الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشربة
أولا: المعنى اللغوى والاصطلاحى:
جاء فى تعريفات الجرجانى «الأشربة جمع شراب، وهو - فى اللغة - كل مائع رقيق يشرب ولا يتأتى فيه المضغ حلالا كان أو حراما
(1)
.
والأشربة فى اصطلاح الفقهاء يراد بها الأشربة المحرمة سواء أكان تحريمها محل اتفاق أو اختلاف من المائعات المحرمة.
والشراب عندهم يشمل ما اتفق على حرمته، ولذا قال بعض العلماء: المتبادر من الشراب فى عرف الفقهاء ما حرم أو اختلف فى حرمته بشرط كونه مسكرا
(2)
.
ثانيا: أنواع الأشربة:
الأشربة أنواع متعددة. أظهرها حسب ما نص عليه الفقهاء - ما يأتى:
1 -
الخمر.
2 -
الطلاء.
3 -
السكر.
4 -
نقيع الزبيب.
5 -
نبيذ التمر والزبيب.
6 -
المثلث.
7 -
نبيذ العسل والذرة والشعير وغيرها.
8 -
الخليطان.
التعريف بها وحكمها:
1 -
الخمر تعريفها فى اللغة مأخوذة من خمر اذا ستر، ومنه خمار المرأة. وكل شئ غطى شيئا فقد خمره، والخمر تخمر العقل أى تغطيه وتستره، فلذلك سميت بهذا الاسم.
وقيل: انما سميت بذلك لمخامرتها العقل من المخامرة
(3)
وهى المخالطة.
وقيل: سميت خمرا، لأنها تركت فاختمرت واختمارها تغير ريحها
(4)
.
(1)
التعريفات للشريف الجرجانى ص 17 طبعة سنة 1283 هـ.
(2)
كشاف اصطلاحات الفنون لمحمد على الفاروقى التهانوى ج 1 ص 732 طبع كلكتا،
(3 و 4)) مختار الصحاح.
ويقول الزيلعى: من فقهاء الحنفية - فى تعريف الخمر هى التئ من ماء العنب اذا غلا واشتد وقذف بالزبد ..
وقال بعضهم: كل مسكر خمر، لما روى عن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال:«كل مسكر خمر وكل مسكر حرام» رواه مسلم وأبو داود والترمذى وغيرهم.
وفى لفظ كل مسكر خمر وكل خمر حرام رواه مسلم.
ولقوله عليه الصلاة والسلام الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة رواه مسلم وأبو داود والترمذى وجماعة.
وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ان من الحنطة خمرا، وان من الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن التمر خمرا، ومن العسل خمرا رواه أبو داود والترمذى وجماعة أخر، ولأنها سميت خمرا لمخامرتها العقل، والسكر يوجد بشرب غيرها فكان خمرا.
ولنا أن الخمر حقيقة اسم للنئ من ماء العنب المسكر بانفاق أهل اللغة، وغيره يسمى مثلثا أو باذقا الى غير ذلك من أسمائه، وتسمية غيرها خمرا مجازا، وعليه يحمل الحديث أو على بيان الحكم ان ثبت، لأنه عليه الصلاة والسلام بعث له لا لبيان الحقائق.
ولا نسلم أنها سميت خمرا لمخامرتها العقل، بل لتخمرها ولئن سلمنا أنها سميت بالخمر لمخامرتها العقل لا يلزم منه أن يسمى غيرها بالخمر قياسا عليها، لأن القياس لاثبات الأسماء اللغوية باطل وانما هو لتعدى الحكم الشرعى .. ألا ترى ان البرج سمى برجا لتبرجه وهو الظهور، وكذا النجم سمى نجما لظهوره، ثم لا يسمى كل ظاهر برجا ولا نجما.
وما ذكره فى المختصر من تعريف الخمر هو قول أبى حنيفة رحمه الله.
وعندهما اذا اشتد صار خمرا ولا يشترط فيه القذف بالزبد: لأن اللذة المطربة والقوة المسكرة تحصل به، وهو المؤثر فى ايقاع العداوة والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وأما القذف بالزبد فهو وصف لا تأثير له فى احداث صفة السكر.
وله أن الغليان بداية الشدة وكماله بقذف الزبد، لأنه يتميز به الصافى عن الكدر، وأحكام الشرع المتعلقة بها قطعية كالحد واكفار مستحلها ونحو ذلك، فتناط بالنهاية به.
وقيل يؤخذ فى حرمة الشرب بمجرد الاشتداد، وفى وجوب الحد على الشارب بقذف الزبد احتياطا
(1)
.
(1)
أنظر كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للامام العلامة العالم فخر الدين عثمان الزيلعى الحنفى وبهامشه حاشية الامام العلامة الشيخ الشلبى، ج 6 ص 44 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الأولى سنة 1315 هـ.
ويقول ابن رشد المالكى الخمر ما أسكر وخامر
(1)
العقل.
وحقيقة الخمر عند أكثر أصحاب الشافعى المسكر من عصير العنب وان لم يقذف بالزبد.
وقال المزنى وجماعة ان اسم الخمر يقع على الأنبذة حقيقة لأن الاشتراك فى الصفة يقتضى الاشتراك فى الاسم وهو قياس فى اللغة
(2)
.
أما ابن حزم الظاهرى فيقول: كل شئ أسكر كثيره أحدا من الناس فالنقطة منه فما فوقها الى أكثر المقادير خمر
(3)
.
ويقول فقهاء الزيدية ان الخمر المجمع على تحريمها والكافر مستحلها هى خمر العنب والرطب لقوله صلى الله عليه وسلم:
«الخمر من هاتين الشجرتين
(4)
».
أما الأمامية فيقولون «الخمر هى عصير العنب الذى اشتد وأسكر وكذا كل ما يسكر من الأشربة الأخرى يسمى خمرا
(5)
.
حرمة شرب الخمر
مذهب الحنفية:
جاء فى المبسوط
(6)
«الخمر حرام بالكتاب والسنة والاجماع» .
أما الكتاب فقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
(7)
الى أن قال {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} وقد روى فى ذلك أن عمر رضى الله عنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر مهلكة للمال مذهبة للعقل فادع الله تعالى يبينها لنا فجعل يقول اللهم بين لنا فى الخمر بيانا شافيا فنزل قوله تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما وَيَسْئَلُونَكَ ماذا}
(1)
المقدمات الممهدات ج 2 ص 10 طبع سنة 1325 هـ.
(2)
تحفة المحتاج ج 7 ص 636.
(3)
المحلى للامام محمد بن على بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 7 ص 478 مسألة رقم 1098 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الأولى طبع محمد بن عبده أغا الدمشقى.
(4)
أنظر كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 348 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ، سنة 1948، الطبعة الأولى طبع الخانجى بمصر.
(5)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام تأليف شيخ الفقهاء وامام المحققين الشيخ محمد حسن النجفى ج 6 ص 63 طبع دار الكتب الاسلامية بمطبعة النجف الطبعة السادسة سنة 1378 هـ.
(6)
انظر كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 3 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى، وفيض القدير شرح الجامع الصغير للعلامة محمد المدعو بعبد الرءوف المناوى ج 5 ص 267 الطبعة الأولى سنة 1356 هـ، سنة 1938 م طبع مطبعة المكتبة التجارية الكبرى بمصر لصاحبها مصطفى محمد.
(7)
الآية رقم 90 من سورة المائدة.
{يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ}
(1)
.
فامتنع عنها بعض الناس.
وقال بعض آخر: نصيب من منافعها وندع المأثم.
فقال عمر رضى الله عنه: اللهم زدنا فى البيان فنزل قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً}
(2)
.
فامتنع بعضهم وقالوا: لا خير لنا فيما يمنعنا من الصلاة، وقال بعضهم بل نصيب منها فى غير وقت الصلاة.
فقال عمر: اللهم زدنا فى البيان فنزل قوله تعالى {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ}
(3)
» الآية: فقال عمر رضى الله عنه انتهينا ربنا.
وبين الله تعالى أن كل ذلك - الخمر وما ذكر معها - رجس، والرجس ما هو محرم العين، وأنه من عمل الشيطان يعنى أن من لا ينته عنه متابع للشيطان مجانب لما فيه رضى الرحمن.
وفى قوله عز وجل فاجتنبوه أمر بالاجتناب عنه، وهو نص فى التحريم.
ثم بين المعنى فيه بقوله عز وجل:
انما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء فى الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة.
وكان هذا اشارة الى الاثم الذى بينه الله تعالى فى الآية الأولى بقوله عز وجل واثمهما أكبر من نفعهما.
وفى قوله فهل أنتم منتهون أبلغ ما يكون من الأمر بالاجتناب، وقال تعالى {(قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ)} والاثم من أسماء الخمر.
وأما السنة فما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة اليه وآكل ثمنها (والعاصر من عصر لغيره والمعتصر من عصر لنفسه) وذلك دليل نهاية التحريم.
وقال عليه الصلاة والسلام: شارب الخمر كعابد الوثن وقال عليه الصلاة والسلام الخمر أم الخبائث.
وقال عليه الصلاة والسلام اذا وضع
(1)
الآية رقم 219 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 43 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 90 من سورة المائدة.
الرجل قدحا من خمر على يده لعنته ملائكة السموات والأرض فان شربها لم تقبل صلاته أربعين ليلة وان داوم عليها فهو كعابد الوثن.
وكان جعفر الطيار رحمه الله يتحرز عن هذا فى الجاهلية والاسلام ويقول:
العاقل يتكلف ليزيد فى عقله فأنا لا أكتسب شيئا يزيل عقلى.
والأمة أجمعت على تحريمها وكفى بالاجماع حجة هذه حرمة قوية باتة حتى يكفر مستحلها ويفسق شاربها ويجب الحد بشرب القليل والكثير منها.
والقليل والكثير منها فى الحرمة وفى جميع ما ذكر من الأحكام سواء لقوله عليه الصلاة والسلام «حرمت الخمر لعينها قليلها وكثيرها والمسكر من كل شراب» ثم فى تناول القليل منها معنى العداوة والصد عن ذكر الله تعالى، فالقليل يدعو الى الكثير على ما قيل:
ما من طعام وشراب الا ولذته فى الابتداء تزيد على اللذة فى الانتهاء الا الخمر، فان اللذة لشاربها تزداد بالاستكثار منها، ولذا يزداد حرصه على شربها اذا أصاب منها شيئا فكان القليل منها داعيا الى الكثير منها فيكون محرما كالكثير ألا ترى ان الزنا لما حرم شرعا حرمت دواعيه - أيضا - وأن المشئ على قصد المعصية معصية
(1)
.
مذهب المالكية:
يقول ابن رشد: أجمعت الأمة على أن الخمر محرمة فى كتاب الله تعالى فقال تعالى: «إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» }. وهذه الآية نزلت بعد قوله تعالى «يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما» }.
وقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ» }.
ويدل على تحريمها أيضا أن الله سماها رجسا، ونص على تحريم الرجس فقال:
قل لا أجد فيما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به.
وسماها اثما فى موضع آخر فقال:
يسألونك عن الخمر والميسر كل فيهما اثم لكبير.
ثم نص على تحريم الاثم فقال: «قل انما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم» .
(1)
المبسوط ج 24 ص 3 الطبعة الاولى وشرح المناوى على الجامع الصغير ج 5 ص 267 الطبعة السابقة
وقد جاءت السنة أيضا نصا فى تحريمها فقال صلى الله عليه وسلم «ان الله حرمها كما أجمعت الأمة على تحريمها فكان تحريمها معلوما من الدين بالضرورة.
فمن قال ان الخمر ليست بحرام فهو كافر باجماع يستتاب كما يستتاب المرتد، فان تاب والا قتل.
روى ان ناسا من أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمهم الصلاة والسنن والفرائض، ثم قالوا: يا رسول الله ان لنا شرابا نصنعه من القمح، فقال صلى الله عليه وسلم:
أيتغير به فقالوا: نعم فقال:
لا تطعموه قالوا: فانهم لا يدعونه قال:
من لم يدعه فاضربوا عنقه يريد مكذبا بتحريمه.
ومن شربها وهو مقر بتحريمها جلد الحد ثمانين. وشرب الخمر من أكبر الكبائر والآثار الواردة بالتشدد فى شرب الخمر كثيرة أكثر الناس من ذكرها فلا حاجة لذكرها
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى تحفة المحتاج: «شرب الخمر حرام اجماعا وهو من الكبائر
(2)
. بل هى أم الكبائر كما قاله عمر وعثمان رضى الله عنهما
(3)
.
واذا كان المسلمون قد شربوا منها فى أول الاسلام فذلك قبل تحريمها.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: الخمر محرمة بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}.
وأما السنة فقول النبى صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام رواه أبو داود.
وثبت عن النبى صلى الله عليه وسلم تحريم الخمر بأخبار تبلغ فى مجموعها رتبة التواتر.
وأجمعت الأمة على تحريمها ..
وروى الخلال باسناده عن محارب بن دثار ان أناسا شربوا بالشام الخمر فقال لهم يزيد بن أبى سفيان شربتم الخمر:
(1)
المقدمات الممهدات لابن رشد ج 2 ص 8 ص 10 طبعة سنة 1325 هـ.
(2)
تحفة المحتاج ج 7 ص 636 الطبعة الأولى
(3)
حاشية الشروانى على تحفة المحتاج ج 7 ص 636.
قالوا نعم يقول الله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا» الآية
(1)
، فكتب فيهم الى عمر ابن الخطاب، فكتب اليه ان أتاك كتابى هذا نهارا فلا تنتظر بهم الى الليل، وان أتاك ليلا فلا تنتظر نهارا حتى تبعث بهم الى، لئلا يفتنوا عباد الله، فبعث بهم الى عمر، فشاور فيهم الناس، فقال لعلى:
ما ترى؟ فقال: أرى أنهم قد شرعوا فى دين الله ما لم يأذن الله فيه «فان زعموا أنها حلال فاقتلهم فقد أحلوا ما حرم الله. وان زعموا أنها حرام فاجلدهم ثمانين فقد افتروا على الله، وقد أخبرنا الله عز وجل بحد ما يفترى بعضنا على بعض فحدهم عمر ثمانين
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: «أما الخمر فمحرمة بالنص والاجماع المتيقن فواجب اجتنابها قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: «الخمر محرمة اجماعا لقوله تعالى «رجس فحرمتها الآية من وجوه حيث قرنها بالأزلام وسماها رجسا ومن عمل الشيطان.
وقال تعالى: فاجتنبوه.
وقال أيضا: لعلكم تفلحون ووصفها بالصد عن ذكر الله وقال تعالى فهل أنتم منتهون.
ومن السنة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لعن الله الخمر .. الحديث
(4)
، ولأن حفظ العقل واجب عقلا
(5)
.
وفى شرح الأزهار لا خلاف فى تحريم الخمر.
قال فى الانتصار من استحل شربها فقد كفر
(6)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى جواهر الكلام: الخمر محرمة بلا خلاف بين المسلمين بل من ضروريات دينهم على وجه يدخل مستحله فى الكافرين
(7)
.
(1)
الآية رقم 93 من سورة المائدة.
(2)
المغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 10 ص 325، ص 326 طبع المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 1 ص 124 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 348 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق لابن المرتضى ج 4 ص 348 وما بعدها الطبعة السابقة.
(6)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 361 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(7)
جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ج 6 ص 63 طبعة حجر بمكتبة كلية الشريعة بمصر.
مذهب الإباضية:
قسم صاحب قناطر الخيرات الذنوب الى كبائر وصغائر، ثم قسم كبائر الذنوب الى أقسام مختلفة خصص قسما منها للكبائر التى ترتكب بطريق الأكل أو الشرب فقال:
ثلاثة منها فى البطن: شرب الخمر والمسكر من كل شراب
(1)
. وأكل مال اليتيم وأكل الربا.
أما الشرب للخمر فهو حقيقى أن يكون من الكبائر الموبقات وقد دل عليه تشديدات الشرع وطريق النظر أيضا، لأن العقل محفوظ - أى هو من الضروريات التى يجب حفظها - كالنفس بل لا خير فى النفس بعد ازالة العقل
(2)
.
نجاسة الخمر
مذهب الحنفية:
الخمر نجسة نجاسة مغلظة، لأن الله تعالى سماها رجسا فكانت كالبول والدم المسفوح، ولذلك فانه لا يعفى عن أكثر من قدر الدرهم منها
(3)
.
مذهب المالكية:
يقول ابن رشد المالكى: «كل مسكر مطرب من أى نوع كان من الأنبذة والأشربة نجس الذات، لأن الله تعالى سمى الخمر رجسا كما سمى النجاسات من الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير رجسا.
وقال تعالى: قل لا أجد فيما أوحى الى محرما على طاعم يطعمه الا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فانه رجس أو فسقا أهل لغير الله به.
والخمر اذا تخللت صارت طاهرة
(4)
.
مذهب الشافعية:
يقول النووى رحمه الله: الخمر نجسة عندنا.
ونقل الشيخ أبو حامد الاجماع على نجاستها.
(1)
انظر كتاب قناطر الخيرات لشيخ الاسلام العالم العلامة الشيخ اسماعيل بن موسى الجيطالى النفوسى ج 2 ص 219، ص 220 طبع مطبعة محمد البارونى. وشركاه بمصر سنة 1307 هـ.
(2)
المرجع السابق لابن موسى الجيطالى النفوسى ج 2 ص 224 الطبعة السابقة.
(3)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 5 ص 397 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر الطبعة الثالثة سنة 1325 هـ بمصر، والمبسوط لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 3 الطبعة السابقة.
(4)
المقدمات الممهدات لابن رشد ج 2 ص 10، ص 11 طبع سنة 1325 هـ.
واحتج أصحابنا بالآية الكريمة، قالوا: ولا يضر قرن الميسر والانصاب والازلام بها مع أن هذه الأشياء طاهرة، لأن هذه الثلاثة خرجت بالاجماع فبقيت الخمر على مقتضى الكلام ولا يظهر من الآية دلالة ظاهرة، لأن الرجس عند أهل اللغة القذر ولا يلزم من ذلك النجاسة وكذا الأمر بالاجتناب لا يلزم منه النجاسة.
وقول بعضهم ولأنه يحرم تناوله من غير ضرورة فكان نجسا كالدم لا دلالة فيه لوجهين.
أحدهما: أنه منتقض بالمنى والمخاط وغيرهما.
والثانى: أن العلة فى منع تناولهما مختلفة، فلا يصح القياس، لأن المنع من الدم لكونه مستخبثا والمنع من الخمر لكونها سببا فى العداوة والبغضاء وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة كما صرحت به الآية الكريمة وأقرب ما يقال ما ذكره الغزالى أنه حكم بنجاستها تغليظا وزجرا عنها.
ولا فرق فى نجاسة الخمر بين الخمر المحترمة
(1)
وغيرها.
وكذا لو استحال باطن حبات العنب خمرا فانه نجس.
وحكى امام الحرمين والغزالى وغيرهما: أن الخمر المحترمة طاهرة، ووجهه أن باطن حبات العنب المستحيل طاهر.
والصواب النجاسة
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة رحمه الله: الخمر نجسة فى قول أهل العلم، لأن الله تعالى حرمها لعينها فكانت نجسة كالخنزير وكل مسكر حرام نجس
(3)
.
مذهب الظاهرية:
لم يتكلم ابن حزم الظاهرى عن نجاسة الخمر استقلالا، ولكنه أشار الى نجاستها فى ثنايا كلامه عن النجاسات بصفة عامة حيث يقول:
وازالة النجاسة وكل ما أمر الله باجتنابه فهو فرض
(4)
.. فما كان فى الخف أو النعل
(1)
الخمر المحترمة هى التى اتخذ عصيرها ليصير خلا.
(2)
أنظر كتاب المجموع شرح المهذب للامام العلامة الحافظ أبى زكريا محيى الدين شرف النووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز، للامام الجليل أبى القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعى ويليه التلخيص الحبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير للامام الحافظ أبى الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى ج 2 ص 564، طبع مطبعة التضامن الأخوى ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1344 هـ.
(3)
المغنى ج 10 ص 341.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 91، 92 الطبعة السابقة.
من دم أو خمر أو بول أو غير ذلك فتطهيرهما بأن يمسحا بالتراب.
برهان ذلك أن كل ما ذكرنا من الدم والخمر والبول حرام والحرام فرض اجتنابه لا خلاف فى ذلك
(1)
.
مذهب الزيدية:
يعتبر الزيدية الخمر وغيرها من المسكرات أعيانا نجسة.
ففى شرح الأزهار: «والسكر من عنب كان أو غيره فانه نجس وان طبخ
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة: ومن النجاسات المسكرات ..
وفى الغنية كل شراب مسكر نجس.
وفى المنته على أن الخمر ان تجمد لا يخرج عن حكم النجاسة .. الا أن تزول عنه صفة الاسكار.
هذا وقد نقل فى الدروس والذكرى وشرح الفاضل أن الصدوق والجعفى والحسن ذهبوا الى طهارة الخمر.
وفى المنته أن القول بنجاسة الخمر هو قول أكثر أهل العلم.
وفى الحبل المتين: أطبق علماء الخاصة والعامة على نجاسة الخمر الا شرذمة منا.
والشيخ فى التهذيب قال ان الرجس هو النجس بلا خلاف. ولذا استدل فى المنته بالآية الشريفة وقال: الرجس النجس بالاتفاق.
وفى الدلائل ان الاخبار الدالة على نجاسة الخمر تقرب من عشرين خبرا.
ويلحق بها العصير اذا غلى واشتد
(3)
.
مذهب الإباضية:
يقول شارح النيل: من أعيان النجاسات الخمر وما يسكر عند الأكثر منا.
وأما الأكثر من قومنا فعندهم أنها نجسة لا بعينها - وزعم بعض أن ذاتها طاهرة والمحرم شربها
(4)
.
(1)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج. 1.
ص 91، ص 92.
(2)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 36 الطبعة السابقة.
(3)
أنظر من كتاب مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة للشيخ محمد جواد بن محمد بن محمد الحسينى العاملى ج 1 ص 139، ص 140 طبع مطبعة القاهرة المعزية بالمطبعة الرضوية بمصر سنة 1324 هـ.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 248 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ.
وفى قناطر الخيرات ان المائعات كلها طاهرة الا البول والخمر وكل نبيذ مسكر
(1)
.
عدم تقوم الخمر وما يترتب عليه
مذهب الحنفية:
يقول العلامة ابن عابدين: «وسقط تقومها أى الخمر فى حق المسلم، لأن الله لما نجسها فقد أهانها والتقوم يشعر بعزتها.
ولكن لا تسقط ماليتها فى الأصح، لأن المال ما يميل اليه الطبع ويجرى فيه البذل والمنع فتكون مالا لكنها غير مقومة فى حق المسلم.
وأما الذمى فهى متقومة فى حقه كالخنزير حتى صح بيعه لهما.
ولو أتلفهما له غير الامام ومأموره ضمن قيمتهما
(2)
. (انظر اتلاف).
ومما يترتب على عدم تقومها فى حق المسلم أنه لا يجوز بيعها بين المسلمين، ولا أكل ثمنها، لأن الله تعالى سماها رجسا وأمر بالاجتناب عنها فاقتضى ذلك أنه لا يجوز للمسلم الاقتراب منها على جهة التمول بحال.
وسئل ابن عمر رضى الله عنه عن بيع الخمر وأكل ثمنها فقال: قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فحملوها وباعوها وأكلوا ثمنها وان الذى حرم شربها حرم بيعها وأكل ثمنها. وممن لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بائعها:
ومشتريها.
وان كان لرجل دين على رجل فقضاه من ثمن خمر لم يحل له أن يأخذه الا أن يكون الذى عليه الدين كافرا فلا بأس حينئذ أن يأخذها منه، لأنها مال متقوم فى حق الكافر، فيجوز بيعه ويستحق البائع ثمنه ثم المسلم يأخذ ملك مديونه بسبب صحيح، وما يأخذه عوض عن دينه فى حقه لا ثمن الخمر.
وأما بيع الخمر من المسلم فباطل والثمن غير مستحق له وهو واجب الرد على من أخذه منه، وصاحب الدين ليس له أخذ ملك مديونه بل ملك الغير الحاصل عنده بسبب فاسد شرعا فيكون هو بهذا الأخذ مقررا الحرمة والفساد وذلك لا يحل.
ولا بأس ببيع العصير ممن يتخذه خمرا، لأن العصير مشروب طاهر حلال فيجوز بيعه وأكل ثمنه ولا فساد فى قصد البائع، انما الفساد فى قصد المشترى ولا تزر وازرة وزر أخرى، ألا ترى أن بيع الكرم ممن يتخذ الخمر
(1)
قنائير الخيرات لابن موسى الجيطالى النفوسى ج 1 ص 407 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 397 الطبعة السابقة.
من عنبه جائز لا بأس به، وكذلك بيع الأرض ممن يغرس فيها كرما ليتخذ من عنبه الخمر وهذا قول أبى حنيفة وهو القياس.
وكره ذلك أبو يوسف ومحمد رحمهما الله استحسانا، لأن بيع العصير ممن يتخذه خمرا اعانة على المعصية وتمكين منها، وذلك حرام، واذا امتنع البائع من البيع يتعذر على المشترى اتخاذ الخمر فكان فى البيع منه تهييج للفتنة وفى الامتناع تسكينها
(1)
.
مذهب المالكية:
يقول ابن رشد: «أما ما لا يصح تملكه فلا يجوز بيعه باجماع
كالخمر
(2)
.
ويقول القرطبى قوله تعالى: فاجتنبوه يقتضى الاجتناب المطلق الذى لا ينتفع معه
…
لا بشرب ولا ببيع.
وعلى هذا تدل الأحاديث الواردة فى هذا الشأن.
روى مسلم عن ابن عباس أن رجلا أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم رواية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن الله حرمها؟ قال:
لا قال: فسار رجلا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ساررته قال أمرته ببيعها فقال ان الذى حرم شربها حرم بيعها قال ففتح المزادة
(3)
حتى ذهب ما فيها.
وقد أجمع المسلمون على تحريم بيع الخمر
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع: الخمر نوعان:
محترمة، وغيرها.
فالمحترمة هى التى اتخذ عصيرها ليصير خلا.
وغيرها ما اتخذ عصيرها للخمرية
(5)
.
وفى مغنى المحتاج: «ولا يصح بيع الخمر .. لخبر الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، وقال: ان الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير
(6)
.
(1)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 25، ص 26 الطبعة السابقة.
(2)
المقدمات الممهدات لابن رشد ج 2 ص 214.
(3)
المزادة الراوية بمعنى واحد وهى القربة التى فيها الخمر.
(4)
تفسير القرطبى ص 2286 طبع مطبعة دار الشعب بمصر.
(5)
المجموع شرح المهذب لابن شرف الدين النووى ج 2 ص 576 الطبعة السابقة.
(6)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 2 ص 37 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.
وروى الترمذى عن أنس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرة: عاصرها، ومعتصرها، وشاربها، وساقيها، وحاملها، والمحمولة اليه، وبائعها، ومبتاعها، وواهبها، وآكل ثمنها
(1)
.
ويقول النووى: ولا يصح بيع الخمر المحترمة على المذهب.
ولو استحالت أجواف حبات العناقيد خمرا ففى صحة بيعها اعتمادا على طهارة ظاهرها وتوقع طهارة باطنها وجهان
(2)
.
هذا ومن البيوع المنهى عنها عند الشافعية بيع الرطب والعنب ونحوهما كالتمر والزبيب لعاصر الخمر بأن يعلم منه ذلك، أو يظن ظنا غالبا.
أما اذا شك فيما ذكر أو توهمه فالبيع مكروه
(3)
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: ولا يجوز بيع الخمر ولا التوكيل فى بيعه ولا شراؤه.
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم علي أن بيع الخمر غير جائز. فقد روت عائشة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: حرمت التجارة فى الخمر، ومن وكل فى بيع الخمر وأكل ثمنه فقد أشبههم - أى أشبه اليهود فى بيعهم الشحوم المحرمة وأكل ثمنها وقد لعنهم الرسول لذلك - ولأن الخمر نجسة محرمة يحرم بيعها، والتوكيل فى بيعها كالميتة والخنزير
(4)
.
وبيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم لقول الله تعالى: ولا تعاونوا على الاثم والعدوان، وهذا نهى يقتضى التحريم.
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه لعن فى الخمر عشرة، ذكر منها بائعها، ومبتاعها، وساقيها، وأشار الى كل معاون عليها، وساعد فيها.
وروى ابن بطة باسناده عن محمد بن سيرين: أن قيما كان لسعد بن أبى وقاص فى أرض له، فأخبره عن عنب لا يصلح زبيبا، ولا يصلح أن يباع الا لمن يعصره فأمر بقلعه، وقال: بئس الشيخ أنا ان بعت الخمر، ولأنه يعقد عليها لمن يعلم أنه يريدها للمعصية، فأشبه أجارة أمته لمن يعلم أنه يستأجرها ليزنى بها.
(1)
حاشية الشهاب الرملى ج 4 ص 158 وحاشية أسنى المطالب طبعة سنة 1306 هـ
(2)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 2 ص 578 الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج الى معرفة المنهاج للشربينى الخطيب ج 2 ص 37 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 4 ص 223، ص 224 الطبعة السابقة.
اذا ثبت هذا فانما يحرم البيع ويبطل اذا علم البائع قصد المشترى ذلك، أما بقوله، وأما بقرائن مختصة به تدل على ذلك.
وأما ان كان الأمر محتملا مثل أن يشتريها من لا يعلم حاله، أو من يعمل الخل والخمر فالبيع جائز.
واذا ثبت التحريم فالبيع باطل، لأنه عقد على عين لمعصية الله بها، فلم يصح، كاجارة الأمة للزنا وللغناء
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: «كل شئ أسكر كثيره أحدا من الناس فالنقطة منه فما فوقها الى أكثر المقادير خمر حرام ملكه وبيعه
(2)
.
ويقول أيضا: وجائز بيع العصير ممن لا يوقن أنه يبقيه حتى يصير خمرا. فان تيقن أنه يجعله خمرا لم يحل بيعه منه أصلا وفسخ البيع، لقول الله تعالى:
وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان.
وبيقين ندرى أنه من باع العنب أو النبيذ أو الخمر ممن يتخذه خمرا، فقد أعانه على الاثم والعدوان، وهذا محرم بنص القرآن، واذ هو محرم فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: ويحرم بيع الخمر، لما روى عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام فتح مكة: ان الله حرم بيع الخمر والميتة والأصنام .. الحديث
وما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ان الله اذا حرم على قوم أكل شئ حرم عليهم ثمنه.
فان باعها ذمى لمسلم لم يصح اذ حرم ثمنها، فعن ابن عباس أن رجلا أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل علمت أن الله حرمها قال لا، قال: فسار انسانا الى جنبه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم ساررته، قال: أمرته ببيعها، فقال: ان الذى حرم شربها حرم ثمنها، ففتح حتى ذهب ما فيها
(4)
.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 4 ص 222، ص 223.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 478 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 11 ص 371 مسألة رقم 2592 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى وهامشه ج 4 ص 308، ص 309 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف: «لا يجوز بيع الخمر .. لاجماع الفرقة، وأيضا روى عن عائشة أنها قالت أن النبى صلى الله عليه وسلم حرم التجارة فى الخمر، وروى عنه أنه قال: ان الذى حرم شربها حرم بيعها، وروى ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه جبريل فقال:
يا محمد ان الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة اليه، وشاربها، وبايعها ومبتاعها، وساقيها
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: حرم بيع مجمع على تحريمه .. كالخمر ونحوها من المسكرات.
وان زال اسكارها جاز على الخلاف
(2)
.
الانتفاع بالخمر فى غير الشرب
مذهب الحنفية:
جاء فى المبسوط ما يفيد أن الانتفاع بالخمر حرام، فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر عشرا وعدهم ويفهم من ذلك تحريم الانتفاع بالخمر.
ويحرم أن تمتشط المرأة بالخمر، لأنها فى خطاب تحريم الشرب كالرجل، وكذلك فى وجوب الحد عليها عند الشرب فكذلك فى الانتفاع بها من حيث الامتشاط.
وقد صح عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت تنهى النساء عن ذلك أشد النهى.
وكذلك لا يحل أن يسقى الصبيان الخمر للدواء وغير ذلك، والاثم على من يسقيهم، لأن الاثم ينبنى على الخطاب، والصبى غير مخاطب، لكن من يسقيه مخاطب فهو الآثم.
وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال:
ان أولادكم ولدوا على الفطرة فلا تداووهم بالخمر ولا تغذوهم بها، فان الله لم يجعل فى رجس شفاء.
ويكره للرجل أن يداوى بها جرحا فى بدنه أو يداوى بها دابته، لأنه نوع انتفاع بالخمر، والانتفاع بالخمر محرم شرعا من كل وجه ثم الضرورة لا تتحقق هنا
(3)
.
ويكره الاحتقان بالخمر والاقطار منها فى الاحليل ولا حد فى ذلك، لأن ما يقطر فى احليله لا يصل الى جوفه، ولهذا
(1)
الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الامام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 588 طبع مطبعة رنكين فى طهران الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 4 ص 10 الطبعة السابقة.
(3)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 21 الطبعة السابقة.
لا يفطره عند أبى حنفيه ومحمد رحمهما الله تعالى، والحقنة وان كانت مفطرة فالحد لا يلزمه فيما يصل الى جوفه من أسافل البدن، لأن الحد للزجر، والطبع لا يميل الى ذلك
(1)
.
واذا استعط الرجل بالخمر أو اكتحل بها، أو اقتطرها فى أذنه، أو داوى بها جائفة، أو آمة فوصل الى دماغه، فلا حد عليه، لأن وجوب الحد يعتمد على شرب الخمر، وهو بهذه الأفعال لا يصير شاربا، وليس فى طبعه ما يدعوه الى هذه الأفعال، لتقع الحاجة الى شرع الزجر عنها.
ولو عجن دواء بخمر ولته أو جعلها أحد أخلاط الدواء ثم شربها، والدواء هو الغالب فلا حد عليه.
وان كانت الخمر هى الغالبة فانه يحد، لأن المغلوب يصير مستهلكا بالغالب اذا كان من خلاف جنسه والحكم للغالب
(2)
..
ولو عجن الدقيق بالخمر، ثم خبزه كره أكله، لأن الدقيق تنجس بالخمرة والعجين لا يطهر بالخبز فلا يحل أكله.
ولو صب الخمر فى حنطة لم يؤكل منها حتى تغسل، لأنها تنجست بالخمر.
فان غسل الحنطة وطحنها ولم يوجد فيها طعم الخمر ولا ريحها فلا بأس بأكلها، لأن النجاسة كانت على ظاهرها، وقد زالت بالغسل بحيث لم يبق شئ من آثارها فهى وما لو تنجست بدم أو بول سواء.
فان تشرب الخمر فى الحنطة فقد ذكر فى النوادر عن أبى يوسف تغسل ثلاث مرات، وتجفف فى كل مرة فتطهر.
وعند محمد رحمه الله لا تطهر بحال، لأن الغسل انما يزيل ما على ظاهرها.
فأما ما تشرب فيها فلا يستخرج الا بالعصر والعصر فى الحنطة لا يتأتى وهو الى القياس أقرب.
وما قاله أبو يوسف أرفق بالناس لأجل البلوى والضرورة فى جنس هذا ..
ويكره أن تسقى الخمر للدواب، لأنه نوع انتفاع بالخمر واقتراب منها على قصد التمول ولذلك يكره للمسلم أن يسقيها للذمى كما لا يحل له أن يشربها. وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الخمر ساقيها كما لعن شاربها
(3)
.
ولو سقى شاة خمرا ثم ذبحت ساعتئذ، فلا بأس بلحمها، وكذلك لو حلب منها اللبن، فلا بأس بشربه لأن الخمر صارت
(1)
المرجع السابق لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 35 الطبعة السابقة.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 25، ص 26 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 25، ص 26 الطبعة السابقة.
مستهلكة بالوصول الى جوفها، ولم تؤثر فى لحمها، ولا لبنها، وهى على صفة الخمرية بحالها، فلهذا لا بأس بأكل لحمها وشرب لبنها.
ولو صب رجل خابية من خمر فى نهر مثل الفرات، أو أصغر منه ورجل أسفل منه فمرت الخمر فى الماء، فلا بأس بأن يشرب من ذلك، الا أن يكون وجد فيه طعمها أو ريحها فلا يحل له حينئذ، بخلاف ما لو وقعت قطرة من خمر فى اناء فيه ماء، لأن الاناء قد تنجس فلا يحل شربه. وان كان لا يوجد فيه طعم الخمر.
وأما الفرات فلا ينجس اذ لم يتغير طعمه ولا رائحته بما صب فيه لقوله عليه الصلاة والسلام خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير طعمه أو لونه أو ريحه، والمراد الماء الجارى، ثم ما صب فى الفرات يكون مغلوبا مستهلكا فما يشربه الرجل ماء الفرات، ولا بأس بشرب ماء الفرات.
أما اذا كان يوجد فيه ريح الخمر أو طعمها فيستدل بذلك على وجود عين الخمر فى الماء فلا يحل شربه
(1)
.
مذهب المالكية:
يقول القرطبى: ان قوله تعالى «فاجتنبوه» يقتضى الاجتناب المطلق الذى لا ينتفع معه بشئ بوجه من وجوه الانتفاع لا بشرب ولا بيع ولا تخليل ولا مداواة ولا غير ذلك
(2)
.
وجاء فى الشرح الكبير للدردير: «ولا يجوز استعمال الخمر لأجل دواء ولو، لخوف الموت.
وقد علق الدسوقى على ذلك بقوله:
فان وقع ونزل وتداوى به شربا حد.
قال ابن العربى تردد علماؤنا فى دواء فيه خمر.
والصحيح المنع والحد.
وما ذكره من الحد اذا سكر بالفعل والا لم يحد.
وبالغ المالكية فى عدم جواز استعمال الخمر لأجل الدواء، فقالوا بمنعه ولو كان طلاء فى جسده.
وكذلك لا يجوز استعماله ولو خلطه بشئ من الدواء الجائز بمعنى أنه اذا طلى به مخلوطا بشئ من الدواء الجائز فان ذلك ممنوع عندهم
(3)
.
(1)
المبسوط للسرخسى ج 24 ص 28 الطبعة السابقة.
(2)
تفسير القرطبى ص 2286 طبع مطبعة دار الشعب بالقاهرة.
(3)
الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للعالم العلامة شمس الدين الشيخ محمد بن عرفة الدسوقى وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 4 ص 253، ص 354 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219 هـ.
ولكن محل منع الطلاء به منفردا أو مختلطا بدواء جائز ما لم يخف الموت والاجاز
(1)
(انظر اضطرار).
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أنه لا يجوز الانتفاع بالخمر فى الاصح عندهم، حتى ولو كان ذلك للتداوى، لخبر مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال، لمن سأله انه يصنعها للدواء: أنه ليس بدواء ولكنه داء «وخبر ان الله لم يجعل شفاء أمتى فيما حرم عليها، وما دل عليه القرآن من أن فيها منافع انما هو قبل تحريمها.
أما استعمال الخمر مستهلكة مع دواء آخر فان التداوى بمثل هذا المخلوط جائز مثله فى ذلك، مثل بقية النجاسات، فانه اذا عرف نفعها وأخبره بذلك طبيب عدل بنفعها وبأنه لا دواء سواها، فانه يجوز التداوى بها - أى بالنجاسات والخمر المستهلكة كذلك.
ولا يجوز الانتفاع بالخمر حتى ولو باسقائها للبهائم.
الا أن صاحب الاستقصاء جزم بحل اسقاء الخمر للبهائم.
وللزركشى احتمال أن البهائم فى هذا كالآدمى فلا يجوز اسقاء الخمر لها من أجل العطش، ووجهته فى هذا أن الخمر تثير العطش فتهلك البهائم، فكان ذلك من قبيل اتلاف المال.
ولكن بعضهم يقول: ان الأولى تعليل ذلك بأن فيه اضرارا لها واضرار الحيوان حرام وان لم يتلف.
وفى وجه غريب حل اسقاء الخمر للخيل لتزداد حموا - أى شدة فى جريها
(2)
.
ومن صور الانتفاع المحرم بالخمر عند الشافعية أنه لا يجوز عجن الدقيق بها، ولا طبخ اللحم بها، غير أنهم يرون أن أكل مثل هذا الخبز أو اللحم لا حد فيه، لأن عين الخمر اضمحلت بالنار ولم يبق الا أثرها وهو النجاسة، فكان تناول ذلك حراما، ولكن لا حد فيه.
وكذلك لا يجوز خلط الخمر بالماء أو بغيره من المائعات. ولكن ان كان الماء ونحوه هو الغالب فى هذا المخلوط بحيث لا يبقى للمسكر أثر من لون أو طعم أو ريح، فان شربه لا يوجب الحد، والا لزم الحد.
وكذلك لا يجوز الاستعاط بالخمر ولا الاحتقان بها، ولكن من فعل ذلك لا حد عليه فى الأصح، وان كان آثما، لأن
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 354، الطبعة السابقة.
(2)
تحفة المحتاج ج 7 ص 639، ص 640.
الحد للزجر ولا حاجة اليه هنا اذ لا تدعو اليه النفس
(1)
.
ومن غص بلقمة أساغها بالخمر ان لم يجد غيرها (أنظر اضطرار).
مذهب الحنابلة:
أنه لا يجوز الانتفاع بالخمر وغيرها من المسكرات بل ولو كان ذلك للتداوى بها، لما روى الامام أحمد باسناده عن طارق ابن سريد أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم وقال: إنما أصنعها للدواء فقال «أنه ليس بدواء ولكنه داء، وباسناده عن مخارق أن النبى صلى الله عليه وسلم دخل على أم سلمة وقد نبذت نبيذا فى جرة فخرج والنبيذ يهدر فقال: ما هذا «فقالت فلانة اشتكت بطنها فنقعت لها فدفعه برجله فكسره وقال: «ان الله لم يجعل فيما حرم عليكم شفاء» ولأن الخمر محرمة لعينها فلم يبح التداوى بها
(2)
.
ومن صور الانتفاع المحرم أنه لا يجوز الاصطباغ بالخمر. ولا يجوز طبخ اللحم بها. فان فعل وشرب من مرقته فعليه الحد، لأن عين الخمر موجودة وكذلك ان لت به سويقا فأكله فعليه الحد أيضا.
ويحرم كذلك عجن الدقيق بالخمر ولكن أن فعل ثم خبز الدقيق وأكله لم يحد، لأن النار أكلت اجزاء الخمر فلم يبق الا أثره.
ولا يجوز الاحتقان بالخمر ولكن ان فعل ذلك لا حد عليه، لأن الاحتقان ليس بشرب ولا أكل ولأنه لم يصل الى جوفه فأشبه ما لو داوى بالمسكر جرحا.
وكذلك لا يجوز الاستعاط بالخمر وان فعل ذلك لزمه الحد لأنه أوصله الى باطنه من حلقه.
وحكى عن أحمد أن من احتقن بالخمر - أو المسكر - عليه الحد لأنه أوصله الى جوفه
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار ولا ينتفع بشئ من المسكر، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كل مخمر خمر وكل مسكر حرام، ومن شرب مسكرا بخست صلاته أربعين صباحا، فان تاب تاب الله عليه، فان عاد الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال قيل: وما طينة الخبال يا رسول الله؟ قال: صديد أهل
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 639.
(2)
الشرح الكبير على كتاب المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 329 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ الطبعة الأولى.
(3)
المرجع السابق على المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 329 الطبعة السابقة.
النار» أخرجه أبو داود. والتحريم عام لوجوه الانتفاع
(1)
.
وفى شرح الأهار أن الانتفاع بالنجس ومنه المسكر حرام وان قل وبلغ فى القلة أى مبلغ.
والاعتبار بأن يكون جنسه مسكرا نيئا كان أو مطبوخا من عنب أم من غيره من زبيب أو تمر أو زهو أو عسل أو حنطة أو غير ذلك.
وكما لا يجوز التداوى بالنجس يحرم علينا تمكينه غير المكلف، فلا يجوز أن تسقى البهائم والطير متنجسا ولا نطعمها شيئا نجسا كالخمر
(2)
.
واذا طبخ اللحم بالخمر فمن أكل منه لم يحد، ومن شرب من مرقه حد.
وان عجن الدقيق بالخمر ثم خبز لم يحد آكله لأنه لا عين لها.
ومن جعل الخمر اداما للخبز ونحوه فانه يحد، لأنها باقية غير مستهلكة.
ومن استعط الخمر فانه يحد.
ومن احتقن الخمر أو صبها فى دبوه أو أذنه أو احليله فانه يحد لها
(3)
.
مذهب الإمامية:
والإمامية يحرمون الانتفاع بالخمر وغيرها من الانبذة المسكرة.
فقد جاء فى شرائع الاسلام والفقاع كالنبيذ المسكر فى التحريم .. وفى وجوب الامتناع من التداوى به والاصطباغ
(4)
.
وفى جواهر الكلام اذا شرب حيوان خمرا ثم ذبح جاز أكله بعد أن يغسل بالماء، ولا يجوز أكل شئ مما فى بطنه.
وعلى كل حال فالمشهور أيضا أنه لا يؤكل ما فى جوفه من الامعاء والقلب والكبد وان غسل، بل عن ابن زهرة الاجماع عليه
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: «وإن انتفع بمحرم .. بأكل أو شرب .. كشرب الخمر .. أو كشم رائحة الخمر. على وجه التلذذ عصى فى ذلك كله كأكل مالا يحل وشربه وكذا الأمر بالانتفاع بذلك
(6)
.
والمسرف كمدمن خمر بشربها أو أكلها، أو عصرها أو حملها، أو بيعها أو معاملتها بوجه ما، غير افسادها واهراقها سفيه ويحجر عليه ويؤدب فضلا عن اقامة الحد
(7)
.
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 4 ص 350 وهامش نفس الصفحة الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 100، 101 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(3)
المرجع السابق لأبى الحسن وعبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 362 الطبعة السابقة.
(4)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 252 طبع مطبعة دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1290 هـ.
(5)
جواهر الكلام شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن النجفى ج 6 ص 49 الطبعة السابقة
(6)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 9 ص 173، ص 174 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 9 ص 242.
حكم دردى
(1)
الخمر
مذهب الحنفية:
يرى فقهاء الحنفية أن شرب دردى الخمر حرام، وكذلك الانتفاع به، لأن الدردى من كل شئ بمنزلة صافيه والانتفاع بالخمر حرام، فكذلك بدرديه، لأن الدردى أجزاء الخمر.
ولو وقعت قطرة من خمر فى دباء لم يجز شربه والانتفاع به فالدردى أولى.
ولو شرب من الدردى ولم يسكر فلا حد عليه عند الحنفية .. لأن وجوب الحد للزجر، وانما يشرع الزجر فيما تميل اليه الطباع السليمة، والطباع لا تميل الى شرب الدردى، بل من يعتاد شرب الخمر يعاف الدردى، فيكون شربه كشرب الدم والبول، ثم الغالب على الدردى أجزاء ثفل العنب من القشر وغيره، ولو كان الغالب هو الماء لم يجز الحد بشربه فكذلك اذا كان الغالب ثفل العنب.
ولا بأس بأن يجعل ذلك فى خل، لأنه يصير خلا، فان طبع الخمر أن يصير خلا اذا ترك، فاذا غلب عليه الخل أولى أن يصير خلا
(2)
.
مذهب المالكية:
وقد تكلم المالكية عن حكم دردى المسكر عموما.
ففى المدونة: قلت أرأيت عكر المسكر أيجعل فى شئ من الأشربة أو من الأطعمة فى قول مالك؟ قال - أى ابن القاسم - سألت مالكا عن دردى النبيذ المسكر فقال مالك: لا يحل أن يجعل فى شراب يضر به، فكذلك الطعام عندى لا يجعل فيه
(3)
.
مذهب الشافعية:
وقد نص الشافعية على أن دردى الخمر حرام، وأن شربه يوجب الحد.
ففى تحفة المحتاج: ويحد بدردى خمر أو مسكر آخر وهو ما يبقى آخر انائها، لأنه منها، وكذلك بثخينها اذا أكله
(4)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى: «ودردى الخمر هو العكر الذى يقعد منها فى قاع الدن، وهو خمر بلا شك
(5)
.
مجالسة شارب الخمر
مذهب الحنفية:
نص فقهاء الحنفية على أن مجالسة
(1)
دردى الخمر: أى عكر الخمر ففى القاموس دردى الشئ ما يبقى أسفله.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخس ج 24 ص 21، 22 الطبعة السابقة.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك بن أنس الأصبحى رواية الأمام سحثون بن سعيد التنوخى التنوخى ص 16 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ.
(4)
تحفة المحتاج ج 7 ص 639 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 492 الطبعة السابقة.
شارب الخمر منهى عنها، وكذلك الآكل على مائدة يشرب عليها الخمر.
«ويقول السرخسى تعليلا لهذا الحكم» هكذا نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أن يأكل المسلم على مائدة عليها الخمر، ولأن فى ذلك تكثير جمع الفسقة واظهار الرضا عنهم، وذلك لا يحل للمسلم
(1)
.
مذهب المالكية:
يقول القرطبى - فى تفسير قوله تعالى «فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ» فدل هذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصى اذا ظهر منهم منكر، لأن من لم يجتنبهم فقد رضى فعلهم.
فكل من جلس فى معصية ولم ينكر عليهم يكون معهم فى الوزر سواء فان لم يقدر على النكير عليهم، فينبغى أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روى عن عمر بن عبد العزيز أنه أخذ قوما يشربون الخمر، فقيل عن أحد الحاضرين أنه صائم، فجعل عليه الأدب وقرأ هذه الآية «إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ،} أى أن الرضا بالمعصية معصية.
ولهذا يؤاخذ الفاعل والراضى بعقوبة المعاصى حتى يهلكوا جميعا
(2)
.
مذهب الشافعية:
يقرر الامام الغزالى رحمه الله أن العاجز عن تغيير المنكر ليس له عليه حسبة الا بقلبه اذ كل من أحب الله يكره معاصيه وينكرها بقلبه
(3)
.
فان كان فى المجلس من يتعاطى شرب الخمر - والحال أن المؤمن لا يستطيع الانكار - فلا يجوز له الحضور، اذ لا يحل حضور مجالس الشرب. وان كان مع ترك الشرب، ولا يجوز مجالسة الفاسق فى حالة مباشرته للفسق
(4)
.
مذهب الحنابلة:
يقول صاحب منته الارادات: «ويعزر من حضر شرب الخمر
(5)
. ومن تشبه بالشراب - أى بشاربى الخمر - فى مجلسه وآنيته وحاضر من حاضره بمجالس الشراب
(1)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 34 الطبعة السابقة.
(2)
تفسير القرطبى ص 1988 طبع مطبعة دار الشعب بالقاهرة الآية رقم 140 من سورة النساء.
(3)
احياء علوم الدين للامام الغزالى ص 1208 طبعة دار الشعب بمصر.
(4)
المرجع السابق للامام الغزالى ص 1246 الطبعة السابقة.
(5)
منته الايرادات على كشاف القناع ج 4 ص 104 الطبعة السابقة.
حرم عليه ذلك وعزر، قال فى الرعاية:
ولو كان المشروب لبنا
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى وسائل الشيعة .. عن عبد الله بن صالح عن أبى عبد الله عليه السلام قال: لا ينبغى للمؤمن أن يجلس مجلسا يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره
(2)
.
ومن ناحية أخرى جاء فى شرائع الاسلام: «ويحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من المسكرات والنقاع
(3)
.
مذهب الإباضية:
ويقرر الإباضية على ما جاء فى قناطر الخيرات أن المؤمن اذا عجز عن تغيير المنكر فى مجلس فانه مطالب بالخروج عن هذا المجلس: «ولا يجوز له الجلوس اذ لا رخصة له فى الجلوس مع مشاهدة المنكرات.
فان كان فى هذه المجالس - من يتعاطى شرب الخمر، فلا يجوز الحضور اذ لا يحل مجالسة الفاسق فى حالة مباشرته الفسق .. والصحيح أنه يجب بغضه فى الله ومقاطعته
(4)
.
حكم الخمر اذا تخللت
مذهب الحنفية:
اذا تخللت الخمر حلت سواء صارت خلا بنفسها أو بشئ يطرح فيها.
وعن ابراهيم النخعى رحمه الله تعالى قال: لا بأس اذا كان للمسلم خمر أن يجعلها خلا، وبه أخذ فقهاء الحنفية رحمهم الله، وقالوا تخليل الخمر جائز ..
وان خل الخمر حلال
(5)
.
مذهب المالكية:
يقول ابن رشد: «ولا اختلاف فى أن الخمر اذا تخللت من ذاتها تحل وتطهر، وانما اختلفوا اذا خللت هل تؤكل أم لا على اختلافهم فى وجه المنع من تخليلها.
(1)
المرجع السابق لابن يونس البهوتى ج 4 ص 107 الطبعة السابقة.
(2)
وسائل الشيعة ومستدركاتها للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملى ج 11 ص 503 الطبعة الأولى سنة 1377 هـ 1957 م.
(3)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى ج 2 ص 149 الطبعة السابقة.
(4)
قناطر الخيرات لابن موسى الجيطالى النفوسى ج 2 ص 184 الطبعة السابقة.
(5)
فتح القدير للشيخ كمال الدين محمد السيواسى السكندرى المعروف بابن الهمام ج 8 ص 166 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر الطبعة الثانية سنة 1310 هـ والمبسوط لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 21 الطبعة السابقة.
اذ قد قيل: ان المنع من تخليلها عبادة لا لعلة.
وقيل بل منع من ذلك لعلة هى التعدى والعصيان فى اقتنائها.
وقيل: بل العلة فى ذلك هى التهمة لمقتنيها بأن لم يقصد باقتنائها تخليلها اذا غاب عليها، فيحكم عليه باراقتها على كل حال ولا يمكن من تخليلها.
فعلى القول بأن المنع من تخليلها عبادة لا لعلة لا يجوز تخليلها.
وعلى القول بأن المنع من تخليلها لعلة يجوز تخليلها اذا ارتفعت العلة.
فمن رأى العلة فى ذلك التعدى والعصيان فى اقتنائها أجاز لمن تخمر له عصير لم يرد به الخمر أن يخلله، وقال: أنه ان خلل ما عصى فى اقتنائه لم يأكله عقوبة.
ومن رأى العلة فى ذلك التهمة لمقتنيها فى أن لا يخللها اذا غاب عليها أجاز للرجل فى خاصة نفسه أن يخلل ما عنده من الخمر على أى وجه كان ويأكله، وان كان الأولى له أن لا يفعل، وأن يبادر الى اراقتها، كما فعل الصحابة رضى الله عنهم فى حديث أنس
(1)
.
مذهب الشافعية:
يفرق فقهاء الشافعية بين ما اذا تخللت الخمر بنفسها، وبين ما اذا كان تخليلها بعلاج من آدمى.
ففى الحالة الأولى: «اذا قلب الله الخمر خلا بغير علاج آدمى حل ذلك الخل
(2)
.
أما الحالة الثانية فيقول النووى فى حكمها: «ان تخليل الخمر بطرح عصير أو خبز حار أو ملح أو غيرها فيها حرام بلا خلاف عند أصحابنا، فاذا خللت فهذا أى الخل نجس لعلتين.
أحداهما: تحريم التخليل.
والثانية: نجاسة المطروح بالملاقاة فتستمر نجاستها اذ لا مزيل لها، ولا ضرورة الى الحكم بانقلابها بهذا المطروح طاهرا بخلاف اجزاء الدن.
قال أصحابنا: وسواء فى ذلك المحترمة وغيرها، والمطروح قصدا، والواقع فيها اتفاقا بالقاء الريح وغيرها.
وفى وجه ضعيف يجوز تخليل المحترمة وتطهر به.
وفى وجه: تطهر المحترمة وغيرها اذا طرح بلا قصد حكاهما الرافعى.
(1)
المقدمات الممهدات لابن رشد ج 2 ص 11، ص 13.
(2)
المجموع شرح المهذب لابن شرف الدين النووى ج 2 ص 574 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لابن شرف الدين النووى ج 2 ص 576، ص 577 الطبعة السابقة.
وان نقلها من شمس الى ظل، أو من ظل الى شمس حتى تخللت ففيه وجهان.
أحدهما: تطهر، لأن الشدة قد زالت من غير نجاسة خلفتها.
والثانى: لا تطهر، لأنه فعل محظور توصل به الى استعجال ما يحل فى الثانى، فلم يحل به، كما لو قتل مورثه، أو نفر صيدا حتى خرج من الحرم الى الحل
(1)
.
والأصح فى هذا: الطهارة.
والوجهان جاريان فيما لو فتح رأسها ليصيبها الهواء استعجالا للحموضة
(2)
.
وأمساك الخمر المحترمة لتصير خلا جائز، هذا هو الصواب الذى قطع به الأصحاب.
وأما غير المحترمة فيجب اراقتها، فلو لم يرقها فتخللت طهرت، لأن النجاسة للشدة، وقد زالت.
وحكى الرافعى وجها: أنها لا تطهر، لأنه عاص بامساكها فصار كالتخليل.
والمذهب الأول.
ومتى عادت الطهارة بالتخليل طهرت أجزاء الظروف للضرورة
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى ما يفيد: أن الخمر اذا صارت خلا بفعل لم تزل عن تحريمها، فقد روى أبو سعيد قال: كان عندنا خمر ليتيم، فلما نزلت المائدة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت يا رسول الله: أنه ليتيم فقال أهريقوه: رواه الترمذى، وقال: حديث حسن.
وعن أنس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أنتخذ الخمر خلا؟ قال: لا
وعن أبى طلحه أنه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا فقال: أهرقها، فقال: أفلا أخللها؟ قال: لا.
وهذا نهى يقتضى التحريم ولو كان الى استصلاحها سبيل لم يجز اراقتها بل لارشدهم اليه سيما، وهى لأيتام يحرم التفريط فى أموالهم.
ولأنه أجماع الصحابة، فقد روى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه صعد المنبر
(1)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 2 ص 575 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق للنووى ج 2 ص 576 الطبعة السابقة.
(3)
المجموع شرح المهذب ج 2 ص 577 الطبعة السابقة.
فقال: لا تحل خمر أفسدت حتى يكون الله تعالى هو الذى تولى افسادها، ولا بأس على مسلم ابتاع من أهل الكتاب خلا ما لم يتعمد لأفسادها.
(أى: ما لم يكن أصله خمر خللت بفعل) فعند ذلك يقع النهى، رواه أبو عبيد فى الأموال بنحو من هذا المعنى، وهذا قول يشتهر، لأنه خطب به الناس على المنبر فلم ينكر.
وأما اذا انقلبت بنفسها فانها تطهر وتحل فى قول جميعهم، فقد روى عن جماعة من الأوائل انهم اصطبغوا بخل خمر.
ورخص فيه الحسن وسعيد بن جبير
وليس فى شئ من أخبارهم أنهم اتخذوه خلا، ولا أنه انقلب بنفسه.
لكن قد بينه عمر بقوله: لا تحل خل خمر أفسدت حتى يكون الله تعالى هو الذى تولى أفسادها .. ولأنها اذا انقلبت بنفسها فقد زالت علة تحريمها من غير علة خلفتها فطهرت، كالماء اذا زال تغيره بمكثه.
واذا القى فيها شئ تنجس بها ثم انقلبت بقى ما القى فيها نجسا فنجسها وحرمها.
فأما ان نقلها من موضع الى آخر فتخللت من غير أن يلقى فيها شيئا، فان لم يكن قصد تخليلها حلت بذلك، لأنها تخللت بفعل الله تعالى فيها، وان قصد بذلك تخليلها احتمل أن تطهر، لأنه لا فرق بينهما الا القصد فلا يقتضى تحريمها، ويحتمل أن لا تطهر، لأنها خللت فلم تطهر، كما لو القى فيها شئ
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: «والخل المستحيل عن الخمر حلال تعمد تخليلها أم لم يتعمد، الا أن الممسك للخمر الذى لا يريقها حتى يخللها أو تخلل من ذاتها عاص لله عز وجل مجرح الشهادة.
برهان ذلك أن الخمر مفصل تحريمها، والخل حلال لم يحرم .. فعن عائشة أم المؤمنين قالت: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الادام الخل، فاذن الخل حلال، فهو بيقين غير الخمر المحرمة.
واذا سقطت عن العصير الحلال صفات العصير وحلت فيه صفات الخمر فليست تلك العين عصيرا حلالا بل هى خمر محرمة.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 10 ص 343، ص 344 الطبعة السابقة.
واذا سقطت عن تلك العين صفات الخمر المحرمة وحلت فيها صفات الخل الحلال فليست خمرا، بل هى خل حلال، وهكذا كل ما فى العالم، انما الأحكام على الأسماء، فاذا بطلت تلك الأسماء بطلت تلك الأحكام المنصوص عليها، وحدثت لها أحكام الأسماء التى انتقلت اليها.
ولا معنى لتعمد تخليلها، أو لتخليلها من ذاتها، لأنه لم يأت بالفرق بين شئ من ذلك قرآن ولا سنة صحيحة ولا رواية سقيمة ولا قول صاحب ولا قياس، وانما الحرام امساك الخمر فقط، ولا فرق بين تخليلها أو ترك تخليلها، بل المريد لبقائها خمرا أعظم أثما وأكثر جرما من المتعمد لافسادها، والقاصد لتغييرها، فلا يحل امساك الخمر أصلا
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: ولا يحل تخليل الخمر بعلاج، لأمره صلى الله عليه وسلم باهراق خمر اليتيم ولم يأمر بتخليلها.
وقيل: يجوز تخليلها كما لو تخللت بنفسها.
وقد رد صاحب البحر هذا الرأى بقوله: «قلنا: يؤول الى المال فاضاعته كاضاعته فان فعل - أى فان خلل الخمر - حرم خلها لتحريمه لعينه كالميتة، لأن أمره صلى الله عليه وسلم باراقتها دليل تحريم ما عولج منها، والا لكان اضاعة.
واذا تخللت بنفسها من غير علاج طهرت
(2)
.
ويحل الخل المسمى خل الخمر اجماعا، لقوله صلى الله عليه وسلم: خير خلكم خل خمركم ونحوه - وخل الخمر هو الذى يصنع من عصير العنب - ويمتنع فى العادة أن يصير العصير بنفسه خلا قبل أن يصير خمرا، وفى وجوب علاجه بما يمنع تخميره من وضع ملح أو خل أو طلاء الخابية بخردل وجهان.
يجب: وأشار اليه البعض عن كثير من الأصحاب.
ولا يجب: وهو الأصح.
ولو عصر عنبا أو رطبا أو صب ماء على زبيب أو نحوه أو اشترى عصيرا فوضعه فى الدن بنية الخمر أراقها حتما ولو قبل تخميره، اذ العبرة بنية الابتداء،
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 433، ص 434 مسألة رقم 1033 طبع مطابع ادارة الطباعة المنيرية لصاحبها محمد منير بن عبده أغا الدمشقى سنة 1350 هـ.
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار فى فقه الأئمة الأطهار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 350، ص 351 الطبعة السابقة.
ولا تأثير لما بعد، ولو كان لها تأثير - لأثرت فى خمر اليتيم فلم ترق
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة: «وتطهر الخمر بالانقلاب خلا اجماعا كما فى المنته والمهذب ..
وأن طرح فيها اجسام طاهرة للعلاج - وهو المشهور.
وفى الكفاية أن المشهور كراهته.
ولا فرق فى الأجسام الطاهرة بين كونها جامدة أو مائعة.
ولا فرق بين أن يكون ما يعالج به باقيا أو مستهلكا
(2)
.
مذهب الإباضية:
قرر صاحب النيل أن الخمر وغيرها من المسكرات لا يجوز بيعها.
ثم قال: «وان زال اسكارها جاز على الخلاف، ويسمى خل الخمر، والخمر المتخللة، وذلك أنه يزول اسكارها بالملح ونحوه فقيل: هى طاهرة حينئذ، جائز شربها حلال بيعها وذلك لخروجها من حد الخمر.
وقيل غير ذلك وغير طاهرة
(3)
.
الطلاء
جاء فى لسان العرب: الطلاء شراب شبيه بطلاء الابل، وهو ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه
(4)
.
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية ابن عابدين أن الطلاء يطلق بالاشتراك على أشياء كثيرة: منها البازق، ومنها المنصف والمثلث وكل ما طبخ من عصير العنب.
وفى المغرب الطلاء كل ما يطلى به من قطران ونحوه.
ويقال لكل ما خثر من الأشربة طلاء على التشبيه
(5)
.
أما المثلث فسيأتى الكلام عنه استقلالا.
(1)
المرجع السابق لأحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 354 الطبعة السابقة.
(2)
مفتاح الكرامة لشرح قواعد العلامة للشيخ محمد جواد بن محمد بن الحسينى العاملى ج 1 ص 189، ص 190 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 4 ص 9، ص 10 الطبعة السابقة.
(4)
لسان العرب ج 15 مادة طلى.
(5)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 399 الطبعة السابقة.
وجاء فى تبيين الحقائق ما يفيد أن الطلاء هو اسم لما طبخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه، وصار مسكرا، وهو حرام.
وانما سمى طلاء لقول عمر رضى الله عنه ما أشبه هذا بطلاء البعير، وهو القطران الذى يطلى به البعير اذا كان به جرب وهو يشبهه.
وأما الذى طبخ حتى ذهب أقل من ثلثيه فانه يسمى الباذق سواء كان الذاهب قليلا أو كثيرا بشرط ان لا يكون الذاهب ثلثيه وهو ما ذهب نصفه وبقى النصف.
ثم يقول الزيلعى: وكل ذلك حرام اذا غلا واشتد وقذف بالزبد
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة ما يفيد أن العصير وجميع الأنبذة سواء لا تحرم بغليانها وانما تحرم اذا كانت تسكر، لأن العصير حلال عند مالك حتى يسكر .. فاذا أسكر كان خمرا، فهو قبل أن يسكر لا يحرم بالغليان، وانما يحرم اذا خرج الى ما يسكر، وعندئذ يحرم قليله وكثيره
(2)
.
مذهب الشافعية:
فى تحفة المحتاج: كل شراب أسكر كثيره من خمر أو غيرها حرم قليله وكثيره
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وكذلك الحال عند الحنابلة، اذ المدار عندهم فى تحريم أى نوع من أنواع الأشربة، على كونه مسكرا. فاذا كان مسكرا - أيا كان اسمه - كان حراما كله قليله وكثيره. واذا لم يكن مسكرا كان حلالا.
فقد جاء فى المغنى: وما طبخ من العصير قبل غليانه حتى صار غير مسكر .. فهو مباح، لأن التحريم انما يثبت فى المسكر، ففيما عداه يبقى على أصل الاباحة، وما أسكر كثيره فقليله حرام سواء ذهب منه الثلثان أو أقل أو أكثر
(4)
.
مذهب الظاهرية:
روى ابن حزم بسنده عن عطاء قال سمعت ابن عباس يقول: والله لا تحل النار شيئا ولا تحرمه وصح عن طاوس أنه سئل عن الطلاء فقال: أرأيت الذى مثل العسل تأكله بالخبز وتصف عليه الماء
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 6 ص 45 الطبعة السابقة.
(2)
المدونة الكبرى فى فقه الامام مالك ج 16 ص 63 الطبعة السابقة.
(3)
تحفة المحتاج ج 7 ص 637.
(4)
المغنى ج 10 ص 340.
فتشربه، عليك به، ولا تقرب ما دونه، ولا تشتره، ولا تسقه، ولا تبعه، ولا تستعن بثمنه فانما راعى عمر وعلى وابن عباس ما لا يسكر فأحلوه وما يسكر فحرموه
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير «الطلاء هو ما طبخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه، ويسمى بعض العرب الخمر بالطلاء تحسينا، وفى الضياء الطلاء جنس من الأشربة يطبخ حتى يذهب ثلثاه.
وقيل: الطلاء من اسماء الخمر وهو بالمد والكسر الشراب من عصير العنب وهو الرب، وأصله القطران الخاثر الذى تطلى به الأبل
(2)
.
وقد سرد صاحب الروض النضير بعض اثار وردت فى حكم هذا النوع من الأشربة.
ثم قال فى نهاية كلامه: فهذه بعد صحتها تدل على أن عمر ذهب الى تحليل نوع من الشراب اعتقده لا يسكر، أى ليس من شأنه الاسكار، وأن ما وقع من طبخه كان مانعا من مصيره مسكرا فقليله وكثيره لا يسكر.
وأطبق الجميع على أنه اذا كان مسكرا حرم.
والذى يظهر أن ذلك يختلف باختلاف، أعناب البلاد
(3)
.
مذهب الإمامية:
والطلاء حرام عند الإمامية.
فقد جاء فى الخلاف: روى عن عمر أنه خرج فصلى على جنازة فشم من عبيد الله بن عمر - ابنه - ريح الشراب فسأله فقال: انى شربت الطلاء فقال:
ان عبد الله ابنى شرب شرابا، وانى سائل عنه، فسأل عنه، فكان مسكرا فحده بشراب ليس بخمر
(4)
.
السكر
السكر فى اللغة هو شراب يتخذ من
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 498 الطبعة السابقة.
(2)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للقاضى شرف الدين بن صالح الصنعانى ج 3 ص 162 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1347 هـ الطبعة الأولى.
(3)
المرجع السابق لابن صالح السياغى الحيمى الصنعانى ج 3 ص 159، ص 160 الطبعة السابقة.
(4)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر الطوسى ج 2 ص 488 طبعة؟؟؟ فى طهران سنة 1382 هـ الطبعة الثانية.
التمر، وهو كذلك عند الفقهاء بشرط أن يكون نيئا.
وعلى ذلك فالفرق بينه وبين الطلاء أن السكر هو النئ من ماء التمر.
وأما الطلاء فهو المطبوخ من عصير العنب حتى ذهب ثلثاه
(1)
.
مذهب الحنفية:
جاء فى المبسوط: السكر هو النئ من ماء التمر المشتد، وهو حرام.
لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخمر من هاتين الشجرتين الكرم والنخل، ولم يرد به بيان الاسم لغة، لأنه ما بعث مبينا لذلك، وبين أهل اللغة اتفاقا أن اسم الخمر حقيقة للنئ من ماء العنب، فتبين أن يكون المراد حكم الحرمة، وأن ما يكون من هاتين الشجرتين سواء فى حكم الحرمة.
ولما سئل ابن مسعود رضى الله عنه عن شرب السكر لأجل الصفر (الصفر بالتحريك داء فى البطن يصفر الوجه) قال: ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم.
فأما قوله تعالى: تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا فقد قيل: كان هذا قبل نزول آية التحريم.
وقيل: فى الآية اضمار وهو مذكور على سبيل التوبيخ أى تتخذون منه سكرا وتدعون رزقا حسنا.
وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه سئل عن المسكر فقال: الخمر ليس لها كنية وفيه دليل تحريم السكر، فان مراده من هذا أن السكر فى الحرمة كالخمر وان كان اسمه غير اسم الخمر، فكأنه أشار الى قوله عليه الصلاة والسلام:
وعن معاذ بن جبل رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وجهه الى اليمن قال: انههم عن نبيذ السكر والمراد النئ من ماء التمر المشتد، وقد عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عادة أهل اليمن فى شرب ذلك، فلهذا خصه بالأمر وبالنهى عنه، وسماه نبيذا لحمرة لونه
(2)
.
هذا وقد نص فقهاء الحنفية على أن السكر نجس اتفاقا. الا أنهم اختلفوا فيها من حيث كونها نجاسة مغلظة أو نجاسة مخففة
(3)
.
(1)
لسان العرب لابن منظور ج 4 ص 373، ج 18 ص 373 مكتبة الموسوعة.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 24 ص 3، ص 6 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 400 الطبعة السابقة.
وأما نبيذ التمر ان طبخ أدنى طبخة فيحل شربه وان اشتد اذا شرب بلا لهو وطرب ولم يسكر، فلو شرب للهو فقليله وكثيره حرام، وكذا اذا شرب ما يغلب على ظنه انه يسكر فيحرم القدر المسكر منه، لأن السكر حرام فى كل شراب
(1)
.
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
لم يتكلم فقهاء المذاهب الثلاثة فيما اطلعت عليه من كتبهم - عن السكر بصفة خاصة وذلك اكتفاء بالقاعدة العامة المستمدة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام وحيث أن السكر مسكر فانه حرام
(2)
يأخذ حكم الخمر من كل الوجوه واذا كان كذلك حرم قليله وكثيره.
أما اذا لم يكن مسكرا فانه يكون مباحا، لأن التحريم انما يثبت فى المسكر وفيما عداه يبقى على أصل الاباحة
(3)
.
مذهب الظاهرية:
ولم يتكلم ابن حزم - فى كتابه المحلى - عن السكر بصفة خاصة وانما جاء بعبارات عامة تشمل كل أنواع الأشربة اذ يقول: كل شئ أسكر كثيره أحدا من الناس فالنقطة منه فما فوقها الى أكثر المقادير خمر حرام ملكه وبيعه وشربه واستعماله على كل أحد
(4)
. روى من طريق مالك وسفيان بن عيينه عن الزهرى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل شراب أسكر فهو حرام
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير «وأما النئ من ماء الرطب اذا اشتد وغلى ولم يطبخ فهو السكر الذى ورد فى تحريمه قوله تعالى «تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً» بناء على أنه تعالى جمع بين العتاب فى تناول ما حرم عليهم من السكر والمنة بالرزق الحسن
(6)
.
وجاء فى موضع آخر عند بيان أنواع الأشربة اجمالا» ومنها السكر
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 401 الطبعة السابقة فى كتاب الأشربة.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 352 الطبعة السابقة ويلاحظ أن اقرطبى المالكى تكلم عن معنى السكر فى الآية فقال السكر فى اللغة ما يسكر والمشهور أن الآية نزلت قبل تحريم الخمر فتكون منسوخة ويراجع أيضا تحفة المحتاج ج 7 ص 637.
(3)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 326 الطبعة السابقة وذلك على الرغم من أنه تعرض لقول الله تعالى «تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً» غير أن هذا منه لم يكن الا بشأن الرد على بعض معارضيه.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 478 مسألة رقم 1098 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 7 ص 499 الطبعة السابقة.
(6)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ج 3 ص 160 الطبعة السابقة.
وهو نقيع التمر الذى لم تمسه النار وفيه يروى عن ابن مسعود أنه قال:
السكر خمر
(1)
.
مذهب الإمامية:
كل مسكر خمر وكل خمر حرام.
وهذا يفيد أن السكر حرام، لأنه مسكر.
وقد تعرض صاحب الخلاف لاستدلال بعض الفقهاء بقوله تعالى: «تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً» فقال: وقد روى عن ابن عباس فيه روايتان:
أحداهما السكر الخمر وكان ذلك قبل تحريم الخمر، وتابعه على هذا الحسن البصرى وعطاء ومجاهد وقتادة وغيرهم.
والرواية الثانية أن السكر: هو الحرام فيكون معنى الآية تتخذون منه حراما وحلالا
(2)
.
نقيع الزبيب
جاء فى لسان العرب النقيع شراب يتخذ من زبيب ينقع فى الماء من غير طبخ
(3)
.
وهو فى اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن هذا الذى قرره علماء اللغة فى الجملة.
وعلى ذلك فالفرق بين نقيع الزبيب وبين الطلاء.
أن نقيع الزبيب هو النئ من ماء الزبيب.
أما الطلاء فهو المطبوخ من عصير العنب.
وأما الفرق بين السكر والنقيع.
فهو أن السكر هو النئ من ماء التمر أما النقيع فهو النئ من ماء الزبيب.
مذهب الحنفية:
يقول صاحب الدر المختار: وهو بصدد بيان الأشربة المحرمة: «والرابع نقيع الزبيب
(4)
. وهو النئ من ماء الزبيب بشرط أن يقذف بالزبد بعد الغليان - والكل حرام - أى نقيع الزبيب وما قبله من
(1)
الروض النضير لابن صالح السياغى الحيمى الصنعانى ج 3 ص 162 الطبعة السابقة.
(2)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر الطوسى ج 2 ص 488 الطبعة السابقة.
(3)
لسان العرب للعلامة ابن منظور ج 8 ص 360، ج 35، ص 360 طبع دار صادر دار بيروت سنة 1374 هـ، سنة 1955 م الطبعة الأولى.
(4)
النقيع اسم مفعول قال فى المغرب أنقع الزبيب فى الخابية ونقعه اذا ألقاه فيها ليبتل.
الخمر والسكر والطلاء - اذا غلى واشتد أى ذهبت حلاوته وصار مسكرا. الا ان بقى نقيع الزبيب حلوا غير مسكر فانه لا يحرم فى هذه الصورة اتفاقا، أما أن قذف بالزبد فانه يحرم اتفاقا، أى قليله وكثيره، غير أن حرمة نقيع الزبيب دون حرمة الخمر، فلا يكفر مستحله
(1)
.
أما حكم نقيع الزبيب من حيث النجاسة فقد قال بعض الحنفية: انها نجاسة غليظة.
وقال البعض الآخر: انها خفيفة.
هذا حكم النئ من نقيع الزبيب.
أما ان طبخ أدنى طبخة أى طبخ الى أن ينضج فيحل شربه وان اشتد، وهذا اذا شرب بلا لهو وطرب ولم يسكر.
فان شرب للهو فقليله وكثيره حرام، وكذلك ان أسكر، لأن السكر حرام فى كل شراب
(2)
.
مذهب المالكية:
يقرر المالكية
(3)
أن الشراب المسكر الذى يتخذ من نقيع الزبيب حرام وهو كذلك نجس ويحد شاربه.
مذهب الشافعية:
جاء فى تحفة المحتاج وحاشيتها:
كل شراب أسكر كثيره من خمر أو غيرها من نقيع الزبيب والتمر وغيرهما حرم قليله وكثيره
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: كل شراب أسكر كثيره فقليله حرام من أى شئ كان
(5)
.
فهذه العبارة بعمومها تدل على أن نقيع الزبيب اذا كان مسكرا فهو حرام عند الحنابلة، واذا كان كذلك حرم قليله وكثيره.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى: كل شئ أسكر كثيره أحدا من الناس فالنقطة
(1)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 5 ص 399، ص 400 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 400، ص 401 الطبعة السابقة.
(3)
بلغة السالك لاقرب المسالك لسيدى أحمد الدردير ج 1 ص 8 طبع المطبعة التجارية الكبرى.
(4)
تحفة المحتاج وحاشية الشروانى ج 7 ص 637.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 69 طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.
منه فما فوقها الى أكثر المقادير خمر حرام ملكه وبيعه وشربه واستعماله على كل أحد. عصير العنب ونبيذ التين.
وعصير كل ما سواهما ونقيعه
(1)
.
مذهب الزيدية:
يقول صاحب الروض النضير وهو بصدد بيان أنواع الأشربة: ومنها النقيع، قال فى الضياء: وهو الشراب يتخذ من الزبيب وغيره من غير أن تمسه النار
(2)
.
وجاء فى شرح الأزهار: وما كان من عصير الشجرتين - الكرم والنخل - كفر مستحله وفسق شاربه غير المستحل.
وما كان من نقيعهما فسق شاربه ومستحله.
وقيل: يكفر مستحله، لأن تحريمه معلوم من الدين بالضرورة
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى جواهر الكلام
(4)
: «كل مسكر خمر وكل خمر حرام وفى الصحيح وغيره أن الله تعالى لم يحرم الخمر لاسمها ولكن حرمها لعاقبتها فما كان عاقبته عاقبة الخمر .. فهو حرام كالنبيذ
…
والنقيع .. وغيرهما من الأشربة التى تعمل للاسكار
…
فعن أبى عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الخمر من خمسة العصير من الكروم والنقيع من الزبيب والبتع من العسل والمزر من الشعير والنبيذ من التمر» .
النبيذ
جاء فى لسان العرب: النبيذ ما ينبذ
…
وهو ما يعمل من الأشربة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير وغير ذلك.
يقال نبذت التمر والزبيب اذا تركت عليه الماء ليصير نبيذا فصرف من مفعول الى فعيل.
ويقال انتبذته اتخذته نبيذا.
وسواء كان مسكرا أو غير مسكر فانه يقال له نبيذ
(5)
.
وما ذكره الفقهاء فى تعريفهم للنبيذ لا يخرج عن هذا المعنى اللغوى وهم يقسمونه الى قسمين:
(1)
المجلى ج 7 ص 478.
(2)
الروض النضير للصنعانى ج 3 ص 162.
(3)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 361 الطبعة السابقة.
(4)
جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفى ج 6 ص 63 الطبعة السابقة.
(5)
لسان العرب للعلامة ابن منظور ج 3 ص 511، ج 15 ص 511 الطبعة السابقة.
الأول ما يتخذ من التمر والزبيب.
والثانى: المتخذ من الشعير والحنطة والعسل وغيرها.
النوع الأول: ما يتخذ من التمر والزبيب:
مذهب الحنفية:
يفرق الحنفية بين النئ، والمطبوخ من هذا النوع.
فأما نبيذ التمر ونبيذ الزبيب النئ فهو حرام عندهم اذا ترك حتى غلا واشتد وقذف بالزبد، لأن غير المطبوخ من نبيذ التمر والزبيب حرام باجماع الصحابة رضى الله عنهم، وكذا ما روى عن أنس رضى الله عنه أن الخمر حرمت وهى يومئذ البسر والتمر. رواه البخارى ومسلم وأحمد. فالمراد به غير المطبوخ، لأن حكمه حكم الخمر، فلهذا أطلق عليه اسم الخمر.
وقد ورد فى حرمة المتخذ من التمر أحاديث كلها صحاح، وفى حله أحاديث أيضا فوجب حمل الأحاديث المحرمة على النئ، وحمل الأحاديث الأخرى غلى المطبوخ
(1)
.
فالحنفية على هذا يقولون
(2)
: ان نبيذ التمر أو نبيذ الزبيب اذا طبخ أى منهما أدنى طبخة - وهو أن يطبخ الى أن ينضج فانه يحل شربه اذا شرب بلا لهو ولا طربء فلو شرب للهو فقليله وكثيره حرام.
ويشترط أيضا لاباحة شربه أن لا يسكر. فاذا شرب ما يغلب على ظنه أنه يسكر كان حراما، لأن السكر حرام فى كل شراب.
وقد يسمى الشراب المتخذ من التمر الفضيخ وهو أن يفضخ التمر أى يشدخ، ثم يوضع فى الماء لتستخرج حلاوته وهو حرام اذا اشتد (*).
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية
(3)
الدسوقى على الشرح الكبير، وأما النبيذ وهو ما أتخذه من ماء الزبيب أو البلح ودخلته الشدة المطربة، فشرب المقدار المسكر منه حرام وهو كبيرة اجماعا .. وكذلك شرب المقدار القليل الذى لا يسكر فانه حرام أيضا يجب فيه ما يجب فى الخمر. لأن كل ما أسكر من الأشربة فهو خمر نبيذا كان أو غيره
(4)
.
فلا فرق فى ذلك بين القليل والكثير، بل وان قل المسكر جدا فانه خمر حرام ولو لم يغب عقله بالفعل
(5)
.
(1)
تبين الحقائق للزيلعى ج 6 ص 46 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية ابن عابدين ج 5 ص 400 الطبعة السابقة.
(*) ويسمى أيضا الفضوح لبيان أنه يفضح شاربه فى الدنيا والآخرة المبسوط لشمس الدين السرخس ج 24 ص 6 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 352 الطبعة السابقة.
(4)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 16 ص 61 الطبعة السابقة.
(5)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 4 ص 352 الطبعة السابقة وبلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 8 الطبعة السابقة.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع: وأما النبيذ فقسمان مسكر وغير مسكر.
فالمسكر نجس عندنا وعند جمهور العلماء وله حكم الخمر فى التنجيس والتحريم ووجوب الحد.
وقد ثبتت الأحاديث الصحيحة التى يقتضى مجموعها الاستفاضة أو التواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
كل مسكر خمر وكل مسكر حرام، وهذه الألفاظ مروية فى الصحيحين من طرق كثيرة.
وأما القسم الثانى من النبيذ فهو ما لم يشتد ولم يصر مسكرا وذلك كالماء الذى وضع فيه حبات تمر أو زبيب فصار حلوا.
هذا القسم طاهر بالاجماع يجوز شربه وبيعه وسائر التصرفات فيه، وقد تظاهرت الأحاديث فى الصحيحين من طرق متكاثرة على طهارته وجواز شربه ..
ثم أن مذهبنا جواز شربه ما لم يصر مسكرا وان جاوز ثلاثة أيام .. لحديث بريدة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت نهيتكم عن الانتباذ الا فى سقاء فانتبذوا فى كل وعاء ولا تشربوا مسكرا .. رواه مسلم فهذا عام يتناول ما فوق ثلاثة أيام، ولم يثبت نهى فى الزيادة فوجب القول باباحة ما لم يصر مسكرا وان زاد على ثلاثة أيام .. وليس فى الروايات الأخرى دليل على تحريم ما بعد الثلاثة، بل فيها دليل على أنه ليس بحرام بعد الثلاثة، لأنه صلى الله عليه وسلم كان يشربه ما لم يكن مسكرا، فاذا مضت عليه ثلاثة أيام ونحوها امتنع عن شربه، ثم ان كان بعد ذلك قد صار مسكرا أمر باراقته، لأنه صار نجسا محرما ولا يسقيه الخادم، لأنه حرام على الخادم كما هو حرام على غيره وان كان لم يصر مسكرا سقاه الخادم ولا يريقه، لأنه حلال ومال من الأموال المحترمة ولا يجوز اضاعتها، وانما ترك صلى الله عليه وسلم شربه والحالة هذه تنزيها واحتياطا، كما ترك صلى الله عليه وسلم أكل الضب وأكلوه بحضرته قيل أهو حرام؟ قال: لا لكن لم يكن بأرض قومى فأجدنى أعافه. وقد حصل مما ذكرنا أن لفظة أو فى قوله سقاه الخادم أو أمر به فصب ليست للشك. ولا للتخيير بل للتقسيم ولاختلاف الحال
(1)
.
مذهب الحنابلة:
النبيذ المتخذ من التمر أو المتحذ من الزبيب محرم اذا كان مسكرا لما روى ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل مسكر خمر. وكل خمر حرام، وعن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى
(1)
المجموع شرح المهذب لابن شرف الدين النووى ج 2 ص 565 الطبعة السابقة.
الله عليه وسلم يقول: كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق
(1)
. فملء الكف منه حرام ..
ولأن النبيذ المسكر شراب فيه شدة مطربة فوجب فى قليله ما يجب فى قليل الخمر.
وأما النبيذ غير المسكر فهو مباح ما لم يغل أو تأت عليه ثلاثة أيام - وهو ما يلقى فيه تمر أو زبيب ليحلو به الماء وتذهب ملوحته فلا بأس به ما لم يغل أو تأت عليه ثلاثة أيام. لما روى عن أبى هريرة أنه قال: علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته فى دباء، ثم أتيته. فاذا هو ينش (يظهر صوتا من الغليان) فقال:
أضرب بهذا الحائط فان هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر، رواه أبو داود. ولأنه اذا بلغ الغليان أو مضى عليه ثلاثة أيام - صار مسكرا. وكل مسكر حرام
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ونبيذ التمر والزبيب حرام فى مذهب الظاهرية متى كان مسكرا، لما روى عن عبد الله بن أبى بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اياكم وكل مسكر .. وعن عامر بن سعد بن أبى وقاص عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره
(3)
».
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير: «روى عن أنس قال: كنت ساقى القوم فى منزل أبى طلحة وكان خمرهم يومئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادى:
ألا ان الخمر قد حرمت فجرت
(4)
فى سكك المدينة، فقال لى أبو طلحة: أخرج فأهرقها فخرجت فأهرقتها فجرت فى سكك المدينة أخرجه الشيخان ومالك وأبو داو والنسائى.
وفى رواية قال: سألوا أنس بن مالك عن الفضيخ؟ قال: ما كان لنا خمر غير فضيخكم هذا الذى تسمونه الفضيخ انى لقائم أسقيها أبا طلحة وأبا أيوب ورجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بيتنا اذ جاء رجل فقال:
هل بلغكم الخبر؟ قلنا: لا، قال:
فان الخمر قد حرمت، قال أبو طلحة:
يا أنس أرق هذه القلال، قال: فما راجعوها، ولا سألوا عنها بعد خبر الرجل
(1)
الفرق: مكيال معروف بالمدينة وهو ستة عشر رطلا، مختار الصحاح.
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 326، ص 329 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 499، ص 500 الطبعة السابقة.
(4)
أى سالت فى طرق المدينة.
وفى أخرى قال: قلت: لأنس ما هو قال:
بسر ورطب.
وللبخارى «حرمت الخمر حين حرمت وما نجد خمر الا عناب الا قليلا وعامة خمرنا البسر والتمر.
ولمسلم قال: أنزل الله الآية التى حرم فيها الخمر وما فى المدينة شراب الا نئ التمر.
وما أخرجه النسائى من حديث جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الزبيب والتمر هو الخمر ..
وبهذا يعرف أن الآية الكريمة متناولة لكل مسكر بحقيقتها، ويشمل اطلاقها قليل الخمر وكثيره، وصرائح العموم فى الأدلة السابقة تفيد ذلك افادة ظاهرة ويعضده من الأحاديث ما أخرجه أبو داود بسنده - عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ما أسكر كثيره فقليله حرام .. وقد روى هذا الحديث من رواية على بن أبى طالب وسعد بن أبى وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو وعائشة وخوات بن جبير وحديث سعد بن أبى وقاص أجودها اسنادا.
وهو مما اتفق البخارى ومسلم على الاحتجاج به.
وساق أبو داود حديث عائشة بلفظ كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام.
ورواية الترمذى فالحسوة منه حرام.
فهذه نصوص لا تحتمل التأويل
(1)
.. !
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف: كل شراب أسكر كثيره فقليله وكثيره حرام، وكله خمر حرام نجس يحد شاربه، أسكر أو لم يسكر كالخمر سواء عمل من تمر أو زبيب .. وبه قال من الصحابة على عليه السلام.
أما ما يدل على أن هذه الأشربة تسمى خمرا، فما روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الخمر من هانين الشجرتين النخلة والعنب، وروى طاووس عن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كل مخمر خمر وكل مسكر حرام
(2)
(1)
الروض النضير للصنعانى ج 3 ص 153، ص 155، الطبعة السابقة.
(2)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر الطوسى ج 2 ص 484، ص 487 الطبعة السابقة.
النوع الثانى: المتخذ
من العسل والذرة والشعير وغيرها
مذهب الحنفية:
يحل شرب نبيذ العسل والتين والشعير والذرة سواء أطبخ أم لا، اذا كان شربه بلا لهو وطرب، وما لم يسكر.
فان شرب للهو والطرب حرم.
واذا أسكر أى غلب على الظن أنه مسكر فهو حرام كذلك. لأن السكر حرام فى كل شراب، وهذا مذهب أبى حنيفة وأبى يوسف بالنسبة لحل شرب القدر غير المسكر.
وقال محمد: يحرم قليله وكثيره وعليه الفتوى لقوله عليه الصلاة والسلام: كل مسكر خمر وكل مسكر حرام «وقوله عليه الصلاة والصلام: ما أسكر كثيره فقليله حرام
(1)
».
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
يقرر فقهاء المذاهب الثلاثة أن نبيذ العسل والذرة والشعير حرام اذا كان مسكرا لأنهم يأخذون بالقاعدة العامة المستمدة من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل مسكر خمر وكل خمر حرام
(2)
».
فمتى كان الشراب مسكرا من أى نوع كان فهو حرام وحكمه حكم الخمر من كل الوجوه
(3)
. لقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه نزل تحريم الخمر وهى من خمسة: من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل
(4)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: كل شئ أسكر كثيره أحدا من الناس، فالنقطة منه فما فوقها الى أكثر المقادير خمر، حرام ملكه وبيعه وشربه واستعماله على كل أحد. وعصير العنب ونبيذ التين وشراب القمح وعصير كل ما سواها ونقيعه وشرابه طبخ كل ذلك أو لم يطبخ ذهب أكثره أو أقله سواء فى كل ما ذكرنا
(5)
.
روينا من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر عن الزهرى عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة أم المؤمنين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال:
كل شراب أسكر فهو حرام. والبتع من العسل.
(1)
رد المحتار وحاشية ابن عابدين عليه ج 5 ص 300، ص 312 الطبعة السابقة.
(2)
المقدمات الممهدات ج 2 ص 10 وبلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 8 الطبعة السابقة.
(3)
تحفة المحتاج ج 7 ص 637.
(4)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 327 الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 478 الطبعة السابقة.
فلو لم يكن الا هذا الخبر فى صحة اسناده لكفى، وقد نص عليه السلام اذ سئل عن شراب العسل أنه اذا أسكر حرام.
ومن طريق وكيع عن شعبة عن سعيد بن أبى بردة عن أبيه عن أبى موسى الأشعرى قال: بعثنى النبى صلى الله عليه وسلم أنا ومعاذ بن جبل الى اليمن فقلت:
يا رسول الله ان شرابا يصنع بأرضنا يقال له المزر من الشعير، وشرابا يقال له البتع من العسل فقال: كل مسكر حرام
(1)
.
ومن طريق محمد بن اسحق عن يزيد بن أبى حبيب عن مرثد بن عبد اليزنى عن ديلم قال: قلت يا رسول الله أنا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا وانا نتخذ من هذا القمح شرابا نتقوى به على أعمالنا وعلى برد بلادنا، فقال: هل يسكر؟ قلت:
نعم قال فاجتنبوه قلت: فان الناس عندنا غير تاركيه قال: فان لم يتركوه قاتلوهم
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير: «قال الخطابى فى شرح حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه عند الشيخين وأبى داود قال: نزل تحريم الخمر يوم نزل، وهى من خمسة:
من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والخمر ما خامر العقل «فيه البيان الواضح أن قول من زعم بأن الخمر انما هى من عصير العنب هو قول باطل: «ألا ترى أن عمر قد أخبر أن الخمر حرمت يوم حرمت، وهى تتخذ من الحنطة والشعير والعسل كما أخبر أنها تتخذ من العنب والتمر، وكانوا يسمونها كلها خمرا، ثم الحق بها كل ما خامر العقل من شراب وجعل خمرا اذا كان فى معناها لملابسته العقل ومخامرته اياه
(3)
.
وقال أيضا فى شرح حديث النعمان بن بشير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ان من العنب خمرا، وان من التمر خمرا، وان من العسل خمرا وان من البر خمرا، وان من الشعير خمرا، فيه تصريح منه صلى الله عليه وسلم بما قاله عمر وأخبر فى الحديث الأول من كون الخمر من هذه الأشياء.
وفى معنى ذلك ما أخرجه الخمسة الا الترمذى عن أبى موسى قال: قلت يا رسول الله أفتنا فى شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع هو من العسل ينبذ حتى يشتد والمزر هو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد، فقال صلى الله عليه وسلم: «أنهى عن كل مسكر أسكر عن الصلاة.
وعن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 499 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 500 الطبعة السابقة.
(3)
الروض النضير شرح مجموع الفقه للصنعانى ج 3 ص 152 الطبعة السابقة.
قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع؟ فقال: كل شراب أسكر فهو حرام، وهذا اسناد صحيح. وقد أخرجه البخارى والترمذى والنسائى وابن ماجه وأبو داود من طريق مالك عن الزهرى بتمام سنده ومتنه.
وفى رواية والبتع نبيذ العسل كان أهل اليمن يشربونه
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى جواهر الكلام: والبتع والفضيخ والمزر .. وغيرها من هذه الأشربة التى تعمل للاسكار كلها محرمة حيث ذكرت معطوفة على الخمر.
وانما خصت هذه الأمور تبعا للنص عليها كما فى صحيح ابن الحجاج عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الخمر من خمسة:
العصير من الكرم، والنقيع من الزبيب، والبتع من العسل، والمزر من الشعير، والنبيذ من التمر.
والمراد بالمسكر ما وجد فيه طبيعة الاسكار ولو بالكثير فانه يحرم قليله أيضا
(2)
.
وفى الخلاف روى أبو بردة عن أبى موسى الأشعرى قال: سألت النبى صلى الله عليه وسلم عن شراب العسل؟ قال: ذلك البتع فقلت: انهم ينبذون من الذرة فقال: ذلك المزر أخبر قومك أن كل مسكر حرام
(3)
.
ويقول صاحب الجواهر «وكذا يحرم الفقاع
(4)
. قليله وكثيره بل الاجماع بقسميه عليه بل المحكى منه مستفيض ومتواتر أو قطعى فالنصوص التى فيها أنه خمر مجهول وأنه الخمر بعينها وأن حده حد شارب الخمر. وأنه خمرة استصغرها الناس وفى بعضها كل مسكر حرام. وكل مخمر خمر والفقاع حرام
(5)
.
المثلث
مذهب الحنفية:
المثلث هو ما طبخ من ماء العنب حتى ذهب ثلثاه وبقى ثلثه
(6)
.
فاذا غلى واشتد وقذف بالزبد فهو حرام عند الكل
(7)
.
وأما اذا اشتد ولم يقذف بالزبد فهو على الاختلاف.
(1)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للصنعانى ج 3 ص 155 الطبعة السابقة.
(2)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام ج 6 ص 63 الطبعة السابقة.
(3)
الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الطوسى ج 2 ص 485 الطبعة السابقة.
(4)
شراب يتخذ من الذرة أو الشعير.
(5)
جواهر الكلام ج 6 ص 64 الطبعة السابقة.
(6)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 6 ص 46 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 6 ص 45.
فذهب محمد بن الحسن الى أنه حرام ايضا لقوله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام، وقوله عليه الصلاة والسلام كل شراب أسكر فهو حرام، وعن ابن عمر أنه عليه الصلاة والسلام قال: ما أسكر كثيره فقليلة حرام، وفيه من الأخبار الصحاح ما لا يحصى
(1)
.
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف الى أنه لا بأس بشرب القليل غير المسكر، لأن المسكر هو القدح الأخير، فيحمل عليه الحكم وهو التحريم اذ الحكم يضاف الى الوصف الأخير من علة ذات أوجه فتقتصر الحرمة عليه.
ونظيره الاسراف فى الأكل فان الزائد على الشبع هو الحرام لا غير.
وهذا الاختلاف فيما اذا قصد به التقوى دون التلهى.
أما أن قصد به التلهى فهو حرام بالاجماع
(2)
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
ويقرر فقهاء المذاهب الثلاثة أن المدار فى تحريم أى نوع من الأشربة على كونه مسكرا أيا كان اسمه، فكل ما أسكر من الأشربة كلها فهو خمر حرام.
ولا فرق فى ذلك بين قليل المسكر وكثيره فالقليل والكثير حرام عندهم سواء أسكر بالفعل أم لم يسكر، بل وان قل المسكر جدا
(3)
.
مذهب الظاهرية والإمامية والزيدية:
ويتفق فقهاء هذه المذاهب مع ما قرره جمهور الفقهاء من تحريم المثلث متى كان مسكرا سواء فى ذلك القليل والكثير سكر الشارب بالفعل أو لم يسكر
(4)
.
الخليطان
المراد بالخليطين ما ينبذ من البسر والتمر معا: أو من العنب والزبيب، أو منه ومن التمر ونحو ذلك مما ينبذ مختلطا وقد نهى عنه: لأنه بالاختلاط يسرع اليه التغير والاسكار
(5)
.
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 46، ص 47 الطبعة السابقة.
(2)
تبيين الحقائق للزيلعى ج 6 ص 46، ص 47 الطبعة السابقة.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك ج 16 ص 61، ص 63، ص 64 الطبعة السابقة، وبلغة السالك لأقرب المسلاك ج 1 ص 8 الطبعة السابقة - والشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 3 ص 352 وكتاب الأم لابن ادريس الشافعى ومختصر المزنى ج 6 ص 177 طبع مطابع الشعب بالقاهرة والمغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 328، ص 329 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 501، ص 502 الطبعة السابقة، والخلاف فى الفقه للامام الطوسى ج 2 ص 486، ص 487 الطبعة السابقة، والروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للصنعانى ج 3 ص 161 الطبعة السابقة.
(5)
القاموس المحيط لمجد الدين الفيروزابادى مادة خلط طبع مطبعة مؤسسة الحلبى وشركاه.
مذهب الحنفية:
الخليطان ماء التمر والزبيب ونحوهما اذا خلطا فطبخا بعد ذلك أدنى طبخة وان اشتد.
فان شرب للهو والطرب حرم مطلقا سواء أسكر أم لم يسكر.
واذا لم يشرب لذلك فقال محمد: رحمه الله تعالى قليله وكثيره حرام.
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا بأس بشربه ما لم يسكر
(1)
.
مذهب المالكية:
يذهب المالكية
(2)
الى أن البسر والتمر أو الرطب والتمر أو الزبيب والتمر لا يجوز جمعهما فى اناء واحد للانتباذ.
قال مالك: «لا ينبذان جميعا وان نبذا مختلفين شربا حلالا ما داما غير مسكرين، ولا أحب أن يخلطا فى اناء واحد، ثم يشربا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ البسر والتمر جميعا أو يشرب الزهو والبسر الملون، والتمر جميعا.
فهذه الأشياء كلها لا يجمع شيئان منها فى الانتباذ ولا يجمع منها شيئان فى اناء واحد فيخلطان فيشربان جميعا وان كانا حلالين، لنهى النبى صلى الله عليه وسلم الذى جاء فيه ..
وكذلك الحنطة والشعير لا يجمعان فى الانتباذ ولا فى الشرب.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع: «شراب الخليطين اذا لم يكن مسكرا ليس بحرام لكنه يكره.
فالخليطان ما نقع من بسر أو رطب أو تمر أو زبيب.
وسبب الكراهية ان الاسكار يسرع اليه بسبب الخلط قبل أن يتغير طعمه فيظن الشارب أنه ليس سكرا وهو سكر.
ودليل الكراهية حديث جابر رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يخلط الزبيب والتمر والبسر والتمر جميعا.
وفى رواية أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا.
(1)
الدر بحاشية ابن عابدين ج 5 ص 301، ص 302 والعناية على الهداية ج 8 ص 161.
(2)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 16 ص 61، ص 62 الطبعة السابقة.
وفى رواية لا تجمعوا بين الرطب والبسر وبين الزبيب والتمر نبيذا
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى ويكره الخليطان وهو أن ينبذ فى الماء شيئان، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين.
وقال أحمد: الخليطان حرام.
وقال فى الرجل ينقع الزبيب والتمر الهندى والعناب ونحوه ينقعه غدوة ويشربه عشية للدواء: أكرهه، لأنه ينبذ، ولكن يطبخه ويشربه على المكان.
وقد روى أبو داود باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا ونهى أن ينبذ الزبيب والتمر جميعا.
قال القاضى: يعنى أحمد يقوله هو حرام اذا اشتد وأسكر واذا لم يسكر لم يحرم، وهذا هو الصحيح ان شاء الله تعالى.
وانما نهى النبى صلى الله عليه وسلم لعلة اسراعه الى السكر المحرم: فاذا لم يوجد لم يثبت التحريم.
كما أنه عليه السلام نهى عن الانتباذ فى الأوعية لهذه العلة ثم أمرهم بالشرب فيها لما لم توجد حقيقة الاسكار ..
فعلى هذا لا يكره ما كان فى المدة اليسيرة التى لا يتوهم الاسكار فيها - ويكره ما كان فى مدة يحتمل افضاؤه الى الاسكار.
ولا يثبت التحريم ما لم يغل أو تمضى عليه ثلاثة أيام
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى فان نبذ تمر، أو رطب، أو زهو، أو بسر، أو زبيب مع نوع منها، أو نوع من غيرها، أو خلط نبيذ أحد هذه الأصناف بنبيذ صنف منها، أو نبيذ صنف من غيرها حاشا الماء حرم شربه أسكر أو لم يسكر ونبيذ كل صنف منها على انفراده حلال متى كان غير مسكر.
فان مزج نوع من غير هذه الخمسة مع نوع آخر من غيرها أيضا، أو نبذا معا أو خلط عصير بنبيذ فكله حلال - أى اذا لم يكن سكرا - كالبلح وعصير العنب ونبيذ التين والقمح والشعير وغير ما ذكرنا لا تحاش شيئا.
لما روينا من طريق مسلم - بسنده عن عبد الله بن أبى قتادة وأبى سلمة بن
(1)
المجموع ج 2 ص 566
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 10 ص 342 الطبعة السابقة.
عبد الرحمن بن عوف كلاهما عن أبى قتادة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن خليط التمر والبسر، وعن خليط الزبيب والتمر، وعن خليط الزهو والرطب، وقال: انتبذوا كل واحد على حدته.
وروينا من طريق جابر بن عبد الله وأبى سعيد الخدرى وابن عباس وأبى هريرة وابن عمر وعائشة أم المؤمنين عن النبى صلى الله عليه وسلم فى هذا أثارا متواترة متظاهرة فى غاية الصحة يجمع ما فيها حديث أبى قتادة المذكور
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير: الخليطان هو أن يخلط ماء التمر وماء الزبيب.
وقد ورد فى تحريمه ما أخرجه الستة من حديث جابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه نهى أن ينبذ الزبيب والتمر جميعا، ونهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا.
قال الخطابى: ذهب غير واحد من أهل العلم الى تحريم الخليطين وان لم يسكر لظاهر الحديث. ولم يعللوه بالاسكار.
وقالوا: من شرب منه قبل حدوث الشدة فهو آثم من جهة واحدة. واذا شربه بعد حدوث الشدة كان آثما من جهتين. شرب الخليطين وكونه مسكرا
(2)
.
مذهب الإمامية:
فى الخلاف: نبيذ الخليطين وهو ما عمل من نوعين تمر وزبيب، أو تمر وبسر اذا كان حلوا غير مسكر فهو غير مكروه، لأن الأصل الاباحة ولأن أصحابنا نصوا عليه وقالوا:
لا بأس بشربه اذا لم يكن مسكرا، ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخليطين نحمله على أنه اذا كان مسكرا ويكون نهى تحريم
(3)
.
الشرب فى أوانى الأشربة المحرمة
مذهب الحنفية:
جاء فى المبسوط وعن بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهيتكم عن ثلاث: عن زيارة القبور فزوروها .. وعن لحم الاضاحى أن تمسكوه فوق ثلاثة أيام فأمسكوا ما بدا لكم .. وعن النبيذ فى الدباء
(4)
والحنتم
(5)
والمزفت
(6)
فاشربوا فى كل ظرف فان الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه ولا تشربوا مسكرا.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 508، ص 509 الطبعة السابقة.
(2)
الروض النضير للصنعانى ج 3 ص 161، ص 162 الطبعة السابقة.
(3)
الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الطوسى ج 2 ص 490 الطبعة السابقة.
(4)
الدباء بضم الدال من الباء المشددة جمع دباءة وهو القرع اليابس وأراد منه الوعاء.
(5)
الحنتم بفتح الحاء المهملة الجرار الخضراء.
(6)
المزفت - المطلى بالزفت.
وفى رواية ابن مسعود رضى الله عنه قال:
وعن الشرب فى الدباء والحنتم والنقير
(1)
..
والمزفت فاشربوا فى الظروف ولا تشربوا مسكرا. وهذا اللفظ رواه أبو بردة بن نيار
ففى الحديث ما يفيد أن النهى عن الشرب فى الأوانى قد كان فى الابتداء حيث نهاهم عن الشرب فى هذه الأوانى تحقيقا للزجر عن العادة المألوفة، ولهذا أمر بكسر الدنان وشق الروايا فلما تم انزجارهم عن ذلك أذن لهم فى الشرب فى الأوانى وبين لهم أن المحرم شرب المسكر وأن الظرف لا يحل شيئا ولا يحرمه
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة: قلت: أرأيت الظروف هل كان مالك يكره أن ينبذ فى شئ منها؟ قال:
سألت مالكا عنها فقال: الذى ثبت عندنا والذى آخذ به أن الدباء والمزفت لا يصح النبيذ فيهما ولا ينبذ فيهما.
وقد كره مالك المزفت من كل شئ الا الزقاق المزفتة والفخار المزفت، وكل ظرف كان مزفتا فانه كان يكرهه.
قال مالك ثبت عندنا أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الدباء والمزفت
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع: مذهبنا أنه يجوز الشرب فى جميع الأوعية من الخزف والخشب والبلور والدباء والمزفت والنحاس وغيرها.
وأما الأحاديث المشهورة فى الصحيحين عن ابن عباس وغيره رضى الله عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ فى الدباء والحنتم والنقير والمزفت والمقير
(4)
فهى منسوخة بحديث بريدة
(5)
.
وجاء فى موضع آخر: يجوز امساك ظروف الخمر والانتفاع بها واستعمالها فى كل شئ اذا غسلت وغسلها ممكن، وبه قال الجمهور.
خلافا لمن قال بوجوب كسرها وشق زقاقها، لأنها مال وقد نهينا عن اضاعة المال، ولأن الأصل أن لا وجوب ولم يثبت شئ يدل على الوجوب.
وأما حديث أنس .. الذى قال فيه أبو طلحة قم يا أنس الى هذه الجرار فاكسرها فقمت فكسرتها، فليس فيه دليل وجوب الكسر،
(1)
النقير - الخشبة المنقورة.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخس ج 24 ص 10، ص 11 الطبعة السابقة.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك على رواية سحنون ج 16 ص 63 الطبعة السابقة.
(4)
المقير - المطلى بالقار.
(5)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 566 الطبعة السابقة.
فان النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك.
بل فى حديث أبى طلحة دليل على عدم الوجوب، فان النبى صلى الله عليه وسلم قال أهرقها ولم يذكر اتلاف ظرفها
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى ويجوز الانتباذ فى الأوعية كلها.
وعن أحمد أنه كره الانتباذ فى الدباء والحنتم والنقير والمزفت، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتباذ فيها.
والصحيح الأول، لما روى بريدة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نهيتكم عن ثلاث وأنا آمركم بهن، نهيتكم عن الأشربة أن لا تشربوا فى ظروف الأدم (الجلود) فاشربوا فى كل وعاء ولا تشربوا مسكرا .. الحديث) رواه مسلم وهذا دليل على نسخ النهى ولا حكم للمنسوخ
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: «واناء الخمر أن تخللت الخمر فيه فقد صار طاهرا يتوضأ فيه ويشرب وان لم يغسل، فان أهرقت أزيل أثر الخمر ولا بد بأى شئ من الطاهرات أزيل ويطهر الاناء حينئذ سواء كان فخارا أو عودا أو خشبا أو نحاسا أو غير ذلك
(3)
.. اذ لا خمر هنالك أصلا، ولا أثر لها فى الاناء، فليس هنالك شئ يجب اجتنابه وازالته، وأما اذا ظهر أثر الخمر فى الاناء فهى هنالك بلا شك وازالتها واجتنابها فرض. ولا نص ولا اجماع فى شئ ما بعينه تزال به.
فصح أن كل شئ أزيلت به فالاناء طاهر لأنه ليس هنالك شئ يجب اجتنابه
(4)
.
والانتباذ فى الحنتم، والنقير، والمزفت، والدباء والجرار البيض والسود والحمر والخضر والصفر والموشاة، وغير المدهونة والأسقية، وكل ظرف حلال، والشرب فى كل ذلك حلال.
برهان ذلك ما روى - بسنده - عن عبيد الله ابن أبى بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت نهيتكم عن الأوعية فانتبذوا فيما بدا لكم واياكم وكل مسكر
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير انما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الانتباذ فى هذه
(1)
المرجع السابق لابن شرف الدين النووى ج 2 ص 578 الطبعة السابقة.
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 10 ص 341، ص 342 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 1 ص 124 مسألة رقم 130 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 125 الطبعة المتقدمة.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 514، ص 515 الطبعة السابقة.
الأوعية - الدباء والنقير والمزفت والمقير والحنتم، لأنه يسرع اليها الاسكار فيشربها من لا يشعر به، ثم نسخ ذلك، وبين عليه السلام أن الاناء ليس من طبعه تحليل ولا تحريم، وجعل مناط التحريم هو الاسكار من أى شراب اتخذ، كما يدل عليه لفظ كل - فى قوله صلى الله عليه وسلم واياكم وكل مسكر.
قال الخطابى: والقول بنسخه هو أصل الأقاويل.
وقال بعضهم الحظر باق، وكرهوا أن ينبذ فى هذه الأوعية.
وقد روى ذلك عن ابن عمر وابن عباس.
وحديث الأصل وشواهده يرد هذا المذهب
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام: «أوانى الخمر من الخشب والقرع والخزف غير المفضور
(2)
لا يجوز استعماله لاستبعاد تخلصه.
والأقرب الجواز بعد ازالة عين النجاسة وغسلها ثلاثا
(3)
.
حد الشرب
يراد من حد الشرب العقوبة التى يستوجبها شرب الخمر أو غيرها من المسكرات الأخرى.
وتقدر هذه العقوبة بجلد الشارب ثمانين جلدة، فقد روى عن أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين.
قال أنس: وفعله أبو بكر، فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف أخف الحدود ثمانون، فأمر به عمر متفق عليه (أنظر مصطلح حد).
قهوة البن
نظرا لظهور قهوة البن فى القرن العاشر الهجرى، فقد تكلم عن حكمها عدد من الفقهاء المتأخرين، وهذا ما أمكن الوصول اليه من أقوالهم.
مذهب الحنفية:
قال ابن عابدين: ان بعض الفقهاء قد حرمها، ولا وجه له كما، فى تبيين المحارم وفتاوى صاحب التنوير، وحاشية الاشباه للرملى.
(1)
الروض النضير ج 3 ص 150 الطبعة السابقة.
(2)
الفضار الطين اللازب الأخضر.
(3)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 1480 طبع مطبعة دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.
وقال شيخ الحصكفى النجم الغزى فى تاريخه فى ترجمة أبى بكر بن عبد الله الشاذلى المعروف بالعيدروس أنه أول من اتخذ القهوة، لما مر فى سياحته بشجر البن، فاقتات من ثمره فوجد فيه تخفيفا للدماغ، واجتلابا للسهر وتنشيطا للعبادة فاتخذه قوتا وطعاما، وأرشد اتباعه اليه، ثم انتشرت فى البلاد.
واختلف العلماء فى أول القرن العاشر.
فحرمها جماعة ترجح عندهم أنها مضرة، آخرهم بالشام والد شيخنا العيتاوى، والقطب ابن سلطان الحنفى.
وبمصر أحمد بن أحمد بن عبد الحق السنباطى تبعا لأبيه.
والأكثرون يذهبون الى أنها مباحة وانعقد الاجماع بعدهم على ذلك.
وأما ما ينضم اليها من المحرمات فلا شبهة فى تحريمه
(1)
.
مذهب المالكية:
يقول الحطاب: ظهر فى القرن العاشر الهجرى
(2)
- أو قبله بيسير شراب يتخذ من قشر البن يسمى القهوة واختلف الناس فيه.
فمن متغال فيه يرى أن شربه قربه.
ومن متغال - الى جانب آخر - يرى أنه مسكر كالخمر.
والحق أنه فى ذاته لا اسكار فيه، وانما فيه تنشيط للنفس، ويحصل بالمداومة عليه طراوة تؤثر فى البدن عند تركه، كمن اعتاد أكل اللحم بالزعفران والمفرحات فيتأثر عند تركه، ويحصل له انشراح باستعماله.
غير أنه قد تعرض له الحرمة لأمور.
منها: أنهم يجتمعون عليها ويديرونها كما يديرون الخمر، ويصفقون وينشدون أشعارا من كلام القوم، فيها القول وذكر المحبة وذكر الخمر وشربها، ونحو ذلك فيسرى الى النفس التشبه بأصحاب الخمر، خصوصا من كان يتعاطى مثل ذلك فيحرم حينئذ شربها لذلك، مع ما ينضم الى ذلك من المحرمات.
ومنها أن بعض من يبيعها يخلطها بشئ من المفسدات كالحشيشة ونحوها على ما قيل.
ومنها أن شربها فى مجامع أهلها يؤدى للاختلاط بالنساء، ولأنهن يتعاطين بيعها كثيرا وللاختلاط بالمرد لملازمتهم لمواضعها، ولسماع الغيبة، والكلام الفاحش والكذب الكثير من الأراذل الذين يجتمعون لشربها مما تسقط المروءة بالمواظبة عليه.
(1)
حاشية ابن عابدين ج 5 ص 306 الطبعة السابقة.
(2)
لأن العلامة الحطاب توفى سنة 954 هـ.
ومنها أنهم يلتهون بها عن صلاة الجماعة. بها.
وقد كثرت فى هذه الأيام، وكثر فيها الجدال وانتشر فيها القيل والقال، وحدثت بسببها فتن وشرور، واختلفت فيها فتاوى العلماء وتصانيفهم، ونظمت فى مدحها وذمها القصائد.
فالذى يتعين على العاقل أن يجتنبها بالكلية الا لضرورة شرعية.
ومن سلم من هذه العوارض كلها الموجبة للحرمة فانها ترجع فى حقه الى أصل الاباحة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى مطالب أولى النهى: «القهوة يحصل لشاربها النشاط والروحانية وطيب الخاطر بما لا يحصل من غيرها، لأنها تجفف الرطوبة. ويحصل للبدن بها خفة عظيمة فينشط ويذهب عنه الكسل والنعاس.
وينشأ عن هذا النشاط انبعاث لما الشخص بصدده من الأشغال الدينية والدنيوية، وهذا النشاط يختلف باختلاف أمزجة الناس، وأقرب ما تشبه حالة صاحبه حينئذ حالة من يرد عليه وارد بسط مجهول السبب.
وغاية ما يمكن أن يقال فى حكم القهوة للوسائل حكم المقاصد.
فان قصدت للاعانة على قربة كالتقوية على السهر لمطالعة العلوم النافعة أو المذاكرة لفهم المسائل الدقيقة ونحو ذلك كانت قربة.
وان قصدت للاعانة على قول أو فعل مباح كمسامرة الاخوان والأهل فهى مباحة.
وان قصدت للاعانة على مكروه لتطويل السهر بعد العشاء مع غير أهل وضيف فهى مكروهة.
وان قصدت للاعانة على حرام كالسهر لسماع الغناء وآلات اللهو فهى محرمة ..
وهذا هو الصواب ان شاء الله تعالى - لأن الأمور بمقاصدها
(2)
.
غير أنه يحرم التشبه بشراب الخمر، ويعزر فاعل ذلك، وان كان المشروب مباحا فى نفسه.
فلو اجتمع جماعة ورتبوا مجلسا، وأحضروا أدوات الشراب والأقداح، وصبوا فيها شرابا مباحا، ونصبوا ساقيا عليهم يسقيهم فيأخذون من الساقى ويشربون ويحيى بعضهم بعضا بكلماتهم المعتادة حرم ذلك، وان كان المشروب مباحا فى
(1)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب ج 1 ص 90، ص 91 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
(2)
مطالب أولى النهى فى شرح غاية المنته ج 6 ص 216 الطبعة السابقة.
نفسه، لأن فى ذلك تشبيها بأهل الفساد، وهذا منشأ من قال بتحريمها.
وغير خاف أن المحرم التشبه لا ذاتها، حيث لا دليل يخصها، ولعدم اسكارها كما هو محسوس، وهذا ما يشهده الوجدان الصادق بعد التأمل الفائق
(1)
.
ولما اعتاده بعض الفقهاء من حديثهم على المخدرات وحكمها فى كتاب الأشربة فقد رؤى الحديث عنها أيضا هنا.
مخدر
المعنى اللغوى:
الخدر (بفتح الخاء والدال) الكسل والفتور فيقال خدرت عظامه أو هو خدر كأنه ناعس والخادر الفاتر الكسلان
(2)
.
والمخدر بضم الميم وفتح الخاء وكسر الدال لمشددة: مادة تحدث خدرا فى الجسم بتناوله.
المعنى الاصطلاحى:
قال بعض الفقهاء ان اطلاق الاسكار على الحشيشة ونحوها يراد منه التخدير
(3)
الذى هو تغطية العقل لا مع الشدة المطربة
(4)
.
ويستفاد من ذلك أن استعمال الفقهاء له لا يخرج عن معناه اللغوى.
أنواع المخدرات:
المخدرات أنواع مختلفة أشهرها:
الحشيشة، والأفيون، والبنج، وجوزة الطيب، وقد تكلم الفقهاء عن هذه الأنواع كلها، واذا كانوا لم يتكلموا عن أنواع أخرى من المخدرات مثل الكوكايين والهيرويين والموروفين فان الذى أثبته الفقهاء للحشيشة ونحوها من المخدرات يثبت حتما لكل الأنواع التى لم يتكلم عنها الفقهاء مما يكون له ضرر الحشيشة وأثرها، وسيكون البحث هنا على الوجه الآتى:
1 -
الحشيشة.
2 -
الأفيون.
3 -
البنج وجوزة الطيب ونحوها.
ثم نختتم البحث ببيان ما قرره الفقهاء بشأن الدخان.
الحشيشة
جاء فى المنجد أن الحشيشة نبات تستخرج منه مادة مسكرة
(5)
.
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 219، ص 220 الطبعة السابقة.
(2)
لسان العرب للعلامة ابن منظور مادة خدر طبع دار صادر بيروت سنة 1374 هـ.
(3)
الزواجر ج 1 ص 213.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 214.
(5)
المنجد ج 1 ص 129.
ويقول بعض الفقهاء أن الحشيشة هى ورق القنب الهندى يسكر جدا اذا تناول منه الشخص قدر درهم
(1)
.
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار وحاشية ابن عابدين: ان أكل الحشيشة حرام، لأنه مفسد للعقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة.
غير أن حرمة الحشيشة دون حرمة الخمر.
فان أكل الشخص شيئا منها فلا حد عليه وان سكر من ذلك، لأن الشرع أوجب الحد بالسكر من المشروب لا من المأكول.
واذا كان لا حد على آكل الحشيشة فانه يعزر بما دون الحد
(2)
.
ونقل عن الجامع وغيره أن من قال بحل الحشيشة فهو زنديق مبتدع.
قال فى البحر: وقد اتفق على وقوع طلاق آكل الحشيشة لفتواهم بحرمته وتأديب باعته حتى قرروا أن من قال بحله فهو زنديق كما فى المبتغى.
بل قال نجم الدين الزاهدى ان من استحنه يكفر ويباح قتله. هذا ما ذكره صاحب التنوير نقلا عن خط بعض الأفاضل.
ورده الرملى بأنه لا تعويل عليه اذ الكفر بانكار القطعيات. وهو ليس كذلك.
الا أن ابن عابدين يقول تعليقا على هذا.
