المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌إضافة ‌ ‌التعريف اللغوى: اضافة مصدر فعله أضاف على وزن أفعل، فهو ثلاثى - موسوعة الفقه الإسلامي - الأوقاف المصرية - جـ ١٣

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

‌إضافة

‌التعريف اللغوى:

اضافة مصدر فعله أضاف على وزن أفعل، فهو ثلاثى مزيد بالهمزة فى أوله وأصل مادته ضيف.

جاء فى لسان العرب والقاموس المحيط

(1)

أنه يقال ضفت الرجل ضيفا وضيافة، وتضيفته اذا نزلت به ضيفا وملت اليه.

وقيل: نزلت به وصرت له ضيفا.

قال ابن برى وعلى ذلك قول القطامى:

تحيز عنى خشية أن أضيفها

كما انحازت الأفعى مخافة ضارب

وفى حديث عائشة رضى الله عنها:

ضافها ضيف فأمرت له بملحفة صفراء.

ويقال أضفت فلانا وضيفته - بفتح التاء فيهما - أنزلته عليك ضيفا وأملته اليك وقربته.

ولذلك قيل: هو مضاف الى كذا، أى ممال اليه.

ويقال أضاف فلان فلانا فهو يضيفه اضافة اذا ألجأه الى ذلك.

وفى التنزيل العزيز قول الله عز وجل «فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما.»

(2)

قال أبو الهيثم: أضافه وضيفه عندنا بمعنى واحد كقولك أكرمه الله وكرمه.

ويقال ضافت المرأة اذا حاضت، لأنها مالت من الطهر الى الحيض وضافت الشمس تضيف وضيفت وتضيفت دنت للغروب وقربت.

وفى الحديث الشريف نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة اذا تضيفت الشمس للغروب - تضيفت:

مالت.

ويقال ضاف اليه اذا مال ودنا وكذلك أضاف.

(1)

لسان العرب للامام ابن منظور ج 37 مادة ضيف طبع مطبعة دار صادر بيروت والقاموس الميحط للفيروز أبادى نفس المادة.

(2)

الآية رقم 77 من سورة الكهف.

ص: 5

قال ساعدة بن جؤية يصف سحابا:

حتى أضاف الى واد ضفادعه

غرقى ردافى، تراها تشتكى النشجا

وضافنى الهم كذلك.

والمضاف: الملصق بالقوم الممال اليهم وليس منهم، وكل ما أميل الى شئ وأسند اليه فقد أضيف.

قال امرؤ القيس:

فلما دخلناه أضفنا ظهورنا

الى كل حارى فشيب مشطب

أى أسندنا ظهورنا اليه وأملناها.

ومنه قيل للدعى مضاف لأنه مسند الى قوم ليس منهم.

وفى الحديث مضيف ظهره الى القبة أى مسنده، واضافة الاسم الى الاسم كقولك غلام زيد، فالغلام مضاف وزيد مضاف اليه.

والغرض من الاضافة التخصيص والتعريف ولهذا لا يجوز أن يضاف الشئ الى نفسه لأنه لا يعرف نفسه، فلو عرفها لما احتيج الى الاضافة.

والنحويون يسمون الباء حرف الاضافة، وذلك أنك اذا قلت مررت بزيد فقد أضفت مرورك الى زيد بالباء.

ويقال أضاف من الأمر اذا أشفق منه وحذر.

وعلى ذلك قول النابغة الجعدى:

أقامت ثلاثا بين يوم وليلة

وكان النكير أن تضيف وتجأرا

‌التعريف فى اصطلاح الفقهاء:

يستعمل الفقهاء كلمة اضافة، ويكادون لا يخرجون فى ذلك على المعنى اللغوى.

فهى بمعنى الاسناد والامالة والتخصيص.

فاذا قيل الحكم مضاف الى فلان أو من صفته كذا، كان ذلك اسنادا اليه.

واذا قيل الحكم مضاف الى زمان كذا كان تخصيصا له.

ص: 6

‌الاضافة فى النكاح

‌أولا: حكم اضافة النكاح الى بعض

المرأة أو الى مجهول أو مبهم

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق

(1)

: أن من شروط ركن النكاح أن يضيف النكاح الى كل المرأة أو ما يعبر به عن الكل كالرأس والرقبة، بخلاف اليد والرجل، كما عرف فى الطلاق.

فلو أضاف النكاح الى ظهرها أو بطنها ذكر الحلوانى قال مشايخنا الأشبه من مذهب أصحابنا أنه ينعقد النكاح.

وذكر ركن الاسلام والسرخسى ما يدل على أنه لا ينعقد النكاح، كذا فى الذخيرة.

ولو قال تزوجت نصفك فالأصح عدم الصحة كما فى الخانية.

ومن شروط النكاح أن لا تكون المنكوحة مجهولة فلو زوجه بنته ولم يسمها وله بنتان لم يصح، للجهالة.

بخلاف ما اذا كان له بنت واحدة، الا اذا سماها بغير اسمها، ولم يشر اليها، فانه لا يصح كما فى التجنيس.

فلو كان له بنتان كبرى واسمها عائشة وصغرى واسمها فاطمة فأراد تزويج الكبرى فغلط فسماها فاطمة انعقد على الصغرى، فلو قال فاطمة الكبرى لم ينعقد لعدم وجودها.

وفى الذخيرة اذا كان للمزوج ابنة واحدة وللقابل ابنان، فان سمى القابل الابن باسمه صح النكاح للابن المسمى، وكذلك اذا لم يسمه واقتصر على قوله قبلت يجوز النكاح، ويجعل قوله قبلت جوابا فيتقيد بالايجاب، ولو ذكر القابل الابن الا أنه لم يسمه باسمه بأن قال قبلت لابنى لا يصح، لأنه لا يمكن أن يجعل جوابا لأنه زاد عليه

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى المدونة

(3)

أنه لو قالت المولية لوليها زوجنى فقد وكلتك أن تزوجنى ممن أحببت، لم يجز أن يزوجها من

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم ج 3 ص 90 فى كتاب على هامشه الحواشى المسماة بمنحة الخالق على البحر الرائق للسيد محمد أمين الشهير بابن عابدين الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى العلمية.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 90، 91 نفس الطبعة.

(3)

المدونة الكبرى لامام دار الهجرة الامام مالك بن أنس الأصبحى ج 4 ص 22 رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن بن القاسم العتقى أول طبعة ظهرت طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ.

ص: 7

نفسه، ولا من غيره حتى يسمى لها من يريد أن يزوجها، وأن زوجها أحدا قبل أن يسميه لها فأنكرت ذلك كان ذلك لها، وان لم يكن بين لها أنه يزوجها من نفسه ولا من غيره، الا أنها قالت له زوجنى ممن أحببت ولم يذكر لها نفسه فزوجها من نفسه أو من غيره فلا يجوز ذلك. هذا قول مالك رحمه الله تعالى اذا لم تجز ما صنع

قال سحنون رحمه الله تعالى وقد قال ابن القاسم انه اذا زوجها من غيره وان لم يسمه لها فهو جائز.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى حاشيتى

(1)

قليوبى وعميرة أنه لا يكفى فى صحة عقد النكاح اضافة الانكاح الى جزء المرأة وان لم تعش بدونه كقلبها أو رأسها أو يدها.

نعم اعتمد شيخنا صحة البيع فى ذلك أن قصد به الجملة.

فيحتمل أن يقال بمثله هنا ويحتمل أن يفرق وهو أقرب.

وجاء فى مغنى المحتاج أنه لا يصح النكاح بلفظ الجزء من المنكوحة كزوجتك نصف ابنتى.

قاله الامام فى كتاب الطلاق

(2)

ويشترط تعيين كل من الزوجين فزوجتك احدى بناتى، أو زوجت بنتى مثلا أحدكما باطل ولو مع الاشارة كالبيع.

ولو قال زوجتك بنتى وكان رآها قبل ذلك وليس له غيرها أو أشار اليها صح.

ولو سمى البنت المذكورة بغير اسمها، أو قال زوجتك هذا الغلام وأشار الى البنت التى يريد تزويجها صح.

ولو كان اسم ابنته الواحدة فاطمة فقال: زوجتك فاطمة، ولم يقل:

بنتى، لم يصح النكاح، لكثرة الفواطم، لكن لو نواها، صح، عملا بما نواه، كما قاله البغوى رحمه الله تعالى.

ولو قال - وله بنتان كبرى وصغرى - زوجتك بنتى الكبرى وسماها باسم الصغرى صح فى الكبرى اعتمادا على الوصف.

ولو ذكر الولى للزوج اسم واحدة من بنتيه وقصدهما الأخرى صح فيما قصداها ولغت التسمية، فان

(1)

حاشيتا الشيخ شهاب الدين القليوبى والشيخ عميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين للشيخ محيى الدين النووى فى كتاب على هامشه الشرح المذكور طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 270 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

ص: 8

اختلف قصدهما لم يصح، لأن الزوج قبل غير ما أوجبه الولى.

ولو قال زوجتك بنتى الصغيرة الطويلة وكانت الطويلة الكبيرة فالتزويج باطل، لأن كلا الوصفين لازم وليس اعتبار أحدهما فى تمييز المنكوحة أولى من اعتبار الآخر، فصارت مبهمة.

ولو خطب كل من رجلين امرأة وعقد كل منهما على مخطوبة الآخر ولو غلطا صح النكاحان لقبول كل منهما ما أوجبه الولى

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن من شروط النكاح تعيين الزوجين، لأن النكاح عقد معاوضة أشبه تعيين المبيع فى البيع، ولأن المقصود فى النكاح التعيين فلم يصح بدونه، فلا يصح العقدان قال الولى زوجتك ابنتى، وله بنات حتى يميزها عن غيرها، بأن يشير اليها أو يسميها باسم يخصها او يصفها بما تتميز به عن غيرها، بأن تكون الصفة لا يشركها فيها غيرها من اخواتها، كقوله زوجتك بنتى الكبرى أو بنتى الصغرى أو بنتى الوسطى أو بنتى البيضاء، ونحوه كالحمراء أو السوداء، فان سماها مع وصفها الذى تتميز به كأن يقول زوجتك بنتى فلانة الكبرى كان ذلك تأكيدا، لأنه مقو لما دل الاسم عليه.

ولو قال الولى زوجتك بنتى ولم يكن له الا بنت واحدة صح العقد ولو سماها الولى بغير اسمها، لأن عدم التعيين انما جاء من التعدد ولا تعدد هنا، وكذا لو سماها بغير اسمها وأشار اليها بأن قال زوجتك بنتى فاطمة هذه، وأشار الى خديجة، فيصح العقد على خديجة، لأن الاشارة أقوى وان سماها الولى باسمها، بأن قال: زوجتك فاطمة، ولم يقل بنتى لم يصح النكاح، وكذا لو قال زوجتك الكبيرة أو الطويلة ونحوه، لأن هذا الاسم أو هذه الصفة يشتركان بينها وبين سائر الفواطم أو الطوال.

وكمن له بنات فاطمة وعائشة فقال الولى زوجتك بنتى عائشة فقبل الزوج ونويا فى الباطن فاطمة فلا يصح النكاح، لأن المرأة لم تذكر بما تتميز به، فان اسم أختها لا يميزها بل يصرف العقد عنها، ولأنهما لم يتلفظا بما يصح العقد بالشهادة عليه فأشبه ما لو قال زوجتك عائشة فقط، أو ما لو قال زوجتك ابنتى ولم يسمها، واذا لم يصح فيما اذا لم يسمها ففى ما اذا سماها بغير اسمها أولى، وكذا ان قصد الولى واحدة والزوج أخرى، وان سمى لمن يريد التزويج فى العقد غير من خطبها فقبل

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 135، 136 نفس الطبعة.

ص: 9

يظنها المخطوبة لم يصح العقد، لأن القبول انصرف الى غير من وجد الايجاب فيها، ولو رضى الزوج بعد علمه بالحال فلا ينقلب النكاح صحيحا، فان قبل غير ظان أنها المخطوبة صح النكاح، وان كان الذى سمى له فى العقد غير مخطوبته وقبل يظنها اياها أى المخطوبة لم يصح العقد، لأن القبول انصرف الى غير من وجد الايجاب فيها، ولو رضى الزوج بعد علمه بالحال، فلا ينقلب النكاح صحيحا، فان قبل غير ظان أنها المخطوبة صح النكاح

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(2)

أنه لا يحل نكاح من لم يولد بعد، فمن فعل ذلك لم يلزمه لأنه لا يدرى أيولد له ابنة أم ابن أم ميتة.

ولا يحل نكاح غائبة الا بتوكيل منها على ذلك ولا يحل انكاح غائب الا بتوكيل منه ورضا، لقول الله عز وجل «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها» }.

(3)

وقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها وهى بأرض الحبشة وهو بالمدينة برضاهما معا

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن من أركان النكاح أن يكون لفظ التمليك متناولا لجميعها أو بضعها فيقول زوجتكها أو زوجتك بضعها أو ملكتك اياها أو ملكتك بضعها.

فأما لو قال زوجتك يدها أو رجلها أو رأسها لم ينعقد النكاح.

وكذا لو قال زوجتك ثلثها أو ربعها ما لم يكن فيه البضع.

ولو قال زوجتك نصفا ثم نصفا قيل يصح.

وقيل

(5)

لا يصح.

ومن أركانه كذلك أن يقع قبول لعقد النكاح مثل العقد، وذلك لأن

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 22، 23 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.

(2)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 10 ص 35 مسألة رقم 1882 طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

(3)

الآية رقم 164 من سورة الأنعام.

(4)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 33 مسألة رقم 1883 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح فى فقه الأئمة الأطهار ج 2 ص 230 الطبعة السابقة.

ص: 10

من حق العقد أن يكون ماضيا مضافا الى النفس مشتملا لجميعها أو بضعها فيقول فيه زوجت أو أنكحت، فلو قال زوج لم يصح، ولو قال أزوج من غير اضافة لم يصح، ولو قال زوجتك يدها أو رأسها لم يصح.

ويجب أن يكون القبول مثله فى ذلك فيقول قبلت أو تزوجت، فلو قال أتزوج لم يصح، ولو لم يضفه الى نفسه لم يصح، نحو أن يقول تزوج أو قبل، ولو قال قبلت نصفها أو رأسها أو نحو ذلك لم يصح

(1)

.

ومن شروط النكاح تعيين المرأة حال العقد وتعيينها يحصل باشارة اليها نحو أن يقول، زوجتك هذه المشار اليها أو تلك التى قد عرفتها ولو كانت غائبة، أو تعيينها بوصف نحو أن يقول زوجتك ابنتى الكبرى أو الصغرى أو نحو ذلك، أو تعيينها بلقب نحو زوجتك ابنتى فاطمة أو زينب فهى تعين بأحد هذه الأمور، أو بأن يقول زوجتك بنتى أو أختى أو نحو ذلك، وذلك بشرط أن لا يكون له بنت أو أخت موجودة غيرها، فأما لو كان له بنت غيرها لم يكف قوله بنتى، لأنها لا تعين بذلك، أو يقول زوجتك التى قد تواطأنا عليها وعرفتها، فاذا عينها بأى هذه الأمور صح العقد، فان عرفها بوجهين من التعريفات التى تقدمت وتنافى التعريفان حكم بالأقوى منهما ولغا ذكر الأضعف.

مثال ذلك أن يقول زوجتك هذه الصغرى وهى الكبرى فيصح على الكبرى ويبطل قوله الصغرى.

وكذا لو قال زوجتك الكبرى زينب وهى فاطمة فانه يصح النكاح على الكبرى

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى مستمسك العروة الوثقى أنه يشترط تعيين الزوج والزوجة على وجه يمتاز كل منهما عن غيره بالاسم أو الوصف الموجب له أو الاشارة.

وعلله فى التذكرة وغيرها بأن الاستمتاع يقتضى فاعلا ومنفعلا معينين لتعينه، لكنه لا يقتضى التعيين من أول الأمر، ولذا تصح اجازة الكلى مع أن الانتفاع المقصود من الاجارة يتوقف على التعيين والمتعين أن يكون الوجه فيه: أن الزوجية من الاضافات التى تقوم بغير المتعينين.

فلو قال: زوجتك احدى بناتى بطل.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 231 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 245 وما بعدها الى ص 247 الطبعة السابقة.

ص: 11

وكذا لو قال زوجت بنتى أحد ابنيك أو أحد هذين.

وكذا لو عين كل منهما غير ما عينه الآخر بل وكذا لو عينا معينا من غير معاهدة بينهما بل من باب الاتفاق صار ما قصده أحدهما عين ما قصده الآخر.

وأما لو كان ذلك مع المعاهدة لكن لم يكن هناك دال على ذلك من لفظ أو فعل أو قرينة خارجية مفهمة فلا يبعد الصحة.

وان كان الأحوط خلافه.

ولا يلزم تمييز ذلك المعين عندهما حال العقد، بل يكفى التميز الواقعى مع امكان العلم به بعد ذلك كما اذا قال: زوجتك بنتى الكبرى ولم يكن حال العقد عالما بتاريخ تولد البنتين لكن بالرجوع الى الدفتر يحصل له العلم

(1)

.

ولو اختلف الاسم والوصف أو أحدهما مع الاشارة أخذ بما هو المقصود وألغى ما وقع غلطا مثلا لو قال زوجتك الكبرى من بناتى فاطمة وتبين أن اسمها خديجة صح العقد على خديجة التى هى الكبرى، ولو قال زوجتك فاطمة وهى الكبرى فتبين أنها الصغرى صح على فاطمة لأنها المقصود ووصفها بأنها كبرى وقع غلطا فيلغى، وكذا لو قال زوجتك هذه وهى فاطمة أو وهى الكبرى فتبين أن اسمها خديجة أو أنها صغرى فان المقصود تزويج المشار اليها وتسميتها بفاطمة أو وصفها بأنها الكبرى وقع غلطا فيلغى

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه يجب تعيين المنكوحة باسمها ولو واحدة، فلو قال زوجتك بنتى أو أمتى وعنده بنت واحدة أو أمة واحدة لم يجز.

وقيل جائز فيما بينهم وبين الله تعالى ولا يشهد به.

قلت هو جائز فى الحكم أيضا عندى أن عرفت بذلك فيشهد به وهو ظاهر قول فى الديوان.

وان قال زوجتك بنتى وما له الا بنت ابن فقولان.

وان زوجها بغير اسمها فرقا ولو مست.

وقيل يجوز عند الله اذا أرادها.

وجاز بلقبى الرجل والمرأة أن عرفا.

ومن كان له اسم عند أهله وآخر يدعى

(1)

مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 12 ص 328 وما بعدها الى ص 330 مسألة رقم 17 الطبعة الثانية طبع مطبعة النجف سنة 1379 هـ، سنة 1959 م.

(2)

المرجع السابق ج 12 ص 230، ص 331 مسألة رقم 18 نفس الطبعة.

ص: 12

به فيجيب جاز به، وجاز بالأول أيضا ان كانت تجيب به ولو عرفت بالاخر

(1)

.

وجاز زوجت لك بدن هذه المرأة ولا يجوز زوجت لك اسمها.

وان قال زوجت لك هذه الأمة وهى حرة أو هذا الرجل وهو امرأة، أو هذه الطفلة وهى بالغة وهم عارفون جاز.

وقيل لا.

وكذا ان قصد الى شخص امرأة فسماها بغيرها أو سمى الزوج بخلافه.

وان قال نصف هذه المرأة أو لنصف هذا الرجل لم يجز.

ولا يجوز زوجت لك رأسها أو يدها أو وجهها أو نحو ذلك، وكذلك فى الرجل أو زوجت لك هذه أو هذه أو من شئت منهما، أو من أحبك أو أحبها أبوك، أو غيره

(2)

.

‌ثانيا: حكم اضافة النكاح الى الوقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط جواز النكاح ونفاذه التأبيد، فلا يجوز النكاح المؤقت وهو نكاح المتعة - وهو نوعان:

أحدهما: أن يكون بلفظ التمتع.

والثانى: أن يكون بلفظ النكاح والتزويج وما يقوم مقامهما.

أما الاول فهو أن يقول أعطيك كذا على أن أتمتع منك يوما أو شهرا أو سنة ونحو ذلك، وهو باطل عند عامة العلماء.

وقال بعض الناس هو جائز، واحتجوا بظاهر قول الله عز وجل «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً»

(3)

.

والاستدلال بها من ثلاثة أوجه.

أحدها: انه ذكر الاستمتاع ولم يذكر النكاح والاستمتاع والتمتع واحد.

والثانى: أنه تعالى أمر بايتاء الأجر وحقيقة الاجارة والمتعة عقد الاجارة على منفعة البضع.

والثالث: أنه سبحانه وتعالى أمر بايتاء الاجر بعد الاستمتاع وذلك يكون فى عقد الاجارة والمتعة فأما المهر فانما يجب فى النكاح بنفس العقد ويؤخذ الزوج بالمهر أولا ثم يمكن من الاستمتاع

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 3 ص 165 طبع المطبعة الادبية بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 168 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 24 من سورة النساء.

ص: 13

فدلت الاية الكريمة على جواز عقد المتعة.

ويدل لنا الكتاب والسنة والاجماع والمعقول.

أما الكتاب الكريم فقول الله عز وجل:

«وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ»

(1)

فقد حرم الله تعالى الجماع الا بأحد شيئين، والمتعة ليست بنكاح، ولا بملك يمين فيبقى التحريم.

والدليل على أنها ليست بنكاح أنها ترتفع من غير طلاق ولا فرقة، ولا يجرى التوارث بينهما، فدل أنها ليست بنكاح، فلم تكن هى زوجة له.

وقوله تعالى فى آخر الآية «فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ» سمى مبتغى ما وراء ذلك عاديا، فدل على حرمة الوط ء بدون هذين الشيئين.

وقول الله عز وجل «وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ»

(2)

وكان ذلك منهم اجارة الاماء، نهى الله عز وجل عن ذلك وسماه بغاء، فدل على الحرمة.

وأما السنة فما روى عن على رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الانسية.

وروى عن سبرة الجهنى رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم فتح مكة.

وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قائما بين الركن والمقام وهو يقول: انى كنت أذنت لكم فى المتعة، فمن كان عنده شئ فليفارقه، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا، فان الله قد حرمها الى يوم القيامة.

وأما الاجماع فان الامة بأسرهم امتنعوا عن العمل بالمتعة مع ظهور الحاجة لهم الى ذلك.

وأما المعقول فهو أن النكاح ما شرع لاقتضاء الشهوة، بل لأغراض ومقاصد يتوسل به اليها واقتضاء الشهوة بالمتعة لا يقع وسيلة الى المقاصد فلا يشرع

(3)

.

وأما الاية الكريمة فمعنى قول الله عز وجل «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ»

(1)

الآية رقم 5، 6 من سورة المؤمنون.

(2)

الآية رقم 33 من سورة النور.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 2 ص 272، ص 273 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1910 م.

ص: 14

أى فى النكاح، لان المذكور فى أول الاية وآخرها هو النكاح، فان الله تعالى ذكر أجناسا من المحرمات فى أول الاية فى النكاح، وأباح ما وراء ذلك بالنكاح بقوله عز وجل «وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ»

(1)

أى بالنكاح.

وقوله تعالى «مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ» أى متناكحين غير زانين.

وقال تعالى فى سياق الاية الكريمة «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ» }.

ذكر النكاح لا الاجارة والمتعة فيصرف قوله تعالى فما استمتعتم به الى الاستمتاع بالنكاح.

وأما قوله سمى الواجب أجرا فنعم المهر فى النكاح يسمى أجرا.

قال الله عز وجل «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ»

(2)

أى مهورهن.

وقال سبحانه وتعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللاّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ»

(3)

وقوله أمر تعالى بايتاء الاجر بعد الاستمتاع بهن، والمهر يجب بنفس النكاح ويؤخذ قبل الاستمتاع.

قلنا قد قيل فى الاية الكريمة تقديم وتأخير كأنه تعالى قال: «فآتوهن أجورهن اذا استمتعتم به منهن» ، أى اذا أردتم الاستمتاع بهن، كقوله تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»

(4)

أى اذا أردتم تطليق النساء.

على أنه ان كان المراد من الاية الاجارة والمتعة فقد صارت منسوخة بما تلونا من الايات، وبما روينا من الاحاديث.

وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن قوله تعالى «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ» نسخه قوله عز وجل «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ» }.

وعن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه انه قال: المتعة بالنساء منسوخة نسختها آية الطلاق والصداق والعدة والمواريث والحقوق التى يجب فيها النكاح أى النكاح هو الذى تثبت به هذه الأشياء ولا يثبت شئ منها بالمتعة

(5)

.

وأما النوع الثانى من النكاح المضاف الى الوقت فهو أن يقول: أتزوجك عشرة أيام أو نحو ذلك.

قال زفر رحمه الله تعالى: النكاح جائز وهو مؤبد، والشرط باطل، لأنه ذكر النكاح وشرط فيه شرطا فاسدا، والنكاح لا تبطله الشروط الفاسدة،

(1)

الآية رقم 24 من سورة النساء.

(2)

الآية رقم 25 من سورة النساء.

(3)

الآية رقم 50 من سورة الأحزاب.

(4)

الآية رقم 1 من سورة الطلاق.

(5)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 273 الطبعة السابقة.

ص: 15

فبطل الشرط، وبقى النكاح صحيحا، كما اذا قال تزوجتك الى أن أطلقك الى عشرة أيام.

وأما أصحابنا الثلاثة فهذا النكاح عندهم فاسد، لانه لو جاز هذا العقد لكان لا يخلو.

أما أن يجوز مؤقتا بالمدة المذكورة.

وأما أن يجوز مؤبدا.

ولا سبيل الى الاول، لان هذا معنى المتعة، الا أنه عبر عنها بلفظ النكاح والتزوج، والمعتبر فى العقود معانيها لا الالفاظ كالكفالة بشرط براءة الاصيل، فهى حوالة معنى لوجود الحوالة وان لم يوجد لفظها والمتعة منسوخة.

ولا وجه للثانى، لان فيه استحقاق البضع عليها من غير رضاها وهذا لا يجوز.

وأما قول زفر أتى بالنكاح، ثم أدخل عليه شرطا فاسدا فممنوع، بل أتى بنكاح مؤقت، والنكاح المؤقت نكاح متعة، والمتعة منسوخة، وصار هذا كالنكاح المضاف لا يصح.

ولا يقال: يصح النكاح وتبطل الاضافة، لان المأتى به نكاح مضاف وهو لا يصح، كذا هذا.

بخلاف ما اذا قال تزوجتك على أن أطلقك الى عشرة أيام، لان هناك أبد النكاح ثم شرط قطع التأبيد بذكر الطلاق فى النكاح المؤبد، لانه على أن ان كلمة شرط والنكاح المؤبد لا تبطله الشروط.

وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أنه قال اذا ذكرا من المدة مقدار ما يعيشان الى تلك المدة فالنكاح باطل، وان ذكرا من المدة مقدار ما لا يعيشان الى تلك المدة فى الغالب جاز النكاح كأنهما ذكرا الابد

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن النكاح لاجل فاسد ويفسخ أبدا، وذلك له صورتان:

الاولى أن يقول زوجنى بنتك عشر سنين بكذا.

والثانية زوجنى بنتك مدة اقامتى فى هذا البلد، فاذا سافرت منه فارقتها فالعقد فى الصورتين فاسد، ويفسخ أبدا بغير طلاق، وعليه المسمى أن دخل، لان فساده لعقده.

وقيل عليه صداق المثل لان ذكر الاجل أثر خللا فى الصداق.

واختار اللخمى رحمه الله تعالى الاول.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 273، ص 274 الطبعة السابقة.

ص: 16

وقيل يفسخ بطلاق.

والقول بأن الفسخ بلا طلاق ناظر الى أن الخلاف الموجود فى المسألة غير معتبر لمخالفته الاجماع.

والقول بأنه يفسخ بطلاق ناظر لوجود الخلاف فى الجملة وان كان غير قوى.

والمعتمد القول الاول.

وعلى كل قيل يعاقب فيه الزوجان على المذهب ولا يبلغ الحاكم بعقابهما مبلغ الحد ويلحق فيه الولد بالزوج.

وقيل يحدان وهو ضعيف.

هذا اذا ذكر الاجل فى العقد للمرأة أو وليها.

أما اذا لم يقع ذلك فى العقد ولم يعلمها الزوج بذلك وانما قصده فى نفسه وفهمت المرأة أو وليها المفارقة بعد مدة فانه لا يضر على الراجح.

وان كان بهرام صدر فى شرحه وفى شامله بالفساد اذا فهمت منه ذلك الامر الذى قصده فى نفسه.

فان لم يصرح للمرأة ولا لوليها بذلك ولم تفهم المرأة ما قصده فى نفسه فليس نكاح متعة اتفاقا

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى معنى المحتاج أنه لا يصح توقيت النكاح بمدة معلومة كشهر، أو مجهولة كقدوم زيد، وهو نكاح المتعة المنهى عنه، وكان جائزا فى أول الاسلام رخصة للمضطر كأكل الميتة، ثم حرم عام خيبر، ثم رخص فيه عام الفتح، وقيل عام حجة الوداع، ثم حرم أبدا.

وكان ابن عباس رضى الله تعالى عنهما يذهب الى جوازها.

وروى البيهقى رضى الله تعالى عنه أنه رجع عنها.

ويرد تجويزها ما فى الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كنت أذنت فى الاستمتاع بهذه النسوة الا وأن الله قد حرم ذلك الى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شئ فليخل سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا.

واستثنى البلقينى رحمه الله تعالى من بطلان النكاح ما اذا نكحها مدة عمره أو مدة عمرها.

قال: فان النكاح المطلق لا يزيد على ذلك، والتصريح بمقتضى الاطلاق لا يضر فينبغى أن يصح النكاح فى هاتين الصورتين.

(1)

الشرح الكبير وحاشيتة الدسوقى عليه ج 2 ص 238، ص 239 لشمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقى طبع دار احياء الكتب العربية.

ص: 17

قال: وفى نص الام ما يشهد له وتبعه على ذلك بعض المتأخرين.

وهذا ممنوع فقد صرح بعض الاصحاب فى البيع بأنه لو قال بعتك هذا حياتك لم يصح البيع فالنكاح أولى.

وكذا لا يصح اذا أقته بمدة لا تبقى اليها الدنيا غالبا كما قاله شيخى رحمه الله تعالى، وهذا مبنى على أن الاعتبار بصيغ العقود لا بمعانيها

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن نكاح المتعة فاسد، وذلك بأن يتزوجها الى مدة معلومة أو مجهولة مثل أن يقول الولى: زوجتك ابنتى شهرا، أو سنة، أو زوجتكها الى انقضاء الموسم أو الى قدوم الحاج وشبهه، معلومة كانت المدة أو مجهولة.

أو يقول المتزوج: امتعينى نفسك، فتقول: أمتعتك نفسى لا بولى ولا شاهدين، لما روى الربيع بن سبرة أنه قال أشهد على أبى أنه حدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه فى حجة الوداع.

وفى لفظ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء، رواه أبو داود الى غير ذلك من الروايات.

وان نوى الزوج بقلبه أنه نكاح متعة من غير تلفظ بشرط فكالشرط نصا خلافا للموفق.

وان شرط الزوج فى النكاح طلاقها فى وقت ولو مجهولا فهو كالمتعة، فلا يصح، وان لم يدخل بها فى عقد المتعة.

وفيما حكمنا به أنه كمتعة فرق بينهما.

فيفسخ الحاكم النكاح ان لم يطلق الزوج، لأنه مختلف فيه.

ولا شئ عليه من المهر ولا متعة، لفساد العقد، فوجوده كعدمه.

وان دخل بمن نكحها نكاح متعة فعليه مهر المثل وان كان فيه مسمى.

وقال أبو اسحاق بن شاقلا رحمه الله تعالى أن الأئمة بعد الفسخ جعلوها فى حيز السفاح لا فى حيز النكاح.

لكن ذكر صاحب الاقناع كغيره من الأصحاب أن النكاح الفاسد يجب فيه بالدخول المسمى كالصحيح ولم يفرقوا بين نكاح المتعة وغيره.

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 134 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

ص: 18

ولا يثبت بنكاح المتعة احصان ولا اباحة للزوج الأول الذى طلقها ثلاثا، لأنه فاسد فلا يترتب عليه أثره، ولا يتوارثان، ولا تسمى زوجة.

ومن تعاطاه عالما تحريمه عزر لارتكابه معصية لا حد فيها ولا كفارة، ويلحق فيه النسب اذا وطئ يعتقده نكاحا.

قال صاحب الكشاف أو لم يعتقده نكاحا، لأن له شبهة العقد ويرث ولده ويرثه ولده للحوق النسب

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا يجوز نكاح المتعة وهو النكاح الى أجل.

وكان حلالا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ثم نسخها الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم نسخا باتا الى يوم القيامة.

وذلك لما رويناه من طريق عبد الرزاق عن الربيع بن سبرة الجهنى عن أبيه قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث وفيه، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر يخطب ويقول: من كان تزوج امرأة الى أجل فليعطها ما سمى لها، ولا يسترجع مما اعطاها شيئا، ويفارقها، فان الله قد حرمها عليكم الى يوم القيامة

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن مما يفسد النكاح التوقيت فى الايجاب نحو أن يقول: زوجتك بنتى شهرا أو حتى يأتى الحجيج أو نحو ذلك، أو فى القبول نحو أن يقول: قبلت هذا النكاح شهرا أو نحو ذلك، فان هذا يفسد مع الجهل عند من قال بتحريم نكاح المتعة، وهو المؤقت مدة معلومة.

قيل: وانما يفسد النكاح اذا وقت بغير الموت، سواء طالت المدة أم قصرت.

وأما اذا وقت مدة حياتهما أو حياة أحدهما صح النكاح، لأن هذا مضمون النكاح اذ لا نكاح الا فى الحياة.

وهذا القول ذكره الفقيه حسن للمذهب.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 56 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور ابن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(2)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 519، ص 520 مسألة رقم 1854 طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.

ص: 19

قال مولانا عليه السلام وفيه نظر، لأنه نكاح مؤقت، وقد ورد النهى عن التوقيت، ولأن للنكاح أحكاما ثابتة بعد الموت من التوارث وغيره، واذا وقت بالحياة لزم ارتفاع النكاح بارتفاعها فتبطل تلك الأحكام

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن نكاح المتعة عندنا مباح جائز.

وصورته أن يعقد على المرأة مدة معلومة بمهر معلوم.

فان لم يذكر المدة كان النكاح دائما.

وان ذكر الأجل ولم يذكر المهر بطل العقد.

وان ذكر مدة مجهولة لم يصح على الصحيح من المذهب، لاجماع الفرقة المحقة.

وأيضا قول الله تعالى «فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ 2» وهذا مما قد ابتغاه بماله.

وقال تعالى «فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً 3» ولفظ الاستمتاع اذا أطلق لا يفيد الا نكاح المتعة، ولأنه لا خلاف فى أنها كانت مباحة، فمن ادعى نسخها فعليه الدلالة، ولأن الأصل الاباحة والمنع يحتاج الى دليل

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن المزوج اذا قال: زوجت فلانة بفلان الى وقت كذا علق اليه، وجاز ان قبل.

وان جهل الأجل جاز فى الحين.

وكذا ان قال الى خيار ثلاثة أيام، أو فى مكة أو فى البصرة وهو فى غيرهما.

وان قال زوجتها لك أمس، أو وهى طفلة، أو قبل أن تخلق هى، أو الدنيا، أو قبل كونك، أو قبل أن تولد، أو فى طفولتك، أو فى بطن أمك، أو نحو ذلك، لم يجز.

وان قال زوجتها لك غدا، أو اذا جاء غد أو بعده لم يجز ذكر ذلك فى الديوان

(5)

.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 238، ص 239 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(2)

الآية رقم 3 من سور النساء.

(3)

الآية رقم 24 من سورة النساء.

(4)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر ج 2 ص 179 وص 180.

(5)

شرح النيل وشفاء العليل ج 3 ص 168 الطبقة السابقة.

ص: 20

ونسخ نكاح المتعة عند الأكثر بآية الارث، اذ نكاح المتعة لا ارث فيه، أو بالنهى.

قال أبو عبيدة عن جابر عن من روى له عن على نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن متعة النساء يوم خيبر.

الخ.

وقد فعل بالجاهلية وأول الاسلام.

وهو تزوج بولى أو نائبه وشهود وصداق معلوم لأجل مسمى ورضى.

قال فى الديوان جاز الأجل ولو طال.

وان تزوجها بكذا الى كذا أو بأكثر الى أطول جاز على ما اتفقا عليه من الأجلين.

وان لم يذكر الصداق جاز، وكان حكمهما حكم من تزوجت بدونه فى غير المتعة.

وان تزوجها الى كذا أى الى كذا أو الى مجهول كحرث أو حصد لم يجز.

وقيل: جاز وبطل الشرط.

وقيل: ثبت فى هذه الآجال.

وان اتفقا على أجل فالتبس عليهما اتفقا على آخر وعلى نزع الأول.

وان تزوج امرأتين فى عقدة، احداهما الى معلوم، والأخرى بلا أجل، وبين لكل صداقها، جاز. فاذا تم الأجل خرجت بلا طلاق.

ويعد طلاقا أو لا يعد؟ قولان.

وجه القول الثانى: أنه لا طلاق، وكان جابر لا يقول ان الفداء طلاق.

واختلفوا فى اختيار المرأة نفسها لبلوغ أو عتق، وان اتفقا قبل تمام الأجل على زيادة منه فى الصداق وزيادة منها فى الأجل فعلا بولى وشهود.

وان اتفقا على ذلك بعد انقضاء الأجل احتاجا الى الولى والصداق والشهود جاز، لأن ذلك نكاح جديد آخر أيضا مستقل ولا يعد خروجها بعد الأجل طلاقا فيجوز اتفاقهما بعده بلا عدة.

ولا يتوارثان بموت أحدهما قبل الأجل باتفاق من يراه منسوخا بآية الارث وبعض من يراه غير منسوخ وعند من يراه منسوخا بالنهى وجوز التوارث جمهور من يراه غير منسوخ بل أوجبه، قال فى الديوان ومن مات منهما فى الأجل فالميراث بينهما جار وطلاقه وظهاره وايلاؤه جائز عليه دون الأجل، وان أدرك الأجل قبل أن تنقضى عدة الظهار والايلاء بطل الظهار والايلاء وكلام الديوان كالنص فى اختيار أنه غير منسوخ اذ جرى عليه

ص: 21

وأثبته وخرج عليه فما استمتعتم به منهن

(1)

.

‌حكم الاضافة فى الطلاق

‌أولا - اضافة الطلاق الى الوقت:

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أن الزوج اذا أضاف الطلاق الى الوقت فهو اما أن يضيفه الى الزمان الماضى، واما أن يضيفه الى الزمان المستقبل، فان أضافه الى الزمان الماضى ينظر ان لم تكن المرأة فى ملكه فى ذلك الوقت لا يقع الطلاق، وان كانت فى ملكه وقع الطلاق للحال وتلغو الاضافة.

وعلى ذلك فاذا قال الرجل لامرأته أنت طالق قبل أن أتزوجك لا يقع الطلاق لأن تصحيح كلامه بطريق الاخبار ممكن، لأن المخبر به على ما أخبر ولا يمكن تصحيحه بطريق الانشاء الا بابطال الاسناد الى الماضى فكان التصحيح بطريق الاخبار، ولو قال لها أنت طالق أمس فان كان تزوجها اليوم لا يقع لما قلنا. وان كان تزوجها أول من أمس يقع الساعة، لأنه حينئذ تعذر تصحيحه بطريق الاخبار لانعدام المخبر به فيكون كذبا فيصحح بطريق الانشاء، ثم تعذر تصحيحه بانشاء الاضافة، لأن اسناد الطلاق الموجود للحال الى الزمان الماضى محال فبطلت الاضافة، واقتصر الانشاء على الحال فيقع الطلاق للحال.

ولو قال لأجنبية: أنت طالق اذا تزوجتك قبل أن أتزوجك ثم تزوجها وقع الطلاق، لأنه أوقع الطلاق بعد التزوج ثم أضاف الواقع الى ما قبل التزوج فوقع الطلاق ولغت الاضافة وكذلك اذا قال أنت طالق قبل ان اتزوجك اذا تزوجتك فتزوجها يقع الطلاق ويلغو قوله قبل أن اتزوجك.

ولو قدم ذكر التزويج فقال: اذا تزوجتك فأنت طالق قبل أن اتزوجك أو قبل ذلك ثم تزوجها لا يقع الطلاق عند محمد رحمه الله تعالى، لأن المعلق بالشرط يصير كالمنجز عند وجود الشرط فيصير قائلا عند التزويج أنت طالق قبل أن أتزوجك ولو نص على ذلك لا يقع كذا هذا.

وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يقع الطلاق، لأنه أوقع الطلاق بعد التزوج ثم أضاف الواقع الى زمان ما قبل التزوج فتلغو الاضافة ويبقى الواقع على حاله.

هذا اذا أضاف الطلاق الى الزمان الماضى.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 200 وما بعدها الى ص 202 نفس الطبعة.

ص: 22

أما اذا أضافه الى الزمان المستقبل:

فان أضافه الى زمان لا ملك له فى ذلك الزمان قطعا لم يصح، كما لو قال لها أنت طالق بعد موتى وكذا اذا قال لها أنت طالق مع موتى أو مع موتك لأن معناه بعد موتى أو بعد موتك، لأن الطلاق معلق بوجود الموت فصار الموت شرطا اذ الجزاء يعقب الشرط فكان هذا ايقاع الطلاق بعد الموت ولا ملك بعد الموت فبطل.

ولو قال لامرأته وهى أمة أنت طالق اثنتين مع عتق مولاك فأعتقها مولاها فان زوجها يملك الرجعة، لأنه تعلق طلاقها بعتق مولاها فصار عتق مولاها شرطا لوقوع الطلاق فيقع بعد تمام الشرط وهى حرة فى ذلك الوقت.

ولو قال لها اذا جاء غد فأنت حرة فجاء غد.

قال محمد رحمه الله تعالى: هذا والأول سواء، يملك الرجعة.

ولا خلاف فى أن عدتها ثلاث حيض لأنه علق الطلاق والعتاق على مجئ الغد فكان حال وقوع الطلاق والعتاق واحدا وهو حال مجئ الغد فيقعان معا والعتق حال وقوعه يكون واقعا، لأن الشئ حال وجوده يكون موجودا والشئ فى حال قيامه يكون قائما وفى حال سواده يكون أسود، فالطلقتان يصادفانها وهى حرة فلا تثبت الحرمة الغليظة، ولهذا كانت عدتها ثلاث حيض ولهذا لم تثبت الحرمة الغليظة فى المسألة الأولى كذا هذا.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى تطلق اثنتين ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره لأن الطلاق والعتاق لما علقا بمجئ الغد وقعا معا ثم العتق يصادفها وهى أمة وكذا الطلاق فيثبت الحرمة الغليظة بثنتين بخلاف المسئلة الأولى لأن ثمة تعلق الطلاق بالعتق فيقع بعد ثبوت العتق ضرورة على ما بينا بخلاف العدة فان وجوب العدة يتعقب الطلاق لأن الطلاق يصادفها وهى منكوحة ولا عدة على المنكوحة فلا يكون وجوبها مقارنا لوقوع الطلاق فكان عقيب الطلاق ضرورة وهى حرة فى تلك الحالة فكانت عدتها عدة الحرائر.

فان قال لامرأته أنت طالق غدا أو رأس شهر كذا أو فى غد صح، لوجود الملك وقت الاضافة والظاهر بقاؤه الى الوقت المضاف اليه فصحت الاضافة، ثم اذا جاء غد أو رأس الشهر فان كانت المرأة فى ملكه أو فى العدة أو فى أول جزء من الغد والشهر يقع الطلاق والا فلا كما فى التعليق.

وعلى هذا يخرج ما اذا قال لامرأته أنت طالق متى لم أطلقك وسكت أنها طلقت، لأن متى للوقت، فقد أضاف الطلاق الى وقت لا يطلقها فيه، فكما فرغ من

ص: 23

هذه الالفاظ وسكت وجد هذا الوقت فيقع الطلاق.

وكذا اذا قال لها أنت طالق ما لم أطلقك، لأن معنى قوله ما لم أطلقك أى فى الوقت الذى لا أطلقك.

يقال فى العرف ما دمت تفعل كذا أفعل كذا أى فى الوقت الذى تفعل.

وقال الله تعالى خبرا عن عيسى عليه الصلاة والسلام «وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا 1» أى وقت حياتى، فيصير كأنه قال أنت طالق فى الوقت الذى لا أطلقك فكما فرغ وسكت تحقق ذلك الوقت فيقع الطلاق.

ولو قال ذلك يطلقها موصولا بأن قال لها أنت طالق ما لم أطلقك أنت طالق وذكر العبارتين الأخرتين فهى طالق هذه التطليقة دون التطليقة المضافة الى زمان لا يطلقها فيه عند أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى.

وكذا لو قال لها أنت طالق ثلاثا ما لم أطلقك أنت طالق تقع هذه الطلقة لا غير عندنا لأن المضاف اليه وقت خال عن الطلاق ولما قال أنت طالق موصولا بالكلام الأول فلم يوجد وقت خال عن الطلاق، لأن قوله انت طالق بجملته طلاق، لأنه كلام واحد لكونه مبتدأ وخبرا فلم يوجد بين الكلامين وقت لا طلاق فيه فلا يقع الطلاق المضاف لانعدام المضاف اليه.

وعند زفر رحمه الله تعالى يقع ثلاث تطليقات، لأنه أضاف الطلاق الى وقت لا طلاق فيه وكما فرغ من قوله ما لم أطلقك قبل قوله طالق وجد ذلك الوقت فيقع المضاف.

ولو قال أنت طالق غدا وقال عنيت آخر النهار لم يصدق فى القضاء بالاجماع ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى - ولو قال أنت طالق فى غد وقال عنيت فى آخر النهار لا يصدق فى القضاء فى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى - وانما يصدق فيما بينه وبين الله تعالى لا غير وان لم يكن له نية يقع فى أول جزء من الغد بلا خلاف لأن الغد اسم زمان والزمان اذا قرن بالفعل يصير ظرفا له سواء قرن به حرف الظرف وهو حرف فى أو لم يقرن به فان قول القائل كتبت فى يوم الجمعة ويوم الجمعة سواء فكان ذكر حرف الظرف والسكوت عنه بمنزلة واحدة ولو لم يذكر.

ولو قال أنت طالق غدا وقال عنيت آخر النهار لم يصدق فى القضاء ولهذا لو لم يكن له نية يقع فى أول جزء من الغد.

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى يصدق فى القضاء، لأن ما كان من الزمان ظرفا للفعل حقيقة وهو أن يكون كله

(1)

الآية رقم 31 من سورة مريم

ص: 24

ظرفا له يذكر بدون حرف الظرف وما كان منه ظرفا له مجازا وهو أن يكون بعضه ظرفا له والآخر ظرف ظرفه يذكر مع حروف الظرف فلما قال أنت طالق غدا بدون حرف الظرف فقد جعل الغد كله ظرفا للطلاق حقيقة، وانما يكون كله ظرفا للطلاق حقيقة اذا وقع الطلاق فى أول جزء منه فاذا وقع فى أول جزء منه يبقى حكما وتقديرا فيكون جميع الغد ظرفا له بعضه حقيقة وبعضه تقديرا، اما اذا وقع الطلاق فى آخر النهار لا يكون كل الغد ظرفا له، بل يكون ظرف الظرف.

فاذا قال عنيت آخر النهار فقد أراد العدول من الظاهر فيما يتهم فيه بالكذب فلا يصدق فى القضاء ويصدق فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه نوى ما يحتمله كلامه ولما قال أنت طالق فى غد فلم يجعل الغد كلمة ظرف للطلاق حقيقة بل جعله ظرف الظرف وبين أن الظرف الحقيقى للطلاق هو جزء من الغد وذلك غير معين فكان التعيين اليه، فاذا قال عنيت آخر النهار فقد عين فيصدق فى التعيين، لأنه نوى حقيقة كلامه.

ونظيره ما اذا قال ان صمت فى الدهر فعبدى حر فصام ساعة يحنث، ولو قال ان صمت الدهر لا يحنث الا بصوم الأبد بالاجماع، لما قلنا كذا هذا، الا أنه اذا لم ينو شيئا يقع الطلاق فى أول جزء من الغد، لأن الأجزاء قد تعارضت فترجح الأول منها احتياطا لثبوت الاستحقاق له من وجه الاحتمال أنه ذكر حرف الظرف لتأكيد ظرفية الغد لا لبيان أنه ظرف الظرف فترجح الجزء الأول على سائر الأجزاء عند استواء الكل فى الجواز بثبوت الاستحقاق من وجه فيقع فى الجزء الأول، وقد خرج الجواب عن قولهما أن دخول حرف الظرف فى الغد وعدم الدخول سواء، لأنا قد بينا انهما يستويان.

ولو قال لامرأته أنت طالق اليوم وغدا يقع الطلاق فى اليوم لأنه جعل الوقتين جميعا ظرفا لكونها طالقا ولن يكون الوقتان جميعا ظرفا الا عند الوقوع فى أولهما لأنه لو تأخر الوقوع الى الغد لكان الظرف أحدهما ولو قال أنت طالق اليوم غدا أو غدا اليوم يؤخذ بأول الوقتين الذى تفوه به لأنه فى الأول أوقع الطلاق فى اليوم ووصف اليوم بأنه غد وهو محال فلغا قوله غدا وبقى قوله اليوم فيقع الطلاق فى اليوم وفى الثانى أضاف الطلاق الى الغد ووصف الغد بأنه اليوم وهو محال فلغا قوله اليوم وبقى قوله غدا فيقع الطلاق فى غد.

ولو قال لها أنت طالق متى شئت أو متى ما شئت أو اذا شئت أو اذا ما شئت أو كلما شئت لا يقع الطلاق ما لم تشأ، فاذا شاءت وقع، لأنه أضاف الطلاق الى وقت مشيئتها ووقت مشيئتها هو الزمان الذى توجد فيه مشيئتها فاذا شاءت فقد وجد ذلك الزمان فيقع ولا يقتصر

ص: 25

هذا على المجلس بخلاف قوله ان شئت وما يجرى مجراه لأن هذا اضافة وذا تمليك، وعلى هذا الأصل يخرج الطلاق فى العدة

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أنه لو قال الرجل لامرأته أنت طالق بعد سنة نجز عليه الطلاق الآن حال التعليق لأنه ربط الطلاق بأمر محقق وقوعه فى المستقبل لوجوبه عادة اذ حصول الموت لكل واحد واجب عادى فلو بقى الطلاق من غير تنجيز للطلاق كان جاعلا حليتها لوقت معلوم يبلغه عمره فى ظاهر الحال فيكون شبيها بنكاح المتعة.

وكذا لو قال لها أنت طالق يوم موتى أو يوم موتك، وأولى ما لو قال أنت طالق قبل موتى، أو قبل موتك بيوم، أو شهر فينجز عليه وقت التعليق، بخلاف ما اذا قال أنت طالق بعد موتى أو موتك فلا يلزمه شئ، لأن الأجل لا يأتى الا وقد حصلت الفرقة بالموت، ولأنه لا يطلق على ميتة ولا يؤمر ميت بالطلاق

(2)

.

وجاء فى مواهب الجليل نقلا عن ابن القاسم فيمن قال لامرأته أنت طالق اذا قدم الحاج أنها تطلق الساعة لأنه أجل آت، وحمل الكلام على الزمان لا على القدوم كما هو المذهب أيضا فى البيع الى قدوم الحاج فان قال بعد قدوم زيد بشهر طلقت عند قدومه.

قال ابن عرفة ومن قال اذا مات فلان فأنت طالق لزمه الطلاق مكانه.

وفى الواضحة عن مطرف وأصبغ أنه ان قال اذا خسفت الشمس أو مطرت السماء فأنت طالق لزمه الطلاق بكلامه، لأنه أجل آت قال ابن حارث رحمه الله تعالى.

ولو قال أنت طالق الى مستهل الهلال أو الى وقت يأتى على كل حال فهى طالق وقت قوله اتفاقا.

وسمع ابن القاسم فى العدة ان أناسا اختلفوا فيمن طلق الى أجل سماه وأن عطاء كان يقول ذلك فقال مالك رحمه الله تعالى لا أقول له ولا لغيره هذه المدينة دار النبى صلى الله عليه وسلم ودار الهجرة فاذكروا أن المطلق الى أجل يتمتع بامرأته الى ذلك الأجل فانا لم ندرك أحدا من علماء الناس قاله وهذا شبيه المتعة، قال ابن رشد رحمه الله تعالى قياسه ذلك على المتعة صحيح.

وقال فى النوادر فى ترجمة الطلاق الى أجل قال ابن سحنون عن أبيه رحمهما الله تعالى فيمن قال لزوجته أنت طالق فى

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 132 وما بعدها الى ص 134 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية فى مصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

(2)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفة الدسوقى ج 2 ص 390 طبع دار احياء الكتب العربية فى مصر.

ص: 26

شهر كذا أو الى شهر كذا هو سواء وهو طلاق الى أجل وتطلق الساعة

(1)

.

قال فى الجواهر ولو قال أنت طالق يوم قدوم فلان فقدم فى نصف النهار تبين وقوع الطلاق أول النهار ولو قدم ليلا لم تطلق عليه الا أن تكون نيته تعليق الطلاق بالقدوم.

وقال فى كتاب الايمان بالطلاق من المدونة وان قال لها أنت طالق يوم أدخل دار فلان فدخلها ليلا أو حلف على الليل فدخلها نهارا دون ليل أو ليلا دون نهار حنث الا أن ينوى.

وهذا يتعارض مع كلام الجواهر فيما اذا لم تكن له نية.

كما يتعارض كلام الجواهر مع ما قاله المازرى رحمه الله تعالى فى شرح التلقين من أنه لو قال لامرأته أنت طالق يوم يقدم زيد من سفره فقدم زيد ليلا فانه يلزمه الطلاق لأن المراد بقوله يوم الوقت، واطلاق هذه اللفظة على الوقت مجاز، والوقت هو الليل والنهار فلهذا لزمه الطلاق.

ولفظ المدونة انما هو فى اليوم وهو كمال دورة الفلك اما من الطلوع الى الطلوع أو من الغروب الى الغروب، أو من الزوال الى الزوال.

وظاهر القرآن المغايرة من قول الله عز وجل «سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً»

(2)

والايمان تحمل على المقاصد أو على كلام العرب ومذهبهم أن الليل يستلزم النهار دون العكس عند الاطلاق

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج: أنه لو قال الرجل لامرأته أنت طالق فى شهر كذا أو فى غرته أو رأسه أو أوله أو دخوله أو مجيئه أو ابتدائه، أو استقباله، أو أول آخر أوله وقع الطلاق بأول جزء من الليلة الأولى منه أى معه، لتحقق الاسم بأول جزء منه ووجهه فى شهر كذا أن المعنى اذا جاء شهر كذا، ومجيئه يتحقق بمجئ أول جزء منه والاعتبار فى دخوله ببلد التعليق، فلو علق ببلده وانتقل الى أخرى ورأى فيها الهلال وتبين أنه لم ير فى تلك لم يقع الطلاق بذلك قاله الزركشى رحمه الله تعالى.

وظاهره كما قال شيخنا أن محله اذا اختلفت المطالع ولو رأى الهلال قبل غروب الشمس لم تطلق الا بعد غروبها، لأنه لليلة المستقبلة.

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد المغربى المعروف بالحطاب ج 4 ص 68 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر أبى عبد الله بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة فى مصر سنة 1328 هـ.

(2)

الآية رقم 7 من سورة الحاقة.

(3)

مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب ج 4 ص 78، ص 79 الطبعة السابقة.

ص: 27

وان قال لها أنت طالق فى نهار شهر كذا أو أول يوم من شهر كذا فبفجر أول يوم منه تطلق، اذ الفجر أول النهار وأول اليوم كما حكى عن ائمة اللغة، فان اراد وسط الشهر أو آخره وقد قال أنت طالق فى شهر كذا أو أراد من الأيام أحد الثلاثة الأول منه وقد قال أنت طالق غرة شهر كذا دين لاحتمال ما قاله فيهما ولأن الثلاثة الأول غرر فى الثانية ولا يقبل ظاهرا، فان قال اردت بغرته أو برأسه النصف مثلا لم يدين لأن غرة الشهر لا تطلق على غير الثلاثة الأول ورأسه لا تطلق على غير أول ليلة منه.

وان قال أنت طالق فى رمضان مثلا وهو فيه طلقت فى الحال، وان قال وهو فيه اذا جاء رمضان فتطلق فى أول رمضان القابل، اذ التعليق انما يكون على مستقبل.

ولو قال لها أنت طالق فى آخر شهر كذا أو سلخه فبآخر جزء من الشهر تطلق فى الأصح.

وقيل: تطلق بأول النصف الآخر منه اذ كله آخر الشهر فيقع بأوله، ورد بسبق الأول الى الفهم.

ولو علق بآخر أول آخر الشهر طلقت أيضا بآخر جزء منه، لأن آخره اليوم الأخير وأوله طلوع الفجر فآخر أوله الغروب وهو الجزء الأخير، هذا ما قاله الشيخان وهو المعتمد.

وان قال شيخنا: الأوجه أنها تطلق قبل زوال اليوم الأخير، لأنه آخر أوله، ووقت الغروب انما هو آخر اليوم، لا آخر أوله.

وان علق بأول آخر الشهر طلقت بأول اليوم الأخير منه، لأنه أول آخره ولو علق بآخر أول الشهر طلقت بآخر اليوم الأول منه، لأنه آخر أوله.

وقيل تطلق بآخر الليلة الأولى منه، لأنها أوله بالحقيقة ولو علق بانتصاف الشهر طلقت بغروب شمس الخامس عشر وان نقص الشهر، لأنه المفهوم من ذلك.

ولو علق بنصف نصفى الشهر الأول طلقت بطلوع فجر الثامن، لأن نصف نصف الشهر سبع ليال ونصف وسبعة أيام ونصف والليل سابق النهار فيقابل نصف ليلة بنصف يوم وتجعل ثمان ليال وسبعة أيام نصفا وسبع ليال وثمانية أيام نصفا.

ولو علق بنصف يوم كذا طلقت عند زواله لأنه المفهوم منه وان كان اليوم يحسب من طلوع الفجر شرعا ونصفه الأول أطول.

ولو علق بما بين الليل والنهار طلقت بالغروب ان علق نهارا والا فبالفجر اذ كل

ص: 28

منهما عبارة عن مجموع جزء من الليل وجزء من النهار اذ لا فاصل بين الزمانين.

وان قال البلقينى رحمه الله تعالى: الأقيس أن يقع الطلاق فى الحال كما لو قال أنت طالق لا فى زمن.

ولو قال فى ليل اذا مضى يوم فأنت طالق فبغروب شمس غده تطلق اذ يتحقق به مضى اليوم أو قاله فى نهار ففى مثل وقته من غده تطلق، لأن اليوم حقيقة فى جميعه متواصلا كان أو متفرقا، فان فرض انطباق التعليق على أول النهار وقع بغروب شمسه.

وهذا كما قال الأذرعى رحمه الله تعالى اذا تم التعليق واستعقبه أول النهار.

أما لو ابتدأه أول النهار فقد مضى جزء قبل تمامه فلا يقع بغروب شمسه.

ولو قال اذا مضى اليوم - بالتعريف - فأنت طالق فان قاله نهارا فبغروب شمسه تطلق وان قل زمن الباقى منه، لأنه عرفه بلام العهد فانصرف الى اليوم الحاضر، وان قاله ليلا لغا أى لا يقع به شئ اذ لا نهار حتى يحمل على المعهود قال المتولى رحمه الله تعالى ولا يمكن الحمل على الجنس اذ لا يتصور بقاء الزوجين حتى تنقضى أيام الدنيا فكانت صفة مستحيلة.

أما اذا قال أنت طالق اليوم أو النهار أو الشهر أو السنة فانها تطلق فى الحال ليلا كان أو نهارا لأنه أوقعه وسمى الزمان بغير اسمه فلغت التسمية.

وعلى هذا يقاس شهر وسنة والشهر والسنة، فاذا قال ليلا أو نهارا فى غير الأخير من الشهر اذا مضى شهر فأنت طالق طلقت بمضى ثلاثين يوما ومن ليلة الحادى والثلاثين أو يومه بقدر ما سبق التعليق من ليلته أو يومه فان علق فى اليوم الأخير أو الليلة الأخيرة من الشهر كفى بعد شهر هلالى واذا قال فى أثناء الشهر: اذا مضت سنة فأنت طالق طلقت بمضى أحد عشر شهرا بالأهلة مع اكمال الأول من الثالث عشر ثلاثين يوما، فاذا أراد بقية الشهر أو السنة فقد غلظ على نفسه.

وان قال: اذا مضى الشهر أو قال السنة فأنت طالق طلقت بمضى بقية ذلك الشهر أو تلك السنة - والمعتبر السنة العربية، فان قال أردت غيرها أو أردت بالسنة معرفة سنة كاملة لم تقبل منه ظاهرا لتهمة التأخير ويدين لاحتمال ما قاله الأذرعى رحمه الله تعالى، نعم لو كان ببلاد الروم أو الفرس فينبغى قبول قوله، قال ولو علق بمضى شهور أو الشهور فبمضى ما بقى من السنة على الأصح عند القاضى وبمضى اثنا عشر شهرا عند الجيلى.

ثم نقل عن الجيلى أنه لو علق بمضى ساعات طلقت بمضى ثلاث ساعات أو الساعات فبمضى أربعة وعشرين ساعة لأنها جملة ساعات اليوم والليلة، وكلام الجيلى أوجه

(1)

.

ولو قال أنت طالق أمس أو الشهر الماضى أو السنة الماضية وقصد أن يقع فى الحال

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 290، ص 291 فى كتاب على هامشه متن المنهاج.

ص: 29

مستندا اليه وقع فى الحال على الصحيح ولغا قصد الاستناد الى أمس لاستحالته ومثله ما لو قصد ايقاعه امس أو قال:

لم أرد شيئا أو تعذر الرجوع اليه بموت أو جنون أو خرس ولا أشارة له مفهمة لكن فى صورة قصد ايقاعه أمس يقع فى الحال على المذهب المنصوص.

وقيل لغو لا يقع به شئ، لأنه انما أوقع طلاقا مستندا، فاذا لم يمكن استناده وجب أن لا يقع.

ولو لم يقصد الزوج انشاء طلاق لا حالا ولا ماضيا بل قصد الاخبار بالطلاق وهو أنه طلق أمس فى هذا النكاح وهى الآن معتدة من طلاق بائن رجعى صدق بيمينه فى ذلك لقرينة الاضافة الى أمس وتحسب عدتها من الوقت الذى ذكره ان صدقته، فان كذبته أو قالت لا علم لى فلم تصدقه ولم تكذبه فمن حين الاقرار كما فى الكافى - ولو قصد بما قال طلقت هذه فى نكاح آخر غير نكاحى هذا وبانت منى ثم جددت نكاحها أو طلقها زوج آخر فى نكاح سابق فان عرف نكاح سابق وطلاق فيه ببينة أو غيرها صدق بيمينه فى ارادة ذلك للقرينة نعم ان صدقته فيها فلا يمين وان لم يعرف له ما ذكر فلا يصدق ويقع فى الحال كما فى المحرر والشرح الصغير لبعد دعواه

(1)

.

ولو قال أنت طالق قبل أن تخلقى قال الصيمرى رحمه الله تعالى طلقت اذا لم يكن له ارادة.

ولو قال نهارا أنت طالق غدا أو أمس غد بالاضافة وقع الطلاق فى الحال لأن غدا أمس وأمس غد هو اليوم فان قاله ليلا وقع غدا فى الأولى وحالا فى الثانية.

ولو قال أنت طالق أمس غدا أو غدا أمس بغير اضافة لغا ذكر أمس ووقع الطلاق فى الغد، لأنه علقه بالغد وبأمس ولا يمكن الوقوع فيهما ولا الوقوع فى أمس فيتعين الوقوع فى الغد لامكانه ولو قال أنت طالق اليوم غدا وقع طلقة فقط فى الحال ولا يقع شئ فى الغد، لأن المطلقة اليوم طالق غدا ويحتمل أنه لم يرد الا ذلك ولو أراد بذلك نصفها اليوم ونصفها الآخر غدا وقع أيضا طلقه فقط فى الحال لأن ما أخره تعجل فان أراد نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا وقع طلقتان الا أن تبين بالأولى.

ولو قال أنت طالق غدا اليوم طلقت طلقة غدا فقط ولا تطلق فى اليوم، لأن الطلاق تعلق بالغد وذكره اليوم بعده تعجيل الطلاق بالمعلق وهو لا يتعجل ولو قال أنت طالق فى اليوم وفى غد، أو فى الليل وفى النهار وقع فى كل طلقتان فى الأولى فى اليومين وطلقتان فى الثانية واحدة بالليل وأخرى بالنهار قال المتولى رحمه الله تعالى:

لأن المظروف يتعدد بتعدد الظرف.

قال الرافعى رحمه الله تعالى وليس

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 291، ص 292 نفس الطبعة.

ص: 30

الدليل بواضح فقد يتحد المظروف ويختلف الظرف.

والأولى كما قال شيخنا تعليل ذلك باعادة العامل، بخلاف ما لو قال أنت طالق اليوم وغدا أو بالليل والنهار فانه يقع فى كل طلقه فقط، لعدم اعادة العامل.

ولو قال أنت طالق اليوم أو غدا طلقت فى الغد فقط لأنه اليقين، أو قال انت طالق غدا أو بعد غد، أو أنت طالق اذا جاء الغد أو بعد غد طلقت فيما ذكر بعد الغد لا فى الغد لما ذكر.

ولو قال أنت طالق يوما ويوما لا ولم ينو شيئا طلقت واحدة فقط فان نوى طلقة تقع فى يوم لا فى تاليه وهكذا ثلاث مرات وقع ثلاث فى ثلاثة أيام متفاصلة.

ولو قال أنت طالق اليوم اذا جاء الغد، أو أنت طالق الساعة ان دخلت الدار لم تطلق وان وجدت الصفة، لأنه علقه بوجودها فلا يقع قبله واذا وجدت فقد مضى الوقت الذى جعله محلا للايقاع.

ولو قال أنت طالق قبل موتى أو فى حياتى طلقت فى الحال فان ضم القاف والباء من قبل أو قال قبيل بالتصغير طلقت قبل الموت.

ولو قال: أنت طالق بعد قبل موتى طلقت فى الحال لأنه بعد قبل موته، أو قال أنت طالق قبل ما بعده رمضان وأراد بما بعده الشهر طلقت آخر جزء من رجب، وان أراد به اليوم فقبيل فجر يوم الثلاثين من شعبان ان كان تاما وان أراد به اليوم بليلته فقبيل الغروب ليلة الثلاثين منه ان كان تاما.

ولو قال أنت طالق بعد ما قبله رمضان وأراد بما قبله الشهر طلقت بمستهل ذى القعدة وأن أراد به اليوم بالليلة بعده ففى أول اليوم الثانى من شوال فان لم يرد الليلة فالقياس أنها تطلق بغروب شمس أول شوال.

ولو علق الطلاق بأفضل الأوقات طلقت ليلة القدر.

وقضيته ما مر فى الصوم أنها تطلق أول آخر ليلة من العشر الأخير.

ولو علق بأفضل الأيام طلقت يوم عرفة.

أو بأفضل أيام الاسبوع طلقت يوم الجمعة ان لم يكن فيه يوم عرفة.

أو بأفضل الشهور طلقت فى شهر رمضان

(1)

.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 292 ص 293 نفس الطبعة.

ص: 31

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع

(1)

أنه اذا قال الرجل لامرأته أنت طالق أمس أو أنت طالق قبل أن أتزوجك ونوى وقوعه حين التكلم وقع الطلاق فى الحال، لأنه مقر على نفسه بما هو الأغلظ عليه، وان لم ينو وقوعه اذن بأن أطلق أو نوى ايقاعه فى الماضى لم يقع الطلاق، لأنه رفع للاستباحة ولا يملك رفعها فى الزمن الماضى فلم يقع كما لو قال أنت طالق قبل قدوم زيد بيومين فقدم اليوم.

وحكى عن أبى بكر أنه يقع اذا قال قبل أن أتزوجك، ولا يقع اذا قال أنت طالق أمس.

فعلى القول بوقوعه وان قال أردت أن زوجا قبلى طلقها أو قال أردت أنى طلقتها أنا فى نكاح قبل هذا قبل منه ان كان ذلك قد وجد، لأن لفظه محتمل له ما لم تكن قرينة من غضب أو سؤالها الطلاق ونحوه فلا يقبل منه ذلك، لأنه خلاف الظاهر.

فان مات بعد قوله أنت طالق أمس أو قبل أن أتزوجك أو جن أو خرس قبل العلم بمراده لم تطلق، لأن العصمة متيقنة فلا تزول بالشك.

وان قال أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر فقدم زيد قبل مضى الشهر لم تطلق، لأنه تعليق للطلاق على صفة ممكنة الوجود فوجب اعتبارها وكذا لو قدم مع مضى الشهر لم تطلق، لأنه لا بد من جزء يقع الطلاق فيه بعد مضى الشهر.

ويحرم على من قال لزوجته ذلك وطؤها من حين عقد الصفة ان كان الطلاق ببيتها، لأن كل شهر يأتى محتمل أن يكون شهر وقوع الطلاق فيه.

قال أبو العباس رحمه الله تعالى تأملت نصوص الامام احمد فوجدته يأمر باعتزال الرجل زوجته فى كل يمين حلف الرجل عليها بالطلاق وهو لا يدرى أبار هو أم حانث حتى يستبين أنه بار، فان لم يعلم أنه بار اعتزلها أبدا، وان علم أنه بار فى وقت وشك فى وقت اعتزلها وقت الشك وللزوجة المقول لها ذلك النفقه من حين التعليق الى أن يتبين وقوع الطلاق، لأن الأصل بقاء الزوجية وهى محبوسة لأجله. وان قدم زيد بعد شهر وجزء يسع وقوع الطلاق تبينا وقوع الطلاق فى ذلك الجزء عقب التعليق لوجود شرطه، وتبينا أن وطأه فى الشهر محرم ان كان الطلاق بائنا، لأنها أجنبية منه.

وان قال أنت طالق قبل موتى، أو قال أنت طالق قبل موتك، أو أنت طالق قبل موت زيد، أو أنت طالق قبل قدوم زيد، أو انت طالق قبل دخولك

(1)

كشف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 165 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور ابن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1359 هـ.

ص: 32

الدار طلقت فى الحال، لأن ما قبل تلك الأشياء من حين عقده أو الصفة، فكله، محل الطلاق فى أوله.

قال القاضى: سواء قدم زيد أو لم يقدم بدليل قول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا مُصَدِّقاً لِما مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها}

(1)

» ولم يوجد الطمس فى المأمورين.

ولو قال لغلامه اسقنى قبل أن أضربك فسقاه فى الحال عد ممتثلا وان لم يضربه.

وأن قال أنت طالق قبيل موتى أو قال قبيل قدوم زيد أو قبيل موته أو قبيل دخولك الدار ونحوه لم يقع الطلاق فى الحال ويقع الطلاق فى الوقت الذى يليه الموت أو القدوم أو الدخول لأن التصغير يقتضى كون الذى يبقى جزء يسير.

وان قال أنت طالق قبيل موت زيد وعمرو بشهر فقال القاضى تتعلق الصفة بأولهما موتا يعنى قبله بشهر، لأن اعتباره بالثانى يفضى الى وقوعه بعد موته الأول واعتباره بالأول لا يفضى الى ذلك فكان أولى.

وأن قال أنت طالق بعد موتى أو أنت طالق مع موتى أو انت طالق بعد موتك أو انت طالق مع موتك لم تطلق، لأن البينونة حصلت بالموت فلم يبق نكاح يزيله والموت سبب الحكم بالبينونة فلا يجامعه وقوع الطلاق كما أنه لا يجامع البينونة.

وان قال أنت طالق يوم موتى أو يوم موتك أو يوم موت زيد طلقت فى أول اليوم الذى يموت فيه، لأن كل جزء من ذلك اليوم يصلح لوقوع الطلاق فيه ولا مقتضى لتأخيره عن أوله فوقع فى أوله.

قال صاحب كشاف القناع: وقياس ما قدمته عن الشيخ تقى الدين رحمه الله تعالى أنه يحرم وطؤها فى كل يوم من حين التعليق، لأن كل يوم يحتمل أن يكون يوم الموت، ولو قال لزوجتيه أطولكما حياة طالق فبموت احداهما يقع الطلاق بالأخرى عند موت احداهما، لأنه بموت احداهما يعلم أن الباقية أطولهما حياة ولا يقع الطلاق المعلق بذلك وقت يمينه أى حال عقد الصفة كسائر أنواع الطلاق المعلق بصفة كأنت طالق صائمة انما يقع عند وجود الصفة لا حال عقدها

(2)

.

واذا قال الرجل لزوجته أنت طالق غدا طلقت فى أوله عند طلوع فجره أو قال لها أنت طالق يوم السبت طلقت فى أوله أو قال أنت طالق فى رجب طلقت بأول ذلك لأنه جعل ذلك ظرفا للطلاق فاذا

(1)

الآية رقم 47 من سورة النساء.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 166 الطبعة السابقة.

ص: 33

وجد ما يكون ظرفا طلقت كما لو قال اذا دخلت الدار فأنت طالق فاذا دخلت أول جزء منها طلقت.

وحاصله أنه اذا علق الطلاق بشهر أو وقت يمينه وقع الطلاق فى أوله.

وأما اذا قال ان لم أقضك حقك فى شهر رمضان فأمر أتى طالق لم تطلق حتى يخرج شهر رمضان قبل قضائه لأنه اذا قضاه فى آخره لم توجد الصفة وفى الموضعين - أى فيما اذا قال أنت طالق غدا ونحوه، وفيما اذا قال ان لم أقضك حقك فى شهر رمضان الخ - لا يمنع الزوج من وط ء زوجته قبل الحنث لبقاء الزوجية.

واذا قال أنت طالق اليوم أو أنت طالق فى هذا الشهر أو أنت طالق فى هذا الحول طلقت فى الحال لأن اليوم والشهر والحول ظرف لايقاع الطلاق فوجب أن يقع اذن.

فان قال أردت أن الطلاق انما يقع فى آخر هذه الأوقات أو فى وسط الشهر أو يوم كذا منه أو فى النهار دون الليل أو عكسه دين، وقبل حكما، لأنه يجوز أن يريد ذلك فلا يلزمه الطلاق فى غيره وارادته لا تخالف ظاهره اذ ليس أوله أولى فى ذلك من غيره الا فى قوله أنت طالق غدا أو يوم السبت فلا يدين.

ولا يقبل حكما اذا قال أردت احدهما أو وسطهما ونحوه، لأنه مخالف لمقتضى اللفظ اذ مقتضاه الوقوع فى كل جزء منه ليعم جملته، كما لو قال: لله على أن أصوم رجب لزمه صوم جميعه، ولا يكون واقعا فى جميعه الا اذا وقع من أوله، بخلاف ما لو قال فى غد أو فى يوم السبت فان مقتضاه الوقوع فى جزء منه وهو صادق بجميع أجزائه. وكذلك لو قال لله على أن أصوم فى رجب أجزأه يوم منه

(1)

.

وان قال أنت طالق فى أول رمضان أو فى غرته أو قال أنت طالق غرته أو فى رأسه أو استقباله أو مجيئه طلقت بأول جزء منه ولم يقبل قوله اردت آخره أو وسطه ونحوه ظاهرا ولا باطنا، لأنه لا لا يحتمله، وان قال أردت بالغرة اليوم الثانى قبل منه، لأن الثلاث الأول من الشهر تسمى غررا.

وأن قال انت طالق بانقضاء رمضان أو بانسلاخه أو بنفاده أو بمضيه طلقت فى آخر جزء منه لأن ذلك مؤدى تعليقه.

وان قال أنت طالق أول نهار رمضان أو أول يوم من رمضان طلقت بطلوع فجر أول يوم منه لأنه أول اليوم والنهار.

وأن قال أنت طالق اذا كان رمضان أو أنت طالق الى رمضان أو أنت طالق الى هلال رمضان أو أنت طالق فى هلال رمضان طلقت وقت يستهل رمضان الا أن يكون أراد من الساعة الى الهلال فتطلق

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 168، 169 نفس الطبعة.

ص: 34

فى حال التلفظ بذلك لأن من لابتداء الغاية.

وأن قال انت طالق فى مجئ ثلاثة أيام طلقت فى أول اليوم الثالث اذن وان قال:

أنت طالق اليوم أو غدا طلقت فى الحال.

وأن قال انت طالق غدا أو بعد غد طلقت فى أسبق الوقتين وكذا لو قال أنت طالق فى هذا الشهر أو الآتى وان قال أنت طالق اليوم وغدا وبعد غد أو قال انت طالق فى اليوم وفى غد وفى بعد غد فواحدة فى الأولى - وهى قوله انت طالق اليوم وغدا وبعد غد - لأنها اذا طلقت اليوم كانت طالقا غدا وبعد غد كقوله أنت طالق كل يوم، ويقع ثلاث فى الثانية - وهى قوله أنت طالق فى اليوم وفى غد وفى بعده فتطلق فى كل يوم طلقة لأن اتيانه بفى وتكراره يدل على تكرار الطلاق كقوله أنت طالق فى كل يوم.

وان قال انت طالق اليوم ان لم أطلقك اليوم أو أسقط اليوم الأول أو اليوم الأخير ولم يطلقها فى يومه وقع الطلاق فى آخر جزء منه لأن خروج اليوم يفوت به طلاقها فوجب وقوعه قبله فى آخر وقت الامكان كموت أحدهما فى اليوم لأن معنى يمينه ان فاتنى طلاقك اليوم فأنت طالق فيه، فاذا بقى من اليوم ما لا يتسع لتطليقها فقد فاته طلاقها فوقع حينئذ

(1)

.

وان قال أنت طالق يوم يقدم زيد أو أنت طالق فى اليوم الذى يقدم فيه زيد فماتت فى يوم قدومه أو مات الحالف فى يوم قدومه، أو مات الزوجان فى يوم قدومه أو لم يمت واحد منهما فى ذلك اليوم تبين أن طلاقها وقع من أول اليوم الذى قدم فيه زيد من طلوع فجره كما لو قال أنت طالق يوم الجمعة.

وان قال أنت طالق فى شهر رمضان ان قدم زيد فقدم زيد فى رمضان طلقت من أول رمضان فيتبين انها طلقت من غروب الشمس من آخر يوم شعبان قياسا على التى قبلها، بخلاف ما لو قال أنت طالق فى شهر رمضان اذا قدم زيد، فانها تطلق عقب قدومه.

وان قال أنت طالق فى غد اذا قدم زيد فماتت قبل قدومه لم تطلق لأن اذا اسم زمان مستقبل فمعناه أنت طالق غدا وقت قدومه، وان قدم زيد والزوجان حيان طلقت عقب قدومه لوجود الصفة.

وان قال أنت طالق اليوم غدا طلقت اليوم واحدة، لأن من طلقت اليوم فهى طالق غدا الا أن يريد أنها طالق اليوم طلقة وطالق غدا طلقة فتطلق اثنتين فى اليومين على حسب ما أراده، فان قال أردت أنها تطلق فى أحد اليومين طلقت اليوم ولم تطلق غدا، لأنه جعل الزمان كله ظرفا للطلاق فوقع فى أوله وان أراد نصف طلقة اليوم ونصف طلقة غدا فثنتان، لأن كل نصف يكمل ضرورة عدم تبعيض

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 169 الطبعة السابقة.

ص: 35

الطلاق، وان نوى نصف طلقة اليوم وباقيها غدا طلقت اليوم واحدة، لأنه اذا قال نصفها اليوم كملت فلم يبق لها بقية تقع غدا.

وان قال أنت طالق الى شهر أو أنت طالق الى حول تطلق بمضيه، روى عن ابن عباس وأبى ذر رضى الله تعالى عنهم، ولأنه جعل ذلك غاية للطلاق ولا غاية لآخره فوجب أن يجعل غاية لأوله، ولأن هذا يحتمل أن يكون توقيتا لايقاعه كقول الرجل أنا خارج الى سنة أى بعد سنة فلم يقع الطلاق بالشك الا أن ينوى طلاقها فى الحال فتطلق فى الحال عملا بنيته كقوله أنت طالق الى مكة ولم ينو بلوغها الى مكة فيقع فى الحال.

وان قال أنت طالق من اليوم الى سنة طلقت فى الحال، فان قال أردت أن عقد الصفة من اليوم، وأن وقوعه بعد سنة لم يقع الطلاق الا بعد سنة عملا بنيته واللفظ يحتمله.

وان قال أردت تكرير طلاقها من حين تلفظت الى سنة طلقت فى الحال ثلاثا ان كانت مدخولا بها والا بانت بالأولى ولم يلحقها ما بعدها

(1)

.

وان قال أنت طالق فى آخر الشهر تطلق فى آخر جزء من الشهر، لأنه آخره وقيل تطلق بآخر فجر اليوم منه، اختاره الأكثر قاله فى المبدع وقطع به فى المقنع، وغيره لأن آخر الشهر آخر يوم منه، واذا علق الطلاق على وقت تعلق بأوله.

وان قال أنت طالق فى أول آخر الشهر تطلق بطلوع فجر آخر يوم منه، لأن آخر الشهر اليوم وأوله طلوع الفجر، ويحرم وطؤها فى تاسع عشرين، لاحتمال أن يكون آخر الشهر ذكره ابن الجوزى رحمه الله تعالى فى المذهب، والمراد ان كان الطلاق بائنا بخلاف الرجعى فيجوز وطؤها فيه.

وان قال أنت طالق فى آخر أوله تطلق فى آخر أول يوم منه، قاله فى المقنع، قال فى المبدع على المذهب، وقال فى الأنصاف هذا أحد الوجوه، وقال ابن منجا فى شرحه هذا المذهب، وقال فى المغنى والشرح الكبير هذا أصح، وقدمه فى الهداية والمستوعب والرعايتين والحاوى الصغير، وجزم به فى الوجيز.

وقيل تطلق بطلوع فجر أول يوم منه وهذا المذهب، قال فى الفروع طلقت بطلوع فجر أول يوم منه فى الأصح، جزم به فى الغرر وقدمه فى المحرر.

وقال أبو بكر فى المسئلتين تطلق بغروب شمس الخامس عشر منه، لأن نصف الشهر فما دون يسمى أوله، فاذا شرع فى النصف الثانى صدق أنه آخره فيجب أن

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 170 الطبعة السابقة.

ص: 36

يتحقق الحنث لأنه أول آخره وآخر أوله

(1)

.

وان قال اذا مضى يوم فأنت طالق فان كان القول المذكور نهارا وقع الطلاق اذا عاد النهار الى مثل وقته الذى تلفظ فيه من أمس ذلك النهار ليكمل اليوم وان كان قوله ذلك ليلا فانها تطلق بغروب شمس غد تلك الليلة ليتحقق مضى يوم.

وان قال اذا مضت سنة فأنت طالق طلقت اذا مضى اثنا عشر شهرا بالأهلة ويكمل الشهر الذى حلف فى أثنائه بالعدد ثلاثين يوما حيث كان الحلف فى أثناء الشهر فاذا مضى أحد عشر شهرا بالأهلة أضاف الى ما مضى من الشهر الأول قبل حلفه تتمة الثلاثين يوما، وانما اعتبرت الأهلة حيث أمكن لأنها المواقيت التى جعلت للناس بالنص.

وان قال اذا مضت السنة فأنت طالق، أو قال اذا مضت هذه السنة فأنت طالق طلقت بانسلاخ ذى الحجة، لأنها لما ذكرها بلام التعريف انصرفت الى السنة المعروفة وهى التى آخرها ذو الحجة، فان قال أردت بالسنة اثنى عشر شهرا دين، وقبل منه حكما، لأن لفظه يحتمله.

وان قال أنت طالق فى كل سنة طلقة طلقت الأولى فى الحال، لأنه جعل السنة ظرفا للطلاق فيقع اذن، وتطلق الثانية فى أول المحرم، لأن السنة الثانية ظرف للطلقة فتطلق فى أولها وكذا الثالثة ان بقيت الزوجة فى عصمته بأن استمرت الزوجة فى عدتها أو ارتجعها فى عدة الطلاق أو جدد نكاحها بعد أن بانت، وان بانت حتى مضت السنة الثالثة ثم تزوجها لم يقع الطلاق، ولو نكحها فى السنة الثانية وقعت الطلقة عقب نكاحه أو نكحها فى السنة الثالثة وقعت كذلك عقبه لأنه جزء من السنة التى جعلها ظرفا للطلاق ومحلا له، وكان سبيله أن يقع أولها فمنع منه كونها غير محل للطلاق، لعدم نكاحه حينئذ، فاذا عادت الزوجة وقع فى أولها، فان قال أردت بالسنة اثنى عشر شهرا قبل حكما، لأن لفظه يحتمله، وان قال أردت أن يكون أول السنين المحرم دين، لأنه محتمل، ولم يقبل فى الحكم، لأنه خلاف الظاهر.

وان قال أنت طالق يوم يقدم زيد فقدم نهارا مختارا حنث، لوجود الصفة سواء علم القادم باليمين أو جهلها، وسواء كان القادم ممن لا يمتنع بيمينه كالسلطان والحاج والأجنبى، أو كان ممن يمتنع باليمين من القدوم كقرابة لهما أو لأحدهما أو غلام لأحدهما، وان قدم زيد ليلا طلقت ان نوى باليوم الوقت أو لم ينو شيئا، لأن اليوم يطلق بمعنى الوقت قال الله عز وجل «وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ»

(2)

وقال:

«وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ»

(3)

وان قدم

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 170 ص 171 نفس الطبعة.

(2)

الآية رقم 141 من سورة الأنعام.

(3)

الآية رقم 16 من سورة الأنفال.

ص: 37

زيد نهارا طلقت فى أوله أى من طلوع فجر يوم قدومه على ما تقدم بيانه، وان قدم بزيد ميتا أو مكرها لم تطلق، لأنه لم يقدم وانما قدم به، ولو كان الحالف مثلا أراد فى هذا المثال بقدوم زيد انتهاء سفره حمل الكلام على نيته فيقع الطلاق.

وان قال لزوجته ان تركت هذا الصبى يخرج فأنت طالق فانفلت الصبى بغير اختيارها فخرج فان كان الحالف نوى أن لا يخرج الصبى حنث الحالف بخروجه، وان نوى أن لا تدعه لم يحنث نصا، لأنها لم تتركه وان لم تعلم نيته انصرفت يمينه الى فعلها فلا يحنث الا اذا خرج الصبى بتفريطها فى حفظه أو خرج باختيارها، لأن ذلك مقتضى لفظه فلا يعدل عنه الا لمعارض ولم يتحقق لكن ان كان لليمين سبب هيجها حملت عليه

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى: أن من قال اذا جاء رأس الشهر فأنت طالق أو ذكر وقتا ما فلا تكون طالقا بذلك لا الآن ولا اذا جاء رأس الشهر، لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطلاق بذلك، وقد علمنا الله عز وجل الطلاق فى المدخول بها وفى غير المدخول بها وليس هذا فيما علمنا، «وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ»

(2)

وأيضا فان كان كل طلاق لا يقع حين ايقاعه فمن المحال أن يقع بعد ذلك فى حين لم يوقعه فيه

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن ما علق من الطلاق بمضى حين - نحو أن يقول أنت طالق بعد حين ونحوه كأن يقول أنت طالق بعد وقت أو بعد دهر أو بعد عصر أو بعد حقب

(4)

قال بعض أهل المذهب يقع بالموت، وذلك لأن الحين يطلق على القليل والكثير من الزمان وكذلك الدهر والعصر والوقت والحقب، فلما احتمل القليل والكثير والأصل أن لا طلاق يقينا على اليقين حتى مات فانكشف أنها طلقت قبيل موته أو موتها.

وقال محمد بن يحيى: ان قال أنت طالق الى حين أو زمان، فان نوى وقتا فذاك وان لم ينو فاذا مات أو ماتت، وذلك لأن الى تستعمل للغاية وبمعنى مع واستعمالها هنا للغاية لا يصح، لأن الطلاق لا يتوقت فكانت بمعنى مع واذا كانت بمعنى مع فهى مقدرة بمعنى الشرط

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 171، ص 172 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1359 هـ.

(2)

الآية رقم 1 من سورة الطلاق.

(3)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 10 ص 213 وما بعدها الى ص 217 مسألة رقم 1970 طبع إدارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

(4)

الحقب بضم الحاء المهملة والقاف المعجمة

ص: 38

أى اذا مضى حين، قالوا والحين لفظة مشتركة تستعمل للصباح والعشى كقول الله عز وجل «حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ»

(1)

وبمعنى السنة وعليه قول الله عز وجل «تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ»

(2)

أى كل سنة وقيل ستة أشهر وبمعنى أربعون سنة، وعليه قول الله عز وجل «هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ»

(3)

وعن العمر، وعليه قوله تعالى «وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ»

(4)

قالوا:

فاذا احتملت هذه المعانى حمل على المتيقن وهو العمر، لأن الأصل عدم الطلاق.

قال مولانا عليه السلام: وما ذكره أصحابنا فى هذه المسئلة غاية الضعف والركة والمخالفة لمقتضى اللغة العربية، والصحيح عندى أنها تطلق بعد مضى لحظة، لأنه قيده بمضى حين، وقد مضى الحين اذ لفظة الحين اسم جنس واذا علق الطلاق بوقت معين فانه يقع بأول المعين نحو أنت طالق اذا جاء غد فانها تطلق بأول غد، وكذا بعد شهر ونحوه فانها تطلق بأول الشهر الثانى ونحو ذلك، لأنه علقه بظرف ممتد فتطلق بأوله.

قال أبو العباس اذا قال أنت طالق غدا أو أنت طالق اذا جاء غد طلقت اذا طلع الفجر، وهكذا اذا قال أنت طالق فى غد، قال فان نوى وقتا بعينه من نصفه أو آخره فله نيته فى ظاهر الحكم وفيما بينه وبين الله تعالى على أصل يحيى عليه السلام

(5)

.

واذا علق بوقتين معينين وقع أول الأول ان تعدد ذلك الوقت المعين كاليوم غدا، لأن الطلاق يتعلق بالظرف الأول لا الثانى، فاذا قال أنت طالق اليوم غدا طلقت أول اليوم وان قال أنت طالق غدا اليوم طلقت غدا، ولو تعدد الوقت بتخيير نحو أنت طالق اليوم أو غدا أو بعدد جمع نحو أنت طالق اليوم وغدا فانها تطلق بأول المذكور من الوقتين أولا غالبا، بخلاف ما اذا قال أنت طالق غدا واليوم فانها تطلق بأول الآخر فتطلق فى الحال ها هنا وهو اليوم، لأن تأخره لفظا لا يخرجه عن تقدمه لتقدمه فى الوقوع مع تعليق الطلاق بهما جميعا.

ومن قال انت طالق يوم يقدم زيد ونحوه كيوم أدخل الدار وما أشبه ذلك فانه لوقت قدومه ودخوله حيا مختارا، سواء وقع ليلا أو نهارا، لأن قوله يوم يقدم بمعنى وقت يقدم عرفا فان قصد النهار فقط فله نيته، وان قدم ميتا أو مكرها لا فعل له لم تطلق لأنه مقدوم به لا قادم ولفظ أول آخر هذا اليوم وعكسيه وهو آخر أول هذا اليوم موضوع

(1)

الآية رقم 17 من سورة الروم.

(2)

الآية رقم 25 من سورة ابراهيم.

(3)

الآية رقم 1 من سورة الدهر.

(4)

الآية رقم 98 من سورة يونس.

(5)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 402 وما بعدها الى ص 404 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 39

لنصفه، فاذا قال أنت طالق أول آخر اليوم هذا أو آخر أوله وقع الطلاق عند انتصاف النهار، وهكذا الأمر فى الشهر ونحوه، اذا قال فى أول آخره أو فى آخر أوله فانه يقع الطلاق فى اليوم الخامس عشر ان وفا الشهر وان نقص ففى نصف الخامس عشر.

ولو قال لها أنت طالق فى اليوم اذا جاء غد فانها تطلق غدا.

واذا قال أنت طالق أمس فانه لا يقع لأنه علقه بمستحيل.

وقال أبو جعفر اذا كانت فى حباله بالأمس.

ومن قال أنت طالق اذا مضى يوم وكان هذا الانشاء فى النهار لا فى الليل فانها تطلق لمجئ مثل ذلك الوقت الذى طلقها فيه من النهار الثانى فاذا طلقها وقت العصر مثلا طلقت وقت العصر فى النهار الثانى.

وان قال انت طالق اذا مضى يوم وكان هذا الانشاء فى الليل طلقت لغروب شمس اليوم التالى لهذا الليل واذا قال أنت طالق اذا رأيت القمر فانها لا تطلق اذا رأت الهلال أو الشهر أو ثانيه أو ثالثه، لأنه لا يسمى قمرا الا من رابع الشهر الى ليلة سبع وعشرين فاذا رأته فى ذلك طلقت، وان رأته فى ثامن وعشرين أو تاسع وعشرين لم تطلق.

واذا قال أنت طالق اذا رأيت البدر لم تطلق الا اذا رأت القمر ليلة رابع عشر، لأنه لا يسمى بدرا الا فى تلك اليلة، واذا قال أنت طالق يوم العيد ولم تكن له نية طلقت بأول العيدين الفطر أو الأضحى، فان قال ذلك بعد الفطر فبالأضحى وكذا اذا قال أنت طالق فى ربيع طلقت فى ربيع الأول اذا قال ذلك فى صفر، وان كان فى ربيع ففورا وهكذا اذا قال أنت طالق يوم موت زيد وعمرو فانها تطلق بموت الأول منهما، لأنه وقته بحصول وقت موتهما وقد حصل أوله بموت الأول بخلاف ما لو جعل موتهما شرطا نحو اذا مات زيد وعمرو فانها لا تطلق.

ومن قال أنت طالق قبل كذا كان هذا غير مقيد بمستقبل وانما هو للحال، فاذا قال أنت طالق قبل موتى أو قبل موت زيد أو قبل طلوع الشمس أو نحو ذلك مما هو مقطوع بحصوله فانها تطلق فى الحال، فان قال قبل قدوم زيد ونحوه مما لا يقطع بحصوله فانها تطلق فى الحال أيضا بشرط حصول ذلك فيكون حصوله كاشفا لوقوع الطلاق عقيب الكلام، ويجوز له الاستمرار على الوط ء فى هذه الصورة اذ لا يعلم حصوله، والأصل بقاء النكاح وجواز الوط ء وعدم حصول القدوم، فان قال أنت طالق قبل طلوعك السماء من كل ما هو مستحيل لم تطلق اذ لا قبل له رأسا.

وان قال أنت طالق قبل كذا بشهر طلقت لقبل ذلك الأمر بشهر، فاذا قال

ص: 40

أنت طالق قبل موتى بشهر طلقت قبله بشهر، فان مات قبل مضى شهر لم يقع شئ.

واذا قال أنت طالق قبل كذا وكذا بشهر نحو أن يقول أنت طالق قبل موت فلان وفلان بشهر طلقت لقبل موت آخرهما بشهر

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن الطلاق ان علق بشرط من الشروط أو بصفة من الصفات المستقبلة فانه لا يقع أصلا لا فى الحال ولا فى المستقبل حين حصول الشرط والصفة لاجماع الفرقة وأخبارهم فانهم لا يختلفون فى ذلك، وأيضا لأن الأصل بقاء العقد وايقاع هذا الضرب من الطلاق يحتاج الى دليل، والشرع خال من ذلك

(2)

، فلو قال لها أنت طالق اذا قدم فلان، أو أنت طالق فى شهر رمضان، أو اذا رأيت هلال رمضان فانت طالق أو أنت طالق قبل قدوم زيد بشهر لم يقع طلاقه

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الزوج اذا قال لامرأته أنت طالق أمس أو اليوم وأمس طلقت فى حينها.

وان قال أنت طالق اليوم وغدا طلقت اليوم وقوله (وغدا) حشو.

وان قال أنت طالق فى غد أو اذا جاء غد طلقت غدا.

وان قال أنت طالق غدا واذا جاء ما بعد غد وقع طلاق غدا وآخر بعد غد.

وان قال أنت طالق الساعة غدا أو طالق اليوم اذا جاء غد طلقت فى حينها.

وقيل حتى يجئ غد.

وان قال أنت طالق اليوم اذا جاء فلان غدا طلقت اليوم اذا جاء غد.

وان قال انت طالق اليوم أو فى اليوم طلقت فى حينها.

وان قال أنت طالق رمضان أو فى رمضان أو يوم الجمعة أو نحو ذلك، فان عنى الماضى وقع فى حينه، وان عنى المستقبل وقع اذا دخل.

وان قال أنت طالق كل سنة واحدة طلقت عند تمام كل سنة ان كان يراجعها

(1)

شرح الازهار فى فقه الائمه الاطهار لابن مفتاح ج 2 ص 404 وما بعدها الى ص 408 الطبعة السابقة.

(2)

الخلاف فى الفقه لابى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 230 مسألة رقم 13 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 239، ص 243 مسألة رقم 41، 32، ورقم 56 نفس الطبعة.

ص: 41

وقيل تبين بمضى أربعة، وان تزوجت غيره فى الثانية ثم رجعت اليه قبل تمام ثلاث سنين ففى وقوع الطلاق قولان.

وان قال أنت طالق كل سنة ثلاثا بانت منه بثلاث وان تزوجته بعد تزوج غيره فلا تطلق

(1)

، وتطلق من حينها بقوله أنت طالق قبل موتى أو قبل موتك أو قبل موت فلان أو قبل موت هذه الدابة أو قبل وقوع كذا بلا أجل، الا أن أراد قبل ذلك باتصال فكمن أجل فلا يمس اذ لا يدرى متى يكون الموت أو متى يقع كذا.

وقيل، يجبر على طلاقها.

وقيل: تطلق من حينه

(2)

.

وان أجل الطلاق بشهر أو أقل أو أكثر قبل الموت أو الوقوع فلا يمسها بعد، اذ لا يدرى متى يكون ذلك فان مس ثم عاش أو عاشت أو عاش فلان أو عاشت الدابة ان لم يقع كذا حتى جاوز ما وقته لم تحرم، وكره مسها على ذلك حذرا من وقوع المس بعد الطلاق، ولا تبين بمضى أربعة أشهر بلا مس اذ لم يمنع من جماعها يقينا لاحتمال الحياة أو عدم الوقوع أكثر مما أجل فانكشف الغيب أنه لم يمنع فيما زاد على الأجل.

وقيل: تبين لأنه ممنوع منه فى الجملة، لاحتمال الموت والوقوع فى الأجل، وفى هذا ونحوه اعمال العدة بلانية.

وقيل: يجبر بطلاقها بما يردعه ولو بحبس أو ضرب طلاقا بائنا لا رجعة فيه ولو برضاها ولو لم ينوه بائنا وله أن يمتنع وحرم عليه تعطيلها وامساكها على عدم المس ونحوه.

وقيل: تطلق من ساعتها، لأن الطلاق واقع والأجل مجهول الحلول، فلا وجه لاثبات الأجل، لأنه لا يتوصل الى معرفته ولا لالغاء الطلاق وان أراد الانحلال من قوله ذلك فأداها وراجعها وترثه ان مات ولم تتم عدتها فى الشهر التالى لموته وهو الذى قبل موته، لأن كلا من الشيئين المتصلين تال للآخر ان قال قبل موتى بشهر، وورثها ان ماتت وعاش بعدها شهرا أو أكثر لانكشاف أنها ماتت غير مطلقة ويرثها أيضا ان مات بعدها قبل تمام الشهر ان لم تتم العدة وكان الطلاق رجعيا

(3)

.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 3 ص 601، ص 602 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 608 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 608 وما بعدها الى ص 609 نفس الطبعة.

ص: 42

‌ثانيا: اضافة الطلاق الى

الرجل أو المرأة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط الطلاق اضافة الطلاق الى المرأة فى صريح الطلاق حتى لو اضاف الزوج صريح الطلاق الى نفسه، بان قال انا منك طالق - لا يقع الطلاق وان نوى وذلك لقول الله عز وجل «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»

(1)

فقد أمر الله سبحانه وتعالى بتطليقهن، والأمر بالفعل نهى عن تركه وتطليق نفسه ترك لتطليق امرأته حقيقة لأنه اضاف الطلاق الى نفسه لا الى امرأته حقيقة فيكون منهيا والمنهى غير المشروع والتصرف الذى ليس بمشروع لا يعتبر شرعا وهو تفسير عدم الصحة، ولما روى ابو داود رحمه الله تعالى فى سننه باسناده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال تزوجوا ولا تطلقوا فان الطلاق يهتز له عرش الرحمن» فظاهر الحديث يقتضى أن يكون التطليق منهيا سواء أضيف الى الزوج أو اضيف الى الزوجة ثم جاءت الرخصة فى التطليق المضاف الى الزوجة فى نصوص الكتاب من قول الله عز وجل «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» وقوله تعالى «فَإِنْ طَلَّقَها»

(2)

وقوله تعالى «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ»

(3)

ونحو ذلك فبقى التطليق المضاف الى الزوج على أصل النهى، والمنهى غير مشروع، والتصرف الشرعى اذا خرج من أن يكون مشروعا لا وجود له شرعا فلا يصح ضرورة.

ويضاف الى دليل الكتاب والسنة دليل العقل وذلك أن قوله أنا منك طالق اما أن يعتبر اختبارا عن كونه طالقا كما يقتضيه ظاهر الصيغة، واما أن يعتبر انشاء وهو اثبات الانطلاق ولا سبيل الى الثانى، لأنه منطلق وليس عليه قيد النكاح واثبات الثابت محال فتعين الأول، وهو أن يكون اخبارا عن كونه طالقا وهو صادق فى هذا الأخبار، والدليل على أنه ليس عليه قيد النكاح وجهان.

أحدهما: ان قيد النكاح فى جانب المرأة انما ثبت لضرورة تحقيق ما هو من مقاصد النكاح وهو السكن والنسب لأن الخروج والبروز يريب فلا يطمئن قلبه اليها واذا جاءت بولد لا يثق بكونه منه وهذه الضرورة منعدمة فى جانب الزوج فلا يثبت عليه قيد النكاح.

والثانى: أن قيد النكاح هو ملك النكاح وهو الاختصاص الحاجز والزوج مالك لأن المرأة مملوكة ملك النكاح والمملوك لا بد له من مالك ولا ملك لغير الزوج فيها فعلم أن الزوج مالكها، فاستحال أن يكون مملوكا بخلاف ما اذا أضاف الطلاق اليها، فان قال لها أنت طالق فانه لا يمكن حمل هذه الصيغة على الاخبار، لانه يكون كذبا لكونها غير منطلقة لثبوت قيد النكاح فيحمل

(1)

الآية رقم 1 من سورة الطلاق.

(2)

الآية رقم 230 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 236 من سورة البقرة.

ص: 43

على الانشاء أنه ممكن لعدم الانطلاق قبله بخلاف الكناية المبينة لأن الابانة قطع الوصلة وانها ثابتة فى الطرفين فاذا زالت من أحد الطرفين تزول من الطرف الاخر ضرورة لاستحالة اتصال شئ بما هو منفصل عنه والتحريم اثبات الحرمة وانها لا تثبت من أحد الجانبين لاستحالة أن يكون الشخص حلالا لمن هو حرام، بخلاف الطلاق، لانه اثبات الانطلاق ورفع القيد، والقيد لم يثبت الا من جانب واحد وانه قائم

(1)

. فيشترط فى الطلاق الصريح أن يضاف الى المرأة سواء كانت الاضافة الى امرأة معينة أو مبهمة عند عامة العلماء، حتى لو قال لامرأتيه احداكما طالق، أو قال لأربع نسوة له: احداكن طالق ولم ينو واحدة بعينها صحت الاضافة.

وقال نفاة القياس: لا تصح اضافة الطلاق الى المعينة، وجه قولهم لم يصلح محلا للنكاح فلا يصلح محلا للطلاق اذ الطلاق يرفع ما ثبت بالنكاح وكذا لم يصلح محلا للبيع والهبة والاجارة وسائر التصرفات فكذا الطلاق.

وأما عمومات الطلاق من الكتاب والسنة من نحو قول الله عز وجل «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ» وقوله تعالى: «الطَّلاقُ مَرَّتانِ»

(2)

وقوله سبحانه وتعالى «فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»

(3)

وقوله «لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ»

(4)

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل طلاق جائز الا طلاق الصبى والمعتوه» من غير فصل بين طلاق وطلاق وبين الطلاق المضاف الى المعين والمجهول ولأن هذا ليس بتنجيز الطلاق فى الحقيقة بل هو تعليق من حيث المعنى بشرط البيان والطلاق مما يحتمل التعليق بالشرط ألا ترى أنه يصح تعليقه بسائر الشروط فكذا بهذا الشرط، بخلاف النكاح فانه لا يحتمل التعليق بالشرط، فلا تكون المجهولة محلا للنكاح، وكذا الاجارة والبيع وسائر التصرفات، وعلى هذا الوجه لا يكون هذا ايقاع الطلاق فى المجهولة لانه تعليق بشرط البيان فيقع الطلاق فى المبينة لا فى المجهولة، على أنا ان قلنا بالوقوع كما قال بعضهم فهذه جهالة يمكن رفعها بالبيان، فالطلاق يحتمل خطر الجهالة الا ترى أنه يحتمل خطر التعليق والاضافة بحقيقة أن البيع يحتمل جريان الجهالة، فانه اذا باع قفيزا من صبرة جاز، وكذا اذا باع أحد شيئين على أن المشترى بالخيار يأخذ أيهما شاء ويرد الاخر جاز، فالطلاق أولى، لانه فى

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 141، ص 142 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

(2)

الآية رقم 229 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 230 من سورة البقرة.

(4)

الآية رقم 236 من سورة البقرة.

ص: 44

احتمال الخطر فوق البيع، ألا ترى أنه يحتمل خطر التعليق والاضافة والبيع لا يحتمل ذلك، فلما جاز بيع المجهول كان الطلاق أولى، وسواء كانت الجهالة مقارنة أو طارئة بأن طلق واحدة من نسائه عينا ثم نسى المطلقة حتى لا يحل له وط ء واحدة منهن، لان المقارن لما لم يمنع صحة الاضافة فالطارئ لان لا يرفع الاضافة الصحيحة أولى لان المنع أسهل من الرفع

(1)

.

وجملة الكلام فى اضافة الطلاق الى مجهولة أن الجهالة أما أن تكون أصلية، وأما أن تكون طارئة.

أما الجهالة الاصلية فهى أن يكون لفظ الطلاق من الابتداء مضافا الى المجهول وجهالة المضاف اليه يكون لمزاحمة غيره اياه فى الاسم، والمزاحم اياه فى الاسم لا يخلو أما أن يكون محتملا للطلاق واما أن لا يكون محتملا له، والمحتمل للطلاق لا يخلو اما أن يكون ممن يملك الزوج طلاقه أو لا يملك طلاقه، فان كان ممن يملك طلاقه صحت الاضافة بالاجماع نحو أن يقول لنسائه الاربع احداكن طالق ثلاثا، أو يقول لامرأتين له أحداكما طالق ثلاثا، والكلام فيه يقع فى موضعين.

احدهما فى بيان كيفية هذا التصرف أعنى قوله لامرأتيه احداكما طالق،.

والثانى: فى بيان الاحكام المتعلقة به.

أما الاول فقد اختلف مشايخنا فى كيفية هذا التصرف قال بعضهم: هو ايقاع الطلاق فى غير المعين على معنى أن يقع الطلاق للحال فى واحدة منهما غير عين واختيار الطلاق فى احداهما وبيان الطلاق فيها تعيين لمن وقع عليها الطلاق، ويقال ان هذا قول محمد رحمه الله تعالى.

وقال بعضهم: هو ايقاع الطلاق معلقا بشرط البيان معنى، ومعناه أن قوله احداكما طالق ينعقد سببا للحال لوقوع الطلاق عند البيان والاختيار لا للحال بمنزلة تعليق الطلاق بسائر الشروط من دخول الدار وغيره، غير أن هناك الشرط يدخل على السبب والحكم جميعا وههنا يدخل على الحكم لا على السبب كما فى البيع بشرط الخيار، فاذا اختار طلاق احداهما فقد وجد شرط وقوع الطلاق فى حقها فيقع الطلاق عليها بالكلام السابق عند وجود شرط الوقوع وهو الاختيار كأنه علقه به نصا فقال ان اخترت طلاق احداكما فهى طالق، ويقال ان هذا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى.

والمسائل متعارضة فى الظاهر بعضها يؤيد القول الاول، وبعضها ينصر القول الثانى.

وقال بعضهم: البيان اظهار من وجه وانشاء من وجه، وزعموا أن المسائل

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 142، ص 143 الطبعة السابقة.

ص: 45

تخرج عليه وأنه كلام لا يعقل بل هو محال والبناء على المحال محال.

وأما الثانى - وهو الاحكام المتعلقة بالطلاق المضاف الى مجهولة - فنوعان، نوع يتعلق به فى حال حياة الزوج، ونوع يتعلق به بعد مماته.

أما النوع الاول فنقول: اذا قال الرجل لامرأتيه احداكما طالق ثلاثا فله خيار التعيين يختار أيهما شاء للطلاق، لأنه اذا ملك الابهام ملك التعيين ولو خاصمتاه واستعدتا عليه القاضى حتى يبين أعدى عليه وكلفه البيان ولو امتنع أجبره عليه بالحبس، لأن لكل واحدة منهما حقا اما استيفاء حقوق النكاح منه، واما التوصل الى زوج آخر، وحق الانسان يجب ايفاؤه عند طلبه، واذا امتنع من عليه الحق يجبره القاضى على الايفاء وذلك بالبيان ههنا فكان البيان حقها لكونه وسيلة الى حقها ووسيلة حق الانسان حقه والجبر على البيان يؤيد القول الأول، لأن الوقوع لو كان معلقا بشرط البيان لما أجبر اذ الحالف لا يجبر على تحصيل الشرط ولأن البيان اظهار الثابت واظهار الثابت ولا ثابت محال

(1)

.

وأما النوع الثانى - وهو الذى يتعلق بما بعد موت الزوج - فأنواع ثلاثة، حكم المهر، وحكم الميراث، وحكم العدة اذا مات قبل البيان.

أما حكم المهر فان كانتا مدخولا بهما فلكل واحدة منهما جميع المهر، لأن كل واحدة منهما تستحق جميع المهر، سواء كانت منكوحة أو مطلقة أما المنكوحة فلا شك فيها، وأما المطلقة فلأنها مطلقة بعد الدخول، وان كانتا غير مدخول بهما فلهما مهر ونصف مهر بينهما لكل واحدة منهما ثلاثة أرباع المهر، لأن كل واحدة منهما يحتمل أن تكون منكوحة، ويحتمل أن تكون مطلقة، فان كانت منكوحة تستحق جميع المهر لأن الموت بمنزلة الدخول وان كانت مطلقة تستحق النصف، لأن النصف قد سقط بالطلاق قبل الدخول فلكل واحدة منهما كل المهر فى حال والنصف فى حال، وليست احداهما بأولى من الأخرى فيتنصف فيكون لكل واحدة ثلاثة أرباع مهر هذا اذا كان قد سمى لهما مهرا، فان كان لم يسم لهما مهرا فلهما مهر ومتعة بينهما، لأن كل واحدة منهما ان كانت منكوحة فلها كمال مهر المثل، وان كانت مطلقة فلها كمال المتعة فكل واحدة منهما تستحق كمال مهر المثل فى حال ولا تستحق شيئا من مهر المثل فى حال وكذا المتعة فتنتصف كل واحدة منهما فيكون لهما مهر ومتعة بينهما لكل واحدة منهما نصف مهر المثل ونصف متعة، وان كان سمى لاحداهما مهرا ولم يسم للأخرى فللمسمى لها ثلاثة أرباع المهر وللتى لم يسم لها مهرا

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 3 ص 224، ص 225 الطبعة السابقة.

ص: 46

نصف مهر المثل لأن المسمى لها اذا كانت منكوحة فلها جميع المسمى، وان كانت مطلقة فلها النصف فيتنصف كل ذلك فيكون لها ثلاثة أرباع المهر المسمى، والتى لم يسم لها ان كانت منكوحة فلها جميع مهر المثل، وان كانت مطلقة فليس لها من مهر المثل شئ فاستحقت فى حال ولم تستحق شيئا منه فى حال فيكون لها نصف مهر المثل.

والقياس أن يكون لها نصف المتعة أيضا، لأنها ان كانت منكوحة فلها كمال مهر المثل، وان كانت مطلقة فلها كمال المتعة فكان لها كمال مهر المثل فى حال وكمال المتعة فى حال فيتنصف كل واحدة منهما فيكون لها نصف مهر مثلها ونصف متعتها، وهذا قول زفر رحمه الله تعالى.

وفى الاستحسان ليس لها الا نصف مهر المثل، لأن نصف مهر المثل اذا وجب لها امتنع وجوب المتعة، لأن المتعة بدل عن نصف مهر المثل والبدل والمبدل منه لا يجتمعان، هذا اذا كانت المسمى لها مهر المثل معلومة، فان لم تكن معلومة فلها مهر وربع مهر اذا كان مهر مثلهما سواء ويكون بينهما لأن كل واحدة منهما تحتمل أن تكون هى المسمى لها المهر فيكون لها ثلاثة أرباع المهر لما ذكرنا، ويحتمل أن تكون غير المسمى لها المهر فيكون لها نصف مهر المثل ففى حال يجب ثلاثة أرباع المهر وفى حال يجب نصف المهر فيتنصف كل ذلك فيكون لهما مهر وربع مهر بينهما لكل واحدة منهما نصف مهر وثمن مهر، نصف مهر المسمى وثمن مهر المثل، ولا تجب المتعة استحسانا على نحو ما ذكرنا.

والقياس أن يجب نصف المتعة أيضا ويكون بينهما وهو قول زفر رحمه الله تعالى على ما سبق ايضاحه.

وأما حكم الميراث فهو انهما يرثان منه ميراث امرأة واحدة ويكون بينهما نصفين فى الأحوال كلها، لأن احداهما منكوحة بيقين وليست احداهما بأولى من الأخرى فيكون قدر ميراث امرأة واحدة بينهما، فان كان للزوج امرأة أخرى سواهما لم يدخلها فى الطلاق فلها نصف ميراث النساء ولهما النصف لأنه لا يزاحمها الا واحدة منهما، لأن المنكوحة واحدة منهما والأخرى مطلقة فكان لها النصف ثم النصف الثانى يكون بين الأخريين نصفين اذ ليست احداهما بأولى من الأخرى.

وأما حكم العدة فعلى كل واحدة منهما عدة الوفاة وعدة الطلاق، لأن احداهما منكوحة والأخرى مطلقة وعلى المنكوحة عدة الوفاة لا عدة الطلاق وعلى المطلقة عدة الطلاق لا عدة الوفاة، فدارت كل واحدة من العدتين فى حق كل واحدة من المرأتين بين الوجوب وعدم الوجوب والعدة يحتاط فى ايجابها ومن الاحتياط القول بوجوبها على كل واحدة منهما

(1)

.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 226، ص 227 نفس الطبعة.

ص: 47

هذا اذا كان الطلاق مضافا الى مجهول جهالة أصلية لمزاحمة غيره اياه فى الاسم وهو ممن يملك الزوج طلاقها.

فان كان ممن لا يملك الزوج طلاقها لا تصح الاضافة بالاجماع بأن جمع بين امرأته وبين أجنبية فقال: احداكما طالق حتى لا تطلق زوجته، لأن هذا الكلام يستعمل للانشاء ويستعمل للاخبار، ولو حمل على الاخبار يصح، لأنه يخبر أن احداهما طالق والأمر على ما أخبر، ولو حمل على الانشاء لم يصح، لأن احداهما وهى الأجنبية لا تحتمل الانشاء لعدم النكاح ولا طلاق قبل النكاح فكان حمله على الاخبار أولى، هذا اذا كان المزاحم فى الاسم محتملا للطلاق، فاما اذا لم يكن محتملا للطلاق نحو ما اذا جمع بين امرأته وبين حجر أو بهيمة فقال احداكما طالق. اختلف فى صحة تلك الاضافة.

فقال محمد رحمه الله تعالى لا تصح، ولا تطلق امرأته، لأن الجمع بين المنكوحة وغير المنكوحة يوجب شكا فى ايقاع الطلاق على المنكوحة كما لو جمع بين امرأة وبين أجنبية وقال: احداكما طالق فلا يقع مع الشك.

وقال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى تصح حتى يقع الطلاق على امرأته، لأنه اذا جمع بين من يحتمل الطلاق وبين من لا يحتمل الطلاق فى الاسم وأضاف الطلاق اليهما فالظاهر أنه أراد به من يحتمل الطلاق لا من لا يحتمل الطلاق، لأن اضافة الطلاق الى من لا يحتمله سفه، فانصرف مطلق الاضافة الى زوجته بدلالة الحال بخلاف ما اذا جمع بينها وبين أجنبية، لأن الأجنبية محتملة للطلاق فى الجملة وهى محتملة للطلاق فى الحال اخبارا ان كانت لا تحتمله انشاء وفى الصرف الى الاخبار صيانة كلامه عن اللغو فصرف اليه.

ولو جمع بين زوجته وبين رجل فقال:

احداكما طالق قال أبو يوسف رحمه الله تعالى: يصح وتطلق زوجته، لأن الرجل لا يحتمل الطلاق الا ترى أنه لو قال لامرأته أنا منك طالق لم يصح فصار كما اذا جمع بين امرأته وبين حجر أو بهيمة وقال احداكما طالق وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يصح حتى لا تطلق زوجته لأن الرجل يحتمل الطلاق فى الجملة ألا ترى أنه يحتمل البينونة حتى لو قال لامرأته أنا منك بائن ونوى الطلاق يصح والابانة من ألفاظ الطلاق فان الطلاق نوعان رجعى وبائن واذا كان محتملا للطلاق فى الجملة حمل كلامه على الاخبار، كما اذا جمع بينها وبين أجنبية وقال:

احداكما طالق.

ولو جمع بين امرأته وبين امرأة ميتة فقال أنت طالق أو هذه وأشار الى الميتة لم تصح الاضافة بالاجماع حتى لا تطلق زوجته الحية، لأن الميتة من جنس ما يحتمل الطلاق وقد كانت محتملة للطلاق قبل موتها فصار كما لو جمع بينها وبين أجنبية.

ص: 48

هذا اذا كان الطلاق مضافا الى مجهولة جهالة أصلية.

أما الجهالة الطارئة فهى أن يكون الطلاق مضافا الى معلومة ثم تجهل كما اذا طلق الرجل امرأة بعينها من نسائه ثلاثا ثم نسى المطلقة.

والكلام فى هذا فى موضعين أيضا.

احدهما فى بيان كيفية هذا التصرف.

والثانى فى بيان أحكامه.

أما الأول فلا خلاف فى أن الواحدة منهن طالق قبل البيان، لأنه أضاف الطلاق الى معينة، وانما طرأت الجهالة بعد ذلك والمعينة محل لوقوع الطلاق، فيكون البيان ها هنا اظهارا أو تعيينا لمن وقع عليها الطلاق.

وأما الثانى وهو الأحكام المتعلقة به فنوعان أيضا، ما يتعلق به فى حال حياة الزوج، وما يتعلق به بعد مماته.

أما الذى يتعلق به فى حال حياة الزوج فهو أنه لا يحل له أن يطأ واحدة منهن حتى يعلم التى طلق فيجتنبها لأن احداهن محرمة بيقين، وكل واحدة منهما يحتمل أن تكون هى المحرمة، فلو وطئ واحدة منهما وهو لا يعلم بالمحرمة فربما وطئ المحرمة.

والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لوابصة ابن معبد الحلال بين والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات فدع ما يريبك الى ما لا يريبك، ولا يجوز ان تطلق واحدة منهن بالتحرى والأصل فيه أن كل ما لا يباح عند الضرورة لا يجوز فيه التحرى والفرج لا يباح عند الضرورة فلا يجوز فيه التحرى بخلاف الذكية اذا اختلطت بالميتة أنه يجوز التحرى فى الجملة وهى ما اذا كانت الغلبة للذكية عندنا لأن الميتة مما تباح عند الضرورة فان جحدت كل واحدة منهن أن تكون المطلقة فاستعدين عليه الحاكم فى النفقة والجماع أعدى عليه وحبسه على بيان التى طلق منهن وألزمه النفقة لهن لأن لكل واحدة منهن حق المطالبة بحقوق النكاح ومن عليه الحق اذا امتنع من الايفاء مع قدرته عليه يحبس كمن امتنع من قضاء دين عليه وهو قادر على قضائه فيحبسه الحاكم ويقضى بنفقتهن عليه، لأن النفقة من حقوق النكاح، فان أدعت كل واحدة منهن أنها هى المطلقة ولا بينة لها وجحد الزوج فعليه اليمين لكل واحدة منهن، لأن الاستحلاف للنكول والنكول بذل أو اقرار، والطلاق يحتمل البذل والاقرار فيستحلف فيه، فان أبى أن يحلف فرق بينه وبينهن، لأنه بذل الطلاق لكل واحدة منهن أو أقربه والطلاق يحتمل كل واحدة منهن، وان حلف لهن لا يسقط عنه البيان بل لا بد أن يبين لأن الطلاق لا يرتفع باليمين فبقى على ما كان عليه، فيؤخذ بالبيان.

