الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اضطجاع
التعريف اللغوى:
اضطجاع مصدر فعله اضطجع على وزن افتعل فهو مزيد بالهمزة والتاء وأصل مادته ضجع.
قال فى لسان العرب: يقال اضطجع الرجل نام.
وقيل اضطجع استلقى ووضع جنبه بالأرض.
ويقال: أضجعت فلانا اذا وضعت جنبه بالأرض ويقال ضاجع فلان فلانا مضاجعة اذا اضطجع معه.
والاضطجاع فى السجود أن يتضام ويلصق صدره بالأرض.
واذا قالوا صلى مضطجعا فمعناه أن أن يضطجع على شقه الأيمن مستقبلا للقبلة.
وفى الحديث: كانت ضجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أدما حشوها ليف.
والضجعة - بالكسر من الاضطجاع وهو النوم كالجلسة من الجلوس وبالفتح المرة الواحدة، والمراد ما كان يضطجع عليه فيكون فى الكلام مضاف محذوف تقديره كانت ذات ضجعة أو ذات اضطجاعه فراش أدم حشوها ليف
(1)
.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء:
يكاد الفقهاء فى تعبيرهم باضطجاع لا يخرجون عن المعنى اللغوى والظاهر أن مراد صاحب النيل بالاضطجاع ما يعم
(2)
الاستلقاء.
حكم الطهارة بالنسبة لمن نام مضطجعا
مذهب الحنفية:
جاء فى الهداية وشروحها
(3)
أن النوم مضطجعا واحد من نواقض الوضوء لأن
(1)
انظر لسان العرب للامام للعلامة أبى الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الأفريقى المصرى ج 33 ص 218، ص 219 مادة ضجع طبع مطبعة دار صادر دار بيروت للطباعة والنشر سنة 1379 هـ سنة 1955 م
(2)
انظر للحنفية الهداية وشروحها ج 1 ص 32، ص 33، ص 34 وللمالكية حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 118، ص 119 وللشافعية المهذب للشيرازى ج 1 ص 23 وللحنابلة المغنى والشرح الكبير لابن قدامه المقدسى ج 1 ص 176، ص 168 وللظاهرية المحلى لابن حزم الظاهرى ج 1 ص 222 وللزيدية الروض النضير ج 1 ص 179 الى ص 186 وللامامية الخلاف فى الفقه ج 1 ص 21 مسألة رقم 53 وللإباضية شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 80
(3)
انظر شرح فتح القدير للشيخ الامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى المتوفى سنة 681 هـ وبهامشه شرح العناية على الهداية للامام أكمل الدين بن محمد بن محمود البابرتى المتوفى سنة 786 هـ ج 1 ص 32، ص 33 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الأولى سنة 1315 هـ.
الاضطجاع سبب لاسترخاء المفاصل فلا يعرى عن خروج شئ عادة والثابت عادة كالمتيقن به.
والأصل فيه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا وضوء على من نام قائما أو قاعدا أو راكعا أو ساجدا انما الوضوء على من نام مضطجعا فانه اذا نام مضطجعا استرخت مفاصلة. رواه الترمذى مسندا الى ابن عباس رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال صاحب فتح القدير:
وأقرب الألفاظ الى اللفظ المذكور ما روى البيهقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا يجب الوضوء على من نام جالسا أو قائما أو ساجدا حتى يضع جنبه فانه اذا اضطجع استرخت مفاصله وقال تفرد به يزيد ابن عبد الرحمن الدالاتى وروى أبو داود والترمذى رضى الله تعالى عنهما من حديث أبى خالد يزيد الدالاتى هذا عن قتادة عن أبى العالية عن ابن عباس أنه رأى النبى صلى الله عليه وسلم نام وهو ساجد حتى غط أو نفخ ثم قام يصلى فقلت يا رسول الله أنك قد نمت قال ان الوضوء لا يجب الا على من نام مضطجعا فانه اذا اضطجع استرخت مفاصله وقال أبو داود قوله انما الوضوء على من نام مضطجعا منكر لم يروه الا يزيد الدالاتى وروى أوله جماعة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه ولم يذكروا شيئا من هذا.
وقال ابن حبان فى الدالاتى كثير الخطأ لا يجوز الاحتجاج به اذا وافق الثقات فكيف اذا انفرد عنهم.
وقال غيره صدوق لكنه يهم فى الشئ.
وقال ابن عدى فيه لين الحديث ومع لينه يكتب حديثه وقد تابعه على روايته مهدى بن هلال ثم أسند عن مهدى حدثنا يعقوب بن عطاء بن أبى رباح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس على من نام قائما أو قاعدا وضوء حتى يضجع جنبه الى الأرض.
وأخرج أيضا عن بحر بن كثير السقاء عن ميمون الخياط عن ابن عباس عن حذيفة بن اليمان قال كنت جالسا فى مسجد المدينة أخفق فأحتضننى رجل من خلفى فالتفت فاذا أنا بالنبى صلى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله وجب على وضوء قال لا حتى تضع جنبك على الأرض.
قال البيهقى تفرد به بحر بن كثير السقاء وهو ضعيف.
وأنت اذا تأملت فيما أوردناه لم ينزل عندك الحديث عن درجة الحسن ولو لم يكن فالحديث الذى عيناه سابقا من أن عين النوم ليس حدثا فاعتبرت مظنته الخ يستقبل بالمطلوب.
هذا وسجدة التلاوة فى هذا كالصلبية وكذا سجدة الشكر عند محمد خلافا لأبى حنيفة رحمه الله تعالى كذا قيل.
وقياس ما قدمناه من عدم الفرق بين كونه فى الصلاة أو خارجها يقتضى عدم الخلاف فى عدم الانتقاض بالنوم فيها نعم ينتقض على مقابل الصحيح.
وخلاف المشايخ المنقول فى الانتقاض به فى سجود السهو ينبغى أن يحكم على الخلاف بالخطأ لأن سجود السهو يقع فى الصلاة فلا ينقض.
ولو صلى المريض مضطجعا فنام اختلفت المشايخ فيه وصحح النقض
(1)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية
(2)
: أن النعاس فى حالة الاضطجاع لا يخلو اما أن يكون ثقيلا أو خفيفا فان كان ثقيلا فهو حدث وان كان خفيفا لا يكون حدثا والفاصل بين الخفيف والثقيل أنه ان كان يسمع ما قيل عنده فهو خفيف فان كان يخفى عليه عامة ما قيل عنده فهو ثقيل كذا فى المحيط.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير
(3)
: أن الوضوء ينتقض ان كان المتوضئ مضطجعا، قال ابن زروق ظاهر كلام خليل أن المعتبر عنده صفة النوم ولا عبرة بهيئة النائم من اضطجاع أو قيام أو غيرهما فمتى كان النوم ثقيلا نقض سواء كان النائم مضطجعا أو ساجدا أو جالسا أو قائما وان كان غير ثقيل فلا ينقض على أى حال كان النائم مضطجعا أو ساجدا أو جالسا أو قائما وهى طريقة اللخمى.
(1)
شرح فتح القدير للشيخ الامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد وحاشية المولى المحقق سعد الله بن عيسى المفتى الشهير بسعدى جلبى وبسعدى أفندى المتوفى سنة 45. هـ على شرح العناية المذكور وعلى الهداية شرح بداية المبتدئ تأليف شيخ الاسلام برهان الدين على بن أبى بكر المرغينانى المتوفى سنة 593 ج 1 ص 32، ص 33، ص 34 الطبعة السابقة.
(2)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان وهو للامام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندى الفرغانى الحنفى المتوفى سنة 365 هـ ج 1 ص 12 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الثالثة سنة 1310 هـ.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للعالم العلامة شمس الدين محمد عرفة الدسوقى على الشرح الكبير لأبى البركات سيدى الدردير وبهامشه الشرح المذكور مع تقريرات للعلامة المحقق الشيخ محمد عليش ج 1 ص 118، ص 119 طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1219.
واعتبر فى التلقين صفة النوم مع الثقل وصفة النائم مع غيره فقال:
وأما النوم الثقيل فيجب منه الوضوء على أى حال كان النائم مضطجعا أو ساجدا أو جالسا أو قائما وأما غير الثقيل فيجب منه الوضوء فى الاضطجاع والسجود ولا يجب فى القيام والجلوس.
وعزا فى التوضيح هذه الطريقة الثانية لعبد الحق وغيره.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(1)
: أن نوم المتوضئ ينظر فيه فان وجد منه وهو مضطجع أو مكب أو متكئ انتقض وضوؤه لما روى عن على كرم الله وجهه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ.
وان وجد منه وهو قاعد ومحل الحدث متمكن من الأرض فانه قال فى البويطى ينتقض وضوؤه وهو اختيار المزنى لحديث على كرم الله وجهه ولأن ما نقض الوضوء فى حال الاضطجاع نقضه فى حال القعود كالاحداث.
والمنصوص فى الكتب أنه لا ينتقض وضوؤه لما روى أنس رضى الله تعالى عنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضئون وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
من نام جالسا فلا وضوء عليه ومن وضع جنبه فعليه الوضوء ويخالف الاحداث فانها تنقض الوضوء لعينها والنوم ينقض لأنه يصحبه خروج الخارج وذلك لا يحس به اذا نام زائلا عن مستوى الجلوس ويحس به اذا نام جالسا.
وان نام راكعا أو ساجدا أو قائما فى الصلاة ففيه قولان:
قال فى الجديد ينتقض وضوؤه لحديث على رضى الله تعالى عنه ولأنه نام زائلا عن مستوى الجلوس فأشبه المضطجع.
وقال فى القديم لا ينتقض وضوؤه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، اذا نام العبد فى سجوده باهى الله به الملائكة يقول عبدى روحه عندى وجسده ساجد بين يدى فلو انتقض وضوؤه لما جعله ساجدا.
وجاء فى مغنى المحتاج
(2)
: أن من خصائص رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه لا ينتقض وضوؤه بنومه مضطجعا.
(1)
المهذب للشيخ الامام الموفق أبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب شرح غريب المهذب للعلامة محمد بن أحمد بن بطال الركبى ج 1 ص 23.
(2)
مغنى المحتاج ج 1 ص 35.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير
(1)
: أن النوم ينقسم ثلاثة أقسام، نوم المضطجع، ونوم القاعد، وما عداهما.
فأما نوم المضطجع فينقض الوضوء سواء كان يسيرا أو كثيرا وذلك فى قول كل من يقول بنقضه بالنوم.
وقد روى عن الامام أحمد أنه سوى فى نوم الساجد بينه وبين المضطجع لأنه ينفرج محل الحدث ويعتمد بأعضائه على الأرض ويتهيأ لخروج الخارج فأشبه المضطجع.
وقال ابن قدامة
(2)
: النوم ناقض للوضوء فى الجملة فى قول عامة أهل العلم الا ما حكى عن أبى موسى الاشعرى وأبى مجلز وحميد الأعرج أنه لا ينقض وعن سعيد بن المسيب أنه كان ينام مرارا مضطجعا ينتظر الصلاة ثم يصلى ولا يعيد الوضوء، ولعلهم ذهبوا الى أن النوم ليس بحدث فى نفسه والحدث مشكوك فيه فلا يزول عن اليقين بالشك.
قال ابن قدامة، ويدل لنا قول صفوان بن عسال: لكن من غائط وبول ونوم وهو صحيح وروى على رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم: أنه قال: العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ رواه أبو داود وابن ماجه ولأن النوم مظنة الحدث فأقيم مقامه كالتقاء الختانين فى وجوب الغسل أقيم مقام الانزال.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(3)
: النوم فى ذاته حدث ينقض الوضوء سواء قل أو كثر قائما أو قاعدا فى صلاة أو غيرها أو راكعا كذلك أو ساجدا كذلك أو متكئا أو مضطجعا أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا.
برهان ذلك ما روى عن زر بن حبيش قال: سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا اذا كنا مسافرين
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 1 ص 168 لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام.
(2)
المغنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المتوفى سنة 620 هـ على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامه المقدسى المتوفى سنة 682 هـ ج 1 ص 167 طبع مطبعة المنار بمصر فى سنة 1341 هـ الطبعة الأولى،
(3)
المحلى للامام الجليل فخر الاندلس أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى المتوفى سنة 456 هـ ج 1 ص 222 مسألة رقم 150 طبع مطبعة النهضة بمصر ادارة الطباعة المنيرية الطبعة الأولى سنة 1347 هـ.
أن نمسح على خفافتا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم الا من جنابة.
قال ابن حزم فعم عليه السلام كل نوم ولم يخص قليله من كثيره ولا حالا من حال وسوى بينه وبين الغائط والبول.
وذهب داود بن على الى أن النوم لا ينقض الوضوء الا نوم المضطجع فقط.
قال ابن حزم
(1)
: وفرض على كل من استيقظ من نوم قل النوم أو كثر نهارا كان أو ليلا قاعدا أو مضطجعا أو قائما فى صلاة أو فى غير صلاة كيفما نام ألا يدخل يده فى وضوئه - فى اناء كان وضوؤه أو من نهر أو غير ذلك - الا حتى يغسلها ثلاث مرات ويستنشق ويستنثر ثلاث مرات فان لم يفعل لم يجزه الوضوء ولا تلك الصلاة ناسيا ترك ذلك أو عامدا وعليه أن يغسلها ثلاث مرات ويستنشق كذلك ثم يبتدئ الوضوء والصلاة والماء طاهر بحسبه فان صب على يديه وتوضأ دون أن يغمس يديه فوضوؤه غير تام وصلاته غير تامة.
برهان ذلك ما روى عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
اذا استيقظ أحدكم من نوم فلا يغمس - يعنى يده - حتى يغسلها ثلاثا فانه لا يدرى أين باتت يده.
مذهب الزيدية:
ذكر الزيدية أن من حالات النوم التى تنقض الوضوء حالة الاضطجاع.
فقد جاء فى الروض
(2)
النضير:
قال زيد بن على عليهما السلام الذى ينقض الوضوء الغائط والبول والريح والرعاف والقئ والمدة والصديد والنوم مضطجعا، ينقض الوضوء بما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلّى الله عليه واله وسلّم قال: ليس على من نام ساجدا وضوء حتى يضطجع فانه اذا اضطجع استرخت مفاصله رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله موثقون، وعن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، من نام وهو جالس فلا وضوء عليه فاذا وضع جنبه فعليه الوضوء، وروى البيهقى من طريق زيد بن قسيط أنه سمع أبا هريرة يقول ليس على المحتبى النائم ولا على
(1)
المحلى ج 1 ص 206 مسالة رقم 149.
(2)
انظر من كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للقاضى العلامة شرف الدين الحسين بن أحمد بن الحسين بن أحمد على بن على بن محمد بن سليمان صالح السياغى الخيمى الصنعانى المتوفى بصنعاء اليمن سنة 1222 هـ ج 1 من ص 179 الى ص 186 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 347.
القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع فاذا اضطجع توضأ وأخرج مسلم باسناده الى عبد الله بن عمر أنه كان ينام وهو جالس ثم يصلى ولا يتوضأ قال فى المنار الأحاديث واضحة فى أن النوم مظنة النقض ومتعرضة أيضا لبيان اختلاف المظنة قربا وبعدا فالقريبة حالة المضطجع فتعتبر بنفسها ولذا جاء الحصر عليها فى بعض الروايات وانما الوضوء على من نام مضطجعا وأخرج مسلم فى الأمالى عن زيد بن على فى الرجل ينام فى صلاة أو غيرها أعليه وضوء قال لا الا أن يجد رائحة منتنة أو يسمع صوتا أو ينام حتى تذهب به الاحلام أو يدعى فلا يجيب فعليه الوضوء، وحدثنا محمد حدثنا على بن أحمد بن عيسى عن أبيه قال سألته عن النوم جالسا أو راكعا أو نام قلبه قال لا أرى عليه شيئا وهو الذى عليه الاجماع وقليل النوم وكثيره فى تلك الحال سواء.
ويؤخذ من مذهب الامام أن النوم ليس ناقضا بنفسه بل لكونه مظنة لما يخرج معه ويقترن به من أنواع الحدث فاذا كان على حالة التحفظ من كونه فى الصلاة التى يقع فيها الاحتراز والتيقظ وكان على هيئة المصلى فالأصل عدم الانتقاض فلا ينتقل عنه الا بناقل من علم أو ظن ويدل له أيضا ما أخرجه أبو داود وغيره من حديث على عليه السلام «العينان وكاء السه
(1)
فمن نام فليتوضأ» حسنه النووى وابن الصلاح وصححه السيوطى وهو فى شرح التجريد بزيادة «فاذا نامت العين استطلق الوكاء» قال الشافعى معناه أن النوم مظنة لخروج شئ من غير شعور به.
وصرح عليه السلام بعدم النقض اذا كان فى الصلاة أيضا ولفظه، سألت زيد بن على عن النوم فى الصلاة فقال لا ينقض الوضوء.
ويقرب مما ذهب اليه الامام ما نقل عن الشافعى فى المشهور عنه أنه اذا كان مفضيا بمقعدته الى الأرض لا ينتقض وضوؤه لكونه متحفظا عن المظنة ولما رواه البيهقى فى سننه من حديث أنس رضى الله تعالى عنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينتظرون العشاء الاخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون، قال أبو داود زاد فيه شعبة عن قتادة قال على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجه مسلم فى الصحيح بدون الزيادة وأخرج أيضا من حديث أنس قال: أقيمت صلاة العشاء فقام رجل فقال يا رسول الله ان لى حاجة فقام يناجيه حتى نعس القوم أو بعض القوم ثم صلى بهم ولم يذكر
(1)
والسه بالسين المهملة والهاء هى الدبر والوكاء بالكسر والند ما تربط به الخريطة ونحوها.
وضوءا، أخرجه مسلم فى الصحيح من حديث حماد بن سلمة دون قوله ولم يذكر وضوءا وأخرج باسناده الى عبد الله بن عمر أنه كان ينام وهو جالس ثم يصلى ولا يتوضأ.
قال فى المنار الأحاديث واضحة فى أن النوم مظنة النقض ومتعرضة أيضا لبيان اختلاف المظنة قربا وبعدا فالقريبة حالة المضطجع فتعتبر بنفسها ولذا جاء الحصر عليها فى بعض الروايات «انما الوضوء على من نام مضطجعا» .
الثانية: غير المصلى اذا لم يمكن مقعدته من الأرض مع تفاوت أحواله وهى كالتى قبلها.
الثالثة القاعد الممكن مقعدته من الأرض فينقض نومه ما لم يظن عدم المئنة.
الرابعة المصلى الممكن مقعدته من الأرض فانه أبعد عن المئنة اذ المقبل على الصلاة مقبل على حفظها عن العوارض فهو أشد تيقظا من الخارج عنها وليس حال النائم بدونها فيما يرى ثم الراكع ثم الساجد فلا ينقض نومه الا مع ظن المئنة وهذا التفصيل تتنزل عليه الأحاديث مع المناسبة الفعلية والحاصل أنه لا بد فى المصلى من ظن المئنة وفى الممكن مقعدته غير مصل عدم ظنها وان تفاوتت أحوالها كما ذكرنا التفاوت لأن الظن بحسب الواقع يترتب عليه فليتأمل ثم قال صاحب الروض النضير
(1)
.
والحاصل أن غير المصلى أما أن يكون مضطجعا فينقض نومه بلا تردد أو غير مضطجع فينتقض فى جميع حالاته لكونه غير محل للتحفظ ولا يعتاد فيها وقوعه ولو ظن عدم النقض الا فى حالة القاعد الممكن مقعدته من الأرض فينتقض ما لم يظن عدم النقض وأن المصلى فى جميع حالاته لا ينقض نومه اذ الأصل فى الصلاة هو التحفظ عما ينافيها ما لم يظن حصول ناقض وهو مبنى على وجوب العمل بالظن فى العبادات ولا يشترط حصول اليقين فى الانتقال لضعف دليل الاستصحاب عنده كما قرره فى كتابه وهو قوى.
ويفارق مذهب الامام عليه السلام فى أن ما عدا المضطجع غير المصلى فى حالاته يكون نومه ناقضا مطلقا الا فى الممكن مقعدته فينقض ما لم يظن عدم النقض والامام لم يفرق فيما عدا المضطجع وان لم يمكن مقعدته، ولا فرق بين أن يكون فى صلاة أو غيرها فى كونه ناقضا لكون المضطجع مختصا بعلة
(1)
انظر من كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للقاضى العلامة شرف الدين الحسين بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن على ابن محمد بن سليمان بن صالح السياغى الخيمى الصنعانى المتوفى سنة 222 هـ بصنعاء اليمن ج 1 ص 186 طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1347 هـ.
لا يشاركه فيها ما عداه كما ورد منبها عليه فيما رواه أبو داود والترمذى والدارقطنى من نام مضطجعا استرخت مفاصله ذكره فى التلخيص ومثله ما سبق عن مجمع الزوائد من حديث ابن عباس رضى الله عنه.
ويؤيد ما ذهب اليه من عدم الفرق بين المصلى وغيره الأثر الموقوف على أبى هريرة وفيه «ليس على المحتبى النائم ولا على القائم النائم ولا على الساجد النائم وضوء حتى يضطجع فاذا اضطجع توضأ» اذ الاحتباء لا يكون فى الصلاة.
ولا بد من تقييد كلام الامام بما رواه عنه صاحب الأمانى من الأربع الصور وهى أن يجد رائحة منتنة، أو يسمع صوتا، أو ينام حتى تذهب به الأحلام.
أو يدعى فلا يجيب، أما الأوليان فلوجود ما يتيقن معه النقض وأما الأخريان فلمشاركة المضطجع فى حالته اذ لا يتصف بهما الا المتوغل فى النوم فهو من القياس بعدم الفارق.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(1)
: أن النوم مضطجعا من الحالات التى ينقض فيها وضوء الانسان ما دام نوما غالبا على السمع والبصر مزيلا للعقل، دليلنا اجماع الفرقة وأيضا قوله تعالى «إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا»
(2)
قال أهل التفسير المراد به اذا قمتم من النوم فان الاية خرجت على سبب معروف فكأنه قال اذا قمتم من النوم الى الصلاة وهذا عام فى كل نوم وروى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم: أنه قال: العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ وروى اذا نامت العينان استطلق الوكاء.
وروى عن أبى يعمر عن اسحاق بن عبد الله الأشعرى عن أبى عبد الله قال:
عليه الصلاة والسلام: لا ينقض الوضوء الا حدث والنوم حدث.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(3)
: أن الوضوء ينتقض بالنوم الثقيل وهو أن تحتبى بيدك فتفترقا أو يقع ما فى يدك ولم تشعر وهو يزول معه الحس كله وان كان النوم قصيرا أو النائم قاعدا أو قائما لا بخفيفة وان تطاول مع اتكاء أو قعود أو ركوع أو سجود أو قيام على المختار ان لم يكن باضطجاع وان
(1)
انظر من كتاب الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الامام أبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 21 مسألة رقم 53 طبع مطبعة زنكين فى طهران الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.
(2)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
(3)
انظر من كتاب شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 80 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه.
كان به نقض ان تطاول وان خف على المختار.
وقيل لا ينقض ولو ثقيلا طويلا باضطجاع الا أن تيقن الحدث استصحابا للأصل.
ويرده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «انما الوضوء على من نام مضطجعا» .
وقيل ينقض ولو خفيفا غير متطاول ولو قائما.
وقيل ينقض أن كثر ولو خف أو قائما لا أن قل ولو ثقل.
وقيل لا ينقض الا أن ثقل مضطجعا أو مستلقيا.
وقيل لا ينقض الا أن ركع أو سجد وثقل.
وقيل لا ينقض الا أن سجد.
وقيل لا ينقض الا أن لم يكن فى الصلاة.
وقيل لا ينقض الا أن لم تتمكن مقعدته من الأرض.
وقيل الثقيل ينقض مطلقا والخفيف لا مطلقا.
وقيل الخفيف القصير لا ينقض مطلقا والخفيف الطويل ينقض مضطجعا.
والظاهر أن مراد صاحب النيل بالاضطجاع ما يعم الاستلقاء.
حكم اضطجاع المريض فى الصلاة
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندية
(1)
: أن المريض لا يجوز له أن يصلى مضطجعا على المختار كذا فى التبيين وان تعذر القعود أومأ بالركوع والسجود مستلقيا على ظهره وجعل رجليه الى القبلة، وينبغى أن يوضع على ظهره وجعل رجليه الى القبلة، وينبغى أن يوضع تحت رأسه وسادة حتى يكون شبيه القاعد ليتمكن من الايماء بالركوع والسجود وان اضطجع على جنبه ووجهه الى القبلة وأومأ جاز، والأول أولى كذا فى الكافى وان لم يستطع على جنبه الأيمن فعلى الأيسر كذا فى السراج الوهاج ووجهه الى القبلة كذا فى القنية.
ولو شرع صحيح فى الصلاة قائما فحدث به مرض يمنعه من القيام صلى قاعدا يركع ويسجد وان لم يستطع فمومئا قاعدا فان لم يستطع فمضطجعا كذا فى التبيين.
(1)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان وهو للامام فخر الدين حسن بن منصور ج 1 ص 136، ص 137 الطبعة السابقة.
وذكر ابن عابدين
(1)
أنه ان تعذر القعود على المريض بنفسه أو مستندا الى شئ ولو حكما، أو مستلقيا على ظهره ورجلاه نحو القبلة غير أنه ينصب ركبتيه للكراهة مد الرجل الى القبلة ويرفع رأسه يسيرا ليصير وجهه اليها أو على جنبه الأيمن أو الأيسر ووجهه اليها.
والأول أفضل لأن المستلقى يقع ايماؤه الى القبلة والمضطجع يقع منحرفا عنها، على المعتمد.
مقابله ما فى القنية من أن الأظهر أنه لا يجوز الاضطجاع على الجنب للقادر على الاستلقاء قال فى النهر وهو شاذ.
وقال فى البحر وهذا الأظهر خفى والأظهر الجواز.
وكذا ما روى عن الامام من أن الأفضل أن يصلى على شقه الأيمن وبه قالت الأئمة الثلاثة ورجحه فى الحلية لما ظهر له من قوة دليله مع اعترافه بأن الاستلقاء هو ما فى مشاهير الكتب والمشهور من الروايات.
وجاء فى كنز الدقائق
(2)
أنه يجوز للمصلى أن يتنفل قاعدا مع قدرته على القيام ابتداء وبناء.
قال صاحب البحر هذا بيان لما خالف فيه النفل الفرائض والواجبات وهو جوازه بالقعود مع القدرة على القيام وقد حكى فيه اجماع العلماء وفى صحيح مسلم عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يمت حتى كان يصلى كثيرا من صلاته وهو جالس وروى البخارى عن عمران بن الحصين مرفوعا من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم وقد ذكر الجمهور كما نقله النووى أنه محمول على صلاة النفل قاعدا مع القدرة على القيام وأما اذا صلاه مع عجزه فلا ينقص ثوابه عن ثوابه قائما.
وأما الفرض فلا يصح قاعدا مع القدرة على القيام ويأثم ويكفر أن استحله وان صلى قاعدا لعجزه أو مضطجعا لعجزه فثوابه كثوابه أهـ.
وتعقبه الأكمل فى شرح المشارق بأنه ورد فى بعض رواياته ومن صلى نائما أى مضطجعا فله نصف أجر القاعد ولا يمكن حمله على النفل مع القدرة اذ لا يصح مضطجعا اللهم الا أن يحكم بشذوذ هذه الرواية.
وفى النهاية انعقد الاجماع على أن صلاة القاعد لعذر يعجزه عن القيام
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 1 ص 711، ص 712، ص 713 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حوشى منحة الخالق لابن عابدين ج 2 ص 67 وما بعدها الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.
مساوية لصلاة القائم فى الفضيلة والأجر وفيه نظر لما نقله النووى عن بعضهم أنه على النصف من صلاة القائم مع العذر وعليه حمل الحديث فلا اجماع الا أن يريد به اجماع أئمتنا.
وذكر فى المجتبى بعد ما نقل الحديث قالوا وهذا فى حق القادر أما العاجز فصلاته بايماء أفضل من صلاة القائم الراكع الساجد لأنه جهد المقل ولا يخفى ما فيه بل الظاهر المساواة كما فى النهاية.
وقيد بالتنفل قاعدا لأن المتنفل مضطجعا لا يجوز عند عدم العذر والشروع وهو منحن قريبا من الركوع لا يصح أيضا فى التنفل كما يشير اليه كلام التجنيس السابق وصرح به فى موضع عن شرح منية المصلى.
وجاء فى الزيلعى
(1)
: والبحر الرائق:
أنه يجوز أن يصلى القائم خلف القاعد خلافا لمحمد، ويصلى المومئ خلف مثله أى لا يفسد اقتداء مومئ بمومئ وسواء كان الامام يومئ قائما أو قاعدا لاستواء حالهما وهذا بخلاف ما اذا كان الامام مضطجعا والمؤتم قاعدا أو قائما فانه لا يجوز لقوة حال المأموم، لأن القعود معتبر بدليل وجوبه عليه عند القدرة بخلاف القيام، لأنه ليس بمقصود لذاته ولهذا لا يجب عليه القيام مع القدرة عليه اذا عجز عن السجود فكان القاعد أقوى حالا وفى الشراح أنه المختار ردا لما صححه التمرتاشى من الجواز عند الكل
(2)
.
وجاء فى بدائع الصنائع
(3)
: أنه اذا كان المريض لا يقدر على القيام والركوع والسجود يسقط عنه لأن العاجز عن الفعل لا يكلف به وكذا اذا خاف زيادة العلة من ذلك لأنه يتضرر به وفيه أيضا حرج فاذا عجز عن القيام يصلى قاعدا بركوع وسجود فان عجز عن الركوع والسجود يصلى قاعدا بالايماء ويجعل السجود أخفض من الركوع فان عجز عن القعود يستلقى ويومئ ايماء لأن السقوط لمكان العذر فيتقدر بقدر العذر.
والأصل فيه قول الله تبارك وتعالى «فَاذْكُرُوا اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى 4 جُنُوبِكُمْ» قيل المراد من الذكر المأمور به فى الآية هو الصلاة أى صلوا ونزلت الآية فى رخصة صلاة المريض أنه
(1)
انظر تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للامام العالم فخر الدين عثمان الزيلعى الحنفى وبهامشه حاشية الامام العلامة الشيخ الشلبى ج 1 ص 143 طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية الطبعة الأولى سنة 1313 هـ.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج 1 ص 387 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب بدائع الصنائع فى تريب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 105، ص 106 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ لطبعة الأولى.
(4)
الآية رقم 103 من سورة النساء.
يصلى قائما ان استطاع والا قاعدا والا مضطجعا كذا روى عن ابن مسعود رضى الله تعالى عنه وابن عمر وجابر رضى الله تعالى عنهم وروى عن عمران ابن حصين رضى الله تعالى عنه أنه قال مرضت فعادنى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنبك تومئ ايماء وانما جعل السجود أخفض من الركوع فى الايماء لأن الايماء أقيم مقام الركوع والسجود وأحدهما أخفض من الآخر كذا الايماء بهما وعن على رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى عليه وسلم قال: فى صلاة المريض ان لم يستطع أن يسجد أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال من لم يقدر على السجود فليجعل سجوده ركوعا وركوعه ايماء والركوع أخفض من الايماء.
ثم ما ذكرنا من الصلاة مستلقيا جواب المشهور من الروايات.
وروى أنه ان عجز عن القعود يصلى على شقه الأيمن ووجهه الى القبلة وهو مذهب ابراهيم النخعى.
وجه هذا القول قول الله تبارك وتعالى «وَعَلى جُنُوبِكُمْ»
(1)
وقوله صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين فعلى جنبك تومئ ايماء ولأن استقبال القبلة شرط جواز الصلاة وذلك يحصل بما قلنا ولهذا يوضع فى اللحد هكذا ليكون مستقبلا للقبلة فأما المستلقى يكون مستقبل السماء وانما يستقبل القبلة رجلاه فقط.
ودليلنا ما روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: فى المريض أن لم يستطع قاعدا فعلى القفا يومئ ايماء فان لم يستطع فالله أولى بقبول العذر ولأن التوجه الى القبلة بالقدر الممكن فرض وذلك فى الاستلقاء لأن الايماء هو تحريك الرأس فاذا صلى مستلقيا يقع ايماؤه الى القبلة واذا صلى على الجنب يقع منحرفا عن القبلة ولا يجوز الانحراف عن القبلة من غير ضرورة وبه تبين أن الأخذ بحديث ابن عمر أولى.
وقيل ان المرض الذى كان بعمران كان باسورا فكان لا يستطيع أن يستلقى على قفاه والمراد من الآية الاضطجاع يقال فلان وضع جنبه اذا نام وان كان مستلقيا وهو الجواب عن التعلق بالحديث على أن الآية والحديث دليلنا لأن كل مستلق فهو مستلق على الجنب لأن الظهر متركب من الضلوع فكان له النصف من الجنبين جميعا بخلاف ما اذا كان على شق فانه يكون على جنب واحد فكان ما قلناه أقرب الى معنى الآية والحديث فكان أولى،
(1)
الآية رقم 103 من سورة النساء.
وهذا بخلاف الوضع فى اللحد، لأنه ليس على الميت فى اللحد فعل يوجب توجيهه الى القبلة ليوضع مستلقيا فكان استقبال القبلة فى الوضع على الجنب فوضع كذلك.
ولو قدر على القعود لكن نزع الماء من عينيه فأمر ان يستلقى أياما على ظهره ونهى عن القعود والسجود أجزأه أن يستلقى ويصلى بالايماء لأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس ولو خاف على نفسه من عدو أو سبع لو قعد جاز له أن يصلى بالاستلقاء فكذا اذا خاف على عينيه.
ولو عرض على المصلى مرض فى صلاته يتم بما
(1)
قدر - أى ولو قاعدا مومئا أو مستلقيا على المعتمد لو صلى قاعدا بركوع وسجود فصح بنى، ولو كان يصلى بالايماء - أى قائما أو قاعدا أو مستلقيا أو مضطجعا - فصح أى قدر على الركوع والسجود قائما أو قاعدا - لا يبنى الا اذا صح قبل أن يومئ بالركوع والسجود لأنه لم يؤد ركنا بالبناء وانما هو مجرد تحرميه فلا يكون بناء القوى على الضعيف وهذا ظاهر فيما اذا افتتح قائما أو قاعدا بقصد الايماء ثم قدر قبل الايماء على الركوع والسجود قائما أو قاعدا.
أما اذا افتتح مستلقيا أو مضطجعا ثم قدر قبل الايماء على الركوع والسجود قائما أو قاعدا فانه يستأنف لأن حالة القعود أقوى كما لو كان يومئ مضطجعا ثم قدر على القعود ولم يقدر على الركوع والسجود فانه يستأنف على المختار لأن حالة القعود أقوى فلم يجز بناؤه على الضعيف.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى
(2)
عليه: ان المريض ان عجز عن الجلوس وجب اضطجاع.
وندب أن يكون الاضطجاع على شق أيمن ثم ندب أن يكون على شق أيسر ثم ندب أن يكون على ظهره ورجلاه للقبلة والا بطلت فان عجز فعلى بطنه ورأسه للقبلة وجوبا فان قدمها على الظهر بطلت.
وجاء فى بلغة السالك
(3)
: أن الصلاة تبطل ان قدم المصلى المريض الاضطجاع مطلقا على الجلوس بحالتيه واستند
(1)
حاشية ابن عابدين والدر المختار شرح تنوير الابصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 1 ص 711، ص 712، ص 713 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 1 ص 258 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
انظر من كتاب بلغة السالك لأقرب المسالك للامام العالم الشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للقطب الشهير بسيدى أحمد الدردير وبهامشه شرح القطب الشهير بسيدى أحمد الديردير ج 1 ص 122، ص 123.
جالسا مع القدرة عليه استقلالا بخلاف ما لو جلس مستقلا مع القدرة على القيام مستندا والشخص القادر على القيام فقط دون الركوع والسجود والجلوس يومئ للركوع والسجود من القيام ولا يجوز له أن يضطجع ويومئ لهما من اضطجاعه فان اضطجع بطلت.
قال الصاوى فى حاشيته ان خف فى الصلاة معذور بأن زال عذره عن حالة أبيحت له انتقل وجوبا للأعلى منها فيما الترتيب فيه واجب كمضطجع قدر على الجلوس وندبا فيما هو فيه مندوب كمضطجع على أيسر قدر على أيمن.
وجاء فى مواهب الجليل
(1)
: أن ابن رشد روى عن المدونة أن صلاة المريض جالسا ممسكا أحب الى من المضطجع ولا يستند لحائض ولا لجنب.
وقال ابن عرفة ان عجز عن القيام مستندا جلس ومن المدونة جلوسه ممسكا أحب الى من اضطجاعه.
قال ابن يونس فان اضطجع أعاد، قال ابن بشير مطلقا، هذا بالنسبة لصلاة الفرض.
أما صلاة النفل مضطجعا ففيه ثلاثة أقوال ثالث الأقوال قول الأبهرى يجوز له الاضطجاع فى النفل.
وعبارة عبد الوهاب فى فروقه قال مالك لا يتنفل أحد مضطجعا ويتنفل قائما وفى كلا الموضعين وجد النفل على خلاف القيام ثم بين الفرق.
وسمع ابن القاسم للمصلى فى المحمل مد رجليه.
قال ابن رشد قد جاء للقادر أن يصلى النافلة مضطجعا فكذا هذا.
قال ابن حبيب وللمتنفل جالسا مد رجليه ان عيى وكره مالك ايماءه بالسجود.
وقال ابن الحاج
(2)
من قدح ماءا بعينيه لصداع جاز وللرؤية خلاف.
وقال اللخمى والمازرى ان جلس قادح ماء عينيه جاز فان استلقى ففيها يعيد أبدا.
ونص المدونة كره مالك أن ينزع الماء من عينيه فيؤمر بالاضطجاع على ظهره فيصلى على ذلك اليومين ونحوهما.
قال ابن القاسم ومن فعل ذلك أعاد أبدا.
(1)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 2 ص 3 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 6.
وقال أشهب له أن يقدح عينيه ويصلى مستلقيا.
وروى ابن وهب عن مالك التسهيل فى ذلك قاله أبو اسحاق.
والأشبه أن يجوز لك ذلك لأن التداوى جائز فاذا جاز له أن يتداوى جاز له أن ينتقل من القيام الى الاضطجاع كما يجوز له أن يتداوى بالفصد وينتقل من غسل الى مسح موضع العرق وما يليه مما لا بد من ربطه.
وقال ابن حبيب كره مالك لمن يقدح عينيه فيقيم أربعين يوما أو أقل على ظهره ولو كان اليوم أو نحوه لم أر بذلك بأسا ولو كان يصلى جالسا ويومئ فى الأربعين يوما لم أر بذلك بأسا.
وجاء فى التاج والاكليل
(1)
: أنه:
تجوز صلاة القاعد بمثله فيفهم من هذا جواز صلاة المريض المضطجع بالمرضى المضطجعين.
وقال فى أثناء مسئلة أواخر سماع موسى بن معاوية من كتاب الصلاة عن ابن القاسم اذا لم يستطيعوا القعود وكان أمامهم لا يستطيع الجلوس فلا أعرف هذا ولا أمامة فيه.
قال ابن رشد وأما امامة المضطجع المريض بالمضطجعين المرضى فمنع من ذلك فى الرواية.
والقياس أن ذلك جائز اذا استوت حالتهم الا أن يريد انهم لا يمكنهم الاقتداء به لأنهم لا يفهمون فعله لأجل اضطجاعهم فيكون لذلك وجه فان فعل أجزأته صلاته وأعاد القوم.
قال يحيى بن عمر وهو مبين لقول ابن القاسم وربما يقال أنه يمكنهم الاقتداء به بسماع تكبيره وقاله ابن فرحون.
قال فى حواشى البجائى قال أبو اسحاق ان فهموا عنه بالاشارة جاز.
وقال ابن عرفة وروى موسى منع أمامة المضطجع لمرضى مثله.
قال ابن رشد القياس جوازه أن أمكن الاقتداء.
وجاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى
(2)
عليه: واذا ساوى المأموم
(1)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل ج 2 ص 97، ص 98 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 1 ص 327، ص 328 الطبعة السابقة،
امامه فى العجز كالقاعد يقتدى بمثله لعجز فجائز وأما من اقتدى بشيخ مقوس الظهر لا تصح صلاته وهو ظاهر والمشهور أن المومئ لا يصح اقتداؤه بمومئ.
قال الدسوقى وذلك فى غير قتال المسايفة كمريض مضطجع صلى بمثله وأما فيه فيجوز وانما منع فى غيره لأن الايماء لا ينضبط فقد يكون ايماء المأموم أخفض من ايماء الامام وهذا يضر وقد يسبق الامام المأموم فى الايماء وهذا المشهور.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(1)
: أن من قدر على القيام والاضطجاع فقط قام بدل القعود قال فى الروضة عن البغوى لأنه قعود وزيادة وأومأ بالركوع والسجود مكانه وتشهد قائما.
وجاء فى المجموع
(2)
: اذا عجز المصلى عن القيام صلى قاعدا لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلّم قال لعمران ابن الحصين «صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب» وان عجز عن القيام والقعود صلى على جنبه ويستقبل القبلة بوجهه.
ومن أصحابنا من قال يستلقى على ظهره ويستقبل القبلة برجليه والمنصوص فى البويطى هو الأول.
والدليل عليه ما روى على رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال يصلى المريض قائما فان لم يستطع صلى جالسا فان لم يستطع صلى على جنبه مستقبل القبلة فان لم يستطع صلى مستلقيا على قفاه ورجلاه الى القبلة وأومأ بطرفه ولأنه اذا اضطجع على جنبه استقبل القبلة بجميع بدنه واذا استلقى لم يستقبل القبلة الا برجليه ويومئ الى الركوع والسجود فان عجز عن ذلك أومأ بطرفه لحديث على رضى الله عنه رواه الدارقطنى والبيهقى باسناد ضعيف وقال فيه نظر وقوله أومأ هو بالهمز.
قال أصحابنا
(3)
: اذا عجز المريض عن القيام والقعود يسقط عنه القعود والقيام، والعجز المعتبر: المشقة
(1)
انظر من كتاب مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للعلامة العالم الفقيه الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج المذكور لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى ج 1 ص 156 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.
(2)
المجموع شرح المهذب ج 4 ص 309، ص 315.
(3)
انظر من كتاب المجموع شرح المهذب للامام العلامة الحافظ أبى زكريا يحيى بن شرف النووى المتوفى سنة 676 ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام الجليل أبى القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعى المتوفى سنة 623 هـ ويليه التلخيص الحبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير للامام الحافظ الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى المتوفى سنة 852 هـ ج 4 ص 316، ص 317 طبع مطبعة التضامن لاخوى ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1324 هـ.
الشديدة وفوات الخشوع كما قدمناه فى العجز عن القيام.
وقال أمام الحرمين: لا يكفى ذلك بل يشترط فيه عدم تصور القعود أو خيفة الهلاك أو المرض الطويل الحاقا له بالمرض المبيح للتيمم.
والمذهب الأول وبه قطع الجمهور.
وفى كيفية صلاة هذا العاجز ثلاثة أوجه.
الصحيح المنصوص فى الأم والبويطى: أنه يضطجع على جنبه الأيمن مستقبلا بوجهه ومقدم بدنه القبلة كالميت فى لحده.
فعلى هذا لو اضطجع على يساره صح وكان مكروها وقد روى هذا عن عمر وابنه.
الثانى: أنه يستلقى على قفاه ويجعل رجليه الى القبلة ويضع تحت رأسه شيئا ليرتفع ويصير وجهه الى القبلة لا الى السماء.
الثالث: يضطجع على جنبه ويعطف أسفل قدميه الى القبلة، حكاه الفورانى وامام الحرمين والغزالى فى البسيط وصاحب البيان وآخرون.
قال أمام الحرمين والغزالى فى البسيط وغيرهما هذا الخلاف فى الكيفية الواجبة.
فمن قال بكيفية لا يجوز غيرها بخلاف الخلاف السابق فى كيفية القعود فانه فى الأفضل لاختلاف أمر الاستقبال بهذا دون ذاك ثم ان هذا الخلاف فى القادر على هذه الهيئات.
فأما من لا يقدر الا على واحدة فتجزئه بلا خلاف.
ثم اذا صلى على هيئة من هذه المذكورات وقدر على الركوع والسجود أتى بهما والا أومأ اليهما منحنيا برأسه وقرب جبهته من الأرض بحسب الامكان ويكون السجود أخفض من الركوع فان عجز عن الاشارة بالرأس أومأ بطرفه وهذا كله واجب، فان عجز عن الايماء بالطرف أجرى أفعال الصلاة على قلبه.
وجاء فى موضع آخر من المجموع
(1)
:
اذا عجز فى أثناء صلاته المفروضة عن القيام جاز القعود وان عجز عن القعود جاز الاضطجاع ويبنى على ما مضى من صلاته.
ولو صلى قاعدا للعجز فقدر على القيام فى أثنائها وجبت المبادرة بالقيام ويبنى.
ولو صلى مضطجعا فأطاق القيام أو القعود فى أثنائها وجب المبادرة بالمقدور ويبنى.
(1)
المرجع السابق شرح المهذب للنووى ج 4 ص 318، ص 319 الطبعة السابقة.
ثم أن تبدل الحال من الكمال الى النقص بأن عجز فى أثنائها وانتقل الى الممكن فى أثناء الفاتحة وجب ادامة قراءتها فى هويه.
وان تبدل من النقص الى الكمال بأن قدر القاعد على القيام لخفة المرض وغيرها فان كان قبل القراءة قام وقرأ قائما وكذا ان كان فى أثناء الفاتحة قام وقرأ بقيتها.
وجاء فى المجموع
(1)
قال أصحابنا اذا كان قادرا على القيام فأصابه رمد أو غيره من وجع العين أو غيره وقال له طبيب موثوق بدينه ومعرفته: ان صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مداواتك والا خيف عليك العمى فليس للشافعى فى المسألة نص ولأصحابنا فيها وجهان مشهوران كما ذكر فى المهذب.
أصحهما عند الجمهور يجوز له الاستلقاء والاضطجاع ولا اعادة عليه.
الثانى: لا يجوز وبه قال الشيخ أبو حامد، والبندنيجى ودليلهما فى الكتاب.
ولو قيل له: ان صليت قاعدا أمكنت المداواة قال أمام الحرمين: يجوز القعود قطعا.
قال الرافعى: ومفهوم كلام غيره أنه على الوجهين والمختار أنه على الوجهين.
وممن جوز له الاستلقاء فى أصل المسألة من العلماء. أبو حنيفة.
وممن منعه عائشة وأم سلمة والأوزاعى.
وأما الأثر الذى ذكره المصنف عن ابن عباس وسؤاله عائشة وأم سلمة فقد رواه البيهقى باسناد ضعيف عن أبى الضحى أن عبد الملك أو غيره بعث الى ابن عباس بالأطباء على البرد وقد وقع الماء فى عينيه، فقالوا: تصلى سبعة أيام مستلقيا على قفاك فسأل أم سلمة وعائشة عن ذلك فنهتاه.
ورواه البيهقى باسناد صحيح عن عمرو ابن دينار قال: لما وقع فى عين ابن عباس الماء أراد أن يعالج منه فقيل تمكث كذا وكذا يوما لا تصلى الا مضطجعا فكرهه وفى رواية: قال ابن عباس:
أرأيت أن كان الأجل قبل ذلك.
وأما الذى حكاه الغزالى فى الوسيط أنه استفتى عائشة وأبا هريرة فباطل لا أصل لذكر أبى هريرة وهذا المذكور فى المهذب.
ورواية البيهقى من استفتاء عائشة وأم سلمة أنكره بعض العلماء وقال: هذا باطل من حيث أن عائشة وأم سلمة توفيتا قبل خلافة عبد الملك بأزمان، وهذا الانكار باطل فانه لا يلزم من بعثه أن يبعث فى زمن خلافته بل بعث فى خلافة معاوية وزمن عائشة وأم سلمة ولا يستكثر بعث
(1)
المرجع السابق شرح المهذب للنووى ج 4 ص 314 الطبعة السابقة.
البرد من مثل عبد الملك فانه كان قبل خلافته من رؤساء بنى أمية وأشرافهم.
وجاء فى مغنى
(1)
المحتاج أيضا أن من شروط خطبتى الجمعة القيام فيهما أن قدر للاتباع رواه مسلم فان عجز عنه خطب قاعدا ثم مضطجعا كالصلاة ويصح الاقتداء به وان لم يقل لا استطيع لأن الظاهر أنه انما فعل ذلك لعجزه والأولى أن يستنيب فان بان أنه قادر فكامام بان محدثا.
ومن الشروط الجلوس بينهما للاتباع رواه مسلم ولا بد من الطمأنينة فيه كما فى الجلوس بين السجدتين فلو خطب جالسا لعجزه وجب الفصل بينهما بسكتة ولا يكفى الاضطجاع.
ثم قال
(2)
: ويصح للقادر على القيام النفل مضطجعا مع القدرة على القيام فى الأصح لحديث البخارى من صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما أى مضطجعا فله نصف أجر القاعد.
والأفضل أن يكون على شقه الأيمن فان اضطجع على شقه الأيسر جاز ويلزمه أن يقعد للركوع والسجود.
وقيل يومئ بهما.
والثانى لا يصح من اضطجاع لما فيه من انمحاق صورة الصلاة قال فى شرح مسلم فان استلقى مع امكان الاضطجاع لم يصح.
وقيل الأفضل أن يصلى مستلقيا فان اضطجع صح وقال والصواب الأول.
ومحل نقصان أجر القاعد والمضطجع عند القدرة والالم ينقص من أجرهما شئ.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى
(3)
: أن المريض اذا كان القيام يزيد فى مرضه صلى قاعدا أجمع أهل العلم على أن من لا يطيق القيام له أن يصلى جالسا وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب رواه البخارى وأبو داود والنسائى وزاد فان لم تستطع فمستلقيا «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»
(4)
وروى أنس قال: سقط رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرس فخدش أو جحش شقه الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلى قاعدا وصلينا خلفه قعودا
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للرملى ج 1 ص 283 الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للعلامة الشيخ محمد الشربينى الخطاب وبهامشه متن المنهاج ج 1 ص 157 الطبعة السابقة.
(3)
المغنى لابن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج بن أحمد بن قدامه المقدسى ج 1 ص 781، 782، 783، 784 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
(4)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
متفق عليه وان أمكنه القيام الا أنه يخشى زيادة مرضه به أو تباطؤ برئه أو يشق عليه مشقة شديدة فله أن يصلى قاعدا ونحو هذا لقول الله تبارك وتعالى «وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»
(1)
وتكليف القيام فى هذه الحال حرج ولأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى جالسا لما جحش شقه الأيمن والظاهر أنه لم يكن يعجز عن القيام بالكلية لكن لما شق عليه القيام سقط عنه فكذلك يسقط عن غيره واذا صلى قاعدا فانه يكون جلوسه على صفة جلوس المتطوع فان لم يطق
(2)
جالسا فنائما يعنى مضطجعا سماه نائما لأنه فى هيئة النائم وقد جاء مثل هذه التسمية عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم وصلاة النائم على النصف من صلاة القاعد، رواه البخارى هكذا فمن عجز عن الصلاة قاعدا فانه يصلى على جنبه مسقبل القبلة بوجهه.
وقال سعيد بن المسيب والحارث العكلى وأبو ثور وأصحاب الرأى يصلى مستلقيا ووجهه ورجلاه الى القبلة ليكون ايماؤه اليها فانه اذا صلى على جنبه كان وجهه فى الايماء الى غير القبلة.
ويدل لنا قول النبى صلى الله عليه وسلم فان لم يستطع فعلى جنبه ولم يقل فان لم يستطع فمستلقيا ولأنه يستقبل القبلة اذا كان على جنبه ولا يستقبلها اذا كان على ظهره وانما يستقبل السماء ولذلك
(3)
يوضع الميت فى قبره على جنبه قصد التوجيه الى القبلة.
وقولهم أن وجهه فى الايماء يكون الى غير القبلة قلنا استقبال القبلة من الصحيح لا يكون فى حال الركوع بوجهه ولا فى حال السجود وانما يكون الى الأرض فلا يعتبر فى المريض أن يستقبل القبلة فيهما أيضا.
اذا ثبت هذا فالمستحب أن يصلى على جنبه الأيمن فان صلى على الأيسر جاز لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يعين جنبا بعينه ولأنه يستقبل القبلة على أى الجنبين كان فان صلى على ظهره مع امكان الصلاة على جنبه فظاهر كلام الامام أحمد أنه يصح نوع استقبال ولهذا يوجه الميت عند الموت كذلك والدليل يقتضى أن لا يصح لأنه خالف أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله فعلى جنب ولأنه نقله الى الاستلقاء عند عجزه عن الصلاة على جنبه فيدل على أنه لا يجوز ذلك مع امكان الصلاة على جنبه ولأنه ترك الاستقبال مع امكانه.
(1)
الآية رقم 78 من سورة الحج.
(2)
المغنى لابن قدامه المقدسى ومعه الشرح الكبير على متن المقنع ج 1 ص 783 وكشاف القناع على متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور ابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 1 ص 321.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 783، ص 784 وكشاف القناع ج 1 ص 321 طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1310 هـ الطبعة الأولى.
وان عجز عن الصلاة على جنبه صلى مستلقيا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: صل قائما فان لم تستطع فقاعدا فان لم تستطع فعلى جنب فان لم تستطع فمستلقيا ولأنه عجز عن الصلاة على جنبه فسقط كالقيام والقعود.
ثم قال ويجوز
(1)
للعاجز عن القيام أن يؤم مثله لأنه اذا أم القادرين فمثله أولى ولا يشترط فى اقتدائهم به أن يكون أماما راتبا ولا مرجوا زوال مرضه.