لكن رأينا فى الزواجر لابن حجر ما نصه.
وحكى القرافى وابن تيمية الاجماع على تحريم الحشيشة قال: ومن استحلها فقد كفر.
مذهب المالكية:
يقول العلامة الحطاب: وللمتأخرين فى الحشيشة قولان: هل هى من المسكرات، أو هى من المفسدات
(3)
مع اتفاقهم على المنع من أكلها والتحريم لتعاطيها.
فاختار القرافى أنها من المخدرات، قال: لأنى لم أرهم يميلون الى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة وربما عرض لهم البكاء.
وكان العلامة عبد الله المنوفى يختار أنها من المسكرات لأنا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها، ولولا أن لهم فيه طربا لما فعلوا ذلك، يبين هذا انا لا نجد أحدا يبيع داره ليتعاطى بها «سيكرانا» وهو واضح.
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 304، ص 305 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 304، 305.
(3)
المراد من المفسد ما صور خيالات دون تغيب حواس.
وذكر البرزلى عن القرافى ثلاثة أقوال:
الأول أنها من المخدرات.
والثانى أنها من المسكرات.
والثالث بالفرق بين أن تحمس، فتكون نجسة، ويلزم فيها الحد، وأما قبل أن تحمس، فلا حد، ولا نجاسة.
واختار القرافى فى الفرق الأربعين أنه لا حد فيها، وانما فيها التعزير الزاجر عن الملابسة، ولا تبطل الصلاة بحملها
(1)
.
مذهب الشافعية:
يقول ابن حجر الهيثمى رحمه الله: عن الحشيشة: أنها مسكرة.
والمراد من اسكارها أنها تغطى العقل لا مع الشدة المطربة، لأن ذلك من خصوصيات المسكر المائع.
وهذا لا ينافى أنها مخدرة.
واذا ثبت أنها مسكرة أو مخدرة فاستعمالها كبيرة وفسق كالخمر. فكل ما جاء فى وعيد شارب الخمر يأتى فى متعاطى الحشيشة لاشتراكهما فى ازالة العقل المقصود للشارع بقاؤه لأنه الآلة للفهم عن الله تعالى وعن رسوله، والمتميز به الانسان عن الحيوان، والوسيلة الى ايثار الكمالات عن النقائص فكان فى تعاطى ما يزيله وعيد الخمر.
والأصل فى ذلك ما رواه أحمد فى مسنده وأبو داود فى سننه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر.
قال العلماء المفتر كل ما يورث الفتور والخدر فى الأطراف والحشيشة - ونحوها تسكر وتفتر وتخدر ..
وحكى بعض العلماء الاجماع على تحريم الحشيشة قال ومن استحلها فقد كفر
(2)
.
وفى بعض شروح الحاوى الصغير أن الحشيشة نجسة.
وفى بعض الكتب أن الحد واجب فى الحشيشة كالخمر، ولكن لما كانت جمادا وليست شرابا مائعا تنازع الفقهاء فى نجاستها على أقوال ثلاثة أصحها أنها نجسة
(3)
.
(1)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل المعروف بالحطاب ج 1 ص 90 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة السابقة.
(2)
الزواجر لابن حجر المكى الهيثمى ج 1 ص 212 طبعة سنة 1390 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 214 الطبعة السابقة.
ويحرم اطعام الحشيشة الحيوان أيضا لأن اسكاره حرام أيضا.
قال ابن دقيق العيد: ولا ضمان على متلفها كالخمر.
ونقل الامام أبو بكر ابن القطب العسقلانى أنها تصدع الرأس، وتظلم البصر، وتعقد البطن، وتجفف المنى فيتعين على كل ذى عقل سليم وطبع مستقيم اجتنابها كغيرها من المسكرات، لما تشتمل عليه من المضار التى هى مبدأ مداعى الهلاك.
وربما نشأ من تجفيف المنى، وصداع الرأس أعظم المفاسد والمضار.
ومن ثم قال ابن البيطار
(1)
فى كتابه الجامع لقوى الأدوية والأغذية - ومن القنب الهندى نوع ثالث لم أره بغير مصر. يزرع فى البساتين ويسمى بالحشيشة وهو يسكر جدا اذا تناول منه الانسان يسيرا قدر درهم أو درهمين - حتى أن من أكثر منه أخرجه الى حد الرعونة، وقد استعمله قوم فاختلت عقولهم وأدى بهم الحال الى الجنون وربما قتلت.
قال القطب: وقد نقل لنا أن البهائم لا تتناولها. فما قدر (قيمة) مأكول تنفر البهائم عن تناوله وهى مما يحيل الا بد ان ويمسخها ويحلل قواها ويحرق دماءها ويجفف رطوبتها ويصفر اللون.
قال محمد بن زكريا وهو امام وقته فى الطب والحشيشة تولد أفكارا كثيرة رديئة وتجفف المنى لقلة الرطوبة فى الأعضاء الرئيسية: واذا قلت رطوبة الأعضاء الرئيسية كانت سببا لحدوث أخطر الأمراض وأقبح العلل.
قال: وقد بلغنا من جمع يفوق حد الحصر أن كثيرا ممن عاناها مات بها فجأة وآخرين اختلت عقولهم وابتلوا بأمراض كثيرة متعددة منها الدق
(2)
والسل والاستسقاء وأنها تستر العقل وتغمره ..
ثم يقول ابن حجر وعد تناول الحشيشة من الكبائر ظاهر.
وبه صرح أبو زرعة وغيره كالخمر.
بل بالغ الذهبى فجعلها كالخمر فى النجاسة والحد
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن تيمية رحمة الله: ما يفيد: هذه الحشيشة الصلبة حرام، سواء سكر منها أو لم يسكر والسكر منها حرام باتفاق المسلمين .. وكل ما يغيب العقل فانه حرام وان لم تحصل به نشوة ولا طرب فهى تجامع الشراب المسكر فى ذلك والخمر توجب
(1)
يذكر ابن حجر أن ابن البيطار قد انتهت اليه رياسة زمنه فى معرفة النبات والأعشاب.
(2)
الدق فى المختار بكسر الدال ومنه حمى الدق.
(3)
الزواجر ج 1 ص 214، 215.
الحركة والخصومة وهذه توجب الفتور والذلة
(1)
..
وأما من استحل الحشيشة فهو كافر يستتاب فان تاب والا قتل كافرا.
ثم يقول ابن تيمية: ان جميع ما حرمه الله ورسوله ان ثبتت فيه منفعة ما فلابد أن يكون ضرره أكثر.
وقد تنازع الفقهاء فى نجاستها على ثلاثة أقوال.
أحدها: أنها ليست نجسة.
والثانى: أن مائعها نجس، وأن جامدها طاهر.
والثالث: وهو الصحيح أنها نجسة كالخمر، فالخمر تشبه البول. والحشيشة تشبه العذرة، وكلاهما من الخبائث التى التى حرمها الله ورسوله
(2)
.
مذهب الزيدية:
يقرر فقهاء هذا المذهب أن تناول الحشيشة حرام.
ويرى بعضهم أن الاسكار من تعاطى الحشيشة يوجب الحد.
ويرى فريق آخر أن الاسكار من تعاطيها لا يوجب حدا، وانما يوجب التعزير فقط.
ففى شرح الأزهار: ويحد من تناول الحشيشة حيث سكر من ذلك ..
والمختار أنه لا يحد بل يعزر فقط
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: ويحرم كل ما من شأنه أن يؤدى الى التلف أو الضرر الجسيم «بجميع أصنافه سواء أكان مائعا أم جامدا.
وضابط المحرم ما يحصل به الضرر على البدن وافساد المزاج.
وهذا يفيد أن تناول الحشيشة حرام
(4)
.
الأفيون
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر وحاشية ابن عابدين:
وكذلك يحرم الأفيون وهو عصارة
(1)
فتاو ابن تيمية ج 4 ص 262، 263.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 263.
(3)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 362 وهامشه طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 286، 287 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
الخشخاش يكرب
(1)
. ويسقط الشهوتين، ويتلف الأغشية ويخرقها ومتى زاد أكله على أربعة أيام ولاء اعتاده آكله بحيث يصعب عليه تركه فى مدة بسيطة ومن أكل منه أكثر من درهمين كان معرضا لضرر جسيم وربما أدى ذلك الى قتله
(2)
.
مذهب المالكية:
يقول الحطاب رحمه الله: والأفيون يغيب الحواس ولا يذهب العقل.
وذكر القرافى أن الأفيون من المفسدات وقال: من صلى به لم تفسد صلاته اجماعا .. كأن يتناول من الأفيون ما لا يصل الى التأثير فى العقل والحواس.
فعلى هذا يجوز لمن ابتلى بأكل الأفيون وصار يخاف على نفسه الموت من تركه أن يستعمل منه القدر الذى لا يؤثر فى عقله وحواسه بشرط أن يسعى فى تقليل ذلك وقطعه. ويبذل كل جهده فى سبيل ذلك ويجب عليه أن يتوب ويندم على ما مضى
(3)
.
مذهب الشافعية:
يقول ابن حجر الهيثمى رحمه الله ما يفيد أن الأفيون مسكر. بمعنى أنه يغطى العقل لا مع الشدة المطربة. وهذا لا ينفى أن الأفيون مخدر أيضا.
واذا ثبت أنه مسكر أو مخدر فاستعماله كبيرة وفسق كالخمر
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار ما يفيد أن تناول الأفيون حرام.
وذهب بعضهم الى التفرقة بين القليل والكثير فقرر أن الكثير منه يضر، وعليه فيحرم الكثير منه لاضراره. لا لكونه مسكرا.
وقد اختلف فقهاء الزيدية فى وجوب الحد على متعاطيه.
فمنهم من يقول بوجوب الحد على من تناول الأفيون اذا سكر منه.
وفريق آخر يقرر أنه لا حد فى ذلك وانما يجب التعزير فقط، وهو الرأى المختار
(5)
.
(1)
فى المختار كربه الغم اشتد عليه.
(2)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 5 ص 304، 305 الطبعة السابقة.
(3)
مواهب الجليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 90 الطبعة السابقة.
(4)
الزواجر ج 1 ص 214، 215 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 36 طبع مطبعة حجازى سنة 1357 هـ.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: يحرم السم كله بجميع أصنافه جامدا كان أم مائعا ان كان يقتل قليله وكثيره ولو كان كثيره يقتل دون قليلة كالأفيون والسقمونيا حرم الكثير القاتل أو الضار دون القليل.
وهذا يفيد أن كثير الأفيون حرام دون قليلة
(1)
.
البنج وجوزة الطيب ونحوهما
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر وحاشية ابن عابدين: ويحرم أكل البنج وهو نبات يسمى بالعربية شيكران - يصدع ويسبت أى ينوم ويضعف الحركة. ويخلط العقل.
فاستعمال الكثير منه حرام مطلقا كما يدل عليه كلام الغاية.
وأما القليل فان كان للهو حرم وان سكر منه يقع طلاقة، لأن مبدأ استعماله كان محظورا.
وان كان استعماله للتداوى وحصل منه اسكار فلا حرمة، وكذا تحرم جوزة الطيب، لأنها مسكرة، والمراد بالاسكار هنا تغطية العقل لا مع الشدة المطربة، لأنها من خصوصيات المسكر المائع، فلا ينافى أنها تسمى مخدرة ومثله بل أولى منه البرش وهو شئ مركب من البنج والأفيون وغيرهما.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل: «ولا خلاف فى تحريم القدر المغطى للعقل من كل شئ
(2)
.
وقد اختلف فى البنج هل هو مسكر أو مفسد؟ والمفسد ما صور خيالات دون تغيب حواس ولا طرب ولا نشوة ولا شدة.
ولا خلاف فى تحريم القدر المفسد من البنج
(3)
.. وكذلك الجوزاء من المخدرات وقال ابن فرحون واما العقاقير الهندية، فان أكلت كما تؤكل له الحشيشة امتنع أكلها، وان أكلت للهضم وغيره من المنافع لم تحرم، ولا يحرم منها الا ما أفسد العقل.
وذكر قبل هذا أن الجوزة وكثير الزعفران والبنج والسيكران من المفسدات قليلها جائز وحكمه الطهارة.
(1)
الروضة البهية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 286، 287 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل المعروف بالحطاب ج 2 ص 232 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 232 الطبعة السابقة.
قال البرزلى: أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من جوزة الطيب لتسخين الدماغ.
واشترط بعضهم أن تخلط مع الأدوية والصواب العموم.
ومقتضى ما تقدم جواز بيع هذه الأشياء من البنج والجوزة ونحوهما.
قال الحطاب ولم أر فيه نصا صريحا.
والظاهر أن يقال فى ذلك كما قال ابن رشد فى المذر على القول بحرمة أكله ان كل شئ فيه منفعة غير الأكل والشرب جاز بيعه ممن يصرفه فى غير الأكل والشرب ويؤمن أن يبيعه ممن يأكله ويشربه.
وكذلك يقال فى هذه الأشياء وفى سائر المعاجين المغيبة للعقل يجوز بيع ذلك لمن لا يستعمل منه القدر المغيب للعقل ويؤمن أن يبيعه ممن يستعمل ذلك
(1)
.
مذهب الشافعية:
يقول ابن حجر عن الشيكران، وهو البنج والعنبر والزعفران وجوزة الطيب ان هذه الأشياء كلها مسكرة .. واستعمالها كبيرة وفسق كالخمر، فكل ما جاء فى وعيد شاربها يأتى فى مستعمل هذه المذكورات لاشتراكهما فى ازالة العقل المقصود للشارع بقاؤه
(2)
.
وذكر الماوردى: أن النبات الذى فيه شدة مطربة يحرم تعاطيه ..
وقد صرح الامام ابن دقيق العيد أن الجوزة مسكرة ..
بل بالغ ابن العماد فجعل الحشيشة مقيسة على الجوزة المذكورة ..
فى حين أن العلماء قد أجمعوا على تحرم الحشيشة.
وبذلك نعلم أنه لا مرية فى تحريم الجوزة لاسكارها أو تخديرها
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن تيمية: وأما تعاطى البنج الذى لم يسكر ولم يغيب العقل ففيه التعزير - ويقاس على البنج غيره - مما يغطى العقل من غير سكر فان جميع ذلك حرام باتفاق المسلمين.
ان كان مسكرا ففيه الحد.
(1)
مواهب الجليل لمختصر خليل ج 1 ص 90 الطبعة السابقة.
(2)
الزواجر لابن حجر المكى الهيثمى ج 1 ص 212 طبعة سنة 1390 هـ
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 213 الطبعة السابقة.
وان لم يكن مسكرا ففيه التعزير بما دون ذلك.
ومن اعتقد حل ذلك كفر وقتل ..
اذ البنج لا ينشى ولا يشته.
وقاعدة الشريعة ان ما تشتهيه النفوس من المحرمات كالخمر والزنا ففيه الحد.
وما لا تشتهيه كالميتة ففيه التعزير.
والحشيشة مما يشتهيها آكلوها ولا يمتنعون من تركها
(1)
- ففيها الحد مطلقا.
وأما البنج ففيه التعزير ما لم يسكر.
والا ففيه الحد.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم رحمه الله: «ولا يحل أكل الشيكران لتحريم النبى صلى الله عليه وسلم كل مسكر: والشيكران مسكر.
اذ هو والخمر سواء
(2)
.
مذهب الزيدية:
يقول بعض فقهاء الزيدية: ان البنج ليس بمسكر، وانما هو مخدر وأحكامه تخالف أحكام السكر.
واختار الامام شرف الدين فى جوزة الطيب أنها طاهرة لأنها ليست مسكرة.
قال: وكذلك تدخل فى الأطياب والمعاجين والأدوية ويستعمل ذلك كثير من أهل الفضل والعلم - فهى أى جوزة الطيب كالزعفران ونحوه، وحكمه أن الكثير منه يضر، وعليه فيحرم تناول الكثير منه لاضراره لا لكونه مسكرا
(3)
. ولكن اذا سكر من الجوزة أو غيرها بالفعل هل يجب الحد أو لا يجب قولان.
الأول: وجوب الحد على من تعاطى الجوزة اذا سكر منها.
والثانى وهو المختار أنه لا حد عليه وانما عليه التعزير فقط
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى التنقيح عن بعض الإمامية ان الخمر ليست اسما لخصوص مائع بعينه ويعم جميع المسكرات وان كانت جامدة، لأنها حقيقة شرعية فى الأعم، فان الخمر
(1)
فتاوى ابن تيمية ج 4 ص 263، 264 طبع مطبعة كردستان العلمية بمصر سنة 1326 هـ.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 426 مسألة رقم 1024 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الأزهار وهامشه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 36 الطبعة السابقة
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 362 الطبعة السابقة.
ما يخامر العقل كان هو المائع المخصوص أو غيره مما يوجب الاسكار.
لقوله صلى الله عليه وسلم: ان الله لم يحرم الخمر لاسمها، ولكن حرمها لعاقبتها، وغير ذلك من الأخبار الواردة فى حرمة المسكر على اطلاقه
(1)
.
واختلاف الإمامية فى البنج ونحوه من المسكرات الجامدة ينحصر فقط فى حكم هذه المسكرات من حيث الطهارة والنجاسة وذلك بعد اتفاقهم على حرمة تعاطيها.
ففريق منهم يذهب الى أن المسكرات الجامدة طاهرة.
وفريق آخر يذهب الى القول بنجاسة المسكر الجامد
(2)
.
الدخان
الدخان:
أو ما يسمى بالتبغ والتنباك. وقد عبر عنه بعض الفقهاء بالتتن
(3)
. ونظرا لأن حدوثه كان سنة ألف من الهجرة أو بعد ذلك بقليل فان آراء الفقهاء فيه تكاد تكون محدودة.
مذهب الحنفية:
يقول الحصكفى رحمه الله: والتتن الذى حدث وكان حدوثه بدمشق فى سنة خمس عشرة بعد الألف يدعى شاربه أنه لا يسكر. وان سلم له فانه مفتر وهو حرام، لحديث أحمد عن أم سلمة قالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر ولكن ليس من الكبائر تناوله المرة والمرتين
(4)
.
وقد علق ابن عابدين على ذلك فقال:
قد اضطربت آراء العلماء فى التتن.
فبعضهم قال بكراهته.
وبعضهم قال بحرمته.
وبعضهم قال باباحته وأفردوه بالتأليف.
وفى شرح الوهبانية للشرنبلالى: ويمنع من بيع الدخان وشربه .. وشاربه فى الصوم لا شك يفطر.
وفى شرح العلامة الشيخ اسماعيل النابلسى على شرح الدر بعد نقله أن
(1)
التنقيح فى شرح العروة الوثقى للسيد أبو القاسم الخوئى ج 2 ص 98، 99 طبع مطبعة الاداب فى النجف الاشرف سنة 1378 هـ.
(2)
جواهر الكلام لمحمد حسن النجفى ج 6 ص 10، ص 11 الطبعة السابقة.
(3)
بتاءين مضمومتين.
(4)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار وحاشية ابن عابدين عليه ج 5 ص 305
للزوج منع زوجته من أكل الثوم والبصل وكل ما ينتن الفم قال: ومقتضاه أن يمنعها من شرب التتن، لأنه ينتن الفم خصوصا اذا كان الزوج لا يشربه ..
وقد أفتى بالمنع من شربه شيخ مشايخنا المسيرى وغيره.
وللعلامة الشيخ على الأجهورى المالكى رسالة فى حله نقل فيها أنه أفتى بحله من يعتمد عليه من أئمة المذاهب الأربعة.
وألف فى حله أيضا سيدنا العارف بالله عبد الغنى النابلسى رسالة سماها الصلح بين الأخوان فى اباحة شرب الدخان. وتعرض له فى كثير من تأليفه الحسان وأقام الطامة الكبرى على القائل بالحرمة أو بالكراهة فانهما حكمان شرعيان، لابد لهما من دليل، ولا دليل على ذلك، فانه لم يثبت اسكاره، ولا تفتيره ولا اضراره، بل ثبتت له منافع فهو داخل تحت قاعدة الأصل فى الأشياء الاباحة. وان فرض اضراره للبعض، فلا يلزم منه تحريمه على كل أحد، فان العسل مضر. ببعض المصابين بأمراض معينة. مع أنه شفاء بالنص القطعى. فالذى ينبغى للانسان اذا سئل عنه اذا كان ممن يتعاطاه أولا .. أن يقول هو مباح، لكن رائحته تستكرهما الطباع فهو مكروه طبعا لا شرعا ..
وقد كرهه شيخنا العمادى الحاقا له بالثوم والبصل بالأولى.
ثم يقول ابن عابدين رحمه الله تعالى:
وظاهر كلام العمادى أنه مكروه تحريما ويفسق متعاطيه فانه قال فى فصل الجماعة ويكره الاقتداء بالمعروف بأكل الربا أو شئ من المحرمات أو بدوام الاصرار على شئ من البدع المكروهات كالدخان المبتدع فى هذا الزمان .. والحاقه بالثوم والبصل هو الانصاف.
قال أبو السعود فتكون الكراهة تنزيهية والمكروه تنزيهيا يجامع الاباحة.
وقال بعضهم يؤخذ منه كراهة التحريم فى المسجد للنهى الوارد فى الثوم والبصل وهو ملحق بهما.
والظاهر كراهة تعاطيه حال القراءة لما فيه من الاخلال بتعظيم كتاب الله تعالى
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى فتاوى الشيخ عليش: «سئل عن الدخان العلامة شيخنا سالم السنهورى فأفتى بتحريمه واستمر
(1)
حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار ج 5 ص 306 الطبعة السابقة.
على فتواه به الى موته. ولم يخالفه فيه أحد من علماء عصره، وتابعه عليه أهل الدين والصلاح والرشد من الحنفية وغيرهم.
وقد زعم قوم أنه دواء لكل داء.
وهذا من غش الشيطان وتلبيسه وتزيينه، فانه يتولد من تكاثف الدخان فى أجوافهم أمراض وعلل .. وتكرار الدخان يسود ما يتعلق به، وتتولد منه الحرارة فتكون داء مزمنا مهلكا فيشمله قوله سبحانه «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» }.
وأفتى بعض علماء الروم بتحريمه وألف فيه رسالة قال فيها: أنه لا شفاء فيه أصلا، وضرره مشاهد فى أكثر مستعمليه. وأدنى ضرره افساد العقل، وتلويث الظاهر والباطن المأمور بتنقيتهما شرعا وعادة ومروءة .. ولا شك أنه من نزغات الشيطان وتلاهى المترفين.
والذى ينبغى للعبد التعويل عليه طلبا للحق والانصاف أن يقول بالتفصيل.
فان كان معجونا بشئ من النجاسات فدخانه نجس على المذهب.
وان سلم من ذلك فالمشاهد فى كثير من مستعمليه عدم سكرهم به، ولكن يحتمل أنه مفسد أو مخدر، فان كان كذلك فهو محرم ولو قل زمن افساده أو تخديره.
وان قطع بعدم افساده وتخديره جاز استعماله.
وان شك فى ذلك حرم.
ولا بد من سؤال الطبيب العارف بالأمزجة وما يغيرها واستعماله مع الشك فى ذلك محرم وخصوصا أن أدى الى تضييع بعض الواجبات، وهذا كله مع تحقيق عدم اضراره بالبدن عاجلا وآجلا والا فهو محرم لوجوب حفظه، وهى احدى الكليات الخمس المجمع عليها.
وغالب مستعملى الدخان لا تحفظ لهم به صحة حاصلة ولا تجلب به صحة زائلة بل للتلذذ والتفكه. وهذه امارة الاسطال بلا أشكال.
ولو لم يكن فى استعماله الا تسويد الثياب والأبدان وكراهة الريح والانتان، لكان زاجرا للعاقل عنه، خصوصا مع ذهابه بذلك الى المحافل والجماعة للصلوات، وتأمل حال شاربيه وهو يخرج من أفواههم وأنوفهم كأهل النار ..
وقد كره النبى صلى الله عليه وسلم الطعام الحار وقال صلى الله عليه وسلم ان الله سبحانه وتعالى لم يطعمنا نارا .. وقال عليه الصلاة والسلام «دع ما يريبك الى ما لا يريبك» ولا شك أن استعمال الدخان مما أراب وأوقع الاضطراب.
ولو سئل الفقهاء الذين قالوا السفه الموجب للحجر تبذير المال فى اللذات والشهوات - لو سئلوا عن ملازم الدخان لما توقفوا فى وجوب الحجر عليه.
ثم انظر الى ما ترتب على اضاعة الأموال فيه من التضييق على الفقراء والمساكين وحرمانهم من الصدقة عليهم بشئ مما أفسده الدخان على المترفهين به ومنع هذه الأموال من الاستعانة بها على مصالح المسلمين وسد خلة المحتاجين.
وهذا من أسباب التحريم .. من شرب الدخان
(1)
.
مذهب الشافعية:
وقد الحق فقهاء الشافعية
(2)
الدخان بالبنج والحشيشة ونحوهما من كل ما فيه تكدير وتغطية للعقل حيث قالوا: ومن ذلك الدخان المشهور .. لأنه يفتح مجارى البدن. ويهيئها لقبول المواد الضارة، ولذلك ينشأ عنه الترهل ونحوه، وهو يؤدى الى ضعف البصر كما هو مشاهد محسوس، وربما أدى الى العمى. وقد أخبر من يوثق به أنه يحصل منه دوران الرأس أيضا ولا يخفى أن هذا أعظم ضررا مما يوجب القول بتحريمه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى مطالب أولى النهى: ويتجه حل شرب الدخان، والأولى لكل ذى مروءة تركه، لما فيه من الاشتغال عن أداء العبادة على الوجه الأكمل فى بعض الأحيان وعن تحصيل الكمالات. اذ من اعتاده قد يعجز عن تحصيله فى بعض الأيام أو يكون فى مجلس لا ينبغى استعماله فيه، أو يستحى ممن حضر فيتشوش خاطره لفقده، وقد يلحن بحجته فيفوته بعض مطالبه اللازمة له ..
وقد كثر فى حكم شرب الدخان القيل والقال، وألفت فيه الرسائل القصار والطوال، وصار الناس فيه على أربعة أقسام.
قسم ساكنون عن البحث عنه.
وقسم قائلون باباحته.
وقسم قائلون بكراهته.
وقسم آخر متعصبون لحرمته ممن ينتسبون الى العلم والصلاح.
ولم يسلم لهم ذلك، وانما كل عالم محقق له اطلاع على أصول الدين وفروعه
(1)
فتاوى الشيخ عليش ج 1 ص 118 - 123.
(2)
قليوبى وعميرة على شرح العلامة جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين للشيخ محيى الدين النووى ج 1 ص 69 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية والشربينى على شرح البهجة ج 1 ص 39 طبع المطبعة الميمنية بمصر.
اذا خلا عن الميل مع الهوى النفسانى، ويسأل الآن عن شربه بعد اشتهاره ومعرفة الناس به، لا يجيب الا باباحته، لأن الأصل فى الأشياء التى لا ضرر فيها ولا نص فى تحريمها الحل والاباحة حتى يرد الشرع بالتحريم لا الحظر.
واتفق المحققون على أن تحكم العقل والرأى بلا مستند شرعى باطل، اذ ليس الصلاح بتحريمه والتحكم فى أحكام الشريعة بالآراء العقلية والقياسات الوهمية، وانما الصلاح والدين المحافظة بالاتباع للأحكام الواردة من الأئمة المجتهدين من فرائض ومستحبات، ومحرمات ومكروهات ومباحات بلا تغيير ولا تبديل فى سائر الحالات.
وهل الطعن فى أكثر الناس من أهل الايمان والحكم عليهم بالفسق والطغيان صلاح أم فساد؟
وكل أهل مذهب من المذاهب الأربعة فيهم من حرمه، وفيهم من كرهه، وفيهم من أباحه.
لكن غالب الشافعية والحنفية قالوا أنه مباح أو مكروه.
وبعضهم من حرمه.
وغالب المالكية حرمه.
وبعض منهم كرهه، وكذا أصحابنا سيما النجديون.
الا أنى لم أر من الأصحاب من صرح فى تأليفه بالحرمة.
وظاهر كلام صاحب الغاية هنا وفى رسالة الفهافيه الاباحة.
وظاهر كلام الشيخ منصور فى آداب النساء الكراهة.
ومن العلماء من فصل بين من يسكره، ومن لا يسكره وهو الصواب.
اذ الانسان لو تناول مباحا مجمعا عليه فسكر منه حرم عليه تناوله، لأنه يضره فى عقله ودينه.
والحق أنه لا شك فى كراهته، لما تقدم، ولما فيه من النقص فى المال ولكراهة رائحة فم شاربه كأكل البصل النئ والثوم والكرات ونحوها، ولا خلاله بالمروءة بالنسبة لأهل الفضائل والكمالات.
وكان أحمد رحمه الله لا يعدل بالسلامة شيئا.
وأما التحليل فليس من السهل القطع بواحد منهما، لعدم الدليل الصريح قال الشيخ تقى الدين اذا شككنا فى المطعوم أو المشروب هل يسكر أم لا؟ لم يحرم بمجرد الشك ولم يقم الحد على صاحبه وقال أيضا واما اختصاص الخمر بالحد فان فى النفوس باعثا الى الخمر فينتصب لذلك رادع شرعى وزاجر
دنيوى أيضا ليتقابلا وليس كذلك غيرهما
(1)
.
مذهب الإباضية:
يستفاد مما جاء فى شرح النيل أن الدخان فى مذهب الإباضية نجس الذات ذلك أنهم يجعلون الدخان فى الحرمة بمنزلة الخمر وفى هذا يقول شارح النيل ويحرم التزين بمحرم. والتداوى به كالخمر، وشجرة الدخان وغير ذلك مما حرم بالذات
(2)
.
إشعار
التعريف فى اللغة:
اشعار مصدر فعله أشعر.
يقال: أشعر الرجل الخف، اذا بطنه بشعر.
وأشعر السهم قلبى: لزق به وكل ما ألزقته بشئ فقد أشعرته.
ويقال أشعر القوم، نادوا بشعارهم أوجعلوا لأنفسهم شعارا.
ويقال أشعره الخبر أو بالخبر، أعلمه به قال الله تعالى «وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ»
(3)
.
والشعر، العلم عامة ولكنه غلب على المنظوم من القول لشرفه بالوزن والقافية.
ويقال: أشعر فلان الأمر: اذاعه وفى حديث معبد الجهنى لما رماه الحسن بالبدعة قالت له أمه: انك قد أشعرت ابنى فى الناس، أى جعلته علامة فيهم وشهرته بقولك حين عبته بالقدر.
والاشعار، الادماء بطعن أو رمى أو وجا بحديده.
وفى حديث مقتل عمر رضى الله عنه أن رجلا رمى الجمرة فأصاب صلعته بحجر فسال الدم فقال رجل: أشعر أمير المؤمنين.
ومنه أشعر البدنة، أعلمها وهو أن يشق جلدها أو يطعنها فى أسنمتها فى أحد الجانبين بمبضع أو نحوه.
وقيل: طعنها فى سنامها الأيمن حتى يظهر الدم ويعرف أنها هدى.
والاشعار، القتل. وكانت العرب تقول للملوك اذا قتلوا: أشعروا، وتقول لعامة الناس: قتلوا.
(1)
مطالب أولى النهى فى شرح دار احباء غاية المنته ج 6 من ص 217 الى ص 220 طبعة سنة 1381 هـ.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 9 ص 89 طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ.
(3)
الآية رقم 109 من سورة الأنعام.
هذا، وتدور المادة حول معان كثيرة أخرى
(1)
.
التعريف عند الفقهاء
.
هو أن يشق جلد البدنة أو يطعنها - فى أسنمتها فى أحد الجانبين بحديدة أو نحوها ليعرف أنها هدى.
واختلف الفقهاء فى كيفية الاشعار.
ومكانه والمراد من البدنة.
مذهب الحنفية:
أما الحنفية فيقولون: الاشعار هو أن يشق أحد جانبى سنام البدنة حتى يخرج منه الدم، ثم يلطخ به سنامها
(2)
.
وحدده ابن نجيم من الحنفية عن شرح الأقطع بأنه شق سنام البدنة من الجانب الأيمن.
وروى عن الهداية قولهم: والأشبه هو الأيسر
(3)
.
مذهب المالكية:
وذهب المالكية الى أن الاشعار هو أن يقطع فى أعلا السنم قطعا يشق الجلد ويدمى من ناحية الرقبة الى ناحية الذنب قدر أنملتين فى الطول
(4)
.
مذهب الشافعية:
وذهب الشافعية الى أن الاشعار جرح فى صفحة سنام البدنة اليمنى أو ما يقرب من محله فى البقرة - فيما يظهر - بحديدة، وهى مستقبلة القبلة، ويلطخها بدمها علامة على أنها هدى
(5)
.
مذهب الحنابلة:
يعرفه صاحب الشرح الكبير بأنه شق صفحة سنام البدن حتى يسيل الدم، ثم يضيف
(1)
لسان العرب للامام العلامة ابن منظور مادة شعر طبع مطبعة دار صادر بيروت سنة 1379 هـ، سنة 1955 م وكتاب القاموس المحيط للفيروزابادى مادة شعر طبع مؤسسة الحلبى وشركاه، ومختار الصحاح مادة شعر، والمصباح المنير مادة شعر.
(2)
تبين الحقائق للزيلعى ج 2 ص 47 طبع المطبعة الكبرى الأميرية سنة 1313 هـ الطبعة الأولى.
(3)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 2 ص 391 الطبعة الأولى سنة 1310 هـ بالمطبعة العلمية بمصر.
(4)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل المعروف بالحطاب ج 3 ص 189 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
(5)
نهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 350 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1357 هـ.
معرفا البدن عند الحنابلة بأنها ما يتناول الأبل والبقر
(1)
.
ويرى الشيخ أبو البركات أن الاشعار ما ذكر، وأنه: ايقاف المشعر هديه فى عرفة
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم من الظاهرية:
الاشعار هو أن يضرب من يريد الاشعار البدنة - ويعنى بها الابل - بحديدة فى الجانب الأيمن من جسدها حتى يدميها
(3)
.
مذهب الزيدية:
وقال المرتضى من الزيدية هو شق فى صفحة سنام الابل اليمنى
(4)
.
مذهب الإمامية:
وذهب الشيعة الإمامية الى أن الاشعار عبارة عن شق السنام الأيمن، ثم يلطخ صفحته بدمه
(5)
.
مذهب الإباضية:
أما الإباضية فالاشعار عندهم هو أن يشق المشعر فى صفحة السنام نحو الرقبة الى المؤخر
(6)
.
حكمه:
مذهب الحنفية:
يرى الامام أبو حنيفة ان الاشعار مكروه لما فيه من المثلة.
جاء فى البحر الرائق - يعنى الاشعار مكروه عند أبى حنيفة.
وفسر بعض فقهاء الحنفية ما روى عن الامام من كراهة الاشعار بأن المراد الاشعار الذى كان يقع فى زمانه اذ كان الناس يبالغون فى الاشعار الى حد تعريض حياة الهدى للخطر اما أصل
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 577 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى.
(2)
المحرر فى الفقه للامام مجد الدين أبى البركات ومعه النكت السنية لمجد الدين بن تيمية ج 1 ص 249 وما بعدها طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1369 هـ، سنة 1950 م.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 99 مسألة رقم 833 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الأولى.
(4)
البحر الزخار ج 2 ص 377.
(5)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 10 ص 662 طبع مطبعة النجف الاشرف الطبعة الأولى.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 393 طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ
الاشعار فليس مكروها عنده اذ قد اشتهرت الاخبار فيه
(1)
.
فقد جاء فى تبيين الحقائق نقلا عن الطحاوى أنه قال: ما كره أبو حنيفة أصل الاشعار. وكيف يكره ذلك مع ما اشتهر فيه من الأخبار.
وانما كره اشعار أهل زمانه، لأنه رآهم يبالغون فيه على وجه يخاف منه السراية الى الموت، فرأى سد هذا الباب.
وأما اذا وقف على قطع الجلد دون اللحم فلا بأس به واختاره فى غاية البيان، وصححه فى فتح القدير أنه الأولى
(2)
.
هذا وقد حكى الزيلعى رأيا آخر فى حكم الاشعار عند أبى حنيفة جاء فيه: أنه انما كره أبو حنيفة ايثار الاشعار على التقليد، ولم يكره الاشعار فى ذاته
(3)
.
ويرى الصاحبان أبو يوسف ومحمد ان الاشعار حسن، للحاجة اليه، حيث أن المقصود هو الاعلام حتى ترد اذا ضلت، ولا تهاج اذا وردت ماء أو كلأ، وأن لا يتعرض لها أحد. وهذا المعنى فى الاشعار أتم، لأنه ألزم والقلادة قد تقع، فمن هذا الوجه يكون الاشعار سنة، الا أنه عارض ذلك دليل الكراهة - وهو كونه مثله - فقلنا بأنه حسن، وان تركه فلا بأس به
(4)
.
وأضاف ابن نجيم قائلا: وللاتباع الثابت فى صحيح مسلم وغيره.
ولأن الاشعار ليس من المثلة، لأن المثلة ما يكون تشويها كقطع الأنف والأذنين، فليس كل جرح مثلة، ولأنه نهى عن المثلة فى أول الاسلام، وفعل الاشعار فى حجة الوداع، فلو كان الاشعار من المثلة لم يفعله صلى الله عليه وسلم
(5)
.
مذهب المالكية:
ذكر صاحب الشرح الكبير فى سنن الاحرام: أن اشعار الهدى ثالث السنن لمن أراد أن يحرم، ان كان مع المحرم هدى مما يشعر كالأبل
(6)
.
وحكى صاحب شرح مختصر خليل اختلاف الفقهاء من المالكية فى حكم
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 2 ص 391 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق 2 ص 391 الطبعة السابقة.
(3)
تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 2 ص 47 وهامشه طبع المطبعة الكبرى الأميرية سنة 1313 هـ الطبعة الأولى.
(4)
المرجع السابق 2 ص 47 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الرائق لابن نجيم ج 2 ص 391 الطبعة السابقة.
(6)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 39 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
الاشعار فقال: وسن اشعار سنمها - يعنى الابل - لأنها هى التى لها أسنمة.
قال فى التوضيح: قال اللخمى وصاحب الجواهر: أطلق فى الكتاب أنها تشعر.
وفى كتاب محمد: لا تشعر، لأن ذلك تعذيب.
وقال ابن عبد السّلام: اختلف المذهب فى اشعار ما لا سنم له من الابل والبقر.
والأقرب عدمه، لأن الأصل عدم تعذيب الحيوان، ثم قال: وأما ماله أسنمة من البقر فظاهر المذهب أنها تشعر
(1)
.
اما اشعار الغنم فقد حكى الخرشى من المالكية أنه حرام، لأن فيه تعذيبا لها
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب ان اشعار الابل والبقر مستحب
(3)
.
وذكر المنوفى والشربينى الخطيب ان الاشعار فى هذين سنة
(4)
.
اشعار الغنم عند الشافعية منهى عنه لضعفها، ولعدم ظهوره فيها لكثرة شعرها وصوفها
(5)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الشرح الكبير: «ويسن اشعار البدن، لما روت عائشة رضى الله عنها قالت:
فتلت قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أشعرها وقلدها
(6)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى شأن الحاج: وان كان معه هدى ساقه مع نفسه فنستحب له ان يشعر هديه.
لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم لما كان
(1)
مواهب الجايل شرح مختصر خليل المعروف بالحطاب ج 3 ص 189 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
(2)
الخرشى على مختصر خليل وبهامشه حاشية العدوى ج 2 ص 383 طبعة المطبعة الكبرى الأميرية سنة 1317 هـ الطبعة الثانية.
(3)
المهذب للامام أبى اسحاق ابراهيم الفيروزبادى الشيرازى 1 ص 234 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية.
(4)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 350 الطبعة السابقة والاقناع فى حل الفاظ أبى شجاع للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 1 ص 233 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1276 هـ.
(5)
المراجع السابقة وطبعاتها السابقة.
(6)
المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 577 الطبعة السابقة.
بذى الحليفة أمر ببدنته فأشعر فى سنامها من الشق الأيمن، ثم سلت الدم عنها - أى نحاه عنها - وقلدها نعلين
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار الاشعار سنة لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما.
ثم قال: ولا دم لترك الاشعار والتقليد، اذ ليس حتما
(2)
.
مذهب الإمامية:
قال صاحب كتاب الخلاف: اذا ساق الهدى من الأبل أو البقر فمن السنة ان يقلدها نعلا ويشعرها.
ثم قال: دليلنا اجماع الفرقة.
وأيضا ما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب النيل وشرحه - وكره الشعار لأنه تعذيب.
وهل المراد كراهة التحريم أو مجرد الكراهة.
قيل بكل ورد بأنه صلى الله عليه وسلم قد اشعر وهو لا يفعل مكروها ولا محرما.
وجوز الاشعار فى سنام من أيسر ويجوز من أيمن كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم
(4)
.
حكمته
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن الحكمة من الاشعار هو اعلام الناس بان هذه البدنة هدى حتى يرده من يعثر عليه اذا ضل، وحتى لا يهيجه أحد اذا ورد ماء أو كلأ، وحتى لا يتعرض له أحد. وذلك لأنه لا يمكن تحقيق هذه الغاية بواسطة التقليد، لأن القلادة قد تقع فلا يمكن الاعتماد عليها وحدها من دون الاشعار، اذ الاشعار يلازم البدنة، لأنه أثر باق فيها
(5)
.
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 99 مسألة رقم 833 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 377 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 الطبعة الأولى.
(3)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 1 ص 498 وما بعدها طبع مطبعة رنكين فى طهران الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 393 الطبعة السابقة.
(5)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 2 ص 47 الطبعة السابقة.
مذهب الشافعية:
وكذلك عند الشافعية، اذ الاشعار عندهم علامة على ان البدن هدى لتجتنب
(1)
.
ويقولون أن الهدى ربما اختلط بغيره فاذا أشعر وقلد تميز، وأنه ربما ند فيعرف كذلك بالاشعار فيرد
(2)
.
مذهب الحنابلة:
ذكر صاحب الشرح الكبير على متن المقنع أن الحكمة فى الاشعار هو أن لا تختلط البدن بغيرها، وان لا يتعرض لها اللص.
ثم ذكر ان ذلك المغنى لا يمكن تحقيقه بالتقليد وحده، لأن القلادة يحتمل فيها أن تنحل وتذهب فلا يكون ثم علامة
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى وسائل الشيعة أن الاشعار انما أمر به من يسوق الهدى، ليحرم ظهرها على صاحبها من حيث أشعرها، فلا يستطيع الشيطان أن يتسنمها
(4)
.
وروى أبو جعفر عليه السلام انهم انما استحسنوا اشعار البدن، لأن أول قطرة تقطر من دمها يغفر الله عز وجل له على ذلك
(5)
.
وفى الفروع أن الاشعار للتعريف بأنه هدى
(6)
.
ما يكون فيه الاشعار
مذهب الحنفية:
يكون الاشعار فى البدن التى يسوقها هديا وهى من الابل والبقر دون الغنم والاشعار
(7)
انما يكون فى هدى التطوع.
ولا يكون فيما يجب جزاء أو نظير جناية فى الحج.
(1)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 350 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لأبى اسحق الشيرازى ج 1 ص 235 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 577 الطبعة السابقة.
(4)
وسائل الشيعة الى تحصيل الشريعة للشيخ محمد بن الحسن الحر العاملى ج 1 من المجلد الخامس ص 200 طبع المطبعة الاسلامية فى طهران سنة 1318 هـ.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 201 الطبعة السابقة.
(6)
الفروع من الكافى تأليف أبى جعفر محمد ابن يعقوب الكلينى الرازى ج 4 ص 296 طبع مطبعة مؤسسة دار الكتب الاسلامية فى طهران سنة 1377 هـ.
(7)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 2 ص 92 الطبعة السابقة.
مذهب المالكية:
قال الحطاب من المالكية فى شرح مختصر خليل أن الاشعار يكون فى الابل، لأنها هى التى تكون لها أسنمة، وقد ذكر خليل أنه يسن اشعار بسنم الهدى
(1)
.
وقال الخرشى ان كانت الابل مما له أسنمة سن فيها أن تشعر، وأن كانت مما ليس له أسنمة فالمشهور عدم الاشعار
(2)
.
وقال ابن عبد السّلام ان المذهب اشعار ما له سنام من الابل والبقر أما ما ليس له سنام فيهما فالاقرب عدم الاشعار فيه
(3)
.
وفى الغنم حكى ابن الحاج فى مناسكه أن الامام مالك نهى عن اشعارها لأنها تضعف
(4)
.
وصرح الخرشى (بأن النهى يعنى الحرمة لأن اشعارها تعذيب وأصل التعذيب المنع فى غير ما ورد به النص
(5)
.
مذهب الشافعية:
ذكر الفيروزابادى من الشافعية أن الاشعار انما يكون فى الهدى اذا كان من الابل والبقر.
اما اذا كان الهدى غنما فلا يكون فيه الاشعار ويكتفى بتقليده.
لما روت عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدى مرة غنما مقلدة، ولأن الاشعار لا يظهر فيها حيث يستر شعرها وصوفها موضع الاشعار فيها
(6)
.
مذهب الحنابلة:
ويرى الحنابلة ان الاشعار يكون فى البدن وهو الابل والبقر.
أما الغنم فلا تشعر، لأنها ضعيفة، ولان موضع الاشعار فيها يستره شعرها وصوفها
(7)
.
مذهب الظاهرية:
يرى الظاهرية ان الاشعار يكون فى الابل فقط.
(1)
مواهب الجليل ج 3 ص 189 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 2 ص 382 الطبعة السابقة.
(3)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل ج 3 ص 189 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 189 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الخرشى ج 2 ص 383 الطبعة السابقة.
(6)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 234 الطبعة السابقة.
(7)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 577 الطبعة السابقة.
أما البقر فلا اشعار فيه ولا تقليد سواء كانت ذات أسنمة أو لم تكن.
وكذلك الغنم لا يرون فيها الاشعار
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار ان الاشعار انما يكون فى الابل
(2)
.
مذهب الإمامية:
يكون الاشعار فيما يساق هديا من الابل والبقر
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب النيل وشرحه أن الاشعار يكون فى ذات السنام من الابل وحكى خلافا فى جواز اشعار ما ليس له سنام منها وما له سنام من البقر
(4)
.
مكان الاشعار
مذهب الحنفية:
يرى أبو يوسف ان الاشعار يكون فى الجانب الايسر وقالوا انه هو الاشبه.
وأجاز بعضهم أنه يكون فى الجانب الايمن
(5)
.
مذهب المالكية:
ويرى المالكية أن الاشعار يكون فى سنم الهدى من الايسر للرقبة، وأنه يكون فى أعلا السنم مبتدئا من ناحية الرقبة الى ناحية الذنب، وان يكون الشق الذى يحدث فى الجلد قدر أنملتين فى الطول
(6)
.
مذهب الشافعية:
أما الشافعية فيرون ان الاشعار يكون فى صفحة سنام الابل اليمنى، لما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى الظهر فى
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 99 مسألة رقم 833 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 377 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1376 هـ.
(3)
مستمسك العروة الوثقى للطباطبائى الحكيم ج 10 ص 658 الطبعة السابقة والخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الطوسى ج 1 ص 498 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 393 طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ.
(5)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لأبن نجيم ج 2 ص 391 الطبعة السابقة.
(6)
مواهب الجليل لمختصر خليل المعروف بالحطاب ج 3 ص 189 الطبعة السابقة، والخرشى وبهامشه حاشية العدوى ج 2 ص 382 وما بعدها الطبعة السابقة.
ذى الحليفة ثم أتى ببدنة فأشعرها فى صفحة سنامها الايمن
(1)
.
هذا اذا كان الهدى ابلا.
فأما اذا كان بقرا فمكان الاشعار حينئذ يقدر فيه على حسب مثيله فى الابل على ما يظهر
(2)
.
واذا تعدد الهدى وجعل المهدى كل ثنتين فى حبل وأشعر أحداهما فى الجانب الأيمن فانه يشعر الآخر فى الجانب الأيسر.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المحرر، واشعار البدن منها بشق صفحة سنامها اليمنى حتى يسيل دمها
(3)
.
مذهب الظاهرية:
يحكى ابن حزم من أهل الظاهر أن الاشعار يكون فى الجانب الأيمن من جسد الابل
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أن الاشعار يكون فى صفحة سنام الابل اليمنى
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك العروة الوثقى أن الاشعار يكون فى الجانب الأيمن من الهدى.
واذا تعدد أشعر أحدها فى الجانب الأيمن والآخر فى الجانب الأيسر
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب النيل وشرحه، وجوز الاشعار من أيسر وقد يكون من أيمن
(7)
.
وقت الاشعار
مذهب المالكية:
عند المالكية: يختلف الوقت الذى يقوم فيه الحاج باشعار هديه تبعا لوجود
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 234 وما بعدها الطبعة السابقة والاقناع على شرح أبى شجاع للشربينى الخطيب ج 1 ص 233 طبع مطابع دار الشعب بالقاهرة.
(2)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 350 الطبعة السابقة.
(3)
المحرر فى الفقه على مذهب الأمام أحمد ابن حنبل ج 1 ص 249 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 99 مسألة رقم 833 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 2 ص 377 الطبعة السابقة.
(6)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 10 ص 662 الطبعة السابقة.
(7)
شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 393 الطبعة السابقة.
الهدى على ما جاء عن شارح المختصر الجليل فى قوله: ويفعل الاشعار من حين احرامه بالحج ان كان الهدى معه أو من الموضع الذى اشتراه فيه بعد الميقات
(1)
.
مذهب الشافعية:
الشافعية يرون كما جاء فى الأم أن الاشعار يسبق الاحرام كما تدل عبارتها على ذلك
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى ان الحاج اذا كان معه هدى، وكان يسوقه مع نفسه فانه يستحب له أن يشعره حين يأتى الى الميقات
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الفروع
(4)
: يكون اشعار الهدى حين يريد الحاج أن يحرم.
وروى العاملى من الشيعة الإمامية أن الحاج اذا أشعر هديه قبل أن ينته الى الميقات الذى يحرم منه لم يترتب على ذلك الاشعار شئ، واعتبر الاشعار كأن لم يكن، لأنه تقدم به على الوقت المحدد له كما نص على ذلك الفضل ابن يسار فى روايته عن أبى عبد الله
(5)
.
كيفية الاشعار
مذهب الحنفية:
ذكر صاحب بدائع الصنائع من الحنفية أن اشعار الهدى يكون بالطعن فى أسفل السنام وذلك من قبل اليسار عند أبى يوسف فقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان يدخل بين بعيرين من قبل الرءوس وكان يضرب أولا الذى عند يساره من قبل يسار سنامه، ثم يعطف على الآخر فيضرب به من قبل يمينه اتفاقا للأول لا قصدا فصار الطعن على الجانب الأيسر أصليا والآخر اتفاقيا
(6)
.
(1)
الخرشى على مختصر خليل وحاشية العدوى عليه ج 2 ص 382 الطبعة السابقة.
(2)
الأم ج 2 ص 183
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 99 مسألة رقم 833 الطبعة السابقة.
(4)
الفروع من الكافى للكلينى ج 4 ص 297 الطبعة السابقة، ووسائل الشيعة ومستدركاتها للحر العاملى ج 1 ص 199 الطبعة الأولى.
(5)
وسائل الشيعة ومستدركاتها للحر العاملى ج 1 ص 200 الطبعة السابقة.
(6)
انظر كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 163 الطبعة الأولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر.
وذكر السرخسى فى المبسوط أن الاشعار يكون بأن يضرب بالمبضع فى أحد جانبى سنام البدنة حتى يخرج الدم منه، ثم يلطخ بذلك الدم سنامه
(1)
.
مذهب المالكية:
يرى الخرشى من المالكية أنه من الأمور التى يستحب للمشعر أن يبدأ عمله بها:
التسمية، ثم يأخذ فى الاشعار مبتدئا من جهة الرقبة الى جهة المؤخرة. لا من المؤخرة الى جهة الرقبة، وأن يشق الجلد، ويقطع فيه قدر الأنملة أو الأنملتين الى أن يسيل منه الدم.
ويرى أيضا أن يكون ذلك فى الجانب الأيسر من السنام لأن السنام لا يؤلم الهدى شقه. بخلاف سائر جسده، ويشق المشعر السنام طولا، وقيل:
عرضا.
وقيل: لا خلاف بين القولين، اذ هو من الخلاف اللفظى.
فاذا قيل: يشق طولا، فهو بالنظر الى طول البدنة وهو من ذنبها الى رأسها وعرضا يكون من الأرض الى أعلى سنامها.
واذا قيل: يشق عرضا، فهو بالنظر الى السنام وهو الحدبة، وطوله من أسفله فى ظهر البدنة الى أعلاه وقدره قدر امتداد أعلاه.
فهما راجعان الى شئ واحد.
ثم حكى الخرشى ما قاله ابن رشد فى كيفية الاشعار، وهو أن يستقبل المشعر بها القبلة، وأن يشعر بيمينه بينما خطام بعيره فى شماله
(2)
.
مذهب الشافعية:
يشير صاحب نهاية المحتاج من الشافعية الى كيفية الاشعار فى قوله عن الهدى: «فان كان بدنا سن اشعارها، فيجرح صفحة سنامها اليمنى أو ما يقرب من محله فى البقر - فيما يظهر - بحديدة وهى مستقبلة القبلة، ويلطخها بدمها
(3)
».
مذهب الحنابلة:
ذكر ابن قدامة فى الشرح الكبير أن اشعار الهدى يكون بشق صفحة سنام البدن الأيمن حتى يسيل منه
(1)
انظر كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 4 ص 138 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ طبع مطبعة السعادة.
(2)
الخرشى على مختصر خليل ج 2 ص 382 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 350 الطبعة السابقة.
الدم لحديث عائشة رضى الله عنها المذكور فى حكم الاشعار
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم فى المحلى أن اشعار الهدى اذا كان من الابل يكون بأن يضربه بحديدة فى الجانب الأيمن من جسده حتى يدميه
(2)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب متن الدرر البهية أن اشعار الهدى يكون بشق صفحة سنام البعير ويسلت الدم عنها
(3)
.
وذكر صاحب البحر الزخار أنه يكون فى صفحة سنام الابل اليمنى
(4)
.
مذهب الإمامية:
روى عن أبى عبد الله من الشيعة الإمامية فى كيفية الاشعار أنه طلب من يونس بن يعقوب أن ينيخ بدنته، ثم يعقلها مستقبل القبلة، ثم يدخل المسجد حيث يصلى، ثم يفرض بعد صلاته، ثم يخرج الى بدنته فيأخذ فى اشعارها من الجانب الأيمن من سنامها ثم يقول: بسم الله اللهم منك ولك، اللهم تقبل منى
(5)
.
وكذا روى عنه أنه قال البدن تشعر فى الجانب الأيمن، ويقوم الرجل فى الجانب الأيسر
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: وصفته عند بعض أن يشق فى صفحة السنام نحو الرقبة الى المؤخرة، يقول عند ذلك:
بسم الله والله أكبر ويجللها ان شاء
(7)
.
ما يترتب على الاشعار
مذهب الحنفية:
ذكر الكاسانى فى بدائع الصنائع أنه لا
(1)
المغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن أحمد بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله ابن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبا الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 3 ص 577 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى
(2)
المحلى ج 7 ص 99 مسألة رقم 833.
(3)
انظر كتاب نيل الأوطار وشرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار تأليف الشيخ الامام المجتهد محمد بن على بن محمد الشوكانى ص 27 الطبعة الثانية سنة 1371 هـ طبع مطابع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(4)
أنظر كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 377 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1369 هـ، 1950 م الطبعة الأولى.
(5)
وسائل الشيعة ج 2 ص 198 وما بعدها الطبعة السابقة والفروع من الكافى للكلينى ج 4 ص 297 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق للعاملى ج 1 ص 199 الطبعة السابقة.
(7)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 393 الطبعة السابقة.
يترتب على اشعار الهدى انعقاد الاحرام بالحج.
فقال: ولو أشعر بدنة وتوجه معها لا يصير محرما لأن الاشعار مكروه عند أبى حنيفة، لأنه مثلة وايلام الحيوان من غير ضرورة لحصول المقصود بالتقليد وهو الاعلام بكون المشعر هديا لئلا يتعرض له لو ضل والايتان بفعل مكروه لا يصلح دليل الاحرام
(1)
.
ثم حكى اختلاف المشايخ على قول أبى يوسف ومحمد.
قال بعضهم: ان أشعر وتوجه معها يصير محرما عندهما لأن الاشعار سنة عندهما كالتقليد فيصلح أن يكون دليل الاحرام كالتقليد.
وقال بعضهم لا يصير محرما عندهما أيضا لأن الاشعار ليس بسنة عندهما، بل هو مباح فلم يكن قربة، فلا يصلح دليل الاحرام.
ورتب الزيلعى على اشعار الهدى وعلم الناس به أكل الفقراء منه دون الأغنياء وأنه لا يحل تناوله قبل ان يبلغ محله، لأن الأذن بتناوله معلق ببلوغه محله.
ثم استدرك قائلا: الا أن التصدق على الفقراء أولى من أن يتركها جزرا للسباع
(2)
.
مذهب المالكية:
ذكر صاحب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: أن صاحب الطراز قال فى باب الهدى: اذا قلد الهدى تعين بالتقليد والاشعار، أو بسوقه أو بنذره وان تأخر ذبحه ولو مات المحرم لم يكن للورثة تعيين الهدى وابداله.
ثم قال وهذا بين، لأن الهدى يتعين بالتقليد والاشعار أى بسوقه أو بنذره وان تأخر ذبحه، فلما تعين الهدى خرج عن ملك ربه الى جهة القربة حتى لا يملك بيعه ولا ذبحه ولا صرفه الى غير جهة القربة.
واذا زال ملكه عنه بطل ارثه عنه وليس له أن ينتفع به ولا بشئ من منافعه، وانما هو تحت يده حتى يبلغ محله
(3)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 2 ص 162 طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1327 هـ الطبعة الاولى.
(2)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 2 ص 91 طبع المطبعة الكبرى الأميرية سنة 1313 هـ الطبعة الأولى.
(3)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل وبهامشه التاج والاكليل ج 3 ص 187 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
واذا ضل من الانسان أو سرق هديه الواجب، أو جزاء الصيد فأبدله ونحر البدل، ثم وجد هديه، فانه يجب عليه نحره ان كان مقلدا ومشعرا، لأنه تعين بالتقليد والأشعار، ولا يرده فى ماله: فلو وجده قبل أن ينحر بدله، فان كانا مقلدين ومشعرين وجب عليه أن ينحرهما، لأنهما تعينا بالتقليد، وان كانا غير مقلدين ولا مشعرين أو كان أحدهما مقلدا ومشعرا والآخر ليس كذلك فانه يلزمه نحر واحد منهما فى الأولى ونحر الذى قلده وأشعره فى الثانية، ويتصرف فى الآخر ببيع أو غيره
(1)
.
مذهب الشافعية:
اذا ساق الحاج الهدى فليس له أن يركبه الا من ضرورة، واذا اضطر اليه ركبه ركوبا غير فادح له.
وله أن يحمل الرجل المضطر على هديه.
واذا كان الهدى أنثى فنتجت فان تبعها فصيلها ساقه، وان لم يتبعها حمله عليها.
وليس له أن يشرب من لبنها الا بعد رى فصيلها، وكذلك ليس له أن يسقى أحدا.
ثم قال: وان قلدها واشعرها ووجهها الى البيت أو وجهها بكلام فقال هذه هدى فليس له أن يرجع فيها ولا يبدلها بخير ولا بشر منها كانت زاكية أو غير زاكية.
وكذلك لو مات لم يكن لورثته أن يرثوها.
وانما انظر فى الهدى الى يوم يوجب فان كان وافيا ثم أصابه بعد ذلك عور أو عرج أو ما لا يكون به وافيا على الابتداء لم يضره اذا ابلغ المنسك.
وقال الشافعى فى الأم: وان قلد واشعر وهو لا يريد الاحرام فلا يكون محرما
(2)
.
مذهب الحنابلة:
وذكر صاحب المحرر أن أبا الخطاب قال: فى حكم الانتفاع بلبن الهدى
(1)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل ج 2 ص 388 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
(2)
الأم للامام أبى عبد الله محمد بن ادريس الشافعى وبهامشه مختصر للامام أبى ابراهيم ابن اسماعيل بن يحيى المزنى ج 2 ص 183 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1321 هـ الطبعة الأولى.
المشعر اذا كان أنثى - انه لا يجوز بحال من الأحوال، وان ولدت ذبح الولد معها.
وله شرب لبنها الفاضل عن ولدها، وركوبها مع الحاجة ما لم يضربها، وجز صوفها، والتصدق به ان انتفعت بجزه.
ولو ذبحها فسرقت لم يلزمه شئ.
وان ذبحت بغير اذنه أجزأته ولا شئ على الذابح.
وان أتلفها صاحبها لزمته قيمتها يوم تلفها لا يوم ذبحها، وصرفت فى مثلها كالأجنبى اذا أتلفها.
وقيل: يلزمه أكثر القيمتين فان بقيت من القيمة بقية صرفت فى أخرى ان اتسعت لها والا تصدق بها أو بلحم يشتريه بها.
ولو تلفت أو ضلت بعير تفريط منه لم يلزمه شئ وان تعيبت ذبحها وأجزأته.
وان عطبت دون محلها ذبحها مكانها وأجزأته ولم يأكل ولا رفقته منها، لكن يصبغ نعله بدمها ويضرب به صفحتها علامة للفقراء عليها
(1)
.
مذهب الزيدية:
ذكر صاحب البحر الزخار أن صاحب الهدى لا يجوز له أن يشرب من لبنها اذا كان أنثى الا ما فضل عن ولدها.
لما روى أن عليا عليه السلام رأى رجلا يسوق بدنة ومعها ولدها فقال له:
لا تشرب من لبنها الا ما فضل عن ولدها فاذا كان يوم النحر فاذبحها وولدها.
ويتصدق بما يخشى فساده ان لم يتبع فان خشى من حبس اللبن حلبه وتصدق به. والصوف كاللبن على الخلاف، وله ركوبه ان اضطر هو أو غيره من المسلمين، ويضمن النقصان
(2)
.
مذهب الإمامية:
يرتب الشيعة الإمامية على الاشعار انعقاد احرام حج القران، اذ ينعقد هذا الاحرام بأحد ثلاثة هى الاشعار والتقليد والتلبية.
وصححه عمر بن يزيد عن أبى عبد الله عليه السلام اذ يقول: من أشعر بدنة فقد أحرم
(3)
.
(1)
المحرر فى الفقه على مذهب الأمام أحمد ابن حنبل للشيخ مجد الدين أبى البركات ومعه النكت والفوائد السنية لابن تيمية ج 1 ص 250 طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1369 هـ وسنة 1950 م.
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 374 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1348 هـ
(3)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 10 ص 657 وما بعدها طبع مطبعة النجف الأشرف الطبعة الثانية سنة 1381 هـ، 1961 م.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: قيل فى شأن من ساق الهدى من غير أن يشعره: انه يجوز له أن يرجع فيه، وأن يبدله، وأن يحمل عليه، ويشرب لبنه بضرورة.
وقيل يجوز له الانتفاع ولو بلا ضرورة.
ويرى الإباضية: أن الاشعار يخصص الحيوان للهدى حتى ولو لم يتلفظ المهدى بذلك.
فاذا لم يشعر الحيوان ولم يتلفظ بما يدل على أنه هدى جاز له الرجوع فيه.
قال صاحب النيل: وقيل من ساقه - يعنى الهدى - بلا اشعار جاز له الرجوع فيه وابدا له - ما لم يقل انه هدى - والحمل عليه، وشرب لبنه بضرورة، وجوز مطلقا
(1)
.
إشهاد
التعريف بالاشهاد لغة واصطلاحا:
(أ) فى اللغة: الاشهاد مصدر فعله أشهد يشهد .. والثلاثى شهد من باب سلم.
وفى المختار
(2)
: أشهده على كذا فشهد عليه. واستشهده سأله أن يشهد، وشهد على كذا من باب سلم. وشهده أى حضره، وشهد له بكذا أى أدى ما عنده من الشهادة.
وفى لسان العرب: أشهدته على كذا فشهد عليه أى صار شاهدا عليه ..
وأشهدت الرجل على اقرار الغريم واستشهدته بمعنى.
ومنه قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ 3 مِنْ رِجالِكُمْ» وأشهدنى أملاكه أحضرنى .. واستشهدت فلانا على فلان سألته اقامة شهادة احتملها.
فالأشهاد طلب تحمل الشهادة بالمعاينة أو طلب أداء الشهادة عند القاضى.
(ب) فى الاصطلاح: يستعمل الفقهاء الاشهاد بمعنى طلب الشهود لتحمل الشهادة بحضورهم لمعاينة المشهود به، ومعرفتهم ما وقع.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 394 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1344 هـ.
(2)
مختار الصحاح مادة شهد ولسان العرب للامام العلامة أبى الفضل جمال الدين بن مكرم ابن منظور الأفريقى المصرى مادة شهد طبع دار صادر بيروت سنة 1374 هـ، سنة 1955 م الطبعة الأولى.
(3)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
أو طلب الشهود لأداء الشهادة التى تحملوها أمام القضاء عند الخصومة.
وهذا لا يخرج عن الاستعمال اللغوى كما هو ظاهر.
ما يطلب فيه الاشهاد شرعا
يراد بما يطلب فيه الاشهاد شرعا الافعال والتصرفات. والأمور التى طلب الشارع فيها الى المكلفين احضار من يتحمل الشهادة عليها عند حصولها موثقا لأنفسهم، لأمكان تقديم البينة عند الحاجة، كطلبه من أولياء اليتامى وأوصيائهم الاشهاد عند دفع أموالهم اليهم، لامكان اقامة البينة على الدفع عند الحاجة فى قوله تعالى «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ}
(1)
. فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم ولا تأكلوها اسرافا وبدارا أن يكبروا، ومن كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف. فاذا دفعتم اليهم أموالهم فأشهدوا عليهم وكفى بالله حسيبا».
أو احضار من يؤدى الشهادة أمام القاضى عند حصول النزاع، لا براء الذمة، أو أثبات حق، أو دعوى، كطلبه احضار أربعة شهداء فى حالة اقتراف جريمة الزنا أو الرمى بها فى قوله تعالى:«وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ 2 مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» }.
سواء أكان الطلب على وجه الوجوب والفرضية، أم كان على وجه الندب والاستحباب، تبعا لما تقتضيه المصلحة، وتستوجبه دواعى التكليف.
وقد يختلف الفقهاء المجتهدون فى هذا الحكم، تبعا لتقديرهم وجه المصلحة كما سيأتى بيانه مفصلا فى بيان وصف الحكم فى المذاهب المختلفة فى كل موضع من المواضع.
والمرجع فى بيان الأمور التى طلب الشارع فيها من المكلفين الاشهاد عليها تحملا أو أداء، وجوبا أو ندبا، وآراء الأئمة والفقهاء فى ذلك وفى غيره مما يتعلق به - هو كتب الفقه فى المذاهب المختلفة، وكتب الخلاف والمقارنة التى تعنى ببسط أراء الفقهاء وأهل العلم فى المسائل المختلفة.
غير أنه قد أشير فى بعض آيات الاحكام من القرآن الكريم. وبعض أحاديث الأحكام من السنة النبوية الشريفة - الى طلب الاشهاد على بعض الافعال والتصرفات والمسائل.
وتناول المفسرون وشراح الحديث بالبيان والتفصيل آراء الفقهاء وأهل العلم
(1)
الآية رقم 6 من سورة النساء.
(2)
الآية رقم 15 من سورة النساء.
فى أحكام الاشهاد فيما تناولته الآيات والأحاديث وما يتعلق بذلك ويتصل به.
واستطرد أكثرهم الى ذكر الافعال والتصرفات والعقود التى يطبق فيها الحكم وتأخذ نفس الوضع.
ولذلك فاننا سنعرض لبيان ما ذكره المفسرون وشراح الحديث فى الآيات والأحاديث المشار اليها خصوصا فى تفاسير آيات الأحكام وشروح أحاديثها، لنستعين على تحديد المواضع التى يجرى فيها الاشهاد.
ثم نبين الأحكام والآراء فى المذاهب المختلفة أخذا من كتب الفقه والخلاف جريا على المنهج الذى تقرر السير عليه فى تحرير الموسوعة وبيان الأحكام فبها.
من آيات الأحكام:
قال الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ، وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كاتِبٌ بِالْعَدْلِ. وَلا يَأْبَ كاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَما عَلَّمَهُ اللهُ. فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً. فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى. وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا. وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}
(1)
.
وقد جاء فى التفسير الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله محمد بن أحمد الانصارى القرطبى المالكى - فى تفسير هذه الآية ما يأتى: قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: هذه الآية نزلت فى السلم خاصة. معناه أن سلم أهل المدينة كان سبب نزول الآية. وهى تتناول جميع المداينات اجماعا.
وقال ابن خويز منداد: انها تضمنت ثلاثين حكما.
وقد استدل بها بعض علمائنا على جواز التأجيل فى القروض على ما قال مالك، اذ لم يفصل بين القرض وسائر العقود فى المداينات ..
وخالف فى ذلك الشافعية وقالوا: ان الآية ليس فيها جواز التأجيل فى سائر الديون، وانما فيها الأمر بالاشهاد اذا كان دينا مؤجلا .. ثم يعلم جواز التأجيل فى
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
الدين وامتناعه بدلالة أخرى. وحقيقة الدين كل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا والآخر فى الذمة نسيئة، فان العين عند العرب ما كان حاضرا. والدين ما كان غائبا.
وقد قيل: ان الناس لما كانوا يتعاملون حتى لا يشذ أحد منهم عن المعاملة، وكان منهم من يكتب، ومنهم من لا يكتب أمر الله سبحانه وتعالى أن يكتب بينهم كاتب بالعدل .. والأمر ان كان بالكتابة، لأن المراد الكتابة والاشهاد، لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة.
وقد ذهب بعض الناس الى أن كتب الديون واجب على أربابها فرض بهذه الآية بيعا كان أو قرضا لئلا يقع فيه نسيان أو جحود، وقد ذكر أن المراد الكتابة والاشهاد، لأن الكتابة بغير شهود لا تكون حجة. فحكم الاشهاد كحكم الكتابة.
والقول بالوجوب هو اختيار الطبرى.
وقال ابن جريج من ادان فليكتب ومن باع فليشهد.
وقال الشعبى: كانوا يرون أن قوله: «فان أمن بعضكم بعضا» ناسخ للأمر بالكتب. وحكى نحوه ابن جريج.
وقال الجمهور الأمر بالكتب ندب الى حفظ الأموال وازالة الريب.
قال بعضهم: أن أشهدت فحزم وان ائتمنت ففى حل وسعة .. وهذا هو القول الصحيح. وعلى هذا فلا نسخ فى الآية، لأن الله تعالى ندب الى الكتابة فيما للمرء أن يهبه ويتركه باجماع فندبه انما هو على جهة الحيطة للناس.
وقد اختلفوا فى وجوب الكتابة على الكاتب، والشهادة على الشاهد.
فقال الطبرى والربيع: واجب على الكاتب اذا أمر أن يكتب.
وقال الحسن ذلك واجب عليه فى الموضع الذى لا يقدر على كاتب غيره.
والصحيح أنه ليس بواجب والأمر للارشاد
وقد جعل الله الذى عليه الحق أربعة أصناف.
صنف سليم كامل الأهلية يمل بنفسه «فليملل الذى عليه الحق» .
وثلاثة أصناف لا يملون بأنفسهم، وتقع نوازلهم فى كل زمن، ويترتب الحق لهم فى أحوال وجهات غير المعاملات كالمواريث اذا قسمت وغير ذلك، وهم السفيه، والضعيف، والذى لا يستطيع أن يمل.
«فان كان الذى عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل» .
وقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ 1 مِنْ رِجالِكُمْ» الاستشهاد طلب الشهادة.
وأختلف الناس هل الاستشهاد فرض أو ندب والصحيح أنه ندب على ما يأتى بيانه.
فى قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» }.
وقد رتب الله سبحانه الشهادة بحكمته فى الحقوق المالية والبدنية والحدود. وجعل فى كل حق شهيدين الا فى الزنا، ففيه جعل الشهادة فيه أربعة على ما بينه سبحانه وتعالى فى سورتى النساء والنور تشديدا على المدعى وسترا على العباد.
وقوله: «من رجالكم» - نص فى رفض الكفار والصبيان والنساء. ويتناول العبيد والعميان، لأنهم من رجال المؤمنين.
وقد اختلف العلماء فى جواز شهادة العبيد والعميان. وقوله «فان لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان» يدل على جواز شهادة المرأة مع رجلين ولو مع وجود الرجال. وهو رأى الجمهور.
وذهب بعض الى أن معناه: ان لم يوجد نصاب الشهادة من الرجال. تقبل شهادة المرأتين مع رجل. وهو ليس بظاهر.
وقد أجيزت شهادة النساء فى الأموال خاصة بهذه الآية اذ لم تذكر شهادتين فى غيرها بشرط أن يكون معها رجل.
لأن الأموال أكثر الله أسباب توثيقها، لكثرة جهات تحصيلها، وعموم البلوى بها وتكررها، فجعل فيها التوثق تارة بالكتابة، وتارة بالاشهاد، وتارة بالرهن، وتارة بالضمان.
وأدخل فى جميع ذلك شهادة النساء مع الرجال.
ولا يتوهم عاقل أن قوله تعالى «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» يشمل دين المهر مع البضع، أو دين الصلح عن دم العمد، فأن تلك الشهادة ليست شهادة على الدين، بل هى شهادة على النكاح.
وأجاز العلماء شهادتهن منفردات فيما لا يطلع عليه غيرهن للضرورة.
وعلى مثل ذلك أجيزت شهادة الصبيان فى الجراح فيما بينهم للضرورة. وكما جعل الله شهادة امرأتين بدل شهادة رجل وجب أن يكون حكمهما كحكمه.
فكما للمدعى أن يحلف مع الشاهد عند المالكية والشافعية، ويحكم له بشاهد ويمين، كذلك يجب أن يحلف مع شهادة امرأتين بمطلق هذه العوضية.
وهذا فى الأموال وما يتعلق بها دون حقوق الأبدان، للاجماع على ذلك من كل قائل بالقضاء بالشاهد واليمين. وذلك لأن حقوق الأموال أخفض من حقوق الأبدان بدليل قبول شهادة النساء فيها.
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
وقوله «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» يدل على أن من الشهود من ليس موضع رضى.
فيؤخذ منه دليل على أن المسلمين ليسوا محمولين على العدالة حتى تثبت لهم فهى بمعنى زائد عن الاسلام.
وقال أبو حنيفة: كل مسلم ظاهر الاسلام مع السلامة من فسق ظاهر فهو عدل وان كان مجهول الحال.
وقد قال العلماء: العدالة هى الاعتدال فى الأحوال الدينية، وذلك، بأن يكون مجتنبا للكبائر، محافظا على مروءته وعلى ترك الصغائر، ظاهر الأمانة غير مغفل.
وقيل: صفاء السريرة واستقامة السيرة فى ظن المعدل. والمعنى متقارب.
والخلاف بين أبى حنيفة وغيره فى اعتبار العدالة معنى زائد عن الاسلام يشترط تحققه فى الشاهد لقبول شهادته يجرى فى الأموال والنكاح. فيجوز النكاح عنده بشهادة فاسقين.
وقوله تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» قال البعض أن هذا للوجوب، وهو يشمل طلب الشهود، لتحمل الشهادة وتحصيلها وطلبهم لأداء الشهادة عند القاضى.
وقيل: انما يشمل دعوة الشهود لأداء الشهادة عند القاضى. أما دعوتهم لتحمل الشهادة فليس واجبا عليهم اجابتها، اذ لا يترتب على الامتناع ضياع حق.
ويمكن أن يحمل الوجوب فى حالة التحمل على ما اذا حضر أصحاب الشأن عند الشهود، وطلبوا اليهم التحمل.
وذهب بعض الى أن الأمر محمول على الندب. فالمسلمون مندوبون الى معونة اخوانهم. فيشمل حالتى التحمل والأداء.
فاذا كانت الفسحة لكثرة الشهود والأمن من تعطيل الحق فالمدعو مندوب. وله أن يتخلف لأدنى عذر. وان تخلف بلا عذر فلا اثم عليه ولا ثواب له.
واذا كانت الضرورة وخيف تعطل الحق أدنى خوف قوى الندب وقرب من الوجوب.
واذا علم أن الحق يذهب ويتلف بتأخر الشاهد عن الشهادة فواجب عليه القيام بها، ولا سيما اذا كانت محصلة وكان الدعاء الى أدائها فان هذا الظرف آكد، لأنها قلادة فى العنق وأمانة تقتضى الأداء.
وهذا كله فى حال الدعاء للشهادة.
فأما من كانت عنده شهادة لرجل لم يعلمها مستحقها الذى ينتفع بها. فقال قوم: أداؤها ندب، لأن الآية فى حالة الدعاء فاذا لم يدع كان ندبا. ولقوله عليه السلام «خير الشهداء الذى يأتى بشهادته قبل أن يسألها» .
والصحيح أن أداءها فرض وان لم يسألها اذا خاف ضياع الحق، أو كانت
بطلاق، أو عتق مما يترتب على عدم ثبوته وقوع المحرم لقوله تعالى:«وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» }. وقوله «إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» }.
وعلى الشاهد أن يعلم صاحب الحق بماله عنده من شهادة على حقه. وهذا يدعوه بعد ذلك.
وهل الامتناع عن الشهادة فى حالة الوجوب يعقب فسقا يقتضى رد الشهادة مطلقا.
أو ردها فى نفس الحادثة أو لا يعتبر؟ خلاف.
قوله تعالى «وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ» حض على الكتابة والاشهاد فى الدين كبيرا كان أو صغيرا. ونهى عن التردد فى ذلك بحجة أنه صغير خوفا من أن يملوا الكتابة والاشهاد.
قال العلماء الا ما كان من قيراط ونحوه لنزارته وعدم تشوف النفس اليه اقرارا أو انكارا «ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا» يعنى أن كتابة القليل والكثير والاشهاد عليه أعدل عند الله وأصح وأحفظ للشهادة وأقرب الى عدم الشك.
وقوله تعالى «إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها» لما علم الله مشقة الكتابة نص على تركها ورفع الجناح فى كل مبايعة بنقد، وذلك غالبا فى القليل كالمطعوم ونحوه، لا فى الكثير كالأملاك ونحوها قال السدى والضحاك هذا فيما كان يدا بيد ولما كانت الرباع والأرض وكثير من الحيوان لا يقبل البينونة بالمقبوض ولا يغاب عليه حسن الكتب فيها ولحقت فى ذلك مبايعة الدين. فكان الكتاب توثقا لما عسى أن يطرأ من اختلاف الأحوال وتغير القلوب.
فأما اذا تفاصلا فى المعاملة وتقايضا وبان كل منهما بما ابتاعه من صاحبه فيقل فى العادة خوف التنازع الا بأسباب غامضة، وقد نبه الشرع على هذه المصالح فى حالتى النسيئة والنقد وما يغاب عليه وما لا يغاب بالكتاب والشهادة والرهن.
قال الشافعى: البيوع ثلاثة: بيع بكتاب وشهود. وبيع برهان. وبيع بأمانة وقرأ هذه الآية.
وكان ابن عمر اذا باع بنقد أشهد واذا باع بنسيئة كتب.
قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» قال الطبرى: معناه. وأشهدوا على صغير ذلك وكبيره.
وقد اختلف العلماء هل ذلك على الوجوب أو الندب؟
فقال: أبو موسى الأشعرى وابن عمر والضحاك وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد
ومجاهد وداود بن على وابنه أبو بكر: هو على الوجوب.
ومن أشدهم فى ذلك عطاء. قال: أشهد اذا بعت واذا اشتريت ولو دسنجة بقل (أى حزمة بقل).
وممن كان يذهب الى هذا ويرجحه الطبرى.
وقال: لا يحل لمسلم اذا باع واذا اشترى الا أن يشهد والا كان مخالفا كتاب الله عز وجل، وكذلك اذا كان الى أجل فعليه أن يكتب ويشهد ان وجد كاتبا.
وذهب الشعبى والحسن الى أن ذلك على الندب والارشاد لا الحتم.
ويحكى أن هذا قول مالك والشافعى وأصحاب الرأى.
وقال الامام محمد بن عطية: والوجوب فى ذلك قلق.
أما فى الدقائق فصعب شاق.
وأما ما كثر فربما يقصد التاجر الاستئلاف بترك الاشهاد.
وقد يكون عادة فى بعض البلاد.
وقد يستحى من العالم والرجل الموقر، فلا يشهد عليه، فيدخل ذلك كله فى الائتمان، ويبقى الامر بالاشهاد ندبا، لما فيه من المصلحة فى الأغلب ما لم يقع عذر يمنع منه.
وقد حكى عن جماعة أنهم قالوا: ان قوله تعالى «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ» ناسخ لما قبله، ولكن هذا ليس بشئ، لأنه لا تعارض بين هذا وما قبله، اذ أن هذا حكم من لم يجد كاتبا فهو غير الحكم السابق ..
على أنه لم يثبت أن هذا جاء متأخرا عن ذاك، بل قد وردا معا. ولا يرد الناسخ والمنسوخ معا.
وقد روى عن ابن عباس أنه لما قيل له: ان آية الدين منسوخة: قال: لا والله ان آية الدين محكمة ليس فيها نسخ - والاشهاد انما جعل للطمأنينة. وذلك أن الله تعالى جعل لتوثيق الدين طرقا منها الكتابة ومنها الرهن ومنها الاشهاد.
ولا خلاف بين علماء الامصار. ان الرهن مشروع بطريق الندب لا بطريق الوجوب فيعلم من ذلك مثله فى الاشهاد.
وقال القرطبى
(1)
: وهذا كله استدلال حسن على أن الامر للندب وليس للوجوب.
وأحسن منه ما جاء من صريح السنة فى ترك الاشهاد. وهو ما أخرجه الدارقطنى عن
(1)
الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله محمد ابن أحمد الانصارى القرطبى ج 3 ص 398 طبع مطبعة دار الكتب المصرية سنة 1353 هـ، سنة 1935 م الطبعة الثانية.
طارق بن عبد الله المحاربى قال: «أقبلنا فى ركب من الربذة وجنوب الربذة حتى نزلنا قريبا من المدينة ومعنا ظعينة لنا فبينا نحن قعود اذ أتانا رجل عليه ثوبان أبيضان فسلم فرددنا عليه. فقال: من أين أقبل القوم؟ فقلنا من الربذة وجنوب الربذة قال:
ومعنا جمل أحمر فقال تبيعونى جملكم هذا؟ فقلنا: نعم. قال بكم؟ قلنا: بكذا وكذا صاعا من تمر. قال فما استوضعنا شيئا وقال:
قد أخذته ثم أخذ برأس الجمل حتى دخل المدينة فتوارى عنا فتلاومنا بيننا وقلنا: أعطيتم جملكم من لا تعرفونه فقالت الظعينة: لا تلاوموا فقد رأيت وجه رجل ما كان ليخفركم ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه. فلما كان العشاء أتانا رجل فقال: السّلام عليكم. أنا رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم اليكم وانه يأمركم أن تأكلوا من هذا حتى تشبعوا وتكتالوا حتى تستوفوا قال: فأكلنا حتى شبعنا وأكتلنا حتى استوفينا. وليس فى القصة أن النبى صلى الله عليه وسلم أشهد، ولو كان واجبا ما تركه.
وذكر الزهرى حديثا عن عمارة بن خزيمة أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم ابتاع فرسا من أعرابى، وفى الحديث. فطفق الاعرابى يقول: هلم شاهدا يشهد أنى بعتك قال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بعته. فأقبل النبى صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال بم تشهد.؟ فقال خزيمة: بتصديقك يا رسول الله. قال فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين أخرجه النسائى وغيره.
ثم قال القرطبى: اعلم أن الذى أمر الله تعالى به من الشهادة والكتابة لمراعاة صلاح ذات البين، ونفى التنازع المؤدى الى فساد ذات البين، لئلا يسول له الشيطان جحود الحق وتجاوز ما حد له الشرع أو ترك الاقتصار على المقدار المستحق.
ولأجله حرم الشارع البياعات المجهولة التى اعتيادها يؤدى الى الاختلاف وفساد ذات البين وايقاع التضاغن والتباين.
فمن ذلك ما حرمه الله من الميسر والقمار وشرب الخمر بقوله تعالى «إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ» فمن تأدب بأدب الله فى أوامره وزواجره حاز صلاح الدنيا والدين.
وجاء فى تفسير أحكام القرآن لأبى بكر الجصاص الحنفى فى تفسير هذه الآية ما يأتى:
يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه قال أبو بكر: ذهب قوم الى أن الكتاب والاشهاد على الديون
الآجلة قد كانا واجبين بقوله تعالى:
«فاكتبوه» الى قوله «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ 1» ثم نسخ الوجوب بقوله تعالى:
«فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ» روى ذلك عن أبى سعيد الخدرى والشعبى والحسن.
وقال آخرون هى محكمة لم ينسخ منها شئ روى عن ابن عباس رضى الله عنهما لما سئل عن نسخ آية المداينة قال: لا والله ان آية الدين محكمة وما فيها نسخ.
وقال سعيد بن جبير (وأشهدوا اذا تبايعتم) يعنى: وأشهدوا على حقوقكم اذا كان فيها أجل أو لم يكن فيها أجل فاشهد على حقك على كل حال.
وقال ابن جريج: سئل عطاء أيشهد الرجل على أن بايع بنصف درهم؟ قال: نعم هو تأويل قوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» .
وقد روى عن الحسن والشعبى: ان شاء أشهد وان شاء لم يشهد لقوله تعالى:
«فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً» }.
وروى عن ابن عمر أنه كان اذا باع أشهد ولم يكتب. وهذا يدل على أنه رآه ندبا، اذ لو كان واجبا لكانت الكتابة مع الاشهاد، لأنه مأمور بهما فى الآية.
واستعرض الجصاص القول بالنسخ فى الآية لتضافر الأقوال بعدم وجوب الكتابة والاشهاد.
والقول بعدم النسخ لورود الحكمين من قوله (وأشهدوا اذا تبايعتم) وقوله (فان أمن بعضكم بعضا) معا وعدم ثبوت تاريخ نزولهما.
ورجع القول بأن الأمر بالكتابة والاشهاد ندب غير واجب.
ورد على القائلين بالوجوب.
ثم قال: ولا خلاف بين فقهاء الأمصار أن الأمر بالكتابة والاشهاد والرهن المذكور جميعه فى هذه الآية. ندب وارشاد الى ما لنا فيه الحظ والصلاح والاحتياط للدين والدنيا وأن شيئا منه غير واجب.
وقد نقلت الأمة خلفا عن سلف عقود المداينات والأشربة والبياعات فى أمصارهم من غير اشهاد مع علم فقهائهم بذلك من غير نكير منهم عليهم.
ولو كان الاشهاد واجبا لما تركوا النكير على تاركه مع علمهم به.
وفى ذلك دليل على أنهم رأوه ندبا ..
وذلك منقول من عصر النبى صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ..
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
ولو كانت الصحابة والتابعون تشهد على بياعاتها وأشريتها لورد النقل به متواترا مستفيضا، ولأنكرت على تاركه ترك الاشهاد فلما لم ينقل عنهم الاشهاد بالنقل المستفيض ولا اظهار النكير على تاركه من العامة ثبت بذلك أن الكتاب والاشهاد فى الديون والبياعات غير واجبين.
وقوله تعالى: «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» ينتظم سائر عقود المدايناب التى يصح فيها الآجال ولا دلالة فيه على جواز التأجيل فى سائر الديون، لأن الآية ليس فيها بيان جواز التأجيل فى سائر الديون وانما فيها الأمر بالاشهاد اذا كان دينا مؤجلا .. ثم يحتاج أن يعلم بدلالة أخرى جواز التأجيل فى الدين وامتناعه.
وانما فى الآية الأمر بالاشهاد اذا صح الدين والتأجيل.
وليس فى الآية دلالة على جواز التأجيل فى القرض، لأن قوله تعالى:{(إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ)} يدخل فيه عقد المداينة، وليس القرض بعقد مداينة اذ لا يصير دينا بالعقد دون القبض فوجب أن يكون القرض خارجا منه.
ثم قال الجصاص: ان قوله تعالى: «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» وقد اشتمل على كل دين ثابت مؤجل سواء كان بدله عينا أو دينا، فمن اشترى دارا أو عبدا بألف درهم الى أجل كان مأمورا بالكتاب والاشهاد بالآية.
وقد دلت الآية على أنها مقصورة فى دين مؤجل فى أحد البدلين لا فيهما جميعا لأنه قال {(إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ)} ولم يقل بدينين، فأثبت الأجل فى أحد البدلين فلا يجوز وجود الأجل فيهما معا. وقد نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن الدين بالدين.
وأما اذا كانا دينين بالعقد فهو جائز فى السلم. الا أنه مقصور على المجلس.
والآية تشمل السلم كما روى عن ابن عباس رضى الله عنهما اذ أخبر أن السلم المؤجل مما انطوى تحت عموم الآية.
وعلى هذا فكل دين ثابت مؤجل فهو مراد بالآية سواء كان من أبدال المنافع أو الأعيان نحو الأجرة المؤجلة فى عقود الاجارات، والمهر اذا كان مؤجلا، وكذلك الخلع والصلح من دم العمد والكتابة المؤجلة، لأن هذه ديون مؤجلة ثابتة بعقد مداينة.
فكل عقد انتظمته الآية فهو العقد الذى ثبت به دين مؤجل، ولم تفرق بين أن يكون ذلك الدين بدلا من منافع أو أعيان، فوجب أن يكون جميع المندوب اليه من الكتاب والاشهاد مرادا بها هذه العقود كلها، وأن يكون ما ذكر من عدد الشهود وأوصاف الشهادة معتبرا فى سائرها، اذ ليس فى اللفظ تخصيص شئ منه دون غيره.
فيوجب ذلك جواز شهادة الرجل والمرأتين فى النكاح اذا كان المهر دينا مؤجلا، وفى الخلع والاجارة والصلح من دم العمد، وسائر ما كان هذا وصفه.
وغير جائز الاقتصار بهذه الأحكام على بعض الديون المؤجلة دون بعض مع شمول الآية لجميعها.
قوله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ}
(1)
» هذا عطف على قوله فى أول الآية:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى}
(2)
» والخطاب فى الأولى للمؤمنين، والعطف عليه يقتضى ملاحظة هذا الوصف فى الشهود على المسلمين.
ويقتضى أيضا ملاحظة الحرية فيهم بفحوى الخطاب، لأن الخطاب فى الآية لمن تداينوا بدين. ولمن يملى ممن عليه الحق أى يقر بالدين. وذلك انما يكون من الأحرار دون العبيد، لأن العبد لا يملك عقود المداينات، واذا أقر بشئ لم يجز اقراره الا باذن مولاه، والخطاب موجه الى من يملك ذلك على الاطلاق من غير اذن الغير. فدل ذلك على شرط الحرية فى الشهود.
وكذلك قوله (من رجالكم) يدل على اشتراط الحرية.
وقد اختلفوا فى شهادة العبيد والصبيان والعميان هل تجوز وتقبل أو لا تجوز؟
واتفقوا على قبول شهادة النساء مع الرجال فى الأموال أخذا من هذه الآية.
واختلفوا فى قبولها مع الرجال فى غير الأموال.
فقال أبو حنيفة وأصحابه وعثمان البتى لا تقبل شهادة النساء مع الرجال، لا فى الحدود، ولا فى القصاص، وتقبل فيما عدا ذلك من سائر الحقوق.
لما روى عن عمر أنه أجاز شهادة النساء مع الرجال فى النكاح والطلاق والعتق ..
وقال مالك لا تجوز شهادة النساء مع الرجال فى الحدود والقصاص والطلاق والنكاح والانساب والولاء والاحضان.
وتجوز فى الوكالة والوصية اذا لم يكن فيها عتق.
وقال الثورى تجوز شهادتهن فى كل شئ الا الحدود.
وروى عنه أنها لا تجوز فى القصاص أيضا.
وقال الأوزاعى: لا تجوز شهادة رجل وامرأتين فى نكاح.
وقال الليث: تجوز شهادة النساء فى الوصية والعتق، ولا تجوز فى النكاح والطلاق والحدود وقتل العمد الذى يقاد منه.
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
وقال الشافعى: لا تجوز شهادة النساء مع الرجال فى غير الأموال. ولا تجوز فى الوصية الا الرجل وتجوز فى الوصية بالمال.
وقال الجصاص ان ظاهر الآية يقتضى جواز شهادتهن مع الرجال فى سائر عقود المداينات وهى كل عقد واقع على دين سواء كان بدله مالا أو بضعا أو منافع أو دم عمد لأنه عقد فيه دين، اذ المراد وجود دين فى العقد عن بدل أى دين كان. فاقتضى ذلك جواز شهادة النساء مع الرجل على عقد نكاح فيه مهر مؤجل اذا كان ذلك عقد مداينة، وكذلك الصلح عن دم العمد والخلع على مال والاجارات. فمن ادعى خروج شئ من هذه العقود من ظاهر الآية لم يسلم له ذلك الا بدلالة اذا كان العموم مقتضيا لجوازها فى الجميع.
قوله تعالى «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» قال الجصاص: لما كانت ديانات الناس وأمانتهم وعدالتهم انما هى من طريق الظاهر دون الحقيقة، اذ لا يعلم الضمائر وخبايا الأمور غير الله تعالى.
ولذلك قال ممن ترضون من الشهداء فدل ذلك على أن أمر تعديل الشهود ومعرفة حالهم أمر موكول الى الاجتهاد وغالب الظن فى عدالتهم وصلاح طرائقهم.
وذلك يختلف باختلاف الأشخاص.
والمعتبر غالب الظن لا اليقين والعلم.
والذى بنى عليه أمر الشهادة ثلاثة أشياء.
أحدها: العدالة.
والثانى: نفى التهمة.
والثالث: التيقظ والحفظ وقلة الغفلة.
أما العدالة فأصلها الايمان، واجتناب الكبائر، ومراعاة حقوق الله عز وجل فى الواجبات والمسنونات، وصدق اللهجة والأمانة، وألا يكون محدودا فى قذف.
وأما نفى التهمة فأن لا يكون المشهود له والدا ولا ولدا ولا زوجا ولا زوجة، وألا يكون قد شهد بهذه الشهادة فردت لتهمة .. فشهادة هؤلاء غير مقبولة لمن ذكرنا وان كانوا عدولا مرضيين.
وأما التيقظ والحفظ وقلة الغفلة فان لا يكون مغفلا غير مجرب للأمور، فان مثله ربما لقن الشئ فتلقنه وربما جوز عليه التزوير فشهد به.
فمن شرط الرضا للشهادة أن يكون الشاهد متيقظا حافظا لما يسمعه متقنا لما يؤديه.
ثم استطرد الجصاص الى ذكر أوصاف الشهود وما ينبغى أن يتوفر فى الشاهد.
وبين آراء الفقهاء واختلاف الأئمة فى ذلك، ثم عرض للأخذ بالشاهد واليمين، وذكر اختلاف الفقهاء فى ذلك وآراءهم والاستدلال لهم.
قوله تعالى: «وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ}
صغيرا أو كبيرا الى أجله، أى لا تملوا ولا تضجروا أن تكتبوا القليل الذى جرت العادة بتأجيله، والكثير الذى ندب فيه الكتابة والاشهاد.
فأبان أن حكم القليل المتعارف فيه التأجيل كحكم الكثير فيما ندب اليه من الكتابة والاشهاد.
قوله تعالى: «ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا» فيه بيان أن الغرض الذى من أجله أمر الله بالكتابة والاشهاد فى عقود المداينات هو التوثق والاحتياط للمتداينين عند التجاحد والاختلاف. فان ذلك أقسط وأعدل عند الله وأولى أن لا يقع فيه بينهم التظالم. وأنه مع ذلك أثبت للشهادة وأوضح مما لو لم تكتب وأقرب الى نفى الريبة والشك فيها.
فأبان الله جل وعلا أنه أمر بالكتابة والاشهاد، احتياطا لنا فى ديننا ودنيانا، ودفعا للتظالم والتجاحد فيما بيننا.
وأخبر سبحانه أن فى الكتابة من الاحتياط للشهادة ما نفى عنها الريب والشك، وأعدل عند الله من أن لا يكون مكتوبا فيرتاب الشاهد ويتحير أيقيم الشهادة على ما عنده من شك فيقدم على محظور أو لا يقيمها فيضيع حق الطالب.
قوله تعالى: «إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها}
(1)
» يعنى البياعات التى يستحق كل واحد من الطرفين على صاحبه فيها تسليم ما عقد عليه من جهته بلا تأجيل. فأباح ترك الكتابة فيها.
وذلك توسعة منه جل وعز لعباده ورحمة بهم، لئلا يضيق عليهم أمر تبايعهم فى المأكول والمشروب والأقوات التى حاجتهم اليها ماسة فى أكثر الأوقات.
وقوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» يقتضى عمومه الاشهاد على سائر عقود البياعات بالأثمان الآجلة والعاجلة.
وانما خص التجارات الحاضرة غير المؤجلة باباحة ترك الكتابة فيها.
فأما الاشهاد فهو مندوب اليه فى جميعها الا النزر اليسير الذى لم تجر العادة بالتوثق فيه بالاشهاد، نحو شراء الخبز والبقل والماء وما جرى مجرى ذلك.
وفى شراء مثل هذه الأمور والتبايع فيها بدون اشهاد فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم دليل على أن الأمر بالاشهاد وان كان ندبا وارشادا، الا أنه انما يكون فى البياعات المعقودة على ما يخشى فيه التجاحد من الأثمان الخطيرة والأبدال
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
النفيسة، لما يتعلق بها من الحقوق لبعضهم على بعض من عيب ان وجد ورجوع ما يجب لمبتاعيه باستحقاق مستحق لجميعه أو بعضه ..
وكان المندوب اليه فيما تضمنته هذه الآية الكتابة والاشهاد على البياعات المعقودة على أثمان آجلة والاشهاد على البياعات الحاضرة دون الكتابة ..
وروى الليث عن مجاهد فى قوله تعالى وأشهدوا اذا تبايعتم قال: اذا كان نسيئة كتب واذا كان نقدا أشهد.
2 -
قال تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوها إِسْرافاً وَبِداراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً}
(1)
» وقد جاء فى تفسير
(2)
القرطبى لهذه الآية ما يأتى:
الابتلاء الاختبار، والآية خطاب للجميع لبيان كيفية دفع أموال اليتامى اليهم.
وقيل: انها نزلت فى ثابت بن رفاعة وعمه.
وذلك أن رفاعة توفى وترك ابنه ثابتا صغيرا. فأتى عم ثابت هذا إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال:
ان ابن اخى يتيم فى حجرى. فما يحل لى من ماله. ومتى أدفع اليه ماله؟ فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وقد اختلف العلماء فى معنى الاختبار.
فقيل: هو أن يتأمل الوصى أخلاق يتيمه، ويستمع الى أغراضه، فيحصل له العلم بنجابته والمعرفة بالسعى فى مصالحه، وضبط ماله، أو الاهمال لذلك، فاذا توسم الخير. قالوا: لا بأس أن يدفع اليه شيئا من ماله يبيح له التصرف فيه.
فان نماه وحسن النظر فيه فقد وقع الاختبار، ووجب على الوصى تسليم جميع ماله اليه.
وان أساء النظر فيه وجب عليه امساك ماله عنه.
وليس فى العلماء من يقول: انه اذا اختبر الصبى فوجده رشيدا ترتفع الولاية عنه، وأنه يجب دفع ماله اليه واطلاق يده فى التصرف فيه لقوله تعالى «حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» }.
(1)
الآية رقم 6 من سورة النساء.
(2)
الجامع لاحكام القرآن لأبى محمد بن أحمد الأنصارى القرطبى ج 3 ص 399 طبع مطبعة دار الكتب المصرية بمصر سنة 1353 هـ، سنة 1935 م الطبعة الثانية.
وقال بعض الفقهاء: الصغير لا يخلو من أحد أمرين: اما أن يكون غلاما أو جارية.
فان كان غلاما رد النظر اليه فى نفقة الدار شهرا، أو اعطاه شيئا نزرا يتصرف فيه، ليعرف كيف تدبيره وتصرفه، وهو مع ذلك يراعيه، لئلا يتلفه، فان أتلفه فلا ضمان على الوصى فاذا رآه متوخيا سلم اليه ماله وأشهد عليه.
وان كانت جارية رد اليها ما يرد الى ربة البيت من تدبير بيتها، والنظر فيه فى الاستغزال والاستقصاء على الغزالات فى دفع القطن وأجرته واستيفاء الغزل وجودته. فان رآها رشيدة سلم اليها مالها وأشهد عليها. والا بقيا تحت الحجر حتى يؤنس رشدهما.
وقال الحسن ومجاهد وغيرهما:
اختبروهم فى عقولهم وأديانهم وتنمية أموالهم.
قوله تعالى: «حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ» أى حال النكاح ووقته.
والبلوغ يكون بخمسة أشياء.
ثلاثة يشترك فيها الرجال والنساء:
وهى الاحتلام والانبات والسن.
واثنان يختصان بالنساء وهما الحيض والحبل.
أما الاحتلام والحيض والحبل لم يختلف العلماء فى أنها بلوغ.
أما الانبات فمختلف فى اعتباره بلوغا.
وأما السن فمختلف فى حد البلوغ منه ما هو وما مقداره.
قوله تعالى: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً» اختلف العلماء فى تأويل الرشد.
فقال الحسن وقتادة وغيرهما: صلاحا فى العقل والدين.
وقال ابن عباس والسدى والثورى:
صلاحا فى العقل وحفظ المال.
قال سعيد بن جبير والشعبى: ان الرجل ليأخذ بلحيته وما بلغ رشده، فلا يدفع الى اليتيم ماله وان كان شيخا حنى يؤنس منه رشده.
وهكذا قال الضحاك: لا يعطى اليتيم ماله وان بلغ مائة سنة حتى يعلم منه اصلاح ماله.
وأكثر العلماء على أن الرشد لا يكون الا بعد البلوغ وعلى أنه ان لم يرشد بعد
بلوغ الحلم لا يزول عنه الحجر وان شاخ.
خلافا لأبى حنيفة الذى يقول: اذا بلغ خمسا وعشرين سنة أعطيه ما له ولو لم يرشد، لأنه يكون فى مثل هذه السن جدا.
وقد اختلفوا فى دفع المال الى المحجور عليه هل يحتاج الى السلطان أم لا؟
قال جماعة: لابد من رفعه الى السلطان وأن يثبت عنده رشده ثم يدفع اليه ماله.
وقال آخرون: لا حاجة الى رفعه الى السلطان وثبوت الرشد عنده، بل ذلك موكول الى اجتهاد الوصى واقتناعه برشد المحجور بعد الاختبار.
قال ابن عطية: والصواب فى أوصياء زماننا ألا يستغنى عن رفع الأمر الى السلطان وثبوت رشد المحجور عنده، لما حفظ من تواطؤ الأوصياء على أن يرشد الصبى ويبرأ المحجور عليه لسفهه وقلة تحصيله فى ذلك الوقت.
واذا سلم المال الى اليتيم بثبوت الرشد ووجوده، ثم عاد الى السفه بظهور تبذير وقلة تدبير عاد اليه الحجر عند مالك والشافعى فى أحد قوليه.
وقال أبو حنيفة: لا يعود الحجر.
ويجوز للوصى أن يصنع فى مال اليتيم ما كان للأب أن يصنعه فيه حال حياته من تجارة وابضاع وبيع وشراء، وعليه أن يؤدى الزكاة من سائر أمواله عن عين وحرث وماشية وفطرة، ويؤدى عنه أروش الجنايات وقيم المتلفات ونفقة الوالدين وسائر الحقوق اللازمة، ويجوز أن يزوجه، ويؤدى عنه الصداق، ويشترى له جارية يتسررها، ويصالح له وعليه على وجه النظر له.
واذا قضى الوصى بعض الغرماء وبقى من المال بقية تفى بما عليه من الدين كان فعل الوصى جائزا.
فان تلف باقى المال فلا شئ لباقى الغرماء على الوصى ولا على الذين اقتضوا ديونهم ..
وان اقتضى الغرماء جميع المال ثم أتى غرماء آخرون. فان كان عالما بالدين الباقى أو كان الميت معروفا بالدين الباقى ضمن الوصى لهؤلاء الغرماء ما كان يصيبهم فى المحاصة ورجع على الذين اقتضوا دينهم بذلك.
وان لم يكن عالما بالدين الباقى ولا كان الميت معروفا بذلك فلا شئ على الوصى.
واذا دفع الوصى دين الميت بغير اشهاد ضمن.
وأما ان أشهد وطال الزمان حتى مات الشهود فلا شئ عليه.
وقد ذكر القرطبى فى كلامه على أحكام الوصى فى الانفاق وغيره عند قوله تعالى فى سورة البقرة «وَإِنْ تُخالِطُوهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» نقلا عن ابن كتانة: وله أن ينفق فى عرس اليتيم ما يصلح من صبغ وطيب ونحو ذلك ومصلحته بقدر حاله وحال من يزوج اليه، وبقدر كثرة ماله.
وكل ما فعله على وجه النظر فهو جائز.
وما فعله على وجه المحاباة وسوء النظر فهو غير جائز ..
ودل الظاهر على أن ولى اليتيم يعلمه أمر الدنيا والآخرة، ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلمه الصناعات.
واذا وهب لليتيم شئ فللوصى أن يقبضه لما فيه من الاصلاح.
ولما ينفقه الوصى والكفيل من مال اليتيم حالتان:
حالة يمكن الاشهاد عليه فلا يقبل قوله الا ببينة.
وحالة لا يمكن الاشهاد عليه فقوله مقبول بغير بينة.
فمهما اشترى من العقار وما جرت العادة بالتوثق فيه لم يقبل قوله فيه بغير بينة.
قال ابن خويز منداد: ولذلك فرق أصحابنا بين أن يكون اليتيم فى دار الوصى ينفق عليه فلا يكلف الاشهاد على نفقته وكسوته، لأنه يتعذر عليه الاشهاد على ما يأكله ويلبسه فى كل وقت ولكن اذا قال: أنفقت نفقة لسنة قبل منه - وبين أن يكون اليتيم عند أمه أو حاضنته فيدعى الوصى أنه كان ينفق عليه أو كان يعطى الأم أو الحاضنة النفقة والكسوة فلا يقبل قوله على الأم أو الحاضنة الا ببينة أنها كانت تقبض ذلك مشاهرة أو مسانهة.
قوله تعالى: «وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ}
(1)
».
اختلف فى تفسير هذا القول على أقوال كثيرة.
فقيل: أن المراد من كان من الأوصياء على اليتامى غنيا بماله فليستعفف عن الأكل من مال اليتيم ولا يأخذ منه شيئا، وان كان فقيرا فليأكل بالمعروف أى بمقدار حاجة مثله غير متأثل مال الصغير ولا واق ماله بمال الصغير.
(1)
الآية رقم 6 من سورة النساء.
وقيل: ان الأكل بالمعروف أن يأخذ من مال الصغير ما يحتاجه عند الحاجة على سبيل القرض ويرده، اذا قدر، وهو مروى عن عمر بن الخطاب.
ورد بأن الثابت عن السلف وفى الأحاديث أن للوصى الفقير أن يأخذ حاجته من مال الصغير دون اسراف ولا تبذير.
وقيل: ان الأكل من مال اليتيم كان مباحا بهذه الآية ثم نسخ الحكم بقوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ» وقوله:
«إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً» ولا دليل على هذا النسخ ولا موجب له.
وقيل: ان المعنى ان من كان من الأوصياء غنيا بماله فليستعفف بغناه ولا يقرب مال اليتيم، ومن كان منهم فقيرا فليأكل من مال نفسه بقدر الكفاف حتى لا يحتاج الى مال الصغير.
وقيل غير هذا وذاك.
قوله تعالى: «فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ» }.
أمر الله تعالى بالاشهاد تنبيها على التحصين والتوثق وازالة للتهم.
وهذا الاشهاد مستحب عند طائفة من العلماء، فان القول قول الوصى لأنه أمين.
وقالت طائفة: هو فرض وهو ظاهر الآية: وليس الوصى بأمين حتى يقبل قوله كالوكيل اذا زعم أنه رد ما دفع اليه أو المودع اذا زعم رد الوديعة، وانما هو أمين الأب فلا يقبل قوله على غيره.
ألا ترى أن الوكيل لو ادعى أنه دفع لزيد ما أمره به الموكل لم يقبل قوله الا ببينة فكذلك الوصى.
ورأى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه وابن جبير أن هذا الأشهاد انما هو على دفع الوصى فى يسره ما استقرضه من مال يتيمه حالة فقره. فالآية دليل على وجوب القضاء على من أكل من مال اليتيم والمعنى: فاذا اقترضتم أو أكلتم من مال اليتيم فأشهدوا اذا غرمتم وقضيتم ما أخذتموه والصحيح أن اللفظ يعم هذا وسواه: والظاهر أن المراد: اذا انفقتم شيئا على المولى عليه أو دفعتم اليه ماله فأشهدوا حتى يمكن اقامة البينة اذا وقع خلاف فى ذلك. فان كل مال قبض على وجه الأمانة باشهاد لا يبرأ منه قابضه الا بالاشهاد على دفعه لقوله تعالى:
«فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ» فاذا دفع المال لمن دفع اليه بغير اشهاد فلا يحتاج فى دفعه لاشهاد ان كان قبضه بغير اشهاد.
قوله تعالى: «وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً» }.
أى كفى بالله حاسبا لأعمالكم ومجازيا عليها وفى هذا وعيد لكل جاحد حق.
وجاء فى تفسير أحكام القرآن لأبى بكر الجصاص الحنفى لهذه الآية ما يأتى:
قوله تعالى: «وَابْتَلُوا الْيَتامى حَتّى إِذا بَلَغُوا النِّكاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ}
(1)
» يرى الجصاص أن الابتلاء يكون باذن الصغير الذى قارب البلوغ بالتجارة فى جزء من ماله، ليتدرب على التصرف فى المال، ويتعرف أمور التجارة وأحوال التجار، وطرق الكسب، فيتبعها، وطرق الخسارة فيتجنبها، فاذا بلغ وثبت رشده بحسن التصرف فى المال وتتميته دفع اليه المال وألا أبقاه عنده حتى يؤنس منه الرشد.
واستدل بما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر عمر بن أبى سلمة وهو صغير بتزويج أمه أم سلمة اياه.
وفى رواية أنه أمر سلمة بن أبى سلمة وهو صغير بذلك.
وفى هذا دليل على جواز اذن الصغير بالتصرف الذى يملكه عليه غيره من بيع أو شراء.
وأما تأويل الابتلاء على معنى الاختبار فى عقولهم ودينهم فليس بشئ، لأن اعتبار الدين فى دفع المال غير واجب باتفاق الفقهاء، اذ لو كان رجلا فاسقا ضابطا لأموره عالما بالتصرف فى وجوه التجارات لم يجز أن يمنع ماله لأجل فسقه.
فعلمنا أن اعتبار الدين غير واجب. وان كان رجلا ذا دين وصلاح الا أنه غير ضابط لماله يغبن فى تصرفه كان ممنوعا من ماله عند القائلين بالحجر لضعف العقل فعلمنا أن اعتبار الدين فى ذلك لا معنى له.
والبلوغ يكون بالاحتلام أى بلوغ الحلم.
وايناس الرشد يكون بالعقل وحسن التصرف فى المال.
وقوله تعالى: «فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ» يقتضى وجوب دفع المال اليهم بعد البلوغ وايناس الرشد.
قوله تعالى: «وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» }.
اختلف السلف فى تأويله.
فقيل: ان المحتاج من الأوصياء يأكل من مال اليتيم بالمعروف أى نظير عمله فيه ولا يأخذ شيئا من عين المال.
وقيل: ان استغنى استعفف وان احتاج أكل فى حدود الحاجة وقضى أن أيسر.
(1)
الآية رقم 6 من سورة النساء.
وقيل يأخذ من مال اليتيم عند الحاجة ما يسد الجوعة ويستر العورة ولا يقضى اذا أيسر.
وقيل: من كان غنيا فليستغن بغناه، ومن كان فقيرا فليأكل من مال نفسه بالمعروف، حتى لا ينفذ ماله ويحتاج الى مال اليتيم.
ويرى الجصاص أنه لا يحل للأوصياء أخذ شئ من أموال اليتامى مطلقا، وأن المراد بالأكل بالمعروف الأكل من مال نفسه بقدر حتى لا يحتاج الى مال اليتيم جمعا بين الآية والآيات المحكمة التى تنهى عن أكل أموال اليتامى وأكل أموال الغير بغير حق بالباطل وقوله تعالى:
{فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً»} .
قال أبو بكر: ان الايات التى تقدم ذكرها فى أمر الأيتام تدل على أن سبيل الأيتام أن يلى عليهم غيرهم فى حفظ أموالهم والتصرف عليهم فيها فيما يعود نفعه اليهم وهم: وصى الأب أو الجد ان لم يكن وصى أب. أو وصى الجد ان لم يكن أحد من هؤلاء. أو أمين حاكم عدل بعد أن يكون الأمين أيضا عدلا.
وكذلك شرط الأوصياء والجد والأب وكل من يتصرف على الصغير لا يستحق الولاية عليه الا أن يكون عدلا مأمونا.
فأما الفاسق والمتهم من الآباء والمرتشى من الحكام والأوصياء والأمناء غير المأمونين. فان واحدا من هؤلاء غير جائز له التصرف على الصغير.
ولا خلاف فى ذلك نعلمه .. ألا ترى أنه لا خلاف بين المسلمين فى أن القاضى اذا فسق بأخذ الرشوة أو بالميل الى الهوى وترك الحكم بالحق أنه يكون معزولا غير جائز الحكم. فكذلك حكم الله فيمن ائتمنه على أموال الأيتام من قاض أو وصى أو أمين أو حاكم فغير جائز ثبوت ولايته فى ذلك الا على شرط العدالة وصحة الأمانة.
وقد أمر الله تعالى أولياء الأيتام بالاشهاد عليهم بعد البلوغ بما يدفعون اليهم من أموالهم وفى ذلك ضروب من الأحكام.
أحدها: الاحتياط لكل واحد من اليتيم ووالى ماله.
فأما اليتيم فلأنه اذا قامت عليه البينة بقبض المال كان أبعد من أن يدعى ما ليس له.
وأما الوصى فلأن يبطل دعوى اليتيم بأنه لم يدفع المال اليه.
كما أمر الله تعالى بالاشهاد على البيوع احتياطا للمتبايعين ووجه آخر فى الاشهاد وهو أن يظهر أداء أمانته وبراءة ساحته.
كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم الملتقط بالاشهاد على اللقطة فى حديث عياض بن حماد المجاشعى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل ولا يكتم ولا يغيب فأمره بالاشهاد لتظهر أمانته وتزول عنه التهمة.
وفى تصديق الوصى على دفع المال الى اليتيم يقول الجصاص: قال أبو حنيفة وأصحابه فى الوصى اذا ادعى بعد بلوغ اليتيم أنه قد دفع المال اليه - أنه يصدق وكذلك لو قال:
أنفقت عليه فى صغره صدق فى نفقة مثله. وكذلك لو قال: هلك المال.
وقال مالك: لا يصدق أنه دفع المال الى اليتيم وهو قول الشافعى، لأن الذى زعم أنه دفع المال اليه غير الذى ائتمنه كالوكيل بدفع المال الى غيره لا يصدق اذا قال دفعت الا ببينة وقد قال الله تعالى «فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ» ولو كان يصدق بقوله دون بينة ما أمر بالاشهاد.
ولكن ليس فى الأمر بالاشهاد دليل على أنه غير أمين وغير مصدق، لأن الاشهاد مندوب اليه فى الأمانات كهو فى المضمونات من الديون، فليس فى الأمر بالاشهاد دلالة على أنه غير مصدق اذا لم يشهد.
فان قيل: اذا كان مصدقا فى الرد فما معنى الاشهاد مع قبول قوله بغير بينة؟
قيل له فيه ما قدمنا ذكره من ظهور أمانته والاحتياط فى زوال التهمة عنه فى أن لا يدعى عليه بعد ما قد ظهر رده وفيه الاحتياط لليتيم فى أن لا يدعى ما يظهر كذبه فيه .. وفيه أيضا سقوط اليمين عن الوصى اذا كانت له بينة فى دفعه اليه ولو لم يشهد وادعى اليتيم أنه لم يدفعه كان القول قول الوصى مع يمينه واذا أشهد فلا يمين عليه.
فهذه المعانى كلها مضمنة بالاشهاد وان كان أمانة فى يده.
ويدل على أنه مصدق فيه بغير اشهاد واتفاق الجميع على أنه مأمور بحفظه وامساكه على وجه الأمانة حتى يوصله الى اليتيم فى وقت استحقاقه فهو بمنزلة الودائع. والمضاربات وما جرى مجراها من الأمانات فوجب أن يكون مصدقا على الرد كما يصدق على رد الوديعة.
والدليل على أنه أمانة أن اليتيم لو صدقه على الهلاك لم يضمنه كما أن المودع لو صدق المودع فى هلاك الوديعة لم يضمنها.
وأما القول بأن الأوصياء لم يأتمنهم
الأيتام وانما ائتمنهم الآباء فلم يصدقوا فى قولهم للايتام - فهو قول بعيد عن معانى الفقه ومنتقض، لأنه لو كان ما ذكره علة لنفى التصديق لوجب ألا يصدق القاضى اذا قال لليتيم قد دفعت المال اليك، لأنه لم يأتمنه. وكذلك فى الأب اذا قال بعد بلوغ الصغير: قد دفعت اليك مالك لا يصدقه لأنه لم يأتمنه.
ويلزم أيضا أن يجب عليهما الضمان اذا تصادقوا بعد البلوغ أنه قد هلك لأنه أمسك ماله من غير ائتمان له عليه.
وأما تشبيه الوصى بالوكيل بدفع المال الى غيره فتشبيه بعيد.
ومع ذلك فلا فرق بين الوصى والوكيل من الوجه الذى صدقنا فيه الوصى، لأن الوكيل مصدق أيضا فى براءة نفسه غير مصدق فى ايجاب الضمان ودفعه الى غيره. وانما لم يقبل قوله على المأمور بالدفع اليه. وأيضا فان الوصى فى معنى من يتصرف على اليتيم باذنه ألا ترى أنه يجوز تصرفه عليه فى البيع والشراء لجواز تصرف أبيه. فاذا كان امساك الوصى المال بائتمان الأب له عليه واذن الأب جائز على الصغير.
صار كأنه ممسك للمال بعد البلوغ باذنه فلا فرق بينه وبين المودع.
3 -
قال الله تعالى: «وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً}
(1)
».
وقد جاء فى تفسير القرطبى لهذه الآية ما يأتى:
المراد بالفاحشة فى هذا الموضع الزنا. وقوله من «نسائكم» أى من نساء المسلمين. اضافة فى معنى الاسلام فلا تدخل الكافرة فى الحكم.
وقوله «فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» أى من المسلمين.
فجعل الله الشهادة على الزنا خاصة أربعة تغليظا على المدعى وسترا على العباد.
وتعديل الشهود بالأربعة فى الزنا حكم ثابت فى التوراة والأنجيل والقرآن.
قال الله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ}
(2)
».
وقال هنا «فاستشهدوا عليهن أربعة منكم ..
(1)
الآية رقم 15 من سورة النساء.
(2)
الآية رقم 4 من سورة النور.
وروى أبو داود عن جابر بن عبد الله قال: جاءت اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا. فقال النبى صلى الله عليه وسلم «أئتونى بأعلم رجلين منكم» فأتوه بابنى صوريا. فنشدهما «كيف تجدان أمر هذين فى التوراة: قالا نجد فى التوراة اذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره فى فرجها مثل الميل فى المكحلة رجما قال النبى «فما يمنعكما أن ترجموهما قالا: ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود - فجاءوا فشهدوا أنهم رأوا ذكره فى فرجها مثل الميل فى المكحلة. فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما.
وقال قوم: انما كان الشهود فى الزنا أربعة ليترتب شاهدان على كل واحد من الزانيين كسائر الحقوق اذ هو حق يؤخذ من كل واحد منهما.
وهذا ضعيف فان اليمين تدخل فى الأموال واللوث يعتبر فى القسامة ولا مدخل لواحد منهما هنا.
ولا بد أن يكون الشهود ذكورا لقوله «منكم» .
ولا خلاف فيه بين الأمة وأن يكونوا عدولا، لأن الله تعالى شرط العدالة فى البيوع والرجعة وهذا أعظم وهو بذلك أولى. وهذا من حمل المطلق على المقيد بالدليل على ما هو مذكور فى أصول الفقه.
ولا يكونون ذمة وان كان الحكم على ذمية.
وسيأتى ذلك فى الشهادة على الوصية فى السفر. شهادة غير المسلم على المسلم «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ» }.
وقد ذكر المفسرون فى تفسير آية النور التى تقدم ذكرها أن من شرط أداء الشهود الشهادة عند مالك رحمه الله تعالى.
أن يكون ذلك فى مجلس واحد، فان افترقت لم تكن شهادة.
وقال عبد الملك: تقبل شهادتهم مجتمعين ومفترقين.
فرأى مالك تعبد وبه قال ابن الحسن.
ورأى عبد الملك أن المقصود أداء الشهادة واجتماعها وقد حصل.
وهو قول عثمان البتى وأبى ثور. واختاره ابن المنذر، لقوله تعالى:«ثم لم يأتوا بأربعة شهداء «وقوله» فاذ
لم يأتوا بالشهداء ولم يذكر مفترقين ولا مجتمعين ..
فان تمت الشهادة ولكنهم لم يعدلوا فكان الحسن البصرى والشعبى يريان أن لا حد على الشهود ولا على المشهود عليهم وبه قال أحمد والنعمان ومحمد ابن الحسن.
وقال مالك: اذا شهد عليه أربعة بالزنا وكان أحدهم مسخوطا عليه (مردود الشهادة) أو عبدا يجلدون جميعا.
وقال سفيان الثورى وأحمد واسحاق فى أربعة عميان يشهدون على امرأة بالزنا يضربون.
فان رجع أحد الشهود وقد رجم المشهود عليه فى الزنى فقالت طائفة:
يغرم ربع الدية ولا شئ على الآخرين وكذلك قال قتادة وحماد وعكرمة وأبو هاشم ومالك وأحمد وأصحاب الرأى.
وقال الشافعى: ان قال تعمدت ليقتل فالأولياء بالخيار ان شاءوا قتلوا وان شاءوا عفوا وأخذوا ربع الدية وعليه الحد.