ص: 49

وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه قال: اذا كانتا امرأتين فحلف للأولى طلقت التى لم يحلف لها، لأنه لما أنكر للأولى أن تكون مطلقة تعينت الأخرى للطلاق ضرورة وان لم يحلف للأولى طلقت، لأنه بالنكول بذل الطلاق لها أو أقربه فان تشاحنا على اليمين حلف لهما جميعا بالله تعالى ما طلق واحدة منهما، لأنهما استويا فى الدعوى ويمكن ابقاء حقهما فى الحلف فيحلف لهما جميعا فان حلف لهما جميعا حجب عنهما حتى يبين، لأن احداهما قد بقيت مطلقة بعد الحلف اذ الطلاق لا يرتفع باليمين فكانت احداهما محرمة فلا يمكن منها الى أن يبين، فان وطئ احداهما فالتى يطأها مطلقة، لأن فعله محمول على الجواز ولا يجوز الا بالبيان فكان الوط ء بيانا أن الموطوءة منكوحة فتعينت الأخرى للطلاق ضرورة انتفاء المزاحم كما لو قال احداكما طالق ثم وطئ احداهما.

واذا طلق واحدة من نسائه بعينها فنسيها ولم يتذكر فينبغى فيما بينه وبين الله تعالى أن يطلق كل واحدة منهن تطليقة رجعية ويتركها حتى تنقضى عدتها فتبين، لأنه لا يجوز له ان يمسكهن فيقربهن جميعا، لأن احداهن محرمة بيقين، ولا يجوز له أن يطأ واحدة منهن بالتحرى، لأنه لا مدخل للتحرى فى الفرج، ولا يجوز له أن يتركهن بغير بيان لما فيه من الاضرار بهن بابطال حقوقهن من هذا الزوج ومن غيره بالنكاح اذ لا يحل لهن النكاح، لأن كل واحدة منهن يحتمل أن تكون منكوحة فيوقع على كل واحدة منهن تطليقة رجعية ويتركها حتى تنقضى عدتها فتبين، واذا انقضت عدتهن وبن فأراد أن يتزوج الكل فى عقدة واحدة قبل ان يتزوجن لم يجز، لأن كل واحدة منهن مطلقة ثلاثة بيقين وأن أراد أن يتزوج واحدة منهن فالأحسن أن لا يتزوجها الا بعد أن يتزوجن كلهن بزوج آخر لجواز أن تكون التى يتزوجها هى المطلقة ثلاثا فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره فاذا تزوجن بغيره فقد حللن بيقين فلو أنه تزوج واحدة منهن قبل ان يتزوجن بغيره جاز نكاحها، لأن فعله يحمل على الجواز والصحة ولا يصح الا بالبيان فكان اقدامه على نكاحها بيانا أنها ليست بمطلقة بل هى منكوحة وكذا اذا تزوج الثانية والثالثة جاز لما قلنا وتعينت الرابعة للطلاق ضرورة انتفاء المزاحم، وكذا اذا كانتا اثنتين فتزوج احداهما تعينت الأخرى للطلاق لأنا نحمل نكاح التى تزوجها على الجواز ولا جواز له الا بتعيين الأخرى للطلاق فتتعين الأخرى للطلاق ضرورة، هذا اذا كان الطلاق ثلاثا، فان كان بائنا ينكحهن جميعا نكاحا جديدا ولا يحتاج الى الطلاق، وان كان رجعيا يراجعهن جميعا، واذا كان الطلاق ثلاثا فماتت واحدة منهن قبل البيان فالأحسن ان لا يطأ الباقيات الا بعد بيان المطلقة لجواز أن تكون المطلقة فيهن، وأن وطئهن قبل البيان جاز، لأن فعل العاقل المسلم يحمل على وجه الجواز ما أمكن وههنا أمكن بأن يحمل فعله

ص: 50

على أنه تذكر أن الميتة كانت هى المطلقة اذ البيان فى الجهالة الطارئة اظهار وتعيين لمن وقع عليها الطلاق بلا خلاف فلا تكون حياتها شرطا لجواز بيان الطلاق فيها، واذا تعينت هى للطلاق تعينت الباقيات للنكاح فلا يمنع من وطئهن بخلاف الجهالة الأصلية اذا ماتت واحدة منهن انها لا تتعين للطلاق لأن الطلاق هناك يقع عند وجود الشرط وهو البيان مقصورا عليه والمحل ليس بقابل لوقوع الطلاق وقت البيان

(1)

.

وأما الذى يتعلق به بعد موت الزوج فاحكامه ثلاثة حكم المهر وحكم الميراث وحكم العدة وتلك الأحكام هنا لا تختلف عنها اذا كان الطلاق مضافا الى مجهولة جهاله أصلية

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل نقلا عن المدونة:

ان من قال احدى نسائى أو امرأة من نسائى طالق، فان نوى واحدة طلقت التى نوى خاصة وصدق فى القضاء والفتيا، فان لم ينوها أو نواها ونسيها طلقن كلهن من غير استئناف طلاق فان جحد فشهد عليه كان كمن لا نية له.

وقال اللخمى: اختلف فى يمينه وأرى ان لم تكن عليه بينة لم يحلف على كل حال وان كانت عليه بينة، فان قال أردت فلانة وكان كلامه نسقا صدق بغير يمين، وان لم يكن نسقا وكانت منازعته معها صدق بلا يمين وان لم تكن ثم منازعة فان عين الحسناء أو التى يعلم أنه يميل اليها لم يحلف وان عين الأخرى حلف. وكذا لو قال امرأته طالق وله امرأتان قاله ابن الحاجب ونقله فى الشامل.

وقال ابن رشد فى نوازله: اذا قال الرجل نسائى طوالق وله أربع نسوة ثم أتى مستفتيا، وقال: أردت فلانة وفلانة وفلانة صدق ولم يلزمه طلاق الرابعة التى قال انه لم يردها بقوله، ولو قال جميع نسائى طوالق لم ينو أنه أراد بعضهن لنصه على جميعهن الا أن يقول قد استثنيت فقلت الا فلانة أو نويت الا فلانة فيصدق اذا أتى مستفتيا على الخلاف فى الاستثناء بالا دون تحريك اللسان أن كان قال نويت الا فلانة

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أن الزوج لو قال لامرأته أنا منك طالق ونوى ايقاع الطلاق عليها طلقت لأن عليه حجرا من جهتها حيث لا ينكح معها أختها ولا أربعا ويلزمه صونها ومؤنتها فيصح اضافة

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 3 ص 228، ص 229 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 229 نفس الطبعة.

(3)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب ج 4 ص 87، ص 88 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم الشهير بالمواق الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 51

الطلاق اليه لحل السبب المقتضى لهذا الحجر، ولأن المرأة مقيدة والزوج كالقيد عليها والحل يضاف الى القيد كما يضاف الى المقيد فيقال حل فلان المقيد وحل القيد عنه، وان لم ينو طلاقا فلا تطلق، لأن اللفظ خرج عن الصراحة باضافته الى غير محله فشرط فيه ما شرط فى الكناية من قصد الايقاع، وكذا لا تطلق ان لم ينو مع نية الطلاق اضافته اليها فى الاصح، لأن محل الطلاق المرأة لا الرجل واللفظ مضاف اليه فلابد من نية صارفة تجعل الاضافة اليه اضافة اليها.

والقول الثانى المقابل للاصح تطلق لوجود نية الطلاق ولا حاجة للتنصيص على المحل نطقا أو نية

(1)

.

ولو قال أنا منك بائن أو نحو ذلك من الكنايات اشترط نية أصل الطلاق قطعا كسائر الكنايات، وفى نية الاضافة اليها الوجهان المذكوران فى قوله أنا منك طالق أصحهما اشتراطها فان نوى الطلاق مضافا اليها وقع والا فلا لما مر.

ولو قال استبرئى رحمى منك أو أنا معتد منك، أو نحو ذلك كاستبرئى الرحم التى كانت لى فلغو وان نوى به الطلاق، لأن اللفظ غير منتظم فى نفسه والكناية شرطها احتمال اللفظ المراد.

وقيل: ان نوى بهذا اللفظ طلاقها وقع ويكون المعنى عليه استبرئى الرحم التى كانت لى

(2)

.

ولو قال لزوجته ولأجنبية احداكما طالق وقال: قصدت بالطلاق الأجنبية قبل قوله بيمينه فى الأصح.

وعبر فى الروضة بالصحيح المنصوص، لأن الكلمة مترددة بينهما محتملة لهذه ولهذه، فاذا قال عينتها صار كما لو قال للأجنبية: أنت طالق.

والقول الثانى المقابل للأصح: لا يقبل قوله، وتطلق زوجته، لأنها محل الطلاق فلا ينصرف عنها الى الأجنبية بالقصد. هذا اذا قال قصدت بالطلاق الأجنبية، فان لم يكن له قصد فالمفهوم أن زوجته تطلق وهو ما فى الروضة وأصلها عن فتاوى البغوى وأقراه.

قال فى المهمات ويتجه ان محل ما قاله البغوى فيما اذا لم يصدر على الأجنبية طلاق منه أو من غيره فان كان قد وقع عليها ذلك لم يحكم بطلاق زوجته بما وقع منه، لأن الكلام الذى صدر منه صادق عليهما صدقا واحدا، والأصل بقاء الزوجية ويؤيده ما ذكره الرافعى فى باب العتق أنه اذا اعتق عبدا ثم قال له

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 271 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 272 نفس الطبعة.

ص: 52

ولعبد آخر احدكما حر لم يقتض ذلك عتق الآخر.

ولو قال لزوجته ولرجل أو دابة احداكما طالق وقال: أردت الرجل أو الدابة فانه لا يقبل، لأن ذلك ليس محلا للطلاق وأمته مع زوجته وفاسدة النكاح مع صحيحته كالأجنبية مع الزوجة

(1)

ولو كان اسم زينب وقال زينب طالق ولم يرفع فى نسبها ما تتميز به فقال: لم أقصد زوجتى بل قصدت أجنبية اسمها زينب فلا يقبل ظاهرا على الصحيح، لأنه خلاف الظاهر ويدين فيما بينه وبين الله تعالى، كما لو كان له زوجة قبلها واسمها زينب وطلقها أو ماتت وقال أردتها.

والقول الثانى المقابل للصحيح يقبل يمينه لاحتمال اللفظ لذلك كما فى الصورة التى قبلها.

وفرق الأول بينهما بان قول احداكما يتناولهما تناولا واحدا ولم يوجد منه تصريح باسم زوجته ولا وصف لها ولا اشارة بالطلاق وهنا صرح باسمها والظاهر أنه أرادها فذلك لم يقبل قوله، فلو نكح امرأة نكاحا صحيحا وأخرى نكاحا فاسدا وكل منهما اسمها زينب وقال زينب طالق وقال أردت فاسدة النكاح قبل كما هو ظاهر كلام ابن المقرى، لكن ينبغى أن يكون محله اذا لم يعلم فساد نكاحها، والا فهى أجنبية فلا يقبل منه ظاهرا ويدين.

ولو قال لزوجته احداكما طالق وقصد معينة منهما طلقت لأن اللفظ صالح لكل منهما فاذا صرفه بالنية الى واحدة انصرف وصار اللفظ كالنص فى التعيين وان لم يقصد معينة بل أطلق أو قصد واحدة لا بعينها أو قصدهما كما قال الامام رحمه الله تعالى فاحدى زوجتيه تطلق ولا يدرى الآن من هى ولزمه بعد طلب الزوجتين كما قاله ابن الرفعة رحمه الله تعالى أو طلب احداهما كما قاله غيره - بيان المطلقة فى الحالة الأولى وهى قصد واحدة معينة، ولزمه التعيين فورا فى الحالة الثانية وهى قصد واحدة مبهمة، لتعلم المطلقة منهما فيترتب عليها أحكام الفراق، وتعزل الزوجتان ويستمر انعزالهما عنه الى البيان فى الحالة الأولى أو التعيين فى الحالة الثانية لاختلاط المحظور بالمباح وعليه البدار بالبيان أو التعيين لرفعه حبسه عمن زال ملكه عنها فلو أخر بلا عذر عصى وعزر، هذا اذا كان الطلاق بائنا، أما اذا كان رجعيا فلا يلزمه فيه بيان ولا تعيين فى الحال على الأصح فى أصل الروضة والشرح الصغير، لأنها زوجة، وعلى ذلك فلو انقضت عدة الرجعية لزمه فى الحال البيان أو التعيين لحصول البينونة وانتفاء الزوجية كما قاله الاسنوى رحمه الله تعالى، أما اذا لم تطلب الزوجتان ولا احداهما فلا وجه لايجابه قبل الطلب

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 282 نفس الطبعة.

ص: 53

لأنه محض حق الزوجين وحق الله تعالى فيه الانعزال وقد اوجبناه

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه لو قال الزوج لامرأته ولامرأة أجنبية، احداكما طالق طلقت امرأته وكذا لو قال سلمى طالق واسم أمرأته سلمى، أو قال لحماته بنتك طالق ولها بنت غير امرأته، لأن الأصل اعتبار كلام المكلف دون الغائه فاذا أضافه الى احدى امرأتين واحداهما زوجة أو الى اسم وزوجته مسماه بذلك وجب صرفه الى امرأته لأنه لو لم يصرف اليها لوقع لغوا، فان قال: أردت الأجنبية لم تطلق امرأته لأنه لم يصرح بطلاقها ولا لفظ فيما يقتضيه ولا نواه فوجب بقاء نكاحها على ما كان عليه فان ادعى ذلك دين، لأنه يحتمل ما قاله، ولم يقبل فى الحكم، لأن غير زوجته ليست محلا لطلاقه الا بقرينة دالة على ارادة الأجنبية مثل أن يدفع بيمينه ظلما أو يتخلص بها من مكروه فيقبل منه فى الحكم، وان لم ينو زوجته ولا نوى الأجنبية طلقت زوجته، لأنها محل للطلاق

(2)

.

وجاء فى المغنى أنه اذا طلق امرأة من نسائه لا بعينها فانها تخرج بالقرعة، نص عليه فى رواية جماعة، لأن ما ذكرناه مروى عن على وابن عباس رضى الله تعالى عنهم ولا مخالف لهما فى الصحابة ولأنه ازالة ملك بنى على التغليب والسراية فدخله القرعة كالعتق، وقد ثبت الأصل بكون النبى صلى الله عليه وسلم أقرع بين العبيد الستة، ولأن الحق لواحد غير معين فوجب تعيينه بالقرعة كالحرية فى العبيد اذا أعتقهم فى مرضه ولم يخرج جميعهم من الثلث، وكالسفر باحدى نسائه والبداية بأحداهن فى القسم وكالشريكين اذا اقتسما، ولأنه طلق واحدة من نسائه لا يعلم عينها فلم يملك تعيينها باختياره كالمنسية، ولا يطلقن جميعا، لأنه أضاف الطلاق الى واحدة فلم يطلق الجميع كما لو عينها، أما أن نوى واحدة بعينها طلقت وحدها، لأنه عينها بنيته فأشبه ما لو عينها بلفظه، وان قال: انما أردت فلانة قبل منه، لأنه يحتمل ما قاله، وان مات قبل القرعة والتعيين أقرع الورثة بينهن، فمن وقعت عليها قرعة الطلاق فحكمها فى الميراث حكم ما لو عينها بالتطليق

(3)

.

واذا قال امرأتى طالق وله نساء ونوى بذلك معينة انصرف اليها، وان نوى واحدة مبهمة فهى مبهمة فيهن، وان لم ينو شيئا فقال ابو الخطاب يطلق

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 282، ص 283 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

(2)

كشاف القناع عن متن القناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 208، ص 209 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(3)

المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله ابن أحمد بن قدامة ج 8 ص 428، ص 429 فى كتاب مع الشرح الكبير بمصر سنة 1348 هـ.

ص: 54

نساؤه كلهن، لأن الواحد المضاف يراد به الكل كقول الله عز وجل «وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها» وأحل لكم ليلة الصيام ولأن ذلك يروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما.

وقال الجماعة: يقع على واحدة مبهمة وحكمه حكم ما لو قال احداكن طالق، لأن لفظ الواحد لا يستعمل فى الجمع الا مجازا والكلام لحقيقته ما لم يصرفه عنها دليل، ولو تساوى الاحتمالان لوجب قصره على الواحدة، لأنها اليقين فلا يثبت الحكم فيما زاد عليها بأمر مشكوك فيه وهذا أصح

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من قال ان تزوجت فلانة فهى طالق أو قال فهى طالق ثلاثا فكل ذلك باطل وله أن يتزوجها ولا تكون طالقا، وكذلك لو قال كل امرأة اتزوجها فهى طالق وسواء عين مدة قريبة أو بعيدة أو قبيلة أو بلدة كل ذلك باطل لا يلزم

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أنه لو قال الزوج لامرأته أنا منك حرام فهو كناية طلاق وان كان يتوهم فيه أنه ليس بكناية طلاق لكونه لم يضفه الى المرأة، اما اذا قال لها انا منك طالق فانه لا يكون طلاقا لا صريحا ولا كناية

(3)

. واذا أوقع الطلاق على غير معين أو طلق واحدة معينة من زوجاته ثم التبس عليه بعد تعيينه على من أوقع منهن وجب على الزوج أن يعتزل الجميع من الزوجات اللاتى التبس الطلاق بينهن ولا يخرجن من نكاحه الا بطلاق، فلا يجوز لهن أن يتزوجن الا بعد طلاقه وانقضاء العدة، فيجبر الامام أو الحاكم الزوج الممتنع من طلاقهن أو مراجعتهن على احدهما على ما يقتضيه كلام الأزرقى فى مسئلة الوليين.

وعند الحقينى وأبى مضر يفسخه الحاكم.

قال مولانا عليه السلام: والأصح للمذهب قول الأزرقى أنه يجبر، فان تمرد بعد الاجبار فالفسخ، قال مولانا عليه السلام وهو صحيح على المذهب، ولا وجه لمن قال ليس بصحيح على المذهب، لأنه اذا تمرد وأبقيناه على تمرده كان فى ذلك أضرار بالنساء وقد قال الله عز وجل {وَلا تُضآرُّوهُنَّ»

(4)

ولا يصح منه التعيين للطلاق فى احداهن، لأن حكمهن فيه على سواء مع اللبس ويصح من الزوج رفع اللبس بعد ايقاع الطلاق الملتبس

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 430، ص 431 نفس الطبعة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 10 ص 205 مسألة رقم 1967.

(3)

شرح الأزهار ج 2 ص 387 طبع مطبعة حجازى سنة 1353 هـ.

(4)

الآية رقم 6 من سورة الطلاق.

ص: 55

برجعة اذا كان الطلاق الملتبس رجعيا فيقول: من طلقت منكن فقد راجعتها فيرتفع اللبس وتستمر الزوجية عند من أجاز الرجعة المبهمة وهى مراجعة امرأة غير معينة وهو المذهب على ما ذكره أبو العباس.

والمؤيد بالله وأبو طالب يخالفان فى ذلك.

قال أبو مضر والأمير على بن الحسين:

والأولى أن يقول لكل واحدة منهن بعينها راجعتك ان كنت المطلقة يعنى ليكون آخذا بالاجماع، لأن هذه الرجعة تصح عند المؤيد بالله وأبى طالب لأن التى راجعها فى هذه الصورة ليست مجهولة، قال مولانا عليه السلام هذا صحيح، ولا وجه لمن اعترض عليه بأن المراجعة أيضا مجهولة هنا، لأنه لا جهالة قطعا مع خطابه لكل واحدة يرفع اللبس بالرجعة أو يرفعه بايقاع طلاق نحو أن يقول:

من لم أكن طلقتها منكن فهى طالق فيصرن كلهن مطلقات ثم يراجع جميعهن ان أحب، فيكون اللبس قد ارتفع فان كان قد طلق واحدة معينة منهن تطليقة قبل هذا القول فان لم يرد رفع الالتباس بالطلاق راجعهن والمطلقة الأولى تبقى عنده بواحدة لجواز أن تكون الثانية وقعت عليها وكل واحدة من البواقى باثنتين لجواز أن تكون كل واحدة هى المطلقة، فان كانت المطلقة الأولى ملتبسة أيضا كان كل واحدة من الزوجات عنده بواحدة لجواز أن تكون المطلقة الأولى هى المطلقة الثانية، فاذا أراد رفع الالتباس قال لهن: من لم أكن طلقتها منكن ثانيا فهى طالق فيصرن كلهن مطلقات ثم يراجعهن أن أحب، ثم يقول من لم أكن طلقتها أولا منكن فهى طالق ثم يراجعهن أن أحب فيكن كلهن قد بقى عنده بواحدة

(1)

. فان كان قد طلق واحدة منهن اثنتين وراجعها قبل المطلقة الملتبسة حرمت عليه لجواز أن تكون الملتبسة وقعت عليها، ولا تخرج منه الا بطلاق فان فسخها الحاكم لم يجز له أن يتزوجها قبل أن تنكح زوجا غيره، لجواز أنها مثلثة، واذا تزوجها بعد التحليل لم يملك عليها الا واحدة من الطلاق

(2)

.

وأما حكم الزوجات فى المهر فان كان قد دخل بهن كان لكل واحدة ما سمى لها أو مهر مثلها ان لم يسم لها، سواء مات أو طلق وان لم يكن قد دخل بهن، فان طلقهن فكل واحدة لها نصف المسمى ان سمى وان لم يسم فالمتعة، وان مات وقد سمى لهن مهرا ولم يقع منه دخول وجب لهن ثلاثة مهور ونصف بينهن ارباعا، فان اختلفت مهورهن استحقت كل واحدة سبعة اثمان مهرها وان كان قد دخل ببعضهن فعلى طريقة أهل الفقه ان كان قد دخل بثلاث كان للثلاث مهورهن كاملة والتى لم يدخل بها ثلاثة أرباع مهرها وان كان قد

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدار فى فقه الأئمة الأطهار ج 2 ص 412 وما بعدها الى ص 415 لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ

(2)

المرجع السابق وهامشه رقم 6 ج 2 ص 414 نفس الطبعة.

ص: 56

دخل بواحدة فقط كان للمدخول بها مهرها وللثلاث مهران وثلاثة أرباع مهر، فان دخل باثنتين فلهما مهران وللأخرتين مهر وثلاثة أرباع مهر وان لم يسم لهن مهرا استحقت كل مدخولة مهر المثل وغير المدخولة ولو أكثر من واحدة نصف متعة، فان سمى لواحدة فلها المسمى اذا دخل بها والا فثلاثة أرباعه وللبواقى نصف متعة وان سمى لثنتين فلهما مسماهما ان دخل بهما والا فمهر وثلاثة أرباع مهر وللآخرتين نصف متعة وان سمى لثلاث فلهن مسماهن ان دخل بهن والا فمهران وثلاثة أرباع مهر وللرابعة نصف متعة

(1)

وأما حكمهن فى الميراث فان كان قد دخل بهن ومات والمطلقة فى العدة فالميراث بينهن أرباعا وان مات وقد خرجت المطلقة من العدة أو مات قبل الدخول فالميراث لثلاث منهن وواحدة لا ميراث لها الا انها ملتبسة فيكون الميراث بينهن أرباعا، فان دخل بهن الا واحدة ومات والمطلقة فى العدة كان للتى لم يدخل بها ثمن الميراث والباقى للثلاث سواء، وان دخل باثنتين فلهما ثلث الميراث وربعه ولغيرهما ربعه وسدسه، وان دخل بواحدة فلها الثمن والسدس والباقى للثلاث

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أنه اذا قال الزوج لزوجته أنا منك طالق، أو أنا منك معتد، أو انا منك بائن أو حرام لم يكن ذلك شيئا لا صريحا ولا كناية ولو نوى ما نوى به، لأن الأصل بقاء العقد، وايقاع الطلاق بهذا اللفظ يحتاج الى دلالة سواء ادعوه صريحا أو كناية.

أما من استدل بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى» فلا دلالة فيه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أراد بذلك العبادات بدلالة أنه أثبت الفعل له بعد حصول النية وذلك لا يليق بالطلاق، لأنه بعد وقوعه لا يكون له وانما يكون عليه فعلم أنه أراد ما يكون له من العبادات التى يستحق بها الثواب

(3)

.

واذا سأله بعض نسائه أن يطلقها فقال نسائى طوالق ولم ينو أصلا فانه لا تطلق واحدة منهن. وان نوى واحدة منهن فعلى ما نوى لاجماع الفرقة على أن الطلاق يحتاج الى نية وهذا قد خلا من نية فيجب أن لا يقع وأيضا لأن الأصل بقاء العقد، والبينونة تحتاج الى دليل

(4)

.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 415، ص 416 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 416، ص 416 نفس المطبعة.

(3)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 235 مسئلة رقم 24، رقم 25، رقم 26 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 231 مسئلة رقم 16 نفس المطبعة.

ص: 57

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن من حلف بطلاق غير زوجته لا يمسها ثم تزوجها فمسها فهى طالق على القول بأن الأيمان تلزم على الزوجة ولو وقعت قبل تزوجها، ولا تطلق على غير ذلك القول، وان لم يمسها حتى مضت بانت منه على ذلك القول، ولم تبن منه على غير ذلك القول، وهو الصحيح، لما رواه أبو عبيدة عن جابر عن ابن أبى عباس رضى الله تعالى عنهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه لا ايلاء ولا ظهار ولا طلاق قبل نكاح، وعن معاذ لا طلاق فيما لا يملك، وروى أن رجلا قال يا رسول الله: ان أمى عرضت على قرابة لأتزوجها فقلت هى طالق ان تزوجتها فقال صلى الله عليه وسلم: لا بأس تزوجها

(1)

.

ومن حلف بطلاق امرأة أو طلاق المرأة أو طلاق النساء أو طلاق نساء ولم يكن له ذلك المذكور ولم يضفهما لنفسه ثم تزوج امرأة، ثم فعل ما حلف عليه لم يلزمه طلاق، وان أضافها الى نفسه بأن قال امرأتى أو امرأة لى لم يلزمه ذلك أيضا على الصحيح اذ لا امرأة له حين الحلف.

وقيل يلزمه ذلك بناء على لزومه فيما لا يملك

(2)

.

‌ثالثا: اضافة الطلاق الى

جزء من المرأة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أنه لا خلاف فى أن الرجل اذا أضاف الطلاق الى جزء جامع منها كالرأس والوجه والرقبة والفرج أنه يقع الطلاق، لأن هذه الأعضاء يعبر بها عن جميع البدن، يقال فلان، يملك كذا وكذا رأسا من الرقيق وكذا وكذا رقبة، وقال الله عز وجل «أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»

(3)

والمراد بها الجملة وفى الخبر لعن الله الفروج على السروج، والوجه يذكر ويراد به الذات قال سبحانه وتعالى «كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ»

(4)

أى الا هو، ومن كفل بوجه فلان يصير كفيلا بنفسه فيثبت أن هذه الأعضاء يعبر بها عن جميع البدن فكان ذكرها ذكرا للبدن كأنه قال أنت طالق، وكذا اذا أضاف الى نفسها لأن قوام النفس بها ولأن الروح تسمى نفسا قال الله عز وجل «اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها»

(5)

ولو أضاف الطلاق الى دبرها لا يقع، لأن الدبر لا يعبر به عن جميع البدن بخلاف الفرج، ولا خلاف أيضا فى أنه اذا ضاف الطلاق الى جزء شائع منها بأن قال نصفك طالق أو ثلثك طالق أو ربعك طالق أو جزء منك أنه يقع الطلاق لأن الجزء

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 3 ص 472، ص 473 طبع المطبعة الأدبية بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 474، ص 475 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 89 من سورة المائدة.

(4)

الآية رقم 88 من سورة القصص.

(5)

الآية رقم 42 من سورة الزمر.

ص: 58

الشائع محل للنكاح حتى تصح اضافة النكاح اليه فيكون محلا للطلاق، ولأن الاضافة الى الجزء الشائع يقتضى ثبوت حكم الطلاق فيه وأنه شائع فى جملة الأجزاء بعذر الاستمتاع بجميع البدن، لما فى الاستمتاع به استمتاع بالجزء الحرام فلم يكن فى ابقاء النكاح فائدة فيزول ضرورة.

واختلف فيما اذا أضاف الطلاق الى الجزء المعين الذى لا يعبر به عن جميع البدن كاليد والرجل والاصبع ونحوها قال زفر رحمه الله تعالى يقع الطلاق، لأن اليد جزء من البدن فيصح اضافة الطلاق اليها كما لو أضاف الى الجزء الشائع منها.

والدليل على أن اليد جزء من البدن أن البدن عبارة عن جملة أجزاء مركبة منها اليد فكانت اليد بعض الجملة المركبة، والاضافة الى بعض البدن اضافة الى الكل كما فى الجزء الشائع.

وقال أصحابنا رحمهم الله تعالى لا يقع الطلاق، لقول الله عز وجل «فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ»

(1)

فقد أمر الله تعالى بتطليق النساء والنساء جمع المرأة والمرأة اسم لجميع أجزائها، والأمر بتطليق الجملة يكون نهيا عن تطليق جزء منها لا يعبر به عن جميع البدن، لأنه ترك لتطليق جملة البدن، والأمر بالفعل نهى عن تركه والمنهى لا يكون مشروعا، فلا يصح شرعا، ولأن قوله يدك طالق أضافة الطلاق الى ما ليس محل الطلاق فلا يصح كما لو أضاف الطلاق الى خمارها، ودلالة الوصف أنه أضاف الطلاق الى يدها ويدها ليست بمحل للطلاق لوجهين أحدهما أنها ليست بمحل للنكاح حتى لا تصح أضافة النكاح اليها فلا تكون محلا للطلاق، لأن الطلاق رفع ما يثبت بالنكاح، ألا ترى أنها لما لم تكن محلا للاقالة، لأنها فسخ ما ثبت بالبيع كذا هذا.

والوجه الثانى أن محل الطلاق محل حكم فى عرف الفقهاء وحكم الطلاق زوال قيد النكاح وقيد النكاح ثبت فى جملة البدن لا فى يدها وحدها، لأن النكاح أضيف الى جملة البدن، ولا يتصور القيد الثابت فى جملة البدن فى اليد وحدها فكانت الاضافة .. الى اليد وحدها اضافة الى ما ليس محل الطلاق فلا يصح وكذا يقال فى الجزء الشائع، لأنه لا يثبت الحكم فى البدن بالاضافة الى الجزء الشائع، بل لمعنى آخر وهو عدم الفائدة فى بقاء النكاح أو يضاف اليه لأنه من ضرورات الاضافة الى الجزء الشائع كمن قطع حبلا مملوكا له تعلق به قنديل غيره وههنا لا ضرورة لو تثبت الحرمة فى الجزء المعين مقصورا عليه لامكان الانتفاع بباقى البدن فكان بقاء النكاح مفيدا لكن لا قائل به على ما عرف فى الخلافيات.

وأما قول زفر اليد جزء من البدن

(1)

الآية رقم 1 من سورة الطلاق.

ص: 59

فنقول ان سلم ذلك لكنه جزء معين فلم يكن محلا للطلاق، بخلاف الجزء الشائع فانه غير معين وهذا، لأن الجزء اذا كان شائعا فما من جزء يشار اليه الا ويحتمل أن يكون هو المضاف اليه الطلاق فتعذر الاستمتاع بالبدن فلم يكن فى بقاء النكاح فائدة بخلاف المعين

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن عرفة أن طلاق جزء المرأة ككلها، فلو قال لامرأته فوك أو رجلك أو اصبعك طالق طلقت كلها، قال ابن يونس رحمه الله تعالى، لأنه اذا اجتمع الحظر والاباحة فى شخص غلب حكم الحظر كالأمة بين الشريكين والمعتق بعضها من بعض والشاة يذبحها المجوسى والمسلم.

قال سحنون: ولو قال شعرك طالق أو حرام فلا شئ عليه اذ ليس الشعر بشئ قلت قال بعض أصحابنا تحرم اذا حرم شعرها، لأنه من محاسنها ومن خلقها حتى يزايلها وكذلك لو قال كلامك على حرام تحرم، لأنه من محاسنها قال سحنون رحمه الله تعالى: لا أرى عليه شيئا فى الكلام والشعر، وكذلك قال ابن عبد الحكم.

وقال أشهب رحمه الله تعالى أنها تحرم عليه.

وقال بعض القرويين: اذا طلق كلام امرأته لزمه الطلاق لأن من كلام المرأة ما لا يحل أن يسمعه الا الزوج، فقد حرم ذلك النوع على نفسه فيلزمه الطلاق بهذا.

ونقل ابن يونس رحمه الله تعالى أنها لا تطلق بطلاق سعالها أو بصاقها أو دمعها.

قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى لم أقف فى السعال للمتقدمين الا على عدم اللزوم.

وقال ابن عرفة رحمه الله تعالى ظاهر كلام محمد وابن عبد الحكم لغو السعال والبصاق، وقال ابن القصار: لا أعرف نصا فى الدمع والريق والدم

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أنه لو قال شخص لزوجته أنت طالق أو طلقتك فذاك واضح، وكذا لو قال جسمك أو جسدك أو روحك أو شخصك أو جثتك أو ذاتك طالق وان طلق جزءا منها كقوله يدك أو رجلك أو

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 3 ص 143، ص 144 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

(2)

التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله ابن محمد بن يوسف المواق ج 4 ص 65، 66 على هامش كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329. هـ

ص: 60

نحو ذلك من أعضائها المتصلة بها، أو ربعك أو بعضك أو جزؤك سواء أكان معلوما كالمثال الأول، أو مبهما كالمثال الثانى والثالث، أصليا كان أو زائدا، ظاهرا كما مر أو باطنا كيدك أو كان الجزء مما ينفصل منها فى الحياة كشعرك أو ظفرك طالق فان الطلاق يقع جزما، واحتجوا له بالاجماع، ولأنه طلاق صدر من أهله فلا ينبغى أن يلغى وتبعيضه متعذر، لأن المرأة لا تتبعض فى حكم النكاح، فوجب تعميمه، وبالقياس على العتق، بجامع ان كلا منهما ازالة ملك يحصل بالصريح والكناية، ونظر فى القياس بأن العتق محبوب والطلاق مبغوض، وبأن العتق يقبل التجزأة فصحت اضافته للبعض بخلاف الطلاق، وكذا قوله دمك طالق يقع به الطلاق على المذهب لأن به قوام البدن كالروح.

وفى وجه لا يقع لأنه كفضلة.

وقطع بعضهم بالأول.

أما اذا أضاف الطلاق الى فضلة كريق وعرق وبول فانه لا يقع بذلك الطلاق، لأنها غير متصلة اتصال خلقة بخلاف ما قبلها، وكذا منى ولبن لا يقع بهما فى الأصح لأنهما وان كان أصلهما دما فقد تهيآ للخروج بالاستحالة كالبول.

والرأى الثانى المقابل للأصح: يقع بهما كالدم، لأنه أصل كل واحد منهما، وكالفضلات الاخلاط كالبلغم.

ولا يقع طلاق أضيف الى الجنين لأنه شخص مستقل بنفسه وليس محلا للطلاق ولا بالعضو الملتحم بالمرأة بعد الفصل منها، لأنه كالمنفصل بدليل وجوب قطعه وعدم تعلق القصاص به ولا يقع بالمعانى القائمة بالذات كالسمع والبصر والحركة وسائر الصفات المعنوية كالحسن والقبح والملاحة، لأنها ليست أجزاء من بدنها، والشحم والسمن جزءان من البدن فيقع بالاضافة الى كل منهما الطلاق وان نوزع فى الأول.

ولو قال اسمك طالق لم تطلق ان لم يرد به الذات فان أرادها به طلقت.

وان قال نفسك - باسكان الفاء - طالق طلقت لأنها أصل الآدمى، أما بفتح الفاء فلا تطلق لأنه أجزاء من الهواء يدخل الرئة ويخرج منها لا جزء من المرأة ولا صفة لها.

ولو قال حياتك طالق طلقت أن أراد بها الروح وان أراد المعنى فلا تطلق كسائر المعانى وان أطلق فهو كالأول كما بحثه بعض المتأخرين.

والطلاق فيما مر يقع على الجزء ثم يسرى الى باقى البدن كما فى العتق، فلو قال ان دخلت الدار فيمينك طالق فقطعت ثم دخلت لم تطلق كما لو خاطبها بذلك ولا يمين لها بأن قال لمقطوعة يمين مثلا يمينك طالق فانه لا يقع على المذهب

ص: 61

المنصوص لفقدان الذى يسرى منه الطلاق الى الباقى وكما لو قال لها لحيتك أو ذكرك طالق.

والطريق الثانى تخريجه على الخلاف فان جعلناه من باب التعبير بالبعض عن الكل وقع أو من باب السراية فلا.

وصور الرويانى المسئلة بما اذا فقدت يمينها من الكتف، وهو يقتضى أنها تطلق فى المقطوعة من الكف أو من المرفق وهو كذلك، لأن اليد حقيقة الى المنكب

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه ان قال الرجل لزوجته نصفك أو جزء منك أو اصبعك أو يدك، ولها يد - أو دمك طالق طلقت، لأنه أضاف الطلاق الى جزء ثابت استباحه بعقد النكاح فأشبه الجزء الشائع، بخلاف ما اذا قال: زوجتك نصف بنتى أو يدها أو نحو ذلك فانه لا يصح النكاح، لكن لو قال اصبعك طالق أو يدك طالق ولا أصبع لها فى الأولى ولا يد لها فى الثانية لم تطلق أو قال لها ان قمت فيمينك مثلا طالق فقامت بعد قطعها لم تطلق. لأنه أضيف الى ما ليس منها فلم يقع، وفى الأخيرة وجد الشرط ولا يمين لها فلم يقع.

وان قال لها شعرك طالق أو ظفرك طالق أو سنك أو لبنك أو منيك طالق لا تطلق لأن تلك الأجزاء تنفصل عنها مع السلامة فلا تطلق باضافة الطلاق اليها كالحمل، أو قال: سوادك أو بياضك طالق لم تطلق لأنه عرض، أو قال ريقك أو دمعك أو عرقك طالق لم تطلق لأن ذلك ليس جزءا منها.

ولو قال روحك طالق لم تطلق لأن الروح ليست عضوا ولا شيئا يستمتع به فأشبهت السواد والبياض.

ولو قال حملك طالق لم تطلق لأنه ليس جزءا منها.

ولو قال سمعك أو بصرك طالق لم تطلق لأنه عرض كالبياض والسواد.

أما لو قال لها: حياتك طالق فانها تطلق، لأنه لا بقاء لها بدونها فأشبه ما لو قال لها رأسك طالق

(2)

.

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 270، ص 271 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 160 فى كتاب على هامشه منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع مطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 62

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار: أن الزوج ان قال لزوجته بعضك طالق أو جزء منك طالق أو شئ منك طالق طلقت اجماعا اذ لا مخصص لجزء دون جزء، فان عين بعضا كالشعر والظفر والرأس واليد والكبد والرئة والعظم طلقت أيضا اذ لا يتبعض تحريمها وكغير المعين، فان أضاف الى منفصل كالعرق واللبن والبول والريق والدمع والمنى لم يقع، وعن قوم يقع قلنا: منفصلة فأشبهت الظل والمكان.

فان قال: حسنك طالق أو جمالك أو لونك أو بياضك لم يقع اذ هى صفات، فليست جزءا منها، والصوت كالمنفصل وكذلك الحياة والروح.

قال الامام يحيى بل هما كالمتصل اذ هما قوام الانسان وأصلاه قلت والأول أولى، فان قال: ذكرك طالق أو لحيتك طالق لم تطلق اجماعا اذ لم يقع على شئ منها، وكذا لو قال: يمينك - وهى مقطوعة - طالق، أو قال عينك - وهى مقلوعة - طالق، فان قال ان دخلت الدار فيمينك طالق فقطعت ثم دخلت فوجهان.

قال الامام يحيى أصحهما لا تطلق اذ سرايته مشروطة بالاتصال عند وقوعه ولا اتصال.

وقيل: يقع اذ البعض عبارة عن الكل قال صاحب البحر: لا نسلم بهذا.

وفى الشحم والدم تردد.

وقيل هما كاللبن، اذ هما مائعان منفصلان.

وقيل كاللحم اذ هما قوام الانسان.

قال الامام يحيى: الشحم كاللحم اذ يقال لحم سمين، والدم كاللبن لانفصاله قلت: وهو الأصح.

فان قطعت الاذن ثم التحمت ثم طلقت فوجهان.

قال الامام يحيى: أصحهما الطلاق اذ صارت كالمتصلة من الأصل

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن الزوج اذا قال لزوجته يدك أو رجلك أو شعرك أو أذنك طالق لا يقع به شئ من الطلاق لقول الله عز وجل «فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ»

(2)

وهذا ما

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 3 ص 167، ص 168 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ، 1948 م.

(2)

الآية رقم 230 من سورة البقرة.

ص: 63

طلقها وانما طلق شعرها أو يدها أو رجلها

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الزوج ان قال لزوجته طلقت بدنك لا اسمك طلقت لا ان عكس وطلقت ان قال طلقت نصفك، أو ثلثك أو نحو ذلك من الكسور ولو دق، أو قال طلقت جزءك أو بعضك أو تسمية منك أو نحو ذلك أو طلقت يدك أو شعرك أو رجلك أو فرجك أو نحو ذلك من الأعضاء طلقت.

وان طلق عضوا أو شيئا منها منفصلا لم تطلق ولو ردته بعد واتصل.

وان انفصل وردته فاتصل ثم طلقه فقولان.

ولا تطلق ان طلق لعابها أو مخاطها أو نحوهما.

وان قال لها طلقك نصفى أو نحو ذلك طلقت.

وان قال طلقك يدى أو رجلى أو نحو ذلك طلقت أن اتصل ذلك.

وقيل لا ولا تطلق ان انفصل

(2)

.

‌رابعا: اضافة تفويض الطلاق

الى الوقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أن تفويض الطلاق الى المرأة اذا اضيف الى الوقت جاز، لأن الطلاق يحتمل الاضافة الى الوقت فكذا تمليكه بأن قال أمرك بيدك غدا أو رأس شهر كذا فجاء الوقت صار الأمر بيدها، وكان على مجلسها من أول الغد ورأس الشهر وأول الغد من حين يطلع الفجر الثانى ورأس الشهر ليلة الهلال ويومها.

وان قال أمرك بيدك اذا هل الشهر يصير الأمر بيدها ساعة يهل الهلال ويتقيد بالمجلس.

ولو قال أمرك بيدك اليوم وغدا أو قال أمرك بيدك هذين اليومين فلها الأمر فى اليومين تختار نفسها فى أيهما شاءت ولا يبطل بالقيام عن المجلس ما بقى شئ من الوقتين، وهل يبطل باختيارها زوجها.

قال أبو حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى يخرج الأمر من يدها فى جميع الوقت حتى لا تملك أن تختار نفسها بعد ذلك وان بقى الوقت، لأن قولها اخترت زوجى رد للتمليك، والتمليك تمليك واحد فيبطل برد واحد كتمليك البيع.

وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يبطل خيارها فى ذلك المجلس ولا يبطل فى

(1)

الخلاف فى الفقه للامام ابى جعفر بن على الطوسى ج 2 ص 241، ص 242 مسئلة رقم 151 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 3 ص 604، ص 605 طبع محمد بن يوسف البارونى.

ص: 64

مجلس آخر، لأنه جعل الأمر بيدها فى جميع الوقت فاعراضها فى بعض الوقت لا يبطل خيارها فى الجميع.

ولو قال لها: أمرك بيدك اليوم وبعد غد فاختارت زوجها اليوم فلها أن تختار نفسها بعد غد، وكذلك اذا ردت الأمر فى يومها بطل أمر ذلك اليوم وكان الأمر بيدها بعد غد حتى كان لها أن تختار نفسها بعد غد.

ذكر القدورى هذه المسئلة ونسب القول الى أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى.

وذكرها فى الجامع الصغير ولم يذكر الاختلاف.

والوجه أنه جعل الأمر بيدها فى وقتين وجعل بينهما وقتا لا خيار لها فيه فصار كل واحد من الوقتين شيئا منفصلا عن صاحبه مستقلا بنفسه فى الأمر مفردا به فيتعدد التفويض معنى كأنه قال أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك بعد غد فرد الأمر فى احدهما لا يكون ردا فى الآخر بخلاف قوله أمرك بيدك اليوم أو الشهر أو السنة أو اليوم أو غدا، أو هذين اليومين على قول من يقول يبطل الأمر، لأن هناك الزمان زمان واحد لا يتخلله ما لا خيار لها فيه فكان التفويض واحدا، فرد الأمر فيه يبطله.

ولو قال أمرك بيدك اليوم وأمرك بيدك غدا فهما أمران حتى لو اختارت زوجها اليوم أو ردت الأمر فهو على خيارها غدا، لأنه لما كرر اللفظ فقد تعدد التفويض فرد احدهما لا يكون ردا للآخر، ولو اختارت نفسها فى اليوم فطلقت ثم تزوجها قبل مجئ الغد فأرادت أن تختار فلها ذلك وتطلق أخرى اذا اختارت نفسها، لأنه ملكها لكل واحدة من التفويضين طلاقا، فالايقاع بأحدهما لا يمنع من الايقاع بالآخر.

ولو قال لها أمرك بيدك هذه السنة فاختارت نفسها ثم تزوجها. لم يكن لها أن تختار فى بقية السنة فى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى.

وقال أبو يوسف وقياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن يلزمها الطلاق فى الخيار الثانى ولست أروى هذا عنه ولكن هذا قياس قوله ولو كان ترك القياس واستحسن لكان مستقيما.

ولو لم تختر نفسها ولا زوجها ولكن الزوج طلقها واحدة ولم يكن دخل بها ثم تزوجها فى تلك السنة فلا خيار لها فى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى، لأن الزوج تصرف فيما فوض اليها فيخرج الأمر من يدها كالموكل اذا باع ما وكل ببيعه فان الوكيل ينعزل.

وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الخيار لأن جعل الأمر باليد فيه معنى التعليق

ص: 65

فزوال الملك لا يبطله ما دام طلاق الملك الأول قائما كما فى سائر التعليقات.

وقول أبى يوسف رحمه الله تعالى ان الزوج تصرف فيما فوض اليها ليس كذلك لأنه يملك ثلاث تطليقات ولم يفوض اليها الا واحدة فيقتضى خروج المفوض من يده لا غير كما اذا وكل انسانا ببيع ثوبين له فباع الموكل احدهما لم تبطل الوكالة، كذا هذا

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الخرشى أن الزوج اذا قال لزوجته أمرك بيدك الى سنة وقفت متى علم ذلك، ولا تترك تحته وأمرها بيدها حتى توقف فتقضى برد أو طلاق الا أن يطأ وهى طائعة فيزول ما بيدها ولا قضاء لها بعد الأجل عملا باللفظ، فان أوقفها الحاكم وأمرها بايقاع الطلاق أورد ما بيدها من التمليك فلم تفعل فانه يسقط ما بيدها ولا يمهلها وان رضى الزوج لحق الله تعالى لأن فيه التمادى على عصمة مشكوك فيها. وعمل بمقتضى جوابها الصريح فان أجابت بالطلاق عمل بمقتضاه كقولها أنا طالق منك أو طلقت نفسى أو أنا بائنة أو أنت بائن منى، وان أجابت برده عمل بمقتضاه كقولها رددت ما ملكتنى أولا أقبله منك ونحو ذلك كما اذا طلق هو بلفظ صريح فانه يعمل بمقتضاه.

ومثل ردها بالقول كما مر ردها بفعل صريح كما اذا مكنته من نفسها ولو من المقدمات وهى طائعة عالمة بالتمليك، ولو جهلت الحكم ولم يفعل فانه يبطل ما بيدها، وكذا لو ملك أجنبيا أمرها فخلى بينه وبينها ومكنه منها زال ما بيده، فلو مكنته غير عالمة لم يبطل ما بيدها، والقول قولها فى عدم العلم وقوله فى الاصابة ان علمت الخلوة وفى الطوع فى الوط ء بيمينه، بخلاف القبلة فقولها بيمينها أى أن قالت أكرهنى أو غلبنى عليها بخلاف الوط ء، لأن الوط ء يكون على هيئة وصفة قاله أصبغ رحمه الله تعالى بخلاف القبلة.

واذا قال اختارى اليوم كله فمضى اليوم ولم تختر فلا خيار لها ويبطل ما بيدها والمراد باليوم الزمن قل أو كثر وكلام المؤلف شامل لما اذا علمت أم لا، وهو واضح، وشامل أيضا لما اذا حصل لها جنون أو اغماء فى جميع زمن التفويض، وانظر هل الحكم كذلك أو ينظرها الحاكم فى الجنون والاغماء أم لا

(2)

.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 116 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

(2)

شرح الخرشى لأبى عبد الله محمد الخرشى ج 4 ص 70، ص 71 فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1317 هـ.

ص: 66

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب أنه يجوز للزوج أن يفوض الطلاق الى امرأته، لما روت عائشة رضى الله تعالى عنها قالت لما أمر الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بتخيير نسائه بدأ بى فقال: انى مخبرك خبرا وما أحب أن تصنعى شيئا حتى تستأمرى أباك، ثم قال: ان الله تعالى قال: {قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالدّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً»

(1)

فقلت أو فى هذا أستأمر أبى فانى أريد الله ورسوله والدار الاخرة ثم فعل أزواج النبى صلى الله عليه وسلم ما فعلته.

واذا فوض الطلاق اليها فالمنصوص أن لها أن تطلق ما لم يتفرقا عن المجلس أو يحدث ما يقطع ذلك وهو قول أبى العباس بن القاص.

وقال أبو اسحاق لا تطلق الا على الفور، لأنه تمليك يفتقر الى القبول فكان القبول فيه على الفور كالبيع.

وحمل قول الشافعى رحمه الله تعالى على أنه أراد مجلس الخيار لا مجلس القعود، وله أن يرجع فيه قبل أن تطلق.

وقال أبو على بن خيران ليس له أن يرجع، لأنه طلاق معلق بصفته فلم يجز الرجوع فيه كما لو قال لها ان دخلت الدار فأنت طالق وهذا خطأ، لأنه ليس بطلاق معلق بصفة وانما هو تمليك يفتقر الى القبول يصح الرجوع فيه قبل القبول كالبيع

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن الزوج اذا قال لامرأته اختارى نفسك يوما أو أسبوعا أو شهرا ونحوه فتملكه الى انقضاء ذلك فان قام الزوجان من المجلس بعد أن خيرها وقبل الطلاق بطل خيارها أو قام أحدهما من المجلس بطل الخيار، لأن القيام يبطل الذكر فهو اعراض بخلاف المقصود، وكذا أن خرجا من الكلام الذى كانا فيه الى غيره بطل خيارها بالاعراض عنه.

وان قال لها اختارى اليوم وغدا وبعد غد فلها ذلك فان ردته فى اليوم الأول بطل الخيار كله فلا خيار لها فى غد ولا ما بعده لأنه خيار واحد فى مدة واحدة فاذا بطل أوله بطل فيما بعده بخلاف ما لو قال لها اختارى اليوم وبعد غد فانها اذا ردته فى الأول لم يبطل بعد غد، لأنهما خياران منفصل أحدهما من صاحبه.

(1)

الآية رقم 29 من سورة الاحزاب.

(2)

المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الشيرازى ج 2 ص 80 فى كتاب باسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب طبع مطبعة عيسى الهابى الحلبى بمصر.

ص: 67

وان قال اختارى نفسك اليوم واختارى نفسك غدا فردته فى اليوم الأول لم يبطل الخيار فى اليوم الثانى، لأنهما خياران كما دل عليه اعادة الفعل.

ولو خيرها شهرا فاختارت نفسها ثم تزوجها أو لم تخترها لكن طلقها ثم تزوجها لم يكن لها عليه خيار لأن الخيار المشروط فى عقد لا يثبت فى عقد سواه كالبيع.

وان جعل الخيار لها اليوم كله أو جعل أمرها بيدها فردته أو رجع فيه أو وطئها بطل خيارها لأنه توكيل وقد رجع فيه

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من خيرت امرأته فاختارت نفسها أو اختارت الطلاق أو اختارت زوجها أو لم تختر شيئا فكل ذلك لا شئ وكل ذلك سواء ولا تطلق بذلك ولا تحرم عليه ولا لشئ من ذلك حكم ولو كرر التخيير وكررت هى اختيار نفسها أو اختيار الطلاق ألف مرة وكذلك ان ملكها أمر نفسها وجعل أمرها بيدها ولا فرق، لأنه لم يأت فى القرآن ولا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قول الرجل لامرأته أمرك بيدك أو قد ملكتك أمرك أو اختارى يوجب أن تكون طالقا. أو أن لها أن تطلق نفسها أو أن تختار طلاقا فلا يجوز أن يحرم على الرجل فرج أباحه الله تعالى له ورسوله صلى الله عليه وسلم بأقوال لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أنه يصح توقيت تمليك الطلاق بأن يقول لها: ملكتك طلاق نفسك غدا أو بعد شهر أو نحو ذلك والقول بعد ذلك الوقت أو بعد العزل حيث وقع الاختلاف بعده للاصل - وهو المملك - فى نفى الفعل

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

الإمامية بين مبيح للتفويض ومانع له فقد جاء فى الروضة البهية أن الطلاق لا يقع بالتخيير للزوجة بين الطلاق والبقاء بقصد الطلاق وان اختارت نفسها فى الحال على أصح القولين لقول الصادق

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 154 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(2)

الحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 10 ص 116 وما بعدها الى ص 124 مسئلة رقم 1937 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

(3)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 432 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى سنة 1357 هـ

ص: 68

عليه السّلام «ما للناس والخيار انما هذا شئ خص الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم» .

وذهب ابن الجنيد الى وقوعه به لصحيحة حمران عن الباقر عليه السلام:

المخيرة تبين من ساعتها من غير طلاق وحملت على تخيرها بسبب غير الطلاق كتدليس وعيب جمعا

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أنه من رجع أمرها بيدها بتخيير أو بتعليق لمعلوم لا تطلق نفسها فى مانع صلاة من حيض أو نفاس أو انتظارهما، ولا تطلق نفسها أكثر من تطليقة واحدة

(2)

.

‌حكم اضافة الخلع الى الوقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أنه يجوز للمخالع أن يضيفه الى وقت نحو أن يقول خالعتك على ألف درهم غدا أو رأس شهر كذا، والقبول اليها بعد مجئ الوقت حتى لو قبلت قبل ذلك لا يصح، لأن الاضافة الى الوقت تطليق عند وجود الوقت فكان قبولها قبل ذلك هدرا.

ولو شرط الخيار لنفسه بأن قال خالعتك على ألف درهم على أنى بالخيار ثلاثة أيام لم يصح الشرط ويصح الخلع اذا قبلت.

ولو شرط الخيار لها بأن قال خالعتك على الف درهم على أنك بالخيار ثلاثة أيام فقبلت جاز الشرط عند أبى حنيفة وثبت لها الخيار، حتى انها اذا اختارت فى المدة وقع الطلاق ووجب المال، وان ردت لا يقع الطلاق ولا يلزمها المال.

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى شرط الخيار باطل والطلاق واقع والمال لازم وانما اختلف الجانبان فى كيفية هذا النوع لأنه طلاق عندنا، ومعلوم أن المرأة لا تملك الطلاق بل هو ملك الزوج لا ملك المرأة فانما يقع بقول الزوج وهو قوله خالعتك فكان ذلك منه تطليقا الا أنه علقه بالشرط والطلاق يحتمل التعليق بالشرط والاضافة الى الوقت لا تحتمل الرجوع والفسخ ولا يتقيد بالمجلس ويقف الغائب عن المجلس، ولا يحتمل شرط الخيار بل يبطل الشرط ويصح الطلاق، وأما فى جانبها فانه معاوضة المال، لأنه تمليك المال بعوض، وهذا معنى معاوضة المال فتراعى فيه أحكام معاوضة المال كالبيع ونحوه.

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 147، ص 148.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 3 ص 600 طبع محمد ابن يوسف البارونى.

ص: 69

الا أن أبا يوسف ومحمدا يقولان فى مسألة الخيار ان الخيار انما شرع للفسخ والخلع لا يحتمل الفسخ لأنه طلاق عندنا.

وجواب أبى حنيفة عن هذا أن يحمل الخيار فى منع انعقاد العقد فى حق الحكم على أصل أصحابنا فلم يكن العقد منعقدا فى حق الحكم للحال بل هو موقوف فى علمنا الى وقت سقوط الخيار

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الخرشى أن المرأة لو قالت لزوجها طلقنى فى جميع هذا الشهر أو اليوم بألف ففعل ما سألته فانها تبين من عصمته، ويلزمها أن تدفع له الألف التى عينتها، وسواء أوقع البينونة فى أول الشهر أو اليوم أو فى أثنائه أو آخره.

ولو أن الرجل قال لزوجته أنت طالق غدا بألف من الدراهم أو الابل مثلا فقبلت المرأة ذلك فى الحال فانها تطلق فى الحال ويلزمها المسمى، ومثله اذا قالت المرأة طلقنى غدا ولك ألف، فاذا طلق فى الغد أو قبله استحق الألف اذا فهم من مقصودها تعجيل الطلاق، وان فهم منها تخصيص اليوم لم يلزمها ان طلقها قبله، ولا يلزمها أن طلقها بعده مطلقا ويقع الطلاق بائنا على كل حال

(2)

.

وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن المدونة أنه ان قال لها أنت طالق غدا ان شئت فقالت أنا طالق الساعة، أو قال لها أنت طالق الساعة أن شئت فقالت: أنا طالق غدا وقع الطلاق فيهما جميعا الساعة

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أن المرأة لو قالت لزوجها طلقنى غدا بألف، أو ولك على ألف كما فى المحرر، أو أن طلقتنى غدا فلك على ألف، أو خذ هذا الألف على أن تطلقنى غدا كما فى الروضة وأصلها فطلق غدا أو قبله فسد الخلع وبانت، لأنه ان طلق فى الغد فقد حصل مقصودها وان طلق قبله فقد حصله مع زيادة ولكن بمهر المثل لا بالمسمى، سواء أعلم فساد الخلع أم لا، لأن هذا الخلع دخله شرط تأخير الطلاق وهو فاسد لا يعتد به فيسقط من العوض ما يقابله وهو

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 145 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ وسنة 1910 م.

(2)

شرح الخرشى لأبى عبد الله محمد الخرشى ج 4 ص 25 فى كتاب على هامشة حاشية الشيخ على العدوى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1347 هـ.

(3)

التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف العبدرى الشهير بالمواق ج 4 ص 37 فى كتاب على هامش مواهب الجليل للحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

ص: 70

مجهول، فيكون الباقى مجهولا، والمجهول يتعين الرجوع فيه الى مهر المثل.

وقيل فى قول من طريق حاكية لقولين بانت بالمسمى.

واعترض بأن هذا القول مبنى على فساد الخلع، ولزوم المسمى مبنى على صحته.

وأجيب بأن المراد بانت بمثل المسمى كما قاله العراقيون. ولو قصد بطلاقه فى الغد ابتداء الطلاق وقع رجعيا، فان اتهمته حلف كما قاله ابن الرفعة، ولو طلقها بعد الغد وقع رجعيا، لأنه خالف قولها فكان مبتدئا فان ذكر مالا فلابد من القبول وان قالت طلقنى شهرا بألف ففعل وقع مؤبدا لأن الطلاق لا يؤقت بمهر المثل لفساد الصيغة بالتأقيت

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن الزوجة لو قالت لزوجها طلقنى بألف الى شهر أو بعد شهر فطلقها قبله فلا شئ له نصا، لأنه اختار ايقاع الطلاق من غير عوض، ويقع رجعيا، ولو أجابها بقوله اذا جاء رأس الشهر فأنت طالق استحق العوض ووقع الطلاق عند رأس الشهر بائنا لأنه بعوض.

وان قالت طلقنى بألف من الآن الى شهر فطلقها قبل الشهر استحقه لأنه أجابها الى سؤالها، أما أن طلقها بعده فلا يستحقه ويقع الطلاق رجعيا

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار: أن الزوجة لو قالت لزوجها طلقنى غدا على ألف أو اذا طلقتنى غدا فلك ألف وقع بطلاقه غدا خلعا لا بعد غد، قال الداعى يحيى: وكذا لو طلق فى الحال.

قال صاحب البحر هذا اذا كان مؤقتا بغد لقولهما: اذ قد وافق وزاد خيرا، ولا يستحق الألف الا بعد وقوع الطلاق، فان طلق بعد الغد بطل الخلع وكان رجعيا للمخالفة وكذا لو طلق فى الحال غير مؤقت بغد، فان قالت خذ منى ألفا وأنت مخير فى تطليقى من اليوم الى شهر فطلق فى الشهر لقصد الأخذ استحق ما شرطت لا بعد

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 256، ص 257 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 134 الطبعة السابعة.

ص: 71

الشهر للمخالفة فان قال أنت طالق غدا على ألف فقبلت فى المجلس فاذا جاء الغد وقع الطلاق خلعا واستحق الألف

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الزوجة أن قالت لزوجها رددت لك مالك اليوم على أن تطلقنى غدا أو عكست فقبل ففداء على ما شرطت، وان قالت رددته لك حين هل الهلال فقبل لم يقع حتى يهل وفى رددته لك الساعة على أن يقع الطلاق اذا هل فداء أن قبل على ما شرطت.

وان قالت رددته لك على أن تطلقنى عند اتيان المطر أو أجل لا يعرف وقع الفداء فى حينه

(2)

.

‌حكم اضافة الرجعة الى وقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط صحة الرجعة عدم اضافتها الى وقت فى المستقبل فلو قال الزوج بعد الطلاق اذا جاء غد فقد راجعتك غدا، أو رأس شهر كذا لم تصح الرجعة فى قولهم جميعا، لأن الرجعة استيفاء ملك النكاح فلا يحتمل الاضافة الى وقت فى المستقبل كما لا يحتملها انشاء الملك ولأن الرجعة تتضمن انفساخ الطلاق فى انعقاده سببا لزوال الملك ومنعه عن عمله فى ذلك، فاذا أضافها الى وقت فى المستقبل فقد استبقى الطلاق الى غاية واستبقاء الطلاق الى غاية يكون تأبيدا له، اذ هو لا يحتمل التوقيت، كما اذا قال لامرأته أنت طالق يوما أو شهرا أو سنة أنه لا يصح التوقيت ويتأبد الطلاق فلا تصح الرجعة هذا اذا أنشأ الرجعة فأما اذا أخبر عن الرجعة فى الزمن الماضى بأن قال كنت راجعتك أمس، فان صدقته المرأة فقد ثبتت الرجعة سواء قال ذلك فى العدة أو بعد انقضاء العدة بعد أن كانت المرأة فى العدة أمس، وان كذبته فان قال ذلك فى العدة فالقول قوله، لأنه أخبر عما يملك انشاءه فى الحال، لأن الزوج يملك الرجعة فى الحال ومن أخبر عن أمر يملك انشاءه فى الحال يصدق فيه اذ لو لم يصدق ينشئه للحال فلا يفيد التكذيب فصار كالوكيل قبل العزل اذا قال بعته أمس، وان قال بعد انقضاء العدة فالقول قولها، لأنه أخبر عما لا يملك انشاءه فى الحال لأنه لا يملك الرجعة بعد انقضاء العدة فصار كالوكيل بعد العزل اذا قال قد بعت وكذبه الموكل ولا يمين عليها فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 3 ص 189 طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1363 هـ، سنة 1948 م.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 3 ص 486 طبع المطبعة الأدبية بمصر.

ص: 72

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى تستحلف. فان أقام الزوج بينة قبلت بينته وتثبت الرجعة، لأن الشهادة قامت على الرجعة فى العدة فتسمع ولو كانت المطلقة أمة الغير فقال زوجها بعد انقضاء العدة كنت راجعتك وكذبته الأمة وصدقه المولى فالقول قولها عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولا تثبت الرجعة.

وعندهما القول قول الزوج والمولى وتثبت الرجعة لأنها ملك المولى.

ويدل لأبى حنيفة أن انقضاء عدتها اخبار منها عن حيضها وذلك اليها لا الى المولى كالحرة.

فان قال الزوج لها قد راجعتك فقالت مجيبة له قد انقضت عدتى فالقول قولها عند أبى حنيفة مع يمينها.

وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى القول قول الزوج.

وأجمعوا على أنها لو سكتت ساعة ثم قالت انقضت عدتى يكون القول قول الزوج

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل أن الرجل اذا لم ينجز رجعة زوجته بأن يقول راجعت زوجتى، بل علقها كما لو قال اذا كان غد فقد ارتجعتك، قال مالك لا يكون ذلك رجعة.

قال عبد الحق هذه الرجعة تكون باطلة مطلقا.

وقيل: لا تكون رجعة الآن وتصح اذا جاء غد، فابطالها انما هو الآن فقط

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى الأم قال الشافعى رحمه الله تعالى: اذا قال الرجل لامرأته وهى فى العدة من طلاقه اذا كان غد فقد راجعتك واذا كان يوم كذا وكذا فقد راجعتك، واذا قدم فلان فقد راجعتك، واذا فعلت كذا فقد راجعتك فكان كل ما قال لم يكن رجعة.

واذا قال الرجل لامرأته اذا كان أمس فقد راجعتك لم تكن رجعة بحال ولو نوى اذا كان أمس يوم الاثنين فقد راجعتك لم يكن رجعة، وليس بأكثر

(1)

بدائع الصنائع فى ترايب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 185، ص 186 الطبعة السابقة.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد الحطاب ج 4 ص 103 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل للمواق الطبعة الأولى طبعة مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

ص: 73

من قوله لها اذا كان غد فقد راجعتك فلا يكون رجعة.

واذا قال لها فى العدة قد راجعتك أمس أو يوم كذا ليوم ماض بعد الطلاق كانت رجعة

(1)

.

وجاء فى اعانة الطالبين أنه يشترط فى الرجعة عدم التأقيت فلو قال لها راجعتك شهرا لم يصح

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى هداية الراغب أنه لا يصح تعليق الرجعة فاذا قال الرجل لامرأته وهى فى العدة اذا جاء رأس الشهر فقد راجعتك لم يصح

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن الرجعة تصح مشروطة بوقت نحو أن يقول لها والعدة باقية اذا جاء غد فقد راجعتك فلا يثبت حكمها الا من فجر غد.

والمختار عدم الرجعة، لأن الرجعة انما تقع عقيب حصول الشرط وهنا لم تقع عقيبه، وعن عامر ولو بعدها الا اذا قال فقد راجعتك الآن

(4)

.

‌حكم اضافة الايلاء الى الوقت أو الى

امرأة مبهمة أو مجهولة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن المولى اذا أضاف الايلاء الى الوقت صار موليا، بأن قال اذا جاء غد فو الله لا أقربك أو قال اذا جاء رأس شهر كذا فو الله لا أقربك ويعتبر ابتداء المدة من وقت وجود الوقت لأن الايلاء يمين واليمين تحتمل الاضافة الى الوقت كسائر الايمان

(5)

.

واذا قال لامرأتين له والله لا أقربكما صار موليا منهما للحال حتى لو مضت

(1)

الأم من تأليف أبى عبد الله محمد بن ادريس الشافعى ج 5 ص 227 برواية الربيع ابن سليمان المرادى فى كتاب على هامشه مختصر أبى ابراهيم اسماعيل بن يحيى المزنى الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1322 هـ.

(2)

اعانة الطالبين للسيد البكرى بن العارف بالله السيد محمد شطا الدمياطى ج 4 ص 28

(3)

هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 492 لعثمان النجدى تحقيق الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف طبع مطبعة المدنى بمصر.

(4)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 482 وحواشيه الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.

(5)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 165 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية فى مصر سنة 1328 هـ وسنة 1910 م.

ص: 74

أربعة أشهر ولم يقربهما فيها بانتا جمعيا، ويبطل، وكذا اذا قال لنسائه الأربع: والله لا أقربكن صار موليا منهن للحال حتى لو لم يقربهن حتى مضت أربعة أشهر بن جميعا، وهذا قول أصحابنا الثلاثة، وهو استحسان.

والقياس أن لا يصير موليا فى الأول ما لم يطأ واحدة منهما فيصير موليا من الأخرى.

وفى الثانى لا يصير موليا ما لم يطأ واحدة فيصير موليا من الأخرى.

وفى الثالث لا يكون موليا ما لم يطأ الثالثة منهن فيصير موليا من الرابعة وهو قول زفر رحمه الله تعالى.

وجه القياس أن المولى من لا يمكنه قربان امرأته من غير حنث يلزمه وههنا يمكنه فى الصورة الأولى قربان احداهما من غير حنث يلزمه، لأنه لا يحنث بوط ء احداهما اذ جعل شرط الحنث قربانهما من غير شئ يلزمه ولم يوجد وفى الصورة الثانية يمكنه قربان الثلاث منهن من غير حنث يلزمه ألا ترى أنه لا يحنث بوط ء الثلاث منهن فلم يوجد حد المولى فلا يكون موليا.

واذا وطئ احداهما أو وطئ الثلاث منهن فلا يمكنه وط ء الباقية الا بحنث يلزمه فوجد حد الايلاء فيصير موليا.

ووجه الاستحسان أن المولى من لا يمكنه وط ء امرأته فى المدة من غير شئ يلزمه بسبب اليمين وههنا لا يمكنه وطؤها فى المدة من غير شئ يلزمه بسبب اليمين، لأنه لو وطئ احداهما أو الثلاث منهن لزمه تعيين الأخرى للايلاء، وهذا شئ يلزمه بسبب اليمين، وقد وجد حد الايلاء، فيكون موليا، ولو قرب احداهما لا كفارة عليه، لعدم شرط الحنث وهو قربانهما، ولكن يبطل ايلاؤه منها، لأن ذلك يقف على القربان وقد وجد، والايلاء فى حق الباقية على حاله، لانعدام المبطل فى حقهما وهو القربان، ولو قربهما جميعا بطل ايلاؤهما وعليه كفارة اليمين لوجود المبطل لهما والموجب للكفارة وهو قربانهما، ولو ماتت احداهما قبل مضى أربعة أشهر بطل ايلاؤها ولا تجب الكفارة، وان وطئ الأخرى بعد ذلك بالاجماع، لأن شرط وجوب الكفارة قربانهما ولم يوجد، ولو طلق احداهما لا يبطل الايلاء.

أما اذا قال والله لا أقرب أحداكما فانه يصير موليا من احداهما، حتى لو وطئ احداهما لزمته الكفارة وبطل الايلاء لوجود شرط الحنث وهو قربان احداهما، ولو ماتت احداهما أو طلق احداهما ثلاثا أو بانت بلا عدة تعينت الباقية للايلاء لزوال المزاحمة، ولو لم يقرب احداهما حتى مضت المدة بانت احداهما بغير عينها وله خيار أن يوقع الطلاق

ص: 75

على أيتهما شاء لأن الايلاء فى حق حكم البر تعليق الطلاق شرعا بشرط ترك القربان فى المدة فيصير كأنه قال: ان لم أقرب أحداكما أربعة أشهر فاحداكما طالق بائن ولو نص على ذلك فمضت المدة ولم يقرب احداهما طلقت احداهما غير عين وله الخيار يوقع على أيتهما شاء كذا هذا، ولو أراد أن يعين الايلاء فى احداهما قبل مضى أربعة أشهر لا يملك ذلك، حتى لو عين احداهما ثم مضت أربعة أشهر لم يقع الطلاق على المعينة بل يقع على احداهما بغير عينها ويخير فى ذلك، لأن اليمين تعلقت بغير المعينة فالتعيين يكون تغيير اليمين فلا يملك ذلك، لأن تغيير اليمين ابطالها من وجه واليمين عقد لازم لا يحتمل البطلان فلا يحتمل التغيير ولأن الايلاء فى حق البر تعليق الطلاق بشرط عدم القربان فى المدة ومتى علق الطلاق المبهم بشرط ثم أراد تغيير التعليق قبل وجود الشرط لا يقدر على ذلك كما اذا قال لامرأتيه اذا جاء غد فاحداكما طالق، ثم أراد أن يعين احداهما قبل مجئ الغد لا يملك ذلك، كذا هذا، فاذا مضت المدة وبانت احداهما بغير عينها فله الخيار فى تعيين أيتهما شاء للطلاق لأن الطلاق اذا وقع فى المجهولة يتخير الزوج فى التعيين فله أن يوقع الطلاق على احداهما، فلو لم يوقع الطلاق على واحدة منهما حتى مضت أربعة أشهر أخرى وقعت تطليقة أخرى وبانت كل واحدة منهما بتطليقة فى ظاهر الرواية.

وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه لا يقع الطلاق على الأخرى وذلك لأنه آلى من احداهما لا من كل واحدة منهما فلا يتناول الايلاء الا احداهما.

ووجه ظاهر الرواية أن اليمين باقية لعدم الحنث فكان تعليق طلاق احداهما بمضى المدة من غير فئ باقيا فاذا مضت أربعة أشهر ووقع الطلاق على احداهما فقد زالت مزاحمتهما واليمين باقية فتعينت الأخرى لبقاء اليمين فى حقها وتعليق طلاقها كما لو زالت المزاحمة بعد مضى المدة قبل اختيار الزوج بالموت بأن ماتت احداهما أليس أنه تتعين الأخرى كذا ههنا

(1)

.

وأما اذا قال: والله لا أقرب واحدة منكما فانه يصير موليا منهما جميعا، حتى لو مضت مدة أربعة أشهر ولم يقربهما فيها بانتا جميعا، كذا ذكر المسئلة فى الجامع من غير خلاف وهكذا ذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى.

وذكر القدورى فى شرحه مختصر الكرخى فقال على قول أبى حنيفة وأبى يوسف يكون موليا منهما استحسانا.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 163، ص 164 نفس الطبعة.

ص: 76

وعلى قول محمد يكون موليا من احداهما وهو القياس، وذلك لأن قوله واحدة منكما لا يعبر به عنهما بل عن احداهما فصار كقوله والله لا أقرب احداكما، والدليل عليه أنه اذا قرب احداهما يحنث وتلزمه الكفارة فدل أن اليمين تناولت احداهما لا غير.

ووجه الاستحسان - وهو الفرق بين المسئلتين - ان قوله احداكما معرفة لأنه مضاف الى الكناية والكنايات معارف، بل أعرف المعارف، والمضاف الى المعرفة معرفة والمعرفة تختص فى النفى كما تختص فى الاثبات، وقوله واحدة منكما نكرة لأنها نكرة بنفسها ولم يوجد ما يوجب صيرورتها معرفة وهو اللام أو الاضافة فبقيت نكرة وهى فى محل النفى فتعم.

والدليل على التفرقة بينهما أنه يستقيم ادخال كلمة الاحاطة والاشتمال، وهى كلمة كل على واحدة منكما، ولا يستقيم ادخالها على احداكما حتى يصح أن يقال والله لا أقرب كل واحدة منكما ولا يصح أن يقال والله لا أقرب كل احداكما، فدل أن قوله واحدة منكما يصلح لهما. وقوله احداكما لا يصلح لهما الا أنه اذا قال والله لا أقرب واحدة منكما فقرب احداهما يبطل ايلاؤهما جميعا وتلزمه الكفارة لوجود شرط الحنث وهو قربان واحدة منهما، بخلاف ما اذا قال: والله لا أقربكما فقرب واحدة منهما أنه يبطل ايلاؤهما ولا يبطل ايلاء الباقية حتى لا تجب عليه الكفارة أما بطلان ايلاء التى قربها فلوجود شرط البطلان وهو القربان ولم يوجد القربان فى الباقية فلا يبطل ايلاؤهما وأما عدم وجوب الكفارة فلعدم شرط الوجوب وهو قربانهما جميعا.

ولو قال لامرأته وأمته والله لا أقربكما لا يكون موليا من امرأته ما لم يقرب الأمة فاذا قرب الأمة صار موليا من امرأته، لأن المولى من لا يمكنه قربان امرأته فى المدة من غير شئ يلزمه وقبل أن يقرب الأمة يمكنه قربان امرأته من غير حنث يلزمه.

لأنه علق الحنث بقربانهما فلا يثبت بقربان احداهما فاذا قرب الأمة فقد صار بحال لا يمكنه قربان زوجته من غير حنث يلزمه فصار موليا، ولو قال والله لا أقرب احداكما لم يكن موليا فى حق البر لما ذكرنا أن قوله احداكما معرفة لكونه مضافا الى المعرفة والمعرفة تخص ولا تعم سواء كان فى محل الاثبات أو فى محل النفى فلا يتناول الا احداهما، والايلاء فى حق البر تعليق الطلاق بشرط ترك القربان فى المدة فصار كأنه قال ان لم أقرب احداكما فى المدة فاحداكما طالق، ولو قال ذلك لا يقع الطلاق الا اذا عنى امرأته وما عنى ههنا فلا يمكنه جعله ايلاء فى حق البر ولو قرب احداهما تجب الكفارة، لأنه بقى يمينا فى حق الحنث وقد وجد شرط الحنث فتجب الكفارة كما لو قال

ص: 77

لأجنبية والله لا أقربك ثم قربها حنث ولا يكون ذلك ايلاء فى حق البر، كذا هذا ولو قال والله لا أقرب واحدة منكما كان موليا من امرأته لما ذكرنا ان الواحدة نكرة مذكورة فى محل النفى فتعم عموم الافراد، كما لو قال لا أكلم واحدا من رجال حلب الا أنه لو قرب احداهما حنث لما ذكرنا أن شرط حنثه قربان واحدة منهما لا قربانهما وقد وجد.

ولو كان له امرأتان حرة وامة فقال والله لا أقربكما صار موليا منهما جميعا لأن كل واحدة منهما محل الايلاء فاذا مضى شهران ولم يقربهما بانت الأمة لمضى مدتها من غير قربان، واذا مضى شهران آخران بانت الحرة أيضا لتمام مدتها من غير فئ، ولو: قال والله لا أقرب احداكما يكون موليا من احداهما بغير عينها، لأن كل واحدة منهما محل الايلاء وقد اضاف الايلاء الى احداهما بغير عينها فيصير موليا من احداهما غير عين، ولو أراد أن يعين احداهما قبل مضى الشهرين لم يكن له ذلك واذا مضى شهران ولم يقربهما بانت الأمة لا لأنها عينت للايلاء، بل لسبق مدتها واستوثقت مدة الايلاء على الحرة، فاذا مضت أربعة أشهر ولم يقربها بانت الحرة لأن اليمين باقية اذا لم يوجد الحنث فكان تعليق الطلاق على احداهما باقيا فاذا مضى شهران وقع الطلاق على الأمة فقد زالت مزاحمتها واليمين باقية فتعينت الحرة لبقاء الايلاء فى حقها وتعليق طلاقها بمضى المدة وانما استوثقت مدة الايلاء على الحرة لأن ابتداء المدة انعقدت لاحداهما وقد تعينت الأمة للسبق فيبتدأ الايلاء على الحرة من وقت بينونة الأمة، بخلاف ما اذا قال لها والله لا أقربكما، لأن هناك انعقدت المدة لهما فاذا مضى شهران فقد تمت مدة الأمة فتتم مدة الحرة بشهرين آخرين، ولو ماتت الأمة قبل مضى الشهرين تعينت الحرة للايلاء من وقت اليمين، حتى اذا مضت أربعة أشهر من وقت اليمين تبين، لزوال المزاحمة بموت الأمة.

ولو قال والله لا أقرب واحدة منكما يكون موليا منهما جميعا حتى لو مضى شهران تبين الأمة ثم اذا مضى شهران آخران تبين الحرة كما فى قوله والله لا أقربكما غير أنه ههنا اذا قرب احداهما حنث وبطل الايلاء

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى شرح الخرشى أن من له زوجتان قال لهما ان وطئت احداكما فالأخرى طالق فمتى وطئ احداهما طلقت الأخرى، فان أبى أن يطأ احداهما بعد انقضاء أجل الايلاء فان الحاكم يطلق عليه واحدة، قال فى

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 3 ص 164، 165 الطبعة السابقة.

ص: 78

توضيحه: ينبغى أن يفهم على أن القاضى يجبره على طلاق واحدة أو يطلق واحدة بالقرعة والا فطلاق واحدة غير معينة لا يمكن، اذ الحكم يستدعى تعيين محله، وفى تطليق واحدة معينة منهما ترجيح بلا مرجح، ومن قامت بحقها من هاتين المرأتين كان الحكم ما ذكره المؤلف، ولا يشترط قيامهما معا.

قال ابن عبد السّلام وذكر بعضهم فى نظير هذه المسئلة قولين: هل يكون موليا منهما أو لا يكون موليا الا من احداهما.

كلام المؤلف يفيد أنه مول منهما، اذ قوله وان أبى الفيئة ظاهر فى أنها متعلقة بكل منهما، اذ هى انما تكون فى المولى منها، فان رفعته واحدة منهما ضرب له أجل الايلاء من يوم الرفع، وان رفعتاه جميعا ضرب له فيهما أجل الايلاء من يوم الرفع ثم وقف عند انقضاء الأجل، فان فاء فى واحدة منهما حنث فى الأخرى، وان لم يفئ فى واحدة منهما طلقتا عليه جميعا

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أن الأظهر أنه لو قال الزوج لأربع والله لا أجامعكن فليس بمول فى الحال لأن الكفارة لا تجب ألا بوط ء الجميع كما لو حلف لا يكلم جماعة فهو متمكن من وط ء ثلاث بلا شئ يلحقه فان جامع ثلاثا منهن ولو فى الدبر أو بعد البينونة فمول من الرابعة لتعلق الحنث بوطئها، فلو مات بعضهن قبل وط ء انحل الايلاء لتعذر الحنث بوط ء من بقى، أما لو ماتت بعد وطئها وقبل وط ء الأخريات فلا ينحل الايلاء ومقابل الأظهر أنه مول من الأربع فى الحال، لأنه بوط ء واحدة يقرب من الحنث المحذور والقريب من المحذور محذور.

ولو قال لأربع والله لا أجامع كل واحدة منكن فمول حالا من كل واحدة منهن بمفردها كما لو أفردها بالايلاء فاذا مضت المدة فلكل مطالبته. وظاهر كلامه أنه لو وطئ واحدة لا يرتفع الايلاء فى حق الباقيات وهو وجه رجحه الامام.

والأصح عند الأكثرين كما ذكره الشيخان انحلال اليمين وزوال الايلاء، لأنه حلف أن لا يطأ واحدة وقد وطئ.

وبحث فيه بأنه أن أراد تخصيص كل منهن بالايلاء فالوجه عدم الانحلال، والا فليكن كقوله لا أجامعكن، فلا يحنث الا بوط ء الجميع.

وأجيب عنه بأن الحلف الواحد على متعدد يوجب تعلق الحنث بأى واحد وقع

(1)

شرح أبى عبد الله محمد الخرشى على مختصر خليل ج 4 ص 100 فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1317 هـ.

ص: 79

لا تعدد الكفارة باليمين الواحدة ولا يتبعض فيها الحنث، ومتى حصل فيها حنث حصل الانحلال.

فان قال والله لا أجامع واحدة منكن فان أراد الامتناع عن كل واحدة فمول منهن أو من واحدة منهن معينة فمول منها فقط ويؤمر بالبيان كما فى الطلاق ويصدق بيمينه فى ارادتها وان أراد واحدة مبهمة كان موليا من أحداهن ويؤمر بالتعيين فان عين كان ابتداء المدة من وقت اليمين على الأصح وأن أطلق اللفظ ولم ينو تعميما ولا تخصيصا حمل على التعميم على الأصح

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن الزوج ان قال والله لا وطئت واحدة منكن فمول منهن، لأن النكرة فى سياق النفى تعم ولا يمكنه وط ء واحدة منهن الا بالحنث فان طلق واحدة منهن أو ماتت كان موليا من البواقى، لأنه تعلق بكل واحدة منفردة فيحنث بوط ء واحدة منهن وتنحل يمينه لأنها يمين واحدة الا أن يريد واحدة منهن بعينها فيكون موليا منها وحدها، لأن اللفظ يحتمله وهو أعلم بنيته، وان أراد واحدة منهن مبهمة أخرجت بقرعة لا بتعيينه كالطلاق والعتق.

وان قال والله لا وطئت كل واحدة منكن فمول من جميعهن فى الحال، لأن لفظه صريح فى التعميم وتنحل يمينه بوط ء واحدة لأنها يمين واحدة، ولا يقبل قوله نويت واحدة منهن معينة أو مبهمة لأن لفظة كل أزالت الخصوص، وان قال والله لا أطؤكن لم يصر موليا فى الحال، لأنه يمكنه وط ء واحدة بغير حنث حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا من الرابعة، لأن المنع حينئذ يصير فى الرابعة محققا ضرورة الحنث بوطئها وابتداء المدة حينئذ، وان مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال حكم الايلاء لأنه يمكنه وط ء الباقيات بغير حنث، فان راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه لكن لا يصير موليا حتى يطأ ثلاثا فيصير موليا من الرابعة كما تقدم.

وان آلى من واحدة من زوجاته ثم قال للأخرى شركتك معها أو أنت شريكتها لم يصر موليا من الثانية، لأن اليمين بالله لا تصح الا بلفظ صريح من اسم أو صفة والتشريك بينهما كناية فلم يقع به اليمين بخلاف الطلاق والظهار

(2)

.

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 322 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع على متن الاقناع لمنصور ابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 221، ص 222 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1329 هـ.

ص: 80

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(1)

أن من آلى من أربع نسوة له بيمين واحدة وقف لهن كلهن من حين يحلف، فان فاء الى واحدة سقط حكمها وبقى حكم البواقى فلا يزال يوقف لمن لم يفئ اليها حتى يفئ أو يطلق وليس عليه فى كل ذلك الا كفارة واحدة لأنها يمين واحدة على أشياء متغايرة، ولكل واحدة حكمها وهو مول من كل واحدة منهن «وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى»

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أنه اذا آلى الرجل من احدى زوجاته كان لهن كلهن المرافعة مع اللبس فى المولى عنها لأن كل واحدة فى حكم المولى عنها

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام أن الزوج اذا قال لأربع والله لا وطئتكن لم يكن موليا فى الحال، وجاز له وط ء ثلاث منهن، ويتعين التحريم فى الرابعة ويثبت الايلاء ولها المرامقة

(4)

.

ويضرب لها المدة ثم تقفه بعد المدة، ولو ماتت واحدة قبل الوط ء انحلت اليمين، لأن الحنث لا يتحقق الا مع وط ء الجميع وقد تعذر فى حق الميتة اذ لا حكم لوطئها .. وليس كذلك لو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، لأن حكم اليمين هنا باق فيمن بقى لامكان الوط ء فى المطلقات ولو بالشبهة.

ولو قال والله لا وطئت واحدة منكن تعلق الايلاء بالجميع وضربت المدة لهن عاجلا، نعم لو وطئ واحدة حنث وانحلت اليمين فى البواقى، ولو طلق واحدة أو اثنتين أو ثلاثا كان الايلاء ثابتا فيمن بقى.

ولو قال فى هذه أردت واحدة معينة قبل قوله، لأنه أبصر بنيته، ولو قال والله لا وطئت كل واحدة منكن كان موليا من كل واحدة كما لو آلى من كل واحدة منفردة، وكل من طلقها فقد وفاها حقها ولم ينحل اليمين فى البواقى، وكذا ان وطئها قبل الطلاق لزمته الكفارة، وكان الايلاء حينئذ فى البواقى باقيا

(5)

.

(1)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد ابن سعيد بن حزم ج 10 ص 49 مسئلة رقم 1891 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.

(2)

الآية رقم 164 من سورة الأنعام.

(3)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 506 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى سنة 1357 هـ.

(4)

المرامق - بضم الميم الأولى - من لم يبق فى قلبه من مودتك الا قليل والرماق ان تنظر شزرا نظر العداوة انظر القاموس المحيط للفيروز أبادى مادة رمق.

(5)

شرائع الاسلام ج 2 ص 85، ص 86 الطبعة السابقة.

ص: 81

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن من له زوجات أربع أو ثلاث أو له زوجتان فقال لهن ان لم أجامعكن أى دفعة فأنتن طوالق فان تركهن حتى مضت خرجن بالايلاء.

وقيل: طلقن من حين الحلف لعدم امكان مسهن جميعا، وان مسهن حرمت الثلاث الأولى ان كن أربعا، والأولى والثانية ان كن ثلاثا والأولى ان كانت اثنتين، لا الرابعة التى مس آخرا أو الثالثة التى مس آخرا أو الثانية التى مسها آخرا، والحاصل أنه لا تحرم التى مس آخرا فيما يقال، ولعل عدم التحريم راجع لانتفاء ما يمس معها دفعة لو أمكن المس دفعة كما حلف عليه فان مراده أن يجامعهن دفعة وحرمت الثلاث مثلا اذا كن أربعا لامتناع مسهن دفعة حيث فرق ومس واحدة

(1)

بعد واحدة.

ومن له أربع فحلف بطلاقهن أن يتزوج عليهن فان تركهن غير متزوج أربعة أشهر خرجن بالايلاء وحرم من سمى منهن قبل التزوج أو بعده ولا يبريه التزوج أن تزوج عليهن. ولا يصح نكاحه خامسة، وان فارقته احداهن أو أكثر ثم تزوج على الباقيات فلا يجزيه، لأنه لم يتزوج على الأربع كلهن كما حلف بل على بعض فلا يبريه تزوجه فاذا مضت أربع بانت الباقيات

(2)

.

‌حكم اضافة الظهار الى وقت أو الى

سبب الملك أو الى بدن الزوجة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أنه يصح ظهار الرجل من امرأته مضافا الى وقت بأن قال لها انت على كظهر أمى الى رأس شهر كذا لقيام الملك، وكذلك تعليقه بالملك وهو اضافته الى سبب الملك صحيح عندنا، بأن قال الرجل لأجنبية أن تزوجتك فأنت على كظهر أمى، حتى لو تزوجها صار مظاهرا عندنا، لوجود الاضافة الى سبب الملك.

ولو قال لأجنبية أن دخلت الدار فأنت على كظهر أمى لا يقع الظهار، حتى لو تزوجها فدخلت الدار لا يصير مظاهرا بالاجماع لعدم الملك والاضافة الى سبب الملك.

ومن شروط الظهار أن يكون مضافا الى بدن الزوجة أو الى عضو منها جامع أو شائع، فاذا قال لها: رأسك

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 3 ص 467 طبع محمد ابن يوسف اطفيش البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 471، ص 472 الطبعة السابقة.

ص: 82

على كظهر أمى أو وجهك أو رقبتك أو فرجك صار مظاهرا، لأن هذه الاعضاء يعبر بها عن جميع البدن فكانت الاضافة اليها اضافة الى جميع البدن، وكذا اذا قال لها ثلثك على كظهر أمى أو ربعك أو نصفك ونحو ذلك من الأجزاء الشائعة.

ولو قال يدك أو رجلك أو أصبعك على كظهر أمى لا يصير مظاهرا عندنا.

واختلف مشايخنا رحمهم الله تعالى فى الظهر والبطن

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن شاس أنه لو قال الرجل لامرأته أنت على كظهر أمى بعد خمسة أشهر لنجز عليها الظهار كالطلاق.

وقيل يتأجل

(2)

.

واذا وقت الظهار بوقت تأبد ولم يختص بذلك الوقت كما لو قال لزوجته أنت على كظهر أمى اليوم أو هذا الشهر فانه مظاهر ولو مضى اليوم أو الشهر.

وليس منه قول المحرم لزوجته أنت على كظهر أمى ما دمت محرما لأنها عليه الآن كظهر أمه فهو بمنزلة من قال للمظاهر منها أنت على كظهر أمى وان قال أنت على كظهر أمى ولم يقيد بقوله ما دمت محرما لزمه الظهار، لأن يمينه مع الاطلاق تتضمن جميع الأزمنة، ومثل المحرم فيما يظهر المعتكف والصائم الذى يعلم من نفسه السلامة

(3)

.

وجاء فى بلغة السالك أنه لو قال يدك أو رأسك أو شعرك كأمى أو مثل يد أمى أو رأسها أو شعرها كان كناية عن الظهار، فان نوى الظهار أو لا نية له فظهار لا طلاق، وان نوى بذلك الطلاق فالبتات يلزمه فى المدخول بها وغيرها ان لم ينو فى غير المدخول بها أقل من الثلاث فان نوى الأقل لزمه فيها ما نواه بخلاف المدخولة بها فانه يلزمه فيها البتات ولا يقبل منه نية الأقل

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أن الظهار المؤقت كأنت على كظهر أمى شهرا يصح ظهارا مؤقتا فى الأظهر عملا بالتأقيت، لأنه منكر من القول وزور فصح كالظهار المعلق وفى قول يصح ظهارا

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 232، ص 233 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

(2)

التاج والأكليل لمختصر خليل للمواق ج 4 ص 111 فى كتاب على هامش مواهب الجليل للحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

(3)

مواهب الجليل للحطاب فى كتاب على هامشه التاج والاكليل ج 4 ص 114 الطبعة السابقة.

(4)

بلغة السالك لاقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى فى كتاب على هامشه الشرح الصغير ج 1 ص 450، ص 451 طبع المطبعة التجارية بمصر.

ص: 83

مؤبدا ويلغو تأقيته تغليبا لشبهه بالطلاق، وفى قول المؤقت لغو، لأنه لم يؤبد التحريم فأشبه ما اذا شبهها بامرأة لا تحرم على التأبيد، فعلى الأول - وهو صحته مؤقتا يكون الأصح أن عوده فيه لا يحصل بامساك لزوجة ظاهر منها مؤقتا بل يحصل بوط ء فى المدة، لأن الحل منتظر بعد المدة، فالامساك يحتمل أن يكون لانتظار الحل أو للوط ء فى المدة والأصل براءته من الكفارة فاذا وطئ فقد تحقق الامساك لأجل الوط ء والثانى المقابل للأصح أن العود فيه كالعود فى الظهار المطلق الحاقا لأحد نوعى الظهار بالآخر

(1)

.

ولو كان الظهار المؤقت مؤقتا بأكثر من أربعة أشهر صار مظاهرا موليا لامتناعه من الوط ء فوق أربعة أشهر، واذا وطئ فى المدة لم يلزمه كفارة يمين الايلاء كما صححه فى الروضة كأصلها اذ لا يمين.

وقيل تلزمه مع كفارة الظهار كما جزم به صاحبا التعليقة والأنوار ولعل وجهه أن ذلك منزل منزلة اليمين كما فى قوله والله لا أطؤك خمسة أشهر.

ولو قيد الظهار بمكان قال البلقينى فالقياس أنه كالظهار المؤقت بزمان، ولم أر من تعرض له، واذا قلنا يتقيد بذلك المكان لم يكن عائدا فى ذلك الظهار الا بالوط ء فى ذلك المكان، ومتى وطئها فيه حرم وطؤها مطلقا حتى يكفر

(2)

.

وقوله لها جسمك أو بدنك أو جملتك أو نفسك أو ذاتك كبدن أمى أو جسمها أو جملتها او ذاتها صريح لتضمنه الظهر.

والأظهر الجديد أن قوله لها انت على كيدها أو بطنها أو صدرها ونحو ذلك من الاعضاء التى لا تذكر فى معرض الكرامة والاعزاز مما سوى الظهر ظهار، لأنه عضو يحرم التلذذ به فكان كالظهر.

والثانى المقابل للأظهر أنه ليس بظهار لأنه ليس على صورة الظهار المعهودة فى الجاهلية، وكذا قوله أنت على كعينها أو رأسها أو نحو ذلك مما يحتمل الكرامة كقوله أنت كأمى أو روحها أو وجهها ظهار أن قصد ظهارا وان قصد كرامة فلا يكون ظهارا، لأن هذه الألفاظ تستعمل فى الكرامة والاعزاز وقوله لها رأسك أو ظهرك أو يدك أو رجلك أو بدنك أو جلدك أو شعرك أو نحو ذلك على كظهر أمى ظهار فى الأظهر، أما الأعضاء الباطنة كالكبد والقلب فالأوجه كما اعتمده بعض

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 330 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 331 الطبعة السابقة.

ص: 84

المتأخرين - أنها مثل الأعضاء الظاهرة

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن الظهار يصح مؤقتا نحو أنت على كظهر أمى شهرا أو شهر رمضان، فاذا مضى الوقت زال الظهار وحلت بلا كفارة ولا يكون عائدا الا بالوط ء فى المدة لأن التحريم صادف ذلك الزمان دون غيره فوجب أن ينقضى بانقضائه

(2)

.

واذا قال لها: أنت على كبطن أمى أو كيد أمى أو كرأس أمى أو أنت على كيد اختى أو كوجه حماتى ونحو ذلك أو ظهرك كظهر أمى أو بطنها أو يدك أو رأسك أو جلدك أو فرجك على كظهر أمى أو كيد أختى أو عمتى أو خالتى من نسب أو رضاع كان مظاهرا.

اما ان قال أنت أو يدك ونحو ذلك على كشعر أمى أو كسنها أو كظفرها فليس بظهار، لأنها ليست من الأعضاء الثابتة، وكذا لو شبه شيئا من ذلك من امرأته بأمه أو بعضو من أعضائها بأن قال شعر امرأتى أو سنها أو ظفرها على كأمى أو كظهرها أو قال بروح أمى أو عرقها أو ريقها أو دمعها أو دمها فليس بظهار

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من ظاهر من أجنبية ثم كرره ثم تزوجها فليس عليه ظهار ولا كفارة، ولقول الله عز وجل «الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ» فقد جعل الكفارة على من ظاهر من أمرأته ثم عاد لما قال، ولم يجعل الله تعالى ذلك على من ظاهر من غير امرأته

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن الظهار يتوقت نحو أن يقول لامرأته أنت على كظهر أمى شهرا أو نحو ذلك فانه يصير مظاهرا، ويرتفع حكمه بانقضاء الوقت أو بالكفارة قبله.

واذا كان مظاهرا لها فى الليل دون النهار أو العكس فقيل لها مطالبته وهو الظاهر.

وقيل ليس لها ذلك

(5)

.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 327 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 229 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 227 نفس الطبعة.

(4)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن حزم ج 10 ص 56 مسئلة رقم 1895 الطبعة الأولى طبع المطبعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

(5)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 494 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 85

وينعقد الظهار الصريح بأن يشبهها بجزء من أمه مشاع نحو أن يقول أنت على كنصف أمى أو كربعها أو نحو ذلك أو يشبهها بعضو متصل كأن يقول أنت على كفخذ أمى أو يدها أو نحو ذلك، بخلاف العضو المنفصل كالدم والريق ونحوهما.

فلو قال أنت على كدم أمى أو كريقها أو نحو ذلك لم يكن ظهارا وعلى الجملة فما لا يصح ايقاع الطلاق عليه من أجزائها لا يصح ايقاع الظهار عليه، ولو شبهها بجزء من أمه لا تحله الحياة شعرا ونحوه كالظفر والسن فانه ينعقد به الظهار كما ينعقد بما تحله الحياة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن الرجل اذا تظاهر من زوجته مدة مثل أن يقول أنت على كظهر أمى يوما أو شهرا أو سنة لم يكن ذلك ظهارا، لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل والأصل اباحة الوط ء والمنع يحتاج الى دليل

(2)

.

واذا قال أنت على كيد أمى أو رجلها ونوى وقصد به الظهار كان مظاهرا، لاجماع الفرقة واخبارهم، ولأنه اذا قال ما قلناه وفعل ما يجب على المظاهر كان أحوط فى استباحة الوط ء واذا لم يفعل كان مفرطا

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أن الرجل ان قصد الى عضو من امرأته أو بطنها أو شعرها، فقال: هو على كظهر أمى أو أنت على كهذا العضو من أمى ولو بائنا أو الى عضو منه فقال: أنت على هذا العضو كظهر أمى، أو قال عضوك هذا على عضوى هذا كهذا العضو من أمى فظهار، بخلاف ما لو قصد الى عضو بائن من امرأته فقال عضوك هذا على كظهر أمى وان الزقه بجسدها فالتصق ففى كونه ظهارا قولان

(4)

.

‌حكم اضافة تحريم الحلال الى شئ

خاص أو شئ عام

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن الشخص اذا أضاف التحريم الى شئ خاص فاما

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 492 نفس الطبعة.

(2)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى ج 2 ص 265 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 260 مسئلة رقم 9 نفس الطبعة.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 3 ص 395 الطبعة السابقة.

ص: 86

أن يكون ذلك الشئ امرأته واما أن يكون غير ذلك نحو الطعام أو الشراب أو اللباس، فان أضاف التحريم الى امرأته بأن قال: أنت على حرام أو قد حرمتك على أو أنا عليك حرام أو قد حرمت نفسى عليك أو أنت محرمة على، فان أراد به طلاقا فهو طلاق، لأنه يحتمل الطلاق وغيره، فاذا نوى به الطلاق أنصرف اليه، وان نوى ثلاثا يكون ثلاثا، وان نوى واحدة يكون واحدة بائنة، وان نوى اثنتين يكون واحدة بائنة عندنا، خلافا لزفر رحمه الله تعالى، لأنه من جملة كنايات الطلاق.

وان لم ينو الطلاق ونوى التحريم أو لم يكن له نية فهو يمين عندنا ويصير موليا، حتى لو تركها أربعة أشهر بانت بتطليقة، لأن الأصل فى تحريم الحلال أن يكون يمينا لما تبين

وان قال أردت به الكذب يصدق فيما بينه وبين الله تعالى ولا يكون شيئا ولا يصدق فى نفى اليمين فى القضاء.

وقد اختلف السلف رضى الله تعالى عنهم فى هذا المسئلة.

وروى عن أبى بكر وعمر وعبد الله ابن مسعود وعبد الله بن عباس وعائشة رضى الله تعالى عنهم أنهم قالوا: الحرام يمين، حتى روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: اذا حرم الرجل امرأته فهو يمين يكفرها، أما كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة.

وروى عن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال ان نوى طلاقا فطلاق وان لم ينو طلاقا فيمين يكفرها.

وعن زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه أنه قال فيه كفارة يمين.

ومنهم من جعله طلاقا ثلاثا وهو قول على رضى الله تعالى عنه.

ومنهم من جعله طلاقا رجعيا وعن مسروق أنه قال ليس ذلك بشئ، ما أبالى حرمتها أو قصعة من ثريد.

ويدل لنا الكتاب والسنة والاجماع.

أما الكتاب فقول الله عز وجل:

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ»

(1)

قيل نزلت هذه الآية فى تحريم جاريته مارية القبطية لما قال صلى الله عليه وسلم هى على حرام، وسمى الله تعالى ذلك يمينا بقوله «قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ،} أى وسع الله عليكم أو أباح لكم أن تحلوا من أيمانكم بالكفارة، وفى بعض القراءات «قد فرض الله لكم كفارة أيمانكم» والخطاب عام يتناول

(1)

الآية رقم 1، 2 من سورة التحريم.

ص: 87

رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته.

وأما السنة فما روى ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل الحرام يمينا وأما الاجماع فما روى عن جماعة من الصحابة رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل الحرام يمينا وبعضهم نص على وجوب كفارة اليمين فيه وكفارة اليمين ولا يمين لا تتصور، فدل على أنه يمين.

وقول من جعله طلاقا ثلاثا محمول على ما اذا نوى الثلاث لأن الحرمة نوعان غليظة وخفيفة فكانت نية الثلاث تعيين بعض ما يحتمله اللفظ فيصح.

واذا نوى واحدة كانت واحدة بائنة، لأن اللفظ ينبئ عن الحرمة والطلاق الرجعى لا يوجب الحرمة للحال واثبات حكم اللفظ على الوجه الذى ينبئ عنه اللفظ أولى، ولأن المخالف يوجب فيه كفارة يمين، وكفارة اليمين تستدعى وجود اليمين فدل أن هذا اللفظ يمين فى الشرع، فاذا نوى به الكذب لا يصدق فى ابطال اليمين فى القضاء لعدوله عن الظاهر.

وأما ما يقال من أن تحريم الحلال تغيير الشرع فالجواب عنه من وجهين.

أحدهما: أن هذا ليس بتحريم الحلال من الحالف حقيقة بل من الله سبحانه وتعالى، لأن التحريم اثبات الحرمة كالتحليل اثبات الحل والعبد لا يملك ذلك بل الحرمة والحل وسائر الحكومات الشرعية ثبتت باثبات الله تعالى لا صنع للعبد فيها أصلا انما من العبد مباشرة سبب الثبوت، هذا هو المذهب عند أهل السنة والجماعة، فلم يكن هذا من الزوج تحريم ما أحله الله تعالى بل مباشرة سبب ثبوت الحرمة أو منع النفس عن الانتفاع بالحلال، لأن التحريم فى اللغة عبارة عن المنع، وقد يمنع المرء من تناول الحلال لغرض له فى ذلك ويسمى ذلك تحريما قال الله تعالى «وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ»

(1)

والمراد منه امتناع سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام عن الارتضاع من غير ثدى أمه، لا التحريم الشرعى، وعلى أحد هذين الوجهين يحمل التحريم المضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والثانى: ان كان هذا تحريم الحلال، لكن لم قلت ان كل تحريم حلال من العبد تغيير للشرع بل ذلك نوعان تحريم ما أحله الله تعالى مطلقا وذلك تغيير، بل اعتقاده كفر وتحريم ما أحله الله مؤقتا الى غاية لا يكون تغييرا بل يكون بيان نهاية الحلال، ألا ترى أن الطلاق مشروع وان كان تحريم الحلال، لكن لما كان الحل مؤقتا الى غاية وجود الطلاق لم يكن

(1)

الآية رقم 12 من سورة القصص.

ص: 88

التطليق من الزوج تغييرا للشرع بل كان بيان انتهاء الحل، وعلى هذا سائر الأحكام التى تحتمل الارتفاع والسقوط، وعلى هذا سبيل النسخ فيما يحتمل التناسخ، فكذا قوله لامرأته أنت على حرام.

وان نوى بقوله أنت على حرام الظهار لا يكون ظهارا عند محمد رحمه الله تعالى، لأن الظهار تشبيه الحلال بالحرام والتشبيه لا بد له من حرف التشبيه ولم يوجد فلا يكون ظهارا.

ويكون ظهارا عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى لأنه وصفها بكونها محرمة، والمرأة تارة تكون محرمة بالطلاق وتارة تكون محرمة بالظهار، فأى ذلك نوى فقد نوى ما يحتمله كلامه فيصدق

(1)

فيه.

هذا اذا أضاف التحريم الى المرأة.

أما اذا أضافه الى الطعام أو الشراب أو اللباس، بأن قال: هذا الطعام على حرام أو هذا الشراب أو هذا اللباس فهو يمين عندنا، وعليه الكفارة اذا فعل، لقول الله عز وجل «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ» قيل نزلت الآية فى تحريم العسل، وقد سماه الله تعالى يمينا بقوله سبحانه وتعالى «قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ» فدل أن تحريم غير الزوجة والجارية يمين موجب للكفارة، لأن تحلة اليمين هى الكفارة.

وأما ما روى من أنها نزلت فى تحريم جاريته مارية فانه لا يمتنع أن تكون الآية الكريمة نزلت فيهما لعدم التنافى، ولأنه لو أضاف التحريم الى الزوجة والجارية لكان يمينا فكذا اذا أضيف الى غيرهما كان يمينا كلفظ القسم اذا أضيف الى الزوجة والجارية كان يمينا، واذا أضيف الى غيرهما كان يمينا أيضا كذا هذا، فان فعل كان يمينا مما حرمه قليلا أو كثيرا حنث وانحلت اليمين، لأن التحريم المضاف الى المعين يوجب تحريم كل جزء من أجزاء المعين كتحريم الخمر والخنزير والميتة والدم، فاذا تناول شيئا منه فقد فعل المحلوف عليه فيحنث وتنحل اليمين، بخلاف ما اذا حلف لا يأكل هذا الطعام فأكل بعضه أنه لا يحنث لأن الحنث هناك معلق بالشرط وهو أكل كل الطعام والمعلق بشرط لا ينزل عند وجود بعض الشرط.

ولو قال نسائى على حرام ولم ينو الطلاق فقرب أحداهن كفر وسقطت اليمين فيهن جميعا، لأنه أضاف التحريم الى جمع فيوجب تحريم كل فرد من

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 167 وما بعدها الى ص 169 الطبعة الأولى طبع مطابع الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

ص: 89

أفراد الجمع فصار كل فرد من أفراد الجمع محرما على الانفراد فاذا قرب واحدة منهن فقد فعل ما حرمه على نفسه فيحنث وتلزمه الكفارة وتنحل اليمين، وان لم يقرب واحدة منهن حتى مضت أربعة أشهر بن جميعا، لأن حكم الايلاء لا يثبت فى حق كل واحدة منهن على انفرادها، والايلاء يوجب البينونة بمضى المدة من غير فئ، هذا اذا أضاف التحريم الى نوع خاص

(1)

.

أما اذا اضافه الى الأنواع: كلها بأن قال: كل حلال على حرام، فان لم تكن له نية فهو على الطعام والشراب خاصة استحسانا.

والقياس أن يحنث عقيب كلامه وهو قول زفر رحمه الله تعالى.

ووجه القياس أن اللفظ خرج مخرج العموم فيتناول كل حلال، وكما فرغ عن يمينه لا يخلو عن نوع حلال يوجد منه فيحنث.

ووجه الاستحسان أن هذا عام لا يمكن العمل بعمومه، لأنه لا يمكن حمله على كل مباح من فتح عينه وغض بصره وتنفسه وغيرها من حركاته وسكناته المباحة، لأنه لا يمكنه الامتناع عنه، والعاقل لا يقصد بيمينه منع نفسه عما لا يمكنه الامتناع عنه فلم يمكن العمل بعموم هذا اللفظ فيحمل على الخصوص وهو الطعام والشراب باعتبار العرف والعادة، لأن هذا اللفظ مستعمل فيهما فى العرف ونظيره قول الله عز وجل «لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ»

(2)

أنه لما لم يمكن العمل بعمومه لثبوت المساواة بين المسلم والكافر فى أشياء كثيرة حمل على الخصوص وهو نفى المساواة بينهما فى العمل فى الدنيا أو فى الجزاء فى الآخرة كذا هذا، فان نوى مع ذلك اللباس أو امرأته فالتحريم واقع على جميع ذلك، وأى شئ من ذلك فعل وحده لزمته الكفارة، لأن اللفظ صالح لتناول كل المباحات وانما حملناه على الطعام والشراب بدليل العرف، فاذا نوى شيئا زائدا على المتعارف فقد نوى ما يحتمله لفظه وفيه تشديد على نفسه فيقبل قوله.

فاذا نوى شيئا بعينه دون غيره بأن نوى الطعام خاصة أو الشراب خاصة أو اللباس خاصة أو امرأته خاصة فهو على ما نوى فيما بينه وبين الله تعالى وفى القضاء، لما ذكرنا أن هذا اللفظ متروك العمل بظاهر عمومه، ومثله يحمل على الخصوص، فاذا قال أردت واحدا بعينه دون غيره فقد ترك ظاهر لفظ هو متروك الظاهر فلم يوجد منه العدول فيصدق.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 169 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 20 من سورة الحشر.

ص: 90

وان قال كل حل على حرام ونوى امرأته كان عليها وعلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب دخلا تحت ظاهر هذا اللفظ ولم ينفهما بنيته فبقيا داخلين تحت اللفظ، بخلاف الفصل الأول، لأنه هناك نوى امرأته خاصة ونفى الطعام والشراب بنيته فلم يدخلا وههنا لم ينف الطعام والشراب بنيته وقد دخلا تحت اللفظ فبقيا كذلك ما لم ينفيا بالنية وان نوى فى امرأته الطلاق لزمه الطلاق فيها فان أكل أو شرب لم تلزمه الكفارة، لأن اللفظ الواحد لا يجوز حمله على الطلاق واليمين، لاختلاف معنييهما واللفظ الواحد لا يشتمل على معنيين مختلفين، فاذا أراد به فى الزوجة الطلاق الذى هو أشد الأمرين وأغلظهما لا يبقى الآخر مرادا.

وكذا روى عن أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى فى رجل قال لامرأتين له أنتما على حرام يعنى فى احداهما الطلاق وفى الأخرى الايلاء فهما طالقان جميعا لما ذكرنا أن هذا اللفظ الواحد لا يحتمل معنيين مختلفين، فاذا أرادهما بلفظ واحد يحمل على أغلظهما ويقع الطلاق عليهما.

ولو قال هذه على حرام ينوى الطلاق، وهذه على حرام ينوى الايلاء كان كما نوى لأنهما لفظان فيجوز أن يراد بأحدهما حلاف ما يراد بالآخر.

وعن أبى يوسف رحمه الله تعالى فيمن قال لامرأتيه: أنتما على حرام ينوى فى احداهما ثلاثا وفى الأخرى واحدة أنهما جميعا طالقان ثلاثا، لأن حكم الواحدة البائنة خلاف حكم الثلاث لأن الثلاث يوجب الحرمة الغليظة واللفظ الواحد لا يتناول معنيين مختلفين فى حالة واحدة، فاذا نواهما يحمل على أغلظهما وأشدهما.

وقال ابن سماعة فى نوادره: سمعت أبا يوسف يقول فى رجل قال ما أحل الله على حرام من مال وأهل ونوى الطلاق فى أهله قال ولا نية له فى الطعام، فان أكل لم يحنث لما قلنا.

قال: وكذلك لو قال هذا الطعام على حرام وهذه ينوى الطلاق لأن اللفظة واحدة وقد تناولت الطلاق فلا تتناول تحريم الطعام.

وقالوا فيمن قال لامرأته أنت على كالدم أو الميتة أو لحم الخنزير أو كالخمر أنه يسئل عن نيته فان نوى كذبا فهو كذب لأن هذا اللفظ ليس صريحا فى التحريم ليجعل يمينا فيصدق أنه أراد به الكذب، بخلاف قوله أنت على حرام فانه صريح فى التحريم فكان يمينا، وان نوى التحريم فهو ايلاء لأنه شبهها بما هو محرم، فكأنه قال أنت حرام، وان نوى الطلاق فالقول فيه كالقول فيمن قال لامرأته أنت على حرام ينوى الطلاق.

وروى ابن سماعة عن محمد فيمن قال لامرأته ان فعلت كذا فأنت أمى يريد التحريم قال: هو باطل لأنه لم يجعلها مثل أمه

ص: 91

ليكون تحريما وانما جعلها أمه فيكون كذبا.

قال محمد رحمه الله تعالى: ولو ثبت التحريم بهذا لثبت اذا قال أنت حواء، وهذا لا يصح.

وقال ابن سماعة عن محمد فيمن قال لامرأته: أنت معى حرام فهو مثل قوله أنت على حرام، لأن هذه الحروف يقام بعضها مقام بعض

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أنه لا يعتبر تحريم الحلال فى كل شئ أحله الله غير الزوجة والأمة من طعام وشراب ولباس وأم ولد وعبد وغير ذلك، فاذا قال ان فعلت كذا فالحلال على حرام أو فالشئ الفلانى على حرام وفعله كان ذلك لغوا ولا يحرم عليه شئ من ذلك، لأن ما أباحه الله تعالى للعبد ولم يجعل له فيه تصرفا فتحريمه لغو بخلاف ما جعل له فيه التصرف كالزوجة والأمة فلا يكون تحريمها لغوا، بل يحرمان ويكون طلاقا ثلاثا فى المدخول بها وغيرها، الا أن ينوى أقل، وتعتق الأمة عليه.

والصواب حذف الأمة، اذ التحقيق أنها لا تحرم عليه ولا تعتق، اللهم الا أن ينوى به العتق.

ومحل كون تحريم الزوجة لا يكون لغوا ما لم يحاشها، فان حاشاها بأن أخرجها قبل تمام يمينه لم تحرم فاذا قال:

الحلال على حرام ان فعلت كذا وفعله، فان أخرج الزوجة بالنية قبل تمام يمينه لا يلزمه شئ لا فيها ولا فى غيرها، وان لم يخرجها لزمه طلاقها ثلاثا الا أن ينوى أقل، وقيل يلزمه واحدة بائنة حيث لا نية له، والا لزمه ما نواه وأما الأمة فلا يلزمه فيها شئ اذا لم يكن له نية فان نوى عتقها لزمه، وهذا اذا جمع بأن قال الحلال على حرام فان افرد بأن قال الشئ الفلانى على حرام ان فعلت كذا وفعله، فان كان غير الزوجة والأمة لم يلزمه شئ وان كانت الزوجة طلقت ثلاثا ان لم ينو أقل، وقيل، طلقة بائنة وان كانت الأمة فلا شئ عليه الا أن ينوى عتقها

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب أن الرجل اذا قال لامرأته أنت على حرام ونوى به الطلاق فهو طلاق، لأنه يحتمل التحريم بالطلاق، وان نوى به الظهار فهو ظهار، لأنه يحتمل التحريم بالظهار ولا يكون ظهارا ولا طلاقا من غير نية، لأنه ليس بصريح فى واحد منهما، وان نوى تحريم عينها لم تحرم، لما روى سعيد

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 169، ص 170 الطبعة السابقة.

(2)

الشرح الكبير لسيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفه الدسوقى ج 2 ص 135 طبع دار احياء الكتب العربية بمصر.

ص: 92

ابن جبير رضى الله تعالى عنه قال: جاء رجل الى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فقال انى جعلت امرأتى على حراما قال كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا قول الله عز وجل: «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ»

(1)

الى آخر الآية. ويجب عليه بذلك كفارة يمين لأن النبى صلى الله عليه وسلم حرم مارية القبطية أم ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل:

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ» الى آخر الآية. فوجبت الكفارة فى الأمة بالآية وقسنا الحرة عليها، لأنها فى معناها فى تحليل البضع وتحريمه.

وان قال أنت على حرام ولم ينو شيئا ففيه قولان.

أحدهما: يجب عليه الكفارة فعلى هذا يكون هذا اللفظ صريحا فى ايجاب الكفارة، لأن كل كفارة وجبت بالكناية مع النية كان لوجوبها صريح ككفارة الظهار.

الثانى: لا يجب عليه الكفارة، فعلى هذا لا يكون هذا اللفظ صريحا فى شئ لأن ما كان كناية فى جنس لا يكون صريحا فى ذلك الجنس ككنايات الطلاق.

وان قال لأمته أنت على حرام فان نوى به العتق كان عتقا، لأنه يحتمل أنه أراد تحريمها بالعتق وان نوى الظهار لم يكن ظهارا لأن الظهار لا يحل من الأمة، وان نوى تحريم عينها لم تحرم ووجب عليه كفارة يمين لما ذكرناه وان لم يكن له نية ففيه طريقان.

من أصحابنا من قال يجب عليه الكفارة قولا واحدا لعموم الآية.

ومنهم من قال فيه قولان كالقولين فى الزوجة لما ذكرناه.

وان كان له نسوة أو اماء فقال أنتن على حرام ففى الكفارة قولان.

أحدهما: يجب لكل واحدة كفارة.

والثانى: يجب كفارة واحدة كالقولين فيمن ظاهر من نسوة.

وان قال لامرأته أنت على كالميتة والدم فان نوى به الطلاق فهو طلاق، وان نوى به الظهار فهو ظهار وان نوى به تحريمها لم تحرم وعليه كفارة يمين لما ذكرناه فى لفظ التحريم وان لم ينو شيئا، فان قلنا ان لفظ التحريم صريح فى ايجاب الكفارة لزمته الكفارة، لأن ذلك كناية عنه، وان قلنا انه كناية لم يلزمه شئ، لأن الكناية لا يكون لها كناية

(2)

.

(1)

الآية رقم 1 الى 2 من سورة التحريم.

(2)

المهذب لابن اسحاق ابراهيم بن على ابن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 83 فى كتاب اسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.

ص: 93

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن الانسان ان حرم أمته أو حرم شيئا من الحلال غير زوجته كقوله ما أحل الله على حرام ولا زوجة له، أو كقوله هذا الطعام على حرام أو طعامى على كالميتة والدم ونحوه كلحم الخنزير، أو علق التحريم بشرط مثل أن أكلت هذا الطعام فهو على حرام أو قال حرام على أن فعلت كذا ونحوه لم يحرم، لأن الله عز وجل سماه يمينا بقوله تعالى:

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ، قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ»

(1)

واليمين على الشئ لا تحرمه، ولأنه لو كان محرما لتقدمت الكفارة عليه كالظهار، ولم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم بفعله وسماه خيرا، وعليه كفارة يمين ان فعله لقول الله عز وجل:«قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ» .

