليس تحت يد الوارث، لم تدفع كلها اليه فى الحال، لاحتمال تلف الغائب، فلا يحصل للورثة ما حصل له.

‌مذهب الحنابلة:

قال الخرقى: اذا أوصى لشخص بمثل

(1)

نصيب أحد ورثته ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيبا، كأن أوصى له بمثل نصيب أحد ورثته، وهم ابن وأربع زوجات، فتكون صحيحة من اثنين وثلاثين سهما، للزوجات الثمن، وهو أربعة، وما بقى فللابن، فزد فى سهام الفريضة مثل حظ امرأة من نسائه فتصير الفريضة من ثلاثة وثلاثين سهما، للموصى له سهم، ولكل امرأة سهم، وما بقى فللابن.

وجملة ذلك: انه اذا أوصى شخص بمثل نصيب أحد ورثته غير مسمى.

فان كان الورثة يتساوون فى الميراث كالبنين، فله مثل نصيب أحدهم مزادا على الفريضة، ويجعل كواحد منهم زاد فيهم.

وان كانوا يتفاضلون كمسألة الخرقى فله مثل نصيب أقلهم ميراثا يزاد على فريضتهم.

وان أوصى بنصيب وارث معين فله مثل نصيبه مزادا على الفريضة، وهذا قول الجمهور، لأنه جعل وارثه أصلا وقاعدة حمل عليه نصيب الموصى له وجعله مثلا له، وهذا يقتضى أن لا يزاد أحدهما على صاحبه، ومتى أعطى من أصل المال، فما أعطى مثل نصيبه ولا حصلت له التسوية والعبارة تقتضى التسوية، وانما جعل له مثل أقلهم نصيبا، لانه اليقين، وما زاد فمشكوك فيه، فلا يثبت مع الشك

ولو قال أوصيت بمثل نصيب أقلهم ميراثا، كان كما لو أطلق، وكان ذلك تأكيدا.

وان قال أوصيت بمثل نصيب أكثرهم ميراثا فله ذلك مضافا الى المسألة فيكون له فى مسألة الخرقى ثمانية وعشرون تضم الى الفريضة فيكون الجميع ستين سهما.

وان أوصى

(2)

بشئ معين، ثم خلطه بغيره على وجه لا يتميز منه، كان رجوعا، لأنه يتعذر بذلك تسليمه فيدل على رجوعه.

فان خلطه بما يتميز منه لم يكن رجوعا، لأنه يمكن تسليمه.

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى وبهامشه الشرح الكبير ج 6 ص 448 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 6 ص 487 الطبعة السابقة.

ص: 72

وان وصى بقفيز قمح من صبرة، ثم خلطها بغيرها، لم يكن رجوعا، سواء خلطها بمثلها، أو بخير منها، أو دونها، لأنه كان مشاعا، وبقى مشاعا.

وقيل: ان خلطه بخير منه كان رجوعا، لأنه لا يمكن تسليم الموصى به الا بتسليم خير منه، فصار متعذر التسليم، بخلاف ما اذا خلطه بمثله أو دونه.

وجاء فى قواعد ابن رجب

(1)

: أنه اذا وصى لجاره محمد، وله جاران بهذا الاسم، فهل تبطل الوصية، أو تصح ويميز أحدهما بالقرعة؟ وكذا من وهب أحد أولاده وتعذر الوقوف على عينه أو وقف عليه واشتبه فيهم أقرع بينهم.

‌مذهب الظاهرية:

من أوصى بعتق

(2)

رقيق له لا يملك غيرهم، أو كانوا أكثر من ثلاثة لم ينفذ من ذلك شئ الا بالقرعة، فمن خرج سهمه صح فيه العتق، سواء مات العبد بعد الموصى، وقبل القرعة، أو عاش الى حين القرعة.

ومن خرج سهمه كان باقيا على الرق سواء مات قبل القرعة أو عاش اليها.

فان شرع السهم فى بعض مملوك عتق منه ما حمل الثلث بلا استسعاء، وعتق باقيه واستسعى للورثة فى قيمة ما بقى منه بعد الثلث.

فلو سماهم بأسمائهم بدئ بالذى سمى أولا فأولا، فاذا تم الثلث رق الباقون، فلو شرع العتق فى بعض مملوك أعتق كله واستسعى للورثة فيما زاد منه على الثلث، فلو أعتق جزءا مسمى من كل مملوك منهم باسمه أعتق ذلك الجزء ان كان الثلث فأقل، وأعتق باقيهم، واستسعوا فيما زاد على الثلث، أو فيما زاد على ما أوصى به مما هو دون الثلث.

فان أعتق من كل واحد منهم باسمه أو جملة أكثر من الثلث، أقرع بينهم ان أجملهم، فاذا تم الثلث رق الباقون، الا أن يشرع العتق فى واحد منهم، فيعتق، ويستسعى فيما زاد على الثلث، ويبدأ بالأول فالأول ان سماهم بأسمائهم، فاذا تم الثلث رق الباقون، الا من شرع فيه العتق، فانه يستسعى فيما زاد منه على الثلث.

برهان صحة قولنا أنه اذا أعتق فى وصيته الثلث من كل واحد منهم فأقل، فانه لم يتعد ما أمره الله تعالى، اذ له أن يوصى بالثلث فينفذ قوله.

وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم ما أوردناه فى كتاب العتق من ديواننا هذا باسناده فيمن أعتق شركا

(1)

من كتاب القواعد لابن رجب الحنبلى ج 1 ص 351 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 342 وص 343، ص 344 المسألة رقم 1767 الطبعة السابقة.

ص: 73

له فى مملوك، فانه حر كله، ويستسعى فى حصة شريكه، والورثة ههنا الشركاء للموصى فقد عتق المماليك كلهم بحكم الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، ويستسعون فى حصة الورثة.

وأما اذا أعتق فى وصيته جميعهم وسماهم بأسمائهم أو أعتق فى وصيته أكثر من ثلث كل واحد منهم، وسماهم بأسمائهم، فباليقين يدرى كل مسلم ان أول من سمى منهم فانه لم يجر فى ذلك ولا خالف الحق، بل أوصى كما أبيح له فهى وصية بر وتقوى، وهكذا حتى يتم الثلث فوجب تنفيذ وصيته لصحتها، وان يستسعى المعتقون فى حصص الورثة الذين هم شركاء الموصى حين وجوب الوصية ولم يعتقوا حصصهم، وكان الموصى فى وصيته فيما زاد على ثلثه مبطلا عاصيا مخالفا للحق ان كان عالما أو مخطئا مخالفا للحق فقط معفوا عنه ان كان غير عالم والباطل عدوان فقط أو أثم وعدوان ساقط لا يحل انفاذه، قال الله تعالى:«وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ 1» فوجب ابطال مازاد على الثلث كما ذكرنا.

وأما اذا أجمل فى وصيته عتقهم، أو أجمل عتق ما زاد على الثلث من كل واحد منهم فى وصيته، فبالضرورة والمشاهدة يدرى كل مسلم أنه خلط الوصية بعتق من لا يجوز له أن يوصى بعتقه مع الوصية بعتق من لا يحل له أن يوصى بعتقه، ولا يدرى غير الله تعالى أيهم المستحق للعتق، وأيهم لا، فصاروا جملة فيها حق الله تعالى فى أحرار، أو فى حر لا يعرف بعينه، وفيها حق للورثة فى رقيق لا يعرف بعينه، فلابد من القسمة ليميز حق الله تعالى من حق الورثة، كما أمر الله عز وجل أن يعطى كل ذى حق حقه، ولا سبيل إلى تمييز الحقوق والأنصباء فى القسمة الا بالقرعة، فوجب الاقراع بينهم، فأيهم خرج عليه سهم العتق، علمنا أنه الذى استحق العتق بموت الموصى، وأنه هو حق الله تعالى من تلك الجملة، مات قبل القرعة، أو لم يمت، وأيهم خرج عليه سهم الرق علمنا أنه لم يوص فيه الموصى وصية جائزة، وأنه هو حق الورثة من تلك الجملة قد ملكوه بموت الموصى، مات قبل القرعة أو لم يمت.

فان شرع العتق فى مملوك أعتق واستسعى فيما زاد منه على ما عتق بالقرعة، لأن الورثة شركاء الموصى فيه.

وهكذا كل ما أوصى فيه بالثلث فأقل من حيوان أو عقار أو متاع، ولا بد من تمييز حق الوصية من الورثة، ولا يكون ذلك الا بتعديل القيمة والقرعة.

وقد جاء أيضا فى هذا أثر صحيح

(1)

الآية رقم 2 من سورة المائدة.

ص: 74

يؤكد ما قلنا ولو لم يأت لكان الحكم ما وصفنا لما ذكرنا من وجوب تمييز حق الوصية من حق الورثة.

روينا من طريق مسلم حدثنا اسحاق ابن ابراهيم - هو ابن راهويه - وابن أبى عمر كلاهما عن الثقفى - هو عبد الوهاب ابن عبد المجيد - عن أيوب السختيانى عن أبى قلابة عن أبى المهلب عن عمران بن الحصين: ان رجلا أوصى عند موته فأعتق ستة مملوكين له لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم النبى صلى الله عليه وسلم فجزأهم اثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

: أنه اذا أوصى لشخص أن يقرأ على قبره بشئ من ماله، ثم التبس موضع قبره.

فان عرف قصده عمل به.

وان لم يعرف فالأقرب أن يقرأ فى أى موضع على قول البعض.

ويبطل على قول البعض الآخر.

وهكذا ان حصل عذر من مطر أو نحوه.

وجاء فى البحر الزخار

(2)

: أنه لو أوصى بطعام متميز ثم خلطه بغيره كان رجوعا، اذ لا يمكنه تسليم ما عينه.

فان أوصى بصاع من صبرة ثم خلط الصبرة بمثلها لم يكن رجوعا، لاختلاطه من قبل.

وان خلطها بأفضل منها كان رجوعا، اذ أحدث بالخلط زيادة لم يرض بتمليكها الغير.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف

(3)

اانه اذا أوصى لرجل بكل ماله، ولآخر بثلث ماله، فان بدأ بصاحب الكل، وأجازت الورثة، أخذ الكل، وسقط الآخر، وان بدأ بصاحب الثلث وأجازت الورثة، أخذ الثلث والباقى وهو الثلثان، لصاحب الكل.

فان اشتبها استعمل القرعة على هذا الوجه.

فان لم تجز الورثة وبدأ بصاحب الكل، أخذ الثلث، وسقط الآخر.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار وهامشه ج 2 ص 187 الطبعة السابقة.

(2)

من كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لابن يحيى المرتضى ج 5 ص 320.

ص 321 الطبعة السابقة.

(3)

من كتاب الخلاف فى الفقه الاسلامى الجعفرى للطوسى ج 2 ص 92 الطبعة السابقة

ص: 75

وان بدأ بصاحب الثلث أخذ الثلث وسقط صاحب الكل، فان اشتبها استخرج بالقرعة.

وجاء فى الروضة البهية

(1)

: أنه لو فعل الموصى ما يبطل الاسم ويدل على الرجوع مثل خلطه بالأجود بحيث لا يتميز فان ذلك يعتبر رجوعا فى الوصية وانما قيده بالأجود، لافادته الزيادة فى الموصى به، بخلاف المساوى والأردأ.

وفى الدروس لم يفرق بين خلطه بالأجود وغيره، وفى كونه رجوعا.

وفى التحرير لم يفرق كذلك فى عدمه.

والأنسب عدم الفرق.

وتوقف كونه رجوعا على القرائن الخارجية.

فان لم يحكم بكونه رجوعا يكون مع خلطه بالأجود شريكا بنسبة القيمتين.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: أنه ان أوصى شخص بكذا وكذا لها، مثل أن يوصى لها بمائة دينار، فجعل لكل صنف منها عددا معلوما، مثل أن يجعل للكفارات ثلاثين، وللعتق أربعين، وللزكاة عشرين، ولزيد عشرة، وذلك مائة، ثم مات فتشاكل ما أوصى به من المال لها أمائة أو أقل أو أكثر أو ما لكل وصية، هل للكفارات ثلاثون، أو أقل، أو أكثر، وكذا الزكاة وزيد، أو عدد وصاياه، هل أوصى بكفارة، أو كفارتين، أو ثلاث كفارات، أو أكثر، ولم يوص بكفارة، ولم يوص بالزكاة، أو لم يوص لزيد، أو هل أوصى بزكاة وكفارة وانتصال، وغير ذلك، أو بكذا وكذا من ذلك فقط.

فان كان التشاكل بتضييع وارث أو خليفة، بأن أهمل ما كتبت فيه الوصية، أو أتلفه، أو أهمل تقيد الشهادة، وقد وجد من يشهد حتى نسى الشهود، أو ماتوا وقد حفظ عن الميت فضيع حتى نسى أو ما أشبه ذلك، ضمن المضيع انفاذها كما أوصى به الموصى.

فان ضيعا جميعا ضمنا بحسب ما ضيع كل منهما.

وان لم يضيع أحدهما، ضمن الذى ضيع.

وان لم يكن الا الوارث أو الا الخليفة فضيع ضمن وان لم يكن تضييع فلا ضير على الوارث ولا الخليفة من ضمان والا أثم، ويوقف حتى يتضح الأمر ما دون الثلث ان كان ذلك يخرج منه، والمراد الثلث وما دونه، فان كان لا يكفى الا الثلث وقف الثلث، وان كان يكفى ما دونه وقف قدر ما يكفى وقسموا ما بقى وان كانت كلها تخرج من الكل، أو كان

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 58 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف بن أطفيش ج 6 من ص 465 إلى ص 466 الطبعة السابقة.

ص: 76

فيها خارج من الكل، وخارج من الثلث، وقف المال كله، حتى يتضح الأمر، لقول الله تعالى «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ 1» .

وقيل ان جهل المال المجعول لا نفاذ الوصايا أو عدد الوصايا، اجتهد الوارث والخليفة، وانفذا على قدر اجتهادهما، لضرورة عدم رجاء البيان مع تحقق أصل ما جهل، فيجرى على الظن حوطة، مثل ألا يعلما ألا الميت يحلف كثيرا، فلعله يحنث فينفذون كفارة مرسلة، أو كفارتين فصاعدا، وكفارة مغلظة فصاعدا، أو يحلف بالعتق فيعتقون عنه، أو علموا بحلفه ولو مرة، ولم يعلموا ببره فى يمينه فيكفرون المرسلة أو المغلظة بحسب يمينه، أو يعرفونه يجامع فى الحيض ونحوه، فينفذون عنه دينارا لفراش أو يعرفونه يأكل أموال الناس، فان علموهم أعطوهم، والا تصدقوا عنهم للفقراء، أو يعرفونه يمنع الزكاة، فينفذون فى الزكاة، أو أقر لهم بموجب زكاة، أو كفارة أو غيرهما، ولم يقل أنى قد تخلصت منه فينفذونه، أو يعرفونه يأكل حق الجار، أو لا يصل أرحامه فيعطونهم.

ويعطون الأقرب فالأقرب ان ترك مالا كثيرا أو قليلا كما ذكر فى وصية الأقرب.

أو يعرفونه يقبل الكبائر فيكثرون له الكفارات أو يعرفون بوجوب الحج والعمرة عليه فينفذونهما وهكذا.

وأموال الناس مقدمة، ثم الزكاة والحج والعمرة، ثم الكفارات.

وينفذون عنه ما يوصى به أهل تلك البلدة غالبا.

وقيل: ان علموا جملة المال المجعول للوصية لا عددها، أى عدد الوصية ولا تعيينها، فكذلك يجتهدان وينفذان وان علم بالبناء للمفعول - عددها لا جملته وفنونها، وذلك أن يعلموا أنه أوصى لشيئين، أو ثلاثة أو أكثر، لكن لا يدرى هل ذلك الشيئان الكفارة والزكاة أو الكفارة والأقرب، أو الزكاة والحج، أو زيد وعمرو، أو نحو ذلك، أو لا يدرى تلك الأشياء هى جميع ما ذكرنا، أو ثلاثة منه أو أكثر أو نحو ذلك كله وغيره كالمسجد والانتصال، أو نحو ذلك اجتهدا أيضا، وأنفذ ما هو الثلث أى الثلث وأقل، وهكذا جرت عادتهم أن يقولوا رحمهم الله تعالى ما دون الثلث، ومرادهم الثلث وأقل.

وان لم يكن الا الوارث أو الا الخليفة وقف أو اجتهد كذلك على تلك الأقوال.

وأعلم أن تلك الأقوال كلها انما تثبت أن بلغ الورثة وعقلوا وحضروا، وان كانوا كلهم مجانين، أو أطفالا، أو غيابا، أو بعضهم طفلا وبعض مجنونا وبعض

(1)

الآية رقم 36 من سورة الاسراء.

ص: 77

غائبا، أو كانوا من نوعين فقط من جنون وطفولية وغيبة وقف الخليفة ذلك.

وان كان فيهم طفل، أو مجنون، أو غائب، أو نوعان من ذلك، أنفذ البالغ الحاضر منابه منه أى من الثلث بحسب اجتهاده فيما ينوبه يجتهد فى الحساب على الكل، ولا يعطى الا على نفسه، ويترك مناب الطفل والمجنون والغائب حتى تزول الطفولية والجنون والغيبة، فيوقف أيضا أو يجتهد ذلك الذى زالت عنه حاله وحده فى منابه، أو مع الخليفة أو مع الوارث الآخر، أو يترك الخليفة مناب الكل ان كان الكل أطفالا أو مجانين أو غيابا الى البلوغ أو الافاقة أو القدوم.

وان علم ما لكل وصية، مثل أن يعلم أن للكفارة كذا، وللزكاة كذا وللانتصال كذا وهكذا، ثم نسيت الوصية، فلم يدروا هل أوصى بالكفارة، أو بكذا، أو بكذا، لا التعيين، بأن علموا أن نوعا أوصى له بكذا، ونوعا أوصى له بكذا، ولا يدرون ما لذلك النوع الذى له كذا، أخذ الورثة والخليفة عدد ما أوصى به من المال ان وسعه الثلث، والا أخذوا الثلث، وان كانت من الكل أخذوا مقدارها، وينتظرون فى ذلك بيان ما جهل.

وقيل: لا ينتظرون، بل ينفذون باجتهاد.

وكذا ان بان لهم ما أوصى به من المال فى الوجوه المذكورة التى هى أن يتبين عدد الوصايا لا فنونها، أو يتبين ما لكل وصية لا تعيينها، أو تتبين فنونها لا عددها أو عددها وفنونها، لا تعيينها أخذه الورثة وعزلوه للخليفة وتبروا من ذلك، ويكون فى يده حتى يتضح أمرها، ولا ضمان عليه أن تلف بلا تضييع منه أولا ولا آخرا أو يدرك ذلك المذكور من عزل المال، وكونه فى يده أيضا عليهم ان بان جملة المال الذى للوصايا وان لم تتضح الوصايا ولا عددها ولا فنونها ولم تتعين ويكون بيده حتى ينفذه، كما أوصى به ببيان أو يفعل فيه ما ذكر أولا من الاجتهاد والانفاذ على حسب الأقوال المذكورة ان لم يضيع حتى أشكل شئ بتضييعه ورخص له، ولو ضيع حتى أشكل ان تاب أن يعمل فيها ما يعمله ان لم يضيع من الاجتهاد والانفاذ، وكذا الورثة ان لم يكن الخليفة أو كان، فقيل: ان ضيعوا لم يجز لهم الاجتهاد والانفاذ وحدهم ولا مع الخليفة.

وقيل: ان تابوا جاز لهم.

وان لم يعلم جملة المال أى جملة مال الوصية الذى جعل لانفاذها أو المقدار الذى ينوبها ولا يفرز شئ من الوصايا، فلا يدرك الخليفة عليهم شيئا فى الحكم.

وكذا لو فرز شئ من الوصية ولا تدرى كميته، مثل أن يعلم أنه أوصى بالزكاة، ولا يعلم كم هى، ولا بكم أوصى لها، أو لم يوص بها.

ومثل أن يعلم أنه أوصى

ص: 78

بكفارة ولا يدرونها خفيفة ولا مغلظة ولا يدرون بكم أوصى لها، أو لم يوص لها.

وقيل: ينفذون مرسلة ولو تبين لهم جملة مال الوصية أو مال بعضها بتعيين الموصى، أو بالتقدير لجعل فى يد الخليفة، حتى يتبين ما أشكل أو يجتهد، ويعقل المال كله اذا لم تعلم جملة ما للوصية أو علمت ولم يتبين عدد الوصايا أو فنها أو تعيينها ان جعله الموصى بيده جعله فى يده بالايصال فى يده للانفاذ، حتى تخرج منه الوصية ببيانها أو باجتهاد، ولا ينتفع به الخليفة، ولا الوارث حتى تخرج.

وان لم يجعله الموصى بيده انتفع به الورثة بأن يقسموا ذاته أو منافعه، وضمنوا الوصية بأن يجتهدوا فينفذوا اذا أيسوا من البيان، أو بأن تتبين فينفذوها، وان لم يبين لهم فى الوجوه شئ، أو تبين لهم مالا يصلون به الى الانفاذ كعدد الوصايا دون تعيينها، وكانوا بلغا عقلا حضرا اجتهدوا مع الصلحاء، وانفذوا ما يخرج من الثلث فما دونه على قدر ما علموا من أفعال الميت، وذلك ان علموا أن وصيته مما يخرج من الثلث بدون علم تعيينها وتفاصيلها، أو لم يعلموا أنها مما يخرج من الثلث ولا مما يخرج من الكل، وان اتفقوا أن ينفذوا أكثر من الثلث فحسن، وان علموها من الكل بدون علم تفصيلها أو تعيينها أنفذوا بقدر اجتهادهم الثلث أو دونه أو أكثر.

واذا علموا جملة الموصى به أنفذوا على قدر نظرهم كله ان علموها من الكل، والا فمن الثلث فقط على اجتهادهم، الا أن شاء، أو لزيادة، وان اجتهدوا مع الخليفة أو معه ومع الصلحاء جاز، وكذا اذا كان الاجتهاد للخليفة فاجتهد معهم أو مع الصلحاء أو معهم كلهم.

وان علموا ما أوصى به أى كميته وجنسه وتشاكل شئ بين الأقرب والزكاة والكفارات وغير ذلك أو بين متعدد من ذلك دفعوا ذلك لخليفته، وبرئوا من وصيته ويحرزه خليفته، حتى يتضح كل ذلك ان كانت خلافة للموصى بأن أثبت خلافة لأحد، وللخليفة أن يجتهد، وينفذ على حد ما مر.

وان لم يكن للموصى خليفة حرزه الورثة عندهم حتى يتضح الحال أو يجتهدوا.

ولا ضمان عليهم ان لم يضيعوا ذلك المال وتلف وان كان ذلك الأقرب ممن يأخذ ذلك المال المذكور من الزكاة والكفارات مثلا دفع له ذلك كله وأخبره بالقصة أن الميت أوصى بشئ ظنناه زكاة أو كفارة أو وصية الأقرب مثلا، أو أوصى بذلك كله وعلمنا كمية المجموع ولم نعلم خصوص ما لكل، فان كان للأقرب فقط أخذته أنت أقرب، وان كان زكاة أو كفارة فأنت ممن يأخذهما، وان كان بعضه وصية الأقرب وبعضه كفارة وبعضه زكاة فخذه كله

ص: 79

تكن قد أخذت وصية الأقرب وغيرها مما أنت أهله ان كان الشئ مما يدفع فى ذلك المذكور من الأقرب والزكاة والكفارة، وذلك كالحبوب الستة، فانها تعطى فى الزكاة وتعطى فى الكفارات.

وفى وصية الأقرب اذا لم يبين أن ذلك زكاة العين أو الانعام، وكالدنانير والدراهم على القول بأنها تعطى فى الكفارات، وكالشاة فانها تعطى فى الزكاة وتعطى فى الأقرب، وفى الكفارة بالتقويم عند مجيز ذلك، والا كقول من قال لا تعطى القيمة فى الكفارة حرزه الورثة حتى يتضح أمره.

وقيل: يشترى منه الجائز فى كل ذلك ويدفع للأقرب كما تعطى الكفارات - أى أنه يكال فيعلم أو يعطى بالقيمة قيمة الكيل - ويخبر بالقصة وان تعدد الأقرب لم يصح ذلك ان كان مما يدفع أولا الا أن يعطى الأقارب كلهم سواء ان لم يعين أقرب وكذا الزكاة والانتصال.

وجميع الوصايا اذا علموا كمية المال وتشاكل هل أوصى لنوع كذا أو لنوع كذا أو تشاكل مقدار ما أوصى لكل نوع يعطى كل ذلك لمن يتأهل لأخذه ولو متعددا كاثنين وثلاثة، وان أوصى لانسان ببعض ذلك وتشاكل أعطى كله أو حتى لا يشكوا أن تأهل.

وان وجد دفعه لواحد على ما أوصى به دفع له حين تشاكل ان كان أهلا لذلك، ويجوز ذلك للخليفة أن يفعله، ولا ضمان على الورثة، ومثلهم الخليفة اذا أنفذ من أنفذ منهم فى هذه المسائل لواحد فصاعدا فى هذه المسائل كلها، أو أنفذ من أنفذ منهم فى مسائل الانفاذ بالاجتهاد كلها ان بان لهم أمرها بعد ذلك الانفاذ، لأن الشرع أقدمهم لذلك مثل أن يتبين أنه لم يوص له للأقرب أو يتبين أنه أوصى بغير النوع الذى أنفذوا فيه باجتهاد، أو بأقل، أو بأكثر.

‌الاشتباه فى العتق

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الفتاوى الهندية

(1)

: انه لو اختلط حر بعبد، كأن يكون لرجل عبد، فاختلط بحر، ثم كل واحد منهما يقول: أنا حر، والمولى يقول:

احدكما عبدى، كان لكل واحد منهما أن يحلفه بالله تعالى ما يعلم أنه حر، فان حلف لأحدهما، ونكل للآخر، فالذى نكل له حر دون الآخر، وان نكل لهما، فهما حران، وان حلف لهما، فقد اختلط الأمر، فالقاضى يقضى بالاحتياط، ويعتق من كل واحد منهما نصفه بغير شئ، ونصفه بنصف القيمة.

(1)

الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشها فتاوى قاضيخان للأوزجندى ج 4 ص 20 الطبعة السابقة.

ص: 80

وكذلك لو كانوا ثلاثة يعتق من كل واحد منهم ثلثه، ويسعى فى ثلثى قيمته.

وكذلك لو كانوا عشرة فهو على هذا الاعتبار.

وجاء فى البحر الرائق

(1)

: أن المولى لو قال لأمته: ان كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت حرة، فولدت ذكرا، وأنثى، ولم يدر الأول، رق الذكر، وعتق نصف الأم والأنثى، لأن كل واحد منهما يعتق فى حال دون حال، وهو ما اذا ولدت الغلام أولا، عتقت الأم بالشرط والجارية، لكونها تبعا لها، لأن الأم حرة حين ولدتها، وترق فى حال، وهو ما اذا ولدت الجارية أولا، لعدم الشرط، فيعتق نصف كل واحدة، وتسعى فى النصف.

أما الغلام فيرق فى الحالين، فلهذا يكون عبدا، وهذا الجواب فى الجامع الصغير من غير خلاف فيه.

والمذكور لمحمد رحمه الله تعالى فى الكيسانيات فى هذه المسألة أنه لا يحكم بعتق واحد منهم، لأنا لم نتيقن بعتق، واعتبار الأحوال بعد التيقن بالحرية، ولا يجوز ايقاع العتق بالشك.

فعن هذا حكم الطحاوى بأن محمدا رحمه الله تعالى كان أولا مع أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى، ثم رجع.

وفى النهاية عن المبسوط ان هذا الجواب ليس جواب هذا الفصل، بل فى هذا الفصل لا يحكم بعتق واحد، ولكن يحلف المولى بالله ما يعلم أنها ولدت الجارية أولا، فان نكل فنكوله كاقراره، وان حلف فكلهم أرقاء.

وأما جواب هذا الفصل انما هو فيما اذا قال: ان كان أول ولد تلدينه غلاما، فأنت حرة، وان كانت جارية فهى حرة فولدتهما ولا يدرى الأول. فالغلام رقيق، والأنثى حرة، ويعتق نصف الأم.

وجاء فى الفتاوى الهندية

(2)

: أنه لو كان لرجل أربع جوار فأعتق واحدة منهن ثم نسيها، لم يسعه أن يتحرى للوط ء.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(3)

: ان من قال لأولاد أمته وهم ثلاثة أحدهم ولدى، ومات، ولم يعينه، واشتبه عليه الأمر عتق الأصغر كله على كل حال، لأنه ان كان ولده فظاهر، وان كان ولد غيره فهو ولد أم ولد عتقت بموت سيدها، فيعتق معها وثلثا الأوسط،

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 4 ص 270 الطبعة السابقة.

(2)

الفتاوى الهندية للأوزجندى ج 5 ص 385 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه تقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 416 الطبعة السابقة.

ص: 81

لأنه حر بتقديرين، وهما كونه المقر به أو الأكبر، ورقيق بتقدير واحد، وهو كون المقر به الأصغر وثلث الأكبر، لأنه حر بتقدير واحد، وهو كونه المقر به، ورقيق بتقديرين، وهما كون المقر به الأوسط أو الأصغر.

وان افترقت أمهات الأولاد، بأن كان كل واحد من أم فواحد يعتق بالقرعة، ولا أرث لواحد منهم افترقت أمهاتهم أم لا.

وجاء فى حاشية الدسوقى

(1)

: أن السيد ان أعتق عبيدا فى مرضعه بتلا، ولم يحملهم الثلث، أو أوصى بعتقهم ولو عينهم بأسمائهم، ولم يحملهم الثلث فى المسألتين، أو أصى بعتق ثلث عبيده.

ومثله اذا بتل عتق ثلثهم فى مرضه، أو أوصى بعتق عدد سماه من أكثر، كثلاثة من تسعة، أقرع فى المسائل الأربعة، كالقسمة.

وصفة القرعة فى الأوليين: ان يقوم كل واحد منهم، ويكتب قيمة كل واحد مع اسمه فى ورقة مفردة، وتخلط الأوراق بحيث لا يتميز واحدة من الباقى، ثم تخرج ورقة، وتفتح، فمن وجد فيها اسمه عتق، وينظر الى قيمته، فان كانت قدر ثلث الميت اقتصر عليه، وان زادت عتق منه بقدر الثلث، وان نقصت أخرجت أخرى، وعمل فيها كما عمل فى الأولى، وهكذا.

وصفتها فى الثالثة أن يجزؤوا ابتداء أثلاثا، ويكتب فى ورقة حر، وفى اثنتين رق، ثم تخلط الأوراق، وتخرج واحدة ترمى على ثلث، فمن خرج له حر، نظر فيه، فان حمله الثلث فواضح، والا عمل فيه ما تقدم.

وأما الرابعة فان عين العدد الذى سماه كزيد وعمرو من جملة أكثر، وحمله الثلث فواضح، والا سلك فيه ما تقدم.

وان لم يعين كثلاثة من عبيدى، فانه ينسب عدد من سماه الى عدد جميع رقيقه وبتلك النسبة بجزؤن، فاذا كانوا ثلاثة من تسعة جزئوا أثلاثا، ومن اثنى عشر جزئوا أرباعا، ويجعل كل جزء على حدته من غير نظر لقيمة كل جزء، ويكتب أوراق بقدر عدد الأجزاء واحدة فيها حر، والباقى كل ورقة فيها رق، ويعمل مثل ما تقدم فى المسألة الثالثة.

ومحل القرعة ما لم يرتب فان ترتب فلا قرعة.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

: انه ان شهد شاهدان على رجل أنه أعتق فى مرضه عبده

(1)

المرجع السابق للدسوقى ج 4 ص 378، ص 379 الطبعة السابقة.

(2)

من كتاب المهذب لأبى اسحاق ابراهيم الفيروزبادى الشيرازى ج 2 ص 340 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1277 هـ طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية.

ص: 82

سالما، وقيمته ثلث ماله، وشهد آخر أنه أعتق غانما، وقيمته ثلث ماله، فان علم السابق منهما عتق، ورق الآخر، وان لم يعلم ذلك ففيه قولان.

أحدهما: أنه يقرع بينهما، لأنه لا يمكن الجمع بينهما، لأن الثلث لا يحتملهما، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فأقرع بينهما، كما لو اعتق عبدين، وعجز الثلث عنهما.

والقول الثانى: أنه يعتق من كل واحد منهما النصف، لأن السابق حر، والثانى عبد، فاذا أقرع بينهما، لم يؤمن أن يخرج سهم الرق على السابق، وهو حر، فيسترق، وسهم العتق على الثانى، فيعتق، وهو عبد، فوجب أن يعتق من كل واحد منهما النصف، لتساويهما، كما لو أوصى لرجل بثلث ماله، ولآخر بالثلث، ولم يجز الورثة ما زاد على الثلث، فان الثلث يقسم عليهما.

وجاء فى المهذب

(1)

أيضا: ان السيد ان كاتب عبدين، فأقر أنه استوفى ما على أحدهما، أو أبرأ أحدهما، واختلف العبدان، فادعى كل واحد منهما انه هو الذى استوفى منه وأبرأه رجع الى المولى، فان أخبر أنه أحدهما قبل منه، لأنه أعرف بمن استوفى منه أو أبرأه، فان طلب الآخر يمينه، حلف له، وان ادعى المولى أنه أشكل عليه، لم يقرع بينهما، لأنه قد يتذكر.

فان ادعيا أنه يعلم حلف لكل واحد منهما وبقيا على الكتابة.

ومن أصحابنا من قال ترد الدعوى عليهما، فان حلفا أو نكلا بقيا على الكتابة.

وان حلف أحدهما ونكل الآخر عتق الحالف وبقى الآخر على الكتابة.

وان مات المولى قبل أن يتعين ففيه قولان.

أحدهما: يقرع بينهما، لأن الحرية تعينت لأحدهما، ولا يمكن التعيين بغير القرعة، فوجب تمييزهما بالقرعة، كما لو قال لعبدين أحدكما حر.

والثانى: أنه لا يقرع، لأن الحرية تعينت فى أحدهما، فاذا أقرع لم يؤمن ان تخرج القرعة على غيره، فعلى هذا يرجع الى الوارث، فان قال: لا أعلم حلف لكل واحد منهما، وبقيا على الكتابة على ما ذكرناه فى المولى.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(2)

: ان السيد اذا أعتق عبدا غير معين، فانه يقرع بينهما،

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 17، ص 18.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 7 ص 541 الطبعة السابقة.

ص: 83

فيخرج الحر بالقرعة، لأنه عتق استحقه واحد من جماعة معينين، فكان اخراجه بالقرعة، كما لو أعتقهما فلم يخرج من ثلثه الا أحدهما.

ودليل الحكم فى الأصل حديث عمران ابن الحصين «أن رجلا من الأنصار

(1)

اعتق ستة أعبد عند موته لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم النبى صلى الله عليه وسلم فأقرع بينهم، فأعتق اثنين وأرق أربعة، وقال له قولا شديدا، رواه مسلم وأبو داود، ولأنه تبرع فى مرض موته فأشبه سائر العطايا والصدقات فأما العتق

(2)

فى الكفارة فانه لم يستحقه أحدا. انما استحق على المكفر التكفير.

وأما اذا قال اعتقوا عنى عبدا، فان لم يضفه الى عبيده، ولا الى جماعة سواهم، فهو كالمعتق فى الكفارة.

وان قال: اعتقوا أحد عبيدى احتمل أن نقول باخراجه بالقرعة كمسألتنا، واحتمل أن يرجع فيه الى اختيار الورثة.

وأصل الوجهين ما لو وصى لرجل بعبد من عبيده هل يعطى أحدهم بالقرعة أو يرجع الى اختيار الورثة.

والفرق بين مسألتنا وبين هذه المسألة على هذا الوجه، أنه جعل الأمر الى الورثة حيث أمرهم بالاعتاق فكانت الخيرة اليهم وفى مسألتنا لم نجعل لهم من الأمر شيئا فلا يكون لهم خيرة.

وان اعتق غائبا

(3)

تعلم حياته وتجئ أخباره صح وأجزأه عن الكفارة كالحاضر.

وان شك فى حياته وانقطع خبره لم يحكم بالأجزاء فيه، لأن الأصل شغل ذمته، ولا تبرأ بالشك، وهذا العبد مشكوك فى وجوده فشك فى اعتاقه، فان قيل: الأصل حياته، قلنا: الا أنه قد علم أن الموت لا بد منه، وقد وجدت دلالة عليه، وهو انقطاع أخباره، فان تبين بعد هذا كونه حيا تبينا صحة عتقه وبراءة الذمة من الكفارة والا فلا.

وجاء فى قواعد ابن رجب

(4)

: أنه لو اشتبه عبد شخص بعبيد غيره، قال القاضى:

قياس المذهب أنه يعتق عبده الذى يملكه عن واجب وغيره، ثم يقرع بينهم فيخرج عبده بالقرعة.

وفى عمد الأدلة لابن عقيل: لو اختلط عبده بأحرار لم يقرع، ولو اختلط من اعتقه ومن لا يملك عتقه الا باجازة جاز أن يقرع بينهما، لأن القرعة لا تعمل فى آكد التحريمين، وتعمل فى أيسرهما.

(1)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 6 ص 580 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى وبهامشه الشرح الكبير للخرقى ج 6 ص 541 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 11 ص 265 الطبعة السابقة.

(4)

من كتاب القواعد لابن رجب الحنبلى فى الفقه الاسلامى ج 1 ص 368 الطبعة السابقة.

ص: 84

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أن السيد اذا قال: أحد عبدى هذين حر، فليس منهما حر، وكلاهما عبد، كما كان، ولا يكلف عتق أحدهما، فانه لم يعتق هذا بعينه، فليس حرا، اذ لم يعتقه سيده، ولا اعتق هذا الآخر أيضا بعينه، فليس أيضا حرا، اذ لم يعتقه سيده، فكلاهما لم يعتقه سيده، فكلاهما عبد، وهذا فى غاية البيان، ولا يجوز اخراج ملكه عن يده بالظن الكاذب.

ولا تجوز كتابة

(2)

مملوكين معا كتابة واحدة، سواء كانا أجنبيين، أو ذوى رحم محرمة، لأنها مجهولة لا يدرى ما يلزم منها كل واحد منهما أو منهم وهذا باطل.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(3)

: أنه اذا التبس العتيق بعد تعيينه فى القصد، أو الاشارة، أو اللفظ عم العتق جميع الأشخاص الذين أوقعه على أحدهم، فيسعون بحسب التحويل.

فان التبس بين اثنين مثلا سعى كل واحد منهما فى نصف قيمته يوم الاياس، لأن كل واحد منهما تلزمه القيمة فى حال، وتسقط عنه فى حال.

وان كانوا ثلاثة سعى كل واحد منهم فى ثلثى قيمته، لأنها لزمته فى حالين، وسقطت فى حال.

وكذا لو كثروا فان السعاية بحسب التحويل.

وانما تلزمهم السعاية ان لم يفرط السيد.

فأما لو فرط فى التعيين، وحده أن يمضى وقت يمكن فيه التعيين، ولا يعين، حتى يحصل اللبس لم تلزمهم السعاية، سواء وقع فى الصحة أم فى المرض، كحر التبس بعبد، فانه اذا التبس حر بعبد عتق العبد، ووجبت السعاية على الحر وعلى العبد كل فى نصف قيمته الا أن يقع اللبس فى العتق عن الكفارة، نحو أن يعتق أحد عبيده معينا عن كفارته، ثم يلتبس عليهم، فانهم يعتقون جميعا، ويسعون.

وتجزئ الكفارة سواء فرط أم لا.

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 309 المسألة رقم 1674 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 232 المسألة رقم 1789 الطبعة السابقة.

(3)

التاج المذهب فى أحكام المذهب لابن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 381، ص 382 الطبعة السابقة وشرح الازهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح 3 ص 569، ص 570 الطبعة السابقة.

ص: 85

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف

(1)

: أن السيد اذا كان له مكاتبان كاتبهما بقيمة واحدة فأدى أحدهما ألفا، ثم أشكل عليه عين المؤدى منهما، أقرع بينهما، فمن خرجت قرعته حكم له بالأداء وعتق، وبقى الآخر مكاتبا، فان مات أقرع بينهما.

دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم على أن كل مشكل فيه قرعة، وهذا من جملة ذلك.

واذا أدى أحدهما مال الكتابة، وأشكل الأمر عليه، وادعيا عليه جميعا العلم أنه يعلم عين من أدى، فالقول قوله مع يمينه، فاذا حلف أقرع بين المكاتبين، فمن خرجت له قرعة الأداء، حكم له بالحرية، ورق الآخر، ويلزمه ما يخصه من مال الكتابة.

دليلنا ما قلناه فى المسألة الأولى سواء، والأصل الذى ردوه اليه نقول فيه مثل الذى قلناه فى الفرع، وكيف يجوز أن يستحق الألفين وهو يقطع على أن أحدهما حرام ولا يعرف عينه؟ وكيف يحل له التصرف فيهما أو فى واحد منهما الا على ما قلناه؟

وجاء فى شرائع الاسلام

(2)

: أنه اذا شهد اثنان أن الميت أعتق أحد مماليكه، وقيمته الثلث، وشهد آخران، أو الورثة أن العتق لغيره، وقيمته الثلث، فان قلنا:

المنجزات من الأصل عتقا، وان قلنا:

من الثلث فقد أعتق أحدهما، فان عرفنا السابق صح عتقه، وبطل الآخر، وان جهل استخرج بالقرعة.

ولو اتفق عتقهما فى حالة واحدة، قال الشيخ: يقرع بينهما، ويعتق المقروع.

ولو اختلفت قيمتهما اعتق المقروع فان كان بقدر الثلث صح وبطل الآخر.

وان كان أزيد صح العتق منه فى القدر الذى يحتمله الثلث.

وان نقص أكملنا الثلث من الآخر.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(3)

: أن من أعتق عبدا فى مرضه، فتلف فى عبيده خرجوا كلهم أحرارا، ويسعون بقيمتهم الا قيمة واحدة، وكذا أن أعتق عبدا ولم يعينه من عبيده، والصحة كالمرض.

ومن له عبدان وقد دبر أحدهما وحضره الموت، فقال: أحدهما، حر ولم يسمه، فهما حران يسعيان، فان عرف

(1)

الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 463 المسألة رقم 24 الطبعة السابقة، ص 364 المسألة رقم 25.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى ج 2 ص 241، ص 242 الطبعة السابقة.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 329 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

ص: 86

المدبر، وقيمتها ستون، ثلاثون لكل، سعى المدير بخمسة عشر، والآخر بخمسة وعشرين، وان لم يعرف سعى كل بعشرين.

وان تلف

(1)

عبده فى عبيد الناس فأعتقه فى مرضه، ضمن قيمة العبيد كلهم، ويخرجون من الكل الا قيمة عبده وان وسعه الثلث فلا سعى عليهم فيما ناب قيمته، والا سعوا بما فوق الثلث، وان تلف فيهم بعد عتقهم فهم أحرار أيضا ولا ضمان عليه، وان وسعوا بقيمتهم، الا قيمة واحد، وان وسعه الثلث فلا سعى عليهم، والا سعوا قيمته الا ما ناب الثلث.

وان قال مالك الرقيق

(2)

أعتقت واحدا من عبدى عتقا معا، وسعيا بقيمة أحدهما ان كان اثنان ذكران أو أنثيان، أو ذكر وأنثى واعتقوا معا وسعوا بقيمة ما عدا العدد الذى ذكره اذا كان ثلاثة فصاعدا ذكورا أو أناثا، أو مختلطين، فاذا أستويا أو استووا فلا أشكال، وان تفاضلا أو تفاضلوا جمعت قيمتهما، وسعيا بنصفها، أو جمعت قيمتهم وسعوا بما ينوب منها ما عدا العدد الذى ذكره.

وان قال: أعتقت بعضا من عبيدى عتقوا كلهم، وسعوا بما عدا قيمة واحد.

‌الاشتباه فى النّسب واللّقطة

‌مذهب الحنفية:

قال صاحب بدائع الصنائع

(3)

: كل مطلقة لم تلزمها العدة، بأن لم تكن مدخولا بها، فنسب ولدها لا يثبت من الزوج، الا اذا علم يقينا أنه منه، وهو أن تجئ به لأقل من ستة أشهر.

وكل مطلقة عليها العدة فنسب ولدها يثبت من الزوج، الا اذا علم يقينا أنه ليس منه، وهو أن تجئ به لأكثر من سنتين.

وانما كان كذلك لأن الطلاق قبل الدخول يوجب انقطاع النكاح بجميع علائقه، فكان النكاح من كل وجه زائلا بيقين، وما زال بيقين لا يثبت الا بيقين مثله.

فاذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر من يوم الطلاق، فقد تيقنا أن العلوق وجد فى حال الفراش، وأنه وطئها وهى حامل منه، اذ لا يحتمل أن يكون بوط ء بعد الطلاق، لأن المرأة تلد لأقل من ستة أشهر، فكان من وط ء وجد على فراش الزوج، وكون العلوق فى فراشه ثبوت النسب منه.

فاذا جاءت بولد لستة أشهر فصاعدا، لم يستيقن بكونه مولودا على الفراش، لاحتمال أن يكون بوط ء بعد الطلاق، والفراش كان زائلا بيقين فلا يثبت مع الشك.

(1)

المرجع السابق لأطفيش ج 6 ص 333، ص 334 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 340 الطبعة السابقة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 211 الطبعة السابقة.

ص: 87

وان طلقها

(1)

بعد الدخول، وكان الطلاق بائنا، وهى من ذوات الاقراء، ولم تكن أقرت بانقضاء العدة، فجاءت بولد، فان جاءت به الى سنتين عند الطلاق لزمه، لأنه يحتمل أن يكون العلوق من وط ء حادث بعد الطلاق، ويحتمل أن يكون من وط ء وجد فى حال قيام النكاح، وكانت حاملا وقت الطلاق، لأن الولد يبقى فى البطن الى سنتين بالاتفاق، وهذا أظهر الاحتمالين، اذ الظاهر من حال المسلمة ألا تتزوج فى العدة، وحمل أمور المسلمين على الصلاح واجب ما أمكن، فيحمل عليه.

أو نقول: النكاح كان قائما بيقين، والفراش كان ثابتا بيقين، لقيام النكاح، والثابت بيقين لا يزول الا بيقين مثله، فاذا كان احتمال العلوق على الفراش قائما، لم نستيقن بانقضاء العدة، وزوال النكاح من كل وجه، فلم نستيقن بزوال الفراش، فلا نحكم بالزوال بالشك.

ونقل صاحب البحر الرائق

(2)

عن الظهيرية: انه لو ادعى رجلان نسب اللقيط، وأقاما البينة، وأرخت بينة كل واحد منهما، يقضى لمن يشهد له سن الصبى، فان كان سن الصبى مشتبها، لم يوافق كلا من التاريخين، فعلى قول صاحبى أبى حنيفة رحمهم الله تعالى يسقط اعتبار التاريخ، ويقضى به بينهما باتفاق الروايات.

وأما على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فقد ذكر خواهرزاده أنه يقضى به بينهما فى رواية أبى حفص.

وفى رواية أبى سليمان يقضى لأقدمها تاريخا.

وفى التتارخانية أنه يقضى به بينهما فى عامة الروايات، وهو الصحيح.

واذا ادعى رجلان لقطة

(3)

وبين كل من المدعيين لهما علاماتها وأصابا، ينبغى أن يحل الدفع لهما.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والأكليل

(4)

: سئل مالك عن اللقطة توجد فى قرية ليس فيها الا أهل الذمة؟ فقال: تدفع الى أحبارهم.

قال ابن رشد: هذا قول فيه نظر، اذ فى الامكان أن تكون لمسلم، وان كانت وجدت بين أهل الذمة فكان الاحتياط أن لا تدفع الى أحبارهم الا بعد التعريف بها استحسانا، لغلبة الظن أنها لهم على غير

(1)

المرجع السابق للكاسانى ج 3 ص 121 الطبعة السابقة.

(2)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 157 الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.

(3)

المرجع السابق لابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين ج 5 ص 170 الطبعة السابقة.

(4)

التاج والاكليل للمواق فى كتاب مع مواهب الجليل المعروف بالحطاب ج 6 ص ص 74 الطبعة السابقة.

ص: 88

قياس، فاذا دفعت اليهم بعد التعريف لها، ثم جاء صاحبها غرموها له، وانما كان يلزم أن تدفع ابتداء الى أحبارهم لو تحقق أنها لأهل الذمة بيقين لا شك فيه مع أنهم يقولون أن من ديننا أن يكون حكم لقطة أهل ملتنا معروفا الينا، وأما اذا لم يتحقق ذلك فكان القياس أن لا تدفع الى أحبارهم وتكون موقوفة أبدا.

وروى

(1)

عن المدونة أن من التقط لقيطا فى مدينة الاسلام، أو فى قرية الشرك فى أرض كنيسة أو بيعة وعليه زى أهل الذمة أو المسلمين، وكيف ان كان الذى التقطه فى بعض المواضع مسلم أو ذمى ما حاله، قال: ان التقطه نصرانى فى قرى أهل الاسلام ومواضعهم، فهو مسلم، وان كان فى قرى الشرك وأهل الذمة ومواضعهم، فهو مشرك، وان وجد فى قرية ليس فيها الا اثنان أو ثلاثة من المسلمين، فهو للنصارى، ولا يعرض لهم الا أن يلتقطه هناك مسلم فيجعله على دينه.

وقال ابن الحاجب: يحكم باسلام اللقيط فى قرى الاسلام ومواضعهم، فان كان فى قرى الشرك فمشرك.

وقال أشهب الا أن يلتقطه مسلم، فان لم يكن فيها غير بيتين من المسلمين فمشرك، الا أن يلتقطه مسلم.

وقال أشهب: يحكم باسلامه كحريته للاحتمال.

وسئل

(2)

مالك عن رجل دخل حانوت رجل بزاز ليشترى منه ثوبا، ثم خرج منه فاتبعه صاحب الحانوت، فقال: يا أبا عبد الله هذا دينار وجدته فى حانوتى ولم يدخل على اليوم أحد غيرك فعد الرجل، فافتقد دينارا منها أترى أن يأخذه، فقال مالك:

لا أدرى هو أعلم بيقينه أن استيقن أنه ديناره فليأخذه قيل له التاجر يقول لم يدخل على اليوم غيرك وقد افتقد الرجل من نفقته دينارا، قال: أن استيقن أنه له فليأخذه وهذا دليل على أنه لا يأخذه الا ان استيقن أنه له بزيادة على ما ذكره يحصل له بها اليقين أنه له وهذا على سبيل التورع والنهاية فيه أنه اذا لم يعترضه شك فى أنه له فأخذه له سائغ حلال لأن الغالب على ظنه أنه له اذ قد افتقد دينارا ولم يعلم عدد نفقته لساغ له عندى أن يأخذه، لقول صاحب الحانوت أنه لم يدخل على اليوم أحد غيرك، وان كان التورع من أخذه أولى وأحسن.

وكذلك لو قال صاحب الحانوت هذا الدينار وجدته فى مكانك بعد خروجك، ولا أدرى هل هو لك أو لغيرك ممن دخل الحانوت فعد الرجل نفقته فافتقد دينارا.

وأما لو قال هذا الدينار وجدته فى مكانك بعد خروجك، ولا أدرى هل هو لك أو لغيرك ممن دخل الحانوت، والرجل لا يعلم عدد نفقته لما ساغ له أن يأخذه بالشك.

(1)

التاج والاكليل للمواق مع مواهب الجليل فى كتاب ج 6 ص 82 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للحطاب ج 6 ص 75 الطبعة السابقة.

ص: 89

قال: ومن وجد

(1)

ثوبا، وهو يظنه لقوم بين يديه يسألهم عنه، فهذا ان لم يعرفوه ولا ادعوه، كان له أن يرده حيث وجده، ولا ضمان عليه فيه، قاله ابن القاسم فى المدونة، ورواه ابن وهب عن مالك، لأنه لم يصر فى يده، ولا تعدى عليه، وانما أعلم به من ظن أنه له، ولم يلتزم فيه حكم اللقطة، وهذا اذا ردها بالقرب، وأما ان ردها بعد طول فهو ضامن.

وجاء فى الدسوقى على الشرح

(2)

الكبير:

أنه اذا ولدت زوجة رجل، وأمة رجل آخر، واختلط الولدان، بأن قال كل واحد من أبويهما: لا أدرى ولدى من هذين، أو ادعى كل واحد منهما واحدا، ونفيا الآخر، عينته القافة، ولم يكن للأبويين أن يصطلحا على أن يأخذ كل واحد منهما ولدا.

وأما اذا لم يختلف الأبوان فى تعيينه بأن أخذ كل واحد ولدا بعينه، فله ذلك من غير قافة.

والقافة لا تكون فى نكاحين، وانما تكون فى ملكين، أو نكاح وملك.

وعن ابن القاسم: أن لو وجدت امرأة مع ابنتها بنتا أخرى، لا تلحق بزوجها واحدة منهما، لاحتمال كون البنت الأخرى من نكاح، والقافة لا تكون فى نكاحين، لكن رجح القول بأنها تدخل فى نكاح ومجهول، كما فى هذا الفرع.

ثم المذهب ان القافة تكون فى النكاحين أيضا.

وعلى ذلك فما روى عن ابن القاسم ضعيف على كل حال.

وأما اذا ولدت زوجة رجل وأمته الموطوءة له فى ليلة واحدة، واختلط ولداهما، ولم يعلم ولد كل منهما، فلا قافة، لأن كلا من الولدين لا حق به، ونسبه ثابت، ويرثانه، ولا قافة بين الأمهات، كذا عند الشيخ عبد الباقى الزرقانى، ونحوه للشيخ مصطفى الرماصى معترضا على التتائى والخرشى التابعين للبساطى من دخول القافة، قائلا: انما تدعى القافة، لتلحق بالآباء، لا بالأمهات.

لكن فى البنانى عن ابن ميسر عن سحنون أن القافة تدعى، لتلحق بكل واحدة ولدها.

ومحل هذا الخلاف الا أن يقول الرجل أحدهما ولدى والآخر زنت به جاريتى، فان قال الأب ذلك، واختلطا فالقافة، فمن ألحقته به فهو ولده، وكان الآخر غير ولده.

(1)

التاج والاكليل للمواق على هامش الحطاب ج 6 ص 77 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه تقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 416، ص 417 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 90

وروى فى التاج والأكليل

(1)

: عن أشهب أن من نزل على رجل له أم ولد حامل، فولدت هى، وولدت امرأة الضيف فى ليلة صبيين، فلم تعرف كل واحدة منهما ولدها، دعى لهما القافة.

قال ابن رشد: فان ادعى كل واحد منهما واحدا بعينه ونفى الآخر عن نفسه وجب أن يلحق بكل واحد منهما ما ادعاه.

وان ادعيا معا واحدا بعينه، ونفى كل واحد منهما عن نفسه ما سواه، فالواجب على أصولهم أن تدعى له القافة، كالأمة بين الشريكين يطآنها فى طهر واحد، فتلد ولدا يدعيانه معا.

ومن كتاب ابن ميسر من حلف لزوجته ان ولدت المرة جارية لأغيبن عنك غيبة طويلة، فولدت فى سفره جارية، فبعثت بها خادمها فى جوف الليل، لتطرحها على باب قوم، ففعلت، فقدم زوجها، فوافى الخادم راجعة، فأنكر خروجها حينئذ وحقق عليها فأخبرته، فردها لتأتى بالصبية، فوجدت صبيتين فأتت بهما فأشكل الأمر على الأم، أيتهما هى منهما؟ قال ابن القاسم: لا تلحق واحدة منهما، وقاله محمد.

وقال سحنون: تدعى لهما القافة وبه أقول.

واذا وطئ السيد

(2)

الأمة بملك اليمين والنكاح، فلا يخلو أما أن يكون النكاح سابقا أو ملك اليمين سابقا، فان كان ملك اليمين سابقا، كما اذا وطئ أمته ثم زوجها قبل أن يدعى الاستبراء، فان أتت به لأقل من ستة أشهر من وط ء الزوج، فان الولد لا يلحق به، ويلحق بالسيد الا أن يدعى الاستبراء أى وينفى الولد، وان أتت به لستة أشهر فأكثر، فاختلف فى ذلك.

فقيل: تدعى له القافة، قال اللخمى:

هو قول مالك.

وروى عن ابن القاسم وقال مالك هو للزوج.

وقال محمد بن مسلمة هو للأول، لأن وطأه صحيح، والثانى فاسد وقال الرجراجى: ان الأول هو المشهور.

وأما أن تقدم الوط ء بالنكاح على الوط ء بالملك فالولد للزوج ولا ينفيه الا بلعان

(3)

.

وان كانت أمة بين رجلين حرين، أو أحدهما عبد، أو ذمى، والآخر مسلم،

(1)

التاج والاكليل للمواق على هامش مواهب الجليل للحطاب فى كتاب ج 5 ص 247، ص 248 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للحطاب ج 6 ص 358 الطبعة السابقة.

(3)

التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 359 الطبعة السابقة.

ص: 91

فوطئاها فى طهر واحد، فأتت بولد، فادعياه دعى لهما القافة فمن الحقته به نسب اليه، قال ابن يونس يريد أتت بولد لدون ستة أشهر فأكثر من يوم وط ء الثانى.

ومن المدونة ان أشركتهما والى - اذا كبر - أيهما شاء، قال ابن شاس ثم لا يكون الا مسلما وهو بمنزلة ما اذا أشكل الأمر، فان مات قبل ذلك ورثاه، وان ماتا ورثهما معا.

وكذلك فى وط ء البائع والمشترى فى طهر واحد، قال ابن يونس ان توجد القافة ترك الولد الى بلوغه فيوالى من شاء، كما لو قالت القافة اشتركا فيه أو ليس منهما، وقال بعض علمائنا وهو أولى.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(1)

: أنه اذا تداعى شخصان مجهولا لقيطا أو غيره عرض على القائف مع المتداعيين ان كان صغيرا، اذ الكبير لا بد من تصديقه كما مر فى الاقرار، فمن الحقه به القائف لحقه والمجنون كالصغير والحق به البلقينى مغمى عليه ونائما وسكران غير متعد، وما ذكره فى النائم بعيد جدا.

وكذا لو اشتركا فى وط ء لامرأة أو استدخلت ماءهما أى المحترم، كما قاله البلقينى، فولدت ممكنا منهما، وتنازعاه، بأن وطئا بشبهة، كأن ظنها كل أنها زوجته أو أمته، ولا تنحصر الشبهة فى ذلك، فقد ذكر بعض صورها عطفا للخاص على العام، فقال: أو وطئا مشتركة بهما فى طهر واحد، والا فهو للثانى، كما يؤخذ من كلامه الآتى قياسا، لتعذر عوده الى هذا، لأن بينهما صورا لا يمكن عوده اليها، أو وطئ زوجته وطلق، فوطئها آخر بشبهة، أو نكاح فاسد، كأن نكحها فى العدة جاهلا بالحال، أو وطئ أمته وباعها، فوطئها المشترى، ولم يستبرئ واحد منهما، فيعرض على القائف ولو مكلفا، فمن ألحقه به منهما لحقه، فان لم يكن قائف، أو كان، لكنه تحير، اعتبر انتساب الولد بعد كماله.

قال البلقينى: لو كان الاشتباه للاشتراك فى الفراش، لم يعتبر الحاق القائف، الا أن يحكم حاكم، ذكره الماوردى، وحكاه فى المطلب عن ملخص كلام الأصحاب، وكذا لو وطئ بشبهة منكوحة لغيره نكاحا صحيحا كما فى المحرر.

ولا يتعين الزوج للالحاق، لأنه موضع الاشتباه.

(1)

نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشهابى عليه ج 8 ص 352 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لمصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 92

والثانى يلحق الزوج لقوة الفراش.

ولا يكفى اتفاق الزوجين على الوط ء، بل لا بد من بينة به، لأن للولد حقا فى النسب، وتصديقهما ليس بحجة عليه، فان قامت به بينة عرض على القائف، وهذا ما ذكره المصنف فى الروضة هنا، وهو المعتمد، وان لم يذكره فى اللعان، واعتمد البلقينى الاكتفاء بذلك الاتفاق.

نعم يلحق بالبينة تصديق الولد المكلف، لما تقرر أن له حقا، فاذا ولدت لما بين ستة أشهر وأربع سنين من وطئهما، وادعياه، أو لم يدعياه عرض على القائف، لامكانه منهما، فان تخلل بين وطئيهما حيضة، فالولد للثانى، وان ادعاه الأول لظهور انقطاع تعلقه به الا أن يكون الأول زوجا من نكاح صحيح أى والثانى بشبهة أو نكاح فاسد فلا ينقطع تعلق الأول، لأن امكان الوط ء مع الفراش قائم مقام نفس الوط ء، والامكان حاصل بعد الحيضة.

واحترز بالصحيح عما لو كان الأول زوجا فى نكاح فاسد، فانه ينقطع تعلقه ويكون للثانى على الأظهر، لأن المرأة فى النكاح الفاسد لا تصير فراشا ما لم توجد حقيقة الوط ء، وسواء فيهما أى المتنازعين اتفقا اسلاما وحرية أم لا، كما مر فى اللقيط، لأن النسب لا يختلف مع صحة استلحاق العبد، هذا ان الحق بنفسه، والا كأن تداعيا أخوة مجهول، فيقدم الحر، لما مر، أن شرط الملحق بغيره أن يكون وارثا، ويحكم بحريته، وان ألحقه بالعبد، لاحتمال أنه ولد من حرة ولو ألحقه قائف بشبه ظاهر وقائف بشبه خفى قدم، لأن معه زيادة علم بحذقه وبصيرته، وفيما اذا ادعاه مسلم وذمى، يقدم ذو البينة نسبا ودينا، فان لم تكن وألحقه القائف بالذمى، تبعه فى نسبه فقط، ولا حضانة له.

وجاء فى مغنى المحتاج

(1)

: أنه لو نفى من نسب اليه الولد بلعان انتفى اللبن النازل به كالنسب، فلو ارتضعت به صغيره حلت للثانى، ولو عاد واستلحق بعد اللعان، لحقه الرضيع أيضا.

ولو وطئت منكوحة أى وطئها واحد بشبهة أو وطئ اثنان امرأة بشبهة فولدت ولدا، فاللبن النازل به لمن لحقه الولد منهما، أما بقائف أو البينات ان أمكن كونه منهما، أو لمن لحقه الولد بسبب غيره.

فان انحصر الامكان فى واحد منهما، أو لم يكن قائف أو ألحقه بهما، أو نفاه عنهما، أو أشكل عليه الأمر وانتسب الولد لأحدهما بعد بلوغه، أو بعد افاقته من جنون ونحوه، فالرضيع من ذلك

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 3 ص 386 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.

ص: 93

اللبن ولد رضاع لمن لحقه ذلك الولد لأن اللبن تابع للولد.

فان مات الولد قبل الانتساب، أو بعده فيما اذا انتسب بعضهم لهذا وبعضهم لذاك، أو لم يكن له ولد ولا ولد ولد، انتسب الرضيع حينئذ.

أما قبل انقراض ولده وولد ولده، فليس له الانتساب، بل هو تابع للولد أو ولده، ولا يجبر على الانتساب بخلاف الولد وأولاده، فانهم يجبرون عليه، لضرورة النسب.

والفرق أن النسب يتعلق به حقوق له وعليه، كالميراث، والنفقة، والعتق بالملك، وسقوط القود، ورد الشهادة، فلابد من دفع الأشكال.

والمتعلق بالرضاع حرمة النكاح، وجواز النظر، والخلوة، وعدم نقض الطهارة، والامساك عنه سهل، فلم يجبر عليه الرضيع، ولا يعرض أيضا على القائف، ويفارق ولد النسب، بأن معظم اعتماد القائف على الاشباه، الظاهرة دون الأخلاق، وانما جاز انتسابه، لأن الانسان يميل الى من ارتضع من لبنه، ولا تنقطع نسبة اللبن عن صاحبه من زوج، أو غيره مات، أو زوج طلق وله اللبن، وان طالت المدة كعشر سنين.

وجاء فى المهذب

(1)

: أنه ان تداعى نسب اللقيط رجلان، لم يجز الحاقه بهما، لأن الولد لا ينعقد من اثنين.

والدليل عليه قوله تعالى: «إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى» }.

فان لم يكن لواحد منهما بينة، عرض الولد على القافة، وهم قوم من بنى مدلج من كنانة، فان ألحقته باحدهما لحق به.

لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها، قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف السرور فى وجهه، فقال: ألم ترى الى مجزز المدلجى نظر الى أسامة وزيد، وقد غطيا رءوسهما وقد بدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فلو لم يكن ذلك حقا، لما سر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهل يجوز أن يكون من غير بنى مدلج؟ فيه وجهان.

أحدهما: لا يجوز، لأن ذلك ثبت بالشرع، ولم يرد الشرع الا فى بنى مدلج.

(1)

من كتاب المهذب لأبى اسحاق ابراهيم الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 437 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وأولاده بمصر.

ص: 94

والثانى: أنه يجوز، وهو الصحيح، لأنه علم يتعلم ويتعاطى فلم تختص به قبيلة، كالعلم بالأحكام.

وهل يجوز أن يكون واحدا فيه وجهان.

أحدهما: أنه يجوز، لأن النبى صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز المدلجى وحده، ولأنه بمنزلة الحاكم، لأنه يجتهد ويحكم كما يجتهد الحاكم، ثم يحكم.

والثانى: لا يجوز أن يكون امرأة ولا عبدا، كما لا يجوز أن يكون الحاكم امرأة ولا عبدا.

ولا يقبل الا قول من جرب وعرف بالقيافة حذقه كما لا يقبل فى الفتيا الا قول من عرف فى العلم حذقه وان ألحقته بهما أو نفته عنهما، أو أشكل الأمر عليها، أو لم تكن قافة، ترك حتى يبلغ، ويؤخذان بالنفقة عليه، لأن كل واحد منهما يقول: أنا الأب، وعلى نفقته، فاذا بلغ أمرناه أن ينتسب الى من يميل طبعه اليه، لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال للغلام الذى ألحقته القافة بهما والى أيهما شئت، ولأن الولد يجد لوالده ما لا يجد لغيره، فاذا تعذر العمل بقول القافة رجع الى اختيار الولد.

وهل يصح أن ينتسب اذا صار مميزا ولم يبلغ؟ فيه وجهان.

أحدهما: يصح، كما يصح أن يختار الكون مع أحد الأبوين اذا صار مميزا.

والثانى: لا يصح، لأنه قول يتعين به النسب، ويلزم الأحكام به، فلا يقبل من الصبى، ويخالف اختيار الكون مع أحد الأبوين لأن ذلك غير لازم، ولهذا لو اختار أحدهما، ثم انتقل الى الآخر جاز، ولا يجوز ذلك فى النسب.

وان كان لأحدهما بينة قدمت على القافة، لأن البينة تخبر عن سماع أو مشاهدة، والقافة تخبر عن اجتهاد.

فان كان لكل واحد منهما بينة فهما متعارضان، لأنه لا يجوز أن يكون الولد من اثنين، ففى أحد القولين يسقطان ويكون كما لو لم تكن بينة.

وفى الثانى تستعملان.

فعلى هذا هل يقرع بينهما؟ فيه وجهان.

أحدهما: يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة قضى له، لأنه لا يمكن قسمة الولد بينهما، ولا يمكن الوقف، لأن فيه اضرارا باللقيط فوجبت القرعة.

والثانى: لا يقرع، لأن معنا ما هو أقوى من القرعة، وهو القافة، فعلى هذا يصير كما لو لم يكن لهما بينة، وليس فى موضع تسقط الأقوال الثلاثة فى استعمال البينتين الا فى هذا الموضع على هذا المذهب.

ص: 95

وان تداعت امرأتان نسبه وقلنا: أنه يصح دعوى المرأة، ولم تكن بينة، فهل يعرض على القافة؟ فيه وجهان.

أحدهما: يعرض، لأن الولد يأخذ الشبه من الأم، كما يأخذ من الأب، فاذا جاز الرجوع الى القافة فى تمييز الأب من غيره بالشبه، جاز فى تمييز الأم من غيرها.

والثانى: لا يعرض، لأن الولد يمكن معرفة أمه يقينا، فلم يرجع فيه الى القافة، بخلاف الأب، لأنه لا يمكن معرفته الا ظنا، فجاز أن يرجع فيه الى الشبه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

أن القافة اذا ألحقت اللقيط بكافر أو رقيق، لم يحكم بكفره ولا رقه، لأن الحرية والاسلام ثبتا له بظاهر الدار، فلا يزول ذلك بمجرد الشبه والظن، كما لم يزل ذلك بمجرد الدعوى من المنفرد.

ولو ادعى نسب اللقيط انسان فألحق نسبه به لانفراده بالدعوى، ثم جاء آخر فادعاه لم يزل نسبه عن الأول، لأنه حكم له به فلا يزول بمجرد الدعوى، فان ألحقته به القافة لحق به، وانقطع عن الأول، لأنها بينة فى الحاق النسب، ويزول بها الحكم الثابت بمجرد الدعوى كالشهادة.

واذا ادعاه اثنان فألحقته المقافة بهما لحق بهما، وكان ابنهما يرثهما ميراث ابن، ويرثانه جميعا ميراث أب واحد، وهذا يروى عن عمر، وعلى رضى الله عنهما، وهو قول أبى ثور.

وقال أصحاب الرأى: يلحق بهما بمجرد الدعوى، لما روى سعيد فى سننه: حدثنا سفيان عن يحيى عن سعيد عن سليمان بن يسار عن عمر فى امرأة وطئها رجلان فى طهر، فقال القائف: قد اشتركا فيه جميعا فجعله بينهما.

وباسناده عن الشعبى قال وعلى يقول:

هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه، ورواه الزبير بن بكار باسناده عن عمر.

وقال الامام أحمد: حديث قتادة عن سعيد عن عمر جعله بينهما، وقابوس عن أبيه عن على جعله بينهما.

وروى الأثرم باسناده عن سعيد بن المسيب فى رجلين اشتركا فى طهر امرأة فحملت فولدت غلاما يشبههما، فرفع ذلك الى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فدعا القافة فنظروا فقالوا: نراه يشبههما فألحقه بهما، وجعله يرثهما ويرثانه قال سعيد: عصبته الباقى منهما.

قال أحمد: اذا ألحقته القافة بهما

(1)

المغنى لابن قدامة ج 6 ص 400 الى ص 402.

ص: 96

ورثهما وورثاه، فان مات أحدهما فهو للباقى منهما، ونسبه من الأول قائم لا يزيله شئ، ومعنى قوله هو للباقى منهما والله أعلم، أنه يرثه ميراث أب كامل، كما أن الجدة اذا انفردت، أخذت ما يأخذه الجدات، والزوجة تأخذ وحدها ما يأخذه جميع الزوجات.

وان ادعاه أكثر من اثنين فألحقته بهم القافة فنص أحمد فى رواية منهما:

أنه يلحق بثلاثة.

ومقتضى هذا أنه يلحق بما ألحقته القافة وان كثروا، وذلك لأن المعنى الذى لأجله لحق باثنين موجود فيما زاد عليه فيقاس عليه، واذا جاز أن يلحق من اثنين جاز أن يلحق من أكثر من ذلك، هذا اذا وجدت القافة

(1)

.

أما اذا لم توجد قافة، أو وجدت، لكن أشكل الأمر عليها، أو تعارضت أقوالها، أو وجد من لا يوثق بقوله، لم يرجح أحدهما بذكر علامة فى جسده، لأن ذلك لا يرجح به فى سائر الدعاوى سوى الالتقاط فى المال واللقيط ويضيع نسبه، هذا قول أبى بكر.

وقد أومأ اليه أحمد رحمه الله تعالى فى رجلين وقعا على امرأة فى طهر واحد الى أن الابن يخير أيهما أحب، وهو قول أبى عبد الله بن حامد، قال: يترك حتى يبلغ فينتسب الى من أحب منهما، وذلك لأن دعواهما تعارضتا، ولا حجة لواحد منهما فلم تثبت كما لو ادعيا رقه.

وقولهم: يميل طبعه الى قرابته.

قلنا: انما يميل الى قرابته بعد معرفته بأنها قرابته، فالمعرفة بذلك سبب الميل، ولا سبب قبله، ولو ثبت أنه يميل الى قرابته، لكنه قد يميل الى من أحسن اليه، فان القلوب جبلت على حب من أحسن اليها، وبغض من أساء اليها، وقد يميل اليه لاساءة الآخر اليه، وقد يميل الى أحسنهما خلقا أو أعظمهما قدرا أو جاها أو مالا، فلا يبقى للميل أثر فى الدلالة على النسب.

وقولهم: أنه صدق المقر بنسبه.

قلنا: لا يحل له تصديقه، فان النبى صلى الله عليه وسلم لعن من ادعى الى غير أبيه، أو تولى غير مواليه، وهذا لا يعلم أنه أبوه، فلا يأمن أن يكون ملعونا بتصديقه، ويفارق ما اذا انفرد فان المنفرد ثبت النسب بقوله من غير تصديق.

وأما قول عمر رضى الله تعالى عنه:

والى من شئت، فلم يثبت، ولو ثبت لم يكن فيه حجة، فانه انما أمره بالموالاة لا بالانتساب.

(1)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 6 ص 403، ص 404 الطبعة السابقة.

ص: 97

وعلى قول من جعل له الانتساب الى أحدهما، لو انتسب الى أحدهما، ثم عاد وانتسب الى الآخر، ونفى نسبه من الأول، أو لم ينتسب الى أحد، لم يقبل منه، لأنه قد ثبت نسبه، فلا يقبل رجوعه عنه، كما لو ادعى منفردا نسبه، ثم انكره.

ويفارق الصبى الذى يخير بين أبويه، فيختار أحدهما، ثم يرد الآخر اذا اختاره، فانه لا حكم لقول الصبى، وانما تبع اختياره وشهوته، فأشبه ما لو اشته طعاما فى يوم، ثم اشته غيره فى يوم آخر.

وان قامت للآخر بنسبه بينة عمل بها، وبطل انتسابه، لأنها تبطل قول القافة الذى هو مقدم على الانتساب، فلأن تبطل الانتساب أولى.

وان وجدت قافة بعد انتسابه فألحقته بغير من انتسب اليه بطل انتسابه أيضا، لأنه أقوى فبطل به الانتساب كالبينة مع قول القافة.

ولو ادعى اللقيط

(1)

رجلان، فقال أحدهما: هو ابنى وقال الآخر هو ابنى نظرنا فان كان ابنا فهو لمدعيه، وان كانت بنتا فهى لمدعيها، لأن كل واحد منهما لا يستحق غير ما ادعاه، وان كان خنثى مشكلا أرى القافة معهما، لأنه ليس قول واحد منهما أولى من الآخر.

وان أقام كل واحد منهما بينة على ما ادعاه فالحكم فيهما كالحكم فيما لو انفرد كل واحد منهما بالدعوى، لأن بينة الكاذب منهما كاذبة وجودها كعدمها، والأخرى صادقة فيتعين الحكم بها.

واذا ادعى نفران

(2)

نسب صغير مجهول النسب، ثم قتلاه قبل إلحاقه بواحد منهما، فلا قصاص عليهما، لأنه يجوز أن يكون ابن كل واحد منهما أو ابنهما.

وان ألحقته القافة بأحدهما، ثم قتلاه، لم يقتل أبوه، وقتل الآخر، لأنه شريك الأب فى قتل ابنه، وان رجعا جميعا عن الدعوى لم يقبل رجوعهما، لأن النسب حق للولد، فلم يقبل رجوعهما عن اقرارهما به، كما لو أقر له بحق سواه أو كما لو ادعاه واحد فالحق به ثم جحده.

وإن رجع أحدهما صح رجوعه، وثبت نسبه من الآخر، لأن رجوعه لم يبطل نسبه، ويسقط القصاص عن الذى لم يرجع، ويجب على الراجع، لأنه شارك الأب.

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 6 ص 406 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 9 ص 362 الطبعة السابقة.

ص: 98

وان عفى عنه فعليه نصف الدية.

ولو اشترك رجلان فى وط ء امرأة فى طهر واحد، وأتت بولد يمكن أن يكون منهما، فقتلاه قبل إلحاقه بأحدهما، لم يجب القصاص، وان نفيا نسبه، لم ينتف، لأنه لحقه بالفراش، فلا ينتفى إلا باللعان، وفارق التى قبلها من وجهين.

أحدهما اذا رجع عن دعواه لحق الآخر، وها هنا لا يلحق بذلك.

والثانى ان ثبوت نسبه تم بالاعتراف فيسقط بالجحد، وها هنا يثبت بالاشتراك فى الوط ء فلا ينتفى بالجحد.

وجاء فى كشاف القناع

(1)

: أن الرجل ان وطئت امرأته أو أمته بشبهة فى طهر لم يصبها فيه فاعتزلها حتى أتت بولد لستة أشهر من حين الوط ء لحق الواطئ، وانتفى عن الزوج من غير لعان وان أنكر الواطئ الوط ء، فالقول قوله بغير يمين، ويلحق نسب الولد بالزوج وان أتت به لدون ستة أشهر من حين الوط ء لحق الزوج، وان اشتركا فى وطئها فى طهر واحد، فأتت بولد يمكن أن يكون منهما لحق الزوج، لأن الولد للفراش.

وان ادعى الزوج أنه من الواطئ.

فقال بعض أصحابنا يعرض على القافة معهما، فيلحق بمن ألحقته به منهما فان ألحقته بالواطئ لحقه ولم يملك نفيه عن نفسه، وانتفى عن الزوج بغير لعان، وان ألحقته بالزوج لحق ولم يملك الواطئ نفيه باللعان، وان ألحقته القافة بهما لحق بهما ولم يملك الواطئ نفيه عن نفسه، وهل يملك الزوج نفيه باللعان؟ على روايتين، فان لم يوجد قافة أو اشتبه عليهم لحق الزوج.

وجاء فى المغنى

(2)

: أنه ان ادعت امرأتان نسب ولد فذلك مبنى على قبول دعوتهما، فان كانتا ممن لا تقبل دعوتهما لم تسمع دعوتهما، وان كانت احداهما ممن تسمع دعوتهما دون الأخرى، فهو ابن لها كالمنفردة وان كانتا جميعا ممن تسمع دعوتهما فهما فى اثباته بالبينة أو كونه يرى القافة مع عدمها كالرجلين.

وقال أحمد فى رواية بكر بن محمد فى يهودية ومسلمة ولدتا فادعت اليهودية ولد المسلمة فتوقف، فقيل ترى القافة فقال ما أحسنه، ولأن الشبه يوجد بينها وبين ابنها كوجوده بين الرجل وابنه، بل أكثر لاختصاصهما بحمله

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منته الارادات ج 3 ص 255، ص 256 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد ابن حنبل ج 4 ص 106، ص 107 الطبعة السابقة.

(2)

المغنى لابن قدامة المقدسى وبهامشه الشرح الكبير للخرقى ج 6 ص 404، ص 405 الطبعة السابقة.

ص: 99

وتغذيته، والكافرة والمسلمة الحرة والأمة فى الدعوى واحدة، وهذا قول أصحاب الشافعى على الوجه الذى يقولون فيه بقبول دعوتهما.

وان ألحقته القافة بأمين، لم يلحق بهما، وبطل قول القافة، لأننا نعلم خطأه يقينا، وذلك لأن كونه منهما محال يقينا، فلم يجز الحكم به كما لو كان أكبر منهما أو مثلهما، وفارق الرجلين، فان كونه منهما ممكن فانه يجوز اجتماع النطفتين لرجلين فى رحم امرأة، فيمكن أن يحلق منهما ولد كما يخلق من نطفة الرجل والمرأة، ولذلك قال القائل لعمر: قد اشتركا فيه، ولا يلزم من الحاقه بمن يتصور كونه منه الحاقه بمن يستحيل كونه منه، كما لم يلزم من الحاقه بمن يولد مثله لمثله الحاقة بأصغر منه.

وان

(1)

ولدت امرأتان ابنا وبنتا، فادعت كل واحدة منهما أن الابن ولدها دون البنت احتمل وجهين.

أحدهما أن ترى المرأتين القافة مع الولدين، فيلحق كل واحد منهما بمن ألحقته به كما لو لم يكن لهما ولد آخر.

والثانى أن يعرض لبنيهما على أهل الطب والمعرفة، فان لبن الذكر يخالف لبن الأنثى فى طبعه وزنته، وقد قيل:

لبن الابن ثقيل ولبن البنت خفيف، فيعتبران بطباعهما وزنتهما، وما يختلفان به عند أهل المعرفة، فمن كان لبنها لبن الابن، فهو ولدها، والبنت للأخرى.

فان لم يوجد قافة، اعتبرنا اللبن خاصة.

وان تنازعا أحد الولدين وهما جميعا ذكران أو انثيان عرضوا على القافة.

وجاء فى كشاف القناع

(2)

أن نفقة المولود المشتبه نسبه على الواطئين، لاستوائهما فى امكان لحوقه بهما، فاذا ألحق الولد بأحدهما رجع من لم يلحق به على الآخر بنفقته لتبين أنه محل الوجوب.

ويقبل قول القافة فى غير بنوة كأخوة وعمومة وخئولة، لحديث عروة عن عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله الحديث.

ولا يختص بالعصبات، لأن المقصود معرفة شبه المدعى للميت بشبه مناسبيه وهو موجود فيما هو أعم من العصبات.

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى وبهامشه الشرح الكبير ج 6 ص 405، ص 406 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منته الارادات ج 2 ص 439 الطبعة السابقة.

ص: 100

ومن له امتان

(1)

لكل واحدة منهما ولد ولا زوج لواحدة ولم يقر بوطئها فقال أحد هذين ابنى أخذ بالبيان فان عين أحدهما ثبت نسبه وحريته ويطالب ببيان الاستيلاد، فان قال: استولدتها فى ملكى، فالولد حر الأصل، وأمه أم ولد، وان قال: من نكاح أو وط ء بشبهة، فأمه رقيقة قن، ذكره فى الكافى وغيره، وترق الأخرى وولدها، وان ادعت الأخرى أنها المستولدة فالقول قوله بيمينه.

وان مات قبل البيان قام وارثه مقامه، فان لم يكن له وارث أو لم يعين الوارث عرض على القافة، فالحق به من تلحقه به.

وان لم تكن قافة، أو أشكل، أقرع بينهما، فيعتق أحدهما بالقرعة.

وقيل: أنه لا دخل للقرعة فى تمييز الانساب، ويجعل سهمه فى بيت المال، لأنا نعلم أن أحدهما يستحق نصيب ولده ولا يعرف عينه فلا يستحقه بقية الورثة قاله السامرى.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم فى المحلى

(2)

: ان تزوج رجلان بجهالة امرأة فى طهر واحد، أو ابتاع أحدهما أمة من الآخر، فوطئها، وكان الأول قد وطئها أيضا، ولم يعرف أيهما الأول، ولا تاريخ النكاحين، أو الملكين فظهر بها حمل، فأتت بولد، فانه ان تداعياه جميعا، أقرع بينهما فيه، فأيهما خرجت قرعته، ألحق به الولد، وقضى عليه لخصمه بحصته من الدية، ان كان واحدا فنصف الدية، وان كانوا ثلاثة فلهما ثلثا الدية، وان كانوا أربعة فثلاثة أرباع الدية.

وهكذا الحكم فيما زاد، سواء كان المتداعيان أجنبيين، أو قريبين، أو أبا وابنا، أو حرا وعبدا، فان كان أحدهما مسلما والآخر كافرا ألحق بالمسلم، ولا بد بلا قرعة.

فان تدافعاه جميعا، أو لم ينكراه، ولا تداعياه، فانه يدعى له بالقافة، فان شهد منهم واحد عالم عدل فأكثر من واحد، بأنه ولد هذا، ألحق به نسبه، فان ألحقه واحد أو أكثر باثنين فصاعدا، طرح كلامهم، وطلب غيرهم، ولا يجوز أن يكون ولد واحد ابن رجلين، ولا ابن امرأتين.

وكذلك ان تداعت امرأتان فأكثر ولدا.

فان كان فى يد أحدهما، فهو لها.

وان كان فى أيديهن كلهن أو لم يتداعياه، ولا أنكرتاه أو تدافعتاه، دعى له القافة

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 300 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 148 المسألة رقم 1945 الطبعة السابقة.

ص: 101

كما قلنا، لما روى من طريق الليث ابن سعد عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال:

ألم ترى أن مجززا نظر إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: ان بعض هذه الأقدام لمن بعض.

وجاء فى المحلى

(1)

: أن الحكم بالقافة فى لحاق الولد واجب فى الحرائر والاماء، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سر بقول مجزز المدلجى، اذ رأى أقدام زيد بن حارثة وابنه أسامة فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(2)

: أن اللقيط من بنى آدم يرد للوصف اذا وصفه بأمارات يغلب على الظن صدقه لأجلها، ويقبل قوله، وان لم يقم البينة على أنه ولده، ويكون الوصف له وصفا له ولما فى يده فلا يحتاج الى بينة، فان كان بعد موته ولا ولد له، أو ثمة واسطة، فلا بد من البينة والحكم، فان تعدد الواصفون واستووا فى كونهم جميعا ذكورا أحرارا مسلمين، وفى ادعائه ووصفه فى وقت واحد، فابن لكل فرد منهم، يرث من كل واحد ميراث ابن كامل، ومجموعهم أب، بمعنى أنه اذا مات هو ورثوه جميعا ميراث أب واحد، وقوله استووا، يعنى فان كان لأحدهم مزية بحرية أو اسلام، فانه يكون له ولمن شاركه فى تلك المزية، فيكون للحر دون العبد، وللمسلم دون الكافر.

فلو كان أحد المدعيين حرا كافرا والآخر عبدا مسلما، فانه يلحق بالعبد المسلم.

فأما لو كان أحدهما يهوديا، والآخر نصرانيا، فانه يثبت النسب فقط لهما لعدم المزية لا فى الدين، فلا يلحق بأيهما لأنه قد حكم بأسلامه.

فأما لو كان أحدهما فاطميا والآخر غير فاطمى، فلا ترجيح بذلك، ولكن لا يصلح اماما، ولا تحل له الزكاة.

فأما لو كان أحدهما صالحا، والآخر فاسقا، فانه يلحق بهما معا.

فأما لو ادعاه رجل وأمرأة، فانه يكون أبا كاملا، والمرأة أما كاملة.

وأما اذا ادعاه امرأتان، فان تفردت احداهما بمزية، لحق بها وان

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 435 المسألة رقم 1806 الطبعة السابقة.

(2)

التاج المذهب فى أحكام المذهب لابن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 452، ص 453 الطبعة السابقة وشرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 69، ص 70 الطبعة السابقة.

ص: 102

لم تنفرد، فلا يلحق بأيهما، سواء بينتا أم لا، لأن كذب احداهما معلوم، الا أن يصدق احداهما بعد بلوغه، فانه يلحق بها، بخلاف الرجلين، فهو يمكن أن يكون منهما.

فلو التقطه اثنان وتشاجرا فى حضانته، كان على رأى الحاكم، اما عين أحدهما، والا أقرع بينهما، وليس له أن يتناوباه، لأن ذلك اضرار به لوحشته واختلاف غذائه.

ويحكم

(1)

لمن حمل به فى الكفر من أبويه بالكفر، لأن أمه علقت به وهى كافرة وأبوه كافر، والولد يلحق بأبويه فى الكفر والاسلام.

فلو أتت به لستة أشهر من الوط ء بعد الردة، أو لثلاثة أشهر قبلها، وثلاثة أشهر بعدها، حكمنا بكفر الولد حينئذ.

فان أتت به لدون ستة أشهر، أو التبس عدد الشهور حكمنا باسلامه.

قال فى شرح الأزهار

(2)

: لأن كل مولود يولد على الفطرة.

ويحكم للملتبس

(3)

حاله هل هو مسلم أم كافر بالدار التى هو فيها حيث لا قرينة، فان كانت دار اسلام حكم له بالاسلام، ولو وجد فى كنيسة أو بيعة، وان كانت دار كفر حكم له بالكفر.

‌مذهب الأمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(4)

: أنه اذا وطئ اثنان امرأة وطئا يلحق به النسب، فأما أن تكون زوجة لأحدهما ومشتبهة على الآخر، أو مشتبهة عليهما، أو يعقد كل واحد منهما عليها عقدا فاسدا، ثم تأتى بولد لستة أشهر فصاعدا ما لم يتجاوز أقصى الحمل، فحينئذ يقرع بينهما، ويلحق بما تعينه القرعة سواء كان الواطئان مسلمين، أو كافرين، أو عبدين، أو حرين، أو مختلفين فى الاسلام والكفر والحرية والرق، أو أبا وابنه، هذا اذا لم يكن لأحدهما بينة، ويلحق النسب بالفراش المنفرد، والدعوى المنفردة، والدعوى المشتركة، ويقضى فيه بالبينة، ومع عدمها بالقرعة.

وجاء فى الخلاف

(5)

: أنه اذا اشترك اثنان فى وط ء امرأة فى طهر واحد،

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب ج 4 ص 465، ص 466 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 580 الطبعة السابقة.

(3)

التاج المذهب لأبى القاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 466 الطبعة السابقة

(4)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 230 الطبعة السابقة.

(5)

من كتاب الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 644، ص 645 المسألة رقم 23 الطبعة السابقة.

ص: 103

وكان وطئا يصح أن يلحق به النسب، وأتت به لمدة يمكن أن يكون من كل واحد منهما، أقرعنا بينهما، فمن خرجت قرعته ألحقناه به، وبه قال على عليه السلام، وذلك لا جماع الفرقة وأخبارهم، فانهم لا يختلفون فى ذلك، ولا نعتمد فى ذلك على قول القافة، لأن القافة لا حكم لها فى الشرع، لما روى أن العجلانى قذف زوجته بشريك بن السحماء وكانت حاملا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ان أتت به على نعت كذا وكذا فما أراه الا أنه قد كذب عليها، وان أتت به على نعت كذا وكذا فهو من شريك بن السحماء فأتت به على النعت المكروه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا الايمان لكان لى ولها شأن، فوجه الدلالة أنه صلى الله عليه وسلم عرف الشبه، ولم يعلق الحكم به، فلو كان له حكم لكان يعلق الحكم به فيقيم الحد على الزانى، فلما لم يفعل هذا ثبت أن الشبه لا يعلق به حكم.

والدليل على أن الولد لا يلحق برجلين قول الله تبارك وتعالى «يا أَيُّهَا النّاسُ إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى}

(1)

» فلا يخلو أن يكون كل الناس من ذكر وأنثى، أو كل واحد منهم من ذكر وأنثى، فبطل أن يريد كل الناس من ذكر وأنثى لأن كل الناس من ذكر واحد، وهو آدم عليه السلام خلق وحده، ثم خلق حواء من ضلعه الأيسر، ثم خلق الناس منهما، فاذا بطل هذا ثبت أنه أراد خلق كل واحد من ذكر وأنثى، فمن قال من أنثى وذكرين فقد ترك الآية.

وجاء فى الروضة البهية

(2)

: أنه لو تداعى بنوة اللقيط اثنان ولا بينة لأحدهما، أو لكل منهما بينة، فالقرعة لأنه من الأمور المشكلة، وهى لكل أمر مشكل، ولا ترجيح لأحدهما بالاسلام، وان كان اللقيط محكوما باسلامه ظاهرا على قول الشيخ فى الخلاف، لعموم الأخبار فيمن تداعوا نسبا لتكافؤهما فى الدعوى.

ورجح فى المبسوط دعوى المسلم، لتأييدها بالحكم باسلام اللقيط على تقديره، ومثله تنازع الحر والعبد مع الحكم بحرية اللقيط، ولو كان محكوما بكفره أو رقه اشكل الترجيح، وحيث يحكم به للكافر يحكم بكفره على الأقوى للتبعية، وكذا لا ترجيح بالالتقاط، بل الملتقط كغيره فى دعوى نسبه، لجواز أن يكون قد سقط أو نبذه، ثم عاد الى أخذه، ولا ترجيح لليد فى النسب، نعم لو لم يعلم كونه ملتقطا، ولا صرح ببنوته، فادعاه غيره فنازعه، فان قال: هو لقيط وهو ابنى فهو سواء وان قال: هو ابنى

(1)

الآية رقم 13 من سورة الحجرات.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 242 الطبعة السابقة.

ص: 104

واقتصر ولم يكن هناك بينة على أنه التقطه فقد قرب فى الدروس ترجيح دعواه عملا بظاهر اليد.

وجاء فى شرائع الاسلام

(1)

: أنه لو تشاح ملتقطان مع تساويهما فى الشرائط أقرع بينهما، اذ لا رجحان، وربما انقدح الاشتراك، ولو نزل أحدهما للأخر صح، ولم يفتقر النزول الى اذن الحاكم، لأن ملك الحضانة لا يعدوها.

واذا التقطه اثنان، وكل واحد منهما لو انفرد أقر فى يده وتشاحا فيه، أقرع بينهما سواء كانا موسرين، أو أحدهما حاضرين، أو أحدهما، وكذا ان كان أحد الملتقطين كافرا ولو وصف أحدهما علامة لم يحكم له.

واذا ادعى بنوته اثنان، فان كان لأحدهما بينة حكم بها، وان أقام كل واحد منهما بينته أقرع بينهما، وكذا لو لم يكن لأحدهما بينة، ولو كان الملتقط أحدهما، فلا ترجيح باليد، اذ لا حكم لها فى النسب، بخلاف المال، لأن لليد فيه أثرا.

واذا اختلف كافر ومسلم، أو حر وعبد فى دعوى بنوته.

قال الشيخ: يرجح المسلم على الكافر والحر على العبد.

وفيه تردد.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: أنه ان ولدت امرأتان مسلمتان أو مشركتان، أو احداهما مسلمة والأخرى مشركة، حرتان أو أمتان، أو احداهما حرة والأخرى أمة، زوجان، أو احداهما زوج والأخرى سرية، وكذا الأزواج فى بيت أو غيره، فماتتا هما أو احداهما أو حييتا معا، ولا يفرز ولداهما، فاختلف أبواهما، أو أماهما، أو أولياؤهما على الولدين، سواء كانا ذكرين، أو أنثيين أو أحدهما ذكرا والآخر أنثى، أو تنازعا فى الحى منهما، ان مات الآخر، أو ماتا معا، وهذا لأمر التجهيز والدفن، ولا يقعد أحدهما للآخر، فالولدان خليطان، وكذا ثلاث نسوة فأكثر لثلاثة رجال فأكثر، وامرأتان فأكثر لرجل، وولدان فأكثر لامرأة مع ولد فصاعد الأخرى.

وقيل: يحكم بالشبه أو القافة.

وأما لغيرهما فهما قاعدان لغيرهما، وكذا ناقتان، أو شاتان، أو بقرتان، أو غير ذلك فصاعدا ولدتا بمحل ليلا،

(1)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 175 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 689، ص 690، ص 691 الطبعة السابقة.

ص: 105

أو فى ظلمة، أو فى نهار ضوء لكن لم يحضروا ولادتهما، فاختلط أولادهما، فاختلف أصحابهما ولو وجد أتباع من نتاج الأمهات، أو من أمهات النتاج، أى لا يحكم باتباع الاولاد الأمهات، أو باتباع الأمهات الأولاد، فلا تعود لأربابها بالتبع، فالأولاد مال مختلط يصلحون فيه، وذلك لأن الأولاد كلها تبعت الأمهات كلهن، أو الأمهات كلهن تبعن الأولاد كلها، أو الولد تبع الأمهات كلهن، أو تبعت أم منهن كل الأولاد، ونحو ذلك من صور التعدد.

وقيل: يحكم بالشبه.

وأما ان انفردت احداهما أى احدى الأمين وكذا احدى الأمهات عن المحل بأحد الأولاد فى الاتباع تبعته أو تبعها، ودخل فى ذلك ما لو كان كل واحد يتبع غير ما يتبع الآخر فربها أقعد فيه أى فى الولد، لعلة الاتباع، فيبقى الآخر للآخر أو الباقى للباقين، الا ان كانت احدى الأمهات ولدت اثنين فأكثر، والأخرى ولدت واحدا فصاعدا، فانه يقعد فى الذى تبع دابته أو تبعته، ويشترك فى الباقى بواحد شركة خلطة، وكذا ان مات احداهما وعاش الآخر على ما مر من أنه ان مات أحد الولدين، واختلف أصحابهما فى الحى كل يدعيه فلا يقعد أحدهما فى الحى ولا فى البيت، بل شركة خلطة فيهما تبعتا الحى، أو تبعهما، أو لم تتبعاه، ولم يتبعهما وان تبعته احداهما، أو تبع أحداهما قعد فيه ربها، وان ماتتا ووجد ولد واحد فهو مختلط فى الآدميات أو البهائم.

ثم قال: وقعد رب مرضعة فى رضيعها ولو وقفت حولها أخرى تلحسه أو تتحنن عليه، لأن الرضاعة أقوى من ذلك.

ولا يحكم فى بنى آدم بقبول الولد لأحدى المرأتين، وان رضعهما معا، أو اتبعهما معا فشركة.

‌الاشتباه فى الغصب

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(1)

: أن الغاصب لو خلط دراهم الغصب بدراهم نفسه خلطا لا يتميز، ضمن مثلها وملك المخلوط، لأنه أتلفها بالخلط، وان مات كان ذلك لجميع الغرماء، والمغصوب منه أسوة الغرماء، لأنه زال ملكه عنها وصار ملكا للغاصب.

ولو اختلطت دراهم الغصب بدراهم نفسه بغير صنعة، فلا يضمن، وهو شريك للمغصوب منه، لأن الاختلاط من غير صنعة هلاك، وليس باهلاك فصار كما لو تلفت بنفسها، وصارا شريكين، لاختلاط الملكين على وجه لا يتميز.

ولو أن رجلا له كران اغتصب رجل

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 166 الطبعة السابقة.

ص: 106

أحدهما، ثم أن المالك أودع الغاصب ذلك الآخر، فخلطه بكر الغصب، ثم ضاع ذلك كله، ضمن كر الغصب، ولم يضمن كر الوديعة بسبب الخلط لأنه خلط ملكه بملكه وذلك ليس باستهلاك فلا يجب الضمان عليه بسبب الخلط وبقى الكر المضمون وكر الأمانة فى يده على حالهما، فصار كأنهما هلكا قبل الخلط.

وجاء فى الفتاوى الهندية

(1)

: أن الغاصب اذا خلط المغصوب بمال نفسه أو بمال غيره فهو على ضربين:

خلط ممازجة، وخلط مجاورة.

أما خلط الممازجة فهو على ضربين:

خلط لا يمكن التمييز بينهما بالقسمة كخلط دهن الجوز بدهن البذر، ودقيق الحنطة بدقيق الشعير، فالخالط ضامن، ولا حق للمالك فى المخلوط بالاجماع.

وان أمكن التمييز بينهما بالقسمة كخلط الجنس بالجنس مثل الحنطة بالحنطة، واللبن باللبن، فكذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وعندهما المالك بالخيار، ان شاء ضمنه مثل حقه، وان شاء شاركه فى المخلوط، واقتسماه على قدر حقهما.

وأما خلط المجاورة فهو على ضربين خلط يمكن التمييز معه بلا كلفة ومشقة.

وخلط لا يمكن التمييز معه الا بكلفة ومشقة.

فان أمكن التمييز بينهما بلا كلفة ومشقة كخلط الدراهم بالدنانير، والبيض بالسود لا يضمن الخالط، ويميز.

وان لم يمكن التمييز الا بكلفة ومشقة، كخلط الحنطة بالشعير، ذكر فى الكتاب أنه يضمن الخالط، ولم يذكر الخيار للمالك نصا.

ثم اختلفوا.

قيل: هذا قولهما.

وفى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى:

لا يشترك، لأن الحنطة لا تخلو عن حبات الشعير، فيكون خالط الجنس بالجنس فيملك عنده.

وقيل: له الخيار عندهم جميعا.

وقيل: الصحيح أنهما لا يشتركان عندهم جميعا.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح

(2)

الكبير: أن من زرع أرضا بوجه شبهة،

(1)

الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للأوزجندى ج 5 ص 132 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه تقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 462 الطبعة السابقة.

ص: 107

بأن اشتراها، أو ورثها، أو اكثراها من غاصب، ولم يعلم بغصبه، ثم استحقها ربها قبل فوات ما تراد له تلك الأرض، فليس للمستحق الاكراء تلك السنة، وليس له قلع الزرع، لأن الزارع غير متعد.

فان فات الابان، فليس للمستحق على الزارع شئ، لأنه استوفى منفعتها، والغلة لذى الشبهة، والمجهول للحكم.

واذا جهل حال الزارع، هل هو غاصب أم لا؟ فكالتى قبلها، حملا له على أنه ذو شبهة، اذ الأصل فى الناس عدم العداء

(1)

.

والغلة لذى الشبهة من مشتر، ومكتر من غاصب لم يعلما بغصبه، لا وارثه مطلقا، كموهوبة أن أعسر الغاصب، ولا من أحيا أرضا يظنها مواتا، فلا غلة لهم، ولذا قال أبو الحسن: الغلة لا تكون لكل ذى شبهة، أو المجهول حاله، هل هو غاصب، أو هل واهبه غاصب، أم لا، للحكم بالاستحقاق على من هى بيده، ثم تكون للمستحق والوارث من غير الغاصب، بل من ذى شبهة أو مجهول، أو من مشتر من نحو غاصب.

وأما وارث الغاصب فلا غلة له اتفاقا.

وموهوب من غير غاصب أو منه ان أيسر الغاصب، لا ان أعسر.

فلا غلة لموهوبه ومشتر من الغاصب اذا تحقق عدم علمهم، أو جهل علمهم، لحملهم على عدم العلم، فالغلة لهم الى يوم الحكم بها للمستحق، فان علموا فلا غلة لهم بل تكون للمستحق.

وان انفذت

(2)

وصية ميت استحقت رقبته بعد موته برق، وكان قد أوصى بوصايا، أنفذ وصيه قبل الاستحقاق، لم يضمن وحتى صرف المال فيما أمر بصرفه فيه، والا ضمن، ولا يضمن، حاج حج عنه بأجره من تركته كما أوصى، ان اشتهر الميت أيام حياته بين الناس بالحرية، ولم يظهر عليه شئ من أمارات الرق، بل ولو جهل حاله على الأرجح، لأن الأصل فى الناس الحرية لكن رجح أن الحاج اذا عينه الميت لم يضمن، وان لم يعرف بالحرية، وأخذ السيد المستحق للميت ما كان باقيا من تركته لم يبع، وما بيع وهو قائم بيد المشترى لم يفت بالثمن الذى اشتراه به المشترى ولا ينقض البيع، فيدفع السيد الثمن للمشترى، ويرجع به على الوصى الذى باعه به، ان كان باقيا بيده، أو صرفه فى غير ما أمر به شرعا، والا لم يرجع عليه بشئ كما تقدم.

وكمشهود بموته تصرف وارثه، أو وصيه فى تركته، وتزوجت زوجته، ثم

(1)

المرجع السابق للدسوقى ج 3 ص 464 الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 472، ص 473 الطبعة السابقة ..

ص: 108

قدم حيا ان عذرت بينة الشاهد بموته فى دفع تعمد الكذب عنها بأن رأته صريعا فى المعركة، فظنت موته، أو مطعونا فيها، ولم يتبين لها حياته، أو نقلت عن غيرها، فانه يأخذ ما وجد من ماله، ويأخذ ما بيع بالثمن ان كان قائما بيد المشترى لم يفت، والا بأن لم يعرف الأول بالحرية، ولم تعذر بينة الثانى، فالآخذ لشئ كالمشترى من الغاصب، فيأخذ ربه ما وجده ان شاء، وان شاء أخذ الثمن، سواء فات أو لم يفت، وترد له زوجته ولو دخل بها غيره.

وما فات بيد المشترى فى المسألتين، فالثمن يرجع به للمستحق للميت والمشهود بموته على الوصى ان لم يصرفه فيما أمر به شرعا.

والمراد بالفوات هنا ذهاب العين، أو تغير الصفة كما أشار له بقوله:

كما لو دبر المشترى العبد، وأولى ان أعتقه، أو كبر صغير عنده فيتعين أخذ الثمن، بخلاف قوله: والا فكالغاصب، فله أخذه، أو الثمن، ولو اعتقه أو كاتبه أو أولدها فله أخذها، وقيمة الولد.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(1)

أنه ان غصب شخص شيئا فخلطه بمالا يتميز منه من جنسه بأن غصب صاعا من زيت فخلطه بصاع من زيته، أو صاعا من الطعام فخلطه بصاع من طعامه، نظرت.

فان خلطه بمثله فى القيمة، فله أن يدفع اليه صاعا منه، لأنه تعذر بالاختلاط عين ماله، فجاز أن يدفع اليه البعض من ماله، والبعض من مثله.

وان أراد أن يدفع اليه مثله من غيره وطلب المغصوب منه مثله منه ففيه وجهان.

أحدهما، وهو المنصوص: أن الخيار الى الغاصب لأنه لا يقدر على رد عين ماله، فجاز أن يدفع اليه مثله، كما لو هلك.

والثانى وهو قول أبى اسحاق، وأبى على بن أبى هريرة: أنه يلزمه أن يدفع اليه صاعا منه، لأنه يقدر أن يدفع اليه بعض ماله، فلا ينتقل الى البدل فى الجميع، كما لو غصب صاعا فتلف بعضه.

وان خلطه بأجود منه، فان بذل الغاصب صاعا منه، لزم المغصوب منه قبوله لأنه دفع اليه بعض ماله، وبعض مثله خيرا منه.

وان بذل مثله من غيره، وطلب المغصوب منه صاعا منه، ففيه وجهان.

(1)

من كتاب المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 371 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 109

أحدهما وهو المنصوص فى الغصب أن الخيار الى الغاصب: لأنه تعذر رد المغصوب بالاختلاط، فقبل منه المثل.

والثانى: أنه يباع الجميع ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما، وهو المنصوص فى التفليس، لأنا اذا فعلنا ذلك أوصلنا كل واحد منهما الى عين ماله، واذا أمكن الرجوع الى عين المال، لم يلزم الرجوع الى البدل، فان كان ما يخص المغصوب منه من الثمن أقل من قيمة ماله، استوفى قيمة صاعه، ودخل النقص على الغاصب، لأنه نقص بفعله، فلزمه ضمانه.

وعلى هذا الوجه ان طلب المغصوب منه أن يدفع اليه من الزيت المختلط بقدر قيمة ما له ففيه وجهان.

أحدهما: لا يجوز، وهو قول أبى أسحاق، لأنه يأخذ بعض صاع عن صاع وذلك ربا.

والثانى: أنه يجوز، لأن الربا انما يكون فى البيع، وليس ها هنا بيع، وانما يأخذ هو بعض حقه، ويترك بعضه، كرجل له على رجل درهم فأخذ بعضه، وترك البعض وان خلطه بما دونه، فان طلب المغصوب منه صاعا، وامتنع الغاصب، أجبر على الدفع، لأنه رضى بأخذ حقه ناقصا.

وان طلب مثله من غيره، وامتنع الغاصب أجبر على دفع مثله، لأن المخلوط دون حقه، فلا يلزمه أخذه.

ومن أصحابنا من قال: يباع الجميع، ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما، ليصل كل واحد منهما الى عين ماله، وان نقص ما يخصه من الثمن عن قيمته، ضمن الغاصب تمام القيمة لأنه نقص بفعله.

وان غصب شيئا فخلطه بغير جنسه أو نوعه.

فان أمكن تمييزه كالحنطة اذا اختلطت بالشعير، أو الحنطة البيضاء اذا اختلطت بالحنطة السمراء، لزمه تمييزه ورده، لأنه يمكن رد العين، فلزمه.

وان لم يمكن تمييزه كالزيت اذا خلطه بالشيرج، لزمه صاع من مثله، لأنه تعذر رد العين بالاختلاط، فعدل الى مثله.

ومن أصحابنا من قال: يباع الجميع، ويقسم الثمن بينهما على قدر قيمتهما، ليصل كل واحد منهما الى عين ماله، كما قلنا فى القسم قبله.

وان غصب دقيقا فخلطه بدقيق له ففيه وجهان.

أحدهما: أن الدقيق له مثل، وهو

ص: 110

قول: أبى العباس وظاهر النص، لأن تفاوته فى النعومة والخشونة ليس بأكثر من تفاوت الحنطة فى صغر الحب وكبره، فعلى هذا يكون حكمه حكم الحنطة اذا خلطها بالحنطة.

والثانى: أنه لا مثل له وهو قول أبى أسحاق لأنه يتفاوت فى الخشونة والنعومة ولهذا لا يجوز بيع بعضه ببعض.

فعلى هذا اختلف أصحابنا فيما يلزمه.

فمنهم من قال: يلزمه قيمته لأنه تعذر رده بالاختلاط، ولا مثل له، فوجبت القيمة.

ومنهم من قال: يصيران شريكين فيه فيباع، ويقسم الثمن بينهما، على ما ذكرناه فى الزيت اذا خلطه بالشيرج.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

: أن الغاصب ان خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز فيه المغصوب عن غيره، مثل أن يخلط حنطة بمثلها أو يخلط دقيقا بمثله، أو زيتا بمثله، أو نقدا بمثله، لزم الغاصب مثل المغصوب المختلط من المغصوب وغيره، لأنه قدر على دفع بعض ماله اليه مع رد المثل فى الباقى، فلم ينتقل الى بدله فى الجميع، كما لو غصب صاعا، فتلف بعضه.