وقال الحسن البصرى: يقتل وعلى الآخرين ثلاثة أرباع الدية.
وقال ابن سيرين: اذا قال أخطأت وأردت غيره فعليه الدية كاملة. وان قال تعمدت قتل به. وبه قال ابن شبرمة.
وجاء فى تفسير أحكام القرآن لأبى بكر الجصاص الحنفى لهذه الاية ما يأتى:
- لم يختلف السلف فى أن ذلك كان حد الزانية فى بدء الاسلام وأنه منسوخ غير ثابت الحكم. روى عن ابن عباس رضى الله عنهما فى هذه الآية: كان ذلك قبل أن تنزل آية النور «الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ» وقد نسخت حكم هذه الاية فى العقوبة.
وقد اختلف السلف فى معنى السبيل المذكور فى هذه الاية.
فروى عن ابن عباس رضى الله عنهما أن السبيل الذى جعله لهن الجلد لغير المحصن والرجم للمحصن.
وعن قتادة مثل ذلك.
وروى عن مجاهد فى بعض الروايات (أو ويجعل الله لهن سبيلا) أو يضعن ما فى بطونهن.
وهذا لا معنى له، لأن الحكم كان عاما فى الحامل والحائل فالواجب أن يكون السبيل مذكورا لهن جميعا.
وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم ذلك السبيل وهو الجلد والرجم. ونسخ جميع ما ذكر فى الاية الا ما ذكر من استشهاد أربعة شهود فان اعتبار عدد الشهود باق فى الحد الذى نسخ به الحدان الأولان وهو الجلد والرجم. وقد بين الله تعالى ذلك فى قوله سبحانه «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ}
(1)
».
وقوله «لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون» فلم ينسخ اعتبار العدد فى الشهود ولم ينسخ الاستشهاد أيضا.
وهذا يوجب جواز احضار الشهود والنظر الى الزانيين لاقامة الحد عليهما لأن الله تعالى أمر بالاستشهاد على الزنا وذلك لا يكون الا بتعمد النظر، فدل ذلك على أن تعمد النظر الى الزانيين لاقامة الحد عليهما لا يسقط الشهادة.
وكذلك فعل أبو بكر وعمر مع شبل ابن معبد ونافع بن الحارث وزياد فى قصة المغيرة بن شعبة. وذلك موافق لظاهر الاية.
وقد ذكر المفسرون فى تفسير قوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» }. ان أصحابنا لم يختلفوا أن الشهود اذا كانوا كفارا أو عبيدا أو عميانا أو محدودين فى قذف فانهم يجدون جميعا ولا يحد المشهود عليه.
أما اذا كانوا فساقا فقد اختلف الفقهاء هل يحد الشهود أو لا.
كما اختلفوا فى حد المشهود عليه بهذه الشهادة.
واختلف الفقهاء أيضا فيما اذا جاء الشهود متفرقين وأدوا شهادتهم كذلك.
فقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعى: لا تقبل شهادتهم ويحدون ولا يحد المشهود عليه بالزنا.
وقال عثمان البتى والشافعى تقبل شهادتهم ولا يحدون ويحد المشهود عليه.
4 -
قال الله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا 2 شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنّا إِذاً}
(1)
الآية رقم 4 من سورة النور.
(2)
الآية 106 من سورة المائدة. والآية رقم 107 من سورة المائدة، والآية رقم 108 من سورة المائدة.
وقد جاء فى تفسير القرطبى لهذه الآيات ما يأتى روى البخارى والدارقطنى وغيرهما أن هذه الآيات نزلت فى تميم الدارى وعدى ابن بداء. وكانا نصرانيين يختلفان بتجارتهما الى الشام. فخرج معهما مولى لبنى سهم يقال له بديل بن أبى مريم بتجارة منها جام من فضة منقوش بالذهب وكان مسلما فمرض بأرض ليس بها مسلم. فأوصى اليهما وتوفى بتلك الأرض. فدفعا تركته الى أهله وحبسا الجام وباعاه واقتسما ثمنه. ورفع ورثة السهمى الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واختصموا الوصيين فاستحلفهما عليه السلام «ما كتمتما ولا لطلعتما» ثم وجد الجام بمكة وعرف أن الوصيين قد باعاه. فحلف اثنان من ورثة السهمى أن هذا الجام للسهمى ولشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا فأخذوا الجام وفيهم نزلت هذه الآية.
وذكر أن تميم الدارى قد أسلم بعد الحادثة وتأثم وأخبر ورثة السهمى بما كان.
قوله تعالى: «شهادة بينكم» اختار ابن عطية أن الشهادة هنا هى الشهادة التى تحفظ لتؤدى وضعف كونها بمعنى الحضور واليمين ..
والمعنى: اذا قارب أحدكم الموت وحان وقت الوصية فشهادة ما بينكم فى الوصايا شهادة اثنين ذوى عدل منكم أو آخرين من غيركم. فذوا عدل صفة (اثنان) ومن غيركم صفة لآخرين. وهذا الفصل هو المشكل فى هذه الآية.
والتحقيق أن يقال فيه: اختلف العماء فيه على ثلاثة أقوال:
الأول: أن الكاف والميم فى قوله «منكم ضمير للمسلمين» وآخران من غيركم «للكافرين» .
فعلى هذا تكون شهادة أهل الكتاب على المسلمين جائزة فى السفر اذا كانت وصية. وهو الأشبه بسياق الآية مع ما تقرر من الأحاديث.
وهو قول ثلاثة من الصحابة الذين شاهدوا التنزيل وهم: أبو موسى الأشعرى وعبد الله بن قبس وعبد الله بن عباس.
فمعنى الآية على هذا القول: ان الله تعالى أخبر أن حكمه فى الشهادة على الموصى اذا حضر الموت أن تكون شهادة عدلين.
فان كان فى سفر وهو الضرب فى الأرض ولم يكن معه أحد من المؤمنين. فليشهد شاهدين ممن حضره من أهل الكفر.
فاذا قدما وأديا الشهادة على وصيته حلفا بعد الصلاة أنهما ما كذبا وما بدلا وأن ما شهدا به حق وما كتما فيه شهادة.
وحكم بشهادتهما.
فان عثر بعد ذلك على أنهما كذبا أو خانا ونحو هذا مما هو اثم حلف رجلان من أولياء الموصى فى السفر وغرم الشاهدان ما ظهر عليهما.
هذا معنى الآية على هذا المذهب.
وهو رأى كثير من التابعين ومن تبعهم.
وقال به من الفقهاء سفيان الثورى ومال اليه أبو عبيد القاسم بن سلام لكثرة من قال به
واختاره أحمد بن حنبل وقال: شهادة أهل الذمة جائزة على المسلمين فى السفر عند عدم المسلمين كلهم يقول «منكم» من المؤمنين ومعنى من «غيركم» يعنى الكفار.
قال بعضهم: وذلك أن الآية نزلت ولا مؤمن الا بالمدينة وكانوا يسافرون بالتجارة صحبة أهل الكتاب وعبدة الأوثان وأنواع الكفرة.
والآية محكمة على رأى أبى موسى وشريح وغيرهما.
والثانى: ان قوله سبحانه «أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» منسوخ.
وهذا قول زيد بن أسلم والنخعى ومالك والشافعى وأبى حنيفة وغيرهم من الفقهاء.
واحتجوا بقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» وقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» }.
وقد قالوا ان آية الدين من آخر القرآن نزولا وأن فيها «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» فهو ناسخ لحكم هذه الآية وهو جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين، وقد كان هذا الحكم وقت أن لم يكن اسلام الا بالمدينة فجازت شهادة أهل الكتاب على المسلمين. أما اليوم فقد انتشر الاسلام وطبق الأرض فسقطت شهادة الكفار ولم يبق ما يدعو الى قبولها.
وقد أجمع المسلمون على أن شهادة الفساق لا تجوز والكفار فساق فلا تجوز شهادتهم.
وقد اختلفوا بعد ذلك فيما بينهم.
فذهب أبو حنيفة الى جواز شهادة الكفار بعضهم على بعض وان اختلفت مللهم ومذاهبهم لأن الكفر كله ملة واحدة.
وذهب الباقون الى عدم جواز شهادتهم على بعضهم اذا اختلفت الملة - والكل لا يجيز شهادتهم على المسلمين فى أى حال.
ثم قال القرطبى: قلت ما ذكرتموه صحيح الا أنا نقول بموجبه وأن ذلك جائز فى شهادة أهل الذمة على المسلمين فى الوصية فى السفر
خاصة للضرورة بحيث لا يوجد مسلم أما مع وجود مسلم فلا. ولم يأت ما ادعيتموه من النسخ عن أحد ممن شهد التنزيل.
وقد قال بالأول ثلاثة من الصحابة وليس ذلك فى غيره ومخالفة الصحابة الى غيرهم ينفر عنه أهل العلم.
ويقوى هذا أن سورة المائدة من آخر القرآن نزولا حتى قال ابن عباس والحسن وغيرهما: أنه لا منسوخ فيها. ودعوى النسخ لا تصح اذ لا بد فيه من اثبات الناسخ على وجه يتنافى الجمع بينهما مع تراخى الناسخ.
وما ذكروه على أنه ناسخ ورد فى قصة غير قصة الوصية لمكان الحاجة والضرورة ..
ولا يمتنع اختلاف الحكم عند الضرورات.
وقد يكون للكافر ثقة عند المسلم ويرتضيه عند الضرورة. فليس فيما قالوه ناسخ.
الثالث - أن الآية لا نسخ فيها قاله الزهرى والحسن وعكرمة.
ومعنى قوله: منكم أى من عشيرتكم وقرابتكم، لأنهم أحفظ وأضبط وأبعد عن النسيان.
ومعنى قوله «أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» أى من غير القرابة والعشيرة.
وعورض هذا بأن الخطاب فى أول الآية المؤمنين «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» فكان الخطاب فى قوله منكم للمؤمنين أى من المؤمنين وكان الخطاب فى قوله من غيركم للمؤمنين أى من غير المؤمنين.
وقد استدل أبو حنيفة بهذه الآية على جواز شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض مهما اختلفت مذاهبهم لأن الكفر كله ملة واحدة - لأن معنى قوله «أو آخران من غيركم» من غير المؤمنين.
فالآية بظاهرها تدل على جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين وتدل بمفهومها على جواز شهادتهم على بعضهم البعض -
وقد دل الدليل على عدم جواز شهادتهم على المسلمين وهو الآيات الدالة على اشتراط العدالة والناسخة لهذا الحكم على ما أشير اليه. فبقيت شهادتهم على بعضهم فى مكان الجواز بدون مانع.
وجاء فى تفسير أحكام القرآن لأبى بكر الجصاص الحنفى ما يأتى: اختلف فى معنى الشهادة فى قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ» }.
فقال قائلون هى الشهادة على الوصية فى السفر، وأجازوا بها شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر ..
روى الشعبى عن أبى موسى أن رجلا مسلما توفى بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين يشهد على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب فأحلفهما أبو موسى بعد العصر بالله ما خانا
ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا وأنها لوصية الرجل وتركته .. فأمضى أبو موسى شهادتهما وقال: هذا أمر لم يكن بعد هذا الذى كان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون أن معنى الشهادة فى قوله:
«شهادة بينكم» حضور الوصيين الوصية حين الوفاة من قولك شهدته اذا حضرته.
وقال آخرون انما الشهادة هنا ايمان الوصية بالله اذا ارتاب الورثة بهما وهو قول مجاهد.
والذى فعله أبو موسى يدل على أن المراد بها الشهادة على الوصية فى السفر التى تثبت بها عند الحكام، وأن هذا حكم ثابت غير منسوخ.
وروى مثله عن شريح.
وهو قول الثورى وابن أبى ليلى.
وهذا المعنى هو المتبادر من لفظ الشهادة.
اذا أطلق كما فى قوله تعالى «وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» وقوله «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» وقوله «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» يفهم منها الشهادات على الحقوق.
وقوله (أو آخران من غيركم) معناه من غير ملتكم وليس من غير قبيلتكم كما ذهب البعض، لأن الخطاب فى الاية للمؤمنين ولم يجر ذكر للقبيلة حتى ترجع اليه الكناية.
والكناية انما ترجع الى مذكور فى الخطاب أو معلوم بدلالة الحال - فاقتضت الآية جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر.
وقد ورد فى تأويل الآية عن عبد الله ابن مسعود وأبى موسى وشريح وعكرمة وقتادة وجوه مختلفة.
وأشبهها بمعنى الآية ما روى عن ابن عباس قال: خرج رجل من بنى سهم مع تميم الدارى وعدى بن بداء فمات السهمى بأرض ليس بها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جام فضة مخوصا بالذهب. فاحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجد الجام بمكة فقالوا اشتريناه من تميم وعدى فقام رجلان من أولياء السهمى فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما وأن الجام لصاحبهم. قال نزلت فيهم «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ} فاحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ندبا، لأن الورثة اتهموهما بأخذه ثم لما ادعيا أنهما اشتريا الجام من الميت استحلف الورثة وجعل القول قولهم وأخذوا الجام.
ويشير أبو موسى فى قوله فى حادثة الرجل الذى بدقوقا وقبوله شهادة الكتابيين على وصيته - هذا أمر لم يكن بعد الذى كان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بذلك الى هذه القصة.
واختلفوا فى بقاء حكم جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر.
فقال أبو موسى وشريح وثابت. وروى عن زيد بن أسلم فى قوله تعالى «شَهادَةُ بَيْنِكُمْ» قال: كان ذلك فى رجل توفى وليس عنده أحد من أهل الاسلام وذلك فى أول الاسلام والأرض حرب والناس كفار الا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فكان الناس يتوارثون بالمدينة بالوصية. ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها.
وروى عن ابراهيم النخعى قال: ان هذه الآية منسوخة نسخها قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}.
وروى أن المائدة من آخر القرآن نزولا فأحلوا حلالها وحرموا حرامها.
وعن عائشة قالت: المائدة من آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فاستحرموه.
وروى أبو اسحاق عن أبى ميسرة قال: فى المائدة ثمانى عشرة فريضة وليس فيها منسوخ.
والذى يقتضيه ظاهر الآية جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر، سواء كان فى الوصية بيع أو اقرار بدين، أو وصية بشئ، أو هبة أو صدقة، هذا كله يشتمل عليه اسم الوصية اذا عقده فى مرضه.
وعلى أن الله تعالى أجاز شهادتهما على الوصية فانه لم يخصص بها الوصية دون غيرها. وحين الوصية قد يكون اقرار بدين أو بمال عين وغيره ولم تفرق الآية بين شئ منه ..
ثم قد روى أن آية الدين من آخر ما نزل من القرآن.
وان كان قوم قد ذكروا أن المائدة من آخر ما نزل وليس يمتنع أن يريدوا بقولهم من آخر ما نزل من آخر سورة نزلت فى الجملة لا على أن كل آية منها من آخر ما نزل.
وان كان كذلك وأن آية الدين من آخر ما نزل. فان آية الدين لا محالة ناسخة لجواز شهادة أهل الذمة على الوصية فى السفر، لقول الله فيها «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ}
(1)
» وهم المسلمون لا محالة، لأن الخطاب فى أول الآية موجه للمؤمنين «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ 2 إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» ولم يخصص بها حال الوصية دون غيرها فهى عامة فى جميع الأحوال.
وقال «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» وليس الكفار بمرضيين فى الشهادة على المسلمين.
فتضمنت آية الدين نسخ شهادة أهل الذمة على وصية المسلم.
ومن حيث دلت على جوازها على وصية المسلم فى السفر فهى دالة على جوازها على وصية الذمى.
ثم نسخ فيها جوازها على وصية المسلم بآية الدين وبقى حكمها على وصية الذمى فى السفر وغيره اذ كانت حالة السفر
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
والحضر سواء فى حكم الشهادات، وعلى جواز شهادة الوصيين على الوصية من الميت، لأن فى التفسير أن الميت أوصى اليهما وأنهما شهدا على وصيته ..
ودلت الآية كذلك على أن القول قول الوصى فيما فى يده للميت مع يمينه، لأن الوصيين استحلفا على ذلك.
ودلت على أن دعوى الوصيين شراء شئ من الميت غير مقبولة الا ببينة. وعلى أن القول قول الورثة أن الميت لم يبع شيئا منهما مع ايمانهم.
5 -
قال الله تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(1)
».
«وقد جاء فى تفسير القرطبى لهاتين الآيتين ما يأتى:
نزلت هذه الآية فى القاذفين.
قال سعيد بن جبير: كان سببها ما قيل فى عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها فى حادث الافك.
وقيل: بل نزلت بسبب القذفة عامة لا فى تلك النازلة.
وقال ابن المنذر: لم نجد فى أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم خبرا يدل على تصريح القذف. وظاهر كتاب الله مستفتى به دالا على القذف الذى يوجب الحد وأهل العلم على ذلك مجمعون.
وذكر الله فى الآية النساء من حيث هن أهم ورميهن بالفاحشة أشنع وأنكى للنفوس. وقذف الرجال داخل فى حكم الآية بالمعنى. والمحصنات العفائف فى هذا الموضع. وقد ذكر الاحصان فى الكتاب الكريم بمعانى العفة والحرية والاسلام والتزوج والاتفاق على أن القذف بصريح الزنى يوجب الحد. والخلاف فى التعريض
قال مالك هو قذف.
وقال الشافعى وأبو حنيفة لا يكون قذفا حتى يقول: أردت به القذف.
وجمهور العلماء على أن من قذف رجلا أو امرأة من أهل الكتاب لا حد عليه.
وقال الزهرى وسعيد بن المسيب وابن أبى ليلى: عليه الحد اذا كان لها ولد من مسلم.
وقال بعضهم: اذا قذف نصرانية تحت مسلم عليه الحد.
«ثم لم يأتوا بأربعة شهداء» الذى يفتقر الى أربعة شهداء دون سائر الحقوق هو الزنى رحمة بعباده
(1)
الآية رقم 4 من سورة النور، والآية رقم 5 من سورة النور.
وسترا لهم، اذ قلما يجتمع هذا العدد على رؤية هذه الجريمة على وجه توجب الشهادة به ثبوت الزنى ويقتضى الحد.
واختلفوا فيما اذا جاء الشهود وأدوا شهادتهم فى مجلس القضاء متفرقين.
فقال مالك: لا تقبل الشهادة اذ أخرجها التفرق من أن تكون شهادة الزنا المطلوب فيها الاجتماع.
وقيل: تقبل، لأن المقصود أداء الشهادة عند القاضى وقد حصل.
وليس فى نص الآية ولا فى غيرها من الآيات الواردة فى شأن الشهادة على الزنا ما يشير الى الاجتماع أو الانفراد.
فيستوى أن تكون على هذا أو ذاك.
فان تمت الشهادة ولكن لم يعدل الشهود فكان الحسن البصرى والشعبى يريان أن لا حد على الشهود ولا على المشهود عليهم.
وبه قال أحمد والنعمان ومحمد بن الحسن.
وقال مالك اذا شهد عليه أربعة بالزنى وكان أحدهم عبدا أو مردود الشهادة يجلدون جميعا حد القذف.
وقال سفيان الثورى وأحمد واسحاق فى أربعة عميان يشهدون على امرأة بالزنى يضربون.
وحكم شهادة الأربعة أن تكون على معاينة يرون ذلك كالمرود فى المكحلة على ما تقدم.
وأن تكون فى موطن واحد على قول مالك.
وان اضطرب واحد منهم جلد الثلاثة كما فعل عمر فى أمر المغيرة بن شعبة وذلك أنه شهد عليه بالزنى أبو بكرة نفيع ابن الحارث وأخوه نافع.
وقال الزهرى: عبد الله بن الحارث وزياد أخوهما من الأم وهو مستحلق بمعاوية وشبل ابن معبد البجلى فجاء الثلاثة وأدوا الشهادة وتوقف زياد فجلد عمر الثلاثة المذكورين.
«وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» حكم عليهم بأنهم فاسقون أى خارجون عن طاعة الله عز وجل «إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا» استثناء.
والمعنى ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا الا الذين تابوا وأصلحوا من بعد القذف «فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .
فتضمنت الآية ثلاثة أحكام فى القاذف:
جلده ورد شهادته أبدا وفسقه.
والاستثناء غير عامل فى جلده باجماع.
الا ما روى عن الشعبى.
وعامل فى فسقه باجماع.
واختلف الناس فى عمله فى رد الشهادة.
قال شريح وابراهيم النخعى والحسن البصرى وأبو حنيفة: لا يعمل الاستثناء فى رد شهادته، وانما يزول بالتوبة فسقه عند الله تعالى، وأما شهادة القاذف فلا تقبل البتة ولو تاب وأكذب نفسه.
وقال الجمهور: الاستثناء عامل فى رد الشهادة، فاذا تاب القاذف قبلت شهادته وانما كان ردها لعلة الفسق وقد زال بالتوبة فتقبل قبل الحد وبعده.
وهو قول عامة الفقهاء.
وهل التوبة تحصل باكذاب القاذف نفسه فى القذف الذى حد فيه أو بالصلاح وحسن الحال وان لم يرجع عن قذفه.
بالأول قال عمر وفعله فى حادثة المغيرة.
وبالثانى قال مالك.
ويروى عن الشعبى أن الاستثناء يعمل فى الأحكام الثلاثة فاذا تاب وظهرت توبته لم يحد وقبلت شهادته وزال عنه التفسيق.
لأنه قد صار ممن يرضى من الشهداء.
وقد قال الله عز وجل «وَإِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى» }.
وهل تسقط شهادة القاذف بنفس القذف أو بالحد خلاف؟
قال الليث والأوزاعى والشافعى ترد شهادته بالقذف وان لم يحد للفسق اذ القذف من الكبائر.
واذا تاب فعلى أى شئ تقبل توبته؟
قيل: تقبل فى كل شئ مطلقا حتى ما حد فيه، وكذلك كل من حد فى شئ من زنى أو قذف.
وقيل: تقبل فى غير ما حد فيه فمن حد فى زنى أو قذف لا تقبل شهادته فى مثل ما حد فيه.
والخلاف فى قبول شهادة المحدود فى القذف وعدم قبولها مبنى على الخلاف فى أن الاستثناء والشرط والصفة بعد جمل معطوفة يعود الى الجميع أو الى الأخير.
فعند مالك والشافعى وأصحابهما يعود الى الجميع.
وعند أبى حنيفة وأكثر أصحابه يعود الى أقرب مذكور منه وهو فى الآية الفسق.
وذلك بناء على أن هذه الجمل المتعاطفة لها حكم الجملة الواحدة، لأن العطف شرك بينها فى الحكم أو لكل جملة حكم نفسها فى الاستقلال. وحرف العطف محسن لا مشرك. وهو الصحيح فى عطف الجمل لجواز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض.
وجاء فى تفسير أحكام القرآن لأبى بكر الجصاص فى هاتين الآيتين ما يأتى:
اتفق الفقهاء على أن قوله تعالى:
«وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ» قد أريد به الرمى بالزنا وان كان فى فحوى اللفظ دلالة عليه من غير نص، وذلك لأنه لما ذكر المحصنات وهن هنا العفائف دل ذلك على أن المراد بالرمى رميها بضد العفاف وهو الزنا.
ووجه آخر وهو قوله تعالى «ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» على صحة ما رموا به.
ومعلوم أن هذا العدد من الشهود انما هو مشروط فى الزنا، فدل على أن رمى المحصنات فى الآية انما هو بالزنا.
ويدل ذلك على معنى آخر وهو أن الرمى لابد أن يكون بصريح الزنا.
وقد أجمعوا على أن الرمى بالزنا مراد بهذه الآية فكان ذلك بمنزلة ذكره فى اللفظ.
وقد اختلفوا فى التعريض بالزنا.
فقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعى لا حد فيه.
وقال مالك فيه الحد.
ويروى أن عمر بن الخطاب استشار الصحابة وحد فى التعريض بقول شخص لأخر والله ما أبى بزان ولا أمى بزانية.
واختلف - هل يحد قاذف المجنون والصبى أو لا يحد.
فقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن ابن صالح والشافعى: لا حد على قاذف المجنون والصبى.
وقال مالك. لا يحد قاذف الصبى وان كان مثله يجامع اذا لم يبلغ ويحد قاذف الصبية اذا كان مثلها تجامع وان لم تبلغ ويحد قاذف المجنون.
قوله تعالى «وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» }.
حكم الله تعالى فى القاذف اذا لم يأت بأربعة شهداء بثلاثة أحكام.
أحدها: جلد ثمانين.
والثانى: بطلان الشهادة.
والثالث: الحكم بتفسيقه الى أن يتوب.
واختلف أهل العلم فى لزوم هذه الأحكام له وثبوتها عليه بالقذف بعد اتفاقهم على وجوب الحد عليه بنفس القذف عند عجزه عن اقامة البينة على الزنا.
فقال قائلون: قد بطلت شهادته ولزمته سمة الفسق قبل اقامة الحد عليه وهو قول الليث بن سعد والشافعى.
وقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك: شهادته مقبولة ما لم يحد.
وهذا يقتضى قولهم أنه غير موسوم بسمة الفسق ما لم يقع به الحد والا لما قبلت شهادته، ولأن قوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ» يقتضى توفر شرطين لبطلان شهادة القاذف.
أحدهما الرمى بالزنا.
والأخر عدم الاتيان بالشهود على زنا المقذوف متراخيا عن القذف وفوات الشهادة عليه.
فما دامت اقامة الشهادة عليه بالزنا ممكنة بخصومة القاذف، فان لفظ الآية يقتضى بقاء الوضع على ما كان عليه غير محكوم عليه ببطلان الشهادة.
أما شهادة المحدود فى القذف بعد التوبة فقال أبو حنيفة وأصحابه والحسن ابن صالح والثورى لا تقبل شهادته اذا تاب وتقبل شهادة المحدود فى غير القذف اذا تاب.
وقال مالك وعثمان البتى والليث والشافعى تقبل شهادة المحدود فى القذف اذا تاب.
وقال الأوزاعى لا تقبل شهادة محدود فى الاسلام.
وقد روى عن ابن عباس فى قوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» ثم استثنى فقال: «إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا» فتاب عليهم من الفسق وأما الشهادة فلا تجوز
وروى عنه «إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا» فمن تاب وأصلح فشهادته فى كتاب الله مقبولة
وحمل الأول على ما اذا جلد ثم تاب.
والثانى على ما اذا تاب قبل الجلد.
فحكم الاستثناء مقصور على ما يليه من زوال سمة الفسق ولا يرجع الى ما تقدمه الا بدليل.
وما ورد فى بعض الآيات من رجوع الاستثناء الى كل ما سبقه من الجمل قام فيه دليل على ذلك. وعند عدم الدليل يقتصر على ما يليه.
وقد اقتضت هذه الآية أن يكون شهود الزنا أربعة وأن يمتنع جواز الاقتصار على أقل من هذا العدد.
وقد اختلف الفقهاء فيما اذا جاء القاذف بأربعة شهداء فساق فشهدوا على المقذوف بالزنا.
قال الحنفية وعثمان البتى والليث بن سعد:
لا حد على الشهود.
وروى الحسن بن زياد عن أبى يوسف أنه يحد القاذف ويدرأ عن الشهود.
وقال زفر يدرأ عن القاذف وعن الشهود.
وقال مالك وعبيد الله بن الحسن يحد الشهود.
والحنفية جميعا على أنه اذا كان الشهود كفارا أو محدودين فى قذف أو عبيدا أو عميانا يحد القاذف والشهود جميعا للقذف.
واختلف الفقهاء اذا جاء شهود الزنا متفرقين.
فقال أبو حنيفة وأصحابه ومالك والأوزاعى والحسن بن صالح يحدون ولا تقبل شهادتهم.
وقال عثمان البتى والشافعى لا يحدون وتقبل شهادتهم.
6 -
قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ. وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ} {يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} .
(1)
.
وقد جاء فى تفسير القرطبى لهذه الآيات ما يأتى:
من طلق فى طهر لم يجامع فيه نفذ طلاقه وأصاب السنة. وان طلقها حائضا نفذ طلاقه وأخطأ السنة.
وقال سعيد بن المسيب: لا يقع الطلاق فى الحيض، لأنه خلاف السنة واليه ذهبت الشيعة.
وفى الصحيحين عن عبد الله بن عمر قال:
طلقت امرأتى وهى حائض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتغيظ فقال: فليراجعها ثم ليمسكها حتى تحيض حيضة مستقبلة .. فان بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهرا من حيضتها قبل أن يمسها.
فذلك الطلاق للعدة كما أمر الله.
(1)
الآية رقم 1 من سورة الطلاق، والآية رقم 2 من سورة الطلاق، والآية رقم 3 من سورة الطلاق.
وفى رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هى واحدة وهذا نص.
وهو يرد على الشيعة قولهم.
وأمر باحصاء العدة أى حفظ الوقت الذى وقع فيه الطلاق ليمكن معرفة نهاية الثلاثة القروء مدة العدة حيث تنته العدة وتحل للأزواج.
والخطاب للازواج أو للزوجات أو للمسلمين أو للجميع فالكل مخاطب بالمحافظة على حدود الله.
ونهى الأزواج عن اخراج المعتدة من مسكن النكاح ما دامت فى العدة كما نهى المعتدات عن الخروج منه. على تفصيل فى المعتدات واباحة الخروج للحاجة مما هو موضع خلاف بين الفقهاء.
فاذا بلغن أجلهن «أى قاربن أنقضاء العدة كما فى قوله تعالى: واذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن أى قربن من انقضاء الأجل فأمسكوهن بمعروف يعنى المراجعة بالمعروف بأن تكون عن رغبة فيهن لا بقصد المضارة لتطويل العدة عليهن أو فارقوهن بمعروف أى اتركوهن حتى تنقضى عدتهن فيملكن أنفسهم. وفى قوله تعالى:
«فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ» ما يوجب أن يكون القول قولها فى أنقضاء العدة اذا أدعت ذلك كما يدل عليه قوله تعالى:
«وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ ما خَلَقَ اللهُ فِي أَرْحامِهِنَّ» }.
«وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» أمر بالاشهاد على الطلاق.
وقيل على الرجعة.
والظاهر رجوعه الى الرجعة لا الى الطلاق.
فان راجع من غير اشهاد ففى صحة الرجعة قولان الفقهاء.
وقيل أنه راجع الى الأمرين أى اشهدوا عند الرجعة والفرقة جميعا.
وهذا الاشهاد مندوب اليه عند أبى حنيفة كقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» .
وعند الشافعى الاشهاد واجب فى الرجعة مندوب اليه فى الفرقة.
وفائدة الاشهاد ألا يقع بينهما التجاحد وألا يتهم فى امساكها ولئلا يموت أحدهما فيدعى الباقى ثبوت الزوجية ليرث.
وعند أكثر العلماء الاشهاد مندوب اليه فى الرجعة.
وأوجب الامام أحمد الاشهاد فى الرجعة فى أحد قوليه وكذا الشافعى لظاهر الأمر.
وقال مالك أن الرجعة لا تفتقر الى القبول فلا تفتقر الى الاشهاد كسائر الحقوق.
وقيل من أحراركم قاله قتادة.
والتعبير بذوى عدل يوجب اختصاص الشهادة على الرجعة بالذكور دون الاناث.
لذلك قال الجمهور لا مدخل للنساء فى الشهادة فيما عدا الأموال.
«وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» أى تقربا الى الله فى اقامة الشهادة على وجهها اذا مست الحاجة اليها من غير تبديل ولا تغيير.
ومن أدعى بعد انقضاء العدة أنه راجع امرأته فى العدة. فان صدقته جاز، وأن أنكرت حلفت.
فان أقام بينة أنه ارتجعها فى العدة ولم تعلم بذلك لم يضره جهلها بذلك وكانت زوجته.
وان كانت قد تزوجت بآخر ولم يدخل بها ثم أقام الأول البينة على رجعتها فعن مالك فى ذلك روايتان.
أحداهما: أن الأول أحق بها.
والأخرى أن الثانى أحق بها.
فان كان الثانى قد دخل بها فلا سبيل للأول عليها.
وجاء فى تفسير أحكام القرآن لأبى بكر الجصاص لهذه الآيات ما يأتى:
«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» .
قال أبو بكر: روى عن ابن عمر رضى الله عنه أنه طلق امرأته فى الحيض فذكر ذلك عمر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: مره فليراجعها وليمسكها حتى تطهر من حيضتها، ثم تحيض حيضة أخرى، فاذا طهرت فليفارقها قبل أن يجامعها أو يمسكها، فانها العدة التى أمر الله أن تطلق لها النساء.
وقد بين النبى صلى الله عليه وسلم مراد الله تعالى فى قوله «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» وأن وقت الطلاق المأموربه أن يطلقها. طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها.
«وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ» التى أوجبها الله تعالى بقوله. والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وبقوله واللائى يئسن من المحيض من نسائكم إن أرتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائى لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن لأن جميع ذلك عدد للمطلقات على حسب اختلاف الأحوال فيكون احصاؤها لمعان لما يريد من رجعة أو فراق ولمراعاة حالها فى بقائها وعدم انتقالها الى حال تنتقل اليها عدتها، ولكى يشهد على فراقها اذا بانت ويتزوج بغيرها ممن لا تحل له معها. ولئلا يخرجها من بيتها قبل انقضاء العدة.
وقوله «لا تخرجوهن من بيوتهن» فيه نهى للزوج عن اخراجها ونهى لها عن الخروج.
وفيه دليل على وجوب السكنى لها ما دامت فى العدة، لأن بيوتهن التى نهى الله عن اخراجها منها هى البيوت التى كانت تسكنها قبل الطلاق ..
ولا خلاف بين العلماء فى أن على الزوج اسكانها ونفقتها فى الطلاق الرجعى.
والجمهور على أن الطلاق فى الحيض يقع.
وذهب البعض الى عدم وقوعه ومنهم الشيعة.
وقد رأى كل فى قصة عبد الله بن عمر حجة له.
فاذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فازقوهن بمعروف. «يعنى به مقاربة بلوغ الأجل لا حقيقته لأنه لا رجعة بعد بلوغ الأجل الذى هو انقضاء العدة، ولم يذكر الله طلاق المدخول بها ابتداء الا مقرونا بذكر الرجعة بقوله «لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» يعنى أن يبدو له فيراجعها.
قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» أمر بالاشهاد على الرجعة والفرقة أيتهما اختار الزوج.
وقد روى عن عمران بن حصين وطاووس وابراهيم وأبى قلابة أنه اذا راجع ولم يشهد فالرجعة صحيحة ويشهد بعد ذلك.
قال أبو بكر: لما جعل له الامساك أو الفراق ثم عقبه بذكر الاشهاد كان معلوما وقوع الرجعة اذا راجع وجواز الاشهاد بعدها اذ لم يجعل الاشهاد شرطا فى الرجعة ..
ولم يختلف الفقهاء فى أن المراد بالفراق المذكور فى الآية انما هو تركها حتى تنقضى عدتها، وأن الفرقة تصح، وان لم يقع الاشهاد عليها ويشهد بعد ذلك، وقد ذكر الاشهاد عقيب الفرقة ثم لم يكن شرطا فى صحتها كذلك الرجعة.
وأيضا لما كانت الفرقة حقا له وجازت بغير اشهاد، اذ لا يحتاج فيها الى رضا غيره، وكانت الرجعة أيضا حقا له وجب أن تجوز بغير اشهاد.
وأيضا لما أمر الله بالاشهاد على الامساك أو الفرقة احتياطا لهما ونفيا للتهمة عنهما اذا علم الطلاق ولم تعلم الرجعة أو لم يعلم الطلاق والفراق فلا يؤمن من التجاحد بينهما.
ولم يكن معنى الاحتياط فيهما مقصورا على الاشهاد فى حال الرجعة والفرقة، بل يكون الاحتياط باقيا.
وان أشهد بعدهما وجب أن لا يختلف حكمهما اذا أشهد بعد الرجعة بساعة أو ساعتين.
ولا نعلم بين أهل العلم خلافا فى صحة وقوع الرجعة بغير شهود، الا شيئا يروى عن عطاء، فان سفيان روى عن ابن جريج عن عطاء قال: الطلاق والنكاح والرجعة بالبينة ..
وهذا محمول على أنه مأمور بالاشهاد على ذلك احتياطا من التجاحد، لا على أن الرجعة لا تصح بغير شهود.
ألا ترى أنه ذكر الطلاق معها ولا يشك أحد فى وقوع الطلاق بغير بينة.
وقد روى شعبة عن مطر الوراق عن عطاء والحكم قالا: اذا غشيها فى العدة فغشيانه رجعة.
قوله تعالى: «وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» فيه أمر باقامة الشهادات عند الحكام على الحقوق كلها لأن الشهادة هنا اسم للجنس وان كان مذكورا بعد الأمر باشهاد ذوى عدل على الرجعة، لأن ذكرها بعده لا يمنع استعمال اللفظ على عمومه. فانتظم ذلك معنيين:
أحدهما الأمر باقامة الشهادة.
والآخر أن اقامة الشهادة حق الله تعالى وأفاد بذلك تأكيده القيام به.
من أحاديث الأحكام:
1 - باب البيع:
فى منتقى الاخبار من أحاديث سيد الاخيار عن عمارة بن خزيمة «ان عمه حدثه، وكان من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم أنه ابتاع فرسا من أعرابى، فاستتبعه النبى صلى الله عليه وسلم، ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبى صلى الله عليه وسلم المشى، وأبطأ الاعرابى فطفق رجال يعترضون الاعرابى فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبى صلى الله عليه وسلم ابتاعه، فنادى الأعرابى النبى صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وألا بعته.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم حين سمع نداء الأعرابى: أو ليس قد ابتعته منك؟. قال الاعرابى: لا والله ما بعتك.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم: بلى قد ابتعته. فطفق الاعرابى يقول: هلم شهيدا. قال خزيمة: أنا أشهد أنك قد ابتعته. فأقبل النبى صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: بم تشهد؟. فقال:
بتصديقك يا رسول الله فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين «رواه أحمد والنسائى وأبو داود.
وقد جاء فى شرح هذا الحديث للامام المجتهد محمد بن على الشوكانى قاضى قضاة اليمن فى كتابه نيل الأوطار وشرح منتقى الاخبار ما يأتى
(1)
:
قوله «لا والله ما بعتك» انما أنكر هذا الاعرابى البيع مع وقوعه، وحلف على ذلك، وهو صحابى، لأن بعض المنافقين كان حاضرا فأمره بذلك وأعلمه أن البيع لم يقع
(1)
نيل الأوطار ج 5 ص 180.
صحيحا، وأنه لا اثم عليه فى الحلف على أنه ما باعه، فأعتقد الأعرابى صحة كلام المنافق، لأنه لم يظهر له نفاقه، ولو عرفه لما اغتربه، وهذا وان كان هو اللائق بحال من كان صحابيا، ولكن لا مانع من أن يقع مثل ذلك من الذين لم يدخل حب الايمان فى قلوبهم.
وغير مستنكر أن يوجد فى ذلك الزمان من يؤثر العاجلة، فانه قد كان بهذه المثابة جماعة منهم كما قال الله تعالى:
«مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ» والله يغفر لنا ولهم «وبم تشهد» أى بأى شئ تشهد على ذلك ولم تكن حاضرا.
وفى رواية للطبرانى - بم تشهد ولم تكن حاضرا.
وقد استدل بهذا الحديث على جواز البيع بغير اشهاد.
قال الشافعى: لو كان الاشهاد على البيع حتما لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعنى الاعرابى من غير حضور شهادة.
ومراده أن الأمر فى قول الله تعالى وأشهدوا اذا تبايعتم ليس على الوجوب بل هو على الندب، لأن فعل النبى صلى الله عليه وسلم قرينة صارفة للأمر من الوجوب الى الندب.
وقيل هذه الآية .. وأشهدوا اذا تبايعتم «منسوخة بقوله تعالى» فان أمن بعضكم بعضا.
وقيل بل هى محكمة والأمر فيها على الوجوب لا على الندب.
قال ذلك أبو موسى الأشعرى وابن عمر والضحاك وابن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وعطاء والشعبى والنخعى وداود بن على وابنه أبو بكر والطبرى ..
قال الضحاك: هى عزيمة من الله ولو على باقة بقل.
قال الطبرى: لا يحل لمسلم اذا باع أو اشترى أن يترك الاشهاد والا كان مخالفا لكتاب الله.
وقال ابن العربى: وقول العلماء كافة أنه على الندب وهو الظاهر.
وقد ترجم أبو داود على هذا الحديث:
باب: اذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به. وبه يقول شريح.
وفى البخارى أن مروان قضى بابن عمر وحده.
وأجاب عنه الجمهور الذين يرون أنه لا يقضى الا بشهادة شاهدين بأن شهادة ابن عمر كانت على جهة الاخبار.
ويجاب أيضا عن شهادة خزيمة بأن النبى صلى الله عليه وسلم قد جعلها بمثابة شهادة رجلين فلا يصح الاستدلال بها على قبول شهادة الواحد.
وذكر ابن التين أنه صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين (لا تعد) أى تشهد على ما لم تشاهده.
وقد أجيب عن ذلك الاستدلال بأن النبى صلى الله عليه وسلم انما حكم على الاعرابى بعلمه وجرت شهادة خزيمة فى ذلك مجرى التوكيد.
وقد تمسك بهذا الحديث جماعة من أهل البدع فاستحلوا الشهادة لمن كان معروفا بالصدق على كل شئ ادعاه.
وهو تمسك باطل، لأن النبى صلى الله عليه وسلم بمنزلة لا يساويه غيره فيها ولا يجوز أن يحكم لغيره بمقارنتها فضلا عن مساواتها حتى يصح الالحاق.
2 - باب اللقطة:
وفى المنتقى أيضا (عن عياض بن حماد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل أو ليحفظ عفاصها ووكاءها. فإن جاء صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها. وأن لم يجئ صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء. رواه أحمد ومسلم).
قوله: (فليشهد) ظاهر الأمر يدل على وجوب الاشهاد وهو أحد قولى الشافعى وبه قال أبو حنيفة ..
وفى كيفية الاشهاد قولان.
أحدهما يشهد أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره، لئلا يتوصل بذلك الكاذب الى أخذها.
والثانى: يشهد على صفاتها كلها حتى اذا مات لم يتصرف فيها الوارث.
وأشار بعض الشافعية الى التوسط بين الوجهين. فقال: لا يستوعب الصفات ولكن يذكر بعضها.
قال الثورى: وهو الأصح ..
والثانى من قولى الشافعى أنه لا يجب الاشهاد وبه قال مالك وأحمد وغيرهما قالوا وانما يستحب احتياطا لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يأمر به فى الأحاديث الأخرى التى وردت بشأن تعريف اللقطة فى هذا الباب. ولو كان واجبا لبينه.
ثم اذا جاء الى الملتقط أحد ووصف اللقطة بالعلامات التى هى عليها - العفاص والوكاء والعدد. هل يدفعها اليه بمجرد هذا الوصف أو حتى يقيم البينة على أنها له أو يحلف على ذلك؟
جاء فى بعض أحاديث الباب «فان جاء
صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها اياه».
وفى بعضها «فان جاء أحد يخبرك بعدتها ووعائها ووكائها فاعطها اياه» .
وفى ذلك دليل على أنه يجوز للملتقط أن يرد اللقطة الى من وصفها بالعلامات المذكورة دون انتظار لاقامة بينة على أنها له.
وبذلك قال المؤيد بالله والامام يحيى وبعض أصحاب الشافعى وأبو بكر الرازى الحنفى.
قالوا: لأنه يجوز العمل بالظن لاعتماده فى أكثر الشريعة اذ لا تفيد البينة الا الظن وبه قال مالك وأحمد ..
وحكى فى البحر عن القاسمية والحنفية والشافعية أن اللقطة لا ترد للواصف وان ظن الملتقط صدقه اذ هو مدع فلا تقبل (أى الا ببينة).
وحكى فى الفتح عن أبى حنيفة والشافعى أنه يجوز له الرد الى الواصف ان وقع فى نفسه صدقه ولا يجبر على ذلك الا ببينة.
وقال الخطابى: ان صح التعبير الوارد فى الأحاديث الأخرى «فان جاء صاحبها» لم تجز مخالفته. والا فالاحتياط مع من لم يرد الا بالبينة .. قال: ويتأولون قوله «اعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوى فيها معلومة وللتنبيه على حفظ المال.
قال الحافظ: قد صحت هذه الزيادة فى الأحاديث الأخرى فوجب المصير اليها ..
وهذا هو الحق فترد اللقطة لمن وصفها بالصفات التى اعتبرها الشارع.
وظاهر الحديث أن مجرد الوصف يكفى ولا يحتاج الى اليمين.
أما اذا ذكر صاحب اللقطة بعض الأوصاف دون بعض كأن يذكر العفاص دون الوكاء أو العفاص دون العدد فقد اختلف فى ذلك.
فقيل: لا شئ له الا بمعرفة جميع الأوصاف.
وقيل تدفع اليه اذا جاء ببعضها.
واذا لم يكن للقطة أوصاف من هذه الأوصاف فلا بد من ذكر أوصاف مختصة بها لتقوم مقام وصفها بالأمور التى اعتبرها الشارع.
وقد اختلف العلماء فيما اذا تصرف الملتقط فى اللقطة لنفسه بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها. هل يضمنها له أم لا؟.
فذهب الجمهور الى وجوب ردها ان كانت قائمة أو رد بدلها ان كانت قد استهلكت وهو الذى يدل عليه ظاهر الأحاديث.
وخالف فى ذلك الكرابيسى صاحب الامام الشافعى والبخارى رضى الله عنهم وداود ابن على أمام الظاهرية.
قال ابن رشد: اتفق فقهاء الامصار مالك والثورى والأوزاعى وأبو حنيفة والشافعى أن للملتقط أن يتصرف فى اللقطة بعد التعريف سنة.
ثم قال مالك والشافعى: له أن يتملكها.
وقال أبو حنيفة: ليس له الا أن يتصدق بها.
وروى مثل قوله عن على وابن عباس وجماعة من التابعين.
وقال الأوزاعى ان كان مالا كثيرا جعله فى بيت المال.
وروى مثل قول مالك والشافعى عن عمر وابن مسعود وابن عمر.
وكلهم متفق على أنه أن أكلها ضمنها لصاحبها ألا أهل الظاهر.
وقال فى البحر: مسألة ولا يضمن الملتقط إجماعا إلا لتفريط أو جناية إذ هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه.
فإن جنى أو فرط فالأكثر يضمن.
وداود الظاهرى والكرابيسى صاحب الامام الشافعى لا يضمن لظاهر الأحاديث.
«فان جاء صاحبها وعرف» الخبر.
ولم يذكر وجوب البدل.
3 - باب الوصية:
فى المنتقى أيضا (عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وعنده شئ يريد أن يوصى فيه الا ووصيته مكتوبة عند رأسه رواه الجماعة واحتج به من يعمل بالخط اذا عرف).
استدل بهذا الحديث على جواز الاعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن ذلك بالشهادة.
وخص محمد بن نصر من الشافعية ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام.
وأجاب الجمهور بأن الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به.
قالوا: ومعنى قوله «وصيته مكتوبة عنده» أى بشرطها (يريد الاشهاد لأن به التوثق فيكون مضمرا فى الحديث).
وقال المحب الطبرى: اضمار الاشهاد فيه بعد.
وأجيب بأنهم استدلوا على اشتراط الاشهاد بأمر خارج كقوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ}
{آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ»
(1)
فانه يدل على اعتبار الاشهاد فى الوصية.
وقال القرطبى: ذكر الكتابة مبالغة فى زيادة التوثق والا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة.
وفى شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر جاء فى المنتقى ما يأتى:
1 -
(عن الشعبى: أن رجلا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا ولم يجد أحدا من المسلمين يشهده على وصيته فأشهد رجلين من أهل الكتاب فقدما الكوفة فأتيا الأشعرى يعنى أبا موسى فأخبراه وقدما بتركته ووصيته. فقال الأشعرى:
هذا أمر لم يكن بعد الذى كان فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فأحلفهما بعد العصر. ما خانا ولا كذبا ولا بدلا ولا كتما ولا غيرا. وانها لوصية الرجل وتركته فأمضى شهادتهما (رواه أبو داود والدارقطنى بمعناه).
2 -
وعن جبير بن نفير قال: دخلت على عائشة فقالت: هل تقرأ سورة المائدة؟ قلت نعم قالت: فانها آخر سورة أنزلت فما وجدتم فيها من حلال فأحلوه وما وجدتم فيها من حرام فحرموه رواه أحمد).
3 -
وعن ابن عباس قال: خرج رجل من بنى سهم
(2)
مع تميم الدارى وعدى بن بداء فمات السهمى بأرض ليس بها مسلم، فلما قدموا بتركته فقدوا جاما من فضة مخوصا بذهب فاحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدى بن بداء فقام رجلان من أوليائه فحلفا لشهادتنا أحق من شهادتهما. وان الجام لصاحبهم.
قال: وفيهم نزلت هذه الآية - {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ»} . رواه البخارى وأبو داود.
وجاء فى شرح هذا الحديث للامام الشوكانى ما يأتى.
واستدل بهذا الحديث على جواز شهادة الكفار على المسلمين بناء على أن المراد بالغير فى الآية الكريمة الكفار.
والمعنى - منكم أى من أهل دينكم أو آخران من غيركم أى من غير أهل دينكم وبذلك قال أبو حنيفة ومن تبعه.
وتعقب بأنه لا يقول بظاهرها فلا يجيز شهادة الكفار على المسلمين. وانما يجيز شهادة الكفار بعضهم على بعض، لأن الآية
(1)
الآية رقم 106 من سورة المائدة.
(2)
نيل الاوطار شرح منتقى الاخبار من أحاديث سيد الأخيار للشيخ الأمام محمد بن على بن محمد الشوكانى ج 8 ص 304 الطبعة الثانية طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1374 هـ.
دلت بمنطوقها على جواز قبول شهادة الكافر على المسلم وبمفهومها على جواز قبول شهادة الكافر على الكافر بطريق الأولى.
ثم دل الدليل على أن شهادة الكافر على المسلم غير مقبولة فبقيت شهادة الكافر على الكافر على حالها مقبولة.
وخص جماعة القبول بأهل الكتاب وبالوصية وبفقد المسلم حينئذ. ومنهم ابن عباس وأبو موسى الأشعرى وسعيد ابن المسيب وشريح وابن سيرين والأوزاعى والثورى وأبو عبيد وأحمد، وأخذوا بظاهر الآية وحديث الباب فان سياقه مطابق لظاهر الآية ..
وقيل المراد بالغير غير العشيرة، والمعنى منكم. أى من عشيرتكم. أو آخران من غيركم أى من غير عشيرتكم. وهو قول الحسن البصرى.
وذهب جماعة من الأئمة الى أن الآية منسوخة بقوله تعالى: «مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» }.
واحتجوا بالاجماع على رد شهادة الفاسق، والكافر شر من الفاسق.
وأجاب الأولون بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال، وان الجمع بين الدليلين أولى من الغاء أحدهما، وبأن سورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن وأنها محكمة كما تقدم ..
وأخرج الطبرى عن ابن عباس باسناد رجاله ثقات أن الآية نزلت فيمن مات مسافرا وليس عنده أحد من المسلمين.
وأنكر أحمد على من قال أن هذه الآية منسوخة. وقد صح عن أبى موسى الأشعرى أنه عمل بذلك كما فى حديث الباب.
4 - باب النكاح:
جاء فى المنتقى
(1)
وشرحه نيل الأوطار فى باب الشهادة فى النكاح ما يأتى:
1 -
عن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: البغايا اللاتى ينكحن أنفسهن بغير بينة رواه الترمذى.
2 -
عن عمران بن حصين عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل» ذكره أحمد بن حنبل فى رواية ابنه عبد الله).
3 -
(وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل» فان تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له). رواه الدارقطنى.
ولمالك فى الموطأ عن أبى الزبير المكى أن
(1)
المرجع السابق نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للامام محمد بن على بن محمد الشوكانى ج 6 ص 134 الطبعة السابقة.
عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه الا رجل وامرأة فقال: هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت.
وقد جاء فى شرح هذه الأحاديث من نيل الأوطار ما يأتى:
وقد استدل بأحاديث الباب من جعل الاشهاد شرطا وقد حكى ذلك فى البحر عن على وعمر وابن عباس والعترة والشعبى وابن المسيب والأوزاعى والشافعى وأبى حنيفة وأحمد بن حنبل.
قال الترمذى: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم عن التابعين وغيرهم.
قالوا: لا نكاح الا بشهود «ولم يختلفوا فى ذلك من مضى منهم الا قوم من المتأخرين من أهل العلم.
وانما اختلف أهل العلم فى هذا: اذا شهد واحد بعد واحد.
فقال أكثر أهل العلم من الكوفة وغيرهم:
لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح.
وقد روى بعض أهل المدينة اذا شهد واحد بعد واحد فانه جائز اذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره.
وقال بعض أهل العلم: يجوز شهادة رجل وامرأتين فى النكاح وهو قول أحمد واسحاق.
انته كلام الترمذى.
وحكى فى البحر عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن مهدى وداود أنه لا يعتبر الاشهاد.
وحكى أيضا عن مالك أنه يكفى الاعلان بالنكاح.
والحق ما ذهب اليه الأولون، لأن أحاديث الباب يقوى بعضها بعضا .. والنفى فى قوله - لا نكاح - يتوجه الى الصحة، وذلك يستلزم أن يكون الاشهاد شرطا، لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة وما كان كذلك فهو شرط.
واختلفوا فى اعتبار العدالة فى شهود النكاح.
فذهب القاسمية والشافعى الى أنها تعتبر.
وذهب زيد بن على وأحمد بن عيسى وأبو عبد الله الداعى وأبو حنيفة الى أنها لا تعتبر ..
والحق القول الأول، لتقييد الشهادة المعتبرة فى حديث عمران بن حصين وعائشة اللذين ذكرهما المصنف، وكذلك حديث ابن عباس الذى ذكرناه بالعدالة.
5 - الطلاق والرجعة:
وعن عمران
(1)
ابن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة. أشهد على طلاقها وعلى رجعتها. ولا تعد) رواه أبو داود وابن ماجة ولم يقل «ولا تعد» وقد جاء فى شرح نيل الأوطار لهذا الحديث ما يأتى:
الأثر أخرجه أيضا البيهقى والطبرانى وزاد «واستغفر الله» قال الحافظ فى بلوغ المرام: وسنده صحيح وقد استدل به من قلل بوجوب الاشهاد على الرجعة.
وقد ذهب الى عدم وجوب الاشهاد على الرجعة. أبو حنيفة وأصحابه والقاسمية والشافعى فى أحد قوليه، واستدل لهم فى البحر بحديث ابن عمر لما طلق امرأته فى الحيض فان فيه أنه لما أخبر عمر النبى صلى الله عليه وسلم بأن عبد الله طلق امرأته فى الحيض غضب وقال لعمر مره فليراجعها». ولم يذكر الاشهاد ولو كان واجبا لأمر به مع الأمر بالرجعة.
وقال مالك والشافعى فى قوله الآخر والناصر انه يجب الاشهاد على الرجعة.
واحتج فى نهاية المجتهد للقائلين بعدم الوجوب بالقياس على الأمور التى ينشئها الانسان لنفسه فانه لا يجب فيها الاشهاد.
ومن الأدلة على عدم الوجوب أنه قد وقع الاجماع على عدم وجوب الاشهاد فى الطلاق كما حكاه الأوزاعى فى تيسير البيان والرجعة قرينة فلا يجب فيها كما لا يجب فيه.
والأثر المذكور فى الباب لا يصلح للاحتجاج، لأنه قول صحابى فى أمر من محال الاجتهاد. وما كان كذلك لا يعتبر حجة لولا ما وقع من قوله «طلقت لغير سنة» وراجعت لغير سنة فانه يفيد أنه لا يقول فى الأمر بالاجتهاد والرأى. وانما يسنده الى السنة مما يدل على أن عنده فيه سنة.
وأما قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» فهو وارد عقب قوله فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف.
وقد عرفت الاجماع على عدم وجوب الاشهاد فى الطلاق.
والقائلون بعدم الوجوب يقولون بالاستحباب.
6 - باب الدعوى والبينة:
(وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «البينة على المدعى واليمين على من
(1)
منتقى الاخبار وشرحه نيل الأوطار ج 6 ص 268 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر.
أنكر الا القسامة. رواه الدارقطنى وعن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه متفق عليه.
وفى رواية أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم. ولكن اليمين على المدعى عليه «رواه أحمد ومسلم» .
وقد جاء فى شرح الحديث الأول:
وقد استدل بالحديث على أن أحكام القسامة مخالفة لما عليه سائر القضايا من ايجاب البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه.
وجاء فى شرح الحديث الثانى: اختلف الفقهاء فى تعريف المدعى والمدعى عليه.
قال فى الفتح والمشهور فيه تعريفان.
الأول - أن المدعى من تخالف دعواه الظاهر والمدعى عليه بخلافه.
والثانى أن المدعى من اذا سكت ترك وسكوته. والمدعى عليه من لا يخلى اذا سكت
(1)
.
والأول أشهر.
والثانى أسلم.
وقد أخرج الحديث البيهقى باسناد صحيح كما قال الحافظ بلفظ «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» .
وظاهر أحاديث الباب أن اليمين على المنكر والبينة على المدعى .. ومن كانت اليمين عليه فالقول قوله مع يمينه.
لكن ورد ما يدل على أنه اذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع.
فقد أخرج أبو داود والنسائى من حديث الاشعث - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: اذا اختلف البيعان ليس بينهما بينة فهو ما يقول رب السلعة أو يتتاركان.
فظاهر أحاديث الباب أن القول قول المدعى عليه بيمينه بلا فرق بين كونه بائعا أم لا ما لم يكن مدعيا.
وظاهر أحاديث كتاب البيع أن القول قول البائع سواء كان مدعيا أو مدعى عليه.
فيقع التعارض بين هذه الأحاديث وتلك فيما اذا كان البائع مدعيا. ويصار الى الترجيح.
(1)
المرجع السابق منتقى الأخبار وشرحه نيل الأوطار للامام محمد بن على بن محمد الشوكانى ج 7 ص 45 الطبعة السابقة والمرجع السابق وشرحه نيل الأوطار لمحمد بن على بن محمد للشوكانى ج 8 ص 316 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1374 هـ.
وأحاديث الباب أرجح فيكون القول قول البائع ما لم يكن مدعيا.
وهناك أحاديث كثيرة تحدثت عن الشهود وما ينبغى أن يتصفوا به من صفات ويتوفر فيهم من شروط، لتقبل شهادتهم، ويبنى عليها القضاء والحكم ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل وعدد وجنس الشهود فى المسائل والموضوعات المشهود بها.
مما سيكون موضع الحديث آخر الأمر.
هذا ما يظهر أن آيات الأحكام من الكتاب الكريم وأحاديث الأحكام من السنة المطهرة قد تعرضت لبيان الأشهاد فيه من المسائل والموضوعات، وتحدثت عن أحكام الاشهاد فيها، وما يتعلق بذلك ويتصل به من أحكام.
وباستعراض ما شملته الآيات والأحاديث من مسائل وموضوعات طلب الشارع فيها الاشهاد يتبين أنها شملت مسائل عامة اتفق الفقهاء على طلب الاشهاد فيها ولكنهم اختلفوا اختلافا كبيرا فى كثير من التفاصيل والتفريعات والأحكام التى يترتب عليها ثبوت الحكم العام.
ففى الآية الأولى وهى آية الدين من سورة البقرة دلت على طلب الاشهاد فى موضوعين عامين بنصين مستقلين.
الأول قوله تعالى: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» الى قوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» .
والثانى قوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» }.
ويدل الأول على طلب الاشهاد فى عقود المداينات عامة. وهى كل معاملة يكون فيها أحد البدلين دينا ثابتا فى الذمة سواء كان هذا الدين فى مقابلة عين أو منفعة.
فمن اشترى دارا أو دابة أو ثوبا بثمن معين الى أجل محدود، ومن أجر داره أو أرضه بأجر معلوم الى أجل معلوم.
كل هذه عقود مداينة يكتبها ويشهد فيها على سبيل الوجوب أو الندب بمقتضى هذه الآية.
ويدل الثانى على طلب الاشهاد فى عقود البيع والشراء والمبادلات المالية بالاثمان الآجلة والعاجلة مما لم تجر العادة بالتساهل فيه ويكون محلا للتشاحن والتجاحد يجرى فيه الاشهاد وجوبا أو ندبا بهذه الآية كذلك .. اتفق الفقهاء على ذلك.
ولكنهم اختلفوا فى تفاصيل وتفريعات كثيرة - فى صفة الاشهاد هل واجب وحتم أو مندوب ومستحب.
واذا كان واجبا فهل الحكم باق أو نسخ.
وهل النكاح على مهر مؤجل. والخلع على مال كذلك والصلح عن دم العمد نظير مال والكتابة نظير بدل مؤجل - تدخل فى نطاق عقود المداينات فتشملها الآية ويجرى فيها الاشهاد على أساس ما فيها من جانب مالى، وضعها فى هذا النطاق، أو لا تدخل فيه باعتبارها تصرفات وعقودا لا ينظر فيها الى الجانب المالى ..
وهل تشمل الآية جميع عقود المداينات كانت قيمتها كثيرة أو قليلة وكان موضوعها هاما مما تتعلق به الرغبات والأطماع فيؤدى الى التجاحد والاختلاف أم تافها يجرى فيه التسامح والتساهل فى الكثير الغالب ..
وكذلك أوصاف الشهود والشروط التى تؤهلهم للشهادة ما يعتبر منها وما لا يعتبر وعدد الشهود وجنسهم والموضوعات التى تقبل الشهادة فيها من هؤلاء وأولئك.
وغير ذلك كله من التفاصيل والجزئيات التى تحقق الحكم أو تكمله.
وفى الآية الثانية .. طلب فيها الشارع من الأوصياء أن يشهدوا على اليتامى عند دفع أموالهم اليهم بعد البلوغ وايناس الرشد منهم.
ويتفق الفقهاء على هذا الحكم ولكنهم يختلفون فى تفاصيل وتفريعات تتصل بالحكم فى البلوغ ما يكون به.
وفى الرشد ما معناه وما يكون فيه.
ومن هم الأوصياء فى المال. وما سلطة الوصى فى مال اليتيم وحدود تصرفاته فيه وما يضمن فيه ومالا يضمن من التصرفات والأفعال.
وما يمكن الاشهاد عليه من تصرف وانفاق للمال فيجب فيه الاشهاد ولا يقبل القول فيه الا ببينة وما لا يمكن الاشهاد عليه فلا يجب فيه الاشهاد ويقبل القول فيه بدون بينة.
وما يباح للوصى أن يتناوله من مال اليتيم وعلى أى وجه وما لا يباح والاشهاد على ذلك.
ثم صفة الاشهاد وهل هو واجب أو مندوب وما فائدته والغاية منه.
وهل الوصى أمين فيقبل قوله بلا بينة أو ليس بأمين فلا بد من البينة.
واذا عاود اليتيم عدم الرشد بعد البلوغ وايناس الرشد هل يعود الحجر عليه أو لا يعود وغير ذلك كله مما يتصل بأصل الحكم ويتعلق به.
وفى الآية الثالثة طلب الشارع الاشهاد
على الزنا وبين عدد الشهود وجنسهم أربعة من الرجال.
وهذا محل اتفاق بين الفقهاء لم يخالف أحد مطلقا فى طلب الاشهاد على الزنا عند الاثبات وفى عدد الشهود وكونهم من الرجال.
ولكنهم مختلفون فى أوصاف الشهود وما يعتبر منها شرطا لقبول الشهادة وترتيب أثرها عليها وما لا يعتبر ..
وما الحكم اذا جاء الشهود متفرقين وأدوا الشهادة على هذا الوجه.
وهل يحد الشهود والمشهود عليه أو لا يحد أحد أو يحد أحد الطرفين دون الاخر.
واذا رجع الشهود كلهم أو بعضهم، وأثر ذلك فى الحكم وفى تضمين الشهود، وعدم تضمينهم.
وغير ذلك كله مما يؤثر فى الحكم وجودا أو كمالا.
وفى الاية الرابعة - طلب الشارع الاشهاد على الوصية فى السفر.
ودل ظاهر الاية على جواز شهادة أهل الذمة على وصية المسلم فى السفر.
والاشهاد على الوصية مطلوب شرعا.
ولكن الفقهاء قد اختلفوا فى أصل الحكم هنا.
هل تقبل شهادة غير المسلمين على المسلمين فى الوصية فى السفر اذا لم يوجد مسلمون يشهدون عليها للضرورة، أو تجوز هذه الشهادة فى الوصية وفى غيرها سفرا أو حضرا للضرورة وفى كل ما تقتضيه الضرورة.
وهل حكم الجواز بتضيقه أو سعته محكم وباق أو منسوخ ومنتقض فلا تجوز شهادة غير المسلم على المسلم أصلا.
وما حكم شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض.
وما هو النظام المقرر شرعا فى شهادة الوصيين على وصية الميت وفى شهادة أولياء الميت فى ذلك وحدودها ومكانها من شهادة الوصيين وما يترتب عليها.
والايمان المقررة وهل لها أوضاع خاصة وما هى؟ ..
وفى هذا المجال تأتى بعض أحاديث الأحكام.
فتقرر أولا حكم الاشهادة فى أصل الوصية كتصرف من صاحب المال مضاف الى ما بعد الموت وآراء الفقهاء فى هذا الاشهاد.
ثم تجرى الأحاديث فى مساق واحد مع الآية المذكورة موضوع التعليق وتقرر ما انتهت اليه الآية وتضمنته من أحكام.
ويجرى اختلاف الفقهاء فى الأحاديث فى الأحكام والجزئيات والتفاصيل على النحو الذى جرى عليه اختلافهم فى الآية.
وتجرى الأراء والاستدلالات والمناقشات بين المختلفين هنا كما جرت هناك.
وفى الآية الخامسة. طلب الشارع الاشهاد على اثبات القذف بالزنا أربعة شهداء من الرجال.
وفى هذه الآية ننظر الى جانبين:
جانب طلب الشهادة على الزنا كجريمة وهذا موضع الآية الرابعة المتقدمة.
وقد لوحظ فى هذا الجانب عدد الشهود وجنس الشهود. وقد تقدم الكلام فى ذلك.
والجانب الثانى جانب الاثبات من القاذف على جريمة القذف بالزنا.
وقد جعل الشارع نصاب الشهادة فى ذلك أربعة من الرجال أيضا.
ولهذا الجانب أحكامه وآثاره بالنسبة للحكم العام وهو الاشهاد.
ومع اتفاق الفقهاء فى طلب الاشهاد، وفى نصاب الشهادة فانهم قد اختلفوا فى تفاصيل تتصل بالحكم وتؤثر فيه - ما يعتبر قذفا يوجب الحد وما لا يعتبر.
ومن يحد قاذفه من الناس ومن لا يحد قاذفه.
وأوصاف الشهود والشروط التى تعتبر فى أهليتهم للشهادة والتى لا تعتبر.
والخلاف الواسع فى قبول شهادة المحدود فى القذف بعد التوبة وصلاح الحال وعدم قبولها وأساس ذلك.
وهل الفسق يثبت بنفس القذف قبل الحد أو لا يثبت الا بالحد.
وغير ذلك من التفاصيل والجزئيات التى تتصل بالحكم.
وأخيرا فى الآية السادسة. طلب الشارع الاشهاد على الطلاق وعلى الرجعة بقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلّهِ» بعد قوله سبحانه وتعالى: «فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» }.
ولا خلاف بين الفقهاء فى طلب الاشهاد فهو مقتضى النص وظاهره.
وانما الخلاف فى صفة الاشهاد فى
كل من الطلاق والرجعة هل هو واجب أو مندوب.
واذا كان واجبا فهل يعتبر شرطا فى صحة الطلاق أو لا يعتبر.
وبم تكون الرجعة، واذا ادعى المطلق الرجعة بعد انقضاء العدة وقبل تزوجها بآخر أو بعد التزوج ماذا يكون الحكم.
وفى هذا المجال يأتى بعض أحاديث الأحكام بطلب الاشهاد على الطلاق وعلى الرجعة.
ويجرى اختلاف الفقهاء فى الحديث على النسق وعلى الوجه الذى جرى عليه فى الآية فى الحكم والاستدلال والمناقشة بين أطراف الخلاف.
ثم تذكر أحاديث الأحكام والاشهاد على اللقطة.
ويتفق الفقهاء على طلب الاشهاد فيها ولكنهم يختلفون فى صفة الاشهاد هل هو واجب أو مندوب.
وفى كيفية الاشهاد هل يكون على سبيل الاجمال والتعميم.
ومن تعرض لتفاصيل أوصاف اللقطة ومشتملاتها وما هى عليه من أحوال وأوضاع حتى لا يؤدى هذا التفصيل والتحديد بأرباب الأطماع والمحتالين الى أن يدعوا اللقطة مستعينين بالتفاصيل التى احتواها الاشهاد مع أنه لا حق لهم فيها.
أو يكون على سبيل التفصيل والتحديد ليهتدى الوارث بما فيه بعد وفاة الملتقط ويستعين على تمييز اللقطة عن مال الملتقط وعدم خلطها به.
أو يسلك الملتقط سبيلا وسطا بين الطريقتين فيفصل فى الاشهاد بعض التفصيل ليعين المورث على التمييز ولا يستوعب كل الأوصاف ليسد الباب على المحتالين .. وبذلك يحقق المصلحة ويدفع الضرر المحتمل.
ثم دفع اللقطة الى من يعرفها ويذكر أوصافها هل يتوقف على اشهاد واقامة بينة أو على حلف يمين أو يكون بمجرد الوصف والتعريف؟.
وما حكم ما اذا تصرف الملتقط فى اللقطة بعد التعريف ومضى مدة الانتظار هل يتملكها وينتفع بها أو يتصدق بها لحساب مالكها.
وهل يضمن اذا جاء صاحبها بعد ذلك أو لا يضمن؟.
ثم تذكر أحاديث الأحكام الاشهاد فى النكاح.
ويتفق الفقهاء وأهل العلم على أن الاشهاد فى النكاح تطلبه النصوص وتقرره الأدلة.
ولم يخالف فى ذلك الا نفر قليل من المتأخرين من أهل العلم.
ولكنهم يختلفون فى كيفية الاشهاد هل يكون باحضار شاهدين مجلس العقد يشهدان على العقد أو يكفى أن يكون بالاعلان عن النكاح وشهر العقد بين الناس.
ويختلفون كذلك فى صفة الاشهاد وحكمه هل هو واجب وهل يعتبر شرطا فى صحة العقد أو لا يعتبر.
وهل العدالة شرط فى صحة الشهادة أو ليست بشرط؟.
ثم تأتى الأحاديث بالباب الواسع فى الاشهاد.
وهو الاشهاد على اثبات الحقوق والدعاوى.
فيقرر الشارع أن البينة على المدعى واليمين على من أنكر.
وهنا يتفق الفقهاء على الاثبات فى الحقوق والدعاوى بالبينة.
ويرى الجمهور الأعظم من أهل العلم أن المراد بالبينة شهادة الشهود.
ويرى بعض العلماء أن المراد منها كل ما يبين الحق ويظهره من شهادة أو قرينة أو خط أو علم القاضى وهكذا.
والحديث فى هذا المجال يتعلق بالشهادة وحكمها ومراتبها وشروطها فى التحمل والأداء فى الشهود وفى الشهادة وفى الزمان والمكان وفى توافقها مع بعضها ومع الدعوى وتخالفها فى هذا وذاك ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل والشهادة على الشهادة وشهادة الحسبة وغير ذلك كله مما يتصل بموضوع الشهادة وأبحاثها.
وسيأتى بيان ذلك بالتفصيل بعد بيان المسائل التى يجرى فيها الاشهاد فى كل مسألة وأحكام الاشهاد وما يتعلق به فى كل منها فى المذاهب المختلفة التى يقضى منهج الموسوعة ببيان الأحكام فيها أخذا من كتب الفقه فى تلك المذاهب وكتب الخلاف.
الاشهاد فى عقود المداينات والبيع
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية
(1)
الطحطاوى سائر العقود سوى النكاح تنعقد بغير شهود، ولكن يستحب الاشهاد عليها.
وفى الواقعات أنه واجب فى المداينات.
(1)
انظر من حاشية العلامة الطحطاوى على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 2 ص 11.
وجاء فى هذه الحاشية
(1)
أيضا أن الاشهاد على المبايعات والمداينات مندوب الا القدر اليسير كالخبز والماء والبقل.
وفى الكاكى ويستحب الاشهاد فى العقود الا فى النكاح فانه يجب عندنا.
وجاء فى الهداية وحاشية
(2)
فتح القدير عليها للكمال بين الهمام أنه اذا حصل الايجاب والقبول لزم البيع ولا خيار لواحد من المتبايعين الا من عيب أو عدم رؤية. ودليلنا السمع والقياس.
أما السمع فقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» وهذا عقد قبل التخيير وقوله تعالى «وأشهدوا اذا تبايعتم، وهو أمر بالتوثق بالشهادة، حتى لا يقع التجاحد للبيع، والبيع يصدق قبل الخيار بعد الايجاب والقبول، فلو ثبت الخيار وعدم اللزوم قبله كان ابطالا لهذه النصوص.
مذهب المالكية:
جاء فى تهذيب الفروق
(3)
: فى القاعدة الثانية من الفرق السابع والخمسين بعد المائة الفرق بين قاعدة البيع وقاعدة النكاح أن النكاح لا بد فيه من الاشهاد يشهد عليه أنه تزويج لا زنا ولا سفاح، لأن القاعدة أن الشهادة شرط فى النكاح، أما مقارنة للعقد كما قال الأئمة الثلاثة، أو قبل الدخول كما قال مالك.
وعلى التقديرين لا بد من لفظ يشهد عليه أنه تزويج لا زنا ولا سفاح.
وليس الاشهاد شرطا فى البيع، ولذا جوزوا فيه المناولة.
وفى الشرح
(4)
الصغير وندب الاشهاد فى النكاح عند العقد للخروج من الخلاف، اذ كثير من الأئمة لا يرى صحته الا بالشهادة حال العقد، كالبيع ولكن لا يتقرر صحته، ولا تترتب ثمرته من حل التمتع الا بحصولها قبل البناء، فجاز أن يعقد فيما بينهما سرا، ثم يخبرا به عدلين كأن يقولا لهما:
قد حصل منا العقد لفلان على فلانة، وأن الولى يخبر عدلين والزوج يخبر عدلين.
ولا يكفى أن يخبر أحدهما عدلا والثانى يخبر عدلا غيره لأنها حينئذ بمنزلة الواحد.
(1)
أنظر من حاشية العلامة الطحطاوى على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 3 ص 228.
(2)
الهداية وحاشية فتح القدير للكمال بن الهمام ج 5 ص 81.
(3)
الفروق للامام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى وحاشيته عمدة المحققين سراج الدين بن أبى القاسم بن عبد الله الانصارى المعروف بابن الشاط وبهامش الكتابين تهذيب الفروق والقواعد السنية للشيخ محمد بن على بن الشيخ حسين ج 3 ص 181 طبع مطبعة دار احياء الكتب المصرية الطبعة الأولى سنة 1344 هـ.
(4)
بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير لسيدى أحمد الدردير ج 1 ص 350 طبع المكتبة التجارية الكبرى.
وقد ذكر القرطبى المالكى فى تفسير قوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» وقد اختلف العلماء هل ذلك على الوجوب أو على الندب؟.
فقال أبو موسى الأشعرى وابن عمرو والضحاك وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن على وابنه أبو بكر هو على الوجوب، ومن أشدهم فى ذلك عطاء.
وذهب الشعبى والحسن الى أن ذلك على الندب والارشاد.
ويحكى أن هذا قول مالك والشافعى وأصحاب الرأى اذا كان الخيار للبائع
(1)
أو للمشترى وغاب احدهما ثم قدم بعد انقضاء مدة الخيار فادعى من له الخيار أن كان بائعا أنه أمضاه فى زمنه أو ادعى ان كان مشتريا أنه رد فى زمنه فلا يقبل منه ذلك الا ببينة.
قال ابن يونس قال بعض أصحابنا اذا كان الثوب بيد البائع والخيار له لم يحتج بعد أمد الخيار الى الاشهاد ان اراد الفسخ وان أراد أيضا البيع فليشهد على ذلك.
وأن كان الثوب بيد المشترى فأراد أمضاء البيع لم يحتج لاشهاد، وان أراد فسخه فليشهد وهذا واضح.
ثم قال: من اشترى سلعة على الخيار ثم باعها فى زمن الخيار ولم يخبر البائع باختيار امضاء البيع ولم يشهد على ذلك وادعى أنه اختار الامضاء قبل البيع وخالفه البائع وأراد نقض البيع أو أخذ الربح فهل يصدق المشترى فى دعواه اختيار الأمضاء قبل البيع بيمين وحينئذ فلا يكون للبائع سلاطة على المشترى لا بأخذ ربح ولا بنقض بيع وهذا ما حكاه ابن حبيب عن مالك وأصحابه وهو قول ابن القاسم فى بعض روايات المدونة.
وفى الموازية: ولا يصدق المشترى أنه اختار الأمضاء قبل بيعه وحينئذ فيخير البائع بين نقض بيع المشترى وبين اجازته وأخذ ربحه.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم
(2)
: تحت عنوان الاشهاد فى البيع - قال الله تعالى: «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ}
(3)
» فاحتاج أمر الله عز وجل بالاشهاد عند البيع أمرين:
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 100.
(2)
أنظر كتاب الأم للامام أبى عبد الله محمد أبن ادريس الشافعى برواية الربيع بن سليمان المرادى ج 3 ص 76، 77 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الأولى سنة 1334 هـ.
(3)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
أحدهما أن تكون الدلالة على ما فيه الخط بالشهادة ومباح تركها، لاحتمال أن لا يكون من تركه عاصيا بتركه. واحتمل أن يكون حتما منه يعصى من تركه بتركه.
والذى اختاره ألا يدع المتبايعان الاشهاد وذلك انهما اذا أشهدا لم يبق فى أنفسهما شئ، لأن ذلك ان كان حتما فقد أدياه وأن كان دلالة فقد أخذا بالخط فيها.
وكل ما ندب الله تعالى اليه من فرض أو دلالة فهو بركة على من فعله، ألا ترى أن الاشهاد فى البيع ان كان فيه دلالة كان فيه أن المتبايعين أو أحدهما ان أراد ظلما قامت البينة عليه، فيمنع من الظلم الذى يأثم به وان كان تاركا لا يمنع منه - ولو نسى أو وهم فجحد منع من المأثم على ذلك بالبينة وكذلك ورثتهما من بعدهما .. أو لا ترى أنهما أو أحدهما لو وكل وكيلا أن يبيع فباع هذا رجلا وباع وكيله آخر ولم يعرف أى البيعين أول - لم يعط الأول من المشتريين بقول البائع ..
ولو كانت بينة فأثبتت أيهما أول أعطى الأول فالشهادة سبب قطع التظالم وتثبت الحقوق .. وكل أمر الله عز وجل، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الخير الذى لا يعتاض عنه من تركه.
فأن قال قائل فأى المعنيين أولى بالآية الحتم بالشهادة أم الدلالة فان الذى يشبه والله أعلم واياه أسأل التوفيق أن يكون دلالة لا حتما يحرج من ترك الاشهاد.
فان قال: ما دل على ما وصفت.
قيل قال الله عز وجل وأحل الله البيع وحرم الربا «فذكر أن البيع حلال ولم يذكر معه بينة» .
وقال عز وجل فى آية الدين «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» والدين تبايع وقد أمر فيه بالاشهاد، فبين المعنى الذى أمر له به - فدل ما بين الله عز وجل فى الدين، على أن الله عز وجل انما أمر به على النظر والاحتياط لا على الحتم.
قلت قال الله تعالى: «إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» ثم قال فى سياق الآية وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة. فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى أؤتمن أمانته فلما أمر اذا لم يجد كاتبا بالرهن ثم أباح ترك الرهن وقال:
فان أمن بعضكم بعضا» علم أن الأمر الأول دلالة على الخط لا فرض منه يعصى من تركه والله أعلم.
وقد حفظ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه بايع أعرابيا فى فرس، فجحد الأعرابى بأمر بعض المنافقين، ولم يكن بينهما بينة. فلو كان حتما لم يبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم بلا بينة.
وقد حفظت عن عدة لقيتهم مثل معنى قولى من أنه لا يعصى من ترك الاشهاد وأن البيع لازم اذا - تصادقا لا ينقضه
ألا تكون بينة كما ينقض النكاح لاختلاف حكمهما.
وجاء فى نهاية المحتاج
(1)
: لو علم المشترى بالعيب فى المبيع بعد زوال ملكه الى غيره فلا أرش له فى الأصح، فان عاد الملك له فله الرد، والرد على الفور.
فان كان البائع غائبا عن البلد ولا وكيل له بها رفع الأمر الى الحاكم، ولا يؤخره لحضوره، فيقول اشتريته من فلان الغائب بكذا ثم ظهر به عيب كذا، ويقيم البينة على كل ذلك، ويحلفه أن الأمر جرى كذلك، لأنه قضاء على غائب فتعتبر شروطه ثم يفسخ ويحكم له بذلك، ويبقى الثمن دينا عليه ان قبضه ويأخذ المبيع ويضعه عند عدل ويعطيه الثمن من غير المبيع ان كان والا باعه فيه.
وعلم مما قررناه أن الرفع الى الحاكم ليفسخ عنده تكفى فيه الغيبة ولو عن المجلس.
أما القضاء به وفصل الأمر فلا بد فيه من شروط القضاء على الغائب، فلا يقضى عليه مع قرب المسافة.
والأصح أنه اذا عجز عن الانهاء لمرض مثلا، أو أنهى وأمكنه فى الطريق الاشهاد يلزمه الاشهاد على نفى الفسخ على الراجح
(2)
، لا على طلبه لقدرته على الفسخ بحضرة الشهود فتأخيره حينئذ يتضمن الرضا.
والأقرب كما قاله ابن الرفعة الاكتفاء بشاهد واحد كما هو الأصح فى أداء الضامن.
ولو أشهد مستورين فبانا فاسقين فالأوجه الاكتفاء به على الأصح كنظيره من الضمان أيضا.
ولا ينافى لزوم الاشهاد هنا ما يأتى فى الشفعة أنه لو سار طالبها لم يحتج للاشهاد، كما لو أرسل وكيلا ولم يشهد، لأن الرد هنا رفع الملك الراد واستمراره على الملك مشعر بالرضا فاحتاج الى الاشهاد على الفسخ ليخرج عن ملكه، والشفيع لا يستفيد دخول الشقص فى ملكه، وانما يقصد به اظهار الطلب والسير يغنى عن ذلك، وانما يلزمه الاشهاد فى تلك الصور ان أمكنه، وتسقط حينئذ عنه الفورية لعود المبيع الى ملك البائع بالفسخ فلا يحتاج الى أن يستمر حتى ينهيه الى البائع أو الحاكم الا لفصل الأمر خاصة، وحينئذ لا يبطل رده بتأخيره ولا باستخدامه، نعم يصير به متعديا.
(1)
نهاية المحتاج ج 4 ص 50 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 51 الطبعة السابقة.
وقد علم من ذلك أن قوله حتى ينهيه غاية لفصل الأمر خاصة، ويجوز أن يكون غاية لوجوب الاشهاد.
وبهذا التقرير الذى ذهب اليه جمع محققون بناء على ما مر من أنه يشهد على نفس الفسخ علم صحة كلامه، اذ بعد الفسخ لا وجه لوجوب فور ولا انهاء.
ومن زعم أن الاكتفاء بالاشهاد انما هو عند تعذر الحاكم والخصم فغير صحيح.
وحينئذ فمعنى ايجاب الاشهاد عليه فى حالتى وجود العذر وفقده أنه عند وجوده يسقط الانهاء ويجب تحرى الاشهاد ان تمكن منه وعند فقده يخير بينه وبين الانهاء وحينئذ يسقط الاشهاد أى تحريه فلا ينافى وجوبه لو صادفه شاهد.
فان عجز عن الاشهاد لم يلزمه التلفظ بالفسخ فى الأصح، لأن ايجاب لفظ من غير سامع أو سامع لا يعتد به بعيد فيؤخر الى أن يأتى به عند المردود عليه أو الحاكم لعدم فائدته قبل ذلك.
وجاء فى المجموع: ان الاشهاد
(1)
على عقد البيع والاجارة وسائر العقود غير النكاح والرجعة مستحب وليس بواجب.
واستدلوا للاستحباب بقوله تعالى:
«وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» هذا مذهبنا.
وقال ابن المنذر: وبه قال أبو أيوب الانصارى وأبو سعيد الخدرى والشعبى والحسن وأصحاب الرأى وأحمد واسحاق.
وبهذا قال جمهور الأمة من السلف والخلف.
قال ابن المنذر: وقالت طائفة يجب الاشهاد على البيع وهو فرض لازم يعصى بتركه.
قال روينا هذا عن ابن عباس.
قال: وكان ابن عمر اذا باع بنقد أشهد ولم يكتب قال:
وروينا عن مجاهد قال: ثلاثة لا يستجاب لهم دعوة: رجل باع بنقد ولم يشهد.
وقال روينا نحو هذا عن أبى بردة وعن أبى موسى وابى سليمان المرعشى.
واحتجوا بقوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ}.
واحتج الجمهور بالأحاديث الصحيحة أن النبى صلى الله عليه وسلم باع واشترى ولم ينقل الاشهاد فى ذلك. وكذلك
(1)
انظر من كتاب المجموع شرح المهذب للامام الفقيه الحافظ أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام الجليل أبى القاسم عبد الكريم محمد الرافعى ج 9 ص 154، 155 طبع مطبعة التضامن الأخوى بمصر.
الصحابة فى زمنه وبعده وحملوا الآية الكريمة على الاستحباب.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى لابن قدامة
(1)
: تحت عنوان الاشهاد فى البيع: قال ويستحب الاشهاد فى البيع لقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ» وأقل أحوال الأمر الندب، ولأنه أقطع للنزاع وأبعد من التجاحد.
ويختص ذلك بماله خطر.
فأما ما لا خطر له كحوائج البقال والعطار وشبهها فلا يستحب ذلك فيها، لأنها تكثر فيشق الاشهاد عليها، وتقبح اقامة البينة عليها والترافع الى الحاكم فيها، بخلاف الكثير، وليس ذلك واجبا فى واحد منها ولا شرطا له.
روى ذلك عن أبى سعيد الخدرى.
وقال قوم: هو فرض لا يجوز تركه روى ذلك عن ابن عباس.
وممن رأى الاشهاد واجبا فى البيع عطاء وجابر لظاهر الأمر.
ولنا قوله تعالى (فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذى اؤتمن أمانته.
قال أبو سعيد: صار الأمر الى الأمانة وتلا هذه الآية.
ولأن النبى صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودى طعاما ورهنه درعه ومن رجل سراويل ومن أعرابى فرسا فجحده الأعرابى حتى شهد له خزيمة بن ثابت ولم ينقل أنه أشهد فى شئ من ذلك.
وكان الصحابة يتبايعون فى عصره فى الأسواق فلم يأمرهم بالاشهاد ولا نقل عنهم مثله ولم ينكر عليهم النبى صلى الله عليه وسلم ولو كانوا يشهدون فى كل مبايعاتهم لنقل.
وقد أمر النبى صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد البارقى أن يشترى له أضحية ولم يأمره بالاشهاد، ولأن المبايعة تكثر بين الناس فى أسواقهم وغيرها، فلو وجب الاشهاد فى كل ما يتبايعونه أفضى الى الحرج المحطوط عنا بقوله تعالى «ما جعل عليكم فى الدين من حرج والآية المراد بها الارشاد الى حفظ الأموال
(1)
المغنى لابن قدامة للامام العلامة موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر الأمام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد ابن أحمد بن قدامة المقدسى ج 4 ص 47 طبع مطبعة المنار الطبعة اثانية سنة 1347 هـ.
والتعليم كما أمر بالرهن والكتاب وليس بواجب. وهذا ظاهر.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
: وفرض على كل مبتبايعين لما قل أو كثر أن يشهدا على تبايعهما رجلين، أو رجل وامرأتين من العدول، فان لم يجد عدولا سقط فرض الاشهاد، فان لم يشهدا وهما يقدران على الاشهاد فقد عصيا الله عز وجل والبيع تام.
فان كان البيع بثمن الى أجل مسمى ففرض عليهما مع الاشهاد أن يكتباه.
برهان ذلك قول الله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» .
وروى عن مجاهد فى قول الله تعالى:
«وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» قال مجاهد:
كان ابن عمر اذا باع بنقد أشهد وان باع نسيئة كتب وأشهد.
وقال محمد بن جرير الطبرى: لا يحل لمسلم اذا باع واذا اشترى الا أن يشهد والا كان مخالفا لكتاب الله عز وجل.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(2)
: ويجب على متحمل الشهادة الأداء اذا طلب ذلك منه من له طلبه.
وجاء فى الهامش: وقد يكون التحمل واجبا ومحظورا ومندوبا ومباحا ومكروها.
أما الواجب ففى النكاح أو عند خشية فوات المال والمحظور فى الربا وطلاق البدعة.
وقد يكون مندوبا وهو فى البيع والمعاملات.
وقد يكون مباحا وهو الزيادة على الشاهد فى المعاملات ونحوها.
وجاء فى التاج المذهب
(3)
: أن البيع يرد بالعيب اذا اجتمع فيه شروط ثلاثة.
أحدها أن يكون العيب قد ثبت قبل البيع أو حدث فى المبيع قبل القبض.
والثانى ألا يكون العيب قد زال عن المبيع بل بقى فيه مع المشترى، أو كان قد زال عند القبض، لكنه عاد مع المشترى.
(1)
المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 8 ص 344 طبع مطابع ادارة الطباعة المنيرية الطبعة الأولى سنة 1352 هـ.
(2)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح فى فقه الأئمة الأطهار ج 4 ص 187 طبع مطبعة حجازى بمصر الطبعة الثانية سنة 1357 هـ.
(3)
التاج المذهب ج 2 ص 412، 413 الطبعة السابقة.
الثالث أن يكون قد شهد عدلان أو رجل وامرتان، أو عدلة فيما يتعلق بعورات النساء تصف ذلك للعدلين وهما يشهدان عند الحاكم أنه عيب ينقص القيمة أو يثبت عيب المبيع بشهادة رجل ويمين المدعى، أو بعلم الحاكم أو باقرار البائع أو نكوله أو برده اليمين، ولا بد أن يكون الشاهدان من ذوى الخبرة فى ذلك المبيع كالحدادين فى الحديد والحمارين فى الحمير أو من له خبرة وان لم يكن من أهل العلاج فى ذلك الشئ.
ولا بد أن تكون الشهادة بلفظها لبيان ما هو العيب.
ويرجع الى نظر الحاكم فى تعرف حاله هل ينقص القيمة أولا، فلو شهد شاهدان أنه عيب فقط وشهد آخران أنه ينقص القيمة فلا يكفى، لأنها مركبة، ولأنهما لم يبينا ما هو العيب، فلو بينا صحت الشهادة فى هذه المسئلة ولو مركبة، لأن الشاهدين الآخرين كالمعرفين لحالة العيب.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(1)
أن الشهادة ليست شرطا فى انعقاد شئ من العقود أصلا، وبه قال جميع الفقهاء الا فى النكاح.
ودليلنا اجماع الفرقة واخبارهم.
وأما قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» فمحمول على الاستحباب دون الوجوب. لأنه تعالى قال: وان كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة».
فالبيع الذى أمرنا بالاشهاد عليه هو البيع الذى أمرنا بأخذ الرهن به عند عدم الشهادة، فلو كانت واجبة ما تركها بالوثيقة.
وأيضا قال تعالى «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ» }. فثبت أنه غير واجب اذ لو كان واجبا لما جاز تركه بالأمانة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: وخص بيع النقد بصنف معلوم من كل ما يكال أو يوزن بعيار، أراد به ما يشمل الميزان، كذلك أى معلوم وان بلا شهود وبلا أجل وبلا وزن للدنانير والدراهم المنقدة يعنى أن ذلك غير واجب. فان فعل فهو أحسن، لأن فى الاشهاد حفظا للمال وكميته وبه يحفظ كم أنقد وكم ترتب فى ذمة الآخر وما نوعه، ولأن الأصل فى بيع غير اليد باليد التأجيل، لأنه تأخير الى وقت معين، بخلاف العاجل بلا أجل، فانه تأخير الى غير معين، فهو
(1)
أنظر من كتاب الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 506 طبع مطبعة زنكين فى طهران الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 415، 416 الطبعة السابقة.
خلاف الأصل، ولو كان له أن يقبضه متى شاء ولا محذور فى التأجيل من جهة الشرع، ولا من جهة العقل، ولا يخرج به البيع عن كونه بيع نقد، لأنه سمى بيع نقد، لأنه أنقدت فيه الدراهم أو الدنانير أو كل منهما، وأما ما فى الذمة بها فغير منقد اذا كان عاجلا كما هو غير منقد اذا كان آجلا، ولا نرى شيئا يجوز بيعه أو شراؤه عاجلا، ولا يجوز آجلا، بل كل ما جاز بيعه عاجلا بلا احضار يجوز آجلا.
ويدل على جواز بيع النقد المبوب له هنا بأجل قول الشيخ: ولا يحتاج فيه الى الشهود، ولا الى الأجل، فان معناه أنه لا يلزم فيه الاشهاد والتأجيل، ولا يكونان فيه شرطا، فهما جائزان لا واجبان، ولا حرام.
الاشهاد فى الشفعة
مذهب الحنفية:
جاء فى الزيلعى
(1)
تستقر الشفعة بالاشهاد، لأنها حق ضعيف يبطل بالاعراض، فلا بد من الاشهاد بعد طلب المواثبة للاستقرار، كما أنه لا بد له من طلب المواثبة، وهو أن يطلب كما سمع، لقول النبى صلى الله عليه وسلم «الشفعة لمن واثبها» وقوله: الشفعة كحل العقال، ولأن رغبته فيها بذلك تعلم، ولأنه يحتاج الى اثبات طلبه عند القاضى، ولا يمكنه ذلك الا بالاشهاد.
وتملك الدار المشفوعة بأحد أمرين.
أما بالأخذ اذا سلمها المشترى برضاه.
أو بحكم الحاكم من غير أخذ، لأن ملك المشترى قد تم بالشراء، فلا يخرج عنه الى الشفيع الا برضاه أو بحكم الحاكم.
ثم قال: فان علم الشفيع بالبيع أشهد فى مجلسه على الطلب، ثم على البائع ولو فى يده، أى اذا كان المبيع فى يده أو على المشترى أو عند العقار فهذان طلبان.
فالأول طلب المواثبة.
والثانى طلب التقرير.
وفيه طلب ثالث وهو طلب الأخذ والتملك ولا بد من هذه الثلاثة.
(1)
انظر من كتاب تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للعلامة فخر الدين عثمان بن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبى ج 5 ص 242 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الأولى سنة 1315 هـ.
وعلق فى حاشية الشلبى على قوله «أشهد فى مجلسه على الطلب بقوله «قال فى الهداية: والاشهاد فيه أى فى طلب المواثبة ليس لازم، لأن طلب المواثبة ليس لاثبات الحق، وانما شرط هذا الطلب ليعلم أنه غير معرض عن الشفعة حتى يمكنه الحلف حين يطلب المشترى حلفه أنه طلبها كما سمع وفى الذخيرة.
وانما ذكر أصحابنا الاشهاد عند الطلب لا لأنه شرط صحة هذا الطلب، بل لاعتبار ثبوته على المشترى عند انكاره الطلب.
ثم قال الزيلعى أيضا: فالأول وهو طلب المواثبة فلما رويناه.
والشرط أن يطلب كما علم على الفور من غير تأخير ولا سكوت، لأن سكوته بعد العلم يدل على رضاه بجوار الجار الحادث ومعاشرته فتبطل شفعته به.
ولو أخبر بكتاب والشفعة فى أوله أو وسطه فقرأ الكتاب الى آخره بطلت شفعته اذا كان ذلك بعد علم المشترى والثمن ومعرفتهما، لأن السكوت انما يكون دليل الرضا بعد العلم بهما.
ثم اذا أخبر بحضرة الشهود يشهدهم عليه. وان لم يكن بحضرته أخذ يطلب من غير اشهاد، لأن هذا الطلب صحيح من غير اشهاد، والاشهاد لمخافته الجحود، والانكار والطلب لا بد منه كيلا يسقط حقه فيما بينه وبين الله تعالى، وليمكنه الحلف اذا حلف، ولئلا يكون معرضا عنها وراضيا بجوار الدخيل.
ويشترط أن يكون متصلا بعلمه عند عامة المشايخ.
وهو مروى عن محمد رحمه الله تعالى.
وعنه ان له التأمل الى آخر المجلس.
وبهذه الرواية أخذ الكرخى رحمه الله تعالى:
ولو قال بعد ما بلغه البيع: الحمد لله أو: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. أو سبحان الله لا تبطل شفعته على هذه الرواية، لأن الأول حمد على الخلاص من جوار البائع. والثانى تعجب منه لقصد الاضرار به ببيعه من المشترى الذى لا يرغب فى جواره، والثالث لافتتاح الكلام به .. ولا يدل شئ من ذلك على الأعراض.
وكذا اذا قال عند العلم: من ابتاعها وبكم بيعت؟ لأنه يرغب فيها
بثمن دون ثمن ويرغب عن مجاورة بعض دون بعض فلا يدل ذلك على الأعراض. وكذا لو قال: خلصنى الله ..
ويصح الطلب بكل لفظ يفهم طلب الشفعة فى الحال.
ولا يجب عليه الطلب حتى يخبره به رجلان ولو غير عدلين، أو واحد عدل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى، أو رجل وامرأتان لأن فيه الزاما من وجه دون وجه فيشترط فيه أحد شطرى الشهادة اما العدالة أو العدد ..
وعندهما. يجب عليه الاشهاد اذا أخبره واحد، حرا كان أو عبدا، صغيرا كان أو كبيرا اذا كان الخبر حقا.
واذا لم يشهد بطلت شفعته.
ولو أخبره المشترى بنفسه يجب عليه الطلب بالاجماع كيفما كان، لأنه خصم فيه. والعدالة غير معتبرة فى الخصوم.
وأما الثانى وهو طلب التقرير فلا بد من الاشهاد فيه، لأنه يحتاج اليه لاثباته عند القاضى.
ولا يمكنه الاشهاد على طلب المواثبة ظاهرا لأنه على الفور، ويحتاج بعد ذلك الى الاشهاد للتقرير، حتى لو أمكنه ذلك وأشهد عند طلب المواثبة، بأن بلغه البيع بحضرة الشهود والمشترى أو البائع حاضرا أو كان عند العقار يكفيه. ويقوم ذلك مقام الطلبين ذكره شيخ الاسلام.
وكيفية هذا الطلب أن ينهض من المكان الذى سمع فيه، ويشهد على البائع ان كان المبيع فى يده، أو على المشترى، أو عند العقار، فاذا فعل ذلك استقرت شفعته.
وانما صح الاشهاد عند هؤلاء الثلاثة، لأن المشترى والبائع خصم فيه بالملك أو باليد. فأما عند العقار فلتعلق الحق به.
ولا يكون البائع خصما بعد تسليم المبيع للمشترى لعدم الملك واليد، فلا يصح الاشهاد عليه بعده، هكذا ذكره القدورى والناطفى.
وذكر شيخ الاسلام أنه يصح استحسانا.
ومدة هذا الطلب مقدرة بالتمكن من الاشهاد مع القدرة على أحد هؤلاء الثلاثة، حتى لو تمكن ولم يطلب بطلت شفعته.
وان قصد الأبعد من هذه الثلاثة وترك الأقرب فان كانوا جميعا فى مصره جاز استحسانا، لأن نواحى المصر جعلت كناحية واحدة حكما كانهم فى مكان واحد ..
وان كان بعضهم فى مصره والبعضر فى مصر آخر أو فى الرستاق فقصد الأبعد وترك الذى فى مصره بطلت شفعته قياسا واستحسانا، لتباين المكانين حقيقة وحكما ..
وان كان الشفيع غائبا يطلب طلب المواثبة حين يعلم ثم يعذر فى تأخير طلب التقرير بقدر المسافة الى أحد هذه الثلاثة.
وصورة هذا الطلب أن يقول: ان فلانا اشترى هذه الدار وأنا شفيعها، وقد كنت طلبت الشفعة واطلبها الآن فاشهدوا على ذلك.
وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يشترط تسمية المبيع وتحديده، لأن مطالبة غير المعلوم لا تصح، فاذا لم يبين المطلوب لم يكن للمطالبة اختصاص بالبيع فلم يكن لها حكم حتى تبين المطلوب.
وأما الثالث وهو طلب الأخذ والتمليك فلا بد منه أيضا، لأنه لا يحكم له بدون طلبه.
ثم لا تسقط الشفعة بالتأخير فيه أى لا تسقط بتأخير هذا الطلب، وهو طلب الأخذ بعد ما استقرت شفعته بالاشهاد، وهذا عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فى ظاهر الرواية.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى: على الشرح
(1)
الكبير: وملك الشقص أى ملكه الشفيع بأحد أمور ثلاثة بحكم من حاكم له به أو دفع ثمن من الشفيع للمشترى.
أو اشهاد بالأخذ ولو فى غيبة المشترى.
وعلق الدسوقى فى الحاشية على قوله (أو اشهاد بالأخذ) بقوله: أى بالشفعة، وأما الاشهاد بأنه باق على شفعته فلا يملكه بذلك. سواء أشهد بذلك خفية أو جهرا.
فلو أشهد انه باق على شفعته ثم سكت حتى جاوز الأمد المسقط حق الحاضر، ثم قام يطلبها، فلا ينفعه ذلك وتسقط شفعته، كما لأبى عمران العبدوسى ..
وأما قوله (ولو فى غيبة المشترى) أى عند ابن عرفة.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات الشيخ محمد عليش ج 3 ص 187 وما بعدها طبع مطابع دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
خلافا لابن عبد السّلام حيث قيد كون الاشهاد بحضرة المشترى ولا يعرف ذلك لغيره.
ولعل هذا الخلاف مخرج على الخلاف فى أن الشفعة شراء أو استحقاق.
فكلام ابن عرفة على الثانى.
وكلام ابن عبد السّلام على الأول.
ولزم الشفيع الأخذ بالشفعة ان أخذ أى قال أخذت وقد عرف الثمن.
فان لم يعلم الثمن، فالأخذ صحيح غير لازم على المشهور.
وقيل: بل فاسد، لأن الأخذ بالشفعة ابتداء بيع بثمن مجهول، فيرد، وله الأخذ بعد ذلك.
واذا لزم فان وفى الثمن فواضح، وان لم يوفه باع الحاكم للتوفية من ماله.
والحاصل أن الشفيع اذا قال بعد شراء المشترى: اشهدوا أنى أخذت بالشفعة فانه يلزمه ذلك الأخذ، ولا ينفعه رجوعه بشرط أن يعرف الثمن الذى اشترى به المشترى الشقص من الشريك.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(1)
: وان وجبت له الشفعة، وهو محبوس، أو مريض، أو غائب نظرت.
فان لم يقدر على الطلب ولا على التوكيل، ولا على الاشهاد، فهو على شفعته، لأنه ترك لعذر.
وان قدر على التوكيل فلم يوكل، ففيه ثلاثة أوجه.
أحدها وهو قول القاضى أبى حامد أنه تسقط شفعته، لأنه ترك الطلب مع القدرة، فأشبه ما اذا قدر على الطلب بنفسه وترك.
والثانى: وهو قول أبى على الطبرى أنه لا تسقط، لأن التوكيل ان كان بعوض لزمه غرم، وفيه ضرر، وان كان بغير عوض احتاج الى التزام منه، وفى تحملها مشقة، وذلك عذر فلم تسقط به الشفعة.
ومن أصحابنا من يقول: لو وجد من يتطوع بالوكالة سقطت شفعته لأنه ترك
(1)
المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لمحمد بن أحمد ابن بطال الركبى ج 1 ص 380 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
الطلب من غير ضرر. فان لم يجد من يتطوع لم تسقط، لأنه ترك للضرر.
وان عجز عن التوكيل وقدر على الاشهاد، فلم يشهد ففيه قولان.
أحدهما: تسقط شفعته، لأن الترك قد يكون للزهد، وقد يكون للعجز.
وقد قدر على أن يبين ذلك بالشهادة فاذا لم يفعل سقطت شفعته.
والثانى: لا تسقط، لأن عذره فى الترك ظاهر فلم يحتج معه الى الشهادة.
وجاء فى نهاية المحتاج: أنه اذا كان من له حق الشفعة مريضا، أو محبوسا، ولو بحق، وعجز عن الطلب بنفسه، أو كان غائبا عن بلد المشترى، بحيث تعد غيبته حائلة بينه وبين مباشرة الطلب كما جزم به السبكى تبعا لابن الصلاح أو كان خائفا من عدو أو من افراط برد، أو حر، فليوكل فى الطلب ان قدر على ذلك، لأنه الممكن.
وان لم يقدر بأن عجز عن التوكيل، فليشهد رجلين، أو رجلا وامرأتين، أو واحدا ليحلف معه، قياسا على الرد بالعيب.
وقال الزركشى: انه الأقرب.
وبه جزم ابن كج فى التجريد.
خلافا للرويانى.
وقال فى الروض: ولا يغنيه الاشهاد عن الرفع الى القاضى.
والاشهاد يكون على الطلب.
ولو قال: أشهدت فلانا وفلانا فانكرا لم يسقط حقه.
فان ترك المقدور عليه منهما، أى من التوكيل والاشهاد المذكورين بطل حقه فى الأظهر، لتقصيره المشعر بالرضا.
والثانى: لا يبطل حقه، احالة للترك على السبب الظاهر، لا سيما أن التوكيل لا بد فيه من بذل مؤنة، أو تحمل منه.
نعم الغائب مخير بين التوكيل، وبين الرفع الى الحاكم، كما أخذه السبكى من كلام البغوى.
قال: وكذا اذا حضر الشفيع وغاب المشترى.
ويجوز للقادر التوكيل أيضا.
ففرضهم ذلك عند العجز انما هو لتعينه حينئذ طريقا، لا لامتناعه عند القدرة على الطلب بنفسه.
ولو سار عقب العلم بنفسه، أو وكل، لم يتعين عليه الاشهاد على الطلب حينئذ.
بخلافه فى نظيره من الرد بالعيب، لأن الاشهاد هناك على المقصود، وهو الفسخ، والاشهاد هنا على الطلب، وهو وسيلة يغتفر فيها ما لا يغتفر فى المقصود
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(2)
: من شروط الشفعة المطالبة بها على الفور، بأن يشهد بالطلب حين يعلم ان لم يكن عذر.
ثم اذا أشهد على الطلب له ان يخاصم المشترى ولو بعد أيام.
ولا يشترط فى المطالبة حضور المشترى.
لكن ان كان المشترى غائبا عن المجلس، حاضرا فى البلد، فالأولى أن يشهد على الطلب.
ويبادر الشفيع الى المشترى فيطالبه بنفسه، أو بوكيله بالشفعة خروجا من الخلاف.
فان بادر الشفيع، أو بادر وكيله من غير اشهاد أنه على الشفعة فهو على شفعته.
فان كان للشفيع عذر يمنعه من الطلب، مثل أن لا يعلم بالبيع، أو علم الشفيع بالبيع ليلا، فأخر الطلب الى الصبح مع غيبة مشتر عنه، أو أخر الطلب لشدة جوع أو عطش ونحوه لم تسقط.
ثم قال: فان أخر الشريك الطلب مع امكانه ولو جهلا، بأن التأخير مسقط لها، ومثله لا يجهل سقطت.
الا أن يعلم الشريك بالبيع وهو غائب عن البلد فيشهد على الطلب بها فلا تسقط شفعته.
ولو أخر المبادرة الى الطلب بعد الاشهاد وعند امكانه، لأن اشهاده بالطلب دليل على الرغبة، وعلى أنه لا مانع له من الطلب، الا قيام العذر به كغائب ومريض ومحبوس.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للامام شمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد حمزة ابن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير مع حواشيه الشبراملسى وحاشية الرشيدى ج 5 ص 214، 215 طبع شركة مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ.
(2)
كشاف القناع على متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منته الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 من ص 379 الى ص 381 طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.
وتسقط الشفعة اذا علم الشريك بالبيع وهو غائب، وسار هو أى الشريك الغائب، أو سار وكيله الى البلد الذى فيه المشترى فى طلبها أى الشفعة، ولم يشهد قبل سيره، ولو سار سيرا معتادا لأن السير يكون لطلب الشفعة ولغيره، وقد قدر أن يبين كون سيره لطلب الشفعة بالاشهاد عليه، فاذا لم يفعل سقطت كتارك الطلب مع حضوره.
وان أخر الشريك الطلب والاشهاد لعجز عنهما، أو لعجزه عن السير الى المشترى فيطالبه، أو الى من يشهده على أنه مطالب، كالمريض لا من صداع وألم قليل، لأن ذلك لا يعجزه عن الطلب والاشهاد «كالمحبوس» ظلما، أو بدين لا يمكنه أداؤه، أو مثل الغائب لا يجد من يشهده، أو وجد من لا تقبل شهادته كالمرأة أو الفاسق ونحوها كغير بالغ، أو وجد مستور الحال فلم يشهدهما لم تسقط شفعته، لأنه معذور بعدم قبول شهادتهما ..
قال فى تصحيح الفروع: ينبغى أن يشهدهما، ولو لم يقبلهما الحاكم.
وهو على شفعته اذا أشهد على الطلب عند زوال عذره.
أو وجد الغائب من لا يقدم معه الى موضع المطالبة فلم يشهده لم تسقط شفعته اذ لا فائدة فى اشهاده.
فان وجد واحدا فأشهده، أو لم يشهده لم تسقط، أو أخر الطلب أو الاشهاد لاظهارهم زيادة فى الثمن، أو اظهارهم نقصا فى المبيع، أو لاظهارهم أن المشترى غيره، أو أخبره من لا يقبل خبره لفسقه فلم يصدقه، ولم يطلب أو يشهد فهو على شفعته.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(1)
:
ومن لم يعرض على شريكه الأخذ قبل البيع حتى باع فوجبت الشفعة بذلك للشريك. فالشريك على شفعته علم بالبيع، أو لم يعلم، حضره أو لم يحضره، أشهد عليه أو لم يشهد، حتى يأخذ متى شاء، ولو بعد ثمانين سنة أو أكثر أو يلفظ بالترك فيسقط حينئذ.
ولا يسقط حقه بعرض غير شريكه أو رسوله عليه.
ثم قال فى موضع آخر ردا على من يشترط الاشهاد. وقد علمنا أن حق الشريك واجب بعد البيع اذا لم يؤذنه البائع قبل البيع فأى حاجة به الى الاشهاد، أو من أين الزموه اياه وأسقطوا حقه بتركه؟.
هذا خطأ فاحش واسقاط لحق قد
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 89 المطبعة السابقة.
وجب بايجاب الله تعالى فما يقويه الاشهاد ولا يضعفه تركه.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(1)
: وتبطل شفعته بتراخيه عقيب خبر عدلين بالبيع، وصحته، والمبيع، وقدر الثمن، وجنسه، وثمن المشترى، وأين موضعه، أو خبر عدل واحد وعدلتين.
ولا يعتبر لفظ الشهادة بل العدد فقط.
فاذا تراخى عقيب أن أخبر بكل ذلك بطلت شفعته مطلقا، أى ظاهرا، وباطنا، لا لو جهل ذلك أو شيئا منه لم تبطل شفعته بتراخيه، ولو كان المشترى دون الثلاث.
والقول قوله بنفى العلم بها مع يمينه.
أو تراخى عقيب خبر يثمر له ظنا فقط.
ولا يشترط عدالة المخبر، بل لو كان صغيرا أو كبيرا كافرا مع حصول الظن بطلت شفعته دينا فقط، أى فيما بينه وبين الله تعالى، لا فى ظاهر الحكم، فلا يبطل الا بخبر عدلين أو عدل وعدلتين.
نعم فمتى تراخى عن الطلب بلسانه، ولو كان هو وحده والسير المعتاد بنفسه الى المشترى ليطلب الشفعة أو البعث برسول أو وكيل.
والكتاب الى المشترى يقوم مقام الرسول عقيب ان يبلغه الشراء والمبيع وقدر الثمن وجنسه.
فاذا لم يفعل أى هذه بطلت شفعته بتراخيه عن الطلب ولو كان فى مسافة الثلاث، لأن الشفعة لا تثبت الا بالطلب فورا، وعند أن يظفر بالمشترى بعد السير اليه يطلب الشفعة.
ولا يستغنى بالطلب الأول عند أن علم بالشراء ولو أشهد عليه.
ولا تجب عليه المرافعة ولا الاشهاد عند الطلب ولا الخروج للسير.
ثم جاء فى موضع آخر
(2)
: واذا اشترى للغير ماله فيه شفعة بالوكالة من الغير، أو الولاية عليه لم تبطل شفعته.
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى أحمد بن قاسم العنسى الصنعانى ج 3 ص 35 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1366 هـ.
(2)
التاج المذهب لأحكام المذهب ج 3 ص 40، 41 الطبعة السابقة.
ولكن يجب أن يطلب لنفسه عقيب الشراء فى المجلس قبل الاعراض فيقول: وأنا طالب لنفس الشفعة فيما شريته.
هذا حيث كان الشراء بالولاية أو الوكالة ولم يضف.
فأما مع الاضافة فيكون الطلب فورا فى وجه الأصل، لأن الحقوق لا تعلق بالوكيل مع الاضافة ولا بالفضولى.
ولا يحتاج فى الحالتين الى اشهاد عند الطلب أو مرافعة الى الحاكم.
وان ناكر المشترى له الطلب بين به متولى الشراء. ولا يسلم اليه، أى ليس له أن يسلم للمشفوع فيه الى نفسه، وانما يملك المشفوع فيه اذا سلمه المشترى له طوعا أو بالحكم، فان تعذر رافع نفسه الى من يصلح ليحكم له.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(1)
أنه اذا وجبت الشفعة فسار الشفيع الى المطالبة بشفعته، فلم يأت المشترى فيطالبه، ولا الى الحاكم، بل مضى الى الشهود، وأشهد على نفسه بأنه مطالب بالشفعة، لم تبطل شفعته.
والدليل على ذلك أنه قد وجب له الشفعة وابطالها يحتاج الى دليل ولا دليل يدل على ذلك.
وجاء فى الروضة البهية
(2)
: ان الشفعة تثبت للغائب وان طالت غيبته، فاذا قدم من سفره أخذ ان لم يتمكن من الأخذ فى الغيبة بنفسه أو وكيله، ولا عبرة بتمكنه من الاشهاد.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
: واذا أراد الشفيع أخذ شفعته من المشترى مثلا. أتى المشترى بما يشفع به، ومعه أمينان، أو أمينتان وأمين، وأجيز ثلاثة من أهل الجملة، وأجيز اثنان.
وان شفع بلا حضرة شهود جاز وانما الاستشهاد مخافة انكار المشترى أن يكون الشفيع قد أخذ شفعته أو فعل ما يلزمه.
والمراد بالمعية أن يكون بحضرته عند المشترى أمينان سواء أتى بهما أو كانا عند المشترى فيقول له: انك
(1)
المجلد الأول من كتاب الخلاف فى الفقه الجعفرى تصنيف شيخ الطائفة الامام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ص 697 مسألة رقم 42 الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكين فى طهران سنة 1377 هـ.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 24 مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لابى محمد بن يوسف أطفيش ج 5 ص 666 وما بعدها طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر
اشتريت دار فلان أو يقول مثل ذلك مما يشتمل على ذكر أصل مبيع.
ويجوز أن يقول انك اشتريت الدار التى فى موضع كذا أو النخلة أو نحو ذلك. ويميز ذلك بما لا يلتبس به مع غيره والفرض التمييز.
وجاء فى النيل
(1)
وشرحه: هل تجب الشفعة على الفور بشرط العلم والقدرة وامكان الطلب أو وقتها موسع؟ قولان.
فلو لم يعلم ولو الى أن مضت سنون وجبت عليه على الفور بعد العلم، وكذا ان لم يقدر لمرض أو عدو أو نحوهما.
أو لم يمكن الطلب لكون المشترى جبارا لا يطيقه، ولا يقهر له، ولكن يشهد شهودا على أخذها فاذا قدر وأمكن الطلب وجبت على الفور بعد القدرة وامكان الطلب.
ومن علم ولم يطلب واحتج بالتقية فعليه أن يشهد سرا بنزعها، وأنه لم يمنعه من أخذها الا الخوف على نفسه، أو ماله من المشترى، وان لم يشهد هكذا خيف عليه فوتها.
ومن علم فى ضيعة يخاف فوتها ولم يجد من يخلف عليها فليشهد شاهدين على أخذها، فان لم يجدهما فانه يدرك شفعته.
ويعذر حافظ أمانة بعذر أو غيره ان خاف عليها حتى يأمن عليها، وان وجد من يشهده فهو أولى.
فان أمكنه الاشهاد وجهل أن يشهد، أو تعمد ترك الاشهاد خيف عليه فواتها.
ولا يتشاغل بالاشهاد ان أمكنه الطلب والخروج الى المشترى.
واذا قيل أن وقت الشفعة موسع فقد اختلف فى حد ذلك.
فقيل: ثلاثة ايام بعد العلم.
وقيل: سبعة أيام.
وقيل: سنتان.
وقيل: ثلاث سنين.
وان كان صاحب الشفعة فى بلد غير بلد المشترى أشهد وسار فى حينه، أو يوكل ان منعه عذر مرض أو نحوه، أى على قول من قال لا يجوز التوكيل فى أخذ الشفعة، الا لعذر، وأجله ثلاثة أيام مطلقا، سواء كانت مسافة البلد ثلاثة أيام أو أقل.
وفى التاج: من علم ليلا فلا تفوته ان لم يطلبها حتى أصبح.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 696 وما بعدها الطبعة السابقة.
والمرأة اذا علمت نهارا فلا تفوتها حتى يدخل الليل.
وقيل على المرأة أن تطلبها ليلا ان كانت مخدرة ولا يلزمها نهارا ولزمها أن تشهد فيه على أخذها حين تعلم بالبيع.
ثم قال فى النيل وشرحه: ان المأخوذ به هو أن وقت الشفعة ثلاث سنين والمعمول به الآن فى هذه البلاد ثلاثة أيام.
والوقت الذى هو ثلاث سنين هو وقت الاشهاد فى الأحكام، حتى ان بعض المشايخ يثبت الحيازة بثلاث سنين.
وقيل: تفوت بمرور عام بعد العلم.
وقيل: بمرور ثلاثة أيام بعد العلم.
واذا أشهد الشفيع أنه قد أخذ شفعته من فلان، ولم يعلم المشترى حتى مضى أجل الشفعة.
فقيل: صحت له.
وقيل: بطلت.
والشفيع فى شفعته ما لم تتم مدته فى الشفعة وهى ثلاثة أيام، أو سبعة أيام، أو سنة، أو سنتان، أو ثلاث سنين، أو تقطع عنه بأن يقول له هات لى ثمن ما اشتريت وخذه بالشفعة، ويصح ذلك بالتصديق أو بالاشهاد.
ثم قال فى النيل
(1)
وشرحه وان مات مشتر ولم تؤخذ منه الشفعة فى حياته لم يشفع وارث الشفيع الا أن أحياها، أى الا أن أحيى الشفيع الشفعة فى حياة المشترى بأن أشهد أنه على الشفعة بناء على تراخيها فى ثلاثة أيام، أو غير الثلاثة على الخلاف فى مدتها أو أشهد لمانع له من أخذها ولو على القول بالفور، لأن الشفعة ليست فى ذمة المشترى ولا أمانة عنده فضلا عن أن تدرك بعد موته فى ماله الذى اشتراه، بل أن أخذه الشفيع صحت له، والا فلا.
وحيث لم يأخذها منه حتى مات، ولم يحيها بالاشهاد، كان موته فواتا له وتركها حتى مات تركا لها.
الاشهاد على الزنا
الزنا جريمة من جرائم الحدود التى يكون الاعتداء فيها اعتداء على حق الله تعالى، وهو الذى نسميه حق المجتمع، اذ يتجه النظر فيه أول ما يتجه الى المحافظة على مصلحة المجتمع، وتوفير النفع والخير للكافة،.
فهو يتصل بما يكون من شأنه أن يجعل الجماعة تعيش فى نقاء وطهر
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لأطفيش ج 5 ص 710 الطبعة السابقة.
دينى وترتفع الى المستوى الأعلى الذى تسود فيه الفضيلة، وتحمى الجماعة من الانحلال، والتدهور الخلقى والانسانى.
والحقوق التى لها مطالب من جهة العباد حين يتحمل الشاهد فيها الشهادة بالاشهاد أو بالمعرفة والاتصال. ويكون أداء الشهادة فيها واجبا ومفروضا اذا دعاه صاحب الشأن، أو خاف ضياع الحق اذا لم يشهد.
وقد نهى الله تعالى عن عدم اجابة الدعوة الى أداء الشهادة فقال: «ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا» .
كما نهى عن كتمان الشهادة وتوعد من يكتمها بالعقاب فقال: «ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه.
والله بما تعملون عليم».
أما جريمة الزنا فهى كما قلنا اعتداء على حق الله الخالص وليس فيها حق يطالب به العبد.
ومثل هذا النوع. وحين تقع الجريمة ويقع نظر الشهود عليها. يكون الشاهد مأمورا أمرا فوريا بأحد أمرين، كلاهما حسبة لله تعالى على الشاهد.
أولهما - أداء الشهادة، لاقامة حد الله تعالى ومنع الفساد فى الأرض وتثبيت دعائم الفضيلة فى المجتمع.
وثانيهما: الستر، عملا بقوله صلى الله عليه وسلم؟ «من ستر على مسلم ستره الله تعالى فى الدنيا والآخرة.
ولمنع أن تشيع الفاحشة فى المؤمنين بأعلان الخصومة والمقاضاة. لقوله تعالى:
«إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ}.
وعلى الشاهد أن يختار بين أكثر الواجبين نفعا لجماعة المؤمنين، وتحقيقا لمصالحهم.
أيكون الستر أفضل، لأن المرتكب ذو مكانة فى الناس وقد زل زلة وعثر عثرة فوجبت اقالة عثرته، عسى أن يتوب ويتوب الله عليه، ولأن الشهادة اعلان للجريمة واشاعة للفاحشة وتسهيل لارتكابها.