ولا يجوز لتارك ركن من أفعال الصلاة أمامة أحد كالمضطجع والعاجز عن الركوع والسجود لأنه أخل بركن لا يسقط فى النافلة فلم يجز للقادر عليه الائتمام به كالقارئ بالأمى وحكم القيام حق بدليل سقوطه فى النافلة وعن المقتدين بالعاجز ولأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر المصلين خلف الجالس بالجلوس ولا خلاف فى أن المصلى خلف المضطجع لا يضطجع فأما ان أم مثله فقياس المذهب صحته لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه فى المطر بالايماء والعراة يصلون جماعة بالايماء.
وجاء فى كشاف القناع
(2)
: أنه لا يصح النفل من مضطجع لغير عذر لعموم الأدلة على افتراض الركوع والسجود والاعتدال عنهما ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ليخصص به العموم، والتنفل لعذر مضطجعا يصح كالفرض وأولى ويسجد المتنفل مضطجعا ان قدر على السجود والا بأن لم يقدر على السجود أومأ به لحديث «اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» .
وجاء فى المحرر
(3)
: أنه يجوز التطوع جالسا. قال فى الهامش: وظاهره أنه لا يجوز مضطجعا لعموم الأدلة على افتراض الركوع والسجود والاعتدال عنهما، والثانى الجواز وهو مذهب حسن لقوله صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح: ومن صلى نائما فله مثل نصف أجر القاعد ولا يصح حمله على المريض وغيره ممن له عذر لأنه أجره مثل أجر الصحيح المصلى قائما والخبر المذكور رواه البخارى والخمسة.
وقال غير واحد فى صحة التطوع مضطجعا وجهان.
فان قلنا بالجواز فهل له الايماء؟ فيه وجهان.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 51 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع على متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يوسف البهوتى ج 1 ص 286 طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.
(3)
المحرر فى الفقه على مذهب الامام أحمد بن حنبل للشيخ الامام مجد الدين أبى البركات ومعه النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر لمجد الدين بن تيمية ج 1 ص 86 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ، سنة 1950 م.
وقال اسحاق بن ابراهيم فى مسائله وسئل «يعنى الامام أحمد» عن رجل يصلى محتبيا أو متكئا تطوعا قال: لا بأس به وقال الترمذى ومعنى هذا الحديث - يعنى الحديث المذكور وهو حديث عمران عند بعض أهل العلم فى صلاة التطوع، حدثنا
(1)
محمد بن بشار حدثنا ابن أبى عدى عن أشعث بن عبد الملك عن الحسن قال: ان شاء الرجل صلى صلاة التطوع قائما وجالسا ومضطجعا.
وقال الخطابى: لا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه رخص فى صلاة التطوع نائما كما رخصوا فيه قاعدا فان صحت هذه اللفظة فان التطوع مضطجعا للقادر على القعود جائز كما يجوز للمسافر أن يتطوع على راحلته.
وقال الشيخ محيى الدين النووى والأصح عندنا جواز النفل مضطجعا للقادر على القيام والقعود للحديث الصحيح: ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد.
وقال الشيخ تقى الدين بن تيمية:
التطوع مضطجعا لغير عذر لم يجوزه الا طائفة قليلة من أصحاب الشافعى وأحمد وهو قول شاذ لا أعرف له أصلا فى السلف ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه صلى مضطجعا بلا عذر ولو كان هذا مشروعا لفعلوه كما كانوا يتطوعون قعودا والحديث الذى ذكروه بين فيه أن المضطجع له نصف أجر القاعد وهذا حق وذلك لا يمنع أن يكون معذورا فان المعذور ليس له بالعمل الا ما عمله فله به نصف الأجر وأما ما يكتبه الله تعالى له من غير عمل ليثيبه اياه فذلك شئ آخر كما قال صلى الله عليه وسلم «كتب له من العمل ما كان يعمل وهو صحيح مقيم فلو لم يصل النافلة التى كان يصليها لكتبت له ولا يقال: انه صلى.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى المحلى
(2)
: من عجز عن القيام فى الصلاة أو عن شئ من فروض صلاته أداها قاعدا فان لم يقدر فمضطجعا بايماء وسقط عنه ما لا يقدر عليه ويجزئه ولا سجود سهو فى ذلك، ويكون فى اضطجاعه كما يقدر اما على جنبه ووجهه الى القبلة وأما على ظهره بمقدار ما لو قام لاستقبل القبلة فان عجز عن ذلك فليصل كما يقدر الى القبلة والى غيرها قال الله تبارك وتعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1)
المحرر فى الفقه على مذهب الامام أحمد ابن حنبل ج 1 ص 87 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى للعلامة ابن حزم الظاهرى ج 4 ص 176 مسألة رقم 475 طبع مطبعة ادارة لطباعة المنيرية سنة 1350 هـ الطبعة الأولى.
ثم قال فى موضع آخر
(1)
: ومن صلى مؤتما بامام مريض أو معذور فصلى قاعدا فان هؤلاء يصلون قعودا فان لم يقدر الامام على القعود ولا القيام صلى مضطجعا وصلوا كلهم خلفه مضطجعين ولابد، لقول رسول الله
(2)
صلى الله عليه وآله وسلم «انما جعل الامام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه وهذا عموم مانع للاختلاف على الامام جملة وليس فى قوله عليه الصلاة والسلام اذا كبر فكبروا واذا رفع فارفعوا واذا ركع فاركعوا واذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد واذا صلى جالسا فصلوا جلوسا بمانع من أن يأتموا به فى غير هذه الوجوه فوجب الائتمام به فى كل حال الا حالا خصها نص أو اجماع فقط.
وأما صلاة المريض خلف الصحيح فان الصحيح يصلى قائما والمريض يأتم به جالسا أو مضطجعا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى آخر صلاة صلاها مع الناس فى جماعة صلى قاعدا خلف أبى بكر رضى الله تعالى عنه وأبو بكر قائم وذلك بعد أمره عليه الصلاة والسلام بأن لا يختلف على الامام ولقول الله تعالى «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» ولقوله عليه الصلاة والسلام اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم».
ثم جاء فى موضع آخر
(3)
: قال ابن حزم وجائز للمرء أن يتطوع مضطجعا بغير عذر الى القبلة وراكبا حيث توجهت به دابته الى القبلة وغيرها الحضر والسفر سواء فى كل ذلك فقد حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله حدثنا ابراهيم بن أحمد حدثنا الغريرى حدثنا البخارى حدثنا اسحاق بن منصور حدثنا روح بن عبادة عن عبد الله بن بريدة عن عمران بن الحصين انه سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا فقال عليه السلام ان صلى قائما فهو أفضل ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد قال ابن حزم: لا يخرج من هذه الاباحة الا مصلى الفرض القادر على القيام أو على القعود فقط.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(4)
: أنه اذا تعذر من المصلى القيام والقعود وهو يقدر على الايماء برأسه فالواجب عليه أن يصلى ويومئ لركوعه وسجوده مضطجعا يعنى غير قاعد.
واختلف فى كيفية توجيه القبلة.
فعندنا أنه يوجه مستلقيا على ظهره.
وقال المؤيد بالله على جنبه الأيمن.
(1)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 58، ص 59 الطبعة السابقة مسألة رقم 299.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 71 مسألة رقم 299 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 56 مسألة رقم 297 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 1 ص 261 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
والقادر على القيام اذا اصابه عذر وقال طبيب موثوق به أن صليت مستلقيا أو مضطجعا أمكن مداواتك والا خيف عليك العمى جاز الاستلقاء والاضطجاع.
وجاء فى موضع آخر من شرح
(1)
الأزهار أنه ان كان يخشى خلل الطهارة فانه يجوز له ترك الاعتدال لأنه محافظة على الطهارة ولأن الطهارة آكد من استيفاء الأركان لأنها تلزم فى جميع أحوال الصلاة والقيام بعض ركن فى الصلاة ويومئ فان كان يخشى خلل الطهارة من الايماء من دم أو نحوه قيل يصلى مضطجعا موميا حيث لم يخش أن تختل طهارته والا عفى له كالسلس ونحوه.
وجاء فى هامش الأزهار
(2)
: أنه قد روى أن الفقيه حاتم بن منصور رحمه الله تعالى مات وهو يصلى صلاة التسابيح من اضطجاع.
وجاء فى شرح الأزهار
(3)
: أن ناقص الصلاة كمن يصلى مومئا أو يصلى قاعدا أو نحو ذلك فانه لا يصح أن يصلى بضده وهو كامل الطهارة والصلاة فأما اذا استوى حال الامام والمؤتم فى ذلك جاز أن يؤم كل واحد منهما صاحبه.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(4)
: أن المصلى أن عجز عن القيام والقعود ولو معتمدا اضطجع على جانبه الأيمن فان عجز فعلى جانبه الأيسر هذا هو الأقوى ومختاره فى كتبه الثلاثة يفهم منه هنا التخيير - التخيير بين الاضطجاع على الجانب الأيمن أو على الجانب الأيسر وهو قول ويجب الاستقبال حينئذ بوجهه فان عجز عنهما استلقى على ظهره وجعل باطن قدميه الى القبلة ووجهه بحيث لو جلس كان مستقبلا كالمحتضر.
والمراد بالعجز فى هذه المراتب حصول مشقة كثيرة لا تتحمل عادة سواء نشأ منها زيادة مرض أو حدوثه أو بط ء برئه أو مجرد المشقة البالغة لا العجز الكلى ويومئ للركوع والسجود بالرأس أن عجز عنهما ويجب تقريب الجبهة الى ما يصح السجود عليه أو تقريبه اليها والاعتماد بها عليه ووضع باقى المساجد معتمدا وبدونه لو تعذر الاعتماد.
وجاء فى الخلاف
(5)
أنه اذا تلبس بالصلاة مضطجعا ثم قدر على الجلوس أو على القيام انتقل الى ما يقدر عليه وبنى صلاته دليلنا ما قدمناه فى المسئلة التى
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 1 ص 237 الطبعة السابقة.
(2)
هامش شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 396 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 1 ص 285 الطبعة السابقة.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 73 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 133 هـ.
(5)
انظر من كتاب الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الامام أبى جعفر محمد بن الحسن به على الطوسى ج 1 ص 151، ص 152 مسألة رقم 167 ومسألة رقم 168 ومسألة رقم 169 الطبعة السابقة.
تقدمت من أن استئناف الصلاة يحتاج الى دليل شرعى وليس فى الشرع ما يدل على ذلك والأخبار التى تقدمت فى جواز صلاة من ذكرنا ليس فى شئ منها أنه يجب عليه الاستئناف ومن كان به رمد فقال أهل المعرفة بالطب أن صليت قائما زاد فى مرضك وان صليت مستلقيا رجونا أن تبرأ جاز أن يصلى مستلقيا وبه قال الثورى.
دليلنا قول الله تبارك وتعالى: «ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ» وأيضا روى سماعة بن مهران قال: سألته عن الرجل يكون فى عينيه الماء فينتزع الماء منها ويستلقى على ظهره الأيام الكثيرة أربعين يوما أو أقل أو أكثر فيمتنع من الصلاة الا ايماء وهو على حاله فقال لا بأس بذلك وليس شئ مما حرم الله تعالى الا وقد أحله لمن اضطر اليه.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(1)
النيل: أنه ان حال بين قوم وامامهم مانع مما لا يفسد الصلاة كهدم يقع قدامهم لعذر كماء أو طين أومئوا قياما أو قعودا أو بمعنى الواو أو للتنويع - ان حدث اليهم مرض وان رجعوا من قيام أو قعود الى اضطجاع افترقوا معه وأتموا فرادى وقيل يعيدون لأن السنة جاءت بصلاة المأموم خلف الامام قائما أو قاعدا لا مضطجعا.
وقيل يصلون معه مضطجعين لأن الاضطجاع حدث لهم بعد الدخول فى الصلاة فجاز لهم اتماما مضطجعين واذا استراحوا من ايماء قاموا وركعوا وسجدوا معه.
وان اضطجع الامام اتموا فرادى.
وقيل يعيدون.
وقيل فيمن صلى قائما أو قاعدا ثم اضطجع لعذر ثم استراح فأطاق القعود أو القيام أنه يستأنف.
والصحيح البناء.
وجاء فى موضع
(2)
آخر: أن من عجز عن الصلاة قائما صلى قاعدا ان قدر على القعود والا فليصل مضطجعا على الشق الأيمن ووجهه للقبلة.
وقيل يستلقى ورجلاه للقبلة.
وقيل ان أطاق على الشق الأيمن فليصل والا فليستلق بايماء بركوع وسجود الى جهة القبلة لا الى صدره والا كان يومئ الى غير القبلة.
وقيل ان عجز عن قيام بنفسه قام متكئا وان عجز أيضا قعد بنفسه وان عجز قعد متكئا وان عجز اضطجع.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 457، ص 458 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 366 الطبعة السابقة.
ومن قدر على القيام لكنه تلحقه مشقة شديدة سقط عنه القيام وان تحملها فأفضل وشدد من قال لا يقعد الا من لم يستطع الذهاب للبول والغائط والراجح أنه يقعد من يتضرر بالقيام أو يشغله.
وان عجز عن الايماء فى قعود واضطجاع كيف فى نفسه جميع أعمالها فانه يعملها فكيف القراءة فى نفسه ولو أطاقها بلسانه على هذا القول فيقدر فى نفسه أنه فى القيام وأنه فى الركوع وأنه فى السجود وهكذا ويجوز فى نفسه على ذلك وعلى ما يقرأ فى ذلك.
وقيل ان أطاق القراءة ولم يطق الايماء قرأ.
وكيف القيام والركوع والسجود وقعود التحيات ويقرأ بلسانه كل ما يفعل باللسان.
ثم قال: وان عجز
(1)
عن التكييف.
قيل يكبر سبعا.
وقيل يكبر خمسا.
وقيل يكبر ستا.
وقيل يكبر أربعا وهو الراجح وذلك قياسا على صلاة الميت فانه قيل يكبر عليه أربعا وهو الراجح الذى عليه ختم النبى صلى الله عليه وسلم واتفقوا عليه بعده.
وقيل ست.
وقيل خمس.
وقيل سبع.
كما أن هذه الأقوال فى غير الجنازة ولا احرام عليه.
والراجح أن المكيف يقيم بالتكييف أيضا.
ويقم المومئ قائما أو قاعدا أو مضطجعا.
وقيل لا اقامة على المضطجع.
وقيل ان عجز مريض عن ايماء بركوع وسجود مع اضطجاع أو استلقاء رجع للتكبير وهو الأصح لا الى التكييف.
والصحيح عندى أن يرجع للتكييف ان لم يطق النطق وان أطاقه قرأ وكيف الأفعال وان عجز عن التكبير فلا عليه.
وقيل يصلى العاجز مضطجعا على الشق الأيمن وان لم يقدر فعلى الشق الأيسر والا استلقى ويومئ وان لم يقدر كيف والا فليكبر.
ثم قال
(2)
: ويأخذ المريض صلاته
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 367 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 369، 369 ص 370 الطبعة السابقة.
من قيام لقعود ثم من قعود لاضطجاع لزيادة مرض وكذا ان قعد من أول صلاته ثم زاد مرضه اضطجع ومن الاضطجاع تدريجا براحة لقعود ولم يذكره لأنه يفهم بالأولى ثم لقيام ببناء على سابق فى ذلك كله.
وقيل ان استراح المضطجع قعد أو قام أو استراح فقعد ثم قام استأنف وكذا المضطجع ان رجع الى الاضطجاع من قيام أو قعود سبقه قيام أو لم يسبقه لأنه لا حال للمصلى يكون فيها مضطجعا بمرض ويرجع من قيام لقعود كعكسه براحة فى العكس ومرض فى المعكوس وان كان الرجوع مرتين أو أكثر فى صلاة واحدة ما لم تتم ببناء على سابق ويتكرر الرجوع من قعود أو قيام ولا ضطجاع ومنه لأحدهما كذلك.
وليس ما ذكره مختصا بالمريض بل من يحتاج الى قيام أو قعود أو اضطجاع لعله غير المرض كعدو وسبع وسيل يضعف ويقوى ويضعف لا يجد عنه مسلكا كمن يحتاج لممرض.
وكذا من يحتاج الى القيام لعلة لا يطيق معها القعود والاضطجاع وللانسان أن يدخل صلاته على ركعة قياما وركعة قعودا وهكذا أو ركعة أيضا اضطجاعا بأن يعلم أنه يضعف ويقوى ويضعف فانه لا يسعه القعود أو الاضطجاع اذا أطاق القيام ولا يسعه الاضطجاع اذا أطاق القعود وكذلك ما دون ركعة أو أكثر ولا يبنى اذا رجع الى التكبير أو التكييف من غيرهما أو من أحدهما الى الآخر أو الى غيرهما وكيفية البناء على التكبير لو كان يصح أن يكبر مثلا نصف تكبير من يصلى بالتكبير فيصلى النصف الباقى وكذا الربع والخمس والثلث والسدس والسبع وهكذا اذا كان يكبر تكبيرات وكذا يكبر التسمية الباقية من الصلاة اذا بنى بالتكبير على الصلاة لو كان يصح البناء به عليها لكن ذلك كله لا يصح ولا يعمل بينهما أى بين القيام والقعود وكذا بين أحدهما وبين الاضطجاع عملا حتى ينتهى الى ما قصده منهما ومن الاضطجاع الا أن وافق قبل أن يستريح وقد فرغ من التحيات الأولى ومن السجدة التى يقوم بعدها للوقوف فانه يقوم بالتكبير لكنه يرجع الى الهيئة التى لو كان يصلى قائما لقام منها فان كان مضطجعا وفرغ من الايماء لسجود فاستراح فليكن على هيئة الساجد حتى تكاد جبهته وأنفه يمسان الأرض فليقم مكبرا وكذا ان كان يصلى قاعدا فان استراح عقب التحيات قام بالتكبير أو عقب السجدة التى يقوم بعدها وقد أومأ لها ايماء كان كهيئة الساجد على حد عقب سمع الله لمن حمده قام ساكتا حتى يستوى فينحنى من القيام بتكبير ان كان يسجد للأرض وكان لا يومئ للسجود استأنفه فيما انتهى اليه
وان عمل بين قيام وقعود أو بين أحدهما واضطجاع ما كقراءة أو تعظيم أو تسبيح أو تكبير مما قصد الى عمله أعاد صلاته ان تعمد والا أعاده فيما استقبل.
وجاء فى موضع
(1)
آخر: ويصلى المضطجع النفل ولو قدر على القعود أو الايماء وفيه جاء الحديث أن صلاة القاعد نصف صلاة القائم وصلاة المضطجع نصف صلاة القاعد.
حكم الاضطجاع بعد صلاة الفجر وقبله
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار
(2)
: أن ظاهر كلام علمائنا أن الفصل بين سنة الفجر وفرضه بالاضطجاع على الشق الأيمن غير مسنون حيث لم يذكروها بل رأيت فى موطأ الامام محمد رحمه الله تعالى ما نصه: أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه رأى رجلا ركع ركعتى الفجر ثم اضطجع فقال ابن عمر ما شأنه فقال نافع قلت يفصل بين صلاته فقال ابن عمر أى فصل أفضل من السّلام.
قال محمد وبقول ابن عمر نأخذ وهو قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وقال شارحه المحقق منلا على القارى: وذلك لأن السّلام انما ورد للفصل وهو لكونه واجبا أفضل من سائر ما يخرج من الصلاة من الفعل والكلام وهذا لا ينافى ما سبق من أنه صلى الله عليه وسلم كان يضطجع فى آخر التهجد وتارة أخرى بعد ركعتى الفجر فى بيته للاستراحة.
ثم قال: وقال ابن حجر المكى فى شرح الشمائل: روى الشيخان أنه صلى الله عليه وسلم كان اذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقه الأيمن فتسن هذه الضجعة بين سنة الفجر وفرضه لذلك ولأمره صلى الله عليه وسلم كما رواه أبو داود وغيره بسند لا بأس به خلافا لمن نازع وهو صريح فى ندبها لمن بالمسجد وغيره خلافا لمن خص ندبها بالبيت وقول ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنها بدعة وقول النخعى أنها ضجعة الشيطان وانكار ابن مسعود لها فهو لأنه لم يبلغهم ذلك.
وقد أفرط ابن حزم فى قوله بوجوبها وأنها شرط لصلاة الصبح ولا يخفى بعد عدم البلوغ الى هؤلاء الأكابر الذين بلغوا المبلغ الأعلى لا سيما ابن مسعود الملازم له صلى الله عليه وسلم حضرا وسفرا وابن عمر المتفحص
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 637 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية ابن عابدين والدر المختار شرح تنوير الأبصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 1 ص 636 وما بعدها الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.
عن أحواله صلى الله عليه وسلم فى كمال التتبع والاتباع فالصواب حمل انكارهم على العلة السابقة من الفصل أو على فعله فى المسجد بين أهل الفضل وليس أمره صلى الله عليه وسلم على تقدير صحته صريحا ولا تلويحا على فعله بالمسجد اذ الحديث كما رواه أبو داود والترمذى وابن حبان عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه اذا صلى أحدكم ركعتى الفجر فليضطجع على جنبه الأيمن فالمطلق محمول على المقيد على أنه لو كان هذا فى المسجد شائعا فى زمانه صلى الله عليه وسلم لما كان يخفى على هؤلاء الأكابر والأعيان وأراد بالمقيد ما مر من قوله بعد ركعتى الفجر فى بيته.
وحاصله أن اضطجاعه عليه الصلاة والسلام انما كان فى بيته للاستراحة لا للتشريع والأصح حديث الأمر بها الدال على أن ذلك للتشريع يحمل على طلب ذلك فى البيت فقط توفيقا بين الأدلة والله تعالى أعلم.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير
(1)
وحاشية الدسوقى عليه: أن يضطجع المصلى على يمينه بين صبح وركعتى فجر اذا فعله استنانا لا استراحة فلا يكره.
وذكر صاحب التاج
(2)
والاكليل:
نقلا عن المدونة ان ابن القاسم قال لا بأس بالضجعة بين ركعتى الفجر وصلاة الصبح ان لم يرد بها فصلا بينهما وان أراد ذلك فلا أحبه.
قال أبو محمد لا يفعل ذلك استنانا لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يفعله استنانا.
وسئل أكان مالك يكره الضجعة التى بين ركعتى الفجر وبين صلاة الفجر التى يرون أنهم يفصلون بها قال لا أحفظ عنه شيئا.
وجاء فى المدونة الكبرى
(3)
: أن مالكا حدثنا عن أبى النضر مولى عمر ابن عبد الله عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم أنها قالت: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يصلى من الليل احدى عشرة ركعة ثم يضطجع على شقه الأيمن فان كنت يقظانة حدثنى حتى يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة بعد طلوع الفجر.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 1 ص 317 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 75 الطبعة السابقة.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك بن أنس الأصبحى رواية الامام سحنون بن سعيد عن الامام عبد الرحمن بن القاسم العتقى ج 1 ص 125 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى
(1)
المحتاج: أنه يسن أن يفصل المصلى بين سنة الفجر والفريضة باضطجاع على يمينه للاتباع فان لم يفصل باضطجاع فبحديث أو تحول من مكان أو نحو ذلك وظاهر كلامهم أنه مخير فى ذلك وان كان الاضطجاع أفضل.
وقال فى المجموع
(2)
: السنة أن يضطجع المرء على شقه الأيمن بعد صلاة سنة الفجر ويصليها فى أول الوقت ولا يترك الاضطجاع ما أمكنه فان تعذر عليه فصل بينهما وبين الفريضة بكلام.
دليل الاضطجاع بعد سنة الفجر ما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت كان النبى صلى الله عليه وسلم: اذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقه الأيمن رواه البخارى.
وعنها أيضا أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى فذكرت صلاة الليل ثم قالت فاذا سكت المؤذن من صلاة الفجر وتبين له الفجر قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن للاقامة وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا صلى ركعتى الفجر فان كنت مستيقظة حدثنى والا اضطجع رواه البخارى ومسلم.
وقولها حدثنى والا اضطجع يحتمل وجهين.
أحدهما أن يكون صلى الله عليه وسلم يضطجع يسيرا ويحدثها والا فيضطجع كثيرا.
والثانى أنه صلى الله عليه وسلم فى بعض الأوقات القليلة كان يترك الاضطجاع بيانا لكونه ليس بواجب كما كان يترك كثيرا من المختارات فى بعض الأوقات بيانا للجواز كالوضوء مرة مرة ونظائره، ولا يلزم من هذا أن يكون الاضطجاع وتركه سواء.
ولا بد من أحد هذين التأويلين للجمع بين هذه الرواية وروايات عائشة السابقة وحديث أبى هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا صلى أحدكم ركعتى الفجر فليضطجع على يمينه وهو صريح فى الأمر بالاضطجاع.
وقد نقل القاضى عياض فى شرح مسلم استحباب الاضطجاع بعد سنة الفجر عن الشافعى وأصحابه ثم أنكره عليهم.
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للرملى ج 1 ص 228 الطبعة السابقة.
(2)
المجموع فى الفقه 4 ص 27 وما بعدها الطبعة السابقة.
وقال مالك وجمهور العلماء وجماعة من الصحابة ليس هو سنة بل سموه بدعة واستدل بأن أحاديث عائشة فى بعضها الاضطجاع قبل ركعتى الفجر وفى حديث ابن عباس قبل ركعتى الفجر فدل على أنه لم يكن مقصوده.
وهذا الذى قاله مردود بحديث أبى هريرة الصريح فى الأمر بها وكونه صلى الله عليه وسلم اضطجع فى بعض الأوقات أو أكثرها أو كلها بعد صلاة الليل لا يمنع أن يضطجع أيضا بعد ركعتى الفجر وقد صح اضطجاعه صلى الله عليه وسلم بعدهما وأمره به فتعين المصير اليه ويكون سنة وتركه يجوز جمعا بين الأدلة.
وقال البيهقى فى السنن الكبير أشار الشافعى رضى الله تعالى عنه الى أن المراد بهذا الاضطجاع الفصل بين النافلة والفريضة فيحصل بالاضطجاع والتحدث أو التحول من ذلك المكان أو نحو ذلك ولا يتعين الاضطجاع هذا ما نقله البيهقى.
والمختار الاضطجاع بظاهر حديث أبى هريرة.
وأما ما رواه البيهقى عن ابن عمر أنه قال هى بدعة فاسناده ضعيف ولأنه نفى فوجب تقديم الاثبات عليه.
مذهب الحنابلة:
قال ابن القيم
(1)
: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضطجع بعد سنة الفجر على شقه الأيمن وهذا هو الذى ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله تعالى عنها.
وذكر الترمذى من حديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: اذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن قال الترمذى حديث حسن صحيح غريب.
وسمعت ابن تيمية يقول: هذا باطل وليس بصحيح، وانما الصحيح عن النبى صلى الله عليه وسلم الفعل لا الأمر بها والأمر تفرد به عبد الواحد بن زياد وغلط فيه.
وقد ذكر عبد الرازق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين أن أبا موسى ورافع بن خديج وأنس بن مالك رضى الله عنهم كانوا يضطجعون بعد ركعتى الفجر ويأمرون بذلك.
وذكر عن معمر عن أيوب عن نافع أن ابن عمر كان لا يفعله ويقول:
كفانا التسليم.
(1)
زاد المعاد فى هدى خير العباد للامام ابن قيم الجوزى ج 1 ص 82 طبع المطبعة المصرية ومكتبتها سنة 1924.
وذكر عن ابن جريج أخبرنى من أصدق أن عائشة رضى الله تعالى عنها كانت تقول أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليلته فيستريح.
قال وكان ابن عمر يحصبهم اذا رآهم يضطجعون على ايمانهم.
وذكر ابن أبى شيبة عن أبى الصديق الناجى أن ابن عمر رأى قوما اضطجعوا بعد ركعتى الفجر فأرسل اليهم فنهاهم فقالوا نريد بذلك السنة فقال ابن عمر ارجع اليهم وأخبرهم أنها بدعة.
وقال أبو مجلز سألت ابن عمر عنها فقال يلعب بكم الشيطان قال ابن عمر رضى الله تعالى عنه ما بال الرجل اذا صلى الركعتين يفعل كما يفعل الحمار اذا تمعك.
ثم قال ابن القيم وقد غلا فى هذه الضجعة طائفتان وتوسط فيها طائفة ثالثة.
فأوجبها جماعة، وأبطلوا الصلاة بتركها.
وكرهها جماعة من الفقهاء، وسموها بدعة.
وتوسط فيها جماعة فلم يروا بأسا لمن فعلها راحة وكرهوها لمن فعلها استنانا.
واستحبها طائفة على الاطلاق سواء استراح بها أم لا واحتجوا بحديث أبى هريرة.
والذين كرهوها منهم من احتج باثار الصحابه كابن عمر وغيره حيث كان يحصب من فعلها.
ومنهم من أنكر فعل النبى صلى الله عليه وسلم لها.
وقال: الصحيح ان اضطجاعه صلى الله عليه وسلم كان بعد الوتر وقبل ركعتى الفجر كما هو مصرح به فى حديث ابن عباس.
وقال وأما حديث عائشة فاختلف على ابن شهاب فيه فقال مالك عنه فاذا فرغ يعنى من قيام الليل اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلى ركعتين خفيفتين وهذا صريح أن الضجعة قبل سنة الفجر.
وقال غيره عن ابن شهاب فاذا سكت المؤذن من أذان الفجر وتبين له الفجر وجاءه المؤذن قام فركع ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن.
قالوا واذا اختلف أصحاب ابن شهاب فالقول ما قاله مالك لأنه أثبتهم فيه وأحفظهم.
وقال الآخرون بل الصواب فى هذا مع من خالف مالكا.
وقال أبو بكر الخطيب روى مالك عن الزهرى عن عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلى من الليل احدى عشرة ركعة يوتر منها بواحدة فاذا فرغ منها اضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيصلى ركعتين خفيفتين.
وخالف مالكا عقيل ويونس وشعيب وابن أبى ذؤيب والأوزاعى وغيرهم فرووا عن الزهرى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يركع الركعتين للفجر ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المؤذن فيخرج معه فذكر مالك أن اضطجاعه كان قبل ركعتى الفجر وفى حديث الجماعة أنه اضطجع بعدهما فحكم العلماء أن مالكا أخطأ وأصاب غيره.
وقال أبو طالب قلت لأحمد حدثنا أبو الصلت عن أبى كريب عن أبى سهيل عن أبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه اضطجع بعد ركعتى الفجر قال: شعبة لا يرفعه قلت فان لم يضطجع هل يكون عليه شئ قال لا فان عائشة رضى الله تعالى عنها ترويه وابن عمر ينكره.
وقال الجلال أنبأنا المروزى أن أبا عبد الله قال حديث أبى هريرة ليس بذاك قلت أن الأعمش يحدث به عن أبى صالح عن أبى هريرة قال عبد الواحد وحده يحدث به.
وقال ابراهيم بن الحارث أن أبا عبد الله سئل عن الاضطجاع بعد ركعتى الفجر قال ما أفعله وان فعله رجل فحسن فلو كان حديث عبد الواحد بن زياد عن الأعمش عن أبى صالح صحيحا عنده لكان أقل درجاته عنده الاستحباب.
وقد يقال ان عائشة رضى الله تعالى عنها روت هذا وروت هذا فكان يفعل هذا تارة وهذا تارة فليس فى ذلك خلاف فانه من المباح.
ثم قال ابن القيم وفى اضطجاعه على شقه الأيمن سر وهو أن القلب معلق فى الجانب الأيسر فاذا نام الرجل على الجنب الأيسر استثقل نوما لأنه يكون فى دعة واستراحة فيثقل نومه فاذا نام على شقه الأيمن فانه يقلق ولا يستغرق فى النوم لقلق القلب وطلبه. مستقره وميله اليه ولهذا استحب الأطباء النوم على الجانب الأيسر لكمال الراحة وطيب المنام وصاحب الشرع يستحب النوم على الجانب الأيمن لئلا يثقل فى نومه فينام عن قيام الليل فالنوم على الجانب الأيمن أنفع للقلب وعلى الجانب الأيسر أنفع للبدن.
وذكر ابن قدامة
(1)
: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الصلاة صلاة
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 775 الطبعة السابقة.
داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وفى حديث ابن عباس فى صفة تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نام حتى انتصف الليل أو قبله بقليل أو بعده بقليل ثم استيقظ فوصف تهجده حتى قال:
ثم أوتر ثم اضطجع حتى جاء المؤذن وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام أول الليل ويحيى آخره ثم ان كانت له حاجة الى أهله قضى حاجته ثم نام فاذا كان عند النداء الأول وثب فأفاض عليه الماء وان لم يكن له حاجة توضأ وقالت ما ألقى عندى رسول الله صلى الله عليه وسلم من السحر الأعلى فى بيتى الا نائما متفق عليه وفى رواية أبى داود: فما يجئ السحر حتى يفرغ من وتره ولأن آخر الليل ينزل فيه الرب تبارك وتعالى الى السماء الدنيا كما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعونى فأستجيب له ومن يسألنى فأعطيه ومن يستغفرنى فأغفر له متفق عليه قال أبو عبد الله: اذا أغفى يعنى بعد التهجد فانه لا يبين عليه أثر السهر واذا لم يغف تبين عليه.
وجاء فى المغنى
(1)
: قال ابن قدامة:
المقدسى بعد أن تحدث عن صلاة التطوع وعد منها ركعتى الفجر:
ويستحب أن يضطجع بعد ركعتى الفجر على جنبه الأيمن، وكان أبو موسى ورافع ابن خديج وأنس بن مالك رحمهم الله تعالى يفعلونه.
وأنكره ابن مسعود رضى الله تعالى عنه.
وكان القاسم وسالم ونافع لا يفعلونه.
واختلف فيه عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما.
وروى عن أحمد رحمه الله تعالى أنه ليس بسنة لأن ابن مسعود أنكره.
ثم قال ابن قدامة: ودليلنا ما روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه: أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا صلى أحدكم ركعتى الفجر فليضطجع قال الترمذى: هذا حديث حسن ورواه البزار فى مسنده وقال: على شقه الأيمن وعن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقه الأيمن، متفق عليه وهذا لفظ رواية البخارى واتباع النبى صلى الله عليه وسلم فى قوله وفعله أولى من اتباع من خالفه كائنا من كان.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 767، ص 768، الطبعة السابقة.
وذكر صاحب كشاف القناع
(1)
:
أن من السنن الراتبة: ركعتين قبل الفجر لقول ابن عمر رضى الله تعالى عنهما حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر ركعات ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب فى بيته وركعتين بعد العشاء فى بيته وركعتين قبل الصبح كانت ساعة لا يدخل على النبى صلى الله عليه وسلم فيها حدثتنى حفصة رضى الله تعالى عنها: أنه كان اذا أذن المؤذن فطلع الفجر صلى ركعتين متفق عليه وكذا أخبرت عائشة رضى الله تعالى عنها: وصححه الترمذى.
ويسن تخفيفها أى ركعتى الفجر لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها كان النبى صلى الله عليه وسلم يخفف الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح حتى أنى لأقول هل قرأ بأم الكتاب متفق عليه ويسن الاضطجاع بعدها على جنبه الأيمن قبل فرضه نص عليه لقول عائشة رضى الله تعالى عنها كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم اذا صلى ركعتى الفجر اضطجع وفى رواية فان كنت مستيقظة حدثنى والا اضطجع متفق عليه.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(2)
: أن كل من ركع ركعتى الفجر لم تجزه صلاة الصبح الا بأن يضطجع على شقه الأيمن بين سلامه من ركعتى الفجر وبين تكبيره لصلاة الصبح.
وسواء عندنا ترك الضجعة عمدا أو نسيانا وسواء صلاها فى وقتها أو صلاها قاضيا لها من نسيان أو عمد نوم.
فان لم يصل ركعتى الفجر لم يلزمه أن يضطجع فان عجز عن الضجعة على اليمين لخوف أو مرض أو غير ذلك أشار الى ذلك حسب طاقته فقط.
برهان ذلك ما حدثنا عبد الله بن ربيع عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى أحدكم ركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه فقال له مروان بن الحكم ما يجزئ أحدنا ممشاه الى المسجد حتى يضطجع على يمينه قال أبو هريرة: لا فبلغ ذلك ابن عمر فقال: أكثر أبو هريرة على نفسه فقيل لابن عمر عندها:
تنكر شيئا مما يقول؟ قال:
لا ولكنه اجترأ وجبنا فبلغ ذلك أبا هريرة فقال: فما ذنبى ان كنت حفظت ونسوا.
وروينا من طريق وكيع عن عاصم ابن رجاء بن حيوة عن أبيه عن قبيصة ابن ذؤيب قال: مر بى أبو الدرداء من آخر الليل وأنا أصلى فقال: أفصل بضجعة بين صلاة الليل وصلاة النهار،
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 275، ص 276 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 3 ص 196 مسئلة رقم 341 الطبعة السابقة.
قال على: وقد أوضحنا أن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كله على الفرض حتى يأتى نص آخر أو اجماع متيقن غير مدعى بالباطل على أنه ندب فتقف عنده واذا تنازع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فالرد الى كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فان قالوا
(1)
: قد ورد انكار الضجعة عن ابن مسعود.
قلنا: نعم وخالفه أبو هريرة ومع أبى هريرة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره وعمله وان كان انكار ابن مسعود حجة على غيره من الصحابة رضى الله تعالى عنهم فقد أنكر رضى الله تعالى عنه وضع الأيدى على الركب فى الصلاة وضرب اليدين على ذلك.
وقالوا: لو كانت الضجعة فرضا لما خفيت على ابن مسعود وابن عمر.
فقلنا لهم فهلا قلتهم مثل هذا فى اتمام عثمان رضى الله تعالى عنه بمنى.
فان قالوا
(2)
: فبطلت صلاة من لم يضطجع من الصحابة رضى الله عنهم وغيرهم؟
قلنا: ان المجتهد مأجور يصلى وان خفى عليه النص وانما الحكم فيمن قامت عليه الحجة فعند، حدثنا عبد الرحمن ابن عبد الله بن خالد حدثنا ابراهيم بن أحمد حدثنا الغريرى حدثنا البخارى حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبى أيوب حدثنى أبو الأسود عن عروة بن الزبير عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقه الأيمن قال على: روينا عن طريق حماد بن سلمة عن ثابت البنانى أن أبا موسى الأشعرى وأصحابه كانوا: اذا صلوا ركعتى الفجر اضطجعوا ومن طريق الحجاج بن المنهال عن جرير بن حازم عن محمد بن سيرين قال: أنبئت أن أبا رافع وأنس بن مالك وأبا موسى كانوا يضطجعون على ايمانهم اذا صلوا ركعتى الفجر، وذكر عبد الرحمن بن زيد فى كتاب السبعة أنهم يعنى سعيد ابن السيب والقاسم بن محمد بن أبى بكر وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبد الله بن عبد الله بن عتبه وسليمان ابن يسار رضى الله تعالى عنهم كانوا يضطجعون على ايمانهم بين ركعتى الفجر وصلاة الصبح.
ثم قال ابن حزم
(3)
: فان عجز فقد قال الله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً}
(1)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 197 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 198 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 4 ص 199 الطبعة السابقة.
{إِلاّ وُسْعَها»
(1)
وقال عليه السلام اذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وحكم الناسى ههنا كحكم العامد لأن من نسى عملا مفترضا من الصلاة والطهارة فعليه أن يأتى به لأنه لم يأت بالصلاة كما أمر الا أن يأتى نص بسقوط ذلك عنه وانما يكون النسيان بخلاف العمد فى حكمين: أحدهما سقوط الاثم جملة هنا وفى كل مكان والثانى من زاد عملا لا يجوز له ناسيا وكان قد أوفى جميع عمله الذى أمر به فان هذا قد عمل ما أمر وكان ما زاد بالنسيان لغوا لا حكم له، فان أدرك اعادة الصلاة فى الوقت لزمه أن يضطجع ويعيد الفريضة وان لم يقدر على ذلك الا بعد خروج الوقت لم يقدر على الاعادة ولا يجزئه أن يأتى بالضجعة بعد الصلاة لأنه ليس ذلك موضعها ولا يجزئ عمل شئ فى غير مكانه ولا فى غير زمانه ولا بخلاف ما أمر به لأن هذا كله هو غير العمل المأمور به على هذه الأحوال.
وقال ابن حزم الظاهرى
(2)
: ومن فاتته صلاة الصبح بنسيان أو بنوم فنختار له اذا ذكرها وان بعد طلوع الشمس بقريب أو بعيد أن يبدأ بركعتى الفجر ثم يضطجع ثم يأتى بصلاة الصبح.
مذهب الزيدية:
جاء فى منتقى
(3)
الاخبار وشارحه:
عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: اذا صلى أحدكم الركعتين قبل صلاة الصبح فليضطجع على جنبه الأيمن رواه أحمد وأبو داود والترمذى وصححه، وعن عائشة رضى الله تعالى عنها: قالت:
كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقه الأيمن وفى رواية كان اذا صلى ركعتى الفجر فان كنت مستيقظة حدثنى والا اضطجع - متفق عليه وعن أبى بكرة عند أبى داود بلفظ قال: خرجت مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم لصلاة الصبح فكان لا يمر برجل الا ناداه بالصلاة أو حركه برجله. أدخله أبو داود والبيهقى فى باب الاضطجاع بعد ركعتى الفجر.
والأحاديث المذكورة تدل على مشروعية الاضطجاع بعد صلاة ركعتى الفجر الى أن يؤذن بالصلاة كما فى صحيح البخارى من حديث عائشة.
وقد اختلف فى حكم هذا الاضطجاع على ستة أقوال.
(1)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 200 مسألة رقم 342 الطبعة السابقة.
(3)
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الاخبار تأليف الشيخ الامام المجتهد محمد بن على بن محمد الشوكانى ج 3 ص 23، ص 24، ص 25، ص 26، ص 27 الطبعة الثالثة سنة 1371 هـ طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر.
الأول أنه مشروع على سبيل الاستحباب.
قال العراقى: فممن كان يفعل ذلك أو يفتى به من الصحابة أبو موسى الأشعرى ورافع بن خديج وأنس بن مالك وأبو هريرة.
واختلف فيه على ابن عمر فروى عنه فعل ذلك كما ذكره ابن أبى شيبة فى مصنفه، وروى عنه انكاره.
وممن قال به من التابعين ابن سيرين وعروة وبقية الفقهاء السبعة.
وروينا من طريق يحيى بن سعيد القطان عن عثمان بن غياث أنه حدثه قال: كان الرجل يجئ وعمر بن الخطاب يصلى بالناس فيصلى ركعتين فى مؤخر المسجد ويضع جنبه فى الأرض ويدخل معه فى الصلاة.
والقول الثانى: أن الاضطجاع بعدهما واجب مفترض لا بد من الاتيان به وهو قول أبو محمد بن حزم واستدل بحديث أبى هريرة المذكور.
وحمله الأولون على الاستحباب لقول عائشة رضى الله تعالى عنها: فان كنت مستيقظة حدثنى والا اضطجع وظاهره أنه كان لا يضطجع مع استيقاظها فكان ذلك قرينة لصرف الأمر الى الندب وفيه أن تركه صلى الله عليه وآله وسلم لما أمر به أمرا خاصا بالأمة لا يعارض ذلك الأمر الخاص ولا يصرفه عن حقيقته.
القول الثالث: أن ذلك مكروه وبدعة وممن قال به من الصحابة ابن مسعود وابن عمر على اختلاف عنه فروى ابن أبى شيبة فى المصنف من رواية ابراهيم قال قال ابن مسعود ما بال الرجل اذا صلى ركعتين يتمعك كما تتمعك الدابة أو الحمار، اذا سلم فقد فصل وروى ابن أبى شيبة أيضا من رواية مجاهد قال: صحبت ابن عمر فى السفر والحضر فما رأيته اضطجع بعد ركعتى الفجر وروى سعيد بن المسيب عنه أنه رأى رجلا يضطجع بعد الركعتين فقال:
أحصبوه وروى أبو مجلز عنه أنه قال: ان ذلك من تلعب الشيطان وفى رواية زيد العمى عن أبى الصديق الناجى عنه أنه قال: انها بدعة ذكر ذلك جميعه ابن أبى شيبة.
وممن كره ذلك من التابعين الأسود بن يزيد وابراهيم النخعى وقال: هى ضجعة الشيطان وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ومن الأئمة مالك وحكاه القاضى عياض عن جمهور العلماء.
والقول الرابع: أنه خلاف الأولى روى ابن أبى شيبة عن الحسن أنه كان لا يعجبه الاضطجاع بعد ركعتى الفجر.
القول الخامس: التفرقة بين من يقوم بالليل فيستحب له ذلك للاستراحة وبين غيره فلا يشرع له واختاره ابن العربى وقال: لا يضطجع بعد ركعتى الفجر لانتظار الصلاة الا أن يكون قام الليل فيضطجع استجماما لصلاة الصبح فلا بأس. ويشهد لهذا ما رواه الطبرانى وعبد الرازق عن عائشة أنها كانت تقول أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يضطجع لسنة ولكنه كان يدأب ليله فيستريح وهذا لا تقوم به حجة.
أما أولا فلأن فى اسناده راويا لم يسم كما قال الحافظ فى الفتح وأما ثانيا فلأن ذلك منها ظن وتخمين وليس بحجة وقد روت أنه يفعله والحجة فى فعله وقد ثبت أمره به فتأكد بذلك مشروعيته.
القول السادس: أن الاضطجاع ليس مقصودا لذاته وانما المقصود الفصل بين ركعتى الفجر وبين الفريضة روى ذلك البيهقى عن الشافعى وفيه أن الفصل يحصل بالقعود والتحول والتحدث وليس بمختص بالاضطجاع.
ثم قال الشوكانى: اذا عرفت الكلام فى الاضطجاع تبين لك مشروعيته وعلمت بما أسلفنا لك من أن تركه صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض الأمر للأمة الخاص بهم ولاح لك قوة القول بالوجوب.
والتقييد فى الحديث بأن الاضطجاع كان على الشق الأيمن يشعر بأن حصول المشروع لا يكون الا بذلك لا بالاضطجاع على الجانب الأيسر، ولا شك فى ذلك مع القدرة وأما مع التعذر فهل يحصل المشروع بالاضطجاع على الأيسر أم لا؟ يشير الى الاضطجاع على الشق الأيمن جزم بالثانى ابن حزم وهو الظاهر.
والحكمة فى ذلك أن القلب معلق فى الجانب الأيسر فاذا اضطجع على الجانب الأيسر غلبه النوم، واذا اضطجع على الأيمن قلق لقلق القلب وطلبه لمستقره.
وفى هامش البحر الزخار
(1)
: أن عائشة رضى الله تعالى عنها: قالت: كان النبى صلى الله عليه وآله وسلم يصلى من الليل احدى عشرة ركعة، فاذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقة الأيمن حتى يجئ المؤذن فيؤذن وجاء أيضا فى موضع
(2)
آخر: أن المأثور عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم: أنه كان يصلى ركعتى الفجر فى بيته ثم يضطجع أو يحتبى حتى يأتيه بلال فيؤذنه بالصلاة فيخرج فيصلى الفريضة ويستغنى بها عن ركعتى التحية.
(1)
كتاب البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 2 ص 37 وهامش ص 40 من البحر الزخار طبع مطبعة السادة بمصر سنة 1367 هـ، سنة 1948 م الطبعة الأولى.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 37 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
جاء فى جواهر الكلام
(1)
: أنه يستحب للمصلى الفصل بين صلاة الغداة، ونافلتها المدسوسة فى صلاة الليل باضطجاعه على الجانب الأيمن، ويقرأ الخمس آيات من آخر آل عمران ويدعو بالمأثور أو بسجدة كما هو مقتضى الجمع بين النصوص ولكن فى الذكرى قال الأصحاب ويجوز بدل الضجعة السجدة والمشى والكلام الا أن الضجعة أفضل وهو متجه فى غير السجدة، وقال الصادق عليه السلام فى خبر عمر بن يزيد «ان خفت السهرة فى التكأة فقد يجزيك أن تضع يدك على الأرض ولا تضطجع، وأوما بأطراف أصابعه من كفه اليمنى فوضعها فى الأرض قليلا.
ويستحب أيضا بينهما الصلاة على محمد وآله مائة مرة، وأن يقول سبحان ربى العظيم وبحمده أستغفر الله وأتوب اليه مائة مرة وقراءة الاخلاص أحد عشر مرة.
ويكره النوم بين صلاة الليل والفجر كما روى عن الشيخ والفاضلين القطع بها لخبر ابن بكير ولقول أبى الحسن الأخير عليه السلام فى خبر المروزى «اياك والنوم بين صلاة الليل والفجر، ولكن ضجعة بلا نوم فان صاحبه لا يحمد على ما قدم من صلاته لكن الظاهر أن ذلك حيث يكون اتمامه صلاته قريبا من الفجر، أما اذا قدمها قريبا من نصف الليل فلا ولعله ينزل خبر زرارة عن الباقر عليه السلام «انما أحدكم اذا انتصف الليل أن يقوم فيصلى صلاته جملة واحدة ثلاث عشرة ركعة ثم ان شاء جلس وان شاء نام وان شاء ذهب حيث شاء وفى الوسائل أنه يدل على الجواز وما سبق على الكراهة فلا منافاة ومقتضاه بثبوت الكراهة مطلقا وفيه صعوبة بل لعله ينافيه خبر زرارة عن الباقر عليه السلام «أنى لأصلى صلاة الليل وأفرغ من صلاتى وأصلى الركعتين فأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر فان استيقظت عند الفجر أعدت الركعتين.
مذهب الإباضية:
جاء فى الايضاح
(2)
: المستحب صلاة ركعتى الفجر فى البيت لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما حين ذكر صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بات عند ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم وهى خالته فذكر صلاته ثم قال ثم اضطجع صلى الله عليه وسلم حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين ثم خرج فصلى الصبح.
(1)
جواهر الكلام ج 7 ص 35 وما بعدها الى ص 37 الطبعة السادسة سنة 1377 هـ.
(2)
من كتاب الايضاح تأليف العالم العلامة الشيخ عامر بن على الشماخى ج 1 ص 553 طبع مطبعة الوطن ببيروت سنة 1391 هـ 1971 م
حكم اضطجاع المحتضر والميت
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندية
(1)
: أنه اذا احتضر الرجل وجه الى القبلة على شقه الأيمن وهو السنة كذا فى الهداية وهذا اذا لم يشق عليه فاذا شق ترك على حاله كذا فى الزاهدى.
وجاء فى موضع آخر
(2)
: ويدخل الميت مما يلى القبلة وذلك أن يوضع فى جانب القبلة من القبر ويحمل الميت منه ويوضع فى اللحد فيكون الآخذ له مستقبل القبلة حالة الأخذ كذا فى فتح القدير ويقول واضعه بسم الله وعلى ملة رسول الله كذا فى المتون ويوضع على جنبه الأيمن مستقبل القبلة كذا فى الخلاصة.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية
(3)
الدسوقى على الشرح الكبير: أنه يندب لحاضر الميت الذى حضرته علامات الموت تقبيله للقبلة عند شخوص بصره الى السماء على شق أيمن ثم ظهر ولم يذكر الأيسر تفاؤلا بأنه من أهل اليمين.
وجاء فى موضع آخر
(4)
: وندب ضجع للميت فى القبر على شق أيمن مقبلا للقبلة.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(5)
: أن المحتضر وهو من حضره الموت ولم يمت يضجع على الصحيح لجنبه الأيمن ندبا كالموضوع فى اللحد الى القبلة ندبا أيضا لأنها أشرف الجهات وقوله على الصحيح يرجع للاضطجاع مقابله، فان تعذر وضعه على يمينه لضيق مكان ونحوه كعلة بجنبه فلجنبه الأيسر كما فى المجموع، لأن ذلك أبلغ فى التوجيه من استلقائه، فان تعذر ألقى على قفاه ووجهه وأخمصاه وهما هنا أسفل الرجلين وحقيقتهما المنخفض من أسفلهما للقبلة بأن يرفع رأسه قليلا كأن يوضع تحت رأسه مرتفع ليتوجه وجهه الى القبلة.
ومقابل الصحيح أن هذا الاستلقاء أفضل فان تعذر اضطجع على الأيمن، ويلقن ندبا قبل الاضطجاع كما قاله الماوردى الشهادة وهى لا اله الا الله فان أمكن الجمع بين التلقين والاضطجاع فعلا معا كما قاله ابن الفركاح والا بدأ بالتلقين لخبر مسلم لقنوا موتاكم لا اله الا الله قال فى
(1)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكريه ج 1 ص 157 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 166 الطبعة السابقة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 414 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق وحاشية الدسوقى عليه ج 1 ص 419 الطبعة السابقة.
(5)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 1 ص 324 الطبعة السابقة.
المجموع أى من قرب موته وهو من باب تسمية الشئ بما يؤول اليه كقوله تعالى:
«إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً»
(1)
وروى أبو داود باسناد حسن أنه صلى الله عليه وسلم قال: من كان آخر كلامه لا اله الا الله دخل الجنة.
وجاء فى المهذب
(2)
: أن المستحب أن يضجع الميت فى القبر على جنبه الأيمن لقوله صلى الله عليه وسلم: اذا نام أحدكم فليتوسد يمينه ولأنه يستقبل القبلة فكان أولى ويوسد رأسه بلبنة أو حجر كالحى اذا نام ويجعل خلفه شئ يسنده من لبن أو غيره حتى لا يستلقى على قفاه.
ويكره أن يجعل تحته مضربة أو مخدة أو فى تابوت لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه قال: اذا أنزلتمونى فى اللحد فافضوا بخدى الى الأرض وعن أبى موسى لا تجعلوا بينى وبين الأرض شيئا.
مذهب الحنابلة:
قال الشيخ مجد الدين فى المحرر
(3)
يوجه المحتضر على جنبه الأيمن أو مستلقيا على ظهره.