وعن ابن عباس وابن عمر رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل تحريم الحلال

(2)

يمينا.

ولو قال لزوجته أنت حرام ان شاء الله لم يكن ظهارا وكذا لو قدم الاستثناء كقوله والله لا أفعل كذا ان شاء الله بجامع أنها يمين مكفرة، وقوله أنت على حرام ظهار، ولو نوى طلاقا فقط أو مع ظهار أو نوى يمينا، لأنه تحريم أوقعه فى الزوجة فكان ظهارا كتشبيهها بظهر أمه، وحكاه ابراهيم الحربى عن عثمان وابن عباس وغيرهما.

وان قال أنت على حرام لمحرمة عليه بحيض أو نحوه كنفاس أو احرام ونوى الظهار فظهار لأن اللفظ يصلح له وان نوى أنها محرمة عليه للحيض ونحوه أو أطلق فلم ينو شيئا فليس بظهار، لأنه صادق فى تحريمها عليه للحيض ونحوه وان قال الحل على حرام أو ما أحل الله لى حرام أو ما انقلب اليه حرام فمظاهر لتناول ذلك التحريم الزوجة.

وان صرح بتحريم المرأة أو نواها كقوله ما أحل الله على حرام من أهل ومال فهو آكد وتجزيه كفارة الظهار لتحريم المرأة والمال، لأنه يمين واحدة فلا يوجب كفارتين، واختار ابن عقيل رحمه الله تعالى أنه يلزمه كفارتان للظهار ولتحريم المال، لأنه لو انفرد أوجب كذلك فكذا اذا اجتمعا، وقوله أنت على كظهر أمى حرام أو أنت على حرام كظهر أمى حرام ظهار، لأنه صريح فيه

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من قال لامرأته أنت على حرام أو زاد على ذلك فقال: كالميتة

(1)

الآية رقم 1 الى 2 من سورة التحريم.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 4 ص 141 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامره الشرفية سنة 1319 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 228 نفس الطبعة.

ص: 94

والدم ولحم الخنزير أو ما قال من ذلك فهو كله باطل وكذب ولا تكون بذلك عليه حراما وهى امرأته كما كانت، سواء نوى بذلك طلاقا أو لم ينو.

أما ما قيل من ان هذا يوجب الطلاق أو اليمين أو الظهار أو الايلاء - على اختلاف تلك الأقوال - فكل ذلك أقوال لم تأت فى نص قرآن ولا فى سنة، ولا حجة فى سوى القرآن والسنة.

بل وجدنا الله سبحانه وتعالى يقول:

«يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللهُ لَكَ»

(1)

فأنكر الله عز وجل تحريم ما أحله له، والزوجة مما احل الله فتحريمها منكر، والمنكر مردود لا حكم له الا بالتوبة والاستغفار، وقد قال الله عز وجل:

«وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ»

(2)

فمن قال لامرأته الحلال له بحكم الله عز وجل هى حرام فقد كذب وافترى ولا تكون عليه حراما بقوله لكن بالوجه الذى حرمها الله تعالى به. وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» فتحريم الحلال احداث حدث ليس فى أمر الله عز وجل فوجب ان يرد.

ولا فرق بين قول القائل امرأتى على حرام وبين قوله امرأة زيد لى حلال.

ولا فرق بين من حرم على نفسه لحم الكبش وبين من احل لحم الخنزير، فصح ان التحريم باطل ولا حكم للباطل الا ابطاله والتوبة منه. وكذلك قوله لها أنت على كالميتة والدم ولحم الخنزير وكل ذلك كذب، بل هى حلال كالماء، ولا تكون حراما بهذا القول

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن الزوج اذا قال لزوجته أنت منى حرام أنت على كالخمر أو كالميتة أو كالأجنبية كان كناية طلاق، فان قال هى على حرام كحرام مكة على اليهود، فان قصد به الطلاق كان طلاقا والا فيمين تلزمه كفارة يمين متى حنث، وكذا اذا قال لزوجته أنا منك حرام كان كناية طلاق، فان نوى الطلاق كان طلاقا، وان لم ينو فكناية ظهار ان نواه وان لم ينو فيلزمه كفارة يمين.

واذا قال على الحرام، قال عليه السلام: الأقرب أن ذلك كناية طلاق وكناية يمين فأيهما أراد وقع وان لم يرد شيئا لم يقع.

والمختار أنه ليس بيمين.

(1)

الآية رقم 1 من سورة التحريم.

(2)

الآية رقم 116 من سورة النحل.

(3)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن حزم ج 10 ص 124 وما بعدها الى ص 128 مسئلة رقم 1938 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.

ص: 95

قال القاسم ولو أن رجلا قال لامرأته ما أحل الله للمسلمين فهو عليه حرام، دخل فيه الطلاق ان نواه

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن الرجل اذا قال لزوجته الحرة أو الأمة أو أمته أنت على حرام لم يتعلق به حكم لا طلاق ولا عتاق ولا ظهار سواء نوى أو لم ينو، ولا يمين ولا كفارة، لاجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا فان الأصل بقاء العقد وبراءة الذمة، فمن أوقع الطلاق أو الزم به الكفارة أو الطهارة كان عليه الدلالة

(2)

.

واذا قال كل ما أملك على حرام لم يتعلق به حكم سواء كان له زوجات واماء وأموال أو لم يكن له شئ من ذلك نوى أو لم ينو لما ذكرناه فى المسألة السابقة

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الزوج اذا قال لزوجته هى عليه حرام أو شبهها بمثل الميتة من محرم شرعا كخمر وخنزير فان لم يمسها حتى مضت أربعة أشهر بانت منه، لأنه حرمها أو جعلها كالميتة من حينه بلا تعليق وان مس فيمين يكفر مرسله متى شاء ولو بعد الأربعة

(4)

.

وان قال هى عليه حرام ونوى به طلاقا فقيل: لزمه بقدر ما نوى من طلاق واحد أو تطليقتين أو ثلاث.

وقيل: لزمه تكفير بمرسلة أو بمغلظة.

وقيل: لزمه طلاق وتكفير كلاهما.

وأصح هذه الأقوال الأول

(5)

.

ومن حرم حلالا وان زوجة أو سرية فى شأن شئ ثم عاد الى الشئ لزمته كفارة يمين مرسلة وهذا قول.

وقيل مغلظة ولا تحرم عليه زوجته.

وقيل قوله ذلك تطليقة يملك رجعها.

وقيل لا يملكه بل يتزوجها.

وقيل ثلاث وقيل ظهار.

وقيل يمين ان مس وجبت عليه الكفارة وان لم يمس حتى مضت أربعة أشهر خرجت بالايلاء وعليه اعتماد أصحابنا

(6)

.

(1)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 386، ص 387 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(2)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 237، ص 238 مسئلة رقم 35 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 238 مسئلة رقم 36 نفس الطبعة.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 3 ص 446 طبع المطبعة الأدبية بمصر.

(5)

المرجع السابق ج 3 ص 447 نفس الطبعة.

(6)

المرجع السابق ج 2 ص 435، ص 436 نفس الطبعة.

ص: 96

‌الاضافة فى اليمين

‌أولا: حكم الحلف على

ما يضاف الى غير الحالف

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن الحلف على ما يضاف الى غير الحالف بملك أو غيره لا يخلو فيه الحالف من أحد أمرين، اما ان يقتصر على الاضافة، واما أن يجمع بين الاضافة والاشارة.

والاضافة لا تخلو اما أن تكون اضافة ملك أو اضافة نسبة من غير ملك.

فان اقتصر فى يمينه على الاضافة والاضافة اضافة ملك فيمينه على ما فى ملك فلان يوم فعل ما حلف عليه حتى يحنث سواء كان الذى أضافه الى ملك فلان فى ملكه يوم حلف أو لم يكن، بأن حلف لا يأكل طعام فلان، أو لا يشرب شراب فلان، أو لا يدخل دار فلان، أو لا يركب دابة فلان، أو لا يلبس ثوب فلان، أو لا يكلم عبد فلان، ولم يكن شئ منها فى ملكه، ثم استحدث الملك فيها، هذا جواب ظاهر الرواية فى الأصل والزيادات، وهو احدى الروايتين عن أبى يوسف رحمه الله تعالى.

وروى عنه رواية أخرى: أن الاضافة اذا كانت فيما يستحدث المالك فيه حالا فحالا فى العادة فان اليمين تقع على ما فى ملكه يوم فعل كالطعام والشراب والدهن.

وان كانت الاضافة فيما يستدام فيه الملك ولا يستحدث ساعة فساعة عادة فاليمين على ما كان فى ملكه يوم حلف كالدار والعبد والثوب.

وذكر ابن سماعة فى نوادره عن محمد أن ذلك كله ما فى ملكه يوم حلف.

ولا خلاف فى أنه اذا حلف لا يكلم زوج فلانة أو امرأة فلان أو صديق أو ابن فلان أو أخ فلان ولا نية له ان ذلك على ما كان يوم حلف ولا تقع على ما يحدث من الزوجية والصداقة والولد، ففرق فى ظاهر الرواية بين الاضافتين وسوى بينهما فى النوادر.

وجه رواية النوادر أن الاضافة تقتضى الوجود حقيقة اذ الموجود يضاف لا المعدوم، فلا تقع يمينه الا على الموجود يوم الحلف ولهذا وقعت على الموجود فى احدى الاضافتين وهى اضافة النسبة كذا فى الأخرى.

ووجه ظاهر الرواية - وهو الفرق بين الاضافتين ان فى اضافة الملك عقد يمينه على مذكور مضاف الى فلان بالملك مطلقا عن الجهة وهى أن يكون مضافا اليه بملك كان وقت الحلف أو بملك استحدث فلا يجوز تقييد المطلق الا بدليل، وقد وجدت الاضافة عند الفعل فيحنث، وفى اضافة النسبة قام دليل التقييد وهى أن أعيانهم

ص: 97

مقصودة باليمين لأجلهم عرفا وعادة لما تبين فانعقدت على الموجود وصار كما لو ذكرهم بأساميهم أو أشار اليهم، فأما الملك فلا يقصد باليمين لذاته بل للمالك فيزول بزوال ملكه.

وأبو يوسف على ما روى عنه ادعى تقييد المطلق بالعرف وقال: استحداث الملك فى الدار ونحوها غير متعارف بل هو فى حكم الندرة حتى يقال الدار هى أول ما يشترى وآخر ما يباع وتقييد المطلق بالعرف جائز فتقييد اليمين فيها بالموجود وقت الحلف للعرف بخلاف الطعام والشراب ونحوهما، لأن استحداث الملك فيها معتاد فلم يوجد دليل التقييد.

والجواب أن دعوى العرف على الوجه المذكور ممنوعه بل العرف مشترك فلا يجوز تقييد المطلق بعادة مشتركة.

ولو حلف لا يدخل دار فلان فالصحيح أنه على هذا الاختلاف، لأن كل اضافة تقدر فيها اللام فكان الفصلان من الطعام والعبد ونحوهما على الاختلاف ثم فى اضافة الملك اذا كان المحلوف عليه فى ملك الحالف وقت الحلف فخرج عن ملكه. ثم فعل لا يحنث بالاجماع.

وأما فى اضافة النسبة من الزوجة والصديق ونحوهما اذا طلق زوجته فبانت منه أو عادى صديقه ثم كلمه فقد ذكر فى الجامع الصغير أنه لا يحنث.

وذكر فى الزيادات أنه يحنث.

وقيل ما ذكر فى الجامع قول أبى حنيفة وأبى يوسف، وما ذكر فى الزيادات قول محمد المذكور فى النوادر.

ووجه المذكور فى الزيادات أن يمينه وقعت على الموجود وقت الحلف فحصل تعريف الموجود بالاضافة فيتعلق الحكم بالعرف لا بالاضافة.

ووجه ما ذكر فى الجامع الصغير أن الانسان قد يمنع نفسه عن تكليم امرأة لمعنى فيها وقد يمنع من تكليمها لمعنى فى زوجها فلا يسقط اعتبار الاضافة مع الاحتمال

(1)

.

وان جمع بين الملك والاشارة بأن قال: لا أكلم عبد فلان هذا أو لا أدخل دار فلان هذه أو لا أركب دابة فلان هذه أو لا ألبس ثوب فلان هذا فباع فلان عبده أو داره أو دابته أو ثوبه فكلم أو دخل أو ركب أو لبس لم يحنث فى قول بى أبى حنيفة رحمه الله تعالى، الا أن يعنى غير ذلك الشئ خاصة.

وعند محمد رحمه الله تعالى يحنث الا أن يعنى، ما دامت ملكا لفلان.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 78، ص 79 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

ص: 98

فهما يعتبران الاشارة والاضافة جميعا وقت الفعل للحنث فما لم يوجدا لا يحنث.

ومحمد يعتبر الاشارة دون الاضافة.

وأما فى اضافة النسبة فلا يشترط قيام الاضافة وقت الفعل للحنث بالاجماع حتى لو حلف لا يكلم زوجة فلان هذا أو صديق فلان هذا فبانت زوجته منه أو عادى صديقه فكلم يحنث.

وجه قول محمد فى مسئلة الخلاف أن الاضافة والاشارة كل واحد منهما للتعريف، والاشارة أبلغ فى التعريف لأنها تخصص العين وتقطع الشركة فتلغو الاضافة كما فى اضافة النسبة وكما لو حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما شاخ فانه يحنث لما قلنا كذا هذا.

ويدل لهما أن الحالف لما جمع بين الاضافة والاشارة لزم اعتبارهما ما أمكن، لأن تصرف العاقل واجب الاعتبار ما أمكن، وأمكن اعتبار الاضافة ههنا مع وجود الاشارة، لأنه باليمين منع نفسه عن مباشرته المحلوف.

والظاهر أن العاقل لا يمنع نفسه عن شئ منعا مؤكدا باليمين الا لداع يدعوه اليه وهذه الأعيان لا تقصد بالمنع لذاتها بل لمعنى فى المالك أما الدار ونحوها فلا شك فيه وكذا العبد لأنه لا يقصد بالمنع لخسته وانما يقصد به مولاه وقد زال بزوال الملك عن المالك، وصار كأنه قال مهما دامت لفلان ملكا بخلاف المرأة والصديق، لأنهما يقصدان بالمنع لأنفسهما فتتعلق اليمين بذاتيهما والذات لا تتبدل بالبينونة والمعاداة فيحنث، كما اذا حلف لا يكلم هذا الشاب فكلمه بعد ما صار شيخا.

ولو حلف لا يكلم صاحب هذا الطيلسان فباع الطيلسان فكلمه حنث، لأن الطيلسان مما لا يقصد بالمنع، وانما يقصد ذات صاحبه وهى باقية.

وذكر محمد فى الزيادات أنه اذا حلف لا يركب دواب فلان أو لا يلبس ثيابه أو لا يكلم غلمانه فان ذلك على ثلاثة، لأن أقل الجمع الصحيح ثلاثة، وكذلك لو قال لا آكل أطعمة فلان أو لا أشرب أشربة فلان فان ذلك على ثلاثة أطعمة وثلاثة أشربة لما قلنا.

ويعتبر قيام الملك فيها وقت الفعل لا وقت الحلف فى ظاهر الروايات على ما بينا.

فان قال أردت جميع ما فى ملكه من الأطعمة لم يصدق فى القضاء لأنه

ص: 99

خلاف ظاهر كلامه، كذا ذكر القدورى رحمه الله تعالى.

وذكر فى الزيادات أنه يدين فى القضاء، لأنه نوى حقيقة ما تلفظ به، فيصدق فى القضاء، كما اذا حلف لا يتزوج النساء أو لا يشرب الماء أو لا يكلم الناس ونحو ذلك ونوى الجميع ولو كانت اليمين على اخوة فلان أو بنى فلان أو نساء فلان لا يحنث ما لم يكلم الكل منهم عملا بحقيقة اللفظ ويتناول الموجودين وقت الحلف، لأن هذه اضافة نسبة.

وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى:

ان كان ذلك مما يحصى فاليمين على جميع ما فى ملكه، لأنه صار معرفا بالاضافة ويمكن استيعابه فكان كالمعرف بالألف واللام، وان كان لا يحصى الا بكتاب حنث بالواحد منه لأنه تعذر استغراق الجنس فيصرف الى أدنى الجنس كقوله لا أتزوج النساء

(1)

.

قال أسد: ولو حلف رجل لا يتزوج بنت فلان فولدت له بنت ثم تزوجها أو قال والله لا أشرب من لبن بقرة فلان ولا بقرة له ثم اشترى بقرة فشرب الحالف من لبنها، أو قال لا آكل من ثمرة شجرة فلان ثم اشترى شجرة فأكل من ثمرها فلا يحنث فى شئ من هذا.

فان قال والله لا أتزوج بنتا من بنات فلان أو بنتا لفلان فولدت له بنت ثم تزوجها فانه يحنث وتلزمه يمين فى قول أبى حنيفة.

وأما أنا فأقول لا يحنث، لأنه حلف يوم حلف على ما لم يخلق حال حلف.

ويدل لأبى حنيفة أن قول الحالف لا أتزوج بنت فلان يقتضى بنتا موجودة فى الحال فلم تعقد اليمين على الاضافة، واذا قال بنتا لفلان فقد عقد اليمين على الاضافة فيعتبر وجودها يوم الحلف.

وأما أسد فاعتبر وجود المحلوف عليه وقت اليمين فما كان معدوما لا تصح الاضافة فيه فلا يحنث.

وعلى ذلك لو حلف لا يتزوج امرأة من أهل هذه الدار وليس للدار أهل ثم سكنها قوم فتزوج منهم فانه يحنث فى قول أبى حنيفة.

ولا يحنث فى قول أسد

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 79، ص 80 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 80 نفس الطبعة.

ص: 100

الدسوقى عليه أن من حلف لا يركب دابة فلان فركب دابة عبده حنث الا أن يكون له نية لأن ما فى يد العبد لسيده ألا ترى أنه لو اشترى من يعتق على سيده لعتق عليه، وهذا التعليل يقتضى عدم الحنث بركوب دابة مكاتبه، وهو ما ارتضاه البدر القرافى رحمه الله تعالى.

واختار غيره الحنث بركوبها نظرا للحوق المنة بها كلحوقها بدابة سيده الذى هو المحلوف عليه. ولأجل هذا التعليل لا يحنث بدابة ولده ولو كان للأب استرجاعها بأن كان قد وهبها له، لأن مال الولد ليس مالا لأبيه، لكن القول بعدم الحنث فى دابة الولد ولو كان لوالده اعتصارها ذكر فى المدونة أنه قول أشهب رحمه الله تعالى.

وهذا يدل على ضعفه كما قال الشيخ سالم رحمه الله تعالى.

وان المذهب أنه يحنث بدابة الولد ان كانت موهوبة له من والده وله اعتصارها لتحقق المنة فيها لا ما لا اعتصار له

(1)

.

وحنث ان لم تكن له نية بفرع نشأ بعد اليمين فى حلفه على ترك أصله كو الله لا آكل شيئا من هذا الطلع مثلا فيحنث ببسره ورطبه وعجوته وثمره.

وأما لو قال من طلع هذه النخلة أو من لبن هذه الشاة فيحنث بكل فرع تقدم لتلك النخلة أو الشاة أو تأخر عنها بكل ما نشأ عنهما، لأنه لم يخص اللبن أو الطلع الحاضر بالاشارة بل أطلق فيهما وجعل الاشارة للنخلة والشاة، وليس المراد أنه يحنث بكل فرع للطلع وكل فرع للبن وان لم يكن ناشئا عن تلك النخلة أو تلك الشاة

(2)

.

وحنث ان حلف لا أدخل عليه بيته فدخل عليه فى دار جار المحلوف عليه، لأن للجار على جاره من الحقوق ما ليس لغيره فأشبهت داره داره أو لأن الجار لا يستغنى عن جاره غالبا فكأنه المحلوف عليه عرفا.

والظاهر فى هذا الفرع عدم الحنث بدخوله عليه فى بيت جاره، لأن العرف الآن أنه لا يقال لبيت جارك أنه بيتك، وانما يقال بيتك لما تملك ذاته أو منفعته والايمان مبناها العرف

(3)

.

وحنث بأكل من تركة المحلوف عليه قبل قسمها فى حلفه لا أكلت طعام

(1)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفه الدسوقى ج 2 ص 143 طبع دار احياء الكتب العربية بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 144، ص 145 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 145 نفس الطبعة السابقة.

ص: 101

فلان ان أوصى الميت بشئ معلوم غير معين يحتاج فيه لبيع مال الميت، أو كان المحلوف عليه مدينا ولو غير محيط

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أنه لو حلف انسان لا يدخل دار زيد حنث بدخول أى دار يسكنها بملك سواء كان مالكا لها عند الحلف أم بعده، حتى لو قال لا أدخل دار العبد فلا يتعلق بمسكنه الآن بل بما يملكه بعد عتقه لوجود الصفة أو دارا تعرف به كدار العدل وان لم يسكنها، ولا يحنث بدخول ما يسكنها باعارة واجارة وغصب ووصية بمنفعتها ووقف عليه، لأن مطلق الاضافة الى من يملك تقتضى ثبوت الملك حقيقة، بدليل أنه لو قال هذه الدار لزيد كان اقرارا له بالملك، حتى لو قال أردت به ما يسكنها لم يقبل الا أن يريد بداره مسكنه فيحنث بالمعار وغيره وان لم يملكه ولم يعرف به لأنه مجاز اقترنت به النية قال الله عز وجل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ»

(2)

المراد بيوت الأزواج اللاتى يسكنها ويحنث بما يملكه زيد ولا يسكنه، لأنه دخل فى دار زيد حقيقة، هذا اذا كان يملك الجميع.

فان كان يملك بعض الدار فظاهر نص الأم أنه لا يحنث وان كثر نصيبه.

وأطبق عليه الأصحاب كما قاله الأذرعى رحمه الله تعالى، الا أن يريد بداره مسكنه فلا يحنث بما لا يسكنه عملا بقصده.

ومثل ما يملكه فى الحكم ما لا يملكه ولكن لا يعرف الا به، كما لو كان بالبلد دار أو سوق أو حمام مضاف الى رجل، كسوق أمير الجيوش وخان الخليلى بمصر وسوق يحيى ببغداد، وخان يعلى بقزوين وسوق السخى بدمشق ودار الأرقم بمكة، فيحنث بدخول هذه الأمكنة وان كان من تضاف اليه ميتا، لتعذر حمل الاضافة على الملك فتعين أن تكون للتعريف.

ولو حلف لا يدخل دار زيد مثلا أو لا يكلم عبده أو زوجته فباع الدار والعبد أو بعضهما بيعا يزول به الملك، أو زال ملكه عنهما أو عن بعضهما بغير البيع، أو طلق زوجته طلاقا بائنا أو رجعيا وانقضت عدتها فدخل الدار وكلم العبد أو الزوجة لم يحنث تغليبا للحقيقة، لأنه لم يدخل داره ولم يكلم عبده ولا زوجته لزوال الملك بالبيع ونحوه والزوجية بالطلاق، فان كان الطلاق رجعيا ولم تنقض العدة وكلم الزوجة حنث لأن الرجعية فى حكم الزوجات، ولو لم يزل الملك بالبيع لأجل خيار مجلس أو شرط لهما أو للبائع حنث ان

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 146 نفس الطبعة.

(2)

الآية رقم 1 من سورة الطلاق.

ص: 102

قلنا الملك للبائع أو موقوف وفسخ البائع البيع فانه يتبين أن الملك للبائع فيتبين حنث الحالف الا أن يقول الحالف داره هذه أو زوجته هذه أو عبده هذا فيحنث تغليبا للاشارة، اللهم الا أن يريد الحالف بما ذكر ما دام ملكه عليه فلا يحنث بالاشارة اذا دخل الدار أو كلم العبد بعد زوال الملك أو الزوجية بعد الطلاق البائن عملا بارادته.

ومثل زوال ملكه عن العبد ما لو أعتق بعضه كما لو حلف لا يكلم عبدا فكلم مبعضا فانه لا يحنث.

وكذا لو حلف لا يكلم حرا أو لا يكلم حرا ولا عبدا كما لو حلف لا يأكل بسرة ولا رطبة فأكل منصفه فانه لا يحنث.

ولو اشترى زيد دارا أخرى بعد الدار الأولى لم يحنث الحالف بدخولها ان أراد الدار الأولى، وان أراد أى دار تكون فى ملكه حنث بالثانية وكذا ان أطلق كما ذكره البغوى وغيره، وان أراد أى دار جرى عليها ملكه حنث بهما.

ونقل الرافعى رحمه الله تعالى عن الحليمى أن الاضافة ان تعلقت بما يملك فالاعتبار بالمالك وان تعلقت بما لا يملك فالاعتبار بالمحلوف عليه كما لو قال لا أكلم عبد فلان حنث بالموجود فى ملكه وبالمتجدد اعتبارا بالمالك وان قال لا أكلم ولد فلان حنث بالموجود دون المتجدد.

والفرق أن اليمين تنزل على ما للمحلوف عليه قدرة على تحصيله ولا يشكل على ذلك ما قاله صاحب الكافى من أنه لو حلف لا يمس شعر فلان فحلقه فنبت شعر آخر فمسه حنث لأن هذا أصل الشعر المحلوف عليه فليس هو غيره

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه لو حلف شخص على مضاف معين بالاشارة ثم تبدلت الاضافة كما لو حلف لا كلمت زوجة زيد هذه ولا عبده هذا ولا دخلت داره هذه فطلق زيد الزوجة وباع العبد وباع الدار فكلم الزوجة والعبد ودخل الدار حنث الحالف، لأن التعيين يقدم على الاسم فاذا قدم التعيين على الاسم فلأن يقدم على الاضافة أولى

(2)

.

وان قال الحالف فى حلفه لا كلمت سعدا زوج هند أو سيد صبيح أو صديق عمر أو مالك هذه الدار أو صاحب الطيلسان، أو قال لا كلمت هندا امرأة سعد أو صبيحا عبده أو عمرا صديقه فطلق الزوجة وباع العبد والدار والطيلسان وعادى عمرا ثم كلمهم حنث

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 306 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 4 ص 147، ص 148 فى كتاب على هامشه منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 103

لأنه متى اجتمع الاسم والاضافة غلب الاسم لجريانه مجرى التعيين فى تعريف المحل

(1)

. واليمين المطلقة تنصرف الى الموضوع الشرعى ويتناول الصحيح منه، لأن الفاسد ممنوع منه بأصل الشرع فلا حاجة الى المنع من فعله باليمين فاذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو حلف لا يزوج غيره فزوجه زواجا فاسدا أو حلف ما بعت ولا صليت ونحوه وكان قد فعل ذلك فاسدا لم يحنث.

لأن اليمين لم تتناول الفاسد الا أن يضيف اليمين الى شئ لا تتصور فيه الصحة كحلفه لا يبيع الحر أو لا يبيع الخمر أو ما باع الحر أو ما باع الخمر فيحنث لتعذر حمل يمينه على عقد صحيح فتعين كون صورة ذلك محلا له

(2)

.

ولو حلف لا يدخل دار فلان أو لا يركب دابته أو لا يلبس ثوبه فدخل أو ركب أو لبس ما هو ملك له أو ما هو مؤجره أو مستأجره أو جعله لعبده حنث، لأن الاضافة للاختصاص وساكن الدار مختص بها فاضافتها اليه صحيحة وهى مستعملة فى العرف، وقد قال الله عز وجل «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ»

(3)

وقال تعالى «وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ»

(4)

وما جعله السيد لعبده لم يخرج عن ملك السيد ولا يحنث من حلف لا يدخل دار فلان أو لا يلبس ثوبه أو لا يركب دابته فاستعاره فلان أو استعاره عبده أو غصبه من دار أو ثوب أو دابة، لأنه لا يملك منافعه بخلاف المستأجر ولو حلف لا يدخل مسكنه حنث الحالف بدخول مستأجر يسكنه ودخول مستعار يسكنه ودخول مغصوب يسكنه لأنه يسكنه ولا يحنث بدخول ملكه الذى لا يسكنه سواء كان مالكا لعينه أو منافعة ولم يسكنه لأنه ليس مسكنه، وان قال فى حلف لا يدخل ملكه لم يحنث بمستأجر له لأنه ليس ملكه أشبه المستعار له، ومن حلف لا يركب دابة عبد فلان فركب دابة جعلت برسمه حنث، لأنه مختص بها حينئذ كحلفه لا يركب رجل هذه الدابة أو لا يبيعه أو لا يهبه ونحوه

(5)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى ان من حلف أن لا يدخل دار زيد فان كانت من الدور المباحة الدهاليز كدور الرؤساء لم يحنث بدخول الدهليز حتى يدخل منها ما يقع على من صار هنالك أنه داخل دار زيد، وان كانت من الدور التى لا تباح دهاليزها حنث بدخول الدهليز، وهكذا فى المساجد والحمامات وسائر المواضع لما ذكرنا من أنه انما يراعى ما يتخاطب

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 148 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 148 نفس الطبعة.

(3)

الآية رقم 1 من سورة الطلاق.

(4)

الآية رقم 33 من سورة الأحزاب.

(5)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 4 ص 152 نفس الطبعة.

ص: 104

به أهل تلك اللغة وقد قال الله عز وجل «وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا»

(1)

فهذا عموم ولا يجوز أن يقال أن محمدا صلى الله عليه وسلم والأنبياء يدخلون جهنم

(2)

.

ومن حلف أن لا يدخل دار فلان وأن لا يدخل الحمام فمشى على سقوف كل ذلك أو دخل دهليز الحمام لم يحنث لأنه لم يدخل الدار ولا الحمام ولا يسمى دخول دهليز الحمام دخول حمام

(3)

.

ومن حلف بالله لا أكلت هذا الرغيف أو قال لا شربت ماء هذا الكوز فلا يحنث بأكل بعض الرغيف ولو لم يبق منه الا فتاته ولا بشرب بعض ما فى الكوز ولو لم يبق منه الا نقطة الا حتى يستوعب أكل جميع الرغيف وشرب جميع ما فى الكوز وكذلك لو حلف لآكلن هذا الرغيف اليوم فأكله كله الا فتاتة وغابت الشمس حنث، وهكذا فى الرمانة وفى كل شئ فى العالم لا يحنث ببعض ما حلف عليه

(4)

.

ولو حلف أن لا يأكل من هذا الرغيف أو أن لا يشرب من ماء هذا الكوز حنث بأكل شئ منه وشرب شئ منه لأنه خلاف ما حلف عليه

(5)

ولو حلف أن لا يشرب ماء النهر، فان كانت له نية فى شرب شئ منه حنث بأى شئ شرب منه لأنه بهذا يخبر عن شرب بعض مائه فان لم يكن له نية فلا حنث لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: انما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى

(6)

.

ومن حلف أن لا يأكل طعاما اشتراه زيد فأكل طعاما اشتراه زيد وآخر معه لم يحنث وكذا لو حلف أن لا يدخل دار زيد فدخل دارا يسكنها زيد وبكر.

وكذلك دار بين زيد وغيره لم يحنث الا أن ينوى دارا يسكنها زيد فيحنث لأن المنظور اليه فى الأيمان ما تعارفه أهل تلك اللغة فى كلامهم الذى به حلف وعليه حلف فقط، ولا يطلق على طعام اشتراه زيد وخالد أنه اشتراه زيد، ولا على دار مشتركة أنها لأحد من هى له

(7)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن الحالف لو حلف لا أكلم هذا الشاب أو هذا المعمم أو زوج فلانة فكلمه وقد شاخ

(1)

الآية رقم 71 من سورة مريم.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 8 ص 55، ص 56 مسئلة رقم 1150 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 56 مسئلة رقم 1151 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 8 ص 54 مسئلة رقم 1147 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق ج 8 ص 55 مسئلة رقم 1148 نفس الطبعة.

(6)

المرجع السابق ج 8 ص 55 مسئلة رقم 1149 نفس الطبعة.

(7)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 60 مسئلة رقم 1159 الطبعة السابقة.

ص: 105

أو نزع العمامة أو طلق فانه يحنث، بخلاف ما اذا قال لا أكلم شبابا أو معتما أو زوجا لفلانة، وهكذا لو حلف لا لبس هذا الثوب فاتخذ منه سراويل فلبسه أو تعمم بقطعة منه فانه يحنث

(1)

.

ولو حلف لا يشرب من حليب بقرة معينة قيل حنث بسمنها، وقال مولانا عليه السلام، وفيه نظر لأن الحليب غير مشار اليه والاشارة الى البقرة ليست باشارة اليه فلا وجه لحنثه بالسمن

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن الحالف لو حلف لا يأكل من طعام اشتراه زيد فاشترى زيد طعاما وحده واشترى عمرو طعاما وحده وخلطاهما معا فأكل الحالف منه فان أكل النصف فما دونه لم يحنث، وان زاد على النصف حنث، لأنه لا يقطع على أنه أكل من طعام انفرد زيد بشرائه حتى يزيد على النصف

(3)

.

واذا حلف لا يأكل من طعام اشتراه، زيد فاشترى زيد وعمرو طعاما صفقة واحدة فأكل منه لم يحنث، لأن قوله طعام اشتراه زيد كناية راجعة الى طعام انفرد زيد بشرائه وليس فيه جزء ولا ذرة يشار اليه أن زيدا انفرد بشرائه، بدليل أنه لو أشار الى حبة منه فقال: هذه اشتراها زيد؟، قالوا: لا وانما اشتراها زيد وعمرو، فهو كما لو حلف لا لبست ثوب زيد فلبس ثوبا لزيد وعمرو، أو قال لا دخلت دار زيد فدخل دار زيد وعمرو لم يحنث، ويفارق الرغيفين، لأن كل واحد يشار اليه أنه لزيد والآخر لعمرو ولهذا حنث، وهذا قوى

(4)

.

واذا حلف لا دخلت دار زيد هذه أو لا كلمت عبد زيد هذا أو لا كلمت زوجة زيد لم يتعلق اليمين بغير ما علق اليمين به، فان دخلها وملكها لزيد حنث بلا خلاف، وان زال ملكه عنها فدخلها بعد ذلك لم يحنث، لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دلالة، وأيضا فاذا دخل هذه الدار بعد خروجها عن ملك زيد لا يقال دخل دار زيد فوجب أن لا يحنث لأن اليمين متعلقة بالاسم فاذا زال الاسم وجب أن يزول الحنث

(5)

.

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لابن مفتاح ج 4 ص 565 مسئلة رقم 48 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 20 نفس الطبعة.

(3)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد ابن الحسن الطوسى ج 2 ص 565 مسئلة رقم 48 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 564، ص 565 مسئلة رقم 46 الطبعة السابقة.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 565، ص 566 مسئلة رقم 49 الطبعة السابقة.

ص: 106

واذا حلف لا يدخل دار زيد فان دخلها وهى ملك لزيد حنث بلا خلاف وان كان ساكنها بأجرة لم يحنث، لأن حقيقة هذه الاضافة تفيد الملك وانما تستعمل فى السكنى مجازا وظواهر الأسماء يجب حملها على الحقيقة.

والدليل على أن حقيقة ذلك ما قلناه أنه لو قال هذه الدار لزيد كان ذلك اعترافا بالملك، فلو قال أردت أن سكنها بأجرة لم يقبل منه، وانما يجوز أن يقول هذه دار زيد ثم ينفى فيقول لا ليست لزيد وانما يسكنها بأجرة ولا يجوز ذلك فى الملك فاذا انتفى الملك عنها وجب أن ينتفى الحنث

(1)

.

واذا حلف لا لبس ثوبا من عمل يد فلان فوهب له فلان ثوبا، فان لبسه حنث بلا خلاف، وان استبدل به فباعه أو بادل به فلبسه لم يحنث، وكذلك لو حلف لا لبس من غزل امرأته، فان لبس منه حنث وان باعه واشترى بثمنه ثوبا أو اشترى به ثوبا فلبسه لم يحنث لأنه ثبت عندنا أن الحكم اذا علق باسم لا يلتفت الى سببه فان كان عاما حمل على عمومه وان كان خاصا كذلك ولا يلتفت الى سببه خاصا كان أو عاما

(2)

واذا قال الخليفة أو الملك والله لا ضربت عبدى ثم أمر عبده فضربه لم يحنث، لأن حقيقة هذه الاضافة أن يفعل الفعل بنفسه وانما ينسب ما يفعله غيره بأمره اليه على ضرب من المجاز، ألا ترى أنه يحسن أن يقال ما ضربه وانما ضربه غلامه أو من أمره ولو كان حقيقة لما جاز ذلك

(3)

.

واذا حلف لا يركب دابة العبد وللعبد دابة قد جعلها له سيده فى رسمه فركبها لم يحنث، لأن العبد لا يملك شيئا أصلا وهذه الاضافة تقتضى الملك، واذا انتفى عنه الملك فما ركب دابته، فلا يحنث وانما تضاف اليه مجازا

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن من حلف لا يلبس ثوبا من غزل امرأته لم يحنث - عند أبى عبد الله - ان لبس ما فيه غزلها حتى يلبس ثوبا من غزلها.

وعند غير أبى عبد الله يحنث.

وقيل ان كان غزلها فيه قدر ثوب.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 567 مسئلة رقم 52 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 566، ص 567 مسئلة رقم 51 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 570 مسئلة رقم 64 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 577 مسئلة رقم 92 نفس الطبعة.

ص: 107

ووجه من قال بعدم الحنث أن قوله من غزل امرأته بيان لجنس الثوب فهو نعت لجملة الثوب فكأنه قال ثوبا غزلته امرأته كله، لكن ان كان كله من غزلها الا قليلا حنث، لأن الحكم للأغلب الا أن كانت له نية.

وان حلف لا يلبس غزلها حنث وان بأقل من غزلها فى ثوب ان لبسه، لأن قوله لا يلبس غزلها معناه لا يلبس شيئا مغزولا لها فيشمل ما قل وما كثر.

وان حلف ليلبسن ثوبا من غزلها بر بثوب غزلته كله أو أكثر من نصفه.

ومن حلف عن ثوب كتان فلبس ثوب كتان وقطن ملحم لم يحنث وان حلف عن ثياب فلان فلبس منها واحدا لم يحنث حتى يلبس ثلاثة أن أرسل والظاهر عندى الحنث، لأن هذه الاضافة كأل التى للحقيقة

(1)

.

وان حلف أن لا يأكل من مال أخيه شيئا فأكل نبقا من سدرة بينهما، أو حلف لا يأكل من مال زوجته فأكل من نخلة مشتركة بينهما قيل يحنث - واختاره أبو عبد الله وأبو معاوية وهو الصحيح عندى، لأن ما أكله لم يدخل ملكه لأن قسمته وحده بدون حضور شريكه لا تجزيه ولا تدخل شيئا فى ملكه فهو حانث ولا سيما ان لم ينو القسمة.

وقيل لا يحنث حتى يأكل أكثر من حصته حيث كان شريكا وأكثر من حصة غيره اذا كان غيره هو الشريك للمحلوف عن ماله.

وعلى القول الأول لو قسم المال وأكل من حصته غير المحلوف عنه لا يحنث

(2)

.

‌ثانيا: حكم اضافة اليمين الى وقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أن شرط انعقاد اليمين على أمر فى المستقبل أن يكون متصور الوجود حقيقة عند الحلف وبقاؤها أيضا متصور الوجود حقيقة بعد اليمين شرط بقاء اليمين، حتى لا ينعقد اليمين على ما هو مستحيل الوجود حقيقة ولا يبقى اذا صار بحال يستحيل وجوده، وهذا قول أبى حنيفة ومحمد وزفر رحمهم الله تعالى.

وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى هذا ليس بشرط لانعقاد اليمين ولا لبقائها وانما الشرط أن تكون اليمين على أمر فى المستقبل.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 2 ص 458 طبع البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 462 نفس الطبعة.

ص: 108

وأما كونه متصور الوجود عادة فهل هو شرط انعقاد اليمين.

قال أصحابنا الثلاثة رحمهم الله تعالى ليس بشرط فينعقد على ما يستحيل وجوده عادة بعد أن كان لا يستحيل وجوده حقيقة.

وقال زفر رحمه الله تعالى: هو شرط لا تنعقد اليمين بدونه.

وبيان هذه الجملة: اذا قال والله لأشربن الماء الذى فى هذا الكوز فاذا لا ماء فيه لم تنعقد اليمين فى قول أبى حنيفة ومحمد وزفر رحمهم الله تعالى لعدم شرط الانعقاد وهو تصور شرب الماء الذى حلف عليه.

وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى تنعقد لوجود الشرط وهو الاضافة الى أمر فى المستقبل.

وان كان يعلم أنه لا ماء فيه تنعقد عند أصحابنا الثلاثة.

وعند زفر لا تنعقد، وهو رواية عن أبى حنيفة أنه لا تنعقد علم أو لم يعلم.

وعلى هذا الخلاف اذا وقت وقال والله لأشربن الماء الذى فى هذا الكوز اليوم ولا ماء فى الكوز فانه لا تنعقد عند أبى حنيفة ومحمد وزفر.

وعند أبى يوسف تنعقد.

وعلى هذا الخلاف اذا قال والله لأقتلن فلانا، وفلان ميت وهو لا يعلم بموته فانه لا تنعقد عندهم خلافا لأبى يوسف رحمه الله تعالى.

وان كان عالما بموته تنعقد عندهم خلافا لزفر.

ولو قال والله لأمسن السماء أو لأصعدن السماء أو لأحولن هذا الحجر ذهبا تنعقد عند أصحابنا الثلاثة.

وعند زفر لا تنعقد.

أما الكلام مع أبى يوسف رحمه الله تعالى فوجه قوله أن الحالف جعل شرط عدم حنثه القتل والشرب فى المطلق وفى الوقت عدم الشرب فى المدة وقد تأكد العدم فتأكد شرط الحنث فيحنث كما فى قوله والله لأمسن السماء أو لأحولن هذا الحجر ذهبا، وبدل لهما أن اليمين تنعقد للبر لأن البر هو موجب اليمين وهو المقصود الأصلى من اليمين أيضا لأن الحالف بالله تعالى يقصد بيمينه تحقيق البر والوفاء بما عهد وانجاز ما وعد ثم الكارة تجب لدفع الذنب الحاصل بتفويت البر وهو الحنث فاذا لم يكن البر متصور الوجود حقيقة لا يتصور الحنث فلم يكن فى انعقاد اليمين فائدة فلا تنعقد.

ص: 109

والدليل على أن البر غير متصور الوجود من هذه اليمين حقيقة أنه اذا كان عنده أن فى الكوز ماء وأن الشخص حى فيمينه تقع على الماء الذى كان فيه وقت اليمين، وعلى ازالة حياة قائمة وقعت يمينه عليه، وفى مسئلة القتل زالت تلك الحياة على وجه لا يتصور عودها، بخلاف ما اذا كان عالما بذلك، لأنه اذا كان عالما به فانما انعقد يمينه على ماء آخر يخلقه الله تعالى وعلى حياة أخرى يحدثها الله تعالى الا أن ذلك على نقض العادة فكان العجز عن تحقيق البر ثابتا عادة فيحنث. بخلاف قوله والله لأمسن السماء ونحوه، لأن هناك البر متصور الوجود فى نفسه حقيقة بأن يقدره الله تعالى كما أقدر الملائكة وغيرهم من الأنبياء عليهم الصلاة والسّلام الا أنه عاجز عن ذلك عادة فلتصور وجوده حقيقة انعقدت وللعجز عن تحقيقه عادة حنث ووجبت الكفارة.

وأما الكلام مع زفر فى اليمين على مس السماء ونحوه فهو يقول المستحيل عادة يلحق بالمستحيل حقيقة وفى المستحيل حقيقة لا تنعقد كذا فى المستحيل عادة.

ويدل لنا أن اعتبار الحقيقة والعادة واجب ما أمكن، وفيما قلناه اعتبار الحقيقة والعادة جميعا، وفيما قاله اعتبار العادة واهدار الحقيقة، فكان ما قلناه أولى.

ولو قال والله لأمسن السماء اليوم يحنث فى آخر اليوم عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى.

وفى قياس قول أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه يحنث فى الحال.

وقد روى عن أبى يوسف ما يدل عليه فانه قال فى رجل حلف ليشربن ماء دجلة كله اليوم قال أبو حنيفة لا يحنث حتى يمضى.

وقال أبو يوسف يحنث الساعة، فان قال فى يمينه غدا لم يحنث حتى يمضى اليوم فى قول أبى حنيفة، لأن الانعقاد يتعلق بآخر اليوم عنده.

فأما أبو يوسف فقال يحنث فى أول جزء من أجزاء الغد، لأن شرط البر غير منتظر فكأنه قال لها أنت طالق فى غد، هذا اذا لم يكن المحلوف عليه متصور الوجود حقيقة أو عادة وقت اليمين حتى انعقدت اليمين بلا خلاف ثم فات فالحلف لا يخلو أما أن يكون مطلقا عن الوقت وأما أن يكون مؤقتا بوقت.

وكل ذلك لا يخلو اما أن يكون فى الاثبات أو فى النفى.

ص: 110

فان كان مؤقتا بوقت فالوقت نوعان مؤقت نصا ومؤقت دلالة.

أما المؤقت نصا فان كان فى الاثبات بأن قال والله لا آكلن هذا الرغيف اليوم أو لأشربن هذا الماء الذى فى هذا الكوز اليوم أو لأدخلن هذه الدار ونحو ذلك فما دام الحالف والمحلوف عليه قائمين والوقت قائما لا يحنث لأن البر فى الوقت مرجو فتبقى اليمين وان كان الحالف والمحلوف عليه قائمين ومضى الوقت يحنث فى قولهم جميعا، لأن اليمين كانت مؤقتة بوقت فاذا لم يفعل المحلوف عليه حتى مضى الوقت وقع اليأس عن فعله فى الوقت ففات البر عن الوقت فيحنث، وان هلك الحالف فى الوقت والمحلوف عليه قائم فمضى الوقت لا يحنث فى الاجماع، لأن الحنث فى اليمين المؤقتة بوقت يقع فى آخر أجزاء الوقت وهو ميت فى ذلك الوقت والميت لا يوصف بالحنث.

وان هلك المحلوف عليه والحالف قائم والوقت باق بطل اليمين فى قول أبى حنيفة ومحمد وزفر.

وعند أبى يوسف لا يبطل ويحنث.

واختلفت الرواية عنه فى وقت الحنث أنه يحنث للحال أو عند غروب الشمس، روى أنه يحنث عند غروب الشمس وروى عنه أنه يحنث للحال، قيل وهو الصحيح من مذهبه.

وان كان فى النفى فمضى الوقت والحالف والمحلوف عليه قائمان فقد بر فى يمينه لوجود شرط البر وكذلك ان هلك الحالف والمحلوف عليه فى الوقت، وان فعل المحلوف عليه فى الوقت حنث لوجود شرط الحنث وهو الفعل فى الوقت

(1)

.

وأما المؤقت دلالة فهو المسمى يمين الفور وأول من اهتدى الى جوابها أبو حنيفة رحمه الله تعالى ثم كل من سمعه استحسنه وما رآه المؤمنون حسنا فهو عند الله حسن وهو أن يكون اليمين مطلقا عن الوقت نصا ودلالة الحال تدل على تقييد الشرط بالفور بأن خرج جوابا لكلام أو بناء على أمر نحو أن يقول لآخر تعال تغد معى فقال والله لا أتغدى فلم يتغد معه ثم رجع منزله فتغدى لا يحنث استحسانا.

والقياس أن يحنث وهو قول زفر رحمه الله تعالى.

ووجه القياس أنه منع نفسه عن

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 3 ص 11 وما بعدها الى ص 13 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

ص: 111

التغدى عاما فصرفه الى البعض دون البعض تخصيص للعموم.

ويدل لنا أن كلامه خرج جوابا للسؤال فينصرف الى ما وقع السؤال عنه والسؤال وقع عن الغداء المدعو اليه فينصرف الجواب اليه كأنه أعاد السؤال وقال والله لا أتغدى الغداء الذى دعوتنى اليه، وكذا اذا قامت امرأته لتخرج من الدار فقال لها ان خرجت فأنت طالق فقعدت ثم خرجت بعد ذلك لا يحنث استحسانا لأن دلالة الحال تدل على التقييد بتلك الخرجة كأنه قال ان خرجت هذه الخرجة فأنت طالق.

ولو قال لها ان خرجت من هذه الدار على الفور أو فى هذا اليوم فأنت طالق بطل اعتبار الفور، لأنه ذكر ما يدل على أنه ما أراد به الخرجة المقصود اليها، وانما أراد الخروج المطلق عن الدار فى اليوم حيث زاد على قدر الجواب.

وعلى هذا يخرج ما اذا قيل له أنك تغتسل الليلة فى هذه الدار من جنابة فقال: ان اغتسلت فعبدى حر ثم اغتسل لا عن جنابة، ثم قال عنيت به الاغتسال عن جنابة فانه يصدق لأنه أخرج الكلام مخرج الجواب ولم يأت بما يدل على اعراضه عن الجواب فيقيد بالكلام ويجعل كأنه أعادة ولو قال ان اغتسلت فيها الليلة عن جنابة فأنت حر، أو قال ان اغتسلت الليلة فى هذه الدار فعبدى حر، ثم قال عنيت الاغتسال من جنابة لم يصدق فى القضاء لأنه زاد على القدر المحتاج اليه من الجواب حيث أتى بكلام مفيد مستقل بنفسه فخرج عن حد الجواب وصار كلاما مبتدأ فلا يصدق فى القضاء لكن يصدق فيما بينه وبين الله تعالى، لأنه يحتمل أنه أراد به الجواب ومع هذا زاد على قدره، وهذا وان كان بخلاف الظاهر، لكن كلامه يحتمله فى الجملة.

وعلى هذا يخرج ما قاله ابن سماعة:

سمعت محمدا يقول فى رجل قال لآخر ان ضربتنى ولم أضربك وما أشبه ذلك فهذا على الفور، قال وقوله لم يكون على وجهين: على قبل، وعلى بعد، فان كانت على بعد فهى على الفور، ولو قال ان كلمتنى فلم أجبك فهذا على بعد وهو على الفور، وان قال ان ضربتنى ولم أضربك فهو عندنا على أن يضرب الحالف قبل أن يضرب المحلوف عليه، فان أراد به بعد ونوى ذلك فهو على الفور، وهكذا روى عن محمد رحمه الله تعالى.

وجملة هذا أن هذه اللفظة قد تدخل على الفعل الماضى وقد تدخل على المستقبل فما كان معانى كلام الناس عليه حمل عند الاطلاق عليه وان كانت مستعملة فى الوجهين على السواء يتميز أحدهما بالنية، فاذا قال ان ضربتنى ولم أضربك فقد حمله محمد

ص: 112

على الماضى كأنه رأى معانى كلام الناس عليه عند الاطلاق فكأنه قال ان ضربتنى من غير مجازاة لما كان منى من الضرب فعبدى حر، ويحتمل الاستقبال أيضا، فاذا نواه حمل عليه، واذا قال ان كلمتنى ولم أجبك كان على المستقبل، لأن الجواب لا يتقدم الكلام فحمل على المستقبل ويكون على الفور لأنه يراد به الفور عادة

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى بلغة السالك أن اليمين غير المنعقدة اذا كانت غموسا - بأن حلف بالله على شئ مع شك منه فى المحلوف عليه أو مع ظن فيه غير قوى - لا كفارة فيها ان تعلقت بماض نحو قوله والله ما فعلت كذا أو لم يفعل زيد كذا أو لم يقع كذا مع شكه أو ظنه فى ذلك أو تعمده الكذب فان تعلقت بمستقبل ولم يحصل المحلوف عليه كفرت نحو والله لآتينك غدا أو لأقضينك حقك فى غد ونحو ذلك وهو جازم عند الحلف بعدم ذلك أو متردد فعلى كل حال يجب عليه الوفاء بذلك فان لم يوف بما حلف عليه لمانع أو غير مانع فالكفارة وان حرم عليه الحلف مع جزمه أو تردده فى ذلك، وأما لو كان جازما بالاتيان أو القضاء عند الحلف، ثم طرأ خلف الوعد فلا يقال له غموس، بل من اللغو، وكذا تكفر ان تعلقت بالحال نحو والله ان زيدا لمنطلق أو مريض أو معذور أى فى هذا الوقت وهو متردد فى ذلك أو جازم بعدم ذلك

(2)

.

واذا كانت اليمين غير المنعقدة لغوا - بأن حلف على شئ يعتقد حصوله أو عدم حصوله فظهر خلافه - فان تحلقت بغير مستقبل فلا كفارة فيها، بأن تعلقت بماض نحو والله ما زيد فعل كذا أو لقد فعل كذا معتقدا حصول ما حلف عليه فتبين خلافه، أو تعلقت بحال نحو أنه لمنطلق، فان تعلقت بمستقبل نحو والله لأفعلن كذا فى غد مع الجزم بفعله فلم يفعل كفرت

(3)

.

وجاء فى مواهب الجليل: نقلا عن التوضيح أن من حلف ليفعلن شيئا فتعذر فعله فأما أن يكون الفعل مؤقتا أو غير مؤقت.

قال ابن بشير فان كان الفعل غير مؤقت بأجل فان كان فرط حتى تعذر الفعل فلا خلاف أنه حانث فان بادر فلم

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 13 نفس الطبعة.

(2)

بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ محمد الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 307، ص 308 فى كتاب على هامشه الشرح الصغير لسيدى أحمد الدردير طبع المكتب التجارى بمصر.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 308، نفس الطبعة.

ص: 113

يمكنه الفعل فكما لو كان مؤقتا، والمؤقت ينقسم تعذره الى ثلاثة أقسام اما أن يكون عقلا أو شرعا أو عادة فالعقلى كتعذر ذبح الحمام المحلوف بذبحها لموتها اذ الذبح فى الميت متعذر فلا خلاف منصوص أنه لا يحنث.

وخرج اللخمى رحمه الله تعالى قولا بالحنث من التعذر الشرعى.

وأما العادى فكما لو حلف ليذبحن الحمامات غدا فعطبت أو سرقت او استحقت فذكر خليل رحمه الله تعالى قولين.

ومذهب المدونة الحنث.

وأما الشرعى فكما لو حلف ليطأنها الليلة فوجدها حائضا أو حلف ليبيعن الأمة فوجدها حاملا وذكر خليل فيه قولين ومذهب المدونة الحنث.

ونص سحنون رحمه الله تعالى فى مسئلة البيوع على عدم الحنث.

ووقع لابن القاسم وابن دينار رحمهما الله تعالى فيمن حلف ليطأن امرأته الليلة فقام فوجدها حائضا ان فرط قدر ما يمكنه الوط ء حنث والا فلا، واختاره ابن حبيب وابن يونس رحمهما الله تعالى.

وانما فرق ابن القاسم بين الموت والسرقة والبيع لأن الفعل فى الميت لا يمكنه البتة بخلاف السرقة والبيع فان الفعل يمكنه اذا مكن من ذلك ومنع الشرع منه أو العادة لا يمنع بعض الحالفين من قصده فلا يعذر بفعل السارق ونحوه لأن من أصل ابن القاسم أن الحالف ليفعلن لا يعذر بالاكراه والغلبة الا أن ينوى ذلك.

قال ابن بشير رحمه الله تعالى وهذا الخلاف انما هو اذا أطلق اليمين، وأما لو خص وقال قدرت على الفعل أم لا فلا يختلف فى حنثه.

ولو قال ان أمكننى فلم أفعل فلا يختلف فى نفس حنثه

(1)

.

وذكر فى الارشاد أن الفوت يكون بفوت الزمان كقوله لأدخلن اليوم فغربت الشمس ولم يدخل. هذا اذا كان الفعل مؤقتا أو غير مؤقت وبادر ولم يفرط، وأما ان كان غير مؤقت وفرط فانه حانث

(2)

.

ومن حلف أن لا يكلم فلانا فى الموسم حنث أن كلمه فى الحج الا أن يكون نوى سوقا من الأسواق، لأن الموسم قد تعرف فى الحج.

قال البرزلى وسئل السيورى عمن

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد المغربى المعروف بالحطاب ج 3 ص 288، ص 289 فى كتاب على هامشة التاج والأكليل لأبى عبد الله بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 289 نفس الطبعة.

ص: 114

حلف لا دخل الدار ولا آكل الطعام فى هذا العيد فما قدر العيد، فأجاب العيد على قدر ما يعرفه الناس بينهم.

ومن حلف لا يعيد مع أهله فيخرج من بلده الى بلد آخر ولو قربت مسافته ولا يرجع الا فى اليوم الثانى ان كان عيد الفطر، وان كان عيد الأضحى فلا يجزئ الا بعد ثلاثة أيام.

ومن حلف بالطلاق أن لا يطأ أمرأته حتى الى العيد فلا يطؤها حتى العيد وبعد ما ينصرف الامام وان وطئها قبل ذلك حنث

(1)

.

قال فى المدونة ومن حلف ليقضين فلانا حقه الى أجل فقضاه اياه ثم وجد فيه صاحب الحق درهما نحاسا أو رصاصا أو ناقصا نقصا بينا أو زائفا لا يجوز أو استحقت من يده فقام عليه بعد الأجل فهو حانث.

قال فى التوضيح لا أشكال فى الحنث اذا كان الدافع عالما بذلك حين القضاء، وأما ان لم يعلم ففى المدونة يحنث.

قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى وهو مشكل، لأن القصد أن لا يماطل وقد فعل

(2)

.

ومن حلف ليقضين فلانا حقه فى الأجل الفلانى فأعطاه رهنا لم يبر عند ابن القاسم رحمه الله تعالى وهو المشهور.

وقال أشهب رحمه الله تعالى يبر بذلك نقله ابن رشد رحمه الله تعالى ووجه قول ابن القاسم بأنه لا يرى البر الا بأكمل الوجوه

(3)

.

واذا حلف لك غريمك ليقضينك حقك رأس الشهر فوهبت له حقك أو وضعت منه صدقة أو صلة لم يبر، قال فى التوضيح لعدم حصول القضاء.

قال اللخمى هذا على مراعاة الألفاظ وأما على مراعاة المقاصد فلا يحنث، لأن القصد أن لا تكون نيته لددا.

وعلى الحنث فقيل يحنث بنفس قبول الهبة وان لم يحل الأجل - واليه ذهب اصبغ وابن حبيب رحمه الله تعالى.

وقيل لا يحنث حتى يحل الأجل ولم يقضه دينه، ولو قضاه اياه بعد القبول وقبل حلول الأجل لم يحنث وهو ظاهر قول مالك وأشهب

(4)

.

قال ابن القاسم رحمه الله تعالى ولو ان رجلا حلف ليقضين فلانا حقه

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 289، ص 290 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 305، ص 306 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 306 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 3 ص 307 نفس الطبعة.

ص: 115

غدا يوم الجمعة وهو يظن أنه يوم الجمعة فاذا هو يوم الخميس فان لم يقضه ذلك اليوم يوم الخميس حنث، لأن يمينه كانت على الخميس حين قال غدا فكانت يمينه على غد، ولا فرق فى ذلك بين أن يقدم غدا على الجمعة أو يؤخر، فان حلف ليقضين فلانا حقه غدا فقضاه اليوم فقد بر.

ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث اذ الطعام قد يخص به اليوم، والغريم انما القصد فيه القضاء.

قال أشهب، ان سئل فى أكله اليوم فقال دعونى اليوم فأنا والله آكله غدا فلا حنث عليه اذا أكله اليوم لأن قصده الأكل لا تعيين اليوم، وان كان على غير ذلك حنث

(1)

.

قال مالك رحمه الله تعالى وأن حلف ليقضين فلانا حقه رأس الشهر أو عند رأس الشهر أو اذا استهل الشهر فله يوم وليلة من أول الشهر، وان قال الى استهلال الشهر أو الى رمضان فاذا انسلخ شعبان واستهل رمضان ولم يقضه حنث.

وروى ابن المواز عن ابن القاسم رحمهما الله تعالى ان كل ما ذكر فيه الى فهو حانث بغروب الشمس من آخر شهر هو فيه كقوله الى الهلال أو الى مجيئه أو الى رؤيته ونحوه، فان لم يذكر الى وذكر اللام أو عند أو اذا فله ليلة يهل الهلال، ويومها كقوله لرؤية الهلال، لدخوله، لاستهلاله أو عند رؤيته أو اذا استهل أو اذا دخل ونحوه

(2)

، ولو حلف لا يكلمه لأيام لم يكلمه الأبد لقول الله عز وجل «بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ»

(3)

فلو قال الشهور ففى كونه سنة لقول الله سبحانه وتعالى «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً»

(4)

أو الأبد قولان.

قال اللخمى رحمه الله تعالى ولو حلف لا كلمه شهورا أو أياما أو سنين فثلاثة من المسمى.

وفى العتبية والواضحة: يجزئه ثلاثة أيام، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال.

واستحب سحنون رحمه الله تعالى الزيادة عليها.

وقيل: يلزمه الأبد وقيل بمضى مدة عادتهما الاجتماع فيما دونها.

(1)

التاج والأكليل ج 3 ص 307، ص 308 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 308 نفس الطبعة.

(3)

الآية رقم 24 من سورة الحاقة.

(4)

الآية رقم 36 من سورة التوبة.

ص: 116

وقيل سنة.

وقيل ثمانية أشهر.

وقال مالك رحمه الله تعالى ومن قال والله لأقضينك حقك الى حين أو زمن أو دهر فذلك كله سنة.

قال اللخمى وكذلك عصرا أو زمانا سنة

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أن اليمين تصح على ماض وعلى مستقبل، أما الماضى فنحو قولك والله ما فعلت كذا أو فعلته وذلك بالاجماع لقول الله عز وجل «يَحْلِفُونَ بِاللهِ ما قالُوا»

(2)

ثم ان كان عامدا فهى اليمين الغموس سميت بذلك لأنها تغمس صاحبها فى الاثم أو فى النار وتتعلق بها الكفارة خلافا للأئمة الثلاثة لقول الله سبحانه وتعالى «وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ»

(3)

وهو يعم الماضى والمستقبل وتعلق الاثم لا يمنع الكفارة.

وأما المستقبل فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «والله لأغزون قريشا»

(4)

.

ولو حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فمات قبل الغد فلا شئ عليه لأنه لم يبلغ زمن البر والحنث، وان مات أو تلف الطعام أو بعضه فى الغد بعد تمكنه من أكله حنث، لأنه فوت البر على نفسه باختياره، وان تلف قبل التمكن ففى حنثه قولان كمكره، أظهرهما عدم الحنث، لأن فوت البر ليس باختياره، وأن أتلفه أو اتلف بعضه بأكل أو غيره قبل الغد عالما عامدا مختارا حنث، لأنه فوت البر باختياره، وقضية كلامه أنه يحنث فى الحال لتحقق الياس وهو وجه.

والأصح أنه لا يحنث حتى يأتى الغد، كما قطع به ابن كج.

وعلى هذا هل حنثه بمضى زمن امكان الأكل من الغد أو قبيل غروب الشمس؟ وجهان أصحهما الأول كما قاله البغوى والامام رحمهما الله تعالى.

وتظهر فائدة الخلاف فيما لو كان معسرا يكفر بالصوم فيجوز له أن ينوى صوم الغد عن كفارته على قضية كلام

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 310 نفس الطبعة.

(2)

الآية رقم 74 من سورة التوبة.

(3)

الآية رقم 89 من سورة المائدة.

(4)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 299 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

ص: 117

الامام النووى رحمه الله تعالى دون الأصح. وان تلف الطعام بنفسه أو أتلفه أجنبى قبل الغد فكمكره والأظهر فيه عدم الحنث.

ولو قال مخاطبا لشخص له عليه حق: والله لأقضين حقك عند رأس الهلال أو معه أو مع الاستهلال أو عنده أو عند رأس الشهر أو مع رأسه او اول الشهر فليقض الحق المحلوف عليه عند غروب الشمس آخر الشهر الذى قبله لوقوع هذا اللفظ على أول جزء من الليلة الأولى من الشهر ويعرف اما برؤية الهلال أو العدد لكن لفظة عند أو مع تقتضى المقارنة.

قال الرافعى: وذكر الامام والغزالى رحمهما الله تعالى أن هذا لا يكاد يقدر عليه فأما أن يتسامح فيه ويقنع بالممكن أو يقال التزم محالا فيحنث بكل حال وهذا لا ذاهب اليه، وظاهر كلامهم الأول كما يؤخذ من كلام النووى رحمه الله تعالى فان قدم قضاء الحق على غروب الشمس أو مضى بعد الغروب قدر امكان قضاء الحق حنث لتفويته البر باختياره، وكذا لو مضى زمن الشروع ولم يشرع مع الامكان، ولا يتوقف على مضى زمن القضاء كما صرح به الماوردى رحمه الله تعالى، فينبغى أن يعد المال ويترصد ذلك الوقت فيقضيه فيه.

وقد ذكر الشيخان رحمهما الله تعالى فيما لو قال لأقضين غدا ونوى أنه لا يؤخره عن الغد أنه لا يحنث بقضائه قبله فيجئ مثله هنا فيستثنى هذا من قول النووى رحمه الله تعالى.

وان شرع فى الكيل أو الوزن أو العد عند غروب الشمس أو فى مقدمة القضاء كحمل الكيل أو الميزان ولم يفرغ من توفية الحق الموزون أو المكيل مع تواصل الكيل أو الوزن أو نحوه كما يشير اليه كلام الماوردى، وابن الصباغ رحمهما الله تعالى الا بعد مدة لم يحنث، لأنه أخذ فى القضاء عند ميقاته فان حصلت فترات لا يعد الكيل أو نحوه فيها متواصلا حنث حيث لا عذر.

ولو حمل الحق اليه حين الغروب ومنزله بعيد لا يصل اليه حتى تمضى الليلة لم يحنث كما قاله الماوردى رحمه الله تعالى.

ولو شك فى الهلال فاخر القضاء عن الليلة الأولى وبان كونها من الشهر لم يحنث كالمكره وانحلت اليمين كما قاله ابن المقرى رحمه الله تعالى.

ولو رأى الهلال بالنهار بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة، فلو أخر القضاء الى الغروب لم يحنث كما قاله الصيدلانى رحمه الله تعالى

(1)

.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 316، ص 317 نفس الطبعة.

ص: 118

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن اليمين المنعقدة هى التى يمكن فيها البر والحنث بأن يقصد عقدها على مستقبل، فأما اليمين على الماضى فليست منعقدة، لأن شرط الانعقاد امكان البر والحنث، وذلك متعذر فى الماضى واليمين على الماضى نوعان: غموس ولغو.

أما الغموس فهى التى يحلف بها على الماضى كاذبا عالما

(1)

.

وأما اللغو فهى سبق اليمين على لسانه من غير قصد كقوله لا والله وبلى والله فى عرض حديثه لحديث عطاء عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

اللغو فى اليمين كلام الرجل فى بيته لا والله وبلى والله رواه أبو داود وظاهر الحديث أن اللغو ولو كان قوله لا والله وبلى والله فى عرض حديثه على شئ يفعل فى الزمن المستقبل، لظاهر الخبر، ولا كفارة فيها لقوله تعالى «لا يُؤاخِذُكُمُ اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ.»

(2)

وان عقدها على زمن خاص ماض يظن صدق نفسه كأن حلف ما فعل كذا بظنه لم يفعله فبان بخلافه حنث فى طلاق وعتاق فقط، بخلاف الحلف بالله تعالى أو بنذر أو ظهار لأنه من لغو الأيمان.

وقال الشيخ وكذا عقد اليمين على زمن مستقبل ظانا صدقه فلم يكن صدقه كمن حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل أو ظن المحلوف عليه خلاف نية الحالف ونحو ذلك

(3)

.

ولو حلف ليقضين فلانا حقه غدا فقضاه حقه قبله لم يحنث اذا قصد أن لا يجاوز الغد، أو كان السبب يقتضى التعجيل قبل خروج الغد، لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء ولأن السبب يدل على النية فان عدمت النية وسبب اليمين لم يبرأ الا بقضائه حقه فى الغد، فان عجله قبله حنث كما لو أخره عنه، لأنه ترك فعل ما تناوله يمينه لفظا ولم يصرفها عنه نية ولا سبب كما لو حلف ليصومن شعبان فصام رجب وكذا لو حلف لآكلن شيئا غدا أو لأبيعنه غدا، أو لأشترينه غدا، أو لأضربنه غدا ونحوه. وان قصد بحلفه ليقضينه حقه غدا مطله فقضاه قبله حنث لأن اليمين انعقدت على ما نواه وقد خالفه

(4)

.

ولو حلف لا يكلم فلانا حينا فالحين يقدر بستة أشهر اذا أطلق ولم ينو الحالف شيئا، لأن

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 4 ص 138، ص 139 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(2)

الآية رقم 89 من سورة المائدة.

(3)

كشاف القناع ج 4 ص 139 وص 140.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 145.

ص: 119

الحين المطلق فى كلام الله تعالى أقله ستة فيحمل مطلق كلام الآدمى عليه.

قال عكرمة وسعيد بن جبير وأبو عبيدة رضى الله تعالى عنهم فى قوله تعالى:

«تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ»

(1)

أى كل ستة أشهر وأما قوله تعالى «فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ»

(2)

الآية وقوله «فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتّى حِينٍ»

(3)

فصرفه عن ذلك صارف، وكذا الزمان معرفا أى فهو ستة أشهر قدمه فى المبدع وغيره ولم يعلله، وان قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا أو طويلا أو وقتا أو عمرا أو حقبا فاقل زمان، لأن ما زاد عليه مشكوك فى اردته من اللفظ والأصل عدمه، وان قال الأبد والدهر والعمر معرفا فكل واحد منهما على الزمان كله لأن الألف واللام فيهما للاستغراق، والحقب ثمانون سنة والشهور ثلاثة كالأشهر والأيام لأن أقل الجمع ثلاثة على المتعارف.

وان قال لا أكلمه ونحوه الى الحول فحول كامل من حين اليمين لا تتمته ان حلف فى أثناء حول، قال فى الفروع: أومأ اليه أحمد ذكره فى الانتصار.

وان حلف لا يتكلم ثلاثة أيام أو ثلاث ليال دخل فى ذلك الأيام التى بين الليالى والليالى التى بين الأيام، قال فى المبدع: وان عين أياما تبعتها الليالى

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى: أن من حلف أن لا يفعل أمرا كذا أو أن يفعل امرا كذا فان وقت وقتا مثل غدا أو يوم كذا أو اليوم أو فى وقت يسميه، فان مضى ذلك الوقت ولم يفعل ما حلف أن يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه، أو فعل ما حلف أن لا يفعله فيه عامدا ذاكرا ليمينه فعليه كفارة اليمين هذا ما لا خلاف فيه من أحد، وبه جاء القرآن الكريم والسنة.

فان لم يوقت وقتا فى قوله لأفعلن كذا فهو على البر أبدا حتى يموت، وكذلك لو وقت وقتا ولا فرق ولا حنث عليه

(5)

.

ومن حلف ليقضين غريمه حقه رأس الهلال فانه ان قضاه حقه أول ليلة من الشهر أو أول يوم منه ما لم تغرب الشمس لم يحنث، لأن هذا هو رأس الهلال فى اللغة، فان لم يقضه فى الليلة أو اليوم المذكورين وهو قادر على قضائه ذاكر حنث

(6)

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن من شروط

(1)

الآية رقم 25 من سورة ابراهيم.

(2)

الآية رقم 17 من سورة الروم.

(3)

الآية رقم 54 من سورة المؤمنون.

(4)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس ج 4 ص 153، ص 154 الطبعة السابقة.

(5)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 8 ص 32 مسئلة رقم 1127 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.

(6)

المرجع السابق ج 8 ص 64 مسئلة رقم 1171 نفس الطبعة.

ص: 120

انعقاد اليمين أن يكون على أمر مستقبل ممكن، فان حلف على أمر ماض أو على فعل ما لا يمكن فانكشف تعذره كانت لغوا وان لم يظن صدقها كانت غموسا.

وحيث علق اليمين

(1)

بمستقبل فان علقه برأس الشهر فهو اسم لأول ليلة منه، فلو حلف ليأتينه رأس الشهر لم يبر الا أن يأتيه من غروب شمس آخر يوم من الشهر الأول الى فجر تلك الليلة - وانما جعل الليل كله وقتا لعسر ضبط أوله، والا فالحقيقة أن ذلك لأول جزء من الليل - والشهر اسم لجميعه الى آخر جزء منه فلو حلف ليأتينه فى شهر رجب، فان أتاه قبل غروب شمس آخر يوم منه بر، والا حنث، والعشاء ممتد من وقت المغرب الى ثلث الليل، فلو حلف ليأتينه وقت العشاء، فأتاه تلك الليلة ما بين غروب الشفق الى ثلث الليل بر، والا حنث الا أن يجرى عرف أن وقت العشاء يطلق على الليل كله، فانه يبر اذا أتاه قبل طلوع الفجر بما يسع ركعة، والظهر ممتد من الزوال الى بقية تسع خمس ركعات، فلو حلف ليأتينه وقت الظهر فأتاه فى بقية من النهار تسع خمس ركعات قبل الغروب بر، والا حنث

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن اليمين لا تنعقد على ماض سواء كانت على نفى أو اثبات، ولا يجب بها الكفارة صادقا كان أو كاذبا، عالما كان أو ناسيا لاجماع الفرقة وأخبارهم

(3)

.

واذا حلف على أمر مستقبل أن يفعل أو لا يفعل ثم خالفه عامدا كان عليه الكفارة بلا خلاف، وان خالفه ناسيا لم يجب عندنا الكفارة، لأن الأصل براءة الذمة وشغلها يحتاج الى دليل، وأيضا روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:

«رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» وهذا نسيان

(4)

.

واذا حلف ليأكلن هذا الطعام غدا فأكله اليوم حنث لأن اليمين وقعت على أن يقع الأكل فى غد وهذا ما أكل فى الغد، فيجب أن يحنث

(5)

. واذا حلف ليأكلنه غدا فهلك الطعام اليوم أو غدا، فان هلك بشئ من جهته لزمته الكفارة، وان هلك بشئ من غير جهته فى اليوم لم تلزمه وان كان فى الغد، فان كان بعد القدرة على أكله فلم يأكله حنث وان كان قبل ذلك لم يحنث

(6)

.

واذا حلف ليقضين حقه عند رأس الهلال أو عند استهلال الشهر فانه مما يلزمه أن يعطيه عند رؤية الهلال، لأن لفظة عند

(1)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 96 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 24 نفس الطبعة.

(3)

الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى ج 2 ص 552 مسئلة رقم 7 الطبعة طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 559 مسئلة رقم 30 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 568، ص 569 مسئلة رقم 58 نفس الطبعة.

(6)

المرجع السابق ج 2 ص 569 مسئلة رقم 59 نفس الطبعة.

ص: 121

تفيد المقارنة فى اللغة فمن حملها على غير ذلك كان عليه الدلالة

(1)

.

واذا حلف ليقضين حقه الى حين أو الى زمان أو الى دهر، فالذى رواه أصحابنا ان الحين ستة أشهر والزمان خمسة أشهر، ولم يرووا فى الدهر شيئا

(2)

.

واذا حلف ليقضينه حقه قريبا أو بعيدا فليس له حد، لأن تحديد ذلك يحتاج الى دليل وأيضا قوله قريب وبعيد بالاضافة فقد يكون قريبا بالاضافة الى ما هو أبعد منه، ويكون بعيدا بالأضافة الى ما هو أقرب منه، فاذن ليس ذلك بمحدد

(3)

.

واذا حلف الى حقب فلا حد له

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل ان اليمين الكاذبة اذا تعلقت بالماضى فعلا أو تركا فهى الغموس، واما الصادقة المتعلقة بالماضى فليست غموسا

(5)

.

ومن حلف على فعل أو ترك فى الشتاء فالشتاء وقت دخول الناس بيوتهم لا يعتبر حساب المنجمين ولا البرد فى غير وقته، ويعتبر فى القيظ قيظ العامة. وفى آخر القيظ آخر الرطب والربيع وقت النحل وربيع الثمار عامة الجذاذ واستتار عامة النحل، ولا يعتبر الشواذ، والصيف ثلاثة أشهر وآخر اليوم أو الشهر أو السنة ما قبل حلول صلاة المغرب.

وقيل آخر اليوم آخر العشاء وآخر الشهر بعد نصفه.

وقيل آخر ذلك كله ما قبل طلوع الفجر.

وان كان ذلك معلقا للعيد فالخلاف المذكور وقيل انصراف الامام من العيد وهو توسعة.

ومن حلف لا يدخل السوق الا بالنهار فدخله فيه وبات فلا عليه، والدهر بأل الأبد، وبدون أل سنة، والحين ستة أشهر وقيل سنة، وقيل زمان ولو قال، والضحى وقت ارتفاع الشمس ما لم يكن الزوال، والشروق وقت طلوعها، والزمان يوم وليلة، وقيل سنة، وقيل أربع.

وان قال أياما فثلاثة وقيل عشرة واذا كانت له نية فى ذلك كله فعلى نيته.

ولو حلف ان يفعل كذا فى رمضان أو غير من الأوقات أو ليوفين غريمه دينه يوم كذا

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 569 مسئلة رقم 60 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 569، ص 570 مسئلة رقم 61 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 570 مسئلة رقم 60 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 570 مسئلة رقم 63 نفس الطبعة.

(5)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 2 ص 440 طبع المطبعة البارونية.

ص: 122

فمات قبل دخول الشهر أو اليوم أو الوقت الذى وقته حنث، ولا يلزمهم أن يخرجوا عنه كفارة الحنث الا أن يوصى بها حين احتضر، وقيل لا وهو المختار، لأنه ما حلف الا أنه يفعله وهو حى لأن الفعل لا يكون بعد موته فكأنه قد صرح بشرط الحياة الى ذلك الوقت

(1)

.

‌الاضافة فى النذر

‌أولا: حكم اضافة النذر الى

ما ليس فى ملك الناذر

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط المنذور به اذا كان مالا أن يكون مملوكا للناذر وقت النذر أو أن يكون مضافا الى الملك أو سبب الملك، حتى لو نذر بهدى ما لا يملكه أو بصدقة ما لا يملكه للحال لا يصح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا نذر فيما لا يملكه ابن آدم الا اذا اضاف الى الملك أو الى سبب الملك بأن قال كل مال أملكه فيما استقبل فهو هدى، أو قال فهو صدقة أو قال: كل ما اشتريته أو ما أرثه فيصح عند أصحابنا رحمهم الله تعالى لقول الله عز وجل «وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ» }. الى قوله تعالى «فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ» }.

(2)

ودلت الآية الشريفة على صحة النذر المضاف لأن الناذر بنذره عاهد الله تعالى الوفاء بنذره وقد لزمه الوفاء بما عهد، والمؤاخذة على ترك الوفاء به، ولا يكون ذلك الا فى النذر الصحيح

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: ان النذر المالى لا يلزم اذا نذر مال غيره من عبده أو داره أو غيرهما ان لم يرد بنذره اياه ان ملكه، كان يقول لله على عتق عبد فلان أو التصدق بمال فلان أو داره على الفقراء فان أراد ذلك ان ملكه لزمه حين يملكه لأنه تعليق

(4)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أنه يشترط فى انعقاد نذر القربة المالية - كالصدقة والأضحية الالتزام لها فى الذمة، أو الاضافة الى معين يملكه كأن يقول لله على

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 441، ص 442 نفس الطبعة.

(2)

الآيات رقم 75، 76، 77 من سورة التوبة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 5 ص 90 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية فى مصر سنة 1328 هـ سنة 1901 م.

(4)

الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 171.

ص: 123

أن أتصدق بدينار أو بهذا الدينار بخلاف ما لو أضاف الى معين يملكه غيره، كأن يقول لله على أن أعتق عبد فلان لما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

لا نذر فى معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم.

وان قال ان ملكت عبدا أو شفى الله مريضى وملكت عبدا فلله على ان اعتقه، أو ان شفى الله مريضى فلله على أن أعتق عبدا أو ان ملكته أو فلله على أن أشترى عبدا وأعتقه انعقد نذره، لأنه التزم قربة فى مقابلة نعمة

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: قال الشيخ تقى الدين يصح اتفاقا تعليق النذر بالملك نحو قوله ان رزقنى الله مالا فلله على ان اتصدق به أو بشئ منه، وقد دل على ذلك قول الله عز وجل

(2)

{وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ} . الآية

(3)

.

ولو قال ان ملكت عبد زيد فلله على ان أعتقه بقصد القربة الزم بعتقه اذا ملكه

(4)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى ان من نذر عتق عبد فلان ان ملكه أو اوجب على نفسه عتق عبده ان باعه فان من أخرج ذلك مخرج اليمين فهو باطل لا يلزم فان أخرج ذلك مخرج النذر لم يلزمه أيضا شئ، لأنه اذا قال:

عبدى حر ان بعته، أو قال: ثوبى هذا صدقة ان بعته فباعه فقد سقط ملكه عنه، واذا سقط ملكه عنه فمن الباطل أن ينفذ عتقه فى عبد لا يملكه هو، وانما يملكه غيره وصدقته كذلك.

ومن قال ان ابتعت عبد فلان فهو حر، أو ان ابتعت دار فلان فهى صدقة ثم ابتاع كل ذلك لم يلزمه عتق ولا صدقة، لما روينا من طريق مسلم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «لا وفاء لنذر فى معصية ولا فيما لا يملكه العبد

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أنه يشترط فى المال المنذور به أن يكون مملوكا للناذر فى الحال وذلك واضح أو يكون سببه مملوكا له وذلك نحو أن ينذر بما تلده دابته أو أمته أو تغله أرضه، أو يستملكه فى المال، لأن النذر يتعلق على الذمة فاذا أضافه الى ملكه صح لكن هذا القيد الثالث لا يكفى الا بشروط ثلاثة.

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 329 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس ج 4 ص 163 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 75 من سورة التوبة.

(4)

المرجع السابق ج 4 ص 167 نفس الطبعة.

(5)

المحلى لابن حزم ج 8 ص 21، ص 22 مسئلة رقم 1114 الطبعة السابقة.

ص: 124

وهى أن يقيده بشرط، فلو أطلق فقال نذرت بالدار الفلانية وهو لا يملكها لم ينعقد.

والثانى: أن يضيف الى ملكه نحو أن يقول ما ورثته من فلان أو ملكته من جهته أو نحو ذلك، فلو لم يضف الى نفسه، بل قال الدار الفلانية أو نحو ذلك لم ينعقد.

والشرط الثالث: أن يحنث بعد ملك هذا الشئ نحو أن يقول ان دخلت هذه الدار فما أرثه من فلان صدقة فحنث بعد أن ورث فلانا فانه ينعقد النذر ويلزمه الثلث، وان حنث قبل أن يرثه لم يلزمه شئ.

ومتى تعلق النذر بالعين المملوكة اعتبر بقاؤها، ولو نقدا، واستمرار الملك الى الحنث نحو أن يقول أن شفى الله مريضى فدابتى هذه صدقة أو نحو ذلك فاذا تلفت أو أخرجها عن ملكه قبل أن يحصل الشرط بطل النذر بها، ولو عادت الى ملكه ثم شفى مريضه لم يلزمه شئ وفى قول للمؤيد بالله: اذا عادت الى ملكه ثم حنث لزمه الوفاء بالنذر

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية أن الناذر لو قال أول مملوك أملكه فهو حر فملك جماعة أعتق أحدهم بالقرعة لأن مملوكا نكرة واقعة فى الاثبات فلا يعم بل يصدق بواحد، فلا يتناول غيره لاصالة البراءة، وكذا لو قال أول مولود تلده فهو حر

(2)

.

ولو قال أول ما تلده فهو حر فولدت توأمين - أى ولدين فى بطن «عتقا معا ان ولدتهما دفعة واحدة» . وكذا لو نذر عتق أول ما يملكه فملك جماعة دفعة واحدة بأن قبل شراءهم أو تملكهم فى عقد واحد أو ورثهم من واحد فانهم يعتقون جميعا. لأن ما من صيغ العموم فيشمل التوأمين كما يشمل الجماعة. ولو ولدت التوأمين متعاقبين عتق الأول منهما خاصة، والشيخ لم يقيد بالدفعة، تبعا للرواية وتبعه جماعة منهم صاحب اللمعة الدمشقية هنا وحملت على أرادة أول حمل هذا ان ولدته حيا، والا عتق الثانى، لأن الميت لا يصلح للعتق ونذره صحيحا يدل على حياته التزاما.

وقيل يبطل لفوات متعلقه ولو ولدته حرا أو مستحقا للعتق لعارض فوجهان

(3)

فلا فرق حينئذ بين نذر ما تلده ونذر ما يملكه فيهما نظرا الى مدلول الصيغة فى العموم وعدمه، ومن خص احداهما باحدى العبارتين والأخرى بالأخرى فقد مثل هذا غاية ما بينهما من الفرق.

(1)

شرح الأزهار ج 4 ص 48، ص 49 الطبعة السابقة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 197 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 196، ص 197 الطبعة السابقة.

ص: 125

وفيه بحث لأن (ما) هنا تحتمل المصدرية والنكرة المثبتة تحتمل الجنسية فيلحق الأول بالثانى والثانى بالأول، ولا شبهة فيه عند قصده، وانما الشك مع اطلاقه، لأنه حينئذ مشترك فلا يخص بأحد معانيه بدون القرينة الا أن يدعى وجودها فيما ادعوه من الأفراد، وغير بعيد ظهور الفرد المدعى وان احتمل خلافه وهو مرجح مع أن فى دلالة الجنسية على تقدير ارادتها أو دلالتها على العموم نظرا الى أنه صالح للقليل والكثير ثم على تقدير التعدد والحمل على الواحد يستخرج المعتق بالقرعة كما ذكر، لصحيحة الحلبى فى رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر فورث سبعة جميعا، أنه يقرع بينهم ويعتق الذى خرج اسمه، والآخر من العبارتين - وهو أول مولود - محمول على المذكور، لأنه بمعناه.

وقد يشكل ذلك فى غير مورد النص بأن القرعة لاخراج ما هو معلوم فى نفس الأمر مشتبه ظاهرا وهنا الاشتباه واقع مطلقا فلا تتوجه القرعة فى غير موضع النص الا أن يمنع تخصيصها بما ذكر نظرا الى عموم قولهم عليهم السلام «انها لكل أمر مشتبه» لكن خصوصية هذه العبارة لم تصل الينا مستندة على وجه يعتمد وان كانت مشهورة.

وقيل يتخير فى تعيين من شاء لرواية الحسن الصيقل عنه عليه السلام فى المسألة بعينها لكن الرواية ضعيفة، ولولا ذلك لكان القول بالتخيير وحمل القرعة على الاستحباب طريق الجمع بين الاخبار.

وصاحب اللمعة فى الشرح اختار التخيير جمعا مع اعتراف بضعف الرواية.

وربما قيل ببطلان النذر، لافادة الصيغة وحدة المعتق ولم توجد.

وربما احتمل عتق الجميع لوجود الأولية فى كل واحد كما لو قال من سبق فله كذا فسبق جماعة والفرق واضح

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الناذر اذا نذر وقال لله على أن رزقنى الله مالا أن أحج العام أو فى عام كذا أو أن أحج لزمه ذلك الذى ألزم نفسه مما يطيقه أن أعطى ما سأل

(2)

.

‌ثانيا - حكم اضافة النذر الى وقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن النذر ان كان مضافا الى وقت بأن قال: لله على أن أصوم

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 197 نفس الطبعة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 2 ص 504، ص 505 طبع محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.

ص: 126

رجب أو أن أصلى ركعتين يوم كذا، أو أن أتصدق بدرهم فى يوم كذا، فوقت الوجوب فى الصدقة هو وقت وجود النذور فى قولهم جميعا حتى يجوز تقديمها على الوقت بلا خلاف بين أصحابنا، واختلف فى الصوم والصلاة.

قال محمد رحمه الله تعالى: وقت الوجوب هو وقت مجئ الوقت حتى لا يجوز تقديمه على الوقت، وذلك لأن النذر ايجاب ما شرع فى الوقت نفلا، ألا ترى أن النذر بما ليس بمشروع نفلا وفى وقت لا يتصور كصوم الليل وغيره لا يصح، والناذر أوجب على نفسه الصوم فى وقت مخصوص فلا يجب عليه قبل مجئ ذلك الوقت بخلاف الصدقة لأنها عبادة مالية لا تعلق لها بالوقت بل بالمال فكان ذكر الوقت فيه لغوا بخلاف العبادة البدنية.

وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: وقت الوجوب فيهما وقت وجود النذر، حتى يجوز تقديمه على الوقت، لأن الوجوب ثابت قبل الوقت المضاف اليه النذر فكان الأداء قبل الوقت المذكور أداء بعد الوجوب فيجوز والدليل على تحقيق الوجوب قبل الوقت المعين وجهان.

أحدهما أن العبادات واجبة على الدوام بشرط الامكان وانتفاء الحرج بالنصوص والمعقول، أما النصوص فقول الله عز وجل:

«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ»

(1)

وقوله تعالى: «وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً)}

(2)

ونحو ذلك، وأما المعقول فهو أن العبادة ليست الا خدمة المولى وخدمة المولى على العبد مستحقة والتبرع من العبد على المولى محال والعبودية دائمة فكان وجوب العبادة عليه دائما ولأن العبادات وجبت شكرا للنعمة والنعمة دائمة فيجب أن يكون شكرها دائما حسب دوام النعمة الا أن الشرع رخص للعبد تركها فى بعض الأوقات فاذا نذر فقد اختار العزيمة وترك الرخصة فيعود حكم العزيمة كالمسافر اذا اختار صوم رمضان فصام سقط عنه الغرض لأن الواجب عليه هو الصوم الا أنه رخص له تركه لعذر السفر، فاذا صام فقد اختار العزيمة وترك الرخصة فعاد حكم العزيمة لهذا المعنى كان المشروع فى نفل العبادة اللزوم فى الحقيقة بما ذكرنا من الدلائل بالمشروع الا أنه لما شرع فقد اختار العزيمة وترك الرخص فعاد حكم العزيمة كذا فى النذر.

والثانى أنه وجه سبب الوجوب للحال وهو النذر وأنما لأجل ترفيه يترفه به فى التأخير، فاذا عجل فقد أحسن فى اسقاط الأجل فيجوز كما فى الاقامة فى حق المسافر لصوم رمضان، وهذا لأن الصيغة صيغة ايجاب - أعنى قوله لله على أن أصوم - والأصل فى كل لفظ موجود فى زمان اعتباره فيه فيما يقتضيه فى وضع

(1)

الآية رقم 77 من سورة الحج.

(2)

الآية رقم 36 من سورة النساء.

ص: 127

اللغة ولا يجوز أبطاله ولا تغييره الى غير ما وضع له الا بدليل قاطع أو ضرورة داعية، ومعلوم أنه لا ضرورة الى ابطال هذه الصيغة ولا الى تغييرها ولا دليل سوى ذكر الوقت وأنه محتمل، وقد يذكر للوجوب فيه كما فى باب الصلاة، وقد يذكر لصحة الأداء كما فى الحج والأضحية، وقد يذكر للترفيه والتوسعة كما فى وقت الاقامة للمسافر والحول فى باب الزكاة فكان ذكر الوقت فى نفسه محتملا، فلا يجوز ابطال صيغة الايجاب الموجودة للحال مع الاحتمال، فبقيت الصيغة موجبة، وذكر الوقت للترفيه والتوسعة كيلا يؤدى الى ابطال الثابت بيقين الى أمر محتمل وبه تبين أن هذا ليس بايجاب صوم رجب عينا به هو ايجاب صوم مقدر بالشهر أى شهر كان فكان ذكر رجب لتقرير الواجب لا للتعيين فأى شهر اتصل الأداء به تعين ذلك الشهر للوجوب فيه وان لم يتصل به الأداء الى رجب تعين رجب لوجوب الأداء فيه فكان تعيين كل شهر قبل رجب باتصال الأداء بشهر قبله كما فى باب الصلاة انها تجب فى جزء من الوقت غير عين وانما يتعين الوجوب بالشروع ان شرع فيها وان لم يشرع الى آخر الوقت تعين آخر الوقت للوجوب وهو الصحيح من الأقاويل على ما عرف فى أصول الفقه

(1)

، وكما فى النذر المطلق عن الوقت وسائر الواجبات المطلقة عن الوقت من قضاء رمضان والكفارة وغيرهما أنها تجب فى مطلق الوقت فى غير عين وانما يتعين الوجوب اما باتصال الأداء به واما بآخر العمر اذا صار الى حال لو لم يؤد لفات بالموت.

ثم النذر المضاف الى وقت لا يخلو من أن يضاف الى وقت مبهم أو أن يضاف الى وقت معين.

فان أضيف الى وقت مبهم بأن قال:

لله على أن أصوم شهرا ولا نية له فحكمه هو حكم الأمر المطلق عن الوقت، واختلف أهل الأصول فى ذلك هل حكمه وجوب الفعل على الفور أم على التراخى؟

حكى الكرخى رحمه الله تعالى عن أصحابنا أنه على الفور.

وروى ابن شجاع البلخى عن أصحابنا أنه يجب وجوبا موسعا، فظهر الاختلاف بين أصحابنا فى الحج.

فعند أبى يوسف رحمه الله تعالى يجب على الفور.

وعند محمد رحمه الله تعالى على التراخى.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 5 ص 93، ص 94 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

ص: 128

وروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى مثل قول أبى يوسف.

وقال عامة مشايخنا بما وراء النهر أنه على التراخى، وتفسير الواجب على التراخى عندهم أنه يجب فى جزء من عمره غير معين واليه خيار التعيين، ففى أى وقت شرع فيه تعين ذلك الوقت للوجوب وان لم يشرع يتضيق الوجوب فى آخر عمره اذا بقى من آخر عمره قدر ما يمكنه الأداء فيه بغالب ظنه، حتى لو مات قبل الأداء يأثم بتركه وهو الصحيح، لأن الأمر بالفعل مطلق عن الوقت فلا يجوز تقييده الا بدليل، فكذلك النذر، لأن النصوص المقتضية لوجوب الوفاء بالنذر مطلقة عن الوقت، فلا يجوز تقييدها الا بدليل، وكذا سبب الوجوب وهو النذر وجد مطلقا عن الوقت والحكم يثبت على وفق السبب فيجب عليه أن يصوم شهرا من عمره غير عين، وخيار التعيين اليه الى أن يغلب على ظنه الفوت لو لم يصم فيضيق الوقت حينئذ.

وكذا حكم الاعتكاف المضاف الى وقت مبهم بأن قال: لله على أن أعتكف شهرا ولا نية له، وهذا بخلاف اليمين بالكلام بأن قال والله لا أكلم فلانا شهرا فانه يتعين الشهر الذى يلى اليمين.

وكذا الاجارة بأن أجر داره أو عبده شهرا فانه يتعين الشهر الذى يلى العقد، لأنه أضاف النذر الى شهر منكر، والصرف الى الشهر الذى يلى النذر يعين المنكر ولا يجوز تعيين المنكر الا بدليل هو الأصل، وقد قام دليل التعيين فى باب اليمين والاجارة لأن غرض الحالف منع نفسه عن الكلام، والانسان انما يمنع نفسه عن الكلام مع غيره لاهانته والاستخفاف به لداع يدعوه الى ذلك الحال، والاجارة تنعقد للحاجة الى الانتفاع بالمستأجر والحاجة قائمة عقيب العقد فيتعين الزمان المتعقب للعقد لثبوت حكم الاجارة ويجوز تعيين المبهم عند قيام الدليل المعين.

ولو نوى شهرا معينا صحت نيته، لأنه نوى ما يحتمله لفظه، وفيه تشديد عليه، ثم فى النذر المضاف الى وقت مبهم اذا عين شهرا للصوم فهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق، بخلاف الاعتكاف فانه اذا عين شهرا للاعتكاف فلابد من أن يعتكف متتابعا فى النهار والليالى جميعا، لأن الايجاب فى النوعين حصل مطلقا عن صفة التتابع الا أن فى ذات الاعتكاف ما يوجب التتابع، وهو كونه لبثا على الدوام، فكان مبناه على الاتصال والليالى والنهر قابلة لذلك فلابد من التتابع ومبنى الصوم ليس على التتابع بل على التفريق لما بين كل يومين ما لا يصلح له وهو الليل فبقى له الخيار.

وان أضيف الى وقت معين بأن قال

ص: 129

لله على أن أصوم غدا فانه يجب عليه صوم الغد، وجوبا مضيقا ليس له رخصة التأخير من غير عذر، وكذا اذا قال لله على صوم رجب فلم يصم فيما سبق من الشهور على رجب، حتى هجم رجب فانه لا يجوز له التأخير من غير عذر، لأنه اذا لم يصم قبله حتى جاء رجب تعين رجب لوجوب الصوم فيه على التضييق فلا يباح له التأخير، ولو صام رجب وأفطر منه يوما فانه لا يلزمه الاستقبال، ولكنه يقضى ذلك اليوم من شهر آخر، بخلاف ما اذا قال لله على أن أصوم شهرا متتابعا أو قال أصوم شهرا ونوى التتابع فأفطر يوما فانه يستقبل، لأن هناك أوجب على نفسه صوما موصوفا بصفة التتابع وصح الايجاب لأن صفة التتابع زيادة قربة لما يلحقه بمراعاتها من زيادة مشقة وهى صفة معتبرة شرعا ورد الشرع بها فى كفارة القتل والظهار والافطار واليمين عندنا، فيصح التزامه بالنذر، فيلزمه كما التزم، فاذا ترك فلم يأت بالملتزم فيستقبل كما فى صوم كفارة الظهار والقتل، فأما ههنا فما أوجب على نفسه صوما متتابعا انما وجب عليه التتابع لضرورة تجاور الأيام لأن أيام الشهر متجاورة فكانت متتابعة فلا يلزمه الا قضاء ما أفطر كما لو أفطر يوما من رمضان فانه لا يلزمه الا قضاؤه وان كان صوم شهر رمضان متتابعا لما قلنا كذا هذا ولأنا لو الزمناه الاستقبال لوقع أكثر الصوم فى غير ما أضيف اليه النذر، ولو اتم وقضى يوما لكان مؤديا أكثر الصوم فى الوقت المعين فكان هذا أولى، ولو أفطر رجب كله قضى فى شهر آخر، لأنه فوت الواجب عن وقته فصار دينا عليه، والدين مقضى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا وجب قضاء رمضان اذا فات عن وقته ولأن الوجوب عند النذر بايجاب الله عز شأنه، فيعتبر بالايجاب المبتدأ، وما أوجبه الله تعالى عز شأنه على عباده ابتداء لا يسقط عنه الا بالأداء أو القضاء كذا هذا

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل نقلا عن الرجراجى أن من نذر احراما بحج أو عمرة أن فعل كذا، لا يخلو من أن يقيد يمينه بوقت أولا يقيدها، فان قيدها بوقت غير معين وكانت يمينه بحج مثل أن يقول، يوم يفعل كذا فهو محرم فقد قال فى الكتاب أنه يكون محرما يوم فعله، وكذلك العمرة، وهل يكون محرما بنفس الفعل أو لابد من احرام يحرم به فيصير باحرامه محرما؟ فانه يتخرج على قولين:

أحدهما أنه لا يكون محرما بنفس

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 94، ص 95 الطبعة السابقة.

ص: 130

الفعل حتى يبتدئ الاحرام - وهو ظاهر ما فى الكتاب -.

والثانى: أنه يكون محرما بنفس الفعل، وهو ظاهر قول سحنون فان تمكن له الخروج خرج فى الحال، والا بقى على احرامه حتى يصيب الطريق والحج والعمرة فى ذلك سواء.

فان لم يقيد يمينه بوقت مثل أن يقول ان فعل كذا وكذا فهو محرم، أو أنا محرم بحج أو عمرة فأما الحج فلا يخلو من أن يحنث قبل أشهر الحج أو فى أشهره فان حنث قبلها فأما فى قوله أنا أحرم فلا خلاف أعلمه فى المذهب أنه لا يكون محرما بنفس الحنث، وانما يكون محرما اذا دخلت عليه أشهر الحج، لأن أشهر الحج وقت الاحرام وقبلها لا يجوز، فاذا حنث قبل أشهر الحج أخر حتى تدخل الا أن تكون له نية فيكون محرما يوم حنث كما قال فى الكتاب غير أنه ينظر فان كان اذا أخر الخروج الى أشهر الحج لم يصل ولم يدرك الحج فينبغى له أن يخرج بغير احرام، فاذا دخلت أشهر الحج فى طريقه أحرم، فان حنث فى أشهر الحج فان الاحرام لم يلزمه ويكلف الخروج ليوفى بعهدة اليمين.

وأما قوله فأنا محرم فهل هو مثل قوله فأنا احرم والمذهب على ثلاثة أقوال.

أحدها: أن قوله فأنا محرم كقوله فأنا أحرم فلا يكون محرما بنفس الحنث وهو قول ابن القاسم رحمه الله تعالى.

والثانى: أنه يكون محرما بنفس الحنث فى أنا محرم وفى أنا أحرم وهو قول سحنون رحمه الله تعالى.

والثالث: الفرق بينهما.

واما العمرة يحنث الحالف بها فلا يخلو من أن يكون يمكنه الخروج أولا، فان امكنه الخروج ووجد الأصحاب فلا خلاف أعلمه فى المذهب أنه يؤمر بالخروج ولا يجوز له التأخير الا متأولا، فان لم يمكنه فقيل يلزمه الاحرام مع الانتظار وهو قول سحنون.

وقال مالك رحمه الله تعالى لا يلزمه الاحرام الا مع المشى وفى كلامه تعارض لأنه حكى أولا أنه لا يلزمه الاحرام فى أنا أحرم بنفس الحنث بلا خلاف ثم ذكر أنه يلزمه الحنث فى قول سحنون، وما ذكره أولا هو الصواب

(1)

هذا اذا قيد بوقت.

اما اذا لم يقيد فلو نذر الاحرام بعمرة مطلقا أى غير مقيد ذلك بزمن

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب ج 3 ص 337، ص 338 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لمحمد بن يوسف العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.

ص: 131

معين، لا بلفظ ولا بنية فيجب عليه أن يعجل الاحرام بها يوم حنثه، ولو نذر الاحرام بالحج مطلقا غير مقيد احرام بلفظ ولا بنية ثم حنث فانه لا يجب عليه أن يحرم حتى تدخل أشهر الحج ان كان يصل فيها الى مكة، وان لم يكن يصل فيجب عليه أن يحرم ويخرج من الوقت الذى يمكنه فيه أن يصل كما قاله أبو محمد، واختاره ابن يونس خلافا للقابسى فى قوله يدخل بغير احرام فاذا دخلت أشهر الحج أحرم

(1)

.

وذكر ابن الحاجب فى كونه على الفور قولين، ثم ذكر مذهب المدونة فقال فى التوضيح وان لم يعين شيئا لا بلفظ ولا بنية.

فالقول بالفور لعبد الوهاب رحمه الله تعالى وعلله بأن النذور المطلقة محلها على الفور.

قال ابن عبد السّلام رحمه الله والقول الآخر ظاهر الروايات.

وتأول الباجى قول عبد الوهاب على الاستحباب، قال ابن عبد السّلام:

وهو الصحيح

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى

(3)

المحتاج أنه لو نذر المسلم صوم أيام معدودة معينة ندب تعجيلها مسارعة الى براءة الذمة فان قيد نذر صوم الأيام بتفريق أو موالاة وجب ذلك عملا بالتزامه أما الموالاة فقطعا، وأما التفريق فعلى الأصح، لأنه يراعى فى صيام التمتع وان لم يقيد بتفريق ولا موالاة جاز التفريق والموالاة عملا بمقتضى الاطلاق لكن الموالاة أفضل خروجا من خلاف أبى حنيفة رحمه الله تعالى ولو نذر صوم سنة معينة كسنة كذا، أو سنة من الغد، أو سنة من أول شهر كذا صامها عن نذره وأفطر منها يومى الفطر والأضحى وثلاثة أيام التشريق وجوبا لأنه غير قابل للصوم، وصام شهر رمضان منها عن رمضان، لأنه لا يقبل غيره ولا قضاء عليه للنذر، لأن هذه الأيام لو نذر صومها لم ينعقد نذره، فاذا أطلق فأولى أن لا تدخل فى نذره.

وان أفطرت امرأة فى سنة نذرت صيامها بحيض ونفاس وجب القضاء لأيامها فى الأظهر، لأن الزمان قابل للصوم وانما أفطرت لمعنى فيها فتقضى كصوم رمضان وهذا ما رجحه البغوى وصاحب التنبيه رحمهم الله تعالى.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 338 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 338 الطبعة السابقة.

(3)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 329 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

ص: 132

ويؤخذ من شرح الرافعى رحمه الله تعالى أن الأظهر أنه لا يجب قضاء زمن أيامها وبه قطع الجمهور

(1)

.

ولو نذر صوم سنة هلالية غير معينة وشرط فيها التتابع وجب وفاء بما التزم، ولا يقطع التتابع فيها صوم رمضان عن فرض، وأفطر العيد والتشويق لاستثناء ذلك شرعا ويقضى المذكورات من رمضان والعيدين والتشريق لأنه التزم صوم سنة ولم يصمها تباعا ولا متصلة بآخر السنة عملا بشرط التتابع.

وقيل لا يقضى كالسنة المعينة.

ومحل الخلاف اذا أطلق اللفظ.

فان نوى الأيام التى تقبل الصوم من سنة متتابعة لم يلزمه القضاء قطعا.

وان نوى عددا يبلغ سنة كأن قال ثلاثمائة وستين يوما لزمه القضاء قطعا، واذا أطلق الناذر السنة حملت على الهلالية لأنها السنة شرعا

(2)

.

ولو نذر يوما بعينه لم يصم عنه يوما قبله فان فعل لم يصح كالواجب بأصل الشرع ولا يجوز تأخير عنه بغير عذر، فان أخره وفعله صح وكان قضاء.

ولو نذر يوما عينه من أسبوع ثم نسيه صام آخر الاسبوع وهو الجمعة فان لم يكن اليوم الذى عينه الجمعة وقع صوم يوم الجمعة قضاء عنه، وان كان هو فقد وفى بما التزمه

(3)

.

ولو نذر صوم بعض يوم لم ينعقد نذره، لأنه ليس بقربة.

وقيل ينعقد ويلزمه يوم، لأن صوم بعض اليوم ليس معهودا شرعا فلزمه يوم كامل.

ولو نذر الحج فى عامه، وهو متعذر لضيق الوقت كأن كان على مائة فرسخ ولم يبق الا يوم واحد لم ينعقد نذره لأنه لا يمكنه الاتيان بما التزمه.

ولو نذر أن يصوم يوم قدوم زيد فالأظهر انعقاده لامكان الوفاء به.

والثانى: لا، لتعذر الوفاء به.

وأجاب صاحب القول الأول بأنه يعلم قدومه غدا فينوى صومه ليلا،

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 329، ص 330 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 230 نفس الطبعة

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 331 نفس الطبعة.

ص: 133

فان قدم زيد ليلا أو يوم عيد أو تشريق أو فى رمضان فلا شئ عليه، لأنه قيد باليوم ولم يوجد القدوم فى محل يقبل الصوم، ولو أراد باليوم الوقت أو لم يرده فقدم زيد ليلا استحب للناذر أن يصوم صبيحة ذلك اليوم لأجل خلاف من أوجبه كما قاله الماوردى رحمه الله تعالى أو يوما آخر شكرا لله تعالى كما قاله الرافعى رحمه الله تعالى، ولو قدم زيد نهارا والناذر مفطر أو صائم قضاء أو نذرا وجب فى الأحوال المذكورة يوم آخر قضاء عن هذا المنذور وهو صوم يوم قدوم زيد كما لو نذر صوم يوم ففاته، ويسن قضاء الصوم الواجب الذى هو فيه أيضا لأنه بان أنه صام يوما مستحق الصوم لكونه يوم قدوم زيد.

وللخروج من الخلاف قال الرافعى فى التهذيب: وفى هذا دليل على أنه اذا نذر صوم يوم بعينه ثم صامه عن نذر آخر أو قضاء ينعقد أى مع الاثم ويقضى نذر هذا اليوم

(1)

.

ولو قدم زيد والناذر صائم نفلا وكان قدوم زيد قبل الزوال فكذلك يجب صوم يوم آخر عن نذره فى الأصح، لأنه لم يأت بالواجب عليه بالنذر، والنفل لا يقوم مقام الفرض وهذا بناء على الأصح فى لزوم الصوم من أول النهار.

وقيل لا، بل يجب تتميمه بقصد كونه عن النذر ويكفيه عن نذره بناء على أن لزوم الصوم من وقت قدومه ويكون أوله تطوعا وآخره فرضا كمن دخل فى صوم تطوع ثم نذر اتمامه.

ولو قال أن قدم زيد فلله على صوم اليوم التالى ليوم قدومه وان قدم عمرو فلله على صوم أول خميس بعد قدومه فقدم زيد وعمرو فى الأربعاء وجب صوم الخميس عن أول النذرين لسبقه ويقضى الآخر لتعذر الاتيان به فى وقته فلو صام الخميس عن النذر الثانى اثم وصح فى الأصح، لأنه يصح صوم يوم النذر عن غيره كما مر ذكره ويقضى يوما آخر عن النذر الآخر

(2)

.

ولو نذر الحج عامه وأمكنه فعله فيه بأن كان على مسافة يمكنه منها الحج فى ذلك العام لزمه فيه تفريعا على الصحيح فى تعيين الزمان فى العبادات، فلا يجوز تقديمها عليه كالصوم ولا تأخيرها عنه فان أخره وجب عليه القضاء فى العام الثانى كما قاله الماوردى رحمه الله تعالى أما اذا

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 332 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 332، 333 نفس الطبعة.

ص: 134

لم يقيده بعامه فانه يلزمه الحج فى أى عام شاء، فان منعه من الحج مرض وجب عليه القضاء كما لو نذر صوم سنة معينة فأفطر فيها بعذر المرض فانه يقضى، والنسيان وخطأ الطريق والضلال فيه كالمرض

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: ان المسلم اذا نذر صوم سنة معينة لم يدخل فى نذره رمضان ويوما العيدين وأيام التشريق، لأن ذلك لا يقبل الصوم عن النذر فلم يدخل فى نذره كالليل.

وان قال لله عليه أن يصوم سنة وأطلق ولم يعينها لزمه التتابع كما فى نذر صوم شهر مطلق.

ومن نذر صوم سنة مطلقة يصوم اثنى عشر شهرا سوى رمضان وأيام النهى - أى يومى العيدين وأيام التشريق - ولو شرط التتابع، لأنه عين بنذره سنة فانصرف الى سنة كاملة وهى اثنا عشر شهرا كاملة فلزمه قضاء رمضان وأيام النهى لذلك.

وان قال لله عليه أن يصوم سنة من الآن أو من وقت كذا فكمعينة لأن تعيين أولها تعيين لها اذ السنة اثنا عشر شهرا فاذا عين أولها تعين أن يكون آخرها انقضاء الثانى عشر.

وان نذر صوم الدهر لزمه كبقية النذر وان أفطر كفر فقط بلا قضاء بغير صوم، لأن الزمن مستغرق بالصوم المنذور ويكفر لترك المنذور.

ولا يدخل رمضان ويوم نهى فى نذر صوم الدهر كالليل ويقضى فطره من رمضان لعذر أو لغير عذر، لأنه واجب بأصل الشرع فيقدم على ما اوجبه على نفسه كتقديم حجة الاسلام على الحجة المنذورة ويكفر بفطره لرمضان لغير عذر، لأنه سببه قاله فى شرح المنتهى، ويصام لظهار ونحوه ككفارة القتل والوط ء فى نهار رمضان من اليوم المنذور صومه ويكفر مع صوم ظهار ونحوه فقط لأنه سببه، بخلاف صوم رمضان وقضائه.

وان نذر صوم يوم الخميس فوافق يوم عيد أو حيض أو أيام التشريق أفطر لأن الشارع حرم صومه وقضى، لأنه فاته ما نذر صومه وكفر لعدم الوفاء بنذره، وكما لو فاته لمرض.

وان نذر أن يصوم يوما معينا أبدا ثم جهل فقال الشيخ يصوم يوما من الأيام مطلقا.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 335 نفس الطبعة.

ص: 135

وقياس المذهب - وعليه كفارة لفوات التعيين.

وفيه شك لأنا لم نتحقق أن ما صامه خلاف ما عينه، ولا نوجب الكفارة بالشك

(1)

.

وان نذر صوم يوم يقدم فلان فقدم ليلا فلا شئ عليه لأنه لم يتحقق شرط فلم يجب نذره ولا يلزمه أن يصوم صبيحته ويستحب صوم يوم صبيحته.

ذكره فى المنتخب، وان قدم زيد نهارا والناذر مفطر، أو قدم يوم عيد أو حيض أو نفاس قضى وكفر، لأنه أفطر ما نذر صومه أشبه ما لو نذر صوم يوم الخميس فلم يصمه وعلم منه انعقاد نذره، لأنه زمن يصح فيه صوم التطوع فانعقد نذره لصومه كما لو أصبح صائما تطوعا ونذر اتمامه، وان قدم زيد والناذر صائم وكان قد بيت النية بخبر سمعه صح صومه وأجزأه وفاء بنذره، وان نوى الناذر الصوم حين قدم زيد لم يجزئه الصوم لعدم تبييت النية ويقضى ويكفر لفوات المحل، وان وافق قدوم زيد يوما من رمضان فعليه القضاء، لأنه لم يصمه عن نذره والكفارة لتأخير النذر عن ذمته، وان وافق قدوم زيد والناذر صائم عن نذر معين أتمه ولا يلزمه قضاؤه ولا يستحب كما فى الفروع والمنتهى ويقضى نذر القدوم كما لو قدم زيد فى صوم فى قضاء رمضان أو كفارة أو نذر مطلق، ومثل ذلك فى الحكم لو نذر صوم شهر من يوم يقدم فلان فقدم أول رمضان فعليه قضاء النذر والكفارة

(2)

.

وان نذر صو شهر معين كالمحرم فلم يصمه قضى، لأنه صوم واجب معين كقضاء رمضان متتابعا، لأن القضاء كالأداء وقد وجب متتابعا فكذلك قضاؤه وكفر سواء تركه لعذر أو غير عذر لتأخير النذر عن وقته، وان افطر من الشهر المعين لغير عذر استأنف، لأنه صوم يجب متتابعا بالنذر كما لو اشترط التتابع فيستأنف شهرا من يوم فطر وكفر لتأخير النذر، وان أفطر منه لعذر يبنى على ما صامه ويقضى ما افطره متتابعا متصلا بتمامه، لأن باقى الشهر منذور فلا يجوز ترك صومه، ويكفر لفوات زمن النذر.

والفرق بين رمضان والنذر ان تتابع رمضان بالشرع وتتابع النذر أوجبه على نفسه على صفة ثم فرقها، وان صام قبل الشهر المعين لم يجزئه الصوم كالصلاة قبل وقتها المعين، وكذلك ان نذر الحج فى عام فحج قبله لم يجزئه، فان كان نذره بصدقة مال جاز اخراجها قبل الوقت الذى عينه كالزكاة وكفارة اليمين بعده وقبل الحنث لوجود سببه.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 4 ص 164 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 164 الطبعة السابقة.

ص: 136

ولو جن الناذر الشهر المعين كله للصوم أو الاعتكاف لم يقضه لخروجه عن أهلية التكليف، ولم يكفر لذلك

(1)

.

وان قال لله على الحج فى عامى هذا فلم يحج لعذر أو غيره فعليه القضاء لأنه لا يفعل ما نذره والكفارة لتأخيره عن محله.

وان نذر صوم شهر مطلق لزمه التتابع لأن اطلاق الشهر يقتضى التتابع وكما لو نواه وهو مخير ان شاء صام شهرا هلاليا من أوله ولو ناقصا وان شاء ابتدأ من اثناء الشهر ويلزمه شهر بالعدد ثلاثون يوما، لأن الشهر يطلق على ما بين الهلالين تاما كان أو ناقصا وعلى ثلاثين يوما فأيهما فعله خرج به من العهدة، فان قطع الصوم بلا عذر استأنفه، لأنه لو جاز له البناء بطل التتابع لتحلل الفطر فيه، وان افطر مع عذر يخير بين الاستئناف بلا كفارة، لأنه فعل المنذور على صفته وبين البناء ويتم ثلاثين يوما ويكفر لأنه لم يأت بالمنذور على وجهه أشبه ما لو حلف عليه.

وان نذر صيام أيام معدودة ولو ثلاثين يوما لم يلزمه تتابع لأن الأيام لا دلالة لها على التتابع بدليل قوله تعالى: «فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ»

(2)

الا بشرط بأن يقول متتابعة أو نية فيلزمه الوفاء بنذره وان شرط تفريقها لزمه فى الأقيس ذكره فى المبدع

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من نذر لله صوم يوم يقدم فيه فلان أو يوم يبرأ أو ينطلق فكان ذلك ليلا أو نهارا لم يلزمه فى ذلك اليوم شئ، لأنه ان كان ليلا فلم يكن ما نذر فيه وان كان نهارا فقد مضى وقت الدخول فى الصوم الا أن يقول: لله على صوم اليوم الذى أنطلق فيه أو يكون كذا فى الأبد أو مدة يسميها فيلزمه صيام ذلك اليوم فى المستأنف

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن الناذر اذا عين للصلاة والصوم والحج زمانا نحو أن يوجب على نفسه صلاة فى يوم كذا أو صوم يوم كذا أو حج سنة كذا فانه يتعين فاذا أخره أثم بالتأخير عن ذلك الوقت وأجزأه قضاؤه ولا كفارة وان قدمه على ذلك الوقت لم يجزه التقديم - قياسا على تقديم الصلاة قبل دخول وقتها - الا فى

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 165 الطبعة السابقة.

(2)

الآية رقم 183 من سورة البقرة.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 165 الطبعة السابقة.

(4)

المحلى لأبى محمد على بن سعيد ابن حزم ج 8 ص 26 مسئلة 1120 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.

ص: 137

الصدقة - قياسا على تقديم الزكاة قبل الحول - فانه اذا قال لله على أن أتصدق يوم كذا بكذا ونحوها فيجزيه التقديم.

قال فى الكواكب لعله حيث يقول تصدقت بهذه على الفقراء ويصرف فى يوم كذا فى زمان كذا، فأما اذا قال تصدقت بهذه على الفقراء يوم كذا فلا يصح حتى يأتى ذلك اليوم، ثم يكون على الخلاف هل يتعين عليه فيه الاخراج أم لا، وقرره فى الشرح.

وظاهر المذهب خلافه، لأن قد جعلوا ذلك قياسا على جواز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول.

والفرق بين الصدقة ونحوها والصلاة ونحوها أن الصلاة اذا عين لها وقتا أشبهت الفريضة المؤقتة فلا يصح تعجيلها كما فى الفروض الخمسة.

وكذلك الصوم والحج بخلاف الصدقة فقد يصح تعجيلها قبل وجوبها، فكذلك المنذور به

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أنه اذا نذرت المرأة ان تصوم أياما بعينها فحاضت فيها أفطرت وكان عليها القضاء سواء شرطت فيه التتابع أم لم تشرط ولم يقطع ذلك تتابعها لاجماع الفرقة واخبارهم

(2)

.

واذا نذر الرجل أو المرأة صيام أيام بعينها ثم مرض فيها فأفطر قضى ما أفطره ولا يجب عليه الاستئناف سواء شرط فيها التتابع أو لم يشرط لاجماع الفرقة وأخبارهم

(3)

.

واذا نذر أن يصوم أياما بعينها متتابعا فأفطرها فى سفر انقطع التتابع وعليه الاستئناف، لأن الذمة مرتهنة بصيام هذه الأيام وليس ههنا دليل على أن ذمته تبرأ اذا أفطر فى السفر ثم قضى هنا سقط

(4)

.

واذا نذر ان يصوم يوم الفطر لم ينعقد نذره لاجماع الفرقة ولأن الأصل براءة الذمة، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذر فى معصية لأن الصوم فى هذا اليوم معصية بلا خلاف

(5)

.

واذا قال لله على أن أصوم اليوم الذى يقدم فيه فلان فقدم ليلا لا يلزمه الصوم

(1)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 56.

(2)

الخلاف فى الفقه لابى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 584 مسألة رقم 9 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 584 مسئلة رقم 10 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابقة ج 2 ص 584، ص 585 مسئلة رقم 11 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 585 مسئلة رقم 12 نفس الطبعة.

ص: 138

أصلا لأنه ما وجد شرطه بلا خلاف وان قدم فى بعض النهار فلا نص لأصحابنا فيه.

والذى يقتضى المذهب أنه لا ينعقد نذره ولا يلزمه صومه ولا صوم يوم بدله، لأن الأصل براءة الذمة وايجاب صوم يوم بدل هذا يحتاج الى دليل.