أم يكون الأولى كشف الجريمة وأعلانها منعا للجريمة، ووقاية للمجتمع من شرور هذا المجرم الأثيم؟
هو مخير بين هذين النظرين.
واذا اختار الشهادة فلا بد أن يكون الشهود أربعة من الرجال، لقول الله تعالى: «وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ}.
وقوله تعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ}
{ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً»} .
فان هذه الآيات تدل على أنه يشترط لاثبات الزنا أربعة من الرجال، لأنه فى مقام بيان الحجة المثبتة لهذه الجريمة وترتيب العقوبة التى حددها الشارع على ثبوتها ولفظ أربعة فى الآيات اسم للعدد، وقد جاء مؤنثا فدل على أن المعدود مذكر كما تقتضيه قواعد العربية.
وقد قام الاجماع وهو من أقوى الحجج على اعتبار مفهوم العدد. وعلى اعتبار الذكورة فيه.
وقوله «(منكم) فى الآية الأولى يدل على ذلك.
وقد رتب فى الآية الثانية جلد القاذف بالزنا على عدم اتيانه بأربعة شهداء لاثبات الزنا الذى قذف به، فدل على أنه لا يثبت بأقل من هذا العدد.
ورتب فى الآية الثالثة اعتبار من رموا المحصنات بالزنا كاذبين على عدم اتيانهم بأربعة شهداء يثبتون صحة ما رموا به فدل ذلك على أن اثباته لا يكون الا بأربعة شهداء.
ولا يقال أنه ليس فى هذه الآيات الا بيان جواز العمل بهذا العدد. وليس فيها ما يدل على وجوب العمل به ومنع العمل بأقل منه. لأن الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم الى يومنا هذا قد اجمعوا على أن شهود الزنا اذا نقص عددهم عن الأربعة لا تثبت جريمة الزنا ولا يحد المشهود عليه حد الزنا.
ويعتبر الشهود قذفة فى حق المشهود عليه ويحدون حد القذف.
وقد ثبت بالدليل الواضح الذى لا خلاف عليه من أحد أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد حد الثلاثة الذين شهدوا عنده على المغيرة بن شعبة بالزنا ولم يعتبر شهادتهم مثبتة للزنا لنقصان العدد عما حدده الشارع نصابا للشهادة المثبتة فيه.
ولو كان الزنا يثبت بما دون الأربعة لاعتبر شهادتهم مثبته ولحد المشهود عليه حد الزنا ولما حدهم حد القذف.
وانما اشترط الشارع الحكيم فى الشهادة على الزنا أربعة شهداء. وحكم بأنه اذا لم يتم العدد أربعة يحد أولئك الذين شهدوا بالزنا وقالوا به ولو ثلاثة حد القذف، واعتبروا ظالمين كذابين فى نظر الشارع وفى نظر الناس، لأن هذه الجريمة جريمة خفية لا تصدر ممن يرتكبها الا فى تخف شديد وتستر عن أعين الناس واحساسهم بحيث لا يعلم بها
أحد. ويندر أن يطلع مخلوق على هذه الجريمة بالصورة التى وقعت بها والحالة التى تمت عليها.
والجرائم التى على هذا الوضع اذا لم يكن التحرى عن حقيقة وقوعها كاملا ترامى الناس بالقول بها من غير تردد ولا تحفظ ورمى بها البر والآثم. فكان لابد من التشدد فى ثبوتها وحين تظهر وتعلن مع هذا التشدد وهذا الاحتياط يكون الجو عرضة للتلوث وصالحا لانتشار الفساد.
ومن ثم كان العقاب صارما والردع شديدا.
ولأن غاية الشارع الحكيم من التشريع هو حماية الجماعة من أن يظهر فيها الشر والفساد، وأن تسود الفضيلة جو هذه الجماعة ولا تشيع فى أفقها العام الا ما يثبت دعائم هذه الفضيلة ويمكن لها حتى تعيش الجماعة فى طهر ونقاء تظلها الفضيلة ويسودها الطهر والعفاف فيجب أن تبقى أمثال هذه الجرائم الفاضحة الشنيعة منزوية وبعيدة عن اسماع الناس وأبصارهم، فاذا هى ظهرت وخرجت تمشى بين الناس كان بعثا للفساد ونشرا للفتنة. ووجب أخذ المجرم فيها باقصى العقاب، حتى لا يتتابع ظهورها ولا تنتشر رائحتها الكريهة. والنبى صلى الله عليه وسلم يقول «من ارتكب شيئا من هذه القاذورات فاستتر فهو فى ستر من الله ومن أبدى صفحته أقمنا عليه الحد.
فالاظهار وبداء الصفحة هو السبب فى اقامة الحد.
وظهور المجرم بحيث يراه على جريمته أربعة من الناس ابداء للصفحة وكشف ليس وراءه كشف للستر، ولأن العقوبة فى أكثر الاحوال لا تنطبق شروط اثباتها الا على المصر عليها والمتشبث بها والذى تكررت منه حتى أمكن أن تقع منه علنا بحيث يعاين مثل هذه الواقعة أربعة من الشهود يرونها رأى العين.
ما يعتبر فى الشهادة على الزنا
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع للكاسانى الحنفى
(1)
:
أن شرائط البينة القائمة على الحد منها ما يعم الحدود كلها، ومنها ما يخص البعض دون البعض.
أما الذى يعم كل الحدود. فالذكورة والاصالة فلا تقبل شهادة النساء، ولا الشهادة على الشهادة، ولا كتاب القاضى الى القاضى فى الحدود كلها، لتمكن زيادة الشبهة فيها، والحدود لا تثبت مع الشبهات.
وأما الذى يخص البعض دون البعض، فمنها عدم التقادم، وأنه شرط فى حد
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 46 وما بعدها طبع مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
الزنا، والسرقة، وشرب الخمر .. ومنها عدد الأربع فى الشهود فى حد الزنا، لقول الله عز وجل. واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم.
وقوله سبحانه وتعالى: «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً}.
وقوله «لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون.
ولأن الشهادة أحد نوعى الحجة فيعتبر بالنوع الآخر وهو الاقرار وهناك فى الاقرار عدد الأربع شرط فكذا هنا بخلاف سائر الحدود فان عدد الأقارير الأربع لم يشترط فيها فكذا عدد الأربع من الشهود لم يشترط فيها.
ولأن اشتراط عدد الأربع فى الشهادة يثبت معدولا به عن القياس بالنص، والنص ورد فى الزنا خاصة.
فان شهد على الزنا أقل من أربعة لم تقبل شهادتهم لنقصان العدد المشروط.
وهل يحدون حد القذف؟
قال أصحابنا يحدون، لما روى أن ثلاثة شهدوا على المغيرة بن شعبة بالزنا فقام الرابع وقال: رأيت أقداما بادية، ونفسا عاليا، وأمرا منكرا ولا أعلم ما وراء ذلك، فقال سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه:
الحمد لله الذى لم يفضح رجلا من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وحد الثلاثة حد القذف، وكان ذلك بمحضر من الصحابة الكرام رضى الله عنهم، ولم ينقل أنه أنكر عليه منكر منهم، فيكون اجماعا.
ولو شهد ثلاثة على الزنا، وشهد الرابع على شهادة غيره يحد الثلاثة حد القذف، لأن شهادتهم صارت قذفا لنقصان العدد، ولا حد على الرابع، لأنه لم يقذف.
ولو علم أن أحد الأربع عبد أو مكاتب أو صبى، أو أعمى، أو محدود فى قذف، حدوا جميعا، لأن الصبى والعبد ليست لهما أهلية الشهادة أصلا ورأسا، فانتقص العدد، فصار كلامهم قذفا، والأعمى والمحدود فى القذف ليست لهما أهلية الشهادة أداء وان كانت لهم أهلية الشهادة تحملا وسماعا فقصرت أهليتهما للشهادة فانتقص العدد فصار كلامهم قذفا.
ولو شهد الزوج وثلاثة نفر حد الثلاثة ولا عن الزوج امرأته لأن قذف الزوج يوجب اللعان لا الحد فانتقص العدد فى حق الباقين فصار كلامهم قذفا فيحدون ولو علم أن الشهود الأربعة عبيد أو كفار أو محدودون فى قذف أو عميان يحدون حد القذف وان علم أنهم فساق لا يحدون والفرق ما ذكرنا أن العبد والكافر لا شهادة لهما أصلا والأعمى والمحدود فى القذف لهما شهادة سماعا وتحملا لا أداء فكان كلامهم قذفا.
والفاسق له شهادة على أصل أصحابنا سماعا وأداء فكان كلامه شهادة لا قذفا فلا يحدون حد القذف.
ومنها اتحاد المجلس. وهو أن يكون الشهود مجتمعين فى مجلس واحد عند أداء الشهادة فان جاءوا متفرقين يشهدون واحدا بعد واحد لا تقبل شهادتهم، ويحدون وان كثروا، لأن كلامهم قذف حقيقة.
وانما يخرج عن كونه قذفا شرعا بشرط أن يكونوا مجتمعين فى مجلس واحد وقت أداء الشهادة.
فاذا انعدمت هذه الشريطة بقى قذفا فيوجب الحد. حتى لو جاءوا مجتمعين أو متفرقين وقعدوا فى موضع الشهود فى ناحية من المسجد، ثم جاءوا واحدا بعد واحد وشهدوا جازت شهادتهم، لوجود اجتماعهم فى مجلس واحد وقت الشهادة اذ المسجد كله مجلس واحد.
ومنها أن يكون المشهود عليه بالزنا ممن يتصور منه الوط ء فان كان ممن لا يتصور منه الوط ء كالمجبوب لا تقبل شهادتهم ويحدون حد القذف.
ولو كان المشهود عليه خصيا أو عنينا قبلت شهادتهم ويحد المشهود عليه فى ذلك، لتصور الزنا منهم لقيام الآلة.
ومنها أن يكون المشهود عليه بالزنا ممن يقدر على دعوى الشبهة، فان كان ممن لا يقدر على ذلك كالأخرس لا تقبل شهادتهم، لأن من الجائز أنه لو كان قادرا لادعى شبهة.
ولو كان المشهود عليه بالزنا أعمى قبلت شهادتهم، لأن الأعمى قادر على دعوى الشبهة لو كانت عنده شبهة.
ولو شهدوا بالزنا ثم قالوا: تعمدنا النظر الى فرجها لا تبطل شهادتهم، لأن أداء الشهادة لا بد له من التحمل، ولا بد للتحمل من النظر الى عين الفرج، ويباح لهم النظر اليها لقصد اقامة الحسبة، كما يباح للطبيب النظر الى مكان المرض لقصد المعالجة.
ولو قالوا: نظرنا مكررا بطلت شهادتهم، لأنه بالتكرار سقطت عدالتهم.
ومنها اتحاد المشهود به، وهو أن يجمع الشهود الأربعة على فعل واحد، فان اختلفوا لا تقبل شهادتهم.
وعلى هذا يخرج اذا شهد اثنان أنه زنى فى مكان كذا، وشهد آخران أنه زنى فى مكان آخر، والمكانان متباينان، بحيث يمتنع أن يقع فيهما فعل واحد عادة كالبلدين والدارين والبيتين لا تقبل شهادتهم.
ولا حد على المشهود عليه، لأنهم شهدوا بفعلين مختلفين، لاختلاف المكانين، وليس على أحدهما شهادة الأربع.
ولا حد على الشهود أيضا عند أصحابنا.
وعند زفر يحدون، لأن عدد الشهود
على الزنا قد انتقص ونقصان عدد الشهود يوجب صيرورة الشهادة قذفا.
ولنا أن المشهود به لم يختلف عند الشهود، لأن عندهم أن هذا زنا واحد وانما وقع اختلافهم فى المكان، فثبت بشهادتهم شبهة اتحاد الفعل، فيسقط الحد بالشبهة ..
وعلى هذا اذا اختلفوا فى الزمان فشهد اثنان أنه زنى بها يوم كذا، وشهد الاثنان الآخران أنه زنى بها فى يوم آخر.
ولو شهد اثنان أنه زنى بها فى هذه الزاوية من البيت وشهد الاثنان الآخران أنه زنى بها فى هذه الزاوية الأخرى منه يحد المشهود عليه، لجواز أن ابتداء الفعل وقع فى هذه الزاوية من البيت، وانتهاؤه فى زاوية أخرى منه، لانتقالهما منه واضطرابهما، فلم يختلف المشهود به، فتقبل شهادتهم، حتى لو كان البيت كبيرا لا تقبل، لأنه يكون بمنزلة البيتين.
ولو شهد أربعة بالزنا بامرأة فشهد اثنان أنه استكرهها، واثنان أنها طاوعته، لا حد على المرأة بالاجماع، لأن الحد لا يجب الا بالزنا طوعا.
وأما الرجل فلا حد عليه عند أبى حنيفة.
وعندهما يحد.
ووجه قولهما أن زنا الرجل عن طوع ثبت بشهادة الأربع الا أنه انفرد اثنان منهم باثبات زيادة الاكراه منه، وأنه لا يمنع وجوب الحد.
ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى أن المشهود به قد اختلف، لأن فعل المكره غير فعل من ليس بمكره، فقد شهدوا بفعلين مختلفين، وليس على أحدها شهادة الأربع، فلا يحد المشهود عليه، ولا الشهود عند أصحابنا الثلاثة.
خلافا لزفر.
ثم الشهود اذا استجمعوا شرائط صحة الشهادة وشهدوا عند القاضى سألهم القاضى عن الزنا ما هو؟ وكيف هو؟ ومتى زنا؟ وأين زنى؟ وبمن زنى؟ لأنه يحتمل أنهم أرادوا غير الزنا المعروف فى السؤال عن الماهية.
والسؤال عن الكيفية لأنه يحتمل أنهم أرادوا به الجماع فيما دون الفرج.
والسؤال عن الزمان، لاحتمال أنهم شهدوا بزنا متقادم.
والسؤال عن المكان، لأنه يحتمل أنه زنا فى دار الحرب.
والسؤال عن المزنى بها، لأنه يحتمل أن تكون الموطوءة ممن لا يجب الحد بوطئها.
فاذا سألهم القاضى فوصفوا سأل المشهود عليه أهو محصن أم لا.
فان أنكر الاحصان وشهد على الاحصان
رجلان أو رجل وامرأتان على الاختلاف سأل الشهود عن الاحصان ما هو؟
لأن له شرائط يجوز أن تخفى على الشهود، فاذا وصفوا قضى بالرجم.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير للامام الدردير وحاشية الدسوقى
(1)
عليه: ويثبت الزنا بالبينة العادلة أربعة رجال يرونه كالمرود فى المكحلة برؤية وزمن متحدين، أى يشهدون برؤية واحدة فى وقت واحد ..
واذا ثبت الزنا بشهادة البينة المذكورة وادعت المرأة أنها بكر، أو رتقاء، ونظر اليها أربع نسوة وصدقتها على ذلك، فلا يسقط الحد المترتب عليها بشهادة الرجال الأربع.
وكذلك لا يسقط الحد بشهادة أربع نسوة ببكارتها، بل ولا بشهادة أربع رجال بها، كما هو مذهب المدونة، لاحتمال دخول البكارة، فلا تمنع من تغييب الحشفة.
وللرجال النظر اليها كما أفاده ابن مرزوق عن ابن القاسم.
وأسقط اللخمى الحد بشهادة الرجال وشهادة النساء بالبكارة، لأن شهادتهم شبهة كما نقل عن ابن عرفة.
فقد علمت أن من أسقط الحد بشهادة الرجال أسقطه بشهادة النساء.
ومن لم يعتبر شهادة النساء وقال بالحد لم يعتبر شهادة الرجال.
وجاء فى التاج والاكليل
(2)
: والشهادة فى اللواط كالزنا بوقت ورؤية اتحدا.
ومن المدونة؟ وجه الشهادة فى الزنا أن يأتى الأربعة الشهداء فى وقت واحد يشهدون على وط ء واحد فى موضع واحد بهذا تتم الشهادة.
وينبغى للقاضى أن يكشف الشهود بالزنا عن شهادتهم كيف رأوه؟ وكيف صنع؟
فان رأى فى شهادتهم ما يبطلها أبطلها.
وفى المجموعة قال ابن القاسم كل الشهود لا يفرقون، ولا يسألون ان كانوا عدولا، الا فى الزنا، فانهم يفرقون ويسألون أنه أدخل فرجه فى فرجها.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 319 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل لمختصر خليل لسيدى محمد ابن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق مع مواهب الجليل المعروف بالحطاب فى كتاب ج 6 ص 178، 179 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
قال مالك لا تتم شهادتهم حتى يقولوا كالمرود فى المكحلة فى البكر والثيب.
قال الغزالى: ونيط الزنا بهذا، وهذا قط لا يتفق.
فهذا من أعظم الأدلة على طلب الشرع لستر الفواحش.
فانظر الى الحكمة فى حرجهم فى باب الفاحشة بايجاب الرجم الذى هو أعظم العقوبات.
ثم أنظر الى كشف ستر الله كيف أسبله على العصاة بتضييق الطريق فى كشفه فنرجوا من الله الستر يوم تبلى السرائر.
وفى الحطاب: قال ابن عرفة وسمع عيسى ابن القاسم فى الشهادة على الشهادة فى الزنا: لا تجوز حتى يشهد أربعة على أربعة فى موضع واحد، ويوم واحد، وساعة واحدة فى موقف واحد على صفة واحدة ..
قال ابن رشد: ليس من شرطها تسمية الموضع ولا اليوم ولا الساعة، وانما شرطها عند ابن القاسم ألا يختلف الأربعة فى ذلك.
فان قالوا: رأيناه معا يزنى بفلانة غائبا فرجه فى فرجها كالمرود فى المكحلة تمت شهادتهم.
وان قالوا: لا نذكر اليوم ولا نحد الموضع - وان قالوا فى موضع كذا ويوم كذا أو ساعة كذا من يوم كذا كان اثم.
وان اختلفوا فى الموضع أو الأيام.
فقال بعضهم: كان ذلك فى موضع كذا.
وقال بعضهم بل كان فى موضع كذا.
أو قال بعضهم فى يوم كذا.
وقال بعضهم بل كان فى يوم كذا.
بطلت شهادتهم عند ابن القاسم.
وجازت عند ابن الماجشون، لأنهم اختلفوا فيما لو لم يذكروه تمت شهادتهم ولم يلزم الحاكم أن يسألهم عنه.
وفى الموازية ان قال أحدهم: زنا بها منكبة وقال بعضهم مستلقية، بطلت الشهادة وحدوا للقذف.
ومنه أيضا سمع عيسى: أن شهد أربعة بزنا رجل بامرأة فشهد اثنان أنها طاوعته، واثنان بأنه اغتصبها حد الأربعة.
وفى التاج والاكليل: ولكل النظر للعورة.
ومن المدونة قيل: ان شهد أربعة على رجل بالزنا فقالوا: تعمدنا النظر اليهما لتثبت الشهادة قال: كيف يشهد الشهود الا هكذا؟
وناقض هذا ابن هارون بعدم اجازته فى اختلاف الزوجين فى عيوب الفرج، وكذا اذا اختلفا فى الاصابة وهى بكر أنها تصدق، ولا ينظرها النساء.
قال القرويون ذلك مشكل.
قال ابن عرفة يرد هذا بثلاثة أوجه:
الأول أن الحد حق الله سبحانه وتعالى وثبوت العيب حق الآدمى، وحق الله عز وجل آكد.
الثانى ما لأجله نظر، وهو الزنا فانه محقق الوجود أو راجح الوجود أما ثبوت العيب فهو محتمل على السوية.
الثالث: المنظور اليه فى الزنا هو مغيب الحشفة ولا يستلزم ذلك من الاحاطة بالنظر الى الفرج ما يستلزمه النظر الى العيب.
وقال اللخمى ان لم يكن هذا الزانى معروفا بالفساد ففى تعمد النظر اليهما نظر.
ويصح أن يقال: لا يكشفون ولا تتحقق عليهم الشهادة، لأن الشهود لو تبين لهم ذلك استحب لهم أن لا يبلغوا الشهادة.
قال ابن عرفة وهذا كله أن عجز الشهود عن منع الفاعلين من اتمام ما قصداه أو ابتدآه من الفعل.
ولو قدروا على ذلك بفعل أو قول فلم يفعلوا بطلت شهادتهم، لعصيانهم بعدم تغيير هذا المنكر، الا أن يكون فعلهم بحيث لا يمنع التغيير.
وينبغى للامام أن يسألهم عن شهادتهم، فان كان فى شهادتهم ما يدرأ الحد درأه، فان غابوا قبل أن يسألهم عن شهادتهم قال ابن القاسم: ان غابوا غيبة بعيدة أو ماتوا أقام الحد بشهادتهم.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(1)
: المستحب أن يحضر اقامة الحد جماعة لقوله تعالى: «وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ» .
والمستحب أن يكونوا أربعة، لأن الحد يثبت بشهادتهم.
ولا يقبل فى الشهادة على الزنا أقل من أربعة أنفس ذكور، لقول الله تبارك وتعالى «فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ، فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتّى يَتَوَفّاهُنَّ الْمَوْتُ، أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً» }.
وروى أن سعد بن عبادة قال: يا رسول الله: أرأيت أن وجدت مع امرأتى رجلا، أمهله حتى آتى بأربعة شهداء؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم.
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 270 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى وبهامشه شرح غريب المهذب لابن بطال الركبى ج 2 ص 332 وما بعدها.
وشهد على المغيرة بن شعبة ثلاثة، أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد.
وقال زياد: رأيت استاتنبو، ونفسا يعلو، ورجلان كأنهما أذنا حمار، لا أدرى ما وراء ذلك، فجلد عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه الثلاثة ولم يجلد المغيرة.
ولا يقبل فى اللواط الا أربعة، لأنه كالزنا فى الحد، فكان كالزنا فى الشهادة.
فأما اتيان البهيمة فان قلنا أنه يجب فيه الحد، فهو كالزنا فى الشهادة، لأنه كالزنا فى الحد، فكان كالزنا فى الشهادة.
وان قلنا أنه يجب فيه التعزير ففيه وجهان.
أحدهما وهو قول أبى على بن خيران واختيار المزنى رحمه الله تعالى أنه يثبت بشاهدين، لأنه لا يلحق بالزنا فى الحد فلم يلحق به فى الشهادة.
والثانى وهو الصحيح أنه لا يثبت الا بأربعة لأنه فرج حيوان يجب بالايلاج فيه العقوبة، فاعتبر فى الشهادة عليه أربعة كالزنا.
ونقصانه عن الزنا فى العقوبة لا يوجب نقصانه عنه فى الشهادة، كزنا الأمة ينقص عن زنا الحرة فى الحد ولا ينقص عنه فى الشهادة.
وان شهد ثلاثة بالزنا ففيه قولان.
أحدهما أنهم قذفوه ويحدون، وهو أشهر القولين، لأن عمر رضى الله تعالى عنه جلد الثلاثة الذين شهدوا على المغيرة.
وروى ابن الوصى أن ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا، وقال الرابع: رأيتهما فى ثوب واحد، فان كان هذا زنا فهو ذلك، فجلد على ابن أبى طالب رضى الله تعالى عنه الثلاثة، وعزر الرجل والمرأة.
ولأنا لو لم نوجب الحد جعل القذف بلفظ الشهادة طريقا الى القذف.
والقول الثانى: أنهم لا يحدون، لأن الشهادة على الزنا أمر جائز، فلا يوجب الحد كسائر الجائزات، ولأن ايجاب الحد عليهم يؤدى الى أن لا يشهد أحد بالزنا، خوفا من أن يقف الرابع عن الشهادة، فيحدون، فتبطل الشهادة على الزنا.
وان شهد أربعة على امرأة بالزنا وأحدهما الزوج ففيه وجهان.
أحدهما وهو قول أبى اسحاق وظاهر النص أنه يحد الزوج قولا واحدا.
الا أنه لا تجوز شهادته عليها بالزنا، فجعل قاذفا وفى الثلاثة قولان.
والثانى وهو قول أبى على بن أبى هريرة
أن الزوج كالثلاثة، لأنه أتى بلفظ الشهادة فيكون على القولين.
فان شهد أربعة على رجل بالزنا فرد الحاكم شهادة أحدهم.
فان كان بسبب ظاهر بأن كان عبدا أو كافرا أو متظاهرا بالفسق كان كما لو لم يتم العدد، لأن وجوده كعدمه.
وان كان بسبب خفى كالفسق الباطن ففيه وجهان.
أحدهما: أن حكمه حكم ما لو نقص بالعدد لأن عدم العدالة كعدم العدد.
والثانى: أنهم لا يحدون قولا واحدا، لأنه اذا كان الرد بسبب فى الباطن لم يكن من جهتهم تفريط فى الشهادة، لأنهم معذورون، فلم يحدوا، واذا كان بسبب ظاهر كانوا مفرطين فوجب عليهم الحد.
وان شهد أربعة بالزنا ورجع واحد منهم قبل أن يحكم بشهادتهم لزم الراجع حد القذف، لأنه اعترف بالقذف.
ومن أصحابنا من قال: فى حده قولان، لأنه أضاف الزنا اليه بلفظ الشهادة وليس بشئ.
وأما الثلاثة فالمنصوص أنه لا حد عليهم قولا واحدا، لأنه ليس من جهتهم تفريط، لأنهم شهدوا والعدد تام، ورجوع من رجع لا يمكنهم الاحتراز منه.
ومن أصحابنا من قال فى حدهم قولان، وهو ضعيف.
فان رجعوا كلهم وقالوا تعمدنا الشهادة وجب عليهم الحد.
ومن أصحابنا من قال فيه قولان وليس بشئ.
وان شهد أربعة على امرأة بالزنا، وشهد أربع نسوة أنها بكر لم يجب عليها الحد، لأنه يحتمل أن تكون البكارة أصلية لم تزل، ويحتمل أن تكون عائدة، لأن البكارة تعود اذا لم يبالغ فى الجماع، فلا يجب الحد مع الاحتمال.
ولا يجب الحد على الشهود، لأنا اذا درأنا الحد عنها لجواز أن تكون البكارة أصلية، وهم كاذبون، وجب أن تدرأ الحد عنهم، لجواز أن تكون البكارة عائدة وهم صادقون.
وفى البجرمى
(1)
: يثبت الزنا ببينة لقوله تعالى: «وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» }.
ولو شهد أربعة رجال بزناها وأربع من النسوة، أو رجلان، أو رجل وامرأتان بأنها عذراء، فلا حد عليها للشبهة، لأن الظاهر من حال العذراء أنها لم توطأ.
ولا حد على قاذفها أيضا، لقيام البينة بزناها، ولاحتمال أن العذرة زالت ثم عادت، لترك المبالغة فى الافتضاض.
ولا حد على الشهود كذلك لقوله تعالى «وَلا يُضَارَّ كاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ» }.
وفى المهذب
(2)
: ومن شهد بالزنا ذكر الزانى ومن زنا به، لأنه قد يراه على بهيمة فيعتقد أن ذلك زنا، والحاكم لا يعتقد أن ذلك زنا، أو يراه على زوجته أو جارية ابنه فيظن أنه زنى.
ويذكر صفة الزنا، فان لم يذكر أنه أولج، أو رأى ذكره فى فرجها، لم يحكم به، لأن زيادا لما شهد على المغيرة عند عمر رضى الله عنه، ولم يذكر ذلك فلم يقم الحد على المغيرة.
فان لم يذكر الشهود ذلك سألهم الامام عنه.
فان شهد ثلاثة بالزنا ووصفوا الزنا وشهد الرابع ولم يذكر الزنا لم يجب الحد على المشهود عليه، لأن البينة لم تكمل ولم يحد الرابع حد القذف، لأنه لم يذكر الزنا ولم يشهد به.
وهل يجب الحد على الثلاثة؟ فيه قولان.
وان شهد أربعة بالزنا، وفسر ثلاثة منهم بالزنا. وفسر الرابع بما ليس بزنا لم يحد المشهود عليه، لأنه لم تكمل البينة، ويجب الحد على الرابع قولا واحدا، لأنه قذفه بالزنا، ثم ذكر ما ليس بزنا.
وهل يحد الثلاثة؟ على القولين.
فان شهد أربعة بالزنا ومات واحد منهم قبل أن يفسر، وفسر الباقون بالزنا لم يجب الحد على المشهود عليه، لجواز أن يكون ما شهد به الرابع ليس بزنا.
ولا يجب على الشهود الباقين الحد
(1)
انظر حاشية الشيخ سليمان البجرمى وبهامشه نفائس ولطائف من تقرير الشيخ محمد المرصفى ج 4 ص 213، 214 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1345 هـ.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 336 الطبعة السابقة.
لجواز أن يكون ما شهد به الرابع زنا، فلا يجب الحد مع الاحتمال.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المحرر
(1)
: يثبت الزنا بأحد أمرين:
الأول: الاقرار.
والثانى: أن يشهد عليه فى مجلس واحد أربعة بزنا واحد، ويصفوه ممن تقبل شهادتهم فيه، سواء أتوا الحاكم جملة أو متفرقين، وسواء صدقهم أو لم يصدقهم.
فان شهد دون أربعة فهم قذفة يحدون حد القذف.
وان شهد الأربعة فى مجلسين أو أكثر، أو كانوا فسقة أو عميانا، أو بعضهم، أو بان فيهم صبى مميز أو امرأة أو عبد ولم نقبله، حدوا للقذف.
وعنه لا يحدون لكونهم أربعة.
وعنه يحد العميان ومن فيهم أعمى دون غيرهم ولو كان أحد الأربعة الزوج لا عن وحد الثلاثة على الأولى.
وعلى الأخرى لا لعان، ولا حد بحال.
ولو كان الأربعة مستورى الحال أو عدولا ولكن مات أحدهم قبل أن يصف الزنا أو كانت شهادتهم على بكر فشهد ثقات النساء بعذرتها لم يحد الشهود ولا المشهود عليه، نص عليه.
واذا شهد أربعة بزنا واحد، لكن قال اثنان: كان الزنا فى بيت كذا أو بلد كذا، أو يوم كذا. وقال اثنان بل كان فى بيت، أو بلد أو يوم آخر لم تقبل شهادتهم وهل هم قذفة فيحدون أم لا على روايتين وعنه تقبل شهادتهم فيحد من شهدوا عليه وان شهد اثنان بأن الزنا كان فى زاوية معينة من بيت صغير، واثنان أنه كان فى زاوية أخرى منه، أو قال اثنان كان الزنا فى قميص أبيض، وقال اثنان فى قميص أحمر كملت شهادتهم على الروايتين.
وقيل: لا تكمل على الأولى.
فعلى هذا هل يحدون للقذف؟ وجهان.
ولو اتفق الأربعة على تعدد المكان، أو الزمان، لم تكمل شهادتهم، وحدوا للقذف رواية واحدة.
(1)
المحرر فى الفقه للشيخ الامام مجد الدين أبى البركات ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين بن تيمية لشمس الدين ابن مفلح الحنبلى المقدسى ج 2 ص 154، 155 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ.
ولو قال اثنان زنى بها مطاوعة، واثنان زنى بها مكرهة لم تقبل شهادتهم.
قال أبو بكر والقاضى: ويحد شاهدا المكان، لقذف المرأة، وهل يحد الأربعة لقذف الرجل؟ على وجهين.
وقال أبو الخطاب تقبل شهادتهم على الرجل فيحد دونهم ودون المرأة.
واذا شهد أربعة بالزنا فرجع أحدهم قبل الحد حد الأربعة.
وعنه يحدون الا الراجع.
ويتخرج أن لا يحد سواه اذا رجع بعد الحكم وقبل الحد.
ولو رجع الكل فهل يحدون؟ على الروايتين فى الواحد.
ولو رجع أحدهم بعد اقامة الحد فلا حد الا على الراجع، اذا كان الحد جلدا أو رجما وقلنا يورث حد القذف.
واذا شهد أربعد على رجل أنه زنى بامرأة فشهد أربعة على الشهود أنهم هم الزناة بها لم يحد المشهود عليه.
وفى حد الشهود الأولين حد الزنا روايتان.
وعلى كلتيهما فى حدهم للقذف روايتان أيضا.
فاذا حملت امرأة لا زوج لها ولا سيد لم تحد لذلك.
وعنه تحد به اذا لم تدع شبهة.
ولو زنى متزوج له ولد فأنكر أن يكون وطئ زوجته لم يرجم.
فان شهد عليه بينة. أنه قال جامعتها أو وطئتها رجم.
وان قال دخلت بها فوجهان.
وفى كشاف القناع
(1)
: لا يعتبر ذكر مكان الزنا عند أبى حامد.
والمذهب خلافه.
ولا يعتبر ذكر المزنى بها ان كانت الشهادة على رجل، لأنه لم يأت فى الحديث الصحيح ذكر المزنى بها ولا مكان الزنا.
وقطع فى المنته فى الشهادات بأنه يعتبر ذكرهما.
(1)
من كشاف القناع على متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منته الارادات للشيخ منصور ابن يونس البهوتى ج 4 ص 60 الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
ولا يعتبر ذكر الزانى ان كانت الشهادة على المرأة كعكسه.
ويكفى اذا شهدوا أنهم رأوا ذكره فى فرجها لحصول العلم بالزنا.
والتشبيه بالمرود فى المكحلة والرشاء فى البير تأكيد.
وذكر ابن قدامة
(1)
فى المغنى أن الخرقى ذكر فى شهود الزنا سبعة شروط.
الشرط السادس منها: أن يصفوا الزنا فيقولوا: رأينا ذكره فى فرجها كالمرود فى المكحلة والرشاء فى البئر، وهذا قول معاوية بن أبى سفيان والزهرى وأبى ثور وابن المنذر وأصحاب الرأى، لما روى فى قصة ما عز أنه لما أقر عند النبى صلى الله عليه وسلم بالزنا فقال: أوطئتها حتى غاب ذلك منك فى ذلك منها كما يغيب المرود فى المكحلة والرشاء فى البئر قال نعم، واذا اعتبر التصريح فى الاقرار كان اعتباره فى الشهادة أولى.
وروى أبو داود باسناده عن جابر قال:
جاءت اليهود برجل منهم وامرأة زنيا فقال النبى صلى الله عليه وسلم أئتونى بأعلم رجلين منكم فأتوه بابنى صوريا فنشدهما: كيف تجدان أمر هذين فى التوراة قالا: نجد فى التوراة اذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره فى فرجها مثل الميل فى المكحلة رجما قال النبى صلى الله عليه وسلم فما يمنعكم أن ترجموهما؟ قالا: ذهب سلطاننا وكرهنا القتل، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره فى فرجها مثل الميل فى المكحلة، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم برجمهما.
ولأنهم اذا لم يصفوا الزنا احتمل أن يكون المشهود به لا يوجب الحد فاعتبر كشفه.
قال بعض أهل العلم: يجوز للشهود أن ينظروا الى ذلك منهما، لاقامة الشهادة عليهما، ليحصل الردع بالحد.
ويشترط أن يكون الشهود رجالا كلهم ولا تقبل فيه شهادة النساء بحال ولا نعلم فيه خلافا.
الا شيئا يروى عن عطاء وحماد أنه يقبل فيه ثلاثة رجال وامرأتان.
وهو شذوذ لا يعول عليه، لأن لفظ الأربعة اسم لعدد المذكورين، ويقتضى أن يكتفى فيه بأربعة.
(1)
المغنى للامام أبى محمد عبد الله بن محمود بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين الخرقى على الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن المقدسى ج 10 ص 175 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
ولا خلاف فى أن الأربعة اذا كان بعضهم نساء لا يكتفى بهم، وأن أقل ما يجزئ خمسة، وهذا خلاف النص ولأن فى شهادتهم شبهة لتطرق الضلال اليهم قال الله تعالى
(1)
«أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» والحدود تدرأ بالشبهات.
ثم قال فى المغنى
(2)
: واذا تمت الشهادة بالزنا فصدقهم المشهود عليه بالزنا لم يسقط الحد، خلافا لأبى حنيفة.
وان شهد شاهدان واعترف هو مرتين لم تكمل البينة ولم يجب الحد.
وان كملت البينة ثم مات الشهود أو غابوا جاز الحكم بها واقامة الحد، لأن كل شهادة جاز الحكم بها مع حضور الشهود، جاز مع غيبتهم كسائر الشهادات، واحتمال رجوعهم ليس بشبهة، كما لو حكم بشهادتهم.
وان شهدوا بزنا قديم أو أقربه وجب الحد لعموم الآية، ولأنه حق يثبت على الفور، فيثبت بالبينة بعد تطاول الزمان، كسائر الحقوق وان شهد أربعة بالزنا على امرأة فشهد ثقات من النساء أنها عذراء، فلا حد عليها، ولا حد على الشهود كذلك.
وبهذا قال الشعبى والثورى وأبو ثور وأصحاب الرأى.
والدليل عليه أن البكارة تثبت بشهادة النساء ووجودها يمنع من الزنا ظاهرا لأن الزنا لا يحصل بدون الايلاج فى الفرج، ولا يتصور ذلك مع بقاء البكارة لأن البكر هى التى لم توطأ فى قبلها.
واذا انتفى الزنا لم يجب الحد، كما لو قامت البينة بأن المشهود عليه بالزنا مجبوب.
وانما لم يجب الحد على الشهود، لاحتمال صدقهم.
فانه يحتمل أن يكون وطئها ثم عادت عذرتها، فيكون ذلك شبهة فى درء الحد عنهم غير موجب له عليها، فان الحد لا يجب بالشبهات، ويجب أن يكتفى بشهادة امرأة واحدة، لأن شهادتها مقبولة فيما لا يطلع عليه الرجال.
فأما ان شهدت بأنها رتقاء، أو ثبت أن الرجل المشهود عليه مجبوب، فينبغى أن يجب الحد على الشهود، لأنه يتيقن كذبهم فى شهادتهم بأمر لا يعلمه كثير من الناس، فوجب عليهم الحد.
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى وبهامشه الشرح الكبير ج 10 ص 186 وما بعدها الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(1)
:
لا يجوز أن يقبل فى شئ من الشهادات من الرجال والنساء الا عدل رضى لقول الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» }.
وفى موضع آخر منه
(2)
: ولا يجوز أن يقبل فى الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين، أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين أو رجلين وأربع نسوة أو رجلا واحدا وست نسوة، أو ثمان نسوة فقط.
وذلك لقول الله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» }.
وقال ابن حزم الظاهرى
(3)
: واذا لم يتم الشهود أربعة حدوا حد القذف.
لما روى عن عبد الرحمن بن أبى بكرة أن أبا بكرة وزيادا ونافعا وشبل بن معبد كانوا فى دار أبى عبد الله فى غرفة ورجل فى أسفل ذاك اذ هبت ريح ففتحت الباب ووقعت الشقة، فاذا رجل بين فخذيها فقال بعضهم: قد ابتلينا بما ترون فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقوموا بشهادتهم، فلما حضرت صلاة العصر أراد الرجل أن يتقدم فيصلى بالناس فمنعه أبو بكرة وقال:
لا والله لا تصلى بنا وقد رأينا ما رأينا فقال الناس: دعوه فليصل فانه الأمير واكتبوا بذلك الى عمر بن الخطاب، فكتبوا الى عمر رضى الله تعالى عنه فكتب عمر بن الخطاب:
أن أقدموا على فلما قدموا شهد عليه أبو بكرة ونافع وشبل، وقال زياد: رأيت ورأيت ولكن لا أدرى أنكحها أم لا، فجلدهم عمر بن الخطاب رضى الله عنه الا زيادا، فقال أبو بكرة: ألستم قد جلدتمونى قالوا:
بلى، قال: فأشهد بالله ألف مرة لقد فعل، فأراد عمر بن الخطاب أن يجلده الثانية، فقال على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه أن كانت شهادة أبى بكرة شهادة رجلين فارجم صاحبك والا فقد جلدتموه.
وروى من طريق عبد الرازق عن معمر عن بديل العقيلى عن أبى الوضاح قال: شهد ثلاثة نفر على رجل وامرأة بالزنا وقال الرابع:
رأيتهما فى ثوب واحد فان كان هذا زنا فهو ذاك فجلد على الثلاثة وعزر الرجل والمرأة
وقال ابن حزم
(4)
: وان شهد أربعة بالزنا على امرأة وأحدهم زوجها فالحكم فى هذا على ثلاثة أوجه.
(1)
المحلى للامام أبى محمد على بن أحمد ج 9 ص 393 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 395.
(3)
المحلى للامام أبى محمد على بن أحمد ابن سعيد بن حزم الظاهرى ج 11 ص 359 مسألة رقم 2218 طبع ادارة الطباعة المنيرية المطبعة الأولى سنة 1352 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 11 ص 261 مسألة رقم 2219 الطبعة السابقة.
اذا كان الزوج قاذفا، فلا بد من أربعة شهود سواه، والا حد أو يلاعن.
فان لم يكن قاذفا لكن جاء شاهدا فان كان عدلا ومعه ثلاثة عدول، فهى شهادة تامة، وعلى المشهود عليها حد الزنا كاملا.
وان كان الزوج غير عدل، أو كان عدلا، وكان فى الذين معه غير عدل، أو لم يتم ثلاثة سواه والشهادة لم تتم، فلا حد على المشهود عليه، وليس الشهود قذفة فلا حد عليهم، ولا حد على الزوج ولا لعان، لأنه ليس قاذفا.
ثم قال ابن حزم
(1)
: وان شهد أربعة بالزنا على امرأة وشهد أربع نسوة أنها عذراء، فوجب أن يقرر النساء على صفة عذرتها، فان قلن أنها عذرة يبطلها ايلاج الحشفة ولا بد، وأنه صفاق عند باب الفرج فقد أيقنا بكذب الشهود وأنهم وهموا فلا يحل انفاذ الحكم بشهادتهم، وان قلن أنها عذرة واغلة فى داخل الفرج لا يبطلها ايلاج الحشفة، فقد أمكن صدق الشهود اذ بايلاج الحشفة يجب الحد فيقام الحد عليها حينئذ، لأنه لم يتيقن كذب الشهود ولا وهمهم.
أما الشهود الذين يحضرون اقامة حد الزنا عملا بقوله سبحانه وتعالى:
«وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»
(2)
.
فليس عند ابن حزم عدد معين لا بد من حضوره.
فقد قال
(3)
: لو أراد الله سبحانه وتعالى من قوله: وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين» عددا معينا لبينة، ولأوقفنا عليه ولم يدعنا نخبط فيه عشواء حتى نتكهن فيه الظنون الكاذبة.
وقالت طائفة: هى واحد من الناس فان زاد فجائز وهو قول ابن عباس.
وقالت طائفة: الطائفة اثنان فصاعدا وهو قول عطاء، وبه يقول اسحق بن راهوية
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(4)
: يحد الزانى بشروط أربعة، سواء كان المشهود عليه حرا أم عبدا أنثى أم ذكرا.
أحدها أن يثبت الزنا بشهادة أربعة فلو كانوا دون ذلك لم يصح.
(1)
المرجع السابق ج 11 ص 263 مسألة رقم 2220 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 2 من سورة النور.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 11 ص 264 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
التاج المذهب لأحكام المذهب لابن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 210 الطبعة السابقة.
ويصح أن يكون القاذف للمشهود عليه مكملا للأربعة أى هو رابعهم.
والثانى والثالث والرابع أن يكون بشهادة رجال أصول عدول ولو كانوا عبيدا، فلا تصح شهادة النساء ولا الفروع ولا المجروح عدالتهم أو بشهادة أربعة ذميين من عدولهم حيث كانت الشهادة على ذمى فتجوز شهادتهم عليه.
ولو كان الشهود متفرقين أو مجتمعين فان شهادتهم تصح هذا مذهبنا.
وان جاءوا مجتمعين لم يفرقوا.
ولا بد أن يكون الشهود قد اتفقوا على اقراره كما مر من كونه جامعا للشروط المعتبرة، ولم يشهدوا بالاقرار بل بالفعل.
فلا بد أن يشهدوا على حقيقته وهو الايلاج لأنه يجوز النظر الى عورة الغير عند الضرورة كتحمل الشهادة على الرضاع أو على الزنا.
ومكانه نحو موضع كذا.
ووقته نحو فى يوم كذا.
وكيفيته من اضطجاع أو قيام أو غير ذلك.
فان اتفقت شهادتهم على ذلك لزم الحد.
وان اختلفت فى شئ منه أو اجملوا ولم يفصلوا نحو أن يقولوا: جامعها أو باضعها أو زنى بها ولم يفسروا بما ذكر لم تصح شهادتهم ولا حد عليهم لكمال البينة.
ولا فرق بين أن يكون المشهود عليه حرا أم عبدا، أو تكون الشهادة على اتيان الذكر أم الأنثى، أو اتيان المرأة فى قبلها أم فى دبرها.
فمتى ثبت الزنا جلد المختار للزنا المكلف.
فلو كان مكرها سقط عنه الحد -
وحد الاكراه الذى يسقط معه الحد هو الاضرار ونحوه -.
أو كان مجنونا أو صغيرا فلا حد عليه أيضا.
واذا رجع الشهود بعد الرجم ولم يقروا بالعمد فانه يجب على شاهدى الاحصان ثلث الدية، وعلى شهود الزنا ثلثان، سواء كانوا أربعة أم أزيد، وسواء رجعوا مع شاهدى الاحصان أم لا، وذلك لأن القتل وقع بمجموع شهادتهم.
ويلزم شاهدى الاحصان الثلثان من الدية ان كانا من جملة الأربعة الذين شهدوا بالزنا، لأن ثلثها لزمهما لكونهما شهدا بالاحصان، وثلثها لكونهما شهدا بالزنا.
(1)
التاج المذهب ج 4 ص 220
ولا شئ من الضمان على المزكى لشهود الاحصان، أو شهود الزنا عن الدية، لأنه كفاعل السبب وهم مباشرون.
وكذا لا شئ من الضمان على الراجم والجالد.
واذا أقر الزانى بعد اقامة الشهادة، فاذا كان الاقرار دون أربع مرات بطل استناد الحكم الى الشهادة، وبه يسقط الحد، ويستند الى الاقرار.
ولا يكفى لاقامة الحد دون أربع مرات.
فان أقر أربع مرات بطلت الشهادة وحد باقراره، فلو رجع بطل الحد.
ولو أعاد الشهود شهادتهم بعد رجوعه لم تسمع، لأنه فى هذه الصورة يؤدى الى التسلسل.
وان أقر بالزنا دون أربع قبل قيام الشهادة فلا تسمع الشهادة، لأنها لا تكون الا عن انكار ولم ينكر.
ولا يحد لعدم اكمال الاقرار.
واذا قامت الشهادة على امرأة بالزنا، وشهدت العدلة من النساء أنها رتقاء أو عذراء سقط الحد عنها، ما لم يضف الشهود الى شهادتهم ان الفعل فى الدبر لم يسقط الحد عنها.
ويسقط الحد عن الشهود فلا يحدون للقذف، ولكن يعزرون، لأن قاذف الرتقاء والعذراء لا يحد.
ولا شئ على الشهود والحاكم والامام اذا شهدت العدلة بأن المرجومة أو المجلودة رتقاء أو عذراء بعد التنفيذ للحد، لأنه لم يضف الى شهادة العدالة حكم بخلاف شهادة الزنا ولأنه لا يحكم بشهادة النساء وحدهن فى حد ولا مال.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(1)
: ولو شهد فى الزنى أقل من النصاب المعتبر فيه وهو أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتان أو رجلان وأربعة نسوة - وان ثبت بالأخير الجلد خاصة - حدوا، أى من شهد أقل من النصاب وان كان واحدا حدوا للفرية وهى الكذبة العظيمة.
ويشترط فى قبول الشهادة به ذكر المشاهدة للايلاج كالميل فى المكحلة.
قال الصادق عليه السلام: لا يرجم الرجل والمرأة حتى يشهد عليهما أربعة شهداء على الجماع، والايلاج، والادخال كالميل فى المكحلة.
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 350، 351 طبع دار احياء الكتب المصرية.
وفى صحيحة الحلبى عنه قال: حد الرجم أن يشهد أربعة أنهم رأوه يدخل ويخرج.
وكذا لا يكفى دعوى المعاينة حتى يضموا اليها قولهم من غير عذر ولا شبهة الى آخر ما يعتبر. ولا بدمع ذلك من اتفاقهم على الفعل الواحد فى الزمان الواحد والمكان الواحد.
فلو اختلفوا فى أحدها، بأن شهد بعضهم على وجه مخصوص والباقون على غيره، أو شهد بعضهم بالزنا غدوة، والأخرون عشية، أو بعضهم فى زاوية مخصوصة أو بيت، والآخرون فى غيره حدوا للقذف.
والظاهر أنه لا بد من ذكر الثلاثة - الفعل الواحد، والزمان الواحد، والمكان الواحد فى الشهادة، والاتفاق عليها.
فلو اطلقوا أو بعضهم حدوا وان لم يتحقق الاختلاف مع احتمال الاكتفاء بالاطلاق، لاطلاق الاخبار السابقة وغيرها.
واشتراط عدم الاختلاف حيث يقيدون بأحد الثلاثة.
وكذلك يشترط اجتماعهم حال اقامتها دفعة، بمعنى أن لا يحصل بين الشهادات تراخ عرفا لا بمعنى تلفظهم بها دفعة وان كان جائزا.
ولو أقام بعضهم الشهادة فى غيبة الباقى حدوا. ولم يرتقب الاتمام، لأنه لا تأخير فى حد.
وقد روى عن على عليه السلام فى ثلاثة شهدوا على رجل بالزنا فقال: أين الرابع. فقالوا: الآن يجئ فقال عليه السلام: حدوهم فليس فى الحدود نظر ساعة.
وهل يشترط حضورهم فى مجلس الحكم دفعة قبل اجتماعهم على الاقامة؟ قولان.
اختار أولهما العلامة فى القواعد.
وثانيهما فى التحرير، وهو الاجود، لتحقق الشهادة المتفقة، وعدم ظهور المنافى مع الشك فى اشتراط الحضور دفعة.
والنص لا يدل على أزيد من اعتبار عدم تراخى الشهادة.
ويتفرع على القولين ما لو تلاحقوا واتصلت شهاداتهم، بحيث لم يحصل التأخير.
فعلى القول الأول يحدون هنا بطريق أولى.
وعلى القول الثانى يحتمل القبول وعدمه، نظرا الى فقد شرط الاجتماع
حالة الاقامة دفعة وانتفاء العلة الموجبة للاجتماع، وهى تأخير حد القاذف، فانه لم يتحقق هنا.
وحيث يحد الشاهد أولا قبل حضور أصحابه اما مطلقا أو مع التراخى، فان جاء الآخرون بعد ذلك وشهدوا، حدوا أيضا، لفقد شرط القبول فى المتأخر كالسابق.
ولا يقدح تقادم الزنا المشهود به فى صحة الشهادة، للأصل.
وما روى فى بعض الأخبار من أنه متى زاد عن ستة أشهر لا يسمع فهو شاذ.
ولا يسقط الحد ولا الشهادة بتصديق الزانى الشهود، ولا بتكذيبهم.
أما مع التصديق فظاهر.
وأما مع التكذيب، فلأن تكذيب المشهود عليه لو أثر لزم تعطيل الاحكام.
وفى الروضة البهية فى موضع
(1)
آخر: قال: لو شهد للمشهود عليها بالزنا أربع نساء بالبكارة بعد شهادة الأربعة بالزنا قبلا فالأقرب درء الحد أى دفعه عن الجميع.
المرأة والشهود بالزنا لتعارض الشهادات ظاهرا، فانه كما يمكن صدق النساء فى البكارة، ويمكن صدق الرجال فى الزنا، وليس أحدهم أولى من الآخر، فتحصل الشبهة الدارئة للحد عن المشهود عليه، وكذا عن الشهود، ولامكان عودة البكارة.
وللشيخ قول بحد شهود الزنا للفرية.
وهو بعيد.
نعم لو شهدن أن المرأة رتقاء أو ثبت أن الرجل مجبوب حد الشهود للقذف، مع احتمال السقوط فى الأول للتعارض ولو لم يقيده بالقبل فلا تعارض.
وفى موضع آخر ويشترط للشهادة على اللواط أربعة رجال عدول يشهدون بالمعاينة للفعل، كما يشهدون فى الزنا.
والسحق وهو دلك فرج المرأة بفرج أخرى يثبت بشهادة أربعة رجال عدول لا بشهادة النساء منفردات ولا منضمات.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(2)
: وان شهد على امرأة بزنى ثلاثة ورابعهم زوجها فهل يلاعنها ويحد الثلاثة؟.
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 358، 361، 363 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 545 الطبعة السابقة.
وهذا هو المختار فى الديوان وصاحب الأصل.
ووجهه أن الزوج مدع فلا تجوز شهادته.
كما لا تجوز شهادة من جر لنفسه نفعا فى المال أو دفع ضرا عن نفسه.
وذلك أن فى شهادته عليها بالزنى نفى الولد واسقاط حقوقها وابطال صداقها أو هو أجوزهم فى الشهادة، لأن فى شهادته عليها بذلك تفويت زوجته عن نفسه، واطلاق الألسنة عليه بأن زوجته فعلت كذا، وذلك قدح فى عرضه، فلولا ماله من العلم فيما شهد به لم يشهد بذلك على ما فيه من الاضرار به ولو شاء مجرد الفراق بينه وبينها لطلقها، لأن الطلاق بيده وفيه السلامة من ذلك الضرر.
وعلى هذا القول فترجم ولا يلاعنها.؟ خلاف.
وقال صاحب شرح النيل
(1)
: ان شهد أربعة رجال على رجل أنه زنى وهو محصن فرجمه الامام، ثم رجعوا قتلوا ولا يرثونه ان كانوا ورثته.
وقيل: لا يقتلون وعليهم الدية.
وان رجع بعض ضمن منابه من الدية وان لم يحصن فجلده القاضى أو الامام فرجعوا ضمنوا الأرش، ومن مات بالجلد ضمنوا الدية.
وان رجعوا قبل أن يتم الجلد أو الرجم اشتغل بهم.
وقيل: لا فيتم الجلد أو الرجم وضمنوا دية ما فعل الامام قبل أن يرجعوا أو القاضى.
وان شهد أربعة على الزنا وشهد اثنان أنه محصن فرجمه الامام، ثم رجعوا ضمنوا سواء على الرءوس.
وقيل: يضمن شهود الزنا نصف الدية وشاهد الاحصان النصف الآخر.
وقيل: لا ضمان عليهما.
الاشهاد فى تصرفات الأمناء
اتفق الفقهاء على أن أولياء اليتامى وأصياءهم والقائمين عليهم مطالبون بالاشهاد على دفع أموالهم اليهم عند بلوغهم وايناس الرشد منهم بعد الابتلاء والاختبار.
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 642 الطبعة السابقة
فانه صريح فى الأمر بدفع الأموال اليهم والاشهاد على هذا الدفع.
واختلفوا فى هذا الأمر هل هو للندب والاستحباب كما قال البعض، لأن الأولياء والأوصياء أمناء فى مال اليتيم والقول قولهم باليمين.
أو هو للفرض كما هو ظاهر الآية، والوصى ليس بأمين اليتيم وانما هو أمين الأب الذى اختاره فلا يقبل قوله فى دفع المال ببينة.
وعن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن الاشهاد المأمور به فى الآية انما هو على دفع الوصى فى حال يسره ما استقرضه من مال اليتيم وأكله فى حال فقره.
وتكون الآية دليلا على وجوب القضاء على من أكل من مال اليتيم شيئا، وأن هذا يعتبر قرضا يجب رده وقضاؤه.
وقال بعض: ان المراد اذا انفقتم شيئا على اليتيم، أو اشتريتم له بعض حاجة فأشهدوا، حتى يمكن اقامة البينة اذا وقع خلاف فى ذلك. فان كل مال قبض على وجه الأمانة باشهاد لا يبرأ منه قابضه الا بالاشهاد على دفعه وانفاقه.
وقد قالوا يجوز للوصى أن يصنع فى مال اليتيم ما كان للأب أن يصنعه فيه حال حياته من تجارة وابضاع وبيع وشراء، وعليه أن يؤدى الزكاة من سائر أمواله عين وحرث وماشية وفطرة ويؤدى عنه أروش الجنايات، وقيم المتلفات، ونفقة الوالدين، وسائر الحقوق اللازمة.
ويجوز أن يزوجه ويؤدى عنه الصداق ويصالح له وعليه على وجه النظر له.
واذا قضى الوصى بعض الغرماء وبقى من المال بقية يفى بما عليه من الدين كان فعل الوصى جائزا.
فان تلف باقى المال فلا شئ لباقى الغرماء على الوصى ولا على الذين اقتضوا ديونهم وان اقتضى الغرماء جميع المال ثم أتى غرماء آخرون فان كان عالما بالدين أو كان الميت معروفا بالدين الباقى ضمن الوصى لهؤلاء الغرماء ما كان يصيبهم فى المحاصة ورجع على الذين اقتضوا دينهم بذلك وان لم يكن عالما بالدين الباقى ولا كان الميت معروفا بذلك فلا شئ على الوصى.
واذا دفع الوصى دين الميت بغير اشهاد ضمن.
(1)
الآية رقم 6 من سورة النساء.
وأما ان أشهد وطال الزمان حتى مات الشهود فلا شئ عليه.
ولما ينفقه الوصى والكفيل من مال اليتيم حالتان:
حالة يمكن الاشهاد عليه، فلا يقبل قوله فيه الا ببينة.
وحالة لا يمكن الاشهاد عليه فقوله مقبول فيه بغير بينة فمهما اشترى من العقار وما جرت العادة بالتوثق فيه لم يقبل قوله فيه بغير بينة.
قال ابن خويز منداد: وقد فرقوا بين أن يكون اليتيم فى دار الوصى ينفق عليه فلا يكلف الاشهاد على نفقته وكسوته لأنه يتعذر عليه الاشهاد على ما يأكله ويلبسه فى كل وقت، ولكن اذا قال:
أنفقت نفقة السنة قبل منه.
وبين أن يكون اليتيم عند أمه أو حاضنته فيدعى الوصى أنه كان ينفق عليه، أو كان يعطى الأم أو الحاضنة النفقة والكسوة، فلا يقبل قوله على الأم أو الحاضنة الا ببينة أنها كانت تقتضى ذلك منه مشاهرة أو مسانهة.
وقالوا: أن الآيات التى ذكرت فى أمر الايتام تدل على أن سبيل الايتام أن يلى عليهم غيرهم فى حفظ أموالهم والتصرف عليهم منها فيما يعود نفعه اليهم وهم وصى الأب أو الجد، ان لم يكن وصى أب أو وصى الجد، أن لم يكن أحد من هؤلاء أو أمين حاكم عدل بعد أن يكون الأمين أيضا عدلا.
وكذلك شرط الأوصياء والجد والأب وكل من يتصرف على الصغير لا يستحق الولاية عليه الا أن يكون عدلا مأمونا.
فأما الفاسق والمتهم من الآباء والمرتشى من الحكام والأوصياء والأمناء غير المأمونين فان واحدا من هؤلاء غير جائز له التصرف على الصغير ولا خلاف فى ذلك.
ألا ترى أنه لا خلاف بين المسلمين فى أن القاضى اذا فسق بأخذ الرشوة أو بالميل الى الهوى وترك الحكم بالحق أنه يكون معزولا غير جائز الحكم، فكذلك حكم الله فيمن ائتمنه على أموال الأيتام من قاض أو وصى أو أمين أو حاكم. فغير جائز ثبوت ولايته فى ذلك الا على شرط العدالة وصحة الأمانة.
وقد أمر الله تعالى: أولياء الايتام بالاشهاد عليهم بعد البلوغ بما يدفعون اليهم من أموالهم.
وفى ذلك ضروب من الأحكام.
أحدها الاحتياط لكل واحد من اليتيم ووالى ماله.
فأما اليتيم، فلأنه اذا قامت عليه البينة بقبض المال كان أبعد من أن يدعى ما ليس له.
وأما الوصى، فلأجل أن يبطل دعوى اليتيم بانه لم يدفع المال اليه، كما أمر الله تعالى بالاشهاد على البيوع احتياطا للمتبايعين.
ووجه آخر فى الاشهاد: وهو أنه يظهر أداء أمانته وبراءة ساحته، كما أمر النبى صلى الله عليه وسلم الملتقط بالاشهاد على اللقطة فى حديث عياض بن حماد المجاشعى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من وجد لقطة فليشهد ذوى عدل ولا يكتم ولا يغيب فأمره بالاشهاد لتظهر أمانته وتزول عنه التهمة.
وقد قال أبو حنيفة وأصحابه: اذا ادعى الوصى أنه دفع المال الى اليتيم يصدق.
وكذا اذا قال: انفقت عليه فى صغره صدق فى نفقة مثله.
وكذلك لو قال: هلك المال.
وقال مالك لا يصدق أنه دفع المال الى اليتيم.
وهو قول الشافعى لأن الذى زعم أنه دفع المال اليه غير الذى ائتمنه كالوكيل بدفع المال الى غيره لا يصدق اذا قال دفعت الا ببينة.
وقد قال الله تعالى: «فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ» }. ولو كان يصدق فى قوله دون بينة ما أمر الله بالاشهاد.
ولكن ليس فى الأمر بالاشهاد دليل على أنه غير أمين وغير مصدق فى قوله دفعت، لأن الاشهاد مندوب اليه فى الأمانات كهو فى المضمونات من الديون. فليس فى الأمر بالاشهاد دلالة على أنه غير مصدق اذا لم يشهد.
فان قيل: اذا كان مصدقا فى الرد فما معنى الاشهاد مع قبول قوله بغير بينة؟.
قيل فيه الاحتياط للولى بظهور أمانته وزوال التهمة عنه وأن لا يدعى عليه اليتيم بعد ما قد ظهر رده.
وفيه الاحتياط لليتيم فى ألا يدعى ما يظهر كذبه فيه وفيه أيضا سقوط اليمين عن الوصى اذا كانت له بينة فى دفعه اليه.
ولو لم يشهد وادعى اليتيم أنه لم يدفعه كان القول قول الوصى مع يمينه واذا أشهد فلا يمين عليه.
فهذه المعانى كلها مضمنة بالاشهاد وان كان المال أمانة فى يده.
ويدل على أنه مصدق فيه بغير اشهاد اتفاق الجميع على أنه مأمور بحفظه وامساكه على وجه الأمانة حتى يوصله الى اليتيم فى وقت استحقاقه، فهو بمنزلة الودائع والمضاربات وما جرى مجراها من الأمانات.
فوجب أن يكون مصدقا على الرد، كما يصدق على رد الوديعة.
والدليل على أنه امانة أن اليتيم لو صدقه على الهلاك لم يضمنه، كما أن المودع لو صدق المودع فى هلاك الوديعة لم يضمنها.
مذهب الحنفية:
وهذا رأى الحنفية لا بالنسبة للأوصياء والقائمين على أموال اليتامى والتصرف فيها بالحفظ والاستثمار بل بالنسبة لكل الامناء على الأموال، ومن يتولون شأنا عاما من شئون المسلمين. يشهدون على تصرفاتهم فى الأموال التى تعتبر أمانة تحت أيديهم، وعلى أعمالهم للمصلحة التى عهد اليهم بالعمل لها.
فقد جاء فى جامع الفصولين
(1)
:
ويصح اذن الأب والجد ووصيهما والقاضى ووصيه لليتيم وقنه لا اذن الأم وأخيه وعمه وخاله اذ ليس لهم التصرف فى ماله. والاذن من التصرف.
وللأب أن يسافر بمال طفله وله دفعه مضاربة وبضاعة، وأن يوكل ببيع وشراء واستئجار وأن يودع ماله ويكاتب قنه ويزوج أمته لا قنه ويرهن ماله بدينه، وبدين نفسه.
فلو هلك ضمن قدر المؤدى من دينه.
وله أن يعمل به مضاربة.
وينبغى أن يشهد عليه ابتداء، والا صدق ديانة، ويكون المشترى كله للصبى قضاء.
وكذا لو شاركه ورأس ماله أقل من مال الصبى.
فان أشهد فالربح كما شرط.
والا صدق ديانة لا قضاء.
فالربح على قدر رأس ماليهما قضاء، لأنه لا يستحق الا بالشرط فما لم يثبت الشرط عند القاضى لا يقضى له .. يماثله الوصى فى ذلك كله.
ثم قال فى موضع آخر بعد أن رمز للمنتقى للحاكم الشهيد. نقد الأب من ماله ثمن شئ شراه لولده ونوى الرجوع يرجع ديانة لا قضاء ما لم يشهد .. ولو ثوبا أو طعاما وأشهد أنه يرجع لو له مال.
وان لم يكن له مال فلا يرجع وان أشهد لوجد أنهما عليه فى هذه الحالة لأنه فقير يستحق النفقة.
(1)
جامع الفصولين للامام الشيخ محمود بن اسماعيل الشهير بابن قاضى سماوه ويليه الهامش المسمى بجامع الصغار ويليه الكتاب المسمى اداب الاوصياء ج 2 ص 13، وما بعدها طبع المطبعة الاميرية سنة 1320 هـ.
ولو كان اشترى له قنا أو شيئا لا يلزمه - رجع وان لم يكن له مال ان أشهد.
وان لم يشهد فلا يرجع لأنه يكون متبرعا حينئذ.
ولو أنفق عليه الوصى من ماله ومال اليتيم غائب، فهو متطوع لا يرجع الا أن يشهد أنه قرض عليه أو أنه يرجع.
ولولى
(1)
الصغير أن يجعل ماله مضاربة عند نفسه، وينبغى أن يشهد على ذلك فى الابتداء. ولو لم يشهد يحل له الربح فيما بينه وبين الله تعالى، ولكن القاضى لا يصدقه.
وكذلك اذا شارك ورأس ماله أقل من مال الصغير، فان أشهد فالربح على ما شرط، وان لم يشهد يحل فيما بينه وبين الله تعالى، ولكن القاضى لا يصدقه ويجعل الربح على قدر رأس مالهما.
وفى الفتاوى
(2)
الهندية اذا حجر القاضى بسبب الدين يشهد أنه قد حجر عليه فى ماله.
والاشهاد ليس بشرط لصحة الحجر وانما احتيج اليه، لأنه يتعلق بهذا الحجر أحكام، وربما يقع التجاحد فيحتاج الى اثباته، فيشهد، ليقع الأمن من التجاحد.
وجاء
(3)
فى الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه - الوصى اذا اشترى كسوة للصغير أو اشترى ما يحتاجه من مال نفسه، فانه يرجع اذا أشهد على ذلك.
وفى البزازية انما شرط الاشهاد، لأن قول الوصى فى الانفاق يقبل الا فى حق الرجوع بلا اشهاد.
قلت: لكن فى القنية والخلاصة والخانية له أن يرجع بالثمن، وان لم يشهد، بخلاف الأبوين.
وفى الحاشية نقل فى الشرنبلالية عن العمارية ما يوافق هذا، وما يخالفه.
فقد اضطرب كلام أئمتنا فى الرجوع مطلقا أو بالاشهاد عليه.؟. فليحرر.
أقول والتحرير ما فى أدب الأوصياء عن المحيط أن فى رجوع الوصى بلا اشهاد للرجوع
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 154 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للامام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندى ج 5 ص 62 طبع المطبعة الاميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1310 هـ.
(3)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 5 ص 978 الطبعة السابقة.
اختلاف المشايخ فقد اضطرب كلام الخانية أيضا.
ونقل عن الخلاصة اشتراط الاشهاد خلاف ما نقله الشارح عنها.
ثم قال وفى المنتقى انفق الوصى من مال نفسه على الصبى وللصبى مال غائب فهو متطوع فى الانفاق استحسانا، الا أن يشهد أنه قرض، أو أنه يرجع به عليه، لأن قول الوصى لا يقبل فى الرجوع فيشهد لذلك.
وفى المحيط عن محمد: اذا نوى الأب الرجوع ونقد الثمن على هذه النية، وسعه الرجوع فيما بينه وبين الله تعالى.
أما فى القضاء فلا يرجع ما لم يشهد.
ومثله فى المنتقى.
وفيه أيضا لو شرى الأب لطفله شيئا يجبر هو عليه كالطعام والكسوة لصغيره الفقير، لم يرجع، أشهد، أو لم يشهد، لأنه واجب عليه.
وان شرى له مالا يجب عليه كالطعام لابنه الذى له مال وكالدار والخادم، رجع أن أشهد عليه، والا فلا.
وعن أبى حنيفة فى الدار ونحوها ان كان للابن مال رجع أن أشهد والا لا.
وان لم يكن له مال يرجع أشهد أولا.
وفى الخانية: ولو اشترى لطفله شيئا وضمن عنه ثم نقده من ماله يرجع قياسا لا استحسانا.
قلت فقد تحرر أن فى المسألة قولين:
أحدهما عدم الرجوع بلا اشهاد فى كل من الأب والوصى.
والثانى اشتراط الاشهاد فى الأب فقط.
ومثله الأم اذا كانت وصيا على أولادها.
وعللوه بأن الغالب من شفقة الوالدين الانفاق على الأولاد للبر والصلة لا للرجوع بخلاف الوصى الأجنبى فلا يحتاج فى الرجوع الى الاشهاد.
وقد علمت أن القول الأول استحسان، والثانى قياس، ومقتضاه ترجيح الأول.
وفى ابن عابدين
(1)
: قال فى الدر المختار:
لو ادعى المتولى الدفع قبل قوله بلا يمين.
لكن أفتى المنلا أبو السعود أنه من ادعى
(1)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 3 ص 438 طبع المطبعة العثمانية دار سعادات سنة 1324 هـ.
الدفع من غلة الوقف فى وقفه كأولاده وأولاد أولاده، قبل قوله.
وان ادعى الدفع الى الامام بالجامع والبواب ونحوهما لا يقبل قوله، كما لو استأجر شخصا للبناء فى الجامع بأجرة معلومة ثم ادعى تسليم الأجرة اليه لم يقبل قوله.
وعلق ابن عابدين بقوله: وفى حاشية الخير الرملى. والجواب عما قاله أبو السعود أنها ليس لها حكم الأجرة من كل وجه.
ومقتضى ما قاله أبو السعود أنه يقبل قوله فى حق براءة نفسه، لا فى حق صاحب الوظيفة، لأنه أمين فيما فى يده فيلزم الضمان فى الوقف، لأنه عامل له وفيه ضرر بالوقف.
والقول بأنه اذا دفع لارباب الوظائف والعاملين فى الوقف بالأجر لا يقبل قوله فى غير محله اذ يلزم منه تضمين ناظر الوقف اذا دفع لهم بلا بينة لتعديه.
وفيه نظر، بل الضمان على الوقف، لأنه عامل له ولا تعدى منه أصلا، لأنه دفع حقا لمن يستحقه فأين التعدى اذا لم يشهد؟، والا لزم أنه يضمن أيضا فى مسألة استئجاره شخصا للبناء اذا دفع له الأجرة بلا بينة.
ولذا جاء فى الحامدية وقول العلماء يقبل قوله فى الدفع الى الموقوف عليهم محمول على غير أرباب الوظائف المشروط عليهم العمل.
ألا ترى أنهم اذا لم يعملوا لا يستحقون الوظيفة فهى كالأجرة لا محالة وهو كأنه أجير - فاذ اكتفينا بيمين الناظر يضيع عليه الأجر.
وقال المولى عطاء الله أفندى فى مجموعته: سئل شيخ الاسلام زكريا عن هذه المسألة فأجاب بأنه أن كانت الوظيفة فى مقابلة الخدمة فهى أجرة لا بد للمتولى من أثبات الأداء بالبينة والا فهى صلة وعطية.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير للامام الدردير وحاشية الدسوقى عليه
(1)
: والولى على المحجور من صغير أو سفيه لم يطرأ عليه السفه بعد بلوغه. الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم، إلا بإيصاء من الأب، وله البيع لمال ولده المجحور له مطلقا ريعا أو غيره وان لم يذكر سببه، أى البيع، بل وان لم يكن له سبب لحمله على السداد عند كثير من أهل العلم.
ثم يلى الأب وصيه فوصى الوصى وإن بعد.
(1)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير عليه ج 3 ص 299، 300 الطبعة السابقة.
وهل هو كالأب له البيع مطلقا وان لم يذكر السبب، أو لا يلزمه بيان السبب الا فى الربع أى المنزل. والمراد العقار مطلقا اذا باعه فيبينان السبب.
وعلق الدسوقى على ذلك بقوله: والمراد ببيان السبب اثباته بالبينة لا مجرد ذكره باللسان.
والحاصل أن الأشياخ اختلفوا فيما اذا باع الوصى عقار اليتيم هل يصدق الوصى أنه باعه لذلك السبب ولا يلزمه اقامة البينة عليه، أو لا يصدق، ويلزمه اقامة البينة عليه.؟. قولان.
بخلاف الأب اذا باع عقار ابنه الذى حجره، فأنه لا يكلف اثبات الوجه الذى باع لأجله، بل فعله ذلك محمول على النظر.
ثم يلى الوصى حاكم أو من يقيمه، وباع الحاكم ما دعت الضرورة الى بيعه من مال اليتيم. بثبوت يتمه وأهماله وملكه لما بيع وأنه الأولى بالبيع من غيره وحيازة الشهود له بأن يقولوا للحاكم ولمن وجهه الحاكم معهم: هذا الذى حزناه وأطلعناكم عليه هو الذى شهدنا أو نشهد بأنه ملك اليتيم.
فان شهدت بينة الملك أنه بيت فى المكان الفلانى صفته كذا وكذا وتنته حدوده الى كذا وكذا - كفت وأغنت عن بينة الحيازة كما عندنا بمصر.
قال الدسوقى وحيازة الشهود له أى اطلاع الشهود عليه ان كان عقارا بأن يرسل القاضى جماعة يطلعون عليه، ويطوفون به من داخل ومن خارج، ثم يقولون للحاكم:
هذا الذى حزناه وأطلعنا عليه هو الذى شهد عندك الشهود بأنه ملك للصغير.
أو يرسل القاضى معهم أحدا من طرفه فيقولون له بعد الطواف به: هذا الذى حزناه واطلعنا عليه هو الذى شهد به عند القاضى أنه ملك لليتيم.
وفى لزوم تصريحه بأسماء الشهود الذين شهدوا بذلك قولان، محلهما فى الحاكم العدل الضابط.
وأما غيره فلابد من التصريح بهم، والا نقض حكمه.
وأما الغائب فلا بد من التصريح بهم والا نقض حكمه.
قال الدسوقى ومعنى تصريحه بذلك بأن يكتب فى السجل ثبت عندى بشهادة فلان وفلان يتمه.
وبشهادة فلان وفلان اهماله.
وبشهادة فلان وفلان ملكه لمحل فى جهة كذا.
وجاء فى التاج والاكليل
(1)
: وباع الناظر مالا ينتفع به من غير عقار فى مثله أو شقصه.
وفى المدونة، ما ضعف من دواب حبس السبيل أو بلى من ثيابه فذهبت منفعته بيع ورد من ثمن الدواب فى خيل، فان لم تبلغ ثمن فرس، أو هجين، أو برذون أعين به فى ثمن فرس. ورد ثمن الثياب فى ثياب.
فان قصر عن ثمن ما ينتفع به فرق فى السبيل.
قال ابن عرفة من المدونة وغيرها يمنع بيع ما خرب من ربع الحبس مطلقا.
وعبارة الرسالة. ولا يباع الحبس وان خرب.
ثم قال: واختلف فى المعاوضة بالربع الخرب بربع غير خرب.
وقال ابن رشد: ان كانت هذه القطعة من الأرض المحبسة انقطعت منفعتها جملة وعجز عن عمارتها وكرائها فلا بأس بالمعاوضة فيها بمكان يكون حبسا مكانها، ويكون ذلك بحكم من القاضى بعد ثبوت ذلك السبب والغبطة فى ذلك للعوض عنه، ويسجل ذلك ويشهد به.
مذهب الشافعية:
يقول الشافعية: أن الوصى على اليتيم يعتبر أمين الأب الذى عينه وصيا وليس أمينا لليتيم.
ومن ثم اذا ادعى أنه دفع لليتيم ماله أو أنه انفق عليه فى صغره لا يصدق الا ببينة. فلابد عنده من أن يشهد الوصى على دفع مال اليتيم اليه، لقول الله تبارك وتعالى:«فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفى بِاللهِ حَسِيباً» }.
أمر بالاشهاد على الدفع. ولو كان يصدق فى قوله انه دفع المال الى اليتيم بلا بينة، لما أمره الله بالاشهاد.
وفى تصرف الناظر. جاء فى مغنى
(2)
المحتاج: اذا أجر الناظر العين الموقوفة على غيره مدة بأجرة مثلها فزادت الأجرة فى المدة أو ظهر طالب بالزيادة عليها لم ينفسخ العقد فى الأصح، لأن العقد قد جرى بالغبطة فى وقته فأشبه ما اذا
(1)
مواهب الجليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق فى كتاب ج 6 ص 41، 42 الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للعلامة الامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى ج 2 ص 364 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.
باع الولى مال الطفل ثم ارتفعت القيم بالأسواق أو ظهر طالب بالزيادة.
والثانى ينفسخ اذا كان للزيادة وقع والطالب ثقة لتبين وقوع العقد على خلاف الغبطة.
أما اذا أجر العين الموقوفة عليه فانه يصح قطعا ولو بدون أجرة المثل كما لو أجر المطلق به.
ولو أجر الناظر الموقوف على غيره بدون أجرة المثل فانه لا يصح قطعا.
وأفتى ابن الصلاح فيما اذا أجر الناظر الوقف مدة معلومة بأجرة معلومة وشهد الشاهدان أنها أجرة المثل حالة العقد ثم تغيرت الأحوال وطرأت أسباب توجب زيادة أجرة المثل - أنه يتبين بطلان العقد ويتبين خطأ الشاهدين بأجرة المثل، لأن تقويم المنافع فى مدة ممتدة انما يصح اذا استمرت الحالة الموجودة حالة التقويم التى هى حالة العقد، وليس هذا التقويم كتقويم السلعة الحاضرة.
مذهب الحنابلة:
والحنابلة يرون أن الأوصياء على اليتامى والقائمين على أموالهم مكلفون بأن يدفعوا اليهم أموالهم بعد أن يبلغوا ويأنسوا منهم الرشد.
وهم أمناء على هذه الأموال ماداموا يعملون متبرعين بدون أجر كالمودع.
ويكون القول قولهم فى رد الأموال.
وان كانوا يعملون بأجر فلا يعتبرون كالمودع بل كالمرتهن، والمستعير.
ولا يكون القول قولهم فى الرد بل القول قول اليتيم، لأن الوصى قبض المال لحفظه فلم تقبل دعوى الرد بدون بينة.
والقول فى التصرف فى المال وفى الانفاق عليه وعلى المحجور عليه قول الولى، الا أن يخالف الظاهر أو العرف والعادة فلا يقبل الا ببينة.
والقول قول اليتيم فيما يشهد له الظاهر.
جاء فى كشاف القناع
(1)
: وللولى غير الحاكم وأمينه أن يأكل من مال المولى عليه لقوله تعالى: «وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ» الأقل من أجرة مثله أو قدر كفايته ولو لم يقدره حاكم.
وأما الحاكم وأمينه فلا يأكلان شيئا، لأنهما يستغنيان بمالهما فى بيت المال.
ولا يلزمه عوضه اذا أيسر.
وأن كان غنيا لم يجز له ذلك اذا لم يكن أبا.
(1)
كشاف القناع وبهامشه منته الارادات لابن يونس البهوتى ج 2 ص، 228، 229 الطبعة السابقة.
فان فرض الحاكم للولى شيئا جاز له أخذه مجانا ولو مع غناه.
ولا يقرأ الولى ولا غيره فى مصحف اليتيم لأن ذلك يخلقه.
ويأكل ناظر وقف بمعروف نصا اذا لم يشترط الواقف له شيئا.
وظاهره أن الناظر يأكل بالمعروف ولو لم يكن محتاجا. قاله فى القواعد.
وقال الشيخ: للناظر أخذ أجرة عمله مع فقره.
والوكيل فى الصدقة لا يأكل منها شيئا لأجل العمل.
ومتى زال الحجر فادعى على الولى تعديا فى ماله، أو ادعى ما يوجب ضمانا من نحو تفريط بلا بينة، فالقول قول الولى، لأنه أمين كالمودع حتى فى قدر نفقة عليه وقدر كسوة له وقدر نفقة وكسوة على أمواله أى أموال المحجور أو قدر نفقة على عقاره بالمعروف من مال الولى، ليرجع على المحجور عليه ما لم يعلم كذبه، أى الولى، أو يخالف عادة وعرفا، فلا يقبل قوله، لمخالفته الظاهر.
لكن لو قال الوصى أنفقت عليك ثلاث سنين، وقال اليتيم: بل مات أبى منذ سنتين، وأنفقت على من أوان موته، فالقول قول اليتيم بيمينه، لأن الأصل موافقته.
ويقبل قول الولى أيضا فى وجود ضرورة وغبطة ومصلحة وتلف مال المحجور أو بعضه، لأنه أمين، وحيث قلنا القول قول الولى فانه يحلف اذا كان غير حاكم.
أما الحاكم فلا يحلف مطلقا لعدم التهمة.
ويقبل قول الولى فى دفع المال اليه بعد بلوغه ورشده وعقله ان كان الولى متبرعا، لأنه أمين اشبه المودع.
والا يكن الولى متبرعا بل بأجرة فلا يقبل قوله فى دفعه المال اليه، بل قول اليتيم، لأن الولى قبض المال لحظه فلم تقبل دعوى الرد كالمرتهن والمستعير.
وجاء فى كشاف القناع قبل ذلك
(1)
أن من حجر عليه الحاكم يستحب اظهاره والاشهاد عليه أى على الحجر عليه لتجتنب معاملته.
وعلم منه أن الاشهاد عليه ليس بشرط، لأنه ينتشر أمره لشهرته.
وان رأى الحاكم أن يأمر مناديا بذلك أى بالحجر عليه ليعرفه الناس فعل.
ولا يصح تزوجه الا باذن وليه، لأنه تصرف يجب فيه مال فلم يصح بغير اذن وليه كالشراء.
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 226 الطبعة السابقة.
وجاء فى المغنى
(1)
لابن قدامة: أن الوقف اذا تخرب وتعطلت منافعه كدار انهدمت أو أرض خربت وعادت مواتا ولم تمكن عمارتها أو مسجد انتقل أهل القرية عنه وصار فى موضع لا يصلى فيه أو ضاق بأهله ولم يمكن توسيعه فى موضعه أو انشعب جميعه فلم تمكن عمارته ولا عمارة بعضه الا ببيع بعضه جاز بيع بعضه لتعمر به بقيته.
وان لم يمكن الانتفاع بشئ منه بيع جميعه.
قال أحمد فى رواية أبى داود اذا كان فى المسجد خشبتان لهما قيمة جاز بيعهما وصرف ثمنهما عليه.
وقال فى رواية صالح: يحول المسجد خوفا من اللصوص.
واذا كان موضعه قذرا قال القاضى: يعنى اذا كان ذلك يمنع من الصلاة فيه نص على جواز بيع عرصته فى رواية عبد الله، وتكون الشهادة فى ذلك على الامام.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(2)
: وندب أن يشهد على الحجر، ويأمر مناديا فى البلد أن فلانا قد حجر عليه الحاكم لئلا يغتر الناس.
وليمضه الحاكم الآخر ان مات الأول ولا يحتاج الى تجديد.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح
(3)
الكرامة: اذا باع الأب أو الجد وذكر أنه للحاجة ورفع الأمر الى الحاكم جاز له أن يسجل على البيع ولا يكلفهما اثبات الحاجة والغبطة لأنهما غير متهمين فى حق ولدهما ولو باع الوصى أو أمين الحاكم لم يسجل الحاكم الا اذا قامت البينة على الحاجة والغبطة فاذا بلغ الصبى وأدعى على الأب أو الجد بيع ماله من غير حاجة ومصلحة كان القول قولهما مع اليمين وعليه البينة لأنه أدعى عليهما خلاف الظاهر اذ الظاهر من حالهما الشفقة وعدم البيع الا للحاجة ولو ادعى على الوصى أو الأمين فالقول قوله فى بيع العقار وعليهما البينة لأنهما مدعيان وفى غير العقار الأولى ذلك أيضا لهذا الدليل والفرق عسر الاشهاد فى كل قليل وكثير يبيعه كما ذكر ذلك كله فى التذكرة فيلزم القول هنا بوجوب الاشهاد حذرا من التفريط، وأما الوصى
(4)
وأمين
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 6 ص 225 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار فى فقه الأئمة الأطهار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 90 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1361 هـ الطبعة الأولى.
(3)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 269، ص 270 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 5 ص 272، ص 314، ص 327، ص 328.
الحاكم ففى التذكرة أنه لا يقبل قولهما فى بيع العقار الا مع البينة وفى غير العقار أن الأولى ذلك وقد استشكل هنا بصحة تصرفات المسلم المالك لذلك التصرف ولأنه موضوع لفعل ما يعتقد أنه مصلحة فيرجع اليه فيه ولا يكلف اقامة البينة عليه ولأن دعواه صلاح التصرف دعوى عدم التعدى وهو الأصل والقول قوله فيه ومن أصالة بقاء الملك على مالكه الى أن يثبت الناقل وأصالة عدم الحاجة الى البيع وعدم خفاء المصالح والأول أقوى كما فى الايضاح وجامع المقاصد وهو الظاهر من حواشى الكتاب وقد قالوا فى باب الوكالة أنه لا يقبل قول الأب والجد له والوصى والحاكم وأمينه فى تسليم المال لو أنكر الصبى بعد رشده تسليم المال اليه وكذلك الوصى صرح به فى الشرائع والتذكرة، ويستجب اظهار الحجر لئلا يستضر معاملوه كما فى المبسوط والتحرير والتذكرة قال فى الأخير يستحب للحاكم الاعلام بالحجر والنداء على المفلس ويشهد الحاكم عليه بأنه حجر عليه والاعلان بذلك بحيث لا يستنصر معاملوه، ولو أقام شاهدا بدين حلف عنه وجعل فى سائر أمواله فان نكل ففى احلاف الغرماء أشكال وكذا لو كان الدين لميت ونكل الوارث وبمنعه صاحب الدين الحال من السفر قبل الايفاء لا المؤجل ولا يطالبه بكفيل ولا اشهاد وان كان الدين يحل قبل الرجوع ولا يمنع المالك من السفر معه ليطالبه عند الأجل لكن يلازمه ملازمة الرقيب.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: جاز لقائم يتيم وان أمه أو وليه أو متطوعا أن يبيع من أصله أن احتاج بقدر الثمن والحاجة بعلم أوليائه ان كانوا، والا فالصلحاء ان لم يكن حاكم عدل.
ويشهدهم على بيع وانفاق عليه.
وان لم يجد الولى الصلحاء أشهد خير من وجد من أهل المحلة.
ومرادهم بالاشهاد على ذلك أنه يشهدهم أنه باع، وأنه ينفق عليه.
ويتبين العدل فى الانفاق بعد ذلك وعدمه ليتيم أو غيره فيقام له بحقه.
وان أشهد أنه ينفق كل يوم كذا فهو أحوط.
وليس المراد أنه كلما أراد أن ينفق أشهد.
وان قام اليتيم بعد ونازعه بأن قال لم تبع أو قال بعت بأكثر أو قال: بعت بأرخص أو قال: لم يحتج لبيع فيما باع يحكم بصحة فى بيع وقدر الثمن والحاجة، فلا سبيل عليه اذا تبين أن مثل ذلك الذى أدعى انفاقه ينفق على ذلك فى مثل تلك المدة، غير أنه يحلفه ان شاء ما خانه.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 622 الى ص 626 الطبعة السابقة.
ويرد فعل الأم مطلقا وان لم تقعد ومحتسب فمن باعه منهما يرجع مشتر عليه بالثمن، ويرجع هو به على اليتيم ان أشهد على ذلك المعه د من انفاق ثمنه عليه.
ولو فى تزويج، كان الانسان اليتيم أنثى أو ذكرا والا عد متبرعا متصدقا من ماله بما أنفق عليه وضمن له ثمن أصله.
وقيل: لا ضمان عليه، ولا رجوع عليه لليتيم اذا صحت الحاجة والبيع بقدر الثمن ولو لم يشهد على الانفاق، وهو الصحيح الذى لا يجوز خلافه.
ويحتمل أن يريد بقوله أن أشهد على ذلك أن أشهد على البيع بقدر الثمن.
وبقوله: والا: وان لم يشهد على البيع بقدر الثمن فيكون الاشهاد عليه كافيا فى رجوعه على اليتيم ولو لم يشهد على الانفاق.
والأصل معروف له فلا ينتقل لغيره الا بوجه صحيح.
وقيل غير الأصل فى ذلك كالأصل اذا علم أنه له وقد أمر بالاشهاد عليهم اذا دفعنا لهم أموالهم بعد بلوغهم وايناس الرشد منهم.
الاشهاد فى النكاح
مذهب الحنفية:
جاء فى الهداية وحاشية
(1)
فتح القدير عليها للكمال بن الهمام ما يأتى: أعلم أن الشهادة شرط فى باب النكاح، لقوله عليه الصلاة والسلام لا نكاح الا بشهود.
وهو حجة على مالك فى اشتراط الاعلان دون الشهادة.
ولا بد من اعتبار الحرية فيها، لأن العبد لا شهادة له لعدم الولاية.
ولا بد من اعتبار العقل والبلوغ لأنه لا ولاية بدونهما.
ولا بد من اعتبار الاسلام فى أنكحة المسلمين، لأنه لا شهادة للكافر على المسلم.
ولا يشترط وصف الذكورة حتى ينعقد بحضور رجل وامرأتين، وفيه خلاف الشافعى رحمه الله تعالى.
ولا تشترط العدالة حتى ينعقد بحضرة الفاسقين عندنا، خلافا للشافعى رحمه
(1)
شرح فتح القدير للامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى السكندرى المعروف بابن الهمام وبهامشه شرح العناية على الهداية للامام أكمل الدين محمد بن محمود البابرتى وحاشية سعد جلبى ج 2 ص 351 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعه الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنه 1316 هـ.
الله تعالى، لأن الشهادة من باب الكرامة، والفاسق من أهل الاهانة.
ولنا أنه من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة.
والمحدود فى القذف تقبل شهادته تحملا هنا، لأنه من أهل الولاية فيكون من أهل الشهادة تحملا.
وانما الفائت ثمرة الأداء بالنهى لجريمته فلا يبالى بفواته كما فى شهادة العميان وابنى العاقدين.
وان تزوج مسلم ذمية بشهادة ذميين جاز عند أبى حنيفة وأبى يوسف.
وقال محمد وزفر: لا يجوز.
وفى فتح القدير تعليقا على ما ذكر تشترط الشهادة: فى النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم «لا نكاح الا بشهود» .
وهو حجة على مالك فى اشتراط الاعلان دون الاشهاد.
وظاهره أنه حجة عليه فى الأمرين اشتراط الاعلان، وعدم اشتراط الاشهاد ولكن المقصود أنه حجة فى أصل المسألة وهو اشتراط الاشهاد. وانما زاد ذكر الاعلان تتميما لنقل مذهبه.
ونفى اشتراط الشهادة قول ابن أبى ليلى وعثمان البتى وأبى ثور وأصحاب الظاهر.
قيل زوج ابن عمر بغير شهود، وكذا فعل الحسن.
وهم محجوجون بقوله صلى الله عليه وسلم «لا نكاح الا بشهود» رواه الدارقطنى.
وروى الترمذى من حديث ابن عباس «البغايا اللاتى ينكحن أنفسهن بغير شهود. ولم يرفعه غير عبد الأعلى فى التفسير، ووقفه فى الطلاق.
لكن ابن حبان روى من حديث عائشة رضى الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم قال:
«لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل.
وما كان من نكاح على غير ذلك فهو باطل فان تشاجروا فالسلطان ولى من لا ولى له».
قال ابن حبان: لا يصح فى ذكر الشاهدين غير هذا.
وشتان ما بين هذا وبين قول فخر الاسلام.
ان حديث الشهود مشهور يجوز تخصيص الكتاب به أعنى قوله تعالى «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» فيندفع به الايراد المعروف وهو لزوم الزيادة على الكتاب أو تخصيصه بخبر الواحد.
واعلم أن المشايخ رحمهم الله نصبوا الخلاف فى موضعين فى الشهادة على ما ذكرنا وفى الاعلان.
واستدلوا لمالك فى اثباته بالمنقول من قول النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث عن عائشة رضى الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم «أعلنوا النكاح» .
وبالمعقول وهو أن حرام هذا الفعل يكون سرا، فضده يكون جهرا، لتنتفى التهمة
والدى يظهر أن هذا نصب للخلاف فى غير محل النزاع، ويظهر ذلك من أجوبتهم عن هذا الاستدلال وغيره.
وذلك أن كلمتهم قاطبة فيه على القول بموجب دلائل الاعلان وادعاء العمل بها باشتراط الاشهاد، اذ به يحصل الاعلان.
وكلام المبسوط حيث قال: ولأن الشرط لما كان الاظهار يعتبر فيه ما هو طريق الظهور شرعا، وذلك بشهادة الشاهدين، فانه مع شهادتهما لا يبقى سرا.
وقول الكرخى: نكاح السر ما لم يحضره شهود، فاذا حضروا فقد أعلن.
وانما الخلاف بعد ذلك فى أن الاعلان المشترط هل يحصل بالاشهاد، وحتى لا يضر بعده توصيته للشهود بالكتمان اذ لا يضر بعد الاعلان التوصية بالكتمان، أو لا يحصل بمجرد الاشهاد حتى يضر قلنا:
نعم، وقالوا: لا.
ولو أعلن بدون الاشهاد لا يصح، لتخلف شرط آخر، وهو الاشهاد عندنا.
وعنده يصح.
فالحاصل أن شرط الاشهاد يحصل فى ضمنه الشرط الآخر.
فكل اشهاد اعلان ولا ينعكس، كما لو أعلنوا بحضرة صبيان أو عبيد.
وجاء فى البدائع
(1)
أن الشهادة شرط جواز النكاح لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا نكاح الا بشاهدين» .
وعن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الزانية التى تنكح نفسها بغير بينة.
ولو لم تكن الشهادة شرطا لم تكن زانية بدونها.
ولأن الحاجة مست الى دفع تهمة الزنا عنها ولا تندفع الا بالشهود ولأنها لا تندفع الا بظهور النكاح واشتهاره ولا يشتهر الا بقول الشهود.
وبه تبين أن الشهادة فى النكاح انما شرطت فيه للحاجة الى دفع الجحود والانكار، لأن ذلك يندفع بالظهور والاشتهار
(1)
بدائع الصنائع ج 2 ص 252، 253 الطبعة السابقة.
لكثرة الشهود على النكاح بالسماع من العاقدين، وبالتسامع.
وكذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم «أعلنوا النكاح» لأنهما اذا أحضراه شاهدين فقد أعلناه.
وللشاهد الذى ينعقد به النكاح شروط كالعقل والبلوغ والحرية.
وجاء فى البحر الرائق
(1)
شرح كنز الدقائق الاشهاد شرط فى النكاح فلا يصح بغير شهود لحديث «لا نكاح الا بشهود» فكان شرطا ولذا قال فى مآل الفتاوى: ولو تزوج بغير شهود ثم أخبر الشهود على وجه الخبر لا يجوز الا أن يجدد عقدا بحضرتهم.
وفى الخانية والخلاصة: لو تزوج بشهادة الله ورسوله لا ينعقد ويكفر لاعتقاده أن النبى صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب ..
وصرح فى المبسوط بأن النبى صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بالنكاح بغير شهود ولا يشترط الاعلان مع الشهود لما فى التبيين أن النكاح بحضور الشاهد يخرجه عن أن يكون سرا ويحصل بحضورهما الاعلان.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الصغير للامام الدردير
(2)
:
ويندب الاشهاد عند العقد للخروج من الخلاف اذ كثير من الأئمة لا يرى صحته الا بالشهادة حال العقد.
ونحن نرى وقوعه صحيحا فى نفسه وان لم تحصل الشهادة حال العقد كالبيع ..
ولكن لا تتقرر صحته ولا تترتب ثمرته من حل التمتع الا بحصولها قبل البناء فجاز أن يعقدا فيما بينهما سرا، ثم يخبرا به عدلين كأن يقولا لهما: قد حصل منا العقد لفلان على فلانة، وأن الولى يخبر عدلين، والزوج يخبر عدلين غيرهما.
ولا يكفى أن يخبر أحدهما عدلا، والثانى يخبر عدلا غيره، لأنها حينئذ بمنزلة الواحد ..
وفى حاشية الصاوى قال: حاصله أن أصل الاشهاد على النكاح واجب، واحضارهما عند العقد مندوب.
فان حصل عند العقد فقد وجد الأمران الوجوب والندب.
وان فقد وقت العقد ووجد عند الدخول فقد حصل الواجب وفات المندوب
وان لم يوجد اشهاد عند الدخول والعقد ولكن وجدت الشهود عند واحد منهما فالصحة قطعا.
ويأثم أولياء النكاح لعدم طلب الشهود.
وان لم توجد شهود أصلا فالفساد قطعا.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 3 ص 94 الطبعة السابقة.
(2)
بلغة السالك لاقرب المسالك وحاشية الصاوى عليه ج 1 ص 350 الطبعة السابقة.
وفى الشرح الكبير على خليل للامام الدردير
(1)
: وندب اشهاد عدلين.
فغير العدل من مستور وفاسق عدم، وغير من له ولاية ولو كان وكيله فشهادته عدم.
وفى التاج
(2)
والاكليل: وندب اشهاد عدلين غير الولى بعقده.
قال أبو عمر: ينعقد النكاح بغير شهود عند مالك كما ينعقد البيع اذا رضى الزوج والمرأة، وكانت مالكة أمرها أو يتيمة مالكة نفسها وكان ذلك باذن ولى، ويشهدون فيما يستقبلون ..
وقال ابن عرفة: البينة على العقد.
نقل الأكثر عن المذهب أنها مستحبة وهى شرط فى البناء.
وقال المتيطى يصح النكاح دون اشهاد.
ومعنى لا يتم الا بالاشهاد انما ذلك عند المناكرة.
وفى الحطاب
(3)
: يندب اشهاد عدلين، وفسخ أن دخل بلا اشهاد.
ومفهوم الشرط أن دخلا بعد الاشهاد لا يفسخ ولو كان الاشهاد بعد العقد وهو كذلك - الا أن يكونا قصدا الى الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه.
قال فى المقدمات: الاشهاد انما يجب عند الدخول وليس من شروط صحة العقد.
فان تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح ويشهدان فيما يستقبل، الا أن يكونا قصدا الى الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر.
ويؤمر أن يطلقها طلقة ثم يستأنف العقد.
فان دخلا فى الوجهين جميعا أى فى قصد الاستسرار وعدم قصده، فرق بينهما وان طال الزمان بطلقة لاقرارهما بالنكاح.
وحدا أن أقرا بالوط ء، الا أن يكون الدخول فاشيا، أو يكون على العقد شاهد واحد فيدرأ الحد بالشبهة.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(4)
: أنه لا يصح النكاح الا بشاهدين.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه فى كتاب ج 2 ص 216 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق فى كتاب ج 3 ص 408 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق والتاج والأكليل فى كتاب ج 3 ص 409، 410 الطبعة السابقة.
(4)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى الفيروزابادى ج 2 ص 40، 41 الطبعة السابقة.
وقال أبو ثور يصح من غير شهادة، لأنه عقد فصح من غير شهادة كالبيع.
وهذا خطأ لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال كل نكاح لم يحضره أربعة فهو سفاح خاطب، وولى وشاهدان.
ويخالف البيع فان القصد منه المال.
والقصد من النكاح الاستمتاع وطلب الولد، ومبناهما على الاحتياط.
ولا يصح الا بشاهدين ذكرين.
فان عقد برجل وامرأتين لم يصح لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها.
ولا يصح الا بعدلين، لما روى ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل.
فان عقد بمجهول الحال ففيه وجهان.
أحدهما وهو قول أبى سعيد الاصطخرى أنه لا يصح، لأن ما افتقر ثبوته الى الشهادة لم يثبت بمجهولين، كالاثبات عند الحاكم.
والثانى يصح وهو المذهب، لأنا لو اعتبرنا العدالة الباطنة لم تصح أنكحة العامة الا بحضرة الحاكم لأنهم لا يعرفون شروط العدالة وفى ذلك مشقة فاكتفى بالعدالة الظاهرة كما اكتفى فى الحوادث فى حقهم بالتقليد حين شق عليهم ادراكها بالدليل.
فان عقد بمجهولين، ثم تبين أنهما كانا فاسقين لم يصح، لأنا حكمنا بصحته فى الظاهر، فاذا بان خلافه حكم بابطاله كما لو حكم الحاكم باجتهاده ثم وجد النص بخلافه.
ومن أصحابنا من قال: فيه قولان، بناء على القولين فى الحاكم اذا حكم بشهادة شاهدين، ثم بان أنهما كانا فاسقين ..
وان عقد بشهادة أعميين ففيه وجهان أحدهما أنه يصح، لأن الأعمى يجوز أن يكون شاهدا.
والثانى لا يصح، لأنه لا يعرف العاقد، فهو كالأصم الذى لا يسمع لفظ العاقد.
ويصح بشهادة ابنى أحد الزوجين، لأنه يجوز أن يثبت النكاح بشهادتهما، وهو ما اذا جحد الزوج الآخر.
وهل يصح بشهادة ابنيهما أو بشهادة أبن الزوج وابن الزوجة؟ فيه وجهان.
أحدهما: يصح، لأنهما من أهل الشهادة.
والثانى: لا يصح، لأنه لا يثبت هذا النكاح بشهادتهما بحال.
واذا اختلف الزوجان فقالت الزوجة:
عقدنا بشهادة شاهدين فاسقين. وقال الزوج عقدنا بشهادة عدلين ففيه وجهان.
أحدهما أن القول قول الزوج لأن الأصل بقاء العدالة.
والثانى أن القول قول الزوجة لأن الأصل عدم النكاح.
وان تصادقا على أنهما تزوجا بولى وشاهدين، وأنكر الولى والشاهدين لم يلتفت الى انكاره، لأن الحق لهما دون الولى والشاهدين.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف
(1)
القناع: من شروط النكاح الشهادة عليه، احتياطا للنسب خوف الانكار.
فلا ينعقد النكاح الا بشاهدين.
روى عن عمر وعلى وهو قول ابن عباس.
رواه الدارقطنى: ولما روت عائشة رضى الله عنها مرفوعا: لابد فى النكاح من حضور أربعة الولى والزوج والشاهدين رواه الدارقطنى.
وعن أبن عباس أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: البغايا اللواتى ينكحن أنفسهن بغير بينة. رواه الترمذى.
ولأنه عقد يتعلق به حق غير المتعاقدين وهو الولد، فاشترطت الشهادة فيه، لئلا يجحد أبوه فيضيع نسبه بخلاف غيره من العقود.
وما روى عن أحمد من أنه صلى الله عليه وسلم أعتق صفية وتزوجها من غير شهود فمن خصائصه.
ويكون الشاهدان مسلمين، لقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل. رواه الخلال.
وعدلين للحديث المذكور.
وذكرين لما روى أبو عبيد فى الأموال عن الزهرى أنه قال: مضت السنة أن لا تجوز شهادة النساء فى الحدود ولا فى النكاح ولا فى الطلاق.
وبالغين عاقلين، لأن الصبى والمجنون ليسا من أهل الشهادة.
وسامعين لأن الأصم لا يسمع العقد حتى يشهد به.
وناطقين لأن الأخرس لا يتمكن من أداء الشهادة ولو كانا عبدين كسائر الشهادات أو كانا ضريرين اذا تيقنا الصوت تيقنا لا شبهة فيه كالشهادة بالاستفاضة أو كانا عدوى الزوجين أو عدوى أحدهما أو عدوى الولى، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم وشاهدى عدل. ولأنه ينعقد بهما غير هذا النكاح فينعقد أيضا بهما كسائر العقود.
ولا ينعقد النكاح بمتهم رحم كابنى الزوجين
(1)
كشاف القناع مع منته الارادات لابن يونس البهوتى فى كتاب ج 3 ص 37، 38
أو ابنى أحدهما وأبويهما وابن أحدهما وأبى الآخر للتهمة.
ولا ينعقد بأصمين أو أخرسين أو شاهدين أحدهما كذلك لما تقدم.
ولا يبطل النكاح بالتواصى بكتمانه، لأنه لا يكون مع الشهادة عليه مكتوما.
فان كتم النكاح الزوجان والولى والشهود قصدا صح العقد وكره كتمانهم له، لأن السنة اعلان النكاح ..
ولا ينعقد نكاح مسلم بشهادة ذميين، ولا بشهادة مسلم وذمى لقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» ولو كانت ذمية كتابية أبواها كتابيان.
ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولى وشاهدى عدل قبل منهما، لأنه لا منازع لهما فيه، ويثبت النكاح باقرارهما لعدم المخاصمة فيه.
ويكفى العدالة ظاهرا فقط فى الشاهدين بالنكاح، بأن لا يظهر فسقهما، لأن الغرض من الشهادة اعلان النكاح، ولهذا يثبت بالتسامع، فاذا حضر من اشتهر بحضوره كفى، ولأن النكاح يقع بين عامة الناس فى مواضع لا تعرف فيها حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق.
فلو بان الشاهدان بعده فاسقين، فالعقد صحيح ولا ينقض.
وكذا لو بان الولى فاسقا، لأن الشرط العدالة ظاهرا، وهو أن لا يكون ظاهر الفسق وقد تحقق ذلك.
ولو تاب الشاهد فى مجلس العقد فيكون كمستور العدالة قاله فى الترغيب فيكفى.
وكذا لو تاب الولى فى المجلس، قلت يكتفى بذلك حيث أعتبرت العدالة مطلقا لأن أصلاح العمل ليس شرطا فيها.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(1)
: ولا يتم النكاح الا باشهاد عدلين فصاعدا أو باعلان عام.
فان استكتم الشاهدان لم يضر ذلك شيئا ..
حدثنا محمد بن اسماعيل العذرى ومحمد ابن عيسى قالا: حدثنا محمد بن على الرازى المطوعى حدثنا محمد بن عبد الله الحاكم النيسابورى قال: سمعت أبا بكر بن اسحاق الامام يقول: قال الحاكم: ثم سألت أبا على:
عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها وشاهدى عدل فنكاحها باطل» .
وان دخل بها فلها المهر.
وان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له.
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 465 مسألة رقم 1828 الطبعة السابقة.
قال أبو محمد: لا يصح فى هذا الباب شئ غير هذا السند، يعنى ذكر شاهدى عدل، وفى هذا كناية لصحته.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج
(1)
المذهب: من شروط النكاح اشهاد عدلين.
فلا يصح العقد الا بحضور شاهدين وسماعهما الايجاب والقبول تفصيلا وان لم يقصد اشهادهما.
ومذهبنا أن العدالة فيهما شرط.
وهى عندنا كعدالة امام الصلاة فلا يحتاج الى اختبار.
ويصح أن يكون الشاهدان من أولياء المرأة غير الولى العاقد.
ولو كان الشاهدان أعميين فان شهادتهما تكفى.
لا أصمين أو أعجميين عند العرب أو العكس على وجه لا يفقهان اللغة.
الا اذا كان الزوج والولى أخرسين وعقدا بالاشارة فيكفى الاصمان، لأن العمدة حينئذ على النظر لا على السمع.
أو كان الشاهدان عبدى الزوجين أو أحدهما فان النكاح يصح بشهادتهما، ولو لم يحكم بشهادتهما فى النكاح والمهر اذ المراد هنا ما ينعقد به العقد فينعقد بهما.
وبرجل وامرأتين.
ويجب على العدل التتميم أى أن يتمم شهادة النكاح اذا كانت ناقصة من نفسه.
وانما يتعين عليه الوجوب حيث لا يوجد عدل غيره مع شاهد واحد عدل.
فأما اذا كان يوجد عدل غيره ممن لا يمتنع عن الحضور لم يتعين الوجوب على هذا الا أن يعرف امتناع ذلك الغير ..
واذا حضر العقد شاهدان أحدهما فاسق، وظاهر السلامة، وهو يعرف أن مذهب الزوجين اشتراط العدالة وجب على الفاسق وغير العدل رفع التغرير بالتعريف أن شهادته غير صحيحة لعدم العدالة. وهذا اذا لم تمكنه التوبة نحو أن يكون الحق لآدمى وهو غير متمكن من التخلص والا كفت التوبة وانعقد النكاح بشهادته.
واذا كان عقد النكاح بالكتابة نحو أن يكتب الزوج للولى زوجنى ابنتك - أو يكتب الولى للزوج - زوجتك ابنتى - فان الشهادة لا تجب عند الكتابة بل تقام عند المكتوب
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب لأحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 2 ص 31، 32 الطبعة السابقة.
اليه فيقرأ الكتابة وهم يسمعون ثم يقول:
قد زوجته أو قد قبلت النكاح.
وكذا تقام عند المرسل اليه اذا كان العقد بالرسالة.
ويصح أن يكون الرسول أحد الشاهدين.
وان كان حامل الكتاب فأولى فى صحة كونه أحد الشاهدين.
وتقام الشهادة فى العقد الموقوف على رضا الولى أو المرأة أو الزوج أو وليه عند ذلك العقد، لا عند الاجازة اذا وقت العقد وقت انعقاده فالاجازة تلحقه وقد انعقد على وجه الصحة من الشهادة لا عند الاجازة فلم يسمعا ايجابا ولا قبولا بل سمعا: أجزت أو نحوه.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(1)
: أنه لا يشترط الشاهدان فى النكاح الدائم مطلقا، ولا الولى فى نكاح الرشيدة وان كان أفضل على الأشهر.
خلافا لأبن أبى عقيل الذى يرى اشتراط الشاهدين فى النكاح استنادا الى رواية ضعيفة تصلح سندا للاستحباب لا للشرطية.
وجاء فى الخلاف
(2)
: أنه لا يفتقر النكاح فى صحته الى شهود.
وبه قال فى الصحابة الحسن بن على عليهما السلام وابن الزبير وابن عمر.
واليه ذهب عبد الرحمن بن مهدى ويزيد بن هارون وبه قال أهل الظاهر.
دليلنا اجماع الفرقة.
وأيضا قول الله تعالى: «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ» ولم يذكر الشهود.
وقوله تعالى «وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ» وهو مثل ذلك.
وأيضا فقد روى سهل بن سعد الساعدى أن امرأة أتت النبى صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله - وهبت نفسى منك فقال: مالى اليوم بالنساء من حاجة. وذكر الحديث حتى قال: زوجتكها بما معك من القرآن .. ومعلوم أنه لم يكن شهود.
وروى أن جحش بن رباب من بنى أسد خطب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أمية بنت عبد المطلب فزوجه اياها ولم يشهد.
ومن روى أنه قال: لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل، فحمله على أنه لا يثبت عند الحاكم الا بشاهدى عدل دون انعقاد العقد فى حالة التزويج، أو تحمله على
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 70 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 145 ص 146 الطبعة السابقة.
ضرب من الاستحباب والكمال بدلالة ما قدمناه.
وجاء فى المخصر النافع
(1)
: أنه لا يشترط حضور شاهدين ولا ولى اذا كانت الزوجة بالغة رشيدة على الأصح.
ويستحب الاشهاد والاعلان والخطبة أمام العقد وايقاعه ليلا.
وجاء فى تذكرة الفقهاء
(2)
: أنه يستحب الاعلان والاظهار فى النكاح الدائم والاشهاد.
وليس الاشهاد شرطا فى صحة العقد عند علمائنا أجمع.
وبه قال عبد الله بن ادريس والعنبرى وأبو ثور وابن المنذر والزهرى ومالك.
ولا يستدل على عدم الاشهاد بأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يشهد وأن ذلك كان من خصائصه، لأنه جاز أنه أشهد ولم ينقل لأنا نقول: يجب أن يبين أنه من خصائصه لعموم التأسى، وهو مما تعم به البلوى فلا يترك نقله لو فعله.
ومن طريق الخاصة ما رواه محمد بن سليم عن الباقر عليه السلام قال: انما حصلت البينة فى النكاح من أجل المواريث.
وعن زرارة أنه سأل الصادق عن رجل تزوج منه بغير شهود .. قال: لا بأس بالتزويج البتة بغير شهود فيما بينه وبين الله تعالى وانما جعل الشهود من تزويج السنة من أجل الولد ولولا ذلك لم يكن به بأس.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
: يجب الاشهاد على النكاح لقول النبى صلى الله عليه وسلم «لا نكاح الا بولى وشاهدين رواه الحسن ومثله عن أبى عبيدة عن جابر عن ابن عباس: لا طلاق الا بعد نكاح ولا ظهار الا بعد نكاح ولا عتق الا بعد ملك.
ولا نكاح الابولى وصداق وبينة.
ولوجوب الاشهاد بالقرآن والسنة على الرجعة التى هى فرع النكاح.
ومذهبنا أن الاشهاد على النكاح معقول المعنى من جهة وتعبد من جهة.
أما الجهة الأولى فلما يترتب من حقوق أحد الزوجين على الآخر وشغل الزوجة به والميراث ونحو ذلك.
(1)
المختصر النافع فى فقه الإمامية للشيخ الأجل أبو القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن الحلى ج 1 ص 194، ص 195 الطبعة الثانية طبع مطبعة ادارة الاوقاف بمصر سنة 1378 هـ، سنة 1958 م.
(2)
تذكرة الفقهاء للعلامة الكبير جمال الدين اللسن الحسن ابن يوسف بن على بن مطهر الحلى ج 2 ص 571 من منشورات المكتبة الرنضوية لاحياء الآثار الجعفرية.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 53 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.
وأما الثانية فمأخوذة من أنه لو تزوجها بلا شهود ومسها لقلنا بحرمتها ولم نقل بحلها والاشهاد بعد.
وجاز شهادة أمينين أو أمين وأمينتين، أو ثلاثة أو واحد وأربع نسوة أو رجلين وامرأتين أو أمين وأربع نسوة أو رجلين وأمينتين.
ويتم النكاح بشهادة أهل الجملة عند الله ولو مخالفتين وفاسقين.
وفى الحكم حيث لا انكار.
وجاز شهادة والد الزوج مع غيره لا والد المرأة على قول.
ما يعتبر فى الشهادة فى النكاح
ينفرد عقد الزواج من بين سائر العقود والتصرفات بلزوم الشهادة عليه ليقع عقدا صحيحا شرعا.
أما غيره من تلك العقود والتصرفات فالشهادة فيه مندوبة فى رأى أكثر العلماء.
وقد تقدم أن الشيعة الإمامية يقولون بلزوم الاشهاد فى الطلاق، ويعتبرونه شرطا من شروط صحته، بحيث لا يصح الطلاق، ولا يقع عندهم بدون الاشهاد.
وتقدم أيضا أن بعضا من العلماء يرون وجوب الاشهاد فى العقود والتصرفات، أخذا بظاهر الأمر بالاشهاد فى بعض الآيات.
ولكن الأمر على ما ذكرنا.
والسر فى اتفاق أكثر العلماء على لزوم الشهادة على الزواج أن له شأنا عظيما فى نظر الاسلام، وفى نظام الاجتماع وحياة الانسان، لما يترتب عليه من المصالح الدينية والدنيوية، ومن ثم كان جديرا باظهار شأنه. واعلان أمره بين الناس. واحضارهم مجلسه، واشهادهم على عقده، تكريما له، وتقديرا لمكانته.
وتفرق الشهادة على الزواج بين حلاله وحرامه، فلا يستطيع أصحاب الأغراض السيئة أن يتستروا وراء ادعاء الزوجية عند ما ينكشف أمرهم، ويفتضح سرهم، وتثبت عليهم المعاشرة المشبوهة غير البريئة.
وتمنع الشهادة على الزواج أحد الزوجين أن يحاول جحوده وانكاره تنصلا من تبعاته، وتهربا مما تلقيه رابطته المقدسة على عاتقه من آثار، كما يمنع الريب والشكوك والشبهات، وتدفع قالات السوء عن الزوجين حينما يراهما الناس مقيمان معا فى عشرة واحدة.
فالشهادة على عقد الزواج أريد بها.
أولا: أن تكون مظهرا للتكريم، واعلان شأن هذا العقد الخطير والسنة العظيمة
واظهار خطرها ومكانتها، ووسيلة للقضاء على الظنون والشبهات، ومنع الجحود والانكار.
وأريد بها ثانيا: التوثق لأمر العقد والاحتياط لاثباته عند الحاجة الى الاثبات حين يكون جحود أو انكار، فيشهد الحاضرون والشهود، وكل من سمع بالعقد واستفاض عنده أمره، حيث كان النكاح مما تصح الشهادة فيه بالتسامع.
وقد اتفق الفقهاء على أن اعتبار الشهادة فى عقد النكاح أمرا لازما - الغاية منه شهر الزواج واعلانه بين الناس تحقيقا للاغراض والمعانى التى أشرنا اليها، فان فرق ما بين الحلال والحرام الاعلان والاظهار.
ولقد قال النبى صلى الله عليه وسلم «أعلنوا النكاح ولو بالدف» .
وقال أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه «لا يجوز نكاح السر حتى يعلن ويشهد عليه» .
ولمالك فى الموطأ عن أبى الزبير المكى أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه الا رجل وامرأة فقال «هذا نكاح السر ولا أجيزه» . ولو كنت تقدمت فيه لرجمت.
غير أن الحنفية والشافعية والحنابلة فى المشهور عندهم يقولون: ان الاعلان يتحقق بالشهادة على العقد.
وتعتبر هذه الشهادة شرطا فى صحة العقد فلا يصح العقد بدونها، ويكون باطلا عند الشافعية والحنابلة، ولا يترتب عليه أثر، وأن أشهد بعد العقد، لأن فقد أى شرط عندهما من الشروط التى ترجع الى الأركان والى ما يحتم الشارع وجوده فى العقد يجعل العقد غير صحيح شرعا ولا يترتب عليه أثر والباطل والفاسد عندهما مترادفان.
أما الحنفية فالعقد عندهم بدون الشهادة فاسد، ويترتب عليه بعض الاثار بالدخول فيه، كوجوب المهر، وثبوت النسب، ووجوب العدة، لأن فقد شرط من الشروط التى ترجع الى أركان العقد تبطله وفقد شرط من الشروط التى يحتم الشارع وجودها فى العقد تفسده.
وفرق عندهم بين الباطل والفاسد.
فالفاسد يترتب على الدخول فيه بعض الآثار.
والباطل لا يترتب عليه أى أثر.
وفى رواية عن أحمد ان الاشهاد ليس شرطا فى صحة النكاح.
وذهب الى ذلك الشيعة الإمامية.
ونسبه الكمال بن الهمام الى عامة أهل الظاهر.
وأما المالكية فلهم فى الاشهاد على الزواج آراء ثلاثة:
الأول: أنه شرط فى صحة النكاح، ويكفى وجوده بعد العقد وقبل الدخول.
فقد ذكر الامام الدردير فى شرحه على مختصر خليل «ان الاشهاد شرط فى صحة النكاح، غير أنه لا يتعين أن يكون عند العقد بل يكفى حصوله بعده اذا كان قبل الدخول، فان دخل بغير اشهاد فسخ النكاح بطلقة بائنة، لأنه بحكم الحاكم.
ثم اذا ثبت انه وطئها فى هذا الدخول باقرار الزوج والزوجة أو بشهادة أربعة شهداء حدا حد الزنا ولا يعذران بجهلهما، الا أن فشا نكاحهما وأعلن، فلا يحدان حينئذ لشبهة الحل بالاعلان.
الثانى: ان الاشهاد ليس شرطا فى صحة النكاح، وانما هو شرط فى حل الدخول.
فقد نقل الحطاب عن ابن رشد الكبير أنه قال فى مقدماته المدونة:
الاشهاد انما يجب عند الدخول، وليس من شروط الصحة، فان تزوج الرجل ولم يشهد فنكاحه صحيح، ويشهدان فى المستقبل، الا أن يكونا قصدا الاستسرار بالعقد، فلا يصح أن يثبتا عليه، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر، ويؤمر ان يطلقها طلقة ثم يستأنف العقد.
فاذا دخلا فى الوجهين جميعا يعنى فيما اذا قصدا الاستسرار وفيما اذا لم يقصداه فرق بينهما وان طال الزمن بطلقة لاقرارهما بالنكاح.
وحدا ان أقرا بالوط ء، الا أن يكون الدخول فاشيا، أو يكون على العقد شاهد واحد فيدرأ الحد بالشبهة.
والشرط لافشاء العقد الاعلان لا الشهادة، وانما هى شرط لترتيب الاثار.
واذا تواصى الشاهدان بالكتمان لا ينشأ العقد، بل لا بد من توافر الاعلان للانعقاد، وهذا الرأى هو المشهور عند مالك.
الثالث: أن الاعلان وحده كاف لانشاء العقد من غير حاجة الى تعيين الشهادة حدا مرسوما للاعلان من غير اشتراطها لترتيب الاثار، لأن القصد هو الاعلان وهو فرق ما بين النكاح وغيره.
أما ما يعتبر فى شهود الزواج من شروط وأوصاف ففيه اختلاف المذاهب. وها هى ذى أقوال الفقهاء فى ذلك:
مذهب الحنفية:
نظرا لأن الحنفية قد لاحظوا فى الاشهاد على عقد النكاح أمورا هى تكريم هذا العقد واظهار شأنه وخطره والبعد بالزوجين عن الظنون والشبهات، والحيلولة بين أحد الزوجين ومحاولة انكار للعقد وجحوده، والاحتياط والتوثق لاثباته فى المستقبل عند حصول الانكار بشهادة الشهود، أو الحاضرين مجلسه، أو من سمعوا به ممن اشتهر واستفاض لديهم أمره بناء على جواز الشهادة بالتسامع فى النكاح - نظرا لذلك.
فقد اشترطوا فى شهود العقد شروطا تحقق بمجموعها ما يأتى:
أولا: أن يكونوا أهلا لتحمل الشهادة بالعقل المميز وليس بلازم ان يكون الشهود عند العقد وحين تحمل الشهادة أهلا لأداء الشهادة بالفعل أمام القاضى وقت الخصوصة.
خلافا للشافعى الذى يشترط هذه الأهلية.
ثانيا: أن يتحقق بحضور الشهود معنى الاعلان للعقد واظهاره بين الناس.
ثالثا: أن يكونوا أهلا لأن يكرم بحضورهم عقد الزواج ويرفع من شأنه وخطره.
فان لم يكونوا أهلا لتحمل الشهادة أو كانوا ممن لا يتحقق بحضورهم معنى الاعلان والاظهار: أو كانوا ممن لا يكرم بحضورهم عقد الزواج، فلا يصح العقد بشهادتهم.