وعلق على ذلك ابن مفلح فقال: يعنى يجوز هذا ويجوز هذا فيكون تعرض لجواز الأمرين ولم يتعرض للأفضلية ويحتمل أن يكون مراده التخيير وأنه الأولى.
ومنصوص الامام: أن توجيه المحتضر على جنبه الأيمن أفضل.
وذكر المصنف فى شرح الهداية أنه المشهور عنه وأنه قول الأئمة الثلاثة قال:
وهو أصح وهذا اختيار ابن عقيل وغيره، وعن الامام أحمد يوجه مستلقيا على ظهره أفضل وهو الذى فعله عند موته واختاره أكثر الأصحاب وحكاه الشيخ وجيه الدين عن اختيار الأصحاب وعنه التسوية بينهما، ولم أجد أحدا اختارها.
وجاء فى موضع آخر
(4)
: أن الميت يوضع فى اللحد على جنبه الأيمن متوجها الى القبلة كذا ذكر جماعة ولم يبينوا حكم ذلك.
وقال ابن عقيل فيما اذا دفن الى غير القبلة قال أصحابنا: ينبش لأن التوجيه للقبلة مشروع يمكن فعله فلا يترك، لأن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه قد نبشوا لما هو دون هذا فهذا أولى.
ثم قال
(5)
: ولو دفن موجها على يساره أو مستلقيا على ظهره هل ينبش؟ على وجهين.
(1)
الآية رقم 36 من سورة يوسف.
(2)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 137 الطبعة السابقة.
(3)
المحرر فى الفقه ج 1 ص 181 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 203 الطبعة السابقة.
(5)
المحرر فى الفقه ج 1 ص 205 الطبعة السابقة.
وقال الشيخ وجيه الدين: ان خالف وأضجعه على جنبه الأيسر واستقبل القبلة بوجهه جاز وكان تاركا للأفضل وان علموا بذلك بعد الدفن، وان كان قبل أن يهال عليه التراب وجه ووضع على جنبه الأيمن ليحصل شعار السنة.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(1)
: يجعل الميت فى قبره على جنبه اليمين ووجهه قبالة القبلة ورأسه ورجلاه الى يمين القبلة ويسارها على هذا جرى عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة على ظهر الأرض.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(2)
: أن المحتضر يوجه القبلة، والمحتضر هو الذى قد حضرته ملائكة الموت وأمارة ذلك أن لا يطبق بصره قال عليه السلام.
والأولى أن يقال المحتضر هو الذى قد حضره الموت اذ لا طريق لنا الى معرفة حضور الملائكة وأما الموت فأمارات حضوره معروفة فمتى احتضر المريض وجه الى القبلة مستلقيا على ظهره ويصف قدماه الى القبلة ليكون وجهه اليها كالقائم وهذا مذهب الهادى عليه السلام رواه فى الشرح عن المؤيد بالله.
وقال فى الافادة يوجه المحتضر على جنبه الأيمن.
وجاء فى موضع آخر
(3)
: أما الميت فيوضع فى القبر على جنبه الأيمن مستقبلا بوجهه القبلة وهذا لا خلاف فيه.
مذهب الإمامية:
والإمامية لا يستحبون للمحتضر أكثر من استقبال القبلة فقد ذكر صاحب الخلاف
(4)
:
أنه اذا حضر الانسان الوفاة يستحب أن يستقبل به القبلة فيجعل وجهه الى القبلة وباطن رجليه اليها وكذلك يفعل به حال الغسل لاجماع الفرقة وعملهم عليه فانهم لا يختلفون فيه بينما قال الشافعى أن كان الموضع واسعا اضجع على جنبه الأيمن وجعل وجهه الى القبلة كما يجعل عند الصلاة وعند الدفن وان كان الموضع ضيقا فعل به كما قلنا، أما فى الدفن فيؤخذ الرجل من ناحية رجلى القبر ويؤخذ أولا رأسه ويسل وتنزل المرأة عرضا من قدام القبر
(5)
.
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 173 مسألة رقم 615 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 400 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 1 ص 437 الطبعة السابقة.
(4)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 279 مسألة رقم 1 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق فى الفقه ج 1 ص 297 مسألة رقم 89 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: أنه يجعل رأس الميت نحو المغرب - أى الجهة التى تلى سهيلا - ويصلى عليه مستلقيا على ظهره وقفاه بحيث لو أقعد لكان مستقبلا للمشرق وهو ضعيف، لأنه غير مستقبل فى حاله ولو أقعد لاستقبل المشرق أو الشمال أو يجعل رأسه نحو المغرب الموالى لسهيل أو مضطجعا على الأيمن مستقبلا كدفنه فى الوجهين وجازت الصلاة عليه وان كان مستلقيا ورجلاه للقبلة بل هذا والذى قبله أولى وكذا يجوز دفنه عليهما.
وأما الوجه الأول فيلزم منه عدم الاستقبال صلاة ودفنا.
ولعل قوله كدفنه عائد للوجه الثانى، والوجه الثانى هو فيه مستقبل فى الحال، والثالث هو فيه مستقبل لو أقعد لا عكسه وهو جعل رأسه للقبلة مستلقيا كاستدبارها بأن يجعل رأسه نحو المشرق مضطجعا على الأيمن أو نحو المغرب مضجعا على الأيسر أو على وجهه.
وان صلوا عليه أو دفن ورأسه للمشرق مضطجعا على الأيسر مستقبلا جاز بكراهة.
وقيل: لا يستقبل به الا بوجهه مضطجعا على الأيمن نحو المغرب.
ولا يستقبل بغير ذلك الا لضرورة ويدل له قوله صلى الله عليه وسلم:
الامام العادل اذا وضع فى قبره ترك على يمينه وان كان جائرا نقل عن يمينه الى يساره رواه عمر بن عبد العزيز، أفاد الحديث أن وضعه يكون على يمينه.
ولا يتوهم أحد أنه يوضع على يمينه غير مستقبل القبلة لأنه خلاف الأصل وخلاف ما كان النبى صلى الله عليه وسلم يعمله.
وكره بلا اعادة جعل رأسه نحو المشرق مستلقيا وفيه أنه غير مستقبل فى حاله ولا فى حال أقعاده أو مضطجعا على الأيسر وقيل بالاعادة لمخالفة السنة وهو الصحيح.
حكم الاضطجاع فى الطعام
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى
(2)
الهندية: أنه يكره الأكل والشرب متكئا أو واضعا شماله على الأرض أو مستندا كذا فى الفتاوى العتابية.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 682، ص 683 الطبعة السابقة.
(2)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية ج 5 ص 327 الطبعة السابقة.
ولا بأس بالأكل متكئا اذا لم يكن بالتكبر وفى الظهيرية هو المختار كذا فى جواهر الاخلاطى.
مذهب المالكية:
جاء فى بلغة السالك
(1)
: أنه يكره الاتكاء حال الأكل على جنبه قال مالك ولا يأكل الانسان مضطجعا على بطنه ولا متكئا على ظهره لما فيه من البعد عن التواضع ووقت الأكل وقت تواضع وشكر لله على نعمه.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(2)
: أنه يكره الأكل متكئا وهو الجالس معتمدا على وطاء تحته كقعود من يريد الاكثار من الطعام قاله الخطابى وأشار غيره الى أنه المائل الى جنبه ومثله المضطجع كما فهم بالأولى.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع
(3)
: فى أداب الطعام أنه يكره للمرء أن يأكل متكئا أو مضطجعا أو منبطحا.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(4)
:
قال ابن حزم ويكره الأكل متكئا ولا نكرهه منبطحا على بطنه وليس شئ من ذلك حراما لأنه لم يأت نهى عن شئ من ذلك وما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال لما روى البخارى من طريق على بن الأقمر قال: سمعت أبا جحيفة يقول: قال النبى صلى الله عليه وسلم: انى لا اكل متكئا، فليس هذا نهيا أصلا لكنه آثر الأفضل فقط.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(5)
: أن من المكروهات فى الأكل أن يأكل الانسان مستلقيا أو منبطحا أو متكئا على يده.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية
(6)
: أنه يكره الأكل متكئا ولو على كفه لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكل متكئا منذ بعثه الله تعالى الى أن قبضه روى ذلك عن الصادق عليه السلام.
(1)
بلغة السلك لأقرب المسالك على الشرح الصغير ج 2 ص 489 الطبعة السابقة.
(2)
معنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 3 ص 233 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع ج 3 ص 105 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 435 مسألة رقم 1036 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 108 الطبعة السابقة.
(6)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 263 الطبعة السابقة.
وروى الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام عدم كراهة الاتكاء على اليد فى حديث طويل آخره لا والله ما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذا قط وحمل على أنه لم ينه عنه لفظا والا فقد روى عنه عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يفعله.
حكم الاضطجاع فى المسجد
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع
(1)
أنه لا بأس للمعتكف أن ينام فى المسجد، ودليلنا عمومات الكتاب الكريم والسنه من غير فصل بين المسجد وغيره.
أما الكتاب فقول الله تبارك وتعالى، {وَجَعَلْنا نَوْمَكُمْ سُباتاً}
(2)
.
وأما السنة فقد روى أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك فى حال اعتكافه فى المسجد، مع أن الأكل والشرب والنوم فى المسجد فى حال الاعتكاف لو منع منه لمنع من الاعتكاف اذ ذلك أمر لا بد منه.
أما بالنسبة لغير المعتكف فيكره له النوم فى المسجد فقد نقل ابن عابدين فى حاشيته عن جامع الفتاوى أنه يكره النوم فى المسجد لغير المعتكف واذا أراد ذلك ينبغى أن ينوى الاعتكاف فيدخل فيذكر الله تعالى بقدر ما نوى أو يصلى ثم يفعل ما شاء.
ونقل صاحب الفتاوى الهندية هذا القول أيضا عن السراجية الا أنه نقل عن خزانة الفتاوى أنه لا بأس للغريب ولصاحب الدار أن ينام فى المسجد فى الصحيح من المذهب والأحسن أن يتورع فلا ينام.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة
(3)
: قال مالك رضى الله عنه لا يبيت المعتكف الا فى المسجد الذى اعتكف فيه الا أن يكون خباؤه فى رحبة من رحاب المسجد.
وقال مالك ومما يدل على أنه لا يبيت الا فى المسجد قول عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وآله وسلم كان اذا اعتكف لا يدخل البيت الا لحاجة الانسان.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع
(4)
: ما رواه البخارى ومسلم عن عبد الله بن زيد أنه رأى
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 336 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 9 من سورة النبأ.
(3)
المدونة للامام مالك ج 1 ص 236 الطبعة السابقة.
(4)
المجموع ج 4 ص 477 الطبعة السابقة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا فى المسجد واضعا احدى رجليه على الأخرى.
وجاء فى اعانة
(1)
الطالبين أنه يسن ايقاظ النائم للصلاة ان علم أنه غير متعد بنومه أو جهل حاله فان علم تعديه بنومه كأن علم أنه نام فى الوقت مع علمه أنه لا يستيقظ فى الوقت وجب وكذا يستحب ايقاظه اذا رآه نائما أمام المصلين حيث قرب منهم بحيث يعد عرفا أنه سوء أدب أو فى الصف الأول أو محراب المسجد أو على سطح لا حاجز له أو بعد طلوع الفجر وقبل طلوع الشمس وان كان صلى الصبح لأن الأرض تصيح - أى ترفع صوتها - الى من نومة عالم حينئذ أو بعد صلاة العصر أو خاليا فى بيت وحده فانه مكروه أو نامت المرأة مستلقية ووجهها الى السماء أو نام رجل أو امرأة منبطحا على وجهه فانها ضجعة يبغضها الله تعالى.
مذهب الحنابلة:
يرى الحنابلة أن النوم فى المساجد جائز ويكره عندهم الاضطجاع فيه فقد جاء فى كشاف القناع
(2)
: أنه يباح للمعتكف وغيره النوم فى المسجد لأن النبى صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مضطجعا فى المسجد على بطنه فقال ان هذه ضجعة يبغضها الله تعالى رواه أبو داود فأنكر النبى صلى الله عليه وسلم الضجعة ولم ينكر نومه بالمسجد من حيث هو وكان أهل الصفة ينامون فى المسجد.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم
(3)
فى المحلى: السكن فى المسجد والمبيت فيه مباح ما لم يضق على المصلين لما روى عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت: أصيب سعد بن معاذ يوم الخندق فى الأكحل فضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم خيمة فى المسجد ليعوده من قريب فلم يرعهم - وفى المسجد خيمة لقوم من بنى غفار - الا الدم يسيل اليهم فقالوا يا أهل الخيمة ما هذا الذى يأتينا من قبلكم فاذا سعد يغذو جرحه أى يسيل دما فمات منها، وحديث السوداء التى كانت تسكن فى المسجد من طريق أبى أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أيضا، وأهل الصفة كانوا سكانا
(1)
اعانة الطالبين للسيد أبى بكر المشهور بالسيد البكرى بن العارف بالله السيد محمد شطا الدمياطى على حل الفاظ المعين فتح المعين للعلامة زين الدين المنياوى ج 1 ص 120 طبع دار احياء الكتب العربية لأصحابها عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1355 هـ.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 542، ص 543 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 4 ص 241 الطبعة السابقة.
فى المسجد وما روى عن يحيى بن سعيد القطان عن عبيد الله بن عمر أخبرنى نافع أخبرنى عبد الله بن عمر أنه كان ينام وهو شاب أعزب فى المسجد.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(1)
: أنه لا يجوز فى المساجد شئ من أفعال الجوارح الا الطاعات وأنواعها كثيرة كالذكر والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والاشتغال بما يعود نفعه على المسلمين ويستثنى من ذلك أمور منها:
ما ليس مقصودا دخول المسجد من أجله وانما دخل للطاعة وعرض فعله قبل فعلها نحو ما يقع من المنتظر للطاعة فيه من اضطجاع أو اشتغال فيما يعود عليه نفعه من مباح كخياطة ونحوها فان ذلك معفو عنه أيضا. وكذلك ما تدعو الضرورة اليه من اشتغال بالمباحات نحو نزول رجل من المسلمين فيه لأنه لا يجد مكانا والقعود لحاجة خفيفة. قال أبو العباس والمضطر الذى يجوز له النوم فى المسجد وهو من لا يجد كراء ولا شراء ولا عارية فيها منة أما لو كان النائم فيه يقوم لأداء الصلاة أو العبادة لا يتهيأ له مثله فى غيره جاز ومثله فى البيان، قال مولانا عليه السلام وهذا عندنا ضعيف لأنه اذا جاز الوقوف جاز النوم فاللائق أن يقال يجوز لمن لا يجد غيره ملكا أو مباحا.
وجاء فى البحر الزخار
(2)
: أنه يكره النوم فى المسجد الا لمعتكف أو من لا يجد غيره.
وذكر صاحب نيل الأوطار
(3)
: أنه روى عن نافع عن ابن عمر: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا اعتكف طرح له فراشه أو يوضع له سريره وراء اسطوانة التوبة. رواه ابن ماجه وفيه دليل على جواز طرح الفراش ووضع السرير للمعتكف فى المسجد.
وجاء أيضا: عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مستلقيا فى المسجد واضعا احدى رجليه على الأخرى متفق عليه وقوله واضعا احدى رجليه على الأخرى، قال الخطابى فيه أن النهى الوارد عن ذلك منسوخ أو يحمل النهى حيث يخشى أن تبدو عورته والجواز حيث يؤمن من ذلك قال الحافظ الثانى أولى من ادعاء النسخ، لأنه لا يثبت
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 200، ص 201، ص 202 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار فى مذاهب علماء الأمصار ج 1 ص 223 الطبعة السابقة.
(3)
نيل الأوطار ج 4 ص 280 الطبعة السابقة.
بالاحتمال وممن جزم به البيهقى والبغوى وغيرهما من المحدثين.
وجزم ابن بطال ومن تبعه بأنه منسوخ.
يمكن أن يقال أن النهى عن وضع احدى الرجلين على الأخرى الثابت فى مسلم وسنن أبى داود عام، وفعله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك مقصور عليه فلا يؤخذ من ذلك الجواز لغيره صرح بذلك المازرى.
قال: لكن لما صح أن عمر وعثمان كانا يفعلان ذلك دل على أنه ليس خاصا به صلى الله عليه وآله وسلم بل هو جائز مطلقا فاذا تقرر هذا. صار بين الحديثين تعارض، فيجمع بينهما ثم ذكر نحو ما ذكره الخطابى.
قال الحافظ: وفى قوله فلا يؤخذ منه الجواز نظر لأن الخصائص لا تثبت بالاحتمال، والظاهر أن فعله كان لبيان الجواز.
والظاهر على ما تقتضيه القواعد الأصولية ما قاله المازرى من قصر الجواز عليه صلى الله عليه وآله وسلم الا أن قوله لما صح أن عمر وعثمان الخ لا يدل على الجواز مطلقا كما قال لاحتمال أنهما فعلا ذلك لعدم بلوغ النهى اليهما والحديث يدل على جواز الاستلقاء فى المسجد على تلك الهيئة وعلى غيرها لعدم الفارق
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(2)
: أنه يرخص للمقيم فى المسجد اذا أراد حضور جماعة أن ينام فيه فى قائلة وقيل يجوز النوم فيه ولو لمقيم ولو بدون انتظار صلاة ان لم يكن اضرار ونهى النبى صلى الله عليه وآله وسلم أن يضع الرجل احدى رجليه على الأخرى وهو مستلق على ظهره ثم رؤى بعد ذلك واضعا احدى رجليه على الأخرى مستلقيا فى المسجد فأقرب ما أقول أن فعله مبين لهيئة أنه للكراهة لا للتحريم وقيل النهى منسوخ أو محله حيث يخشى أن تبدو العورة ويبحث بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال وكان فعله فى وقت الاستراحة لا عند مجمع الناس لما عرف من وقاره التام فى مجالسة الناس قال الخطابى وفيه جواز الاتكاء فى المسجد والاضطجاع وأنواع الاستراحة وفيه قيل أن الأجر الوارد للملابث فيه لا يختص بالجالس.
وجاء فى الايضاح
(3)
: أنه لا يجوز الرقود فى المسجد لأنه انما جعل
(1)
نيل الأوطار ج 2 ص 166، 167.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 763، ص 764 الطبعة السابقة.
(3)
الايضاح ج 2 ص 584 الطبعة السابقة
لذكر الله والصلاة ولئلا يضر برقوده أهل المسجد الا المسافرين فجائز لهم الرقود فى المسجد لأنهم مضطرون الى ذلك ولا بد منه ورخص بعضهم للمقيمين اذا أرادوا أن يحضروا الصلاة أن يرقدوا فيه وانما يمكن هذا فى القائلة غير أنه قد روى عن أبى عبيدة عن جعفر ابن السماك عن عباد بن تميم عن عمر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستلقيا فى المسجد واضعا احدى رجليه على الأخرى، وفى الأثر: وان جعلوا المجلس فى المسجد فضرهم من يرقد فلهم أن يقيموه ويقيموهم اذا جاء وقت الصلاة فهذا يدل على أن الرقاد فى المسجد لا يجوز والا فلم يقيمونهم لما لم يخاطبوا فيه.
حكم الاضطجاع فى الذبيحة
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندية
(1)
: أن السنة فى البعير أن ينحر قائما معقول اليد اليسرى فان أضجعه جاز والأول أفضل والسنة فى الشاة والبقر أن يذبح كل منهما مضجعا لأنه أمكن لقطع العروق ويستقبل القبلة فى الجميع كذا فى الجوهرة.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية
(2)
الدسوقى على الشرح الكبير: أن كل مذبوح من بقر وغنم وغيرهما يضجع على شقه الأيسر لأنه أيسر للذابح وتوجهه للقبلة وايضاح المحل أى محل الذبح من صوف أو غيره حتى تظهر البشرة، وجاء فى الحطاب
(3)
: يضجع الذبيحة على شق أيسر.
قال ابن عرفة ناقلا عن ابن حبيب أنه لو اضجع الذبيحة على شقها الأيمن اختيارا: أكلت وروى عن ابن القاسم أنه اذا كان أعسر يضجعها على شقها الأيمن لأنه أمكن.
قال ابن حبيب ويكره للأعسر أن يذبح فان ذبح واستمكن أكلت ونقله صاحب التوضيح وغيره.
وقال فى البيان فى كتاب الذبائح فى سماع القرينين سئل مالك عمن يذبح الحمام والطير هكذا وأشار بيده وهو قائم يذبحها ما أراه بمستقيم هذا على وجه الاستخفاف فقيل له أن الصائد فعل ذلك فقال الا أنه غير
(1)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للأوزجندى ج 5 ص 287 الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1310 هـ
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 2 ص 107 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
الحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 3 ص 220، ص 221 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.
فقيه ولا مفلح فقيل له أفتؤكل قال نعم اذا أحسن ذبحها ونقله ابن عرفة وصاحب الشامل وجاء فى التاج والاكليل
(1)
: للحطاب: سمع ابن القاسم تنحر البدن قائمة أحب الى والبقر والغنم تضجع وتذبح على شقها الأيسر وفى كتاب محمد من السنة أخذ الشاة برفق يضجعها على شقها الأيسر للقبلة ورأسها جهة المشرق ويأخذ بيده اليسرى جلد حلقها من اللحى الأسفل فيمده لتبين البشرة فيضع السكين حيث تكون الجوزة فى الرأس ثم يسمى الله تعالى ويمر السكين مرا مجهزا من غير ترديد فيرفع يده دون نخع وقد حدت الشفرة قبل ذلك ولا يضرب بها الأرض ولا يجعل رجله على عنقها ولا يجرها برجلها.
وكره ربيعة ذبحها وأخرى تنظر وكره مالك ذبحها وضجعها على شقها الأيمن الا الأعسر.
وكره ابن حبيب ذبح الأعسر.
ومن المدونة قال ابن القاسم من السنة توجيه الذبيحة الى القبلة فان لم يفعل أكلت وبئس ما صنع.
ونهى مالك الجزارين يدورون حول الحفرة يذبحون حولها وأمرهم بتوجيهها الى القبلة قال محمد من ترك توجيهها للقبلة سهوا فهو معفو عنه وعمدا لا أحب أكلها قال ابن حبيب ان كان عمدا لا جهلا لم تؤكل.
قال فى البيان
(2)
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه أمر أن تحد الشفار وأن يتوارى بها عن البهائم وسع القرينان قال مالك مر عمر ابن الخطاب رضى الله تعالى عنه على رجل قد اضجع شاة وهو يحد شفرة فعلاه بالدرة وقال له علام تعذب الروح ألا حددت شفرتك قبل أن تضجعها.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب
(3)
: أن المستحب أن تنحر الابل معقولة من قيام لما روى أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما رأى رجلا أضجع بدنة فقال قياما سنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم وتذبح البقر والغنم مضجعة لما روى أنس رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده الشريفة ووضع رجليه على صفاحهما وسمى وكبر والبقر كالغنم فى الذبح فكان مثله فى الاضجاع.
(1)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله يوسف الشهير بالمواق ج 3 ص 220، 221 الطبعة السابقة.
(2)
الحطاب ج 3 ص 221.
(3)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 255 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
وجاء فى المجموع
(1)
: أن السنة أن ينحر البعير قائما على ثلاث قوائم معقول الركبة ويستحب أن تكون المعقولة اليسرى فان لم ينحره قائما فباركا والسنة أن تضجع البقرة والشاة على جنبها الأيسر وتترك رجلها اليمنى وتشد قوائمها الثلاث وقد صح عن جابر رضى الله تعالى عنه: أن النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقى من قوائمها رواه أبو داود باسناد صحيح على شرط مسلم والخيل والصيود كالبقر والغنم.
مذهب الحنابلة:
جاء فى نيل المآرب
(2)
: أنه يسن توجيه الحيوان حين الذبح الى القبلة وأن يكون على جنبه الأيسر وفى هداية الراغب
(3)
: أنه يكره أن يوجه الحيوان الى غير القبلة لأن السنة توجيهه اليها على شقه الأيسر.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب
(4)
: أنه ندب قبل الذبح حد الشفرة وأن لا تنظر اليها البهيمة واضجاعها قبل ذبحها ويقبض من الغنم والبقر ثلاث قوائم ويترك الرابعة تركض بها ويضع رجله على كاهلها.
وقال فى البحر الزخار
(5)
: وندب نحر الابل وهى قائمة معقولة والسنة فى البقر والغنم الاضجاع ووضع الرجل على صفاحها لفعله صلى الله عليه وآله وسلم، فان نحرهما جاز لخبر جابر رضى الله تعالى عنه.
فنحرنا البقرة عن سبعة وان ذبح الابل كالبقر حل.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف
(6)
: أن السنة فى الابل النحر وفى البقر والغنم الذبح بلا خلاف فما يذبح يستحب أن يضجع برفق أما ما ينحر فانه يجوز، وينحر البعير قائما وباركا ومضطجعا على جنبه على شريطة أن يكون متجها بنحره وجميع مقاديم بدنه الى القبلة.
(1)
انظر كتاب المجموع شرح المهذب للامام العلامة الحافظ أبى زكريا محيى الدين شرف النووى ج 9 ص 85 طبع مطبعة التضامن الأخوى ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 344 هـ
(2)
نيل المارب بشرح دليل الطالب للشيخ الامام عبد القادر بن عمر الشيبانى ج 2 ص 161 طبع مطبعة ومكتبة محمد على صبيح وأولاده بمصر سنة 1374 هـ، سنة 1954 م
(3)
هداية الراغب لشرح عمدة الطلب لعثمان أحمد النجدى الحنبلى المتوفى سنة 1100 هـ ج 1 ص 544 طبع مطبعة المدنى بمصر سنة 380 هـ، سنة 1960 م.
(4)
التاج المذهب لشرح أحكام المذهب ج 3 ص 463 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار لشرح مذاهب علماء الأمصار ج 4 ص 306 الطبعة السابقة.
(6)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 529 الطبعة السابقة وفقه جعفر الصادق ج 4 ص 358 ووسيلة النجاة ج 2 ص 231 الطبعة السابقة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل
(1)
: أن الذكاة المشروعة أن تضجع الدابة الذبيحة على شقها الأيسر مستقبلا بها ورأسها للمشرق وان جعل رأسها للمغرب واستقبل بها جاز وتذبح بيمين بالنية والتسمية ذكر الله تعالى ولا تحرم الدابة ولو شاة كما مر ان ذبحت قائمة ولا يحرم ما ذبح لغير القبلة ولو بعمد ان لم يعتقد خلاف السنة وان اعتقد فسدت وقيل لا وقيل الاستقبال واجب تفسد بتركه الا أن تركه نسيانا أو لضرورة كخوف فواتها بموت أو غيره وكعدم القدرة على الاستقبال بها وقيل ان تعمد أساء بلا فساد وكذا لا تحرم ان ذبح بشماله لا لقصد المخالفة ولو عمدا وان قصدها فقولان وقيل تحرم بالعمد الا لضرورة مثل أن لا يقدر بيمينه على احسان الذبح.
آداب الاضطجاع
مذهب المالكية:
جاء فى بلغة السالك
(2)
أنه يندب الدعاء ولا سيما عند النوم فقد كان النبى صلى الله عليه وسلم عند النوم يضع يده اليمنى تحت خده الأيمن بعد أن يضطجع على شقه الأيمن ويده اليسرى على فخذه الأيسر ثم يقول اللهم باسمك وضعت جنبى وباسمك أرفعه اللهم ان أمسكت نفسى فاغفر لها وان أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين من عبادك اللهم انى أسلمت نفسى اليك وألجأت ظهرى اليك وفوضت أمرى اليك ووجهت وجهى اليك رهبة ورغبة اليك لا منجأ ولا ملجأ منك الا اليك أستغفرك وأتوب اليك آمنت بكتابك الذى أنزلت وآمنت برسولك الذى أرسلت فاغفرلى ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت أنت الهى لا اله الا أنت أنت ربى قنى عذابك يوم تبعث عبادك.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع
(3)
: أنه اذا أراد الانسان النوم استحب أن يضطجع على شقه الأيمن وكذا يستحب فى كل اضطجاع أن يكون على شقه الأيمن ويكره الاضطجاع على بطنه ويستحب أن يكون على وضوء وأن يذكر الله تعالى وأفضل أذكار هذا الموضع ما ثبت فى الأحاديث منها حديث البراء قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا آوى الى فراشه نام على شقه الأيمن ثم قال: اللهم أسلمت نفسى
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد يوسف اطفيش 2 ص 548 الطبعة السابقة.
(2)
بلغة السالك الى أقرب المسالك ج 2 ص 493 الطبعة السابقة.
(3)
المجموع فى الفقه ج 4 ص 474 وما بعدها الطبعة السابقة.
اليك ووجهت وجهى اليك وفوضت أمرى اليك وألجأت ظهرى اليك رغبة ورهبة اليك لا ملجأ ولا منجأ منك الا اليك آمنت بكتابك الذى أنزلت ونبيك الذى أرسلت رواه البخارى بهذا اللفظ، وفى رواية له فى كتاب الأدب من صحيحه ورواه هو ومسلم من طرق أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للبراء: اذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن وقل، وذكر نحوه وفيه: واجعلهن آخر ما تقول، وعن حذيفة: كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده تحت خده ثم يقول: اللهم باسمك أموت وأحيا واذا استيقظ قال الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور رواه البخارى وعن عائشة رضى الله تعالى عنها كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا طلع الفجر صلى ركعتين خفيفتين ثم اضطجع على شقه الأيمن وعن طخفة الغفارى قال: بينما أنا مضطجع فى المسجد على بطنى اذا رجل يحركنى برجله فقال أن هذه ضجعة يبغضها الله فاذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رواه أبو داود باسناد صحيح.
مذهب الحنابلة:
كان النبى صلى الله عليه وسلم
(1)
ينام على شقه الأيمن ويضع يده اليمنى تحت خده الأيمن ثم يقول اللهم قنى عذابك يوم تبعث عبادك وورد أنه كان اذا أوى الى فراشه للنوم قال: اللهم رب السموات والأرض ورب العرش العظيم فالق الحب والنوى منزل التوراة والانجيل والقرآن أعوذ بك من شر كل ذى شر أنت آخذ بناصيته أنت الأول فليس قبلك شئ وأنت الآخر فليس بعدك شئ وأنت الظاهر فليس فوقك شئ وأنت الباطن فليس دونك شئ اقض عنى الدين وأغننى من الفقر، وكان النبى صلى الله عليه وسلم إذا عرس بليل اضطجع على شقه الأيمن واذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه وقال أبو حاتم كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا عرس بالليل توسد يمينه واذا عرس قبيل الصبح نصب ساعده.
وجاء فى المغنى
(2)
لابن قدامة: أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا صلى ركعتى الفجر اضطجع على شقه الأيمن.
مذهب الزيدية:
جاء فى السيل الجرار
(3)
: الأولى أن يكون النوم على الشق الأيمن لا مستلقيا
(1)
زاد المعاد ج 1 ص 39 الطبعة السابقة.
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 767 الطبعة السابقة.
(3)
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار لشيخ الاسلام محمد بن على الشوك نى الجزء الأول ص 335 طبع بمطابع الاهرام التجارية تحقيق قاسم غالب أحمد ومحمود أمين النواوى ومحمود ابراهيم زايد وبسيونى رسلان.
لما ورد فى أحاديث من الارشاد منه صلى الله عليه وسلم الى أن يكون النوم على الشق الأيمن وقال فى بعض الأحاديث الثابتة فى الصحيحين وغيرهما بلفظ «اذا أويت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن» قال فى آخره «فان مت من ليلتك فأنت على الفطرة» فان هذا فيه دليل على أنه انما أرشد الى ذلك لأن النائم اذا مات مات على الفطرة وروى عن عبد الله بن زيد عند النسائى والترمذى وأحمد بلفظ: كان اذا نام وضع يده اليمنى تحت خده.
مذهب الإمامية:
جاء فى جواهر
(1)
الكلام: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لفاطمة رضى الله تعالى عنها وعلى عليه السلام: اذا أخذتما منامكما فكبرا أربعا وثلاثين تكبيرة وسبحا ثلاثا وثلاثين تسبيحة واحمدا ثلاثا وثلاثين تحميدة.
وجاء فى موضع آخر
(2)
: أنه روى هشام بن سالم عن الصادق عليه السلام قال: تسبيح فاطمة عليها السلام اذا أخذت مضجعك فكبرى الله أربعا وثلاثين واحمدى ثلاثا وثلاثين وسبحيه ثلاثا وثلاثين.
مذهب الإباضية:
جاء فى قناطر الخيرات
(3)
: أنه يندب للمرء أن ينام مستقبل القبلة وذلك على وجهين اما أن ينام مستلقيا على قفاه وأما على جنبه الأيمن ووجهه الى القبلة كاستقبال اللحد ويستحب أن يقرأ الآيات المخصوصة مثل آية الكرسى وآخر البقرة والاهكم الاه واحد الآية، ويقرأ ان ربكم الله الذى خلق السموات والأرض الأية، ويقرأ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن الى آخر بنى اسرائيل، ويقرأ المعوذتين فى يديه ويمسح بهما وجهه وجسده روى ذلك من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ويندب أن يكون على طهارة وأن يستاك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا نام العبد على طهارة عرج بروحه الى العرش فكانت رؤياه صادقة وان لم ينم على طهارة قصرت روحه عن البلوغ فتلك المنامات أضغاث أحلام لا تصدق وهذا أريد به طهارة الظاهر والباطن جميعا وطهارة الباطن هو المؤثر فى كشف حجب الغيب وأن يعد طهوره وسواكه عند رأسه وينوى القيام للعبادة عند التيقظ فكلما انتبه استاك كذلك عادة السلف وقد كان يستاك النبى صلى الله عليه وسلم عند نومه وان لم تمكنه الطهارة فليمسح أعضاءه بالماء قيل يستحب ذلك وان
(1)
جواهر الكلام ج 10 ص 397 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 401 الطبعة السابقة.
(3)
قناطر الخيرات ج 3 ص 443، ص 444، ص 445 الطبعة السابقة
لم يجد فليقعد وليستقبل القبلة وليشتغل بالذكر والدعاء والتفكر فذلك يستحب وقال عليه الصلاة والسلام:
من أتى فراشه وهو ينوى أن يقوم يصلى من الليل فغلبته عيناه كتب له ما نوى وكان نومه صدقة عليه من الله تعالى ومن آداب النوم أن لا يبيت الا ووصيته عنده مكتوبة فانه لا يأمن القبض من النوم وأن ينام تائبا سليم القلب لجميع المسلمين، وعن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من آوى الى فراشه لا ينوى ظلم أحد ولا يحقد على أحد غفر الله له ما جرم.
ومن آداب النوم أن لا ينام ما لم يغلبه النوم ولا يتكلفه الا اذا قصد به الاستعانة على القيام آخر الليل فقد كان السلف الأصفياء رضوان الله تعالى عليهم نومهم غلبة وأكلهم فاقة وكلامهم ضرورة ولذلك وصفوا بأنهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون.
ومن آدابه أيضا أن يتذكر عند النوم أن النوم نوع وفاة والتيقظ نوع بعث قال الله تعالى «اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها» الى آخر الآية، ويندب الدعاء عند تقلباته بما كان النبى صلى الله عليه وسلم يقوله وذلك لا اله الا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار، وليجتهد أن يكون آخر ما يرد على قلبه عند النوم ذكر الله فهو أول ما يرد على قلبه عند التيقظ فهو علامة الحب ولا يلازم القلب فى هاتين الحالتين الا ما هو الغالب عليه فليجرب نفسه فانها علامة تكشف عن باطن القلب فاذا استيقظ قال الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا واليه النشور.
اضطرار
معنى الاضطرار فى اللغة:
جاء فى لسان العرب
(1)
الاضطرار الاحتياج الى الشئ وقد اضطره اليه أمر والاسم الضرة.
ثم قال والضرورة كالضرة ورجل ذو ضارورة وضرورة أى ذو حاجة وقد اضطر الى الشئ أى ألجئ اليه.
وجاء فيه عن الليث: الضرورة اسم لمصدر الاضطرار تقول حملتنى الضرورة على كذا وكذا وقد اضطر فلان الى كذا وكذا.
معنى الاضطرار عند الفقهاء:
يقول الحموى عن الضرورة أنها «بلوغه حدا ان لم يتناول الممنوع يهلك
(2)
».
(1)
لسان العرب ج 19 ص 483.
(2)
حاشية الحموى على الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 108 طبعة سنة 1899 م.
ويقول بعض المالكية: انها الخوف على النفس من الهلاك علما أو ظنا
(1)
.
وقد علق بعضهم على ذلك فقال وهل الاضطرار هو خوف الهلاك أو خوف الضرر؟ قولان: لمالك والشافعى.
ثم قال بعد هذا: وذهب مالك الى أن الاضطرار خوف
(2)
الهلاك.
الاضطرار والضرورة
لما كان الضرر هو أصل كل من هاتين الكلمتين - كما قرر ذلك علماء اللغة ولما كان الفقهاء يعبرون عن حالة خوف الهلاك تارة بكلمة الضرورة وتارة أخرى بكلمة الاضطرار فان ذلك يدل على أن كلا منهما يؤدى نفس المعنى المراد من الآخر.
أثر الاضطرار فى التشريع الاسلامى
وحكمة مشروعيته
من رحمة الله بعباده أن شرع لهم أحكاما تنير لهم الطريق فى أمور دينهم ودنياهم فبين الحلال وأباحه لهم، لأنه سبحانه خلق الخلق وهو يعلم ما تقوم به أبدانهم وما يصلحهم فأحله الله لهم كما بين الحرام، لأنه عز وجل علم ما يضر عباده حين خلقهم فنهاهم عنه وحرمه عليهم ولكنه أحل هذه المحرمات للمضطر فى الوقت الذى لا يقوم بدنه الا به ولذلك فان الأثر المباشر لنظرية الاضطرار هو اباحة بعض المحرمات وعلى وجه خاص المطعومات والمشروبات.
وقد قال الفقهاء ان هناك أفعالا يبيحها الاضطرار وهى: التناول من المطعوم والمشروب المحرم كالميتة والدم ولحم الخنزير وطعام الغير، وأفعالا يرخص الاضطرار فيها ومثلوا لها باجراء المكره كلمة الكفر على لسانه من غير أن يعتقدها جنانه لقوله تعالى:«إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ» وهذه الحالة تراجع فى موضعها (انظر مصطلح اكراه).
كما انهم قالوا: ان الاضطرار لا يبيح القتل ولا يرخص فيه باستثناء قتل الصائل، وكذلك لا يبيح ولا يرخص فى جريمة الزنا لأنه قتل للنفس بالضياع الا أن الفقهاء قد اختلفوا فى وجوب الحد للشبهه، وقد تناول الفقهاء هذه المسألة بصورة واضحة فى باب الاكراه فليرجع اليه فى المصطلح الخاص به.
وأما عدم تأثيره فى جريمة القتل فسيتبين من عرض النصوص الفقهية
(1)
الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 115 طبع المكتبة التجارية.
(2)
شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 3 ص 326.
المتعلقة بذلك بعد الفراغ من النصوص الخاصة باباحة المطعوم والمشروب المحرم عند الاضطرار.
وقد نص العلماء الذين كتبوا فى القواعد العامة - فى الفقه الاسلامى - ان الحكمة من اباحة بعض المحرمات فى حالات الاضطرار ترجع - بصفة عامة الى ازالة الضرر عن المكلفين وهو ما عبر عنه علماء الأصول بالقاعدة الشرعية المعروفة الضرر يزال:
وقد قال العلامة جلال الدين السيوطى عن أصل قاعدة: (الضرر يزال) أصلها قوله صلى الله عليه وآله وسلم (لا ضرر ولا ضرر
(1)
.
وقال العلامة ابن نجيم: ويتفرغ عن هذه القاعدة قواعد:
الأولى: الضرورات تبيح المحظورات، ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة واساغة اللقمة بالخمر والتلفظ بكلمة الكفر للاكراه واتلاف المال
…
ودفع الصائل
(2)
.
فالأفعال المحرمة التى تبيحها (الضرورة) ترجع الحكمة من تحريمها أما الى المحافظة على نفس الفاعل كما هو الحال فى شرب الخمر وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير اذ أن تناول هذه المحرمات يضر - قبل كل شئ - بصحة الآكل والشارب فهى محرمة لمصلحته لا لمصلحة أحد سواه فكانت الحكمة الالهية اباحة تناولها متى أدى تحريمها عليه الى الحاق ضرر جسيم به يتمثل فى خوف الهلاك أو التلف.
وأما ان ترجع الحكمة من تحريم بعض هذه الأفعال التى من هذا النوع الى مصلحة الغير كما هو الحال فى جرائم الأموال ولكن لما كان الضرر الذى يلحق بهذا الغير من جراء أخذ المال هو فى الواقع ضرر لا يذكر ولا يساوى شيئا بجانب خطر الجوع الذى يهدد المضطر بالهلاك كان من العدل أن يباح تناول طعام الغير لسد رمق الجوع حفظا للمهج وابقاء للأرواح خصوصا اذا ما أخذنا فى الاعتبار أن جمهور الفقهاء على وجوب تعويض صاحب الطعام فى الحال أو فى المآل، لأن الاضطرار لا ينافى الضمان، فهو على ذلك لن يناله ضرر ما، وحتى على القول بعدم التعويض، لأن للمضطر حقا فيما أخذ لاحياء نفسه - فان الضرر الذى سيعود على المالك ضرر يسير محتمل بالقياس الى الخطر الجسيم الذى يهدد نفس المضطر.
وانما لم يؤثر الاضطرار فى جريمة القتل باستثناء قتل الصائل، لأن
(1)
الاشباه والنظائر فى فروع الشافعية للامام جلال الدين السيوطى ص 93 طبعة سنة 1959 م.
(2)
الاشباه والنظائر لابن نجيم ص 107 - 108
مبدأ ازالة الضرر مقيد بالقاعدة الشرعية:
(الضرر لا يزال بالضرر)، وقد علل بعض العلماء ذلك بقوله: لأن ازالته بالضرر هى عين الضرر
(1)
، ولذلك فقد نص الفقهاء على أنه لا يجوز للمضطر أن يتناول طعام مضطر آخر، ولا يجوز له أن يقتل غيره لاحياء نفسه، لأن مفسدة قتل نفسه أخف من مفسدة قتل غيره.
وأما حكمة استثناء دفع الصائل ولو بالقتل اذا كان قتله هو الوسيلة الوحيدة لرد كيده وتجنب أذاه، فلأنه هو الذى بدأ بالعدوان وهو باعتدائه قد أهدر دمه، قال الله تعالى {(فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ)} .
وقد روى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمهما الله تعالى أن الحكمة من اباحة قتل الصائل ترجع الى أن عدم قتله سيؤدى الى خسارة نفسية، وأما فى حالة قتله فلن تخسر الجماعة الا نفس المعتدى فقط.
وبيان ذلك أن اباحة قتل الصائل احقاق للحق وابطال للباطل ولكن عدم اباحة قتله سيؤدى الى تمكينه من تنفيذ جريمته وهى قتل نفس بغير حق، واذا فعل ذلك فانه يقتل به قصاصا فكان فيه اتلاف
(2)
نفسين، بعكس الحالة الأولى فليس فيها الا اتلاف نفس واحدة.
الاضطرار الى تناول المطعوم
والمشروب المحرم
(3)
.
وقد أخذ الفقهاء حكم الاضطرار فى المطعوم والمشروب المحرم من هذه الآية الثانية وغيرها من الآيات المشابهة مثل قوله تعالى {(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ.)}
(4)
والاضطرار الى المطعومات والمشروبات المحرمة يتناول ما يأتى:
(أ) الاضطرار الى الميتة وما فى حكمها
(ب) الاضطرار الى شرب الخمر.
(ج) الاضطرار الى طعام الغير.
(1)
الاشباه والنظائر لابن السبكى مخطوط بمكتبة الأزهر الورقة رقم 11
(2)
البدائع ج 7 ص 93 طبعة سنة 1910 م.
(3)
الآيات رقم 172، 173 من سورة البقرة
(4)
الآية رقم 119 من سورة الانعام.
(أ) الاضطرار الى الميتة
وما فى حكمها
الأصل فى الميتة والدم ولحم الخنزير أنها محرمة تحريما قاطعا فى الظروف العادية - كما هو معلوم من آيات كتاب الله تعالى أما فى الظروف الاستثنائية التى يضطر فيها المرء الى تناول قدر منها لكى ينقذ به حياته من الهلاك فانه يباح له أن يتناول هذا القدر متى كان من المستحيل عليه أن يجد شيئا آخر سواها - مباحا بحكم الأصل - يدفع به الهلاك عن نفسه.
وهذا الحكم - وهو الاباحة - محل اتفاق بين الفقهاء - كما يظهر ذلك من النصوص الآتية:
مذهب الحنفية:
أكل الميتة والخنزير فى حالة الاضطرار باق على الاباحة الأصلية
(1)
لأن الله تعالى استثنى حالة الضرورة فى قوله {(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)} والاستثناء من التحريم اباحة اذ الكلام صار عما وراء المستثنى وقد كان مباحا قبل التحريم فبقى على ما كان عليه فى حالة الضرورة
(2)
.
ويرى الحنفية أن تناول الميتة واجب فى حالة الاضطرار اليها، لأنه لو لم يأكل حتى يموت كان آثما لا لقائه بنفسه الى التهلكه
(3)
.
وفى رواية عن أبى يوسف أن الحرمة لا ترتفع فى حالة الاضطرار وانما الذى يرتفع هو الاثم فقط كما فى الاكراه على الكفر فلا يأثم بالامتناع
(4)
.
مذهب المالكية:
قال مالك: من أحسن ما سمعت فى الرجل يضطر الى الميتة أنه يأكل منها .. فان وجد عنها غنى طرحها - قال - أبو عمر حجة مالك أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة ..
حتى يجد غيرها فتحرم
(5)
عليه.
ويرى المالكية أن تناول الميتة يصبح واجبا فى حالة الاضطرار
(6)
.
مذهب الشافعية:
من ظن من الجوع الهلاك أى هلاك نفسه أو جوز تلفها وسلامتها على السواء كما حكاه الامام عن صريح كلامهم - أو ظن منه ضعفا يقطعه عن الرفقة أو
(1)
التحرير ج 2 ص 228
(2)
كشف الاسرار ج 4 ص 1518.
(3)
تيسير التحرير ج 2 ص 232
(4)
المرجع السابق نفس الموضع.
(5)
التاج والاكليل لمختصر خليل ج 3 ص 223 هامش مواهب الجليل.
(6)
الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 115
مرضا مخوفا وكذا لو خاف طوله، ولم يجد فى كل منهما حلالا لزمه أكل الميتة والخنزير ونحوهما من المحرمات
(1)
.
فهم يرون أن تناول الميتة عند الاضطرار واجب، ويعبرون عن ذلك بالوجوب أحيانا وباللزوم أحيانا أخر
(2)
،
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يباح أكل الميتة فى حالة الاضطرار للحاجة الى حفظ النفس من الهلاك وكذلك سائر المحرمات، ويجب عليه الأكل بقدر ما يسد رمقة ويأمن معه الموت وليس له الشبع
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم فى الميتة والدم ولحم الخنزير ان هذه الأشياء نجسة فى الأصل ولا يحل تناولها وانها تصبح فى حال الاضطرار طاهرة ويحل تناولها (وما أباحه الله تعالى عند الضرورة فليس فى تلك الحال خبيثا بل هو حلال طيب لأن الحلال ليس
(5)
خبيثا.
قال ابن حزم فى المحلى وفرض على الانسان أخذ ما اضطر اليه فى معاشه فان لم يفعل فهو قاتل لنفسه وهو عاص لله تعالى لأن قوله تعالى ولا تقتلوا أنفسكم عام لكل ما اقتضاه لفظه وبالله تعالى التوفيق
(6)
.
مذهب الزيدية:
لمن خشى التلف التناول من الميتة ونحوها لقول الله تعالى {(فَمَنِ اضْطُرَّ} .. الآية) وسواء خاف من جوع أو مرض ان لم يتناول أو يعجز عن مشى أو معه داء لا يذهبه الا المحرم، فان خشى طول الالم حتى يخشى التلف فوجهان ..
اصحهما يباح له - كما لو - خشى التلف فى الحال لتأديته الى الخوف
(7)
.
وفى وجوب التناول عندهم وجهان
(8)
.
أحدهما أنه يجب دفعا للضرورة.
والثانى أنه لا يجب ايثارا للورع.
مذهب الإمامية:
يجوز
(9)
أكل الميتة ولحم الخنزير فى حال الاضطرار اليه وهم يرون أن التناول من الميتة أو لحم الخنزير واجب فى حال الاضطرار بل لقد روى عن الصادق عليه السلام أنه قال:
«من اضطر الى الميتة والدم ولحم
(1)
اسنى المطالب ج 1 ص 570 المطبعة اليمنية بالقاهرة سنة 1313 هـ
(2)
الاقناع ج 2 ص 273
(3)
اسنى المطالب ج 1 ص 570
(4)
كشاف القناع ص 116 ج 4، المغنى ج 11 ص 73
(5)
المحلى ج 1 ص 176 طبع سنة 1347 هـ
(6)
المحلى ج 11 ص 343.
(7)
التاج المذهب ج 3 ص 473 طبع سنة 1346 هـ
(8)
البحر الزخار ج 4 ص 332.
(9)
من لا يحضره الفقيه ج 3 ص 217
الخنزير فلم يأكل حتى يموت فهو كافر.
مذهب الإباضية:
جاز لخائف من موت أو ذهاب عضو من أعضائه بجوع أو عطش تنجية نفس ولو فى رمضان فى حضر بأكل حلال أو شرب حلال ولا سيما فى صوم غير رمضان أو بأكل أو شرب محرم وان برمضان فى حضر كلحم ميته ولبنها ودمها ولحم خنزير.
وان مات جوعا فى رمضان وقد وجد ما يأكل، أو مات وترك الميتة أو الدم أو لحم الخنزير ففى النار
(1)
.
القدر المسموح بتناوله من الميتة
مذهب الحنفية:
لا يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة أو من لحم الخنزير وما فى حكمها الا قدر ما يسد به رمقه، أى القدر اللازم لدفع حالة الاضطرار. وقد حدد الحنفية المقدار الذى تندفع به الضرورة بمقدار ما يتمكن به من الصلاة قائما
(2)
.
مذهب المالكية:
يجوز للمضطر أن يأكل من الميتة حتى يشبع بل ويتزود منها، فقد جاء فى التاج والاكليل على مختصر خليل «ونص الموطأ قال مالك: من أحسن ما سمعت فى الرجل يضطر الى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها، فان وجد عنها غنى طرحها وحجة مالك رحمه الله أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة فاذا كانت حلالا له أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها فتحرم عليه
(3)
.
مذهب الشافعية:
يباح للمضطر أن يتناول من الميتة قدر ما يسد رمقه - هذا هو الاصل - ولكنهم يرون أن المضطر اذا خشى الهلاك على نفسه مستقبلا دون قطع البادية بأن خاف ألا يقطعها ويهلك ان لم يزد على سد الرمق فتباح له الزيادة بل تلزمه لئلا يهلك نفسه بأن يأكل حتى يكسر سورة الجوع بحيث لا يطلق عليه اسم جائع
(4)
.
مذهب الحنابلة:
نص الحنابلة على اباحة ما يسد الرمق وعلى تحريم ما يزيد على الشبع.
وعندهم فى الشبع روايتان.
(1)
شرح النيل ج 9 ص 206.
(2)
الدر المختار ج 5 ص 295 - 296 هامش حاشية ابن عابدين.
(3)
التاج والاكليل ج 3 ص 233.
(4)
أسنى المطالب ج 1 ص 570
الأولى: لا يباح لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر اليه، فاذا اندفعت الضرورة لم يحل له الأكل كحالة الابتداء لأنه بعد سد الرمق غير مضطر فلم يحل له الأكل للآية.
والرواية الثانية يباح له الشبع لما روى جابر بن سمرة أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته: اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله فقال: هل عندك غنى يغنيك؟ قال:
لا قال: «فكلوها، ولم يفرق ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح
(1)
.
ويرى ابن قدامه التفريق بين ضرورة مستمرة وأخرى يرجى زوالها وقال يحتمل أن يفرق بين ما اذا كانت الضرورة مستمرة وبين ما اذا كانت مرجوة الزوال، فما كانت مستمرة كحالة الاعرابى الذى سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاز الشبع، لأنه اذا اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة اليه عن قرب، ولا يتمكن من البعد من الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضى الى ضعف بدنه، وربما أدى ذلك الى تلفه بخلاف التى ليست مستمرة فانه يرجو الغنى عنها بما يحل
(2)
له.
مذهب الظاهرية:
بعد أن ذكر ابن حزم المحرمات من المأكل والمشارب «من خنزير أو صيد حرام أو ميتة أو دم أو لحم سبع طائر أو ذى أربع أو حشرة أو خمر قال» فمن اضطر الى شئ مما ذكرنا قبل .. فله أن يأكل حتى يشبع يتزود، حتى يجد حلالا، فاذا وجد، عاد الحلال من ذلك حراما كما كان عند ارتفاع الضرورة.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: (ولا يحل للمضطر مما يحرم بنفسه أكثر من سد الرمق لزوال الضرورة بسده، لقوله تعالى «غَيْرَ باغٍ» أى غير متلذد ولا مجاوز لدفع الضرورة
(3)
.
مذهب الإمامية:
الظاهر من مذهبهم الاقتصار على القدر اللازم لا زالة حالة الاضطرار - فقد روى محمد بن عذافر عن أبيه عن أبى جعفر عليه السلام أنه قال:
ثم أحله للمضطر - أى أحل الله الميتة والدم ولحم الخنزير عند الاضطرار فى الوقت الذى لا يقوم بدنه الا به فأمرهم أن يناله منهم بقدر البلغة لا غير ذلك
(1)
.
(1)
المغنى ج 11 ص 73 - 74.
(2)
المغنى ج 11 ص 73 - 74.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 332.
(4)
من لا يحضره الفقيه ص 400.