ويدل على أن نذره لا ينعقد أنه نذر صوما لا يمكنه الوفاء به فان بعض يوم لا يكون صوما، وجرى ذلك مجرى أن يقول يوم يقدم أصوم أمسه فانه لا يكون نذرا صحيحا لاستحالته.

واذا قال لله على أن أصوم كل خميس فوافق ذلك شهر رمضان فصامه أجزأه عن رمضان ولم يقع عن النذر سواء نوى به صوم شهر رمضان أو صوم النذر، ولم يقع عن النذر بحال، لأنه زمان لا يمكن ان يقع فيه صوم غير رمضان فلا يحتاج الى نية التعيين وايجاب صوم يوم بدله يحتاج الى دليل

(1)

.

واذا نذر أن يصوم يوما بعينه فأفطر من غير عذر وجب عليه قضاؤه وعليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا من الكفارة، وخالف جميع الفقهاء فى ذلك، لاجماع الفرقة وأخبارهم

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: ان الناذر ان قال فى نذره يوم يقدم فلان لله على أن أفعل كذا فقدم ليلا لزمه نذره وأمضاه ليلا ان أطلق نواه ولم يرد خصوص النهار بل ذهل أو أراد مطلق الزمان وعمم فى نواه، وان قيده بوقت معين وهو النهار لم يلزمه على المختار.

وقيل عليه تكفير نذره.

وقيل ان قال اذا قدم فلان فلله على صوم ذلك اليوم فقدم نهارا لم يلزمه لعدم تبييت النية ولا سيما ان فعل مفطرا.

ثم قيل: عليه بدله - وهو المختار - لأنه لما استحال شرعا على التحقيق انشاء الصوم من النهار كان كحالف على محال يحنث وتلزمه الكفارة فبدله عوض عما استحال وتكفير له وتدارك الى فعل ما يشبه نذره لأنه ان قدم ليلا فلا صوم بليل، وان قدم نهارا فلا انشاء صوم من نهار الا فى رمضان ان بان فى اليوم فلم يستحسنوا الغاء عقده بالكلية فألزموه البدل.

وقيل: لا بدل عليه، لأنه لا يمكنه صوم بليل ولا انشاؤه بنهار وصوم بعض النهار لا يكون قربة الا من قادم من سفر مفطر، ومن طاهرة من حيض أو نفاس، ومن مفيق من جنون أو بالغ أو مسلم من شرك وناقض يومه بلا عمد أو بعمد

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 585.

ص 586 مسئلة رقم 13، رقم 14 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 586 مسئلة رقم 15 نفس الطبعة.

ص: 139

وتاب وصام بقيته ونحو ذلك، واذا ظن أنه يقدم نهارا أو شك وقد نذر أو أراد نذر صوم يوم قدومه فله ان يبيت الصوم ويشرط أنه اذا وقفت الشمس أو كادت أو قبل ذلك ولم يجئ مسافره أفطر ان شاء، وان جاء قبل ما ذكر أدام صيامه وأجزأه لنذره، وان لم يجئ الا بعد الزوال وقد دام على افطاره لم يجزه الا ان نوى أنه يصبح صائما وأنه ان جاء فى نهاره فذلك صوم نذره ولا يلزمه ان قدم ليلا، خلافا لبعض فى أنه يصوم يوم الليل.

وان نوى أن يصوم نهار ليلته التى يقدم فيها لزمه صوم ذلك النهار ان قدم ليلا.

وذكر بعضهم ان من نذرت أنه اذا كان كذا وكذا فاليوم الذى يكون فيه أصومه أبدا فكان يوم السبت صامته أبدا، فان أفطرت سبتا لمرض أو عيد أعادت يوما بدله وان كان ما نذرت اليه فى يوم العيد صامت ذلك اليوم أبدا فى غير العيد وأبدلت ما وافق عيدا.

ومن نذر صيام يوم أبدا ابدل يوما مكانه اذا أفطر فيه لعذر وان لم يكن لعذر أبدل يوما وكفر نذره

(1)

.

ومن نذر صوم الجمعات أبدل جمعات رمضان.

وقيل لا.

ومن قال: على أن أصوم شهرا لله لم يجزه رمضان.

وقيل يجزئه ولو قال تطوعا الا أن نوى شيئا.

وقيل لا شئ على ناذر صوم الدهر.

وعلى اللزوم فان ترك أياما أوصى بأجرة صائمها. ومن نذر صوم شهر معين بدأه من الهلال، وان لم يعين وبدأ بالأيام صام ثلاثين

(2)

.

ومن نذر صوم أكثر الأيام صام عشرة، أو صوم الأيام صام سبعة وقيل عشرة.

وان نذر صوم غد فوافق عيدا أفطره فقيل يبدله وقيل لا يبدله

(3)

.

ومن نذر أن يصلى ليلة أو ليالى صلى ما قدر ثم صلى ما قدر حتى يتم قدرهن.

وان نذر ان يصلى يوما أو اياما فكذلك

(4)

.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 2 ص 511، ص 512 طبع البارونية.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 513 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 513 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 513، ص 514 نفس الطبعة.

ص: 140

‌الاضافة فى العتق

‌اولا - حكم اضافة العتق الى

موجود أو غير موجود:

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أنه يشترط فى صحة العتق ان يكون مضافا الى موجود بيقين فان لم يكن لم تصح الاضافة، وذلك بأن يقول لجارية مملوكة له: حمل هذه الجارية حر، أو ما فى بطن هذه الجارية حر، فان ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت التكلم عتق، وان ولدت لستة أشهر فصاعدا لم يعتق، لأنها اذا ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت اليمين تيقنا بوجوده فى ذلك الوقت لأن المرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر، فان ولدت واحدا لأقل منها بيوم ثم ولدت آخر لأكثر منها بيوم عتقا جميعا لأن الأول عتق لكونه فى البطن يوم الكلام، فاذا عتق الأول عتق الثانى، لأنهما توأمان، وأما اذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا من وقت التكلم فلا نستيقن بوجوده وقت التكلم، لاحتمال حدوثه بعد ذلك فوقع الشك فى ثبوت الحرية، فلا تثبت مع الشك

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن الحاجب رحمه الله تعالى: أنه لو قال انسان ان فعلت كذا فكل مملوك لى حر عتق من فى ملكه والمدبر وأم الولد وأولاد عبيده من امائهم وان ولدوا بعد يمينه.

قال ابن المواز رحمه الله تعالى:

انما يعتق عليه ما ولد لعبيده بعد يمينه لأفعلن، وأما فى يمينه لا فعلت فلا، والى هذا رجع ابن القاسم رحمه الله تعالى.

قال ابن يونس: لأنه فى يمينه لأفعلن على حنث حتى يبر، فاذا فاته البر ولزمه العتق وجب أن يعتق عليه كل ما ولد له من امائه بعد اليمين، لأن الأمهات مرتهنات باليمين لا يستطيع بيعهن ولا وطأهن، وسواء كن حوامل يوم اليمين أو حملن بعد اليمين، وأما فى يمينه لا فعلت فهو على بر، فان كان اماؤه حوامل يوم اليمين دخل الولد فى اليمين.

وأما ما حمل به بعد اليمين فقيل يدخل.

وقيل لا يدخل وهو أصوب.

ولو قال ان فعلت كذا فكل مملوك أملكه حر فانه لا يعتق عليه من سيملكه بعد اليمين.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 4 ص 56 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، ص 1910 م.

ص: 141

وقال ابن الحاجب لو قال ان فعلت كذا فكل مملوك لى حر عتق من فى ملكه وأولاد عبيده من امائهم بخلاف عبيد عبيده. وان قال فكل مملوك أملكه فكذلك بخلاف ما اذا قال كل مملوك أملكه أبدا فانه لا يعتق عليه من فى ملكه.

وجاء فى المدونة قال مالك رحمه الله تعالى ومن قال كل مملوك أملكه حر ان تزوجت فلانة ولا رقيق له فأفاد رقيقا ثم تزوجها فلا شئ عليه فيما أفاد بعد يمينه قبل أن يتزوجها ولا بعد تزويجها.

ومن قال ان دخلت هذه الدار أبدا فكل مملوك أملكه حر فدخلها لم يلزمه العتق الا فيما ملك يوم حلف وان لم يكن له يومئذ مملوك فلا شئ عليه فيما يملك قبل الحنث وبعده.

قال أشهب ولو قال ان دخلت الدار فكل مملوك أملكه أبدا حر فدخلها لم يلزمه العتق فيما عنده من عبد لأنه انما أراد ما يملك فى المستقبل كما لو قال كل مملوك أملكه أبدا حر وكل امرأة أتزوجها أبدا طالق فلا شئ عليه.

قال ابن يونس رحمه الله تعالى وهذا خلاف ما تقدم من رواية ابن القاسم لأن ابن القاسم انما أوقع ملك الأبد على الدخول وأشهب أوقعه على الملك.

وأما من قال كل عبد أشتريه حر، وكل امرأة أنكحها أو أتزوجها طالق فلا شئ عليه وان لم يقل ههنا أبدا، قال ابن يونس لأن هذه الألفاظ لا تكون لما مضى

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أنه لو قال المالك لأمته الحامل بمملوك له اعتقتك وأطلق أو أعتقتك دون حملك عتقت وتبعها فى العتق حملها ولو انفصل بعضه حتى يأتى يومان لأنه كالجزء منها وعتقه بالتبعية لا بالسراية، لأن السراية فى الأشقاص لا فى الأشخاص، ولقوة العتق لم يبطل فى الأخيرة بخلاف البيع فيها ولو اعتق الحمل المملوك له عتق دونها، حكى ابن المنذر رحمه الله تعالى فيه الاجماع.

وقيل تعتق بعتقه كعكسه.

ورد بأن العتق انما وقع بعتق الأم تبعا لها، ولا يقع العتق عليها بعتقه، لأن الأصل لا يتبع الفرع، وان أعتقهما عتقا بخلاف البيع فى المسئلتين.

ومحل صحة اعتاقه وحده اذا نفخ فيه الروح، فان لم ينفخ فيه الروح كمضغة كأن قال أعتقت مضغتك فهو لغو كما حكياه قبيل التدبير عن فتاوى القاضى وأقراه.

(1)

التاج والاكايل لابى عبد الله محمد بن يوسف العبدرى الشهير بالمواق ج 6 ص 331 فى كتاب على هامشه مواهب الجليل للحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

ص: 142

ولا ينافى ذلك ما قالاه فى باب الوصية من أنه تجوز الوصية بالحمل كما يجوز اعتاقه.

ثم الشرط أن ينفصل لوقت يعلم وجوده عند الوصية، وان ينفصل حيا لأن حكم المشبه لا يعطى حكم المشبه به من غير وجه، وأن الوصية لما كانت تصح بالمجهول وبالمعدوم وبالنجس توسعوا فيها فلم يشرطوا فى الحمل نفخ الروح بخلاف العتق.

ولو قال مضغة هذه الأمة حرة ففى فتاوى القاضى انه اقرار بانعقاد الولد حرا وتصير الأم به أم ولد.

ولو قال لأمته الحامل ان ولدت ولدا فهو حر فولدت حيا عتق وان ولدت ميتا ثم حملت وولدت حيا لم يعتق.

ولو قال: ذلك لحائل فحملت ووضعت حيا عتق، ولو قال لها ان ولدت أولا ذكرا فهو حر وان ولدت أولا أنثى فأنت حرة فولدت ذكرا ثم أنثى عتق الذكر فقط.

ولو قال بالعكس عتقت الأم والذكر لأنه حال عتق الأم كان جنينا فتبعها وان ولدتهما معا أو ولدت ذكرين أو أنثيين معا فلا عتق

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن المالك لو قال لأمته أول ولد تلدينه فهو حر فولدت ولدين فأكثر خرجا معا عتق أحدهما بقرعة لأن صفة الأولية شاملة لكل واحد بانفراده والمعلق انما أراد عتق واحد فقط فميز بالقرعة

(2)

.

ويتبع الحمل أمه المعتقة بصفة ان كان موجودا حال عتقها بأن كانت حاملا به حين وجود الصفة، لأن العتق وجد فيها وهى حامل به فتبعها فى العتق كالمنجز عتقها، أو كان الحمل موجودا حال تعليق عتقها، لأنه كان حين التعليق كعضو من أعضائها فسرى التعليق اليه، فلو وضعته اذن قبل وجود الصفة، ثم وجدت عتقت هى وولدها، لأنه تابع فى الصفة فأشبه ما لو عتقت وهى حامل به.

ولا يتبعها حملها فى العتق ان حملته ووضعته بين التعليق ووجود الصفة فانه لا يعتق لأن الصفة لم تتعلق به حال التعليق ولا حال وجود الصفة كما لو كان الولد مولودا قبل التعليق لعتقها

(3)

.

(1)

مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 454، ص 455 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن أدريس الحنبلى ج 2 ص 638 فى كتاب.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 639 نفس الطبعة.

ص: 143

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لو قال ان ملكت عبد فلان فهو حر، أو قال ان اشتريته فهو حر، أو قال ان بعت عبدى فهو حر، أو قال شيئا من ذلك فى أمة لسواه أو أمة له ثم ملك العبد والأمة أو اشتراهما أو باعهما لم يعتقا بشئ من ذلك

(1)

.

ولا يجوز عتق الجنين دون أمه اذا نفخ فيه الروح قبل أن تضعه أمه ولا هبته دونها، ويجوز عتقه قبل ان ينفخ فيه الروح وتكون أمه بذلك العتق حرة وان لم يرد عتقها، ولا تجوز هبته أصلا دونها فان أعتقها وهى حامل فان كان جنينها لم ينفخ فيه الروح

(2)

فهو حر الا أن يستثنيه فان استثناه فهى حرة وهو غير حر، وان كان قد نفخ فيه الروح فان اتبعها اياه اذ اعتقها فهو حر وان لم يتبعها اياه أو استثناه فهى حرة وهو غير حر وذلك لقول الله عز وجل:«وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً، فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظاماً، فَكَسَوْنَا الْعِظامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ» }.

(3)

وروى من طريق شعبة عن عبد الله بن مسعود قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (أن خلق أحدكم يجمع فى بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله اليه ملكا فيؤمر بأربع كلمات فيكتب رزقه وعمله واجله ثم يكتب شقى أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح). فصح انه الى تمام المائة والعشرين ماء من ماء أمه ولحمة ومضغة من حشوتها كسائر ما فى جوفها فهو تبع لها لأنه بعضها وله استثناؤه فى كل حال لأنه يزايلها كما يزايلها اللبن واذ هو كذلك فاذا أعتق فقد أعتق بعضها فوجب بذلك عتق جميعها

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: ان السيد اذا قال أول من تلد أمتى حر كان اعتاقا لأول بطن تلده تلك الأمة ويصح العتق هنا قبل الملك لوجود سبب الملك فاشبه النذر بأولادها ولو ولدت اثنين فى أول بطن عتقا

(5)

ومن عتق أمة وهى حامل وجب أن يسرى العتق الى الحمل ويعتقان جميعا، للاجماع على أن الحرة لا تلد الا حرا، ولو استثنى الحمل الا فى صورة واحدة، وهو حيث

(1)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ج 9 ص 184 مسئلة رقم 1660 طبع ادارة الطباعة المنيرية سنة 1359 هـ.

(2)

حد نفخ الروح فى الجنين تمام أربعة أشهر من حملها.

(3)

الآيات من رقم 12 الى 14 من سورة المؤمنون.

(4)

المحلى لابن حزم ج 9 ص 187 وما بعدها الى ص 189 مسئلة رقم 1663 الطبعة السابقة.

(5)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 578 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 144

يقف الحمل ثم يعتق الأم، بخلاف ما لو اعتق الحمل، فانه لا يسرى الى الأم بل يعتق وحده، للاجماع ولأنه يصح أفراده بالحكم كالنذر والوصية والاقرار به أوله

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية: أنه لو نذر السيد عتق أول ما تلده أمته فولدت ولدين فى بطن عتقا معا ان ولدتهما دفعة واحدة، لأن ما من صيغ العموم فيشملهما، ولو ولدتهما متعاقبين عتق الأول خاصة والشيخ لم يقيد بالدفعة تبعا للرواية هذا ان ولدته حيا، والاعتق الثانى لأن الميت لا يصلح للعتق

(2)

.

وكذا لو نذر عتق أول ما يملكه فملك جماعة دفعة واحدة بأن قبل شراءهم أو تملكهم فى عقد واحد أو ورثهم من واحد عتقوا أجمع.

ولو قال أول مملوك أملكه فملك جماعة أعتق احدهم بالقرعة لأن مملوكا نكرة واقعه فى الاثبات فلا يعم بل يصدق بواحد فلا يتناول غيره لاصالة البراءة.

وكذا لو قال أول مولود تلده.

وقيل يتخير فى تعيين من شاء لرواية الحسن الصيقل عنه عليه السلام فى المسألة بعينها

(3)

.

وعتق الحامل لا يتناول الحمل كما لا يتناوله البيع وغيره للمغايرة، فلا يدخل أحدهما فى مفهوم الآخر سواء استثناه أم لا، وسواء علم به أم لا، الا على رواية السكونى عن أبى عبد الله عليه السلام عن أبيه عليه السلام فى رجل أعتق أمة وهى حبلى فاستثنى ما فى بطنها قال: الأمة حرة وما فى بطنها حر، لأن ما فى بطنها منها وعمل بمضمونها الشيخ وجماعة، وضعف سندها يمنع من العمل مع أنها ظاهرة فى التقية

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى الايضاح ان السيد ان أوصى بعتق فلانة فماتت قبل موت الميت أو استحقت قبل موته أو بعد موته فليس عليهم عتق غيرها، لأن الميت أمرهم ان يعتقوا ما لا يملك فى باب الاستحقاق وكذلك موتها قبل الميت ليس عليهم ضمان لأنهم لم يضيعوا

(5)

.

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 587 نفس الطبعة.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 196 للشهيد سعيد زين الدين الجبعى العاملى.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 197 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 200 نفس الطبعة.

(5)

الايضاح للشيخ عامر بن على الشماخى ج 4 ص 560 فى كتاب أسفله حاشية محمد بن عمر أبو سنة القصبى النفوسى الطبعة الأولى طبع دار الدعوة سنة 1391 هـ، سنة 1971 م.

ص: 145

وان أوصى أن يعتق عليه هذه الأمة فولدت قبل ان يعتقوها فولدها عبد وأحكامها أحكام الأمة ما لم يعتقوها

(1)

.

والأمة اذا دبرها سيدها وهى حامل فهى مدبرة مع ما فى بطنها، لأنه تبع لأمه ولو وضعته قبل موته وما ولدته بعد ذلك فهو عبد الا ما كان فى بطنها عند وقوع العتق فهو حر مثلها

(2)

.

‌ثانيا - حكم اضافة العتق الى

معلوم أو مجهول

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع ان كون المضاف اليه العتق معلوما ليس بشرط لصحة الاضافة عند عامة العلماء، فيصح اضافة العتق الى المجهول بان يقول لعبديه احدكما حر، أو يقول هذا حر أو هذا أو يقول ذلك لأمتيه

(3)

. فاذا أضيف الاعتاق الى المجهول فالجهالة اما ان تكون أصلية، واما ان تكون طارئة.

فان كانت أصلية وذلك بأن تكون الصيغة من الابتداء مضافة الى أحد المذكورين غير عين فيجهل المضاف اليه لمزاحمة صاحبه اياه فى الاسم فصاحبه المزاحم لا يخلو اما ان يكون محتملا للاعتاق، أو لا يكون محتملا له، والمحتمل لا يخلو من ان يكون ممن ينفذ اعتاقه فيه أو ممن لا ينفذ.

فان كان محتملا للاعتاق وهو ممن ينفذ اعتاقه فيه نحو أن يقول لعبديه أحدكما حر أو يقول هذا حر أو هذا أو يقول سالم حر أو بريع لا ينوى أحدهما بعينه فالأحكام المتعلقة به نوعان، نوع يتعلق به فى حال حياة المولى، ونوع يتعلق به بعد وفاته.

أما الأول فللمولى أن يستخدمهما قبل الاختيار، وهذا يدل على أن العتق غير نازل فى أحدهما لأنه لا سبيل الى استخدام الحر من غير رضاه، وله أن يستعملهما ويستكسبهما وتكون الغلة والكسب للمولى، وهذا أيضا يدل على ما قلنا، ولو جنى عليهما قبل الاختيار فالجناية لا تخلو من أن تكون من المولى، أو أن تكون من الأجنبى، ولا تخلو من أن تكون على النفس، أو على ما دون النفس.

فان كانت الجناية من المولى فان كانت على ما دون النفس بأن قطع يد العبدين فلا شئ عليه، وهذا أيضا يدل على عدم نزول العتق حيث جعلهما فى حكم المملوكين قبل الاختيار وسواء قطعهما معا أو على التعاقب، لأن

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 566 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 570 نفس الطبعة.

(3)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 4 ص 56 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

ص: 146

القطع لا يبطل الخيار ولا يكون ثابتا بخلاف القتل.

وان كانت الجناية من المولى على النفس بأن قتلهما فان قتلهما على التعاقب فالأول عبد والثانى حر، لأنه لما أقدم على قتل الأول فقد تعين الثانى للعتق فاذا قتله فقد قتل حرا فعليه الدية وتكون لورثته، لأن الدية تصير ميراثا للورثة ولا يكون للمولى من ذلك شئ لأنه قاتل والقاتل لا يرث، وان قتلهما معا بضربة واحدة فعليه نصف دية كل واحد منهما لورثته لأن المضمون على المولى أحدهما وهو الحر منهما وليس احدهما بأولى من الآخر فشاعت حرية واحدة فيهما، وهذا يؤيد القول بنزول العتق فى غير العين.

وان كانت الجناية من الأجنبى فان كانت فيما دون النفس بأن قطع انسان يد العبدين فعليه أرش العبدين وذلك نصف قيمة كل واحد منهما لكن يكون أرشهما للمولى سواء قطعهما معا أو على التعاقب، لأن القطع لا يبطل خيار المولى وهذا يوجب القول بعدم نزول العتق اذ لو نزل لكان الواجب أرش يد عبد وحر وهو نصف قيمة عبد ونصف دية حر.

وان كانت الجناية فى النفس فالقاتل لا يخلو من أن يكون واحدا، أو أن يكون اثنين.

فان كان واحدا فان قتلهما معا فعليه نصف قيمة كل واحد منهما ويكون للمولى وعليه نصف دية كل واحد منهما وتكون لورثتهما، وهذا دليل على أن العتق نازل فى غير العين اذ لو لم يكن كذلك لكان الواجب فى قتلهما معا قيمة عبدين، ومع ذلك لم يجب بل وجب دية حر وقيمة عبد، لأن احدهما حر، وقد قتل حرا وعبدا، والواجب بقتل الحر الدية وبقتل العبد القيمة، وانما انقسم، لأن كل واحد منهما تجب ديته فى حال، وقيمته فى حال، لاحتمال أنه حر وعبد فينقسم ذلك على اعتبار الأحوال كما هو أصل أصحابنا رحمهم الله تعالى.

وان قتلهما على التعاقب وجب على القاتل قيمة الأول للمولى ودية الثانى للورثة، لأن قتل الأول يوجب تعين الثانى للعتق فيتعين الأول للمولى وقد قتل حرا وعبدا خطأ.

وان كان القاتل اثنين فقتل كل واحد منهما رجلا فان وقع قتل كل واحد منهما معا فعلى كل واحد من القاتلين القيمة نصفها للورثة ونصفها للمولى وايجاب القيمتين يوجب قيمة ودية على قول من يقول أن العتق غير نازل

ص: 147

ظاهرا، لأن كل واحد منهما قتل عبدا خطأ وهو يوجب القيمة.

وأما على قول من يقول بنزول العتق فانما لم تجب الدية لأن من تجب الدية عليه منهما مجهول اذ لا يعلم من الذى تجب عليه منهما فلا يمكن ايجاب الدية مع الشك، والقيمة متيقنة فتجب، بخلاف ما اذا كان القاتل واحدا، لأن هناك من عليه معلوم لا جهالة فيه، وانما الجهالة فيمن له، وأما انقسام القيمتين فلأن المستحق لأحد البدلين هو المولى والمستحق للبدل الآخر هو الوارث، وكل واحد منهما يستحق فى حال ولا يستحق فى حال فوجوب القيمتين حجة أحد القولين وانقسامهما حجة القول الآخر.

وان وقع قتل كل واحد منهما على التعاقب فعلى قاتل الأول القيمة للمولى، وعلى قاتل الثانى الدية للورثة، لأن أحدهما قتل عبدا والآخر قتل حرا، لأن قتل الأول أوجب تعين الثانى للحرية والأول للرق.

ولو كان المملوكان أمتين فولدت كل واحدة منهما ولدا أو ولدت أحداهما ولدا فاختار المولى عتق احداهما عتقت هى وعتق ولدها، سواء كان للأخرى ولد أو لم يكن.

أما على قول التخيير فظاهر، لأن العتق كان نازلا فى غير العين منهما، والبيان تعيين لمن وقع عليه فعتقت المعينة وعتق ولدها تبعا لها.

وأما على قول التعليق فلأن العتق ان لم ينزل فقد انعقد سبب النزول فى احداهما فيسرى الى ولدها كالاستيلاد والكتابة.

ولو ماتت الأمتان معا قبل الاختيار وقد ولدت كل واحدة منهما ولدا خير المولى فيختار عتق أى الولدين شاء، لأنهما لما ماتتا معا لم تتعين احداهما للحرية فحدث الولدان على وصف الأم فيخير المولى فيهما كما كان يخير فى الأم.

فان مات أحد الولدين قبل الآخر مع بقاء الأمتين لا يلتفت الى ذلك، ويخير المولى لأنه لم يتعلق بموته تعيين، اذ الحرية انما تتعين فيه بتعينها فى أمه وحكم التعيين فى الأم قائم

(1)

.

هذا اذا أضيف الاعتاق الى مجهول جهالة أصلية.

أما اذا أضيف الى مجهول جهالة طارئة كأن يضيف صيغة الاعتاق الى أحدهما بعينه ثم ينساه فالكلام فيه فى موضعين: احدهما فى كيفية هذا التصرف، والثانى فى الأحكام المتعلقة به.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 100، ص 101 نفس الطبعة.

ص: 148

أما الأول فلا خلاف فى أن احدهما حر قبل البيان، لأن الصيغة أضيفت الى معين، والمعين محل لنزول العتق فيه، فكان البيان فى هذا النوع اظهارا وتعيينا لمن نزل فيه العتق.

وأما الثانى فالأحكام المتعلقة به ضربان أيضا، ضرب يتعلق به فى حال حياة المولى، وضرب يتعلق به بعد موته.

أما الأول فنقول: اذا اعتق احدى جاريتيه بعينها ثم نسيها أو اعتق احدى جواريه العشرة بعينها ثم نسى المعتقة فانه يمنع من وطئهن واستخدامهن، لأن واحدة منهن حرة بيقين فكل واحدة يحتمل أن تكون هى الحرة ووط ء الحرة من غير نكاح حرام فلو قرب واحدة منهن ربما يقرب الحرة فيمنع من ذلك صيانة عن الحرام.

والأصل فى هذا الباب ما روينا عن وابصة بن معبد رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أنه قال الا أن لكل ملك حمى وان حمى الله محارمه، فمن حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه ولا يجوز أن يطأ واحدة منهن بالتحرى

(1)

.

ولو خاصم العبدان المولى الى القاضى وطلبا منه البيان أمره القاضى بالبيان ولو امتنع حبسه ليبين كذا ذكره الكرخى، لأن أحدهما حر بيقين والحرية حقه أوله فيها حق، ولكل صاحب حق أن يطلب حقه واذا امتنع من الايفاء يجبر عليه

(2)

.

وأما الثانى فهو أن المولى اذا مات قبل البيان يعتق من كل واحدة منهما نصفه مجانا بغير شئ ونصفه بالقيمة فتسعى كل واحدة منهما فى نصف قيمتها للورثة لما ذكرنا فى الجهالة الأصلية

(3)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن القاسم رحمه الله تعالى أن المالك لو قال رأس من رقيقى حر ولم ينو واحدا بعينه فهو مخير فى عتق من شاء منهم وكذلك اذا قال لعبديه أحدكما حر بخلاف الطلاق

(4)

.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 108 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 108 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 109 نفس الطبعة.

(4)

التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف العبدرى الشهير بالمواق ج 6 ص 333 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

ص: 149

وقال أبو عمر رحمه الله تعالى لم يختلف قول الامام مالك فيمن أوصى بعتق عبيده فى مرضه ولا مال له غيرهم أنه يقرع بينهم فيعتق ثلثهم بالسهم ولم يختلف أكثرهم أن هذا حكم من اعتق عبيده فى مرضه ولا مال له غيرهم.

الا اشهب وأصبغ فانهما قالا انما القرعة فى الوصية.

قال سحنون رحمه الله تعالى وأما اذا سمى فقال: ميمون ومرزوق حران فانهما يتحاصان فى ضيق الثلث، وأن قال عبداى حران أو قال غلمانى أحرار أقرع بينهم وكذلك قال ابن المواز رحمه الله تعالى.

وقال ابن حبيب عن مطرف وابن الماجشون رحمهم الله تعالى سواء سماهم أو لم يسم فانه يقرع بينهم.

وروى عن المدونة أنه لو قال: ثلث رقيقى أحرار أو نصفهم أو ثلثاهم عتق منهم من سمى بالقرعة ان حمله الثلث والا فما حمل الثلث مما سمى.

وأما اذا أوصى بعدد سماه من أكثر ففى المدونة ان قال فى مرضه عشرة من رقيقى أحرار وهم ستون عتق سدسهم خرج السهم على أكثر من عشرة أو أقل.

قال الامام مالك رحمه الله تعالى اذا دبر فى مرضه جماعة عبيده فى كلمة واحدة لم يبدأ أحدهم على صاحبه وعتق من كل واحد ثلثه اذا لم يكن له مال غيرهم ولا يفرق بينهم واذا أوصى بعتقهم أقرع بينهم فيعتق ثلثهم ويرق باقيهم، والكل عتق الا بعد الموت لا ينفذ

(1)

.

قال اللخمى رحمه الله تعالى فان أعتق عبديه واحدا بعد واحد بدئ بالأول، لأنه ليس له أن يحدث ما ينقض عتق الأول.

قال الحطاب: واذا قال عبيدى أحرار فلان وفلان وسكت عن باقيهم فقيل: يعتق جميعهم.

وقيل يعتق من سمى فقط

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب أن المعتق ان كان له عبدان فأعتق أحدهما بعينه ثم أشكل أمر بأن يتذكر فان قال أعتقت هذا قبل قوله لأنه أعرف بما قال.

فان اتهمه الآخر حلف لجواز أن يكون كاذبا فان نكل حلف الآخر وعتق العبدان احدهما باقراره والآخر بالنكول واليمين،

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 339 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 340 نفس الطبعة.

ص: 150

وان قال: هذا بل هذا عتقا جميعا، لأنه صار راجعا عن الأول مقرا بالثانى، فان مات قبل أن يبين رجع الى قول الوارث لأن له طريقا الى معرفته فان قال الوارث لا أعلم فالمنصوص أنه يقرع بينهما لأنه ليس احدهما بأولى من الآخر فرجع الى القرعة.

ومن أصحابنا من خرج فيه قولا آخر أنه يوقف الى أن ينكشف لأن القرعة تفضى الى أن يرق من أعتقه ويعتق من أرق فوجب أن يوقف الى أن يتبين والأول هو الصحيح، لأن البيان قد فات والوقوف يضر بالوارث فى رقيقه وبالحر فى حق نفسه.

وان أعتق عبدا من أعبد أخذ بتعيينه وله ان يعين من شاء، فان قال:

هو سالم، بل غانم، عتق سالم، ولم يعتق غانم، لأنه تخير لتعيين عتق، فاذا عينه فى واحد سقط خياره فى الثانى، فان مات قبل أن يعين ففيه وجهان.

أحدهما لا يقوم الوارث مقامه فى التعيين، كما لا يقوم مقامه فى تعيين الطلاق فى احدى المرأتين، فعلى هذا يقرع بينهما فمن خرجت له القرعة عتق.

والوجه الثانى يقوم الوارث مقامه وهو الصحيح، لأنه خيار ثابت يتعلق بالمال فقام الوارث فيه مقامه كخيار الشفعة والرد بالعيب

(1)

.

وجاء فى مغنى المحتاج أنه لو اعتق شخص ثلاثة من الأرقاء معا كأعتقتكم لا يملك غيرهم عند موته وقيمتهم سواء ولم تجز الورثة عتقهم عتق أحدهم بقرعة لأنها شرعت لقطع المنازعة فتعينت طريقا.

والأصل فيها ما رواه مسلم عن عمران بن الحصين رضى الله تعالى عنه بأن رجلا من الأنصار أعتق ستة أعبد مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم اثلاثا ثم اقرع بينهم فأعتق اثنين ورق أربعة، والظاهر تساوى الأثلاث فى القيمة لأن عبيد الحجاز غالبا لا تختلف قيمتهم.

وكذا لو قال اعتقت ثلثكم أو قال ثلثكم حر فيعتق واحد منهم بقرعة.

وانما لم يعتق ثلث كل منهم فى هاتين، لأن عتق بعض الرقبة كاعتاق كله.

فلو قال أعتقت ثلث كل عبد منكم أقرع بينهم أيضا فى الأصح ويعتق واحد بقرعة كما مر.

(1)

المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على الفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 4 فى كتاب بأسفل صفحاته النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لابن بطال طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.

ص: 151

وقيل بعتق من كل ثلثه ولا أقراع لتصريحه بالتبعيض، وهذا هو القياس، لكن تشوف الشارع الى تكميل العتق يوجب اتباع الخبر فى ايقاع القرعة، هذا كله اذا لم يضفه الى الموت.

فان قال ثلث كل واحد منكم حر بعد موتى عتق من كل واحد ثلثه ولا يقرع على الصحيح، لأن العتق بعد الموت لا يسرى.

وفهم من أمثلة التصوير بما اذا عتق الأبعاض معا.

أما اذا رتبها فان الأسبق يقدم حتى لو كان له عبدان فقط فقال نصف غانم حر وثلث سالم حر عتق ثلثا غانم ولا قرعة

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن السيد ان قال: كل مملوك لى حر، أو قال:

كل مماليكى حر، أو قال كل رقيقى حر عتق مدبروه ومكاتبوه وأمهات أولاده وعبيد عبده التاجر وأشقاصه ولو لم ينوها، لأن لفظه عام فيهم فيعتقون كما لو عينهم، حتى ولو كان على عبده التاجر دين يستغرق عبيده.

ولو قال السيد عبدى أو أمتى حر ولم ينو معينا من عبيده ولا امائه عتق الكل من عبيده وامائه لأن لفظ عبدى أو أمتى مفرد مضاف فيعم العبيد أو الاماء

(2)

.

وان قال أحد عبيدى حر، أو قال احدى عبيدى حر، أو قال بعض عبيدى حر ولم ينوه أو عينه بلفظه أو نيته ثم أنسيه أعتق أحدهم بالقرعة، لأن مستحق العتق واحد غير معين فميز بالقرعة كما لو أعتق جميعهم فى مرضه ولم تجز الورثة.

وان قال: لأمتيه احداكما حرة ولم ينو واحدة بعينها عتقت احداهما بقرعة وحرم عليه وطؤهما بدون قرعة، لأن احداهما عتقت وهى مجهولة فوجب الكف عنهما الى القرعة فان وطئ السيد واحدة منهما لم تعتق الأخرى بذلك.

بل لا بد من القرعة كما لو أعتق واحدة منهما معينة ثم أنسيها فانه يخرجها بالقرعة لا بتعيينه لها.

(1)

مغنى المحتاج الى معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 462 فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع لمنصور بن ادريس ج 2 ص 640 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرقية سنه 1309 هـ.

ص: 152

فان مات السيد فى جميع ما تقدم قبل القرعة أقرع الورثة لقيامهم مقامه فمن خرج بالقرعة فهو حر من حين العتق وكسبه له.

وأن مات أحد العبدين اللذين قال سيدهما أحدكما حر أقرع بين الميت وبين الحى كما لو لم يمت.

ولو اعتق معينا من عبيده أو امائه ثم نسيه فأقرع بينهم ثم علم بعد القرعة أن المعتق غير من خرجت له القرعة عتق وبطل عتق الأول لتبين خطأ القرعة، الا أن تكون القرعة بحكم حاكم فيعتقان، لأن فى ابطال عتق المخرج نقضا لحكم الحاكم بالقرعة ويأتى فى القضاء أن قرعة الحاكم نفسها حكم فلا يحتاج الحاكم مع القرعة الى الحكم بها كتزويج اليتيمة ونحوه.

واذا اعتق معينا ثم نسيه ثم تذكره قبل القرعة فانه يقبل تعيينه، لأنه غير متهم فيه فيعتق من عينه للعتق.

وان قال السيد أعتقت هذا لا بل هذا عتقا جميعا لأن اضرابه عن الأول لا يبطله

(1)

.

وأن أعتق فى مرضه المخوف ستة أعبد أو ست اماء أو ستة منهما قيمتهم سواء وثلثه يحتملهم فى الظاهر ثم ظهر على معتقهم دين يستغرق الستة الذين أعتقهم وما معهم من ماله بيعوا فى دينه لتبين بطلان عتقهم بظهور الدين ويكون عتقهم وصية، والدين مقدم على الوصية لقول على رضى الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدين قبل الوصية، وأن استغرق الدين بعضهم بيع منهم بقدره ما لم يلتزم الوارث بقضائه فيهما، فان لم يظهر عليه دين ولم يعلم له مال غيرهم اعتقنا ثلثهم، لأنه تبرع فى مرض الموت فأشبه الوصية، ثم ان ظهر للمعتق مال يخرجون من ثلثه عتق من أرق منهم، لأن تصرف المريض فى ثلثه نافذ، وقد بان أنهم ثلث ماله وخفاء ما ظهر من المال علينا لا يمنع كون المعتق موجودا من حينه، وكان حكم الستة حكم الأحرار، من حين أعتقهم لنفوذ عتقهم اذن وكسبهم لهم منذ عتقوا

(2)

. فان لم يظهر لمعتق الستة المتساوين فى القيمة مال غيرهم ولم يكن عليه دين جزأناهم ثلاثة أجزاء كل اثنين جزء، ثم أقرعنا بينهم بسهم حرية وسهمى رق، فمن خرج له سهم الحرية عتق ورق الباقون، لحديث عمران ابن حصين رضى الله تعالى عنه أن رجلا من الأنصار اعتق ستة مملوكين فى مرضه لا مال له غيرهم فجزأهم رسول الله

(1)

- المرجع السابق ج 2 ص 641 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 642 نفس الطبعة.

ص: 153

صلّى الله عليه وسلّم فأعتق اثنين وأرق أربعة

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من قال أحد عبدى هذين حر فليس منهما حر وكلاهما عبد كما كان ولا يكلف عتق أحدهما، فانه لم يعتق هذا بعينه فليس حرا اذ لم يعتقه سيده، ولا اعتق هذا الآخر أيضا بعينه فليس أيضا حرا اذ لم يعتقه سيده فكلاهما لم يعتقه سيده فكلاهما عبد، وهذا فى غاية البيان ولا يجوز اخراج ملكه عن يده بالظن الكاذب

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أنه اذا التبس من وقع عليه العتق بعد تعيينه فى القصد عم العتق جميع الأشخاص الذين أوقعه على احدهم فيسعون بحسب التحويل، فان التبس بين اثنين مثلا سعى كل واحد منهما فى نصف قيمته يوم الاياس، لأن كل واحد منهما تلزمه القيمة فى حال وتسقط فى حال، وان كانوا ثلاثة سعى كل واحد منهم فى ثلثى قيمته لأنها لزمته فى حالتين وسقطت فى حال وكذلك ما كثروا تكون السعاية بحسب التحويل، وانما تلزمهم السعاية ان لم يفرط السيد

(3)

، فأما لو فرط فى التعيين حتى حصل اللبس لم يلزمهم سعاية لأنه اذا ترك البيان مع التمكن كان جانيا، وقيل: الظاهر أنه لا فرق فرط أم لا.

واعلم أن التباس العتق بعد تعيينه فى القصد هو كحر التبس بعبد، فانه اذا التبس حر بعبد عتق العبد ووجبت السعاية على الحر وعلى العبد كل فى نصف قيمته لو كان عبدا، الا أن يقع اللبس فى العتق عن الكفارة نحو أن يعتق أحد عبيده معينا عن كفارته، ثم يلتبس عليه فانهم يعتقون جميعا ولا سعاية عليهم وتجزيه الكفارة سواء فرط أم لا.

وقيل يلزم السعاية وتجزى عن الكفارة لأن العتق قد حصل قبل اللبس.

ويصح تعليق تعيينه فى الذمة وذلك نحو أن يقول لعبيده أحدكم حر

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 2 ص 642 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 9 ص 209 مسئلة رقم 1674 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.

(3)

وحد التفريط أن يمضى وقت يمكنه التعيين ولا يعين عن حواشى شرح الأزهار ج 3 ص 569.

ص: 154

أو هذا أو هذا، أو أن يقول لامائه احداكن حرة ولا يقصد واحدا بعينه، فان هذا العتق يصح ويتعلق بالذمة وفاقا بين المؤيد بالله والهادى، اذ قد صح ثبوته فى الذمة ابتداء ونحو قول الله عز وجل «فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ»

(1)

بخلاف الطلاق فلأنه لم يثبت فى الذمة لم يصح تعليق تعيينه فيها.

ويقع ذلك العتق حين التعيين على الأصح من القولين وهو قول القاضى زيد وأبى مضر وعلى خليل وغيرهم.

وقال الكنى: يقع العتق من يوم ايقاعه.

فعند أهل القول الأول أنه يجوز للسيد قبل التعيين وط ء من شاء منهن وبيع من شاء حتى يعين، لأن العتق انما يقع حين التعيين.

وعند الكنى أنه لا يجوز أن يطأ احداهن لالتباسهن بالحرة.

وللسيد قبل التعيين كسبهن عند أهل القول الأول.

وعند الكنى أن فيهن واحدة حرة كسبها لها.

ولا يحل له كسبهن حتى يعين المعتقة منهن فيكون كسبها لها، فاذا كان السيد قد استهلكه ضمنه لها أو لورثتها

(2)

. فان مات السيد قبل التعيين عم العتق الأشخاص الذين أوقعه على أحدهم إذ لا مخصص لبعضهم فاستحق كل منهم قسطا فسرى الى باقيه، وسعوا بحسب التحويل ان لم يفرط فى ترك التعيين فان فرط فلا سعاية.

وان مات احدهما أو عتق بأى وجه أو استولد السيد أو باع احدهما قبل التعيين تعين العتق المبهم فى الآخر.

فان وطئ احداهما ولم تعلق لم تتعين الحرية للاخرى، بل له أن يعين من شاء.

وقال المؤيد بالله والمنصور بالله تعين الحرية للاخرى

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية أن فى اعتبار التعيين للمعتق نظرا منشؤه النظر الى عموم الأدلة الدالة على وقوعه بالصيغة الخاصة وأصالة عدم التعيين

(1)

الآية رقم 3 من سورة المجادلة.

(2)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار ج 3 ص 569، ص 750 طبع مطبعة حجازى سنة 1357 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 571، ص 572 الطبعة السابقة.

ص: 155

وعدم مانعية الابهام فى العتق شرعا من حيث وقع لمريض اعتق عبيدا يزيدون عن ثلث ماله ولم يجز الورثة والالتفات الى أن العتق أمر معين فلابد له من محل معين.

وصاحب اللمعة قد رجح فى شرح الارشاد الوقوع وتوقف هنا وله وجه ان لم يترجح اعتباره.

فان لم يعتبر التعيين فقال أحد عبيدى حر صح وعين من شاء.

وفى وجوب الانفاق عليهم قبله والمنع من استخدام أحدهم وبيعه وجهان.

أحدهما: ثبوت النفقة قبل العتق ولم يتحقق بالنسبة الى كل واحد فيستصحب واشتباه الحر منهم بالرق مع انحصارهم فيحرم استخدامهم وبيعهم.

وثانيهما: استلزام ذلك الانفاق على الحر بسبب الملك والمنع من استعمال المملوك.

والأقوى الأول.

واحتمل صاحب اللمعة استخراج المعتق بالقرعة، وقطع بها لو مات قبل التعيين.

ويشكل كل منهما بأن القرعة لاستخراج ما هو معين فى نفسه غير متعين ظاهرا لا لتحصيل التعيين فالأقوى الرجوع اليه فيه أو الى وارثه بعده.

ولو عدل المعين عن من عينه لم يقبل ولم ينعتق الثانى اذ لم يبق للعتق محل، بخلاف ما لو اعتق معينا واشتبه ثم عدل فانهما ينعتقان

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه ان قال مالك الرقيق اعتقت واحدا من عبدى يفتح الدال وتشديد الباء أو أعتقت واحدا أو اثنين فصاعدا من عبيدى عتقا معا وسعيا بقيمة أحدهما ان كان اثنان ذكران أو انثيان أو ذكر وأنثى واعتقوا معا وسعوا بقيمة ما عدا العدد الذى ذكره اذ كان ثلاثة فصاعدا ذكورا أو اناثا أو مختلطين فاذا استويا أو استووا فلا اشكال، وان تفاضلا أو تفاضلوا جمعت قيمتهما وسعيا بنصفها أو جمعت قيمتهم وسعوا بما ينوب منها ماعدا العد الذى ذكره.

وان قال اعتقت بعضا من عبيدى

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 190

ص: 156

عتقوا كلهم وسعوا بما عدا قيمة واحد

(1)

.

‌ثالثا: حكم اضافة العتق الى

بعض العبد أو الى عضو منه

‌مذهب الحنفية:

جاء فى تبيين الحقائق أن العتق يصح اذا أضافه المالك الى جملة العبد أو الى ما يعبر به عن جميع البدن كقوله: وجهك حر أو رأسك أو رقبتك أو عنقك أو قال لأمته فرجك حر نوى العتق به أو لم ينو، لأن هذه الألفاظ صريحة فى العتق لاختصاص استعمالها فيه أو لغلبته فلا يحتاج فيها الى النية.

قال الكمال ولو قال لعبده، فرجك حر ففيه خلاف قيل يعتق كالأمة وعن محمد رحمه الله تعالى لا يعتق لأنه لا يعبر به عنه، بخلاف الأمة.

ولو قال للأمة فرجك على حرام ينوى العتق لا تعتق، لأن حرمة الفرج من الرق يجتمعان.

وفى لسانك حر يعتق لأنه يقال هو لسان القول.

وفى الدم روايتان ولو قال لها فرجك حر عن الجماع عتقت.

وفى الدبر والاست الأصح أنه لا يعتق لأنه لا يعبر به عن البدن.

وفى العتق روايتان:

والأولى ثبوت العتق فى ذكرك حر، لأنه يقال فى العرف هو ذكر من الذكور، وفلان فحل ذكر وهو ذكرهم

(2)

.

وجاء فى بدائع الصنائع: أنه اختلف فى الاعتاق المضاف الى جزء العبد.

قال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى لا يتجزأ الاعتاق كيفما كان المعتق لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من أعتق شقصا له من عبد عتق كله ليس لله فيه شريك، وهذا نص على عدم التجزى هذا الى أن العتق فى العرف اسم لقوة حكمية دافعة يد الاستيلاء، والرق اسم لضعف حكمى يصير به الآدمى محلا للتملك فيعتبر الحكمى بالحقيقى وثبوت القوة الحقيقية والضعف الحقيقى فى النصف شائعا مستحيل فكذا الحكمى، ولأن للعتق آثارا

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 340 طبع مطبعة البارونية.

(2)

تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لعثمان ابن على الزيلعى ج 3 ص 67 وحاشية الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبى فى كتاب على هامشه تبيين الحقائق الطبعة الأولى طبع المطبعة الأميرية الكبرى بمصر سنة 1313 هـ.

ص: 157

من المالكية والولاية والشهادة والارث ونحوها، وثبوت هذه الآثار لا يحتمل التجزى ولهذا لم يتجزأ فى حال الثبوت حتى لا يضرب الامام الرق فى انصاف السبايا ويمن عليهم بالأنصاف. كذا فى حالة البقاء. ثم ان اعتاق النصف قد تعدى الى النصف الباقى فى الأحكام حتى امتنع جواز التصرفات الناقلة للملك فيه من البيع والهبة والصدقة والوصية عند أصحابنا، وكذا يجب تخريجه الى عتق الكل بالضمان أو السعاية حتى يجبره القاضى على ذلك وهذا من آثار عدم التجزى، وكذا الاستيلاء لا يتجزأ حتى لو استولد جارية بينه وبين شريكه وادعاه تصير كلها أم ولد له بالضمان، ومعلوم ان الاستيلاد يوجب حق الحرية لا حقيقة الحرية فالحق اذا لم يتجزأ فالحقيقة أولى، وكذا لو عتق نصف أم ولده أو أم ولد بينه وبين شريكه عتق كلها واذا لم يكن الاعتاق متجزئا لم يكن المحل فى حق العتق متجزئا، واضافة التصرف الى بعض ما لا يتجزأ فى حقه يكون اضافة الى الكل كالطلاق والعفو عن القصاص.

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى:

يتجزأ سواء كان المعتق موسرا أو معسرا لما روى عن عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عتهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعتق نصيبا له من مملوك كلف عتق بقيته وان لم يكن عنده ما يعتقه فيه حاز ما صنع. وهذا نص على التجزى لأن تكليف عتق الباقى لا يتصور بعد ثبوت العتق فى كله.

وروى عن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أعتق شركا له فى عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، والا عتق ما عتق.

والحديث يدل على تعلق عتق الباقى بالضمان اذا كان المعتق موسرا، وعلى عتق البعض ان كان معسرا، فيدل على التجزى فى حالة اليسار والاعسار

(1)

هذا الى أن الاعتاق ان كان تصرفا فى الملك والمالية بالازالة فالملك متجزى وكذا المالية بلا شك حتى تجرى فيه سهام الورثة ويكون مشتركا بين جماعة كثيرة من الغانمين وغيرهم، وان كان تصرفا فى الرق فالرق متجزئ أيضا لأن محله متجزئ وهو العبد، واذا كان محله متجزئا كان هو متجزئا ضرورة. ثم أن الاثنين اذا أعتقا عبدا مشتركا بينهما كان الولاء بينهما نصفين والولاء من أحكام العتق، فدل تجزؤه على تجزء العتق

(2)

.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 4 ص 86 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 87 الطبعة السابقة.

ص: 158

‌مذهب المالكية:

جاء فى بلغة السالك ان العتق فى عتق بعض كالطلاق، فاذا قال نصفك أو ربعك حر عتق جميعه وكذا فى عتق عضو، ونحوه فاذا قال يدك حرة أو كلامك أو شعرك عتق الجميع، لكن التكميل فى العتق يحتاج الى حكم حاكم بخلاف الطلاق

(1)

.

وجاء فى المدونة أنه لو كان عبد بين رجلين فعتق أحدهما حصته وهو موسر، فقال الذى لم يعتق أنا أعتق حصتى الى أجل ولا أضمن شريكى.

قال مالك رحمه الله تعالى ليس ذلك له انما له أن يبت عتقه أو يضمن شريكه، ولا يجوز للشريك أن يدبر حصته أو يكاتبه، وانما له أن يعجل له العتق أو يضمن شريكه

(2)

.

قال ابن القاسم رحمه الله تعالى ولو أن رجلا أعتق شقصا له فى عبد وهو موسر لم يجز له أن يضمن لصاحبه نصفه بأكثر من قيمته الى أجل.

ولو أن عبدا بين رجلين أذن أحدهما لصاحبه فى العتق فأعتق ضمن لشريكه الذى أذن له فى العتق اذا كان موسرا.

قال الامام مالك رحمه الله تعالى.

فان لم يكن المعتق موسرا بما بقى من ثمن العبد ولكنه موسر بنصف ما بقى من ثمنه.

قال مالك رحمه الله تعالى يعتق عليه من العبد ما حمل منه ماله ويرق ما سوى ذلك

(3)

.

وروى ابن وهب عن يونس عن ربيعة رحمه الله تعالى أنه لو أعتق الرجل نصف عبده عتق عليه كله وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أنه من أعتق شركا له فى عبد أقيم عليه ثم أعتق كله عليه وذلك أنه لم يكن ليجتمع فى يد رجل عتاقة ورق كان ذلك من قبله حتى تتبع احدى الحرمتين صاحبتها والرق أحق أن يتبع العتاقة من العتاقة للرق.

قال ابن وهب رحمه الله تعالى:

وأخبرنى رجال من أهل العلم عن عمر ابن الخطاب وعبد الرحمن بن القاسم ونافع مولى ابن عمر رضى الله تعالى عنهم بذلك وأن عمر بن الخطاب قال ليس لله شريك

(4)

.

ولو أن جميع الابن ملك لرجل فاشترى الأب نصفه أو تصدق السيد بنصفه

(1)

بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى ج 2 ص 462 على الشرح الصغير لأحمد الدردير فى كتاب على هامشه الشرح الصغير طبع المكتبة التجارية بمصر.

(2)

المدونة الكبرى للإمام مالك ج 7 ص 37 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 7 ص 38 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 7 ص 42 نفس الطبعة.

ص: 159

على والد العبد فقبل والد العبد الصدقة أو وهبه له فقبل الهبة والوالد حر موسر قوم ما بقى منه على أبيه ويعتق جميعه.

ولو اشترى رجل هو وأجنبى ابنه فى صفقة واحدة عتق على الأب نصيبه وضمن لشريكه نصيبه كما قال مالك رحمه الله تعالى

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى مغنى المحتاج أنه تصح اضافة الاعتاق الى جزء معين من الرقيق كيده، أو جزء شائع منه كربعه فيعتق كله سراية كنظيره فى الطلاق، وسواء فى ذلك الموسر وغيره، لما رواه الامام أحمد وأبو داود والنسائى أن رجلا أعتق شقصا من غلام فذكر ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فأجاز عتقه وقال ليس لله شريك. هذا اذا كان باقيه له

(2)

، فان كان باقيه لغيره نظر فان كان المعتق معسرا عند الاعتاق بقى الباقى من العبد لشريكه ولا يسرى، لمفهوم الحديث الآتى، وان لم يكن معسرا سرى العتق عليه الى نصيب شريكه.

والمراد بغير المعسر أن يكون موسرا بقيمة حصة شريكه فاضلا ذلك عن قوته وقوت من تلزمه نفقته فى يومه وليلته ودست ثوب يلبسه وسكنى يوم - أو سرى الى ما أيسر به من نصيب شريكه.

والأصل فى ذلك خبر الصحيحين: من أعتق شركا له فى عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم وأعتق عليه العبد، والا فقد عتق عليه منه ما عتق.

يستثنى من ذلك ما لو كان نصيب الشريك مستولدا - بأن استولدها وهو معسر - فلا سراية فى الأصح، لأن السراية تتضمن النقل.

ويجرى الخلاف فيما لو استولدها أحدهما وهو معسر ثم استولدها الآخر ثم أعتقها أحدهما. ولو كانت حصة الذى لم يعتق موقوفة لم يسر العتق قولا واحدا قاله فى الكفاية.

وشمل اطلاقه ما لو كان العبد بين ثلاثة فأعتق اثنان منهم نصيبهما معا وأحدهما موسر والآخر معسر، فانه يقوم جميع نصيبه على الذى لم يعتق على هذا الموسر كما جزما به والمريض معسر الا فى ثلث ماله، فاذا أعتق نصيبه من عبد مشترك فى مرض موته فان خرج جميع العبد من ثلث ماله قوم عليه نصيب شريكه وعتق جميعه، وان لم يخرج الا نصيبه عتق بلا سراية

(3)

.

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 47، ص 48 نفس الطبعة.

(2)

مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج ج 4 ص 452 للشيخ محمد الشربينى الخطيب فى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 455، ص 456 الطبعة السابقة.

ص: 160

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن من أعتق جزءا من رقيقه غير شعر وسن وظفر وريق ونحوه كدمع وعرق ولبن ومنى وبياض وسواد وسمع وبصر وشم ولمس وذوق، سواء كان ذلك الجزء الذى أعتقه معينا كيده ورجله ورأسه وأصبعه أو مشاعا كنصفه وعشر عشر ونحوه كجزء من ألف جزء منه عتق الرقيق كله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أعتق شقصا له من مملوك فهو حر من ماله، قاله فى المغنى وغيره، ولأنه ازالة ملك عن بعض مملوك الآدمى فزال عن جميعه كالطلاق.

وأما اذا قال شعرك أو نحوه حر فانه لا يعتق منه شئ، لأن هذه الأشياء تزول ويخرج غيرها فهى فى قوة المنفصلة.

وان أعتق أحد الشريكين شركا له فى عبد أو أمة بأن أعتق حصته أو بعضها أو أعتق العبد المشترك كله أو أعتق الأمة المشتركة كلها والشريك الذى باشر العتق موسر بقيمة باقيه حين عتقه عتق العبد كله أو الأمة كلها وعلى الشريك المباشر للعتق قيمة باقيه لشريكه، لما روى ابن عمر رحمه الله تعالى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شركا له فى عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم عليه العبد قيمة عدل فأعطى شركاءه حصتهم وعتق عليه العبد، والا فقد عتق عليه ما عتق. متفق عليه

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من أعتق عضوا أى عضو كان من أمته أو من عبده، أو أعتق عشرهما أو جزءا مسمى كذلك عتق العبد كله والأمة كلها، وكذلك لو أعتق ظفرا أو شعرا أو غير ذلك، لما روينا من طريق أحمد بن شعيب باسناده عن ابن عمر، قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من أعتق شيئا من مملوكه فعليه عتقه كله ان كان له مال يبلغ ثمنه فان لم يكن له مال عتق منه نصيبه»

(2)

.

ومن ملك عبدا أو أمة بينه وبين غيره فأعتق نصيبه كله أو بعضه أو أعتقه كله عتق جميعه حين يلفظ بذلك فان كان له مال يفى بقيمة حصة من يشركه حين لفظ بعتق ما أعتق منه أداها الى من يشركه وان لم يكن له مال يفى بذلك كلف العبد أو الأمة أن يسعى فى قيمة حصة من لم يعتق على حسب طاقته لا شئ للشريك غير

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 631 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(2)

المحلى لأبى محمد بن حزم ج 9 ص 189، ص 190 مسئلة رقم 1664 الطبعة السابقة.

ص: 161

ذلك ولا له أن يعتق، والولاء للذى أعتق أولا

(1)

.

ومن أعتق بعض عبده فقد عتق كله بلا استسعاء.

ولو أوصى بعتق بعض عبده أعتق ما أوصى به وأعتق باقيه واستسعى فى قيمة ما زاد على ما أوصى بعتقه.

فلو أوصى بعتق عبده فلم يحمله ثلثه أعتق منه ما حمل الثلث وأعتق باقيه واستسعى لورثته فيما زاد على الثلث ولا يعتق فى ثلثه، لأن ما لم يوص به الميت فهو للورثة، فالورثة شركاؤه فيما أعتق، ولا مال للميت فوجب أن يستسعى لهم

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن من أعتق بعض عبده أو عضوا من أعضائه المتصلة به - ولو مجهولا كأحد أصابعه - سواء كان هذا العضو مما تحله الحياة أو مما لا تحله الحياة وجب أن يعتق جميعه. والعتق لا يصح أن يتبعض، ولذا اذا كان العبد مشتركا بينه وبين غيره عتق كله فيسرى عتق البعض الى البعض الثانى، لأن عتق البعض الآخر انما هو بالسراية لا بالمباشرة

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية أن من خواص العتق السراية - وهى انعتاق باقى المملوك اذا أعتق بعضه بشرائط خاصة - فمن أعتق شقصا من عبده أو أمته وان قل الجزء سرى العتق فيه أجمع وعتق كله وان لم يملك سواه الا أن يكون المعتق مريضا ولم يبرأ من مرضه الذى أعتق فيه ولم يخرج المملوك من ثلث مال المعتق فلا يعتق حينئذ أجمع بل ما يسعه الثلث الا مع الاجازة من الوارث فيعتق أجمع ان أجازه والا فبحسب ما أجازه.

هذا هو المشهور بين الأصحاب وربما كان اجماعا.

ومستنده من الأخبار ضعيف ومن ثم ذهب السيد جمال الدين بن طاووس الى عدم السراية بعتق البعض مطلقا مع المرض وعدمه وكونه موسرا أو معسرا وذلك استضعافا للدليل المخرج عن حكم الأصل ولموافقته لمذهب العامة مع أنه قد روى حمزة بن حمران عن أحدهما

(1)

المرجع السابق ج 9 ص 190 وما بعدها الى ص 199 مسئلة رقم 1665 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 9 ص 200 مسئلة رقم 1666 نفس الطبعة.

(3)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 586، ص 587 طبع مطبعة حجازى بمصر.

ص: 162

عليهما السّلام قال سألته عن الرجل أعتق نصف جاريته ثم قذفها بالزنا، قال، فقال أرى أن عليه خمسين جلدة ويستغفر ربه.

وحملها الشيخ على أنه لا يملك نصفها الآخر مع اعساره ولو كان له فى المملوك الذى أعتق بعضه شريك قوم عليه نصفه وعتق أجمع مع يسار المعتق بأن يملك حال العتق زيادة عما يستثنى فى الدين من داره وخادمه ودابته وثيابه اللائقة بحاله كمية وكيفية وقوت يومه له ولعياله ما يسع قيمة نصيب الشريك فيدفع اليه ويعتق.

ولو كان مدينا يستغرق دينه ماله الذى يصرف فيه ففى كونه موسرا أو معسرا قولان أوجههما الأول لبقاء الملك معه.

واذا أعسر عنه أجمع سعى العبد فى باقى قيمته بجميع سعيه لا بنصيب الحرية خاصة

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن من أعتق جزءا من عبد وحضره الموت سعى بما فوق الثلث كمن أعتقه كله كما قال ابن محبوب

(2)

وأن أعتق مملوكا مشتركا بلا اذن فقد عتق وخير شريكه وضمن له نصيبه وزعم بعض قومنا أنها لا تخرج حرة حتى يجتمع الشركاء على عتقها فقد روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أعتق شقصا له فى عبد فهو حر بجميعه فان كان له شريك دفع اليه قيمة نصيبه

(3)

.

‌رابعا: حكم اضافة الاعتقاق الى وقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن الاعتاق اذا كان مضافا الى وقت، فأما ان يضاف الى وقت واحد، واما أن يضاف الى وقتين.

فان اضافه الى وقت واحد، فاما أن يضيفه الى مطلق الوقت، واما أن يضيفه الى وقت موصوف بصفة.

وفى الوجوه كلها يشترط وجود الملك وقت الاضافة لأن اضافة الاعتاق الى وقت اثبات العتق فى ذلك الوقت لا محالة ولا ثبوت للعتق بدون الملك ولا يوجد الملك فى ذلك الوقت الا اذا كان موجودا وقت الاضافة، لأنه ان كان موجودا وقت الاضافة فالظاهر أنه يبقى الى الوقت

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 193، ص 194.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 329 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 320 نفس الطبعة.

ص: 163

المضاف اليه فيثبت العتق، واذا لم يكن موجودا كان الظاهر بقاءه على العدم فلا يثبت العتق فى الوقت المضاف اليه لا محالة فيكون خلاف تصرفه، والأصل اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذى أوقعه.

أما الاضافة الى وقت مطلق فنحو أن يقول لعبده أنت حر غدا أو رأس شهر كذا فيعتق اذا جاء غد أو رأس الشهر لأنه جعل الغد أو رأس الشهر ظرفا للعتق فلابد من وقوع العتق عنده ليكون ظرفا له وليس هذا تعليقا بشرط لانعدام أدوات التعليق وهى كلمات الشرط - ولهذا لو حلف لا يحلف فقال هذه المقالة لا يحنث، بخلاف ما اذا قال أنت حر اذا جاء غد، لأن ذلك تعليق بشرط لوجود كلمة التعليق

(1)

.

وأما الاضافة الى وقت موصوف فنحو أن يقول لعبده أنت حر قبل دخولك الدار بشهر أو قبل قدوم فلان بشهر، أو قبل موت فلان بشهر، ولا شك أنه لا يعتق قبل وجود الوقت الموصوف حتى لو وجد شئ من هذه الحوادث قبل تمام الشهر لا يعتق، لأنه أضاف العتق الى الوقت الموصوف فلا يثبت قبله ويشترط تمام الشهر وقت التكلم، وان كان العبد فى ملكه قبل ذلك بشهور بل بسنين، لأن اضافة العتق الى وقت ايجاب العتق فيه غير ايجاب العتق فى الزمان الماضى وايجاب العتق فى الزمان الماضى لا يتصور، فلا يحمل كلام العاقل عليه، ولا شك أن العتق ثبت عند وجود هذه الحوادث لتمام الشهر.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة أن مالكا قال: من أعتق الى أجل آت لابد منه فله أن ينتفع بمن أعتق بالخدمة الى ذلك الأجل، لكن يمنع من الوط ء والبيع

(2)

.

وجاء فى الشرح الصغير أن من أعتق الى أجل يبلغه عمره ظاهرا فلا ينجز عليه العتق حتى يأتى الأجل

(3)

.

قال ابن عرفة: فان قال: أنت حر فى هذا اليوم عتق للأبد.

وعن المدونة أنه ان قال له أنت حر اليوم من هذا العمل وقال أردت عتقه من العمل لا الحرية صدق فى ذلك مع يمينه

(4)

.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 4 ص 80، ص 81 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

(2)

التاج والأكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى ج 6 ص 332، ص 333 فى كتاب على هامش الشرح مواهب الجليل لشرح مختصر خليل طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

(3)

الشرح الصغير للشيخ أحمد الدردير ج 2 ص 412 فى كتاب على هامش بلغة السالك.

(4)

التاج والاكليل لمختصر خليل ج 6 ص 329 الطبعة السابقة.

ص: 164

واذا قال له أنت حر قبل موتى بسنة فانه ينظر فان كان السيد مليئا ترك له عبده يستخدمه فاذا مات السيد نظر أيضا ثانيا فان كان الأجل حل والسيد صحيح عتق من رأس المال، وأعطى أيضا من رأس مال سيده قيمة خدمته سنة، وان كان الأجل حل فى مرض موت السيد عتق من ثلثه ولا رجوع له بخدمته، وان كان السيد يوم قال أنت حر قبل موتى بسنة عديما فان العبد يخارج ويوقف خراجه، فاذا مضت سنة وشهر بعدها أوقف خراج هذا الشهر، ويعطى السيد خراج أول شهر من السنة الماضية كلما مضى شهر من هذه أعطى خراج شهر من تلك

(1)

.

قال اللخمى وان قال: أنت حر بعد موتى وموت فلان كان حرا من الثلث، فان مات السيد آخرهما ولم يحمله الثلث عتق منه ما حمل الثلث ورق الباقى، وان مات السيد أولا خير الورثة وتكون لهم الخدمة حتى يموت فلان أو يعتق منه ما حمل الثلث ويرق الباقى.

ونقل عن المدونة أن مالكا قال: اذا قال لعبده أنت حر بعد موتى أو موت فلان فهو - من الثلث.

قال ابن القاسم: وكأنه قال ان مات فلان فأنت حر بعد موته وان مت فأنت حر بعد موتى، وقاله أشهب.

قال ابن يونس: يريد ولا رجوع له فيه لذكر الأجنبى فى ذلك وهى كمسئلة الرقبى.

وان قال أنت حر بعد موت فلان بشهر فمعتق الى أجل من رأس المال ولا يلحقه دين، وان مات السيد قبل موت فلان خدم العبد ورثة السيد الى موت فلان أو الى بعد موته بشهر ان قال ذلك وخرج من رأس المال

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن التدبير يجوز مقيدا كان مت فى هذا الشهر أو فى هذا المرض فأنت حر، فان وجدت الصفة المذكورة ومات عتق والا فلا، ولا بد لصحة ذلك من أن يكون ما قيد به ممكن الوجود، فلو قال ان مت بعد ألف سنة فأنت حر لم يكن تدبيرا كما قاله فى البحر ونقله الزركشى رحمه الله تعالى وأقره وهو ظاهر

(3)

.

ولو قال اذا مت ومضى شهر بعد موتى فأنت حر فهو تعليق عتق بصفة فللوارث

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 343 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 343، ص 344 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن ابى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 8 ص 373 فى كتاب أسفله حاشية نور الدين على بن على الشبراملسى على نهاية المحتاج وعلى هامشه حاشية الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبى فى مصر سنة 1357 هـ وسنة 1938 م.

ص: 165

استخدامه وكسبه فى الشهر لا بيعه ونحو ذلك من كل مزيل للملك

(1)

.

وجاء فى المهذب أن السيد ان قال لأمته أنت حرة بعد موتى بسنة فمات السيد وكانت هى تخرج من الثلث فللوارث أن يتصرف فى كسبها ومنفعتها ولا يتصرف فى رقبتها، لأنها موقوفة على العتق فان أتت بولد بعد موت السيد فقد قال الشافعى رحمه الله تعالى يتبعها الولد قولا واحدا.

فمن أصحابنا رحمهم الله تعالى من قال فيه قولان كالولد الذى تأتى به قبل الموت.

والذى قاله الشافعى رحمه الله تعالى أحد قولين.

ومنهم من قال يتبعها الولد قولا واحدا لأنها أتت به وقد استقر عتقها بالموت فيتبعها الولد كأم الولد، بخلاف ما قبل الموت فان عتقها غير مستقر لأنه يلحقه الفسخ

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه اذا قال السيد لعبده أنت حر بعد موتى بشهر صح كما لو وصى باعتاقه وكما لو وصى أن تباع سلعته ويتصدق بثمنها، وما كسب العبد بعد الموت وقبل وجود الشرط فهو للورثة ككسب أم الولد فى حياة سيدها وليس للورثة التصرف فى العبد الذى قال له سيده أنت حر بعد موتى بشهر بعد الموت وقبل وجود الشرط ببيع ونحوه كالموصى بعتقه قبله والموصى به لمعين قبل قبوله.

وان قال السيد لعبده اخدم زيدا سنة بعد موتى ثم أنت حر صح ذلك، فاذا فعل ذلك وخرج من الثلث فى هذه المسئلة والتى قبلها عتق، فلو ابرأه زيد من الخدمة بعد موت السيد عتق فى حال ابراء زيد له على الصحيح من المذهب.

وقيل: لا يعتق الا بعد سنة، قاله فى الانصاف.

ووجه الأول أن الخدمة المستحقة عليه وهبت له فبرئ منها

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من أعتق الى أجل مسمى قريب أو بعيد مثل أن يقول أنت حر غدا أو الى سنة أو الى بعد موتى

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 374 الطبعة السابقة.

(2)

المهذب لأبى اسحاق ج 2 ص 9 فى كتاب أسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 637 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات.

ص: 166

أو اذا جاء أبى أو اذا أفاق فلان أو اذا نزل المطر أو نحو هذا فهو كما قال، وله بيعه ما لم يأت ذلك الأجل فان باعه ثم رجع الى ملكه فقد بطل ذلك العقد ولا عتق له بمجئ ذلك الأجل ولا رجوع له فى عقده ذلك أصلا الا باخراجه عن ملكه لأن هذا العتق اما وصية واما نذر وكلاهما عقد صحيح قد جاء النص بالوفاء بهما، فلو علق العتق بمعصية أو بغير طاعة ولا معصية لم يجز العتق، لأنه عقد فاسد محرم منهى عنه

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن العتق يتقيد بالوقت فمتى حصل الوقت وقع العتق كان يقول أنت حر فى يوم كذا أو فى آخر يوم كذا، والعتق المعلق بوقت لا يقارن حصوله حصول الوقت وانما يقع العتق بعده متأخرا وقوعه عن وقوعه عند الهدوية، وعند المؤيد بالله أنه يقع حاله ولا يتأخر عن حصول الوقت

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن السيد اذا قال لعبده اذا مت فأنت حر أو محرر أو عتيق أو معتق كان صريحا غير أنه لا بد فيه من النية كما نقوله فى صريح الطلاق والعتاق فان عرى عن النية لم يكن له حكم لاجماع الفرقة على ذلك

(3)

.

واذا دبر عبدا ثم أراد بيعه والتصرف فيه كان له ذلك سواء كان التدبير مطلقا بأن يقول اذا مت فأنت حر أو مقيدا بأن يقول ان مت فى يومى هذا فأنت حر أو فى شهرى هذا أو سنتى هذه اذا نقض تدبيره فان لم ينقض تدبيره لم يجز بيع رقبته وانما يجوز له بيع خدمته مدة حياته، لاجماع الفرقة، ولأن ذلك بمنزلة الوصية فاذا ثبت ذلك كان له الرجوع فى وصيته وبيع ما أوصى به لغيره.

وروى جابر رضى الله تعالى عنه أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فسمع النبى صلى الله عليه وسلم فدعاه فباعه

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه يجوز التدبير وهو عتق بصفة علق لموت سيد أو عبد أو لوقوع شئ معين أو عدم وقوعه مثل اقلاع المطر أو زوال الجدب.

(1)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن حزم ج 9 ص 206 وما بعدها الى ص 208 مسئلة رقم 1670 طبع ادارة الطباعة المنيرية.

(2)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 572، ص 573 طبع مطبعة حجازى.

(3)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 667 مسئلة رقم 1 الطبعة الثانية.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 668 مسئلة رقم 5 نفس الطبعة.

ص: 167

والأكثر على أن تعليقه فى الصحة للموت من الكل وهو قول أبى عبيدة رحمه الله تعالى لايقاع تعليقه فى حال أفعاله فيه من الكل.

أما على قول من قال العتق بعد الموت من الكل فظاهر.

وأما على أنه من الثلث فانما لم يكن التدبير كذلك كالعتق وسائر الوصايا، لأن المدبر فيه شائبة حرية فالتدبير فيه بعض التحرير فى الحياة كأنه لم تتمحض عبوديته، والسيد ليس له أن يرجع فيه كما يرجع فى الوصايا، ولا يباع على المشهور ولا يتصرف فيه ما يتصرف به فى العبد الا أنه يستخدم.

وان علق فى صحته تدبير العبد الى شئ فلم يقع الا بعد موته فهل من الثلث، قولان: والتدبير فى المرض الذى ترجع فيه الأفعال الى الثلث أو فى الأحوال التى ترجع فيها الى الثلث يكون من الثلث لأنه موصى بأن يكون حرا بعد موته ايصاء حين تكون الأفعال من الثلث.

وقيل من الكل مطلقا وهو قول جابر ابن زيد وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما وكانا يريان العتق مطلقا من الكل.

وقيل من الثلث مطلقا علق فى الصحة السالمة أو فى حال كون الأفعال من الثلث كسائر الوصايا فانها من الثلث سواء أوصى بها فى حال الصحة والسلامة أو فى حال كون الأفعال من الثلث فان وقت نفوذ التدبير والوصية بعد الموت فانما يتحقق ذلك بالموت.

ومنع بيعه وتبديله والاجارة به واصداقه واعطاؤه فى أرش ورهنه وكل اخراج من ملك وهبته هبة ثواب أو غيره.

وقيل يباع ويوهب ويخرج من الملك بوجه ما من وجوه الاخراج منه اذا كان يخرج الى ملك من يدخل ملكه ليعتقه أى على شرط أن يعتقه

(1)

.

والصحيح أنه لا يجوز بيع المدبر ولا اخراجه بوجه مطلقا سواء كان التدبير الى وقت مجهول أو الى وقت معلوم، أما المدبر الى وقت مجهول فلأن فيه غررا اذ لا يدرى متى يكون وقد نهى عن بيع الغرر، وما يلتحق به مثله، وأما المدبر الى وقت مخصوص معلوم المقدار فلا يجوز أيضا، لأن البيع انما هو على الاستمرار فان أريد ذلك فليكتفوا عنه بأن يؤاجر له قوته تلك المدة المعلومة المقدار.

وعلى هذا يحمل قول أبى المورج بجواز بيع خدمة المدبر اذ لا يصح أن يجيزها مع جهل المدة مع علمه بالنهى عن الغرر وعن بيع الغرر.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 342، ص 343 طبع محمد بن يوسف البارونى.

ص: 168

وان شاء باع من المدبر خدمته مثل أن يقول أعطنى لكل شهر كذا ولك كل ما خدمت أو نحو ذلك فانه لا ربا بين السيد والعبد

(1)

.

وقيل يجوز بيع المدبر لا المدبرة.

وقيل يجوز بيع المدبر اذا احتاج صاحبه اليه.

وفى التاج قال أبو عبد الله لا يباع وأرخص ما سمعنا أن من دبر عبده ثم تلف ماله وعليه دين فله أن يبيعه فى مرضه فى بلده ويكون البيع فى خدمته حتى يبلغ التدبير ويشهد على ذلك.

وحكم الحمل الذى فى المدبرة حين دبرها حكم المدبرة فهو مدبر فى بطنها وبعد خروجه منها سواء دبرها الى موته هو أو موت غيره واعتبر يوم ولادته فهو ان ولد قبل المدة عبد مدبر مثلها وان ولد بعد المدة فهو حر مثلها لأنه كجزء منها فلو دبرها واستثنى الولد الذى فى بطنها فى حينه لم يكن الولد مدبرا عندى.

والولد الذى يحدث فى بطنها بعد التدبير عبد غير مدبر ان ولد قبل وقوع العتق، وان كان فى بطنها حال وقوعه فهو حر مثلها ولو لم يكن فى البطن حين عقد التدبير واثبته لها الا أن استثناه عند العقد مثل أن يقول هى مدبرة الى موتى الا ما يكون فى بطنها حين أموت

(2)

. وتحرر عند تمام تكلمه بالتدبير ان دبرها قبل موته أو موتها أو موت غيرهما بلا مدة لأن القبلية تصدق بما قبل الموت كله فلا وجه لبقائها أمة بعد الكلام ولو لحظة، وكذا تحرر عند تمام الكلام ان دبرها بعد موته أو موتها أو موت غيرهما، بلا مدة، بأن قال هى مدبرة بعد موتى أو نحو ذلك لأن البعدية لا غاية لها ولا حد لها فبعد الموت باتصال يصلح أنه بعدية وبانفصال بقليل أو كثير يصلح أنه بعدية فلا مدة مخصوصة بعد موته تخص بالبعدية تكون غاية للتدبير فاذا لم تكن فلا وجه لانتظار ما لا يوصل اليه بالتعيين فحررت فى حينه، وان جعل حدا لما بعد موتها وعلق تدبيرها اليه ففى حينه أيضا لأنه لا يصح تدبير ميت وكذا أن دبرها الى عقب موتها، فمن أراد التدبير قال مثلا: اذا مت فهى حرة، والذى عندى أنه اذا قال مدبرة بعد موتى أو بعد موتها أو موت غيرهما خرجت حرة عقب الموت باتصال، لأنه لما صدقت البعدية على جزء من اجزاء الزمان المتأخر عن الموت لم يجز أن يحكم الا بالجزء الأول المتصل بالموت اذ لا وجه لتركه الى غيره فانه تحكم، وان دبرها الى موتها جاز فيحمل على لحظة قبل موتها بل على احتضارها فتموت وهى حرة

(3)

.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 344 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 345، ص 346 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 347 نفس الطبعة.

ص: 169

وجاز التدبير لأجل معين فى نفسه سواء علمت مدته أو لا تعلم الا اذا وقع ويحرر عند اتيان ريح أو مطر أو نحو ذلك ان علق اليه وان لم يعلم به. وكذا كل مجهول وقته كبلوغ الطفل وختنه، وكذا كل معلوم كتمام الشهر أو السنة أو الأسبوع أو هذا اليوم أو يوم كذا أو حضور صلاة الظهر أو نحوها، وحرر فى حينه ان علق لوقت ماض أو فعل ماض أو فعل أو وقت حاضر. وان علق لتمام ما حضر فحتى يتم، وحرر عند حصول أول جزء صيف أو خريف أو شتاء أو ربيع أو حرث أو حصد أو جذاذ أو قدوم مسافر ان علق اليه

(1)

.

‌الاضافة فى البيع

‌اولا - حكم اضافة الفضولى عقد الشراء

الى نفسه أو الى غيره:

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن الفضولى اذا اشترى شيئا فاما ان يضيف العقد الى نفسه واما أن يضيفه الى الذى اشترى له.

فان اضافه الى نفسه كان المشترى له سواء وجدت الاجازة من الذى اشترى له أو لم توجد، لأن الشراء اذا وجد نفاذا على العاقد نفذ عليه ولا يتوقف، لأن الأصل أن يكون تصرف الانسان لنفسه لا لغيره قال الله عز وجل «لَها ما كَسَبَتْ.»

(2)

وقال عز من قائل: «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى»

(3)

وشراء الفضولى كسبه حقيقة فالأصل أن يكون له الا اذا جعله لغيره أو لم يجد نفاذا عليه لعدم الأهلية فيتوقف على اجازة الذى اشترى له بأن كان الفضولى صبيا محجورا أو عبدا محجورا فاشترى لغيره فانه يتوقف على اجازة ذلك الغير، لأن الشراء لم يجد نفاذا عليه فيتوقف على اجازة الذى اشترى له ضرورة، فان أجاز نفذ وكانت العهدة عليه لا عليها لأنهما ليسا من أهل لزوم العهدة وان أضاف العقد الى الذى اشترى له بان قال الفضولى للبائع: بع عبدك هذا من فلان بكذا فقال بعت، وقبل الفضولى البيع فيه لأجل فلان، أو قال البائع بعت هذا العبد من فلان بكذا وقبل المشترى الشراء منه لأجل فلان فانه يتوقف على اجازة المشترى له، لأن تصرف الانسان وان كان له على اعتبار الأصل، الا أن له ان يجعله لغيره بحق الوكالة وغير ذلك، وههنا جعله لغيره فينعقد موقوفا على اجازته.

ولو قال الفضولى للبائع اشتريت منك هذا العبد بكذا لأجل فلان فقال بعت، أو قال البائع للفضولى بعت منك هذا العبد بكذا لفلان فقال اشتريت لا يتوقف وينفذ الشراء عليه لأنه لم توجد الاضافة الى فلان فى الايجاب والقبول، وانما وجدت فى احدهما وأحدهما شطر العقد فلا يتوقف،

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 354، ص 355 نفس الطبعة.

(2)

الآية رقم 286 من سورة البقرة.

(3)

الآية رقم 39 من سورة النجم.

ص: 170

لما ذكرنا أن الأصل أن لا يتوقف وانما توقف لضرورة الاضافة من الجانبين فاذا لم يوجد يجب العمل بالأصل، وهذا بخلاف الوكيل بالشراء فانه اذا اشترى شيئا يقع شراؤه للموكل، وان أضاف العقد الى نفسه لا الى الموكل، لأنه لما أمره بالشراء فقد أنابه مناب نفسه فكان تصرف الوكيل كتصرفه بنفسه، ولو اشترى بنفسه كان المشترى له كذا هذا.

ولو اشترى الفضولى شيئا لغيره ولم يضف المشترى الى غيره حتى لو كان الشراء له فظن المشترى والمشترى له أن المشترى يكون للمشترى له فسلم اليه بعد القبض بالثمن الذى اشتراه به وقبل المشترى له صح ذلك ويجعل ذلك تولية كأنه ولاه منه بما اشترى ولو علم المشترى بعد ذلك أن الشراء نفذ عليه والمشترى له فأراد أن يسترد من صاحبه بغير رضاه لم يكن له ذلك، لأن التولية منه قد صحت فلا يملك الرجوع، كمن اشترى منقولا فطلب جاره الشفعة وظن المشترى أن له شفعة فسلم اليه ثم أراد احدهما أن ينقض ذلك من غير رضا الآخر لم يكن له ذلك، لأنه لما سلم اليه صار ذلك بيعا بينهما.

ولو اختلفا فقال المشترى، له: كنت أمرتك بالشراء وقال المشترى: اشتريته لك بغير أمرك، فالقول قول المشترى له لأن المشترى لما قال اشتريته لك كان ذلك اقرارا منه بأنه اشتراه بأمره، لأن الشراء له لا يكون الا بامره عادة فكان القول قوله، ثم ان اخذه بقضاء القاضى لا يحل له ذلك الا اذا كان صادقا فى كلامه فيما بينه وبين الله جل شأنه، وان أخذه بغير قضاء طاب له لأنه أخذه برضاه فصار ذلك بيعا منهما بتراضيهما

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة أنه لو باع الأمة رجل أو باعت هى نفسها فأجاز ذلك السيد جاز ولا كلام للمبتاع.

وقال الامام مالك رحمه الله تعالى: يجوز بيع ملك الغير ويوقف على اجازة ربه.

وفى رسم المكاتب من سماع عيسى: من قال اشتر منى عبد فلان بستين دينارا فانه اعطيته فيه عطاء أرجو ان يمضيه لى فقال له صاحبه قد اشتريته منك بالستين ثم رجع البائع الى سيد العبد فاشتراه منه بخمسين فقال أكره هذا وان وقع أمضيته.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى: أجاز هذا اذا وقع لأن معناه أخذته منك بستين ان أمضاه لك صاحبه، ولو اشتراه منه ناجزا على أن يتحصله من بائعه بما قدر لكان بيعا فاسدا

(2)

.

وجاء فى مواهب الجليل قال فى المتيطية:

من باع سلعة لغيره بغير اذنه فان البيع

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 150، ص 151 الطبعة الأولى.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف العبدرى الشهير بالمواق ج 4 ص 244 فى كتاب على هامش مواهب الجليل.

ص: 171

ينعقد ولا يكون للمبتاع أن ينحل عنه اذا أجاز ذلك ربها، وكذلك اذا اشترى له سلعة بغير اذنه فلا يكون للمبتاع حل الصفقة اذا أخذها المبتاع لنفسه. فان لم يجز الشراء لزمت السلعة المشترى الفضولى ولا رجوع لرب المال على البائع بما دفعه له المشترى الا أن يكون المشترى أشهد عند الشراء أنه انما اشترى لفلان بماله وان البائع يعلم ذلك أو صدق المشترى فيه أو تقوم بينة أن الشئ الذى اشترى به ملك المشترى فان أخذ المشترى له ماله ولم يجز الشراء انتقض البيع فيما اذا صدق البائع ولم ينتقض فى قيام البينة أن المال له بل يرجع على المشترى بمثل الثمن ويلزمه البيع هذا قول ابن القاسم وأصبغ رحمهما الله تعالى.

قال ابن الماجشون رحمه الله تعالى:

القول قول المشترى له فيحلف أنه ما أمر المشترى ويأخذ ما له ان شاء من المشترى وان شاء من البائع فان أخذه من البائع كان له أن يرجع على المشترى ويلزمه الشراء وان أخذه من المشترى لم يكن رجوع على البائع قاله فى نوازل اصبغ من جامع البيوع.

قال ابن رشد رحمه الله تعالى فى شرح هذه المسألة: من اشترى من رجل شيئا فأراد ان يكتب فى كتاب شرائه هذا ما اشترى فلان لفلان بماله وأمره لم يلزم البائع أن يشهد له بذلك، لأن ذلك وان كان لا يقتضى تصديق البائع فى الشراء لفلان ولا فى أن المال له ولا يوجب للمشترى الرجوع على البائع، وان جاء فأنكر الأمر بالشراء على مذهب ابن القاسم وأصبغ رحمهما الله تعالى ما لم يصرح بعلم البائع أن المال لفلان أو بتصديقه المشترى على ذلك فمن حجة البائع ان يقول اخشى أن يأتى المشترى له فيدعى انى علمت بذلك أو صدقت عليه فيلزمنى اليمين أو يحكم له بالرجوع على مذهب ابن الماجشون

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج ان من شروط المبيع الملك فى المعقود عليه التام لمن له العقد الواقع من عاقد أو موكله أو موليه فبيع الفضولى وشراؤه وسائر عقوده فى عين لغيره أو فى ذمة غيره - كقوله اشتريت له كذا بألف فى ذمته والفضولى من ليس بوكيل ولا ولى للمالك - باطل لخبر «لا بيع الا فيما تملك» رواه أبو داود والترمذى. أما لو اشترى بعين ماله لغيره. أو فى ذمته أو قال فى الذمة أو أطلق لغيره بلا اذن فان العقد يقع له وتلغو التسمية، فان فعل ذلك باذنه صح للغير ويكون المدفوع قرضا.

وفى القديم - وحكى عن الجديد أيضا - عقده موقوف على رضا المالك بمعنى أنه ان أجاز مالكه أو وليه العقد نفذ والا فلا، بأن رد صريحا أو سكت.

واستدل له بظاهر خبر عروة - وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وكله فى

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 4 ص 272 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق الطبعة السابقة.

ص: 172

شراء شاة فاشترى شاتين ثم باع واحدة منهما.

وأجيب عنه بأنه محمول على أن عروة كان وكيلا مطلقا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل أنه باع الشاة وسلمها.

وعلى القول بصحة تصرف الفضولى مع الوقف على الاجازة قيل أن الموقوف على الاجازة هو الصحة لا أنها ناجزة والموقوف الملك كما نقله النووى عن الأكثرين وحكاه عنه كل من العلائى والزركشى رحمهما الله تعالى فى قواعده.

وان نقل الرافعى رحمه الله تعالى عن الامام أن الصحة ناجزة والمتوقف على الاجازة هو الملك.

وأفاد الوالد رحمه الله تعالى أن الشيخين صرحا فى باب العدد بأن الموقوف الصحة،

وعند القائل بالجواز يمتنع التسليم بدون اذن المالك.

والمعتبر اجازة من يملك التصرف عند العقد فلو باع مال الطفل فبلغ وأجاز لم ينفذ.

ومحل الخلاف ما لم يحضر المالك، فلو باع غيره بحضرته وهو ساكت لم يصح قطعا كما فى المجموع.

ولو باع مال مورثه أو غيره أو أعتق رقيقه أو زوج أمته ظانا حياته وعدم اذن الغير له فبان ميتا أو آذنا له صح البيع وغيره. مع الحرمة فى الأظهر اعتبارا فى العقود بما فى نفس الأمر لعدم احتياجها الى نية فانتفى التلاعب وبفرض التلاعب - لا يضر لصحة نحو بيع الهازل والوقف هنا وقف تبين لا وقف صحة.

وانما لم يصح تزويج الخنثى وان بان واضحا ولا نكاح المشتبه عليه بمحرمه، ولو بانت أجنبية لوجود الشك فى حل المعقود عليه وهو يحتاط له فى النكاح ما لا يحتاط لولاية العاقد وان اشتركا فى الركنية.

وعلم مما تقرر من صحة بيع مال مورثه الخ عدم الاختصاص بظن الملك وان الضابط فقد ان الشرط كظن عدم القدرة على التسليم فبان بخلافه. وهذا مرادهم وان لم يصرحوا به

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع ان الفضولى لو اشترى لغيره بعين ماله شيئا بغير اذنه لم يصح الشراء ولو اجيز بعد.

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزه ابن شهاب الدين الرملى ج 3 ص 389 وما بعدها الى ص 392 فى كتاب أسفله حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى على نهاية المحتاج وعلى هامشه حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد المعروف بالمغربى الرشيدى على نهاية المحتاج طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 2357 هـ، سنة 1938 م.

ص: 173

وان اشترى لغيره شيئا فى ذمته بغير اذنه صح ان لم يسم المشترى من اشترى له فى العقد، بان قال اشتريت هذا ولم يقل لفلان فيصح العقد، سواء نقد المشترى الثمن من مال الغير الذى اشترى له أو نقده من مال نفسه أو لم ينقده بالكلية، لأنه متصرف فى ذمته وهى قابلة للتصرف والذى نقده انما هو عوض عما فى الذمة فان سماه فى العقد لم يصح ان لم يكن اذن. فان أجاز الشراء من اشترى له ولم يسم ملكه من حين العقد فمنافعه له، لأنه اشترى لأجله ونزل المشترى نفسه منزلة الوكيل وان لم يجزه من اشترى له لزم من اشتراه فيقع الشراء له، لأن الغير لم يأذن فيه فتعين كونه للمشترى كما لو لم ينو غيره

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا يحل لأحد أن يبيع مال غيره بغير اذن صاحب المال له فى بيعه فان وقع فسخ أبدا، سواء كان صاحب المال حاضرا يرى ذلك أو غائبا ولا يكون سكوته رضى بالبيع طالت المدة أو قصرت ولو بعد مائة سنة أو أكثر، بل يأخذ ماله أبدا هو وورثته بعده، ولا يجوز لصاحب المال أن يمضى ذلك البيع أصلا الا أن يتراضى هو والمشترى على ابتداء عقد بيع فيه، وهو مضمون على من قبضه ضمان الغصب. وكذلك لا يلزم أحدا شراء غيره له الا ان يأمره بذلك، فان اشترى له دون أمره فالشراء للمشترى ولا يكون للذى اشتراه له سواء أراد كونه له أو لم يرد الا بابتداء عقد شراء مع الذى اشتراه، الا الغائب الذى يوقن بفساد شئ من ماله فسادا يتلف به قبل أن يشاور فانه يبيعه له الحاكم أو غيره ونحو ذلك ويشترى لأهله ما لا بدلهم منه ويجوز ذلك أو ما بيع عليه بحق واجب لينتصف غريم منه أو فى نفقة من تلزمه نفقته فهذا لازم له حاضرا كان أو غائبا رضى أم سخط، برهان ذلك قول الله عز وجل: «وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها}.

(2)

وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام» فليس لأحد أن يحل ما حرم الله تعالى من ماله ولا من بشرته ولا من عرضه ولا من دمه الا بالوجه الذى أباحه به نص القرآن أو السنة

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: ان الاضافة لفظا أو نية من شروط نفاذ عقد الفضولى اذا كان مشتريا لأنه عقد موقوف، ولا ينفذ العقد

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 11، ص 12 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(2)

الآية رقم 164 من سورة الأنعام.

(3)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 8 ص 434 وما بعدها الى ص 438 مسئلة رقم 1460 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

ص: 174

الموقوف الا اذا وجدت فيه الاضافة من المشترى، أما البيع الموقوف فلا يحتاج الى اضافة ولا نية بل لو نواه لنفسه لغت النية، ومن ثم لو قصد البائع الفضولى فى بيع مال الغير أن لا يبيع عن الغير بل عن نفسه لنفسه وأجازه المالك انعقد البيع وكان الثمن للمالك.

وانما اعتبرت الاضافة فى الشراء ولم تعتبر فى البيع لأنه فى الشراء اثبات فاحتاج الى الاضافة فيه، اما البيع فكالاسقاط.

فاذا لم يضف المشترى لفظا أو نية لزمه المبيع لنفسه فلو لم يجز المشترى له شراء الفضولى رد المبيع لبائعه ان صادقه البائع أنه فضولى

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام أنه يشترط فى البائع أنه يكون مالكا أو ممن له أن يبيع عن المالك كالأب والجد للأب والوكيل والوصى والحاكم وأمينه فلو باع شخص ملك غيره وقف على أجازة المالك أو وليه على الأظهر، ولا يكفى سكوته مع العلم ولا مع حضور العقد فان لم يجز كان له انتزاعه من المشترى.

ويرجع المشترى على البائع بما دفعه اليه وما اغترمه من نفقة أو عوض عن أجرة أو نماء اذا لم يكن عالما أنه لغير البائع أو ادعى البائع أن المالك اذن له، وأن لم يكن كذلك لم يرجع بما اغترم.

وقيل لا يرجع بالثمن مع العلم بالغصب.

وكذا لو باع ما يملك وما لا يملك مضى بيعه فيما يملك وكان فيما لا يملك موقوفا على الاجازة ويقسط الثمن بأن يقوما جميعا ثم يقوم أحدهما ويرجع على البائع بحصة من الثمن اذا لم يجز المالك.

ولو أراد المشترى رد الجميع كان له ذلك

(2)

.

‌مذهب الإباضية

جاء فى شرح النيل أنه ينعقد بيع فضولى وشراؤه وسائر العقود ان شرط رضا من عقد عليه، فلا تصرف لمعامله حتى يرد المعقود عليه فعل الفضولى فلابد من اجباره ليرد أو يرضى.

وقيل لا ينعقد ذلك فلمعامله التصرف ولا يلزم اجبار المعقود عليه، وان أجبر ورضى فللمعامل أن يجيز وأن يمنع وعليه بعضنا.

والحجة على قول بعضنا ما ورى أن النبى صلى الله عليه وسلم دفع لعروة

(1)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 41، ص 42 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنه 1357 هـ.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 165 باشراف الشيخ محمد جواد مغنية من منشورات دار مكتبة الحياة بيروت.

ص: 175

البارقى دينارا يشترى له ضحية فاشترى له شاتين فباع احداهما بدينار فجاء اليه صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار، فأجاز فعله مع أنه لم يأمره فى احدى الشاتين بشراء ولا بيع ولا بشراء شاتين ولا بالشراء بنصف دينار مثلا، بل أمره بشاة يكون ثمنها دينارا. وهذا الحديث دليل على انعقاد البيع أن رضى المعقود عليه ولو لم يشترط الفضولى رضاه، فكيف ان شرطه

(1)

.

‌ثانيا - حكم اضافة البيع

والشراء الى الدين

‌مذهب الحنفية

جاء فى بدائع الصنائع أن بيع الديون من غير من عليه والشراء بها من غير من عليه ينظر فيها فان أضاف البيع والشراء الى الدين لم يجز بأن يقول لغيره بعت منك الدين الذى فى ذمة فلان بكذا أو يقول اشتريت منك هذا الشئ بالدين الذى فى ذمة فلان لأن ما فى ذمة فلان غير مقدور التسليم فى حقه، والقدرة على التسليم شرط انعقاد العقد بخلاف البيع والشراء بالدين ممن عليه الدين لأن ما فى ذمته مسلم له وان لم يضف العقد الى الدين الذى عليه جاز.

ولو اشترى شيئا بثمن دين ولم يضف العقد الى الدين حتى جاز ثم احال البائع على غريمه بدينه الذى له عليه جازت الحوالة سواء كان الدين الذى أحيل به دينا يجوز بيعه قبل القبض أو لا يجوز كالسلم ونحوه.

وذكر الطحاوى رحمه الله تعالى أنه لا تجوز الحوالة بدين لا يجوز بيعه قبل القبض.

وهذا غير سديد، لأن هذا توكيل بقبض الدين فان المحال له يصير بمنزلة الوكيل للمحيل يقبض دينه من المحتال والتوكيل بقبض الدين جائز أى دين كان، ويكون قبض وكيله كقبض موكله.

ولو باع هذا الدين ممن عليه الدين جاز بأن اشترى منه شيئا بعينه بدينه الذى له فى ذمته، لأنه باع ما هو مقدور التسليم عند الشراء لأن ذمته فى يده، بخلاف الأول.

وكذا اذا صالح معه من دينه على شئ بعينه جاز الصلح

(2)

.

‌مذهب المالكية:

قال صاحب التاج والاكليل: كان سيدى ابن سراج رحمه الله تعالى يقرر لنا شروط بيع الدين ممن هو عليه وهى ان لا يكون الدين طعاما من بيع دار، وان يتعجل العوض، وأن يكون المقبوض مما يصح بتسليم رأس المال فيه، وان يجوز بيعه بالدين الذى فى الذمة يدا بيد.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 4 ص 136 طبع البارونى وشركاه.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 182 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 سنة 1910 م.

ص: 176

قال البرزلى رحمه الله تعالى: ان كان الدين عروضا فهل يشترط أن يبقى للأجل مثل أجل السلم، أخذ من المدونة الوجهان.

وانظر اذا اسلم له دينارا على رطل حرير لعشرين يوما ثم بعد عشرة أيام باع منه رطل الحرير بربع كتان قبضه فقد صار الدينار سلما فى هذا الكتان الذى قبض، وصار الكتان بنفسه سلما على رطل حرير يقبضه من نفسه، وكلا الوجهين خال عن أجل السلم.

قال ابن بشير رحمه الله تعالى: فى مراعاة أن يمر بين عقد السلم والاقتضاء مقدار أجل السلم طريقان للاشياخ رحمهم الله تعالى.

وكذا يختلف فى مراعاة بقاء أجله من وقت الاقتضاء لحلول أجل السلم اذا اعتاض على الاقتضاء.

قال الباجى رحمه الله تعالى: ويجوز بيع الدين من الذى هو عليه إذا كان ما يأخذ فيه يجوز أن يسلم فيه رأس المال ويجوز أن يسلم فى المسلم فيه، ولا يجوز على غير هذا.

قال أيضا فى باب آخر من أسلم عينا فى حيوان أو فى شئ غير الطعام ثم باعه من بائعه قبل التفرق وقبل حلول الأجل: لا يجوز أن يبيعه منه الا بما يجوز أن يسلم فى المسلم فيه ويجوز أن يسلم فيه رأس المال فيتحرز من الأمرين وأما بعد الأجل فانما يراعى فيه معنى واحد وهو أن يجوز تسليم رأس المال فيما أخذ، لأن ما فى الذمة حينئذ بمنزلة النقد لا يفسد فيه الا ما يفسد مع النقد، فان باعه من أجنبى لم يراع رأس المال فيجوز أن يسلم دنانير ويبيع المسلم فيه من أجنبى بورق أو غيره، لأنه لا يراعى من البيع من زيد ما ابتيع من عمرو، وأما المسلم فيه فيراعى لأن ما يأخذه من الثمن عوض ما يبيعه. وكذا لا يراعى هذا الشرط فى دين القرض وان باعه ممن هو عليه الا أن كان ذلك قبل حلوله

(1)

.

وجاء فى المدونة أنه لو كان لرجل على آخر دراهم دينا من قرض أو من بيع الى أجل لم يجز له أن يأخذ بها منه دنانير نقدا، وهو من بيع الدراهم الى أجل بدنانير نقدا ولو كانت الدراهم حالة لم يكن فى ذلك من بأس فان صارفه قبل محل الأجل على دينارين وشرط عليه أن يدفعهما اليه مع محل أجل الدراهم لم يجز كذلك فى قول مالك رحمه الله تعالى وكذلك لو كان فى مكان هذه الدنانير عرض من العروض بعينه أو موصوفا أو مضمونا الى ذلك الأجل لم يحل لأنه دين بدين، ولو كان العرض نقدا ما كان به بأس فى البيع والسلف الا أن يكون العرض الذى يعطيه

(1)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 4 ص 542، ص 543 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

ص: 177

من صنف العرض الذى كان باع ويكون أجود منه أو أكثر حل أجل الدين فى ذلك أو لم يحل

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن بيع الدين غير المسلم فيه بعين أو بدين ينشئه الآن لغير من هو عليه باطل فى الأظهر بأن يشترى عبد زيد بمائة له على عمرو لأنه لا يقدر على تسليمه، وهذا ما فى المحرر والشرحين والمجموع هنا وجزم به الرافعى فى الكتابة.

والقول الثانى الذى يقابل الأظهر يصح سواء اتفقا فى علة الربا أو لا وصححه فى زوائد الروضة ونقل أن النووى أفتى به وهو الموافق لكلام الرافعى فى آخر الخلع، واختاره السبكى، وحكى عن النص وهو المعتمد وأفتى به الوالد رحمه الله تعالى لاستقراره كبيعه ممن هو عليه وهو الاستبدال السابق.

ومحل ما ذكر من صحة بيع الدين لغير من هو عليه ان كان الدين حالا مستقرا والمدين مقرا مليا أو عليه بينة لا كلفة عليه فى اقامتها والا لم يصح، لتحقق العجز حينئذ ويشترط قبض العوضين فى المجلس وان لم يكونا ربويين كما صرح به فى أصل الروضة كالبغوى وهو المعتمد.

وان قال فى المطلب مقتضى كلام الأكثرين يخالفه.

والقول بحمل الأول على الربوى والثانى على غيره صحيح لعدم تأتيه مع تمثيلهما بأن يشترى عبد زيد بمائة له على عمرو.

ولو كان لزيد وعمرو دينان على شخص فباع زيد عمرا دينه بدينه أو كان له على آخر دين فاستبدل عنه دينا آخر بطل قطعا سواء اتحد الجنس أو اختلف وحكى الاجماع على ذلك والنهى عن ذلك صححه جمع وضعفه آخرون، قال الشبراملسى رحمه الله تعالى وهو واضح حيث لم توجد شروط الحوالة والا كأن قال جعلت مالى على زيد من الدين لك فى مقابلة دينك واتحد الدينان جنسا وقدرا وحلولا وأجلا وصحة وكسرا فينبغى الصحة لأنها حوالة

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه يصح بيع دين مستقر - من ثمن مبيع وقرض ومهر بعد دخوله وأجرة استوفى نفعها ان كانت الاجارة على عمل كخياطة ثوب أو فرغت مدتها ان كانت على مدة كاجارة دار شهرا وأرش جناية وقيمة متلف ونحو ذلك كجعل بعد عمل لمن الدين فى ذمته لخبر ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: كنا نبيع الابل بالبقيع بالدنانير ونأخذ عنها الدراهم وبالدراهم ونأخذ عنها الدنانير فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا بأس

(1)

المدونة الكبرى للامام مالك ج 8 ص 127، ص 128 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس بن أحمد بن حمزة الرملى ج 4 ص 89، ص 90 فى كتاب معه حاشية الشبراملسى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر.

ص: 178

ان أخذتها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شئ. رواه أبو داود وابن ماجة فدل على جواز بيع ما فى الذمة من أحد النقديين بالآخر، وغيره يقاس عليه.

ويجوز رهن الدين المستقر عند من هو فى ذمته بحق لمن هو فى ذمته، هذا أحد روايتين وذكرها فى الانتصار.

قال فى الانصاف: الأولى الجواز وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، حيث قالوا:

يجوز رهن ما يصح بيعه.

قلت بل يكاد صريح كلامهم أن يكون بخلافه حيث قالوا الرهن توثقة دين بعين.

بل صرح المجد فى شرحه بعدم صحته.

ويستثنى من الدين أرش مال السلم بعد فسخ السلم وقبل قبض رأس ماله فلا يصح بيعه ولو لمن هو عليه ولا رهنه عنده، لكن ان كان الدين من ثمن مكيل أو موزون باعه بالنسيئة أو بثمن لم يقبض فانه لا يصح ان يأخذ عوضه ما يشارك البيع فى علة ربا فضل أو نسئية فلا يعتاض عن ثمن مكيل مكيلا ولا عن ثمن موزون موزونا حسما لمادة ربا النسيئة.

ويشترط لصحة بيع الدين الثابت فى الذمة لمن هو عليه أن يقبض عوضه فى المجلس ان باعه بما لا يباع به نسيئة كأن باع الذهب بالفضة أو عكسه أو باعه لموصوف فى الذمة فيعتبر قبضه قبل التفرق لئلا يصير بيع دين بدين وهو منهى عنه، والا بأن باعه بمعين يباع به نسيئة كما لو كان الدين ذهبا وباعه ببر معين فلا يشترط قبضه فى المجلس. ولا يصح بيع الدين لغير من هو فى ذمته مطلقا، لأنه غير قادر على تسليمه أشبه بيع الآبق ولا يصح بيع دين الكتابة ولو لمن هو فى ذمته لأنه غير مستقر، ولا بيع غير دين الكتابة حال كونه غير مستقر كصداق قبل دخول وجعل قبل عمل، ولا يصح بيع الدين من الغريم الذى هو عليه بمثله بأن كان له عليه دين فباعه له بدينار لأنه نفس حقه الواجب له.

ولو قال المسلم اليه للمسلم فى دين السلم صالحنى من أجله على مثل الثمن المعقود عليه صح ذلك وكان اقالة بلفظ الصلح لأنها تصح بكل ما أدى معناها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا يحل بيع دين يكون لانسان على غيره لا بنقد ولا بدين لا بعين ولا بعرض سواء كان هذا الدين ببينة أو مقرا به، أو لم يكن كل ذلك باطل لأنه بيع مجهول ومالا

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 131، ص 132 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 179

يدرى عينه وهذا هو أكل مال بالباطل

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الازهار أنه يصح بيع ما فى الذمة ممن هو عليه - ويشترط قبض الثمن قبل افتراقهما لئلا يكون من بيع الكالئ بالكالئ - ما لم يكن الذى فى الذمة من سلم - فلا يصح بيع رأس مال السلم ممن هو عليه ولا المسلم فيه لعدم الاستقرار - أو صرف نحو أن يصرف رجل الى آخر دينارا بعشرة دراهم فلما سلم الدينار وقبضه الآخر قال لصاحبه خذ هذا الثوب عن العشرة الدراهم قبل قبضها فانه لا يصح لأنه يشترط فى الصرف القبض

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن الثمن اذا كان معينا يجوز بيعه قبل قبضه ما لم يكن صرفا وان كان فى الذمة أيضا يجوز، لأن الأصل جواز التصرف والمنع يحتاج الى دليل.

وروى سعيد بن جبير عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهم أنه قال كنت أبيع الابل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير آخذ هذه من هذه وأعطى هذه من هذه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بأس أن تأخذها ما لم تفترقا وبينكما شئ

(3)

.

واذا كان لرجل على غيره قفيز طعام من جهة السلم والذى عليه الطعام من جهة السلم له على غيره طعام من جهة القرض فجاء المسلم اليه بالطعام فأحاله على من له عليه من جهة القرض كان جائزا وكذلك ان كان الطعام الذى له قرضا والذى عليه سلما كان جائزا لأن الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج الى دليل، وأيضا فان هذه حوالة ليست بيعا فلا وجه للمنع منه

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أنه يجوز بيع الدين بكل ما جاز به البيع الحاضر والعاجل ان لم يكن من جنس ما بيع به.

ففى الديوان وجامع الشيخ أحمد ابن محمد بن بكر رحمهم الله تعالى يجوز بيع الدين فى جميع ما ظهر فيه الخلاف من الجنسين مما يجوز بيعه

(1)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 6 مسئلة رقم 1510 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 8 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(3)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 548 مسئلة رقم 161 الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكين فى طهران سنة 1371 هـ.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 549 مسئلة رقم 163 نفس الطبعة.

ص: 180

كائنا ما كان وان كان من جنسه فهو ربا ولو استويا.

وقيل لا يكون ربا الا أن كان بزيادة.

ويجوز بالحوالة بعد الحلول سواء كان دراهم أو دنانير أو طعاما أو غير ذلك، فان باب الحوالة مستثنى من النهى عن بيع ما لم تقبض وبيع الطعام قبل أن يستوفى ولو كانت بيعا كذا نفهم.

واستظهر أبو ستة أن الحوالة تجوز فى الدراهم والدنانير لا فى العروض لئلا يلزم بيع ما لم تقبض أو بيع الطعام قبل أن يستوفى.

ولئن سلمنا عدم استثناء الحوالة لنقولن ان الذى فى الذمة على ما ذكر الشيخ عن بعض وأقره وهو أبو ستة يفرض ثمنا فهو كالدراهم والدنانير فلا يكون التحويل به بيعا له مع أن التحقيق أنها مستثناة من ذلك النهى كما استثنيت من بيع الدين بالدين فأجيزت ولو كان فيها بيع الدين بالدين اذا كان ما فى ذمة المحال عليه دينا، وان الذى فى الذمة فى بيع الدين اذا كان بعروض فى الذمة مثمن كما أنه مثمن فى السلم والقرض ومراده بالحلول حلول ما فى ذمة المحال عليه وما فى ذمة المحيل لأنه ان لم يحلا أو حل أحدهما انفسخ الدين بطلبه قبل الحلول، وسواء فى حلول ما فى ذمة المحال عليه كونه حالا بعد أجل أو حالا من حين العقد، وقال الشيخ ان لم يحلا لم يجز لئلا يكون من بيع الدين بالدين ويبحث فيه بأنه لو كانت العلة هذه لمنعت الحوالة بعد الحلول لأن ذلك دين بعد الحلول أيضا ما لم يقبض وكأنه يرى ان الدين فى حديث النهى عن بيع الدين بالدين ما فى الذمة مؤجلا لم يحل أجله.

والذى أراه أنه ما فى الذمة بلا أجل أو بأجل حل أو لم يحل

(1)

.

‌ثالثا: حكم اضافة عقد

البيع الى مجهول

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط صحة البيع أن يكون المبيع معلوما وثمنه معلوما علما يمنع من المنازعة، فان كان أحدهما مجهولا جهالة مفضية الى المنازعة فسد البيع وان كان مجهولا جهالة لا تفضى الى المنازعة لا يفسد، لأن الجهالة اذا كانت مفضية الى المنازعة كانت مانعة من التسليم والتسلم فلا يحصل مقصود البيع واذا لم تكن مفضية الى المنازعة لا تمنع من ذلك فيحصل المقصود.

فاذا قال بعتك شاة من هذا القطيع أو ثوبا من هذا العدل فالبيع فاسد،

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 4 ص 422، ص 423 طبع البارونية.

ص: 181

لأن الشاة من القطيع والثوب من العدل مجهول جهالة مفضية الى المنازعة لتفاحش التفاوت بين شاة وشاة وثوب وثوب فيوجب فساد البيع، فان عين البائع شاة أو ثوبا وسلمه اليه ورضى به جاز ويكون ذلك ابتداء بيع بالمراضاة ولأن البياعات للتوسل الى استيفاء النفوس الى انقضاء آجالها والتنازع يفضى الى التنافى فيتناقض، ولأن الرضا شرط البيع والرضا لا يتعلق الا بالمعلوم

(1)

.

وكذا اذا قال بعتك أحد هذه الأثواب الأربعة بكذا وذكر خيار التعيين أو سكت عنه أو قال بعتك أحد هذين الثوبين أو أحد هذه الأثواب الثلاثة بكذا وسكت عن الخيار فالبيع فاسد لأن المبيع مجهول، ولو ذكر الخيار بأن قال على أنك بالخيار تأخذ أيهما شئت بثمن كذا وترد الباقى فالقياس أن يفسد البيع.

وفى الاستحسان لا يفسد.

أما القياس فلأن المبيع مجهول لأنه باع أحدهما غير عين وهو غير معلوم فكان المبيع مجهولا فيمنع صحة البيع كما لو باع أحد الأثواب الأربعة وذكر الخيار.

وأما الاستحسان فالاستدلال بخيار الشرط والجامع بينهما مساس الحاجة الى دفع الغبن وكل واحد من الخيارين طريق الى دفع الغبن وورود الشرع هناك يكون ورودا ههنا والحاجة تندفع بالتحرى فى ثلاثة لاقتصار الأشياء على الجيد والوسط والردئ فيبقى الحكم فى الزيادة مردودا الى أصل القياس، ولأن الناس تعاملوا هذا البيع لحاجتهم الى ذلك، فان كل أحد لا يمكنه أن يدخل السوق فيشترى ما يحتاج اليه خصوصا الأكابر والنساء فيحتاج الى أن يأمر غيره ولا تندفع حاجته بشراء شئ واحد معين من ذلك الجنس لما عسى لا يوافق الآمر فيحتاج الى أن يشترى أحد اثنين من ذلك الجنس فيحملهما جميعا الى الآمر فيختار أيهما شاء بالثمن المذكور ويرد الباقى فجوزنا ذلك لتعامل الناس ولا تعامل فيما زاد على الثلاثة فبقى الحكم فيه على أصل القياس

(2)

.

ولو باع عددا من جملة المعدودات المتفاوتة كالبطيخ والرمان بدرهم والجملة أكثر مما سمى فالبيع فاسد لجهالة المبيع جهالة مفضية الى المنازعة، فان عزل ذلك القدر من الجملة بعد ذلك أو تراضيا عليه فهو جائز، لأن ذلك بيع مبتدأ بطريق التعاطى.

ولو قال: بعت هذا العبد بقيمته فالبيع فاسد، لأنه جعل ثمنه قيمته

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 156 الطبعة الأولى طبع مطابع الجمالية سنة 1358 هـ، سنة 1910 م.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 156، ص 157 الطبعة السابقة.

ص: 182

وهى تختلف باختلاف تقويم المقومين فكان الثمن مجهولا.

وكذلك اذا اشترى من هذا اللحم ثلاثة أرطال بدرهم ولم يبين الموضع فالبيع فاسد.

وكذلك اذا بين الموضع بأن قال زن لى من هذا الجنب رطلا بكذا أو من هذا الفخذ على قياس قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى فى السلم.

وعلى قياس قولهما يجوز.

وكذا روى عن محمد رحمه الله تعالى أنه يجوز.

وكذا ذا باع بحكم المشترى أو بحكم فلان لأنه لا يدرى بماذا يحكم فلان فكان الثمن مجهولا.

وكذا اذا قال بعتك هذا بقفيز حنطة أو بقفيزى شعير لأن الثمن مجهول.

وقيل: هو البيعان فى بيع وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيعين فى بيع وكذا اذا قال بعتك هذا العبد بألف درهم الى سنة أو بألف وخمسمائة الى سنتين لأن الثمن مجهول.

وقيل هو الشرطان فى بيع وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن شرطين فى بيع

(1)

.

ولو قال بعتك قفيزا من هذه الصبرة صح. وان كان قفيزا من صبرة مجهولا، لكن هذه جهالة لا تفضى الى المنازعة لأن الصبرة الواحدة متماثلة القفزان بخلاف الشاة من القطيع وثوب من الأربعة، لأن بين شاة وشاة تفاوتا فاحشا وكذا بين ثوب وثوب.

ولو باع شيئا بعشرة دراهم أو بعشرة دنانير وفى البلد نقود مختلفة انصرف الى النقد الغالب لأن مطلق الاسم ينصرف الى المتعارف خصوصا اذا كان فيه صحة العقد، وان كان فى البلد نقود غالبة فالبيع فاسد لأن الثمن مجهول اذ البعض ليس بأولى من البعض.

وعلى هذا يخرج أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى أن جملة الثمن اذا كانت مجهولة عند العقد فى بيع مضاف الى جملة فالبيع فاسد الا فى القدر الذى جهالته لا تفضى الى المنازعة

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل أن من شرط صحة البيع أن يكون معلوم العوضين، فان جهل الثمن أو المثمون لم يصح البيع، وظاهر كلامه أنه متى حصل الجهل بأحد العوضين من المتبايعين

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 158 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 158 نفس الطبعة.

ص: 183

أو من احدهما فسد البيع وصرح بذلك الشارح فى الكبير، وهو ظاهر التوضيح أيضا.

وقال ابن رشد: لا يكون البيع فاسدا الا اذا جهلا معا قدر المبيع أو صفته أو جهل ذلك أحدهما وعلم الآخر بجهله وتبايعا على ذلك، وأما اذا علم ذلك احدهما وجهل الآخر ولم يعلم بجهله فليس ببيع فاسد وانما هو فى الحكم كبيع غش وخديعة يكون الجاهل منهما اذا علم مخيرا بين امضاء البيع أو رده ولم يذكر فى ذلك خلافا.

وقال فى أول كتاب القسمة من المدونة.

ومن باع من رجل ميراثه من دار فان عرفا مبلغه جاز وان لم يسمياه، وان جهله أحدهما أو كلاهما لم يجز، وان ورث رجلان دارين فباع كل واحد من صاحبه نصيبه فى احداهما بنصيب الآخر فى الأخرى فان عرف كل واحد نصيبه وما هو نصيب صاحبه جاز وان لم يسمياه، وان جهل أحدهما مبلغ حقه منهما لم يجز كما لا يجوز صلح الزوجة على مورث لها فى دار لا تعلم مبلغه

(1)

.

واختلف فيما اذا جهله أحدهما هل هو بيع فاسد أو حكمه حكم الصبرة اذا علم البائع كيلها دون المبتاع.

قال ابن رشد: أرى حكمه حكم الصبرة وهذا على ما فى الأمهات اذا جهله أحدهما.

قال الشيخ: ولا ينبغى أن يختلف فيه وان حكمه حكم الصبرة.

وظاهر كلام المدونة أنه فاسد خصوصا على اختصار أبى سعيد فانه جمعه مع جهلهما معا ولا خلاف فى فساد البيع بذلك.

وأشار المشذالى وغيره الى حكاية القولين فى ذلك

(2)

.

ولا يجوز بيع عبدى رجلين بكذا بأن كان لكل منهما عبد أو لأحدهما عبد والآخر مشترك بينهما أو هما مشتركان بينهما على أجزاء متفاوتة مختلفة فى العبدين، ولا بيع رطل من شاة.

قال فى المدونة ولا يجوز بيع لحم شاة حية أو مذبوحة أو لحم بعير كسر قبل الذبح والسلخ كل رطل بكذا من حاضر ولا مسافر ولا يجوز أن يبيعه من لحم شاته الحية رطلا ولا رطلين وليس كاستثناء البائع ذلك منها.

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن محمد المعروف بالحطاب ج 4 ص 276 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1326 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 276، ص 277 نفس الطبعة.