وعلى هذا الأساس تأتى الشروط التى يلزم توافرها فى شهود عقد الزواج وهى:
الشرط الأول: العقل: فلا يصح العقد بحضور المجانين ومن فى حكمهم، لأنهم ليسوا أهلا لتحمل الشهادة، وحضورهم العقد لا يحقق معنى الاعلان والاظهار فى الناس، ولا يحصل به تكريم العقد واعلاء شأنه، فهم لا يعون شيئا، ولا يدرون ما يجرى فى مجلس العقد، ولأن الشهادة فيها معنى الولاية، لأنها ملزمة بالحكم الذى ينفذ على المحكوم به شاء أو أبى، ولا ولاية لهؤلاء على أنفسهم، فلا تثبت لهم الولاية على غيرهم بالشهادة عليهم.
الشرط الثانى: البلوغ: فلا يصح العقد بحضور الصبيان ولو كانوا مميزين، لأنه لا يتحقق بحضورهم الاعلان ولا التكريم، وليسوا من أهل الولاية على أنفسهم، فلا تكون لهم الشهادة على غيرهم، وان كانوا من أهل تحمل الشهادة للتمييز.
فاذا حضر صغار مميزون عقد الزواج مع الكبار البالغين الذين يصح العقد بشهادتهم، ثم بلغوا، وحصل خلاف
وتخاصم بشأن العقد أمام القضاء، جاز لهم أن يشهدوا أمام القاضى، ويقبل القاضى شهادتهم، ويحكم بناء عليها لتوفر شروط صحة الأداء فيهم حينئذ، ولأنهم كانوا أهلا لتحمل الشهادة وقت حصول العقد.
الشرط الثالث: الحرية: فلا يصح العقد بشهادة الارقاء سواء أكان رقهم كاملا أم كانوا مكاتبين أو مدبرين، لأن حضورهم لا يحقق الغرض من تكريم العقد واظهار شأنه، ولا يتم به الاعلان والاظهار فى الناس، اذ الرقيق مشغول بخدمة سيده، ولا يختلط بالناس، ولأن الشهادة ولاية، ولا ولاية للرقيق على نفسه، فلا تكون له ولاية على غيره، فلا يصلح شاهدا.
وهو أهل لتحمل الشهادة. فاذا حضر مجلس العقد وتحمل الشهادة فيه، ثم عتق وقامت خصومته بشأن العقد أمام القضاء، جاز له أن يؤدى الشهادة أمام القاضى، وجاز للقاضى أن يحكم بشهادته.
وذهب الامام أحمد الى جواز شهادة الرقيق، لأنه لا يوجد من النصوص الشرعية ما يمنع جواز شهادته، ولأنه روى عن أنس أنه قال:«ما علمت أحدا رد شهادة العبد. والله تعالى يقبلها يوم القيامة» .
الشرط الرابع: الاسلام: اذا كان كل من الزوجين مسلما - فلا يصح زواج المسلم بالمسلمة اذا كان الشهود غير مسلمين فانه ليس فى حضور غير المسلمين مجلس زواج المسلمين معنى التكريم لزواج المسلمين.
ثم لا يتحقق بحضورهم الاعلان المطلوب.
ولا يرجى بشهادتهم وحدهم على العقد ما يرجى من شهادة المسلمين من ذيوع أمره فى أهل الاسلام ولأن الشهادة من باب الولاية ولا ولاية لغير المسلم على المسلم. ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا.
ولأن الشهادة على عقد الزواج وان كانت من قبيل شهادة التحمل، الا أن لها شبها بشهادة الأداء من حيث أن فيها تسجيلا وتقريرا لحق الزوج على الزوجة، وهو ما أفاده العقد من ملك استمتاع الزوج بالزوجة.
واذا فلا تصح شهادة غير المسلم على المسلمة فى العقد، كما لا تصح شهادته عليها فى الأداء.
أما زواج غير المسلمين بعضهم ببعض فهو على ما يدينون فيه، فهم يقرون على أمورهم فى ذلك.
وتصح عقود زواجهم ولو بغير شهود أصلا اذا كانت دياناتهم لا تشترط الشهود فى صحة الزواج.
بقى الكلام على المسلم يتزوج كتابية.
والحكم فيه أنه لا بد فيه من الشهادة عليه ولا بد من توفر نصاب الشهادة.
واختلف فى شرط الاسلام فى الشهود.
فقال محمد وزفر من الحنفية والشافعى وأحمد أنه يشترط الاسلام فى الشهود، كما هو الحال فى زواج المسلم بالمسلمة، لأن الشهادة على عقد الزواج هى شهادة على الايجاب والقبول فليست اذن شهادة على الزوجة الكتابية وحدها، وانما هى شهادة عليها وعلى الزوج المسلم.
وقد قلنا: ان الشهادة على التحمل فى عقد الزواج شبيهة بشهادة الأداء، فلا تصح هذه الشهادة من غير مسلم على مسلم، كما لا تصح شهادته عليه فى الأداء بالاتفاق.
واحتجوا أيضا بقول النبى صلى الله عليه وسلم «لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل» .
والمراد بالعدالة فى الحديث عدالة الدين، واجتناب الكبائر، وعدم الاصرار على الصغائر، والاتصاف بالمروءة.
وغير المسلم لا توجد فيه هذه العدالة فلا يصح النكاح بشهادته عملا بنص الحديث.
وقال الامامان أبو حنيفة وأبو يوسف:
انه يصح زواج المسلم بالكتابية بشهادة كتابيين، لأن عقد الزواج وضع لأمرين:
الأول حل استمتاع المرأة بالرجل.
والثانى حل استمتاع الرجل بالمرأة حلا مقصورا عليه وهو ما يسمى ملك الاستمتاع.
ولا شك أن هذا الثانى أجل خطرا وأعظم شأنا وأقوى أثرا من الأول. فان الزوج يشارك الزوجة فى أصل حق الاستمتاع ويزيد عليها بحق اختصاصه بها بحيث لا تحل لأحد سواه، فصح أن يغلب حقه الذى هو نوع من الملكية على حقها.
وبذلك تكون الناحية الغالبة فى الشهادة أنها شهادة للزوج على الزوجة، فيراعى اذن حال المشهود عليه وهو الزوجة.
وما دامت شهادة العقد من نوع شهادة التحمل الشبيهة بشهادة الأداء من حيث أن فيها تسجيلا وتقريرا لحق صاحب الحق. فلزم أن يراعى فيها حالة من عليه الحق الغالب فيكون هو المشهود عليه.
فاذا كانت الزوجة المشهود عليها مسلمة لم تصح شهادة غير المسلم عليها.
واذا كانت كتابية صح أن يشهد عليها شهود من أهل الكتاب سواء كانوا من أهل
دينها أم من أهل دين آخر، لأن المقرر عندنا أن شهادتهم تجوز على بعضهم البعض.
فان قيل اذا كان عقد الزواج مفيدا حقين للزوج على زوجته - أصل الحل والاختصاص به، فهو مفيد أيضا حقين للزوجة على زوجها، أصل الحل والمهر، فهما متساويان، فالشهادة على كل منهما.
أجيب بأن المهر ليس من أركان العقد ولا من شروط صحته وانما هو حق مالى خارج ويصح العقد بدون ذكره بل ومع نفيه.
الشرط الخامس: التعدد: وأقل مراتبه رجلان أو رجل وامرأتان. فلا يصح العقد بشهادة رجل واحد، ولا بشهادة رجل وامرأة، ولا بشهادة النساء وحدهن مهما كثرن، اذ لا يكتفى بشهادة النساء وحدهن الا فبما لا يطلع عليه الرجال عادة.
وقد قال الله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» }.
فأثبتت الآية بنصها أن نصاب الشهادة فى المداينات والأمور المالية رجلان، أو رجل وامرأتان.
والاشهاد فى هذه الأمور مندوب ومستحب كما هو رأى أكثر الفقهاء.
واذا كان نصاب الشهادة فى المسائل المالية وهى لا تطلب الشهادة فيها الا على سبيل الندب والاستحباب لا تقل عن رجلين أو رجل وامرأتين، فيجب ألا يكتفى بأقل من ذلك فيما هو أعلى شأنا، وأقوى خطرا وهو الزواج وقد جعلت الشهادة فيه شرطا لصحته.
يضاف الى ذلك أن معنى الاعلان المطلوب لا يتوفر ولا يتحقق الا بحضور الرجال، أو بحضور الرجال والنساء أما حضور النساء وحدهن فلا يكفى لأن الشأن فيهن ألا يغشين مجالس الرجال فلا يتم معنى الاعلان بحضورهن منفردات.
الشرط السادس: سماع الشهود كلام المتعاقدين وفهمهما المراد منه.
وذلك أنه لا يتحقق معنى الشهادة على العقد. ولا يتوافر له معنى التكريم والاكبار، ولا يتم الاعلان والاظهار فى الناس على الوجه المطلوب الا بأن يسمع الشهود كلام المتعاقدين عبارات الايجاب والقبول ويفهموا الغرض المقصود منه.
فلو سمع الشاهدان كلام أحد العاقدين ولم يسمعا كلام الاخر، أو سمع شاهد أو شاهدان كلام أحد العاقدين، وسمع شاهد آخر أو شاهدان آخران كلام العاقد الثانى لم يصح العقد.
ولو سمع الشاهدان كلام العاقدين ولكن لم يفهماه ولم يفهما المقصود منه لأنه بلغة لا يعرفانها لا يصح العقد.
ويكفى أن يسمعا الكلام ويفهما المقصود منه، وأنه عقد زواج وان لم يفهما معانى الألفاظ اللغوية.
ولو عقد العقد بحضرة شاهدين نائمين أو أصمين لا يسمعان شيئا من الايجاب والقبول، أو كانا لا يفهمان المراد مما يسمعانه فلا تصح شهادتهما ولا يصح بها العقد.
وهذا الذى ذكر انما يلزم فى العقد الحضورى الذى يجرى بالألفاظ والكلمات.
أما اذا كان العقد غيابيا برسالة من الموجب، فان الشرط أن يسمع الشهود فى مجلس القبول ما فى الكتاب بأن يقرأ عليهم، أو يعرفوا ما فيه، ثم يسمعوا القبول واردا على ذلك من الطرف الاخر.
وكذلك اذا كان العاقدان أو أحدهما أخرس وأجرى العقد بالكتابة أو بالاشارة لزم أن يفهم الشهود المقصود من ذلك كله.
الشرط السابع: أن يكون سماع الشهود كلام المتعاقدين فى وقت واحد حال صدوره.
فلو سمع أحد الشاهدين الايجاب والقول ولم يسمعهما الآخر، ثم أعيد العقد بشطريه فسمعه الشاهد الثانى، ولم يسمعه الأول لم يصح العقد بذلك.
وقد قيل: أن هذا هو الأصح الذى أخذ به عامة العلماء.
وذلك أن الذى وقع فى هذه الصورة هو عقدان كاملان بالايجاب والقبول، ولم يشهد على كل منهما غير شاهد واحد فلم يصح شئ منهما.
وروى عن الامام أبى يوسف أنه يقول:
متى كان المجلس واحدا فانه يصح العقد استحسانا، لأن المجلس المتحد يجمع المتفرقات. فكأنه عقد واحد بشهادة شاهدين فيصح.
العدالة فى شهود الزواج
وليس من شروط الشهادة على عقد الزواج أن يكون الشهود عدولا. فيصح العقد بحضور فاسقين أو محدودين فى قذف سواء تابا من جريمة القذف أو لم يتوبا، لأن الفاسق يجوز أن ينشئ عقد الزواج لنفسه ولغيره فيجوز له أن يشهد على عقد الزواج، لأن من يصلح للقيام بالايجاب والقبول وهما ركنان فى العقد، يصلح لأن يشهد عليه، لأن الشهادة شرط فى العقد والركن أقوى من الشرط والركن جزء من الماهية، والشرط خارج عنها ومن قدر على الأقوى يقدر على الأضعف، ولأن الفاسق يصلح لتولى
أمر العامة الذى هو من قبيل الولاية العامة، فلان يصلح للشهادة التى هى من قبيل الولاية الخاصة من باب أولى.
ولأن الغرض من الشهادة على الزواج تكريم العقد والاعلان عنه. وليس فى حضور الفاسق فى الحال التى لا يكون فيها متلبسا بالفسق وشهادته ما ينافى تكريم العقد فيمكن أن يتوفر بحضوره معنى التكريم ويحصل به الاعلان.
واذا كانت الشهادة تعتمد على ترجيح جانب الصدق على جانب الكذب فكثير من الفساق يتحرجون من الكذب، ولا يشك من يخالطهم فى أن أقوالهم يغلب فيها جانب الصدق.
على أن الشهادة فى عقد الزواج ليس الغرض الأول منها اثبات العقد عند الخصومة أمام القضاء، حتى يراعى فيها كل ما يراعى فى أداء الشهادة، وانما الغرض الأول هو الاعلان والتكريم، وذلك حاصل بحضور الفاسق.
ثم ان شهادة الفاسق فى الخصومات ليس الحكم فيها ان ترد فى كل حال بل يجوز للقاضى أن يقبلها ويحكم بموجبها اذا تحرى عن الشاهد ووقف على أنه صادق فى شهادته. فان الله تعالى يقول فى شأنه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» }.
فأمر الله بالتبين والتثبت فى شأنه ولم يأمر برد أقواله باطلاق.
وليس من شروط الشهادة على الزواج أن يكونوا مبصرين، لأن الغرض الأول من الشهادة على هذا العقد هو التكريم والاعلان. وليس الاثبات، وذلك يتحقق بشهادة الأعمى.
ويكفى فيها معرفة الشهود للزوجين معرفة تحقق هذا الغرض.
وقد قرر الفقهاء أن معرفة الشهود للزوجين تتحقق بأن يعرفوا اسم كل منهما واسم أبيه.
وكذلك ليس من الشروط أن يكون الشهود ممن لا ترد شهادتهم للزوجين فى القضاء.
وبناء على ذلك يصح الزواج بشهادة أبوى الزوجين. وبشهادة ابنى الزوج من امرأة أخرى، وبشهادة ابنى الزوجة من رجل آخر، وبشهادة ابن للزوج وابن للزوجة وكذلك بشهادة ابنى الزوجين معا.
وذلك كأن يطلق الرجل امرأته طلاقا بائنا، وله منها أولاد ثم يعقد عليها بشهادة ابنيه منها.
وكذلك لا يشترط أن يكون الشهود ممن تقبل شهادتهم على الزوجين فى القضاء.
ولذلك يصح العقد بشهادة عدوين للزوجين أو لأحدهما.
ثم اذا وقعت خصومة بشأن هذا الزواج امام القضاء قبلت شهادة ابنى الزوج عليه ولم تقبل له.
وكذلك الحال فى ابنى الزوجة يقبل شهادتهما عليها ولا تقبل لها.
أما اذا كان الشاهدان ابنيهما جميعا فلا تقبل شهادتهما، لأنهما حينئذ تكون لأحدهما على الآخر لتحقق التهمة ..
وشهادة عدوى أحد الزوجين تقبل له ولا تقبل عليه.
وشهادة عدويهما لا تقبل لأحدهما مطلقا. لأنها حينئذ تكون شهادة على الآخر فتتحقق التهمة التى تمنع من قبول الشهادة.
وبناء على ما ذكر من أحكام اذا تولى رجل زواج ابنته الكبيرة برضاها فاجرى العقد مع الزوج بحضور شاهد واحد. (رجل واحد أو امرأتين منفردتين) وكانت الزوجة حاضرة فى مجلس العقد فان العقد يقع صحيحا ويعتبر مستوفيا شرط الشهادة.
ويعتبر الأب هو الشاهد الثانى فى العقد.
وعبارة الايجاب والقبول التى صدرت منه تعتبر فى هذه الحالة صادرة من الزوجة الحاضرة فى المجلس بنفسها.
ويكون الأب مجرد سفير لها ومعبر عنها لا غير لأن الأصل متى كان حاضرا اعتبر هو المباشر للعقد ..
واذا وكل رجل رجلا فى أن يزوج ابنته الصغيرة من فلان فتولى الوكيل العقد مع الزوج بحضور شاهد واحد وكان الموكل والد الزوجة حاضرا مجلس العقد فانه يصح العقد ويعتبر الوكيل شاهدا آخر.
ويكون مجرد سفير ومعبر عن الأب الموكل، لأن الموكل متى كان حاضرا انتقلت اليه عبارة الوكيل وصار هو المباشر للعقد.
واذا زوج الأب ابنته الصغيرة من رجل بحضور شاهد واحد لا يصح العقد، لأن الأب هو الولى، وهو الذى تعتمد عبارته فى العقد، ولا تنتقل عبارته الى ابنته الصغيرة حتى يكون مجرد سفير ومعبر عنها، لأنها صغيرة وغير حاضرة وحينئذ يكون هو العاقد حقيقة وحكما.
ولا يصلح أن يكون شاهدا لأن العاقد الحقيقى لا يكون أحد الشهود، فلم يبق للعقد الا شاهد واحد فلا يكون صحيحا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الحطاب
(2)
: ويجوز اشهاد عدلين فى النكاح غير الولى.
وظاهره اشتراط العدالة عند تحمل الشهادة فى النكاح وهو المذهب.
(1)
ابن عابدين ج 2 من باب النكاح ص 280 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب مع التاج والاكليل ج 3 ص 408، 409، 410 الطبعة السابقة.
فشهادة غير العدول فيه كالعدم.
قال فى المدونة: وان نكح مسلم ذمية بشهادة ذميين لم يجز، فان لم يدخلا أشهدا الآن عدلين مسلمين. وفسخ أن دخلا بلا اشهاد.
قال الحطاب مفهوم الشرط ان دخلا بعد الاشهاد لا يفسخ ولو كان الاشهاد بعد العقد. وهو كذلك الا أن يكون قصد الى الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه.
قال فى المقدمات: الاشهاد انما يجب عند الدخول وليس من شروط صحة العقد.
فان تزوج ولم يشهد فنكاحه صحيح، ويشهدان فيما يستقبل، الا أن يكون قصدا الى الاستسرار بالعقد، فلا يصح أن يثبتا عليه، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر، ويؤمر أن يطلقها طلقة، ثم يستأنف العقد.
فان دخلا فى الوجهين جميعا. يعنى مع قصد الاستسرار وعدم قصده فرق بينهما وان طال الزمان بطلقة لاقرارهما بالنكاح ..
وحدا حد الزنى ان أقرا بالوط ء، الا أن يكون الدخول فاشيا أو يكون على العقد شاهد واحد فيدرأ الحد بشبهة الحل.
قال فى المدونة: تجوز شهادة الأفذاذ فى النكاح والعتاق. قال عياض: الأفذاذ المتفرقون وهو أن لا يجتمع الشهود على شهادة المتناكحين والولى اذا عقدوا النكاح وتفرقوا قال كل واحد لصاحبه: أشهد من لقيت.
قال أبو الحسن: فيكون على هذا شاهدان على الزوج وشاهدان على الولى وشاهدان على المرأة أن كانت ثيبا ..
قال ابن فرحون فى التبصرة عن أبى ابراهيم:
وفى البكر ذات الأب بأربعة: شاهدان على المنكح وشاهدان على الناكح.
واما أن أشهد كل منهم الشهود الذين أشهدهم صاحبه مرة بعد مرة فليست بافذاذ.
والظاهر أن البكر بلا ولى مجبر مثل الثيب.
قال ابن الهندى: شهادة الافذاذ لا تعمل شيئا اذا أشهد كل واحد منهم بغير نص ما أشهد به صاحبه وان كان معنى شهادتهم واحدا حتى يتفق شاهدان على نص واحد.
قال البرزلى فى مسائل النكاح عن السيورى:
لا يشهد فى النكاح الا العدول فى الوكالة.
يعنى فى توكيل المرأة الثيب من يعقد نكاحها وفى العقد، غير أنه أن ترك ما ذكر يعنى من شهادة غير العدول عليها فى الوكالة على العقد وعلم منها الرضا والدخول بعد علمها مضى النكاح.
وقال الدمامينى فى كتاب الشهادات من حاشية البخارى - قال ابن المنير: ونحن
نشترط فى جواز الدخول تقدم الاشهاد قبل النكاح.
ولو دخل قبل أن يشهد حد، ولا بد من الفسخ، وفيه أنه نكاح السر.
ثم انا نجوز شهادة المستأمر على اذن المرأة وهو ركن فى العقد للضرورة.
وفى الطراز قال: شهادة الخاطبين لا تجوز لأنهما خصمان.
وقيل انما ذلك اذا أخذنا على ذلك أجرا فان لم يأخذا أجرا جازت شهادتهما لأنهما لا يجران لأنفسهما شيئا وكانت الفتيا تجرى على هذا ..
وقال ابن رشد شهادة الشاهد فى عقد النكاح الذى كان فيه خاطبا جائزة، اذ ليس فيه وجه من أوجه التهمة الفادحة فى الشهادات.
وأعرف لابن رشد فى نوازله أن شهادة المشرف لمن له الاشراف عليه جائزة اذ ليس بيده قبض.
ولغيره أنها ضعيفة، لأن له مطلق النظر.
قال البرزلى: سئل اللخمى عمى زوج خته البكر باذن وصيها هل يتم النكاح بشهادة الوصى لعدالته؟ فأجاب: لا تجوز شهادة الوصى فى النكاح اذ هو المنكح.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية
(1)
المحتاج: يشترط فى شاهدى النكاح الحرية الكاملة فيهما.
وذكورية محققة.
وعدالة ومن لازمها الاسلام والتكليف.
وسمع، لأن المشهود عليه قول فاشترط سماعه حقيقة.
قال فى حاشية المغربى: قضيته أنه لو كان العاقد أخرس وله اشارة يفهمها كل واحد لا يشترط فى الشاهد السمع لأن المشهود عليه الآن ليس قولا ولا مانع منه ..
ويشترط بصر، لأن الاقوال لا تثبت الا بالمشاهدة والسماع.
وفى الأعمى وجه لأنه أهل للشهادة فى الجملة.
والأصح لا.
وان عرف الزوجين ومثله من بظلمه شديدة.
وفى الاصم أيضا وجه.
(1)
شهاب الدين الرملى ج 6 ص 213 وما بعدها نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لابن الطبعة السابقة.
ونطق، وعدم حجر لسفه، وانتفاء حرفة دنيئة تخل بمروءته.
وعدم اختلال ضبط لغفلة أو نسيان.
ومعرفة لسان المتعاقدين فلا يكفى اخبار ثقة بمعناه.
وقيل يكفى ضبط اللفظ.
والأصح انعقاده باطنا وظاهرا بمحرمين لكن الأولى عدم حضورهما، وبابنى الزوجين وعدويهما كذلك، وبجديهما، وأبيه، لا أبيها، لأنه العاقد أو موكله.
نعم تتصور شهادته لاختلاف دين أو رق بها، وذلك لانعقاد النكاح بهما فى الجملة.
لا يقال هذه علة الضعف فى الأعمى.
فما الفرق؟.
لأنا نقول: الفرق أن شهادة الابن أو العدو يتصور قبولها فى هذا النكاح بعينه فى صورة دعوى حسبة مثلا.
ولا كذلك فى الاعمى وامكان ضبطه لهما الى الحاكم لا يفيد لاحتمال أن المخاطب غير من أمسكه، وان كان فم هذا فى اذنه، وفم الآخر فى اذنه الأخرى، فيتعذر اثبات هذا النكاح بعينه بشهادته، فكانت كالعدم.
ولو كان لها أخوة فزوجها احدهم والآخران شاهدان صح، لأن العاقد ليس نائبا عنها بخلاف ما لو وكل أب أو أخ تعين للولاية وحضر مع الآخر، لأنه العاقد حقيقة، اذ الوكيل فى النكاح سفير محض، فكانا بمنزلة رجل واحد.
وفارق صحة شهادة سيد اذن لقنه وولى للسفيه فى النكاح بأن كلا منهما ليس بعاقد، ولا نائبه، ولا العاقد نائبه لأن اذنه له فى الحقيقة ليس انابة بل رفع حجر عنه.
وينعقد النكاح بمستورى العدالة وهما من لا يعرف لهما مفسق على ما نص عليه واعتمده جمع لكن الذى اختاره الشيخ النووى وقال انه الحق أنه من عرف ظاهره بالعدالة ولم يزك عند الحاكم ومن ثم بطل الستر بتجريح عدل. ولم يلحق الفاسق اذا تاب بالمستور.
ويستحب استنابة المستور عند العقد على الصحيح، لجريانه بين أوساط الناس والعوام، فلو كلفوا بمعرفة العدالة الباطنة ليحضر المتصف بها، لطال الأمر وشق، ومن ثم صحح النووى فى نكت التنبيه كابن الصلاح أنه لو كان العاقد الحاكم اعتبرت العدالة الباطنة قطعا لسهولة معرفتها عليه بمراجعة المزكين
وصحح المتولى وغيره عدم الفرق وهو المعتمد. اذ ما طريقه المعاملة يستوى فيه الحاكم وغيره.
ومقابل الصحيح: لا ينعقد بحضورها لتعذر اثباته بهما.
ولا ينعقد بمستورى الاسلام أو الحرية. ولو مع ظهورهما بالدار، بان يكونا بموضع يختلط فيه المسلمون بالكفار والاحرار بالعبيد ولا غالب .. أو يكونا ظاهرى الاسلام والحرية بالدار، بل لا بد من معرفة حاله فيهما باطنا لسهولة الوقوف على الباطن فيهما.
وكذا البلوغ ونحوه مما مر.
نعم ان بان مسلما أو حرا أو بالغا مثلا بان انعقاده كما لو بان الخنثى ذكرا.
ولو بان فسق الولى أو الشاهد أو غيره من موانع النكاح كجنون أو اغماء أو صغر ادعاه وارثه أو وارثها وقد عهد أو انتبه عند العقد فباطل على المذهب ..
كما لو بانا كافرين لأن العبرة فى العقود بما فى نفس الأمر بخلاف تبينه قبله ..
نعم تبينه قبل مضى زمن الاستبراء كتبينه عنده.
والطريق الثانى هو صحيح فى أحد قولين اكتفاء بالستر يومئذ.
وانما يتبين الفسق أو غيره بعلم الحاكم حيث صاغ له الحكم بعلمه فيلزمه التفريق بينهما ولو لم يترافعا اليه ما لم يحكم حاكم يراه بصحته.
ويتبين الفسق كذلك ببينة تشهد به مفسرا سواء اكان الشاهد عدلا أو مستورا.
ويتبين كذلك باتفاق الزوجين على فسقهما عند العقد، سواء اعلما به عنده أم بعده، ما لم يقرا قبل عند حاكم أنه بعدلين ويحكم بصحته، والا لم يلتفت لاتفاقهما، أى بالنسبة لحقوق الزوجين، لا لتقرير النكاح.
ولا أثر لقول الشاهدين: كنا عند العقد فاسقين مثلا، لأنهما مفسران على غيرهما .. ولو اعترف به الزوج وأنكرت فرق بينهما مؤاخذة له بقوله، وهى فرقة فسخ لا تنقص عدد الطلقات.
وعلى الزوج المقر بالفسق نصف المهر المسمى ان لم يدخل بها. والا فكله عليه. ولا يرثها، لأن حكم اعترافه مقصور عليه .. ومن ثم ورثته لكن بعد حلفها أنه عقد بعدلين.
بخلاف اعترافها بخلل ولى أو شاهد فلا يفرق بينهما، لأن العصمة بيده وهى تريد رفعها والأصل بقاؤها.
ولكن لو مات لم ترثه.
وان ماتت أو طلقها قبل وط ء فلا مهر أو بعده فلها أقل الأمرين من المسمى ومهر المثل، ما لم تكن محجورا عليها
لسفه، فلا سقوط لفساد اقرارها فى المال.
ويستحب الاشهاد على رضا المرأة حيث يعتبر رضاها احتياطا ليؤمن انكارها.
وبحث الاذرعى ندبه على المجبرة البالغة، لئلا ترفعه لمن يعتبر اذنها وتجحده فيبطله.
ولا يشترط ذلك لصحة النكاح، لأن الاذن ليس ركنا فى العقد بل شرطا فيه فلم يجب الاشهاد عليه.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى لابن قدامة والشرح
(1)
الكبير: لا ينعقد النكاح الا بشاهدين عدلين بالغين عاقلين، وان كانا ضريرين.
والمشهور عن أحمد ان الشهادة شرط لصحة النكاح.
روى ذلك عن عمر وعلى وهو قول ابن عباس وسعيد ابن المسيب وجابر بن يزيد والحسن والنخعى.
وعن احمد أنه يصح بغير شهود.
فعله ابن عمر والحسن.
ويشترط فى الشهود الذكورية والعدالة والعقل والبلوغ والاسلام.
فاما الذكورية فقال احمد: اذا تزوج بشهادة نسوة لم يجز لما روى ابو عبيد فى الأموال عن الزهرى قال: مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تجوز شهادة النساء فى الحدود ولا فى النكاح ولا فى الطلاق.
ولأنه عقد ليس بمال ولا المقصود منه المال، ويطلع عليه الرجال فى غالب الأحوال فلم يثبت بشهادتهن كالحدود.
وأما العدالة ففى انعقاد النكاح بشهادة الفاسقين روايتان:
أحداهما لا ينعقد للخبر، ولأن النكاح لا يثبت بشهادتهما أمام القضاء، فلم ينعقد بحضورهما كالمجنونين.
والثانية ينعقد بشهادتهما.
وعلى كلتا الروايتين لا تعتبر حقيقة العدالة بل ينعقد بشهادة مستورى الحال، لأن النكاح يكون فى القرى والبوادى وبين عامة الناس ممن لا يعرف حقيقة العدالة فاعتبار ذلك يشق فاكتفى بظاهر الحال، وكون الشاهد مستورا لم يظهر فسقه.
فان تبين بعد العقد أنه كان فاسقا لم يؤثر فى العقد، لأن الشرط العدالة ظاهرا،
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 457، 462 والشرح الكبير عليه الطبعة السابقة.
وهو ان لا يكون ظاهر الفسق وقد تحقق ذلك.
وقيل تبين ان النكاح كان فاسدا لعدم الشرط، ولا يصح، لأنه لو كانت العدالة الباطنة شرطا لوجب الكشف عنها، لأنه مع الشك فيها يكون الشرط مشكوكا فيه، فلا ينعقد النكاح. ولا تحل المرأة مع الشك فى صحة نكاحها.
وان حدث الفسق فيهما لم يؤثر فى صحة النكاح. لأن الشرط انما يعتبر حالة العقد.
ولو أقر رجل وامرأة أنهما نكحا بولى وشاهدى عدل قبل منهما وثبت النكاح بشهادتهما.
وأما العقل، فلأنه لا ينعقد بشهادة مجنونين ولا طفلين، لأنهما ليسا من أهل الشهادة، وليس لهما قول يعتبر.
وأما البلوغ، فلأنه لا ينعقد بشهادة صبيين لأنهما ليسا من أهل الشهادة فأشبها الطفل.
وعنه أنه ينعقد بشهادة مراهقين عاقلين بناء على أنهما من أهل الشهادة.
وأما الاسلام، فلأنه لا ينعقد النكاح بشهادة كافرين سواء كان الزوجان مسلمين، أو الزوج مسلما وحده نص عليه احمد.
وينعقد النكاح بشهادة ضريرين، لأن الشهادة فى النكاح شهادة على قول فقبلت من الضرير كالشهادة بالاستفاضة.
ويعتبر أن يتيقن الصوت على وجه لا يشك فيهما كما يعلم ذلك من رآهما.
وينعقد بشهادة عبدين.
وعنه ينعقد بحضور فاسقين ورجل وامرأتين.
وظاهر المذهب أن النكاح لا ينعقد برجل وامرأتين.
وعن أحمد أنه قال: اذا زوج بشهادة نسوة لم يجز، فان كان معهن رجل فهو أهون، فيحتمل ان هذا رواية أخرى فى انعقاده بذلك، وهو قول أصحاب الرأى وروى عن الشعبى، لأنه عقد معاوضة فانعقد بشهادتهن مع الرجال كالبيع.
ولنا الخبر المذكور. ولأنه عقد ليس المقصود منه المال ويحضره الرجال فلم يقبل فيه شهادة النساء كالحدود ولهذا فارق البيع.
ولا ينعقد نكاح المسلم بشهادة ذميين.
ويتخرج أن ينعقد اذا كانت المرأة ذمية.
ولا ينعقد بحضور أصمين ولا أخرسين، لأن الأصمين لا يسمعان، والأخرسين يتعذر الأداء منهما.
وفى انعقاده بشهادة أهل الصنائع الرديئة كالحجام ونحوه وجهان بناء على قبول شهادتهم.
وهل ينعقد بحضور عدوين أو ابنى الزوجين أو احدهما: على وجهين؟
أحدهما ينعقد اختاره ابو عبد الله بن بطة، لعموم قول النبى صلى الله عليه وسلم وشاهدى عدل «ولأنه ينعقد بهما نكاح غير هذا الزوج، فانعقد بهما نكاحه كسائر العدول.
والثانى: لا ينعقد لأن العدو لا تقبل شهادته على عدوه فى القضاء. والابن لا تقبل شهادته لوالده.
وعنه أن الشهادة ليست من شروط النكاح.
وفى موضع آخر منه قال
(1)
: أما الأخرس فان فهمت اشارته صح نكاحه بها، لأنه معنى لا يستفاد الا من جهته فصح باشارته كبيعه وطلاقه ولعانه.
وفى اشارة القادر على النطق وجهان ذكرهما فى المجرد:
أولهما عدم الصحة للاستغناء عنها.
وأن لم تفهم اشارته لم يصح منه، كما لا يصح غيره من التصرفات القولية، ولأن النكاح عقد بين شخصين، فلا بدمن فهم كل واحد منهما ما يصدر عن صاحبه.
ولو فهم ذلك صاحبه العاقد معه لم يصح حتى يفهم الشهود أيضا لأن الشهادة شرط ولا تصح على ما لا يفهم.
قال أحمد: لا يزوجه وليه، يعنى اذا كان بالغا، لأن الخرس لا يوجب الحجر كالصمم.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(2)
لا يتم النكاح الا بشهادة عدلين فصاعدا أو باعلان عام.
فان استكتم الشاهدان فلا يضر ذلك شيئا، لما روى أيما امرأة نكحت بغير اذن وليها وشاهدى عدل فنكاحها باطل.
وان دخل بها فلها المهر وان اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له.
قال أبو محمد: لا يصح فى هذا الباب شئ غير هذا السند يعنى ذكر شاهدى عدل. وفى هذا كفاية لصحته.
فان قيل: فمن اين اجزتم النكاح بالاعلان
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير عليه ج 7 ص 373، 374 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 465، 466 الطبعة السابقة.
الفاشى وبشهادة رجل وامرأتين عدول وبشهادة أربع نسوة عدول؟
قلنا: أما الاعلان فلأن كل من صدق فى خبر فهو فى ذلك الخبر عدل صادق بلا شك فاذا أعلن النكاح فالمعلنان له به بلا شك صادقان عدلان فيه فصاعدا، وكذلك الرجل والمرأتان فهما شاهدا عدل بلا شك، لأن الرجل اذا أخبر عنهما غلب التذكير.
وأما الأربع النسوة فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «شهادة المرأة بنصف شهادة الرجل.
وقال قوم اذا استكتم الشاهدان فهو نكاح سر وهو باطل.
قال أبو محمد: وهذا خطأ لوجهين:
أحدهما انه لم يصح قط نهى عن نكاح السر اذا شهد عليه عدلان.
والثانى: أنه ليس سرا ما علمه خمسة.
الناكح والمنكح والمنكحة والشاهدان.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(1)
: من شروط النكاح اشهاد عدلين.
فلا يصح العقد الا بحضور شاهدين وسماعهما الايجاب والقبول تفصيلا.
وان لم يقصد اشهادهما.
ومذهبنا أن العدالة فيهما شرط. وهى عندنا كعدالة أمام الصلاة فلا يحتاج الى اختبار.
ويصح ان يكون الشاهدان من أولياء المرأة غير العاقد.
ولو كان الشاهدان أعميين فان شهادتهما تكفى، لا أصمين أو أعجميين عند العرب، أو العكس على وجه لا يفقهان اللغة الا اذا كان الزوج والولى أخرسين وعقدا بالاشارة فيكفى، لأن العمدة حينئذ على النظر لا على السمع.
أو كان الشاهدان عبديهما أى عبدى الزوج والزوجة، أو أحدهما، فان النكاح يصح بشهادتهما ولو لم يحكم بشهادتهما فى النكاح عند الخصومة أمام القضاء وكذلك فى المهر.
والمراد هنا ما ينعقد به العقد، لا ما يثبت به عند الخصومة. فينعقد بهما، أو رجل وامرأتين أو خنثيين لا رجل وخنثى تغليبا لجانب الحظر.
ويجب على العدل التتميم أى يجب على الشخص الذى يعرف من نفسه العدالة أن يتمم شهادة النكاح اذا كانت ناقصة،
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب لأحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 2 ص 31، 32 الطبعة السابقة.
ومذهب الزوجين اشتراط العدالة، نحو أن يوجد شاهد عدل، ولا يوجد سواه فى الميل، وثم انسان آخر يعرف من نفسه العدالة، فانه يجب عليه حينئذ أن ينضم الى ذلك الشاهد، ليتمم الشهادة وان لم يطلب.
وأنما يتعين عليه الوجوب حيث لا يوجد عدل غيره.
فاذا كان يوجد غيره ممن لا يمتنع عن الحضور لم يتعين الوجوب على هذا، الا أن يعرف امتناع ذلك الغير.
واذا حضر العقد شاهدان أحدهما فاسق وظاهره السلامة، وهو يعرف ان مذهب الزوجين اشتراط العدالة وجب على الفاسق وغير العدل رفع الغرر بالتعريف ان شهادته غير صحيحة لعدم العدالة.
هذا اذا لم تمكنه التوبة نحو أن يكون الحق لآدمى، وهو متمكن من التخلص والا كفت التوبة وانعقد النكاح بشهادته.
واذا كان عقد النكاح بالكتابة نحو ان يكتب الزوج: زوجنى ابنتك أو يكتب الولى قد زوجتك ابنتى. فان الشهادة لا تجب عند الكتابة، بل تقام عند المكتوب اليه فيقرأ الكتاب وهم يسمعون، ثم يقول قد زوجته أو قد قبلت النكاح.
وكذا تقام عند المرسل اليه اذا كان العقد بالرسالة. ويصح أن يكون الرسول أحد الشاهدين وان كان حامل الكتاب فاولى فى صحة كونه أحد الشاهدين وتقام الشهادة فى العقد الموقوف على رضا الولى أو المرأة، أو الزوج، أو وليه عند ذلك العقد، لا عند الاجازة اذ وقت العقد وقت انعقاد فالاجازة تلحقه وقد انعقد على وجه الصحة من الشهادة لا عند الاجازه فلم يسمعا ايجابا ولا قبولا. بل سمعا أجزت أو نحوه.
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع
(1)
: لا يشترط حضور شاهدين ولا ولى اذا كانت الزوجة بالغة رشيدة على الأصح.
وجاء فى تذكرة الفقهاء يستحب الاعلان والاظهار فى النكاح الدائم والاشهاد.
وليس الاشهاد شرطا فى صحة العقد عند علمائنا أجمع وبه قال مالك وأحمد فى احدى الروايتين.
وجاء فى الخلاف
(2)
: اذا زوج الذمى ابنته الكافرة من مسلم انعقد العقد على قول من يقول من أصحابنا بجواز العقد عليهن وان حضر شاهدان كافران.
ودليلنا أنه ليس من شرط انعقاد العقد
(1)
المختصر النافع فى فقه الإمامية ج 1 ص 194، 195 الطبعة السابقة.
(2)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 1 ص 146 وما بعدها الطبعة السابقة.
الشهادة واذا لم يكن ذلك من شرطه سقط عنا هذا الفرع.
وجاء فى موضع آخر الشهادة ليست شرطا فى انعقاد شئ من العقود أصلا.
وفى موضع آخر لا يثبت النكاح والخلع والطلاق والرجعة والقذف الا بشهادة رجلين. وهذا فى الأثبات.
وقال يجوز
(1)
الشهادة على الوقف والولاء والعتق والنكاح بالاستفاضة لأنه لا خلاف أنه يجوز لنا الشهادة على أزواج النبى صلى الله عليه وسلم وما يفتقر الى سماع ومشاهدة من العقود كالنكاح والبيوع لا تقبل فيه شهادة الأعمى.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: ويجب الاشهاد على النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل «رواه الحسن.
ومثله عن أبى عبيدة عن جابر عن ابن عباس لا طلاق الا بعد نكاح. ولا ظهار الا بعد نكاح ولا عتق الا بعد ملك. ولا نكاح الا بولى وصداق. وبينة، ولوجوبه بالقرآن والسنة على الرجعة التى هى فرع النكاح.
ومذهبنا أن الاشهاد على النكاح معقول المعنى من جهة وتعبد من جهة.
أما الجهة الأولى فلما يترتب عليه من حقوق لكل من الزوجين على الآخر وشغل الزوجة به والميراث ونحو ذلك.
وأما الجهة الثانية فمأخوذة من أنه لو تزوجها بلا شهود ومسها لقلنا بحرمتها ولم نقل بحلها والاشهاد بعد.
وجاز فى النكاح امينان أو أمين وأمينتان أو ثلاثة من أهل الجملة.
ويشترط فى الشهادة على النكاح أن يكون الشهود عدولا، لقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بولى وشاهدى عدل رواه البيهقى فى سننه عن عمران وعائشة.
وقيل: ان اشتراط العدالة انما للحكم بالشهادة، لا لجواز الدخول، وأن الدخول جائز ولو بلا عدالة اذا صحت الشهادة ولم تكن تهمة.
وقيل: اشتراطها كمال لا وجوب.
وأنما لم تجز شهادة الطفل والعبد لقيام الدليل من خارج على أنه لا تصح
(1)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 612.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 53، 54 الطبعة السابقة.
شهادة الطفل والعبد فيحمل عليها الاطلاق.
وكذلك شهادة المشرك قام الدليل على أنها لا تصح فحمل عليه اطلاق - لا طلاق الا بولى وشاهدين. ويجوز شهادة أهل الشرك بعضهم على بعض.
وفى شرح النيل
(1)
جاء فى الديوان:
لا يجوز أن يشهد والد المرأة على نكاحها وكذا سيد العبد والأمة.
ومن تزوج بحضرة نيام أو سكارى أو صم لم يصح، لعدم صحة شهادتهم حيث لم يسمعوا العقد، ولا ما جرى فيه.
وفى السامعين من وراء حجاب قولان.
وأن قام الشهود من المجلس فقالوا:
ما سمعنا ما قلتم أعادوا الاشهاد وان بعد المس.
وقيل: حرمت ان مست، ولا ينصت اليهم ان كانوا غير أمناء.
وأن زوجها الولى بحضرة ناس ولم يشهدهم أو أشهدهم وقالوا: لا نشهد جاز النكاح. وتجوز شهادة أعمى وبصير معا مطلقا.
وقيل عند الله.
والمشهور جواز شهادة العميان فيما يدركونه.
وتجوز شهادة محدودين ان تابا.
وقيل: ان لم يدخل بها فالأولى التجديد.
وزعم بعض أن شهادة خنثيين شهادة امرأة.
وفى موضع آخر
(2)
: ولا توارث بين متناكحين بلا شهود، أو بلا ولى ان مات احدهما، لأن الارث هنا بالنكاح، والنكاح غير منعقد، لأنه لم يشتمل على شهود جائزة، واذا لم يشتمل عليها فليس بنكاح شرعى لأحاديث: لا نكاح الا بولى وشهود.
ولا صداق لها ان علمت بذلك وأنه تزوجها بلا شهود، أو بلا ولى، سواء علمت بتحريم ذلك أو جهلته أو اعتقدت حرمته، لأن الصداق انما يكون بالعقد الصحيح. وليس هناك عقد صحيح. فلم يلزم بعقدهما النصف لعدم صحته. ولم يلزمه النصف الآخر أو الكل بالمسمى لأنه مس زنا لم يقهرها عليه.
وفى موضع آخر: وللزوج أن يشهد مع وليها شهودا قبل أن يمس وان لم يجتمعا على الاشهاد فى موضع واحد أشهد الولى من اشهده الزوج وان أشهد
(1)
شرح النيل ج 3 ص 56.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 97 الطبعة السابقة.
الولى أولا. أشهد الزوج من أشهده الولى .. أو يستشهد الأول منهما من استشهدهم الثانى، أو يتفقان على شاهدين آخرين. أو على بعض من شهد عن احدهما وعلى شاهد آخر فيشهد انهما لا غير.
وان اشهد أحدهما غير من اشهده الآخر ثم أشهده الآخر قبل المس جاز.
وقيل: ان لم يقع الاشهاد فى موضع واحد لم يجز وفرق بينهما ان مس.
وان تزوج بشاهد واحد أو بشاهدين أحدهما لا تجوز شهادته ولم يمس زاد شاهدا آخر. وان مس حرمت.
ومن تزوج بلا شهود ثم زال عقله فاستخلف له من يشهد على نكاحه لم يجز الا بتجديده، لأن زوال عقله قبل تمام النكاح ابطال لما وقع منه فلا يصح البناء على ما بطل. كمن تزوج ومات قبل الاشهاد.
الاشهاد فى الرجعة
مذهب الحنفية:
جاء فى فتح القدير
(1)
: يستحب أن يشهد على الرجعة شاهدين، فان لم يشهد صحت الرجعة.
وقال الشافعى رحمه الله تعالى فى أحد قوليه: لا تصح وهو قول مالك رحمه الله تعالى، لقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» والأمر للوجوب.
ولنا اطلاق النصوص من قيد الاشهاد.
وكقوله تعالى «الطلاق مرتان فامساك بمعروف أو تسريح باحسان» .
وقوله تعالى «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» }.
وقوله تعالى «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ» }.
وقوله تعالى «فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا» }.
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب لما أخبره بأن عبد الله بن عمر طلق امرأته فى الحيض «مر ابنك فليراجعها» .
وهذه النصوص ساكتة عن قيد الاشهاد. فاشتراطه اثبات بلا دليل.
وأما قوله تعالى: «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» فليس بدليل على وجوب الاشهاد اذ الأمر للندب، بدليل أنه قرن الرجعة بالمفارقة فى قوله تعالى «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» ثم أمر بالاشهاد على كل منهما، فقد أمر بشيئين فى جملتين، ثم أمر بالاشهاد
(1)
انظر شرح فتح القدير للشيخ الامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى ج 3 ص 162، 163 طبع المطبعة الكبرى الاميرية سنة 1315 هـ الطبعة الأولى.
على كل منهما بلفظ واحد وهو قوله «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» واللفظ الواحد لا يراد به معناه الحقيقى، كالوجوب فيما نحن فيه ومعناه المجازى كالندب.
فاذا ثبت ارادة أحد المعنيين بالنسبة لأحد الأمرين لزم ان يراد به نفس ذلك المعنى أيضا بالنسبة للأمر الآخر، والا لزم تعميم اللفظ فى المعنى الحقيقى والمجازى معا وهو ممنوع عندنا.
وقد ثبت ارادة الندب بالنسبة الى المفارقة أى الطلاق، فلزم ارادته أيضا بالنسبة الى المراجعة، فيكون الندب المراد به شاملا للرجعة والطلاق. وهذا على قولنا.
وجاء فى ابن عابدين
(1)
: وندب الاشهاد بعدلين ولو بعد الرجعة بالفعل احترازا عن التجاحد وعن الوقوع فى مواقع التهم، لأن الناس عرفوه مطلقا فيتهم بالقعود معها، وان لم يشهد صحت الرجعة والأمر فى الآية للندب.
وفى البحر: اذا راجعها بقبلة أو لمس فالأفضل أن يراجعها بالاشهاد ثانيا - أى الاشهاد على القول فلا يشهد على الوط ء والمس والنظر بشهوة، لأنه لا علم للشاهد بها.
والرجعة على ضربين سنى وبدعى.
فالسنى أن يراجعها بالقول ويشهد على رجعتها ويعلمها ولو لم يعلمها كان مخالفا للسنة كما فى شرح الطحاوى. وكذا لو راجعها بالفعل. ولم يراجع ثانيا بالقول والاشهاد.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح
(2)
الصغير: وندب للزوج الاشهاد على الرجعة لدفع ايهام الزنا.
ولا يجب خلافا لبعضهم.
وأصابت الزوجة ان منعت نفسها من زوجها لأجل الاشهاد على مراجعتها، وذلك دليل على كمال رشدها.
والمعتبر فى الاشهاد المندوب شهادة غير الولى.
وفى التاج والاكليل: من المدونة: من طلق زوجته فليشهد على طلاقه وعلى رجعته .. وقال مالك فيمن منعت نفسها وقد ارتجع حتى يشهد قد أصابت.
(1)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 2 ص 731 الطبعة السابقة.
(2)
بلغة السالك الى أقرب المسالك وحاشية الصاوى عليه ج 1 ص 433 الطبعة السابقة.
قال ابن عرفة: هذا دليل على وجوب الاشهاد
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(2)
: أنه هل يجب الاشهاد على الرجعة أولا؟ فيه قولان:
أحدهما يجب، لقول الله عز وجل:
{فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» ولأنه استباحة بضع مقصود فلم يصح من غير اشهاد كالنكاح.
والثانى أنه مستحب، لأنه لا يفتقر الى الولى فلم يفتقر الى الاشهاد كالبيع.
وجاء فى مغنى المحتاج
(3)
وعبر فى الروضة بالأظهر أنه لا يشترط فى الرجعة الاشهاد بها، لأنها فى حكم استدامة النكاح السابق ولذلك لا يحتاج الى الولى ورضاء المرأة.
والقديم المنصوص عليه فى الجديد أنه يشترط لا لكونها بمنزلة ابتداء النكاح بل لظاهر قوله تعالى: «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» أى على الامساك الذى هو بمعنى الرجعة.
وأجاب الأول بحمل ذلك على الاستحباب كما فى قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» للأمن من الجحود.
وانما وجب الاشهاد على النكاح لاثبات الفراش وهو ثابت هنا، فان لم يشهد استحب الاشهاد عند اقرارها بالرجعة خوف جحودها، فان اقراره بها فى العدة مقبول لقدرته على الانشاء وعلى الجديد فتصح الرجعة بكتابة ولهذا أتى بفاء التفريع لأنه مستقل بها كالطلاق وعلى مقابله لابناء على أنها فى حكم الابتداء.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(4)
: أن صفة الرجعة أن يقول: راجعتك، أو ارتجعتك، أو رجعتك، أو رددتك، أو امسكتك .. فان زاد بعد هذه الألفاظ للمحبة أو الاهانة، أو قال أردت أنى رجعتك
(1)
التاج والاكليل للمواق مع الحطاب ج 4 ص 105 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 103 الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج لمعرفة الفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 2 ص 312 الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع مع منته الارادات فى كتاب ج 3 ص 210 الطبعة السابقة والاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 4 ص 66 الطبعة السابقة.
لمحبتى اياك أو اهانة لك لم يقدح فى الرجعة.
وان قال: أردت أنى كنت أهينك أو أحبك وقد رددتك بفراقى لذلك فليس برجعة.
وان أطلق ولم ينو شيئا بقوله راجعتك للمحبة أو الاهانة ونحوه صحت.
فالاحتياط أن يشهد.
وليس من شرط الرجعة الاشهاد.
لكن يستحب فيقول للشاهدين:
اشهدا على أنى راجعت امرأتى أو زوجتى أو راجعتها مما وقع عليها من طلاقى.
فلو اشهد وأوصى الشهود بكتمانها فصحيحة.
ولا تفتقر الى ولى ولا صداق ولا رضا المرأة ولا علمها ولا اذن سيدها.
وفى موضع آخر من الكشاف ومن الاقناع
(1)
: وان ارتجعها المطلق وأشهد على المراجعة من حيث لا تعلم فاعتدت ثم تزوجت من أصابها ردت اليه أى الى الذى كان قد راجعها بعد اقامة البينة لأن رجعته صحيحة لأنها لا تفتقر الى رضاها فلم يفتقر الى علمها كطلاقها.
ونكاح الثانى غير صحيح، لأنه تزوج امرأة غيره كما لو لم يكن طلقها.
ولا يطؤها المرتجع حتى تنقضى عدتها من الثانى ..
ولها على الثانى المهر.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(2)
:
ان وطئ الزوج المطلقة طلاقا رجعيا لم يكن بذلك مراجعا لها حتى يلفظ بالرجعة ويشهد ويعلمها بذلك قبل تمام عدتها.
فان راجع ولم يشهد فليس مراجعا لقول الله تعالى «فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» }.
فرق عز وجل بين المراجعة والطلاق والاشهاد فلا يجوز افراد بعض ذلك عن بعض. وكان من طلق ولم يشهد ذوى
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 211، 212 والاقناع ج 4 ص 168 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 251 الطبعة السابقة.
عدل أو راجع ولم يشهد ذوى عدل متعديا لحدود الله تعالى وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار
(1)
: لا يعتبر فى الرجعة الاشهاد لقوله صلى الله عليه وسلم حين طلق عبد الله ابن عمر امرأته فى الحيض وأبلغ عمر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم مره فليراجعها ولم يذكر الاشهاد ولو كان واجبا لذكره.
أو يجب لقول الله تعالى «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ. وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» والأمر للوجوب ..
قلنا: عائد الى التسريح باحسان مخافة الانكار .. ولكن يستحب الاشهاد.
واذا راجع الرجل زوجته فانه يجب عليه الاشعار لها لأن لا يقع منها نكاح بعد انقضاء العدة اذا جهلت الرجعة.
فلو راجعها وأشهد خفية فتزوجت ردت له، وعلى الثانى مهرها ان وطئ.
ويؤدب الزوج الأول وشهوده ان قصدوا أو علموا ولم ينكروا مع التمكن، وهذا حيث لم يعلم الحاكم بكتمانهم الا بعد الحكم بشهادتهم اذ لو علم قبل لم يعمل بشهادتهم الا بعد التوبة والاختبار
(2)
.
مذهب الإمامية:
يستحب
(3)
الاشهاد على الرجعة وليس بواجب - والدليل اجماع الفرقة واخبارهم .. وأيضا قوله تعالى:
«وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ 4» أطلق ولم يشترط الاشهاد (الشهود).
وقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ 5 عَدْلٍ مِنْكُمْ» المراد به الطلاق، لأنه قال ذلك عقب قوله «أو فارقوهن بمعروف» يعنى بذلك الطلاق، وهو أقرب من قوله فامسكوهن بمعروف فيرجع اليه.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(6)
: ومن طلق زوجته
(1)
البحر الزخار ج 30 ص 207 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 483 الطبعة السابقة.
(3)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 248 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 228 من سورة البقرة.
(5)
الآية رقم 2 من سورة الطلاق.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 532، 533 الطبعة السابقة.
تطليقة واحدة فأشهد أنها عنده باثنتين لا بلفظ تطليقتين قبل لفظ اثنتين.
أو طلقها تطليقتين فأشهد أنها عنده بواحدة ولم يقل بتطليقة واحدة لم تصح مراجعته وحرمت ان مسها على ذلك قبل اعادة رجعة. كذا فى الأصل.
وفيه بحث: ان قال ذلك المذكور من اشهاده انها عنده باثنتين أو بواحدة بأثر أى عقب اشهاد على ارتجاع لظهور المراد أن الاثنتين يعنى بهما تطليقتين والواحدة يعنى بها الواحدة غاية ما فيه أنه حذف المنعوت لدليل وهو جائز قطعا وذلك بأن يقول مثلا: أشهدا انى راجعتها أو رجعت عليها أو نكحتها أو أمسكتها أو رددتها أو نحو ذلك من ألفاظ الرجعة وأنها عندى باثنتين أو بواحدة.
وان فصل ذلك عن الاشهاد لم يجز الا أن فصل بعطسة أو سعله أو تثاؤب.
ويجاب بأن مراد صاحب الأصل وغيره بقولهم: أشهد أنها عنده باثنتين أو أنها عنده بواحدة أنه راجعها بمجرد أحد هذين اللفظين، لأنه يجوز أن يراجعها بقوله: انها عنده باثنتين وبقوله أنها عنده بواحدة فلم يجز بلا ذكر تطليقتين أو لفظ تطليقة ..
والذى عندى أن هذا أيضا جائز.
واذا دل دليل على أن المراد التطليقتان أو التطليقة مثل أن يقول: اسمعوا انى أراجع زوجتى أو أشهدوا على المراجعة أو تعالوا أراجع بحضرتكم.
الاشهاد فى الطلاق
اتفق الفقهاء على أن الاشهاد فى الطلاق مطلوب شرعا لقول الله تبارك وتعالى «فى سورة الطلاق» {فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» فانه ذكر الامساك بالمعروف وهو الرجعة والمفارقة بالمعروف وهى الطلاق وقرن بينهما. ثم عقب بعدهما بالأمر باشهاد ذوى عدل من المسلمين ..
وهذا قدر لا خلاف فيه بين الفقهاء.
وانما الخلاف فى أن الاشهاد واجب فى الرجعة والطلاق، أو مندوب فيهما أو واجب فى الرجعة ومندوب فى الطلاق.
وأكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة على أن الاشهاد مندوب فى الطلاق.
وقال ابن حزم الظاهرى: ان الاشهاد واجب فى الرجعة والطلاق معا بنص
الآية المذكورة ومن راجع أو طلق ولم يشهد فهو متعد لحدود الله عز وجل.
وذهب الشيعة الإمامية الى أن الاشهاد من أركان الطلاق وشرط فى صحته ووقوعه فاذا طلق ولم يشهد كان لغوا ولا يقع به شئ.
وجاء فى تفسير القرطبى عند قول الله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» أمر بالاشهاد على الطلاق وقيل على الرجعة
والظاهر رجوعه الى الرجعة لا الى الطلاق.
فان راجع من غير اشهاد ففى صحة الرجعة قولان للفقهاء.
وقيل انه راجع الى الأمرين.
وهذا الاشهاد مندوب اليه عند أبى حنيفة كقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ»
(1)
.
وعند الشافعى الاشهاد واجب فى الرجعة مندوب اليه فى الفرقة.
وعند أكثر العلماء الاشهاد مندوب اليه فى الرجعة.
وأوجب الامام أحمد الاشهاد فى الرجعة فى أحد قوليه وكذا الشافعى لظاهر الأمر.
وقال مالك الرجعة لا تفتقر الى القبول فلا تفتقر الى الاشهاد ..
وفى تفسير الجصاص الحنفى لهذه الآية: أمر بالاشهاد على الرجعة والفرقة أيتهما اختار.
قال أبو بكر لما جعل له الامساك أو الفراق ثم عقبه بذكر الاشهاد وكان معلوما وقوع الرجعة اذا راجع وجواز الاشهاد بعدها اذ لم يجعل الاشهاد شرطا فى الرجعة ..
ولم يختلف الفقهاء فى أن المراد بالفراق المذكور فى الآية انما هو تركها حتى تنقضى عدتها، وان الفرقة تصح وان لم يقع الاشهاد عليها ويشهد بعد ذلك ..
وقد ذكر الاشهاد عقب الفرقة ثم لم يكن شرطا فى صحتها فكذلك الرجعة ..
ولا نعلم بين أهل العلم خلافا فى صحة الرجعة بغير شهود الا شيئا يروى عن عطاء فان سفيان روى عن ابن جريج عن عطاء قال: الطلاق والنكاح والرجعة بالبينة. وهذا محمول على أنه مأمور بالاشهاد على ذلك احتياطا من التجاحد، لا على أن الرجعة لا تصح بغير شهود ..
(1)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
ألا ترى أنه ذكر الطلاق معها ولا يشك أحد فى وقوع الطلاق بغير بينة.
وجاء فى نيل الأوطار للشوكانى
(1)
:
فى شرح حديث عمران بن حصين لما سئل عن الرجل يطلق امرأته ويراجعها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها.
فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد.
ومن الأدلة على عدم وجوب الاشهاد فى الرجعة أنه قد وقع الاجماع على عدم وجوب الاشهاد فى الطلاق لما حكاه الموزعى فى تفسير البيان والرجعة قرينته فلا يجب فيها كما لا يجب فيه ..
وأما قوله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» فهو وارد عقب قوله «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» }.
وقد عرفت الاجماع على عدم وجوب الاشهاد على الطلاق والقائلون بعدم الوجوب يقولون بالاستحباب.
وقد جاء فى فتح القدير
(2)
: من كتب الحنفية: وأما قوله تعالى وأشهدوا ذوى عدل منكم» فليس بدليل على وجوب الاشهاد فى الرجعة اذ الأمر للندب بدليل أنه قرن الرجعة بالمفارقة فى قوله تعالى «فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ» ثم أمر بالاشهاد على كل منهما. فقد أمر بشيئين فى جملتين ثم أمر بالاشهاد على كل منهما بلفظ واحد وهو قوله «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» واللفظ الواحد لا يراد به معناه الحقيقى كالوجوب فيما نحن فيه ومعناه المجازى كالندب.
فاذا ثبت ارادة أحد المعنيين بالنسبة لأحد الأمرين لزم أن يراد به نفس ذلك المعنى بالنسبة للأمر الآخر، والا لزم تعميم اللفظ فى المعنى الحقيقى والمجازى معا وهو ممنوع عندنا.
وقد ثبت ارادة الندب بالنسبة للمفارقة أى الطلاق فلزم ارادته أيضا بالنسبة الى المراجعة فيكون الندب المراد شاملا للرجعة والطلاق. وهذا على قولنا.
فهذا ظاهر فى أن الحنفية يقولون:
ان الاشهاد فى الطلاق مندوب وليس بواجب ..
وجاء فى بدائع الصنائع
(3)
للكاسانى:
أن الاشهاد على الفرقة ليس بواجب بل هو مستحب.
(1)
نيل الأوطار للشوكانى ج 6 ص 268 الطبعة السابقة.
(2)
فتح القدير على الهداية للكمال بن الهمام ج 3 ص 162 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسائى ج 3 ص 181 الطبعة السابقة.
وفى البحر الرائق
(1)
فى الكلام على الاشهاد فى النكاح «وقيدنا الاشهاد بأنه خاص بالنكاح لما ذكره الاسبيحابى لقوله:
وأما سائر العقود فتنفذ بغير شهود ولكن الاشهاد عليها مستحب للآية:
وجاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(2)
:
المطلقة رجعيا تعتبر زوجة للذى طلقها ما لم تنقض عدتها.
ويتوارثان ويلحقها طلاقه وايلاؤه وظهاره ولعانه أن قذفها وعليه نفقتها وكسوتها واسكانها.
واذ هى زوجته فحلال له أن ينظر منها الى ما كان ينظر اليه منها قبل أن يطلقها وأن يطأها اذ لم يأت نص بمنعه من شئ من ذلك وقد سماه الله تعالى بعلالها اذ يقول الله عز وجل «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ» }.
قال أبو محمد: فان وطئها لم يكن بذلك مراجعا حتى يتلفظ بالرجعة ويشهد عليها ويعلمها بذلك قبل تمام عدتها.
فان راجع ولم يشهد فليس مراجعا لقول الله عز وجل: فاذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم» قرن عز وجل بين المراجعة والطلاق والاشهاد فلا يجوز افراد بعض ذلك عن بعض.
وكل من طلق ولم يشهد ذوى عدل أو راجع ولم يشهد ذوى عدل فهو متعد لحدود الله .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» .
فان قيل: قد قال الله عز وجل «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» وقال تعالى فى الدين المؤجل «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ» فلم أجزتم البيع المؤجل وغيره اذا لم يشهد عليه؟
وقال تعالى: «فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا 3 عَلَيْهِمْ» فلم أجزتم دفع مال اليتيم اليه اذا بلغ مميزا دون اشهاد؟
قلنا لم نجز دعواه الدفع حتى يأتى بالبينة. وقضينا باليمين على اليتيم ان لم يأت الولى بالبينة على أنه قد دفع اليه ماله. ولكن جعلناه عاصيا لله تعالى ان حلف حانثا فقط.
كما جعلنا المرأة التى لم يقم للزوج بينة بطلاقها ولا برجعتها عاصية لله عز وجل ان حلفت حانثة عالمة بأنه قد طلقها أو راجعها.
(1)
البحر الرائق ج 3 ص 96
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 10 ص 251 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 6 من سورة النساء.
وأما أجازتنا البيع المؤجل وغيره وان لم يشهد عليه فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيهما بالخيار ما لم يتفرقا. فاذا تفرقا أو خير أحدهما الآخر فاختار البيع فقدتم البيع وهو فى كل ذلك عاص لله عز وجل ان لم يشهد فى البيع المؤجل وغيره.
وفى دفع المال لليتيم اذا بلغ مميزا، وفى طلاقه، وفى رجعته اذا لم يفعل كما أمر الله عز وجل.
وفى فقه الشيعة الأمامية
(1)
: جاء فى شرائع الاسلام من باب الطلاق ان الركن الرابع من أركان الطلاق الاشهاد ولا بد من حضور شاهدين يسمعان الانشاء وسواء قال لهما: اشهدا أو لم يقل.
وسماعهما التلفظ شرط فى صحة الطلاق حتى لو تجرد عن الشهادة لم يقع ولو كملت شروطه الأخرى.
وكذا لا يقع بشاهد واحد ولو كان عدلا ولا بشهادة فاسقين. بل لا بد من حضور شاهدين ظاهرهما العدالة.
ومن فقهائنا من اقتصر على اعتبار الاسلام فيهما.
والأول أظهر.
ولو شهد أحدهما بالانشاء وشهد الآخر بالاقرار لم يقع الطلاق أما لو شهدا بالاقرار لم يشترط الاجتماع.
ولو شهد أحدهما بالانشاء والآخر بالاقرار لم يقبل.
ولا يقبل شهادة النساء فى الطلاق لا منفردات ولا منضمات الى الرجال.
ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا.
ويعتبر الذى وقع حين الاشهاد اذا أتى باللفظ المفيد للانشاء.
وفى المختصر النافع
(2)
: الركن الرابع من أركان الطلاق الاشهاد: ولا بد من شاهدين يسمعانه لقول الله تعالى فى سورة الطلاق «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» }.
ولا يشترط استدعاؤهما الى السماع ويعتبر فيهما العدالة.
وبعض الأصحاب يكتفى بالاسلام.
ولو طلق ولم يشهد ثم أشهد كان الأول لغوا. ولا تقبل فيه شهادة النساء.
(1)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 57 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المختصر النافع فى فقه الإمامية ص 222 الطبعة الثانية طبع مطبعة وزارة الاوقاف بمصر
الاشهاد فى اللقطة واللقيط
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع
(1)
الصنائع: للقطة بعد أخذها حالان.
فى حال هى أمانة.
وفى حال هى مضمونة.
أما حالة انها أمانة فهى أن يأخذها لصاحبها، لأنه أخذها على سبيل الأمانة، فكانت يده عليها يد أمانة، كيد المودع على الوديعة.
وأما حالة الضمان فهى أن يأخذها لنفسه، لأن المأخوذ لنفسه مغصوب.
وهذا لا خلاف فيه.
وانما الخلاف فى شئ آخر وهو ان جهة الأمانة انما تعرف من جهة الضمان، أما بالتصديق، أو بالاشهاد عند أبى حنيفة.
وعندهما بالتصديق أو باليمين، حتى لو هلكت فجاء صاحبها وصدقه فى الأخذ له لا يجب عليه الضمان بالاجماع، وان لم يشهد، لأن جهة الأمانة قد ثبتت بتصديقه.
وان كذبه فى ذلك فكذلك عند أبى يوسف ومحمد أشهد أو لم يشهد، ويكون القول قول الملتقط مع يمينه.
وأما عند أبى حنيفة فان أشهد فلا ضمان عليه، لأنه بالاشهاد ظهر ان الأخذ كان لصاحبه فظهر أن يده يد أمانة. وان لم يشهد يجب عليه الضمان .. ولأبى حنيفة رحمه الله تعالى وجهان:
أحدهما: أن أخذ مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الضمان فى الأصل، الا أنه اذا كان الأخذ على سبيل الأمانة بأن أخذه لصاحبه فيخرج من أن يكون سببا، وذلك انما يعرف بالاشهاد، فاذا لم يشهد لم يعرف كون الأخذ لصاحبه، فبقى الأخذ سببا فى حق وجوب الضمان على الأصل.
والوجه الثانى: ان عمل كل انسان له لا لغيره لقوله تعالى «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى}
(2)
» فكان أخذ اللقطة فى الأصل لنفسه لا لصاحبها.
وأخذ مال الغير بغير اذنه لنفسه سبب لوجوب الضمان لأنه غصب. وانما يعرف الأخذ لصاحبها بالاشهاد فاذا لم يوجد فتعين أن الأخذ لنفسه فيجب عليه الضمان.
ووجه قول أبى يوسف ومحمد: ان الظاهر أنه أخذه لا لنفسه، لأن الشرع انما مكنه من الأخذ بهذه
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 6 ص 251 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 39 من سورة النجم.
الجهة، فكان اقدامه على الأخذ دليلا على أنه أخذ بالوجه المشروع فكان الظاهر شاهدا له فكان القول قوله ولكن مع الحلف.
ولو أخذ اللقطة ثم ردها الى مكانها الذى أخذها منه لا ضمان عليه فى ظاهر الرواية.
وكذا نص عليه محمد فى الأصل.
وبعض مشايخنا رحمهم الله تعالى قالوا هذا الجواب فيما اذا رفعها ولم يبرح ذلك المكان حتى وضعها فى موضعها.
فأما اذا ذهب بها عن ذلك المكان ثم ردها الى مكانها يضمن ..
وجواب ظاهر الرواية مطلق عن هذا التفصيل مستغن عن هذا التأويل ..
ودليلنا أنه أخذها محتسبا متبرعا ليحفظها على صاحبها، فاذا ردها الى مكانها فقد فسخ هذا التبرع من الأصل، فصار كأنه لم يأخذها أصلا.
وبه تبين أنه لم يلزم الحفظ وانما تبرع به وقد رده بالرد فارتد وجعل كأن لم يكن ..
هذا اذا كان أخذها لصاحبها ثم ردها الى مكانها فضاعت وصدقه صاحبها فيه أو كذبه، لكن الملتقط قد كان أشهد على ذلك.
فان كان لم يشهد يجب عليه الضمان عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
وعندهما لا يجب عليه الضمان أشهد أو لم يشهد. ويكون القول قوله مع يمينه أنه أخذها لصاحبها على ما ذكرنا.
ثم تفسير الاشهاد على اللقطة أن يقول الملتقط بمسمع من الناس: انى التقطت لقطة أو عندى لقطة. فأى الناس أنشدها فدلوه على أو يقول:
عندى شئ فمن رأيتموه يسأل شيئا فدلوه على، فاذا قال ذلك ثم جاء صاحبها فقال الملتقط قد هلكت فالقول قوله ولا ضمان عليه بالاجماع، وان كان عنده عشر لقطات، لأن اسم الشئ واللقطة منكرا يقع على شئ واحد ولقطة واحدة لغة لكن فى مثل هذا الموضع يراد بها كل الجنس فى العرف والعادة لأفراد من الجنس اذ المقصود من التعريف ايصال الحق الى المستحق ومطلق الكلام ينصرف الى المتعارف والمعتاد فكان هذا اشهادا على الكل بدلالة العرف والعادة.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والأكليل
(1)
: قال
(1)
التاج والاكليل مع الحطاب فى كتاب ج 6 ص 80 الطبعة السابقة.
مالك: لا يتبع اللقيط بشئ مما أنفق عليه وكذلك اليتامى الذين لا مال لهم.
قال: ومن كفل يتيما فانفق عليه ولليتيم مال فله أن يرجع عليه بما أنفق أشهد أو لم يشهد اذا قال: أنفقت عليه لأرجع فى ماله.
وقال: ولو قال من فى حجره يتيم أنا أنفق عليه فان أفاد مالا أخذته منه والا فهو فى حل فذلك باطل ولا يتبع بشئ.
ولا يتبع اليتيم بشئ الا أن تكون له أموال عروض فيسلفه حتى يبيع عروضه فذلك له.
وان قصر المال عما أسلفه لم يتبعه بالزائد وكذلك اللقيط.
وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير: ولو تسابق جماعة أو اثنان على لقيط أو لقطة قدم الأسبق.
ثم ان استويا فى وضع اليد قدم الأولى أى الأصلح لحفظه والقيام به والا فالقرعة.
وينبغى للملتقط الاشهاد عند الالتقاط على أنه التقطه خوف طول الزمان فيدعى الولدية أو الاسترقاق، فان تحقق أو غلب على الظن دعوى ذلك وجب الاشهاد.
واللقطة كاللقيط فى الحالتين المذكورتين.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(1)
: واذا أخذها (أى اللقطة) عرف عفاصها وهو الوعاء الذى تكون فيه ووكاءها وهو الذى تشد به وجنسها وقدرها، لما روى زيد بن خالد الجهنى أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن اللقطة فقال: أعرف عفاصها ووكاءها وعرفها سنة، فان جاء من يعرفها والا فاخلطها بمالك. فنص على العفاص والوكاء وقسنا عليها الجنس والقدر، ولأنه اذا عرف هذه الأشياء ولم تختلط بماله وتعرف به صدق من يدعيها.
وهل يلزمه أن يشهد عليها وعلى اللقيط، فيه ثلاثة أوجه.
أحدها: لا يجب لأنه دخول فى أمانة، فلم يجب الاشهاد عليه كقبول الوديعة.
والثانى يجب، لما روى عياض بن حماد رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من التقط لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوى عدل ولا يكتم ولا يغيب ولأنه اذا لم يشهد لم يؤمن أن يموت فتضيع اللقطة أو يسترق اللقيط.
والثالث: أنه لا يجب على اللقطة لأنه اكتساب مال فلم يجب الاشهاد عليه
(1)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 429، 430 الطبعة السابقة.
كالبيع. ويجب على اللقيط، لأنه يحفظ به النسب، فوجب الاشهاد عليه كالنكاح
وان أخذها وأراد الحفظ على صاحبها لم يلزمه التعريف، لأن التعريف للتملك فاذا لم يرد التملك لم يجب التعريف.
فان أراد أن يتملكها نظرت.
فان كان مالا له قدر يرجع من ضاع منه فى طلبه لزمه أن يعرفه سنة.
وجاء فى اعانة الطالبين
(1)
: أنه اذا وجد لقيط أى صغير ضائع لا يعلم له كافل أب أوجد أو من يقوم مقامهما أو مجنون بالغ بقارعة الطريق فأخذه وكفالته وتربيته واجبة على الكفاية لقوله تعالى «وَمَنْ أَحْياها 2 فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً» ولأنه آدمى محترم فوجب حفظه كالمضطر الى طعام غيره.
فاذا التقطه بعض من هو أهل لحضانة اللقيط سقط الاثم عن الباقى.
فان لم يلتقطه أحد أثم الجميع.
ولو علم به واحد فقط تعين عليه.
ويجب الاشهاد على التقاطه خوفا من أن يسترقه اللاقط ولو كان ظاهر العدالة.
وفارق الاشهاد على التقاط اللقطة حيث لم يجب بأن الغرض منها المال غالبا، والاشهاد فى التصرف المالى مستحب، ولأن الغرض منه حفظ حريته ونسبه فوجب الاشهاد عليه، كما فى النكاح فانه يجب الاشهاد عليه لحفظ نسب الولد لأبيه وحريته وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف، ولا تعريف فى اللقيط.
ويجب الاشهاد على ما معه من المال تبعا له وان كان لا يجب الاشهاد على المال وحده.
فلو ترك الاشهاد لم يثبت له ولاية الحفظ بل ينزعه منه وجوبا الحاكم دون الآحاد.
ثم ان لم يوجد له مال فنفقته فى بيت المال من سهم المصالح.
فان لم يكن فى بيت المال مال أو كان هناك ما هو أهم منه اقترض عليه الحاكم.
فان تعذر الاقتراض وجب على موسرينا قرضا عليه ان كان حرا والا فعلى سيده.
(1)
اعانة الطالبين للسيد أبى بكر المشهور بالسيد البكرى العارف بالله السيد شطا الدمياطى على حل الفاظ المعين للعلامة زين الدين المليبارى مع تقريرات للسيد البكرى ج 3 ص 253 طبع دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1355.
(2)
الآية رقم 32 من سورة المائدة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الاقناع
(1)
: واللقطة على ثلاثة أضرب.
أحدها - حيوان فيلزمه فعل الأحظ من أكله وعليه قيمته أو بيعه وحفظ ثمنه لصاحبه.
وله أن يتولى ذلك بنفسه. ولا يحتاج الى اذن الامام فى الأكل والبيع، ويلزمه حفظ صفتها فيهما. أو حفظه والانفاق عليه من ماله، ولا يتملكه.
فان تركه ولم ينفق عليه حتى هلك ضمنه ويرجع به ما لم يتعد ان نوى الرجوع والا فلا.
فان استوت الثلاثة خير بينها.
قال الحارثى: وأولى الأمور الحفظ مع الانفاق ثم البيع وحفظ الثمن ثم الأكل وغرم القيمة.
وثانيها ما يخشى فساده كطبيخ وبطيخ وفاكهة وخضروات ونحوها. فيلزمه فعل الأحظ من أكله وعليه قيمته وبيعه بلا حكم حاكم وحفظ ثمنه.
ولو تركه حتى تلف ضمنه.
فان استويا خير بينهما.
ثم هو بالخيار الا أن يمكن تجفيفه كالعنب فيفعل ما يرى فيه الحظ لمالكه من الأكل والبيع والتجفيف وغرامة التجفيف منه فيبيع بعضه فى ذلك.
وثالثها سائر الأموال ويلزمه حفظ الجميع وتعريفه على الفور حيوانا كان أو غيره بالنداء عليه بنفسه أو بنائبه فى مجامع الناس كالأسواق والحمامات وأبواب المساجد ادبار الصلوات وفى الوقت الذى يلى التقاطها حولا كاملا نهارا.
كل يوم مرة أسبوعا ثم مرة من كل أسبوع من شهر ثم مرة فى كل شهر.
ولا يصفه. بل يقول: من ضاع منه شئ وان سافر وكل من يعرفها.
وان وجدها فى صحراء عرفها فى أقرب البلاد من الصحراء وأجرة المنادى على الملتقط ولا يرجع بها.
واذا عرفها فلم تعرف دخلت فى ملكه بعد الحول حكما كالميراث.
ولا يجوز له التصرف فيها حتى يعرف وعاءها وهو ظرفها كيسا كان أو غيره ووكاءها وهو الخيط الذى تشد به وعفاصها وهو الشد والعقدة أى صفتها وقدرها وجنسها وصفتها.
(1)
الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل ج 2 ص 400 وما بعدها الطبعة السابقة.
ويراد بالصفة الأولى صفة العقدة والرباط.
وبالثانية صفة اللقطة التى تتميز بها.
أى تجب معرفة ذلك عند التصرف فيها.
ويسن ذلك عند وجدانها واشهاد عدلين عليها لا على صفتها فمتى جاء طالبها فوصفها لزم دفعها اليه ان كانت عنده ولو بلا بينة ولا يمين ظن صدقه أولا.
فان وجدها قد خرجت عن الملتقط ببيع أو بغيره بعد ملكها فلا رجوع. وله بدلها فان ادركها مبيعة بيع الخيار للبائع أو لهما فى زمنه وجب الفسخ أو مرهونة فله انتزاعها.
فان صادفها ربها قد رجعت اليه بفسخ أو غيره أخذها بنمائها المتصل.
فأما المنفصل قبل مضى الحول فلمالكها وبعده لواجدها.
ووارث ملتقط كهو فى تعريف وغيره.
أما اللقيط فهو طفل لا يعرف ولا رقه نبذ أو ضل الى سن التمييز. والمميز الى البلوغ وعليه الأكثر. والتقاطه فرض كفاية.
ويستحب للملتقط الاشهاد عليه وعلى ما معه. وهو حر فى جميع أحكامه مسلم الا أن يوجد فى بلد كفار حرب ولا مسلم فيه أو فيه مسلم كتاجر وأسير فكافر رقيق فان كثر المسلمون فمسلم. وأن وجد فى دار الاسلام فى بلد كل أهلها ذمة فكافر وان كان فيه مسلم فمسلم ان أمكن كونه منه.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(1)
: من وجد مالا فى قرية، أو مدينة، أو صحراء فى أرض العجم، أو فى أرض العرب العنوة أو الصلح مدفونا أو غير مدفون إلا أن عليه علامة أنه من ضرب مدة الإسلام، أو وجد مالا قد سقط أى مال كان فهو لقطة، وفرض عليه أخذة، وأن يشهد عليه عدلا واحدا فأكثر، ثم يعرفه ولا يأتى بعلامته.
لكن تعريفه هو أن يقول فى المجامع التى يرجو وجود صاحبه فيها أو لا يرجو:
من ضاع له مال فليخبر بعلامته، فلا يزال كذلك سنة قمرية.
فان جاء من يقيم عليه بينة أو من يصفه ويصدق فى صفته دفعها اليه
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 8 ص 257 الطبعة السابقة.
فان لم يأت أحد يصدق فى صفته ولا بينة فهو عند تمام السنة من مال الواجد.
فان كانت اللقطة فى حرم مكة أو فى رفقة قوم ناهضين الى العمرة أو الحج عرفها أبدا، ولم يحل له تملكها بل تكون موقوفة، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن لقطة الحاج.
والدليل على الاشهاد قول النبى صلى الله عليه وسلم من أخذ لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوى عدل، ولا يكتم ولا يغيب.
فان وجد صاحبها فليردها عليه والا فهو مال الله عز وجل يؤتيه من يشاء.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر
(1)
الزخار: الاشهاد على عفاصها (أى اللقطة) ووكائها وعددها ووزنها وحليتها ندب لا وجوب.
وقال البعض بل يجب لقوله صلى الله عليه وسلم «من وجد ضالة أو لقطة فليشهد عليها» .
قلنا أراد الندب ليكمل الحفظ كقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» .
قال البعض: وان لم يشهد فلا بأس، والاشهاد أوفق ..
وان لم يشهد فتلفت بلا تفريط لم يضمن.
واذا التقط اللقيط من مصر لم ينقل عنها اذ هى أرجى لظهور نسبه وأرق لطبعه وان وجد فى قرية لم ينقل الى المصر لرجاء وجود نسبه فى القرية.
وفى وجوب الاشهاد وجهان.
أصحهما يجب هنا لا فى اللقطة اذ حفظ النسب آكد فى الشرع، بدليل شرع الحد والاشهاد فى النكاح لا فى البيع.
ومن أوجبه فى اللقطة أوجبه هنا بطريق الأولى.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة
(2)
البهية: أنه يستحب الاشهاد على أخذ اللقيط صيانة له ولنسبه وحريته، فان اللقطة يشيع أمرها بالتعريف.
حاصله أن لقطة الحيوان غير لقطة الانسان يشيع أمرها فلا حاجة للاشهاد ولا تعريف
(1)
البحر الزخار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 280، 281 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 241 وما بعدها الطبعة السابقة.
للقيط الا على وجه نادر ولا يجب للأصل، ويحكم باسلامه ان التقط فى دار الاسلام مطلقا، أو فى دار الحرب وفيها مسلم يمكن تولده منه وان كان تاجرا أو أسيرا وعاقلته دون الملتقط اذا لم يتوالى أحدا بعد بلوغه، ولم يظهر له نسب، فدية جنايته خطأ عليه، وحق قصاصه نفسا له وطرفا للقيط بعد بلوغه قصاصا ودية.
ويجوز تعجيله للامام قبله كما يجوز ذلك للأب والجد على أصح القولين.
ويستحب الاشهاد على أخذ الضالة ولو تحقق التلف لم يكره بل قد يجب كفايه اذا عرف مالكها والا أبيح خاصة.
ولا يشترط الاشهاد على الأقوى للأصل ..
ولو انتفع الآخذ بالظهر والدر والخدمة حاص المالك بالمنفعة ورجع ذو الفضل بفضله.
وقيل: يكون الانتفاع بازاء المنفعة مطلقا.
وليشهد الملتقط عليها عند أخذها عدلين مستحبا تنزيها لنفسه عن الطمع فيها ومنعا لوارثه من التصرف فيها لو مات وغرمائه لو فلس ويعرف الشهود بعض الأوصاف كالعدة والوعاء والعفاص والوكاء لا جميعها حذرا من شياع خبرها فيطلع من لا يستحقها فيدعيها. ويذكر الوصف.
ولا تدفع اللقطة الى مدعيها الا بالبينة العادلة أو بالشاهد واليمين لا بالأوصاف ولو خفيت بحيث يغلب الظن بصدقه لعدم اطلاع غير المالك عليها غالبا كوصف وزنها ونقدها ووكائها لقيام الاحتمال.
والموجودة فى المفازة وهى البرية القفر والجمع المفاوز قاله ابن الاثير فى النهاية.
ونقل الجوهرى عن ابن الاعرابى أنها سميت بذلك تفاؤلا بالسلامة والفوزية. والخربة التى باد أهلها.
أو مدفونا فى أرض لا مالك لها ظاهرا يتملك من غير تعريف وان كثر اذا لم يكن عليه أثر الاسلام من الشهادتين أو اسم سلطان من سلاطين الاسلام ونحوه.
والا يكن كذلك بأن وجد عليه أثر الاسلام وجب التعريف لدلالة الاثر على سبق يد المسلم فتستصحب.
وقيل يملك مطلقا لعموم صحيحة محمد بن مسلم أن للواجد ما يوجد فى الخربة لأن أثر الاسلام قد يعيد عن غير المسلم.
وحملت الرواية على الاستحقاق بعد التعريف فيما عليه الأثر وهو بعيد الا أن الأول أجمل.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: واللقطة وهى مال معصوم عرض للضياع ولو فرسا أو حمارا فمن مرحال كونه حرا بالغا عاقلا قادرا عليها حال كونها ضائعة لزمه أخذها من موضعها وحفظها على ربها أى لربها احتسابا.
وقيل لا يلزمه أخذها وحفظها.
وعن ابن عباس: لا ترفعها من الأرض وكذا ابن عمر قائلا: خيرها بشرها كعكسه.
وكره جابر أخذها من الطريق ..
وكان شريح يمر بالدراهم فيها ويدعها.
فمن التقطها فهلكت منه بلا تعد فلا يضمنها والقول قوله فيها مع يمينه.
وروى من وجدها فليشهد عليها ولا يكتمها ولا يغيرها ولا يضيعها، فان جاء صاحبها والا فاستبقوها.
وفى خبر فاسمع بها فان جاء والا فهو رزق ساقه الله اليك.
واختلفوا
(2)
هل يعطيها ملتقطها من جاء بعلامتها بلا بينة أولا يعطيها اياه الا بشاهدين، لأنها مال مملوك؟
والصحيح الأول رخص الشارع فى ذلك أن يقوم الاتيان بعلامتها مقام الشاهدين كما هو ظاهر من الحديث اذ قال فيه ما حاصله. اذا جاءك صاحبها بعلامتها فأدها اليه.
حكم الاشهاد على الوصية:
مذهب الحنفية:
جاء فى جامع الفصولين
(3)
فى كتاب الوصية: مريض أو صحيح كتب بيده كتاب وصية وقال للشهود: أشهدوا بما فيه ولم يقرأ الكتاب عليهم قال أبو جعفر الهندوانى: لم تجز لهم الشهادة فى قول المتقدمين ..
فلو قرأه عليهم أو قرؤوه عليه جازت لهم الشهادة ..
ولو كتب الرجل صكا بخطه فيه اقرار بمال أو وصية فقال لك أشهد عليه
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 96 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 106 الطبعة السابقة.
(3)
جامع الفصولين ج 2 ص 188، 198.
من غير أن تقرأه أو يقرأه عليك وسعك أن تشهد ويجب على كل من يشهد أن يحتاط فلا يشهد على صك لم يقرأه.
وقال أبو بكر الجصاص قوله تعالى:
«فمن بدله بعد ما سمعه» يحتمل أن يراد به الشاهد على الوصية فيكون معناه زجره عن التبديل على نحو قوله تعالى «ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها» }.
ويحتمل أن يريد الوصى، لأنه هو المتولى لامضائها، والمالك لتنفيذها فمن أجل ذلك قد أمكنه تغييرها ويندر أن يكون ذلك عموما فى سائر الناس اذ لا مدخل لهم فى ذلك ولا تصرف لهم فيه وهو عندنا على المعنيين الأولين من الشاهد والوصى لاحتمال اللفظ لهما.
والشاهد اذا احتيج اليه مأمور بأداء ما سمع على وجهه من غير تغيير ولا تبديل والوصى مأمور بتنفيذها على حسب ما سمعه مما تجوز الوصية به عند تفسير قوله تعالى: «فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ» .
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الصغير
(1)
: وندب فى الوصية بدء تسمية وثناء على الله كالحمد وتشهد بكتابة ذلك أو نطق به ان لم يكتب. وأشهد الموصى على وصيته لأجل صحتها ونفوذها.
وحيث أشهد فيجوز للشهود أن يشهدوا على ما أنطوت عليه وصيته
كما قال ولهم الشهادة وان لم يقرأها عليهم ولم يفتح الكتاب الذى فيه الوصية وتنفذ الوصية حيث أشهد بقوله لهم:
أشهد، وانما فى هذه ولم يوجد فيها محو.
ولو كانت الوصية عنده أى الكتاب الذى هى فيه عند الموصى ولم يخرجه حتى مات ولو ثبت عند الحاكم بالبينة الشرعية أن عقدها خطه أى الموصى أى ثبت أن ما اشتملت عليه بخطه أو قرأها على الشهود، ولم يشهد فى الصورتين، بأن لم يقل أشهدوا على وصيتى ولم يقل نفذوها لم تنفذ بعد موته، لاحتمال رجوعها عنها.
ولو وجد فيها بخطه أنفذوها فلا يفيد.
ومفهومه أنه لو قال أشهدوا أو قال أنفذوها نفذت.
وفى شرح
(2)
الخرشى اذا قال الموصى:
(1)
الشرح الصغير للدرديرج ج 2 ص 438 الطبعة السابقة.
(2)
الخرشى ج 8 ص 173 الطبعة السابقة.
متى حدث لى الموت أو اذا مت أو متى مت فلفلان كذا، فان الوصية تكون نافذة.
وهذا اذا كانت بغير كتاب وأشهد على ذلك.
أو كانت بكتاب ولم يخرجه أى بشرط أن يشهد على تلك الوصية.
وأما لو كتب الوصية ولم يشهد ومات وشهدت بينة أن هذا خطه لم يجز حتى يشهدهم، لأنه قد يكتب ولا يغرم وفى موضع آخر، قال: وان كانت الوصية مطبوعا عليها وقال الموصى للشهود أشهدوا بما فيها لى وعلى وما بقى من ثلثى فلفلان الفلانى، فانه يجوز لهم الشهادة بذلك ثم مات الموصى ففتحت الوصية، فاذا فيها وما بقى من الثلث فللمساكين، أو الفقراء مثلا، فان ما بقى من الثلث يقسم بين فلان الفلانى، وبين المساكين نصفين، كما لو كانت الوصية لاثنين فقط، فان الثلث يقسم بينهما نصفين.
واذا قال الموصى وصيتى كتبتها، وهى عند فلان، فصدقوه، فانه يصدق.
وكذلك اذا قال: أوصيته بثلثى فصدقوه، فانه يصدق فى ذلك ان لم يقل لابنى، أى أو قال انما أوصى بالثلث أو بأكثر لابنى، فانه لا يصدق حينئذ، لأنه يتهم.
وأما القليل فينبغى أن يصدق.
واذا قال الموصى: اشهدوا على أن فلانا وصى ولم يزد على ذلك، فانه يكون وصيه فى جميع الأشياء، ويزوج صغار بنيه، ومن بلغ من الكبار من أبكار بناته باذنهن الا أن يأمره الأب بالاجبار، أو يعين الزوج.
واذا قال فلان وصى على الشئ الفلانى فان نظر الوصى يختص به
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشيخ الشرقاوى فى حاشيته على شرح التحرير لشيخ الاسلام زكريا الانصارى تعليقا على الحديث الذى استدل به شيخ الاسلام على طلب الوصية وهو قوله صلى الله عليه وسلم «ما حق امرئ مسلم له شئ يوصى به يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده» .
المراد من الكتابة الاشهاد اذ هى من غير شهادة لا تقبل لما ذكروه فى الوديعة أنه لا عبرة بخط ميت على شئ أن هذا وديعة فلان، أو فى دفتره، أن لفلان عندى كذا وديعة لاحتمال التلبيس أو شرائه وعليه تلك الكتابة، ولم يمحها، أو رد الوديعة وبقيت الكتابة.
(1)
شرح سيدى أبى عبد الله محمد الخرشى على المختصر الجليل للامام أبى الضياء سيدى خليل وبهامشه حاشية الشيخ على العدوى ج 8 ص 173 وص 190 - 191 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هـ
فالسنة الكتابة مع الشهادة وان لم يكن مريضا، لأن الانسان لا يدرى متى يفجؤه الموت.
وهذا فى الوصية بمعنى التبرع المضاف لما بعد الموت.
وأما الوصية بمعنى الايصاء التى تجب اذا ترتب على تركها ضياع حق عليه أو عنده كأن كان عنده ودائع لم يعلم بها أحد يشهد بها، ولا يكتفى بعلم الورثة، فان الوصية بهذا المعنى واجبة بشرط أن تكون أمام من يثبت الحق به
(1)
.
وجاء فى شرح الرملى على متن المنهاج.
يسن الايصاء بقضاء الدين سواء كان لله تعالى كزكاة أم لآدمى ورد المظالم كالمغصوب وأداء الحقوق كالعوارى والودائع ان كانت ثابتة بغرض انكار الورثة ولم يردها والا وجب أن يعلم بها غير وارث فثبت بقوله ولو واحدا ظاهر العدالة كما هو ظاهر القياس، أو يردها حالا خوفا من خيانة الوارث.
ثم قال: والأوجه الاكتفاء بخطه ان كان فى البلد من يثبته ولا مانع منه لأنهم كما اكتفوا بالواحد مع أنه وان انضم اليه يمين غير حجة عند بعض المذاهب نظرا لمن يراه حجة فكذلك الخط نظرا لذلك نعم من باقليم يتعذر فيه من يثبت بالخط أو يقبل الشاهد واليمين فالأقرب عدم الاكتفاء بهما قال الشبراملسى المعلق على شرح الرملى من يثبت الحق بالخط كالمالكية
(2)
.
وجاء فى حاشية البجرمى على شرح المنهج تعليقا على الحديث الذى استدل به شيخ الاسلام على طلب الوصية وهو الحديث المتقدم - المراد بالكتابة
(3)
الاشهاد. فمكتوب عنده أى شهد عليها.
ثم قال فى موضع
(4)
آخر: تعليقا على قول متن المنهج يسن الايصاء بأمر نحو طفل وبقضاء حق به شهود ولو واحدا ظاهر العدالة.
والأوجه الاكتفاء بخطه ان كان فى البلد من يثبت به ولا مانع منه الى آخر ما تقدم فى عبارة الرملى.
وزاد البجرمى قوله: والذى يثبت بالخط القاضى المالكى لأن الامام مالكا يثبت الحق بخط الشاهد اذا شهد اثنان بأن هذا خطه
(5)
.
وخلاصة كل هذا ان المطلوب فى الوصية بالمعنى العام الاشهاد أو الكتابة بالقيود المعتبرة فيها عند من يكتفى بها
(1)
حاشية الشرقاوى ج 2 ص 80.
(2)
نهاية المحتاج ج 6 ص 98.
(3)
حاشية البجرمى ج 3 ص 243.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 263.
(5)
المرجع السابق ج 3 ص 263.
منهم، سواء سن الاشهاد كما فى الوصية بمعنى التبرع، أو وجب كما فى بعض صور الايصاء مع ملاحظة القيود المعتبرة فى الحكم.
ولهذا يرى بعضهم أن المطلوب الجمع بين الكتابة والاشهاد.
وفى نهاية المحتاج
(1)
: قال ولو أخرج الوصى الوصية من ماله ليرجع فى التركة رجع ان كان وارثا والا فلا أى الا أن اذن له حاكم أو جاء وقت الصرف الذى عينه الحاكم وفقد الحاكم ولم يتيسر بيع التركة فأشهد بنية الرجوع كما هو قياس نظائره.
ولو أوصى ببيع بعض التركة واخراج كفنه من ثمنه فاقترض الوصى دراهم وصرفها فيه امتنع عليه البيع ولزمه وفاء الدين من ماله ويظهر أن محله عند عدم اضطراره الى الصرف من ماله، والا كان لم يجد مشتريا رجع ان اذن له حاكم أو فقده وأشهد بنية الرجوع.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف
(2)
القناع: يسن أن يكتب الموصى وصيته ويسن أن يشهد الموصى عليها بعد أن يسمعوها منه، أو تقرأ عليه فيقر بها قطعا للنزاع.
ويستحب أن يكتب فى صدرها: هذا ما أوصى به فلان بن فلان.
وفى منته الارادات
(3)
: والأولى كتابتها والاشهاد على ما فيها لأنه أحفظ لها.
وفى المغنى
(4)
ومن كتب وصية ولم يشهد فيها حكم بها ما لم يعلم رجوعه عنها نص أحمد على هذا فى رواية اسحاق بن ابراهيم فقال: من مات فوجدت وصيته مكتوبة عند رأسه ولم يشهد فيها وعرف خطه وكان مشهور الخط يقبل ما فيها.
وروى عن أحمد أنه لا يقبل الخط فى الوصية.
ولا يشهد على الوصية المختومة حتى يسمعها الشهود منه أو تقرأ عليه فيقر بما فيها وبهذا قال الحسن وأبو قلابة والشافعى وأبو ثور وأصحاب الرأى، لأن الحكم لا يجوز برؤية خط الشاهد بالشهادة بالاجماع، فكذا ها هنا.
(1)
نهاية المحتاج ج 6 ص 99 الطبعة السابقة.
(2)
كشف القناع ج 2 ص 498 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
منته الارادات ج 2 ص 548 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المغنى لابن قدامة ج 6 ص 488، ص 490 الطبعة السابقة.
وأبلغ من هذا أن الحاكم لو رأى حكمه بخطه تحته ختمه ولم يذكر أنه حكم به، أو رأى الشاهد شهادته بخطه ولم يذكر الشهادة لم يجز للحاكم انفاذ الحكم بما وجده ولا للشاهد الشهادة بما رأى خطه به فها هنا أولى، وقد نص أحمد على هذا فى الشهادة.
ووجه قول الخرقى قوله صلى الله عليه وسلم «ما من امرئ مسلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده، ولم يذكر شهادته، وما ذكرناه فى الفصل الأول الذى يلى هذا، ولأن الوصية يتسامح فيها، ولهذا صح تعليقها على الخطر والغرر.
وصحت للحمل به وبمالا يقدر على تسليمه وبالمعدوم والمجهول، فجاز أن يتسامح فيها بقبول الخط كرواية الحديث.
وان كتب وصيته وقال اشهدوا على بما فى هذه الورقة، أو قال هذه وصيتى فاشهدوا على بها، فقد حكى عن أحمد أن الرجل اذا كتب وصيته وختم عليها وقال للشهود اشهدوا على بما فى هذا الكتاب لا يجوز حتى يسمعوا منه ما فيه أو يقرأ عليه فيقر بما فيه، وهو قول من سمينا فى المسألة الأولى.
ويحتمل كلام الخرقى جوازه لأنه اذا قبل خطه المجرد فهذا أولى.
وممن قال ذلك عبد الملك بن يعلى ومكحول ونمير بن ابراهيم ومالك والليث والأوزاعى ومحمد بن سلمه وأبو عبيد واسحاق.
واحتج أبو عبيد بكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الى عماله وأمرائه فى أمر ولايته وأحكامه وسنته، ثم ما عملت به الخلفاء الراشدون المهديون بعده من كتبهم الى ولاتهم بالأحكام التى فيها الدماء والفروج والأموال يبعثون بها مختومة لا يعلم حاملها ما فيها وأمضوها على وجوهها.
وذكر استخلاف سليمان بن عبد الملك عمر ابن عبد العزيز بكتاب كتبه وختم عليه ولا نعلم أحدا أنكر ذلك مع شهرته وانتشاره فى علماء العصر فكان اجماعا.
ووجه الأول أنه كتاب لا يعلم الشاهد ما فيه فلم يجز أن يشهد عليه ككتاب القاضى الى القاضى.
فأما ما ثبت من الوصية بشهادة أو اقرار الورثة به فانه يثبت حكمه ويعمل به ما لم يعلم رجوعه عنه، وان طالت مدته وتغيرت أحوال الموصى به مثل أن يوصى فى مرض فيبرأ منه ثم يموت بعد أو يقتل، لأن الأصل بقاؤه فلا يزول حكمه بمجرد الاحتمال والشك كسائر الأحكام.
ويستحب أن يكتب الموصى وصيته ويشهد عليها، لأنه أحفظ لها وأحوط لما فيها، وقد صح أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ما حق امرئ سلم له شئ يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح
(1)
الأزهار: وتجب الوصية والاشهاد على من له مال فمن كان يملك مالا وعليه حق لآدمى أو لله تعالى وجب عليه الوصية بتخليصه، ووجب عليه أن يشهد على وصيته، وهذا اذا لم يمكنه التخلص فى الحال، فان أمكن فهو الواجب.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(2)
النيل: وندب للموصى أن يكتب وصيته بمحضر الأمناء ويشهدوا ويستخلف الأمين أمينا أو غيره وان لم يجد فخير من وجد، وان لم يجد أعلم ورثته، وان لم يجدهم أشهد عليها خير من وجد، كتبها أو لم يكتبها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما يحق لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عند رأسه.
وعن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ما حق امرئ مسلم له شئ ويريد أن يوصى فيه يبيت ليلتين الا ووصيته مكتوبة عنده، فاذا وجدت عند رأسه ثبتت.
ولو كتبها بيده أو كتبها غيره بلا شهود أو بشاهد واحد أو بشهود لا تجوز بدليل قوله عند رأسه والرأس تمثيل، ومواضع البيت الذى هو فيه سواء.
وتجزى الوصية باللسان الا أن الكتاب أوثق.
وأما الذى عندى فمعنى الحديث الا ووصيته مكتوبة كتابة معتدا بها بأن يمليها على غيره فيشهد عليها كاتبها وغيره ممن تجوز شهادته، أو يكتبها بخطه ويريها لورثته، ويقول: هذه وصيتى، وما فيها، أنا الذى أوصيت به، أو يريها الشهود، ويشهد عليها وعلى ما فيها، ويقول: هذا ما أوصيت به، ولا تكلف فى ذلك، فان الغالب انما يكتب العدول، ويشهد العدول، قال الله تعالى «شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ}
(3)
».
الاشهاد على كتاب القاضى
الى القاضى
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(4)
للكاسانى الحنفى بعد أن تكلم صاحب البدائع على قضاء القاضى بعلمه سواء المستفاد قبل زمان القضاء
(1)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 471 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 173 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 106 من سورة المائدة.
(4)
بدائع الصنائع للكسانى ج 7 ص 7 الطبعة السابقة.
والمستفاد بعده والحكم فى ذلك والخلاف فيه بين الفقهاء ..
قال: وعلى هذا يخرج القضاء بكتاب القاضى فنقول: لقبول الكتاب من القاضى شرائط.
منها البينة على أنه كتابه. فتشهد الشهود على أن هذا كتاب فلان القاضى، ويذكر اسمه ونسبه، لأنه لا يعرف أنه كتابه بدونه.
ومنهما أن يكون الكتاب مختوما ويشهدوا على أن هذا ختمه لصيانته عن الخلل فيه.
ومنها أن يشهدوا بما فى الكتاب بأن يقولوا: أنه قرأه عليهم مع الشهاد بالختم.
وهذا قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: اذا شهدوا بالكتاب والخاتم تقبل وان لم يشهدوا بما فى الكتاب .. وكذا اذا شهدوا بالكتاب وبما فى جوفه تقبل، وان لم يشهدوا بالخاتم بأن قالوا لم يشهدنا على الخاتم أو لم يكن الكتاب مختوما أصلا.
ووجه قول أبى يوسف أن المقصود من هذه الشهادة حصول العلم للقاضى المكتوب اليه بأن هذا كتاب فلان القاضى وهذا يحصل بما ذكرنا.
وجه قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله أن العلم بأنه كتاب فلان لا يحصل الا بالعلم بما فيه فلا بد من شهادتهم بما فيه فتكون الشهادة على علم بالمشهود به.
ومنها أن يكون بين القاضى المكتوب اليه وبين القاضى الكاتب مسيرة سفر.
فان كان دونه لم تقبل، لأن القضاء بكتاب القاضى أمر جوز لحاجة الناس بطريق الرخصة لأنه قضاء بالشهادة القائمة على غائب من غير أن يكون عند خصم حاضر لكن جوز للضرورة. ولا ضرورة فيما دون مسيرة السفر.
ومنها أن يكون فى الدين والعين التى لا حاجة الى الاشارة اليها عند الدعوى والشهادة كالدور والعقار.
وأما فى الأعيان التى تقع الحاجة الى الاشارة اليها كالمنقول من الحيوان والعروض لا تقبل عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، وهو قول أبى يوسف الأول.
ثم رجع وقال: تقبل فى العبد خاصة اذا أبق وأخذ فى بلد فأقام صاحبه البينة عند قاضى بلدة أن عبده أخذه فلان فى بلد كذا فشهد الشهود على الملك أو على صفة العبد وحليته فان هذا القاضى الذى سمع البينة من صاحب العبد يكتب الى قاضى البلد الذى فيه العبد أنه قد شهد الشهود
عندى أن عبدا صفته وحليته كذا وكذا ملك فلان أخذه فلان ابن فلان وينسب كل واحد منهما الى أبيه والى جده على رسم كتاب القاضى الى القاضى.
واذا وصل كتاب القاضى هذا الى القاضى المكتوب اليه وعلم أنه كتابه بشهادة الشهود يسلم العبد اليه ويختم فى عنقه ويأخذ منه كفيلا. ثم يبعث به الى القاضى الكاتب حتى يشهد الشهود عليه عنده بعينه على الاشارة اليه، ثم يكتب القاضى الكاتب اليه كتابا آخر الى ذلك القاضى المكتوب اليه أول مرة، فاذا علم أنه كتابه قبله وقضى وسلم العبد الى الذى جاء بالكتاب، وأبرأ كفيله، ولا يقبل فى الجارية بالاجماع.
ووجه قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أن الحاجة الى قبول كتاب القاضى فى العبد متحققة لعموم البلوى به فلو لم يقبل لضاق على الناس ولضاعت أموالهم.
ولا حاجة اليه فى الأمة، لأنها لا تهرب عادة لعجزها وضعف بنيتها وقلبها.
ولهما أن الشهادة لا تقبل الا على معلوم للآية الكريمة «إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» ،} والمنقول لا يصير معلوما الا بالاشارة اليه، والاشارة الى الغائب محال، فلم تصح شهادة الشهود، ولا دعوى المدعى لجهالة المدعى به، فلا يقبل الكتاب فيه. ولهذا لم تقبل فى الجارية وفى سائر المنقولات بخلاف العقار، لأنه يصير معلوما بالتحديد، وبخلاف الدين، لأن الدين يصير معلوما بالوصف.
وهذا الذى ذكرنا مذهب الحنفية رضى الله عنهم.
وقال ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى:
يقبل كتاب القاضى الى القاضى فى الكل.
وينبغى للقاضى المرسل اليه أن لا يفك الكتاب الا بمحضر من الخصم ليكون أبعد عن التهمة.
ومنها ألا يكون فى الحدود والقصاص لأن كتاب القاضى الى القاضى بمنزلة الشهادة على الشهادة، وهى لا تقبل فيهما كذا هذا.
ومنها أن يكون اسم المكتوب له وعليه واسم أبيه واسم جده وفخذه مكتوبا فى الكتاب حتى لو نسبه الى أبيه ولم يذكر اسم جده أو نسبه الى قبيلته كبنى تميم ونحوه لا يقبل، لأن التعريف لا يحصل به الا أن يكون شيئا ظاهرا مشهورا أشهر من القبيلة، فيقبل لحصول التعريف.
ومنها ذكر الحدود فى الدور والعقار لأن التعريف فى المحدود لا يصح الا بذكر الحدود.
ولو ذكر فى الكتاب ثلاثة حدود يقبل عند أصحابنا الثلاثة.
وعند زفر رحمه الله تعالى لا يقبل ما لم يشهدوا على الحدود الأربعة.
ولو شهدوا على حدين لا يقبل بالاجماع واذا كانت الدار مشهورة كدار الأمير وغيره لا تقبل عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى
وعندهما تقبل. وهذه من مسائل الشروط.
ومنها أن يكون القاضى الكاتب على قضائه عند وصول كتابه الى القاضى المكتوب اليه حتى لو مات أو عزل قبل الوصول اليه لم يعمل به. ولو مات بعد وصول الكتاب اليه جاز له أن يقضى به.
ومنها أن يكون القاضى المكتوب اليه على قضائه عند وصول الكتاب اليه حتى لو مات أو عزل قبل وصول الكتاب اليه ثم وصل الى القاضى الذى ولى مكانه لم يعمل به، لأنه لم يكتب اليه.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير للامام الدردير وحاشية
(1)
الدسوقى: وان شهدوا أى العدلان على القاضى بحكم نسيه أى ادعى نسيانه أو أنكره أى أنكر أن يكون قد صدر منه، أمضاه، أى وجب امضاؤه عملا بشهادتهما سواء كان معزولا أم لا.
ولما كان الانهاء جائزا معمولا به شرعا وهو تبليغ القاضى حكمه أو ما حصل عنده مما هو دونه كسماع الدعوى لقاض آخر أن يتمه أفاده بقوله: وأنهى قاض جوازا لغيره من القضاة. بمشافهة، أى مخاطبة ومكالمة بما حكم به أو بما حصل عنده من البينة مع تزكية أو دونها أن كان كل بولايته بأن يكون كل منهما ماكثا وقائما بطرف ولايته، ويخاطب صاحبه، لأن الحاكم اذا لم يكن بولايته كان معزولا، وأما بشاهدين يشهدهما على حكمه، ثم يشهدان عند آخر بما حصل عند الأول، فيجب عليه تنفيذه - أى ولا بد أن يكون كل منهما بولايته - فقد حذفه من الثانى لدلالة الأول عليه.
فلا بد أن يشهدهما الأول بمحل ولايته، وأن يبلغا المنهى اليه بولايته - وسواء كان الحق المحكوم به مما يثبت بشاهدين أو بأربعة أو بشاهد ويمين أو بشهادة امرأتين أو امرأة واحدة.
ولا يكون الانهاء الا بشاهدين، ولا يكون بشاهد واحد، ولا بشاهد ويمين وأولى مجرد ارسال كتاب.
واعتمد المنهى اليه على شهادتهما وان
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 159 الى ص 161 الطبعة السابقة.
خالفا فى شهادتهما كتابه الذى أرسله معهما.
وندب ختمه لأنه ادعى للقبول. وسواء قرأه على الشاهدين أولا.
ولم يفد الكتاب وحده من غير شهادة على الحاكم فى حكمه، وظاهره أن شهادة واحد تكفى فقط أو مع يمين تفيد مع الكتاب، وليس كذلك، فلا بد من شاهدين يشهدان على أن هذا كتاب القاضى الفلانى وأنه أشهدهما على ما فيه.
قال الدسوقى وفى البنانى: العمل بخط القضاة وحده ان عرف للضرورة ولو مات أو عزل المنهى أو المنهى اليه قبل الوصول.
ونص ابن عرفة قال ابن المناصف اتفق أهل عصرنا على قبول كتب القضاة فى الحقوق والأحكام بمجرد معرفة خط القاضى دون اشهاد على ذلك ولا خاتم معروف لضرورة رفع مشقة مجئ البينة مع الكتاب لا سيما مع انتشار الخطة وبعد المسافة، فاذا ثبت وجب العمل بذلك.
بأن ثبت خط القاضى ببينة عادلة عارفة بالخطوط وجب العمل به وأن لم تقم بينه بذلك.
وكذلك القاضى المكتوب اليه اذا كان يعرف خط القاضى الكاتب اليه فجائز له قبوله بمعرفة خطه.
وهذا كله ان وصل كتاب القاضى قبل عزله أو موته، والا فلا يعمل به قاله ابن المناصف.
قال ابن رحال الذى أدركنا عليه أشياخنا ان الانهاء يصح مطلقا، ولو مات الكاتب أو عزل قبل الوصول، أو مات المكتوب اليه، أو عزل، وتولى غيره قبل الوصول، أو أديا ما أشهدهما به. وان عند قاض آخر غير المنهى اليه لعزله أو موته. ولو كتب فيه اسم المنهى اليه .. ولو دفع القاضى كتابا مطويا الى الشهود أفاد العمل بمقتضاه ان أشهدهما ان ما فيه حكمه أو خطه. وظاهره أن الشهادة من غير اشهاد لا تكفى وهو قول أشهب.
وقال ابن القاسم وابن الماجشون تكفى.
وميز القاضى وجوبا فيه أى فى كتاب الانهاء ما يتميز به المدعى عليه من اسم وحرفة وغيرهما من الصفات التى لا يشاركه فيها غيره غالبا كنسبه وبلده وطوله وقصره وبياضه وسواده فنفذه القاضى الثانى المنهى اليه اذا كان الأول قد حكم وبنى على ما صدر من الأول اذا كان لم يحكم.
وان لم يميز القاضى فى كتابه المحكوم عليه فأوصافه المميزة له من غيره ففى اعدائه أى تسليط القاضى المرسل اليه المدعى على صاحب ذلك الاسم لأن الشأن أن الطالب لا يطلب غير غريمه.
وعلى صاحب الاسم أن يثبت أن فى البلد
من يشاركه فيه. أولا يعديه حتى يثبت انفراده بهذا الاسم فى البلد.؟. قولان محلهما فيما اذا لم يكن فى البلد مشارك محقق والا لم يعده عليه اتفاقا.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب: يجوز للقاضى أن يكتب الى القاضى فيما ثبت عنده ليحكم به.
ويجوز أن يكتب اليه فيما حكم به لينفذه لما روى الضحاك بن قيس قال:
كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابى من دية زوجها.
ولأن الحاجة تدعو الى كتاب القاضى الى القاضى فيما ثبت عنده ليحكم به وفيما حكم به لينفذه.
فان كان الكتاب فيما حكم به جاز قبول ذلك فى المسافة القريبة والبعيدة لأن ما حكم به يلزم كل أحد امضاؤه وان كان فيما ثبت عنده لم يجز قبوله اذا كان بينهما مسافة لا تقصر فيها الصلاة لأن القاضى الكاتب فيما حمل شهود الكتاب كشاهد الأصل، والشهود الذين يشهدون بما فى الكتاب كشهود الفرع، وشاهد الفرع لا يقبل مع قرب شاهد الأصل.
وجاء فى موضع آخر
(1)
: لا يقبل الكتاب الا أن يشهد به شاهدا.
وقال أبو ثور يقبل من غير شهادة لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يكتب ويعمل بكتبه من غير شهادة.
وقال أبو سعيد الاصطخرى: اذا عرف المكتوب اليه خط القاضى الكاتب وختمه جاز قبوله وهذا خطأ لأن الخط يشبه الخط والختم يشبه الختم فلا يؤمن أن يزور على الخط والختم.
واذا أراد انفاذ الكتاب أحضر شاهدين ويقرأ الكتاب عليهما أو يقرأ غيره وهما يسمعان.
والمستحب أن ينظر الشاهدان فى الكتاب حتى لا يحذف منه شئ، وان لم ينظر أجاز لأنهما يؤديان ما سمعا.
واذا وصلا الى القاضى المكتوب اليه قرأ الكتاب عليه وقالا: نشهد أن هذا الكتاب كتاب فلان اليك وسمعناه وأشهدنا أنه كتب اليك بما فيه وان لم يقرأ الكتاب ولكنهما سلماه اليه. وقالا: نشهد أنه كتب اليك بهذا لم يجز لأنه ربما زور الكتاب عليهما وان أنكر ختم الكتاب لم يضر لأن المعول على ما فيه.
وان امحى بعضه فان كانا يحفظان ما فيه أو معهما نسخة أخرى شهدا.
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 304 الطبعة السابقة.
وان لم يحفظاه ولا معهما نسخة أخرى لم يشهدا، لأنهما لا يعلمان ما امحى منه.
فان وصل الكتاب الى المكتوب اليه فحضر. الخصم وقال: لست فلان بن فلان فالقول قوله مع يمينه، لأن الأصل أنه لا مطالبة عليه.
فان أقام المدعى عليه بينة أنه فلان ابن فلان فقال: أنا فلان بن فلان: الا أنى غير المحكوم عليه لم يقبل قوله الا أن يقيم البينة أن له من يشاركه فى جميع ما وصف به، لأن الأصل عدم من يشاركه فلم يقبل قوله من غير بينة.
وان أقام بينة أن له من يشاركه فى جميع ما وصفه به توقف عن الحكم حتى يعرف من المحكوم عليه منهما.
واذا حكم المكتوب اليه على المدعى عليه بالحق فقال المحكوم عليه: اكتب الى الحاكم الكاتب أنك حكمت على حتى لا يدعى على ثانيا ففيه وجهان.
أحدهما وهو قول أبى سعيد الاصطخرى رضى الله عنه أنه يلزمه لأنه لا يأمن أن يدعى عليه ثانيا ويقيم عليه البينة فيقضى عليه ثانيا.
والثانى أنه لا يلزمه، لأن الحاكم انما يكتب ما حكم به أو ثبت عنده.
والقاضى الكاتب هو الذى حكم أو ثبت عنده دون المكتوب اليه.
واذا ثبت عند القاضى حق بالاقرار فسأله المقر له أن يشهد على نفسه بما ثبت عنده من الاقرار لزمه ذلك لأنه لا يؤمن أن ينكر المقر فلزمه الاشهاد، ليكون حجة له اذا أنكر.
وان ثبت عنده الحق بيمين المدعى بعد نكول المدعى عليه فسأله المدعى أن يشهد على نفسه لزمه، لأنه لا حجة للمدعى غير الاشهاد.
وان ثبت عنده الحق بالبينة فسأله المدعى الاشهاد ففيه وجهان.
أحدهما: أنه لا يجب لأن له بالحق بينة فلم يلزم القاضى تجديد بينة أخرى.
والثانى أنه يلزمه لأن فى اشهاده على نفسه تعديلا لبينته واثباتا لحقه والزاما لخصمه.
فان ادعى عليه حقا فأنكره وحلف عليه وسأله الحالف أن يشهد على براءته، لزمه ليكون حجة له فى سقوط الدعوى، حتى لا يطالبه بالحق مرة أخرى.
وان سأله أن يكتب له محضرا فى هذه المسائل كلها وهو أن يكتب ما جرى وما ثبت به الحق، فان لم يكن عنده قرطاس من بيت المال ولم يأته المحكوم له بقرطاس لم يلزمه أن يكتب، لأن عليه أن يكتب وليس عليه أن يغرم.
وان كان عنده قرطاس من بيت المال وأتاه صاحب الحق بقرطاس فهل يلزمه أن يكتب المحضر؟ فيه وجهان.
أحدهما أنه يلزمه لأنه وثيقة بالحق فلزمه كالاشهاد على نفسه.
والثانى أنه لا يلزمه، لأن الحق يثبت باليمين أو بالبينة دون المحضر.
وان سأله أن يسجل له وهو أن يذكر ما يكتبه فى المحضر ويشهد على انفاذه ويسجل له فهل يلزم ذلك أم لا؟ على ما ذكرناه فى كتب المحضر، وما يكتب من المحاضر والسجلات يكتب فى نسختين احداهما تسلم الى المحكوم له والأخرى تكون فى ديوان الحكم.
فان حضر عند القاضى رجلان لا يعرفهما وحكم بينهما ثم سأل المحكوم له كتب محضر أو سجل كتب حضر الى رجلان قال أحدهما أنه فلان بن فلان وقال الآخر أنه فلان ابن فلان ويذكر ما جرى بينهما ويشهد على ذلك.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى لابن قدامة
(1)
: أن كتاب القاضى على ضربين.
الضرب الأول: أن يكتب بما حكم به، وذلك مثل أن يحكم على رجل بحق، فيغيب قبل ايفائه أو يدعى حقا على غائب ويقيم بينة ويسأل الحاكم الحكم عليه فيحكم عليه ويسأله أن يكتب له كتابا يحمله الى قاضى البلد الذى فيه الغائب فيكتب له اليه أو يقيم البينة على حاضر فيهرب قبل الحكم فيسأل صاحب الحق الحاكم أن يحكم عليه وأن يكتب له كتابا يحمله.
ففى هذه الصور الثلاثة يلزم الحاكم اجابته الى الكتابة، ويلزم المكتوب اليه قبوله سواء كانت بينهما مسافة بعيدة أو قريبة حتى لو كانا فى جانبى بلد أو مجلس لزمه قبوله وامضاؤه سواء كان حكما على حاضر أو غائب لا نعلم فى هذا خلافا، لأن حكم الحاكم يجب امضاؤه على كل حاكم.
الضرب الثانى:
أن يكتب بعلمه بشهادة شاهدين عنده يحق لفلان مثل أن تقوم البينة عنده بحق لرجل على آخر ولم يحكم به فيسأل صاحب الحق القاضى أن يكتب له كتابا بما حصل عنده فانه يكتب له أيضا.
قال القاضى: ويقول فى كتابه: شهد عندى فلان وفلان بكذا وكذا ليكون المكتوب اليه هو الذى يقضى به.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 11 ص 458، ص 466 الطبعة السابقة.
ولا يكتب. ثبت عندى لأن قوله ثبت عندى حكم بشهادتهما. فهذا لا يقبله المكتوب اليه الا فى المسافة البعيدة التى هى مسافة القصر. ولا يقبله فيما دونها، لأنه نقل شهادة فاعتبر فيه ما يعتبر فى الشهادة على الشهادة، لأن نقل الشهادة الى المكتوب اليه لا يجوز مع القرب كالشهادة على الشهادة ويفارق كتابه بالحكم، فان ذلك ليس بنقل وانما هو خبر.
وكل موضع يلزمه قبول الكتاب فانه يأخذ المحكوم عليه بالحق الذى حكم عليه به فيبعث اليه ويستدعيه فان اعترف بالحق أمره بأدائه وألزمه اياه .. وان قال لست المسمى فى هذا الكتاب فالقول قوله مع يمينه، الا أن يقيم المدعى بينة أنه المسمى فى الكتاب.
وان اعترف أن هذا الاسم اسمه، والنسب نسبه، والصفة صفته، الا أن الحق ليس هو عليه، انما هو على آخر يشاركه فى الاسم والنسب والصفة، فالقول قول المدعى فى نفى ذلك، لأن الظاهر عدم المشاركة فى هذا كله.
فان اقام المدعى عليه بينة بما ادعاه من وجود مشارك له فى هذا كله، أحضره الحاكم وسأله عن الحق، فان اعترف به الزمه به وتخلص الأول، وان انكره وقف الحكم وكتب الى الحاكم كتابا يعلمه الحال وما وقع من الاشكال حتى يحضر الشاهدين فيشهدان عنده بما يتميز به المشهود عليه منهما.