مذهب الإباضية:
من خاف الموت فى رمضان أكل ما يقوته وقيل لا يعرف له حد دون الشبع
(1)
.
حكم العاصى بسفره اذا أداه
سفره الى الاضطرار
مذهب الحنفية:
يقول الجصاص: ان العاصى بسفره متى ترك الأكل فى حال الضرورة حتى مات كان مرتكبا لضربين من المعصية.
أحدهما: خروجه فى معصية.
والثانى: جنايته على نفسه بترك الأكل، وأيضا فالمطيع والعاصى لا يختلفان فيما يحل لهما من المأكولات أو يحرم، ألا ترى أن سائر المأكولات التى هى مباحة للمطيعين هى مباحة للعصاة كسائر الأطعمة والأشربة المباحة، وكذلك ما حرم من الأطعمة والاشربة لا يختلف فى تحريمه حكم المطيعين والعصاة فلما كانت الميتة مباحة للمطيعين عند الضرورة وجب أن يكون كذلك حكم العصاة فيها كسائر الأطعمة المباحة فى غير حالة الضرورة
(2)
.
مذهب المالكية:
لا يفرق المالكية بين العاصى بسفره والمطيع فى اباحة المحرمات عند الاضطرار اليها على المشهور عندهم حيث جاء فى حاشية الدسوقى تعليقا على عبارة خليل وهى (للضرورة ما يسد الرمق) ما يلى انها تتناول المتلبس بالمعصية كما هو مختار ابن يونس وشهره القرافى.
خلافا لمن قال لا يباح له تناول الميتة وتمسك بظاهر قوله تعالى:
{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ،} وقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ} .
وأجاب أصحاب القول المشهور بأن المراد غير باغ فى نفس الضرورة بأن يتجانف ويميل فى الباطن لشهوته ويتمسك فى الظاهر بالضرورة كأنه قيل فمن اضطر اضطرارا صادقا فاذا عصى فى نفس السبب المبيح كأن كذب فى الضرورة وبغى وتعدى فيها وتجانف الاثم كانت كالعدم.
ثم بين القرطبى أن اتلاف المرء نفسه فى سفر المعصية أشد من المعصية لقوله تعالى {(وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ)} وهذا عام ولعله يتوب فى ثانى حال فتمحو التوبة عنه ما كان فمن امتنع عن المباح كان قاتلا لنفسه عند جميع أهل العلم ولا يختلف فى ذلك عندهم حكم العاصى والمطيع بل امتناعه عند ذلك عن الأكل زيادة على عصيانه فوجب أن يكون حكمه وحكم المطيع سواء فى استباحة الأكل عند الضرورة
(3)
.
(1)
شرح النيل ج 9 ص 206.
(2)
أحكام القرآن للجصاص ج 1 ص 126 وما بعدها.
(3)
أحكام القرآن للقرطبى ج 2 ص 232.
مذهب الشافعية:
يستثنى الشافعية العاصى بسفره فلا تباح له الميتة عند اضطراره اليها حتى يتوب قال الاذرعى ويشبه أن يكون العاصى باقامته كالمسافر اذا كان الأكل عونا له على الاقامة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامه فى بيان حكم العاصى بسفره عند الاضطرار الى الميتة:
قال أصحابنا ليس للمضطر فى سفر المعصية الأكل من الميتة كقاطع الطريق والآبق لقول الله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» قال مجاهد غير باغ على المسلمين ولا عاد عليهم وقال سعيد بن جبير اذا خرج يقطع الطريق فلا رخصة له فان تاب وأقلع عن معصيته
(2)
حل له الأكل.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: ومن كان فى سبيل معصية كسفر أو قتال لا يحل فلم يجد شيئا يأكله الا الميتة أو الدم أو خنزيرا، أو لحم سبع أو بعض ما حرم عليه لم يحل له أكله حتى يتوب فان تاب فليأكل حلالا، وان لم يتب فان أكل أكل حراما وان لم يأكل فهو عاص لله تعالى بكل حال .. لأن الله تعالى لم يبح له ذلك الا فى حال يكون فيها غير متجانف لاثم ولا باغيا ولا عاديا وأكله ذلك عون على الاثم والعدوان وقوة له على قطع الطريق وفساد السبيل وقتل المسلمين وهذا عظيم جدا .. وما أمرناه قط بقتل نفسه بل قلنا له أفعل ما افترض الله عليك من التوبة واترك ما حرم عليك من السعى فى الأرض بالفساد والبغى وكل فى الوقت حلالا طيبا
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الرخار أن الباغى كغيره فى حكم الاضطرار فالزيدية على هذا لا يفرقون بين العاصى والمطيع ثم ذكر بعد ذلك قولا آخر بالتفرقة بينهما لظاهر الآية وعلق عليه بقوله قلنا المراد بها ما ذكرنا ليوافق القياس والذى ذكره فى المراد من قوله تعالى «غَيْرَ باغٍ» أى غير متلذذ ولا مجاوز لدفع الضرورة
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب من لا يحضره الفقيه قلت يا ابن رسول الله ما معنى قوله تعالى
(1)
مغنى المحتاج ج 4 ص 307.
(2)
المغنى ج 11 ص 74 - 75.
(3)
المحلى ج 7 ص 426.
(4)
البحر الزخار ج 4 ص 333.
{(غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ)} قال: العادى السارق والباغى الذى يبغى الصيد بطرا ولهوا لا ليعود به على عياله وليس لهما أن يأكلا من الميتة اذا اضطر فهى حرام عليهما فى حال الاضطرار كما هى حرام عليهما فى حال الاختيار
(1)
. فالشيعة الجعفرية على هذا يفرقون بين المطيع والعاصى بصفة عامة فالأول يباح له الميتة عند الاضطرار والثانى لا تباح له كما هو ظاهر من تفسير الامام جعفر الصادق رضى الله عنه للآية المذكورة.
الاضطرار الى الخمر
الاضطرار الى الخمر أما أن يكون للتداوى بها، واما للعطش الشديد عند فقد الماء واما لازالة الغصة.
مذهب الحنفية:
قال الكاسانى من شروط اقامة الحد على شارب الخمر عدم الضرورة فلا حد على من أكره على شرب الخمر ولا على من أصابته مخمصة اذ (الشرب لضرورة المخمصة والاكراه حلال
(2)
.
وفى ضرورة التداوى يقول الحموى:
(وهل يجوز للعليل شرب الخمر للتداوى؟ وجهان .. الا ترى أن العطشان رخص له فى شرب الخمر ورخص للجائع الميتة
(3)
.
غير أن عبارة الدر تفيد الاباحة من غير اشارة الى خلاف حيث قال كل تداو لا يجوز الا بطاهر وجوزه فى النهاية بمحرم اذا أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاء ولم يجد مباحا يقوم مقامه قلت وفى البزازية معنى قوله عليه الصلاة والسلام ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم نفى الحرمة عند العلم بالشفاء ودل عليه جواز اساغة اللقمة بالخمر وجواز شربها لازالة العطش.
الا أن ابن عابدين قد فرق بين اساغة اللقمة بالخمر وشربها للعطش وبين التداوى حيث قال اساغة اللقمة بالخمر وشربها لازالة العطش أحياء لنفسه متحقق النفع ولذا يأثم بتركه كما يأثم بترك الأكل مع القدرة عليه حتى يموت بخلاف التداوى ولو بغير محرم فانه لو تركه حتى مات لا يأثم كما مصوا عليه لأنه مظنون
(4)
.
مذهب المالكية:
نص المالكية على أنه لا حد على من
(1)
من لا يحضره الفقيه ص 399
(2)
البدائع ج 7 ص 39 طبعة سنة 1910 م
(3)
حاشية الحموى على الاشباه والنظائر ص 108 طبع سنة 1312 هـ.
(4)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 343 طبع سنة 1299.
شرب خمرا لا ساغة الغصة اذا خاف على نفسه الهلاك منها
(1)
لأن اساغة الغصة بالخمر واجبة اذا خاف على نفسه الهلاك ولم يجد غيرها
(2)
.
أما شرب الخمر لازالة العطش الشديد فغير جائز عند المالكية اذ روى عن الامام مالك أنه قال: لا يشربها ولن تزيده الا عطشا
(3)
كما لا يجوز استعمال الخمر لأجل دواء ولو لخوف الموت ولو طلاء بها فى جسده ولو خلطها بشئ من الدواء الجائز
(4)
.
وقد وفق بعض فقهاء المالكية بين تحريم الخمر للتداوى وللجوع والعطش وبين جواز استعمالها للضرورة عندهم فقال: واذا قلنا أنه لا يجوز التداوى بها ويجوز استعمالها للضرورة فالفرق ان المتداوى لا يتيقن البرء
(5)
بها وانما جاز شرب الخمر لاساغة الغصة ولم يجز لخوف موت بجوع أو عطش لزوال الغصة بالخمر تحقيقا أو ظنا قويا بخلاف الجوع والعطش فانهما لا يزالان به بل يزيدان لما فى طبعها من الحرارة والهضم
(6)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى اسنى المطالب: لا يحد مكره لشربه أى المسكر من خمر وغيره ..
ولا مسيغ أى مزدرد لقمة به حين غص بفتح الغين أى شرق ولم يجد غيره مما تحصل به الاساغة وخاف الهلاك ان لم يفعل ويجوز له حينئذ اساغتها به بل يجب دفعا للهلاك، فلو شربها أى الخمر لتداو أو لدفع جوع أو عطش اثم وان لم يجد غيرها ..
ولا حد عليه لشربها لذلك، وهذا ما اختاره النووى فى تصحيحه فى التداوى ومثله ما بعده من العطش وغيره.
وجاء فى موضع آخر من نفس الكتاب وشرب الخمر .. للعطش وللتداوى حرام وان لم يجد غيرها لعموم النهى عن شربها ولأن بعضها يدعو الى بعض ولأن شربها لا يدفع العطش بل يزيده وان سقته فى الحال ولقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل عن التداوى بالخمر انه ليس بدواء لكنه داء - رواه مسلم وروى ابن حبان فى صحيحه «ان الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم ثم محل ذلك اذا لم ينته به الأمر الى الهلاك والا فيتعين شربها كما يتعين على المضطر أكل الميتة.
ومحل التداوى بها اذا كانت خالصة بخلاف المعجون بها كالترياق لاستهلاكه
(1)
الشرح الكبير للدردير ج 4 ص 353.
(2)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 353.
(3)
التاج والاكليل لمختصر خليل ج 3 ص 233.
(4)
الشرح الكبير ج 4 ص 353 - 354.
(5)
التاج والاكليل ج 3 ص 233.
(6)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 353.
فيها وكالخمرة فى ذلك سائر المسكرات المائعة.
مذهب الحنابلة:
لا يجوز شرب المسكر لعطش ولا للذة ولا لتداو لما روى وائل بن حجر ان طارق بن سويد الجعفى سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الخمر فنهاه وكره له ان يصنعها فقال انما اصنعها للدواء فقال أنه ليس بدواء ولكنه داء رواه مسلم .. بخلاف ماء نجس فيجوز شربه للعطش لما فيه من البرد والرطوبة بخلاف المسكر فانه لا يحصل به رى لأن فيه من الحرارة ما يزيد العطش
(1)
ولا يجوز استعمال المسكر فى عير ما ذكر ..
الا لمكره فيجوز له تناول ما أكره عليه فقط لحديث عفى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، أو لمضطر اليه خاف التلف لدفع لقمة غص بها وليس عنده ما يسيعها فيجوز له تناوله لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} ولأن حفظ النفس مطلوب بدليل اباحة الميتة عند الاضطرار اليها وهو موجود هنا .. وفى المغنى وغيره كالشرح: ان شربها أى الخمر لعطش فان كانت ممزوجة بما يروى من العطش أبيحت لدفعه عند الضرورة كما تباح الميتة عند المخمصة وكاباحتها لدفع الغصة. وان شربها صرفا أو ممزوجة بشئ يسير لا يروى من العطش لم تبح لعدم حصول المقصود بها لأنها لا تروى بل تزيده عطشا وعليه الحد، لأن اليسير المستهلك فيها لم يسلب عنها اسم الخمر
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم هذه المسألة تحت عنوان من اضطر الى شرب الخمر ..
وقد نص فى هذا الموضع على اباحة الخمر للعلاج وللأمور الأخرى كالأكراه والعطش. وقد استدل على نفى الحد عمن شربها للعلاج ونحوه بقوله تعالى {(وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» ثم قال بعد ذلك:
«فصح أن المضطر لا يحرم عليه شئ مما اضطر اليه من طعام أو شراب
(3)
».
ويستفاد مما قاله ابن حزم الحاق السوائل المحرمة الأخرى بالخمر عند الاضطرار اليها، لما روى عن طريق أنس أن قوما من عكل وعرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلموا بالاسلام، فقالوا يا رسول الله انا كنا أهل ضرع ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة فأمر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذود
(1)
كشاف القناع ج 4 ص 70 طبعة سنة 1319 هـ.
(2)
المغنى ج 1 ص 413 طبعة سنة
(3)
المحلى ج 11 ص 372.
وراع وأمرهم أن يخرجوا فيها فيشربوا من ألبانها وأبوالها، ثم قال ابن حزم فرسول الله صلى الله عليه وسلم انما أباح للعرنيين شرب أبوال الابل وألبانها على سبيل التداوى من المرض ثم ذكر حديثا آخر وبعده قال: فصح يقينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انما أمرهم بذلك على سبيل الدواء من السقم الذى أصابهم وأنهم صحت أجسامهم بذلك والتداوى بمنزلة ضرورة. وقد قال تعالى «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» فما اضطر اليه المرء فهو غير محرم عليه من المأكل والمشرب
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: (من غص بلقمة ولم يجد ما يسوغها الا الخمر جاز له شربها اجماعا قلت وكذا لو خشى التلف بالعطش وكذلك لو خاف التلف من قادر توعده.
فأما التداوى بها فمحرم لقوله صلى الله عليه وسلم لم يجعل الله شفاءكم فيما حرم عليكم، ولعدم اليقين فى حصول الشفاء قلت فان خشى من علته التلف وقطع بزوالها بشرب الخمر جاز له التداوى بها كمن غص بلقمة) وهو الاقرب عندى.
ثم قال وان لم يقطع بزوالها لم يجز، اذ الخبر يقتضى ان لا شفاء به فيبطل ظن حصوله .. فان لم يخش التلف وقطع بارتفاع الضرر ففيه تردد والأقرب الجواز، كما يجوز ترك الواجب لخشية الضرر وان لم يقطع لم يجز
(2)
.
الاضطرار الى طعام الغير
مذهب الحنفية:
جاء فى الدر المختار: الأكل للغذاء والشرب للعطش ولو من حرام .. أو مال غيره وان ضمنه فرض يثاب عليه به. وقد علق ابن عابدين على هذه العبارة فقال: فمن خاف الموت، ومع رفيقه طعام أخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعته وكذا يأخذ قدر ما يدفع العطش
(3)
.
مذهب المالكية:
يذهب المالكية الى أنه يباح للمضطر أن يتناول من طعام الغير القدر اللازم لازالة اضطراره. غير أنهم يفرقون بين المال المحرز وغيره.
فأن كان المال غير محرز فانه يباح للمضطر أن يأخذ من هذا المال
(1)
المحلى ج 1 ص 170 - 175.
(2)
البحر الزخار ج 4 ص 351 طبعة سنة 1368 هـ
(3)
الدر وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 295 - 296.
مطلقا - القدر اللازم لسد رمقه الا أنه اذا خشى من صاحب المال ضربا أو أذى فانه يأخذ على سبيل التخفى تجنبا للأذى الذى قد يناله من صاحب المال.
وأما أن كان المال محرزا: فان ظن أنه يصدق فى دعوى الضرورة - أى كان فى استطاعته اثبات اضطراره - فان له أن يأخذ من هذا المال قدر ما يسد رمقه على أى حال سرا أو جهرا وان ظن عدم تصديقه فى دعواه فان له ان يأخذ هذا القدر أيضا ولكن على سبيل التستر تفاديا للضرر
(1)
ومع ذلك فان لم تكن للمضطر وسيلة لانقاذ مهجته سوى الأخذ من مال الغير وهو فى حال يخشى معها قطع يده - نظرا لتعذر اثبات اضطراره فانه يباح له أيضا الأخذ من مال الغير لأن حفظ النفس مقدم على حفظ العضو
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى أسنى المطالب وان بذل الطعام مالكه ولو مضطرا لمضطر آخر، هبة لزمه قبوله لدفعه الهلاك عن نفسه، أو بذله له بثمن المثل فى مكانه وزمانه لزمه شراؤه حتى بازاره المستتر به ويصلى عريانا لأن كشف العورة أخف من أكل الميتة بدليل أنه يجوز أخذ الطعام قهرا بخلاف أخذ ساتر العورة الا أن خشى على نفسه التلف بالبرد فلا يلزمه شراؤه بازاره ولزمه شراؤه فى الذمة ان كان معسرا وان لم يكن له مال فى محل آخر، ويلزم المالك حينئذ البيع فى الذمة والا فالوجه كما قال جماعة جواز البيع بحال، لكن لا يطالبه الا عند قدرته لاعساره فى الحال.
وان امتنع المالك أو ولى الصبى من بذله بعوض لمضطر محترم - وهو أى المالك أو الصبى ومثله المجنون غنى - أثم وان احتاجه فى المآل، لأن فى امتناعه اعانة على قتله، ولأنه لو قدر بنفسه على انقاذ غيره من غرق ونحوه لوجب فكذا بماله وبخلاف المحتاج اليه فى الحال فانه أولى به من غيره ولو مضطرا
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: اذا اضطر فلم يجد الا طعاما، لغيره نظرنا: فان كان صاحبه مضطرا اليه فهو أحق به ولم يجز لأحد أخذه منه لأنه ساواه فى الضرورة وانفرد بالملك فأشبه غير حال الضرورة. وان أخذه منه فمات
(1)
التاج والاكليل لمختصر خليل ج 3 ص 234 هامش الحطاب طبعة سعادة سنة 1328 هـ.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 116 طبعة الحلبى.
(3)
أسنى المطالب ج 1 ص 572.
لزمه ضمانه لأنه قتله بغير حق وأن لم يكن صاحبه مضطرا اليه لزمه بذله للمضطر لأنه يتعلق به احياء نفس آدمى معصوم فلزمه بذله له كما يلزمه بذل منافعه فى انجائه من الغرق والحريق، فان لم يفعل فللمضطر أخذه منه لأنه مستحق له دون مالكه فجاز له أخذه
(1)
.
وقد حكى ابن قدامه خلافا فى الثمر المعلق هل يباح للضرورة أم أنه يباح لكل جائع؟ فقال: قال أكثر الفقهاء لا يباح الأكل الا للضرورة.
وقال أحمد يأكل اذا كان جائعا واذا لم يكن جائعا فلا يأكل وقد فعله غير واحد من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم، ولكن اذا كان عليه حائط لم يأكل لأنه قد صار شبه الحريم.
وقال فى موضع انما الرخصة للمسافر الا أنه لم يعتبر هاهنا حقيقة الاضطرار لأن الاضطرار يبيح ما وراء الحائط ورويت عنه الرخصة فى الأكل من غير المحوطة مطلقا من غير اعتبار جوع ولا غيره وقد روى عن رافع ابن عمر قال كنت أرمى نخل النصارى فأخذونى فذهبوا بى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رافع لم ترمى نخلهم؟ قلت الجوع يا رسول الله قال: لا ترم وكل ما وقع أشبعك الله ورواك، أخرجه الترمذى وقال:
هذا حديث حسن صحيح.
وقد رجح ابن قدامة رأى أحمد لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الثمر المعلق فقال: ما أصاب منه ذو حاجة غير متخذ خبنة فلا شئ عليه ومن أخرج منه شيئا فعليه غرامة مثله والعقوبة، قال الترمذى هذا حديث حسن.
وأضاف ابن قدامه قوله: قال بعض أصحابنا اذا كان عليها ناطورة فهو بمنزلة المحوط فى أنه لا يدخل اليه ولا يأكل منه الا فى الضرورة
(2)
.
ولا يباح للمضطر من مال أخيه الا ما يباح من الميتة قال أبو هريرة قلنا يا رسول الله ما يحل لاحدنا من مال أخيه اذا اضطر اليه قال صلى الله عليه وسلم: يأكل ولا يحمل:
ويشرب ولا يحمل
(3)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: «وفرض على الانسان أخذ ما اضطر اليه فى معاشه فان
(1)
المغنى ج 11 ص 80.
(2)
المغنى ج 11 ص 75 - 76 - 77.
(3)
المغنى ج 11 ص 80 - 81.
لم يفعل فهو قاتل نفسه وهو عاص لله قال الله تعالى «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ» وهو عموم لكل ما اقتضاه لفظه
(1)
.
مذهب الزيدية:
المضطر يباح له تناول طعام الغير فان كان لدى المضطر عوض وجب بذله لصاحب المال .. فان طلب من المضطر أكثر من ثمن المثل فله المخادعة فى أخذه بلا عقد، أو يعقد عقدا باطلا، فان عقد صحيحا فوجهان .. أصحهما يلزمه وقيل لا كالمكره وعليه العوض
(2)
.
مذهب الإمامية:
المضطر يباح له أن يتناول من طعام الغير القدر الذى يكفى لازالة حالة الاضطرار
(3)
وقد بين صاحب مفتاح الكرامة حكم الأكل من الثمر المعلق فقال:
لو مر بثمرة النخل والفواكه لا قصدا قيل: جاز الأكل دون الأخذ وقد حكى على ذلك الاجماع فى الخلاف والسرائر.
ثم قال ان أكثر الأصحاب لم يفرقوا بين النخل وغيره.
وقال أبو على ليناد على صاحب البستان ويستأذنه فان اجابه والا أكل وحلت عند الضرورة، وان أمكنه رد القيمة كان أحوط.
حجة القائلين بالجواز فى الجميع.
منها مرسل أبى عمير الملحق بالصحيح عن الرجل يمر بالنخل والسنبل والثمرة أفيجوز له أن يأكل منها من غير اذن صاحبها فى ضرورة أو من غير ضرورة؟ قال:
لا بأس .. وخبر عبد الله بن سنان لا بأس بالرجل يمر على الثمرة ويأكل منها ولا يفسد ومرسل الفقيه لا بأس أن يأكل من ثمارها ولا يحمل منها شيئا.
واحتج المانعون بأنه تصرف فى مال الغير بغير اذنه .. وبما روى عن مروان بن عبيد عن بعض أصحابنا عن أبى عبد الله عليه السلام قال: قلت الرجل يمر على الزرع يأخذ منه السنبل قال: لا، قلت أى شئ السنبلة؟ قال:
لو كان كل من يمر به يأخذ السنبلة كان لا يبقى شئ وما روى فى كتاب قرب الاسناد لا يأكل أحد الا من ضرورة ولا يفسد
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: «ومن جاع بالفعل حتى خاف الموت أخذ من مال الناس ما ينجى به نفسه، واذا وجد ضمنه لصاحبه. قلت: لا ضمان لأن على صاحب المال أن ينجيه لو حضر، وفى الضياء من أخذه الجبار بمال فدى
(1)
المحلى ج 11 ص 343.
(2)
البحر الزخار ج 4 ص 332 - 333
(3)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 449.
(4)
مفتاح الكرامة ج 4 ص 124 - 126.
نفسه بوديعته ان لم يجد ماله، ويضمن.
وان لم يجد الا مالا لغيره فله أن يخلص نفسه لأن على صاحب هذا المال أن يخلصه من القتل ان قدر. وأيضا لا خلاف بين أهل العلم أن رجلا لو كان فى سفر أو حضر وعدم الطعام وخاف الهلاك ولم يجد الا مال رجل مسلم أن يأكله بغير رأيه، ويضمن ويحيى نفسه من الموت. قلت بل فيه قول: أنه يموت ولا يأكل منه قال:
اذا كان بالاجماع يجوز له تنجية نفسه بالأكل من مال غيره، كان جائزا تنجية نفسه به من القتل
(1)
.
وقد ذكر صاحب الشرح أقوالا أخرى منها: أنه لا ينجى نفسه بمال غيره الا أن أشهد الناس عليه. وقيل ينجى نفسه به ويجهد فى الايصاء به ما استطاع وقيل لا يلزمه ايصاء وأن ذلك حق على صاحب المال. وهذا مع غرابته حسن اذا اعتقد أنه يتخلص منه ان استطاع
(2)
.
هل للمضطر أن يقاتل المالك اذا امتنع
؟
مذهب الحنفية:
جاء فى البدائع «وليس له أن يمنع الناس من الشفه وهو الشرب .. الا اذا كان ذلك فى أرض مملوكة فلصاحبها أن يمنعهم عن الدخول فى أرضه، اذا لم يضطروا اليه بأن وجدوا غيره لأن الدخول اضرار به من غير ضرورة، فله أن يدفع الضرر عن نفسه. وان لم يجدوا غيره واضطروا وخافوا الهلاك يقال له: أما أن تأذن بالدخول وأما أن تعطى بنفسك فان لم يعطهم ومنعهم من الدخول فلهم أن يقاتلوه بالسلاح ليأخذوا قدر ما يندفع به الهلاك عنهم» لما روى أن قوما وردوا ماء فسألوا أهله أن يدلوهم على البئر فأبوا فسألوهم أن يعطوهم دلوا فأبوا، فقالوا لهم أن أعناقنا وأعناق مطايانا كادت تقطع فأبوا فذكروا ذلك لعمر فقال: «هلا وضعتم فيهم السلاح
(3)
.
غير أن هذا الحكم خاص بالمياه التى تجرى فى المجارى الخاصة أو تنبع وتنفجر من عيون خاصة كالآبار الخاصة.
أما الماء المحرز فى الأوانى والصهاريج ونحوها فان الحنفية يعطونها حكم الطعام. وقد بينه الكاسانى بقوله «فمن عنده فضل ماء زائد عن حاجته للممنوع أن يقاتله ليأخذ منه الفضل لكن بما دون السلاح كما اذا أصابته مخمصة وعند صاحبه فضل طعام فمنعه وهو لا يجد غيره. اذ لابد
(1)
شرح النيل ج 9 ص 206.
(2)
نفس المرجع السابق.
(3)
البدائع ج 6 ص 188 - 189.
من مراعاة حرمة الملك لحرمة القتال بالسلاح.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل: «واذا بلغت الضرورة الى استباحة الميتة فقد لزم صاحب الثمر والزرع مواساته بثمن ان كان عنده. أو بغير ثمن ان لم يكن عنده .. فان منعه فجائز للذى خاف الموت ان يقاتلة حتى يصل الى ما يرد نفسه (قال) الباجى يريد أنه يدعوه أولا الى أن يبيعه منه بثمن فى ذمته فان أبى استطعمه، فان أبى أعلمه أنه يقاتله عليه
(1)
.
مذهب الشافعية:
اذا وجد مضطر طعاما لحاضر غير مضطر له فعلى صاحب الطعام بذله للمضطر اليه اذا كان المضطر معصوما مسلما كان أو ذميا أو معاهدا ولو كان صاحب الطعام محتاجا اليه فى ثانى حال على الأصح تقديما لضرورة المضطر الناجزة ويجب على المضطر أن يستأذن مالك الطعام أو وليه فى أخذه فان امتنع هو أو وليه من بذله بعوض محترم وكان غير مضطر اليه فى الحال فللمضطر قهره على أخذه - وان احتاج اليه المانع فى المستقبل .. وانما يجوز قتاله على ما يدفع به ضرورة، وهو ما يسد الرمق .. ولا يقتص منه للممتنع ان قتله ولا يؤخذ له دية. ويقتص له أن قتله الممتنع لأنه لم يتعد بخلاف الممتنع
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامه: «وان لم يكن صاحب المال مضطرا لزمه بذله للمضطر ..
فان احتيج فى ذلك الى قتال فله المقاتلة عليه، فان قتل المضطر فهو شهيد، وعلى قاتله ضمانه. وان آل أخذه الى قتل صاحبه فهو هدر لأنه ظالم بقتاله فأشبه الصائل
(3)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: «وفرض على صاحب الطعام اطعام الجائع .. وله أى للمضطر - أن يقاتل عن ذلك فان قتل فعلى قاتله القود وان قتل المانع فالى لعنة الله لأنه منع حقا وهو فئة باغية قال تعالى «فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ» ومانع الحق باغ على أخيه الذى له الحق فبهذا قاتل أبو بكر الصديق مانع الزكاة
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار ما يفيد لو امتنع صاحب الطعام عن دفعه للمضطر فللمضطر اكراهه ولو بمقاتلته، فان قتله المضطر فهدر كالمدافع وفى العكس القصاص
(5)
.
(1)
التاج والاكليل ج 3 ص 234.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 4 ص 308 - 309 طبعة سنة 1354 هـ 1933 م
(3)
المغنى لابن قدامة ج 11 ص 80.
(4)
المحلى ج 6 ص 159.
(5)
البحر الزخار ج 4 ص 333.
مذهب الإمامية:
لو اضطر الى طعام الغير يعنى لحفظ نفسه لم يجب على الغير اعطاؤه لأن الأصل براءة الذمة وايجاب ذلك يحتاج الى دليل وفى التحرير والكتاب لو امتنع المالك من بذله بالأكثر من ثمنه حل للمضطر قتاله وكان دم المالك هدرا ودم المضطر مضمونا ودليل ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم: من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه أيس من رحمة الله تعالى
(1)
.
الترتيب بين المحرمات عند الاضطرار اليها
مذهب الحنفية:
جاء فى الاشباه والنظائر لابن نجيم:
«لو اضطر وعنده ميتة ومال الغير فانه يأكل الميتة.
وعن بعض أصحابنا رحمهم الله تعالى:
من وجد طعام الغير لا تباح له الميتة.
وعن ابن سماعة الغصب أولى من الميتة وبه أخذ الطحاوى وغيره. وخيره الكرخى كذا فى البزازية، ولو اضطر المحرم وعنده ميتة وصيد أكلها دونه على المعتمد.
وفى البزازية لو كان الصيد مذبوحا فالصيد أولى وفاقا. ولو اضطر وعنده صيد وميتة ومال الغير فالصيد أولى وكذا الصيد أولى من لحم الانسان.
وعن محمد الصيد أولى من لحم الخنزير.
وقد علق الحموى على ما ذكره ابن نجيم من اضطرار المحرم فقال: يقاس عليه الحلال بالنسبة الى صيد الحرم.
وفى مجمع الفتاوى محرم مضطر وجد صيدا وكلبا فالكلب أولى من الصيد لأن فى الصيد ارتكاب محظورين، ولو وجد صيدا ومال الغير يذبح الصيد، ولا يأكل مال الغير عند الكل.
قال بعض الفقهاء فعلى هذا ينبغى أن يكون الحكم فى الصيد والخنزير كالحكم فى الصيد والكلب لأن فى أكل الخنزير ارتكاب محظور واحد كالكلب والكلب كالخنزير فى نجاسة عينه عند محمد ويمكن أن يقال ان الخنزير أشنع لأنه محرم بنص القرآن نجس العين بالاتفاق فافترقا. ثم أشار ابن نجيم الى حكم آخر فقال: ان الحريق اذا وقع فى سفينة وعلم أنه لو صبر فيه يحترق ولو وقع فى الماء يغرق فعند أبى حنيفة يختار أيهما شاء وعند الصاحبين يصبر
(2)
.
(1)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 449.
(2)
الأشباه والنظائر لابن نجيم مع حاشية الحموى ص 113 طبعة سنة 1899 م وص 45 طبعة سنة 1298 هـ من الاشباه.
مذهب المالكية:
جاء فى المواق «سئل مالك عن المضطر الى الميتة وهو يجد ثمر القوم أو زرعا أو غنما بمكانه ذلك.
قال مالك: ان ظن أن أهل الثمر والزرع أو الغنم يصدقونه بضرورته حتى لا يعد سارقا فتقطع يده رأيت ان يأكل من أى ذلك وجد ما يرد جوعه ولا يحمل من ذلك شيئا وذلك أحب الى من أن يأكل الميتة وان هو خشى الا يصدقونه وأن يعدوه سارقا بما أصاب من ذلك فان أكل الميتة خير له عندى وله فى أكل الميتة على هذا الوجه سعة
(1)
.
ونص المالكية على أن المضطر اذا لم يجد الا ميتة ولحم خنزير فانه يقدم الميتة عليه. لأن الخنزير ميتة وهو نجس الذات. كما أنه لا تعمل فيه الذكاة فهو مما لا يستباح
(2)
بوجه.
أما اذا لم يجد الا الخنزير فانه يستحب له تذكيته
(3)
.
وقد بين الدسوقى أن المضطر المحرم اذا وجد ميتة وصيدا قد صاده محرم أو صيد له وصار لحما فلا يقدم الميتة عليه. بل يقدمه عليها. ثم ذكر صورا ثلاث بين الحكم فيها فقال:
الأولى: الاصطياد تقدم الميتة عليه لما فيه من حرمة الاصطياد وحرمة ذبح الصيد.
الثانية: الصيد الحى الذى صاده المحرم قبل اضطراره تقدم الميتة أيضا عليه ولا يجوز له ذبحه لأنه اذا ذبحه صار ميتة فلا فائدة فى ارتكاب هذا المحرم.
الثالثة: اذا كان عنده صيد صاده هو أو غيره لمحرم وذبح قبل اضطراره فهذا مقدم على الميتة ولا تقدم الميتة عليه لأن لحم صيد المحرم حرمته عارضه لأنها خاصة بالاحرام - بخلاف الميتة فحرمتها أصلية
(4)
.
مذهب الشافعية:
لو وجد المضطر ميتة وطعام غائب وصيدا وهو محرم وجب أكل الميتة لعدم ضمانها ولأن اباحة الميتة منصوص عليها واباحة أكل مال غيره بلا اذنه ثابته بالاجتهاد ولأن المحرم ممنوع من ذبح الصيد مع أن مذبوحه منه ميته .. ومثله بيضه ولبنه فيما يظهر وكصيد المحرم صيد الحرم كما فى الكفاية. وكذا لو كان مالك الطعام حاضرا وامتنع من البيع أصلا أو الا بأكثر مما ايتغابن به وجب أكل الميتة بخلاف ما اذا لم يمتنع من ذلك فانه يلزمه أكل طعام الغير. وبذلك علم أنه اذا لم يبعه له مالكه الا بأكثر مما
(1)
التاج والاكليل ج 3 ص 234.
(2)
المرجع السابق ص 233.
(3)
مواهب الجليل ج 3 ص 233 - 234.
(4)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 116.
ذكر لم يلزمه شراؤه لكنه يستحب وبه صرح الأصل.
ولو ذبح المحرم الصيد صار ميتة فيتخير المضطر بينه وبين الميتة لأن كلا منهما ميتة ولا مرجح، ولا قيمة للحمه كسائر الميتات.
وأما اذا لم يجد المضطر المحرم الا طعام الغير وصيد الحرم فان للشافعية أقوالا ثلاثة: فى هذه المسألة.
الأول يتعين عليه أن يقدم الصيد على طعام الغير.
الثانى: يتعين عليه أن يتناول طعام الغير.
الثالث: يتخير بينهما فيذبح الصيد أو يأكل طعام الغير.
وقد رجح صاحب أسنى المطالب القول الأول مستندا الى أن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة.
وقد نص الشافعية على أن ميتة الشاة ونحوها من مأكول اللحم، وميتة غيرها من غير مأكول اللحم الطاهر فى حياته سواء لاشتراكهما فى أن كلا منهما ميتة ولكن ميتة الطاهر فى حياته - مطلقا مأكولا أو غير مأكول - تقدم على الكلب ونحوه من كل حيوان نجس فى حياته.
وان وجد المريض طعاما له أو لغيره يضره ولو بزيادة فى مرضه فله أكل الميتة دونه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
من اضطر فأصاب الميتة وخبزا لا يعرف مالكه أكل الميتة. وبهذا قال سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم لأن أكل الميتة منصوص عليه ومال الآدمى مجتهد فيه والعدول الى المنصوص عليه أولى، لأن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة وحقوق الآدمى مبنية على الشح والتضييق ولأن حق الآدمى تلزمه غرامته وحق الله لا عوض له
(2)
.
ويقول ابن قدامة فى موضع آخر:
اذا اضطر المحرم فوجد صيدا وميتة أكل الميتة، وبهذا قال الحسن والثورى
وقال اسحق وابن المنذر يأكل الصيد
وهذه المسألة مبنيه على أنه اذا ذبح الصيد كان ميتة فيساوى الميتة فى التحريم، ويمتاز بايجاب الجزاء وما يتعلق به من هتك حرمة الاحرام فلذلك كان أكل الميتة أولى. الا أن لا تطيب
(1)
أسنى المطالب ج 1 ص 573.
(2)
المغنى ج 11 ص 78.
نفسه بأكلها فيأكل الصيد كما لو لم يجد غيره
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: «وكل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام. أو ميتة أو دم أو لحم سبع طائر أو ذى أربع أو حشرة أو خمر أو غير ذلك فهو كله عند الضرورة حلال.
فمن اضطر الى شئ مما ذكرنا قبل ولم يجد مال مسلم أو ذمى فله أن يأكل.
كل ما ذكرنا سواء لا فضل لبعضها على بعض: أن وجد منها نوعين أو أنواعا فيأكل ما شاء منها فلا معنى للتذكية فيها.
وأما قولنا اذا لم يجد مال مسلم فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذى رويناه من طريق أبى موسى:
أطعموا الجائع، فهو اذا وجد مال المسلم أو الذمى فقد وجد مالا قد أمر الله تعالى باطعامه منه، فحقه فيه، فهو غير مضطر الى الميتة وسائر المحرمات فان منع ذلك ظلما فهو مضطر حينئذ.
وأما قولنا لا فضل لبعض ذلك على بعض فلقول الله تعالى: «وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى» فصح أن كل شئ حرمه النبى صلى الله عليه وسلم فان الله تعالى حرمه وبلغه هو عليه السلام الينا.
وليس قولنا أنه لا يحل للمحرم قتل الصيد ولا للمحل فى الحرم ما دام يجد شيئا من هذه المحرمات ناقضا لهذه الجملة بل هو طرد لها لأن واجد الخنزير والميتة والدم وغير ذلك غير مضطر معها بل هو واجد حلالا فليس مضطرا الى الصيد الا حتى لا يجد غيره فيحل له حينئذ.
وأما قولنا: لا معنى للتذكية فلأن الذكاة اخراج لحكم الحيوان عن التحريم بكونه ميتة الى التحليل بكونه مذكى، وكل ما حرمه الله تعالى من الحيوان فهو ميتة فالتذكية لا مدخل لها فى الميتة
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: فى تقديم المضطر الميتة على طعام الغير وجهان:
أصحهما تقدم لاباحتها بنص القرآن بخلاف طعام الغير.
والثانى لا تقدم «اذ الميتة نجس.
وفى تقديم المحرم لحم الميتة على الصيد وجهان يقدم الصيد للخلاف
(1)
المغنى ج 3 ص 293.
(2)
المحلى ج 7 ص 426 - 427.
فيه. لا الميتة وقيل العكس لئلا يلزمه الجزاء
(1)
.
ولكنه جاء فى موضع آخر منه:
والمضطر المحرم يقدم الميتة على صيد الحرم اذ فى الصيد وجهان: تحريم ولحم صيد.
وقال البعض: تحريم الميتة مؤبد ضرورى مجمع عليه، وهذا عكسه.
قلت التحريم من وجهتين أغلظ ..
فان اضطر اليهما حلال خير
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب من لا يحضره الفقيه:
«واذا اضطر المحرم الى صيد وميتة فانه يأكل الصيد ويفدى، وان أكل الميتة فلا بأس.
الا أن أبا الحسن الثانى عليه السلام قال: يذبح الصيد ويأكله أحب الى من الميتة
(3)
.
مذهب الإباضية:
للإباضية فى هذه المسألة أقوال مختلفة.
الأول أن المضطر يقدم لحم الخنزير على الميتة بناء على أن الخنزير تعمل فيه الذكاة فى حالة الاضطرار اليه اذ أنه حينئذ يذكى ويؤكل. ثم الدم لأنه غير ميتة ثم الميتة بعد ذلك لأن الذكاة لا تؤثر فيها.
والقول الثانى: يقدم الميتة على الخنزير بناء على أن الذكاة لا أثر لها فى الخنزير حتى ولو فى حالة الاضطرار اليه اذ فى هذه الحالة يؤكل بلا ذكاة.
ووجه تقدم الميتة عليه ان الميتة طاهرة الأصل وحلال الأصل. ثم يقدم الدم على الخنزير لأن الدم يحل بذكاة أصله فى الحل وتعمل الذكاة فى أصله لا فيه وأخيرا الخنزير لأنه لا تعمل فيه الذكاة على هذا القول.
والقول الثالث: أن المضطر مخير بين الأمور الثلاثة
(4)
.
ولهم أقوال فى تقديم هذه المحرمات الثلاثة على مال الغير.
فبعضهم قال بذلك بناء على أن الميتة ونحوها لا ضمان فيها بخلاف مال الغير.
وبعضهم قال بتقديم مال الغير عليها بناء على أن مال الغير حلال الأصل.
(1)
البحر الزخار ج 4 ص 334.
(2)
البحر الزخار ج 2 ص 312.
(3)
من لا يحضره الفقيه 248
(4)
شرح النيل ج 2 ص 210.
والبعض منهم قال: أن المضطر يموت ولا يأكل مال الناس.
الا أن صاحب شرح النيل أورد عبارة مؤداها أن المضطر يقدم مال الغير حيث يقول: «واذا وجد المضطر ميتة ومال غيره فانه ينجى نفسه بمال غيره - فى حدود القدر اللازم لذلك - ويضمن وهذا قول الأكثر
(1)
.
لا حد على السارق المضطر
مذهب الحنفية:
يقول السرخسى فى المبسوط: «لا قطع فى عام السنة وهى زمان القحط لأن الضرورة تبيح التناول من مال الغير بقدر الحاجة فيمنع ذلك وجوب القطع لما روى عن مكحول رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
«لا قطع فى مجاعة مضطر.
وذكر عن الحسن عن رجل قال رأيت رجلين مكتوفين ولحما فذهبت معهم الى عمر رضى الله عنه، فقال صاحب اللحم كانت لنا ناقة عشراء
(2)
ننتظرها كما ينتظر الربيع فوجدت هذين قد اجتزراها. فقال عمر يرضيك من ناقتك ناقتان عشراوان مربعتان فأنا لا نقطع فى العذق
(3)
ولا فى عام السنة. وكان ذلك فى عام السنة. ومعناه لا نقطع فى عام السنة للضرورة والمخمصة. وقد كان عمر رضى الله عنه فى عام السنة يضم الى أهل كل بيت أهل بيت آخر ويقول لن يهلك الناس على أنصاف بطونهم فكيف نأمر بالقطع فى ذلك
(4)
.
مذهب المالكية:
يقرر بعض فقهاء المالكية أن من شروط قطع يد السارق عدم اضطراره الى الشئ المسروق، فبعد أن عرف ابن فرحون السارق بقوله: هو كل بالغ عاقل لا شبهة له فى المال، بين الأشخاص الذين يندرجون تحت هذا التعريف، كما بين الأشخاص الذين لا ينطبق عليهم ومما قاله فى هذا الشأن: «ويخرج من ذلك أيضا السارق لجوع اصابه
(5)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى اسنى المطالب: «أنه يقطع بسرقة الطعام فى زمن المجاعة ان وجد ولو عزيزا بثمن غال وهو واجد له،
(1)
شرح النيل ج 9 ص 206.
(2)
العشراء هى الحامل التى أتى عليها عشرة أشهر وقربت ولادتها فهى أعز ما يكون عند أهها ينتظرون الخصب والسعة بلبنها كما ينتظرون الربيع.
(3)
من الرواة من يقول فى العرق بالراء وهو اللحم والاشهر العذق وهو الكباسة.
(4)
المبسوط ج 9 ص 140 طبعة سنة 1324 أولى سعادة.
(5)
تبصرة الحكام ج 2 ص 251.
لا أن عز أى قل وجوده ولم يقدر هو عليه فلا يقطع لأنه كالمضطر وعليه يحمل ما جاء عن عمر رضى الله عنه لا قطع فى عام المجاعة، سواء أخذ بقدر حاجته أم أكثر لأن له هتك الحرز لاحياء نفسه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: «قال أحمد لا قطع فى المجاعة، يعنى أن المحتاج اذا سرق ما يأكله فلا قطع عليه لأنه كالمضطر.
وروى الجوزجانى عن عمر أنه قال لا قطع فى عام سنة. وقال أحمد رضى الله عنه. فقلت تقول به؟ قال أى لعمرى لا أقطعه اذا حملته الحاجة والناس فى شدة ومجاعة وعن الاوزاعى مثل ذلك، وهذا محمول على من لا يجد ما يشتريه أو لا يجد ما يشترى به فان له شبهة فى أخذ ما يأكله أو ما يشترى به ما يأكله.
وقد روى عن عمر رضى الله عنه أن غلمان حاطب بن أبى بلتعة انتحروا ناقة للمزنى فأمر عمر بقطعهم ثم قال لحاطب انى أراك تجيعهم فدرأ عنهم القطع لما ظنه يجيعهم.
فأما الواجد لما يأكله أو الواجد لما يشترى به وما يشتريه فعليه القطع وان كان بالثمن الغالى ذكره القاضى أبو يعلى
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم من سرق من جهد أصابه فان أخذ مقدار ما يغيث به نفسه فلا شئ عليه وانما أخذ حقه، فان لم يجد الا شيئا واحدا فيه فضل كثير كثوب واحد أو لؤلؤة أو بعير أو نحو ذلك فأخذه كذلك فلا شئ عليه أيضا لأنه يرد فضله لمن فضل عنه لأنه لم يقدر على فصل قوته منه فلو قدر على مقدار قوت يبلغه الى مكان المعاش فأخذ أكثر من ذلك فعليه القطع لأنه سرق ذلك من غير ضرورة
(3)
.
مذهب الزيدية:
يقول صاحب البحر الزخار:
«ومن سرق طعاما فى مجاعة فلا قطع عليه» للأثر المروى فى ذلك «لا قطع فى المجاعة ووجهه الاضطرار
(4)
.
مذهب الإمامية:
نص الإمامية على أن الشخص اذا سرق شيئا من المأكولات فى عام المجاعة
(1)
أسنى المطالب ج 4 ص 146 طبعة سنة 1313 هـ.
(2)
المغنى ج 9 ص 288 - 289.
(3)
المحلى ج 11 ص 343.
(4)
البحر الزخار ج 5 ص 175.
فانه لا قطع
(1)
عليه ففى رواية السكونى عن جعفر بن محمد عن أبيه عليهما السلام قال: لا يقطع السارق فى عام سنة مجدبه يعنى فى المأكول دون غيره
(2)
.
ولكن هل على المضطر ضمان ما أخذ
؟
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن المضطر يجب عليه ضمان ما تناوله من مال الغير، لأن المضطر أخذ الشئ بغير اذن مالكه فكان عليه ضمانه. وهذا عند الحنفية مضطرد على قواعد مذهبهم، ويتفق مع ما يرونه من أن المضطر لا يجب عليه أكل مال الغير مع الضمان بل ذلك مباح له فقط ولم يقولوا بوجوب التناول على المضطر مراعاة لحق المالك، فاقتصروا على القول بالاباحة وهى لا تنافى الضمان عندهم
(3)
.
مذهب المالكية:
فى المذهب المالكى أقوال ثلاثة:
أحدها: أن على المضطر ضمان ما أخذ من مال غيره لأن اذن المالك لم يوجد وانما وجد اذن صاحب الشرع وهو لا يوجب سقوط الضمان وانما ينفى الاثم والمؤاخذة بالعقاب، ولأن القاعدة أن الملك اذا دار - زواله بين المرتبة الدنيا والمرتبة العليا حمل على الدنيا استصحابا للملك بحسب الامكان وانتقال الملك بعوض هو أدنى رتب الانتقال وهو الأقرب لموافقة الأصل من الانتقال بغير عوض
(4)
.
ثانيها: أنه لا يجب على المضطر ضمان ما أخذه من مال الغير لأن المضطر لم يتناوله الا ليسد به رمقه حفظا لنفسه من الهلاك والتلف وهذا العمل فى حقيقة أمره كان واجبا على المالك اذ من المعلوم أنه يجب على من لديه فضل طعام ان يبذله لمن هو مضطر اليه والواجب لا يؤخذ له عوض
(5)
.
والظاهر أن هذا الرأى هو مذهب جمهور المالكية على ما حكاه صاحب التاج والاكليل
(6)
.
ثالث الأقوال: عندهم التفرقة بين ما اذا وجدت مع المضطر حال اضطراره قيمة ما تناوله من مال غيره وبين ما لم توجد: فان وجدت معه وجب عليه الضمان وان لم توجد فلا شئ عليه مطلقا
(7)
.
(1)
المختصر النافع ص 302.
(2)
من لا يحضره الفقيه ص 482.
(3)
حاشية ابن عابدين ج 5 ص 295 - 296 والفتح ج 4 ص 288 والحموى على الاشباه ص 113.
(4)
افروق للقرافى ج 1 ص 195.
(5)
المرجع السابق نفس الموضع.
(6)
التاج والاكليل ج 3 ص 234 وحاشية الدسوقى ج 2 ص 116.
(7)
شرح الزرقانى ج 3 ص 30.
مذهب الشافعية:
يقول صاحب اسنى المطالب: وان أطعمه المالك بلا معاوضة أى بغير ذكر عوض لم يلزمه شئ حملا على المسامحة المعتادة فى الطعام لا سيما فى حق المضطر. فلو اختلفا فى التزام عوض الطعام فقال: أطعمته بعوض، فقال المضطر بل مجانا صدق المالك بيمينه لأنه أعرف بكيفية بذله
(1)
.
وفى مغنى المحتاج
(2)
: أنه لو وجد المضطر طعام غائب ولو غير محرز، ولم يجد غيره أكل منه ابقاء لمهجته وغرم بدل ما أكله.
مذهب الحنابلة:
والحنابلة يوجبون الضمان على المضطر لأنه قد فعل ذلك احياء لنفسه وذلك مما يوجب الضمان عندهم لأن القاعدة عندهم «ان من أتلف شيئا لدفع أذاه عنه لم يضمنه وان أتلفه لدفع أذى قائم به ضمنه. وقد قال ابن رجب تخريجا على هذه القاعدة «لو صال عليه آدمى أو بهيمة فدفعه عن نفسه بالقتل لم يضمنه. ولو قتل حيوانا لغيره فى مخمصة ليحيى به نفسه ضمنه
(3)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم الظاهرى: فى هذه المسألة: «من أكره على أكل مال مسلم أو ذمى فمباح له أن يأكل ولا شئ عليه لا حد ولا ضمان لقول الله عز وجل:
«وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ» وقوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» ولقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» فان كان المكره على أكل مال المسلم له مال حاضر معه فعليه قيمة ما أكل، فان لم يكن له مال حاضر فلا شئ عليه فيما أكل لما ذكرنا
(4)
.
مذهب الزيدية:
فى البحر الزخار: أن مالك الطعام اذا طلب من المضطر عوضا لما أخذه وجب عليه ذلك واذا لم يطلب منه عوضا فلا شئ عليه
(5)
.
مذهب الإمامية:
والإمامية يقولون بوجوب الضمان على المضطر اذا تناول طعام الغير.
وهذا هو الأصل عندهم على ما يبدو من عبارة مفتاح الكرامة، اذ قال «لو
(1)
أسنى المطالب ج 1 ص 573.
(2)
ج 4 ص 243.
(3)
القواعد ص 36 القاعدة «26» .
(4)
المحلى ج 11 ص 343.
(5)
البحر الزخار ج 4 ص 332.
ألقى متاع غيره بغير اذنه. وجب عليه الضمان. لأنه أتلفه بغير اذن من دون أن يلجئه الى الاتلاف. فكان كما اذ أكل المضطر طعام الغير وليس كما اذا صال عليه البعير المغتلم: فقتله دفعا عن نفسه، لأنه هنا الجأه الى الاتلاف
(1)
.
مذهب الإباضية:
بين صاحب شرح النيل مذهب الإباضية بقوله: ومن جاع بالفعل حتى خاف الموت أخذ من مال الناس ما ينجى به نفسه واذا وجد ضمنه. قلت لا ضمان لأن على صاحب المال أن ينجيه لو حضر
(2)
.
انقاذ المضطر
مذهب الحنفية:
من اشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت ففرض على كل من علم به أن يطعمه أو يدل عليه من يطعمه فأن امتنعوا من ذلك حتى مات اشتركوا فى الاثم قال عليه الصلاة والسلام:
ما آمن بى من بات شبعان وجاره الى جانبه طاو
(3)
وقال أى رجل مات ضياعا بين أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله، وكذا اذا رأى لقيطا أشرف على الهلاك أو أعمى كاد أن يتردى فى البئر كان هذا كانجاء الغريق
(4)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكة وجوب الضمان على كل من قدر على تخليص مستهلك من نفس أو مال سواء كان قادرا على التخليص بيده أو جاهه أو ماله فاذا ترك تخليص النفس حتى قتلت فانه يضمن الدية فى ماله ان ترك التخليص عمدا، وعلى عاقلته ان تركه متأولا ولا يقتل به ولو ترك التخليص عمدا هذا مذهب المدونة.
حكى عياض عن مالك أنه يقتل به قال الأبى فى شرح مسلم ما زال الشيوخ ينكرون حكايته عن مالك ويقولون أنه خلاف المدونة.
وفى التوضيح عن اللخمى أنه خرج ذلك على الخلاف فيمن تعود الزور فى شهادته حتى قتل بها المشهود عليه قال فقد قيل يقتل الشاهد ومذهب المدونة لا قتل عليه «واذا ترك، تخليص المال من التلف مع قدرته على خلاصه بجاهه أو ماله حتى ضاع ذلك
(1)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 450.
(2)
شرح النيل ج 9 ص 206.
(3)
طاو: جائع.
(4)
الاختيار شرح المختار ج 3 ص 129.