ولا يجوز للغاصب أن يتصرف فى ماله منه بدون اذن المغصوب منه، لأنها قسمة، فلا تجوز بغير رضا الشريكين.

ولا يجوز أيضا للغاصب أن يخرج قدر الحرام من المختلط بدون اذن المغصوب منه، لأنه اشتراك، فلا يقاسم نفسه لا استهلاك.

وأنكر الامام قول من قال: يخرج منه قدر ما خالطه.

هذا ان عرف ربه.

فان لم يعرف، تصدق به عن ربه، وما بقى حلال، وان عبر الحرام الثلث قال أحمد فى الذى يعامل بالربا يأخذ رأس ماله، ويرد الفضل ان عرف ربه، والا تصدق به، ولا يؤكل عنده شئ.

وان شك فى قدر الحرام تصدق بما يعلم أنه أكثر منه، نص عليه.

وان خلط المغصوب بدونه من جنسه، أو خلطه بخير منه من جنسه، أو خلطه بغير جنسه مما له قيمة ولو بمغصوب مثله لآخر، وكان الخلط على وجه لا يتميز كزيت بشيرج، فمالكا المخلوطين شريكان بقدر قيمتهما، فيباع الجميع، ويدفع الى

(1)

كشاف القناع وبهامشه منته الارادات ج 2 ص 350، ص 351 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 346 الطبعة السابقة.

ص: 111

كل واحد قدر حقه، كاختلاطهما من غير غصب، لأنه اذا فعل ذلك وصل كل منهما الى حقه، فان نقص المغصوب عن قيمته منفردا فعلى الغاصب ضمان النقص، لأنه حصل بفعله.

وان خلطه بما لا قيمة له كزيت بماء.

فان أمكن تخليصه، خلصه ورده ونقصه.

وان لم يكن تخليصه أو كان يفسده فعليه مثله.

وان اختلط درهم لانسان بدرهمين لآخر من غير غصب، فتلف درهمان اثنان، فما بقى وهو درهم فهو بينهما نصفين، لأنه يحتمل أن يكون التالف الدرهمين، فيختص صاحب الدرهم به، ويحتمل أن يكون التالف درهما لهذا، ودرهما لهذا، فيختص صاحب الدرهمين بالباقى، فتساويا، لا يحتمل غير ذلك، ومال كل واحد منهما متميز قطعا، بخلاف المسائل المتقدمة، غايته أنه أبهم علينا، ذكره فى الأنصاف.

وقال فى تصحيح الفروع قلت ويحتمل القرعة وهو أولى، لأنا متحققون أن الدرهم لواحد منهما لا يشركه فيه غيره، وقد اشتبه عاينا فأخرجناه بالقرعة، وان خلط المغصوب بغير جنسه فتراضيا على أن يأخذ المغصوب منه أكثر من حقه أو أقل منه.

جاز، لأن بدله من غير جنسه، فلا تحرم الزيادة بينهما، بخلاف ما لو خاطه بجيد، أو ردئ، واتفقا على أن يأخذ أكثر من حقه من الردئ، أو دون حقه من الجيد، لم يجز، لأنه ربا، وان كان بالعكس فرضى بأخذ دون حقه من الردئ، أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من الجيد، جاز، لأنه لا مقابل للزيادة.

‌مذهب الظاهرية:

(1)

جاء فى المحلى أن من غصب شيئا أو أخذه بغير حق، لكن ببيع محرم، أو هبة محرمة، أو بعقد فاسد، أو وهو يظن أنه له ففرض عليه أن يرده ان كان حاضرا، أو ما بقى منه ان تلف بعضه، أقله أو أكثره، ومثل ما تلف منه أو يرده، ومثل ما نقص من صفاته، أو مثله ان فاتت عينه، وأن يرد كل ما اغتل منه، وكل ما تولد منه كما قلنا سواء سواء الحيوان، والدور، والشجر، والأرض، والرقيق، وغير ذلك سواء فى كل ما قلنا، فيرد كل ما اغتل من الشجر، ومن الماشية من لبن، أو صوف أو نتاج، ومن العقار اكداء.

وان كانت أمة فأولدها، فان كان عالما فعليه الحد حد الزنا، ويردها

(1)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 8 ص 135 مسألة رقم 1259 الطبعة السابقة.

ص: 112

وأولادها، وما نقصها وطؤه، وان كان جاهلا فلا شئ عليه من حد ولا اثم، لكن يردها، ويرد أولاده منها رقيقا لسيدها، ويرد ما نقصها وطؤه:

ولا شئ لكل من ذكرنا على المستحق فيما أنفق كثر أم قل.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(1)

: أن الغاصب يملك ما استلهكه بخلطه سواء خلطه بملكه أم بملك غيره، حتى لم يتميز، وليس من ذوات الأمثال أو فعل فيه فعلا كان سبب ازالة اسمه واذهاب معظم منافعه، فانه يصير بذلك مستهلكا له، فيملكه عند القاسم، وتلزمه قيمته ان كان من ذوات القيم، أو مثله ان كان من ذوات الأمثال، وذلك نحو أن يغصب قطنا فغزله، أو غزلا، فنسجه، أو بيضا فأحضنه، أو حبا فطحنه، أو بذر به فى أرض ندية تنبت، أو سقاه أو دقيقا فخبزه، ونحو ذلك، ولا بد من هذه القيود الثلاثة زوال الاسم، وزوال معظم المنافع، وكون زوالها بفعل الغاصب.

وعند المؤيد بالله أنه يأخذه صاحبه، ولا حق فيه للغاصب، لأن كل فعل اذا فعله المالك فى ملكه، لم يزل به ملكه، فانه لا يكون استهلاكا اذا فعله الغاصب، وهو قول الناصر، فعلى هذا لا يكون الغزل والنسج والطحن ونحوها استهلاكا عنده، لكن يلزم الغاصب الأرش والاعتذار والاستحلال للاساءة.

واذا راضى الغاصب المالك فانه يطيب له الشئ المستهلك بعد المراضاة لمالكه.

فلو تصرف قبل المراضاة ببيع، أو هبة، أو نحو ذلك، لم ينفذ تصرفه ذكر ذلك أبو مضر، ولم يفرق بين أن تزول العين بالكلية كالنوى اذا صار شجرا أم لا، كالحب اذا طحنه، وهكذا عن الكافى.

وان التبس

(2)

المالك مع كونه متعددا منحصرا قسمت تلك العين فيما بينهم، لكن لا يقسم الا بعد اليأس من معرفته، وهذا مذهب الهادوية وأحد قولى المؤيد بالله.

وقال المنصور بالله وأحد قول المؤيد بالله: أنه اذا التبس المالك صارت العين لبيت المال.

قال مولانا عليه السلام. والظاهر من مذهب الهادوية أنه لا يلزمه شئ آخر فى الباطن بعد القسمة.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 539، ص 540 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار وهامشه ج 3 ص 557 الطبعة السابقة.

ص: 113

وقد يقال: بل يلزمه لكل واحد قيمة كاملة فى الباطن، لأن ذمته مشغولة بيقين، فلا تبرأ الا بيقين.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(1)

: أنه يجب رد المغصوب ما دام باقيا ولو تعسر، كالخشبة تستدخل فى البناء، واللوح فى السفينة، ولا يلزم المالك أخذ القيمة، وكذا لو مزجه مزجا يشق تميزه كمزج الحنطة والشعير، أو الدخن بالذرة، وكلف تميزه واعادته، ولو خلط ثوبه بخيوط مغصوبة، فان امكن نزعها، ألزم ذلك، وضمن ما يحدث من نقص، ولو خشى تلفها بانتزاعها لضعفها ضمن القيمة، وكذا لو خلط بها جرح حيوان له حرمة، لم ينتزع الا مع الأرش عليه تلفا وشيئا وضمنها.

ولو حدث فى المغصوب عيب مثل تسويس التمر، أو تخريق الثوب رده مع الأرش ولو كان العيب غير مستقر، كعفن الحنطة، قال الشيخ يضمن قيمة المغصوب ..

ولو قيل يرد العين مع أرش العيب الحاصل، كلما ازداد عيبا دفع أرش الزيادة كان حسنا، ولو كان بحاله رده، ولا يضمن تفاوت القيمة السوقية.

واذا غصب دهنا

(2)

كالزيت أو السمن فخلطه بمثله، فهما شريكان، وان خلطه بأدون أو أجود.

وقيل: يضمن المثل لتعذر تسليم العين.

وقيل يكون شريكا فى فضل الجودة ويضمن المثل فى فضل الرداءة الا أن يرضى المالك بأخذ العين، أما لو خلطه بغير جنسه فانه يكون مستهلكا ويضمن المثل.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح

(3)

النيل: ان من جار عليه باغ يخير ان علم أن ما أخذه الباغى ممن هو فى يده، فكان فى يده هو وتملكه وليس ملكا له، كان بيد من أخذه ذلك الغاصب منه بغصبه أى غصبه من غاصب، وكذا لو كانت الغصبة ثلاثة فصاعدا كل واحد يغصب من الآخر، وتداوله غاصبان أو أكثر يغصبه من غاصب هو عمرو، ثم يغصبه عمرو من غاصب منه فى أخذه منه اى من الغاصب الأخير للرد

(1)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 152 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للمحقق الحلى ج 2 ص 154 الطبعة السابقة.

(3)

من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 441، ص 442 ص 443 طبع مطبعة يوسف البارونى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

ص: 114

لربه ان علمه، أو لم يعلمه، فان تشاكل عليه وأيس منه أنفقه أو أوصى به، ولا يرده للغاصب الأول، ولا لغيره من الغصبة وانما سمى الغاصب من الغاصب غاصبا مع أنه ليس ملكا للغاصب المغصوب منه لأن الذى أخذه من الغاصب لم يأخذه ليرده لمالكه، بل ليأكله، أو يتلفه، أو يتصرف فيه، وخير فى تركه وأخذه، وذكر

التخيير هنا، ولم يذكره فى غاصب من صاحب المال مع أن التخيير صحيح فيه أيضا، لأن أخذه من غاصب من مالكه آكد.

وانما تجب تنجية مال المسلم اذا كانت بلا قتال.

وقيل: لا تجب ولو بلا قتال.

وكذا يخير فى كل مال مريب أخذه ممن فى يده بريبة أو أخذه غصبا من غاصب من مريب.

وكذا فى كل مال حرام، مثل أن يغصب مال من يخالط الحرام أو الربا أو يغصب الربا أو ما أعطى المغصوب منه فى زنا أو لعب ولهو، فان أخذه فانما يعطيه من انتقل منه الى المغصوب منه، سواء غصب من ذى ريبة أو حرام، أو من غاصب أو أكثر عن ذى ريبة أو حرام.

ووجه ذلك ونحوه أن النهى عن المنكر بقدر الطاقة، فاذا أطلق بيده فعل بيده كهذه المسائل.

وحل لمن جار عليه باغ دفاعه وقتاله من مال آخذه لا يحل له أخذه ولو ريبة ولو لم يعلم ربه ويعمل فيه بعلم ان نزعه منه بأن يعطيه ربه أو الفقير ان لم يعلمه، أو ثمنه، أو يوصى به، أو يعطيه لمن هو فى يده بالريبة، ولا يزكيه.

وقيل: يزكيه ان تم فيه النصاب، أو علم صاحبه أنه تم عنده اذا كان مما يزكى، والا فحتى يعلم أنه يتحر فيه.

والصحيح أنه لا يزكيه، لأن صاحبه ممنوع عنه.

ثم قال: ومن طلب باغيا على ماله، أو مال غيره وجمع له رجالا يقاتله بهم، أو قاتله وحده، أو مع واحد، أو اثنين، وقتله بنفسه، أو بغيره، أو لم يقتله، ووجد ما أخذه ذلك الباغى مال غيره، وكان يطلبه على مال نفسه، وعلى مال نفسه قاتل، ووجد ما أخذه الباغى مال رجل آخر مثلا غير مال الرجل الذى يطلب له ماله أو علم ذلك قبل قتاله، فعلم أن ما أخذه الغاصب غير ماله، وكذا ان علم أنه مال رجل غير الرجل الذى يطلب له، أو علم باختلاطه، أى باختلاط ماله بمال غيره، أو باختلاط مال رجل بمال رجل مثلا، أو باختلاط مال الغاصب بمال الطالب، أو مال رجل يطلب له ذلك الطالب ماله، أو مال الغاصب بمال الطالب، أو مال رجل يطلب له ذلك الطالب ماله، أو مال رجل آخر، أو

ص: 115

اختلاط ذلك كله، أو بعضه من باقى الصور التى ذكرت، أو لم يعلم بالاختلاط فى أى صورة فرضت، حتى أخذها من الغاصب، أو قاتل، أو علم باختلاط أموال بيده.

وكذا مظنة الاختلاط، بأن علم أن ما بيد الغاصب من ماله نوعين فصاعدا كتمر وغنم، أو ماله ومال غيره كذلك، كتمره وغنم غيره، أو مال غيره، كتمر رجل وغنم رجل وكذا أنواع، جاز فى ذلك كله القتال والقتل، وهجومه على ذلك الغاصب وغيره على غفلة، أو نوم أو نحوه أو أشتغال، فاذا نزع مختلطا فرزه وواصل كلا بيد صاحبه، أو فقير ان لم يعلم، وحزر ماله، ورد للغاصب ماله، وان لا يفرز هذا المختلط استعمل فيه القسمة، لأن القسمة تكون فى المال المختلط الذى يعسر فرزه، كشعير وبر، أو يستحيل فرزه كزيت بزيت.

‌الاشتباه فى بلوغ الصّبىّ

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(1)

: أن البلوغ يعرف بالاحتلام والاحبال والانزال.

وفى الجارية يعرف بالحيض والاحتلام والحبل.

فان لم يوجد شئ من ذلك فيعتبر بالسن والاحتلام، والاحتلام لا يتأخر عن خمس عشرة سنة عادة.

فاذا لم يحتلم الى هذه المدة علم ان ذلك لآفة فى خلقته، والآفة فى الخلقة لا توجب آفة فى العقل فكان العقل قائما بلا آفة فوجب اعتباره فى لزوم الأحكام.

وقد روى عن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه أنه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام وهو ابن أربع عشرة سنة، فرده، وعرض وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه فقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة حدا للبلوغ.

ولأبى حنيفة رضى الله تعالى عنه أن الشرع لما علق الحكم والخطاب بالاحتلام بالدلائل التى ذكرناها فيجب بناء الحكم عليه ولا يرتفع الحكم عنه ما لم يتيقن بعدمه، ويقع اليأس عن وجوده.

وانما يقع اليأس بهذه المدة لأن الاحتلام الى هذه المدة مقصور فى الجملة فلا يجوز ازالة الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع الاحتمال، على هذا أصول الشرع، فان حكم الحيض لما كان لازما فى حق الكبيرة لا يزول بامتداد الطهر ما لم يوجد اليأس، ويجب الانتظار لمدة اليأس، لاحتمال عود الحيض.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 171، ص 172 الطبعة السابقة.

ص: 116

وكذا التفريق فى حق العنين لا يثبت ما دام طمع الوصول ثابتا، بل يؤجل سنة، لاحتمال الوصول فى فصول السنة، فاذا مضت السنة، ووقع اليأس الآن، يحكم بالتفريق.

وكذا أمر الله سبحانه وتعالى باظهار الحجج فى حق الكفار، والدعاء الى الاسلام الى أن يقع اليأس عن قبولهم فما لم يقع اليأس لا يباح لنا القتال، فكذلك ههنا ما دام الاحتلام يرجى يجب الانتظار، ولا يأس بعد مدة خمس عشرة سنة الى هذه المدة، بل هو مرجو فلا يقطع الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع رجاء وجوده، بخلاف ما بعد هذه المدة، فانه لا يحتمل وجوده بعدها، فلا يجوز اعتباره فى زمان اليأس عن وجوده.

وأما الحديث فلا حجة فيه، لأنه يحتمل أنه أجاز ذلك لما علم النبى صلى الله عليه وسلم أنه احتلم فى ذلك الوقت.

ويحتمل أيضا أنه أجاز ذلك لما رآه صالحا للحرب، محتملا له على سبيل الاعتياد للجهاد، كما أمرنا باعتبار سائر القرب فى أول أوقات الامكان والاحتمال لها، فلا يكون حجة مع الاحتمال.

واذا أشكل أمر الغلام المراهق فى البلوغ فقال: قد بلغت يقبل قوله، ويحكم ببلوغه، وكذلك الجارية المراهقة، لأن الأصل فى البلوغ هو الاحتلام على ما بينا، وأنه لا يعرف الا من جهته، فالزمت الضرورة قبول قوله، كما فى الأخبار عن الطهر والحيض.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى

(1)

عليه: أن الصبى يصدق فى شأن البلوغ طالبا أو مطلوبا، كمطلق وجان ادعى عدمه، لدرء الحد بالشبهات، وكمدع وجوده، ليأخذ سهمه فى الجهاد، أو ليؤم الناس أو ليكمل به عدد جماعة الجمعة، ولو بالانبات، أن لم يرب ولم يشك فى صدقه فيما أخبر به.

فان ارتيب فيه لم يصدق، لكن فيما يتعلق بالأموال، كأن ادعى البلوغ ليأخذ سهمه، أو ادعى عليه أنه أتلف مالا أؤتمن عليه وأنه بالغ فأقر بذلك، وخالفه أبوه فى بلوغه، فلا ضمان عليه وصدق فى غير الأموال كالجناية والطلاق فلا يقع عليه ان ادعى عدم البلوغ لدرء الحدود بالشبهات، واستصحابا للأصل، فان ادعى وجوده صدق فى الطلاق فقط دون الجناية، لأن الريبة فى قوله شبهة تدرأ الحد عنه.

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 293، ص 294 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 117

‌مذهب الشافعية:

جاء فى الفتاوى الكبرى

(1)

: أنه اذا شهدت بينة بأن فلانا بالغ بالسن، وبينة أخرى بأنه لم يبلغ به، أو بأن عمره ثلاث عشرة سنة، فهل تكون من شهادة النفى مقبولة أولا، وهل يفرق بين الصورتين، وان قيل هذا فما صورة شهادة النفى المقبول وغيره؟

الذى صرحوا به: أنه لا بد فى الشهادة بالبلوغ بالسن من كون الشاهدين خبيرين، وأنه لا بد من ذكرهما لعدد السنين، لاختلاف العلماء فى سن البلوغ، فحينئذ اذا تعارضت بينتان، فان كانت احداهما خبيرة به دون الأخرى، قدمت الخبيرة على الأخرى، وكذا اذا أطلقت احداهما وعينت الأخرى، فقدم المعينة على المطلقة، وان كانتا خبيرتين وعينتا، كأن قالت واحدة سنه خمس عشرة سنة، وقالت الأخرى سنه أربع عشرة سنة قدمت الأولى، لأن معها زياده علم بكونها ناقلة أصل بقاء الحمل فى البطن، والأخرى مستصحبة لبقائه فيها، والناقلة مقدمة على المستصحبة، كما صرحوا به.

نعم ان عينت زمنا للولادة، بأن قالت ولد وقت كذا، وقالت الأخرى شاهدنا أمه فى ذلك الوقت، وهى غير والدة تعارضتا وتساقطتا.

وبما تقرر علم أن ما ذكره السائل نفع الله به من شهادة البينة بأن فلانا بالغ بالسن غير مقبولة، وكذا شهادة البينة الاخرى أنه غير بالغ بالسن، لما تقرر أنه لا بد من ذكر عدد السنين، وهذا من صورة شهادة النفى غير المقبول.

وان بين من لم يبلغ بالسن وعمره ثلاث عشرة سنة فرقا اذ الأولى غير معينة للسنين، فلا تقبل، وان لم يعارضها بينة أخرى، والثانية معينة لها فتقبل، ما لم تعارضها بينة أخرى، كما قدمته.

وصورة شهاده النفى المقبول هنا ما ذكرته من أن تعين بينته وقتا للولادة، وتقول الأخرى شاهدنا أمه فى ذلك الوقت غير والدة فهذا نص محصور فتقبل، بمعنى أنه تكفى البينة الأخرى، لما تقرر من تعارضهما.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

: أن من شك

(1)

الفتاوى الكبرى الفقهية للعالم ابن حجر المكى الهيثمى وبهامشه فتاوى العلامة شمس الدين بن العلامة شهاب الدين أحمد ابن أحمد بن حمزة الرملى ج 3 ص 55 طبع مطبعة عبد الحميد أحمد حنفى بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منته الارادات ج 4 ص 292 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 456، ص 457 الطبعة السابقة.

ص: 118

فى بلوغه ان أقر بالبلوغ، ثم أنكره مع الشك صدق بلا يمين.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

: أن الشرائع لا تلزم الا بالاحتلام أو الانبات الرجل والمرأة، أو بانزال الماء الذى يكون منه الولد وان لم يكن احتلام، أو بتمام تسعة عشر عاما، كل ذلك للرجل والمرأة، أو بالحيض للمرأة.

وأصله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد المدينة، وفيها صبيان وشبان وكهول، فالزم الأحكام من خرج عن الصبا الى الرجولة، ولم يلزمها الصبيان، ولم يكشف أحدا من كل من حواليه من الرجال هل احتلمت يا فلان وهل أشعرت - وهل أنزلت وهل حضت يا فلانة هذا أمر متيقن لا شك فيه، فصح يقينا ان ههنا سنا اذا بلغها الرجل أو المرأة، فهما ممن ينزل أو ينبت أو يحيض، الا أن يكون فيهما آفة تمنع من ذلك كما بالأطلس «الاطلس من الذئاب الذى تساقط شعره، وهو اخبث ما يكون» آفة منعته من اللحية، لولا ها لكان من أهل اللحى بلا شك هذا أمر يعرف بما ذكرنا من التوقف، وبضرورة الطبيعة الجارية فى جميع أهل الأرض.

ولا شك فى أن كل من أكمل تسع عشرة سنة ودخل فى عشرين سنة، فقد فارق الصبا، ولحق بالرجال، لا يختلف اثنان من أهل كل ملة وبلدة فى ذلك، وان كانت به آفة منعته من انزال المنى فى نوم، أو يقظة، ومن انبات الشعر، ومن الحيض.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى التاج المذهب

(2)

: أن مدعى البلوغ يصدق، فاذا ادعى الصغير سواء كان ذكرا أم أنثى، أنه قد بلغ قبل قوله.

ولا يمين عليه اذا ادعى البلوغ بالمنى فى اليقظة أو الاحتلام فقط. الا اذا ادعى البلوغ بالانبات، أو بالسنين، أو بالحيض فانه لا يقبل قوله، بل لا بد من الشهادة.

ويكفى فى الحيض عدلة تشهد بخروج الدم من الرحم فى أول الحيض وآخره.

وأما فى انبات الرجل فعدلان.

وفى انبات المرأة عدلة، فاذا لم توجد عدلة فعدلان.

ولا يقبل قوله فى دعوى البلوغ بالمنى

(1)

المحلى لابن حزم الظاهرى ج 1 ص 88، ص 89، ص 90 مسألة رقم 119 الطبعة السابقة

(2)

التاج المذهب لأحكام المذهب ج 2 ص 38 الطبعة السابقة.

ص: 119

فى اليقظة أو الاحتلام، الا اذا قد صار محتملا لذلك.

واختلفوا فى المحتمل.

فالمذهب حيث يكون الذكر ابن عشر سنين، والأنثى بنت تسع سنين.

ومن نوزع فى مضى هذه المدة منذ ولد، فعليه البينة.

ثم يقبل قوله فى البلوغ بالمنى فى اليقظة أو الاحتلام.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(1)

: أنه لو اشتبه الطفل البالغ اعتبر بالأنبات، فمن ينبت وجهل سنه ألحق بالذرارى، والذكور البالغون يتعين عليهم القتل، وان كانت الحرب قائمة ما لم يسلموا.

ويجب مواراة الشهيد دون الحربى وان اشتبها يوارى من كان كميش الذكر.

وحكم الطفل المسمى حكم أبويه، فان أسلم أو أسلم أحدهما تبعه الولد.

ولو سبى منفردا قيل يتبع السابى فى الاسلام.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(2)

: وتنكر الطفلة فى طفوليتها وشبهتها شبهة الطفلة بالبلوغ وبعده مشتبهة بالبلوغ، وأول بلوغها تعم هذه الأحوال بالانكار تقوية للفرقة عند حاكم، أو أمناء، أو أمينين، أو أمين وأمينتين، أو أمينتين أو أمينين بانكار الطفولية ان أمن عليها أن يضرها بضرب، أو سحر، أو اجاعة أو يهرب بها أو نحو ذلك، وفى نزعها من يده بانكار الشبهة قولان، لاختلافهم فى حكم المراهق، ولا يشترط فى انكار الطفل أن يكون فى الشبهة والبلوغ معا، كالطفلة، لأن أصل الفرقة انما هو بيد الزوج، وجاز له وطؤها، وترد لأمينات أربع أو اثنتين أو لواحدة أقوال.

وهكذا فيما تباشره النساء لا الرجال، مثل أن تبلغ الصبية فتنكر وتدعى وطئا فى الصبا فينظرن عذرتها، وجاز لهن مس فرجها.

وقيل: تقبل دعواها، ونسب للأكثر.

ولا تصدق حال الصبا اذا تشابهت فينظرنها ينظرن ثديها وأبطيها وأيا قدمن فى النظر جاز، ويؤخرن نظر عورتها، لأنه ضرورة فلا يجوز الا اذا لم يجدن علامة البلوغ فى غيرها.

(1)

شرائع الاسلام فى الفقة الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 150 الطبعة السابقة.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 234، ص 235 ص 236 الطبعة السابقة.

ص: 120

وان أقرت بالاحتلام كفى اقرارها.

وكما ينظرن الطفلة كذلك ينظرن الطفل ان أنكر على حد سواء كل يوم نظرات أو مرات أو أوقاتا ثلاثة عند طلوع الشمس، وعند حصول أول الزوال بحسب ما يظهر وبين ظهر وعصر حين انتصف ما بينهما، فذلك ثلاث نظرات فى كل يوم.

ثم قال: فان أنكرت فى شبهة وبلوغ أو فيه لا فى طفولية جاز، لكن اذا أنكرت فى البلوغ فقط كان فيها ريب مخافة أن تكون قد رضيت فى الشبهة، والبلوغ أو أخرت عن بلوغ الا على قول من أجاز التأخير، ما لم يكن مس أو نحو ذلك، ولذلك منع أبو زكريا انكار البلوغ وحده اذ قال: وكذلك ان أنكرت فى الطفولية والبلوغ ولم تنكر فى الشبهة لم يجز انكارها، فان هذا يفيد أن الانكار فى البلوغ وحده لا يجوز، لعدم انكار الشبهة، فانه اذا لم يجز انكار الطفولية والبلوغ، لم يجز انكار البلوغ وحده من باب أولى.

ولا يصح فى غير البلوغ من طفولية وشبهة بأن أنكرت فيهما معا، أما لو أنكرت فى الطفولية فقط فلا قائل بأنه يصح انكارها عند الله، فلزوجها المقام ان أنكرت قبل البلوغ لا عنده، ولا يلزمه أن يعتبر استصحاب انكارها، لا مكان ان ترضى عند البلوغ مع أنه هو الحالة المعتبرة وتجدد النكاح ان كان الانكار بشبهة أو بلوغ ولو ندمت.

وان دخل

(1)

الرضى نفس كطفل فى شبهة لم يصح انكاره فى البلوغ مخافة أن يكون فى حال رضاه بالغا، فلا يصح له الانكار بعد الرضى، وهذا مبنى على أنه لا يصح انكار بعد البلوغ الا ان سبق انكار فى شبهة.

ويتحصل من هذا أنه ان أنكر فى الشبهة جاز له الرضى فى البلوغ، والا فانه أن رضى فى الشبهة، وأنكر فى البلوغ ففيه ريبة، لعله حين رضى طفل، وأنكر فى البلوغ فصح انكاره، فكيف يصح له الاقامة.

وان أنكر فى الشبهة ورضى فى البلوغ فلعله بالغ حين الانكار، فلا يصح رضاه بعد، ولكنهم ألغوا ذلك وجعلوا عدم انكار الشبهة أصلا كافيا فى عدم الانكار بعدها.

‌الاشتباه فى الميراث

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: أنه اذا قال رجل لغلام هذا ابنى، ثم مات

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطنيش ج 3 ص 238، ص 239 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 217، ص 218 الطبعة السابقة.

ص: 121

فجاءت ام الغلام تقول: أنا امرأته، فلا شك فى أن الغلام يرثه، لأنه ثبت نسبه منه باقراره، أما المرأة ففى ارثها هذا الرجل قولان؟

ذكر فى النوادر أنها ترثه استحسانا.

والقياس أن لا يكون لها الميراث.

ووجه القياس أنه يحتمل أن تكون أم الغلام حرة، ويحتمل أن تكون أمة، ولو كانت حرة، يحتمل أن تكون هذه المرأة ويحتمل أن تكون غيرها، ولو كانت هذه المرأة فيحتمل أن يكون وطئها بنكاح صحيح، ويحتمل أن يكون بنكاح فاسد، أو بشبهة نكاح، فيقع الشك فى الأرث فلا ترث بالشك.

ووجه الاستحسان: أن سبب الاستحقاق للارث فى حقها يثبت باقراره بنسب الولد، وهو النكاح الصحيح، لأن المسألة مفروضة فى امرأة معروفة بالحرية وبأمومة هذا الولد، فاذا أقر بنسب الولد أنه منه، والنسب لا يثبت الا بالفراش، والأصل فى الفراش هو النكاح الصحيح، فكان دعوى نسب الولد اقرارا منه أنه من النكاح الصحيح، فاذا صدقها يثبت النكاح ظاهرا، فترثه، لأن العمل بالظاهر واجب، أما اذا لم تكن معروفة بذلك وأنكرت الورثة كونها حرة أو أماله فلا ميراث لها، لأن الأمر يبقى محتملا، فلا ترث بالشك والاحتمال.

وجاء فى السراجية

(1)

: أنه اذا مات جماعة وبينهم قرابة، ولا يدرى أيهم مات أولا كما اذا غرقوا فى السفينة معا، أو وقعوا فى النار دفعة، أو سقط عليهم جدار، أو سقف بيت، أو قتلوا فى المعركة، ولم يعلم التقدم والتأخر فى موتهم، جعلوا كأنهم ماتوا معا، فمال كل واحد منهم لورثته الأحياء، ولا يرث بعض هؤلاء الأموات من بعض، هذا هو المختار، لأن سبب استحقاق كل كل منهما ميراث صاحبه غير معلوم يقينا وما لم يتيقن بالسبب لم يثبت بالاستحقاق، اذ لا يتصور ثبوته بالشك، وذلك لأن السبب هاهنا بقاؤه حيا بعد موت مورثه، وانما يعلم ذلك بطريق الظاهر، واستصحاب الحال، دون اليقين، اذ الظاهر بقاء ما كان على ما كان عليه، وهذا البقاء لانعدام الدليل المزيل، لا لوجود الدليل المبقى، فيعتد باستصحاب الحياة فى بقاء ما كان لا فى اثبات ما لم يكن كحياة المفقود، وتجعل ثابتة فى نفى التوريث عنه لا فى استحقاق الميراث من مورثه، وأيضا قد ظهر الموتان ولم يعلم السبق، فيجعل كأنهما وقعا معا كما اذا تزوج امرأة ثم تزوج أختها، ولم يدر السابق منهما فيجعل كأنهما وقعا معا فيفسد النكاحان، فكذا ها هنا يجعل الأخوان مثلا، كأنهما ماتا معا حقيقة، فلا يرث أحدهما

(1)

شرح السراجية لخاتمة المحققين السيد الشريف على بن محمد الجرجانى ج 1 ص 219 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1363 هـ، سنة 1944 م.

ص: 122

من الآخر، كما فى صورة اجتماع الموتين حقيقة.

وقد روى خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه قال: أمرنى أبو بكر الصديق بتوريث أهل اليمامة فورثت الأحياء من الأموات، ولم أورث الأموات بعضهم من بعض، وأمرنى عمر رضى الله تعالى عنه بتوريث أهل طاعون عمواس، وكانت القبيلة تموت بأسرها فورثت الأحياء من الأموات، ولم أورث الأموات بعضهم من بعض.

وهكذا نقل عن على كرم الله وجهه فى قتلى الجمل وصفين.

وقال على وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما فى احدى الروايتين عنهما: يرث بعض هؤلاء الأموات من بعض الا مما ورث كل واحد منهم من مال صاحبه، فانه لا يرث منه، والا لزم أن يرث كل واحد من مال نفسه، ولا شك فى بطلانه، واليه ذهب ابن أبى ليلى.

والوجه فى ذلك أن سبب استحقاق كل واحد منهما ميراث صاحبه هو حياته بعد موت صاحبه، وقد عرف حياته بيقين، فيجب أن يتمسك به، وسبب الحرمان موته قبل موته، وهو مشكوك فيه، فلا يثبت الحرمان بالشك الا فيما ورثه كل منهما من صاحبه، لأجل الضرورة، وهى أن توريث أحدهما من صاحبه يتوقف على الحكم بموت صاحبه قبله، فلا يتصور أن يرث صاحبه منه، لكن ما ثبت بالضرورة لا يتعدى عن محلها.

وفيما عدا ذلك من المال يتمسك فيه بالأصل، فان اليقين لا يزول بالشك.

فاذا غرق أخوان أكبر وأصغر وخلف كل منهما أما وبنتا ومولى، وترك كل منهما تسعين درهما.

فعندنا يقسم تركة كل واحد منهما فيعطى، لأم كل منهما سدس تركته، وهو خمسة عشر، ولبنت كل منهما النصف وهو خمسة وأربعون، ولمولاه ما بقى وهو ثلاثون.

وعند على وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما فى احدى الروايتين عنهما يحكم بموت الأكبر أولا، فتقسم تركته فللأم السدس وللبنت النصف، وللأصغر ما بقى، ثم يحكم بموت الأصغر فيقسم تركته كذلك، فقد بقى من تركة كل منهما ثلاثون وهو ما ورث كل منهما من صاحبه، فللأم من ذلك الباقى السدس، ولابنة كل منهما نصفه والباقى للمولى.

وجاء فى بدائع الصنائع

(1)

: ان حال المفقود غير معلوم، يحتمل أنه حى، ويحتمل أنه ميت، وهذا يمنع التوارث والبينونة، لأنه ان كان حيا يرث أقاربه ولا يرثونه، ولا تبين امرأته، وان كان

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 6 ص 196، ص 197 الطبعة السابقة.

ص: 123

ميتا، لا يرث أقاربه ويرثونه، والأرث من الجانبين أمر لم يكن ثابتا بيقين، فوقع الشك فى ثبوته، فلا يثبت بالشك والاحتمال.

وكذلك البينونة على الأصل المعه د فى الثابت بيقين لا يزول بالشك، وغير الثابت بيقين لا يثبت بالشك.

فاذا مات واحد من أقاربه يوقف نصيبه الى أن يظهر حاله أنه حى أم ميت، لاحتمال الحياة والموت للحال.

حتى أن من هلك وترك ابنا مفقودا وابنتين، وابن ابن، وطلبت الابنتان الميراث، فان القاضى يقضى لهما بالنصف، ويوقف النصف الثانى الى أن يظهر حاله لأنه ان كان حيا، كان له النصف والنصف للابنتين، ولا شئ لابن الابن، وان كان ميتا كان للابنتين الثلثان، والباقى لابن الابن فكان استحقاق النصف للابنتين ثابتا بيقين، فيدفع ذلك اليهما، ويوقف النصف الآخر الى أن يظهر حاله، فان لم يظهر حتى مضت المدة التى يعرف فيها موته، يدفع الثلثان اليهما، والباقى لابن الابن.

وكذا لو أوصى له بشئ يوقف.

وكذا اذا فقد المرتد، ولا يدرى أنه لحق بدار الحرب أم لا توقف تركته كالمسلم، فاذا مضى من وقت ولادته مدة لا يعيش اليها عادة، يحكم بموته ويعتق أمهات أولاده ومدبره، وتبين امرأته، ويصير ماله ميراثا لورثته الأحياء وقت الحكم، ولا شئ لمن مات قبل ذلك، واختلف فى تقدير المدة التى يحكم بعدها بموته.

فروى الحسن عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه قدرها بمائة وعشرين سنة من وقت ولادته.

وروى عن محمد أنه قدرها بمائة سنة.

وفى الموضوع تفصيلات كثيرة نكتفى منها بما ذكرنا ونحيل بقية الموضوع الى موطنه لينظر فيه.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الحطاب

(1)

: أنه لا يرث من جهل تأخر موته عن مورثه، بأن ماتا تحت هدم مثلا أو بطاعون ونحوه بمكان ولم نعلم المتأخر منهما، فيقدر أن كل واحد لم يخلف صاحبه، وانما خلف الأحياء من ورثته.

فلو مات رجل وزوجته وثلاثة بنين له منها تحت هدم، وجهل موت السابق منهم، وترك الأب زوجة أخرى، وتركت الزوجة ابنا لها من غيره، فللزوجة الربع، وما بقى للعاصب، ومال الزوجة لابنها الحى، وسدس مال البنين لأخيهم

(1)

مواهب الجليل على مختصر خليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 423 الطبعة السابقة وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 487 الطبعة السابقة

ص: 124

لأمهم، وباقيه للعاصب، وسقط بمن يسقط به الأخ للأم.

ويوقف القسم للتركة بين الورثة، وفيهم حمل من زوجة ولو أخا لأم أو أمة الى وضع الحمل للشك، هل يوجد من الحمل وارث أولا، وعلى وجوده هل هو متحد أو متعدد.

وعليهما هل هو ذكر أو أنثى، ولم يعجل القسم للوارث المحقق هنا ويؤخر المشكوك فيه للوضع.

وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(1)

: أن لزوجة المفقود أن ترفع الى القاضى والولى وجابى الزكاة ان وجد واحد منهم فى بلدها غير جائز بأخذ مال منها، ليكشفوا عن حال زوجها، وان لم يوجد واحد منهم فلجماعة المسلمين، فيؤجل الحر أربع سنين ان دامت نفقتها من ماله، والا طلق عليه لعدم النفقة، ويؤجل العبد نصفها سنتان من حين العجز عن خبره بالبحث عنه فى الأماكن التى يظن ذهابه اليها من البلدان، بان يرسل الحاكم رسولا بكتاب لحاكم تلك الأماكن مشتمل على صفة الرجل وحرفته ونسبه ليفتش عنه فيها ثم بعد الأجل الكائن بعد كشف الحاكم عن أمره ولم يعلم خبره اعتدت عدة كعدة الوفاة والحره بأربعة أشهر وعشر والأمة بشهرين وخمس ليال، ولو غير مدخول بها، لأنه يقدر موته فلا نفقة لها فيها.

فان جاء المفقود، أو لم يجئ، وتبين أنه حى، أو تبين أنه مات، فحكمها فى هذه الوجوه، كحكم ذات الوليين، يزوجها كل واحد منهما من رجل، فتفوت على الأول بتلذذ الثانى بها غير عالم، ان لم تكن فى عدة وفاة من الأول، فتكون للمفقود فيما اذا جاء أو تبين حياته، أو موته فى العدة أو بعدها، وقبل عقد الثانى أو بعده، وقبل تلذذه بها أو بعده عالما بما ذكر، وتفوت عليه، وتكون الثانى ان تلذذ بها غير عالم.

وورثت الزوجة زوجها المفقود ان قضى له بها، وذلك فى أحوال أربعة.

أن يموت فى العدة أو بعدها، ولم يعقد الثانى، أو عقد ولم يدخل، أو دخل عالما، ولو تبين الثانى أنه تزوجها فى عدة الأول، فكغيره ممن تزوج فى العدة، فيفسخ نكاحه، ويتأبد تحريمها عليه ان تلذذ فيها، أو وطئ ولو بعدها.

وأما ان نعى

(2)

لها زوجها، بأن أخبرت بموته فاعتمدت على ذلك، واعتدت، وتزوجت، ثم قدم فلا تفوت عليه بدخول الثانى، ولو ولدت منه أو حكم بموت المفقود حاكم.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 479، ص 480 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق للدسوقى ج 2 ص 481 الطبعة السابقة.

ص: 125

وجاء فى الحطاب

(1)

: قال ابن حبيب من تزوج امرأة لها زوج غائب لا يدرى أهو حى، أم ميت، ثم تبين أنه مات لمثل ما تنقضى فيه عدتها قبل نكاحه أن نكاحه ماض، وورثت الأول ان قضى له بها، فان ثبت أنه مات وهى فى العدة فترثه اتفاقا، وكذا بعد خروجها، وقبل عقد الثانى على المعروف، وبعد عقده قبل دخوله على المرجوع اليه.

قال اللخمى فان جهلت التواريخ وقد دخل الثانى لم يفسخ نكاحه ولم يرث الأول، لأنه لم يفرق بينها وبين الثانى بالشك، ولا ترث أيضا بالشك.

وبالنسبة

(2)

لما له روى عن المدونة أنه لا يقسم ورثة المفقود ماله، حتى يأتى عليه من الزمن مالا يحيا الى مثله، فيقسم بين ورثته حينئذ لا يوم فقده.

وان مات له ولد وقف ميراثه منه ان أتى أخذه وان موت بالتعمير وذلك الى ورثة الابن يوم مات، ولا ارث للأب بالشك.

قال ابن الحاجب: ووقف المشكوك فيه، فان مضت مدة التعمير، ولم يستبن، فكالمولى.

قال ابن شاس فان ماتت زوجة وتركت زوجها وأمها وأختا وأبا مفقودا، والفريضة على احتمال أن المفقود حى من ستة للزوج ثلاث، وللأم ثلث ما بفى سهم، وللأب سهمان، والفريضة على احتمال أن المفقود ميت من ستة أيضا، للزوج النصف ثلاثة، وللأخت ثلاثة، ويعال للأم بالثلث فتضرب بثمانية، والفريضتان تتفقان بالنصف فتضرب أحداهما فى كامل الأخرى بأربعة وعشرين، ثم تقول للزوج: لك يقينا بلا شك، ثم ذكر تمام العمل بعبارة طويلة.

وقال ابن عرفة فى المسألة المذكورة:

وجه العمل فيها أن ترد فريضة لغو المفقود، وفريضة حضوره لعدد واحد ان تداخلا، فان تداخلت اعتبرت أكبرها، ثم تقسم ما ردت اليه، أو كبارهما على الفريضتين، ويعطى الوارثون على تقدير لغوه وحضوره أقل ما يجب، لكل واحد منهم فى القسم على الفريضتين، من سقط فى احداهما لم يعط شيئا، ووقف مما فضل عما ذكر اعطاؤه، فان تحققت حياة المفقود بعد موت الموروث عنه أمضى قسم فريضة حضوره، وان تحقق موته قبل موت الموروث عنه، أو موت بالتعمير أمضى قسم لغوه، ودفع الموقوف لمستحقه فى الفريضة الممضاة.

قال ابن شاس فتقول للزوج لك بلا شك يقينا ثلاثة من ثمانية مضروب فى ثلاثة نصف الفريضة الأخرى، وانما يكون

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب وبهامشه التاج والأكليل للمواق ج 4 ص 158 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل للمواق على هامش مواهب الجليل المعروف بالحطاب فى كتاب ج 6 ص 423، ص 424 الطبعة السابقة.

ص: 126

لك ثلاثة من ستة بصحة حياة الأب ولا يعلم ذلك، ويقال للأخت لا ميراث لك من أختك الا بصحة موت أبيك قبل موت أختك، ولا نعلم ذلك، فليس لك ميراث بالشك، ويقال للأم لك من ابنتك السدس يقينا، سهم من ستة، مضروب فى أربعة نصف فريضة ثمانية، وانما يكون لك الثلث بالعول بصحة موت زوجك قبل ابنتك، ولا يعلم ذلك، فليس لك بالشك شئ، ويبقى من الفريضة أحد عشر سهما موقوفة، ليس تعلم لمن هى يقينا.

فان صح أن الأب كان حيا يوم موت ابنته، قيل للزوج لك يقينا ثلاثة من ستة مضروبة فى أربعة باثنى عشر فى يديك سبعة الباقى لك ثلاثة، فتدفع اليه من الموقوف، ويقال للأم لك سهم من ستة مضروب فى أربعة فى يدك جميع حقك، وللأب سهمان من ستة فى أربعة بثمانية، فتدفع اليه الثمانية التى بقيت من الموقوف.

وان ثبت ان الأب مات قبل ابنته، أو لم يعلم موت فموت بالتعمير، فالحكم فى ذلك سواء، فيقال للزوج لك يقينا ثلاثة من ثمانية فى ثلاثة بتسعة، ففى يدك جميع حقك، ويقال للأخت لك ثلاثة من ثمانية فى ثلاثة بتسعة فتدفع لها التسعة الباقية، ويقال للأم لك اثنان من ثمانية فى ثلاثة بستة فى يدك أربعة فتدفع اليها السهمان من أحد عشرة الموقوفة.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية

(1)

المحتاج: أنه لو مات متوارثان بغرق، أو هدم، أو غيرهما، كحريق، أو فى غربة معا، أو جهل أسبقهما، ومنه أن يعلم سبق، ولا يعلم عين السابق، أى، ولا يرجى بيانه، والا وقف كما نعلم مما يأتى، لم يتوارثا، لاجماع الصحابه عليه.

فانهم لم يجعلوا التوارث بين من قتل فى يوم الجمل وصفين، الا فيمن علموا تأخر موته.

ولو علم السابق ثم نسى، وقف للبيان أو الصلح ونفيه التوارث باعتبار الحكم، والا غلب، فلا يرد عليه ايهام امتناعه فى نفس الأمر، ولأن أحدهما قد يرث من الآخر دون عكسه، كالعمة وابن أخيها.

وكثير من تلك الموانع فيه تجوز لعدم صدق حد المانع عليه وهو الوصف الوجودى الظاهر المنضبط المعرف نقيض الحكم.

فانتفاء الأرث اما لانتفاء الشرط أو السبب.

وتركة كل من الميتين بنحو هدم لباقى

(1)

نهاية المحتاج الى معرفة شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 6 ص 28، ص 29 الطبعة السابقة.

ص: 127

ورثته لأن الله تعالى ورث الأحياء من الأموات وهنا لا نعلم حياته عند موت صاحبه، فلم يرث كالجنين اذا خرج ميتا، ولأنا ان ورثنا أحدهما فقط فهو تحكم، ولو ورثنا كلا من صاحبه تيقنا الخطأ، وحينئذ فيقدر فى حق كل أنه لم بخلف الآخر.

ومن أسر، أو فقد وانقطع خبره، ترك ماله حتى تقوم بينة بموته، أو تمضى مدة التعمير من ولادته يغلب على الظن، أو ما نزل منزلته أنه لا يعيش فوقها، ولا تتقدر بشئ على الصحيح، فيجتهد القاضى، ويحكم بموته لأن الأصل بقاء الحياة فلا يورث الا بيقين، ومنه الحكم، لأنه ان استند الى المدة فواضح، أو الى العلم، وان لم تمض مدة فهو منزل منزلة البينة المنزلة منزلة اليقين.

ثم بعد الحكم بموته، يعطى ماله من يرث وقت الحكم بموته، بأن يستمر حيا الى فراغ الحكم، فمن مات قبله أو معه، لم يرثه، ومحل ذلك عند الاطلاق.

فان قيدته البينة، أو قيده هو فى حكم بزمن سابق، اعتبر ذلك الزمن، ومن كان وراثه حينئذ.

ولا تتضمن قسمة الحاكم الحكم بموته الا أن وقعت بعد تنازع ورفع اليه، لأن الأصح أن تصرف الحاكم ليس بحكم، الا فى قضية رفعت اليه، وطلب منه فصلها.

وعلم مما قررناه عدم الاكتفاء بمضى المدة وحدها، بل لا بد معه من الحكم.

ولا ينافى ذلك قولهم: لو انقطع خبر العبد بعد هذه المدة لا تجب فطرته، ولا يجزئ عن الكفارة اتفاقا، ولم يذكروا الحكم، لأن ما هنا أمر كلى يترتب عليه مصالح ومفاسد عامة، فاحتيط له أكثر.

ولو مات من يرثه المفقود كلا أو بعضا قبل الحكم بموته، وقفنا ما خصه من جميع المال ان انفردوا وبعضه ان كان ثم غيره حتى يتبين أنه كان عند الموت حيا أو ميتا.

ولو مات عن أخوين، أحدهما مفقود، وجب وقف نصفه الى الحكم بموته.

ثم اذا لم تظهر حياته فى مدة الوقف يعود كل مال الميت الأول الى الحاضر، وليس لورثة المفقود منه شئ، اذا لا ارث بالشك، لاحتمال موته قبل مورثه ذكره الغزالى وغيره وهو ظاهر وعملنا فى الحاضرين بالأسوأ، فمن يسقطه المفقود لا يعطى شيئا، ومن تنقصه حياته أو موته يعطى اليقين.

ففى زوج مفقود وشقيقتين وعم، يعطيان أربعة من سبعة، ويوقف الباقى.

ص: 128

وفى أخ لأب مفقود وشقيق وجد حاضرين، يقدر حيا فى حق الجد، وميتا فى حق الأخ، ويوقف السدس.

ومن لا يختلف حقه بحياته وموته كزوج وابن مفقود وبنت، يعطى الزوج الربع، لأنه له بكل حال.

ولو تلف الموقوف للغائب كان على الكل فاذا حضر استرد ما دفع لهم، وقسم بحسب ارث الكل، كما صرحوا به فيما اذا بانت حياة الحمل وذكورة الخشى.

ولو خلف

(1)

حملا يرث مطلقا لو كان منفصلا وان لم يكن منه، كان مات من لا ولد له عن زوجة ابن حامل أو قد يرث بتقدير الذكوره، كحمل حليلة الجد، أو الأخ، أو الأنوثة، كمن ماتت عن زوج وشقيقة، وحمل، لأبيها، فان كان ذكرا أو لم يأخذ شيئا، لأنه عصبة، ولم يفضل له شئ أو أنثى ورث السدس وأعيلت، عمل بالأحوط فى حصة الحمل وحق غيره، كما يأتى.

فان انفصل كله حيا حياة مستقرة يقينا، وتعرف بنحو قبض يد وبسطها، لا بمجرد نحو اختلاج، لأنه قد يقع مثله لانضغاط، ومن ثم ألغوا كل ما لا يعلم به الحياة، لاحتمال أنه لعارض آخر، لوقت يعلم وجوده عند الموت، بان ينفصل لأربع سنين ما عدا لحظتى الوضع والوط ء فأقل، ولم تكن فراشا لأحد، ودون ستة أشهر، وان كانت فراشا، أو اعترف الورثة بوجوده الممكن عند الموت، ورث لثبوت نسبه.

وخرج بكلمة موته قبل تمام انفصاله فانه كالميت هنا، وفى سائر الأحكام، الا فى الصلاة عليه اذا استهل، ثم مات قبل تمام انفصاله وفيما اذا حز انسان رقبته قبل انفصاله، فانه يقتل به وبحياة مستقرة ما لو انفصل وحياته ليست كذلك.

والا بأن انفصل ميتا بنفسه، أو بجناية جان، أو مشكوكا فى حياته أو استقرارها، ولم يعلم عند الموت وجوده، فلا يرث لأن الأول والثانى كالعدم، والثالث منتف نسبه عن الأول.

والخنثى المشكل

(2)

- وهو من له آلتا الرجل والمرأة - ما دام مشكلا يستحيل كونه أبا، أو جدا، أو أما، أو زوجا، أو زوجة، فان لم يختلف ارثه بالذكورة وضدها، كولد أم، ومعتق، فقدر أرثه ظاهر.

وان اختلف ارثه بهما فيعمل باليقين فى حقه وحق غيره.

ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين حاله

(1)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 6 ص 29، ص 30 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن شهاب الدين الرملى ج 6 ص 36 الطبعة السابقة.

ص: 129

ولو بقوله وان اتهم، فان ورث بتقدير لم يدفع له شئ، ووقف ما يرثه على ذلك التقدير، وان ورث عليهما لكن اختلف ارثه، اعطى الأقل، ووقف الباقى.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى

(1)

: أنه اذا مات متوارثان بغرق، أو هدم، أو غير ذلك، وجهل أولهما موتا، أو علم، ثم نسى أو جهلوا عينه، ولم يختلفوا فى السابق، ورث كل واحد من الموتى صاحبه من تلاد ماله، دون ما ورثه من الميت، فيقدر أحدهما مات أولا، فيورث الآخر منه ثم يقسم ما ورثه منه على الأحياء من ورثته، ثم يصنع بالثانى كذلك.

فاذا غرق أخوان، أحدهما مولى زيد، والآخر مولى عمرو صار مال كل واحد منهما لمولى الآخر.

وان جهل السابق منمها، واختلف ورثتهما فيه، ولا بينة، أو كانت وتعارضت، تحالفا، ولم يتوارثا.

كما اذا ماتت امرأة وابنها فقال زوجها: ماتت فورثناها، ثم مات ابنى فورثته وقال أخوها: مات ابنها فورثته ثم ماتت فورثناها، حلف كل واحد منهما على ابطال دعوى صاحبه، وكان ميراث الابن لأبيه، وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين.

ولو عين الورثة موت أحدهما، وشكوا هل مات الآخر قبله أو بعده؟ ورث من شك فى موته من الآخر.

ولو تحقق موتهما معا يتوارثان.

ولو مات أخوان عند الزوال، أو الطلوع، أو الغروب فى يوم واحد، أحدهما بالمشرق، والآخر بالمغرب ورث الذى مات بالمغرب من الذى مات بالمشرق لموته قبله، لأن الشمس وغيرها تزول وتطلع وتغرب فى المشرق قبل المغرب.

وجاء فى كشاف

(2)

القناع: أن من انقطع خبره ولو عمدا لغيبة ظاهرها السلامة كأسر وتجارة وسياحة وطلب علم انتظر به تتمة تسعين سنة منذ ولد: فان فقد ابن تسعين اجتهد الحاكم وان كان غالبها الهلاك، كمن غرق مركبه فسلم قوم دون قوم أو فقد من بين أهله، كمن يخرج الى الصلاة، أو الى حاجة قريبة فلا يعود، أو فى مفازة مهلكة كمفازة الحجاز أو بين الصفين حال التحام القتال انتظر به تمام أربع سنين منذ فقده

(1)

المغنى لابن قدامة المقدسى ج 7 ص 186 ص 187 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 3 ص 114 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع وبهامشه منته الارادات وما بعدها ج 2 ص 590 وما بعدها الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 3 ص 109 ص 110 الطبعة السابقة والمغنى لابن قدامه المقدسى ج 7 ص 205 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 130

فان لم يعلم خبره قسم ماله، واعتدت امرأته عدة الوفاة، وحلت للأزواج، ويزكى ماله لما مضى قبل قسمه، ولا يرثه الا الأحياء من ورثته وقت قسم ماله لا من مات قبل ذلك.

فان قدم بعد قسمه أخذ ما وجده بعينه، ورجع على من أخذ الباقى.

وان مات مورثه فى مدة التربص أخذ كل وارث اليقين ووقف الباقى.

وطريق العمل فى ذلك أن تعمل المسألة على أنه حى، ثم على أنه ميت، ثم تضرب احداهما فى الأخرى ان تباينتا أو فى وفقها ان اتفقتا وتجزئ باحداهما ان تماثلتا، وبأكثرهما ان تداخلتا، وتدفع الى كل وارث اليقين وهو أقل النصيبين، ومن سقط فى احداهما لم يأخذ شيئا، فان بان حيا يوم موت موروثه فله حقه، والباقى لمستحقه، وان بان ميتا أو مضت مدة تربصه ولم يبن حاله، فالموقوف لورثة الميت الأول، ولباقى الورثة أن يصطلحوا على ما زاد عن نصيبه فيقتسمه كأخ مفقود فى الأكدرية مسألة الحياة والموت من أربعة وخمسين، للزوج ثلث المال، وللأم سدس، وللجد تسعة من مسألة الحياة وللأخت منها ثلاثة ويبقى خمسة عشر موقوفة للمفقود بتقدير حياته ستة، ويبقى تسعة زادت عن نصيبه.

ولهم ان يصطلحوا على كل الموقوف اذا لم يكن للمفقود فيه حق، بأن يكون ممن يحجب غيره أو لا يرث، كما لو خلف الميت أما وجدا وأختا لابوين وأختا لأب مفقودة، وكذا ان كان أخا لأب عصب أخته مع زوج وأخت لأبوين.

وان حصل الأسير من ريع وقف عليه حفظه وكيله ومن ينتقل الوقف اليه ولا ينفرد أحدهما بحفظه.

ومن أشكل نسبه فكمفقود ومفقودان فأكثر كخناثى فى التنزيل.

ولو قال رجل: أحد هذين ابنى ثبت نسب أحدهما، فيعينه، فان مات عينه وارث، فان تعذر أرى القافة، فان تعذر عين أحدهما بالقرعة، ولا مدخل للقرعة فى النسب.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر

(1)

الزخار: أنه اذا غرق قوم أو انهدم عليهم بنيان ولم يعلم ترتيب موتهم ورث الأموات بعضهم من بعض ما كان لهم فى الأصل فقط ثم يورث الأحياء من الأموات ما كان لهم فى الأصل، وما ورثوه منهم قال الهادى:

يجب أن يمات الواحد منهم أيهم كان، ويحيى الباقون، حتى يرثوه، ثم تحيى الذى أمته وتميت من الباقين آخر حتى

(1)

من كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لابن يحيى المرتضى ج 5 ص 362، ص 363 الطبعة السابقة.

ص: 131

يرثوه تعمل ذلك فى كل واحد منهم واحدا بعد واحد، ولا يمات اثنان منهم فى حالة، فاذا فرغ أميتوا جميعا، فيرثهم الأحياء، ولم يرث بعضهم من بعض فى الأماتة الثانية، ولا يموت واحد منهم ثلاث دفعات بل مرتين مرة لتوريث بعضهم من بعض مع الأحياء ومرة ليرثهم الأجياء منفردين.

قال زيد عن الحسن لا يورث بعضهم من بعض، بل يحكم بموتهم دفعة واحدة فيرث كلا ورثته الأحياء.

والدليل على ذلك قصة خالد مع خثعم، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حول فى ديتهم، فكان أصلا فى التحويل للاحتياط مع اللبس فى هذه المسألة ونحوها.

وكما لو مات أحد الأخوين فى أول الشهر، والثانى فى آخره وعرفنا ذلك قطعا، ثم التبس المتقدم منهما، فيجب توريث كل منما من صاحبه، والا أبطلنا حقا ثابتا، لأيهما.

وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من أبطل ميراثا فرضه الله تعالى أبطل الله ميراثه من الجنة.

وقد روى الناصر عليه السلام أن رجلا وابنه وأخوين قتلوا يوم صفين، ولم يعلم المتقدم، فورث على كرم الله وجهه بعضهم من بعض.

فلو غرق أخوان ولم يعرف السابق، وخلف كل واحد منهما ابنتين، فمن أمته أولا قدرته ترك ابنتين وأخا للابنتين الثلثان والباقى للأخ، ثم أمت الثانى ورثت تركته كذلك، ثم أمتهما جميعا، وورثت ورثة كل واحد منهما ما فى يده من ماله فى نفسه وميراثه من أخيه.

والمفقود

(1)

لا تقسم تركته حتى يمضى عمره الطبيعى، فان عاد رد كل ما أخذ اتفاقا، اذ لم يزل ملكه فان مات من يرثه المفقود، عزل نصيبه حتى ينكشف أمره، أو يمضى عمره الطبيعى، فان التبس ترتيب موتهما، فكما مر فى الغرقى.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة

(2)

البهية: أن المتوارثين لو ماتا دفعة واحدة، أو اشتبه المتقدم منهما بالمتأخر، أو اشتبه السبق والاقتران، فلا ارث، سواء كان الموت حتف الأنف، أم بسبب، الا أن يكون السبب الغرق والهدم على الأشهر، وفيهما يتوارث الغرقى والمهدوم عليهم، اذا كان بينهم نسب، أو سبب يوجبان التوارث،

(1)

من كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لمحمد بن يحيى المرتضى ج 5 ص 364 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1363 هـ سنة 1948 م طبع الخانجى بمصر.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 336 ص 337، ص 338 الطبعة السابقة.

ص: 132

وكان بينهم مال، ليتحقق به الارث، ولو من أحد الطرفين، واشتبه المتقدم منهم والمتأخر.

فلو علم اقتران الموت فلا ارث.

أو علم المتقدم من المتأخر ورث المتأخر دون العكس.

وكان بينهم توارث، بحيث يكون كل واحد منهم يرث من الآخر، ولو بمشاركة غيره.

فلو انتفى كما لو غرق أخوان، ولكل واحد منهما ولد أو لاحدهما فلا توارث بينهما.

ثم ان كان لأحدهما مال دون الآخر، صار المال لمن لا مال له، ومنه الى وارثه الحى، ولا شئ لورثه ذى المال، ولا يرث الثانى المفروض موته ثانيا مما ورث منه الأول، للنص، واستلزامه التسلسل، والمحال عادة، وهو فرض الحياة بعد الموت، لأن التوريث منه يقتضى فرض موته، فلو ورث ما انتقل عنه، لكان حيا بعد انتقال المال عنه، وهو ممتنع عادة وأورد مثله فى ارث الأول من الثانى ورد بأنا نقطع النظر عما فرض أولا، ويجعل الأول كأنه المتأخر حياة، بخلاف ما اذا ورثنا الأول من الثانى مما كان قد ورثه الثانى منه، فانه يلزم فرض موت الأول وحياته فى حالة واحدة، وفيه تكلف.

والمعتمد النص، فقد روى عبد الرحمن ابن الحجاج فى الصحيح عن الصادق فى أخوين ماتا، لأحدهما مائة ألف درهم، والآخر ليس له شئ ركبا فى السفينة، فغرقا فلم يدر أيهما مات أولا، قال:

المال لورثة الذى ليس له شئ.

وعن على عليه السلام فى قوم غرقوا جميعا أهل بيت مال قال: يرث هؤلاء من هؤلاء وهؤلاء من هؤلاء. ولا يرث هؤلاء مما ورثوا من هؤلاء.

وهذا حجة على المفيد وسلار، حيث ذهبا الى توريث كل مما ورث منه.

وأجيب بمنع وجوب تقديمه، بل هو على الاستحباب.

ولو سلم فانما يقدم الأضعف تعبدا، لا لعلة معقولة، فان أكثر علل الشرع والمصالح المعتبرة فى نظر الشارع خفية عنا تعجز عقولنا عن ادراكها، والواجب اتباع النص من غير نظر الى العلة، ولتخلفه مع تساويهما فى الاستحقاق، كأخين لأب فينتفى اعتبار التقديم، ويصير مال كل منهما لورثة الآخر، وعلى اعتبار تقديم الأضعف وجوبا، كما يظهر من العبارة، وظاهر الأخبار تدل عليه.

ومنها صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما، أو استحبابا على ما أختاره فى الدروس.

ص: 133

ولو غرق الأب وولده قدم موت الابن فيرث الأب نصيبه منه، ثم يفرض موت الأب فيرث الابن نصيبه منه، ويصير مال كل الى ورثة الآخر الأحياء، وان شاركهما مساو، انتقل الى وارثه الحى ما ورثه.

وان لم يكن لهما وارث صار ما لهما الى الامام.

وذهب بعض الأصحاب الى تعدى هذا الحكم الى كل سبب يقع معه الاشتباه، كالقتيل، والحريق، لوجود العلة، وهو ضعيف لمنع التعليل الموجب للتعدى مع كونه على خلاف الأصل، فيقتصر فيه على موضع النص والوفاق.

ولو كان الموت حتف الأنف فلا توارث مع الاشتباه اجماعا.

أما حكم ميراث

(1)

الخنثى - وهو من له فرج الرجال والنساء - فانه يورث على اعتبار الفرج الذى يبول منه، فان بال منهما فعلى الذى سبق منه البول، بمعنى الحاقه بلازمه من ذكورية وأنوثية، سواء تقارنا فى الانقطاع أم اختلفا، وسواء كان الخارج من السابق أكثر من الخارج من المتأخر، أم أقل على الأشهر.

وقيل: أولا ومع وجود هذه الأوصاف منهما دفعة، يورث على ما ينقطع فيه أخيرا على الأشهر.

وقيل: أولا ومع وجود هذه الأوصاف يلحقه حكم جميع أحكام من لحق به، ويسمى واضحا، ثم مع التساوى فى البول أخذا وانقطاعا ويصير مشكلا، وقد اختلف الأصحاب فى حكمه حينئذ.

فقيل: تعد أضلاعه فان كانت ثمانى عشرة فهو أنثى، وان كانت سبع عشرة من الجانب الأيمن تسع ومن الأيسر ثمان فهو ذكر، وكذا لو تساويا وكان فى الأيسر ضلع صغير ناقص.

ومستند هذا القول ما روى من قضاء على عليه السلام به معللا، بأن حواء خلقت من ضلع آدم عليه السلام، وان خالفت فى عدد الأضلاع وانحصار أمره بالذكورة والأنوثة، بمعنى أنه ليس بطبيعة ثالثة، بمفهوم الحصر فى قول الله تعالى «يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ 2 إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ» وفى الرواية ضعف، وفى الحصر منع، وجاز خروجه مخرج الأغلب.

وقيل: يورث بالقرعة، لأنها لكل أمر مشكل مشتبه.

والمشهور بين الأصحاب أنه حينئذ يورث نصف النصيبين، نصيب الذكور، ونصيب الأناث، لموثقة هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال: قضى على فى الخنثى - له ما للرجال وله ما للنساء - قال: يورث من حيث يبول، فان خرج

(1)

المرجع السابق للجبعى العاملى ج 2 ص 331، ص 332 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 49 من سورة الشورى.

ص: 134

منهما جميعا، فمن حيث سبق، فان خرج سواء فمن حيث ينبعث، فان كانا سواء ورث ميراث الرجال والنساء.

وليس المراد الجمع بين الفريضتين اجماعا، فهو نصفهما، ولأن المعه د فى الشرع قسمة ما يقع فيه التنازع بين الخصمين مع تساويهما، وهو هنا كذلك ولاستحالة الترجح من غير مرجح.

وجاء فى شرائع الاسلام

(1)

: أن من ليس له فرج الرجال ولا النساء يورث بالقرعة، بل يكتب على سهم عبد الله، وعلى الآخر أمة الله ويستخرج بعد الدعاء، فما خرج عمل به.

وجاء فى الروضة البهية

(2)

: أن الغيبة المنقطعة، وهى مانعة من نفوذ الارث ظاهرا حتى يثبت موته شرعا، وقد نبه عليه بقوله:

والغائب غيبة منقطعة، بحيث لا يعلم خبره، لا يورث حتى يمضى له من حين ولادته مدة لا يعيش مثله اليها عادة، ولا عبرة بالنادر، وهى فى زماننا مائة وعشرون سنة، ولا يبعد الآن الاكتفاء بالمائة، لندور التعمير اليها فى هذه البلاد، فاذا مضت للغائب المدة المعتبرة، حكم بتوريث من هو موجود حال الحكم، ولو مات له قريب فى تلك المدة، عزل له نصيبه منه، وكان بحكم ماله والحكم بالتربص بميراث الغائب المدة المذكورة، وهو المشهور بين الأصحاب، وهو مناسب للأصل، لكن ليس به رواية صريحة.

وما ادعى له من النصوص ليس دالا عليه.

وفى المسألة أقوال أخر مستندة الى روايات، بعضها صحيح.

منها أن يطلب أربع سنين فى الأرض، فان لم يوجد قسم ماله بين ورثته ذهب اليه المرتضى والصدوق، وقول المصنف فى الدروس، وجنح اليه العلامة، وهو قوى مروى، ويؤيده الحكم السابق باعتداد زوجته عدة الوفاة، وجواز تزوجها بعدها، ولو لم يطلب كذلك فالعمل على القول المشهور.

وقيل: يكفى انتظاره عشر سنين من غير طلب وهو مروى أيضا.

وجاء فى شرائع الاسلام

(3)

: أن الغائب غيبة منقطعة لا يورث حتى يتحقق موته، أو تنقضى مدة لا يعيش مثله اليها غالبا، فيحكم لورثته الموجودين فى وقت الحكم.

(1)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 197 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للجبعى العاملى ج 2 ص 300 الطبعة السابقة.

(3)

شرائع الإسلام ج 2 ص 183 الطبعة السابقة.

ص: 135

وقيل: يورث بعد انقضاء عشر سنين من غيبته.

وقيل: يدفع ماله الى وارثه الملى، والأول أولى.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

ان توريث الغرقى والهدمى يصح، ومثلهم، من ماتوا بحرق، أو فى قتال، ولا يدرى من مات أولا، أو علم اتحاد وقت موتهم، ورث بعضهم من بعض من صلب أموالهم، دون ما توارثوه، بمعنى أنه لا يضم مال ميت ورث ما ورثه من غيره، فهم يتوارثون فى الكل، على أنه مال واحد، كارث الأحياء للأموات، فان الحى يرث فى كل مال الميت، لا ما منعه مانع، أى لا يجوز ذلك هنا، أى لا يتوارثون فى الكل.

والحاصل أن كلا منهما لا يرث مما ورثه منه الآخر، كزوج وزوجة غرقى، لا يدرى من مات أولا، ولكل ألف درهم، فيقدر الزوج على أنه حى، ماتت زوجته قبله فيرث منها نصف ما تركت، خمسمائة درهم، ثم يقدر أنه حى وماتت زوجته بعده فترث من الألف التى كانت بيده أولا، ربعها مائتين وخمسين دون المئات الخمس التى ورث منها، فانها لا ترث منها.

وان شئت فقل: تحيى الزوجة فترث من زوجها الربع، مائتين وخمسين، ثم تمات ويحيى الزوج، فيرث النصف خمسمائة درهم من الألف، ولا يرث من المائتين والخمسين.

وما ذكره المصنف وذكرناه هو قول أصحابنا، وهو مروى عن على وعمر، وبه قال الكوفيون وجمهور البصريين.

وقال أهل المدينة، وزيد بن ثابت، وعمر ابن عبد العزيز، وجمهور الأمة: لا يرث بعضهم بعضا، وكل واحد يرثه سائر ورثته لا من غرق أو حرق، أو قتل مثلا معه اذ لا ارث بشك، ومن شرطه تحقق حياة الوارث، وقضى به عمر بن عبد العزيز.

قال العاصمى: ويمنع ميراث بجهل من سبق من مات بهدم أو غرق، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم لا ميراث بشك، فاذا انتفى الميراث منهما رجع ميراث كل واحد للباقين من ورثته، ويقدر الميتان كمن لا قرابة بينهما، ولا سبب ارث.

وكذا روى عن خارجة بن زيد بن ثابت أنه قال: لا ميراث بين من قتل يوم الجمل، ولا يوم الحر، ولا يوم صفين، الا من علم أنه مات قبل صاحبه، وجعل ميراث كل واحد للأحياء من ورثته.

وروى قومنا عن عمر رضى الله تعالى

(1)

من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 8 ص 389 ص 390، ص 392 الطبعة السابقة.

ص: 136

عنه أنه قال: اذا ماتا معا ووجدت يد أحدهما على صاحبه، يورث الأعلى من الأسفل، لأن الغالب أن الحى يضع يده على الأسفل.

قيل: وهو قول لا يعضده قياس.

فان هلك أخوان، ولم يعلم السابق، وترك أما وأخا.

فعلى قول الجمهور: يكون للأم الثلث مما ترك كل واحد، لا السدس، وللأخ الباقى.

وعلى قول أصحابنا: للأم السدس لوجود أخ ثالث مع تقدير أخ من الأخوين الميتين حيا، ففريضتهم من اثنى عشر، للأم أثنان، ولكل أخ خمسة فتحفظ الخمسة التى صحت للميت، ثم يقدر موت الذى قدرت حياته، وتقدر حياة الآخر، فالفريضة أيضا من اثنى عشر، للأم اثنان من كل واحد، وفى يد الأخ الحى خمسة من هذا، وكذا للآخر خمسة منه، ففى يد كل واحد من الأخوين خمسة ورثها من الآخر.

ثم قال: واذا علم موت أحد المتوارثين بنحو الغرق بعد الآخر معينا ولم ينس، فالمتأخر يرث السابق اجماعا.

وان علم ونسى، واشتبه عليه الأمر وقف الأمر للبيان، أو الصلح للضرورة.

فهذان قسمان.

والثالث أن يعلم السابق ولا يعلم عين السابق.

والرابع أن لا يعلم السابق.

والخامس أن يعلم الاتحاد.

وأحكام هذه الثلاثة واحدة.

وقيل فى الثالث بالتوقف للبيان أو الصلح

(1)

.

ويحكم على مفقود لم تعلم حياته، ولا موته بموت اذا مضت عليه أربع سنين من يوم فقده، لا من يوم الشهادة بالفقد، سنة لكل جهة، وعليه العمل، وهو قول عمر، وغيره.

وقال ابن مسعود: سبع.

وعن على: ست سنين.

ويقسم ماله عندنا، وسواء عندنا الفقد فى بلد التوحيد، والفقد فى بلد الشرك فى حرب أو سلم.

وزعم قوم أن المفقود فى أرض الشرك بلا حرب، أو الأسير الذى لا يعلم موته ولا حياته، لا يورث ماله، ولا تتزوج زوجته، ولا تطلق، مادام له مال تنفق منه، فاذا انقضى وطلبت الطلاق، فلها.

(1)

من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 384، ص 365 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

ص: 137

أما من فقد فى أرض الشرك بالحرب فيعمر فى المال والزوجة كالمفقود فيها بلا حرب.

وقيل تضرب له سنة للبحث عنها، وبعدها يورث، وتعتد زوجته للوفاة، والسنة من الاياس منه لا من قيام الزوجية، والتعمير عندهم مالا يعاش اليه.

وقيل يجعل له أربع سنين.

وقيل: سبعون.

وقيل: غير ذلك من أقوال الغيبة.

وقيل: مالا يعاش الى مثله.

أما من فقد فى أرض الاسلام ضرب أربع سنين بعد العجز عن خبره وتعتد بعد الأربع عدة الوفاة، وتتزوج ولا يورث ماله حتى يأتى عليه مالا يعيش اليه.

وان قدم المفقود

(1)

أو ظهر حيا، ولم يقدم، ومثله الغائب، وقد تزوجت زوجته، فمات قبل أن يعلم مختاره سواء علم بأنها تزوجت، أم لم يعلم أنه اختار أحدهما، بل بقى بلا اختيار كالذهول، أو توهم أنها له قطعا مطلقا، أو توهم ليست له قطعا، أو بقى ليسأل، أو لم يعلم أنها تزوجت، أو نحو ذلك، مثل أن يجن، أو يموت، ورثته وورثها، ان ماتت فى الحكم، سواء علم بتزوجها أو لم يعلم، ولو قال: انى اختارها لارثها وماتت، وذلك أنها للمفقود، واذا تبين أنه حى حتى يتركها بطلاق أو اختيار أقل الصداقين.

ثم قال: وخرجت من الآخر اذا مات الأول، ولم يعلم مختاره، لأنها لا تخرج من عصمة الأول الا بطلاق أو نحوه أو باختيار أقل الصداقين، وقد مات بعد ظهوره قبل أن يتيقنوا منه بشئ من ذلك، فاستصحب الأصل، وهو أنها زوجة له فتخرج عن الثانى.

وجاء فى شرح النيل

(2)

: أن العدالة تلزم كلا من الأبوين أو الآباء لولد مشترك بينهما، وهو من ولدته امرأة أو سرية دخل عليها رجلان أو أكثر فى طهر واحد بنكاح، مثل أن يزوجها ولى الرجل، وآخر لآخر، ولا يعلم الأول منهما، وقد دخلا عليها، ويكون ذلك كولد واحد أى خالص لرجل واحد، فيعطيه كل واحد من الآباء المشتركين فيه، مثل ما أعطى لولده الخاص به حوطة.

وقيل: يعطيه كل نصفه أى نصف الولد الخاص، لأنه بنفقة نصف النفقة،

(1)

شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 384، ص 385 الطبعة السابقة.

(2)

من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 251، 252 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

ص: 138

ويرث منه نصف الميراث، وان كان الآباء ثلاثة فأثلاثا، وهكذا، الا ان قيل: لا يكون الاشتراك فوق ثلاثة.

والصحيح القول الثانى، ولعل الأول احتياط.

وكذا المختلط مثل أن تلد امرأتان أو أكثر فى ظلمة، فلا تعلم كل منهن ولدها، ويقررن بالجهل، أو صرن يدعين، ولا بيان، أو فى غير ظلمة، وتناكرن، ولا بيان، أو تشابهوا عليهن أو على أبائهن، ولو بعد كبر، قبل بلوغ أو بعده، بحيث لا علم للولد أن ينكر من ينكر، ويقبل من يقبل، ولو صح عقله، وكل واحد من الأولاد مختلط يعطيه كل أب كل ما يعطى ولده حوطة.

وقيل: نصفه أو ثلثه أو ربعه أو غير ذلك بحسب عدد الآباء كارثه ونفقته.

ويتصور الاختلاط فى الواحد، باعتبار اللبس فى أبيه، أهذا هو أم هذا، بأن تلده امرأة وقد تزوجها رجلان فى طهر واحد، ومسها واحد فقط ولا يعلم، فذلك الولد الذى تلد بذلك المس مختلط فى عرف الفقهاء أيضا.

ومثال العدالة أن يعطى ولده الخالص له، فيعطى الولدين المختلطين كلا منهما، مثل ما أعطى ولده، لأن كلا من المختلطين يمكن أن يكون هو الذى له.

وقيل: يعطى كلا منهما نصف ما أعطى ولده، وكذا الأكثر، وكذا يفعل الشريك، فلو أعطى ولده عشرة، أعطى الولد المختلط عشرة، والمختلط الآخر عشرة، وعلى القول الثانى: يعطى كلا خمسة.

‌اشتراط

يجرى بحث كلمة (اشتراط) فى الفقه الاسلامى على المنهج التالى:

أولا: معنى اشتراط لغة واصطلاحا.

واصطلاحا.

ثانيا: أنواع الشرط فى الفقه الاسلامى.

ثالثا: آثار الشرط الجعلى.

شرط التعليق

وشرط التقييد على التصرفات فى الفقه الاسلامى.

أولا: معنى اشتراط لغة واصطلاحا.

(أ) معنى اشتراط لغة:

الاشتراط مصدر للفعل «اشترط يقال اشترط محمد على خالد كذا، أى أخذ عليه شرطا والشرط (كما جاء فى لسان العرب

(1)

(1)

انظر من كتاب لسان العرب للامم العلامة أبى الفضل جمال الدين بن مكرم بن منظور الأفريقى المصرى ج 9 ص 202 طبع دار صادر دار بيروت سنة 1374 هـ سنة 1955 م الطبعة الأولى مادة شرط.

ص: 139

هو الزام الشئ والتزامه فى البيع ونحوه، والجمع شروط .. ، وقد شرط له وعليه كذا يشرط شرطا، واشترط عليه، والشريطة كالشرط، وقد شارطه وشرط له فى ضيعته يشرط وشرط للأجير يشرط شرطا.

والشرط أيضا: بزغ الحجام بالمشرط، يقال شرط يشرط - بكسر الراء وضمها - شرطا، اذا بزغ.

والشرط الذى نبحثه هنا هو الشرط بالمعنى الأول وهو الزام الشئ والتزامه، فاذا اشترط المشترى على البائع شرطا، فقد ألزمه أمرا، وكل منهما قد التزم للآخر بما اشترط فى العقد.

(ب) معنى الشرط اصطلاحا:

يطلق الشرط فى الفقه الاسلامى على نوعين: الشرط المحض، وشرط التقييد.

الأول الشرط المحض: وهو ما وضحه صدر الشريعة

(1)

بقوله: شرط الشئ ما يتوقف عليه تحققه ولا يكون داخلا فى ذلك الشئ، ولا مؤثرا فيه، فبالضرورة ينتفى بانتفائه» وهذا النوع من الشرط ينقسم الى شرط حقيقى، وشرط جعلى:

1 -

الشرط الحقيقى هو ما يتوقف عليه وجود الشئ فى الواقع أو بحكم الشارع حتى لا يصح الحكم بدونه، كما فى الوضوء بالنسبة للصلاة اذ الوضوء أمر خارج عن الصلاة أوجبه الله تعالى على العبد قبل الدخول فيها، ليهيئ نفسه للقاء ربه والمثول بين يديه، ولا يقتضى وجود الوضوء وجود الصلاة، فقد يوجد الوضوء ولا توجد الصلاة، ولكن الصلاة يتوقف وجودها عليه، فاذا لم يوجد لم توجد فالوضوء غير مؤثر فى وجودها، فالشرط يتعلق به وجود الحكم لا وجوبه، وكالشهود للنكاح: قال عليه الصلاة والسلام: «لا نكاح الا بشهود» فاذا لم يوجد الشهود لا يصح عقد النكاح

(2)

، وهذا الارتباط بين الشهود وعقد النكاح أوجبه الشارع فهو ارتباط شرعى، ومثل هذا الشرط يسمى شرطا شرعيا «ويجرى هذا فى كل ما أوجبه الشارع من شروط لصحة صلاة أو اقامة حد، أو صحة تصرفات .. »

2 -

الشرط الجعلى: وهو أمر يعتبره المكلف ويعلق عليه تصرفا من تصرفاته، وقد سمى بذلك، لأن المكلف هو الذى جعله شرطا، وعلق عليه قيام التصرف، كما يسمى العقد المعلق على شرط، عقدا معلقا.

ويسمى الشرط أيضا «شرطا معلقا» أو شرط التعليق.

(1)

أنظر من كتاب شرح التوضيح على التنقيح لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود وعليه التلويح للامام سعد الدين التفتازانى وحاشية الغزى على التلويح وحاشية منلاخسرو وعبد الحكيم عليه أيضا ج 1 ص 145 طبع مطبعة محمد على صبيح وأولاده بمصر.

(2)

لم يأخذ المالكية بهذا الحديث.

ص: 140

وقد عرف الحموى التعليق بقوله «هو ترتيب أمر لم يوجد على أمر يوجد بان أو احدى أخواتها

(1)

».

ويسمى أيضا بالشرط اللغوى، لأن واضع اللغة هو الذى ربط الشرط بمشروطه، أى جعل هذا الربط اللفظى دالا على ارتباط معنى اللفظ بعضه ببعض

(2)

.

ويكون التعليق بأداة من أدوات الشرط.

كان واذا ومتى وكلما، كما يكون بما يقوم مقامها مما يدل على ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى، كما لو دل الكلام على التعليق دلالة كلمة الشرط عليه.

ومثال التعليق بأداة الشرط: ان استحق المبيع فأنا كفيل بالثمن، فقد علق الكفالة على شرط هو استحقاق المبيع.

ومثال ما يدل على التعليق دلالة كلمة الشرط عليه: أن يقول المكافأة التى أنالها هذا العام صدقة على الفقراء، فقد علق الصدقة على نيل المكافأة هذا العام وترتب الحكم على الوصف تعليق له بهذا الوصف، كالشرط كأنه قال: ان نلت مكافأة فى هذا العام فهى صدقة على الفقراء.

الفرق بين الشرط الحقيقى والجعلى:

يفترق الشرطان من حيث انه اذا انتفى الشرط الحقيقى ينتفى المشروط، فان صحة الصلاة تنتفى عند انتفاء الوضوء.

أما اذا انتفى الشرط الجعلى فانه لا دلالة لانتفائه على انتفاء المشروط، فان المشروط يمكن أن يوجد بدون الشرط، نحو أن دخلت الدار فأنت طالق، فعند انتفاء الدخول يمكن أن يقع الطلاق بسبب أخر

(3)

.

النوع الثانى: شرط التقييد:

كما عرف الحموى شرط التقييد بأنه «التزام أمر لم يوجد فى أمر وجد بصيغة مخصوصة» أو بعبارة أخرى:

أن يقترن التصرف بالتزام أحد الطرفين أو

(1)

أنظر من كتاب الأشباه والنظائر مع شرحه غمز عيون البصائر للحموى والمتن لمولانا زين العابدين ابراهيم الشهير بابن نجيم المصرى والشرح لمولانا السيد أحمد بن محمد الحنفى الحموى ج 1 ص 201 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1290 هـ.

(2)

الفروق للامام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن أدريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى وحاشية عمدة المحققين سراج الدين أبى القاسم بن عبد الله الانصارى المعروف بابن الشاط وبهأمش الكتابين تهذيب الفروق والقواعد السنية لحمد بن على ابن الشيخ حسين مفتى المالكيه بمكة المكرمة ج 1 ص 60 الطبعة الأولى سنة 1344 هـ طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية.

(3)

انظر من كتاب التوضيح على التنقيح لصدر الشريعة ح 1 ص 145 الطبعة السابقة والفروق للامام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى ح 1 ص 62 الطبعة السابقة.

ص: 141

كليهما الوفاء بأمر زائد عن أصل التصرف، وغير موجود وقت التعاقد

وذلك بكلمة بشرط كذا، أو على أن يكون كذا، أو ما أشبه ذلك مما يدل على الاشتراط، فاذا اشترط فى البيع رهن بالثمن المؤجل، فان هذا الاشتراط أدى الى التزام أمر لم يوجد وقت التعاقد - وهو الرهن فى عقد وجد بصيغة مخصوصة وهو عقد البيع.

ونقصر البحث هنا على ما يشترطه المكلف فى تصرف من تصرفاته، وهذا يتناول الشرط الجعلى، أو الشرط المعلق - وشرط التقييد، أما الشرط الحقيقى أو الشرعى فسيأتى بحثه فى كلمة (شرط).

‌خصائص كل من الشرط

المعلق والشرط المقيد

أولا خصائص الشرط المعلق: يشترط لصحة التعليق ما يأتى:

1 -

أن يكون أمرا زائدا على أصل التصرف - كما أوضحنا آنفا - لأن الشرط هو الأمر الخارج عن الشئ فهو محض واقعة اعتبرها المكلف، وعلق عليها تصرفه بارادته، وليس للشرط تأثير فى وجود التصرف أو عدمه.

2 -

أن يكون أمرا مستقبلا، وذلك لأن الشرط وجوابه لا يتعلقان الا بأمر يوجد مستقبلا، فاذا قال لزوجته: ان دخلت الدار فأنت طالق يحمل على دخول مستقبل وطلاق لم يقع قبل التعليق اجماعا

(1)

.

3 -

أن يكون أمرا معدوما على خطر الوجود، أى ألا يكون أمرا واقعا بالفعل، والا كان التصرف منجزا، كما لو قال: ان كانت الشمس طالعة فأنا كفيل بالثمن، وكانت الشمس طالعة فعلا، وألا يكون أمرا مستحيلا، والا كان التصرف باطلا، كما لو قال ان طلعت الشمس من المغرب فقد وكلتك فى بيع منزلى، فلا بد من كون الشرط أمرا معدوما على خطر الوجود، أى ممكنا

(2)

.

4 -

أن يكون التعليق على أمر يرجى الوقوف على وجوده، فاذا علق التصرف على أمر مجهول لا يصح التعليق كالتعليق على مشيئة الله تعالى عند بعض الفقهاء. فلو قال لامرأته أنت طالق ان شاء الله تعالى، لا يقع الطلاق عند الأحناف والشافعية، لأنه علقه على شئ لا يرجى الوقوف

(1)

انظر من كتاب الفروق للأمام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن أدريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى ح 1 ص 77 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية الطبعة الأولى سنة 1344 هـ.

(2)

انظر من كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم المصرى ص 201 الطبعة السابقة.

والأشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية للامام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى ص 376 الطبعة الأخيرة سنة 1378 هـ سنة 1959 م.

ص: 142

على وجوده

(1)

.

5 -

ألا يوجد فاصل أجنبى بين الشرط والجزاء، فلو قال: لزوجته أنت طالق ثم قال بعد فترة من الزمن: ان خرجت من الدار دون اذن منى لم يكن تعليقا للطلاق، ويكون الطلاق منجزا بالجملة الأولى

(2)

.

ما يترتب على التعليق:

اختلف الفقهاء فى كون العقد على شرط ينعقد سببا لحكمه فى الحال، أم أنه لا يوجد العقد الا بعد تحقق الشرط الى رأيين.

الرأى الأول: يرى الحنيفة أن التعليق يترتب عليه ألا يوجد العقد الا بعد تحقق الأمر الذى علق عليه العقد، فاذا تحقق هذا الأمر وجد العقد، وترتبت عليه أحكامه وآثاره من وقت تحقق الشرط فقط، أما قبل تحقق الشرط فلا يوجد العقد

(3)

.

وتعتبر صيغة التعليق الموجودة حينئذ سببا مجازيا، أو علة اسما.

كما يعتبر الشرط الذى علق عيه العقد علة حكما فقط.

والسبب المجازى هو ما يفضى الى الحكم فى الجملة (انظر مصطلح سبب).

والعلة أسما: هى ما يضاف الحكم اليها من غير تأثير، ويتراخى الحكم عنها انظر مصطلح (علة).

والعلة حكما هى ما يتصل بها الحكم من غير اضافة ولا تأثير (انظر مصطلح علة)

(4)

.

الرأى الثانى: يرى الشافعية أن التعليق على الشرط ينعقد سببا للحكم فى الحال، ولكن التعليق يؤخر وجود الحكم الى زمان وجود الشرط، فالعقد المعلق على الشرط موجود، ولكن حكمه تأخر الى وقت تحقق الشرط الذى علق عليه، فاذا قال ان استحق المبيع فأنا ضامن لذلك أنعقد قوله «فأنا ضامن» سببا للحكم فى الحال، ولكن التعليق على الشرط - وهو استحقاق المبيع - أخر الحكم - وهو الضمان - الى الوقت الذى يتحقق فيه الشرط.

فالتعليق عند الشافعية بمنزلة الاضافة الى الأجل فى أن كلا منهما لا يمنع السبب

(1)

التلويح على التوضيح ج 1 ص 148، ومغنى المحتاج للعلامة الفقيه الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج المذكور لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى ح 3 ص 281 طبعة المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.

(2)

انظر كتاب كشاف القناع عن متن الاقناع العلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منته الارادات للشيخ منصور ابن يونس البهوتى ج 3 ص 173 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

(3)

انظر كتاب الاشباه والنظائر لابن نجيم المصرى ص 301 الطبعة السابقة.

(4)

التوضيح شرح التنقيح لصدر الشريعة والتلويح عليه للامام سعد الدين التفتازانى ج 1 ص 148 الطبعة السابقة.

ص: 143

عن الانعقاد، وانما يؤخر الحكم فقط فالعقد موجود فى حالة التعليق، وفى حالة الاضافة الى أجل، والتعليق يؤخر الحكم الى حين تحقق الشرط المعلق عليه، كما أن الاضافة الى الأجل تؤخر الحكم الى أن يجئ الوقت المضاف اليه.

‌أثر الخلاف:

ويظهر أثر الخلاف فيما يأتى:

(أ) اذا قام شخص بالوفاء بالتزامه المعلق على شرط قبل تحقق الشرط، ثم تحقق الشرط، فهل الوفاء السابق بهذا الالتزام يجزئ بعد تحقق الشرط أم لا؟ كما لو نذر أن يتصدق بمبلغ من المال ان قدم ابنه من السفر، ثم تصدق قبل قدومه بهذا المبلغ وبعد ذلك حضر الابن.

فبناء، على رأى الشافعية لا يجب عليه التصدق مرة أخرى، لأنه حينما تصدق كان الالتزام موجودا، وتعجيل الأداء بعد وجود السبب وقبل وجوب الأداء صحيح بالاتفاق، كتعجيل الزكاة قبل الحول اذا وجد السبب وهو النصاب.

وبناء على رأى أبى حنيفة يلزمه التصديق مرة أخرى عند تحقق الشرط، لأنه حينما تصدق كان الالتزام غير موجود، وتعجيل الأداء قبل وجود السبب لا يجوز بالاتفاق.

(ب) وكذا لو قال شخص لامرأته ان تزوجتك فأنت طالق، أو لعبد ان ملكتك فأنت حر، ثم تزوج المرأة، أو ملك العبد.

فبناء على رأى الشافعى لا تطلق المرأة، ولا يعتق العبد، لأن العقد عنده موجود منذ صدوره، ووجود الملك شرط عند تحقق السبب، فيبطل التعليق، لعدم وجود الملك.

وبناء على رأى أبى حنيفة تطلق المرأة ويعتق العبد، لأن العبد وجد عند تحقق الشرط، وفى هذا الوقت كان مالكا، فيصح التعليق لوجود الملك عند تحقق الشرط المعلق عليه العقد

(1)

.

ثانيا: خصائص شرط التقييد:

1 -

أنه أمر زائد عن أصل التصرف، فقد صرح الزركشى فى قواعده بأن «الشرط ما جزم فيه بالأصل - أى أصل الفعل - وشرط فيه أمر آخر

(2)

.

2 -

أنه امر مستقبل، ويتضح هذا مما أورده الحموى فى تعريف الشرط بقوله أنه «التزام أمر لم يوجد فى أمر وجد.»

(1)

التوضيح على التنقيح لصدر الشريعة عبيد الله بن مسعود والتلويح عليه لسعد الدين التفتازانى وحاشية الغنرى عليه وعبد الحكيم أيضا ح 1 ص 146، ص 147 الطبعة السابقة.

(2)

انظر كتاب الأشباه والنظائر مع شرحه غمز عيون البصائر للحموى والمتن لمولانا زين العابدين ابراهيم الشهير بأبن نجيم المصرى ح 2 ص 224 الطبعة السابقة.

ص: 144

الفرق بين التعليق والشرط المقيد:

جاء فى حاشية الحموى «وقد فرق الزركشى فى قواعده بين التعليق والشرط فقال: ان التعليق ترتيب أمر لم يوجد على أمر يوجد بان أو احدى اخواتها

والشرط التزام أمر لم يوجد فى أمر وجد بصيغة مخصوصة»

(1)

.

آثار كل من الشرطين على التصرفات:

نبين أولا حكم تعليق التصرفات على الشرط، ثم نبين ثانيا حكم تقييدها بالشروط

‌حكم تعليق التصرفات:

‌مذهب الحنفية:

تنقسم التصرفات من حيث قبولها التعليق على الشرط، وعدم قبولها فى مذهب الحنفية الى ثلاثة أقسام.

القسم الأول: تصرفات لا تقبل التعليق مطلقا: ويشمل هذا القسم: التمليكات والتقييدات والرهن والأقرار.

(أ) التمليكات: تشمل التمليكات العقود والتصرفات الآتية:

1 -

البيع: لا يصح تعليق البيع على الشروط مطلقا، لأنه من عقود التمليك، وهى تقتضى انتقال الملكية فى الحال، والتعليق تمليك على سبيل المخاطرة، ولما كانت هذه التمليكات للحال لم يصح تعليقها بالخطر، لوجود معنى القمار، فيفسد البيع اذا علق على الشرط، كأن يقول البائع بعتك هذا الشئ ان كان على حاضرا.

ويستثنى من هذا الحكم صوره واحدة، وهى أن يقول بعتك هذا ان رضى فلان فانه يجوز أن وقته بثلاثة أيام، لأنه اشتراط الخيار لشخص أجنبى وهو جائز

(2)

.

2 -

الاقالة: ففى البزازية لا يصح تعليق الاقالة على الشروط كأن باع ثورا من زيد، فقال البائع: اشتريته رخيصا (يريد الاقالة) فقال زيد للبائع: ان وجدت مشتريا للسلعة المبيعة لى بثمن أكثر فبعها منه، فاذا وجد فباعها، لا ينعقد البيع الثانى، لأن قوله «ان وجدت. الخ» اقالة وتعليق الاقالة على الشرط لا يصح.

وفيها أيضا: اذا قال المشترى انه يخسر، فقال البائع: بعه فان خسر فعلى، فباع فخسر لا يلزمه شئ

(3)

.

(1)

الأشباه والنظائر لابن نحيم مع حاشية الحموى ح 2 ص 224 الطبعة السابقة.

(2)

الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المختار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ح 2 ص 346، ص 362 الطبعة الثالثة

(3)

نفس المرجع ح 4 ص 223 الطبعة السابقة.

ص: 145

3 -

الصلح عن مال بمال: لا يصح تعليق هذا النوع على الشرط، فاذا قال:

صالحتك عن الألف التى لى عندك بهذا المال أن قدم زيد فانه لا يصح، لأنه حينئذ يكون معاوضة مال بمال فيكون بيعا، والبيع لا يصح تعليقه كما بينا آنفا.

وفى الزيلعى: انما يكون بيعا اذا كان البدل خلاف جنس المدعى به، فلو كان البدل من جنسه، فان كان بأقل منه فهو حط وابراء، وان كان بمثله فقبض واستيفاء، وان كان بأكثر فهو فضل وربا

(1)

.

4 -

القسمة، ولا يصح تعليق القسمة على الشرط أيضا، لأن فيها معنى المبادلة فهى كالبيع، أما تعلقها على رضا أجنبى فان الأمر لا يخلو: أما أن يكون تعليقها على رضاه غير مؤقت أو مؤقت، فان كان غير مؤقت فانه لا يصح التعليق مطلقا وان كان مؤقتا يصح اذا كان الشئ محل القسمة من جنس واحد على أنه خيار شرط لأجنبى، كما يصح فى البيع

(2)

.

5، 6، 7: الاجارة ومثلها المزارعة والمساقاة، لا يصح تعليق الاجارة على الشرط مطلقا، لأنها تمليك المنفعة والأجرة، فهى من عقود التمليكات وتعليق التمليكات لا يصح، فاذا قال شخص لآخر آجرتك هذه الدار ان قدم ابنى من السفر تفسد الاجارة للتعليق

(3)

.

ومثل الاجارة: المزارعة والمساقاة.

فاذا قال شخص لآخر: زارعتك أرضى أو ساقيتك كرمى ان قدم ابنى، تفسد المزارعة والمساقاة، لأنهما فى معنى الاجارة والاجارة لا يصح تعليقها

(4)

.

8، 9: النكاح: لا يصح تعليقه أيضا، لأنه من عقود التمليكات، فاذا قالت: ان رضى أبى تزوجتك لا يصح لأنه تعليق والنكاح لا يحتمله كما فى الخانية.

وفى الظهيرية لو كان الأب حاضرا فقبل فى المجلس جاز، وهو استحسان

(5)

.

وكذلك الخلع من جانب الزوجة لا يصح تعليقه.

10 -

الاجازة: والمقصود بها أجازة عقد من العقود التى لا يصح تعليقها على الشرط، فاذا قالت البالغة: أجزت النكاح ان رضيت أمى، كان هذا التعليق مبطلا لاجازتها النكاح

(6)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ح 4 ص 348 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق لابن عابدين ح 4 ص 346 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق وحاشية ابن عابدين عليه ح 4 ص 347 الطبعة السابقة.

(4)

رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ح 4 ص 351 الطبعة السابقة.

(5)

حاشية ابن عابدين ح 4 ص 354 الطبعة السابقة.

(6)

رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ح 4 ص 347 الطبعة السابقة.

ص: 146

(ب) تعليق التبرعات: وتشمل التصرفات الآتية:

1 -

الهبة: لا يصح تعليق الهبة على الشرط مطلقا، لأن من شرط ركن الهبة - الصيغة - ألا يكون معلقا بماله خطر الوجود والعدم من دخول زيد، وقدوم خالد، ورقبى، ونحو ذلك، لأن الهبة تمليك العين للحال، والتمليك لا يحتمل التعليق بالخطر، كالبيع

(1)

.

2 -

الوقف: لا يصح تعليق الوقف على الشرط، لأنه ليس مما يحلف به، فلو قال:

ان قدم ولدى فدارى صدقة موقوفة على المساكين فجاء ولده، لا تصير وقفا:

لأن شرط الوقف أن يكون منجزا، جزم به فى فتح القدير

(2)

. والاسعاف حيث قال:

اذا جاء غد، أو رأس الشهر أو اذا كلمت فلانا أو اذا تزوجت فلانة فأرضى صدقة موقوفة يكون باطلا، لأنه تعليق والوقف لا يحتمل التعليق بالخطر.

وفى رواية ضعيفة يصح تعليقه

(3)

.

(ج) التقييدات: ويندرج تحتها ما يأتى:

1 -

الحجر على المأذون بالتجارة، لا يصح تعليق الحجر على الشرط ولا اضافته الى أجل، فلو قال للمأذون ان قدم فلان فأنت محجور، أو فقد حجرت عليك غدا أو رأس الشهر، لا يصح مع أن الاذن بالتجارة يصح تعليقه واضافته، ووجه الفرق ان الاذن تصرف اسقاط، لأن انحجاز العبد ثبت حقا لمولاه، وبالاذن أسقطه، والاسقاطات تحتمل التعليق والاضافة كالطلاق والعتاق ونحوهما، فأما الحجر فاثبات الحق واعادته، والاثبات لا يحتمل التعليق والاضافة كالرجعة ونحوها

(4)

.

2 -

3: عزل الوكيل والرجعة، وكذلك لا يصح تعليق هذين التصرفين على الشرط، فلو قال لوكيله عزلتك ان قدم فلان، أو قال لزوجته المطلقة منه طلاقا رجعيا:

راجعتك ان قدم فلان، لا يصح العزل، ولا الرجعة، لأن هذه التصرفات من التقييدات، حيث ان فى الوكالة اطلاقا عما كان ممنوعا منه من التصرف فى مال الموكل، وفى العزل تقييد لذلك الاطلاق، وكذا فى الرجعة تقييد

(1)

أنظر كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ح 2 ص 118 الطبعة الاولى طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر.

(2)

انظر من شرح فتح القدير للشيخ الامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى السكندرى المعروف بابن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية للامام أكمل الدين محمد ابن محمود البابرتى وحاشية المولى المحقق سعد الدين عيسى المفتى الشهير بسعدى جلب وبسعدى افندى على شرح العناية المذكور وعلى الهداية شرح بداية المبتدى لشيخ الاسلام برهان الدين على بن أبى بكر المرغنيانى ح 5 ص 37 مطبعة مصطفى محمد.

(3)

رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ح 4 ص 352 الطبعة السابقة.

(4)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ح 7 ص 192 الطبعة السابقة.

ص: 147

للمرأة عما أطلق لها بالطلاق من حقوق الزوجية

(1)

.

(د) تعليق الاقرار: الأصح فى المذهب الحنفى عدم صحة تعليق الاقرار على الشرط، لأنه ليس مما يحلف به، فاذا قال: لفلان على كذا ان أقرضنى كذا، أو ان قدم فلان، أو ادعى شخص على آخر مالا، فقال: ان لم آتك به غدا فهو على، فانه لا يصح هذا الاقرار، ولا يلزمه شئ ان أقرضه أو قدم فلان، أو لم يأت به غدا، لأنه علق الاقرار على شرط فيه خطر والتعليق بالشرط يخرج الاقرار عن أن يكون اقرارا، لأنه يترتب على التعليق ظهور الحق عند تحقق الشرط وعدم ظهوره ان لم يتحقق، وهذا ينافى حقيقة الاقرار

(2)

.

القسم الثانى: تصرفات يصح تعليقها على الشرط الملائم فقط. ويشمل هذا القسم التصرفات التالية:

(أ) الالتزامات، ويندرج تحتها ما يأتى:

1 -

2: الكفالة والحوالة: يصح تعليق الكفالة والحوالة على الشرط الملائم دون غيره، والشرط الملائم هو ما يؤكد موجب العقد، كأن يكون سببا لظهور الحق أو وجوبه أو وسيلة اليه أو سببا لتعذر الاستيفاء.

فمثال الأول: أن يقول: أن استحق المبيع فأنا كفيل بالثمن، فان الشرط وهو استحقاق المبيع سبب لوجوب الثمن للمشترى على البائع.

ومن هذا القبيل ما فى الآية القرآنية «وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ»

(3)

فان الكفالة بالجعل معلقة بسبب وجوبه وهو المجئ بصاع الملك.

ومثال الثانى: أن يقول: ان غصب فلان منك هذا الشئ، أو ان بايعت فلانا فأنا ضامن لذلك جاز، لأن هذه الأفعال سبب لوجوب الضمان.

ومثال الثالث: أن يقول: اذا قدم فلان - وهو مكفول عنه أو مضاربه - فأنا كفيل، صحت الكفالة، لأن قدومه وسيلة الى الأداء فى الجملة، وسبب موصل للاستيفاء منه.

ومثال الرابع: ما اذا قال: ان غاب فلان عن البلد أو هرب ولم يدع شيئا، فأنا كفيل، صحت الكفالة لأن الغيبة والهرب سبب لتعذر الاستيفاء منه

(4)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ح 4 ص 345، ص 347، ص 350.

(2)

المرجع السابق لابن عابدين ح 4 ص 352 الطبعة السابقة.

(3)

الأية رقم 72 من سورة يوسف.

(4)

فتح القدير وهامشه شرح العنايه على الهداية ح 5 ص 404، ص 406 الطبعة السابقة، والفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان وهو للامام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندى الفرغانى الحنفى ح 3 ص 189 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1310 هـ الطبعة الثانية.

ص: 148

أما ان علقت الكفالة وكذا الحوالة على شرط غير ملائم فانها لا تصح، كما لو قال: ان هبت الريح أو ان دخل زيد الدار فأنا كفيل، لأن الكفالة فيها معنى التمليك والأصل ألا يجوز تعليقها بالشرط، واستثنى الشرط الملائم لها، لأن العرف جار فى مثل هذه الشروط.

3 -

التحريضات: ويصح تعليق التحريضات على الشرط الملائم، كما لو قال الامام قبل دخول المعركة من قتل قتيلا فله سلبه، فانه بذلك قد جعل استحقاق السلب معلقا على قتل العدو، وهذا الشرط شرط ملائم، لأن قتل العدو ملائم لاستحقاق المكافأة وهى سلب القتيل، كما أن فيه تحريض المحاربين على الانتصار على أعدائهم

(1)

.

(ب) الاطلاقات: ومنها الاذن للصبى بالتجارة، فاذا علق هذا الاذن على شرط ملائم جاز، مثل أن يقول للصبى: اذا بلغ سنك خمسة عشر عاما، أو اذا صلحت فقد أذنت لك فى التجارة، لأن بلوغ السن، وكذا صلاحه يناسب ويلائم الاذن بالتجارة، أما لو قال: ان قدم زيد، أو ان هبت الريح فقد أذنت لك فانه لا يصح: لأنه شرط غير ملائم

(2)

.

(ج) الولايات: ومنها القضاء والامارة:

فان كلا من القضاء والامارة يقبل التعليق على الشرط الملائم دون غيره، مثل أن يقول الامام لشخص اذا وصلت الى بلدة كذا فأنت قاضيها، أو اذا وصلت الى مكة فأنت أمير الحج فى هذا الموسم، فانه يصح، ويصبح عند تحقق الشرط قاضيا أو أميرا، لأنه شرط ملائم لها، أما لو علقها على شرط غير ملائم فانه لا يصح كما لو علقها على هبوب الريح، أو نزول مطر.

والأصل فى جواز تعليق الامارة قوله صلى الله عليه وسلم حين بعث البعث الى مؤتة، وأمر عليهم زيد بن حارثة «ان قتل زيد بن حارثة فجعفر أميركم، وان قتل جعفر فعبد الله بن رواحة رواه البخارى، وهذه القصة مما اتفق عليها جميع أهل السير والمغازى

(3)

.

(د) الاسقاطات: ومنها الابراء عن الكفالة، ذكر فى البحر صحة الابراء عن الكفالة اذا علقه بشرط ملائم كان وافيت به غدا فأنت برئ، فوافاه به برئ من المال، وهو قول البعض.

وفى الفتح أنه الأوجه، لأنه اسقاط لا تمليك.

وان علقه على أمر كائن وموجود كما لو قال لغريمه ان كان لى عليك دين فقد

(1)

رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ح 4 ص 345 الطبعة السابقة.

(2)

جامع الفصولين ج 2 ص 2 ورد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 345.

(3)

نيل الأوطار ج 8 ص 226 - 267 طبعة أولى ورد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 345 ص 533، ص 534.

ص: 149

أبرأتك، وله عليه دين، برئ لأنه علقه بشرط كائن فتنجز»

(1)

.

أو قال ان أعطيته شريكى فقد أبرأتك، وقد أعطاه صح.

وتعليق الابراء على الموت: ففى الخانية:

لو قال لمديونه اذا مت - بضم تاء المتكلم - فأنت برئ من الدين جاز ويكون وصية.

ولو قال - ان مت بفتح تاء المخاطب - لا يبرأ، وهو مخاطرة، كما لو علقه على أمر غير ملائم، كان دخلت الدار فأنت برئ لا يبرأ.

وفيها لو قالت المريضة لزوجها: ان مت من مرضى هذا فمهرى عليك صدقة أو أنت فى حل منه، فماتت فيه فمهرها عليه، لأن هذه مخاطرة فلا تصح.