وان ادعى المسمى أنه كان فى البلد من يشاركه فى الاسم والصفة وقد مات نظرنا.
فان كان موته قبل وقوع المعاملة.
التى وقع الحكم بها أو كان ممن لم يعاصره المحكوم عليه أو المحكوم له لم يقع اشكال وكان وجوده كعدمه.
وان كان موته بعد الحكم أو بعد المعاملة وكان ممن أمكن أن تجرى بينه وبين المحكوم له معاملة. فقد وقع الاشكال كما لو كان حيا لجواز أن يكون الحق على الذى مات.
واذا كتب الحاكم بثبوت بينة أو اقرار بدين جاز وحكم به المكتوب اليه وأخذ المحكوم عليه به.
وان كان ذلك عينا كعقار محدود وعين مشهودة لا تشتبه بغيرها كعبد معروف مشهور أو دابة كذلك حكم به المكتوب اليه أيضا وألزم تسليمه الى المحكوم له به.
وأن كان عينا لا تتميز الا بالصفة كعبد غير مشهور أو غيره من الأعيان التى لا تتميز الا بالوصف ففيه وجهان.
أحدهما لا يقبل كتابه، لأن الوصف لا
يكفى، بدليل أنه لا يصح أن يشهد لرجل بالوصف والتحلية كذلك المشهود به.
والثانى يجوز، لأنه ثبت فى الذمة بالعقد على هذه الصفة فأشبه الدين. ويخالف المشهود له فانه لا حاجة الى ذلك فيه فان الشهادة له لا تثبت الا بعد دعواه ولأن المشهود عليه يثبت بالصفة والتحلية فكذلك المشهود به.
فعلى هذا الوجه ينفذ العين مختومة وان كان عبدا أو أمة ختم فى عنقه وبعثه الى القاضى الكاتب ليشهد الشاهدان على عينه. فان شهدا عليه دفع الى المشهود له به.
وان لم يشهدا على عينه أو قال المشهود به غير هذا وجب على آخذه رده الى صاحبه ويكون حكمه حكم المغصوب فى ضمانه وضمان نقصه ومنفعته فيلزمه أجره ان كان له أجر من يوم أخذه الى أن يصل الى صاحبه، لأنه أخذه من صاحبه قهرا بغير حق.
ثم قال: ومن استوفى الحق من المحكوم عليه فقال للحاكم عليه: اكتب لى محضرا بما جرى لئلا يلقانى خصمى فى موضع آخر فيطالبنى به مرة أخرى .. ففيه وجهان:
أحدهما: تلزمه اجابته، ليخلص من المحذور الذى يخافه.
والثانى لا تلزمه، لأن الحاكم انما يكتب بما ثبت عنده أو حكم به.
فاما استئناف ابتداء فيكفيه الاشهاد فيطالبه أن يشهد على نفسه بقبض الحق، لأن الحق ثبت عليه بالشهادة.
والأول أصح، لأنه قد حكم عليه بهذا الحق ويخاف الضرر بدون المحضر، فأشبه ما حكم به ابتداء.
وان طالب المحكوم له بدفع الكتاب الذى ثبت به الحق، لم يلزمه دفعه اليه، لأنه ملكه فلا يجب عليه دفعه الى غيره وكذلك كل من له كتاب بدين فاستوفاه أو عقار فباعه لا يلزمه دفع الكتاب، لأنه ملكه، ولأنه يجوز أن يخرج ما قبضه مستحقا فيعود الى ماله.
ثم قال فى موضع آخر
(1)
: ولا يشترط أن يذكر القاضى اسمه فى العنوان ولا ذكر اسم المكتوب اليه فى باطنه، لأن المعول فيه على شهادة الشاهدين على القاضى الكاتب بالحكم وذلك لا يقدح فيها.
ولو ضاع الكتاب أو امتحى سمعت شهادتهما وحكم بها.
ثم قال: ويشترط لقبول كتاب القاضى شروط ثلاثة.
(1)
المغنى لابن قدامة ج 11 ص 468 الطبعة السابقة وما بعدها.
الشرط الأول: أن يشهد به شاهدان عدلان ولا يكفى معرفة المكتوب اليه خط الكاتب وختمه، ولا يجوز له قبوله بذلك فى قول أئمة الفتوى.
وحكى عن الحسن وسوار والعنبرى أنهم قالوا: اذا كان يعرف خطه وختمه قبله، وهو قول أبى ثور والأصطخرى.
ويتخرج لنا مثله بناء على قوله فى الوصية اذا وجدت بخطه، لأن ذلك تحصل به غلبة الظن فأشبه شهادة الشاهدين.
ودليلنا أن ما أمكن اثباته بالشهادة لم يجز الاقتصار فيه على الظاهر، كاثبات العقود، ولأن الخط يشبه الخط، والختم يمكن التزوير عليه، ويمكن الرجوع الى الشهادة، فلم يعول على الخط، كالشاهد لا يعول فى الشهادة على الخط، وفى هذا انفصال عما ذكروه.
ثم قال ابن قدامة: واذا ثبت هذا فان القاضى اذا كتب الكتاب دعا رجلين يخرجان الى البلد الذى فيه القاضى المكتوب اليه فيقرأ عليهما الكتاب، أو يقرأه غيره عليهما، والأحوط أن ينظرا معه فيما يقرأه، فان لم ينظرا جاز، لأنه لا يستقرأ الا ثقة فاذا قرئ عليهما قال:
أشهدا على أن هذا كتابى الى فلان.
وان قال: أشهدا على بما فيه كان أولى.
وان اقتصر على قوله: هذا كتابى الى فلان فظاهر كلام الخرقى أنه لا يجزئ، لأنه يحملهما الشهادة فاعتبر فيه أن يقول: اشهدا على كالشهادة على الشهادة.
وقال القاضى: يجزئ.
ثم ان كان ما فى الكتاب قليلا اعتمد على حفظه وان كثر فلم يقدرا على حفظه كتب كل واحد منهما مضمونه، وقابل بها، لتكون معه يذكر بها ما يشهد به، ويقبضان الكتاب قبل ان يغيبا، لئلا بدفع اليهما غيره.
فاذا وصل الكتاب معهما اليه قرأه الحاكم أو غيره عليهما.
فاذا سمعاه قالا نشهد أن هذا كتاب فلان القاضى اليك أشهدنا على نفسه بما فيه، لأنه قد يكون كتابه غير الذى أشهدهما عليه.
قال أبو الخطاب: ولا يقبل الا أن يقولا نشهد ان هذا كتاب فلان، لأنها أداء شهادة فلا بد فيها من لفظ الشهادة.
ويجب أن يقولا من عمله لأن الكتاب لا يقبل الا اذا وصل من مجلس عمله، وسواء وصل الكتاب مختوما، أو غير مختوم، مقبولا أو غير مقبول، لأن الاعتماد على شهادتهما لا على الخط والختم.
فان امتحى الكتاب وكانا يحفظان ما فيه جاز لهما أن يشهدا بذلك، وان لم يحفظا ما فيه لم تمكنهما الشهادة.
ودليلنا على ذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم كتب كتابا إلى قيصر ولم يختمه، فقيل له أنه لا يقرأ كتابا غير مختوم، فاتخذ الخاتم.
واقتصاره على الكتاب دون الختم دليل على أن الختم ليس بشرط فى القبول، وانما فعله النبى صلى الله عليه وسلم ليقرؤوا كتابه، ولأنهما شهدا بما فى الكتاب وعرفا ما فيه، فوجب قبوله، كما لو وصل مختوما وشهدا بالختم.
قال ابن قدامة: اذا ثبت هذا فانه انما يعتبر ضبطهما لمعنى الكتاب، وما يتعلق به الحكم.
قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن قوم شهدوا على صحيفة وبعضهم ينظر فيها وبعضهم لا ينظر؟ قال:
اذا حفظ فليشهد، قيل: كيف يحفظ وهو كلام كثير؟ قال: يحفظ ما كان عليه الكلام والوضع، قلت: يحفظ المعنى؟ قال:
نعم، قيل له: والحدود والثمن وأشباه ذلك؟ قال: نعم.
ولو أدرج الكتاب وختمه وقال هذا كتابى أشهدا على بما فيه أو قد اشهدتكما على نفسى بما فيه لم يصح هذا التحمل لأنهما شهدا بمجهول لا يعلمانه فلم تصح شهادتهما كما لو شهدا أن لفلان على فلان مالا.
الشرط الثانى: أن يكتبه القاضى من موضع ولايته وحكمه فان كتبه من غير ولايته لم يسغ قبوله، لأنه لا يسوغ له فى غير ولايته حكم فهو فيه كالعامى.
الشرط الثالث: أن يصل الكتاب الى المكتوب اليه فى موضع ولايته فان وصله فى غيره لم يكن له قبوله حتى يصيرا الى موضع ولايته.
ثم قال ابن قدامة فى موضع آخر
(1)
:
وان تغير حال الكاتب بموت أو عزل بعد أن كتب الكتاب، وأشهد على نفسه لم يقدح فى كتابه، وكان على من وصله الكتاب قبوله والعمل به سواء تغيرت حاله قبل خروج الكتاب من يده أو بعده، وبهذا قال الشافعى.
وقال أبو حنيفة لا يعمل به فى الحالين.
ودليلنا أن المعول فى الكتاب على الشاهدين اللذين يشهدان على الحاكم وهما حيان، فيجب أن يقبل كتابه كما لو لم يمت ولأن كتابه ان كان فيما حكم به فحكمه لا يبطل بموته وعزله وان كان فيما ثبت عنده بشهادة فهو أصل، واللذان شهدا عليه فرع، ولا تبطل شهادة الفرع بموت شاهد الأصل، وان تغيرت حاله بفسق قبل الحكم بكتابته لم يجز
(1)
المغنى لابن قدامة ج 11 ص 472 وما بعدها الطبعة السابقة.
الحكم به لأن حكمه بعد فسقه لا يصح فكذلك لا يجوز الحكم بكتابه، ولأن بقاء عدالة شاهدى الأصل شرط فى صحة الحكم بشاهدى الفرع، فكذلك بقاء عدالة الحاكم لأنه بمنزلة شاهدى الأصل، فان فسق بعد الحكم بكتابه لم يتغير، كما لو حكم بشئ ثم بان فسقه، فانه لا ينقض ما مضى من أحكامه كذا ههنا.
وأما ان تغيرت حال المكتوب اليه بأى حال كان من موت، أو عزل، أو فسق، فلمن وصل اليه الكتاب ممن قام مقامه قبول الكتاب والعمل به، وبه قال الحسن، وقد حكى عنه أن قاضى الكوفة كتب الى اياس بن معاوية قاضى البصرة كتابا فوصل وقد عزل وولى الحسن فعمل به.
ودليلنا أن المعول على شهادة الشاهدين بحكم الأول، أو ثبوت الشهادة عنده، وقد شهدا عند الثانى، فوجب أن يقبل كالأول، وهى ليست شهادة عند الذى مات كما يقول بعض الفقهاء، فان الحاكم الكاتب ليس بفرع، ولو كان فرعا لم يقبل وحده، وانما الفرع الشاهدان اللذان شهدا عليه، وقد أديا الشهادة عند المتجدد ولو ضاع الكتاب فشهدا بذلك عند الحاكم المكتوب اليه قبل فدل ذلك على أن الاعتبار بشهادتهما دون الكتاب.
وقياس ما ذكرناه أن الشاهدين لو حملا الكتاب الى غير المكتوب اليه فى حال حياته وشهدا عنده عمل به لما بيناه.
وأن كان المكتوب اليه خليفة للكاتب فمات الكاتب أو عزل انعزل المكتوب اليه، لأنه نائب عنه فينعزل بعزله وموته كوكلائه.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(1)
: ويندب للحاكم تنفيذ حكم غيره.
فاذا كتب اليه أنى قد حكمت بكذا ندب له تنفيذه سواء وافق اجتهاده أم خالفه.
ثم قال: وللحاكم أن يتولى الحكم بعد دعوى قد قامت عند حاكم غيره وكملت حتى لم يبق الا الحكم، ولا يحتاج الا الى اعادة الدعوى والشهادة وانما.
يكون له ذلك بشروط عشرة.
الأول أن يكون قد كتب اليه بذلك.
ولا يعتبر ذكر اسم القاضى المكتوب اليه فى الكتاب.
والثانى أن يكون قد أشهد أنه كتابه.
والثالث أن يكون قد أمرهم بالشهادة فلا يكفى اشهاده لهم على أنه كتابه وقراءته عليهم، بل لا بد مع ذلك أن يأمرهم بالشهادة واقامتها فى وجه الخصم.
والشرط الرابع أن يكون قد قرأه عليهم وسواء قرأه قبل الاشهاد أو بعده، فلا يكفى أن يشهدوا أن هذا كتاب الحاكم فلان حتى يقولوا قرأه علينا ونحن
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب ج 4 ص 195، ص 196 الطبعة السابقة.
نسمع أو قرأناه وهو يسمع قراءتنا، ولا يكفى تأمل الشهود لذلك وقراءته اذا لم يسمع القراءة المشهود عليه.
والخامس أن يكون قد نسب الخصوم وهم المحكوم عليه والمحكوم له والحق المحكوم به الى ما يتميز به، نحو أن يقول قد قامت الشهادة على فلان ابن فلان الفلانى أنه غصب من فلان بن فلان الفلانى الدار التى فى بلد كذا فى بقعة كذا ويحدها كذا وكذا.
والشرط السادس والسابع حيث كان الكاتب والمكتوب اليه باقيين معا على قيد الحياة وولايتهما باقية حتى يصدر الحكم، فان تغير حال الكاتب بموته أو حال أحدهما بعزل أو فسق لم يصح للمكتوب اليه الحكم بذلك.
والشرط الثامن أن لا يكون الكاتب والمكتوب اليه فى بلد واحد.
فان كانا فى بلد واحد وهو ما حواه البريد لم يصح ذلك كما لا يجوز الا دعاء مع حضور الأصول الا لعذر.
والشرط التاسع أن القاضى لا يعمل بكتاب القاضى الآخر فى الحكم الا اذا وافق اجتهاده، لا اذا خالف اجتهاده، بخلاف التنفيذ بعد الحكم.
فمتى كملت هذه الشروط التسعة جاز للمكتوب اليه أن يعمل بالكتاب من دون أقامة دعوى الا فى الحد والقصاص والمنقول الموصوف حيث لم يتميز ولم يكن مما يثبت فى الذمة، فانه لا يجوز أن يتولى التنفيذ والحاكم غير الحاكم الأول، وهذا هو الشرط العاشر، الا أن يحضر المنقول الموصوف وتقوم الشهادة عليه، أو يتميز، أو كان مما يثبت فى الذمة فانه يصح.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(1)
: لا يجوز الحكم بكتاب قاض الى قاض.
وخالف جميع الفقهاء فى ذلك وأجازوه اذا ثبت أنه كتابه.
ودليلنا اجماع الفرقة واخبارهم وقوله تعالى «ولا تقف ما ليس لك به علم» والعمل بذلك اقتفاء بغير علم.
ولا يحكم بكتاب قاض الى قاض سواء كان على صحته بينة أو كان مختوما فانه لا يجوز العمل به.
وقال أهل العراق ان قامت البينة على ثبوته عمل به ويعمل به - ولا يعمل به اذا لم تقم البينة وان كان مختوما.
وقالت قضاة البصرة الحسين وسوار وعبيد الله بن الحسن العنبرى: أنه اذا
(1)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 95، ص 96 الطبعة السابقة.
وصل مختوما حكم به وأمضاه وهو أحدى الروايتين عن مالك.
ومن أجاز كتاب قاض الى قاض اذا قامت به البينة اختلفوا فى كيفية تحمل الشهادة
فقال أبو حنيفة والشافعى: لا يصح الا بعد أن يقرأ الحاكم الكتاب على الشهود ويشهدهم على نفسه بما فيه ولا يصح أن يدرجه ثم يقول لهما:
اشهدا على بما فيه ولا يعمل به.
وقال أبو يوسف اذا ختمه بختمه وعنونه جاز أن يتحملا الشهادة عليه مدرجا يشهدهما أنه كتابه الى فلان فاذا وصل الكتاب اليه شهدا عنده بأنه كتاب فلان اليه فيقرؤه ويعمل بما فيه.
وفى شرئع الاسلام
(1)
: انهاء حكم الحاكم الى الآخر اما بالكتابة أو القول أو الشهادة.
أما الكتابة فلا عبرة بها لامكان التشبيه
وأما القول مشافهة فهو أن يقول للآخر حكمت بكذا أو أمضيت أو انفذت ففى القضاء به تردد، نص الشيخ فى أنه لا يقبل.
وأما الشهادة فان شهدت البينة بالحكم أو بأشهاده اياهما على حكمه تعين القبول، لأن ذلك مما تمس الحاجة اليه اذ احتياج أرباب الحقوق الى اثباتها فى البلاد المتباعدة غالب .. وتكليف شهود الأصل التنقل متعذر أو متعسر فلا بد من وسيلة الى استيفائها مع تباعد الغرماء، ولا وسيلة الا رفع الأحكام الى الحكام.
لا يقال يتوصل الى ذلك بالشهادة على شهود الأصل، لأنا نقول قد لا يساعد شهود الفرع على التنقل والشهادة الغائبة لا تسمع، ولأنه لو لم يشرع انهاء الأحكام بطلت الحجج مع تطاول المدد.
والمنع من العمل بكتاب قاض الى قاض ليس منعا من العمل بحكم الحاكم مع ثبوته.
ونحن نقول لا عبرة بالكتاب مختوما أو مفتوحا، فأنا لا نعمل بالكتاب أصلا ولو شهد به فكان الكتاب ملغى.
واذا كان ذلك فالعمل بانهاء حكم الحاكم مقصور على حقوق الناس دون الحدود وغيرها من حقوق الله تعالى.
ثم ما ينهى من الحاكم أمران:
أحدهما حكم وقع بين المتخاصمين.
والثانى اثبات دعوى مدع على غائب.
(1)
شرائع الاسلام ج 2 ص 217، ص 218 الطبعة السابقة.
أما الأول فان حضر شاهدان لأنهاء خصومة الخصمين وسمعا ما حكم به الحاكم وأشهدهما على حكمه، ثم شهدا بالحكم عند الآخر ثبت بشهادتهما حكم ذلك الحاكم وأنفذ ما ثبت عنده لا أنه يحكم بصحة الحكم فى نفس الأمر، اذ لا علم له به بل الفائدة فيه قطع خصومة المختصمين لو عادوا لمنازعة فى تلك الواقعة.
وان لم يحضر الخصومة فحكى لهما الواقعة وصورة الحكم وسمى المتحاكمين بأسمائهما وآبائهما وصفاتهما وأشهدهما على الحكم ففيه تردد.
والقبول أولى، لأن حكمه كما كان ماضيا كان اخباره ماضيا.
وأما الثانى. وهو اثبات دعوى المدعى. فان حضر الشاهدان الدعوى واقامة الشهادة والحكم بما شهدا به وأشهدهما على نفسه بالحكم وشهدا بذلك عند الآخر قبلها وأنفذ الحكم.
ولو لم يحضر الحكم وأشهدهما بما صورته أن فلان بن فلان الفلانى ادعى على فلان بن فلان الفلانى كذا، وشهد له بدعواه فلان وفلان ويذكر عدالتهما أو تزكيتهما فحكمت أو أمضيت ففى الحكم به تردد، مع أن القبول أرجح ..
أما لو أخبر حاكما آخر بأنه ثبت عنده كذا لم يحكم به الثانى ..
وليس كذلك لو قال حكمت فان فيه ترددا ..
وصورة الاشهاد أن يقص الشاهدان ما شاهداه من الواقعة وما سمعاه من لفظ الحاكم، ويقولا: وأشهدنا على نفسه أنه حكم بذلك وأمضاه.
ولا بد من ضبط الشئ المشهود به بما يرفع الجهالة عنه.
ولو اشتبه على الثانى أوقف الحكم حتى يوضحه المدعى.
ولو تغيرت حال الأول بموت أو عزل لم يقدح ذلك فى العمل بحكمه.
وان تغيرت بفسق لم يعمل بحكمه، ويقر ما سبق انفاذه على زمان فسقه.
ولا أثر لتغير حال المكتوب اليه بل كل من قامت عنده البينة بأن الأول حكم به وأشهدهم به عمل بها اذ اللازم لكل حاكم انفاذ ما حكم به غيره من الحكام.
وفى المختصر النافع
(1)
: من كتاب القضاء لا يحكم الحاكم بأخبار حاكم آخر ولا بقيام البينة بثبوت الحكم
(1)
المختصر النافع فى فقه الإمامية ص 283 الطبعة السابقة.
عند غيره. نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم وأشهد على نفسه فشهد شاهدان بحكمه عند آخر وجب على المشهود عنده إنفاذ ذلك الحكم.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: أن الخطاب فى الأحكام هو أن يكتب قاضى بلد إلى قاضى بلد آخر بما ثبت عنده من حق الانسان فى بلد القاضى الكاتب على آخر فى بلد القاضى المكتوب اليه، وينفذ المكتوب اليه ذلك فى بلده، وذلك واجب إن طلبه ذو الحق.
ويقبل كتاب القاضى فى الأحكام والحقوق بمجرد معرفة خطه بلا شهادة، ولا خاتم، وليس ذلك من المكتوب اليه حكما بعلمه، بل كقبول بينة.
ويجب عليه أن يشهد أو يكتب أن هذا كتاب ورد من قاضى كذا، وأنه ثابت الصحة عندى لحدث الموت أو العزل.
ثم قال صاحب شرح النيل فى موضع آخر
(2)
وقال بعض أصحابنا: لا يحكم القاضى بكتاب القاضى اليه.
وقال بعضهم يحكم ولا يقبل كتاب قاضى المخالفين ولا يكتب اليه.
وقال المخالفون: لا يكاتب غير العدل الا فيما كان لا شك فيه.
ويجوز كتاب القاضى فى الحقوق كلها الا الحدود والقصاص.
وأنما يكتب فيما اختصم فيه الخصمان وليس حاضرا فى بلده فيكتب الدعوى والجواب والشهادة إلى حاكم البلد الذى فيه الشئ فيحكم بكتابه.
وكذا يكتب الدعوى والشهادة إن لم يحضر المدعى عليه إلى قاضى بلد هو فيه وانما يكتب اذا لم يمكن الشهود الوصول اليه وبعد أن يكتب الكتاب يطويه ويطبع عليه بخاتمه ويكتب العنوان ويدفعه لأمينين ويبلغانه الى الحاكم.
وأن علما بما كتب فيه أول مرة بمحضرهما أو قال لهما القاضى الذى وجه معهما الكتاب قد صح عندى ما كتبت فيه وأنه حق بعد ما طوى الصحيفة جاز لهما أن يشهدا بما فيه عند الحاكم فى قول أبى عبيدة مسلم بن أبى كريمة.
وقيل: لا يشهدا على البطاقة ان لم يقرأها، أو تقرأ عليهما، أو يعلما ما فيها بالمشاهدة.
وتجوز على كتاب القاضى شهادة من تجوز شهادته فى سائر الأحكام.
وتجوز فيه الشهادة على الشهادة.
واذا وصله الكتاب فلا يفتحه الا بحضرة
(1)
شرح النيل ج 6 ص 573 وما بعدها.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 575 الطبعة السابقة.
الخصمين أو وكيلهما فيقرأه عليهما فيشهد الشهود الذين جاءوا به أنه كتاب القاضى الذى أرسلهما به، فان كانا أمينين عند القاضى الثانى فليجوز قولهما، والا فليكلفهما من يزكيهما، فاذا زكيا حكم بما فيه، وان كان ذلك فيما يجرى فيه الدفع دفعه لصاحبه.
ويجوز لهذا الحاكم الثانى أن يبعث هذه البطاقة الى حاكم آخر ان كان الشئ الذى اختصما عليه عنده فى موضعه الذى كان فيه، أو كان عنده المدعى عليه فليحكم الحاكم بما صح عنده فى ذلك مثل الحاكم الثانى.
وأما ان كتب القاضى الكتاب ولم يقصد به أحدا من قضاة المسلمين ولكن ذكر فيه: الى من يبلغه كتابى هذا من قضاة المسلمين فليحكم بما فيه فانه لا يشتغل به من بلغ اليه من قضاة المسلمين.
ومنهم من يقول يحكم به من وصل اليه من قضاة المسلمين.
وجاء فى موضع آخر
(1)
: اختلف قومنا فى انفاذ القاضى ما كتب اليه قاض مات أو عزل قبل انفاذه، وان مات المنفوذ اليه أو عزل أنفذه من يلى بعده.
وان أتى الكتاب الى القاضى فلان بن فلان الفلانى وفى تلك القبيلة رجلان أو ثلاثة على ذلك الاسم فلا يحكم على أحدهم حتى يتبين له فيمن كتب فيه البطاقة منهم. وكذلك ان مات واحد منهم وعاش الآخر وقد كان فى تاريخه أنه لم يكتبها الا بعد موته بزمان طويل فلا يشتبه ذلك عليه وليحكم على الحى منهم.
وان أتاه كتاب القاضى فيما اختلف فيه العلماء ولكنه لم يؤخذ بذلك القول فلا يحكم به، لأن هذا القاضى هو الذى يحكم بينهم ولا يحكم الا بما حكم به قبل ذلك.
وفى الأثر: للقاضى أن يخاطب قاضيا بأحد ثلاثة أشياء:
الأول الحكم الذى حكم به فى قضية بعد نفوذه.
والثانى بأداء الشهود وقبولهم المقتضى للثبوت على أن يحكم فيها المكتوب اليه.
والثالث بمجرد أداء الشهود على أن ينظر الذى كتب اليه فى تعديلهم، ثم يحكم.
والخطاب أما باشهاد القاضى على نفسه بالحكم أو بالثبوت أو الأداء.
ثم يشهد من يشهد عليه بذلك عند القاضى الآخر.
وأما بأن يكتب اليه.
وكان المتقدمون يشترطون لدفع الكتاب الشهادة على الدفع أو الشهادة بأنه
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 576، ص 577 الطبعة السابقة.
كتبه القاضى أو ختم بخاتمه المعروف عند القاضى الآخر.
ثم اكتفى المتأخرون بمعرفة خطه واما بالمشافهة وهى غير كافية، لأن أحدهما فى غير محل ولايته، ومن كان فى غير موضع ولايته لا ينفذ حكمه ولم يقبل خطابه.
واذا مات القاضى المكتوب اليه أو عزل لزم من ولى بعده اعمال ذلك الخطاب خلافا لأبى حنيفة.
واذا خاطب قاض قاضيا فان عرف أنه أهل للقضاء قبل خطابه وان عرف أنه ليس أهلا لم يقبله.
ما يعتبر فى الشهادة عامة
ذكرنا أن الاشهاد هو طلب الشهود ليتحملوا أو ليؤدوا الشهادة.
وهذا يتطلب الكلام على الشهادة فى الصورة التى يتم بها التحمل والأداء على الوجه المشروع.
والكلام على الشهادة فى صورتها الصحيحة يقتضى الكلام على حجية الشهادة، وحكمها، وشروطها، وأثرها، ومراتبها، ومن تقبل شهادته، ومن لا تقبل، وبعض مواضعها.
حجية الشهادة:
اتفق الفقهاء وأهل العلم جميعا على أن الشهادة طريق من طرق القضاء وحجة يبنى عليها الحكم الملزم بالحق لصاحبه على من يخاصمه فيه وينكره عليه متى قامت على الوجه الصحيح المشروع واستوفت جميع شرائطها وأحكامها التى اعتبرها الشارع، وقد جاء ذلك على خلاف القياس الذى يأبى أن تكون الشهادة حجة فى الأحكام، لأنها خبر محتمل الصدق والكذب. والمحتمل لا يكون حجة ملزمة ولكن ترك هذا القياس بالنصوص.
قال الله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ. فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ.» وقال تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» وقال «وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» وقال فاذا بلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله».
وقال النبى صلى الله عليه وسلم «شاهداك أو يمينه. وقال البينة على المدعى واليمين على من أنكر» .
ولاجماع الأمة من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى الآن على أنها حجة يبنى عليها الحكم الملزم والقضاء الواجب التنفيذ .. ولأن حاجة الناس داعية الى ذلك، لأن المنازعات والخصومات تكثر بين الناس وتتعذر اقامة الحجة الموجبة للعلم فى كل خصومة وهى مشاهدة الحادثة عيانا، ووصول الخبر بطريق التواتر المفيد للعلم وهما الطريقان المفيدان للعلم، وغيرهما انما يفيد ظنا، والتكليف انما يكون بحسب الوسع.
ونظير ذلك القياس فى الأحكام بغالب الرأى فى موضع الاجتهاد ..
ثم القياس بعد هذا ان يكتفى بشهادة الواحد، لأن رجحان جانب الصدق يظهر فى خبر الواحد العدل موجبا للعمل فى رواية الحديث.
وكما لا يثبت القطع بخبر الواحد كذلك لا يثبت بخبر الاثنين ولا يخبر الأربعة بل يثبت بالعدد البالغ حد التواتر.
واذن لا معنى لاشتراط رجلين أو رجل وامرأتين لعدم الفائدة ..
ويمكن ترك ذلك بالنصوص المبينة للعدد فى الكتاب والسنة، وحاشا ان ترد النصوص من الكتاب والسنة بتحديد العدد فى الشهادة واختلافه باختلاف الموضوعات والمسائل المشهود بها من غير أن تكون له فائدة او مغزى وأقل ما فيه طمأنينة القلب وذلك عند اخبار العدد اظهر منه فى خبر الواحد ثم فى العدد معنى التوكيد اذ التزوير والتلبيس فى الخصومات يقع بكثرة، فيشترط العدد صيانة للحقوق من الضياع، فلو لم تعتبر الشهادة حجة لوقع الناس فى الحرج المدفوع بقول الله تعالى «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» }.
والشهادة حجة متعدية الى الغير على خلاف الاقرار فانه حجة قاصرة على نفس المقر، ولذلك قالوا: تسمع البينة بعد الاقرار فى بعض المواضع اذا طلب المدعى بقصد تعدية الحكم الى الغير وجعله حجة عليه كما بين فى موضعه.
حكم الشهادة:
الشهادة نوعان: شهادة تحمل، وشهادة أداء.
وتحمل الشهادة معناه علم الشاهد بالحادثة عند حصولها وفهمه لها، واحاطته بها على وجه يستطيع معه أن يؤدى الشهادة بها عند القاضى فى مجلس الحكم على وجه صحيح يترتب عليه أثرها، وهو وجوب القضاء بها اما باشهاد صاحب الحق وطلبه، أو بحضور الشاهد ومشاهدته.
وتحمل الشهادة مندوب ومستحب احياء للحقوق، الا أن يترتب على عدم التحمل ضياع الحق، فيكون التحمل واجبا محافظة على الحقوق من الضياع. وهذا اذا ما دعى الشخص للشهادة من صاحب الحق.
أما أداء الشهادة فهو أن يشهد الشاهد بما تحمله أمام القضاء فى مجلس الحكم، وهذا واجب وحتم اذا ما دعاه صاحب الحق للأداء.
وقد قيل فى تأويل قول الله تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» انه يحتمل أن يكون المراد النهى عن الاباء عن تحمل الشهادة اذا دعاه صاحب الحق للتحمل ضمانا لحقه فى المستقبل عند حصول نزاع عليه، فيكون النهى لكراهة الأباء عن التحمل كراهة تنزيه، ومرجعها خلاف الأولى.
ويكون التحمل مندوبا اليه شرعا، لما فيه من اعانة المسلم على حفظ حقه.
ويحتمل أن يكون النهى موجها الى من تحملوا الشهادة بالفعل فى الماضى ينهاهم الشارع عن الاباء عن أداء الشهادة أمام الحاكم عند الخصومة اذا دعاهم صاحب الحق لأدائها، فيكون النهى للتحريم، ويكون أداء الشهادة واجبا مفروضا.
وهذا فى غير الحدود، وعند طلب صاحب الحق. ولم يخالف فى ذلك أحد، لأن الله تعالى قد نهى عن كتمان الشهادة بقوله «وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ» والنهى عن الشئ أمر بضده، فيكون أداء الشهادة مأمورا به، وأكد هذا النهى الأمر بتهديد من يكتم الشهادة بالعقاب بقوله «ومن يكتمها فانه آثم قلبه» فانه حكم صريح بثبوت الاثم على الكتمان ومن لازم الاثم العقاب ..
وانما كان أمر أداء الشهادة على هذا الوضع، لأنه بالشهادة تحيا الحقوق وتثبت وبدونها تضيع وتهلك.
أما فى الحدود كالزنا وشرب الخمر والسرقه فان أداء الشهادة فيها غير واجب أصلا، لأن الشاهد مخير فيها بين أن يشهد، وان لا يشهد، بل ان ترك الشهادة أفضل تحصيلا للستر المطلوب شرعا بحديث «من ستر على مسلم ستره الله فى الدنيا والآخرة.
وهذا فى غير المتهتك الفاجر، أما هو فالشهادة عليه أولى منعا للشر والفساد فى غير حد السرقة فان الشهادة فيه واجبة احياء للمال ولكن يقول فى شهادته «أخذ» ولا يقول سرق كما سيأتى.
محل وجوب أداء الشهادة:
والحقوق التى يراد اثباتها بالشهادة تنقسم الى قسمين حقوق الله، وحقوق العباد ..
وحقوق الله تنقسم الى قسمين: الحدود، وغير الحدود.
فالأقسام ثلاثه حقوق العباد، وحقوق الله غير الحدود. وحقوق الله التى هى الحدود، ولكل من هذه الاقسام حكم خاص فى وجوب الأداء وعدم وجوبه، وفى شروط الوجوب ان كان الأداء واجبا.
شروط وجوب الأداء فى حقوق العباد
يشترط لوجوب أداء الشهادة على الشاهد فى حقوق العباد عند الحنفية شروط، بحيث اذا اختل شرط منها وسع الشاهد أن لا يشهد دون أن يتحمل اثما ولا ذنبا.
1 -
أن يطلب صاحب الحق من الشاهد أداء الشهادة ان كان صاحب الحق يعلم بشهادة الشاهد.
وان كان لا يعلم بالشهادة وخاف الشاهد ضياع الحق ان لم يشهد - وجب عليه أن يعلم صاحب الحق بشهادته.
ثم ان طلب منه صاحب الحق بعد ذلك أداء الشهادة وجب عليه الأداء والا فلا.
ووجوب الأداء على الشاهد مشروط بالطلب على كل حال، وبدونه لا يكون الوجوب، اذ يجوز أن يكون صاحب الحق قد طلب حقه، أو تنازل عنه فيكون فى تدخل الشاهد اثارة وتعرض لما لا يعنيه.
2 -
أن يتعين الشاهد لاثبات الحق بحيث اذا لم يشهد ضاع الحق ..
فلو لم يتعين بأن كانت الشهود على الحق كثيرة،
وأدى غيره الشهادة، وقبلت بالفعل لم يأثم بالترك، لعدم الضرر حينئذ، فلو أدى غيره ولم تقبل شهادته وكان الشاهد بحيث لو أدى تقبل شهادته وجب عليه الأداء بالطلب ويأثم بالترك.
3 -
عدالة القاضى بحيث يغلب على ظن الشاهد أنه لا يرد شهادته لغير سبب.
فان ظن أنه يرده لعدم عدالته وسعه أن لا يشهد، الا أن يظن أنه يقبله لشهرته ومكانته فيتعين عليه الأداء احياء الحق.
4 -
قرب مكان الشاهد من مجلس القضاء بحيث يمكنه أن يؤدى الشهادة ويرجع الى أهله فى نفس اليوم.
فلو كان بعيدا وسعه أن لا يشهد لتضرره حينئذ، والله تعالى يقول «ولا يضار كاتب ولا شهيد» ، ولقول النبى صلى الله عليه وسلم:
أكرموا الشهود فان الله تعالى يستخرج بهم الحقوق ويدفع بهم الظلم.
ثم اذا كان بين مكان الشاهد ومجلس الحكم مسافة تحتاج للركوب وأركب صاحب الحق الشاهد دابة أعدها له فهل يمنع ذلك من قبول الشهادة؟.
قالوا: اذا لم يكن لدى الشاهد عذر يبرر الركوب من عدم استطاعة المشى أو عدم القدرة على كراء دابة يمنع من قبول الشهادة والا لا يمنع.
واذا أكل الشاهد من طعام المشهود له قالوا: ان كان الطعام أعد لأجل الشاهد لا تقبل شهادته والا قبلت.
وعن محمد لا تقبل فى الحالتين للحرج والتأثير.
وعن أبى يوسف تقبل فى الحالتين لجريان العادة به. والفتوى على قول أبى يوسف.
5 -
علم الشاهد أو غلبة ظنه أن القاضى يقبل شهادته أو يسرع فى قبول شهادته عن غيره.
فلو علم أو ترجح لديه أنه لا يقبله لم يجب عليه أن يشهد.
وان شك فى الأمر توقف الحموى فى الحكم. اذ قال: فلو شك ينظر حكمه.
والظاهر وجوب الشهادة فى هذه الحالة احتياطا لاحياء الحق ان قبلت شهادته.
6 -
ألا يخبره عدلان ببطلان المشهود به كما اذا كانت الشهادة على دين وأخبره عدلان باستيفاء صاحب الحق دينه فليس له أن يشهد.
وان أخبره بذلك فاسقان خيربين الشهادة
مع اخبار القاضى بخبرهما وبين الامتناع عن الشهادة.
وان كان المخبر واحدا لا يسعه أن يمتنع عدلا كان المخبر أو فاسقا.
وفى البزازية: اذا شهد عندك عدلان بخلاف ما علمت ووقع فى قلبك صدقهما لم تسعك الشهادة الا اذا علمت يقينا أنهما كاذبان.
وان شهد عندك عدل واحد لك أن تشهد بما علمت الا أن يقع فى قلبك صدقه.
7 -
اذا كانت الشهادة على اقرار.
يشترط أن لا يقف الشاهد على أن المقر أقر خوفا أو طمعا، فان علم بذلك لا يشهد.
8 -
أن لا يخاف الشاهد على نفسه اذا شهد من سلطان جائر أو غيره، أو لم يتذكر الشهادة على وجهها.
فان خاف على نفسه أو لم يتذكر الشهادة لم يشهد.
واذا توفرت هذه الشروط جميعها وأصبح واجبا على الشاهد أن يؤدى الشهادة.
ولكنه أخرها لغير عذر ظاهر ثم شهد.
فما الحكم.؟. أتقبل شهادته أم لا تقبل.
قال شيخ الاسلام خواهر زادة. لا تقبل شهادته لتمكن الشبهة فانه يحتمل أن تأخره كان لاستجلاب الأجرة.
وقال الكمال بن الهمام: الأوجه القبول ويحمل تأخره على العذر من نسيان ثم تذكر وغير ذلك مما ليس فيه سوء ظن.
ورجح ابن الشحنة ما قاله شيخ الاسلام لفساد الزمان.
وهذا فى غير شهادة الحسبة التى تكون فى حقوق الله تعالى من غير طلب.
أما فيها فقد نصوا على أن شاهد الحسبة متى أخر شهادته بلا عذر فسق فترد شهادته. ورد ذلك فى بابى الحدود والطلاق.
وضابط التأخير أن يكون الشاهد متمكنا من الشهادة عند القاضى، ولكنه لا يشهد دون نظر الى تقدير التأخير بأيام أو مدة معينة.
وما ورد فى بعض الفتاوى من تقدير التأخير بمدة محدودة فانما جاء من كون حادثة الفتوى جاءت كذلك.
شروط وجوب الأداء فى حقوق
الله غير الحدود
يشترط لوجوب أداء اشهادة على الشاهد
فى حقوق الله تعالى غير الحدود جميع الشروط السابقة فى حقوق العباد. ما عدا طلب صاحب الحق أداء الشهادة، فانه ليس بشرط هنا لوجوب الأداء، بل تجب الشهادة هنا بدون طلب، لأن حق الله تعالى يجب على كل مسلم مكلف القيام باثباته. والشاهد من جملة المسلمين المكلفين فوجب عليه الاثبات فى ذلك وكان قائما بالخصومة من جهة الوجوب وكان شاهدا من جهة تحمل ذلك.
والقاضى فى هذه المسائل يكون نائبا عن الله تعالى فكأنه حصلت دعوى فلم يحتج الى خصم آخر.
وهذه الحقوق هى المسائل التى تسمع فيها الشهادة حسبة بدون سابقة دعوى.
كالطلاق والخلع والايلاء والظهار والمصاهرة وهلال رمضان، والنسب على خلاف فيه، والرضاع وجرح الشاهد. والوقف على تفصيل فيه.
حق الله تعالى اذا كان حدا.
أما اذا كان الحق الذى يراد اثباته حدا من الحدود كالزنا وشرب الخمر وغيرها لم تجب الشهادة أصلا، وكان الشاهد مخيرا بين أن يشهد، وأن لا يشهد، أى بين الستر والاظهار، لأنه بين حسنيين، طلب الشارع كلا منهما اقامة الحد اخلاء للعالم من الفساد، والستر توقى التهتك المندوب اليه بالحديث من ستر على مسلم ستر الله عليه فى الدنيا والآخرة.
واذا كان الستر مندوبا اليه فالشهادة تكون خلاف الأولى وهذا فى غير المتهتك الذى يجاهر بالفسق والعصيان ويفتخر بارتكاب الفاحشة أما هذا المتهتك فالشهادة عليه أفضل اخلاء للأرض من الفساد وقطعا لدابر الشر، ولأن الستر عليه يؤدى الى تماديه فى الغى والضلال.
وهذا فى غير السرقة أما فى السرقة فلا يترك الشهادة اذ يترتب على تركها ضياع حق صاحب المال المسروق منه فيؤديها احياء لماله، ولكن يقول فى شهادته ان فلانا (أخذ) من فلان كذا توصيلا الى الحكم عليه برد ما أخذ وضمانه ولا يقول (سرق) من فلان كذا محافظة على الستر، وتوصلا للضمان اذ لو قال (سرق) يحكم عليه بقطع يده اذا بلغ المسروق النصاب وتوافرت الشروط كلها، ولا يحكم بالضمان حينئذ، اذ المقرر أنه لا يجتمع قطع وضمان، فيضيع حق صاحب المال ولم تكن الشهادة لاحياء الحق بل كانت لاضاعته.
ولا يقال ان أداء الشهادة واجب بمقتضى النص (ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا){(وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ 1 قَلْبُهُ)} فكيف تخرج الشهادة على الحدود من حكم
(1)
الآية رقم 283 من سورة البقرة.
هذا النص ولا تجب الشهادة فيها بل يكون بالستر مندوبا اليه والشهادة خلاف الأولى.
ولا يقال ذلك لأن الأحاديث التى وردت فى شأن الستر فى الحدود ووجوب تلقين ما يدرأ الحد وقد بلغت فى مجموعها مبلغ الشهرة فجاز أن يخصص بها النص.
ويثبت الشهادة فى الحدود حكم آخر غير الحكم فى غيرها.
شروط الشهادة
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية أن شروط الشهادة تنقسم الى ثلاثة أقسام.
1 -
شروط تحمل الشهادة.
2 -
شروط صحة أداء الشهادة.
3 -
شروط وجوب قبول الشهادة على القاضى.
شروط تحمل الشهادة.
يشترط لصحة تحمل الشهادة ثلاثة شروط.
الأول: العقل ولو من صبى مميز، فلو كان مجنونا أو صبيا غير مميز لم يصح تحمله، لأن التحمل هو علم الشاهد بالحادثة، وفهمها وقت حصولها، والفهم لا يكون الا بآلته، وهى العقل فما لم يوجد لا يحصل الفهم وبالتالى لا يحصل التحمل.
الثانى: البصر فلا يصح التحمل من الأعمى وذلك لأنه لا بد أن يعرف الخصمين ويميز بينهما حتى يشهد لأحدهما على الآخر. وغير البصير لا يمكنه التمييز بين الخصمين وقت الحمل والسمع وحده لا يكفى لهذا التمييز، لأن النغم يشبه النغم، والصوت يعدل الصوت، وكم من أصوات تسمع ويظن أنها لأناس معينين ثم يتبين أنها لآخرين غيرهم، فلو جاز للأعمى أن يشهد بناء على معلومات حصلها من طريق السمع، لتعرضت حقوق الناس للضياع نتيجة الاشتباه واللبس، وفى هذا ضرر وخطر كبيران.
الثالث: معاينة الشاهد الشئ المشهود به أو معاينة دليله بنفسه فى غير الأشياء التى تجوز الشهادة فيها بالتسامع، وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم «إذا علمت مثل الشمس فاشهد والا فدع» ولا يعلم الشئ المشهود به مثل الشمس الا بمعاينته أو معاينة دليله.
فمثال معاينة الشئ نفسه أن يرى الشاهد شخصا باع داره لآخر بايجاب وقبول شرعيين فيشهد بالبيع، أو يرى انسانا قتل انسانا بآلة قاتلة فيشهد بالقتل أو قذف انسانا أمامه فيشهد بالقذف .. وهكذا من كل حادثة تقع بمرأى ومسمع من الشاهد.
ومثال معاينة دليل الشئ أن يرى عينا ثوبا أو دابة أو دارا فى يد انسان يستعملها
استعمال الملاك بدون منازع ويقع فى قلبه أن هذه العين ملكه، فانه يحل له أن يشهد لصاحب اليد بالملكية، لأنه وان لم يشاهد سبب الملكية، وهو الشراء، أو الميراث مثلا، الا أنه شاهد دليل الملكية، وهو اليد والتصرف المذكوران.، ودليل الشئ يدل عليه ويقوم مقامه.
ومن باب أولى اذا شاهد سبب الملكية كأن يراه وهو يشترى العين.
ومما يذكر يتبين أنه لا يشترط لصحة تحمل الشهادة البلوغ ولا الحرية ولا الاسلام ولا العدالة.
فلو كان وقت التحمل صبيا مميزا أو عبدا غير مسلم أو فاسقا ثم بلغ الصبى وعتق العبد وأسلم غير المسلم وتاب الفاسق. وشهدوا عند القاضى بعد زوال الصفات المنافية لأهلية أداء الشهادة بما تحملوه وهم متصفون بتلك الصفات قبلت شهادتهم شرعا.
شروط صحة أداء الشهادة
شروط صحة أداء الشهادة أربعة أنواع، لأن منها ما يرجع لنفس الشاهد ومنها ما يرجع للمشهود به ومنها ما يرجع لنفس الشهادة، ومنها ما يرجع لمكان الشهادة، وها هى حسب الترتيب المذكور.
شروط صحة الأداء فى الشاهد:
الشروط التى ترجع لنفس الشاهد تنقسم الى قسمين.
1 -
عامة وهى التى تشترط فى الشاهد فى جميع الأحوال وبالنسبة لجميع الموضوعات.
2 -
وخاصة وهى التى تشترط فى بعض الموضوعات وبالنسبة لبعض الحوادث دون البعض، بناء على اعتبارات من الشارع اقتضت هذا الاشتراط.
الشروط العامة فى الشاهد
والشروط العامة التى تشترط فى الشاهد ترجع الى ثلاثة أصول.
الأول: كون الشاهد من أهل الولاية على غيره، وهذا يستلزم اشتراط البلوغ والعقل والحرية.
الثانى: اتصاف الشاهد بما يرجح جانب الصدق فى شهادته على جانب الكذب، وهذا يستلزم العدالة والعلم بالمشهود به والبعد عما يخل بالمروءة والسلوك الحميد.
الثالث: انتفاء التهمة عن الشاهد فى شهادته وهذا يستلزم عدم الصلة الخاصة بينه وبين المشهود له أو عليه، بحيث تقتضى المجاملة أو التحامل كالقرابة الى
درجة معينة، والزوجية، والشركة والصداقة الى حد والخصومة الدنيوية.
ويضاف شروط أخرى ان لم ترجع الى هذه الأصول بطريق مباشر، فانها تكمل ما يرجع اليها كالنطق والبصر.
وجملة ما يشترط فى الشاهد من هذا النوع هو.
1 -
العقل وقت الأداء وقد سبق أن هذا شرط فى التحمل كذلك، لأن من لا يعقل لا يفهم الحادثة التى يشهد عليها ولا يحيط بها فلا يستطيع أداء الشهادة عليها لانتفاء الضبط وانعدام الثقة بما يخبر به.
وأيضا فغير العاقل فاقد الولاية على نفسه، والشهادة من باب الولاية فلا تكون له ولاية على غيره.
2 -
البلوغ: وهذا شرط فى الأداء وليس شرطا فى التحمل فلا يصح أداء الصبى، وان كان عاقلا وأهلا للتحمل لأن فيها معنى الولاية على المشهود عليه، لأنها طريق لالزامه بالحق والقضاء عليه به. والصبى لا ولاية له على نفسه فلا تكون له ولاية على غيره. ولأنه لو كانت له شهادة معتبرة لكان ملزما بالاجابة عند الدعوة بحكم قوله تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» والاجماع على أنه غير ملزم بذلك.
3 -
الحرية: فلا تقبل شهادة القن والمدبر وأم الولد والمكاتب، لأنهم عبيد والشرط الحرية فى الشاهد، لأن فيها معنى الولاية والتمليك وهما مفقودان من العبد.
واستبعد الكمال بن الهمام من الحنفية عدم قبول شهادة العبد.
4 -
البصر فلا تقبل شهادة الأعمى وان كان بصيرا وقت التحمل. وهذا عند أبى حنيفة ومحمد.
وعند أبى يوسف. البصر ليس بشرط فى الأداء فتصح الشهادة من الأعمى متى كان بصيرا وقت التحمل.
ومحل هذا الخلاف فى المواضع التى لا يحتاج فيها الشاهد الى الاشارة عند الشهادة.
وأما فيما يحتاج فيه الى الاشارة، فالبصر شرط لصحة الأداء فيه اجماعا، لأن الاشارة لا تكون مميزة مفهمة غرض المشير الا اذا كانت ناشئة عن البصر.
5 -
النطق. فلا تقبل شهادة الأخرس، لأنه لا عبارة له واشارته مشتبهة وغير قاطعة. ولا بد فى الشهادة أن تكون واضحة جلية حتى يصح الحكم بها لأناس على آخرين.
وأيضا فان من شروط صحة الشهادة أو ركنها على الخلاف أن يقول (أشهد) وهذا لا يتأتى منه الا اذا كان ناطقا.
6 -
ألا يكون محدودا فى قذف، فلو كان محدودا فى قذف وشهد لم تصح شهادته، وان كان قد تاب لقول الله تبارك وتعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» فان الله سبحانه وتعالى نهى عن قبول شهادة من يحد فى القذف أبدا وجعل عدم قبول شهادته من تتمة عقوبته.
والاستثناء فى الآية «إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» استثناء من قوله «وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» وليس استثناء من قوله «وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً» لأن القاعدة الأصولية عند الحنفية أن الاستثناء والشرط بعد جمل متعاطفة يرجع الى الأخيرة منها لا الى جميعها، ولأن هذا ينافى قوله أبدا - اذ يدل على التأبيد والاستثناء من عدم قبول الشهادة يجعله مؤقتا ومحدودا بالتوبة.
هذا فى المحدود حد القذف.
أما المحدود فى غير القذف كالزنا والشرب والسرقة فانه تقبل شهادته اذا تاب لأنه بالتوبة صار عدلا، ولأنه لم ينص فيها على عدم القبول أبدا.
7 -
ألا يكون متهما فى شهادته بأن لا يكون فيها جر مغنم للشاهد ولا دفع مغرم عنه.
فان كان كذلك بأن جربها المغنم أو دفع بها المغرم لم تقبل شهادته، لقوله صلى الله عليه وسلم لا شهادة لجار المغنم ولا لدافع المغرم، ولأنه يكون متهما فى شهادته ولا شهادة للمتهم. اذ مع التهمة يغلب على الظن كذب الشاهد.
والأصل فى بناء الأحكام القضائية على الشهادة وهى لا تفيد الا الظن، وانما هو دفع لحاجة الناس، فوجب أن يراعى فى خبر الشهود وأحوالهم ما يرجح جانب الصدق فى شهادتهم على جانب الكذب بقدر المستطاع
8 -
ألا يكون خصما فى الدعوى لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين أى متهم فلا تقبل شهادة وصى الميت للميت، ولا وصى الصغير للصغير، ولا الوكيل للموكل، لأن كل واحد من هؤلاء خصم فى الدعوى التى يشهد فيها، اذ هو ممثل لصاحب الحق فيكون مدعيا وشاهدا فى وقت واحد وهذا غير جائز.
9 -
أن يكون عالما بالمشهود به ذاكرا له وقت أداء الشهادة.
فلو نسى المشهود به لم يجز له أن يشهد.
ولو رأى اسمه وخطه وخاتمه على الصك الذى يريد أن يشهد بما فيه مع كونه غير متذكر له، لأنه حينئذ يكون قد شهد بما لم يعلم. والله سبحانه وتعالى يقول
«ولا تقف ما ليس لك به علم» والنبى صلى الله عليه وسلم يقول: «اذا علمت مثل الشمس فاشهد. والا فدع» .
ولا عبرة برؤية خطه واسمه وخاتمه على الورقة لأن الخط يشبه الخط، ولأن الاحتيال والتزوير كثير الوقوف وقريب الحصول، فلا يجوز الاعتماد على ذلك. وهذا عند أبى حنيفة.
وعند الصاحبين أن هذا ليس بشرط فى صحة الشهادة حتى لو رأى خطه على الصك ولم يتذكر ما فيه حل له أن يشهد بما فيه، لأن النسيان أمر جبل عليه الانسان خصوصا اذا طالت المدة فلو اشترطنا الذكر والعلم فى كل حادثة لأدى ذلك الى اضاعة كثير من الحقوق. هكذا ذكر الخلاف بين الامام والصاحبين.
وقد ذكر خلاف آخر بالنسبة لأخذ القاضى بالشهادة التى عنده فى الديوان والحكم بها فقالوا: اذا رأى القاضى فى ديوانه شهادة شهود أديت عنده على حق ولم يتصل بها القضاء، ثم جاء المشهود له وطلب من القاضى الحكم له بناء على هذه الشهادة المدونة عنده. والقاضى لا يتذكر هذه الشهادة ولا أن أحدا شهد عنده بتلك الشهادة فهل يجوز للقاضى أن يحكم بهذه الشهادة أو لا يجوز؟ قال أبو حنيفة لا يحكم ولأن الحكم انما يبنى على شهادة حقيقية تورث الظن بصحة ما يشهد به الشهود. وهذه ليست كذلك اذ لا يذكرها فهى كالعدم.
وقال الصاحبان يحكم، لأن الشهادة محفوظة عنده فى ديوان ويبعد التزوير.
فيها.
وأما اذا كانت الشهادة مكتوبة فى صك غير محفوظ فى ديوان القاضى، فلا تصح الشهادة بها، ولا يحكم القاضى بها.
وكذلك اذا كانت الشهادة مكتوبة فى صك فى يد المدعى والشاهد ينكرها ولا ينكرها عليها خطه وهو يعترف بأنه خطه ..
فليس القاضى أن يحكم بتلك الشهادة قولا واحدا.
الشروط الخاصة فى الشاهد
شروط صحة الأداء التى ترجع لنفس الشاهد وهى خاصة ببعض الموضوعات هى:
1 -
الاسلام: اذا كان المشهود عليه مسلما فلا تقبل شهادة الكافر على المسلم، وتقبل شهادة المسلم على الكافر وشهادة الكفار بعضهم على بعض، سواء اتفقوا فى الدين أو اختلفوا فيه، بشرط أن يكونوا عدولا فى دينهم.
وانما لم تقبل شهادة غير المسلم على المسلم، لما فى الشهادة من الولاية اذ هى متى صحت تلزم القاضى بالحكم بها بالحق المتنازع عليه للمدعى على المدعى عليه.
وينفذ الحكم جبرا عنه، ولا ولاية لكافر على مسلم.
وانما قبلنا شهادة الكفار بعضهم على بعض، لأن الحاجة ماسة الى ذلك، صيانة لحقوقهم من الضياع، لأنهم يتعاملون فى العادة مع بعضهم فى مواضع لا يحضرها
المسلمون. وتوجد بينهم المنازعات التى تحملهم على التقاضى للفصل فيها، فلو لم تقبل شهادتهم على بعضهم فى معاملاتهم لضاعت حقوقهم وذهبت أموالهم. والمصلحة فى غير ذلك.
2 -
الذكورة فى الشهادة على الحدود والقصاص سواء كان فى النفس أو فيما دونها من الأعضاء لحديث الزهرى «مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء فى الحدود والقصاص ولأن الحدود والقصاص تدرأ بالشبهات لحديث «ادرؤوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» ، وشهادة النساء فيها شبهة البدلية على شهادة الرجال بالنص «فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء» ولما جبلن عليه من السهو والغفلة.
وهذا بخلاف الأموال مثلا فان شهادتهن تقبل فيها بالاتفاق، لنص الآية «فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ» }.
3 -
الاصالة فى الشهادة على الحدود والقصاص فلا تقبل فيها الشهادة بالنيابة وهى المعبر عنها بالشهادة على الشهادة، لما فيها من الشبهة، اذ شهادة الفروع فيها بدل عن شهادة الأصول، وتعدد الشهادة يورث ضعفا لتعدد مواضع الظن والاحتمال.
وهذا بخلاف الأموال وبقية الحقوق غير الحدود والقصاص فانه تقبل فيها الشهادة على الشهادة متى كانت مستوفية شروطها الشرعية وكذا كتاب القاضى الى القاضى.
4 -
تعذر حضور شهود الأصل فى الشهادة على الشهادة فى المواضع التى تقبل فيها الشهادة على الشهادة.
5 -
عدم التقادم فى الشهادة على الحدود ما عدا حد القذف.
فان شهدوا بما يوجب حدا كالزنا وشرب الخمر وقد تقادم العهد، ولم يكن للشهود عذر يمنعهم من أداء الشهادة وقتها، كمرض، أو خوف، أو بعد مسافة، أو نحو ذلك لا تقبل شهادتهم للتهمة، لأن الشاهد فى الحدود مخير بين الستر والاظهار، ولا بد أن يختار أحد الأمرين من قريب.
فتأخيره الشهادة ان كان لاختيار الستر فالاقدام على الشهادة بعد ذلك يكون لعداوة حركته أو سبب دفعه الى ذلك فيتهم.
وان لم يكن التأخير للستر كان فاسقا بالتأخير فوجد المانع من قبول الشهادة فى الحالتين.
أما حد القذف فيقبل فيه تأخير الشهادة، لأن فيه حق العبد وهو دفع العار عنه.
والدعوى فيه شرط للشهادة فيحمل التأخير على تأخر الدعوى.
وحد التقادم مفوض لرأى القاضى عند أبى حنيفة.
ومقدر بشهر عند محمد.
وبستة أشهر عند البعض.
وهذا فى غير حد الشرب فان التقادم فيه محدد بزوال رائحة الخمر من الفم.
الا فى المسافة البعيدة فيفتقر ولا يعتبر الزوال تقادما وتقبل الشهادة بعده.
شروط صحة الأداء فى الشهادة
والشروط التى ترجع لنفس الشهادة تنقسم الى قسمين أيضا.
1 -
شروط عامة.
2 -
شروط خاصة بأنواع من الشهادات دون غيرها.
الشروط العامة فى الشهادة
ليس هناك شرط عام فى الشهادة فى جميع الصور والموضوعات الا شرط واحد، وهو لفظ أشهد بصيغة المضارع.
وقد جعله فى تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ركنا فى الشهادة.
وسواء أكان ركنا أم شرطا فى صحة الشهادة فان النتيجة واحدة. وهى عدم قبول الشهادة بغير هذا اللفظ من الألفاظ كلفظ أعلم أو أتيقن أو أخبر أو نحو ذلك فان هذه الألفاظ وان كانت تؤدى المعنى، الا أن النصوص التى وردت فى شأن طلب الشهادة وجعلها حجة يبنى عليها القضاء نطقت باشتراط لفظ أشهد.
قال الله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ» «فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله. وقال النبى صلى الله عليه وسلم «اذا علمت مثل الشمس فاشهدوا الا فدع» وهكذا وردت النصوص كلها بلفظ الشهادة.
الشروط الخاصة فى الشهادة
والشروط الخاصة فى الشهادة هى:
1 -
أن تكون مسبوقة بالدعوى اذا كانت قائمة على حقوق العباد سواء كانت الدعوى من نفس صاحب الحق أو من نائبه بأنابته هو كالوكيل عنه، أو بانابة الشرع كالولى والوصى لأن الشهادة شرعت لاثبات وقائع الدعوى فلا بد أن تكون هناك دعوى.
وأما حقوق الله تعالى فتسمع فيها الشهادة من غير سابقة دعوى، وهى
الأشياء التى تسمع فيها الشهادة حسبة كما سبقت الاشارة اليه.
2 -
العدد فيما يطلع عليه الرجال كالمداينات والمبايعات والجنايات وموجبات الحدود، لقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» ،} وقوله سبحانه «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» فاشترط العدد فى النصين والموضعين وان كان فى أحدهما يكفى شاهدان، وفى الآخر لا بد من أربعة شهداء.
هذا فيما يطلع عليه الرجال.
وأما فى غيره كعيوب النساء الباطنة والولادة فالعدد ليس بشرط بل تقبل فيه شهادة امرأة واحدة، والثنتان أحوط كما سيأتى.
3 -
اتفاق الشهادات مع بعضها فيما يشترط فيه العدد، فان حصل اختلاف بينها لم تقبل لأنها اذا اختلفت لم توجد شهادة كاملة على ما وقع فيه الاختلاف، وانما وجد شطر الشهادة فقط، وهو غير كاف فيما يشترط فيه العدد، اذ الشرط وجود شهادة كاملة على كل واقعة من وقائع الدعوى.
ثم ان هذا الاتفاق ليس بشرط دائما فى كل الشهادات حتى لو كانت الشهادات باقرارات وحصل بين الشهود اختلاف فى الزمان أو المكان فأنه لا يضر كما سياتى:
4 -
موافقة الشهادة للدعوى فى الموضوعات التى تشترط فيها الدعوى لصحة الشهادة وهى حقوق العباد كما ذكر.
فان خالفتها لم تقبل الا أن يوفق المدعى بين الدعوى والشهادة اذا أمكن التوفيق وذلك لأن الشهادة اذا لم توافق الدعوى كانت منفردة عنها، ومقطوعة الصلة بها، وتكون الشهادة بلا دعوى، والشهادة بدون دعوى فيما يشترط فيه الدعوى غير صحيحة ولا معتبرة.
5 -
عدم تكذيب الحس للشهادة، وعدم قيامها على خلاف المتواتر. فلو كذبها الحس لا تقبل لأن الحس يفيد القطع، والشهادة تفيد الظن، والظن لا يعارض القطعى فتكون باطلة كالشهادة التى تقوم على موت شخص وحياته مشاهدة أو على زوال دار وهى قائمة يشهد العيان ببنيانها، وعلى أن فلانا تخصص من قديم الزمان لمنافع القرية الفلانية بينما القرية أنشئت حديثا.
وكذلك اذا كانت الشهادة على خلاف المتواتر كما ورد فى الفتاوى المهدية من باب الشهادة.
شروط صحة الشهادة فى المشهود به
يشترط فى المشهود به شرط واحد وهو أن يكون معلوما وذلك بأن يعرفه
الشهود فى شهادتهم بأقصى ما يمكن التعريف، وذلك بالاشارة اليه ان كان المدعى به حاضرا فى مجلس القضاء.
وان كان غائبا ولا يمكن انتقال القاضى والشهود اليه يحصل التعريف بذكر جنسه ونوعه وصفته وقيمته.
وفى العقار يذكر موقعه وحدوده.
وذلك لأن شرط القضاء علم القاضى بالمشهود به وهو المدعى به. وعلمه بذلك يكون من الدعوى والشهادة فما لم يعلم لا يمكنه القضاء.
شروط مكان الشهادة:
يشترط فى المكان شرط واحد وهو أن يكون مجلس القضاء وهو المكان الذى نصب ليجلس فيه القاضى للفصل فى الخصومات بين الناس. فلو أدى الشهادة فى غير هذا المجلس لا تعتبر، ولو كان القاضى حاضرا.
أما المحكم فليس له مجلس معين كالقاضى ذو الولاية العامة، بل كل مجلس يحكم فيه فهو مجلس حكمه وقضائه فتسمع فيه الشهادة أمامه. وذلك لأن الشهادة حجة ملزمة، ولا تكون كذلك الا بحكم الحاكم فتختص بمجلسه.
ويلحق بشرط المكان ما يتصل بزمان الشهادة. وقد تقدم الكلام فيما اذا أخر الشاهد الشهادة عن وقتها بدون عذر ثم يشهد بها، وهل تقبل، أو لا تقبل، سواء كانت فى حقوق العباد، أو فى شهادة الحسبة فى حقوق الله تعالى.
شروط وجوب قبول الشهادة على القاضى:
عدالة الشاهد:
وما تقدم من الشروط هى شروط صحة أداء الشهادة فاذا توفرت هذه الشروط جميعها كانت الشهادة صحيحة شرعا وجاز للقاضى أن يقبلها ويحكم بها، ويكون حكمه صحيحا وواجب النفاذ شرعا ولكنه يكون آثما فى قبوله هذه الشهادة وحكمه بها ما دام لم ينضم الى الشروط المذكورة شرط العدالة فى الشاهد. فاذا انضم هذا الشرط الى تلك الشروط لا يكون قبوله الشهادة وحكمه بها جائزا مع الاثم أو بدونه. بل يصبح قبولها والحكم بها واجبا عليه وملتزما به شرعا وبدون تأخير للحكم اذا لم يكن هناك. ما يجيز تأخير الحكم مما ذكره الفقهاء.
فعدالة الشاهد شرط وجوب قبول الشهادة والحكم بها على القاضى لا شرط صحة الأداء.
فالحنفية لا يعتبرون العدالة شرطا فى صحة القضاء ولا فى نفاذه.
ويقولون: لو قضى القاضى بشهادة
فاسق صح قضاؤه ونفذ، لوجود أهلية الشهادة فى الفاسق وهى الولاية، ولكنه يكون آثما أو عاصيا كما عبر البعض.
وقيد فى الدر نفاذ القضاء بشهادة الفاسق بأن يغلب على ظن القاضى صدقه.
ونقل ابن عابدين فى حاشيته على الدر عن جامع الفتاوى أن القاضى اذا تحرى الصدق فى شهادة الفاسق تقبل، والا فلا.
والعدل هو من يجتنب الكبائر ويؤدى الفرائض وتغلب حسناته سيئاته.
والأصل فى هذا الباب أن من يرتكب جريمة فان كانت كبيرة سقطت عدالته، الا أن يتوب.
وان كانت صغيرة وأصر عليها فكذلك، لأن الصغيرة بالاصرار عليها تكون كبيرة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم «لا صغيرة مع الاصرار ولا كبيرة مع الاستغفار، وان لم يصر عليها لم تسقط عدالته.
ثم ان الشرط عند الامام أبى حنيفة هو العدالة الظاهرة فلا يتحرى الا اذا طعن الخصم أو كان الموضوع مما يدرأ بالشبهات.
وعند الصاحبين الشرط هو العدالة الحقيقية وهى التى تكون بالتحرى والسؤال عن الشهود ولو لم يطعن الخصم.
فلو طعن الخصم أو كان الموضوع مما يدرأ بالشبهات لم تكف العدالة الظاهرة بالاتفاق.
أما كون الشاهد غير متصف بما يخل بالمروءة فقد قالوا فيه ان عدم المروءة الذى ليس سببه الفسق فى الدين يختلف باختلاف عادات الناس وأعرافهم فى كل زمان ومكان فيجب الرجوع فى ذلك الى العرف.
من تقبل شهادته ومن لا تقبل
ذكرنا فيما مضى شروط صحة أداء الشهادة.
وواضح أن كل من فقد شرطا من هذه الشروط السابق ذكرها لا تقبل شهادته لأنها تكون شهادة غير صحيحة فلا تقبل، لأن القاضى لا يقبل الا الشهادة الصحيحة.
وكذلك لا تقبل شهادة من ليس بعدل لكن لو قبل القاضى شهادته وحكم بمقتضاها نفذ حكمه. لأنها شهادة صحيحة ويأثم القاضى لقبولها والحكم بها كما ذكرنا سابقا.
وبما أنه بعد ذكر شروط الصحة يمكن معرفة من لا تقبل شهادته لفقدانها أو فقدان بعض منها. الا أن بعض هذه الشروط يحتاج فى بيان محترزه الى ايضاح وتفصيل وذكر أمثلة كشرط عدم التهمة فى الشهادة وشرط العدالة وشروط أخرى فى محترزاتها نوع خفاء مما يقتضى بعض الايضاح والتفصيل.
من لا تقبل شهادته للتهمة
ينبنى على اشتراط ألا يكون الشاهد متهما فى شهادته أنه لا تقبل شهادة من يأتى ذكرهم:
1 -
شهادة الأصل لفرعه، والفرع لأصله، سواء علا الأصل أو سفل، وسواء كان من جهة الأب أو من جهة الأم.
غير أنه يستثنى من ذلك صورة واحدة، وهى ما اذا شهد الجد لابن ابنه على ابنه فانه تقبل شهادته. وذلك لأن اقدامه على الشهادة على ابنه وهو احب الناس اليه دليل صدقه فانتفت التهمة التى هى سبب رد الشهادة.
2 -
شهادة أحد الزوجين للآخر فلا تقبل شهادة الزوج لزوجته ولا الزوجة لزوجها.
ويلحق بالزوجية أثرها وهو العدة ولو من حرمة مغلظة كالطلاق الثلاث.
ثم ان الزوجية انما تمنع من القضاء بالشهادة لا من صحة تحمل الشهادة، ولا من صحة أدائها.
فلو تحمل أحد الزوجين شهادة للآخر والزوجية قائمة وأداها وهى كذلك ولم يردها القاضى وقبل القضاء بهذه الشهادة وحصلت الفرقة بين الزوجين وانقضت العدة. ثم حكم القاضى بمقتضى الشهادة صح الحكم ونفذ، لأنه بنى على شهادة صحيحة فالشرط هنا عدم وجود التهمة لدى الشاهد وقت القضاء فقط.
3 -
شهادة المولى لعبده سواء كان قنا محضا، أو مدبرا، أو مكاتبا، أو أم ولد. وذلك لأن شهادته له شهادة لنفسه من كل وجه اذا لم يكن مدينا، ومن وجه اذا كان مدينا.
وشهادة الشخص لنفسه لا تجوز.
وهو أيضا متهم فى الشهادة لأنها تجر نفعا له، أو تدفع ضررا عنه.
وعدم جواز شهادتهم لسيدهم ظاهر من اشتراط الحرية فى الشاهد ومن وضوح التهمة فيها اذ هم مملوكون له.
4 -
شهادة الشريك لشريكه فيما هو من شركتهما، لأنه يكون شاهدا لنفسه فى البعض فترد شهادته لذلك.
والشهادة متى بطل بعضها بطل كلها.
فلو شهد أحدهما للآخر فيما ليس من شركتهما قبلت شهادته لعدم التهمة.
ومن صور شهادة الشريك ما لو شهدا ان لهما ولفلان على هذا الرجل ألف درهم فانه لا تقبل شهادتهما لأنهما يشهدان لأنفسهما.
هذا وهناك مسائل متفرعة على عدم جواز شهادة الشريك لشريكه منها ما يأتى.
1 -
شهدا ان زيدا أوصى بثلث ماله لقبيلة بنى فلان وهما منها صحت الشهادة ولا شئ لهما.
(ب) شهدا أنه أوصى لفقراء جيرانه وهما منهم صحت شهادتهما ولا شئ لهما.
(ج) شهدا أنه أوصى لفقراء بيته وهما من فقراء البيت لم تصح شهادتهما، ولو كانا غنيين صحت.
ووجه الفرق بين هذه الصورة والصورتين قبلها أنه يجوز تخصيص البعض فى الصورتين السابقتين بخلافه فى الثالثة. فلو صحت الشهادة فى الثالثة لاستحقا فى الوصية ولكانا شاهدين لنفسيهما.
(د) شهدا أنها صدقة موقوفة على فقراء جيرانه وهما منهم جازت ولو على فقراء قرابته لا تجوز.
والفرق أن القرابة لا تزول والجوار يزول فلم تكن شهادة لنفسه لا محالة.
(هـ) شهادة الأجير الخاص لمستأجره سواء كان أجيرا مسانهة أو مشاهرة أو مياومة، لأن منافعه مملوكة للمستأجر مدة الاجارة. فاذا شهد فيها وشهادته من منافعه يكون قد أخذ أجرا من مستأجره للمشهود له على شهادتها فلا تقبل لأنه يكون مثل من أخذ أجرا على شهادته. ومن يأخذ أجرا على الشهادة لا تقبل شهادته فكذا من هو مثله.
أما الأجير المشترك وهو الذى يعمل للناس كلهم بالأجر كالخياط والحداد، ومن يستأجر على العمل لا على المدة فتقبل شهادته لمن يستأجره، لأن منافعه ليست مملوكة لمستأجره ولذا لا يستحق الأجر الا اذا عمل، بخلاف الأجير الخاص فانه يستحق الأجر بتسليمه نفسه وان لم يعمل، فلا يكون الأجير المشترك كمن يأخذ أجرة على الشهادة.
وأما المستأجر فتقبل شهادته للأجير مطلقا لعدم التهمة.
ودليل عدم قبول شهادة الاصناف الخمسة المذكورة قول النبى صلى الله عليه وسلم «لا تقبل شهادة الولد لوالده ولا الوالد لولده ولا المرأة لزوجها ولا الزوج لامرأته ولا العبد لسيده ولا المولى لعبده ولا الأجير لمن استأجره» ولأن المنافع بين الآباء والأبناء والزوجين متصلة فى العادة فتكون فى شهادة بعضهم لبعض تهمة جر المغنم بها فلم تقبل لذلك.
6 -
شهادة التلميذ الخاص لمعلمه وهو الذى يعد ضرر أستاذه ضرر نفسه ونفعه نفع نفسه ويأكل معه فى عياله وليس له أجرة معلومة وذلك لأنه متهم فى شهادته فى جره النفع لنفسه.
وأما شهادة الاستاذ لتلميذه فمقبولة لعدم التهمة.
وليس المراد بالتلميذ تلميذ الدروس
العلمية فقط بل المراد ما يعم تلميذ كل حرفه.
وكذلك من جعل نفسه فى عيال آخر يخدمه ويأكل من أكله بدون أجر معين.
وتمنع بذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم لا شهادة للقابع بأهل البيت.
7 -
شهادة العدو على عدوه، لقول النبى صلى الله عليه وسلم «لا تجوز شهادة ذى الظنه ولا ذى الاحنة» والظنة التهمة والاحنة الحقد. والمراد العداوة الدنيوية بسبب أمر من أمور الدنيا لا بسبب الدين، والا فقد قبلنا شهادة المسلم على الكافر وبينهما العداوة الدينية.
ويعرف العدو وتعرف العداوة بالعرف.
فاذا اتصف شخص بهذه الصفة لأسباب دنيوية وعلاقات خاصة فلا تقبل شهادته على عدوه.
ولو حكم الحاكم بشهادة العدو لم ينفذ حكمه.
وذلك كشهادة المقذوف على قاذفه.
والمقطوع عليه الطريق على القاطع، والمقتول وليه على القاتل. والمعتدى عليه على المعتدى، والزوج على امرأته بالزنا بعد أن يكون قد قذفها به. لأن العداوة فى ذلك كله وفيما يماثله ويجرى مجراه قد وصلت بين الطرفين الى حد كبير يجعل كلا منهما يضمر لصاحبه العداوة ويتمنى له السوء ويفرح لحزنه ويحزن لفرحه كما قال الله تعالى فى شأن المنافقين مع المؤمنين «ان تمسسكم حسنة تسؤهم وان تصبكم سيئة يفرحوا بها» فأظهر تناهى عداوة المنافقين للمؤمنين.
وليس المراد بالعداوة كل خصومة تحصل بين شخص وآخر فى حق من الحقوق.
ثم ان العداوة قد يفسق بها صاحبها، وفى هذه الحالة لا تقبل شهادته مطلقا بالنسبة لجميع الناس.
أما اذا لم يفسق بها فلا تقبل شهادته على عدوه فقط.
ومثل العداوة العصبية فقد صرح فى معين الحكام بأن من موانع الشهادة العصبية. وهى أن يبغض الرجل الرجل، لا لسبب سوى أنه من بنى فلان أو من قبيلة كذا.
8 -
شهادة الصديق لصديقه اذا تناهت الصداقة بينهما الى حد أن يتصرف كل منهما فى مال الآخر كأنه ماله فلا تقبل شهادة أحدهما للآخر للتهمه.
9 -
شهادة الخصم فى الدعوى، لأن الشخص لا يكون خصما وشاهدا.
والأصل فى ذلك أن كل من صار خصما فى حادثة لا تقبل شهادته فيها.
ومن كان بعرضية أن يصير خصما، ولم ينصب خصما بالفعل تقبل شهادته.
وينبنى على ذلك عدم قبول شهادة وصى الميت بحق للميت.
وعدم قبول شهادة وصى الصغير بحق للصغير.
وعدم قبول شهادة الوكيل بحق للموكل لأن كلا منهم خصم فى الدعوى.
الا أن هناك فرقا بين الوصى والوكيل.
ذلك أن شهادة وصى الميت بحق للميت غير مقبولة مطلقا، سواء كان الحق مالا، أو غيره، كانت الشهادة قبل العزل من الوصايه، أو بعد العزل منها.
وسواء كان المال المشهود به تحت يده أو تحت يد غيره، وذلك لحلوله محل الميت، حتى لا يملك عزل نفسه من الوصاية بدون عزل قاض، فكان كالميت نفسه وتساوت جميع أحواله فى عدم قبول شهادته له.
وأما الوكيل فانه أما وكيل عام أو خاص فى مسألة محدودة كأن يوكله فى قبض مبلغ دين عند شخص ويخاصمه فيه.
وقبل أن يخاصمه لدى القاضى عزله الموكل من الوكالة. وبعد ذلك قامت الخصومة بشأن الدين، وشهد الوكيل به للموكل أمام القاضى، تقبل شهادته.
بخلاف ما لو خاصم الوكيل فى الدين ثم عزله الموكل فان شهادته لا تقبل فى هذه الخصومة ولا فى أى حق ثابت وقت التوكيل.
وتقبل فى الحقوق الحادثة بعد التوكيل.
أما الوكالة العامة كأن يوكله بالخصومة فى كل حق له قبل أى انسان وقبضه.
فان خاصم رجلا فى حق ثم عزله الموكل وأراد أن يشهد فى هذه الخصومة لم تقبل شهادته فى هذا الحق ولا فى غيره مما هو ثابت قبل التوكيل أو يثبت بعده قبل العزل.
أما الحقوق الحادثة بعد العزل فتقبل فيها شهادته.
فالحقوق فى الوكالة العامة كحق واحد اذا خاصم فى بعضها لم يجز له أن يخاصم فيه ولا فى غيره.
10 -
شهادة الشخص على فعل نفسه، فأنها لا تقبل.
وينبنى على ذلك عدم قبول شهادة الوكلاء والدلالين والصكاكين والمحضرين على ما صدر منهم من أفعال اذا صرحوا أمام القاضى بأنها من فعلهم.
وكذلك لا تصح شهادة أى شخص بفعل أو عقد صدر منه متى صرح بذلك.
أما اذا لم يصرح بأن المشهود به من عمله فتصح شهادته وتقبل منه، كالوكيل بالنكاح اذا شهد بالزوجية فى خصومة بشأنها أمام القاضى، ولم يزد على ذلك قبلت شهادته.
وان صرح بأنه كان طرفا فى عقد هذا النكاح لا تقبل الشهادة، لأنه يشهد حينئذ على عمله.
من لا تقبل شهادته للفسق:
ذكرنا ما قالوه فى عدالة الشاهد، وأنها شرط وجوب قبول شهادته على القاضى والقضاء بها.
فاذا فقد الشاهد العدالة لم يجز للقاضى أن يقبلها ويحكم بموجبها بل عليه أن يردها، ولكن اذا قبلها وحكم بها نفذ حكمه ولا ينقض لأنه حكم ترتب على شهادة صحيحة، ويأثم لقبوله شهادة الفاسق.
وهذا اذا لم ينص فى قرار تعيينه ومنشوره على عدم قبول شهادة الفاسق.
فأن نص له على ذلك ثم قبلها لم ينفذ حكمه لأن القضاء يتخصص بالزمان والمكان والحادثة والرأى الراجح.
وانما اشترطت العدالة فى الشاهد لقبول شهادته، لأن الشهادة خبر يحتمل الصدق والكذب، والحجة هى الخبر الصادق، وبالعدالة يترجح جانب الصدق على جانب الكذب.
وبناء على اشتراط العدالة لا تقبل شهادة من يأتى:
(أ) من يدمن شرب المسكر سواء كان خمرا أم غيره.
فلو اتهم بأنه شرب مرة فى بيته ولم يثبت أنه مدمن للشرب لم يرفض القاضى شهادته، لأن شرط الحكم بالفسق وزوال العدالة ظهور الفسق، ولا ظهور بلا أدمان.
(ب) من يأتى بابا من الكبائر التى يتعلق بها الحد كالزنا والسرقة وقطع الطريق.
(ج) من يأكل الربا ويشتهر بذلك بين الناس.
(د) من يأكل مال اليتيم وان لم يحصل ذلك منه الا مرة واحدة.
(هـ) من يقامر بالنرد أو الشطرنج أولا يقامر بهما ولكن تفوته الصلاة بالاشتغال بهما.
(و) من يفعل ما يخل بالمروءة فان ترك المروءة مسقط للعدالة. وهى أن لا يأتى الانسان بما يعتذر منه مما يبخسه عن مرتبته عند أهل الفضل.
وقد سبقت الاشارة الى أن ما يخل بالمروءة أن كان سببه الفسق فى الدين والخروج على احكامه فهو مسقط للعدالة قطعا.
وان كان سببه شيئا آخر غير الفسق فى الدين. فان المرجع فيه وفى اعتباره مخالفا ومسقطا للعدالة العرف، لأنه يختلف باختلاف عادات الناس وأعرافهم فى كل زمان ومكان.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير للامام الدردير
(1)
وحاشية الدسوقى عليه: عن حكم الشهادة وشروطها ومن تقبل شهادته ومن لا تقبل ما يأتى:
حكم الشهادة.
قال: والتحمل للشهادة ان افتقر اليه أى احتيج اليه بأن خيف ضياع الحق من مال أو غيره - فرض كفاية اذ لو تركه الجميع لضاع الحق، ويتعين بما يتعين به فرض الكفاية بأن لم يوجد من يقوم به غيره. وظاهر الكلام ولو فاسقا عند التحمل اذ قد يحسن حاله عند الأداء أو لا يقدح فيه الخصم والعبرة بوقت الأداء.
ويجوز للمتحمل أن ينتفع على التحمل الذى هو فرض كفاية.
أما الذى يتعين فيه التحمل فلا يجوز الانتفاع عليه.
وأما الأداء فلا يجوز الانتفاع عليه مطلقا.
واذا لم يفتقر الى التحمل ولم يحتج اليه بأن كان لا يترتب على ترك التحمل ضياع حق فلا يكون فرض كفاية، بل قد يكون حراما كتحمل شهادة الزنا اذا كان عدد الشهود أقل من أربعة.
وقد يكون جائزا كرؤية هلال لم يتوقف عليه حكم شرعى.
ويتعين الأداء على المتحمل، أى اعلام الحاكم أو جماعة المسلمين بما تحققه من مسافة بين المتحمل ومحل الأداء كبريدين وهى أربعة وعشرون ميلا.
كما يتعين الأداء على شاهد ثالث ان لم يكتف بشهادة الشاهدين قبله عنند الحاكم لاتهامهما بما يمنع من قبول شهادتهما، كعداوة، أو قرابة، أو عدم عدالة، أو نحو ذلك، فيتعين حينئذ على الشاهد الثالث ممن تحملوا الشهادة أن يؤدى شهادته عند الحاكم محافظة على الحق من الضياع.
وكذا يتعين على رابع وخامس حتى يثبت الحق.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 4 ص 199 وما بعدها الطبعة السابقة.
ومن باب أولى ليس لأحد الاثنين أن يمتنع عن الشهادة، أو يقول لصاحب الحق احلف مع الشاهد الآخر ويقضى لك بشاهد ويمين.
وان امتنع من تعين عليه الأداء من أداء الشهادة الا أن يأخذ شيئا من المشهود له ينتفع به فانه يكون جرحا يمنع من قبول شهادته شرعا.
وكذلك لو أخذ شيئا بدون امتناع عن أداء الشهادة لأنه معصية اذ هو رشوة فى نظير أداء واجب عليه.
واذا بعدت المسافة بين مكان الشاهد ومحل الأداء وعسر عليه المشى ولم تكن له دابة يركبها يجوز أن يأخذ من المشهود له أجرة دابة يركبها أو يركب دابة المشهود له ولا يعد ذلك رشوة تجرح الشاهد وتمنع من قبول شهادته ..
واذا كان الشاهد موسرا هل يلزمه أن يكرى لنفسه دابة يركبها ولا يأخذ من المشهود له أجرة دابة يركبها - أو لا يلزمه ذلك ويأخذ من المشهود له أجرة دابة يركبها، أو يركب دابة المشهود له؟ رأيان، واستظهروا الأول.
واذا كانت المسافة بين محل الشاهد ومحل الأداء مسافة قصر لا يجب على الشاهد المتحمل أن يسافر الى محل أداء الشهادة.
ويجوز للشاهد فى هذه الحالة أن ينتفع من المشهود له بدابة يركبها أو بأجرة دابة وبنفقة له ولأهل بيته مدة ذهابه وايابه بلا تحديد ويجوز فى هذه الحالة أن يؤدى الشاهد شهادته عند قاضى بلده، وينقل قاضى بلده الشهادة الى القاضى المختص الذى على مسافة القصر يكتب بها اليه انهاء.
أو تنقل تلك الشهادة من هذا الشاهد بأن يؤديها عند رجلين ينقلانها عنه ويؤديانها عند القاضى الذى على مسافة القصر.
شروط الشهادة:
وانما تصح الشهادة من العدل، وهو فى عرف الفقهاء.
حر عند الأداء، فلا تصح شهادة الرقيق، أو من فيه شائبة رق.
ويصح التحمل من الرقيق ويؤدى وهو حر وان يكون مسلما فلا تصح شهادة الكافر ولو على مثله.
ويصح التحمل من الكافر ويؤدى وهو مسلم.
وأن يكون عاقلا حال التحمل والأداء معا.
بالغا عند الأداء فلو تحمل صبيا جاز ان كان ضابطا، ويؤدى وهو بالغ، فلا تصح شهادة الصبيان الا على بعضهم فى الجراح، ولا تجوز على غيرهم.
وانما تجوز بينهم فى الجراح وحدها قبل أن يتفرقوا ويعلموا ويجيئوا، فان
افترقوا فلا شهادة لهم، الا أن يكونوا قد أشهدوا على شهادتهم قبل أن يتفرقوا
غير فاسق. بجارحة، وغير محجور عليه للسفه، فلا تصح الشهادة من فاسق، ولا مجهول الحال، ولا من سفيه محجور عليه.
غير مبتدع. وان تأول، فلا تصح شهادة البدعى، كالقدرى القائل بتأثير القدرة الحادثة، ولا الخارجى الذى يكفر بالذنوب.
وان كان متأولا فى ابتداعه أو خروجه.
غير مرتكب كبيرة ولو باطنية كالغل والحسد والكبر والرياء. وهو تفسير لعدم الفسق أى لم يفسق بالباطن ولا بالجوارح الظاهرة فلم يتصف بذلك أصلا، لا حال التحمل، ولا حال الأداء، أو حال الأداء فقط.
ولم يباشر كثير كذب. وهو ما زاد على الواحدة فى السنة، وهذا اذا لم يترتب على الكذب فساد أو ضرر.
فان ترتب عليه شئ من ذلك يمتنع القليل منه. وهو الواحدة أيضا.
ولم يرتكب صغيرة خسة - كسرقة لقمة، لدلالة ذلك على الدناءة فلا تقبل شهادته.
ولم يباشر سفاهة أى مجونا بأن يكثر الدعابة والهزل - ولم يلعب بنرد.
فان باشره ردت شهادته ولو لم يداوم عليه ولو كان من غير قمار وكذلك لعب الطاب والسيجة والمنقلة.
وأن يكون ذا مروءة - يترك غير اللائق كلعب الحمام مع المداومة عليه.
وبدون مقامرة اذ المقامرة به كبيرة.
وكسماع الغناء بغير آلة فانه مكروه اذا لم يكن بكلام قبيح ولم يحمل على قبيح كالتعلق بامرأة مثلا ولم يكن بآلة والا حرم فى ذلك كله.
ولا يباشر حرفة دنيئة كالدباغة والحجامة الا لضرورة.
ولا يداوم على لعب الشطرنج - فان ذلك كله يخل بالمروءة فلا تقبل الشهادة.
وان كان أعمى فتقبل شهادته فى قول، خلافا لأبى حنيفة والشافعى.
وتقبل شهادته فى الأقوال مطلقا، سواء تحملها قبل العمى أو بعده، لضبطه الأقوال بسمعه.
خلافا للحنفية حيث قالوا: لا تقبل شهادته فيها مطلقا.
وقال الشافعى تجوز شهادته فيها بما تحمله من الأقوال قبل العمى.
وأما الأفعال المرئية فلا تجوز شهادته فيها مطلقا على المذهب، علمها قبل العمى أو بعده.
أو أصم غير أعمى لأن الأصم غير الأعمى يضبط الافعال ببصره، دون الاقوال، فانه يتوقف ضبطها على السمع، وهو معدوم منه فلا تقبل شهادته فى الأقوال، ما لم يكن سمعها قبل الصمم والا جاز.
وأما الأعمى الأصم فلا تقبل شهادته ولا يعامل.
وألا يكون مغفلا - فالمغفل لا تقبل شهادته الا فيما لا يلتبس من الأمور، ولا يختلط أى فى البديهيات كرأيت هذا يقطع يد هذا أو يأخذ ماله.
ولا يجوز للشاهد أن يتحمل الشهادة ولا أن يؤديها الا على من يعرفه بنسبه أو بذاته وعينه وأوصافه.
قال فى الشرح الكبير: ولا يشهد على من لا يعرف نسبه حين الأداء أو التحمل، وكذا من له نسب معروف، ولكنه يشترط فيه مع الغير كمن له بنتان زينب وفاطمة يعرفان نسبهما ولا يعرفان ذاتهما ولا يميزان بينهما.
لا يشهدان على نسبه، وانما يشهدان عليه بذاته وأوصافه، ان كان يعرف بذلك، وكان المشهود عليه يتعين بهذا النوع من التعيين كأن يقول الشاهد: أشهد أن لزيد دينا على عمرو الذى صفته كذا وكذا، أو يقول: أشهد أن المرأة فلانة التى صفتها كيت وكيت تزوجها أو طلقها فلان.
ولا يجوز تحمل الشهادة على امرأة منتقبة حتى تكشف عن وجهها ليؤدوا الشهادة على عينها وصفتها اذا كانوا لا يعرفونها بنسبها، أو يعرفونها به، ولكنها اشتركت فيه مع الغير ..
وان قالوا: أشهدتنا وهى منتقبة ونحن نعرفها كذلك على هذا الحال قبل كلامهم، وعليهم أن يعينوها ويخرجوها من بين نسوة تختلط بهن، فان أخرجوها قبلت شهادتهم، وان لم يخرجوها لم تقبل، ويضمنون ما شهدوا به عليها، لأنه بمنزلة الرجوع عن الشهادة.
وقيل لا ضمان عليهم، لأنهم معذورون فى الجملة.
وجاز لمن تحمل شهادة على امرأة معروفة النسب ثم نسيها - أن يؤدى الشهادة عليها أن حصل له العلم بها بعد ذلك بسؤال شاهدين، أو باخبار رجل، أو امرأة أو لفيف من الناس ..
وان حصل له العلم بشهادة شاهدين شهدا عنده بأنها المرأة التى تحمل عليها - فلا يؤدى الشهادة عليها فى تعرفها
الا بالنقل عن هذين الشاهدين، وحينئذ لا بد أن ينضم اليه شاهد آخر فى أداء الشهادة عليها فى التعرف، ولا بد أن يقول شاهدا التعريف له وللآخر أشهد على شهادتنا.
وهذا اذا شاركاه فى علم ما يشهد به.
وجازت الشهادة بسماع فشا أى انتشر واشتهر أى يجوز الاعتماد فى الشهادة على السماع اذا انتشر وشاع أمره.
ولا يشترط أن يذكر فى شهادته أنه لا يزال يسمع من الثقات ومن غيرهم. بل لو قال: لم أزل أسمع من الثقات أن هذه الدار حبس ووقف أو ملك لفلان يكفى.
وقيل: لا بد من ذكر السماع من الثقات وغيرهم بأن يقول: سمعت سماعا فاشيا من العدول وغيرهم أن هذه الدار وقف أو ملك لفلان، والا لا يكفى.
وشهادة السماع انما جازت للضرورة على خلاف الأصل، لأن الأصل أن الانسان لا يشهد الا بما تدركه حواسه.
وتكون شهادة السماع فى الاملاك وغيرها.
من تقبل شهادته
(1)
ومن لا تقبل:
لا تقبل شهادة الأصل وان علا لفرعه وان نزل.
فلا تقبل شهادة أب ولا أم لولدها، وان ولد ملاعنة، لصحة استلحاقه، ولا شهادة الجد والجدة لولد الولد.
وكذلك لا تقبل شهادة أزواج الأصول للفروع - كزوجة الأب لا تشهد لربيبها أى ولد زوجها. وزوج الأم لا يشهد لربيبه أى لولد زوجته.
ولا تقبل شهادة الفروع وان نزلوا لأصولهم وان علوا.
فلا يشهد الولد لأبيه ولا لأمه ولا للجد أو الجدة.
وكذا لا تقبل شهادة أزواج الفروع للأصول كزوج البنت لا يشهد لأبوى زوجته.
وزوجة الابن لا تشهد لأبوى زوجها.
وأما شهادة زوج المرأة لأخوتها وشهادة زوجة الرجل لاخوته فجائزة.
ولا تقبل شهادة أحد الزوجين للآخر للتهمة المانعة من قبول الشهادة فيما ذكر كله.
وتقبل شهادة الأخ لأخيه أن برز الشاهد فى عدالته أى كان ظاهرا فيها وفاق أخوانه فيها، ولم يكن فى عيال المشهود له والا لم تقبل للتهمة.
ويشترط أن لا تكون الشهادة فى قصاص
(1)
الشرح الكبير ج 4 ص 168 وما بعدها.
لأن الحمية فى القصاص تدفعه الى التجاوز فى الشهادة.
ويجوز للأخ أن يعدل أخاه.
وقيل لا يجوز التعديل، لأنه يشرف بتعديل أخيه فيجر تعديله نفعا له فلا تقبل.
وتجوز شهادة الأجير لمن استأجره أن برز فى العدالة، ولم يكن فى عيال المشهود له.
وتجوز شهادة العتيق لمن أعتقه أن برز العتيق فى العدالة، ولم يكن فى عيال المعتق.
أما شهادة المعتق لعتيقه فتقبل وان لم يكن مبرزا فى العدالة.
وتقبل شهادة الصديق لصديقه، ولو كان بينهما ملاطفة وهو الذى يسره ما يسر صديقه ويضره ما يضره، بشرط أن يكون الشاهد مبرزا فى العدالة وليس فى عيال المشهود له.
أما شهادة الشريك لشريكه فهو على ثلاثة أقسام.
مردودة، وغير جائزة مطلقا سواء كان مبرزا فى العدالة أو غير مبرز وهى شهادة الشريك لشريكه فيما فيه الشركة.
سواء كانت الشركة فى معين كالدابة أو غير معين كشركة التجارة وذلك لتضمنها الشهادة لنفسه ومقبولة بشرط أن يكون الشاهد مبرزا فى العدالة وهى شهادة الشريك لشريكه فى التجارة مفاوضة فى غير ما فيه الشركة.
ومقبولة مطلقا سواء كان الشاهد مبرزا فى العدالة أو لم يكن. وهى شهادة الشريك لشريكه فى معين كالدابة فيما ليس من شركتهما.
وتقبل الشهادة بالزيادة والنقصان على ما شهد به أولا بالتفصيل الآتى:
اذا شهد أولا بعشرة ادعاها المدعى، ثم شهد بعد ذلك بأقل من العشرة، بثمانية مثلا، فان شهادته بها تقبل ان كان مبرزا فى العدالة، سواء حكم بلزوم العشرة التى شهد بها أولا أو لم يحكم، الا أنه ان شهد ثانيا بأقل مما شهد به أولا، وكانت الشهادة الثانية قبل الحكم بالأولى، فالأمر ظاهر.
وان كانت بعد الحكم بما شهد به أولا كانت بمنزلة الرجوع عن الشهادة الأولى.
وحينئذ فيغرم الشاهد ما نقصه للمشهود عليه ولا ينقض الحكم.
وان زاد فى شهادته الثانية عما شهد به أولا بأن شهد بخمسة عشر بعد أن كان قد شهد بعشرة، فان شهادته الثانية بالزيادة تقبل سواء حكم بما شهد به أولا، أو لم يحكم بشرط أن يكون مبرزا فى العدالة، وسواء كانت شهادته الأولى بالعشرة مطابقة لدعوى المدعى أو غير مطابقة.
غير أنه اذا كانت مطالبة للدعوى فلا يأخذ
المدعى الزيادة التى شهد بها ثانيا، لعدم دعواه لها.
أما اذا لم يكن مبرزا فى العدالة فان شهادته تبطل كلها.
أما اذا خالف الشاهد الدعوى بالزيادة أو بالنقص ابتداء دون رجوع فى الشهادة كما لو ادعى المدعى عشرة فشهد له الشاهد ابتداء بخمسة عشر. فيحلف المدعى على العشرة التى ادعاها ويأخذها، ولا يقضى له بالخمسة الزائدة التى شهد بها الشاهد لعدم ادعائه اياها ..
واذا ادعى عشرة فشهد له الشاهد ابتداء بثمانية فيحلف على طبق شهادة الشاهد أى على ثمانية ويستحق الثمانية.
ثم ان أقام شاهدا آخر بالباقى وهو اثنان حلف مع هذا الشاهد وأخذ الزيادة، والا فلا.
ولا يشترط تبرز الشاهد فى العدالة فى هاتين الصورتين.
ومن سئل عن شهادته فقال: لا أدرى أولا علم عندى، ثم تذكر وشهد بما تذكر تقبل شهادته أن كان مبرزا فى العدالة.
وتقبل شهادة من الأب والأم لأحد ولديه على الآخر.
وكذلك شهادة الولد لأحد أبويه على الآخر. لأن الاقدام على الشهادة على أحد الولدين فى الأولى، وعلى أحد الأبوين فى الثانية دليل على انتفاء التهمة فى الشهادة للولد الآخر فى الأولى، والوالد الآخر فى الثانية.
ولا تقبل شهادة العدو على عدوه عداوة دنيوية، ولا على ابن العدو، ولا شهادة ابن العدو على عدو أبيه.
ولو كانت العداوة الدنيوية بين مسلم وكافر فلا تجوز شهادة المسلم على الكافر اذا كانت بينهما عداوة دنيوية.
أما شهادة الكافر على المسلم فلا تجوز مطلقا.
ويجب على الشاهد أن يبين للقاضى ما بينه وبين المشهود له أو عليه من قرابة أو عداوة، ليسلم من التدليس، وليتبين القاضى الأمر على حقيقته، فيقبل الشهادة أو يردها طبقا لحكم الشرع.
ولا تقبل شهادة من ردت شهادته لسبب فيما رد فيه بعد زوال السبب، بأن أدى شهادته فردت لفسق، أو صبا، أو رق، أو كفر، فلما زال المانع بأن تاب الفاسق وبلغ الصبى، أو عتق الرقيق، أو أسلم الكافر - عاد فأدى الشهادة لا تقبل منه لاتهامه بالحرص على قبول شهادته عند زوال المانع لما جبل عليه الطبع البشرى من دفع المعرة الحاصلة بالرد.
ولذا لو أدى الشهادة وبه المانع، ولكن لم يحكم القاضى برد الشهادة وبقى الأمر معلقا حتى زال المانع، فعاد بعد زواله لأداء الشهادة تقبل منه، لعدم وجود معرة بينهم بالحرص على ازالتها بقبول الشهادة.
ولا تقبل شهادة من يتهم بالحرص على مشاركة غيره له فى معرته لتهون عليه كشهادة ولد الزنا فى الزنا.
ولا شهادة من حد لسكر أو زنا أو قذف فى مثل ما حد فيه. وتقبل فى غيره كمن حد لشرب فشهد بقذف تقبل.
ولا من خاصم المشهود عليه فيما يشهد به سواء كان فى حقوق الله أو فى حقوق العباد لاتهامه بالحرص على قبول شهادته بدلالة المخاصمة.
ولا من رفع شهادته للحاكم بدون طلب صاحب الحق. وذلك فى حقوق العباد المحضة.
أما فى حقوق الله تعالى فتجب الشهادة ولو من غير طلب كالعتق والطلاق والوقف والرضاع ..
أما فى الحدود فانه يتخير بين الشهادة والترك للستر. والستر أولى ..
والحرص على تحمل الشهادة لا يقدح فى الشاهد، ولا يمنع من قبول شهادته، لأن الأمر أمر المحافظة على الحق بخلاف الأداء.
ولا تقبل شهادة من يستبعد منه أن يشهد بمثلها كشهادة بدوى فى الحضر لحضرى على حضرى بدين أو بيع أو شراء ونحو ذلك مما يستبعد حضور البدوى فيه دون الحضرى، بخلاف ماذا سمع البدوى الحضرى يقر بشئ لحضرى آخر أو رآه يفعل بحضرى أمرا كغصب أو ضرب فانه لا يستبعد فتقبل شهادته فيه ..
ولا تقبل شهادة من يشهد لنفسه أو يجر بشهادته نفعا لنفسه أو يدفع بها ضررا عن نفسه.
وان حدث للشاهد فسق بعد أداء الشهادة وقبل الحكم بها لا تقبل الشهادة ولا يحكم بها، لأن العدالة شرط القضاء والحكم بالشهادة.
وان حدث الفسق بعد الحكم مضى ولا ينقض.
ولا تقبل شهادة من يأخذ الرشوة، ولا من يتعصب لبنى فلان أو لجنس دون جنس.
كذلك من يلعب فى يوم النيروز وهو أول السنة القبطية ويحتفل به.
ومن يماطل فى الحق بدون حق ولا سبب.
ولا من يحلف بالطلاق والعتاق، لأنه من يمين الفساق.
ومن يسكن فى دار مغصوبة أو مع شريب خمر.
مذهب الشافعية:
حكم الشهادة:
تحمل
(1)
الشهادة فرض كفاية فى النكاح لتوقف انعقاده عليه، ولو امتنع الجميع أثموا، وكذا الاقرار والتصرف المالى وغيره كعتق وطلاق ورجعة. وغيرها التحمل فيه فرض كفاية .. الا الحدود وكتابة الصك التحمل فيها فرض كفاية فى الأصح، للحاجة اليه لتمهيد اثبات الحقوق عند التنازع.
والثانى المنع لصحتها بدونه.
واذا لم يكن فى القضية الا اثنان لزمهما الأداء لقوله تعالى «وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» .
فلو أدى واحد وامتنع الآخر بلا عذر وقال للمدعى: احلف معه عصى .. وان كان فى الواقعة شهود فالأداء فرض كفاية فان شهد منهم اثنان فذاك والا أثموا.
فلو طلب الأداء من اثنين لزمهما فى الأصح.
وان لم يكن الا واحد لزمه الأداء اذا دعى له ان كان فيما يثبت بشاهد ويمين.
والا فلا.
وقيل لا يلزم الأداء الا من تحمل قصدا لا اتفاقا لأنه لم يوجد منه التزام.
شروط وجوب أداء الشهادة
لوجوب أداء الشهادة شروط هى:
أولها: أن يدعى من مسافة العدوى فأقل للحاجة الى الاثبات وتعذره بالشهادة على الشهادة لعدم قبولها حينئذ.
فان دعى لما فوقها لم يجب للضرورة.
واستثنى الماوردى ما اذا لم يعتد المشى ولا مركوب، وهو ممن يستنكر الركوب فى حقه، فلا يلزم الأداء حينئذ.
وخرج بقوله يدعى - ما اذا لم يطلب فلا يلزمه الأداء الا فى شهادة حسبة فيلزمه فورا ازالة للمنكر.
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج فى الفقه على مذهب الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد ابن شهاب الدين الرملى المنوفى الأنصارى الشهير بالشافعى الصغير المتوفى سنة 1004 هـ ومعه حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى المتوفى سنة 1087 وبالهامش حاشية أحمد بن عبد الرزاق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى المتوفى سنة 1096 هـ ج 8 ص 306 طبع شركة مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.
وقيل أن يدعى من دون مسافة القصر لأنه فى حكم الحاضر .. أما اذا دعى من مسافة القصر فلا تجب الاجابة جزما.
نعم بحث الأذرعى وجوبه اذا دعاه الحاكم وهو فى عمله أو الامام الأعظم مستدلا بفعل عمر رضى الله عنه. واستدلاله أنما يتم من الامام دون غيره والفرق بينهما ظاهر.
ثانيها: أن يكون عدلا - فان دعى ذو فسق مجمع عليه ظاهر أو خفى لم يجب عليه الأداء لأنه عبث بل يحرم عليه وان خفى فسقه لأنه يحمل الحاكم على حكم باطل.
وعن ابن عبد السّلام جوازه وهو ظاهر ان انحصر خلاص الحق فيه ..
وصرح الماوردى بموافقة ابن عبد السّلام فى الخفى لأن فى قبوله خلافا.
قيل او مختلف فيه كشرب مالا يسكر من النبيذ لم يجب الأداء، لأنه يعرض نفسه لرد القاضى له بما يعتقده الشاهد غير قادح.
والأصح أنه يلزمه وان اعتقد هو أنه مفسق، لأن الحاكم قد يقبله، سواء أكان ممن يرى التفسيق ورد الشهادة به أم لا فقد يتغير اجتهاده ويرى قبولها وقضية التعليل عدم اللزوم اذا كان القاضى مقلدا لمن يفسق بذلك. وهو طاهر ..
وقد يمنع بأنه يجوز أن يقلد غير مقلده ..
وأجيب بأن اعتبار مثل هذا بعيد.
ولو كان مع المجمع على فسقه عدل لم يلزمه الأداء الا فيما يثبت بشاهد ويمين اذ لا فائدة له فيما عداه.
ويجوز للعدل أن يشهد بما يعلم أن القاضى يرتب عليه ما لا يعتقده هو كبيع عند من يرى اثبات الشفعة للجار وان كان هو لا يراها أو شهد بتزويج صغيرة بولى غير مجبر عند من يراه والشاهد لا يرى ذلك وان لم يقلد.
ويجوز له تحمل ذلك ولو قصدا. نعم لا يجوز له أن يشهد بصحة أو باستحقاق ما يعتقد فساده، ولا أن يتسبب فى وقوعه الا ان قلد القائل بذلك.
ثالثها: ألا يكون معذورا بمرض ونحوه من كل عذر مرخص فى ترك الجماعة.
فان كان معذورا بذلك أشهد على شهادته أو بعث القاضى من يسمعها دفعا للمشقة عنه ..
وأفهم الاقتصار على هذه الثلاثة عدم اشتراط زيادة عليها. فيلزمه الأداء عند نحو أمير وقاض فاسق لم تصح توليته ان تعين وصول الحق لمستحقه طريقا
له أو عند قاض متعنت أو جائر أى لم يخش منه على نفسه كما هو واضح.
ولو قال لى عند فلان شهادة وهو ممتنع من أدائها من غير عذر لم يجبه، لاعترافه بفسقه، بخلاف ما اذا لم يقل من غير عذر لاحتماله.
ويتعين على المؤدى لفظ أشهد فلا يكفى مرادفه لأنه أبلغ فى الظهور ..
ولو عرف الشاهد السبب كالأقرار فهل له أن يشهد بالاستحقاق أو الملك؟. فيه وجهان.
أحدهما: لا. قال ابن أبى الدم: أنه الأشهر.
وثانيهما نعم وبه صرح ابن الصباغ وغيره، وهو مقتضى كلامهما، وهو الأوجه.
ولو شهد واحد شهادة صحيحة فقال الآخر أشهد بما أو بمثل ما شهد به لم يكف حتى يقول مثل ما قال، ويستوفيها لفظا كالأول، لأنه موضع أداء لا حكاية، وقد عمت البلوى بخلافه لجهل أكثر الحكام.
قال جمع ولا يكفى أشهد بما وضعت به خطى ولا بمضمونه ونحو ذلك مما فيه اجمال وابهام ولو من عالم ويوافقه قول ابن عبد السّلام واعتمده الاذرعى وغيره.
ولا يكفى قول القاضى اشهدوا على بما وضعت به خطى.
لكن فى فتاوى البغوى ما يقتضى الاكتفاء بذلك فيما قبل الأخيرة اذا عرف الشاهد والقاضى ما تضمنه الكتاب ويقاس به الأخيرة.
بل قال جمع ان عمل كثير على الاكتفاء بذلك فى الجميع ولا نعم لمن قال أشهد عليك بما نسب اليك فى هذا الكتاب، الا أن قيل له ذلك بعد قراءته عليه وهو يسمعه وكذا المقر، نعم ان قال أعلم بما فيه وأنا مقر به كفى.
وأفتى ابن عبد السّلام بجواز الشهادة على المكس أى من غير أخذ شئ منه، اذا قصد به ضبط الحقوق، لترد لأربابها، ان وقع عدل.
ويكفى قول شاهد النكاح: أشهد، أنى حضرت العقد أو حضرته وأشهد به.
ولو قالا لا شهادة لنا فى كذا ثم شهدا فى زمن يحتمل وقوع التحمل فيه لم يؤثر والا أثر.
ولو قال لا شهادة لى على فلان ثم قال كنت نسيت أتجه قبولها حيث اشتهرت ديانته.
شروط تحمل الشهادة وأدائها:
لا يجوز تحمل الشهادة وأداؤها الا عن علم.
والدليل عليه قوله تعالى. {وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً}
(1)
.
وقوله تعالى «إِلاّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ» }. فأمر الله تعالى أن يشهد عن علم ..
وروى طاووس عن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: وهل ترى الشمس؟ قال نعم قال: فعلى مثلها فاشهد أودع.
وان كانت الشهادة على فعل كالجناية والغصب والزنا والسرقة والرضاع والولادة وغيرها مما يدرك بالعين لم تجز الشهادة به الا عن مشاهدة، لأنها لا تعلم الا بها.
وان كانت الشهادة على عورة ووقع بصره عليها من غير قصد جاز أن يشهد بما شاهد.
وان أراد أن يقصد النظر ليشهد، فالمنصوص عليه أنه يجوز، وهو قول أبى اسحاق المروزى، لأن أبا بكرة ونافعا وشبل بن معبد شهدوا على المغيرة بالزنا عند عمر رضى الله عنه فلم ينكر عمر ولا غيره نظرهم.
وقال أبو سعيد الاصطخرى: لا يجوز أن يقصد النظر لأنه فى الزنا مندوب الى الستر، وفى الولادة والرضاع تقبل شهادة النساء فلا حاجة بالرجال الى النظر للشهادة.
ومن أصحابنا من قال يجوز فى الزنا وغيره، لأن الزنا هتك حرمة الله تعالى بالزنا، فجاز أن تهتك حرمته بالنظر الى عورته وفى غير الزنا لم يوجد من المشهود عليه هتك حرمة فلم يجز هتك حرمته.
ومنهم من قال: يجوز فى غير الزنا ولا يجوز فى الزنا، لأن حد الزنا بنى على الدرء والاسقاط، فلا يجوز أن يتوصل الى اثباته بالنظر. وغيره لم يبن على الدرء والاسقاط فجاز أن يتوصل الى اثباته بالنظر.
وان كانت الشهادة على قول كالبيع والنكاح والطلاق والاقرار لم يجز التحمل فيها الا بسماع القول ومشاهدة القائل، لأنه لا يحصل العلم بذلك الا بالسماع والمشاهدة.
(1)
الآية رقم 36 من سورة الاسراء.
وان كانت الشهادة على ما لا يعلم الا بالخبر. وهو ثلاثة: النسب والملك والموت جاز أن يشهد فيه بالاستفاضة فان استفاض فى الناس أن فلانا ابن فلان أو أن فلانا هاشمى أو أموى جاز أن يشهد به، لأن سبب النسب لا يدرك بالمشاهدة.
وان استفاض فى الناس أن هذه الدار أو هذا العبد لفلان جاز أن يشهد به، لأن أسباب الملك لا تضبط فجاز أن يشهد فيه بالاستفاضة.
وان استفاض أن فلانا مات جاز أن يشهد به، لأن أسباب الموت كثيرة، منها خفية، ومنها ظاهرة ويتعذر الوقوف عليها ..
وفى عدد الاستفاضة وجهان:
أحدهما وهو قول الشيخ أبى حامد الاسفرايينى رحمه الله تعالى أن أقله أن يسمع من اثنين عدلين، لأن ذلك بينة.
والثانى وهو قول أقضى القضاة أبى الحسن الماوردى رحمه الله تعالى أنه لا يثبت الا بعدد يقع العلم بخبرهم، لأن مادون ذلك من أخبار الآحاد فلا يقع العلم من جهتهم.
فان سمع انسانا يقر بنسب أب أو ابن فان صدقه المقر له جاز له أن يشهد به، لأنه شهادة على اقرار، وان كذبه
المقر له لم يجز له أن يشهد به، لأنه لم يثبت النسب. وان سكت فله أن يشهد به، لأن السكوت فى النسب رضا بدليل أنه اذا بشر بولد فسكت عن نفيه لحقه نسبه.
ومن أصحابنا من قال: لا يشهد حتى ينكر الاقرار به مع السكوت.
وان رأى شيئا فى يد انسان مدة يسيرة جاز أن يشهد له باليد، ولا يشهد له بالملك.
وان رآه فى يده مدة طويلة يتصرف فيه.
جاز أن يشهد له باليد، وهل يجوز أن يشهد له بالملك؟ فيه وجهان:
أحدهما وهو قول أبى سعيد الاصطخرى رحمه الله تعالى: أنه يجوز، لأن اليد والتصرف يدلان على الملك.
والثانى وهو قول أبى اسحاق رحمه الله تعالى: أنه لا يجوز أن يشهد له بالملك، لأنه قد تكون اليد والتصرف عن ملك، وقد تكون عن اجارة، أو وكالة، أو غصب، فلا يجوز أن يشهد له بالملك مع الاحتمال.
واختلف أصحابنا فى النكاح والعتق والوقف والولاء.
فقال أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله يجوز أن يشهد فيها بالاستفاضة، لأنه يعرف بالاستفاضة أن عائشة رضى الله تعالى عنها زوجة النبى صلى الله عليه وسلم، وأن نافعا مولى ابن عمر رضى الله عنه.
وقال أبو اسحاق رحمه الله: لا يجوز، لأنه عقد، فلا يجوز أن يشهد فيه بالاستفاضة كالبيع.
ويجوز أن يكون الأعمى شاهدا فيما يثبت بالاستفاضة لأن طريق العلم به السماع، والأعمى كالبصير فى السماع.
ويجوز أن يكون شاهدا فى الترجمة، لأنه يفسر ما سمعه بحضرة الحاكم وسماعه كسماع البصير.
ولا يجوز أن يكون شاهدا على الأفعال، كالقتل والغصب والزنا، لأن طريق العلم بها البصر.
ولا يجوز أن يكون شاهدا على الأقوال كالبيع والاقرار والنكاح والطلاق اذا كان المشهود عليه خارجا عن يده ..
وحكى عن المزنى رحمه الله تعالى أنه قال: يجوز أن يكون شاهدا فيما اذا عرف الصوت.
ووجهه أنه اذا جاز أن يروى الحديث اذا عرف المحدث بالصوت ويستمتع بالزوجة اذا عرفها بالصوت جاز أن يشهد اذا عرف المشهود عليه بالصوت.
وهذا خطأ لأن من شروط الشهادة العلم .. وبالصوت لا يحصل له العلم بالمتكلم، لأن الصوت يشبه الصوت ..
ويخالف رواية الحديث الاستمتاع بالزوجة، لأن ذلك يجوز بالظن وهو خبر الواحد ..
وأما اذا جاء رجل وترك فمه على أذنه وطلق أو أعتق أو أقر، ويد الأعمى على رأس الرجل فضبطه الى أن حضر عند الحاكم فشهد عليه بما سمعه منه قبلت شهادته، لأنه يشهد عن علم.
وان تحمل الشهادة على فعل أو قول وهو بصير، ثم عمى نظرت.
فان كان لا يعرف المشهود عليه الا بالعين وهو خارج عن يده لم تقبل شهادته عليه، لأنه لا علم له بمن يشهد عليه.
وان تحمل الشهادة ويده فى يده وهو بصير ثم عمى ولم تفارق يده يده حتى حضر الى الحاكم وشهد عليه قبلت شهادته، لأنه يشهد عليه عن علم.
وان تحمل بشهادة على رجل يعرفه بالاسم والنسب، وهو بصير، ثم عمى قبلت شهادته، لأنه يشهد على من يعلمه.
ومن شهد بالنكاح ذكر شروطه، لأن الناس يختلفون فى شروطه فوجب ذكرها فى الشهادة.
وان رهن رجل عبدا عند رجل بألف، ثم زاده ألفا آخر، وجعل العين رهنا بهما، وأشهد الشهود على نفسه أن العين رهن بألفين وعلم الشهود حال الرهن فى الباطن.
فان كانوا يعتقدون أنه لا يجوز الحاق الزيادة بالدين فى الرهن لم يجز أن يشهدوا الا بما جرى الأمر عليه فى الباطن.
وان كانوا يعتقدون أنه يجوز الحاق الزيادة بالدين فى الرهن ففيه وجهان.
أحدهما يجوز أن يشهدوا بأن العين رهن بألفين، لأنهم يعتقدون أنهم صادقون فى ذلك.
والثانى أنه لا يجوز أن يشهدوا الا بذكر ما جرى عليه الأمر فى الباطن لأن الاعتبار فى الحكم باجتهاد الحاكم دون الشهود.
ومن شهد بالرضاع وصف الرضاع وأنه ارتضع الصبى من ثديها أو من لبن حلب منها خمس رضعات متفرقات فى حولين لاختلاف الناس فى شروط الرضاع.
فان شهد أنه ابنها من الرضاع لم تقبل، لأن الناس يختلفون فيما يصير به ابنا من الرضاع.
وان رأى امرأة أخذت صبيا تحت ثيابها وأرضعته لم يجز أن يشهد بالرضاع، لأنه يجوز أن يكون قد أعدت شيئا فيه لبن من غيرها على هيئة الثدى فرأى الصبى يمص فظنه ثديها.
ومن شهد بالجناية ذكر صفتها.
فان قال: ضربه بالسيف فمات أو قال ضربه بالسيف فوجدته ميتا لم يثبت القتل بشهادته لجواز أن يكون مات من غير ضربه.
وان قال: ضربه بالسيف فمات منه أو ضربه فقتله ثبت القتل بشهادته.
وان قال ضربه بالسيف فانهر دمه فمات مكانه ثبت القتل بشهادته على المنصوص، لأنه اذا أنهر دمه فمات علم أنه مات من ضربه.
فان قال ضربه فأوضح أو قال ضربه
بالسيف فوجد منه موضحا لم تثبت الموضحة بشهادته.
وان قال ضربه فأوضحه ثبتت الموضحة بشهادته لأنه أضاف الموضحة اليه.
وان قال: ضربه فسال دمه لم تثبت الدامية بالشهادة، لجواز أن يكون سيلان الدم من غير الضرب.
وان قال ضربه فأسال دمه ومات قبلت شهادته فى الدامية، لأنه أضافها اليه، ولا تقبل فى الموت لأنه يحتمل أن يكون الموت من غيره.
وان قال ضربه بالسيف فأوضحه فوجدت فى رأسه موضحتان، لم يجز القصاص، لأنا لا نعلم على أى الموضحتين شهد.
ويجب أرش موضحة لأن الجهل بعينها ليس بجهل لأنه قد أوضحه.
ومن شهد بالزنا ذكر الزانى ومن زنى بها لأنه قد يراه على بهيمة فيعتقد أن ذلك زنا، والحاكم لا يعتقد أن ذلك زنا أو يراه على زوجته أو جارية ابنه فيظن أنه زنا.
ويذكر صفة الزنا فان لم يذكر أنه أولج ذكره فى فرجها لم يحكم به لأن زيادا لما شهد على المغيرة عند عمر رضى الله عنه ولم يذكر ذلك لم يقم الحد على المغيرة.
فان لم يذكر الشهود ذلك سألهم الامام عنه.
فان شهد ثلاثة بالزنا ووصفوا الزنا وشهد الرابع ولم يذكر الزنا لم يجب الحد على المشهود عليه لأن البينة لم تستكمل ولم يحد الرابع حد القذف، لأنه لم يشهد بالزنا.
وهل يجب الحد على الثلاثة؟. فيه قولان.
وان شهد أربعة بالزنا، وفسر ثلاثة منهم الزنا، وفسر الرابع بما ليس بزنا لم يحد المشهود عليه، لأنه لم تكتمل البينة، ويجب الحد على الرابع قولا واحدا لأنه قذفه بالزنا ثم ذكر ما ليس بزنا.
وهل يحد الثلاثة على القولين؟
فان شهد أربعة بالزنا ومات واحد منهم قبل أن يفسر وفسر الباقون بالزنا لم يجب عليه الحد على المشهود عليه لجواز أن يكون ما شهد به الرابع ليس بزنا.
ولا يجب على الشهود الباقين الحد، لجواز أن يكون ما شهد به الرابع زنا فلا يجب الحد مع الاحتمال.
ومن شهد بالسرقة ذكر السارق والمسروق منه والحرز والنصاب وصفة السرقة، لأن الحكم يختلف باختلافها فوجب ذكرها.
ومن شهد بالردة بين ما سمع منه لاختلاف الناس فيما يصير به مرتدا فلم يجز الحكم قبل البيان كما لا يحكم بالشهادة على جرح المشهود قبل بيان الجرح.
وهل يجوز للحاكم أن يعرض للشهود بالتوقف فى الشهادة فى حدود الله تعالى فيه وجهان.
أحدهما أنه لا يجوز، لأن فيه قدحا فى الشهود.