المال على ربه فانه يضمن قيمة ذلك المال أن كان متقوما ومثله ان كان مثليا
(1)
ويقول الدردير بوجوب الضمان اذا ترك التخليص بترك شهادته حيث طلبت منه أو علم ان تركها يؤدى للهلاك وكذا ان ترك تجريح شاهد الزور أو ترك التخليص بامساك وثيقة بمال أو عفو عن دم وهذا اذا كان شاهدها لا يشهد الا بها أو نسى الشاهد ما يشهد به ولا يذكر الواقعة الا بها
(2)
.
ومن أهم تطبيقات ذلك عند المالكية أيضا نصهم على وجوب الضمان بترك مواساة وجبت بخيط ونحوه لجائفة بعاقل ان خاط به مسلم فترك المواساة حتى تلفت ومثل الخيط الابرة، ومثل الجائفة كل جرح يخشى منه الموت» أى فاذا جرح انسان جرحا يخشى منه الموت سواء كان جائفة أفضت الى جوفه أو غير جائفة واقتضى الحال خياطته بفتلة خيط أو حرير وجب على من كان معه ذلك اذا كان مستغنيا عنه حالا ومآلا أو كان محتاجا له لثوب أو لجائفة دابة لا يموت بموتها أو كان معه الابرة وكان مواساة المجروح بذلك فان ترك مواساته بما ذكر ومات فانه يضمن ومحل الضمان ما لم يكن المجروح منفوذ المقاتل والا فلا ضمان بترك المواساة وانما يلزم الادب بتركها والدية أو القصاص على الجارح. كما أنه لو كان رب الخيط محتاجا له فى نفسه أو دابة يموت بموتها وترك الاعطاء حتى مات فانه لا ضمان عليه لعدم وجوب المواساة عليه حينئذ.
ومثل ذلك ترك اعطاء طعام - فاضل وزائد عما يمسك صحته. لمضطر - أى ترك بذل هذا الفاضل للمضطر سواء كان آدميا أو حيوانا غير آدمى ولا مفهوم لطعام أو شراب بل وكذا فضل لباس وركوب بأن كان لو لم يدفئه يموت فانه يضمن. ويقول الدسوقى: «وأنظر هل لا بد فى الضمان من سؤال المضطر أو يكفى العلم باضطراره. وهذا هو الظاهر
(3)
.
ويذكر الحطاب حكما آخر فيقول:
«وكذلك لو أن رجلا رأى سبعا يتناول نفس انسان أو ماله ولم يخلصه منه حتى مات فانه يضمن ديته
(4)
.
ومن الامتناع الموجب لضمان المال - عندهم - ما قاله الدردير» وضمن مار على صيد مجروح لم ينفذ مقتله وأمكنته ذكاته بوجود آلة وعلمه بها وهو ممن تصح ذكاته ولو كتابيا وترك تذكيته حتى مات - ضمن قيمته مجروحا لتفويته على ربه ولو كان
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 111.
(2)
الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 111.
(3)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 111 - 112.
(4)
مواهب النيل ج 3 ص 224 - 225.
المار غير بالغ لأن الضمان من خطاب الوضع
(1)
غير أن ما قاله فقهاء المالكية فى هذه المسألة يستفاد منه أنهم يشترطون لوجوب الضمان على الممتنع غيبة مالك المال. لأنه فوته على ربه لأنه ينزل منزلته ولا ينزل منزلة رب الشئ الا اذا كان رب الشئ غائبا
(2)
.
مذهب الشافعية:
يقرر الشافعية أنه لا ضمان على الممتنع عن انقاذ المضطر اذ لم يحدث منه فعل مهلك لكنه يأثم ولا يلزم مالك الطعام بذله الا بعوض لأن الضرر لا يزال بالضرر. ولا أجرة لمن خلص مشرفا على الهلاك لوقوعه فى ماء أو نار أو نحوهما أى يلزمه تخليصه بلا أجرة لضيق الوقت عن تقدير الاجرة. فان اتسع الوقت لتقديرها لم يجب تخليصه الا بأجرة. كما فى التى قبلها فان فرض ضيق الوقت وجب البذل بلا عوض فلا فرق بين المسئلتين كما قاله الاذرعى
(3)
.
ومن ناحية أخرى نص العلامة زكريا الأنصارى على أنه: «يجب تدارك حياة البهيمة المحترمة ببذل المال لخلاصها كالآدمى المحترم، وان كانت للغير ملكا أو اختصاصا. ثم ان ذكر عوضا رجع به على صاحبها والا فلا ويلزمه ذبح شاته لكلبه المحترم، وتحل الشاة أى أكلها للآدمى لأنها ذبحت للأكل
(4)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة: وان أضطر الى طعام أو شراب لغيره فطلبه منه فمنعه اياه مع غناه عنه فى تلك الحال فمات بذلك ضمنه المطلوب منه لما روى عن عمر رضى الله عنه أنه قضى بذلك، ولأنه اذا اضطر اليه صار أحق به ممن هو فى يده، وله أخذه قهرا.
فلما منعه اياه تسبب فى اهلاكه بمنعه ما يستحقه فلزمه ضمانه كما لو أخذ طعامه وشرابه فهلك بذلك وظاهر كلام أحمد أن الدية فى ماله لأنه تعمد هذا الفعل الذى يقتل مثله غالبا وقال القاضى أبو يعلى تكون على عاقلته لأن هذا لا يوجب القصاص فيكون شبه عمد. وان لم يطلبه منه لم يضمنه لانه لم يمنعه ولم يوجد منه فعل تسبب به فى هلاكه، وكذلك كل من رأى انسانا فى مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك لم يلزمه ضمانه وقد أساء.
وقال أبو الخطاب قياس المسألة الاولى وجوب ضمانه لانه لم ينجه من الهلاك مع امكانه فيضمنه كما لو
(1)
الشرح الكبير ج 2 ص 110، 111.
(2)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 110 - ص 111.
(3)
أسنى المطالب ج 1 ص 572 - 573.
(4)
المرجع السابق نفس الموضع.
منعه الطعام والشراب. ولنا أنه لم يهلكه ولم يكن سببا فى هلاكه فلم يضمنه كما لو لم يعلم بحاله، وقياس هذا على المسألة الاولى غير صحيح لانه فى المسألة الأولى منعه منعا كان سببا فى هلاكه فضمنه بفعله الذى به. وههنا لم يفعل شيئا يكون سببا
(1)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم فى رجل استسقى قوما فلم يسقوه حتى مات، القول فى هذا عندنا وبالله التوفيق هو أن الذين لم يسقوه ان كانوا يعلمون أنه لا ماء له البتة الا عندهم ولا يمكنه ادراكه أصلا حتى يموت فهم قتلوه عمدا وعليهم القود بأن يمنعوا الماء حتى يموتوا - كثروا أو قلوا - ولا يدخل فى ذلك من لم يعلم بأمره، ولا من لم يمكنه أن يسقيه، فان كانوا لا يعلمون ويقدرون أنه سيدرك الماء فهم قتلة خطأ وعليهم الكفارة، وعلى عواقلهم الدية ولابد. برهان ذلك قول الله تعالى:
«وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» وقوله تعالى:
«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ» وقوله تعالى:
«وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ» وبيقين يدرى كل مسلم فى العالم أن من استسقاه مسلم وهو قادر على أن يسقيه فتعمد ألا يسقيه الى أن مات عطشا فانه اعتدى عليه فواجب بنص القرآن أن يعتدى على المعتدى بمثل ما اعتدى به فصح قولنا بيقين لا اشكال فيه. وأما اذا لم يعلم بذلك فقد قتله اذ منعه ما لا حياة له الا به فهو قاتل خطأ فعليه ما على قاتل الخطأ وهكذا القول فى الجائع والعارى ولا فرق وكل ذلك عدوان.
وليس هذا كمن اتبعه سبع فلم يؤوه حتى أكله السبع، لأن السبع هو القاتل له ولم يمت فى جنايتهم ولا مما تولد من جنايتهم. ولكن لو تركوه فأخذه السبع وهم قادرون على انقاذه فهم قتلة عمد، اذا لم يمت من شئ الا من فعلهم
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: وعلينا سد رمق المضطر لقوله صلى الله عليه وسلم أيما رجل مات جوعا فى محلة قوم سألهم الله بدمه يوم القيامة، وكذلك انقاذ من حرق وغرق، فان وجد العوض لم يجب الا ببذله، الا أن يضعف المضطر عن مناولته فانه يجب
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة «لو اضطر
(1)
المغنى ج 9 ص 580 - 581.
(2)
المحلى ج 10 ص 522 - 523.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 332.
الى طعام الغير لحفظ نفسه لم يجب على الغير اعطاؤه لأن الاصل براءة الذمة وايجاب ذلك يحتاج الى دليل.
غير أن الذى فى المبسوط أن المضطر أولى من المالك بطعامه. وحكى ذلك عن غير المبسوط.
وظاهر كلامهم فى باب اللقطة الا طباق على ذلك.
ولا دليل لهم الا قوله صلى الله عليه وسلم: من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله. فانظر الى هذا الاختلاف.
ولعل التفصيل بالطلب وعدمه، أولى.
فاذا قصر صاحب الطعام فامتنع عن تقديم ما يسد الرمق للمضطر حتى هلك الأخير فان عليه الاثم دون الضمان اذا لم يطلب المضطر منه.
وكذا كل من رأى انسانا فى مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك لم يلزمه ضمانه نعم لو اضطر الى طعام غيره أو شرابه فطلبه منه فمنعه مع غنائه فى تلك الحال فمات ضمن المطلوب منه لانه باضطراره اليه صار أحق من المالك ولو أخذه قهرا. فمنعه اياه عند طلبه سبب لهلاكه كما نص عليه فى التحرير وقد يقال ان الطالب نوعان طالب بلسان حاله وآخر طالب بمقاله
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن رأى قادر مال مسلم أشرف على التلف سواء تلف بعضه أو لم يتلف وسواء كان متلفه يتعلق به الضمان أم لا كسيل وسبع لزمه حفظه لواجب حق الاسلام والنصح لعامة المسلمين وخاصتهم والتعاون على البر والتقوى، مثل أن ترى شاة أو دابة أشرفت على الموت فتذكيها لصاحبها أن كان يصدقك فى أنها أشرفت عليه أو كان لك شهود، والا، وكان صاحبها يكذبك ويعارضك بالضمان فلا يلزمه أن يذكيها، ومثل أن ترى خبزا على مقلاة أو فى تنور أشرف على الاحراق فتصلح ذلك، ومثل أن ترى دابة تفسد أو تأكل مال انسان فتطردها ولا يلزمك ما أفسدت أو أكلت فى طردها. ومن سمع قوما يتوعدون بقتل أحد - موحد - بضرب ولو غير متولى.
ظلما أو لا يدرى أن ذلك حق .. أن يلزمه انذاره واعلانه فان توانى حتى قتلوه أو ضربوه لزمته ديته أو أرشه فى ماله وحده دون عاقتله ويرجع بها على القاتل
(1)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 449.
وان أداها القاتل فلا عليه الا التوبة.
وقيل ليس عليه حفظ المال ولا الانذار ولا دية ولا ضمان.
الاضطرار الى اتلاف نفس أو عضو
أو حيوان أو متاع لانقاذ نفسه
(أ) الاضطرار الى اتلاف نفس أو عضو:
مذهب الحنفية:
من قتل غيره من أجل احياء نفسه يعتبر آثما ومن فعل ذلك متعمدا يلزمه القود، كمن أصابته مخمصة فقتل انسانا وأكل من لحمه
(1)
. لأن الاضطرار لا أثر له فى اباحة دم المسلم لأن قتل المسلم بغير حق مما لا يستباح لضرورة ما
(2)
.
مذهب المالكية:
وكذلك الحال فى مذهب المالكية اذ حالة الاضطرار لا أثر لها فى اباحة دم المسلم بأى حال عندهم.
بل جاءت عبارة بعض فقهاء المذهب من العموم بحيث تشمل المسلم والكافر حيث قالوا: ان الجماعة لو فرض وجودهم فى سفينة وأحاط بهم الموج من كل جانب وأصبحوا فى خطر محقق لا سبيل لهم الى الخلاص منه الا بالقاء واحد منهم فى البحر فان ذلك لا يجوز اذ لا سبيل الى طرح الآدمى ذكرا كان أو أنثى حرا أو عبدا مسلما أو كافرا.
خلافا للخمى القائل بجواز طرح الآدميين بالقرعة لأن هذا كالخرق للاجماع على أنه لا يجوز اماتة أحد من الآدميين لنجاة غيره
(3)
.
مذهب الشافعية:
يذهب الشافعية الى أنه لا يجوز للمضطر قتل المعصوم فى حالة اضطراره.
غير أنهم قالوا ان له أن يأكل فلذة من جسم نفسه ان رجا السلامة بأن كان الخوف فى قطعها أقل منه فى تركها لان اتلاف البعض لاستيفاء الكل جائز كقطع اليد للأكلة. أما اذا كان الخوف فيه أكثر أو استوى الأمران فيحرم قطعها هذا فى جسم نفسه، أما جسم غيره المعصوم فلا يجوز له أن يقطع شيئا منه أصلا
(4)
.
(1)
كشف الأسرار ج 4 ص 1511.
(2)
البحر الرائق ج 8 ص 84.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 27.
(4)
أسنى المطالب ج 1 ص 571.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى وان لم يجد المضطر الا آدميا محقون الدم لم يبح له قتله اجماعا ولا اتلاف عضو منه. مسلما كان أو كافرا، لأنه مثله فلا يجوز أن يبقى نفسه باتلافه. وهذا لا خلاف فيه ..
وان وجد معصوما ميتا لم يبح أكله فى قول أصحابنا.
وقال بعضهم يباح وهو أولى لأن حرمة الحى أعظم
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم بعض آيات الاضطرار مثل قوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» .. ثم قال بعد ذلك ان النص لم يبح له قط أن يدفع ظلما عن نفسه بظلم غيره ممن لم يتعد عليه وانما الواجب دفع الظالم أو قتاله لقوله تعالى «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ» ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ان استطاع فان لم يستطع فبلسانه فان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الايمان ليس وراء ذلك من الايمان فى شئ فصح أنه لم يبح له قط العون على الظلم لا لضرورة ولا لغيرها .. وأبيح له فى المخمصة بنص القرآن الاكل والشرب
(2)
عند الضرورة، ويقول فى موضع آخر:
«وكل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام أو ميتة أو دم .. أو غير ذلك فهو كله عند الضرورة حلال حاشا لحوم بنى آدم - وما يؤدى تناوله الى القتل مثل السموم - فلا يحل شئ من ذلك أصلا لا بضرورة ولا بغيرها
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: ويجوز للضرورة كل محرم الا قتل محترم الدم
…
وله أخذ بضعة من جسده حيث لا يخاف من قطعها ما يخاف من الجوع كقطع المتآكلة حذرا من السراية
(4)
. ولكن لا يجوز للمضطر أن يقطع شيئا من جسم غيره اذا كان محترم الدم لان حرمة الدم تشمل القتل والقطع
(5)
.
(1)
المغنى ج 11 ص 79 - 80.
(2)
المحلى ج 7 ص 426.
(3)
المحلى ج 7 ص 426.
(4)
المراد بالسراية سريان المرض من العضو المريض الى بقية أجزاء الجسم السليمة فكما أنه يجوز القطع خوفا من السراية بل قد يجب فانه يجوز للمضطر أن يأخذ بضعة من جسده انقاذا لروحه ومهجته.
(5)
البحر الزخار ج 4 ص 333، 334.
مذهب الإمامية:
يقرر الإمامية أن المضطر له أن يفعل كل ما من شأنه أن يؤدى به الى الخلاص من حالة الهلاك التى تهدده غير أنهم يستثنون من ذلك حالة ما اذا توقف الخلاص على سفك الدم فان ذلك لا يجوز للمضطر أن يفعله انقاذا لنفسه. اذ يقول أبو جعفر عليه السلام:
التقية من دينى ودين آبائى. ولا ايمان لمن لا تقية له. وينبغى فى جميع الأحكام والأمور. ما لم يبلغ الى سفك الدماء
(1)
.
دفع الصائل
ويندرج فى حالة الاضطرار الى اتلاف نفس أو عضو انقاذا للنفس حالة دفع الصائل اذ هذه الحالة فى حقيقتها اضطرار المعتدى عليه للدفاع عن نفسه بالوسيلة التى تبدو له - حسب ظنه الراجح - مناسبة لدفع الاعتداء، فان ظن أن الصائل لا يمكن دفعه الا بالقتل كان له قتله متى تعين القتل وسيلة لتجنب أذاه ورد كيده. أما ان ظن أن الصائل يندفع بدون القتل فلا يجوز له قتله فان قتله كان آثما وعليه ضمانه اما القصاص واما الدية حسب الأحوال كما سيأتى فى موضعه المناسب - وان ظن المعتدى عليه أن المعتدى - وهو الصائل - يندفع باتلاف عضو من أعضائه جاز له اتلاف ذلك العضو فقط. فان زاد عن ذلك بأن قطع عضوين مثلا كان القدر الزائد مضمونا بقصاص أو دية هذا اذا كان الصائل انسانا مكلفا فان كان انسانا غير مكلف كالصبى والمجنون فقد اختلف الفقهاء فى حكم اعتدائهما فيرى بعضهم أن عمله هذا يعتبر صيالا وبعضهم لا يرى ذلك ومثل الصبى والمجنون الحيوان. وتفصيل ذلك كله سيأتى فى مصطلح دفاع وصائل.
الدفاع عن العرض
المؤمن مطالب بأن يدافع عن عرضه بكل فعل من شأنه رد الاعتداء ولو كان ذلك الفعل هو قتل المعتدى. فقد قال بعض الفقهاء: ومن حاول الاعتداء على نسائه كأمه وابنته وأخته وزوجته ونحوهن .. دفعه بأسهل ما يغلب على ظنه دفعه به .. وأن أراد رجل امرأة عن نفسها ليفجر بها فقتلته دفعا عن نفسها - ان لم يندفع الا به - لم تضمنه لقول عمر ولأنه مأذون فى قتله شرعا لدفعه عنها، وحكم
(2)
الدفاع عن العرض هو الوجوب باجماع الفقهاء
(1)
مفتاح الكرامة ج 4 ص 115 سنة 1323 هـ.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 92.
وكما قال بعضهم يجب الدفع عن النساء أن أمن الهلاك لانه لا مجال للاباحة فيهن
(1)
.
وتفصيل القول فى الدفاع عن العرض يرجع اليه فى مصطلح (دفاع زنا).
الدفاع عن المال:
لكل انسان أن يدافع عن ماله فان تعين القتل سبيلا لذلك جاز له قتاله فان أدت المقاتلة الى قتل المعتدى كان دمه هدرا. وان قتل صاحب المال كان شهيدا لقوله صلى الله عليه وسلم: «من قتل دون ماله فهو شهيد» وللفقهاء آراء مختلفة فى حكم الدفاع عن المال هل هو واجب أو جائز.
وبيان هذه المذاهب وأدلتها بالتفصيل ليس هذا محلها وانما يرجع اليها فى موضعها المناسب (أنظر دفاع - سرقة).
قتل النفس فى حالة التترس والتحصن:
الكفار فى أثناء الحرب قد يتترسون بأسرى المسلمين بأن يجعلوهم فى مواجهة المسلمين بحيث يكون الرمى الصادر من المسلمين موجها الى أسرى المسلمين.
وفى هذه الحالة ذهب بعض الفقهاء الى أنه يجوز رمى الكفار لأننا أمرنا بقتالهم فلو اعتبر وجود الاسرى المسلمين مانعا من قتال الكفار لا نسد باب الجهاد لانه قلما يخلو الامر عن أسير مسلم فى يدهم
(2)
.
وذهب بعض الفقهاء الى أن رميهم فى هذه الحالة لا يجوز الا عند خوف الهزيمة على المسلمين. وتفصيل أحكام هذه المسألة يرجع اليه فى مصطلح (جهاد).
(ب) الاضطرار الى اتلاف
مال انقاذا للنفس
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن ركاب السفينة اذا خافوا الغرق فأنهم يلقون بعض الامتعة طلبا للنجاة. فان اتفقوا على القاء هذه الامتعة فالغرم بعدد الرءوس لأن القاءها لحفظ الأنفس، واذا لم يتفقوا على الإلقاء لا يكون كذلك بل الغرم على الملقى وحده.
ويفهم من هذا أنه لا شئ على الغائب الذى له مال فيها ولم يأذن بالالقاء
(1)
اسنى المطالب ج 4 ص 168.
(2)
فتح القدير ج 4 ص 288.
فلو أذن بأن قال إذا تحققت هذه الحالة فألقوا اعتبر اذنه.
على أن وجوب الضمان بعدد الرءوس بجب تقييده بما اذا قصد حفظ الأنفس خاصة، أما إذا قصد حفظ الأمتعة فقط كما إذا لم يخش على الأنفس وخشى على الأمتعة فضمان الشئ الملقى على قدر الأموال.
وإذا خشى على الأنفس والأموال فألقوا بعض الأمتعة حفظا للأنفس وللأموال والحال أنهم قد اتفقوا على الالقاء - فان ضمان الامتعة الملقاة على عدد الرءوس ومقدار الأمتعة أيضا فمن كان غائبا وأذن بالإلقاء اذا وقع ذلك اعتبر ما له لا نفسه ومن كان حاضرا بماله أعتبر ماله ونفسه. ومن كان بنفسه فقط اعتبر نفسه فقط
(1)
.
مذهب المالكية:
نقل القرافى عن مالك أنه اذا طرح بعض الأمتعة للهول شارك أهل المطروح من لم يطرح لهم شئ فى متاعهم.
وكان ما طرح وسلم لجميعهم فى نمائه ونقصه بثمنه يوم الشراء ان اشتروا من موضع واحد بغير محاباة لأنهم صانوا بالمطروح ما لهم وهو سبب لسلامتهم جميعا فالعدل عدم اختصاص أحدهم بالمطروح اذ ليس أحدهم بأولى من الآخر.
وسواء طرح الرجل متاعه أو متاع غيره باذنه أم بغير اذنه.
ويبدأ بطرح الأمتعة ثم البهائم لشرف النفوس. وهذا الطرح عند الحاجة واجب اتفاقا لأنه ما وضع المال الا وسيلة لبقاء النفس ولم يوضع قتل الغير وأكل الميتة وسيلة لذلك.
ولا يضمن الطارح هنا ما طرحه اتفاقا
(2)
.
مذهب الشافعية:
يقول الامام عز الدين بن عبد السّلام: «اذا اغتلم البحر بحيث علم ركبان السفينة أنهم لا يخلصون الا بتغريق شطر الركبان لتخف بهم السفينة فلا يجوز القاء أحد منهم فى البحر بقرعة ولا بغير قرعة لأنهم مستوون فى العصمة .. ولو كان فى السفينة مال أو حيوان محترم لوجب القاء المال ثم الحيوان المحترم لأن المفسدة فى فوات الاموال والحيوانات المحترمة أضعف من المفسدة فى فوات أرواح الناس
(3)
.
(1)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 263 - 264.
(2)
الفروق ج 4 ص 9 - 12 طبعة سنة 1302.
(3)
قواعد الأحكام لابن عبد السّلام ج 1 ص 91 طبع س 1353 هـ 1934 م.
ومن ناحية أخرى تكلم رحمه الله عن مصالح لا يمكن تحصيلها الا بافساد بعضهما ومثل لها بحفظ الأموال اذا توقف على تفويت بعضها كتعييب أموال اليتامى ونحوهم اذا خيف عليها الغصب فان حفظها قد صار بتعييبها فأشبه ما يفوت من ما ليتها من أجور حارسها وحانوتها.
وقد فعل الخضر عليه السلام مثل ذلك لما خاف على السفينة الغصب فخرقها ليزهد غاصبها فى أخذها
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة: اذا كانت السفينة فى البحر وفيها متاع فخيف غرقها فألقى بعض من فيها متاعه فى البحر لتخف لم يرجع على أحد سواء ألقاه محتسبا بالرجوع أو متبرعا لانه أتلف مال نفسه باختياره من غير ضمان فان قال بعضهم له ألق متاعك فألقاه فكذلك.
وان قال ألقه وعلى ضمانه فألقاه فعلى القائل ضمانه.
وان قال ألقه وأنا وركبان السفينة ضمناء ففعل فقال أبو بكر الخلال يضمنه القائل وحده الا أن يتطوع بقيتهم.
وقال القاضى أبو يعلى ان كان ضمان اشتراك فليس عليه الا حصته.
وان كان ضمان اشتراك وانفراد بأن يقول كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته لزم القائل ضمان الجميع
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزم: فان هال البحر وخافوا العطب فليخففوا الاثقل فالاثقل ولا ضمان فيه على أهل المركب لأنهم مأمورون بتخليص أنفسهم قال الله تعالى:
«وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}. وقال تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» فمن فعل ما أمر به فهو محسن قال الله تعالى {ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ .. } . فان كان دون الأثقل ما هو أخف منه، وكان فى رمى الأثقل كلفة يطول أمرها ويخاف غرق السفينة بمن فيها ويرجى الخلاص برمى الأخف رمى الأخف حينئذ.
وأما من رمى الاخف وهو قادر على رمى الأثقل فهو ضامن لما رمى من ذلك، لا يضمنه معه غيره لقول النبى صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» ولا يرمى حيوان الا لضرورة يوقن معها بالنجاة برميه .. والمانع من القاء ماله المثقل للسفينة ظالم لمن فيها فدفع الهلاك عن أنفسهم بمنعه من ظلمه لهم فرض
(3)
.
(1)
قواعد الأحكام ج 1 ص 87.
(2)
المغنى ج 4 ص 515.
(3)
المحلى ج 8 ص 200.
مذهب الإمامية:
نص الأمامية على أن السفينة اذا أشرفت على الغرق جاز القاء بعض أمتعتها فى البحر، وقد يصبح الالقاء واجبا رجاء نجاة بعض الراكبين اذا خيف عليهم: فيجب القاء ما لا روح فيه وان علت قيمته لنجاة ذى الروح ولا يجب القاء الحيوان اذا حصل الغرض بغيره واذا قصر من لزمه الالقاء فعليه الاثم دون الضمان كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر اليه حتى هلك اذا لم يطلب المضطر منه
…
فاذا ألقى متاع نفسه أو متاع غيره بغير اذنه وجب عليه الضمان لأنه أتلفه بغير أذنه
فكان كما لو أكل المضطر طعام الغير.
والفرق بين ما اذا ألقى متاع نفسه لتخليص غيره من الغرق فانه حينئذ لا ضمان عليه وبين طعام المضطر فانه يرجع اليه بقيمته اذا كان ذا مال هو أن الملقى متاع نفسه ان شمله الخوف فهو ساع فى تأدية واجب وهو تخليص نفسه وان حصل بذلك تخليص غيره فلا يرجع على غيره ولا كذلك صاحب الطعام مع المضطر للاذن من الشارع حيث أوجبه وهو مقتض للرجوع.
وان لم يشمله الخوف فالفرق أن المطعم للمضطر مخلص لا محالة أما ملقى المتاع فغير دافع لخطر الغرق بيقين لأنه يحتمل أن يغرق وأن لا يغرق فكان الاول كشرب الخمر للعطش والثانى كشربها للتداوى.
وأما لو قال له أحد الركبان ألق متاعك وعلى ضمانه فعلى القائل الضمان للحاجة .. غير أن الضمان انما يجب على الملتمس
(1)
بشرطين:
أحدهما أن يكون الالتماس عند خوف الغرق.
والثانى أن لا تختص فائدة الالقاء بصاحب المتاع .. فلو اختصت به بطل الضمان ولم يحل له أخذه لأنه فعل ما هو واجب لمصلحته كما لو قال للمضطر كل طعامك وأنا ضامن فأكل فانه لا يرجع على الملتمس
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: وإن خافوا غرقا خففوا ثقل السفينة بالقاء بعض المال بشراء من صاحبه ان اتفقوا على شرائه وعلى ضمان الثمن الذى اشترى به.
(1)
طالب الالقاء.
(2)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 449 - 451.
والضمان أما أن يكون على الأموال أو على الرءوس. وأما أن يتفقوا على أن يكون على الرءوس مقدار مخصوص والباقى على المال أو العكس.
وان اشتراه بعضهم فألقاه ضمن وحده ولو اشترى عليهم جميعا الا أن اتفقوا معه على الشراء.
ولا يلزم صاحب السفينة معهم ضمان ثمن ما اشتروا ولو شرطوا عليه الا أن رضى بشرطهم لانهم خرجوا وهم راضون بثقلهم فلا يضمن معهم .. ولا يضمنون معه ما احتاج اليه فى اصلاح سفينته ولا ما ألقى هو من ماله فى سبيل تنجيتها
(1)
.
الاضطرار فى باب الطهارة
اذا كان استعمال الماء فى الطهارة يؤدى الى الهلاك أو الضرر الجسيم تيمم لقوله تعالى «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» . ولما رواه أبو داود عن جابر رضى الله عنه قال خرجنا فى سفر فأصاب رجلا معنا حجر فشجه فى رأسه. فاحتلم فسأل أصحابه هل تجدون لى رخصة فى التيمم؟ قالوا ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء.
فاغتسل فمات فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر بذلك قال: قتلوه قتلهم الله. الا سألوا اذ لم يعلموا فانما شفاء العى السؤال.
انما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر أو ويعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها ويغسل سائر جسده. وبيان هذه الحالات تفصيلا ليس هذا محلها وانما يرجع اليها فى موضعها المناسب (ينظر مصطلح تيمم).
الاضطرار فى باب الصلاة
للاضطرار فى باب الصلاة: صور كثيرة: ولعل أظهر هذه الصور حالة الضرورة القصوى التى تبيح بل قد توجب الخروج عن الصورة الشرعية للصلاة وهى حالة اشتباك جيش المسلمين مع جيش العدو - والتى يسميها بعض الفقهاء صلاة المسايفة أو صلاة شدة الخوف - ويدخل فيها كل حالة يخشى فيها على النفس من الهلاك أو الخطر الجسيم كحالة السيل أو هجوم سبع ونحوه.
وفى هذه الحالة يقول الله تعالى: «فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالاً أَوْ رُكْباناً}. اذ يصلون وهم على آلات الحرب متجهين الى عدوهم ولو كان فى جهة غير جهة القبلة وذلك للضرورة. وتفصيل أحكام هذه الصلاة وبيان مذاهب العلماء فيها بالتفصيل يرجع اليها فى موضعها المناسب.
(ينظر صلاة الخوف - صلاة المسايفة).
(1)
شرح النيل ج 5 ص 171 - 172
الاضطرار فى باب الصوم
للاضطرار فى باب الصوم صور متعددة: منها ما قرره الفقهاء من أن الصوم اذا ترتب عليه خوف الموت أو شدة الأذى مثل تلف عضو من أعضائه فانه فى مثل هذه الحالة له الافطار حفظا للنفس من الهلاك ولقوله تعالى {وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ،} ومن هذه الصور أيضا الحامل والمرضع اذا كان صومهما يؤدى الى هلاك الجنين أو الطفل فانه يجب عليهما الافطار غير أنه يشترط فى المرضع أن لا تجد مرضعا سواها أو أن لا يقبل الطفل غيرها حتى تنحقق حالة الاضطرار.
وبيان هذه الحالات وما يماثلها يرجع اليها فى مصطلح (صوم).
الاضطرار فى باب الحج
الاضطرار فى باب الحج له تطبيقات عديدة منها ما يتعلق بشرط الاستطاعة فمن ملك زادا وراحلة ولكنه لا يأمن الطريق هو فى الحقيقة غير مستطيع وقد قال الفقهاء ان الخوف على النفس أو العرض أو المال يتنافى مع شرط الاستطاعة، ولهم فى ذلك تفصيل يرجع اليه فى موضعه (ينظر استطاعة وحج).
ومن تطبيقات الاضطرار فى باب الحج ما يتعلق بمحظورات الاحرام فقد قال الله تعالى: {(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)،} وقد قرر بعض الفقهاء أن الضرر اللاحق به اذا كان من نفس الشعر فله ازالته بغير فدية كحالة الاضطرار الناشئة عن الصيال الذى يباح دفعه شرعا واذا كان الاذى من غير الشعر وانما من الحشرات الموجودة فيه مثلا، حيث لا يتمكن من ازالة الأذى الا بازالة الشعر فان عليه الفدية لانه قطع الشعر لازالة ضرر غيره، فأشبه الاكل فى حالة المخمصة، وهذا تطبيق دقيق للاضطرار وللفقهاء فى ذلك تفصيلات وأقوال يرجع اليها فى موضعها.
(انظر احرام).
ومن تطبيقات الاضطرار فى هذا الباب أيضا: الصد والاحصار المشار اليه فى قوله تعالى: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ» فقد عبر بعض الفقهاء صراحة أن المحصور مضطر كما أنهم قالوا فى تعريف الاحصار شرعا: أنه حصول مانع اضطرارى عقلى أو شرعى من اتمام ما أحرم له كخوف أو حبس أو مرض
(1)
، وللاحصار أحكام تفصيلية نص عليها الفقهاء تراجع فى محلها (ينظر احصار).
ومع ذلك فان للاضطرار فى باب
(1)
البحر الزخار ج 2 ص 387.
الحج تطبيقات أخرى نص عليها الفقهاء فى مواضع متفرقة (ينظر حج).
الاضطرار فى باب الذكاة
الذكاة اما اختيارية وهى التى يجريها الانسان فى حيوانه المملوك له فعلا المتمكن من ذبحه باختباره. وأما اضطرارية وهى التى تتحقق بجرح الحيوان فى أى جزء من جسده مع التسمية وبذلك يباح أكله متى كان الحيوان بعيدا عن سيطرة الذابح كالبعير الصائل والحيوان الشارد الذى يخشى فوته. ينظر تفصيل أحكام ذلك فى مصطلح (ذكاة).
الاضطرار فى باب اليمين
مذهب الحنفية:
ذكر فقهاء الحنفية بعض التطبيقات للاضطرار فى باب اليمين منها ما لو حلف شخص على امرأته أن لا تخرج الا باذنه أو بعلمه فانه يشترط لكى يبر بيمينه أن تستأذنه فى كل خروج.
ولكن يستثنى من ذلك ما اذا خرجت لغرق أو حرق أو نحوه فانه لا يشترط اذنه فى مثل هذه الحالات
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى فتح العلى المالك: «وان استخفى رجل عند آخر من سلطان جائر أراد دمه أو ماله أو عقوبته فى بدنه فسأله السلطان عنه فستر عليه وجحد كونه عنده، فقال: احلف أنه ليس عندك فحلف أنه ليس عنده ليدفع به عن نفسه ودمه أو ما دون ذلك من ماله فلا شئ عليه ان خاف على نفسه ان لم يحلف .. قال يحيى سمعت أبا زيد قاضى المدينة يسأل عن الرجل يخاف اللصوص فيغيب ماله فيأخذونه فيقولون له غيبت عنا مالك فيقول ما غيبت شيئا فيقولون احلف لنا فيحلف لهم بالطلاق انه لم يغيب عنهم شيئا، وهو ان لم يحلف ضربوه وأن أطلعهم على ماله أخذوه فقال:
لا حنث عليه
(2)
.
ومن تطبيقات الاضطرار عند المالكية فى هذه المسألة أيضا ما جاء فى حاشية الدسوقى من أنه اذا حلف على زوجته بالطلاق مثلا لا تخرج من الدار فخرجت لسيل أو هدم أو لأمر لا قرار لها معه، أو أخرجها صاحب الدار المستأجرة منه بعد انقضاء مدة الاجارة أو خرجت من الدار وهى حامل أو مرضع خوفا على ما فى بطنها أو رضيعها من
(1)
الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 3 ص 126 - 127.
(2)
فتح العلى المالكى فى الفتوى على مذهب الامام مالك ج 2 ص 56 - 57 طبعة سنة 1356 هـ.
طارئ مؤذ طرأ على الدار ففى سماع
(1)
ابن القاسم عن مالك لا حنث عليه واستصوبه البنانى لخروجه عن نيته حكما.
مذهب الشافعية:
جاء فى اسنى المطالب: «ولو حلف لا يسكن دارا أو لا يقيم فيها حنث باللبث فيها بلا عذر
…
ولو مكث فيها لخوف على نفسه أو ماله أو نحوهما أو منع له من الخروج، أو مرض لا يقدر معه على الخروج ولم يجد من يخرجه لم يحنث للعذر، فان وجد من يخرجه فينبغى أن يأمره باخراجه فان لم يفعل حنث، ولو حدث له العجز بعد الحلف فكالمكره: فلا يحنث
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة: واذا حلف فتأول فى يمينه. فله تأويله اذا كان مظلوما.
وان كان ظالما لم ينفعه تأويله لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: يمينك على ما يصدقك به صاحبك» ومعنى التأويل أن يقصد بكلامه محتملا يخالف ظاهره نحو أن يحلف أنه أخى يقصد اخوة الاسلام أو المشابهة
…
ولا يخلو حال الحالف المتأول من ثلاثة أحوال:
أحدها أن يكون مظلوما مثل من يستحلفه ظالم على شئ لو صدقه لظلمه أو ظلم غيره أو نال مسلما منه ضرر فهذا له تأويله.
قال مهنا سألت أحمد عن رجل له امرأتان كل واحدة منهما فاطمة فماتت واحدة منهما فحلف بطلاق فاطمة ونوى التى ماتت قال: ان كان المستحلف له ظالما فالنية نية صاحب الطلاق، وان كان المطلق هو الظالم فالنية نية الذى استحلف. وقد روى أبو داود باسناده عن سويد بن حنظله قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر فأخذه عدو له فتحرج القوم أن يحلفوا فحلفت أنه أخى فخلى سبيله فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال: أنت أبرهم وأصدقهم المسلم أخو المسلم، وقال النبى صلى الله عليه وسلم أن فى المعاريض لمندوحة عن الكذب يعنى سعة المعاريض التى يوهم بها السامع غير ما عناه.
الحال الثانى أن يكون الحالف ظالما فالذى يستحلفه الحاكم على حق عنده فهذا ينصرف يمينه الى ظاهر اللفظ.
(1)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 134.
(2)
أسنى المطالب ج 4 ص 252.
الحال الثالث لم يكن ظالما ولا مظلوما فظاهر كلام أحمد أن له تأويله
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار. من حلف كاذبا ليخلص نفسه أو غيره من مخافة فلا اثم ولا حنث ولو بالطلاق والعتق لقوله صلى الله عليه وسلم: «من الكذب كذب يدخل صاحبه الجنة» ومنه فتوى ابراهيم بن عبد الله بن الحسن لمن كتمه عن المنصور وحلف بالطلاق وغيره أنه لا حنث ولا اثم. قلت ووجهه أن ذلك كالاكراه على اليمين فلا تنعقد ..
وللحالف نيته حيث احتملها اللفظ بحقيقته أو مجازه والا فلا
واذا كان التحليف على حق يستحقه المحلف فلا حكم لنية الحالف اذ القصد باليمين زجره عن الجحد ولو اثرت نيته بطل الزجر
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب «من لا يحضره الفقيه» قال أبو عبد الله عليه السلام: «ان خشيت على دمك ومالك فاحلف ترده عنك بيمينك، فان رأيت أن يمينك لا ترد عنك شيئا فلا تحلف
(3)
.
ومن أقسام اليمين عند الإمامية كما بينها الصادق عليه السلام يمين يؤجر عليها الرجل: اذا حلف كاذبا ولا يلزمه الكفارة وهى أن يحلف الرجل فى خلاص أمرئ مسلم أو خلاص ماله من متعد يتعدى عليه من لص أو غيره
(4)
.
الاكراه نوع من أنواع الاضطرار
ينظر علماء الشريعة الى الاكراه على أنه تطبيق لقاعدة الضرورات تبيح المحظورات وفى هذا يقول الامام السيوطى: الضرورات تبيح المحظورات ومن ثم جاز أكل الميتة عند المخمصة واساغة اللقمة بالخمر والتلفظ بكلمة الكفر للاكراه
(5)
. (انظر اكراه)
أطراف
تعريفها لغويا:
الأطراف جمع مفرده طرف والطرف العضو. فقد جاء فى (لسان
(1)
المغنى ج 11 ص 242 - 244.
(2)
البحر الزخار ج 4 ص 242 - 243.
(3)
من لا يحضره الفقيه ص 404.
(4)
المرجع السابق ص 405.
(5)
الأشباه والنظائر فى فروع الشافعية ص 84.
العرب) أنه جاء فى حديث أم سلمه قالت لعائشة رضى الله عنهما «حماديات النساء غض الأطراف» أرادت بعض الأطراف قبض اليد والرجل عن الحركة والسير تعنى تسكين الأطراف وهى الأعضاء.
وقال القتيبى: هى جمع طرف (بتسكين الراء) العين، أرادت غض البصر والطرف محركة هو البعد، وهو الناحية من النواحى، والطائفة من الشئ والجمع أطراف والأطراف الأصابع.
وفى التهذيب اسم الأصابع وكلاهما من ذلك قال: ولا تفرد الأطراف الا بالاضافة كقولك: أشارت بطرف اصبعها.
وأنشد الفراء: «يبدين أطرافا لطافا عنمة» .
وقال الأزهرى: جعل الأطراف بمعنى الطرف الواحد ولذلك قال:
عنمة.
ويقال: طرفت الجارية بنانها اذا خضبت أطراف أصابعها بالحناء، وهى مطرفه.
وأطراف الرجل أخواله وأعمامه وكل قريب له محرم.
والعرب تقول: لا يدرى أى طرفيه أطول، ومعناه: لا يدرى أى والديه أشرف. قال هكذا قال الفراء.
ويقال: لا يدرى أنسب أبيه أفضل أم نسب أمه.
وقال أبو الهيثم: يقال للرجل ما يدرى فلان أى طرفيه أطول، أى أى نصفيه أطول، الطرف الأسفل من الطرف الأعلى؟ فالنصف الأسفل طرف، والأعلى طرف والخصر ما بين منقطع الضلوع الى أطراف الوركين، وذلك نصف البدن، والسوأة بينهما، كأنه جاهل لا يدرى أى طرفى نفسه أطول.
وقيل طرفاه لسانه وفرجه.
وقيل استه وفمه، لا يدرى أيهما أعف وفى حديث قبيصة بن جابر: ما رأيت أقطع طرفا من عمرو بن العاص يريد أمضى لسانا منه. وطرف الانسان لسانه وذكره، ومنه قولهم لا يدرى أى طرفيه أطول.
ويقال: فلان فاسد الطرفين اذا كان خبيث اللسان والفرج
(1)
.
وجاء فى القاموس المحيط: الطرف (محركة): الناحية، وطائفه من الشئ، والرجل الكريم. والأطراف الجمع.
(1)
لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ج 11 مادة طرف.
ومن البدن: اليدان والرجلان والرأس.
ومن الأرض أشرافها وعلماؤها. ومنك أبواك وأخوتك وأعمامك وكل قريب محرم. ولا يدرى أى طرفيه أطول أى ذكره ولسانه، أو نسب أبيه وأمه.
ولا يملك طرفيه، أى فمه واسته اذا شرب الدواء أو سكر
(1)
.
تعريفها فى اصطلاح الفقهاء:
يكاد الفقهاء فى تعبيرهم بكلمة أطراف لا يخرجون على المعنى اللغوى فالأطراف ما دون النفس، أو الأعضاء
(2)
.
حكم الجناية على الأطراف
(أ) اذا مات المجنى عليه بالسراية:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه لو جنى على ما دون النفس فسرى، فالسراية لا تخلو اما أن تكون الى النفس واما أن تكون الى عضو آخر.
فان كانت الى النفس فالجانى لا يخلو اما أن يكون متعديا فى الجناية، واما أن لا يكون متعديا.
فان كان متعديا فى الجناية والجناية بحديدة أو بخشبة تعمل عمل السلاح فمات من ذلك فعليه القصاص سواء كانت الجناية مما توجب القصاص لو برئت أو لا توجب، كما اذا قطع الجانى يد انسان من الزند أو من الساعد أو شجه موضحة أو آمة أو جائفة أو أبان طرفا من أطرافه أو جرحه جراحة مطلقة فمات المجنى عليه من ذلك فعلى الجانى القصاص، لأنه لما سرى بطل حكم ما دون النفس وتبين أنه وقع قتلا من حين وجوده، وللولى أن يقتل الجانى وليس له أن يفعل مثل ما فعل، حتى لو كان قطع يده ليس له أن يقطع يده، وكذلك اذا قطع رجل يد رجل ورجليه فمات من ذلك تحز رقبته. ولو قطع يده فعفا المقطوع عن القطع ثم سرى الى النفس ومات - فان عفا عن الجناية أو عن القطع وما يحدث منه أو الجراحة وما يحدث منها فهو عفو عن النفس باجماع أصحاب أبى حنيفة. وان عفا عن القطع أو الجراحة ولم يقل:
«وما يحدث منها» لا يكون عفوا عن النفس، وعلى القاطع دية النفس فى قول أبى حنفية، وفى قولهما: يكون عفوا عن النفس ولا شئ عليه
(3)
.
وجاء فى الهداية أن من قطع يد رجل فعفا المقطوعة يده عن القطع
(1)
القاموس المحيط للفيروزابادى ج 3 ص مادة: طرف.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 296 الطبعة الأولى، سنة 1328، سنة 1910 م طبع مطبعة الجمالية بمصر، الأم للامام الشافعى ج 6 ص 45 طبعة دار الشعب كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 3 ص 373 الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية 1319 هـ.
(3)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 7 ص 304 نفس الطبعة السابقة.
ثم مات من ذلك فعلى القاطع الدية فى ماله. وان عفا عن القطع وما يحدث منه ثم مات من ذلك فهو عفو عن النفس ثم ان كان خطأ فهو من الثلث وان كان عمدا فهو من جميع المال وهذا عند أبى حنيفة وقالا اذا عفا عن القطع فهو عفو عن النفس أيضا وعلى هذا الخلاف اذا عفا عن الشجة ثم سرى الى النفس ومات يدل لهما أن العفو عن القطع عفو عن موجبه، وموجبه القطع لو اقتصر أو القتل اذا سرى فكان العفو عنه عفوا عن أحد موجبيه أيهما كان، ولأن اسم القطع يتناول السارى والمقتصر فيكون العفو عن القطع عفوا عن نوعيه وصار كما اذا عفا عن الجناية فانه يتناول الجناية السارية والمقتصرة، كذا هذا ويدل له أن سبب الضمان قد تحقق وهو قتل نفس معصومة متقومة والعفو لم يتناوله بصريحه، لأنه عفا عن القطع وهو غير القتل، وبالسراية تبين أن الواقع قتل، وحقه فيه، ونحن نوجب ضمانه، وكان ينبغى أن يجب القصاص، وهو القياس، لأنه هو الموجب للعمد.
الا أن فى الاستحسان تجب الدية لأن صورة العفو أورثت شبهة، وهى دارئة للقود ولا نسلم أن السارى نوع من القطع، وأن السراية صفة له، بل السارى قتل من الابتداء، وكذا لا موجب له من حيث كونه قطعا فلا يتناوله العفو بخلاف العفو عن الجناية، لأنه اسم جنس وبخلاف العفو عن الشجة وما يحدث منها لأنه صريح فى العفو عن السراية والقتل، ولو كان القطع خطأ فقد أجراه مجرى العمد فى هذه الوجوه وفاقا وخلافا آذن بذلك اطلاقه، الا أنه ان كان خطأ فهو من الثلث، وان كان عمدا فهو من جميع المال لأن موجب العمد القود ولم يتعلق به حق الورثة لما أنه ليس بمال، فصار كما اذا أوصى باعارة أرضه. وأما الخطأ فموجبه المال وحق الورثة يتعلق به فيعتبر من الثلث
(1)
.
وجاء فى الهداية: أنه اذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات فلها مهر مثلها وعلى عاقلتها الدية ان كان خطأ - وان كان عمدا ففى مالها، هذا عند أبى حنيفة، لأن العفو عن اليد اذا لم يكن عفوا عما يحدث منه - عنده - فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما يحدث منه، ثم القطع اذا كان عمدا يكون هذا تزوجا على القصاص فى الطرف وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على تقدير السقوط فيجب مهر المثل وعليها الدية فى مالها، لأن التزوج وان كان يتضمن العفو لكن عن القصاص فى الطرف فى هذه الصورة واذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو
(1)
الهداية على فتح القدير للامام كمال الدين بن عبد الواحد السيواسى ثم السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى ج 9 ص 182 وما بعدها الى ص 188 طبع المطبعة الميمنية سنة 1319 هـ.
فتجب الدية وتجب فى مالها لأنه عمد.
والقياس أن يجب القصاص على ما بيناه. واذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية تقع المقاصة ان كانا على السواء وان كان فى الدية فضل ترده على الورثة، وان كان فى المهر فضل يرده الورثة عليها. واذا كان القطع خطأ يكون هذا تزوجا على أرش اليد، واذا سرى الى النفس تبين أنه لا أرش لليد وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل كما اذا تزوجها على ما فى اليد ولا شئ فيها ولا يتقاصان لأن الدية تجب على العاقلة فى الخطأ. والمهر لها.
ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية ثم مات من ذلك والقطع عمد فلها مهر مثلها، لأن هذا تزوج على القصاص وهو لا يصلح مهرا فيجب مهر المثل، وصار كما اذا تزوجها على خمر أو خنزير ولا شئ له عليها، لأنه لما جعل القصاص مهرا فقد رضى بسقوطه بجهة المهر فيسقط أصلا كما اذا أسقط القصاص بشرط أن يصير مالا فانه يسقط أصلا، وان كان خطأ يرفع عن العاقلة مهر مثلها ولهم ثلث ما ترك وصية، لأن هذا تزوج على الدية وهى تصلح مهرا الا أنه يعتبر بقدر مهر المثل من جميع المال لأنه مريض مرض الموت والتزوج من الحوائج الأصلية، ولا يصح فى حق الزيادة على مهر المثل لأنه محاباة فيكون وصية فيرفع عن العاقلة لأنهم يتحملون عنها فمن المحال أن ترجع عليهم بموجب جنايتها، وهذه الزيادة وصية لهم لأنهم من أهل الوصية لما أنهم ليسوا بقتلة، فان كانت تخرج من الثلث تسقط وان لم تخرج تسقط ثلثها.
وقال أبو يوسف ومحمد كذلك الجواب فيما اذا تزوجها على اليد لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما فاتفق جوابهما فى الفصلين
(1)
.
ومن قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات فانه يقتل المقتص منه، لأنه تبين أن الجناية كانت قتل عمد، وحق المقتص له القود، واستيفاء القطع لا يوجب سقوط القود كمن كان له القود اذا استوفى طرف من عليه القود.
وعن أبى يوسف أنه يسقط حقه فى القصاص لأنه لما أقدم على القطع فقد أبرأه عما وراءه.
ويرى صاحب فتح القدير: أنه انما أقدم على القطع ظنا منه أنه حقه فيه، وبعد السراية تبين أنه فى القود فلم يكن مبرأ عنه بدون العلم به
(2)
.
(1)
الهداية شرح بداية المبتدى شيخ الاسلام برهان الدين أبى الحسن على بن أبى بكر المرغينانى ج 4 ص 127 طبع مصطفى البابى الحلبى 1193 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 127 الطبعة السابقة وفتح القدير على الهداية لابن الهمام فى كتاب على هامشه شرح العناية على الهداية ج 6 ص 193 وما بعدها الى ص 194 الطبعة السابقة.
ومن قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضى له بالقصاص أو لم يقض فعلى قاطع اليد دية اليد عند أبى حنيفة.
وقالا: لا شئ عليه لأنه استوفى حقه فلا يضمنه، وهذا لأنه استحق اتلاف النفس بجميع أجزائها، ولهذا لو لم يعف لا يضمنه - وكذا اذا سرى وما برأ أو ما عفا وما سرى أو قطع ثم حز رقبته قبل البرء أو بعده.
وصار كما اذا كان له قصاص فى الطرف فقطع أصابعه ثم عفا لا يضمن الأصابع - وله أنه استوفى غير حقه لأن حقه فى القتل وهذا قطع وابانة، وكان القياس أن يجب القصاص الا أنه سقط للشبهة، فان له أن يتلفه تبعا. واذا سقط وجب المال وانما لا يجب فى الحال لأنه يحتمل أن يصير قتلا بالسراية فيكون مستوفيا حقه، وملك القصاص فى النفس ضرورى ولا يظهر الا عند الاستيفاء أو العفو أو الاعتياض لما أنه تصرف فيه، فأما ما قبل ذلك لم يظهر لعدم الضرورة بخلاف ما اذا سرى لأنه استيفاء. وأما اذا لم يعف وما سرى قلنا انما يتبين كونه قطعا بغير حق بالبرء حتى لو قطع وما عفا وبرأ الصحيح أنه على هذا الخلاف. واذا قطع ثم حز رقبته قبل البرء فهو استيفاء ولو حز بعد البرء فهو على هذا الخلاف هو الصحيح.
والأصابع وان كانت تابعة قياما بالكف فالكف تابعة لها غرضا بخلاف الطرف لأنها تابعة للنفس من كل وجه
(1)
.
ومن له القصاص فى الطرف اذا استوفاه ثم سرى الى النفس ومات يضمن دية النفس عند أبى حنيفة.
وقالا: لا يضمن لأنه استوفى حقه وهو القطع، ولا يمكن التقييد بوصف السلامة لما فيه من سد باب القصاص، اذ الاحتراز عن السراية ليس فى وسعه، فصار كالامام والبزاغ والحجام والمأمور بقطع اليد. ولو أنه قتل بغير حق لأن حقه فى القطع، وهذا وقع قتلا ولهذا لو وقع ظلما كان قتلا، ولأنه جرح أفضى الى فوات الحياة فى مجرى العادة وهو مسمى القتل، الا أن القصاص سقط للشبهة فوجب المال بخلاف ما استشهد به من المسائل الا أنه مكلف فيها بالفعل أما تقلدا كالامام أو عقدا كما فى غيره منها، والواجبات لا تتقيد بوصف السلامة كالرمى الى الحربى.