ص: 184

قال ابن رشد رحمه الله تعالى وكذا شراء ذلك من شاة مذبوحة قبل سلخها لا يجوز لأنه لحم مغيب

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن من شروط البيع العلم بالمعقود عليه عينا فى المعين وقدرا وصفة فيما فى الذمة للنهى عن بيع الغرر وهو ما احتمل أمرين أغلبهما أخوفهما.

وقيل ما انطوت عنا عاقبته وقد يغتفر الجهل للضرورة أو المسامحة

(2)

، فبيع اثنين عبديهما لثالث بثمن واحد من غير بيان ما لكل منه وبيع أحد الثوبين أو العبدين مثلا وان استوت قيمتهما باطل كما لو باع أحدهما للجهل بعين المبيع أو الثمن وقد تكون الاشارة والاضافة كافية عن التعيين كدارى ولم يكن له غيرها وكهذه الدار ولو غلط فى حدودها أما بتغييرها كجعل الشرقى غربيا وعكسه أو فى مقدار ما ينتهى اليه الحد الشرقى مثلا لتقصير الغالط من كل منهما فى تحرير ما حدد به قبل لأن الرؤية للمبيع شرط قبل العقد.

ويصح بيع صاع من صبرة - وهى الكوم من الطعام - تعلم صيعانها للمتعاقدين كعشرة لانتفاء الغرر ومثل ذلك بيع صاع من جانب منها معين.

وكذا ان جهلت صيعانها لهما أو لأحدهما يصح البيع فى الأصح لتساوى أجزائها فلا غرر وللمالك أن يعطى من أسفلها وان لم يكن مرئيا اذ رؤية ظاهر الصبرة كرؤية باطنها وينزل على صاع مبهم حتى لو لم يبق منها غيره تعين وان صب عليها مثلها أو أكثر لتعذر الاشاعة مع الجهل ويفارق بيع ذراع من نحو أرض مجهولة الذرعان وشاة من قطيع وبيع صاع منها بعد تفريق صيعانها ولو بالكيل بتفاوت أجزاء نحو الأرض غالبا وبأنها بعد التفريق صارت أعيانا متميزة لا دلالة لاحداها على الأخرى فصار كبيع أحد الثوبين.

ومحل الصحة هنا حيث لم يريدا صاعا معينا منها أو لم يقل من باطنها أو الا منها وأحدهما يجهل كيلها للجهل بالمبيع بالكلية وحيث علم بأنها تفئ بالمبيع. أما اذا لم يعلم ذلك فلا يصح البيع للشك فى وجود ما وقع عليه صرح به الماوردى والفارقى وغيرهما، ونظر فيه لأن العبرة هنا بما فى نفس الأمر فقط فلا أثر للشك فى ذلك اذ لا تعبد هنا، ولو كانت الصبرة على موضع فيه ارتفاع وانخفاض، فان علم المشترى بذلك فهو كبيع الغائب، لأن الاختلاف يمنع الرؤية عن افادة

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 278، ص 279 نفس الطبعة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى ج 3 ص 392 طبع شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.

ص: 185

التخمين، ولأنه يضعف فى حالة العلم، فان ظن الاستواء صح فى الأصح، وثبت له الخيار.

قال البغوى رحمه الله تعالى وغيره ولو كان تحتها حفرة صح البيع وما فيها للبائع.

لكن رده فى المطلب بأن الغزالى وغيره جزموا بالتسوية بينهما لكن الخيار فى هذه للبائع وفى تلك للمشترى وهذا هو المعتمد.

ويكره بيع الصبرة المجهولة لأنه يوقع فى الندم لتراكم الصبرة بعضها على بعض غالبا الا المذروع، لأنه لا تراكم فيه اذ لا بد من رؤية جميعه لأجل صحة البيع فيقل الغرر، بخلاف الصبرة فانه يكفى رؤية اعلاها، ولو قال بعتك نصفها وصاعا من النصف الآخر صح، بخلاف ما لو قال الا صاعا منه لضعف الحزر، ولو قال بعتك كل صاع من نصفها بدرهم وكل صاع من نصفها الآخر بدرهمين صح، ولو باع بملء أو ملء هذا البيت حنطة أو بزنة أو زنة هذه الحصاة ذهبا أو بما باع به فلان فرسه وأحدهما يجهل قدر ذلك أو بألف دراهم ودنانير، لم يصح البيع للجهل بأصل المقدار فى غير الأخيرة وبمقدار كل من النوعين فيها، وانما حمل على التنصيف فى نحو والربح بيننا وهذا لزيد وعمرو، لأنه المتبادر منه ثم لا هنا، ولهذا لو علما قبل العقد مقدار البيت والحصاة وثمن الغرس كان صحيحا، نعم لو انتقل ثمن الغرس الى المشترى فقال له البائع العالم بأنه عنده بعتك بما باع به فلان فرسه اتجه صحته، وتنزيل الثمن عليه فيتعين ويمتنع ابداله كما افاده العلامة الأذرعى

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه يشترط لصحة البيع أن يكون المبيع معلوما للبائع والمشترى، لأن جهالة المبيع عذر فيكون منهيا عنه، فلا يصح، والعلم به يحصل برؤية تحصل بها، معرفة المبيع مقارنة تلك الرؤية للعقد بأن لا تتأخر عنه ومعنى مقارنة الرؤية أن تكون وقت العقد أو برؤية لبعضه ان دلت رؤية بعضه على بقيته كالثوب المنقوش

(2)

.

فلا يصح بيع ما فى أصلاب الفحول ولا بيع عسب الفحل - وهو ضرابه - للنهى عنه من حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما رواه البخارى، ولا يصح

(1)

المرجع السابق ج 3 ص 394 وما بعدها الى ص 396 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 16 فى كتاب على هامشه منتهى الارادات الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 186

بيع حبل الحبلة - وهو انتاج النتاج - وهو أولى بعدم الصحة من بيع الحمل. ولا بيع اللبن فى الضرع ولا البيض فى الطير كالحمل، ولا يصح بيع المسك فى الغار وهو وعاؤه، ولا بيع النوى فى التمر للجهالة ولا الصوف على الظهر لحديث ابن عباس يرفعه نهى أن يباع صوف على ظهر أو لبن فى ضرع رواه الخلال وابن ماجة رحمهما الله تعالى، ولأنه متصل بالحيوان فلم يجز أفراده بالبيع كأعضائه، ولا بيع ما قد تحمل هذه الشجرة أو ما قد تحمل هذه الشاة لأنه قد يحصل وقد لا يحصل مع أنه مجهول أيضا، ولا يصح بيع الملامسة والمنابذة بأن يبيعه شيئا ولا يشاهده فيقول أى ثوب لمسته أو نبذته فهو بكذا أو أى ثوب لمست أو نبذت فهو بكذا، لما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الملامسة والمنابذة ولا يصح بيع مستور فى الأرض يظهر ورقه فقط كلفت وفجل وجزر وقلقاس وبصل وثوم ونحوه قبل قلعه ومشاهدته للجهالة بما يراد منه ويصح بيع ورقه المنتفع به لعدم المنافى. ولا يصح بيع ثوب مطوى ولو تام النسج قال فى شرح المنتهى حيث لم ير منه ما يدل على بقيته ولا يصح بيع ثوب نسج بعضه على أن ينسج بقيته ولو منشورا للجهالة والتعليق

(1)

، ولا يصح بيع الحصاة

(2)

لحديث أبى هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحصاة رواه مسلم. ولا يصح بيع عبد غير معين ولا بيع عبد من عبدين أو من عبيد للجهالة ولا بيع شاة من قطيع ولا بيع شجرة فى بستان لما فى ذلك من الغرر والجهالة، ولا يصح بعتك هؤلاء العبيد الا واحدا غير معين، ولا بعتك هذا القطيع الا شاة غير معينة ولا هذا البستان الا شجرة مبهمة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا الا أن تعلم، ولأن ذلك غرر ويفضى الى التنازع ولو تساوت القيمة فى ذلك كله، وان استثنى معينا من ذلك يعرفانه جاز وصح البيع والاستثناء، لأن المبيع معلوم بالمشاهدة لكون المستثنى معلوما فانتفى المفسد. وان باعه قفيزا من هذه الصبرة صح البيع أن تساوت أجزاؤها وكانت الصبرة أكثر من قفيز لأنه بيع مقدر معلوم فى جملة فصح كبيع كل الصبرة أو بيع جزء مشاع منها كربعها أو ثلثها سواء علم المتعاقدان مبلغ الصبرة أو جهلاه فيصح البيع للعلم بالمبيع فى المسألة الأولى - وهى ما اذا باعه قفيزا من الصبرة - بالقدر وفى المسئلة الثانية وهو ما اذا باعه جزءا مشاعا منها بالأجزاء كالربع أو الثلث وكذا يصح

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 18، ص 19 نفس الطبعة.

(2)

بيع الحصاة أن يقول البائع أرم هذه الحصاة فعلى أى ثوب وقعت فهو لك بكذا أو يقول بعتك من هذه الأرض قدر ما تبلغ هذه الحصاة اذا رميتها بكذا أو يقول بعتك هذا بكذا على انى متى رميت هذه الحصاة وجب البيع.

ص: 187

بيع رطل من دن زيت أو نحوه أو رطل من زبرة حديد ونحوه

(1)

.

ويشترط كذلك أن يكون الثمن معلوما للمتعاقدين حال العقد بما يعلم به المبيع مما تقدم من رؤية مقارنة أو متقدمة بزمن لا يتغير فيه الثمن ظاهر لجميعه أو بعضه الدال على بقيته أو شم أو ذوق أو مس أو وصف كاف لأن الثمن أحد العوضين فاشترط العلم به كالمبيع

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه ان بيع شئ من الغائبات بغير صفة ولم يكن مما عرفه البائع لا برؤية ولا بصفة من يصدق ممن رأى ما باعه ولا مما عرفه للمشترى برؤية أو بصفة من يصدق فالبيع فاسد مفسوخ أبدا لا خيار فى جوازه أصلا.

ويجوز ابتياع المرء ما وصفه له البائع صدقه أو لم يصدقه ويجوز بيع المرء ما وصفه له المشترى صدقه أو لم يصدقه فان وجد المبيع بتلك الصفة فالبيع لازم وان وجد بخلافها فالبيع باطل ولابد. وذلك لصحة نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، وهذا عين الغرر، لأنه لا يدرى ما اشترى أو باع ولقول الله عز وجل «إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ»

(3)

ولا يمكن أصلا وقوع التراضى على ما لا يدرى قدره ولا صفاته.

وانما فرقنا بين صفة البائع للمشترى أو المشترى للبائع صدق أحدهما الآخر أو لم يصدقه فأجزنا البيع بذلك، وبين صفة غيرهما فلم يجزه الا ممن يصدقه الموصوف له، لأن صفة البائع للمشترى أو صفة المشترى للبائع عليها وقع البيع وبها تراضيا، فان وجد المبيع كذلك علمنا أن البيع وقع صحيحا على حق وعلى ما يصح به التراضى والا فلا أما اذا وصفه لهما غيرهما ممن لا يصدقه الموصوف له فان البيع ههنا لم يقع على صفة أصلا فوقع العقد على مجهول من أحدهما أو من كليهما وهذا حرام لا يحل، فان وصفه من صدقه الموصوف له فالتصديق يوجب العلم فيكون انما اشترى ما علم أو باع البائع ما علم فالعقد صحيح، والتراضى صحيح فان وجد المبيع كذلك علم أن البيع انعقد على صحة وان وجد بخلاف ذلك علم أن البيع لم ينعقد على صحة كما لو وجده قد استحال عما عرفه عليه ولا فرق

(4)

.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 19، ص 20 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 24 نفس الطبعة.

(3)

الآية رقم 29 من سورة النساء.

(4)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن حزم ج 8 ص 342 وما بعدها الى ص 344 مسئلة رقم 1413 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

ص: 188

فيجوز بيع المسك فى نافجته مع النافجة والنوى فى التمر مع التمر وما فى داخل البيض مع البيض، وكل ذى قشر مع قشره سواء كان عليه قشران أو واحد، والعسل مع الشمع فى شمعه والشاة المذبوحة فى جلدها مع جلدها، وهكذا كل ما خلقه الله تعالى كما هو مما يكون ما فى داخله بعضا له وكذلك الزيتون بما فيه من الزيت والاناث بما فى ضروعها من اللبن، والبر والعلس فى اكمامه مع الأكمام وفى سنبله مع السنبل، ولا يحل بيع شئ مغيب فى غيره مما غيبه الناس اذا كان مما لم يره أحد لا مع وعائه ولا دونه فان كان مما قد رؤى جاز بيعه على الصفة كالعسل والسمن فى ظرفه واللبن كذلك والبر فى وعائه وغير ذلك كله

(1)

.

وليس كذلك ما تولى المرء وضعه فى الشئ كالبذر يزرع والنوى يغرس فان هذا شئ أودعه المرء فى شئ آخر مباين له بل هذا ووضعه الدراهم والدنانير فى الكيس سواء

(2)

.

ولا يحل بيع شئ من المغيبات المذكورة كلها دون ما عليها أصلا، فلا يحل بيع النوى أى نوى كان قبل اخراجه واظهاره دون ما عليه ولا بيع المسك دون النافجة قبل اخراجه من النافجة ولا لحم شاة مذبوحة دون جلدها قبل سلخها ولا بيع زيت دون الزيتون قبل عصره ولا بيع الجزر والبصل والكراث والفجل قبل قلعه لا مع الأرض ولا دونها لأن كل ذلك بيع غرر لا يدرى مقداره ولا صفته ولا رآه أحد فيصفه

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار أن من شروط صحة البيع أن يكون الثمن والمبيع معلومين، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر، فلو قال بعت هذا بدينار الا درهما صح، حيث صرف الدينار معلوم والا فلا.

ولو قال بعتكما هذا بكذا فقبلا فنصفان.

قال الامام يحيى فان قبل أحدهما صح نصفه بنصف الثمن.

ولو قال بألف ذهبا وفضة لم يصح للجهالة

(4)

.

(1)

المرجع السابق ج 8 ص 392، ص 393 مسئلة رقم 1422 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 394 مسئلة رقم 1424 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 394، ص 395 وما بعدها الى ص 398 مسئلة رقم 1425 نفس الطبعة.

(4)

البحر الزخار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 3 ص 299 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ سنة 1948 م.

ص: 189

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام أن من شروط البيع أن يكون الثمن معلوم القدر والجنس والوصف، فلو باع بحكم أحدهما لم ينعقد.

وأن يكون المبيع معلوما فلا يجوز بيع ما يكال أو يوزن أو يعد جزافا، ولو كان مشاهدا كالصبرة ولا بمكيال مجهول.

ويجوز ابتياع جزء من معلوم بالنسبة مشاعا سواء كانت أجزاؤه متساوية أو متفاوتة.

ولا يجوز ابتياع شئ مقدر منه اذا لم يكن متساوى الأجزاء كالذراع من الثوب أو الجريب من الأرض أو عبد من عبدين أو من عبيد أو شاة من قطيع.

وكذا لو باع قطيعا واستثنى منه شاة أو شياها غير مشار الى عينها.

ويجوز ذلك من متساوى الأجزاء كالقفيز من كر.

وكذا يجوز لو كان من أصل مجهول كبيع مكوك من صبرة مجهولة القدر.

ويجوز بيع الثوب والأرض مع المشاهدة وان لم يمسحا، ولو مسحا كان أحوط لتفاوت الغرض فى ذلك وتعذر ادراكه بالمشاهدة

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن من شروط المعقود عليه فى البيع أن يكون معلوما فان لم يعلماه بأن كان غائبا أو حضر ولكن تعذرت رؤيته أو لم تتعذر لكن لم يره لم يصح بيعه، وكذا لا يجوز ولو علمه أحدهما ووصفه للآخر، بل ان جهلاه وكل كل منهما من يعلمه وان علمه واحد وكل الآخر من يعلمه وجوز أن جئ بصفته ولو جاءت لهما بها امرأة أو أمة غير متولاة أو بائعه أو مشتريه وصدقه الآخر.

وقيل لا يجوز بوصف صاحب الشئ، لأنه قد يقصد الزيادة فلا يوثق بوصفه.

ويخير مشتريه بعد رؤيته أن وصف له فاشتراه على الوصف ولو خرج كما وصف عند بعض، لأن الخبر ليس كالعيان.

وقيل ان خرج كما وصف له لزمه وكذا ان لم يعلمه البائع ووصف له على الخلف.

وقال ابن محبوب للعالم منهما ما للجاهل له من التخيير اذا علمه احدهما فقط، ووصف للآخر أو بيع الى رؤية من جهله منهما واختاره بعض واستحسن القول

(1)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 167 من منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 190

بتخيير المشترى بعد رؤيته ولو خرج كما وصف له أن عرفه بائعه بنفسه لا بوصف، والا لم يجز، كذا قيل.

وأقول علم البائع بوصف كاف فى حقه كعلم المشترى به لأن حكم المشترى والبائع واحد

(1)

.

‌الاضافة فى الاجارة

‌أولا: حكم اضافة الاجارة الى غير معين

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أنه لو قال أجرتك هذه الدار شهرا بخمسة دراهم أو هذه الأخرى شهرا بعشرة دراهم أو كان هذا القول فى حانوتين أو عبدين أو مسافتين مختلفتين، بأن قال أجرتك هذه الدابة الى واسط بكذا أو الى مكة بكذا فذلك عند زفر رحمه الله تعالى لا يجوز قياسا، لأنه أضاف العقد الى أحد المذكورين، وهو مجهول، فلا يصح، ولهذا لم يصح اذا أضيف الى أحد الأشياء الأربعة.

وأما عند أصحابنا الثلاثة فجائز استحسانا، لأنه خيره بين عقدين معلومين فى محلين متقومين ببدلين معلومين، كما لو قال ان رددت الآبق من موضع كذا فلك كذا وان رددته من موضع كذا فلك كذا، وكما لو قال ان خيطت هذا الثوب فبدرهم وان خيطت هذا الآخر فبدرهم وعملهما سواء.

وأما قول زفر رحمه الله تعالى أن العقد أضيف الى أحد المذكورين من غير عين فنعم لكن فوض خيار التعيين الى المستأجر ومثل هذه الجهالة لا تفضى الى المنازعة كجهالة قفيز من الصبرة، ولهذا جاز البيع فالاجارة أولى لأنها أوسع من البيع الا ترى أنها تقبل من الخطر ما لا يقبله البيع، ولهذا جوزوا هذه الاجارة من غير شرط الخيار ولم يجوزوا البيع الا بشرط الخيار، وكذلك اذا دفع الى خياط ثوبا فقال له ان خطته فارسيا فلك درهم وان خطته روميا فلك درهمان أو قال لصباغ ان صبغت هذا الثوب بعصفر فلك درهم وان صبغته بزعفران فلك درهمان فذلك جائز لأنه خيره بين ايفاء منفعتين معلومتين فلا جهالة، ولأن الأجر على أصل أصحابنا رحمهم الله تعالى لا يجب الا بالعمل وحين يأخذ فى أحد العملين تعين ذلك الأجر، وهذا عند أصحابنا الثلاثة.

فأما عند زفر فالاجارة فاسدة لأن المعقود عليه مجهول.

وان قال أجرتك هذه الدار شهرا على أنك ان قعدت فيها حدادا فأجرها عشرة وان بعت فيها الخز فخمسة فالاجارة

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 4 ص 136 وما بعدها الى ص 138 طبع البارونى.

ص: 191

غير جائزة فى قول أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى، بل هى فاسدة، لأن الأجر لا يجب بالسكنى وانما يجب بالتسليم وهو التخلية وحالة التخلية لا يدرى ما يسكن فكان البدل عنده مجهولا بخلاف الرومى والفارسى، لأن البدل هناك يجب بابتداء العمل، ولا بد من أن يبتدئ بأحد العملين وعند ذلك يتعين البدل ويصير معلوما عند وجوده.

أما فى قول أبى حنيفة الآخر فجائزة، لأنه خير بين منفعتين معلومتين فيجوز كما فى خياطة الرومية والفارسية، وهذا لأن السكنى وعمل الحدادة مختلفان والعقد على واحد منهما صحيح على الانفراد فكذلك على الجمع وقولهما بأن الأجر ههنا يجب بالتسليم من غير عمل مسلم، لكن العمل يوجد ظاهرا وغالبا، لأن الانتفاع عند التمكين من الانتفاع هو العالب فلا يجب الاحتراز عنه على أن بالتخلية - وهو التمكن من الانتفاع يجب أقل الأجرين، لأن الزيادة تجب بزيادة الضرر ولم توجد زيادة الضرر وأقل الأجرين معلوم فلا يؤدى الى الجهالة وهذا جواب امام الهدى الشيخ أبا منصور الماتريدى رحمه الله تعالى.

وعلى هذا الخلاف كل ما كان أجره يجب بالتسليم ولا يعلم الواجب به وقت التسليم فهو باطل عندهما.

وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى العقد جائز، وأى التعيين استوفى وجب أجر ذلك كما سمى.

وان أمسك الدار ولم يسكن فيها حتى مضت المدة فعليه أقل المسميين لما ذكرنا أن الزيادة انما تجب باستيفاء منفعة زائدة ولم يوجد ذلك فلا يجب بالتسليم - وهو التخلية - الا أقل الأجرين.

وعلى هذا الخلاف اذا استأجر دابة الى الحيرة على أنه ان حمل عليها شعيرا فبنصف درهم وان حمل عليها حنطة فبدرهم فهو جائز على قول أبى حنيفة الآخر.

وعلى قولهما لا يجوز

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل أنه لو آجر انسان آخر يخيط له ثوبا على أنه ان خاطه اليوم فبدرهم وان خاطه غدا فبنصف درهم، أو قال له أن خطته خياطة رومية فبدرهم وان خطته خياطة عربية فبنصف درهم لم يجز، وهو من وجه بيعتين فى بيعة فان خاطه فله أجر مثله زاد على التسمية أو نقص. قال غيره فى المسئلة الأولى الا أن يزيد على الدرهم أو ينقص عن نصف الدرهم فلا يزاد ولا ينقص.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 4 ص 185، ص 186 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

ص: 192

واذا استأجره على خياطة ثوب بدرهم ثم قال له عجله لى اليوم وأزيدك نصف درهم فان كان على يقين من أنه يمكنه تعجيله فذلك جائز، وان كان لا يدرى اذا أجهد نفسه هل يتم أم لا فكرهه مالك رحمه الله تعالى.

ومثله استئجار رسول على تبليغ كتاب الى بلد بكذا ثم زيادته على أن يسرع فى السير فيبلغه فى يوم كذا يفصل فيه هذا الذى ارتضاه ابن رشد رحمه الله تعالى فى رسم سلف من سماع ابن القاسم رحمه الله تعالى من الاجارة

(1)

.

وجاء فى التاج والاكليل: نقلا عن المدونة أنه ان دفع انسان الى آخر دابة أو ابلا أو دارا أو سفينة أو حماما على أن يكرى ذلك وله نصف الكراء لم يجز، فان نزل كان له جميع الكراء وللأجير أجر مثله. ولو أعطاه الدابة أو السفينة أو الابل ليعمل عليها فما أصاب فهو بينهما لم يجز ذلك، فان عمل عليها فالكسب هاهنا للعامل وعليه كراء المثل

(2)

.

ونقل عن المدونة أنه لا بأس بكراء نصف دار أو سدسها أو جزء شائع قل أو كثر منها، وتجوز اجارة نصف دابة أو نصف عبد يكون للمستأجر يوما وللذى له النصف الآخر يوما

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه يشترط لصحة الاجارة كون الأجرة معلومة جنسا وقدرا وصفة ان كانت فى الذمة والا كفت مشاهدتها فى اجارة العين والذمة، فلا تصح اجارة لدار بالعمارة لها حيث كانت العمارة مجهولة ولا اجارة لدابة بصرف أو بفعل العلف لها. وان كان عينا، كأجرتكها بدينار على أن تصرفه فى عمارتها أو علفها للجهل بالصرف فتصير الأجرة مجهولة، فان صرف وقصد الرجوع به رجع والا فلا.

والأوجه أن التعليل بالجهل جرى على الغالب فلو كان عالما بالصرف فالحكم كذلك كبيع زرع بشرط أن يحصده البائع.

والحاصل أنه حيث كان هناك شرط بطلت مطلقا والا كآجرتكها بعمارتها فان عينت صحت والا فلا.

أما اذا أذن له فى صرفها بعد العقد بلا شرط فيه وتبرع المستأجر به فيجوز، واغتفر هنا اتحاد القابض والمقبض

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الحطاب ج 5 ص 404 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لمختصر خليل الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

(2)

التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 5 ص 404 فى كتاب على هامش مواهب الجليل الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 440 نفس الطبعة.

ص: 193

للحاجة على أنه فى الحقيقة لا اتحاد تنزيلا للقابض من المستأجر وان لم يكن معينا منزلة الوكيل عن المؤجر وكالة ضمنية

(1)

.

وكذلك لا يصح الايجار ليسلخ شاة مذبوحة بالجلد، ويطحن برا ببعض الدقيق أو النخالة التى تخرج منه للجهل بثخانة الجلد ورقته ونعومة الدقيق وخشونته لانتفاء القدرة عليهما حالا ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن قفيز الطحان، وفسر بأن يجعل أجرة الطحن لحب معلوم قفيزا مطحونا.

قال السبكى رحمه الله تعالى: ومنه ما يقع فى هذه الأزمان من جعل أجرة الجابى العشر مما يستخرجه

(2)

ويشترط لصحة الاجارة كذلك كون المعقود عليه معلوما بالعين فى اجارة العين ومعلوما بالصفة فى اجارة الذمة وكون المنفعة معلومة

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه يشترط لصحة الاجارة معرفة الأجرة، لأنه عوض فى عقد معاوضة فوجب أن يكون معلوما كالثمن، وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» ويصح أن تكون فى الذمة وأن تكون معينة ولو جعل الأجرة صبرة دراهم أو صبرة غير دراهم صحت الاجارة كبيع.

وتجوز اجارة الأرض بجنس ما يخرج منها بأن أجرها لمن يزرعها برا بقفيز بر ان لم يقل مما يخرج منها، والا لم يصح ويصح استئجار أجير وظئر بطعامهما وكسوتهما وان لم يصف الطعام والكسوة أو بأجرة معلومة وطعامهما وكسوتهما، أما المرضعة فلقول الله تبارك وتعالى:

«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ»

(4)

فأوجب لهن النفقة والكسوة على الرضاع وأما الأجير فلما روى عن أبى بكر وعمر وأبى موسى رضى الله تعالى عنهم أنهم استأجروا الأجراء بطعامهم وكسوتهم ولم يظهر له نكير فكان كالاجماع

(5)

.

ولا يصح استئجار دابة بعلفها أو بأجر معين وعلفها، لأنه مجهول ولا عرف له يرجع اليه الا أن يشترط العلف موصوفا كشعير ونحوه وقدره بمعلوم فيجوز.

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة الرملى ج 5 ص 264، ص 265 فى كتاب معه حاشية الشبراملسى وعلى هامشه حاشية المغربى طبع شركة مكبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 265، ص 266 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 277 نفس الطبعة.

(4)

الآية رقم 233 من سورة البقرة.

(5)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 286 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 194

وعنه يصح مطلقا اختاره الشيخ

(1)

.

ولا بأس فى أن يستأجر من يحصد الزرع بجزء مشاع منه وأن يستأجر من يجز ثمر النخل بسدس ما يخرج منه أو بربعه ونحوه.

ولا يجوز نقض الزيتون ونحوه ببعض ما يسقط منه أى بآصع معلومة منه للجهالة لأنه لا يدرى الباقى بعدها

(2)

.

وان قال صاحب ثوب لخياط: ان خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم أو ان خطته روميا فلك درهم وان خطته غدا أو فارسيا فلك نصف درهم لم يصح.

وكذا ان قال رب أرض ان زرعتها برا فبخمسة وان زرعت ذرة فبعشرة أو قال رب حانوت ان فتحت خياطا فبخمسة وان فتحت حدادا فبعشرة ونحو ذلك مما لم يقع منه جزم لم يصح العقد، لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير أو نحوهما فلم يصح

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا تجوز الاجارة على حفر بئر البتة سواء كانت الأرض معروفة أو لم تكن، لأنه قد يخرج فيها الصفاة الصلدة والأرض المنحلة الرخوة والصليبة، وهذا عمل مجهول، وقد يبعد الماء فى موضع ويقرب فيما هو الى جانبه وانما يجوز ذلك فى استئجار مياومة ثم يستعمله فيها فى حفر البئر لأنه عمل محدود معلوم يتولى منه حسب ما يقدر عليه

(4)

.

ولا تجوز الاجارة الا بمضمون مسمى محدود فى الذمة أو بعين معينة متميزة معروفة الحد والمقدار، وهو قول عثمان رضى الله تعالى عنه.

وأما ما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه قال كنت أجيرا لابنة غزوان بطعام بطنى وعقبة رجلى فقد يكون هذا تكارما من غير عقد لازم.

وأما العقود المقضى بها فلا تكون الا بمعلوم والطعام يختلف فمنه اللين ومنه الخشن ومنه المتوسط. ويختلف الأدم وتختلف الناس فى الأكل اختلافا متفاوتا فهو مجهول لا يجوز

(5)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أنه يشترط تعيين العين المؤجرة كالمبيع، فلو قال أجرت

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 287 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 288 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 289 نفس الطبعة.

(4)

المحلى لأبى محمد أحمد بن سعيد بن حزم ج 8 ص 196 مسئلة رقم 1312 طبع ادارة المنيرية سنة 1350 هـ.

(5)

المرجع السابق ج 8 ص 203 مسئلة رقم 1326 الطبعة السابقة.

ص: 195

منك أحد دوابى لم تصح الا بخيار لأحدهما لا لهما لأنه يؤدى الى التشاجر

(1)

.

ويشترط تعيين منفعة العين المؤجرة ان اختلفت منافعه واختلف ضررها فبعضها اشد مضرة من بعض نحو أن يستأجر دارا تصلح للسكنى فيها وتصلح للحدادة أو عبدا يعمل أعمالا مختلفة بعضها أشق من بعض فانه لا بد من تعيين المنفعة التى استؤجر لها وكذلك الأرض اذا كانت تصلح لأجناس مختلفة بعضها أضر من بعض فلابد من تعيين ما يزرع فيها أو يقول ازرع ما شئت، فأما لو كانت لا تصح الا لنوع واحد أو لأنواع مستوية فى المضرة لم يجب التعيين وعند المؤيد بالله لا يجب التعيين ولو صلحت لأنواع لكن يزرع ما تعتاده هذه الأرض. ويجوز فعل الأقل ضررا وان عين غيره فمن استأجر عينا لمنفعة معينة فله أن يستعملها فى غير تلك المنفعة اذا كانت المضرة مثل مضرة ما عين أو دونها.

فان شرط عليه أن لا يستوفى الا تلك المنفعة لا مثلها ولا دونها فالأقرب الى المذهب أن الاجارة تفسد لأنه خلاف موجب العقد.

ومن استأجر بهيمة للحرث فلابد من أن تكون الأرض مشاهدة لاختلافها بالصلابة ولا تنضبط بالوصف وان انضبطت كفى ويصح الاستئجار للحرث وان لم يعين ما يحرث به كالحمل وان لم يعين الحامل اذ صار العمل للأجير معلوما

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن اجارة المشاع جائزة لأن الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج الى دليل

(3)

.

واذا سلم الى الخياط ثوبا بعينه ليخيطه له، وقال ان خطت اليوم فلك درهم وان خطته غدا فلك نصف درهم صح العقد فيهما، فان خاطه فى اليوم الأول كان له الدرهم وان خاطه فى الغد كان له نصف درهم، لأن الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج الى دليل، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنون عند شروطهم

(4)

.

واذا استأجره لخياطة ثوب وقال ان خطته روميا وهو الذى يكون بدرزين فلك درهم وان خطته فارسيا - وهو

(1)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 254، ص 255 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 256، ص 257 نفس الطبعة.

(3)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 718 مسئلة رقم 33 الطبعة الثانية طبع مطبعة رنكين فى طهران سنة 1377 هـ.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 719 مسئلة رقم 39 نفس الطبعة.

ص: 196

الذى يكون بدرز واحد - فلك نصف درهم صح العقد لما تقدم

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن من شرط جواز الاجارة الجائزة تعيين ثمن، ولا يشترط مخالفتها للمنتفع به خلافا لبعض.

ومن استأجر أجيرا بما يشبعه من الطعام ثم لم يوف له به فليس له أن يأخذ من طعامه قدر ما يشبعه الا باذنه قاله ابن محبوب رحمه الله تعالى وعن أبى المؤثر رفع الى الحديث: لا يستعمل الأجير حتى تقطع له أجره. فهذا نص فى وجوب التعيين ويجوز قضاء غير الأجرة فيها مثل أن يستأجره بدرهم فيأخذ فيه حبا أو غيره وقيل يجوز أخذ غير الدراهم والدنانير فيها لا العكس ولا شئ فى شئ

(2)

.

ومن شرطها كذلك تعيين قدر منفعة ما لم ينه عنه تحريما مما لم ينه عنه نهى تحريم، فان كانت بلا تعيين بطل العقد، فان كان العمل فله أجر مثله

(3)

.

‌ثانيا: حكم اضافة الاجارة

الى وقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى تبيين الحقائق أنه تصح الاجارة وفسخها مضافا الى الزمان المستقبل، لأن الاجارة تتضمن تمليك المنافع والمنافع لا يتصور وجودها فى الحال فتكون مضافة ضرورة، ولهذا قلنا تنعقد ساعة فساعة على حسب وجود المنفعة وحدوثها وهذا هو معنى الاضافة

(4)

.

قال الشلبى فى حاشيته: وليس ما ذكر هو المراد باضافتها وانما المراد اضافة العقد الى الزمان المستقبل كأن يقول أجرتك هذه الدار غدا شهرا بكذا أو يقول وهو فى يوم السبت مثلا آجرتك هذه الأرض يوم الجمعة سنة بعشرة أو قال وهو فى رجب أو فى ربيع الأول آجرتك دابتى هذه رأس شعبان شهرا بكذا ونحو ذلك.

وقد اختلف المشايخ فى هذه الاجارة.

فاختار الشيخ ظهير الدين أن الاجارة المضافة لا تجوز.

وقال صاحب المحيط اضافة الاجارة الى وقت فى المستقبل جائزة.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 719، ص 720 مسئلة رقم 40 نفس الطبعة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 5 ص 45 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 46 نفس الطبعة.

(4)

تبين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان بن على الزيلعى ج 5 ص 148 فى كتاب على هامشه حاشية شهاب الدين أحمد الشلبى الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى.

ص: 197

وقال فى الفصول المختار أنها جائزة.

وكذا قال صدر الاسلام قال فى الذخيرة:

فلو أراد نقضها قبل مجئ الوقت فعن محمد رحمه الله تعالى فيه روايتان:

فى رواية لا يصح النقض.

وفى رواية يصح، ووجه هذه الرواية أنه لم يثبت للمستأجر حق فى هذا العقد لأنه غير منعقد أصلا، ولهذا لا يملك الأجرة بالتعجيل فى هذه الاجارة.

ووجه الرواية الأولى أن العقد انعقد فيما بين المتعاقدين وان لم ينعقد فى حق الحكم فالآجر بالنقض يريد ابطال العقد المنعقد حقا للمستأجر فلا يقدر على ذلك، وعلى هذه الرواية يملك الأجرة بالتعجيل فى هذه الاجارة.

واذا باع المؤجر العين المؤجرة فى الاجارة المضافة قبل مجئ ذلك الوقت ذكر شمس الأئمة الحلوانى رحمه الله تعالى فى رهن الجامع أن فيه روايتين.

فى رواية لا ينفذ البيع ولا تبطل الاجارة المضافة.

وفى رواية ينفذ البيع وتبطل الاجارة المضافة وبه أفتى شيخ الاسلام.

وفى فتاوى قاضيخان والفتوى على أنه ينفذ البيع وتبطل الاجارة المضافة، وهو اختيار شمس الأئمة الحلوانى

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل أن المنفعة - التى هى أحد أركان الاجارة - اذا كانت صنعة يجوز أن تقيد بالزمن كخياطة يوم مثلا أو بمحل تلك الصنعة كخياطة ثوب مثلا، فان جمع بين التقييد بالمحل والزمن فقال فى البيان فان كان الأمر فى ذلك مشكلا، فلا اختلاف فى أن ذلك لا يجوز وان كان الاشكال فى أن العمل يمكن تمامه قبل انقضاء الأجل فقد قيل ان ذلك جائز.

والمشهور أن ذلك لا يجوز، وكذا قال اللخمى رحمه الله تعالى، الا أنه اختار القول بامضاء هذه العقدة نقله عنه ابن عرفة.

وقال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى الذى قاله من يرتضى من الشيوخ أن الزمن الذى قيدت به الاجارة ان كان أوسع من العمل بكثير فلا يختلف فى الجواز وان كان أضيق بكثير فلا يختلف فى المنع وان كان الزمن مساويا لمقدار العمل ففيه قولان اختلف الشيوخ فى تعيين المشهور منها، فالضيق لا يجوز

(1)

حاشية شهاب الدين أحمد الشلبى على تبيين الحقائق ج 5 ص 148 فى كتاب على هامش تبيين الحقائق للزيلعى الطبعة السابقة.

ص: 198

والمساوى لا يجوز أيضا عند ابن رشد رحمه الله تعالى باتفاق.

وعند ابن عبد السّلام على أحد المشهورين.

فجزم الدردير رحمه الله تعالى بالفساد فيه لقوة القول بالفساد لحكاية ابن رشد الاتفاق.

والواسع يجوز عند ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى باتفاق.

ويمنع عند ابن رشد على المشهور.

فعلى القول بأن ذلك لا يجوز يكون للأجير ان فاتت الاجارة بالعمل أجرة مثله بالغة ما بلغت على تعجيلها أو تأخيرها.

فأما على القول بأن ذلك جائز فان فرغ منه فى اليوم الذى سمى كانت له الاجارة المسماة وان لم يفرغ منه الا بعد ذلك كانت له اجارته على غير التعجيل، لأن المستأجر انما رضى به من الأجرة على التعجيل فاذا أعطاه ذلك لم ينبغ أن يأخذ ماله باطلا

(1)

.

وجاء فى التاج والاكليل أن من استأجر بيتا شهرا بعشرة على أنه ان سكن منه يوما واحدا فالكراء له لازم جاز ذلك اذا كان له أن يسكن بقية الشهر أو يكريه اذا خرج والا لم يجز.

قال ابن يونس رحمه الله تعالى قال بعض فقهائنا القرويين ظاهر هذا العقد أنه جائز وأنه بالخيار ما لم يسكن فاذا سكن انعقد الكراء فى شهر فان أراد أن سكنت فالكراء لى لازم فليس لى أن أكرى من غيرى كان هذا من بيع الشروط التى يبيع منه على أن لا يبيع ولا يهب فهذا ان أسقطوا الشرط على أحد القولين تم الكراء.

واما أن شرط فان خرجت عاد المسكن الى المكرى وعليه جملة الكراء فهذا فاسد لابد من فسخه لأنه غرر.

وروى عن المدونة أن ابن القاسم رحمه الله تعالى قال: من اكترى دارا سنة أو سنتين ولم يسم متى يسكن جاز ويسكن أو يسكن غيره متى شاء ما لم يأت من ذلك ضرر بين على الدار - يريد ضررا فى السكنى.

قال مالك رحمه الله تعالى فى المختصر الكبير: وان أغلقها المكترى وخرج فذلك له ليس لصاحب الدار أن يقول يخربها على.

قال ابن القاسم رحمه الله تعالى:

والسنة محسوبة من يوم التعاقد كما لو قال هذه السنة بعينها.

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد الحطاب ج 5 ص 410، ص 411 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 199

ومن قال لرجل اكترى منك دارك أو حانوتك أو أرضك أو غلامك أو دابتك فى كل شهر أو فى كل سنة بكذا أو كل سنة بكذا أو قال فى الشهر أو فى السنة أو الشهر أو السنة فلا يقع الكراء على تعيين وليس بعقد لازم ولرب الدار أن يخرجه متى شاء وللمكترى أن يخرج متى شاء ويلزمه فيما سكن حصته من الكراء.

قال ابن يونس رحمه الله تعالى وكأنه فى ذلك كله قال له أكريك من حساب الشهر أو من حساب السنة بكذا هذا هو موضوع هذه الألفاظ الا أن ينقده فى ذلك كراء شهر أو سنة فيلزمه تمام ذلك.

قال عياض رحمه الله تعالى: كراء الدور مشاهرة ومساناة لا خلاف فيه اذا نص على تعيين السنة أو الشهر أو جاء بما يقوم مقام التعيين أنه لازم لهما وذلك فى خمس صور، اذا قال شهر كذا وهذا الشهر أو سمى العدد فيما زاد على الواحد فقال شهرين أو ثلاثة أو ذكر الأجل فقال أكريك الى شهر كذا أو أنقد كراء كذا شهرا أو أكثر فان هذا كله لازم لهما المدة التى ذكراها لا خيار لواحد منهما.

قال ابن حبيب رحمه الله تعالى وكذا لو قال ستة أشهر أو هذه السنة أو الى سنة كذا فهذا كله وجيبة لازمة الا أن يشترط الخروج لمن شاء فيلزمهما ذلك ولا يجوز فيه حينئذ النقد ويجوز فى الأول النقد والتأخير ولم يختلف فى هذا مالك وأصحابه

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج: أنه يجوز تأجيل المنفعة فى اجارة الذمة الى أجل معلوم لقبول الدين التأجيل كما لو أسلم فى شئ الى أجل معلوم، فان أطلق كان حالا كالزمت ذمتك الحمل بكذا الى مكة أول شهر كذا ومراده بأول الشهر هنا مستهله لأن التأجيل به باطل على ما نقلاه عن الأصحاب.

والمعتمد ما نقلاه عن الامام البغوى أنه يصح ويحمل على الجزء الأول.

وعليه فكلامه هنا على اطلاقه.

ولا تجوز اجارة عين لمنفعة مستقبلة كاجارة هذه الدار السنة المستقبلة أو سنة أولها من غد، وكذا ان قال أولها من أمس وكاجارة أرض مزروعة لا يمكن تفريغها الا بعد مدة لمثلها أجرة وذلك كما لو باعه عينا على أن يسلمها له بعد ساعة بخلاف اجارة الذمة كما مر.

ولو قال وقد عقد آخر النهار أولها يوم تاريخه لم يضر كما هو ظاهر، لأن القرينة ظاهرة فى أن المراد باليوم

(1)

التاج والاكليل للمواق ج 5 ص 440 الطبعة السابقة.

ص: 200

الوقت أو فى التعبير باليوم عن بعضه وكل منهما سائغ شائع.

ولو قالا بقسطين متساويين فى السنة فان أراد النصف فى أول أو آخر نصفها الأول والنصف فى أول أو آخر نصفها الثانى صح كما هو واضح أيضا، لاستغراقهما السنة حينئذ مع احتمال اللفظ له.

وان اختلفا بطل للجهل به اذ يصدق تساويهما بثلاثة أشهر وثلاثة أشهر مثلا من السنة وذلك مجهول.

ويستثنى من المنع فى المستقبلة صور كما أجره ليلا لما يعمل نهارا وأطلق

(1)

ويجوز عقد الاجارة على العين مدة تبقى فيها تلك العين بصفاتها المقصودة كما هو ظاهر غالبا لامكان استيفاء المعقود عليه حينئذ كسنة فى نحو الثوب وعشر سنين فى الدابة وثلاثين سنة فى العبد على ما يليق بكل منها وكمائة سنة أو أكثر فى الأرض طلقا كانت أو وقفا لم يشترط واقفه لايجاره مدة قال البغوى والمتولى كالقاضى الا أن الحكام اصطلحوا على منع اجارة الوقف أكثر من ثلاث سنين لئلا يندرس الوقف

(2)

.

واذا أجر شيئا أكثر من سنة لم يجب تقدير حصته كل سنة كما لو استأجر سنة لا يجب تقدير حصة كل شهر وتوزع الأجرة على قيمة منافع السنين.

ولو آجره شهرا مثلا وأطلق فابتداؤه من وقته لأنه المفهوم المتعارف كما فى الروضة، وظاهره الصحة ولو لم يقل من الآن لكن نقل ابن الرفعة رحمه الله تعالى عن جزم العراقيين خلافه

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن اجارة العين قد تكون على مدة كاجارة الدار شهرا أو اجارة الأرض عاما واجارة الآدمى للخدمة أو للرعى أو للنسخ أو الخياطة ونحوها مدة معينة

(4)

. فإن قدر المدة بسنة مطلقة حمل على السنة الهلالية لأنها المعهودة فان وصفها به كان تأكيدا.

وان قال سنة عددية أو قال سنة بالأيام فهى ثلاثمائة وستون يوما لأن الشهر العددى ثلاثون يوما والسنة اثنا عشر شهرا.

وان قال سنة رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمانها جاز ذلك

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة ج 5 ص 273 وص 274 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 302 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 303 الطبعة السابقة.

(4)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 296 الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ ..

ص: 201

وهى ثلاثمائة وخمسة وستون يوما وربع يوم.

وان جهل المتعاقدان ما ذكر من السنين غير العربية أو جهله أحدهما لم يصح العقد للجهل بمدة الاجارة.

ولا يشترط أن تلى مدة الاجارة العقد فلو أجره سنة خمس فى سنة أربع صح العقد لأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها يلباز العقد عليها مفردة كالتى تلى العقد سواء كانت العين المؤجرة مشغولة وقت العقد باجارة أو رهن أو غيرهما اذا أمكن التسليم عند وجوبه كالسلم لا يشترط وجود القدرة عليه حال العقد

(1)

.

ولو أجره الى ما يقع اسمه على شيئين كالعيد عيد الفطر والأضحى، وجمادى أولى وثانية، وربيع أول وثان لم يصح العقد للجهالة فلابد من تعيين العيد فطر أو أضحى من هذه السنة أو من سنة كذا وكذا جمادى لا بد من تعيينه الأولى أو الثانية من هذه السنة أو سنة كذا وكذا نحو كربيع لا بد من تعيينه وتعيين سنته.

وان علق الاجارة بشهر مفرد كرجب فلابد من أن يبين من أى سنة وان علقها بيوم فلابد من أن يبينه من أى اسبوع دفعا للابهام واذا أجره فى اثناء شهر مدة لا تلى العقد فلابد من ذكر ابتدائها كانتهائها ليحصل العلم بها وان كانت المدة تلى العقد لم يحتج الى ذكر الابتداء ويكون ابتداؤها من حين العقد وكذا ان أطلق فقال آجرتك شهرا أو سنة أو نحوهما كأسبوع فيصح ويكون ابتداؤها من حين العقد لقصة شعيب وكمدة السلم، اختاره فى المغنى ونصره فى الشرح.

والمذهب لا يصح نص عليه لأنه مطلق فافتقر الى التعيين

(2)

وفى اجارة المنفعة لا يصح الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لى هذا الثوب فى يوم لأن الجمع بينهما يزيد الاجارة غررا لا حاجة اليه لأنه قد يفرغ من العمل قبل انقضاء اليوم فان استعمل فى بقيته فقد زاد على ما وقع عليه العقد وان لم يعمل كان تاركا للعمل فى بعضه فهذا غرر أمكن التحرز منه ولم يوجد مثله فى محل الوفاق فلم يجز العقد معه

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه يجوز استئجار العبيد والدور والدواب وغير ذلك الى مدة قصيرة أو طويلة اذا كانت مما يمكن بقاء المؤاجر

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 297 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 297 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 300 نفس الطبعة.

ص: 202

والمستأجر والشئ المستأجر اليها فان كان لا يمكن البتة بقاء أحدهم اليها لم يجز ذلك العقد وكان مفسوخا أبدا لأن بيان المدة واجب فيما استؤجر لا لعمل معين فاذ هو كذلك فلا فرق بين مدة ما وبين ما هو أقل منها أو أكثر منها

(1)

.

ولا يجوز استئجار دار ولا عبد ولا دابة ولا شئ أصلا ليوم غير معين ولا لشهر غير معين ولا لعام غير معين لأن الكراء لم يصح على شئ لم يعرف فيه المستأجر حقه فهو أكل مال بالباطل وعقد فاسد

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن عقد الاجارة فى الأعيان لا يصح على وقت مستقبل سواء كانت العين مؤجرة أم لا، وقال المؤيد بالله والناصر: بل يصح على وقت مستقبل سواء كانت العين مؤجرة أم لا.

وقال فى الفنون وذكره فى شرح الابانة أنها ان كانت مؤجرة لم تجز والاجاز. الا فى الأعمال فانه يصح عقدها على وقت مستقبل سواء كان فيه ادخال عقد على عقد أم لا نحو أن يستأجره على أن يخيط هذا الثوب ثم يستأجره على خياطة ثوب آخر بعد ذلك الثوب، وكذا اذا استأجر الحاج ليحج هذا العام ثم استأجره غيره أو هو ليحج العام المستقبل فان ذلك كله جائز غالبا

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى العروة الوثقى ان ما كان معلوميته بتقدير المدة فلابد فيه من تعيينها شهرا أو سنة أو نحو ذلك ولو قال آجرتك الى شهر أو شهرين بطل.

ولو قال آجرتك كل شهر بدرهم مثلا ففى صحته مطلقا أو بطلانه مطلقا أو صحته فى شهر وبطلانه فى الزيادة فان سكن فأجرة المثل بالنسبة الى الزيادة أو الفرق بين التعبير المذكور وبين أن يقول آجرتك شهرا بدرهم فان زدت فبحسابه بالبطلان فى الأول والصحة فى شهر فى الثانى أقوال. أقواها الثانى، وذلك لعدم تعيين المدة الموجب لجهالة الأجرة جهالة المنفعة أيضا من غير فرق بين أن يعين المبدأ أو لا بل على فرض عدم تعيين المبدأ يلزم جهالة أخرى الا أن يقال أنه حينئذ ينصرف الى المتصل بالعقد. هذا اذا كان بعنوان الاجارة.

وأما اذا كان بعنوان الجعالة فلا مانع منه لأنه يغتفر فيها مثل هذه الجهالة.

(1)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 8 ص 188 مسئلة رقم 1294 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 8 ص 190 مسئلة رقم 1298 نفس الطبعة.

(3)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 267، ص 268 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.

ص: 203

وكذا اذا كان بعنوان الاباحة بالعوض

(1)

.

واذا قال ان عملت العمل الفلانى فى هذا اليوم فلك درهمان وان عملته فى الغد فلك درهم فان كان بعنوان الاجارة بطل لما مر من الجهالة. وان كان بعنوان الجعالة كما هو ظاهر العبارة صح

(2)

.

واذا استأجره أو دابته ليحمله أو يحمل متاعه الى مكان معين فى وقت معين بأجرة معينة كأن استأجر منه دابة لايصاله الى كربلاء قبل ليلة النصف من شعبان ولم يوصله فان كان ذلك لعدم سعة الوقت وعدم امكان الايصال فالاجارة باطلة، وان كان الزمان واسعا ومع هذا قصر ولم يوصله فان كان ذلك على وجه العنوانية والتقييد لم يستحق شيئا من الأجرة لعدم العمل بمقتضى الاجارة أصلا.

وان كان ذلك على وجه الشرطية بأن يكون متعلق الاجارة الايصال الى كربلاء ولكن اشترط عليه الايصال فى ذلك الوقت فالاجارة صحيحة والأجرة المعينة لازمة لكن له خيار الفسخ من جهة تخلف الشرط ومعه يرجع الى أجرة المثل.

وان قال: وان لم توصلنى فى وقت كذا فالأجرة كذا أقل مما عين أو لا. فهذا أيضا قسمان: قد يكون ذلك بحيث يكون كلتا الصورتين من الايصال فى ذلك الوقت وعدم الايصال فيه موردا للاجارة فيرجع الى قوله: آجرتك بأجرة كذا ان أوصلتك فى الوقت الفلانى وبأجرة كذا ان لم أوصلك فى ذلك الوقت وهذا باطل للجهالة نظير ما ذكر فى المسألة السابقة من البطلان ان قال ان عملت فى هذا اليوم فلك درهمان الى آخره.

وقد يكون مورد الاجارة هو الايصال فى ذلك الوقت ويشترط عليه أن ينقص من الأجرة كذا على فرض عدم الايصال، والظاهر الصحة فى هذه الصورة

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه يجوز فى الاجارة أجل محدود سواء أطلق أو قيد والاطلاق كرعى غنم معينة بعدد فقط أو مع جنس سنة غير معينة، ويكون الاطلاق كبيع ترتب به الثمن أو المثمن بذمة عاجلا لا آجلا فمتى طلبه بالعمل أدرك عليه الدخول فيه والاتمام كما أن من طلب ما بذمة غيره عاجلا يدركه متى طلبه سواء نقد الأجرة أو كانت فى ذمة عاجلا أو آجلا بناء على أن عقد الاجارة لازم كالبيع وسائر العقود، واذا ابتدأ بلا اذن منه صح ابتداؤه

(4)

.

(1)

العروة الوثقى للسيد محمد الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 526 مسئلة رقم 10 الطبعة الثانية طبع دار الكتب الاسلامية بطهران سنة 1388 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 526 مسئلة رقم 11 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 526، ص 527 مسئلة رقم 12 نفس الطبعة.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 5 ص 53 الطبعة السابقة.

ص: 204

اما ان حدد الوقت فيكون التحديد أول العقد أو وسطه أو آخره، مثل أن يقول:

تدخل فى العمل الآن، أو يقول هذا الشهر أو هذه السنة أو نحو ذلك فيدخل من حينه، فان وافق البدء فذاك والا حسب الشهر أو السنة بالأيام وهكذا، وان لم يدخل فى حينه فالعقد صحيح ثابت ويجبر ما فات بالعمل أو بنقص من الأجرة

(1)

. أو يحدد الأجل بتراخ عن العقد كرعاية هذا الشهر أو هذا الاسبوع أو هذه السنة أو نحو ذلك أو شهر كذا أو أسبوع كذا أو سنة كذا أو نحو ذلك مثل أن يشير الى جمادى الأولى وهو فى غيرها أو يقول الشهر الثانى أو يقول الشهر الثالث وما أشبه ذلك.

وأما ان قال هذا الشهر أو نحوه وهو فيه أو معه قبل مضى بعض الوقت المعتاد للعمل فهو الحاضر لا غيره فليس متراخيا فهو تعقيب بحسبه مثل أن يقول فى الليلة الأولى من الشهر أو من العام والعمل انما هو فى النهار.

وان ضربا الأجل مجهولا كقولهما الى حرث أو حصد أو جذاذ لم يجز

(2)

.

‌الاضافة فى المضاربة

‌أولا - حكم اضافة ربح المضاربة

الى المضارب

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أن رب المال اما أن يطلق الربح فى عقد المضاربة ولا يضيفه الى المضارب بأن يقول: على أن ما رزق الله تعالى من الربح فهو بيننا نصفان أو يقول:

ما أطعم الله تعالى من ربح فهو بيننا نصفان واما أن يضيفه الى المضارب بأن يقول:

على أن ما رزقك الله تعالى من الربح أو ما أطعمك الله تعالى من ربح أو على أن ما ربحت من شئ أو ما أصبت من ربح فان أطلق الربح ولم يضفه الى المضارب ثم دفع المضارب الأول المال الى غيره مضاربة بالثلث فربح الثانى فثلث جميع الربح للثانى، لأن شرط الأول للثانى قد صح، لأنه يملك نصف الربح، فكان ثلث جميع الربح بعض ما يستحقه الأول فجاز شرطه للثانى فكان ثلث جميع الربح للثانى ونصفه لرب المال، لأن الأول لا يملك من نصيب رب المال شيئا فانصرف شرطه الى نصيبه لا الى نصيب رب المال فبقى نصيب رب المال على حاله وهو النصف وسدس الربح للمضارب الأول، لأنه لم يجعله للثانى فبقى له بالعقد الأول ويطيب له ذلك لأن عمل المضارب الثانى وقع له فكأنه عمل بنفسه كمن استأجر انسانا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بنصف درهم طاب له الفضل، لأن عمل أجيره وقع له فكأنه عمل بنفسه كذا هذا.

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 54 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 55 نفس الطبعة.

ص: 205

ولو دفع الى الثانى مضاربة بالنصف فنصف الربح للثانى ونصفه لرب المال ولا شئ للمضارب الأول، لأنه جعل جميع ما يستحقه وهو نصف الربح للثانى، وصح جعله، لأنه مالك للنصف والنصف لرب المال بالعقد الأول وصار كمن استأجر رجلا على خياطة ثوب بدرهم فاستأجر الأجير من خاطه بدرهم، ولو دفعه اليه مضاربة بالثلثين فنصف الربح، لرب المال ونصفه للمضارب الثانى ويرجع الثانى على الأول بمثل سدس الربح الذى شرطه له لأن شرط الزيادة لم ينفذ فى حق رب المال لما لم يرض لنفسه بأقل من نصف الربح فقد صح فيما بين الأول والثانى، لأن الأول غر الثانى باسميته الزيادة والغرور فى العقود من اسباب وجوب الضمان وهو فى الحقيقة ضمان الكفالة وهو أن الأول صار ملتزما سلامة هذا القدر للثانى ولم يسلم له فيغرم للثانى مثل سدس الربح ولا يصير بذلك مخالفا، لأن شرطه لم ينفذ فى حق رب المال فالتحق بالعدم فى حقه فلا يضمن.

ولو أضاف الربح الى المضارب فدفعه الأول مضاربة الى غيره بالثلث أو بالنصف أو بالثلثين فجميع ما شرطه للثانى من الربح يسلم له، وما شرط للمضارب الأول من الربح يكون بينه وبين رب المال نصفين.

والفرق بين هذا وذاك أن هنا شرط رب المال لنفسه نصف ما رزق الله تعالى للمضارب أو نصف ما ربح المضارب فاذا دفع الى الثانى مضاربة بالثلث كان الذى رزق الله عز وجل المضارب الأول الثلثين فكان الثلث للثانى والثلثان بين رب المال وبين المضارب الأول نصفين لكل واحد منهما الثلث.

واذا دفع مضاربة بالنصف كان ما رزقه الله تعالى للمضارب الأول النصف فكان النصف للمضارب الثانى والنصف بينهما نصفين.

واذا دفعه مضاربة بالثلثين كان الذى رزقه الله تعالى للمضارب الأول الثلث وكان الثلثان للمضارب الثانى والثلث بين رب المال والمضارب الأول لكل واحد منهما السدس.

أما فى الحالة الأولى فقد شرط رب المال لنفسه نصف جميع ما رزق الله تعالى ونصف جميع الربح وذلك ينصرف الى جميع الربح

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة ان ابن القاسم قال تجوز المقارضة عند مالك على النصف والخمس أو أكثر من ذلك أو أقل.

قال المواق: فان أعطيته مالا قراضا على أن الربح للعامل فان ذلك جائز.

وقد قال مالك فيمن أعطى لرجل مالا يعمل به على أن الربح للعامل ولا ضمان عليه انه لا بأس به، وكذلك ان أعطاه نخلا مساقاة على أن جميع الثمرة للعامل فلا بأس به.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 97، ص 98 الطبعة الأولى طبع مطابع الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

ص: 206

قال ابن القاسم: وان أعطيته قراضا على النصف ثم تراضيتما بعد العمل على أن تجعلاه على أن الثلثين له أو لك جاز.

قال ابن حبيب ان كان المال حين تراضيا عينا لا زيادة فيه ولا نقص حركه أو لم يحركه فلا بأس به وان كان فيه زيادة أو نقص أو كان فى سلع لم يجز.

قال ابن يونس وقول ابن القاسم أولى لأن المال ان كان عينا فكأنهما الآن ابتدآ العقد، لأن القراض لا يلزم بالعقد ولمن شاء حله ما لم يشغله فى سلع أو يظعن به لسفر، وان كان المال فى سلع فهى هبة تطوع بها أحدهما لصاحبه وهبة المجهول جائزة.

وقال الباجى: يجوز اشتراط كل الربح لأحدهما فى مشهور مذهب مالك أو اشتراطه لغيرهما فاذا اشترط المتقارضان عند معاملتهما ثلث الربح للمساكين جاز قاله ابن القاسم.

ثم قال: ولا أحب لهما أن يرجعا فيه ولا يقضى بذلك عليهما.

قال ابن المواز: وان قال رب المال للعامل حين دفع اليه المال خذه قراضا والربح لك جاز وكان الربح للعامل ولا يضمن المال أو خسره أن تلف والقول فيه قول العامل وان لم يكن قراضا وانما قال خذه واعمل به والربح لك جاز أيضا وهو ضامن لما خسر

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه يشترط اختصاص رب المال والعامل بالربح واشتراكهما فيه فيمتنع شرط بعضه لثالث ما لم يشرط عليه العمل معه فيكون قراضا بين اثنين، نعم شرطه لقن أحدهما كشرطه لسيده، وذلك ليأخذ المالك بملكه والعامل بعمله فلو شرط اختصاص أحدهما به لم يصح.

فلو قال قارضتك على أن كل الربح لك فقراض فاسد لمخالفته مقتضى العقد وله أجرة المثل لأنه عمل طامعا وسواء فى ذلك أكان عالما بالفساد أم لا، لأنه حينئذ طامع فيما أوجبه له الشرع من الأجرة خلافا لبعض المتأخرين.

وقيل: قراض صحيح نظرا للمعنى.

وان قال المالك: كله لى فقراض فاسد لما مر ولا أجرة له وان ظن وجوبها وقيل هو ابضاع أى توكيل بلا جعل.

ويجرى الخلاف فيما لو قال أبضعتك على أن نصف الربح لك أو كله لك هل يكون قراضا فاسدا أو ابضاعا.

(1)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 363 فى كتاب على هامشه مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 207

ولو قال خذه وتصرف فيه والربح كله لك فقرض صحيح أو كله لى فابضاع وفارقت هذه ما مر قبلها بأن اللفظ فيها صريح فى عقد آخر.

ولو اقتصر على قوله أبضعتك فهو بمثابة تصرف والربح كله لى فيكون ابضاعا كما اقتضاه كلامهم.

قال فى المطلب وكلام الفورانى وغيره يدل عليه.

ولو دفع اليه دراهم وقال اتجر فيها لنفسك كان هبة لا قرضا فى أصح الوجهين ويكون الربح مناصفة بينهما.

ويشترط كذلك أن يكون الربح معلوما بالجزئية كنصف أو ثلث، فلو قال قارضتك على أن لك أو لى فيه شركة أو نصيبا أو جزءا أو شيئا من الربح أو على أن يخصنى دابة تشترى من رأس المال أو تخصنى بركوبها أو بربح أحد الألفين مثلا ولو مخلوطين أو على أنك ان ربحت ألفا فلك نصفه أو الفين فلك ربعه فسد القراض فى جميعها للجهل بقدر الربح فى الأربعة الأول وتعيينها فى الأخيرة، ولأن الدابة فى صورتها الثانية قد تنقص بالاستعمال ويتعذر عليه التصرف فيها ولأنه خصص العامل فى التى تليها وفى صورتها الأولى بربح بعض المال.

ولو قال: قارضتك على أن الربح بيننا فالأصح الصحة ويكون نصفين كما لو قال هذا بينى وبين فلان لأن المتبادر منه حينئذ المناصفة.

والقول الثانى المقابل للاصح: لا يصح لاحتمال اللفظ غير المناصفة فلا يكون الجزء معلوما كما لو قال بعتك بألف دراهم ودنانير.

ولو قال قارضتك على ان الربح بيننا أثلاثا لم يصح كما فى الأنوار للجهل بمن له الثلث ومن له الثلثان.

ولو قال قارضتك كقراض فلان صح ان علما قدر المشروط والا فلا.

ولو قال قارضتك ولك ربع سدس العشر صح وان لم يعلم قدرها عند العقد لسهولة معرفته كما لو باعه مرابحة وجهلا حسابه حال العقد.

ولو قال لى النصف مثلا وسكت عما للعامل فسد فى الأصح لانصراف الربح للمالك أصالة لأنه نماء ماله دون العامل فصار كله مختصا بالمالك.

والقول الثانى المقابل للاصح يصح ويكون النصف الآخر للعامل.

وان قال لك النصف وسكت عن جانبه صح على الصحيح لانصراف ما لم يشرط للمالك بحكم الأصل المذكور واسناد كل ما ذكر للمالك مثال، فلو صدر من العامل

ص: 208

شرط مشتمل على شئ مما ذكر فكذلك كما لا يخفى والثانى لا يصح كالتى قبلها

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أن من شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل من الربح، لأنه لا يستحقه الا بالشرط، فان قال رب المال خذ هذا المال مضاربة ولم يذكر سهم العامل لم تصح.

ولو قال خذ هذا المال مضاربة ولك جزء أو حظ أو نصيب من الربح فالمضاربة فاسدة لجهالة نصيب العامل والربح كله لرب المال لأنه نماء ماله والوضعية على رب المال وحده لأن العامل أمين وللعامل أجر المثل وان لم يحصل ربح لأنه عمل بعوض لم يسلم له، فان قال رب المال خذه فاتجر به والربح كله لى فهو ابضاع أى يصير جميع الربح لرب المال لا حق للعامل فيه فيصير وكيلا متبرعا، لأنه قرن به حكم الابضاع، فلو قال مع ذلك: وعليك ضمانه لم يضمن لأن العقد يقتضى كونه أمانه غير مضمون ما لم يتعد أو يفرط فلا يزول ذلك بشرطه.

وان قال خذه فاتجر به والربح كله لك فالمال المدفوع قرض لا قراض لأن اللفظ يصلح له وقد قرن به حكم فانصرف اليه كالتمليك والربح كله للعامل لا حق لرب المال فيه وانما يرجع بمثل ما دفعه، فان زاد رب المال مع قوله والربح كله لك ولا ضمان عليك فهو قرض شرط فيه نفى الضمان فلا ينتفى لأنه شرط فاسد لمنافاته مقتضى العقد.

وان قال رب المال اتجر به والربح بيننا فالربح بينهما نصفين، لأنه أضافه اليهما اضافة واحدة ولم يترجح فيها احدهما على الآخر فاقتضى التسوية كهذه الدار بينى وبينك.

وان قال رب المال خذ هذا المال مضاربة والربح كله لك أو قال خذه مضاربة والربح كله لى فسدت المضاربة فى الحالتين لأنها تقتضى أن يكون الربح بينهما، فاذا شرط اختصاص احدهما بالربح فقد شرط ما ينافى مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح فى شركه العنان لأحدهما.

ويفارق ما اذا لم يقل مضاربة لأن اللفظ يصلح لما ثبت حكمه من الابضاع والقرض وينفذ تصرف العامل، لأن الاذن باق، وللعامل أجرة المثل فى الأولى - وهى قوله خذه مضاربة والربح كله لك - لأنه عمل على عوض لم يسلم له ولا شئ للعامل فى الثانية وهى قوله خذه مضاربة والربح كله لى لأنه تبرع بعمله.

وان قال خذه مضاربة ولك ثلث الربح

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 223 وما بعدها الى ص 225 طبع مطابع الحلبى بمصر سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.

ص: 209

صح والمسكوت عنه حينئذ لرب المال، وكذا لو قال خذه مضاربة ولى ثلث الربح ولم يذكر نصيب الآخر صح القراض والباقى من الربح للآخر المسكوت عنه لأن الربح لهما فاذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقى للآخر بمفهوم اللفظ.

وان قال رب المال خذه مضاربة لى النصف ولك الثلث وسكت عن السدس الباقى صح وكان الباقى لرب المال، لأنه يستحق الربح بماله لكونه نماءه وفرعه والعامل يأخذ بالشرط فما شرط له استحقه وما بقى فلرب المال بحكم الأصل.

وان قال رب المال خذه مضاربة على على الثلث أو قال خذه مضاربة بالثلث.

أو على الثلثين أو بالثلثين ونحوه صح ذلك وكان تقدير النصيب للعامل، لأن حصته انما تتقدر بالشرط بخلاف رب المال فانه يستحق الربح بماله

(1)

.

‌مذهب الظاهرية

جاء فى المحلى أنه لا يجوز أن يشترط فى القراض جزء من الربح لفلان، لأنه شرط ليس فى كتاب الله عز وجل فهو باطل

(2)

.

ولا يجوز القراض الا بأن يسميا السهم الذى يتقارضان عليه من الربح كسدس أو ربع أو ثلث أو نصف أو نحو ذلك ويبينا ما لكل واحد منهما من الربح، لأنه ان لم يكن هكذا لم يكن قراضا ولا عرفا ما يعمل العامل عليه فهو باطل

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أنه يشترط فى المضاربة أن يبين المتعاقدان تفصيل كيفية الربح بينهما كنصفين أو مثل ما شرط فلان لعامله ولو جهلا فى الحال، ولا يكفى أن يقول والربح بيننا، واختار فى الانتصار أنه يكفى وتصح. فان قال على أن يكون الربح كله لى صح وكان العامل متبرعا، وان قال على أن يكون الربح كله لك فقال فى الكافى يكون قرضا.

وقال فى الانتصار يفسد وهو المختار، لأنه رفع موجبه.

ولفظ السحولى: وتكون وديعة تصرف ويستحق أجرة المثل ان شرطها أو اعتادها وذلك لأنه قد رضى بالتبرع.

قال عليه السلام: والمختار أنها تفسد ويستحق العامل أجرة المثل، لأن المضاربة تقتضى العوض على العمل

(4)

.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 260، ص 261 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن حزم ج 8 ص 247 مسئلة رقم 1369 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 247، ص 248 مسئلة رقم 1370 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 329 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 210

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن رب المال اذا أعطى العامل ألفين وقال: ما رزق الله تعالى من الربح كان لى ربح ألف ولك ربح ألف كان جائزا، لأنه لا مانع من ذلك، والأصل فى جوازه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنون عند شروطهم، وأيضا لا فرق بين أن يقول ربح الألفين بيننا وبين أن يقول ربح ألف لى وربح ألف لك لأنهما غير متميزين، ومن حمل ذلك على المتميزين كان قايسا وذلك لا يجوز عندنا

(1)

.

واذا قال خذ هذا المال قراضا على أن يكون الربح كله لى كان ذلك قراضا فاسدا ولا يكون بضاعة لأن لفظ القراض يقتضى ان يكون الربح بينهما، فاذا شرط الربح لنفسه كان فاسدا كما لو شرط الربح للعامل

(2)

.

واذا قال خذ ألفا قراضا على أن لك نصف ربحها صح بلا خلاف، وان قال على أن لك ربح نصفها كان باطلا لأن ما قلناه مجمع على جوازه ولا دليل على جواز ما عداه

(3)

.

وجاء فى شرائع الاسلام أنه يصح فى الحالتين لو قال خذ هذا المال فاتجر به والربح لى كان بضاعة ولو قال الربح لك كان قرضا.

ولو شرط أحدهما شيئا معينا والباقى بينهما فسد لعدم الوثوق بحصول الزيادة فلا تتحقق الشركة، ولو قال خذه على النصف صح وكذا لو قال على أن الربح بيننا ويقضى الربح بينهما نصفين، فلو قال: على أن لك النصف صح، ولو قال على أن لى النصف واقتصر لم يصح لأنه لم يتعين للعامل حصة، ولو شرط لغلامه حصة معهما صح سواء عمل الغلام أو لم يعمل.

ولو شرط لأجنبى فان كان عاملا صح، وان لم يكن عاملا فسد

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الأصل فى المضاربة أن يقول رب المال للعامل لك نصف الربح أو لك ثلثه أو يذكر أقل من ذلك أو أكثر، وجوز الى ذلك ان يقول رب المال للعامل: على ربح نصف رأس المال أو ثلثه أو غير ذلك أو على ربح مائة من المال، لا بتعيين، لأن قوله ربح نصف المال بمنزلة قوله نصف الربح لأن ربح نصف المال هو نصف ربح المال كله ولأن قوله ربح مائة بمنزلة قوله نصف الربح ان كان المال مائتين وبمنزلة قوله ثلث الربح ان كان المال ثلاثمائة وهكذا، أما اذا عين المائة أو نصف المال

(1)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 699 مسئلة رقم 7 الطبعة الثانية.

(2)

المرجع السابق ج 1 ص 701 مسئلة رقم 12 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 702، ص 703 مسئلة رقم 18 نفس الطبعة.

(4)

شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 218 طبع منشورات دار الحياة ببيروت.

ص: 211

وما أشبههما فان العقد يكون منفسخا لأنه قد لا يكون فى ذلك الجزء المعين ربح ولا يتجر فان فعل فله عناؤه والربح كله لصاحب المال الا ان منعه من العمل فالربح كله لصاحب المال ولا عناء للعامل

(1)

.

ولو شرط العامل الربح كله لنفسه أو لابنه الطفل كان الربح له أو لمن شرطه له وأصبح رأس المال دينا عليه مضمونا بعد أن تلفظوا فيه بلفظ المضاربة أو لفظ القراض، وهذا على قول من قال بتحول المضاربة قرضا.

أما من قال لا يتحول أحدهما الى الآخر فان ذلك يكون قراضا كما لفظا به.

ويكون الربح أنصافا بينهما عند بعض.

ويكون الربح لصاحب المال والعناء للمقارض على قول آخر.

ولا ضمان على هذين القولين.

وان شرطه رب المال لنفسه فالمال بضاعة فربحه لصاحبه ولا عناء للمضارب ولا ضمان عليه ولا مضاربة هناك، وفى الديوان: ان للعامل عناءه لأنه ذكر لفظ القراض

(2)

.

وجاز اشتراط ثلث الربح للمضارب وثلث لرب المال وآخر لغيرهما هبة وتبرعا سواء اشترط ذلك العامل فأجازه رب المال أو اشترطه رب المال فأجازه العامل أو اشترطاه معا أو ذكره لهما غيرهما فأجازاه هذا اذا قبل الهبة الموهوب له ويتصور القبول بعد الحصول والدفع.

وان لم يقبلها رجع العامل الى عنائه والربح لصاحب المال، لأنه اتفاق بينهما على ذلك الثلث الذى جعلاه لغيرهما فلم يقبله أو على الكل ان جعلا له الكل ولم يقبله وقيل ان جعلا له ثلثا أو أقل أو أكثر فلم يقبله فلهما ما جعلا لأنفسهما كما جعلاه وما لم يقبله فهو لصاحب المال وللمقارض عليه عناؤه على ما لم يقبله.

وفى الديوان وغيره وان اتفقا على أن يكون الربح كله للمقارض الى مدة معلومة ويكون بينهما بعد ذلك فجائز أو أن يكون بينهما الى مدة معلومة ثم يكون بعدها للمقارض فجائز وكذلك ان جعل له ربح جنس معلوم من المال مثل الرقيق أو غير ذلك من جميع ما يتجر به فجائز أيضا وكذلك ان اتفقا على تسمية معلومة فى هذه السنة أو فى السنة الثانية أو الثالثة على تسمية معلومة أقل من الأولى أو أكثر منها فجائز

(3)

.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 5 ص 207، ص 208 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 215 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 220 الطبعة السابقة.

ص: 212

‌ثانيا: حكم اضافة المضاربة

الى وقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن رب المال اذا قال خذ هذا المال مضاربة الى سنة جازت المضاربة عندنا لأن المضاربة توكيل والتوكيل يحتمل التخصيص بوقت دون وقت.

وذكر الطحاوى وقال لم يجز عند أصحابنا توقيت المضاربة وقياس قولهم فى الوكالة أنها لا تختص بالوقت، لأنهم قالوا: لو وكل رجلا ببيع عبده اليوم فباعه غدا جاز كالوكالة المطلقة.

وما قاله ليس بسديد، لأنهم قالوا فى الوكيل اذا قيل له بعه اليوم ولا تبعه غدا جاز ذلك ولم يكن له أن يبيعه غدا وكذا اذا قيل له على أن تبيعه اليوم دون غد

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة أن مالكا رحمه الله تعالى قال:

ان أخذ شخص من آخر قراضا الى أجل رد الى قراض مثله.

قال الأبهرى انما قال ذلك لأن حكم القراض أن يكون الى غير أجل لأنه ليس بعقد لازم ولكل واحد تركه لو شاء فاذا شرط الأجل فكأنه قد منع نفسه من تركه وذلك غير جائز، فوجب رده الى قراض مثله لما ذكرنا من وجوب رد كل أصل فاسد الى حكم صحيح ذلك الأصل

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه لا يشترط بيان مدة القراض اذ ليس للربح زمن معلوم - وبه فارق وجوب تعيينها فى المساقاة.

ولو قال قارضتك ما شئت أو شئت جاز كما هو شأن العقد الجائز أو علقه على شرط كاذا جاء رأس الشهر فقد قارضتك أو علق تصرفه كقارضتك الآن ولا تتصرف الى انقضاء الشهر، أو دفع اليه مالا وقال اذا مت فتصرف فيه بالبيع والشراء قراضا على أن لك نصف الربح لم يصح، ولا يجوز له التصرف بعد موته، لأنه تعليق ولبطلان القراض بموته لو صح فلو ذكر له مدة على جهة تأقيته بها كسنة فسد مطلقا سواء أسكت أم منعه التصرف

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 69 الطبعة الأولى طبع مطابع الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 360 الطبعة السابقة.

ص: 213

بعدها أم البيع أم الشراء اذ تلك المدة قد لا يروج فيها شئ، وان ذكرها لا على وجه التأقيت ومنعه التصرف بعدها كقارضتك على كذا ولا تتصرف بعد سنة فسد لأنه قد لا يجد فيها راغبا فى شراء ما عنده من العرض وان منعه الشراء بعدها دون البيع فلا يفسد فى الأصح لحصول الاسترباح بالبيع الذى فعله بعد المدة.

ويؤخذ من تمثيل التنبيه بشهر أن تكون المدة يتأتى فيها الشراء لغرض الربح بخلاف نحو ساعة ولو كانت المدة مجهولة كمدة اقامة العسكر لم يصح فى أوجه الوجهين.

وعلم مما قررناه أن ذكر المدة ابتداء تأقيت مضر أن منعه بعدها متراخيا عنها، بخلاف ما لو قال قارضتك سنة وذكر منع الشراء متصلا لضعف التأقيت حينئذ، وبهذا يجمع بين كلامى الشيخ فى شرحى المنهاج والروض

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه يصح تأقيت المضاربة بأن يقول رب المال ضاربتك على هذه الدراهم أو الدنانير سنة فاذا مضت السنة فلا تبع ولا تشتر، لأنه تصرف يتوقف بنوع من المتاع فجاز توقيته بالزمان كالوكالة.

ولو قال رب المال ضارب بهذا المال شهرا ومتى مضى الأجل فمال المضاربة قرض صح ذلك فان مضى الأجل والمال ناض صار قرضا، وان مضى الأجل والمال متاع فعلى العامل تنضيضه، فاذا باعه ونضضه صار قرضا لأنه قد يكون لرب المال فيه غرض، نص عليه فى رواية مهنا

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا يجوز القراض الى أجل مسمى أصلا الا ما جاء به نص أو اجماع

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أنه يجوز التوقيت فى عقد المضاربة نحو قول رب المال ضاربتك فى هذا المال سنة فبعدها يبيع ما معه من السلع ولا يشترى وانما يبيع حيث فيه ربح والا لم يلزمة البيع لأن عزله بانقضاء الوقت كعزله بموت المالك

(4)

.

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 223 الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 2 ص 262، ص 263 الطبعة السابقة.

(3)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 8 ص 247 مسئلة رقم 1369 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.

(4)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 330 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 214

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية: أنه لا يصح اشتراط اللزوم أو الأجل فى المضاربة بمعنى أنه لا يجب الوفاء بالشرط ولا تصير لازمة بذلك ولا فى الأجل، بل يجوز فسخها فيه عملا بالأصل ولكن اشتراط الأجل يثمر المنع من التصرف بعد الأجل الا بأذن جديد، لأن التصرف تابع للاذن ولا اذن بعده، وكذا لو أجل بعض التصرفات كالبيع أو الشراء خاصة ويفهم من التشريك بين اشتراط اللزوم واشتراط الأجل تساويهما فى الصحة وعدم لزوم الشرط.

والمشهور أن اشتراط اللزوم مبطل لأنه مناف لمقتضى العقد فاذا فسد الشرط فسد العقد، بخلاف شرط الأجل فان مرجعه الى تقييد التصرف بوقت خاص وهو غير مناف

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه يجوز لكل من رب المال والعامل فى المضاربة اشتراط زمان معين لها يتجر فيه واذا مضى كف حتى يجئ كالصيف والربيع

(2)

.

وقيل ان أعطاه القراض على أن يتجر به الى مدة معلومة لا يجوز وكذلك الجزار والخراز وغيرهم من جميع الصناع ان أعطاه مالا على أن يعمل به فى صنعته على هذا الحال.

وقيل اذا شرط فيها أجل معلوم فليس لأحدهما الرجوع على صاحبه

(3)

.

‌ثالثا: حكم اضافة المضاربة

الى العروض

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شرائط المضاربة أن يكون رأس المال من الدراهم أو الدنانير عند عامة العلماء فلا تجوز المضاربة بالعروض لأن العروض تتعين عند الشراء بها والمعين غير مضمون حتى لو هلكت قبل التسليم لا شئ على المضارب فالربح عليها يكون ربح ما لم يضمن، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن وما لا يتعين يكون مضمونا عند الشراء به حتى لو هلكت العين قبل التسليم فعلى المشترى به ضمانه فكان الربح على ما فى الذمة فيكون ربح المضمون، ولأن المضاربة بالعروض تؤدى الى جهالة الربح وقت القسمة لأن قيمة العروض تعرف بالحزر والظن وتختلف باختلاف المقومين،

(1)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 381 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 5 ص 217 طبع محمد ابن يوسف البارونى.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 220 نفس الطبعة.

ص: 215

والجهالة تفضى الى المنازعة، والمنازعة تفضى الى الفساد، وهذا لا يجوز، وقد قالوا: أنه لو دفع اليه عروضا فقال له بعها وأعمل بثمنها مضاربة فباعها بدراهم أو دنانير وتصرف فيها جاز، لأنه لم يضف المضاربة الى العروض وانما أضافها الى الثمن والثمن تصح به المضاربة فان باعها بمكيل أو موزون جاز البيع عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى بناء على أصله فى الوكيل بالبيع مطلقا أنه يبيع بالأثمان وغيرها الا أن المضاربة فاسدة لأنها صارت مضافة الى ما لا تصح المضاربة به وهو الحنطة والشعير وأما على أصلهما فالبيع لا يجوز لأن الوكيل بالبيع مطلقا لا يملك البيع بغير الأثمان، ولا تفسد المضاربة لأنها لم تصر مضافة الى ما لا يصلح به رأس مال المضاربة.

وأما تبر الذهب والفضة فقد جعله فى هذا الكتاب بمنزلة العروض وجعله فى كتاب الصرف بمنزلة الدراهم والدنانير، والأمر فيه موكول الى التعامل فان كان الناس يتعاملون فهو بمنزلة الدراهم والدنانير فتجوز المضاربة به وان كانوا لا يتعاملون به فهو كالعروض فلا تجوز المضاربة به، وأما الزيوف والنبهرجة فتجوز المضاربة بها ذكره محمد رحمه الله تعالى لأنها تتعين بالعقد كالجياد

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والاكليل ان القراض جائز بالدنانير والدراهم وكذلك النقر والاتبار يعنى تبر الذهب والفضة فى البلد الذى يجرى ذلك فيه ولا يتعامل عندهم بالمسكوك

(2)

.

وأما المغشوش من الذهب والفضة فحكى القاضى أبو محمد رحمه الله تعالى أنه لا يجوز القراض به مضروبا كان أو غير مضروب.

وظاهر كلام ابن الحاجب رحمه الله تعالى أن الأصح أنه يجوز به مطلقا ومقابله لا يجوز به مطلقا وكذا فهمه فى التوضيح وقبله.

وعزا مقابل الأصح لعبد الوهاب.

وقيده الباجى رحمه الله تعالى ببلد لا يتعامل بالمغشوش مطلقا

(3)

.

ولا يجوز أن يكون رأس مال القراض عرضا على أنه رأس المال ويرد مثله عند المفاصلة لاحتمال أن يغلى غلوا يستغرق

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 6 ص 82 الطبعه لأولى طبع مطابع الجمالية سنة 1328 هـ.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 357، ص 358 الطبعة السابقة.

(3)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 5 ص 358 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل للمواق الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 216

رأس المال والربح فيؤدى الى بطلان عمل العامل، أو يرخص فيأخذ العامل بعض رأس المال، ولا يجوز على أن رأس المال قيمته الآن أو عند المفاصلة وكأنه والله أعلم للغرر، ولا على أن يبيعه ويكون ثمنه رأس المال.

قال فى المدونة ويفسخ ذلك وان بيع ما لم يعلم بالثمن.

وقيد اللخمى المنع بما اذا كان فى بيعه كلفة ولذلك أجرة لها خطب.

قال وان كانت الأجرة لا خطب لها أو كان يعلم أنه يتكلف ذلك ولو لم يعطه اياه قراضا أو يقول كلف من يبيع ويأتيك بالثمن.

ولم يلتفت خليل لتقييد اللخمى رحمه الله تعالى وجعله خلافا.

وقال المازرى لو قال آخذ هذا العرض وأمضى به الى البلد الفلانى وأدفعه الى فلان يبيعه ويقبض ثمنه فخذه منه واعمل به قراضا بينى وبينك فان ذلك جائز بلا خلاف ولا يدخله القراض بالعروض لأن المدفوع اليه العروض لا يتولى البيع بنفسه

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه يشترط لصحة المضاربة كون المال دراهم أو دنانير باجماع الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ولأنه عقد غرر لعدم انضباط العمل والوثوق بالربح جوز للحاجة فكان خاصا بما يروج غالبا وهو النقد المضروب لأنه ثمن الاشياء ولو أبطله السلطان جاز عقده عليه كما بحثه ابن الرفعة.

وتنظير الأذرعى فيه بأنه قد يعز وجوده أو يخاف عزته عند المفاصلة يرد بأن الغالب مع ذلك تيسر الاستبدال به فلا يجوز على تبر - وهو ذهب أو فضة لم يضرب - سواء فى ذلك القراضة وغيرها.

ولا يجوز على حلى وسبائك لاختلاف قيمتها ومغشوش وان راج وعلم قدر غشه وجاز التعامل به نعم ان استهلك غشه جاز العقد عليه كما جزم به الجرجانى.

وقيل: ان راج واقتضى كلامهما فى الشركة تصحيحه واختاره السبكى وغيره.

ولا يجوز على عروض مثلية أو متقومة

(2)

. فلا يصح أن يقارضه على

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 360 نفس الطبعة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 219 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ سنة 1938 م.

ص: 217

منفعة كسكنى دار وقوله بع هذا وقارضتك على ثمنه واشتر شبكة واصطد بها لا يصح نعم البيع صحيح وله أجرة مثله والعمل ان عمل والصيد للعامل فى الأخيرة وعليه أجرة مثل الشبكة

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى نيل المآرب ان من شروط صحة المصاربة أن يكون رأس المال من النقدين الذهب والفضة المضروبين، فلا تصح مضاربة بنقرة - وهى الفضة التى لم تضرب - ولا بمغشوشة غشا كثيرا ولا بفلوس ولو نافقة

(2)

.

وجاء فى الروض المربع أنه يشترط فى المضاربة أن يكون رأس المال من النقدين المضروبين لأنهما قيم الأموال وأثمان البياعات فلا تصح بعروض ولا فلوس ولو نافقة، وتصح بالنقدين ولو مغشوشين يسيرا كحبة فضة فى دينار لأنه لا يمكن التحرز منه

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن القراض انما هو بالدنانير والدراهم ولا يجوز بغير ذلك الا بأن يعطيه العرض فيأمره ببيعه بثمن محدود وبأن يأخذ الثمن فيعمل به قراضا لأن هذا مجمع عليه وما عداه مختلف فيه ولا نص بايجابه ولا حكم لأحد فى ماله الا بما أباحه له النص

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن من شروط المضاربة أن يعقدا على نقد، وانما لم تصح المضاربة فى المثلى غير النقد والقيمى لأنها لو صحت فى ذلك لوجب رد مثله عند الرد وقد يكون غالبا فيستبد المالك بالربح وقد يكون رخيصا فيشاركه العامل فى رأس المال.

وقال فى شرح الابانة تجوز المضاربة فى سبائك الذهب والفضة اذا كان يتعامل بها واختاره فى الانتصار. ويجوز أن يعقدا المضاربة ثم يعطيه فى المجلس عرضا يأمره ببيعه ويجعل ثمنه مالها، ولو تراخى عن ذلك ولم يفعله فى المجلس وذلك بأن يقول له ضاربتك فى مائة درهم مثلا ثم يعطيه عرضا كما ذكر

(5)

.

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 218 نفس الطبعة.

(2)

نيل المارب بشرح دليل الطالب للشيخ الامام عبد القادر بن عمر الشيبانى ج 1 ص 156 طبع مكتبة ومطبعة محمد على صبيح بمصر.

(3)

الروض المربع بشرح زاد المستقنع - مختصر المقنع لشرف الدين أبى النجاشى موسى ابن احمد الحجاوى ج 1 ص 209 والشرح للشيخ منصور بن يونس البهوتى طبع المطبعة السافية بمصر.

(4)

المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 8 ص 247 مسئلة رقم 1368 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.

(5)

شرح الأزهار فى فقه الائمة الأطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 328، ص 329 الطبعة السابقة.

ص: 218

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أنه لا يجوز القراض الا بالأثمان التى هى الدراهم والدنانير ولا يجوز القراض بالفلوس ولا بالورق المغشوش سواء كان الغش أقل أو أكثر أو سواء لأن القراض بالأثمان مجمع على جواز القراض به وليس على جواز ما سواه دليل

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنهم اختلفوا فى المضاربة بعروض وان كان العرض الذى ضورب به من تلك العروض عرضا مكيلا أو موزونا بقيمة العرض الذى ضورب به بتقويم العدول من تلك العروض.

وقيل تعتبر القيمة يوم اشتراها بما يجوز به القراض كالدنانير والدراهم وغيرها وكذا ما يشبه الشراء اذا أخذها فى مقابلة ما يجوز به القراض، مثل أن تؤخذ فى دنانير الصداق أو الأرش أو القضاء أو غير ذلك أو فى دراهم ذلك أو فى دنانير تنو به من الارث أو دراهم تنو به من الارث أو نحو ذلك فلو دخل ملكه بلا شراء وبلا مقابلة وبدل مما تجوز به المقارضة أو بشراء بغير ما تجوز به المقارضة فلا تجوز به المقارضة.

وقيل يعتبر فى قيمتها بوقت الاتفاق على المضاربة، فتجوز المضاربة بالعروض بقيمتها وقت الاتفاق عليها ولو دخلت ملكه فى غير مقابلة ما يجوز به القراض وبلا شراء.

وجه القول الأول أنه ان زادت قيمتها عما اشتريت به أخذ رب المال أكثر مما اتفقا عليه وان نقصت أخذ المضارب بعض رأس المال وذلك لا يجوز.

ووجه القول الثانى أن الشراء لم يقع باعتبار القراض فكيف يعتبر ما به الشراء، فلو اعتبر فيه باذن صاحبه والمقارض بأن قال له اشتر وأعطنى على القراض لا اعتبر ما به الشراء مع هذا القول أيضا.

والأكثر على منع المضاربة فى العروض ولو بالقيمة.

والقول بالجواز قول ابن عباد بالقيمة تفرع عليه القولان وعبد الرحمن بن أبى ليلى وفى أثر قومنا فيكون رأس المال ذات العروض أى مثله.

وقيل ما بيع به.

قيل لعله لم يثبت عندهما حديث لا قراض الا بعين أو هو مؤول بحذف النعت أى لا قراض كاملا.

(1)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن على الطوسى ج 1 ص 698 مسئلة رقم 1، رقم 2، رقم 3 الطبعة الثانية.

ص: 219

قال صاحب شرح النيل: أولى من ذلك أن يقول مراد الحديث لا قراض الا بعين بنفسها أو بما جعلت فيه فيجوز باعتبارها كما تزكى عروض التجر بالذهب والفضة

(1)

.

والصحيح قول غير ابن عباد أنه لا مضاربة الا بالعين نفسها وعليه العمل.

وكذا قال أبو المورج أنه لا يكون القراض الا فى العين من الذهب والفضة ولا يصلح بالعروض، وأنه ليس القراض أن تدفع لصاحبك السلعة أو غيرها ثم تسمى ما قامت عليك به وتقول ما كان من ربح فهو بينى وبينك فليس هذا بقرض ولا يصلح القراض الا بالذهب والفضة.

وعلى هذا فللعامل عناؤه والربح كله لصاحب المال ان كان.

وفى الديوان: ولا يجوز للرجل أن يجعل داره فى يد رجل قراضا على أن ما استغل من كرائها بينهما وكذلك جميع ما يجوز كراؤه على هذا الحال، فان فعل ذلك فالكراء لصاحب الشئ وللمقارض عناؤه وقيل غير ذلك وان دفع له دابة على أن يعمل عليها قراضا فلا يجوز ذلك أيضا ويكون ما عمل عليها للمقارض ولصاحب الدابة عناء دابته ومن ضارب بعروض بتقويم أو بدونه أو بما لا يجوز كنقار الذهب والفضة عند الصانع بها فلا ربح له ولا خسارة عليه وله عناؤه، وقيل ان عقد على ذلك ثمن فله الربح وعليه الضمان ولرب المال رأس ماله ولا ربح له

(2)

.

وفى الديوان: وقيل يجوز القراض بكل ما يكال أو يوزن من الحبوب وغيرها من الذهب والفضة ويكون رأس ماله ما دفع له من ذلك على القراض، ولا يجوز بما لا يكال ولا يوزن.

وقيل يجوز به على ما اتفقا عليه من القيمة، وتكون تلك القيمة رأس المال ولا ينظر الى ارتفاع القيمة بعد ذلك أو نقصها وكذلك ان كانت فى يده سلائع فأعطاها على القراض لصاحبها على هذا الحال

(3)

.

‌رابعا: حكم اضافة المضاربة

الى ما فى الذمة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط المضاربة أن يكون رأس المال عينا لا دينا، فان كان دينا فالمضاربة فاسدة.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 5 ص 210 طبع محمد ابن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 211 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 211، ص 212 نفس الطبعة.

ص: 220

وعلى هذا يخرج ما اذا كان لرب المال على رجل دين فقال له اعمل بدينى الذى فى ذمتك مضاربة بالنصف أن المضاربة فاسدة بلا خلاف فان اشترى هذا المضارب وباع فله ربحه وعليه وضيعته والدين فى ذمته بحال عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وعندهما ما اشترى وباع لرب المال ربحه وعليه وضيعته بناء على أن من وكل رجلا يشترى له بالدين الذى فى ذمته لم يصح عند أبى حنيفة حتى لو اشترى لا يبرأ عما فى ذمته عنده واذا لم يصح الأمر بالشراء بما فى الذمة لم تصح اضافة المضاربة الى ما فى الذمة، وعندهما يصح التوكيل ولكن لا تصح المضاربة، لأن الشراء يقع للموكل فتصير المضاربة بعد ذلك مضاربة بالعروض، لأنه يصير فى التقدير كأنه وكله بشراء العروض ثم دفعه اليه مضاربة فتصير مضاربة بالعروض فلا تصح.

ولو قال لرجل اقبض مالى على فلان من الدين وأعمل به مضاربة جاز، لأن المضاربة هنا أضيفت الى المقبوض فكان رأس المال عينا لا دينا.

ولو أضاف المضاربة الى عين هى أمانة فى يد المضارب من الدراهم والدنانير بأن قال للمودع أو المستبضع اعمل بما فى يدك مضاربة بالنصف جاز ذلك بلا خلاف وان اضافها الى مضمونه فى يده كالدراهم والدنانير المغصوبة فقال للغاصب: اعمل بما فى يدك مضاربة بالنصف لم يجز ذلك عند زفر رحمه الله تعالى لأن المضاربة تقتضى كون المال أمانة فى يد المضارب والمغصوب مضمون فى يده فلا يتحقق التصرف للمضاربة فلا يصح.

وقال أبو يوسف والحسن بن زياد رحمهما الله تعالى يجوز ذلك لأن ما فى يده مضمون الى أن يأخذ فى العمل فاذا أخذ فى العمل وهو الشراء تصير أمانة فى يده فيتحقق معنى المضاربة فتصح

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة: أن مالكا رحمه الله تعالى قال:

ان كان لك عند رجل دين فقلت اعمل به قراضا لم يجز، وكذلك ان أحضره فقال له خذه قراضا لم يجز الا أن يقبضه منه ثم يعيده اليه، قال ابن القاسم رحمه الله تعالى خوف أن يكون انما اعترى أن يؤخره بالدين ويزيده والوديعة مثله لأنى أخاف أن يكون أنفق الوديعة فصارت عليه دينا

(2)

.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود لكاسانى ج 6 ص 82، ص 83 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 358 فى كتاب هامشه مواهب الجليل الطبعة السابقة.

ص: 221

وجاء فى مواهب الجليل ان ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى قال فى شرحه لا يجوز أن يكون رأس المال دينا على العامل ثم قال: فان وقع ذلك وأحضر الدين قبل التجربه وأشهد على وزنه وزال عنه ضمانه وقبضه منه كان الربح بينهما والخسارة على رب المال.

فان عمل به قبل الاشهاد عليه.

قال فى التوضيح ففى الموازية الربح للعامل والخسارة عليه.

وقال أشهب رحمه الله تعالى الربح بينهما.

واختلف فى التأويل عليه.

فقال اللخمى رحمه الله تعالى وعلى قوله تكون الخسارة من صاحب المال.

وقال التونسى لا يصدق وان ادعى الخسران الا ببينة.

وحكى ابن يونس وابن رشد وغيرهما عن أشهب أنه قال هو مكروه فان نزل مضى وهو ظاهر ما نقله خليل، لأن قوله يستمر دينا، خلافا لأشهب يقتضى أنه عنده لا يستمر دينا بل يبقى قراضا.

وحكى ابن عبد البر عن أشهب ان ما اشترى وباع فلرب المال وللعامل أجر مثله.

وحكى ابن حارث عن محمد بن عبد الحكم رحمه الله تعالى ان الربح بينهما والخسارة على رب المال على أصل القراض وهذا مثل قول أشهب بالكراهة

(1)

.

وجاء فى التاج والاكليل ان ابن المواز قال من أعرته دنانير فلا تدفعها اليه قراضا حتى تقبضها ولو كان عرضا لم يجز ومن كان لك عنده دنانير رهنا فقارضته بها لم يجز حتى يردها وان كانت بيد أمين فلا ينبغى أن تعطيها للامين قراضا حتى تؤدى الحق الى ربه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه اذا قارض رب المال على ألف درهم مثلا فى ذمة رب المال ثم عينها فى المجلس جاز كما صححه فى الشرح الصغير واقتضاه كلام الروضة كأصلها خلافا لجمع كالصرف والسلم

(3)

.

قال الشبراملسى فى حاشيته على نهاية المحتاج: مفهومه أنها اذا كانت

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 5 ص 359 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 5 ص 359 الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 5 ص 220 الطبعة السابقة.

ص: 222

فى ذمة غير المالك لا يجوز سواء عين فى المجلس وقبضه المالك أو لا، وفى كلام حج أنه اذا قارضه على دين فى ذمة العامل وعين وقبضه المالك صح أى فيرده العامل بلا تجديد عقد.

وان قارضه على دين فى ذمة أجنبى لم يصح، وان عين فى المجلس وقبضه المالك فيحتاج الى تجديد عقد عليه بعد تعيينه وقبض المالك له.

وفرق بين العامل وغيره بأن ما فى ذمة غير العامل معجوز عنه حال العقد بخلاف ما فى ذمة العامل فانه قادر على تحصيله فصح العقد عليه

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه لو قال رب وديعة لعامل اقبض وديعتى من زيد أو منك وضارب بها أو قال رب دين اقبض دينى من فلان وضارب به صح لأنه وكله فى قبض الدين أو الوديعة وعلق المضاربة على القبض وتعليقها صحيح، وكذا لو قال ضارب بعين مالى الذى غصبته منى صح ذلك، لأنه فى معنى الدفع وزال ضمان الغصب بمجرد عقد المضاربة وصار المال أمانة بيده لأذن ربه فى بقائه بيده ويصح قول رب وديعة ونحوها اذا قدم الحاج فضارب بوديعتى أو غيرها لأن تعليق المضاربة صحيح.

وان قال رب دين ضارب بالدين الذى عليك لم تصح لعدم حضور المال ولأن المال الذى فى يد المدين له وانما يصير لغريمه بقبضه ولم يقبضه، ولو قال ضارب بدينى الذى على زيد فاقبضه لم تصح، لأنه عقد على ما لا يملكه ولا يملك ما فى يد مدين الا بقبضه ولم يوجد، بخلاف اقبض دينى وضارب به، ولو قال رب مال هذا المال قرض عليك شهرا أو نحوه ثم هو مضاربة لم يصح ذلك لأنه اذا صار قرضا ملكه المقترض فلم يصح عقد المضاربة عليه وهو فى ذمته لعدم ملك رب الدين له، وعلى ذلك فلو اشترى فى هذه الصور بالدين شيئا للمضاربة فهو للمشترى وربحه له وخسرانه عليه

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن من حق المال أن تكون المضاربة على حاضر فى مجلس

(1)

حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى على نهاية المحتاج ج 5 ص 220 فى كتاب أسفل نهاية المحتاج على هامشه حاشية الرشيدى على نهاية المحتاج الطبعة السابقة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 263 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 223

عقدها أو ما فى حكمه نحو أن يعقدا المضاربة ثم يعطيه فى المجلس عرضا يأمره ببيعه ويجعل ثمنه مالها ولو تراخى عن ذلك ولم يفعله فى المجلس واذا كان العقد على حاضر فى المجلس فقيل يشترط أن يقبض فى المجلس، وظاهر الأزهار عدم اشتراط ذلك

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام أنه لو كان فى يد غاصب مال فقارضه عليه صح ولم يبطل الضمان فان اشترى به ودفع المال الى البائع برئ لأنه قضى دينه باذنه. ولو كان له دين لم يجز أن يجعله مضاربة الا بعد قبضه، وكذا لو أذن للعامل فى قبضه من الغريم، ما لم يجدد العقد

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه لا يتحول قرض أو دين ولا ما فى الذمة مطلقا مضاربة لعدم النقض فصار كبيع الدين بالدين فلو حولا القرض أو الدين أو ما فى الذمة مضاربة لكان الربح كله لمن هو فى ذمته وأما ما كان عند الانسان بنحو أمانة فقيل يجوز تصييره قراضا.

وقيل لا يجوز حتى يقبضه صاحبه أو نائبه فيرده له على القراض.

وبالأول قالوا فى الديوان ونصه ويجوز القراض لكل ما كان أصله أمانة من الدنانير والدراهم عند ذلك المقارض أو عند غيره من الناس اذا علم وزنها.

ولا يجوز القراض بالدين ولا بكل ما كان مضمونا بيد أحد من الناس.

ووجه امتناع تصيير ما بالذمة قرضا قبل قبضه مخافة أن يكون قد أعسر وهو يريد أن يؤخره عنه على أنه يزيده فيه فيكون من الربا.

وفى التاج أن جعلا القرض أو الدين قراضا قبل قبضه فعمل به فذلك ربا ما لم يقبضه.

وان قال دراهمك فى كيس فى البيت ثم جعلاها مضاربة لم تجز، فلو جاءه بها فى كفه وأراه اياها لم تجز حتى يبريه منها وكانت من مال قابضها ثم يدفعها اليه وان عمل قبل القبض فالربح له وليس لصاحبها الا عددها.

ويمنع تجويز أمر آمر الانسان بقبض دين على أن يضارب به ذلك الانسان اذا قبضه بجزء معلوم من الربح، لأنه حين كلفه القبض لذلك الدين صارت له فى ذلك منفعة، وكل منفعة اشترطها رب المال

(1)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 328، ص 329 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 218 منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 224

على المضارب غير سهمه من الربح فانها تصير ما انعقد عليه القراض مجهولا فكأنه قارض على رأس مال مجهول، وذلك لأن المقارض قد استحق فى الحقيقة شيئا من ذلك المال الذى قبضه من الأجنبى، فى نظير سيره وقبضه

(1)

.

وفى التاج من قال اقبض لى مالى على فلان وضارب به فقبضه وعمل به جاز له وكان وكيلا فى قبضه مؤتمنا فيه.

قال أبو سعيد هذا كالوديعة وفيها خلاف.

فقيل لا تجوز بها المضاربة حتى يقبضها ربها أو يدفعها بسبيل المضاربة.

وقيل تجوز لأنها غير مضمونة

(2)

.

وان قال رجل لرجل اتجر بمالى الذى عليك فلا يجوز وأن اتجر بما يقابل ذلك الدين فكان فيه الربح فانه يعطيه ما اتفقا عليه ان شاء.

وان تلف ذلك المال فهو من ماله والدين باق عليه.

وكذلك ان قال له: اعط الدين الذى لى عليك على القراض لفلان فأعطاه فاتجر فربح فان المقارض يقسم الربح مع صاحب المال ويعطيه رأس ماله والمدين قد برئ من المديان

(3)

.

‌الاضافة فى الكفالة

‌أولا: حكم أضافة الكفالة الى وقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى البحر الرائق نقلا عن الخانية أنه لو كفل رجل بنفس رجل الى ثلاثة أيام ذكر فى الأصل أنه يصير كفيلا بعد الأيام الثلاثة، وجعله بمنزلة ما لو قال لامرأته أنت طالق الى ثلاثة أيام، فان الطلاق يقع بعد ثلاثة أيام، وكذا لو باع عبدا بألف الى ثلاثة أيام يصير مطالبا بالثمن بعد الأيام الثلاثة.

وعن أبى يوسف يصير كفيلا فى الحال وقال فى الطلاق يقع الطلاق فى الحال أيضا.

وقال الفقيه أبو جعفر يصير كفيلا فى الحال قال وذكر الأيام الثلاثة لتأخير المطالبة الى ثلاثة أيام لا لتأخير الكفالة ألا ترى أنه لو سلم المكفول به قبل الأيام الثلاثة يجبر المطالب على القبول كتعجيل الدين المؤجل.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 5 ص 212، ص 213 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 213 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 214 نفس الطبعة.

ص: 225

وما ذكر فى الأصل أراد به أن يكون كفيلا مطالبا بعد الثلاثة وغيره أخذ بظاهر الكتاب وقالوا لا يصير كفيلا للحال، فاذا مضت قبل تسليم النفس كان كفيلا أبدا الى أن يسلم فاذا قال أنا كفيل بنفس فلان من اليوم الى عشرة أيام صار كفيلا فى الحال، فاذا مضت العشرة خرج عنها.

ولو قال أنا كفيل بنفسه الى عشرة أيام فاذا مضت العشرة فانى برئ قال ابن الفضل لا مطالبة عليه بها لا فيها ولا بعدها، وذكر فى الأصل كفلت بنفس فلان شهرا كان كفيلا أبدا كقوله أنت طالق شهرا.

ولو قال على نفسه الى شهر فعن محمد أنه قال لا سبيل عليه حتى يمضى شهر ولو قال نفسه على الى شهر فاذا مضى شهر فأنا برئ منه قال هذا لم يضمن شيئا.

وفى التتارخانية اذا كفل الى ثلاثة أيام كان كفيلا بعد الثلاثة ولا يطالب فى الحال فى ظاهر الرواية، وفى السراج وهو الأصح، وفى الصغرى وبه يفتى.

وفى البزازية كفل بنفسه الى شهر على أنه برئ اذا مضى شهر.

قال الفقيه أبو الليث الفتوى على أنه لا يصير كفيلا وفى الواقعات الفتوى على أنه يصير كفيلا كفل الى شهر طالبه بعد شهر، ويبطل ما قاله البعض أنه كفيل فى الحال مؤجلا الى شهر دل عليه ما ذكره عصام أنه لو قال أنت طالق الى شهر يقع بعد الأجل الا أن ينوى الوقوع فى الحال، دل على أنه لا يصير كفيلا فى الحال وبه يفتى بخلاف أمر امرأتى بيدها الى شهر حيث يصير الأمر بيدها فى الحال الى شهر، لأن الطلاق لا يحتمل التأقيت والأمر يحتمله وكذا الكفالة تحتمل التأقيت، ولا نعنى بقوله أنه كفيل بعد شهر أنه ليس بكفيل للحال ألا ترى أن الكفيل لو سلم للحال يجب على الطالب القبول ولو لم يصر كفيلا الا بعد الشهر لما أجبر فى الحال، لكن ذكر الشهر تأجيل للكفيل حتى لا يطالب للحال ويطالب بعد الأجل

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل: قال ابن يونس رحمه الله تعالى الحمالة بالمال الى أجل مجهول جائزة ويضرب له من الأجل بقدر ما يرى، قال ابن القاسم رحمه الله تعالى:

ومن قال لرجل ان لم يوفك فلان حقك فهو على ولم يضرب لذلك أجلا تلوم له

(1)

البحر الرائق شرح كنز الدقائق للشيخ زين الدين الشهير بان نجيم ج 6 ص 227 فى كتاب على هامشه الحواشى المسماة بمنحة الخالق الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية.

ص: 226

السلطان بقدر ما يرى ثم لزمه المال الا أن يكون الغريم حاضرا مليا.

وان قال ان لم يوفك فلان حقك حتى يموت فهو على فلا شئ على الوكيل حتى يموت الغريم يريد يموت عديما.

وفى المدونة ولا بأس أن يتكفل بمال الى الغريم الى خروج العطاء وان كان مجهولا ان كان فى قرض أو فى تأخير بثمن بيع صحت عقدته وان كان فى أصل بيع لم يجز اذا كان العطاء مجهولا

(1)

.

وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن المدونة: قال ابن القاسم رحمه الله تعالى:

من ادعى على رجل حقا فأنكره فقال له رجل أنا كفيل به الى غد فان لم آتك به غدا فأنا ضامن للمال الذى عليك وسمى عدده فان لم يأت به غدا فلا يلزم الحميل شئ حتى يثبت الحق ببينة فيكون حميلا بذلك وسواء أقر المدعى عليه الآن بهذا المال أو أنكر اذا كان اليوم معدما

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن الأصح أنه لا يجوز توقيت الكفالة كأنا كفيل بزيد الى شهر وبعده أنا برئ، والقول الثانى المقابل للأصح يجوز لأنه قد يكون له غرض فى تسليمه فى هذه المدة بخلاف المال فان المقصود منه الأداء فلهذا امتنع تأقيت الضمان قطعا كما يشعر به كلامه حيث أفردها ولا يجوز شرط الخيار للضامن أو الكفيل أو أجنبى لمنافاته مقصودها من غير حاجة اليه لأن الملتزم فيها على يقين من الغرر.

ولو أقر بضمان أو كفالة بشرط خيار مفسد أو قال الضامن أو الكفيل لا حق على من ضمنت أو كفلت به أو قال الكفيل برئ المكفول صدق المستحق بيمينه ولو نجز الكفالة وشرط تأخير الاحضار شهرا كضمنت احضاره وأحضره بعد شهر جاز لأنه التزام بعمل فى الذمة فكان كعمل الاجارة يجوز حالا ومؤجلا ومن عبر بجواز تأجيل الكفالة أراد هذه الصورة

وخرج بشهر مثلا نحو الحصاد فلا يصح التأجيل اليه ما لم يريدا وقته ويكون معلوما لهما، فلو أراده أحدهما دون الآخر أو أطلقا كان باطلا

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى منتهى الارادات أن الكفالة لا تصح

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 5 ص 101 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 102 فى كتاب على هامش مواهب الجليل للحطاب الطبعة السابقة.

(3)

نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى ج 4 ص 441، ص 442 فى كتاب طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر.

ص: 227

الى أجل مجهول، لأن المكفول له ليس له وقت يستحق المطالبة فيه، فلو قال اذا قدم الحاج فأنا كفيل بزيد شهرا صح لجمعه تعليقا وتوقيتا، وكلاهما صحيح ويبرأ من كفل شهرا أو نحوه ان لم يطالبه مكفول له باحضاره فى الشهر ونحوه لأنه بمضيه لا يكون كفيلا وأما توقيت الضمان فالظاهر أنه لا يصح

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن الكفالة تصح معلقة نحو ان يقول اذا جاء غد فقد كفلت لك بكذا فلا يصير كفيلا الا بعد مجئ الغد ولا يصح الرجوع قبل الغد لأن الشروط لا يصح الرجوع فيها بعد ثبوت الحق.

وتصح مؤقتة فى كفيل الوجه وأما كفيل المال فلا يبرأ الا بتسليمه وفى الزهور لا فرق بين الكفالة بالوجه والمال. والكفالة المؤقتة نحو أن يقول ضمنت لك شهرا فيبرئ بتسليمه له مرة فى ذلك الشهر ولا يبرأ الا بخروج الوقت، ومتى خرج الشهر بطلت الكفالة

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية ان الكفالة تصح حالة ومؤجلة، أما الثانى فموضع وفاق، وأما الأول فأصح القولين لأن الحضور حق شرعى لا ينافيه الحلول.

وقيل لا تصح الا مؤجلة الى أجل معلوم لا يحتمل الزيادة والنقصان كغيره من الآجال المشترطة، ويبرأ الكفيل بتسليمه تسليما تاما بأن لا يكون هناك مانع مع تسلمه كمتغلب أو حبس ظالم وكونه فى مكان لا يتمكن من وضع يده عليه لقوة المكفول وضعف المكفول له وفى المكان المعين ان بيناه فى العقد وبلد العقد مع الاطلاق وعند الأجل أى بعده ان كانت مؤجلة أو فى الحلول متى شاء ان كانت حالة ونحو ذلك فاذا سلمه كذلك برئ فان امتنع سلمه الى الحاكم وبرئ أيضا

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه يزول الحميل من الحمالة ان جعلها مؤجلة الى وقت معين عند حصول الوقت المعين مثل أن يقول ان بينت مقدار الحق الى وقت كذا أو فرضته أو جئت ببيان على أن لك عليه كذا فأنا حميل لك عنه فان ثبت ذلك قبل الوقت أعطاه والا فلا، ومثل أن يقول ان جئتنى قبل وقت كذا للقبض أعطيتك عنه فان لم يجئ الا بعد الوقت فلا ضمان عليه، ومثل أن يقول ان ذهب المحمول

(1)

منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 2 ص 116 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 263، ص 264 طبع مطبعة حجازى سنة 1357 هـ.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 369 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

ص: 228

عنه قبل وقت كذا فأنا أعطيك عنه والا فلا، فان لم يذهب حتى كان الوقت فلا ضمان عليه، وأصل الحمالة أن تكون على الحلول بلا أجل وأن تكون بلا شرط وأن كانت بأجل أو شرط أولهما جازت

(1)

.

ولزمت الحميل ان قال للمحمول له ان لم يعطك فلان مالك الى أجل كذا فأنا حميل لك به أو أن جاء وقت كذا ولم يعطك فأنا حميل لك به ولم يعطه عند الأجل ولم يعطه قبله فان مضى الأجل ولم يعطه فله أن يستمسك بالحميل ليعطيه ولو قال له المحمول عنه أعطيك الآن أو اتبعنى الى موضع كذا أو انتظرنى أعطك، الا أن أحضر له فى حينه

(2)

وفى اجازتها الى مجهول كحصد ونزول مطر مطلقا أو فى هذا البلد أو فى موضع كذا قولان، وكذا قوله الى قدوم مسافر - مطلق أو مقيد - ومجئ خريف أو صيف أو شتاء أو ربيع، لأن الحمالة الى خريف أو صيف أو شتاء أو ربيع صادق بوجهين.

أحدهما الفصول بحساب العجم والآخر الخريف بمعنى ربيع الثمار وصيف القيظ وشتاء البرد وربيع الأزهار وهو أول الزمان وكلاهما فيه جهل فى كل ذلك قولان فى الحكم أحدهما ثبوت الحمالة، لأنها عهد معقود بين الناس كعقد البيع والعقد يجب الوفاء به سواء كان فيه الجهل أو العلم اذا لم يكن معصية ولأنها كتبرع ولا يجب أن يكون ما هو كذلك معلوما ألا ترى أنه يجوز الهبة التوليجية وهبة المنافع الى معلوم ومجهول، ولأن ذلك شئ ألزمه نفسه فالتزمناه، وقد قال جابر بن زيد من ألزم شيئا لنفسه ألزمناه له ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنون على شروطهم الا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا وهذا كالشرط بل أقوى.

والقول الثانى المنع لأن نصب الحكومة فى ذلك ينافيه كونه مجهول الأجل ان أريد نصبها فيه قبل الوقت لعارض داع ولأنه لو نصب بعد الوقت فيه فكان معلوما لكن علمه عارض لم يكن العقد عليه فلا يؤثر العلم فيه بعد أن كان مجهولا الا بتجديد كمن اشترى مجهولا أو الى مجهول ثم علم لا يلزمه بعلمه

(3)

.

‌ثانيا: حكم اضافة الكفالة الى مضمون

على الأصيل

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن المكفول به أن كان مضمونا على الأصيل فهو اما أن يكون عينا، أو دينا، أو نفسا، أو فعلا ليس بدين ولا عين ولا نفس.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 4 ص 659 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 660 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 660، ص 661 نفس الطبعة.

ص: 229

فان كان عينا فلا يخلو من أن يكون عينا هى أمانة، أو عينا هى مضمونة.

أما العين التى هى أمانة فلا تصح الكفالة بها سواء كانت أمانة غير واجبة التسليم كالودائع ومال الشركات والمضاربات أو كانت أمانة واجبة التسليم كالعارية والمستأجر فى يد الأجير، لأنه أضاف الكفالة الى عينها وعينها ليست بمضمونة ولو كفل بتسليم المستعار والمستأجر عن المستعير والمستأجر جاز، لأنهما مضمونا التسليم عليهما فالكفالة أضيفت الى مضمون على الأصيل وهو فعل التسليم فصحت.

وأما العين المضمونة فنوعان مضمون بنفسه كالمغصوب والمقبوض بالبيع الفاسد والمقبوض على سوم الشراء ومضمون بغيره كالمبيع قبل القبض والرهن فتصح الكفالة بالنوع الأول لأنه كفالة بمضمون بنفسه ألا ترى أنه يجب رد عينه حال قيامه ورد مثله أو قيمته حال هلاكه فيصير مضمونا على الكفيل على هذا الوجه أيضا، ولا تصح بالنوع الثانى، لأن المبيع قبل القبض مضمون الثمن لا بنفسه ألا ترى أنه اذا هلك فى يد البائع لا يجب عليه شئ ولكن يسقط الثمن عن المشترى وكذا الرهن غير مضمون بنفسه بل بالدين ألا يرى أنه اذا هلك لا يجب على المرتهن شئ ولكن يسقط الدين عن الراهن بقدره

(1)

.

وأما الدين فتصح الكفالة به بلا خلاف، لأنه مضمون على الأصيل مقدور الاستيفاء من الكفيل

(2)

.

وأما الفعل فهو فعل التسليم فى الجملة فتجوز الكفالة بتسليم المبيع والرهن، لأن المبيع مضمون التسليم على البائع والرهن مضمون التسليم على المرتهن فى الجملة بعد قضاء الدين فكان المكفول به مضمونا على الأصيل وهو فعل التسليم فصحت الكفالة به، لكنه اذا هلك لا شئ على الكفيل لأنه لم يبق مضمونا على الأصيل فلا يبقى على الكفيل ولو استأجر دابة للحمل فكفل رجل بالحمل، فان كانت الدابة بعينها لم تجز الكفالة بالحمل، وان كانت بغير عينها جازت، لأن فى الوجه الأول الواجب على الآجر فعل تسليم الدابة دون الحمل، فلم تكن الكفالة بالحمل كفالة بمضمون على الأصيل فلم تجز وفى الوجه الثانى الواجب عليه فعل الحمل دون تسليم الدابة فكانت الكفالة بالحمل كفالة بفعل هو مضمون على الأصيل فجازت.

وعلى هذا اذا كفل بنفس من عليه الحق جاز عند أصحابنا، لأن الكفالة بالنفس كفالة بالفعل وهو تسليم النفس وفعل التسليم مضمون على الأصيل فقد كفل بمضمون على الأصيل فجاز، وكذا اذا كفل برأسه أو بوجهه أو برقبته أو بروحه أو بنصفه.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 7 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 9 نفس الطبعة.

ص: 230

والأصل فيه أنه اذا أضاف الكفالة الى جزء جامع كالرأس والوجه والرقبة ونحوها جازت، لأن هذه الأجزاء يعبر بها عن جملة البدن فكان ذكرها ذكرا للبدن كما فى باب الطلاق والعتاق، وكذا اذا أضاف الى جزء شائع كالنصف والثلث ونحوهما جازت لأن حكم الكفالة بالنفس وجوب تسليم النفس بثبوت ولاية المطالبة والنفس فى حق وجوب التسليم لا تتجزأ، وذكر بعض ما لا يتجزأ شرعا، ذكر لكله كما فى الطلاق والعتاق، واذا أضافها الى اليد أو الرجل أو نحوهما من الأجزاء المعينة لا تجوز، لأن هذه الأعضاء لا يعبر بها عن جميع البدن وهى فى حكم الكفالة متجزئة فلا يكون ذكرها ذكرا لجميع البدن كما فى الطلاق والعتاق.