وقد علق ابن عابدين على ما جاء فى الخانية بقوله: والفرق بين هذه المسائل مشكل، فان الموت فى الأوليين محقق الوجود، فان كان المراد بالمخاطرة: هو الموت مع بقاء الدين فهو موجود فى المسألتين، ولعل الفرق أن تعليقه بموت نفسه أمكن تصحيحه على أنه وصية وتعليق الوصية صحيح .. حتى تصح من العبد بقوله: اذا عتقت فثلث مالى وصية كما فى وصايا الزيلعى، بخلاف تعليقه بموت المديون، فانه لا يمكن جعله وصية، فبقى محض ابراء، ولا يعلم هل يبقى الدين الى موته فكان مخاطرة فلم يصح.

وكذلك مسألة المهر فيها مخاطرة من حيث تعليق الابراء على موتها من ذلك المرض، فانه لا يعلم هل يكون، أو لا يكون، لكن علمت أن الوصية يصح تعليقها بالشرط، فان قيد بما ليس فيه مخاطرة يلزم ألا تصح هذه الوصية لو كانت لأجنبى مع أن حقيقة الوصية تمليك مضاف لما بعد الموت ويصح تعليقها بالعتق .. وان كانت المخاطرة من حيث أنه لا يعلم هل تجيز الورثة ذلك أو لا تجيزه، أو هل يكون أجنبيا عنها وقت الموت، حتى تصح الوصية، أو لا يكون أجنبيا عنها لم يبق فائدة لقولها من مرضى هذا، ويلزم منه صحة التعليق اذا قالت «ان مت بدون قولها» من مرضى هذا ويحتاج الى نقل فى المسألة

(2)

.

‌تعليق الابراء على شرط غير ملائم:

أما

(3)

ان علق الابراء على شرط غير ملائم فانه لا يصح، جاء فى العزمية عن ايضاح الكرمانى لو قال: ان دخلت الدار فقد أبرأتك، أو قال لمديونه، أو كفيله: اذا أديت الى كذا أو متى أديت، أو ان اديت، الى خمسمائة فأنت برئ عن الباقى، فهو باطل ولا ابراء، لأنه تمليك من وجه حتى

(1)

رد المحتار ج 4 ص 349، ص 350.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 350

(3)

نفس المرجع ج 4 ص 349.

ص: 150

يرتد بالرد، وان كان فيه معنى الاسقاط فيكون معتبرا بالتمليكات، فلا يجوز تعليقه بالشرط (بحر عن العينى).

القسم الثالث: تصرفات يصح تعليقها على الشرط مطلقا: ويشمل هذا القسم التصرفات الآتية:

(أ) الاسقاطات المحضة كالطلاق والعتق وتسليم الشفعة بعد ثبوتها، فان هذه التصرفات يصح تعليقها على الشرط مطلقا، سواء كان ملائما أم غير ملائم، فان تحقق الشرط وقع التصرف، والا لم يقع

(1)

.

وقد علل الاحناف هذا الحكم بأنها مما يصح أن يحلف بها.

(ب) الالتزام بالطاعات: يصح تعليق الالتزام بالطاعات على الشروط جميعها، فاذا قال: ان شفيت من مرضى حججت، أو تصدقت بكذا، أو وقفت أرضى على الفقراء، فانه يصح التزامه، ويلزمه عند تحقق الشرط الوفاء، بالحج، أو الصدقة، أو الوقف.

وقد جاء فى جامع الفصولين

(2)

:

تعليقا على القول بعدم صحة تعليق الاعتكاف قوله «قال شيخنا فى بحره:

وكيف يصح أن يقال بعدم صحة تعليقه مع الاجماع على صحة تعليق المنذور من العبادات أى عبادة كانت، حتى ان الوقف لا يصح تعليقه بالشرط، ولو علق النذر به - أى بالوقف - بشرط صح التعليق. فى الواقعات الحسامية من الفصل السابع فى النذر بالصدقة: رجل ذهب له شئ فقال:

ان وجد فلله تعالى على أن أقف أرضى على أبناء السبيل فوجده وجب عليه أن يقف، لأن هذا نذر، والوفاء بالنذر واجب

(3)

.

(ج) من عقود التبرع: الوصية: يصح تعليق الوصية على الشروط جميعها، فاذا قال: أوصيت بثلث مالى ان أجاز فلان، صحت الوصية مع أنها من التمليكات، لأنها فى الحقيقة معلقة بالموت، حيث يترتب عليها اثبات الخلافة فى المال بعد الموت

(4)

.

(د) الولايات ومنها:

1 -

الوكالة: يجوز تعليق الوكالة على الشرط مطلقا، فاذا قال: ان قدم محمد فأنت وكيلى فى بيع هذا الشئ، صحت الوكالة، لأن التوكيل يؤدى الى اطلاق تصرف الوكيل فى مال الموكل، والاطلاقات مما يحتمل التعليق بالشرط والاضافة الى الوقت كالطلاق والعتق

(5)

.

(1)

رد المحتار ج 4 ص 345.

(2)

جامع الفصولين ج 2 ص 4.

(3)

يراجع رد المختار على الدر المختار ج 4 ص 350 - 351.

(4)

نفس المرجع ج 4 ص 354.

(5)

بدائع الصنائع ج 6 ص 20.

ص: 151

2 -

الايصاء، والايصاء مثل الوكالة فى صحة تعليقه، لأن كلا منهما عقد ولاية (اطلاقات) اذ الايصاء هو طلب فعل يفعله الموصى اليه بعد غيبة الموصى أو بعد موته فيما يرجع الى مصالحه، كقضاء ديونه والقيام على حوائجه ومصالح ورثته من بعده وتنفيذ وصاياه وغير ذلك

(1)

.

‌مذهب المالكية:

تنقسم التصرفات من حيث قبولها التعليق على الشروط وعدم قبولها فى المذهب المالكى الى قسمين.

القسم الأول: تصرفات لا تقبل التعليق على الشرط: ويندرج تحت هذا القسم المعاوضات، والايمان بالله تعالى، والاقرار.

(أ) تعليق المعاوضات، وتشمل:

1، 2: البيع والاجارة: فقد جاء فى كتاب الفروق:

(2)

أن الذى يقبل الشرط دون التعليق عليه كالبيع والاجارة ونحوهما .. لا يصح التعليق عليه بأن يقول: ان قدم زيد فقد بعتك أو آجرتك، لسبب أن انتقال الأملاك يعتمد الرضا، والرضا انما يكون مع الجزم، ولا جزم مع التعليق، فان شأن المعلق عليه أن يكون يعترضه عدم الحصول.

الا أن المذهب يستثنى من هذه القاعدة تعليق البيع على رضا شخص أجنبى أو مشورته، كما لو قال بعته لك أو اشتريته منك ان رضى فلان، فقد أجازوا هذا التعليق، بشرط أن يكون الشخص الذى علق العقد على رضاه أو مشورته غير بعيد عن موضع العقد، والمراد بالبعد ألا يعلم ما عنده الا بعد فراغ مدة الخيار، وما ألحق بها بأمد بعيد

(3)

.

3 -

عقد النكاح: لا يصح تعليق عقد النكاح على الشرط عند المالكية:

واستثنوا من هذه القاعدة ما أشار اليه الخرشى

(4)

بقوله: وصح ان مت فقد زوجت ابنتى

(5)

فلانة من فلان اذا ما صدر ذلك فى مرضه طال مرضه أو قصر.

وقيد سحنون الصحة بما اذا قبل الزوج النكاح بقرب موت الأب، لأن العقود يجب أن يكون القبول بقربها لا سيما عقد النكاح، فان الفروج يحتاط فيها مالا يحتاط فى غيرها.

وقال يحيى بن عمر: يصح ذلك طال الأمر أو لم يطل ..

(1)

فتح القدير ج 8 ص 416.

(2)

الفروق ج 1 ص 229.

(3)

الخرشى ج 4 ص 21.

(4)

الخرشى ج 3 ص 16.

(5)

أى أن مات فى مرضه هذا فقد زوج ابنته .. الخ.

ص: 152

4 -

القراض (المضاربة) لا يصح تعليق القراض على الشرط فلو وكله على خلاص دين له على فلان، فاذا خلصه كان بيده قراضا، فان ذلك لا يجوز، ولو كان الذى عليه الدين حاضرا مقرا مليئا تأخذه الأحكام ما لم يقبض بحضرة ربه. وكذلك لا يجوز أن يدفع للعامل ذهبا، ويشترط عليه أن يصرفها بفضة، ثم يعمل بها قراضا».

(ب) الايمان بالله تعالى والدخول فى الدين: لا يصح تعليق الايمان بالله تعالى والدخول فى الدين على الشرط،

فلو قال شخص «ان كنت كاذبا فى هذه القضية فأنا مسلم أو مؤمن، أو ان لم آت بالدين فى وقت كذا ونحو ذلك من الشروط التى يعلق عليها فلا يلزم اسلام اذا وجد الشرط، بل يبقى على كفره، بسبب أن الدخول فى الدين يعتمد الجزم بصحته والمعلق ليس جازما، فهذا متجه فى أهل الذمة وأما الحربيون نلزمهم الاسلام قهرا بالسيف فجاز أن يلزمهم فى هذه الحالة

(1)

.

(ج) تعليق الاقرار: لا يصح تعليق الاقرار على الشرط، فلو قال: له على ألف دينار ان تكلم أو دخل الدار، لم يصح.

وقال ابن المواز وابن سحنون وكذلك ان قال: ان أمطرت السماء، أو ان هبت الريح أو دخل فلان فى دارنا فهو باطل فى اجماعنا

(2)

.

تعليق الاقرار على المشيئة: أما اذا علق الاقرار على مشيئة الله تعالى كما لو قال: على ألف لفلان ان شاء الله أو ان قضى الله، فان ذلك لا يضر فى الاقرار على المشهور، ويلزمه، لأنه لما نطق بالاقرار علمنا أن الله قد شاء، وقضاه، ولأن الاستثناء لا يفيد فى غير الحلف بالله.

أما اذا علق الاقرار على مشيئة انسان، كما لو قال: له على ألف ان شاء فلان فشاء فلان فانه لا يلزمه بذلك شئ، لأنه خطر

(3)

.

واذا قال: له على ألف ان استحل ذلك أو ان أعارنى الشئ الفلانى فقال المقر له: استحللت ذلك، أو أعاره فانه لا يلزم المقر شئ من ذلك لأنه يقول:

ما ظننته يفعل ذلك أو يعيرنى كذا

(4)

.

وكذا اذا قال له على ألف ان شهد به فلان، فانه لا يكون اقرارا سواء كان فلان عدلا أو غير عدل

(5)

.

القسم الثانى: تصرفات تقبل التعليق على الشرط: وهذا القسم يشمل التصرفات الآتية:

(1)

الفروق للقرافى ج 1 ص 228.

(2)

الالتزامات للحطاب ج 1 ص 196.

(3)

الخرشى ج 4 ص 307.

(4)

نفس المرجع ج 4 ص 313.

(5)

نفس المرجع ج 4 ص 313.

ص: 153

(أ) عقود التبرعات: جاء فى فتاوى الشيخ عليش «ان من علق الهدى أو الصدقة على الملك يلزمه مثل أن يقول: ان ملكت عبد فلان فهو حر، فانه يلزمه العتق اذا ملكه .. «أو ان قدمت من هذا السفر فلفلان على ألف درهم، أو ان اتممت هذه الدار أو هذا الكتاب فعلى كذا.

ومن سماع ابن القاسم من كتاب الصدقات والهبات فى رجل قال لرجل:

بلغنى أنك تشتمنى فقال: ما قلت فقال:

احلف لى ولك كذا وكذا هبة منى، فحلف، أترى أن له الهبة؟ قال: نعم ذلك يلزمه

(1)

.

كما جاء فى الشرح الصغير

(2)

: فاذا قال أوصيت لمن سيكون من ولد فلان فيكون لمن يولد له سواء كان موجودا بأن كان حملا حين الوصية أو غير موجود أصلا، فيؤخر الموصى به للوضع على كل حال، فاذا وضع واستهل أخذ ذلك الشئ الموصى به».

(ب) الوصاية: ويجوز أيضا عند المالكية تعليق الوصاية على الشرط فلو قال:

فلان وصيى حتى يقدم فلان، فاذا قدم فلان، ففلان القادم وصيى، جازت الوصية، وعند تحقق الشرط وهو قدومه يصبح وصيا كما ينعزل عندئذ الوصى الأول، وكذا اذا قال وصيتى زوجتى الى أن تتزوج فهى مادامت عزبا وصية واذا تزوجت سقط حقها

(3)

.

(ج) الابراء عن الدين: جاء فى الالتزامات للحطاب: قال ابن سحنون ولكن لو ادعى ذلك عليه أى أن له عنده مائة درهم «فجحد، فقال له: أحلف وأنت برئ أو قال اذا حلفت أو متى حلفت .. فحلف فهذا يلزمه ويبرأ به المطلوب، ولو رجع الطالب وقال: لا يحلف فليس له ذلك.

(د) الاسقاطات ويندرج تحتها: الطلاق والخلع والعتق وتسليم الشفعة بعد ثبوتها.

جاء فى الفروق للقرافى

(4)

: أن الطلاق والعتق يقبلان التعليق على الشرط كأن يقول: ان دخلت الدار فأنت طالق، أو أنت حر، فلا ينجز هذا الطلاق ولا العتاق الآن حتى يقع الشرط.

وكذلك يصح تعليق الخلع على الشرط فاذا قال لزوجته: اذا أقبضتنى كذا فأنت طالق، أو ان أديت الى كذا فأنت طالق، أو اذا، أو متى أديتنى فقد طلقتك لم يختص اقباضها أو أداؤها بالمجلس الذى قال لها فيه ذلك، بل اذا أقبضته أو أتت اليه بما طلبه منها، فانها تطلق منه ولو بعد المجلس ما لم يطل، بحيث يرى أن الزوج لا يجعل التمليك

(1)

فتاوى عليش ج 1 ص 195 - 196.

(2)

الشرح الصغير ج 2 ص 431 طبعة صبيح.

(3)

الخرشى ج 5 ص 433.

(4)

الفروق للقرافى ج 1 ص 228.

ص: 154

اليه، اللهم الا أن تقوم قرينة تدل على أنه أراد المجلس، فانه يعمل بتلك القرينة ولا يشترط قبولها لذلك فى المجلس، وانما يناط الحكم بوجود المعلق عليه، فان وجد حصل المعلق، والا فلا ..

وذكر ابن عبد السّلام أنه لا بد من القبول ناجزا فى صورة التعليق، فعلى هذا اذا لم يقع قبول ناجز بالمجلس ووجد المعلق عليه بعد المجلس مع قرينة على عدم الترك فانه لا يقع طلاق عنده، فالصور ثلاث:

الأولى أن يوجد القبول والمعلق عليه بالمجلس ناجزين فيكون خلعا باتفاقهما.

الثانية عدم وجودهما الى ما يرى ترك الزوجين للتعليق، ولا قرينة فلا خلع باتفاقهما.

الثالثة: وجد المعلق عليه بعد المجلس مع قرينة على عدم الترك، ولم يقع قبول ناجز بالمجلس فهو ليس خلعا لها، عند ابن عبد السّلام، ولها ذلك عند ابن عرفة

(1)

.

وكذلك يصح تعليق اسقاط الشفعة بعد ثبوتها، فلو قال للمشترى ان دفعت الى كذا فقد أسقطت الشفعة، فان أدى اليه المال المشترط سقطت والا فلا

(2)

.

(هـ) الالتزامات وتشمل:

1 -

الالتزام بالطاعات، فلو قال ان قدم زيد فعلى صوم شهر، أو صلاة مائة ركعة ونحوها من الشروط والنذور، فانه يصح، لأن هذه الالتزامات مما يقبل التعليق على الشرط

(3)

.

2 -

الكفالة: يجوز تعليق الكفالة على الشرط، جاء فى الخرشى

(4)

: الضمان يصح فى المجهول، فاذا قال شخص لآخر: داين فلانا، وأنا ضامن فيما داينته به، فانه يلزمه ما داينه به اذا ثبت ببينة أو باقرار المضمون على أحد القولين.

ومن وجد رجلا يدعى على رجل بحق وهو يكذبه فقال له: أحلف أن لك عليه حقا، وانا ضامن فيه فليس له أن يرجع قبل حلفه عن كفالته، ولا ينفعه الرجوع لأنه حق واجب .. أى على تقدير حلفه، لأنه لما قال احلف وأنا ضامن كأنه قال: التزم لك الضمان ان حلفت فهو حق واجب بالالتزام على تقدير الحلف، فاذا حلف الطالب غرم الضامن.

‌مذهب الشافعية:

تنقسم التصرفات من حيث قبولها التعليق وعدم قبولها الى قسمين.

القسم الأول: تصرفات لا تقبل التعليق

(1)

الخرشى ج 3 ص 164 - 165.

(2)

فتاوى الشيخ عليش ج 1 ص 213.

(3)

الفروق للقرافى ج 1 ص 229.

(4)

الخرشى ج 4 ص 241.

ص: 155

على الشرط: ويندرج تحت هذا القسم التصرفات التالية:

(أ) المعاوضات:

1 -

البيع: جاء فى الاشباه والنظائر للسيوطى: لا يقبل البيع التعليق الا فى صور:

الأولى: بعتك ان شئت.

الثانية: ان كان ملكى فقد بعتكه ومنه مسألة الوكيل والموكل: ان كنت أمرتك بعشرين فقد بعتكها بها.

الثالثة: البيع الضمنى: كأعتق عبدك عنى على مائة اذا جاء رأس الشهر

(1)

».

2 -

القراض: جاء فى مغنى المحتاج

(2)

لا يصح تعليق القراض على الشرط.

فلو قال: قارضتك ما شئت أو ماشئت جاز، لأن ذلك شأن العقود الجائزة، ولا يصح الا أن يعقد فى الحال.

فان علقه على شرط كأن قال: اذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك.

أو علق تصرفه كأن قال: قارضتك الأن ولا تتصرف حتى ينقضى الشهر لم يصح.

أما فى الأولى فكما فى البيع ونحوه.

وأما الثانية: فكما لو قال بعتك هذا ولا تملكه الا بعد شهر.

ولو دفع اليه مالا، وقال: اذا مت فتصرف فيه بالبيع والشراء قراضا على أن لك نصف الربح لم يصح وليس له التصرف بعد موته، لأنه تعليق، ولأن القراض يبطل بالموت لو صح.

3، 4: الجعالة والخلع

(3)

: فى السيوطى فى أشباهه أن الجعالة والخلع يجرى فى صحة تعليقهما خلاف، نظرا لأن لهما شبها: بالنذر، والنذر يصح تعليقه، ولأنه يترتب على كل منهما تمليك والتمليكات لا يصح تعليقها.

5 -

النكاح: لا يصح تعليق النكاح على الشرط، فاذا قال: ان طلعت الشمس فقد زوجتك بنتى، لم يصح النكاح، كما لا يصح البيع ونحوه من باقى المعاوضات، بل النكاح أولى لمزيد اختصاصه بالاحتياط، وكذلك لو قال:

زوجتك بنتى ان شاء الله وقصد التعليق، أو أطلق لم يصح وان قصد التبرك أو أن كل شئ بمشيئة الله تعالى صح

(4)

.

(ب) التبرعات - عدا الوصية: وهى الهبة والصدقة: لا يجوز تعليق الهبة والصدقة على الشرط، وذلك لأن هذه التصرفات تقتضى التمليك فى الحال، ولم تبن على التغليب والسراية كالعتق - والتعليق ينافى هذا، لأنه يجعل التمليك معلقا على حدوث أمر محتمل الوقوع فى

(1)

الاشباه والنظائر للسيوطى ص 377.

(2)

مغنى المحتاج ج 2 ص 286.

(3)

الاشباه والنظائر للسيوطى ص 377 ويراجع مغنى المحتاج ج 2 ص 398 فى الجعالة.

(4)

مغنى المحتاج ج 3 ص 134.

ص: 156

المستقبل، وأيضا فان تعليق هذه التصرفات يؤدى الى غرر

(1)

.

2 -

الوقف: لا يجوز تعليق الوقف على الشرط، فاذا قال: ان جاء زيد فقد وقفت كذا على كذا، لم يصح الوقف الا أن الامام السيوطى

(2)

فى أشباهه ذكر أن الخلاف يجرى فى صحة تعليق الوقف، لأن له شبها يسيرا بالعتق، والعتق يصح تعليقه فجرى وجه ضعيف فى صحته، والأرجح عدم صحته لأنه يشبه التمليك وما كان تمليكا محضا لا يصح تعليقه.

(ج) من الالتزامات الكفالة والضمان:

جاء فى مغنى المحتاج: «والأصح انه لا يجوز تعليق الضمان والكفالة بشرط، كاذا جاء رأس الشهر فقد ضمنت ما على فلان، أو تكفلت ببدنه، لأنهما عقدان فلا يقبلان التعليق كالبيع.

والرأى الثانى يجوز، لأن القبول لا يشترط فيهما فجاز تعليقهما كالطلاق.

والرأى الثالث يمتنع الضمان دون الكفالة، لأن الكفالة مبنية على الحاجة

(3)

.

كما جاء فى نفس المرجع

(4)

: أنه صحح فى القديم ضمان ما سيجب كثمن ما سيبيعه أو ما يقرضه، لأن الحاجة تدعو اليه.

والمذهب صحة ضمان الدرك بعد قبض الثمن، لأنه انما يضمن ما دخل فى يد البائع، ولا يدخل الثمن فى ضمانه الا بقبضه.

وضمان الدرك أن يضمن المشترى الثمن ان خرج المبيع مستحقا، أو ان أخذ بشفعة سابقة على البيع ببيع آخر، أو معيبا ورده المشترى، أو ناقصا، أما لرداءته أو لنقص الصنجة التى يوزن بها.

(د) الوكالة: لا يصح تعليق الوكالة على الشرط فى الأصح فى المذهب كسائر العقود، فلو قال: اذا قدم زيد فقد وكلت فلانا بكذا، أو فهو وكيلى فيه، لم تصح الوكالة.

والرأى الثانى: صحة تعليق الوكالة قياسا على الوصية، الا أنه فرق بين الوكالة والوصية بأن الوصية تقبل الجهالة، فتقبل التعليق ولا كذلك الوكالة فلا تقاس عليها

(5)

.

(هـ) ومن التقييدات:

1 -

عزل الوكيل:

جاء فى مغنى المحتاج

(6)

: ان تعليق عزل الوكيل فيه وجهان كالتعليق فى الوكالة فاذا قال: ان طلعت الشمس فأنت معزول.

(1)

مغنى المحتاج شرح المنهاج ج 2 ص 369.

(2)

الاشباه والنظائر للسيوطى ص 377 طبعة أخيرة.

(3)

مغنى المحتاج شرح المنهاج ج 2 ص 193.

(4)

مغنى المحتاج ج 2 ص 187.

(5)

مغنى المحتاج ج 2 ص 207 والاشباه والنظائر للسيوطى ص 377.

(6)

مغنى المحتاج 2 ص 208.

ص: 157

فالأصح عدم صحة العزل.

لكن العزل أولى بصحة التعليق من الوكالة كما فى الروضة كأصلها، لأنه لا يشترط فيه قبول قطعا.

وعلى الأصح السابق يمتنع المعزول من التصرف عند وجود الشرط لوجود المنع كما رجحه الأسنوى.

2 -

الرجعة: لا يصح تعليق الرجعة على الشرط كالنكاح، فاذا قال راجعتك ان شئت لم تصح

(1)

.

3 -

الرجوع فى الهبة: جاء فى مغنى المحتاج لا يصح الرجوع فى الهبة فيما يصح الرجوع فيه - الا منجزا، فلو قال:

اذا جاء رأس الشهر فقد رجعت لم يصح، لأن الفسوخ لا تقبل التعليق كالعقود

(2)

.

(و) الابراء: جاء فى الاشباه للسيوطى

(3)

: ولا يقبل الابراء التعليق الا فى صور:

الأولى: ان رددت عبدى فقد أبرأتك صرح به المتولى.

الثانية: اذا مت فأنت فى حل من الدين فهو وصية كما فى فتاوى ابن صلاح.

الثالثة: أن يكون ضمنا لا قصدا، كما اذا علق عتقه ثم كاتبه فوجدت الصفة المعلق عليها العتق - عتق وتضمن ذلك الابراء من النجوم - أى أقساط المال المكاتب عليه - حتى يتبعه أكسابه ولو لم يتضمنه تبعه كسبه «وهذا الرأى مبنى على أن الابراء تمليك وليس أسقاطا، وهو الأصح فى المذهب الشافعى

(4)

.

(ز) الايمان بالله تعالى وفروعه:

لا يصح تعليق العبادات على الشرط كالايمان بالله تعالى والطهارة والصلاة والصوم، والحج، فلو قال: ان أحرم زيد أحرمت فالذى نقله البغوى وآخرون أنه لا يصح، وكذا لو قال أصوم غدا ان شاء زيد، لم يصح، وان شاء زيد أو قال: أصوم غدا ان نشطت، لا يصح أيضا وان نشط، لعدم الجزم، والعبادات ينافيها التردد وعدم الجزم فالتعليق على الشرط ينافيها فلا تصح معه

(5)

.

(ح) الاقرار: وكذا لا يصح تعليق الاقرار على الشرط، فلو قال: لفلان على ألف ان شاء الله أو ان لم يشأ الله، أو الا أن يشاء الله أو ان شئت أو شاء فلان، لم يلزمه شئ على المذهب، سواء أقدم الألف على المشيئة أم لا، لأنه لم يجزم بالالتزام، بل علقه بالمشيئة ومشيئة الله تعالى مغيبة عنا، ومشيئة غير الله تعالى لا توجب شيئا

(6)

».

(1)

مغنى المحتاج على متن المنهاج ج 3 ص 312.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 374.

(3)

الاشباه والنظائر للسيوطى ص 377 - 378.

(4)

المرجع السابق ص 177 - 178.

(5)

الاشباه والنظائر ص 41، ص 376 طبعة أخيرة.

(6)

مغنى المحتاج ج 2 ص 237.

ص: 158

القسم الثانى: تصرفات تقبل التعليق على الشرط: ويندرج تحت هذا القسم التصرفات التالية:

(أ) من التبرعات:

1 -

الوصية:

تقبل الوصية التعليق على الشرط لأنها تقبل الجهالة، فلو قال

(1)

: «ان كان حملك ذكرا، أو أنثى فله كذا، فان ولدت ذكرا كان له الموصى به، وكذا لو ولدت أنثى وان ولدت ذكرين قسم الموصى به بينهما، وكذلك فى الثانية يقسم بين الانثيين، ولو قال: ان كان ببطنها ذكر فله كذا، فولدت ذكرا وأنثى استحق الذكر فقط، لأنه وجد ببطنها، وزيادة الأنثى لا تضر .. »

2 -

العارية: جاء فى مغنى المحتاج

(2)

: يجوز تعليق العارية وتأخير القبول، ففى الروضة وأصلها أنه لو رهنه أرضا واذن له فى غراسها بعد شهر فهى بعد الشهر عارية غرس أم لا، وقبله أمانة حتى لو غرس قبله قلع».

(ب) الاسقاطات: كالطلاق، والعتق والتدبير: يجوز عند الشافعية تعليق هذه التصرفات على الشرط، لأنها اسقاطات محضة يستبد المتصرف بايقاعها دون حاجة الى قبول الطرف الآخر

(3)

.

(ج) من الولايات: الايصاء والامارة يجوز تعليق الايصاء، والامارة على الشرط، فقد جاء فى مغنى المحتاج

(4)

:

«ولو قال أوصيت اليك الى بلوغ ابنى - فلان - أو الى قدوم زيد، فاذا بلغ ابنى، أو قدم زيد فهو الوصى، جاز هذا الايصاء، واغتفر فيه التأقيت فى قوله الى بلوغ ابنى أو قدوم زيد - والتعليق فى قوله فاذا بلغ أو قدم فهو الوصى» .

ويجوز فى الايصاء التوقيت والتعليق .. كاذا مت فقد أوصيت اليك، لأن الوصاية تحتمل الجهالة والاخطار فكذا التوقيت والتعليق، ولأن الوصاية كالامارة، وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم زيدا على سرية وقال: ان أصيب زيد فجعفر، وان أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة رواه البخارى».

(د) الالتزام بالطاعات: يصح تعليق النذر على الشرط: ويلزم الناذر الوفاء بما نذر عند تحقق الشرط، كما لو قال: ان صمت رمضان أو أن شفى الله مريضى: أو ان قدم غائبى، فلله على أن أصوم كذا، أو أصلى، أو أتصدق او أعتق أو نحو ذلك فانه يصح

(5)

.

‌مذهب الحنابلة:

تنقسم التصرفات من حيث قبولها التعليق وعدم قبولها الى قسمين:

(1)

نفس المرجع ج 3 ص 54.

(2)

مغنى المحتاج ج 2 ص 247.

(3)

يراجع الاشباه والنظائر للسيوطى ص 376 ويراجع مغنى المحتاج ج 3 ص 392 فى شرح أدوات تعليق الطلاق وج 4 ص 492.

(4)

مغنى المحتاج ج 3 ص 72.

(5)

حاشية الباجورى على شرح ابن القاسم باب النذر ص 314 طبعة المعاهد الازهرية.

ص: 159

القسم الأول: تصرفات لا تقبل التعليق على الشرط ويندرج تحت هذا القسم التصرفات التالية:

(أ) المعلوضات:

1 -

البيع: لا يصح تعليق البيع على الشرط.

فقد جاء فى كشاف القناع

(1)

: من الشروط الفاسدة: أن يشترط البائع شرطا يعلق البيع عليه، كقوله بعتك أن جئتنى بكذا، أو بعتك ان رضى فلان.

وكذا تعليق الشراء كقبلت ان جاء زيد ونحوه، فلا يصح البيع، لأنه عقد معاوضة، وهو يقتضى نقل الملك حال العقد، والشرط هنا يمنعه.

أو يقول الراهن للمرتهن: ان جئتك بحقك فى محله بكسر الحاء أى أجله - والا فالرهن لك مبيعا بمالك من الدين، فلا يصح البيع لقوله عليه السلام:

«لا يغلق الرهن من صاحبه «رواه الأثرم» وفسره أحمد بذلك «ويصح بعت ان شاء الله، وقبلت ان شاء الله، لأن القصد منه التبرك لا التردد غالبا.

وقد أورد صاحب كتاب الفروع رواية عن الامام أحمد بصحة تعليق البيع على الشرط

(2)

.

2 -

الاجارة: لا يصح تعليق الاجارة على الشرط «فان قال: استأجرتك لتحمل لى هذه الصبرة وهى عشرة أقفزة بدرهم، فان زاد على ذلك فالزائد بحساب ذلك صح العقد فى العشرة فقط للعام بها دون ما زاد فانه مجهول، وأيضا عقده متعلق، ولا يصح تعليق الاجارة.

وان قال استأجرتك لتحملها كل قفيز بدرهم فان قدم لى طعام فحملته فبحساب ذلك صح أيضا فى الصبرة فقط لما تقدم، دون ما زاد

(3)

.

3 -

عقد النكاح: وكذا لا يصح تعليق عقد النكاح على شرط، غير مشيئة الله تعالى، فاذا قال زوجتك ابنتى اذا جاء رأس الشهر، أو اذا رضيت أمها، أو اذا رضى فلان، فسد العقد، لأنه عقد معاوضة فلا يصح تعليقه كالبيع، ولأن ذلك وقف النكاح على شرط، ولا يجوز وقفه على شرط. ويصح زوجت وقبلت ان شاء الله.

وكذا يصح تعليقه على أمر ماض أو حاضر.

فالماضى مثل زوجتك فلانة ان كانت ابنتى أو زوجتكها ان كنت وليها، أو ان انقضت عدتها وهما - أى العاقدان - يعلمان ذلك أى أنها ابنته أو أنه وليها أو أنه قد انقضت عدتها.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 41 وماته الارادات ج 2 ص 27.

(2)

كتاب الفروع وتصحيحه ج 2 ص 484.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 290.

ص: 160

والحاضر مثل زوجتكها ان شئت فقال شئت وقبلت ونحوه، فيصح النكاح لأنه ليس بتعليق حقيقة بل هو توكيد وتقوية

(1)

.

4 -

الخلع: لا يصح تعليق الخلع على شرط، فلو قال لزوجته ان بذلت لى كذا فقد خالعتك على كذا، لم يصح الحاقا للخلع بعقود المعاوضات لاشتراط العوض فيه

(2)

.

(ب) التبرعات - عدا الوصية: ويندرج تحتها التصرفات التالية:

1 -

2: الهبة والصدقة: لا يصح تعليقها على الشرط، فلو قال: اذا قدم فلان فقد وهبتك كذا لم يصح، لأن الهبة من التمليكات فصار حكمها حكم البيع والبيع لا يصح تعليقه فكذا الهبة، والصدقة حكمها حكم الهبة

(3)

.

3 -

الابراء: لا يصح تعليقه على الشرط كالهبة:، عدا شرط الموت، فان قال اذا مت بفتح التاء - فأنت برئ مما لى عليك، لا يبرأ، فان ضم التاء صح الابراء عند وجود شرطه وكان الابراء على الوجه المذكور وصية لأنه تبرع مضاف لما بعد الموت وهو حقيقة الوصية

(4)

.

4 -

الوقف: لا يصح تعليق الوقف على شرط فى الحياة كما لو قال: اذا ولد لى ولد أو اذا قدم غائب فدارى وقف أو فرسى حبيس، لأن الوقف نقل للملك فيما لم يبن على التغليب والسراية فلم يجز تعليقه على شرط فى الحياة، كالهبة، فأما اذا قال هو وقف بعد موتى، فظاهر كلام الخرقى أنه يصح ويعتبر من الثلث كسائر الوصايا، وهو ظاهر كلام أحمد.

وقال القاضى أبو يعلى: لا يصح هذا، لأنه تعليق للوقف على شرط، فلم يصح كما لو علقه على شرط فى حياته

(5)

.

(ج) الرهن: لا يصح تعليق الرهن على شرط كالبيع لأن من شروط صحته أن يكون منجزا

(6)

.

(د) الاقرار: لا يصح تعليقه، لأن الاقرار اخبار بحق سابق فلا يصح تعليقه على شرط، فلو قال أن قدم فلان فله على ألف درهم لم يصح، لأنه ليس بمقر فى الحال، وما لا يلزمه فى الحال لا يصير واجبا عند وجود الشرط، أما ان قال: له على ألف درهم ان قدم فلان، فعلى وجهين.

أحدهما لا يكون اقرارا كالمسألة السابقة.

(1)

المغنى ج 7 ص 451 وكشاف القناع ج 3 ص 56 ومنته الارادات ج 3 ص 73.

(2)

منته الارادات ج 3 ص 190.

(3)

المغنى لابن قدامة ج 6 ص 252 وكشاف القناع ج 2 ص 479.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 479.

(5)

المغنى لابن قدامة ج 6 ص 221 وكشاف القناع ج 2 ص 446.

(6)

كشاف القناع ج 2 ص 144 ومنته الارادات ج 2 ص 93.

ص: 161

والثانى: يكون مقرا، لأنه قدم الاقرار فثبت حكمه وبطل الشرط، لأنه لا يصلح أن يكون آجلا.

ويستثنى من هذا الحكم ما لو علقه على مشيئة الله تعالى مثل: لك على ألف ان شاء الله فانه يصح، لأن مشيئته تعالى تذكر فى الكلام تبركا وصلة وتفويضا الى الله تعالى، أما لو علقه على مشيئة غير الله تعالى مثل: له على ألف ان شئت أو شاء زيد لم يصح الاقرار.

وخالف فى هذا الحكم القاضى، حيث قال بصحته، لأنه قد عقب الاقرار بما يرفعه وهو قوله» ان شئت .. فصح الاقرار دون ما يرفعه قياسا على استثناء الكل، كما لو قال: له على ألف الا ألفا، حيث يبطل الاستثناء ويصح الاقرار، وقياسا على مشيئة الله تعالى.

ويرجح المذهب الرأى الأول، لأن المقر قد علق اقراره على شرط يمكن الوقوف عليه، فلم يصح، ويفارق التعليق على مشيئة الله تعالى لأنها تذكر تبركا .. ولأنها لا تعلم الا بوقوع الأمر فلا يمكن وقوف الأمر على وجودها ومشيئة الآدمى يمكن العلم بها

(1)

.

القسم الثانى: تصرفات يصح تعليقها على الشرط: ويندرج تحت هذا القسم التصرفات الآتية.

(أ) من التبرعات الوصية ان علق الوصية على صفة بعد موته فاذا كان يرتقب وقوعها كقوله أوصيت له بكذا اذا مر شهر بعد موتى، أو قال أوصيت لفلانة بكذا اذا وضعت بعد موتى، صح التعليق لقوله صلى الله عليه وسلم المسلمون على شروطهم «وثبت عن غير واحد من الصحابة تعليقها، ولأن الوصية لا تتأثر بالغرر، فأولى ألا تتأثر بالتعليق لوضوح الأمر وقلة الغرر، فان كانت الصفة لا يرتقب وقوعها بعد الموت ففى التعليق عليها نظر.

والأولى عدم جوازه، لما فيه من أضرار للورثة بطول الانتظار لا الى أمد يعلم

(2)

.

(ب) من الالتزامات: 1، 2: الضمان والكفالة: يصح تعليقهما على الشرط.

فلو قال: ان خرج المبيع مستحقا فقد ضمنت لك الثمن أو أن خرج معيبا فقد ضمنت لك أرش العيب.

وكذا لو ضمن الثمن الواجب قبل تسليمه ان استحق أو ظهر به عيب.

وكذا لو خاف المشترى فساد البيع بغير استحقاق المبيع كدعوى البائع صغرا أو اكراها .. أو شك فى كمال الوزن أو المكيال فضمن ذلك فانه يصح، لأنه مما تدعو اليه الحاجة الى التعامل مع من لا يعرف حاله، وان لم يصح

(1)

الشرح الكبير ج 5 ص 295 - 298.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 506.

ص: 162

ذلك لامتنعت المعاملات مع هؤلاء، وفى هذا ضرر عظيم رافع لأصل الحكمة التى شرع البيع لأجلها.

وكذا لو قال ان لم آت بالمكفول به غدا فأنا كفيل بفلان وعينه أو فهو ضامن ما عليه من المال صحت الكفالة والضمان، فان أتى به غدا، لم توجد الكفالة والضمان، وان لم يأت به غدا صحت الكفالة والضمان ولزمه الوفاء بها.

وكذا لو قال: اذا قدم الحاج فأنا كفيل بزيد شهرا صح لجمعه تعليقا وتوقيتا وكلاهما صحيح

(1)

.

الالتزام فى مقابل تصرف يقوم به الملتزم له.

اذا التزم شخص لآخر بمال فى مقابل تصرف يقوم به الملتزم له فانه يصح، كما لو قال لزيد: طلق زوجتك وعلى ألف، أو وعلى مهرها لزمه ذلك، فان تحقق الشرط وهو الطلاق، لزمه الألف، والا لا يلزمه شئ.

ولو قال اخلعها على كذا على أو عليها وأنا ضامن، فان أجابه الزوج، صح، ولزمه العوض، لالتزامه له، ولا يلزم المرأة العوض ان لم تأذن للسائل فى ذلك فان أذنته فى ذلك لزمها، لأنه وكيل عنها

(2)

.

النذر

(3)

: يصح تعليق النذر على الشرط سواء علقه على فعل نفسه، كان فعلت كذا فعلى كذا ونوى بنذره شيئا معينا، والا فعليه كفارة يمين، لحديث عقبة بن عامر مرفوعا «كفارة النذر اذا لم يسم كفارة يمين» .

وان علقه على أمر قاصدا منع نفسه من المعلق عليه أو قاصدا الحث على فعله، أو تصديق الخبر، كقوله ان كلمتك أو ان لم أضربك فعلى الحج أو صوم سنة أو عتق عبدى أو مالى صدقة، أو أن لم أكن صادقا فى هذا الخبر، فعلى صوم كذا، فيخير بين فعله وكفارة يمين اذا وجد الشرط.

لما روى عمران بن حصين قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا نذر فى غضب وكفارته كفارة يمين، رواه سعيد بن منصور، ولأنها يمين فيتخير فيها بين الأمرين.

وان كان النذر للتبرر والتقرب، كنذر الصلاة والصيام والصدقة والاعتكاف وعيادة المريض والحج والعمرة ونحوها من القرب

سواء نذره مطلقا أو معلقا بشرط لا يقصد به المنع أو الحمل، كقوله ان شفى الله مريضى، أو سلم مالى، أو طلعت الشمس فلله على كذا، أو فعلت كذا .. فهذا نذر صحيح وان لم يصرح بذكر النذر، لأن دلالة

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 176 - 177 ومنته الإرادات ج 2 ص 116.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 185.

(3)

منته الارادات ج 3 ص 186.

ص: 163

الحال تدل على ارادة النذر، فمتى وجد شرطه اذا كان معلقا انعقد نذره، ولزمه فعله، لقوله صلى الله عليه وسلم «من نذر أن يطيع الله فليطعه» رواه البخارى

(1)

.

قال الشيخ تقى الدين بن تيمية تعليق النذر بالملك نحو ان رزقنى الله مالا، فلله على أن أتصدق به، أو بشئ منه ويصح اتفاقا

(2)

.

وقد دل عليه قوله تعالى: «وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ فَلَمّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ - فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ}

(3)

.

(ج) الاسقاطات: يصح تعليق الاسقاطات كالطلاق والعتق على الشرط

ففى الطلاق لو قال: ان دخلت الدار فأنت طالق صح، وتطلق عند تحقق الشرط.

ففى كشاف القناع

(4)

: ويصح التعليق مع تقدم الشرط كأن دخلت الدار فأنت طالق، ويصح أيضا مع تأخره كأنت طالق ان دخلت الدار بشرط اتصاله ونيته قبل تمام «أنت طالق» .

وكذا العتق يصح تعليقه بصفة كدخول دار وحدوث مطر وغيره كقدوم زيد، ورأس الحول ونحوه، لأنه عتق بصفة فصح كالتدبير.

ولا يملك السيد ابطال التعليق بالقول، بأن يقول أبطلته، لأنها صفة لازمة ألزمها نفسه فلم يملك ابطالها كالنذر.

ولو اتفق السيد والعبد على ابطال التعليق لم يبطل لذلك كتعليق الطلاق

(5)

.

(د) الولايات وتشمل:

(1، 2) الامارة والوصاية: يصح تعليقهما على الشرط، فاذا قال أوصيت اليك فاذا كبر ابنى كان وصيى، صح فاذا كبر ابنه صار وصيه وكذا لو قال أوصيت اليك فاذا تاب ابنى من فسقه أو قدم من غيبته أو صح من مرضه أو اشتغل بالعلم أو صالح أمه أو رشد فهو وصيى صحت الوصية اليه ويصير وصيا عند وجود هذه الشروط.

والأصل فى صحة تعليق الوصاية حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فى جيش مؤتة «أميركم زيد ..

الحديث» فقد صح بالنص تعليق

(1)

كشاف القناع ج 4 ص 161 - 162.

(2)

كشاف القناع ج 4 ص 163.

(3)

سورة التوبة الايات من 75 الى 78.

(4)

كشاف القناع ج 3 ص 172.

(5)

كشاف القناع ج 2 ص 636.

ص: 164

الامارة على الشرط، والوصية فى معنى التأمير فيصح تعليقها على الشرط

(1)

.

3 -

الوكالة: يجوز تعليقها على الشرط قياسا على الامارة بل ان تعليق الوكالة أولى بالجواز فان الولى وكيل وكالة عامة، أما الوكيل فهو وكيل وكالة خاصة، فاذا صح تعليق الوكالة العامة فتعليق الوكالة الخاصة أولى بالجواز.

فاذا قال: اذا طلب أهلى منك شيئا فأدفعه اليهم .. أو فأنت وكيلى ونحوه صح.

فاذا تحقق الشرط كان وكيله، والا لم يكن، للحديث المتقدم

(2)

.

4 -

المضاربة: أجاز الحنابلة تعليق المضاربة على الشرط قياسا على الوكالة، فاذا قال: ان بعت سلعتى هذه فضارب بثمنها، أو أن قبضت وديعتى، أو دينى من فلان فضارب بها صح، فاذا تحقق الشرط وهو بيع السلعة أو قبض الوديعة أو الدين وجدت المضاربة، واذا لم يتحقق لم توجد

(3)

.

(هـ) الوديعة: يصح تعليق الوديعة على الشرط كالوكالة.

فقد جاء فى منته الارادات: وصح قول مالك الوديعة لمودع كلما خنت ثم عدت الى الأمانة فأنت أمين لصحة تعليق الايداع على الشرط كالوكالة

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

(ا) تصرفات لا يصح تعليقها على الشرط وهى:

الكفالة: لا يجوز تعليق الكفالة على الشرط.

جاء فى المحلى: من قال لآخر: أنا أضمن لك ما تستقرضه من فلان أو قال له: اقترض من فلان دينارا وأنا أضمنه عنك أو قال له: أقرض فلانا دينارا وأنا أضمنه لك لا يجوز لأنه شرط ليس فى كتاب الله عز وجل فهو باطل ولأن الضمان عقد واجب، ولا يجوز الواجب فى غير واجب وهو التزام ما لم يلزم بعد، وهو محال وقول متفاسد، وكل عقد لم يلزم حين التزامه فلا يجوز أن يلزم فى ثان، وفى حين لم يلتزم فيه وقد لا يقرضه ما قال له، وقد يموت القائل لذلك قبل أن يقرضه ما أمره باقراضه فصح بكل هذا أنه لا يلزم ذلك القول

(5)

.

العتق: لا يصح تعليق عتق العبد على تملكه أو بيعه.

(1)

الشرح الكبير ج 6 ص 582.

(2)

أعلام الموقعين لابن القيم ج 3 ص 284 وكشاف القناع ج 2 ص 232.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 262.

(4)

منته الارادات ج 2 ص 419 وكشاف القناع ج 2 ص 406.

(5)

المحلى ج 8 ص 117 - 118.

ص: 165

جاء فى المحلى: من قال: ان ملكت عبد فلان فهو حر أو قال: ان اشتريته فهو حر، أو قال ان بعت عبدى فهو حر أو قال شيئا من ذلك فى أمة لسواه، أو أمة له ثم ملك العبد والأمة أو اشتراهما أو باعهما لم يعتقا بشئ من ذلك.

أما بطلان ذلك فى عبد غيره وأمة غيره فلما رويناه من طريق مسلم عن عمران ابن حصين قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا وفاء لنذر فى معصية ولا فيما لا يملك العبد» .

وأما بطلان ذلك فى عبده وأمته، فلأنه اذ باعهما فقد بطل ملكه عنهما ولا وفاء لعقده فيما لا يملكه روينا من طريق حماد بن سلمة حدثنا زياد الأعلم عن الحسن البصرى فيمن قال لآخر ان بعت غلامى هذا منك فهو حر، فباعه منه قال الحسن، ليس بحر، ثم قال: ولو قال لآخر ان اشتريته منك فهو حر ثم اشتراه منه فليس بحر، وهو قول أبى سليمان، وأصحابنا

(1)

.

وأما تعليق العتق فى غير ذلك مما لا معصية فيه فانه يجوز.

جاء فى المحلى

(2)

: من قال ان كان أمر كذا مما لا معصية فيه فعبدى هذا حر فكان ذلك الشئ فهو حر.

ومن أعتق الى أجل مسمى قريب أو بعيد مثل أن يقول: أنت حر غدا، أو الى سنة أو الى بعد موتى أو اذا جاء أبى أو اذا أفاق فلان، أو اذا نزل المطر، أو نحو هذا، فهو كما قال، وله بيعه ما لم يأت ذلك الأجل، فان باعه ثم رجع الى ملكه، فقد بطل ذلك العتق ولا عتق له بمجئ ذلك الأجل ولا رجوع له فى عقده ذلك أصلا الا باخراجه عن ملكه، لأن هذا العتق اما وصية واما نذر، وكلاهما عقد صحيح قد جاء النص بالوفاء بهما.

فلو علق العتق بمعصية أو بغير طاعة ولا معصية لم يجز العتق، لأنه عقد فاسد محرم منهى عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا وفاء لنذر فى معصية الله

(3)

.

الطلاق: وكذلك لا يصح تعليق الطلاق على الشرط.

جاء فى المحلى: ومن قال: ان تزوجت فلانة فهى طالق، أو قال فهى طالق ثلاثا فكل ذلك باطل، وله أن يتزوجها، ولا تكون طالقا، وكذلك لو قال كل امرأة أتزوجها فهى طالق وسواء عين مدة قريبة أو بعيدة أو قبيلة أو بلدة كل ذلك باطل لا يلزم.

لما روى عن على بن أبى طالب قال:

(1)

المحلى ج 9 ص 184 - 185.

(2)

المحلى ج 9 ص 187.

(3)

المحلى ج 9 ص 206 - 207.

ص: 166

لا طلاق الا من بعد نكاح وان سماها فليس بطلاق.

ولما روى عنه أيضا أنه سئل عن رجل قال: ان تزوجت فلانة فهى طالق فقال على:

ليس طلاق الا بعد ملك.

ولما روى عن ابن عباس أنه قال لا طلاق الا من بعد نكاح قال عطاء:

فان حلف بطلاق ما لم ينكح فلا شئ

(1)

.

وجاء أيضا فى المحلى ومن قال اذا جاء رأس الشهر فأنت طالق أو ذكر وقتا ما فلا تكون طالقا بذلك لا الآن ولا اذا جاء رأس الشهر.

برهان ذلك أنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك وقد علمنا الله الطلاق فى المدخول بها وفى غير المدخول بها، وليس هذا فيما علمنا

(2)

.

التعليق على المشيئة: لا يصح الطلاق معلقا على مشيئة الله تعالى.

جاء فى المحلى: ومن قال: أنت طالق ان شاء الله، أو قال: الا أن يشاء الله، أو قال: الا ألا يشاء الله، فكل ذلك سواء، ولا يقع شئ من ذلك طلاق

(3)

.

الظهار: لا يصح تعليق الظهار على الشرط.

جاء فى المحلى «ومن علق ظهاره بشئ يفعله، مثل أن يقول: أنت كظهر أمى ان وطئتك، أو قال: ان كلمت زيدا، وكرر ذلك فليس ظهارا فعل ذلك الشئ أو لم يفعله، لأنه لم يمض الظهار ولا التزمه حين نطق به، وكل ما لم يلزم حين التزامه لم يلزم فى غير حال التزامه الا أن يوجب ذلك نص ولا نص هنا

(4)

.

الوصية: ولا يجوز تعليق الوصية على شرط، فلو أوصى بعتق عبد بعد أن يخدم فلانا مدة مسماة قلت أو كثرت، كانت الوصية باطلة

(5)

.

(ب) ما يصح تعليقه على الشرط:

1 -

النذر: يصح تعليق النذر على الشرط اذا كان ملزما، فاذا قال: لله على اذا خلصنى من كذا، أو اذا ملكنى أمر كذا، أو اذا جمعنى مع أبى، أو فلان صديقى، أو مع أهلى صدقة أو ذكر شيئا من القرب .. ، أو يقول لله على أن أنزل الغيث، أو ان صححت من علتى، أو ان تخلصت، أو ان ملكت أمر كذا، أو ما أشبه هذا لزمه الوفاء بما نذر.

(1)

المحلى ج 10 ص 205 - 208.

(2)

المحلى ج 10 ص 213 - 216.

(3)

نفس المرجع ج 10 ص 217.

(4)

المحلى ج 10 ص 57.

(5)

المحلى ج 9 ص 322.

ص: 167

فان نذر معصية لله أو ما ليس بطاعة ولا معصية لم يلزم الوفاء بشئ من ذلك مثل أن ينشد شعرا أو أن يصبغ ثوبه أحمر ..

وكذلك من نذر طاعة ان نال معصية أو اذا رأى معصية، مثل أن يقول: لله على صوم ان قتل فلان وفلان مظلوم ولا كفارة عليه فى شئ من ذلك، وليستغفر الله تعالى.

وكذلك من أخرج نذره مخرج اليمين، فقال على المشى الى مكة ان كلمت فلانا، أو على عتق خادمى فلانة ان كلمت فلانا أو زرت فلانا، لا يلزم الوفاء به ولا كفارة فيه الا الاستغفار فقط

(1)

.

تعليق النذر على المشيئة: ومن قال فى النذر اللازم الا أن يشاء الله، أو ان شاء الله، أو الا ألا يشاء الله، أو ذكر الارادة مكان المشيئة أو الا ان بدل الله ما فى نفسى، أو الا أن يبدو لى، أو نحو هذا من الاستثناء، ووصله بكلامه فهو استثناء صحيح، ولا يلزمه ما نذر

(2)

.

2 -

عزل الوكيل، ومثله الأمير والوالى والقاضى: يصح تعليق عزل الوكيل على الشرط، مثل أن يقول له، أو يكتب اليه، أو يوصى اليه، اذا بلغك رسولى فقد عزلتك، فهذا صحيح، لأن له أن يتصرف فى حقوق نفسه كما يشاء، فاذا بلغه فقد صح عزله

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

تنقسم التصرفات من حيث قبولها التعليق وعدم قبولها فى المذهب الزيدى قسمين:

القسم الأول: تصرفات لا تقبل التعليق على الشرط ويندرج تحت هذا القسم التصرفات التالية:

(أ) المعاوضات:

1 -

البيع: اذا علق البيع على شرط مستقبل فسد، مثل أن يقول: بعت منك كذا ان جاء زيد، أو اذا أعطيتنى الثمن فقد بعت منك كذا، أو اذا جاء غد ونحو ذلك من الشروط.

أما اذا علقه على أمر ماض أو حال، كما لو قال بعت منك هذا ان كان فى ملكى أو أن كنت ابن فلان .. فان انكشف حصول ذلك الشرط ثبت البيع والا بطل.

وكذا لو علق على مشيئة الله تعالى كما لو قال بعت منك هذا بكذا ان شاء الله تعالى لم يصح البيع الا اذا كان مضطرا لأن الله تعالى يشاؤه فى حالة

(1)

المحلى ج 8 ص 2، 3.

(2)

المحلى ج 8 ص 24 - 25.

(3)

المحلى ج 8 ص 246.

ص: 168

الاضطرار، فيكون حينئذ تعليقا على أمر موجود وحاصل بخلافه فى غير حالة الاضطرار

(1)

.

2 -

الاجارة: ومثلها المزارعة والمساقاة: لا يصح تعليق الاجارة على شرط مستقبل، وذلك لأن التعليق يؤدى الى الغرر، فأشبه بيع الطير فى الهواء

(2)

.

وتعتبر المزراعة والمغارسة والمساقاة نوعا من الاجارة فلا يصح تعليقها كالاجارة.

3 -

النكاح: اذا علق النكاح على شرط مستقبل فسد، كما لو قال زوجتك ان جاء فلان غدا، أو أن شفى الله مريضى.

الا أنه اذا علقه على أمر ماض أو حال فانه لا يفسد، كما لو قال: زوجتك بنتى ان كنت قرشيا، أو اذا كان قد حصل كذا، ونحو ذلك، فاذا ظهر أنه قرشى، أو أنه حصل كذا، كان الزواج صحيحا

(3)

.

(ب) التبرعات:

1 -

الهبة: لا يصح تعليق الهبة على شرط مستقبل قياسا على البيع

(4)

.

(ج) الاقرار: لا يصح تعليق الاقرار على شرط مستقبل، فلو قال:

ان جاءنى فلان فعلى له كذا، فان الاقرار لا يصح، وكذا لو قال: ان شاء فلان أو ان شاء الله تعالى، أو ان هبت الريح.

أما ان علق الاقرار على الموت، فان عرف أن قصده الايصاء، فانه لا تبطل فائدة اللفظ بالكلية، بل يكون ذلك اللفظ وصية، نحو أن يقول: على لفلان كذا ان مت، أما اذا لم يظهر من قصده الايصاء فانه لا يصح

(5)

.

القسم الثانى: تصرفات تقبل التعليق على الشرط: ويندرج تحت هذا القسم التصرفات التالية:

(أ) من التمليكات:

1 -

الابراء: يصح تعليق الابراء على الشرط ولو كان الشرط مجهولا لم يعلم وقت حصوله نحو: ان هبت الريح، أو وقع المطر أو نحو ذلك، فيتعلق الابراء به مطلقا سواء تعلقت به أغراض الناس، نحو اذا كان الدياس، أو وصلت القافلة، أم لم يتعلق به غرض، نحو أن نهق الحمار، أو نعب الغراب، أو نحو ذلك فانه يصح تقييد الابراء به.

كما يصح تقييد

(6)

الابراء بعوض مشروط كأبرأتك ان وهبت لى كذا، فان

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 365 والمنتزع المختار ج 3 ص 57.

(2)

التاج المذهب ج 3 ص 74، ص 134.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 30.

(4)

نفس المرجع ج 3 ص 270، 271 هامش.

(5)

التاج المذهب ج 4 ص 56.

(6)

التاج المذهب ج 4 ص 166.

ص: 169

حصل ذلك صح الابراء، ولا رجوع للمبرئ.

وكذلك يصح تعليق الصلح - الذى يكون بمعنى الابراء - على الشرط ولو كان مجهولا، كالابراء المحض، كأن يقول صالحتك عن المائة درهم التى بذمتك بخمسين ان عجلتها الى، أو ان جاء زيد غدا فقد صالحتك بكذا، أو اذا جاء غد فقد صالحتك بكذا، أو نحو ذلك

(1)

.

2 -

الوقف: يصح تعليق الوقف على الشرط، مثل ان يقول: وقفت هذه الدار ان شفى الله مريضى، أو أن جاء زيد، فاذا تحقق الشرط صح الوقف والا بأن لم يشف المريض ولم يقدم زيد لم يوجد الوقف وكذا لو علقه على مشيئة الله تعالى لأن مشيئته جل شأنه حاصلة، لأنه يشاء القربة الا أن يكون عليه دين مطالب به، أو هو مضطر الى البيع لأمر هام، كالانفاق له ولعائلته أو للتزويج الذى يخشى من تركه الوقوع فى معصية، فلا يصح الوقف، لعدم حصول شرطه، وهو مشيئة الله تعالى، ما لم يكن الشرط محظورا نحو ان شربت الخمر فقد وقفت دارى هذه فلا يصح الوقف، لأن ذلك يدل على عدم القربة.

ولو قال وقفت هذا ان كان فى علم الله أن أولادى يكونون صالحين

(2)

. أو لا يحتاجون أو لا أحتاج أنا الى بيعه، صح الوقف ويتوقف نفوذه على حصول الشرط.

3 -

الوصية: يصح تعليقها على الشرط فاذا قال: «اذا ثبت فلان على الاسلام، أو طلب العلم» ، أو على ترك طلاق فلانة أو على طاعة فلان ..

فأعطوه كذا، فان عرف قصد الموصى أنه أراد الاستمرار على ذلك أو جرى عرف به لم يستحق الموصى له الموصى به الا اذا استمر على ذلك الى موته (الموصى له) ويسلم له بعد موت الموصى، والعبرة بالانكشاف، فان لم يثبت (على ما اشترطه) ضمن.

وان لم يعرف للموصى قصد، ولا جرى عرف فى موضع الثبوت على الاستمرار، فالوضع اللغوى يقتضى استحقاق الموصى له ذلك الشئ، لثبوته عليه، ولو لم يثبت الا ساعة بعد موت الموصى، فان ذلك كاف فى استحقاق الوصية

(3)

.

(ب) الخلع يصح الخلع معلقا:

كأن يقول نحو اذا أبرأتنى فأنت طالق، فانها تطلق بالابراء مع تعيين المبرأ منه، وهكذا ان ومتى أو أى أدوات الشرط. وكأن يقول طلاقك ابراؤك

(4)

.

(1)

التاج المذهب ج 4 ص 171.

(2)

التاج المذهب ج 3 ص 301، ص 302، ص 332.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 378.

(4)

التاج المذهب ج 2 ص 179 - 181.

ص: 170

(ج) الولايات: ومنها:

1 -

الوكالة: تصح الوكالة معلقة بمجئ وقت نحو أن يقول وكلتك من وقت كذا.

وتصح أيضا مشروطة بغير وقت نحو اذا جاء زيد فقد وكلتك

(1)

.

2 -

الوصاية: تصح الوصاية مؤقتة بمجهول ومعلوم، ومشروطة ومطلقة كالوكالة.

فالمجهول كما لو قال أوصيت اليك الى أن يبلغ ابنى فلان، أو يقدم من سفره، فاذا بلغ أو قدم من سفره فهو الوصى.

والمعلوم كأن يقول: أوصيت اليك سنة وبعدها وصيى فلان، صحت الوصاية فى ذلك كله، لصحة دخول الجهالة اليها.

وتصح أيضا مستقبلة ومسلسلة كأوصيت الى فلان فان فسق فالى فلان

(2)

.

3 -

المضاربة: يصح تعليقها على الشرط كما لو قال: اذا قدم فلان فقد ضاربتك، فاذا تحقق الشرط وجدت المضاربة.

ويصح أيضا أن يأمره ببيع العروض ثم يضارب نفسه فى ثمنها، قال فى الكواكب: نحو أن يقول ضاربتك فى ثمن هذا متى بعته.

وكذا لو قال متى بعته فقد ضاربتك فى ثمنه أو يقول متى بعته ضاربت نفسك فى ثمنه، ولا يشترط بيان قدر الثمن

(3)

.

4 -

الشركة: يصح تعليقها على الشرط، كما لو قال: ان جاء زيد فقد شاركتك، فاذا تحقق الشرط وجدت الشركة والا لم توجد

(4)

.

(د) الاسقاطات:

1، 2: الطلاق والعتق: يصح تعليقهما على الشرط، فلو قال ان لم أتزوج فأنت طالق، أو اذا دخلت الدار فأنت حر ..

صح التعليق ووقع الطلاق أو العتق عند تحقق الشرط

(5)

(هـ) الايلاء: يصح تعليق الايلاء على الشرط، فلو أقسم لا وطئ زوجته أربعة أشهر ان دخلت الدار، فانها متى دخلت الدار، وهى زوجته غير مطلقة ولا مفسوخة - صار موليا.

وكذا لو علق الايلاء بمشيئة زيد وقع الايلاء ان شاء زيد فى المجلس أو فى مجلس بلوغ الخبر.

(1)

التاج المذهب ج 4 ص 120.

(2)

نفس المرجع ج 4 ص 286.

(3)

نفس المرجع ج 3 ص 151 - 152.

(4)

التاج المذهب ج 3 ص 183 - 184.

(5)

التاج المذهب ج 2 ص 135، ج 3 ص 382، ص 386.

ص: 171

فأما لو علقه بمشيئة الله تعالى لم يكن موليا، لأن الوط ء مباح لا يشاء الله فعله، ولا تركه الا حيث كان يضره الوط ء أو يضرها فى غير البكارة، فانه يقع، لأن الله لا يشاء الامتناع منه الا اذا أضر، وكان المولى يظن استمرار المضرة أربعة أشهر فصاعدا، فلو زال الظن قبل الأربعة فقد وقع الايلاء بالظن الأول

(1)

..

(و) الالتزامات:

1 -

الكفالة: يصح تعلق الكفالة على الشرط مطلقا ولو كان مجهولا، فلو قال:

اذا جاء خالد أو اذا هبت الريح، أو جاء المطر، فقد كفلت لك بدينك صحت الكفالة، فاذا تحقق الشرط وجدت والا لم توجد

(2)

.

وكذا تصح لو شرط المشترى كفيلا فى الثمن ان استحق المبيع سواء كان الكفيل معينا أم غير معين

(3)

.

ويصح ضمان ما سيثبت من الحقوق سواء كان ثبوته فى المستقبل بمعاملة أم بدعوى.

فالأول: نحو ما بايعت من فلان فأنا ضامن بذلك فان الضمانة تصح فى الثمن المعتاد لا ما زاد، وما أقرضته فأنا ضامن بذلك.

والثانى نحو ما صح لك على فلان بدعواك فأنا ضامن لك به، فان الضمانة تصح وتلزم اذا ثبتت بالبينة والحكم ان علم الحاكم لا بالنكول والاقرار ورد اليمين، ومن قال لغيره تزوج أو طلق وعلى المهر وما لزمك واحنث، وعلى الكفارة أو ما لزمك واشتر، وعلى الثمن، أو ما لزمك أو وأنا ضامن لك، أو وألزمت نفسى بما لزمك، فكل هذا وما أشبهه يصح عند الزيدية، وان لم يكن البائع معلوما، لأن الضمان للمشترى وهو معلوم ويصح الضمان فى الثمن والمهر بقدر المعتاد لا ما زاد، ولذا يسمى ضمان الدرك، حيث يضمن له ما لزمه وما وجب عليه

(4)

.

2 -

التحريضات: يصح تعليقها على الشرط فلو قال الامام: من قتل قتيلا فله سلبه، صح ذلك، وكان السلب للقاتل.

وكذا اذا خص شخصا معينا كما لو قال لأحد الجنود ان قتلت فلانا فلك سلبه، صح، وكان السلب له اذا قتله

(5)

.

3 -

النذر: يصح تعليق النذر، فلو قال: اذا قدم ابنى من السفر، أو شفى الله مريضى فبقرتى صدقة، أو نحو ذلك صح ولزمه الوفاء بالنذر، اذا تحقق الشرط

(6)

.

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 257.

(2)

التاج المذهب ج 4 ص 141.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 371.

(4)

التاج المذهب ج 4 ص 146 - 148.

(5)

نفس المرجع ج 4 ص 437.

(6)

نفس المرجع ج 4 ص 48.

ص: 172

4 -

الرهن: يصح تعليقه على الشرط، فلو قال: ان لم آتك بدينك ليوم كذا فقد رهنتك هذا، انعقد الرهن عند حصول الشرط، ولا بد من تجديد القبض ليخرج من الأمانة الى الرهن

(1)

.

(ز) التقييدات: الرجعة: يصح تعليق الرجعة على الشرط كأن يقول المطلق والعدة باقية، اذا جاء زيد فقد راجعتك أو نحو ذلك من الشروط، سواء كان الشرط حاليا أو مستقبلا أو ماضيا، نحو من دخلت دارى منكن فقد راجعتها.

وكذا يصح اضافتها الى وقت كأن يقول اذا جاء غد فقد راجعتك فلا يثبت حكمها الا من فجر غد.

‌مذهب الإمامية:

تنقسم التصرفات من حيث قبولها التعليق وعدم قبولها الى قسمين:

القسم الأول: تصرفات لا تقبل التعليق على الشرط، ويندرج تحت هذا القسم التصرفات الآتية:

(أ) المعاوضات:

1 -

البيع: لا يجوز تعليق البيع على شرط مستقبل، فلو قال ان فعلت كذا فقد بعتك هذا الثوب لم يصح

(2)

.

2 -

الاجارة: وكذا لا يجوز تعليق الاجارة.

جاء فى مفتاح الكرامة «وان استأجره مدة شهر بدرهم، فان زاد فبحسابه فالأقرب البطلان .. يعنى اذا قال له آجرتك الدار شهرا مثلا من الآن، فان زدت عن الشهر فبحسابه، فان الأقرب عند المصنف صحة الاجارة فى الشهر وبطلانها فى الزيادة، ويلزم فيها أجرة المثل، وهو المختار لصاحب السرائر والتذكرة.

أما الصحة فى الشهر فلأن كلا من العوضين وهو الشهر والدرهم، معلوم.

وأما البطلان فى الزيادة فلاشتمالها على الجهالة والتعليق.

واختير البطلان فى الأمرين معا فى الايضاح وجامع المقاصد، لأن فساد الشرط يستلزم فساد العقد، كما تحرر فى محله، ولأن العوضين هما ما اقتضاهما العقد والشرط من جمله

(3)

.

3 -

النكاح: لا يجوز تعليق النكاح على شرط مستقبل، لأنه يشترط فى صيغة هذا العقد أن تكون منجزة فلو كانت معلقة لا يصح العقد لانتفاء الجزم بسبب التعليق

(4)

.

(ب) التبرعات: ومنها:

1 -

الوقف: لا يصح تعليق الوقف على

(1)

نفس المرجع ج 3 ص 227.

(2)

تذكرة الفقهاء ج 7 ص 41 - 42.

(3)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 113.

(4)

قواعد الأحكام للحلى ج 2 ص 4.

ص: 173

شرط مستقبل فلو علقه بطل، الا أن يكون الأمر الذى علق عليه الوقف واقعا فعلا، والواقف عالم بوقوعه كقوله:

وقفت هذه الدار ان كان اليوم هو يوم الجمعه

(1)

.

2 -

الهبة: والهبة مثل الوقف فى عدم صحة تعليقها

(2)

.

(ج) الالتزامات:

1 -

الكفالة والضمان والحوالة: لا يصح عند الإمامية تعليق أى من هذه العقود على الشرط، ألا أنه يصح عندهم ضمان الدرك، فاذا قال: ان استحق المبيع فأنا ضامن لثمنه، أو أن ظهر به عيب فأنا ضامن لأرش العيب صح الضمان، فاذا تحقق الشرط وجد الضمان والا لم يوجد

(3)

.

ومن الصور الصحيحة التى وردت فى المذهب من أنه يصح بذل الفدية من الزوجة ومن وكيلها وممن يضمنه فى ذمته باذنها، فيقول للزوج: طلق زوجتك على مائة وعلى ضمانها، وقد يشكل هذا بأنه ضمان ما لم يجب، لكن قد وقع مثله صحيحا فيما لو قال راكب البحر لذى متاع ألق متاعك فى البحر وعلى ضمانه

(4)

.

(د) الوكالة: لا يصح تعليق الوكالة على شرط مستقبل أو صفة مرتقبة، كما لو قال: ان قدم فلان فقد وكلتك، وذلك لأنه يشترط فى الوكالة التنجيز.

أما لو علقها على صفة واقعة كما لو قال: وكلتك ان طلعت الشمس هذا اليوم، وقد طلعت حين العقد فانه يصح العقد

(5)

.

(هـ) الاسقاطات:

1 -

الطلاق: لا يصح عند الإمامية تعليق الطلاق على شرط مستقبل مطلقا، كما لا يجوز تعليقه على المشيئة.

جاء فى المختصر

(6)

النافع ويشترط تجريده أى الطلاق عن الشرط والصفة، فلو قال لزوجته ان قدم فلان من سفره أو ان دخلت الدار أو أن طلعت الشمس فأنت طالق، لم يقع الطلاق.

الا أن يكون الشرط معلوم الوقوع له حال صدور صيغة الطلاق كما لو قال أنت طالق ان كان الطلاق يقع بك، وهو يعلم وقوعه على الأقوى لأنه حينئذ غير معلق

(7)

.

2 -

الظهار: ولا يقع الظهار الا منجزا غير معلق على شرط ولا صفة

(8)

كقدوم زيد وطلوع شمس، كما لا يقع الطلاق معلقا اجماعا.

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 261.

(2)

قواعد الاحكام ج 1 ص 347.

(3)

الروضة البهية ج 1 ص 364.

(4)

الروضة البهية ج 2 ص 161.

(5)

نفس المرجع ج 2 ص 15.

(6)

المختصر النافع ص 222.

(7)

الروضة البهية ج 2 ص 148.

(8)

نفس المرجع ج 2 ص 170.

ص: 174

وانما كان الظهار مثل الطلاق لقول الصادق: لا يكون الظهار الا على مثل موقع الطلاق.

ولرواية القسم بن محمد قال: قلت لأبى الحسن الرضا انى ظاهرت من امرأتى، فقال لى: كيف قلت؟ قال:

قلت: أنت على كظهر أمى ان فعلت كذا وكذا، فقال: لا شئ عليك ولا تعد.

وقيل، والقائل الشيخ الطوسى وجماعة: يصح تعليقه على الشرط وهو ما يجوز وقوعه فى الحال وعدمه كدخول الدار، لا على الصفة وهى ما لا يقع فى الحال قطعا، بل فى المستقبل كانقضاء الشهر وهو قوى، لرواية جرير الصحيحة عن الصادق قال «الظهار ظهاران: فأحدهما أن يقول: أنت على كظهر أمى ثم يسكت فذلك الذى يكفر قبل أن يواقع، فاذا قال: أنت على كظهر أمى ان فعلت كذا وكذا ففعل وجبت عليه الكفارة حين يحنث».

ولرواية عبد الرحمن بن الحجاج الصحيحة عنه، فخرج الشرط عن المنع بهما، وبقى غيره على أصل المنع.

وأما أخبار المنع من التعليق مطلقا فضعيفة جدا لا تعارض الصحيح مع امكان حملها على اختلال بعض الشروط غير الصيغة كسماع الشاهدين

(1)

.

3 -

الايلاء: ولا بد من تجريد الايلاء عن الشرط والصفة على أشهر القولين، لأصالة عدم الوقوع فى غير المتفق عليه وهو المجرد عنهما.

وقال الشيخ فى المبسوط والعلامة فى المختلف: يقع معلقا عليهما لعموم القرآن السالم عن المعارضة.

ولا يقع الايلاء لو جعله يمينا كأن يقول: ان فعلت كذا فو الله لا جامعتك قاصدا تحقيق الفعل على تقدير المخالفة زجرا لها عما علقه عليه، وبهذا يمتاز عن الشرط مع اشتراكهما فى مطلق التعليق، فانه لا يريد من الشرط الا مجرد التعليق لا التزام فى المعلق عليه ويتميزان أيضا بأن الشرط أعم من فعلهما واليمين لا تكون معلقة الا بفعلها أو فعله، وعدم وقوعه يمينا بعد اعتبار تجريده عن الشرط واختصاص الحلف بالله تعالى واضح.

وكذلك لا يقع لو حلف بالطلاق أو العتاق، بأن قال: ان وطئتك ففلانة - احدى زوجاته - طالق، أو عبده حر، لأنه يمين بغير الله تعالى

(2)

.

4 -

العتق: ولا يجوز أيضا تعليق العتق على الشرط، كما لو قال: أنت حر ان فعلت كذا، أو اذا طلعت الشمس، الا فى التدبير، فانه يجوز أن يعلق بالموت لا بغيره، والا فى النذر،

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 170.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 177.

ص: 175

حيث لا يفتقر الى صيغة ان قلنا به نعم لو نذر عتق عبده عند شرط سائغ انعقد النذر، وانعتق مع وجود الشرط ان كانت الصيغة أنه ان كان كذا، من الشروط السائغة، فعبدى حر، ووجب عتقه ان قال: فلله على أن أعتقه.

والمطابق للعبارة الأول، لأنه العتق المعلق لا الثانى فانه الاعتاق.

ومثله القول فيما اذا نذر أن يكون ماله صدقة أو لزيد أو أن يتصدق به أو يعطيه لزيد، فانه ينتقل عن ملكه بحصول الشرط فى الأول، ويصير ملكا لزيد قهريا، بخلاف الأخير فانه لا يزول ملكه به وانما يجب أن يتصدق أو يعطى زيدا فان لم يفعل بقى على ملكه وان حنث

(1)

.

5 -

التدبير: وشرط صيغة التدبير التنجيز، فلو علقها بشرط أو صفة، كان فعلت كذا، أو طلعت الشمس فأنت حر بعد وفاتى بطل التدبير، وأن يعلق بعد الوفاة بلا فصل، فلو قال أنت حر بعد وفاتى بسنة مثلا، بطل.

وقيل: يصح فيهما، ويكون فى الثانى وصية بعتقه وهو شاذ

(2)

.

(و) الاقرار: لا يصح تعليق الاقرار على الشرط أيضا حتى ولو كان على المشيئة، فلو قال: فى ذمتى كذا ان شاء الله تعالى، أو قال ان شاء محمد، أو ان شئت بطل الاقرار ان اتصل الشرط به، لأن الاقرار اخبار جازم عن حق لازم سابق على وقت الصيغة، فالتعليق ينافيه، لانتفاء الجزم فى المعلق الا أن يقصد فى التعليق على مشيئة الله تعالى التبرك، فان قصد ذلك صح، ولا يضره التعليق.

ولو علقه بشهادة الغير، فقال ان شهد فلان على بكذا، فهو صادق، أو فهو صدق، أو حق أو لازم لذمتى ونحوه فالأقرب البطلان

(3)

.

القسم الثانى: تصرفات يصح تعليقها على الشرط: ويندرج تحت هذا القسم ما يأتى:

(أ) الوصية: يصح تعليق الوصية على شرط مستقبل، فلو قال: افعلوا بعد وفاتى فى سنة كذا كذا، أو بعد وفاتى فى سفر كذا صح، فان تحقق الشرط تمت الوصية، والا لم توجد وتبطل لاختصاصها بمحل القيد

(4)

.

(ب) الايصاء: جاء فى الروضة البهية

(5)

.

وتصح الوصية الى الصبى منضما الى كامل لكن لا يتصرف الصبى حتى يكمل فينفرد الكامل قبله، ثم يشتركان فيها مجتمعين، نعم لو شرط عدم تصرف الكامل الى أن يبلغ الصبى اتبع شرطه،

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 192.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 202.

(3)

الروضة البهية ج 2 ص 214.

(4)

نفس المرجع ج 2 ص 44.

(5)

الروضة البهية ج 2 ص 60.

ص: 176

(ج) النذر: يصح تعليق النذر على شرط مستقبل، ويلزم أن يكون الشرط الذى علق عليه النذر سائغا أى مشروعا ان قصد بالجزاء الشكر كقوله أن حججت أو رزقت ولدا، أو ملكت كذا فلله على كذا من أبواب الطاعة وان قصد الزجر عن فعله اشترط كونه معصية أو مباحا راجحا فيه المنع، كقوله: ان زنيت أو بعت دارى مع مرجوحيته - فلله على كذا - ولو قصد فى الأول الزجر، وفى الثانى الشكر، لم ينعقد، والمثال واحد، وانما الفارق القصد.

ولو انتفى القصد فى القسمين لم ينعقد، لفقد الشرط، وهو قصد الشكر فى

(1)

الأول والزجر فى الثانى.

‌مذهب الإباضية:

تنقسم التصرفات من حيث قبولها التعليق على الشرط وعدم قبولها الى قسمين.

القسم الأول: تصرفات لا تقبل التعليق على الشرط: ويندرج تحت هذا القسم المعاوضات والاقرار والمضاربة.

- المعاوضات: ومنها.

1 -

البيع: الراجح فى المذهب أن البيع لا يقبل التعليق على الشرط، فلو قال:

بعتك هذا الشئ ان رضى فلان، أو ان شاء الله تعالى، أو ان أصبت المعونة فانه لا يصح البيع لأنه لا يدرى هل يتحقق الشرط أولا يتحقق فيفسد للجهالة وفى قول مرجوح لا يفسد

(2)

.

وقد منع هذا الرأى الشيخ، لأنه بيع وشرط غير معلوم.

2 -

عقد النكاح: جاء فى شرح النيل

(3)

:

والتحقيق عندى أنه ان قال: رضيت ان رضى فلان، أو ان كان كذا، أو رضيت على شرط رضى فلان، أو رضيت بشرط أن يرضى فلان، أو نحو ذلك من أدوات التعليق والاتصال لم يلزم.

وأما ان قال رضيت وأشاور فلانا فانه لازم.

وان علق الى من لا يمكن منه الرضى كميت وبهيمة وجماد جاز فى حينه، وكذا فى الولى والمرأة.

وان قال قبلت ان فعلت كذا أو فعلت كذا أو كان كذا لم يجز.

وقيل جاز وبطل الشرط.

وان علق لبلوغ طفل أو مجنون، علق لبلوغ أو افاقة.

وان قال ان شاء الله أو ان أصبت المعونة أو نحو ذلك فقولان.

(1)

المختصر النافع ص 247 طبعة 1958 ويراجع الروضة البهية.

(2)

شرح النيل ج 4 ص 120، ص 77.

(3)

شرح النيل ج 3 ص 163 - 164.

ص: 177

(ب) الاقرار: لا يجوز تعليق الاقرار على الشرط فلو قال: لك على كذا ان قدم فلان أو نزل المطر، أو ان قال فلان انه على، أو ان دخل هذا البيت أحد لا يصح الاقرار، ولا يلزمه شئ

(1)

.

(ج) المضاربة: للمذهب فى تعليق المضاربة رأيان.

أحدهما: المنع.

والثانى الجواز.

فقد جاء فى شرح

(2)

. النيل: ويمنع تجويز أمر من أمر انسانا بقبص دين على أن يضارب به ذلك الانسان اذا قبضه بجزء معلوم من الربح، لأنه حين كلفه القبض لذلك الدين صارت له فى ذلك منفعة، وكل منفعة اشترطها رب المال على المضارب غير سهمه من الربح، فانها تصيرما انعقد عليه القراض مجهولا، فكأنه قارض على رأس مال مجهول، وذلك لأن المقارض قد استحق فى الحقيقة شيئا من ذلك المال الذى قبضه من الأجنبى فى نظير سيره وقبضه، كذا قيل.

ويبحث فيه عندى بأن رب المال انما أراد أن يكون القراض منعقدا بعد القبض فليس عناؤه فى القبض داخلا فى القراض بل خارج عنه انما ينعقد بعده وانما يستحق الأجرة فى ذمة صاحب المال لو استحقها - والآن لا يستحقها، بل تبرع بعنائه فان قبض استأنف من حين قبضه، والا لم يطالب بعنائه، وأولى فى التعليل من ذلك أن يقال: أن القراض ينعقد بين اثنين كالبيع، وأمر صاحبه بالقبض على القراض ليس اعطاء له على القراض، لأنه حينئذ فى ذمة فاذا كان فى يد صاحبه أو مأموره بالقبض فليعقد القراض حينئذ.

وقيل بجواز ذلك كما هو ظاهر كلام الديوان.

ونصه

(3)

يجوز القراض بكل ما كان أصله أمانة من الدراهم والدنانير عند ذلك المقارض أو عند غيره من الناس اذا علم وزنها ولا يجوز القراض بالدين ولا بكل ما كان مضمونا بيد أحد من الناس ووجه امتناع تصيير ما بالذمة قراضا قبل قبضه مخافة أن يكون قد أعسر وهو يريد أن يؤخره عنه على أنه يزيده فيه فيكون ربا.

وفى التاج من قال اقبض لى مالى على فلان وضارب به فقبضه وعمل به جاز له وكان وكيلا فى قبضه مؤتمنا فيه.

قال أبو سعيد، هذا كالوديعة وفيها خلاف.

(1)

نفس المرجع ج 7 ص 146.

(2)

شرح النيل ج 5 ص 213.

(3)

شرح النيل ج 5 ص 212.

ص: 178

فقيل لا تجوز المضاربة بها حتى يقبضها ربها أو يدفعها بسبيل المضاربة.

وقيل، تجوز لأنها غير مضمونة.

ومن دفع لأحد متاعا يبيعه ويضارب بثمنه جاز له.

وقيل، لا، والربح لربه، وللمضارب عناؤه - أجر مثله - لجهل الثمن

(1)

.

القسم الثانى: تصرفات تقبل التعليق على الشرط: ويندرج تحت هذا القسم التبرعات والولايات والتوثيقات والتقييدات والاسقاطات:

(أ) التبرعات: الهبة: جاء فى شرح النيل: وان قالت خذ هذا المال كى تتزوجنى أو تطلقنى، أو على الا تطلقنى أولا تتزوج على، أو على أن تتزوج على أو تتسرى، أو على ألا تتسرى، أو على أن تبيع سريتك، أو تعزل عنها .. فله أخذه، لأن ذلك فعله جائز له وملك له لا حرام عليه ولا فرض عليه، فجاز له أخذ الأجرة عليه وهو هبة له معلقة الى فعل ما شرطت عليه، فان نقض ما شرطت عليه لزمه الرد والصداق، أما الرد ففى الكل وأما الصداق ففى غير الأولى، لأنه لم يتزوجها فلا صداق لها فضلا عن أن يرده.

والظاهر أنه ان شرطت التزوج فتزوجها، ثم طلقها لزمه الرد أيضا، لأنه قد علم أن مرادها أن يمسكها ويتبين تركه ما شرطت عليه بفوات الوقت ان وقتا وبفوات الامكان، والا فبقيامه من المجلس غير فاعل لما يمكن فعله

(2)

..

وجاء فى شرح النيل أيضا: وما علق أى من الهبة الى شرط أو سبب أو وقت السبب فهو الى ما علق اليه

(3)

.

(ب) الولايات وتشمل:

1 -

الوصاية: جاء فى شرح النيل وجاز تعليق استخلافه لشئ معلوم أو مجهول كسنة أو نزول مطر أو بلوغ أحد أو افاقته من جنون أو قدومه من سفر مثلا - فاذا تحقق الشرط أصبح وصيا والا لم يصبح

(4)

.

2 -

الوكالة والامارة: يجوز تعليق الوكالة وكذا الامارة على الشرط.

فقد جاء فى شرح النيل

(5)

. فمن وكل أو استخلف أو أمر طفلا أو مجنونا أو مشركا على شراء شئ له اذا بلغ أو أفاق أو أسلم المشرك فيما لا يجوز له شراؤه لنفسه بسبب شركه كشراء المصحف والعبد .. ففى جوازه قولان.

الجواز اعتبارا للحالة المترقبة التى يجوز فيها الفعل لأنه علق اليها.

والمنع اعتبارا للحالة الحاضرة التى لا يجوز فيها الفعل.

(1)

نفس المرجع ج 5 ص 214.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 127.

(3)

شرح النيل ج 6 ص 62.

(4)

شرح النيل ج 6 ص 441.

(5)

نفس المرجع ج 4 ص 695 - 697.

ص: 179

والصحيح عندى الأول لأنه لم يقطع بالتوكيل فى حال لا يجوز الفعل فيها، فضلا عن أن يحتاج الى تجديده بعد فى حال جواز الفعل، بل علقه الى حال الجواز فهو كسائر العقود المقيدة والشروط المجوزة.

ولا يعكر أنه لا طلاق ولا عتاق قبل ملك لاختلاف ما بين المسألتين، لأن مسألتنا صورتها اذا وقع بلوغ مثلا فافعل كذا، فهى أقوى، لأنها توكيل بفعل مستأنف بعد حالة الجواز ومسألة الطلاق والعتاق بكلام سبقها، لا بكلام يقع بعد الملك.

وفى الديوان ما نصه: وأما ان قال للطفل: استخلفتك اذا بلغت أو وكلتك اذا بلغت أن تشترى لى كذا وكذا، أو أن تبيع لى هذا الشئ، أو قال لمجنون أيضا استخلفتك، أو وكلتك اذا أفقت أن تشترى لى كذا وكذا، أو قال للمشرك استخلفتك أو وكلتك اذا أسلمت أن تشترى لى كذا وكذا أو أن تبيع لى كذا وكذا أو قال ذلك للعبد اذا أعتقت فان هذا كله جائز.

ثم قال: ومنهم من يقول: اذا وكل الطفل الى بلوغه، والمجنون الى افاقته والعبد الى حريته والمشرك الى اسلامه فلا تجوز هذه الوكالة والخطاب والغيبة فى ذلك سواء مثل أن يقول للطفل وكلتك أن تشترى لى كذا اذا بلغت أو وكلت فلانا أن يشترى لى كذا اذا بلغ أو ان يقول: اذا بلغت فقد وكلتك أن تشترى لى كذا، أو اذا بلغ فلان فقد وكلته أن يشترى لى كذا، وكذا سائر التعليقات فى وقت يجوز فيه الفعل الى وقت بعد وقت لا يجوز فيه، أو فى وقت لا يجوز فيه الى وقت يجوز مثل أن يقول وقد أذن لظهر الجمعة أو لما يؤذن اذا صليت الجمعة فقد وكلتك أن تشترى لى كذا، أو وكلتك أن تشترى لى كذا اذا صليتها.

وكذا المكان مثل: اذا خرجت من المسجد فقد وكلتك الخ، أو وكلتك أن تفعل اذا خرجت منه وكذلك جاء فى شرح النيل:

أنه لو عقدت الامارة لشخص للدفاع عن الوطن ان جاء العدو، فانها تصح فاذا قدم العدو أصبح أميرا

(1)

.

(ج) التوثيقات ومنها: الحمالة والكفالة:

يجوز تعليقهما على الشرط.

فقد جاء فى شرح النيل

(2)

: ما يفيد أن الحميل يبرأ من الحمالة ان وقتها الى وقت معين عند حصول ذلك الوقت مثل أن يقول:

ان بينت مقدار الحق الى وقت كذا أو جئت ببيان على أن لك عليه كذا فأنا حميل لك عنه أو يقول أن جئتنى قبل وقت كذا للقبض أعطيتك عنه، فان تحقق ذلك لزمت الكفالة، والا فلا.

وكذلك تلزم الحمالة ان قال للمحمول له:

ان لم يعطك فلان مالك الى أجل كذا، أو أن جاء وقت كذا ولم يعطك فأنا حميل لك به

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 373.

(2)

شرح النيل ج 3 ص 759 - 660.

ص: 180

ولم يعطه عند الأجل، وكذلك لم يعطه قبله فله أن يستمسك بالحميل ليعطيه.

وكذا لو قال له: ما كان لك على فلان فقد تحملته عنه ان رضى فلان، يعنى فلانا الآخر غير المحمول عنه. وكذا ان رضى فلان المحمول عنه أو ان قدم اليوم فلان، أو ان بقى مالى الى وقت كذا، أو ان دخلت الدار، وكذا ان كان المعلق عليه منفيا مثل ان لم يقدم فلان، أو ان لم يرض فلان، الذى هو غير المحمول عنه، أو ان لم يدخل فلان الدار، فوقع ما شرط وقوعه وانتفى ما شرط انتفاءه.

وفى اجازة تعليق الحمالة الى مجهول قولان، كما لو علقها على حصد زرع ونزول مطر وقدوم مسافر.

ففى أحد القولين تثبت الحمالة لأنها عهد معقود بين أناس كعقد البيع، والعقد يجب الوفاء به سواء أكان فيه الجهل أو العلم اذا لم يكن معصية ولأنها تبرع ولا يجب أن يكون ما هو كذلك معلوما، ولأن ذلك شئ ألزمه نفسه فلزمه، وقد قال جابر بن زيد: من ألزم شيئا لنفسه ألزمناه له، ولقوله صلى الله عليه وسلم:

«المؤمنون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا، وهذا كالشرط بل أقوى، ولأنه صلى الله عليه وسلم قال: الزعيم غارم، ولم يشترط فى غرامته أن يكون معلوما فى نفسه ولا فى أجله ان أجل كما اشترط ذلك فى البيع.

والقول الثانى: المنع، لأن فيها طرفا من الشبه بالبيع وهو لو اشترى مجهولا، أو الى أجل مجهول، ثم علم لا يلزمه بعلمه

(1)

.

ولا تصح الحمالة فى الدرك عند الاستحقاق، كأن يشترى الانسان شيئا فيخاف أن يكون لغير بايعه فيحتمل له آخر بأن يعطيه مثله أو قيمته ان ظهر أنه لغير بائعه، أو الدرك فى رد بعيب كأن يشترى شيئا ويحتمل له آخر بأنه ان ظهر معيبا غرم له الأرش أو المثل، أو رد له الثمن، أو يتحمل للبائع بأنه ان رد اليه بعيب أو طولب بالأرش غرم الأرش أو أخذ الشئ ورد الثمن من عنده.

ووجه ذلك أن المستحق والمعيب ليس حقا للمحمول له الذى هو المشترى ولا المعيب حقا للبائع، وجوزت فى المستحق ان لم تكن على رد الشئ بعينه عن مستحقه فى مسألة الاستحقاق، بأن كانت على رد المثل أو القيمة وان كانت على رد المثلى بعينه فى الاستحقاق لم تجز.

وعن جابر شيخ أبى عبيدة اجازتها على رد الشئ بعينه فى الاستحقاق

(2)

.

(د) التقييدات: ومنها:

1 -

عزل الوصى: أجاز المذهب تعليق عزل الوصى على الشرط، فلو قال: أوصيت اليك الى أن يبلغ فلان أو أن ينزل المطر،

(1)

شرح النيل ج 4 ص 661.

(2)

نفس المرجع ج 4 ص 657 - 658.

ص: 181

أو يقدم فلان من السفر، فان حدث ما علق عليه عزل الوصى: انتهت الوصاية، والا لم تنته

(1)

.

2 -

عزل الأمير كما أجاز المذهب تعليق عزل الأمير على الشرط، فلو عقد الامام الولاية لشخص على الجيش الى أن يصل بالجيش الى بلدة كذا، أو الى أن يجئ فلان من السفر أو ما بقى فلان فى عسكر المبغى عليهم فانه يبقى قائدا وأميرا ما لم يتحقق الشرط، فاذا تحقق ما علق عليه زوال ولايته كأن وصل الى البلدة أو قدم فلان من السفر أو لم يبق فلان فى عسكر المبغى عليهم زالت ولايته بلا حاجة الى اصدار أمر بنزعه منها

(2)

.

(هـ) الاسقاطات: ومنها:

1 -

الطلاق: يصح عند الإباضية تعليق الطلاق على الشرط، فلو قال لزوجته: ان كلمت فلانا فأنت طالق صح وتطلق عند تحقق الشرط

(3)

.

2 -

العتق: كما يجوز فى المذهب تعليق العتق على الشرط فاذا قال لعبده:

ان دخلت الدار أو ان شاء فلان أو قدم فلان أو حدث كذا جاز، فاذا تحقق الشرط أصبح عبده حرا، واذا لم يتحقق ظل رقيقا

(4)

.

‌حكم تقييد التصرفات بالشروط

‌مذهب الحنفية:

يقسم المذهب الشروط التى تقترن تقييد التصرفات ثلاثة أقسام: شروطا صحيحة، وأخرى فاسدة، وثالثة باطلة وقد لا تفسد، ونوضح ذلك فيما يلى.

القسم الأول: الشروط الصحيحة وهى:

1 -

اشتراط صفة قائمة بمحل التصرف وقت صدوره.

ومن أمثلتها فى عقد البيع ما جاء فى بدائع الصنائع «لو اشترى جارية على أنها بكر أو طباخة أو خبازة، أو غلاما على أنه كاتب أو خياط، أو باع عبدا بألف درهم، على أنها صحاح، أو على أنها من جياد نقد بيت المال فالبيع جائز، لأن المشروط صفة للمبيع أو الثمن، صفة محضة لا يتصور انقلابها أصلا، وليس لها حصة من الثمن، ولو كان موجودا عند العقد يدخل فيه من غير تسمية وهى مرغوب فيها لا على وجه التلهى والمشروط اذا كان هذا سبيله كان من مقتضيات العقد، واشتراط ما يقتضيه العقد لا يوجب فساد العقد

(5)

.

(1)

شرح النيل ج 6 ص 470.

(2)

شرح النيل ج 7 ص 373.

(3)

نفس المرجع ج 3 ص 612 - 462.

(4)

شرح النيل ج 6 ص 342.

(5)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 172.

ص: 182

2 -

اشتراط ما يقتضيه العقد: الشرط الذى يقتضيه العقد، هو أن يشترط أحد المتعاقدين أمرا يثبت بمطلق العقد، كما لو شرط فى البيع ملك المبيع للمشترى وملك الثمن للبائع، أو شرط تسليم الثمن أو المبيع.

ومثله ما لو شرط فى النكاح تسليم المهر.

أو شرط فى الاجارة أن يسقى الأرض المستأجرة ويزرعها.

أو شرط فى المزارعة السقى والحفظ على العامل.

فان هذه الشروط تقتضيها هذه العقود، فاشتراطها تأكيد لموجب العقد، ولا يقال: نهى النبى عليه الصلاة والسلام عن بيع وشرط وهو باطلاقه يقتضى عدم جوازه

(1)

، لأنه فى الحقيقة ليس بشرط حيث أفاد ما أفاده العقد المطلق.

3 -

اشتراط ما يلائم مقتضى العقد:

الشرط الذى لا يقتضيه العقد ولكنه يلائم مقتضى العقد، لا يفسد العقد أيضا، لأن هذا الشرط مقرر لحكم العقد من حيث المعنى مؤكد اياه فيلحق بالشرط الذى هو من مقتضيات العقد، فاذا باع على أن يعطيه المشترى بالثمن رهنا أو كفيلا والرهن معلوم والكفيل حاضر فقبل، جاز ذلك، استحسانا.

والقياس يأبى الجواز، لأن الشرط الذى يخالف مقتضى العقد مفسد فى الأصل، وشرط الرهن والكفالة مما يخالف مقتضى العقد، فكان مفسدا.

الا أنه جائز استحسانا، لأن هذا الشرط لو كان مخالفا مقتضى العقد صورة، فهو موافق له معنى، لأن الرهن بالثمن شرع توثيقا للثمن.

وكذا الكفالة فان حق البائع فى الثمن يتأكد بالرهن والكفالة، فكان كل واحد منهما مقررا لمقتضى العقد معنى، فأشبه اشتراط صفة الجودة للثمن، واشتراط ذلك لا يوجب فساد العقد، فكذا هذا

(2)

.

4 -

اشتراط ما ورد الشرع بجواز اشتراطه: اذا اشترط المتصرف أمرا لا يقتضيه العقد ولا يلائم مقتضاه فانه يكون صحيحا اذا ورد به الشرع.

ومن أمثلة هذا النوع اشتراط الأجل فى الثمن فان القياس يأبى جواز التأجيل أصلا، لأن اشتراطه يؤدى الى تغيير مقتضى عقد البيع، لأن عقد البيع يقتضى تمليك المبيع فى مقابل تمليك الثمن وتسليم الثمن فى مقابل تسليم المبيع، والتأجيل ينفى وجوب التسليم فى الحال، فكان مغيرا مقتضى العقد، فيكون مفسدا للعقد، وهذا ما يقضى به القياس.

(1)

فتح القدير وبهامشه العناية ح 5 ص 214، 215.

(2)

بدائع الصنائع للكاسانى ج 5 ص 171

ص: 183

الا أن الشارع أباح التأجيل نظرا لصاحب الأجل، لضرورة العدم ترفيها له وتمكينا له من اكتساب الثمن فى مدة الأجل بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

(1)

».

ومن أمثلته أيضا شرط الخيار ثلاثة أيام فما دونها، فان هذا الشرط ليس بمفسد للعقد استحسانا، لما روى أن حبان بن منقذ كان يغبن فى التجارات فشكا أهله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: «اذا ابتعت فقل لا خلابة، ولى الخيار ثلاثة أيام، ولأن الحاجة ماسة اليه لدفع الغبن والتدارك عند اعتراض الندم، وسواء كان الشرط للعاقد، أو لغيره، بأن شرط الخيار لثالث عند أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد.

وقال زفر لا يجوز شرط الخيار لغير العاقدين

(2)

.

5 -

اشتراط ما جرى به التعامل: اذا اشترط المتصرف أمرا لا يقتضيه العقد ولا يلائم مقتضى العقد، لكن للناس فيه تعامل، فالبيع جائز، كما اذا اشترى نعلا على أن يحذوه البائع، أو جرابا على أن يخرزه له خفا، أو ينعل خفه.

والقياس ألا يجوز وهو قول زفر.

وجه القياس أن هذا شرط لا يقتضيه العقد، وفيه منفعة لأحد العاقدين، وأنه مفسد، كما اذا اشترى ثوبا بشرط أن يخيط البائع له قميصا ونحو ذلك.

ووجه الجواز أن الناس تعاملوا هذا الشرط فى البيع كما تعاملوا الاستصناع فسقط القياس بتعامل الناس كما سقط فى الاستصناع

(3)

. وكاشتراط البراءة عن العيوب بمعنى براءة البائع من العيوب التى تستوجب الرد بخيار العيب على الوجه التالى، فانه يجوز البيع، بشرط البراءة عن كل عيب سواء سمى العيوب وعددها أولا، علمه البائع أو لم يعلمه وقف عليه المشترى أو لم يقف أشار اليه أولا موجودا كان عند العقد والقبض أو حدث بعد العقد قبل القبض عند أبى حنيفة وأبى يوسف فى رواية.

وقال محمد لا يدخل الحادث قبل القبض وهو رواية عن أبى يوسف وهو قول زفر.

وقال زفر اذا كان العيب مجهولا صح البيع وفسد الشرط.

وجه الجواز أن الابراء اسقاط لا تمليك والاسقاط لا تبطله الجهالة

(4)

.

(1)

الآية رقم 282 سورة البقرة ويراجع بدائع الصنائع ج 5 ص 174 وفتح القدير ج 5 ص 215.

(2)

بدائع الصنائع ج 5 ص 174 وفتح القدير ج 5 ص 215.

(3)

بدائع الصنائع ج 5 ص 172.

(4)

فتح القدير ج 5 ص 182 طبعة مصطفى محمد.

ص: 184

ومنه أيضا بيع الثمر على الشجر بعد ظهوره بشرط الترك أو القطع، فاذا بيع الثمر على الشجر بعد ظهوره أو بيع الزرع فى الأرض، بشرط الترك، فلا يخلو اما أن يكون غير باد صلاحه بعد أن صار منتفعا به بوجه من الوجوه، أو يكون قد بدا صلاحه بأن صار منتفعا به، وكل ذلك لا يخلو اما أن يكون بشرط القطع، أو مطلقا، أو بشرط الترك حتى يبلغ.

فان كان لم يبد صلاحه فباع بشرط القطع جاز، وعلى المشترى أن يقطع للحال، وليس له أن يترك من غير اذن البائع.

ومن مشايخ المذهب من قال: لا يجوز بيعه قبل بدو صلاحه.

وهو خلاف ظاهر الرواية.

ولو باع مطلقا عن الشرط، جاز أيضا، وعليه قطعه، لأن الترك ليس بمشروط نصا ..

وان اشترى بشرط الترك فالعقد فاسد لأنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين ولا يلائم العقد، ولا جرى به التعارف بين الناس، ومثل هذا الشرط مفسد للبيع، ولأنه لا يتمكن من الترك الا باعارة الشجرة والأرض وهما ملك البائع، فصار بشرط الترك شارطا الاعارة، فكان شرطه صفقة فى صفقة وهو منهى عنه هذا اذا لم يبد صلاحه، وكذا يصح اذا بدا صلاحه فباع بشرط القطع أو مطلقا.

فأما اذا باع بشرط الترك فان لم يتناه عظمه فالبيع فاسد.

وكذا اذا تناهى عظمه فالبيع فاسد عند أبى حنيفة وأبى يوسف.

وقال محمد: يجوز استحسانا لتعارف الناس وتعاملهم ذلك ولهما أن شرط الترك فيه منفعة للمشترى ولا يقتضيه العقد وليس بملائم للعقد أيضا، ومثل هذا الشرط يكون مفسدا، كما اذا اشترى حنطة على أن يتركها فى دار البائع شهرا

(1)

ولو اشترى ثمرة بدا صلاح بعضها دون بعض بأن أدرك البعض دون البعض - بشرط الترك فالبيع فاسد على أصلهما، لأنه لو كان أدرك الكل فاشتراها بشرط الترك، فالبيع فاسد عندهما فبادراك البعض أولى.

وأما على أصل محمد، وهو اختيار العادة، فان كان الباقى متقاربا جاز، لأن العادة فى الثمار الا يدرك الكل دفعة واحدة، بل يتقدم البعض على البعض، ويلحق بعضها بعضا فصار كأنه اشتراها بعد ادراك الكل، ولو كان كذلك لصح الشراء عنده بشرط الترك كذا هذا، وان كان يتأخر ادراك البعض عن البعض تأخيرا فاحشا كالعنب ونحوه - يجوز البيع

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 173.

ص: 185

فيما أدرك ولا يجوز فيما لا يدرك، لأنه عند التأخر الفاحش يلتحقان بجنسين مختلفين

(1)

.

القسم الثانى: الشروط الفاسدة:

ويندرج تحت هذا النوع الشروط الآتية:

1 -

اشتراط ما يؤدى الى غرر غير يسير:

اذا اشترط المتصرف أمرا فى المعقود عليه لا يمكن الوقوف على حقيقته عند التعاقد كان الشرط فاسدا، والبيع اذا اقترن بهذا الشرط كان فاسدا وذلك كما لو اشترى ناقة على أنها حامل، لأن الحمل لا يمكن الوقوف عليه للحال، لأن عظم البطن والتحرك يحتمل أن يكون لعارض داء أو غيره فكان فى وجوده غرر فيوجب فساد البيع، لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع وغرر، والمنهى عنه فاسد.

وروى الحسن عن أبى حنيفة رضى الله عنهما أن البيع بهذا الشرط جائز لأن كونها حاملا بمنزله كون العبد كاتبا أو خياطا ونحو ذلك وذا جائز. فكذا هذا.

وكذا لو اشترى ناقة وهى حامل على أنها تضع حملها الى شهر أو شهرين، لأن فى وجود هذا الشرط غررا. أو اشترى بقرة على أنها تحلب كذا وكذا رطلا

(2)

.

2 -

اشتراط أمر محظور: ولو اشترى قمرية على أنها تصوت أو طيرا على أنه بجئ من مكان بعيد، أو كبشا على أنه نطاح، أو ديكا على أنه مقاتل، فالبيع فاسد عند أبى حنيفة.

وهو احدى الروايتين عن محمد.

لأنه شرط فيه غرر، والوقوف عليه غير ممكن لأن الحيوان لا يمكن جبره على ما شرط فصار كشرط الحبل، ولأن هذه صفات يتلهى بها عادة والتلهى محظور فكان هذا شرطا محظورا، فيوجب فساد البيع.

وروى عن محمد أنه اذا باع قمرية على أنها تصوت فاذا صوتت جاز البيع، لأنها لما صوتت علم أنها مصوتة فلم يتحقق غرر العدم.

ولو اشترى جارية على أنها مغنية على سبيل الرغبة فيها فالبيع فاسد، لأن التغنية صفة محظورة لكونها لهوا فشرطها فى البيع يوجب فساده.

ولو اشتراها على أنها مغنية على وجه اظهار العيب جاز البيع لأن هذا بيع بشرط البراءة عن هذا العيب فصار كما لو باعها بشرط البراءة عن عيب آخر فان وجدها لا تغنى لا خيار له لأن الغناء فى الجوارى عيب فصار كما لو اشترى على أنه معيب فوجده سليما

(3)

.

3 -

اشتراط أمر لا يقتصيه العقد وفيه منفعة لأحد المتعاقدين، أو للمعقود عليه

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 173 - 174.

(2)

بدائع الصنائع ج 5 ص 168 - 169.

(3)

بدائع الصنائع ج 5 ص 169.

ص: 186

ان كان آدميا، وليس بملائم لمقتضى العقد ولا مما جرى به التعامل بين الناس، ولا ورد الشرع بجوازه.

والعقود عند اقترانها بهذا الشرط نوعان.

عقود تفسد عند اقترانها به.

وعقود تصح ويسقط الشرط.

العقود التى يفسدها هذا الشرط.

1 -

البيع: اذا اقترن البيع بهذا الشرط فسد كما لو باع دارا على أن يسكنها البائع شهرا ثم يسلمها اليه أو أرضا على ان يزرعها سنة أو دابة على أن يركبها شهرا أو ثوبا على أن يلبسه أسبوعا، أو على أن يقرضه المشترى قرضا، أو على أن يهب له هبة أو يزوج ابنته منه، أو يبيع منه كذا ونحو ذلك أو اشترى ثوبا على أن يخيطه البائع قميصا أو حنطة على أن يطحنها أو شيئا له حمل ومؤنة على أن يحمله البائع الى منزله ونحو ذلك فالبيع فى هذا كله فاسد، لأن زيادة منفعة مشروطة فى البيع تكون ربا، لأنها زيادة لا يقابلها عوض فى عقد البيع وهو تفسير الربا والبيع الذى فيه الربا فاسد أو فيه شبهة الربا مفسدة كحقيقة الربا، وكذا لو باع جارية على أن يدبرها المشترى أو على أن يستولدها فالبيع فاسد لأنه شرط فيه منفعة للمبيع وأنه مفسد، وكذا لو باعها بشرط أن يعتقها فالبيع فاسد فى ظاهر الرواية لنهيه عليه الصلاة والسلام عن بيع وشرط

(1)

.

وروى الحسن عن أبى حنيفة رضى الله عنه أن اشتراط العتق جائز فى البيع لحديث بريرة رضى الله عنها، فقد جاءت الى السيدة عائشة رضى الله عنها تستعينها فى كتابتها قالت: ان شئت عددتها لأهلك وأعتقك فرضيت بذلك فاشترتها وأعتقتها، وانما اشترتها بشرط العتق وقد أجاز ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لها ولأن الشراء بشرط العتق متعارف بين الناس لأن بيع العبد نسمة متعارف فى الوصايا وغيرها

(2)

.

2 -

القسمة: لما كانت القسمة فيها معنى المبادلة كانت كالبيع تبطل بالشروط الفاسدة.

فاذا اقتسم الشريكان ما يملكانه على أن لأحدهما الصامت (العقار) وللآخر العروض، أو على أن يشترى أحدهما من الآخر داره بألف، أو على شرط هبة أو صدقة

(3)

تفسد القسمة.

أما لو اقتسما على ان يزيده شيئا معلوما فهو جائز كالبيع وكذا على ان يرد أحدهما على الآخر دراهم مسماة، لأنه شرط صحيح.

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 169 - 170 وفتح القدير ج 5 ص 214.

(2)

المبسوط للسرخسى ج 13 ص 15.

(3)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 346.

ص: 187

3 -

الاجارة: وتفسد الاجارة أيضا بالشروط الفاسدة كما لو آجر داره على أن يقرضه المستأجر أو يهدى اليه أو استأجر حانوتا بكذا على أن يعمره ويحسب ما أنفقه من الأجرة فعليه أجر المثل وله ما أنفق وأجر مثل قيامه عليه

(1)

.