وفيما نحن فيه لا التزام ولا وجوب اذ هو مندوب الى العفو فيكون من باب الاطلاق فأشبه الاصطياد فى الاباحة، والاباحة تتقيد بوصف السلامة بدليل أنه لو رمى الى صيد فأصاب انسانا يضمن، كذا ههنا
(2)
.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 128 الطبعة السابقة وفتح القدير ج 6 ص 194 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 128.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى
(1)
: أنه أن قطع رجل يد رجل خطأ أو عمدا فعفا المقطوعة يده عن القاطع ثم مات منها المقطوعة يده - فيرى ابن القاسم أنه فى العمد. اذا عفا عن اليد ثم مات فلأوليائه القصاص فى النفس اذا كان انما عفا عن اليد ولم يعف عن النفس.
وقال الامام مالك فى رجل شج رجلا موضحة خطأ فصالحه المجروح على شئ أخذه منه ثم نزا منها فمات قال الامام مالك: يقسم ولاته أنه مات منها ويستحقون الدية على العاقلة، ويرد هذا ما أخذ من الجارح على الجارح ويكون الجارح كرجل من قومه.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم للامام الشافعى: أنه لو جرح رجل رجلا عمدا ثم عفا المجروح عن الجرح وما حدث عنه ثم مات من ذلك الجرح لم يكن الى قتل الجارح سبيل بأن المجروح قد عفا عن القتل، فان كان عفا عنه ليأخذ عقل الجرح أخذت منه الدية تامة لأن الجرح قد صار نفسا - وان كان عفا عن العقل والقصاص فى الجرح ثم مات من الجرح - فمن لم يجز الوصية للقاتل أبطل العفو وجعل الدية تامة للورثة لأن هذه وصية لقاتل.
ومن أجاز الوصية للقاتل جعل عفوه عن الجرح وصية يضرب بها القاتل فى الثلث مع أهل الوصاية.
وقال الشافعى فيما زاد من الدية على عقل الجرح قولان:
أحدهما له مثل عقل الجرح لأنه مال من ماله ملك عنه.
والقول الآخر - لا يجوز لأنه لا يملك الا بعد موته
(2)
.
وان قطع رجل يدى رجل ورجليه ثم مات المقطوعة يداه ورجلاه من تلك الجراح فأراد ورثته القصاص كان لهم أن يصنعوا ما صنع بصاحبهم، وان أرادوا أن يقتلوه ويأخذوا أرشا فيما صنع به لم يكن لهم. واذا كانت النفس فلا أرش للجراح لدخول الجراح فى النفس، ولهم أن يأخذوا دية النفس كلها ويدعوا القصاص.
ولو أرادوا أن يقطعوا يديه ورجليه أو يديه دون رجليه، أو بعض أطرافه
(1)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون ابن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن ابن القاسم، ج 4 ص 499 - 500 طبع المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ وعلى هامشها المقدمات الممهدات لابن رشد.
(2)
الام للامام الشافعى ج 6 ص 8، 9 طبعة دار الشعب.
التى قطع منه ويدعوا قتله كان ذلك لهم فقد قال الشافعى: اذا قضيت لهم بأن يفعلوا ذلك ويقتلوه قضيت لهم بأن يفعلوا ذلك ويدعوا قتله.
فان قالوا نقطع يديه ثم نأخذ منه دية أو بعضها لم يكن ذلك لهم.
وقيل لهم. اذا قطعتم يديه فقد أخذتم منه ما فيه الدية فلا يكون لكم عليه زيادة الا القطع أو القتل فأما مال فلا.
ولو قطعوا له يدا أو رجلا ثم قالوا نأخذ نصف الدية كان لهم ذلك، لأنه لو قطع يديه فأرادوا أخذ القود من يد والأرش من أخرى كان لهم ذلك ولا يكون لهم ذلك حتى يبرأ.
ولو كانت المسألة بحالها فجرحه جائفة مع قطع يديه ورجليه فمات، فقال ورثته: نجرحه جائفة ونقتله لم يمنعوا ذلك. وان أرادوا تركه بعدها تركوه. ولو قالوا على الابتداء:
نجرحه جائفة ولا نقتله لم يتركوا وذلك أنهم انما يتركون اذا قالوا نقتله بما يقاد منه فى الجناية وأما ما لا يقاد منه فلا يتركون واياه
(1)
.
ولو مات رجل بسراية جراح لرجلين بأن أجافاه أو قطع الأول يده من الكوع والثانى من المرفق فمات فهما قاتلان ولو شك فى الانتهاء الى حركة المذبوحين عمل بقول أهل الخبرة
(2)
.
وجاء فى الأم أن ما أصاب به العاض المعضوض من جرح فصار نفسا أو صار جرحا عظيما ضمنه كله لأنه معتد
(3)
.
واذا أمر أب الصبى أو سيد المملوك الختان يفعل فمات فلا عقل ولا قود ولا كفارة على الختان. وان ختنهما بغير أمر أب الصبى أو أمر الحاكم ولا سيد المملوك ومات فعليه الكفارة وعلى عاقلته دية الصبى وقيمة العبد ولو كان حين أمره أن يختنهما أخطأ فقطع طرف الحشفة وذلك مما يخطئ مثله بمثله فلا قصاص وعليه دية الصبى وقيمة العبد بحساب ما بقى ويضمن ذلك العاقلة.
ولو قطع الذكر من أصله وذلك لا يخطئ بمثله حبس حتى يبلغ الصبى فيكون له القود أو أخذ الدية، أو يموت فيكون لوارثه القصاص أو الدية تامة
(4)
.
وقال الشافعى: لو قطع انسان من لحمه شيئا فان كان قطع لحما
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 10 الطبعة السابقة.
(2)
الأنوار لأعمال الأبرار للامام يوسف الاردبيلى فى كتاب على هامشه حاشية الكمثرى وحاشية الحاج ابراهيم ج 2 ص 248 الطبعة الأولى بمطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.
(3)
الأم ج 6 ص 25 نفس الطبعة السابقة.
(4)
الأم ج 6 ص 53 الطبعة السابقة.
ميتا فذلك دواء، والجارح ضامن بعد لما زادت الجراح وان كان قطع ميتا وحيا لم يضمن القاطع الا الجرح نفسه واذا قلت: الجارح ضامن للزيادة فى الجرح فعلى الجارح القود عمدا الا أن تشاء ورثته الدية فتكون فى ماله وعلى عاقلته الدية ان كانت خطأ.
واذا قلت ليس الجارح بضامن للزيادة فمات المجروح جعلت على الجارح نصف ديته ولم أجعل له فى النفس قودا وان كانت عمدا وجعلته شيئا من جناية الجانى وجناية المجنى على نفسه أبطلت جنايته على نفسه وضمنت الجانى جنايته عليه وهكذا لو كان فى طرف فان كان الكف فتآكلت فسقطت أصابعها أو الكف كلها فالجانى ضامن لزيادتها فى ماله ان كانت عمدا. وأن قطع المجنى عليه الكف أو الأصابع لم يضمن الجانى مما قطع المجنى عليه شيئا الا أن تقوم البينة بأن المقطوع كان ميتا فيضمن أرشها فان لم تثبت البينة أنه كان ميتا أو قالت كان حيا وكان خيرا له أن يقطع فقطعه لم يضمن الجانى. وكذلك لو أصاب المجنى عليه منه أكلة وكان خيرا له أن يقطع الكف لئلا تمشى الأكلة فى جسده فقطعها والأطراف حية لم يضمن الجانى شيئا من قطع المجنى عليه فان مات كان على الجانى نصف ديته لأن ظاهره أنه مات من جناية الجانى وجناية المجنى عليه على نفسه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أنه ان قطع الجانى أصبعا عمدا فعفا المجنى عليه عنه ثم سرت الجناية الى الكف أو الى النفس والعفو على مال أو على غير مال فله تمام دية ما سرت اليه الجناية لأن المجنى عليه انما عفا عن دية الأصبع فوجب أن يثبت له تمام الدية ضرورة كونه غير معفو عنه ولا قصاص لتعذره فى النفس دون ما عفا عنه فسقط فى النفس كما لو عفا بعض الأولياء.
وان كان الجرح لا قصاص فيه كالجائفة فعفا المجروح عن القصاص ثم سرى الى النفس فلوليه القصاص لأنه لا يصح العفو عن قود ما لا قود فيه فلم يؤثر عفوه ولولى المجروح بعد السراية العفو عن القصاص وله حينئذ كمال الدية كما لو لم يتقدم عفوه. وان عفا المجروح عن دية الجرح صح عفوه، لأن الحق له وقد وجب بالجناية وقد أسقطه ولورثته بعد السراية دية النفس وان عفا ولى القود مطلقا بأن قال عفوت فقط فله
(1)
نفس المرجع السابق ج 6 ص 51 الطبعة السابقة.
الدية أو عفا عن القود مطلقا بأن قال عفوت عن القود فله الدية لأن الواجب أحد شيئين فاذا سقط القود تعينت الدية.
وان قال الجانى لولى الجناية عفوت مطلقا أى عن القود والدية أو قال الجانى عفوت عنها أى الجناية وسرايتها وقال ولى الجناية: بل عفوت الى مال أو عفوت عن الجناية دون سرايتها فالقول قول المجنى عليه أو وليه مع يمينه لأن الأصل معه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم أنه من جنى عليه بجرح أو قطع أو كسر فعفا عنه فقط أو عنه وعما يحدث عنه فعفوه عما يحدث منه باطل لأنه لم يجب له بعد، وأما عفوه عما جنى عليه فهو جائز وهو له لازم وذلك، لأنه وجب له لأنه قد وجب له القود فى الكسر أو المفاداة فى الجراحة، فان عفا فانما عفا عن حقه الذى وجب له بعد، فان مات من ذلك أو حدث عنه بطلان عضو آخر فله القود فى العضو الآخر لأنه الآن وجب له ولأوليائه القتل بالسيف خاصة لا بمثل ما جنى على مقتولهم لأن تلك الجنايات كان له القود فيها فعفا عنها فسقطت وبقى قتل النفس فقط ولا عفو له فيه فهو للورثة فلهم قتله، واذ لهم قتله وبطل أن يقتص منه بمثل ما جنى عليه فلا خلاف فى أن الجناية لم يقد منها فانما القتل بالسيف فقط وهكذا لو استقاد المجنى عليه مما جنى عليه الجانى ثم مات المجنى عليه فان الجانى يقتل بالسيف فقط لأنه قد استقيد منه فى الجناية فلا يعتدى عليه بأخرى
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح
(3)
الأزهار: ان الجناية القاتلة بالسراية هى ما لا تقطع بازهاق الروح بمجردها بل الحياة معها مستقرة حتى يسرى جراحها الى فساد ما لا تتم الحياة الا به كقطع اليد، اذ قد يسرى فيهلك، وقد لا يسرى فيسلم، وذلك كثير.
فضابط ذلك أن كل جناية يقطع بأنها قاتلة بمجردها وان لم يسر الى غيرها فهى المباشرة، وكل جناية يجوز أن
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى - الطبعة الأولى الطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ ج 3 ص 370، ص 371.
(2)
المحلى لابى محمد على بن أحمد بن سعيد ابن حزم الأندلسى ج 10 ص 391 مسألة رقم 2081 الطبعة الأولى سنة 1352 ادارة الطباعة المنيرية بمصر تحقيق محمد منير الدمشقى.
(3)
شرح الأزهار وحواشيه ج 4 ص 390، 391 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ مطبعة حجازى بالقاهرة.
يحيا من وقعت فيه وذلك بأن لا تسرى لأنها لا تقتل بمجردها كقطع اليد والهاشمة فى الرأس ونحوهما، ويجوز أن تقتل بأن تسرى الى مقتل فهى القاتلة بالسراية فاذا مات المجنى عليه بمجموع أفعال جماعة سراية لأن تكون كل واحدة قاتلة فى العادة بالسراية لكنها اتفقت فقتلت جميعا بالسراية وجب على كل منهم دية كاملة ان طلبت.
وعند المؤيد بالله وأكثر العلماء لا تجب الا دية واحدة
(1)
.
قال أبو طالب: واذا جرح واحد آخر مائة، وجرحه الثانى جراحة واحدة فسرت الى النفس ومات كانا فى وجوب القود عليهما على سواء على أصل يحيى عليه السلام
(2)
.
واذا قطع رجل يد رجل من مفصل الكف ثم قطعها آخر من المرفق أو نحوه قبل أن تبرأ ثم مات المقطوع وكانت كل واحدة من الجنايتين قاتلة بالسراية لو انفردت فانه يقتل الثانى، وعلى الأول نصف الدية، لأن جناية الثانى أبطلت جناية الأول، لأن السراية تجدد وقتا بعد وقت وقد ارتفع ألم الجناية الأولى
(3)
.
وجاء فى البحر الزخار: أن الهادى عليه السلام قال: ومن ضرب غيره ضربة أذهبت عينه وأنفه ولسانه ويديه لزم القصاص حيث يمكن والأرش حيث لا يمكن القصاص فان مات المجنى عليه دخلت الأطراف فى النفس قودا وأرشا اذ لو أخذنا أرش الأطراف لأسقطنا النفس ولا قائل به. ولو أخذنا أرش الجميع أخذنا أرش الأطراف مرتين، فان لم يمت أخذ أرش الجنايات وان تعددت الديات
(4)
.
والعترة على أن من قطعت يده فعفا ثم سرت الى نفسه فلا قصاص لتعذر استيفاء النفس دون اليد ولتولدها عما عفا عنه. ومن ضرب رجلا فأبان يده فعفا المضروب فضربه ثانية فقتله لزمه القود اذ العفو لم يتناول الفعل الآخر.
وقيل: لا قصاص، اذ هى فى الجناية الواحدة فاذا سقط البعض سقط الكل، وله الدية كاملة ولو بعد قبض أرش الأولى اذ الأخرى مستقلة فلم يتداخلا.
قال الامام يحيى بل يتداخلان لدخول دية الطرف فى النفس
(5)
.
(1)
شرح الأزهار ج 4 ص 390، 391
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 392 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 391 نفس الطبعة
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 5 ص 230 الطبعة الأولى سنة 1368 هـ، سنة 1949 م مطبعة السنة المحمدية.
(5)
المرجع السابق ج 5 ص 241، 242 نفس الطبعة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف أنه اذا قطع رجل يد رجل من الكوع ثم قطع آخر تلك اليد من المرفق قبل اندمال الأول ثم سرى الى نفسه فمات فهما قاتلان عليهما القود.
والدليل أن القتل حدث عن القطعين وألمهما باق فى جسمه فليس بأن يضاف الى الثانى بأولى من أن يضاف الى الأول فالواجب أن يضاف اليهما اذ لا ترجيح
(1)
.
واذا جرحه فسرى الى نفسه ومات وجب القصاص فى النفس، ولا قصاص فى الجرح سواء كان مما لو انفرد كان فيه القصاص أو لم يكن فيه القصاص.
وقال الشافعى اذا كان مما لو انفرد كان فيه القصاص كان لوليه الخيار بين أن يقتص فى الجرح ثم يقتل وبين أن يقتل فحسب، وان كان مما لو انفرد واندمل لا قصاص فيه مثل الهاشمة والمنقلة والمأمومة والجائفة وقطع اليد من بعض الذراع والرجل من بعض الساق، فاذا صارت نفسا فهل لوليه أن يقتص منها ثم يقتل أم لا على قولين:
أحدهما: ليس له ذلك.
والثانى: له ذلك.
ودليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم وروى العباس بن عبد المطلب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (لا قصاص فى المنقلة
(2)
.
واذا قطع اصبع غيره فعفا عنها المجنى عليه ثم سرى الى نفسه كان لولى المقتول القود، ويجب عليه أن يرد على الجانى دية الأصبع التى عفا عنها المجنى عليه وان أخذ الدية أخذ دية النفس الا دية الأصبع - الدليل اجماع الفرقة وأخبارهم وأيضا قول الله سبحانه وتعالى:«النَّفْسَ بِالنَّفْسِ» }.
(3)
.
وجاء فى الروضة البهية: أنه لو جنى على الطرف ومات واشتبه استناد الموت الى الجناية فلا قصاص فى النفس للشك فى سببه بل فى الطرف خاصة
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه يلزم الجانى فيما تولد من قبله خروج نفس كفارة
(1)
كتاب الخلاف فى الفقه للامام أبى محمد بن الحسن بن على الطوسى الطبعة الثانية ربيع الثانى سنة 1382 هـ مطبعة تابان فى طهران المجلد الثانى مسألة رقم 53 من كتاب الجنايات ص 361.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 362 مسألة رقم 56 من كتاب الجنايات.
(3)
نفس المرجع ج 2 ص 370 مسألة رقم 85.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى طبعة دار الكاتب العربى بمصر ج 2 ص 414
وان كان لرقيق. قيل وان بعمد وان نما غيا بالعمد لأن الكفارة مذكورة فى القرآن للخطأ لا للعمد ولذا قال بعض العلماء: لا كفارة فى العمد وأن افتض زوج زوجته دون تمام ثمان سنين فماتت به فعليه ديتها سواء دخلت السنة الثامنة لكنها لم تتم أو لم تدخل فيها فان افتضها فوق ثمان سنين بأن دخلت فى التاسعة لم تلزمه ولا عاقلته ديتها، الا أن تعمد فتلزمه.
وقيل: تلزمه مطلقا دون الثمان أو فوقها ان كان الافتضاض قبل بلوغها وتلزم بافتضاضه بعد بلوغها ان ماتت به عاقلته الا أن تعمد فتلزمه
(1)
.
ومن ضرب ناشزة فماتت من ضربه فعليه ديتها وان نكح امرأة فنزفت دما حتى ماتت فان بلغت فديتها على عاقلته والا ففى ماله وان خلطها فعليه التامة
(2)
(ب) الحكم اذا تلف العضو المجنى عليه
مذهب الحنفية:
جاء فى الهداية شرح الكفاية أنه لو قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش فى قول أبى حنيفة وقال أبو يوسف:
عليه الأرش كاملا، لأن الجناية قد تحققت والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى. ولأبى حنيفة أن الجناية انعدمت معنى فصارت كما اذا قلع سن صبى فنبتت لا يجب الأرش بالاجماع لأنه لم يفت عليه منفعة ولا زينة وعن أبى يوسف أنه تجب حكومة عدل فى سن الرجل التى قلعت ونبتت أخرى مكانها لمكان الألم الحاصل، أى يقوم وليس به هذا الألم، ويقوم وبه هذا الألم فيجب ما انتقص منه بسبب الألم من القيمة
(3)
.
ولو قلع سن غيره فردها صاحبها الى مكانها ونبت عليها اللحم فعلى القالع الأرش بكماله لأن هذا مما لا يعتد به اذ العروق لا تعود.
يقول صاحب الكافى. قال شيخ الاسلام. وهذا اذا لم تعد الى حالتها الأولى بعد النبات فى المنفعة والجمال، والغالب أن لا تعود الى تلك الحالة، لأن المقلوع لا يلزق بالعصب والعروق فى الغالب فيكون وجود هذا النبات والعدم بمنزلته. وأما لو تصور عود الجمال والمنفعة بالانبات لم يكن على القالع شئ كما لو نبت السن المقلوعة. كذا فى الذخيرة.
وكذا اذا قطع أذنه فألصقها فالتحمت لأنها لا تعود الى ما كانت عليه
(4)
.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 8 ص 68 طبع المطبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 24 الطبعة السابقة.
(3)
الهداية شرح الكفاية لجلال الدين الخوارزمى ج 9 ص 227 طبعة المطبعة الميمنية سنة 1319 هـ.
(4)
نفس المرجع السابق ج 9 ص 227، ص 228 نفس الطبعة السابقة.
ومن نزع سن رجل فانتزع المنزوعة سنه سن النازع فنبتت سن الأول فعلى الأول لصاحبه خمسمائة درهم لأنه تبين أنه استوفى بغير حق، لأن الموجب فساد المنبت ولم يفسد حيث نبت مكانها أخرى فانعدمت الجناية ولهذا يستأنى حولا بالاجماع. وكان ينبغى أن ينتظر اليأس فى ذلك للقصاص الا أن فى اعتبار ذلك تضييع الحقوق فاكتفينا بالحول لأنه تنبت فيه ظاهرا، فاذا مضى الحول ولم تنبت قضينا بالقصاص. واذا نبتت تبين أنا أخطأنا فيه والاستيفاء كان بغير حق الا أنه لا يجب القصاص للشبهة فيجب المال.
ويقول صاحب الكفاية: ان هذه الرواية تخالف رواية التتمة وفيها أن سن البالغ اذا سقط ينتظر حتى يبرأ موضع السن لا الحول وهو الصحيح لأن نبات سن البالغ نادر فلا يفيد التأجيل، الا أنه قبل البرء لا يقتص ولا يؤخذ الأرش لأنه لا يدرى عاقبته.
وفى الذخيرة قال بعض مشايخ الأحناف: الاستيناء حولا فى فصل البالغ والصغير جميعا لقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: «فى الجراحات كلها يستأنى حولا» .
وفى المجرد عن أبى حنيفة: أنه اذا نزع سن انسان ينبغى للقاضى أن يأخذ ضمينا من القالع ثم يؤجله سنة من يوم النزع فاذا مضت السنة ولم ينبت اقتص منه. قال هشام: قلت لمحمد رحمه الله فيمن ضرب سن رجل فسقط أى انتظروا بها حولا لعهلا تنبت؟ قال: لا. قلت:
قال واحد من اخوانك ينتظر؟ قال: لا. انما ذلك اذا تحركت
(1)
.
ولو ضرب انسان سن انسان فتحركت يستأنى حولا ليظهر أثر فعله فلو أجله القاضى سنة ثم جاء المضروب وقد سقطت سنه فاختلف قبل السنة فيما سقط بضربه فالقول للمضروب ليكون التأجيل مفيدا. وهذا بخلاف ما اذا شجه موضحة فجاء وقد صارت منقلة فاختلفا حيث يكون القول قول الضارب لأن الموضحة لا تورث المنقلة، أما التحريك فيؤثر فى السقوط فافترقا، وان اختلف فى ذلك بعد السنة فالقول للضارب لأنه ينكر أثر فعله وقد مضى الأجل الذى وقته القاضى لظهور الأثر فكان القول للمنكر. ولو لم تسقط لا شئ على الضارب.
وعن أبى يوسف أنه تجب حكومة الألم.
وجه الأول عند أبى حنيفة أنه يسقط الأرش لزوال الشين الموجب.
أما أرش الألم عند أبى يوسف، لأن الشين وان زال فالألم الحاصل ما زال.
(1)
نفس المرجع السابق ج 9 ص 228 الطبعة السابقة.
ولو لم تسقط ولكنها اسودت يجب الأرش فى الخطأ على العاقلة وفى العمد فى ماله ولا يجب القصاص، لأنه لا يمكن أن يضربه ضربة تسود منه.
يقول صاحب الكفاية وفى الذخيرة:
ثم ان محمدا رحمه الله أوجب كمال الأرش باسوداد السن ولم يفصل بين أن يكون السن من الأضراس التى لا ترى أو من الأسنان التى ترى قالوا: ويجب أن يكون الجواب فيها على التفصيل، ان كان السن من الأضراس التى لا ترى فان فات منفعة المضغ بالاسوداد يجب الأرش كاملا، وان لم يفت منفعة المضغ يجب فيه حكومة العدل، لأن منفعته قائمة وجماله ليس بظاهر كئزروة الرجل فيجب فيه حكومة عدل. وان كان من الأسنان التى ترى يجب كمال الأرش، وان لم تفت منفعته لأنه فوت جمالا ظاهرا على الكمال.
وكذا اذا كسر بعض واسود الباقى لا يجب القصاص لأنه لا يمكن أن يضربه ضربا يسود منه.
وكذا لو أحمر أو اخضر لا قصاص بل يجب الأرش فى الخطأ على العاقلة وفى العمد فى ماله.
ولو أصفر فيه روايتان.
يقول صاحب الكفاية: وان اصفرت روى أبو يوسف عن أبى حنيفة أن فيها حكومة عدل.
وذكر هشام فى نوادره عن محمد عن أبى حنيفة أنه قال: فى الحر لا يجب شئ وفى المملوك حكومة عدل. وعند محمد فيهما حكم عدل وهو قول أبى يوسف، لأن الجمال على الكمال فى بياض السن، فبالصفرة انتقص معنى الجمال فيها. ولهذا يجب فى المملوك حكم عدل فكذا فى الحر.
ولأبى حنيفة أن الصفرة من ألوان السن فلا يكون دليل فوت السن بخلاف السواد فانه دليل فوته والمطلوب بالسن فى الاحرار المنفعة، وهى قائمة بعد ما اصفرت وفى المملوك المالية وقد تنقص المالية بالاصفرار كذا قرره فى المبسوط
(1)
.
ومن شج رجلا فالتحمت ولم يبق لها أثر ونبت الشعر سقط الأرش عند أبى حنيفة لزوال الشين الموجب وقال أبو يوسف: يجب عليه أرش الألم وهو حكومة عدل لأن الشين ان زال فالألم الحاصل ما زال فيجب تقويمه.
وقال محمد عليه أجرة الطبيب لأنه انما لزمه الطبيب وثمن الدواء بفعله فصار كأنه أخذ ذلك من ماله.
(1)
الهداية شرح الكفاية 9 ص 228 - 230 نفس الطبعة السابقة.
الا أن أبا حنيفة يقول: ان المنافع على أصلنا لا تتقوم الا بعقد أو بشبهه ولم يوجد فى حق الجانى فلا يغرم شيئا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل: أن فى الجناية على حلمتى الثدى ان بطل اللبن الدية وان قطع ثديا الصغيرة فان استيقن أنه أبطلهما فلا تعودان ابدا ففيهما الدية، وان شك فى ذلك وضعت الدية واستؤنى بها كسن الصبى فان نبتا فلا عقل لها وان لم ينبتا أو انتظرت فيبست أو ماتت قبل أن يعلم ذلك ففيهما الدية.
ومن طرح سن صبى لم يثغر خطأ وقف عقله بيد عدل فان عادت لهيئتها رجع العقل الى مخرجه وان لم تعد أعطى الصبى العقل كاملا وان هلك الصبى قبل أن تنبت سنه فالعقل لورثته.
وان نبتت أصغر من قدرها الذى قلعت منه كان له من العقل قدر ما نقصت ولو قلعت عمدا أوقف له العقل أيضا ولا يعجل بالقود حتى يستبرأ أمرها فان عادت لهيئتها فلا عقل فيها ولا قود.
وان عادت أصغر من قدرها أعطى ما نقصت فان لم تعد لهيئتها حتى مات الصبى اقتص منه وليس فيها عقل وهو بمنزلة ما لم ينبت
(2)
.
وروى عن المدونة قيل ان ضربه فاسودت سنه أو اصفرت أو احمرت أو أخضرت قال:
ان اسودت تم عقلها والحمرة والخضرة والصفرة ان كان ذلك كالسواد تم عقلها والا فعلى حساب ما نقص.
وان ضربت سنه فتحركت فان كان اضطرابا شديدا تم عقلها وان كان ضعيفا عقل بقدره.
وفى الموازية: وينتظر بالشديدة الاضطراب سنة
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب الأم أنه اذا عض الرجل الرجل فانتزع المعضوض العضو الذى عض منه يدا أو رجلا أو رأسا من فى العاضض فأذهب ثنايا العاض ومات منها أو لم يمت فلا عقل ولا قود ولا كفارة على المنتزع، لأنه لم يكن للعاض العض بحال. ولو كان العاض بدأ فى جماعة الناس فضرب وظلم أو بدئ فضرب وظلم كان سواء،
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 229 - 230 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والكليل فى شرح مختصر خليل للمواق ج 6 ص 261 الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 264 نفس الطبعة السابقة.
لأن نفس العض ليس له وأن للمعضوض منع العض فاذا كان له منعه فلا قود عليه فيما أحدث ما يمنع اذا لم يكن فى المنع عدوان ولا عدوان فى اخراج العضو من فى العاض.
ولو رام اخراج العضو من فى العاض فامتنع عليه وغلبه اخراجها كان له فك لحييه بيده الأخرى ان كان عض احدى يديه، وبيديه معا ان كان عض رجله. فان كان عض قفاه فلم تنله يداه كان له نزع رأسه من فيه، فان لم يقدر على اخراجها فله التحامل عليه برأسه مصعدا أو منحدرا، وان قدر بيديه فغلبه ضبطا بفيه كان له ضرب فيه بيديه أو بدنه أبدا حتى يرسله فان ترك شيئا مما وصفنا له وبعج بطنه بسكين أو فقأ عينه بيديه أو ضربه فى بعض جسده ضمن فى هذا كله الجناية لأن هذا ليس له ولا يضمن فى ماله أن يفعله وان أتى ذلك على هدم فيه كله وكانت منه منيته
(1)
.
وقال الشافعى فى الأم: اذا كان القصاص على يمين فاخطأ المقتص وقطع يسارا، أو كان على أصبع فأخطأ وقطع غيرها - فان كان يخطأ بمثل هذا درئ عنه الحد وكان العقل على عاقلته.
وقال الربيع: وفيه قول آخر ان ذلك عليه فى ماله ولا تحمله العاقلة، لأنه عمد أن يقطع يده ولكنا درأنا عنه القود لظنه أنها اليد التى وجب فيها القصاص فأما قطعه اياها فعمد.
وقال الشافعى واذا كان لا يخطأ به اقتص منه. واذا برأت جراحته التى أخطأ بها المقتص اقتص الأول.
ولو قال المقتص للمقتص منه أخرج يسارك فقطعها وأقر أنه عمد اخراج يساره وقد علم أن القصاص على يمينه وأن المقتص أمره باخراج يمينه فلا عقل ولا قود على المقتص - واذا برأ اقتص منه لليمنى.
وان قال: أخرجتها له ولم أعلم أنه قال: أخرج يمينك، ولا أن القصاص على اليمنى، أو رأيت أنى اذا أخرجتها فاقتص منها سقط القصاص عنى أحلف على ذلك، ولزمت دية يده المقتصة، ولا قود ولا عقوبة عليه، وانما يسقط العقل والقود اذا أقر المقتص منه أنه دلسها وهو يعلم أن القود على غيرها.
ولو كان المقتص منه فى هذه الأحوال كلها مغلوبا على عقله فأخطأ المقتص - فان كان مما يخطأ بمثله فعلى عاقلته وان كان مما لا يخطأ بمثله
(1)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 25 طبعة كتاب الشعب.
فعليه القود، الا اذا أفاق الذى نال ذلك منه. وسواء اذا كان المقتص منه مغلوبا على عقله، أذن له أو دلس له أو لم يدلس لأنه لا أمر له الا فى نفسه
(1)
.
واذا أمر أب الصبى أو سيد المملوك الختان بختنهما ففعل فماتا فلا عقل ولا قود ولا كفارة على الختان.
وان ختنهما بغير أمر أب الصبى أو أمر الحاكم ولا سيد المملوك وماتا فعليه الكفارة وعلى عاقلته دية الصبى وقيمة العبد.
ولو كان حين أمره أن يختنهما أخطأ فقطع طرف الحشفة وذلك مما يخطئ مثله بمثله فلا قصاص وعليه من دية الصبى وقيمة العبد بحساب ما بقى ويضمن ذلك العاقلة.
ولو قطع الذكر من أصله وذلك لا يخطأ بمثله حبس حتى يبلغ الصبى فيكون له القود أو أخذ الدية أو يموت فيكون لوارثه القصاص أو الدية تامة.
ولو كان بواحد منهما أكلة فى طرف من أطرافه فأمره أب الصبى وسيد العبد بقطع الطرف، وليس مثلها يتلف فتلف فلا عقل ولا قود ولا كفارة.
وان أمره بقطع رأس الصبى فقطعه، أو وسط الصبى فقطعه أو بقطع حلقومه فقطعه عوقب الأب على ذلك، وعلى القاطع القود اذا مات الصبى.
واذ أمره بذلك فى مملوكه ففعله فمات المملوك فعلى القاطع عتق رقبة ولا قود عليه. وقال الربيع: ليس على قاطع مملوك قيمة لأن سيده الذى أمره.
واذا أمره بذلك فى دابة له ففعله فلا قيمة عليه لأنه أتلفها بأمر مالكها، والعبد - عند الربيع - فى هذا مثل الدابة هو مال.
وقال الشافعى: ولو جاء رجل بصبى ليس بابنه ولا مملوكه وليس له بولى الى ختان أو طبيب فقال: أختن هذا أو بط هذا الجرح له أو اقطع هذا الطرف له من قرحة به فتلف، كان على عاقلة الطبيب والختان ديته وعليه رقبة ولا يرجع عاقلته على الآمر بشئ وهو كمن أمر رجلا بقتل
(2)
.
قال الشافعى: اذا أمر الحاكم ولى الدم أن يقتص من رجل فى قتل فقطع يده أو يديه ورجليه وفقأ عينه وجرحه ثم قتله أو لم يقتله عاقبه الحاكم ولا عقل ولا قود ولا
(1)
نفس المرجع 6 ص 53 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 53 الطبعة السابقة.
كفارة لأن النفس كلها كانت مباحة له.
ولا ينبغى للامام أن يمكنه من القصاص الا وبحضرته عدلان أو أكثر يمنعانه من أن يتعدى فى القصاص واذا أمكنه أن يقتص من يسرى يديه فقطع يمناها أو أمكنه من أن يشجه فى رأسه موضحة فشجه منقلة أو شجه فى غير الموضع الذى شجه فيه فادعى الخطأ فما كان من ذلك مما يخطأ بمثله أحلف عليه وغرم أرشه وان مات ضمن ديته، وان برأ منه غرم أرش ما ناله منه وكان عليه القصاص فيما نال من المجنى عليه ولم يبطل قصاص المجنى عليه بأن يتعدى فى الاقتصاص على الجانى، وان كان ذلك لا يخطأ بمثله أو أقر فيما يخطأ بمثله أنه عمد فيها ما ليس له اقتص منه فيما فيه القصاص الا أن يشاء الذى نال ذلك منه أن يأخذ منه العقل.
واذا عدا الرجل على الرجل فقتله ثم أقام عليه البينة أنه قتل ابنه وهو ولى ابنه لا وارث له غيره أو قطع يده اليمنى فأقام عليه البينة أنه قطع يده اليمنى فلا عقل ولا قود عليه ويعزر بأخذه حقه لنفسه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أنه ان جنى جان على أذن آخر فاستحشفت - أى شلت - ففيها حكومة لأنه لن يذهب المقصود منها بالكلية وهو الجمال
(2)
.
وان ضرب الجانى أنف المجنى عليه فأشله أو عوجه أو غير لونه فحكومة لأن نفع الأنف باق مع الشلل بخلاف اليد فان نفعها يزول مع الشلل
(3)
.
وان ضرب الشفتين فأشلهما ففيهما الدية لأنه عطل نفعهما أشبه ما لو أشل يده أو ضربهما فتقلصتا فلم تنطبقا على الأسنان ففيهما الدية كذلك لأنه عطل جمالهما وكذا ان استرختا فصارتا لا تنفصلان عن الاسنان لأنه عطل نفعهما
(4)
.
وان جنى على سنه فبقى فيها اضطراب ففيها حكومة لنقصها بذلك وفى تسويد السن والظفر ديته لما روى عن زيد ابن ثابت ولم يعرف له مخالف من الصحابة، ولأنه أذهب جمال ذلك على الكمال فكملت ديتها وفى تسويد الأذن والأنف بحيث لا يزول السواد عما ذكر من السن والظفر والأنف ديته كالسن والظفر وان أحمر السن بالجناية أو اصفرت أو أخضرت أو كلت أو تحركت فحكومة للنقص فان قلعها بعد ذلك قالع فحكومة
(5)
.
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 54 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 4 ص 22، 23 الطبعة الأولى سنة 1319 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 23 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 24 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 27 نفس الطبعة.
وان جنى على اليدين فأشلهما وأذهب نفعهما أو أشل رجله أو ذكره أو أنثييه أو اسكتيها وكذا سائر الأعضاء اذا جنى عليها فأشلها ففيه دية العضو الذى أشل لأنه عطل نفعه الا الأذن والأنف اذا أشلهما فلا تجب ديتهما بل حكومة كما تقدم لأن المقصود منهما الجمال وهو باق مع شللهما كما سبق وان جنى على يد فعوجها أو نقص قوتها أو شانها فعليه حكومة لأنها أرش كل مالا مقدر فيه
(1)
.
وان جنى على الثديين فأذهب لبنهما من غير أن يشلهما فعليه حكومة لما حصل من النقص ولم تجب الدية لأنه لم يذهب نفعهما بالكلية.
وان جنى عليهما من صغيرة ثم ولدت فلم ينزل لها لبن فان قال أهل الخبرة قطعته الجناية فعلى الجانى ما على من ذهب باللبن بعد وجوده وهو حكومة اذا لم يشلهما كما تقدم، وان قال أهل الخبرة قد انقطع اللبن من غير الجناية لم يضمن ما ذهب من اللبن لأنه بغير جنايته، وان نقص لبن الثديين بالجناية أو كانا ناهدين فكسرهما أو صار بهما مرض فعليه حكومة لذلك النقص
(2)
.
وان جنى على مثانته فلم يستمسك بوله ففيه الدية، وان جنى عليه بأن ضرب بطنه أو نحوه فلم يستمسك غائطه ففيه الدية لأن ذلك منفعة كبيرة ليس فى البدن مثلها والضرر بفواتهما عظيم فكان فى كل واحد منهما الدية كالسمع والبصر وان أذهب المنفعتين فديتان ولو بجناية واحدة لأن كل منهما لو انفردت ففيها الدية فكذا اذا اجتمعتا
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن القصاص واجب فى كل ما كان بعمد فى جرح أو كسر لايجاب القرآن ذلك فى كل تعد وفى كل حرمة وفى كل عقوبة وفى كل سيئة وورود السنن الثابتة
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أن من أذهب أحد عضوين أخوين فيجب فى العضو الأيمن من المجنى عليه الأيمن من الجانى نحو العين اليمنى بالعين اليمنى لا اليسرى وكذلك الأذنان ونحو ذلك اذا كان أحد العضوين أسفل والآخر أعلى كالشفتين فانه يؤخذ بالسفلى
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 27 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 28، 29 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 30 نفس الطبعة.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى الأندسى ج 10 ص 403 مسألة رقم 2025 طبع ادارة المطبعة المنيرية شارع الأزهر درب الأتراك بالقاهرة الطبعة الأولى سنة 1352 هـ تحقيق محمد منير الدمشقى.
مثلها وبالعليا مثلها، فان قطع اليمنى ويمين الجانى شلاء فقد ذكر فى الشرح أن له قطع الشلاء ما لم يخش سرايتها الى نفس الجانى وكذا لو كانت يد الجانى زائدة اصبعا. وقد أشار عليه السلام الى ذلك بقوله ولو زاد أحدهما أو نقص، فاذا قطع يدا كاملة وليده أصبعان قطعت ووفى المجنى عليه أرش ثلاثة أصابع ونحو ذلك فان تعذر أخذ المثل بأن لا يكون للجانى على عضو عضو يماثله نحو أن يقطع أعور ذاهبة عينه اليمنى عينا يمنى فان القصاص هنا متعذر لعدم تماثل العضوين، وهكذا فى اليدين ونحوهما، فان لم يوجد المثل فالدية لذلك العضو، ولا يؤخذ ما تحت الأنملة بها.
فلو قطع أنملة شخص وهى طرف أصبعه والجانى ذاهب الأنملة من نظير تلك الأصبع فليس للمجنى عليه أن يأخذ بأنملته ما تحت الأنملة الذاهبة من ذلك الجانى اذ لا مساواة بينهما.
ولا يؤخذ ذكر صحيح بعنين أو خصى، فلو قطع من العنين أو الخصى ذكره والقاطع ذكره صحيح أى ليس بعنين ولا خصى لم يجب القصاص هنا لعدم المساواة بين العضوين فان خولف المشروع بأن أخذ المجنى عليه عضوا غير مماثل العضو المأخوذ منه نحو أن يأخذ بالأيمن أيسر أو العكس أو يأخذ بالذكر الخصى أو العنين صحيحا كان جانيا متعديا وجاز الاستئناف للقصاص بينهما فيقتص الجانى فى الابتداء من المقتص المخالف للمشروع فى اقتصاصه ذكر ذلك الفقيه حسن.
وقال مولانا عليه السلام وهو قوى من جهة القياس اذا تعمد الفاعل
(1)
.
وتجب الدية فى الأنف واللسان والذكر اذا قطعت من الأصل أما الأنف ففيه الدية ولو من أخشم لجماله واعلم أنه اذا قطع من أصله فلا خلاف أنه تجب فيه الدية وذلك بأن يقطع من أصل العظم المنحدر من الحاجبين.
وان قطع من المارن وهو الغطروف اللين فالذى حكى فى الكافى وشرح الابانة عن الهادى أن الدية لا تجب.
والذى صححه للناصر ورواه عن الفقهاء أيضا أنها تجب فيه الدية.
وقال الفقيه يحيى فى تفسير الأنف الذى تجب فيه الدية عند الهادى انه المارن.
وأما الذكر ففيه الدية اذا قطع من أصله وتدخل الحكومة فيها فان قطعت الحشفة فقط ففيها الدية أيضا وفى
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار للعلامة أبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 395 - 396 طبعة مطبعة حجازى بالقاهرة الطبعة الثانية شهر شعبان سنة 1357 هـ.
الباقى حكومة وتجب الدية فى كل زوج فى البدن اذا بطل نفعه بالكلية كالأنثيين والبيضتين
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام: أنه فى احمرار الوجه بالجناية دينار ونصف وفى اخضراره ثلاثة دنانير وكذا فى الاسوداد عند قوم.
وعند الآخرين ستة دنانير، وهو أولى لرواية اسحاق بن عمار عن أبى عبد الله عليه السلام ولما فيه من زيادة النكاية.
قال جماعة: ودية هذه الثلث فى البدن على النصف. وكل عضو مقدرة ففى شلله ثلثا ديته كاليدين والرجلين والأصابع، وفى قطعه بعد شلله ثلث ديته
(2)
.
وفى كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو فان صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية رضه، وفى فكه من العضو بحيث يتعطل العضو ثلثا دية العضو فان صلح على غير عيب فأربعة أخماس دية فكه ولو كسر بعصعوصة فلم يملك غائطة كان فيه الدية .. وهى رواية سليمان بن خالد.
ومن ضرب عجانه فلم يملك غائطه ولا بوله ففيه الدية وهى رواية اسحاق ابن عمار ومن افتض بكرا باصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها فعليه ثلث ديتها.
وفى رواية ديتها وهى أولى ومثل مهر نسائها
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه ان قلع ضرس رجل فنبت أورده فى حينه فرجع متصلا ينتفع به كسائر أسنانه والله قادر على ذلك وقد جرب أنه من قطع منه لحم فرد فى حينه حاميا أنه ينبت فثلثها أى ثلث دية السن، وان تصدعت أى انشقت - وثبتت غير زائحة أى غير متحركة عن مكانها ولا خارجة عن أخوتها الى جهة الفم أو جهة الشفة أى غير معوجة ولا منثلمة أى ولا منكسرة فى وسط أعلاها أو طرف أعلاها ولا فى موضع منها فالنظر.
وان كسرت من فوق اللحم كلها ولم يبق الا ما دخل فى اللحم فدية تامة من ديات السن وهى خمسة أبعرة.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 444 - 445 نفس الطبعة السابقة.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 306 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1930 م اشراف العلامة الشيخ محمد جواد مغنية.
(3)
نفس المرجع ج 2 ص 302 - 303 الطبعة السابقة.
وان نزع سن ثم رد فثبت بقدرة الله كما كان قبل النزع ثم نزع فالنظر، ولا شئ فى نزع سن الغير ان رده مكان سنه ونزع الا أن جعل فيه الدية الا ان فعل فيها موجب الدية أو بعضها فلصاحب السن المخلوقة فى فيه ما فعل مثل أن يكسرها ويفتتها فله دية السن، أو يكسرها من نصف فنصف دية السن وهكذا فلصاحبها دية نزعها من فيه أولا ثم دية الجناية فيها، فلو دقها لكان لها دية
(1)
.
ولكل جارحة بانت ولو رجعت وبرئت ديتها كما لو لم ترجع وفيها النظر ان نزعت بعد رجوعها كما كانت وان رجعت حاسة سمع بعد ذهابها والمراد الاحساس لا نفس الأذن فهل يلزم فيها النظر وهو الراجح وذلك أن أزيل أيضا بعد رجوعه فان كان قد أعطاه الأرش رده أو لا شئ قولان وجه الثانى أنه قد أخذ أرشها من قبل أو سامح فيه أو من الله أو أنه رجع مما فيه وكذا ان ذهب بعضها ثم رجع أو ذهب كلها ثم رجع بعضها ولزم فيما لم يرجع ما ينوبه
(2)
.
(ج) الحكم اذا سرت الجناية
الى عضو آخر
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أنه اذا كانت السراية الى العضو فالأصل أن الجناية اذا حصلت فى عضو فسرت الى عضو آخر والعضو الثانى لا قصاص فيه فلا قصاص فى الأول أيضا وهذا الأصل يضطرد على أصل أبى حنيفة رضى الله عنه فى مسائل.
واذا قطع رجل أصبعا من يد رجل فشلت الكف فلا قصاص فيهما وعليه دية اليد بلا خلاف بين أصحاب أبى حنيفة، لأن الموجود من القاطع قطع مشل للكف ولا يقدر المقطوع على مثله فلم يكن المثل ممكن الاستيفاء فلا يجب القصاص ولأن الجناية واحدة فلا يجب بها ضمانان مختلفان وهو القصاص والمال خصوصا عند اتحاد المحل لأن الكف مع الأصبع بمنزلة عضو واحد.
وكذا اذا قطع مفصلا من اصبع فشل ما بقى أو شلت الكف لما سبق - فان قال المقطوع أنا أقطع المفصل واترك ما يبس ليس له ذلك، لأن الجناية وقعت غير موجبة للقصاص من الأصل لعدم امكان الاستيفاء على وجه المماثلة فكان الاقتصار على البعض
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 48 طبعة المطبعة الادبية بسوق الخضار بمصر.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 49 - 50 نفس الطبعة السابقة.
استيفاء مالا حق له فيه فيمنع من ذلك
(1)
.
وجاء فى شرح الكفاية على الهداية:
أن من شج رجلا موضحة فذهب عقله أو شعر رأسه دخل أرش الموضحة فى الدية لأن بفوات العقل تبطل منفعة جميع الأعضاء فصار كما اذا أوضحه فمات.
وقال زفر: لا يدخل أرش الموضحة فى الدية لأنهما جنايتان مختلفتان فيما دون النفس فلا يتداخلان كسائر الجنايات. وأرش الموضحة يجب بفوات جزء من الشعر حتى لو نبت الشعر والتأمت الشجة فصار كما كان يسقط الأرش والدية بفوات كل الشعر، وقد تعلقا بسبب واحد فدخل الجزء فى الجملة كما اذا قطع أصبع رجل فشلت يده
(2)
.
وان ذهب سمعه أو بصره أو كلامه فعليه أرش الموضحة مع الدية - قالوا:
هذا قول أبو حنيفة وأبى يوسف.
وعن أبى يوسف أن الشجة تدخل فى دية السمع والكلام ولا تدخل فى دية البصر.
وجه الأول أن كلا منهما جناية فيما دون النفس والمنفعة مختصة به فأشبه الأعضاء المختلفة بخلاف العقل لأن منفعته عائدة الى جميع الأعضاء على ما سبق.
ووجه الثانى: ان السمع والكلام مبطن فيعتبر بالعقل والبصر ظاهر فلا يلحق به.
وفى الجامع الصغير: ومن شج رجلا موضحة فذهبت عيناه فلا قصاص فى ذلك عند أبى حنيفة.
قالوا: وينبغى أن تجب الدية فيهما.
وقالا: فى الموضحة القصاص.
قالوا: وينبغى أن تجب الدية فى العينين
(3)
.
وان قطع رجل أصبع رجل من المفصل الأعلى فشل ما بقى من الاصبع أو اليد كلها فلا قصاص عليه فى شئ من ذلك، وينبغى أن تجب الدية فى المفصل الأعلى وفيما بقى حكومة عدل
(4)
.
وكذلك لو كسر رجل سن رجل فاسود ما بقى، وينبغى أن تجب الدية فى السن كله.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 306 الطبعة الأولى مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.
(2)
الكفاية على الهداية لجلال الدين الخوارزمى الكرلانى ج 9 ص 224 طبعة المطبعة الميمنية سنة 1319 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 9 ص 225 الطبعة السابقة والهداية ج 4 ص 136، ص 137 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 9 ص 225، ص 226 الطبعة السابقة.
ولو قال المجنى عليه: اقطع المفصل واترك ما يبس أو اكسر القدر المكسور واترك الباقى لم يكن له ذلك لأن الفعل فى نفسه ما وقع موجبا للقود فصار كما لو شجه منقله فقال أشجه موضحة وأترك الزيادة. لهما فى الخلافية أى فيما اذا شجه رجل موضحة فذهبت عيناه قالا: فى الموضحة القصاص والدية فى العينين - أن الفعل فى محلين فيكون جنايتين مبتدأتين فالشبهة فى احداهما لا تتعدى الى الأخرى كمن رمى الى رجل عمدا فأصابه ونفذ منه الى غيره فقتله يجب القود فى الأول والدية فى الثانى.
وله أن الجراحة الأولى سارية والجزاء بالمثل، وليس فى وسعه السارى فيجب المال، ولأن الفعل واحد حقيقة وهو الحركة القائمة وكذا المحل متحد من وجه لاتصال أحدهما بالآخر فأورثت نهايته شبهة الخطأ فى البداية بخلاف النفسين، لأن أحدهما ليس من سراية صاحبه وبخلاف ما اذا وقع السكين على الأصبع لأنه ليس فعلا مقصودا.
يقول صاحب الكفاية: ان أبا حنيفة يقول: هذه جناية وسرايتها، وقد تعذر ايجاب القصاص باعتبار سرايتها فلا يجب القصاص باعتبار أصلها، كما لو قطع مفصلا فشلت الأصبع وهذا لأن السراية أثر الجناية وهى مع أصل الجناية فى حكم فعل واحد.
والدليل على أنه سراية أن فعله أثر فى نفس واحدة والسراية عبارة عن آلام متعاقبة من الجناية على البدن وذلك يتحقق فى نفس واحدة فى موضعين منها، كما يتحقق فى الطرف مع أصل النفس اذا مات من الجناية بخلاف النفسين، فان الفعل فى النفس الثانية مباشرة على حدة ليس بسراية الجناية الأولى اذ لا يتصور السراية من نفس الى نفس فلابد من أن يجعل ذلك فى حكم فعل على حدة وهو خطأ ثم يعتبر حكم كل فعل بنفسه، أو نقول ان ذهاب البصر هنا حصل بطريق التسبيب والفعل بقى شجه على ما كانت.
والأصل فى سراية الأفعال اذا حدثت لم يبق الأول كالقطع اذا سرى الى النفس صار قتلا ولم يبق قطعا وههنا الشجة لا تنعدم بذهاب البصر فكان الفعل الأول سببا الى فوات البصر بمنزلة حفر البئر، والسبب لا يوجب القصاص
(1)
.
واذا قطع أصبعا فشلت الى جنبها أصبع أخرى فلا قصاص فى شئ من ذلك عند أبى حنيفة.
وقالا، هما وزفر والحسن يقتص من الأولى وفى الثانية أرشها.
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 226 الطبعة السابقة.
والوجه من الجانبين سبق ذكره فى قوله: «ومن شج رجلا موضحة فذهبت عيناه ..
وروى ابن سماعة عن محمد فى المسألة الأولى: وهو اذا ما شج موضحة فذهب بصره - أنه يجب القصاص فيهما، لأن الحاصل بالسراية مباشرة كما فى النفس والبصر يجرى فيه القصاص.
بخلاف الخلافية الأخيرة «وهى قوله: وان قطع أصبعا فشلت الى جنبها أخرى» لأن الشلل لا قصاص فيه.
فصار الأصل عند محمد على هذه الرواية، أن سراية ما يجب فيه القصاص الى ما يمكن فيه القصاص يوجب الاقتصاص، كما لو آلت الى النفس.
وقد وقع الأول ظلما أى عمدا.
ووجه المشهور أن ذهاب البصر بطريق التسبيب ألا يرى أن الشجة بقيت موجبة فى نفسها ولا قود فى التسبيب بخلاف السراية الى النفس لأنه لا تبقى الأولى فانقلبت الثانية مباشرة
(1)
.
ولو كسر رجل بعض سن رجل فسقطت فلا قصاص الا على رواية ابن سماعة.
ولو أوضحه موضحتين فتأكلتا فهو على الروايتين هاتين أى يقتص منه على رواية ابن سماعة عن محمد.
وعلى الرواية المشهورة لا قصاص كما لو كسر بعض السن فسقطت.
ولو قلع سن رجل فنبتت مكانها أخرى سقط الأرش فى قول أبى حنيفة.
وقالا: عليه الأرش كاملا، لأن الجناية قد تحققت، والحادث نعمة مبتدأة من الله تعالى.
وله أن الجناية انعدمت معنى فصار كما اذا قلع سن صبى فنبتت لا يجب الأرش بالاجماع لأنه لم يفت عليه منفعة ولا زينة.
وعن أبى يوسف أنه تجب حكومة عدل فى سن الرجل التى قلعت فنبت مكانها أخرى لمكان الألم الحاصل، أى يقوم وليس به هذا الألم، ويقوم وبه هذا الألم فيجب ما انتقص منه بسبب الألم من القيمة
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى: للامام مالك أنه يرى أن لا يقاد من الجارح عمدا الا بعد البرء وحتى يعرف الى ما صارت
(1)
الكفاية على الهداية لجلال الدين الخوارزمى الكرلانى ج 9 ص 226 - 227 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 227 الطبعة السابقة.