ولو قال فى الكفالة بالنفس هو على جاز، لأن هذا صريح فى التزام تسليم النفس، وكذا اذا قال أنا ضامن لوجهه، لأن الوجه جزء جامع ولو قال أنا ضامن لمعرفته لا تصح لأن المعرفة لا تحتمل أن تكون مضمونة على الأصيل، ولو قال للمطالب أنا ضامن لك لم يصح لأن المضمون غير معلوم أصلا، هذا مذهب أصحابنا فى حكم الكفالة بالنفس والعين والفعل وذلك لقول الله عز وجل:«وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ»

(1)

حيث أخبر جل شأنه عن الكفالة بالعين عن الأمم السالفة ولم يغير ولأن هذا حكم لم يعرف له مخالف من عصر الصحابة والتابعين الى زمن الشافعى رحمه الله تعالى فكان الانكار خروجا عن الاجماع، فكان باطلا، ولأن هذه الكفالة - كما ذكرنا - أضيفت الى مضمون على الأصيل مقدور الاستيفاء من الكفيل فتصح

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والاكليل أن ابن يونس رحمه الله تعالى قال: القضاء أن كل ما يلزم الذمة فالكفالة به جائزة، وأما الحدود والأدب والتعازير فلا تجوز الكفالة فيه وقاله مالك رحمه الله تعالى، قال بكير ولا تجوز فى دم أو زنا أو سرقة أو شرب خمر ولا فى شئ من الحدود قال ابن يونس لأن فائدة الحمالة أن يحل الضامن محل المضمون فى تعذر أخذ الحق منه وهذا المعنى يتعذر فى الحدود ولأن استيفاءها من الضامن لا يجوز.

وانظر قد وقع لأصبغ فى الفاسق المتعسف على الناسى يؤخذ فيتحمل رجل عنه بكل ما يجترم أن ذلك لازم الا فى القتل خاصة.

قال ابن شاس رحمه الله تعالى من شروط المضمون أن يكون حقا ثابتا مستقرا أو مآله الى ذلك فلا تصح الحمالة بالكتابة اذ ليست بدين ثابت مستقر ولا تؤول الى ذلك لأن العبد ان عجز رق وانفسخت الكتابة.

(1)

الآية رقم 72 من سورة يوسف.

(2)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر الكاسانى ج 6 ص 7، ص 8 الطبعة السابقة.

ص: 231

قال ابن شاس لا يصح ضمان الجعل فى الجعالة الا بعد العمل وتبعه ابن الحاجب.

قال ابن عرفه رحمه الله تعالى ولا أعرف هذا لغيرهما، وفيه نظر.

ومقتضى المذهب الجواز لقولها مع غيرها بصحة ضمان ما هو محتمل الثبوت استقبالا قيل ثمانية لا يجوز التحمل بها، الكتابة والصرف والقصاص والحدود والتعزير ومبيع بعينه وعمل أجير يعمل بنفسه وحمولة دابة بعينها واحدى عشرة مسئلة يجوز الحمل فيها، الحمالة والهبة والوصية والبراءة من المجهول والصلح والخلع والصداق والقراض والمساقاة والمغارسة والصدقة

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج: أنه يشترط فى المضمون أن يكون دينا ثابتا حال الضمان لأنه وثيقة فلا تتقدم ثبوت الحق كالشهادة فلا يكفى جريان سبب وجوبه كنفقة الغد للزوجة ويكفى فى ثبوته اعتراف الضامن به وان لم يثبت على المضمون شئ كما صرح به الرافعى بل الضمان متضمن لاعترافه بتوفر شرائطه كقبول الحوالة ذكر الغزالى أن يكون قابلا للتبرع به فخرج نحو قود وحق شفعة لفساده اذ يرد على طروه حق المقسوم لها للمظلومة يصح تبرعها به ولا يصح ضمانه لها وعلى عكسه دين الله تعالى كزكاة ودين مريض معسر أو ميت فانه يصح ضمانه ولا يصح التبرع به.

وصحح القديم ضمان ما سيجب وان لم يجر سبب وجوبه كثمن ما سيبيعه اذ الحاجة قد تمس له ولا يجوز ضمان نفقة للقريب مستقبلة قطعا اذ سبيلها البر والصلة لا الديون.

ولو قال أقرض هذا مائة وأنا ضامنها ففعل ضمنها على القديم أيضا.

والمذهب صحة ضمان الدرك بفتح الراء وسكونها وهو التبعة أى المطالبة - ويسمى ضمان العهدة وان لم يكن ثابتا لمسيس الحاجة اليه فى نحو غريب لو خرج مبيعه أو ثمنه مستحقا لم يظفر به على أنه ليس من ضمان ما لم يجب مطلقا لأن المقابل لو خرج عما شرط تبين وجوب رد المضمون بعد قبض ما يضمن من الثمن فى التصوير الآتى والمبيع فيما يذكر بعد لأنه انما يدخل فى ضمان البائع حينئذ وقبل القبض وكذا معه كما هو ظاهر كلامهم لم يتحقق ذلك فخرج ما لو باع الحاكم عقار غائب للمدعى بدينه فلا يصح أن يضمن له دركه لعدم القبض ونحوه.

(1)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 98 وص 99 فى كتاب على هامشه مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 232

وأفتى ابن الصلاح بأنه لو أجر المدين وقفا عليه بدينه وضمن ضامن دركه فبان بطلان الاجارة لم يلزم الضامن شئ من من الأجرة لبقاء الدين الذى هو أجرة بحاله فلم يفوت عليه شيئا

(1)

.

ويشترط كونه لازما ولو غير مستقر كمهر قبل دخول أو موت وثمن مبيع قبل قبض ودين سلم لا كنجوم كتابة اذ للمكاتب اسقاطها متى شاء فلا معنى للتوثق بها، ومثل ذلك جعل الجعالة قبل الفراغ والمراد باللازم ما لا يتسلط على فسخه من غير سبب ولو باعتبار وضعه، ومن ثم يصح ضمان الثمن للبائع فى مدة الخيار للمشترى وحده فى الأصح لأنه آيل للزوم فاحتيج فيه للتوثق.

والقول الثانى المقابل للأصح ينظر الى أنه غير لازم الآن.

وعلم من ذلك صحة ما أشار اليه الامام وهو أن تصحيح الضمان مفرع على أن الخيار لا يمنع نقل الملك فى الثمن للبائع أما اذا منعه فهو ضمان ما لم يجب، فلو كان الخيار لهما أو للبائع وحده لم يصح الضمان. وضمان الجعل كالرهن به فيصح بعد الفراغ للزومه لا قبله لجوازه مع كونه غير آيل للزوم بنفسه بل بالعمل وبه فارق الثمن فى زمن الخيار

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أنه لا يعتبر فى الضمان كون الحق واجبا اذا كان مآل الحق الى الوجوب فيصح ضمان ما لم يجب اذا آل الى الوجوب لقول الله عز وجل: «وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ»

(3)

فدلت الآية على ضمان حمل البعير مع أنه لم يكن وجب، لا يقال الضمان ضم ذمة الى ذمة فاذا لم يكن على المضمون عنه شئ فلا ضم، لأنه قد ضم ذمته الى ذمة المضمون عنه فى أنه يلزمه ما يلزمه ويثبت فى ذمته ما يثبت فلو قال ضمنت لك ما على فلان صح أو قال ما على فلان على أو عندى ونحوه كضمنت لك ما يقضى به عليه أو قال ضمنت لك ما تداينه به صح وهو من أمثلة ما يؤول الى الوجوب أو قال ضمنت لك ما يقر لك به فلان صح أو ما تقوم لك به البينة عليه أو ما يخرجه الحساب بينكما ونحوه كضمنت لك ما يقضى به عليه صح ذلك ومن ضمان ما يجب ضمان السوق وهو: أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة له

(4)

،

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 4 ص 424، ص 425 فى كتاب أسفله حاشية نور الدين على بن على الشبراملسى وعلى هامشه حاشية أحمد بن عبد الرازق المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ سنة 1938 م.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 427 الطبعة السابقة.

(3)

الآية رقم 72 من سورة يوسف.

(4)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 2 ص 175، ص 176 فى كتاب على هامشه منتهى الارادات طبع المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1319 هـ.

ص: 233

واختار الشيخ صحة ضمان حارس ونحوه وتجار حرب ما يذهب من البلد أو التجر وان غايته ضمان ما لم يجب وضمان المجهول كضمان السوق وهو أن يضمن الضامن ما يجب على التجار للناس من الديون وهو جائز عند أكثر العلماء، ولا تصح الكفالة بدين السلم.

وان قال انسان ما أعطيته فلانا فهو على ولا قرينة تدل على ارادة من أعطاه فى الماضى أو ما يعطيه فى المستقبل فهو لما وجب فى الماضى حملا للفظ على حقيقته اذ هى المتبادرة منه وللضامن ما لم يجب ابطال الضمان فيها يؤول للوجوب قبل وجوبه لعدم اشتغال ذمته

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا يجوز ضمان ما لم يجب بعد كمن قال لآخر: أنا أضمن لك ما تستقرضه من فلان أو قال له: اقترض من فلان دينارا وأنا أضمنه عنك أو قال له اقرض فلانا دينارا وأنا أضمنه لك، لأنه شرط ليس فى كتاب الله عز وجل فهو باطل، ولأن الضمان عقد واجب ولا يجوز الواجب فى غير واجب وهو التزام ما يلزم بعد وهذا محال وكل عقد لم يلزم حين التزامه فلا يجوز أن يلزم فى ثان وفى حين لم يلتزم فيه وقد لا يقرضه ما قال له وقد يموت القائل لذلك قبل أن يقرضه ما أمره باقراضه فصح بكل هذا أنه لا يلزم ذلك القول.

فان قال له: أقرضنى كذا وكذا وأدفعه الى فلان أو زن عنى لفلان كذا وكذا أو أنفق عنى فى أمر كذا فما أنفقت فهو على أو ابتع لى أمر كذا فهذا جائز لازم، لأنها وكالة وكله بما أمره به

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن صحيح الكفالة أن تضمن بما قد ثبت فى ذمة معلومة نحو أن يقول أنا ضامن لك بالدين الذى قد ثبت فى ذمة زيد، ويدخل فى هذا القيد الضمانة بالوجه، لأنه قد ثبت فى ذمة المضمون عنه وجوب الحضور ووجوبه بمثابة الحق الثابت للمضمون له، وكذا الكفالة بالعين المضمونة، لأنها اذا كانت مضمونة فوجوب تحصيلها حق ثابت للمضمون له فى ذمة الضامن لها.

واذا ثبت الحق فى ذمة معلومة وضمن به ضامن فانه لا يكون له رجوع عن الضمانة أو لم يكن قد ثبت فى ذمة معلومة لكن سيثبت فيها، وسواء كان ثبوته فى المستقبل بمعاملة أم بدعوى.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 176 نفس الطبعة.

(2)

المحلى لابى محمد على بن سعيد بن حزم ج 8 ص 117، ص 118 مسئلة رقم 1232 طبع ادارة الطباعة المنيرية سنة 1350 هـ.

ص: 234

فالأول نحو ما بعت من فلان أو ما أقرضته فأنا ضامن بذلك.

والثانى نحو ما ثبت لك على فلان بدعواك فأنا ضامن لك به فان الضمانة تصح وتلزم اذا ثبت بالبينة لا بالنكول والاقرار ورد اليمين.

وعند الناصر لا تصح الضمانة بما سيثبت، وحكاه فى شرح الابانة عن القاسمية واختاره فى الانتصار واذا ضمن بما سيثبت فى الذمة كان له الرجوع قبل ثبوته نحو أن يقول ما بعت من فلان فانا به ضامن فله أن يرجع عن الضمانة قبل البيع لا بعده وكذا فى سائر الصور الا قوله ما يثبت لك بدعواك على فلان فانه ليس له الرجوع عن الضمانة قبل قيام البينة لأن الحق ثابت من قبل الضمانة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام أن الحق المضمون هو كل مال ثابت فى الذمة سواء كان مستقرا كالبيع بعد القبض وانقضاء الخيار أو معرضا للبطلان كالثمن فى مدة الخيار بعد قبض الثمن ولو كان له لم يصح ضمانه عن البائع وكذا ما ليس بلازم لكن يؤول الى اللزوم كمال الجعالة قبل فعل ما شرط وكمال السبق والرماية على تردد، وأما مال الكتابة فقيل لا يصح ضمانه لأنه ليس بلازم ولا يؤول الى اللزوم.

ولو قيل بالجواز كان حسنا لتحققه فى ذمة العبد كما لو ضمن عنه مالا غير مال الكتابة ويصح ضمان النفقة الماضية والحاضرة للزوجة لاستقرارها فى ذمة الزوج دون المستقبلة وفى ضمان الأعيان المضمونة كالغصب والمقبوضة بالبيع الفاسد تردد.

والأشبه الجواز ولو ضمن ما هو أمانة كالمضاربة والوديعة لم يصح لأنها ليست مضمونة فى الأصل

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الحمالة تجوز فى الديون مطلقا عاجلة أو آجلة من قبل بيع أو غيره كأرش ودية وصداق وكل ما ثبت فى الذمة بحكم الشرع

(3)

.

وتجوز فيما لو قال للمحمول له:

كل ما أقر لك به فلان أو كل ما كان لك فى جانبه أو كل ما لزمه لك أو يلزمه لك فى هذا اليوم أو الجمعة أو الشهر أو السنة ونحو ذلك من المدد القصيرة أو الطويلة أو ما أثبته عليه أو ما أعطاك القاضى أو غيره وألزمك فى شأنه أو ما بعت له به أو ما أقرضت له أو ما أسلمت له فيه أو أنقدت أو ما تبيع له أو تقرض له بعد، أو فيما قال للمحمول له فى شأنه

(1)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 268 وما بعدها الى ص 270 طبع مطبعة حجازى سنة 1358 هـ هـ.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 207 من منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 4 ص 654 طبع محمد ابن يوسف البارونى.

ص: 235

بع للمحمول عنه أو نحو ذلك مثل أن يقول أقرض له أو أسلم له أو انقد له فأنا حميله

(1)

.

ولا تجوز الحمالة للمغصوب منه أو المسروق منه على الغاصب أو السارق فى معين من المغصوبات والمسروقات لأن المعين لا تقبله الذمة ولأن الغصب والسرقة معصية فالحمالة عن الغاصب والسارق رفق بهما فى معصيتهما وتسهيل لأمر الغصب والسرقة الا أن تابا فيبقى أيضا أن المعين لا تقبله الذمة ولأن المغصوب موجود فلا يصح ضمان مثله أو قيمته اذا ضمن فلو تحمل للمغصوب أو المسروق منه بالقيمة أو المثل لجاز ولزم فى الحكم وبينه وبين الله سواء قدراهما أو أحدهما على الغاصب أو السارق أم لم يقدرا وكذا فى سائر التعديات قيل لا يشترط فى ضمان التعدية رضى المحمول عنه لأن لصاحب الحق أن يأخذ من ماله قهرا حيث لا يجعل الى نفسه سبيلا وقيل يشترط والا جبر على الأداء أو يأخذ صاحب الحق من ماله وهو الصحيح لأن الضمان عقد مع المضمون عنه فلا يصح بدون رضاه فكيف يعطى عنه ويدرك عليه بلا رضى منه.

ولا تجوز فى مضمون من الأمانات بأن يضمنهن على معنى أن يعطيه اياهن أو بمثلهن أو قيمتهن ان تلفن وما ضمن وهو ما كان من الأمانات فى ضمان المؤتمن بأن فعل فيها فعلا تصير به فى ضمانه مثل أن يبيعها ثم يردها بعينها أو يهبها ثم يردها أو ينقلها من مكانها لا لمصلحتها أو أخذها على نية الأكل وأقر بنيته أو أقرضها أو أخرجها ثم رجعت اليه بنفسها، لأن المعين لا يدخل الذمة ولا يصح المثل أو القيمة اذا رجع الى ذلك، لأن المضمون باق فلو تلفت وحمل عنه أحد بمثلها أو قيمتها لجاز

(2)

.

ولا تصح فى نفس أو جرح أو حد من حيث القصاص، لأنه لا يقوم أحد عن أحد فيما مرجعه البدن، لأن القصاص شرع زجرا وبه تبقى الحياة وصونا للأعراض والانساب والأموال كحد القذف والرجم والجلد وقطع السارق وعقوبة على الذنب فلا يوقع بمن ليس الذنب منه

(3)

.

‌الاضافة فى الهبة

‌أولا - حكم اضافة الهبة الى وقت

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شرائط الهبة أن لا تكون مضافة الى وقت بأن يقول وهبت هذا الشئ منك غدا أو رأس شهر كذا، لأن الهبة تمليك العين للحال وهو لا يحتمل الاضافة الى الوقت

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 655 نفس الطبعة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 656، ص 657 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 4 ص 659 نفس الطبعة.

ص: 236

كالبيع

(1)

، فاذا اقترن ايجاب الهبة بالوقت بأن قال أعمرتك هذه الدار، أو صرح فقال: جعلت هذه الدار لك عمرى، أو قال: جعلتها لك عمرك، أو قال:

هى لك عمرك، أو حياتك فاذا مت أنت فهى رد على، أو قال: جعلتها لك عمرى أو حياتى فاذا مت أنا فهى رد على ورثتى فهذا كله هبة وهى للعمر له فى حياته ولورثته بعد وفاته، والتوقيت باطل، والأصل فيه ما روى عن رسول الله صلى عليه وسلم: أنه قال: أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها فان من أعمر شيئا فانه لمن أعمره، وروى جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيما رجل أعمر عمرى له ولعقبه فانها للذى يعطاها لا يرجع الى الذى أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث. وعن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من اعمر عمرى حياته فهى له ولعقبه يرثها من يرثه من بعده فدلت هذه النصوص على جواز الهبة وبطلان التوقيت، لأن قوله جعلت لك هذه الدار أو هى لك تمليك العين للحال مطلقا ثم قوله عمرى توقيت التمليك وهو تغيير لمقتضى العقد. وكذا تمليك الأعيان لا يحتمل التوقيت نصا كالبيع فكان التوقيت تصرفا مخالفا لمقتضى االعقد والشرع فبطل وبقى العقد صحيحا

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل نقلا عن المدونة أن من قال قد أعمرتك هذه الدار حياتك أو قال هذه الدابة أو هذا العبد جاز ذلك وترجع بعد موته الى الذى أعمرها أو الى ورثته.

ومن قال دارى هذه لك صدقة سكنى فانما له السكنى دون رقبتها، وان قال له قد أسكنتك هذه الدار وعقبك من بعدك، أو قال هذه الدار لك ولعقبك سكنى فانها ترجع اليه ملكا بعد انقراضهم فان مات فالى أولى الناس به يوم مات أو الى ورثتهم، لأنهم هم ورثته، واذا قال أعمرتك ولم يقل حياتك أو حياتى ولم يضرب لها أجلا فهى عمرى، وكذلك أسكنتك

(3)

.

والعمرى ثلاثة مقيدة بأجل أو حياة المعمر ومطلقة ومعقبة.

فان كانت مقيدة بأجل فقال أعمرتك هذه الدار سنة أو عشرا أو حياتى أو حياتك كانت على ما أعطى.

وان أطلق ولم يقيد كان محمله على عمر المعطى حتى يقول عمرى أو حياتى.

(1)

بدائع الصنائع ج 6 ص 118 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 116 نفس الطبعة.

(3)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 6 ص 61 فى كتاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.

ص: 237

وان عقبها فقال أعمرتكها أنت وعقبك لم ترجع اليه الا أن ينقرض العقب.

وقال اللخمى وان قال أذنت لك ان تسكن دارى أو تزرع أرضى أو تركب دابتى أو تلبس ثوبى كان عارية وتجرى على حكم العارية اذا ضرب لها اجلا أو لم يضرب

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج ان الهبة لا تكون مؤقته الا فى مسائل العمرى والرقبى، وذلك بان يقول أعمرتك هذه الدار أو هذا الحيوان مثلا أى جعلتها لك عمرك فاذا مت فهى لورثتك أو لعقبك، فالصيغة المذكورة هبة طول فيها العبارة فيعتبر فيها القبول وتلزم بالقبض وتكون لورثته ولا تختص بعقبه بل تشمل جميع الورثة كالأعمام والأخوة الغاء لظاهر لفظه عملا بالخبر الآتى ولا تعود للواهب بحال لخبر مسلم «أيما رجل أعمر عمرى فانها للذى أعطيها لا ترجع الى الذى أعطاها» .

وظاهر عبارة المصنف كغيره عدم الفرق فى هذه الألفاظ بين العالم بمعناها والجاهل به.

واستشكله الاذرعى قال وفى الروضة فى الكتابة عن المروزى ان قريب الاسلام وجاهل الاحكام لا يصح تدبيره بلفظه حتى ينضم اليه نية أو زيادة لفظ والاقرب أخذا من قولهم فى الطلاق: لابد من قصد اللفظ لمعناه أنه لا بد من معرفة اللفظ ولم يوجد حتى يقصده، نعم من أتى بلفظ صريح وادعى جهله بمعناه لم يصدق الا أن دلت قرينة حاله على ذلك لعدم مخالطته لمن يعرف كما صرح به الأذرعى.

ولو اقتصر على أعمرتك كذا ولم يتعرض لما بعد موته فكذا هو هبة فى الجديد لخبر الشيخين «العمرى ميراث لأهلها» وجعلها له مدة حياته لا ينافى انتقالها لورثته فان الاملاك كلها مقدرة بحياة المالك وكأنهم انما لم يأخذوا بقول جابر رضى الله تعالى عنه: «انما العمرى التى أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هى لك ولعقبك، فاذا قال هى لك ما عشت فانها ترجع الى صاحبها، لأنه قال بحسب اجتهاده والقديم بطلانه كما لو قال أعمرتك سنة، ولو قال اعمرتك هذه أو جعلتها لك عمرك.

وألحق به السبكى وهبتك هذه عمرك - فاذا مت عادت الى أو الى ورثتى ان كنت مت فكذا هو هبة فى الأصح الغاء للشرط الفاسد وان ظن لزومه لاطلاق الأخبار الصحيحة ولهذا عدلوا به عن قياس سائر الشروط الفاسدة اذ ليس لنا موضع يصح فيه العقد مع وجود الشرط المنافى لمقتضاه الا هذا.

والقول الثانى المقابل للاصح: يبطل العقد لفساد الشرط، هذا اذا قال عمرك

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 62 نفس الطبعة.

ص: 238

فان قال عمرى أو عمر زيد فيبطل لأنه تأقيت اذ قد يموت هذا أو الأجنبى أو لا.

ولو قال أرقبتك

(1)

هذه أو جعلتها لك رقبى واقتصر على ذلك أو ضم اليه ما بعد أى التفسيرية فى قوله: اى ان مت قبلى عادت الى وان مت قبلك استقرت لك فالمذهب طرد القولين القديم والجديد. فعلى الجديد الاصح يصح ويلغو الشرط الفاسد فيشترط قبولها والقبض وذلك لخبر ابى داود والنسائى «لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته» أى لا ترقبوا ولا تعمروا طمعا فى أن يعود اليكم فان سبيله الميراث، ومقابل المذهب القطع بالبطلان

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أنه لا يصح توقيت الهبة كان يقول وهبتك هذا سنة أو شهرا فلا تصح، لأنها تمليك عين فلا توقت كالبيع الا العمرى والرقبى فيصحان، وهما نوعان من أنواع الهبة يفتقران الى ما تفتقر اليه سائر الهبات من الايجاب والقبول والقبض ويصح توقيتهما كقوله أعمرتك هذه الدار أو اعمرتك هذه الفرس أو اعمرتك هذه الجارية أو ارقبتكها أو جعلت الدار أو الغرس أو الجارية لك عمرك أو جعلتها لك عمرى أو جعلتها لك رقبى أو جعلتها لك ما بقيت أو أعطيتكما عمرك ويقبلها الموهوب له فتصح الهبة فى جميع ما تقدم، وتكون العين الموهوبة للمعمر بفتح الميم، وللمرقب بفتح القاف ولورثته من بعده ان كانوا كتصريحه بأن يقول هى لك ولعقبك من بعدك فان لم يكن للموهوب له ورثة فلبيت المال كسائر الأموال المخلفة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فانه من أعمر عمرى فهى للذى أعمرها حيا وميتا ولعقبه» أخرجه مسلم، وفى المتفق عليه عن جابر قضى النبى صلى الله عليه وسلم بالعمرى لمن وهبت له واللفظ للبخارى. وقوله صلى الله عليه وسلم لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر عمرى فهى للذى أعمرها حيا وميتا وعقبه انما ورد على سبيل الاعلام لهم بنفوذها بدليل السياق ويؤيده الحديث الأول، ولو أريد به حقيقة النهى لم يمنع الصحة لأن الضرر فيها على فاعلها وما كان كذلك النهى عنه لا يقتضى فساده كالطلاق فى الحيض وان أضاف الهبة الى عمر غيره بأن قال وهبتك الدار ونحوها عمر زيد لم تصح الهبة لأنها مؤقتة وليست من العمرى ولا الرقبى

(3)

،

(1)

من الرقوب لأن كل واحد يرقب موت صاحبه.

(2)

نهاية المحتاج الى معرفة المنهاج للرملى ج 5 ص 406، ص 407 فى كتاب أسفله حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج وعلى هامشه حاشية عبد الرزاق على نهاية المحتاج الطبعة السابقة.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 479، ص 480 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

ص: 239

ولا ترجع العين الى المعمر - بكسر الميم ولا الى المرقب - بكسر القاف - لقوله صلى الله عليه وسلم «لا ترقبوا ولا تعمروا فمن أرقب شيئا أو أعمره فهو لورثته» فهذا وغيره من الأحاديث نصوص تدل على ملك المعمر والمرقب مع بطلان شرط العود لأنه اذا ملك العين لم تنتقل عنه بالشرط، ولأنه شرط ينافى مقتضى العقد فصح وبطل الشرط

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن العمرى والرقبى هبة صحيحة تامة يملكها المعمر والمرقب كسائر ماله يبيعها ان شاء وتورث عنه ولا ترجع الى المعمر ولا الى ورثته سواء اشترط أن ترجع اليه أو لم يشترط وشرطه لذلك ليس بشئ.

والعمرى هى أن يقول هذه الدار أو هذه الأرض أو هذا الشئ عمرى لك أو قد أعمرتك اياها أو هى لك عمرك أو قال حياتك أو قال رقبى لك أو قد أرقبتكها كل ذلك سواء

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن العمرى والرقبى داخلتان فى العارية والهبة فما دل عليهما دل عليهما، ويدل عليهما خصوصا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«لا تعمروا ولا ترقبوا، فمن أعمر أو أرقب كانت له ولعقبه بعده» ولا خلاف فى جواز العمرى بين جمهور الفقهاء وعن بعض المتقدمين أنها لا تجوز.

وأما الرقبى فجائزة عندنا.

واعلم أن العمرى والرقبى تقعان على وجهين.

الأول: ايقاعها مؤبدة ومطلقة وهما فى هذا الوجه هبة تتبعها أحكامها اذا صدرت ممن يعرف وضعها وقيل لا يشترط أن يكون الناطق عالما أن ذلك موضوع لذلك، لأن ذلك صريح، فاذا قال الرجل للرجل أعمرتك دارى هذه أو ضيعتى أو جاريتى أو نخلتى أو دابتى أو أرقبتك ذلك أبدا أو مطلقا من غير تأبيد ولا تقييد كان ذلك هبة تتبعها أحكام الهبة فتفتقر الى القبول فى المجلس ويجوز الرجوع فيها.

والوجه الثانى ايقاعها مقيدة نحو أن يقول أعمرتك جاريتى مدة عمرك أو عمرى أو سنة أو سنتين أو نحو ذلك فهذه عارية تتبعها أحكام العارية، فعلى هذا لا يجوز للمعمر أن يطأها

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 480، ص 481 نفس الطبعة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 164 وما بعدها الى ص 167 مسئلة رقم 1648 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ.

ص: 240

فان أنكحها المالك فالمهر له لا للمعمر

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن العمرى عندنا جائزة، ومعناها اذا قال الرجل لغيره أعمرتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة حياتى أو أسكنتك أو جعلت لك هذه الدار فى حياتك فان هذه الألفاظ اذا أتى بواحدة منها وأقبضه فقد لزم العمرى لاجماع الفرقة وأخبارهم فقد روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

«العمرى جائزة» وروى جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «من أعمر عمرى فهى له ولعقبه يرثها من يرثه من عقبه»

(2)

، فاذا قال أعمرتك ولعقبك فان هذه عمرى صحيحة ويملك المعمر له المنفعة دون الرقبة، فان قال أعمرتك فاذا مات هو عاد اليه، وان قال ولعقبك فاذا مات عقبه عاد اليه لاجماع الفرقة وأخبارهم

(3)

.

واذا قال أعمرتك وأطلق لم تصح العمرى وكان باطلا، لأن هذه اللفظة مجملة يجوز أن يراد بها تمليك الرقبة، ويجوز أن يراد بها مدة حياته، واذا احتملت ولم يعلم المراد وجب بطلانها، لأن الأصل بقاء الملك

(4)

.

واذا قال أعمرتك على أنك ان مت أنت رجع الى كان هذا صحيحا عندنا فاذا مات عاد اليه لاجماع الفرقة وأخبارهم.

ولما روى عن جابر رضى الله تعالى عنه أنه قال: انما العمرى التى أجازها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول هى لك ولعقبك، فأما اذا قال هى لك ما عشت فانها ترجع اليه ففسر جابر ما قال النبى صلى الله عليه وسلم وتفسير الراوى للخبر أولى من تفسير غيره لأنه أعرف بمراد النبى صلى الله عليه وسلم

(5)

.

والرقبى جائزة وهى والعمرى سواء وانما تخالفها فى اللفظ فانه يقول أرقبتك هذه الدار مدة حياتك أو مدة حياتى لاجماع الفرقة وأخبارهم

(6)

.

(1)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 454 وما بعدها الى ص 456 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.

(2)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 24 مسئلة رقم 4 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 14، ص 15 مسئلة رقم 5 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 2 ص 15 مسئلة رقم 6 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق ج 2 ص 15 مسئلة رقم 7 نفس الطبعة.

(6)

المرجع السابق ج 2 ص 15، ص 16 مسئلة رقم 8 نفس الطبعة.

ص: 241

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن أكثر أصحابنا وأكثر قومنا على أن من عمر - بالبناء للمفعول - شيئا فهو له مدة حياته وله بيعها ولوارثه من بعده، لما روى عن أبى عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس من عمر شيئا فهو له ولورثته من بعده، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أيما رجل عمر عمرى له ولعقبه فانها للذى يعطاها أبدا.

ومن يقول برجوعها للواهب حمل الحديث على ظاهره من التقييد بقول الواهب ولعقبك وحمل عليه اطلاق أحاديث اثباتها للأبد.

فالجمهور كما علمت أن العمرى اذا وقعت كانت ملكا للآخذ ولا ترجع الى الأول الا أن صرح باشتراط ذلك.

وزعمت جماعة أنها لا تصح.

والجمهور على أنه يتوجه التمليك الى ذات الشئ كسائر الهبات.

والأقل لا يجيز ذلك ولا يراه لوارثه الا أن قال هى لك ولعقبك أى من يخلفه من الأولاد.

ولا يبيعها هو ولا أولاده من بعده على قول الجمهور مطلقا، وعلى هذا القول أيضا بل هى حبس، فان انقطعوا ففى بيت المال على أن العمرى تجرى مجرى الحبس وان لم يكن بيت المال فالفقراء

(1)

.

وان قال أوصيت لك بسكنى هذه الدار حتى أموت أو قال له أسكنها حتى أموت سكنها ذلك الموهوب له حتى يموت الواهب فترجع الى ورثة الواهب، وكذا ان قال له اسكنها حتى تموت بلا ذكر أوصيت لك فاذا مات الموهوب له رجعت للواهب أو لوارث الواهب، لأن المؤمنين على شروطهم.

وقيل: هى لوارث الموهوب له من بعده لدخولها ملك الوارث بمجرد موت الموهوب له ولا يجد الواهب نزعها قبل موت الموهوب له.

وان قال له اسكن هذه الدار حتى أموت ومات ذلك الذى هو مأذون له قبل موت صاحبها لم يجد وارثه سكنها حتى يموت صاحبها

(2)

.

‌ثانيا: حكم اضافة الهبة الى المشاع

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شرائط

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 66 وما بعدها الى ص 69 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 71 نفس الطبعة.

ص: 242

الهبة أن يكون الموهوب محوزا، فلا تجوز هبة المشاع فيما يقسم وتجوز فيما لا يقسم كالعبد والحمام والدن ونحوها عندنا لاجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فانه روى أن سيدنا أبا بكر رضى الله تعالى عنه قال فى مرض موته لسيدتنا عائشة رضى الله تعالى عنها ان أحب الناس الى غنى أنت وأعزهم على فقرا أنت، وانى كنت نحلتك جداد عشرين وسقا من مالى بالعالية وانك لم تكونى قبضتيه ولا جزيتيه وانما هو اليوم مال الوارث، اعتبر سيدنا أبو بكر رضى الله تعالى عنه القبض والقيمة فى الهبة لثبوت الملك، لأن الحيازة فى اللغة جمع الشئ المفرق فى حيز وهذا معنى القسمة، لأن الانصباء الشائعة قبل القسمة كانت متفرقة والقسمة تجمع كل نصيب فى حيز، وروى عن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه قال ما بال أحدكم ينحل ولده نحلا لا يحوزها ولا يقسمها ويقول ان مت فهو له وان مات رجعت الى، وايم الله لا ينحل أحدكم ولده نحلا لا يحوزها ولا يقسمها فيموت الا جعلتها ميراثا لورثته.

والمراد من الحيازة القبض هنا لأنه ذكرها بمقابلة القسمة حتى لا يؤدى الى التكرار، أخرج الهبة من أن تكون موجبة للملك بدون القبض والقسمة.

وروى عن سيدنا على رضى الله تعالى عنه أنه قال من وهب ثلث كذا أو ربع كذا لا يحوز ما لم يقاسم، وكل ذلك بمحضر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينقل أنه أنكر عليهم منكر فيكون اجماعا، ولأن القبض شرط جواز هذا العقد والشيوع يمنع من القبض، لأن معنى القبض هو التمكن من التصرف فى المقبوض، والتصرف فى النصف الشائع وحده لا يتصور، فان سكنى نصف الدار شائعا ولبس نصف الثوب شائعا محال ولا يتمكن من التصرف فيه بالتصرف فى الكل، لأن العقد لم يتناول الكل.

وهكذا نقول فى المشاع الذى لا يقسم ان معنى القبض هناك لم يوجد الا أن هناك ضرورة لأنه يحتاج الى هبة بعضه ولا حكم للهبة بدون القبض والشياع مانع من القبض الممكن للتصرف ولا سبيل الى ازالة المانع بالقسمة لعدم احتمال القسمة فمست الضرورة الى الجواز واقامة صورة التخلية مقام القبض الممكن من التصرف ولا ضرورة هنا لأن المحل محتمل للقسمة فيمكن ازالة المانع من القبض الممكن بالقسمة

(1)

.

ولو قسم ما وهب وأفرزه ثم سلمه الى الموهوب له جاز لأن هبة المشاع عندنا منعقد موقوف نفاذه على القسمة والقبض بعد القسمة هو الصحيح اذ الشيوع لا يمنع ركن العقد ولا حكمه

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 119، ص 120 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ.

ص: 243

وهو الملك ولا سائر الشرائط الا القبض الممكن من التصرف فاذا قسم وقبض فقد زال المانع من النفاذ فينفذ

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن عرفة أن حوز الأب لصغار ولده ما يعرف بعينه صحيح، قال ابن رشد اتفاقا.

قال الباجى وأما ما لا يتعين كالدنانير والدراهم فانها ان بقيت بيد الأب غير مختوم عليها لم يتصرف فيها لابنه الصغير، فقال ابن القاسم: انه ان مات الأب وهى على ذلك فالعطية باطلة وكذلك لو تصدق عليه بعشرة دنانير من دنانير معينة فقال مالك لا يجوز وان طبع عليها حتى يدفعها الى غيره ويخرجها عن ملكه وذلك أنها غير معروفة العين ولا متعينة بالاشارة اليها، ولا يصح أن تعرف بعينها اذا أفردت من غيرها، ولم يختلف أصحابنا فى ذلك اذا وهبه عشرة دنانير من دنانيره، وأما اذا ختم عليها أو أمسكها عنده.

وقد روى عن مالك أنها تبطل، زاد ابن المواز وان ختم عليها الشهود والأب، وبه أخذ ابن القاسم والمصريون، ووجهه أنها ما لا يتعين بالعقد فلا يصح فيها حيازة مع بقائها بيد المعطى كالتى لم يختم عليها.

وفى الموازية قال مالك من تصدق على ولده بمائتى دينار وحازها غيره ثم تسلفها ثم مات فذلك باطل بخلاف ما لو وهبه دينارا ثم قبضه أو وهبه عبدا ثم باعه وهو بيده هذا نافذ.

قال المتيطى: شرط صدقة الأب على صغار بنيه بدار سكناه اخلاؤها من نفسه وأهله وثقله ومعاينتها البينة فارغة من ذلك ويكريها لهم.

وقال فى المدونة من حبس على صغار ولده دارا أو وهبها لهم أو تصدق بها عليهم فحوزه لهم حوز الا أن يسكنها أو جلها حتى مات فيبطل جميعها وان سكن من الدار الكبيرة ذات المساكن أقلها وأكرى لهم باقيها نفذ لهم ذلك فيما سكن وفيما لم يسكن ولو سكن الجل وأكرى لهم الأقل بطل الجميع.

وقال فى النكت أحفظ عن بعض شيوخنا اذا سكن أبو الاصاغر شيئا أنه على ثلاثة أوجه.

ان سكن أكثر من النصف بطل الجميع.

ولو سكن أقل من النصف صح لهم ما سكن وما لم يسكن.

واذا سكن القليل وأبقى الكثير خاليا لم يجز لهم ذلك حتى يكريها للأصاغر، لأن تركه لكرائه منع له فكأنه ابقاه لنفسه فذلك كانتقاله اياه لسكناه، قال عياض وهذا صحيح من النظر ظاهر من لفظ الكتاب.

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 121 نفس الطبعة.

ص: 244

وفى سماع أصبغ: من تصدق على أبنه الصغير بنصف داره أو بنصف غنمه وترك بقية ذلك ملكا لنفسه شريكا له به جاز وهو حوز له.

قال ابن سهل فى هذا السماع جواز هبة المشاع وان بقى للواهب سائر الموهوب منه.

قال المتيطى: جرى العمل بجواز الصدقة بجزء مشاع مع المتصدق، قال ويكتب فى ذلك تصدق على ابنه المالك أمره وتولى الابن المذكور قبض الصدقة من أبيه ونزل فيها مع أبيه على الاشاعة منزلة أبيه، وعزا جواز هبة المشاع اذا عمر مع المتصدق الى مالك وابن القاسم.

وقال ابن رشد اذا وهب الرجل جزءا من جميع ماله على الاشاعة لمحجوره جاز حاشا ما سكن من الدار أو لبس من الثياب الا الطعام وما لا يعرف بعينه حتى يخرجه من يده.

قال ابن زرب ان كان ما لا يعرف بعينه تبعا لما جاز فالجميع نافذ، ولا يصح هذا عندى، لأنها أنواع ولا يجعل الأقل تبعا للأكثر الا فى النوع الواحد

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب: أن ما جاز هبته جاز هبة جزء منه مشاع لما روى عن عمر ابن سلمة الضمرى رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من المدينة حتى أتى الروحاء فاذا حمار عقير فقيل يا رسول الله هذا حمار عقير فقال دعوه فانه سيطلبه صاحبه فجاء رجل من فهر فقال يا رسول الله انى أصبت هذا فشأنكم به فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أبا بكر بقسم لحمه بين الرفاق، ولأن القصد منه التمليك والمشاع كالمقسوم فى ذلك

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه تصح هبة المشاع من شريكه ومن غيره، منقولا كان كجزء من نحو فرس أو غيره كجزء من عقار ينقسم كالثوب أو لا ينقسم كالعبد، لما فى الصحيح أن وفد هوازن لما جاءوا يطلبون من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرد عليهم ما غنم منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان لى ولبنى المطلب فهو لكم.

وان وهب أرضا أو تصدق بأرض أو وقف أرضا أو وصى بأرض أو باعها يعنى فى كل

(1)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 6 ص 60، ص 61 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب الطبعة السابقة.

(2)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 446 فى كتاب الطبعة السابقة.

ص: 245

ذلك بجزء منها احتاج أن يحدها كلها بأن يقول كذا سهما من كذا سهما، لقوله فى رواية صالح: وسأله عن رجل بينه وبين قوم بيت مشاع غير مقسوم فتصدق أحدهم على بعضهم بحصته مشاعا غير مقسوم هل يجوز ذلك؟ قال: اذا كان سهم من كذا وكذا سهما فهو جائز، فان قال ثلثها أو نحو ذلك صح.

قال فى رواية أبى داود: وسئل عمن يهب لرجل ربع داره قال هو جائز.

وأيضا قيل له وهبت منك نصيبى من الدار، قال ان كان يعلم كم نصيبه فهو جائز.

ويعتبر لقبض المشاع ان كان منقولا اذن الشريك لأنه لا يمكن قبضه الا بقبض نصيب شريكه وهذا بالنسبة لجواز القبض لا لزوم الهبة فتلزم به وان لم يأذن شريكه

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن هبة جزء مسمى منسوب من الجميع كثلث أو ربع أو نحو ذلك من المشاع والصدقة به جائزة حسنة، للشريك ولغير الشريك. وللغنى والفقير فيما ينقسم وفيما لا ينقسم كالحيوان وغيره ولا فرق، لأن الله تعالى قد حض على الصدقة وفعل الخير والفضل وكانت الهبة فعل خير، وقد علم الله عز وجل أن فى أموال المحضوضين على الهبة والصدقة مشاعا وغير مشاع فلو كان تعالى لم يبح لهم الصدقة والهبة فى المشاع لبينه لهم ولما كتمه عنهم

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار: أنه تصح هبة المشاع كبيعه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اشترى سراويل «زن وأرجح» فوهب الرجحان، وهو مشاع وليس بزيادة فى الثمن اذ شرطها التبيين والا فهبة، وقد وهب رجل حمارا وحشيا للرسول صلى الله عليه وسلم وقد كان عقره

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن هبة المشاع جائزة سواء كان ذلك مما يمكن قسمته أو لا يمكن لعموم الاخبار الواردة فى جواز الهبة، ولأن الأصل جوازه

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 478 فى كتاب الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 149 وما بعدها الى ص 152 مسئلة رقم 1633 الطبعة السابقة.

(3)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 134 الطبعة السابقة.

ص: 246

والمنع يحتاج الى دليل وروى أن النبى صلى الله عليه وسلم اشترى سراويل بأربعة دراهم وقال للوازن زن وأرجح.

قوله صلى الله عليه وسلم «وأرجح» هبة وهو مشاع فدل على صحة هبة المشاع، وعن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال يوم خيبر: مالى مما أفاء الله عليكم الا الخمس والخمس مردود فيكم فردوا الخيط والمخيط فان الغلول يكون على أهله عارا يوم القيامة ونارا وشنارا فقام رجل فى يده كبة من شعر فقال أخذت هذه لأصلح برذعة بعيرى فقال أما ما كان لى ولبنى عبد المطلب فهو لك فقال أما اذا بلغت ما أرى فلا أرب لى فيها ونبذها، وكانت حصة النبى صلى الله عليه وسلم فى الكبة مشاعا فدل هذا على جواز هبة المشاع

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أن الهبة لا تصح فى مال شركة ذى شياع جهلت فيه الأنصباء عند من يشترط القبول والقبض فى الهبة لعدم القبض حينئذ أما عند من لم يشترط القبول والقبض أو من اشترط القبول فقط فتصح

(2)

.

وتصح لشريك فى مشترك مثل أن يشترك اثنان فى أصل أو عروض فيهب أحدهما سهمه للآخر ان لم يشترك ثالث معهما فصاعدا، والا لم تصح لبقاء شريك آخر أو شركاء لم تتميز سهامهم لشياعها ولو تميزت بالتسمية فلا قبض حينئذ

(3)

.

وان وهب واهب ما يقسم كدار أو متاع مثل ثوب اذا كان قسمه لا يفسده لاثنين أو أكثر فقبضاه فى قول شرط القبض وهو بالتخلية أو بقبض بعض واجازة آخر منه جازت هبته وان لم يكن مقسوما حين وهبه لهما.

ولا سيما لو وهبه بعد قسمه بالفصل أو بأن يقول من كذا الى كذا لفلان وذلك قول الربيع وقيل لا يجوز حتى يقسمه لهما وهو قول ابن عبد العزيز وفى الأثر وهو المختار واختار الشيخ جوازها قال ابن بركة من وهب ماله فى غير ما تمكن فيه القسمة لبعض شركائه جاز اتفاقا، وفى غيره قولان، والمختار الجواز

(4)

.

‌ثالثا: حكم أضافة الهبة الى ما فى الذمة

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط

(1)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن الطوسى ج 2 ص 13، ص 14 مسئلة رقم 3 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 6 طبع محمد ابن يوسف البارونى.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 7 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 6 ص 12، ص 13 نفس الطبعة.

ص: 247

صحة الهبة أن يكون الموهوب مملوكا للواهب فلا تجوز هبة مال الغير بغير اذنه لاستحالة تمليك ما ليس بمملوك وسواء كان المملوك عينا أو دينا فتجوز هبة الدين لمن عليه الدين قياسا واستحسانا.

وأما هبة الدين لغير من عليه الدين فجائز أيضا اذا أذن له بالقبض وقبضه استحسانا.

والقياس أن لا يجوز وان أذن له بالقبض.

وجه القياس أن القبض شرط جواز الهبة وما فى الذمة لا يحتمل القبض بخلاف ما اذا وهب لمن عليه لأن الدين فى ذمته وذمته فى قبضه فكان الدين فى قبضه بواسطة قبض الذمة.

ووجه الاستحسان أن ما فى الذمة مقدور التسليم والقبض ألا ترى أن المدين يجبر على تسليمه الا أن قبضه بقبض العين فاذا قبض العين قام قبضها مقام قبض عين ما فى الذمة الا أنه لا بد من الاذن بالقبض صريحا ولا يكتفى فيه بالقبض بحضرة الواهب بخلاف عين الهبة

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل نقلا عن المدونة أن من وهبك دينا له عليك فقولك قد قبلت قبض، واذا قبلت سقط، وان قلت لا أقبل بقى الدين بحاله.

قال أبو الحسن وان سكت فقولان.

وقال فى الشامل: وان وهب الدين لمن هو عليه والوديعة لمن هى تحت يده فقبل مضى وان لم يقل قبلت حتى مات الواهب بطلت الهبة على الأصح كأن قال لا أقبل.

وقال البرزلى وسئل أبو محمد عمن كان عليه دين فتركه صاحبه له ولم يقل الذى عليه قبلت الا أنه سمعه ثم قام صاحب الدين يطلبه وقال اذا لم يقل قبلت فليس له شئ، فأجاب اذا قال المطلوب انما سكت قبولا لذلك فالقول قوله

(2)

.

وجاء فى التاج والاكليل: ولو كان دينه على غيرك فوهبه لك فان أشهد بذلك وجمع بينك وبين غريمه ودفع اليك ذكر الحق ان كان عنده فهو قبض وان لم يكن كتب عليك ذكر الحق واشهد لك وأحالك عليه كان ذلك قبضا وكذلك ان أحالك به عليه فى غيبته

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 119 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن الحطاب ج 6 ص 52 الطبعة السابقة.

ص: 248

وأشهد لك وقبضت ذكر الحق كان ذلك قبضا لأن الدين هكذا يقبض ليس هو شيئا بعينه

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن هبة الدين المستقر للمدين أو التصدق به عليه ابراء فلا يحتاج الى قبول نظرا للمعنى، وهذا صريح فيه خلافا لما فى الذخائر من أنه كناية، نعم ترك الدين للمدين كناية ابراء وهبة لغير المدين باطلة فى الأصح، لأنه غير مقدور على تسليمه لأن ما يقبض من المدين عين لا دين وظاهر كلام جماعة واعتمده الوالد رحمه الله تعالى بطلان ذلك وان قلنا بصحة بيعه لغير من هو عليه بشروطه ويفرق بين صحة بيعه وعدم صحة هبته بأن بيع ما فى الذمة التزام لتحصيل المبيع فى مقابلة الثمن الذى استحقه والالتزام فيها صحيح بخلاف هبته فانها لا تتضمن الالتزام اذ لا مقابل فيها فكانت بالوعد أشبه فلم يصح وبتأمل هذا يندفع ما فى شرح المنهج والاسعاد وغيرهما من تخريج هذا على ذاك والحكم بصحة هبته بالأولى ان قلنا بصحة بيعه، ولو تبرع موقوف عليه بحصته من الأجرة لآخر لم يصح لأنها قبل قبضها اما غير مملوكة أو مجهولة فان قبض هو أو وكيله منها شيئا قبل التبرع وعرف حصته منها ورآه هو أو وكيله وأذن له فى قبضه وقبضه صح والا فلا، ولا يصح اذنه لجابى الوقف أنه اذا قبضه يعطيه للمتبرع عليه لأنه توكيل قبل الملك فى مجهول

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه لو وهب غريم دينه لغريمه صح وكذا لو أحله منه أو أسقطه عنه أو تركه له أو ملكه له أو تصدق به عليه أو عفا عنه صح وبرئت ذمته وكذا لو قال أعطيتكه ونحوه ويكون ذلك ابراء واسقاطا ولفظ الهبة والصدقة والعطية ينصرف الى معنى الابراء لأنه عين موجودة يتناولها اللفظ، قال الحارثى ولهذا لو وهبه دينه هبة حقيقية لم يصح لانتفاء معنى الاسقاط وانتفاء شرط الهبة ومن هنا امتنع هبته لغير من هو عليه وامتنع اجزاؤه عن الزكاة لانتفاء حقيقة الملك ويصح الابراء من الدين بالألفاظ السابقة ولو كان الدين المبرأ منه مجهولا لرب الدين والمدين أو كان مجهولا لأحدهما وسواء جهلا قدره أو جهلا وصفه أو جهلا القدر والوصف معا.

(1)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 6 ص 52 على هامش كتاب مواهب الجليل للحطاب الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 410، ص 411 فى كتاب أسفله حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج وعلى هامشه حاشية عبد الرازق طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.

ص: 249

ويصح الابراء من الدين ولو لم يقبله المدين لأنه اسقاط حق فلا يتوقف على قبول كاسقاط القصاص والشفعة، ويصح الابراء من الدين ولو رده المدين لأنه لو ارتد بالرد للزم وجوب الاستيفاء أو ابقاء الحق وهو ممتنع وان أبرأه ونحوه بأن وهبه أو تصدق به عليه أو تركه له بعتقد أنه لا شئ له عليه كقوله أبرأتك من مائة يعتقد عدمها ثم تبين أنه كان له عليه صحت البراءة لمصادفتها الحق

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من كان له عند آخر حق فى الذمة دراهم أو دنانير أو غير ذلك أو أى شئ كان فقال له: قد وهبت لك مالى عندك أو قال قد أعطيتك مالى عندك أو قال لآخر قد وهبت لك مالى عند فلان أو قال أعطيتك مالى عند فلان فلا يلزم شئ من ذلك لأنه لا يدرى ذلك الحق الذى له عند فلان فى أى جوانب الدنيا هو ولعله فى ملك غير الآن. وانما يجوز هذا بلفظ الابراء أو العفو أو الاسقاط أو الوضع ويجوز أيضا بلفظ الصدقة للحديث الذى رويناه عن طريق مسلم باسناده عن أبى سعيد الخدرى قال أصيب رجل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ثمار أبتاعها فكثر دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تصدقوا عليه فهذا عموم للغرماء وغيرهم

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار: أنه تصح هبة الدين لمن هو عليه اجماعا اذ صدرت من أهلها وصادفت محلها كالعين، ولا تفتقر هنا الى قبول اذ هى اسقاط كالابراء.

وقال المؤيد بالله: بل تفتقر الى قبول اذ هى تمليك.

قلنا التمليك انما يتعلق بالعين ولا معنى لتمليك ما فى الذمة الا الابراء ومن ثم لم يصح الرجوع.

وتصح هبة الدين لغير من هو عليه اذ القبض غير شرط ومن اشترطه منع من صحة ذلك لتعذره.

قال الامام يحيى والابراء من الدين لا يفتقر الى القبول اجماعا كالابراء من الشفعة.

قال القاسمية لكن يبطل بالرد لتضمنه معنى التمليك كهبة العين.

وقال الامام يحيى لا يبطل كالابراء من الشفعة والعيب.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 477، ص 478 فى كتاب الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 9 ص 117، ص 118 مسئلة رقم 1626 الطبعة السابقة.

ص: 250

وتصح هبة العين ممن هى فى يده بغصب أو غيره ولا تفتقر المضمونة الى الاذن بالقبض عند من اعتبره الا فى الغصب، اذ هى يد عدوان، فان وهب المرهونة أو المستأجرة من غيرهما كانت موقوفة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام أنه لو وهب انسان ما فى الذمة، فان كانت الهبة لغير من عليه الحق لم يصح على الأشبه، لأن الهبة مشروطة بالقبض، وان كانت الهبة لمن عليه الحق صح، فتصرف الى الابراء، ولا يشترط فى الابراء القبول على الأصح.

ولو وهب ما هو فى يد الموهوب له صح ولم يفتقر الى اذن الواهب فى القبض ولا أن يمضى زمان يمكن فيه القبض وربما صار الى ذلك بعض الأصحاب

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن الهبة لا تصح فيما فى الذمة من دين أو قرض أو غيرهما عند من يشترط القبول والقبض فى الهبة، وتصح عند من لم يشترطهما ومن يشترط القبول فقط.

وذكر أبو زكرياء فى الأحكام ما يدل على أنه يصح هبة ما فى الذمة

(3)

.

قال صاحب النيل: وتصح هبة دين لغريم لوجود القبض فيها، وكذا كل ما بذمة يوهب لمن هو فى ذمته وتصح عند من لم يشترط القبول والقبض بالأولى

(4)

.

وقيل تصح هبة الدين لغير من هو فى ذمته ولو لم يحل.

وقيل لا تصح الا ان أقر به من هو له وضمن به للموهوب له.

قال أبو سعيد والأكثر على منع هبة الآجل وثبتت فى العاجل اذا أحرزه، واحرازه قيل اقرار من هو عليه به.

وقيل ضمانه.

وقيل قبضه.

وان أقر له به اقرارا ثبت اذا صح الحق، ولو غاب من لزمه أو كان آجلا.

وقيل لا تثبت فى الآجل

(5)

.

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 4 ص 134، ص 135 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى ج 1 ص 253، للمحقق الحلى من منشورات دار مكتبة دار الحياة ببيروت.

(3)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 6 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(4)

المرجع السابق ج 6 ص 7 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق ج 6 ص 13 نفس الطبعة.

ص: 251

‌رابعا: حكم اضافة الهبة

الى مجهول أو غير موجود

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: أنه يشترط فى الموهوب أن يكون موجودا وقت الهبة فلا تجوز هبة ما ليس بموجود وقت العقد بأن وهب ما يثمر نخله العام وما تلد أغنامه السنة ونحو ذلك بخلاف الوصية.

والفرق أن الهبة تمليك للحال وتمليك المعدوم محال، والوصية تمليك مضاف الى ما بعد الموت والاضافة لا تمنع جوازها.

وكذلك لو وهب ما فى بطن هذه الجارية أو ما فى بطن هذه الشاة أو ما فى ضرعها لا يجوز وان سلطه على القبض عند الولادة والحلب، لأنه لا وجه لتصحيحه للحال لاحتمال الوجود والعدم، لأن انتفاخ البطن قد يكون للحمل وقد يكون لداء فى البطن وغيره وكذا انتفاخ الضرع قد يكون باللبن وقد يكون بغيره فكان له خطر الوجود والعدم ولا سبيل لتصحيحه بالاضافة الى ما بعد زمان الحدوث لأن التمليك بالهبة مما لا يحتمل الاضافة الى الوقت فبطل ولهذا لا يجوز بيعه، بخلاف ما اذا وهب الدين من غير من عليه الدين وسلطه على القبض فانه يصح استحسانا، لأنه أمكن تصحيحه للحال لكون الموهوب موجودا مملوكا للحال مقدور القبض بطريقه.

وكذلك لو وهب زبدا فى لبن أو دهنا فى سمسم أو دقيقا فى حنطة لا يجوز وان سلطه على قبضه عند حدوثه، لأنه معدوم للحال فلم يوجد محل حكم العقد للحال فلم ينعقد ولا سبيل الى الاضافة الى وقت الحدوث فبطل أصلا، بخلاف ما اذا وهب صوفا على ظهر الغنم وجزه وسلمه فانه يجوز، لأن الموهوب موجود مملوك للحال، الا أنه لم ينفذ للحال لمانع وهو كون الموهوب مشغولا بما ليس بموهوب، فاذا جزه فقد زال المانع لزوال الشغل فينفذ عند وجود القبض، كما لو وهب شقصا مشاعا ثم قسمه وسلمه

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل نقلا عن المدونة:

أن الغرر فى الهبة لغير الثواب يجوز الا فى البيع.

ومن وهب لرجل موروثه من فلان وهو لا يدرى كم هو سدس أو ربع، أو وهبه نصيبه من دار أو جدار وهو لا يدرى كم ذلك فذلك جائز، قال ابن الحكم:

تجوز هبة المجهول ولو ظهر له أنها كثير بعد ذلك

(2)

.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 119 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ سنة 1910 م.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 6 ص 51 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق الطبعة السابقة.

ص: 252

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن الثمر ونحوه قبل بدو صلاحه تصح هبته من غير شرط قطع ويحصل القبض فيه بالتخلية ويكلف المتهب قطعه حالا حيث طلبه الواهب وان لم يكن منتفعا به، ولا يجبر الواهب على ابقائه بالأجرة وهبة أرض مع بذر أو زرع لا يفرد بالبيع كالقمح فى سنبله صحيحة فى الأرض لانتفاء المبطل للبيع فيهما من الجهل بما يخصهما من الثمن عند التوزيع، فالقول بأن ذلك وارد على الضابط لجواز هبته دون بيعه مردود وما لا يجوز بيعه كمجهول ومغصوب لمن لا يقدر على انتزاعه وضال وآبق فلا يجوز هبته بجامع أن كلا منهما تمليك فى الحياة ولا ينافيه خبر «زن وأرجح لأن الرجحان المجهول وقع تابعا لمعلوم، على أن الأوجه كون المراد بأرجح تحقق الحق حذرا من التساهل فيه. ولا ينافيه كذلك قوله صلى الله عليه وسلم للعباس رضى الله تعالى عنه فى المال الذى جاء من البحرين خذ منه. الحديث، لأن الظاهر أن ما ذكر فى المجهول انما هو بالمعنى الأخص بخلاف هديته وصدقته فيصحان فيما يظهر وأعطاء العباس الظاهر أنه صدقة لا هبة لكونه من جملة المستحقين الا فى مال وقف بين جمع للجهل بمستحقه، فيجوز الصلح بينهم على تساو أو تفاوت للضرورة.

وقال الامام ولا بد أن يجرى بينهم تواهب ولبعضهم اخراج نفسه من البين، لكن ان وهب لهم حصته جاز على ما قاله الامام أيضا.

ولو خلط متاعه بمتاع غيره فوهب احدهما نصيبه لصاحبه صح مع جهل قدره وصفته للضرورة

(1)

.

ولو قال لغيره أنت فى حل مما تأخذ أو تعطى أو تأكل من مالى فله الأكل فقط لأنه اباحه وهى صحيحة بالمجهول بخلاف الأخذ والاعطاء، قاله العبادى قال وفى خذ من عنب كرمى ما شئت لا يزيد على عنقود، لأنه أقل ما يقع عليه الاسم وما استشكل به يرد بأن الاحتياط المبنى عليه حق الغير أوجب ذلك التقدير.

وأفتى القفال فى أبحت لك من ثمار بستانى ما شئت بأنه اباحه وظاهره أن له أخذ ما شاء وما قاله العبادى أحوط.

وفى الأنوار لو قال أبحت لك ما فى دارى أو ما فى كرمى من العنب فله أكله دون بيعه وحمله واطعامه لغيره وتقتصر الاباحة على الموجود عندها فى الدار أو الكرم، ولو قال أبحت لك جميع ما فى دارى أكلا واستعمالا ولم يعلم المبيح الجميع لم تحصل الاباحة

(2)

.

(1)

نهاية المحتاج الى معرفة المنهاج للرملى ج 5 ص 408، ص 409 فى كتاب أسفله حاشيه الشبراملسى على نهاية المحتاج وعلى هامشه حاشية عبد الرازق الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 408، ص 409 الطبعة السابقة.

ص: 253

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه لا تصح هبة مجهول لا يتعذر علمه كالحمل فى البطن واللبن فى الضرع والصوف على الظهر للجهالة وتعذر التسليم ومتى أذن رب شاة لانسان فى جز الصوف وحلب الشاة كان اباحة لصوفها ولبنها لا هبة وان وهب دهن سمسمه وهو الشيرج قبل عصره أو زيت زيتونه قبل عصره لم يصح كاللبن فى الضرع وأولى لكلفة الاعتصار، ولو قال خذ من هذا الكيس ما شئت كان له أخذ ما به جميعا، ولو قال خذ من هذه الدراهم ما شئت لم يملك أخذها كلها اذ الكيس ظرف فاذا أخذ المظروف حسن أن يقال أخذ من الكيس ما فيه ولا يحسن أن يقال أخذت من الدراهم كلها قاله ابن الصيرفى فى النوادر.

ولا تصح هبة المعدوم كالذى تحمل أمته أو شجرته لأن المعدوم ليس بشئ فلا يقبل العقد فان تعذر علم المجهول كزيت اختلط بزيت أو شيرج صحت هبته كصلح عنه للحاجة.

ولا تصح هبة ما لا يقدر على تسليمه كآبق وشارد وطير فى هواء وسمك فى ماء ومرهون لأن ذلك لا يتأهل للقبض والقبض من ماهية العقد فلا يقع العقد عليه

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا تجوز هبة الا فى موجود معلوم معروف القدر والصفات والقيمة والا فهى باطله مردودة وكذلك ما لم يخلق بعد كمن وهب ما تلد أمته أو شاته أو سائر حيوانه أو ما يحمل شجره العام وهكذا كل شئ، لأن المعدوم ليس شيئا والهبة والصدقة والعطية يقتضى كل ذلك موهوبا ومتصدقا فمن أعطى معدوما أو تصدق بمعدوم فلم يعط شيئا ولا وهب شيئا ولا تصدق بشئ واذ لم يفعل كل ما ذكرنا فلا يلزمه حكم وقد حرم الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال الناس الا بطيب أنفسهم ولا يجوز أن تطيب النفس على ما لا تعرف صفاته ولا ما هو ولا ما قدره ولا ما يساوى وقد تطيب نفس المرء غاية الطيب على بذل الشئ وبيعه ولو علم صفاته وقدره وما يساوى لم تطب نفسه به فهذا أكل مال بالباطل فهو حرام لا يحل. وكذلك من أعطى أو تصدق بدرهم من هذه الدراهم أو برطل من هذا الدقيق أو بصاع من هذا البر فهو كله باطل، لما ذكرنا لأنه لم يوقع صدقته ولا هبته على مكيل بعينه ولا موزون بعينه ولا معدود بعينه فلم يهب ولا تصدق أصلا وكذلك لا يجوز شئ من ذلك لمن لا يدرى ولا لمن لم يخلق

(2)

.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 479 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 116، ص 117 مسئلة رقم 1625 الطبعة السابقة.

ص: 254

واما اذا أعطى شيئا غير معين من جملة أو عدد كذلك أو ذرعا كذلك أو وزنا كذلك أو كيلا كذلك فهو باطل لا يجوز مثل أن يعطى درهما من هذه الدراهم أو دابة من هذه الدواب أو خمسة دنانير من هذه الدنانير أو رطلا من هذا الدقيق أو صاعا من هذا التمر أو ذراعا من هذا الثوب وهكذا فى كل شئ والصدقة بكل هذا والهبة والاصداق والبيع والرهن والاجارة باطل كل ذلك سواء فيما اختلفت أبعاضه أو لم لم تختلف لا لشريك ولا لغيره لا لغنى ولا لفقير لأنه لم يوقع الهبة ولا الصدقة ولا الاصداق ولا الرهن ولا الاجارة على شئ أبانه عن ملكه فلم يخرج شئ من تلك الجملة عن ملكه ولا أوقع فيه حكما فلا شئ فى ذلك وهذا هو أكل المال بالباطل

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن من شروط صحة الهبة تمييز الشئ الموهوب بما يميزه للبيع - من حد أو وصف أو لقب أو اشارة - فان لم يميزه كانت فاسدة ويكون فى يد الموهوب له اباحة فهبة المجهول لا تصح اذا كان عينا كما لا يصح بيعه نحو ثوب من ثياب أو أحد الثوبين، ولو عرفا بعض الموهوب دون بعض صحت الهبة فيما عرفاه فقط بخلاف البيع فلا يصح، لأن حصته من الثمن تكون مجهولة وكذا فى الهبة بعوض. فاذا ميز للهبة بمثل ما يميز للبيع صحت.

وأجاز المؤيد بالله اذا ذكر لها حاصرا نحو أن يقول: كل ما أملك أو ورثت من فلان.

وحمله القاضى زيد وأبو مضر على معرفة الجنس

(2)

.

قال المؤيد بالله والامام يحيى وتصح هبة كل ما فى اليد وان لم يذكر جنسه وقدره اذ القصد بالتمييز امكان التسليم، والحصر كالتعيين فى ذلك.

قال أبو طالب وأبو العباس لا بد من ذكر الجنس والقدر أو معرفتهما لترتفع الجهالة

(3)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى العروة الوثقى: ان الموهوب يجوز أن يكون عينا معينة شخصية، ويجوز أن يكون جزءا مشاعا من عين وكذا يجوز أن يكون كليا فى العين كصاع من

(1)

المرجع السابق ج 9 ص 152 مسئلة رقم 1634 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار ج 3 ص 436 لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

(3)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 4 ص 135 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.

ص: 255

صبرة معينة وأن يكون كليا فى ذمة الواهب كأن يهبه منا من الحنطة فى ذمته أو عشر ليرات كذلك وكذا يجوز أن يكون دينا على الغير فيجوز هبته لمن عليه بلا اشكال، ولا يكون ابراء كما قد يتخيل بل هو هبة تفيد فائدة الابراء، ولا تحتاج الى القبض لأن ما فى الذمة مقبوض لمن عليه، وهل يحتاج الى القبول، الظاهر ذلك وربما يحتمل عدم حاجته اليه مع كونه هبة، لأنها بمنزلة الابراء.

وأما هبته لغير من عليه فالمشهور عدم صحتها، لأنه كلى لا وجود له فى الخارج فلا يمكن قبضه، وفيه أن قبضه بقبض أحد أفراده اذ التحقيق أن الكلى عين الأفراد، فاذا اذن له الواهب فى قبضه فقبضه صحت وكذا اذا قبضه الواهب ثم أقبضه أو اذن له فى القبض عنه ثم القبض لنفسه فالاقوى صحتها مع أنه يمكن أن يستدل عليه بصحيحة صفوان عن الرضا عليه السلام «عن رجل كان له على رجل مال فوهبه لولده فذكر له الرجل المال الذى له عليه فقال أنه ليس فيه عليك شئ فى الدنيا والآخرة يطيب ذلك له وقد كان وهبه لولد له قال عليه السلام: نعم يكون وهبه ثم نزعه فجعله لهذا. وانما جاز له ذلك مع كون الهبة للولد لا يجوز له الرجوع فيها لأنه لم يقبضه.

واذا وهبه دينا له على غيره وكان المتهب مدينا لذلك الغير بقدره صح.

وحينئذ فاما أن يقبضه الواهب منه ويسلمه الى المتهب أو يأذن له فى القبض فيقبض ثم يرد عليه عوضا عما عليه أو يحسب عليه بازاء ما عليه، وحينئذ يكون كأنه قد قبض للكلى على كليته لا بقبض فرد منه.

ولا يشترط فى الهبة أن يكون المال الموهوب معلوم المقدار فلا يصح هبة الصبرة أو الجزء المشاع منها مع عدم العلم بمقدارها.

وكذا تصح هبة الدين الذى لم يعلم مقداره نعم يجب تعيين الجزء المشاع من ثلث أو ربع أو نحوهما ان لم يكن متعينا فى الواقع.

وكذا يجب تعيين المقدار اذا وهبه شيئا كليا فى ذمة نفسه.

والأقوى جواز هبة الفرد المردود كأحد العبدين.

وتجوز هبة العين المعارة والمودعه والمستأجرة بل والمغصوبة مع امكان القبض اذا حصل بعد ذلك بل تصح اذا كان مأيوسا من حصوله فاتفق حصوله، وهل يجوز اذا أمكن التقاص من مال الغاصب أو لا؟ يمكن أن يقال بصحته مع اذن الواهب للمتهب فى ذلك، لكنه مشكل، لأن التقاص ليس قبضا للعين الموهوبة بل قبض لعوضها

(1)

.

(1)

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 2 ص 161، ص 162 طبع مطبعة الحيدرى فى طهران سنة 1377 هـ

ص: 256

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه لا تجوز هبة العروض من الحيوان والأمتعة حتى يحضروا وكذلك كل المنتقل وقيل جائز بيع الحيوان وهبتها بين الشركاء اذا رأوها ما دون سبعة أيام.

وقيل: ثلاثة.

ولا بد من الاشارة اليها حال الهبة أو البيع.

وقيل تجوز: هبة المجهول، وهبة الغائب، طالت مدة الغيبة أو قصرت.

وحضور الموهوب مع قبوله قبض لأن التخلية قبض.

وقال ابن عبد العزيز لا تجوز الا فى المعلوم.

وعن بعضهم جوازها فى المعلوم بالوصف لا فى المجهول من كل وجه.

وان وهب له كذا من غنمه أو دنانيره فله العدد لا الزيادة والنمو ويلحق ما نقص من العدد ولا شئ عليه من الحقوق.

وان وهب له بعضا من هذا المعين لم يجز

(1)

.

وجازت هبة الأصل والعرض ما ظهر أو بطن كان موجودا أو غير موجود أو جهل على الصحيح، وقيل لا تجوز هبة المجهول وهبة المجهول الباطن مثل هبة ما فى بطن أمة أو شاة أو ناقة أو نحوها كبقرة ومثل هبة الجزر واللفت والبصل

(2)

.

‌الاضافة فى الرهن

حكم اضافة الرهن الى المال الشائع

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط صحة الرهن الحيازة فلا يصح قبض المشاع، لأن قبض النصف الشائع وحده لا يتصور والنصف الآخر ليس بمرهون فلا يصح قبضه، وسواء كان مشاعا يحتمل القسمة أو لا يحتملها، لأن الشيوع يمنع تحقق قبض الشائع فى النوعين جميعا بخلاف الهبة فان الشيوع فيها لا يمنع الجواز فيما لا يحتمل القسمة، لأن المانع هناك ضمان القسمة وهو يخص المقسوم، وسواء رهن من أجنبى أو من شريكه وسواء كان مقارنا للعقد أو طرأ عليه فى ظاهر الرواية

وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أن الشيوع الطارئ على العقد لا يمنع بقاء العقد على الصحة كما لو رهن شيئا وسلط المرتهن أو العدل على بيعه كيف شاء مجتمعا

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 7 ص 8 طبع محمد ابن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 12 نفس الطبعة.

ص: 257

أو متفرقا فباع نصفه شائعا أو استحق بعض الرهن شائعا.

وجه رواية أبى يوسف أن حال البقاء لا يقاس على حال الابتداء، لأن البقاء أسهل من حكم الابتداء لهذا فرق الشرع بين الطارئ والمقارن فى كثير من الأحكام كالعدة الطارئة والاباق الطارئ ونحو ذلك، فكون الحيازة شرطا فى ابتداء العقد لا يدل على كونها شرط البقاء على الصحة.

ووجه ظاهر الرواية أن المانع فى المقارن كون الشيوع مانعا عن تحقق القبض فى النصف الشائع وهذا المعنى موجود فى الطارئ فيمنع البقاء على الصحة.

ولو رهن رجلان رجلا عبدا بدين له عليهما رهنا واحدا جاز وكان كله رهنا بكل الدين حتى ان للمرتهن أن يمسكه حتى يستوفى كل الدين، واذا قضى احدهما دينه لم يكن له ان يأخذ نصيبه من الرهن لأن كل واحد منهما رهن كل العبد بما عليه من الدين لا نصفه وان كان المملوك منه لكل واحد منهما النصف، لأن كون المرهون مملوك الراهن ليس بشرط لصحة الرهن فيجوز رهن مال الغير باذنه واقدامهما على رهنه صفقة واحدة دلالة الاذن من كل واحد منهما فصار كل العبد رهنا بكل الدين ولا استحالة فى ذلك، لأن الرهن حبس وليس يمتنع أن يكون العبد الواحد محبوسا بكل الدين فلم يكن هذا رهن الشائع فجاز، وليس لأحدهما أن يأخذ نصيبه من العبد اذا قضى ما عليه من الدين لأن كله مرهون بكل الدين فما بقى شئ من الدين بقى استحقاق الحبس، وكذلك اذا رهن رجل رجلين بدين لهما عليه وهما شريكان فيه أو لا شركة بينهما جاز، واذا قضى الراهن دين أحدهما لم يكن له أن يقبض شيئا من الرهن، لأنه رهن كل العبد بدين كل واحد منهما، وكل العبد يصلح رهنا بدين كل واحد منهما على الكمال كأن ليس معه غيره.

وهذا بخلاف الهبة من رجلين على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنها غير جائزة لأن الهبة تمليك وتمليك شئ واحد من اثنين من كل واحد منهما على الكمال محال والعاقل لا يقصد بتصرفه المحال، فأما الرهن فحبس ولا استحالة فى كون الشئ الواحد محبوسا بكل واحد من الدينين فهو الفرق بين الفصلين.

غير أنه وان كان محبوسا بكل واحد من الدينين لكنه لا يكون مضمونا الا بحصته حتى لو هلك تنقسم قيمته على الدينين فيسقط من كل واحد منهما بقدره، لأن المرتهن عند هلاك الرهن يصير مستوفيا الدين من مالية الرهن وانه لا يفى لاستيفاء الدينين وليس أحدهما بأولى من الآخر فيقسم عليهما فيسقط من كل واحد منهما بقدره ولو رهن بيتا بعينه من دار أو رهن طائفة معينة من دار جاز لانعدام الشيوع.

وعلى هذا الأصل تخرج زيادة الدين على

ص: 258

الرهن أنها لا تجوز عند أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة أن مالكا رحمه الله تعالى قال: لا بأس برهن جزء مشاع غير مقسوم من ربع أو حيوان أو عرض وقبضه ان كان بيد الراهن وغيره أن يحوز المرتهن حصة الراهن ويكريه ويليه مع من له فيه شرك لربه ولا بأس فى أن يضعاه على يد الشريك والحوز فى ارتهان نصف ما يملك الراهن جميعه من عين أو دابة أو ثوب - قبض جميعه.

قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: رهن المشاع فيما باقيه لغير الراهن ربعا أو منقسما لا يفتقر الى اذن شريكه، وان كان غيره فكذلك عند ابن القاسم رحمه الله تعالى.

وقال أشهب: من كان له نصف عبد أو نصف دابة أو ما ينقل كالثوب والسيف لم يجز أن يرهن حصته الا باذن شريكه وكذا كل ما لا ينقسم.

وروى عن المدونة أنه ان كان الرهن مما ينقسم من طعام ونحوه فرهن حصته منه جاز ذلك اذا حازه المرتهن فان شاء الشريك البيع قاسم فيه الراهن والرهن كما هو فى يد المرتهن لا يخرجه من يده فان غاب الراهن أقام الامام من يقسم له ثم تبقى حصة الراهن فى الوجهين رهنا ويطبع على كل ما لا يعرف بعينه.

ومن رهن حصته من دار ثم أكترى حصة شريكه وسكن بطل الحوز ان لم يقم المرتهن بقبض حصة الراهن من الدار ويقاسمه، لأنه لما سكن نصف الدار وهى غير مقسومة صار المرتهن غير حائز ولا يمنع الشريك أن يكرى نصيبه من الراهن ولكن تقسم الدار فيحوز المرتهن رهنه ويكرى الشريك نصيبه ممن يشاء.

قال ابن المواز رحمه الله تعالى: ومن ارتهن نصف دار فجعلها على يدى شريك الراهن ثم ارتهن نصابه الشريك بعد ذلك فجعلها على يدى الراهن الأول فانه يبطل رهن جميع الدار، لأنها قد رجعت على حالها بيد كل واحد نصابه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه يصح رهن المشاع من الشريك وغيره وقبضه بقبض

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 138، ص 139 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 5 ص 4، ص 5 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.

ص: 259

الجميع كما فى البيع فيكون بالتخلية فى غير المنقول وبالنقل فى المنقول ولا يحتاج لاذن شريكه الا فى المنقول فان لم يأذن ورضى المرتهن كونه بيده جاز وناب عنه فى القبض، والا أقام الحاكم عدلا يكون فى يده لهما ويؤجره ان كان مما يؤجر وتجرى المهايأه بين المرتهن والشريك كجريانها بين الشريكين، فعلم صحة رهن نصيبه من بيت معين من دار مشتركة من غير اذن شريكه كما يجوز بيعه فلو اقتسماها فخرج المرهون لشريكه لزمه قيمته رهنا، لأنه حصل له بدله

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه يصح رهن المشاع من الشريك ومن الأجنبى، لأنه يجوز بيعه فى محل الحق فأشبه الفرز، ثم ان كان المرهون بعضه مما لا ينقل كالعقار خلى الراهن بين الرهن وبين المرتهن وان لم يحضر الشريك ولم يأذن اذ ليس فى التخلية بينه وبينه ضرر على حصة الشريك، وان كان المرهون بعضه مما ينقل كالثياب والبهائم فرضى الشريك والمرتهن بكونه فى يد أحدهما أو غيرهما جاز، لأن الحق لهما لا يتجاوزهما، وان لم يتراضيا على ذلك جعله حاكم فى يد أمين أمانة أو بأجرة لأن قبض المرتهن واجب، ولا يمكن ذلك منفردا، لكونه مشاعا فتعين ما ذكر لكونه وسيلة الى القبض الواجب وللحاكم أن يؤجره عليهما لوجود المصلحة لهما بذلك، ويصح أن يرهن انسان بعض نصيبه من المشاع كأن يرهن نصف نصيبه أو يرهن نصيبه من عين فى مشاع مثل أن يكون له نصف دار فيرهن نصيبه من بيت من الدار بعينه لشريكه أو غير شريكه فيصح لأنه يجوز بيعه

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى

(3)

أن رهن المرء حصته من شئ مشاع مما ينقسم أو لا ينقسم عند الشريك فيه وعند غير الشريك جائز، لأن الله تعالى قال «فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ،}

(4)

ولم يخص سبحانه وتعالى مشاعا من مقسوم، {وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»

(5)

وقبض الرهن اذا كان مشاعا كقبض صاحبه لحصته منه مع شريكه ولا فرق، ولو كان القبض لا يصح فى المشاع لكان الشريكان فيه غير قابضين له، ولو كانا غير قابضين له لكان مهملا

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 4 ص 234 فى كتاب أسفله حاشية الشبراملسى على نهاية المحتاج وعلى هامشه حاشية الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ سنة 1938 م.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 146، ص 147 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.

(3)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 8 ص 88، ص 89 مسئلة رقم 1210 طبع ادارة الطباعة المنيرية.

(4)

الآية رقم 283 من سورة البقرة.

(5)

الآية رقم 64 من سورة مريم.

ص: 260

لا يد لأحد عليه وهذا أمر يكذبه الدين والعيان

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: وحواشيه أنه لا يصح رهن جزء مشاع سواء قارن الشياع العقد أو طرأ، وسواء كان الرهن من غير الشريك أو من الشريك، لأن للشريك بيع نصيبه من الغير وذلك يمنع حق المرتهن ولتعذر استعماله لنصيبه واذا باع حقه وأخذ المشترى نصيبه أدى الى زوال قبضه من يد المرتهن فخرج عن كونه رهنا، نص على ذلك الهادى عليه السلام فى الأحكام وصححه السادة.

وقال فى المنتخب والناصر: انه يصح رهنه مطلقا فان رهن المشاع كله صح ذلك.

ولو رهن المشاع من اثنين فى صفقة واحدة صح ذلك.

فان عقد الرهن ولا شياع ثم بعد ذلك طرأ عليه الشياع فسد الرهن.

مثال ذلك أن يرهن منه أرضا فيقبضها ثم يتفاسخا الرهن فى بعضها دون بعض أو يبيع الراهن بعضها باذن المرتهن أو يرث الراهن بعض الدين فانه اذا طرأ أى هذه فسد الرهن

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الخلاف أن رهن المشاع جائز لقول الله تعالى {فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ،} ولم يفصل وأيضا الاخبار على عمومها وأيضا على المسألة اجماع الفرقة وأخبارهم يدل عليها

(3)

.

وجاء فى الروضة البهية أن الرهن لو كان مشاعا فلابد من اذن الشريك فى القبض أو رضاه بعده سواء كان مما ينقل أم لا لاستلزامه التصرف، فى مال الشريك وهو منهى عنه بدون اذنه فلا يعتد به شرعا.

ويشكل فيما يكفى فيه مجرد التخلية فانها لا تستدعى تصرفا، بل رفع يد الراهن عنه وتمكينه منه.

وعلى تقدير اعتباره فلو قبضه بدون اذن الشريك وفعل محرما فهل يتم القبض؟ قولان منشؤهما النهى المانع كما لو وقع بدون اذن الراهن وهو اختيار صاحب اللمعة وأن النهى انما هو لحق الشريك فقط للأذن من قبل الراهن الذى هو المعتبر شرعا وهو أجود ولو اتفقا على قبض الشريك جاز فيعتبر سماعه الاذن فيه

(4)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه يجوز أن يرهن

(1)

المحلى لابى محمد بن حزم ج 8 ص 89 مسئلة رقم 1211 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار ج 3 ص 400، ص 401 الطبعة السابقة.

(3)

الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 602 مسئلة رقم 7 الطبعة السابقة.

(4)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 350 الطبعة السابقة.

ص: 261

الشريك سهمه لشريكه الا فيما يكال أو يوزن

(1)

.

ولا يجوز رهن جميع التسميات لشريك ولا لغيره مطلقا لعدم صحة القبض فيها.

وجوز رهن التسميات لشريك فى الأصول والعروض سواء أمكنت القسمة أم لم تمكن فمن رهن سهما فى شئ مشترك لغير شريك وطلب ذلك الراهن من الشريك أن يكون المشترك بيد المرتهن فوافقه عليه على أن يكون سهم الشريك أمانة عند المرتهن لم يجز، لأن القبض فى هذه المسألة لم يكن كله بحق بل بعضه بائتمان ولصاحب الأمانة أن يردها فيزول القبض وهذه نفسها علة القول بمنع رهن التسمية ولو لشريك، لأن للشريك أن يبيع سهمه أو يخرجه من ملكه بوجه ما فيكون غير قابض لأن قبض ما ارتهن تابع لقبض سهمه، وسهمه زال عنه قبضه بالبيع مثلا

(2)

.

‌الاضافة فى الوصية

‌أولا - حكم اضافة الوصية الى

موصى له غير موجود

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط الوصية أن يكون الموصى له موجودا فان لم يكن موجودا لا تصح الوصية، لأن الوصية للمعدوم لا تصح.

وعلى هذا يخرج ما اذا قال أوصيت بثلث مالى لما فى بطن فلانة فانها ان ولدت لما يعلم أنه كان موجودا فى البطن صحت الوصية والا فلا، وانما يعلم ذلك اذا ولدت لأقل من ستة أشهر، ثم يعتبر ذلك من وقت موت الموصى فى ظاهر الرواية.

وعند الطحاوى رحمه الله تعالى من وقت وجود الوصية.

وجه ما ذكره الطحاوى رحمه الله تعالى أن سبب الاستحقاق هو الوصية فيعتبر وجوده.

ووجه ظاهر الرواية أن وقت نفوذ الوصية واعتبارها فى حق الحكم وقت الموت فيعتبر وجوده من ذلك الوقت، لأنها اذا جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الموت أو من وقت الوصية على اختلاف الروايتين تيقنا أنه كان موجودا، اذ المرأة لا تلد لأقل من ستة أشهر، واذا جاءت به لستة أشهر فصاعدا لا يعلم وجوده فى البطن، لاحتمال أنها علقت بعده، فلا يعلم وجوده بالشك الا اذا كانت المرأة معتدة من زوجها من طلاق أو وفاة فولدت الى سنتين منذ طلقها أو مات عنها زوجها فله الوصية، لأن نسب الولد يثبت من زوجها الى سنتين.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 5 ص 447 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(2)

المرجع السابق ج 5 ص 463 نفس الطبعة.

ص: 262

ومن ضرورة ثبوت النسب الحكم بوجوده فى البطن وقت موت الموصى فرق بين الوصية لما فى البطن وبين الهبة لما فى البطن أن الهبة لا تصح والوصية صحيحة، لأن الهبة لا صحة لها بدون القبض ولم يوجد والوصية لا تقف صحتها على القبض.

ولو قال ان كان فى بطن فلانة جارية فلها وصية ألف وان كان فى بطنها غلام فله وصية ألفان فولدت جارية لستة أشهر الا يوما وولدت غلاما بعد ذلك بيومين فلهما جميع الوصية، لأنهما أوصى لهما جميعا لكن لأحدهما بألف وللآخر بألفين وقد علم كونهما فى البطن، اما الجارية فلا شك فيها -، لأنها ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت موت الموصى فعلم أنها كانت موجودة فى البطن فى ذلك الوقت، وكذلك الغلام، لأنه لما ولد لأكثر من ستة أشهر بيوم أو يومين علم أنه كان فى البطن مع الجارية، لأنه توأم فكان من ضرورة كون أحدهما فى البطن كون الآخر كذلك، لأنهما علقا من ماء واحد فان ولدت غلامين وجاريتين لأقل من ستة أشهر فذلك الى الورثة يعطون أى الغلامين شاءوا وأى الجاريتين شاءوا الا أنه ما أوصى لهما جميعا، وانما أوصى لأحدهما، وليس أحدهما بأولى من الآخر، فكان البيان الى الورثة، لأنهم قائمون مقام المورث.

وقيل أن هذا الجواب على مذهب محمد رحمه الله تعالى.

فأما على قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه فالوصية باطلة بناء على مسئلة أخرى، وهو ما اذا أوصى بثلث ماله لفلان وفلان أو أوصى بثلث ماله لأحد هه الرجلين، روى عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه أن الوصية باطلة.

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى أنها صحيحة.

غير أن عند أبى يوسف الوصية لهما جميعا.

وعند محمد لأحدهما وخيار التعيين الى الورثة يعطون أيهما شاءوا فقاسوا هذه المسألة على تلك لأن المعنى يجمعهما وهو جهالة الموصى له.

ومنهم من قال ههنا يجوز فى قولهم جميعا وفرق بين المسئلتين من حيث أن الجهالة هناك مقارنة للعقد وههنا طارئة، لأن الوصية هناك حال وجودها أضيفت الى ما فى البطن لا الى أحد الغلامين واحدى الجاريتين ثم طرأت بعد ذلك بالولادة والبقاء أسهل من الابتداء كالعدة اذا قارنت النكاح منعته من الانعقاد فاذا طرأت عليه لا ترفعه كذا ههنا.

ولو قال ان كان الذى فى بطن فلانة غلاما فله ألفان وان كان جارية فلها ألف فولدت غلاما وجارية فليس لواحد

ص: 263

منهما شئ من الوصية، لأنه جعل شرط استحقاق الوصية لكل واحد منهما أن يكون هو كل ما فى البطن بقوله ان كان الذى فى بطنها كذا فله كذا وكل واحد منهما ليس هو كل ما فى البطن بل بعض ما فيه فلم يوجد شرط صحة استحقاق الوصية فى كل واحد منهما فلا يستحق أحدهما شيئا بخلاف المسئلة الأولى، لأن قوله ان كان فى بطن فلانة جارية فلها كذا وان كان فى بطنها غلام فله كذا ليس فيه شرط أن يكون كل واحد كل ما فى البطن بل الشرط أن يكون فى بطنها غلام وأن يكون فى بطنها جارية وقد كان فى بطنها غلام وجارية فوجد شرط الاستحقاق

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل أن من أوصى لحمل امرأة فأسقطته بعد موت الموصى فلا شئ له الا أن يستهل صارخا، ولو قال ثلثى لولد فلان وقد علم أنه لا ولد له جاز وينظر أيولد له أم لا، وان لم يعلم أنه لا ولد له فذلك باطل.

قال اللخمى: وأن أوصى لولد فلان ولا ولد له وله حمل حملت الوصية على أنها لذلك الحمل، فان ولد كانت الوصية له وان اسقطته أو ولدته ميتا سقطت الوصية ولا شئ لمن يولد بعد وان كثروا، فان ولد ولد تجر له بذلك المال ثم كذلك كلما ولد له ولد تجر له مع الأول، ومن بلغ التجر تجر لنفسه فان خسر فيه أو ضاع له منه شئ فى حين تجره للصغير لم يضمن، لأن الصغير لا تعمر ذمته بذلك وقد رضى الموصى بالوصية له على ما توجبه الأحكام فى الضمان، ونقله أبو الحسن ونقل نحوه عن التونسى.

وقد حكى عن بعض الناس أن أول ولد يولد لفلان يأخذ ذلك بتا.

والأول أبين.

واذا أوصى لولد فلان ولا ولد له فادعى فلان أن الموصى يعلم ذلك وادعى الورثة أن الموصى يظن أن له ولدا فهل القول قول الوارث أو قول فلان لم أر فيه نصا.

والظاهر أن القول قول الورثة واذا لم يعلم الورثة وفلان أن الموصى كان يعلم ذلك أو لا يعلمه هل يحمل على العلم أو عدمه

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج: أنه لو أوصى

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 335، ص 336 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

(2)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 6 ص 366 الطبعة السابقة.

ص: 264

لحمل سيحدث لم تصح وان حدث قبل موت الموصى، لأن الوصية تمليك وتمليك المعدوم ممتنع، ولأنه لا متعلق للعقد فى الحال فأشبه الوقف على من سيولد له.

وقد صرحوا بذلك فى المسجد فقالوا:

لو أوصى لمسجد سيبنى بطل وان بنى قبل موته.

نعم قياس ما ذكر فى الوقف أنه لو جعل المعدوم تبعا للموجود - كأن أوصى لأولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الأولاد - صحت تبعا لهم.

ويؤيده قول الروضة: الأولاد والذرية والنسل والعقب والعترة على ما ذكرنا فى الوقف.

وأعتمد جمع الفرق بأن من شأن الوصية أن يقصد معها معين موجود ولا كذلك الوقف، لأنه للدوام المقتضى لشموله للمعدوم ابتداء.

وقالوا أن الوصية للتمليك وتمليك المعدوم ممتنع كما صرح به الرافعى تعليلا للمذهب من بطلان الوصية لما ستحمله هذه المرأة فتصح الوصية لحمل حرا كان أو رقيقا من زوج أو شبهة أو وزنا وتنفذ أن انفصل حيا حياة مستقرة، والا لم يستحق شيئا كالأرث وعلم أو ظن وجوده عند الوصية بأن انفصل لدون ستة أشهر منها فان انفصل لسته أشهر فأكثر منها والمرأة فراش زوج أو سيد وأمكن كون الولد من ذلك الفراش لم يستحق الموصى به لاحتمال حدوثه من ذلك الفراش بعد الوصية فلا يستحق بالشك وكذا لو كان بين أوله والوضع دون ستة أشهر أو كان ممسوحا فهو كالمعدوم.

ويؤخذ مما تقرر ظهور قول الامام لابد أن يمكن غشيان ذى الفراش لها عادة فان أحالته العادة فلا استحقاق فان لم تكن فراشا لزوج أو سيد أو كان فراشا وانفصل لدون ستة أشهر منه ولأكثر من أربع سنين من الوصية فكذلك لا يستحق للعلم بحدوثه بعد الوصية، فان انفصل لدون الأكثر من أربع سنين استحق فى الأظهر، لأن الظاهر وجوده عند الوصية.

والقول الثانى المقابل للأظهر: لا يستحق لاحتمال حدوثه بعدها واعتبار هذا الاحتمال فيما تقدم لموافقته للأصل.

وما ذكره من الحاق الأربع بما دونها والستة بما فوقها هو الذى فى الروضة وغيرها وهو المعتمد.

وان صوب الأسنوى وغيره الحاقها بما دونها اذ لا بد من تقدير زمان يسع الوط ء والوضع كما ذكروه فى العدد.

ورده الشيخ بأن لحظة الوط ء انما اعتبرت جريا على الغالب من أن العلوق

ص: 265

لا يقارن أول المدة، والا فالعبرة بالمقارنة فالستة على هذا ملحقة بما فوقها كما قالوه هنا، وعلى الأول بما دونها كما قالوه فى المحال الآخر.

وبذلك علم أن كلا صحيح وأن التصويب سهو.

وحاصله أن وجود الفراش ثم وعدمه هنا غلب على الظن التفرقة بينهما بما ذكر.

والكلام كله حيث عرف لها فراش سابق ثم انقطع.

أما من لم يعرف لها فراش أصلا فلا استحقاق قطعا وان انفصل لأربع فأقل لانحصار الأمر حينئذ فى وط ء الشبهة أو الزنا كما أفاده السبكى تفقها ونقله غيره عن الأستاذ أبى منصور وفى كلام الشيخين ما يدل له.

ولو انفصل أحد التوأمين لستة أشهر ثم انفصل توأم آخر بينه وبين الأول دون الستة أشهر فانه يستحق وان انفصل لفوق ستة أشهر من الوصية وتقبل الوصية له ولو قبل انفصاله على المعتمد خلافا لابن المقرى

(1)

.

ولو أوصى لحملها بكذا فأتت بولدين حيين معا أو مرتبا وبينهما دون ستة أشهر كما أفاده الزركشى - فلهما بالسوية الأنثى كالذكر وكذا لو أتت بأكثر لأنه مفرد مضاف فيعم أو أتت بحى وميت فكله للحى فى الأصح اذ الميت كالمعدوم بدليل البطلان بانفصالهما ميتين.

القول الثانى المقابل للأصح: له النصف والباقى لورثة الموصى كما لو أوصى لحى وميت.

ولو قال ان كان حملك ذكرا أو غلاما فله كذا أو قال ان كان حملك أنثى فله كذا فولدت الذكر والأنثى لغت وصيته، لأن حملها كله ليس ذكرا ولا أنثى، ولو ولدت ذكرين أو أنثيين فأكثر قسم بينهما أو بينهم أو بينهن بالسوية ولو قال أن كان ببطنها ذكر فله كذا فولدت الذكر والأنثى استحق الذكر لأن الصيغة ليست حاصرة للحمل فيه أو ولدت ذكرين فالأصح صحتها لأنه لم يحصر الحمل فى واحد وانما حصر الوصية فيه والقول الثانى المقابل للأصح: المنع لاقتضاء التنكير التوحيد

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن الوصية تصح للحمل لأنه يرث وهى فى معنى الأرث

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس بن أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 6 ص 43، ص 44 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 74، ص 75 نفس الطبعة.

ص: 266

من جهة الانتقال عن الميت مجانا ان كان موجودا حال الوصية، لأنها تمليك فلا تصح لمعدوم وذلك بأن تضعه حيا لأقل من ستة أشهر من حين الوصية فراشا كانت لزوج أو سيد أو بائنا، لأن أقل مدة الحمل ستة أشهر فاذا وضعته لأقل منها وعاش لزم أن يكون موجودا حينها، أو تضعه لأقل من أربع سنين أن لم تكن فراشا أو كانت قراشا لزوج أو سيد الا أنه لا يطؤها لكونه غائبا فى بلد بعيد أو مريضا مرضا يمنع الوط ء أو كان أسيرا أو محبوسا أو علم الورثة أنه لم يطأها أو أقروا بذلك للحاقه بأبيه والوجود لازم له فوجب ترتب الاستحقاق، ووط ء الشبهة نادر، وتقدير الزنا اساءة ظن بمسلم والأصل عدمهما، فان وضعته لأكثر من أربع سنين لم يستحق لاستحالة الوجود حين الوصية

(1)

. وان انفصل الحمل الموصى له ميتا بطلت الوصية لانتفاء أهلية الملك، ولا فرق بين موته بجناية جان وغيرها لانتفاء أرثه. ولو أوصى لحمل امرأة من زوجها أو سيدها صحت الوصية له أن لحق بالزوج أو السيد.

ولو قال الموصى أن كان فى بطنك ذكر فله كذا وان كان فيه أنثى فلها كذا فكانا فيه بأن ولدت ذكرا وأنثى فلهما ما شرط لأن الشرط وجد فيهما. وان كان حملها خنثى ففى الكافى له ما للأنثى ان كان أقل مما جعل للذكر لأنه المتيقن حتى يتبين أمره وتتبين ذكوريته فيأخذ الزائد، وان ولدت ذكرين أو ولدت أنثيين فللذكرين ما للذكر وللأنثيين ما للانثى اذ لا مزية لأحدهما على الآخر، وان قال الموصى ان كان حملك أو ما فى بطنك ذكرا فله كذا وان كان أنثى فله كذا فولدت أحدهما منفردا فله وصيته لوجود شرطه وان ولدت ذكرا وأنثى فلا شئ لهما لأن أحدهما ليس هو كل الحمل ولا كل ما فى البطن بل بعضه فلم يوجد الشرط، وان أوصى لمن تحمل هذه المرأة لم تصح الوصية لأنه وصية لمعدوم

(2)

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا تجوز الوصية لميت، لأن الميت لا يملك شيئا فمن أوصى لحى ثم مات بطلت الوصية له فان أوصى لحى ولميت جاز نصفها للحى وبطل نصف الميت، وكذلك لو أوصى لحيين ثم مات أحدهما جازت للحى فى النصف وبطلت حصة الميت

(3)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار أن الوصية

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 509 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 510 نفس الطبعة.

(3)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 322 مسئلة رقم 1755 طبع ادارة الطباعة المنيرية سنة 1351 هـ.

ص: 267

تصح للحمل بشرط وجوده حال عقدها وخروجه حيا اذ لا حكم لمعدوم ولا جماد فان وضعته لستة أشهر فصاعدا من يوم الوصية لم تصح لاحتمال حملها به بعدها.

قال الامام يحيى فلا تصح الوصية لما تحمل به هذه المرأة مثلا اذ هى وصية لمعدوم.

وقيل تصح اذ علقها بوجوده متى وجد، والممنوع اطلاقها للمعدوم.

فان أوصى لحملها من فلان فنفاه، قال الامام يحيى: لم تصح لتعليقها بثبوت نسبه.

وقيل تصح اذ النفى لقطع العلقة بين الوالد والولد فقط

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام: أنه يشترط فى الموصى له أن يكون موجودا فلو كان معدوما لم تصح الوصية له كما لو أوصى لميت أو لمن ظن وجوده فبان ميتا عند الوصية، وكذا لو أوصى لما تحمله المرأة أو لمن يوجد من أولاد فلان

(2)

.

وتصح الوصية للحمل الموجود وتستقر بانفصاله حيا، ولو وضعته ميتا بطلت الوصية ولو وقع حيا ثم مات كانت الوصية لورثته

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل: أنه تجوز وصية الموصى لحمل أن ولد حيا كما يصح الميراث أن ولد حيا وان ولد ميتا بطلت الوصية

(4)

. ولا تصح لميت الا أن عين ما يكون نفعا له ككفن قبل موته وكمال يزال به الماء أو غيره عن قبره أو يشترى له به أرض يدفن فيها أو وقف يوقف عليه أو مال يتصدق به عليه، ويعتبر حال الموصى له عند موت الموصى لا قبله

(5)

.

ومن أوصى للأقرب ولم يكن أقرب بأن مات أقاربه قبله أو قبل وجوده أو كانوا موجودين ومنعهم مانع من وصية الأقرب كالشرك والعبودية والقتل رجع ورثته فيما أوصى للاقرب به مقتسمين له على قدر أرثهم على أن الايصاء به باطل فصار ميراثا لعدم من يأخذ وصية الأقرب

(6)

.

(1)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 5 ص 309 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 262 طبع مطابع دار مكتبة الحياة ببيروت.

(3)

المرجع السابق ج 1 ص 263 نفس الطبعة.

(4)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 6 ص 211 طبع محمد بن يوسف البارونى.

(5)

المرجع السابق ج 6 ص 213 نفس الطبعة.

(6)

المرجع السابق ج 6 ص 222 نفس الطبعة.

ص: 268

‌ثانيا - حكم اضافة الوصية

الى موصى له مجهول أو غير معين

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع: ان من شروط الموصى له أن لا يكون مجهولا جهالة لا يمكن ازالتها، فان كان لم تجز الوصية له، لأن الجهالة التى لا يمكن استدراكها تمنع من تسليم الموصى به الى الموصى له فلا تفيد الوصية.

وعلى هذا يخرج ما اذا أوصى بثلث ماله لرجل من الناس فانه لا يصح بلا خلاف.

ولو أوصى لأحد هذين الرجلين يصح فى قول أبى يوسف ومحمد رضى الله تعالى عنهما.

غير أن عند أبى يوسف رحمه الله تعالى الوصية تكون بينهما نصفين.

وعند محمد رحمه الله تعالى الخيار الى الوارث يعطى أيهما شاء.

وجه قول محمد أن الايجاب وقع صحيحا لأن أحدهما وان كان مجهولا لكن هذه الجهالة تمكن ازالتها ألا ترى أن الموصى لو عين أحدهما حال حياته لتعين.

ثم أن محمدا يقول لما مات عجز عن التعيين بنفسه فيقوم وارثه مقامه فى التعيين.

وأبو يوسف يقول لما مات قبل التعيين شاعت الوصية لهما وليس أحدهما بأولى من الآخر كمن أعتق أحد عبدين ثم مات قبل البيان فان العتق يشيع فيهما جميعا فيعتق من كل واحد منهما نصفه كذا ههنا يكون لكل واحد منهما نصف الوصية.

أما فى قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه فلا يصح، لأن الوصية تمليك عند الموت فتستدعى كون الموصى له معلوما عند الموت، والموصى له عند الموت مجهول فلم تصح الوصية من الأصل كما لو أوصى لواحد من الناس فلا يمكن القول بالشيوع ولا يقام الوارث مقام الموصى فى البيان، لأن ذلك حكم الايجاب الصحيح ولم يصح الا أن الموصى لو بين الوصية فى أحدهما حال حياته صحت لأن البيان انشاء الوصية لأحدهما فكان وصية مستأنفة لأحدهما عينا وانها صحيحة.

وعلى هذا يخرج الوصية لقوم لا يحصون أنها باطلة اذا لم يكن فى اللفظ ما ينبئ عن الحاجة وان كان فيه ما ينبئ عن الحاجة فالوصية جائزة لأنهم اذا كانوا لا يحصون ولم يذكر فى اللفظ ما يدل على الحاجة وقعت الوصية تمليكا منهم وهم مجهولون والتمليك من المجهول جهالة لا يمكن ازالتها لا يصح وأن كان فى اللفظ ما يدل على الحاجة كان وصيته بالصدقة وهى اخراج المال الى الله سبحانه

ص: 269

وتعالى، والله سبحانه وتعالى واحد معلوم فصحت الوصية.

ثم اذا صحت الوصية فالأفضل للوصى أن يعطى الثلث لمن يقرب اليه منهم فان جعله فى واحد فما زاد جاز عند أبى حنيفة وأبى يوسف.

وعند محمد لا يجوز الا أن يعطى أثنين منهم فصاعدا ولا يجوز أن يعطى واحدا الا نصف الوصية

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن الحاجب أنه اذا أوصى لأقارب فلان دخل الوارث وغيره من الجهتين بخلاف أقاربه هو للقرينة الشرعية ويؤثر فى الجميع ذو الحاجة وان كان أبعد، ولو أوصى للاقرب فالأقرب فضل الأقرب، وان كان أكثر يسارا، فضل الأخ على الجد والأخ للأب على الأخ للأم، ولا يعطى الأقرب الجميع بخلاف الوقف. قال ابن حبيب قوله لقرابتى أو لرحمى أو لذى رحمى أو لأهلى أو لأهل بيتى الحكم فى ذلك كله واحد.

قال ابن شاس، اذا أوصى لأقارب زيد دخل فيه الوارث والمحرم وغير المحرم ويدخل فيه كل قريب من جهة الأب والأم، ولو أوصى لأقارب نفسه خرج ورثته بقرينة الشرع، ولو أوصى للأقرب فالأقرب فضل الأقرب

(2)

.

قال عبد الملك: ولو أوصى لجيرانه أعطى الجار الذى اسم المنزل له ولا يعطى أتباعه ولا الصبيان ولا ابنته البكر ولا خدمه، وتعطى زوجته وولده الكبير البائن عنه بنفقته والجار المملوك اذا كان يسكن بيتا على حدته أعطى سواء كان سيده جارا أم لا.

وقال سحنون يعطى أولاد الجار الأصاغر وأبكار بناته.

قال عبد الملك وان كان الموصى به غلة تقسم فهو لمن حضر القسم فى كل غلة

(3)

.

وروى عن المدونة أنه ان كانت الوصية لقوم مجهولين لا يعرف عددهم لكثرتهم كقوله على بنى تميم أو المساكين فانما يكون ذلك لمن حضر القسمة منهم

(4)

.

ومن قال ثلث مالى لفلان وللمساكين أو قال فى السبيل والفقراء واليتامى قسم بينهم بالاجتهاد لا أثلاثا ولا أنصافا.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 342، ص 343 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن أحمد الشهير بالمواق ج 6 ص 373 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 374 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 6 ص 374 نفس الطبعة.

ص: 270

قال ابن الحاجب أن أوصى بثلثه لزيد والفقراء أعطى زيد بالاجتهاد فان مات قبل القسم فلا شئ لورثته ويكون جميع الثلث للمساكين.

قال ابن الحاجب وان كان فى الوصية مجهول كوقود مصباح على الدوام أو تفرقة خبز ونحوه ضرب له بالثلث ووقفت حصته.

قال اللخمى: وان اجتمع فى الحصة مجهولان كعمارة مسجد أو اطعام مسكين فقيل: هى كمجهول واحد.

وقيل لكل وصية منها الثلث.

قال ابن عرفة القول الأول لعبد الملك ولابن يونس.

قال بعض الفقهاء اذا أوصى بوقيد قناديل فى مسجد كل ليلة للأبد وأن تسقى كل يوم راوية ماء فينظركم ثمن الراوية فى كل يوم وكم ثمن وقيد القناديل كل ليلة، فيقسم الثلث بينهما على قدر ذلك.

وهذا خلاف ما ذكر عبد الملك لأنه قال يقسم الثلث على عدد المجهولات.

ووجه هذا أن كل مجهول لو أنفرد لضرب له بالثلث فاذا اجتمعوا قسم الثلث على عددهم، فقد حصل أن هذا القول معزو وموجه بخلاف القول الآخر

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج: أنه لو أوصى لغير معين - يعنى لغير محصور - كالفقراء لزمت بالموت بلا اشتراط قبول لتعذره منهم ومن ثم لو قال لفقراء محل كذا وانحصروا بأن سهل عادة عدهم تعين قبولهم ووجبت التسوية بينهم ولو أوصى لمعين اشترط القبول منه ان تأهل وان كان الملك لغيره، والا فمن وليه أو سيده أو ناظر المسجد كما بحثه ابن الرفعة

(2)

.

ولو أوصى لجيرانه فلأربعين دارا من كل جانب من جوانب داره الأربعة تصرف الوصية حيث لا ملاصق لها فيما عدا أركانها كما هو الغالب أن ما لاصق أركان كل دار يعم جوانبها فلذا عبروا بما ذكر فهى مائة وستون دارا غالبا والا فقد تكون دار الموصى كبيرة فى التربيع فيسامتها من كل جانب أكثر من دار لصغر المسامت لها أو يسامتها داران

(3)

.

والعلماء فى الوصية لهم هم الموصوفون يوم الموت لا يوم الوصية بأنهم أصحاب علوم الشرع من تفسير وحديث وفقه.

ويدخل فى وصيته الفقراء المساكين وعكسه

(4)

.

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 374، ص 375 الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح الرملى ج 6 ص 65 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 75 الطبعة السابقة.

(4)

المرجع السابق ج 6 ص 76 وما بعدها الى ص 78 نفس الطبعة.

ص: 271

ولو أوصى لزيد والفقراء فالمذهب أنه كأحدهم فى جواز اعطائه أقل متمول، لأنه الحقه بهم لكن لا يحرم وان كان غنيا لنصه عليه، وقيل هو كأحدهم فى سهام القسمة، فان ضم اليه أربعة من الفقراء كان له الخمس، أو خمسة كان له السدس وهكذا.

وقيل: له الربع، لأن أقل من يقع عليه اسم الفقراء ثلاثة.

وقيل: له النصف، لأنه مقابل للفقراء.

والأولان فسر بهما قول الشافعى رحمه الله تعالى أنه كأحدهم كما ذكره الرافعى وأسقطه من الروضة وعبر فيها بأصح الأوجه.

ولو وصفه بصفتهم كزيد الفقير فان كان غنيا فنصيبه لهم وان كان فقيرا فكما مر، أو وصفه بغير صفتهم كزيد الكاتب أخذ النصف.

وأخذ السبكى من هذا أنه لو وقف على مدرس وامام وعشرة فقهاء صرف لكل ثلث

(1)

.

ولو أوصى لجمع معين غير منحصر كالعلوية صحت هذه الوصية فى الأظهر وله الاقتصار على ثلاثة كالوصية للفقراء.

والقول الثانى المقابل للأظهر البطلان، لأن التعميم يقتضى الاستيعاب وهو ممتنع بخلاف الفقراء.

ولو أوصى لأقارب زيد مثلا أو رحمه دخل كل قرابة له وان بعد وارثا وكافرا وغنيا وفقيرا وضدهم فيجب استيعابهم والتسوية بينهم وان كثروا وشق استيعابهم كما شمله كلامهم

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه لا تصح الوصية للمجهول كان يوصى بثلثه لأحد هذين الرجلين أو المسجدين ونحوهما، أو قال أوصيت بكذا لجارى فلان أو لقريبى فلان باسم مشترك لأن تعيين الموصى له شرط، فاذا قال لأحد هذين فقد أبهم الموصى له، وكذا الجار والقريب لوقوعه على كل من المسميين ما لم تكن قرينة تدل على أنه أراد معينا من الجار والقريب فيعطى من دلت القرينة على ارادته فان قال أعطوا ثلثى أحدهما صح كما لو قال أعتقوا أحد عبدى، وللورثة الخيرة فيمن يعطوه الثلث من الاثنين.

والفرق بين هذه والتى قبلها أن قوله أعطوا ثلثى أحدهما أمر بالتمليك فصح جعله الى اختيار الورثة كما لو قال

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 79، ص 80 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 81 الطبعة السابقة.

ص: 272

لوكيله بع سلعتى من أحد هذين بخلاف قوله وصيت ونحوه فانه تمليك معلق بالموت فلم يصح لمبهم.

وان قال عبدى غانم حر وله مائة وللموصى عبدان بهذا الاسم عتق أحدهما بقرعة لأنه عتق استحقه واحد منهما فأخرج بالقرعة كما لو أعتقهما فلم يخرج من الثلث الا أحدهما ولم تجز الورثة عتقهما ولا شئ لمن خرجت له القرعة من الدراهم ولو خرجت من الثلث، لأن الوصية بها وقعت لغير معين فلم تصح.

قال فى الاختيارات وان وصف الموصى له أو الموقوف عليه بخلاف صفته مثل أن يقول على أولادى السود وهم بيض أو العشرة وهم اثنا عشر فههنا الأوجه اذا علم ذلك أنه يعتبر الموصوف دون الصفة

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من أوصى بعتق رقيق له لا يملك غيرهم أو كانوا أكثر من ثلاثة لم ينفذ من ذلك شئ الا بالقرعة، فمن خرج سهمه صح فيه العتق سواء مات العبد بعد الموصى وقبل القرعة أو عاش الى حين القرعة، ومن خرج سهمه كان باقيا على الرق سواء مات قبل القرعة أو عاش اليها فان شرع السهم فى بعض مملوك عتق منه ما حمل الثلث بلا استسعاء وعتق باقيه واستسعى للورثة فى قيمة ما بقى منه بعد الثلث فلو سماهم بأسمائهم بدئ بالذى سمى أولا فأولا فاذا تم الثلث رق الباقون، فلو شرع العتق فى بعض مملوك أعتق كله واستسعى للورثة فيما زاد منه على الثلث فلو أعتق جزءا مسمى من كل مملوك منهم باسمه أعتق ذلك الجزء ان كان الثلث فأقل وأعتق باقيهم واستسعوا فيما زاد على الثلث أو فيما زاد على ما أوصى به مما هو دون الثلث، فان أعتق من كل واحد منهم باسمه أو جملة أكثر من الثلث أقرع بينهم ان أجملهم، فاذا تم الثلث رق الباقون الا أن يشرع العتق فى واحد منهم فيعتق ويستسعى فيما زاد على الثلث ويبدأ بالأول فالأول ان سماهم بأسمائهم، فاذا تم الثلث رق الباقون الا من شرع فيه العتق فانه يستسعى فيما زاد منه على الثلث

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أنه اذا أوصى شخص بشئ من ماله يصرف فى أفضل أنواع البر وجب أن يصرف فى الجهاد، لأنه أفضلها.

وعن أبى على أن العلم أحسن وجوه البر.

وأما اذا أوصى بأن شيئا من ماله يعطى أعقل الناس فانه يجب أن يعطى

(1)

كشاف القناع عن متن قناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 510 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لابى محمد على بن حزم ج 9 ص 342 وما بعدها الى ص 347 مسئلة رقم 1767 الطبعة السابقة.

ص: 273

أزهدهم، لأن الأعقل من يختار الآخرة ونعيمها على دار البلايا وحطامها.

وقال أبو العباس: وتصرف فى الأزهد من أهل بلده فان لم يوجد ففى الأزهد من أقرب أهل بلد اليه، وأما اذا أوصى بشئ من ماله لكذا وكذا نحو أن يقول لزيد وعمرو أو للمساجد وللفقراء أو للمسجد ولزيد فان الموصى به نصفان، بخلاف ما اذا قال لفلان وبنى فلان فيكون على عددهم لا أن قال لفلان ولبنى فلان فانه يكون لفلان نصف ولبنى فلان نصف

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام

(2)

أنه لو أوصى لذوى قرابته كان للمعروفين بنسبه مصيرا الى العرف.

وقيل: كان لمن يتقرب اليه آخر أب وأم له فى الاسلام وهو غير مستند الى شاهد.

ولو أوصى لقومه قيل: هو لأهل لغته.

ولو قال لأهل بيته دخل فيهم الأولاد والآباء والأجداد.

ولو قال لعشيرته كان لأقرب الناس اليه فى نسبه.

ولو قال لجيرانه قيل كان لمن يلى داره الى أربعين ذراعا من كل جانب.

وجاء فى الروضة البهية أن الجيران فى قول آخر الى أربعين دارا استنادا الى رواية عامية والأقوى الرجوع فيهم الى العرف ويستوى فيه مالك الدار ومستأجرها ومستعيرها ولو غاب لم يخرج عن الحكم ما لم تطل الغيبة بحيث يخرج عرفا. ولو تعددت دور الموصى وتساوت فى الاسم عرفا استحق جيران كل واحد ولو غلب أحدها اختص، ولو تعددت دور الجار واختلفت فى الحكم اعتبر اطلاق اسم الجار عليه عرفا كالمتحد، ويحتمل اعتبار الأغلب سكنى فيها.

وعلى اعتبار الأذرع ففى استحقاق ما كان على رأس الغاية وجهان أجودهما الدخول.

وعلى اعتبار الدور، قيل يقسم على عددها لا على عدد سكانها ثم تقسم حصة كل دار على عدد سكانها ويحتمل القسمه على عدد السكان مطلقا.

وعلى المختار فالقسمة على الرءوس مطلقا.

والوصية للفقراء تنصرف الى فقراء ملة

(1)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 486، 487 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 263 الطبعة السابقة.

ص: 274

الموصى لا مطلق الفقراء وان كان جمعا معرفا مفيدا للعموم والمخصص شاهد الحال الدال على عدم ارادة فقراء غير ملته ونحلته ويدخل فيهم المساكين أن جعلناهم مساوين لهم فى الحال بأن جعلنا اللفظين بمعنى واحد كما ذهب اليه بعضهم أو أسوأ حالا كما هو الأقوى، والا فلا يدخلون لاختلاف المعنى، وعدم دلالة دخول الأضعف على دخول الأعلى بخلاف العكس

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه لو أوصى لواحد من أقاربه مثل أن يقول أوصيت لواحد من أقاربى أو لأحد أقاربى أو لبعض أقاربى أو نحو ذلك أو يقول هذه النخلة أو كذا لواحد من أقاربى أو نحو ذلك لم يصح هذا الايصاء فالموصى به يرثه الورثة على قدر ميراثهم ولا يكون مثل من لم يوص ولا تجزيه.

وقيل: تصح وتجزيه، وعلى هذا فهى بين الأقربين

(2)

.

وان قال لهذا أو لهذا أو قال لفلان أو لفلان أو قال للذكر أو للأنثى من أقاربه أو نحو ذلك مما يذكر فيه الموصى لفظ أو فكذلك تبطل وتكون ميراثا للورثة، أو تصح فتكون للذين ذكرهما سواء وان كان معهما آخر فله أيضا. قولان:

وكذلك لو ذكر ثلاثة أو أكثر

(3)

.

وان قال أوصيت بهذا الشئ لفلان أو لفلان، ولو كان أحدهما أجنبيا أو كانا أجنبيين وكذا لو ذكر ثلاثة فصاعدا جاز لوارثه أن يعطيه لمن شاء منهما أو منهم ولو شاء أن يعطى أجنبيا

(4)

.

وان أوصى لفلان بكذا وكذا وللمساكين أو للحج أو للعتق أو للمسجد أو نحو ذلك فلفلان النصف ولما سمى من ذلك النصف

(5)

.

‌ثالثا - حكم اضافة الوصية

الى الأعيان أو المنافع

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أنه يشترط فى الموصى به أن يكون مالا متقوما فلا تصح الوصية بمال غير متقوم كالخمر فانها وان كانت مالا حتى تورث لكنها غير متقومة فى حق المسلم حتى لا تكون مضمونة

(1)

الروصة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 48 الطبعة السابقة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 231 طبع مطبعة البارونى.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 231 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 6 ص 232 نفس الطبعة.

(5)

المرجع السابق ج 6 ص 233 نفس الطبعة.

ص: 275

بالاتلاف فلا تجوز الوصية من المسلم ولو بالخمر، ويجوز ذلك من الذمى لأنها مال متقوم فى حقهم كالخل، وتجوز بالكلب المعلم، لأنه متقوم عندنا ألا ترى أنه مضمون بالاتلاف، ويجوز بيعه وهبته سواء كان المال عينا أو منفعة عند عامة العلماء، حتى تجوز الوصية بالمنافع من خدمة العبد وسكنى الدار وظهر الفرس.

وقال ابن أبى ليلى رحمه الله تعالى:

لا تجوز الوصية بالمنافع. وجه قوله أن الوصية بالمنافع وصية بمال الوارث لأن نفاذ الوصية عند الموت وعند الموت تحصل المنافع على ملك الورثة، لأن الرقبة ملكهم وملك المنافع تابع لملك الرقبة، فكانت المنافع ملكهم لأن الرقبة ملكهم فكانت الوصية بالمنافع وصية من مال الوارث فلا تصح، ولأن الوصية بالمنافع فى معنى الاعارة اذ الاعارة تمليك المنفعة بغير عوض والوصية بالمنفعة كذلك والعارية تبطل بموت المعير فالموت لما أثر فى بطلان العقد على المنفعة بعد صحته فلأن يمنع من الصحة أولى لأن المنع أسهل من الرفع.