4 -

المزارعة والمساقاة: يفسد هذان العقدان أيضا بالشروط الفاسدة لأنهما اجارة فيكونان معاوضة مال بمال فيفسدان بالشرط الفاسد .. كما لو قال زارعتك أرضى أو ساقيتك كرمى على ان تقرضنى ألفا، وكذلك تفسد المزارعة اذا اشترط فيها أن تكون مؤنة العامل على رب الأرض سواء كانت من الدراهم أو الطعام

(2)

.

5 -

الأجازة: والمراد بها اجازة عقد هو مبادلة مال بمال، فاذا باع فضولى عبد شخص، فقال: هذا الشخص أجزته بشرط أن تقرضنى او تهدى الى كذا فسدت الأجازة

(3)

. لانها بيع معنى.

6 -

الصلح عن مال بمال: أو عن مال بمنفعة وكذلك يفسد هذا الصلح اذا اقترن بشرط فاسد، كما لو قال:

صالحتك على أن تسكننى فى الدار سنة لأنه معارضة مال بمنفعة فيكون اجارة

(4)

.

7 -

الابراء عن الدين: يفسد الابراء عن الدين اذا اقترن بشرط فاسد، لأنه تمليك من وجه حتى يرتد بالرد وان كان فيه معنى الاسقاط فيكون معتبرا بالتمليكات كما لو قال: أبرأتك عن دينى على أن تخدمنى شهرا، أو قال ابرأت ذمتك بشرط ان لى الخيار فى رد الابراء وتصحيحه فى أى وقت شئت فالابراء باطل

(5)

.

8 -

التصرفات التى لا تفسد بالشروط الفاسدة بل تصح وتبطل الشروط.

كل تصرف لا يكون الغرض منه مبادلة مال بمال لا يفسد بالشرط الفاسد وانما يسقط الشرط ويصح التصرف وذلك لأن الشروط الفاسدة من باب الربا، والربا انما يكون فى المعاوضات المالية لا غير، لأن الربا هو الفضل الخالى عن العوض، وحقيقة الشروط الفاسدة هى زيادة مالا يقتضيه العقد ولا يلائمه فيكون فيها فضل خال عن العوض وهو الربا، ولا يتصور ذلك فى المعاوضات غير المالية ولا فى التبرعات بل يفسد الشرط ويصح التصرف

(6)

.

(1)

نفس المرجع ج 4 ص 347.

(2)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 351 - 352.

(3)

نفس المرجع ج 4 ص 347.

(4)

نفس المرجع ج 4 ص 348 وفتح القدير ج 7 ص 27 - 29.

(5)

نفس المرجع ج 4 ص 349.

(6)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 345.

ص: 188

ومن هذه التصرفات: -

1 -

النكاح: لا يبطل عقد النكاح اذا اقترن بشرط فاسد، فاذا تزوج امرأة على ألف على ألا يخرجها من البلدة، أو على الا يتزوج عليها اخرى، او لا يتسرى عليها، أو على أن يطلق ضرتها فالنكاح صحيح، والشرط فاسد، لأن فيه المنع عن الأمر المشروع، فان وفى بالشرط فلها المهر المسمى، لأنه سمى لها ما صلح مهرا وقد تم رضاها به وان لم يوف به فلها مهر مثلها اذا كان مهر مثلها أكثر من المسمى، لأنه سمى مالها فيه نفع، فعند فواته ينعدم رضاها بالألف فيكمل مهر مثلها، كما فى تسمية الكرامة، بأن شرط لها مع الألف أن يكرمها، ولا يكلفها الأعمال الشاقة وما تتعب به وكما لو سمى الهدية مع الألف بأن يرسل اليها مع الألف الثياب الفاخرة. فان كان مهر مثلها قدر المسمى أو أقل لا تستحق شيئا آخر

(1)

.

واذا زوج الرجل بنته على أن يزوجه الآخر بنته أو أخته ليكون احد العقدين عوضا عن الآخر - أى صداقا فيه - فالعقدان جائزان، ولكل منهما مهر المثل، ويسمى هذا النكاح نكاح الشغار (أنظر مصطلح شغار) وذلك لأن كلا منهما سمى مالا يصلح صداقا وكل ما كان كذلك صح العقد فيه، وبطل الشرط، ووجب مهر المثل، كما اذا سمى الخمر والخنزير وذلك لأن النكاح لا تبطله الشروط الفاسدة

(2)

.

واذا تزوج امرأة، واشترط ألا مهر لها أو تزوجها على ألف على أن ترد اليه ألفا، صح النكاح وبطل الشرط، ولها مهر مثلها ان دخل بها أو مات عنها، ولو طلقها قبل الدخول بها فلها المتعة (انظر مصطلح متعة

(3)

واذا قال تزوجتك على أنى بالخيار يجوز النكاح، ولا يصح الخيار، لأنه ما علق النكاح بالشرط بل عقد النكاح وشرط الخيار

(4)

.

3 -

الخلع: لا يبطل الخلع بالشروط الفاسدة، فاذا قال: خالعتك على أن لى الخيار مدة يراها، بطل الشرط، ووقع الطلاق، ووجب المال، وأما اشتراط الخيار لها فصحيح عند الامام

(5)

.

4 -

القرض: لا يبطل القرض بالشروط الفاسدة فلو قال: أقرضتك هذه المائة بشرط أن تخدمنى سنة أو بشرط او توفينى فى العراق فسد الشرط وصح القرض

(6)

.

5 -

الهبة والصدقة: لا تبطل الهبة وكذا الصدقة بالشروط الفاسدة، فلو وهب

(1)

فتح القدير ج 2 ص 458 - 459 والعناية هامش فتح القدير ج 2 ص 458.

(2)

فتح القدير ج 2 ص 449 - 450.

(3)

فتح القدير 2 ص 440 - ورد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 354.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 354.

(5)

نفس المرجع ج 4 ص 354.

(6)

نفس المرجع ج 4 ص 354.

ص: 189

جارية لشخص على ان يردها عليه، أو على أن يعتقها او ان يتخذها ام ولد، أو وهب دارا أو تصدق عليه بدار على ان يرد عليه شيئا منها، أو يعوضه شيئا منها، فالهبة جائزة والشرط باطل، لأن هذه الشروط فاسدة لمخالفتها مقتضى العقد، لأن مقتضاه ثبوت الملك مطلقا بلا توقيت فاذا شرط الرد عليه أو الاعتاق أو غير ذلك فمقيد بها والهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة.

وأصل ذلك ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز العمرى وأبطل شرط المعمر فى رجوعها اليه بعد موت المعمر له وجعلها ميراثا لورثة المعمر له

(1)

.

6 -

الوقف: لا يبطل الوقف اذا اقترن بشرط فاسد ما لم يترتب على الشرط نقض العقد من أصله:

جاء فى فتح القدير ولا يبطل الوقف بالشروط الفاسدة ولهذا لو وقف أرضا على رجل على أن يقرضه دراهم جاز الوقف وبطل الشرط

(2)

..

كما جاء فى العناية ولو شرط الواقف أن يستبدل به أرضا اخرى تكون وقفا مكانه - اذا شاء ذلك جاز عند أبى يوسف كما هو مذهبه فى التوسع فى الوقف.

وعند محمد الوقف جائز والشرط باطل، لأن هذا الشرط لا يؤثر فى المنع من زواله، والوقف يتم بذلك ولا ينعدم به معنى التأيد فى أصل الوقف فيتم الوقف بشروطه ويبقى الاستبدال شرطا فاسدا فيكون باطلا فى نفسه، كالمسجد اذا شرط الاستبدال به، أو شرط أن يصلى فيه قوم دون قوم، فالشرط باطل واتخاذ المسجد صحيح فهذا مثله

(3)

.

ونقل ابن عابدين فى رد المحتار على الدر المختار عن الاسعاف أنه لو وقف أرضه على ان له أصلها أو على ألا يزول ملكه عنها أو على أن يبيع اصلها ويتصدق بثمنها كان الوقف باطلا، ويمكن التوفيق بينه وبين ما ذكر قبله بأن الشرط الفاسد لا يبطل عقد التبرع اذا لم يكن موجبه نقض العقد من أصله فان اشتراط أن تبقى رقبة الأرض له أو ألا يزول ملكه عنها، أو أن يبيعها بلا استبدال نقض للوقف

(4)

.

7 -

الوصية: اذا اقترنت الوصية بشرط فاسد صحت الوصية وبطل الشرط

(5)

.

8 -

الوصاية: وكذلك الوصاية لا تفسد بالشرط الفاسد، فاذا قال الموصى لشخص

(1)

العناية هامش فتح القدير ج 7 ص 141

(2)

فتح القدير ج 5 ص 60.

(3)

العناية هامش فتح القدير ج 5 ص 58.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 352 - 353.

(5)

نفس المرجع ج 4 ص 354 - 335.

ص: 190

جعلتك وصيا بشرط أن تتزوج ابنتى كانت الوصية صحيحة وبطل الشرط

(1)

.

9 -

القضاء والامارة: لا يبطل القضاء والامارة بالشرط الفاسد، كما لو قال الامام لشخص: وليتك بلدة كذا مؤبدا، لأن قوله مؤبدا شرط فاسد، لأن التولية لا تقتضى التأبيد، لأنه ينعزل بعارض جنون أو عزل أو نحوه، ومثله وليتك على الا تعزل أبدا، أو على ألا تركب، كما مثل به فى البحر - وقال: فهذا الشرط فاسد ولا تبطل امرته بهذا

(2)

.

10 -

الوكالة: لا تبطل الوكالة بالشرط الفاسد أى شرط كان، فلو قال: وكلتك على أن تبرئنى مما لك على، بطل الشرط وصحت الوكالة

(3)

.

11 -

المضاربة (انظر مصطلح مضاربة) لا تبطل المضاربة بالشروط الفاسدة، ما لم يؤد الشرط الى اختلال مقصود العقد، فاذا اشترط الوضيعة على رب المال أو عليهما دون اقتطاعها من الربح، صحت المضاربة، وبطل الشرط، لأنه لم يوجب الجهالة فى الربح، والجهالة فيه تؤدى الى فساد العقد والوضيعة اسم لجزء هالك من المال ولا يجوز أن يلزم غير رب المال

(4)

، وكذا لو شرط نفقة السفر على المضارب بطل الشرط وجازت المضاربة لمخالفة الشرط لمقتضى العقد (بزازية).

وفيها: ولو شرط من الربح عشرة دراهم فسدت، لأنه شرط يؤدى الى قطع الشركة ولو دفع اليه ألفا على أن يدفع رب المال المضارب أرضا يزرعها سنة، أو دارا للسكنى بطل الشرط وجازت، ولو شرط ذلك على المضارب لرب المال فسدت لأنه جعل نصف الربح عوضا عن عمله وأجرة الدار

(5)

.

12 -

الشركة: (انظر مصطلح شركة) جاء فى البزازية: الشركة تبطل ببعض الشروط الفاسدة دون بعض، حتى لو شرط التفاضل فى الوضيعة لا تبطل وتبطل باشتراط عشرة لأحدهما.

وفيها: لو شرط صاحب الألف العمل على صاحب الألفين والربح نصفين، لم يجز الشرط، والربح بينهما أثلاثا.

أما لو لم يشرط العمل على أفضلهما مالا بل تبرع به، فأجاب فى البحر بأن شرط الربح صحيح لأن التبرع ليس من قبيل الشرط

(6)

.

13، 14 - الكفالة: والحوالة: لا يبطل هذان العقدان بالشرط الفاسد، فلو قال:

كفلت غريمك على ان تقرضنى كذا، أو أحلتك على فلان بشرط ألا ترجع على عند التوى، تصح ويبطل الشرط .. الا اذا شرط المحال على المحال عليه أن يعطيه المال المحال به من ثمن دار المحيل،

(1)

نفس المرجع ج 4 ص 354.

(2)

نفس المرجع ج 4 ص 355.

(3)

نفس المرجع ج 4 ص 356.

(4)

العناية هامش فتح القدير ج 7 ص 62

(5)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 355

(6)

نفس المرجع ج 4 ص 355.

ص: 191

فانها تفسد لعدم قدرته على الوفاء بالملتزم.

قال فى البزازية: بخلاف ما اذا التزم المحتال عليه الاعطاء من ثمن دار نفسه، لأنه قادر على بيع دار نفسه لكنه لا يجبر على ذلك كما اذا كان قبولها بشرط الاعطاء عند الحصاد لا يجبر على الأداء قبل الأجل

(1)

.

15 -

الرهن: لا يبطل الرهن بالشرط الفاسد، فلو قال رهنتك عبدى بشرط أن استخدمه، أو على أن الرهن ان ضاع ضاع بلا شئ، أو ان لم أوف متاعك لك، الى كذا فالرهن لك بمالك، بطل الشرط، وصح الرهن

(2)

.

16 -

الاقالة: لا تبطل الاقالة بالشرط الفاسد، فلو تقايلا على أن يكون الثمن أكثر من الأول، أو أقل، صحت ولغا الشرط لأنها لا تفسد بالشرط الفاسد

(3)

.

17 -

الطلاق: لا يبطل الطلاق اذا اقترن بشرط فاسد، فلو قال: طلقتك على ألا تتزوجى غيرى، بطل الشرط ووقع الطلاق

(4)

.

18 -

العتق: لا يبطل العتق بالشرط الفاسد، فلو قال أعتقتك على أنى بالخيار صح العتق وبطل الشرط ولو أعتق أمة على ألا تتزوج، عتقت وبطل الشرط

(5)

.

19 -

الكتابة: لا تبطل الكتابة بالشروط الفاسدة الا اذا أخلت بمقصود العقد بأن تمكن الشرط فى صلب العقد وكان داخلا فى أحد البدلين.

جاء فى العناية «فان شرط عليه ألا يخرج من الكوفة فله أن يخرج استحسانا، لأن هذا الشرط مخالف لمقتضى عقد الكتابة، لأن مقتضاه مالكية اليد على جهة الاستبداد وثبوت الاختصاص بنفسه ومنافعه لحصول ما هو المقصود بالعقد، وذلك قد يكون بالضرب فى الأرض والتقييد بمكان ينافيه، والشرط المخالف لمقتضى العقد باطل، فهذا الشرط باطل، وصح العقد، لأن الشرط الباطل انما يبطل الكتابة اذا تمكن فى صلب العقد، وهو أن يدخل فى أحد البدلين، كما اذا قال، كاتبتك على أن تخدمنى مدة أو زمانا، والشرط المتقدم ليس كذلك، لأنه لا شرط فى بدل الكتابة ولا فيما يقابله فلا تفسد به الكتابة

(6)

، وهذا التفصيل راجع الى أن الكتابة تشبه البيع من حيث المعاوضة، وعدم صحتهما بلا بدل واحتمالهما الفسخ قبل الأداء، وتشبه النكاح من حيث انها معاوضة مال بغير مال، فعملنا بالشبهين فقلنا ببطلان الشرط وصحة العقد اذا لم

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 356.

(2)

نفس المرجع ج 4 ص 354.

(3)

نفس المرجع ج 4 ص 357.

(4)

نفس المرجع ج 4 ص 354.

(5)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 354.

(6)

العناية هامش فتح القدير ج 7 ص 243 - 244.

ص: 192

يتمكن فى صلب العقد أى لم يكن داخلا فى أحد البدلين عملا بشبه النكاح، وببطلان العقد، اذا تمكن فى صلبه عملا بشبه البيع.

20 -

الاذن للعبد فى التجارة (انظر مصطلح اذن) وهذا التصرف لا يفسده الشرط الفاسد أيضا، فلو قال لعبده أذنت لك فى التجارة على أن تتجر الى شهر أو على أن تتجر فى كذا فان الاذن يكون عاما فى التجارات والأوقات، ويبطل الشرط

(1)

.

21 -

الصلح عن دم العمد وعن الجراحة التى فيها القصاص وكذا الابراء عنه (انظر مصطلح صلح) هذه التصرفات لا تفسد بالشرط أيضا.

فاذا صالح ولى المقتول عمدا القاتل على شئ بشرط أن يقرضه أو يهدى اليه شيئا، فالصلح صحيح والشرط فاسد، ويسقط الدم، لأنه من الاسقاطات فلا يحتمل الشرط

وكذلك الابراء عن الدم فان الولى اذا قال للقاتل عمدا أبرأت ذمتك على ألا تقيم فى هذا البلد مثلا - أو صالح معه عليه، صح الابراء والصلح ولا يعتبر الشرط.

أما الصلح عن دم الخطأ أو عن الجراحة التى فيها الأرش، فانه من القسم الذى يفسد بالشرط الفاسد، لأن موجب ذلك المال، فكان مبادلة مال بمال، وليس اسقاطا

(2)

.

(22)

عقد الذمة: اذا فتح الامام بلدة وأقر أهلها على املاكهم وشرطوا معه فى عقد الذمة ألا يعطوا الجزية بطريق الاهانة كما هو المشروع، فالعقد صحيح والشرط باطل

(3)

.

(23)

عزل القاضى: اذا قال الامام للقاضى عزلتك على أن أوليك فى بلدة كذا، انعزل وبطل الشرط، لأنه ليس معاوضة مالية

(4)

.

(24)

دعوة الولد: اذا ادعى شخص نسب ولد وقيد دعواه بشرط فاسد، بطل الشرط وثبت نسبه منه، كما اذا ادعاه بشرط رضا زوجته.

وقد صور ذلك أيضا فى ايضاح الكرمانى - كما نقله ابن عابدين - بأن ادعى نسب أحد التوأمين بشرط ألا تكون نسبة الآخر منه، أو ادعى نسب ولد بشرط ألا يرث منه يثبت نسب كل واحد من التوأمين ويرث ويبطل الشرط، لأنهما من ماء واحد فمن ضرورة ثبوت نسب احدهما ثبوت نسب الآخر لما عرف، وشرط الا يرث شرط فاسد، لمخالفته الشرع والنسب لا يفسد به

(5)

.

(1)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص 357.

(2)

نفس المرجع ج 4 ص 357 - 358.

(3)

نفس المرجع ج 4 ص 358.

(4)

رد المحتار على الدر المختار ج 4 ص ص 358.

(5)

نفس المرجع ج 4 ص 357.

ص: 193

(25)

الاقرار: جاء فى الدر أن الاقرار مما يبطل بالشرط الفاسد.

ولكن علق على ذلك ابن عابدين فى حاشيته بقوله نعم فى كون الاقرار مما يبطل بالشرط الفاسد نظر، لأنه ليس من المعاوضات المالية ولم أر من صرح ببطلانه به

(1)

.

2 -

شروط باطلة لا تبطل التصرفات جميعها: وضابط هذا النوع من الشروط كل شرط لا يقتضيه العقد، ولا يلائم مقتضاه، ولم يرد شرع ولا عرف بجوازه، وليس فيه منفعة لأحد المتعاقدين أو للمعقود عليه من أهل الاستحقاق اذا اقترن بالعقد، كان العقد صحيحا والشرط باطلا.

ومن أمثلته ما جاء فى بدائع الصنائع: اذا باع ثوبا على الا يبيعه المشترى أو لا يهبه أو دابة على ألا يبيعها أو يهبها أو طعاما على أن يأكله ولا يبيعه - ذكر فى المزارعة ما يدل على جواز البيع فانه قال لو شرط أحد المزارعين فى المزارعة على الآخر ألا يبيع نصيبه ولا يهبه فالمزارعة جائزة والشرط باطل.

وهكذا روى الحسن فى المجرد عن أبى حنيفة رحمه الله.

وفى الاملاء عن أبى يوسف أن البيع بهذا الشرط فاسد.

ووجهه أنه شرط لا يقتضيه العقد ولا يلائمه، ولا جرى به التعارف بين الناس فيكون مفسدا، كما فى سائر الشروط المفسدة.

والصحيح ما ذكر فى المزارعة، لأن هذا الشرط لا منفعة فيه لأحد فلا يوجب الفساد، وهذا لأن فساد البيع فى مثل هذه الشروط لتضمنها الربا، وذلك بزيادة منفعة مشروطة فى العقد لا يقابلها عوض، ولم يوجد فى هذا الشرط لأنه لا منفعة فيه لأحد، الا

أنه شرط فاسد فى نفسه، لكنه لا يؤثر فى العقد فالعقد جائز والشرط باطل

(2)

.

شرط فيه مضرة:

جاء فى البدائع: ولو باع ثوبا على أن يحرقه المشترى، أو دارا على أن يخربها فالبيع جائز والشرط باطل لأن شرط المضرة لا يؤثر فى البيع

(3)

.

ولو باع جاريته على ألا يطأها المشترى فالبيع فاسد، والشرط باطل عند أبى يوسف.

وعند محمد البيع جائز والشرط باطل.

ولو باع بشرط أن يطأها جاز البيع والشرط فى قولهم جميعا.

وروى عن أبى حنيفة أن البيع فاسد فى الموضعين جميعا.

وجه قول محمد: أن هذا شرط لا منفعة

(1)

نفس المرجع ج 4 ص 352.

(2)

البدائع ج 5 ص 170.

(3)

بدائع الصنائع ج 5 ص 170.

ص: 194

فيه لأحد فلا يؤثر فى فساد البيع كما لو باع ما سوى الرقيق على ألا يبيع أو لا يهب الا أنه نوع مضرة للمشترى فكان باطلا والبيع صحيحا.

وجه قول أبى يوسف أن هذا شرط يخالف مقتضى العقد، لأن حل الوط ء أمر يقتضيه العقد، وهذا الشرط ينفيه بخلاف ما اذا باع بشرط أن يطأها لأن ذلك شرط يقرر مقتضى العقد، لأن اباحة الوط ء مما يقتضيه العقد.

ولأبى حنيفة رحمه الله على ما روى عنه أن شرط الوط ء مما لا يقتضيه العقد أيضا، بل ينفيه، لأن البيع يقتضى الحل لا الاستحقاق وقضية الشرط الاستحقاق واللزوم وهما مما لا يقتضيه العقد بل ينفيه

(1)

.

‌مذهب المالكية:

القسم الأول: الشروط الصحيحة وهى:

1 -

اشتراط صفة قائمة بمحل العقد وقت التعاقد يجوز أن يشترط المشترى وصفا فى المبيع له فيه غرض، فان لم يوجد هذا الشرط كان له الحق فى رده (خيار النقيصة، أى العيب).

جاء ما معناه فى الشرح الكبير وجاز للمشترى رد المبيع بسبب عدم وجود وصف مشروط اشترطه المبتاع، وكان هذا الشرط له فيه غرض، سواء كان فيه مالية كاشتراط كون الأمة طباخة فلا توجد كذلك أو لا مالية فيه.

كاشتراط كونها ثيبا، لأنه قد حلف ألا يطأ بكرا واشتراها للوط ء فيجدها بكرا.

وان لم يشترطه المشترى بل حصل الشرط بمناداة عليها حال البيع انها طباخة أو خياطة أو غير ذلك فترد عند عدم الشرط.

أما اذا انتفى الغرض ويلزم منه انتفاء المالية كشراء عبد للخدمة، فيشترط أنه غير كاتب فيوجد كاتبا، أو أنه جاهل فيوجد عالما فان الشرط يلغو ولا رد للمبيع

(2)

.

الا أنه اذا أدى الشرط الى غرر فانه لا يجوز البيع.

جاء فى الشرح الكبير: لا يجوز بيع حامل - أمة أو غيرها من الحيوان - بشرط الحمل، ان قصد البائع باشتراط الحمل استزادة الثمن، بأن كان مثلها لو كانت غير حامل تباع بأقل مما بيعت به.

فان قصد التبرى من عيب الحمل جاز فى الحمل الظاهر كما يجوز فى الحمل الخفى فى الوخش

(3)

، اذ قد يزيد ثمنها بهذا الشرط دون الرائعة، فان لم يصرح بما قصد حمل على الاستزادة فى الوخش وفى غير الآدمى وعلى التبرى فى الرائعة

(4)

.

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 170 - 171.

(2)

الشرح الكبير ج 3 ص 108 طبعة مصطفى محمد.

(3)

الوخش رذال الناس وسقاطهم.

(4)

الشرح الكبير ج 3 ص 59 - 60 طبعة مصطفى محمد.

ص: 195

2 -

اشتراط ما يقتضيه العقد اذا شرط فى العقد شرطا يقتضيه العقد، كان العقد صحيحا.

ومن أمثلته فى البيع: أن يشترط تسليم المبيع للمشترى والقيام بالعيب ورد العوض عند انتقاض البيع فهذه الأمور لازمة دون شرط لاقتضاء العقد لها فشرطها تأكيد

(1)

.

وفى النكاح: أن يشترط أن ينفق على الزوجة أو يكسوها أو يبيت عندها أو يقسم لها أو لا يؤثر عليها، أولا يضربها فى نفقة أو كسوة ولا فى عشرة

(2)

.

3 -

شرط لا يقتضيه العقد ولا ينافيه ومن أمثلته:

اشتراط رهن أو كفيل: جاء فى الخرشى «يصح البيع مع اشتراط رهن أو كفيل أو أجل مثل أن يبيعه السلعة على رهن أو كفيل أو الى أجل معلوم، أو على خيار أو نحوه، وليس فى ذلك فساد ولا كراهية، لأن ذلك كله مما يعود على البيع بمصلحته ولا معارض له من جهة الشرع، ولأنه لا يناقض مقتضى العقد ولا يخل بالثمن

(3)

.

وفى القراض جاء فى الخرشى: لو دفع المال للعامل وطلب منه ضامنا يضمنه فيما يتلف بتعديه، فينبغى جوازه كما نقله الزرقانى عن بعض شيوخه

(4)

.

وفى القرض: ولو اشترط فى البيع أو القرض رهن معين فانه يلزم المشترى أو المقترض أن يدفعه له، لأن المؤمن عند شرطه فان وقع البيع أو القرض على شرط رهن غير معين، فانه يلزم المشترى أو المقترض أن يأتى برهن فيه وفاء للدين وجرت العادة فى ذلك المحل بارتهانه

(5)

.

اشتراط منفعة معلومة فى المعقود عليه:

اذا اشترط البائع لنفسه منفعة يسيرة لا تعود بمنع التصرف فى أصل المبيع فانه يصح البيع والشرط، كما لو باع الدار واشترط سكناها مدة يسيرة مثل الشهر، وقيل السنة وذلك استنادا الى حديث جابر، فقد جاء فى الصحيح أن جابرا باع ناقة لرسول الله صلى عليه وسلم واشترط حلابها وظهرها للمدينة

(6)

.

اشتراط عمل فى المعقود عليه أو فى غيره:

جاء فى الشرح الصغير يجوز اجتماع اجارة مع بيع صفقة واحدة، سواء كانت الاجارة فى نفس المبيع كشرائه ثوبا أو جلودا على أن يخيطه أو يخرزها البائع بكذا أو فى غيره كشرائه ثوبا بدراهم معلومة على أن ينسج له ثوبا آخر

(7)

.

وفى المساقاة: يجوز فى المساقاة اشتراط عصر الزيتون على أحدهما.

(1)

نفس المرجع ج 3 ص 65.

(2)

الالتزامات للحطاب ج 1 ص 232.

(3)

الخرشى ج 2 ص 438.

(4)

الخرشى ج 4 ص 422.

(5)

الخرشى ج 4 ص 160.

(6)

بداية المجتهد ونهاية المقتصد ج 2 ص 160 والشرح الكبير للدسوقى ج 3 ص 65.

(7)

الشرح الصغير ج 2 ص 235 طبعة المطبعة الأدبية بمصر.

ص: 196

فان لم يكن مشروطا على أحدهما كان عصره عليهما معا اذا كان العرف جاريا بقسمه بعد عصره.

كما يجوز أن يشترط على العامل ما قل من الأعمال كاصلاح الحائط وكنس عين واصلاح ضفيرته (وهى الموضع الذى يجتمع فيه الماء لسقى الحائط كالصهريج) وشد حظيرة الحائط (أى الزرب بأعلى الحائط لمنع التسور) وذلك لكونه يسيرا ولجريان العادة باشتراط ذلك عليه، لأن ذلك لا يبقى فى الحائط. بعد انقضاء مدة المساقاة غالبا .. وكذلك يجوز اشتراط عمل ما قل على العامل

(1)

كالناطور ونحوه

(2)

.

اشتراط عتق العبد المبيع أو هبته أو وقفه:

يجوز اشتراط تنجيز عتق العبد المبيع، وان كان الشرط منافيا لمقتضى العقد، نظرا لتشوف الشارع للحرية، ومثل تنجيز العتق التحبيس والهبة والصدقة.

أما التدبير والكتابة واتخاذ الأمة أم ولد والعتق لأجل فانه لا يجوز ويفسد البيع

(3)

.

القسم الثانى: الشروط الباطلة: وهذه الشروط ثلاثة أنواع: شروط باطلة تبطل التصرف: وأخرى باطلة تبطل التصرف الا اذا أسقط المشترط شرطه، وثالثة تبطل ويصح التصرف.

النوع الأول: شروط باطلة تبطل التصرف.

وهى: (أ) اشتراط أمر محظور: اذا اقترن العقد بشرط محظور بطل العقد ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: ما اذا باع أمة رفيعة واشترط على المشترى ألا يمنعها الدخول والخروج أو اشترط كونها مغنية، أو باع دارا واشترط اتخاذها مجمعا لأهل الفساد، فالشرط حرام والبيع به فاسد، واذا فسد البيع بالشرط الحلال المؤثر فى الثمن جهلا، فأحرى أن يفسد بالشرط الحرام المؤثر فى الثمن كالمثال الأول، والثالث من هذا القسم

(4)

فلا فرق فى الشرط الحرام بين كونه مؤثرا فى الثمن أولا.

2 -

فى القرض: وحرم اشتراط ما يجر منفعة للمقرض فلا يجوز سلف شاة مسلوخة، ليأخذ كل يوم كذا وكذا، ومثله من يدفع قدرا معينا من الدقيق لخباز فى قدر معين من الخبز على أن يأخذ منه كل يوم قدرا معينا. وكذا اذا أسلفه طعاما عفنا بشرط أن يأخذ منه طعاما سالما .. أو يسلفه دقيقا فى بلد بشرط أن يأخذ مثله فى بلد آخر ولو كان للحاج لما فيه من تخفيف مؤنة حمله .. لأنه سلف يجر منفعة فلا يجوز

(5)

.

(ب) شرط يؤدى الى غرر، ومن أمثلته.

(1)

الناطور حافظ الكرم والنخل والمقاتة.

(2)

الخرشى ج 4 ص 449 والشرح الكبير ج 3 ص 544 - 545.

(3)

الشرح الكبير ج 3 ص 66.

(4)

الاتقان والأحكام شرح تحفة الحكام لابن عاصم ج 1 ص 280، 281.

(5)

الخرشى ج 4 ص 141.

ص: 197

1، 2: فى البيع والاجارة: ما اذا باع شيئا (ومثله الاجارة) واشترط على المشترى أن يكون الثمن أن ينفق على البائع مدة حياته، فان العقد يفسد للغرر، لعدم علم مدة حياته، ورجع المشترى على البائع بقيمة ما أنفق ان كان مقوما أو مثليا مجهول القدر، كما اذا كان فى عيال المشترى أو مثله ان علم المثلى، بأن دفع اليه قدرا معلوما من طعام أو دنانير أو دراهم .. ورد المبيع.

وكعسيب فحل يستأجر على عقوق الأنثى حتى تحمل فانه يفسد العقد للجهالة، لأنها قد لا تحمل.

وجاز زمان كيوم ويومين أو مرات كمرتين أو ثلاث بكذا فان حملت وعلامتها أعراضها عن الفحل - انفسخت الاجارة فيهما وعليه بحساب ما انتفع

(2)

.

3 -

فى الهبة: جاء فى الخرشى ومن وهب شخصا نخلا واستثنى الواهب لنفسه ثمرتها سنين معلومة، وشرط على الموهوب له السقى للنخل فى تلك السنين، فهذا لا يجوز، لأنه مخاطرة وبيع معين يتأخر قبضه، لأن سقيه للنخل خرج مخرج المعاوضة، ولأنه كمن باع نخلا واستثنى ثمرتها أعواما معينة واشترط على المشترى سقيها فى تلك الأعوام فهذا لا يجوز، لأنه غرر ولانه لا يدرى ما يصير النخل اليه بعد تلك الأعوام، فهو من باب أكل أموال الناس بالباطل

(3)

.

4 -

فى السلم: اذا أسلم فى رطب حائط (بستان) معين صغير ووقع العقد على معيار معين مثل: خذ هذا الدينار سلما على قنطار من ثمر هذا الحائط، واشترط عليه أن يبقى على أصوله حتى يصير تمرا، فان العقد يكون فاسدا لبعد ما بين التمر والرطب فيدخله الخطر ولقلة أمن الجوائح فيه، فان قبضه ولو قبل تتمره - مضى ولا فرق بين كون الشرط صريحا أو التزاما كما لو شرط فى كيفية قبضه أياما يصير فيها تمرا

(4)

.

النوع الثالث: شرط يناقض مقتضى العقد، ومن أمثلته:

1 -

فى عقد النكاح: ما لو تزوجها على شرط ألا تأتيه الزوجة أو ألا يأتيها هو الا نهارا فقط، أو ليلا فقط فانه يفسخ النكاح قبل الدخول فقط لا بعده، وذلك لأنه شرط يناقض مقتضى النكاح ولما فيه من الخلل فى الصداق، ولذا ثبت بعد الدخول بصداق المثل، لأن الصداق يزيد وينقص بالنسبة لهذا الشرط، وكذا الحكم لو اقترن النكاح بشرط خيار يوما أو أكثر لأحد الزوجين أو لهما معا، أو لأجنبى، الا خيار المجلس فانه يجوز اشتراطه.

وكذا يفسخ النكاح قبل الدخول لا بعده ان وقع على شرط أنه ان لم يأت بالصداق لوقت كذا فلا نكاح وجاء به فى الوقت المذكور أو قبله فان لم يأت به فيه فسخ أبدا.

(1)

نفس المرجع ج 5 ص 113.

(2)

الشرح الكبير ج 3 ص 57 - 58.

(3)

نفس المرجع ج 5 ص 113.

(4)

الخرشى ج 4 ص 129 والشرح الكبير ج 3 ص 212.

ص: 198

وكذا نكاح الشغار كما لو قال تزوجنى بنتك بكذا على أن أزوجك ابنتى بكذا يفسخ قبل البناء ويثبت بعده بصداق المثل ككل نكاح فسد لخلل فى صداقه.

وكذا لو وقع النكاح على شرط ألا يقسم بينها وبين ضرتها فى المبيت أو على شرط أن يؤثر عليها ضرتها، بان يجعل لضرتها جمعة أو أقل، أو أكثر تستقل بها عنها.

أو شرطت عند تزوجها بمحجور عليه أن نفقة زوجها المحجور لصغره أو لرقه على وليه - أبيه أو سيده - فانه شرط مناقض، لأن الأصل أن نفقة الزوجة على زوجها فشرط خلافه مضر، أو شرط الزوج أن نفقته عليها، فانه شرط مخل.

وكذا لو شرطت أن ينفق على ولدها أو على أبيها أو على أن أمرها بيدها متى أحبت، فيفسخ قبل الدخول فى الجميع ويثبت بعده بصداق المثل وألغى الشرط المناقض، لأن كل شرط خالف كتاب الله تعالى وسنة رسوله فهو لاغ وباطل

(1)

.

2 -

الرهن: اذا شرط الراهن فى الرهن شرطا ينافى حكم الرهن، فانه لا يجوز، ويفسد الرهن بسبب ذلك الشرط كما اذا شرط ألا يقبضه المرتهن، أو ألا يباع عند الأجل فى الحق الذى رهن فيه، أو شرط الراهن أجلا معينا وبعده لا يكون رهنا، أو شرط ألا يكون الولد رهنا مع أمه فانه يبطل الرهن، ولو أسقط المشترط الشرط، وذلك لأن اشتراط شرط مناف لمقتضى عقد الرهن يبطله، بخلاف البيع، فانه اذا أسقط هذا الشرط فيه صح البيع.

والفرق بينهما ان القبض والبيع - أى عند حلول الأجل - كل منهما مأخوذ جزءا من حقيقة الرهن، فالشرط المناقض لهما شرط مناقض للحقيقة، وأما شرط عدم التصرف فى المبيع

فهو مناقض لما يترتب على البيع وليس مناقضا لنفس حقيقته

(2)

.

3 -

الصلح: اذا اقترن الصلح عن مال بمال بشرط ينافى مقتضاه بطل، كما لو صالح عن عبد بثوب بشرط ألا يلبسه أو لا يبيعه أو بشئ مجهول أو لأجل مجهول فانه لا يصح

(3)

.

4 -

الشركة: تفسد شركة المفاوضة اذا وقعت بشرط التفاوت فى الربح، كما لو أخرج أحدهما عشرين دينارا مثلا، والآخر عشرة وشرطا التساوى فى الربح والعمل، فان وقع ذلك وعثر عليه قبل العمل، فان عقد الشركة يفسخ، وبعد العمل يقسم الربح على قدر المالين فيرجع صاحب العشرين بفاضل الربح وهو سدسه، وينزعه من صاحب العشرة ان كان قبضه، ليكمل له ثلثاه، ويرجع صاحب العشرة بفاضل عمله فيأخذ سدس أجرة المجموع

(4)

.

وتفسد الشركة فى العمل اذا اشترط فيها الغاء الغيبة الكثيرة أو المرض ويكون ما اجتمعا

(1)

الشرح الصغير ج 1 ص 334 - 335.

(2)

الخرشى ج 4 ص 153 - 154.

(3)

الشرح الكبير ج 3 ص 309 - 310.

(4)

الخرشى ج 4 ص 261.

ص: 199

فيه بينهما، وما انفرد به أحدهما يكون له على انفراده

(1)

.

5 -

القسة: اذا اقتسم القوم دارا، أو ساحة أو سفلا أو علوا بينهم بشرط ألا مخرج لأحدهم على الآخر، فانه لا يجوز قسمهم هذا سواء كانت بالقرعة أو بغيرها، لأن هذا ليس من قسم المسلمين.

ومحل المنع اذا لم يكن لصاحب الحصة الذى ليس له فى المخرج شئ ما يمكن أن يجعل له فيه مخرجا.

وظاهره المنع ولو تراضيا بعد العقد على المخرج لوقوع العقد فاسدا ابتداء فلا ينقلب صحيحا

(2)

.

6 -

القراض: يكون القراض فاسدا اذا اشترط فيه ما ينافى مقتضاه.

جاء فى الخرشى «يكون القراض فاسدا اذا اشترط رب المال على العامل أن يضمن المال اذا تلف أى رأس المال، لأن ذلك ليس من سنة القراض، وله قراض المثل اذا عمل ولم يعمل بالشرط اذا تلف المال.

وأما لو دفع المال للعامل وطلب منه ضامنا يضمنه فيما يتلف بتعديه فينبغى جوازه.

وكذلك يكون القراض فاسدا فيما اذا دفع مالا لآخر على النصف مثلا على أن يشترى عبد فلان، ثم يشترى بعد ما يبيعه بثمنه ثانيا فهو أجير فى شرائه وبيعه فله أجر مثله فى توليه، وله قراض مثله فى ربحه.

وكذا يكون القراض فاسدا اذا عين رب المال للعامل نوعا وكان ذلك النوع فى نفسه يقل وجوده سواء خالف واشترى سواه أو لم يخالف واشتراه.

قال مالك لا ينبغى أن يقارض رجلا على ألا يشترى الا البزالا أن يكون موجودا فى الشتاء والصيف فيجوز ثم لا يعدوه الى غيره.

قال الباجى: فان كان يتعذر لقلته لم يجز وان نزل فسخ

(3)

.

وكذا يفسد القراض اذا اشترط رب المال على العامل أن تكون يده معه فى البيع والشراء والأخذ والعطاء فيما يتعلق بالقراض لما فيه من التحجير ويرد العامل فيه الى أجرة مثله.

وكذا الحكم لو اشترط العامل يدرب المال.

وكذا اذا اشترط رب المال على العامل ألا يبيع شيئا من سلع القراض ولا يشترى شيئا للقراض ولا يأخذ ولا يعطى للقراض الا بمراجعته، أو اشترط رب المال أمينا على العامل، لأنه خرج بذلك عن سنة القراض، ويرجع العامل الى أجرة مثله لأنه لم يأتمنه على القراض

(4)

. أو اشترط رب المال عمل يد العامل كما اذا اشترط عليه أن يخيط ثيابا أو يخرز نعالا وما أشبه ذلك، أو يشارك بمال من عند العامل أو اشترط عليه أن يشارك

(1)

الخرشى ج 4 ص 270.

(2)

الخرشى ج 4 ص 409.

(3)

الخرشى ج 4 ص 422.

(4)

نفس المرجع ج 4 ص 423.

ص: 200

غيره .. أو يشترط عليه أن يخلط المال بماله أو بمال قراض عنده

(1)

.

7 -

المساقاة: تفسد المساقاة اذا اشترط فيها شرط يخالف مقتضاها، جاء فى الخرشى:

«فان لم يتحقق شرط من شروط صحة المساقاة فسدت، كاشتراط رب الحائط البياض اليسير (الأرض الخالية من الشجر أو الزرع) ليعمل فيه لنفسه، فانه لا يجوز، لأن سقى العامل للأرض ينال هذا البياض، فهى زيادة اشترطها على العامل، ولذا لو كان بعلا، أو كان يسقى بماء الحائط فانه يجوز لربه اشتراطه، وأما ان كان البياض كبيرا فلا يجوز أن يدخلا فى المساقاة، ويبقى لرب الحائط ولا يجوز أن يشترطه العامل لنفسه أيضا.

واذا كانت المساقاة على زرع وفيه نخل يسير تبع، فان النخل يدخل فى عقد المساقاة لزوما، ولا يجوز اشتراطه للعامل ولا لرب الأرض، لأن السنة انما وردت بالغاء البياض لا بالغاء الشجر

(2)

.

8 -

المزارعة: وتفسد المزارعة أيضا اذا اشترط فيها شرط يخالف مقتضاها

(3)

.

9 -

الجعل: اذا اقترن الجعل بشرط يخالف مقتضاه فسد، جاء فى الخرشى «ومن شروط صحة الجعل ألا يشترط النقد فيه، فان شرط النقد فسد العقد، سواء حصل نقد بالفعل أم لا، لدوران الجعل حينئذ بين الثمنية ان وجد الآبق وأوصله الى ربه، والسلفية ان لم يوصله الى ربه بأن لم يجده أصلا، أو وجده وهرب منه فى الطريق

(4)

.

ولو وقع الجعل على بيع سلع كثيرة، أو على شرائها على شرط ألا يأخذ شيئا من جعله الا أن باع أو اشترى الجميع فلا يجوز، والعرف كالشرط، وأما لو دخلا على أنه له بحساب ما باع أو ابتاع لجاز.

لا يقال: الجعالة لا يستحق العامل فيها شيئا الا بانتهاء العمل فالعقد مقتض للشرط.

لأنا نقول: كثرة السلع بمثابة عقود متعددة، وهو يستحق جعله فى كل عقدة بانتهاء عمله فيها، وحينئذ، فالشرط مناف لمقتضى العقد

(5)

.

10 -

الوقف: جاء فى الخرشى: ولو وقف على بنيه وبناته وشرط أن من تزوجت من البنات لا حق لها فى الوقف وتخرج منه، فانه يكون باطلا أيضا

(6)

.

النوع الثانى: شروط باطلة تبطل التصرف الا اذا أسقطها المشترط. وهذا النوع يشمل الشروط الآتية:

1 -

شرط يناقض المقصود من البيع: اذا اشترط فى البيع شرط يناقض المقصود من البيع، كأن يشترط البائع على المشترى ألا يبيع

(1)

الخرشى ج 4 ص 423 - 424.

(2)

الخرشى ج 4 ص 447.

(3)

نفس المرجع ج 4 ص 283.

(4)

الخرشى ج 5 ص 62.

(5)

نفس المرجع ج 5 ص 63.

(6)

نفس المرجع ج 5 ص 82.

ص: 201

الشئ المبيع لأحد أصلا، أو الا من نفر قليل، أو لا يهبه أو لا يتخذها أم ولد أو لا يخرج بها من البلد أو لا يركبها أو لا يلبسها أو لا يسكنها أو لا يؤاجرها، أو على أنه ان باعها فهو أحق بها بالثمن فان البيع لا يصح الا اذا أسقط المشترط شرطه وكان المبيع قائما

(1)

.

2 -

اشتراط ما يخل بالثمن فى البيع: اذا اشترط فى البيع شرط يؤدى الى الاخلال بالثمن كبيع وشرط سلف فانه يبطل الا اذا أسقط المشترط شرطه، وكانت السلعة قائمة، فانه يصح حينئذ لزوال المانع على المشهور فى المذهب.

والشرط الذى يخل بالثمن هو الذى يؤدى الى جهل فيه بزيادة ان كان شرط السلف من المشترى، أو نقص ان كان من البائع، لأن الانتفاع بالسلف من جملة الثمن أو المثمن وهو مجهول، أو لما فيه من سلف جر نفعا، وأما جمعهما من غير شرط فجائز على المعتمد

(2)

.

3 -

شرط فى الهبة يؤدى الى غرر: جاء فى الخرشى «ولا يجوز للشخص أن يدفع فرسا لمن يغزو عليه سنين معلومة بشرط أن ينفق عليه المدفوع اليه من عنده فى تلك السنين ويكون له بعد الأجل ولا يبيعه الا بعد الأجل، لأنه باع الفرس بالنفقة عليه تلك السنين، ولا يدرى هل يسلم الفرس الى ذلك الأجل أم لا، فتذهب نفقته باطلا، فهذا غرر ومخاطرة

وقوله لا يبيعه أى لا يملكه الا بعد الأجل، أعم من البيع، وينبغى اذا أسقط الشرط صح، واذا وقع ونزل فان اطلع على ذلك قبل مضى الأجل خير رب الفرس، اما أن يسقط الشرط وتكون الفرس لمن أعطيت له، أو يأخذه منه ويؤدى للرجل ما أنفق عليه وان مضى الأجل كانت الفرس للآخر بتلا، ولا قيمة عليه

(3)

.

النوع الثالث: شروط باطلة تسقط ويصح العقد:

1 -

اشتراط البراءة من العيوب أو من الاستحقاق: لا يجوز اشتراط البراءة من العيب الذى يوجد فى المبيع، الا فى الرقيق، ولا يجوز فى غيره.

فاذا باع عرضا أو حيوانا غير رقيق على البراءة من العيوب، بطل الشرط وصح البيع فاذا أطلع على عيب قديم كان له رده، ولا عبرة بشرط البراءة.

بخلاف الرقيق اذا بيع على البراءة ثم أطلع المشترى على عيب فلا رد له.

وانما تجوز البراءة فى الرقيق اذا طالت اقامته عند البائع وأن يجهل البائع العيوب التى تبرأ

(4)

منها. وكذلك اذا باع سلعة بشرط ألا عهدة عليه عند استحقاق المبيع فانه يسقط الشرط ويصح البيع فاذا استحق المبيع فله الرد على البائع لأنه اسقاط للشئ قبل وجوبه

(5)

.

(1)

الشرح الكبير ج 3 ص 65 - 67.

(2)

الشرح الكبير ج 3 ص 66 - 67.

(3)

الخرشى ج 5 ص 113.

(4)

الشرح الكبير ج 3 ص 112، ص 119.

(5)

الخرشى ج 4 ص 39.

ص: 202

2 -

اشتراط الولاء لغير المعتق، اذا باع شخص عبدا أو أمة واشترط على المشترى أنه متى عتق كان الولاء له دون المشترى، صح البيع وبطل الشرط، لحديث عائشة رضى الله عنها: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أشترى بريرة وأعتقها، وان اشترط أهلها الولاء فان الولاء لمن أعتق، فجاز البيع، وبطل الشرط

(1)

.

3 -

اشتراط ما يخالف مقتضى العقد فى التصرفات الآتية:

(أ) الوديعة: (انظر مصطلح وديعة) اذا اشترط فى الوديعة ما يخالف مقتضاها بطل الشرط.

جاء فى الخرشى «لا ضمان على المودع اذا شرط رب الوديعة عليه ضمانها اذا تلفت فى محل لا ضمان عليه، ولا يعمل بشرطه، لأن الوديعة من الأمانات فشرط ضمانها يخرجها عن حقيقتها ويخالف ما يوجبه الحكم

(2)

.

وكذا اذا شرط المودع على رب الوديعة عند أخذها ألا يمين له فى دعوى التلف أو الرد فان ذلك لا يفيده لأن هذا شرط يؤكد التهمة

ولأن اليمين ينظر فيها حين وجوب تعلقها فمشترط سقوطها كمشترط سقوط أمر قبل وجوبه

(3)

.

(ب) الوقف (انظر مصطلح وقف) لو اشترط الواقف على الناظر ان يسلم الناظر اليه غلة الوقف ليأكلها، لا يصح الشرط بل يلغى ويصح الوقف

بخلاف ما لو اشترط عليه أن يسلمها اليه ليصرفها الواقف على مستحقيها فانه يصح

(4)

.

وكذا اذا اشترط الواقف أن يكون اصلاح الوقف على مستحقة يبطل الشرط ويصح الوقف، لأنه كراء مجهول .. وتكون مرمته من غلته ..

وكذا من وقف أرضا مثلا عليها توظيف، واشترط أن يؤخذ ذلك التوظيف من المحبس عليه، لا من غلة الوقف فان الشرط يكون باطلا والوقف صحيح.

وأما لو شرط أن مرمتها من غلتها وأن ما عليها من التوظيف من غلتها فان ذلك جائز، وهو المشهور واليه أشار بالأصح.

وقيل: لا يجوز ..

وكذلك لا يجوز اتباع شرط الواقف عدم البداءة باصلاح ما انثلم من الوقف .. لأنه يؤدى الى بطلان الوقف من أصله، بل يبدأ بمرمة الوقف واصلاحه، لأن فى ذلك البقاء لعين الوقف والدوام لمنفعته

(5)

.

(ج) العارية جاء فى الشرح الكبير «وضمن المستعير ما يغاب عليه - وهو ما يمكن اخفاؤه، كالثياب والحلى .. الا لبينة على تلفه أو ضياعه بلا سببه ..

(1)

بداية المجتهد ج 2 ص 159 والشرح الكبير ج 3 ص 65، ج 4 ص 369.

(2)

الخرشى ج 4 ص 328.

(3)

نفس المرجع ج 4 ص 333.

(4)

الشرح الكبير ج 4 ص 70.

(5)

الخرشى ج 5 ص 93.

ص: 203

واذا شرط المستعير نفى ضمان ما يغاب عليه فهل يضمن المستعير أو لا يضمن؟ تردد فى النقل عن المتقدمين.

فقيل: يضمن، لأن الشرط يزيده تهمة، ولأنه من اسقاط الحق قبل وجوبه فلا يعتبر.

وقيل: لا يضمن، لأنه معروف من وجهين:

العارية معروف، واسقاط الضمان معروف آخر، ولأن المؤمن عند شرطه.

وعزا الرأى الأول (فى العتبية) لابن القاسم وأشهب.

وعزا اللخمى والمازرى الرأى الثانى لابن القاسم أيضا.

وعلى كلا القولين لا يفسد عقد العارية بذلك الشرط.

وقيل: ان شرط نفى الضمان اذا كان مما يغاب عليه يفسد العقد، ويكون للمعير أجرة ما أعاره.

أما اذا كان الشئ المعار مما لا يغاب عليه كالحيوان والعقار، فلا يضمنه المستعير ولو اشترط عليه المعير ذلك، لأن عدم ضمانه بطريق الأصالة، وحينئذ فلا ينتفع المعير بشرطه.

وانما جرى قول مرجح فى العمل بالشرط فيما يغاب، عليه دون غيره، لأن الشرط فى الأول من المعروف دون الثانى

(1)

(انظر مصطلح عارية).

‌مذهب الشافعية:

القسم الأول: الشروط الصحيحة وهى:

النوع الأول: اشتراط صفة قائمة بمحل العقد وقت التعاقد، ومن أمثلتها:

1 -

فى البيع: جاء فى مغنى المحتاج:

ولو شرط أن الأمة المبيعة بكر، أو صغيرة أو مسلمة فبان خلاف ذلك فله الرد، لخلف الشرط.

وكذا لو شرط كون الرقيق المبيع كاتبا أو خبازا أو نحو ذلك من الأوصاف المقصودة فبان خلافه، فانه يثبت له الخيار لفوات فضيلة ما شرطه.

ولو شرط أنها ثيب فخرجت بكرا، لم ترد، لأنها أكمل مما شرط.

وقيل: ترد لأنه قد يكون له فى ذلك غرض كضعف آلته أو كبر سنه وقد فات عليه.

ولو شرط أن الرقيق كافر، أو فحل، أو مختون، أو خصى، فخرج مسلما فى الأولى، أو خصيا فى الثانية، أو أقلف فى الثالثة، أو فحلا فى الرابعة، ثبت له الرد، لاختلاف الأغراض بذلك، اذ فى الكافر مثلا فوات كثرة الراغبين، اذ يشتريه الكافر والمسلم بخلاف المسلم والخصى ..

فلو شرط كونه أقلف، فبان مختونا، لم يثبت له الرد، اذ لم يفت بذلك غرض

(1)

الشرح الكبير ج 3 ص 436.

ص: 204

مقصود، الا ان كان الأقلف مجوسيا بين مجوس يرغبون فيه بزيادة فيثبت له بذلك الرد.

ولو شرط كونه فاسقا، أو خائنا، أو أميا، أو أحمق، أو ناقص الخلقة، فبان خلافه لم يثبت له الرد، لأنه خير مما شرط.

ولو شرط كون الأمة يهودية، أو نصرانية فبانت مجوسية أو نحوها، ثبت له الرد، لفوات حل الوط ء، بخلاف ما لو شرط كونها يهودية فبانت نصرانية أو بالعكس.

ولو اشترى ثوبا على أنه قطن، فبان كتانا، لم يصح الشراء لاختلاف الجنس

(1)

» ..

وان شرط وصفا يقصد ككون الدابة حاملا أو لبونا، صح العقد مع الشرط، لأنه شرط يتعلق بمصلحة العقد وهو العلم بصفات المبيع التى تختلف بها الأغراض، ولأنه التزم موجودا عند العقد. ولا يتوقف التزامه على انشاء أمر مستقبل، فلا يدخل فى النهى عن بيع وشرط، وان سمى شرطا تجوزا، فان الشرط لا يكون الا مستقبلا، ويكفى فى الصفة المشروطة ما يطلق عليها الاسم.

نعم لو شرط حسن خط العبد المبيع فان كان غير مستحسن فى العرف فله الخيار والا فلا قاله المتولى.

وفى قول: يبطل العقد بالشرط لا بالخلف، لأنه شرط معها شيئا مجهولا، فأشبه ما لو قال: بعتكها وحملها.

وأجاب أصحاب الرأى الأول بأن المقصود الوصف به لا ادخاله فى العقد، لأنه داخل عند الاطلاق ..

أما مالا يقصد من العيوب كالزنا والسرقة فانه لا خيار بفواته، بل ان كان من البائع فهو بيان للعيب، وان كان من المشترى فهو فى حكم الرضا بالعيب

(2)

..

(انظر مصطلح بيع).

2 -

فى النكاح: جاء فى مغنى المحتاج: لو تزوج امرأة واشترط فى العقد كونها مسلمة، أو اشترط فى الزوج أو الزوجة نسب أو حرية أو غيرهما مما لا يمنع عدمه صحة النكاح من صفات الكمال كبكارة وشباب، أو صفات النقص كضد هذا، أو ما ليس بصفة كمال ولا نقص، كطول وبياض وسمرة، فان أخلف المشروط فالأظهر صحة النكاح ان وجدت شرائط الصحة، لأن الخلف فى الشرط لا يوجب فساد البيع مع تأثره بالشروط الفاسدة فالنكاح أولى.

(1)

مغنى المحتاج شرح متن المنهاج ج 2 ص 52 - 53 باب الخيار.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 34.

ص: 205

والرأى الثانى يبطل النكاح، لأن النكاح يعتمد الصفات فتبدلها كتبدل العين ..

وعلى القول بصحة النكاح ان بان الموصوف بالشرط خيرا مما شرط فيه، كشرط كونها كتابية أو أمة أو ثيبا، فبانت مسلمة فى الأولى، أو حرة فى الثانية، أو بكرا فى الثالثة، أو اشترطت فى الزوج أنه عبد فبان حرا فلا خيار فى ذلك، لأنه أفضل وان بان دون المشروط كأن شرط فيها أنها حرة فبانت أمة، وهو ممن يحل له نكاحها، وقد أذن السيد فى نكاحها، أو شرط فيه أنه حر فبان عبدا والزوجة حرة، وقد أذن له السيد فى النكاح فلها الخيار الخلف، فان رضيت فلأوليائها الخيار ان كان الخلف فى النسب لفوات الكفاءة، ومثله خلف شرط نسب الزوجة.

ولكن الأظهر فى الروضة والشرح الصغير وقضية ما فى الكبير، وهو المعتمد: أنه اذا ساواها فى النسب أو زاد عليها أنه لا خيار لها، وان كان دون المشروط وجرى عليه فى الأنوار، وجعل العفة كالنسب، وكذلك الحرية وكذا له الخيار فى الأصح اذا لم يزد نسبها على نسبه ولم يساوه على الخلاف فى جانبه للغرر فلكل منهما الفسخ ولو بغير قاض كما قاله البغوى، وان بحث الرافعى أنه يكون كعيب النكاح.

والرأى الثانى: لا خيار له لتمكنه من الفسخ

(1)

بالطلاق (انظر مصطلح نكاح).

النوع الثانى: اشتراط ما يقتضيه العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط أحد المتعاقدين على الآخر شرطا يقتضيه العقد، كاشتراط القبض أو الرد بعيب، أو الرجوع بالعهدة، أو انتفاع المشترى بالمبيع كيف شاء، أو اشترط خيار المجلس فان هذا الشرط لا يفسد العقد، ويكون شرطه توكيدا وبيانا لمقتضى العقد.

وكذا لو شرط البائع بموافقة المشترى حبس المبيع بثمن فى الذمة حتى يستوفى الثمن الحال لا المؤجل، وخاف فوت الثمن بعد التسليم، ولم يقل بالبداءة بالبائع فى التسليم، صح، لأن حبسه من مقتضيات العقد، بخلاف ما اذا كان مؤجلا أو حالا ولم يخف فوته بعد التسليم، لأن البداءة حينئذ بالتسلم للبائع

(2)

. انظر مصطلح بيع).

2 -

فى النكاح: اذا اشترط فى هذا العقد ما يوافق مقتضاه كما لو شرط

(1)

مغنى المحتاج ج 3 ص 195 (باب الخيار).

(2)

مغنى المحتاج ج 2 ص 33 والمجموع شرح المهذب ج 9 ص 364.

ص: 206

أن ينفق عليها أو يقسم لها، فان النكاح صحيح، والشرط صحيح، لأنه مما يقتضيه العقد، فشرطه

(1)

تأكيد (انظر مصطلح نكاح).

3 -

الرهن: وكذا اذا اشترط فى الرهن ما يوافق مقتضاه، كما لو اشترط تقدم المرتهن بالمرهون عند تزاحم الغرماء ليستوفى منه دينه

(2)

. صح الرهن (انظر مصطلح رهن).

النوع الثالث: شرط يحقق مصلحة مشروعة للعاقد: اذا اشترط فى العقد شرط يحقق مصلحة مشروعة للعاقد صح العقد والشرط.

ومن أمثلته: فى البيع اذا اشترط فى البيع أجل معين، أو رهن، أو كفيل بالثمن أو بالمبيع، أو اشترط الاشهاد صح البيع والشرط معينان.

أما الأجل فلقوله تعالى «إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى» أى معين، نعم التأجيل بما يستبعد بقاء الدنيا اليه كألف سنة فاسد، كما قاله فى زوائد الروضة.

وأما الرهن والكفيل، فللحاجة اليهما فى مقابلة من لا يرضى الا بهما.

والتعيين فى الرهن بالمشاهدة أو الوصف بصفات السلم (انظر مصطلح سلم).

وفى الكفيل بالمشاهدة أو بالاسم والنسب.

ويشترط أن يكون المرهون غير المبيع، فان شرطا رهنه لم يصح سواء اشترط أن يرهنه اياه بعد قبضه أم قبله، لأنه لم يدخل فى ملك المشترى الا بعد الشرط، فان رهنه بعد قبضه بلا شرط صح، وأما اشتراط الاشهاد على الثمن أو المثمن سواء المعين وما فى الذمة فلعموم قوله تعالى «وأشهدوا اذا تبايعتم» وللحاجة اليه.

ولا يشترط تعيين الشهود فى الأصح، لأن المقصود ثبوب الحق وهو يثبت بأى عدول كانوا.

والرأى الثانى: يشترط التعيين كما فى الرهن والكفيل، فان لم يشهد من شرط عليه الاشهاد، كأن مات قبله أو لم يرهن الشئ الذى اشترط رهنه كأن تلف المرهون أو أعتقه مالكه أو دبره.

أو بان معيبا قبل القبض، أو لم يتكفل المعين كان مات قبله، فالبائع الخيار ان شرط له، وان شرط للمشترى فله الخيار اذا فات المشروط من جهة البائع لفوات المشروط، والخيار على الفور، لأنه خيار نقص ولا يجبر من شرط عليه ذلك على القيام بما شرط لزوال الضرر بالفسخ، ولا يقوم غير المعين مقامه اذا تلف ولا خيار له ان تعيب بعد القبض الا ان استند الى سبب سابق جهله كردة وسرقة سابقتين

(3)

.

(1)

مغنى المحتاج ج 3 ص 212.

(2)

مغنى المحتاج ج 2 ص 115.

(3)

مغنى المحتاج ج 2 ص 31 - 32.

ص: 207

وكذلك يجوز اشتراط الخيار (انظر مصطلح خيار) مدة معلومة متصلة بالعقد المشروط فيه الخيار متوالية لا تزيد على ثلاثة أيام، لأن الأصل امتناعه، لكونه مخالفا لوضع البيع، فان الخيار يمنع نقل الملك أو لزومه.

وقد ثبت فى الثلاث بما روى فى الصحيحين عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما ان رجلا من الأنصار كان يخدع فى البيوع، فشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له اذا بايعت فقل لا خلابة، وفى رواية: فقل لا خلابة وأنت بالخيار فى كل سلعة ابتعتها ثلاث ليال».

فثبت خيار المشترى بالنص، والحق به البائع بالقياس عليه، فبقى ما زاد على الأصل

(1)

ممنوعا.

اشتراط البراءة من العيوب فى المبيع:

ولو باع حيوانا أو غيره بشرط براءته من العيوب فى المبيع، أو قال بعتك على ألا ترد بعيب، فالأظهر أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان، لم يعلمه البائع دون غيره .. فلا يبرأ عن عيب بغير الحيوان كالثياب والعقار مطلقا، ولا عن عيب ظاهر بالحيوان، علمه أم لا، ولا عن عيب باطن بالحيوان علمه، والمراد بالباطن مالا يطلع عليه غالبا.

والقول الثانى: يبرأ عن كل عيب عملا بالشرط.

والقول الثالث: لا يبرأ عن عيب ما للجهل بالمبرأ منه، وهو القياس.

وانما خرج منه على القول الأول صورة من الحيوان لما رواه مالك فى الموطأ، أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما باع غلاما بثمانمائة درهم وباعه بالبراءة، فقال الذى ابتاعه وهو زيد بن ثابت، لعبد الله بن عمر، بالعبد داء لم تسمه لى، فاختصما الى عثمان رضى الله تعالى عنه، فقضى على ابن عمر أن يحلف لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله أن يحلف، وارتجع العبد فباعه بألف وخمسمائة.

وفى الشامل وغيره ان المشترى زيد بن ثابت كما أورده الرافعى، وان ابن عمر كان يقول: تركت اليمين لله فعوضنى الله عنها.

فقد دل قضاء عثمان رضى الله عنه على البراءة فى صورة الحيوان المذكورة، وقد وافق اجتهاده فيها اجتهاد الشافعى رضى الله تعالى عنه، وقال:

الحيوان يتغذى فى الصحة والسقم وتتحول طباعه، فقد لا ينفك عن عيب خفى أو ظاهر أى فيحتاج البائع فيه الى شرط البراءة ليثق بلزوم البيع فيما لا يعلمه من الخفى دون ما يعلمه مطلقا فى حيوان أو غيره لتلبيسه فيه، وما لم يعلمه من الظاهر فيهما «فى الحيوان وغيره» لندرة خفائه عليه، أو من الخفى فى غير الحيوان كالجوز واللوز اذ الغالب عدم تغيره بخلاف الحيوان.

(1)

نفس المرجع ج 2 ص 46 (خيار الشرط)

ص: 208

وللمشترى مع هذا الشرط شرط البراءة عن كل عيب باطن بالحيوان لم يعلمه.

الرد بعيب حدث بعد العقد وقبل القبض لانصراف الشرط الى الموجود عند العقد

(1)

ولو شرط البراءة عما يحدث من العيوب قبل القبض ولو مع الموجود منها لم يصح الشرط فى الأصح، لأنه اسقاط للشئ قبل ثبوته فلم يسقط، كما لو أبرأه عن ثمن ما يبيعه له.

والقول الثانى: يصح بطريق التبع، فان انفرد الحادث فهو أولى بالبطلان

(1)

.

ولو شرط البراءة عن عيب عينه - فان كان مما يعاين كالبرص، فان أراه قدره وموضعه برئ منه قطعا، والا فهو كشرط البراءة مطلقا، فلا يبرأ منه على الأظهر، لتفاوت الأغراض باختلاف قدره وموضعه. وان كان مما لا يعاين كالزنا أو السرقة أو الاباق برئ منه قطعا لأن ذكرها اعلام بها

(2)

.

اشتراط قطع الثمر المبيع أو ابقائه:

يجوز بيع الثمر بعد بدو صلاحه مطلقا سواء اشترط قطعه أو لم يشترط، اشترط ابقاءه أو لم يشترط، وسواء كانت الأصول لأحدهما، أم لغيره، لأنه صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيع الثمرة قبل بدو اصلاحها. رواه الشيخان فيجوز البيع بعد بدوه وهو صادق بكل هذه الأحوال، والمعنى الفارق بينهما ان الثمرة بعد بدو صلاحها تكون فى أمن من العاهات غالبا لغلظها وكبر نواها، وقبله تسرع اليه العاهة لضعفه فيفوت بتلفه الثمن وبه يشعر قوله صلى الله عليه وسلم:

أرأيت ان منع الله الثمرة فبم يستحق أحدكم مال أخيه، وقبل بدو صلاحه لا يصح بيعه منفردا عن الشجر الا بشرط القطع فى الحال وأن يكون المقطوع منتفعا به، ويحرم بيع الزرع الأخضر فى الأرض الا بشرط قطعه

(3)

..

فى القرض: ويجوز للمقرض شرط رهن وكفيل، واشهاد، واقرار به عند حاكم، لأن ذلك توثقة للعقد، لا زيادة فيه، فله اذا لم يوف المقترض به الفسخ على قياس ما ذكر فى اشتراطها فى البيع

(4)

.. (انظر مصطلح قرض).

فى الرهن: واذا شرط فى الرهن ما فيه مصلحة للعقد كالاشهاد به صح العقد والشرط

(5)

. (انظر مصطلح رهن).

وفى الحوالة: جاء فى مغنى المحتاج ما يفيد أنه «لو شرط العاقد فى الحوالة رهنا أو ضمينا فهل يجوز أو لا يجوز؟ رأيان.

واختلف فى الترجيح بينهما.

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 52.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 52.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 84 - 86.

(4)

مغنى المحتاج ج 2 ص 113.

(5)

مغنى المحتاج ج 2 ص 115.

ص: 209

والمعتمد هو الثانى.

ولا يثبت فى عقدها خيار شرط لأنه لم يبن على المعاينة

(1)

انظر مصطلح (حواله).

النوع الرابع - اشتراط العتق: جاء فى مغنى المحتاج: اذا باعه عبدا أو أمة بشرط أن يعتقه المشترى مطلقا أو عن المشترى ففيه ثلاثة أقوال:

المشهور منها صحة البيع والشرط، لتشوف الشارع الى العتق، ولخبر الصحيحين أن عائشة رضى الله عنها اشترت بريرة، وشرط مواليها أن تعتقها ويكون ولاؤها لهم، فلم ينكر صلى الله عليه وسلم الا شرط الولاء لهم بقوله «ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست فى كتاب الله تعالى، ما كان من شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل.

والقول الثانى: لا يصحان كما لو شرط بيعه أو هبته.

والقول الثالث: يصح البيع ويبطل الشرط، كما فى النكاح.

أما اذا شرط اعتاقه عن البائع أو عن أجنبى فانه لا يصح، لأنه ليس فى معنى ما ورد به الخبر وخرج باعتاق المبيع شرط اعتاق غيره فلا يصح معه البيع، لأنه ليس من مصالحه وكذا شرط اعتاق بعضه.

نعم ان عين المقدار المشروط فالمتجه الصحة.

ولو باع بعضه بشرط أعتاق ذلك البعض صح ..

ولو باع رقيقا بشرط أن يبيعه المشترى بشرط العتق لم يصح البيع

وكذا لو اشترى دارا بشرط أن يقفها، أو ثوبا بشرط أن يتصدق به، لأن ذلك ليس فى معنى ما ورد به الشرع

(2)

.

النوع الخامس: شرط يحقق مصلحة فى الوقف: ومن أمثلته ما جاء فى مغنى المحتاج:

أن الأصح أنه اذا وقف بشرط ألا يؤجر أصلا، أو ألا يؤجر أكثر من سنة صح الوقف، واتبع شرطه كسائر الشروط المتضمنة للمصلحة.

والوجه الثانى: لا يتبع شرطه، لأنه حجر على المستحق فى المنفعة.

ويستثنى حال الضرورة، كما لو شرط ألا تؤجر الدار أكثر من سنة ثم انهدمت وليس لها جهة عمارة الا باجارة سنين، فان ابن الصلاح أفتى بالجواز ..

والأصح أيضا أنه اذا وقف شخص مكانا مسجدا وشرط فيه اختصاصه بطائفة

(1)

نفس المرجع ج 2 ص 182.

(2)

مغنى المحتاج ج 2 ص 33.

ص: 210

كالشافعية اختص بهم، فلا يصلى ولا يعتكف فيه غيرهم، كالمدرسة والرباط اذا شرط فى وقفهما اختصاصهما بطائفة اختصابهم جزما.

والوجه الثانى: لا يختص المسجد بهم، لأن جعل البقعة مسجدا كالتحرير، فلا معنى لاختصاصه بجماعة، ولو خص المقبرة بطائفة اختصت بهم عند الأكثرين كما قاله امام الحرمين

(1)

.

وان شرط الواقف النظر على وقفة لنفسه أو غيره، واحدا كان أو أكثر اتبع شرطه سواء أفوضه له فى حال حياته، أم أوصى به لأنه المتقرب بالصدقة فيتبع شرطه كما يتبع فى مصارفها وغيرها

(2)

.

(انظر مصطلح وقف).

القسم الثانى: الشروط الفاسدة:

والشروط الفاسدة نوعان: شروط فاسدة تفسد التصرف، وأخرى تلغو ويصح التصرف.

النوع الأول: الشروط الفاسدة التى تفسد التصرف، ويندرج تحته الشروط الآتية:

الأول اشتراط أمر يخالف الشرع: ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: ما اذا باع عبدأ واشترط أمرين عتقه وأن يكون الولاء له - للبائع - .. فان البيع لا يصح لمخالفته ما تقرر فى الشرع من أن الولاء لمن أعتق.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم فى حديث بريرة «واشترطى لهم الولاء» فقد أجاب الشافعى رحمه الله تعالى عنه بأن «لهم» بمعنى «عليهم» أى واشترطى عليهم الولاء، كما فى قوله تعالى «وان أسأتم فلها.

وكذا اذا اشترط العتق والولاء لأجنبى فانه يكون أولى بالبطلان.

وهناك رأى ثان: يصح البيع ويبطل الشرط.

وأما اذا اشترط الولاء فقط دون العتق، كأن يقول للمشترى: أن أعتقته فولاؤه لى، فان البيع باطل قطعا، لأن الولاء تابع للعتق، والعتق لم يشترط فى الأصل

(3)

.

(أنظر مصطلح بيع).

2 -

فى القرض: لا يجوز الاقراض فى النقد وغيره بشرط جر نفع للمقرض، كشرط رد صحيح عن مكسر، أورد زيادة، أورد جيد عن ردئ، ويفسد بذلك العقد على الصحيح، لحديث كل قرض يجر منفعة فهو ربا، وهو وان كان ضعيفا، فقد روى البيهقى معناه عن جمع من الصحابة، والمعنى فيه: أن موضوع العقد الارفاق فاذا شرط

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 357.

(2)

مغنى المحتاج ج 2 ص 364.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 33.

ص: 211

فيه لنفسه حقا خرج عن موضوعه فمنع صحته، فلو رد زائدا فى القدر أو الصفة بلا شرط فحسن، بل مستحب ..

ولو شرط أن يرد مكسرا عن صحيح، أو رديئا عن جيد، أو أن يقرضه غيره أو شيئا آخر لغا الشرط.

والأصح أنه لا يفسد العقد، لأنه وعد باحسان لا جر منفعة للمقرض بل للمقترض والعقد عقد ارفاق، فكأنه زاد فى الارفاق.

والوجه الثانى: يفسد لمنافاته مقتضى العقد

ولو شرط أجلا فهو كشرط مكسر عن صحيح أن لم يكن للمقرض غرض، لارتفاق المستقرض بالأجل، فعلى هذا يصح العقد ولا يلزم الأجل على الصحيح، لأنه عقد يمتنع فيه التفاضل فامتنع فيه الأجل كالصرف، لكن يندب الوفاء بالأجل لأنه وعد، كما فى تأجيل الدين الحال ..

وان كان للمقرض غرض فى الأجل كزمن نهب والمستقرض ملئ، فكشرط صحيح عن مكسر فى الأصح لما فيه من جر المنفعة فيفسد العقد.

والوجه الثانى يصح ويلغو الشرط

(1)

.

(انظر مصطلح قرض).

الثانى من الشروط التى تفسد العقد:

اشتراط أمر يخالف مقتضى العقد: ومن أمثلته:

1 -

فى البيع.

لا يصح البيع اذا اشترط فيه شرط يؤدى الى بيعتين فى بيعة، وذلك للنهى عن بيعتين فى بيعة، رواه الترمذى وصححه .. كأن يقول بعتك هذا العبد بألف على أن تبيعنى دارك بكذا، أو تشترى دارى منى بكذا، أو أدى الى بيع وشرط للنهى عن بيع وشرط رواه عبد الحق فى أحكامه، وذلك كبيع بشرط بيع آخر، أو بشرط قرض كأن يبيعه عبده بألف

بشرط أن يقرضه مائة والمعنى فى ذلك أنه جعل الألف، ورفق العقد الثانى ثمنا واشتراط العقد الثانى فاسد، فبطل بعض الثمن وليس له قيمة معلومة حتى يفرض التوزيع عليه وعلى الباقى فبطل العقد.

ولو عقد البيع الثانى لم يصح ان جهلا، أو جهل أحدهما بطلان العقد الأول، لأنهما أثبتاه على حكم الشرط الفاسد.

فان علما فساد العقد الأول صح.

وسبب فساد الشرط، كما قاله الغزالى أن انضمام الشرط الى البيع يبقى علقة بعد البيع يثور بسببها منازعة بين المتبايعين فبطل الشرط الا ما استثنى لمعنى.

ولو اشترى زرعا بشرط أن يحصده البائع، أو ثوبا بشرط أن يخيطه البائع، وما أشبه ذلك.

فالأصح من طرق ثلاثة بطلان الشراء، لاشتماله على شرط عمل فيما لم يملكه المشترى

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 113.

ص: 212

الآن، لأنه لم يدخل فى ملك المشترى الا بعد الشرط، وذلك فاسد.

والطريقة الثانية أن فى البيع والشرط القولين الواردين فى الجمع بين بيع واجارة.

فلو قال: آجرتك دارى شهرا وبعتك ثوبى هذا بدينار - صح البيع والاجارة فى الأظهر، ويوزع المسمى على قيمتهما، أى قيمة المؤجر من حيث الأجرة، وقيمة المبيع.

والقول الثانى يبطلان

(1)

.

والطريقة الثالثة أنه يبطل الشرط، وأن فى البيع قولى تفريق الصفقة.

ولو قال اشتريته بعشرة واستأجرتك لحصده أو خياطته بدرهم وقبل بأن قال: بعتك وآجرتك صح البيع دون الاجارة، لأنه استأجره قبل الملك لمحل العمل.

ولو اشترى حطبا على دابة بشرط ايصاله منزله، لم يصح وان عرف منزله، لأنه بيع بشرط.

فان أطلق العقد صح، ولا يجب ايصاله منزله وان اعتيد بل يسلمه فى موضعه

(2)

.

وكذلك يفسد البيع اذا اشترط على المشترى ألا يبيعه من فلان أولا يبيعه مطلقا أو الا ينتفع به أو لا يعتقه أو لا يقبضه أو لا يؤجره أو لا يطأها، أولا يسافر به أولا يسلمه اليه .. أو ما أشبه ذلك، لأن كل هذه الشروط تنافى مقتضى العقد

(3)

. (انظر مصطلح بيع).

2 -

فى الاجارة: جاء فى مغنى المحتاج:

أن للمشترى استيفاء المنفعة بنفسه وبغيره كما يجوز أن يؤجر ما استأجره من غيره لكن يشترط أمانة من سلمها اليه، فلو شرط عليه استيفاءها بنفسه لم يصح، كما لو باعه عينا وشرط ألا يبيعها

(4)

(انظر مصطلح اجارة).

3 -

فى النكاح: يفسد النكاح باشتراط ما يخالف مقتضاه.

ومن أمثلته: ما اذا اشترط أحد الزوجين خيارا فى النكاح فان النكاح يبطل، لأن النكاح مبناه على اللزوم، فشرط ما يخالف قضيته يمنع الصحة.

فان شرط ذلك على تقدير عيب مثبت للخيار قال الزركشى: ينبغى أن يصح، لأنه تصريح بمقتضى العقد.

وهو مخالف لاطلاق كلام فقهاء المذهب.

ولو شرط أحد الزوجين خيارا فى المهر، فالأظهر صحة النكاح، لأن فساد الصداق لا يؤثر فى النكاح، ولا يصح المهر فى الأظهر بل يفسد ويجب مهر المثل، لأن الصداق لا يتمحض عوضا، بل فيه معنى النحلة فلا يليق

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 41.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 31 باب فى البيوع المنهى عنها.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 34 والمجموع شرح المهذب ج 9 ص 368.

(4)

مغنى المحتاج ج 2 ص 324.

ص: 213

به الخيار، والمرأة لم ترض بالمسمى الا بالخيار.

والقول الثانى يصح المهر أيضا.

والقول الثالث: يفسد النكاح أيضا لفساد المهر.

وكذا اذا اشترط فى النكاح ما يؤدى الى الاخلال بمقصود النكاح الأصلى فان النكاح يبطل به، كأن يشترط ألا يطأها الزوج أصلا، أو لا يطأها الا مرة واحدة، مثلا - فى السنة، أو ألا يطأها الا ليلا فقط، أو نهارا فقط، أو أن يطلقها ولو بعد الوط ء: أو اشترط أنها لا ترثه، أو أنه لا يرثها أو انهما لا يتوارثان، أو أن النفقة على غير الزوج.

ويستثنى من بطلان النكاح بشرط ألا يطأها ما اذا كانت الزوجة ميئوسا من احتمالها الجماع، فان العقد لا يبطل بهذا الشرط، لأنه من قضيته، وكذا لو لم تحتمله فى الحال فشرط ألا يطأها الى الاحتمال

وكذا لو علم أنها رتقاء أو قرناء، وشرطت عليه ذلك، فانه لا يضر قطعا

(1)

.

ويبطل النكاح أيضا: اذا نكح الزوج الثانى بشرط أنه اذا وطئ طلقها أو بانت منه، أو فلا نكاح بينهما وشرط ذلك فى صلب العقد، وذلك لأنه شرط يمنع دوام النكاح فأشبه التأقيت.

ولو تزوجها على أن يحللها للأول صح كما جزم به الماوردى، لأنه لم يشرط الفرقة، بل شرط مقتضى العقد.

ولو تزوجها على ألا تحل له لم يصح، لاخلاله بمقصود العقد وللتناقض

(2)

. (انظر مصطلح نكاح).

4 -

فى الرهن: اذا اشترط فى الرهن ما ينافى مقتضاه فسد الرهن.

ومن أمثلته ما اذا اشترط فى الرهن ما يضر المرتهن وان لم ينتفع به الراهن كشرط ألا يبيعه الا بعد شهر، أو بأكثر من ثمن المثل، أو لا يبيعه عند حلول الأجل، أو يكون مضمونا، وذلك لاخلال الشرط بالغرض منه.

وان نفع الشرط المرتهن وضر الراهن، كشرط أن تكون زوائد المرهون أو منفعته للمرتهن بطل الشرط، لحديث كل شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل.

وكذا يبطل الرهن فى الأظهر لمخالفة الشرط مقتضى العقد، كالشرط الذى يضر المرتهن.

والقول الثانى: لا يبطل الرهن بل يلغو الشرط ويصح العقد، لأنه تبرع فلم يؤثر فيه ذلك كالقرض.

ولو شرط أن تحدث (تصبح) زوائد المرهون كصوفه وثمرته وولده مرهونة، فالأظهر فساد الشرط، لأنها معدومة ومجهولة.

(1)

مغنى المحتاج ج 3 ص 212 - 213.

(2)

مغنى المحتاج ج 3 ص 172.

ص: 214

والقول الثانى: لا يفسد، لأن الرهن عند الاطلاق انما لم يتعد للزوائد لضعفه.

فاذا قوى بالشرط سرى واحترز بالزوائد عن الاكساب فان اشتراطها باطل على القولين.

والأظهر أنه متى فسد الشرط المذكور فسد العقد

(1)

.

ولو شرط كون المرهون مبيعا له عند حلول الأجل فسد الرهن، لتأقيته والبيع لتعليقه والمرهون قبل الأجل أمانة، لأنه مقبوص بحكم الرهن الفاسد، وبعده مضمون بحكم الشراء الفاسد

(2)

. (انظر مصطلح رهن).

5 -

فى الكفالة والضمان: اذا اشترط فى الكفالة ما ينافى مقتضاها بطلت، كما لو شرط فيها أنه يغرم المال ان فات التسليم، بأن قال: كفلت بدن فلان بشرط الغرم، أو على أنى أغرم، وانما تبطل لأنه شرط ينافى مقتضاها بناء على أنه لا يغرم عند الاطلاق.

والقول الثانى يصح بناء على مقابله.

فان قيل: هلا بطل الشرط فقط، كما لو أقرضه بشرط رد مكسر عن صحيح، أو بشرط الخيار للمضمون له .. بجامع أنه زاد خيرا؟ أجيب: بأن المشروط فى تلك صفة تابعة، وفى هذه أصل يفرد بعقد والتابع يغتفر فيه ما لا يغتفر فى الأصل

(3)

.

ولا يجوز شرط الخيار فى الضمان للضامن، ولا فى الكفالة للكفيل، لمنافاته مقصودها، ولا حاجة اليه، لأن الملتزم فيهما على يقين من الغرر.

أما شرطه للمستحق فيصح، لأن الخيرة فى الابراء والطلب اليه أبدا، وشرطه للأجنبى كشرطه للضامن ويبطل الضمان بشرط اعطاء مال لا يحسب من الدين، وتبطل الكفالة بقوله: كفلت زيدا على أن لى عليك كذا

(4)

.

ولا يصح الضمان بشرط براءة الأصيل - على الأصح - لمنافاة الشرط لمقتضى الضمان، وكذا لو ضمن بشرط براءة ضامن قبله، أو كفل بشرط براءة كافل قبله.

والوجه الثانى: يصح الضمان والشرط لما رواه جابر فى قصة أبى قتاده

(5)

للميت قال:

فجعل النبى صلى الله عليه وسلم يقول: هما

(6)

عليك وفى مالك والميت منهما برئ «فقال:

نعم فصلى عليه، قال الحاكم: صحيح الاسناد.

وأجاب الأولون بأن المراد بقوله (برئ) انما هو فى المستقبل.

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 115.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 129.

(3)

مغنى المحتاج ج 2 ص 12.

(4)

نفس المرجع ج 2 ص 193.

(5)

ورد فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم أتى بجنازة فقال: هل ترك شيئا؟ قالوا:

لا، قال هل عليه دين؟ قالوا ثلاثة دنانير، فقال صلوا على صاحبكم، قال أبو قتاده صلى عليه يا رسول الله وعلى دينه فصلى عليه

(6)

وهذه رواية أخرى.

ص: 215

والوجه الثالث: يصح الضمان فقط ويبطل الشرط، كما لو أعتق عبدا بشرط أن يعطيه

(1)

شيئا.

ولو شرط الضامن فى ابتداء الضمان أن يرهنه الأصيل شيئا، أو يقيم له به ضامنا فسد الضمان لفساد الشرط

(2)

. (انظر مصطلح كفالة وضمان).

6 -

فى الحوالة: واذا اقترنت الحوالة بشرط يخالف مقتضاها بطلت.

جاء فى مغنى المحتاج: ويبرا بالحوالة المحيل عن دين المحتال والمحال عليه عن دين المحيل، ويتحول حق المحتال الى ذمة المحال عليه، فان تعذر أخذه من المحال عليه بفلس أو جحد (منه للدين أو للحوالة) وحلف، لم يرجع المحتال على المحيل.

فلو شرط عليه الرجوع بشئ من ذلك لم تصح الحوالة فى أحد أوجه رجحه الأزرعى وغيره، وهو ظاهر، لاقترانها بشرط يخالف مقتضاها

(3)

.

7 -

فى الشركة: اذا اقترنت الشركة بما يخالف مقتضاها فسدت.

ومن أمثلة ذلك فى شركة العنان (انظر مصطلح العنان) ما اذا اشترطا التساوى فى الربح والخسران مع التفاضل فى المالين، أو التفاضل فى الربح والخسران مع التساوى فى المالين فسد العقد، لأن هذا الشرط مخالف لموضوع الشركة، لأن موجبها أن يكون الربح والخسران على قدر المالين، اشترطا ذلك أو لم يشترطاه

(4)

.

وكذلك لا يتصرف الشريك الا فى نصيبه ما لم يأذن الآخر له فيتصرف فى الجميع.

فان شرط ألا يتصرف أحدهما فى نصيب نفسه لم يصح العقد، لما فيه من الحجر على المالك فى ملكه، ومتى عين له جنسا أو نوعا لم يتصرف

(5)

فى غيره (انظر مصطلح شركة).

8 -

فى المساقاة: واذا اشترط فى المساقاة ما ينافى مقتضاها لم تصح، كما لو شرط على العامل ما ليس من جنس أعمال المساقاة وهو ما لم تجر العادة به، كحفر بئر، لأنه استئجار بعوض مجهول، واشتراط عقد فى عقد.

ويشترط أيضا لصحة المساقاة ألا يشترط على المالك فى العقد ما على العامل.

فلو شرط السقى على المالك بطل العقد.

وكذا يشترط لصحتها أن ينفرد العامل بالعمل.

فلو شرط عمل المالك معه فسد.

وكذا يشترط أن ينفرد العامل باليد فى الحديقة.

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 194.

(2)

مغنى المحتاج ج 2 ص 195.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 182.

(4)

مغنى المحتاج ج 2 ص 200 - 201.

(5)

نفس المرجع ج 2 ص 198.

ص: 216

فلو شرط كونها فى يد المالك أو بيدهما لم يصح

(1)

.

وكذا لو اشترط بعض الثمر لغيرهما أو اشترط كل الثمر لأحدهما فانه لا يجوز، لأنه يشترط فيها تخصيص الثمر بهما

(2)

(انظر مصطلح مساقاة).

9 -

القراض: اذا اشترط فى القراض ما ينافى مقتضاه فانه لا يجوز، كما لو شرط كون المال فى يد المالك أو غيره، ليوفى منه ثمن ما اشتراه العامل.

ولا يجوز أن يشترط مراجعته - أى المالك - فى التصرف، لأنه قد لا يجده عند الحاجة.

ولا يجوز شرط عمل المالك مع العامل لأن انقسام التصرف يفضى الى انقسام اليد، وكذا لو شرط كون المال تحت يد وكيله وأن يكون معه مشرف مطلع على عمله من غير توقف فى التصرف على مراجعته لم يصح، أخذا من التعليل السابق.

ولا يجوز أن يشرط عليه شراء متاع معين أو نوع يندر وجوده، أو معاملة شخص بعينه، كما لو قال له لا تبع الا لزيد، أو لا تشتر الا منه لاخلاله بالمقصود.

ولا يجوز أن يشترط شئ من الربح لثالث.

لأنه يشترط اختصاصهما بالربح، الا عبدا لمالك أو عبدا لعامل، لأن ما شرط له يضم لسيده.

ولو قال للعامل قارضتك على أن كل الربح لك، فقراض فاسد فى الأصح نظرا للفظ.

وقيل: قراض صحيح.

وان قال على أن كل الربح لى، فقراض فاسد فى الأصح.

وقيل: هو ابضاع أى توكيل بلا جعل، والابضاع بعث المال مع من يتجر فيه متبرعا.

ويجرى الخلاف فيما لو قال أبضعتك على أن نصف الربح لك أو كله لك، هل هو قراض فاسد أو ابضاع

(3)

(انظر مصطلح قراض).

10 -

العارية: اذا اشترط فى العارية ما يخالف مقتضاها تفسد، فلو قال: أعرتك فرسى على أن تعلفها

(4)

بعلفك أو لتعيرنى فرسك، فهو اجارة فاسدة، لجهالة العلف فى الأولى، وللعوض فى الثانية، والاجارة الفاسدة توجب أجرة المثل اذا مضى بعد قبضه زمن لمثله أجرة.

وقيل: انه عارية فاسدة نظرا للفظ فلا تجب الأجرة وأما العين فمضمونة على الثانى دون الأول، وهذا عند جهل العوضين.

أما لو قال أعرتكها شهرا من الآن بعشرة أو لتعيرنى فرسك سنة من الآن ففيه وجهان.

(1)

نفس المرجع ج 2 ص 303.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 301.

(3)

مغنى المحتاج ج 2 ص 287، 288، 289.

(4)

وهذا بناء على أن نفقة المستعار ليست على المستعير بل هى على المالك لانها من حقوق الملك والا لم يكن شرطه مفسدا وان كان فى تعليق القاضى حسين انها على المستعير.

ص: 217

أحدهما: أنه اجارة صحيحة نظرا للمعنى.

والثانى: اعارة فاسدة نظرا للفظ

(1)

.

(انظر مصطلح عارية).

11 -

الوقف: اذا اشترط فى الوقف ما ينافى مقتضاه بطل كما لو قال: وقفت هذا على كذا سنة مثلا لفساد الصيغة.

ولو وقف بشرط الخيار لنفسه فى ابقاء وقفه والرجوع فيه متى شاء أو شرطه لغيره أو شرط عوده اليه بوجه ما كأن شرط أن يبيعه أو شرط أن يدخل من شاء ويخرج من شاء، بطل على الصحيح، قال الرافعى: كالعتق والهبة.

ومقابل الصحيح يصح الوقف ويلغو الشرط كما لو طلق على ألا رجعة له

(2)

(أنظر مصطلح عارية).

النوع الثالث: شرط يؤدى الى جهالة ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع ما يؤدى الى جهالة لم يصح، كما لو باع دابة واشترط وضع الحمل خلال شهر مثلا أو أنها تدر كل يوم صاعا مثلا، لأن ذلك غير مقدور عليه فيهما وغير منضبط فى الثانية فصار كما لو شرط فى العبد المبيع أن يكتب كل يوم عشر ورقات مثلا

(3)

. (انظر مصطلح بيع).

2 -

فى الاجارة: اذا شرط فى الاجارة ما يؤدى الى جهالة فسدت، كما لو استأجر بعيرا واشترط حمل المعاليق مطلقا من غير رؤية ولا وصف: (والمعاليق ما يعلق على البعير كسفرة

(4)

وقدر وقصعة) فسد العقد فى الأصح لاختلاف الناس فيها، فربما قلت وربما كثرت، والقول الثانى يصح ويحمل على الوسط المعتاد. (انظر مصطلح اجارة)

(5)

.

3 -

فى الهبة: اذا اشترط فى الهبة ثواب (عوض) مجهول كما لو قال وهبتك هذا الشئ بثوب فالمذهب بطلان العقد لتعذر صحته بيعا لجهالة العوص، ولتعذر صحة هبته لذكر الثواب، بناء على أنها لا تقتضيه.

وقيل يصح هبته بناء على أنها تقتضيه

(6)

.

النوع الثانى: الشروط الفاسدة التى تسقط ويصح التصرف ويندرج تحته الشروط الآتية:

الأول: اشتراط مالا غرض فيه.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع مالا غرض فى اشتراطه، فانه يلغو الشرط ويصح العقد، وذلك كما لو اشترط على المشترى ألا يأكل العبد المبيع الا كذا كهريسة أو لا يلبسه الا كذا كحرير، صح العقد ولغا الشرط، لأن ذكر هذا الشرط لا يورث تنازعا فى الغالب فذكره فيه لغو، وهذا ما جزم به النووى فى المجموع.

وليست هذه الصورة من قبيل الالزام بما لا يلزم حتى يبطل بها البيع، لأن السيد يلزمه

(1)

مغنى المحتاج ج 2 ص 247.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 355.

(3)

مغنى المحتاج ج 2 ص 24.

(4)

السفرة طعام يتخذ للمسافر.

(5)

مغنى المحتاج ح 2 ص 317.

(6)

نفس المرجع ح 2 ص 375.

ص: 218

فى الجملة نفقة الرقيق، ونفقته مقدرة بالكفاية وقد شرط عليه أداؤها من أحد الأنواع التى تنأدى هى ببعضها فيصح، ولا يلزمه الوفاء به، لأن الواجب احدها فأشبه خصال الكفارة لا يتعين أحدها بالتعيين

(1)

.. (انظر مصطلح بيع).

2 -

فى النكاح: واذا اشترط فى عقد النكاح مالا يوافق مقتضاه ولم يتعلق به غرض كما لو اشترط ألا تأكل الا كذا لغا الشرط وصح العقد، وذلك لأنه لا فائدة منه

(2)

.

3 -

فى الرهن واذا اشترط فى الرهن مالا غرض فيه كألا يأكل الرقيق المرهون الا كذا لغا الشرط وصح العقد

(3)

(انظر مصطلح نكاح).

النوع الثانى: شرط يخالف مقتضى العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى النكاح: اذا خالف الشرط مقتضى عقد النكاح ولم يخل بمقصوده الأصلى وهو الوط ء، كشرط ألا يتزوج عليها، أو ألا نفقة لها صح النكاح، لعدم الاخلال بمقصوده وهو الوط ء، وفسد الشرط سواء أكان الشرط للمرأة كالمثال الأول أم عليها، كالمثال الثانى لقوله عليه الصلاة والسلام: كل شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل

(4)

.

2 -

فى الهبة: جاء فى مغنى المحتاج أنه لو قال أعمرتك هذه الدار فاذا مت عادت الى أو الى وارثى، فهى هبة واعمار صحيح فى الأصح، وبه قطع الأكثرون كما فى الروضة ويلغو ذكر الشرط، لاطلاق الأحاديث الصحيحة - ومنها خبر مسلم أيما رجل أعمر عمرى فانها للذى أعطيها لا ترجع الى الذى أعطاها.

فان قيل: هذا شرط فاسد، فهلا بطلت العمرى كالبيع؟ أجيب: بأن شروط البيع تقابل ببعض الثمن، فاذا بطلت يسقط ما بقابلها فيصير الثمن مجهولا، فيبطل والعمرى لا ثمن فيها، فلذلك صحت وبأن هذا الشرط يقتضى فسخا منتظرا، ولا يضر ذلك الهبة بدليل هبة الأب لابنه ويضر البيع.

وهذا على الجديد.

وعلى القديم يبطل العقد فساد الشرط

(5)

.

4 -

‌ مذهب الحنابلة:

القسم الأول - الشروط الصحيحة ويندرج تحت هذا القسم الشروط الآتية:

الأول: اشتراط صفة قائمة بمحل العقد وقت التعاقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط المشترى صفة فى المبيع ككون العبد كاتبا أو فحلا أو خصيا أو ذا صنعة بعينها أو مسلما أو الأمة بكرا أو أنها تحيض، أو اشترط الدابة هملاجة

(6)

، أو لبونا أو غزيرة اللبن، أو الفهد

(1)

معنى المحتاج ح 2 ح 33 - 34.

(2)

نفس المرجع ح 2 ح 212.

(3)

نفس المرجع ح 2 ح 115.

(4)

نفس المرجع ح 3 ح 212.

(5)

مغنى المحتاج ج 2 ص 369 - 370.

(6)

الهملجة: مشية سهلة فى سرعة.

ص: 219

صيودا، أو الطير مصوتا، أو يبيض، أو يجئ من مسافة معلومة أو الأرض خراجها كذا، صح الشرط وكان لازما، لأن الرغبات تختلف باختلاف ذلك، فلو لم يصح اشتراط ذلك لفاتت الحكمة التى شرع البيع لأجلها، يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم «المسلمون عند شروطهم» فان وفى بالشرط لزم البيع، وان لم يف كان لمن فات شرطه الخيار بين الفسخ لقوات الشرط وبين الامضاء مع أخذ أرش عوض فقد الصفة التى شرطها الحاقا له بالعيب، فان تعذر الرد تعين له أرش فقد الصفة كالمعيب اذا تلف عند المشترى ولم يرض بعيبه.

فان اشترط صفة فبانت أعلى مما شرط كما لو شرط العبد كافرا فبان مسلما، أو الأمة ثيبا فبانت بكرا، فلا فسخ له، لأنه زاده خيرا كما لو شرط العبد كاتبا فبان عالما أيضا

(1)

. (انظر مصطلح بيع).

2 -

فى النكاح: اذا اشترط فى النكاح صفة مقصودة فى محل العقد كان الشرط صحيحا، وذلك كما لو تزوج رجل امرأة على أنها مسلمة فبانت كتابية، أو قال الولى:

زوجتك هذه المسلمة فبانت كافرة، فله الخيار فى فسخ النكاح، لأنه شرط صفة مقصودة فبانت بخلافها، فأشبه ما لو شرطها حرة فبانت أمه.

أما ان بانت الصفة أعلى مما شرط فانه لا خيار له، لأن ذلك زيادة خير فيها، كما لو شرطها أو ظنها كافرة فبانت مسلمة وان شرطها بكرا فبانت ثيبا، أو شرطها جميلة أو نسيبة أو شرطها بيضاء أو طويلة أو شرط نفى العيوب التى لا يفسخ بها النكاح، كالعمى والخرس والصمم والشلل ونحوه فبانت بخلافه فله الخيار، لأنه شرط وصفا مقصودا، ففات هذا الوصف، كما لو شرطها حرة فبانت أمة، ولا شئ على الزوج ان فسخ قبل الدخول، لأنه فسخ قبل الدخول بسبب من جهتها، وأما بعد الدخول فانه يرجع بالمهر على الغار له، للغرور سواء كان منها أو من وليه أو وكيله

(2)

. (انظر مصطلح نكاح).

الثانى: شرط يقتضيه العقد: اذا اشترط أحد المتعاقدين على الآخر شرطا يقتضيه العقد، صح العقد والشرط، وذلك لأن وجود الشرط وعدمه سواء، ولأنه بيان وتأكيد لمقتضى العقد

(3)

.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى عقد البيع التقابض أو حلول الثمن، أو تصرف كل واحد من المتبايعين فيما يصير اليه من ثمن ومثمن أو رد المبيع بعيب قديم فان هذا الشرط لا يؤثر ذكره فى العقد

(4)

.

(انظر مصطلح بيع).

2 -

فى النكاح: وكذا اذا اشترط فى عقد النكاح ما يقتضيه العقد، صح العقد والشرط، وذلك كاشتراط تسليم الزوجة الى الزوج،

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 37.

(2)

كشاف القناع ج 3 ص 57 ومنته الإرادات ج 3 ص 74 - 75.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 36.

(4)

نفس المرجع ج 2 ص 36، 37

ص: 220

وتمكينه من الاستمتاع بها وتسليمها المهر، وتمكينها من الانتفاع به، وذلك لأن وجود الشرط كعدمه، لأن العقد يقتضى ذلك

(1)

.

(انظر مصطلح نكاح).

3 -

فى الرهن: اذا اشترط فى الرهن ما يوافق مقتضاه صح الرهن والشرط، جاء فى كشاف القناع: أنه لو شرط فى الرهن أن يبيع المرتهن أو العدل الرهن عند حلول الحق، صح شرطه، لأن ما صح توكيل غيرهما فيه صح توكيلهما فيه، كبيع عين أخرى ولم يؤثر ذلك الشرط فى عقد الرهن فسادا كسائر الشروط الصحيحة فى سائر العقود، وكذا كل شرط يوافق مقتضى العقد ولم ينافه، سواء كان العقد رهنا أو غيره، فلو أعاره شيئا ليرهنه الى أجل على دين جاز، يعنى أنه شرط على المرتهن ألا يباع قبل الأجل المسمى، فرهنه على ذلك صح الرهن.

وظاهر كلام القاضى فى المجرد أنه لا يصح، قاله المجد فى شرح الهداية

(2)

. (انظر مصطلح رهن).

4 -

فى الكفالة: جاء فى كشاف القناع:

أنه اذا علم الكفيل موضع المكفول به، ومضى اليه ولم يحضره أما لتوان، أو لهرب المكفول به .. أو لامتناعه .. بحيث تعذر احضاره مع حياته، لزم الكفيل ما عليه من الدين، لعموم قول الرسول عليه السلام «الزعيم غارم» ولأنها أحد نوعى الكفالة فوجب الغرم بها كالكفالة بالمال، ولا يسقط عن الكفيل المال باحضار المكفول به بعد الوقت المسمى الا اذا اشترط الكفيل البراءة من الدين، فاذا اشترطها فانه لا يلزم بالدين عملا بشرطه لحديث المسلمون على شروطهم، ولأنه انما التزم الكفالة على هذا الشرط فلا يلزمه سوى ما اقتضاه التزامه.

وكذا يلزم الكفيل عوض العين الملزوم بها اذا تعذر احضار المكفول به ليسلمها اذا لم يشرط الكفيل ألا مال عليه بتلفها أى بسبب تعذر ردها لتلفها بفعل آدمى، أو هربه بها ونحوه.

وأما اذا تلف بفعل الله فان الكفيل يبرأ بذلك كموت المكفول به فان اشترط الكفيل البراءة برئ

(3)

.

الثالث: شرط يؤكد موجب العقد، ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع رهن معين بالثمن أو ببعضه، ولو كان الرهن هو نفس المبيع كما لو قال: بعتك هذا على أن ترهنه على ثمنه، فقال: اشتريت ورهنتك صح الشراء والرهن.

وكذا ان اشترط ضمينا معينا بالثمن، أو ببعضه صح العقد والشرط

(4)

. (انظر مصطلح بيع)

(1)

نفس المرجع ج 3 ص 52 ومنته الإرادات ج 3 ص 67.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 165.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 183 ومنته الإرادات ج 2 ص 117.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 37 ومنته الارادات ج 2 ص 22.

ص: 221

2 -

فى القرض: يجوز فى القرض اشتراط الرهن والضمين لأنه عليه الصلاة والسلام:

استقرض من يهودى شعيرا ورهنه درعه «متفق عليه، وما جاز فعله، جاز شرطه، ولأنه يراد للتوثق بالحق وليس ذلك بزيادة، والضمان كالرهن، فلو عينهما وجاء بغيرهما لم يلزم المقرض قبوله، وان كان ما أتى به خيرا من المشروط، وحينئذ يخير بين فسخ العقد وبين امضائه بلا رهن ولا كفيل

(1)

.

(انظر مصطلح قرض).

الرابع: شرط أجاز الشرع اشتراطه ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع صفة فى الثمن، كتأجيله، أو تأجيل بعضه الى وقت معلوم

(2)

. أو اشترط الخيار مدة معلومة

(3)

صح البيع والشرط.

وكذا لو اشترط البائع على المشترى عتق العبد المبيع، فانه يصح البيع والشرط، لحديث بريرة: وقد تقدم ذكره فى مذهب الحنفية والمالكية والشافعية ويجبر المشترى على العتق ان امتنع، لأنه حق لله تعالى، فان امتنع المشترى من عتقه أعتقه الحاكم عليه، لأنه عتق مستحق عليه، لكونه قربة التزمها كالنذر وكما يطلق على المولى.

وان باعه المشترى بشرط العتق لم يصح صححه الأزجى فى نهايته، لأنه يتسلسل، ولأن تعلق حق العتق الواجب عليه يمنع الصحة كما لو نذر عتق عبد، فانه لا يصح بيعه ووافقه ابن رجب فى قواعده

(4)

.

الخامس: شرط يحقق مصلحة ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط البائع فى المبيع نفعا مباحا معلوما غير الوط ء ودواعيه كسكنى الدار المبيعة شهرا، أو أقل منه أو أكثر، وكحملان البعير (ونحوه) الى موضع معلوم صح لما روى جابر أنه كان يسير على جمل قد أعيا فضربه النبى صلى الله عليه وسلم فسار سيرا لم يسر مثله فقال بعنيه «فبعته واستثنيت حملانه الى أهلى» متفق عليه يؤيده أنه عليه السلام نهى عن الثنيا (الاستثناء) الا أن تعلم، وهذه معلومة وأكثر ما فيه تأخير تسليمه مدة معلومة فصح، كما لو باعه أمة مزوجة، أو دارا مؤجرة ونحوهما، وكحبس المبيع الى أن يستوفى الثمن، وخبر أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط أنكره أحمد، وقال لا نعرفه مرويا فى مسنده. ونفقة المبيع المستثنى نفعه مدة الاستثناء الذى يظهر أنها على البائع لأنه مالك المنفعة حينئذ، لا من جهة المشترى كالعين الموصى بنفعها لا كالعين المؤجرة والمعارة أما وط ء الأمة المبيعة ودواعيه فلا يصح استثناؤه، لأن ذلك لا يباح الا بملك أو نكاح وقد

(5)

انتفيا.

وكذلك يصح أن يشترط المشترى نفع البائع فى المبيع كاشتراطه عليه حمل الحطب المبيع

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 139.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 37.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 47.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 40 - 41.

(5)

كشاف القناع ج 2 ص 38.

ص: 222

أو تكسيره أو خياطة ثوب مبيع، أو تفصيله أو حصاد زرع مبيع، أو جز رطبة مبيعة أو ضرب قطعة حديد اشتراها منه سيفا، أو نحو ذلك، لأن غاية هذا الشرط أنه جمع بيعا واجارة وهو صحيح ان كان النفع معلوما، ولزم البائع فعله وفاء بالشرط.

فلو اشترط المشترى على البائع حمل المبيع الى منزله والبائع لا يعرف المنزل، لم يصح الشرط، كما لو استأجره لذلك ابتداء قاله فى شرح المنته، وظاهره صحة البيع ويثبت له الخيار

(1)

. (أنظر مصطلح بيع).

2 -

فى الاجارة: اذا اشترط فى الاجارة شرط يحقق غرضا صح الشرط ولزم الوفاء به، وذلك كما لو اكترى دابة ليركبها عريا، لم يجز له أن يركبها بسرج، لأنه زائد عما عقد عليه، وان اكتراها ليركبها بسرج فليس له ركوبها عريا، لأنه يحمى ظهرها فربما أفسده

(2)

.

وكذا اذا اشترط المستأجر على الأجير مباشرة العمل بنفسه صح الشرط ولا يجوز له استنابة غيره لوجود

(3)

الشرط.

وكذا اذا اشترط المؤجر على المستأجر ألا يسير بالعين المستأجرة فى الليل أو ألا يسير بها وقت القائلة أو ألا يتأخر بها عن القافلة أو ألا يجعل سيره فى آخرها واشباه هذا مما فيه غرض، صح الشرط ولزم الوفاء به.

فان خالف المستأجر ضمن لمخالفته الشرط الصحيح، كما لو شرط عليه ألا يحملها الا قفيزا فحملها قفيزين

(4)

.

واذا قال رب ثوب لخياط ان كان الثوب يكفينى قميصا فاقطعه وفصله فقال الخياط يكفيك ففصله الخياط ولم يكفه ضمن أرش تقطيعه، لأنه انما أذنه فى قطعه بشرط كفايته فقطعه بدون شرط

(5)

.

واذا اكترى أرضا لزرع مدة لا يكمل ذلك الزرع فيها عادة، وشرط المستأجر قلعه بعد مدة الاجارة صح العقد والشرط، لأنه لا يفضى الى الزيادة على مدة، وقد يكون له غرض فى ذلك لأخذه قصيلا أو غيره، ويلزمه ما التزم

(6)

.

3 -

فى المزارعة والمساقاة: يصح اشتراط الجذاذ على العامل، لأنه شرط لا يخل بمقصود العقد، فصح كتأجيل الثمن وشرط الرهن والضمين فى البيع وان لم يشترط كان على العامل ورب المال بقدر حصتيهما، لأنه انما يكون بعد تكامل الثمرة وانقضاء المعاملة فأشبه نقل الثمرة الى المنزل.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 38 - 39 ومنته الإرادات ج 2 ص 24.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 304.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 312.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 316.