جراحاته اليه فلا يعقل الخطأ الا بعد البرء حتى يعرف الى ما صارت اليه جراحاته فان قال المقطوعة حشفته لم تحبسنى عن أن تفرض لى ديتى من اليوم، وانما هى دية كاملة ان أنا مت أو عشت وأنت انما تحبسنى خوفا من هذا القطع أن تصير نفسى فيه.
يقول ابن القاسم: لأنى لا أدرى الى ما يئول اليه هذا القطع، هل أنثييه أو رجليه أو بعض جسده سيذهب من هذا القطع فلا أعجل حتى أنظر الى ما تصير اليه شجته، لأن الموضحة ان طلب المجنى عليه ديتها وقال:
لا تحبسنى بها. فلا تعجل له حتى ينظر الى ما تصير اليه شجته. ولأن المجنى عليه موضحة ان قال عجل لى دية موضحتى فان آلت الى أكثر من ذلك زدتنى وان لم تؤل الى أكثر من ذلك كنت قد أخذت حقى. لا يعجل له ولا يلتفت الى قوله هذا، وانما فى هذا الاتباع والتسليم للعلماء أو لعله أن يموت فتكون فيه القسامة.
ولقد سأل أهل الأندلس الامام مالكا عن اللسان اذا قطع وزعموا أنه ينبت فأصغى مالك الى أن لا تعجل له فيه حتى ينظر الى ما يصير اليه اذا كان القطع قد منعه من الكلام وذلك فى الدية
(1)
.
واذا ضرب رجل رجلا فشجه موضحة خطأ لا يحكم له بدية الموضحة حتى ينظر الى ما يصير اليه، ولا يقضى له بالدية الا بعد البرء، حتى لو قال هذا المشجوج أعطنى عقل موضحتى، فان زاد زدتنى. لأنه لو مات منها كانت الدية على عاقلته بعد القسامة، فلا ندرى على من وجبت دية الموضحة وان كانت مأمومة خطأ فهى على العاقلة.
فان قال: أعطنى عقل مأمومتى وتحملها العاقلة. فان مت منها حملت العاقلة تمام الدية فلا يكون له ذلك، لأن الدية لا تجب ان مات منها الا بقسامة فلابد أن ينتظر بالعاقلة حتى يعرف ما تصير اليه مأمومته.
وهذا المشجوج مأمومته ان مات وأبى ورثته أن يقسموا كان على العاقلة ثلث الدية لمأمومته
(2)
.
وان ضرب رجل رجلا خطأ فشجه موضحة فذهب سمعه وعقله فعلى العاقلة ديتان ودية الموضحة لأن هذا كله فى ضربة واحدة فقد صارت جنايته فى هذه الضربة الواحدة أكثر من الثلث فالعاقلة تحمل ذلك وان ضربه ضربة فشجه موضحة فأذهب سمعه وعقله فانه ينتظر بالمضروب - فاذا برئ وجب
(1)
المدونة للامام مالك رواية الامام سحنون عن ابن القاسم ج 4 ص 435 طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 487 الطبعة السابقة.
على الضارب القصاص فى الموضحة، وينتظر به اذا اقتص منه حتى ينظر هل يذهب منها عقله وسمعه، فان برأ المقتص منه ولم يذهب سمعه وعقله من ذلك كان فى ماله عقل سمع الأول وعقله.
ويجتمع - فى قول مالك فى ضربة واحدة قصاص وعقل وذلك أن الامام مالكا قال فى الرجل يقطع اصبعه فينزى فيها فتشل من ذلك يده أو اصبع اخرى أنه يقتص منه للاصبع ويستأنى بالمقتص منه، فان برأ المقتص منه ولم تشل يده عقل ذلك فى ماله.
وقال الامام مالك: هذا أمر قد اختلف وهذا الذى استحسنت وهو أحب الى
(1)
.
وان ضرب الرجل الرجل ضربة خطأ ففطع كفه فشل الساعد فعليه دية اليد ولا شئ عليه غير ذلك لأنها ضربة واحدة فدخل الشلل والقطع جميعا فى دية اليد اذا كانت ضربة واحدة
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب الأم أنه ان قطع رجل أصبع رجل فتآكلت الكف حتى سقطت كلها فسأل المقطوعة أصبعه القصاص، قيل: ان القصاص أن يقطع من حيث قطع أو أقل منه فأما أكثر فلا، وان شاء المقطوعة أصبعه القود من الأصبع يقاد له ويعطى أرش الكف يرفع منها عشر من الابل هى حصة الاصبع والا فله دية الكف.
وقال الشافعى: ولو قطع له أصبعا كما وصف فى المسألة السابقة فسأل القود منها وقد ذهبت كفه أو لم تذهب وسأل القود من ساعته أقدته، فان ذهبت كف المجنى عليه جعلت على الجانى أربعة أخماس ديتها، لأنى رفعت الخمس للاصبع التى أقصصتها بها.
فان ذهبت كف المستقاد منه ونفسه لم أرفع عنهم من أرش المجنى عليه شيئا، لأن الجانى ضامن ما جنى وحدث منه، والمستقاد منه غير مضمون له ما حدث من القود لأنه تلف بسبب الحق فى القصاص.
وان قطع رجل نصف كف رجل من المفصل فتآكلت حتى سقطت الكف كلها فسأل القود قيل لأهل العلم بالقود:
هل تقدرون على قطع نصف كف من مفصل كفه لا تزيدون عليه؟ فان قالوا نعم. قلنا: اقطعوها من الشق الذى قطعها منه ثم دعوها وأخذنا للمجنى عليه خمسة وعشرين بعيرا نصف أرش الكف مع قطع نصفها وهكذا ان قطعها حتى تبقى معلقة بجلدة أقيد
(1)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 4 ص 488 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 488 الطبعة السابقة.
منه وتركت له معلقة بجلدة فان قال المستقاد منه: اقطعوها لم يمنع المتطبب قطعها على النظر له
(1)
.
وقال الشافعى: اذا شج الرجل الرجل موضحة عمدا فتآكلت الموضحة حتى صارت منقلة، أو قطع أصبعه فتآكلت الكف حتى ذهبت الكف، فسأل القود.
قيل: ان شئت أقدناك من الموضحة وأعطيناك ما بين المنقلة والموضحة من أرش. فأما المنقلة فلا قود فيها بحال.
وقيل: ان شئت أقدناك من الأصبع وأعطيناك أربعة أخماس اليد. وان شئت فلك أرش اليد ولا قود لك فى شئ، لأن الضارب لم يجن بقطع الكف وان كانت ذهبت بجنايته.
وانما يقطع له أو يشق له ما شق وقطع وأرش هذا كله فى مال الجانى حالا دون عاقلته، لأنه كان بسبب جنايته.
واذا أنكر الشاب وقاطع الاصبع والكف أن يكون تآكلها من جنايته فالقول قول الجانى حتى يأتى المجنى عليه بمن يشهد أن الشجة والكف لم تزل مريضة من جناية الجانى لم تبرأ حتى ذهبت فاذا جاء بها قبلت بينته وحكم بان تآكلها من جنايته ما لم تبرأ الجناية ولو أن البينة قالت: برأت الجراحة وأجلبت ثم انتقضت فذهبت الكف أو زالت الشجة فقال الجانى: انتقضت لأن المجنى عليه نكأها، أو أن غيره أحدث عليها جناية، كان القول قول الجانى فى أن تسقط الزيادة الا أن تثبت البينة أنها انتقضت من غير أن ينكأها المجنى عليه أو يحدث عليها غيره جناية من قبل أن البينة شهدت أن الجناية قد ذهبت. وان قالوا: انتقضت وقد يكون منها ومن غيرها يحدث عليها.
قال الربيع: قلت: أنا وأبو يعقوب:
واذا قطعت البينة أنها انتقضت من جنايته الأولى كان على الجانى تآكلها حتى يأتى بالبينة أن ذلك الانتقاض من غير جنايته
(2)
.
وقال الشافعى: لو قطع انسان من لحمه شيئا - فان كان قطع لحما ميتا - فذلك دواء، والجارح ضامن بعد لما زادت الجراح. وان كان قطع ميتا وحيا لم يضمن القاطع الا الجرح نفسه وهكذا لو كان فى طرف فان كان الكف فتآكلت فسقطت أصابعها أو الكف كلها فالجانى ضامن لزيادتها فى ماله ان كان عمدا وان قطع المجنى عليه الكف أو الأصابع لم يضمن الجانى مما قطع المجنى عليه شيئا الا أن تقوم البينة بأن المقطوع كان ميتا فيضمن أرشها،
(1)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 47 طبعة دار الشعب.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 50، ص 51 الطبعة السابقة.
فان لم تثبت البينة أنه كان ميتا أو قالت كان حيا وكان خيرا له أن يقطع فقطعه لم يضمنه الجانى
(1)
.
ولو جنى رجل على رجل جناية فى غير يده فأشلت يده كان فيها نصف الدية وأرش الجناية كأنها كانت مأمومة فيجعل فيها الثلث، وفى اشلال اليد النصف.
وان شلت رجله مع يده كانت فى اليد والرجل الدية، وفى المأمومة ثلث النفس لأنها جناية لها حكم معلوم أهلكت عضوين لهما حكم معلوم
(2)
.
ولو قطع رجل أصبع رجل فسرت الجناية الى الكف وسقطت أو شلت يده فلا قصاص الا فى الأصبع لأن الأجسام لا يجب فيها القصاص اذا تلفت بالسراية بل يجب لها الأرش. فان اقتص فى الأصبع ولم يسر أو سرى الى الكف وسقطت يجب أربعة أخماس دية اليد للأصابع الأربع لأن السراية لا تقع قصاصا، ولا شئ للنابت من الكف وله المطالبة بالواجب عقيب قطع الأصبع ولا يلزمه الانتظار الى البرء وعدمه فى الموضحة المذهبة للضوء. ولو أوضح رأسه ولم يذهب ضوء عينه فى الحال لا يطالب بالدية فلعلها تسرى الى البصر فيحصل القصاص. ولو عفا عن قصاص الأصبع ولم يقتص فله دية اليد بتمامها
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أنه ان ذهب البصر بالجناية على رأس المجنى عليه أو ذهب البصر بالجناية على عينه أو بمداواة الجناية وجبت الدية فى كل ذلك لذهاب البصر بجنايته أو أثرها
(4)
.
وان جنى عليه فنقص ضوء عينيه أو اسود بياضها أو المقدر ولم يتغير البصر فحكومة لأنه لا مقدر له فيه من قبل الشرع
(5)
.
وان جنى على عينيه فندرتا - أى كبرتا أو احولتا أو أعمشتا ونحوه فحكومة كما لو ضرب يده فاعوجت لأنه لا مقدر فيه شرعا
(6)
.
وان قطع أذنيه فذهب سمعه فديتان دية للأذنين ودية للسمع لأنه من غير الأذنين فلا تدخل دية أحدهما فى الآخر كالبصر مع الأجفان والنطق مع الشفتين
(1)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 51 طبعة دار الشعب.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 71 الطبعة السابقة.
(3)
الأنوار لأعمال الأبرار للاردبيلى ج 2 ص 255 الطبعة الأولى مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ 1910 م.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور ابن ادريس ج 4 ص 20 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات الطبعة الأولى سنة سنة 1319.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 21 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 21 نفس الطبعة.
وان قطع أنفه فذهب شمه فديتان لأن الشم ليس فى الأنف فلا تتدرج ديته فيه
(1)
.
وان أذهب عقله بجناية توجب أرشا كالجراح من موضحه أو غيرها أو قطع عضوا من يديه أو رجليه أو غيرهما أو ضربه على رأسه فذهب عقله وجبت الدية لذهاب العقل ووجب أرش الجرح ان كان ثم جرح، وان جنى عليه فأذهب سمعه وعقله وبصره وكلامه وجب أربع ديات لقضاء عمر رواه أحمد فى رواية ولده عبد الله
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم أن من جنى عليه بجرح أو قطع أو كسر فعفا عنه فقط أو عنه وعما يحدث عنه فعفوه عما يحدث منه باطل لأنه لم يجب له بعد، وأما عفوه عما جنى عليه فجائز وهو له لازم وذلك لأنه قد وجب له القود فى الكسر أو المفاداة فى الجراحة فان عفا فانما عفا عن حقه الذى وجب له بعد.
فان مات من ذلك أو حدث عنه بطلان عضو آخر فله القود فى العضو الآخر لأنه الآن وجب له
(3)
.
وجاء فى المحلى أيضا أنه لو جنى على عضو فبطل من الجناية عضو آخر فالحكم فى هذا أن ما تيقن أنه تولد من جناية العمد فبالضرورة أنه كله جناية عمد وعدوان فالواجب فى ذلك القود أو المفاداة سواء فى ذلك النفس أو ما دونها أما اذا أمكن أن تتولد الجناية الأخرى من غير الجناية الأولى فلا شئ فيها لا قود ولا غيره مثل أن يقطع له يدا فتشل له الأخرى فهذا ان لم يتيقن أنه تولد من الجناية الأولى فلسنا على يقين من وجوب شئ على الجانى واذا لم نكن على يقين من أنه يلزمه شئ فلا يجوز أن يلزم شيئا لا فى بشرته ولا فى ماله لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام.
وقال على: كان فى أصحابنا فتى اسمه يبقى بن عبد الملك ضربه معلمه فى صباه بقلم فى خده فيبست عينه فهذا عمد يوجب القود لأن الضربة كانت فى العصبة المتصلة بالناظر
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أنه يجب القصاص بالسراية إلى ما يجب فيه فلو جرح إنسان فى غير مفصل ثم سرت
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 23 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 30، ص 31 نفس الطبعة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 491 مسألة رقم 2081 الطبعة السابقة.
(4)
نفس المرجع ج 10 ص 426 - 427 مسألة 2028 نفس الطبعة.
الجناية إلى ذى مفصل فأتلفته وجب القصاص، ويسقط بالعكس أى اذا جنى على ذى مفصل فسرت الجناية حتى تعدت الى ما لا قصاص فيه نحو أن يجنى على مفصل الكف فتسرى الى نصف الساعد فتتلفه فانه لا يجب القصاص بعد السراية
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب الخلاف
(2)
: أنه اذا قطع أصبع رجل فسرت الى كفه فذهبت كفه ثم اندملت فعليه فى الأصبع والكف القصاص والدليل قول الله تعالى «فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»
(3)
وهذا قد اعتدى بالأصبع والكف «وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ»
(4)
وقال تعالى {(وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ)}
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن من ضرب رجلا أو امرأة برأسه أو لحيته أو غير ذلك مما فيه الشعر من الجوارح الذى ينزع والذى لا ينزع فأزال شعرها والضرب وزوال الشعر كلاهما فى الرأس أو كلاهما فى اللحية اعتبر الأكثر فيعطى به، فان كان أرش الضرب أكثر أخذه وان كان أرش ازالة الشعر أكثر أخذه.
وان تولد عن ضربه بطلان جارحة اخرى لزمته دية الجرح وما تولد عنه وله القصاص بالجرح وأرش ما تولد ولا قصاص له بما تولد
(6)
.
د - الحكم اذا باشر الجناية أكثر
من شخص على واحد أو العكس
.
مذهب الحنفية:
جاء فى الهداية وفتح القدير انه اذا قطع رجلان يد رجل واحد فلا قصاص على واحد منهما وعليهما نصف الدية، لأنه دية اليد الواحدة لأن كل واحد منهما قاطع بعض اليد، لأن الانقطاع حصل باعتماديها والمحل متجزئ فيضاف الى كل واحد منهما البعض فلا مماثلة بخلاف النفس لأن الانزهاق لا يتجزأ، ولأن القتل بطريق الاجتماع غالب حذار الغوث، والاجتماع على قطع اليد من المفصل فى حيز الندرة لافتقاره الى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث
(7)
.
(1)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 387 الطبعة السابقة.
(2)
الخلاف للطوسى ج 2 ص 364 مسألة رقم 64 من كتاب الجنايات الطبعة الثانية 1382 مطبعة تابان بطهران.
(3)
الآية رقم 194 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 126 من سورة النحل.
(5)
الآية رقم 45 من سورة المائدة.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 8 ص 118 طبع المطبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر.
(7)
الهداية ج 4 ص 125.
وجاء فى بدائع الصنائع أنه اذا قطع رجلان يد رجل أو رجله أو اصبعه أو أذهبا سمعه أو بصره أو قلعا سنا له أو نحو ذلك من الجوارح التى على الواحد منهما فيها القصاص لو انفرد به فلا قصاص عليهما، وعليهما الأرش نصفان وكذلك ما زاد على الثلاث من العدد فهو بمنزلة الاثنين ولا قصاص عليهم وعليهم الأرش على عددهم بالسواء
(1)
.
ولو قطع رجل يمينى رجلين تقطع يمينه. ثم ان حضرا جميعا فلهما أن يقطعا يمينه ويأخذا منه دية يد بينهما نصفين وهذا قول أصحابنا رحمهم الله تعالى.
وان حضر أحدهما والآخر غائب فللحاضر أن يقتص ولا ينتظر الغائب، لأن حق كل واحد منهما ثابت فى كل اليد وانما التمانع فى استيفاء الكل بحكم التزاحم بحكم المشاركة فى الاستيفاء، فاذا كان أحدهما غائبا فلا يزاحم الحاضر فكان له أن يستوفى كأحد الشفيعين اذا حضر يقضى له بالشفعة فى كل المبيع، ولأن حق الحاضر اذا كان ثابتا فى كل اليد وأراد الاستيفاء والغائب قد يحضر وقد لا يحضر وقد يطالب بعد الحضور وقد يعفو فلا يجوز تأخير حق الحاضر فى الاستيفاء والمنع منه للحال بعد طلبه لأمر محتمل، ولهذا قضى بالشفعة لأحد الشفيعين اذا حضر وطلب، ولا ينتظر حضور الغائب. كذا هذا وللآخر دية يده على القاطع لأنه تعذر استيفاء حقه بعد ثبوته فيصار الى البدل.
ولأن القاطع قضى به حقا مستحقا عليه فيلزمه الدية، وان عفا أحدهما بطل حقه، وكان للآخر القصاص اذا كان العفو قبل قضاء القاضى بالاجماع، لأن حق كل واحد منهما ثابت فى اليد على الكمال، فالعفو من أحدهما لا يؤثر فى حق الآخر كما فى القصاص فى النفس.
وكذلك لو عدا أحدهما على القاطع فقطع يده فقد استوفى حقه فللآخر الدية.
وأما اذا قضى القاضى بالقصاص بينهما ثم عفا أحدهما فللآخر أن يستوفى القصاص استحسانا فى قولهما.
وقال محمد رحمه الله تعالى اذا قضى القاضى بالقصاص فى اليد بينهما نصفين وبدية اليد بينهما نصفين ثم عفا أحدهما بطل القصاص.
وجه قوله: ان حق كل واحد منهما وان كان ثابتا فى كل اليد لكن القاضى لما قضى بالقصاص بينهما فقد أثبت الشركة بينهما فصار حق كل واحد منهما فى البعض فاذا عفا أحدهما سقط البعض ولا يتمكن الآخر من استيفاء الكل.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 299 مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
ووجه قولهما: ان قضاء القاضى بالشركة لم يصادف محله لأن الشرع ما ورد بوجوب القطع فى بعض اليد فيلحق بالعدم أو يجعل مجازا عن الفتوى كأنه أفتى بما يجب لهما وهو أن يجتمعا على القطع ويأخذا الدية بينهما فكان عفو أحدهما بعد القضاء كعفوه قبله.
ولو قضى القاضى بالدية بينهما فقبضاها ثم عفا أحدهما لم يكن للآخر القصاص وينقلب نصيبه مالا، لأنهما لما قبضا الديه فقد ملكاها وثبوت الملك فى الدية يقتضى أن لا يبقى الحق فى كل اليد فسقط حق كل منهما عن نصف اليد، فاذا عفا أحدهما لا يثبت للآخر ولاية استيفاء كل اليد. وكذلك لو أخذ بالدية رهنا لأن قبض الرهن قبض استيفاء، لأن الدين كأنه فى الرهن بدليل أنه اذا هلك يسقط الدين فصار قبضهما الرهن كقبضهما الدين.
ولو أخذ بالدية كفيلا ثم عفا أحدهما فللآخر القصاص لأنه ليس فى الكفالة معنى الاستيفاء بل هو للتوثق لجانب الوجوب فكان الحكم بعد الكفالة كالحكم قبلها
(1)
.
ولو قطع من رجل يديه أو رجليه قطعت يداه ورجلاه لأن استيفاء المثل ممكن. ولو قطع من رجل يمينه ومن آخر يساره قطعت يمينه لصاحب اليمين ويساره لصاحب اليسار، لأن تحقيق المماثلة فيه وانه ممكن.
فان قيل: القاطع ما أبطل عليهما منفعة الجنسين فكيف تبطل عليه منفعة الجنس.
فالجواب: أن كل واحد منهما ما استحق عليه الا قطع يد واحدة وليس فى قطع يد واحدة تفويت منفعة الجنس فكان الجزاء مثل الجناية. الا أن فوات منفعة الجنس عند اجتماع الفعلين حصل ضرورة غير مضاف اليهما
(2)
.
ولو قطع رجل أصبع رجل كلها من المفصل ثم قطع يد آخر أو يدا باليد ثم يقطع الاصبع وذلك كله فى يد واحدة فى اليمين أو فى اليسار - فلا يخلو اما ان جاءا معا يطلبان القصاص واما ان جاءا متفرقين.
فان جاءا جميعا يبدأ بالقصاص فى الاصبع فيقطع الاصبع بالاصبع ثم يخير صاحب اليد، فان شاء قطع ما بقى، وان شاء أخذ دية يده من مال القاطع، لأن حق كل واحد منهما فى مثل ما قطع منه، فحق صاحب اليد
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 299 - 300 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 300 الطبعة السابقة.
فى قطع اليد، وحق صاحب الاصبع فى قطع الاصبع فيجب ايفاء حق كل واحد منهما بقدر الامكان وذلك فى البداية بالقصاص فى الاصبع، لأنا لو بدأنا بالقصاص فى اليد لبطل حق صاحب الأصبع فى القصاص أصلا ورأسا، ولو بدأنا بالقصاص فى الأصبع لم يبطل حق الآخر فى القصاص أصلا ورأسا لأنه يتمكن من استيفائه مع النقصان فكانت البداية بالاصبع أولى. وانما خير صاحب اليد بعد قطع الاصبع لأن الكف صارت معيبة بقطع الاصبع فوجد حقه ناقصا فيثبت له الخيار كالأشل اذا قطع يد الصحيح.
وان جاءا متفرقين، فان جاء صاحب اليد وصاحب الأصبع غائب تقطع اليد لصاحب اليد لأن حق صاحب اليد ثابت فى اليد فلا يجوز منعه من استيفاء حقه لحق غائب يحتمل أن يحضر ويطالب، ويحتمل أن لا يحضر ولا يطالب.
فان جاء صاحب الأصبع بعد ذلك أخذ الأرش لتعذر استيفاء حقه بعد ثبوته فيأخذ بدله، ولأن القاطع قضى بطرفه حقا مستحقا عليه فصار كأنه قائم وتعذر الاستيفاء لمانع فيلزمه الأرش.
وان جاء صاحب الاصبع وصاحب اليد غائب تقطع الاصبع لصاحب الاصبع لما ذكر فى صاحب اليد، ثم اذا جاء صاحب اليد بعد ذلك أخذ الأرش لما قلنا
(1)
.
ولو قطع رجل اصبع رجل من مفصل ثم قطع أصبع رجل آخر من مفصلين ثم قطع اصبع آخر كلها وذلك كله فى اصبع واحدة فهو على التفصيل الذى ذكر أن الأمر لا يخلو اما أن جاءوا جميعا يطلبون القصاص واما أن جاءوا متفرقين.
فان جاءوا جميعا يبدأ بقطع المفصل الأعلى لصاحب الأعلى ثم يخير صاحب المفصلين فان شاء استوفى الأوسط بحقه كله ولا شئ له من الأرش، وان شاء أخذ ثلثى دية أصبعه من ماله. ثم يخير صاحب الاصبع فان شاء أخذ ما بقى باصبعه وان شاء أخذ دية اصبعه من مال الذى قطعها، وانما كان ذلك لما بينا أن حق كل واحد منهم فى مثل ما قطع منه فيجب ايفاء حقوقهم بقدر الامكان وذلك فى البداية بما لا يسقط حق بعضهم وهو أن يبدأ بقطع المفصل الأعلى لصاحب الأعلى لأن البداية لا تبطل حق الباقين فى القصاص أصلا لامكان استيفاء حقيهما مع النقصان وفى البداية بالقصاص فى الاصبع ابطال حق الباقين أصلا. ورب رجل يختار القصاص وان كان ناقصا تشفيا للصدر. واذا قطع
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 300 - 301 الطبعة السابقة.
منه المفصل الأعلى لصاحب الأعلى يخير الباقيان لأن كل واحد منهما وجد حقه ناقصا لحدوث العيب بالطرف.
وان جاءوا متفرقين، فان جاء صاحب الاصبع أولا تقطع له الاصبع لما ذكر فى المسألة المتقدمة. فاذا جاء الباقيان بعد ذلك يقضى لهما بالأرش، لصاحب المفصل الأعلى ثلث دية الاصبع ولصاحب المفصلين ثلثا دية الأصبع.
وان جاء صاحب المفصلين أولا يقطع له المفصلان ويقضى لصاحب المفصل الأعلى بالأرش. وصاحب الأصبع بالخيار ان شاء أخذ ما بقى واستوفى حقه ناقصا وان شاء أخذ دية الاصبع.
وان جاء صاحب الأعلى أولا فهو كما اذا جاءوا معا وقد سبق ذكر حكمه
(1)
.
ولو قطع رجل كف رجل من مفصل ثم قطع يد آخر من المرفق أو بدأ بالمرفق ثم بالكف وهما فى يد واحدة فى اليمين أو فى اليسار ثم اجتمعا فان الكف يقطع لصاحب الكف ثم يخير صاحب المرفق فان شاء قطع ما بقى بحقه كله وان شاء أخذ الأرش لما بينا.
وان جاء أحدهما والآخر غائب، فان جاء صاحب الكف قطع له الكف ولا ينتظر الغائب لما مر. ثم اذا جاء صاحب المرفق أخذ الأرش.
وان جاء صاحب المرفق أولا يقطع له المرفق أولا ثم اذا جاء صاحب اليد بعد ذلك يأخذ أرش اليد
(2)
.
ولو قطع اصبع يد رجل عمدا وقطع آخر يده من الزند فمات فالقصاص على الثانى فى قول أصحابنا الثلاثة رحمهم الله.
وقال زفر: عليهما جميعا وجه قوله، ان السراية باعتبار الألم والقطع الأول اقتصر ألمه بالنفس وتكامل بالثانى فكانت السراية مضافة الى الفعلين فيجب القصاص عليهما.
ويرى صاحب بدائع الصنائع: ان السراية باعتبار الآلام المترادفة التى لا تتحملها النفس الى أن يموت، وقطع اليد يمنع وصول الألم من الأصبع الى النفس فكان قطعا للسراية، فبقيت السراية مضافة الى قطع اليد، وصار كما لو قطع الأصبع فبرئت ثم قطع آخر يده فمات وهناك القصاص على الثانى كذا هذا، بل أولى لأن القطع فى المنع من الأثر وهو وصول الألم الى النفس فوق البرء، اذ البرء يحتمل
(1)
نفس المرجع السابق ج 7 ص 301 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 301 نفس الطبعة السابقة.
الانتقاص والقطع لا يحتمل، ثم زوال الأثر بالبرء يقطع السرايا فزواله بالقطع كان أولى وأحرى
(1)
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى أنه لو أن نفرا اجتمعوا على رجل فقطعوا يده عمدا فانه يقتص منهم جميعا وتقطع أيديهم، بمنزلة القتل اذا اجتمعوا على قتل رجل قتلوا به جميعا. والعينان بهذه المنزلة
(2)
.
واذا قطع رجل يد رجل اليمنى ثم قطع يمين آخر بعد ذلك، ثم قطع يمين آخر بعد ذلك أيضا تقطع يمينه لهم جميعا ولم يكن لهم غير ذلك.
وكذلك العين والرجل وكل شئ اذا كان شيئا واحدا. وان قام عليه منهم الأول أو الآخر. أو الأوسط فانه يمكن من القصاص منهم فان اقتص ثم جاء الذين جنى عليهم يطلبون ما جنى عليهم فلا شئ لهم وهو - عند الامام مالك - بمنزلة رجل قتل رجلا عمدا ثم قتل رجلا بعد ذلك عمدا ثم قتل بعد ذلك رجلا عمدا فقتل فانه لا شئ لهم.
وعند ابن القاسم أن العين التى وجب لهم فيها القصاص واليد التى وجب لهم فيها القصاص قد ذهبت ولا شئ لهم
(3)
.
قال الامام مالك فى العبيد اذا قتلوا انسانا حرا أو جرحوا انسانا: انهم مرتهنون بدية المقتول أو المجروح وتقسم الدية على عددهم ودية الجرح على عددهم فمن شاء من أرباب العبيد أن يسلم سلم ومن شاء أن يفتك افتك بقدر ما يقع عليه من نصيبه من الدية كان أقل من ثمنه أو أكثر لو كان قيمة العبد خمسمائة والذى وقع عليه عشر الدية غرم عشر الدية وحبس عبده وان كانت قيمته عشرة دنانير والذى وقع عليه من الدية النصف لم يكن له أن يحبس عبده حتى يدفع نصف الدية.
وان كان رب العبيد واحدا فان له أن يحبس من شاء منه ويدفع من شاء بحال ما سبق وصفه. وقد سئل فيه الامام مالك غير مرة فلم يختلف قوله فى ذلك قط
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب الأم قول الشافعى:
لو قطع رجل يد رجل وقطع رجل آخر وقتل رجلا آخر ثم جاء أولياء المجنى
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 304 الطبعة السابقة.
(2)
المدونة للامام مالك بن أنس الأصبحى ج 4 ص 497 ج 16 ص 228 رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن ابن القاسم فى كتاب على هامشه كتاب المقدمات الممهدات لأبى الوليد محمد بن محمد بن رشد طبع المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ.
(3)
نفس المرجع ج 4 ص 498 ج 16 ص 230.
(4)
نفس المرجع ج 4 ص 508 ج 16 ص 132
عليهم يطلبون القصاص معا فانه يقتص منه اليد والرجل ثم يقتل بعد ذلك وقال: لو قطع اصبع رجل اليمنى وكف آخر اليمنى ثم جاءا معا يطلبان القود فانه يقتص من الاصبع ويخير صاحب الكف بين أن يقتص له ويأخذ أرش الاصبع أو يأخذ أرش الكف، ولو بدأ بالاقتصاص من الكف أعطى صاحب الأصبع أرشها. ولو قطع كفى رجلين اليمنى كان كقتله النفسين يقتص لأيهما جاء أولا. وان جاءا معا اقتص للمقطوع يديا. وان اقتص للآخر أخذ للأول دية يده.
وهكذا كل ما أصاب مما عليه فيه القصاص فمات منه بقود أو مرض أو غيره فعليه أرشه فى ماله
(1)
.
واذا قطع الاثنان يد رجل معا قطعت أيديهما معا وكذلك أكثر من الاثنين، وما جاز فى الاثنين جاز فى المائة وأكثر. وانما تقطع أيديهما معا اذا حملا شيئا فضرباه معا ضربة واحدة أو حزاه معا حزا واحدا. فأما ان قطع هذا يده من أعلاها الى نصفها وهذا يده من أسفلها حتى أبانها فلا تقطع أيديهما وانما يحز من هذا بقدر ما حز من يده ومن هذا بقدر ما حز من يده ان كان هذا يستطاع. وهكذا فى الجرح والشجة التى يستطاع فيها القصاص وغيرها لا يختلف ولا يخالف النفس الا فى أن الجرح يتبعض والنفس لا تتبعض فاذا لم يتبعض بأن يكونا جانيين عليه معا جرحا كما وصفت لا ينفرد أحدهما بشئ منه دون الآخر فهو كالنفس فى القياس واذا تبعض خالف النفس
(2)
.
ولو قطع رجل أيدى جماعة قطع بالأول وللباقين الدية
(3)
.
واذا قطع الرجل أصبع رجل ثم جاء آخر فقطع كفه، أو قطع الرجل يد الرجل من مفصل الكوع ثم قطعها آخر من المرفق ثم مات فعليهما معا القود يقطع اصبع هذا وكف قاطع الكف، ويد الرجل من المرفق ثم يقتلان. وسواء قطعا من يد واحدة أو قطعاها من يدين مفترقتين سواء وسواء كان ذلك بحضرة قطع الأول أو بعده بساعة أو أكثر ما لم تذهب الجناية الاولى بالبرء لأن باقى ألمها واصل الى الجسد كله. ولو جاز أن يقال: ذهبت الجناية الأولى حين كانت الجناية الآخرة قاطعة باقى المفصل الذى يتصل به وأعظم منها، جاز اذا قطع رجل يدى رجل ورجليه وشجه آخر موضحة فمات أن يقال: لا يقاد من صاحب الموضحة بالنفس لأن ألم الجراح الكثيرة قد عم البدن قبل الموضحة أو بعدها. ومن أجاز أن يقتل اثنان بواحد لكان الألم يأتى على بعض
(1)
الأم ج 6 ص 19.
(2)
الأم ج 6 ص 20.
(3)
الأنوار لأعمال الأبرار للاردبيلى ج 2 ص 250.
البدن دون بعض حتى يكون رجلان لو قطع كل واحد منهما يد رجل معا فمات لم يقد منهما فى النفس لأن ألم كل واحدة منهما فى شق يده الذى قطعه، ولكن الألم يخلص من القليل والكثير ويخلص الى البدن كله فيكون من قتل اثنين بواحد يحكم فى كل واحد منهما فى القود حكمه على قاتل النفس منفردا فاذا أخذ العقل حكم على كل من جنى عليه جناية صغيرة أو كبيرة على العدد من عقل النفس كأنهم عشرة جنوا على رجل فمات فعلى كل واحد منهم عشر الدية
(1)
.
واذا قطع الرجل يد الرجل وقطع آخر رجله وشجه الآخر موضحة وأصابه الآخر بجائفة وكل ذلك بحديد أو بشئ يحدد فيعمل عمل الحديد فلم يبرأ شئ من جراحته حتى مات فكلهم قاتل وعلى كلهم القود. وكذلك لو جرحه رجل مائة جرح وآخر جرحا واحدا كان عليهما معا القود، وكان لأولياء القتيل أن يجرحوا كل واحد منهما عدد ما جرحه، فان مات والا ضربوا عنقه
(2)
.
وان كان أحدهما جرحه جرحا جائفة غير نافذة أو جائفة نافذة كان فيها قولان:
أحدهما - أن لولى القتيل أن يجرحه جائفة غير نافذة أو جائفة نافذة - واذا كان القصاص بالقتل لم يمنع أن يصنع هذا، ولا يلى ولى القتيل بنفسه شيئا من هذا وانما يؤمر به من يبصر كيف جرحه فيجرحه كما جرحه فاذا بقى ضرب العنق فانه يخلى بينه وبين ولى القتيل.
وكذلك لو كان أحدهم قطع يده بنصف الذراع لم يمنع من ذلك لأنه يقتل مكانه وانما يمنع اذا كان جرحا لا يقتل به ولا يكون فيه قصاص.
والقول الثانى: أن له أن يصنع به كل ما كان لو جرحه اقتص به منه فيما دون النفس. ولا يصنع به ما لو كان جرحه به دون النفس لم يقتص منه لأنه لعله يدع قتله فيكون قد عذبه وأنه لا يقدر على أن يأتى بمثل ما صنع به فى المواضع التى لا يقتص منها، ويقال له: القتل يأتى على ذلك
(3)
.
ولو قطع رجل يد رجل وقطع آخر رجله وجرحه ثالث فمات فقال ورثته برأ من جراح أحدهم ومات من جراح الآخر فان صدقهم الجانون فالقول ما قالوا وعلى الذى مات من جراحه القصاص فى النفس أو الأرش وعلى الذى برأت جراحته القصاص من الجراح أو دية الجراح. وان صدقهم الذى قال ان جراحه برأت وكذبهم الذى قال ان جراحه لم تبرأ بل مات من جراح الذى زعمت أن جراحه برأت وبرأت جراحى
(1)
الأم الشافعى ج 6 ص 20، 21 طبعة دار الشعب.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 24 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 24 الطبعة السابقة.
فالقول قوله مع يمينه ولا يلزمه القتل أبدا ولا النفس حتى يشهد الشهود أن المجروح لم يزل مريضا من جراح الجارح حتى مات. ولو قال: مات من جراحنا معا فمن قتل اثنين بواحد جعل على الذى أقر القتل، فان أرادوا أن يأخذوا منه الدية لم يجعل عليه الا نصفها لأنه يقول: أنه مات من جراحنا معا
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أنه ان جنى القن على اثنين فأكثر خطأ أو عمدا لا يوجب قودا أو عمدا يوجبه وعفوا الى المال وكذلك لو أتلف مالا لاثنين فأكثر اشتركوا فيه بالحصص سواء كان ذلك فى وقت أو أوقات لأنهم تساووا فى سبب تعلق الحق به فتساووا فى الاستحقاق كما لو جنى عليهم دفعة واحدة، فاذا عفا أحدهم عما وجب له أو مات المجنى عليه فعفا بعض ورثته تعلق حق الباقين بكل العبد الجانى لأن سبب استحقاقه موجود وانما امتنع ذلك لمزاحمة الآخر وقد زال المزاحم ولو أن عشرة أعبد قتلوا عبدا عمدا فعليهم القصاص كقتل الأحرار للحر فان اختار السيد قتلهم فله ذلك وان عفا سيد المقتول الى مال تعلقت قيمة عبده برقابهم على كل واحد من العبيد العشرة القاتلين عشرها يباع منه بقدرها أو يفديه سيده بقدر العشر
(2)
.
وان ذهب بصر المجنى عليه أو ذهب سمعه فقال عدلان من أهل الخبرة بالطب يرجى عود بصره أو سمعه الى مدة عيناها انتظر الذاهب الى مضى تلك المدة ولم يعط المجنى عليه الدية حتى تنقضى المدة التى عيناها فان بلغها ولم يعد ما ذهب وجبت الدية لليأس أو مات المجنى عليه قبل مضيها وجبت الدية وان قلع أجنبى غير الجانى على البصر أولا عينه التى أذهب الأول بصرها فى المدة التى عينها العدلان لعود بصرها استقرت على الأول الدية أو القصاص لليأس من عود بصرها ووجب على الثانى حكومة لقلع العين التى لا بصر لها
(3)
.
وان جنى على لسان ناطق فلم يذهب بالجناية شئ من الكلام لكن حصلت فيه عجلة أو تمتمة أو فأفأة فعلى الجانى حكومة لما حصل من النقص والشين ولم تجب الدية لأن المنفعة باقية، فان جنى على ذلك المجنى عليه جان آخر فأذهب كلامه ففيه الدية كاملة كما لو جنى على عينه جان فعمشت ثم جنى عليه آخر فأذهب بصرها فان أذهب الجانى
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 55 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع على متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 4 ص 19 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 20، 21 الطبعة السابقة.
الأول بعض الحروف وأذهب الجانى الثانى بقية الكلام فعلى كل واحد من الجانيين بقسطه من الدية، فيضمن ما أتلفه دون غيره
(1)
.
وان قطع جان ربع اللسان فذهب نصف الكلام ثم قطع جان آخر بقية اللسان فذهب بقية الكلام فعلى الجانى الأول نصف الدية لأنه أذهب نصف الكلام وعلى الجانى الثانى نصف الدية، لنصف اللسان بنصف الكلام. وعليه أيضا حكومة لربع اللسان الذى لا كلام فيه، لأنه لا نفع فيه فهو بمنزلة الأشل، ولو قطع جان نصف اللسان فذهب ربع الكلام ثم قطع آخر بقية اللسان فزال ثلاثة أرباع الكلام فعلى الأول نصف الدية لاذهابه نصف اللسان وعلى الثانى ثلاثة أرباع الدية لاذهابه ثلاثة أرباع الكلام وان قطع نصف اللسان فذهب كل كلامه ثم قطع آخر بقيته فعاد كلامه لم يجب رد الدية، لأن الكلام الذى كان باللسان قد ذهب ولم يعد الى اللسان وانما عاد الى محل آخر
(2)
.
وان كسر الجانى بعض ظاهر السن ففى الذاهب من دية السن بقدره كالنصف والثلث كسائر ما فيه مقدر وان جاء جان آخر فكسر الباقى منها فعليه بقية الأرش أى بقية ديته وان اختلف الجانيان فى قدر ما أذهب كل منهما فالقول قول المجنى عليه فى قدر ما أتلف كل واحد من الجانيين
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم: أن من أمسك آخر حتى فقئت عينه أو قطع عضوه أو ضرب لا قود عليه فى ذلك لأن الله تعالى انما قال: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} .
(4)
والحكم فى هذا أن يقتص من الفاقئ والكاسر والقاطع والضارب بمثل ما فعل ويعزر الممسك ويسجن على ما يراه الحاكم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده.
ولأمره صلى الله عليه وسلم بالتعزير فى كل ما دون الحد عشرة أسواط فأقل فكل من فعل فعلا يوصف به وكان به متعديا فانه يجب أن يعتدى عليه بمثله بأمر الله تعالى فالممسك آخر حتى قتل ممسك له وحابس حتى مات وليس قاتلا فالواجب أن يحبس حتى يموت فهو مثل ما اعتدى به ولا نبالى
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 24، 25 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 25.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 26 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 194 من سورة البقرة.
بطول المدة من قصرها اذ لم يأت بمراعاة ذلك نص ولا اجماع
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أنه تقطع أيدى جماعة اذا قطعوا يد واحد.
قال ذلك فى البحر وانما تقطع أيديهم الكل اذا اجتمعوا كلهم فى قطع يده كلها نحو أن يحزوها بالسيف أو السكين كلهم حتى يقطعوها فلا يتميز فعل بعضهم عن فعل غيره. فأما حيث يتميز نحو أن يقطع واحد من جانب وغيره من الجانب الآخر حتى أباناها فلا قصاص فيها لأن كل واحد انما قطع بعضها وقيل فقط بل يلزمهم ديتها، لكن كيف تكون قسمة الدية عليهما - هل نصفان أو بقدر ما قطع كل واحد ان تميزت والا فنصفان اذ لا مزية لأنه يعقل التبعيض فى الأطراف بخلاف النفس
(2)
.
جاء فى شرح الأزهار أيضا أنه اذا قطع رجل يد رجل من مفصل الكف ثم قطعها آخر من المرفق أو نحوه قبل أن تبرأ ثم مات المقطوع وكانت كل واحدة من الجناتين قاتلة بالسراية لو انفردت فانه يقتل الثانى وعلى الأول نصف الدية لأن جناية الثانى أبطلت جناية الأول لأن السراية تجدد وقتا بعد وقت وقد ارتفع ألم الجناية الأولى
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه يقتص من الجماعة فى الأطراف كما يقتص فى النفس .. فلو اجتمع جماعة على قطع يده أو قلع عينه فله الاقتصاص منهم جميعا بعد رد ما يفضل لكل واحد منهم عن جنايته وله القصاص من أحدهم ويرد الباقون دية جنايتهم وتتحقق الشركة فى ذلك بأن يحصل الاشتراك فى الفصل الواحد، فلو انفرد كل واحد بقطع جزء من يده لم يقطع يد أحدهم وكذا لو جعل أحدهما آلته فوق يده والآخر تحت يده واعتمدا حتى التقتا فلا قطع فى اليد على أحدهما لأن كلا منهما منفرد بجنايته لم يشاركه الآخر فيها فعليه القصاص فى جنايته حسب
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب شرح النيل وشفاء العليل: أنه اذا قطع رجلان يد آخر
(1)
المحلى ج 10 ص 427، 428 مسألة 2029.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار وحواشيه لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 390 - 391 مطبعة حجازى بالقاهرة الطبعة الثانية 1357 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 391 نفس الطبعة.
(4)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 268 طبعة منشورات دار الكتب ببيروت 1930 م.
أخذ ديتها أو قطع لهما مخيرا بينهما واحدة يمنى أحدهما ان قطعت يمناه ويسرى أحدهما ان قطعت يسراه. ويرد من لم تقطع يده لمن قطعت منهما نصف دية اليد. وقيل يقطع لكل يدا. وقيل له عليهما دية يده لا القطع وقيل له ديتها على كل منهما.
وكذا فى غير اليد وفى غير الاثنين كثلاثة وأربعة فصاعدا اذا قطعوا لغيرهما
(1)
.
وان قطع رجل لآخر مفصلا من أصبعه ثم قطع رجل آخر مفصلا ثانيا منها، ثم قطع رجل ثالث مفصلا أسفلها من اصبعه فانه يقتص فى المفصل الأول وله أخذ ديته ويأخذ مقطوع الاصبع دية المفصلين الآخريين من قاطعيهما الا أن وجد قاطع الثانى مقطوعا منه المفصل الأول قيل فانه يقطع له المفصل الثانى ان شاء وان شاء أخذ ديته وكذا قاطع الأسفل ان وجد مقطوعا أوله وثانيه فلمريد الاقتصاص أن يقتص منه بقطع الأسفل
(2)
.
ومن قطع لرجل مفصلا أعلى أصبعه وآخر أوسطها وثالث أسفلها فان اجتمعوا قطع كل ما قطع له، فان عفا صاحب الفوقان أو أخذ الدية بطل عنه القطع ورجعوا، وكذا ان قطع وأخذ ذو الوسطانى الدية أو عفا فلذى السفلان الدية وان جاء الأخير ولم يحضر الأول انتظراه فان جاء وقطع فلهما القطع والا فالدية
(3)
.
هـ - الحكم اذا حال المجروح أو الجارح
بحرية أو عصمة أو اهدار
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع، أنه لو قطع رجل يد مرتد فأسلم المرتد ثم مات فلا شئ على القاطع وهذا يؤيد مذهب أبى حنيفة فى اعتبار وقت الفعل والأصل فى هذا أن الجناية اذا وردت على ما ليس بمضمون فالسراية لا تكون مضمونة لأن الضمان يجب بالفعل السابق والفعل صادف محلا غير مضمون وكذلك لو قطع يد حربى ثم أسلم ثم مات من القطع فلا شئ على القاطع لأن الجناية وردت على محل غير مضمون فلا تكون مضمونة.
وهكذا لو قطع يد عبده ثم اعتقه ثم مات لم يضمن بالسراية لأن يد العبد غير مضمونة فى حقه.
ولو قطع يده وهو مسلم ثم ارتد ثم مات فعلى القاطع دية اليد لا غير،
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 8 ص 214 طبعة المطبعة الأدبية بسوق اخضار بمصر.
(2)
نفس المرجع السابق ج 8 ص 216 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 8 ص 217، ص 218 الطبعة السابقة.
لأن المقطوع أبطل عصمة نفسه بالردة فصارت الردة بمنزلة الابراء عن السراية.
ولو رجع الى الاسلام ثم مات فعلى القاطع دية النفس فى قولهما.
وعند محمد عليه دية اليد لا غير.
وجه قوله على نحو ما ذكرنا أنه لما ارتد فكأنه أبرأ القاطع عن السراية.
ووجه قولهما: ان الجناية يتعلق حكمها بالابتداء أو بالانتهاء وما بينهما لا يتعلق به حكم. والمحل ههنا مضمون فى الحالين فكانت الجناية مضمونة فيهما فلا تعتبر الردة العارضة فيما بينهما.
وأما قول محمد: الردة بمنزلة البراءة فنعم لكن بشرط الموت عليها لأن حكم الردة موقوف على الاسلام والموت، وقد كانت الجناية مضمونة فوقف حكم السراية أيضا.
وكذلك لو لحق بدار الحرب ولم يقض القاضى بلحوقه ثم رجع الينا مسلما ثم مات من القطع فعلى القاطع دية يده لا غير بالاجماع لأن لحوقه بدار الحرب يقطع حقوقه بدليل أنه يقسم ماله بين ورثته بعد اللحوق ولا يقسم قبله فصار كالابراء عن الجناية
(1)
.
ولو قطع رجل يد عبد خطأ فاعتقه مولاه ثم مات منها فلا شئ على القاطع غير أرش اليد، وعتقه كبرء اليد، لأن السراية لو كانت مضمونة على الجانى فأما ان تكون مضمونة عليه للمولى واما أن تكون مضمونة عليه للعبد ولا سبيل الى الأول لأن المولى ليس بمالك له بعد العتق ولا وجه للثانى لما ذكر أن السراية تكون تابعة للجناية، فالجناية لما لم تكن للعبد لا تكون سرايتها مضمونة له ولهذا اذا باعه المولى بعد القطع سقط حكم السراية وليس قطع اليد فى هذا مثل الرمى فى قول أبى حنيفة حيث أوجب عليه بالرمى القيمة وان اعتقه المولى ولم يوجب فى القطع الا أرش اليد لما ذكرنا. أن الرمى سبب الاصالة فصار جانيا به وقت الرمى فأما القطع فليس بموجب للسراية لا محالة
(2)
.
وان كان قطع يد العبد عمدا فاعتقه مولاه ثم مات العبد ينظر ان كان المولى هو وارثه لا وارث له غيره فله أن يقتل الجانى فى قولهما خلافا لمحمد وان كان له وارث غيره يحجبه عن ميراثه ويدخل معه فى ميراثه فلا قصاص لاشتباه الولى ولو لم يعتقه بعد القطع ولكن دبره أو كانت أمة
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 305 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ - 1910 م مطبعة الجمالية بمصر.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 305، 306 الطبعة السابقة.
فاستولدها فانه لا تنقطع السراية ويجب نصف القيمة ويجب ما نقص بعد الجناية قبل الموت - هذا اذا كان خطأ. وان كان عمدا فللمولى أن أن يقتص بالاجماع ولو كاتبه والمسألة بحالها فبالكتابة برئ عن السراية فيجب نصف القيمة للمولى اذا مات وكان خطأ لا يجب عليه شئ آخر، وان كان عمدا - فان كان عاجزا فللمولى أن يقتص لأنه مات عبدا وان مات عن وفاء فقد مات حرا فينظر ان كان له وارث يحجب المولى أو يشاركه فلا قصاص عليه ويجب عليه أرش اليد لا غير. وان كان القطع قبل الكتابة فمات وكان القطع خطأ أو مات عاجزا فالقيمة للمولى وان مات عن وفاء فالقيمة للورثة وان كان عمدا فان مات عاجزا، فللمولى أن يقتص وان مات عن وفاء مات حرا ثم ينظر ان كان مع المولى وارث يحجبه أو يشاركه فى الميراث فلا قصاص وان لم يكن له وارث غير المولى فعلى الاختلاف الذى ذكر
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى أنه اذا جرح رجل عبدا أو قذفه فأقر سيده أنه كان قد أعتقه عامه الأول قبل الجراحة أو قبل القذف فلا يصدق على الجارح أو على القاذف، عند الامام مالك - ويكون جرحه جرح عبد وتكون دية الجرح للعبد لأن السيد مقر أن لا شئ له فيه
(2)
.
قال الامام مالك لو أن العبد جرح أو قذف وقامت له بينة أن سيده كان أعتقه قبل الجراحة وقبل القذف فدية جراحاته دية حر وحد قذفه حد قذف الحر
(3)
.
وذكر ابن القاسم أنه ان كان السيد نفسه هو الذى جرحه أو قذفه فقامت على السيد البينة أنه أعتقه قبل قذفه أو قبل جراحه اياه والسيد جاحد فانه لا حد عليه فى قذفه ولا دية له فى الجراح، لأن السيد اذا جحد أن يكون العبد حرا وقد شهد له بالحرية فانه انما يكون فيما بينه وبين سيده حرا فى فعله به يوم شهد له، وفيما بينه وبين الأجنبى هو حر يوم أعتقه السيد ليس من يوم شهد له بالحرية لأنه لو شهد على السيد انه أعتق أمته وقد جرحت أو قذفت بعد عتقها أو شهدت كان حالها حال حرة فى الحدود والقذف وفى امورها كلها وهذا قول الامام مالك.
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 306 نفس الطبعة.
(2)
المدونة الكبرى للامام مالك ج 4 ص 466 رواية الامام سحنون عن الامام عبد الرحمن بن القاسم طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 466 نفس الطبعة.
قال سحنون: وقال غيره من الرواة أن سيده والأجنبيين سواء وأنه يقاد من السيد فى الجراح وفى القذف ويغرم الغلة وقيمة الخدمة وهذا رأى الامام سحنون والذى به يقول
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب الأم أنه لو أن نصرانيا جرح نصرانيا ثم أسلم الجارح ومات المجروح بعد اسلام الجارح كان لورثة النصرانى المجروح عليه القود.
وليس هذا قتل مؤمن بكافر منهيا عنه، انما هو قتل كافر بكافر الا أن الموت استأخر حتى تحولت حال القاتل. وانما يحكم للمجنى عليه على الجانى وان تحولت حال المجنى عليه ولا ينظر الى تحول حال الجانى بحال. وهكذا لو أسلم المجروح دون الجارح أو المجروح والجارح معا كان عليه القود فى الأحوال كلها
(2)
.
ولو أن نصرانيا جرح حربيا مستأمنا ثم تحول الحربى الى دار الحرب وترك الأمان فمات فجاء ورثته يطلبون الحكم، خيروا بين القصاص من الجارح أو أرشه اذا كان الجرح أقل من الدية ولم يكن لهم القتل، لأنه مات من جرح فى حال لو ابتدئ فيها قتله لم يكن على عاقلة قاتله فيها قود فأبطلنا زيادة الموت لتحول حال المجنى عليه الى أن يكون مباح الدم وهو خلاف للمسألة التى قبلها، لأن المجنى عليه تحولت حاله دون الجانى.
ولو كانت المسألة بحالها والجراح أكثر من النفس كأن فقأ عينه وقطع يديه ورجليه ثم لحق بدار الحرب فسألوا القصاص من الجانى فذلك لهم، لأن ذلك كان للمجنى عليه يوم الجناية أو ذلك وزيادة الموت فلا يبطل القصاص بسقوط زيادة الموت على الجانى.