ويدل لنا أنه لما ملك تملك حال حياته بعقد الاجارة والاعارة فلأن يملك بعقد الوصية أولى لأنه أوسع العقود ألا ترى أنها تحتمل ما لا يحتمله سائر العقود من عدم المحل والحظر والجهالة ثم لما جاز تمليكها ببعض العقود فلأن يجوز بهذا العقد أولى

(1)

.

وسواء كانت الوصية بالمنافع مؤقتة بوقت من سنة أو شهر أو كانت مطلقة عن التوقيت، لأن الوصية بالمنافع فى معنى الاعارة، لأنها تمليك المنفعة بغير عوض، ثم الاعارة تصح مؤقتة ومطلقة عن الوقت وكذا الوصية غير أنها اذا كانت مطلقة فللموصى له أن ينتفع بالعين ما عاش واذا كانت مؤقتة بوقت فله أن ينتفع به الى ذلك الوقت.

واذا جازت الوصية بالمنافع يعتبر فيها خروج العين التى أوصى بمنفعتها من الثلث ولا يضم اليها قيمته وان كان الموصى به هو المنفعة والعين ملك لم يزل عنه، لأن الموصى بوصيته بالمنافع منع العين عن الوارث وحبسها عنه لفوات المقصود من العين وهو الانتفاع بها فصارت ممنوعة عن الوارث محبوسة عنه والموصى لا يملك منع ما زاد على الثلث على الوارث فاعتبر خروج العين من ثلث المال

(2)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل أنه لو أوصى بخدمة عبد أو سكنى دار فان الحكم فى ذلك أن ينظر الى ذلك المعين الموصى بمنفعته

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 352 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 7، 352، ص 353 الطبعة السابقة.

ص: 276

فان حمله الثلث نفذت الوصية، وان كان الثلث لا يحمل قيمة ذلك المعين الموصى بمنفعته فانه يخير الورثة بين أن بجيزوا ما أوصى به الميت أو يخلع ثلث جميع ما ترك الميت من ذلك المعين وغيره.

قال فى المدونة: ومن أوصى لرجل بخدمة عبده أو سكنى داره سنة جعل فى الثلث قيمة الرقاب، زاد فى الأمهات أنه اذا قومت الخدمة فان حملها الثلث نفذت الوصايا وان لم يحمل خير الورثة فى اجازة ذلك أو القطع للموصى له بثلث الميت من كل ما ترك بتلا. والوصية فى العبد بالخدمة أو بالغلة سواء.

قال أبو الحسن جعل فى الثلث قيمة الرقاب، زاد فى الأمهات لأنى اذا قدمت الخدمة والسكنى حبست الدار والعبد على أربابهما وهم قد يحتاجون الى البيع.

وقال ابن يونس: احتجاجه بالبيع لا يصح فى الدار الجائزة بيعها واستثناء سكناها سنة.

والمعروف من قول مالك وابن القاسم أن يجعل الثلث فى الرقاب وان كانوا قادرين على البيع للاستثناء وان لهم حقا فى تعجيل الانتفاع بالرقاب.

قال ابن يونس وانما جعلت الرقاب فى الثلث مع امكان رجوع ذلك للورثة لأنه قد يموت وتنهدم الدار.

هذا اذا أوصى بمنفعة.

أما اذا أوصى له بمعين كعبد أو دابة أو دار ولم يحمله الثلث قال فى المدونة فان قول مالك اختلف فى هذه المسئلة فقال مرة مثل ما تقدم، وقال مرة يخيرون بين الاجازة وبين أن يقطعوا له بمبلغ ثلث جميع التركة فى ذلك الشئ بعينه، قال: وهذا أحب الى.

قال ابن عبد السّلام والتفرقة بين الوصية بالمنافع وبالمعين. هو المشهور

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن الوصية تصح بالمنافع المباحة وحدها مؤبدة ومطلقة كخدمة العبد للموصى له ولو لغير الموصى له بالعين لأنها أموال تقابل بالعوض كالأعيان ويمكن صاحب العين المسلوبة المنفعة تحصيلها فلو رد الموصى له بالمنفعة الوصية انتقلت للورثة لا للموصى له بالعين

(2)

.

ولو قال أعطوه شاة أو رأسا من غنمى أو من شياهى بعد موتى وله غنم عند موته أعطى واحدة منها وليس للوارث أن يعطيه من غيرها وأن رضيا لأنه صلح على مجهول، ولو لم يكن له سوى واحدة تعينت أن خرجت من الثلث. وان قال ذلك ولا غنم له عند

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 6 ص 384 فى كتاب على هامش التاج والاكليل للمواق الطبعة السابقة.

(2)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 6 ص 50 الطبعة السابقة.

ص: 277

الموت لغت وصيته لعدم ما تتعلق به وان كان له ظباء لأنها انما تسمى شياه البر لا غنمه، أما اذا لم يكن له غنم عند الوصية وله ذلك عند الموت فانها تصح كما لو قال أعطوه رأسا من رقيقى ولا رقيق له عند الوصية ثم ملكه بعد، وان قال أعطوه شاة من مالى ولا غنم له كما فى المحرر عند موته اشتريت له شاة بأى صفة كانت ولو معيبة، فان كان له غنم فللوارث أن يعطيه منها وأن يعطيه من غيرها شاة على غير صفة غنمه لشمول الوصية لذلك وان قال اشتروا له شاة تعينت سليمة لأن اطلاق الأمر بالشراء يقتضيها كما فى التوكيل بالشراء ويقاس بما ذكر ما لو قال أعطوه رأسا من رقيقى أو رأسا من مالى أو اشتروا له ذلك. ولو قال أعطوه رقيقا واقتصر على ذلك فكما لو قال من مالى فى أنه يتخير بين اعطائه من أرقائه أو غيرهم ويقاس عليه ما لو قال أعطوه شاة ولم يقل من مالى ولا من غنمى

(1)

.

ويملك الموصى له بالمنفعة وكذلك بالغلة أن قامت قرينة على أن المراد بها مطلق المنفعة أو اطراد العرف بذلك - منفعة نحو العبد الموصى بمنفعته فليست اباحة ولا عارية. للزومها بالقبول. ومن ثم جاز له أن يؤجر ويعير ويوصى بها ويسافر بها عند الأمن ويده يد أمانة وتورث عنه واطلاقه المنفعة يقتضى عدم الفرق بين المؤبدة والمؤقتة لكن قيده فى الروضة بالمؤبدة أو المطلقة، أما اذا قال أوصيت لك بمنافعه حياتك فالمجزوم به فى الروضة وأصلها هنا أنه ليس تمليكا وانما هو اباحة فليس له الاجارة وفى الاعارة وجهان.

أصحهما كما قاله الأسنوى المنع فقد جزم به الرافعى فى نظره من الوقف لكن جزم الرافعى فى الباب الثالث من الاجارة بجوازها منه وصوبه فى المهمات

(2)

.

ويملك أيضا أكسابه المعتادة كاحتطاب واحتشاش واصطياد وأجرة حرفة لأنها أبدال المنافع الموصى بها لا النادرة كهبة ولقطة اذ لا تقصد بالوصية

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه تصح الوصية بالمنفعة المفردة عن الرقبة لأنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة فصحت الوصية بها كالأعيان وقياسا على الاعارة كما لو أوصى لانسان بخدمة عبد وغلة دار وثمرة بستان أو ثمرة شجرة سواء وصى بما ذكر من المنفعة مدة معلومة أو وصى بجميع الثمرة والمنفعة فى الزمان كله لأن غايته جهالة القدر وجهالة القدر لا تقدح ولو قال وصيت بمنافعه وأطلق أفاد التأبيد أيضا لوجود الاضافة المعممة،

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 69 وص 70 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 83 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 84 نفس الطبعة.

ص: 278

واذا كانت الوصية بثمرة بستان أو شجرة أبدا أو مدة معينة لا يملك واحد من الموصى له والوارث اجبار الآخر على السقى لعدم الموجب لذلك

(1)

.

وان أوصى له بلبن شاته وصوفها صح كسائر المنافع ويعتبر خروج ذلك من الثلث كسائر الوصايا وان لم يخرج من الثلث أحيز منها بقدر الثلث ان لم تجز الورثة الباقى واذا أريد تقويم المنفعة وكانت الوصية بالمنفعة مقيدة بمدة معلومة قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ثم تقوم المنفعة فى تلك المدة فينظر كم قيمتها، مثاله لو وصى له بسكنى دار سنة فتقوم الدار مستحقة المنفعة سنة فاذا قيل قيمتها عشرة مثلا قومت بمنفعتها فاذا قيل قيمتها اثنا عشر فالاثنان قيمة المنفعة الموصى بها اذا خرجا من الثلث نفذت الوصية والا فبقدر ما يخرج منها وهذا أحد الوجهين واختاره فى المستوعب قال هذا الصحيح عندى، والوجه الثانى يعتبر خروج العين بمنفعتها من الثلث وان كانت الوصية بالمنفعة مطلقة فى الزمان كله فان كانت منفعة عبد ونحوه فتقوم الرقبة على الورثة وتقوم المنفعة على الوصى لأن الشجر ينتفع بحطبه اذا يبس

(2)

.

وان وصى لرجل برقبة الأمة ووصى لآخر بمنفعتها صح ذلك وصاحب الرقبة كالوارث ولو مات الموصى له بنفعها أو مات الموصى له برقبتها أو ماتا فلورثة كل واحد منهما ما كان له لأن من مات عن حق فهو لورثته، وان وصى لرجل بحب زرعه ولآخر بتبنه صح والنفقة بينهما على قدر المالين ويجبر الممتنع منهما على الانفاق مع الآخر لأن الترك ضرر عليهما واضاعة للمال وتكون النفقة بينهما على قدر قيمة حق كل واحد منهما فى الحب والتبن كالشريكين فى أصل الزرع

(3)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا تجوز الوصية بما لا ينفذ لمن أوصى له بها أو فيما أوصى به ساعة موت الموصى مثل أن يوصى بنفقة على انسان مدة مسماة أو بعتق عبد بعد أن يخدم فلانا مدة مسماة قلت أو كثرت أو بحمل بستانه فى المستأنف أو بغلة داره وما أشبه ذلك فهذا كله باطل لا ينفذ منه شئ فلو أوصى لآخر بغنم حياته لم يصح لأن الموصى له لا يخلو من أن يكون ملك الغنم التى أوصى له بها مدة حياته أو لم يملكها ولا سبيل الى قسم ثالث، فان كان ملكها فله أن يبيعها كلها أو ما شاء منها وأن يهبها كذلك وأن يأكلها كذلك، وان كان لم يملكها لم يحل له أكل شئ منها ولا من أصوافها ولا من ألبانها وأولادها لأنها مال غيره

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 519، ص 520 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 520 نفس الطبعة.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 521 نفس الطبعة.

ص: 279

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان دماءكم وأموالكم عليكم حرام» ولا شك بنص القرآن فى أن ما يخلفه الميت مما لم يوص به قطعا فهو ملك للورثة واذ هو ملكهم فلا يحل للموصى حكم فى مال الورثة

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار: أن الاكثر على أن الوصية تصح بالمنافع المستباحة كسكنى الدار وخدمة العبد، وللمستأجر أن يوصى بما استحقه من المنفعة كالعين

(2)

.

ومن أوصى بسكنى داره أو خدمة عبد فطريق اخراجها من الثلث أن تقوم الدار مسلوبة المنافع فما زاد على قيمتها مسلوبة فهو الوصية فتنسب من التركة، وان شئت قومت المنفعة وحدها على الدوام.

قال الامام يحيى فان اوصى بالمنافع مدة معلومة كان التقويم منصرفا الى الرقبة ههنا فى حق الورثة لا الموصى له اذ يملكون منفعتها بعد انفضاء المدة بخلاف الدائمة فان شئت قومت الرقبة كاملة المنفعة ومسلوبتها المدة المضروبة فما نقص من قيمتها كاملة فهو الموصى به وان شئت قومت المنفعة هذه المدة وهى الوصية فتنسب من التركة، فان أوصى بالرقبة لشخص والمنفعة لآخر قومت الرقبة مع منافعها وتنسب من التركة وعمل بحسبه. ومن أوصى بثمرة بستانه وفيه الثمرة انصرف اليها، والا فمؤبدة

(3)

أى فالوصية بهذه الأشياء مؤبدة فكأنه قال له ما يحصل من ثمرة بستانى أبدا، ومثله غلة الدار ونتاج الفرس، هذا قول أبى طالب.

وقال أبو العباس: بل تبطل الوصية.

قلنا: بل تصح كمطلق الخدمة والسكنى وذلك لأنه لما لم يكن موجودا علمنا أنه أراد المعدوم فلا مخصص لبعض المعدوم دون بعض

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية أن الوصية تصح بالمنفعة كسكنى الدار مدة معينة أو دائما ومنفعة العبد كذلك وشبهه وان استوعبت قيمة العين

(5)

.

(1)

المحلى لأبى محمد على بن حزم ج 9 ص 322 وما بعدها الى ص 327 مسئلة رقم 1757 الطبعة السابقة.

(2)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 313 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 5 ص 318 نفس الطبعة.

(4)

شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 490 الطبعة السابقة.

(5)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 49.

ص: 280

ولو أوصى بمنافع العبد دائما أو بثمرة البستان دائما قومت المنفعة على الموصى له والرقبة على الوارث أن فرض لها قيمة كما يتفق فى العبد لصحة عتق الوارث له ولو عن الكفارة وفى البستان بانكسار جذع ونحوه فيستحقه الوارث حطبا أو خشبا لأنه ليس بثمرة ولو لم يكن للرقبة نفع البتة قومت العين أجمع على الموصى له

(1)

.

وجاء فى شرائع الاسلام أن الموصى به أما عين أو منفعة، ويعتبر فيها الملك فلا يصح بالخمر ولا الخنزير ولا الكلب الهراش وما لا نفع فيه

(2)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنهم اختلفوا فى الايصاء بالمنافع كغلة شجر وسكنى دور وحرث أراض وخدمة عبيد أو دواب يستخدمهما عنده أو يخدمان غيره فيأخذ الأجرة وذمة العبد وهى ما أوصى به له أو وهب له على قول أن العبد يملك مالا، وكغرس فى أرض وبناء فى أرض ونجارة بقادوم وخياطة بابرة ونحو ذلك.

وقيل: يجوز مطلقا، لأن المنفعة كنفس المال بل هى المقصودة بالذات من نفس المال، وهى ولو لم توجد، لكن تعلقت الوصية لوجودها، وهى أولى من بيع وشرط، مع أن الصحيح فى البيع والشرط الجواز.

وجواز الوصية بالمنفعة هو الصحيح عندى وأحاديث العمرى والرقبى نص فيه.

وقيل: لا يجوز مطلقا، لأن المنفعة معدومة والمعدوم غير مملوك فاذا أوصى بها فقد أوصى بما لم يملك وكأنه أوصى بمال الغير ويرده أحاديث العمرى والرقبى.

وقيل أن أجل جاز، والا فلا.

والمنفعة لصاحب الأرض والشجر والبناء لصاحبهما. فمن أوصى لأحد بثمار جنانه عشر سنين أو أقل أو أكثر أو سكنى داره عشرا أو أقل أو أكثر أو بغير ذلك بتأجيل فمات الموصى فلا يحكم للموصى له بذلك أجل أو لم يؤجل ولزم الوارث كله عند الله.

وأجاز بعضهم الحكم له بذلك كله أيضا ان وسعه الثلث كما جاز له عند الله.

وان أوصى رجل بسكنى هذه الدار أو البيت أو جميع ما يسكن فيه سمى الأجل أو لم يسم فذلك لا يجوز. ويأخذ ما ذكر من الثمار والسكنى وغيرهما فى السنين

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 51.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 259 طبع مطابع دار مكتبة الحياة ببيروت.

ص: 281

التالية لموته أن عين الموصى أنها بعد موته باتصال أو لم يعين، وان عين فعلى ما عين وكذا كل مدة أقل من السنة

(1)

.

‌رابعا - حكم اضافة الوصية

الى موصى به غير موجود أو

غير معين

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أنه تصح الوصية بما فى بطن جاريته أو دابته وبالصوف على ظهر غنمه وباللبن فى ضرعها وثمرة بستانه وثمرة أشجاره وان لم يكن شئ من ذلك موجودا للحال.

وأما وجوده عند موت الموصى فهل هو شرط بقاء الوصية على الصحة؟

فأما فى الثلث والعين المشار اليها فشرط، حتى لو أوصى بثلث ماله وله مال عند كلام الوصية ثم هلك ثم مات الموصى بطلت الوصية وكذلك الوصية بما فى البطن والضرع وبما على الظهر من الصوف واللبن والولد حتى لو مات الموصى بطلت الوصية اذا لم يكن ذلك موجودا وقت موته.

وأما فى الوصية بالثمرة فليس بشرط استحسانا.

والقياس أن يكون شرطا.

ولا يشترط ذلك فى الوصية بغلة الدار والعبد.

والحاصل أن جنس هذه الوصايا على أقسام بعضها يقع على الموجود وقت موت الموصى والذى يوجد بعد موته سواء ذكر الموصى فى وصيته الأبد أو لم يذكر وهو الوصية بالغلة، وسكنى الدار وخدمة العبد وبعضها يقع على الموجود قبل الموت ولا يقع على ما يحدث بعد موته سواء ذكر الأبد أو لم يذكر وهو الوصية بما فى البطن والضرع وبما على الظهر، فان كان فى بطنها ولد وفى ضرعها لبن وعلى ظهرها صوف وقت موت الموصى فالوصية جائزة، والا فلا، وفى بعضها أن ذكر لفظ الأبد يقع على الموجود والحادث وان لم يذكر فان كان موجودا وقت موت الموصى يقع على الموجود ولا يقع على الحادث، وان لم يكن موجودا فالقياس أن تبطل الوصية كما فى الصوف والولد واللبن.

وفى الاستحسان لا تبطل وتقع على ما يحدث كما لو ذكر الأبد.

وهذه الوصية بثمرة البستان والشجر انما كان كذلك لأن الوصية انما تجوز فيما يجرى فيه الأرث أو فيما يدخل تحت عقد من العقود فى حالة الحياة والحادث من الولد وأخواته لا يجرى فيه الأرث ولا يدخل تحت عقد من العقود فلا يدخل تحت الوصية، بخلاف الغلة فان له نظيرا فى العقود وهو عقد المعاملة والاجارة، وكذلك سكنى الدار وخدمة العبد يدخلان تحت عقد الاجارة والاعارة فكان لهما نظير فى العقود.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 192، ص 193 طبع محمد بن يوسف البارونى.

ص: 282

وأما الوصية بثمرة البستان والشجر فلا شك فى أنها تقع عن الموجود وقت موت الموصى والحادث بعد موته ان ذكر الأبد، لأن اسم الثمرة يقع على الموجود والحادث، والحادث منها يحتمل الدخول تحت بعض العقود وهو عقد المعاملة والوقف فاذا ذكر الأبد يتناوله وان لم يذكر الأبد فان كان وقت موت الموصى ثمرة موجودة دخلت تحت الوصية ولا يدخل ما يحدث بعد الموت وان لم يكن فالقياس أن لا يتناول ما يحدث وتبطل الوصية لأن الثمرة بمنزلة الولد والصوف واللبن والوصية بشئ من ذلك لا يتناول الحادث كذا الثمرة.

وفى الاستحسان يتناوله ولا تبطل الوصية، لأن الاسم يحتمل الحادث وفى حمل الوصية عليه تصحيح العقد ويمكن تصحيحه، لأن له نظيرا من العقود وهو الوقف والمعاملة، ولهذا لو نص على الأبد يتناوله بخلاف الولد والصوف واللبن.

لأنه عقد ما لا يحتمله فلم يكن ممكن التصحيح، ولهذا لو نص على الأبد لا يتناول الحادث وههنا بخلافه.

ولو أوصى لرجل ببستانه يوم يموت وليس له يوم أوصى بستان ثم اشترى بستانا ثم مات فالوصية جائزة لأن الوصية بالمال ايجاب الملك عند الموت فيراعى وجود الموصى به وقت الموت ألا ترى أنه لو أوصى له بعين البستان وليس فى ملكه البستان يوم الوصية ثم ملكه ثم مات صحت الوصية.

ولو قال أوصيت لفلان بغلة بستانى ولا بستان له فاشترى بعد ذلك ومات ذكر فى الأصل أنها غير جائزة لأن قوله بستانى يقتضى وجود البستان الحال فاذا لم يوجد لم يصح.

وذكر الكرخى رحمه الله تعالى أن الوصية جائزة.

والصحيح ما ذكره الكرخى، لأن الوصية ايجاب الملك بعد الموت فيستدعى وجود الموصى به عند الموت لا وقت كلام الوصية

ولو أوصى لرجل بثلث غنمه فهلكت الغنم قبل موته أو لم يكن له غنم من الأصل فمات ولا غنم له فالوصية باطلة وكذلك العروض كلها، لأن الوصية تمليك عند الموت ولا غنم له عند الموت فان لم يكن له غنم وقت كلام الوصية ثم استفاد بعد ذلك ذكر فى الأصل أن الوصية باطلة، لأن قوله غنمى يقتضى غنما موجودة وقت الوصية كما قلنا فى البستان.

وعلى رواية الكرخى رحمه الله تعالى ينبغى أن يجوز لما ذكرنا فى البستان ولو قال شاة من مالى أو قفيز حنطة من مالى وليس له غنم ولا حنطة فالوصية جائزة ويعطى قيمة الشاة لأنه لما أضاف الى المال وعين الشاة وهى لا توجد فى المال علم أنه أراد به قدر مالية الشاة وهى قيمتها.

ولو أوصى بشاة ولم يقل من غنمى ولا من مالى فمات وليس له غنم اختلف

ص: 283

المشايخ فيه، قال بعضهم لا تصح الوصية لأن الشاة اسم للصورة والمعنى جميعا الا أنا حملنا هذا الاسم على المعنى فى الفصل الأول بقرينة الاضافة الى المال ولم توجد ههنا.

وقال بعضهم يصح لأن الشاة اذا لم تكن موجودة فى ماله فالظاهر أنه أراد به مالية الشاة تصحيحا لتصرفه فيعطى قيمة شاة

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى التاج والإكليل نقلا عن المدونة أنه تصح الوصية بالحمل وبالثمرة الآتية:

قال ابن وهب ان قال أوصيت لفلان بما ولدت جاريتى هذه أبدا أن كانت يوم أوصى حاملا فهو له.

قال ابن رشد ان لم يمت حتى ولدت فى حياته كانت حاملا يوم أوصى أو لم تكن الا أن يرجع عن وصيته فيهم

(2)

.

وروى عن الموازية أنه اذا أوصى له بشاة من ماله وله غنم فهو شريك بواحدة فى عددها ضأنها ومعزها ذكورها واناثها صغارها وكبارها، فان هلكت كلها فلا شئ له، وان لم يكن له غنم فله فى ماله قيمة شاة من وسط الغنم ان حمله الثلث أو ما حمل منه.

قال الشيخ ومن أوصى لرجل بعشرة شياه من غنمه ومات وهى ثلاثون فولدت بعده فصارت خمسين فله خمسها، قاله أشهب مرة.

وقال مرة له من الأولاد بقدر ماله من الأمهات أن كانت الأمهات عشرين أخذ عشرا من الأمهات ونصف الأولاد أن حملها الثلث أو ما حمله منها.

وروى عن المدونة أن من أوصى بعتق عشرة من عبيده ولم يعينهم وعبيده خمسون فمات منهم عشرون قبل التقويم عتق ممن بقى منهم عشرة أجزاء من ثلاثين جزءا بالسهم خرج عدد ذلك أقل من عشرة أو أكثر ولو هلكوا الا عشرة عتقوا ان حملهم الثلث وكذا من أوصى لرجل بعدد من رقيقه أو بعشرة من أبله فان قال له ثلث أبله أو أوصى له بثلث غنمه فاستحق ثلثاها فانما للموصى ثلث ما بقى من الابل والغنم.

قال فى الموازية واذا قال له شاة من غنمى فمات ولا غنم له فلا شئ له كما لو أوصى بعتق عبيده فماتوا أو استحقوا بطلت

(3)

.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 354، ص 355 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية.

(2)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 6 ص 374 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 377، ص 378 نفس الطبعة.

ص: 284

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن الوصية تصح بالحمل الموجود واللبن فى الضرع وبكل مجهول ومعجوز عن تسليمه وتسلمه، ويشترط لصحة الوصية به انفصاله حيا لوقت يعلم وجوده عند الوصية أما فى الآدمى ففيه هنا ما ذكر فى الوصية له وأما فى غير الآدمى فيرجع لأهل الخبرة فى مدة حمله، ولو انفصل حمل الآدمى بجناية مضمونة نفذت الوصية فيما ضمن به بخلاف حمل البهيمة، لأن الواجب فيه ما نقص من قبمة أمه ولا تعلق للموصى له بشئ منها، وتعبيرهم بالحى تعبير للغالب اذ لو ذبحت الموصى بحملها فوجد ببطنها جنين حلته ذكاتها وعلم وجوده عند الوصية ملكه الموصى له كما هو ظاهر.

وكذا تصح الوصية بثمرة أو حمل سيحدثان فى الأصح لاحتمال الوصية وجوها من الغرر رفقا بالناس فصحت بالمعدوم كالمجهول ولا حق له فى الموجود عندها بأن ولدته الآدمية لدون ستة أشهر منها مطلقا أو لأربع سنين وليست فراشا أو القيمة لزمن قال أهل الخبرة أنه موجود عندها.

والقول الثانى المقابل للأصح المنع اذ التصرف يستدعى متصرفا فيه ولم يوجد.

القول الثالث المقابل لهذين القولين تصح بالثمرة دون الحمل لأنها تحدث من غير احداث أمر فى أصلها بخلاف الولد.

وكذا تصح الوصية بأحد عبديه مثلا ويعينه الوارث، لأن الوصية تحتمل الجهالة فالابهام أولى.

وقال الشبراملسى: وهل للوارث الرجوع عما عينه لغيره أم لا؟ فيه نظر والأقرب الثانى لأنه بتعيينه له تعلق به اختصاص الموصى له

(1)

.

ولو أوصى بأحد رقيقه مبهما فماتوا أو قتلوا قبل موته ولو قتلا مضمنا أو أعتقهم أو باعهم مثلا بطلت الوصية اذ لا رقيق له عند الموت، واذا بقى واحد تعين للوصية لصدق الاسم فليس للورثة امساكه ودفع قيمة مقتول، أما اذا قتلوا بعد الموت قتلا مضمنا فيصرف الوارث قيمة من شاء منهم هذا كله ان قيد بالموجودين، والا أعطى واحدا من الموجودين عند الموت وان تجدد بعد الوصية أو أوصى باعتاق رقاب بأن قال أعتقوا عنى بثلثى رقابا أو اشتروا بثلثى رقابا أو أعتقوهم فثلاث من الرقاب يتعين شراؤها ان لم تكن بماله وعتقها عنه، لأنها أقل مسمى الجمع على الأصح الموافق للعرف المشهور

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى ج 6 ص 50، ص 51 فى كتاب الطبعة السابقة.

ص: 285

فان عجز ثلثه عنهن فالمذهب أنه لا يشترى شقص مع رقبتين، لأن ذلك لا يسمى رقابا بل يشترى نفيسة أو نفيستان بالثلث، فان فضل من الموصى به عن أنفس رقبة أو رقبتين شئ فللورثة وتبطل الوصية فيه ولا يشترى شقص وان كان باقيه حرا كما هو مقتضى اطلاقهم

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن الوصية تصح بمعدوم كالذى تحمل أمته قال أبو العباس فى تعاليقه القديمة ويظهر لى أنه لا تصح الوصية بالحمل نظرا الى علة التفريق اذ ليس التفريق مختصا بالبيع بل هو عام فى كل تفريق الا العتق وافتداء الأسير. أو كالوصية بالذى تحمل شجرته أبدا أو مدة معينة كسنة وسنتين فان حصل شئ فله لان الوصية أجريت مجرى الميراث وهذا يورث فصحت الوصية به الا حمل الأمة فيعطى مالك الأمة قيمته لحرمة التفريق فان وطئت بشبهة فعلى الواطئ قيمة الولد لو وصى له به، وان لم تحمل حتى صارت حرة بطلت الوصية، ولا يلزم الوارث السقى لأنه لم يضمن تسليمها بخلاف بائع، والا بأن لم يحصل شئ مما وصى به بطلت الوصية لفوات محلها.

ومثل ما تقدم فى الصحة الوصية بمائة لا يملكها، فان قدر الموصى عليها عند الموت أو قدر على شئ منها صحت واعتبرت من الثلث والا بأن لم يقدر على شئ منها بطلت الوصية لما تقدم

(2)

.

وتصح الوصية بمجهول كعبد وثوب لأن الموصى له شبيه بالوارث من جهة انتقال شئ من التركة اليه مجانا والجهالة لا تمنع الارث فلا تمنع الوصية ويعطى ما يقع عليه الاسم، لأنه مقتضى اللفظ فان اختلف الاسم بالحقيقة الوضعية والعرف كالشاة هى فى الحقيقة للذكر والأنثى من الضأن والمعز والهاء للوحدة وفى العرف للأنثى الكبيرة من الضأن والمعز غلب العرف كالايمان والبعير والثور هو فى العرف للذكر الكبير من الابل أو البقر، وفى الحقيقة للذكر والأنثى غلب العرف كالايمان، اختاره الموفق وجزم به فى الوجيز والتبصرة، لأن الظاهر ارادته، ولأنه لو خوطب قوم بشئ لهم فيه عرف وحملوه على عرفهم لم يعدوا مخالفين.

وصحح المنقح أنه تغلب الحقيقة وهو القاضى وأبى الخطاب وابن عقيل وغيرهم من الأصحاب وجزم به فى المنتهى لأنها الأصل ولهذا يحمل عليها كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم،

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 72، ص 73 نفس الطبعة.

(2)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 516 الطبعة السابقة.

ص: 286

فيتناول اللفظ الذكور والاناث والصغار والكبار فيعطى ما يقع عليه الاسم من ذكر وأنثى كبير وصغير لصلاحية اللفظ له

(1)

. والدابة اسم للذكر والأنثى من الخيل والبغال والحمير لأن ذلك هو المتعارف قال الحارثى والقائلون بالحقيقة لم يقولوا ههنا بالأعم كأنهم لحظوا غلبة استعماله فى الأجناس الثلاثة بحيث صارت الحقيقة مهجورة.

فان قرن بذكر الدابة فى الوصية ما يصرفه الى أحد الأجناس الثلاثة كقوله أعطوا له دابة يقاتل عليها انصرف الى الخيل.

وكذا لو قال دابة بسهم لها لاختصاصها بذلك وان قال اعطوا له دابة ينتفع بظهرها ونسلها خرج منه البغال والذكر لانتفاء النسل فيهما.

ولو قال أعطوه عشرة أو عشرا من أبلى أو غنمى فللذكر والأنثى لأنه قد يلحظ فى التذكير معنى الجمع وفى التأنيث معنى الجماعة وأيضا اسم الجنس يصح تذكيره وتأنيثه.

وان أوصى له بعبد مجهول بأن أوصى له بعبد من عبيده ولم يعينه صح ويعطيه الورثة ما شاءوا منهم، لأن لفظه تناول واحدا فيلزم الموصى له قبول ما يدفعه الوارث من صحيح أو معيب، جيد أو ردئ لتناول الاسم له، فان لم يكن له عبيد لم تصح الوصية ان لم يملك الموصى عبيدا قبل الموت، لأن الوصية تقتضى عبدا من الموجودين حين الموت أشبه ما لو أوصى له بما فى الكيس ولا شئ فيه أو بداره ولا دار له فلو ملك الموصى شيئا من العبيد قبل الموت، ولو واحدا أو كان له عبد واحد صحت الوصية وتعين كونه للموصى له لأنه لم يكن للوصية محل غيره، وان كان للموصى عبيد فماتوا قبل موت الموصى بطلت الوصية لفوات محلها ولو تلفوا بعد موته من غير تفريط من الورثة فكذلك وان ماتوا الا واحدا تعينت الوصية فيه لأنه لم يسبق غيره وان قتلوا كلهم فللموصى له قيمة أحدهم وهو من يختار الورثة بذله للموصى له على قاتله، ومثل العبد فى الوصية شاة من غنمه وثوب من ثيابه وأتان من حميره وفرس من خيله ونحوها على ما سبق تفصيله بلا فرق

(2)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن من أوصى بمتاع بيته فانما للموصى له بذلك ما المعهود أن يضاف الى البيت من الفرش المبسوطة فيه والمعلق والفراش الذى يعقد عليه والذى ينام عليه بما يتغطى فيه ويتوسده

(1)

المرجع السابق ج 2، ص 517 نفس الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 518 الطبعة السابقة.

ص: 287

والآنية التى يشرب فيها ويؤكل والمائدة والمسامير المسمرة فيه والمناديل والطست والابريق، ولا يدخل فى ذلك ما لا يضاف الى البيت من ثياب اللباس والمرفوعة والتخوت ووطاء لا يستعمل فى البيت ودراهم ودنانير وحلى وخزانة وغير ذلك لأنه انما يستعمل فى ذلك ما يفهم من لغة الموصى

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أن الوصية تصح بالمعلوم اتفاقا وتصح أيضا بالمجهول جنسا نحو أن يوصى لفلان بشئ من ماله أو يقول بثلث ماله أو نحو ذلك وتصح بالمجهول قدرا فقط نحو أن يوصى بشياه أو ببقر أو بابل ولا يذكر قدرها، واذا أوصى بمجهول فانه يجب أن يطلب منه تفسير ذلك المجهول لئلا يحصل حيف على الموصى له أو على الورثة

(2)

.

وجاء فى البحر الزخار: أن شروط الموصى به أن يكون موجودا فلا تصح بالحمل لعدم تيقن وجوده قاله الامام يحيى.

والأقرب للمذهب صحته كثمر البستان ومنافع الدار وما فى ذمة الغير فان الوصية تصح بها وفاقا اذ هى كالموجودة لوجود سببها.

وقال الامام يحيى: لا تلحق الوصية الاجازة بما لا يملك كالوقف والعتق، فلو أوصى بمال الغير لم تصح ولو ملكه بعد ولو أجاز المالك

(3)

.

واذا قال لفلان شئ وصية من مالى أو نحو ذلك كأن يقول حظ أو قسط أو جزء فكل ذلك لما شاء الورثة أن يخرجوه من قليل أو كثير لكن لا بد أن يكون مما له قيمة.

وأما النصيب والسهم اذا قال أوصيت لفلان بنصيب من مالى أو بسهم من مالى فهو لمثل أقلهم نصيبا فيعطى الموصى له مثل أقل الورثة نصيبا ولا يتعد بالسهم السدس، فاذا أوصى لرجل بسهم من ماله استحق مثل نصيب أقل الورثة اذا كان الأقل هو السدس فما دون فان كان الأقل هو أكثر من السدس رد الى السدس ولم يجز تعديه، وقال المؤيد بالله أن للورثة أن يعطوه ما شاءوا حيث أوصى بنصيب من ماله

(4)

.

(1)

المحلى لأبى محمد على بن حزم ج 9 ص 327 مسئلة رقم 1758 الطبعة السابقة.

(2)

شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 482 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1358 هـ.

(3)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 313 الطبعة السابقة.

(4)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار لابن مفتاح ج 4 ص 485 الطبعة السابقة.

ص: 288

وأما من أوصى بشئ من المال وهو فى حال الوصية لا يملك شيئا أو كان فى تلك الحال يملك مالا ثم ان ذلك المال تلف كله أو تلف بعضه حتى نقص قدره عن القدر الذى أوصى به نحو أن يوصى باخراج عشرين مثقالا من مائة مثقال فتناقصت حتى جاء الموت وهو لا يملك الا عشرة فالعبرة بحال الموت لا بحال الايصاء فاذا كان لا يملك شيئا عند الايصاء ثم ملك عند الموت وجب اخراج ما أوصى به مما قد ملكه عند موته وكذلك يخرج من الناقص بقدره فيخرج من العشرة المثاقيل ثلثها فيما يخرج من الثلث وأما اذا مات ولا مال له فان الوصية تبطل بالاجماع فان أوصى بجزء من ماله نحو ثلث أو ربع أو نحو ذلك وكان له مال عند الايصاء ثم ان ذلك المال زاد قدره عند الموت على قدره يوم الايصاء فالعبرة بالأقل فيجب اخراج ذلك الربع أو الثلث مما كان يملكه عند الايصاء فقط لا عند الموت ذكر ذلك الفقيه حسن

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى شرائع الاسلام أنه لو أوصى بعتق مماليكه دخل فى ذلك من يملكه منفردا ومن يملك بعضه وأعتق نصيبه حسب، وقيل: يقوم عليه حصة شريكه ان احتمل ثلثه لذلك والا أعتق منهم من يحتمله الثلث.

واذا أوصى بثلث ماله مثلا مشاعا كان للموصى له من كل شئ ثلثه وان أوصى بشئ معين وكان بقدر الثلث فقد ملكه الموصى له بالموت.

ولو أوصى بما يقع اسمه على المحلل والمحرم انصرف الى المحلل تحصينا لقصد المسلم عن المحرم، ومن أوصى بجزء من ماله ففيه روايتان أشهرها العشر، وفى رواية سبع الثلث، ولو أوصى بسهم من ماله كان الثمن.

واذا أوصى بلفظ مجمل لم يفسره الشرع رجع فى تفسيره الى الوارث كقوله:

اعطوا فلانا حظا من مالى أو قسطا أو نصيبا أو قليلا أو يسيرا أو جليلا أو جزيلا ولو قال أعطوه كثيرا قيل:

يعطى ثمانين درهما كما فى النذر

(2)

.

واذا أوصى بعتق عبيده وليس له سواهم أعتق ثلثهم بالقرعة ولو رتبهم أعتق الأول فالأول حتى يستوفى الثلث وتبطل الوصية فيمن بقى.

ولو أوصى بعتق عدد مخصوص من عبيده استخرج ذلك العدد بالقرعة.

(1)

المرجع السابق ج 4 ص 491، ص 492 الطبعة السابقة.

(2)

شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 260، ص 261 الطبعة السابقة.

ص: 289

وقيل يجوز للورثة أن يتخيروا بقدر ذلك العدد، والقرعة على الاستحباب وهو حسن

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنهم اتفقوا على جواز الوصية برقاب الأموال، والوصية اما معلومة، أو مجهولة.

فالمعلومة اما ايصاء متعين، أو لا.

فالمتعين كايصاء بفدان معين أو بشئ ما من الأشياء يعينه من ماله وكذا شيئان معينان فصاعدا وبتسمية من ذلك أن يخرج منه أو منهما أو منها كذا، أو كايصاء بمكيل أو موزون، أو كايصاء بنحو دار أو ثوب أو دابة ان علم بمشاهدة أو صفة كدار لى بالشام أو بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وغير المعين كالايصاء بكذا عينا أو مكيلا أو موزونا وذلك كدينار أو درهم أو دينارين أو درهمين أو أكثر أو الايصاء بدين له على أحد.

والوصية المجهولة ما لا يشاهد ولا يعلم بصفة، وهو اما منفصل، أو متصل.

فالمنفصل كايصائه بعبد من عبيده أو بشاة من غنمه أو جمل من ابله أو بقرة من بقره أو بغل من بغاله أو بجنين دابة أو أمة معينة فان الجنين مجهول منفصل عن أمه فى بطنه أو بنخلة من نخيله أو بزيتونة من زيتوناته ونحو ذلك كسيف ورمح وكقصعة فهل للموصى له الشئ الأوسط عدلا بين الوارث والموصى له فيكون كالصلح بينهما أو ما لا عيب فيه أو ما يقع عليه الاسم ولو كان معيبا وأدنى لاطلاق الموصى الاسم؟ خلاف، والصحيح الأول

(2)

.

ولا يصح له الايصاء بما ليس عنده ولم يكن عنده حتى مات أو كان وزال قبل الموت كأن قال شاة من غنمى وليس له غنم أو ببعير من أبلى وليس له ابل أو بنخلة من نخلى وليس له نخل أو بدينار من دنانيرى وليست له دنانير ونحو ذلك لأن ذلك الجنس ليس له فكان ايصاؤه به ايصاء بما لا يملك فهو كمن أوصى بمال غيره الا أن قال من مالى بدل قوله من غنمى أو قوله من ابلى أو نحو ذلك أو قال تخرج من مالى بدل قوله من غنمى أو نحوه فان الوصية تثبت حينئذ ولو لم يكن ذلك فى ماله لأنه يشترى من ماله

(3)

.

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 262 نفس الطبعة.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 189، ص 190 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 6 ص 236 نفس الطبعة.

ص: 290

‌الاضافة فى الوقف

‌أولا: حكم اضافة الوقف الى ما ينقل

أو ما لا ينقل أو الى المشاع

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أن من شروط الموقوف أن يكون مما لا ينقل ولا يحول كالعقار ونحوه، فلا يجوز وقف المنقول مقصودا لما ذكرنا أن التأبيد شرط جوازه ووقف المنقول لا يتأبد لكونه على شرف الهلاك فلا يجوز وقفه مقصودا الا اذا كان تبعا للعقار بأن وقف ضيعة ببقرها وأكرتها وهم عبيده فيجوز، كذا قاله أبو يوسف رحمه الله تعالى، وجوازه تبعا لغيره لا يدل على جوازه مقصودا كبيع الشرب ومسيل الماء والطريق أنه لا يجوز مقصودا ويجوز تبعا للأرض والدار وان كان شيئا جرت العادة بوقفه كوقف القدوم لحفر القبور ووقف المرجل لتسخين الماء ووقف الجنازة وثيابها.

ولو وقف أشجارا قائمة فالقياس أن لا يجوز، لأنه وقف المنقول.

وفى الاستحسان يجوز لتعامل الناس ذلك، وما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن ولا يجوز وقف الكراع والسلاح فى سبيل الله تعالى عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى لأنه منقول وما جرت العادة به.

وعند أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى يجوز ويجوز عندهما بيع ما حرم منها أو صار بحال لا ينتفع به فيباع ويرد ثمنه فى مثله كأنهما تركا القياس فى الكراع والسلاح بالنص وهو ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أما خالد فقد احتبس اكراعا وأفراسا فى سبيل الله تعالى، ولا حجة لهما فى الحديث، لأنه ليس فيه أنه وقف ذلك فاحتمل قوله حبسه أى أمسكه للجهاد لا للتجارة.

وأما وقف الكتب فلا يجوز على أصل أبى حنيفة رحمه الله تعالى.

وأما على قولهما فقد اختلف المشايخ فيه.

وحكى عن نصر بن يحيى أنه وقف كتبه على الفقراء من أصحاب أبى حنيفة

(1)

.

وجاء فى بدائع الصنائع أن من شروط الموقوف أن يكون مقسوما عند محمد رحمه الله تعالى فلا يجوز وقف المشاع وعند أبى يوسف هذا ليس بشرط ويجوز مقسوما كان أو مشاعا لأن التسليم شرط الجواز عند محمد والشيوخ يخل

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 220 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م ..

ص: 291

بالقبض والتسليم وعند أبى يوسف التسليم ليس بشرط أصلا فلا يكون الخلل فيه مانعا وقد روى عن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه أنه ملك مائة سهم بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم احبس أصلها، فدل على أن الشيوع لا يمنع صحة الوقف.

وجواب محمد رحمه الله تعالى يحتمل أنه وقف مائة سهم قبل القسمة ويحتمل أنه وقفها بعدها فلا يكون حجة مع الشك والاحتمال على أنه ان ثبت أن الوقف كان قبل القسمة فيحمل أنه وقفها شائعا ثم قسم وسلم وقد روى أنه فعل كذلك وذلك جائز كما لو وهب مشاعا ثم قسم وسلم

(1)

.

‌مذهب المالكية:

جاء فى مواهب الجليل قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى: يصح الوقف فى العقار المملوك لا المستأجر من الأراضى والديار والحوانيت والحوائط والمساجد والمصانع والآبار والقناطر والمقابر والطرق شائعا وغير شائع.

قال فى التوضيح: يعنى يجوز وقف العقار سواء كان شائعا كما لو وقف نصف دار أو غير شائع، ولا يريد خليل أنه يجوز وقف المشاع من غير اذن شريكه فان ذلك لا يجوز ابتداء، أعنى فيما لا يقبل القسمة.

واختلف ان فعل هل ينفذ تحبيسه أم لا.

وعلى الثانى اقتصر اللخمى رحمه الله تعالى آخر الشفعة قال: لأن الشريك لا يقدر على بيع جميعها، وان فسد فيها شئ لم يجد من يصلحه معه.

واختار ابن زرب رحمه الله تعالى الأول.

قال اللخمى: وان كانت مما تنقسم جاز له الحبس اذ لا ضرر عليه فى ذلك.

وسأل ابن حبيب ابن الماجشون عمن له شرك فى دور ونخل مع قوم فتصدق بحصته من ذلك على أولاده أو غيرهم صدقة محبسة ومنها ما ينقسم ومنها ما لا ينقسم ومن الشركاء من يريد القسم قال يقسم بينهم ما انقسم فما أصاب المتصدق منها فهو على التحبيس وما لا ينقسم بيع فما أصاب المتصدق من الثمن حصته اشترى به ما يكون صدقة محبسة فى مثل ما سبلها فيه المتصدق واختلف هل يقضى عليه بذلك.

وان كان علو وسفل لرجلين فلرب العلو رد تحبيس ذى السفل، لأنه ان فسد منه شئ لم يجد من يصلحه

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 220 نفس الطبعة.

ص: 292

ولرب السفل رد تحبيس ذى العلو للضرر متى وهى منه ما يفسد سفله، والحائط كالدار فيما ينقسم وما لا ينقسم.

وروى ابن سهل عن ابن زرب أن أهل العلم اختلفوا فيمن له حصة فى دار لا تنقسم فحبسها.

فقال بعضهم: تحبيسه لا ينفذ.

وأجازه بعضهم، وباجازته أقول.

ثم ذكر كلام ابن الماجشون رحمه الله تعالى، ثم قال: قلت فى جواز تحبيس مشاع ربع ورثوه مشترك فيه مطلقا ووقفه على اذن شريكه فيما لا ينقسم والا بطل، ثالثها يجوز مطلقا ويجعل ثمن الحظ المحبس مما لا ينقسم مثل ما حبسه فيه لظاهرها مع ظاهر سماع ابن القاسم رحمه الله تعالى.

وأقوى الأقوال الثانى لجعله اللخمى المذهب

(1)

.

قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى:

بصح الوقف فى العقار المملوك لا المستأجر.

وقال فى الجواهر يمنع وقف الدار المستأجرة لاستحقاق منافعها للاجارة فكأنه وقف ما لا ينتفع به، ووقف ما لا ينتفع به لا يصح.

وهذا التوجيه ليس بظاهر بل الظاهر قول ابن عرفة بصحة الحبس فتأمله.

ونقل صاحب التاج والاكليل عن المدونة أن من حبس رقيقا أو دواب فى سبيل الله استعملوا فى ذلك ولم يباعوا ولا بأس أن يحبس الرجل الثياب والسروج والدواب.

قال مالك رحمه الله تعالى: وما ضعف من الدواب المحبسة فى سبيل الله حتى لا تكون فيه قوة على الغزو بيعت واشترى بثمنها ما ينتفع به من الخيل فتجعل فى السبيل.

قال ابن القاسم رحمه الله تعالى وما بلى من الثياب المحبسة ولم يبق فيه منفعة بيعت واشترى بثمنها ثياب ينتفع بها فان لم تبلغ تصدق به فى السبيل

(2)

.

وفى وقف نحو طعام تردد.

فقد ذكر فى الجواهر منع وقف الطعام.

قال فى الشرح الكبير فى هذا التردد نظر، لأنك ان فرضت المسئلة فيما اذا

(1)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 6 ص 18، ص 19 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 6 ص 21 الطبعة السابقة.

ص: 293

قصد بوقف الطعام ونحوه بقاء عينه فليس الا المنع لأنه تحجير من غير منفعة، تعود على أحد وذلك مما يؤدى الى فساد الطعام المؤدى الى اضاعة المال، وان كان على معنى أنه أوقفه للسلف ان احتاج اليه محتاج ثم يرد عوضه فقد علمت أن مذهب المدونة وغيرها الجواز، والقول بالكراهة ضعيف، وأضعف منه قول ابن شاس رحمه الله تعالى ان حمل على ظاهره.

قال فى التوضيح: ولعل مراد ابن الحاجب وابن شاس أنه لا يصح وقفه بشرط بقاء عينه.

وذكر فى البيان أن وقف الدنانير والدراهم وما لا يعرف بعينه اذا غيب عليه مكروه.

وقال فى الشامل وفيها جواز وقف الدنانير والدراهم وحمل عليه الطعام وقيل يكره

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أن شرط الموقوف كونه عينا معينة مملوكة ملكا يقبل النقل: يحصل منها مع بقاء عينها فائدة أو منفعة - كالفحل للضراب - تصح اجارتها - يعنى المنفعة - نعم وقف فحل للضراب وان لم تجز اجارته لأنه يغتفر فى القربة ما لا يغتفر فى المعاوضة لا وقف مطعوم اذ نفعه باهلاكه، وكذا ريحان محصود لسرعة فساده.

أما وقف ريحان مزروع فيصح وقفه للشم لبقائه مدة كما قاله النووى وغيره وفيه نفع آخر وهو التنزه.

ولهذا قال الخوارزمى وابن الصلاح رحمهما الله تعالى: يصح وقف المشموم الدائم النفع كالعنبر والمسك، بخلاف عود البخور لأنه لا ينتفع به الا باستهلاكه فالحاق جمع العود بالعنبر محمول على عود ينتفع به بدوام شمه.

ويصح وقف عقار بالاجماع ومنقول للخبر الصحيح فيه سواء كان حيوانا أو غير حيوان ثم اذا أشرف الحيوان على الموت ذبح ان كان مأكولا ومحل ذلك حيث لم يتأت شراء حيوان أو جزئه بثمن الحيوان المذبوح.

ويصح وقف مشاع ان جهل قدر حصته أو صفتها لأن وقف عمر رضى الله تعالى عنه كان مشاعا، ولا يسرى للباقى.

وشمل كلامه ما لو وقف المشاع مسجدا وهو كذلك كما صرح به ابن الصلاح رحمه الله تعالى قال: يحرم على الجنب المكث فيه وتجب قسمته

(1)

المرجع السابق ج 6 ص 21، ص 22 نفس الطبعة.

ص: 294

لتعينها طريقا وما نوزع به مردود وتجويز الزركشى المهايأة هنا بعيد اذ لا نظير لكونه مسجدا فى يوم وغير مسجد فى يوم آخر.

ولا فرق فيما مر بين أن يكون الموقوف مسجدا هو الأقل أو الأكثر خلافا للزركشى رحمه الله تعالى ومن تبعه.

أما جعل المنقول مسجدا كفرش وثياب فموضع توقف لأنه ينقل عن السلف مثله.

وكتب الأصحاب ساكتة عن تنصيص بجواز أو منع وان فهم من اطلاقهم الجواز فالأحوط المنع كما جرى عليه بعض شراح الحاوى.

وما نسب للشيخ رحمه الله تعالى من افتائه بالجواز لم يثبت عنه.

ولا يصح وقف عبد وثوب فى الذمة، لأن حقيقته ازالة ملك عن عين، نعم يجوز التزامه فيها بالنذر، ولا وقف حر نفسه لأن رقبته غير مملوكة له وكذا مستولدة لعدم قبولها للنقل كالحر ومثلها المكاتب كتابة صحيحة على الأوجه بخلاف ذى الكتابة الفاسدة اذ المغلب فيه التعليق، ومر فى المعلق صحة وقفه

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع أنه يصح أن يكون الوقف فى عين معلومة يصح بيعها بخلاف نحو أم ولد - غير مصحف فيصح وقفه وان لم يصح بيعه على ما فيه من خلاف. ويعتبر فى العين الموقوفة أيضا أن يمكن الانتفاع بها دائما مع بقاء عينها عرفا كاجارة واستغلال ثمرة ونحوه لأن الوقف يراد للدوام ليكون صدقة جارية ولا يوجد ذلك فيما لا تبقى عينه فالمنتفع به تارة يراد منه ما ليس عينا كسكنى الدار وركوب الدابة وزراعة الأرض وتارة يراد منه حصول عين كالثمر من الشجر والصوف والوبر والألبان والبيض من الحيوان عقارا كان الموقوف كأرض أو شجر أو منقولا كالحيوان كفرس وقفه على الغزاة وكالاثاث كبساط يفرش فى مسجد ونحوه وكالسلاح كسيف ورمح أو قوس على الغزاة والمصحف وكتب العلم ونحوه.

أما العقار فلحديث عمر رضى الله تعالى عنه وأما الحيوان فلحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه مرفوعا: من احتبس فرسا فى سبيل الله ايمانا واحتسابا فان شبعه وروثه وبوله فى ميزانه حسنات رواه البخارى.

وأما الأثاث والسلاح فلقوله صلى الله عليه وسلم أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتاده فى سبيل الله متفق عليه.

وما عدا ذلك فمقيس عليه لأن فيه نفعا

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 356 وما بعدها الى ص 359 الطبعة السابقة.

ص: 295

مباحا مقصودا فجاز وقفه كوقف السلاح ويصح وقف المشاع كنصف أو سهم من عين يصح وقفها لحديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن عمر قال المائة سهم التى بخيبر لم أصب ما لا قط اعجب الى منها فأردت أن أتصدق بها فقال النبى صلى الله عليه وسلم حبس أصلها وسبل ثمرتها رواه النسائى وابن ماجة رحمهما الله تعالى.

ويعتبر أن يقول كذا سهما من كذا سهما قاله أحمد رحمه الله تعالى، فلو وقف المشاع مسجدا ثبت فيه حكم المسجد فى الحال عند التلفظ بالوقف فيمنع منه الجنب والسكران ومن عليه نجاسة تتعدى.

ثم القسمة متعينة أى فيما اذا وقف المشاع مسجدا - لتعينها طريقا للانتفاع بالموقوف قاله فى الفروع توجيها وكذا ذكره ابن الصلاح رحمه الله تعالى.

ويصح وقف الحلى للبس والعارية لما روى نافع أن حفصة رضى الله تعالى عنها ابتاعت حليا بعشرين ألفا حبسته على نساء آل الخطاب فكانت لا تخرج زكاته رواه الخلال، ولو أطلق واقف الحلى وقفه فلم يعينه للبس أو عارية لم يصح وقفه لأنه لا ينتفع به فى غير ذلك الا باستهلاكه، ولا يصح الوقف فى الذمة كقوله وقفت عبدا أو دارا ولا وقف مبهم غير معين كأحد هذين العبدين، لأن الوقف نقل ملك على وجه الصدقة فلم يصح فى غير معين كالهبة فان كان المعين مجهولا مثل أن يقف دارا لم يرها.

قال أبو العباس منع هذا بعيد وكذلك هبته.

ويصح وقف الدار ونحوها وان لم يذكر حدودها اذا كانت معروفة للواقف ولا يصح وقف ما لا ينتفع به مع بقائه دائما كالأثمان كحلقة فضة فى باب مسجد وكوقف الدراهم والدنانير لينتفع باقتراضها لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة، وما لا ينتفع به الا باتلاف لا يصح فيه ذلك فيزكى النقد ربه لبقائه فى ملكه الا اذا وقف الأثمان تبعا كفرس بسرج ولجام مفضضين فيباع ما فى السرج واللجام المفضضين من الفضة لأن الفضة لا ينتفع بها، وينفق ما حصل من ثمنه على الفرس الحبيس لأنه من مصلحته.

ولا يصح وقف مطعوم ومشروب غير ماء.

ولا وقف شمع ورياحين.

وأما الماء فيصح وقفه نص عليه قاله فى الفائق وغيره.

ولو وقف قنديل نقد على مسجد أو نحوه لم يصح الوقف، لأنه لا ينتفع به مع بقاء عينه والقنديل باق على ملك صاحبه فيزكيه لبطلان وقفه

(1)

.

(1)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 441 وما بعدها الى ص 443 الطبعة السابقة.

ص: 296

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أن التحبيس وهو الوقف جائز فى الأصول من الدور والأرضين بما فيها من الغراس والبناء ان كانت فيها وفى الأرحاء وفى المصاحف والدفاتر.

ويجوز أيضا فى العبيد والسلاح والخيل فى سبيل الله عز وجل فى الجهاد فقط لا فى غير ذلك.

ولا يجوز فى شئ غير ما ذكرنا أصلا، ولا فى بناء دون القاعة

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار أنه يشترط فى الموقوف صحة الانتفاع به مع بقاء عينه - ويصح فيما منفعته مرجوة فى المستقبل وان لم يكن له نفع فى الحال كالحيوان الصغير للحمل عليه والعبد الطفل للخدمة أو ليعلم الناس القرآن - وهو ممكن منه عادة وأجرة تعليمه من بيت المال والوقف فى هذه ناجز فى الحال - فلو لم يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه لم يصح وقفه كالدراهم والدنانير والطعام ونحو ذلك، ولو كان مشاعا وكان ينفسم أولا فانه يصح وقفه عندنا وهو أحد قولى المؤيد بالله وقال محمد بن الحسن واختاره فى الانتصار أنه لا يصح وقف المشاع مطلقا سواء احتمل القسمة أم لا.

وقال المؤيد بالله فى الظاهر من قوليه أنه يصح ان كان لا يحتمل القسمة أو كان الشياع مقارنا نحو أن يقف نصف أرضه أو طارئا نحو أن يقف جميع ماله فى المرض ولا يجيز الورثة أو كان الشياع متقدما وأجاز شريكه أو رضى.

وقال أبو طالب يصح اذا كانت الأرض مستوية الأجزاء، لأن قسمتها افراز، وان كانت مختلفة لم يصح، لأن قسمتها بيع.

واذا ثبت صحة الوقف مع الشياع فحكى الفقيه يحيى عن الفقيه محمد بن يحيى أن للورثة أن يميزوا الوقف كما يميزون الزكاة لأن الجميع حق لله تعالى، وكذا عن المؤيد بالله ذكر فيمن وقف فى مرضه كتبا لا يملك غيرها فانه يصح ثلثها وللورثة أن يميزوا الثلث وينتفعوا بالباقى.

وحكى فى شرح أبى مضر عن المؤيد بالله أن من وقف أرضا على جماعة للاستغلال لا للسكنى لم يكن له أن يقسمها ولا لهم ذلك.

قال أبو مضر وعند يحيى يجوز ذلك كما فى وقف المشاع.

(1)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 175 وما بعدها الى ص 182 مسئلة رقم 1652 طبعة ادارة الطباعة المنيرية سنة 1351 هـ بمصر.

ص: 297

قال وكذلك يجوز على أصل المؤيد بالله لأنه انما منع من وقف المشاع لأنه يؤدى الى أن يصير الملك وقفا وعكسه وهذا ليس بحاصل هاهنا.

ولو قال الواقف وقفت جميع مالى - ولو جاهلا لملكه - وفيه ما يصح وقفه وما لا يصح وقفه لم يمنع ذلك من صحة وقف ما يصح وقفه فالذى لا يصح وقفه كأم الولد فانه لا يصح وقفها.

وكذلك ما منافعه مستحقه لغير مالك الرقبة بوصية مؤبدة أو نحوها وكذلك ما فى ذمة الغير من حيوان أو غيره من مهر أو نذر أو نحوهما فانه لا يصح وقفه.

ولا يصح تعليق تعيين الموقوف فى الذمة لأن الوقف ازالة ملك وازالة الملك لا تثبت فى الذمة وأما المال كالنذر والعتق فيثبت فى الذمة

(1)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى العروة الوثقى: أن من شروط الموقوف أن يكون عينا فلا يصح وقف المنافع مثلا اذا استأجر دارا مدة عشرين سنة وأراد أن يجعل منفعتها - وهى السكنى فيها - وقفا مع بقاء العين على ملك مالكها طلقا لم يصح لأن الانتفاع بها انما هو باتلافها فلا يتصور فيها تحبيس الأصل اذ الأصل حينئذ هى المنفعة وكذا لا يصح وقف الدين كما اذا كان له على الغير عشر شياه مثلا لا يصح أن يجعلها وقفا قبل قبضها من ذلك الغير، وكذا لا يصح أن يكون كليا فى ذمة الواقف كان يقف عشر شياه فى ذمته، وذلك للاجماع على الظاهر وانصراف الأدلة وعدم معهوديته والعمدة الاجماع ان تم، والا فيشكل الفرق بين الوقف وبين البيع والصلح والهبة والاجارة حيث يصح أن يكون متعلقها الدين والكلى فى الذمة.

وما ذكره فى الجواهر من وجه المنع فى الوقف وبيان الفرق بينه وبين المذكورات مع عدم تماميته لا يخرج عن المصادرة كما لا يخفى على من راجع.

ولا يبعد جواز وقف أحد العبدين ثم التعيين بالقرعة كما تصح الوصية به ولا يضره الابهام، بل لو لم يكن اجماع على المنع فى البيع جاز فيه أيضا.

وكذا لا يبعد جواز وقف الكلى الخارجى كوقف مائة ذراع مثلا من القطعة المعينة من أرض كما يصح بيعه.

والظاهر عدم شمول الاجماع على

(1)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 459 وما بعدها الى ص 461 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.

ص: 298

المنع من وقف الكلى على فرض تحققه لذلك بل القدر المتيقن هو الكلى فى الذمة لا فى المعين.

ويصح وقف المشاع بالاجماع والأخبار الدالة على جواز التصدق بالمشاع الشامل للوقف.

ولا يصح وقف المبهم الصرف كما اذا قال: وقفت بعض أملاكى أو شيئا من مالى.

ويشترط فى الموقوف أن يمكن الانتفاع به مع بقائه، فلا يصح وقف الأطعمة والفواكه ونحوهما مما يكون الانتفاع به اتلافه.

وأن يكون مما يمكن اقباضه، فلا يصح وقف الطير فى الهواء ولا السمك فى الماء وان كان مالكا لهما.

وكذا لا يصح وقف العبد الآبق ولو مع الضميمة مع اليأس عن العثور عليه.

نعم لو كان الموقوف عليه قادرا على قبضه صح، وكذا العين المغصوبة التى لا يتمكن من ردها اذا لم يتمكن الموقوف عليه أيضا.

ويشترط أن يكون مما يبقى مدة معتدا بها فيشكل وقف ورد أو ريحان للشم مما لا يبقى الا ساعة أو أزيد.

والأقوى جواز وقف الدراهم والدنانير لامكان الانتفاع بها مع بقاء عينها بمثل التزيين وحفظ الاعتبار كما يجوز عاريتها كما يظهر من بعض الأخبار، فالقول بعدم الجواز ضعيف، ولا اشكال فى صحة وقف الثياب والأوانى والأثاث والعقارات والكتب والسلاح ونحوها، مما يصح الانتفاع به مع بقائه منفعة محللة وان كان بقاؤه فى مدة قليلة، ولا ينافى ذلك اعتبار التأبيد فى الوقف على القول به لأن المراد منه مدة عمر الشئ كما هو واضح

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أنه لا يجوز حبس ما حبسه فى سبيل الله عندنا وأجازه ابن عبد العزيز فى العروض والأصول بين وجه الأجر أو لم يبينه كسلاح أو خيل يتقوى به المجاهدون للروم وسائر المشركين والبغاة من أهل التوحيد والناقضين عهدا من أهل الذمة أو من أهل العهد وان أوصى بكتاب من كتب العلم أو مصحف أو بربع القرآن أو نصفه أو ثلاثة أرباعه لقارئ فيه سواء كان ذلك له فأوصى به أو أوصى أن يشترى لذاك أو ينسخ لم يمنع الا ممن خيف منه افساده

(2)

.

(1)

العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 2 ص 205 وما بعدها الى ص 207 مسئلة رقم 1، 2، 3، 4، 5، 6 طبع مطبعة الحيدرى فى طهران سنة 1377 هـ.

(2)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 283 وما بعدها الى ص 285 طبع محمد بن يوسف البارونى.

ص: 299

‌حكم اضافة الوقف الى ما بعد

الموت أو الى ما قبله

‌مذهب الحنفية:

جاء فى بدائع الصنائع أنه لا خلاف فى جواز الوقف فى حق زوال ملك الرقبة اذا اضافه الى ما بعد الموت بأن قال اذا مت فقد جعلت دارى أو أرضى وقفا على كذا أو قال هو وقف فى حياتى صدقة بعد وفاتى.

واختلفوا فى جوازه مزيلا لملك الرقبة اذا لم توجد الاضافة الى ما بعد الموت.

قال أبو يوسف ومحمد وعامة العلماء رضى الله تعالى عنهم: يجوز حتى لا يباع ولا يوهب ولا يورث وذلك للاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين وعامة الصحابة رضوان الله تعالى عنهم أجمعين، فانه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف ووقف سيدنا أبو بكر وسيدنا عمر وسيدنا عثمان وسيدنا على وغيرهم رضى الله عنهم وأكثر الصحابة وقفوا، ولأن الوقف ليس الا ازالة الملك عن الموقوف وجعله لله تعالى خالصا، فأشبه الاعتاق وجعل الأرض أو الدار مسجدا، والدليل عليه أنه يصح مضافا الى ما بعد الموت فيصح منجزا وكذا لو اتصل به قضاء القاضى يجوز وغير الجائز لا يحتمل الجواز لقضاء القاضى.

وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى:

لا يجوز حتى كان للواقف أن يبيع الموقوف وأن يهبه واذا مات يصير ميراثا لورثته لما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال لما نزلت سورة النساء وفرضت فيها الفرائض قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا حبس عن فرائض الله تعالى أى لا مال يحبس بعد موت صاحبه عن القسمة بين ورثته والوقف حبس عن فرائض الله تعالى فكان منفيا شرعا.

وعن شريح أنه قال جاء محمد يبيع الحبيس وهذا منه رواية عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه يجوز بيع الموقوف لأن الحبيس هو الموقوف فعيل بمعنى المفعول اذ الوقف حبس لغة فكان الموقوف محبوسا فيجوز بيعه.

وبه تبين أن الوقف لا يوجب زوال الرقبة عن ملك الواقف.

وأما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فانما جاز، لأن المانع من وقوعه حبسا عن فرائض الله عز وجل ودفعه صلى الله عليه وسلم لم يقع حبسا عن فرائض الله تعالى لقوله صلى الله عليه وسلم انا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقه.

ص: 300

وأما أوقاف الصحابة رضى الله تعالى عنهم فما كان منها فى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم احتمل أنها كانت قبل نزول سورة النساء، فلم تقع حبسا عن فرائض الله تعالى وما كان بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فاحتمل أن ورثتهم أمضوها بالاجازة وهذا هو الظاهر ولا كلام فيه.

وانما جاز مضافا الى ما بعد الموت لأنه لما اضافه الى ما بعد الموت فقد أخرجه مخرج الوصية فيجوز كسائر الوصايا لكن جوازه بطريق الوصية لا يدل على جوازه لا بطريق الوصية، ألا ترى أنه لو أوصى بثلث ماله للفقراء جاز ولو تصدق بثلث ماله على الفقراء لا يجوز.

وأما اذا حكم به حاكم فانما جاز لأن حكمه صادف محل الاجتهاد وأفضى اجتهاده اليه وقضاء القاضى فى موضع الاجتهاد بما أفضى اليه اجتهاده جائز كما فى سائر المجتهدات.

ثم فى ظاهر الرواية عن أبى حنيفة لا فرق بين ما اذا وقف فى حالة الصحة وبين ما اذا وقف فى حالة المرض حتى لا يجوز عنده فى الحالين جميعا اذا لم توجد الاضافة ولا حكم الحاكم.

وروى الطحاوى عنه أنه اذا وقف فى حالة المرض جاز عنده ويعتبر من الثلث ويكون بمنزلة الوصية بعد وفاته.

وأما عندهما فهو جائز فى الصحة والمرض.

وعلى هذا الخلاف اذا بنى رباطا أو خانا للمجتازين أو سقاية للمسلمين أو جعل أرضه مقبرة لا تزول رقبة هذه الأشياء عن ملكه عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى الا اذا أضافه الى ما بعد الموت أو حكم به حاكم.

وعندهما يزول بدون ذلك.

لكن عند أبى يوسف بنفس القول.

وعند محمد بواسطة التسليم وذلك بسكنى المجتازين فى الرباط والخان وسقاية الناس من السقاية. والدفن فى المقبرة.

وأجمعوا على أن من جعل داره أو أرضه مسجدا يجوز وتزول الرقبة عن ملكه لكن عزل الطريق وافرازه والاذن للناس بالصلاة فيه.

والصلاة شرط عند أبى حنيفة ومحمد حتى كان له أن يرجع قبل ذلك.

وعند أبى يوسف تزول الرقبة عن ملكه بنفس قوله جعلته مسجدا وليس له أن يرجع عنه

(1)

.

(1)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 6 ص 218، ص 219 الطبعة الأولى مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.

ص: 301

‌مذهب المالكية:

جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه: أنه لا يشترط فى الوقف التنجيز، بل يصح فيه التأجيل كالعتق نحو اذا جاء العام الفلانى أو حضر فلان فدارى وقف على كذا فيلزم الوقف اذا جاء الأجل الذى عينه فان حدث دين على الواقف فى ذلك الأجل ضر اذا لم يحز عن الواقف فى ذلك الأجل وان كان لا يضر فى العتق لتشوف الشارع الى الحرية - فان حيز عنه وكانت منفعته لغير الواقف فى ذلك الأجل لم يضر حدوث الدين كما لو آجر الدار فى ذلك الأجل وحازها المستأجر أو جعل منفعتها لغيره فخزن ذلك الغير فيها والمفتاح بيده فان أطلق الوقف عن التقييد بأجل أو التنجيز حمل على التنجيز كما اذا قال دارى وقف على زيد ولم يقل حالا وبعد شهر مثلا

(1)

.

ولا يشترط فى صحة الوقف التأبيد فيصح مدة ثم يرجع أى أن اشتراط التغيير والتبديل والادخال والاخراج معمول به وفى المتيطى ما يفيد منع ذلك ابتداء ويمضى ان وقع

(2)

.

وجاء فى مواهب الجليل قال فى نوازل ابن رشد: سئل عمن حبس حبسا وشرط فى حبسه أنه ان تمادى به العمر واحتاج رجع فى حبسه وباعه وأنفقه على نفسه هل ينفذ الحبس ويجوز الشرط أو ينفذ الشرط ويبطل الحبس فأجاب بأن قال: الشرط الذى ذكرت ان كان فى التحبيس يوجب صرف الحبس بعد موت المحبس الى معنى الوصية على مذهب مالك وأصحابه رحمهم الله تعالى فان كان قد مات نفذ الحبس من ثلثه ان حمله الثلث، وان لم يحمله فما حمل منه الثلث

(3)

.

وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن ابن عرفة صرح الباجى ببقاء ملك المحبس على حبسه وهو لازم تزكية الأحباس على ملك محبسها فقول اللخمى الحبس يسقط ملك المحبس غلط.

أما الغلة فقال ابن شاس الموقوف عليه يملك الغلة والثمرة واللبن والصوف والوبر من الحيوان

(4)

.

وجاء فى مواهب الجليل أن ظاهر بقاء ملك المحبس على الوقف أن يدخل فى ذلك المساجد ونقل القرافى الاجماع على أن المساجد ارتفع عنها الملك وهو خلاف

(1)

الشرح الكبير لسيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه لشمس الدين الشيخ محمد بن عرفه الدسوقى ج 4 ص 87 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 4 ص 87 نفس الطبعة.

(3)

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 6 ص 35 الطبعة السابقة.

(4)

التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 6 ص 45، ص 46 الطبعة السابقة.

ص: 302

ما حكاه فى أول الحبس من النوادر أن المساجد باقية أيضا على ملك محبسها

(1)

.

قال ابن شعبان لو خرب الوقف فأراد غير الواقف اعادته فللواقف أو وارثه منعه.

قال ابن عبد السّلام لأن الحبس مملوك لمحبسه وكل مملوك لشخص لا يجوز تصرف غيره فيه بغير اذنه بوجه.

قال ابن عرفة عندى على أصل المذهب فى ذلك تفصيل، ان كان خراب الحبس لحادث نزل دفعة كوابل مطر أو شدة ريح أو صاعقة فالأمر كما قالوه وان كان بتوالى عدم اصلاح ما ينزل به من هدم شيئا بعد شئ أو من هو هو عليه يستقل ما بقى منه فى أثناء توالى الهدم عليه كحال بعض أهل وقتنا من أئمة المساجد يأخذون غلته ويدعون بناءه حتى يتوالى عليه الخراب.

المذهب كل المنفعة أو جلها فهذا الواجب قبول من تطوع باصلاحه ولا مقال بمنعه لمحبسه ولا لوارثه لأن مصلحه قام بأداء حق عن ذى حق عليه لعجزه عن أدائه أو لدده

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى نهاية المحتاج أنه لا يحل ولا يصح تعليق الوقف فيما لا يضاهى التحرير كقوله اذا جاء زيد فقد وقفت كذا على كذا لأنه عقد يقتضى نقلا لله تعالى أو للموقوف عليه حالا كالبيع والهبة أما ما يضاهيه كجعلته مسجدا اذا جاء رمضان فالظاهر صحته كما ذكره ابن الرفعة، ومحل ذلك ما لم يعلقه بالموت فان علقه به كوقفت دارى بعد موتى على الفقراء فانه يصح قاله الشيخان، وكأنه وصية لقول القفال:

لو عرضها للبيع كان رجوعا، ويفرق بينه وبين المدبر بأن الحق المتعلق به وهو العتق أقوى، فلم يجز الرجوع عنه الا بنحو البيع دون نحو العرض عليه.

ونقل الزركشى عن القاضى أنه لو نجزه وعلق اعطاءه للموقوف عليه بالموت جاز كالوكالة وعليه فهو كالوصية أيضا فيما يظهر.

ولو وقف شيئا بشرط الخيار له فى الرجوع عنه أو فى بيعه متى شاء أو فى تغيير شئ منه بوصف أو زيادة أو نقص. أو نحو ذلك بطل الوقف على الصحيح لما مر أنه كالبيع والهبة وفارق العتق حيث لم يفسد بالشروط الفاسدة كما قاله القفال واعتمده السبكى بل قال ان خلافه غير معروف

(1)

مواهب الجليل ج 6 ص 45، ص 46 الطبعة السابقة.

(2)

التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 46 الطبعة السابقة.

ص: 303

بأنه مبنى على السراية لتشوف الشارع اليه.

ومقابل الصحيح يصح الوقف ويلغو الشرط كما لو طلق على أن لا رجعة له

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

جاء فى كشاف القناع: أن من شروط الوقف أن يقف ناجزا غير معلق ولا مؤقت ولا مشروط بنحو خيار فان علق الوقف بشرط غير موته لم يصح الوقف سواء كان التعليق لابتدائه كقوله اذا قدم زيد أو ولد لى ولد أو جاء رمضان فدارى وقف على كذا أو كان التعليق لانتهائه كقوله دارى وقف على كذا الى أن يحضر زيد أو يولد لى ولد ونحوه لأنه نقل لملك فيما لم يبن على التغلب والسراية فلم يجز تعليقه بشرط فى الحياة كالهبة.

وان قال هو وقف بعد موتى صح لأنه تبرع مشروط بالموت فصح كما لو قال قفوا دارى بعد موتى على كذا.

واحتج الامام بأن عمر رضى الله تعالى عنه وصى فكان فى وصيته هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين ان حدث به حدث الموت أن ثمغا وقف

(2)

.

وذكر بقية الخبر، رواه أبو داود بنحو من هذا. ويكون الوقف المعلق بالموت لازما من حين قوله هو وقف بعد موتى.

ونص أحمد فى رواية الميمونى على الفرق بينه وبين المدبر.

قال المحارثى: والفرق عسر جدا.

وان كان الموقوف نحو أمة ففى القواعد صارت كالمستولدة فينبغى أن يتبعها ولدها.

وأما الكسب ونحوه فالظاهر أنه للواقف وورثته الى الموت، لأنه ملك قبل الموت لقول الميمونى للامام والوقوف انما هى شئ وقفه بعده وهو ملك الساعة، ويعتبر الوقف المعلق بالموت من ثلثه لأنه فى حكم الوصية فان زاد على الثلث توقف لزوم الوقف فى الزائد على اجازة الورثة

(3)

.

ويزول ملك الواقف عن العين الموقوفة بمجرد الوقف وينتقل الملك فيها الى الله تعالى ان كان الوقف على مسجد ونحوه كمدرسة ورباط وقنطرة وخانكاة وفقراء

(1)

نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة ابن شهاب الدين الرملى ج 5 ص 372، ص 373 الطبعة السابقة.

(2)

ثمغا بفتح الميم مال بالمدينة لعمر رضى الله تعالى عنه وقفه قاله فى القاموس المحيط.

(3)

كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 2 ص 446 الطبعة السابقة.

ص: 304

وغزاة وما أشبه ذلك، وكذا بقاع المساجد والمدارس والقناطر والسقايات وما أشبهها قال الحارثى بلا خلاف.

وينتقل الملك فى العين الموقوفة الى الموقوف عليه تلك العين ان كان الموقوف عليه آدميا معينا كزيد وعمرو أو كان جمعا محصورا كأولاده أو أولاد زيد لأنه سبب يزيل التصرف فى الرقبة فملكه المنتقل اليه كالهبة

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى أنه لا يجوز للمحبس أن يبطل حبسه بأى صورة من صور الابطال

(2)

. ولا يبطل الحبس ترك الحيازة فان استغله المحبس ولم يكن سبله على نفسه فهو مضمون عليه كالغصب

(3)

.

ومن حبس وشرط أن يباع ان احتيج صح الحبس لما ذكرنا من خروجه بهذا اللفظ الى الله تعالى وبطل الشرط، لأنه شرط ليس فى كتاب الله تعالى وهما فعلان متغايران الا أن يقول: لا أحبس هذا الحبس الا بشرط أن يباع فهذا لم يحبس شيئا، لأن كل حبس لم ينعقد الا على باطل فلم ينعقد أصلا

(4)

.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى شرح الأزهار: أن رقبة الوقف النافذ وفروعه ملك لله تعالى، والنافذ حيث لا يكون موقوفا على شرط ولا وقف مستقبل ولا خارجا مخرج الوصية نحو أن يقف بعد موته فانه قبل حصول الشرط والوقت والموت باق على ملكه وليس بنافذ حتى يموت أو يحصل ما قيد به، فاذا نفذ بأحد هذين الوجهين خرج عن ملك الواقف وصار ملكا لله تعالى، وكذلك فروعه كأغصان الشجرة الموقوفة التى لا يقطع فى العادة، وأما التى يقطع فى العادة فليس بوقف كأغصان التوت ولا خلاف فى الثمر الذى يؤكل أنه لا يصير وقفا وكأولاد الحيوان الموقوف.

قال عليه السلام أما صوف الشاة الموقوفة فلم أقف فيه على نص ويحتمل أنه كالثمر ويحتمل خلاف ذلك.

ومتى نفذ الوقف لم يجز فيه شيئ من التصرفات لأن عينه محبسة للانتفاع بها فلا ينقض ذلك الوقف ولا يجوز بيعه ولا هبته ولا عتقه الا أن ينقض الوقف بحكم حاكم انتقض لأن فيه خلافا اللهم

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 448 نفس الطبعة.

(2)

المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم ج 9 ص 175 وما بعدها الى ص 182 مسئلة رقم 1652 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج. ص 182 مسئلة رقم 1653 نفس الطبعة.

(4)

المرجع السابق ج 9 ص 183 مسئلة رقم 1657 نفس الطبعة.

ص: 305

الا أن يصير مجمعا عليه أو يتقدم حكم بصحة الوقف فانه لا ينتقض بعد ذلك بحكم ولا غيره

(1)

.

ومن وقف شيئا وأضافه الى بعد موته فله قبله الرجوع ذكره المؤيد بالله.

قال مولانا عليه السلام: وظاهر كلامه يقتضى أن له أن يرجع بالفعل أو القول كسائر الوصايا.

وحكى الفقيه يحيى البحيبح عن حاشيته فى تعليق القاضى زيد أنه كالعتق لا يرجع الا بالفعل دون القول.

والصحيح خلاف ذلك.

وأما اذا كان الواقف وقف على شرط نحو أن يقول وقفت كذا ان جاء زيد أو نحو ذلك فالظاهر أن الشروط لا يصح الرجوع فيها باللفظ بل بالفعل لقوة الشروط.

وفى تعليق الفقيه على بن يحيى الوشلى جعلها خلافية بين المؤيد بالله والقاضى زيد.

والمؤيد بالله يقول له أن يرجع بالفعل أو القول.

والقاضى زيد بالفعل.

وجعل المسألة الأولى وفاقية بينهما أنه يصح الرجوع بالقول

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

جاء فى الروضة البهية أن الوقف لا يلزم بعد تمام صيغته بدون القبض وان كان فى جهة عامة قبضها الناظر فيها أو الحاكم أو القيم المنصوب من قبل الواقف لقبضه، ويعتبر وقوعه باذن الواقف كغيره لامتناع التصرف فى مال الغير بغير اذنه والحال أنه لم ينتقل الى الموقوف عليه بدونه فلو مات الواقف قبل قبضه المستند الى اذنه بطل، ورواية عبيد بن زرارة صريحة فيه ومنه يظهر أنه لا تعتبر فوريته واذا تم الوقف لم يجز الرجوع فيه، لأنه من العقود اللازمة وشرطه مضافا الى ما سلف التنجيز فلو علقه على شرط أو صفة بطل الا أن يكون واقعا والواقف عالم بوقوعه كقوله وقفت ان كان اليوم الجمعة وكذا فى غيره من العقود

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

جاء فى شرح النيل أن من يجيز

(1)

شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 501، ص 502 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى فى مصر سنة 1357 هـ.

(2)

المرجع السابق ج 3 ص 507 نفس الطبعة.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 260، ص ع 26 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

ص: 306

الحبس من الإباضية - وهو ابن عبد العزيز - لا يجيزه مطلقا بل اذا كان فى حياته وأخرجه جاز مطلقا ان كان فى حال تجوز أفعاله فيه من الكل وان كان فى حال تجوز أفعاله من الثلث كالمرض أو أوصى به لما بعد موته ولو فى حال جواز أفعاله فيه من الكل فهو من الثلث، وفى الأثر من أوصى للسبيل ثم أمر بتفريقه على الفقراء ولم يقل أنه نقض الوصية فقال أبو الحوارى مرة لا نعرف ما السبيل ومرة أنه كالضيافة لمحتاج اليه ولو غنيا، وله الرجوع فيه وجاز جعله للفقراء أو صرفه لوجه بر وتركه على ما أوصى به لا رده الى ملكه بعد جعله للفقراء أو وجه بر.

وقيل له الرجوع فيه اذا كان وصية وان تركه بحاله لم نحب أن يتعرض له وارثه الا أن احتاج أن يأكل منه على وجه السبيل كغيره.

وقال أبو الحوارى لا يمنع من بيعه أن أراده واختار أن يتركه كما أوصى به موروثه ان أوصى به فى صحته. وقد جاء الأثر أن للموصى أن يرجع عن وصيته ويزيد فيها وينقص فى صحة أو مرض فى بر أو لغنى أو فقير

(1)

.

‌أضحية

‌التعريف اللغوى:

جاء فى لسان العرب

(2)

: يقال ضحى بالشاة تضحية ذبحها ضحى النحر، هذا هو الأصل.

وقد تستعمل التضحية فى جميع أوقات أيام النحر.

وضحى بشاة من الأضحية وهى شاة تذبح يوم الأضحى والضحية ما ضحيت به، وهى الأضحاة وجمعها أضحى، يذكر ويؤنث، والأضحية بكسر الهمزة والأضحية بضمها كالضحية.

وفى الضحية أربع لغات أضحية بضم الهمزة وتشديد الياء، واضحية بكسر الهمزة وتشديد الياء والجمع أضاحى، وضحية والجمع ضحايا وأضحاة بفتح الهمزة، والجمع أضحى وبها سمى يوم الأضحى وفى الحديث أن على أهل كل بيت أضحاة كل عام أى أضحية.

(1)

شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 6 ص 286 طبع محمد ابن يوسف البارونى.

(2)

لسان العرب لابن منظور مادة ضحا.

ص: 307

‌التعريف الشرعى:

هى فى الشرع كما فى الزيلعى

(1)

: اسم لحيوان مخصوص بسن مخصوص يذبح بنية القربة فى يوم مخصوص عند وجود شرائطها وسببها، ولا يبعد فقهاء المذاهب الأخرى فى تعريف الأضحية عن ذلك المعنى

(2)

.

ولهذا اشترط فقهاء الحنفية لزوم نية الأضحية عند الذبح وتكفى النية بالقلب.

والأصل فى مشروعية الأضحية هو قوله تعالى «وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ» .. }. وقوله سبحانه وتعالى «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» على المشهور

(3)

وأحاديث عدة، واجماع الأمة.

‌الأضحية وصفتها

‌مذهب الحنفية

.

تكون الأضحية

(4)

من الأجناس الثلاثة الغنم والبقر والابل، والذكر والأنثى والخصى والفحل من ذلك كله سواء والمعز نوع من الغنم والجاموس نوع من البقر لأنه يضم اليه فى باب الزكاة، ولا يجوز فى الأضاحى شئ من الوحشى، لأن وجوب الأضحية عرف بالشرع، والشرع لم يرد بالايجاب الا فى المستأنس، فان كان متولدا من الوحشى والانسى فالعبرة بالأم.

ولا تجوز الأضحية بالوحشى اذا استأنس كبقرة وحشية ألفت لأنها وحشية فى الأصل والجوهر فلا يبطل حكم الأصل بعارض نادر.

وأما سنها: فلا يجوز فى شئ مما ذكر من الابل والبقر والغنم فى الأضحية الا الثنى من كل جنس لكن يجزى الجذع من الضأن خاصة اذا كان عظيما لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ضحوا بالثنايا الا أن يعز على أحدكم فيذبح الجذع فى الضأن، وروى عنه عليه السلام أنه قال:

يجزى الجذع من الضأن عما يجزى فيه الثنى من المعز وقال أبو هريرة:

سمعت النبى عليه الصلاة والسلام يقول: نعمت الأضحية الجذع من الضأن وروى الجذع الثمين من الضأن.

والجذع من الغنم هو ابن ستة أشهر.

والثنى منه ابن سنة.

والثنى من البقر ابن سنتين.

(1)

الزيلعى ج 6 ص 2 وانظر أيضا فتح القدير ج 8 ص 66.

(2)

انظر للمالكية شرح الخرشى ج 3 ص 32 هداية الراغب فى فقه الحنابلة ص 295 كفاية الاخبار فى فقه الشافعية ص 235، البحر الزخار فى الفقه الزيدى ج 4 ص 310، الروضة البهية فى فقه الجعفرية ج 1 ص 198.

(3)

انظر كفاية الاخبار فى حل غاية الاختصار ج 2 ص 253 والآيات رقم 36 من سورة الحج ورقم 2 من سورة الكوثر.

(4)

بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر الكسانى ج 5 ص 69 طبعة مطبعة الجمالية بمصر.

ص: 308

والثنى من الابل ابن خمس سنين، هذا ما ذكره القدورى نقلا عن الفقهاء.

وذكر القاضى فى شرح مختصر الطحاوى فى الثنى من الابل أنه ما تم له أربع سنين وطعن فى الخامسة.

وذكر الزعفرانى فى الأضاحى أن الجذع هو ابن ثمانية أشهر أو تسعة أشهر.

والثنى من الشاة والمعز هو ما تم له حول وطعن فى السنة الثانية.

والثنى من البقر هو ما تم له حولان وطعن فى السنة الثالثة.

والثنى من الابل هو ما تم له خمس سنين وطعن فى السنة السادسة.

ثم قال صاحب بدائع الصنائع:

وتقدير هذه الأسنان بما قلنا انما هو لمنع النقصان لا لمنع الزيادة حتى لو ضحى بأقل من ذلك سنا لا يجوز، أما لو ضحى بأكبر من ذلك سنا فانه يجوز ويكون أفضل.

أما صفة الأضحية: فقد ذكر صاحب بدائع الصنائع

(1)

أن المستحب أن يكون أسمنها وأحسنها وأعظمها، لأنها مطية الآخرة فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: عظموا ضحاياكم فانها على الصراط مطاياكم، ومهما كانت أعظم وأسمن كانت على الجواز على الصراط أقدر، وأفضل الشاة أن يكون كبشا أملح أقرن موجوءا لما روى جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين موجوءين عظيمين سمينين، والأقرن العظيم القرن والأملح الأبيض والموجوء قيل هو الخصى.

قال صاحب البدائع

(2)

: ويشترط لجواز الأضحية أن تكون سليمة عن العيوب الفاحشة، فلا تجوز العمياء، ولا العوراء البين عورها، ولا العرجاء البين عرجها، وهى التى لا تقدر أن تمشى برجلها الى النسك، ولا تجوز المريضة البين مرضها، ولا العجفاء التى لا تنقى، وهى المهزولة، ولا تجوز مقطوعة الأذنين، أو احداهما بكمالها، ولا مقطوعة الالية بالكلية والتى لا أذن لها فى أصل الخلقة، أو لها أذن واحدة، ويجزى السكاء وهى صغيرة الأذن.

والأصل فى اعتبار هذه الشروط هو ما روى عن البراء بن عازب رضى الله عنهما أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تجزئ من

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 80 الطبعة السابقة.

(2)

بدائع الصنائع ج 5 ص 75.

ص: 309

الضحايا أربع: العوراء البين عورها، والعرجاء البين عرجها، والمريضة البين مرضها، والعجفاء التى لا تنقى.

وروى كذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: استشرفوا العين والأذن، أى تأملوا سلامتهما عن الآفات.

ونهى النبى صلى الله عليه وسلم أن يضحى بعضباء الأذن.

ولو ذهب بعض هذه الأعضاء دون بعض من الاذن والالية والذنب والعين.

ذكر فى الجامع الصغير أنه ينظر:

فان كان الذاهب كثيرا يمنع جواز التضحية، وان كان يسيرا لا يمنع، لأن اليسير مما لا يمكن التحرز عنه، اذ الحيوان لا يخلو عن عاهة عادة فلو اعتبر مانعا لضاق الأمر على الناس ووقعوا فى الحرج.

واختلفوا فى الحد الفاصل بين القليل والكثير على أقوال.

فقيل الكثير: الربع.

وقيل الثلث.

وقيل: النصف.

وأما الهتماء وهى التى لا أسنان لها فان كانت ترعى وتعتلف جازت والا فلا.

وقال أبو يوسف فى قول لا تجزى سواء اعتلفت أم لم تعتلف وفى قول آخر ان ذهب أكثر أسنانها لا تجزى وتجوز الثولاء وهى المجنونة الا أن كان ذلك يمنعها عن الرعى والاعتلاف فلا تجوز، لأنه يفضى الى هلاكها فكان عيبا فاحشا.

وتجوز الجرباء

(1)

اذا كانت سمينة فان كانت مهزولة لا تجوز.

وتجوز الجماء وهى التى لا قرن لها خلقة وكذا مكسورة القرن تجزى لما روى أن سيدنا عليا رضى الله عنه سئل عن القرن فقال: لا يضرك فقد أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وتجزئ الشرقاء وهى مشقوقة الأذن طولا.

ولا بأس بما فيه سمة فى أذنه لأن ذلك لا يعد عيبا فى الشاة أو لأنه عيب يسير أو لأن السمة لا يخلو عنها الحيوان ولا يمكن التحرز عنها.

ولو اشترى رجل أضحية وهى سمينة فعجفت عنده حتى صارت بحيث لو اشتراها على هذه الحالة لم تجزه، فان كان موسرا لم تجزه، وان كان معسرا أجزأته، لأن الموسر تجب عليه الأضحية فى ذمته وانما أقام ما اشترى

(1)

المرجع السابق ج 5 ص 76.

ص: 310

لها مقام ما فى الذمة فاذا نقصت لا تصلح أن تقام مقام ما فى الذمة فبقى ما فى الذمة بحاله.

وأما الفقير فلا أضحية فى ذمته فاذا اشتراها للأضحية فقد تعينت الشاة المشتراة للقربة فكان نقصانها كهلاكها، حتى لو كان الفقير أوجب على نفسه أضحية لا تجوز هذه، لأنها وجبت عليه بايجابه فصار كالغنى الذى وجبت عليه بايجاب الله عز وجل.

ولو قدم أضحية ليذبحها فاضطربت فى المكان الذى يذبحها فيه فانكسرت رجلها ثم ذبحها على مكانها أجزأه، وكذلك اذا انقلبت منه الشفرة فأصابت عينها فذهبت، والقياس أنه لا يجوز.

ووجه القياس أن هذا عيب دخلها قبل تعيين القربة فيها فصار كما لو كان قبل حال الذبح.

ووجه الاستحسان أن هذا مما لا يمكن الاحتراز عنه لأن الشاة تضطرب فتلحقها العيوب من اضطرابها.

وروى عن أبى يوسف أنه قال: لو عالج أضحية ليذبحها فكسرت أو أعورت فذبحها ذلك اليوم أو من الغد فانها تجزئ لأن ذلك النقصان لما لم يعتد به فى الحال لو ذبحها فكذا فى الثانى كالنقصان اليسير، ولا يقوم غير الأضحية مقامها حتى لو تصدق بعين الشاة أو قيمتها فى الوقت لا يجزيه عن الأضحية، لأن الوجوب تعلق بالاراقة.

والأصل أن الوجوب اذا تعلق بفعل معين لا يقوم غيره مقامه كما فى الصلاة والصوم وغيرهما، بخلاف الزكاة فان الواجب فيها أداء جزء من النصاب، ولو أدى من مال آخر جاز، لأن الواجب هناك ليس جزءا من النصاب عند الأصحاب بل الواجب مطلق المال، وههنا الواجب فى الوقت اراقة الدم شرعا غير معقول المعنى فيقتصر الوجوب على مورد الشرع.

‌مذهب المالكية:

(1)

تسن ضحية بجذع ضأن وثنى معز وثنى بقر وثنى ابل، ولا بد فى الضأن والمعز من أن يوفى كل منهما سنة، لكن يشترط فى ثنى المعز أن يدخل فى الثانية دخولا بينا كشهر، بخلاف الضأن فيكفى فيه مجرد الدخول والعبرة بالسنة العربية، أما ثنى البقر فلابد فيه من أن يكون ذا ثلاث من السنين ودخل فى السنة الرابعة ولو دخولا غير بين وأما ثنى الابل فلابد فيها من أن تكون ذات خمس سنين ودخلت فى السادسة ولو دخولا غير بين، وتجزئ الجماء وهى ما لا قرن

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 118، ص 119، ص 120.

ص: 311

لها فى نوع ماله قرن كالبقر، لأنها ان كان ذلك من أصل الخلقة فانها تجزئ باتفاق وأما ان كانت مستأصلة القرنين من غير خلقة ففيها قولان، وتجزئ العاجزة عن القيام لشحم كثير عليها، وتجزئ مكسورة قرن من أصله أو طرفه ان برئ لا أن أدمى فلا تجزئ كالمريضة مرضا بينا وهو ما لا تتصرف معه تصرف السليمة فلا تجزئ بخلاف المرض الخفيف فانها تجزئ معه.

ولا تجزئ أيضا بينة جرب وبشم (تخمة) وجنون دائم بأن فقدت الالهام بحيث لا تهتدى لما ينفعها ولا تجانب ما يضرها وبينة هزال وهى التى لا مخ فى عظامها وبينة عرج وهى التى لا تسير سير صاحباتها وبينة عور وهى التى ذهب بصر احدى عينيها ولو كانت صورة العين قائمة وكذا ذهاب أكثره فان كان بعينها بياض لا يمنعها النظر أجزأت ولا يجزئ فائت جزء كفائت يد أو رجل أصالة أو طروا غير خصية فيجزئ بخصية واحدة ان لم يحصل بها مرض بين. وانما أجزأ لأنه يعود بمنفعة فى لحمها فيجبر ما نقص ولا تجزئ صمعاء وهى صغيرة الأذنين جدا كأنها خلقت بلا أذن ولا تجزئ ذات أم وحشية وأبوها من الانس بأن ضربت فحول الانس فى اناث الوحشى اتفاقا وكذا عكسه على الأصح.

ولا تجزئ بتراء وهى التى لا ذنب لها خلقة أو طروا، ولا بكماء وهى فاقدة الصوت ولا بخراء وهى متغيرة رائحة الفم، ولا يابسة ضرع أى جميعه فان ارضعت ببعضه فلا تضر ولا مشقوقة أذن أكثر من ثلث فان كان الشق ثلثا أجزأت ولا مكسورة سن ان زاد على الواحدة وأما كسر واحدة فلا يمنع الاجزاء على الأصح، وأما قلع الأسنان كلا أو بعضا فلا يضر اذا كان القلع لاثغار (وهو: سقوط الأسنان الرواضع) أو كبر وأما اذا كان لغير ذلك فقلع الواحدة لا يضر وانما يضر ما زاد على الواحدة، ولا تجزئ ذاهبة ثلث ذنب فصاعدا.

وندب جيد بأن يكون من أعلى النعم وندب سالم من العيوب التى تجزئ معها كخفيف مرض وكسر قرن برئ، وندب غير خرقاء وهى التى فى أذنها خرق مستدير وغير شرقاء وهى مشقوقة الأذن وغير مقابلة وهى التى قطع من اذنها من قبل وجهها وترك ملعقا وغير مدابرة وهى التى قطع من أذنها من خلفها وترك معلقا وندب سمين، وندب ذكر وأقرن وأبيض ان وجد وفحل وندب ضأن مطلقا فحله فخصيه فأنثاه ثم يليه معز كذلك.

ثم اختلف هل الأفضل بعد ذلك البقر أو الابل؟

الأظهر عند ابن رشد أن البقر أفضل فهو يلى المعز.

وقال الدردير: ان الخلاف مبنى على أساس أيهما أطيب لحما.

ص: 312

قال الدسوقى فى حاشيته: الحق أن ذلك يختلف باختلاف البلاد

(1)

.

ويكره ابدال

(2)

الأضحية بأقل منها وكذا بمساو على الراجح هذا اذا كان الابدال اختيارا بل وان كان اضطرارا لاختلاط لها مع غيرها فيكره ترك الأفضل لصاحبه الا بقرعة فلا يكره لكن يندب له ذبح أخرى أفضل فأخذ الدون بلا قرعة وذبحه فيه كراهتان، وجاز لربها أخذ العوض عنها وتركها لصاحبه كما يجوز أخذ احداهما بقرعة أو لا.

‌مذهب الشافعية:

لا يجزئ

(3)

فى الأضحية الا الأنعام وهى الأبل والبقر والغنم لقوله عز وجل «لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ»

(4)

ولا يجزئ فيها الا الجذعة من الضأن والثنية من المعز والابل والبقر لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لا تذبحوا الا مسنة الا أن تعسر عليكم فتذبحوا جذعا من الضأن» وعن على رضى الله عنه أنه قال «لا يجوز فى الضحايا الا الثنى من المعز والجذع من الضأن» وعن ابن عباس رضى الله عنهما أنه قال «لا تضحوا بالجذع من المعز والابل والبقر» .

ويجوز فيها الذكر والأنثى لما روت أم كرز عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضركم ذكرانا كن أو اناثا» واذا جاز ذلك فى العقيقة بالخبر دل على جوازه فى الأضحية.

والبدنة عن واحد أفضل من البقرة عنه، لأنها أعظم والبقرة أفضل من الشاة لأنها بسبع من الغنم.

والشاة أفضل من مشاركة سبعة فى بدنة أو بقرة لأنه ينفرد باراقة دم.

والضأن أفضل من المعز لما روى عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: خير الأضحية الكبش الأقرن وقالت أم سلمة: رضى الله عنها: لأن أضحى بالجذع من الضأن أحب الى من أن أضحى بالمسنة من المعز.

ولا تجزئ ما فيه عيب ينقص اللحم كالعوراء والعمياء والجرباء والعرجاء التى تعجز عن المشى فى المرعى، لما روى البراء ابن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يجزئ فى الأضاحى العوراء البين عورها والمريضة البين

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 121.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 123 الطبعة السابقة.

(3)

المهذب لابن اسحاق الشيرازى ج 1 ص 238.

(4)

الآية رقم 34 من سورة الحج.

ص: 313

مرضها والعرجاء البين ضلعها

(1)

والكسيرة التى لا تنقى - المنقى: المخ فى العظم، ومعناه التى لا يطلع فيها مخ - فنص على هذه الأربعة، لأنها تنقص اللحم فدل على أن كل ما ينقص اللحم لا يجوز.

ويكره أن يضحى بالجلحاء وهى: التى لم يخلق لها قرن، وبالقصماء وهى التى انكسر غلاف قرنها وبالعضباء وهى التى انكسر قرنها، وبالشرقاء وهى: التى انتقبت أذنها من الكى، وبالخرقاء وهى: التى تشق أذنها بالطول، لأن ذلك كله يشينها، فان ضحى بما ذكرناه أجزأه، لأن ما بها لا ينقص من لحمها.

فان نذر أن يضحى بحيوان فيه عيب يمنع الاجزاء كالجرب وجب عليه ذبحه ولا يجزئه عن الأضحية حتى لو زال العيب قبل أن يذبح، لأنه أزال الملك فيها بالنذر.

وشرط اجزاء الابل أن تطعن فى السنة السادسة.

وشرط أجزاء البقر والمعز أن تطعن فى الثالثة.

وشرط أجزاء الضأن أن تطعن فى الثانية بالاجماع

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

لا يجزئ فى الأضحية الا الجذع من الضأن وهو ما له ستة أشهر، ويدل لاجزائه ما روت أم بلال بنت هلال عن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: تجزئ الجذع من الضأن أضحية، ولا يجزئ الا الثنى مما سواه، فثنى الابل ما كمل له خمس سنين ودخل فى السادسة، وثنى البقر ما له سنتان كاملتان، وثنى المعز ما له سنة كاملة لحديث لا تذبحوا الا مسنة فان عسر عليكم فاذبحوا الجذع من الضأن، ويجزئ الأعلى سنا مما ذكر لأنه أولى.

وجذع ضأن أفضل من ثنى معز.

وكل من الجذع من الضأن والثنى من المعز أفضل من سبع بدنة أو سبع بقرة، وزيادة عدد فى جنس أفضل من المغالاة مع عدم التعدد فبدنتان سمينتان بتسعة أفضل من بدنة بعشرة ورجح بعضهم البدنة التى بعشرة على البدنتين بتسعة، لأنها أنفس، والخصى راجح على النعجة، ورجح الموفق الكبش فى الأضحية على سائر النعم

(3)

.

وتجزئ الجماء وهى التى خلقت بلا قرن والصمعاء وهى صغيرة الاذن

(1)

الضلع «بالتحريك» : الاعوجاج بخلقة وهو الميل أيضا، كأنها تميل فى مشيتها وتعوج.

(2)

نهاية المحتاج على متن المنهاج ج 8 ص 125 طبعة مصطفى البابى الحلبى.

(3)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 1 ص 64، ص 65.

ص: 314

وما خلقت بلا أذن، والبتراء وهى التى لا ذنب لها خلقة أو مقطوعا، وتجزئ التى بعينها بياض لا يمنع النظر ويجزئ الخصى التى قطعت خصيتاه أو سلتا أو رضتا، لأن النبى صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين موجوءين والوجاء رض الخصيتين، ولأن الخصاء، اذهاب عضو غير مستطاب يطيب اللحم بذهابه ويسمن، فان قطع ذكره مع قطع الخصيتين وهو الخصى المجبوب لم يجز نص عليه وجزم به فى التلخيص، وتجزئ الحامل من الابل أو البقر أو الغنم، والذكر والانثى - سواء والأقرن أفضل.

ويسن استسمانها واستحسانها وأفضلها أسمن ثم أعلى ثمنا لقول الله عز وجل «وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ .. » الآية وقال ابن عباس رضى الله عنه: تعظيمها استسمانها واستحسانها، ولأن ذلك أعظم لاجرها وأكثر لنفعها.

ولا تجزئ فى الأضحية الوحشى اذ لا يحصل المقصود به مع عدم الورود، ولا يجزئ أيضا فى الأضحية من أحد أبويه وحشى تغليبا لجانب المنع، ولا تجزئ العوراء البينة العور وهى التى انخسفت عينيها فان كان على العين بياض وهى قائمة لم تذهب أجزأت ولا تجزئ عمياء، لأن العمى يمنع مشيها مع رفيقتها ويمنع مشاركتها فى العلف، وكذلك لا تجزئ عرجاء بين ضلعها وهى التى لا تقدر على المشى على جنبها الصحيح وكذلك لا تجزئ عجفاء لا تنقى وهى الهزيلة التى لا مخ فى عظامها، ولا تجزئ عضباء وهى التى ذهب أكثر أذنها أو قرنها، لحديث على رضى الله عنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضحى بأعضب الأذن والقرن، ولا تجزئ الجدباء وهى جافة الضرع، أى الجدباء التى نشف ضرعها ولا تجزئ هتماء وهى التى ذهبت ثناياها من أصلها ولا تجزئ عصماء وهى التى انكسر غلاف قرنها وتكره معيبة أذن بخرق أو شق أو قطع لنصف أو أقل من النصف، لحديث على رضى الله عنه قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والاذن وأن لا نضحى بمقابلة ولا مدابرة ولا خرقاء ولا شرقاء

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم فى المحلى

(2)

: الأضحية جائزة بكل حيوان يؤكل لحمه أو طائر، كالفرس والابل وبقر الوحش والديك وسائر الطير والحيوان الحلال أكله.

والأفضل فى كل ذلك ما طاب لحمه

(1)

المرجع السابق ج 1 ص 636 الطبعة السابقة.

(2)

المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 370 مسئلة رقم 977 ادارة الطباعة المنيرية.

ص: 315

وكثر وغلا ثمنه لما روى عن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت: فى حديث:

لما كنا بمنى أتيت بلحم بقر كثير فقلت ما هذا قالوا ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نسائه بالبقر وهذا فى حجة الوداع

(1)

.

ثم قال: ولا تجزئ فى الأضحية العرجاء البين عرجها، ولا المريضة البين مرضها، والجرب مرض؟، فإن كان كل ما ذكرنا لا يبين أجزأ، ولا تجزئ العجفاء وهى التى لا شئ من الشحم لها، ولا تجزئ التى فى أذنها شئ من النقص أو القطع أو الثقب النافذ ولا التى فى عينها شئ من العيب، ولا تجزئ البتراء فى ذنبها، ثم كل عيب سوى ما ذكرنا فانها تجزئ به الاضحية كالخصى وكسر القرن دمى أم لم يدم، والهتماء والمقطوعة الألية وغير ذلك، ولا تجزئ فى الاضاحى جذعة ولا جذع لا من الضأن ولا من غير الضأن، ويجزئ ما فوق الجذع والجذع من الضأن والماعز والظباء والبقر هو ما أتم عاما كاملا ودخل فى الثانى من أعوامه فلا يزال جذعا حتى يتم عامين ويدخل فى الثالث فيكون ثنيا حينئذ، والجذع فى الابل ما أكمل أربع سنين ودخل فى الخامسة فهو جذع الى أن يدخل السادسة

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

انما يجزئ أضحية الأهلى بقوله تعالى «وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ» وهى الابل والبقر والغنم

(3)

، ولا يجزئ للأضحية

(4)

ما كان وحشيا كالظباء والوعول وبقرة الوحش. والعبرة بالأم فان كانت الأم أهلية أجزأت وان كانت وحشية لم تجز وانما يجزئ من الضأن الجذع فصاعدا ومن غيره الثنى فصاعدا.

ولا يجزئ فى الأضحية دون الجذع من الضأن، ولا دون الثنى من غيره والجذع من الضأن ما قد تم له حول والثنى من الضأن والمعز والبقر ما تم له حولان، والجذع من الابل ما تم له أربع سنين، والثنى منها ما تم له خمس سنين.

وأما ما لا يجزئ من الأهلية أضحية فجملتها اثنتا عشرة وهى: الشرقاء والمثقوبة أذنها ولو يسيرا، والمقابلة والمدابرة والعمياء، والعجفاء ومثلها شديدة المرض وان لم تكن قد عجفت، والجرباء والثولاء وهى المجنونة، وبينة العور وبينه العرج وهى التى لا تبلغ المنحر على قوائمها الاربع فلو بلغت المنحر

(1)

المرجع السابق ج 7 ص 373 الطبعة السابقة.

(2)

المرجع السابق ج 7 ص 359 مسئلة رقم 974.

(3)

البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 4 ص 311، ص 312 طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر.

(4)

التاج المذهب ج 3 ص 465.

ص: 316

عليها أجزأت ولو عرجت، ومسلوبة القرن والأذن والذنب والالية، ولا فرق فى هذه الاربعة الاخيرة بين أن تكون ذاهبة من أصل الخلقة أو طرأ عليها الذهاب. فاذا وجدت هذه الصفات فى أضحية فلا تجزئ على ما جاء فى التاج المذهب

(1)

.

الا أن صاحب البحر الزخار اعتبر وجود بعض هذه الصفات لا كلها مجزئة مع الكراهة

(2)

. ويعفى عن اليسير وهو ما دون الثلث الى الكل.

وأما الاشرح وهو ما كان له احدى الخصيتين من أصل الخلقة فالمقرر أنه يجزئ أضحية.

والأفضل للمنفرد الابل ثم البقر ثم جذع الضأن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تذبحوا الا مسنة الا أن يعسر عليكم.

وجاء فى التاج المذهب

(3)

: ويندب فى الأضحية كونها كبشا موجوءا أى خصيا أقرن أملح هذ لمن أراد أن يضحى بالشاة، والا فالأفضل الابل ثم البقر ثم جذع ضأن، والمستحب الاقرن والمراد به ما كان فى قرنه طول فيما يعتاد والقرن ليذب به عن متاعه وذلك لفعل النبى صلى الله عليه وسلم، والأملح ما فيه سواد يخالطه بياض.

‌مذهب الإمامية:

لا يجوز فى الأضاحى من البدن الا الثنى، وهو الذى تم له خمس سنين ودخل فى السادسة ويجزئ من المعز والبقر الثنى وهو الذى تم له سنة ودخل فى الثانية، ويجزئ من الضأن الجذع لسنة، ولا يضحى بشئ من الدواجن أما ما فيه عيب فقد ورد أن على بن جعفر سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السلام عن الرجل يشترى الضحية عوراء فلا يعلم الا بعد شرائه، هل تجزئ عنه؟ قال: نعم، الا أن يكون هديا فانه لا يجوز ناقصا.

وسئل أبو جعفر عليه السلام كذلك عن هرمة سقطت ثناياها: هل تجزئ فى الأضحية؟ فقال: لا بأس أن يضحى بها.

وروى جميل عن أبى عبد الله عليه السلام فى الأضحية يكسر قرنها قال:

اذا كان القرن الداخل صحيحا فهى تجزئ.

وسمعت شيخنا محمد بن الحسن رضى الله عنه يقول: سمعت محمد بن الحسن الصغار رضى الله عنه يقول:

(1)

التاج المذهب ج 3 ص 465 الطبعة السابقة.

(2)

البحر الزخار ج 4 ص 313، ص 314 الطبعة السابقة.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 468.

ص: 317

اذا ذهب من القرن الداخل ثلثاه وبقى ثلثه فلا بأس أن يضحى به

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

لا تجزئ

(2)

الأضحية الا من النعم، الابل والبقر والشاة ضأنا أو معزا، وزعم بعضهم أنه يجوز بقر الوحش، وضحى بلال بديك، وبعث ابن عباس عكرمة بدرهمين يشترى بهما لحما وأمره أن يقول لمن لقيه هذه ضحية ابن عباس والبدنة وهى البعير جملا كان أو ناقة خير من بقرة وهى الواحد من البقر ذكرا أو أنثى والبقرة خير من شاة وهذا عند تضحية الفرد بذلك عن نفسه.

وفحل الضأن أفضل من خصيه، وانما فضل الفحل على الخصى مع أن الخصى قد يكون أسمن لأن الفحل لم ينقص منه عضو والكل جائز كما جاز الأنثى ولو من المعز وقد ضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخصيين والخصى خير من اناث الضأن، وأنثى الضأن خير من ذكر المعز.

والمسنون عن ابراهيم صلى الله عليه وسلم هو الكبش والحقت به النعجة والمعز، لأن ذلك جنس واحد بدليل تكامل بعض ببعض فى النصاب.

وعن أبى عبيدة أنه لا تجزئ من الابل والبقر والمعز الا الثنى فصاعدا.

ولا تجزئ ثنية من غنم وجوز جذع من ضأن وهو ما له سنة.

وقيل: عشرة أشهر.

وقيل: ثمانية.

وقيل: سبعة.

وقيل: ستة.

وجوز ثنى معز سالم.

وقال الشيخ اسماعيل

(3)

: الثنى من الابل ما له ست سنين لأنه يلقى ثنيته، والثنى من البقر ما دخل فى السنة الرابعة.

وكذلك تشترط السلامة فى بقية الأسنان الجائزة من النعم كله فى الأضحية فلا يجزئ من ذلك حيوان مشقوق أذنه ولا مثقوب لأن الشق والثقب مانعان من التضحية ولو كان ذلك قليلا، لأن مضرتهما أعظم من مضرة القطع.

وقيل: لا يمنعان حتى يكون الشق أو الثقب النصف أو أكثر.

(1)

كتاب من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 294 وما بعدها.

(2)

كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 383 طبعة البارونى.

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 384.

ص: 318

وقيل: الربع.

ولا يجوز مقطوع نصف الأذن فأكثر.

وقيل: لا يجوز مقطوع ما هو أكثر من ربع الاذن.

وقال فى متن النيل وكذا مقطوع القرن والذنب.

قيل: وكل نقص بعد سلامة عين وأذن لا يضر

(1)

، فاذا سلمت عينها عن العمى والعور والرمد جازت ولو كانت عرجاء أو مقطوعة الذنب أو القرن أو هزيلة أو غير ذلك.

ولا تجزئ عرجاء ولا عوراء ولا عجفاء أى مهزولة لا مخ فيها ان ظهر العرج والعور والعجف وتبين، ولا ضير بما خف من ذلك.

وقيل: لا يضر عرج لم يمنع رعيا ولا رمد تبصر معه المرعى.

ولا يضر سقوط ضروس ان بقى ما تأكل به وتجتر وتمضغ.

ولا يضر سقوط قرون ان بقى عرض أصبع.

وقيل ان لم تستأصل.

وقيل: لا يضر نقص خلقى، فلو خلقت بلا قرن أو بلا أذن أو بلا عينين بأن خلقت ممسوحة العينين لا صورة عين فيها أو خلقت لا خصية لها أو نحو ذلك أجزأت.

ولا تجزئ مجنونة ولا التى قطع من أذنها شئ وبقى معلقا ولا التى ثقب أذنها ثقبا كبيرا مستديرا ولا الجرباء ولا التى كسرت يدها أو رجلها ولو جبرت.

وقيل: جازت ان كانت تبلغ المرعى.

ولا تجزئ التى بقى ثلث قرنها أو ذنبها خلافا لبعض.

وقيل: اذا قطع أكثر من ربع الذنب لم تجز.

وعن بعضهم: اذا بقى من ذنب البقرة ما تذب به جازت.

وقيل: فى الذنب أنه كالاذن.

وما خلقت بلا ضرع جازت عند بعض.

ولا تجزئ المريضة البين مرضها ولا ضير بالخفيف.

واختلفوا فى المخلوقة بلا أذن ومقطوعة الذنب.

وجاء فى شرح النيل

(2)

.

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 385، ص 386.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 389، 390.

ص: 319

يجوز ابدال الأضحية بأفضل منها أو مثلها والمراد بالابدال أبدالها بأخرى واحدة بواحدة أو مع زيادة أو بيعها بثمن وشراء أخرى بذلك الثمن.

والأحوط أن لا يبدلها بمثلها، لأن الأصل بقاءه على نيته فيها فلا يحسن له ابدالها وترك نيته الأولى فيها الا بأرجح منها.

وجاز ابدالها لأمر اعتراه كاحتياج لأكل ولا يجد فى حينه مثلها أو احتاجها لنحو ذلك فلا كراهة ولو كان الابدال بمثلها فقط.

‌وقت الأضحية

‌مذهب الحنفية:

وقت وجوب الأضحية عند الحنفية هو أيام النحر فلا تجب قبل دخول الوقت، لأن الواجبات المؤقتة لا تجب قبل أوقاتها كالصلاة والصوم ونحوهما.

وأيام النحر ثلاثة أيام يوم الأضحى وهو اليوم العاشر من ذى الحجة واليوم الحادى عشر واليوم الثانى عشر وذلك بعد طلوع الفجر من اليوم الأول الى غروب الشمس من اليوم الثانى عشر، لما روى عن سيدنا عمر وسيدنا على وابن عباس وابن عمر وأنس بن مالك رضى الله عنهم أنهم قالوا: أيام النحر ثلاثة أولها أفضلها، والظاهر أنهم سمعوا ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن أوقات العبادات والقربات لا تعرف الا بالسمع فاذا طلع الفجر من اليوم الأول فقد دخل وقت الوجوب فتجب عند استجماع شرائط الوجوب

(1)

.

واذا لم يكن أهلا للوجوب فى أول الوقت ثم صار أهلا فى آخره، بأن كان كافرا أو عبدا أو فقيرا أو مسافرا فى أول الوقت ثم أسلم أو أعتق أو أيسر أو أقام فى آخره فانه يجب عليه.

ولو كان أهلا فى أول الوقت ثم لم يبق أهلا فى آخر الوقت بأن ارتد أو أعسر أو سافر فى آخر الوقت فلا يجب عليه.

ولو ضحى فى أول الوقت وهو فقير ثم أيسر فى آخر الوقت فعليه أن يعيد الأضحية عندنا.

وقال بعض مشايخنا ليس عليه الاعادة.

والصحيح هو الأول، لأنه لما أيسر فى آخر الوقت تعين آخر الوقت للوجوب عليه وتبين أن ما أداه وهو فقير كان تطوعا فلا ينوب عن الواجب

(2)

.

ولا يجوز لأحد أن يضحى قبل طلوع الفجر الثانى من اليوم الأول من أيام

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 65.

(2)

بدائع الصنائع ج 5 ص 65.

ص: 320

النحر، ويجوز بعد طلوعه سواء كان من أهل المصر أو من أهل القرى.

غير أن للجواز فى حق أهل المصر شرطا زائدا وهو أن يكون بعد صلاة العيد لا يجوز تقديمه عليه عندهم وهو الصحيح، وذلك لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من ذبح قبل الصلاة فليعد أضحيته وروى عنه عليه السلام أنه قال: أول نسكنا فى يومنا هذا الصلاة ثم الذبح فقد رتب النبى صلى الله عليه وسلم الذبح على الصلاة.

وليس لأهل القرى صلاة العيد فلا يثبت الترتيب فى حقهم.

وان أخر الامام صلاة العيد فليس للرجل أن يذبح أضحيته حتى ينتصف النهار فان اشتغل الامام فلم يصل العيد أو ترك ذلك متعمدا حتى زالت الشمس، فقد حل الذبح بغير صلاة فى الأيام كلها، لأنه لما زالت الشمس فقد فات وقت الصلاة.

وان كان يصلى فى المصر فى موضعين ذكر الكرخى أنه اذا صلى أهل أحد المسجدين أيهما كان جاز ذبح الأضاحى.

وذكر فى الأصل أنه اذا صلى أهل أحد المسجدين فالقياس أن لا يجوز ذبح الأضحية.

وفى الاستحسان يجوز.

ولو ذبح والامام فى خلال الصلاة لا يجوز وكذا اذا ضحى قبل أن يقعد قدر التشهد.

ولو ضحى قبل فراغ الامام من الخطبة أو قبل الخطبة جاز لأن النبى صلى الله عليه وسلم رتب الذبح على الصلاة لا على الخطبة فيما روى من الأحاديث فدل على أن العبرة للصلاة لا للخطبة.

ولو صلى الامام صلاة العيد وذبح رجل أضحيته ثم تبين أنه يوم عرفه فعلى الامام أن يعيد الصلاة من الغد وعلى الرجل أن يعيد الأضحية لأنه تبين أن الصلاة والأضحية وقعتا قبل الوقت فلم يجز.

ولو شهد ناس عند الامام بعد نصف النهار وبعد ما زالت الشمس أن ذلك اليوم هو العاشر من ذى الحجة جاز لهم أن يضحوا ويخرج الامام من الغد فيصلى بهم صلاة العيد.

وان علم فى صدر النهار أنه يوم النحر فشغل الامام عن الخروج أو غفل فلم يخرج ولم يأمر أحدا أن يصلى بهم فلا ينبغى لأحد أن يضحى حتى يصلى الامام الى أن تزول الشمس فاذا زالت قبل أن يخرج الامام ضحى

ص: 321

الناس، وان ضحى أحد قبل ذلك لم يجز.