(5)

نفس المرجع ج 2 ص 317.

(6)

نفس المرجع ج 2 ص 321.

ص: 223

وقيل: يكون الجذاذ على

(1)

العامل.

(أنظر مصطلح مزارعة ومساقاة).

4 -

فى الشركة: يصح فى الشرط أن يشترط على الشريك ألا يتجر الا فى نوع معين من المتاع كالحرير والبز وثياب الكتاب ونحوها - سواء كان مما يعم وجوده أولا .. أو ألا يتجر الا فى بلد بعينه كمكة ونحوها أو ألا يبيع الا بنقد كذا، كدراهم ودنانير صفتها كذا، أو ألا يسافر بالمال أو ألا يبيع الا من فلان، أو ألا يشترى الا من فلان فهذا كله صحيح سواء كان الرجل مما يكثر المتاع عنده أو يقل، لأن الشركة تصرف باذن فصح تخصيصها بالنوع والبلد والنقد والشخص كالوكالة

(2)

.

5 -

فى النكاح: اذا اشترط فى عقد النكاح شرط يحقق منفعة للمرأة ولا ينافى مقتضى العقد، صح الشرط كما لو اشترطت المرأة زيادة معلومة فى مهرها أو فى نفقتها الواجبة، أو اشترطت كون مهرها من نقد معين أو ألا ينقلها من دارها أو بلدها أو ألا يسافر بها أو ألا يفرق بينها وبين أبويها أو ألا يفرق بينها وبين أولادها، أو على أن ترضع ولدها الصغير أو ألا يتزوج عليها ولا يتسرى، أو شرط لها طلاق ضرتها، أو بيع أمته، فهذا النوع من الشرط صحيح يلزم الزوج الوفاء به وقد روى ذلك عن عمر وسعد بن أبى وقاص ومعاوية ابن أبى سفيان وعمرو بن العاص.

ويؤيده حديث «ان أحق ما أوفيتم به من الشروط ما استحللتم به الفروج» متفق عليه، وحديث المسلمون على شروطهم.

وروى الأثرم باسناده: أن رجلا تزوج امرأة وشرط لها دارها ثم أراد نقلها، فخاصموه الى عمر، فقال: لها شرطها، فقال الرجل: اذا يطلقننا، فقال عمر:

مقاطع الحقوق عند الشروط.

ولأنه شرط لها منفعة مقصوده لا تمنع المقصود من النكاح فكان لازما، كما لو اشترطت كون المهر من غير نقد البلد.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم «كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل» فمعناه ليس فى حكم الله وشرعه وهذا مشروع .. وهذا الشرط فيه مصلحة للمرأة وما كان من مصلحة العاقد كان من مصلحة العقد كاشتراط الرهن فى البيع

(3)

. ويسن الوفاء بالشرط الصحيح، ولا يجب لأن عمر لم يجبره بل قال: لها شرطها.

فان لم يف الزوج لها بشرطها فلها الفسخ، لما تقدم عن عمر، لأنه شرط لازم فى عقد، فثبت لها حق الفسخ

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 276، ومنته الإرادات، ج 2 ص 240.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 257 ومنته الإرادات ج 2 ص 205.

(3)

كشاف القناع ج 3 ص 52 - 53.

ص: 224

بترك الوفاء به كاشتراط الرهن والضمين

(1)

فى البيع.

6 -

فى العارية: اذا أعار الأرض لغرس أو بناء وشرط المعير على المستعير قلع ما غرسه أو بناه فى وقت معين، أو عند رجوعه، لزم المستعير قلع ما غرسه أو بناه عند الوقت الذى ذكراه، أو عند رجوع المعير ولو لم يأمره بالقلع لقوله صلى الله عليه وسلم «المؤمنون عند شروطهم» قال فى الشرح حديث صحيح، ولأن المستعير دخل فى العارية راضيا بالتزام الضرر الذى دخل عليه، ولا يلزم رب الأرض نقض الغراس والبناء، ولا يلزم المستعير تسوية الأرض اذا حصل فيها حفر لرضى المعير بذلك الا أنه اذا اشترط المعير عليه ذلك، لزم المستعير ما اشترط عليه لدخوله على ذلك.

وان لم يشترط المعير على المستعير القلع لم يلزمه الا أن يضمن المعير له النقص، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم «ليس لعرق ظالم حق» والمستعير انما حصل غراسه أو بناؤه فى الأرض باذن ربها ولم يشترط عليه قلعه، فلم يلزمه لدخول الضرر عليه بنقص قيمة ذلك ولأن العارية عقد ارفاق ومعونة والزامه بالقلع مجانا يخرجه الى حكم العدوان والضرر.

قال المجد بن تيمية فى شرحه. ومتى أمكن القلع من غير نقص أجبر عليه المستعير

(2)

(انظر مصطلح عارية).

7 -

فى الوقف: يصح اشتراط كل ما لا يؤدى الى الاخلال بالمقصود الشرعى للوقف، فلو وقف على جماعة كأولاده أو قبيلة كذا واستثنى زيدا لم يكن له شئ وكذا لو خص الموقوف عليهم بصفة كما لو وقف على أولاده الفقهاء أو المشتغلين بالعلم فانه يختص بهم فلا يشاركهم

(3)

من سواهم.

وان وقف الانسان على غيره - كأولاده أو مسجد - واستثنى كل الغلة لنفسه أو وقف على مسجد ونحوه واستثنى الغلة لولده أو غيره مدة حياته أو مدة معينة، أو استثنى الأكل مما وقفه، أو استثنى النفقه عليه وعلى عياله مما وقفه، أو شرط الانتفاع لنفسه وعياله ونحوهم ولو كان الانتفاع بسكنى مدة حياتهم، أو شرط أن يطعم صديقه صح الوقف، سواء قدر ما يأكله هو أو عياله أو صديقه ونحوه، أو أطلقه لقول عمر رضى الله عنه لما وقف: لا جناح على من وليها أن يأكل منها، أو يطعمه صديقا غير متمول فيه. وكان الوقف فى يده الى أن مات.

فلو مات الواقف المشروط له السكنى ونحوها فى أثناء المدة المعينة للسكنى

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 52 - 53.

ومنته الإرادات ج 3 ص 67 - 69.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 333 - 334.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 451.

ص: 225

فلورثته السكنى ونحوها باقى المدة، ولهم اجارتها للموقوف عليه ولغيره كما لو باع دارا واستثنى سكناها سنة

(1)

.

وكذا يجب العمل بالشرط أن اشترط عدم ايجار الوقف وقدر المدة، كما لو شرط ألا يؤجر أكثر من سنة لم تجز الزيادة عليها، لكن عند الضرورة يزاد بحسبها، وعليه العمل.

ونقل عن أبى العباس: أن الشروط انما يلزم الوفاء بها اذا لم تفض الى الاخلال بالمقصود الشرعى، ولا يجوز المحافظة على بعضها مع فوات المقصود الشرعى بها، فمن شرط فى القربات أن يقدم فيها الصنف المفضول، فقد شرط خلاف شرط الله كشرطه فى الأمامة تقديم غير الأعلم

(2)

.

8 -

الهبة: يصح فى الهبة أن يشترط بعض منافع الشئ الموهوب وتكون لمن شرطت له كما لو وهب دارا ونحوها واستثنى نفعها مدة معلومة كالبيع، كما يصح أن يهب أمة ويستثنى ما فى بطنها كالعتق

(3)

(أنظر مصطلح هبة).

9 -

فى الحوالة: يصح اشتراط ما يحقق مصلحة فى عقد الحوالة.

ومن أمثلته ما لو رضى المحتال بالحوالة واشترط فى المحال عليه اليسار، صح الاشتراط لحديث: المسلمون على شروطهم، ولأنه شرط فيه مصلحة للعقد فى عقد معاوضة فكان كشرطه صفة فى البيع.

فان بان معسرا فله الرجوع على المحيل لفوات شرطه

(4)

(انظر مصطلح حوالة).

القسم الثانى: الشروط الباطلة: وهذه الشروط منها ما يبطل العقد، ومنها ما لا يبطله بل يسقط الشرط ويصح العقد ونوضح كلا منهما فيما يأتى:

النوع الأول: الشروط الباطلة التى تبطل العقد، وهى:

الأول: اشتراط عقد فى عقد:

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط أحد المتبايعين على الآخر عقدا آخر، كشرط بيع آخر، مثل أن يقول بعتك هذه الدار على أن تبيعنى هذه الفرس، أو شرط سلف، مثل أن يقول بعتك هذه على أن تقرضنى كذا، أو شرط اجارة، كقوله بعتك هذه على أن تأجرنى دارك بكذا، أو شرط شركة كعلى أن تشاركنى فى كذا، أو صرف ثمن كبعتك هذه بعشرة دنانير على أن تصرفها بمائة درهم أو شرط صرف غير الثمن كبعتك هذا الثوب على أن تصرف لى هذه الدنانير بدراهم، فاشتراط

(1)

نفس المرجع ج 2 ص 444.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 451.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 475.

(4)

نفس المرجع ج 2 ص 188.

ص: 226

هذا النوع من الشروط يبطل البيع، لأنه بيعتان فى بيعه، والنبى صلى الله عليه وسلم: نهى عن بيعتين فى بيعه والنهى يقتضى الفساد، قاله الامام أحمد.

ويقاس على ذلك كل ما كان فى معنى هذه الشروط مثل أن يقول بعتك دارى بكذا على أن تزوجنى ابنتك، أو على أن أزوجك ابنتى، وكذا على أن تنفق على دارى، أو حصتى من ذلك قرضا أو مجانا وقد قال ابن مسعود رضى الله عنه «صفقتان فى صفقة ربا» ولأنه شرط عقدا فى آخر فلم يصح كنكاح الشغار

(1)

، (انظر مصطلح بيع).

2 -

فى القرض: اذا اشترط المقرض أو المقترض على الآخر أن يبيعه شيئا أو يؤجره أو يقرضه لم يجز ذلك، لأنه كبيعتين فى بيعه المنهى عنه، ولأنه كشرط المقرض زيادة وهدية وشرط ما يجر نفعا نحو أن يسكنه المقترض داره مجانا أو رخيصا أو يقبضه خيرا منه فان هذا لا يجوز لأن القرض عقد ارفاق وقربة، فاذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه .. وكشرط المقرض على المقترض أن يبيعه شيئا يرخصه عليه أو يعمل له عملا أو ينتفع بالرهن أو يساقيه على نخل أو يزارعه على ضيعة أو يسكنه المقرض عقارا بزيادة على أجرته أو يبيعه شيئا بأكثر من قيمته أو يستعمله فى صنعة ويعطيه أنقص من أجرة مثله ونحوه من كل ما فيه جر منفعة فلا يجوز

(2)

.

3 -

فى الاجارة: ويعتبر من قبيل بيعتين فى بيعه ما جاء فى كشاف القناع من أنه لو دفع ثوبا لخياط وقال له: ان خطته اليوم فبدرهم وان خطته غدا فبنصفه .. أو قال أجرتك الدار بدرهم نقدا أو درهمين نسيئة .. أو دفع أرضه الى زارع وقال ان زرعتها برا فبخمسة وان زرعتها ذرة فبعشرة ونحوه لم يصح وله أجر مثله .. لأنه من قبيل بيعتين فى بيعة المنهى

(3)

عنه.

4 -

فى المساقاة: وكذا اشتراط عقد فى عقد المساقاة يبطلها.

جاء فى كشاف القناع أنه لو قال ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك على البستان الآخر بالربع لم يصح، لأنه كبيعتين فى بيعة المنهى عنه

(4)

».

5 -

فى الشركة والمضاربة: اذا اشترط فى هذين العقدين عقد آخر، كما اذا شرط عليه قرضا أو مضاربة أخرى، فان هذه الشروط تكون فاسدة لأنها ليست

(1)

منته الارادات ج 2 ص 25 وكشاف القناع ج 2 ص 40.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 140.

(3)

منته الارادات هامش كشاف القناع ج 2 ص 255.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 281.

ص: 227

من مصلحة العقد ولا من مقتضاه فأشبهت ما ينافيه ولا تفسد العقد، لأن الشركة والمضاربة عقد على مجهول فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح، وهذا ما صححه فى الانصاف وغيره.

لكن مقتضى القواعد أنه اذا شرط عليه ذلك يفسد العقد، لأنه كبيعتين فى بيعة المنهى عنه

(1)

.

6 -

فى النكاح: من الشروط الفاسدة التى تفسد عند النكاح نكاح الشعار وهو أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر بينهما سكتا عنه أو شرطا نفيه ولو لم يقل: وبضع كل واحدة منهما مهر الأخرى وكذا لو جعلا بضع كل واحدة ودراهم معلومة مهرا للأخرى لما روى عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشغار، والشغار أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق» متفق عليه.

ولأنه جعل كل واحد من العقدين سلفا فى الآخر فلم يصح، كما لو قال بعنى ثوبك على أن أبيعك ثوبى وليس فساده من قبل التسمية بل من جهة أنه وافقه على شرط فاسد، ولأنه شرط تمليك البضع لغير الزوج، فانه جعل تزويجه اياها مهرا للأخرى، فكأنه ملكه اياها بشرط انتزاعها منه.

فان سموا لكل واحدة منهما مهرا كأن يقول زوجتك ابنتى على أن تزوجنى ابنتك ومهر كل واحدة مائة. أو قال أحدهما ومهر ابنتى مائة ومهر ابنتك خمسون ..

صح العقد عليها بالمسمى

(2)

(أنظر مصطلح نكاح).

7 -

فى الضمان والكفالة: اذا اشترط فى الكفالة أو الضمان أن يتكفل المكفول به أو المضمون بشخص آخر، بأن قال:

«أنا كفيل بفلان على أن يتكفل لى بفلان أو يضمنه لى أو أنا ضامن ما على فلان على أن يتكفل لى بفلان أو يضمنه لى، أو كفل أو ضمن على أن يضمن المكفول به أو المضمون عنه دينا على الكفيل أو الضامن أو على أن يؤجره داره أو على أن يهبه كذا، فلا يصح الضمان - ولا الكفالة فى ذلك كله، لأنه من قبيل بيعتين فى بيعة، المنهى عنه

(3)

.

8 -

فى الهبة: اذا وهب شيئا واشترط على الموهوب له تصرفا آخر كما لو قال له: وهبتك هذا الشئ على أن تهب فلانا كذا فان الشرط فاسد، وأما الهبة ففى صحتها وجهان.

والظاهر بطلان الهبة لأنه من قبيل بيعتين فى بيعة المنهى

(4)

عنه.

الثانى: اشتراط شرطين فى بيع.

جاء فى كشاف القناع أنه ان جمع بين

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 258.

(2)

كشاف القناع ج 3 ص 53 - 54.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 182.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 479.

ص: 228

شرطين فى بيع ولم يكونا مما يقتضيه البيع ولا مما يحقق مصلحته كاشتراط حمل الحطب المبيع وتكسيره أو خياطة الثوب المبيع وتفصيله لم يصح البيع، لحديث عبد الله بن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يحل سلف وبيع ولا شرطان فى بيع ولا بيع ما ليس عندك رواه أبو داود والترمذى وقال حديث حسن صحيح.

أما اذا كان الشرطان المجموعان فى البيع من مقتضى البيع كاشتراط حلول الثمن مع تصرف كل منهما فيما يصير اليه فان هذه الشروط تصح بلا خلاف أو كانا يحققان مصلحة العقد كاشتراط رهن وضمين

(1)

.

معينين بالثمن فانه يصح كما لو كانا من مقتضاه».

الثالث: اشتراط ما ينافى مقصود العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى النكاح: اذا اشترط فى النكاح ما ينافى مقصود العقد كما اذا اشترط نفى الحل، بأن تزوجها على ألا تحل له فانه لا يصح النكاح، لاشتراط ما ينافيه

(2)

.

وكذا اذا اشترط الزوج فى النكاح طلاقها فى وقت، ولو كان هذا الوقت مجهولا فان هذا الشرط يفسد العقد، كالمتعة

(3)

.

وكذا (نكاح المحلل) وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثا بشرط أنه متى أحلها للأول طلقها أو يتزوجها بشرط أنه متى أحلها للأول فلا نكاح بينهما أو اتفقا على ذلك قبل العقد ولم يرجع عن نيته عند العقد .. فهذا النكاح حرام غير صحيح لقوله عليه الصلاة والسلام «لعن الله المحلل والمحلل له» رواه أبو داود وابن ماجة والترمذى، وقال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومنهم عمر وابنه وعثمان، وهو قول الفقهاء من التابعين، وروى ذلك عن على وابن عباس وقال ابن مسعود «المحلل والمحلل له ملعونان على لسان محمد صلى الله عليه وسلم

(4)

».

2 -

فى القرض: اذا اشترط فى القرض تأجيل أو نقص فى وفاء لم يلزم، لأنه شرط ينافى مقتضى العقد

(5)

.

3 -

فى الاجارة: اذا اشترط فى الاجارة ما ينافى مقتضاها فسدت وذلك كما لو اكترى أرضا لزرع مدة لا يكمل ذلك الزرع فيها عادة، وشرط بقاء الزرع ليدرك بعد مدة الاجارة، وكذا لو سكت فلم يشترط قطعا ولا بقاء.

أما فى الصورة الأولى، فلأنه جمع بين متضادين، لأن تقدير المدة يقتضى التفريغ بعدها، واشتراط التبقية يخالفه، ولأن مدة التبقية مجهولة.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 39.

(2)

كشاف القناع ج 3 ص ص 56.

(3)

كشاف القناع ج 3 ص 56.

(4)

كشاف القناع ج 3 ص 54 - 55.

(5)

منته الارادات ج 2 ص 89.

ص: 229

وأما فى الصورة الثانية، فلأنه أكتراها لزرع شئ لا ينتفع بزرعه فى مدة الاجارة.

أشبه اجارة الأرض السبخة للزرع

(1)

.

4 -

فى المزارعة والمساقاة والمناصبة

(2)

اذا اشترط فى هذه العقود ما يخالف مقتضاها فسدت وذلك كما لو دفع أرضه لمن يغرسها على أن الأرض والغراس بينهما فسد العقد.

قال فى المغنى: ولا نعلم فيه خلافا، لأنه شرط اشتراكهما فى الأصل كما لو دفع اليه شجر المغروس مساقاة ليكون الأصل والثمرة بينهما أو شرط فى المزارعة كون الأرض والزرع بينهما، فلا يصحان

(3)

.

وكذا ان شرط فى المساقاة أو المزارعة على أحدهما (المالك أو العامل) ما يلزم الآخر، أو بعضه فسد الشرط والعقد، لأنه شرط يخالف مقتضى العقد فأفسده كالمضاربة اذا شرط العمل فيها على رب المال

(4)

..

وان شرط المزارع أن يأخذ رب الأرض مثل بذره وأن يقتسما الباقى فهو شرط فاسد تفسد به المزارعة، لأنه قد لا يخرج من الأرض الا ذلك القدر فيختص به المالك وربما لا تخرجه وموضوعها على الاشتراك.

وان شرط فى المزارعة أو المساقاة لأحدهما رب البذر والشجر والعامل قفزانا معلومة لم تصح لما تقدم.

وكذا لو شرط لأحدهما دراهم معلومة لم تصح، لأنه ربما لا يخرج من الأرض الا ذلك فيؤدى الى الضرر، أو شرط لأحدهما زرع ناحية معينة فسدت، قال فى المغنى والمبدع، باجماع العلماء.

وكذا تفسد أن اشترط لأحدهما ما على الجداول أما منفردا أو مع نصيبه، واذا فسد العقد ففى المزارعة يكون الزرع لصاحب البذر وعليه أجرة العامل، وفى المساقاة يكون الثمر لصاحب الشجر وعليه أجرة العامل، لأنه بذل منافعه بعوض لم يسلم له فرجع الى بدله، وهو أجر المثل

(5)

(أنظر مصطلح مزارعة ومساقاة ومناصبة).

5 -

فى المضاربة: اذا اشترط فى المضاربة ما ينافى مقتضاها فسدت، وذلك كما لو قال لشخص: خذ هذا المال مضاربة بشرط أن يكون الربح كله لك، أو قال: خذه مضاربة والربح كله لى، فانها تفسد، لأن المضاربة تقتضى كون الربح بينهما فاذا شرط اختصاص أحدهما بالربح، فقد شرط ما ينافى مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح فى شركة العنان لأحدهما

(6)

.

واذا اشترط فى الشركة والمضاربة لواحد من المتعاقدين جزء مجهول من الربح كحظ أو نصيب لم يصحا، لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب أو اشترط دراهم

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 321.

(2)

المناصبة دفع أرض وشجر له ثمر مأكول لمن يغرسه ويعمل عايه بجزء مشاع معلوم من ثمرته أو منه.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 276.

(4)

نفس المرجع ج 2 ص 280.

(5)

كشاف القناع ج 2 ص 281.

(6)

نفس المرجع ج 2 ص 261 - 262.

ص: 230

معلومة لم تصح الشركة والمضاربة أيضا، لأنه قد لا يربح غيرها فيأخذ جميع الربح وقد لا يربح فيأخذ جزءا من المال وقد يربح كثيرا فيتضرر من شرطت له وكذا لو شرط لأحدهما ربح أحد الثوبين أو ربح أحد السفرتين أو ربح تجارته فى شهر بعينه أو فى عام بعينه، لم يصحا، لأنه قد يربح فى ذلك المعين دون غيره أو بالعكس فيختص أحدهما بالربح وهو مخالف لموضوع الشركة

(1)

.

6 -

فى الحوالة: جاء فى كشاف القناع أنه «يشترط فى الحوالة تماثل الدينين فى الجنس والصفة وفى الحلول والتأجيل بأجل واحد» .

فلو كان الحقان المحال به والمحال عليه - حالين فشرط المحتال أن يؤخره أو يؤخر بعضه الى أجل ولو كان الأجل معلوما لم تصح الحوالة، لأن الحال لا يتأجل ولو قيل يفسد الشرط، وتصح الحوالة كالشروط الفاسدة فى البيع لكان أوفى بالقواعد

(2)

. (أنظر مصطلح حوالة).

7 -

فى الضمان والكفالة: اذا اشترط فى هذين العقدين ما ينافى مقتضاهما فسدا وذلك كما لو شرط فى الضمان أو الكفالة خيار، كأن قال أنا ضمين بما عليه، أو كفيل ببدنه على أن لى الخيار ثلاثة أيام مثلا، فسذ الضمان والكفالة لمنافاة الخيار لهذين العقدين

(3)

. وكذا اذا قال:

كفلت ببدن فلان على أن يبرئ فلان (زيد مثلا) الكفيل أو قال: كفلت بفلان على أن يبرئ المكفول عنه الكفيل من الكفالة فسد الشرط والعقد، لأنه شرط فسخ العقد فى عقد، فلم يصح كالبيع بشرط فسخ بيع آخر.

وكذا لو قال كفلت لك بهذا الغريم على أن تبرئنى من الكفالة بفلان الآخر، أو قال ضمنت لك هذا الدين على أن تبرئنى من ضمان الدين الآخر، أو قال ضمنت لك هذا الدين على أن تبرئنى من الكفالة بفلان، فسد الشرط والعقد للتعليل المتقدم

(4)

.

(أنظر مصطلح كفالة وضمان).

8 -

فى الوقف: واذا اشترط فى الوقف ما ينافى مقتضاه فسد، وذلك كما لو شرط الواقف فى الوقف خيارا، بأن قال:

وقفته بشرط الخيار أبدا. أو مدة معينة شهرا أو سنة، أو بشرط تحويل الوقف عن الموقوف عليه الى غيره، بأن قال: وقفت دارى على كذا على أن أحولها عن هذه الجهة أو عن الوقفية بأن أرجع فيها متى شئت لم يصح الوقف، لأنه شرط ينافى مقتضى الوقف، لأن مقتضاه التأبيد والتأقيت ينافيه، وكشرطه تغيير شرطه وكشرط بيعه متى شاء، أو هبته أو متى شاء أبطله ونحوه لم يصح الوقف أيضا لأنه شرط ينافى مقتضى الوقف

(5)

. (أنظر مصطلح وقف).

النوع الثانى: شروط باطلة تسقط ويصح العقد: وهذا النوع من الشروط تندرج تحت الشروط الآتية:

(1)

نفس المرجع ج 2 ص 254.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 187.

(3)

منته الإرادات ج 2 ص 113.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 181 - 182.

(5)

نفس المرجع ج 2 ص 446، ص 448

ص: 231

الأول: شرط ينافى مقتضى العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى العقد ما ينافى مقتضاه، نحو أن يشترط ألا خسارة عليه، أو أنه متى نفق المبيع (راج) والا رده أو يشترط البائع على المشترى ألا يبيع المبيع، ولا يهبه ولا يعتقه، أى ألا يفعل واحدا من هذه الشروط، أو شرط البائع ان أعتق المشترى المبيع فالولاء للبائع، أو يشترط البائع على المشترى أن يبيعه أو يهبه أو يعتقه أو يقفه فهذا الشرط لا يبطل البيع، لحديث عائشة قالت: جاءتنى بريرة (الحديث تقدم ذكره فى مذهب الحنفية والمالكية والشافعية) فقد أبطل الرسول صلى الله عليه وسلم شرط الولاء ولم يبطل العقد

(1)

.

واذا لغا الشرط وصح العقد كان للذى فات غرضه بفساد الشرط من بائع ومشتر (علم بفساد الشرط أو لم يعلم) فسخ البيع، لأنه لم يسلم له ما دخل عليه من الشرط، أو أرش (عوض) ما نقص من الثمن بالغاء الشرط ان كان المشترط بائعا.

فاذا باعه بأنقص من ثمنه وشرط شرطا فاسدا فله الخيار بين الفسخ، وبين أخذ أرش النقص، لأنه انما باع بنقص لما يحصل له من الغرض الذى اشترطه، فاذا لم يحصل غرضه رجع بالنقص.

وان كان المشترى قد اشترى بزيادة على الثمن وشرط شرطا فاسدا، فله الخيار بين الفسخ وأخذ ما زاد لما تقدم

(2)

.

2 -

فى الاجارة: اذا اشترط فى الاجارة ما ينافى مقتضاها فسد الشرط فقط، وذلك كما لو اشترط على المستأجر استيفاء المنفعة بنفسه، فان الشرط يفسد ولا يلزم الوفاء به، لأنه شرط ينافى مقتضى العقد، اذ مقتضاه ملك المنفعة، ومن ملك شيئا استوفاه بنفسه وبنائبه.

وكذا لو اشترط على المستأجر زرع بر فقط، فلا يلزم الوفاء به وله زرع بر وما هو مثله ضررا أو أقل منه، وليس له أن يزرع ما هو أكثر منه ضررا.

وكذا لو اشترط على المستأجر ضمان العين فالشرط فاسد لمنافاته مقتضى العقد (أنظر مصطلح

(3)

اجارة).

3 -

فى النكاح والطلاق: اذا اشترط فى عقد النكاح ما ينافى مقتضاه بطل الشرط وصح العقد، وذلك كما لو اشترط الزوجان أو أحدهما فى النكاح الخيار بأن قال زوجتك بشرط الخيار أبدا أو مدة ولو مجهولة أو شرطا أو أحدهما الخيار فى المهر .. أو عدم الوط ء، أو شرطت ان جاء بالمهر فى وقت كذا، والا فلا نكاح بينهما، أو شرط الزوج عدم المهر، أو عدم النفقة أو شرط قسمة لها أقل من ضرتها، أو أكثر

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 40.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 41.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 303.

ص: 232

منها، أو شرط ان أصدقها رجع عليها بما أصدقه لها أو ببعضه، أو شرطت أن يعزل عنها أو ألا يكون عندها فى الجمعة الا ليلة، أو ألا تسلم نفسها اليه، الا بعد مدة معينة، أو ألا يسافر بها اذا أرادت انتقالا، أو أن يسكن بها حيث شاءت أو حيث شاء أبوها، أو غيره من قريب أو أجنبى أن تستدعيه الى الجماع وقت حاجتها، أو وقت ارادتها أو شرط الزوج لها النهار دون الليل، أو شرط أن تنفق عليه، أو أن تعطيه شيئا ونحوه كأن شرطت عليه أن ينفق عليها كل يوم عشرة دراهم مثلا بطل الشرط، لأنه شرط ينافى مقتضى العقد، ويتضمن اسقاط حقوق تجب بالعقد، قبل انعقاده فلم يصح، كما لو أسقط الشفيع شفعته قبل البيع، وصح العقد، لأن هذه الشروط تعود الى معنى زائد فى العقد لا يشترط ذكره ولا يضر الجهل به فلم يبطله كما لو شرط فيه صداقا محرما، ولأن النكاح يصح مع الجهل بالعوض فجاز أن ينعقد مع الشرط الفاسد كالعتق.

وان طلق بشرط خيار وقع طلاقه ولغا شرطه كالنكاح وأولى

(1)

.

4 -

فى الشركة والمضاربة اذا اشترط فى هذين العقدين ما ينافى مقتضاهما، فسد الشرط وصح العقد.

وذلك كما لو اشترط الشريك أو رب المال على شريكه أو على المضارب ضمان المال أن تلف بلا تعد أو تفريط.

أو شرط أن عليه من الوضيعة أى الخسارة أكثر من قدر ماله فسد الشرط وحده، لمنافاته لمقتضى العقد.

وكذا لو شرط عليه الارتفاق بالسلع كلبس ثوب أو استخدام عبد أو ركوب دابة فسد الشرط فيه، لأنه لا مصلحة للعقد فيه، فأشبه اشتراط ما ينافيه.

أو شرط عليه ألا يفسخ الشركة مدة بعينها، أو ألا يبيع الا برأس المال أو أقل من رأس المال أو ألا يبيع الا ممن اشترى منه أو ألا يبيع، أو لا يشترى، أو شرط عليه لزوم العقد فسد الشرط وحده، لمنافاته مقتضى العقد

(2)

، لأنها تفوت المقصود من عقد الشركة أو تمنع الفسخ الجائز بحكم الأصل، والشركة والمضاربة صحيحة كالشروط الفاسدة فى عقد البيع والنكاح

ونحوهما

(3)

. (أنظر مصطلح شركة ومضاربة).

5 -

فى الوكالة: اذا اشترط فى عقد الوكالة ما ينافى مقتضاه بطل الشرط وصح العقد.

فلو قال له: وكلتك بشرط أن تضمن ما يتلف منك فاذا تلف منه شئ بغير تفريط لم يضمنه، لأنه أمين والشرط لاغ، لأنه

(1)

كشاف القناع ج 3 ص 57 ومنته.

الإرادات ج 3 ص 73 - 74.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 258.

(3)

منته الارادات ج 2 ص 206.

ص: 233

ينافى مقتضى العقد

(1)

. (أنظر مصطلح وكالة).

6 -

فى الرهن: اذا اشترط فى عقد الرهن ما ينافى مقتضاه بطل الشرط وصح العقد، وذلك كما لو شرط ألا يباع الرهن عند حلول الأجل، أو الا يباع ما خيف تلفه مما يسرع اليه الفساد كالعنب والرطب ونحوه، أو شرط بيعه بأى ثمن كان أو شرط ألا يبيعه الا بما يرضيه ..

أو شرط كونه مضمونا على المرتهن أو مضمونا على العدل، أو شرط ألا يقبضه، أو ان جاءه بحقه فى محله فبها، والا فالرهن له بالدين أو يبيع له بالدين الذى له على الراهن، أو شرط الراهن أن المرتهن لا يستوفى الدين من ثمنه أو شرطا الخيار للراهن، أو شرطا ألا يكون العقد لازما فى حق الراهن، أو شرطا توقيت الرهن، بأن قالا: هو رهن عشرة أيام مثلا، أو شرطا أن يكون الرهن يوما رهنا، ويوما لا يكون رهنا، أو شرطا كون الرهن فى يد الراهن، فالشرط فى كل ذلك فاسد، لمنافاته مقتضى العقد، والرهن صحيح مع فساد الشرط، لحديث «لا يغلق الرهن» رواه الأثرم عن عبد الله بن جعفر ..

ووجه الدليل فيه أنه صلى الله عليه وسلم نفى غلق الرهن دون أصله فدل على صحته وقيس عليه سائر الشروط الفاسدة

(2)

.

7 -

فى الهبة: لا يصح اشتراط ما ينافى عقد الهبة فاذا اشترط ذلك صح العقد وبطل الشرط.

ومن أمثلته ما اذا اشترط الواهب على المتهب ألا يبيع العين الموهوبة ولا يهبها، أو ألا ينتفع بها أو وهبه عينا واشترط أن يبيعها أو يهبها فلا يصح الشرط، لأن مقتضى الملك التصرف المطلق فالحجر فيه مناف لمقتضاه وتصح الهبة المشروط فيها ما ينافى مقتضاها، كالشروط الفاسدة فى البيع

(3)

(أنظر مصطلح هبة).

8 -

فى الوديعة: اذا اشترط فى الوديعة ما ينافى مقتضاها بطل الشرط وصح التصرف، كما لو شرط رب الوديعة على الوديع ضمان الوديعة لم يصح الشرط ولم يضمنها الوديع، لأنه شرط ينافى مقتضى العقد، أو قال الوديع: أنا ضامن للوديعة لم يضمن ما تلف بغير تعد أو تفريط، وكذلك كل ما كان أصله الأمانة كالرهن والعين المؤجرة والموصى بنفعها ونحوها لا يصح شرط ضمانها ولا ضمانها

(4)

(أنظر مصطلح وديعة).

9 -

العارية: وكذلك اذا اشترط فى العارية نفى ضمانها لغا الشرط ولم يسقط الضمان، لأن كل عقد اقتضى الضمان، لم يغيره الشرط كالمقبوض ببيع، لأن شرط خلاف

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 247.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 165.

(3)

كشاف القناع ج 2 ص 479.

(4)

كشاف القناع ج 2 ص 396.

ص: 234

مقتضى العقد

(1)

فاسد

والعقد صحيح (أنظر مصطلح عارية).

10 -

فى السبق والمناضلة

(2)

: لا يشترط فى السبق والمناضلة تعيين الراكبين ولا القوسين ولا السهام ولو عينها لم تتعين وكل ما تعين لا يجوز ابداله كالمتعين فى البيع ومالا يتعين يجوز ابداله لعذر وغيره.

فان شرط المتسابق ألا يرمى بغير هذا القوس أو بغير هذا السهم فهذا الشرط فاسد لأنه ينافى مقتضى العقد

(3)

.

وان شرط المتسابقان أن السابق يطعم السبق بفتح

(4)

الموحدة أصحابه أو يطعمه بعضهم أو يطعمه غيرهم أو قال: ان سبقتنى فلك كذا أولا أرمى أبدا أو شهرا، لم يصح الشرط، لأن السبق عوض على عمل، فلا يستحقه غير العامل، كالعوض فى رد الآبق، ويصح عقد المسابقة، لأنها عقد لا تتوقف صحته على تسمية بدل فلم تفسد بالشرط الفاسد كالنكاح

(5)

.

وفى المناضلة يشترط استواء المتناضلين فى عدد الرشق وعدد الاصابة وفى صفتها وسائر أحوال الرمى.

فان اشترطا ما تفوت به المساواة لم يصح الشرط لمنافاته لموضوع المسابقة، كما لو اشترطا رشق أحدهما عشرة والآخر عشرين أو اشترطا أن يصيب أحدهما خمسة وأن يصيب الآخر ثلاثة .. أو اشترطا أن يرمى أحدهما من بعد وأن يرمى الآخر من قرب. أو أن يرمى أحدهما وبين أصابعه سهم والآخر بين أصابعه سهمان أو أن يرمى أحدهما وعلى رأسه شئ والآخر خال عن شاغل، أو شرطا أن يحط عن أحدهما واحد من خطئه لا عليه ولا له، وأشباه هذا مما تفوت به المساواة لم يصح لمنافاته لموضوع المسابقة

(6)

.

الثانى: شرط يؤدى الى جهالة أو أمر غير مشروع.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع ما يؤدى الى جهالة أو أمر غير مشروع بطل الشرط وصح البيع، وذلك كما لو اشترط المشترى أن الطير المبيع يوقظه للصلاة، أو أنه يصيح عند دخول الصلاة، أو أن يكون الديك المبيع مناقرا أو الكبش مناطحا، أو اشترط المشترى الغناء فى الجارية، أو أن البهيمة تحلب فى كل يوم قدرا معلوما لم يصح الشرط، لأنه اما أنه لا يمكن الوفاء به، أو محرم فهو ممنوع شرعا ..

وكذا أن شرط أن الجارية المبيعة

(1)

نفس المرجع ج 2 ص 336.

(2)

السبق بسكون. الباء المجاراة بين حيوان ونحوه كالسفن والمناضلة وهى المسابقة بالسهام.

(3)

4 كشاف القناع ج 2 ص 323.

(4)

السبق بفتح الباء الجعل الذى يسابق عليه.

(5)

كشاف القناع ج 2 ص 325.

(6)

نفس المرجع ج 2 ص 327.

ص: 235

لا تحمل أو أنها تضع الولد فى وقت بعينه لم يصح الشرط لأنه لا يمكن الوفاء به

(1)

.

وكذا ان شرط الولاء للبائع فان الشرط يلغو ويصح العقد لحديث بريرة (وقد تقدم الاشارة اليه فى مذهب الحنفية والمالكية والشافعية).

وكذا لو شرط ضمينا أو كفيلا غير معين، أو شرط خيارا أو أجلا مجهولين، كان باعه بشرط الخيار وأطلق أو الى الحصاد ونحوه أو بثمن مؤجل الى الحصاد ونحوه، أو شرط تأخير تسليم المبيع بلا انتفاع البائع به، فان الشرط يلغو ويصح البيع قياسا على اشتراط الولاء للبائع

(2)

(أنظر مصطلح بيع).

2 -

فى الرهن وكذا لو شرط فى الرهن شرط لا يقتضيه العقد كالمحرم من خمر وخنزير ونحوهما، أو شرط رهن المجهول المعدوم وما لا يقدر على تسليمه كالآبق والشارد ونحو ذلك مما لا يصح بيعه، فان الشرط يكون باطلا والعقد صحيحا

(3)

.

(أنظر مصطلح رهن).

3 -

فى الكتابة: اذا اشترط المكاتب فى كتابته أن يوالى من شاء فالشرط باطل، والولاء لمن أعتق لقوله صلى الله عليه وسلم فى قصة بريرة «فانما الولان لمن أعتق» متفق عليه

(4)

.

رأى ابن تيمية وابن القيم فى الشروط:

يؤيد ابن تيمية أن الأصل فى الشروط الجواز والصحة ولا يحرم ويبطل منها الا ما دل على تحريمه وابطاله نص أو قياس عند من يقول به ..

كما يرى أن الشرط المحذور هو الشرط الذى ينافى مقصود العقد، كاشتراط الطلاق فى النكاح واشتراط الفسخ فى العقد

(5)

.

كما يرى ابن القيم أن الأصل فى الشروط الصحة الا ما أبطله الشارع

(6)

. أو نهى عنه.

‌مذهب الظاهرية:

القسم الأول: الشروط الصحيحة.

ومن أمثلتها:

1 -

فى البيع: ما جاء فى المحلى من أن كل شرط وقع فى حال عقد بيع من البائع والمشترى أو من أحدهما برضى الآخر فالبيع باطل مفسوخ والشرط باطل، الا سبعة شروط فقط، فانها لازمة والبيع صحيح ان شرطت فى البيع.

(1)

كشاف القناع ج 2 ص 37 ومنته الإرادات ج 2 ص 23.

(2)

كشاف القناع ج 2 ص 41.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 165.

(4)

نفس المرجع ج 2 ص 677.

(5)

الفتاوى لابن تيمية المجلد الثالث ص 323.

(6)

اعلام الموقعين لابن القيم ج 2 ص 34.

ص: 236

الشرط الأول: اشتراط الرهن فيما تبايعاه الى أجل مسمى، لقوله تعالى:

«وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ» .

ولا يجوز اشتراط الرهن الا فى البيع الى أجل مسمى فى السفر خاصة أو فى السلم الى أجل مسمى فى السفر خاصة أو فى القرض الى أجل مسمى خاصة مع الكاتب لقوله صلى الله عليه وسلم «كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل وان كان مائة شرط» ، وقال عز وجل «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» (الاية)

(1)

الى قوله تعالى «وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ}

(2)

» فههنا يجوز اشتراط الرهن حيث أجازه الله تعالى، والدين الى أجل مسمى لا يعدو أن يكون بيعا، أو سلما، أو قرضا، فهذه الوجوه يجوز فيها اشتراط التأجيل، لورود النصوص بوجوبه فى السلم، وجوازه فى القرض والبيع فى السفر، ولا يجوز فيما عدا ذلك أصلا، لأنه لم يأت فى شئ من المعاملات سوى ما ذكر نص بجواز اشتراط التأجيل

(3)

.

الشرط الثانى: اشتراط تأخير الثمن ان كان دنانير أو دراهم الى أجل مسمى:

وانما جاز هذا الشرط لقوله تعالى «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}

(4)

.

الشرط الثالث: اشتراط الا خلابة يجوز اشتراط ذلك لما روى نافع عن ابن عمر قال: ان حبان بن منقذ سفع فى رأسه فى الجاهلية مأمومة فخبلت لسانه فكان اذا بايع خدع فى البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بايع وقل لا خلابة ثم أنت بالخيار» وفى رواية بزيادة «ثم أنت بالخيار ثلاثا من بيعك»

(5)

.

الشرط الرابع: اشتراط الصفات التى يتبايعان عليها من السلامة أو من ألا خديعة ومن صناعة العبد، أو الأمة أو سائر صفات المبيع، يجوز اشتراط ذلك لقوله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»

(6)

فنص الله تعالى على التراضى منهما، والتراضى لا يكون الا على صفات المبيع وصفات الثمن ضرورة

(7)

.

الشرط الخامس: اشتراط أداء الثمن الى ميسرة وان لم يذكرا أجلا.

يجوز هذا الشرط لقوله تعالى:

(1)

سورة البقرة الآية رقم 282.

(2)

سورة البقرة الآية رقم 283.

(3)

المحلى ج 8 ص 87 - 88.

(4)

سورة البقرة الآية رقم 282.

(5)

المحلى ج 8 ص 409.

(6)

سورة النساء الآية رقم 29.

(7)

المحلى ج 8 ص 414 - 416.

ص: 237

«وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة» وروى عكرمة عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الى يهودى قدمت عليه ثياب: ابعث الى بثوبين الى الميسرة»

(1)

.

الشرط السادس: اشتراط مال العبد المباع أو الأمة للمشترى سواء اشترطه كله أو بعضه أو اشترط مسمى معينا أم جزءا منسوبا مشاعا كان المال معلوما أم مجهولا.

يجوز اشتراط ذلك لما روى ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من باع عبدا وله مال فماله للبائع الا أن يشترطه المبتاع ومن باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع الا أن يشترطها المبتاع.

فمن ابتاع عبدا أو أمة لهما مال فما لهما للبائع، الا أن يشترطه المبتاع فيكون له ولا حصة له من الثمن، كثر أو قل، وليس له حكم البيع أصلا.

فان كان فى مال العبد أو الأمة ذهب كثير أو قليل، وقد ابتاع الأمة أو العبد بذهب أقل من ذلك الذهب أو مثله أو أكثر نقدا أو حالا فى الذمة أو الى أجل جاز كل ذلك، وكذلك أن كان فيه فضة.

فان باع نصف عبده أو نصف أمته أو جزءا مسمى مشاعا فيهما جاز ذلك، ولا يجوز هنا اشتراط المال أصلا، وكذلك لو باع نصيبه من عبد بينه وبين آخر.

فلو باع اثنان عبدا بينهما جاز للمشترى اشتراط المال لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك بلفظ الاشتراط كما قدمنا

(2)

والاشتراط غير البيع فليس له حكم البيع .. وقد ملك المال بالشرط الصحيح

(4)

.

وكذلك للمبتاع أن يشترط شيئا مسمى بعينه من مال العبد أو الأمة، وله أن يشترط ثلثا أو ربعا أو نحو ذلك

(3)

.

الشرط السابع: اشتراط الثمرة المؤبرة للمشترى: وانما جاز هذا الشرط لقوله صلى الله عليه وسلم (فيما رواه ابن عمر) ومن باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع الا أن يشترطها المبتاع.

والتأبير فى النخل هو ان يشق الطلع ويذر فيه دقيق الفحال.

وأما قبل الابار فالطلع للمبتاع ولا يجوز فى ثمرة النخل الا الاشتراط فقط.

وأما البيع فلا يجوز حتى يصير زهوا

(4)

. فاذا أزهى جاز فيه الاشتراط

(1)

نفس المرجع.

(2)

المحلى ج 8 ص 422 - 423.

(3)

نفس المرجع ج 8 ص 423 - 424.

(4)

الزهو: اليسر الملون.

ص: 238

مع الأصول وجاز فيه البيع مع الأصول ودون الأصول.

وليس هذا الحكم الا فى النخل المأبور وحده كما جاء النص.

ولو ظهرت ثمرة النخل بغير ابار لم يحل اشتراطها أصلا لأنه خلاف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأما سائر الثمار فان من باع الأصول وفيها ثمرة قد ظهرت أو لم يبد صلاحها، فالثمرة للبائع لا يحل بيعها لا مع الأصول ولا دونها ولا اشتراطها أصلا.

وأما تخصيص النخل بما ذكرنا، فلأن النص لم يرد الا فيها فقط مع وجود الآبار.

ولا يجوز فى ثمرة النخل الا الاشتراط فقط ما لم تزه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى تزهى وتحمر، فلا يجوز بيعها قبل أن تزهى أصلا، واباح عليه السلام اشتراطها، فيجوز ما أجازه عليه السلام ويحرم ما نهى عنه

(1)

. وما ينطق عن الهوى ان هو الا وحى يوحى

(2)

.

وللمشترى أن يشترط الثمرة المؤبرة جميعها أو نصفها أو ثلثها أو جزءا مسمى مشاعا فى جميعها أو شيئا منها معينا

(3)

.

ومن باع نخلة أو نخلتين وفيها ثمر قد أبر لم يجز للمبتاع اشتراط ثمرتها أصلا.

ولا يجوز هذا الشرط الا فى ثلاث نخلات فصاعدا لأن النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله «من باع نخلا» لم يجز هذا الشرط الا فى النخل وأقل ما يقع عليه اسم النخل ثلاث فصاعدا

(4)

.

2 -

فى النكاح: اذا اشترطت سلامة الزوجة من العيوب فى عقد النكاح ثم وجد الزوج عيبا أى عيب كان فالنكاح مفسوخ مردود لا خيار له فى أجازته ولا صداق فيه ولا ميراث ولا نفقة دخل أو لم يدخل، لأن التى أدخلت عليه غير التى تزوجها، ولأن السالمة غير المعيبة فاذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما

(5)

.

ومن أعتق أمة على أن يتزوجها وجعل عتقها صداقها لا صداق لها غيره، فهو صداق صحيح، ونكاح صحيح، وسنة فاضلة.

فان طلقها قبل الدخول فهى حرة ولا يرجع عليها بشئ.

(1)

المحلى ج 8 ص 424.

(2)

الآية رقم 3، 4 من سورة النجم.

(3)

المحلى ج 8 ص 426.

(4)

المحلى ج 8 ص 426 - 427.

(5)

المحلى ج 10 ص 115.

ص: 239

فلو أبت أن تتزوجه بطل عتقها وهى مملوكة له كما كانت .. لما روى عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها

(1)

.

القسم الثانى: الشروط الباطلة التى تبطل التصرف.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: لا يحل بيع جارية بشرط أن توضع على يدى عدل حتى تحيض، رائعة كانت أو غير رائعة والبيع بهذا الشرط فاسد

(2)

.

ولا يحل بيع عبد أو أمة على أن يعطيها البائع كسوة، قلت أو كثرت ولا بيع دابة على أن يعطيها البائع أكافها أو رسنها أو بردعتها، والبيع بهذا الشرط باطل مفسوخ لا يحل

(3)

.

ولا يجوز بيع السلعة على أن تكون رهنا عن ثمنها، فان وقع فالبيع مفسوخ، ولكن يجوز للبائع امساك سلعته حتى ينتصف من ثمنها ان كان مالا، والا فليس له ذلك، وهذا لأنه قد اشترط منع المشترى من قبض ما اشتراه مدة مسماة، وهذا شرط ليس فى كتاب الله عز وجل فهو باطل، وأيضا فان المشترى لا يملك ما اشترى الا بتمام عقد البيع بينهما والبيع لا يتم الا بالتفرق أو التخيير فما لم يتم يكون الشئ المبيع ملكا للبائع

(4)

.

ولا يحل بيعتان فى بيعة مثل أبيعك سلعتى بدينارين على أن تعطينى بالدينارين كذا وكذا درهما، أو كمن ابتاع سلعة بمائة درهم على أن يعطيه دنانير كل دينار بعدد من الدراهم، ومثل أبيعك سلعتى هذه بدينارين نقدا، أو بثلاثة نسيئة، ومثل أبيعك سلعتى هذه بكذا وكذا على أن تبيعنى سلعتك هذه بكذا وكذا.

فهذا كله حرام مفسوخ محكوم عليه بحكم الغصب .. لما روى عن ابن عمر رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعتين فى بيعة.

وما روى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

من باع بيعتين فله أوكسهما أو الربا.

كما روى عن محمد بن سيرين قال «شرطين فى بيع: أبيعك الى شهر بعشرة فان حبسته شهرا فتأخذ عشرة (أى أخرى) قال شريح: أقل الثمنين وأبعد الأجلين أو الربا، قال عبد الله: فسألت أبى فقال: هذا بيع فاسد

(5)

.

ولا يجوز البيع بشرط البراءة من كل عيب، ولا على ألا يقوم على بعيب ان وجد

(1)

المحلى ج 9 ص 501 - 507.

(2)

المحلى ج 8 ص 427 - 428.

(3)

المحلى ج 8 ص 428 - 429.

(4)

نفس المرجع ج 8 ص 100 - 101.

(5)

المجلى ج 9 ص 15 - 16.

ص: 240

وأنه برئ منه، والبيع بهذا الشرط فاسد مفسوخ، لأنه انعقد على شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل ولأنه غش والغش محرم قال عليه السلام:

«من غشنا فليس منا» وقال عليه السلام «الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم» .

ومن باع بالبراءة من العيوب فلا يخلو من أن يكون أراد بذلك ألا يقام عليه بعيب ان وجد وأنه برئ منه فقد ذكرنا أن البيع باطل، أو يكون أراد فيه كل عيب فهذا باطل بيقين، لأن الحمى عيب وهى من حر والفالج عيب وهو من برد وهما متضادان، وكل بيع انعقد على الكذب والباطل، فهو باطل، ولا فرق فى هذا بين أن يسمى العيوب كلها أو بعضها أو لا يسميها

(1)

.

ولا يجوز بيع شئ بأكثر مما يساوى، أو بأقل مما يساوى اذا اشترط البائع أو المشترى السلامة الا بمعرفة البائع والمشترى معا بمقدار الغبن فى ذلك ورضاهما به.

فان اشترط أحدهما السلامة ووقع البيع كما ذكرنا ولم يعلما قدر الغبن أو علمه غير المغبون منهما، ولم يعلمه المغبون، فهو بيع باطل، مفسوخ مضمون على من قبضه ضمان الغصب، وليس لهما اجازته الا بابتداء عقد ..

لقوله تعالى «لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» ولا يكون التراضى الا على قدر معلوم، ولا شك أن من لم يعلم بالغبن ولا بقدره لم يرض به

(2)

.

ومن باع سلعة بثمن مسمى حالة، أو الى أجل مسمى قريبا أو بعيدا فله أن يبتاع تلك السلعة من الذى باعها منه بثمن مثل الذى باعها به منه، وبأكثر منه وبأقل حالا والى أجل مسمى أقرب من الذى باعها منه اليه أو أبعد أو مثله كل ذلك حلال، ما لم يكن ذلك عن شرط مذكور فى نفس العقد، فان كان عن شرط فهو حرام مفسوخ محكوم فيه بحكم الغصب ..

لأنه شرط ليس فى كتاب الله عز وجل

(3)

.

ولا يحل بيع سلعة مشتراة بشرط أن يربحه للدينار درهما، ولا على أنى أربح معك فيه كذا وكذا درهما، فان وقع فهو مفسوخ أبدا، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى، ولأنه بيع بثمن مجهول، لأنهما انما تعاقدا البيع على أنه يربح معه للدينار درهما ..

فهذا بيع الغرر الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(4)

.

(1)

المحلى ج 9 ص 44.

(2)

المحلى ج 8 ص 439 - 442.

(3)

المحلى ج 9 ص 47 - 52.

(4)

المحلى ج 9 ص 14 - 15.

ص: 241

2 -

فى الصرف: ومن صارف غيره دنانير بدراهم فعجز عن تمام مراده فاستقرض من مصارفه أو من غيره ما أتم به صرفه فحسن ما لم يكن عن شرط فى الصفقة

(1)

.

3 -

فى الصلح: لا يجوز فى الصلح الذى يكون فيه ابراء من البعض اشتراط التأجيل أصلا، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل، لكنه يكون حالا فى الذمة ينظره به ما شاء بلا شرط، لأنه فعل خير

(2)

.

4 -

فى الاجارة: لا يجوز فى الاجارة تعجيل الأجرة، ولا تعجيل شئ منها، ولا اشتراط تأخيرها الى أجل، ولا تأخير شئ منها كذلك.

ولا يجوز أيضا اشتراط تأخير الشئ المستأجر ولا تأخير العمل المستأجر له طرفة عين فما فوق ذلك، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل.

ومن هذا استئجار دار مكتراة أو عبد مستأجر أو دابة مستأجرة أو عمل مستأجر أو غير ذلك قبل تمام الاجارة التى هو مشغول فيها، لأن فى هذا العقد اشتراط تأخير قبضه الشئ المستأجر أو العمل المستأجر له

(3)

.

ولا تجوز مشارطة الطبيب على البرء أصلا لأنه بيد الله تعالى لا بيد أحد، وانما الطبيب معالج ومقو للطبيعة بما يقابل الداء، ولا يعرف كمية قوة الدواء من كمية قوة الداء فالبرء لا يقدر عليه الا الله تعالى

(4)

.

ولا يجوز أن يشترط على المستأجر للخياطة احضار الخيوط ولا على الوراق القيام بالحبر، ولا على البناء القيام بالطين أو الصخر أو الجيار وهكذا فى كل شئ .. لأنه اجارة وبيع معاقد اشترط أحدهما مع الآخر فحرم ذلك من وجهين:

أحدهما أنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل.

والثانى أنه بيع مجهول واجارة مجهولة لا يدرى ما يقع من ذلك للبيع ولا ما يقع منه للاجارة فهو أكل مال بالباطل.

فان تطوع كل من ذكرنا باحضار ما ذكرنا من غير شرط جاز ذلك لأنه فعل خير

(5)

.

فى السلم: لا يجوز فى السلم أن يشترطا دفع المسلم فيه فى مكان معين، فان فعلا فالصفقة كلها فاسدة مفسوخة محكوم فيها بحكم الغصب ..

لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى، لكن

(1)

نفس المرجع ج 8 ص 512.

(2)

نفس المرجع ج 8 ص 165.

(3)

المحلى ج 8 ص 183 - 184.

(4)

المحلى ج 8 ص 196.

(5)

المحلى ج 8 ص 196 - 197.

ص: 242

حق المسلم قبل المسلم اليه، أنه حيثما لقيه عند محل الأجل فله أخذه ليدفع حقه اليه، فان غاب أنصفه الحاكم من ماله ان وجد له بقول الله تعالى «إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها}

(1)

فهو مأمور بأداء أمانته حيث وجبت عليه ..

وكذلك يفسد السلم اذا اشترط فيه كفيل، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى.

وأما اشتراط الرهن فيه فهو جائز لورود النص فيه كما سبق أن بينا

(2)

.

6 -

فى القرض: لا يحل للمقترض أن يقضى ما عليه من غير نوع ما استقرض سواء اشترط ذلك أو لم يشترط مثل أن يقرضه ذهبا فيرد عليه فضة أو غير ذلك .. لأنه اذا رد عليه غير ما كان عليه فقد أخذ غير حقه، ومن أخذ غير حقه فقد أكل المال بالباطل وهو منهى عنه

(3)

.

وهدية الذى عليه الدين الى الذى له عليه الدين حلال، وكذلك ضيافته اياه، ما لم يكن شئ من ذلك عن شرط.

فان كان عن شرط فهو حرام، لما روى عن أبى شريح العدوى أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه جائزته يومه وليلته، والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة».

وكان عليه السلام يأكل الهدية وقال عليه السلام لو أهدى الى ذراع لقبلت «فهذا عموم لم يخص عليه السلام من ذلك غريما من غيره»

(4)

.

7 -

فى المزارعة والمساقاة: اذا تطوع صاحب الأرض بأن يسلف العامل بذرا أو دراهم أو يعينه بغير شرط جاز، لأنه فعل خير وتعاون على بر وتقوى، فان كان شئ من ذلك عن شرط فى نفس العقد بطل العقد وفسخ، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى وعقد رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الذين دفع اليهم خيبر انما كان كما أوردنا قبل أن يعتملوها بأموالهم

(5)

.

(أنظر مصطلح مساقاة ومزارعة).

وليس لهم اشتراط شئ يزرع فى الأرض فان اشترطوا ذلك فى العقد فسد الا أن يشترط صاحب الأرض ألا يزرع العامل.

فيها ما يضر بأرضه أو شجره ان كان له فيها شجر فهذا واجب، لأن خلافه فساد واهلاك للحرث قال الله تعالى «إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ» وقال تعالى

(1)

سورة النساء الآية رقم 58.

(2)

المحلى ج 9 ص 110.

(3)

المحلى ج 8 ص 79.

(4)

المحلى ج 8 ص 85 - 86.

(5)

نفس المرجع ج 8 ص 224.

(6)

المحلى ج 8 ص 225.

ص: 243

«يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ» .

ومن أصاب منهما ما تجب فيه الزكاة فعليه الزكاة ومن قصر نصيبه عما فيه الزكاة فلا زكاة عليه.

ولا يحل

(1)

اشتراط الزكاة من أحدهما على الآخر، لقول الله تعالى «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى}.

ولا يجوز أن يشترط على صاحب الأرض فى المزارعة والمغارسة والمعاملة فى ثمار الشجر لا أجير، ولا عبد، ولا سانية، ولا قادوس، ولا حبل ولا دلو ولا عمل ولا شئ أصلا، وكل ذلك على العامل.

فلو تطوع صاحب الأصل بكل ذلك أو ببعضه فحسن

(2)

بغير شرط جاز.

8 -

فى القراض: لا يجوز أن يشترط فى القراض عبدا يعمل معه أو أجيرا يعمل معه أو جزءا من الربح لفلان لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل

(3)

.

9 -

فى الشركة: لا يحل للشريكين فصاعدا أن يشترطا أن يكون لأحدهما من الربح زيادة على مقدار ماله فيما يبيع، ولا أن يكون عليه خسارة، ولا أن يشترطا أن يعمل أحدهما دون الآخر، فان وقع شئ من ذلك فهو باطل مردود، وليس له من الربح الا ما يقابل ما له من المال، وعليه من الخسارة بقدر ذلك، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى

(4)

.

ومن كانت بينهما الدابة مشتركة لم يجز أن يتشارطا استعمالها بالأيام، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل

(5)

.

10 -

فى النكاح: اذا اشترط فى النكاح شرط فاسد مثل أن يؤجل الصداق الى أجل مسمى أو غير مسمى، أو يؤجل بعضه الى أجل كذلك، أو عقد النكاح على ألا ينكح عليها، أو ألا يتسرى عليها، أو ألا يرحلها عن بلدها، أو عن دارها، أو ألا يغيب مدة أكثر من كذا، أو على أن يعتق أم ولده فلانة، أو على أن ينفق على ولدها، أو شرط هبة كذا، أو بيع كذا، أو نحو ذلك، فهو نكاح فاسد مفسوخ أبدا، وان ولدت له الأولاد، ولا يتوارثان، ولا يجب فيه نفقة ولا صداق ولا عدة، لأن هذه شروط ليست فى كتاب الله تعالى، ولأن كل ذى عقل يعلم ان كل ما عقدت صحته بصحة أمر لا يصح، فانه لا يصح، فكل نكاح عقد على ألا صحة له الا بصحة الشروط المذكورة فلا صحة له واذا كان غير

(1)

المحلى ج 8 ص 226.

(2)

المحلى ج 8 ص 232.

(3)

المحلى ج 8 ص 247.

(4)

المحلى ج 8 ص 124.

(5)

المحلى ج 8 ص 126.

ص: 244

صحيح فلا تكون زوجة، واذا لم تكن زوجة فان كان عالما فعليه حد الزنا ولا يلحق به الولد .. وان كان جاهلا فلا حد عليه والولد لا حق به

(1)

.

وكذا يفسخ النكاح اذا اشترط فيه ألا صداق عليه لأن الله تعالى يقول «وَآتُوا النِّساءَ صَدُقاتِهِنَّ نِحْلَةً» فقد أمر الله تعالى به واشتراط ألا صداق مخالف لما أمر الله به.

ويجوز بغير

(2)

ذكر صداق لقوله تعالى {لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً».

وأيضا لا يحل نكاح الشغار وهو أن يتزوج هذا ولية هذا على أن يزوجه الآخر وليته أيضا سواء ذكرا فى كل ذلك صداقا لكل واحدة منهما، أو لأحداهما دون الأخرى، أو لم يذكرا فى شئ من ذلك صداقا، كل ذلك سواء يفسخ أبدا، ولا نفقة فيه، ولا ميراث، ولا صداق، ولا شئ من أحكام الزوجية، ولا عدة.

فان كان عالما فعليه الحد كاملا ولا يلحق به الولد.

وان كان جاهلا فلا حد عليه والولد له لاحق.

وان كانت هى عالمة بتحريم ذلك فعليها الحد.

وان كانت جاهلة فلا شئ عليها، لما روى أن العباس بن عبد الله بن العباس ابن عبد المطلب أنكح ابنته عبد الرحمن ابن الحكم بن أبى العاص بن أمية، وأنكحه عبد الرحمن ابنته وكانا جعلا صداقا، فكتب معاوية الى مروان يأمره بالتفريق بينهما، وقال معاوية فى كتابه: هذا الشغار الذى نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم

(3)

.

واذا تزوج شخص المطلقة ثلاثا ليحلها لزوجها الأول، فان اشترط فى العقد انه يطلقها اذا وطئها فهو عقد فاسد مفسوخ ولا تحل له به .. وان لم يشترط ذلك فى العقد جاز، ويكون بالخيار ان شاء طلقها، وان شاء أمسكها فان طلقها حلت للأول

(4)

.

11 -

فى الضمان: لا يجوز أن يشترط فى عقد بيع، ولا فى سلم، ولا فى مداينة أصلا اعطاء ضامن، ولا يجوز أن يكلف أحد فى خصومة اعطاء ضامن به، لئلا يهرب، وكل ذلك باطل، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى، ولأنه تكليف ما لم يأت نص من الله تعالى ولا من رسوله عليه الصلاة والسلام بايجابه

(5)

.

(أنظر مصطلح كفالة).

ولا يجوز أن يشترط فى ضمان اثنين عن واحد أن يأخذ أيهما شاء بالجميع،

(1)

المحلى ج 9 ص 491 - 494.

(2)

المحلى ج 9 ص 466.

(3)

المحلى ج 9 ص 515.

(4)

المحلى ج 10 ص 180 - 187.

(5)

المحلى ج 8 ص 119.

ص: 245

ولا أن يشترط ذلك الضامن فى نفسه، وفى المضمون عنه، ولا أن يشترط أن يأخذ الملئ منهما عن المعسر والحاضر عن الغائب، وذلك لأنه ضمان لم يستقر عليهما ولا على واحد منهما بعينه، وانما هو ضمان معلق على أحدهما بغير عينه لا يدرى على أيهما يستقر فهو باطل، لأن ما لم يصح على المرء بعينه حين عقده اياه فمن الباطل أن يصح عليه بعد ذلك فى حين لم يعقده فيه ولا التزمه، فاذا ضمن اثنان فصاعدا حقا على انسان فهو بينهم بالحصص

(1)

.

12 -

فى العارية: العارية غير مضمونة أن تلفت من غير تعدى المستعير سواء ما غيب عليه من العوارى وما لم يغب عليه منها.

فان اشترط الضمان على المستعير فهذا الشرط باطل، لأنه ليس فى كتاب الله تعالى، ولما روى عن على بن أبى طالب قال: «العارية ليست بيعا ولا مضمونة انما هو معروف الا أن يخالف فيضمن (أنظر مصطلح عارية).

13 -

فى الهبة: لا تجوز الهبة بشرط أصلا كمن وهب أمة على ألا يبيعها الموهوب، أو على أن يولدها أو غير ذلك من الشروط كما لا تجوز الهبة التى يشترط فيها الثواب أصلا، وهى فاسدة مردودة، لأن هذا الشرط ليس فى كتاب الله تعالى، ولأن فى القرآن المنع منه بعينه قال الله تعالى «وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ» وعن قتاده عن ابن عباس فى قول الله تعالى «وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً» قال هو هدية الرجل أو هبة الرجل يريد أن يثاب أفضل منه فذلك الذى لا يربو عند الله، ولا يؤجر عليه صاحبه ولا اثم عليه، قال على: هذا اذا أراده بقلبه، وأما اذا اشترطه فعين الباطل والأثم

(2)

.

14 -

فى الوصية: اذا أوصى شخص لأم ولده ما لم تنكح فهو باطل، الا أن يوقف عليها وقفا من عقاره، فان نكحت فلا حق لها فيه، لكن يعود الوقف الى وجه آخر من وجوه البر، فهذا جائز.

وانما بطلت الوصية لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى، وأيضا فانه لا يعلم هل تستحق هذه الوصية أم لا الا بموتها، وهى بعد الموت لا تملك شيئا ولا تستحقه

وأما ادخالها فى الوقف بصفة فهذا جائز لأنه تسبيل يوقف فيه عند حد المسبل وليس تمليكا لرقبة الوقف

(3)

.

15 -

فى العتق ولا يجوز عتق بشرط أصلا ولا باعطاء مال الا فى الكتابة فقط ولا بشرط خدمة ولا بغير ذلك

(4)

.

(1)

المحلى ج 8 ص 118.

(2)

المحلى ج 9 ص 118 - 120.

(3)

المحلى ج 9 ص 342.

(4)

المحلى ج 9 ص 185 - 187.

ص: 246

16 -

فى الكتابة: ولا تحل الكتابة على شرط خدمة ولا على عمل بعد العتق، ولا على شرط لم يأت به نص أصلا والكتابة بكل ذلك باطلة، لقوله صلى الله عليه وسلم كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل

(1)

.

القسم الثالث: شروط باطلة تسقط ويصح العقد.

ومن أمثلتها:

1 -

فى عقد البيع:

ما جاء فى المحلى من أنه لا يحل بيع سلعة على أن يوفيه الثمن فى مكان مسمى ولا على أن يوفيه السلعة فى مكان مسمى، لأنه شرط ليس فى كتاب الله عز وجل فهو باطل لكن يطالبه البائع بايفائه الثمن حيث هما أو حيث وجده هو أو كيله من بلاد الله تعالى ان كان الثمن حالا لأمر الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم باعطاء كل ذى حق حقه وليس على البائع، الا ألا يحول بين المشترى وبين ما باع منه فقط

(2)

.

2 -

العمرى والرقبى: هبة صحيحة تامة يملكها المعمر والمرقب كسائر ماله يبيعها ان شاء وتورث عنه، ولا ترجع الى المعمر ولا الى ورثته سواء اشترط أن ترجع اليه أو لم يشترط وشرطه لذلك ليس بشئ.

والعمرى هى أن يقول: هذه الدار أو هذه الأرض أو هذا الشئ عمرى لك، أو قد أعمرتك اياها، أو هى لك عمرك، أو قال: حياتك أو قال: رقبى لك، أو قد أرقبتكها، كل ذلك سواء، لما روى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«من أعمر عمرى له ولعقبه فهى له بتلة ولا يجوز للمعطى فيها شرط ولا ثنيا» وما روى عن نافع: أنه قال: سأل رجل ابن عمر عمن أعطى ابنا له بعيرا حياته فقال ابن عمر: هو له حياته وموته «وعن ابن عباس من أعمر شيئا فهو له»

(3)

.

4 -

فى الوقف: من حبس وشرط أن يباع الحبس أن احتيج صح الحبس لخروج الشئ المحبوس بهذا اللفظ الى الله تعالى، وبطل الشرط، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى، وهما فعلان متغايران، الا أن يقول: لا أحبس هذا الحبس الا بشرط أن يباع، فهذا لم يحبس شيئا، لأن كل حبس لم ينعقد الا على باطل لم ينعقد أصلا

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

القسم الأول: الشروط الصحيحة: ويندرج تحت هذا القسم الشروط التالية:

الأول: اشتراط وصف فى محل العقد.

ومن أمثلته: فى البيع: اذا اشترط فى المبيع وصف لا يؤدى الى جهالة صح البيع

(1)

المحلى ج 9 ص 241 - 243.

(2)

المحلى ج 8 ص 427.

(3)

المحلى ج 9 ص 164 - 167.

(4)

المحلى ج 9 ص 183.

ص: 247

والشرط، وذلك كاشتراط أن تكون البقرة المبيعة لبونا - أى ذات لبن فى الماضى - فان كان للمبالغة فى كثرة اللبن فسد البيع وكاشتراط أن تغل الأرض المبيعة أو الشجرة كذا، وأراد بذلك كونه صفة ثابتة فى الزمن الماضى، فلو جعله شرطا فى المستقبل لم يصح ..

ويعرف حصول الوصف بأول المدة المستقبلة، بأن تغل مثل ذلك فى أول ثمرة أو تحلب مثل ذلك فى أول حلبة مع سلامة حالها وانتفاء الضار فى تلك المدة، كالبرد ونحوه، وحصول ما تحتاج اليه ويعتاد للبقرة مثلا والشجرة والأرض من العلف والمحل والسقى والحرث ونحو ذلك ..

فاذا وجد الشرط نفذ العقد، وعدم الخيار وان لم يوجد فخيار فقد الصفة باق، وكذا لو شرط كون الحيوان فتيا أو هملاجا أو الثوب شاميا أو صنعانيا أو نحو ذلك صح

(1)

.

الثانى شرط يلائم مقتضى العقد.

ومن أمثلته: فى البيع: ما اذا اشترط البائع كفيلا أو رهنا فى الثمن أو فى المبيع أو شرط المشترى كفيلا فى الثمن ان استحق المبيع فانه يصح سواء كان الكفيل أو الرهن معينا أم لا.

فلو امتنع من تسليم الرهن أو امتنع الكفيل فللبائع الفسخ ولا اجبار فى تسليم الرهن لأن من شرط الرهن التراضى

(2)

.

الثالث: اشتراط أمر مشروع.

ومن أمثلته: فى البيع: ما اذا اشترط فى البيع خيار معلوم لشخص معلوم حال العقد .. أو اشترط تأخير المطالبة بالثمن كتأجيله مدة معلومة، صح العقد والشرط.

فان اشترط مدة مجهولة كتأجيله الى الصيف أو الخريف .. أو مجئ القافلة ونحو ذلك من الآجال المعلقة بوقت غير معلوم فلا يصح

(3)

.

الرابع: شرط يصح أفراده بالعقد، ومن أمثلته: فى البيع: اذا اشترط فى البيع شرط يصح أفراده بالعقد، كأن يشترى منه طعاما أو غيره على أن يوصله البائع الى منزل المشترى، فان ذلك يصح، كما لو استأجره على ذلك دون أن يكون هناك بيع، وكذا لو اشترى منه زرعا على أن يحصده البائع صح ذلك، لأنه من تمام العقد.

فان لم يف البائع بما شرط عليه أجبر أن أمكن والا كان للمشترى الخيار.

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 373 - 374.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 370.

(3)

نفس المرجع ج 2 ص 372، ص 374

ص: 248

فان اختار تمام البيع قسط الثمن على قيمة المبيع وأجرة المثل بالنسبة ..

ومن هذا النوع من الشروط ما لو اشترى شجرة واشترط على البائع بقاءها فى قرارها مدة معلومة، فانه يصح كما لو استأجر مكان تلك الشجرة وكذا لو كان الشارط البائع لمصلحة فى بقائها كمد الأثواب عليها للتشمس، وذكر له مدة معلومة صح البيع فان لم تكن له منفعة فى بقائها فلا يصح لأنه بالشرط رفع موجب العقد

(1)

.

الخامس: استثناء بعض منافع محل العقد:

ومن أمثلته: فى البيع: اذا استثنى البائع بعض منافع المبيع، كما لو باع بهيمة واشترط البائع أن ترضع ولدها مدة معلومة فانه يصح، لأنه بيع واستثناء لا بيع وشرط وكذا لو شرط البائع الركوب الى موضع معلوم صح.

وهذا بخلاف ما لو اشترى فصيلا وشرط على البائع ارضاعه فان الشرط لا يصح ويفسد العقد، لأن ارضاع الفصيل لا يصح أفراده بالعقد، لعدم صحة الاستئجار على الرضاع، لتضمنه بيع المعدوم

(2)

.

السادس: شرط فيه مصلحة:

ومن أمثلته:

1 -

فى المضاربة اذا اشترط المالك فى المضاربة شرطا يؤدى الى حجر العامل عن بعض التصرفات، كان يقول له لا تتجر فى الجنس الفلانى، أو لا تشتر من فلان، أو لا تشتر بعد سنة، أو لا تسافر، أو لا تبع بنسأ أو فى بلد كذا، فانه يصح هذا الحجر، ولا يمنع من صحتها.

بخلاف ما لو قال: لا تبع الا من فلان، فان هذا الشرط يفسد المضاربة وكذا لو قال: لا تبع الا بنسأ، ومراده لأجل زيادة الثمن فى البيع بنسأ فسد العقد.

وفى الصور التى يصح فيها الشرط:

على العامل أن يمتثل فان خالف أمر المالك أو غرضه فيما جر عليه أثم وضمن التالف من المال، فان لم يتلف المال لم ينعزل اذا خالف فيما هو حفظ كالسفر والنسيئة والمكان .. وان خالف فى التجارة كشراء ما نهى عنه أو ممن نهى عنه ..

فانه ينعزل فى تلك الصفقة فقط، فان أجاز المالك تصرفه بعد ذلك صح ان أضاف الشراء الى المالك لفظا أو نية، ثم ان لم يربح فلا شئ له، وان ربح فله الأقل من المسمى وأجرة المثل (أنظر مصطلح مضاربة)

(3)

.

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 374.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 374.

(3)

التاج المذهب ج 3 ص 153.

ص: 249

2 -

فى الابراء: يصح تقييد الابراء بالشرط كأن يقول أبرأتك من الشفعة بشرط أن تسلم لى كذا أو على أن تسلم كذا فان حصل الشرط صح الابراء والا فلا وكذا لو قال: أبرأتك على هبة كذا لى أو على أن تمكننى من كذا فان حصل ذلك العوض صح الابراء ولا رجوع للمبرئ .. (أنظر مصطلح ابراء)

(1)

.

3 -

فى الشفعة: اذا اشترط الحاكم أو المحكم على الشفيع أنه ان لم يسلم الثمن فى يوم كذا فلا شفعة له، فانه اذا مطل بطلت شفعته ولو لم يقبل الشرط.

وكذا لو شرط الشفيع على نفسه أو شرط المشترى على الشفيع وقبل الشفيع شرط المشترى فانه اذا مطل عن تسليم الثمن على حسب الشرط بطلت شفعته فان لم يقبل لم تبطل شفعته بالمطل بل يرفعه الى الحاكم

(2)

.

شرط البراءة من العيوب فى البيع:

جاء فى التاج المذهب: أنه اذا تبرأ البائع من جنس من العيوب عينه، أو أجناس معينة نحو أن يقول بعتك هذه الأرض وأنا برئ من الصخرات أو الأشجار أو الحفر التى فيها، أو نحو ذلك صح ذلك وان لم يذكر قدر ذلك الجنس فيبرأ منه وان كثر للجهالة وذلك حيث كان ذلك العيب الذى تبرأ منه موجودا، أو مقدرا حصوله كالشئ الكامن، أما ان كان معدوما فلا يصح التبرؤ منه، والمشترى على خياره.

ولا يدخل فى الموجود ما حدث من جنسه من بعد الشرط ولا ما انكشف من غيره وكذا لو تبرأ من قدر معلوم من جنس من العيوب عينه وانكشف القدر الذى تبرأ منه من غير زيادة نحو بعتك هذه الأرض وأنا برئ من ثلاث صخرات فيها أو نحو ذلك، فانه يبرأ ويبطل بذلك خيار المشترى، وكذا لو نقص أو لم يوجد شئ ..

فلو انكشف زائدا عما تبرأ منه وكان الزائد على انفراده ينقص القيمة فله رده به والا فلا.

أما لو تبرأ البائع من كل عيب فى المبيع كأن يقول بعتك هذه الدار أو الفرس وأنا برئ من كل عيب فيها، صح العقد، ولغا الشرط وثبت للمشترى خيار رد المعيب، وكذا لو أبرأه المشترى من كل عيب فانه لا يبرأ، واذا تبرأ البائع مما حدث فى المبيع بعد العقد وقبل القبض نحو أن يقول: بعت منك هذا والتزمت لك بما حدث فيه من العيب فسد العقد اذا كان التبرؤ شرطا مقارنا للعقد، وكذلك لو عين جنس العيب أو قدره، لأنه تبرأ حال العقد بما سيحدث قبل القبض فرفع موجبه،

(1)

التاج المذهب ج 4 ص 176.

(2)

نفس المرجع ج 3 ص 59.

ص: 250

أما لو تبرأ بعد العقد صح العقد ولغا الشرط وثبت الخيار للمشترى

(1)

.

القسم الثانى: الشروط الفاسدة: التى تفسد العقد: ويندرج تحتها الشروط التالية:

الأول شرط يرفع موجب العقد:

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع ما يرفع موجبه فسد البيع كأن يشترط البائع على المشترى ألا ينتفع بالسلعة المبيعة، فان هذا الشرط يرفع موجب العقد، لأن العقد يوجب انتفاع المشترى بالمبيع فلو شرط ألا يبيع ولا يهب أو لا يعتق أو لا يدخل المبيع بيته ثلاثة أيام أو أكثر، أو مطلقا، أو لا يلبس الثوب، أو شرط بقاء الثمرة المشتراه، سواء جرى العرف ببقائها، أم لا، أو باع نصف دابة، أو كلها صالحة للركوب على ألا يركبها المشترى الى وقت انزاء الفحل عليها، فسد العقد، لأن هذه الشروط كلها ترفع موجبه.

وكذا لو شرط البائع على المشترى ألا يرجع عليه بالثمن عند استحقاق المبيع فسد لأنه يرفع موجبه.

وكذا لو كان الشرط يرفع موجب العقد فى الثمن كأن يقول: اشتريت منك الدار بمائة على أنك لا تهب الدراهم أو لا تتصرف بها فسد العقد، أو شرط البائع أو المشترى بقاء المبيع فى يد البائع ولو رهنا حتى يؤدى المشترى الثمن

(2)

.

2 -

فى المضاربة: اذا اشترط فى المضاربة ما يخالف موجبها فسدت، نحو أن يقول العامل أو المالك ولى من الربح درهم فهذا الشرط يقتضى رفع موجبها، لأن موجبها أن يقسما الربح وحيث شرط درهم لأحدهما فقد لا يحصل الا هو فيستبد به المشروط له ويبقى الآخر بلا ربح.

ومن ذلك أن يشترط العامل أن ينفق من مال المضاربة وان كان مقيما فهذا يقتضى مخالفة موجبها، لأن موجبها ألا يأكل من مال المضاربة الا فى حال السفر فقط. وكذا لو شرط أن تكون الخسارة على المالك أو عليهما أو شرط ألا يبيع أو لا يشترى الا من فلان لجواز أن يموت أو يمتنع فلان هذا أو شرط نفقة خادم للعامل أو لغيره، فمثل هذه الأمور يشترط فى صحة المضاربة تركها، فاذا ذكر شئ منها فسدت

(3)

.

3 -

فى الرهن: اذا اشترط فى الرهن ما ينافيه، نحو أن يرهنه شيئا على ألا يقبضه، فانه يفسد عقد الرهن لاختلال شرط من شروط صحته وهو القبض .. (أنظر مصطلح رهن).

4 -

فى الشفعة: اذا اشترط الشفيع الخيار كما لو قال شفعت فى المبيع

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 417 - 418.

(2)

التاج المذهب ج 2 ص 369 - 370.

(3)

نفس المرجع ج 3 ص 153.

ص: 251

ولى الخيار فان شفعته تبطل

(1)

(أنظر مصطلح شفعه).

الثانى: اشتراط أمر لا تعلق له بالعقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع أمر لا تعلق له به فسد به البيع وذلك كاشتراط شرطين فى البيع، مثل أن يقول: بعت منك هذا الثوب بعشرة ان كان الثمن نقدا، أو بتسعة أو أحد عشر ان كان نسيئة.

وكذا اذا أدى الشرط الى اجتماع بيعتين فى بيعة، كأن يقول: بعت منك بهذا الثمن على أن تبيعنى به كذا.

وكذا لو قال اشتريت منك نصف هذه الأرض مشاعا على أن يكون نصيبى عند القسمة غريبا أو نحو ذلك، فانه يفسد به العقد، ولو كانت الأرض مستوية لأنه شرط لا تعلق له بالعقد

(2)

.

2 -

فى الهبة: تصح الهبة بعوض مشروط مالا كان أم منفعة وتكون فى هذه الحالة بيعا، فاذا قال وهبت منك هذه الأرض على هبة هذه، فقال الآخر: وهبت أو قبلت فحكمها حكم البيع.

فان قال وهبت منك هذه الأرض على أن تهب لى هذه الأرض فهذا شرط مستقبل يفسد الهبة كما يفسد البيع فتفسد الهبة الأولى

(3)

.. (أنظر مصطلح هبة).

الثالث: شرط غير مشروع، ومن أمثلته:

1 -

فى الاجارة اذا أجر مسلم بيته من ذمى ليبيع فيه خمرا، أو ليصلى فيه أو ليجعله كنيسة، فان ذلك لا يجوز أن شرط فى العقد، أو كان مقصودا ولو كانوا مصالحين على ذلك، لأن المعاونة عليه

(4)

محظورة (أنظر مصطلح اجارة).

3 -

فى القرض: اذا اشترط فى القرض ما يقتضى الربا بطل القرض نحو أن يقرضه كذا على أن يقضيه فى مكان كذا وله منفعة بذلك القرض أو على أن يرد له أكثر مما أقرضه .. أو أن يقرض الحب الدفين المتغير، أو الذى أكله السوس بحب سليم .. فاذا شرط المقرض ذلك لم يجز، لأن كل قرض جر منفعة فهو ربا، ولو أضمر هذا الشرط لم يجز أيضا، لأن المضمر فى الربا كالمظهر الا اذا كانت المنفعة للمستقرض فقط جاز ولو شرط، وكذا لو كانت المنفعة لهما معا، واستوت المنفعتان، جاز، نحو أن يريد كل واحد منهما نقل ماله الى بلد الآخر، فتقارضا كذلك، ليسلما من مؤنة النقل أو خوف الطريق

(5)

.

الرابع: شرط يؤدى الى جهالة:

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: يفسد البيع اذا اقترن به شرط يقتضى جهالة فى البيع، كاشتراط خيار مجهول المدة أو يقتضى جهالة

(1)

نفس المرجع ج 3 ص 37.

(2)

التاج المذهب ج 2 ص 371 - 372.

(3)

نفس المرجع ج 3 ص 264 - 265.

(4)

التاج المذهب ج 3 ص 71.

(5)

التاج المذهب ج 2 ص 484، ص 487

ص: 252

صاحب الخيار حال العقد، كأن يقول:

لأحدنا الخيار أو يقول: الخيار أما لزيد أو لعمرو، أو يجعل الخيار لشخص مجهول .. أو يقتضى جهالة فى المبيع كاشتراط ارجاح وزن المبيع ولا يذكر قدرا معلوما

(1)

.

وكذا لو اشترط الرزم فى الكيل .. لأن الرزم

(2)

يختلف الا أن يكون التفاوت يسيرا يتسامح به كما فى كيل الذرة والبر ونحوهما لا فى الزبيب والحناء فلابد من شرط الرسل.

أو شرط كون البقرة المبيعة لبينا أو سمينا فان ذلك يقتضى الجهالة، لأنها صيغة مبالغة، فكأنه قال على أن فيها لبنا أو سمنا كثيرا، والكثير مجهول فيفسد العقد.

الا أن يجرى عرف بأنهما للوصف فحينئذ يصح.

أو يقتضى جهالة فى الثمن، كاشتراط ارجاحه ولا يذكر قدرا معلوما ولا جرى عرف بقدر معلوم، وكأن يشترى صبرة من موزون أو مكيل ويشرط المشترى على البائع حط قيمة كذا أرطالا، أو مكيالا من تلك الصبرة المبيعة جملة، فان ذلك يقتضى الجهالة فى الثمن اذ القيمة مجهولة غير مقدرة، لأنه يرجع فيها الى المقومين، وهم يختلفون الا أن تكون القيمة معروفة عندهم. وكأن يبيع أرضا، ويشترط على نفسه للمشترى أن الذى على المشترى من خراج هذه الأرض عشرة دراهم مثلا ..

فان ظهر ان خراج الأرض أكثر من عشرة أو أقل فسد العقد، لأنه ان ظهر أن المضروب على الأرض خمسة، فقد شرط البائع على المشترى خمسة دراهم فى كل خراج، وهذه زيادة فى الثمن مجهولة.

وان انكشف أن المضروب على الأرض أكثر من عشرة فقد شرط البائع على نفسه أن يدفع عن المشترى الزائد على العشرة من الخراج وهذه زيادة فى المبيع مجهولة والأولى زيادة فى الثمن مجهولة، فلا يصح العقد فيهما، الا اذا ذكرت مدة معلومة فحينئذ يصح فيها

(3)

(أنظر مصطلح بيع).

2 -

فى الاجارة: لا يجب على المستأجر الانفاق على الدابة المستأجرة فى مدة الاجارة ومدة الرد، بل هو على المالك للحيوان كالوديعة والعارية، فان اشترط الانفاق على المستأجر كانت الاجارة فاسدة لجهالة الأجرة، لأن النفقة تكون من جملة الأجرة وهى مجهولة ويلزم المستأجر أجرة ما انتفع به وله ما أنفق الا أنه اذا كان الانفاق معلوما جنسا

(1)

ارجاح الوزن: هو ارتفاع احدى كفتى الميزان وانخفاض الأخرى.

(2)

أرزم: الشئ جمعه وبابه نصر وارزمة الكارة من الثياب وقد رزمها ترزيما اذا شدها رزما.

(3)

التاج المذهب ج 2 ص 366 - 369.

ص: 253

ونوعا وقدرا صح فى المثليات لا فى القيميات

(1)

.

وكذلك يلزم المكرى صلاح ما تغير من الدار .. واصلاح بئر الماء .. ليتمكن المكترى من الانتفاع ..

فلو جرت العادة بأن يفعل ذلك المكترى أو شرط عليه كانت الاجارة فاسدة لجهالة ذلك وهو من جملة الأجرة

(2)

.

القسم الثالث: الشروط الباطلة: هذا النوع من الشروط يلغو ويصح العقد ويندرج تحته الشروط التالية:

الأول: اذا اشترط فى البيع أمر لا يقتضى جهالة فى العقد، ولا فى المبيع، ولا فى الثمن، ولا يرفع موجب العقد، فان الشرط يلغو، لعدم لزومه ويصح العقد.

مثال ذلك: أن يشرط البائع على المشترى أن يطأ المبيعة، أو يعتقها، أو ألا يطأها، أو أن الولاء للبائع، فلا يلزم الشرط.

ولكن اذا شرط ما هذا حاله ندب الوفاء بالشرط حيث لا يأثم به.

فلو شرط عليه ألا يطأ الأمة فيندب له ألا يطأها الا أن يخشى وقوعها فى محظور فيحسن منه ترك الوفاء.

أما لو شرط عليه أن يطأ الأمة وهى رضيعته فيحرم عليه الوفاء.

ومن حكم هذا الشرط أن البائع يرجع على المشترى بما حط له من القيمة، لأجل الوفاء بالشرط أن لم يحصل الوفاء به، فلو كانت قيمة العبد ألفا فباعه بتسعمائة واشترط عتقه فان لم يف بالعتق رجع عليه البائع بمائة

(3)

.

الثانى: شرط يخالف موجب العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى النكاح: اذا اشترط فى عقد النكاح ما يقتضى خلاف ما يوجبه العقد كان الشرط لغوا أى لا حكم له وكأنه لم يذكر فى العقد فيصح العقد ويبطل الشرط، وذلك نحو أن يقول: تزوجتها على أن أمر طلاقها اليها، أو على ألا مهر لها، أو على ألا يخرجها من جهة أهلها، أو على أن نفقتها عليها، أو على أن نفقته عليها أو على أن أمر الجماع اليها، لكن اذا نقصت له شيئا من المهر لأجل أحد هذه الشروط، فان وفى بذلك الشرط صح النقصان، وان لم يف رجعت عليه بما نقص من مهرها.

وكذلك شرط الخيار فى النكاح لا يفسده فيصح العقد، ويلغو الشرط.

وكذا لو اشترطت على الزوج أمر مستقبل كاشتراطها عليه أن يطلق فلانة أو على ألا يسكن

(1)

نفس المرجع ج 3 ص 78.

(2)

نفس المرجع ج 3 ص 80.

(3)

التاج المذهب ج 2 ص 375.

(4)

التاج المذهب ج 2 ص 31.

ص: 254

بلد كذا صح العقد ولغا الشرط ان لم يكن غرضا فان كان غرضا ولم يف به وفيت مهر المثل

(1)

.. (أنظر مصطلح نكاح).

2 -

فى الاقالة: من أحكام الاقالة وكل فسخ أن يرجع المشترى على البائع بالثمن الأول فقط من غير زيادة ولا نقصان ولو سكت عنه ولم يذكره عند الاقالة.

ويلغو كل شرط يخالف ذلك فلو شرط أحدهما فى الاقالة خلاف الثمن .. نحو أن يقيله على أن يحط عنه من الثمن كذا أو يزيد كذا، فان هذا الشرط يلغو.

وكذا لو شرط خلاف الثمن فى الصفة نحو أن يكون المشترى قد دفع دراهم سوداء فأقاله على أن يرد مثلها بيضاء فان الشرط يلغو وتصح الاقالة ولا يلزمه

(2)

الا الثمن (أنظر مصطلح اقالة).

3 -

فى الشركة: من شروط صحة شركة المفاوضة ألا يفضل أحد الشريكين على على الآخر فى الربح ولا فى الخسارة.

فلو شرطا تفضيل أحدهما فى الخسارة ألغى الشرط.

وان شرطا التفضيل فى الربح فان كان للعامل صح الشرط وكانت عنانا وان كان لغير العامل يلغى الشرط ويتبع الربح المال

(3)

.

أما شركة العنان فان الخسارة فيها غير المضمونة أى التى لم تحدث بتعد أو تفريط تكون على كل شريك بقدر حصته فى المال من نصف أو ثلث أو ربع سواء شرطا المساواة فى الخسارة أم شرطا تفضيل أحدهما فيه فيلغو الشرط.

وكذا الربح يتبع رأس المال أيضا ان أطلقا ولم يذكرا كيفية الربح بل سكتا عنه أو شرطا تفضيل غير العامل، منهما فان الربح يتبع رأس المال ويلغو الشرط.

وكذا لو شرط لأحدهما قدر معلوم من رأس الربح نحو عشرين مثلا، ويقسم باقيه بينهما لغا الشرط ويكون الربح بينهما على قدر رأس المال، ولا تفسد الشركة بذلك الشرط، لأنها

(4)

تقبل الجهالة.

أما فى شركة الوجوه فان الربح والخسر يتبع المال فقط، فان شرطا تفضيل العامل منهما أو غيره، فان الشرط يلغو، وتصح الشركة ويتبع الربح والخسر المال

(5)

.

4 -

فى الرهن: اذا اشترط فى الرهن شرط يخالف موجب الرهن لغا الشرط وصح الرهن نحو أن يشرط المرتهن أنه لا يضمن الرهن أو شرط عدم بيعه عند تعذر الاستيفاء، أو قال ان جئتك بحقك الى وقت كذا والا فالرهن لك فان هذه الشروط

(1)

التاج المذهب ج 2 ص 30.

(2)

نفس المرجع ج 2 ص 479 - 480.

(3)

التاج المذهب ج 3 ص 173 - 174.

(4)

نفس المرجع ج 3 ص 177 - 178.

(5)

التاج المذهب ج 3 ص 179.

ص: 255

كلها فاسدة تلغى، ولا يفسد عقد الرهن بها

(1)

.

5 -

فى الهبة: اذا اشترط فى الهبة ما ليس بمال ولا غرض لغا الشرط وصحت الهبة، وذلك كان يقول: وهبتك هذا الشئ بشرط أن تحرك أصبعك، فان الشرط يلغو، وتصح الهبة.

وكذا لو خالف الشرط موجب الهبة وكأن يقول وهبتك هذا على ألا تتصرف فيه ببيع ولا هبة أو نحوهما، أو على أن تعود الهبة الى الواهب بعد موت المتهب أو وهبت شيئا من الأعيان لمدة مؤقتة كشهر أو سنة صحت الهبة ولغا الشرط

(2)

.

6 -

القسمة: جاء فى التاج المذهب: أن القسمة تخالف البيع فى أمور منها أن القسمة لا تفسدها الشروط المفسدة للبيع

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

القسم الأول: الشروط الصحيحة:

ويندرج تحتها الشروط التالية:

الأول اشتراط صفة مقصودة فى محل العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى السلعة المبيعة صفة مقصودة، كاشتراط أن الأمة أو الدابة حامل، أو العبد كاتب أو صباغ

(4)

صح الشرط والعقد.

2 -

فى النكاح كما لو تزوج امرأة على أنها حرة، فان ظهر أنها أمة أو مبعضة فله الفسخ، وان دخل بها، لأن ذلك فائدة الشرط وهذا اذا كان الزوج ممن يجوز له نكاح الأمة ووقع باذن مولاها أو مباشرته والا بطل فى الأول ووقع موقوفا على اجازته فى الثانى على أصح القولين - وكذلك يكون للزوجة حق الفسخ ان تزوجته على أنه حر فظهر عبدا .. ولا مهر فى الصورتين بالفسخ قبل الدخول، ويجب جميع المهر بعده لاستقراره به .. ولو شرطها بكرا فبانت أنها وقت العقد كانت ثيبا فله الفسخ

(5)

بمقتضى الشرط.

الثانى: اشتراط ما يقتضيه العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى العقد ما يقتضيه كان الشرط صحيحا والعقد صحيحا.

والمراد بالشروط التى يقتضيها العقد ما كان مفيدا لها فى نظر الشارع كالملك فانه المطلب الأعظم الأصلى وكالتسليم الذى لا يتم الغرض وهو الانتفاع الا به، وكخيار المجلس مما جعله الشارع من كمال الارتفاق.

(1)

نفس المرجع ج 3 ص 227.

(2)

نفس المرجع ج 3 ص 271.

(3)

نفس المرجع ج 3 ص 215.

(4)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 729، 742.

(5)

الروضة البهية ج 2 ص 127، 128.

ص: 256

والمراد بالعقد: العقد المطلق، فان مقتضاه لوازمه التى لا تنفك عنه

(1)

.

2 -

فى النكاح: يجوز اشتراط ما يقتضيه عقد النكاح كأن تشترط عليه العدل فى القسم والنفقة

(2)

.

3 -

فى الرهن: وكذا اشتراط ما يقتضيه عقد الرهن صحيح كقوله على أن يباع فى الدين، أو على أن يتقدم به على الغرماء

(3)

.

الثالث والرابع: اشتراط ما فيه مصلحة المتعاقدين، أو اشتراط ما يؤكد موجب العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع شرط يتعلق بمصلحة المتعاقدين صح البيع والشرط، وذلك كاشتراط الأجل والخيار والرهن والضمين والشهادة

(4)

.

2 -

فى القرض وكذا اذا اشترط فى القرض رهن أو كفيل به أو الاشهاد أو الاقرار به عند الحاكم جاز، لأن ذلك كله من التوثيق وأحكام الحجة وليست منافع مالية

(5)

.

3 -

فى الاجارة: يجوز فى الاجارة اشتراط الخيار سواء شرطاه لهما، أو لأحدهما، أو لأجنبى، وسواء كانت المدة معينة أو مطلقة

(6)

.

الخامس: اشتراط أمر لا ينافى مقتضى العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع ما لا ينافيه كاشتراط منفعة البائع كخياطة الثوب وصياغة الفضة، أو اشتراط عقد فى عقد، كأن يبيعه بشرط أن يشترى منه أو يبيعه شيئا آخر، أو يزوجه أو يسلفه، أو يقرضه، أو يستقرض منه، أو يؤجره، أو يستأجره أو يستأجر منه فهذه الشروط كلها سائغة

(7)

.

ولو اشترط تبقية الزرع المبيع الى أوان السنبل صح.

ولا يشترط تعيين المدة، بل يكفى أن يحال على المتعارف من البلوغ، لأنه مضبوط (وهو ظاهر ما جاء فى السرائر والتذكرة والدروس واللمعة).

والأقوى كما فى ايضاح النافع: أنه ان اشترط التبقية فلابد من ضبط المدة لئلا يتجهل الشرط، لأن مدة البلوغ غير مضبوطة بالزمان، لاحتمال التقدم والتأخر.

(1)

مفتاح الكرامه ج 4 ص 728 - 729.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 119.

(3)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 74.

(4)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 729.

(5)

نفس المراجع ج 5 ص 37.

(6)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 81.

(7)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 730.

ص: 257

وان أطلق ولم يشترط التبقية يلزم البائع ابقاؤه الى أوان ادراكه وبلوغه، لأنه اذا لم يشترط كان التراضى على الزرع والابقاء حكم شرعى لزم بلا معاوضة ومع الشرط يكون له جزء من العوض فلابد من عدم جهالته

(1)

.

2 -

فى الاجارة يجوز لمستأجر العين أن يؤجرها لغيره (لمثله أو دونه) ان لم يشترط المالك التخصيص، كما لو استأجر الدار على أن يكون هو الساكن أو استأجر الدابة على أن يكون هو الراكب، فانه فى هذه الحالة لا يجوز له أن يؤجرها لغيره

(2)

..

ولو استأجر أجيرا لينفذه فى حوائجه فنفقته على المستأجر الا أن يشترط على الأجير

(3)

.

ولو استأجره لحمل متاع الى مكان واشترط عليه وقتا معلوما لايصاله، فان قصر عنه نقص من أجرته شيئا معلوما صح الشرط والعقد، الا أنه لو استغرق الشرط جميع الأجرة لم تصح الاجارة وتثبت له أجرة المثل وهو الذى عليه الفتوى .. لما روى عن محمد الحلبى قال كنت قاعدا عند قاض من قضاة المدينة وعنده أبو جعفر رضى الله عنه جالس فأتاه رجلان فقال أحدهما:

انى تكاريت ابل هذا الرجل ليحمل لى متاعا الى بعض المعادن (المدن) واشترطت عليه أن يدخلنى العدن يوم كذا وكذا، لأنها سوق وأتخوف أن يفوتنى فان احتبست حططت من الكرى لكل يوم أحتبسه كذا وكذا وأنه حبسنى عن ذلك اليوم كذا وكذا فقال القاضى: هذا شرط فاسد وقد كراه فلما قام الرجل أقبل الى أبو جعفر رضى الله عنه وقال هذا جائز ما لم يحط بجميع كراه

(4)

.

3 -

فى النكاح: يجوز اشتراط ما يوافق الشرع فى عقد النكاح وان كان خارجا عن مقتضى العقد، وذلك كان يشترط على الزوجة أن يتزوج عليها متى شاء أو يتسرى.

أو شرط تأجيل المهر أو بعضه الى أجل معين، وكذا لو شرط ابقاءها فى بلدها لزم الشرط، لأنه شرط لا يخالف المشروع، فان خصوصيات الوطن أمر مطلوب للعقلاء بواسطة النشوء والأهل والانس وغيرها، فجاز شرطه توصلا الى الغرض المباح، وللخبر الصحيح عن أبى العباس عن الصادق رضى الله عنه فى الرجل يتزوج امرأة، ويشترط لها ألا يخرجها من بلدها: قال يفى لها بذلك، أو قال يلزمه ذلك، ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم «المؤمنون عند شروطهم وكذا لو شرط ابقاءها فى منزلها فانه يكون صحيحا، وان لم يكن منصوصا عليه، لاتحاد الطريق وقيل يبطل الشرط فيهما، لأن الاستمتاع بالزوجة فى الأزمنة والأمكنة حق الزوج بأصل الشرع، وكذا السلطنة عليها فاذا شرط ما يخالفه

(1)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 734.

(2)

نفس المرجع ج 7 ص 83 - 84.

(3)

نفس المرجع ج 7 ص 95 - 98.

(4)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 108 - 110.

ص: 258

كان باطلا وحملوا الرواية على الاستحباب.

ومتى حكمنا بصحته لم يصح اسقاطه بوجه لأنه حق يتجدد فى كل آن فلا يعقل اسقاط ما لم يوجد حكمه وان وجد سببه

(1)

.. (أنظر مصطلح نكاح).

4 -

فى المساقاة: واذا اشترط فى عقد المساقاة عقد مساقاة آخر، فالأقرب الصحة، لوجود المقتضى وانتفاء المانع.

أما الأول وهو وجود المقتضى فهو اشتراط عقد سائغ فى عقد سائغ لازم فيدخل فى عموم «المؤمنون عند شروطهم» .

وأما الثانى وهو انتفاء المانع فلأن المانع لا يتخيل الا كونه لم يرض أن يعطيه من هذه الحصة الا بأن يرضى منه من الآخر بالحصة الأخرى، ومثل هذا لا يصلح للمنع كغيره من الشروط الواقعة فى العقود، ويوجد قول بمنع هذا الشرط وهو منسوب للشيخ أبى جعفر الطوسى استنادا الى وجه ضعيف

(2)

.

(أنظر مصطلح مساقاة).

5 -

فى السلف: (السلم) اذا اشترط فى عقد السلف ما هو معلوم صح، فلا يبطل باشتراط بيع أو هبة أو عمل محلل أو صنعة ولو أسلف فى غنم وشرط أصواف نعجات بعينها: قيل: يصح، والأشبه المنع للجهالة

(3)

. (أنظر مصطلح سلف).

6 -

فى القرض: يجوز أن يقرضه الدراهم ويشترط أن ينقدها

(4)

بأرض أخرى (أنظر مصطلح قرض).

7 -

فى المضاربة: اذا اشترط المالك على العامل التصرف فى نوع أو نفر معين جاز ذلك ويقتصر العامل على ما تعين له من التصرف

(5)

(أنظر مصطلح مضاربة).

8 -

فى العتق: ولو شرط عليه فى صيغة العتق خدمته مدة مضبوطة متصلة بالعتق أو منفصلة، أو متفرقة مع الضبط، صح الشرط والعتق لعموم «المؤمنون عند شروطهم» ولأن منافعه المتجددة ورقبته ملك للمولى، فاذا أعتقه بالشرط فقد فك رقبته وفك غير المشروط من المنافع وما ابقاه المشترط على ملكه من المنافع يبقى استصحابا للملك ووفاء بالشرط وهل يشترط قبول العبد؟ الأقوى ألا يشترط.

وكما يصح اشتراط الخدمة يصح اشتراط شئ معين من المال للعموم.

لكن الأقوى هنا اشتراط قبول العبد.

وعند اشتراط الخدمة لا يتوقف انعتاقه

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 119 - 120.

(2)

الروضة البهية ج 1 ص 397.

(3)

المختصر النافع ص 159.

(4)

المختصر النافع ص 153.

(5)

نفس المرجع ص 170.

ص: 259

على استيفائها، فان وفى بها فى وقتها فبها والا استقرت أجرة مثلها فى ذمته، لأنها مستحقة عليه وقد فاتت فيرجع الى أجرتها ..

ولو شرط عوده فى الرق ان خالف شرطا شرطه عليه فى صيغة العتق فالأقرب بطلان العتق، لتضمن الشرط عود من تثبت حريته رقيقا وهو غير جائز ولا يرد مثله فى المكاتب المشروط، لأنه لم يخرج عن الرقية وان تشبث بالحرية بوجه ضعيف، بخلاف المعتق بشرط.

وقيل: يصح الشرط ويرجع رقيقا اذا أخل بالشرط للعموم.

وذهب بعض الأصحاب الى صحة العتق وبطلان الشرط لبنائه على التغليب ويضعف هذا الرأى بعدم القصد الى العتق مجردا عن الشرط وهو شرط الصحة كغيره من الشروط (أنظر مصطلح عتق)

(1)

.

9 -

فى الوكالة: يجوز اقتران الوكالة بشرط سائع لا يخالف أصلها.

جاء فى الروضة البهية: ويصح تعليق التصرف مع تنجيز الوكالة بأن يقول: وكلتك فى كذا ولا تتصرف الا بعد شهر، لأنه بمعنى اشتراط أمر سائغ زائد على أصلها الجامع لشروطها التى من جملتها التنجيز وأن كان فى معنى التعليق

(2)

.

السادس: اشتراط العتق والتدبير والكتابة فى البيع: اذا اشترط فى عقد البيع ما بنى على التغليب والسراية صح العقد والشرط، وذلك كما لو اشترط عليه عتق العبد المبيع، أو تدبيره أو كتابته فهذا الشرط صحيح وان نافى مقتضى العقد، لأن العتق مبنى على التغليب، لأن عناية الشارع بفك الرقبة بأدنى سبب يقتضيه تعرف من تتبع مسائل العتق ومن دلائل ابتنائه على التغليب ثبوت السراية الى المجموع بالشقص

(3)

(أنظر مصطلح عتق).

القسم الثانى: شروط باطلة تبطل التصرف، ويندرج تحت هذا القسم الشروط التالية.

الأول: شرط ينافى المشروع.

ومن أمثلته.

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع ما ينافى مقتضاه كما لو شرط على المشترى الا يبيعه أولا يقبض المبيع ولا ينتفع به أو لا يعتقه أو لا يطأ أو لا يهب أو ان غصبه غاصب رجع عليه عليه بالثمن أو أن يعتقه والولاء للبائع، فهذه الشروط باطله.

والضابط أن كل ما ينافى المشروع أو يؤدى الى جهالة الثمن أو المثمن فانه

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 192 - 193.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 15 - 16.

(3)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 730 - 735.

ص: 260

باطل والأقوى بطلان البيع

(1)

أيضا.

(انظر مصطلح بيع).

2 -

فى الاجارة: وكذا لو اشترط فى عقد الاجارة أن يضمن المستأجر العين المؤجرة بدون تعد أو تفريط فالأقرب بطلان العقد لفساد الشرط من حيث مخالفته للمشروع ومقتضى عقد الاجارة وقيل يصح العقد والشرط

(2)

. (أنظر مصطلح اجارة).

3 -

فى النكاح: نكاح الشغار وهو أن يزوج كل من الوليين الآخر على أن بضع كل واحدة مهرا للأخرى باطل.

والأصل فى تحريمه ما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عنه ولو خلا المهر من أحد الجانبين بطل خاصة.

ولو شرط كل منهما تزويج الأخرى بمهر معلوم صح العقدان وبطل المسمى، لأنه شرط معه تزويج وهو غير لازم والنكاح لا يقبل الخيار فيثبت مهر المثل وكذا لو زوجه بمهر وشرط أن يزوجه ولم يذكر مهرا

(3)

.

(انظر مصطلح نكاح).

4 -

فى القرض: واذا شرط فى القرض ما ينافى المشروع بطل فلو شرط النفع فى القرض ولو زيادة صفة حرم

(4)

(أنظر مصطلح قرض).

الثانى: شرط يؤدى الى غرر.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع أمر مجهول تؤدى جهالته الى غرر كأن يبيعه أو يشترى منه شيئا ويشترط عليه أن يعمل عملا أو يكتب له كتابا فان الشرط باطل والعقد باطل، لأن كل ما اقتضى تجهيل أحد العوضين للغرر فانه يبطل ويبطل العقد

(5)

.

2 -

فى الاجارة: وكذا اذا اقترنت الاجارة بشرط يؤدى الى غرر بطلت، وذلك كما لو استأجر دابة واشترط حمل ما شاء بطل كما فى التذكرة والتحرير وجامع المقاصد للغرر.

ولا يقال ان ذلك ينزل على العادة بحسب حال الدابة، لأن العادة فى ذلك تزيد وتنقص .. وكذا الحال اذا أجرها ليحمل عليها طاقتها

(6)

. (أنظر مصطلح اجارة).

القسم الثالث: شروط باطلة تسقط ويصح العقد: ويندرج تحت هذا النوع الشروط التالية:

الأول: شرط يخالف المشروع.

ومن أمثلته: (1) فى النكاح: اذا اشترط فى النكاح ما يخالف المشروع لغا الشرط وصح العقد والمهر، كاشتراط ألا يتزوج وألا يتسرى أولا يطأ أو يطلق كما فى نكاح المحلل

(1)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 730 - 732.