والثانى أنه يجوز لأن عمر رضى الله تعالى عنه عرض لزياد فى شهادته على المغيرة فروى أنه قال: أرجو ألا يفضح الله تعالى على يديك أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنه يجوز أن يعرض للمقر بالتوقف فجاز أن يعرض للشاهد.
شروط الشاهد:
جاء فى مغنى المحتاج
(1)
: وشروط الشاهد أن يكون مسلما ولو بالتبعية فلا تقبل شهادة الكافر لا على مسلم ولا على كافر مثله.
خلافا لأبى حنيفة فى قبوله شهادة الكافر على الكافر.
وخلافا لأحمد فى قبوله شهادة الكافر على المسلم فى الوصية فى السفر، وذلك لقوله تعالى:«وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» والكافر ليس بعدل وليس منا. ولأنه أفسق الفساق ويكذب على الله تعالى فلا يؤمن الكذب منه على خلقه.
وأن يكون حرا ولو بالدار. فلا تقبل شهادة رقيق خلافا لأحمد ولو مبعضا أو مكاتبا لأن أداء الشهادة فيه معنى الولاية وهو مسلوب منها.
وأن يكون مكلفا فلا تقبل شهادة مجنون بالاجماع ولا شهادة صبى، لقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» }.
والصبى ليس من الرجال.
وأن يكون عدلا. فلا تقبل الشهادة من فاسق لقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ»
وأن يكون ذا مروءة وهى الاستقامة، لأن من لا مروءة له لا حياء له ومن لا حياء له قال ما شاء، لقوله صلى الله عليه وسلم «اذا لم تستح فاصنع ما شئت» .
(1)
مغنى المحتاج ج 4 ص 392، ص 393 الطبعة السابقة.
وغير متهم فى شهادة لقوله تعالى «ذلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهادَةِ، وَأَدْنى أَلاّ تَرْتابُوا» والريبة حاصلة بالتهم.
ولما روى الحاكم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تجوز شهادة ذى الظنة ولا ذى الأحنة والظنة التهمة والأحنة العداوة.
وأن يكون ناطقا فلا تقبل شهادة الأخرس وان فهمت اشارته.
وأن يكون يقظا كما قاله صاحب التنبيه والجرجانى وغيرهم.
وأن لا يكون محجورا عليه لسفه.
من تقبل شهادته ومن لا تقبل
جاء فى المهذب
(1)
: ولا تقبل شهادة الصبى.
ولا شهادة المغفل الذى يكثر منه الغلط، لأنه لا يؤمن أن يغلط فى شهادته.
وتقبل الشهادة ممن يقل منه الغلط لأن أحدا لا ينفك من الغلط.
واختلف أصحابنا فى شهادة الأخرس.
فمنهم من قال تقبل، لأن اشارته كعبارة الناطق فى نكاحه وطلاقه فكذلك فى الشهادة.
ومنهم من قال لا تقبل لأن اشارته أقيمت مقام العبارة فى موضع الضرورة وهو فى النكاح والطلاق لأنها لا تستفاد الا من جهته ولا ضرورة بنا الى شهادته، لأنها تصح من غيره بالنطق فلا تجوز باشارته ..
ولا تقبل شهادة العبد ولا الكافر ولا الفاسق.
فان ارتكب كبيرة كالغصب والسرقة والقذف وشرب الخمر فسق وردت شهادته سواء فعل ذلك مرة أو تكرر منه.
والدليل على ذلك قول الله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ» }.
وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم من قوله - لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذى غمز على أخيه فورد النص فى القذف والزنا وقسنا عليهما سائر الكبائر. وأن تجنب الكبائر وأرتكب الصغائر فان كان ذلك نادرا لم يفسق ولم ترد شهادته.
وان كان ذلك غالبا فى أفعاله فسق ورد فى شهادته، لأنه لا يمكن رد شهادته بالقليل من الصغائر، لأنه لا يوجد من يمحض الطاعة ولا يخلطها بمعصية.
(1)
المهذب ج 2 ص 324 وما بعدها الطبعة السابقة.
ولا تقبل شهادة من لا مروءة له كالقوال والرقاص ومن يأكل فى الأسواق ويمشى مكشوف الرأس فى موضع لاعادة له فى كشف الرأس فيه، لأن من ترك المروءة لم يؤمن أن يشهد بالزور.
واختلف أصحابنا فى أصحاب الصنائع الدنيئة اذا حسنت طريقتهم فى الدين كالكناس والزبال والنخال والحجام والمقيم بالحمام.
فمنهم من قال لا تقبل شهادتهم لدناءتهم ونقصان مروءتهم.
ومنهم من قال: تقبل شهادتهم لقوله تعالى «إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ» ولأن هذه صناعات مباحة بالناس اليها حاجة فلم ترد بها الشهادة ..
ويكره اللعب بالشطرنج لأنه لعب لا ينتفع به فى الدين ولا تدعو اليه حاجة، ولا يحرم لأنه روى أن بعض الصحابة وبعض التابعين كان يلعبه.
ومن لعبه من غير عوض ولم يترك فرضا ولا مروءة لم ترد شهادته.
ومن لعبه على مال فان كان المال من الطرفين يأخذه الغالب كان قمارا تسقط به العدالة وترد به الشهادة لقوله تعالى:
«إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ» والميسر القمار.
وان كان المال من طرف واحد فلا يكون قمارا ولا ترد به الشهادة ولكن لا يجوز بذل العوض فيه. وان اشتغل به عن الصلاة فى وقتها فان لم يكثر ذلك لم ترد به الشهادة وان كثر ردت به.
وان ترك فيه المروءة بأن لعب به على الطريق أو تكلم فى لعبه بما يسخف من الكلام أو اشتغل به بالليل والنهار ردت شهادته لترك المروءة.
ويحرم اللعب بالنرد وترد به الشهادة.
وقال أبو اسحاق هو كالشطرنج.
وهو خطأ لقول النبى صلى الله عليه وسلم من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله.
ويجوز اتخاذ الحمام وحكمه فى رد الشهادة كحكم الشطرنج.
ومن شرب قليلا من النبيذ لم يفسق ولم ترد شهادته.
ومن أصحابنا من قال: ان كان يعتقد تحريمه فسق وردت شهادته.
والمذهب الأول، لأن استحلال الشئ أعظم من فعله.
ويكره الغناء وسماعه من غير آلة مطربة، لما روى ابن مسعود أن النبى صلى الله عليه
وسلم قال: الغناء ينبت النفاق فى القلب كما ينبت الماء البقل.
ولا يحرم لما روت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها قالت: كان عندى جاريتان تغنيان فدخل أبو بكر رضى الله تعالى عنه فقال: مزمار الشيطان فى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعهما فانها أيام عيد.
فان غنى لنفسه أو سمع غناء جاريته ولم يكثر منه لم ترد شهادته - أما اذا أكثر من الغناء أو اتخذه صنعة يغشاه الناس للسماع.
أو يدعى الى المواضع ليغنى ردت شهادته لأنه سفه وترك للمروءة.
وكذا اذا اتخذ جارية ليجمع الناس لسماعها.
وأما الحداء فهو مباح.
ويحرم استعمال الآلات التى تطرب من غير غناء كالعود والطنبور والمعزفة والطبل والمزمار
ويجوز ضرب الدف فى العرس والختان دون غيرها.
وما قيل بكراهته واباحته فهو كالشطرنج فى رد الشهادة وقد تقدم حكمه.
ومن شهد بالزور فسق وردت شهادته، لأنها من الكبائر لقول النبى صلى الله عليه وسلم عدلت شهادة الزور الا شرك بالله ثلاث مرات، وقوله: شاهد الزور لا يزول قدماه حتى يتبوأ مقعده من النار:
والخطأ فى الشهادة ليس من شهادة الزور.
ولا تقبل شهادة من يجر لنفسه نفعا أو يدفع عنها ضررا بشهادته .. لقول النبى صلى الله عليه وسلم «لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى احنة - والظنين المتهم - والجار الى نفسه نفعا والدافع عنها ضررا متهمان.
فان شهد المولى لمكاتبه لم تقبل، لأنه يثبت لنفسه حقا، لأن مال المكاتب يتعلق به حق المولى.
وان شهد الوصى لليتيم والوكيل للموكل فيما فوض النظر فيه اليه لم تقبل، لأنهما يثبتان لأنفسهما حق المطالبة والتصرف.
وان وكله فى شئ ثم عزله لم يشهد فيما كان النظر فيه اليه.
فان كان قد خاصم فيه لم تقبل شهادته
وان لم يكن قد خاصم فيه ففيه وجهان.
أحدهما تقبل، لأنه لا يلحقه تهمة.
والثانى لا تقبل، لأنه بعقد الوكالة يملك الخصومة فيه ..
وان شهد الغريم لمن له عليه دين، وهو محجور عليه بالفلس، لم تقبل شهادته، لأنه يتعلق حقه بما يثبت له بشهادته ..
وان شهد له لمن له عليه دين وهو موسر قبلت شهادته، لأنه لا يتعين حقه فيما شهد به.
وان شهد له وهو معسر قبل الحجر ففيه وجهان.
أحدهما لا تقبل، لأنه يثبت له حق المطالبة.
والثانى تقبل، لأنه لا يتعلق بما يشهد له به حق.
ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وإن سفلوا.
ولا شهادة الأولاد للوالدين وإن علوا.
وقال المزنى وأبو ثور تقبل. ووجهه قوله تعالى: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» }.
فعمم ولم يخصص ولأنهم كغيرهم فى العدالة فكانوا كغيرهم فى الشهادة. وهذا خطأ، لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى أحنة. والظنين المتهم.
وهذا متهم لأنه يميل اليه ميل الطبع - وقد وردت الأحاديث بما يدل على أن الولد بضعة من الوالد. والآية نخصها بما ورد فى ذلك.
وكونه كغيره فى العدالة يبطل بعدم قبول شهادته لنفسه مع أنه كغيره فى العدالة.
وتقبل شهادة أحدهما على الآخر فى جميع الحقوق.
ومن أصحابنا من قال: لا تقبل شهادة الولد على الوالد فى إيجاب القصاص وحد القذف لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه فلا يلزمه ذلك بقوله.
والمذهب الأول، لأنه إنما ردت شهادته له للتهمة ولا تهمة فى شهادته عليه ..
ومن عدا الوالدين والأولاد من الأقارب كالأخ والعم وغيرهما تقبل شهادة بعضهم لبعض لأنه لم يجعل نفس أحدهما لنفس الآخر فى العتق ولا ماله كماله فى النفقة.
وان شهد
(1)
رجلان على رجل أنه جرح أخاهما وهما وارثاه قبل الاندمال لم تقبل
(1)
المهذب فى فقه مذهب الامام الشافعى للشيخ الامام الزاهد الموفق أبى اسحاق ابراهيم ابن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 329، ص 330 وبهامشة النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب للعلامة محمد ابن أحمد بن بطال الركبى طبع بمطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1276 هـ بمصر.
لأنه قد يسرى الى نفسه، فيجب الدم به لهما.
وان شهدا له بمال وهو مريض ففيه وجهان أحدهما وهو قول أبى اسحاق:
أنه لا تقبل شهادتهما، لأنهما متهمان لأنه قد يموت فيكون المال لهما، فلم تقبل، كما لو شهدا بالجراحة.
والثانى وهو قول أبى الطيب بن سلمة:
أنه تقبل، لأن الحق يثبت للمريض، ثم ينتقل بالموت اليهما، وفى الجنابة اذا وجبت الدية وجبت لهما، لأنها تجب بموته فلم تقبل.
وان شهدا له بالجراحة وهناك ابن قبلت شهادتهما، لأنهما غير متهمين.
وان مات الابن وصار الاخوان وارثين نظرت.
فان مات الابن بعد الحكم بشهادتهما لم تسقط الشهادة، لأنه حكم بها.
وان مات قبل الحكم بشهادتهما سقطت الشهادة كما لو فسقا قبل الحكم.
وان شهد المولى على غريم مكاتبه، والوصى على غريم الصبى، أو الوكيل على غريم الموكل بالابراء من الدين، أو بفسق شهود الدين، لم تقبل الشهادة لأنه دفع بالشهادة عن نفسه ضررا، وهو حق المطالبة.
وان شهد شاهدان من عاقلة القاتل بفسق شهود القتل.
فان كانا موسرين لم تقبل شهادتهما، لأنهما يدفعان بهذه الشهادة عن أنفسهما ضررا وهو الدية.
وان كانا فقيرين فقد قال الشافعى رضى الله تعالى عنه ردت شهادتهما.
وقال فى موضع آخر: اذا كان من أباعد العصبات بحيث لا يصل العقل اليهما حتى يموت من قبلهما قبلت شهادتهما.
فمن أصحابنا من نقل جواب أحداهما الى الأخرى وجعلهما على قولين.
أحدهما أنه تقبل، لأنهما فى الحال لا يحملان العقل.
والثانى أنه لا تقبل، لأنه قد يموت القريب قبل الحول ويوسر الفقير فيصيران من العاقلة.
ومنهم من حملهما على ظاهرهما فقال:
تقبل شهادة الأباعد، ولا تقبل شهادة القريب الفقير، لأن القريب معدود فى العاقلة واليسار يعتبر عند الحول، وربما يصير موسرا عند الحول، والبعيد غير معدود فى العاقلة، وانما يصير من العاقلة اذا مات الأقرب.
وتقبل شهادة أحد الزوجين للآخر ولا تقبل شهادة الزوج على الزوجة فى الزنا لأن شهادته دعوى خيانة فى حقه فلم تقبل كشهادة المودع على المودع بالخيانة فى الوديعة، ولأنه خصم لها فيما يشهد به فلم تقبل.
ولا تقبل شهادة العدو على عدوه لقوله صلى الله عليه وسلم: لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذى أحنة وذو الاحنة هو العدو ولأنه متهم فى شهادته بسبب منهى عنه، فلم تقبل شهادته.
ومن ردت شهادته
(1)
بمعصية فتاب قبلت شهادته، لقول الله تبارك وتعالى:
والتوبة توبتان، توبة فى الباطن، وتوبة فى الظاهر.
فأما التوبة فى الباطن فهى ما بينه وبين الله عز وجل فينظر فى المعصية فان لم يتعلق بها مظلمة لآدمى ولا حد لله تعالى كالاستمتاع بالأجنبية فيما دون الفرج منها فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود الى مثلها والدليل عليه قول الله عز وجل «وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلى ما فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ» أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ»
(3)
.
فان تعلق بها حق آدمى فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود الى مثلها وأن يبرأ من حق الآدمى أما أن يؤديه أو يسأله حتى يبرئه منه، لما روى ابراهيم النخعى أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه رأى رجلا يصلى مع النساء فضربه بالدرة، فقال الرجل والله لئن كنت أحسنت فقد ظلمتنى، وان كنت أسأت فما علمتنى، فقال عمر اقتص قال: لا أقتص، قال فاعف قال لا أعفو فافترقا على ذلك ثم لقيه عمر من الغد فتغير لون عمر، فقال له الرجل يا أمير المؤمنين أرى ما كان منى قد أسرع فيك قال أجل قال فأشهد أنى قد عفوت عنك.
وان لم يقدر على صاحب الحق نوى أنه ان قدر أوفاه حقه وان تعلق بالمعصية حد لله تعالى كحد الزنا والشرب.
فان لم يظهر ذلك، فالأولى أن يستره على نفسه، لقوله عليه الصلاة والسلام
(1)
انظر كتاب المهذب فى فقه الامام الشافعى رضى الله تعالى عنه للشيخ الامام الزاهد الموفق أبى العباس ابراهيم بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وقد وضع بأسفل النظم المستعذب شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد ج 2 ص 330، 331، 332 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 4 من سورة النور.
(3)
الآية رقم 135 من سورة آل عمران.
من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله تعالى.
فان أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله.
وان أظهره لم يأثم، لأن ما عزا والغامدية اعترفا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنا فرجمهما، ولم ينكر عليهما.
وأما التوبة فى الظاهر، وهى التى تعود بها العدالة والولاية، وقبول الشهادة فينظر فى المعصية.
فان كانت فعلا كالزنا والسرقة لم يحكم بصحة التوبة، حتى يصلح عمله مدة، لقول الله تبارك وتعالى «إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا» }.
وقدر أصحابنا المدة بسنة، لأنه لا تظهر صحة التوبة فى مدة قريبة، فكانت أولى المدد بالتقدير سنة، لأنه تمر فيها الفصول الأربعة التى تهيج فيها الطبائع، وتغير فيها الاحوال.
وأن كانت المعصية بالقول.
فان كانت ردة فالتوبة منها، أن يظهر الشهادتين.
وان كانت قذفا فقد قال الشافعى رحمه الله تعالى: التوبة منه اكذابه نفسه.
واختلف أصحابنا فيه.
فقال أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله تعالى هو أن يقول: كذبت فيما قلت، ولا أعود الى مثله.
ووجهه ما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: توبة القاذف اكذابه نفسه.
وقال أبو اسحاق وأبو على بن أبى هريرة رضى الله تعالى عنهما: هو أن يقول:
قذفى له كان باطلا، ولا يقول: أنى كنت كاذبا لجواز أن يكون صادقا فيصير بتكذيبه نفسه عاصيا كما كان بقذفه عاصيا.
ولا تصح التوبة منه الا باصلاح العمل على ما ذكرناه فى الزنا والسرقة.
فاما اذا شهد عليه بالزنا ولم يتم العدد.
فان قلنا أنه لا يجب عليه الحد فهو على عدالته، ولا يحتاج الى التوبة.
وان قلنا أنه يجب عليه الحد وجبت التوبة، وهو أن يقول ندمت على ما فعلت، ولا أعود الى ما أتهم به.
فاذا قال هذا عادت عدالته، ولا يشترط فيه اصلاح العمل، لأن عمر
رضى الله عنه قال لأبى بكرة تب أقبل شهادتك.
وان لم يتب لم تقبل شهادته، ويقبل خبره لأن أبا بكرة ردت شهادته وقبلت أخباره.
وان كانت معصية بشهادة زور فالتوبة منها أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود الى مثله.
ويشترط فى صحة توبته اصلاح العمل على ما ذكرناه.
وأن شهد صبى أو عبد أو كافر لم تقبل شهادته.
فان بلغ الصبى، أو أعتق العبد، أو أسلم الكافر، وأعاد تلك الشهادة، لم تقبل.
وقال المزنى وأبو ثور رحمهما الله تعالى تقبل، كما تقبل من الصبى اذا بلغ، والعبد اذا أعتق، والكافر اذا أسلم.
وهذا خطأ، لأن هؤلاء لا عار عليهم فى رد شهادتهم، فلا يلحقهم تهمة فى اعادة الشهادة بعد الكمال، والفاسق عليه عار فى رد شهادته فلا يؤمن أن يظهر التوبة لازالة العار، فلا تنفك شهادته من التهمة.
وأن شهد المولى لمكاتبه بمال فردت شهادته، ثم أدى المكاتب مال الكتابة وعتق، وأعاد المولى الشهادة له بالمال فقد قال: أبو العباس فيه وجهان:
أحدهما: أنه تقبل لأن شهادته لم ترد بمعرة.
وانما ردت لأنه ينسب لنفسه حقا بشهادته وقد زال هذا المعنى بالعتق.
والثانى أنها لا تقبل وهو الصحيح، لأنه ردت شهادته للتهمة، فلم تقبل اذا أعادها، كالفاسق اذا ردت شهادته، ثم تاب، وأعاد الشهادة.
وأن شهد رجل على رجل أنه قذفه وزوجته فردت شهادته، ثم عفا عن قذفه وحسنت الحال بينهما، ثم أعاد الشهادة للزوجة، لم تقبل شهادته، لأنها شهادة ردت للتهمة، فلم تقبل وان زالت التهمة، كالفاسق اذا ردت شهادته ثم تاب وأعاد الشهادة.
وان شهد لرجل أخوان له بجراحة لم تندمل، وهما وارثان له فردت شهادتهما، ثم اندملت الجراحة فأعاد الشهادة ففيه وجهان.
أحدهما أنه تقبل، لأنها ردت للتهمة وقد زالت التهمة.
والثانى وهو قول أبى اسحاق وظاهر المذهب أنها لا تقبل لأنها شهادة ردت
للتهمة فلم تقبل كالفاسق اذا ردت شهادته ثم تاب وأعاد.
مذهب الحنابلة:
تعريف الشهادة وحكمها:
الشهادة هى الاخبار بما علمه بلفظ خاص وهى حجة شرعية تظهر الحق ولا توجبه.
وتطلق على التحمل والأداء.
وتحملها فى غير حق الله تعالى فرض كفاية.
واذا تحملها وجبت كتابتها، ويتأكد ذلك فى حق ردئ الحفظ.
وأداؤها فرض عين.
وان قام بالفرض فى الحمل والأداء اثنان سقط عن الجميع.
وان امتنع الكل أثموا جميعا.
شروط وجوب التحمل والأداء.
ويشترط فى وجوب التحمل والأداء أن يدعى اليهما من تقبل شهادته ويقدر عليهما بلا ضرر يلحقه فى بدنه أو ماله أو أهله أو عرضه. ولا تبذل فى التزكية.
ويختص الاداء بمجلس الحكم.
ومن تحملها أو رأى فعلا أو سمع قولا بحق لزمه أداؤها على القريب والبعيد فيما دون مسافة القصر. والنسب وغيره سواء.
ولو أدى شاهد وأبى الآخر وقال للمدعى - احلف أنت بدلى - أثم.
ولو دعى فاسق الى تحملها فله الحضور ولو مع وجود غيره، لأن التحمل لا يعتبر له العدالة.
ومن شهد مع ظهور فسقه لم يعذر، لأنه لا يمنع صدقه فدل أنه لا يحرم أداء الفاسق ولا يضمن.
ويسن الاشهاد فى كل عقد سوى النكاح فان الاشهاد فيه واجب.
ما يعتبر فى الشهادة
ويحرم أخذ أجرة وجعل عليها تحملا وأداء ولو لم تتعين عليه.
ولكن أن عجز عن المشى أو تأذى به فله أخذ أجرة مركوب من رب الشهادة.
وفى الرعاية: وكذا مزك ومعرف ومترجم ومفت ومقيم حد وقود. وحافظ مال بيت المال ومحتسب والخليفة. ولا يقيمها على مسلم بقتل كافر.
ويباح لمن عنده شهادة بحد لله تعالى اقامتها من غير تقدم دعوى ولا تستحب.
ولا تجوز الشهادة بحد قديم.
وللحاكم أن يعرض للشهود بالوقف عنها فى حق الله تعالى كتعريضه للمقر ليرجع.
ومن عنده شهادة لآدمى يعلمها لم يقمها حتى يسأله ولا يقدح فيه كشهادة حسبة، ويقيمها بطلبه ولو لم يطلبها حاكم ونحوه، فان لم يعلمها استحب له اعلامه، فان سأله أقامها ولو لم يطلبها حاكم، ويحرم كتمانها.
ولا يجوز للشاهد أن يشهد الا بما يعلمه برؤية أو سماع غالبا، لجوازه ببقية الحواس قليلا.
فالرؤية تختص بالافعال كالقتل والغصب والسرقة وشرب الخمر والرضاع والولادة ونحو ذلك.
فان جهل حاضرا جاز أن يشهد فى حضرته لمعرفة عينه.
وان كان غائبا فعرفه ممن يسكن اليه جاز أن يشهد ولو على امرأة.
وان لم تتعين معرفتها لم يشهد مع غيبتها.
ويجوز أن يشهد على عينها اذا عرف عينها ونظر الى وجهها.
وقال أحمد لا يشهد على امرأة حتى ينظر الى وجهها.
وهذا محمول على الشهادة على من لم يتيقن معرفتها.
فأما من تيقن معرفتها وعرف صوتها يقينا فيجوز.
وقال أحمد أيضا: لا يشهد على امرأة الا باذن زوجها.
وهذا يحتمل أنه لا يدخل عليها بيتها الا باذن زوجها.
ولا تعتبر اشارته الى المشهود عليه الحاضر مع نسبه ووصفه.
وان شهد باقرار لم يعتبر ذكر سببه كباستحقاق مال. ولا قوله طوعا فى صحته مكلفا عملا بالظاهر.
وان شهد بسبب يوجب الحق أو استحقاق غيره - ذكره.
والسماع ضربان: سماع من المشهود عليه كالطلاق والعتاق والاقرار والابراء والعقود وحكم الحاكم وانفاذه ونحوها.
فيلزمه أن يشهد بها على من سمعه وان لم يشهده به لاستحقاقه أو مع العلم به
واذا قال المتحاسبان: لا يشهد علينا الشهود بما يجرى بيننا لم يمنع ذلك الشهادة ولزوم اقامتها.
وسماع من جهة الاستفاضة فيما يتعذر علمه غالبا به وبها كالنسب والموت والملك المطلق والنكاح عقدا ودواما والطلاق والخلع وشرط الوقف ومصرفه والعتق والولاء والولاية والعزل وما أشبه ذلك فيشهد بالاستفاضة فى ذلك كله.
ولا يشهد بها الا عن عدد يقع العلم بخبرهم.
ولا يشترط هنا ما يشترط فى الشهادة على الشهادة ويكتفى بالسماع .. ويلزم الحكم بشهادة لم يعلم تلقيها من الاستفاضة.
وفى المغنى شهادة أصحاب المسائل شهادة استقاضة لا شهادة على شهادة.
وقال القاضى: الشهادة بالاستفاضة خبر لا شهادة. وتحصل بالنساء والعبيد.
وان سمع النساء فأقر بنسب أب أو ابن فصدقه المقر له جاز أن يشهد له به وان كذبه لم يجز له أن يشهد له به. وان سكت جاز أن يشهد.
ومن رأى شيئا فى يد انسان مدة طويلة يتصرف فيه تصرف الملاك من نقض وبناء واجارة واعارة ونحوها جاز أن يشهد له بالملك.
والورع أن لا يشهد الا باليد والتصرف خصوصا فى هذه الأزمنة.
ومن شهد بنكاح أو غيره من العقود فلا بد من ذكر شروطه.
وان شهد برضاع فلا بد من ذكر عدد الرضعات، وأنه شرب من ثديها، أو من لبن حلب منه فى الحولين، فلا يكفى أن يشهد أنه ابنها من الرضاع.
وان شهد بقتل احتاج أن يقول:
ضربه بسيف أو غيره أو جرحه فقتله أو مات من ذلك.
وان قال جرحه فمات لم يحكم به.
وان شهد بزنا ذكر المزنى بها وأين وكيف وفى أى زمان وأنه رأى ذكره فى فرجها.
وان شهد بسرقة ذكر السارق والمسروق منه والمال والنصاب وكيف سرق.
وان شهد بقذف اشترط ذكر المقذوف وصفة القذف وألفاظه. وما قيل فيه.
وان شهد أن هذا العبد ابن أمته أو هذه الثمرة من ثمرة شجرته لم يحكم بهما حتى يقولا: ولدته فى ملكه واثمرته فى ملكه.
وان شهدا أنه اشتراها من فلان أو أوقفها عليه أو أعتقها لم يحكم بها حتى يقولا: وهى ملكه.
وان شهدا أن هذا الغزل من قطنه أو الطائر من بيضه أو الدقيق من حنطته حكم له بها
لا أن شهدا ان هذه البيضة من طيره حتى يقولا: باضتها فى ملكه.
وان شهدا بأرث ميث وقالا: أنه وأرثه لا يعلمان له وارثا سواه حكم له بتركته سواء كانا من أهل الخبرة الفاطنة أولا ويعطى ذوى الفروض فروضهم كاملة.
وإن قالا: لا نعلم له وارثا غيره فى هذا البلد أو بأرض كذا فكذلك.
لا أن قالا: لا نعلم له وارثا فى البيت غيره.
ثم ان شهدا أن هذا وارثه شارك الأول.
وان شهدت بينة أن هذا ابنه لا وارث له غيره. وبينة أخرى لآخر ان هذا ابنه لا وارث له غيره ثبت نسبهما وقسم المال بينهما.
ولا ترد الشهادة على النفى بدليل المسألة المذكورة ومسألة الإعسار والبينة فيه.
وان كان النفى محصورا قبلت كقول الصحابى فطرح السكين وصلى ولم يتوضأ.
ولو شهد اثنان فى محفل على واحد أنه طلق أو أعتق قبل. وكذا لو شهدا على خطيب أنه قال أو فعل على المنبر فى الخطبة شيئا لم يشهد به غيرهما مع المشاركة فى الاجتماع والمشاهدة وفى سمع وبصر.
ولا يعارضه قولهم: اذا انفرد واحد فيما تتوفر الدواعى على نقله مع مشاركة خلق كثير رد.
وان شهدا أنه طلق أو أعتق أو أبطل من وصاياه واحدة ونسيا عينها لم يقبل.
وتصح شهادة مستخف، وشهادة من سمع الحاكم يحكم أو يشهد على حكمه وانفاذه ويلزمه أن يشهد بما سمع.
وان شهد أحد الشاهدين أنه أقر بقتله عمدا أو قتله عمدا. وشهد الآخر أنه أقر بقتله أو قتله وسكت ثبت القتل، وصدق المدعى عليه فى صفته.
وان شهدا بفعل متحد فى نفسه كاتلاف ثوب ونحوه، واختلفا فى صفة متعلقة به كلونه وآلة قتل مما يدل على تغاير الفعلين لم تكمل البينة.
فلو شهد أحدهما أنه غصب ثوبا أحمر وشهد الآخر أنه غصب ثوبا أبيض أو شهد أحدهما أنه غصب اليوم وشهد الآخر أنه غصب الأمس لم تكمل البينة.
وكذا لو شهد أنه تزوجها أمس والآخر أنه تزوجها اليوم.
أو شهد أحدهما أنه سرق مع الزوال كيسا أبيض وشهد آخر أنه سرق مع الزوال كيسا أبيض.
أو شهد أحدهما أنه سرق هذا الكيس غدوة وشهد آخر أنه سرق هذا الكيس عشية.
وكذا القذف اذا اختلف الشاهدان فى وقت قذفه. وان أمكن تعدده ولم يشهدا باتحاده فبكل شئ شاهد فيعمل بمقتضى ذلك ولا تنافى.
وان كان بدل كل شاهد بينة ثبتا هنا أن ادعاهما والا ما ادعاه .. وان كان الفعل مما لا يمكن تكراره كقتل رجل بعينه تعارضتا.
ولو كانت الشهادة على اقرار بفعل أو بغيره. ولو نكاحا أو قذفا جمعت.
فلو شهد أحدهما أنه أقر بألف أمس والآخر أنه أقر بألف اليوم أو شهد أحدهما أنه باعه داره أمس والآخر أنه باعه أياها اليوم. كملت وثبت البيع والاقرار.
وان شهد واحد بالفعل والآخر على اقراره به جمعت.
وأن شهد واحد بعقد نكاح أو قتل أو خطأ وآخر على اقراره لم تجمع، ولمدعى القتل أن يحلف مع أحدهما ويأخذ الدية.
ومتى جمعتا مع اختلاف وقت القتل أو الطلاق فالعدة والارث يليان آخر الوقتين.
وان شهد شاهد أنه أقر له بألف والآخر أنه أقر له بألفين أو شهد أحدهما أن له عليه ألفا والآخر أن له عليه ألفين.
كملت بينة الألف وثبت. وله أن يحلف مع شاهده على الألف الأخرى.
ولو شهدا بمائة وآخران بخمسين دخلت فيها الا مع ما يقتضى التعدد فيلزمانه.
ولو شهد واحد بألف من قرض وآخر بألف من ثمن مبيع لم تكمل.
ولو شهد واحد بألف وآخر بألف من قرض كملت.
وان شهدا أن له عليه ألفا ثم قال أحدهما قضاه بعضه بطلت شهادته.
وان شهد أنه أقرضه ألفا. ثم قال أحدهما: قضاه خمسمائة صحت شهادتهما بالألف.
واذا كانت له بينة بألف فقال أريد أن تشهدا لى بخمسمائة لم يجز اذا كان الحاكم لم يول الحكم فوقها.
شروط الشاهد
يعتبر فى الشاهد سبعة شروط:
أحدها أن يكون عاقلا، ولا تقبل شهادة من ليس بعاقل اجماعا قاله ابن المنذر، وسواء ذهب عقله بجنون أو سكر أو طفولية وذلك، لأنه ليس بمحصل، ولا تحصل الثقة بقوله، ولأنه لا يأثم بكذبه ولا يتحرز منه:
والثانى: أن يكون مسلما.
والثالث: أن يكون بالغا، فلا تقبل شهادة صبى لم يبلغ بحال، يروى هذا عن ابن عباس، وبه قال القاسم وسالم وعطاء ومكحول وابن أبى ليلى والأوزاعى والثورى والشافعى واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وأبو حنيفة وأصحابه.
وعن أحمد رحمه الله رواية أخرى أن شهادتهم تقبل فى الجراح اذا شهدوا قبل الافتراق عن الحالة التى تجارحوا عليها.
وهذا قول مالك، لأن الظاهر صدقهم وضبطهم.
فان تفرقوا لم تقبل شهادتهم، لأنه يحتمل أن يلقنوا.
قال ابن الزبير أن أخذوا عند مصاب ذلك فبالحرى أن يعقلوا ويحفظوا.
وعن الزهرى ان شهادتهم جائزة ويستحلف أولياء المشجوج وذكره عن مروان.
وعن أحمد رواية ثالثة ان شهادته تقبل اذا كان ابن عشر.
قال ابن حامد فعلى هذه الرواية تقبل شهادتهم فى غير الحدود والقصاص كالعبيد
وروى عن على رضى الله عنه ان شهادة بعضهم تقبل على بعض.
وروى ذلك عن شريح والحسن والنخعى.
قال ابراهيم كانوا يجيزون شهادة بعضهم على بعض فيما كان بينهم.
قال المغيرة وكان أصحابنا لا يجيزون شهادتهم على رجل ولا على عبد.
وروى الامام أحمد باسناده عن مسروق قال: كنا عند على فجاءه خمسة غلمة فقالوا: أنا كنا ستة غلمة نتغاط فغرق منا غلام فشهد الثلاثة على الاثنين أنهما غرقاه وشهد الاثنان على الثلاثة أنهم غرقوه فجعل على الاثنين ثلاثة أخماس الدية، وجعل على الثلاثة خمسيها وقضى نحو هذا مسروق.
والمذهب أن شهادتهم لا تقبل فى شئ لقول الله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» وقال - واشهدوا ذوى عدل منكم - وقال ممن ترضون من الشهداء - والصبى ممن لا يرضى، وقال - ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فانه آثم قلبه» فأخبر أن الشاهد الكاتم لشهادته آثم، والصبى لا يأثم فيدل على أنه ليس بشاهد ولان الصبى لا يخاف من مأثم الكذب فيزعه عنه ويمنعه منه فلا تحصل الثقة بقوله ولأن من لا يقبل قوله على نفسه فى الاقرار لا تقبل شهادته على غيره كالمجنون يحقق هذا ان الاقرار أوسع، لأنه يقبل من الكافر والفاسق والمرأة، ولا تصح الشهادة منهم، ولأن من لا تقبل شهادته فى المال لا تقبل فى الجراح كالفاسق، ومن لا تقبل شهادته على من ليس بمثله لا تقبل على مثله كالمجنون.
الشرط الرابع: العدالة لقول الله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» ولا تقبل شهادة الفاسق لذلك ولقول الله تعالى «إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا» فأمر بالتوقف عن نبأ الفاسق والشهادة نبأ فيجب التوقف عنه.
وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «ولا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا محدود فى الاسلام ولاذى غمر على أخيه» رواه أبو عبيد.
وكان أبو عبيد لا يراه خص بالخائن والخائنة أمانات الناس بل جميع ما افترض الله تعالى على العباد القيام به أو اجتنابه من صغير ذلك وكبيره قال الله تعالى «إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ» الآية.
وروى عن عمر رضى الله عنه أنه قال لا يؤسر رجل بغير العدول، ولأن دين الفاسق لم يزعه من ارتكاب محظورات الدين فلا يؤمن أن لا يزعه عن الكذب فلا تحصل الثقة بخبره.
اذا تقرر هذا فالفسوق نوعان:
أحدهما: من حيث الأفعال فلا نعلم خلافا فى رد شهادته.
والثانى: من جهة الاعتقاد وهو اعتقاد البدعة فيوجب رد الشهادة أيضا.
وبه قال مالك وشربك واسحاق وأبو عبيد وأبو ثور.
وقال شريك: أربعة لا تجوز شهادتهم.
(رافضى) يزعم أن له اماما مفترضة طاعته.
(خارجى) يزعم أن الدنيا دار حرب.
(وقدرى) يزعم أن المشيئة اليه.
(ومرجئ) ورد شهادة يعقوب وقال ألا أرد شهادة من يزعم أن الصلاة ليست من الايمان.
وقال أبو حامد من أصحاب الشافعى المختلفون على ثلاثة أضرب.
ضرب: اختلفوا فى الفروع فهؤلاء لا يفسقون بذلك، ولا ترد شهادتهم، وقد اختلف الصحابة فى الفروع ومن بعدهم من التابعين.
والثانى: من نفسقه ولا نكفره وهو من سب القرابة كالخوارج أو سب الصحابة كالروافض فلا تقبل لهم شهادة لذلك.
والثالث: من نكفره وهو من قال بخلق القرآن ونفى الرؤية وأضاف المشيئة الى نفسه فلا تقبل له شهادة.
وذكر القاضى أبو يعلى مثل هذا سواء وقال أحمد ما تعجبنى شهادة الجهمية والرافضة والقدرية المعلنة.
وظاهر قول الشافعى وابن أبى ليلى والثورى وابى حنيفة وأصحابه قبول شهادة أهل الأهواء.
وأجاز سوار شهادة ناس من بنى العنبر ممن يرى الاعتزال.
قال الشافعى: الا أن يكونوا ممن يرى الشهادة بالكذب بعضهم لبعض كالخطابية وهم أصحاب أبى الخطاب يشهد بعضهم لبعض بتصديقه.
ووجه قول من أجاز شهادتهم أنه اختلاف لم يخرجهم عن الاسلام أشبه الاختلاف فى الفروع، ولأن فسقهم لا يدل على كذبهم لكونهم ذهبوا الى ذلك تدينا واعتقادا أنه الحق ولم يرتكبوه عالمين بتحريمه بخلاف فسق الافعال.
وقال أبو الخطاب ويتخرج على قبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض أن الفسق الذى يتدين به من جهة الاعتقاد لا ترد الشهادة به.
وقد روى عن أحمد جواز الرواية عن القدرى اذا لم يكن داعية فكذلك الشهادة.
ولنا أنه أحد نوعى الفسق فترد به
الشهادة كالنوع الآخر، ولأن المبتدع فاسق فترد شهادته للآية والمعنى.
الشرط الخامس: أن يكون متيقظا حافظا لما شهد به فان كان مغفلا أو معروفا بكثرة الغلط لم تقبل شهادته.
الشرط السادس: أن يكون ذا مروءة.
الشرط السابع: انتفاء الموانع.
وظاهر كلام الخرقى أن شهادة البدوى على من هو من أهل القرية وشهادة أهل القرية على البدوى صحيحة اذا اجتمعت هذه الشروط، وهو قول ابن سيرين وأبى حنيفة والشافعى وأبى ثور واختاره أبو الخطاب.
وقال الامام أحمد أخشى أن لا تقبل شهادة البدوى على صاحب القرية، فيحتمل هذا أن لا تقبل شهادته، وهو قول جماعة من أصحابنا ومذهب أبى عبيد.
وقال مالك كقول أصحابنا فيما عدا الجراح وكقول الباقين فى الجراح احتياطا للدماء.
واحتج أصحابنا بما روى أبو داود فى سننه عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ولا تجوز شهادة بدوى على صاحب قرية، ولأنه متهم حيث عدل عن أن يشهد قرويا وأشهد بدويا.
وقال أبو عبيد ولا أرى شهادتهم ردت الا لما فيهم من الجفاء بحقوق الله تعالى والجفاء فى الدين.
ولنا أن من قبلت شهادته على أهل البدو قبلت شهادته على أهل القرية كأهل القرى.
ويحمل الحديث على من لم يعرف عدالته من أهل البدو ونخصه بهذا، لأن الغالب أنه لا يكون له من يسأله الحاكم فيعرف عدالته.
قال: والعدل من لم تظهر منه ريبة وهذا قول ابراهيم النخعى واسحاق.
وجملته ان العدل هو الذى تعتدل احواله، فى دينه وأفعاله.
قال القاضى يكون ذلك فى الدين والمروءة والأحكام.
أما الدين فلا يرتكب كبيرة ولا يداوم على صغيرة فان الله تعالى أمر أن لا تقبل شهادة القاذف فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة ولا يخرجه عن العدالة فعل صغيرة، لقول الله تعالى «الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ» قيل اللمم صغار الذنوب، ولأن التحرز منها غير ممكن.
قال أحمد: ولا تجوز شهادة آكل الربا والعاق وقاطع الرحم، ولا تقبل شهادة من لا يؤدى زكاة ماله.
واذا أخرج فى طريق المسلمين الاسطوانة والكنيف لا يكون عدلا، ولا يكون ابنه عدلا اذا ورث اباه، حتى يرد ما أخذه من طريق المسلمين.
ولا يكون عدلا اذا كذب الكذب الشديد، لأن النبى صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل فى كذبه.
وقال عن الزهرى عن عروة عن عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم: لا تجوز شهادة خائن، ولا خائنة، ولا مجلود فى حد، ولا ذى غمر على أخيه فى عداوة، ولا القاطع لأهل البيت، ولا مجرب عليه شهادة زور ولا ضنين فى ولاء ولا قرابة.
فأما الصغائر فان كان مصرا عليها ردت شهادته.
وان كان الغالب من أمره الطاعات لم يرد لما ذكرنا من عدم امكان التحرز منه.
وأما المروءة فاجتناب الأمور الدنيئة المزرية به وذلك نوعان:
أحدهما من الأفعال كالأكل فى السوق يعنى به الذى ينصب مائدة فى السوق ثم يأكل، والناس ينظرون ولا يعنى به أكل الشئ اليسير كالكسرة ونحوها.
وان كان يكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه أو يمد رجليه فى مجمع الناس أو يتمسخر بما يضحك الناس به أو يخاطب امرأته أو جاريته أو غيرهما بحضرة الناس بالخطاب الفاحش أو يحدث الناس بمباضعته أهله ونحو هذا من الأفعال الدنيئة ففاعل هذا لا تقبل شهادته، لأن هذا سخف ودناءة فمن رضيه لنفسه واستحسنه فليست له مروءة فلا تحصل الثقة بقوله.
قال أحمد فى رجل شتم بهيمة قال:
الصالحون لا تقبل شهادته حتى يتوب.
وقد روى أبو مسعود البدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى (اذا لم تستح فاصنع ما شئت) يعنى من لم يستح صنع ما شاء، ولأن المروءة تمنع الكذب وتزجر عنه، ولهذا يمتنع منه ذو المروءة وان لم يكن ذا دين.
وقد روى عن أبى سفيان أنه حين سأله قيصر عن النبى صلى الله عليه وسلم وصفته فقال: والله لولا أنى كرهت أن يؤثر على الكذب لكذبت، ولم يكن يومئذ ذا دين، ولأن الكذب دناءة والمروءة تمنع من الدناءة.
واذا كانت المروءة مانعة من الكذب اعتبرت فى العدالة كالدين.
ومن فعل شيئا من هذا مختفيا به لم يمنع من قبول شهادته، لأن مروءته لا تسقط به.
وكذلك ان فعله مرة أو شيئا قليلا لم ترد شهادته، لأن صغير المعاصى لا يمنع الشهادة اذا قل فهذا أولى ولأن المروءة لا تختل بقليل هذا ما لم يكن عادته.
النوع الثانى: فى الصناعات الدنيئة كالكساح والكناس لا تقبل شهادتهما لما روى سعيد فى سننه أن رجلا أتى ابن عمر فقال له أنى رجل كناس قال أى شئ تكنس؟ الزبل قال: لا. قال فالعذرة؟ قال: نعم قال: منه كسبت المال ومنه تزوجت ومنه حججت؟ قال نعم. قال:
الأجر خبيث وما تزوجت خبيث حتى تخرج منه وعن ابن عباس مثله فى الكساح، ولأن هذا دناءة يجتنبه أهل المروءات فأشبه الذى قبله.
فأما الزبال والقراد والحجام ونحوهم ففيه وجهان:
أحدهما: لا تقبل شهادتهم لأنه دناءة يجتنبه أهل المروءات فهو كالذى قبله.
الثانى: تقبل لأن بالناس اليه حاجة.
فعلى هذا الوجه انما تقبل شهادته اذا كان يتنظف للصلاة فى وقتها ويصليها فان صلى بالنجاسة لم تقبل شهادته وجها واحدا.
وأما الحائك والحارس والدباغ فهى أعلى من هذه الصنائع فلا ترد بها الشهادة وذكرها أبو الخطاب فى جملة ما فيه وجهان.
أما سائر الصناعات التى لا دناءة فيها فلا ترد الشهادة بها الا من كان منهم يحلف كذبا أو يعد ويخلف وغاب هذا عليه فان شهادته ترد.
وكذلك من كان منهم يؤخر الصلاة عن أوقاتها، أو لا يتنزه عن النجاسات فلا شهادة له.
ومن كانت صناعته محرمة كصانع المزامير والطنابير فلا شهادة له.
ومن كانت صناعته يكثر فيها الربا كالصائغ والصيرفى ولم يتوق ذلك ردت شهادته
(1)
.
من تقبل شهادته ومن لا تقبل
جاء فى الروض
(2)
المربع: لا تقبل شهادة الصبيان مطلقا ولو شهد بعضهم على بعض ولا تقبل شهادة مجنون ولا معتوه.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله ابن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع تأليف شمس الدين بن قدامة المقدسى ج 12 ص 27، 28، 29، 30، 31 و 32، 33، 34، 35 الطبعة الأولى سنة 1348 هـ مطبعة المنار بمصر.
(2)
الروض المربع ج 1 ص 374، ص 375 الطبعة السابقة.
وتقبل الشهادة ممن يجن أحيانا اذا تحمل وأدى فى حال افاقته، لأنها شهادة من عاقل.
ولا تقبل شهادة الأخرس ولو فهمت اشارته لان الشهادة تعتبر فيها.
اليقين، الا اذا أداها الأخرس بخطه فتقبل
ولا تقبل الشهادة من الكافر ولو على مثله، الا فى السفر على وصية مسلم أو كافر، فتقبل من رجلين كتابيين عند عدم غيرهما.
ولا تقبل الشهادة من مغفل، ولا معروف بكثرة سهو وغلط، لأنه لا تحصل الثقة لقوله:
ولا تقبل الشهادة الا من عدل.
ويعتبر للعدالة شيئان:
أحدهما الصلاح فى الدين وهو نوعان.
أحدهما أداء الفرائض أى الصلوات الخمس والجمعة بسننها الراتبة، فلا تقبل ممن داوم على تركها، لأن شهادته بالسنن يدل على عدم محافظته على أسباب دينه وكذلك ما وجب من صوم وزكاة وحج.
والشئ الثانى اجتناب المحارم بأن لا يأتى كبيرة ولا يصر على صغيرة.
والكبيرة ما فيه حد فى الدنيا أو وعيد فى الآخرة كأكل الربا ومال اليتيم وشهادة الزور وعقوق الوالدين.
والصغيرة ما دون ذلك من المحرمات كسب الناس بما دون القذف واستماع كلام النساء الأجانب على وجه التلذذ به والنظر المحرم.
ولا تقبل شهادة فاسق بفعل كزان.
وديوث أو اعتقاد كالرافضة والقدرية والجهمية ويكفر مجتهدهم الداعية. ومن أخذ بالرخص فسق.
ومما يعتبر للعدالة استعمال المروءة أى الانسانية، وهو أى استمعال المروءة فعل ما يجمله ويزينه عادة كالسخاء وحسن الخلق واجتناب ما يدنسه ويشتبه عادة من الأمور الدنيئة المزرية به.
فلا شهادة لمصانع ومتمسخر ورقاص ومغن وطفيلى ومتزى بزى يسخر منه.
ولا لمن يأكل بالسوق الا شيئا يسيرا كلقمة وتفاحة.
ولا لمن يمد رجله بمجمع من الناس أو ينام بين الجالسين ونحوه.
ومتى زالت الموانع من الشهادة، فبلغ الصبى، وعقل المجنون، وأسلم الكافر،
وتاب الفاسق، قبلت شهادتهم بمجرد ذلك، لعدم المانع لقبولها.
ولا تعتبر الحرية فتقبل شهادة عبد وأمة فى كل ما يقبل فيه حر وحرة.
وتقبل شهادة ذى صنعة دنيئة كحجام وحداد وزبال.
ولا تقبل شهادة عمودى النسب وهم الآباء وان علوا والأولاد وان سفلوا بعضهم لبعض.
ولا تقبل شهادة أحد الزوجين لصاحبه وتقبل الشهادة عليهم.
فلو شهد على أبيه أو ابنه أو زوجته أو شهدت عليه قبلت الا على زوجته بزنا.
ولا تقبل شهادة من يجر لنفسه نفعا كشهادة السيد لمكاتبه وعكسه والوارث بجرح مورثه قبل اندماله فلا تقبل. وتقبل له بدينه فى مرضه.
ولا من يدفع عن نفسه بشهادته ضرر كشهادة العاقلة بجرح شهود الخطأ أو الغرماء بجرح شهود الدين على المفلس والسيد بجرح من شهد على مكاتبه بدين ونحوه.
ولا تقبل شهادة عدو على عدوه كمن شهد على من قذفه أو قطع الطريق عليه والمجروح على الجارح ونحوه ومن سره مساءة شخص أو غمه فرحه فهو عدوه.
والعداوة فى الدين غير مانعة فتقبل شهادة مسلم على كافر وسنى على مبتدع.
وتقبل شهادة العدو لعدوه وعليه فى عقد نكاح.
ولا شهادة من عرف بعصبية وافراط حميه كتعصب قبيلة على قبيلة وان لم يبلغ رتبة العداوة.
مذهب الظاهرية:
حكم الشهادة:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى. وأداء الشهادة فرض على كل من علمها الا أن يكون عليه حرج فى ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو لضعف فى جسمه - فليبلغها فقط.
شروط الشهادة:
لا يجوز أن يقبل فى شئ من الشهادات من الرجال والنساء الا عدل رضى.
والعدل هو من لم تعرف له كبيرة ولا مجاهرة بصغيرة.
والكبيرة هى مما سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كبيرة أو ما جاء فيها الوعيد.
والصغيرة ما لم يأت فيها وعيد.
برهان ذلك قول الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» }.
ولا يجوز أن يقبل كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم حاشا الوصية فى السفر فقط. فإنه يقبل فى ذلك مسلمان أو كافران من أى دين كانا أو كافر وكافرتان أو أربع كوافر.
ويحلف الكفار مع شهادتهم ولا بد بعد الصلاة أى صلاة كانت.
والدليل على ذلك قول الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ» }.
وقوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ. لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ لَشَهادَتُنا أَحَقُّ مِنْ شَهادَتِهِما وَمَا اعْتَدَيْنا إِنّا إِذاً لَمِنَ الظّالِمِينَ}.
وشهادة العبد والأمة مقبولة فى كل شئ ليسيدهما ولغيره كشهادة الحر والحرة ولا فرق.
وكل عدل فهو مقبول لكل أحد وعليه كالأب والأم لابنهما ولأبيهما والابن والابنة للأبوين والأجداد والجدات. والجد والجدة لبنى بنيهما والزوج لامرأته والمرأة لزوجها.
وكذلك سائر الأقارب بعضهم لبعض كالأباعد ولا فرق.
ومن يشهد على عدوه نظر فان كانت تخرجه عداوته الى مالا يحل فهى جرحة فيه ترد شهادته لكل أحد وفى كل شئ.
وان كان لا تخرجه عداوته الى ما لا يحل فهو عدل يقبل عليه. وهذا قول أبى سليمان وأصحابنا.
ولا تقبل شهادة من لم يبلغ من الصبيان لا ذكورهم ولا اناثهم، ولا بعضهم على بعض، ولا على غيرهم، لا فى نفس ولا فى جراحة، ولا فى مال.
ولا يحل الحكم بشئ من ذلك لا قبل افتراقهم ولا بعد افتراقهم.
فان لم يعرف الحاكم الشهود سأل عنهم وأخبر الشهود عليه بمن شهد عليه.
وكلف المشهود له أن يعرفه بعد التهم وقال للمشهود عليه اطلب ما ترد به شهادتهم عن نفسك.
فان ثبتت عنده عدالتهم قضى بهم ولم يتردد.
وان جرحوا قبل الحكم لم يحكم بشهادتهم.
وان جرحوا عنده بعد الحكم بشهادتهم فسخ ما حكم به بشهادتهم، لأنه مفترض عليه رد خبر الفاسق وانفاذ شهادة العدل والتبيين فيما لا يدرى حتى يدرى.
وشهادة ولد الزنا جائزة فى الزنا وغيره ويلى القضاء وهو كغيره من المسلمين ولا يخبر أن يكون عدلا تقبل كسائر العدول أو غير عدل فلا يقبل فى شئ أصلا ولا نص فى التفريق بينه وبين غيره.
وتقبل الشهادة على الشهادة فى كل شئ يقبل فى ذلك واحد على واحد
(1)
.
مذهب الزيدية:
شروط صحة أداء الشهادة:
يشترط لصحة أداء الشهادة ستة شروط هى:
الأول: أن يكون أداؤها عند حاكم حكاه فى البيان فلا يصح أداؤها. الا عند الحاكم المعين من قبل من له حق تعيينه.
ويصح أداؤها عند غير الحاكم بأمره كأن يكون نائبا عنه وأذنه فى سماع الشهادة والحكم.
والثانى: لفظ أشهد والصيغة التى حددها الشارع للأداء فلا تصح الشهادة بالرسالة والكتابة لعدم اللفظ.
ولا بد مع لفظها من حسن الأداء لها بأن يكون بالفعل المضارع الحالى فيقول الشاهد أشهد أن فلانا أقر بكذا أو فعل كذا.
فان قال الشاهد - أعلم أو أتيقن أو معى شهادة أو عندى شهادة أن فلانا فعل كذا أو أقر بكذا لم يكن ذلك أداء صحيحا للشهادة.
وان لم يأت بها على الوجه الذى ذكر أعيدت على الوجه المشروع.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 293 ما بعدها مسألة رقم 1385 الطبعة السابقة.
واذا شهد أحد الشاهدين شهادة صحيحة شرعا. ثم قيل للثانى وأنت تشهد بما شهد به؟. فقال: أشهد بما شهد به أو قال: نعم صحت شهادته ولا يكون تلقينا.
الثالث: حصول ظن العدالة فى الشهود.
والمراد أنه لا يحكم بشهادة المتلبس مع عدم التعديل.
ومع التعديل لا يشترط ظن العدالة ولا ظن الكذب ما لم يعلم الجرح أو الكذب لا أن المراد أنه لا بد من ظن العدالة. والا يعدل من التبس حاله من الشهود لم تصح شهادته أى لم يكن للحاكم الحكم بها، فلو غلب فى ظنه صدق من لم يعدل أو يبلغ عدد الشهود حد التواتر الذى يوجب العلم فانه يعمل به فى كل شئ بشرط أن يستند الى المشاهدة.
وان رضى الخصم شهادة من ليس بعدل لم يعمل بشهادته اذا عرف الحاكم جرحه الا أن يقول الخصم: صدق بعد أداء شهادته فيعمل به من باب الاقرار لا من باب الشهادة.
وعلى الجملة اذا حضر الشهود لدى الحاكم فان كان يعرف عدالتهم بالخبرة أو بالشهرة قبل شهادتهم ولا مانع للخصم من جرحهم بالشهادة العادلة وان كان يعرف جرحهم. فان شاء منعهم وهو الأولى.
وان شاء سمع شهادتهم وألغاها.
وان التبس حالهم سمع شهادتهم ولا يعمل بها الا بعد تعديلهم ما لم يجرحهم الخصم بشهادة.
الرابع: حضور الخصم المدعى عليه عند أداء الشهادة أو حضور نائبه أما المدعى فلا يشترط حضوره بعد الدعوى وان لم يكن المدعى عليه حاضرا لا بنفسه ولا بنائبه أو وكيله أو وليه أو منصوب الحاكم لتفسيقه أو تمرده لم يحكم بالشهادة.
الخامس والسادس: شمول الدعوى للمشهود عليه وكون بينته غير مركبة واحضار المدعى به أن أمكن، لتقع الشهادة على متيقن فان تعذر كفى الوصف أثناء الشهادة.
ويجوز للحاكم لا لغيره - اذا اتهم الشهود بكذب أو اختلال عدالته أو محاباة - أن يحلفهم أن ما شهدوا به حق، فان نكلوا عن اليمين لم تقبل شهادتهم وترد الشهادة ولا يعمل بها. ولا حبس عليهم لنكولهم.
فان لم تحصل تهمة لم يكن للحاكم التحليف ان رأى صلاحا.
وكذلك يجوز للحاكم تفريقهم فى مجالس اذا رأى ذلك عند اقامة الشهادة على وجه الاحتياط ليشهد كل على انفراده بما معه ليعرف صدقهم، وهل تختلف شهادتهم أم لا.
اذ مع الاجتماع ربما يشهد الثانى بما نطق به الأول.
فاذا اختلفوا فى الشهادة لم يحكم بها الا فى شهادة زنا على الفعل، أو على الاقرار به فانهم لا يفرقون حيث جاءوا مجتمعين الا لمصلحة ..
ولا يسألون عن سبب ملك أو حق شهدوا به. بل اذا شهد الشهود بأن هذا الشئ ملك أو حق فلان كفى ذلك، وكان للحاكم أن يحكم بأنه ملكه أو حقه وان لم يسألهم عن سبب ملكه أو حقه لهذا الشئ.
قال فى البيان ما معناه: هذا اذا كان الشئ فى يده فان كان فى يد غيره فلا بد أن يقولوا فى شهادتهم ولا نعلمه خرج عن ملكه.
تحمل الشهادة وأداؤها والحكم فيهما:
يجب على نصاب متحمل الشهادة الأداء اذا طلب ذلك من له طلبه. قال فى الغيث:
التحمل بأن يسمع ويقصد التحمل. فان لم يقصد التحمل لم يجب عليه أداء الشهادة الا اذا خشى الفوت.
وقال فى البيان ما معناه «قد يكون التحمل واجبا، ومحظورا، ومندوبا، ومباحا، ومكروها، ومحظورا.
أما الواجب ففى النكاح وعند خشية فوت المال.
ولكن اذا كان الشهود أكثر من اثنين ففرض كفاية.
وان كانا اثنين ففرض عين.
واذا عين صاحب الحق اثنين من الجماعة ففى الأداء يتعين عليهما لا فى التحمل.
والمحظور فى الربا وطلاق البدعة والعبرة بمذهب المتعاقدين والزوجين.
وقد يكون مندوبا وهو فى البيع والمعاملات وفى الطلاق آكد لقوة الخلاف فيه.
وقد يكون مباحا وهو الزيادة على الشاهدين فى المعاملات ونحوها.
وقد يكون مكروها وهو فى العقود الفاسدة لا للربا ويستوى أن يكون المشهود له مسلما أو كافرا محترم الدم.
ويجب على الشاهد تكرار الشهادة فى كل وقت حتى يصل صاحبها الى حقه فى القطعى كنفقة الزوجة الصالحة للوط ء مع مصيرها الى بيت زوجها، وأنه ممتنع من أداء الحق ظلما فانه يجب أداء الشهادة فى القطعى مطلقا سواء ادعى الى حاكم بحق أم الى غيره ما لم يوهم أنه محق أو يؤدى ذلك الى اغرائه على فعل قبيح ولو بالمشهود عليه زائدا على استخلاص الحق، فان حصل ذلك حرمت الشهادة له.
واذا كانت الشهادة فى الحق الظنى كميراث ذوى الأرحام والأخ مع الجد ونفقة الزوجة
غير الصالحة للوط ء ونفقة الولد الصغير الغنى ونحو ذلك فلا يجب على الشاهد أداء الشهادة فى الظنى الى حاكم محق فقط، وهو من كملت فيه شروط القضاء، أما اذا كان جائرا فى نفسه لم يجز أداء الشهادة اليه.
وان طالب المشهود له بذلك سواء كان منصوبا من جهة الامام أو من جهة الظلمة لأن المنصوب من جهة الظلمة لا يكون له ولاية بل يكون كآحاد الناس ..
وأما اذا كان الحاكم عادلا لكنه منصوب من جهة الظلمة فينظر فى مذهب الحاكم.
فان كان لا يستجيز التولى منهم وتولى فلا حكم لتوليه ولا يجوز أداء الشهادة اليه الا أن يأخذ التولية تقية حال كونه معذورا عن الهجرة واعتماده فى الحكم على الصلاحية.
ولم يحصل تلبيس بأن هذا الذى أخذت الولاية منه محق - فان ولايته ثابتة وأحكامه نافذة.
وان كان مذهبه جواز التولى منهم فقد صارت له ولاية فى مذهب فيجب أداء الشهادة اليه.
ولو قلنا لا يجوز لزم ألا يصح حكمه فى قضية من القضايا بالاضافة الى من يمنع التولية منهم ولو ثبت هذا لزم فى غيره من مسائل الخلاف نحو أن يكون حاكم مقلدا ومذهب الشاهد أن الاجتهاد شرط وغير هذا من الصور.
وان قل الحق أو بعد على الشاهد المسير الى الحاكم لأداء الشهادة لم يجب والا وجب.
ولو فوق البريد الا لشرط منه عند التحمل أن يشهد فى بلده ولا يخرج لها الى غيره فان هذا الشرط يصح ولا يلزم الخروج الا لخشية فوت الحق فيجب الخروج حيث لم يمكن الأرعى.
ولو كان قد شرط ألا يخرج فان غلب فى ظنه أن شهادته لا يعمل بها لعدم افادتها أو لفسقه وشهرته به عند الحاكم أو غيره لحصول الجرح أو ظلمه أو غير ذلك لم يجب عليه لعدم امكان التأثير مع علمه أن شهادته يعمل بها يجب الخروج لأدائها.
وان لم يتحمل الشهادة من باب الأمر بالمعروف الا لخوف من الشاهد على نفسه أو ماله المجحف حالا أو مآلا فانه لا يجب عليه أداء الشهادة وان خشى فوت الحق وكذا الحاكم أذا خشى ذلك ويطيب للشاهد الأجرة على الخروج الى الحاكم لأداء الشهادة اذا كانت المسافة مما يحتمل مثلها لمثله الأجرة سواء خشى الفوت للحق أو لم يخش فانه يجوز له طلبها فيهما ليس مع الخشية وعدمها وسواء شرط ألا يخرج أو لم يشرط وسواء كان فوق البريد أو دونه ..
وان كان ليس لمثلها أجرة لم يستحق شيئا
كما لا يستحق الزائد على أجرة المثل ولو بعقد أو شرط
(1)
.
من تقبل شهادته ومن لا تقبل
جملة من لا تصح شهادتهم اثنا عشر:
الأول: أن تصدر من أخرس ونحوه وهو كل من تعذر عليه النطق فانها لا تصح شهادته فى شئ من الأشياء، لأن من حق الشهادة أن يأتى بلفظها.
واذا عبر عن أعجمى عربيان عدلان عارفان بلغته والعكس جازت الشهادة عليه بما عبروا به.
والثانى: أن تصدر من صبى ليس ببالغ فلا تقبل شهادته ما لم يكثر الصبيان حتى أفاد خبرهم العلم الضرورى قبلوا من باب التواتر لا الشهادة مطلقا أى سواء كانت على بعضهم من بعض أو على غيرهم.
قال فى البيان «وتجوز شهادتهم لامضاء التأديب لا لامضاء الحكم.
والثالث: أن تصدر من كافر تصريحا كالوثنى والملحد ومنهم البانيانى فان شهادته لا تقبل على مثله ولا على كافر ولا على مسلم.
وأما كافر التأويل وهو من يؤول قوله الى الكفر ولا يصرح به كالمجبر والمشتبه فانها تقبل شهادته على المسلم وغيره ويقبل خبره عن النبى صلى الله عليه وسلم لا فتواه ولا توليه القضاء الا أن يكون الكافر مليا وهو من له كتاب كالتوراة لليهود والانجيل النصارى ونحوهما، فتصح شهادة اليهودى على مثله، لا على أهل سائر الملل.
فلا تجوز شهادة اليهود على النصارى، ولا تجوز شهادة النصارى على اليهود.
ويلحق بأهل الكتاب المجوسى فتجوز شهادته على مثله.
وأما المسلم فتجوز شهادته على كل أحد.
وكذا الحربى والمرتد حيث كانت لهما ملة ودخلوا الى دارنا بأمان أو فى الذمة فتقبل شهادة كل منهما على مثله فى الملة.
فلو شهد ذميان على ذمى أنه أسلم، فالمقرر فى المذهب أن شهادتهما لا تقبل، لأنها شهادة على من لا يصح أن يشهدا عليه.
والرابع حيث كان الشاهد فاسق جارحة كالسارق والشارب والزانى والقاتل، فلا تقبل شهادته.
فأما فاسق التأويل كالباغى فالصحيح قبول
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب لابن قاسم العنسى الصنعانى ج 4 ص 67 الى ص 71 الطبعة السابقة.
شهادته اذا كان متنزها عن محظورات دينه لا فتواه وتوليه القضاء فلا يصح.
واذا تاب الفاسق من فسقه لم تقبل شهادته. الا بعد اختياره واستمراره على التوبة وصلاح حاله سنة حتى يعلم بذلك اخلاصه وصحة توبته وهى الندم على ما أخل به من الواجب لوجوبه وعلى ما اقترفه من القبح لقبحه والعزم على أن لا يعود الى شئ من ذلك.
ومن البعيد أن تمر تلك السنة ولما يحصل الاختبار، لأن للفصول تأثيرا فى تهيج النفوس.
فاذا مضت الفصول الأربعة مع صلاح الحال دل ذلك على صدق توبته.
وفى شرح الفتح وهو لفظ حاشية السحولى وكذا الاختبار فيما تجرح به العدالة وان لم يكن فسقا مدته سنة.
واذا اختلف حال الشاهد عند تحمل الشهادة وعند أدائها نحو أن يكون عند تحملها صبيا، أو كافرا، أو فاسقا، وعند أدائها بالغا عدلا، فانها تصح شهادته، لأن العبرة بكمال شروطها لقبولها وعدمه بحال الأداء لا حال التحمل غالبا، احتزازا من النكاح، فان العبرة بحال التحمل لا حال الأداء.
والخامس من شهد شهادة له فيها نفع كشهادة الشريك فيما هو شريك فيه يعنى فيما يعود الى شركتهما فى شركة المفاوضة والعنان والوجوه والأبدان والمضاربة فلا تقبل شهادة الشريك لشريكه.
وأما فى شركة الاملاك فان شهد الشريك لشريكه بكل الشئ المشترك كأن يقول هذا الشئ لى ولشريكى فلا تقبل، لأن الشهادة لا تتبعض.
وان شهد بنصيب شريكه فقط فانها تقبل ويحكم بنصيب شريكه وحده.
ومنها أن يكون شفيعا فيما شهد به نحو أن يشهد ببيع على جاره، ليأخذ المبيع بالشفعة بعد طلب الشفعة، لئلا يكون تراخيا عن الطلب.
فان أبرأ من الشفعة أو بطلت صحت شهادته بخلاف الوارث اذا شهد لمورثه بشئ بعد موته بعد أن أقر على نفسه أنه لا يستحق شيئا فى تركته فانها لا تقبل لجواز أنه قد نقل نصيبه الى سائر الورثة ثم يشهد بذلك لهم وذلك لا يصح، لأنها تنفيذ لفعله.
ومنها الغريم يشهد لمن حجر عليه بدين على غيره قبل فك الحجر لا بعده فيصح.
وكذا اذا شهد الموسر لقريبه المعسر صحت شهادته ولو كانت نفقته عليه.
ولا تقبل شهادة السيد لمكاتبه.
والعاقلة اذا شهدوا بجرح شهود القتل فى الخطأ فانهم لا يقبلون، ذكره فى البحر.
وقال فى البيان ما معناه أن الوارث اذا شهد لمن يرثه فى حال مرضه المخوف بشئ على الغير فلا تقبل شهادته الا أن يصح من مرضه ثم يعيد الشهادة فتقبل.
وكذا من رمى وشهد وارثه قبل موته أن زيدا هو الذى رماه.
والسادس قوله أو كان فى الشهادة دفع ضرر عن الشاهد لم تصح شهادته، نحو أن يبيع رجل شيئا من غيره ويشهد لمن اشتراه بالملك فانه يدفع عن نفسه رجوع المشترى بالثمن بعد قبضه، فان كان قبل قبضه فهو جار لنفسه استحقاق الثمن، وهذا اذا ادعى الغير الاستحقاق.
وأما اذا غصب من يد المشترى جاز للبائع أن يشهد أنه للمشترى، وكذا اذا ادعى أنه أعاره أو أجره أو نحو ذلك فجحد المستعير والمستأجر ونحوه.
وكذا لا تقبل شهادة من صار اليه شئ من غيره من عارية أو رهن أو اجارة أو نحو ذلك ثم ادعى مدع على من أعطاه اياه فشهد به للمعطى لم تقبل شهادته، لأنها دافعة عنه ضمان الرقبة والأجرة وسواء كان باقيا فى يده أم قد رده الى المعطى.
ونحو أن يشهد من كان فى بلد القسامة أن القاتل فلان منهم أو من غيرهم فلا تقبل شهادته، لأنها تدفع عنه حق القسامة ولو كان الشاهد ممن لا تجب عليه اليمين.
والسابع قوله: أو كانت الشهادة تضمن تقرير فعل أو قول للشاهد لم تقبل.
فمن الأول نحو أن تشهد المرضعة بالرضاع سواء قالت ناولته ثديى أم لا، فان شهادتها لا تقبل فى ظاهر الحكم اذ تجر الى نفسها حق البنوة.
فأما اذا ظن الزوج صدقها وجب عليه العمل بذلك دينا.
ونحو أن يشهد البائع على الشفيع أنه علم البيع وقت البيع ولم يستشفع فان شهادته غير صحيحة سواء كان البائع مالكا للبيع أو وكيلا فيه، لأنه شهد بامضاء فعله.
ونحو شهادة الولى أو وكيله العاقد على المهر، لأنه اذا كان العاقد غيره من سائر الأولياء فتصح شهادته.
ومن الثانى نحو أن يشهد القاضى بعد عزله أو فى غير بلد ولايته بما قد حكم به والقسام فيما قسمه، سواء كان بجعل أو بغير جعل، وسواء شهد بالنصيب أو بالتعيين فلا يعمل بهذه الشهادة لما تضمنته من تقرير القول وهو قوله حكمت بكذا أو قسمت كذا.
الثامن قوله: ولا تصح شهادة ذى سهو وذهول وهو من غلب عليه السهو أو تساوى ضبطه ونسيانه، فان شهادته لا تقبل، وكذا خبره.
وأما الغلط اليسير فلا يقدح فى الشهادة اذ لا يسلم منه أحد.
التاسع قوله: أو ذى حقد أى عداوة دنيا على المشهود عليه، وهو من يفرح لحزنه، ويحزن لفرحه لا عداوة دين فلا تمنع كشهادة المسلم على الكافر دون العكس، والعدلى على القدرى، والمؤمن على الفاسق، ولو كان يحقد على ذلك فالحقد بحق.
وحاصل الكلام فى شهادة الخصم أنه اما أن يشهد له أو عليه.
فان شهد له صحت ما لم تكن الخصومة يجرح بها.
وان شهد عليه فلا تقبل سواء شهد عليه فى نفس ما هو خصم فيه أو فى غيره ما لم تزل الشحناء والمراد اذا تقدمت الخصومة بحيث لم يعرف أنه خاصمه ليبطل شهادته، لأنه يؤدى الى عدم التمكن من أداء الشهادة.
وكذا فى الحاكم اذا حكم على خصمه فلا ينفذ الا أن يعرف أن الحكم هو سبب المخاصمة لم يمنع -
العاشر قوله: أو شهادة ذى كذب عرف بكثرة تجاسره عليه الى أن اتخذه خلقا وعادة فان شهادته لا تصح، لأن ذلك جرح فى العدالة.
الحادى عشر قوله: أو شهادة ذى تهمة بمحاباة للرق ونحوه.
فلا تصح شهادة من يتهم بالمحاباة لأجل الرق كشهادة العبد لسيده ونحوه كالأجير الخاص اذا شهد للمستأجر سواء كان العقد صحيحا أم فاسدا فانهما يتهمان بمحاباة السيد والمستأجر.
قال الفقيه: يحى: وجه التهمة فى الأجير الخاص كون منافعه مملوكة فأشبه العبد الا المكاتب فيصح أن يشهد لسيده لا العكس.
وتقبل شهادة الأجير المشترك فى غير ما هو مستأجر عليه.
وأما شهادته فيما هو مستأجر عليه، فلا تقبل لمن استأجره عليه سواء كان باقيا فى يده أم لا.
وكذلك لا تقبل شهادته لغير المستأجر ما دام الشئ فى يده، لأنه يدفع عن نفسه وجوب الرد للمستأجر وبعد رده لا تقبل شهادته أيضا، لأن فيها نفعا وهو براءة ذمته.
واذا لم تكن التهمة بالمحاباة لأجل القرابة أو لأجل الزوجية ونحوهما مثل الصداقة والوصاية فان ذلك لا يمنع من قبول الشهادة.
فتجوز شهادة الابن لأبيه والأب لابنه الكبير لا الصغير والأخ لأخيه وكل ذى رحم لرحمه والصديق لصديقه اذا كانوا عدولا
أما شهادة الوصى فهى على وجوه ثلاثة:
أحدها: أن يشهد للميت أن عليه فيما لا يتعلق له فيه قبض ولا اقباض فهذا جائز ولذلك صور.
منها: أن يشهد الوصى باقرار الميت بأرض معينة وكانت فى يد المقر له.
ومنها: أن يكون فى يد الغير دين أو عين فيأخذه الورثة من يد ذلك الغير وهم كبار ويدعون أنه لهم ميراث من أبيهم وينكرهم صاحبه الذى كان فى يده فيشهد الوصى، فان الشهادة تصح هنا حيث لم يكن على الميت دين، لأن الخصومة اليهم فى الدعوى، فأما لو لم يكن فى قبضهم لم تصح شهادته، لأن القبض اليه.
ومنها: اذا كانت وصايته مختصة بشئ دون شئ فلا يشهد فيه ويشهد فى غير ما هو وصى فيه وحاصل الأمثلة المتقدمة أن شهادة الوصى تقبل فى غير ما هو وصى فيه ان كانت مخصصة أو مطلقة ولا دين على الميت أو بعد قضاء الديون وتنفيذ جميع الوصايا مع كون الورثة كبارا لا مع صغرهم وكون المشهود به فى يد المشهود له بحيث لا يفتقر الى قبض ولا اقباض.
والوجه الثانى: أن يشهد بما يتعلق بتصرفه نحو أن يشهد أن الميت أوصى بكفارات أو نحوها فلا تقبل شهادته.
والوجه الثالث: أن يشهد أن الميت أقر بمال زيد، وأن له مالا مع الغير فلا تصح، لأنه يتعلق به القبض والاقباض.
الثانى عشر: لا تصح الشهادة من أعمى ولا أصم وهو الذى لا يسمع ولا من أخشم وهو الذى لا يشم وذلك فيما يفتقر فيه الى حاسة الرؤية أو السمع أو الشم عند الأداء للشهادة.
وتحصيل المذهب فيما شهد به الأعمى لا يخلو اما أن يكون مما يحتاج فيه الى المعاينة عند أداء الشهادة أولا.
فالأول لا تقبل شهادته فيه كثوب ونحوه من المنقولات.
وأما الثانى فان كان مما يثبت بطريق الاستفاضة أى الاشتهار كالنكاح والنسب والوقف والولاء والموت فانها تقبل شهادته فيه بكل حال، سواء تحمله قبل ذهاب بصره أو بعده.
وان كان مما لا يثبت بطريق الاستفاضة فان كان قد تحمله قبل ذهاب بصره قبلت شهادته فيه كالدين والاقرار والوصية وما يميز بالحدود ونحوها.
وان كان تحمله بعد ذهاب بصره فانها لا تقبل شهادته فيه الا اذا عرف الصوت وأفاد العلم فانها تقبل شهادته.
مذهب الإمامية:
حكم الشهادة:
يجب تحمل الشهادة على من له أهلية الشهادة اذا دعى اليها خصوصا أو عموما على الكفاية، لقوله تعالى:
ولا يأب الشهداء اذا ما دعوا» فسره الصادق عليه السلام بالتحمل.
ويمكن جعله دليلا عليه وعلى الاقامة فيأثم الجميع لو أخلوا به مع القدرة.
فلو فقد سواه فيما يثبت به وحده ولو مع اليمين أو كان تمام العدد تعين الوجوب كغيره من فروض الكفاية اذا لم يقم به غيره. ويصح تحمل الأخرس للشهادة وأداؤه بعد القطع بمراده.
وكذا يجب الأداء مع القدرة على الكفاية اجماعا سواء استدعاه ابتداء أم لا على الأشهر الا مع خوف ضرر غير مستحق على الشاهد، أو بعض المؤمنين.
واحترز بغير المستحق عن مثل ما لو كان للمشهود عليه حق على الشاهد لا يطالبه به وينشأ من شهادته المطالبة فلا يكفى ذلك فى سقوط الوجوب، لأنه ضرر مستحق وانما يجب الأداء مع ثبوت الحق بشهادته لانضمام من يتم به العدد أو حلف المدعى ان كان مما يثبت بشاهد ويمين.
فلو طلب من اثنين فيما يثبت بهما لزمهما وليس لأحدهما الامتناع بناء على الاكتفاء بحلف المدعى مع الآخر لأن من مقاصد الاشهاد التورع عن اليمين ولو كان المشهود أزيد من اثنين فيما يثبت بهما وجب على اثنين منهما كفاية.
ولو لم يكن الا واحد لزمه الأداء ان كان مما يثبت بشاهد ويمين والا فلا. ولو لم يعلم صاحب الحق بشهادة الشاهد وجب عليه بقرينة ان خاف بطلان الحق بدون شهادته.
شروط الشهادة:
والمعتبر فى الشروط المعتبرة فى الشهادة وقت الأداء لا وقت التحمل فلو تحملها ناقصا ثم كمل حين الأداء سمعت.
وتمنع العداوة الدنيوية بأن يعلم منه السرور بالمساءة وبالعكس أو بالتقاذف.
ولو كانت العداوة من أحد الجانبين اختص بالقبول الخالى منها.
ولو شهد لعدوه قبلت اذا كانت العداوة لا تتضمن فسقا لانتفاء التهمة بالشهادة له.
ولا تقبل شهادة كثير السهو بحيث لا يضبط المشهود به.
ولا شهادة المتبرع باقامتها قبل استنطاق الحاكم سواء قبل الدعوى أم بعدها للتهمة بالحرص على الأداء الا أن يكون فى حق الله تعالى كالصلاة والزكاة بأن يشهد بتركها ويعبر عنها ببينة الحسبة فلا يمنع.
ومستند الشهادة العلم القطعى بالمشهود به أو رؤيته فيما يكفى فيه الرؤية كالأفعال من الغصب والسرقة والقتل والرضاع والولادة والزنا واللواط. وتقبل فيه شهادة الأصم لانتفاء الحاجة الى السمع فى الفعل. أو سماعه فى الأقوال نحو العقود والايقاعات والقذف مع الرؤية أيضا ليحصل العلم بالمتلفظ الا أن يعرف الصوت قطعا فيكفى على الأقوى.
ولا يقيم الشاهد الشهادة الا مع العلم القطعى ولا يكفى الخط بها وأن حفظه بنفسه وأمن التزوير ولو شهد معه ثقة على أصح القولين، لقول النبى صلى الله عليه وسلم لمن أراه الشمس على مثلها فاشهد أودع.
وقيل اذا شهد معه ثقة وكان المدعى ثقة اقامها بما عرفه من خطه وخاتمه استنادا الى رواية شاذة.
ولا يشهد الا على من يعرفه بنسبه أو عينه فلا يكفى انتسابه له لجواز التزوير. ويكفى معرفان عدلان بالنسب.
ويجوز أن تسفر المرأة عن وجهها ليعرفها الشاهد عند التحمل والأداء الا أن يعرف صوتها قطعا ويثبت بالاستفاضة والمراد بها هنا شيوع الخبر الى حد يفيد السامع الظن المقارب للعلم.
ولا تنحصر فى عدد بل يختلف باختلاف المخبرين .. نعم يعتبر أن يزيدوا عن عدد الشهود المعدلين ليحصل الفرق بين خبر العدل وغيره.
والمشهور أنه يثبت بها سبعة (النسب والموت والملك المطلق والوقف والنكاح والعتق وولاية القاضى) لعسر اقامة البينة فى هذه الأسباب مطلقا ..
ويكفى فى الخبر بهذه الأسباب مقاربة العلم على قول قوى.
وقيل يشترط أن يحصل العلم.
وقيل يكفى مطلق الظن.
وعلى المختار لا يشترط العدالة ولا الحرية ولا الذكورة، لا مكان استفادته من نقائضها.
ولو ظهر للحاكم سبق القادح فى الشهادة على حكمه بأن يثبت كونهما فاسقين نقض لتبين الخطأ فيه.
شروط الشاهد:
يشترط فى الشاهد البلوغ الا فى الشهادة على الجراح ما لم يبلغ النفس.
وقيل مطلقا بشرط بلوغ العشر سنين وأن يجتمعوا على مباح وأن لا يتفرقوا بعد الفعل المشهود به الى أن يؤدوا الشهادة، والمراد حينئذ أن شرط البلوغ ينتفى ويبقى ما عداه من الشرائط التى من جملتها العدد، وهو اثنان فى ذلك الذكورية ومطابقة الشهادة للدعوى، وبعض الشهود لبعض وغيرهما.
ولكن روى هنا الأخذ بأول قولهم لو اختلف والتهجم على الدماء فى غير محل الوفاق. ليس بجيد.
وأما العدالة فالظاهر أنها غير متحققة لعدم التكليف الموجب للقيام بوظيفتها من جهة التقوى والمروءة غير كافية واعتبار صورة الأفعال والتروك لا دليل عليه.
وفى اشتراط اجتماعهم على المباح تنبيه عليه.
ويشترط العقل فلا تقبل شهادة المجنون حالة جنونه فلو دار جنونه قبلت شهادته مفيقا بعد العلم باستكمال فطنته فى التحمل والأداء.
وفى حكمه الابله والمغفل الذى لا يفطن لمزايا الأمور.
ويشترط الاسلام فلا تقبل شهادة الكافر وان كان ذميا ولو كان المشهود عليه كافرا على الأصح، لا تصافه بالفسق والظلم المانعين من قبول الشهادة خلافا للشيخ رحمه الله تعالى حيث قبل شهادة أهل الذمة لملتهم وعليهم استنادا الى رواية ضعيفة وللصدوق حيث قبلت شهادتهم على مثلهم وان خالفهم فى الملة كاليهود على النصارى.
ولا تقبل شهادة غير الذمى اجماعا ولا شهادته على المسلم اجماعا الا فى الوصية عند عدم عدول المسلمين، فتقبل شهادة الذمى بها.
ويمكن أن يريد اشتراط فقد المسلمين مطلقا بناء على تقديم المستورين والفاسقين الذين لا يستند فسقهم الى الكذب، وهو قول العلامة فى التذكرة.
ويصعف باستلزامه التعميم فى غير محل الوفاق.
وفى اشتراط السفر قولان: اظهرها العدم.
وكذا الخلاف فى أحلافهما بعد العصر «أى وقت العصر» فأوجبه العلامة عملا بظاهر الآية، والأشهر العدم.
فان قلنا به فليكن بصورة الآية بان يقولا بعد الحلف باله. لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين.
والايمان وهو هنا الولاء فلا تقبل شهادة غير الامامى مطلقا مقلدا كان أم مستدلا.
والعدالة وهى هيئة نفسانية راسخة تبعث على ملازمة التقوى والمروءة وتزول بالكبيرة مطلقا، وهى ما توعد عليها بخصوصها فى كتاب أو سنة، وهى الى سبعمائة أقرب منها الى سبعين وسبعة ومنها القتل، والربا، والزنا، واللواط، والقيادة والدياسة، وشرب المسكر، والسرقة، والقذف، والفرار من الزحف، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والأمن من مكر الله، واليأس من روح الله، والغضب والغيبة والنميمة، واليمين الفاجرة، وقطيعة الرحم، وأكل مال اليتيم، وخيانة الكيل والوزن، وتأخير الصلاة عن وقتها، والكذب خصوصا على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وضرب المسلم بغير حق، وكتمان الشهادة، والرشوة والسعاية الى الظالم، ومنع الزكاة، وتأخير الحاج عن عام الوجوب اختيارا، والظهار، وأكل لحم الخنزير، والميتة، والمحاربة بقطع الطريق والسحر للتوعد على ذلك كله وغيره.
وقيل الذنوب كلها كبائر، ونسبه الطبرسى فى التفسير الى أصحابنا مطلقا نظرا الى اشتراكها فى مخالفة أمر الله تعالى ونهيه، وتسمية بعضها صغيرا بالاضافة الى ما هو أعظم منه، كالقبلة بالاضافة الى الزنا، وان كانت كبيرة بالاضافة الى النظرة وهكذا.
والاصرار على الصغيرة وهى مادون الكبيرة من الذنب.
والاصرار اما فعلى كالمواظبة على نوع أو أنواع من الصغائر.
أو حكمى وهو العزم على فعلها ثانيا بعد وقوعه وان لم يفعل.
ولا يقدح ترك السنن الا أن يؤدى الى التهاون فيها.
وهل هذا هو مع ذلك من الذنوب، أم مخالفة المروءة؟ كل محتمل، وان كان الثانى أوجه.
وبترك المروءة وهى التخلق بخلق أمثاله فى زمانه ومكانه فالأكل فى السوق والشرب فيها لغير سوقى الا اذا غلبه العطش والمشى مكشوف الرأس بين الناس وكثرة السخرية والحكايات المضحكة.
ولبس الفقيه لباس الجندى مما لا يعتاد لمثله بحيث يسخر منه وبالعكس ونحو ذلك يسقطها ويختلف الأمر فيها باختلاف الأحوال والأشخاص والأماكن ولا يقدح فعل السنن وان استهجنها العامة وهجرها الناس كالكحل والحناء والحنك فى بعض البلاد وانما العبرة بغير الراجح شرعا.
وطهارة المولد فترد شهادة ولد الزنا ولو فى اليسير على الأشهر، وانما ترد شهادته مع تحقق حاله شرعا فلا اعتبار بمن تناله الألسن وان كثرت ما لم يحصل العلم وعدم التهمة بضم التاء وفتح الهاء، وهى أن يجر إليه بشهادته نفعا أو يدفع عنه بها ضررا.
فلا تقبل شهادة الشريك لشريكه فى المشترك بينهما، بحيث يقتضى الشهادة المشاركة.
ولا شهادة الوصى فى متعلق وصية، ولا يقدح فى ذلك مجرد دعواه الوصاية ولا مع شهادة من لا يثبت بها، لأن المانع ثبوت الولاية الموجبة للتهمة بادخال المال تحتها ولا شهادة الغرماء للمفلس والميت والسيد لعبده على القول بملكه للانتفاع بالولاية عليه والشهادة فى هذه الفروض جالبة للنفع.
وأما ما يدفع الضرر فشهادة العاقلة يجرح شهود الجناية خطأ وغرماء المفلس بفسق شهود دين آخر، لأنهم يدفعون بها ضرر المزاحمة ويمكن اعتباره فى النفع.
وشهادة الوصى والوكيل بجرح الشهود على الموصى والموكل.
وشهادة الزوج بزنا زوجته التى قذفها لدفع ضرر الحد.
ولا يقدح مطلق التهمة، فإن شهادة الصديق لصديقه مقبولة والوارث لمورثه بدين وإن كان مشرفا على التلف ما لم يرثه قبل الحكم بها.
وكذا شهادة رفقاء القافلة على اللصوص اذا لم يكونوا مأخوذين ويتعرضوا لذكر ما أخذ لهم
(1)
.
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 251، ص 252، ص 253، ص 254 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
جاء فى النيل وشرحه
(1)
: تقبل الشهادة من عدلين حرين بالغين عاقلين.
وقد عرف ابن اسحق بن موسى العدل بأنه حر مسلم بالغ عاقل بلا فسق وحجر وبدعة وان تأول، ولم يباشر كبيرة أو صغيرة خسة وسفاهة ولعب نرد، ذو مروءة بترك غير لائق من سماع غناء ودباغة وحياكة اختيارا أو ادمان فى شطرنج، ان اعمى فى قول، أو أصم فى فعل، ولا متأكد القرب كأب وان علا، وزوجهما وولد وان سفل كبنت وزوجهما.
واحترز بالحر من العبد ومن فيه شائبة من شوائب العتق كالمكاتب ومن اعتق بعضه.
فلا تجوز شهادة العبد، لأن الشهادة مرتبة شريفة يسلب العبد أهليتها كنقصه وقد قال الله سبحانه وتعالى:«وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا» والعبد لا اجابة له الا باذن مولاه فلم يدخل فى قوله تعالى:
من رجالكم.
وأجاز شريح وابن سيرين شهادة العبد.
واحترز بالمسلم من الكافر فلا تقبل شهادة الكافر لقول الله سبحانه وتعالى:
{مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» والكافر ليس مرضيا.
والاجماع على عدم قبول شهادتهم على المسلمين.
واحترز بالبالغ من الصبى، لأنه لا يضبط الأشياء، ولأنه غير مكلف والشهادة واداؤها واجبان.
واحترز بالعاقل عن المجنون لأنه لا يميز ولا يضبط وغير مكلف.
واحترز بقوله بلا فسق من الفاسق بالجارحة كالزانى والسارق والمختلس والغاصب، لأن فسقه لا يمنعه من شهادة الزور.
واحترز بغير المحجور من المحجور فانه ليس بعدل.
ثم قال صاحب شرح النيل
(2)
: ويشترط فى الشاهد أن يكون له مروءة تمنعه من ارتكاب المباحات التى لا يبالى مرتكبها بما ينسب اليه، وذلك نحو سماع الغناء بالألحان المهيجة للشهوات.
وقيل، وكذا استعمال الحرف الدنيئة كالدباجة والحياكة.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 584 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 586 الطبعة السابقة.
وقيد ذلك بالاختيار احترازا مما اذا اضطر اليها لفاقة نزلت به أو أكره على فعلها فان ذلك لا يكون قادحا فى المروءة.
وقوله وان اعمى فى قول أو أصم فى فعل، أى لا يشترط فى الشاهد أن يكون سميعا بصيرا بالنسبة الى كل ما يشهد فيه، بل ان توقف ما يشهد فيه على السمع أو البصر اشترط ذلك، والا فيشهد الاعمى فى الاقوال، ويشهد الاصم فى الأفعال.
وقد قيل بجواز شهادة الأعمى فى كل ما يعقل فيه صوت المتكلم ويميزه عن غيره لو جاء فى جملة ناس وتكلموا عزله بكلامه.
وفى الديوان: وشهادة الأعمى جائزة فيما يدرك علمه بالصفة سواء علمه قبل ذهاب بصره أو بعد ذهاب بصره، مثل النكاح والطلاق والعتق والنسب والاقرار فى الأنفس وما دونها، والاقرار فى الأموال بالمعاملات.
وقيل: شهادة الأعمى جائزة فيما علمه قبل ذهاب بصره وأما ما علمه بعد ذهاب بصره فلا يجوز شهادته فيه وأما الصحيح البصر ان استشهد بالليل فانه يشهد بما تبين له من ذلك لا بما لم يتبين.
وفى الاثر: وجازت الشهادة من أعمى فيما يستدل عليه بالخبر المشهور كالموت والنسب والنكاح مما لا يشك فيه اذا كان فى أهل بيت نشأ فيه حتى كان كأحدهم ولم يتهم.
واذا شهد وهو يبصر وأداها عند الحاكم وهو اعمى جازت.
وقيدها أبو الحوارى بما اذا شهد بأرض أو نخلة ووصفها بحدودها بعد أن يشهد عدلان أنها التى شهد بها الأعمى
ولا تقبل شهادة المغفل الا فيما لا يلبس.
فالتغفل مانع من قبول الشهادة من وجه دون وجه.
فتقبل فى أمر لا يلتبس كقوله رأيت هذا قتل هذا أو فقأ عينه أو قطع يده وكقوله سمعت هذا طلق زوجته فلانة أو شتم فلانا ونحو ذلك من الاقوال.
ثم قال صاحب شرح النيل فى موضع
(1)
آخر: ولا تقبل شهادة متأكد القرابة لقربه ويتحقق ذلك فى الأب والجد والأم والجدة من قبل الآباء والامهات وزوج الأم وزوجة الأب، وكذلك الابن وان سفل والبنت وان سفلت وزوج البنت وزوجة الابن.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 592 الطبعة السابقة.
وفى موضع آخر
(1)
: وترد الشهادة من مملوك ومشرك وفاسق ومجنون وطفل.
وتجوز من الطفل على طفل مثله لمثله فى جنس الطفولية ان لم يوجد غيره.
وفى الديوان: ولا تجوز شهادة الأطفال فى شئ.
وقيل تجوز شهادة بعض الأطفال على بعض ما لم يلقوا أحدا من الناس.
وقال العاصمى تجوز شهادة الصبيان بعض على بعض فيما بينهم من الجراح والقتل أجمع أهل المدينة على جوازها فى الدماء.
قال ابن أبى مليكة هى السنة، وما أدركت القضاة الا وهم يحكمون بها.
ثم قال صاحب شرح النيل
(2)
: وترد الشهادة من متهاتر وهو من شهادته نفى وتسمى شهادة التهاتر.
وفى الأثر: لا تجوز شهادة التهاتر مثل أن يقول: ليس لهذا الرجل على هذا الرجل كذا وكذا، أو ليس عليه شئ مما يدعيه أو لم يبع له كذا، أو لم يهب له أو لم يقضه دينه.
وترد الشهادة كذلك من ذى ظنة، والظنة هى التهمة فى شهادته، بأن يتهم أنه مال وركن الى المشهود له على المشهود عليه.
وترد كذلك من ذى حنة والحنة ان يكون الشاهد ممن يحن على المشهود له بالطبع كالأب والأم لولده أو لعارض متبين أنه مال.
وفى الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تجوز شهادة ذى الظنة وذى الحنة وذى الجنة.
قالوا فى الديوان فأما ذو الظنة فهو المتهم فى شهادته وذو الحنة الذى يحن على غيره من قرابته وغيرهم.
وأما ذو الجنة فالذى به الجنون.
وترد كذلك شهادة من شهد قبل بزور ومحدود ولو تابا على الراجح.
ومقابله قول بجوازها منهما بعد التوبة مطلقا.
وقيل بجوازها بعد التوبة فى غير جنس ما حد فيه أو زورا فيه.
ومحل عدم قبول من شهد بزور قبل ذلك أن اتلف بزوره مالا أو نفسا فان
لم يتلف وتاب قبلت شهادته مطلقا.
ثم قال فى موضع آخر
(3)
: ولا تقبل
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 594 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 596 الطبعة السابقة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 596 الطبعة السابقة.
شهادة من جر لنفسه نفعا، أو لدفع مضرة عن نفسه ومن وكل فيما وكل عليه وخليفة فيما استخلف عليه أن تم به الفعل وذلك أن يشترى شيئا لمن هو خليفة عليه أو مأمور عليه، أو وكيل عليه فيتم الشراء به، ويشهد له بالشئ الذى اشتراه فذلك لا يجوز.
وأما ان تم الفعل بغيره فيجوز أن يشهد مثل أن يشهد ان هذا الشئ لمن ولى عليه بأن ورثه من ولى أمره أو كان يشتريه له فلم ينعقد على يده بل على يد غيره.؟
وفى الديوان: تجوز شهادة الرجل لمن ولى أمره من اليتامى والمجانين وغيرهم أن أخبر الحاكم قبل أن يشهد له أنه قد كان عنده ما ينفع به من أراد أن يشهد له به منهم والا لم تجز.
وقيل ان لم يتهم جازت ولو لم يخبر ويشهد على من ولى أمره بلا احتياج للاخبار.
ولا تقبل شهادة شريك لشريكه فيما اشتركاه سواء اشتركاه وحده أو مع غيره أو بينهما شركة عامة.
وان لم يشترك معه فى ذلك الشئ جازت شهادته له.
وفى الديوان: وشهادة الرجل لمفاوضه ولأجيره فى الذى جعله فى أيديهما لا تجوز.
وأما غير ذلك فشهادته لهما جائزة.
ولا تجوز شهادة المقارض والأجير لصاحب المال فيما جعله فى أيديهما وتجوز له فى غير ذلك.
ولزمت الشهادة أى لزم تحملها وأداؤها ان لم يدع لها واذا سمعها ولم يدع لها ولم يستشهد فشهادته شهادة السماع.
وهى جائزة عند بعض منا سواء علم المشهود عليه بسماعه أو لا.
مراتب الشهادة ونصابها
يتحدث الفقهاء فى المذاهب المختلفة عن عدد الشهود واختلاف العدد بالنسبة لموضوع الشهادة والحادثة المشهود بها، ويقولون: انه قد لا يشترط العدد فى الشهادة فتقبل شهادة الواحد.
وقد يشترط التعدد ويختلف العدد حينئذ تبعا لموضوع الشهادة.
ويتحدثون كذلك عن كون الشهود من الرجال، واشتراط ذلك فى بعض المسائل والموضوعات فلا تقبل فيها شهادة النساء.
وعدم اشتراطه فتقبل شهادة النساء وهذا هو المقصود بمراتب الشهادة والفقهاء يختلفون فى تفصيل ذلك.
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية: إن الشهادة على مراتب عديدة.
المرتبة الأولى: الشهادة على الزنا ونصاب الشهادة فيها أربعة من الرجال. فلا تقبل فيها شهادة النساء مطلقا لا بالاشتراك مع الرجال ولا بالانفراد وحدهن.
ولا تقبل فيها شهادة عدد من الرجال أقل من أربعة.
وذلك لقول الله تبارك وتعالى «وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» }.
وقوله تعالى «لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ» }.
فان هذه الآيات تدل اشتراط أربعة شهداء لاثبات الزنا، لأن الاجماع قام على مفهوم العدد، والاجماع من أقوى الحجج.
ولأنه رتب فى الآية الثانية جلد القاذف على عدم اتيانه بأربعة شهداء لاثبات ما رمى به من الزنا فدل على أن الزنا لا يثبت بأقل من هذا العدد.
ورتب فى الآية الثالثة اعتبار من رموا المحصنات بالزنا كاذبين عند الله على عدم اثباتهم ما رموهن به من الزنا بأربعة شهداء فدل على أن اثباته لا يكون الا بشهادة هذا العدد.
ويؤخذ اشتراط الذكورة من قوله فى الآية الأولى. «منكم» ومن صيغة اسم العدد فى الآيات فانه للمعدود المذكر.
وأيضا قد انعقد الاجماع على اشراط الذكورة فى الشهادة على الزنا.
واختلفوا فى الشهادة على اللواطة.
فعند الامام أبى حنيفة يقبل فيها شهادة رجلين عدلين، ولأن موجبها التعزير وليست من الزنا.
وعند الصاحبين هى كالزنا لا بد فيها من أربعة شهداء لأن موجبها الحد، الرجم أو الجلد.
والأصح بالنسبة لاتيان البهيمة أن يقبل فيها شاهدان عدلان، لأن العقوبة فيها تعزيرية وليست حدا.
ولا تقبل فيها شهادة النساء احتياطا وانما يشترط عدد أربعة شهداء من
الرجال لاثبات الزنا اذا أريد اثباته لأجل اقامة الحد على المشهود عليه.
أما اذا أريد اثباته لأجل ثبوت حق آخر علق على ثبوته فلا يشترط فيه هذا العدد من الرجال.
بل يكفى لاثباته شهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو النكول عن حلف اليمين عند من يقول بالاثبات بالنكول ومنهم الحنفية كما إذا علق الزوج طلاق زوجته على زناه.
وادعت الزوجة حصول الزنا لتصل الى اثبات الطلاق وأنكر الزوج. فأثبتته الزوجة بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين أو لم يأت بهذه الشهادة، وطلبت تحليف الزوج اليمين على النفى، فنكل عن الحلف، فانه يثبت الزنا بذلك وتطلق المرأة.
ولكن لا يحد الزوج لعدم ثبوت الزنا بالطريق المقرر لثبوته شرعا.
ولا يعتبر النكول عن الحلف هنا اقرارا بالزنا يثبت به الحد عند من يرى اعتبار النكول اقرارا للخلاف المورث للشبهة ولأن الاقرار المعتبر فى الزنا له أوضاع وأحكام خاصة لا تتوفر هنا.
المرتبة الثانية:
الشهادة على بقية الحدود غير الزنا كشرب الخمر والقذف والسرقة. والشهادة على القصاص فى النفس أو فيما دونها وما الحق بذلك ونصاب الشهادة فيها رجلان.
فلا تقبل فيها شهادة النساء كذلك، لأن الحدود والقصاص تندرئ بالشبهات لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
«ادرءوا الحدود بالشبهات ما استطعتم» ، وشهادة النساء فيها شبهة البدلية عن شهادة الرجال، اذ جعل قبولها حين لا يوجد رجلان بمقتضى قوله تعالى «فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ}، وليست بدلا فى الحقيقة عن شهادة الرجال، والا لما قبلت مطلقا مع وجود الرجال، ولم يقل بذلك أحد.
وحيث كانت الشبهة فى شهادتهن قائمة وكانت الحدود والقصاص تندرئ بالشبهة، لم تقبل شهادتهن فى ذلك.
وأيضا فقد قال الزهرى: مضت السنة - من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده أن لا شهادة للنساء فى الحدود والقصاص ويلحق الحدود والقصاص عدم قبول شهادة النساء لاثباته كل ما يؤدى اثباته الى القتل كردة الرجل لا تثبت بشهادة النساء، اذ لو ثبتت ردة الرجل وأصر عليها يقتل وذلك للشبهة.
وهذا اذا كان المراد اثبات الحدود لاقامة الحد.
أما اذا كان المراد اثباتها لأجل اثبات حق آخر فتثبت بشهادة رجلين أو رجل وامرأتين ويثبت الحق.
ولكن لا يثبت موجب الحد بهذه الشهادة كما اذا علق عتق عبده على شربه الخمر وأراد العبد اثبات الشرب توصلا الى عتقه وأحضر رجلين أو رجلا وامرأتين فانه يثبت الشرب ويعتق.
ولكن لا يحد السيد لعدم ثبوت موجب الحد بالطريق الشرعى المقرر لاثباته.
المرتبة الثالثة:
الشهادة فى غير الحدود والقصاص وما الحق بها وكان مما يطلع عليه الرجال عادة وليس من حوادث الصبيان فى مكاتب تعليم العلم أو مصانع ومحال تعليم الحرف، سواء كان الحق مالا كالبيع والشراء، وعقود المبادلات المالية، أو متعلقا بذلك، كشرط الخيار والكفالة، أو كان غير ذلك كالنكاح، والطلاق، والعدة، والنسب، والوصية، والوقف، والقتل الذى موجبه المال.
ونصاب الشهادة فى ذلك كله رجلان أو رجل وامرأتان لقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» }.
والآية وإن كانت فى مقام حفظ الحق والتوثيق له الا أنه يعتبر من الحفظ إثبات هذه الحقوق عند التجاحد والتخاصم.
وذلك يقتضى اقامة الشهادة عند الحاكم، لاثبات الحق والحكم به على من هو عليه بأدائه لتظهر مزية الحفظ والتوثيق.
ثم ان القاضى لا يفرق فى مجلس الحكم بين الشاهدتين كما يفعل مع الشاهدين من الرجال، لقوله تعالى:«أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» اذ لا يتأتى التذكر عند الضلال الا مع الاجتماع.
المرتبة الرابعة:
الشهادة على غير ما ذكر من الأمور التى لا يطلع عليها الرجال عادة مما يختص بالنساء كالبكارة والثيوبة والولادة وعيوبهن وأمراضهن التى تحت الثياب، ولا يطلع عليها الرجال كالرتق والقرن ونحو ذلك.
والحكم فى ذلك أنه تقبل فيها شهادة امرأة واحدة والثنتان أحوط لقول النبى صلى الله عليه وسلم «شهادة النساء جائزة فيما لا تستطيع الرجال النظر اليه» والجمع المحلى بالألف واللام اذا لم يكون معه دا يراد به الجنس فيتناول الأقل وهو الواحد. فدل الحديث على عدم اشتراط التعدد فى هذه الشهادة غير أنه لما كانت الشهادة ملزمة للقاضى ان يقضى بها متى استوفت أوضاعها وشرائطها، ولا يؤخر الا لسبب مشروع قلنا ان اثنتين أحوط وقد روى عن حذيفة رضى الله تعالى عنه
قال: أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة القابلة على الولادة فدل ذلك على كفاية امرأة واحدة.
وأما استهلال الصبى عند الولادة فتكفى فيه شهادة النساء اجماعا بالنسبة للصلاة عليه اذا مات أما بالنسبة للارث فتكفى عند الصاحبين.
ولا تكفى عند الامام أبى حنيفة.
المرتبة الخامسة:
الشهادة على حوادث الصبيان التى تقع بينهم وهم يلعبون فى أماكن خاصة بهم أو يتعلمون العلم فى المدارس والمعاهد، أو يتعلمون الحرف فى المحال والمصانع الخاصة بذلك.
ونصاب الشهادة فى ذلك رجل واحد فلا تقبل عند الحنفية شهادة الصبيان (يراجع فى ذلك كله ابن عابدين من كتاب الشهادة).
مذهب المالكية:
قال المالكية: إن البينات أنواع:
الأول الشهادة على رؤية الزنا ونصاب الشهادة فى ذلك أربعة من الرجال بنص الكتاب: «واللاتى يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم» وقوله:
«لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون» نص فى العدد، والذكورة مأخوذة من اسم العدد، فانه للمذكر.
وقد انعقد الاجماع على الأمرين:
العدد والذكورة، فلا تقبل شهادة النساء فى ذلك ولا شهادة أقل من أربعة من الرجال.
وقد الحقوا بالزنا فى الشهادة أمورا.
قالوا: لا بد فيها من أربعة شهداء وحكوا فيها خلافا. منها الشهود الذين يحضرون اللعان بين الزوجين والمذهب أن أقلهم أربعة.
والثانى: الشهادة فى بقية الحدود، وقتل العمد كالشرب والقذف وما ليس بمال ولا بملحق به ويطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والطلاق والنسب والعدة والوكالة. ونصاب الشهادة فى ذلك رجلان ولا تقبل فيهما شهادة النساء مطلقا ولا أقل من رجلين.
والثالث: الشهادة فى الأموال وحقوقها، كالبيع وما فى بابه، والشراء، والديون، والأقرار بها، والاجارة، والشفعة، والاجال، والخيار، وقتل الخطأ، وما يتعلق بالمال، كإثبات التوارث والوكالة بطلب المال.
ونصاب الشهادة فى ذلك رجلان أو رجل وامرأتان، لقول الله تبارك وتعالى
«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى}.
الرابع: أمور لا يطلع عليها الرجال غالبا كالولادة والبكارة والثيوبة وعيوب النساء مما تحت ثيابهن وهذه يجزئ فيها شهادة امرأتين.
وهناك ما يقبل فيه رجل واحد يؤدى علما وخبرة كالطبيب والقائف والترجمان.
وما تقبل فيه امرأة واحدة كما فى عيوب الأمة التى لا يطلع عليها الرجال إذا كانت حاضرة وفى ثبوت الرضاع.
وتقبل شهادة الصبيان على تفصيل وخلاف فيما تقبل فيه وما لا تقبل.
فلا تصح شهادة الصبيان الا على بعضهم وفى الجراح.
ولا تجوز على غيرهم.
وانما تجوز بينهم فى الجراح وحدها قبل أن يتفرقوا ويجيئوا ويعلموا.
فان تفرقوا فلا شهادة لهم الا أن يكونوا قد اشهدوا على شهادتهم قبل التفرق
(1)
.
وقال المالكية: أن مراتب الشهادة أربعة - لأن الشهادة اما أربعة عدول أو عدلان أو عدل وامرأتان. أو امرأتان.
فللزنا واللواط أى الشهادة على فعلهما أربعة من العدول. فلا تقبل فيهما شهادة النساء مطلقا لا مع الرجال ولا منفردات.
كما لا يقبل أقل من أربعة لقوله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» وقوله سبحانه وتعالى «لَوْلا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَداءِ فَأُولئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكاذِبُونَ» }.
وأما الشهادة على الاقرار بالزنا واللعان فيكفى فيها عدلان لأنها ليست شهادة على الزنا فلا تدخل فى النص.
ولما كانت الفضيحة فى الزنا واللواط أشنع من سائر المعاصى شدد الشارع فيهما طلبا للستر فطلب أربعة من الرجال يشهدون عند الحاكم بوقت أى يجتمعون لها فى وقت واحد ويتحدوا فى الرؤية بأن يروا جميعا فى وقت واحد.
فلا بد من اتحاد وقت الأداء ووقت التحمل.
ومن اتحاد الرؤية اتحاد كيفيتها من
(1)
تبصرة ابن فرحون ج 1 ص 170، ص 213 باب شهادة الصبيان.
اضطجاع أو قيام وهو فوقها أو تحتها.
واتحاد مكانها فى ركن البيت الشرقى أو الغربى أو وسطه ونحو ذلك.
ولا بد من ذكر ذلك كله للحاكم بعد تفريقهم.
وفرقوا وجوبا فى الزنا فقط ويشهدون أنه أدخل ذكره فى فرجها.
ويزيدون وجوبا وقيل ندبا. كالمرود فى المكحلة. زيادة فى التشديد وطلبا لحصول الستر.
وجاز لكل منهم النظر للعورة قصدا ليعلم كيف يؤدى الشهادة وألحقوا بالزنا فى الشهادة أمورا قالوا لا بد فيها من أربعة شهداء وحكوا فيها خلافا منها الشهود الذين يحضرون اللعان بين الزوجين والمذهب أن أقلهم أربعة.
المرتبة الثانية: ما ليس بمال ولا آيل أى راجع للمال كعتق وطلاق غير خلع ووصية بغير مال ورجعة ادعتها على زوجها المنكر وكتابة ونكاح ووكالة فى غير مال وبقية الحدود كالشرب والسرقة وقتل العمد.
ونصاب الشهادة فى ذلك عدلان فلا تقبل فيه شهادة النساء لقوله تعالى:
«وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» }.
وحديث الزهرى مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا شهادة للنساء فى الحدود والقصاص.
المرتبة الثالثة: أن يكون المشهود به مالا أو آيلا أى راجعا له.
والنصاب فيها عدلان أو عدل وامرأتان. لقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» «أو عدل فقط أو امرأتان فقط مع يمين المشهود له لحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين .. وذلك كأجل ادعاه المشترى وخالفه البائع ومثله اختلافهما فى البيع أو فى قبض الثمن فيثبت بعدلين أو عدل وامرأتين أو احدهما مع يمين المشهود له. وخيار ادعاه المشترى ونازعه البائع لأيلولته للمال واجارة كأن يقول المستأجر أجرنى بكذا. أو لمدة كذا أو نحو ذلك وخالفه الآخر. والديون والاقرار بها والاجارة والشفعة وقتل الخطأ واثبات التوارث.
المرتبة الرابعة: ما لا يطلع عليه الرجال ولا يظهر لهم. ونصاب الشهادة فيه امرأتان
عدلتان كولادة شهدتا بها ولو لم يحضر شخص المولود. وعيب فرج واستهلال المولود أو عدمه وكذا ذكورته أو أنوثته.
ويترتب على ذلك الارث وعدمه وحيض فى أمة.
وأما الحرة فالقول قولها فيه لأنها مصدقة فيه وهناك ما يقبل فيه رجل واحد يؤدى علما وخبرة كالطبيب والقائف والترجمان .. وما تقبل فيه امرأة واحدة كعيوب الأمة التى لا يطلع عليها الرجال إذا كانت حاضرة وثبوت الرضاع.
وتقبل شهادة الصبيان على بعضهم على تفصيل وخلاف فيما تقبل فيه. وما لا تقبل وبشروط وأوضاع خاصة
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يشترط للزنا أربعة من الرجال لقول الله تعالى «وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ 2» .
فان هذه الآيات ظاهرة فى أنه لا يثبت الزنا الا بشهادة أربعة من الرجال.
ولا تقبل فيه شهادة النساء مطلقا ولا أقل من أربعة من الرجال.
ويلحق بالزنا فى ذلك اللواط واتيان البهيمة والميتة لا بد فى اتيانها من شهادة أربعة من الرجال ولا تقبل فيها شهادة النساء ولأنها فى معنى الزنا.
أما الاقرار بالزنا ففيه رأيان.
قيل يثبت بأربعة كأصله المشهود عليه.
وقيل يثبت باثنين.
واثبات ما ذكر بأربعة شهداء انما هو بالنسبة للحد والتعزير.
أما بالنسبة للحقوق الأخرى كطلاق علق عليها فتثبت بشهادة رجلين لا بشهادة غيرهما.
ويشترط للمال عين أو دين أو منفعة ولكل ما قصد به المال من عقد أو فسخ مالى كبيع وإقالة ورهن وشفعة ووارثة ولكل حق مالى كخيار. وأجل وجناية
(1)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 185 وما بعدها والشرح الكبير فى كتاب الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 15 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 4 من سورة النور.
(4)
الآية رقم 13 من سورة النور.
توجب مالا رجلان أو رجل وامرأتان لقول الله تعالى فى آية الدين «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى» الى قوله «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» }.
ويكفى فى ذلك أيضا شاهد ويمين.
ويشترط لغير ذلك مما ليس بمال ولا يقصد منه المال من عقوبة لله تعالى كحد شرب أو لآدمى كقود وحد قذف ولما يطلع عليه الرجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وإعسار رجلان. لا رجل وامرأتان إذ لا تقبل فيه شهادة النساء لقول الزهرى «مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تجوز شهادة النساء فى الحدود ولا فى النكاح ولا فى الطلاق ويشترط لما يختص بمعرفته النساء أولا يراه الرجال غالبا كبكارة وضدها. ورتق وقرن وولادة وحيض وعيوب تحت الثياب رجلان أو رجل وامرأتان أو أربع نسوة وحدهن للحاجة. ولا يحكم بشاهد واحد إلا فى هلال رمضان (يراجع فى ذلك كله تحفة المحتاج وحواشيها.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة إن أقسام المشهود به سبعة.
أحدها: الزنا واللواط فلا يقبل فيهما أقل من أربعة شهداء من الرجال لقوله تعالى «وَاللاّتِي يَأْتِينَ الْفاحِشَةَ مِنْ نِسائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ» .
وقول النبى صلى الله عليه وسلم «أربعة شهداء والا حد فى ظهرك» .
فان ذلك كله نص وظاهر فى اشتراط أربعة من الرجال لاثبات الزنا واللواط من الزنا.
وكذا الشهادة على الإقرار بالزنا واللواط لا بد فيها من أربعة رجال يشهدون أنه أقر أربع مرات حتى يتم النصاب المقرر شرعا للاثبات فى ذلك.
والثانى: دعوى الفقر فلا يقبل قول من عرف بالغنى. انه فقير بثلاثة رجال لحديث مسلم «حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة» .
والثالث: بقية الحدود كحد القذف والشرب وقطع الطريق - فلا تثبت بأقل من رجلين وكذا القود، لقول الزهرى «مضت السنة على عهد النبى صلى الله عليه وسلم ألا تقبل شهادة النساء فى الحدود» .
والرابع: ما ليس بعقوبة ولا مال ويطلع عليه الرجال غالبا كالنكاح والطلاق والنسب والإيصاء والتوكيل فى غير المال. وهذا لا يقبل فيه أقل من رجلين.
والخامس: فى موضحة ونحوها نوع من جراحة الرأس وداء بعين وداء دابة. وهذا يقبل فيه طبيب واحد وبيطار واحد إن تعذر اشهاد اثنين عليه فان لم يتعذر فلا بد من اثنين.
والسادس: فى مال وما يقصد به المال كالبيع وأجله وخياره والرهن والمهر والشركة والشفعة وجناية الخطأ. وهذا يقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان لقوله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» وسياق الآية يدل على الاختصاص بالأموال والإجماع ينعقد على ذلك ولا تقبل شهادة أربع نسوة فأكثر مقام رجلين.
والسابع: ما لا يطلع عليه الرجال كعيوب النساء تحت الثياب والبكارة والحيض والولادة واستهلال الصبى وجراحة فى حمام وعرس ونحوهما مما لا يحضره الرجال وهذا تقبل فيه شهادة امرأة واحدة لما روى حذيفة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة القابلة وحدها.
وروى أبو الخطاب عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: يجزئ فى الرضاع شهادة امرأة واحدة» والأحوط اثنتان. وان شهد به رجل واحد كان أولى لكماله (يراجع فى ذلك كله كشاف القناع).
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى فى المحلى
(1)
:
ولا يجوز أن يقبل فى الزنا أقل من أربعة رجال عدول مسلمين أو مكان كل رجل امرأتان مسلمتان عدلتان، فيكون ذلك ثلاثة رجال وامرأتين، أو رجلين وأربع نسوة، أو رجلا واحدا وست نسوة أو ثمانى نسوة.
ولا يقبل فى سائر الحقوق كلها من الحدود والدماء وما فيه القصاص والنكاح والطلاق والرجعة. والأموال إلا رجلان مسلمان عدلان أو رجل وامرأتان كذلك أو أربع نسوة كذلك ..
ويقبل فى كل ذلك حاشا الحدود رجل واحد عدل أو امرأتان كذلك مع يمين الطالب.
ويقبل فى الرضاع وحده امرأة واحدة عدلة أو رجل واحد عدل.
فأما وجوب قول أربعة من الرجال فى الزنا فبنص القرآن ولا خلاف فيه قال
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 395 وما بعدها الطبعة السابقة.
الله تعالى «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً.}.
وأما قبول رجلين فى سائر الحقوق كلها أو رجل وامرأتين فى الديون المؤجلة لأن الله تعالى قال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» الى أن قال: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما فَتُذَكِّرَ إِحْداهُمَا الْأُخْرى» }.
وقال أيضا: يا أيها النبى اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن الا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا، فاذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله.
وادعى قوم قبول عدلين من الرجال فى سائر الأحكام قياسا على نص الله تعالى فى الطلاق والرجعة ..
واختلفوا فى قبول شهادة النساء منفردات فى شئ من الأشياء وفى قبولهن مع رجل فيما عدا الديون المؤجلة.
واختلف القائلون بقبولهن منفردات فى كم يقبل منهن فى ذلك واختلفوا أيضا فى الشاهد ويمين الطالب.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(1)
: واعلم أنه يعتبر فى الزنا وإقراره أربعة رجال أصول
فلا يقبل فى الشهادة على الزنا ولا على الاقرار به أقل من أربعة رجال، ولا شهادة النساء، ولا شهادة الفروع (أى الشهادة على الشهادة).
وفى حق الله تعالى كحد الشرب. ولو مشوبا بحق آدمى كحد القذف والسرقة للقطع وفى القصاص يعتبر رجلان أصلان، فلا تقبل فيه شهادة النساء ولا شهادة الفروع أى الشهادة على الشهادة غالبا احترازا من الرضاع وفى عورات النساء وما لا يطلع عليه الرجال منهن تقبل فيه امرأة عدلة - الحرائر والإماء سواء -
وفيما عدا حقوق الله المحضة والمشوبة والقصاص وما ذكر يقبل فيه رجلان أو رجل وامرأتان أو شاهد ويمين المدعى سواء فى نكاح أو طلاق أو نسب أو مال.
(1)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 185 الطبعة السابقة.
ولا يقبل شاهد ويمين فى أصل الوقف بل لا بد من رجلين أصليين.
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع
(1)
: ويثبت الزنا بالاقرار أو البينة - ولا بد من تكرار الاقرار أربعا.
وهل يشترط اختلاف مجالسه؟ قولان، والأشبه أنه لا يشترط.
ولا يكفى فى البينة اقل من أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين.
ولو شهد رجلان وأربع نساء يثبت بهم الجلد لا الرجم.
ولا تقبل شهادة ست نساء ورجل ولا شهادة النساء منفردات.
ولو شهد مادون الأربع لم يثبت وحدوا للفرية.
ولا بد فى الشهادة من ذكر المشاهدة وتواردهم على الفعل الواحد فى الزمان والمكان.
ولو أقام الشهادة بعض حدوا لو لم يرتقب اتمام البينة.
واللواط يثبت بالاقرار أربع مرات ولو أقر دون ذلك عزر.
ويشترط فى المقر التكليف والاختيار والحرية فاعلا كان أو مفعولا.
ولو شهد أربع يثبت ولو كانوا دون ذلك حدوا.
وفى اتيان البهائم يثبت بشهادة عدلين أو بالاقرار ولو مرة ولا يثبت بشهادة النساء منفردات ولا منضمات.
ولا تقبل شهادة النساء فى الهلال والطلاق وفى قبولها فى الرضاع تردد أشبه القبول.
ولا تقبل فى الحدود وتقبل مع الرجال فى الرجم على تفصيل. فيقبل فيه وفى الجلد شهادة امرأتين مع ثلاثة رجال.
ولو شهد أربع نساء مع رجلين لا تقبل فى الرجم وتقبل فى الجلد.
ولو شهد ست نساء مع رجل لا تقبل فيهما.
وكذلك لا تقبل شهادة النساء منفردات فى ذلك.
وتقبل فى الجراح والقتل شهادة
(1)
المختصر النافع فى فقه الإمامية ص 300، ص 302 الطبعة السابقة.
النساء مع الرجال بأن يشهد رجل وامرأتان.
وأما لو شهدن منفردات فتجب بشهادتهن الدية لا القود.
وكذلك تقبل شهادتهن مع الرجال فى الديون.
ولو انفردن كامرأتين مع اليمين فالأشبه عدم القبول.
وتقبل شهادتهن منفردات فى العذرة وعيوب النساء الباطنة.
وتقبل شهادة القابلة فى ربع ميراث المستهل وامرأة واحدة فى ربع الوصية وكذا كل امرأة تقبل شهادتها فى الربع حتى يكملن أربعا فتقبل شهادتهن فى الوصية أجمع.
وجاء فيه أن حد القذف والسكر والسرقة والمحاربة يثبت كل منها بشهادة عدلين.
وتقدم ان شهادة النساء لا تقبل فى الحدود اما القصاص فيثبت بالبينة شاهدين، لا شاهد وامرأتين.