ولو وقعت فتنة فى مدينة ولم يكن لها امام من قبل السلطان يصلى بهم صلاة العيد فالقياس فى ذلك أن يكون وقت النحر فى ذلك المصر بعد طلوع الفجر يوم النحر بمنزلة القرى التى لا يصلى فيها.

ولكن يستحسن أن يكون وقت نحرهم بعد زوال الشمس من يوم النحر، لأن الموضع موضع الصلاة، ألا ترى أن الامام لو كان حاضرا كان عليهم أن يصلوا الا أنه امتنع أداؤها لعارض فلا يتغير حكم الأصل كما لو كان الامام حاضرا فلم يصل لعارض من مرض أو غير ذلك وهناك لا يجوز الذبح الا بعد الزوال فكذا هنا.

ولو ذبح أضحيته بعد الزوال من يوم عرفه ثم ظهر أن ذلك كان يوم النحر جازت الأضحية لأن الذبح حصل فى وقته فيجزيه هذا.

وان كان الرجل فى مصر وأهله فى مصر آخر فكتب اليهم أن يضحوا عنه روى عن أبى يوسف أنه اعتبر مكان الذبيحة فقال ينبغى لهم أن لا يضحوا عنه حتى يصلى الامام الذى فيه أهله.

وان ضحوا عنه قبل أن يصلى الامام لم يجزه وهو قول محمد.

ويجوز الذبح فى أيام النحر نهارها ولياليها وهما ليلتان ليلة اليوم الثانى وهى ليلة الحادى عشر وليلة اليوم الثالث وهى ليلة الثانى عشر ولا يدخل فيها ليلة الأضحى وهى ليلة العاشر من ذى الحجة

(1)

.

وتستحب التضحية فى أول يوم من أيام النحر لما روى عن جماعة من الصحابة رضى الله عنهم أنهم قالوا:

أيام النحر ثلاثة أولها أفضلها ولأنه مسارعة الى الخير وقد مدح الله سبحانه وتعالى المسارعين الى الخيرات بقوله «أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ»

(2)

ولأن الله سبحانه وتعالى أضاف عباده فى هذه الأيام بلحوم القرابين فكانت التضحية فى أول الوقت من باب سرعة الاجابة الى ضيافة الله عز وجل، ويستحب أن تكون فى النهار ويكره أن تكون فى الليل

(3)

.

‌فوات وقت الأضحية

الأضحية اذا فاتت عن وقتها لا تقضى بالاراقة لأن الاراقة لا تعقل قربة وانما جعلت قربة بالشرع فى وقت مخصوص فاقتصر كونها قربة على الوقت المخصوص فلا تقضى بعد خروج الوقت، وانما

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 73، ص 74.

(2)

الآية رقم 61 من سورة المؤمنون.

(3)

بدائع الصنائع ج 5 ص 80.

ص: 322

يكون قضاؤها اما بالتصدق بعين الشاة حية واما بالتصدق بقيمتها فان كان أوجب التضحية على نفسه شاة بعينها فلم يضح بها حتى مضت أيام النحر فانه يتصدق بعينها حية، لأن الأصل فى الأموال التقرب بالتصدق بها لا بالاتلاف وهو الاراقة الا أنه نقل الى الاراقة مقيدا فى وقت مخصوص حتى يحل تناول لحمه للمالك والأجنبى والغنى والفقير لكون الناس أضياف الله فى هذا الوقت فاذا مضى الوقت عاد الحكم الى الأصل وهو التصدق بعين الشاة سواء كان موسرا أو معسرا.

ولذا فان المعسر أو الموسر اذا اشترى شاة ليضحى بها فلم يضح حتى مضى الوقت المتعين فعليه التضحية بها.

وان كان الموسر لم يشتر شاة للأضحية حتى مضت أيام النحر تصدق بقيمة شاة تجوز فى الأضحية.

ولو صار فقيرا بعد مضى أيام النحر لا يسقط عنه التصدق بعين الشاة أو بقيمتها لأنه اذا مضى الوقت صار ذلك دينا فى ذمته فلا يسقط عنه لفقره بعد ذلك ولو وجب عليه التصدق بعين الشاة فلم يتصدق ولكن ذبحها فانه يتصدق بلحمها ويجزيه ذلك ان لم ينقصها الذبح وان نقصها يتصدق باللحم وقيمة النقصان.

ولا يحل له أن يأكل منها فان أكل منها شيئا غرم قيمته ويتصدق بها، وكذلك لو أوجب على نفسه أن يتصدق بها لا يأكل منها اذا ذبحها بعد وقتها أو فى وقتها فهو سواء.

ومن وجبت عليه الأضحية فلم يضح حتى مضت أيام النحر ثم حضرته الوفاة فعليه أن يوصى بأن يتصدق عنه بقيمة شاة من ثلث ماله لأنه لما مضى الوقت فقد وجب عليه التصدق بقيمة شاة فيحتاج الى تخليص نفسه عن عهدة الواجب

(1)

.

‌مذهب المالكية:

يبتدئ وقت ذبح الأضحية من بعد فراغ ذبح الامام فى اليوم الأول من أيام النحر فان لم يذبح الامام اعتبر زمن ذبحه وأما فى اليومين الثانى والثالث من أيام النحر، فيدخل وقت الذبح بطلوع الفجر، لكن يندب التأخير لحين طلوع الشمس وارتفاعها قدر رمحين. وهذا بالنسبة لغير الامام.

أما بالنسبة للامام فوقت ذبح الأضحية له يكون بعد صلاة العيد والخطبة فلو ذبح قبلها لم يجزه، ويستمر وقتها الى آخر اليوم الثالث من أيام النحر، والمعتبر أمام الطاعة (الحاكم العام أو نائبه) ان تولى صلاة العيد فان تولاها غيره فخلاف أساسه هل المقصود

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 67، ص 68.

ص: 323

بالامام هو امام الطاعة أو نائبه، أو المقصود امام الصلاة أى صلاة العيد قولان.

فان كان امام الصلاة واحدا فى البلد فالأمر ظاهر وان تعدد فيعتبر كل واحد بالنسبة لأهل الناحية التى صلى فيها.

ومحل الخلاف اذا وجد امام الطاعة وامام الصلاة معا فى البلد ولم يخرج امام الطاعة ضحيته للمصلى فان أخرجها اعتبر هو قولا واحد كما أنه اذا لم يكن فى البلد امام الطاعة ولا نائبه كان المعتبر امام الصلاة قولا واحدا.

فان كانت البلد ليس فيها واحد من الامامين تحروا ذبح امام أقرب البلاد اليهم وهذا واضح ان كان فى أقرب البلاد امام واحد فان تعدد تحروا أقرب الأئمة لبلدهم

(1)

.

ومن سبق الامام بالذبح فى اليوم الأول بطلت أضحيته وأعادها سواء ختم الذبح قبل ختم الامام أو بعد ختمه فلا تجزئ أضحيته حيث ابتدأ قبل الامام، وكذلك لا تجزئ الأضحية ان ساوى الامام فى ابتداء الذبح سواء ختم الذبح قبله أو معه أو بعده، اما اذا ابتدأ الذبح بعد الامام فان ختم قبله أو معه فلا تجزئ وان ختم بعده أجزأت.

وان توانى الامام عن الذبح بلا عذر وانتظر المضحى قدر وقت الذبح أجزأه وان ذبح قبله، أما لو توانى بسبب عذر كقتال عدو أو اغماء أو جنون فان على المضحى أن ينتظر بالذبح لقرب الزوال بحيث يبقى قدر ما يذبح قبل الزوال لئلا يفوته الوقت الأفضل.

والنهار شرط فى الضحايا كالهدايا فلا يجزئ ما وقع منهما ليلا، وأول النهار طلوع الفجر، وندب للمضحى ابراز أضحيته للمصلى ويتأكد ذلك فى حق الامام ليعلم الناس ذبحه ولا يكره عدم الابراز لغير الامام.

واليوم الأول لغروبه أفضل مما عداه، ثم اليوم الثانى من فجره الى الزوال، ثم اليوم الثالث كذلك ثم اليوم الثانى من بعد الزوال الى الغروب، ثم اليوم الثالث كذلك

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

يدخل وقت الأضحية اذا مضى بعد دخول وقت صلاة الأضحى قدر ركعتين

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 120، ص 121.

(2)

المرجع السابق ج 2 ص 121، 122.

ص: 324

وخطبتين فان ذبح قبل ذلك لم يجزه، لما روى البراء بن عازب رضى الله عنه قال: خطب النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة فقال من صلى صلاتنا هذه ونسك نسكنا فقد أصاب سنتنا ومن نسك قبل صلاتنا فذلك شاة لحم فليذبح مكانها، واختلف الأصحاب فى مقدار الصلاة.

فمنهم من اعتبر قدر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى ركعتان يقرأ فيهما قدر اقتربت الساعة، وقدر خطبتيه.

ومنهم من اعتبر قدر ركعتين خفيفتين وخطبتين خفيفتين، ويبقى وقتها الى آخر أيام التشريق لما روى جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل أيام التشريق أيام ذبح.

فان لم يضح حتى مضت أيام التشريق نظرت فان كان ما يضحى تطوعا لم يصح، لأنه ليس بوقت لسنة الأضحية، وان كان نذرا لزمه أن يضحى لأنه وجب عليه ذبحه فلم يسقط بفوات الوقت

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

وقت ابتداء ذبح الأضحية يوم العيد بعد صلاة العيد لحديث جندب بن عبد الله أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:

من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها أخرى.

والأفضل أن يكون الذبح بعد الصلاة وبعد الخطبة وذبح الامام، ولو سبقت صلاة امام فى البلد الذى تتعدد فيه صلاة العيد جاز الذبح لتقدم الصلاة عليه.

ووقت ابتداء ذبحها فى حق من لا صلاة فى موضعه، ممن لا عيد عليه كأهل البوادى من أهل الخيام، انما يكون بعد مضى قدر صلاة العيد بعد دخول وقتها. فان فاتت الصلاة بالزوال ضحى.

وآخر وقت ذبح الأضحية آخر اليوم الثانى من أيام التشريق وأفضله أول يوم من دخول وقته ويجزئ فى ليلة يومى التشريق الأولين، لأن الليل زمن يصح فيه الرمى وداخل فى أيام الذبح فجاز فيه كالأيام ولكن مع الكراهة، وقيل: لا يكره.

وأن ذبح أضحية قبل الوقت لم يجزئه كالصلاة قبل الوقت

(2)

، وعليه بدل الواجب لبقائه فى ذمته.

وان فات وقت الذبح قضى الواجب وفعل به كالأداء

(3)

.

(1)

المهذب ج 1 ص 237.

(2)

كشاف القناع وبهامشه منتهى الإرادات ج 1 ص 637، ص 638.

(3)

هداية الراغب لشرح عمدة الطالب ص 297 طبع مطبعة المدنى.

ص: 325

‌مذهب الظاهرية:

جاء فى المحلى: أن وقت ذبح الأضحية أو نحرها بعد دخول وقت صلاة العيد وفوات مقدار ما يتسع لأدائها على أساس أن يقرأ فى الركعة الأولى أم القرآن وسورة «ن» وفى الثانية أم القرآن وسورة «اِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} بترتيل» .

والبادى والحاضر وأهل القرى والصحارى والمدن سواء فى كل ذلك فمن ذبح أو نحر قبل ما ذكر ففرض عليه أن يضحى بعد دخول الوقت المذكور، والتضحية جائزة من الوقت الذى ذكرنا يوم النحر الى أن يهل هلال المحرم

(1)

.

والتضحية ليلا ونهارا جائزة لأن التضحية فعل خير وقربة لله تعالى وفعل الخير حسن فى كل وقت.

‌مذهب الزيدية:

وقتها لمن لا تلزمه الصلاة رأسا وهى الحائض والنفساء وكذا من يرى أن صلاة العيد سنة يبدأ من فجر يوم النحر وهو يوم العيد الى آخر اليوم الثالث من أيام النحر.

واذا ذبح بالليل فى اليومين الآخرين جاز من غير كراهة وتعجيلها فى اليوم الأول أفضل.

وأما وقتها لمن تلزمه الصلاة وصلى فيكون عقيب الصلاة فمن كان يرى وجوب صلاة العيد وأنها فرض عين وهو المذهب أو فرض كفاية ولم يصلها فى الميل (أى مساحته) غيره، فانها لا تجزئه الا بعد أن يصلى أو بعد صلاة مصل غيره فى الميل ولو فرادى اذا كانت الصلاة أداء فان كانت الصلاة قضاء جاز قبلها والا فمن الزوال

(2)

.

‌مذهب الإمامية:

أيام الأضحية بمنى أربعة أولها يوم النحر، وبالأمصار وان كان بمكة ثلاثة أولها يوم النحر كذلك.

وأول وقتها من يوم النحر بعد طلوع الشمس ومضى قدر صلاة العيد والخطبتين بعده ولو فاتت لم يقض الا أن تكون واجبة بنذر أو شبهه

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

وقت الأضحية لمن لم يكن بمنى للحج هو يوم النحر فقط وقيل تجوز لمن

(1)

المحلى ج 7 ص 373 مسئلة رقم 978.

(2)

التاج المذهب ج 3 ص 466.

(3)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 198.

ص: 326

فى غير الحج فى أيام النحر لثلاثة وقيل تجوز الى آخر ذى الحجة.

ولا يذبح أهل الأمصار والقرى قبل صلاة العيد ولا قبل ذبح الامام أى الامام الذى يصلى العيد بالناس.

ويذبح باد صلى وحده أو مع غيره لا بجماعة اذا ارتفعت الشمس قدر ما يصلى به فى الأمصار والقرى لئلا يذبح قبل صلاة الامام وقبل ذبحه.

ومن لم يرد أن يصلى فليذبح اذا صلى الامام وذبح

(1)

.

‌حكم الأضحية ومن المطالب بها

‌مذهب الحنفية:

الأضحية واجبة على كل حر مسلم مقيم موسر فى يوم الأضحى، والوجوب هو قول أبى حنيفة ومحمد وزفر والحسن بن زياد واحدى الروايتين عن أبى يوسف.

وفى رواية أخرى، عنه أنها سنة، لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث كتبت على وهى لكم سنة وذكر عليه الصلاة والسلام الأضحية: ولأنها لو كانت واجبة لكان لا فرق فيها بين المقيم والمسافر لأنهما لا يفترقان فى الحقوق المتعلقة بالمال كالزكاة وصدقة الفطر ثم هى لا تجب على المسافر فلا تجب على المقيم.

أما دليل الوجوب فهو قول الله عز وجل «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ»

(2)

قيل فى التفسير، صل صلاة العيد وانحر البدن بعدها ومطلق الأمر للوجوب فى حق العمل ومتى وجب على النبى صلى الله عليه وسلم فانه يجب على الأمة، وكذلك روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ضحوا فانها سنة أبيكم ابراهيم عليه الصلاة والسلام وذلك أمر من النبى صلى الله عليه وسلم بالتضحية والأمر المطلق عن القرينة يقتضى الوجوب فى حق العمل

(3)

، وهى لا تجب على الكافر، لأنها قربة والكافر ليس من أهل القرب ولا يشترط وجود الاسلام فى جميع الوقت من أوله الى آخره حتى أنه لو كان كافرا فى أول الوقت ثم أسلم فى آخره تجب عليه الأضحية فيكفى فى وجوبها بقاء جزء من الوقت كالصلاة.

ولا تجب على العبد لأنه حق مالى متعلق بملك المال ولهذا لا تجب عليه زكاة ولا صدقة الفطر.

(1)

شرح النيل ج 2 ص 387.

(2)

الآية رقم 2 من سورة الكوثر.

(3)

بدائع الصنائع ج 5 ص 62، وفتح القدير ج 8 ص 67 وما بعدها.

ص: 327

ولا يشترط أن يكون حرا من أول الوقت الى آخره بل يكتفى بالحرية فى آخر جزء من الوقت.

ولا تجب على المسافر لأنها لا تتأدى بكل مال ولا فى كل زمان بل بحيوان مخصوص والمسافر لا يظفر به فى كل مكان فى وقت الأضحية فلو أوجبنا عليه أضحية لاحتاج الى حمله مع نفسه وفيه من الحرج ما لا يخفى أو احتاج الى ترك السفر وفيه ضرر فدعت الضرورة الى امتناع الواجب بخلاف الزكاة لأن الزكاة لا يتعلق وجوبها بوقت مخصوص بل جميع العمر وقتها فكان جميع الأوقات وقتا لأدائها.

ولا تجب على الحاج المسافر فأما أهل مكة فتجب عليهم الأضحية وان حجوا لما روى نافع عن ابن سيدنا عمر رضى الله عنهما أنه كان يخلف لمن لم يحج من أهله أثمان الضحايا ليضحوا عنه تطوعا، ويحتمل أنه ليضحوا عن أنفسهم لا عنه فلا يثبت الوجوب مع الاحتمال.

ولا تشترط الاقامة فى جميع الوقت حتى لو كان مسافرا فى أول الوقت ثم أقام فى آخره فانها تجب عليه لما بينا، ولو كان مقيما فى أول الوقت ثم سافر فى آخره لا تجب عليه لما ذكرنا، وهذا اذا سافر قبل أن يشترى أضحية فان اشترى شاة للأضحية ثم سافر فقد ذكر فى المنتقى أن له بيعها ولا يضحى بها.

ومن المشايخ من فصل بين الموسر والمعسر فقال: أن كان موسرا فله بيعها لأنه ما أوجب بهذا الشراء شيئا على نفسه وانما قصد به اسقاط الواجب عن نفسه فاذا سافر تبين أنه لا وجوب عليه فكان له أن يبيعها كما لو شرع فى العبادة على ظن أنها عليه ثم تبين أنها ليست عليه أنه لا يلزمه الاتمام، وان كان معسرا ينبغى أن تجب عليه ولا تسقط عنه بالسفر لأن هذا ايجاب من الفقير بمنزلة النذر فلا يسقط بالسفر كما لو شرع فى التطوع فانه يلزمه الاتمام والقضاء بالافساد، وان سافر بعد دخول الوقت قالوا ينبغى أن يكون الجواب كذلك.

ولا تجب على الفقير لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من وجد سعة فليضح، فشرط عليه السلام السعة وهى الغنى ولأنا أوجبناها بمطلق المال، ومن الجائز أن يستغرق الواجب جميع ماله فيؤدى الى الحرج فلابد من اعتبار الغنى وهو أن يكون فى ملكه مائتا درهم أو عشرون دينارا أو شئ تبلغ قيمته ذلك سوى مسكنه وما يتأثث به وكسوته وخادمه وفرسه وسلاحه وما لا يستغنى عنه وهو نصاب صدقة الفطر.

ولو كان عليه دين بحيث لو صرف اليه بعض نصابه لنقص نصابه لا تجب لأن الدين يمنع وجوب الزكاة فلأن

ص: 328

يمنع وجوب الأضحية أولى لأن الزكاة فرض والأضحية واجبة والفرض فوق الواجب.

وكذا لو كان له مال غائب لا يصل اليه فى أيام النحر فلا تجب عليه الأضحية لأنه فقير وقت غيبة المال حتى تحل له الصدقة بخلاف الزكاة فانها تجب عليه لأن جميع العمر وقت الزكاة والأضحية قربة مؤقته فيعتبر الغنى فى وقتها.

ولا يشترط أن يكون غنيا فى جميع الوقت حتى لو كان فقيرا فى أول الوقت ثم أيسر فى آخره يجب عليه الأضحية، ولو كان له مائتا درهم فحال عليها الحول فزكاها فنقصت ثم حضرت أيام النحر ذكر الزعفرانى أنه تجب عليه الأضحية لأن النصاب وأن انتقص لكنه انتقص بالصرف الى جهة هى قربة فيجعل قائما تقديرا أما لو صرف خمسة منها الى النفقة فلا تجب عليه الأضحية لانعدام الصرف الى جهة القربة فكان النصاب ناقصا حقيقة وتقديرا.

ولو اشترى الموسر شاة للأضحية فضاعت حتى انتقص نصابه وصار فقيرا فجاءت أيام النحر فليس عليه أن يشترى شاة أخرى لأن النصاب ناقص وقت الوجوب فلم يوجد شرط الوجوب وهو الغنى فلو أنه وجدها وهو معسر وذلك فى أيام النحر فليس عليه أن يضحى بها لأنه معسر وقت الوجوب.

ولو كان موسرا فى جميع الوقت فلم يضح حتى مضى الوقت ثم صار فقيرا صار قيمة شاة صالحة للأضحية دينا فى ذمته يتصدق بها متى وجدها لأن الوجوب قد تأكد عليه بآخر الوقت فلا يسقط بفقره بعد ذلك.

ولو مات الموسر فى أيام النحر قبل أن يضحى سقطت عنه الأضحية ولو اشترى الموسر شاة للأضحية فضلت فاشترى شاة أخرى ليضحى بها ثم وجد الأولى فى الوقت فالأفضل أن يضحى بهما فان ضحى بالأولى أو الثانية أجزأه ولا تلزمه التضحية بالأخرى

(1)

.

وجميع ما ذكر من الشروط يستوى فيه الرجل والمرأة لأن الدلائل لا تفصل بينهما.

وأما البلوغ والعقل فليسا من شرائط الوجوب فى قول أبى حنيفة وأبى يوسف.

وعند محمد وزفر هما من شرائط الوجوب.

فتجب الأضحية فى مال الصبى والمجنون اذا كانا موسرين عند أبى حنيفة وأبى يوسف حتى لو ضحى الأب أو الصبى من مالهما لا يضمن عندهما.

(1)

انظر بدائع الصنائع ج 5 ص 63، 65.

ص: 329

وعند محمد وزفر يضمن.

ومن المتأخرين من قال لا خلاف بينهم فى الأضحية أنها لا تجب فى مالهما لأن القربة فى الأضحية اراقة الدم وأنها اتلاف ولا سبيل الى اتلاف مال الصغير فالتصدق باللحم تطوع ولا يجوز ذلك فى مال الصغير والصغير فى العادة لا يقدر على أن يأكل جميع اللحم ولا يجوز بيعه ولا سبيل للوجوب رأسا.

والصحيح أنه تجب الأضحية عند أبى حنيفة وأبى يوسف ولا يتصدق باللحم لكن يأكل منها الصغير ويدخر له قدر حاجته ويبتاع بالباقى ما ينتفع بعينه كابتياع البالغ بجلد الأضحية ما ينتفع بعينه.

والذى يجن ويفيق يعتبر حاله فى الجنون والافاقة فان كان مجنونا فى أيام النحر فهو على الاختلاف، وان كان مفيقا يجب بلا خلاف.

وقيل: ان حكمه حكم الصحيح كيف ما كان.

ومن بلغ من الصغار فى أيام النحر وهو موسر يجب عليه الأضحية باجماع.

ولا يجب على الرجل أن يضحى عن عبده ولا عن ولده الكبير.

وفى وجوبها عليه من ماله لولده الصغير روايتان.

ووجه رواية الوجوب أن ولد الرجل جزؤه فاذا وجب عليه أن يضحى عن نفسه فكذا عن ولده ولهذا وجب عليه أن يؤدى عنه صدقة الفطر ولأن له على ولده الصغير ولاية كاملة فيجب كصدقة الفطر بخلاف الكبير فانه لا ولاية له عليه.

ووجه الرواية الأخرى وهى ظاهر الرواية أن الأصل الا يجب على الانسان شئ على غيره خصوصا فى القربات لقول الله عز وجل «وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى» وقوله جل شأنه «لَها ما كَسَبَتْ» ولهذا لم تجب عليه عن عبده وعن ولده الكبير الا أن صدقة الفطر خصت عن النصوص فبقيت الأضحية على عمومها ولأن سبب الوجوب هناك رأس يمونه ويلى عليه وقد وجد فى الولد الصغير وليس السبب الرأس ها هنا ألا ترى أنه يجب بدونه، وكذا لا يجب بسبب العبد.

وأما الوجوب عليه من ماله لولد ولده اذا كان أبوه ميتا فقد روى الحسن عن أبى حنيفة أن عليه أن يضحى عنه.

قال القدورى: ويجب أن يكون هذا على روايتين كما قالوا فى صدقة الفطر.

ص: 330

وأما المصر فليس بشرط الوجوب فتجب على المقيمين فى الأمصار والقرى والبوادى لأن دلائل الوجوب لا توجب الفصل بينهم.

‌مذهب المالكية:

الأضحية

(1)

سنة على المشهور وقيل أنها واجبة، والمخاطب بها هو الحر ذكرا كان أو أنثى كبيرا كان أو صغيرا حاضرا كان أو مسافرا فلا يخاطب بها الرقيق وكذلك الحاج، لأن الحاج سنته الهدى بمنى.

ويخاطب بها المسلم الحر عن نفسه وعن أبويه الفقيرين وولده الصغير حتى يبلغ الذكر ويدخل بالأنثى زوجها - وهو قول ابن حبيب.

ولا يخاطب بها الرجل عن زوجته لأن الأضحية غير تابعة للنفقة.

وتكون الأضحية بحيث لا تجحف بمال المضحى بأن لا يحتاج الى ثمنها فى ضروراته فى عامه.

وتسن فى حق الحر وان كان يتيما ويخاطب وليه بفعلها عنه من ماله ويقبل قوله فى ذلك كما يقبل فى زكاة ماله، وكذا يخاطب بها عن من ولد يوم النحر أو فى أيام التشريق وكذا يخاطب بها من أسلم يوم النحر أو بعده فى أيام التشريق لبقاء وقت الخطاب بالتضحية بخلاف زكاة الفطر

(2)

.

وعلى القول المشهور - من أنها سنة - اذا ذبحها وجب المضى فيها أى امتنع - كما تجب الأضحية بالنذر

(3)

.

‌مذهب الشافعية:

التضحية سنة مؤكدة على الكفاية ولو بمنى ان تعدد أهل البيت فاذا فعلها واحد منهم كفى عن الجميع والا فسنة عين

(4)

.

وانما تسن لمسلم قادر حر كله أو بعضه والمراد بالقادر من ملك زائدا عما يحتاجه يوم العيد وليلته وأيام التشريق ما يحصل به الأضحية، وهى تسن لكل واحد فاذا فعلها واحد ولو عن غير من تلزمه النفقة كفى عنهم وان سنت لكل منهم وظاهر أن الثواب للمضحى خاصة كالقائم بفرض الكفاية

(5)

.

وتشترط النية فيما لو عينها عما فى

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 118.

(2)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير

(3)

المرجع السابق ج 2 ص 125.

(4)

نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى ج 8 ص 123 ..

(5)

حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 4 ص 294 وما بعدها.

ص: 331

الذمة عند الذبح بخلاف ما لو عينها فى نذره ابتداء.

وكذا تشترط النية عند الذبح ان قال جعلتها أضحية فى الأصح ولا يكتفى عنها بما سبق اذ الذبح قربة فى نفسه فاحتاج لها.

ولا تجب نية عند الذبح فى المعينة ابتداء بالنذر بل لا يجب له نية أصلا.

وفى نهاية المحتاج أيضا ان أتلف الأضحية أو تلفت بتقصيره أو ضلت وقد فات وقتها وأيس من تحصيلها أو سرقت لزمه أكثر الأمرين من قيمتها يوم تلفها أو نحوه وتحصيل مثلها

(1)

.

‌مذهب الحنابلة:

هى سنة

(2)

مؤكدة على كل مسلم لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ثلاث كتبت على وهنّ لكم تطوع، الوتر والنحر وركعتا الفجر، ولأن الأضحية ذبيحة لا يجب تفريق لحمها فلم تكن واجبة ولا تسن للمكاتب لنقصان ملكه.

ويكره تركها لقادر عليها لحديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من كانت له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا.

ومن عدم ما يضحى به اقترض وضحى مع القدرة على الوفاء.

وتجب الأضحية بالنذر لقول النبى صلى الله عليه وسلم: من نذر أن يطيع الله فليطعه وتجب أيضا بقوله هذا أضحية.

ولو أوجبها بنذر أو تعيين ثم مات قبل الذبح أو بعده قام وارثه مقامه فى الأكل والاهداء والصدقة كسائر حقوقه ولا تباع فى دينه.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم الظاهرى

(3)

: الأضحية سنة حسنة وليست فرضا، ومن تركها غير راغب عنها فلا حرج عليه فى ذلك، فقد ورد عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:

من رأى هلال ذى الحجة فأراد أن يضحى فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره حتى يضحى، فقوله عليه السلام:

فأراد أن يضحى برهان بأن الأضحية مردودة الى أرادة المسلم وما كان هكذا فليس فرضا، ومن ضحى عن امرأته أو ولده أو أمته فحسن، ومن لم يضح فلا حرج عليه فى ذلك.

(1)

نهاية المحتاج ج 8 ص 129، 135.

(2)

المرجع السابق ج 7 ص 376.

ج 1 ص 644، ص 645. ص 646.

(3)

المحلى ج 7 ص 355 مسئلة رقم 973.

ص: 332

والأضحية

(1)

مستحبة للحاج بمكة وللمسافر كما هى للمقيم وكذلك العبد والمرأة لقول الله سبحانه وتعالى «وَافْعَلُوا الْخَيْرَ» والأضحية فعل خير وكل من ذكرنا محتاج الى فعل الخير مندوب اليه.

ولا تكون

(2)

الأضحية أضحية الا بذبحها أو نحرها بنية التضحية، وله ما لم يذبحها أو ينحرها أن لا يضحى بها وأن يبيعها وأن يجز صوفها ويفعل فيه ما شاء ويأكل لبنها ويبيعه وان ولدت فله أن يبيع ولدها أو يمسكه أو يذبحه فان ضلت فاشترى غيرها ثم وجد التى ضلت لم يلزمه ذبحها ولا ذبح واحدة منهما فان ضحى بهما أو بأحدهما أو بغيرهما فقد أحسن وان لم يضح أصلا فلا حرج.

وان اشتراها وبها عيب لا تجزئ به فى الأضاحى كعور أو مرض ثم ذهب العيب وصحت جاز له أن يضحى بها ولو أنه ملكها سليمة من كل ذلك ثم أصابها عيب لم تجزئ.

‌مذهب الزيدية:

الأضحية

(3)

مشروعة اجماعا لقول الله تعالى «فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ» وقول النبى صلى الله عليه وسلم: عظموا ضحاياكم فانها على الصراط مطاياكم.

وهى سنة مؤكدة لقول النبى صلى الله عليه وسلم (ثلاث كتبت على ولم تكتب عليكم النحر والوتر وركعتا الفجر).

وهى تسن على كل مكلف حر مسلم قادر سواء كان ذكرا أم أنثى، وتتعين عند تعيينها اذا كانت فى ملكه أو عند ابتداء ملكها بالشراء وغيره بنيتها فاذا مضت أيام النحر ولم يذبحها وجب أن يصنع بها بعد ذلك ما يصنع بها فى أيام النحر.

ولا يسقط نحر الأضحية حيث أوجبها أو يرى وجوبها وعليه كفارة يمين اذا كان قد تمكن.

وأما اذا مات صاحب الأضحية فيضحى ورثته لأن القربة قد تعلقت بالشراء بنية الأضحية، فان فاتت عنده بموت أو سرقة أو تعيبت بعور أو عجف أو غيرهما بلا تفريط لم يلزمه البدل وذبح المعيبة ولا شئ غير ذلك.

والأضحية على ثلاثة أوجه

الأول: أن يوجبها معينة كأن يقول لله على أن أضحى بهذه الشاة ثم تلفت لا بجناية ولا تفريط لم يلزمه شئ أما اذا تلفت بجناية أو تفريط ضمن قيمتها يوم التلف ولا يوفى أن نقصت عما يجزى.

(1)

المحلى ج 7 ص 375.

(2)

المرجع السابق ج 7 ص 376.

(3)

البحر الزخار ج 4 ص 310.

ص: 333

والثانى: ان أوجبها فى ذمته ثم اشترى شاة بنية الأضحية ثم تلفت عنده بجناية أو تفريط لزمه أن يبدلها بمثلها ولو كانت زائدة عما يجزى فى الأضحية، ويوفى أن نقصت قيمتها عما يجزئ فان تلفت عنده لا بجناية ولا تفريط لم يلزمه الا الواجب وهو الذى بجزئ وسواء زادت قيمتها أو نقصت.

والثالث: ان عينها من غنمه وتلفت كان الواجب دينا وسواء تلفت بجنايته أو تفريط أم لا، ولا يلزمه زائد قيمتها لو كان ثمة زيادة اذ لا حكم للتعيين فى ملكه.

وفى البحر

(1)

أن ولدها يتبعها فى الوجوب لقول عليه عليه السلام فانحرها.

‌مذهب الإمامية:

هى مستحبة

(2)

استحبابا مؤكدا.

بل قيل بوجوبها على القادر.

وروى استحباب الاقتراض لها فان وجب على المكلف هدى أجزأ عنها، والجمع بينهما أفضل.

وتستحب التضحية بما يشتريه وما فى حكمه ويكره بما يربيه.

وجاء فى كتاب من لا يحضره الفقيه

(3)

الدليل على جواز الاستقراض للأضحية فقد جاءت أم سلمة رضى الله عنها فقالت: يا رسول الله يحضر الأضحى وليس عندى ثمن الأضحية فاستقرض وأضحى قال عليه السلام فاستقرضى فانه دين مقضى، وجاء أيضا اذا اشترى

(4)

الرجل أضحيته فماتت قبل أن يذبحها فقد أجزأت عنه وان اشترى الرجل أضحية فسرقت فان اشترى مكانها فهو أفضل فان لم يشتر فليس عليه شئ.

‌مذهب الإباضية:

الأضحية

(5)

سنة الا على متمتع وقارن ومحصر فانها تجب عليهم، وتسن بتأكيد على من فى القرى والامصار، وانما تلزم الضحية القارن، لأنه تسهل عن حج وعمرة بعمل واحد كما تلزم المتمتع الأضحية لتمتعه بما يتمتع به المحل اذا أحل.

ولا تلزم أهل الأمصار والقرى وسائر المواضع لكن تستحب وتسن لقول النبى

(1)

البحر الزخار ج 4 ص 320.

(2)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 198.

(3)

كتاب من لا يحضره الفقيه ج 2 ص 292.

(4)

المرجع السابق ج 1 ص 295.

(5)

متن النيل وشرحه ج 2 ص 382.

ص: 334

صلّى الله عليه وسلّم: فرضت على الضحية ولم تفرض عليكم وخص بلزومها النبى صلى الله عليه وسلم فانها تلزمه حيث كان ولو لم يكن فى الحج.

ومن اشترى

(1)

أضحية ونواها فتلفت بآفة فلا يلزمه بدلها كأن ماتت بلا تعمد منه وكذا سائر المتلفات بلا عمد.

‌الاشتراك فى الأضحية

‌مذهب الحنفية:

يجوز الاشتراك فى الأضحية فى الابل والبقر فقط ولا يجوز ذلك فى الشاة والمعز، وان كانت عظيمة سمينة تساوى شاتين مما يجوز أن يضحى بهما لأن القربة فى هذا الباب اراقة الدم وهى لا تحتمل التجزئة لأنها ذبح واحد وانما عرفنا جواز ذلك فى الابل والبقر بالخبر الآتى فبقى الأمر فى الغنم على الأصل.

ولا يجوز بعير واحد ولا بقرة

(2)

واحدة عن أكثر من سبعة ويجوز ذلك عن سبعة أو أقل من ذلك وهو قول عامة العلماء وهو الصحيح لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: البدنة تجزئ عن سبعة والبقرة تجزئ عن سبعة وعن جابر رضى الله عنه قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة من غير فصل بين أهل بيت وبيتين.

ويشترط أن لا ينقص نصيب أحد الشركاء عن السبع فى البقرة أو البدنة الواحدة. فلو اشترك ثمانية فى سبع بقرات لم يجزهم لأن كل بقرة بينهم على ثمانية أسهم فيكون لكل واحد منهم أنقص من السبع فيها.

ولو اشترك سبعة فى سبع شياه بينهم فضحوا بها فالقياس أن لا تجزئهم لأن كل شاة تكون بينهم على سبعة أسهم.

وفى الاستحسان يجزيهم.

وكذلك لو اشترى اثنان شاتين للتضحية فضحيا بهما لأن الانصباء تجتمع فى الشاتين.

ويشترط ارادة القربة من جميع المشتركين فلا يشارك المضحى فيما يحتمل الشركة من لا يريد القربة رأسا فان شارك لم يجز عن الأضحية حتى لو اشترك سبعة فى بعير أو بقرة كلهم يريدون قربة الأضحية الا واحدا منهم يريد اللحم فلا يجزئ واحدا منهم عن الأضحية لأن القربة فى اراقة الدم وهى لا تتجزأ

(1)

المرجع السابق ج 2 ص 389.

(2)

بدائع الصنائع ج 5 ص 70، ص 71.

ص: 335

لأنها ذبح واحد فان لم يقع قربة من البعض لا يقع قربة من الباقين ضرورة عدم التجزؤ، ولو أرادوا جميعهم قربة الأضحية أجزأهم سواء كانت القربة واجبة أو تطوعا أو وجبت على البعض دون البعض وسواء اتفقت جهات القربة أو اختلفت بأن أراد بعضهم الأضحية وأراد بعضهم جزاء الصيد وبعضهم هدى الاحصار وبعضهم كفارة شئ أصابه فى احرامه وبعضهم هدى التطوع وبعضهم دم المتعة والقران.

وقال زفر: لا يجوز الا اذا اتفقت جهات القربة بأن كان الكل بجهة واحدة.

ووجه ما قاله زفر أن القياس يأبى الاشتراك لأن الذبح فعل واحد لا يتجزأ فلا يتصور أن يقع بعضه عن جهة وبعضه عن جهة أخرى لأنه لا بعض له الا عند الاتحاد فعند الاتحاد جعلت الجهات كجهة واحدة وعند الاختلاف لا يمكن فبقى الأمر فيه مردودا الى القياس.

أما دليل القول الأول فهو أن الجهات وان اختلفت صورة فهى فى المعنى واحد لأن المقصود من الكل التقرب الى الله تعالى، كذا ذكر محمد.

وروى عن أبى حنيفة كراهة الاشتراك عند اختلاف الجهة.

وروى عنه أنه قال: لو كان هذا من نوع واحد لكان أحب الى.

وهكذا قال أبو يوسف.

وان كان أحد الشركاء ممن يضحى عن ميت جاز.

وروى عن أبى يوسف أنه لا يجوز.

وذكر فى الأصل: اذا اشترك سبعة فى بدنة فمات أحدهم قبل الذبح فرضى ورثته أن يذبح عن الميت جاز استحسانا.

والقياس أن لا يجوز، ووجه القياس أنه لما مات أحدهم فقد سقط عنه الذبح، وذبح الوارث لا يقع عنه اذ الأضحية عن الميت لا تجوز فصار نصيبه اللحم وأنه يمنع من جواز ذبح الباقين من الأضحية كما لو أراد أحدهم اللحم فى حال حياته.

ووجه الاستحسان أن الموت لا يمنع التقرب عن الميت بدليل أنه يجوز أن يتصدق عنه ويحج عنه وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أحدهما عن نفسه والآخر عمن لا يذبح من أمته وان كان منهم من قد مات قبل أن يذبح فدل أن الميت يجوز أن يتقرب عنه، فاذا ذبح عنه صار نصيبه للقربة فلا يمنع جواز ذبح الباقين.

ص: 336

ولو اشترى رجل بقرة يريد أن يضحى بها ثم اشرك فيها بعد ذلك، قال أبو حنيفة: أكره ذلك ويجزيهم أن يذبحوها عنهم وهو قول أبى يوسف، وهذا محمول على الغنى اذا اشترى بقرة لأضحية لأنها لم تتعين لوجوب التضحية بها وانما يقيمها عند الذبح مقام ما يجب عليه فيخرج عن عهدة الواجب فيما يقيمه فيه فيجوز اشتراكهم فيها وذبحهم الا أنه يكره لأنه لما اشتراها ليضحى بها فقد وعد وعدا فيكره أن يخلف الوعد.

فأما ان كان فقيرا فلا يجوز له أن يشرك فيها لأنه أوجبها على نفسه بالشراء للأضحية فتعينت للوجوب فلا يسقط عنه ما أوجبه على نفسه.

وقد قالوا فى مسألة الغنى اذا أشرك بعد ما اشتراها للأضحية: انه ينبغى أن يتصدق بالثمن لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع الى حكيم بن حزام دينارا وأمره أن يشترى له أضحية فاشترى شاة فباعها بدينارين واشترى بأحدهما شاة وجاء الى النبى صلى الله عليه وسلم بشاة ودينار وأخبره بما صنع فقال له عليه الصلاة والسلام: بارك الله فى صفقة يمينك وأمر عليه الصلاة والسلام أن يضحى بالشاة وأن يتصدق بالدينار لأنه قصد اخراجه للأضحية.

‌مذهب المالكية:

يشترط فى الاضحية عدم الاشتراك فيها بالثمن عند شرائها، أو باللحم عند وراثتها أو اتهابها، فلو ضحى بها مع هذا الاشتراك لم تجز عن أحد المشتركين.

وما يقع فى الأرياف من أن يكون جماعة كاخوة شركاء فى المال - فيخرجوا أضحية عن الجميع من هذا المال، فهذه لا تجزئ عن واحد منهم.

وهذا هو صريح المذهب.

وخرج بعضهم جواز هذا الاشتراك فى مذهب مالك من القول بجواز الاشتراك فى هدى التطوع.

أما لو اشترى الأضحية انسان من ماله وأشرك غيره فى الأجر (الثواب) قبل الذبح جازت الأضحية عنه وعمن أشركهم معه ولو كانوا أكثر من سبعة بشرط أن يكون المشترك قريبا له: كالابن والأخ وابن العم، ويلحق به الزوجة.

وأن يكون المشترك فى نفقته (معيشته) ولو كانت النفقة غير واجبة على المشرك، وأن يكون الكل فى دار واحدة، وهذا الشرط الأخير هو ظاهر المدونة

(1)

.

(1)

انظر الشرح الصغير مع حاشية الصاوى عليه ج 1 ص 287 - 288.

ص: 337

وان اشترى الاضحية من ماله وضحى بها عن غيره دون نفسه جاز ذلك عنهم بلا شرط

(1)

.

وجاء فى كتاب (البيان) أن

(2)

أهل بيت الرجل الذين يجوز له أن يدخلهم معه فى أضحيته، على مذهب مالك، هم:

أزواجه ومن فى عياله من ذوى رحمه، سواء كانوا ممن تلزمه تفقتهم، أو من لا تلزمه نفقتهم، غير أن من كان ممن تلزمه نفقته، يلزم أن يضحى عنه، ان لم يدخله فى أضحيته، حاشا الزوجة.

‌مذهب الشافعية:

يجوز

(3)

أن يشترك سبعة فى بدنة وفى بقرة لما روى جابر رضى الله عنه قال: نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، فان اشترك جماعة فى بدنة أو بقرة وبعضهم يريد اللحم وبعضهم يريد القربة جاز لأن كل سبع منها قائم مقام شاة فان أرادوا القسمة وقلنا ان القسمة افراز النصيبين قسم بينهم، وان قلنا أن القسمة بيع لم تجز القسمة فيملك من يريد القربة نصيبه لثلاثة من الفقراء فيصيرون شركاء لمن يريد اللحم فان شاءوا باعوا نصيبهم ممن يريد اللحم وان شاءوا باعوه من أجنبى وقسموا الثمن.

وقال أبو العباس بن سريج: تجوز القسمة قولا واحدا لأنه موضع ضرورة.

‌مذهب الحنابلة:

تجزئ

(4)

الشاة عن واحد، ونص الامام: وعن أهل بيته وعياله مثل امرأته وأولاده ومماليكه قال صالح ابن الامام أحمد: قلت لأبى هل يضحى بالشاة عن أهل البيت؟ قال: نعم لا بأس قد ذبح النبى صلى الله عليه وسلم كبشين فقال باسم الله هذا عن محمد وأهل بيته وقرب الآخر وقال:

باسم الله منك ولك عمن وحدك من أمتى، ويدل له أيضا ما روى أبو أيوب قال: كان الرجل فى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحى بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون.

وتجزئ كل من البدنة والبقرة عن سبعة، لحديث جابر قال: نحرنا بالحديبية مع النبى صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة وتجزئ البدنة والبقرة عن أقل من سبعة بطريق الأولى.

(1)

الشرح الكبير ج 2 ص 119.

(2)

على ما فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 119.

(3)

المهذب ج 1 ص 240.

(4)

كشاف القناع ج 1 ص 635

ص: 338

قال الزركشى: الاعتبار فى اجزاء البدنة أو البقرة عن سبعة فأقل أن يشترك الجميع فى البدنة أو البقرة دفعة فلو اشترك ثلاثة فى بدنة أو بقرة أضحية وقالوا من جاء يريد أضحية شاركناه فجاء قوم فشاركوهم لم تجز البدنة أو البقرة الا عن الثلاثة فقط قاله الشيرازى والمراد اذا أوجبوها أى الثلاثة على أنفسهم، نص عليه لأنهم اذا لم يوجبوها فلا مانع من الاشتراك قبل الذبح لعدم التعيين.

والجواميس فى الأضحية كالبقر، وسواء أراد جميع الشركاء القربة أو أراد بعضهم القربة وأراد الباقون اللحم لأن الجزء المجزئ لا ينقص أجره بارادة الشريك غير القربة لأن القسمة هنا افراز حق وليست بيعا.

ولو ذبح البدنة أو البقرة جماعة على أنهم سبعة فبانوا ثمانية ذبحوا شاة وأجزأتهم الشاة مع البدنة أو البقرة فان بانوا تسعة ذبحوا شاتين وهكذا.

ولو اشترك اثنان فى شاتين على الشيوع أجزأ ذلك عنهما كما لو ذبح كل منهم شاة.

ولو اشترى سبع بقرة أو سبع بدنة ذبحت للحم فهو لحم اشتراه وليست الحصة التى اشتراها أضحية.

وما ذبح أضحية فلا يصح بيعه ولو تطوعا لتعينه للذبح.

‌مذهب الظاهرية:

ذكر ابن حزى الظاهرى

(1)

: أنه يجوز أن يشترك فى الأضحية الواحدة ولو كانت شاة الجماعة ولو كانوا أكثر من سبعة، والأضحية تطوع بالبر والاشتراك فى التطوع جائز، لقد أشرك عليه السلام فى أضحيته جميع أمته.

‌مذهب الزيدية:

جاء فى البحر الزخار

(2)

تجزئ الشركة فى البدنة والبقرة اجماعا اذا كان المشتركون يريدون القربة فلو أراد أحدهم اللحم دون القربة لم يجزئ.

وتجزئ الشاة عن ثلاثة ولا قائل بأكثر من الثلاثة فاقتصر عليه.

وقال فى التاج المذهب: أما ما يجزئ من الأضحية فيجزئ بدنة عن عشرة وبقرة عن سبعة وشاة عن ثلاثة، ويعتبر فى شركاء الأضحية الاتفاق فلو كان بعضهم مفترضا وبعضهم متنقلا فلا تجزئ عنهم لأن الحيوان لا يتبعض وأما اذا اختلف وجه السنة كعقيقة وأضحية حيث قلنا يصح الاشتراك فى العقيقة فالقياس الاجزاء فى الأضحية.

(1)

المحلى ج 7 ص 381.

(2)

البحر الزخار ج 4 ص 314 والتاج المذهب ج 3 ص 464.

ص: 339

ولو ضحى بشاة عن نفسه وعن ولديه الصغيرين لم تجز مشاركته لهما فان ضحى عنه وعن أولاده المكلفين فلا يشترط أن يملكهم القدر المجزى بل يجزئ بمجرد الاذن مطلقا.

‌مذهب الإمامية:

يجوز

(1)

الاشتراك فى الأضحية عند الإمامية فقد ورد عن أبى جعفر عليه السلام أنه قال: الكبش يجزئ عن الرجل وعن أهل بيته يضحى به وعن أبى عبد الله عليه السلام لما سأله يونس بن يعقوب عن البقرة يضحى بها فقال أبو عبد الله تجزئ عن سبعة نفر، وروى أن الجزور يجزئ عن عشرة نفر متفرقين واذا عزت الاضاحى أجزأت شاة عن سبعين.

وفى كتاب الاستبصار

(2)

: عن أبى عبد الله عليه السلام قال: البدنة والبقرة تجزئ عن سبعة اذا اجتمعوا من أهل بيت واحد ومن غيرهم، وعن سعد بن عبد الله عن محمد بن الحسين

عن أبى الحسن الرضا عليه السلام قال: قلت له جعلت فداك عزت الأضاحى علينا بمكة أفيجزئ اثنين أن يشتركا فى شاة؟ قال: نعم وعن سبعين، وعن ابن أذينة عن حمران قال: عزت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة مائة دينار فسئل أبو جعفر عليه السلام عن ذلك فقال: اشتركوا فيها قال قلت بكم؟ قال: ما خف فهو أفضل قال:

قلت عن كم تجزئ؟ قال: عن سبعين.

‌مذهب الإباضية:

يجوز

(3)

اشتراك سبعة لا أكثر فى بدنة لتكون أضحية لهم والمراد بالبدنة ما يشمل البعير والبقرة ولا يلزم ذكر أسمائهم عند الذبح وكذا ان دخل رجل بغير ثمن.

ولكن لا يجوز الاشتراك اذا اختلف النسك.

وقال ابن وصاف الجذعة من الابل فى الضحية عن خمسة والثنية عن سبعة وما فوق الثنية عن تسعة ولا يجوز ما دون ابنة مخاض عن واحد.

وتشترط النية لجواز الاشتراك.

فقد جاء فى شرح النيل: لا تجزئ بدنة الا عن صاحبها اذا نواها لنفسه فقط وانما تجزئ لمتعدد ان اشتراها أحدهم على نية الاشتراك أو كان مالكا لها ولم يعينها لنفسه ثم شاركهم.

(1)

كتاب من لا يحضره الفقيه ج 1 ص 194.

(2)

الاستبصار ج 2 ص 266، ص 267.

(3)

كتاب شرح النيل ج 2 ص 383، ص 384.

ص: 340

ويشترط نية الأضحية من الجميع فلا تجزئ أحدا منهم ان أراد واحد منهم حصته لحما، وتجزئ بنت مخاض وابن مخاض لا دونه.

وقيل: تجزئ بنت لبون وابن لبون وحقة عن واحد وجذعة تجزئ عن خمسة وثنية فما فوقها تجزئ عن سبعة وجزعة بقر تجزئ عن ثلاثة وثنية تجزئ عن خمسة ومسنة فصاعدا تجزئ عن سبعة.

‌التصرف فى الأضحية

والانتفاع بشئ منها

‌مذهب الحنفية:

لصاحب الأضحية أن يأكل من أضحيته لقوله تعالى: «فَكُلُوا مِنْها» ولأنه ضيف الله جل شأنه فى هذه الأيام كغيره فله أن يكل من ضيافة الله

(1)

.

ولا يجب عليه أن يتصدق به بعد الذبح اذ لو وجب عليه التصدق لما جاز له أن يأكل منه ولو هلك اللحم بعد الذبح فلا ضمان عليه.

واستحباب الأكل من الأضحية لقوله تعالى «فَكُلُوا مِنْها» وما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذا ضحى أحدكم فليأكل من أضحيته ويستحب أن يطعم منه غيره فقد روى عن على كرم الله وجهه أنه قال لغلامه قنبر حين ضحى بالكبشين يا قنبر خذ من كل واحد منهما بضعة وتصدق بهما بجلودهما وبرءوسهما وبأكارعهما.

والأفضل أن يتصدق بالثلث ويتخذ الثلث ضيافة لأقاربه وأصدقائه ويدخر الثلث لقوله تعالى: {فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} . وقول النبى عليه السلام كنت نهيتكم عن امساك لحوم الاضاحى فوق ثلاثة أيام، ألا فامسكوا ما بدا لكم فثبت بالكتاب والسنة أن المستحب ما قلنا ولأنه يوم ضيافة الله عز وجل بلحوم القرابين فيندب اشراك الكل فيها ويطعم الغنى والفقير جميعا لكون الكل أضياف الله وله أن يهب منها ولو تصدق بالكل جاز ولو حبس الكل لنفسه جاز لأن القربة فى الاراقة وأما التصدق باللحم فتطوع وله أن يدخر الكل لنفسه فوق ثلاثة أيام لأن النهى عن ذلك كان فى ابتداء الاسلام ثم نسخ لكن اطعامها والتصدق أفضل الا أن يكون الرجل ذا عيال وغير موسع الحال فان الأفضل له حينئذ أن يدعه لعياله ويوسع به عليهم لأن حاجته وحاجة عياله مقدمة على حاجة غيره.

ولا يحل بيع جلدها وشحمها ولحمها وأطرافها ورأسها وصوفها وشعرها ووبرها ولبنها الذى يحلبه منها بعد ذبحها بشئ لا يمكن الانتفاع به

(1)

بدائع الصنائع ج 5 ص 78، ص 79، ص 80.

ص: 341

الا باستهلاك عينه من الدراهم والدنانير والمأكولات والمشروبات ولا أن يعطى أجر الجزار والذابح منها لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: من باع جلد أضحيته فلا أضحية له وقال النبى صلى الله عليه وسلم لعلى رضى الله عنه: تصدق بجلالها وخطامها ولا تعط أجر الجزار منها.

فان باع شيئا من ذلك نفذ عند أبى حنيفة ومحمد، وعند أبى يوسف لا ينفذ ويتصدق بثمنه، وله أن ينتفع بجلد أضحيته فى بيته بأن يجعله سقاء أو فروا لما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها اتخذت من جلد أضحيتها سقاء.

‌مذهب المالكية:

يندب

(1)

للمضحى أن يجمع بين الأكل من الأضحية والصدقة والاهداء بلا حد فى ذلك بثلث ولا غيره، وكره للمضحى جز صوفها قبل الذبح، سواء جزه ليتصرف فيه أو لا خلافا لمن قيد الكراهية بما اذا كان الجز ليتصرف فيه التصرف الممنوع والا جاز مطلقا، وكراهية الجز ان لم ينبت مثله أو قريب منه لوقت الذبح ولم ينو الجز حين أخذها بشراء، أو حين أخذها من معطيها له أو تعيينها من غنمه فيما يظهر اذ لا فرق، فان نبت مثله للذبح أو نواه حين الأخذ لم يكره وكذلك لا يكره الجز اذا تضررت ببقاء الصوف، ويكره للمضحى بيع الصوف المكروه الجز، ويكره كذلك شرب لبن منها ولو نواه حين الأخذ ولو لم يكن لها ولد لأنها خرجت قربة لله والانسان لا يعود فى قربته.

ولا يجوز البيع من الأضحية كجلد أو لحم أو عظم أو شعر.

ولا يعطى الجزار فى مقابلة جزارته أو بعضها شيئا منها.

ومنع البدل لها أو لشئ منها بعد ذبحها بشئ آخر مجانس للمبدل الا لمتصدق عليه أو موهوب له فلا يمنع البيع أو البدل ولو علم ربها حال التصدق عليه بذلك، ولا اثم على ربها ولو علم حال التصدق عليه بأنه يبيع ما يعطيه له.

‌مذهب الشافعية:

جاء فى المهذب

(2)

: اذا نحر الهدى أو الأضحية وهو تطوع فالمستحب أن يأكل منه لما روى جابر رضى الله عنه

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 122.

(2)

المهذب ج 1 ص 239، ص 240.

ص: 342

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم:

نحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا رضى الله عنه فنحر ما غبر (أى:

ما بقى) وأشركه فى هديه وأمر من كل بدنة ببضعة، فجعلها فى قدر فطبخت فأكل من لحمها وشرب من مرقها، ولا يجب ذلك لقول الله عز وجل «وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللهِ» فجعلها لنا، وما هو للانسان فهو مخير بين أكله وبين تركه، وفى القدر الذى يستحب أكله قولان.

قال الشافعى فى القديم: يأكل النصف ويتصدق بالنصف لقول الله عز وجل، {فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ،} فجعلها بين اثنين فدل على أنها بينهما نصفين.

وقال الشافعى فى الجديد: يأكل الثلث ويهدى الثلث ويتصدق بالثلث لقول الله عز وجل «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» قال الحسن البصرى:

القانع هو الذى يسألك والمعتر هو الذى يتعرض لك ولا يسألك وقال مجاهد: القانع هو الجالس فى بيته والمعتر هو الذى يسألك، فجعلها الله بين ثلاثة فدل على أنها بينهم أثلاثا.

وقال أبو العباس بن سريج وأبو العباس ابن القاص: يجوز أن يأكل الجميع لأنها ذبيحة يجوز أن يأكل منها فجاز أن يأكل جميعها كسائر الذبائح.

وقال عامة الاصحاب: يجب أن يبقى منها قدر ما يقع عليه اسم الصدقة لأن القصد منها القربة فاذا أكل الجميع لم تحصل القربة له فان أكل الجميع لم يضمن على قول أبى العباس وابن القاص ويضمن على قول سائر الأصحاب.

ولا يجوز بيع شئ من الأضحية نذرا كانت أو تطوعا لما روى عن على كرم الله وجهه قال: أمرنى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه فأقسم جلالها وجلودها وأمرنى أن لا أعطى الجازر منها شيئا وقال:

نحن نعطيه من عندنا ولو جاز أخذ العوض منه لجاز أن يعطى الجازر منها فى أجرته ولأنه انما أخرج ذلك قربة فلا يجوز أن يرجع اليه الا ما رخص فيه وهو الأكل.

ويجوز أن ينتفع بجلدها فيصنع منه النعال والخفاف والفراء لما روت عائشة رضى الله عنها قالت: دفت دافة من أهل البادية حضرت الأضحى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرسول عليه السلام: ادخروا الثلث وتصدقوا بما بقى، فلما كان بعد ذلك قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله لقد كان الناس ينتفعون من ضحاياهم ويحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ص: 343

وما ذاك قالوا يا رسول الله نهيت عن امساك لحوم الضحايا بعد ثلاث فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

انما نهيتكم من أجل الدافة

(1)

فكلوا وتصدقوا وادخروا، ويجوز له أن يطعم الأغنياء المسلمين نيئا ومطبوخا لا تمليكهم شيئا من ذلك ليتصرفوا فيه بالبيع

(2)

ونحوه. ويتصدق بجلدها أو ينتفع به بنفسه أو لغيره، ويحرم عليه وعلى وارثه بيعه كسائر أجزائها وأجارته لخبر من باع جلد أضحيته فلا أضحية له، ولزوال ملكه عنها بذبحها فلا تورث عنه لكن لوارثه ولاية قسمته والنفقة

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

السنة

(4)

فى الأضحية أن يأكل ثلثها وأن يهدى ثلثها وأن يتصدق بثلثها، والاهداء جائز ولو لغنى ولا يجب الأكل أو الاهداء لأن النبى صلى الله عليه وسلم نحر خمس بدنات وقال: من شاء فليقتطع، ولم يأكل منهن شيئا، ولأنها ذبيحة يتقرب بها الى الله تعالى فلم يجب الأكل منها فيكون الأمر للاستحباب، أما الصدقة بالثلث فجائزة سواء كانت الأضحية تطوعا أو كانت واجبة أو منذورة لحديث ابن عباس فى صفة أضحية النبى صلى الله عليه وسلم قال: ويطعم أهل بيته الثلث ويطعم فقراء جيرانه الثلث ويتصدق على السؤال بالثلث، فذكر ثلاثة أصناف، ومطلق الاضافة يقتضى التسوية فينبغى أن يقسم بينهم أثلاثا.

ويستحب أن يتصدق بأفضلها لقول الله تعالى «وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ» وأن يهدى الوسط وأن يأكل الأدون، وان كانت الأضحية ليتيم فلا يتصدق الولى عنه منها بشئ ولا يهدى منها شيئا ويوفرها له لأنه ممنوع من التبرع من مال اليتيم.

فان أكل أكثر الأضحية أو أهدى أكثرها أو أكلها كلها الا أوقية تصدق بها جاز أو أهداها كلها الا أوقية تصدق بها جاز لأنه يجب الصدقة ببعضها على فقير مسلم لعموم قول الله تعالى «وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» .

فان لم يتصدق بشئ ضمن أقل ما يقع عليه الاسم بمثله لحما لأنه حق لزمه أداؤه مع بقائه فلزمته غرامته اذا أتلفه.

ويعتبر تمليك الفقير كالزكاة والكفارة فلا يكفى اطعامه، ولا يعطى الجازر شيئا منها أجرة بل يعطيه منها هدية وصدقة.

(1)

الدافة القوم يسيرون جماعة سيرا لينا يقال هم يدفون دفيفا ويقال جاءت دافة من الاعراب وهو من يرد عليهم المصر.

(2)

نهاية المحتاج ج 8 ص 133.

(3)

المرجع السابق ج 8 ص 135.

(4)

كشاف القناع ج 1 ص 645.

ص: 344

وله أن ينتفع بجلدها لأن الجلد جزء منها فجاز للمضحى الانتفاع به كاللحم، وكان علقمه ومسروق يدبغان جلد أضحيتهما ويصليان عليه، وعن عائشة قالت: قلت يا رسول الله قد كانوا ينتفعون من ضحاياهم يحملون منها الودك ويتخذون منها الأسقية قال: وما ذلك قالت:

نهيت عن امساك لحوم الأضاحى بعد ثلاث قال: انما نهيتكم للدافة التى دفت فكلوا وتصدقوا وتزودوا وادخروا، وله أن يتصدق بالجلد والجل ويحرم بيعهما كما يحرم بيع شئ من الذبيحة ولو كانت تطوعا لأنها تعينت بالذبح لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث قتادة بن النعمان: ولا تبيعوا لحوم الأضاحى والهدى وتصدقوا واستمتعوا بجلودها

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

ذكر ابن حزم الظاهرى: أنه يجب على كل مضح أن يأكل من أضحيته ولا بد ولو لقمة فصاعدا ويجب عليه أن يتصدق منها أيضا بما شاء قل أو كثر ولابد، ويباح له أن يطعم منها الغنى وأن يهدى منها ان شاء ذلك فان نزل بأهل بلد المضحى جهد أو نزل به طائفة من المسلمين فى جهد جاز للمضحى أن يأكل من أضحيته من حين يضحى بها الى انقضاء ثلاث ليال كاملة مستأنفة يبتدئها بالعدد من بعد تمام التضحية ثم لا يحل له أن يصبح فى منزله منها بعد تمام الثلاث ليال شئ أصلا ما قل ولا ما كثر.

فان لم يكن شئ من هذا فليدخر منها ما شاء، فقد روى من طريق البخارى عن سلمة بن الأكوع قال:

قال النبى صلى الله عليه وسلم «من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفى بيته منه شئ فلما كان العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضى» قال كلوا واطعموا وادخروا فان ذلك العام كان بالناس جهدا فأردت أن تعينوا فيه.

ولا يحل للمضحى أن يبيع من أضحيته بعد أن يضحى بها شيئا أبدا، ولا أن يؤاجر به ولا أن يبتاع به شيئا أصلا، وله أن ينتفع بكل ذلك، ومن ملك شيئا منها بهبة أو صدقة أو ميراث فله بيعه حينئذ ان شاء.

ولا يحل للمضحى أن يعطى الجزار على ذبحها أو سلخها شيئا منها وله أن يعطيه من غيرها وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم فى الأضاحى أنه قال «كلوا واطعموا وتصدقوا وادخروا» فلا يحل تعدى هذه الوجوه فيتعدى حدود الله تعالى، والادخار اسم يقع

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 640.

ص: 345

على الحبس فأبيح لنا احتباسها والصدقة بها فليس لنا غير ذلك وأيضا فان الأضحية اذا قربت الى الله تعالى فقد أخرجها المضحى من ملكه الى الله تعالى فلا يحل له منها شئ والا ما أحله له النص، فلولا الأمر الوارد بالأكل والادخار ما حل لنا شئ من ذلك فخرج هذان من الحظر بالنص، وبقى ما عدا ذلك كله على الحظر.

وأما من تملك من ذلك شيئا بميراث أو هبة أو صدقة فهو مال من ماله لم يخرجه عن يده الى الله تعالى بعد فله فيه ما له فى سائر ماله ولا فرق

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

(2)

لا يجوز لمن يرى وجوب الأضحية أو أوجبها على نفسه أن ينتفع قبل النحر ووقته بعينها ولا بفوائدها كصوفها ولبنها حبث لا ولد، وأما ما بعد دخول الوقت والذبح فيجوز.

ويجوز له أن يتصدق بما خشى فساده من فوائدها قبل النحر وأما من يرى أنها سنة فله أن ينتفع بها وبفوائدها سواء خشى الفساد

(3)

أم لا.

ويكره البيع ان قلنا أنها سنة ذكره أبو جعفر فان فعل كان الثمن للبائع فان أوجبها لم يجز

(4)

.

وندب أن يأكل من أضحيته لفعل النبى صلى الله عليه وسلم.

وقيل واجب لقول الله تعالى «فَكُلُوا مِنْها» .

وندب أن يتصدق بالبعض لقول الله تعالى «وَالْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ» .

وندب التقدير لقول الله تعالى: «فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ» والقانع هو الذى لا يسأل والمعتر هو الذى يسأل فجعلها أثلاثا.

وقيل النصف.

وفى جواز أكل جميعها وجهان.

أصحهما لا يجوز اذ تبطل به القربة وهى المقصودة.

وقيل يجوز والقربة هى اهراق الدم.

‌مذهب الإمامية:

(5)

يستحب الأكل من الأضحية ولا بأس بادخار لحمها.

(1)

المحلى ج 7 ص 383.

(2)

التاج المذهب ج 3 ص 467.

(3)

المرجع السابق ج 3 ص 469.

(4)

البحر الزخار ج 4 ص 318.

(5)

شرائع الإسلام ج 1 ص 13 والروضة البهية ج 1 ص 138.

ص: 346

وروى استحباب الصدقة بأكثرها.

وقيل الصدقة بالجميع أفضل.

ويكره أخذ شئ من جلودها واعطاؤها الجزار أجرة، لا صدقة وكذا حكم جلالها وقلائدها تأسيا بالنبى صلى الله عليه وسلم.

وكذا يكره بيعها وشبهه، بل يتصدق بها.

وروى جعله مصلى ينتفع به فى البيت

(1)

.

‌مذهب الإباضية:

يجوز أن يأكل من أضحيته ويتصدق منها ويدخر ان شاء الا أن لزمته فليتصدق بها كلها.

وكره بيع جلدها ولا يشارط قصابا فى أخذ جلدها وهى حية بأن يقول له القصاب لا أذبحها الا على أن تعطينى جلدها ولكن اذا ذبحت أعطاه له.

ويأكل من أضحيته هو وأصحابه فقيل يأكل الثلث ويتصدق بالثلثين.

وقيل يأكل الأقل ويتصدق بالأكثر.

وقيل يتصدق بالجميع.

وقيل بالأقل.

وقيل ليس لصاحب البدنة منها الا ربعها فربع للقانع وربع للمعتر وربع للبائس الفقير وربع لصاحبها.

وقيل يطعم الفقير الثلث وأرحامه الثلث ويأكل الثلث.

والصحيح ان الاطعام من الأضحية واجب للآثار الواردة عن الصحابة فى الاطعام ولأن الأصل فى الأمر الوجوب ولا يحمل على غيره الا لدليل

(2)

.

‌النيابة فى الأضحية

‌مذهب الحنفية:

تجزئ النيابة فى الأضحية فيجوز للانسان أن يضحى بنفسه وبغيره باذنه لأنها قربة تتعلق بالمال فتجزئ فيها النيابة ولأن كل واحد لا يقدر على مباشرة الذبح بنفسه خصوصا النساء فلو لم تجز الاستنابة لأدى الى الحرج وسواء كان الاذن نصا أو دلالة فلو اشترى شاة للأضحية فأضجعها يوم النحر وشد قوائمها فجاء انسان وذبحها من غير أمره أجزأه استحسانا.

(1)

شرائع الإسلام ج 1 ص 130 والروضة البهية ج 1 ص 138.

(2)

شرح النيل ج 2 ص 391.

ص: 347

وقال زفر لا يجوز ويضمن الذابح قيمتها وهو القياس لأنه ذبح شاة غيره بغير أمره فلا يجزئ عن صاحبها ويضمن الذابح.

ووجه الاستحسان أنه اشتراها وعينها لذلك فاذا ذبحها غيره فقد حصل غرضه وأسقط عنه مؤنة الذبح والظاهر أنه رضى بذلك فكان مأذونا فيه دلالة كما لو أذن له بذلك نصا.

واذا غلط رجلان فذبح كل واحد منهما أضحية صاحبه عن نفسه أجزأ ذلك كل واحد منهما لأن كل واحد منهما يكون راضيا عن فعل صاحبه فيكون مأذونا فيه دلالة فيقع الذبح عنه ونية صاحبه تقع لغوا.

والأفضل أن يذبح بنفسه ان كان يحسن الذبح لأنه قربة، فمباشرته بنفسه أفضل من توليتها غيره كسائر القربات، فان كان لا يحسن الذبح فتوليته غيره أولى.

واذا لم يذبح بنفسه، فيستحب له أن يأمر بالذبح مسلما، فان أمر كتابيا فانه يجزئه مع الكراهة، لأن التضحية قربة، والكافر ليس من أهل القرب لنفسه، فتكره انابته فى اقامة القربة لغيره

(1)

.

‌مذهب المالكية:

صح لرب الأضحية وكره بلا ضرورة - انابة غيره، ان كان الغائب مسلما فان كان كافرا لم تجزه وان نوى النائب ذبحها عن نفسه فانها تجزئ عن ربها لأن المعتبر نية ربها.

وقيل لا تجزئ عن ربها وتجزئ النائب الذابح لها ويضمن قيمتها كمن تعدى على أضحية رجل وذبحها عن نفسه.

وقيل لا تجزئ عن واحد منهما، سواء كانت النيابة بلفظ كاستنبتك أو وكلتك أو اذبح عنى، أو بعادة لقريب أو صديق ملاطف، فان كان قريبا ولا عادة له أو كان أجنبيا له عادة كجار وأجير وغلام لهم عادة بالقيام بأموره فتردد ففى صحة كونها ضحية خلاف، وأما أجنبى لا عادة له فلا تجزئ قطعا.

وان غلط ذابح فى ذبح أضحية غيره معتقدا أنها أضحيته فلا تجزئ عن واحد منهما لا عن ربها لعدم توكيله ولا عن الذابح لعدم ملكها قبل الذبح، ثم ان أخذ المالك قيمتها ممن ذبحها غلطا فقال ابن القاسم ليس للذابح فى اللحم الا الأكل أو صدقة لأن ذبحه على وجه التضحية.

(1)

البدائع ج 5 ص 67، 79.

ص: 348

وان أخذ المالك اللحم فقان ابن رشد يتصرف فيه كيف شاء لأنه لم يذبحه على وجه التضحية به

(1)

.

‌مذهب الشافعية:

المستحب أن يضحى بنفسه، ويجوز أن يستنيب غيره لما روى جابر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نحر ثلاثا وستين بدنة ثم أعطى عليا رضى الله عنه المدية فنحر ما غبر منها أى ما بقى.

والمستحب ألا يستنيب الا مسلما لأنه قربة فكان الأفضل الا يتولاها كافر فان استناب يهوديا أو نصرانيا جاز لأنه من أهل الزكاة ويستحب أن يكون عالما لأنه أعرف بسنة الذبح.

والمستحب اذا استناب غيره أن يشهد الذبح لما روى أبو سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة رضى الله عنها قومى الى أضحيتك فاشهديها فانه بأول قطرة من دمها يغفر لك ما سلف من ذنوبك

(2)

.

‌مذهب الحنابلة:

الأفضل أن يتولى صاحب الأضحية ذبحها بنفسه لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ذلك، ولأن فعل الذبح قربة وتولى القربة بنفسه أولى من الاستنابة فيها، وان وكل من يصح ذبحه ولو ذميا كتابيا جاز.

ومسلم أفضل من ذمى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم استناب عليا رضى الله عنه فى نحر ما بقى من بدنه، وتوكيل الذمى الكتابى فى ذبح الأضحية مكروه لحديث ابن عباس، لا يذبح ضحاياكم الا طاهر.

ويستحب ان وكل فى الذبح أن يشهد الأضحية لأن فى حديث ابن عباس السابق: واحضروها اذا ذبحتم فانه يغفر لكم عند أول قطرة من دمها وكذلك روى أنه عليه الصلاة والسلام قال لفاطمة احضرى أضحيتك يغفر لك بأول قطرة من دمها.

ولا بأس أن يقول الوكيل: اللهم تقبل من فلان أى الموكل له، وتعتبر النية من الموكل كونها أضحية عند الزكاة أو الدفع الى الوكيل ليذبحها فان تعينت الأضحية فلا حاجة الى النية، ولا تعتبر تسمية المضحى عنه اكتفاء بالنية

(3)

.

(1)

حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 123، ص 124.

(2)

المهذب ج 1 ص 239.

(3)

كشاف القناع ج 1 ص 637.

ص: 349

ولو ضحى اثنان كل بأضحية الآخر عن نفسه كفتهما ولا ضمان استحسانا لا قياسا، وان ذبح المعينة أضحية ذابح فى وقتها بغير اذن ربها أو وليه ونواها عن ربها أو أطلق أجزأت عن ربها ولا ضمان على الذابح.

وان نوى الذابح الأضحية عن نفسه مع علمه أنها أضحية الغير لم تجز عن مالكها فان ذبحها عن نفسه ولم يعلم أنها أضحية الغير لاشتباهها عليه مثلا أجزأت عن ربها ان لم يفرق الذابح لحمها، فان فرق لحمها ضمن

(1)

.

‌مذهب الظاهرية:

قال ابن حزم: يستحب للمضحى رجلا كان أو امرأة أن يذبح أضحيته أو ينحرها بيده فان ذبحها أو نحرها له غيره بأمره مسلما كان أو كتابيا أجزأه ولا حرج فى ذلك لقول الله تعالى «وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ» وانما عنى الله عز وجل بيقين ما يذكونه لا ما يأكلونه فان ذبائحهم ونحائرهم حلال، والتفريق بين الأضحية وغيرها لا وجه له ومن أخطأ فذبح أضحية غيره بغير أمره فهى ميتة لا تؤكل وعليه ضمانها، وللغائب أن يأمر بأن يضحى عنه وهو حسن لأنه أمر بمعروف، فان ضحى عنه من ماله بغير أمره فهى ميتة

(2)

.

‌مذهب الزيدية:

يجوز توكيل مسلم فى الذبح وفى توكيل الذمى خلاف، وندب تولى الذبح بنفسه لفعله صلى الله عليه وسلم وندب الحضور لقول النبى صلى الله عليه وسلم لفاطمة قومى الى أضحيتك فاشهديها، واذا ذبحت بغير اذنه لم تجز لفقد

(3)

النية وضمن الذابح قيمتها

(4)

.

‌مذهب الإمامية:

يتولى المضحى ذبح أضحيته وتجوز الاستنابة

(5)

.

‌مذهب الإباضية:

يندب أن يذبح المضحى أضحيته بيده، ويجوز انابة غيره ان كان الغير مسلما وأما الكتابى فلا يجوز أن يليها، فان فعل فهى شاة لحم

(6)

.

(1)

كشاف القناع ج 1 ص 641.

(2)

المحلى ج 7 ص 280، 388.

(3)

البحر الزخار ج 4 ص 315، 318.

(4)

التاج المذهب ج 3 ص 468.

(5)

الروضة البهية ج 1 ص 192، 196.

(6)

شرح النيل ج 2 ص 390.

ص: 350

‌اضطباع

‌التعريف اللغوى والاصطلاحى:

اضطبع الشئ أدخله تحت ضبعيه والضبع وسط العضد بلحمه يكون للانسان وغيره، وقيل الابط.

والاضطباع الذى يؤمر به الطائف بالبيت أن تدخل الرداء من تحت ابطك الأيمن وتغطى به الأيسر كالرجل يريد أن يعالج أمرا فيتهيأ له، يقال اضطبعت بثوبى.

وقال ابن الاثير: هو أن يأخذ الازار أو البرد فيجعل وسطه تحت ابطه الأيمن ويلقى طرفيه على كتفه اليسرى من جهتى صدره وظهره وسمى بذلك لابداء الضبعين

(1)

.

ولم يخرج الفقهاء به عن هذا المعنى، وان كان قد أطلق عليه بعض الفقهاء (اشتمال الصماء) كابن القاسم المالكى اذ قال عن الاضطباع: وهو من ناحية: الصماء»

(2)

.

وجاء عن الإمامية فى تعريف (اشتمال الصماء) أن المشهور فى تعريفها كما فى كشف الالتباس والروض والروضة والبحار، أن تدخل الثوب من تحت جناحك فتجعله على منكب واحد كما نطق بذلك الحسن

(3)

.

‌حكمه فى الصلاة:

كرهه بعض الفقهاء فى الصلاة.

فمذهب المالكية بعد أن عرفه عده من مكروهات الصلاة لأن الكتف اليمنى تكون مكشوفة معه، ولأنه اذا أخرج يده المستترة بالازار انكشف جنبه

(4)

.

ومذهب الإمامية قال: ويستحب فى الصلاة ترك اشتمال الصماء والمشهور أنه الالتحاف بالازار وادخال طرفيه تحت يده وجمعهما على منكب واحد

(5)

.

‌حكمه فى الطواف:

‌مذهب الحنفية:

عند الحنفية سنة فقد جاء فى فتح القدير: أما حديث الاضطباع ففى أبى داود عن ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

لسان العرب لابن منظور ج 33 ص 216 مادة ضبع طبع دار صادر ودار بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ وترتيب القاموس المحيط للزاوى ج 3 ص 8 طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة طبعة أولى سنة 1959 م.

(2)

شرح الخرشى على مختصر أبى الضياء خليل وبهامشه حاشية العدوى ج 1 ص 251، وص 252 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بالقاهره الطبعة الثانية سنة 1317 هـ.

(3)

كتاب مفتاح الكرامة للحسينى العاملى ج 2 ص 184 طبع مطبعة الشورى بمصر سنة 1356 هـ

(4)

شرح الخرشى مع حاشية العدوى ج 1 ص 253 الطبعة السابقة.

(5)

الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد الجبعى العاملى ج 1 ص 62 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.

ص: 351

وأصحابه اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى، وأخرج هو والترمذى وابن ماجة عن يعلى بن أمية:

طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطبعا ببرد أخضر وحسنه الترمذى.

وينبغى أن يضطبع قبل الشروع فى الطواف بقليل وهو سنة وقد نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1)

.

‌مذهب المالكية:

وعند المالكية: لم نقف على شئ فى ذلك فى المذهب المالكى.

ولكن نقل ابن قدامة الحنبلى فى المغنى وهو يتحدث عن الاضطباع فى طواف القدوم فقال: أن مالكا قد قال ليس الاضطباع بسنة.

ولم أسمع أحدا من أهل العلم ببلدنا يذكر أن الاضطباع سنة

(2)

.

‌مذهب الشافعية:

قال الشافعية: السنة أن يضطبع فيجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن ويطرح طرفيه على منكبه الأيسر ويكشف الأيمن لما روى ابن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم اعتمروا فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضطبعوا فجعلوا أرديتهم تحت آباطهم فقذفوها على عواتقهم

(3)

.

‌مذهب الحنابلة:

قال الحنابلة: يضطبع الذى يطوف بردائه وبعد أن فسروا الاضطباع بما لا يخرج عما سبق ذكره.

قالوا: ويستحب الاضطباع فى طواف القدوم لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف مضطبعا وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم اعتمروا من الجعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى، وقد ثبت بما روينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى الله عنهم فعلوه وقد أمر الله تعالى

(1)

فتح القدير للكمال بن الهمام على الهداية شرح بداية المبتدى للمرغينانى وبهامشه شرح العناية على الهداية ثم سعدى جلبى ج 2 ص 150 طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر طبعة أولى سنة 1315 هـ.

(2)

المغنى لابن قدامة على مختصر أبى القاسم الخرفى مع تعليق بالهامش للسيد محمد رشيد رضا ج 3 ص 372 طبع دار المنار بمصر سنة 1367 هـ الطبعة الثانية.

(3)

المهذب لأبى اسحاق الشيرازى مع شرح غريب المهذب لابن بطال الركبى ج 1 ص 222 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.

ص: 352

باتباعه، وقد روى أسلم عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه اضطبع ورحل وقال: ففيم الرمل ولم نبد مناكبنا، وقد نفى الله المشركين، بلى، لن ندع شيئا فعلناه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، واذا فرغ من الطواف سوى رداءه.

ولا يضطبع فى غير هذا الطواف ولا يضطبع فى السعى، ولنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يضطبع فيه، والسنة الاقتداء به.

وقال أحمد ما سمعنا فيه شيئا.

والقياس لا يصح الا فيما عقل معناه

(1)

.

‌مذهب الزيدية:

قال الزيدية: من سنن الطواف الاضطباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكروا حديث يعلى بن أمية وحديث ابن عباس السابقين فى مذهب الأحناف.

وقال صاحب البحر الزخار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمل بعد الفتح فى عمرة الجعرانة وحجة الوداع وجاء فى تعليقات البحر حديث أسلم عن عمر برواية أخرى اذ يقول عمر:

فيم الرملان والكشف عن المناكب وقد أطأ

(2)

الله الاسلام ونفى الكفر وأهله ولكن مع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم «أطأ الله الاسلام ثبته وأرساه

(3)

.

‌مذهب الإباضية:

قال الإباضية: والطواف بالبيت صلاة لكن أحل الله فيه الكلام: وليضطبع قبل ابتداء الطواف.

ثم فسروا الاضطباع بأن يجعل وسط الرداء تحت الابط الأيمن ويجمع طرفاه على المنكب الأيسر طرفا وراء الظهر وطرفا على الصدر.

ثم قالوا: اذا فرغ من الاضطباع فليجعل البيت عن يساره

(4)

. وفصلوا بعد ذلك طريقة الطواف.

(1)

المغنى لابن قدامة ج 3 ص 372، ص 373 الطبعة السابقة.

(2)

أطأ بتشديد الطأء، والهمزة فيه بدل من واو وطأ.

(3)

كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 352 الطبعة الأولى طبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ.

(4)

كتاب قناطر الخيرات لاسماعيل بن موسى الجيطالى النفوس ج 2 ص 84، ص 85 طبع المطبعة البارونية بمصر سنة 1307 هـ.

ص: 353

روعى - فى ترتيب الأعلام أن تكون مجردة عن ابن وأب وأم وال التعريف.

وما نشر من الأعلام بالأجزاء السابقة اكتفينا هنا بالإشارة إلى موضعه فيها.

ص: 356

بسم الله الرحمن الرحيم

‌حرف الألف:

‌ابراهيم الحربى توفى سنة 285 هـ:

ابراهيم بن اسحاق بن بشير بن عبد الله البغدادى الحربى أبو اسحاق من أعلام المحدثين أصله من مرو واشتهر وتوفى بغداد ونسبته الى محلة فيها كان حافظا للحديث عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام قيما بالأدب زاهدا أرسل اليه المعتضد ألف دينار فردها نفقة على الامام أحمد وصنف كتبا كثيرة منها غريب الحديث ومناسك الحج وسجود القرآن والهدايا والسنة فيها والحمام وآدابه ودلائل النبوة وكان عنده اثنا عشر ألف جزء فى اللغة وغريب الحديث كتبها بخطه.

‌الأبهرى:

انظر ج 7 ص 387.

‌ابن الأثير:

انظر ج 1 ص 247.

‌الأذرعى:

انظر ج 1 ص 248.

‌ابن أذينة:

هو عمر بن محمد بن عبد الرحمن ابن أذينة قال القمى هو شيخ أصحابنا البصريين ووجههم روى عن أبى عبد الله عليه السلام بمكاتبة، له كتاب الفرائض وكان ثقة صحيحا وكان قد هرب من المهدى العباسى ومات باليمن فلذلك لم يرو عنه كثيرا وأذينة بضم الهمزة وفتح الذال المعجمة وسكون الباء المنقطة تحتها نقطتان وقد يطلق ابن أذينة على الشاعر الذى قال:

ما كل يوم ينال المرء ما طلبا

ولا يسوغه المقدور ما وهبا

الى آخر القصيدة ذكره ابن الشحنة فى روضة الناظر فى ملوك العرب.

‌أبو اسحاق بن شاقلا توفى سنة 369 هـ:

أبو اسحاق ابراهيم بن أحمد البغدادى البزار شيخ الحنابلة وتلميذ أبى بكر عبد العزيز كهلا فى رجب (169) وكان صاحب حلقة للفتيا والاشتغال بجامع المنصور.

‌أسد:

انظر أسد بن الفرات ج 1 ص 248.

‌الشيخ اسماعيل:

انظر ج 8 ص 370.

‌أشهب:

انظر ج 1 ص 249.

‌أصبغ:

انظر ج 1 ص 249.

‌أسلم توفى سنة 80 هـ:

مولى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه مذكور فى المهذب فى أول القراض وفى احياء الموات وفى مسألة كسر الترقوة من كتاب الديات وفى الجزية هو أبو خالد ويقال أبو زيد القريشى العدوى المدنى مولى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه من سبى اليمن هكذا قاله البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم وآخرون وحكى عن سعيد بن المسيب أنه قال هو حبشى قالوا بعث أبو بكر الصديق عمر رضى الله تعالى عنهما سنة احدى عشرة فأقام للناس

ص: 357

الحج واشترى أسلم سمع أبا بكر الصديق وعمر وعثمان وأبا عبيدة ومعاذ وابن عمر ومعاوية وأبا هريرة وحفصة رضى الله تعالى عنهم روى عنه ابنه زيد والقاسم ابن محمد ونافع وآخرون واتفق الحفاظ على توثيقه وروى له البخارى ومسلم وحضر الجابية مع عمر وتوفى بالمدينة سنة 80 هـ قال أبو عبيد بن سلام وقال البخارى صلى عليه مروان بن الحكم وهذا يخالف الأول لأن مروان بن الحكم مات سنة خمس وستين وكان معزولا عن المدينة قال البخارى فى التاريخ توفى أسلم وهو ابن مائة وأربع عشرة سنة.

‌انس بن مالك:

انظر ج 1 ص 249.

‌ابن أيوب:

انظر ج 2 ص 337.

‌حرف الباء:

‌الباجى:

انظر ج 1 ص 250.

‌البدر القرافى:

انظر القرافى ج 1 ص 272.

‌البراء بن عازب:

انظر ج 2 ص 345.

‌ابن برى توفى سنة 582 هـ:

هو عبد الله برى ابن عبد الجبار المقدسى الأصل المصرى أبو محمد بن أبى الوحش من علماء العربية النابهين ولد ونشأ وتوفى بمصر وولى رياسة الديوان المصرى له الرد على ابن الخشاب انتصر فيه للحريرى وغلط الضعفاء من الفقهاء وشرح شواهد الايضاح نحو حواش على صحاح الجوهرى وحواش على درة الغواص للحريرى.

‌ابن برى:

توفى سنة 730 هـ: هو على بن محمد ابن الحسين الرباطى أبو الحسن المعروف بابن برى عالم بالقراءات من أهل تازة ولى رياسة ديوان الانشاء فيها من كتبه الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الامام نافع أرجوزة فى القراءات لقيت من الذيوع فى شمالى أفريقية مثل ما لقى كتاب الأجرومية.

‌البرزلى:

انظر ج 5 ص 365.

‌ابن بشير:

انظر ج 4 ص 361.

‌البغوى:

انظر ج 2 ص 346.

‌أبو بكر:

انظر ج 3 ص 345.

‌بلال:

انظر ج 3 ص 338.

‌أم بلال:

أم بلال امرأة بلال ذكرها أبو موسى فقال أم بلال بنت هلال المزنية روت عن النبى صلى الله عليه وسلم «ضحوا بالجذع من الضأن فانه يجزئ» .

‌بهرام:

انظر ج 5 ص 365.

‌حرف التاء:

‌الترمذى:

انظر ج 1 ص 251.

‌حرف الجيم:

‌جابر:

انظر ج 1 ص 252

‌جابر بن زيد:

انظر ج 3 ص 339.

‌ابن جؤية:

هو ساعدة بن جؤية الهذلى من بنى كعب بن كاهل من سعد هذيل شاعر من مخضرمى الجاهلية والاسلام أسلم وليست له صحبة قال الآمدى شعره محشو بالغريب والمعانى الغامضة له ديوان شعر.

‌جبير بن مطعم:

انظر ج 1 ص 252.

‌أبو جعفر:

انظر ج 1 ص 263.

‌الفقيه أبو جعفر:

انظر ج 1 ص 253.

‌جمال الدين بن طاووس توفى سنة 673 هـ:

أبو الفضائل جمال الدين أحمد بن موسى ابن جعفر العالم الفاضل الفقيه الورع المحدث صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى سنة 673 هـ والمدفون بالحلة قال شيخنا فى المستدرك فى ذكر مشايخ آية الله العلامة الحلى السابع من مشايخ العلامة جمال الدين أبو الفضائل والمناقب والمكارم السيد الجليل أحمد بن السيد الزاهر سعد الدين أبى ابراهيم موسى بن جعفر وهو صاحب التصانيف الكثيرة البالغة الى حدود الثمانين

ص: 358

التى منها كتاب البشرى فى الفقه فى ست مجلدات والملاذ فيه فى أربع مجلدات ولم يبق منها أثر لقلة الهمم سوى بعض الرسائل كعين العبرة فى غبن العترة وكلما أطلق فى مباحث الفقه والرجال ابن طاووس فهو المراد منه.

‌جميل:

هو جميل بن صالح الأسدى ثقة وجه روى عن أبى عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام ذكره أبو العباس فى كتاب الرجال له أصل روى عنه سماعة وأكثر ما يروى منه نسخة رواية الحسن بن محبوب أو محمد بن أبى عمير وقد رواه على بن حديد، وروى عنه الحسن بن محبوب ثلاث مرات فى باب ما أحل الله تعالى من النكاح وما حرم منه وروى عنه على بن رئاب فى باب ما تجوز الصلاة فيه من اللباس وفى باب ما تجوز الصلاة فيه من أبواب الزيادات وفى باب الصلاة فى الكعبة وفوقها وروى عنه سعيد بن عبد الله فى باب حكم الجنابة ورواية سعد بن عبد الله عن جميل بن صالح مرسلة لبعد زمانهما كثيرا وروى عنه ابن أبى عمير فى باب الطلاق وفى باب الرضا بالقضاء وفى باب حكم المذى والودى وفى باب السنة فى القنوت فى صلاة الجمعة وروى عنه عمار بن موسى الساباطى فى باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وفى مقدار ما يحرم من النكاح من الرضاع وروى عنه القاسم بن محمد الجوهرى فى باب كراهية السرف فى أواخر كتاب الزكاة.

‌جندب بن عبد الله:

جندب بن عبد الله بن سفيان البجلى العلقى أبو عبد الله وقد ينسب الى جده فيقال جندب بن سفيان سكن الكوفة ثم البصرة قدمها مع مصعب بن الزبير وروى عنه أهل المصريين قلت وقد روى عنه من أهل الشام شهر بن حوشب فقال حدثنى بن جندب بن سفيان قال ابن السكن وأهل البصرة يقولون جندب بن عبد الله وأهل الكوفة يقولون جندب بن سفيان غير شريك وحده ويقال له جندب الخير وأنكره ابن الكلبى وقال البغوى يقال له جندب الخير وجندب الفاروق وجندب ابن أم جندب وقال ابن حبان هو جندب بن عبد الله بن سفيان، ومن قال ابن سفيان نسبة الى جده وقد قيل انه جندب بن خالد ابن سفيان والأول أصح وحكى الطبرانى نحو ذلك وفى الطبرانى من طريق أبى عمران الجونى قال قال لى جندب كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلاما حزورا وفى صحيح مسلم من طريق صفوان بن محرز أن جندب بن عبد الله البجلى بعث الى عسعس بن سلامة زمن فتنة ابن الزبير قال أجمع لى نفرا من اخوانك وفى الطبرانى من طريق الحسن قال جلست الى جندب فى امارة المصعب يعنى ابن الزبير.

‌الجيلى:

توفى سنة 452 هـ: باى بن جعفر بن باى أبو منصور الجيلى الفقيه الشافعى وباى، بفتح الباء الموحدة وآخرها آخر الحروف مشددة ووهم من زعمه بياءين أو بياء مفتوحة بدل آخر الحروف تفقه على الشيخ أبى حامد وكان من مدرسى أصحاب الشيخ أبى حامد وحكى أنه لما آن أن يجلس فى الحلقة قيل للخليفة: كيف تعطى الحلقة من اسمه هذا فغيره وصيره عبد الله قال الخطيب: سمع الحديث من أبى الحسن ابن الجندى - بضم الجيم - وأبى القاسم الصيدلانى وغيرهما، قال وكتبنا عنه وكان ثقة مات أول المحرم سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.

‌الجيلى توفى سنة 417 هـ:

جعفر بن باى أو مسلم الجيلى أحد أصحاب الشيخ أبى حامد وهو والد الشيخ أبى منصور باى بن جعفر بن باى، سمع الحديث من أبى بكر المقرى وابن بطة العكبرى، روى عنه الخطيب وقال مات سنة سبع عشرة وأربعمائة

ص: 359

بقرية بزيدى بياء موحدة ثم زاى مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم ذال معجمة.

‌حرف الحاء:

‌ابن الحاجب:

انظر ج 1 ص 253.

‌ابن حارث:

انظر ج 5 ص 366.

‌ابن حبيب:

انظر ج 1 ص 253.

‌الحسن:

انظر ج 2 ص 349.

‌الحسن البصرى:

انظر ج 1 ص 254.

‌أبو الحسن الرضا:

انظر ج 2 ص 349.

‌الحسن بن زياد:

انظر ج 1 ص 254.

‌الفقيه حسن:

توفى سنة 1142 هـ: هو الحسن ابن محمد بن سعيد المغربى فقيه زيدى يمانى من أهل صنعاء وله حاشية على شرح القلائد للنجدى فى أصول الدين.

‌الحسن الصيقل:

الحسن بن زياد الصيقل عده الشيخ فى رجاله من أصحاب الباقر عليه السلام مرتين بالعنوان المذكور وأخرى بزيادة قوله أبو محمد الكوفى وعده فى باب أصحاب الصادق عليه السلام من رجاله تارة بعنوان الحسن بن زياد والصيقل الكوفى وأخرى بعنوان الحسن بن زياد الصيقل يكنى أبا الوليد مولى كوفى واماما فى موضعين من باب أصحاب الرضا عليه السلام من رجال الشيخ فهو الحسين مصغرا لا مكبرا نقل عن روضة الكافى أنه روى عن ابن مسكان عن الحسن الصيقل عن الصادق عليه السلام أنه قال ان ولى على لا يأكل الا الحلال لأن صاحبه كان كذلك وأن ولى عثمان لا يبالى حلالا أصاب أم حراما لأن صاحبه كان كذلك، الحديث.

‌حمران:

حمران بن أعين الشيبانى أخوزرارة وقد عد الشيخ الرجل من أصحاب الباقر عليه السلام قائلا حمران بن أعين الشيبانى مولاهم يكنى أبا الحسن وقيل أبو حمزة تابعى وأخرى من أصحاب الصادق عليه السلام قائلا حمران بن أعين الشيبانى مولى كوفى تابعى وعن الشيخ أيضا عده من الممدوحين ممن كان يختص ببعض الأئمة ويتولى له الأمر بمنزلة القوام وقال فى القسم الأول من الخلاصة حمران بن أعين الشيبانى مولى كوفى تابعى مشكور روى الكشى عن محمد بن الحسن عن أيوب بن نوح عن سعد العطار عن حمزة الزيات عن حمران بن أعين عن أبى جعفر عليه السلام قال أنت من شيعتنا فى الدنيا والآخرة وروى أنه من حوارى محمد بن على بن جعفر بن محمد عليهم السلام وعن شهاب بن عبد ربه قال جرى ذكر حمران عند أبى عبد الله عليه السلام فقال مات والله مؤمنا وكان حمران من أكثر مشايخ الشيعة المفضلين الذين لا يشك فيهم وكان أحد حملة القرآن ومن بعده يذكر اسمه فى القراءات وكان مع ذلك عالما بالنحو واللغة.

‌حمزة بن حمران:

حمزة بن حمران أعين الشيبانى الكوفى عده الشيخ تارة بهذا العنوان من أصحاب الصادق عليه السلام وأخرى بعنوان حمزة ابن حمران بن أعين كوفى من أصحاب الباقر عليه السلام وقال فى الفهرست حمزة ابن حمران له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبى المفضل عن حميد بن زيادة عن ابن سماعة عنه وقال النجاشى حمزة ابن حمران بن أعين الشيبانى روى عن أبى عبد الله عليه السلام وأخوه أيضا عقبة ابن حمران روى عنه عليه السلام له كتاب يرويه عدة من أصحابنا أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن أحمد البزاز قال حدثنا أبو القاسم على بن حبش بن قونى قال حدثنا حميد بن زياد قرائه قال حدثنا القاسم بن اسماعيل قال حدثنا صفوان ابن يحيى عن حمزة بكتابة قلت يستفاد من هذه الكلمات من حيث عدم الغمز فى مذهبه كونه اماميا فاذا انضم الى ذلك رواية

ص: 360

صفوان وابن أبى عمير من أصحاب الاجماع عنه المشعرة بوثاقته وكذا رواية ابن بكير وغيره من جلة الا عنه وكون رواتبه سديدة مقبولة اندرج الرجل فى الحسان وقد نقل المولى الوحيد عن خاله عده ممدوحا لأن للصدوق اليه طريق وعن جده أن الحق أن رواياته سديدة ليس فيها ما يشتبه مع صحة طريقه يعنى الصدوق وعن أبى عمير وهو من أهل الاجماع بل يمكن كونه مع حسنه كالصحيح بل صحيحا على الصحيح لتصحيح العلامة فى التذكرة والشهيد الثانى فى المسالك صريحا فى مسألة جواز شراء المماليك من ذى السيد عليها من باب بيع الحيوان وكفت بشهادتهما فى ذلك حجة بديعة.

‌ابو الحوارى:

انظر ج 9 ص 373

‌الحلوانى:

انظر ج 1 ص 255 شمس الأئمة.

‌حرف الدال:

‌ابو داود:

انظر ج 1 ص 257

‌حرف الراء:

‌الربيع بن سبرة الجهنى:

هو الربيع بن سبرة التابعى رحمه الله تعالى مذكور فى المختصر فى باب المتعة وفى المهذب فى أول كتاب الصلاة وهو الربيع بن سبرة بن معبد الجهنى المدنى التابعى روى عن أبيه وعمر ابن عبد العزيز وغيرهما وروى عنه ابناه عبد الملك وعبد العزيز والزهرى وآخرون قال أحمد بن عبد الله العجلى هو ثقة وروى له مسلم ..

‌ربيعه:

انظر ج 1 ص 258

‌الرجراجى توفى سنة 810 هـ:

أبو على عمر ابن محمد الرجراجى الفاسى الولى الزاهد والعالم العامل أخذ عن جماعة من مشيخة فاس منهم أبو عمر العبدرى وعنه جلة منهم ابن الخطيب القسيطينى توفى الى رحمة الله سنة 810 هـ وقبره معروف.

‌ابن رشد:

انظر ج 1 ص 258

‌ابن الرفعة:

انظر ج 1 ص 259

‌حرف الزاى:

‌ابن زرب:

انظر ج 9 ص 373

‌الزركشى:

انظر ج 1 ص 259.

‌القاضى زيد:

انظر ج 1 ص 260

‌الزعفرانى:

انظر ج 1 ص 259

‌زفر:

انظر ج 1 ص 259

‌أبو زكريا:

انظر ج 2 ص 352

‌زيد بن ثابت:

انظر ج 1 ص 260

‌حرف السين:

‌سبرة الجهنى:

سبرة بن معبد بن عوسجة بن حرملة بن سبرة الجهنى أبو ثرية بفتح المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية ومصفر صحابى نزل المدينة وأقام بذى المروة روى عنه ابنه الربيع وذكر ابن سعد أنه شهد الخندق وما بعدها ومات فى خلافة معاوية وقد علق له البخارى وروى له مسلم وأصحاب السنن وعند مسلم وغيره من حديثه أنه خرج هو وصاحب له يوم الفتح فأصابا جارية من بنى عامر جميلة فأراد أن يستمتعا منها قالت فما تعطيانى فقال كل منابردى قال فجعلت تنظر فترانى أشب وأجمل من صاحبى وترى برد صاحبى أجود من بردى قال فاختارتنى على صاحبى فكنت معها ثلاثا ثم أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نفارقهن وروى سيف فى الفتوح أنه كان رسول على لما ولى الخلافة بالمدينة الى معاوية يطلب منه بيعة أهل الشام.

ص: 361

‌أبو سته:

أنظر ج 11 ص 378

‌سحنون:

انظر ج 1 ص 261.

‌ابن سراج توفى سنة 489 هـ:

عبد الملك ابن سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج مولى بنى أمية أبو مروان، وزير، أديب من بيت علم ووقار فى قرطبة أطنب ابن بسام فى الثناء عليه واشار الى تقدمه فى علوم اللغة، وأنه احيا كتبا كثيرة كاد يفسدها جهل الرواة، واستدرك فيها أشياء من أوهام مؤلفيها أنفسهم ككتاب «البارع» لأبى على البغدادى وشرح «غريب الحديث» للخطابى، ورد أبيات المعانى للقتبى والبنات لأبى حنيفة وذكر مجموعة مما قاله أكابر شعراء عصره فى رثائه.

‌السرخسى:

انظر ج 1 ص 261.

‌سعيد بن جبير:

انظر ج 1 ص 261

‌سعيد بن عبد الله توفى سنة 300 هـ:

سعيد ابن عبد الله الأشعرى القمى أبو القاسم:

فقيه امامى من أهل «قم» سافر كثيرا فى طلب الحديث من كتبه «مقالات الامامية» ومناقب رواة الحديث «ومثالب رواة الحديث نحو ألف ورقة، وفضل العرب» والرد على الغلاة.

‌سعيد بن المسيب:

انظر ج 1 ص 262

‌السكونى:

انظر ج 2 ص 353

‌ام سلمة:

انظر ج 1 ص 261

‌سلمة بن الاكوع:

انظر ج 9 ص 375

‌حرف الشين:

‌ابن شاس:

انظر ج 2 ص 354

‌شعبة:

انظر ج 1 ص 263

‌الشيرازى:

انظر ج 1 ص 263

‌حرف الصاد:

‌صالح بن الامام أحمد:

انظر ج 1 ص 264

‌الصيمرى:

انظر ج 7 ص 393

‌حرف الطاء:

‌الطحاوى:

انظر ج 1 ص 262

‌حرف الظاء:

‌ظهير الدين:

انظر ج 7 ص 393

‌حرف العين:

‌عائشة:

انظر ج 1 ص 265

‌ابن عباد:

انظر ج 5 ص 372

‌العبادى توفى سنة 458 هـ:

محمد بن أحمد ابن محمد بن عبد الله بن عباد الهروى الامام الجليل القاضى أبو عاصم العبادى الفقيه الشافعى صاحب الزيادات وزيادة الزيادات والمبسوط والهادى وأدب القضاء الذى شرحه أبو سعد الهروى فى كتابه الاشراف على غوامض الحكومات وله أيضا طبقات الفقهاء وكتاب الرد على القاضى السمعانى كان اماما جليلا حافظا للمذهب بحرا يتدفق بالعلم وكان معروفا بغموض العبارة وتعويص الكلام ضنة منه بالعلم وحبا لاستعمال الأذهان الثاقبة فيه ولد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة اخذ العلم عن أربعة: القاضى أبى منصور محمد بن محمد الأزدى مهراة، والقاضى أبى عمر البسطامى والأستاذ أبى طاهر الزيادى وأبى اسحاق الاسفرايينى بنيسابور، قال القاضى أبو سعد الهروى لقد كان - يعنى أبا عاصم - أرفع أبناء عصره فى غزارة نكت الفقه والاحاطة بغرائبه عمادا وأعلاهم فيه اسنادا قال وتغليق الكلام كان من عادته التى لم يصادف على غيرها فى مدة عمره قال والمحصلون وان أزروا عليه تغميض الكلام وتحدوا الايضاح عليه

ص: 362

لكن جيلا من العلماء الأولين عوا على التغميض وفضلوه على الايضاح وكأنهم ضنوا بالمعانى التى هى الأغلاق النفسية على غير اهلها ثم قال مع أن السبب الذى دعاه الى التغليق وحمله على التغميض أنه كان من المتلقنين على الامام أبى اسحاق الاسفرايينى ومن تصفح مصنفات أبى اسحاق لاسيما تجربة الافهام فى الفقه القاها على شدة الغموض والاغلاق، واعلم أن الاستاذ أبا اسحاق اعدى الشيخ ابا عاصم بدائه وذهب به فى مذهب الايضاح عن سوائه، انتهى كلام أبى سعد، روى أبو عاصم عن أبى بكر أحمد ابن محمد بن ابراهيم بن سهل القراب وغيره وروى عنه اسماعيل بن أبى صالح المؤذن مات فى شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن ثلاث وثمانين سنة.

‌عبادة بن الصامت:

أنظر ج 2 ص 356

‌ابن عباس:

أنظر عبد الله ج 1 ص 267

‌ابو العباس بن سريح:

أنظر ج 7 ص 393

‌ابو العباس بن القاص:

أنظر ج 4 ص 367

‌عبد الله بن زرارة:

عبد الله بن زرارة بن أعين الشيبانى روى عن أبى عبد الله عليه السلام ثقة له كتاب عن على بن النعمان. واخذ عنه القاسم بن سليمان فى باب القضاء فى الديات عنه عبد الله بن بكير فى باب أن التى يتوفى عنها زوجها من أبواب العدد روى هذا الخبر بعينه عبد الله بن بكير عن عبيد الله بن زرارة فى باب عدد النساء الظاهر أنه الصواب بقرينة رواية ابن بكير عن عبيد الله بن زرارة كثيرا واتحاد الخبر وعدم روايته عن عبد الله بن زرارة الا هنا والله أعلم.

‌عبد الله بن عباس:

انظر ج 1 ص 267

‌عبد الله بن مسعود:

انظر ج 1 ص 267

‌ابو عبد الله:

انظر ج 6 ص 387

‌أبو عبيدة:

انظر ج 5 ص 373

‌عبد الله بن عمر:

انظر ج 1 ص 267

‌أبو عبد الله عليه السلام:

أنظر ج 6 ص 387

‌عثمان:

انظر ج 1 ص 268

‌عروة:

انظر ج 5 ص 373

‌عروة البارقى:

انظر ج 9 ص 379

‌عبد الرحمن بن القاسم:

انظر ج 1 ص 266

‌عبد الرزاق:

انظر ج 2 ص 356

‌على بن جعفر:

انظر ج 10 ص 400

‌عكرمة:

انظر ج 1 ص 268

‌على خليل:

انظر ج 10 ص 400

‌علقمه:

انظر ج 1 ص 269

‌عمران بن الحصين:

انظر ج 2 ص 359

‌عمر:

أنظر ج 1 ص 269

‌ابن عمر:

انظر ج 1 ص 267

‌عبد الوهاب:

أنظر ج 1 ص 267

‌حرف الغين:

‌ابنة غزوان:

هى برة بنت غزوان التى قال أبو هريرة رضى الله تعالى عنه قال كنت أجيرا لبرة بنت غزوان لنفقة رحلى وطعام بطنى فاذا ركبوا سبقت بهم واذا نزلوا خدمتهم فزوجنيها الله سبحانه وتعالى فأنا أركب واذا نزلت خدمت.

‌حرف الفاء:

‌الفارقى توفى سنة 492 هـ:

محمد بن الفرج ابن ابراهيم بن على بن الحسن السلمى الشيخ أبو الغنائم الفارقى فقيه شافعى أحد الأئمة الرفعاء من تلامذة الشيخ أبى اسحاق الشيرازى قدم بغداد مع أبيه سنة نيف وأربعين وأربعمائة فتفقه على الشيخ وبرع فى المذهب وسمع الحديث من عبد العزيز الأزجى وأبى اسحاق البرمكى

ص: 363

والحسن بن على الجوهرى والقاضى أبى الحسين ابن المهتدى وغيرهم وعاد الى ديار بكر ثم قدم بعد حين ودرس ثم عاد فسكن جزيرة ابن عمر وحدث وروى عنه أبو الفتح بن البطى وكان فقيها زاهدا موصوفا بالعلم والدين توفى يوم الخميس مستهل شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة ووقع فى ترجمة تلميذه (ابن المدرك) من تاريخ شيخنا الذهبى أن أبا الغنائم مات سنة ثلاث وثمانين وهو وهم.

‌أبن الفضل:

أنظر ج 8 ص 371

‌حرف القاف:

‌القابسى:

انظر ج 7 ص 388

‌قتادة بن النعمان:

انظر ج 3 ص 353

‌ابن القاسم:

انظر ج 1 ص 271

‌القاضى:

انظر ج 2 ص 361

‌القدورى:

انظر ج 1 ص 272

‌قنبر:

هو غلام للامام على بن أبى طالب ورد ذكره فى حديث الأضحية حين قال على كرم الله تعالى وجهه لغلامه قنبر حين ضحى بكبشين يا قنبر خذ من كل واحد منهما بضعة فتصدق بهما بجلودهما وبرءوسهما وبأكارعهما.

‌حرف الكاف:

‌الكرخى:

انظر ج 1 ص 273

‌أم كرز:

أم كرز: الخزاعية ثم الكعبية قال ابن سعد: المكية أسلمت يوم الحديبية والنبى صلى الله عليه وسلم يقسم لحوم بدنه فماتت ولها حديث فى العقيقة أخرجه أصحاب السنن الأربعة روى عنها ابن عباس وعطاء وطاووس ومجاهد وسباع بن ثابت وعروة وغيرهم واختلف فى حديثها على عطاء فقيل عن قتاده عنه عن أبيه عن ابن عباس عنها وقيل عن ابن جريج ومحمد بن اسحاق وعمرو بن دينار ثلاثتهم عن عطاء عن قتيبة ابن ميسرة بن أبى حبيب عنها وقيل عن حجاج بن أرطأة عن عطاء عن عبيد بن عمير عنها وقيل عن حجاج عن عطاء عن ميسرة ابن أبى حبيب عنها وقيل عن أبى الزبير ومنصور بن زادان وقيس بن سعد ومطر الوراق أربعتهم عن عطاء بلا واسطة وزاد حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء طاووسا ومجاهدا ثلاثتهم عن أم كرز ولم يذكر الواسطة وقيل عن قيس بن سعد عن أم عثمان بن خيثم عن أم كرز وقيل عن يزيد ابن أبى زياد وعن عطاء عن سبيعة بنت الحارث وقيل عن عبد الكريم بن أبى المخارق عن عطاء عن جابر وقيل عن محمد بن أبى حميد عن عطاء عن جابر وأقواها رواية ابن جريج ومن تابعه وصححهما ابن حبان ورواية حماد بن سلمة عند النسائى ورواية عبيد الله بن أبى يزيد عن سياع بن ثابت عنها نحوه وأخرجه أبو داود والنسائى وابن ماجه (قلت) ووقع عند ابن اسحاق بن راهويه عن عبد الرزاق عن ابن جريج بسنده فقال عن أم بنى كرز اللعيين وكذا أخرجه ابن حبان من طريقه ويمكن الجمع بأنها كانت تكنى أم كرز وكان زوجها يسمى كرزا والمراد ببنى كرز بنو ولدها كرز كانوا ينسبون الى جدتهما هذه والله أعلم ولها حديث آخر من رواية عبد الله بن زيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز قالت أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أسأله عن لحوم الهدى فسمعته يقول أقروا الطير على مصافها أخرجه النسائى بتمامه وأبو داود مختصر أو كذا الطحاوى وصححه أبن حبان وزاد بعضهم فى السند عن عبيد الله بن أبى يزيد عن أبيه وأخرج أبن ماجه بهذا السند عنها حديث «ذهبت النبوات وبقيت المبشرات» وصححه أبن حبان أيضا.

ص: 364

‌الكمال:

انظر ج 1 ص 273.

‌الكنى:

انظر ج 6 ص 391

‌حرف اللام:

‌الفقيه الليث:

انظر ج 1 ص 274

‌حرف الميم:

‌أبن الماجشون:

أنظر ج 2 ص 372

‌أبن ماجة:

أنظر ج 1 ص 274

‌مجاهد:

أنظر ج 3 ص 355

‌مارية:

أنظر ج 8 ص 381

‌المازرى:

أنظر ج 1 ص 274

‌أبن محبوب:

أنظر ج 8 ص 381

‌محمد بن الحسن:

أنظر ج 1 ص 275

‌محمد بن الحسن الصغار:

أنظر ج 2 ص 355

‌محمد بن الحسين:

هو محمد بن الحسين بن زين الدين الشهيد الثانى بن على الموسوى العاملى أديب من فقهاء الامامية ولد فى جيح «بجبل عامل» ورحل الى كربلاء فتصدر للتدريس وتوفى بمكة له روضة الخواطر فى الأدب واستقصاء الاعتبار فى شرح الاستبصار فى الفقه، وشروح وحواش ورسائل فى الفقه والأصول وله شعر.

‌مالك:

أنظر ج 1 ص 275

‌مسروق:

أنظر ج 1 ص 276

‌المشذالى المتوفى سنة 866 هـ:

محمد بن القاسم ابن محمد بن عبد الصمد أبو عبد الله المشذالى مفتى بجابة «بالمقرب» وخطيبها نسبته الى مشذالة من قبائل زواوة ومولده ووفاته فى بجابة من كتبه تكملة حاشية الوانوغى على المدونة فى فقه المالكية «مختصر البيان لابن رشد» والفتاوى.

‌امرؤ القيس المتوفى سنة 80 هـ:

هو امرؤ القيس ابن حجر بن الحارث الكندى من بنى آكل المرار أشهر شعراء العرب على الاطلاق يمانى الأصل مولده بنجد أو بمخلاف السكاسك باليمن اشتهر بلقبه واختلف المؤرخون فى اسمه فقيل حندج وقيل مليكه وقيل عدى وكان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر فلقنه المهلهل الشعر فقاله وهو غلام وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب فبلغ ذلك أباه فنهاه عن سيرته فلم ينته فأبعده الى دمون بحضر موت موطن آبائه وعشيرته وهو فى نحو العشرين من عمره وأقام زهاء خمس سنين ثم جعل ينتقل مع أصحابه فى أحياء العرب يشرب ويطرب ويغزو ويلهو الى أن ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه فبلغ ذلك امرؤ القيس وهو جالس للشراب فقال رحم الله أبى ضيعنى صغيرا وحملنى دمه كبيرا لا صحو اليوم ولا سكر غدا اليوم خمر وغدا أمر ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بنى أسد وقال فى ذلك شعرا كثيرا وكانت حكومة فارس ساخطة على بنى آكل المرار «آباء امرؤ القيس» فأوعزت الى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس فطلبه فابتعد وتفرق عنه أنصاره فطاف قبائل العرب حتى انتهى الى السمؤل فأجاره فمكث عنده مدة ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس فقدم الحارث بن أبى شمر الفسانى والى بادية الشام فسيره هذا الى قيصر الروم يوستتياس ويسمى فى القسطنطينية فوعد ومطله ثم والى أمرة فلسطين البادية ولقبه فبلارق فرحل يريدها فلما كان بأنقرة ظهرت فى جسمه قروح فأقاله الى أن مات فى أنقره وقد جمع بعض ما ينسب اليه من الشعر فى ديوان صغير وكثر الاختلاف فيما كان يدين به ولعل الصحيح أنه كان على المزركية وفى تاريخ أبن عساكر أن امرا القيس كان فى أعمال دمشق وان سقط اللوى والدخول وحومل وتوضح والمقراة الواردة فى مطلع معلقته

ص: 365

أماكن معروفة بحوران ونواحيها وقال أبن قتيبة هو من أهل نجد والديار التى يصفها فى شعره كلها ديار بنى أسد وكشف لنا أبن بليهو فى صحيح الأخبار عن طائفة من الأماكن الوارد ذكرها فى شعره أين تقع وبماذا تسمى اليوم وكثير منها فى نجد ويعرف امرؤ القيس بالملك الضليل لاضطراب أمره طول حياته وذى القروح لما أصابه فى مرض موته وكتب الأدب مشحونة بأخباره وعنى معاصرونا بشعره وسيرته فكتب سليم الجندى حياة امرؤ القيس ومحمد أبو حديد الملك الضليل امرؤ القيس ومحمد هادى بن على الدفتر امرؤ القيس وأشعاره ومحمد صالح سمك أمير الشعراء فى العصر القديم ورئيف الخورى امرؤ القيس ومثله الفؤاد البستانى ولمحمد صبرى مثل ذلك.

‌مطرف:

أنظر ج 2 ص 364

‌أبن مسعود:

أنظر عبد الله أنظر ج 1 ص 276

‌أبن المنذر:

أنظر ج 1 ص 277

‌أبو منصور الماتريدى:

أنظر ج 1 ص 274

‌الموفق أنظر أبن قدامه:

أنظر ج 1 ص 271

‌أبن المقرى:

أنظر ج 5 ص 378

‌المؤيد بالله:

أنظر ج 1 ص 275

‌موسى بن جعفر:

أنظر ج 8 ص 380

‌حرف النون:

‌نافع مولى أبن عمر:

أنظر ج 2 ص 358

‌النابغة الجعدى توفى سنة 50 هـ:

هو قيس بن عدس ربيعة الجعدى العامرى أبو يعلى شاعر معلق صحابى من المعمرين اشتهر فى الجاهلية وسمى النابغة لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله وكان ممن هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الاسلام ووفد على النبى صلى الله عليه وسلم فأسلم وأدرك صفين فشهدها مع على ثم سكن الكوفة فسيره معاوية الى اصبهان مع أحد ولاتها فمات فيها وقد كف بصره وجاوز المائة وأخباره كثيرة.

‌النسائى:

أنظر ج 1 ص 279

‌حرف الهاء:

‌ام هلال:

أم هلال بنت هلال السلمية وقال أبو عمر المزنية ووهم قال روت حديث ضحوا بالجذع قلت أخرجه مسدد وأحمد قال حدثنا يحيى القطان عن محمد عن أبى يحيى الأسلمى عن أبيه عن أم بلال وكان أبوها مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قلت قال النبى صلى الله عليه وسلم ضحوا بالجذع من الضأن فانه جائز وأخرجه أبن السكن من رواية يحيى القطان وقال فى سياقه أم بلال امرأة من أسلم وقال أبن منده تابعه حاتم بن اسماعيل والقاسم بن الحكم عن محمد بن أبى يحيى ثم قال هو وأبن السكن ورواه أبو ضمرة عن محمد بن أبى يحيى فقال عن محمد أبن أبى نجيح كذلك وذكرها كذلك العجلى فى ثقات التابعين.

‌أبو الهيثم توفى سنة 316 هـ:

داود بن الهيثم أبن اسحاق أبو سعد التنوخى الأنبارى فاضل من اللغويين النجاة من أهل الأبنار مولدا ووفاة له كتاب فى النحو على مذهب الكوفيين وكتاب «خلق الانسان» وشعر.

‌حرف الواو:

‌وابصة بن معبد:

أنظر ج 2 ص 366

‌أبن وهب:

أنظر ج 10 ص 404

‌حرف الياء:

‌يعلى بن أمية:

أنظر ج 3 ص 359

ص: 366

‌أبن يونس:

أنظر ج 1 ص 281

‌يونس بن يعقوب:

أنظر ج 5 ص 379

‌يونس توفى سنة 429 هـ:

هو يونس بن عبد الله أبن محمد بن مغيث أبو الوليد المعروف بابن الصغار قاضى أندلسى من أهل قرطبة من متصوفة العلماء بالحديث كان قاضيا ببطليوس وأعمالها فخطيبا بجامع الزهراء مع خطة الشورى وقلده الخليفة هشام أبن محمد المروانى القضاء بقرطبة مع الوزارة سنة 419 هـ ثم اقتصر على القضاء الى أن مات صنف كثبا منها المستوعب فى شرح الموطأ وفضائل المنقطعين الى الله عز وجل والتسلى عن الدنيا بتأميل خير الآخرة والابتهاج بحجية الله تعالى والتيسير والاختصاص والتقريب وفضائل المتهجدين وجميع مسائل أبن زرب وله نظم حسن فى الزهد وشابهه.

‌يونس:

المالكى توفى سنة 770 هـ: يونس المالكى شرف الدين صاحب الكنز المدفون والفلك المشحون المنسوب الى جلال الدين السيوطى والجوهر المصون كان من تلاميذ الذهبى المتوفى سنة 748 هـ.

ص: 367