(2)

الروضة البهية ج 2 ص 3.

(3)

الروضة البهية ج 2 ص 102 - 103.

(4)

المختصر النافع ص 159.

(5)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 733.

(6)

مفتاح الكرامة ج 7 ص 215.

ص: 261

أما فساد الشرط فواضح لمخالفته المشروع.

وأما صحة العقد، فالظاهر اتفاق فقهاء المذهب عليه، والا كان للنظر فيه مجال كما علم من غيره من العقود المشتملة على الشرط الفاسد.

وربما قيل بفساد المهر خاصة، لأن الشرط كالعوض المضاف الى الصداق فهو فى حكم المال والرجوع الى قيمته متعذر للجهالة فيجهل الصداق فيرجع الى مهر المثل

(1)

.

2 -

فى الشركة: اذا تساوى المالان فى القدر، فالربح بينهما سواء ولو تفاوتا فالربح كذلك وكذا الخسران يكون بالنسبة.

ولو شرط أحدهما فى الربح زيادة فالأشبه أن الشرط لا يلزم

(2)

.

3 -

فى القرض والهبة: جاء فى تذكرة الفقهاء أن القرض عقد قابل للشروط السائغة، فلو أقرضه شيئا على أن يقرضه مالا آخر صح، ولم يلزمه ما شرط بل هو وعد وعده وكذا لو وهب منه ثوبا بشرط أن يهب منه غيره، وكذا لو أقرضه بشرط أن يقترض منه أو يبيعه بثمن المثل أو بدونه، أو يسلفه أو يستلف منه ولكن لا يلزم ذلك أما لو باع بشرط قرض أو هبة أو بيع آخر فانه يجوز البيع والشرط

(3)

.

4 -

فى الرهن: لو اشترط فى الرهن ما ينافى مقتضاه كما لو اشترط المنع من بيعه فى حقه، أو من تسليمه اليه بالكلية، وكاشتراط عدم فكه بعد أداء الحق، واشتراط أن يرهنه عند غيره، أو اشترط أن يبيعه بعد شهر أو لا يبيعه الا بما يرضاه الراهن، أو يرضاه رجل آخر وما أشبه ذلك فهذه الشروط فاسدة، لأنها مخالفة لمقتضى العقد، وما كان كذلك فهو مخالف للشرع، فكان فاسدا، وهل يفسد الرهن؟

الأقوى أنه يصح الرهن ويفسد الشرط، ولا يبطل البيع الذى اقترن به الرهن

(4)

.

الثانى: شرط لا يتعلق به غرض، وذلك كما لو اشترط على المشترى للعبد أكل طعام بعينه، أو لبس ثوب ونحوه، فانه يصح البيع ويبطل الشرط

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

القسم الأول: الشروط الصحيحة:

(1)

الروضة البهية ج 2 ص 119 - 120.

(2)

المختصر النافع ص 169.

(3)

تذكرة الفقهاء ج 8 ص 364.

(4)

مفتاح الكرامة ج 5 ص 74.

(5)

مفتاح الكرامة ج 4 ص 732.

ص: 262

ويندرج تحت هذا القسم الشروط التالية:

الأول: اشتراط صفة فى محل العقد.

ومن أمثلته فى البيع ما جاء فى شرح النيل من أنه اذا اشترى تمرا أو غيره على أنه من نوع كذا فخرج بخلاف ذلك، فان كان ما خرج دون ما اشترى عليه فى القيمة أو مساويا وكذا ان خرج النوع نفسه لكنه كان رديئا، وقد شرط ألا يكون رديئا .. فالحكم حكم العيب .. فيخير فى امساكه بالثمن الأول وفى رده لبائعه وأخذ رأس ماله منه، فان أكل منه ان كان مما يؤكل أو شرب ان كان مما يشرب أو أتلف بعضا منه مأكولا أو مشروبا أو غيرهما رد مثل ما أكل.

وقيل يرد قيمته

(1)

.. (انظر مصطلح بيع).

الثانى: اشتراط ما يؤكد موجب العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: يصح أن يشترط فى البيع ما يؤكد موجبه وذلك كما لو باع شيئا واشترط على المشترى أن يرهن له شيئا معلوما فى الثمن المؤجل، معينا كان هذا المشترط رهنه أو غير معين، ويكون حينئذ على المشترى أن يتم له شرطه، فان أبى بطل البيع.

وقيل: يصح ويجبر المشترى على تقديم الرهن.

وقيل: لا يجبر.

وقيل: يوقف البيع الى تمام الشرط

(2)

.

2 -

فى القسمة جاء فى شرح النيل أن لطالب القسمة أن يطلب الى خصمه حميلا وجيها يأتى به أو حميلا يقسم معه أن خاف فيه تعطيلا بالسفر أو الهروب أو الامتناع

(3)

.

الثالث: شرط يحقق منفعة لأحد المتعاقدين.

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: اذا اشترط فى البيع ما يحقق منفعة لأحد المتعاقدين صح الشرط والبيع.

جاء فى شرح النيل أنه اذا كان الشرط معلوما وفيه نفع للبائع أو للمشترى وحل تملك المشروط، وكان المشروط فى نفس المبيع صح الشرط والبيع، سواء كان فى عقدة البيع أو

(1)

شرح النيل ج 4 ص 751 - 752.

(2)

شرح النيل ج 5 ص 474.

(3)

نفس المرجع ج 5 ص 379.

ص: 263

قبل أو بعد، كبيع جمل واشتراط الركوب والحمل عليه لموضع معين وبيع دار واشتراط سكناها مدة معينة وبيع شجرة واشتراط أكلها مدة معلومة لقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون على شروطهم، الا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا أى حلالا أو حراما بالشرع، والا فكل من شرط شيئا لنفسه مثلا فقد حلله لنفسه بعد ما منع منه وحرمه عن المشروط عليه بعد ما أبيح له.

وعن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يا معشر المسلمين ما بال أقوام يشترطون شروطا ليست فى كتاب الله «الحديث» .

وأما حديث نهى عن بيع وشرط ففى اسناده ضعف، وهو قابل للتأويل بأن يقال أنه مقيد بما اذا كان الشرط محرما .. وبما اذا كان مجهولا لأداء المجهول الى تعطيل المبيع الى غير حد فيترتب على ذلك منازعة وفتنة

(1)

.

2 -

فى النكاح: اذا اشترطت الزوجة على زوجها فى عقد النكاح ألا ينقلها من بلدها، أو أن يكون طلاقها بيدها معلقا على شئ معلوم كنكاح أو تسر عليها أو غيبة شهرين أو عام، أو أقل، أو أكثر، أو غيبة فى بلد اسلام أو شرك أو بلدة مخصوصة .. أو نحو ذلك من كل شرط لا يحرم حلالا ولا يحل حراما جاز الشرط .. وهى على شرطها ما لم تبرئه منه

(2)

(أنظر مصطلح نكاح).

3 -

فى المضاربة يجوز لكل من صاحب المال والمضارب اشتراط التجارة فى جنس معين كالتمر، أو الزبيب، أو البر، أو نحو ذلك أو فى نوع معين مما يتجر به كتمر بلد كذا أو ثيابه، وكذا يجوز أن يشترط نفى المضاربة فى بعض هذه الأشياء، لأنه شرط حلال معروف وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم «المؤمنون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا» .

وقال الشيخ: يجوز لرب المال أو المضارب أن يشترط التجارة فى جنسين فصاعدا، ولا يجوز اشتراط التجارة فى جنس، وان شرط ذلك صح القراض ولم يلزمه الشرط.

والرأى الأول هو الأرجح، لأنه ليس فى هذا الشرط غرر محذور بل فيه مظنة عدم الربح أو قلته وقد دخلا على ذلك وارتضياه

(3)

(أنظر مصطلح مضاربة).

4 -

فى الرهن يجوز اشتراط منافع الشئ المرهون كلها لتقوى الرهن،

(1)

نفس المرجع ج 4 ص 82.

(2)

نفس المرجع ج 3 ص 179 - 180.

(3)

نفس المرجع ج 5 ص 217 - 128.

ص: 264

كان يشترط المرتهن أن تكون المنافع داخلة فى الرهن يبيعها كما يبيع الرهن وهى كالثمار والألبان والأصواف اذا باع الرهن باعها وان خاف فسادها باعها ولو قبل حلول الأجل وقبض ثمنها حتى يحل الأجل فيقضيه

(1)

.

5 -

فى الشركة: واذا كان لأحد الشريكين مائة وللاخر خمسون واشترطا الربح سواء جاز ذلك على الصحيح لحديث المؤمنون على شروطهم .. ولأن ذلك حق مخلوق تساهل فيه برضاه وطيب نفسه وتبرع وكان ذلك كالهبة فيأخذ كل منهما رأسماله ويقسمان الربح ومع ذلك فقد يكون صاحب الكثير جعل لصاحب القليل نصف الربح لفضل عمله.

وقيل: الربح يقسم على المال ولو اتفقا على التساوى فيه

(2)

..

(انظر مصطلح شركة).

6 -

فى الاجارة: اذا اشترط على الأجير أن يعمل بنفسه فعمل مع غيره فلا يستحق الأجرة المتفق عليها ويكون له أجرة مثله لا الأجرة التى عقداها لانفساخها بمخالفته

(3)

(أنظر مصطلح اجارة).

7 -

فى الوكالة: اذا وكل شخصا أن يبيع له كذا أو يشترى له كذا أو غير ذلك من العقود واشترط حضور شخص معين جاز التوكيل، ولو كان هذا الشخص الذى اشترط حضوره طفلا أو مجنونا، فاذا باع أو اشترى بدون حضوره فالموكل بالخيار أن شاء أمضى البيع، أو الشراء وان شاء أبطله

(4)

(انظر مصطلح وكالة)

8 -

فى الحمالة: يجوز للمحمول له أن أعطى للمحمول عنه حميلين أو أكثر أن يشترط عليهما أو عليهم أن يلتزم الحى - أو الشاهد (الحاضر) أو الموسر أو السالم من مانع منهما أو منهم دون من لم يتحقق فيه هذا الشرط .. ونحو ذلك من كل شرط حلال، للحديث (المؤمنون على شروطهم).

وان حضر الحميلان وأيسرا وسلما مما اشترط عدمه أو حضروا وأيسروا وسلموا .. غرم كل منابه وهى على الرءوس اذا أطلقت ..

وأن قيدوا فعلى تقييدهم

(5)

(أنظر مصطلح حمالة).

القسم الثانى: الشروط الباطلة التى تبطل العقد ويندرج تحت هذا القسم الشروط التالية:

الأول: شرط يؤدى الى الجهالة.

(1)

نفس المرجع ج 5 ص 487.

(2)

شرح النيل ج 5 ص 262.

(3)

شرح النيل ج 5 ص 47.

(4)

نفس المرجع ج 4 ص 698 - 699.

(5)

شرح النيل ج 4 ص 666 - 667.

ص: 265

ومن أمثلته:

1 -

فى البيع، اذا اشترط فى عقد البيع ما يؤدى الى جهالة بطل الشرط والعقد، سواء كانت الجهالة فى الشرط أو فى الثمن أو فى المثمن.

جاء فى شرح النيل أنه ان جهل الشرط بطل الشرط والبيع على المختار، كبيع نخل واشتراط أكلها، أو بيع دار واشتراط سكناها بلا تحديد، أو اشتراط سكناها الى الموت أو الى أن أجد سكنا، أو الى أن يأتى ولدى أو نحو ذلك مما يجهل أو مما لا ينضبط.

وقيل: صح البيع وبطل الشرط، وقد باع تميم الدارى دارا وشرط سكناها، فأبطل النبى صلى الله عليه وسلم البيع والشرط معا، لجهل الشرط، لأنه لم يشترط مدة معلومة، وليس ابطاله لمجرد الشرط بل لكونه مجهولا.

وقيل: أن تميما شرط سكنى سنة، وبهذه الرواية يستدل من قال بابطال الشرط والبيع مطلقا، الا أنه يعارضها حديث جابر بن عبد الله رضى الله عنه من شرطه ظهر الجمل الى المدينة

وكذا ان كانت الجهالة فى غير نفس المبيع كبيع سلعة بقفيز بر بشرط طحنه أو حمله الى مكان معين أو بيعه عنه لغيره بعد استيفائه له بكيل أو اشتراط عمل آخر على المشترى منع البيع والشرط للجهالة فى الثمن.

وكذا لو اشترط المشترى على البائع ذلك كان يشترط على بائع السلعة له أن يحملها الى مكان معين أو يبيعها أو نحو ذلك يبطل البيع والشرط، لأن الشرط أدى الى جهالة فى المثمن وهو السلعة ونحو حملها لمكان معين

(1)

.

الثانى: شرط ينافى مقتضى العقد.

ومن أمثلته:

1 -

فى المضاربة: ما اذا اشترط صاحب رأس المال اخراج أكثر من رأس ماله، ثم يقسم ما زاد على ذلك من الربح بينهما، فان القراض يبطل ويكون الربح كله لصاحب رأس المال والعناء (أجرة المثل) للمضارب، وذلك مثل أن يقول آخذ رأس مالى وعشرة دنانير ونقسم ما بقى من الربح أنصافا أو اثلاثا أو نحو ذلك، لأنه ربما أحاط ما شرط أخذه بالربح كله.

وكذلك لا يصح له اشتراط أخذ شئ من المضارب من مال القراض الذى بين يديه، سواء أبعده من رأس المال أم لا، كدينار فى كل يوم أو فى كل شهر ولا أخذ شئ منه على كل ما مضى من الأيام أو الأسابيع أو الشهور اذ لا يدرى، أيربح دينارا، أو أقل، أو أكثر، أو لا يربح شيئا.

فان شرط ذلك بطل القراض، ولصاحب

(1)

شرح النيل ج 4 ص 83.

ص: 266

المال الربح، وللمقارض عناؤه (أجر المثل).

وان شرط عليه أن يأخذ ذلك من ماله لا من مال المقارضة، فالحكم كذلك وزاد بالدخول فى الربا

(1)

.

وكذا تفسد المضاربة أن شرط رب المال ضمان المال، أو بعضه معينا، أو شائعا على المضارب، وتحولت المضاربة قرضا، فهو دين عليه، والربح كله للمضارب، ولو لم يشترط صاحب المال الا ضمان البعض.

وانما كان الربح كله له لضمانه ما ضمن، والخراج بالضمان.

وانما فسدت المضاربة، لأن الضمان منفعة يصير بها ما انعقد عليه القراض مجهولا.

وهذا القول قول من قال بجواز أن يتحول القراض قرضا.

ومن لم يجوز ذلك فانه يقول: تفسد المضاربة ولصاحب المال الربح وللعامل عناؤه (أجر مثله).

وقيل: الربح بينهما كما اتفقا عليه والمضاربة صحيحة، ولزمه الضمان، كما شرط عليه رب المال.

وقيل: الشرط فاسد والمضاربة صحيحة

(2)

(أنظر مصطلح قراض.

2 -

فى القسمة: لا يجوز فى القسمة اشتراط تحريم حلال، كأن يشترط أحدهم على الاخر ألا ينتفع بسهمه، ولو بوجه أبيح له، كبناء أو غرس، أو حرث، أو اتفقا أن يأخذ احدهما الثلثين على ألا يكون له من طريقها شئ ولا يمكن لها طريق آخر غير الذى اشترط لمن يأخذ الثلث.

فان أمكن لها طريق آخر جازت القسمة

(3)

(أنظر مصطلح قسمة).

الثالث: اشتراط أمر غير مشروع.

ومن أمثلته:

1 -

فى النكاح نكاح الشغار:

وهو أن يزوج الرجل وليته لرجل على أن يزوج هو له وليته أيضا ويجعلا صداق هذه بصداق تلك وهو نكاح حرام سواء عينا صداقيهما أم لا .. وان فعلا وجب لكل صداق مثلها أن مست ولا شئ لها ان لم تمس من صداق أو متعة وقيل حرمتا ولا توارث فيه اتفاقا وثبت النسب

(4)

.

(انظر مصطلح نكاح).

القسم الثالث: شروط تبطل ويصح التصرف.

ويندرج تحت هذا القسم الشروط التالية:

(1)

شرح النيل ج 5 ص 219.

(2)

نفس المرجع ج 5 ص 216

(3)

نفس المرجع ج 5 ص 371 - 372.

(4)

شرح النيل ج 3 ص 203.

ص: 267

الأول شرط ينافى مقتضى العقد ومن أمثلته:

1 -

فى البيع: ما اذا اشترط فى بيع الجارية ألا يطأها المشترى بطل الشرط وصح البيع.

وقيل: يبطلان الا أن وطئها المشترى فيبطل الشرط وحده.

وكذا ان شرط ألا يتسراها أو لا يبيعها، أولا يهبها، أو شرط أن يفعل ذلك، أو باع شيئا وشرط ألا يبيعه المشترى، أو لا يعطى منه بطل الشرط وحده.

وقيل: بطل البيع والشرط

(1)

. (أنظر مصطلح بيع).

2 -

فى الصرف: اذا اشترط فى الصرف خيار بطل الخيار وتم الصرف فى حين عقده بناء على صحة البيع الشرطى وبطلان الشرط.

وقيل: بطل الصرف والشرط

(2)

. (أنظر مصطلح صرف).

3 -

فى النكاح: اذا اشترط الزوج على الزوجة عند العقد أن تنفق عليه وتكسوه وتسكنه، أو اشترط عليها ألا ينفق عليها أو يكسوها، أو يسكنها، أو لا يعدل لها فى القسم.

أو اشترطت الزوجة على الزوج ألا يملك طلاقها حتى تجيزه، أو لا يجامعها مطلقا، أو ألا فى ليل أو نهار.

أو اشترط أن تلد، أو ألا تلد، أو ألا ترثه، أو ألا صداق لها.

أو اشترطت أن كل امرأة تزوجها عليها فطلاقها بيدها .. أو نحو ذلك، فان الشرط باطل عند الله، وفى الحكم، فيلزمه أن يعطيها ما لم يعطها من حقوقها ويرد اليها ما صرفت عليه لذلك الشرط، ولزم النكاح، وعليه نفقتها وكسوتها وسكناها.

وطلاقها بيده، وذلك لأن النفقة والقيام عليها فرضهما الله سبحانه وتعالى لها عليه لا عليها له، وكذا الطلاق بيد الرجل، ففى نقل ذلك بالكلية مناقضة لكلامه تعالى، ومصادرة عن المصلحة التى رآها لنا، ومجئ بأمر ليس عليه الشرع، فهو رد، فكان ذلك شرطا أحل حراما (أنظر مصطلح نكاح)

(3)

.

4 -

فى الرهن ولا يصح اشتراط بيع الرهن قبل الأجل والرهن صحيح، كبيع وشرط.

وقيل: يجوز على أنه لا يقضى بالثمن فى حقه حتى يحل الأجل.

ووجه الأول: أنه لا يدرك دينه قبل الأجل، والدين أصل للرهن، فلم يجز له ادراك بيعه قبل الأجل.

(1)

شرح النيل ج 4 ص 86.

(2)

نفس المرجع ج 4 ص 342 - 343.

(3)

شرح النيل ج 3 ص 178 - 179.

ص: 268

ووجه الثانى: أن بيعه ليس بمنزلة قبض الدين قبل الأجل، لأنه لو رضى الغريم فأعطى الدين قبل الأجل لجاز قبضه

(1)

.

5 -

فى العتق: جاء فى شرح النيل أنه ان اعتقت المرأة عبدا على شرط أن يتزوجها، ثم امتنع من تزوجها، فلا يجبر على التزوج، ولا يرد فى الرق، وكذا الأمة ان أعتقها رجل على أن يتزوجها، فأبت، لأن العتق صحيح، والشرط باطل.

ووجه بطلانه أن المملوك عقد الشرط على نفسه وهو مملوك ولا عقد لمملوك على نفسه وصح العتق وحده لأنه يقع ولو هزلا

(2)

.

6 -

الفداء

(3)

: واذا قالت الزوجة لزوجها: أبرأتك من صداقى على أن تطلقنى ثلاثا.

فان قدم القبول وأخر الطلاق فقال:

قبلت المال وطلقتك ثلاثا، أو واحدة أو ثنتين فهو فداء وسقط عنه الصداق ولا طلاق غير طلاق الفداء، فان راجعها أو تزوجها جاز له، لأن الطلاق لا يلحق الفداء.

وان قدم الطلاق وأخر القبول بأن قال: طلقتك ثلاثا وقبلته طلقت ثلاثا وبقى المال لها، لأن التطليقات الثلاث تبين المرأة بها فلا يلحقها الفداء بعدهن

(4)

.

وان فاداها على ألا تتزوج فلانا أو من بلد كذا أو قبيلة كذا تم الفداء وبطل الشرط

(5)

.

الثانى: اشتراط أمر لا يحل شرعا وذلك كما لو باع أمة واشترط ولاءها لنفسه ان عتقت بعد، فالبيع صحيح والولاء اشتريها اذا أعتقها لا لبائعها المشترط له لأن الولاء لحمة كلحمة النسب، كما فى الحديث واللحمة القرابة فلا ينتقل حكمه ببيع أو هبة أو غيرهما، كما لا ينتقل حكم النسب، فكما لا يصح أن تبيع قرابتك من زيد لبكر مثلا، أو تهبه اياها، أو تنقلها اليه بوجه ليرثه مكانك كذلك الولاء انما هو لمن أعتق أو عصبته وقد اشترت عائشة بريرة لتعتقها واشترط البائع ولاءها فقال صلى الله عليه وسلم «الولاء لمن أعتق وأجاز البيع وأبطل الشرط»

(6)

.

(1)

شرح النيل ج 5 ص 486.

(2)

شرح النيل ج 3 ص 222.

(3)

الفداء لغة التخلص من مكروه بنحو مال وشرعا فرقة بين الزوجين بردها الى الزوج صداقها وقبوله اياه والخلع فرقة بينهما بردها بعضه وقبوله وقيل هما سواء.

والفداء طلاق عند الأكثر شرح النيل ج 3 ص 480.

(4)

نفس المرجع ج 3 ص 485.

(5)

نفس المرجع ج 3 ص 514.

(6)

شرح النيل ج 4 ص 82 - 83.

ص: 269

‌اشتراك

‌المعنى اللغوى والاصطلاحى:

جاء فى لسان العرب: اشتركنا بمعنى تشاركنا، وقد اشترك الرجلان وتشاركا، وشارك أحدهما الآخر، والشريك المشارك

(1)

.

وفى كشاف اصطلاحات الفنون:

الاشتراك فى عرف العلماء كأهل العربية والأصول والميزان يطلق بالاشتراك على معنيين.

أحدهما: كون اللفظ المفرد موضوعا لمفهوم عام مشترك بين الأفراد، ويسمى اشتراكا معنويا، وذلك اللفظ يسمى مشتركا معنويا كالانسان.

وثانيهما: كون اللفظ المفرد موضوعا لمعنيين أو أكثر معا بأوضاع متعددة، ويسمى اشتراكا لفظيا، وذلك اللفظ يسمى مشتركا لفظيا

(2)

كالعين والقرء.

وما قرره علماء الشريعة لا يخرج فى الجملة عن هذا الذى قرره علماء اللغة.

فقد تكلم الفقهاء عن الاشتراك فى الجريمة، وعن الاشتراك فى المعاملات المالية.

كما ذكروا تطبيقات يستفاد منها أن الاشتراك قد يكون فى الحقوق أيضا.

ثم ان علماء الأصول تكلموا عن الاشتراك اللفظى فى دلالة الألفاظ، وفرقوا بينه وبين الاشتراك المعنوى.

‌الاشتراك فى الجريمة

الاشتراك فى الجريمة (الاعتداء) يتصور وقوعه فى حالات كثيرة، وأظهر ما نص عليه الفقهاء من هذه الأفعال:

الاشتراك فى جريمة القتل، والاشتراك فى جريمة السرقة، كما أن جريمة الحرابة تقع فى أغلب حالاتها بالاشتراك بين الجناة ولذلك فان البحث هنا سيكون عن الاشتراك فى الاعتداء على النفس، ثم عن الاشتراك فى جريمة السرقة.

وأما الاشتراك فى جريمة الحرابة فسنشير الى بعض صور منه، ثم نحيل البحث الى مصطلح حرابة.

(1)

لسان العرب باب الكاف فصل الشين.

(2)

كشاف اصطلاحات الفنون باب الشين فصل الكاف

ص: 270

‌1 - الاشتراك فى الاعتداء على النفس

الاعتداء على النفس قد يكون باتلافها وهو ما يسمى بجريمة القتل.

وقد يكون باتلاف جزء منها وهو ما يسمى بجريمة الاعتداء على الأطراف:

من قطع أو جرح ونحوه ..

(أ) الاشتراك فى جريمة القتل

الاشتراك فى جريمة القتل اما أن يكون اشتراكا مباشرا بين كل من القاتلين.

واما أن يكون اشتراكا غير مباشر أى بطريق التسبب.

(ب) الاشتراك فى القتل بطريق مباشر

هذا النوع من الاشتراك قد يكون متعلقا بالقتل العمد، وقد يكون متعلقا بالقتل الخطأ.

‌الاشتراك فى القتل العمد:

‌مذهب الحنفية:

جاء فى المبسوط: وان اجتمع رهط على قتل رجل بالسلاح فعليهم فيه القصاص، بلغنا عن عمر رضى الله عنه أنه قضى بذلك وهو استحسان.

والقياس أن لا يلزمهم القصاص، لأن المعتبر فى القصاص المساواة لما فى الزيادة من الظلم على المتعدى، ولما فى النقصان من البخس بحق المعتدى عليه، ولا مساواة بين العشرة والواحد وهذا شئ يعلم ببداهة العقول

(1)

.. وأيد هذا القياس قوله تعالى {(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ)} وذلك ينفى مقابلة النفوس بنفس واحدة.

ولكنا تركنا هذا القياس، لما روى أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى عمر رضى الله عنه بالقصاص عليهم وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به، ولأن القصاص شرع لحكمة الحياة وذلك بطريق الزجر.

ومعلوم أن القتل بغير حق فى العادة لا يكون الا بالتغالب والاجتماع لأن الواحد يقاوم الواحد فلو لم نوجب القصاص على الجماعة بقتل الواحد لأدى ذلك الى سد باب القصاص وابطال الحكمة التى وقعت الاشارة اليها بالنص .. اذ أنه لا مقصود من القتل سوى التشفى والانتقام وذلك حاصل لكل قاتل بكماله كأنه ليس معه غيره

(2)

..

فعرفنا أنه انما يقتل العشرة بالواحد بطريق المماثلة.

(1)

المبسوط ج 26 ص 126 الطبعة الأولى سعادة.

(2)

المبسوط ج 26 ص 127.

ص: 271

وبيان ذلك أن القتل مما لا يتجزأ، واذا اشترك الجماعة فيما لا يحتمل التجزى فأما أن ينعدم أصلا أو يتكامل فى حق كل واحد منهم.

والدليل عليه أن كل واحد منهم لو حلف أن لا يقتله كان حانثا فى يمينه بهذا الفعل

(1)

واذا اشترك جماعة من الرجال فى قتل حرة أو أمة فعليهم القصاص كما لو اشتركوا فى قتل رجل حر

(2)

وكذلك لو اجتمع نفر من المسلمين على قتل ذمى قتلوا به، لأن الذميين فى حكم القصاص كالمسلمين

(3)

.

واذا اشترك الرجلان فى قتل رجل أحدهما بعصا، والآخر بحديدة فلا قصاص على واحد منهما هكذا نقل عن ابراهيم، لأن القتل بالعصا لا يصلح أن يكون موجبا للقصاص، لأن القصد به التأديب والآلة آلة التأديب فهو بمنزلة فعل الخاطئ.

والخاطئ والعامد اذا اشتركا فى القتل لم يجب القصاص عليهما، لأنه اختلط الموجب بغير الموجب فى المحل فقد انزهقت الروح عقب فعلين أحدهما ليس بسبب لوجوب العقوبة، ولا يدرى أنه بأى

الفعلين أزهق الروح فتتمكن الشبهة من هذا الوجه، فالقصاص عقوبة تندرئ بالشبهات، وبعد سقوط القصاص يجب المال فيتوزع عليهما، وليس أحدهما باضافة القتل اليه بأولى من الآخر.

ولا يقال: ينبغى أن يضاف القتل الى فعل من استعمل السلاح فيه، لأن السلاح آلة للقتل دون العصا، لأن الانسان قد يسلم من الجرح بالحديد ويتلف من الضرب بالعصا، فهو بمنزلة ما لو جرحه رجلان أحدهما جراحة واحدة والآخر عشر جراحات، فانه يجعل القتل مضافا اليهما على السواء لهذا المعنى، ثم كل واحد منهما فيما لزمه من نصف الدية يجعل كالمنفرد به، فنصف الدية على صاحب الحديدة فى ماله ونصفها على صاحب العصا على عاقلته، وكذلك لو قتلاه بسلاح وأحدهما صبى أو معتوه فلا قصاص عليهما عندنا

(4)

وأما الأب مع الأجنبى أو المولى مع الأجنبى اذا اشتركا فى قتل الولد أو المملوك فلا قصاص على واحد منهما عندنا

(5)

.. ذلك أن قتل الأب أو المولى موجب للدية، فلا يكون موجبا للقصاص كالخاطئ مع العامد اذا اشتركا.

وجاء فى الدر وحاشية ابن عابدين

عليه: ان مات شخص بفعل نفسه وزيد وأسد وحية ضمن زيد ثلث الدية فى

(1)

المبسوط ج 26 ص 128، 129.

(2)

المبسوط ج 26 ص 131.

(3)

المبسوط ج 26 ص 135.

(4)

المبسوط ج 26 ص 93.

(5)

المبسوط ج 26 ص 93، 96.

ص: 272

ماله ان كان فعله عمدا، لأن العاقلة لا تتحمل العمد.

وانما لم يقتص منه لأنه من المقرر - أنه لا قصاص على شريك من لا قصاص بقتله .. لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لأنه هدر فى الدارين، وفعل زيد معتبر فى الدارين وفعل نفسه هدر فى الدنيا لا العقبى، حتى يأثم بالاجماع، فصارت ثلاثة أجناس، فكأن النفس تلفت بثلاثة أفعال، فالتالف بفعل كل واحد ثلثه فيجب عليه ثلث الدية.

ومفاد التعليل أن يعتبر فى المقتول التكليف ليصير فعله جنسا آخر غير جنس فعل الأسد والحية اذ لو كان غير مكلف لهدر فى الدارين كفعل الأسد فيكون على زيد نصف الدية.

ومفاده أيضا ألا يزيد على الثلث لو تعدد قاتله بأن كان مع زيد غيره فيشترك هو وغيره فى الثلث.

ولو جرحه رجل جراحة وجرحه آخر جراحة ثم انضم اليه ما هو هدر فعلى كل واحد منهما ثلث الدية وثلثها هدر.

وفى تكملة الطورى: لو قطع رجل يده وجرحه آخر وجرح هو نفسه وافترسه سبع ضمن القاطع ربع الدية والجارح ربعها، لأن النفس تلفت بجنايات أربع واثنتان منها معتبرتان

(1)

.

‌مذهب المالكية:

أنه يقتل الجمع غير المتمالئين بواحد اذا ضربوه عمدا عدوانا ومات مكانه أو رفع مغمورا (غمرة الموت) واستمر حتى مات أو منفوذ المقاتل

(2)

- والحال أنهم غير متفقين على قتله بل كل واحد منهم قصد قتله فى نفسه من غير اتفاق منهم على

(3)

قتله - سواء تميزت الضربات أو لم تتميز وسواء كان الموت ينشأ عن كل واحدة أو عن بعضها، وسواء استوت الضربات فى القوة أو اختلفت ولم يعلم عين من كانت ضربته هى التى نشأ عنها الموت. فأن تأخر موته غير منفوذ مقتل ولا مغمور قتل واحد فقط بقسامة، اذ لا يقتل بالقسامة أكثر من واحد.

وان تميزت جنايات كل واحد منهم واختلفت قدم الأقوى ان علم

(4)

.

بمعنى أنه اذا تميزت الضربات وعلم موته من أحداها فأنه يقتص ممن علم أنه مات من ضربته، واقتص من الباقى مثل فعله.

ثم ان ما ذكر من قتل الجميع فى هذه الحالة بقيودها هو ما فى النوادر.

وفى اللخمى خلافه وهو أنه اذا أنفذ

(1)

الدر وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 481.

(2)

الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 245

(3)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 245.

(4)

الشرح الكبير ج 4 ص 245.

ص: 273

أحدهم مقتله ولم يدر من أى الضربات مات فانه يسقط القصاص اذا لم يتعاقدوا على قتله والدية فى أموالهم

(1)

.

ويقتل المتمالئون على القتل أو الضرب بأن قصد الجميع الضرب وحضروا، وان لم يتول الضرب الا واحد منهم اذا كان غير الضارب لو لم يضرب غيره لضرب.

وان حصل الضرب بسوط أو بيد أو قضيب حتى مات.

ومحل قتل الجماعة المتمالئة اذا ثبت قتلهم له ببينة أو اقرار

(2)

.

واذا اشترك مكلف وصبى فى قتل شخص فان القصاص على المكلف وحده دون الصبى لعدم تكليفه، وهذا اذا تمالآ على قتله عمدا، وعلى عاقلة الصبى نصف الدية لأن عمده كخطئه

(3)

.

وأما اذا كان كل من المكلف والصبى قد تعمد قتل ذلك الشخص ولكن قتلاه من غير تمالؤ واتفاق منهما على قتله، فلا قتل على المكلف المشارك للصبى فى القتل، لاحتمال كون رمى الصبى هو القاتل، وانما على المكلف نصف الدية فى ماله ونصفها الآخر على عاقلة الصبى، الا أن يدعى أولياء المقتول أنه مات من فعل المكلف، فانهم يقسمون عليه ويقتلونه فيسقط نصف الدية عن عاقلة الصبى، لأن القسامة انما يقتل بها ويستحق بها واحد

(4)

.

ولا قصاص على متعمد شريك مخطئ، ولا على متعمد شريك مجنون، فلا يقتص منه للشك، أى لاحتمال أن يكون الموت من رمى المخطئ والمجنون.

والظاهر أنه لا يقتص منه ولو أقسم الأولياء على أن القتل من المتعمد، وهو كذلك كما نص عليه على الأجهورى، لأنه لا صارف لفعلهما فيمكن حصول الموت من فعلهما معا لشدة فعل المخطئ والمجنون بخلاف الصبى

(5)

.

واذا أنشب السبع أظفاره فى الشخص بالفعل، ثم جاء انسان فأجهز عليه فهل يقتص من شريك السبع نظرا لأنه تعمد القتل، أو لا يقتص منه، وانما عليه نصف الدية فى ماله ويضرب مائة ويحبس عاما قولان عند المالكية.

وكذلك يجرى هذا الخلاف فى شريك جارح نفسه، وهو من جرح نفسه جرحا يكون عنده الموت غالبا ثم ضربه مكلف قاصدا قتله.

(1)

حاشة الدسوقى ج 4 ص 245.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 245.

(3)

الشرح الكبير ج 4 ص 246.

(4)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 246.

(5)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 247.

ص: 274

فالقول بالقصاص منه مبنى على قصده القتل

والقول الآخر يوجب عليه نصف الدية فى ماله مع ضربه مائة وحبسه عاما، اذ لا يدرى من أى الأمرين مات.

وكذلك قالوا فى شريك الحربى، الا أنهم نصوا على أن المكلف اذا تمالأ مع الحربى على القتل فانه يقتص من الشريك قطعا.

وهذا الخلاف المتقدم ذكره يجرى كذلك فى مسألة شريك المرض.

وصورتها أن يحدث شخص جرحا بآخر ثم يحصل للمجروح مرض ينشأ عنه الموت غالبا ثم يموت، ولم يدر أمات من الجرح أم من المرض.

ثم يقول الدردير: والقول بالقصاص فى الأربع بقسامة، والقول بنصف الدية بلا قسامة والراجح فى شريك المرض القصاص فى العمد والدية فى الخطأ بالقسامة

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

اذا وجد من شخصين معا .. فعلان مزهقان للروح، مذففان - أى مسرعان لقتل كحز للرقبة وقد للجثة، أو غير مذففين كقطع عضوين أو جرحين، أو جرح من واحد ومائة مثلا من الآخر فمات منهما فقاتلان يجب عليهما القصاص، اذ رب جرح له نكاية فى الباطن أكثر من جروح، فان ذفف احدهما فقط فهو القاتل فلا يقتل الآخر حتى ان شككنا فى خطورة جرحه، لأن الأصل عدمه والقود لا يجب بالشك مع سقوطه بالشبهة.

والأوجه وجوب أرش الجرح على الشريك الذى جرحه غير قاتل ..

وان أوصل الجانى المجنى عليه الى حركة مذبوح - بأن لم يبق فيه أبصار ولا نطق ولا حركة اختيار .. ثم جنى آخر فالأول هو القاتل، لأنه صيره الى حالة الموت، ومن ثم أعطى حكم الأموات مطلقا، ويعزر الثانى لهتكه حرمة ميت ..

وان جنى الثانى قبل الانهاء به الى هذه الحالة، فان ذفف كحز بعد جرح فالثانى قاتل لقطعه أثر الأول .. وعلى الأول قصاص العضو أو مال بحسب الحال من عمد وضده، ولا نظر لسريان الجرح لاستقرار الحياة عنده.

وان لم يذفف الثانى أيضا ومات بهما كأن قطع واحد من الكوع وآخر من المرفق أو أجأفاه (أصاباه بجائفة) فقاتلان لوجود السراية منهما

(2)

.

(1)

الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 247.

(2)

نهاية المحتاج ج 7 ص 249 - 251 طبعه سنة 1357، 1938 حلبى.

ص: 275

ويقتل الجمع بواحد وان تفاضلت الجراحات فى العدد والفحش والأرش حيث كان لها دخل فى الزهوق سواء أقتلوه بمحدد أم بمثقل، لأن القصاص عقوبة تجب للواحد فيجب له على الجماعة كحد القذف، ولأنه شرع لحقن الدماء فلو لم يجب بالاشتراك لاتخذ ذريعة الى سفكها وروى مالك أن عمر قتل نفرا خمسة أو سبعة برجل قتلوه غيلة وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به جميعا ولم ينكر عليه ذلك مع شهرته فصار اجماعا.

اما من ليس لجرحه أو ضربه دخل فى الزهوق بقول أهل الخبرة فلا يعتبر.

وللولى العفو عن بعضهم على حصته من الدية باعتبار عدد الرءوس دون الجراحات فى صورتها لعدم انضباط نكاياتها.

ولو ضربه أحدهما ضربا يقتل ثم ضربه الآخر سوطين أو ثلاثة حالة ألمه من ضرب الأول عالما بضربه اقتص منهما، أما ان كان جاهلا به فلا. وعلى الأول حصة ضربه من دية العمد، وعلى الثانى كذلك من دية شبهه باعتبار الضربات.

وان ضرباه بالعكس كأن ضربه أحدهما ثلاثة مثلا ثم ضربه الآخر ضربا يقتل كخمسين سوطا حال الألم ولا تواطؤ، فلا قود على واحد منهما، بل يجب على الأول حصة ضربه من دية شبه العمد، وعلى الثانى حصة ضربه من دية العمد باعتبار الضربات .. وانما قتل من ضرب مريضا جهل مرضه لانتفاء سبب آخر ثم يحال القتل عليه

(1)

.

ولا يقتل متعمد والحال أنه شريك مخطئ ولو حكما، ولا يقتل شريك شبه العمد لحصول الزهوق بفعلين أحدهما يوجبه، والآخر ينفيه، فغلب الثانى للشبهة فى فعل المتعمد، وعلى الأول نصف دية العمد، وعلى عاقلة الثانى نصف دية الخطأ أو شبه العمد، ويقتل شريك الأب فى قتل فرعه، كما يقتل عبد شارك حرا فى عبد .. وذمى شارك مسلما فى ذمى وكذلك يقتل شريك حربى فى قتل مسلم أو ذمى.

ويقتل شريك صبى مميز ومجنون له نوع تمييز وشريك السبع والحية القاتلين غالبا مع وجود المكافأة بين القاتل والمقتول فى الحرية والاسلام.

وبالجملة فمتى سقط القود عن أحدهما لشبهة فى فعله سقط عن شريكه، أو لصفة قائمة بذاته وجب على شريكه

(2)

.

ولو ضربوه بسياط وضرب كل واحد منهم غير قاتل لو انفرد ففيه أوجه.

(1)

نهاية المحتاج ج 7 ص 261، 262.

(2)

المرجع السابق ص 262 مع حاشية الشبراملسى والمغربى بنفس الموضع.

ص: 276

أصحها: يجب القصاص ان تواطئوا على ضربه وكان ضرب كل واحد منهم له دخل فى الزهوق.

وانما لم يعتبر ذلك فى الجراحات والضربات المهلك كل منها لو انفرد، لأنها قاتلة فى نفسها ويقصد بها الاهلاك مطلقا، والضرب الخفيف لا يظهر فيه قصد الاهلاك الا بالموالاة من واحد والتواطؤ من جمع. ولو آل الأمر الى الدية وزعت على عدد الضربات وبحسب الرءوس فى الجراحات.

والوجه الثانى لا قصاص.

والوجه الثالث يجب القصاص على الجميع مطلقا سواء أتواطئوا أم لا، لأن فعل كل واحد منهم قاتل، ولئلا يتخذ ذلك ذريعة الى القتل.

أما اذا كان ضرب كل واحد منهم قاتلا لو انفرد فانه يجب عليهم القود جزما

(1)

.

واذا ألقاه من شاهق قتلقاه آخر بسيف فقده نصفين مثلا فالقصاص على القاد فقط اذا كان (أهلا) وعلى الملقى الاثم والتعزير

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى المغنى: أن الجماعة اذا قتلوا واحدا فعلى كل واحد منهم القصاص اذا كان كل واحد منهم لو انفرد بفعله وجب عليه القصاص لاجماع الصحابة رضى الله عنهم: فعمر قتل سبعة من أهل صنعاء - وعلى رضى الله عنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا وابن عباس قتل جماعة بواحد. ولم يعرف لهم فى عصرهم مخالف، فكان اجماعا، ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد فوجبت للواحد على الجماعة كحد القذف. ويفارق الدية فانها تتبعض والقصاص لا يتبعض ولأن القصاص لو سقط بالاشتراك لأدى الى التسارع الى القتل به فيؤدى الى اسقاط حكمة الردع والزجر.

وحكى عن أحمد رواية أخرى: أنهم لا يقتلون به وتجب عليهم الدية.

وقد رجح ابن قدامة الرواية الأولى، وهى قتل الجماعة بالواحد

(3)

.

ولا يعتبر فى وجوب القصاص على المشتركين التساوى فى سببه، فلو جرحه رجل جرحا والآخر مائة، أو جرحه أحدهما موضحة والآخر آمة أو احدهما جائفة والآخر غير

(4)

جائفة فمات كانا سواء فى القصاص والدية، لأن اعتبار التساوى يفضى الى سقوط القصاص عن المشتركين

(1)

نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى ج 7 ص 263.

(2)

نهاية المحتاج ج 7 ص 244.

(3)

المغنى ج 9 ص 366، 367.

(4)

الموضحة هى التى تظهر وضح العظم اى بياضه، والآمة هى التى بلغت ام الدماغ وهى الجلدة التى تجمع الدماغ، والجائفة هى التى تصل الى الجوف.

ص: 277

اذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه، ولو احتمل التساوى لم يثبت الحكم، لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ولا يكتفى باحتمال الوجود بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه فى انتفاء الحكم. ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت منه دون المائة، كما يحتمل أن يموت من الموضحة دون الآمة ومن غير الجائفة دون الجائفة، فكان حكم الجماعة كحكم الواحد، ألا ترى أنه لو قطعت أطرافه كلها فمات وجبت دية واحدة كما لو قطع طرفه فمات

(1)

.

واذا اشترك ثلاثة فى قتل رجل فقطع أحدهم يده والآخر رجله وأوضحه الثالث فمات فللولى قتل جميعهم والعفو عنهم الى الدية فيأخذ من كل ثلثها، وله أن يعفو عن واحد فيأخذ منه ثلث الدية، ويقتل الآخرين، وله أن يعفو عن اثنين فيأخذ منهما ثلثى الدية ويقتل الثالث.

فان برئت جراحة أحدهم ومات من الجرحين الآخرين فله أن يقتص من الذى برئ جرحه بمثل جرحه ويقتل الآخرين، أو يأخذ منهما دية كاملة أو يقتل احدهما ويأخذ من الآخر نصف الدية، وله أن يعفو عن الذى برئ جرحه ويأخذ منه دية جرحه

(2)

.

واذا قتل الأب وغيره عمدا قتل من سوى الأب، لأنه شارك فى القتل العمد العدوان فيمن يقتل به غالبا لو انفرد بقتله فوجب عليه القصاص كشريك الأجنبى ..

فضلا عن أن فعل الأب يقتضى الايجاب، لكونه تمحض عمدا عدوانا والجناية به أعظم اثما وأكثر جرما قال تعالى:

(ولا تقتلوا أولادكم - ثم قال: ان قتلهم كان خطأ كبيرا) وجعل النبى صلى الله عليه وسلم قتل الولد من أعظم الذنوب بعد الشرك .. فهو أولى بايجاب العقوبة والزجر عنه، وانما امتنع وجوب القصاص فى حق الأب لمعنى مختص بالمحل، لا لقصور فى السبب الموجب فلا يمتنع عمله فى المحل الذى لا مانع فيه

(3)

.

وكل شريكين امتنع القصاص فى حق أحدهما لمعنى فيه من غير قصور فى السبب، فالحكم فى وجوب القصاص على الآخر منهما كالحكم فى الأب وشريكه، مثل أن يشترك مسلم وذمى فى قتل عبد عمدا عدوانا، فان القصاص لا يجب على المسلم والحر، ويجب على الذمى والعبد اذا قلنا بوجوبه على شريك الأب، لأن امتناع القصاص عن المسلم لاسلامه، وعن الحر لحريته، وانتفاء مكافأة المقتول له، وهذا المعنى لا يتعدى الى فعله، ولا الى شريكه، فلم يسقط القصاص عنه.

وقد نقل عبد الله بن أحمد قال:

سألت أبى رحمه الله عن حر وعبد قتلا

(1)

المغنى ج 9 ص 367، 368.

(2)

المغنى ج 9 ص 368، 369.

(3)

المغنى ج 9 ص 373 - 374.

ص: 278

عبدا عمدا قال: أما الحر فلا يقتل بالعبد، وعلى الحر نصف قيمة العبد فى ماله، والعبد ان شاء سيده أسلمه والا فداه بنصف قيمة العبد، وظاهر هذا أنه لا قصاص على العبد فيخرج مثل ذلك فى كل قتل شارك فيه من لا يجب عليه القصاص

(1)

.

أما اذا شارك فى القتل من لا قصاص عليه لمعنى فى فعله كالصبى والمجنون.

فالصحيح فى المذهب أنه لا قصاص عليه لأنه شارك من لا مأثم عليه فى فعله، ولأن الصبى والمجنون لا قصد لهما صحيح ولهذا لا يصح اقرارهما، فكان حكم فعلهما حكم الخطأ فى انتفاء القصاص ولزوم الدية وحمل عاقلتهما اياها ووجوب الكفارة.

اذا ثبت هذا فان الدية تجب عليهم أثلاثا على كل واحد منهم ثلثها، لأن الدية بدل المحل، ولذلك اختلفت باختلافه والمحل المتلف واحد، فكانت ديته واحدة ولأنها تتقدر بقدره.

الا أن الثلث الواجب على المكلف يلزم فى ماله حالا، لأن فعله عمد، وما يلزم الصبى والمجنون فعلى عاقلتهما.

ويلزم كل واحد منهما الكفارة من ماله، لأن فعلهما خطأ، والمشارك فى القتل خطأ يلزمه كفارة، لأنها لا تجب بدلا عن المحل، ولهذا لم تختلف، وانما وجبت تكفيرا للفعل، ومحوا لأثره، فوجب تكميلها كالقصاص

(2)

.

واذا قتلاه وأحدهما مخطئ، والآخر متعمد، فلا قود على واحد منهما، وعلى العامد نصف الدية فى ماله وعلى عاقلة المخطئ نصف الدية، وعليه فى ماله عتق رقبة مؤمنة.

أما المخطئ فلا قصاص عليه للكتاب والسنة والاجماع.

وأما شريكه فلأن هذا القتل قتل لم يتمحض عمدا فلم يوجب القصاص كشبه العمد، وكما لو قتله واحد بجرحين عمدا وخطأ، ولأن كل واحد من الشريكين مباشر ومتسبب فاذا كانا عامدين فكل واحد متسبب الى فعل موجب للقصاص فقام فعل شريكه مقام فعله لتسببه اليه وههنا اذا أقمنا المخطئ مقام العامد صار كأنه قتله بعمد وخطأ وهذا غير موجب

(3)

.

وفى حكم شريك جارح نفسه وشريك السبع وجهان.

الأول لا قصاص عليه، لأنه شارك من لا يجب القصاص عليه كشريك الخاطئ.

(1)

المغنى ج 9 ص 374 - 375.

(2)

المغنى ج 9 ص 375 - 376.

(3)

المغنى ج 9 ص 379 - 380.

ص: 279

والوجه الثانى عليه القصاص، وهو قول أبى بكر الخلال.

وروى عن أحمد أنه قال: اذا جرحه رجل ثم جرح الرجل نفسه فمات فعلى شريكه القصاص، لأنه قتل عمد متحمض فوجب القصاص على الشريك فيه كشريك الأب.

فأما ان جرح الرجل نفسه خطأ كأنه أراد ضرب جارحه فأصاب نفسه أو خاط جرحه فصادف اللحم الحى، فلا قصاص على شريكه فى أصح الوجهين.

وفيه وجه آخر أن عليه القصاص بناء على الروايتين فى شريك الخاطئ

(1)

.

واذا جنى عليه اثنان جنايتين: فان كانت الأولى أخرجته من حكم الحياة كأن قطع أحشاءه أو ذبحه ثم ضرب الثانى عنقه فالأول هو القاتل، لأنه لا يبقى مع جنايته حياة فالقود عليه خاصة، وعلى الثانى التعزير، كما لو جنى على ميت.

وان كان جرح الأول يجوز بقاء الحياة معه كأن شق البطن من غير ابانة الأحشاء، أو قطع طرفا، ثم ضرب الآخر عنقه، فالثانى هو القاتل، لأن الأول لم يخرجه من حكم الحياة، فيكون الثانى هو المفوت لها، فعليه القصاص فى النفس، والدية كاملة ان عفا الولى عنه.

أما جرح الأول فان كان موجبا للقصاص كقطع الطرف فالولى مخير بين قطع طرفه والعفو عن ديته مطلقا.

وان كان لا يوجب القصاص كالجائفة ونحوها فعليه الأرش.

وانما كان عليه القصاص لأن فعل الثانى قطع سراية جراحه فصار كالمندمل الذى لا يسرى.

وان كان جرح الأول يفضى الى الموت لا محالة الا أنه لا يخرج به من حكم الحياة وتبقى معه الحياة المستقرة، مثل خرق المعى أو أم الدماغ فضرب الثانى عنقه فالقاتل هو الثانى، لأنه فوت حياة مستقرة وقتل من هو فى حكم الحياة .. كما لو قتل عليلا لا يرجى برؤه

(2)

.

واذا ألقى رجلا من شاهق فتلقاه آخر بسيف فقتله فالقصاص على من قتله، لأنه فوت حياته قبل المصير الى حال ييأس فيها من حياته، فأشبه ما لو رماه انسان بسهم قاتل فقطع آخر عنقه قبل وقوع السهم به أو ألقى عليه صخرة فأطار انسان رأسه بالسيف قبل وقوعها عليه

(3)

.

(1)

المرجع السابق ص 380 - 381.

(2)

المرجع السابق ج 9 ص 384 - 385.

(3)

المرجع السابق ص 385.

ص: 280

واذا اشترك جماعة فى القتل فأحب الأولياء أن يقتلوا الجميع فلهم ذلك، واذا أحبوا أن يقتلوا البعض ويعفو عن البعض ويأخذوا الدية من الباقين فلهم ذلك، لأن كل من لهم قتله فلهم العفو عنه.

ولا يسقط القصاص عن البعض بالعفو عن البعض لأنهما شخصان فلا يسقط القصاص عن أحدهما باسقاطه عن الآخر كما لو قتل كل واحد رجلا.

وأما اذا اختاروا أخذ الدية من القاتل أو من بعض القتلة فان لهم هذا

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى من استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات .. فان كان الذين لم يسقوه يعلمون أنه لا ماء له البتة الا عندهم ولا يمكن ادراكه أصلا حتى يموت فهم قتلوه عمدا وعليهم القود، بأن يمنعوا الماء حتى يموتوا كثروا أو قلوا ..

وهكذا القول فيمن تركوه فأخذه السبع وهم قادرون على انقاذه فهم قتلة عمدا اذ لم يمت الا من فعلهم، وهذا كمن أدخلوه فى بيت ومنعوه حتى مات ولا فرق، وهذا كله وجه واحد

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

تقتل الجماعة بالواحد لقوله تعالى:

{(فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً)} يعنى على القاتل ولم يفصل .. ولم يقتلوا بالواحد لصفة زائدة فى المقتول بل لكون كل منهم قاتلا، والقول بتخصيص أحدهم مخالف للاجماع وقد قتل على ثلاثة بواحد، وقتل عمر سبعة بواحد - وقد وردت عن عمر روايات متعددة فى هذا - ولم ينكر عليه ذلك وقال على: المائة بالواحد ولم ينكر عليه ذلك فكان اجماعا.

واذا انتقل الحكم الى الدية فانه يلزم الجماعة دية واحدة قال صاحب البحر وهو الأقرب للقياس كسائر المتلفات.

وانما يقتلون بالواحد ويشتركون فى ديته حيث مات بمجموع فعلهم بحيث لو نقص فعل أحدهم لم يمت بفعل الباقين ولو كان فعل واحد زائدا على فعل غيره منهم

(3)

.

واذا اشترك عامد ومخطئ قتل العامد، اذ لم يفصل الدليل، وعلى عاقلة المخطئ نصف الدية ..

ويقاد شريك الصبى والمجنون ..

وعلى الصبى ونحوه نصف الدية لمشاركته وهو على العاقلة.

(1)

المغنى ج 9 ص 473.

(2)

المحلى ج 10 ص 522 - 523.

(3)

البحر الزخار ج 5 ص 218.

ص: 281

ولا يسقط القود عن شريك الأب أو عبد شارك حرا فى عبد أو كافر شارك مسلما فى كافر لكمال شرط القصاص فيه ..

ويقاد شريك النفس أى يقتص من رجل شارك رجلا فى قتل نفسه، وكذلك يقاد شريك السبع ..

ومن قطع حلقوم رجل ثم قطعه آخر نصفين فالقاتل الأول وعلى الآخر التعزير، اذ حركته بعد الأولى كحركة المذبوح ..

فان جنى الأول بما لا يقطع بكونه قاتلا كقطع يد، وجنى الآخر بما يقطع بكونه قاتلا فالقود فى القاتلة وفى الأخرى الأرش

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

لو اشترك جماعة فى قتل حر مسلم فللولى قتل الجميع. ويرد على كل واحد ما فضل من ديته عن جنايته، وله قتل البعض، ويرد الآخرون قدر جنايتهم، فان فضل للمقتولين فضل، قام به الولى، وان فضل منهم كان له.

ولو اشتركت فى قتله امرأتان قتلتا، ولا رد اذ لا فاضل لهما

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

تقاد جماعة بواحد، فقد قتل عمر رضى الله عنه بامرأة فتك بها ثلاثة رجال وقال: لو تمالأ عليها أهل صنعاء لقتلتهم بها كلهم «أى الا من لا يحل قتله كصبى ومجنون ومن لا يقتل فيها» .

والجماعة تقتل بواحد اذا قتلوه حرابة أو غيلة أو غير ذلك سواء من باشر القتل وغيره

(3)

.

وان شاء الولى أخذ دية واحدة منهم جميعا وان شاء أخذها من واحد ويرجع هذا الواحد على غيره بمنابهم.

وقيل: يقاد واحد فقط لقوله تعالى (ان النفس بالنفس) والخيار للولى.

وصاحب القول الأول يقول: المعنى النفس بالنفس القاتلة تشمل النفوس القاتلات، لأن كلا منهن قاتلة اذ اجتمعن على واحد بالقتل، وان شاء أخذ الدية. واذا قتل الواحد فانه يرد الأخران لوليه منابهم من الدية. فان كان اثنان رد الآخر نصف الدية، وان كان ثلاثة رد اثنان ثلثى الدية، وان كان أربعة رد الثلاثة ثلاثة أرباعها وهكذا.

وقيل غير ذلك كالقول بأن له أن يقتل من شاء ويأخذ الدية عمن شاء، فربما

(1)

البحر الزخار ج 5 ص 223 - 224.

(2)

المختصر النافع ص 307 - 308 الطبعة الثانية.

(3)

شرح النيل ج 8 ص 98.

ص: 282

قتل كثيرا وأخذ ديات كثيرة لأن كلا منهم كالقاتل المستقل، وله أن يأخذ عن كل واحد منهم دية تامة وله أن يقتلهم جميعا وغير ذلك من الأقوال

(1)

.

وان اشترك فى قتيل واحد قاتل عاقل بالغ مع طفل أو مجنون، لزم القاتل العاقل البالغ القود، ولزم عاقلة القاتل الآخر الذى هو الطفل أو المجنون نصف الدية للولى، الا أن يشاء الولى أن يأخذ الدية الواحدة، نصفها عن العاقل البالغ، ونصفها عن الآخر.

وقيل: له أن يأخذ دية تامة عنه، ويأخذ دية تامة من عاقلة الصبى أو المجنون.

وفى اشتراك الثلاثة العاقل البالغ والطفل والمجنون فى القتيل الواحد يلزم عاقلتى المجنون والطفل ثلثا الدية ويقتل البالغ العاقل.

وقيل: لا قود فى هذا النوع من الاشتراك المذكور بين البالغ العاقل والطفل والمجنون، أو البالغ مع أحدهما - لا شتراك من لا يقتل فى مثله، ويؤدون ديته جميعا.

وان اشترك عاقلان بالغان فصاعدا مع طفل أو طفلين أو مع مجنون أو مجنونين فصاعدا فللولى أخذ الدية الواحدة على الرءوس، وما ينوب الأطفال والمجانين على عواقلهم، وله قتل البالغ العاقل، وأخذ باقى الدية على العواقل، وله قتل بعض من عقل وأخذ باقى الدية على باقى من عقل.

وقيل: له أخذ دية على كل من شاء ممن عقل، وأخذ ديات من عواقل الأطفال ونحوهم

(2)

.

وان اشترك العاقل البالغ مع غير انسان فى قتله ولو حية أو عقربا ولو سبقه غير الانسان - فهل يقتل به الا أن يشاء الولى أخذ الدية، أو لا يقتل به ولكن يؤدى عنه الدية؟ قولان عندهم.

وسواء فى غير الانسان أن يكون مملوكا لأحد أولا، الا أن كان الانسان - يغرى غير الانسان فيقتل الانسان قولا واحدا

(3)

.

‌الاشتراك فى القتل الخطأ

‌مذهب الحنفية:

لو اشترك عشرة رهط فى قتل رجل خطأ كانت الدية على عاقلتهم فى ثلاث سنين، لأن وجوب الدية لصيانة المحل عن الهدر فالمحل واحد، وبايجاب دية

(1)

شرح النيل ج 8 ص 150 - 151.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 152 - 153.

(3)

شرح النيل ج 8 ص 153.

ص: 283

واحدة عليهم يتم معنى الصيانة، ثم الواجب على كل واحد جزء مما هو مؤجل فى ثلاث سنين، وهو بدل النفس، فهو بمنزلة ما لو اشترى عشرة نفر شيئا بثمن مؤجل الى ثلاث سنين، فانه ثبت تمام الأجل فى حق كل واحد منهم، وهذا لأن كل ثلث من بدل النفس مؤجل فى سنة، والواجب على كل واحد منهم عشر كل ثلث، الا أن يكون الواجب على بعضهم من الثلث الذى هو مؤجل الى سنة أو من الثلث الثانى خاصة

(1)

.

ثم يقرر السرخسى فى موضع آخر أنه اذا اشترك جماعة فى قتل رجل تجب على كل واحد منهم الكفارة كاملة

(2)

.

واذا استأجر رب الدار الفعلة لاخراج الجناح أو الظلة فوقع فقتل انسانا، فان سقط من عملهم قبل أن يفرغوا منه فالضمان عليهم دون رب الدار، لأنه انما سقط لتقصيرهم فى الامساك فكأنهم ألقوا ذلك فيكونون قاتلين مباشرين فيلزمهم الدية والكفارة ويحرمون الميراث.

وان سقط ذلك بعد فراغهم من العمل فالضمان فيه على رب الدار استحسانا

وفى القياس هذا كالأول، لأنهم باشروا أحداث ذلك فى الطريق وصاحب الدار ممنوع من احداثه، وانما يعتبر أمره فيما له أن يفعله بنفسه.

ولكنه استحسن، لحديث شريح فانه قضى بالضمان فى مثله على رب الدار والمعنى فيه أنهم يعملون له، ولهذا يستوجبون الأجر عليه وقد صار عملهم مسلما اليه بالفراغ منه، فكأنه عمل ذلك بنفسه، بخلاف ما قبل الفراغ، فان عملهم لم يصر مسلما اليه بعد

(3)

.

واذا استأجر الرجل اجراء يهدمون له حائطا فقتل الهدم من فعلهم رجلا منهم أو من غيرهم فالضمان عليهم والكفارة، دون رب الدار، لأنهم مباشرون اتلاف من سقط عليه شئ من أيديهم فى حالة العمل

(4)

.

واذا استأجر الرجل أربعة رجال يحفرون له بئرا فوقعت عليهم من حفرهم فقتلت واحدا منهم، فعلى كل واحد من الثلاثة الباقين ربع ديته وسقط الربع، وكذلك لو كانوا أعوانا له، لأنه انما سقط عليهم ما سقط بفعلهم فكانوا، مباشرين لسبب الاتلاف، والقتيل أحد المباشرين، فتوزع الدية عليهم ويسقط منه حصة القتيل بجنايته على نفسه، وتبقى حصة الثلاثة بجنايتهم.

وألاصل فيه ما روى أن عشرة نفر مدوا الحلة فسقطت على أحدهم فقتلته فقضى على رضى الله عنه على كل واحد من التسعة بعشر الدية وأسقط العشر حصة المقتول.

(1)

المبسوط ج 26 ص 96.

(2)

المبسوط ج 26 ص 128.

(3)

المبسوط ج 27 ص 7 - 8.

(4)

المبسوط ج 27 ص 13 - 14.

ص: 284

وعن الشعبى أن عليا رضى الله عنه قضى فى القارصة والواقصة والقامصة بالدية أثلاثا وتفسير ذلك أن ثلاث جوار كن يلعبن، فركبت احداهن صاحبتها، فقرصت الثالثة المركوبة، فقمصت المركوبة، ووقعت الراكبة، فاندقت عنقها، فقضى على رضى الله عنه بثلث الدية على القارصة وبالثلث على القامصة، وأسقط الثلث حصة الواقصة (الراكبة)

(1)

.

‌مذهب المالكية:

أن الجماعة اذا اشتركوا فى ضرب رجل وقصد كل واحد منهم ضربه بدون تمالؤ،

ولكن لم يقصد أحد منهم قتله، ثم أنهم ضربوه مجتمعين، ومات من ضربهم، فانهم لا يقتلون، لأن قصد الضرب ليس مثله قصد القتل بالنسبة للجماعة بخلاف الواحد كما قال على الأجهورى

(2)

، وتجب على عواقلهم الدية منجمة، فحكم ما وجب على عواقل متعددة كعشرة رجال من قبائل شتى قتلوا رجلا خطأ، كحملهم صخرة فسقطت عليه، كحكم العاقلة الواحدة أى كالحكم الذى وجب على العاقلة الواحدة من حيث التنجيم، اذ ينجم ما ينوب كل عاقلة وان كان دون الثلث فى ثلاث سنين تحل بأواخرها

(3)

.

ونصوا على أن كفارة القتل الخطأ تجب على القاتل الحر حتى ولو كان القاتل شريكا لصبى أو مجنون أو غيرهما، فعلى كل كفارة كاملة ولو كثر الشركاء بل ولو كان القاتل صبيين أو مجنونين لوجب على كل منهما كفارة كاملة

(4)

.

ومن صور الاشتراك فى الخطأ ما جاء فى حاشية الدسوقى من أنه قد تنزلق رجل انسان فيمسك آخر ثم هو يمسك ثانيا، وهكذا فيقع الجميع ويموتون فالأول هدر ودية الثانى على عاقلة الأول ودية الثالث عليهما

(5)

.

‌مذهب الشافعية:

لو رجع حجر منجنيق أطلق، فقتل أحد رماته وهم عشرة مثلا هدر قسطه وهو عشر الدية وعلى عاقلة الباقين الباقى من دية الخطأ، لأنه مات بفعله وفعلهم خطأ فسقط ما يقابل فعله.

ولو تعمدوا اصابته بأمر صنعوه وقصدوه بسقوطه عليه وغلبت اصابته كان عمدا فى مالهم، ولا قود، لأنهم شركاء مخطئ ..

واذا قتل المنجنيق شخصا آخر ليس منهم ولم يقصدوه فخطأ لعدم قصدهم له ففيه دية مخففة على العاقلة ..

(1)

المبسوط ج 27 ص 16.

(2)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 245.

(3)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 285.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 286.

(5)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 249.

ص: 285

ثم الضمان يختص بمن مد الحبال ورمى الحجر لمباشرتهم، دون واضعه وممسك الخشب، اذ لا دخل لهم فى الرمى أصلا، ويؤخذ منه أنه لو كان لهم دخل فيه ضمنوه أيضا وهو ظاهر

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا رمى ثلاثة بالمنجنيق فرجع الحجر فقتل رجلا فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث الدية، وعلى كل واحد منهم عتق رقبة مؤمنة فى ماله، لأن كل واحد منهم مشارك فى اتلاف آدمى معصوم، والكفارة لا تتبعض فكملت فى حق كل واحد منهم.

ثم لا يخلو من حالين.

أحدهما: أن يقتل واحدا من غيرهم .. فالكفارة على كل واحد منهم والدية على عواقلهم أثلاثا، لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد، سواء قصدوا رمى واحد بعينه أو رمى جماعة أو لم يقصدوا ذلك، الا أنهم ان لم يقصدوا قتل آدمى معصوم فهو خطأ ديته دية الخطأ.

وان قصدوا رمى جماعة أو واحدا بعينه فهو شبه عمد، لأن قصد الواحد بعينه بالمنجنيق لا يكاد يفضى الى اتلافه فتكون ديته مغلظة على العاقلة، الا أنها فى ثلاث سنين.

وعلى قول أبى بكر الخلال لا تحمل العاقلة دية شبه العمد فلا تحمله ههنا

(2)

.

والثانى: أن يصيب رجلا منهم فعلى كل واحد كفارة أيضا ولا تسقط عمن أصابه الحجر، لأنه شارك فى قتل نفس مؤمنة، والكفارة انما تجب لحق الله تعالى فوجبت عليه بالمشاركة فى قتل نفسه كوجوبها بالمشاركة فى قتل غيره. وأما الدية ففيها ثلاثة أوجه:

أحدها: ان على عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته لورثة المقتول، لأن كل واحد منهم مشارك فى قتل نفس مؤمنة خطأ فلزمته ديتها كالأجانب، وهذا ينبنى على احدى الروايتين فى جناية المرء على نفسه أو أهله خطأ تحمل عقلها عاقلته.

والوجه الثانى: ما قابل فعل المقتول ساقط لا يضمنه أحد، لأنه شارك فى اتلاف حقه، فلم يضمن ما قابل فعله، كما لو شارك فى قتل بهيمته أو عبده.

الوجه الثالث: أن يلغى فعل المقتول فى نفسه، وتجب ديته بكمالها على عاقلة الآخرين نصفين.

وأن رجع الحجر فقتل اثنين من الرماة.

فعلى الوجه الأول تجب ديتهما على عواقلهم أثلاثا، وعلى كل واحد كفارتان.

(1)

نهاية المحتاج ج 7 ص 349، 350.

(2)

المغنى ج 9 ص 558 - 559.

ص: 286

وعلى الوجه الثانى تجب على عاقلة الحى منهم لكل ميت ثلث ديته وعلى عاقلة كل واحد من الميتين ثلث دية صاحبه ويلغى فعله فى نفسه.

وعلى الوجه الثالث على عاقلة الحى لكل واحد من الميتين نصف الدية ويجب على عاقلة كل واحد من الميتين نصف الدية لصاحبه

(1)

.

وان كانوا أكثر من ثلاثة فالدية حالة فى أموالهم .. هذا هو الصحيح فى المذهب، سواء كان المقتول منهم أو من غيرهم، الا أنه اذا كان منهم يكون فعل المقتول فى نفسه هدرا، لأنه لا يجب عليه لنفسه شئ، ويكون باقى الدية فى أموال شركائه حالا، لأن التأجيل فى الديات انما يكون فيما تحمله العاقلة، وهذا لا تحمله العاقلة، لأنها لا تحمل ما دون الثلث والقدر اللازم لكل واحد دون الثلث

(2)

.

وذكر أبو بكر الخلال رواية أخرى:

أن العاقلة تحملها، لأن الجناية فعل واحد اوجب دية تزيد على الثلث.

والصحيح هو الأول، لأن كل واحد منهم يختص بموجب فعله دون فعل شركائه، وحمل العاقلة انما شرع للتخفيف على الجانى فيما يشق ويثقل وما دون الثلث يسير والذى يلزم كل واحد منهم أقل من الثلث .. ولأن فعل كل واحد غير فعل الآخر

(3)

..

وان سقط رجل فى بئر فتعلق بآخر فوقعا معا فدم الأول هدر، لأنه مات من فعله، وعلى عاقلته دية الثانى ان مات، لأنه قتله بجذبته.

فان تعلق الثانى بثالث فماتوا جميعا فلا شئ على الثالث، وعلى عاقلة الثانى ديته فى أحد الوجهين، لأنه جذبه وباشره بالجذب، والمباشرة تقطع حكم السبب، كالحافر مع الدافع.

والوجه الثانى ديته على عاقلة الأول والثانى نصفين، لأن الأول جذب الثانى الجاذب للثالث، فصار مشاركا للثانى فى اتلافه.

ودية الثانى على عاقلة الأول فى أحد الوجهين، لأنه هلك بجذبته.

وان هلك بسقوط الثالث عليه فقد هلك بجذبة الأول وجذبة نفسه للثالث فسقط فعل نفسه كالمصطدمين فتجب ديته بكمالها على الأول.

والوجه الثانى يجب على الأول نصف ديته ويهدر نصفها فى مقابلة فعل نفسه

(1)

المرجع السابق ص 560.

(2)

المرجع السابق نفس الموضع.

(3)

المغنى ج 9 ص 560 - 561.

ص: 287

ويتخرج وجه ثالث وهو وجوب نصف ديته على عاقلته لورثته، كما اذا رمى ثلاثة المنجنيق فقتل الحجر أحدهم.

وأما الأول اذا مات بوقوعهما عليه ففيه الأوجه الثلاثة ..

وان جذب الثالث رابعا فمات جميعهم لوقوع بعضهم على بعض فلا شئ على الرابع، لأنه لم يفعل شيئا فى نفسه ولا غيره، وفى ديته وجهان.

أحدهما: أنها على عاقلة الثالث المباشر لجذبه.

وثانيهما: على عاقلة الأول والثانى والثالث، لأنه مات من جذب الثلاثة فكانت ديته على عواقلهم.

وأما الأول فأما أن يلغى فعل نفسه وتجب ديته على الثانى والثالث نصفين، أو يجب على عاقلتهما ثلثاها، ويسقط ما قابل فعل نفسه، أو يجب على عاقلته ثلثها لورثته.

والجاذب الثانى فيه الأوجه المذكورة.

والجاذب الثالث فيه مثل هذه الأوجه الثلاثة، ووجهان أخران.

أن ديته بكمالها على الثانى، لأنه المباشر.

أو أن على عاقلته نصفها ويسقط النصف الثانى فى مقابلة فعله فى نفسه

(1)

.

وان هلكوا بأمر فى البئر مثل أسد كان فيه، وكان الأول جذب الثانى، والثانى جذب الثالث، والثالث جذب الرابع فقتلهم الأسد، فلا شئ على الرابع وديته على عاقلة الثالث.

وقيل: على عواقل الثلاثة أثلاثا. ودم الأول هدر وعلى عاقلته دية الثانى، وأما دية الثالث فعلى الثانى.

وقيل: على الأول والثانى نصفين، وهى مسألة الزبية فقد روى أن قوما من أهل اليمن حفروا زبية للأسد، فاجتمع الناس على رأسها، فهو فيها واحد، فجذب ثانيا، فجذب الثانى ثالثا، ثم جذب الثالث رابعا، فقتلهم الأسد، فرفع ذلك الى على رضى الله عنه، فقال:

للأول ربع الدية، لأنه هلك فوقه ثلاثة، وللثانى ثلث الدية، لأنه هلك فوقه اثنان، وللثالث نصف الدية، لأنه هلك فوقه واحد، وللرابع كمال الدية، وقال: انى أجعل الدية على من حفر رأس البئر، فرفع ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: هو كما قال

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم فى المحلى: لو أن قوما حفروا فى حائط بحق أو بباطل أو فى معدن أو فى بئر فتردى عليهم الحائط

(1)

المغنى ج 9 ص 562 - 563.

(2)

المغنى ج 9 ص 564.

ص: 288

أو الجرف فماتوا أو مات بعضهم ..

فان كانوا لم يقصدوا الا العمل لا هدمه على أنفسهم فهم قتله خطأ على عواقلهم كلهم دية لكل من مات فقط، فان لم يكن لهم عواقل فمن سهم الغارمين، أو من كل مال لجميع المسلمين.

أو أن قوما وقفوا على جرف فانهار بأحدهم فتعلق بمن بقربه، وتعلق ذلك بآخر فسقطوا فماتوا، فالمتعلق بصاحبه قاتل خطأ، فالدية على عاقلة المتعلق، فكأن زيدا تعلق بخالد، وتعلق خالد بمحمد، فعلى عاقلة زيد دية خالد، وعلى عاقلة خالد دية محمد فقط، وكذلك أبدا، لأن المتعلق بانسان الى مهلكة قاتل خطأ.

فلو تعلقوا هكذا فوقعوا على أسد، أو ثعبان فقتلهم، فان كان خطأ فلا شئ فى ذلك لأنه ليس من بينهم قاتل خطأ وانما قتلت البهيمة

(1)

..

مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار

(2)

:

إذا حفر رجل بئرا فى موضع، وهو متعد بالحفر فيه - كطريق المسلمين وكملك غيره، ونحو ذلك - فان ما تلف بتلك البئر بالسقوط فيه، فجناية خطأ من الحافر تضمن فيها عاقلته دية من وقع فيها.

فان تعدد الواقعون فلا يخلو أما أن يكونوا متجاذبين أولا، وفى كل واحد من الحالين لا يخلو، أما أن يكونوا متصادمين أولا، ومتى كانت الجناية على أى الحالين عمل بمقتضى الحال من خطأ وعمد، وتخصيص واهدار.

فاذا كانوا متجاذبين متصادمين، كأن يسقط الأول، فجذب ثانيا، ثم الثانى ثالثا ثم الثالث رابعا فماتوا بسقوط بعضهم على بعض، فانه يهدر من الأول سقوط الثانى عليه، لأنه بسببه، وحصته ربع الدية، ويضمن الحافر ربع ديته، والثانى ربعا، والثالث ربعا، ويهدر من الثانى سقوط الثالث عليه، وحصته ثلث الدية، ويضمن الأول ثلث ديته، والثالث ثلثا، ويهدر من الثالث سقوط الرابع عليه، وحصته نصف الدية، ويضمن الثانى نصف ديته، ويضمن الثالث جميع دية الرابع.

وأما اذا كانوا متجاذبين غير متصادمين، فان دية الأول على الحافر، ودية الثانى على الأول ودية الثالث على الثانى ودية الرابع على الثالث.

وأما اذا كانوا غير متجاذبين وصدم بعضهم بعضا، فربع دية الأول على الحافر، وعلى الثلاثة ثلاثة أرباع، ودية

(1)

المحلى ج 10 ص 505.

(2)

شرح الأزهار ج 4 ص 415، 416، 417.

ص: 289

الثانى على الثالث والرابع نصفين، ودية الثالث على الرابع، ويهدر الرابع.

وأما اذا كانوا غير متجاذبين وغير متصادمين، فان ديتهم كلها على عاقلة الحافر.

مذهب الإمامية:

لو رمى جماعة بالمنجنيق فقتل الحجر أجنبيا، فان قصدوا فهو عمد يجب القصاص به، والا فهو خطأ، والضمان يتعلق بجاذب الحبال، لا بصاحب المنجنيق، ولا بواضع الحجر فى المقلاع، ولا بممسك الخشب، ولا بمن يساعد بغير المد.

ولو عاد الحجر فقتل واحدا منهم فهو شريك فى قتل نفسه.

فان كانوا ثلاثة فعلى كل واحد ثلث الدية، ويسقط ما قابل فعله.

ولو هلكوا أجمع فعلى عاقلة كل نصف دية الباقين.

أما اذا كانوا ثلاثة وقتل به واحد منهم فالوجه أن على عاقلة كل منهم ثلث الدية.

قال فى المبسوط: اذا كانوا عشرة فرموا حجرا بالمنجنيق فقتل واحد منهم، فقد مات بجنايته على نفسه، وجناية التسعة عليه فما قابل جنايته على نفسه، فهو هدر، وما قابل جناية التسعة مضمون على عاقلة كل واحد من التسعة عشر ديته، فيكون لوارثه تسعة أعشار الدية.

وان قتل الحجر اثنين منهم فعلى عاقلة كل واحد من الباقين عشر دية كل من الميتين، فيكون على عاقلة كل من الميتين عشر دية صاحبه، لأنه مات من جنايته على نفسه، وجناية التسعة عليه، والميت أحد التسعة، وعلى عاقلة كل واحد من الباقين عشر دية كل واحد من الميتين، فتكون عاقلة كل واحد من الثمانية قد عقلت خمس الدية: العشر لوارث هذا الميت، والعشر لوارث الميت الآخر، فيحصل لورثة كل واحد من الميتين تسعة أعشار الدية.

وهكذا على هذا الحساب ان قتل الحجر ثلاثة أو أربعة أو تسعة.

فأما ان رجع الحجر فقتلهم أجمعين فعلى عاقلة كل واحد منهم تسعة أعشار الدية لورثة كل ميت العشر، لأن كل واحد منهم مات من جنايته على نفسه، وجناية التسعة عليه فما يقابل جنايته هدر، وما يقابل جناية التسعة عليه مضمون، فيكون على عاقلة كل واحد من الباقين عشر ديته، فيكون لورثة كل واحد تسعة أعشار الدية على تسع عواقل

(1)

.

(1)

مفتاح الكرامة ج 10 ص 341.

ص: 290

ولو اشترك ثلاثة فى هدم حائط فوقع على أحدهم فمات، ضمن الباقيان ديته، لأن كل واحد ضامن لصاحبه. وأصله ما روى عن أمير المؤمنين على عليه السلام من أنه قضى فى حائط اشترك فى هدمه ثلاثة نفر فوقع على أحدهم فمات فضمن الباقيين ديته لأن كل واحد منهما ضامن لصاحبه.

والأقرب أن عليهما ثلثى ديته كما هو مختار السرائر والنافع وغيرهما .. وهو الذى استنبطه فى السرائر والمبسوط من مسألة المنجنيق فنسبه اليه ونعم ما استنبط وحكاه فى المختلف عن أبى على، لأنه شريك فى الجناية فيسقط ما قابل فعله، والا لزم أن يضمن الشريك فى الجناية جناية شريكه، وهو باطل، ويمكن حمل الرواية على ذلك، لعدم التصريح فيها بأن عليهما الدية كلها فتحمل على ارادة ثلثيها

(1)

.

ولو جذب شخصا وجذب الثانى ثالثا فماتوا بوقوع كل منهم على صاحبه، فالأول مات بفعله وفعل الثانى، فيسقط نصف ديته، ويضمن الثانى النصف والثانى مات بجذبه الثالث عليه وجذب الأول، فيضمن الأول النصف ولا ضمان على الثالث وللثالث الدية، فان رجحنا المباشرة فديته على الثانى، وان شركنا بين القابض والجاذب فالدية على الأول والثانى نصفين

(2)

.

أما اذا وقع رجل فتعلق بآخر وتعلق الثانى بالثالث وجذب الثالث رابعا فأكلهم الأسد ففيها عند الإمامية روايتان - على ما جاء فى المختصر النافع بخصوص واقعة الزبية.

الرواية الأولى: رواية محمد بن قيس عن أبى جعفر عليه السلام قال قضى أمير المؤمنين على عليه السلام فى الأول بأنه فريسة الأسد وغرم أهله ثلث الدية للثانى، وغرم الثانى لأهل الثالث ثلثى الدية وغرم الثالث لأهل الرابع الدية ..

والرواية الثانية هى رواية مسمع عن أبى عبد الله عليه السلام: أن عليا عليه السلام قضى للأول ربع الدية وللثانى ثلث الدية، وللثالث نصف الدية، وللرابع الدية تماما، وجعل ذلك على عاقلة الذين ازدحموا

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل وإن قتل أحدا فريق متعدد اثنان أو ثلاثة، أو أكثر خطأ، لزم عواقلهم الثلث فى كل عام، يعطى كلهم ثلث الدية على رءوسهم كل عام

(4)

.

(ب)

‌الاشتراك فى القتل بالتسبب

‌مذهب الحنفية:

جاء فى المبسوط: اذا استأجر اجراء

(1)

مفتاح الكرامة ج 10 ص 342.

(2)

متن مفتاح الكرامة ج 10 ص 323، 324.

(3)

المختصر النافع ص 320.

(4)

شرح النيل ج 8 ص 109.

ص: 291

على حفر بئر فى غير فنائه فوقع فيها انسان ومات.

فان كانوا يعلمون أنها من غير فنائه فالضمان عليهم، لأنهم جناة فى الحفر وأمره اياهم بالحفر غير معتبر شرعا، لأنه غير مالك للحفر بنفسه فى هذا الموضع، وانما يعتبر أمره لاثبات صفة الحل ولدفع الغرور عن الحافر به، وقد انعدما جميعا فى هذا الموضع فسقط اعتبار أمره، فكان الضمان على الذين باشروا الحفر.

وان كان فى فنائه فالضمان على الآمر دون الاجراء علموا أو لم يعلموا، لأن أمره فى فنائه معتبر

(1)

.

واذا حفر بئرا فى الطريق ثم جاء آخر فحفر منها طائفة فى أسفلها (أى عمقها) ثم وقع فيها انسان فمات، فانه ينبغى فى القياس أن يضمن الأول، كأنه الدافع، وبه يأخذ محمد، لأن الأول بما حفر من وجه الأرض يصير كالدافع لمن سقط فى القعر الذى حفره صاحبه.

والاستحسان الضمان عليهما، لأن هلاكه كان بسبب فعلهما، فان الواقع فى البئر انما يهلك عند عمق البئر واتمام ذلك بفعل الثانى، وقد انضم فعله الى فعل الأول فى اتمام شرط الاتلاف فيكون الضمان عليهما ..

ولو وسع أحد رأسها فوقع فيها انسان فمات كان الضمان عليهما نصفين.

وتأويل هذا ان الثانى وسع رأسها قليلا على وجه يعلم أن الساقط انما وضع قدمه فى موضع بعضه من حفر الأول وبعضه من حفر الثانى

(2)

.

واذا سار الرجل على دابة فى الطريق، فنخسها رجل باذن الراكب كانت الدية عليهما جميعا اذا كان فى فورها الذى نخسها فيه، لأنه لما نخس باذن الراكب صار بمنزلة السائق والراكب فكان الضمان عليهما نصفين.

فأما اذا انقطع ذلك الفور كما اذا سارت ساعة وتركها من السوق فالضمان على الراكب خاصة

(3)

.

واذا أقاد الرجل قطارا فى طريق المسلمين فما وطئ أول القطار وآخره فالقائد ضامن له وان كان معه سائق فالضمان عليهما .. وهما مشتركان فى

(1)

المبسوط ج 27 ص 15.

(2)

المبسوط ج 27 ص 16 - 17.

(3)

المبسوط ج 27 ص 2.

ص: 292

الضمان لاستوائهما فى السبب، وهذا لأن السوق والقود فى الطريق مباح مقيد بشرط السلامة بمنزلة الركوب، فكما أن الراكب يجعل ضامنا بما تلف بسبب يمكن التحرز عنه، فكذلك السائق والقائد.

والمعنى فى الكل أن الدابة فى يده فعليه أن يتحرز عما يمكن التحرز عنه فى صرف الدابة بسوقه أو بقوده.

وان كان معهما سائق للابل وسط القطار فالضمان فى جميع ذلك عليهم أثلاثا، لأن الذى هو فى وسط القطار سائق لما بين يديه، فعليه أن يتحرز عما يمكن التحرز عنه من الابل قائدا لما خلفه، والسائق والقائد فى حكم الضمان سواء، وكذلك ان كان يكون أحيانا فى وسطها، وأحيانا يتقدم وأحيانا يتأخر، لأنه فى جميع هذه الأحوال سائق للقطار أو قائد.

ولو كان الرجل راكبا وسط القطار على بعير ولا يسوق منها شيئا لم يضمن .. وهو معهم فى الضمان فيما أصاب الذى هو عليه وما خلفه.

أما ما فى البعير الذى هو عليه، فلأنه راكب والراكب شريك السائق والقائد فى الضمان.

وأما ما خلفه فلأنه قائد لما خلفه لأن ما خلفه زمامه مربوط ببعيره ومشى البعير الذى هو عليه يضاف الى الراكب فيجعل هو بهذا المعنى كالقائد لما خلفه.

ولو سقط شئ مما تحمل الابل على انسان فقتله أو سقط بالطريق فعثر فمات كان الضمان فى ذلك على الذى يقود الابل وان كان معه سائق فالضمان عليهما

(1)

.

واذا شهد شاهدان على رجل بقتل عمد وقبلت شهادتهما، ثم رجعا بعد القصاص، فعليهما الدية فى مالهما، وذلك أن الشاهد سبب للقتل، والسبب لا يوجب القصاص، كحفر البئر، وهذا لأنه يعتبر فى القصاص المساواة، ولا مساواة بين السبب والمباشرة، فعرفنا أن الشاهد غير مباشر حقيقة ولا حكما

(2)

، فاذا لم يجب القود عليهما كان عليهما الدية ان رجعا، وان رجع أحدهما فعليه نصف الدية، لأن كل واحد منهما سبب لاتلاف نصف النفس.

‌مذهب المالكية:

اذا أمسك انسان شخصا لآخر يبغى قتله، فقتله وكان الممسك يعلم ذلك ولولا امساكه اياه لما تمكن قاتله من قتله - اقتص من الممسك لتسببه كما

(1)

المبسوط ج 27 ص 3، 4.

(2)

المبسوط ج 26 ص 181.

ص: 293

يقتص من القاتل، فان أمسكه لأجل أن يضربه ضربا معتادا أو لم يعلم أنه يقصد قتله لعدم رؤيته آلة القتل معه، أو كان قتله لا يتوقف على امساكه له قتل المباشر وحده وضرب الآخر وحبس سنة.

وقيل: يحبس باجتهاد الحاكم.

وقيل: يجلد مائة فقط.

وكذا يقتل الدال اذا علم أن طالبه يريد قتله، وكان لولا دلالته ما قتل المدلول عليه

(1)

.

ثم يقول الدردير: ويقتل المتسبب مع المباشر أى ولو لم يجتمعا فى وقت الهلاك كحافر البئر لمعين فرداه غيره فيها، ولو كان ذلك من غير تمالؤ بين الحافر والمردى، وكمكره - بكسر الراء ومكره - بفتحها يقتلان معا هذا لتسببه وهذا لمباشرته

(2)

، (أنظر اكراه).

واذا شهد اثنان على رجل بأنه قتل شخصا عمدا عدوانا ثم رجعا بعد الحكم والاستيفاء، فقد اختلف المالكية فى ذلك.

فقيل: ان على الشاهدين دية الشخص الذى تسببا فى قتله، حتى لو تعمدا الزور فى شهادتهما، وهذا القول لابن القاسم.

وقال أشهب: يقتص منهما فى العمد.

وقد رجح العلامة خليل هذا الرأى حيث قال: عنه: وهو أقرب، لأنهما قتلا نفسا بغير شبهة.

وعلى قول ابن القاسم يوجعان ضربا، ويطال سجنهما ويغرمان الدية فى مالهما

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

لو أمسك انسان شخصا فقتله آخر أو حفر بئرا فرداه فيها آخر - وهذه التردية تقتل غالبا، فالقصاص على القاتل، والمردى فقط دون الممسك، والحافر

(4)

لأن فعله قد يقع اثر فعل الأول عندئذ لكن عليهما الاثم والتعزير.

أما غير الأهل كمجنون أو سبع ضار فلا أثر له لأنه كالآلة والقود على الأول كما قاله ابن الرفعة.

ولو أكرهه على قطع أو قتل شخص بغير حق فعلى المكره بكسر الراء القصاص، ولا نظر الى أن المكره متسبب

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 245.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 246.

(3)

الشرح الكبير ج 4 ص 206، 207.

(4)

راجع نص الحديث فى مذهب الحنابلة.

ص: 294

والمكره مباشر ولا الى أن شريك المخطئ لا قود عليه لأنه معه كالآلة

(1)

.

ولو شهدا على آخر بما يوجب القصاص فى نفس أو طرف أو بردة أو بسرقة فقتل، أو قطع بأمر الحاكم بشهادتهما، ثم رجعا عنها وقالا:

تعمدنا الكذب، وعلمنا أنه يقتل بها لزمهما القصاص، فان عفى عنهما فدية مغلظة، لأنهما تسببا فى اهلاكه بما يقتل غالبا

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا أمسك انسان رجلا فقتله آخر فلا خلاف فى أن القاتل يقتل لأنه قتل من يكافئه عمدا بغير حق، وأما الممسك فان لم يعلم ان القاتل يقتله فلا شئ عليه وان كان يعلم أنه سيقتله فقد اختلفت الرواية فيه عن أحمد.

فروى عنه أنه يحبس حتى يموت، لما رواه الدار قطنى باسناده عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا أمسك الرجل وقتله الآخر يقتل الذى قتل ويحبس الذى أمسك، ولأنه حبسه الى الموت فيحبس الآخر الى الموت، كما لو حبسه عن الطعام والشراب حتى مات فاننا نفعل ذلك به حتى يموت.

وروى عن أحمد أنه يقتل أيضا لأنه لو لم يمسكه ما قدر على قتله وبامساكه تمكن من قتله، فالقتل حاصل بفعلهما، فيكونان شريكين فيه فيجب عليهما القصاص.

وقد رجح ابن قدامة الرواية

(3)

الأولى.

ولو أمر صبيا لا يميز أو مجنونا أنه يقتل الآمر دون المباشر

(4)

.

وان وضع رجل حجرا، وحفر آخر بئرا، أو نصب سكينا فعثر آخر بالحجر، فوقع فى البئر أو على السكين، فهلك فالضمان على واضع الحجر دون الحافر وناصب السكين، لأن واضع الحجر كالدافع له، واذا اجتمع الحافر والدافع فالضمان على الدافع وحده

(5)

.

وان شهد رجلان على رجل بجرح، أو قتل، أو سرقه قد توجب القطع، أو زنا يوجب الرجم أو الجلد ونحو ذلك فاقتص منه، أو قطع بالسرقة، أو حد، فأفضى الى تلفه، ثم رجعا عن الشهادة لزمهما ضمان ما تلف بشهادتهما كالشريكين فى الفعل، ويكون الضمان فى مالهما لا تحمله عاقلتهما، لأنها لا تحمل اعترافا، وهذا ثبت باعترافهما.

(1)

نهاية المحتاج ج 7 ص 244، 245.

(2)

نهاية المحتاج ج 7 ص 241.

(3)

المغنى ج 9 ص 477، 478.

(4)

المغنى ج 9 ص 478 - 479.

(5)

المغنى ج 9 ص 565 - 566.

ص: 295

وقد روى عن على رضى الله عنه أن شاهدين شهدا عنده على رجل بالسرقة فقطعه، ثم أتيا بآخر فقالا: يا أمير المؤمنين ليس ذاك السارق، انما هذا هو السارق فأغرمهما دية الأول، وقال:

لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما، ولم يقبل قولهما فى الثانى.

وان أكره رجل رجلا على قتل انسان فقتله فصار الأمر الى الدية فهى عليهما لأنهما كالشريكين، ولهذا وجب عليهما

(1)

القصاص (انظر اكراه).

‌مذهب الظاهرية:

اذا أمسك انسان رجلا فقتله آخر - فيقتل القاتل، ويحبس الممسك حتى يموت، لأن الممسك حبس انسانا حتى مات، وقد قال الله تعالى:{(وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ)} فكان الممسك للقتل سببا ومتعديا، فعليه مثل ما فعل، فواجب أن يفعل به مثل ما فعل، فيمسك محبوسا حتى يموت

(2)

.

وان أمر غيره بقتل انسان فقتله المأمور: فان كان متولى القتل مطيعا للآمر منفذا لأمره، ولولا أمره اياه لم يقتله، صح أنهما جميعا قاتلان، واذن يكون عليهما جميعا ما على القاتل من القود، سواء فى ذلك الآمر والمأمور.

وأما اذا أمره ففعل ذلك باختياره، لا طاعة للآمر، فالمباشر وحده هو القاتل فعليه القود وحده، ولا شئ على الآمر، لأنه لا خلاف فى أنه لا يقع عليه ههنا اسم قاتل .. وانما الأحكام للأسماء فقط

(3)

.

ومن أعطى أحمق سكينا فقتل به قوما، فلا شئ فى ذلك - على المعطى - لأنه لم يباشر شيئا من الجناية فلا يسمى قاتلا.

فلو أنه أمر الأحمق بقتل انسان بعينه فقتله، فان كان الأحمق فعل ذلك طاعة له، وكان ذلك معروفا فهو آمر، والآمر عليه القود، وان لم يفعل ذلك طائعا له، فلا شئ فى ذلك، لأنه لم يكن لا عن أمره ولا عن فعله

(4)

.

مذهب الزيدية:

اذا وضع رجل فى الطريق حجرا، وآخر سكينا، فعثر رجل بالحجر، فقتله السكين، فالضمان على واضع السكين، اذ مات بها.

ولو وضع ثلاثة ثلاثا فعثر بأحدها ومات باثنتين فالدية على واضعى الجحرين مناصفة، لأن الموت حصل بجناية الحجرين فهما كالمباشر مع السبب.

(1)

المغنى ج 9 ص 578 - 579.

(2)

المحلى ج 10 ص 511 - 513.

(3)

المحلى ج 10 ص 511.

(4)

المحلى ج 11 ص 2.

ص: 296

ولو نصب فى ملكه سكينا ووضع غيره حجرا متعديا فهلك بالسكين من عثر بالحجر فالضمان على واضع الحجر لتعديه، اذ الحجر كالدافع على السكين، وكذا ما أشبهه

(1)

.

ومن عثر بحجر وضع تعديا فوقع فى بئر كذلك ضمن واضع الحجر اذ هو كالدافع.

ومن سقط فى بئر حفر تعديا فجر آخر فماتا جميعا بالتصادم والهواء ضمن الحافر نصف دية الأول (الجاذب)، وهدر النصف، اذ مات بسببين: منه ومن الحافر.

وقيل: لا شئ على الحافر، اذ هو فاعل سبب، والجذب مباشرة.

وأما المجذوب فديته على الجاذب قولا واحدا اذ هو المباشر

(2)

..

ولو شهد اثنان على آخر بسرقة فقطعت يده، ثم رجعا عن شهادتهما، أو قالا: أخطأنا والسارق شخص آخر - فعليهما دية اليد مناصفة كما تدل على ذلك أثر على المشهور

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

لو حفر بئرا قريب العمق فعمقها غيره فالضمان على الأول، أو يشتركان.

وجه كون الضمان على الحافر الأول:

أنه أسبق السببين، فيحال عليه، وهو مختار التحرير والارشاد مع احتمال الاشتراك فيهما.

وجه الاشتراك: أن التلف استند الى سبب فان المتلف انما هو التردى بمالها من العمق.

وعلى تقدير الاشتراك فالظاهر أن الضمان عليهما بالسوية.

ويحتمل التوزيع على القدر الذى أحدثه كل منهما.

ثم ان احتمال الاشتراك لعله انما يجرى اذا كان ما أحدثه الثانى مما يستند اليه التلف عادة بأن لا يكون قليلا جدا.

أما الأول فلابد من حفره حتى يبلغ ما يسمى بئرا فانه المفروض

(4)

.

كما ذهب الى أنه اذا اجتمع المباشر والسبب ضمن المباشر كالدافع مع الحافر، والممسك مع الذابح وواضع الحجر فى الكفة مع جاذب المنجنيق

(5)

.

ولو اجتمع سببان متساويان فى العدوان مختلفان فى التقديم والتأخير بالنسبة الى الجناية، فانه يقدم الأول

(1)

البحر الزخار ج 5 ص 243.

(2)

البحر الزخار ج 5 ص 244.

(3)

الروض النضير ج 4 ص 239، 240.

(4)

مفتاح الكرامة ج 10 ص 320.

(5)

مفتاح الكرامة ج 10 ص 318.

ص: 297

منهما فى الضمان وان تأخر حدوثه عن الآخر.

ولو حفر بئرا فى طريق مسلوك ونصب آخر حجرا فتعثر به انسان فوقع فى البئر فمات، ضمن واضع الحجر، لأن العثار بالحجر هو الذى الجأه الى الوقوع فى البئر فكان هو المهلك بواسطة الوقوع، وقد تحققت نسبة الضمان اليه قبل الآخر فيستصحب.

ولو نصب سكينا فى بئر محفورة فتردى انسان فمات بالسكين فالضمان على الحافر، فانه بمنزلة الموقع له على السكين

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

اذا أمسك الرجل شخصا وقتله رجل آخر غير الممسك له فان القود على الذى قتل والحبس للذى أمسك، لما روى عن ابن عمر عن النبى صلى الله عليه وسلم:

إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذى قتل ويحبس الذى أمسك.

وعن الشيخ أبى سليمان رحمه الله يقتل فى الرجل خمسة رجال: من ضربه، ومن أشغله حتى ضربه الآخرون، ومن أشار اليه بالأصبع، ومن رده اليهم، ومن أمسكه

(2)

.

ولكن أن أمسكه واحد يظن أنهم يؤدبونه فلا يقتل.

ولو رجع الشهود عن شهادتهم بعد القصاص فعلى ولى القتيل الأول الدية لورثه من اقتص منه، ويرجع الولى على الشهود.

وقيل: تجب الدية على الشهود بلا رجوع بذلك على ولى القتيل الأول.

وهذا هو الصحيح: لأن الولى لم يتعمد ولم يخطئ.

وقيل: يجوز لولى القتيل الثانى قتل الشهود

(3)

.

ومن أكره على قتل فقيل يقتل هو، أو مكرهه، أو كلاهما ان كان فتكا.

وقيل: يدرأ القتل على الذى أكرهه غيره (انظر اكراه).

ومن أمر صبى غيره فعليه القود.

وقيل: الدية.

وقيل: اذا أمر الجبار رجلا بالقتل فللولى قتل من شاء منهما.

وقيل: يقتل القاتل وان لم يقدر عليه فالدية على الآمر.

وقيل يقتله ان لم يقدر على القاتل.

(1)

المرجع السابق ج 10 ص 319 - 320.

(2)

شرح النيل ج 8 ص 97، 98.

(3)

شرح النيل ج 8 ص 157، 158.

ص: 298

وقيل: عليه القود وعلى القاتل الدية ان أجبر

(1)

.

‌الاشتراك فى الاعتداء على ما دون النفس

‌مذهب الحنفية:

لا تقطع يدان بيد واحدة للتفاوت فى البدل والتفاوت فى المقدار، وتأثير التفاوت فى المقدار فيما يعتبر فيه المماثلة أكثر من تأثير التفاوت فى الصفة.

ثم التفاوت فى الصفة ها هنا يمنع استيفاء الأكمل بالأنقص كالصحيحة بالشلاء، فالتفاوت فى المقدار أولى.

فكل واحد منهما قاطع بعض اليد سواء اختلف محل الفعل أو اتحد، لأن القطع هو الفعل بين متصلين، ولهذا يطلق هذا الاسم على الخشب والنبات والجبال.

ونحن نتيقن أن ما انقطع بفعل أحدهما لم ينقطع بفعل الآخر، ولا معتبر بأمرار كل واحد منهما السلاح على جميع العضو، لأن امرار السلاح من غير حصول القطع به وجوده كعدمه، وما انقطع بقوة أحدهما لم ينقطع بقوة الآخر.

هذا شئ يعرفه كل عاقل، فعرفنا أن كل واحد منهما قاطع بعض اليد، ولا يجوز أن يقطع جميع يده بقطعه بعض اليد، لأن المساواة فى الفعل معتبرة لا محالة.

والدليل عليه أن القطع فى الجملة مما يحتمل الوصف بالتجزى، وما يحتمل الوصف بالتجزى اذا اشترك فيه اثنان يضاف الى كل واحد منهما بعضه، وان حصل على وجه غير متجزى.

وأما النفس فالقياس فيها هكذا.

ولكن تركنا القياس بالأثر وهو حديث عمر، والمخصوص من القياس بالأثر لا يلحق به الا أن يكون فى معناه من كل وجه، لأن الفعل فى النفس لا يحتمل الوصف بالتجزى بحال والفعل فى الطرف يحتمل الوصف بالتجزى، ألا ترى أنه يتحقق أن يقطع بعض اليد ويترك ما بقى، وفى النفس لا يتحقق ازهاق بعض الحياة دون البعض، فلعدم احتمال التجزى هناك يجعل كاملا فى حق كل منهما، ولاحتمال التجزى ها هنا يجعل كل واحد منهما قاطعا للبعض، اذ أن الفعل فى النفس يكمل بسراية فعله، فانه لو جرح فسرى الى النفس كان مباشرا قتله، والفعل فى الطرف لا يكمل بسراية الفعل، وأنه لو قطع فسرى الى ما بقى حتى سقط لا يلزمه القصاص، وسراية فعله أقرب الى فعله من فعل شريكه، فاذا لم يجز تكميل فعله بسراية فعله فى حكم القصاص، فلأن لا يجوز تكميله بفعل شريكه أولى ولا معنى لاعتبار الزجر، فان معنى الزجر معتبر بعد وجود المماثلة، بدليل أنه لا تقطع يد الحر بيد العبد، ولا الصحيحة بالشلاء، لانعدام المماثلة وان وقعت الحاجة الى الزجر، ولأن

(1)

شرح النيل ج 8 ص 148.

ص: 299

المشتركين فى أدنى ما يتعلق به القطع لا يلزمهما القطع، كما لو اشترك رجلان فى سرقة نصاب واحد لا يقطع واحد منهما وان كان المسروق درة لا تحتمل التجزى، وبه فارق النفس، فان المشتركين فى أدنى ما يوجب القتل حقا لله تعالى يلزمهما القتل نحو ما اذا اشتركا فى قتل رجل فى قطع الطريق فيعتبر حق العبد بحق الله تعالى فى الفعلين جميعا.

واذا ثبت أنه لا يجب القصاص عليهما قلنا يجب على كل منهما نصف دية اليد فى ماله، لأنا نتيقن أن كل واحد منهما قاطع للنصف والفعل عمد.

وكذلك اذا وضع كل واحد منهما السكين من جانب فانا علمنا أن كل واحد منهما قطع نصف اليد فيلزمه نصف الدية، وانما يصار الى حكومة العدل اذا لم يعلم أن كل ما قطعه كل واحد منهما قدر النصف

(1)

.

‌مذهب المالكية:

اذا اشترك جماعة فى جناية على شخص فيما دون النفس، بلا تمالؤ وتميزت جناية كل واحد منهم فمن كل يقتص بقدر فعله مساحة ولا ينظر لتفاوت العضو بالرقة والغلظ

(2)

.

ويقول الدسوقى: أنه يقتص من كل واحد بمساحة ما جرح، ولا يضر كون المساحة قد تكون ثلث عضو المجنى عليه ونصف عضو الجانى وبالعكس.

ثم يقول الدردير: (بقى النظر فيما اذا لم تتميز فهل يلزمهم دية الجميع، أو يقتص من كل بقدر الجميع، لكن الثانى بعيد جدا، اذ لو كانوا ثلاثة قلع أحدهم عينه، والثانى قطع يده، والثالث قطع رجله ولم يتميز فعل كل واحد لزم قلع عين كل واحد وقطع يده ورجله مع أنه لم يجن الا على عضو فقط.

وأما ان تمالؤا فانه يقتص من كل بقدر الجميع تميزت أم لا.

فاذا تعدد العضو المجنى عليه بأن قلع واحد عينه وواحد قطع رجله وكانا متمالئين على قطع عينه وقطع رجله، فانه تقلع عين كل واحد منهما، وتقطع رجله.

واذا اتحد العضو المجنى عليه كما اذا تمالآ جماعة على قطع شخص فانه يقطع كل واحد

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج: ولو وضع جماعة أو عدد منهم .. سيفا مثلا على

(1)

المبسوط ج 26 ص 137 - 138 - 139.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 250.

(3)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 4 ص 250 - 251.

ص: 300

يد انسان وتحاملوا كلهم عليه دفعة ..

فأبانوها ولو بالقوة قطعوا، كما لو اجتمعوا على قتل نفس.

وانما اشترط فى قطع السرقة أن يخص كلا من المشتركين نصاب، لأن التوزيع ممكن ثم لاهنا، على أن حق الله يتسامح فيه أكثر

(1)

.

ويقول الامام الشافعى فأما ان قطع هذا يده من أعلاها الى النصف، وهذا من أسفلها حتى أبانها، فلا تقطع أيديهما، ويحز من هذا بقدر ما حز من يده، ومن هذا بقدر ما حز من يده ان كان هذا يستطاع

(2)

، فان لم يستطع ذلك فعلى كل منهما حكومة تليق بجنايته بحيث يكون مجموع الحكومتين دية اليد، أى ان عرفت جناية كل منهما، والا فيحتاط القاضى فى فرضه، بحيث لا يحصل ظلم لأحدهما ولا نقص لمجموع الحكومتين عن الدية، فان لم يظهر للقاضى شئ فينبغى أن يسوى بينهما فى الحكومة

(3)

.

ولو أوضحه جمع بأن تحاملوا على آلة وجروها معا أوضح من كل واحد منهم مثل موضحته لا قسطه منها فقط اذ ما من جزء الا وكل منهم جان عليه، فأشبه ما لو اشتركوا فى قطع عضو، فلو آل الأمر للدية وجب على كل أرش كامل، كما رجحه أمام الحرمين الجوينى، وجزم به فى الأنوار.

وقال الأذرعى أنه المذهب خلافا للبغوى والماوردى.

وقيل: يوضح قسطه من الموضحة لامكان التجزى بخلاف القتل.

ورد: بأنه لا نظر لامكانه مع وجود موضحة كاملة من كل.

‌مذهب الحنابلة:

اذا اشترك جماعة فى موجب للقصاص فيما دون النفس وجب القصاص على جميعهم

(4)

. لأثر على فيمن شهدا على انسان بسرقة فقطعت يده ثم رجعا عن شهادتهما - اذ قال: لو علمت أنكما تعمدتما لقطعتكما، ولأنه أحد نوعى القصاص فتؤخذ الجماعة بالواحد كالأنفس ووجوب القصاص على المشتركين فى الطرف انما يكون اذا اشتركوا فيه على وجه لا يتميز فعل أحدهم عن فعل الآخر، اما بأن يشهدوا عليه بما يوجب قطعه فيقطع، ثم يرجعون عن الشهادة أو يكرهوا انسانا على قطع طرف فيجب قطع المكرهين كلهم والمكره أو يلقوا صخرة على طرف انسان فيقطعه، أو يقطعوا يدا أو يقلعوا عينا بضربة واحدة، أو يضعوا حديدة على مفصل ويتحاملوا

(1)

نهاية المحتاج ج 7 ص 268 وحاشية الشبراملسى بنفس الموضع.

(2)

الأم ج 6 ص 20 طبع الشعب.

(3)

نهاية المحتاج ج 7 ص 275.

(4)

المغنى ج 9 ص 370، 372.

ص: 301

عليها جميعا، أو يمدوها فتبين، فان قطع كل واحد منهم من جانب أو قطع أحدهم بعض المفصل وأتمه غيره، أو ضرب كل واحد ضربة أو وضعوا منشارا على مفصله ثم مده كل واحد اليه مرة مرة حتى بانت اليد، فلا قصاص فيه، لأن كل واحد منهم لم يقطع اليد ولم يشارك فى قطع جميعها، وان كان فعل كل واحد منهم يمكن الاقتصاص بمفرده منه اقتص منه

(1)

.