وفى كفاية الأحكام من باب الشهادات:
تقبل فى عيوب النساء والاستهلال والنفاس والحيض والولادة والرضاع شهادة امرأتين مسلمتين.
وإذا لم يوجد إلا شهادة امرأة واحدة مأمونة قبلت شهادتها فيه.
وفى كتاب شرائع الإسلام وتقبل شهادة امرأتين مع رجل فى الديون والأموال (يراجع المختصر
(1)
النافع الطبعة الثانية). وشرائع الاسلام من الشهادات وكفاية الأحكام من هذا الموضع.
وفى الروضة البهية
(2)
: يختلف نصاب الشهادة فى عدد الشهود وجنسهم من الذكورة والأنوثة باختلاف المسائل والموضوعات المشهود عليها.
فمنها: ما يثبت بأربعة رجال وهو الزنا واللواط لقوله تعالى فى الزنا «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً» .
واللواط والسحق كالزنا. فأخذ حكمه فى ذلك.
ويكفى فى الزنا الموجب للرجم وهو
(1)
المختصر النافع فى فقه الإمامية ج 1 ص 287، ص 292، ص 298 الطبعة الثانية طبع مطبعة وزارة الأوقاف وشرائع الاسلام من باب الشهادة وكفاية الأحكام من باب الشهادة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 356 الطبعة السابقة.
الذى يتوفر فيه شرط الاحصان ثلاثة رجال وامرأتان.
أما الموجب للجلد وهو الذى يكون الزانى فيه غير محصن فيكفى فيه رجلان وأربع نسوة.
ومنها ما يثبت برجلين خاصة وهو الردة والقذف والشرب وحد القذف وحد السرقة. والسرقة نفسها والجناية الموجبة للقصاص وكل ما كان من حقوق الأدميين وليس مالا ولا المقصود منه المال.
ويدخل فيه الاسلام والبلوغ والولاء والجرح والتعديل والعفو عن القصاص والطلاق والخلع والوكالة والوصية اليه بخلاف الوصية بالمال والنسب والهلال.
ومنها ما يثبت برجلين أو رجل وامرأتين وشاهد ويمين وهو كل ما كان مالا أو المقصود منه المال مثل الديون والأموال والجناية الموجبة للدية.
ومنها ما يثبت بالرجال والنساء ولو منفردات.
وضابطه ما يعسر اطلاع الرجال عليه غالبا كالولادة والاستهلال وعيوب النساء الباطنة والرضاع والوصية بمال. -
ومنها ما يثبت بالنساء منضمات الى الرجال خاصة وهو الديون والأموال.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: وتقبل الشهادة من عدلين حرين بالغين عاقلين أو امرأتين كذلك مع عدل ولو وجد عدلان إلا فى زنا.
وترد من نساء فى الحدود مطلقا الرجم والجلد والتعزير والنكال والحد وقطع السارق فلا تقبل مع الرجال كما لا تقبل منهن وحدهن.
وقيل ترد منهن فى الزنا رجما أو جلدا وتقبل فى غيره.
وتقبل منهن فيما لا يباشره الرجال كرتق وعفل وبكارة وثيوبة وبيان حمل وحياة مولود وموته عند ولادته من قابلة أمينة فإن قولها بحياة المولود وموته ونحو ذلك مقبول إن لم تجر لنفسها أو لمن تشهد له نفعا وتدفع ضررا.
واختلفوا فى نصاب النساء فيما لا يباشره الرجال .. فقيل أمينة وقيل أمينتان بمنزلة رجل وقيل أربع. كل اثنتين بمنزلة رجل.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 584 وما بعدها الطبعة السابقة.
شهادة غير المسلمين
مذهب الحنفية:
يقول الحنفية: ان الشهادة فيها معنى الولاية لما فيها من الالزام بالحكم، لأنها متى وقعت صحيحة واستوفت شرائطها الشرعية تقبل ويبنى عليها الحكم الملزم والواجب النفاذ على المحكوم عليه شاء أو أبى.
ولا ولاية لغير المسلم على المسلم لقول الله تعالى «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» }.
واذا انعدمت الولاية لا تقبل الشهادة.
وأما أهل الذمة فتقبل شهادة بعضهم على بعض وان اختلفت مللهم فتقبل شهادة النصرانى على النصرانى وعلى اليهودى.
وشهادة اليهودى على اليهودى وعلى النصرانى وشهادة أهل كل دين على بعضهم وعلى الآخرين بشرط أن يكونوا من أهل العدالة فى دينهم - لأن الذمى من أهل الولاية على نفسه وعلى أولاده الصغار فيكون من أهل الشهادة على جنسه. ولأنه يجتنب ما يعتقده محرما فى دينه والكذب محرم فى الأديان كلها فيجتنبه. ولأن الحاجة ماسة الى قبول شهادة بعضهم على بعض صيانة لحقوقهم عن الضياع اذ هم يتعاملون مع بعضهم فى مواضع لا يحضرها المسلمون. وتوجد بينهم من المنازعات ما يحملهم على التقاضى للفصل فيها فلو لم تقبل شهادتهم على بعضهم لضاعت حقوقهم وذهبت أموالهم نهب الناهبين.
وقد أمرنا أن نعاملهم بالعدل والاحسان وأن نعمل على تحقيق مصالحهم المشروعة
ولا تقبل شهادة الحربى المستأمن على الذمى لأن الذمى من أهل دار الاسلام والمستأمن من أهل دار الحرب واختلاف الدار يقطع الولاية فلا تقبل الشهادة.
وتقبل شهادة الذمى على المستأمن كشهادة المسلم على الذمى.
وتقبل شهادة المستأمنين بعضهم على بعض اذا كانوا من أهل دار واحدة.
فان كانوا من أهل دارين مختلفين فلا تقبل لانقطاع الولاية.
وهذه الآية تدل بظاهرها على جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين فى الوصية فى السفر اذا لم يوجد من المسلمين من يشهد عليها بناء على أن
الضمير فى قوله «منكم» للمؤمنين المخاطبين بالآية - وكذا فى قوله «من غيركم» أى من غير المؤمنين وهم الكفار. فيكون المعنى اثنان ذوا عدل من المؤمنين أو آخران من غير المؤمنين.
وبهذا قال الامام أحمد وبعض الفقهاء.
وقال الحنفية ان هذا كان فى أول الاسلام والمسلمون قلة فى المدينة.
وكان من يسافر منهم وينزل به الموت ويوصى لا يجد من المسلمين من يشهده على وصيته فيشهد عليها اثنين من الكفار ثم نسخ هذا الحكم بآية الدين وسورة البقرة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» الى قوله «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» والمرضى من الشهداء هم المسلمون العدول.
وقوله من رجالكم: أى من المسلمين المخاطبين بالآية. فدلت هذه الآية على أن الاستشهاد فى الحقوق والمسائل عامة يكون بالمسلمين العدول فى الوصية وغيرها.
فلا تقبل شهادة الكفار على المسلمين فى شئ لا فى الوصية ولا فى غيرها لا فى السفر ولا فى الحضر.
واستدل الحنفية بهذه الاية على جواز شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض لأنها دلت بظاهرها على جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين وبمفهومها على جواز شهادة غير المسلمين بعضهم على بعض بطريق الأولى.
وقد نسخ حكم ظاهرها على ما ذكرنا وبقى حكم مفهومها معمولا به.
وذهب بعض ثالث الى أن الآية لا تدل على جواز شهادة غير المسلمين على المسلمين أصلا فى أى حق، لأن قوله «منكم» معناه من قبيلتكم وعشيرتكم ومعنى قوله من غيركم - من غير قبيلتكم وعشيرتكم.
وليس هذا بشئ ولا يتفق مع ظاهر الآية وسياقها راجع ابن عابدين من الشهادات والبدائع من الشهادات أيضا.
وتفسير الجصاص والقرطبى فى آية المائدة.
مذهب المالكية:
وقال المالكية
(1)
ان شهادة غير المسلمين لا تقبل أصلا لا على المسلمين
(1)
التبصرة لابن فرحون ج 1 ص 173 وما بعدها وتفسير القرطبى لآية المائدة ج 5 الطبعة السابقة.
ولا على بعضهم البعض سواء اتحدت مللهم أو اختلفت.
فلا تقبل شهادة النصرانى على النصرانى ولا على غيره من أهل الأديان الأخرى. وكذلك العكس. وذلك لاشتراط الاسلام فى الشاهد من غير تفصيل بقول الله تعالى «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ» }.
فقال «مِنْ رِجالِكُمْ» والخطاب فى الآية للمؤمنين وقال {(مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ)} والمرضى هو المسلم.
واشتراط العدالة فيه بقوله سبحانه واشهدوا ذوى عدل منكم والكافر فاقد الأمرين ولأن المسلم الفاسق لا تقبل شهادته شرعا لفقدانه العدالة. والكافر شر من الفاسق وأضل سبيلا.
وأما قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ» فقد نسخ حكمه بآية الدين «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} - اذ قال فيها - {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ} .
فجعل من أوصاف الشاهدين أن يكونا من المؤمنين. وممن يرضاهم المؤمنون.
والكافر ليس كذلك.
مذهب الشافعية:
وكذلك يقول الشافعية: ان شهادة غير المسلمين لا تقبل أصلا لا على المسلمين ولا على غير المسلمين فيما بينهم، لأن الشهادة عندهم فيها معنى الولاية لما فيها من الالزام بالحكم وبالتالى نفاذ القول على الغير. اذ الحكم يبنى على الشهادة وهو نافذ على المحكوم عليه.
ولا ولاية لغير المسلم على المسلم لقول الله تعالى «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» ولأن المسلم الفاسق لا تقبل شهادته شرعا لفقدانه العدالة المشروطة فى الشاهد بالنص «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» والكافر شر من الفاسق فلا تقبل شهادته أصلا.
وقالوا فى آية المائدة «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ» ان ذلك كان فى ابتداء الاسلام والمسلمون قلة بالمدينة ثم نسخ الحكم بآية الدين فى سورة البقرة اذ نص فيها على قوله «من رجالكم» وقوله ممن ترضون من الشهداء فلا تقبل شهادة غير المسلمين بحال
(1)
.
(1)
التحفة وحواشيها ج 10 ص 211 وتفسير القرطبى لآية المائدة ج 5.
مذهب الحنابلة:
وقال الحنابلة: لا تجوز شهادة غير المسلمين ولو كانوا من أهل الذمة مطلقا لا على المسلمين ولا على بعضهم سواء اتحدت ملتهم أو اختلفت.
فلا تقبل شهادة النصرانى على نصرانى مثله ولا على أهل الأديان الأخرى وكذلك العكس، لأنه يشترط فى الشاهد أن يكون مسلما عدلا بالنصوص الواردة فى الشهادة من الكتاب والسنة وباتفاق أهل العلم. ولأن الاتفاق على عدم قبول شهادة المسلم الفاسق لفقدانه العدالة والكافر شر من الفاسق وهو الى ذلك كله غير مأمون.
واستثنوا من هذا المنع حالة الوصية فى السفر.
فأجازوا شهادة أهل الكتاب على الوصية فى السفر ممن حضره الموت من مسلم وكافر عند عدم وجود مسلم يشهد على الوصية. فتقبل شهادتهم فى هذه الحالة فقط ولو لم تكن لهم ذمة لقول الله تبارك وتعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ» فان الضمير فى قوله «منكم» للمؤمنين المخاطبين بالآية وكذا فى قوله «من غيركم» .
فيكون المعنى ان الشهادة على الوصية فى السفر حين الموت «اثنان ذوا عدل من المسلمين أو اثنان من غير المسلمين» .
فدلت الآية بظاهرها على جواز شهادة غير المسلمين على وصية المسلم فى السفر اذا لم يجد من يشهده من المسلمين.
والآية محكمة وحكمها باق.
والقول بالنسخ لا دليل عليه والنسخ لا يثبت بالاحتمال ولا يكون الا عند التعارض وعدم امكان الجمع بين الدليلين.
والجمع بين الدليلين اذا أمكن خير من الغاء احدهما فتحمل هذه الآية على هذه الحالة فقط - وهى حالة ضرورة والضرورة لها حكمها.
وقد قال بذلك ثلاثة من الصحابة الذين شهدوا بالتنزيل وعاصروه وهم أبو موسى الأشعرى وعبد الله بن قيس وعبد الله ابن عباس.
وقضى أبو موسى الأشعرى بذلك فى حادثة مماثلة لما نزلت فيه الاية بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقال به كثير من التابعين ومن جاء بعدهم.
وقال به من الفقهاء الأوزاعى والثورى وأبو عبيد القاسم بن سلام.
وذهب جماعة الى أن الآية لا دلالة فيها على جواز شهادة غير المسلم على المسلم لا فى الوصية ولا فى غيرها بناء على أن قوله منكم معناه من قبيلتكم وعشيرتكم وقوله «من غيركم» معناه من غير القبيلة والعشيرة.
وليس هذا القول بشئ ولا يساعد عليه ظاهر الآية وسياقها.
وأجاز ابن تيمية شهادة غير المسلم على المسلم فى كل موضع تقضى به الضرورة سواء فى الوصية أو فى غيرها وسواء كان فى السفر أو فى الحضر
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى امام أهل الظاهر بالأندلس فى كتابه المحلى ولا يجوز أن تقبل شهادة كافر أصلا لا على كافر ولا على مسلم حاشا الوصية فى السفر فقط فإنه يقبل فى ذلك مسلمان أو كافران من أى دين كانا أو كافر وكافرتان أو أربع كوافر.
ويحلف الكفار ههنا مع شهادتهم بعد الصلاة بالله لا نشترى به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله انا اذا لمن الآثمين.
برهان ذلك قول الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا»
(2)
. والكافر فاسق فوجب أن لا يقبل وقول الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ فَيُقْسِمانِ بِاللهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لا نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى وَلا نَكْتُمُ شَهادَةَ اللهِ إِنّا إِذاً لَمِنَ الْآثِمِينَ}
(3)
. فوجب أخذ حكم الله تعالى كله.
وأن يستثنى الأخص وهو حكم هذه الآية من الأعم وهو حكم آية الدين «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَدايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى} الى قوله: «وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ»
(4)
.
دون لجوء الى القول بالفسخ ليتوصل بذلك الى طاعة الجميع
(5)
.
(1)
كشاف القناع مع منته الارادات ج 3 ص 337 وما بعدها الطبعة السابقة وتفسير القرطبى لآية المائدة ج 5.
(2)
الآية رقم 6 من سورة الحجرات.
(3)
الآية رقم 106 من سورة المائدة.
(4)
الآية رقم 282 من سورة البقرة.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 405 وما بعدها الطبعة السابقة.
مذهب الزيدية:
يقول الزيدية: ان الشهادة لا تصح من كافر حربى وثنى أو ملحد أو مرتد ولا من غير المسلمين مطلقا على مسلم اجماعا لقول الله تعالى «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً» }.
ولقول النبى صلى الله عليه وسلم «الاسلام يعلو ولا يعلى عليه. ويقبل الذمى على أهل ملته كالمسلم على مثله بخلاف الحربى لانقطاع أحكامهم فأشبه المرتد.
ولا تقبل على مسلم إجماعا ولو على وصيته فى السفر، لقول النبى صلى الله عليه وسلم لا تقبل شهادة ملة على ملة إلا ملة الإسلام فإنها تجوز على الملل كلها».
مذهب المالية:
وفى مذهب الشيعة الجعفريه
(1)
: جاء فى المختصر النافع من كتاب الشهادات فى الكلام على صفات الشاهد والشروط التى تعتبر فيه لصحة الشهادة.
الثالث. الايمان فلا تقبل شهادة غير المؤمن وتقبل شهادة الذمى فى الوصية خاصة مع عدم المسلم.
وفى اعتبار الغربة تردد.
وتقبل شهادة المؤمن على أهل الملل الأخرى.
ولا تقبل شهادة أحدهم على المسلم لا غيره.
وهل تقبل علي أهل ملته؟ فيه رواية بالجواز ضعيفة.
والأشبه المنع.
وفى شرائع الإسلام أن شهادة غير المسلم تقبل على المسلم وغيره فى الوصية مع عدم حضور عدول المسلمين ولا يشترط كون المسلم فى غربة.
مذهب الإباضية:
وفى مذهب الإباضية: جاء فى شرح
(2)
النيل: والإجماع على عدم قبول شهادة الكفار على المسلمين.
(1)
المختصر النافع ص 286 من كتاب الشهادات الطبعة الثانية.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 6 ص 585 إلى ص 600 الطبعة السابقة.
وتجوز شهادة مشرك على مشرك من ملته.
وتقبل من كتابى على مثله فى ملته. فتقبل شهادة نصرانى على نصرانى مثله وشهادة يهودى على يهودى مثله.
وترد من ذى ملة على أخرى فوقها أو دونها فلا تقبل شهادة نصرانى على يهودى ولا شهادة يهودى على مجوسى.
واجاز بعضهم شهادة اعلاهم على من دونه كنصرانى أو يهودى على مجوسى.
أصل
التعريف به فى اللغة والاصطلاح واستعمالاتها عندهم:
الأصل فى اللغة كما فى القاموس:
اسفل الشئ.
ويذكر الأصوليون أن معناه فى اللغة ما يبتنى عليه غيره، وذلك يعم الابتناء الحسى والعقلى، أو يستند تحقق الشئ اليه، أو منشأ الشئ.
وأما استعمال الاصوليين والفقهاء لها فانه لا يبعد عن المعنى اللغوى، فهم يطلقونها ويريدون بها تارة الدليل، كقولهم أصل هذه المسألة الكتاب والسنة أى دليلها ومنه أصول الفقه أى أدلته.
وتارة الرجحان، كقولهم، الأصل فى الكلام الحقيقة أى الراجح هو الحقيقة لا المجاز.
وتارة القاعدة المستمرة كقولهم اباحة الميتة للمضطر على خلاف الأصل.
وتارة الصورة المقيس عليها على اختلاف مذكور فى القياس فى تفسير الأصل
(1)
.
وقد زاد الشوكانى فى كتابه ارشاد الفحول
(2)
على المعانى المشار اليها
(1)
التقرير والتحبير لابن أمير الحاج وبهامشه شرح الأسنوى البيضاوى ج 1 ص 6، ص 7 الطبعة السابقة.
(2)
ارشاد الفحول الى تحقيق الحق من علم الأصول للامام المجتهد العلامة الربانى قاضى قضاة القطر اليمانى محمد بن على بن محمد الشوكانى وبهامشه شرح العلامة الشهير الشيخ أحمد بن قاسم العبادى الشافعى على شرح الامام الشيخ جلال الدين محمد أحمد المحلى الشافعى على الوركانى فى الأصول لامام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجوينى ص 3 طبع مطبعة ومكتبة محمد على صبيح وأولاده بمصر.
لهذا اللفظ «المستصحب» وقال: أن أوفق هذه المعانى فى أصول الفقه هو الدليل.
ويكثر استعمال الفقهاء لهذه الكلمة بمعنى الدليل.
فيقولون: الأصل فى هذا الموضوع من القرآن كذا أو من السنة كذا.
كما يستعملها الفقهاء والاصوليون أحيانا بمعنى القاعدة الكلية، كقولهم «الأصل فى المنافع الاباحة» .
وقول بعضهم الأصل فى الشروط المقترنة بالعقد الاباحة.
وقول بعضهم: ان الأصل فيها الحظر.
ويرد فى بعض عبارات الأصوليين كلمة استصحاب الأصل. على أنه من الأدلة الشرعية.
والمقصود من الأصل فى هذا التعبير.
الحكم السابق الذى لم يطرأ ما يقتضى تغييره.
وأشهر مواضع استعمال كلمة أصل فى كتب الفقه موضعان.
الموضع الأول: النفقة عند الكلام عن نفقة الأصول والفروع، وما يجب للأصول على الفروع والعكس وبيان ذلك فى مصطلح نفقه.
الموضع الثانى: الارث، وذلك عند الكلام عن العصبات فانهم يذكرون على رأسها الأصول ويراد بها الأب وان علا، مما موضع بيانه مصطلح عصبة. وعند الكلام فى باب الارث عند تقسيم التركه، وبيان مخارج السهام.
أصول الفقه:
وقد أصبحت كلمة أصل بعد جمعها وأضافتها الى كلمة فقه علما على العام المعروف بعلم أصول الفقه.
وقد عرفه الأصوليون بعدة تعريفات (أنظر مصطلح أصول الفقه).
أصل القياس:
يقول الأسنوى عند الكلام على أركان القياس
(1)
: اذا ثبت الحكم فى صورة لوصف مشترك بينها وبين غيرها تسمى الأولى أصلا، والثانية فرعا، والمشترك علة وجامعا.
وجعل المتكلمون دليل الحكم فى الأصل أصلا.
(1)
أنظر كتاب التقرير والتحبير لابن أمير الحاج على تحرير الكمال بن الهمام وبهامشه الأسنوى للبيضاوى ج 3 ص 2 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1316 هـ الطبعة الأولى.
وجعل الامام - الرازى الحكم فى الأولى أصلا، والعلة فرعا، لأنه اظهار مستند الى هذا الحكم، وفى الثانية بالعكس، لأن الحكم فيها مبنى عليها.
ويقول عند البيان التفصيلى لكل من الأصل
(1)
والفرع أخذا من كلام البيضاوى فى المنهاج: ان للأصل خمسة شروط.
الأول ثبوت حكمه.
والثانى كون ذلك الحكم ثابتا بدليل من الكتاب أو السنة أو باجماع الأمة.
والثالث أن لا يكون الدليل الدال على حكم الأصل متناولا للفرع.
والرابع أن يكون حكم الأصل معللا بعلة معينة غير مبهمة.
والخامس أن لا يكون حكم الأصل متأخرا عن حكم الفرع اذا لم يكن لحكم الفرع دليل سوى القياس.
وقد فصل الأسنوى وغيره هذه الشروط وبينوا أدلتها وموضع ذلك مصطلح قياس.
أصمّ
الأصم لغة واصطلاحا:
جاء فى (القاموس المحيط) مادة (صمم):
الصمم محركة، انسداد الأذن وثقل السمع، وأصمه الله تعالى فهو أصم، جمعه صم وصمان.
وقد استعمله الفقهاء فى المعنى اللغوى المبين، وبينوا ما يتعلق به من أحكام من هذه الناحية.
حكم سجدة التلاوة عند الأصم
مذهب الحنفية:
تجب سجدة التلاوة على التالى الأصم، اذ لا يشترط فى وجوبها على التالى سماع تلاوته
(2)
.
(1)
المرجع السابق شرح الامام جمال الدين الأسنوى المسمى نهاية السول فى شرح منهاج الوصول الى علم الأصول للقاضى البيضاوى ج 3 ص 106، ص 109 طبع المطبعة الكبرى ببولاق مصر المحمية سنة 1316 هـ الطبعة الأولى.
(2)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أحمد الشهير بابن عابدين ج 1 ص 717 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.
كما تجب عليه اذا كان مأموما تبعا لوجوبها على امامه اذا سجدها الامام فى الصلاة.
مذهب المالكية:
تسن على القارئ مطلقا، فيتناول الأصم
(1)
.
والى هذا ذهب الشافعية
(2)
.
مذهب الحنابلة:
تسن سجدة التلاوة للقارئ ولو كان أصم
(3)
، ويلزم مأموما متابعة امامه - فى سجدة التلاوة - فى صلاة جهر ان سمع أى تلزم المتابعة ان سمع المأموم قراءة الامام، والا فهى فى حده كصلاة السر.
وصرح فى شرحى الاقناع والمنته بلزوم المتابعة فى الصلاة الجهرية، ولو كان هناك مانع من السماع كبعد وطرش
(4)
.
مذهب الإمامية:
يستحب سجود التلاوة على القارئ وان كان أصم، وعلى المستمع.
أما السامع الذى يصل الى أذنه صوت القارئ دون قصد منه ففى وجوب السجدة عليه خلاف.
وليس على غير هؤلاء الثلاثة سجود
(5)
.
مذهب الإباضية:
لزم سجدة التلاوة القارئ فقط ولو كان أصم لا غيره، ولو فى المجلس.
وقيل تلزم من فى المجلس ولو لم يسمعها
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وبهامشة الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق سيدى الشيخ محمد عليش ج 1 ص 307 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219 هـ.
(2)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع الشبراملسى عليه وبهامشة المغربى ج 2 ص 92 طبع مطبعة شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشة شرح منته الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 264 طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.
(4)
غاية المنته فى الجمع بين الاقناع والمنته ص 162.
(5)
أنظر كتاب مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة للسيد محمد بن محمد بن الحسينى العاملى المجاور بالنجف الأشرف ج 2 ص 453 طبع مطبعة القاهرة بالمطبعة الرضوية سنة 1324 هـ بمصر.
واختلف فيمن رآهم يسجدون ولم يسمعها لنوم أو غيره
(1)
.
حضور الأصم خطبة الجمعة
مذهب الحنفية:
لو كانت الجماعة التى تنعقد بهم الجمعة - بعضهم أو كلهم - صما، وحضروا الخطبة صحت: اذ الشرط أن يحضرها جماعة تنعقد الجمعة بهم ولو لم يسمعوا شيئا منها: لصمم أو نوم أو بعد
(2)
.
مذهب المالكية:
لا يشترط فى الجماعة التى تنعقد بهم الجمعة سماعهم الخطبة، بل الشرط حضورهم من أول الخطبة ولو كانوا صما
(3)
.
مذهب الشافعية:
يشترط فى انعقاد الجمعة سماع من تنعقد بهم الجمعة للخطبة، وهم تسعة وثلاثون عدا الامام
فلو كان من لم يسمع الخطبة لصمم أو اغماء أو بعد فى المكان لم تصح الخطبة
(4)
.
مذهب الحنابلة:
يشترط فى اقامة الجمعة سماع الخطبة ولو من واحد ممن تنعقد بهم صلاتها.
فلو كان الكل عدا الامام صما لم تنعقد.
ولو كان غير الأصم منهم لم يسمع الخطبة لبعده لم تنعقد أيضا
(5)
.
(1)
أنظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف أطفيش ج 1 ص 616، ص 617 طبع على ذمة صاحب الامتياز محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
(2)
حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المختار ج 1 ص 757، ص 758 الطبعة السابقة وأنظر كتاب شرح فتح القدير للشيخ الامام كمال الدين محمد ابن عبد الواحد السيواسى السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى وبهامشة شرح العناية على الهداية للامام أكمل الدين محمد بن محمود البابرتى وحاشية المولى المحقق سعد الله بن عيسى المفتى الشهير بسعدى جلبى وبسعدى أفندى على شرح العناية المذكور وعلى الهداية شرح بداية المبتدى تأليف شيخ الاسلام برهان الدين على بن أبى بكر المرغينانى ج 1 ص 415 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1310 هـ الطبعة الثانية.
(3)
انظر كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك للامام العالم الشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للقطب الشهير سيدى أحمد الدردير وبهامشه القطب الشهير سيدى أحمد الدردير ج 1 ص 167 طبع المطبعة والمكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1350 هـ.
(4)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى عليه وبهامشه المغربى ج 2 ص 295 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منته الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 345 طبع المطبعة الشرفية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.
مذهب الزيدية:
فرض المأموم الاستماع لا السماع، اذ لم يأمر صلى الله عليه وسلم الا بالاستماع والانصات، بدليل أجزاء الحضور من الأصم
(1)
مذهب الإمامية:
ويجب رفع صوت الخطيب بحيث يسمعه العدد فصاعدا كما هو المعه د فى الأعصار والأمصار
وفى جامع المقاصد والمعزية: لو منع مانع من صمم أو صوت ريح أو ماء، فالظاهر الاجتزاء، ولا يجب أن يجهد نفسه.
وقد تبعا فى ذلك المصنف فى التذكرة ونهاية الأحكام حيث قال: لو رفع الصوت بقدر ما يبلغ ولكن كانوا كلهم أو بعضهم صما فالأقرب الأجزاء كما لو سمعوا ولم يفهموا
(2)
.
حكم تكلمه حيث يجب الانصات
أثناء قراءة القرآن أو أثناء الخطبة
مذهب الحنفية:
جاء فى المبسوط للسرخسى: (ولا ينبغى للقوم أن يتكلموا والامام يخطب ..
فان كان (المصلى) بحيث لا يسمع الخطبة فظاهر الجواب أنه يسكت، لأن المأمور به شيئان: الاستماع والانصات.
فمن قرب من الامام فقد قدر عليهما.
ومن بعد عنه، فقد قدر على أحدهما وهو الانصات، فيأتى بما قدر عليه.
والظاهر من ذلك أن على الأصم الانصات
(3)
مذهب المالكية:
نقل ابن راشد فى شرح مختصر ابن الحاجب فى صلاة الجمعة: أنه يجب الانصات وان لم يسمع.
وفى فتاوى ابن قداح أنه اذا صلى الجمعة
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 17 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ وسنة 1948 م الطبعة الأولى.
(2)
أنظر من كتاب مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة للسيد محمد بن محمد بن الحسينى العاملى المجاور بالنجف الأشرف الضروى ج 3 ص 119 طبع مطبعة القاهرة.
(3)
انظر كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 2 ص 28 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ الطبعة الأولى طبع محمد ابن على الساسى.
فى موضع لا يسمع فيه قراءة الامام، وخاف على نفسه الوسوسة فانه يقرأ.
وقال البرزلى عقيب نقله مسألة ابن قداح هذه ما نصه (هذا استحسان وهو جار على مذهب من يجيز الكلام حيث لا يسمع خطبة الامام وعلى المشهور يصمت فيصمت هذا
(1)
.
وحرم كلام من الجالسين بالمسجد فى حال خطبتيه لا قبلهما ولو جلس على المنبر الجلسة الأولى، وبينهما فى الجلسة الثانية ولو لم يسمع الخطبة لبعده أو صممه
(2)
.
مذهب الشافعية:
يكره الكلام لخبر مسلم: «اذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والامام يخطب فقد لغوت.
نعم الأولى لغير السامع أن يشتغل بالتلاوة والذكر.
ويسن الانصات لقوله تعالى (واذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) ورد فى الخطبة كما ذكره كثير من المفسرين بل أكثرهم وسميت قرآنا لاشتمالها عليه .. اذ الانصات السكوت، والاستماع شغل السمع بالسماع
(3)
مذهب الحنابلة:
للمنصت الذى لا يسمع من الحظ ما للسامع.
وقال القاضى أبو يعلى: يجب الانصات على السامع ويستحب لمن لا يسمع، لأن الانصات انما وجب لأجل الاستماع، والأول أولى لعموم النصوص.
وللبعيد أن يذكر الله تعالى ويقرأ القرآن ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يرفع صوته
(4)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم: فرض على كل من حضر الجمعة سمع الخطبة أو لم يسمع - أن لا يتكلم مدة خطبة الامام بشئ البتة الا التسليم ان دخل حينئذ ..
(1)
مواهب الجليل شرح مختصر سيدى أبى الضياء خليل بهامشة التاج الاكليل للمواق فى كتاب ج 1 ص 516 الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك للامام العلامة الشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للقطب الشهير سيدى أحمد الدردير وبهامشة القطب الشهير لسيدى أحمد الدردير ج 1 ص 171 طبع المطبعة والمكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1320 هـ.
(3)
نهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج لشمس الدين بن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 2 ص 308 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله ابن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 2 ص 218 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى.
ومن تكلم بغير السّلام والرد وتشميت العاطس ذاكرا عالما بالنهى فلا جمعة له
(1)
.
مذهب الزيدية:
يحرم الكلام حال الخطبة لقوله صلى الله عليه وسلم لمن تكلم
(2)
: «لا جمعة لك» وهذا باطلاقة يشمل الأصم.
مذهب الإمامية:
يجب الاستماع على القريب السامع:
أما البعيد والأصم، فلا يجب عليهما الاستماع أثناء الخطبة، بل فى بعضها، ولا يحرم عليهما الكلام، فان شاءا سكتا، وان شاءا قرءا، وان شاءا ذكرا
(3)
.
مذهب الإباضية:
ومن دخل المسجد عند الخطبة فلا يركع، ولزمه الانصات لها، ولو كان لا يسمع لنحو بعد أو صمم أو ريح.
وقيل لا يلزمه ان كان لا يسمع
(4)
.
وأجاز أبو الموثر ان كان لا يسمع أن يقرأ فى نفسه ويحرك لسانه أو يذكر أو يسبح ولا ضير ان أسمع جليسه.
وفى موضع آخر: قيل الانصات واجب ولو ممن لا يسمع لبعد أو صمم
(5)
.
شهادة الأصم
مذهب الحنفية:
يشترط فى تحمل الشهادة السماع من الخصم لأن الشهادة تقع له، ولا يعرف كونه خصما الا بالرؤية، لأن النغمات يشبه بعضها.
بعضا.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 61 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية سنة 1349 هـ الطبعة الأولى لصاحبها محمد منير أغا الدمشقى
(2)
أنظر كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 17 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1948 م الطبعة الأولى.
(3)
مفتاح الكرامة شرح قواعد العلامة للسيد محمد بن محمد بن الحسينى العاملى المجاور بالنجف الأشرف ج 3 ص 123 طبع مطبعة القاهرة بالمطبعة الرضوية سنة 1324 هـ بمصر.
(4)
أنظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 512 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1943 م.
(5)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 513 الطبعة السابقة وأنظر كتاب الايضاح تأليف العالم العلامة الشيخ عامر بن على الشماخى طبع مطبعة دار الدعوة، الطبعة الأولى سنة 1391 هـ 1971 م مع حاشيته ج 1 ص 496.
ومن شروط أداء الشهادة: القدرة على التمييز بالسمع والبصر بين المدعى والمدعى عليه فلا تقبل شهادة الأصم
(1)
.
مذهب المالكية:
يفرق المالكية بين الشهادة على الأقوال والشهادة على الأفعال: فالعدل تقبل شهادته، وان كان أعمى فى القول أو كان أصم فى الفعل كالضرب والأكل والأخذ والاعطاء، واحترز بذلك عن المسموعات لا عن المشمومات والملموسات والمطعومات فانها اتفاق. وأما الأعمى الأصم فلا تجوز شهادته ولا معاملته
(2)
مذهب الشافعية:
ان كانت الشهادة على قول كالبيع والنكاح والطلاق والاقرار لم يجز التحمل فيها الا بسماع القول ومشاهدة القائل، فلا يتحمل الأصم هذه الشهادة لأنه لا يحصل العلم بذلك الا بالسماع والمشاهدة
(3)
.
وتقبل شهادته فى الأفعال لحصول العلم فيها بالمشاهدة والأقوال كعقد وفسخ يشترط.
مذهب الحنابلة:
تجوز شهادة الأصم فى المرئيات لأنه فيها كغيره.
وتجوز شهادة الأصم بما سمعه قبل صممه، لأنه فى ذلك كمن ليس به صمم
(4)
.
ومن شهد بحق عند حاكم ثم عمى أو خرس أو صم أو جن أو مات لم يمنع الحكم بشهادته ان كان عدلا
(5)
.
(1)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 4 ص 513 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.
(2)
انظر كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك للامام العالم الشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للقطب الشهير سيدى أحمد الدردير وبهامشة القطب الشهير سيدى أحمد الدردير ج 1 ص 324 طبع المطبعة والمكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1320 هـ.
(3)
أنظر كتاب المهذب لأبى اسحاق على بن ابراهيم الفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 235 كتاب الشهادات طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر وبهامشة النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشة شرح الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 4 ص 260 طبع المطبعة العامرة الشرقية بمصر سنة 1329 هـ الطبعة الأولى.
(5)
شرح منته الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 4 ص 325 الطبعة السابقة والمغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدس ج 9 ص 158، ص 159، ص 160 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1351 هـ الطبعة الأولى.
مذهب الإمامية:
تقبل شهادة الأصم فيما يكفى فيه الرؤية كالأفعال من الغصب والسرقة والقتل والرضاع والولادة والزنا واللواط، لانتفاء الحاجة الى السمع فى الفعل
(1)
.
قراءة الأصم فى صلاته
مذهب الحنفية:
يرى بعض فقهاء الحنفية:
أن أدنى الحد الذى تتحقق به القراءة فى الصلاة خروج صوت يصل الى أذن المصلى ولو حكما، كما لو كان هناك مانع من صمم أو جلبة أصوات أو نحو ذلك.
وفى تعرف تفصيل ذلك عند الحنفية وغيرهم يرجع الى مصطلح قراءة
(2)
.
قضاء الأصم
يرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة:
أن الأصم لا يصح توليته القضاء، ويجب عزل القاضى اذا طرأ الصمم عليه
(3)
.
وأما ثقل السمع فليس بمانع من توليته القضاء عندهم وعند الزيدية
(4)
.
امامة الأصم واقتداؤه
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن الأصم لا ينبغى أن يكون اماما راتبا لأنه قد يسهو فيسبح له فلا يسمع فيكون ذلك سببا لافساد الصلاة
(5)
، ولا يجوز
(1)
أنظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 254 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
(2)
الدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 1 ص 498، ص 499، باب شروط الصلاة الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.
(3)
المرجع السابق وحاشية ابن عابدين عليه ج 4 ص 315 الطبعة السابقة وبلغة السالك لأقرب المسالك للامام العالم الشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للقطب الشهير سيدى أحمد الدردير وبهامشه القطب الشهير لسيدى أحمد الدردير ج 2 ص 306 فى باب أحكام القضاء طبع المطبعة والمكتبة التجارية الكبرى بمصر سنة 1320 هـ، وانظر كتاب مواهب الجليل شرح مختصر سيدى أبى الضياء خليل وبهامشه التاج والأكليل للمواق فى كتاب طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى ج 6 ص 100 وانظر كتاب نهاية المحتاج الى شرح الفاظ المنهاج لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشبراملسى عليه ج 8 ص 226 من كتاب القضاء وبهامشه المغربى طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ، وانظر كتاب المغنى لابن قدامة المقدسى على متن المقنع للخرقى والشرح الكبير عليه ج 9 ص 40 الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 5 ص 12 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ وسنة 1948 م الطبعة الأولى.
(5)
انظر كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب وبهامشه التاج والأكليل للمواق ج 2 ص 103 الطبعة السابقة.
أن يكون مأموما وحده لأنه لا يهتدى الى أفعال الامام فان كان معه مأموم آخر جاز لأنه ينبهه الى أفعال الامام
(1)
.
مذهب الشافعية:
قالوا فى امامة الأصم: تجوز امامة الأصم مع وجود السميع
(2)
.
وقالوا فى اقتداء الأصم: يشترط علم المأموم بانتقالات الامام ليتمكن من متابعته بأن كان يراه أو يرى بعض صف من المقتدين به أو واحدا منهم وان لم يكن فى صف، أو يسمعه أو يسمع مبلغا ثقة وان لم يكن مصليا أو بهداية ثقة بجنب أعمى أصم أو بصير أصم فى نحو ظلمة ..
فلو جهل المأموم أفعال امامه الظاهرة كالركوع والسجود لم تصح صلاته، فيقضى لتعذر المتابعة حينئذ
(3)
.
مذهب الحنابلة:
تصح امامة الأصم، لأنه لا يخل بشئ من أفعال الصلاة ولا شروطها فأشبه الأعمى، فان كان أصم أعمى صحت امامته لذلك.
وقال بعض أصحابهم: لا تصح امامته، لأنه اذا سها لا يمكن تنبيهه بتسبيح ولا اشارة والأولى صحتها، فانه لا يمنع من صحة الصلاة احتمال عارض لا يتيقن وجوده كالمجنون حال أفاقته
(4)
.
عقود الأصم
ايجاب الأصم:
اذا كان الأصم قادرا على النطق فالحكم فى ايجابه هو الحكم فى ايجاب الناطق غير الأصم، أى أنه ينشئ عقده بالايجاب بعبارته أو بكتابته ان كان قادرا على الكتابة الدالة على كل منهما سواء كان عقدا ينشأ بالارادة المنفردة كالوقف أم عقدا ينشأ من جانبين بالايجاب والقبول كالبيع.
أما اذا كان غير قادر على النطق بأن كان أصم أبكم فايجابه فى عقوده يكون باشارته المفهمة المعه دة، حكمه فى ذلك حكم الأخرس ذلك ما يتعلق بايجابه.
اتصال علمه بالقبول:
يتصل علمه بالقبول ان كان باشارة برؤيته
(1)
المرجع السابق وبهامشه التاج والاكليل ج 2 ص 113 الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين بن شهاب الدين الرملى وحاشية الشيراملسى عليه ج 2 ص 169 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لابن شهاب الدين الرملى وحاشية الشيراملسى عليه ج 2 ص 191 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى لابن قدامة المقدسى على متن المقنع للخرقى والشرح الكبير عليه ج 2 ص 195 طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الأولى.
لها اذا كان بصيرا فان كان بكتابة فبقراءته اياها اذا كان يعرف القراءة.
فان كان أعمى فلا سبيل الى التعامل معه شخصيا.
فاذا كان الموجب قبول الأصم اذا كان الأصم هو من وجه اليه الايجاب فيجب أن يعلم مضمون الايجاب الموجه اليه برؤيته اشارة الموجب أو بقراءته كتابته.
فان كان الأعمى فلا سبيل الى علمه بمدلول الايجاب ولذا لا يتأتى التعامل معه شخصيا
هذا هو رأى الفقهاء جميعا.
وجملة القول أن العقود التى تنشأ من جانبين لا تتم الا بارتباط الايجاب والقبول.
وذلك ما نص عليه صاحب الفتح الكمال ابن الهمام فى أول كتاب البيع عند الكلام على نشأة البيع وما دل عليه عند كلامه فى انشاء عقد الزواج.
وهو ما يدل عليه ما ذكر فى بقية المذاهب الأخرى عند كلامهم على العقود ووجوب انشائها على الارتباط بين العاقدين، بناء على التوافق بين القبول والايجاب، وعلم كل من الطرفين مضمون كلام الآخر فيها.
وهذا ما يتفق مع ما جاء فى حاشية العدوى على الخرشى اذ جاء فيها: ان حقيقة البيع توجد بسبب ما يدل على الرضا من العاقد من لفظ أو اشارة أخرس غير أعمى ..
وما جاء فى الذخيرة أنه اذا كان العاقد أخرس أعمى منعت معاملته ومناكحته لتعذر الاشارة منه
(1)
.
غير أنه يلاحظ ما استجد الآن من امكان تعليم الأعمى القراءة والكتابة بواسطة الحروف المجسمة وبذلك يمكن التعامل مع الأصم بهذه الوسيلة.
أنظر مصطلح (عقد).
أصول الفقه
تعريف أصول الفقه بمعناه الأصلى الاضافى.
يراد بالتعريف هنا تفسير كل كلمة من هذا المركب الاضافى «أصول الفقه» على حدتها.
فكلمة أصول: جمع أصل وهو فى اللغة اسم لما يبتنى عليه غيره، سواء كان ذلك
(1)
انظر كتاب الخرشى للمحقق الفاضل سيدى أبى عبد الله محمد الخرشى على مختصر خليل للامام أبى الضياء سيدى خليل للعلامة الشيخ العدوى ج 5 ص 5 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1317 هـ.
حسيا كالأساس الذى يشيد عليه البناء، فهو أصل له، أم كان عقليا كالقواعد الكلية التى يبتنى عليها الأحكام الجزئية.
ومن ذلك العلة فانها أصل للمعلول.
وأما كلمة فقه فان الفقه فى اللغة بمعنى العلم بالشئ والفهم له.
وعند الفقهاء العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية كما قال البيضاوى وغيره.
وقد عرفه البيضاوى فى منهاجه فقال
(1)
: هو معرفة دلائل الفقه اجمالا وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد، أى التصديق بجميع مسائل أدلة الفقه الاجمالية المتفق عليها والمختلف فيها، وبطريقة استفادة الفقه من تلك الأدلة واستنباط الأحكام الشرعية منها، وبصفات المستفيد وهو طلب حكم الله عن دليل.
موضوع أصول الفقه:
تمهيد مفيد:
ان كل علم - من العلوم المدونة - عبارة عن مجموعة من المسائل الكلية، يدور البحث فيها عن أحوال ذاتية متعلقة بشئ واحد، أو بأشياء متعددة، بشرط أن تكون متناسبة تناسبا يعتد به، بأن يجمعها أمر مشترك يدور البحث حوله. وبذلك تمتاز مجموعة مسائله عن مسائل العلوم الأخرى، تمام التميز، وهذا الشئ الواحد أو هذه الأشياء المتناسبة تسمى:«موضوع العلم» .
ولذلك عرفه العلماء: «بأنه ما يبحث - فى ذلك العلم عن عوارضه الذاتية» .
وأرادوا بالعوارض «الأمور المحمولة على الشئ الخارجة عنه» .
وأرادوا بالذاتية: «ما كان منشؤها ذات الشئ.
وبما أن العلم لا يمتاز عن غيره تمام التميز، الا بموضوعه - كان على طالبه أن يصدق بموضوعة موضوعه أى بأن موضوعه هو كذا لتحصل له زيادة بصيرة فى الشروع فيه بعد معرفة تعريفه وادراك حقيقته.
(1)
انظر كتاب التقرير والتحبير شرح العلامة المحقق ابن أمير الحاج على تحرير الامام الكمال ابن الهمام فى علم الأصول الجامع بين اصطلاحى الحنفية والشافعية وبهامشه شرح الامام جمال الدين الأسنوى المسمى نهاية السول فى شرح منهاج الوصول الى علم الأصول للقاضى البيضاوى ج 1 ص 6 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1316 هـ الطبعة الأولى.
فعلى طالب علم أصول الفقه أن يعرف ما هو موضوعه؟ قبل أن يشرع فيه، لما تقدم ذكره.
اذا تمهد هذا نقول: قد اختلف علماء الأصول فى موضوعه على مذاهب كثيرة أشهرها ثلاثة:
1 -
(المذهب الأول) أن موضوعه:
الأدلة السمعية مجملة من حيث اثبات الأحكام الشرعية بجزئياتها، بطريق الاجتهاد، بعد الترجيح بينها عند تعارضها، وهذا مذهب الجمهور. وعليه فيعرف الأصول بنحو ما تقدم ذكره عن البيضاوى.
وانما كان الأمر كذلك، لأنه يبحث فى الأصول عن عوارض تلك الأدلة الذاتية من هذه الحيثية.
وتعبير بعضهم: «بأن موضوعه الدليل السمعى» ، المراد منه: أن موضوع الأصول بالقوة هو: الدليل السمعى الكلى، وأن موضوعه بالفعل - فى قضاياه وسائله - وهو: أنواع هذا الدليل، وأعراضه وأنواع هذه الأعراض. كما صرح به الكمال بن الهمام وغيره، وكما سنذكره ونبينه.
وبذلك تعلم أن موضوع الأصول أشياء متعددة - وهى: الكتاب، والسنة وغيرهما: من الأدلة المتفق على حجيتها والأدلة المختلف فيها - ولكنها متناسبة:
لاشتراكها فى الايصال الى حكم شرعى.
وتعلم أيضا -: أن الأدلة التفصيلية ليست موضوعا له وانما تذكر فيه على سبيل المثال.
وتعلم كذلك - أن مسائل علم الأصول منحصرة فى ثلاثة مباحث:
الأدلة والترجيح عند التعارض والاجتهاد.
وأن مباحث الأحكام ليست من الأصول
ثم ان البحث عن العوارض الذاتية للدليل السمعى الاجمالى، يكون على أربعة أنواع:
(النوع الأول) أن يحمل العرض الذاتى على نفس الدليل، كقولنا:«الكتاب يثبت الحكم قطعا: اذا كانت دلالته قطعية» .
(النوع الثانى) أن يحمل على نوع الدليل كقولنا: الأمر يفيد الوجوب» فان الأمر نوع من الكتاب.
(النوع الثالث) أن يحمل على عرض ذاتى آخر له كقولنا «العام يفيد الظن» فان «العموم» عرض ذاتى للكتاب.
(النوع الرابع): «أن يحمل على نوع العرض الذاتى كقولنا: العام المخصوص يفيد الظن» فان العام المخصوص نوع من العام:
الذى هو عرض ذاتى للكتاب.
وجميع مباحث الأصول راجعة الى اثبات الأدلة للأحكام: بأن يكون محمولها هو الاثبات نفسه، أو أمرا آخر له نفع ودخل فيه كاشتراطنا فى حجية خبر الواحد:
أن يكون سنده متصلا، وأن يكون راوية ثقة.
ثم أن الأصوليين لم يتعرضوا لحجية الكتاب والسنة، لأن المقصود فى الفنون المسائل النظرية، وكون الكتاب والسنة حجة أمر بديهى دينى: لاجماع العامة والخاصة عليه. ولذلك يكفر منكره ومن تردد فى ثبوته بخلاف غيرهما من الأدلة ولذلك تعرضوا لاثبات حجية الاجماع والقياس: لأنه قد أكثر فيها الشغب من الحمقى والخوارج والروافض وبعض المعتزلة وتعرضوا لحجية القراءة ة الشاذة. وخبر الواحد، والأدلة المختلف فيها: لأنها غير بينة.
2 -
المذهب الثانى: أن موضوعه الأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة. وهى الأحكام التكليفية: من الوجوب والندب والحرمة والكراهة والاباحة والأحكام الوضعية: من السببية والشرطية والمانعية والصحة والفساد، وهو مذهب بعض الحنفية.
وعليه فيعرف الأصول: «بأنه علم يعرف به أحوال الأحكام الشرعية من حيث ثبوتها بالأدلة» .
3 -
(المذهب الثالث): أن موضوعه:
الأدلة والأحكام الشرعية. وقد ذهب اليه صدر الشريعة من الحنفية.
وقد استدل له (أولا) بما ذكره صدر الشريعة نفسه: من أن علم أصول الفقه يبحث عن العوارض الذاتية للأدلة، وهى: اثباتها للأحكام، ويبحث كذلك عن العوارض الذاتية للأحكام وهى ثبوتها بالأدلة. فجعل أحدهما من المقاصد، والآخر من اللواحق - تحكم غايته ما فى الباب: أن مباحث الأدلة أكثر وأهم، ولكن ذلك لا يقتضى الأصالة والاستقلال.
واستدل له (ثانيا) بما ذكره السيد الجرجانى: من أنه قد يبحث فيه عن عوارض أخرى للحكم غير ثبوته بالدليل، كقولهم: «أن الوجوب موسع أو مضيق وعلى الأعيان أو على الكفاية الى غير ذلك مما ليس الموضوع فيه الدليل.
وقد حاول السعد التفتازانى أن يجعل الخلاف بين هذه المذاهب الثلاثة لفظيا
فقال: «وفى ظنى أنه لا خلاف بينها فى المعنى، لأن من جعل الموضوع الأدلة، جعل المباحث المتعلقة بالأحكام راجعة الى أحوال الأدلة (يعنى: لا يلغى المسائل الباحثة عن أحوال الأحكام التى تذكر فى هذا الفن، ولا يسقطها من مسمى الأصول، بل يرجعها الى المسائل الباحثة عن أحوال الأدلة - بنوع من التأويل).
ومن جعله الأحكام، جعل المباحث المتعلقة بالأدلة راجعة الى أحوال الأحكام. تقليلا لكثرة الموضوع، فانه أليق بالعلوم.
ومن جعله كلا الأمرين فقد أراد التوضيح والتفصيل (واستراح من مشقة التأويل) ا. هـ.
لكن هذا كما ترى يؤدى الى نفى الخلاف فى اعتبار المسائل التى ذكرت فيه، سواء تعلقت بالأدلة أم بالأحكام من علم الأصول. لا الى نفى الخلاف فى الموضوع نفسه.
فالحق أن الخلاف فى الموضوع معنوى، وليس بلفظى.
ويؤكد ذلك أن بعض المحققين - كالقاضى البيضاوى، والتاج السبكى - جعل كثيرا من مباحث الأحكام من قبيل المقدمات، وصدرها أمام المقصود بالذات.
شرف علم الأصول وفضله
وفائدته وثمرته
أن علم أصول الفقه - بلا ريب - لأشرف من سائر علوم العربية: لشرف موضوعه، ولأن هذه العلوم وسائل بالنسبة اليه، ولأنه أقرب الوسائل الى الفقه.
وذكر بعضهم أنه أشرف من علمى التفسير والحديث، لعموم موضوعه - بالنسبة اليها - ولو من وجه.
وعلى كل: فهو من أفضل العلوم وأعظمها قدرا، وأرفعها ذكرا وأبلغها أثرا.
وأن له - من الفوائد المتنوعة العظيمة والآثار الحميدة العميمة ما لا يجمعه الحصر، ولا يأتى عليه الذكر.
1 -
فمن أهم فوائده: التمكن من نصب الأدلة السمعية على مداولاتها، ومعرفة كيفية استنباط الأحكام الشرعية منها.
وما ذكره الآمدى وغيره: «من أن فائدته وغايته: الوصول الى معرفة الأحكام الشرعية التى هى مناط السعادة الدينية والدنيوية وسبب الفوز بها فى الدنيا والآخرة أو: نفس هذه المعرفة.
فالمراد منه: تحقق ذلك ولو بالقوة أى: الاقتدار على استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية.
وذلك لأن من عرف أحوال الأدلة الاجمالية من حيث دلالتها على الأحكام عرف أحوال جزئياتها - وهى الأدلة التفصيلية من هذه الجهة، وتلك الحيثية فاذا وجد الأدلة التفصيلية: أمكنه الخوض فيها، واستنباط الأحكام منها، على الصواب بقدر الوسع والطاقة.
فلا يلزم من كون الشخص أصوليا، أن يكون فقيها: لأنه قد يعلم بأحوال الأدلة ولكن لا يجدها وقد يجدها ولكن لا ينظر فيها.
وان كان يلزم من كونه فقيها - أى مدركا للأحكام وعارفا بها عن أدلتها التفصيلية - أن يكون أصوليا: لتوقف معرفة الأحكام من تلك الأدلة على معرفة أحوالها، وتوقف معرفة أحوالها على العلم بأحوال كلياتها: التى انما يعنى الأصولى وحده بالبحث عنها.
ومن هنا عرف ابن الحاجب «الأصول» بأنه «العلم بالقواعد التى يتوصل بها الى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن أدلتها التفصيلية» .
ومن أهم فوائده أيضا: أنه من أكبر الوسائل لحفظ الدين، وصون أدلته وحججه من تشبيه المتحللين، وتضليل الملحدين.
ومن أعظم الحواجز التى تدفع طعن الطاعنين وتمنع التأثر بتشكيك المخالفين.
وتمكن من الرد على نحو قول الهشامية (فرقة من الشيعة الإمامية. تنسب الى هشام ابن الحكم)«لا دلالة فى القرآن على حلال ولا حرام» .
وقول بعض الحشوية: «ان فى القرآن ألفاظا مهملة، لا دلالة لها على شئ بالكلية» .
وقول بعض المعتزلة: (ولا حجة فى الأخبار الآحادية».
وقول بعض النظامية والرافضة ان الاجماع والقياس ليسا من الحجج الشرعية «وغير ذلك مما يطول ذكره وشرحه» .
3 -
وبالجملة فأصول الفقه هو العلم الذى يكون المجتهد المفكر، والفقيه المثمر.
فلا يمكن أن يستغنى عنه من يهتم بعلم الفقه والخلاف، ويتعرض لمقارنة المذاهب المختلفة، والموازنة بين الآراء المتباينة، ويعنى باظهار عللها وأدلتها، وكيفية دلالتها عليها، ويحرص على التقريب بينها، أو اظهار الحق فيها وبيان قويها من ضعيفها، أو صحيحها من باطلها، ومن يرغب فى دراسة الآيات القرآنية والأحاديث النبوية - دراسة علمية صحيحة: تمكنه من معرفة أسرارها
وتوصله الى الوقوف على الأحكام التى تفيدها وتؤخذ منها.
استمداده: يستمد من علم الكلام والعربية.
أما علم الكلام فلتوقف العلم بأن أدلة الأحكام مفيدة لها شرعا على معرفة الله تعالى وصفاته، وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به، وغير ذلك مما لا يعرف فى غير علم الكلام.
وأما علم العربية فلتوقف معرفة دلالات الأدلة اللفظية من الكتاب والسنة على معرفة موضوعاتها لغة من جهة الحقيقة والمجاز والعموم والخصوص، الى غير ذلك مما لا يعرف فى غير علم العربية
(1)
.
تدوينه وطرق تناوله
هذا الموضوع يتجه اتجاها تاريخيا غير موضوعى ولهذا لا نجد فى كتب الأصول القديمة من عرض للكتابة فى هذا، لأن اتجاههم فى الكتابة كان موضوعيا صرفا.
وقد وقفنا فى مقدمة ابن خلدون بين دراساته للعلوم ونشأتها، وما تناول فى كل فن مما يتعلق به من النبذ التاريخية أنه خص فن الأصول ببيان أول من ألف فيه وطرق الكتابة فيه فقال
(2)
:
أول من كتب فى علم الأصول الامام الشافعى اذ أملى رسالته المشهورة التى تكلم فيها فى الأوامر والنواهى، والبيان، والخبر، والنسخ، وحكم العلة المنصوصة من القياس.
ثم كتب فقهاء الحنفية فيه، وحققوا تلك القواعد، وأوسعوا القول فيها
(3)
.
وكتب المتكلمون أيضا كذلك، الا أن كتابة الفقهاء فيها أسمى بالفقه واليق بالفروع، لكثرة الأمثلة فيها والشواهد، وبناء المسائل فيها على النكت الفقهية والمتكلمون يجردون صور تلك المسائل عن الفقه، ويميلون الى الاستدلال العقلى ما أمكن، لأنه غالب فنونهم ومقتضى طريقتهم، فكان لفقهاء الحنفية فيها اليد الطولى من الغوص على النكت الفقهية والتقاط هذه القوانين من مسائل الفقه ما أمكن.
وجاء أبو زيد الدبوسى من أئمتهم فكتب فى
(1)
الاحكام فى أصول الأحكام تأليف الشيخ الامام العلامة سيف الدين أبى الحسن على بن أبى على بن محمد الآمدى ج 1 ص 9 طبع مطبعة المعارف بللفجالة بمصر سنة 1332 هـ، وسنة 1914 م.
(2)
مقدمة ابن خلدون ص 381 الطبعة الأزهرية سنة 1348 هـ.
(3)
هذا هو المشهور الذى تعرض له ابن خلدون فى مقدمته وتبعه الكثيرون ممن كتبوا فى هذا المقام غير أن ابن النديم أورد فى كتابه الفهرست أن الفقيه أبو يوسف صاحب الامام أبى حنيفة كان أول من كتب فى علم أصول الفقه.
القياس بأوسع من جميعهم وتمم الأبحاث والشروط التى يحتاج اليها فيه.
وكملت صناعة أصول الفقه بكماله وتهذبت مسائله وتمهدت قواعده.
وعنى الناس بطريقة المتكلمين فيه.
وكان من أحسن ما كتب فيه المتكلمون كتاب البرهان لامام الحرمين، والمستصفى للغزالى وهما من الأشعرية، وكتاب العمدة للقاضى عبد الجبار وشرحه المعتمد لأبى الحسين البصرى، وهما من المعتزلة.
وكانت الكتب الأربعة قواعد هذا الفن وأركانه.
ثم لخص هذه الكتب الأربعة فحلان من المتكلمين المتأخرين، وهما الامام فخر الدين ابن الخطيب الرازى فى كتاب المحصول، وسيف الدين الآمدى فى كتاب الأحكام.
واختلفت طرائقهما فى الفن بين التحقيق والحجاج.
فابن الخطيب الرازى أميل الى الاستثمار من الأدلة والاحتجاج.
والآمدى مولع بتحقيق المذاهب وتفريع المسائل.
وأما كتاب المحصول فاختصره تلميذ الامام سراج الدين الأرموى فى كتاب للتحصيل.
وتاج الدين الأرموى فى كتاب الحاصل.
واقتطف شهاب الدين القرافى منها مقدمات وقواعد فى كتاب صغير وسماه التنقيحات.
وكذلك فعل البيضاوى فى كتاب المنهاج.
وعنى المبتدئون بهذين الكتابين وشرحهما كثير من الناس.
وأما كتاب الأحكام للآمدى وهو أكثر تحقيقا فى المسائل فلخصه أبو عمرو بن الحاجب فى كتابه المعروف بالمختصر الكبير.
ثم اختصره فى كتاب آخر تداوله طلبة العلم.
وعنى أهل الشرق والغرب به وبمطالعته وشرحه وحصلت زبدة طريقة المتكلمين فى هذا الفن فى هذه المختصرات.
وأما طريقة الحنفية فكتبوا فيها كثيرا.
وكان أحسن من كتب فيها من المتقدمين أبو زيد الدبوسى.
وأحسن كتابة المتأخرين فيها تأليف سيف الاسلام البزدوى من أئمتهم وهو مستوعب وجاء ابن الساعات من فقهاء الحنفية فجمع بين كتاب الأحكام وكتاب البزدوى فى الطريقتين وسمى كتابه البدائع فجاء من أحسن الأوضاع وأبدعها.
وأئمة العلماء لهذا الفن تبادلونه قراءة وبحثا.
وولع كثير من علماء العجم بشرحه والحال على ذلك الى هذا العهد - عهد ابن خلدون.
هذا ما أورده ابن خلدون من كتب الأصول المختلفة.
وهناك كتب أخرى قد دونت فى عصره وغير عصره.
منها: كتاب أصول الكرخى الحنفى المتوفى سنة 310 هـ.
وكتاب أصول الجصاص الرازى المتوفى سنة 330 هـ.
وأصول السرخسى المتوفى سنة 428 هـ
وكتاب المنار للنسفى المتوفى سنة 790 هـ وعليه عدة شروح وحواش طبع الكثير منها.
والتمهيد فى تخريج الفروع على الأصول للأسنوى المتوفى سنة 772 هـ
والتنقيح لصدر الشريعة المتوفى سنة 747 هـ وشرحه له المسمى بالتوضيح وهو كتاب لخص فيه كما يقول المؤلف - أصول البزدوى الحنفى والمحصول للفخر الرازى والشافعى.
ومنته السول والأمل لابن الحاجب المالكى.
وقد كتب عليه السعد التفتازانى الشافعى المتوفى سنة 790 هـ حاشية نفيسة سماها «التلويح» .
ومنها كتاب «جمع الجوامع» لتاج الدين السبكى الشافعى المتوفى سنة 771 هـ وقد جمع فيه من زهاء مائة مصنف كما يقول مؤلفه - ولذا كان عبارة عن جمع الأقوال المختلفة.
وقد شرحه الكثيرون.
وأجل شروحه شرح الجلال المحلى الشافعى.
ومنها: كتاب: الموافقات للامام الشهيد أبى اسحاق الشاطبى المالكى المتوفى سنة 780 هـ وهو كتاب يقال:
أنه نسيج وحده فى بسط القواعد الأصولية والربط بينها وبين الكتاب والسنة وروح التشريع الاسلامى والكشف عن نواح جليلة من أسرار هذا التشريع مع أنه لم يتعرض لكثير من المباحث الأصولية، ومشتمل على خفاء فى أكثر المسائل التى تعرض لها.
ومنها كتاب تخريج الفروع على الأصول للزنجانى المتوفى سنة 656 هـ.
ومنها كتاب «الأحكام فى أصول الأحكام لابن حزم الأندلسى الظاهرى المتوفى سنة 456 هـ
ومنها كتاب المسودة لابن تيمية:
مجد الدين المتوفى سنة 652 هـ وشهاب الدين المتوفى سنة 682 هـ وتقى الدين المتوفى سنة 728 هـ.
ومنها: كتاب «التحرير» للكمال ابن الهمام المتوفى سنة 861 هـ.
وقد شرحه كثيرون: كابن أمير الحاج المتوفى سنة 879 هـ.
وكتاب «مسلم الثبوت» لمحب الدين عبد الشكور المتوفى سنة 1119 هـ.
وكلاهما من الكتب التى جمعت بين مسلكى المتكلمين والحنفية.
ومنها كتاب «ارشاد الفحول» للامام الشوكانى الزيدى المتوفى سنة 1250 هـ
وكتاب طلعة الشمس للسالمى الأباضى الذى انته من تأليفه سنة 1317 هـ.
أصيل
المعنى اللغوى:
جاء فى لسان العرب: رجل أصيل أى: له أصل ورأى أصيل أى له أصل.
ورجل أصيل ثابت الرأى عاقل.
وقول بعضهم ان النخل بأرضنا لأصيل أى: هو بها لا يزال ولا يفنى .. ومجد أصيل أى ذو أصالة
(1)
.
ويقول صاحب المختار الأصيل الوقت بعد العصر الى المغرب وجمعه أصل، وقد آصل أى دخل فى الأصيل، وجاء مؤصلا، ورجل أصيل الرأى أى محكم الرأى
(2)
.
المعنى الاصطلاحى:
ولم يخرج الفقهاء فى الجملة عما قرره اللغويون فى معنى كلمة أصيل، ذلك أنهم تكلموا عن حقوق الشخص الذى يعتبر أصيلا فى بعض التصرفات كما فى الكفالة والحوالة والوكالة، وأيضا فانهم تكلموا عن حكم العبادة فى وقت الأصيل.
بل لقد وردت كلمة أصيل فى القرآن الكريم فى أكثر من آية ساقها الله سبحانه وتعالى لبيان أن وقت الأصيل هو من الأوقات التى يستحب فيها ذكره تعالى وتسبيحه وتحميده.
(1)
لسان العرب للامام العلامة أبى الفضل جمال الدين بن منظور الأفريقى المصرى ج 11 ص 16، ص 17 وما بعدها طبع دار صادر دار بيروت سنة 1374 هـ، 1955 م الطبعة الأولى وقد جاء فى هذا الموضع أن كلمة أصيل تأتى بمعنى الهلاك قال أوس: خافوا الأصيل وقد أعيت ملوكهم وجلوا من أذى عزم بأثقال.
(2)
مختار الصحاح الهمزة مع الصاد.
ومن هذه الآيات قوله سبحانه وتعالى «وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}
(1)
».
وقوله تعالى «إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً}
(2)
».
ومن المستحسن هنا - الاكتفاء ببيان المراد من مصطلح أصيل فى بعض أبواب الفقه التى يثور بشأنها الكلام عنه وذلك بالقدر اللازم لتحقيق هذا المقصد، وعدم التعرض للأحكام تفصيلا، ولكن فقط بالقدر الضرورى لاعطاء القارئ صورة واضحة عن هذا المصطلح فى كل باب من هذه الأبواب.
لفظ أصيل فى التصرفات
فى باب الكفالة:
بعض الفقهاء يعرف الكفالة بأنها ضم ذمة الكفيل الى ذمة الأصيل فى المطالبة دون الدين.
وجمهور الفقهاء يرى أن الكفالة ضم ذمة الكفيل الى ذمة الأصيل فى ثبوت أصل الدين.
فالأصيل هو من ثبت الدين فى ذمته ابتداء وهو المدين الأصلى.
وعلى هذا فالكفالة لا توجب براءة الأصيل، بل يطالب بالدين كل من الأصيل والكفيل سواء أكانت الكفالة ضم ذمة الكفيل الى ذمة الأصيل فى المطالبة بالدين فقط، أو ضم ذمة الكفيل الى ذمة الأصيل فى ثبوت أصل الدين.
ويرى بعض الفقهاء أن الكفالة توجب براءة الأصيل، لأنه لا بد من وجود الدين فى ذمة الكفيل، ومن ضرورة ذلك فراغ ذمة الأصيل، لأن ما ثبت فى محل معين فان سائر المحال الأخرى تفرغ منه بالضرورة، لاستحالة أن يكون الشئ الواحد شاغلا لمحلين، وقد ثبت الدين فى ذمة الكفيل فمن ضرورته براءة الأصيل
(3)
.
(أنظر مصطلح كفالة).
فى باب الحوالة:
الحوالة مشتقة من التحول.
وهى فى اصطلاح الفقهاء نقل الدين من ذمة المحيل الى ذمة المحال عليه
(4)
.
(1)
الآية رقم 25 من سورة الانسان.
(2)
الآية رقم 8 من سورة الفتح، والاية رقم 9 من سورة الفتح أيضا.
(3)
كنز البيان للامام النسفى ص 305، ص 331 طبع سنة 1281 هـ. أنظر كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 20 ص 161 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ طبع محمد على الساسى.
(4)
كنز البيان للنسفى طبع سنة 1281 هـ ص 331.
وعلى ذلك يكون المحيل هو الأصيل الذى ثبت الالتزام فى ذمته فى أول الأمر.
وجمهور الفقهاء على أن الحوالة توجب براءة ذمة الأصيل
(1)
، لأنه بنقل الدين صار الأصيل - وهو هنا المحيل - غير ملتزم بالمرة متى توافرت بقية الشروط المطلوبة شرعا.
وتفصيل القول فى ذلك وفى غيره من أحكام يرجع اليه فى مصطلح (حوالة)
فى باب الوكالة:
التوكيل فى اصطلاح الفقهاء هو اقامة الانسان غيره مقامه فى تصرف جائز له
(2)
.
وعلى هذا فالأصيل فى باب الوكالة هو الموكل وهو الذى تنصرف اليه - بحسب الأصل آثار العقود التى يبرمها الوكيل فى حدود وكالته.
وتفصيل القول فى حقوق الأصيل - فى هذا المقام وفى غيرها من الأحكام يرجع اليه فى مصطلح (وكالة).
صدور الايجاب والقبول من شخص واحد:
من صور التعاقد الذى يوصف العاقد فيها بأنه أصيل يلى العقد عن نفسه ما يأتى.
1 -
أن يكون الشخص أصيلا عن نفسه ووليا عن غيره وذلك كما فى بيع الأب ماله للصغير أو شرائه مال الصغير لنفسه.
2 -
أن يكون أصيلا عن نفسه ووكيلا عن غيره كما فى تصرفات الوكيل التى يجريها لنفسه فى أموال موكله.
3 -
أن يكون أصيلا عن نفسه وفضوليا عن الجانب الأخر وذلك كأن يبيع لنفسه مال غيره الذى لم يفوضه فى بيعه وهناك أحوال أخرى.
وتفصيل هذه الحالات وغيرها يرجع اليه فى مصطلح: عقد. فضالة. (ولاية).
(1)
المبسوط نفس المرجع السابق.
(2)
الدرر شرح الغرر ج 2 ص 282 طبعة سنة 1330 هـ بمصر.
يلاحظ أن الأعلام الواردة فى هذا الجزء روعى فى ترتيبها أول حرف منها دون اعتداد بألفاظ: أب وأم وابن وال التى للتعريف
وقد أشرنا بالنسبة للأعلام التى وردت بهذا الجزء وسبق ورودها بالأجزاء السابقة إلى موضعها هناك.
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الألف:
الآمدى:
انظر ج 1 ص 247
ابراهيم النخعى:
انظر ج 1 ص 279
ابن الأثير:
انظر ج 1 ص 247
أحمد:
انظر ج 1 ص 255
أحمد بن عيسى:
انظر ج 4 ص 359
اسحاق:
انظر ج 2 ص 343
أبو اسحاق الشاطبى:
انظر ج 1 ص 262
الشيخ اسماعيل:
انظر ج 8 ص 370
الأسنوى:
انظر ج 1 ص 249
الأشعث:
انظر ج 6 ص 381
أشيم الضبابى:
أشيم بوزن أحمد الضبابى بكسر المعجمة بعدها موحدة وبعد الألف أخرى قتل فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم مسلما فأمر الضحاك بن سفيان أن يورث امرأته من ديته، أخرجه اصحاب السنن من حديث الضحاك وأخرجه أبو يعلى من طريق مالك عن الزهرى عن أنس قال قتل أشيم خطأ وهو فى الموطأ عن الزهرى بغير ذكر أنس قال الدارقطنى فى الغرائب وهو المحفوظ وروى أبو يعلى أيضا من حديث المغيرة بن شعبة أن النبى صلى الله عليه وسلم كتب الى الضحاك أن يورث امرأة أشيم من دية زوجها ورواه ابن شاهين من طريق ابن اسحاق حدثنى الزهرى قال حدثت المغيرة أنه قال حدثت عمر بن الخطاب بقصة أشيم فقال لتأتينى على هذا بما أعرف فنشدت الناس فى الموسم فأقبل رجل يقال له زرارة بن جرى فحدثته عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم بذلك.
أبن الأعرابى:
انظر ج 4 ص 360
أمام الحرمين:
انظر ج 1 ص 249
ابن أمير الحاج:
انظر ج 3 ص 337
أميمة بنت عبد المطلب:
أميمة بنت عبد المطلب ابن هاشم بن عبد مناف الهاشمية عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلف فى اسلامه فنفاه محمد بن اسحاق ولم يذكرها غير محمد بن سعد فقال فى باب عمومة النبى صلى الله عليه وسلم من طبقات النساء أمها فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم وتزوجها فى الجاهلية مجبر بن رئاب الأسدى حليف حرب بن أمية فولدت له عبد الله وعبيد الله وأبا أحمد وزينب وحمنه وأطعم رسول الله صلى الله عليه وسلم أميمة بنت عبد المطلب أربعين وسقا من خيبر قلت فعلى هذا كانت لما تزوج النبى صلى الله عليه وسلم ابنتها زينب موجودة.
أنس:
انظر ج 1 ص 249
الأنصارى:
انظر أبو أيوب ج 3 ص 337
الأوزاعى:
انظر ج 1 ص 249
أياس بن معاوية:
انظر ج 2 ص 344
حرف الباء:
الباقر:
انظر أبو جعفر ج 2 ص 348
البخارى:
انظر ج 1 ص 250
بديل بن أبى مريم:
بديل ويقال بريل بالراء يدل الدال ويقال برير براءين وقيل غير ذلك ابن أبى مريم وقيل ابن أبى مارية السهمى مولى عمرو بن العاص روى الترمذى من طريق ابن اسحاق عن أبى النضر عن بادام عن ابن عباس عن تميم الدارى فى هذه الآية: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ» الآية قال يرى الناس منها غيرى وغير عدى بن بداء وكانا نصرانيين يختلفان الى الشام قبل الاسلام فأتيا الشام لتجارتهما وقدم عليهما مولى لبنى سهم يقال له بديل ابن أبى مريم بتجارة معه جام من فضة فذكر الحديث قلت أبو النضر هو محمد ابن السائب الكلبى ضعيف وذكر ابن بريرة فى تفسيره أنه لا خلاف بين المفسرين أنه كان مسلما من المهاجرين.
أبو بردة:
انظر ج 2 ص 345
البرزلى:
انظر ج 5 ص 365
بريدة:
انظر ج 2 ص 345
ابن بشير:
انظر ج 4 ص 361
ابن بطه توفى سنة 387 هـ:
عبيد الله بن محمد ابن محمد بن حمدان أبو عبد الله العتبرى المعروف بابن بطه عالم بالحديث فقيه من كبار الحنابلة من أهل عتبرا مولدا ووفاة رحل الى مكة والثغور والبصرة وغيرها فى طلب الحديث ثم لزم بيته أربعين سنة وصنف كتبه وهى تزيد على مائة، منها الابانة فى أصول الديانة والسنن والانكار على من قضى بكتب الصحف الأولى والتفرد والعزلة وفى رثائه البيت المشهور من قصيدة لتلميذه ابن شهاب:
هيهات أن يأتى الزمان بمثله
…
ان الزمان بمثله لبخيل
أبو بكر:
انظر ج 2 ص 345
أبو بكر بن أسحاق توفى سنة 847 هـ:
أبو بكر ابن اسحاق بن خالد زين الدين الكختاوى المعروف بالشيخ باكير نحوى صوفى نسبته الى «كختا» قال الزبيدى مدينة بنواحى بلاد النترولى تولى قضاء حلب وأفتى ودرس فيها واستدعاه الملك الأشرف برسباى الى مصر وولاه مشيخة الشيخونية له شرح شذور الذهب لابن هشام فى النحو.
أبو بكر بن داود بن على الظاهرى توفى سنة 297 هـ:
أبو بكر بن داود على ابن خلف الأصبهانى المعروف بالظاهرى، كان فقيها أديبا شاعرا ظريفا وكان يناظر أبا العباس بن سريج ولما توفى أبوه جلس ولده أبو بكر المذكور فى حلقته وكان على مذهب والده فاستصغروه فدسوا اليه رجلا وقالوا له سله عن حد السكر فأتاه الرجل فسأله عن السكر ما هو ومتى يكون الانسان سكران فقال اذا عزبت عنه الهموم وباح بسره المكتوم فاستحسن ذلك منه وعلم موضعه من العلم وصنف فى عنفوان شبابه كتابه الذى سماه الزهرة وهو مجموع أدب أتى فيه بكل غريبة ونادرة وشعر رائق واجتمع يوما هو وأبو العباس ابن سريج فى مجلس الوزير ابن الجراح فتناظر فى الابلاء وكان عالما فى الفقه وله تصانيف عديدة منها كتاب الوصول الى معرفة الأصول وكتاب الانذار وكتاب الأعذار.
أبو بكر الرازى:
انظر الجصاص ج 1 ص 252
أبو بكر عبد الله الشاذلى:
توفى سنة 914 هـ أبو بكر بن عبد الله الشاذلى العيدروس مبتكر القهوة المتخذة من البن المجلوب من اليمن كان صالحا زاهدا، ولد فى تريم بحضرموت وقام بسياحة طويلة ورأى
البن فى اليمن فاقتات به فأعجبه فاتخذه قوتا وشرابا وأرشد أتباعه اليه فانتشر فى اليمن ثم فى الحجاز والشام ومصر ثم فى العالم كله وأقام بعدن 25 سنة وتوفى بها له كتاب فى علم القوم سماه «الجزء اللطيف فى علم التحكيم الشريف» تصوف على طريقة الشاذلية، وثلاثة أوراد» ونظم ضعيف جمع فى ديوان ولجمال الدين بحرق الحضرمى كتاب فيه سماه مواهب القدوس فى مناقب ابن العيدروس
أبو بكرة:
انظر ج 4 ص 361
البيضاوى:
انظر ج 1 ص 251
أبن البيطار توفى سنة 646 هـ:
عبد الله بن أحمد المالقى أبو محمد ضياء الدين المعروف بابن البيطار امام النباتيين وعلماء الأعشاب ولد فى مالقة وتعلم الطب ورحل الى بلاد الأغارقة وأقصى الروم باحثا عن الأعشاب والعارفين بها حتى كان الحجة فى معرفة أنواع النبات وتحقيقه وصفاته وأسمائه وأماكنه واتصل بالكامل الأيوبى محمد بن أبى بكر فجعله رئيس العشابين فى الديار المصرية ولما توفى الكامل استبقاه ابنه الملك الصالح أيوب وحظى عنده واشتهر شهرة عظيمة وهو صاحب كتاب الأدوية المفردة ط فى مجلدين، المعروف بمفردات ابن البيطار وله المغنى فى الأدوية المفردة خ مرتب على مداواة الأعضاء وميزان الطبيب خ توفى فى دمشق.
البيهقى:
أنظر ج 1 ص 251
حرف التاء:
تاج الدين السبكى:
أنظر ج 1 ص 260
الترمذى:
انظر ج 1 ص 251
تقى الدين:
أنظر ج 5 ص 365
تميم الدارس:
انظر ج 3 ص 339
ابن تيمية:
انظر ج 1 ص 251
حرف الثاء:
ثابت بن رفاعة:
ثابت بن رفاعة الأنصارى ذكره ابن منده وابن فتحون وروى ابن مند من طريق عبد الوهاب عن سعيد عن قتادة أن عم ثابت بن رفاعة أتى النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أن ثابتا يتيم فى حجرى فما يحل لى من ماله، قال أن تأكل بالمعروف من غير أن تقى مالك بماله، هذا مرسل رجاله ثقات
أبو ثور:
أنظر ج 1 ص 252
الثورى:
انظر ج 1 ص 252
حرف الجيم:
جابر بن زيد:
أنظر ج 3 ص 339
جابر بن عبد الله:
أنظر ج 1 ص 252
جبير بن نفير توفى سنة 80 هـ:
أبو عبد الرحمن جبير بن نفير الحضرمى نزيل حمص كان من جلة التابعين روى عن أبى بكر وعمر.
أبن جبير:
أنظر سعيد بن جبير ج 1 ص 261
جحش بن رئاب:
جحش بن رئاب الأسدى والد أبى أحمد قال أبن حبان له صحبة ذكره الحبابى فيمن روى عن النبى صلى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم من الصحابة هو وابنه وروى الدارقطنى باسناد واه أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم غير اسم جحش هذا كان اسمه بره فسماه النبى صلى الله عليه وآله وسلم جحشا والمعروف أن ابنته كان اسمها برة فغيره النبى صلى الله عليه وآله وسلم
الجرجانى:
أنظر ج 3 ص 339
أبن جريج:
أنظر ج 1 ص 252
أبو جعفر:
أنظر ج 1 ص 263
جعفر الطيار:
أنظر جعفر بن أبى طالب ج 2 ص 347
الجعفى:
أنظر حسين الجعفى ج 1 ص 254
الجوهرى:
أنظر ج 4 ص 362
حرف الحاء:
ابن الحاج:
أنظر ج 9 ص 371
ابن الحاجب:
أنظر ج 1 ص 253
الحارثى:
أنظر ج 1 ص 253
أبو حامد:
أنظر الغزالى ج 1 ص 270
ابن حبيب:
أنظر ج 1 ص 253
ابن الحجاج توفى سنة 391 هـ:
حسين ابن أحمد بن محمد بن جعفر بن محمد بن الحجا النيلى البغدادى أبو عبد الله شاعر فحل من كتاب العصر البويهى غلب عليه الهزل فى شعره عذوبة وسلامة من التكلف قال الذهبى شاعر العصر وسيفه الأدب وأمير الفحش كان أمة وحده فى نظم القبائح وخفة الروح وقال صاحب النجوم الزاهرة يضرب به المثل فى السخف والمداعبة والأهاجى قال ابن خلكان كان فرد زمانه لم يسبق الى تلك الطريقة وقال أبو حبان «بعيد من الجد قريع فى الهزل ليس للعقل من شعره منال على أنه قويم اللفظ سهل الكلام وقال الخطيب البغدادى سرد أبو الحسن الموسوى المعروف بالرضى من شعره فى المديح والغزل وغيرهما ما جانب السخف فكان شعرا حسنا متميزا جيدا وقال ابن كثير جمع الشريف الرضى أشعاره الجيدة على حدة فى ديوان مفرد ورثاه حين توفى له معرفة بالتاريخ واللغات اتصل بالوزير المهلبى وعضد الدولة وابن عباد وابن العميد وله ديوان شعر خ. يشتمل على بعض شعره أرسل نسخة منه الى صاحب مصر وأجازه بألف دينار وخدم بالكتابة فى جهات متعددة وولى حسبة بغداد مدة وعزل عنها نسبته الى قرية النيل على الفرات بين بغداد والكوفة ووفاته فيها ودفن فى بغداد
ابن حجر:
أنظر ج 1 ص 254
حذيفة:
انظر ج 1 ص 254
أبن حزم:
أنظر ج 1 ص 254
الحسن:
أنظر ج 1 ص 254
الحسن البصرى:
أنظر ج 1 ص 254
الحسن بن على:
أنظر ج 2 ص 349
الحسين:
أنظر ج 3 ص 341
الحصكفى:
أنظر ج 1 ص 254
الحطاب:
أنظر ج 1 ص 254
الحكم:
أنظر ج 5 ص 367
الحلبى:
أنظر ج 6 ص 384
حماد:
أنظر ج 1 ص 255
أبو حنيفة:
أنظر ج 1 ص 255
حرف الخاء:
الخرشى:
أنظر ج 2 ص 350
خزيمة بن ثابت:
أنظر ج 8 ص 373
أبو الخطاب:
أنظر ج 1 ص 256
الخطابى:
أنظر ج 1 ص 256
الخلال:
أنظر ج 1 ص 270
أبن خلدون:
أنظر ج 1 ص 256
خوات بن جبير توفى سنة 40 هـ:
خوات بن جبير بن النعمان بن أمية بن امرئ القيس وامرئ القيس هذا يقال له البرك ابن ثعلبة بن عمرو بن عون بن مالك ابن الأوس يكنى أبا عبد الله فى قول ابن عمارة وغيره وقال الواقدى يكنى أبا صالح كان أحد فرسان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد بدرا هو وأخوه عبد الله بن جبير فى قول بعضهم روى سفيان ابن عيينه عن مسعر عن ثابت بن عبيد عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال خوات بن جبير وكان بدريا وقال موسى بن عقبة خرج خوات ابن جبير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الى بدر فلما بلغ الصفر أصاب ساقه حجر فضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وقال أبو اسحاق لم يشهد خوات بن جبير بدرا ولكن رسول
الله صلى الله عليه وسلم ضرب له بسهمه مع أصحاب بدر وشهدها أخوه عبد الله بن جبير يعد فى أهل المدينة توفى بها سنة أربعين وهو ابن أربع وتسعين سنة وكان يخضب بالحناء والكتم روى خوات بن جبير فى تحريم المسكر عن النبى صلى الله عليه وسلم ما أسكر كثيره فقليله حرام وروى فى صلاة الخوف وله فى الجاهلية قصة مشهورة مع ذات النحيين قد محاها الاسلام.
ابن خواز منداد:
أنظر ج 3 ص 357
الخير الرملى:
أنظر ج 2 ص 351
حرف الدال:
الدارقطنى:
أنظر ج 1 ص 257
أبو داود:
أنظر ج 1 ص 257
الدردير:
أنظر ج 1 ص 257
الدسوقى:
أنظر ج 1 ص 257
أبن دقيق العيد:
أنظر ج 1 ص 257
الدمامينى توفى سنة 827 هـ:
محمد بن أبى بكر ابن عمر بن أبى بكر بن محمد المخزومى القرشى بدر الدين المعروف بابن الدمامينى عالم بالشريعة وفنون الأدب ولد فى الاسكندرية واستوطن القاهرة ولازم ابن خلدون وتصدر لقراء العربية بالأزهر ثم تحول الى دمشق ومنها حج وعاد الى مصر تولى فيها قضاء المالكية ومن كتبه تحفة الغريب وشرح البخارى والفتح الربانى.
ديلم:
ديلم الحميرى وهو ديلم بن أبى ديلم ويقال ديلم بن فيروز ويقال ديلم بن هوشع صحابى مشهور سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الأشربة وغير ذلك ونزل مصر فروى عنه أهلها ونسبه ابن يونس فقال ديلم بن هوشع بن سعد بن أبى حباب بن مسعود وساق نسبه الى جيشان قال وكان أول وافد على النبى صلى الله عليه وسلم من اليمن من عند معاذ بن جبل وشهد فتح مصر وروى عنه أبو الخير ابن مرثد ثم قال ديلم بن هوشع الأصفر الجيشانى يكنى أبا وهب كذا بقوله أهل العلم بالحديث من العراق وهو عندى خطأ وانما اسم أبى وهب الجيشانى عبيد بن شرحبيل كذا سماه أهل العلم ببلدنا وحديث ديلم أخرجه أبو داود من طريق أبى الخير مرثد عن ديلم الحميرى قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله انا بأرض باردة نعالج فيها عملا شديدا وانا نتخذ شرابا من هذا القمح نتقوى به على عملنا وعلى برد بلادنا فقال هل يسكر قلنا نعم قال فاجتنبوه، الحديث.
حرف الذال:
الذهبى:
أنظر ج 3 ص 344
حرف الراء:
الرافعى:
انظر ج 1 ص 258
الربيع:
انظر ج 1 ص 258
أبن رشد:
انظر ج 1 ص 258
ابن الرفعه:
انظر ج 1 ص 259
حرف الزاى:
أبن الزبير:
انظر ج 1 ص 259
أبو زرعه:
انظر ج 1 ص 259
الزركشى:
انظر ج 1 ص 259
شيخ الاسلام زكريا:
انظر ج 1 ص 259
الزنجانى توفى سنة 655 هـ:
عبد الوهاب بن عبد الوهاب الخزرجى الزنجانى من علماء العربية توفى ببغداد، له تصريف القرى، ط، فى الصرف، ومعيار النظار فى علوم الأشعار، خ، والهادى، خ، فى النحو وشرحه قال السيوطى وقفت عليه بخطه وذكر فى آخره أنه فرغ منه ببغداد فى العشرين من ذى الحجة سنة 654 هـ والمضنون به على غير أهله. ط، مع شرحه لابن عبد الكافى وهو مختارات شعرية.
الزهرى:
انظر ج 1 ص 260
زياد توفى سنة 290 هـ:
زياد بن ابراهيم بن محمد، من ولد زياد بن أبيه: أمير، ولى اليمن لبنى العباس سنة 289 هـ بعد وفاة أبيه واستمر فيها الى أن توفى.
زيد بن أسلم توفى سنة 136 هـ:
زيد بن أسلم العدوى العمرى مولاهم أبو أسامة أو أبو عبد الله فقيه مفسر من أهل المدينة كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته واستقدمه الوليد بن يزيد فى جماعة من فقهاء المدينة الى دمشق مستفتيا فى أمر وكان ثقة كثير الحديث له حلقة فى المسجد النبوى وله كتاب فى التفسير، رواه عنه ولده عبد الرحمن.
زيد بن خالد الجهنى توفى سنة 78 هـ:
زيد بن خالد الجهنى المدنى صحابى شهد الحديبية وكان معه لواء جهينة يوم الفتح روى له البخارى ومسلم 81 حديثا توفى فى المدينة عن 85 سنة.
أبو زيد الدبوسى:
ج 1 ص 257
زيد بن على:
انظر ج 1 ص 260
الزيلعى:
انظر ج 1 ص 260
حرف السين:
ابن الساعاتى:
انظر ج 1 ص 260
سالم السنهورى:
انظر ج 8 ص 375
السدى توفى سنة 128 هـ:
اسماعيل بن عبد الرحمن السدى تابعى حجازى الأصل سكن الكوفة قال فيه ابن تغرى بردى صاحب التفسير والمغازى والسير وكان اماما عارفا بالوقائع وأيام الناس.
السعد التفتازانى توفى سنة 793 هـ:
مسعود بن عمر بن عبد الله التفتازانى سعد الدين من أئمة العربية والبيان والمنطق ولد بتفتازان «من بلاد خراسان» وأقام بسرخس وأيد تيمورلنك الى سمرقند توفى فيها ودفن فى سرخس كانت فى لسانه لكنة من كتبه تهذيب المنطق والمطول فى البلاغة والمختصر اختصر به شرح تلخيص المفتاح ومقاصد الطالبين فى الكلام وشرح مقاصد الطالبين والنعم السوابغ فى شرح الكلم النوابغ للزمخشرى وارشاد الهادى «نحو» وشرح العقائد النسفية وحاشية على شرح العضد على مختصر ابن الحاجب فى الأصول والتلويح الى كشف غوامض التنقيح وشرح التصريف فى الصرف وهو أول ما صنف من الكتب وكان عمره ست عشرة سنة وشرح الشمسية «منطق» وشرح الأربعين النووية.
سعد بن عبادة:
انظر ج 3 ص 345
سعد بن أبى وقاص:
انظر ج 2 ص 353
أبو السعود:
انظر ج 1 ص 261
أبو سعيد:
انظر ج 1 ص 261
سعيد بن أبى بردة:
هو سعيد بن أبى بردة ابن أبى موسى الأشعرى من رواة الحديث روى عن أبيه وغيره.
سعيد بن جبير:
انظر ج 1 ص 261
أبو سعيد الخدرى:
انظر ج 1 ص 261
سعيد بن المسيب:
انظر ج 1 ص 261
أبو سفيان:
انظر ج 1 ص 261
سفيان الثورى:
انظر الثورى ج 1 ص 252
سفيان بن عيينه:
انظر ج 1 ص 261
أبو سلمة:
انظر ج 3 ص 346
أبو سلمة: انظر ج 3 ص 346
سلمة بن أبى سلمة:
سلمة بن أبى سلمة ابن عبد الأسد كان سلمة ربيب النبى صلى الله عليه وسلم وروى ابن اسحاق المغازى من حديث أم سلمة قالت لما أجمع أبو سلمة على الهجرة رحل بصيرا لى وحملنى
عليه وحمل ابنى سلمة فى حجرى ثم خرج يقود بعيره وقال ابن اسحاق حدثنى من لا أتهم عن عبد الله بن شداد قال كان الذى زوج أم سلمة من النبى صلى الله عليه وسلم سلمة بن أبى سلمة ابنها فزوجه النبى صلى الله عليه وسلم أمامة بنت حمزة وهما صبيان صغيران فلم يجتمعا حتى ماتا فقال النبى صلى الله عليه وسلم هل جزيت سلمة قال البلاذرى ويقال ان الذى زوجه اياها ابنها عمرو والأول أثبت وزعم الواقدى وتبعه أبو حاتم وغيره أن سلمة عاش الى خلافة عبد الملك بن مروان وأما ما وقع أولا أنهما لم يجتمعا حتى ماتا فالمراد أنها ماتت قبل أن يدخل بها ومات هو بعد ذلك لكن قال ابن الكلبى يقال مات سلمة قبل أن يجتمع بامامة.
سليمان بن عبد الملك توفى سنة 99 هـ:
سليمان ابن عبد الملك بن مروان أبو أيوب الخليفة الأموى ولد فى دمشق وولى الخلافة يوم وفاة أخيه الوليد سنة 96 هـ وكان بالرملة فلم يتخلف عن مبايعته أحد فأطلق الأسرى وأخلى السجون وعفا عن المجرمين وأحسن الى الناس وكان عاقلا فصيحا طموحا الى الفتح جهز جيشا كبيرا وسيره فى السفن بقيادة أخيه مسلمة بن عبد الملك لحصار القسطنطينية وفى عهده فتحت جرجان وطبرستان وكانتا فى أيدى الترك وتوفى فى ذابق من أرض قنسرين بن حلب ومعرة النعمان وكانت عاصمته دمشق ومدة خلافته سنتان وثمانية أشهر الا أياما.
سوار بن حمدون توفى سنة 277 هـ:
سار بن حمدون بن يحيى الألبيرى القيسى المحاربى زعيم ثائر كان شجاعا عارفا بالأدب ثار فى الأندلس بناحية الراجلة «من كورة البيرة» سنة 276 هـ والتفت حوله بيوتات العرب لقتال كل من هناك من العجم والمولدين فاستفحل أمره واستولى على عدة حصون ولم تطل مدته حتى مات قتيلا له شعر جيد.
سيف الاسلام البزدوى:
انظر البزدوى ج 1 ص 250
ابن سيرين:
انظر ج 1 ص 262
السيورى توفى سنة 60 هـ:
أبو القاسم عبد الخالق بن عبد الوارث السيورى خاتمة علماء أفريقية وآخر شيوخ القيروان حافظ أديب تفقه بأبى بكر بن عبد الرحمن وأبى عمران الفاسى وغيرهما وأخذ عنه أبى عبد الله بن سفيان المقرى وعبد الحميد الصائغ واللخمى وعبد الحق الصقلى وابن سعدون وله تعليق حسن على المدونة وكان يحفظها وقد طال عمره حتى توفى بالقيروان سنة 60 هـ وقبره معروف ويتبرك به.
حرف الشين:
أبن شبرمة:
انظر ج 8 ص 376
شبل بن معبد البجلى:
انظر ج 4 ص 366
الشربينى الخطيب:
انظر الخطيب الشربينى ج 1 ص 256
شريح:
انظر ج 1 ص 263
شعبة:
انظر ج 1 ص 263
الشعبى:
انظر ج 1 ص 263
شهاب الدين القرافى:
انظر ج 1 ص 262
الشوكانى:
انظر ج 1 ص 263
حرف الصاد:
الصادق:
انظر ج 1 ص 263
صدر الشريعة:
انظر ج 1 ص 264
الصدوق:
انظر ج 2 ص 355
ابن صوريا الأعور:
انظر ج 6 ص 386
حرف الضاد:
الضحاك:
انظر ج 5 ص 372
حرف الطاء:
طارق بن سويد:
طارق بن سويد الحضرمى أو الجعفى ويقال سويد بن طارق قال ابن منده وهو وهم وقال ابن السكن والبغوى له صحبة وروى البخارى فى تاريخه وأحمد وابن شاهين من طريق حماد بن سلمة عن سماك عن علقمة بن وائل عن طارق بن سويد قال قلت يا رسول الله ان بأرضنا أعنابا نعتصرها فنشرب منها قال لا وأخرجه أبو داود من طريق شعبة عن سماك فقال سأل سويد بن طارق أو طارق بن سويد وقال البغوى: رواه غيرهما فقال سويد ابن طارق والصحيح عندى طارق بن سويد وقد أخرجه ابن شاهين من طريق ابراهيم ابن طهمان عن سماك كما قال حماد ابن سلمة سواء ونسبه جعفيا وقال أبو زرعة طارق بن سويد أصح وقال ابن منده سويد بن طارق وهم وجزم أبو زرعة والترمذى أيضا وابن حبان بأنه طارق بن سويد.
طارق بن عبد الله المحاربى:
انظر ج 9 ص 377
طاووس:
انظر ج 2 ص 356
الطبرسى:
انظر ج 1 ص 265
أبو طلحة:
انظر ج 3 ص 349
حرف العين:
عائشة رضى الله تعالى عنها:
انظر ج 1 ص 265
ابن عابدين:
انظر ج 1 ص 265
عامر بن سعد بن أبى وقاص:
انظر ج 3 ص 349
العاملى:
انظر ج 1 ص 265
ابن عباس:
انظر عبد الله ج 1 ص 267
عبد الأعلى توفى سنة 218 هـ:
عبد الأعلى ابن مهر الغسانى الدمشقى أبو مهر: من حفاظ الحديث ويقال له ابن أبى دارمة كان شيخ الشام وعالمها بالحديث والمغازى وأيام الناس وأنساب الشاميين امتحنه المأمون العباسى وهو الرقة وأكرهه على أن يقول: القرآن مخلوق فامتنع فوضعه فى النطع فمد رأسه وجرد السيف فأبى أن يجيب وقيل: أجاب ولم يرض المأمون باجابته فحمل الى السجن ببغداد فأقام نحوا من مائة يوم ومات.
القاضى عبد الجبار:
أنظر ج 2 ص 361
عبد الرحمن بن أبى بكرة توفى سنة 96 هـ:
عبد الرحمن بن أبى بكرة الثقفى من أعيان التابعين استخلفه زياد «أمير البصرة» على بعض عمالها وتوفى فيها.
عبد الرحمن بن عوف:
انظر ج 1 ص 266
عبد الرحمن بن مهدى:
انظر ج 5 ص 372
ابن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 266
عبد الغنى النابلسى توفى سنة 1143 هـ:
نسبة الى نابلس قرية بالقدس قرب جماعيل ينسب اليها عبد الغنى النابلسى وينسب اليها أيضا الشيخ عبد الله بن اسماعيل بن عبد الغنى بن اسماعيل النابلسى الجعفى الدمشقى النقشبندى القادرى أحد أرباب العرفان والتصوف أخذ علمه عن مشايخ عصره والطريقة القادرية وأدمن المطالعة فى كتب محى الدين بن العربى وكتب الصوفية
أبو عبد الله عليه السلام:
انظر ج 1 ص 263
عبد الله بن ادريس:
انظر ج 5 ص 363
عبد الله بن بريدة توفى سنة 115 هـ:
عبد الله ابن بريده بن الحصيب الأسلمى قاض، من رجال الحديث أصله من الكوفة سكن البصرة وولى القضاء بمرو فثبت فيه الى الى أن توفى.
عبد الله بن الحارث:
انظر ابن الحارث ج 5 ص 366
عبد الله بن صالح:
عبد الله بن صالح الخثعمى عده الشيخ فى رجاله تارة من أصحاب الصادق مضيفا الى مافى العنوان قوله روى عنهما يعنى الباقر والصادق وأخرى من أصحاب الكاظم مقتصرا على اسمه واسم أبيه واستظهر فى النقد اتحادهما وظاهره كونه اماميا ويمكن استفادة حاله مما رواه الطبرى فى دلائل الامامة عن أحمد بن محمد ابن على عن على بن الحسن عن على ابن أبى حمزة قال أرسلنى أبو الحسن موسى الى عبد الله بن صالح بثمانية عشر درهما وقال قل يقول لك أبو الحسن انتفع بهذه الدراهم فانها تكفيك حتى تموت وساق الحديث الطويل الى ن قال فلما مات بعت داره وحملت الثمن الى أبى الحسن وأخبرته بما أوصانى به فقال قد كان من شيعتنا
عبد الله بن المبارك:
انظر ابن المبارك ج 7 ص 397
عبد الله بن عمر:
انظر ج 1 ص 267
عبد الملك:
انظر ابن حبيب ج 1 ص 253
أبو عبيد:
انظر ج 2 ص 357
أبو عبيد: «القاسم ابن سلام» ج 5 ص 373
عثمان البتى:
انظر ج 8 ص 378
عثمان بن عفان:
انظر ج 1 ص 268
ابن العربى:
انظر ج 1 ص 268
ابن عرفه:
انظر ج 1 ص 268
عروة بن الجعد:
انظر ج 9 ص 379
عطاء:
انظر ج 2 ص 358
ابن عطية:
انظر ج 8 ص 378
ابن أبى عقيل:
انظر ج 7 ص 395
عكرمة:
انظر ج 1 ص 262
على:
انظر ج 1 ص 269
على عليه السلام:
انظر ج 10 ص 400
أبو على الحافظ توفى سنة 514 هـ:
هو أبو على ابن سكرة الحافظ الكبير حسين بن محمد ابن فيره الصدفى السرقسطى الأندلسى سمع من أبى العباس بن دلهاث وطائفة وحج سنة احدى وثمانين فدخل على الحبال وسمع ببغداد من مالك البانياسى وطبقته وأخذ التعليقة الكبرى عن أبى بكر الشاشى المستظهرى وأخذ بدمشق عن الفقيه نصر المقدسى ورد الى بلاده بعلم جم وبرع فى الحديث وفنونه وصنف التصانيف وقد كره على القضاء فوليه ثم اختفى حتى أعفى واستشهد فى مصاف قفنده فى ربيع الأول وهو من أبناء الستين وأصيب المسلمون يومئذ.
أبو على بن خيران:
انظر ج 4 ص 369
أبو على الطبرى:
انظر ج 10 ص 400
أبو على بن أبى هريرة:
انظر ج 3 ص 358
عليش:
انظر ج 1 ص 269
ابن العماد:
انظر ج 3 ص 352
العمادى:
انظر ج 6 ص 389
عمارة بن خزيمة:
هو عمارة بن خزيمة بن ثابت قد وقع فى طريق الصدوق فى الفقيه فى باب ما يقبل من الدعاوى بغير بينة وليس له ذكر فى كتب الرجال أصلا.
عمر بن الخطاب:
انظر ج 1 ص 269
ابن عمر:
انظر عبد الله ج 1 ص 267
عمر بن عبد العزيز:
انظر ج 1 ص 269
عمر بن أبى سلمة توفى سنة 83 هـ:
عمر بن عبد الله أبى سلمة بن عبد الأسد المخزومى وال من الصحابة ولد بالحبشة ورباه النبى صلى الله عليه وسلم وولى البحرين زمن على وشهد معه وقعة الجمل وتوفى بالمدينة له اثنا عشر حديثا.
عمر بن يزيد توفى سنة 109 هـ:
عمر بن يزيد ابن عمير من بنى أسيد من تميم أحد
الشجعان الرؤساء المقدمين فى أيام بنى مروان ذكره يزيد بن عبد الملك يوما فقال هذا رجل العراق قتله مالك بن المنذر ابن الجارود وصاحب شرطة البصرة بأمر خالد بن عبد الله القسرى لما ولى العراق
عمران بن حصين:
انظر ج 2 ص 359
ابن عمرو:
انظر عبد الله ج 1 ص 267
عمرو بن شعيب:
انظر ج 1 ص 270
العنبرى توفى سنة 168 هـ:
عبيد الله بن الحصين العنبرى من تميم قاض. من الفقهاء العلماء بالحديث من أهل البصرة قال ابن حبان من ساداتها فقها وعلما ولى قضاءها سنة 157 هـ وعزل سنة 166 هـ وتوفى بها
حرف الغين:
الغزالى انظر أبو حامد:
ج 1 ص 270
حرف الفاء:
الفاضل توفى سنة 1306 هـ:
العالم الجليل والفاضل النبيل المولى محمد بن محمد باقر الايروانى النجفى الكربلائى أخذ عن صاحبى الضوابط والجواهر وصاحب أنوار الفقاهة وبالأخير اختص بشيخ الطائفة العلامة الأنصارى واستقل بالتدريس بعده وبعد العلامة الكدهكمرى سنة 1299 هـ شهرة طائلة وزعامة دينية كبيرة فطفق يعول الأفاضل بعلمه الجم ووفره الواسع فصاروا ببركته من كبار العلماء لهم تراجم ومؤلفات له رسائل كثيرة فى الفقه والأصول وتعليقه على رسائل أستاذه العلامة الأنصارى وحواش على قواعد العلامة وعلى تفسير البيضاوى ورسالة عملية فارسية فى العبادات وأخرى فى المعاملات وكتاب المكاسب المحرمة ورسالة اجتماع فى الأمر والنهى وغير ذلك ودفن بمدرسته المعروفة فى النجف الأشرف.
الفخر الرازى:
أنظر الرازى ج 1 ص 258
ابن فرحون:
أنظر ج 1 ص 271
الفضيل بن يسار:
هو الفضيل بن يسار الهندى وقد عد الشيخ الرجل تارة من أصحاب الباقر قائلا الفضيل بن يسار بصرى ثقة وأخرى من أصحاب الصادق بقوله فضيل بن يسار النهدى مولى وأصله كوفى نزل البصرة مات فى حياة أبى عبد الله وقال النجاشى الفضيل بن يسار النهدى أبو القاسم عربى بصرى صميم ثقة روى عن أبى جعفر وأبى عبد الله عليهما السلام ومات فى أيامه
حرف القاف:
ابن القاسم:
أنظر ج 1 ص 271
القاضى أبو يعلى:
أنظر أبو يعلى ج 1 ص 271
قتادة:
أنظر ج 3 ص 353
ابن قداح توفى سنة 180 هـ:
عبد الله بن ميمون ابن داود المخزومى بالولاء المعروف بابن القداح فقيه أمامى من رجال الحديث عند علماء السنة قال النسائى ضعيف وقال أبو حاتم لا يجوز الاحتجاج به اذا انفرد وهو من الثقات عند الشيعة له كتب منها مبعث النبى صلى الله عليه وسلم وأخباره وصفة الجنة والنار وكان أبوه فارسى الأصل من موالى بنى مخزوم عرف بالقداح وهى صناعته وكان يبرى القداح وهى السهام.
ابن قدامة:
أنظر ج 1 ص 271
القدورى:
أنظر ج 1 ص 271
القرطبى:
أنظر ج 1 ص 272
أبو قلابة:
أنظر ج 1 ص 273
قيصر توفى سنة 649 هـ:
قيصر بن أبى القاسم ابن عبد الغنى الأسفوتى، علم الدين، الملقب بتعاسيف: عالم رياضى، مهندس ولد بأسفون من صعيد مصر وأقام زمنا فى حماة «بسورية» فخدم صاحبها محمودا «المظفر» وبنى له أبراجا فلكية وطاحونا
على «العاصى» وتولى نظر الدواوين بالقاهرة ومات بدمشق.
حرف الكاف:
الكاسانى:
أنظر ج 1 ص 273
الكرابيسى:
انظر ج 3 ص 354
الكرخى:
أنظر ج 1 ص 273
الكمال بن الهمام:
انظر ج 1 ص 273
ابن كنانة توفى سنة 36 هـ:
كنانة بن بشر التجيبى ثائر كان من رؤساء الجيش الذى زحف من مصر لخلع عثمان أيام الفتنة فى المدينة وشارك فى مقتله وطلبه معاوية بن أبى سفيان، بدم عثمان فقبض عليه بمصر مع ابن حذيفة وبن عديس وسجنهم فى لد «بفلسطين» فهربوا فأدركهم والى فلسطين فقتلهم
حرف اللام:
اللخمى:
أنظر ج 1 ص 274
الليث بن سعد:
انظر ج 1 ص 274
ابن أبى ليلى:
انظر ج 1 ص 274
حرف الميم:
المؤيد بالله:
انظر ج 1 ص 275
ابن الماجشون:
انظر ج 2 ص 363
مالك:
انظر ج 1 ص 275
المتيطى توفى سنة 570 هـ:
القاضى أبو الحسن على بن عبد الله بن ابراهيم الأنصارى المعروف بالمتيطى السبتى الفاسى الامام الفقيه العالم. لازم أبا الحجاج المتيطى وبه تفقه ولزم بسبقه القاضى أبا محمد بن عبد الله التميمى. ألف كتابا كبيرا فى الوثائق سماه النهاية والتمام فى معرفة الوثائق والأحكام اختصره ابن هارون غيره توفى فى مستهل شعبان سنة 570 هـ رحمه الله تعالى
مجاهد:
انظر ج 3 ص 355
مجد الدين:
انظر ج 9 ص 382
محارب بن دثار:
انظر ج 10 ص 402
مخارق توفى سنة 321:
مخارق أبو المهنأ بن يحيى الجزار امام عصره فى فن الغناء ومن أطيب الناس صوتا توفى بسر من رأى أخباره كثيرة جدا
المحب الطبرى:
انظر ج 3 ص 355
محب بن عبد الشكور توفى سنة 1119 هـ:
محب الله بن عبد الشكور البهارى الهندى قاض من الأعيان من أهل «بهار» وهى مدينة عظيمة شرقى يورب بالهند مولده فى موضع يقال له «كره» بفتحتين ولى قضاء لكهند ثم قضاء حيدر أباد الدكن، ثم ولى صدارة ممالك الهند، ولقب بفاضل خان ولم يلبث أن توفى. من كتبه «مسلم الثبوت فى أصول الفقه والجوهر الفرد رسالة» . وسلم العلوم فى المنطق
محمد:
انظر ج 1 ص 275
محمد بن اسحاق توفى سنة 311 هـ:
محمد بن اسحاق بن خزيمة السلمى، أبو بكر: امام نيسابور فى عصره كان فقيها مجتهدا عالما بالحديث. مولده ووفاته بنيسابور، رحل الى العراق والشام والجزيرة ومصر ولقبه السبكى بامام الأئمة تزيد مصنفاته على 140 منها كتاب «التوحيد واثبات صفة الرب»
محمد بن اسماعيل العذرى توفى سنة 730 هـ:
محمد بن سليمان بن محمد بن أحمد بن أبى الرجال الصعدى الفقيه العلامة أحد المذاكرين المجتهدين أخذ عن الفقيه يحيى البحبيح عاصر الامام يحيى ولما وصلت اليه دعوة الامام يحيى الى صعدة قام خطيبا وحث الناس على طاعة الامام يحيى وقال
والله ما أعلم من على عليه السلام الى الآن أعلم منه وله مؤلفات منها الروضة وكان يحفظ اللمع غيبا وكان زاهدا ورعا وسماه السيد صارم الدين أمام المذاكرين توفى سنة 730 هـ وقبره عند جبانة صعدة
محمد بن زكريا توفى سنة 311 هـ:
محمد بن زكريا الرازى أبو بكر فيلسوف من الأئمة فى صناعة الطب. من أهل الرى ولد وتعلم بها وسافر الى بغداد بعد سن الثلاثين يسميه كتاب اللاتينية «رازيس» ومات ببغداد وفى سنة وفاته خلاف
محمد بن سليم توفى سنة 1331 هـ:
محمد بن سليم بن أنيس بن سليم بن حسن القصابى المعروف بقصاب حسن: فاضل، له شعر وتواشيح وعناية بالأدب من أهل دمشق أصله من الموصل انتقل منها أحد جدوده الى دمشق سنة 1180 هـ وبها ولد صاحب الترجمة وتوفى. له «نشأة الصبا» ديوان شعره فى صباه وسحر البيان. ديوان ثانى وجهد المستطيع فى أنواع البديع.
محمد بن عبد الله الحاكم توفى سنة 405 هـ:
محمد بن عبد الله بن حمدويه بن نعيم الضبى الطهمانى النيسابورى الشهير بالحاكم ويعرف بابن البيع. أبو عبد الله:
من أكابر حفاظ الحديث والمصنفين فيه، مولده ووفاته فى نيسابور رحل الى العراق سنة 342 هـ وحج وجال فى بلاد خراسان وما وراء النهر وأخذ عن نحو ألفى شيخ وولى قضاء نيسابور سنة 359 هـ ثم قلد جرجان فامتنع.
محمد بن عطية:
انظر ابن عطية
محمد بن على الرازى:
انظر الرازى ج 1 ص 258
محمد بن على الشوكانى:
انظر الشوكانى ج 1 ص - 273
محمد بن عيسى توفى سنة 253 هـ:
محمد بن عيسى بن سورة السلمى البوغى الترمذى أبو عيسى: من أئمة علماء الحديث وحفاظه من أهل ترمذى «على نهر جيجون» تتلمذ للبخارى وشاركه فى بعض شيوخه وقام برحلة الى خراسان والعراق والحجاز وعمى فى آخر عمره وكان يضرب به المثل فى الحفظ مات بترمذ من تصانيفه الجامع الكبير - فى الحديث مجلدان والعلل فى الحديث
محمد بن مسلم:
انظر ج 5 ص 378
المرتضى:
انظر ج 1 ص 275
مرثد بن عبد اليزنى توفى سنة 90 هـ:
مرثد بن عبد الله الحميرى اليزنى، أبو الخير: مفتى أهل مصر من الطبقة الثالثة من التابعين من ثقات أهل الحديث كان أمير مصر عبد العزيز ابن مروان يحضره فيجلسه للفتيا نسبته الى «ذى يزن» وهو بطن من حمير
ابن مرزوق:
انظر ج 3 ص 356
المزنى:
انظر ج 1 ص 276
ابن مسعود:
انظر عبد الله ج 1 ص 267
ابو مسعود البدرى توفى سنة 40 هـ:
عقبة بن عمرو بن ثعبلة بن أسيرة بن عطية بن خدارة ابن عوف بن الحرث بن الخزرج الأنصارى أبو مسعود البدرى - مشهور بكنيته اتفقوا على أنه شهد العقبة واختلفوا فى شهوده بدرا فقال الأكثر نزلها فنسب اليها وجزم البخارى بأنه شهدها واستدل بأحاديث أخرجها فى صحيحه فى بعضها التصريح بأنه شهدها منها حديث عروة بن الزبير عن بشير بن أبى مسعودة قال أخر المغيرة العصر فدخل أبو مسعود عقبة بن عمرو جد زيد بن حسن وكان شهد بدرا قال المداينى مات سنة 40 هـ والصحيح أنه مات بعدها فقد ثبت أنه أدرك امارة المغيرة على الكوفة وذلك بعد سنة أربعين قطعا قيل مات بالكوفة وقيل مات بالمدينة
مسلم:
انظر ج 1 ص 276
معاذ بن جبل:
انظر ج 1 ص 276
معبد الجهنى توفى سنة 72 هـ:
معبد بن خالد الجهنى أبو ذرعة: صحابى من القادة أسلم قديما وكان أحد الأربعة الذين حملوا الوية «جهينة» يوم فتح مكة وكان يلزم البادية عاش بضعا وثمانين سنة
معمر:
انظر ج 1 ص 277
المغيرة بن شعبة:
انظر ج 3 ص 357
مكحول:
انظر ج 3 ص 357
ابن أبى مليكة توفى سنة 117 هـ:
عبد الله ابن عبيد الله بن أبى مليكة التيمى المكى قاضى من رجال الحديث الثقات ولاه ابن الزبير قضاء الطائف.
ابن المناصف توفى سنة 620 هـ:
محمد بن عيسى ابن محمد بن أصبغ. أبو عبد الله من المناصف الأزدى القرطبى نزيل أفريقية قاض متفنن فى العلوم. ولى قضاء بلنسية ثم قضاء مرسية. وصرف فسكن قرطبة وحج وأقام بمصر قليلا وعاد فمات بمراكش له «المذهبة فى المحلى والشيات» وتنبيه الحكام، فى سيره القضاء وقبول الشهادات وتنفيذ الأحكام والحسبة وكتاب فى أصول الدين وآخر فى السيرة النبوية
ابن المنذر:
انظر ج 1 ص 277
منصور:
انظر ج 2 ص 364
المنوفى توفى سنة 1042 هـ:
محمد بن ياسين المنوفى شاعر من أهل مصر فى شعره جودة ورقة ولى عدة مناصب فى القضاء مولده ووفاته فى القاهرة
ابن المنير توفى سنة 733 هـ:
عبد الواحد بن منصور بن محمد بن المنير أبو محمد فخر الدين الاسكندرى المالكى مفسر له شعر ونظم فى «كان وكان» وفاته بالاسكندرية من كتبه تفسير فى ستة مجلدات وارجوزة فى القراءات السبع وديوان فى المدائح النبوية
أبو ميسرة:
مولى العباس بن عبد المطلب ذكره المستغفرى فى الصحابة وتبعه أبو موسى وأورد من طريق محمد بن أحمد بن سعيد البزار الطوسى المعروف بأبى كساء عن أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد بن أبى قرة عن الليث بن سعد عن أبى قبيل عن أبى ميسرة مولى العباس ابن عبد المطلب قال بت عند النبى صلى الله عليه وسلم فقال يا عباس أنظر هل ترى فى السماء شيئا. قلت نعم أرى الثريا قال أما أنه يملك هذه الأمة بعد وهامن صلبك.
قلت وهذا الحديث معروف بعبيد بن أبى قرة تفرد بروايته عن الليث وسقط من السند العباس بن عبد المطلب فصار ظاهرة أن الصحابى هو أبو ميسرة وليس كذلك فقد أخرجه أحمد فى مسنده واتفقت هذه الطرق كلها فى سياق السند على أنه عن أبى ميسرة عن العباس بن عبد المطلب فظهر أن الصواب اثباته.
أبو موسى الأشعرى:
انظر ج 1 ص 278
حرف النون:
الناطفى:
انظر ج 1 ص 278
نافع بن الحارث:
انظر ج 3 ص 358
نجم الدين الزاهدى:
انظر ج 1 ص 279
ابن نجيم:
انظر ج 1 ص 279
النخعى:
انظر ج 1 ص 279
النسائى:
انظر ج 1 ص 279
النعمان توفى سنة 325 هـ:
نعمان بن عامر بن هانئ بن مسعود بن أرسلان التنوخى اللخمى أو الحسام أمير عالم بفقه المالكية شاعر من أسلاف آل أرسلان بلبنان تعلم ببغداد ولازم الجاحظ وأخذ عن المبرد سنة 249 هـ وعاد الى لبنان وولى امارة الساحل وأضيف اليه عمل صفد وكانت له وقائع مع المردة سنة 262 هـ ومع الافرنج برأس بيروت سنة 303 هـ وصنف كتاب تيسير المالك الى مذهب مالك وجمع شعره فى ديوان
النعمان بن بشير:
انظر ابن بشير ج 4 ص 361
نفيع بن الحارث توفى سنة 52 هـ:
نفيع بن الحارث بن كلده الثقفى أبو بكرة صحابى من أهل الطائف له 132 حديثا توفى بالبصرة وانما قيل له «أبو بكرة» لأنه تدلى ببكرة من حض الطائف الى النبى صلى الله عليه وسلم وهو ممن اعتزل الفتنة يوم الجمل وأيام صفين
النووى:
انظر ج 1 ص 279
حرف الهاء:
ابن هارون:
انظر ج 10 ص 404
أبو هاشم:
انظر ج 1 ص 280
هشام بن الحكم:
انظر ج 2 ص 366
حرف الواو:
الوراق توفى سنة 329 هـ:
محمد بن عبد الله بن محمد بن موسى أبو عبد الله الكرمانى الوراق عالم باللغة والنحو. كان يورق بالأجرة قرأ على ثعلب من كتبه الموجز فى النحو والجامع فى اللغة ذكر فيه ما أغفله الخليل فى العين، وكانت بينه وبين ابن دريد مناقضة.
وكيع:
انظر ج 4 ص 374
حرف الياء:
الامام يحيى:
انظر ج 1 ص 280
يزيد بن أبى حبيب توفى سنة 128 هـ:
يزيد بن سويد الأزدى بالولاء المصرى أبو رجاء مفتى أهل مصر فى صدر الاسلام وأول من أظهر علوم الدين والفقه بها قال الليث يزيد عالمنا وسيدنا كان نوبيا أسود أصله من دنقله وفى ولائه للازد ونسبته اليهم أقوال وكان حجة حافظا للحديث
يزيد بن أبى سفيان توفى سنة 19 هـ:
يزيد بن أبى سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس القرشى الأموى أمير الشام وأخو الخليفة معاوية كان من فضلاء الصحابة من مسلمة الفتح واستعمله النبى صلى الله عليه وآله وسلم على صدقات بنى فراس وكانوا أخواله قاله ابن بكار وقال أبو عمر كان أفضل أولاد أبى سفيان وكان يقال له يزيد الخير وأمه أم الحكم زينب بنت نوفل من خلف من بنى كنانة يكنى أبا خالد وأمره أبو بكر الصديق لما قفل من الحج سنة اثنتى عشرة أحد أمراء الأجناد وأمره عمر على فلسطين ثم على دمشق لما مات معاذ بن جبل وكان استخلفه فأقره عمر قال ابن المبارك فى الزهد أنبأنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال رأى عمر يزيد بن أبى سفيان كاشفا عن بطنه فرأى جلدة رقيقة فرفع عليه الدرة وقال أجلده كافر وقال أيضا أنبأنا اسماعيل بن العباس حدثنى يحيى الطويل عن نافع سمعت ابن عمر قال بلغ عمر بن الخطاب أن يزيد بن أبى سفيان يأكل ألوان الطعام فذكر قصة له معه وفيها يا يزيد اطعام بعد اطعام والذى نفسى بيده لئن خالفتم عن سننهم ليخالفن بكم عن طريقتهم قال ابن صاعد تفرد به ابن المبارك وتوفى سنة 19 هـ
يزيد بن هارون توفى سنة 206 هـ:
يزيد بن هارون ابن زادان بن ثابت السلمى بالولاء الواسطى أبو خالد من حفاظ الحديث الثقات كان واسع العلم بالدين ذكيا كبير الشأن أصله من بخارى ومولده ووفاته بواسط قدر من كان يحضر مجلسه بسبعين ألفا وكان يقول احفظ أربعة وعشرين ألف حديث باسناده ولا فخر وأشار البلخى الى أن له كتابا فيه أحاديثه رآه عبد الرحمن بن مهدى ووجد فيه غلطا فقال عافى الله أبا خالد وكف بصره فى كبره قال المأمون لولا مكان يزيد بن هارون لا أظهرت أن القرآن مخلوق فقيل ومن يزيد حتى يتقى؟ قال: أخاف ان أظهرته فيرد على فيتخلف الناس وتكون فتنة.
أبو يوسف:
انظر ج 1 ص 281
ابن يونس:
انظر ج 1 ص 281
يونس بن يعقوب:
انظر ج 5 ص 379