وقيل: لا تقطع يدان بيد واحدة ويتعين ذلك وجها فى مذهب أحمد وقد رجح ابن قدامة الوجه الأول

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم من أمسك آخر حتى فقئت عينه أو قطع عضوه أو ضرب ..

فالحكم فى هذا هو أن يقتص من الفاقئ والكاسر والقاطع والضارب بمثل ما فعل، ويعزر الممسك ويسجن على ما يراه الحاكم

(3)

.

ومن أمره غيره بقطع يد انسان آخر فالآمر بالقطع يسمى فى اللغة والشريعة قاطعا متى كان متولى القطع مطيعا للآمر منفذا لأمره، ولولا أمره اياه لم يفعل وعندئذ فعليهما جميعا - أى الآمر والمأمور - القود.

وأما اذا أمره ففعل ذلك باختياره لا طاعة للآمر فالمباشر وحده القاطع والجانى فعليه القود وحده ولا شئ على الآمر، لأنه لا خلاف فى أنه لا يقع عليه ههنا اسم قاطع وانما الأحكام للأسماء فقط

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا قطع جماعة يد رجل ولم يتميز فعل بعضهم من بعض بل أجروا السيف معا ونحو ذلك قطعوا جميعا كالنفس، لأثر على فى الشاهدين بالسرقة، فان قطع أحدهما بعض العضو ثم أبانه الآخر أو وضع أحدهما السكين من جانب، والآخر من الجانب الآخر، ثم أباناه، فلا قصاص على أيهما اذ كل منهما قاطع بعضا فلا تؤخذ كل يده ببعض يد

(5)

.

ولو اشترك رجلان فى موضحتين ثم أزال أحدهما الحاجز فعلى المزيل نصف أرش موضحة، وعلى الثانى موضحة كاملة

(6)

.

ومن جنى جائفة ثم أدخل آخر فيها سكينا فلا شئ عليه الا التعزيز، فان وسعها ظاهرا وباطنا فجائفة أخرى، وان وسعها فى احدهما - أى أحد الوجهين الظاهر أو الباطن - فحكومة

(7)

.

(1)

المغنى ج 9 ص 372، 373.

(2)

المغنى ج 9 ص 370، 371، 373.

(3)

المحلى ج 10 ص 427، 428.

(4)

المحلى ج 10 ص 511.

(5)

البحر الزخار ج 5 ص 230.

(6)

المرجع السابق ج 5 ص 287.

(7)

البحر الزخار ج 5 ص 289، 290.

ص: 302

‌مذهب الإمامية:

يقتص من الجماعة فى الأطراف كما يقتص فى النفس بلا خلاف ولا اشكال.

فلو اجتمع جماعة على قطع يد انسان أو قلع عينه فله الاقتصاص منهم جميعا بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن جنايته وله الاقتصاص من واحد ويرد الباقون دية جنايتهم - نحو ما هو مقرر فى النفس - ولصحيح أبى مريم الانصارى عن أبى جعفر عليه السلام فى رجلين اجتمعا على قطع يد رجل قال: ان أحب أن يقطعهما أدى اليهما دية يد يقتسمانها ثم يقطعهما، وان أحب أخذ منهما دية يده وان قطع يد أحدهما رد الذى لم تقطع يده على الذى قطعت يده نصف الدية.

وبالجملة فلا أشكال فى اتحاد الطرف والنفس فى ذلك

(1)

.

واذا أوضحه موضحتين .. وجاء آخر فأوصل ما بينهما فعلى الأول ديتان وعلى الثانى دية واحدة

(2)

.

ولو أوضحه فهشمه فيها آخر ثم نقل

(3)

ثالث ثم أم رابع

(4)

فعلى الأول خمسة أبعرة وعلى الثانى خمسة أيضا وكذا على الثالث وعلى الرابع ثمانية عشر كمال دية المأمومة

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

ان قطع رجلان يد آخر كان له أخذ ديتها أو قطع يد أحدهما: اليمنى ان قطعت يمناه، أو اليسرى ان قطعت يسراه ولمن قطعت يده أخذ نصف ديتها من الآخر.

وقيل: يقطع لكل يدا، لأن كل منهما قاطع.

وقيل: له عليهما دية يده لا القطع، لأنه ان قطع لكل يدا فقد زاد، لأن المقطوع يد واحدة وان أراد القطع لواحدة فعلى أى منهما يسلط وقد اجتمعا عليه؟

وقيل: له ديتها على كل منهما

(6)

.

وان جرحه الأول سمحاقا

(7)

.. وأوضح الثانى الجرح أو السمحاق .. لزم الأول أرش السمحاق ولزم الثانى ما بينهما - أى ما بين السمحاق والموضحة يعنى ما فضلت به الموضحة عن السمحاق وهو بعيران وكذا غيرهما من الجراحات، وكذا جارحون ثلاثة فصاعدا وسواء فى ذلك أتوالى النوعان من الجراحات أو حصل بينهما نوع فصاعدا مثل أن يجرحه الأول باضعة

(8)

والثانى سمحاقا

(9)

.

(1)

جواهر الكلام ج 6 ص 539 - 540.

(2)

متن مفتاح الكرامة ج 10 ص 497.

(3)

نقل بتشديد القاف المفتوحة من المنقلة بكسر القاف وهى الشجة التى تنقل العظم أى تكسره.

(4)

أم بفتح الهمزة وتشديد الميم المفتوحة من المأمومة وهى الشجة التى تصل الى أم الرأس.

(5)

مفتاح الكرامة ج 10 ص 500.

(6)

شرح النيل ج 8 ص 214، 215.

(7)

السمحاق الشجة التى تقف على السمحاقة وهى الجلدة المغشية للعظم.

(8)

الباضعة: الشجة التى تقطع الجلد وتشق اللحم وتدمى الا أنه لا يسيل الدم، فان سال فهى الدامية.

(9)

شرح النيل ج 8 ص 52.

ص: 303

‌2 - الاشتراك فى جريمة السرقة

‌مذهب الحنفية:

اذا اشترك جماعة فى سرقة فأصاب كل واحد منهم عشرة دراهم قطع كل منهم، لأن الموجب للقطع سرقة النصاب، ويجب القطع على كل واحد منهم بجنايته فيعتبر كمال النصاب فى حقه

(1)

، وان لم يصب كل واحد منهم نصابا فلا قطع، لأن القطع لكل سارق بسرقته نصابا ولم يوجد فلا يجب الحد

(2)

.

واذا نقب اللص البيت فدخل وأخذ المال وناوله آخر خارج البيت - عند النقب أو على الباب - فلا قطع عليهما، لاعتراض يد معتبرة على المال المسروق قبل خروج الداخل، والثانى لم يوجد منه هتك الحرز، فلم تتم السرقة من كل واحد، وسواء فى ذلك اخراج الداخل يده الى الخارج أو ادخال الخارج يده.

وعن أبى يوسف رحمه الله ان أخرج الداخل يده وناولها الخارج فالقطع على الداخل وأن ادخل الخارج يده فتناولها من الداخل فعليهما القطع

(3)

.

وقال الكمال: والوجه أن يقطع الداخل كما روى عن أبى يوسف، لأنه دخل الحرز وأخرج المال منه بنفسه، وكونه لم يخرج كله معه لا أثر له فى ثبوت الشبهة فى السرقة واخراج المال - بمعنى أن ذلك لا يورث شبهة فى السرقة، لأنه هتك الحرز وأخرج المال بالفعل.

وما قيل: ان السرقة تمت بفعل الداخل والخارج ثم الخارج لا يقطع فكذا الداخل - هذا القول - ممنوع بل السرقة تمت بالداخل وحده، وانما تتم بهما اذا أدخل الخارج يده فأخذها وفيه قال أبو يوسف يقطعان.

واذا دخل الحرز جماعة فتولى بعضهم الأخذ قطعوا جميعا، وهذا استحسان

والقياس أن يقطع الحامل وحده وهو قول زفر رحمة الله، لأن الاخراج وجد منه فتمت السرقة به.

ووجه الاستحسان أن الاخراج وان قام به وحده لكنه فى المعنى من الكل، لتعاونهم كما فى السرقة الكبرى.

فاذا باشر بعضهم القتل والأخذ، والباقون وقوف يجب حد قطع الطريق على الكل لنسبة الفعل الى الكل شرعا بسبب معاونتهم، اذ أن قدرة القاتل والآخذ انما هى بهم فكذا هذا، فان السراق يعتادون ذلك فيتفرغ غير الحامل للدفع فكان مثله، ولأن المعتاد فيما بينهم أن يحمل البعض المتاع ويتشمر الباقون للدفع فلو امتنع القطع، لأدى الى سد باب الحد

(4)

.

(1)

الهداية مع الفتح ج 4 ص 225.

(2)

الفتح ج 4 ص 225، 226.

(3)

الهداية وفتح القدير ج 4 ص 243.

(4)

الهداية وفتح القدير ج 4 ص 243، 244.

ص: 304

واذا اشتركوا واتفقوا على فعل السرقة لكن دخل واحد منهم البيت وأخرج المتاع ولم يدخل غيره فالقطع على من دخل البيت، وأخرج المتاع أن عرف بعينه وأن لم يعرف فعليهم التعزير، ولا يقطع واحد منهم وان كان غير الداخل يعين الداخل

(1)

وان سرق رجلان ثوبا يساوى عشرة من رجل لم يقطعا، لأن سرقة كل واحد منهما نصف النصاب وأنه عند تعدد السراق لا يصيب كل واحد منهم الا شئ يسير قل ما يرغب فيه، ولا تقطع اليد فى الشئ التافه ..

وان كانت قيمة الثوب بحيث يبلغ نصيب كل واحد من السارقين منه عشرة دراهم فانه يقطع كل واحد منهما، لأن التعاون مما يزيد رغبة السارق فى الاجتراء على السرقة فالحاجة الى شرع الزجر فى هذه الحالة أظهر

(2)

.

واذا سرق رجلان من رجل ثوبا وأحدهما أب المسروق منه لم يقطع واحد منهما.

أما الأب فللتأول له فى مال ولده بظاهر قوله صلى الله عليه وسلم أنت ومالك لأبيك، ولأنه قد يدخل بيته من غير استئذان عادة فلا يكون بيته حرزا فى حقه، والسرقة فعل من السارق.

فاذا امتنع وجوب القطع على أحدهما للشبهة يمتنع وجوبه على الآخر للشركة وهو نظير ما قالوه فى الأب والأجنبى اذا اشتركا فى قتل الولد .. لم يجب القصاص على واحد منهما

(3)

.

واذا شهد شاهدان على رجلين أنهما سرقا من هذا الرجل ألف درهم وأحد الرجلين غائب قطع الحاضر، وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى الأخير وهو قولهما.

وفى قوله الأول لا يقطع ..

وجه قول الأول: أن الغائب لو حضر ربما يدعى شبهة يدرأ بها القطع عن نفسه وعن الحاضر، فلو قطعنا الحاضر قطعناه مع الشبهة وذا لا يجوز كقصاص مشترك بين حاضر وغائب لا يكون للحاضر أن يستوفيه حتى يحضر الغائب.

ووجه قوله الآخر: أن السرقة ظهرت على الحاضر بالبينة أو بالاقرار فيستوفى الامام حق الله تعالى، وهذا لأن السراق يحضرون وقل ما يحضرون، بل فى العادة يهربون، وبعضهم يوجد، وبعضهم لا يوجد، فلو لم يقطع الحاضر أدى الى سد باب هذا الحد وما من شبهة يدعيها الغائب الا والحاضر يتمكن من أن يدعى ذلك، والشبهة التى يتوهم اعتراضها لا تمنع الاستيفاء فان جاء الغائب بعد ذلك لا يقطع بالشهادة الأولى حتى تعاد تلك البينة عليه أو غيرها

(1)

شرح العناية هامش الفتح ج 4 ص 244.

(2)

المبسوط ج 9 ص 142.

(3)

المبسوط ج 9 ص 101.

ص: 305

فيقطع حينئذ، لأن تلك البينة فى حق الغائب قامت بغير محضر من الخصم فان الحاضر لا ينتصب خصما عنه: أما لأن النيابة فى الخصومة فى الحد لا تجرى، أو لأنه ليس من ضرورة ثبوت السرقة على الحاضر ثبوتها على الغائب، فلهذا يشترط اعادة البينة على الغائب ليقطع

(1)

.

واذا أقر رجلان بسرقة ثم قال أحدهما:

هو مالى لم يقطعا، لأن الرجوع عامل فى حق الراجع منهما ويورث الشبهة فى حق الآخر، ولأن السرقة ثبتت باقرارهما على الشركة فتتحد الشبهة فيهما

(2)

.

‌مذهب المالكية:

اذا اشترك سارقان أو أكثر فى حمل مسروق واخراجه من حرزه، فان نال كل واحد منهما نصاب من المسروق لو قسم بينهما قطعا، سواء استطاع كل منهما وحده حمله واخراجه من الحرز أم لا وأن لم ينل كل واحد نصاب.

فان استطاع كل منهما حمله واخراجه من حرزه وحده فلا قطع.

وان لم يستطع ذلك واشتركا فى اخراجه فانهما يقطعان معا

(3)

.

وكذا القطع على جماعة رفعوه على ظهر أحدهم فى الحرز ثم خرج به اذا لم يقدر على اخراجه الا برفعهم معه، ويصيرون كأنهم حملوه على دابة فانهم يقطعون اذا تعاونوا على رفعه عليها.

وأما لو حملوه على ظهر أحدهم وهو قادر على حمله على ظهره بدونهم كما اذا كان المسروق ثوبا قطع وحده.

ولو خرج كل واحد منهم من الحرز حاملا لشئ دون الآخر وهم شركاء فيما أخرجوه لم يقطع منهم الا من أخرج ما قيمته ثلاثة دراهم

(4)

.

ولا قطع على داخل فى حرز تناول النصاب منه شخص خارج الحرز - بأن مد يده لداخل الحرز فناوله الداخل.

وانما يقطع الخارج، لأنه الذى أخرجه من حرزه.

فان لم يمد الخارج يده وانما ناوله الداخل بمد يده له خارج الحرز قطع الداخل فقط لأنه الذى أخرجه من الحرز

(5)

واذا نقب السارق الحرز فقط ولم يخرج النصاب منه فانه لا يقطع، فلو أخرج غيره النصاب من ذلك النقب فلا قطع على ذلك الغير أيضا، لأن النقب يصير المال فى غير حرز. وهذا اذا لم يتفقا على أن أحدهما ينقب والآخر يخرجه من الحرز، فان اتفقا على ذلك قطع المخرج فقط على ما فى المدونة

(6)

.

(1)

المبسوط ج 9 ص 170.

(2)

الهداية والفتح ج 4 ص 258.

(3)

الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 335.

(4)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 335.

(5)

الشرح الكبير ج 4 ص 343.

(6)

حاشية الدسوقى ج 4 ص 344.

ص: 306

وأن التقيا بأيديهما فى المناولة وسط النقب فأخرجه الخارج بمناولة الداخل، أو ربطه الداخل بحبل ونحوه فجذبه الخارج عن الحرز قطعا معا فى المسألتين

(1)

.

واذا اشترك المكلف مع صبى فى سرقة نصاب فانه يقطع المكلف فقط دون الصبى، ومثل الصبى المجنون.

وهذا بخلاف اشتراك السارق مع أب عاقل أو أم أوجد لرب المال فلا قطع على شريكه لدخوله مع ذى شبهة قوية

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

لو اشترك اثنان فى اخراج نصابين من حرز قطعا، لأن كلا منهما سرق نصابا توزيعا للمسروق عليهما بالسوية، فاذا كان ما أخرجه أحدهما متميزا عما أخرجه الآخر قطع من مسروقه نصاب دون من مسروقه أقل

(3)

.

ولو نقب واحد وأخرج غيره ولو بأمره - حيث لم يكن غير مميز أو أعجميا يعتقد وجوب الطاعة .. فلا قطع على واحد منهما اذ الأول لم يسرق، والثانى أخذ من غير حرز.

ولو تعاونا فى النقب وانفرد أحدهما بالاخراج أو وضعه ناقب قرب النقب فأخرجه آخر .. قطع المخرج فيهما، لأنه السارق.

ولو تعاونا فى النقب ثم أخذه أحدهما ووضعه بوسط نقبه فأخذه خارج وهو يساوى نصابين أو أكثر لم يقطعا فى الأظهر، لأن كلا منهما لم يخرجه من تمام الحرز، وكذا لو ناوله الداخل للخارج فيه.

وللقول الثانى يقطعان - لاشتراكهما فى النقب والاخراج

(4)

.

‌مذهب الحنابلة:

اذا اشترك الجماعة فى سرقة قيمتها ثلاثة دراهم قطعوا ..

وقال الثورى واسمحق لا قطع عليهم الا أن تبلغ حصة كل واحد منهم نصابا، لأن كل واحد لم يسرق نصابا فلم يجب عليه القطع، كما لو انفرد بدون النصاب

قال ابن قدامة: وهذا القول أحب الى، لأن القطع ههنا لا نص فيه، ولا هو فى معتبر المنصوص والمجمع عليه فلا يجب، والاحتياط باسقاطه أولى من الاحتياط بايجابه لأنه مما يدرأ بالشبهات

(5)

.

فان كان أحد الشريكين مما لا قطع عليه كأب المسروق منه قطع شريكه فى

(1)

الشرح الكبير ج 4 ص 344.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 335.

(3)

نهاية المحتاج ج 7 ص 421.

(4)

نهاية المحتاج ج 7 ص 436 - 437.

(5)

المغنى ج 10 ص 295 - 296.

ص: 307

أحد الوجهين كما لو شاركه فى قطع يد ابنه.

والوجه الثانى لا يقطع وهو أصح، لأن سرقتهما جميعا صارت علة لقطعهما، وسرقة الأب لا تصلح موجبة للقطع، لأنه أخذ ما يحق له أخذه بخلاف قطع يد ابنه، فان الفعل تمحض عدوانا، وانما سقط القصاص لفضيلة الأب، لا لمعنى فى فعله، وههنا فعله قد تمكنت الشبهة منه، فوجب أن لا يجب القطع به، كاشتراك العامد والخاطئ.

وان أخرج كل واحد منهما نصابا وجب القطع على شريك الأب، لأنه انفرد بما يوجب القطع.

وان أخرج الأب نصابا وشريكه دون النصاب ففيه الوجهان المتقدمان.

وان اعترف اثنان بسرقة نصاب، ثم رجع أحدهما فقيل: يقطع الآخر.

وقيل: لا قطع عليهما، لأن السبب السرقة منهما، وقد اختل أحد جزأيها برجوع أحدهما.

وكذلك لو أقر بمشاركة آخر فى سرقة نصاب، ولم يقر الآخر ففى القطع وجهان

(1)

.

وعن أحمد أنه قال فى رجلين دخلا دارا: أحدهما فى سفلها جمع المتاع وشده بحبل، والآخر فى علوها مد الحبل فرمى به وراء الدار فالقطع عليهما لأنهما اشتركا فى اخراجه.

وان دخلا جميعا فأخرج احدهما المتاع وحده فالقطع عليهما.

وان أخرج أحدهما دون النصاب والآخر نصابا أو أكثر من نصاب وجب القطع عليهما

(2)

.

وان نقبا حرزا ودخل أحدهما فقرب المتاع من النقب وأدخل الخارج يده فأخرجه فقياس مذهب أحمد أن القطع عليهما، لأنهما اشتركا فى هتك الحرز واخراج المتاع فلزمهما القطع كما لو حملاه معا فأخرجاه.

وان وضعه فى النقب فمد الآخر يده فأخذه فالقطع عليهما أيضا.

وان نقب أحدهما وحده ودخل الآخر وحده فأخرج المتاع فلا قطع على واحد منهما، لأن الأول لم يسرق والثانى لم يهتك الحرز وانما سرق من حرز هتكه غيره فأشبه ما لو نقب وانصرف وجاء آخر فصادف الحرز مهتوكا فسرق منه.

وان نقب رجل وأمر غيره فأخرج المتاع فلا قطع أيضا على واحد منهما وان كان المأمور صبيا مميزا، لأن المميز له اختيار، فلا يكون آلة للآمر كما لو أمره بقتل

(1)

المغنى ج 10 ص 296، 297.

(2)

المغنى ج 10 ص 297، 298.

ص: 308

انسان فقتله، وان كان غير مميز وجب القطع على الآمر لأنه آلته

(1)

.

وان اشترك رجلان فى النقب ودخل أحدهما فأخرج المتاع وحده أو أخذه وناوله للآخر خارجا من الحرز أو رمى به الى خارج الحرز فأخذه الآخر فالقطع على الداخل وحده، لأنه مخرج المتاع وحده مع المشاركة فى النقب .. ولأن المسروق خرج من الحرز ويده عليه فوجب عليه القطع كما لو خرج به

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

اذا اشترك جماعة فى سرقة فانهم يقطعون سواء سرقوا من واحد أو سرقوا من جماعة، لأن كلا منهم سارق لها كجماعة قتلوا رجلا عمدا.

أما اذا أخذ كل واحد دون العشرة (النصاب) بأن أخرج هذا المقدار من الحرز مستقلا عن الآخرين فلا قطع.

وذلك بخلاف ما اذا جذبوها معا فانهم يقطعون اذ لم يجذب كل واحد بعضها بل انما جذب الكل.

ولو دفعه الداخل - أى دفع الشئ المسروق - حتى أخرجه وحمله الخارج قطع الداخل اذ هو الهاتك - اذ القطع شرع للهتك وقد حصل من الداخل.

ولكن لو خرج الشئ المسروق بدفع الداخل وجذب الخارج قطعا معا اذ كل منهما هاتك.

ولو حمل من داخل الحرز صبيا أو مجنونا أو بهيمة خرجت بغير سوقه أو توجيهه فلا قطع اذ الهاتك غيره

(3)

.

واذا اشترك جماعة فى نقب حرز فدخلوا وأخرج كل منهم مالا تفرد به قطع من أخرج نصابا لا دونه كما لو انفرد بالنقب وكذا لو أخرج بعضهم لم يحد البعض الآخر.

ولو حمل أعمى مقعدا فدله حتى أخذ الشئ المسروق وأخرجه من الحرز فالقطع على الأعمى.

وقيل عليهما اذ لم يخرج الا بفعلهما

(4)

واذا أقر رجلان بالسرقة ثم ادعى أحدهما أنه ماله سقط عنه الحد برجوعه عن الاقرار .. ويحد الذى لم يرجع

(5)

.

‌مذهب الإمامية:

اذا اشترك اثنان فى سرقة فلا يخلو الحال من أمرين الأمر الأول: أن يكون كل واحد منهما قد أخرج نصف نصاب على حدته، ولا خلاف حينئذ فى أنه لا قطع على أى واحد منهما.

(1)

المغنى ج 10 ص 298، 299.

(2)

المغنى ج 10 ص 299.

(3)

البحر الزخار ج 5 ص 177.

(4)

المرجع السابق ج 5 ص 180، 181.

(5)

المرجع السابق ج 5 ص 185.

ص: 309

الأمر الثانى: أن يكون الاثنان قد سرقا نصابا - بأن أخرجاه معا بوضع أيديهما عليه، وهذا محل خلاف اذ فى وجوب القطع بناء عليه قولان.

المختار فى النهاية منهما أنه يجب القطع لصدق سرقة النصاب على مجموعهما .. فقد روى الأصحاب أنه اذا بلغت السرقة نصابا وأخرجوها بأجمعهم وجب عليهم القطع ولم يفصلوا.

بل فى الصحيح قضى أمير المؤمنين عليه السلام فى نفر نحروا بعيرا فأكلوه، وشهدوا على أنفسهم أنهم نحروه جميعا لم يخصوا أحدا دون أحد، فقضى عليه السلام أن تقطع أيمانهم، ولم يستفصل عن بلوغ نصيب كل منهم نصابا.

وقال فى الخلاف، وهو محكى عن المبسوط اذا نقب ثلاثة فبلغ نصيب كل واحد نصابا قطعوا وان كان دون ذلك فلا قطع.

فان نقبا معا فدخل أحدهما فأخذ نصابا فأخرجه بيده الى رفيقه وأخذه رفيقه ولم يخرج هو من الحرز كان القطع على الداخل دون الخارج.

وهكذا اذا رمى به من داخل الحرز فأخذه رفيقه من خارج.

وكذلك لو أخرج يده الى خارج الحرز فالقطع فى هذه المسائل الثلاث على الداخل دون الخارج.

وقال قوم: لا قطع على واحد منهما.

والأول أصح.

ولو هتك الحرز جماعة فأخرج المال من الحرز أحدهم فالقطع عليه خاصة بلا خلاف أحد فيه بينهم، لانفراده بالموجب الذى هو اخراج المال من الحرز بعد هتكه ولو بالاشتراك مع غيره على السوية أو مع التفاوت فهو السارق وحده دون شركائه بالهتك.

ولو قربه أحدهم من النقب مثلا وأخرجه الآخر فالقطع على المخرج له من الحرز لذلك أيضا ضرورة كون عدم صدق السرقة على الأول بالتقريب اذ هو كرفع المال فى الحرز من مكان الى مكان آخر .. وكذا لو وضعها الداخل فى وسط النقب وأخرجها الخارج

(1)

..

‌مذهب الإباضية:

ان سرق جماعة نصابا فانهم يقطعون ولو لم يكن فى نصيب كل واحد منهم نصابا

(2)

.

ثانيا - الاشتراك فى المعاملات المالية:

هذا النوع من الاشتراك يطلق عليه الفقهاء (اصطلاح شركة) وهى نوعان:

شركة الملك وشركة العقد.

(1)

جواهر الكلام ج 6 ص 507 وما بعدها.

(2)

شرح النيل ج 7 ص 651.

ص: 310

فشركة الملك أن يشترك رجلان فى ملك مال وذلك نوعان.

ثابت بغير فعلهما، كالميراث.

وثابت بفعلهما، وذلك بقبول الشراء، أو الصدقة، او الوصية.

والحكم واحد وهو أن ما يتولد من الزيادة يكون مشتركا بينهما بقدر الملك وكل واحد منهما بمنزلة الأجنبى فى التصرف فى نصيب صاحبه (انظر مصطلح شركة).

وأما شركة العقد فهى الشركة الناشئة عن تعاقد بين شخصين أو أكثر.

وهى اما شركة أموال، أو شركة وجوه، أو شركة صنائع.

وكل منها اما مفاوضة أو عنان.

فالأقسام ستة.

وتفصيل القول فى أحكام الشركات وأقسامها ومذاهب الفقهاء فيها يرجع اليه فى مصطلح (شركة).

ثالثا - الاشتراك فى الحقوق:

تكلم علماء الشريعة عن هذا النوع من الاشتراك فى مواطن مختلفة.

فعلماء الأصول قسموا الحقوق الى ثلاثة أقسام.

حق الله.

وحق العبد.

والحق المشترك بين الله والعبد.

ومثلوا لهذا النوع الأخير بالقصاص فقالوا: أنه حق مشترك بين الله وبين العبد ولكن حق العبد فيه غالب

(1)

.

ثم ان الفقهاء نظروا الى أن الاشتراك قد يتعلق بحق القصاص من زاوية أخرى:

هى أنه اذا تعدد أولياء المقتول كان حق القصاص مشتركا بينهم فلهم استيفاء هذا الحق، ولهم العفو عن الجانى، فاذا عفا أحد الشركاء سقط القصاص - عند جمهور الفقهاء - لأنه حق مشترك بينهم لا يتبعض، فاذا أسقط بعض الشركاء حقه سرى ذلك الى الباقى كالعتق

(2)

.

وتفصيل ذلك يرجع اليه فى موضعه (انظر مصطلح قصاص).

رابعا - الاشتراك فى دلالة الألفاظ:

يتحقق الاشتراك فى دلالة الألفاظ فى نوعين مما يسمى - فى لسان الشرعيين - بالمشترك:

أحدهما: المشترك اللفظى، وهو: ما تعدد وضعه، وتعدد معناه بحسب وضعه كلفظى العين والقرء ومنه الألفاظ التى تدل على الضدين.

ثانيهما: المشترك المعنوى، وهو ما وضع لحقيقة كلية تتحقق فى أفراد متعددة كالحيوان، والسواد، والبياض. وفى بيان ذلك كله، وتفصيل دلالته وأحكامها - يرجع الى مصطلح (دلالة - مشترك).

(1)

الفروق ج 1 ص 140 - 141 طبعة سنة 1344 هـ.

(2)

المغنى ج 9 ص 464، 465.

ص: 311

‌إشراك

‌المعنى اللغوى:

كلمة اشراك مصدر فعله أشرك المزيد بالهمزة، فأصل مادته شرك والهمزة زيدت على الأصل، لتفيد الاتخاذ أو الجعل.

فقد جاء فى لسان العرب

(1)

: أشرك بالله جعل له شريكا فى ملكه، تعالى الله عن ذلك.

والاسم الشرك قال الله تعالى حكاية عن عبده لقمان أنه قال لابنه «يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» .

(2)

.

والشرك أن يجعل لله شريكا فى ربوبيته تعالى الله عن الشركاء والأنداد.

وانما دخلت التاء فى قوله لا تشرك بالله لأن معناه لا تعدل به غيره فتجعله شريكا له.

وكذلك قوله تعالى «وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ 3 يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً» لأن معناه عدلوا به.

ومن عدل به شيئا من خلقه فهو كافر مشرك لأن الله وحده لا شريك له ولا ند له ولا نديد.

وقال أبو العباس فى قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ}

(4)

.

معناه الذين هم صاروا مشركين بطاعتهم للشيطان.

وليس المعنى أنهم آمنوا بالله وأشركوا بالشيطان ولكن عبدوا الله وعبدوا معه الشيطان فصاروا بذلك مشركين، ليس أنهم أشركوا بالشيطان وآمنوا بالله وحده رواه عنه أبو عمر الزاهد.

قال: وعرضه على المبرد فقال متلئب صحيح «مستقيم» وقال الجوهرى:

(1)

انظر لسان العرب للامام العلامة ابن منظور أبى الفضل جمل الذين محمد بن مكرم الأفريقى المصرى ج 42 ص 449، ص 450 مادة شرك طبع دار صادر دار بيروت سنة 1372 هـ، سنة 1955 م وترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير لطاهر الزاوى الطرابلسى مادة شرك ج 2 ص 648 الطبعة الأولى مطبعة الرسالة بمصر سنة 1959 الطبعة الأولى.

(2)

الآية رقم 13 من سورة لقمان.

(3)

الآية رقم 33 من سورة الاعراف.

(4)

الآية رقم 100 من سورة النحل.

ص: 312

الشرك الكفر وقد أشرك فلان بالله فهو مشرك ومشركى مثل دوودوى وسك وسكى وقعسر وقعسرى بمعنى واحد.

قال الراجز - ومشركى كافر بالفرق - أى بالفرقان.

وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الشرك أخفى فى أمتى من دبيب النمل.

قال ابن الأثير يريد به الرياء فى العمل فكأنه أشرك فى عمله غير الله.

ومنه قوله تعالى «وَلا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}

(1)

».

وفى الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من حلف بغير الله فقد أشرك، حيث جعل مالا يحلف به محلوفا به كاسم الله الذى يكون به القسم.

وجاء فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الطيرة شرك ولكن الله يذهبه بالتوكل» جعل التطير شركا به فى اعتقاد جلب النفع ودفع الضرر، وليس الكفر بالله لأنه لو كان كفرا لما ذهب بالتوكل.

وفى حديث تلبية الجاهلية لبيك لا شريك لك الا شريك هو لك تملكه وما ملك» يعنون بالشريك الصنم، يريدون ان الصنم وما يملكه ويختص به من الآلات التى تكون عنده وحوله والنذور التى كانوا يتقربون بها اليه كلها ملك لله عز وجل، فذلك معنى قوله تملكه وما ملك.

قال محمد بن المكرم: اللهم انا نسألك صحة التوحيد والاخلاص فى الايمان، أنظر الى هؤلاء لم ينفعهم طوافهم ولا تلبيتهم ولا قولهم عن الصنم هو لك، ولا قولهم تملكه وما ملك مع تسميتهم الصنم شريكا بل حبط عملهم بهذه التسمية ولم يصح لهم التوحيد مع الاستثناء ولا نفعتهم معذرتهم بقولهم «إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى»

(2)

وقوله تعالى على لسان موسى عليه السلام «وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي»

(3)

أى اجعله شريكى فيه.

ويقال فى المصاهرة: رغبنا فى شرككم وصهركم أى مشاركتكم فى النسب.

قال الأزهرى وسمعت بعض العرب يقول: فلان شريك فلان اذا كان متزوجا بابنته أو بأخته وهو الذى تسميه الناس الختن.

(1)

الآية رقم 110 من سورة الكهف.

(2)

الآية رقم 3 من سورة الزمر.

(3)

الآية رقم 32 من سورة طه

ص: 313

قال: وامرأة الرجل شريكته وهى جارته وزوجها جارها وهذا يدل على أن الشريك جار، وأنه أقرب الجيران.

وقد شركه معه فيه وأشرك فلان فلانا فى البيع اذا أدخله مع نفسه فيه.

واشترك الأمر التبس.

‌المعنى الاصطلاحى:

لا يكاد الفقهاء فى استعمالهم لكلمة «أشرك» يخرجون على المعنى اللغوى المتقدم ومن ثم استعملوها فى مجالين.

أما أحدهما فهو مجال العقيدة وجعلوها تارة مرادفة للكفر، وتارة بمعنى البعد عن التوكل على الله والخروج من دائرة الايمان الخالص، وذلك نحو قوله صلى الله عليه وسلم «الطيرة شرك ولكن الله يذهبه بالتوكل» .

وقد تناول الفقهاء الاشراك فى هذا الميدان بشتى مقاصده تناولا شاملا، فبينوا ما به يكون وحكم من يشرك بالله فى مختلف أبواب الفقه.

والبحث فى اشراك من هذه الزاوية محال الى مصطلح «شرك» فنترك بيانه الى حيث أحيل.

وأما ثانى المجالين فهو مجال الحياة العامة.

وذلك أن اشراك تعنى أن شخصا اتخذ له شريكا فى عمل يقوم به على نحو قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام المتقدم «وأشركه فى أمرى» .

وقد استعمل اشراك بهذا المعنى فى تقديم الهدى والأضحية على اختلاف فى حكم ذلك بين أئمة المذاهب، كما استعمل فى البيع وغيره كذلك.

‌أولا: الاشراك فى الأضحية والهدى

‌مذهب الحنفية:

ذكر صاحب البدائع

(1)

: أن الشاة والمعز فى الأضحية لا تجوز الا عن واحد.

ولا تجزى بقرة واحدة ولا بعير واحد عن أكثر من سبعة.

ويجوز ذلك عن سبعة أو أقل من ذلك.

وهذا قول عامة العلماء لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة عن سبعة وهذا من غير فصل بين أهل

(1)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 70 طبع مطبعة شركة المطبوعات العلمية بمصر الطبعة الأولى سنة 1327 هـ.

ص: 314

بيت أو بيتين، ولأن القياس يأبى جوازها عن أكثر من واحد، لما ذكرنا من أن القربة فى الذبح وأنه فعل واحد لا يتجزأ، لكنا تركنا القياس بالخبر المقتضى للجواز عن سبعة مطلقا فيعمل بالقياس فيما وراءه، لأن البقرة بمنزلة سبع شياة، ثم جازت التضحية بسبع شياة عن سبعة سواء كانوا من أهل بيت أو بيتين فكذا البقرة

(1)

.

فلو اشترى رجل بقرة يريد أن يضحى بها، ثم أشرك فيها غيره بعد ذلك، قال هشام: سألت أبا يوسف فأخبرنى: أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى قال: أكره ذلك ويجزيهم أن يذبحوها عنهم.

قال: وكذلك قول أبى يوسف قال: قلت لأبى يوسف: ومن نيته أن يشرك فيها، قال لا أحفظ عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيها شيئا، ولكن لا أرى بذلك بأسا.

وقال فى الأصل، قال: أرأيت فى رجل اشترى بقرة يريد أن يضحى بها عن نفسه، فأشرك فيها بعد ذلك، ولم يشركهم حتى اشتراها، فأتاه انسان بعد ذلك فأشركه حتى استكمل، يعنى أنه صار سابعهم هل يجزى عنهم؟ قال: نعم استحسن، وان فعل ذلك قبل أن يشتريها كان أحسن.

وهذا محمول على الغنى اذا اشترى بقرة لأضحيته، لأنها لم تتعين لوجوب التضحية بها، وانما يقيمها عند الذبح مقام ما يجب عليه أو واجب عليه فيخرج عن عهدة الواجب بالفعل فيما يقيمه فيه، فيجوز اشتراكهم فيها وذبحهم الا أنه يكره، ولأنه لما اشتراها ليضحى بها فقد وعد وعدا، فيكره أن يخلف الوعد.

فأما اذا كان فقيرا فلا يجوز له أن يشرك فيها، لأنه أوجبها على نفسه بالشراء للأضحية فتعينت للوجوب فلا يسقط عنه ما أوجبه على نفسه.

وقد قالوا فى مسألة الغنى: اذا أشرك بعد ما اشتراها للأضحية أنه ينبغى أن يتصدق بالثمن، وان لم يذكر ذلك محمد رحمه الله تعالى، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «دفع الى حكيم بن حزام دينارا وأمره أن يشترى له أضحية، فاشترى شاة فباعها بدينارين، واشترى بأحدهما شاة، وجاء الى النبى صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار وأخبره بما صنع، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم: بارك الله فى صفقة يمينك، وأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يضحى بالشاة ويتصدق

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 72 الطبعة السابقة.

ص: 315

بالدينار، لما أنه قصد اخراجه للأضحية.

وقال ابن عابدين

(1)

يصح اشتراك ستة فى الهدى، لأن ذلك جائز فى الضحايا فيجوز هنا.

قال فى الفتح عن الأصل والمبسوط فان اشترى بدنة لمتعة مثلا ثم اشترك فيها ستة بعد ما أوجبها لنفسه خاصة لا يسعه، لأنه لما أوجبها صار الكل واجبا بعضها بايجاب الشرع وبعضها بايجابه، فان فعل فعليه أن يتصدق بالثمن.

وان نوى أن يشرك فيها ستة أجزأته لأنه ما أوجب الكل على نفسه بالشراء.

فان لم يكن له نية عند الشراء، ولكن لم يوجبها حتى أشرك الستة جاز.

والأفضل أن يكون ابتداء الشراء منهم أو من أحدهم بأمر الباقين حتى تثبت الشركة فى الابتداء.

واذا عرفت ذلك فالصور ستة، لأنه اما أن يشترى البدنة لنفسه خاصة، أو أن يشتريها بلانية ثم يعينها لنفسه، أو أن يشتريها بلا نية ولم يعينها لنفسه، أو يشتريها بنية الشركة، أو يشتريها مع ستة، أو يشتريها وحده بأمرهم.

لكن ينبغى أن يكون هذا التفصيل محمولا على الفقير، لأن الغنى لا تجب عليه بالشراء بدليل ما ذكره فى أضحية البدائع على الأصل: من أنه لو اشترى بقرة ليضحى بها عن نفسه فأشرك فيها غيره يجزئهم، والأحسن فعل ذلك قبل الشراء، قال:

وهذا يعنى قوله ويجزئهم محمول على الغنى، لأنها لم تتعين.

أما الفقير فلا يجوز أن يشرك فيها لأنه أوجبها على نفسه بالشراء للأضحية فتعينت.

قال ابن عابدين: لكن سوى فى الخانية فى مسألة الأضحية بين الغنى والفقير.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الحطاب

(2)

: أنه يصح الشرك فى الأجر فى الأضحية، وان كان فى أكثر من سبعة ان سكن معه وقرب له وأنفق عليه وان تبرعا.

(1)

الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المختار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 2 ص 343، ص 343 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1325 هـ.

(2)

كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله بن يوسف الشهير بالمواق ج 3 ص 240 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر 1238 هـ.

ص: 316

قال فى المدونة: وان ضحى بشاة أو بعير أو بقرة عنه وعن أهل بيته أجزأهم وان كانوا أكثر من سبعة أنفس، وأحب الى ان قدر أن يذبح عن كل نفس شاة، واستحب مالك حديث ابن عمر لمن قدر دون حديث أبى أيوب الأنصارى.

قال عبد الحق: حديث ابن عمر أنه كان لا يضحى عمن فى البطن وأما ما كان فى غير البطن فيضحى عن كل نفس شاة.

وحديث أبى أيوب كنا نضحى بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس فصارت مباهاة.

وقال فى المدونة: أنه لو اشترى شخص أضحيته عن نفسه، ثم نوى أن يشرك فيها أهل بيته جاز ذلك بخلاف الهدى.

قال فى التوضيح فى شرح قول ابن الحاجب لا يشترك فيها، لكن للمضحى أن يشرك فى الأجر من فى نفقته من أقاربه.

قال الباجى: فأباح ذلك بثلاثة أسباب القرابة والمساكنة والانفاق.

وقال فى التوضيح: قال ابن حبيب: يلزم الانسان أن يضحى عمن تلزمه نفقته من ولد ووالد وفى العتبية أن ذلك غير لازم.

ونص فى المدونة على أنه لا يلزمه أن يضحى عن الزوجة.

قال محمد عن مالك رحمهما الله تعالى وله أن يدخلها.

قال ابن حبيب فان لم يفعل فذلك عليها.

وذكر ابن عرفة عن ابن رشد أنه نقل عن ابن دينار أنها تجب على الرجل عن زوجته.

وظاهر كلام ابن رشد فى نوازل سحنون أنه لا خلاف فى أنها لا تجب على الرجل عن زوجته، وانما له ذلك وأنه ان لم يدخلها فى أضحيته كان عليها أن تضحى عن نفسها.

ونصه فى كتاب الأضحية من نوازل سحنون: أنه ليس على الرجل أن يضحى عن زوجته وانما هى سنة لا ينبغى له تركها، فان أدخل زوجته فى أضحيته أجزأها، والا كان عليها أن تضحى عن نفسها.

قال الشيخ بهرام: لما تكلم على الشرط الثانى وهو أن يكون من أقاربه وعليه فلا تدخل الزوجة ولا أم الولد، ولا من فيه بقية رق وهو خلاف ما حكاه ابن المواز عن مالك.

وقال ابن عرفة روى عياض أن للزوجة وأم الولد حكم القريب.

قال ابن حبيب والرق كأم الولد فى صحة ادخالها.

ص: 317

قال اللخمى والباجى وتسقط عن المدخول بها ولو كان مليا.

وقال المازرى فى شرح التلقين: واذا أشرك زوجته فى الدم المراق جاز ولا يخرج هذا ما اشترطناه فى الشروط الثلاثة من مراعاة القرابة فان الزوجة وان لم تكن من القرابة فان هناك من المودة والرحمة ما جعله الله سبحانه وتعالى يقوم مقام القرابة، بخلاف الأجير المستأجر بطعامه، فانه لا شبهة له بالقرابة فلم يجز ادخاله فى الأضحية.

قال خليل فى التوضيح قال ابن حبيب وله أن يدخل فى أضحيته من بلغ من ولده وان كان غنيا وأخاه وابن أخيه وابن أخته وقريبه اذا كانوا فى نفقته وبيته، وكذلك الجد والجدة اذا كانا فى نفقته وبيته، وهذا داخل تحت قوله وان تبرعا.

قال فى التوضيح: ولا يدخل يتيمة فى أضحيته ولا يشرك بين يتيمين وان كانا أخوين ومن له أن يدخلهم معه فى أضحيته.

فقد جاء فى التوضيح قال الباجى عندى أنه يصح له التشريك وان لم يعلمهم بذلك، ولذلك يدخل فيها صغار ولده وهم لا يصح منهم قصد القربة.

قال ابن عرفة والباجى والمازرى ولحمها باق على ملك ربها دون من أدخله منهم معه فيها يعطى من شاء منهم ما يريد وليس لهم منعه من صدقة جميعها.

وجاء فى التاج

(1)

والاكليل: أن مالكا رحمه الله تعالى قال: وان اشترى رجل أضحيته بمال نفسه وذبحها عن نفسه وعن أهل بيته فجائز.

قال ابن يونس لأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك، ولأن ذلك ليس بشركة فى ملك اللحم، وانما هى شركة فى الثواب والبركة.

وجاء فى الدسوقى

(2)

: وذلك بخلاف الهدى فانه لا يجوز الاشراك فيه، والفرق بينهما أن الهدى قد خرج عن ملك ربه ولم يبق له فيه تصرف حتى بالاشتراك فى الأجر بخلاف ما ذكر فى الأضحية.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج

(3)

: أن الشاة

(1)

التاج والاكليل لأبى عبد الله بن يوسف الشهير بالمواق ج 3 ص 239، ص 240 وما بعدها الطبعة السابقة.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 2 ص 92 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

(3)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 4 ص 291 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.

ص: 318

المعينة تجزئ عن واحد فان ذبحها عنه وعن أهله أو عنه وأشرك غيره فى ثوابها جاز، وعليهما حمل خبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين، وقال: اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد وهى فى الأولى سنة كفاية.

قال فى المجموع: ومما يستدل به الخبر الصحيح فى الموطأ ان أبا أيوب الأنصارى قال: كنا نضحى بالشاة الواحدة يذبحها الرجل عنه وعن أهل بيته ثم تباهى الناس بعد فصارت مباهاة، ولكن الثواب فيما ذكر للمضحى خاصة، لأنه الفاعل كما فى القائم بفرض الكفاية.

وجاء فى نهاية المحتاج

(1)

: التضحية سنة مؤكدة فى حقنا على الكفاية ولو بمنى ان تعدد أهل البيت والا فسنة عين. ومعنى كونها سنة كفاية مع كونها تسن لكل منهم سقوط الطلب بفعل الغير لا حصول الثواب لمن لا يفعل كصلاة الجنازة.

نعم ذكر النووى فى شرح مسلم أنه لو أشرك غيره فى ثوابها كأن يقول: أشركتك أو فلانا فى ثوابها جاز وأنه مذهبنا.

والظاهر جواز ذلك ولو بعد نية التضحية لنفسه.

والأصل فى ذلك أنه صلى الله عليه وسلم ضحى بمنى عن نسائه بالبقر رواه الشيخان فلا تجب بأصل الشرع، لما روى البيهقى وغيره باسناد حسن.

أن أبا بكر وعمر كانا لا يضحيان مخافة أن يرى الناس ذلك واجبا.

‌مذهب الحنابلة:

قال صاحب المغنى

(2)

: يتعين الهدى بقوله هذا هدى أو تقليده أو اشعاره مع النية والأضحية بقوله هذه أضحية، ولو نوى حال الشراء لم تتعين بذلك.

ثم قال: اذا تعينت لم يجز بيعها ولا هبتها.

وقال القاضى: يجوز أن يبيعها ويشترى خيرا منها نص عليه أحمد، وهو قول عطاء ومجاهد وأبى حنيفة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم ساق فى حجته مائة بدنة وقدم على من اليمن فأشركه فى بدنه رواه مسلم، والاشتراك

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشيراملسى وبهامشه المغربى ج 8 ص 123، ص 124 وما بعدها طبع شركة مكتبة مصطفى البابى الحلى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

المغنى للامام العلامة موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامه على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المنتع للامام الشيخ شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسى ج 3 ص 559، ص 560، ص 561، ص 562، ص 563 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ الطبعة الأولى.

ص: 319

نوع من البيع أو الهبة، ولأنه يجوز ابدالها بخير منها، والابدال نوع من البيع.

والدليل على صحة قولنا أنه قد تعين ذبحها فلم يجز بيعها كالوقف، وانما جاز ابدالها بجنسها، لأنه لم يزل الحق فيها عن جنسها، وانما انتقل الى خير منها، فكان فى المعنى ضم زيادة اليها، وقد جاز ابدال المصحف ولم يجز بيعه.

وأما الحديث فيحتمل أنه أشرك عليا فيها قبل ايجابها، ويحتمل أن اشراكه فيها، بمعنى أن عليا جاء ببدن فاشتركا فى الجميع فكان بمعنى الابدال لا بمعنى البيع ويجوز أن تكون الشركة فى ثوابها وأجرها.

فأما ابدالها بخير منها فقد نص أحمد على جوازه وهو اختيار الخرقى، وبه قال عطاء ومجاهد وعكرمة وأبو حنيفة ومالك ومحمد بن الحسن.

واختار أبو الخطاب أنه لا يجوز، لأن أحمد نص فى الهدى اذا عطب أنه يجزئ عنه، وفى الأضحية اذا هلكت وذبحها فسرقت لا بدل عليه ولو كان ملكه ما زال عنها لزمه بدلها فى هذه المسائل ولما ذكرنا فى عدم جواز بيعها، وهذا مذهب أبى يوسف والشافعى وأبى ثور، ولأنه زال ملكه عنها لله تعالى فلم يجز ابدالها كالوقف.

ولنا ما ذكرنا من حديث على رضى الله عنه وقد تأولناه على معنى الابدال، ويتعين حمله عليه لاتفاقنا على تحريم بيعها وهبتها، ولأنه عدل عن العين الى خير منها من جنسها فجاز، كما لو أخرج عن بنت لبون حقة فى الزكاة، ولأن النذور محمولة على أصولها فى الفروض وفى الفروض يجوز اخراج البدل فى الزكاة فكذلك فى النذور.

‌مذهب الظاهرية:

يرى ابن حزم الظاهرى

(1)

: أنه جائز للمضحى أن يشرك غيره معه فى الأضحية، سواء كان من أهل بيته أو كان أجنبيا محتجا فى ذلك بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أشرك عليه الصلاة والسلام فى أضحيته جميع أمته.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح

(2)

الأزهار وهامشه: أن الانسان لو ضحى عنه وعن ولديه وهما صغيران، فقيل: تجزئ مشاركته لهم.

وقيل: لا تجزئ.

ولكن الأولى أنها لا تجزئ.

(1)

المحلى للامام أبى محمد على بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 7 ص 381، 382 مسألة رقم 984 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ الطبعة الأولى.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسين عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 85 الطبعة الثالثة طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 320

وجاء فى التاج

(1)

المذهب: أنه لو ضحى بشاة عنه وعن ولديه الصغيرين لم تجز مشاركته لهما فان ضحى عنه وعن أولاده المكلفين فلا يشترط أن يملكهم القدر المجزى بل يجزى بمجرد الاذن مطلقا.

وجاء فى البحر الزخار

(2)

: أنه يجوز للمتطوع بالهدى كل تصرف قبل الذبح اذ لا يخرج عن ملكه بمجرد النية كالعتق.

قلت: وفيه نظر.

قال البعض: فأما الواجب فلا يفوته (يتصرف فيه) الا لخشية عطبه قبل محله فيجوز اذ ملكه باق، وان أوجبه لصرفه صلى الله عليه وسلم هديه فى الحديبية الى الاحصار، ولاشراكه عليا عليه السلام فى هديه بعد سوقه.

قال البعض: بل قد خرج عن ملكه فلا تصرف له فيه لمنعه صلى الله عليه وسلم عمر عن بيع البختى الذى أثمن فيه وقد أراد بيعه ليعوض أفضل منه.

قلنا: ذلك لعدم الضرورة.

قلت: الحق فى تحقيق المذهب أنه قد زال الملك الخاص بالنية مع السوق فى الفرض والنفل بدليل منعه صلى الله عليه وسلم الانتفاع بها لغير ضرورة فى قوله «اذا ألجئت» ولمنعه عمر من البيع وبقى له ملك كملك المدبر يبيح التصرف على وجه لا يبطل به حق تصرفها بدليل صرفه صلى الله عليه وسلم هدى العمرة الى الاحصار، ولاشراكه عليا عليه السلام، وعلى ذلك يجوز البيع لابدال مثل أو أفضل لفرض كما ذكره بعض أصحابنا اذ هو تصرف لم يبطل به حق المصرف، وخبر عمر حكاية فعل لا يعلم وجهها، ويحتمل أنه رأى بختية أفضل.

‌مذهب الإمامية:

يرى الشيعة الإمامية

(3)

: أنه يجوز الاشراك فى الهدى، بدليل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم مع على.

فقد جاء فى الوسائل: أن عليا عليه السلام لما قدم من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة فدخل على فاطمة وهى قد أحلت فوجد ريحا طيبة ووجد عليها ثيابا مصبوغة، فقال: ما هذا يا فاطمة؟ فقالت: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج على عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 464 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.

(2)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 374، ص 375، ص 376 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ.

(3)

وسائل الشيعة الى تحصيل مسائل الشريعة للامام العلامة الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملى المجلد الخامس ص 151، ص 152 طبع المطبعة الاسلامية بطهران سنة 1380 هـ.

ص: 321

مستفتيا ومحرشا على فاطمة فقال: يا رسول الله أنى رأيت فاطمة قد أحلت، عليها ثياب مصبوغة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنا أمرت الناس بذلك وأنت يا على بما أهللت؟ قال: قلت يا رسول الله أهلالا، كاهلال النبى صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم كن على احرامك مثلى وأنت شريكى فى هديتى.

‌مذهب الإباضية:

والإباضية يجيزون الاشراك فى الهدى كما يفهم من كلامهم.

فقد جاء فى شرح النيل

(1)

: وجاز لشخص أن يقول أحرمت على ما أحرم عليه صاحبى كما فعله على مع النبى صلى الله عليه وسلم وأشركه صلى الله عليه وسلم فى الهدى.

ثم قال: ولا تجزئ بدنة الا عن صاحبه أن نواها هديا لنفسه.

وانما تجزى لمتعدد أن اشتراها أحدهم على نية الاشراك أو كان مالكا لها ولم يعينها هديا لنفسه ثم شاركهم.

وكذا لا تجزيهم ولا واحدا منهم ان كان أحدهم مشركا أو أراد حصته لحما يتصرف فيه كما يشاء أكلا أو غيره.

‌ثانيا - الاشراك فى البيوع

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: أن من اشترى شيئا فأشرك فيه غيره، فلا يخلو اما أن يشركه فى قدر معلوم، كالنصف والثلث والربع، ونحو ذلك، واما أن يطلق الشركة.

فان أشركه فى قدر معلوم فله ذلك القدر لا شك فيه، لأن حكم التصرف فيه يثبت فى قدر ما أضيف اليه.

وان أطلق الشركة بأن قال: أشركتك فى هذا الكر فله نصف الكر، كما لو قال أشركتك فى نصف الكر، لأن الشركة المطلقة تقتضى المساواة فتقتضى أن يكون نصيب الرجل مثل نصيبه.

ولو أشرك رجلا فى نصفه فلم يقبضه حتى هلك نصفه، فالرجل بالخيار أن شاء أخذ نصف ما بقى، وهو ربع الكر، وان شاء ترك لأنه كان له نصف شائع من ذلك فما هلك هلك على الشركة، وما بقى بقى على الشركة.

وله الخيار اذا كان قبل القبض، لأن الصفقة قد تفرقت عليه.

(1)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 384 طبع على ذمة صاحب الامتياز محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

(2)

كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 226 وما بعدها الطبعة الأولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر.

ص: 322

وكذلك لو باع رجلا نصف الكر، ثم هلك نصفه قبل القبض لما قلنا.

ولو كان مكان الهلاك استحقاق بأن استحق نصف الكر فها هنا يختلف حكم الشركة والبيع.

فيكون النصف الباقى للمشترى خاصة فى البيع.

وفى الشركة يكون بينهما.

وانما كان كذلك، لأن البيع أضيف الى نصف شائع وتعذر تنفيذه فى النصف المستحق، لانعدام الملك وأمكن تنفيذه فى نصف المملوك فيجب تنفيذه فيه.

وكذلك فى الشركة الا أن تنفيذه فى النصف المملوك يقتضى المساواة بينهما فى ذلك النصف.

وذلك بأن يكون نصفه للرجل ونصفه له.

ولو اشترى عبدا فقال له رجل:

أشركنى فى هذا العبد، فقال: قد أشركتك، ثم قال له رجل آخر. مثل ذلك، فأشركه فيه.

فان كان الثانى علم بمشاركة الأول فله الربع، وللمشترى الربع والنصف للأول.

وان كان لم يعلم بمشاركته فالنصف له والنصف للأول، ولا شئ للمشترى لأنه اذا علم الثانى بمشاركة الأول فلم يطلب الشركة منه الا فى نصيبه خاصة، والشركة فى نصيبه تقتضى المساواة بين النصيبين، وهى أن يكون لكل واحد منهما الربع، واذا لم يعلم بالشركة فقوله أشركنى طلب الشركة فى الكل، والاشراك فى الكل أن يكون نصفه له، والأول قد استحق النصف بالمشاركة فيستحق الثانى النصف الباقى تحقيقا للشركة المقتضية للمساواة.

ولو قال لرجل اشتر جارية فلان بينى وبينك، فقال المأمور نعم، ثم لقيه غيره، فقال له مثل ما قال الأول، فقال المأمور نعم ثم اشترى الجارية فالجارية بين الآمرين ولا شئ منها للمأمور، لأن الأول وكله بشراء نصف الجارية، وبقبول الوكالة الثانية لا يخرج عن كونه وكيلا للأول لأنه لا يمكن اخراج نفسه عن الوكالة من غير محضر من الموكل فبقى وكيلا له بشراء النصف، فاذا قبل الوكالة من الثانى صار وكيلا فى شراء النصف الآخر، فاذا اشترى الجارية فقد اشتراها لموكليه فكانت بينهما.

ولو لقيه ثالث فقال له مثل ما قال الأولان فقال نعم، ثم اشتراها كانت الجارية للأولين، ولا شئ للثالث، لأنه قد بقى وكيلا للأولين، اذ لا يملك اخراج نفسه عن وكالتهما حال غيبتهما، فلم يصح قبوله الوكالة من الثالث.

هذا اذا كان المشترى لواحد فأشركه.

فان كان لاثنين، فلا يخلو اما أن يكون أشرك أحدهما رجلا، وأما أن يشركاه جميعا.

ص: 323

فان أشركه أحدهما، فاما أن يشركه فى نصيبه خاصة، بأن قال أشركتك فى نصيبى، واما أن يشركه فى نصفه بأن يقول أشركتك فى نصف واما أن يشركه مطلقا بأن يقول اشركتك فى هذا العبد واما أن يشركه فى نصيبه ونصيب صاحبه واما أن يشركه فى نصفه بأن يقول أشركتك فى نصف هذا العبد.

فان أشركه فى نصيبه خاصة فله النصف من نصيبه، لأن الشركة المطلقة فى نصيبه تقتضى المساواة فتقتضى أن يكون نصيبه لأنها تقتضى المساواة وكذا لو أشركه فى نصفه لأن الشركة المطلقة فى نصفه تقتضى المساواة فيه.

وان أشركه مطلقا، فان أجاز شريكه فله النصف كاملا والنصف لهما، وان لم يجز فالربع له لما ذكرنا أن الشركة المطلقة تقتضى المساواة فتقتضى أن يكون نصيبه وحده مثل نصيبهما جميعا، الا أنه اذا لم يجز تعذر تنفيذ الاشراك فى نصيبه، فينفذ فى نصيب صاحبه فيكون له الربع واذا أجاز أمكن اجراء الشركة على اطلاقها وهى باطلاقها تقتضى المساواة، وذلك فى أن يكون له النصف ولكل واحد منهما الربع.

وأن أشركه فى نصيبه ونصيب صاحبه فكذلك فى ظاهر الرواية أنه ان أجاز صاحبه فله النصف والنصف الآخر لهما، وان لم يجز فله الربع.

وروى عن أبى يوسف فى النوادر أنه ان أجاز كان بينهما أثلاثا وان أبى ان يجيز كان له ثلث ما فى يد الذى أشركه وهو سدس الكل.

ووجه هذه الرواية أن اشراك أحدهما وأجازة الآخر بمنزلة اشراكهما معا، لأن الاجازة تستند الى حال العقد، فكأنهما أشركاه معا، ولأن الاجازة اللاحقة بمنزلة الوكالة السابقة فصار كأن العاقد أشرك بوكالة صاحبه.

ووجه ظاهر الرواية أن الاشراك والاجازة تثبت على التعاقب لوجود الاشراك والاجازة على التعاقب، والحكم يثبت على وفق العلة، فصار كما لو أشرك كل واحد منهما على التعاقب.

وقوله ان الاجازة تستند الى حالة العقد، قلنا: نعم، ولكن الثابت بطريق الاستناد يثبت للحال، ثم يستند، فكان حكم الاجازة متأخرا عن حكم الاشراك ثبوتا.

وان أشركه فى نصف العبد، فأجاز شريكه فله نصف ما فى يد هذا، ونصف ما فى يد الآخر.

وان لم يجز فله نصف ما فى يد الذى أشركه لما قلنا.

هذا اذا أشركه أحدهما.

فأما اذا أشركاه جميعا، فلا يخلو اما أن يشركاه معا، واما أن يشركاه على التعاقب.

فان أشركاه معا فالقياس أن يكون له النصف كاملا، ولكل واحد منهما الربع.

ص: 324

وفى الاستحسان يكون بينهم أثلاثا.

وان أشركاه على التعاقب مطلقا ولم يبينا قدر الشركة أو أشركاه فى نصيبهما، بأن قال كل واحد منهما أشركتك فى نصيبى ولم يبين فى كم أشركه، كان له النصف، وللأولين النصف.

ووجه القياس أنه لما أشركه كل واحد منهما فقد استحق نصف نصيبه، فكان النصف له والنصف لهما جميعا، كما لو أشركاه على التعاقب.

ووجه الاستحسان، وهو الفرق بين حالة الاجماع والافتراق أن الاشراك المطلق من كل واحد منهما اياه فى زمان واحد يقتضى المساواة فى أنصباء الكل، وهو أن يكون نصيب كل واحد منهم مثل نصيب الآخر فى أن يكون المشترى بينهم اثلاثا.

بخلاف الاشراك على التعاقب لأن الاشراك من أحدهما مطلقا فى زمان يقتضى أن يكون نصيبه مثل نصيبه.

وكذلك الاشراك الآخر فى الزمان الثانى فيجتمع له ربعان وهو النصف لكل واحد منهما الربع.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح

(1)

الكبير وحاشية الدسوقى عليه: أنه تجوز تولية وشركة فى الطعام قبل قبضه.

والمراد بالشركة هنا جعل مشتر قدرا لغير بائعه باختياره مما اشتراه لنفسه بمنابه من ثمنه - لأنهما كالاقالة من باب المعروف كالقرض.

ومحل الجواز فيهما أن لم يكن على شرط فى صلب العقد أن ينقد المولى والمشرك - بالفتح فيهما - عنك يا مولى أو يا مشرك - بالكسر فيهما - الثمن فى التولية أو حصتك منه فى الشركة، والا لم يجز، لأنه بيع وسلف منه لك.

وذلك لأن المشرك بفتح الراء اذا دفع الثمن كله فقد سلف المشرك نصف الثمن ونصف الثمن الآخر بيع، فيكون قد اجتمع بيع وسلف.

ويفسخ الا أن يسقط الشرط.

واستوى عقد المشرك، بالكسر - والمشرك - بالفتح - فى قدر الثمن، وفى أجله ان كان مؤجلا وفى حلوله ان كان حالا، وفى الرهن والحميل فى الاشراك فى الطعام قبل قبضه خاصة، وأما بعد قبضه فلا يشترط أو اذا كان الاشراك فى غير الطعام قبل القبض أو بعده فكذلك لا يشترط هذا الشرط وهو استواء العقد.

وبقى شرط ثالث لجواز الاشراك وهو أن يكون الثمن عينا.

(1)

الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه لشمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقى ج 3 ص 156 وما بعدها الى ص 158 فى كتاب فى صلبه الحاشية وعلى هامشه الشرح الكبير مع تقريرات الشيخ محمد عليش طبع دار احياء الكتب العربية.

ص: 325

فان كان الثمن عرضا منع لاختلاف العقد لعدم انضباط العرض فى القيمة.

وان كان الثمن مكيلا أو موزونا منع عند ابن القاسم رحمه الله تعالى، لأنه فى الطعام قبل قبضه رخصة والرخصة يقتصر فيها على ما ورد.

وأجازه أشهب رحمه الله تعالى.

والا بأن اختل شرط - كأن اشترط المشرك بالكسر النقد على المشرك، أو اختلف العقد فى النقد والتأجيل، أو غير ذلك من وجوه الاختلاف، أو كان الثمن غير عين - فان الاشراك يكون بيعا كغيره يعتبر فيه شروطه وانتفاء موانعه كعدم القبض.

وتبطل الرخصة فيه فيمنع الاشراك فى الطعام قبل قبضه لا بعده ولا على غير طعام أن لم يكن على أن ينقد عنه كما مر.

وضمن المشرك - بفتح الراء - الشئ المشترى المعين كعبد وهو الحصة التى حصلت له بالشركة فقط فيرجع المشرك - بكسر الراء - عليه بنصف الثمن مع عدم قبضه المثمن ولو طعاما لأنه فعل معه معروفا.

وضمن المشرك - بالفتح - طعاما كلته من بائعه قبل أن تشرك فيه يا مشرك - بالكسر - وصدقك فى وفاء الكيل من بائعك من شركته ثم تلف.

قال الدسوقى فى حاشيته: واعترض بأنه لا يشترط فى ضمان المشرك - بالفتح - تصديقه، ولذا لم ينكره فى المدونة.

وحمل الطخيخى والشيخ سالم رحمهما الله تعالى كلام الدردير على ما اذا اشترى شخص طعاما وصدق البائع فى كيله ثم أشرك غيره فيه ضمنه المشرك - بفتح الراء بمجرد الشركة.

وعلى هذا فالخطاب لبائع المشرك - بالكسر - وهذا بعيد من الدردير.

وأن أشرك المشترى شخصا سأله الشركة، بأن قال له: أشركتك حمل التشريك.

وأن اطلق على النصف، لأنه الجزء الذى لا ترجيح فيه لأحد الجانبين، وان قيد بشئ فواضح.

وأن سأل شخص ثالث شركتهما وهما مجتمعان، أى سأل اثنين اشتريا سلعة واتفق نصيبهما، بأن صار لكل منهما النصف، فقال لهما: أشركانى فقالا له أشركناك فله الثلث.

فان اختلف نصيب الشريكين - كما لو كانا شريكين بالثلث والثلثين فاذا قالا له أشركناك كان له نصف الثلث ونصف الثلثين وحينئذ فيكون له النصف، وللأول السدس وللثانى الثلث.

كما لو سألهما بمجلسين بلفظ الافراد

ص: 326

وقال لكل واحد على انفراده أشركنى فقال له أشركتك فله نصف ما لكل سواء اتفق نصيبهما أو اختلف.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن الاشراك فى بعض المبيع كالتولية فى كله فى الأحكام المذكورة لأن الاشراك تولية فى بعض المبيع ان بين البعض كمناصفة أو بالنصف، والا فلا يصح جزما كأشركتك فى بعضه أو فى شئ منه للجهل.

قال الشبراملسى: ظاهر ذلك أن الاشراك لا يصح وان قال: بعضه بنصف الثمن أو نحوه.

وينبغى أن محل البطلان ما لم يعين جزءا من الثمن.

فان ذكره كأن قال أشركتك فى شئ منه بنصف الثمن أو بربعه كان قرينة على ارادة ما يقابله من المبيع فيصح، ويكون فى الأولى شريكا بالنصف وفى الثانية بالربع.

قال فى العباب: ولو قال أشركتك فى نصفه بنصف الثمن كان مناصفة لمقابلة نصف الثمن، أو قال فى نصف الثمن ليكون بيننا لم يصح.

ولعله للتنافى بين ما اقتضاه قوله فى نصف الثمن من أنه جعل له ربع المبيع بربع الثمن، وبين قوله بيننا الذى يقتضى كونه مناصفة.

أو أن قوله أشركتك فى نصف الثمن انما يقتضى أن يكون الثمن الذى استحقه البائع مشتركا بين المشترى والشريك ليكون المبيع مشتركا بينهما والفساد على تقدير ارادة ذلك ظاهر.

قال صاحب نهاية المحتاج: فان قال أشركتك فى النصف فله الربع ما لم يقل بنصف الثمن فانه يكون له النصف.

قال الشبراملسى ولعل وجهه أن عدوله عن بعتك ربعه بنصف الثمن الى أشركتك قرينة على ذلك.

والمعنى حينئذ أشركتك فيه بجعل نصفه لك بنصف الثمن الى آخر ذلك.

ومع ذلك فيه شئ.

وبقى ما لو اشتراه بمائة ثم قال لآخر أشركتك فى نصفه بخمسين هل يكون له النصف أو الربع؟ فيه نظر والأقرب أن له الربع لأن عدوله عن قوله بنصف الثمن الى قوله بخمسين قرينة على أنه بيع مبتدأ، وكأنه قال بعتك ربعه بخمسين.

قال صاحب نهاية المحتاج. وشمل كلام الامام النووى ما لو باع غير الأب والجد - أو هما بالأولى - مال الطفل ثم قال المشترى للولى أشركتك فى هذا العقد فانه يكون جائزا.

فان أطلق الاشراك كأن يقول: أشركتك فيه صح العقد وكان المبيع مناصفة

ص: 327

بينهما، كما لو أقر بشئ لزيد وعمرو، لأن ذلك هو المتبادر من لفظ الاشراك.

نعم لو قال: بربع الثمن مثلا كان شريكا بالربع فيما يظهر أخذا مما تقرر فى قوله أشركتك فى نصفه بنصف الثمن، بجامع أن ذكر الثمن فى كل مبين للمراد من اللفظ قبله لاحتماله وان نزل لو لم يذكر هذا المخصص على خلافه.

وتوهم فرق بين ما لو قال أشركتك بربع الثمن مثلا وبين ما لو قال أشركتك فى نصفه بنصف الثمن بعيد.

أما لو قال أشركتك بالنصف بربع الثمن فهل يصح أم لا؟ فيه نظر.

والذى يظهر أنه يصح. ويكون شريكا بالربع والباء فيه بمعنى فى.

ونقل عن بعض أهل العصر خلاف ذلك.

قال الزركشى رحمه الله تعالى: ولو تعدد الشركاء فهل يستحق من أشركوه معهم نصف ما لهم أو مثل واحد منهم كما لو اشتريا شيئا ثم أشركا ثالثا فيه فهل يكون له نصفه أو يكون له ثلثه؟ لم يتعرضوا له، والأشبه الثانى.

قال الشبراملسى رحمه الله تعالى:

وينبغى أن مثل ذلك عكسه، كما لو اشترى شيئا ثم قال لاثنين. أشركتكما فيه فيكون المبيع أثلاثا.

وبقى ما لو اختلفت حصص الشركاء كأن كان لواحد النصف. والآخر الثلث.

والآخر السدس. ثم قال الثلاثة للرابع أشركناك معنا. فالظاهر أن يكون له النصف وللثلاثة النصف. وكأن كل واحد منهم باع هذا الرابع نصف ما بيده، لأنه لا يظهر هنا كونه كأحد الثلاثة لاختلاف أنصبائهم.

قال صاحب نهاية المحتاج: وقضية كلام النووى رحمه الله تعالى كغيره أنه لا يشترط ذكر العقد.

لكن قال الامام رحمه الله تعالى وغيره:

ولا بد فى الاشراك من ذكر البيع أو العقد بأن يقول أشركتك فى بيع هذا أو فى هذا العقد، ولا يكفى أن يقول أشركتك فى هذا ونقله صاحب الأنوار رحمه الله تعالى وأقره وعليه أشركتك فى هذا كناية.

وقيل لو أطلق الاشراك لم يصح للجهل بقدر المبيع وثمنه

(1)

.

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 4 ص 107، 108 فى كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على ابن على الشبراملسى على نهاية المحتاج وعلى هامشه حاشية أحمد بن عبد الرزاق بن محمد ابن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.

ص: 328

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى الشرح الكبير والمغنى

(1)

: أن الشركة بيع بعض المبيع بقسطه من الثمن ويصح بقوله شركتك فى نصفه أو ثلثه.

وذكر صاحب المغنى

(2)

أن ما يحتاج الى القبض لا تجوز الشركة فيه قبل قبضه لأن الشركة هى بيع فتدخل فى عموم النهى عن بيع الطعام قبل أن يستوفيه فان الشركة بيع بعض المبيع بقسطه من ثمنه على ما ذكر.

وتجوز الشركة فيما يجوز بيعه، لأنها نوع من أنواع البيوع، وانما اختصت باسم كما اختص بيع المرابحة والمواضعة بأسماء.

فاذا اشترى

(3)

رجل شيئا فقال له رجل آخر أشركنى فى نصفه بنصف الثمن، فقال له: أشركتك صح وصار شركا بينهما اذا كان الثمن معلوما لهما.

ولو قال أشركنى فيه أو قال الشركة فقال شركتك أو قال ولنى ما اشتريت ولم يذكر الثمن فقال: وليتك صح اذا كان الثمن معلوما، لأن الشركة تقتضى ابتياع جزء منه بقسطه من الثمن على ما ذكر.

والتولية ابتياعه بمثل الثمن فاذا ذكر اسمه انصرف اليه، كما اذا قال أقلنى فقال أقلتك.

وفى حديث عن زهرة بن معبد أنه كان يخرج به جده عبد الله بن هشام الى السوق فيشترى الطعام فيلقاه ابن عمر وابن الزبير رحمهما الله تعالى، فيقولان له أشركنا، فان النبى صلى الله عليه وسلم دعا لك بالبركة، فيشركهم فربما أصاب الراحلة كما هى فبعث بها الى المنزل ذكره البخارى.

ولو اشترى شيئا فقال له رجل أشركنى فشركه انصرف الى النصف، لأنها تتصرف الى التسوية باطلاقها.

فان اشترى اثنان عبدا فقال لهما رجل أشركانى فيه فقال شركناك احتمل أن يكون لهما النصف لأن اشراكهما لو كان من كل واحد منهما منفردا لكان له النصف، فكذلك حال الاجتماع.

ويحتمل أن يكون له الثلث، لأن الاشتراك يفيد التساوى، ولا يحصل التساوى الا بجعله بينهم أثلاثا.

وهذا أصح لأن اشراك الواحد انما اقتضى النصف لحصول التسوية به.

وان شركه كل واحد منهما منفردا كان له النصف، ولكل واحد منهما الربع.

(1)

الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين محمد أبى الفرج بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 4 ص 100، ص 101 وما بعدهما فى كتاب على المغنى لابن قدامه المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة النار بمصر سنة 1348 هـ.

(2)

المغنى تأليف الشيخ الامام العلامة موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 4 ص 223 وعليه الشرح الكبير لشمس الدين أبى الفرج أحمد بن قدامه المقدسى الطبعة الأولى.

(3)

المغنى لابن قدامه المقدسى والشرح الكبير عليه ج 4 ص 100، ص 101 فى كتاب الطبعة السابقة.

ص: 329

وان قال أشركانى فيه فشركه أحدهما فعلى الوجه الأول يكون له نصف حصة الذى شركه، وهو الربع.

وعلى الآخر له السدس، لأن طلب الشركة بينهما يقتضى طلب ثلث ما فى يد كل واحد منهما، ليكون مساويا لهما، فاذا أجابه أحدهما ثبت له الملك فيما طلب منه.

وان قال له أحدهما أشركناك انبنى على تصرف الفضولى، فان قلنا يقف على الاجازة فأجازه فهل يثبت له الملك فى نصفه أو ثلثه؟ على الوجهين.

ولو قال لأحدهما أشركنى فى نصف هذا العبد فان قلنا يقف على الاجازة من صاحبه فأجازه فله نصف العبد ولهما نصفه، والا فله نصف حصة الذى شركه.

فان اشترى عبدا فلقيه رجل، فقال: أشركنى فى هذا العبد، فقال:

قد شركتك فله نصفه.

فان لقيه آخر فقال أشركنى فى هذا العبد وكان عالما بشركة الأول فله ربع العبد وهو نصف الذى شركه، لأن طلبه للشركة رجع الى ما ملكه المشارك وهو النصف فكان بينهما.

وان لم يعلم بشركة الأول فهو طالب نصف العبد، لاعتقاده أن جميع العبد، لمن طلب منه المشاركة فاذا قال له شركتك احتمل ثلاثة أوجه.

أحدهما: أن يصير له نصف العبد ولا يبقى للذى شركه شئ، لأنه طلب منه

نصف العبد فأجابه اليه فصار كأنه قال بعنى نصف هذا العبد فقال بعتك وهذا قول القاضى رحمه الله تعالى.

والثانى: أن ينصرف قوله شركتك فيه الى نصف نصيبه ونصف نصيب شريكه فيمتد فى نصف نصيبه ويقف الزائد على اجازة صاحبه على احدى الروايتين، لأن لفظ الشركة يقتضى بعض نصيبه ومساواة المشترى له، فلو باع جميع نصيبه لم يكن له شركة لأنه لا يتحقق فيه ما طلب منه.

الثالث: لا يكون للثانى الا الربع بكل حال، لأن الشركة انما تثبت بقول البائع شركتك، لأن ذلك هو الايجاب الناقل للملك وهو عالم أنه ليس له الا نصف العبد، فينصرف ايجابه الى نصف ملكه.

وعلى هذين الوجهين لطالب الشركة الخيار، لأنه انما طلب النصف فلم يحصل له جميعه، الا أن نقول بوقوفه على الاجازة فى الوجه الثانى، فيخير الآخر.

ويحتمل أن لا تصح الشركة أصلا، لأنه طلب شراء النصف فأجيب فى الربع فصار بمنزلة ما لو قال بعنى نصف هذا العبد فقال بعتك ربعه.

ولو اشترى قفيزا من الطعام فقبض نصفه فقال له رجل بعنى نصف هذا

ص: 330

القفيز فباعه انصرف الى النصف المقبوض، لأن البيع ينصرف الى ما يجوز له بيعه وهو المقبوض.

وان قال أشركنى فى هذا القفيز بنصف الثمن ففعل، لم تصح الشركة الا فيما قبض منه فيكون النصف المقبوض بينهما لكل واحد منهما ربعه بربع الثمن، لأن الشركة تقتضى التسوية هكذا ذكر القاضى.

قال شيخنا رحمه الله تعالى والصحيح ان شاء الله تعالى أن الشركة تنصرف الى النصف كله فيكون بائعا لما يصح بيعه وما لا يصح فيصح فى نصف المقبوض فى أصح الوجهين، ولا يصح فيما لم يقبض.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر

(1)

الزخار: أن المشترى لو قال لغيره: اشتريت هذه السلعة بكذا وقد أشركتك فى نصفها فقبل المخاطب نجز ملك نصفها بنصف الثمن، فان لم يعين فى كم أشركه فوجهان.

قال البعض أصحهما يفسد للجهالة.

وقيل: يصح وتنصف اذ هو الظاهر.

قلت: الأول أقرب كالبيع.

فان حط عن الأول شئ بعد أن أشركه اشتركا فى الحطيطة كقبل الشركة، اذ القصد الشركة فى الثمن.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى اللمعة

(2)

الدمشقية: أن التشريك جائز. وهو أن يجعل للمشترى فى المبيع نصيبا بما يخص النصيب من الثمن بأن يقول شركتك - بالتضعيف ويجوز تعديته بالهمزة - بنصفه بنسبة ما اشتريت مع علمهما بقدره.

ولو قال أشركتك بالنصف كفى ولزم المشترى نصف مثل الثمن.

ولو قال أشركتك فى النصف - كان له الربع الا أن يقول بنصف الثمن فيتعين النصف.

ولو لم يبين الحصة كما لو قال فى شئ من المبيع، أو أطلق بطل للجهل بالمبيع

(1)

أنظر كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 3 ص 380 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ، سنة 1948 م الطبعة الأولى وانظر كتاب التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة للقاضى العلامة أحمد بن قاسم الحلبى اليمانى الصنعانى ج 2 ص 473 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ وانظر كتاب شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 163 وما بعدها الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

انظر منشورات جامعة النجف الدينية اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد محمد ابن جمال الدين مكى العاملى ج 3 ص 436، ص 437 مطبعة الآداب فى النجف الاشرف سنة 1387 هـ، سنة 1967 وانظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 119 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر. سنة 1378 هـ دار التقريب بين المذاهب الاسلامية بالقاهرة.

ص: 331

ويحتمل حمل الثانى - أى الاطلاق - على التنصيف.

والتشريك فى الحقيقية بيع الجزء المشاع برأس المال لكنه يتميز عن سائر أقسام البيوع بحصته بلفظه.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن المشاركة هى جعل مشتر أو مأموره أو وكيله فى التشريك قدرا معلوما بالتصريح، أو بالاطلاق لغيره قل أو كثر، ولو كان هو أكثر الشئ سواء جعله لغير بائعه، ولو لمسجد أو وقف أو جعله لبائعه.

ففى الديوان: يجوز للمشترى ان يشارك البائع وغيره من الناس باختياره لا بجبر أو تخويف.

وكذا يشترط اختيار المشارك، ولا يخفى ذلك ولا سيما أنها بيع - مما اشتراه لنفسه لتجر أو لكسب بمناب القدر أو الغير من ثمن ما اشتراه.

واختير أنها بيع وأن الداخل بالشركة يعطى ما ينوبه من الثمن فى الجزء المجعول هو شريكا به وأن الجزء له مع ما ينوبه من الربح.

ولا فرق بينها وبين القراض الا أنها تصح بغير العين وبالعين، وأنه لا عمل فيها على الداخل بها بخلاف القراض فانه بالعين والعمل فيه على الداخل بالقراض.

ويصححها مصحح البيع على القول بأنها بيع.

ويفسدها ما يفسد البيع.

فان هلكت بضاعة - وهى ما سوفر بها لتجر أو غير بضاعة مما شورك فيه قبل تسليم مشتر حصة الشريك الى الشريك بأن أبى من تسليمها أو هلكت قبل مقدار ما يقبضها بمعنى أنها تلفت عليه من ماله.

فان كان قد قبض ممن أشركه ثمن حصته فليرده له الا أن دعاه لقبضها فلم يقبضها فتلفت بعد مقدار ما يصل قبضها وقد عرفها أو قال له أتركها عندك أو خلى بينه وبين قبضها، فلم يقبضها، ورفعها المشترى على رسم الحرز فانها حينئذ تلفت عليهما معا على قدر سهميهما وكذا غير البضاعة مما شورك فيه وقيل تلف ذلك عليهما معا ولو خلى بينه وبين القبض فلم يقبض ما لم يقبضه أو يدعه للقبض فيأبى فعليهما أو يمنعه فعلى المشترى، وقد صح البيع ومجرد التخلية قبض.

وأما الأصل فله الخيار حتى يراه فان تلف قبل فقد تلف على مالكه.

والأصح أن البيع يصح بلا قبض، وأن القبض شرط فى انتقال الضمان.

ولا تصح الشركة قبل شراء لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع ما لم تقبض وبيع ما ليس عندك.

ص: 332

وان قال له واشترى أنا ما اشترى فأشركك فيه أو اشترى كذا فأشركك فيه فقبل فذلك وعد يجب الوفاء به، ولا يحكم بشركتهما حتى يشترى فيشركه.

ثم انه لا مانع من التشريك بثمن أو بلا ثمن فى نفس الشئ على أنه لا ربح فيه للداخل بل الربح كله للأول. أو على أنه كله للداخل أو على أن يعطى الثانى الثمن كله وحده.

وفى الديوان كل ما اشتراه للتجارة، فغيره عن حاله الأول، مثل القمح والشعير فطحنهما، والصوف والكتان فعملهما ثيابا، والتبر فصاغه حليا، وما أشبه ذلك، فالشركة فيه جائزة.

وان اشترى شيئا للتجارة فمات فأراد الورثة أن يشاركوا فيه أحدا فلا يجوز، لأنه صار ميراثا.

وكذلك كل ما اشتراه الرجل للتجارة فانتقل من ملكه بوجه من الوجوه غير البيع فأراد من انتقل اليه أن يشارك فيه أحدا فلا يجوز.

وان شارك رجل رجلا فمات فشركته ثابتة. وتصح قبل شراء فى مثل من أمر أحدا أن يشترى شيئا بينهما انصافا أو اثلاثا أو غير ذلك، أو قال اشترى أنا بينى وبينك فقال له: نعم فاشتراه بينهما كذلك، أو أمره أن يشترى بينهما ولم يذكر النصف ولا غيره فيحمل على النصف، وذلك اذا قامت قرينة على أنه اشترى بينهما سواء عين له ما يشترى أو ذكر له الجنس فقط أو لم يعين ويذكر الجنس مثل أن يقول أنا شريكك فيما تشترى هذا اليوم أو من هذا السوق أو من فلان أو نحو ذلك من المواقيت فاذا قال له نعم أو سكت وأقر حال الشراء انى اشتريت بينى وبين فلان.

وقيل ان افترقا وهو ساكت فالطالب بالخيار.

واذا انعم بذلك ثم اشترى فقال اشتريت لنفسى لم يقبل قوله على الصحيح.

وتصح بعد شراء بلا قبول على القول بأنها غير بيع وأنها فى الربح فقط وأنها هبة وأن الهبة تثبت بلا قبول ما لم ينكرها المعطى

(1)

.

وقيل تكون المشاركة فى مشترى لتجر، لا فى مشترى لكسب.

وقيل تكون المشاركة بلا شروط بيع على أنها مجرد هبة فتجوز على هذا القول ولو فى مجهول ولو قبل القبض ولا رد فيها بالعيب.

ومن اشترى ما لتجر أو لكسب - على ما مر من الخلاف فى اختصاص المشاركة فيما لتجر وفى جوازها فيما

(1)

أنظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 4 ص 570 وما بعدها الى ص 575 طبع محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ والمطبعة السلفية ومكتبها بمصر نفس السنة.

ص: 333

لتجر وفيما لكسب - فقيل له شاركنى فيه فقال شاركتك فلمن اشترى نصف الربح ان كانت المشاركة فى الربح فقط وهى تتصور بلا ثمن ونصف الشئ ونصف ربحه ان كانت فى الشئ وربحه وذلك يتصور بالثمن والنصف الآخر من ذلك لطالب الشركة.

ولو كان الطالب لها اثنين فيكون لكل واحد منهما نصف النصف وهو ربع.

أو كان الطالب ثلاثة فيكون لكل واحد منهم ثلث النصف وهو سدس.

أو كان الطالب أربعة فيكون لكل منهم ربع النصف.

وهكذا ما فوق ذلك فان النصف على كل حال للمشترى وهو صاحب الشئ والشئ الآخر لمن طلب الشركة على رءوسهم.

وقيل ان كان الطالب واحدا فله النصف.

وان كان اثنين فالشئ وربحه أو الربح بين صاحب الشئ والطالب الذى هو اثنان أثلاثا ثلث لصاحب الشئ وثلثان للذين طلبا.

فلو كان الطالب ثلاثة لكان بينهم أرباعا ربع لصاحبه وثلاثة أرباع للثلاثة.

وهكذا ما فوق فان المشترى ومن طلبوا الشركة يكون ذلك على رءوسهم، وهذا القول هو الصحيح عندى، لأن الأصل فى الشركة اذا أطلقت انصرافها الى التسوية، ولا تحمل على التفاوت الا بدليل.

ووجه القول الأول تصييره طالبى الشركة بمنزلة رجل واحد لطلبهم بمرة

وان صير اثنان واحدا شريكا فلهما النصف، لأنهما بمنزلة رجل وله النصف الآخر.

وكذا أن شارك ثلاثة أو أربعة فصاعدا واحدا فلهم النصف وله الآخر.

وقيل يقسمونه أثلاثا أن شارك اثنان واحدا.

وان شارك ثلاثة واحدا فأرباعا وهكذا.

واذا تعدد المشارك والمشارك تساوى عدد كل منهما أو تفاوت مثل أن يشارك انسان اثنين أو اثنان ثلاثة أو ثلاثة اثنين.

فقيل النصف للفريق المشارك على رءوسهم والنصف للفريق المشارك على رءوسهم.

وقيل هو بين الفريقين على رءوسهم ومن شارك آخر بعد الأول فله نصف ما بيده، والنصف هو الربع.

ص: 334

وان شارك بعد ذلك ثالثا كان له ربع ما بيده وهو الثمن.

وان شارك رابعا بعد ذلك فله نصف ربع ما بيده وهو ربع الثمن.

وهكذا اذا أدخل واحدا فله نصف ما بيده لا نصف الكل، لأنه انما يشارك فيما له خاصة.

وان أشرك اثنان واحدا فلكل منهما نصف ما بيده.

وان أشركا بعد ذلك فلكل منهما نصف ما بيده وكذلك.

وهكذا ما فوق الاثنين.

وان أشرك واحد واحدا ثم أشرك واحد واحدا ثم أشرك اثنين أو أكثر فله نصف ما بيده.

وقيل ما بيده على عدد من أشركهم وعدده على الرءوس.

وكذا ان شارك الداخل بالشركة رجلا آخر.

وكذا ان شارك الثالث رابعا وهكذا.

ولا يشارك الشخص الا فيما له خاصة، دون ما للذى أشركه من قبل ودون ما لغيره من يتيم أو مجنون أو غائب أو غيرهم ودون مجموع ما أشركه مع غيره، لأن المشاركة بمنزلة الهبة ولا سيما ان كانت فى الربح، فانها حينئذ نفس هبة ما سيوجد بمنزلة هبة ما وجد ولا يهب الانسان مال غيره ولا ماله ومال غيره الا هبة ثواب أو هبة يرجو فيها مصلحة فانه يجوز له ذلك فى مال من قام عليه كغائب ويتيم ومجنون ووقف.

وقيل لا تجوز شركة فى ربح وحده وأما فى الشئ ويتبعه الربح فجائزة وذلك تبع فيه صاحب النيل أبا ستة رحمهما الله تعالى: ونتاج مشترك - ان كان أمة أو دابة تلد - وغلته. ان كان أرضا أو نباتا أو شجرا - بعد الشركة من الربح، فللداخل بالشركة نصيب فى ذلك اما قبل الشركة فللمشترى وحده ولو كان ذلك موجودا ان كان منفصلا وكان بحيث لا يتبع المبيع فان التشريك بيع.

ومن قال يختص بالربح فانه قال بمنزلته البيع ومؤنته من أكل وشرب ولباس وسكنى وحرز وقيد ومداواة ومن كل ما يحتاج اليه بعد المشاركة.

وجنايته وزكاته على الأول الذى هو المشترى الذى أدخل رجلا آخر مثلا لا على الداخل بالشركة على أن الشركة فى الربح فقط.

ولا يدرك شيئا من ذلك حتى يباع فيخرج مقدار ذاك المذكور من الجناية والمؤنة والزكاة للأول من ربح ان كان الربح وأخرج ذلك المذكور من ماله.

ص: 335

وان لم يخرج ما لزمه من جناية أو زكاة حتى بيع بربح، فان شاء أخرجه من الربح، وان شاء أخرجه من ماله وأخذ مثله من الربح.

وان لم يكن ربح أخرج ذلك من ماله.

وان أخرجه قبل فذاك ولا رجوع له على أحد ويقسم الباقى من الربح بينه وبين من دخل بالشركة.

وجاز فعل الأول المشترى كله فى الشئ الذى شارك فيه غيره فى ربحه خاصة كهبة للثواب أو لغيره. وبيع بأنواعه واصداق واجارة ورهن واعطائه فى أرش أو دية وقضائه فى حق وتصدقه، وتدبير لموته أو لغير موته واعتاق بأى نوع ولو بكتابة، فان كان ربح ضمن حصة المشارك سواء تبين الربح فى ذاته، كما اذا أعتقه، أو دبره، أو رهنه، أو أصدقه، وقد تبين أن قيمته زادت على ما اشتراه به، أو تبين بفعله، كما اذا باعه بأكثر مما اشتراه به، أو رهنه فبيع بأكثر أو قضاه فى أكثر أو أعطاه فى اصداق بأكثر أو فى أرش أو دية بأكثر أو نحو ذلك.

وان باعه برخص فقلت الفائدة أو انتفت لم يدرك عليه ما نقص بالرخص ولو تعمده كذا يقال وأولى منه أن يدركه بل هنا قولان.

قيل له الربح قبل البيع.

وقيل: لا حتى يباع.

فعلى هذا القول الأخير أن باعه بلا ربح وقد وجد فيه فلا شئ للثانى.

أما فعل المشارك فلا يجوز فان فعل المشارك فيه ذلك قبل تحقق الربح لم يثبت فعله ولو كان اعتاقا لعدم تحقق ربح، فما لم يتحقق الربح فلا نصيب له فيه، فلا يصح فعله اجماعا اذا لم يكن الربح

(1)

.

‌ثالثا: الاشراك فى الوصية

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق

(2)

: أن من أوصى الى شخص فعجز الوصى عن التصرف ضم اليه غيره، لأن فى الضم رعاية الحقين، حق الوصى وحق الورثة، لأن تكميل النظر يحصل به، لأن النظر يتم باعانة غيره.

ولو شكا الوصى اليه ذلك فلا يجيبه حتى يعرف ذلك حقيقة، لأن الشاكى قد يكون كاذبا على نفسه.

ولو ظهر للقاضى عجزه استبدل به غيره رعاية للنظر من الجانبين.

(1)

انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 576 وما بعدها الى ص 581 الطبعة السابقة.

(2)

انظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين ج 8 ص 524 الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.

ص: 336

ولو كان قادرا على التصرف وهو أمين فيه ليس للقاضى أن يخرجه، لأنه مختار الميت ولو اختار غيره كان دونه فكان ابقاؤه أولى ألا ترى أنه قدم على أب الميت مع وفور شفقته فأولى أن يقدم على غيره.

وكذا اذا شكا الورثة أو بعضهم الوصى اليه لا ينبغى له أن يعز له حتى تبدو له منه خيانة، لأنه استفاد الولاية من الميت.

غير أنه اذا ظهرت الخيانة فاتت الأمانة والميت انما اختاره وليس من النظر ابقاؤه بعد فواتها، ولو كان حيا لأخرجه منها، فينوب القاضى منابه عند عجزه، ويقيم غيره مقامه، كأنه مات ولا وصى له.

واذا أوصى الى اثنين لم يكن لأحدهما أن يتصرف فى مال الميت.

فان تصرف فيه فهو باطل وهذا عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.

وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى:

ينفرد كل واحد منهما بالتصرف.

ثم قيل: الخلاف فيما اذا أوصى الى كل واحد منهما بعقد.

وأما اذا أوصى اليهما معا أو أوصى اليهما بعقد على حدة.

ومحل الخلاف اذا كان ذلك فى عقدين.

وأما اذا كان فى عقد واحد فلا ينفرد أحدهما بالاجماع كذا ذكره الكيسانى.

وقيل: الخلاف فى الفصلين جميعا ذكره أبو بكر الاسكاف.

وقال فى المبسوط وهو الأصح، ولا يخفى أن المراد من البطلان التوقف على اجازة الآخر أو رده بخلاف الوكيلين اذا وكلهما متفرقا حيث ينفرد كل واحد منهما بالتصرف بالاجماع.

والفرق ان ضم الثانى فى الايصاء دليل على عجز الأول عن المباشرة وحده، وهذا لأن ضم الايصاء الى الثانى يقصد به الاشتراك مع الأول، وهو يملك الرجوع عن الوصية للأول، فيملك اشتراك الثانى معه، وقد يوصى الانسان الى غيره على أنه يتمكن من اتمام مقصوده وحده، ثم يتبين له عجزه عن ذلك فيضم اليه غيره فصار بمنزلة الايصاء اليهما معا ولا كذلك الوكالة.

وبطلان تصرف أحد الوصيين على

(1)

الخلاف الذى مر انما يكون فى غير التجهيز وشراء الكفن، لأن فى التأخير فساد الميت ولهذا يملكه الجيران أيضا فى الحضر ويملكه الرفقة فى السفر.

(1)

المرجع السابق للشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم ج 8 ص 526 الطبعة السابقة.

ص: 337

وكذلك لا يبطل تصرف أحد الوصيين لحاجة الصغار والاتهاب لهم، لأنه يخاف هلاكهم من الجوع والعرى، وانفراد أحدهما بذلك خير، ولهذا يملكه كل من هو فى يده.

ومثل ذلك أيضا رد وديعة عين وقضاء دين، لأن ذلك ليس من باب الولاية، وانما هو من باب الاعانة، ألا ترى أن صاحب الحق يملكه اذا ظفر به، بخلاف اقتضاء دين الميت، لأنه رضى بأمانتهما جميعا فى القبض، ولأن فيه معنى المبادلة، وعند اختلاف الجنس حقيقة المبادلة ورد المغصوب ورد المبيع فى البيع الفاسد من هذا القبيل، وكذا حفظ المال فلذلك ينفرد به احدهما دون صاحبه.

وما استثناه القدورى فى مختصرة بقوله الا فى شراء الكفن للميت وتجهيزه، وطعام الصغار وكسوتهم، ورد وديعة بعينها، وقضاء دين، وتنفيذ وصية بعينها، وعتق عبد بعينه، والخصومة فى حقوق الميت، فهذه تسعة أشياء كما ترى قصر القدورى الاستثناء عليها فى مختصره.

واقتفى أثره صاحب الهداية وزاد فيها عنى ذلك أشياء بقوله: ورد المغصوب والمشترى شراء فاسدا وحفظ الأموال وقبول الهبة وبيع ما يخشى عليه التوى والتلف وجميع الأموال الضائعة، وهذه التى زادها فى الهداية على ما فى الكتاب ستة أشياء فيصير مجموع الأشياء المعدودة خمسة عشر.

ثم قال فى البحر: ولو مات أحد الوصيين جعل القاضى مكانه وصيا آخر.

أما عندهما فظاهر، لأن الباقى منهما عاجز عن الانفراد بالتصرف فيضم القاضى اليه وصيا ينظر الى الميت عند عجز الميت.

وأما عند أبى يوسف فلأن الحى منهما وان كان يقدر على التصرف فالموصى قدر أن يجعل وصيين يتصرفان، وذلك ممكن لتحقيق نصب وصى آخر مكان الأول.

وجاء فى الدر المختار: وحاشية ابن عابدين

(1)

عليه: أنه لو قال الموصى: ما لى بين زيد وعمرو وعمرو ميت فلزيد نصفه، لأن كلمة بين توجب التنصيف.

قال ابن عابدين الظاهر أن هذا اذا دخلت على مفردين كما هنا أما لو دخلت على ثلاثة كقوله بين زيد وعمرو وبكر فانها توجب القسمة على عددهم.

وعلى هذا فاذا قال بين زيد وسكت فانما تتصف، لأن أقل الشركة بين اثنين ولا نهاية لما فوقهما.

وأما اذا دخلت على جمعين ففى المعراج

(1)

الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 5 ص 445 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.

ص: 338

لو قال بين بنى زيد وبين بنى بكر وليس لأحدهما بنون فكل الثلث لبنى الآخر، لأنه جعل كل الثلث مشتركا بين بنى زيد

حتى لو اقتصر عليه كان الثلث بينهم فاذا لم تثبت المزاحمة كان كل الثلث بينهم

(1)

.

ولو أوصى بمائة لرجل وبمائة لآخر، وقال لآخر: أشركتك معهما فله ثلث كل مائة لتساوى نصيبهما، لأن الشركة للمساواة لغة ولهذا حمل قوله تعالى:

«فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ»

(2)

على المساواة فأمكنت المساواة فلكل ثلثا المائة.

ولو أوصى بأربعمائة مثلا لرجل وبمائتين لرجل آخر، وقال لآخر أشركتك معهما فله نصف ما لكل منهما لتفاوت نصيبهما فيساوى كلا منهما.

قال ابن عابدين ولا يمكن المساواة بين الكل فحملناه على مساواة الثالث مع كل واحد منهما بما سماه له، فيأخذ النصف من كل واحد من المالين.

ولو أوصى لزيد بأمة ولبكر بأمة أخرى ثم قال لآخر أشركتك معهما فان تفاوتا قيمة فله نصف كل اجماعا وكذا أن تساويا عنده وثلث كل عندهما بناء على قسمة الرقيق وعدمها.

وفى الدر

(3)

: ان أوصى بثلث ماله لرجل ثم قال لآخر أشركتك أو أدخلتك معه فالثلث بينهما لا مكان المساواة.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية

(4)

الدسوقى عليه: أنه أن أوصى شخص لاثنين بلفظ واحد كجعلتكما وصيين، أو بلفظين فى زمن واحد، أو زمنين من غير تقييد باجتماع أو غير ذلك بدون صاحبه ألا بتوكيل منه.

فلا يستقل أحدهما ببيع أو شراء أو نكاح، أو غير ذلك بدون صاحبه ألا بتوكيل منه.

أما أن قيد الموصى فى وصيته بلفظ أو قرينة باجتماع أو انفراد عمل به.

قال ابن عبد السّلام ولم يجعلوا وصيته للثانى ناسخة للأول.

وان مات أحدهما أو اختلفا فى أمر كبيع أو شراء أو تزويج أو غير ذلك،

(1)

الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار لابن عابدين ج 5 ص 446 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 12 من سورة النساء.

(3)

الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار وحاشية ابن عابدين عليه ج 5 ص 446، ص 447 الطبعة السابقة.

(4)

أنظر كتاب حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامة شمس الدين محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 4 ص 453، ص 454 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219 هـ.

ص: 339

فالحاكم ينظر فيما فيه الأصلح، هل يبقى الحى منهما أو يجعل معه غيره فى الأولى، أو يرد فعل أحدهما دون الآخر، أو يردهما معا فى الثانية.

ولا يجوز لأحدهما ايصاء فى حياته دون اذن صاحبه، وأما باذنه فيجوز.

ولا يجوز لهما قسم المال بينهما ليستقل كل بقسم منه يتصرف فيه على حدته، والا بأن اقتسماه ضمنا لما تلف منه ولو بسماوى للتفريط، فيضمن كل ما تلف منه، أو من صاحبه لرفع يده عما كان يجب وضعها عليه.

قال الدسوقى: وانما يضمن كل ما تلف منه، لا ستقلاله بالنظر فيه، مع أن الموصى أشركه مع غيره فى النظر فيه، فهو مقيد باستقلاله، ويضمن أيضا كل ما تلف من صاحبه، وذلك لتعديه برفع يده عما كان يجب وضعها عليه.

وما ذكره الشارح من ضمان كل ما تلف منه أو من صاحبه هو المعتمد.

وقيل: ان كل واحد يضمن ما هلك بيد صاحبه فقط، دون ما هلك بيده، ودرج عليه ابن الحاجب رحمه الله تعالى، والقولان لعبد الملك.

وكلام الدردير يحتمل لكل من القولين.

والحاصل أن القولين متفقان على أن كل واحد يضمن ما سلمه لصاحبه.

والخلاف انما هو فى ضمان كل منهما ما تلف بيده.

وفائدة ذلك أن كل واحد غريم بجميع المال أو بما قبضه صاحبه فقط.

وجاء فى التاج

(1)

والاكليل: نقلا عن المدونة: من أوصى الى وصيين فليس لأحدهما بيع، ولا شراء، ولا نكاح، ولا غيره دون صاحبه، الا أن يوكله.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى:

وسواء أوصى اليهما على سبيل المعية والشركة فى زمان، أو فى زمانين.

وقوله الا أن يوكله زاد فى الموازية الا مالا بد منه من الشئ التافه من الطعام، ومالا بد منه مما يضر بهم تأخيره فهو خفيف اذا غاب الآخر وأبطأ.

وقال ابن سلمون رحمه الله تعالى:

اذا كان هناك مشرف فما فعله الوصى بغير علم المشرف مضى ان كان سدادا، فان أراد المشرف أن يرد السداد لم يكن له

(1)

انظر كتاب مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 6 ص 396 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.

ص: 340

ذلك، والمال لا يكون الا عند الوصى لا عند المشرف.

وقال ابن رشد رحمه الله تعالى: فليس نكاح أحد الوصيين بمنزلة انكاح الوصى دون اذن المشرف والمشرف ليس بوصى، ولا ولى، ولا له من ولاية العقد شئ، انما له المشاورة التى جعلت له خاصة.

وقال ابن شاس رحمه الله تعالى: ان مات احدهما استقل الآخر.

قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى هذا بعيد فى الفقه.

قال ابن عرفة فى الموازية لابن القاسم أنه لو مات أحدهما ولم يوص، فان كان الباقى بين العدالة والكفاءة لم يجعل القاضى معه غيره.

وروى محمد اذا عزل أحد الوصيين بجناية لم يجعل مع الآخر غيره.

وروى على أنه يجعل معه غيره، ومال اليه سحنون.

وروى عن المدونة ان اختلف نظر السلطان.

وقال اللخمى أن رد السلطان ما فعله أحدهما صوابا اثبته وان كره الآخر.

ورشح البرزلى فى نوازله أن فعل فعلا لو رفع للحاكم لم يفعل غيره فانه يكون كأن الحاكم فعله وليس لأحدهما أيصاء.

قال عيسى للوصى أن يوكل فى حياته وعند موته قاله مالك وجميع أصحابه.

قال ابن رشد لا خلاف بينهم فيه انما الخلاف فى الوصيين المشترك بينهما فى الايصاء، هل لأحدهما أن يوصى بما اليه من الوصية أم لا؟ على ثلاثة أقوال.

الأول أن ذلك له ولو الى من ليس معه فى الوصية، أتت الرواية بهذا عن مالك، وهو ظاهر قوله فى المدونة، وهو ظاهر قول عيسى.

الثانى: ليس له ذلك وهو الى من معه فى الوصية وهو ظاهر قول سحنون.

الثالث: أنه ليس له ذلك لا الى شريكه فى الايصاء، وهو الذى تأوله الشيوخ على سحنون فى قوله فى المدونة.

وقال

(1)

ابن عات ان قسم الوصيان المال فباع أحدهما دون اذن صاحبه لم يجز بيعه ويرده الآخر ويضمنه أن فات الا أن يكون شرط الموصى أن من عاقه عائق فالباقى منهما منفرد بالوصية، ففعل أحدهما جائز وقت مغيب الآخر أو شغله من غير وكالة ولا ضمان عليه فيما فعل حينئذ.

قال الحطاب هذا على مذهب ابن الماجشون لسحنون.

(1)

المرجع السابق من كتاب مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب ج 6 ص 396 الطبعة السابقة.

ص: 341

ومن أوصى

(1)

بشئ لانسان ثم أوصى به لآخر فانهما يشتركان فيه، وكذلك لو أوصى لواحد بثلثه، ثم أوصى لآخر اشتركا فيه، وكذلك لو أوصى لواحد بالثلث، ثم لآخر بالنصف أو بالجميع لاشتركا فى الثلث على نسبة الأجزاء.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية

(2)

المحتاج: أنه لو وصى اثنين وشرط عليهما الاجتماع أو اطلق بأن قال أوصيت اليكما أو الى فلان، ثم قال ولو بعد مدة أوصيت الى فلان.

وظاهر كلامهم هنا عدم الفرق بين علمه بالأول وعدمه وعليه فيفرق بين هذا ونظيره السابق قبل الفصل بأن الاجتماع هنا ممكن مقصود للموصى، لأن فيه مصلحة له، وثم اجتماع الملكين على الموصى به وهو متعذر والتشريك خلاف مدلول اللفظ فتعين النظر للقرينة، وهى وجود علمه وعدمه.

ولو قال أوصيت اليه فيما أوصيت فيه لزيد، كان رجوعا لم ينفرد أحدهما فيما اذا قبلا بالتصرف، عملا بالشرط فى الأول، واحتياطا فى الثانى، فلابد من اجتماعهما فيه، بأن يصدر عن رأيهما، أو يأذنا لثالث فيه.

ومحل ذلك فيما يتعلق بالطفل وماله وتفرقة وصية غير معينة وقضاء دين ليس فى التركة جنسه، بخلاف رد وديعة وعارية ومغصوب وقضاء دين فى التركة جنسه، فلكل الانفراد به، لأن لصاحبه الاستقلال بأخذه، وقضية الاعتداد به. ووقوعه موقعه اباحة الاقدام عليه وهو الأوجه وان بحثا خلافه.

ولو اختلف وصيا التصرف المستقلان فيه نفذ تصرف السابق، أو غير المستقلين فيه الزما العمل بحسب المصلحة التى رآها الحاكم، فان امتنع أو احدهما أو خرجا أو احدهما عن أهليه التصرف أناب عنهما، أمينين أو أمينا، أو فى التصرف أو فى الحفظ والمال مما لا ينقسم استقلا أولا تولاه الحاكم فان انقسم قسمه بينهما.

ولكل التصرف بحسب الاذن، فان تنازعا فى عين النصف المحفوظ أقرع بينهما، فان نص على اجتماعهما فى الحفظ لم ينفرد أحدهما بحال الا أن صرح به أى الانفراد فيجوز حينئذ كالوكالة.

وكذا لو قال الى كل منكما أو كل منكما وصيى فى كذا، أو أنتما وصياى فى كذا.

ويفرق بين هذا وأوصيت اليكما، بأنه

(1)

كتاب مواهب الجليل شرح مختصر ابى الضياء سيدى خليل للحطاب ج 6 ص 372 الطبعة السابقة

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن ابى الباس تارملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبرامسلى عليه وبهامشه المغربى ج 6 ص 107 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 342

هنا أثبت لكل وصف الوصايا، فدل على الاستقلال بخلافه.

ثم لو جعل عليه أو عليهما مشرفا أو ناظرا لم يثبت له تصرف، وانما يتوقف على مراجعته كما فى البحر قال الأذرعى الا فى نحو شراء يقل مما لا يحتاج لنظر.

وجاء فى موضع

(1)

آخر: أنه يدخل فى وصية الفقراء المساكين وعكسه.

والمراد بهما هنا ما يأتى فى قسم الصدقات فيتعين المسلمون، فما وصى به لأحدهما يجوز دفعه الى الآخر، لأنهما اذا افترقا اجتمعا، واذا اجتمعا افترقا.

ويجوز النقل هنا الى غير فقراء بلد المال، لأن الاطماع اليها لا تمتد كامتدادها فى الزكاة والوصية لليتامى، أو الأرامل، أو الأيامى، أو العميان، أو الحجاج، أو الزمنى، أو أهل السجون، أو الغارمين، أو لتكفين الموتى، أو حفر قبورهم تقتضى اشتراط فقرهم، وان استبعده الأذرعى فى الحجاج.

ووجه اعتباره فيهم أن الحج يستلزم السفر بل طوله غالبا وهو يستلزم الحاجة غالبا، فكان مشعرا بالفقر، فلذا اختص بفقرائهم، واليتيم صغير لا أب له، والأيم لا يشترط فيها تقدم زوج، ويشتركان فى اشتراط الخلو عن الزوج حالا.

ولو أوصى للأرامل أو الأبكار أو الثيب لم يدخل فيهن الرجال وأن لم يكن له زوجات أو للعزاب صرف لرجل لا زوجة له.

ولا تدخل المرأة الخلية فى أوجه الرأيين.

ولو جمعهما أى النوعين فى وصية شرك الموصى به بينهما أى شركه الوصى ان كان، والا فالحاكم نصفين، فيحمل نصف الموصى به للفقراء، ونصفه للمساكين كما فى الزكاة، ولا يقسم ذلك على عدد رءوسهم، ولا يجب استيعابهم بل يستحب عند الامكان.

بخلاف ما لو أوصى لبنى زيد وبنى عمرو حيث يقسم على عددهم ولا ينصف.

وأقل كل صنف من الفقراء والمساكين مثلا حيث لم يقيدوا بمحل أو قيدوا به وهم غير محصورين ثلاثة لأنها أقل الجمع.

ثم قال

(2)

: أنه يفرق بين الوصية للوراث وغيره بأنه لو أوصى بشى لزيد ثم به

(1)

نهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج لشمس الدين محمد أبى العباس أحمد بن حمزة أبن شهاب الدين الرملى للنوفى المصرى الأنصارى الشهير بالشافعى الصغير على حاشية أبى الضباء نور الدين على بن على الشبراملسى القاهرى المتوفى سنة 1087 هـ وبالهامش حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى المتوفى سنة 1096 هـ ج 6 ص 78 وما بعدها طبع مطبعة شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج وحاشية الشبراملسى ج 6 ص 94 الطبعة السابقة.

ص: 343

لعمرو، ومثله ما لو أوصى بحامل لزيد، وبحملها لعمرو أو عكس، وقلنا، بأن الوصية تستتبع الحمل، فانه يشرك بينهما، لاحتمال نسيانه للأولى، بأن الثانى هنا لما ساوى الأول فى كونه موصى له، وطارئا استحقاقه، لم يكن ضمه اليه صريحا فى رفعه فأثر فيه احتمال النسيان، وشركنا لعدم المرجح، بخلاف الوارث، فانه مغاير له، واستحقاقه أصلى، فكان ضمه اليه رافعا لقوته.

ولو أوصى بشئ

(1)

لزيد، ثم لعمرو وشرك بينهما لأن الجملة اثنان ونسبة كل اليها النصف، فهو على طبق ما يأتى عن الشيخين، وان وهم فيه بعضهم زاعما أن محل التشريك هنا هو محل الرجوع، نظير ما يأتى عن الاسنوى، فاذا رد أحدهما أخذ الآخر الجميع.

بخلاف ما لو أوصى به لهما ابتداء فرد أحدهما يكون النصف للوارث دون الآخر، لأنه لم يوجب له سوى النصف نصا.

ولو أوصى بها لواحد، ثم بنصفها لآخر كانت أثلاثا ثلثاها للأول، وثلثها للثانى.

وما ادعاه الاسنوى من أن هذا غلط، وأن الصواب أنها أرباع بناء على أن محل التشريك هو محل الرجوع هو الغلط، لأن المرعى عندهم فى ذلك طريقة العول، بأن يقول معنا مال ونصف مال، فيضم النصف الى الكل، فتكون الجملة عندهم ثلاثة، تقسم على النسبة، فيكون لصاحب المال ثلثاه، ولصاحب النصف الثلث، وقد ذكرها الشيخان فى القسم الثانى فى حساب الوصايا.

ويستأنس لهذا من القرآن الكريم، بأن الله تبارك وتعالى جعل للابن اذا انفرد جميع المال، وللبنت اذا انفردت النصف، فاذا اجتمعا أخذ الابن قدرها مرتين، فكذلك قلنا، يعطى الموصى له بالجميع الثلثين، والموصى له بالنصف الثلث.

هذا هو الصواب.

والذى فى المهمات سهو.

وقد يجمع بينهما بأن كلام الاسنوى عند احتمال ارادة الموصى التشريك بينهما، وكلام الشيخين عند انتفائه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(2)

أنه اذا أوصى شخص الى واحد وأوصى بعده الى آخر فهما وصيان، ولم يكن ذلك عزلا

(1)

المرجع السابق لشمس الدين محمد أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 6 ص 97 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصورين أدريس الحنبلى وبهامشه شرح منته الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 ص 534، ص 535، ص 536 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

ص: 344

للأول، لأن اللفظ لا يدل عليه مطابقة ولا تضمنا، ولا يستلزمه، فان الجمع ممكن كما لو أوصى اليهما جميعا فى حالة واحدة الا أن يقول قد أخرجت الأول فان قاله أو نحوه مما يدل عليه انعزل، لحصول مقصود العزل ممن يملكه.

وليس لأحد الوصيين الانفراد بالتصرف، لأن الموصى لم يرض الا بتصرفهما، وانفراد أحدهما يخالف ذلك، الا أن يجعل الموصى التصرف لكل منهما، فلكل منهما الانفراد حينئذ، لرضا الموصى بذلك، أو يجعل التصرف لأحدهما، واليد للآخر، فيصح تصرفه منفردا، عملا بالوصية، واذا أرادا التصرف، فالظاهر أن المراد باجتماعهما ليس معناه تلفظهما بصيغ العقد، معا بل صدور التصرف عن رأيهما واجتهادهما.

ثم لا فرق بين أن يباشر أحدهما التصرف وحده، أو يباشره الغير باذنهما.

ولا يشترط أن يوكل أحدهما الآخر.

وان اختلفا فى شئ وقف الأمر حتى يتفقا

وان مات أحدهما، أو جن، أو غاب، أو وجد منه ما يوجب عزله كسفه وعزله نفسه، ولم يكن الموصى جعل لكل منهما الانفراد بالتصرف، أقام الحاكم مقام الميت أو المجنون ونحوه أمينا، ليتصرف مع الآخر.

وأن أراد الحاكم أن يكتفى بالباقى منهما لم يجز له الاكتفاء به، لأن الموصى لم يكتف بأحدهما، فلا يقتصر عليه، اذ الوصية تقطع نظر الحاكم واجتهاده.

فان جعل الموصى لكل منهما الانفراد بالتصرف، أو جعل التصرف لأحدهما صح تصرفه منفردا.

فان مات أحدهما، والحالة هذه لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه، أو خرج أحدهما عن أهلية التصرف، والحالة هذه لم يكن للحاكم أن يقيم مقامه، واكتفى بالباقى منهما، لرضا الموصى به الا أن يعجز الباقى عن التصرف وحده، فيضم الحاكم اليه أمينا يعاونه.

ولو حدث لأحدهما عجز، لضعف، أو كثرة عمل ونحوه، ولم يكن لكل واحد منهما التصرف منفردا، ضم الحاكم أمينا لمن عجز يعاونه، والوصى هو الأول.

واذا اختلف الوصيان وليسا مستقلين عند من يجعل المال منهما، بأن طلب كل أن يكون المال تحت يده، أو يد الآخر لم يجعل المال عند واحد منهما، لعدم رضا الموصى بذلك، ولم يقسم المال بينهما، لأن من لوازم الشركة فى التصرف الشركة فى الحفظ، لأنه مما وصى به، فلا يستقل ببعض الحفظ، كما لا يستقل ببعض التصرف، وجعل المال فى مكان تحت أيديهما لكل واحد منهما عليه نحو قفل، فان تعذر ذلك ختما عليه ودفع الى أمين القاضى، وان كانا مستقلين احتمل ذلك، واحتمل القسمة، ذكره الحارثى.

ص: 345

وان نصب الموصى وصيا ونصب الموصى عليه ناظرا يرجع الوصى الى رأيه، ولا يتصرف الوصى الا باذنه جاز.

قلت: فان خالف لم ينفذ تصرفه، لأن الموصى لم يرض برأيه وحده.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم

(1)

فى المحلى: لا تجوز الوصية لميت، لأن الميت لا يملك شيئا.

فمن أوصى لحى ثم مات بطلت الوصية له.

فان أوصى لحى ولميت جاز، نصفها للحى وبطل نصف الميت.

وكذلك لو أوصى لحيين ثم مات أحدهما جاز للحى فى النصف، وبطلت حصة الميت، وهو قول على بن أبى طالب كرم الله وجهه وغيره.

‌مذهب الزيدية:

قال صاحب

(2)

التاج المذهب: اعلم أن المشارف مع الوصى لو قال الموصى وفلان مشارف معك أو عليك وكذا الرقيب والمهيمن والمشروط علمه ورأيه واستشارته وصى مع ذلك الوصى المأمور بالتصرف فهما معا وصيان كما لو قال أوصيت اليكما معا لا المشروط حضوره، أو شهادته، أو اطلاعه، فانه لا يكون وصيا، لأن هذا اللفظ لا يفيد الا الشهادة لا غيره، وأما حضوره فلابد منه.

فان امتنع أو مات بطلت الوصية.

واذا أسند وصايته الى شخصين أو وصى ومشارف، أو رقيب كان لكل منهما أن ينفرد بالتصرف فيما يتعلق بتركة الميت مما تناوله أمره من قبض أو اقباض، اذ هو وصى مستقل.

ولو تصرف فى حضرة الآخر جاز ومع غيبته أولى.

الا أن يشرط الموصى الاجتماع فى تصرفهما عنه فلا يصح تصرف المنفرد منهما، لمخالفته ما أمر به، فان فعل بقى موقوفا على اجازة الآخر، اذ لا بد أن يكونا مجتمعين على التصرف، أو فى حكم المجتمعين، بأن يوكل أحدهما فى انفاذ ذلك التصرف.

فان غاب أحدهما أو تمرد أو تعذرت مواصلته تأخر تصرف الآخر حتى يمكن اجتماعهما.

(1)

المحلى للأمام محمد بن على بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 9 ص 322 مسألة رقم 1755 طبع مطبعة ادارة 1 طباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الأولى لمحمد بن عبده أغا الدمشقى.

(2)

أنظر كتاب التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 388، ص 389 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.

ص: 346

وأما لو مات أحدهما بطلت ولاية الآخر الا أن يوصى اليه الميت أو الى غيره، لأنه يقوم مقامه.

وقال فى البحر، أما فى رد الوديعة والمغصوب فلا يجب الاجتماع ولو شرط الموصى، لأنه لا يحتاج الى ولاية.

وهكذا لو قال سلما هذه الدراهم الى زيد عن زكاتى لم يشترط الاجتماع وصح من أحدهما.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة

(1)

البهية: أنه تصح الوصية الى الصبى منضما الى كامل، لكن لا يتصرف الصبى حتى يكمل فينفرد الكامل قبله، ثم يشتركان فيها مجتمعين.

نعم لو شرط عدم تصرف الكامل الى أن يبلغ الصبى اتبع شرطه.

وحيث يجوز تصرف الكامل قبل بلوغه لا يختص بالضرورى، بل له كمال التصرف وانما يقع الاشتراك فى المتخلف.

ولا اعتراض للصبى بعد بلوغه فى نقض ما وقع من فعل الكامل موافقا للمشروع، والى المرأة والخنثى عندنا مع اجتماع الشرائط لانتفاء المانع.

وقياس الوصية على القضاء واضح الفساد، لأن القضاء ولاية عامة ولا ولاية لها والوصايا ولاية خاصة.

ويصح تعدد الوصى فيجتمعان لو كانا اثنين فى التصرف بمعنى صدوره عن رأيهما ونظرهما وان باشر أحدهما، الا أن يشترط لهما الانفراد فيجوز حينئذ لكل واحد منمها التصرف بمقتضى نظره.

فان تعاسرا فأراد أحدهما نوعا من التصرف ومنعه الآخر صح تصرفهما فيما لا بد منه، كمؤنة اليتيم، والدابة، واصلاح العقار ووقف غيره على اتفاقهما

وللحاكم الشرعى اجبارهما على الاجتماع من غير أن يستبدل بهما مع الامكان، اذ لا ولاية له فيما فيه وصى.

فان تعذر عليه جمعهما استبدل بهما تنزيلا لهما بالتعذر منزلة المعدوم، لاشتراكهما فى الغاية، كذا أطلق الأصحاب.

وهو يتم مع عدم اشتراط عدالة الوصى أما معه فلا، لأنهما بتعاسرهما يفسقان لوجوب المبادرة الى أخراج الوصية مع الامكان، فيخرجان بالفسق عن الوصاية، ويستبدل بهما الحاكم، فلا يتصور اجبارهما على هذا التقدير.

(1)

انظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 60 وما بعدها طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.

ص: 347

وكذا لو لم نشترطها وكانا عدلين لبطلانها بالفسق حينئذ على المشهور.

نعم لو لم نشترطها، ولا كانا عدلين أمكن اجبارهما مع التشاح، وليس لهما قسمة المال، لأنه خلاف مقتضى الوصية من الاجتماع فى التصرف.

ولو شرط لهما الانفراد ففى جواز الاجتماع نظر، من أنه خلاف الشرط فلا يصح، ومن أن الاتفاق على الاجتماع يقتضى صدوره عن رأى كل واحد منهما وشرط الانفراد اقتضى الرضا برأى كل واحد وهو حاصل ان لم يكن هنا آكد.

والظاهر أن شرط الانفراد رخصة لهما لا تضييق.

نعم لو حصل لهما فى حال الاجتماع نظر مخالف له حال الانفراد توجه المنع، لجواز كون المصيب هو حالة الانفراد، ولم يرض الموصى الا به.

ولو نهاهما عن الاجتماع اتبع قطعا عملا بمقتضى الشرط الدال صريحا على أن النهى عن الاجتماع فيتبع.

ولو جوز لهما الأمرين، الاجتماع والانفراد أمضى ما جوزه، وتصرف كل منهما كيف شاء من الاجتماع والانفراد.

فلو اقتسما المال فى هذه الحالة جاز بالتنصيف والتفاوت حيث لا يحصل بالقسمة ضرر، لأن مرجع القسمة حينئذ الى تصرف كل منهما فى البعض وهو جائز بدونها.

ثم بعد القسمة لكل منهما التصرف فى قسمة الآخر وان كانت فى يد صاحبه، لأنه وصى فى المجموع فلا تزيل القسمة ولايته فيه.

ولو ظهر من الوصى المتحد أو المتعدد على وجه يفيد الاجتماع عجز ضم الحاكم اليه معينا، لأنه بعجزه خرج عن الاستقلال المانع من ولاية الحاكم وبقدرته على المباشرة فى الجملة لم يخرج عن الوصاية، بحيث يستقل الحاكم فيجمع بينهما بالضم.

ومثله ما لو مات أحد الوصيين على الاجتماع.

أما المأذون لهما فى الانفراد فليس للحاكم الضم الى أحدهما بعجز الآخر لبقاء وصى كامل.

وبقى قسم آخر وهو ما لو شرط لأحدهما الاجتماع وسوغ للآخر الانفراد فيجب اتباع شرطه فيتصرف المستقل بالاستقلال، والآخر مع الاجتماع خاصة.

وقريب منه ما لو شرط لهما الاجتماع موجودين وانفراد الباقى بعد موت الآخر، أو عجزه فيتبع شرطه.

وكذا يصح شرط مشرف على أحدهما بحيث

ص: 348

لا يكون للمشرف شئ من التصرفات وانما يصدر عن رأيه، فليس للوصى التصرف بدون اذنه مع الامكان، فان تعذر ولو بامتناعه ضم الحاكم الى الوصى معينا كالمشروط له الاجتماع على الأقوى، لأنه فى معناه حيث لم يرض برأيه منفردا.

وكذا يجوز اشتراط تصرف أحدهما فى نوع خاص، والآخر فى الجميع منفردين ومجتمعين على ما اشتركا فيه.

ولو خان الوصى المتحد، أو أحد المجتمعين أو فسق بغير الخيانة عزله الحاكم، بل الأجود انعزاله بذلك من غير توقف على عزل الحاكم، لخروجه عن شرط الوصاية، وأقام الحاكم مكانه وصيا مستقلا ان كان المعزول واحدا، أو منضما الى الباقى ان كان أكثر.

وجاء فى موضع

(1)

آخر: أنه لو قال أعطوا زيدا والفقراء فلزيد النصف، لأن الوصية لفريقين فلا ينظر الى أحدهما كما لو أوصى لشخصين أو قبيلتين.

وقيل الربع، لأن أقل الفقراء ثلاثة من حيث الجمع وان كان جمع كثرة لما تقدم من دلالة العرف واللغة على اتحاد الجمعين.

فاذا أشرك بين زيد وبينهم بالعطف كان كأحدهم.

ويضعف بأن التشريك بين زيد والفقراء لا بينه وبين آحادهم، فيكون زيد فريقا والفقراء فريقا آخر.

وفى المسألة وجه ثالث وهو أن يكون زيد كواحد منهم، لأنهم وان كانوا جمعا يصدق بالثلاثة لكنه يقع على ما زاد، ولا يتعين الدفع الى ثلاثة بل يجوز الى ما زاد أو يتعين حيث يوجد فى البلد.

ومقتضى التشريك أن يكون كواحد منهم وهو أمتن من السابق وان كان الأصح الأول.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح

(2)

النيل: أنه جاء فى الأثر من أوصى الى وصيين أو أكثر، ولم يجعل لأحدهم ما لجملتهم فليس له أن ينفذ الا برأيهم أو حضرتهم وقيل لكل أن ينفذ الثلث أن كانوا ثلاثة وهكذا وان جعل لكل مالهم كان له.

ويجوز أمر الواحد فى ذلك وان لم يقل الا أنهم أوصياؤه كان التصرف عن الكل.

وان جعل لهم التصديق فيما أوصى به فمات أحدهم بطل.

وان اختلف الوصيان كان نصف المال عند كل.

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 57 وما بعدها طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 434، 435 وما بعدها طبع مطبعة صاحب الامتياز يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

ص: 349

وقيل بأتمنان عليه غيرهما لا أحدهما الا أن تراضيا.

وفى اجازة أيصاء الوصى فيما أوصى اليه فيه قولان.

وأن أوصى أحدهما الآخر فمجيز أيصاء الوصى يقول: ان الباقى منهما وصى فى الكل.

ومانعه بأمر الحاكم أن يقيم معه وكيلا.

ومن أوصى الى رجلين فمات أحدهما أقام مكانه آخر، ولا يجوز تصرف أحدهما وحده، الا فيما لا بد منه أن لو غاب أحدهما.

وقيل: لا الا باذن الآخر أو الحاكم، وذلك كاحتياج الايتام الى مأكل أو ملبس أو نحوهما.

ومن قال فلان وصى الى أن يقدم فلان فالوصية اليه كان كما أوصى.

ومن جعل وصيين ولكل منهما فى وصيته ما جعله لهما، وحيهما عن ميتهما، وشاهدهما عن غائبهما بلفظ ثابت ثبت عليه.

وان لم يجعل لهما ذلك فلا حجة لهما الا بمحضرهما.

وقيل: لكل حجة فى انفاذ النصف.

والأول أصح.

وأن قام به أحدهما بأمر الآخر جاز اجماعا.

وان مات أحدهما فللحى أن يقوم بالكل ولو لم يجعل لهما.

وقيل لا الا أن اقام له الحاكم أو الجماعة وكيلا معه.

وقيل: له انفاذ النصف فيما يتجزأ.

والأول أحوط.

والأوسط أصح.

والأخير جائز.

وان قال لأوصيائه أجزت لكم ما للأوصياء، أو أجزت لكم ما جاز لى أن أجيزه لكم لم يجز لأحدهم انفاذها الا عن رأيهم.

وأن قال أجزت لكل منكم ما لجميعكم من الانفاذ جاز لكل.

ومن أوصى لرجلين ولم يتفقا، لم يجز لأحدهما انفاذ النصف وترك الأخر لاشتراكهما فيه، الا أن جعل لكل مالهما فينفذ كل ما قدر عليه.

وان شهدا أنه أوصى الى ثالث معهما ردت شهادتهما على الثالث ويدخله الحاكم معهما.

وجاء فى موضع آخر

(1)

: وعلى الأوصياء

(1)

المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 432 الطبعة السابقة.

ص: 350

تنفيذ وصية الميت، والا يفعلوا ما نهاهم عنه فان فعلوا ما نهاهم عنه ضمنوا، وان فعله بعضهم ضمن.

وان غاب أحد الوصيين ولو بعد موت الموصى، أو جن، أو حل به مانع من الانفاذ أرتقبه رفيقه، سواء كان المال بيده أم لا حتى يزول المانع، وهو القدوم من الغيبة، أو الافاقة من الجنون، ونحو ذلك.

وقيل ينفذ نصفه.

وقيل الكل ولا يرتقبه.

وأن جحد أحدهما

(1)

صاحبه أن يكون خليفة معه ولا بيان للجحود أنفذ المجحود النصف فيما أمكنت قسمته كالكفارة والزكاة، لا فيما لم تمكن قسمته كالحج والعتق حتى يتفقا، فانه لا ينفذ الجزء، فلو أنفذ الكل جاز، وذلك لأنه عالم بأنه خليفة مع جاحده فساغ له انفاذ نصيبه.

وأن كانوا ثلاثة فصاعدا أنفذ المجحود نصيبه، ولا ضمان على المحجود وان تلف المال، لأنه معذور اذا كان مجحودا ولا بينة له الا أن ضيعها فعليه الضمان كجاحده، ولزم الضمان صاحبه وهو الجاحد.

وجوز للمجحود انفاذ الكل أن وصل اليه، لأن له انفاذ النصف ولم يصل اليه لجحود غيره له ولو ما لا يقبل القسمة كالحج والعتق وانما يمنع من تجزئته فقط على هذا القول، لا من انفاذه كله.

وان تاب الجاحد لزمه الانفاذ أى نفاذ نصيبه من ماله.

بل قد يقال أنه ينفذ الكل اذا عطل حتى أنفذ الآخر.

وبرئ ان أجاز لصاحبه بعد التوبة فعله ولم يغرمه وان غرمه لما أنفذ من التركة أو لم يضمن له ما أنفذه من ماله لم يبرأ فلينفذ.

‌رابعا - الاشراك فى الوكالة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع

(2)

: اذا وكل الموكل وكيلين فهل ينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلا به؟

أما الوكيلان بالبيع فلا يملك أحدهما التصرف بدون صاحبه، ولو فعل لم يجز حتى يخبر صاحبه، أو الموكل، لأن البيع

(1)

انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 433 طبع مطبعة يوسف البارونى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1343.

(2)

انظر كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 32 وما بعدها الطبعة الأولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر.

ص: 351

مما يحتاج فيه الى الرأى، والموكل انما رضى برأيهما، لا برأى أحدهما، واجتماعهما على ذلك ممكن، فلم يمتثل أمر الموكل فلا ينفذ عليه.

وكذا الوكيلان بالشراء سواء كان الثمن مسمى أو لم يكن، وسواء كان الوكيل الآخر غائبا أو حاضرا الا أن فى الشراء اذا اشترى أحدهما بدون صاحبه ينفذ على المشترى، ولا يقف على الاجازة.

وفى البيع يقف على الاجازة.

وكذلك الوكيلان بالنكاح، والطلاق على مال، والعتق على مال، والخلع، والكتابة، وكل عقد فيه بدل هو مال، لأن كل ذلك مما يحتاج الى الرأى، ولم يرض برأى أحدهما بانفراده.

وكذا ما خرج مخرج التمليك بأن قال الرجلين جعلت أمر امرأتى بيدكما، أو قال لهما طلقا امرأتى ان شئتما لا ينفرد أحدهما بالتطليق، لأنه جعل أمر اليد تمليكا، ألا ترى أنه يقف على المجلس، والتمليكات هى التى تختص بالمجلس، والتمليك على هذا الوجه مشروط بالمشيئة كأنه قال: طلقا امرأتى ان شئتما، وهناك لا يملك أحدهما التطليق دون صاحبه، لأن المعلق بشرطين لا ينزل الا عند وجودهما، فكذا هذا.

وكذا الوكيلان بقبض الدين لا يملك أحدهما أن يقبض دون صاحبه، لأن قبض الدين مما يحتاج الى الرأى والأمانة، وقد فوض الرأى اليهما جميعا لا الى أحدهما، ورضى بأمانتهما جميعا، لا بأمانة أحدهما، فان قبض أحدهما لم يبرئه الغريم حتى يصل ما قبضه الى صاحبه، فيقع فى أيديهما جميعا، أو يصل الى الموكل، لأنه لما وصل المقبوض الى صاحبه أو الى الموكل فقد حصل المقصود بالقبض، فصار كأنهما قبضاه جميعا ابتداء.

وأما الوكيلان بالطلاق على غير مال، والعتق على غير مال، والوكيلان بتسليم الهبة، ورد الوديعة، وقضاء الدين فينفرد أحدهما بالتصرف فيما وكلا به، لأن هذه التصرفات مما لا يحتاج الى الرأى فكان أضافة التوكيل اليهما تفويضا للتصرف الى كل واحد منهما بانفراده.

وأما الوكيلان بالخصومة فكل واحد منهما يتصرف بانفراده عند أصحابنا الثلاثة.

وعند زفر لا ينفرد.

وجه قوله أن الخصومة مما يحتاج الى الرأى ولم يرض برأى أحدهما، فلا يملكها أحدهما دون الآخر.

وجه قول أصحابنا الثلاثة أن الغرض من الخصومة اعلام القاضى بما يملكه المخاصم واستماعه، واجتماع الموكيلين على ذلك لا يخل بالاعلام والاستماع، لأن ازدحام الكلام يخل بالفهم، فكان أضافة التوكيل

ص: 352

اليهما تفويضا بالخصومة الى كل واحد منهما، فأيهما خاصم كان تمثيلا، الا أنه لا يملك أحدهما القبض دون صاحبه، وان كان التوكيل بالخصومة يملك القبض عندنا، لأن اجتماعهما على القبض ممكن فلا يكون راضيا بقبض أحدهما بانفراده.

وأما المضاربان فلا يملك أحدهما التصرف بدون اذن صاحبه اجماعا.

وفى الوصيين خلاف بين أصحابنا نذكره فى كتاب الوصية والله تعالى أعلم.

وهل للوكيل أن يملك الحقوق جملة؟ الكلام فيه أن الموكل به نوعان.

نوع لا حقوق له الا ما أقر به الموكل كالوكيل بتقاضى الدين والتوكيل بالملازمة ونحوه.

ونوع له حقوق كالبيع والشراء والنكاح والخلع ونحوه.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية

(1)

الدسوقى والشرح الكبير عليه: أنه منع توكيل الوكيل غير المفوض على ما وكل فيه، لأن الموكل لم يرض الا بأمانته الا أن يكون الوكيل لا يليق به تولى ما وكل عليه بنفسه كوجيه فى حقير، فله التوكيل حيث علم الموكل بوجاهته، أو اشتهر الوكيل بها، والا فليس له التوكيل.

وضمن ان وكل لتعديه أو الا أن يكثر فهو عطف على لا يليق فيوكل من يشاركه فى الكثير الذى وكل فيه ليعينه عليه، لا أنه يوكل غيره استقلالا.

وحيث جاز له التوكيل فلا ينعزل الثانى بعزل الوكيل الأول، ولا بموته، فهو من اضافة المصدر للمفعول.

أى اذا عزل الأصيل وكيله فلا ينعزل وكيل الوكيل.

وينعزل كل منهما بموت الأول وله عزل كل منهما.

أما الوكيل المفوض فله التوكيل مطلقا.

وجاء فى الحطاب

(2)

: أنه يمتنع توكيل الوكيل الا اذا كان الشئ الموكل فيه لا يليق بالوكيل تعاطيه، فيجوز له أن يوكل من يتعاطاه أو يكون الموكل فيه كثيرا يعلم

(1)

انظر كتاب حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى عليش ج 3 ص 388 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219 هـ.

(2)

انظر كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب فى كتاب مع التاج والاكليل ج 5 ص 201 وما بعدها الطبعة الأولى سنة 1328 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.

ص: 353

بقرينة العادة أن الموكل لا يستقل بالتصرف فيه فيجوز له أن يوكل من يعينه.

قال ابن عبد السّلام وهذه القرينة تسوغ له الاستعانة، ولا تسوغ له أن يجعل وكيلا، أو وكلاء ينظرون فيما كان ينظر فيه، والقرينة الأولى تسوغ ذلك.

ثم قال ويكون للوكيل الأعلى النظر على من تحته ونحوه فى التوضيح.

واعلم أن هذا فى الوكيل المخصوص.

أما المفوض فله التوكيل.

قال ابن الحاجب: الوكيل بالتعيين لا يوكل الا فيما يليق به ولا يستقل لكثرته.

قال فى التوضيح احترز بالتعيين من المفوض، فان له ان يوكل على المعروف.

وحكى فى البيان قولا أنه لا يوكل.

قال: والأظهر أن له ذلك، لأن الموكل أحله محل نفسه، فكان كالوصى.

وكلام ابن رشد الذى أشار اليه فى نوازل عيسى من كتاب الوكالة ونصه: لا اختلاف أحفظه فى أن الوكيل على شئ مخصوص لا يجوز له أن يوكل.

ثم قال وأما الوكيل المفوض اليه فى جميع الأشياء فلا أحفظ فى أنه هل له أن يوكل أولا قولا منصوصا لأحد العلماء المتقدمين.

وكان الشيوخ المتأخرون يختلفون فيها.

والأظهر أن له أن يوكل.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج

(1)

: أنه ليس لوكيل أن يوكل بلا اذن ان تأتى منه ما وكل فيه، لأن الموكل لم يرض بتصرف غيره، ولا ضرورة كالمودع لا يودع وشمل كلامه ما لو أراد ارسال ما وكل فى قبضه من دين مع بعض عياله أن فعله خلافا للجوزى.

وعلى رأيه يشترط فى المرسل معه كونه أهلا للتسليم، بأن يكون رشيدا.

ويؤخذ من تعليلهم منع التوكيل بما ذكر عدم الفرق بين وكلتك فى بيعه، وفى أن تبيعه، وهو كذلك كما هو مقتضى اطلاق المصنف.

خلافا للسبكى حيث فرق بينهما فجوز التوكيل مطلقا فى الأول، دون الثانى.

وان لم يتأت ما وكل فيه منه، لكونه لا يحسنه أو لا يليق به أو يشق عليه تعاطيه مشقة لا تحتمل فى العادة كما هو واضح فله التوكيل عن موكله دون نفسه،

(1)

انظر كتاب نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين بن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى عليه وبهامشه المغربى ج 5 ص 38، ص 39، ص 40 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 354

لأن التفويض لمثله انما يقصد به الاستنابة.

ومن ثم لو كان الموكل جاهلا بحاله أو اعتقد خلاف حاله امتنع توكيله كما أفهمه كلام الرافعى.

وقال الاسنوى أنه ظاهر.

ويأتى مثله فى قوله ولو كثر الموكل فيه وعجز الوكيل عن الاتيان بكله فالمذهب أن يوكل عن موكله فقط، فلو وكل عن نفسه لم يصح أو أطلق وقع عن الموكل فيما زاد على الممكن دون غيره، لأنه المضطر اليه، بخلاف الممكن، أى فى العادة بأن لا يكون فيه كبير مشقة لا تحتمل غالبا فيما يظهر وفى كلام مجلس ما يقارب ذلك وتزييف مقابله القائل بأن المراد عدم تصور القيام بالكل مع بذل المجهود ولو طرأ العجز لطرو نحو مرض أو سفر امتنع توكيله كما فى المطلب.

وكطرو العجز ما لو جهل الموكل حال توكيله ذلك كما يؤخذ مما مر آنفا عن الاسنوى.

فان كان التوكيل فى حال علمه بسفره أو مرضه جاز له ذلك.

ولو اذن الموكل فى التوكيل وقال للوكيل وكل على نفسك ففعل فالثانى وكيل الوكيل على الأصح، لأنه مقتضى الاذن.

وللموكل عزله أيضا كما أفهمه جعله وكيل وكيله، اذ من ملك عزل الأصل ملك عزل فرعه بالأولى.

وعبارة المصنف تفهم ذلك أيضا فلا اعتراض عليه.

والأصح على الأصح السابق أنه أى الثانى ينعزل بعزله أى الأول اياه وانعزاله بنحو موته أو جنونه أو عزل الموكل له، لأنه نائبه وينعزل بغير ذلك.

والثانى لا ينعزل بذلك بناء على أنه وكيل عن الموكل.

وان قال وكل عنى وعين الوكيل أو لا، ففعل فالثانى وكيل الموكل، لأنه مقتضى الاذن.

وكذا ان أطلق بأن لم يقل عنك ولا عنى فى الأصح اذ توكيله للثالث تصرف تعاطاه باذن الموكل فوجب وقوعه عنه.

والثانى أنه وكيل الوكيل، وكأنه قصد تسهيل الأمر عليه.

كما لو قال الامام أو القاضى لنائبه استنب فاستناب فهو نائب عنه لا عن منيبه.

وفرق الأول بأن الوكيل ناظر فى حق موكله فحمل الاطلاق عليه، وتصرفات القاضى للمسلمين فهو نائب عنهم ولذا نفذ حكمه لمستنيبه.

ص: 355

وعليه فالغرض بالاستنابة معاونته وهو راجع له.

قلت وفى هاتين الصورتين، وهما اذا قال عنى أو أطلق لا يعزل أحدهما الآخر، ولا ينعزل بانعزاله، لانتفاء كونه وكيلا عنه.

وحيث جوزنا للوكيل التوكيل عنه أو عن الموكل يشترط أن يوكل أمينا كافيا لذلك التصرف، وان عين له الثمن والمشترى، اذ شرط الاستنابة عن الغير المصلحة، الا أن يعين الموكل غيره أى الأمين، فيتبع تعيينه لأذنه فيه.

نعم لو علم الوكيل فسقه دون موكله لم يوكله فيما يظهر كما بحثه الاسنوى، كما لا يشترى ما عينه موكله ولم يعلم عيبه والوكيل يعلمه.

فان عين فاسقا فزاد فسقه امتنع توكيله أيضا كما بحثه الزركشى أخذا مما مر فى نظيره فى عدل الرهن لو زاد فسقه ومحل ما تقرر فيمن وكل عن نفسه.

فان وكل عن غيره كولى لم يوكل الا عدلا.

ومقتضى كلام المصنف عدم توكيل غير الأمين.

وان قال له وكل من شئت وهو كذلك خلافا للسبكى.

وفارق ما لو قالت لوليها: زوجنى ممن شئت حيث جاز له تزويجها من غير كفء بأن المقصود هنا حفظ المال، وحسن التصرف فيه، وغير الأمين لا يتأتى منه ذلك وثم مجرد صفة كمال هى الكفاءة وقد يتسامح بتركها، بل قد يكون غير الكفء أصلح.

ولو وكل الوكيل أمينا فى شئ من الصورتين المتقدمتين ففسق لم يملك الوكيل عزله فى الأصح والله أعلم، لأنه اذن فى التوكيل دون العزل.

والثانى: نعم، لأن الاذن فى التوكيل يقتضى توكيل الامناء، فاذا فسق لم يجز استعماله فيجوز عزله.

وقال صاحب

(1)

البجرمى ولوكيل توكيل بلا اذن فيما لا يتأتى منه، لكونه لا يليق به، أو كونه عاجزا عنه عملا بالعرف، لأن التفويض لمثل هذا لا يقصد منه عينه، فلا يوكل العاجز الا فى القدر الذى عجز عنه، ولا يوكل الوكيل فيما ذكر عن نفسه بل عن موكله.

ولو وكله فيما يطيقه فعجز عنه لمرض أو غيره لم يوكل فيه.

(1)

انظر كتاب حاشية العلامة البجرمى للشيخ سليمان البجرمى على شرح منهج الطلاب وبهامشه مع الشرح نفائس ولطائف للشيخ المرصفى ج 3 ص 59، ص 60 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1345 هـ.

ص: 356

وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله، وهو كما قال الاسنوى ظاهر.

أما ما يتأتى منه فلا يصح التوكيل فيه الا لعياله على ما اقتضاه كلام الجوزى.

واذا وكل باذن فالثانى وكيل الموكل، فلا يعزله الوكيل، وان فسق، لأن الموكل اذن له فى التوكيل لا فى العزل، سواء قال: وكل عنى أم أطلق، فان قال:

وكل عنك ففعل فالثانى وكيل الوكيل، لأنه مقتضى الاذن، وينعزل بعزل من أحد الثلاثة وانعزل بما ينعزل به الوكيل.

وحيث جاز له أى للوكيل توكل فليوكل وجوبا أمينا، رعاية لمصلحة الموكل، الا أن عين له الموكل المالك غيره أى غير أمين فيتبع تعيينه، لأن الحق له، أى ان علم الموكل بفسقه فوكله فزاد فسقه امتنع توكيله أيضا.

قال بعضهم: الا أن كان لو عرض على الموكل لرضيه.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف

(1)

القناع: أنه ليس لوكيل توكيل فيما يتولى مثله بنفسه الا باذن موكل، لأنه لم يأذن له فى التوكيل، ولا تضمنه اذنه لكونه يتولى مثله، ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه، فلم يكن له أن يوليه غيره كالوديعة، أو يقول الموكل.

وفى نسخة الا أن يقول له أى للوكيل اصنع ما شئت، أو تصرف كيف شئت فيجوز للوكيل أن يوكل، لأنه لفظ عام، فيدخل فى عموم التوكيل.

وان اذن الموكل لوكيله فى التوكيل تعين أن يكون الوكيل الثانى أمينا، لأنه لاحظ للموكل فى توكيل من ليس أمينا.

وكذا حيث جاز له التوكيل الا مع تعيين الموكل الأول بأن يقول له وكل زيدا فيوكله أمينا كان أو خائنا لأنه قطع نظره بتعيينه له.

فان وكل الوكيل حيث جاز أمينا فصار خائنا فعليه عزله، لأن تركه يتصرف تضييع وتفريط.

وكذا وصى يوكل فيما أوصى به اليه أى حكمه حكم الوكيل فليس له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه، لأنه متصرف فى مال غيره بالاذن أشبه الوكيل.

(1)

انظر كتاب كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه منته الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 ص 234، ص 235 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

ص: 357

وانما يتصرف فيما اقتضته الوصية كالوكيل انما يتصرف فيما اقتضته الوكالة.

قال فى المبدع ويلحق بهذا مضارب وولى، وكذا حاكم يتولى القضاء فى ناحية فيستنيب غيره، أى حكمه حكم الوكيل ليس له ذلك فيما يتولى مثله بنفسه.

وحيث جازت الاستنابة فله أن يستنيب من غير مذهبه، ذكره القاضى فى الأحكام السلطانية وابن حمدان فى الرعاية.

وما يعجز عنه الوكيل ونحوه لكثرته له التوكيل فى جميعه، لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل، فجاز فى جميعه كما لو اذن له فيه لفظا كتوكيله أى كما يجوز للوكيل أن يوكل فيما لا يتولى مثله بنفسه، أى اذا كان العمل مما يرتفع الوكيل عن مثله، كالأعمال الدنية فى حق اشراف الناس المرتفعين من فعلها عادة، فان الاذن ينصرف الى ما جرت به العادة.

وقال فى الفروع بعد ذكر المسألة ولعل ظاهر ما سبق يستنيب نائب فى الحج لمرض خلافا لأبى حنيفة والشافعى، ويكون من وكل من قبل الوكيل وكيل الوكيل، لأنه قائم مقامه فله عزله.

وان قال الموكل للوكيل وكل عنك صح ذلك وكان الثانى وكيل وكيله فينعزل بعزل الوكيل الأول وموته.

وان قال الموكل وكل عنى، أو قال وكل وأطلق بأن لم يقل عنك ولا عنى صح، وكان الثانى وكيل موكله لا ينعزل بعزل الوكيل له ولا بموته.

ولو قال لشخص وكل فلانا عنى فى بيع كذا، فقال الوكيل الأول للثانى بع هذا، ولم يشعره أنه وكيل الموكل فقال الشيخ: لا يحتاج الى تبيين أنه وكيله أو وكيل فلان، ذكره فى الاختيارات.

وحيث قلنا ان الوكيل الثانى وكيل الموكل، فانه ينعزل بعزله وبموته ونحوه كجنونه وحجر عليه، ولا يملك الوكيل الأول عزله، لأنه ليس وكيلا عنه ولا ينعزل الوكيل الثانى بموته ونحوه لأنه ليس وكيلا عنه.

وحيث قلنا ان الوكيل الثانى وكيل الوكيل فانه ينعزل بعزلهما أو أحدهما وبموتهما أو أحدهما والحجر عليهما أو على أحدهما ونحوه.

وكذا قول الموصى لوصيه أوص الى من يكون وصيا له فانه يكون من أوصى اليه الوصى وصيا للموصى الأول ولا يوصى وكيل مطلقا أى سواء اذن له فى التوكيل أولا.

ص: 358

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح

(1)

الأزهار: أنه ليس للوكيل أن يوكل غيره فيما وكل فيه الا أن يؤذن له فى ذلك ذكره البعض.

وعن أبى جعفر يجوز له أن يوكل اذا كان حاضرا، لأن الثانى كالمعبر عن الأول، أو يجرى العرف بالتوكيل كمن وكل زوجته بالبيع والشراء ونحوه وغاب عنها، وهى ممن لا تخرج لحوائجها.

وكذا لو وكل أهل الرياسة من عادته أن لا يتولى البيع بنفسه فلهما أن يوكلا.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية

(2)

: أنه لا يجوز للوكيل أن يوكل الا مع الاذن صريحا، ولو بالتعميم كاصنع ما شئت، أو فحوى كاتساع متعلقها، بحيث تدل القرائن على الاذن فيه، كالزراعة فى أماكن متباعدة لا تقوم الا بمساعد.

ومثل الاتساع عجز الوكيل عن مباشرته وان لم يكن متسعا مع علم الموكل به، وترفع الوكيل عما وكل فيه عادة فان توكيله حينئذ يدل بفحواه على الاذن له فيه مع علم الموكل بترفعه عن مثله، والا لم يجز، لأنه مستفاد من القرائن، ومع جهل الموكل بحاله ينتفى.

وحيث اذن له فى التوكيل، فان صرح له يكون وكيله وكيلا عنه، أو عن الموكل لزمه حكم من وكله فينعزل فى الأولى بانعزاله، لأنه فرعه وبعزل كل منهما له.

وفى الثانى لا ينعزل الا بعزل الموكل أو بما أبطل توكيله من الجنون والاغماء وان أطلق ففى كونه وكيلا عنه أو عن الموكل أو نخير الوكيل فى توكيله عن أيهما شاء أوجه وكذا مع استفادته من الفحوى الا أن كونه هنا وكيلا عن الوكيل أوجه.

أحدها وكيل على الوكيل، لأن الغرض من ذلك تسهيل الأمر عليه.

الثانى: أن يكون وكيلا للوكيل، لأن التوكيل تصرف يتولاه باذن الموكل فيقع عن الموكل.

الثالث: التخيير لصلاحية الاتيان لهما لصدق وكيل الوكيل المأذون فيه على التقديرين.

ويستحب أن يكون الوكيل تام البصيرة فيما وكل فيه، ليكون مليا بتحقيق مراد الموكل عارفا باللغة التى يحاور

(1)

انظر كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيب المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبو الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 225 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(2)

انظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 17 وما بعدها طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 359

بها فيما وكل فيه، ليحصل الغرض من توكيله.

وقيل ان ذلك واجب وهو مناسب لمعنى الشرط بالنسبة الى الأخير.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل

(1)

: أنه لا يعقد وكيل أو مأمور أو خليفة دون صاحبه ان وكلا معا، أو أمرا معا، أو استخلفا معا على شراء أو بيع، وذلك لأنه نزلهما منزلة رجل واحد.

وصفة ذلك أن يقول: وكلتكما معا، أو وكلتهما معا، أو أمرتكما معا، أو أمرتهما معا، أو استخلفتكما معا، أو استخلفتهما معا.

أو يسقط لفظ مع، ويقول: جعلتكما أو جعلتهما وكيلا أو مأمورا أو خليفة، أو يقول بع أو اشتر أنت وفلان أو مع فلان، أو نحو ذلك مما يصرح أو يتبادر منه أنه قرنهما، الا أن أجاز له صاحبه قبل ذلك العقد أو بعده أو عنده كذلك.

وجوز عقده أى عقد وكيل وحده ولو وكلهما معا وجعلهما وكيلا واحدا ولو أبى الآخر.

وكذا لو باعاه جميعا مضى فعل السابق، لأن المراد العقد وقد وقع، ولم يقل لهما لا يبع أحدكما أو أحدهما أو يشتر الا بحضرة الآخر، أو ما يقوم مقام هذا الكلام.

والأصل فى الكلام الكلية لا الكل فيستقل الواحد بالحكم وهكذا اللغة وأيضا هما كاسمان واحد.

واذا أمر ثلاثة فصاعدا ولو وكلهم أو استخلفهم فحكمهم كحكم الاثنين وان فرقهما.

وحكم الثلاثة فصاعدا فى التفريق حكمهما أيضا.

وصفة التفريق أن يجتمع مع كل واحد وحده فيقول له قد وكلتك أو أمرتك أو استخلفتك أو يكتب اليه أو يرسل اليه أو يستشهد على ذلك أو يجتمع الكل، فيقول لكل واحد ذلك على حدة.

أو يقول قد وكلتكما أو أمرتكما أو استخلفتكما كل واحد يكفى وحده.

أو كل منكما مأمور أو خليفة أو وكيل أو نحو ذلك مما يفيد استقلال كل واحد بنفسه جاز فعل كل ولو علم كل منهما أن الآخر وكيل وان بالشراء من صاحبه للآمر أو الموكل أو المستخلف أو يبيع ماله أو مال من ناب عنه غير الذى نابا عنه معا له أى لصاحبه بنية الموكل أو الآمر أو المستخلف كما مر فى النكاح أن لكل من المأمورين أن يزوج

(1)

أنظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 4 ص 720، ص 721 طبع مطبعة صاحب الامتياز محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.

ص: 360

وليته غير بنته للأمر بواسطة المأمور الآخر.

وان باع كل فالأول مشتر ان علم الأول وبطل البيع الثانى ومن بعده، والا وقف المبيع بأيدى مشترييه أو المشترين حتى يتبين وان اتحد وقتهما صح العقد واشتركا فيه أو اشتركوا فيه على الرءوس ويدل على صحة العقد الاجبار على الطلاق فى صورة النكاح.

‌خامسا: الاشراك فى الوقف

‌مذهب الحنفية:

جاء فى الدر

(1)

المختار وحاشية ابن عابدين عليه: أنه لو ضم القاضى للقيم على الوقف ثقة، أى ناظر حسبة، هل للأصيل أن يستقل بالتصرف؟ لم أره.

وأفتى الشيخ أنه ان ضم اليه لخيانة لم يستقل، والا فله ذلك، وهو حسن.

وفى فتاوى مؤيد زاده معزيا للخانية وغيرها: ليس للمشرف التصرف، بل له الحفظ، لأن التصرف فى حال الوقف مفوض الى المتولى كما جاء فى الخانية.

قال ابن عابدين: والظاهر ان المراد بالحفظ حفظ مال الوقف عنده.

لكن قال فى الفتح: وهذا يختلف بحسب العرف فى المشرف، ومقتضاه أنه لو تعورف تصرفه مع المتولى اعتبر، ويحتمل أن يراد بالحفظ مشارفته للمتولى عند التصرف، لئلا يفعل ما يضر ويؤيده ما ذكروه فى مشرف الوصى.

ففى الخانية قال الامام الفضلى يكون الوصى أولى بامساك المال، ولا يكون المشرف وصيا.

وأثر كونه مشرفا أنه لا يجوز تصرف الوصى الا بعلمه.

وفى أدب الأوصياء يفتى بقول الفضلى.

والوقف يستقى من الوصية.

وعن هذا أفتى فى الحامدية بأنه ليس للمتولى التصرف فى أمور الوقف بدون اذن المشرف واطلاعه.

وفى الخيرية ان كان الناظر بمعنى المشرف فقد صرحوا بأن الوصى لا يتصرف الا بعلم المشرف.

وفى الخيرية أيضا: سئل فى وقف له ناظر ومتول: هل لأحدهما التصرف بلا علم الآخر؟ أجاب بأنه لا يجوز، والقيم والمتولى والناظر فى كلامهم بمعنى واحد.

قال ابن عابدين: هذا ظاهر عند الأفراد.

أما لو شرط الواقف متوليا وناظرا عليه كما يقع كثيرا فيراد بالناظر المشرف.

(1)

انظر كتاب الدر الختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير باون عابدين ج 3 ص 444 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.

ص: 361

وعن هذا أجيب فى حادثة بأنه ليس للمتولى الايجار بلا علم الناظر، خلافا لما فى الفتاوى الرحيمية من أنه لو أجر المتولى اجارة شرعية بأجرة المثل لا يملك الناظر معارضته، لأنه فى معنى المشرف.

وأفتى فى الاسماعيلية بأنه ليس للناظر معارضة المتولى، الا أن يثبت أن نظارته بشرط الواقف، وفيه نظر، اذ لو نصبه القاضى ناظرا على المتولى لثبوت خيانته، لم يستقل المتولى بالتصرف، ومثله ما لو نصبه عليه للطعن فى أمانته.

وجاء فى البحر الرائق

(1)

بأنه لو جعل الواقف نظارة الوقف، لرجلين، فقبل أحدهما ولم يقبل الآخر، ضم القاضى الى من قبل رجلا، أو فوض للذى قبل بمفرده.

ولو جعلها لفلان الى أن يدرك ولدى، فاذا أدرك كان شريكا له لا يجوز ما جعله لابنه فى رواية الحسن.

وقال أبو يوسف رحمهما الله تعالى:

يجوز ولو نصب متوليا على وقفه، ثم وقف وقفا آخر ولم يجعل له متوليا لا يكون متولى الأول متوليا على الثانى، الا بأن يقول أنت وصى.

ولو وقف أرضين وجعل لكل منهما متوليا فلا يشارك أحدهما الآخر.

ولو جعل ولاية وقفه لرجل، ثم جعل رجلا آخر وصيه يكون شريكا للمتولى فى أمر الوقف الا أن يقول وقفت أرضى على كذا وكذا، وجعلت ولايتها لفلان، وجعلت فلانا وصيا فى تركتى، وجميع أمورى فحينئذ ينفرد كل منهما بما فوض اليه، كذا فى الاسعاف، ومنه يعلم جواب حادثه وجد مكتوبان، شهد أحدهما بأن المتولى فلان وشهد الآخر بأن المتولى رجل غيره، والثانى متأخر التاريخ فأجبت بأنهما يشتركان ولا يقال ان الثانى ناسخ كما تقدم عن الخصاف فى الشرائط لأننا نقول ان التولية من الواقف خارجة عن حكم سائر الشرائط، لأن له فيها التفسير والتبديل كلما بذله من غير شرط فى عقدة الواقف على قول أبى يوسف رحمه الله تعالى، وجاء فى موضع آخر من البحر الرائق

(2)

أيضا:

أنه لو وقف على ولده فأقر بأنه عليه وعلى زيد عمل باقراره ما دام حيا، حملا على أن الواقف رجع عن اختصاصه وأشرك معه زيدا.

وفى الدر المختار وحاشية ابن عابدين

(3)

(1)

انظر كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ مولانا زين الدين الشهير بابن نجيم المتوفى المصرى الأفريقى وبهامشه حواشى منحة الخالق للعلامة ابن عابدين ج 5 ص 250 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.

(2)

انظر من كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 243 الطبعة السابقة.

(3)

انظر كتاب الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار لابن عابدين ج 3 ص 447 وما بعدها الطبعة السابقة.

ص: 362

عليه: أنه لو قال الواقف وقفت على بنى وله بنون وبنات يدخل فيه البنات.

ولو وقف على ذريته يدخل أولاد البنين وأولاد البنات.

وفى الدر المختار: لو وقف على أولاده، ثم على أولاد أولاد له فقالوا: لا يدخل فى هذا أولاد البنت.

وقال ابن عابدين: المفتى به عدم دخول أولاد البنات فى الأولاد مطلقا، أى سواء قال على أولادى بلفظ الجمع، أو بلفظ الجنس كولدى.

وفى الفتح: لو ضم إلى الولد ولد الولد، فقال: على ولدى وولد ولدى اشترك الصلبيون وأولاد بنيه، وأولاد بناته، كذا اختاره هلال والخصاف وصححه فى الخانية.

وأنكر الخصاف رواية حرمان أولاد البنات وقال: لم أجد من يقول برواية ذلك عن أصحابنا.

وانما روى

(1)

عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فيمن أوصى بثلث ماله لولد زيد، فان وجد له ولد ذكور واناث لصلبه يوم موت الموصى كان بينهم، وان لم يكن له ولد لصلبه، بل ولد ولد من أولاد الذكور والاناث، كان لأولاد الذكور دون أولاد الاناث وفى الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه: أنه لو وقف على ذريته مرتبا وجعل من شرطه أن من مات قبل استحقاقه وله ولد قام مقامة، ولو بقى حيا فهل له حظ أبيه لو كان حيا، ويشارك الطبقة الأولى أولا يشارك.

أفتى السبكى بالمشاركة.

وخالفه السيوطى.

وهذه المخالفة واجبة كما أفاده ابن نجيم فى الاشباه من القاعدة التاسعة لكنه ذكر بعد ورقتين أن بعضهم يعبر بين الطبقات بثم وبعضهم يعبر بالواو فبالواو يشارك بخلاف ثم.

ثم قال

(2)

: أنه لو وقف على أولاده وقيد بفقرائهم يعتبر الفقر وقت وجود الغلة، وهو المجوز لأخذ الزكاة فلو تأخر صرفها سنين لعارض فافتقر الغنى، واستغنى الفقير شارك المفتقر وقت القسمة الفقير وقت وجود الغلة.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح

(3)

(1)

انظر كتاب الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار لابن عابدين ج 3 ص 448 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر الحمية سنة 1325 هـ.

(2)

المرجع السابق وحاشية ابن عابدين عليه ج 3 ص 453 الطبعة السابقة.

(3)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 4 ص 86 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219 هـ.

ص: 363

الكبير: أنه ان ضاق الحبس الراجع عن الكفاية فى الغلة الناشئة عنه قدم البنات، أى على الاخوة لا على الابن، ومعنى قدم اختصصن بما يغنيهن، لا ايثارهن بالجمع، ولو زاد على ما يغنيهن قال ابن هارون:

المشهور ان البنت ان كانت مساوية للعاصب شاركته فى السعة والضيق.

وان كانت أقرب منه قدمت عليه فى الضيق.

وان كانت أبعد منه قدم العاصب عليها فى السعة والضيق.

فلو قال المصنف قدم الأقرب من الاناث لكان أشمل وأقرب للصواب لتناوله نحو الأخت مع ابن الأخ وأفادته الاشتراك مع التساوى.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(1)

: أن النظر فى الوقف الى من شرطه الواقف، لأن الصحابه رضى الله تعالى عنهم وقفوا وشرطوا من ينظر فجعل عمر رضى الله تعالى عنه الى حفصة رضى الله تعالى عنها، واذا توفيت فانه الى ذوى الرأى من أهلها، ولأن سبيله الى شرطه فكان النظر الى من شرطه.

وان وقف ولم يشرط الناظر ففيه ثلاثة أوجه

أحدها: أنه الى الواقف، لأنه كان النظر اليه فاذا لم يشرطه بقى على نظره.

والثانى: أنه للموقوف عليه، لأن الغلة له فكان النظر اليه،

والثالث: الى الحاكم، لأنه يتعلق به حق الموقوف عليه وحق من ينتقل اليه فكان الحاكم أولى.

فان جعل الواقف النظر الى اثنين من أفاضل ولده ولم يوجد فيهم فاضل الا واحد ضم الحاكم اليه آخر، لأن الواقف لم يرض فيه بنظر واحد.

وجاء فى موضع آخر من المهذب

(2)

:

أنه ان قال وقفت على أولادى دخل فيه الذكر والأنثى والخنثى، لأن الجميع أولاده، ولا يدخل فيه ولد الولد، لأن ولده حقيقة ولده من صلبه، فان كان له حمل لم يدخل فيه حتى ينفصل، فان انفصل استحق ما يحدث من الغلة بعد الانفصال دون ما كان حدث قبل الانفصال، لأنه قبل الانفصال لا يسمى ولدا.

وان وقف على ولده وله ولد فنفاه باللعان لم يدخل فيه.

وقال أبو اسحاق يدخل فيه، لأن اللعان يسقط النسب فى حق الزوج،

(1)

انظر كتاب المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزبادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج 1 ص 445، ص 446 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1276 هـ.

(2)

المرجع السابق لأبى اسحاق الفيروزبادى الشيرازى ج 1 ص 444 الطبعة السابقة.

ص: 364

ولا يتعلق به حكم سواه، ولهذا ينقضى به العدة.

والمذهب الأول، لأن الوقف على ولده، وباللعان قد بان أنه ليس بولده فلم يدخل فيه.

وان وقف على أولاد أولاده دخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات، لأن الجميع أولاد أولاده.

فان قال على نسلى أو عقبى أو ذريتى دخل فيه أولاد البنين وأولاد البنات قربوا أو بعدوا، لأن الجميع من نسله وعقبه وذريته ولهذا قال الله تبارك وتعالى «وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ 1، وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى}

(2)

» فجعل هؤلاء كلهم من ذريته على البعد وجعل عيسى من ذريته وهو ينسب اليه بالأم.

فان وقف على عترته فقد قال ابن الاعرابى وثعلب هم ذريته.

وقال القتيبى هم عشيرته:

وان وقف على من ينسب اليه لم يدخل فيه أولاد البنات، لأنهم لا ينسبون اليه.

وان وقف على البنين لم يدخل فيه الخنثى المشكل، لأنا لا نعلم أنه من البنين.

فان وقف على البنات لم يدخل فيه لأنا لا نعلم أنه من البنات.

فان وقف على البنين والبنات ففيه وجهان.

أحدهما: أنه لا يدخل فيه، لأنه ليس من البنين، ولا من البنات.

والثانى أنه يدخل، لأنه لا يخلو من أن يكون ابنا أو بنتا.

وان أشكل علينا فان وقف على بنى زيد لم يدخل فيه بناته.

فان وقف على بنى تميم وقلنا ان الوقف صحيح ففيه وجهان.

أحدهما لا يدخل فيه البنات، لأن البنين اسم للذكور حقيقة.

والثانى يدخلن فيه، لأنه اذا أطلق اسم القبيلة دخل فيه كل من ينسب اليها من الرجال والنساء.

وان قال وقفت على أولادى، فان انقرض أولادى وأولاد أولادى، فعلى الفقراء، لم يدخل فيه ولد الولد، ويكون هذا وقفا منقطع الوسط، فيكون على قولين، كالوقف المنقطع الانتهاء.

ومن أصحابنا من قال يدخل فيه أولاد الأولاد بعد انقراض ولد الصلب، لأنه لما شرط انقراضهم دل على أنهم يستحقون كولد الصلب.

(1)

الآية رقم 84 من سورة الأنعام.

(2)

الآية رقم 85 من سورة الأنعام.

ص: 365

والصحيح هو الأول، لأنه لم يشرط شيئا، وانما شرط انقراضهم لاستحقاق غيرهم.

وان وقف على أقاربه دخل فيه كل من تعرف قرابته، فان كان للواقف أب يعرف به وينسب اليه، دخل فى وقفه كل من ينسب الى ذلك الأب ولا يدخل فيه من ينسب الى أخى الأب أو أبيه.

فان وقف الشافعى رحمه الله تعالى بأقاربه دخل فيه كل من ينسب الى شافع ابن السائب، لأنهم يعرفون بقرابته ولا يدخل فيه من ينسب الى على وعباس ابن السائب ولا من ينسب الى السائب، لأنهم لا يعرفون بقرابته، ويستوى فيه من قرب وبعد من أقاربه، ويستوى فيه الذكر والأنثى لتساوى الجميع فى القرابة، فان حدث قريب بعد الوقف دخل فيه.

وذكر البويطى: أنه لا يدخل فيه، وهذا غلط من البويطى، لأنه لا خلاف أنه اذا وقف على أولاده دخل فيه من يحدث من أولاده.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى الشرح الكبير على المغنى

(1)

: أنه متى كان النظر للموقوف عليه، اما بجعل الواقف النظر له، أو لكونه أحق بذلك عند عدم ناظر سواه، أو كان واحدا مكلفا رشيدا، فهو أحق بذلك رجلا كان أو امرأة، عدلا ذلك كان أو فاسقا، لأنه ينظر لنفسه فكان له ذلك فى هذه الأحوال، كملكه المطلق.

ويحتمل أن يضم الى الفاسق أمين، حفظا لأصل الوقف عن البيع والتضييع.

وان كان الوقف لجماعة رشيدين فالنظر للجميع، لكل انسان فى حصته، فان كان الموقوف عليه صغيرا أو مجنونا أو سفيها قام وليه فى النظر مقامه كملكه المطلق.

وان كان النظر لغير الموقوف عليه بتولية الواقف أو الحاكم أو لبعض الموقوف عليهم، لم يجز أن يكون الا أمينا لم تصح ولايته ان كان من الحاكم وأزيلت يده.

وان ولاه الواقف وهو فاسق أو كان عدلا ففسق ضم اليه أمين لحفظ الوقف ولم تزل يده، لأنه أمكن الجمع بين الحقين.

ويحتمل أن لا تصح تولية الفاسق وينعزل اذا فسق، لأنها ولاية على حق غيره فنافاها الفسق كما لو ولاه الحاكم، وكما لو لم يمكن حفظ الوقف منه مع بقاء ولايته، فان يده تزال، لأن مراعاة حفظ الوقف أهم من ابقاء ولاية الفاسق عليه.

(1)

الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامه المقدسى ج 6 ص 213، ص 214 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى والمغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله ابن محمد بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 6 ص 243، ص 243 الطبعة السابقة ويليه الشرح الكبير.

ص: 366

وجاء فى كشاف القناع

(1)

: أن كانت ولاية الناظر من واقف وهو أى الناظر.

فاسق حال الولاية، أو عدل ففسق صح كونه ناظرا، وضم اليه أمين سواء كان أجنبيا أو بعض الموقوف عليهم جمعا بين الحق.

ثم قال

(2)

: ولا نظر لحاكم مع ناظر خاص لكن للحاكم النظر العام، فيعترض عليه أى على الناظر الخاص أن فعل الناظر الخاص مالا يسوغ له فعله لعموم ولايته.

وللحاكم ضم أمين الى الناظر الخاص مع تفريطه أو تهمته، ليحصل المقصود من حفظ الوقت.

والظاهر أن الأول يرجع الى رأى الثانى، ولا يتصرف الا بأذنه، ليحصل الغرض من نصبه وكذا اذا ضم الى ضعيف قوى معاون له فلا يزال يد الأول عن المال ولا نظره وهو الأول، هو الناظر دون الثانى هذا قياس ما ذكره فى الموصى له.

وجاء فى المغنى لابن قدامه

(3)

: أنه اذا وقف على قوم وأولادهم وعقبهم ونسلهم، كان الوقف بين القوم وأولادهم ومن حيث نسلهم على سبيل الاشتراك ان لم تقترن به قرينة تقتضى ترتيبا، لأن الواو تقتضى الاشتراك، فاذا اجتمعوا اشتركوا ولم يقدم بعضهم على بعض، ويشارك الآخر الأول، وان كان من البطن العاشر.

واذا حدث حمل لم يشارك حتى ينفصل لأنه يحتمل أن لا يكون حملا فلا يثبت له حكم الولد قبل انفصاله.

ثم قال

(4)

: ان قال الواقف وقفت على أولادى أو ولدى، وليس له ولد من صلبه، أو قال ويفضل ولد الأكبر أو الأعلم على غيرهم، أو قال فاذا خلت الأرض من عقبى عاد الى المساكين، أو قال على ولدى غير ولد البنات، أو غير ولد فلان، أو قال يفضل البطن الأعلى على الثانى، أو قال الأعلى فالأعلى وأشباه ذلك فهذا يصرف لفظه الى جميع نسله وعاقبته، وان اقترنت به قرينة تقتضى تخصيص أولاده لصلبه بالوقف مثل أن يقول: على ولدى لصلبى أو الذين يلوننى ونحو هذا، فانه يختص بالبطن الأول دون غيرهم.

واذا قلنا بالتعميم فيهم أما للقرينة واما لقولنا بأن المطلق يقتضى التعميم ولم يكن فى لفظه ما يقتضى تشريكا ولا ترتيبا، احتمل أن يكون بينهم كلهم على التشريك، لأنهم دخلوا

(1)

انظر كتاب كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منته الارادات للشيخ منصور ابن يونس البهوتى ج 2 ص 458 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.

(2)

المرجع السابق ومنته الارادات عليه ج 2 ص 259 الطبعة السابقة.

(3)

المغنى لابن قدامة ج 6 ص 197.

(4)

المرجع السابق لابن قدامه المقدسى ج 6 ص 199، ص 200 الطبعه السابقة.

ص: 367

فى اللفظ دخولا واحدا فوجب أن يكون بينهم مشتركا كما لو أقر لهم بدين.

ويحتمل أن يكون على الترتيب على حسب الترتيب فى الميراث.

وجاء فى موضع آخر من المغنى

(1)

:

أنه ان رتب بعضهم دون بعض فقال: وقفت على ولدى وولد ولدى ثم على أولادهم أو على أولادى، ثم على أولاد أولادى وأولادهم ما تناسلوا وتعاقبوا، أو قال على أولادى وأولاد أولادى ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا، فهو على ما قال يشترك من شرك بينهم بالواو المقتضية للجمع والتشريك وترتيب من رتبه بحرف الترتيب.

ففى المسألة الأولى يشترك الولد وولد الولد، ثم اذا انقرضوا صار لمن بعدهم.

وفى الثانية يختص به الولد فاذا انقرضوا صار مشتركا بين من بعدهم.

وفى الثالثة: يشترك فيه البطنان الأولان دون غيرهم فاذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم.

ثم قال

(2)

: أنه اذا وقف على أولاد رجل وأولاد أولاده استوى فيه الذكر والأنثى لأنه تشريك بينهم واطلاق التشريك يقتضى التسوية كما لو أقر لهم بشئ وكولد الأم فى الميراث حين شرك الله تبارك وتعالى بينهم فيه فقال عز وجل «فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ}

(3)

» تساووا فيه ولم يفضل بعضهم على بعض، وليس كذلك فى ميراث ولد الأبوين وولد الأب فان الله تبارك وتعالى قال «فَإِنْ كانُوا}

(4)

{إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ» ولا أعلم فى ذلك خلافا.

ثم قال

(5)

: والمستحب أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله تبارك وتعالى الميراث بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.

وقال القاضى رحمه الله تعالى المستحب التسوية بين الذكر والأنثى، لأن القصد القربة على وجه الدوام، وقد استووا فى القرابة لنا أنه ايصال للمال اليهم، فينبغى أن يكون بينهم على حسب الميراث كالعطية.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى

(6)

: ومن حبس على عقبه وعلى عقب عقبه أو على زيد وعقبه، فإنه يدخل فى ذلك البنات والبنون، ولا يدخل فى ذلك بنو البنات إذا كانوا ممن لا يخرج بنسب آبائه الى المحبس، لقول الرسول

(1)

المغنى لابن قدامه المقدسى والشرح الكبير عليه ج 6 ص 201 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق والشرح الكبير عليه ج 6 ص 208 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 62 من سورة النساء.

(4)

الاية رقم 176 من سورة النساء.

(5)

المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 6 ص 209، ص 210 الطبعة السابقة.

(6)

المحلى للامام محمد بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 9 ص 183 مسألة رقم 1656 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الأولى.

ص: 368

صلى الله عليه وسلم «إنما بنو هاشم وبنو عبد المطلب شئ واحد» وأعطاهم من سهم ذى القربى ولم يعط عثمان ولا غيره وجدة عثمان بنت عبد المطلب، فلم يدخل فى بنى هاشم اذ لم يخرج بنسب أبيه اليه وان خرجا بنسب أمه اليه وهى أروى بنت البيضاء بن عبد المطلب وأعطى العباس وأمه نمرية.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى

(1)

التاج المذهب: أنه لا يجوز لذى الولاية الكبرى، كالامام والحاكم أن يعترضا من مر ممن له ولاية الوقف من واقف أو منصوبه أو موقوف عليه معين مهما قام بواجبه، الا لخيانة تظهر منهم فيعزلون للخيانة، فالخيانة من المتولى تكون بأخذ بعض الغلة ان لم يكن مصرفا، وان كان مصرفا فبان يستهلك الغلة مع حاجة الوقف اليها، أو يحاول بيع الوقف أو رهنه أو يكون المتولى غير خائن، الا أنه ربما عجز عن القيام بما يتوجه عليه، لكثرة ما تولاه، أو يكون غير بصير أولا معرفة له، فان الامام والحاكم يعترضان له «باعانة» أى اقامة من يعينه، أو يكون وكيلا لا وليا ولا يعزلان المتولى.

وجاء فى موضع آخر من التاج المذهب

(2)

: أن من وقف على مصرفين أو أكثر فهو على وجوه ثلاثة:

منها أن يشرك بينهما فان كانت القربة حاصلة فيها كلها صح الوقف عليها وقسمت منافعه بينها على عددها وان كانت القربة حاصلة فى بعضها دون بعض كمسجد وكنيسة صحت حصة ما فيه قربة وبطلت حصة ما لا قربة فيه ويبقى ملكا للواقف.

ثم قال

(3)

: الوقف على الأولاد وأولاد الأولاد بالفاء، أو بثم أو بالواو على الصحيح، أو بطنا بعد بطن أو نحو ذلك يدخل فى الوقف أولاد البنات اذ هم من أولاد أولاده، لا اذا قال على أولاد صلبه، لم يدخلوا فى ذلك، اذ هم من صلب غيره، فاقتضى العرف خروجهم.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى اللمعة الدمشقية

(4)

: أنه يصح الاقباض وهو تسليط الواقف للقابض عليه.

(1)

التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 320 وهامشه الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.

(2)

المرجع السابق لأحمد بن قاسم العاسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 286 الطبعة السابقة.

(3)

التاج المذهب لأحكام المذهب لابن قاسم العنسى اليمانى ج 3 ص 289 الطبعة السابقة.

(4)

انظر منشورات جامعه النجف الدينية اللمعة الدمشقية للشهيد محمد جمال الدين مكى العاملى ج 3 ص 170، ص 171، ص 172 وهامشها طبع مطبعة الآداب فى النجف الأشرف سنة 1387 هـ، وسنة 1967 م.

ص: 369

فالمعنى أنه يشترط فى الوقف الاقباض: أى اقباض الواقف الملك للموقوف عليه، وتسليطه عليه، ورفع يده عن الملك الموقوف عليه، وقد يغاير الاقباض الاذن فى القبض - مقصوده رحمة الله تعالى أن القبض مع الاذن يغاير الاقباض، لأنه قد يأذن الواقف فى القبض لكنه لم يسلمه اليه فيقبضه الموقوف عليه من الخارج، فقد جعل القبض عن اذن الواقف من دون اقباض، وقد يحصل الاقباض والتسليم وهو تسليط الواقف الموقوف عليه على الوقف واخراجه عن يده ويلزمه الاذن فى القبض - الذى اعتبر سابقا بأن يأذن فيه، ولا يرفع يده عنه، واخراجه عن نفسه، فلو وقف على نفسه بطل وان عقبه بما يصح الوقف عليه، لأنه حينئذ منقطع الأول، وقد عرفت أن الوقف على منقطع الأول باطل، لتنزيله منزلة المعدوم.

وكذا لو شرط لنفسه الخيار فى نقضه متى شاء أو فى مدة معينة - أى يبطل الوقف فى الصورتين - نعم لو وقفه على قبيل هو منهم ابتداء أو صار منهم شارك، كما لو وقف ملكا على طلبة العلم، ولم يكن هو منهم حال الوقف، ثم صار منهم فحينئذ يشاركهم فى الوقف - أو شرط عوده اليه عند الحاجة، فالمروى والمشهور اتباع شرطه - أى رجوع الوقف اليه عند الحاجة يتبع شرطه فاذا شرط الرجوع اليه عند الحاجة رجع اليه -، ويعتبر حينئذ عود الوقف اليه عند الحاجة قصور ماله عن مؤنة سنة فيعود عندها، ويورث الوقف عن الواقف ويكون ارثا عنه لو مات وان كان موته قبل الحاجة.

ولو شرط أكل أهله منه صح الشرط، كما فعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم بوقفه وكذلك فاطمة عليها السلام، ولا يقدح كونهم واجبى النفقة فتسقط نفقتهم، ان اكتفوا بالوقف هذا اذا كان واجبو النفقة غير زوجته، وأما هى فلا تسقط نفقتها عن الزوج وان اكتفت بالوقف.

ولو وقف على نفسه وغيره صح فى نصفه على الأقوى ان اتحد، وان تعدد فبحسبه ان كان الموقوف عليهم مع الواقف خمسا مثلا، فيصح الوقف فى أربعة أخماسه، ويبطل خمسه وهكذا، فلو كانوا جمعا كالفقراء بطل فى ربعه، لأن أقل الجمع ثلاثة فيخرج من أهل الوقف ثلاثة سهام، ويبقى سهم واحد، وهو المعبر عنه بالربع فيبطل بالنسبة اليه، ويصح فى الباقى ويحتمل النصف، لأن المفروض أن الجماعة بمنزلة الواحد وهو واحد أيضا فالمجموع نصفان نصف للفقراء ونصف له، فالوقف بالنسبة الى الفقراء صحيح وبالنسبة اليه باطل، والبطلان رأسا أى لا يصح الوقف لا عليه ولا على الفقراء.

وجاء فى موضع آخر من اللمعة

(1)

: أنه إذا وقف على أولاده اشترك أولاد البنين

(1)

المرجع السابق لابن جمال الدين مكى العاملى ج 3 ص 184 الطبعة السابقة.

ص: 370

والبنات، لاستعمال الأولاد فيما يشمل أولادهم استعمالا شائعا لغة وشرعا، كقول الله تبارك وتعالى {يا بَنِي آدَمَ

(1)

} {يا بَنِي إِسْرائِيلَ

(2)

} {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ}

(3)

وللإجماع على تحريم حليلة ولد الولد ذكرا وأنثى من قول الله سبحانه وتعالى {وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ} ، ولقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «لا تزرموا ابنى» يعنى الحسن، أى لا تقطعوا عليه بوله لما بال فى حجره.

والأصل فى الاستعمال الحقيقة.

وهذا الاستعمال كما دل على دخول أولاد الأولاد فى الأولاد، دل على دخول أولاد الاناث أيضا، وهذا أحد القولين فى المسألة.

وقيل

(4)

: لا يدخل أولاد الأولاد مطلقا فى اسم الأولاد - لا أولاد البنين ولا أولاد البنات - لعدم فهمه عند الاطلاق ولصحة السلب فيقال: فى ولد الولد ليس ولدى بل ولد ولدى.

وأجاب المصنف فى الشرح عن الأدلة الدالة على الدخول بأنه ثم من دليل خارج، وبأن اسم الولد لو كان شاملا للجميع - أى الأولاد من الصلب وأولادهم - لزم الاشتراك وان عورض بلزوم المجاز فهو أولى - أى لو قيل: بأنه لا شك من جواز استعمال الولد فى أولاد الأولاد فاذن يدور الأمر بين الاشتراك والمجاز - وهذا أظهر - أى القول الثانى وهو: منع دخول أولاد الأولاد مطلقا فى الأولاد - نعم لو دلت قرينة على دخولهم كقوله الأعلى فالأعلى - أى لو قال وقفت على أولادى الأعلى فالأعلى فيدخل من دلت عليه القرينة - اتجه دخول من دلت عليه.

ومن خالف فى دخولهم كالفاضلين فرضوا المسألة فيما لو وقف على أولاد أولاده، فإنه حينئذ يدخل أولاد البنين والبنات بغير أشكال.

وعلى تقدير دخولهم بوجه فاشتراكهم بالسوية، لأن ذلك مقتضى الاطلاق.

والأصل عدم التفاضل «الا أن يفضل» بالتصريح أو بقوله على كتاب الله ونحوه.

ولو قال على من انتسب الى لم يدخل أولاد البنات على أشهر القولين عملا بدلالة اللغة والعرف والاستعمال.

(1)

الآية رقم 26 من سورة الاعراف.

(2)

الآية رقم 40 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 11 من سورة النساء.

(4)

انظر كتاب اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد محمد جمال الدين مكى العاملى من منشورات جامعة النجف الدينية ج 3 ص 185، ص 186 طبع مطبعة الآداب فى النجف الأشرف سنة 1387 هـ، سنة 1967 م.

ص: 371

روعى فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وأل التعريف.

وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.

ص: 374

بسم الله الرحمن الرحيم

‌حرف الألف:

‌ابراهيم:

انظر ج 4 ص 359

‌الأثرم:

انظر ج 1 ص 247

‌أبن الأثير:

انظر ج 1 ص 247

‌الأجهورى:

انظر على الأجهورى ج 3 ص 335

‌أحمد:

انظر ابن حنبل ج 1 ص 255

‌أبن أدريس:

انظر ج 2 ص 343

‌الأذرعى:

انظر ج 1 ص 248

‌أروى بنت البيضاء بن عبد المطلب توفيت سنة 15 هـ:

أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب ابن عبد شمس العبشمية والدة عثمان ابن عفان واسم أمها البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها ابن أبى عاصم فى الوحدان وأخرج هو والحاكم من طريق فيها ضعف عن الزهرى عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال أسلمت أم عثمان وأم طلحة وأم عمار وأم أبى بكر وأم الزبير وأم عبد الرحمن بن عوف قال ابن مندة ماتت فى خلافة عثمان بن عفان ولا يعرف لها حديث قال ابن سعد تزوجها عفان ابن أبى العاص فولدت له عثمان وآمنة ثم تزوجها عقبة بن أبى معيط فولدت له الوليد وعمارة وخالدا وأم كلثوم وأم حكيم وهندا وأسلمت أروى وهاجرت بعد ابنتها أم كلثوم وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم تزل بالمدينة حتى ماتت ووجد بخط البحترى: توفيت أم عثمان ولها تسعون سنة فحمل عثمان سريرها وصلى عليها وأخرج ابن سعد بسند فيه الواقدى الى عبد الله بن حنظلة بن الراهب شهدت أم عثمان يوم ماتت فدفنها ابنها بالبقيع ورجع وقد صلى الناس فصلى وحده وصليت الى جنبه فسمعته وهو ساجد يقول اللهم ارحم أمى اللهم أغفر لأمى وذلك فى خلافته ومن طريق عيسى بن طلحة رأيت عثمان حمل سرير أمه بين العمودين من دار غطيش فلم يزل حتى وضعها بموضع الجنائز قال ورأيته بعد أن دفنها قائما على قبرها يدعو لها.

‌الأزجى:

انظر ج 8 ص 369

‌أبو أسحاق:

انظر ج 3 ص 335

‌أسحاق بن راهوية:

انظر ابن راهوية ج 2 ص 351

‌اسحاق بن عمار:

انظر ج 7 ص 376

‌الاسنوى:

انظر ج 1 ص 249

‌أشهب:

انظر ج 1 ص 249

ابن الأعرابى أنظر ج 4 ص 360

‌أمام الحرمين:

انظر ج 1 ص 249

‌أيوب السختيانى:

انظر ج 5 ص 364

‌أبو أيوب الأنصارى:

انظر ج 3 ص 337

‌حرف الباء:

‌الباجى:

انظر ج 1 ص 250

‌البرادى:

عماد أسرة البرادى أبو الفضل أبو القاسم بن ابراهيم البرادى وقد نشأ فى جبل دمر من الجنوب التونسى ودرس على بقية المشايخ هنالك فى أول أمره حتى ثقف لسانه وصلب عوده وازداد عطشه الى العلم وظمأه الى المعرفة فانتقل من جبال دمر الى جزيرة جرية فالتحق بمدرسة علامة زمانه الشيخ يعيش الجربى فدرس عنده ما شاء الله ثم تاقت نفسه الى المزيد

ص: 375

فارتحل الى جبل نفوسه والتحق بمدرسة الامام الكبير أبى ساكن عامر بن على الشماخى وواصل هناك دراسته حتى أصبح علما من الأعلام واماما من الأئمة وقد تصدى للتأليف والتدريس والفتوى والفصل فى مشاكل الناس والقيام بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والتنديد بالظالمين والمنحرفين ولقد أتت جهوده العلمية أحسن الثمرات فتخرج على يده عدد غير قليل من الأعلام وكان بارزا فى المذهب الاباضى فقد ألف فى الحدود الشرعية رسالة قيمة وألف كتاب الجواهر المنتقاة فيما أخل به كتاب الطبقات وهو تصدير مطول أو جزء أول لكتاب الطبقات لأبى العباس الدرجينى.

‌البجرمى:

انظر ج 1 ص 250

‌بريرة:

انظر ج 1 ص 250

‌البساطى:

انظر ج 5 ص 365

‌بشر:

انظر ج 4 ص 361

‌البغوى:

انظر ج 2 ص 345

‌بكر بن محمد:

بكر بن محمد النسائى الأصل أبو أحمد البغدادى المنشأ فقيه حنبلى، ذكره أبو بكر الخلال فقال: كان أبو عبد الله يقدمه ويكرمه وعنده مسائل كثيرة سمعها من أبى عبد الله، منها قال سألت أبا عبد الله عن رجل استشهدنى على شهادة، وهو يبيع بالربا ثم جاءنى فقال:

تعال اشهد عند السلطان؟ قال:

لا تشهد له، اذا كان معاملته بالربا.

‌أبو بكر الخلال:

انظر الخلال ج 1 ص 256

‌أبو بكر الاسكافى:

انظر ج 5 ص 365

‌أبو بكر الصديق:

انظر ج 1 ص 250

‌ألبلقينى:

انظر ج 2 ص 346

‌ألبويطى:

انظر ج 8 ص 371

‌الشيخ بهرام:

انظر ج 5 ص 365

‌البيهقى:

انظر ج 1 ص 251

‌حرف التاء:

‌التتائى:

انظر ج 8 ص 371

‌الترمذى:

انظر ج 1 ص 251

تقى الدين أنظر أبن تيمية ج 1 ص 251

‌تميم الدارى:

انظر ج 3 ص 338

‌أبن تيمية:

انظر ج 1 ص 251

‌حرف الثاء:

‌ثعلب:

أنظر ج 4 ص 361

‌الثقفى توفى سنة 13 هـ:

أبو عبيد بن مسعود الثقفى: قائد من الشجعان أمره عمر ابن الخطاب على الجيش الزاحف الى العراق لقتال الفرس، وهو أول جيش سيره عمر، وفى الكامل لابن الأثير خبر طويل عما صنعه فى غارته على بلاد فارس قتل فى وقعة الجسر وهو والد المختار الثقفى الثورى: انظر ج 1 ص 252

‌أبو ثور:

انظر ج 1 ص 252

‌حرف الجيم:

‌جابر:

انظر ج 1 ص 252

‌جابر بن زيد:

انظر ج 3 ص 339

‌جابر بن عبد الله:

انظر ج 1 ص 252

‌جعفر بن أبى طالب:

انظر ج 2 ص 347

‌أبو جعفر:

انظر ج 2 ص 347

‌أبو جعفر الناصر:

انظر ج 1 ص 387

‌أبو جعفر الطوسى:

انظر ج 1 ص 265

‌الجورى:

على بن الحسين، القاضى أبو الحسن الجورى بضم الجيم ثم الواو الساكنة ثم الراء بلدة من فارس أحد الأئمة من أصحاب الوجوه لقى أبا بكر النيسابورى وحدث عنه وعن جماعة ومن تصانيفه كتاب المرشد فى شرح مختصر المزنى أكثر عنه أبن الرفعة والوالد رحمهما الله تعالى، النقل ولم يطلع عليه الرافعى ولا النووى رحمهما الله تعالى وقد أكثر فيه من ذكر أبى على بن أبى هريرة وأضرابه وذكر ابن الصلاح أنه وقف على كتاب له اسمه

ص: 376

الموجز على ترتيب المختصر يشتمل على حجاج مع الخصوم اعتراضا وجوابا.

‌الجوهرى:

انظر ج 4 ص 263

‌الجوينى:

انظر امام الحرمين ج 1 ص 249

‌حرف الحاء:

‌ابن الحاجب:

انظر ج 1 ص 253

‌ابن حبيب:

انظر ج 1 ص 253

‌حبان بن منقذ:

حبان بفتح أوله وتشديد الموحدة ابن منقذ بن عمرو بن عطية بن خنساء ابن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن ابن النجار الأنصارى الخزرجى روى الشافعى وأحمد وابن خزيمة وابن الجارود والحاكم والدارقطنى من طريق أبى اسحاق عن نافع عن ابن عمر كان حبان ابن منقذ رجلا ضعيفا، وكان قد سفع فى رأسه مأمومة فجعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم له الخيار فيما اشترى ثلاثا، وكان قد ثقل لسانه، فقال له النبى صلى الله عليه وآله وسلم:«بع وقل لا خلابة» وروى أصحاب السنن من رواية سعيد عن قتادة عن أنس أن رجلا كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبتاع وفى عقله ضعف الحديث، ولم يسمه والحاصل أنه اختلف فى القصة هل وقعت لحبان بن منقذ أو لأبيه منقذ بن عمرو؟ قالوا مات حبان فى خلافة عثمان.

‌ابن حزم:

انظر ج 1 ص 254

‌الحسن توفى سنة 204 هـ:

الحسن بن زياد اللؤلؤى الكوفى أبو على قاض، فقيه، من أصحاب أبى حنيفة أخذ عنه وسمع منه وكان عالما بمذهبه بالرأى ولى القضاء بالكوفة سنة 194 هـ ثم استعفى، من كتبه أدب القاضى ومعانى الايمان والنفقات والخراج والفرائض والوصايا والأمالى نسبته الى بيع اللؤلؤ وهو من أهل الكوفة نزل ببغداد وعلماء الحديث يطعنون فى روايته وكان أبوه من موالى الأنصار.

‌الحسن البصرى:

انظر ج 1 ص 254

‌أبو الحسن الرضا:

انظر ج 2 ص 349

‌حماد بن سلمة:

انظر ج 1 ص 255

‌حفصة:

انظر ج 3 ص 341

‌حكم بن حزام:

انظر ج 9 ص 372

‌أبن حمدان:

انظر ج 10 ص 395

‌الحموى:

انظر ج 2 ص 350

‌أبو حنيفة:

انظر ج 1 ص 255

‌حرف الخاء:

‌خارجة بن ثابت:

انظر ج 4 ص 362

‌خالد:

انظر ج 8 ص 373

‌الخرشى:

انظر ج 2 ص 350

‌الخرقى:

انظر ج 1 ص 256

‌أبو الخطاب:

انظر ج 1 ص 256

‌الخصاف:

انظر ج 1 ص 256

‌خليل:

انظر ج 1 ص 256

‌خواهرزاده:

انظر ج 1 ص 257

‌حرف الدال:

‌الدارقطنى:

انظر ج 1 ص 256

‌أبو داود:

انظر ج 1 ص 257

‌الدردير:

انظر ج 1 ص 257

‌الدسوقى:

انظر ج 1 ص 257

‌ابن دينار توفى سنة 212 هـ:

عيسى بن دينار ابن واقد الفافقى أبو عبد الله فقيه الأندلس فى عصره وأحد علمائها المشهورين: أصله من طليطلة، سكن قرطبة وقام برحلة فى طلب الحديث وعاد فكانت الفتيا تدور عليه بالأندلس لا يتقدمه أحد وكان ورعا توفى بطليطلة.

‌حرف الراء:

‌الرافعى:

انظر ج 1 ص 258

‌الربيع:

انظر ج 3 ص 344

‌أبن رشد:

انظر ج 1 ص 258

‌أبن الرفعة:

انظر ج 1 ص 259

‌الرويانى:

انظر ج 2 ص 352

ص: 377

‌حرف الزاى:

‌الزبير بن بكار توفى سنة 256 هـ:

الزبير بن بكار أبن عبد الله القرشى الأسدى المكى من أحفاد الزبير بن العوام أبو عبد الله عالم الأنساب وأخبار العرب رواية ولد فى المدينة وولى قضاء مكة فتوفى فيها له تصانيف منها أخبار العرب وأيامها ونسب قريش وأخبارها - خ - والأوس والخزرج ووفود النعمان على كسرى وأخبار بن ميادة وأخبار جميل وأخبار نصيب وأخبار حسان وأخبار عمر بن ربيعة وأخبار كثير وأخبار ابن الدمينة وله مجموع فى الأخبار ونوادر التاريخ سماه الموفقيات - طبع منه أربعة أجزاء 16، 17، 18، 19 ألفه للموفق ابن المتوكل العباسى وكان مؤدبه فى صغره أبن الزبير: انظر ج 1 ص 259

‌الزركشى:

انظر ج 1 ص 259

‌الزاهدى:

انظر ج 1 ص 259

‌زفر:

انظر ج 1 ص 259

‌أبو زكريا:

انظر ج 2 ص 352

‌زهرة بن معبد توفى سنة 135 هـ:

أبو عقيل زهرة بن معبد التميمى بالاسكندرية عن سن عالية، قال الدرامى. زعموا أنه كان من الأبدال، قلت روى عن ابن عمرو وابن الزبير.

‌القاضى زيد:

انظر ج 1 ص 260

‌الزهرى:

انظر ج 1 ص 260

‌زيد بن ثابت:

انظر ج 1 ص 260

‌أبو زيد:

انظر الديوسى ج 1 ص 257

‌زيد بن حارثة:

انظر ج 2 ص 353

‌أبن أبى زيد:

انظر القيروانى ج 1 ص 273

‌حرف السين:

‌سالم السنهورى:

انظر ج 8 ص 375

‌السامرى:

انظر ج 7 ص 390

‌السبكى:

انظر ج 1 ص 260

‌أبو ستة توفى سنة 1078 هـ:

هو الامام القدوة العلامة أبو عبد الله محمد بن عمرو بن محمد ابن أحمد بن أبى سته اشتهر بين الدارسين بلقب المحشى أخذ العلم عن كثير من أهل الجزيرة وغيرهم وكان أكثر ما أخذ عن الامام أبى محمد بن عبد الله بن سعيد السدويكشى، كان الامام أبو سته من أولئك المؤمنين الذين أخلصوا دينهم وعملهم وأسلموا أرواحهم وأنفسهم لله فهو لا يفتر عن الجهاد فى سبيل الله عاش فى القرن الحادى عشر وكانت البلاد التونسية فى ذلك الحين تحت حكم شديد الاضطراب وولاة لا يهمهم من أمر الدولة ومصلحة الأمة الا مقدار ما يأخذون من أموال وكانت الشعوب فى ذلك الحين بعيدة كل البعد عن الدولة تدفع الضرائب لطلابها تحت ضغط الضرورة وتعود الى نفسها فى بقية الشئون فتسندها الى من تثق به من علمائها وصلحائها سافر أبو عبد الله الى مصر برسم الدراسة فى الأزهر فبقى هناك 28 سنة دارسا فى الأول ومدرسا بعد ذلك وتخرج على يده عدد من فطاحل العلماء فى أرض الكنانة واشتهر بين علماء الأزهر بلقب البدر فاذا أطلقت كلمة البدر بين علماء الأزهر فالمعنى بها أبو عبد الله بن أبى سته.

‌سحنون:

انظر ج 1 ص 261

‌أبن سحنون:

انظر ج 7 ص 391

‌السرخسى:

انظر ج 1 ص 261

‌سعيد:

انظر ج 1 ص 261

‌سعيد بن منصور:

انظر ج 3 ص 346

‌سعيد بن أبى وقاص:

انظر ج 2 ص 353

‌أبو سعيد:

انظر ج 1 ص 261

‌أبو سعيد الخدرى:

انظر ج 1 ص 261

‌سفيان:

انظر ج 1 ص 252

‌السكونى:

انظر ج 2 ص 353

‌سلار توفى سنة 463 هـ:

حمزة بن عبد العزيز الديلمى الطبرستانى أبو يعلى الملقب بسلار أو سالار فقيه امامى سكن بغداد ومات فى قرية خسرو شاه من قرى تبريز له الأبواب والفصول فى الفقه والمراسم العلوية فى الأحكام النبوية.

‌سليمان بن يسار:

انظر بن يسار ج 2 ص 366

‌أبو سليمان:

انظر ج 4 ص 365

ص: 378

‌ابن سلمون:

انظر ج 2 ص 354

‌السيوطى:

انظر ج 1 ص 262

‌حرف الشين:

‌ابن شاس:

انظر ج 2 ص 354

‌شافع بن السائب:

شافع بن السائب بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب المطلبى جد الامام، ذكر الخطيب فى تاريخه أنه سمع أبا الطيب طاهر بن عبد الله الطبرى يقول شافع بن السائب الذى ينسب اليه الامام الشافعى قد لقى النبى صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع وأسلم أبوه يوم بدر.

‌الشافعى:

انظر ج 1 ص 262

‌الشبراملسى:

انظر ج 1 ص 262

‌شريح:

انظر ج 1 ص 263

‌أبو شريح العدوى توفى سنة 68 هـ:

أبو شريح الخزاعى ثم الكعبى خويلد بن عمرو وقيل عمرو بن خويلد وقيل هانئ وقيل كعب بن عمرو وقيل عبد الرحمن والأول أشهر وبكعب جزم ابن نمير وأبو حيثمة وتردد هارون الحمال فى خويلد وكعب وقال الطبرى هو خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى وابن معاوية من بنى عدى بن عمرو بن ربيعة أسلم قبل الفتح وكان معه لواء خزاعة يوم الفتح روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث وروى أيضا عن ابن مسعود رضى الله عنه وروى عنه نافع ابن جبير بن مطعم أبو سعيد المقبرى وابنه سعيد بن أبى سعيد وفضيل والد الحارث قال ابن سعد مات بالمدينة سنة ثمان وستين ذكره فى طبقة الخندقيين.

‌شريك بن السحماء:

انظر ج 10 ص 398 الشعبى: انظر ج 1 ص 263

‌ابن شهاب:

انظر ج 3 ص 348

‌حرف الصاد:

‌الصادق:

انظر ج 5 ص 371

‌الصدوق:

انظر ج 2 ص 355

‌أبن الصلاح:

انظر ج 1 ص 264

‌حرف الطاء:

‌الطحاوى:

انظر ج 1 ص 265

‌الطوسى:

انظر ج 1 ص 265

‌حرف العين:

‌ابن عابدين:

انظر ج 1 ص 265

‌ابن عات:

انظر ص 6 ص 386

‌العاصمى:

انظر ص 6 ص 386

‌العباس:

العباس بن عبد الله بن عباس ابن عبد المطلب بن هاشم وأمه زرعة بنت مشرح بن معد يكرب بن وليعة من كنده وهى أم أخيه على بن عبد الله بن عباس وكان العباس أكبر ولد بن عباس وبه كان يكنى من ولده عبد الله وعون ومحمد وفريعة وقد انقرض ولد العباس فلم يبق منهم أحد وليس العقب اليوم من ولد عبد الله بن عباس الا فى ولد على بن عبد الله ابن عباس وفيهم العدد والخلافة.

‌ابن عباس:

انظر عبد الله بن عباس ج 1 ص 267

‌أبو العباس:

انظر ج 1 ص 266

‌ابن عبدوس:

انظر ج 7 ص 396

‌عبد الباقى الزرقانى:

انظر ج 9 ص 378

‌عبد الحق:

انظر ج 6 ص 387

‌عبد الحكم توفى سنة 613:

عبد الحكم بن أبى اسحاق ابراهيم بن منصور فاضل نبيل القدر له خطب جيدة وشعر لطيف مولده ووفاته بمصر وكان خطيب الجامع العتيق فيها.

‌عبد الرازق:

انظر ج 2 ص 356

‌عبد الرحمن بن الحجاج:

انظر ج 4 ص 368

‌عبد الرحمن بن الحكم توفى سنة 238 هـ:

هو عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن الأموى أبو المطرف رابع ملوك بنى أمية فى الأندلس ولد فى طليطلة وكان أبوه واليا فيها قبل توليته الملك وبويع بقرطبة سنة 206 هـ بعد وفاة أبيه بيوم واحد وهو أول من جرى على سنن الخلفاء فى الزينة والشكل وترتيب الخدمة وكسا أبهة الجلالة فشيد القصور وبنى المساجد فى

ص: 379

الأندلس ومنها جامع أشبيلية وسورها واتخذ السكة (النقود) بقرطبة وضرب الدراهم باسمه له غزوات كثيرة أديبا ينظم الشعر مطلعا على علوم الشريعة وبعض فنون الفلسفة.

‌ابن عبد السّلام:

انظر ج 1 ص 266

‌أبو عبد الله:

انظر ج 6 ص 387

‌عبد الله بن أحمد:

انظر ج 7 ص 393

‌عبد الله بن جعفر:

انظر ج 3 ص 350

‌أبو عبد الله بن حامد:

انظر ج 2 ص 348

‌عبد الله بن رواحة توفى سنة 8 هـ:

عبد الله بن رواحة بن ثعلبة الأنصارى من الخزرج أبو محمد صاحبى بعد من الأمراء والشعراء الراجزين كان يكتب فى الجاهلية وشهد العقبة مع السبعين من الأنصار وكان أحد النقباء الاثنى عشر وشهد بدرا وأحدا والخندق والحديبية واستخلفه النبى صلى الله عليه وسلم على المدينة فى احدى غزواته وصحبه فى عمرة القضاء وله فيها رجز وكان أحد الأمراء فى وقعة مؤتة بأدنى البلقاء من أرض الشام. فاستشهد فيها.

‌عبد الله بن عمر:

انظر ج 1 ص 267

‌عبد الله بن مسعود:

انظر ج 1 ص 267

‌عبد الله بن هشام:

هو عبد الله بن هشام بن زهرة بن عثمان بن عمر بن كعب بن سعد ابن تيم بن مرة القرشى التيمى له ولأبيه صحبة روى عنه حفيده أبو عقيل زهرة ابن معبد قال البغوى سكن المدينة وقال ابن مندة كان مولده سنة 4 وذكر الذهبى فى التجريد أن البخارى أخرج حديثه فى الأضحية ولم أره فيه وانما أخرج حديثه البخارى فى كتاب الشركة من رواية أبى عقيل عن جده عبد الله بن هشام وكان قد أدرك النبى صلى الله عليه وسلم وذهبت به أمه زينب بنت حميد الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله بايعه فقال هو صغير فمسح رأسه ودعا له.

‌عبد الملك:

انظر ابن حبيب ج 1 ص 253

‌العجلانى:

هو عويمر بزيادة راء فى آخره هو ابن أبى أبيض العجلانى وقال الطبرانى هو عويمر بن الحرث بن زيد بن جابر بن الجد

ابن العجلان، وأبيض لقب لأحد آبائه ويؤيد ذلك ما سيأتى عن الموطأ أخرج الشيخان وغيرهما من حديث سهل بن سعد قال جاء العجلانى الى عاصم بن عدى فقال له يا عاصم أرأيت لو أن رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل الحديث فى نزول آية اللعان. ووقع فى الموطأ رواية العقبنى أنه عويمر بن أشقر العجلانى وقيل انه خطأ وأن عويمر بن أشقر آخر مازنى وهو المذكور بعد ولعل أحد أباء عويمر العجلانى كان يلقب أبيض فأطلق عليه الراوى أشقر.

‌العدوى:

انظر ج 1 ص 257

‌ابن عرفة:

انظر ج 1 ص 268

‌عروة بن الزبير:

انظر ج 8 ص 378

‌عقبة بن عامر:

انظر ص 3 ص 351

‌ابن عقيل:

انظر ج 2 ص 358

‌عكرمة:

انظر ج 1 ص 268

‌على بن أبى طالب:

انظر ج 1 ص 269

‌أبو على:

انظر ج 2 ص 358

‌أبو على بن راشد:

انظر ج 2 ص 358

‌أبو على الطبرنى:

انظر ج 10 ص 400

‌الشيخ عليش:

انظر ج 1 ص 269

‌عمر بن الخطاب:

انظر ج 1 ص 269

‌عمر بن عبد العزيز:

انظر ج 1 ص 269

‌عمران بن الحصين:

انظر ج 2 ص 359

‌عمرو بن العاص:

انظر ج 3 ص 350

‌عياض:

انظر ج 2 ص 362

‌حرف الغين:

‌الغزالى:

انظر ج 1 ص 270

‌حرف الفاء:

‌فاطمة:

انظر ج 1 ص 271

‌ابن فرحون:

انظر ج 1 ص 271

ص: 380

‌حرف القاف:

‌ابن القاسم:

انظر ج 1 ص 260

‌قاضى القضاة:

انظر ج 1 ص 260

‌القتيبى توفى سنة 276 هـ:

القتيبى مذكور فى المهذب والوسيط فى كتاب الوقف ثم فى اول كتاب العدد من المهذب بضم القاف وفتح الفاء بعدها موحدة وقد يزيدون فيه ياء مثناة من تحت بين التاء والباء للأول هو الفصيح المشهور الجارى على القواعد.

وهو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينورى الكاتب اللغوى الفاضل فى علوم كثيرة سكن بغداد وله مصنفات كثيرة جدا. فمن كتبه غريب القرآن ومشكل القرآن وغريب الحديث ومختلف الحديث وأدب الكاتب. وغيرها

‌ابن قدامة:

انظر ج 1 ص 271

‌القدورى:

انظر ج 1 ص 272

‌أبو قلابة:

انظر ج 1 ص 273

‌ابن القيم:

انظر ج 1 ص 273

‌حرف الكاف:

‌الكاسانى:

انظر ج 1 ص 273

‌كعب:

انظر ج 4 ص 370

‌الكرخى:

انظر ج 1 ص 273

‌الكمال بن الهمام:

انظر ج 1 ص 273

‌حرف اللام:

‌اللخمى:

انظر ج 1 ص 274

‌الكنى:

انظر ج 6 ص 361

‌الليث بن سعد:

انظر ج 1 ص 274

‌ابن أبى ليلى:

انظر ج 1 ص 274

‌حرف الميم:

‌المؤيد بالله:

انظر ج 1 ص 275

‌ابن ماجه:

انظر ج 1 ص 274

‌المازرى:

انظر ج 1 ص 275

‌المأوردى:

انظر ج 1 ص 275

‌المبرد:

انظر ج 7 ص 397

‌المتولى:

انظر ج 3 ص 355

‌المجد بن تيمية:

انظر ج 9 ص 382

‌مجزز المدلجى:

انظر ج 2 ص 363

‌محمد:

انظر ج 1 ص 275

‌محمد الحلبى:

انظر ج 6 ص 384

‌محمد بن قيس:

انظر ج 4 ص 372

‌محمد بن مسلم:

انظر ج 5 ص 378

‌محمد بن مسلمة:

انظر ج 2 ص 363

‌محمد بن المكرم توفى سنة 711 هـ:

هو محمد بن مكرم - بتشديد الراء - بن على بن أحمد الأنصارى الرويفعى ثم المصرى القاضى جمال الدين ابن المكرم من ولد رويفع بن ثابت الأنصارى ولد أول سنة ثلاثين وستمائة وكان فاضلا وعنده تشيع بلا رفض مات فى شعبان سنة احدى عشرة وسبعمائة اختصر كتبا كثيرة وله النظم والشعر.

‌المحقق القمى:

انظر القمى ج 1 ص 390

‌المرتضى:

انظر ج 1 ص 275

‌مروان:

انظر ج 1 ص 275

‌أبو مريم الأنصارى:

هو عبد الغفار بن القاسم ابن فهد الأنصارى يكنى أبو مريم امامى من أصحاب الباقر له كتب منها كتاب الصلاة روى عنه كثير من فقهاء الأمامية.

‌ابن مسعود:

انظر عبد الله ج 1 ص 267

‌مسلم:

انظر ج 1 ص 276

‌مسمع:

هو كروين بن مسمع بن عبد الملك بن مسمع يكنى أبا سيسار له كتاب أخبرنا به أحمد بن عبدون عن على بن محمد بن الزبير عن على بن الحسن بن فضال عن محمد ابن الربيع عن محمد بن الحسن بن سحنون عن عبد الله الأصم. والظاهر زيادة ابن هنا لأن كروين لقب مسمع. وقد ذكره الشيخ فى رجاله فى باب أصحاب الباقر بعنوان مسمع كروين وفى باب أصحاب الصادق بعنوان مسمع بن كروين وكذا النجاشى والكشى والعلامة الحلى فى كتبهم

‌مصطفى الرماصى توفى سنة 1136 هـ:

أبو الخيرات مصطفى بن عبد الله بن موصى الرماصى الامام الفقيه العالم المحقق أخذ عن شيوخ مازونه ومصر ومنهم الخرشى

ص: 381

والزرقانى وله حاشية على شرح الشمس التتائى على المختصر غاية فى الجودة والنبل.

‌أبو مضر:

انظر ج 4 ص 372

‌معاوية بن أبى سفيان:

انظر ج 1 ص 276

‌الشيخ المفيد توفى سنة 413 هـ:

أبو عبد الله محمد بن محمد بن النعمان بن عبد السّلام البغدادى، شيخ المشايخ. ورئيس رؤساء الملة فخر الشيعة. انتهت اليه رياسة الشيعة فى وقته، كثير التصانيف فى الأصول والكلام والفقه ولد فى عكبرى ونشأ وتوفى فى بغداد. له أصول الفقه.

والكلام فى وجوه اعجاز القرآن. وتاريخ الشريعة. والافصاح. فى الامامة.

‌أبو المهلب:

هو أبو المهلب عم أبى قلابة مذكور فى المهذب فى باب أروش الجنايات اسمه عبد الرحمن بن عمرو وقيل معاوية بن عمرو وقيل عمرو بن معاوية ذكر هذه الأقوال الثلاثة فيه البخارى فى تاريخه وذكرها غيره وقيل اسمه النضر بن عمرو الحرمى الأسدى العصرى التابعى الكبير روى عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وأبى بن كعب وعمران بن الحصين رضى الله عنهم روى عنه الحسن البصرى وابن سيرين وابن أبيه أبو قلابة عبد الملك ابن يزيد وعوف الاعرابى وكان أبو المهلب ثقة روى له مسلم فى صحيحه.

‌ابن المواز:

انظر ج 1 ص 278

‌ابن ميسر توفى سنة 677 هـ:

محمد بن على ابن يوسف بن ميسر تاج الدين أبو عبد الله مؤرخ مصرى توفى بالقاهرة من كتبه تاريخ القضاة وزين تاريخ مصر للمسبحى طبع مختصر الجزء الثانى منه باسم أخبار مصر.

‌حرف النون:

‌الناصر:

انظر ج 1 ص 178

‌النووى:

انظر ج 1 ص 279

‌حرف الهاء:

‌الهادى:

انظر ج 1 ص 280

‌ابن هارون:

انظر ج 10 ص 404

‌أبو هاشم توفى سنة 261 هـ:

أبو هاشم الجعفرى: داود بن القسم بن اسحاق ابن عبد الله بن جعفر بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه البغدادى. وكان ثقة جليل القدر عظيم المنزلة عند الأئمة عليهم السلام وقد شاهد منهم الرضا والجواد والهادى والعسكرى وصاحب الأمر صلوات الله عليهم أجمعين وكان منقطعا اليهم وقد روى عنهم كلهم وله أخبار ومسائل وله شعر جيد فيهم

‌ابن أبى هريرة:

انظر ج 1 ص 280

‌هشام:

انظر ج 2 ص 366

‌هشام بن سالم:

انظر ج 2 ص 366

‌هلال توفى سنة 245 هـ:

هو هلال بن يحيى بن مسلم البصرى فقيه من أعيان الحنفية من البصرة لقب بالرأى لسعة علمه وكثرة أخذه بالقياس له كتاب فى الشروط قال صاحب كشف الظنون أول من صنف فى علم الشروط والسجلات هلال بن يحيى وكتاب أحكام الوقف أشتهر هو وأحكام الوقف لأحمد بن عمر الخصاف بوقفى الهلال والخصاف.

‌حرف الواو:

‌ابن وهب:

انظر ج 2 ص 366

‌حرف الياء:

‌يحيى:

انظر ج 1 ص 280

يحيى: انظر ج 9 ص 385

‌يحيى بن عمر:

انظر ج 9 ص 386

‌القاضى أبو يلعى:

انظر ج 1 ص 281

‌أبو يوسف:

انظر ج 1 ص 281

‌أبن يونس:

انظر ج 1 ص 281

ص: 382