وان سألوا الأرش كان لهم على الجانى فى كل حال من هذه الأحوال الأقل من دية جراحه أو دية النفس لان دية جراحه قد نقصت بذهاب النفس لو مات منها فى دار الاسلام على أمانه فاذا أرادوا الدية لم تزد الدية على دية النفس، فلا يكون تركه عهده زائدا له فى أرشه. ولو لحق بدار الحرب فى أمانه كما هو حتى يقدم وتأتى له مدة فمات بها كان كموته فى دار الاسلام لأن جراحه عمد ولم يكن كمن مات تاركا للعهد لأنه لو قتله رجل عامدا ببلاد الحرب وله أمان يعرفه ضمنه
(3)
.
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 467 نفس الطبعة.
(2)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 38 طبعة دار الشعب.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 39 نفس الطبعة.
ولو جرحه ذمى فى بلاد الاسلام ثم لحق بدار الحرب ثم رجع الينا بأمان فمات من الجراح ففيها قولان:
أحدهما أن على الذمى القود ان شاء ورثته أو الدية التامة من قبل ان الجناية والموت كان معا أوله القود ولا ينظر الى ما بين الحالين من تركه الأمان. والقول الثانى: ان له الدية فى النفس ولا قود لأنه قد صار فى حال لو مات فيها أو قتل لم تكن له دية ولا قود قال الشافعى: وله الدية تامة فى الحالين لا ينقص منها شيئا.
واذا ضرب الرجل رجلا فقطع يده ثم برأ ثم ارتد فمات فلوليه القصاص فى اليد لأن الجراحة قد وجبت للضرب والبرء وهو مسلم
(1)
.
واذا جنى المسلم على رجل مسلم عمدا فقطع يده ثم ارتد الجانى ومات المجنى عليه أو قتله ثم ارتد القاتل بعد قتله لم تسقط الردة عنه شيئا ويقال لأولياء القتيل أنتم مخيرون بين القصاص والدية فان اختاروا الدية أخذت من ماله حالة وان اختاروا القصاص استتيب المرتد فان تاب قتل بالقصاص وان لم يتب قيل لورثة المقتول: ان اخترتم الدية فهى لكم، وهو القتل بالردة وان أبوا الا القتل قتل بالقصاص وغنم ماله لانه لم يتب قبل موته. ولو كان قتله الرجل قبل أن يرتد الجانى خطأ كان العقل على عاقلته من المسلمين فان جرحه مسلما ثم ارتد الجانى فمات المجنى عليه بعد ردة الجانى ضمنت العاقلة نصف الدية ولم تضمن الزيادة التى كانت بالموت بعد ردة الجانى فكان ما بقى من الدية فى ماله.
مذهب الحنابلة:
جاء فى منتهى الارادات أنه لو جرح ذمى أو مرتد ذميا أو جرح قن قنا ثم أسلم الذمى الجارح أو عتق القن الجارح ولو كان اسلامه أو عتقه قبل موت مجروح قتل به نصا لحصول الجناية بالجرح فى حال تساويهما كما لو جن قاتل أو جارح بعد الجناية ولو جرح مسلم ذميا أو جرح حر قنا فأسلم الذمى المجروح أو عتق القن المجروح ثم مات فلا قود على جارح اعتبارا بحال الجناية وعلى الجارح دية حر مسلم اعتبارا بحال الزهوق لأنه وقت استقرار الجناية فيعتبر الأرش به بدليل ما لو قطع يدى انسان ورجليه فسرى الى نفسه ففيه دية واحدة ويستحق دية من أسلم بعد الجرح وارثه المسلم لموته مسلما، ويستحق دية من عتق بعد الجرح سيده ان كان قدر قيمته فأقل فاستحقاقه لقيمته لو لم يعتق لأنها بدله فلو جاوزت ديه من عتق بعد أن جرح ثم مات
(1)
الأم ج 6 ص 39.
أرش جناية أى قيمته رقيقا فالزائد على قيمته لورثة العبد لحصوله بحريته ولا حق للسيد فيما حصل بها الا أن السيد يرثه بالولاء ان لم يكن مستغرق من نسب ونكاح. ومن جرح قن نفسه فعتق ثم مات العتيق فلا قود على السيد اعتبارا بحال الجناية وعليه دية لورثة العتيق اعتبارا بوقت الزهوق ويسقط منها قدر قيمته.
وان رمى مسلم ذميا عبدا فلم تقع به الرمية حتى عتق المرمى أو أسلم فمات من الرمية فلا قود على راميه اعتبارا بحال الجناية وهو وقت صدور الفعل من الجانى ولورثة المرمى على الرامى دية حر مسلم اعتبارا للمال بحال الأصابة لأنه بدل عن المحل فتعتبر حالة المحل الذى فات بها فتجب بقدره بخلاف القصاص فانه جزاء للفعل فيعتبر الفعل فيه والاصابة معا لأنهما طرفاه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه اذا قتل ذمى ذميا ثم أسلم القاتل فقد سقط القود والقصاص عنه لأنه قتل مؤمن بكافر
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: أن من جرح مرتدا ثم أسلم ثم أعاد هو وثلاثة فجرحه كل منهم جراحة فمات من الخمس، فلا قصاص، اذ مات من مضمون وغير مضمون، وفيه سبعة أثمان الدية فيسقط عن الأول ما فعله حال الردة وهو الثمن ونحو ذلك
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى كتاب الخلاف
(4)
أنه اذا قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع ثم عاد الى الاسلام قبل أن يسرى الى نفسه ثم مات كان عليه القود والدليل قول الله سبحانه وتعالى «النَّفْسَ بِالنَّفْسِ»
(5)
وقوله تعالى:
«الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى»
(6)
واذ قطع مسلم يد مسلم فارتد المقطوع وثبت على الردة مدة يكون فيها سراية فلا قود بلا خلاف، ثم أسلم فانه يجب عليه القود فان قبلت الدية
(1)
منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 3 ص 374، 375 فى كتاب على هامش كشاف القناع الطبعة الأولى 1319 هـ بالمطبعة العامرة الشرفية.
(2)
المحلى لابن حزم الاندلسى ج 10 ص 357 الطبعة الأولى 1352 هـ ادارة الطباعة المنيرية ش الأزهر درب الأتراك بمصر تحقيق محمد منير الدمشقى.
(3)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للعلامة أحمد المرتضى ج 5 ص 242 الطبعة الأولى 1368 هـ 1949 مطبعة السنة المحمدية.
(4)
كتاب الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد بن حسن بن على الطوسى ج 2 ص 349 مسألة رقم 24 الطبعة الثانية 1342 هـ مطبعة تابان بطهران.
(5)
الآية رقم 45 من سورة المائدة
(6)
الاية رقم 178 من سورة البقرة
كانت كاملة. والدليل على ذلك أن الاسلام وجد فى الطرفين حال الاصابة وحال استقرار الدية فيجب أن تكون الدية كاملة
(1)
.
واذا قطع مسلم يد مسلم فارتد ولحق بدار الحرب أو قتل فى حال الردة فلا قصاص عليه فى اليد.
الدليل أن قصاص الطرف داخل فى قصاص النفس، واذا كان لو مات لم يجب عليه قصاص النفس فكذلك قصاص الطرف لأنه داخل فيه
(2)
.
واذا جنى جان على يد عبد غيره فى حال الرق فقطع يده ثم أعتق فجنى عليه آخران حال الحرية فقطع أحدهما يده والآخر رجله ثم مات فانه يجب على الجانى فى حال الرق ثلث قيمة العبد وقت جنايته ما لم يتجاوز ثلث الدية فان تجاوز وجب عليه ثلث الدية. الدليل: أنه لما جنى عليه كان هو ملكا للسيد فلما أعتق جنى عليه آخران فى غير ملكه، ولو جنى عليه جان فى ملكه وآخران فى غير ملكه ثم مات عبدا مثل أن باعه السيد بعد جناية الأول فجنى الآخران عليه فى ملك المشترى ثم مات كان على الجانى قبل الردة ثلث قيمته ثبت أن على الجانى حال الرق ثلث قيمته اذا مات بعد العتق.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه ان جرح عبد عبدا آخر فعتق هذا العبد الآخر المجروح ومات هذا المجروح أيضا بجرحه فلربه على رب الجارح أرش الجرح اذا جرح فى ملكه قبل العتق ولوليه أى ولى هذا المجروح - وان لم يكن له ولى فلمعتقه ما لوليه الخيار فى عفو أو قتل أو أخذ العبد القاتل أو عن السيد ان قتل بأمره أو أخذ دية عن العبد القاتل أن أعتقه سيده أو أخذه ولى المجروح فاعتقه على أن يأخذ منه الدية أو يقتله سوى ما ناب ما أخذ ربه من الأرش فانه يسقط من الدية
(3)
.
(و) حكم اختلاف الجانى والمجنى عليه
مذهب الحنفية:
جاء فى فتح القدير أنه لا قصاص بين الرجل والمرأة فيما دون النفس ولا بين الحر والعبد، ولا بين العبدين.
فالأطراف يسلك بها مسلك الأموال فينعدم التماثل بالتفاوت فى القيمة.
يقول صاحب الكفاية: أن الأصل فى جريان القصاص فيما دون النفس اعتبار المماثلة فى الفعل والمحل المأخوذ
(1)
كتاب الخلاف للطوسى ج 2 ص 349 - 350 مسألة 25 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق المجلد الثانى ص 350 مسألة 26.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل ج 8 ص 193.
بالفعل، لأن المماثلة فى ضمان العدوان منصوص عليها فيجب اعتبارها.
فان قيل: التفاوت يمنع استيفاء الكامل بالناقص ولا يمنع استيفاء الناقص بالكامل فان اليد الشلاء تقطع بالصحيح اذا رضى صاحب الحق بالنقصان؟.
قلنا: شرع القصاص فى الأصل يعتمد المساواة، فان كان النقصان ثابتا باعتبار الأصل فنقصان طرف الأنثى والعبد عن طرف الحر والذكر منع شرع القصاص لانتفاء محله، وان كان التساوى فى الأصل ثابتا والتفاوت باعتبار أمر عارض كان القصاص مشروعا. فيمتنع استيفاء الكامل بالناقص دون عكسه اذا رضى به صاحب الحق
فان قيل: يشكل بما اذا قطع عبد يد عبد وقيمتهما سواء ومع ذلك لا يجرى القصاص عندكم.
قلنا: لأن طريق معرفة القيمة بالحزر والظن والمماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بطريق الحزر والظن.
ويجب القصاص فى الأطراف بين المسلم والكافر للتساوى بينهما فى الأرش
(1)
.
واذا قطعت المرأة يد رجل فتزوجها على يده ثم مات فلها مهر مثلها وعلى عاقلتها الدية ان كان خطأ وان كان عمدا ففى مالها. وهذا عند أبى حنيفة، لأن العفو عن اليد اذا لم يكن عفوا عما يحدث منه عنده فالتزوج على اليد لا يكون تزوجا على ما يحدث منه ثم القطع اذا كان عمدا يكون هذا تزوجا على القصاص فى الطرف وهو ليس بمال فلا يصلح مهرا لا سيما على تقدير السقوط فيجب مهر المثل وعليها الدية فى مالها، لأن التزوج وان كان يتضمن العفو لكن عن القصاص فى الطرف فى هذه الصورة. واذا سرى تبين أنه قتل النفس ولم يتناوله العفو فتجب الدية. وتجب فى مالها لأنه عمد.
والقياس أن يجب القصاص على ما بيناه. واذا وجب لها مهر المثل وعليها الدية تقع المقاصة ان كانا على السواء. وان كان فى الدية فضل نرده على الورثة وان كان فى المهر فضل يرده الورثة عليها. واذا كان القطع خطأ يكون هذا تزوجا على أرش اليد واذا سرى الى النفس تبين أنه لا أرش لليد، وأن المسمى معدوم فيجب مهر المثل كما اذا تزوجها على ما فى اليد ولا شئ فيها ولا يتقاصان لأن الدية تجب على العاقلة فى الخطأ والمهر لها.
ولو تزوجها على اليد وما يحدث منها أو على الجناية ثم مات من
(1)
فتح القدير شرح الهداية للامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى ج 9 ص 169 - 170 الطبعة الأولى طبعة المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر.
ذلك، والقطع عمد فلها مهر مثلها لأن هذا تزوج على القصاص وهو لا يصلح مهرا فيجب مهر المثل وصار كما اذا تزوجها على خمر أو خنزير ولا شئ له عليها، لأنه لما جعل القصاص مهرا فقد رضى بسقوطه بجهة المهر فيسقط أصلا كما اذا أسقط القصاص بشرط أن يصير مالا فانه يسقط أصلا.
وان كان خطأ يرفع عن العاقلة مهر مثلها ولهم ثلث ما ترك وصية لأن هذا تزوج على الدية، وهى تصلح مهرا الا أنه يعتبر بقدر مهر المثل من جميع المال لأنه مريض مرض الموت، والتزوج من الحوائج الأصلية لا يصح فى حق الزيادة على مهر المثل، لأنه محاباة فيكون وصية فيرفع عن العاقلة، لأنهم يتحملون عنها فمن المحال أن ترجع عليهم بموجب جنايتها وهذه الزيادة وصية لهم لأنهم من أهل الوصية لما أنهم ليسوا بقتلة فان كانت تخرج من الثلث تسقط، وان لم تخرج يسقط ثلثه.
وقال أبو يوسف ومحمد كذلك الجواب فيما اذا تزوجها على اليد لأن العفو عن اليد عفو عما يحدث منه عندهما فأتفق جوابهما فى الفصلين
(1)
.
ومن قطع يد عبد فأعتقه المولى ثم مات من ذلك فان كان له ورثة غير المولى فلا قصاص فيه، والا اقتص منه وهذا عند أبى حنيفة وأبى يوسف.
وقال محمد: لا قصاص فى ذلك وعلى القاطع أرش اليد وما نقصه ذلك الا أن يعتقه ويبطل الفضل وانما لم يجب القصاص فى الوجه الأول لاشتباه من له الحق، لأن القصاص يجب عند الموت مستندا الى وقت الجرح فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى، وعلى اعتبار الحالة الثانية يكون للورثة فتحقق الاشتباه وتعذر الاستيفاء فلا يجب على وجه يستوفى وفيه الكلام.
واجتماعهما لا يزيل الاشتباه لأن الملكين فى الحالين بخلاف العبد الموصى بخدمته لرجل وبرقبته لآخر اذا قتل، لأن ما لكل منهما ثابت من وقت الجرح الى وقت الموت فاذا اجتمعا زال الاشتباه.
ولمحمد فى الخلافية وهو ما اذا لم يكن للعبد ورثة سوى المولى أن سبب الولاية قد اختلف لأنه الملك على اعتبار احدى الحالتين والوراثة بالولاء على اعتبار الأخرى فنزل منزلة اختلاف المستحق فيما يحتاط فيه كما اذا قال لآخر بعتنى هذه الجارية بكذا فقال المولى زوجتها منك لا يحل له وطؤها ولأن الاعتاق قاطع للسراية وبانقطاعها يبقى الجرح بلا سراية، والسراية بلا قطع فيمتنع القصاص ولهما أنا تيقنا بثبوت الولاية للمولى فيستوفيه، وهذا لأن المقضى له معلوم
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 189 - 192 الطبعة السابقة.
والحكم متحد فوجب القول بالاستيفاء بخلاف الفصل الأول لأن المقضى له مجهول ولا معتبر باختلاف السبب ههنا، لأن الحكم لا يختلف بخلاف تلك المسألة لأن ملك اليمين يغاير ملك النكاح حكما والاعتاق لا يقطع السراية لذاته بل لاشتباه من له الحق وذلك فى الخطأ دون العمد، لأن العبد لا يصلح مالكا للمال فعلى اعتبار حالة الجرح يكون الحق للمولى. وعلى اعتبار حالة الموت يكون للميت لحريته فيقضى منه ديونه وينفذ وصاياه فجاء الاشتباه أما العمد فموجبه القصاص، والعبد مبقى على أصل الحرية فيه وعلى اعتبار أن يكون الحق له فالمولى هو الذى يتولاه اذ لا وارث له سواه فلا اشتباه فيمن له الحق.
واذا امتنع القصاص فى الفصلين عند محمد يجب أرش اليد وما نقصه من وقت الجرح الى وقت الاعتاق كما ذكرنا لأنه حصل على ملكه، ويبطل الفضل.
وعندهما الجواب فى الفصل الأول كالجواب عند محمد فى الثانى
(1)
.
ومن فقأ عينى عبد فان شاء المولى دفع عبده وأخذ قيمته وان شاء أمسكه ولا شئ له من النقصان عند أبى حنيفة.
وقالا: ان شاء أمسك العبد وأخذ ما نقصه وان شاء دفع العبد وأخذ قيمته
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى: أنه أن قطع الرجل يد المرأة عمدا قطعت يده، ويقتص للمرأة من الرجل وللرجل من المرأة
(3)
. وان جرح عبد رجلا حرا فبرأ من جراحته ففدى سيد العبد عبده ثم انتقضت جراحة الرجل فمات من ذلك أقسم ورثة المقتول فاذا أقسموا فان كانت الجراحات عمدا قيل لهم: ان شئتم فاقتلوه وان شئتم فاستحيوه. فان استحيوه كان بمنزلة ما لو كانت الجراحات خطأ يقال لمولى العبد أدفع عبدك أو افده، فان دفعه أخذ ما كان دفع الى المقتول وان فداه صار له الفداء بما دفع الى المقتول. هذا قول مالك فى الحر وعند ابن القاسم فى العبد مثله
(4)
.
وان فقئت عينا العبد وقطعت يداه يضمنه الجارح فيعتق عليه اذا أبطله هكذا فان كان جرحا لم يبطله مثل فقء عين واحدة أو جدع أذن أو قطع
(1)
الهداية شرح الكفاية ج 4، 155، 156 الطبعة السابقة. والهداية شرح الكفاية ج 9 ص 288، ص 291.
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 293 الطبعة السابقة.
(3)
المدونة الكبرى للامام مالك رواية الامام سحنون عن الامام عبد الرحمن بن القاسم ج 4 ص 496 ج 16 ص 227 طبعة المطبعة الخيرية 1324 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 446 (ج 16 ص 132) نفس الطبعة.
أصبع أو ما أشبهه كان عليه ما نقص من ثمنه، ولم يكن عليه غير ذلك ولم يعتق عليه عند ابن القاسم.
وقال مالك: انه يسلم الى الذى صنع به ذلك فيعتق عليه وهذا رأى ابن القاسم اذا أبطله.
ولو أن عبدا جرح رجلا فقطع يده وقتل آخر خطأ فان أسلمه سيده فالعبد بينهم أثلاثا واذا أسلم العبد فهو بينهم على قدر جراحاتهم.
فان استهلك أموالا حاصوا أهل الجراحات فى العبد بقيمة ما استهلك لهم من الأموال.
وان قتل عبد رجلا خطأ أو فقأ عين آخر فقال السيد: أنا أفديه من جنايته فى العقل فأدفع الى صاحب العين الذى يكون له من العبد ولا أفديه. يقال له:
ادفع الى صاحب العين ثلث العبد وافد ثلثى العبد بجميع الدية، ويكون شريكا فى العبد هو والمجنى عليه فى العين، يكون لصاحب العين ثلث العبد ويكون لسيده ثلثا العبد. وهذا رأى ابن القاسم وقد بلغه عن مالك
(1)
.
وليس يقاد العبد من الحر ولا تقاد الأمة من الحرة ولا يقاد الحر من العبد ولا الحرة من الأمة الا أن يقتل العبد الحر فيقتل به ان شاء ولاة الحر وان استحيوه فسيده بالخيار ان شاء أسلمه وان شاء فداه بالدية.
وعن ابن شهاب أنه قال: لا قود بين الحر والعبد فى شئ الا أن العبد اذا قتل الحر عمدا قتل به.
قال يونس وقال ربيعة: ولا يقاد حر من عبد ولا واحد منهما من صاحبه وأيهما قتل صاحبه قتل حرابة أو تلصص أو قطع سبيل قطع به كان أمر ذلك على منزلة الحرابة وقيل لعطاء:
العبد يشج الحر أو يقفأ عينه فيريد الحر أن يستقيد من العبد؟ قال:
لا يستقيد حر من عبد.
قال ابن أبى الزناد عن أبيه قال:
أما الحر فانه لا يقاد من العبد فى شئ الا أن يقتله العبد فيقتل به.
ولا يقاد العبد من الحر فى شئ من الجراحات. وعن عمر بن الخطاب أنه قضى أنه ليس بين العبد والحر قصاص فى الجراح وان العبد مال فعقل العبد قيمة رقبته وجراحه من قيمة رقبته واذا جرح الحر العبد انتظر حتى يبرأ فيقوم وهو صحيح، ويقوم وهو مجروح فيرد الجارح على صاحبه ما نقص من قيمة رقبته أما الحر فانه لا يقاد من العبد فى شئ الا أن يقتل العبد فيقتل به، ولا يقاد العبد من الحر فى شئ وما جرح العبد الحر من جرح فان فيه العقل ما بينه وبين أن يحيط برقبة
(1)
المدونة للامام مالك ج 4 ص 446 - 447 (ج 16 ص 133، 134).
العبد ليس على سيد العبد سوى رقبة عبده شئ. وان جرح العبد خطأ فان عليه العقل ما بينه وبين أن يحيط برقبة العبد الجارح. فان قتله عمدا فلسيد المقتول أن يقتل القاتل ان شاء الا أن يصطلح وهو وسادة العبد على ما رضوا به كلهم
(1)
.
وجاء فى المدونة قول مالك: أن مروان بن الحكم كان يقضى فى العبد يصاب بالجراح أن على الذى أصابه قدر ما نقص منه
(2)
.
وقال مالك وبلغنى عن الليث وسليمان بن يسار أنهما كانا يقولان: فى موضحة العبد نصف عشر قيمته.
وقال مالك: والجائفة والمأمومة والمنقلة والموضحة فى ثمن العبد بمنزلتهن فى دية الحر.
قال ابن وهب وقال عبد العزيز بن سلمة: وجراح العبد قيمته يقام صحيحا ثم يقام مجروحا ثم ينظر الى ما بين ذلك فيغرمه الجارح، لا نعلم شيئا أعدل من ذلك، وذلك من أجل أن اليد من العبد والرجل اذا قطعتا تدخل مصيبتها بأعظم من نصف ثمنه ثم لا يكون له بعد ثمن. وأن أذنه تدخل مصيبتها بأدنى من نصف ثمنه اذا كان غلاما ينسج الديباج أو الطراز وكان عاملا بغير ذلك مما يرتفع به ثمنه فاذا أقيمت المصيبة ما بلغت فلم يظلم السيد ولم يظلم الجانى له، ان كانت تلك المصيبة قليلا فقليل، وان كانت كثيرة فكثير، لأن موضحة العبد ومنقلته ومأمومته وجائفته لا بد لهن من أن يكون فيهن شئ فان أخذن بالقيمة لم يكن لهن قيمة لأنهن لا يرجعن بمصيبته ولا يكون فيهن عيب ولا نقص الا مالا ذكر له، ولهما موضع من الرأس والدماغ فربما أفضى من العظم منه الى النفس فنرى أن يجعل فى ثمنه على مثل حسابه من عقل الحر
(3)
.
ولا قصاص بين المسلم والكافر فى الجراحات ولا فى النفس الا أن يقتله غيلة فان قطع يديه أو رجليه غيلة فهذا لص يحكم السلطان عليه بحكم المحارب ان رأى أن يقتله قتله.
واذا جرح الرجل المسلم رجلا من أهل الذمة وقطع رجليه ويديه عمدا فعند بن القاسم يكون عقله فى ماله، لأن أمر الناس قد اجتمع على أن العاقلة لا تحمل العمد
(4)
مذهب الشافعية:
قال الشافعى فى كتاب الأم فى قتل الرجل بالمرأة: لم أعلم من لقيت مخالفا
(1)
المرجع السابق ج 16 ص 164، 165 نفس الطبعة.
(2)
المدونة للامام مالك ج 4 ص 465 (ج 16 ص 168).
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 466 نفس الطبعة (ج 16 ص 169).
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 496 نفس الطبعة (ج 16 ص 227، 228).
من أهل العلم فى أن الدمين متكافآن بالحرية والاسلام، وجراح الرجل التى فيها القصاص كلها بجراح المرأة لانها تقاد فى النفس فتقاد فى الجراح ولا يختلفان فى شئ الا فى الدية
(1)
.
واذا قتل العبد الحر قتل به، ويقاد منه فى الجراح ان شاء الحر وان شاء ورثته فى القتل وهو فى الجراح يجرحها عمدا كما هو فى القتل فى أن ذلك فى عتق العبد
(2)
.
وان جنى العبد المرهون فسيده الخصم، ويباع منه فى الجناية بقدر أرشها الا أن يفديه سيده متطوعا فان فعل فهو على الرهن وان فداه المرتهن فهو متطوع لا يرجع بما فداه به على سيده الا أن يكون أمره أن يفديه.
والمدبر والأمة قد ولدت من سيدها مماليك، حالهم فى جناياتهم والجناية عليهم حال مماليك.
واذا جنى على المكاتب فيما دون النفس عمدا فله القصاص ان جنى عليه عبد، وان ترك القصاص وأخذ المال كان له وان أراد ترك المال لم يكن له، لأنه ليس بمسلط على ماله تسلط الحر عليه. وقد قيل له عفو المال فى العمد لانه لا يملكه الا أن يشاء واذا لم يملك بالجناية قصاصا مثل أن يجنى عليه حر أو عبد مغلوب على عقله أو صغير وليس له عفو الجناية بحال لانه مال يملكه وليس له اتلاف ماله. قال الربيع ولو جنى على العبد المكاتب فيما دون النفس فلا قصاص
(3)
.
وقال الشافعى: اذا جنى الحر على العبد عمدا فلا قصاص بينهما فان أتت الجناية على نفسه ففيه قيمته فى الساعة التى جنى فيها عليه مع وقوع الجناية بالغة ما بلغت، وان كانت ديات أحرار. وقيمته فى مال الجانى دون عاقلته. وان جنى عليه خطأ فقيمته على عاقلة الجانى - واذا كانت الجناية على أمة أو عبد فكذلك. والقول فى قيمتهم قول الجانى لأنه يغرم ثمنه وعلى السيد البينة بفضل ان ادعاه واذا كانت خطأ فالقول فى قيمة العبد قول عاقلة الجانى، لأنهم يضمنون قيمته
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن كل من أقيد بغيره فى النفس أقيد به فيما دونها من حر وعبد لان من أقيد به فى النفس
(1)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 18 طبعة كتاب الشعب.
(2)
نفس المرجع ج 6 ص 23 الطبعة السابقة.
(3)
نفس المرجع ج 6 ص 23 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 23 الطبعة السابقة.
انما أقيد به لحصول المساواة المعتبرة للقود فوجب أن يقاد به فيما دونها فلو قطع مسلم يد مسلم قطعت يده لانه يقاد به فى النفس ومن لا يجرى القصاص بينهما فى النفس لا يجرى بينهما فى الأطراف كالاب مع ابنه وكالحر مع العبد وكالمسلم مع الكافر فلا تقطع يد الأب بيد ابنه ولا يد الحر بيد العبد ولا يد المسلم بيد الكافر لأنه لا يقاد به فى النفس
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه ان قتل مسلم عاقل بالغ ذميا أو مستأمنا عمدا أو خطأ فلا قود عليه ولا دية ولا كفارة ولكن يؤدب فى العمد خاصة ويسجن حتى يتوب كفا لضرره.
(2)
. فهذا كله فى المؤمن بيقين والضمير الذى فى {(كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ)} راجع ضرورة لا يمكن غير هذا الى المؤمن المذكور أولا ولا ذكر فى هذه الآية لذمى أصلا ولا لمستأمن فصح يقينا ان ايجاب الدية على المسلم فى ذلك لا يجوز البتة، وكذلك ايجاب القود عليه ولا فرق
(3)
. ومن ثم وجب يقينا أن المسلم ليس كالكافر فى شئ أصلا ولا يساويه فى شئ فاذ هو كذلك فباطل أن يكافئ دمه بدمه أو عضوه بعضوه أو بشرته ببشرته فبطل أن يستقاد للكافر من المؤمن أو يقتص له منه فيما دون النفس اذ لا مساواة بينهما أصلا ولما منع الله عز وجل أن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلا بقوله سبحانه «وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»
(4)
وجب ضرورة أن لا يكون له عليه سبيل فى قود ولا فى قصاص أصلا ووجب ضرورة استعمال النصوص كلها اذ لا يحال ترك شئ منها.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: وحواشيه أنه لا يقتص من حر لعبد ولا من مسلم لكافر انما الواجب فى العبد قيمته ما لم
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للامام الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 3 ص 273 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 92 من سورة النساء.
(3)
المحلى لابن حزم الأندلسى ج 10 ص 347، 348 مسألة رقم 2021 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 141 من النساء.
تعد دية الحر، فيجب فى أرشه وجنينه أن يكون بحسبها القيمة ما لم تعد دية الحر، فما وجب فيه نصف الدية كاليد والرجل وجب فيه نصف القيمة وما وجب فيه ثلث الدية كالجائفة والآمة وكذلك ما أشبههما. ففى يد العبد أو عينه مثلا نصف قيمته اذا كانت قيمته قدر دية الحر فما دون أما لو كانت قيمته أكثر من دية الحر فالواجب فى يده ونحوها ما فى يد الحر ونحوها. وما كان فى العبد حكومة نسبت من قيمته كما فى حكومة الحر لانه آدمى فأشبه الحر، وينقص لانه مال فاعتبر قيمته فى حال فاعتبر بالحالين باعتبار الشبهين
(1)
.
وجاء فى شرح الأزهار أيضا: أنه لا تؤخذ أطراف الرجل بأطراف المرأة بل تؤخذ أطراف المرأة كالعين واليد ونحوهما بنصف أطراف الرجل
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه يقتص للمرأة من الرجل فى الأطراف من غير رد، ويتساوى ديتهما ما لم تبلغ ثلث دية الحر ثم يرجع الى النصف فيقتص لها فيه مع رد التفاوت
(3)
.
ولو جرح العبد حرا كان للمجروح الاقتصاص منه فان طلب الدية فكه مولاه بأرش الجناية، ولو امتنع كان للمجروح استرقاقه أن حاطت به الجناية وان قصر أرشها كان له أن يسترق منه بنسبة الجناية من قيمته وان شاء طالب ببيعه وله من ثمنه أرش الجناية فأن زاد ثمنه فالزيادة للمولى
(4)
.
واذا جنى الحر على العبد بما فيه ديته فمولاه بالخيار بين امساكه ولا شئ له وبين دفعه وأخذ قيمته ولو قطع يده ورجله دفعة ألزمه القيمة أو أمسكه ولا شئ أما لو قطع يده فللسيد الزامه بنصف قيمته .. وكذا كل جناية لا يستوعب قيمته ولو قطع يده قاطع ورجله آخر قال بعض الأصحاب يدفعه اليهما ويلزمهما الدية أو يمسكه كما لو كانت الجنايتان من واحد والأولى أن له الزام كل واحد منهما بدية جنايته ولا يجب دفعه اليهما
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه ان جرحت امرأة رجلا اقتص منها الى منتهى جرحه وترد
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار وحواشيه للعلامة أبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 388، 430 - 431 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ مطبعة حجازى القاهرة.
(2)
نفس المرجع 4 ص 390 نفس الطبعة.
(3)
شرائع الاسلام ج 2 ص 269 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 270 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 371.
عليه نصف ديته ان أراد الاقتصاص وان أراد الارش فقط فله دية جرحه أو حاسته كلها لا نصفها وذلك كله قول واحد وهو المختار وذلك مثل أن تعمى عينه فيعمى عينها المماثلة لها وتعطيه أيضا نصف دية عين الرجل ولا قصاص بينهما فى فرج
(1)
.
ما يشترط لقصاص الأطراف
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: ان شرائط وجوب القصاص أنواع: بعضها يعم النفس وما دونها، وبعضها يخص ما دون النفس، أما الشرائط العامة فهى شرائط وجوب القصاص فى النفس من كون الجانى عاقلا بالغا متعمدا مختارا، وكون المجنى عليه معصوما مطلقا لا يكون جزء الجانى ولا ملكه وكون الجناية حاصلة على طريق المباشرة.
أما الشرائط التى تخص الجناية فيما دون النفس فمنها: المماثلة بين المحلين فى المنافع والفعلين وبين الأرشين، لأن المماثلة فيما دون النفس معتبرة بالقدر الممكن فانعدامها يمنع وجوب القصاص، والدليل على أن المماثلة فيما دون النفس معتبرة شرعا النص والمعقول.
أما النص فقول الله تبارك وتعالى «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ}.
(2)
فان قيل: ليس فى كتاب الله تبارك وتعالى بيان حكم ما دون النفس لا فى هذه الآية الشريفة وأنه أخبار عن حكم التوراة فيكون شريعة من قبلنا، وشريعة من قبلنا لا تلزمنا.
فالجواب: أن من القراء المعروفين من ابتدأ الكلام من قول الله عز شأنه: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} بالرفع الى قول الله تعالى: {(فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ)} على ابتداء الايجاب لا على الأخبار عما فى التوراة فكان هذا شريعتنا لا شريعة من قبلنا.
على أن هذا ان كان اخبارا عن شريعة التوراة، لكن لم يثبت نسخه بكتابنا ولا بسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم فيصير شريعة لنبينا عليه الصلاة والسلام مبتدأة فيلزمنا العمل به على أنه شريعة رسولنا لا على أنه شريعة من قبله من الرسل على ما عرف فى اصول الفقه. الا أنه لم يذكر وجوب القصاص فى اليد والرجل نصا، لكن الايجاب فى العين والأنف والأذن والسن ايجاب فى اليد والرجل دلالة لانه لا ينتفع
(1)
شرح النيل وشفاء العليل ج 8 ص 77 - 78 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 45 من سورة المائدة.
بالمذكور من السمع والبصر والشم والسن الا صاحبه ويجوز أن ينتفع باليد والرجل غير صاحبهما فكان الايجاب فى العضو المنتفع به فى حقه على الخصوص ايجابا فيما هو منتفع به فى حقه وفى حق غيره من طريق الاولى، فكان ذكر هذه الأعضاء ذكرا لليد والرجل بطريق الدلالة كما فى التأفف مع الضرب فى الشتم.
على أن فى كتابنا حكم ما دون النفس، قال الله سبحانه وتعالى:«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ.»
(1)
وقال عز شأنه:
{وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ»
(2)
وأحق ما يعمل فيه بهاتين الآيتين ما دون النفس وقال تبارك وتعالى: {مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها} .
(3)
ونحو ذلك من الآيات.
وأما المعقول فهو أن ما دون النفس له حكم الأموال لانه خلق وقاية للنفس كالأموال، ألا ترى أنه يستوفى فى الحل والحرم كما يستوفى المال، وكذا الوصى يلى استيفاء ما دون النفس للصغير كما يلى استيفاء ماله فتعتبر فيه المماثلة كما تعتبر فى اتلاف الأموال.
ومن شروط ايجاب القصاص فيما دون النفس أن يكون المثل ممكن الاستيفاء، لان استيفاء المثل بدون امكان استيفائه ممتنع فيمتنع وجوب الاستيفاء ضرورة.
ويبتنى على هذين الأصلين مسائل:
لا يؤخذ شئ من الأصل الا بمثله فلا تؤخذ اليد الا باليد، لان غير اليد ليس من جنسها فلم يكن مثلا لها اذ التجانس شرط للماثلة.
وكذا الرجل والاصبع والعين والأنف ونحوها لما قلنا.
وكذا الابهام لا تؤخذ الا بالابهام ولا السبابة الا بالسبابة، ولا الوسطى الا بالوسطى ولا البنصر الا بالبنصر ولا الخنصر الا بالخنصر، لان منافع الاصابع مختلفة فكانت كالأجناس المختلفة.
وكذلك لا تؤخذ يد اليمين الا باليمين ولا اليسرى الا باليسرى لان لليمين فضلا على اليسار ولذلك سميت يمينا.
وكذلك الرجل وكذلك أصابع اليدين والرجلين لا تؤخذ اليمين منها الا باليمين ولا اليسرى الا باليسرى.
وكذلك الأعين وكذلك الأسنان لا تؤخذ السنية الا بالسنية ولا الناب الا بالناب ولا الضرس الا بالضرس لاختلاف منافعها،
(1)
الآية رقم 194 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 126 من سورة النحل.
(3)
الآية رقم 40 من سورة غافر.
فان بعضها قواطع وبعضها طواحن وبعضها ضواحك. واختلاف المنفعة بين الشيئين يلحقهما بجنسين، ولا مماثلة عند اختلاف الجنس.
وكذا لا يؤخذ الأعلى منها بالأسفل ولا الأسفل بالأعلى لتفاوت بين الأعلى والأسفل فى المنفعة ولا يؤخذ الصحيح من الأطراف الا بالصحيح منها فلا تقطع اليد الصحيحة ولا كاملة الأصابع بناقصة الاصابع أو مفصل من الاصابع وكذلك الرجل والاصبع وغيرها لعدم المماثلة بين الصحيح والمعيب.
وان كان العيب فى طرف الجانى فالمجنى عليه بالخيار ان شاء اقتص وان شاء أخذ أرش الصحيح لان حقه فى المثل وهو السليم ولا يمكنه استيفاء حقه من كل وجه مع فوات صفة السلامة، وأمكنه الاستيفاء من وجه ولا سبيل الى الزام الاستيفاء حتما لما فيه من الزام اسيفاء حقه ناقصا وهذا لا يجوز فيخير ان شاء رضى بقدر حقه واستوفاه ناقصا، وان شاء عدل الى بدل حقه وهو كمال الأرش كمن أتلف على انسان شيئا له مثل والمتلف جيد فانقطع عن أيدى الناس ولم يبق منه الا الردئ فان صاحب الحق يكون بالخيار ان شاء أخذ الموجود ناقصا وان شاء عدل الى قيمة الجيد لما قلنا كذا هذا.
ولو أراد المجنى عليه أن يأخذه ويضمنه النقصان فليس له ذلك.
ويرى صاحب بدائع الصنائع: أنه قادر على استيفاء أصل حقه، وانما الفائت هو الوصف وهو صفة السلامة، فاذا رضى باستيفاء أصل حقه ناقصا كان ذلك رضا منه بسقوط حقه عن الصفة، كما لو أتلف شيئا من ذوات الأمثال وهو جيد فانقطع عن أيدى الناس نوع الجيد ولا يوجد الا الردئ منه أنه ليس له الا أن يأخذه أو يأخذ قيمة الجيد.
ولو ذهبت الجارحة المعينة قبل أن يختار المجنى عليه أخذها، أو قطعها قاطع بطل حق المجنى عليه فى القصاص لفوات محله. فان كانت قد سقطت بآفة سماوية أو قطعت ظلما فلا شئ على الجانى ولو قطعت بحق من قصاص أو سرقة فعليه أرش اليد المقطوعة لانه قضى بالطرف حقا مستحقا عليه فصار كأنه قائم وتعذر استيفاء القصاص لعذر الخطأ وغيره. واذا ثبت هذا فى الصحيحة فنقول حق المجنى عليه كان متعلقا باليد المعينة بعينها، وانما ينتقل عنها الى الأرش عند اختياره فاذا لم يختر حتى هلكت بقى حقه متعلقا باليد.
فان قيل: أليس أنه كان مخيرا بين القصاص والأرش فاذا فات أحدهما تعين الآخر.
قيل: لا بل حقه كان فى اليد على التعيين الا أن له أن يعدل عنه الى بدله عند الاختيار، فاذا هلك قبل الاختيار بقى حقه فى اليد، فاذا هلكت فقد بطل محل الحق فبطل الحق أصلا ورأسا.
ولو كانت يد القاطع صحيحة وقت القطع ثم شلت بعده فلا حق للمقطوع فى الأرش لأن حقه ثبت فى اليد عينا بالقطع فلا ينتقل الى الأرش بالنقصان كما اذا ذهب الكل بآفة سماوية أنه يسقط حقه أصلا ولا ينتقل الى الأرش لما قلنا كذا هذا.
ولا قصاص الا فيما يقطع من المفاصل، مفصل الزند أو مفصل المرفق أو مفصل الكتف فى اليد، أو مفصل الكعب أو مفصل الركبة أو مفصل الورك فى الرجل.
وما كان من غير المفاصل فلا قصاص فيه، كما اذا كان القطع من الساعد أو العضد أو الساق أو الفخذ لانه يمكن استيفاء المثل من المفاصل ولا يمكن من غيرها. وليس فى لحم الساعد والعضد والساق والفخذ ولا فى الألية قصاص، ولا فى لحم الخدين ولحم الظهر والبطن ولا فى جلدة الرأس وجلدة اليدين اذا قطعت لتعذر استيفاء المثل - ولا فى اللطمة والوجزة والوجأة والدقة لما قلنا. ولا يؤخذ العدد بالعدد فيما دون النفس مما يجب على أحدهما فيه القصاص لو انفرد، كالاثنين اذا قطعا يد رجل أو رجله أو اصبعه أو أذهبا سمعه أو بصره أو قلعا سنا له أو نحو ذلك من الجوارح التى على الواحد منهما فيها القصاص لو انفرد به فلا قصاص عليهما، وعليهما الأرش نصفان وكذلك ما زاد على الثلاث من العدد فهو بمنزلة الاثنين ولا قصاص عليهم وعليهم الأرش على عددهم بالسواء
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والإكليل: نقلا عن الاستاذ أبو بكر أن كل شخصين يجرى بينهما القصاص فى النفوس من الجانيين يجرى فى الأطراف قال: فأما إذا كان أحدهما يقتص له من الآخر ولا يقتص للآخر منه فى النفس فقال مالك:
لا يقتص فى الأطراف وان كان يقتص منه فى النفس كالعبد يقتل الحر والكافر يقتل المسلم يقتلان ولو قطع العبد الحر أو الكافر المسلم لم يكن له أن يقتص منهما فى الأطراف، وان فى ظاهر المذهب.
وقال ابن عرفة متعلق الجناية غير نفس، وان أبانت بعض الجسم فقطع والا فان أزالت اتصال عظم لم يبق فكسر فان أثرت فى الجسم فجرح والا فاتلاف
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 298 - 299 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ 1910 م طبعة مطبعة الجمالية بمصر.
منفعة والقصاص فى الأطراف لا فى النفس الا فى جناية ادنى على أعلى فلو قطع عبد حرا أو كافر مسلما فقال الباجى مشهور مذهب مالك لا قصاص وتلزم الدية.
قال عبد الوهاب الجراح على ضربين ضرب تتأتى فيه المماثلة وهو الذى يجب فيه القصاص كالدامية وما بعدها الى الموضحة وقطع الأطراف وقلع العين وغير ذلك من الأعضاء.
وقال المتيطى: كل هذه الشجاج المراد بها ما كان فى الرأس قال ابن عرفة. وفى الجراح ما قبل الهاشمة القود.
وقال ابن الحاجب: فى جراح الجسد من الهاشمة وغيرها القود بشرط أن لا يعظم الخطر كعظام الصدر والعنق والصلب والفخذ وروى عن المدونة قال مالك: فى عظام الجسد القود كالهاشمة لا المجوف كالفخذ وشبهه. وربيعة يرى القود فى كل جرح ولو كان ملتفا. قال مالك: وان قطع بضعة من لحمه ففيها القود.
قال ابن عرفة يريد بشرط المماثلة محلا وقدرا.
قال ابن الحارث: اتفقا فى جراح العمد فى الجسد أن القصاص منها على قدر الجرح فى طوله وعمقه فان كانت موضحة فى الرأس فقال ابن القاسم، القود على قدر الموضحة.
قال ابن الحاجب: تشترط المماثلة فى المحل والقدر والصفة فلا تقطع اليمنى باليسرى، ولا الثنائية بالرباعية، وتتعين عند عدم المماثلة الدية.
قال ابن رشد: لا خلاف أن الأنملة تقطع بالانملة سواء كانت أطول أو أقصر وانما اختلف فى الجراح.
قال ابن القاسم: قديما، انما يقاد بقدر الجرح الأول وان أوعب رأس المستقاد منه يريد ولو لم يعب بالقياس فليس عليه غير ذلك.
قال الباجى: على قول ابن القاسم ان قصر رأس الجانى عن قدر الشق فليس عليه غير ذلك لا يتعدى الرأس الى الجبهة ولا الذراع الى العضد، ولا قود فى الباقى ولا دية.
قال ابن شاس: لا تقطع الشلاء بالصحيحة ولا تقطع الصحيحة بالشلاء، وان قنع بها الا أن يكون له بها انتفاع، ولا يضم اليها أرش، ومثل اليد الشلاء الذكر المقطوع الحشفة، والحدقة العمياء، ولسان الابكم.
قال عبد الوهاب: من شرط القصاص أن يكون الجرح لا يعظم الخطر فيه ولا يغلب الخوف منه على النفس
كالموضحة فما قبلها فان كان مما يغلب الخوف منه على النفس ويعظم خطره فلا قصاص وفيه الدية حالة فى مال الجانى وذلك كالمأمومة والجائفة والمنقله على خلاف فيها خاصة
(1)
.
وروى عن المدونة أنه لا قود فى اللطمة قال: وليس فى جفون العين وأشفارهما الا الاجتهاد.
قال الباجى: ومن نتف لحية رجل أو رأسه أو شاربه فقال ابن القاسم فيه الأدب.
قال المغيرة: ولا قصاص فيه.
وقال ابن شاس: وبالجملة فلا قصاص فى شئ مما يعظم الخطر فيه كائنا ما كان
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى كتاب الأنوار: أنه يشترط لوجوب القصاص فى الطرف المماثلة فى المحل وفى الصفات المؤثرة فى الأرش ولا يؤثر التفاوت فى صغر العضو وكبره وطوله وعرضه وقوته وضعفه وضخامته ونحافته بل يقطع الكبير بالصغير والطويل بالقصير والقوى بالضعيف والبياض بالسواد والسليم بالأبرص ويد الصانع والكاتب بيد الأخرق والعين الكحلاء بالزرقاء والنجلاء بالحوصاء.
أما المحل فلا يقطع اليد اليمنى باليسرى.
ولا الشفة العليا بالسفلى كالسن، ولا السبابة بالوسطى ولا بالعكوس وكذا الرجل والعين والأذن ولا اليسر باليمنى ولا أنملة أصبع بأنملة أخرى، ولا أصبع زائدة بزائدة أخرى اذا اختلف محلاهما. ويراعى قدر الموضحة طولا وعرضا ومحلا حتما.
وأما الصفات فلا تقطع يد أو رجل صحيحة بشلاء وان رضى الجانى كما لا يقتل الحر بالعبد والمسلم بالذمى وان رضى، ولو قطع لم يقطع قصاصا وعليه نصف الدية ولو سرى لزمه القصاص. والشلاء تقطع بالصحيحة الا أن يقول أهل البصر أن أفواه العروق لا تنحسم ولا ينقطع الدم فتجب الدية.
واذا قطع فلا شئ للمتقص والمراد بالشلل بطلان العمل، ولا يشترط زوال الحسن والحركة بالكلية، ولا أثر لتفاوت البطش بل تقطع يد القوى بيد الشيخ الذى ضعف بطشه الا اذا كان الضعف بجناية جان فلا قصاص ولا تكمل الدية. وتقطع يد السليم ورجله بيد الأعسم ورجل الأعرج، ولا يقطع بالاحنف، ولا اعتبار باخضرار الأظفار واسودادها وزوال نضارتها فانها علة فى الأظفار والطرف سليم يستوفى بالعليل والتى لا اظفار لها أو بعضها لا تقطع
(1)
المنقلة ما أطار فراش العظم وان صغر.
(2)
التاج والاكليل لمختصر خليل للمواق ج 6 ص 245 وما بعدها الى ص 247 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب - الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.
بها سليمة الأظفار وتقطع هى بالسليمة ولا تقطع السليمة التى لها أصبع شلاء ولا التى مسبحتها شلاء بالتى وسطها شلاء. وحكم الذكر الصحيح والأشل كحكم اليد الصحيحة والشلاء. ولا اعتبار للانتشار وعدمه ولا لقوته وضعفه فيقطع ذكر الفحل الشاب بذكر الخصى والشيخ والصبى والعنين كالمختون بالأقلف ويقطع فرج المرأة بفرج المرأة البكر بالبكر والثيب بالثيب وبالعكس - ولا يقطع ذكر الرجل بفرج المرأة. ويقطع أذن السميع بأذن الأصم وبالعكس، وتقطع الصحيحة بالمستحشفة بغير الجناية وبالمثقوبة للزينة اذا لم يورث شيئا والا فكالمخروقة وهى التى قطع بعضها، ويقطع بالمخروقة قدر ما كان باقيا منها، وتقطع الصحيحة بالمشقوقة بلا ابانة جزء والمخروقة بالصحيحة ويؤخذ للفائت حصته من الدية سواء فى المثقوبة والمخرومة الرجل والمرأة. ويقطع أنف الصحيح بأنف الأخشم والسليم بالمجزوم ما لم يسقط منه شئ، ولا تؤخذ العين السليمة بالعمياء وتؤخذ بالعكس وكذا بعين الأحول والأعمش والأخفش والأجهر. ولو قطع جفنا لا هدب له وللجانى هدب فلا قصاص. ولا يقطع لسان الناطق بلسان الأخرس ويقطع بالعكس ويقطع لسان المتكلم بلسان الرضيع ان ظهر فيه أثر النطق عند البكاء أو غيره، ولو بلغ أوان التكلم ولم يتكلم لم يقطع ولو قطع اذن شخص فألصقها فى مدة الدم فالتصقت لم يسقط القصاص ولا الدية. ولو اقتص من الجانى فالصقه الجانى فالتصق فالقصاص ولو قطع بعض أذنه ولم يبنه فالصقه المجنى عليه فالتصق سقط القصاص والدية ولزمته الحكومة كالافضاء اذا اندمل، ولو قطع بعده ذلك هو أو غيره لزمه القصاص أو الدية الكاملة. ويقطع حلمة المرأة بحلمة المرأة وحلمة الرجل بحلمة الرجل، وحلمة الرجل بحلمة المرأة ولا عكس وان رضيت. ويجب فى قلع السن القصاص وبكسرها فلا. ولا تؤخذ ثنية ولا ناب بضاحك وان تراضيا، بل يؤخذ المثل ولا تؤخذ الصحيحة بالمكسورة ويؤخذ بالعكس مع قسط الفائت من الأرش ولو قلع سنا ليس له ذلك فلا قصاص ويجب الدية.
ولو قلع مثغور. (هو الذى سقطت رواضعه) من صبى لم يثغر فلا قصاص فى الحال ولا دية، فان نبتت سوداء أو معوجة أو أطول مما كانت أو بقى شين لزمته الحكومة. وان نبتت أكثر مما كانت وجب بقدر النقصان من الدية. وان جاء وقت النبات بأن سقطت سائر الرواضع ونبتت ولم تنبت هى، وقال أهل البصر فسد المنبت وجب القصاص. ولا يستوفى فى صغره فان مات قبل بلوغه اقتص وارثه فى الحال أو أخذ الأرش، وان مات قبل حصول اليأس فلا قصاص ولا دية وتجب الحكومة. ولو قلع مثغور سن مثغور ونبتت لم يسقط القصاص. ولو التأمت
الموضحة والتحمت لم يسقط الواجب وكذا الجائفة.
واذا اقتص أو أخذ الأرش ثم نبتت سنه فليس للجانى قلعها ولا استرداد الأرش ولا طلب أرش سنه فان قلع متعديا لزمه الأرش ثانيا أو القصاص ان بقيت سنه.
ولو اقتص وعادت سن الجانى فليس للمجنى عليه قلعها ولا طلب أرش عادت سنه أو لم تعد. ولو قلع غير مثغور من غير مثغور فلا قصاص فى الحال، فان نبتت فلا قصاص ولا دية وان لم تنبت يخير بين القصاص والأرش فان اقتص ولم تعد سن الجانى فذاك وان عادت قلعت ثانيا.
ولو قلع غير مثغور سن مثغور خير بين القصاص والأرش، ولو كان الأول غير بالغ فلا قصاص ويتعين الأرش. ولو ضرب سنه فزلزلها ثم سقطت بعد ذلك وجب القصاص. ولو قطع يدا كاملة ويده ناقصة بأصبع خير المجنى عليه بين أخذ دية اليد وبين قطعها ناقصة وأخذ أرش أصبع. ولو قطع صاحب اليد الكاملة يدا ناقصة بأصبع فليس للمجنى عليه قطع الكاملة من الكوع وله أخذ دية الأصابع الأربع أو لقطعها فان أخذ الدية دخلت حكومة منابتها فيها، وان لقطها وعلى التقديرين يجب حكومة خمس الكف المقابل لأصبعه الباقية. ولو كانت يد الجانى زائدة بأصبع ويد المجنى عليه معتدلة فكذلك الحكم. ولو قطع كفا لا أصبع لها فلا قصاص ويجب الحكومة الا أن يكون كف القاطع مثلها. ولو قطع صاحب هذه الكف يدا كاملة فله قطع كفه ودية الاصابع. ويستحب فى قصاص الجروح والأطراف التأخير الى الاندمال فان طلب ولم يؤخر مكن من القصاص ولو طلب الأرش لم يمكن
(1)
.
وكما يعتبر فى القتل أن يكون عمدا محضا يعتبر فى الأطراف والجراحات والمعانى، فلا يجب القصاص بالخطأ وشبه العمد.
ومن الخطأ أن يقصد طائرا فيصيب انسانا ويوضحه. ومن شبه العمد ان يضرب رأسه بلطمة أو حجر لا يشج غالبا فتورم الموضع واتضح العظم. وقد يكون الضرب بالعصا الخفيفة والحجر المحدد عمدا فى الشجاج لأنه يوضح غالبا، وقد يولد شبه عمد فى النفس لأنه لا يقتل غالبا. وفقأ العين بالاصبع عمد لانها تعمل فى العين عمل السلاح ويعتبر فى القاطع كونه مكلفا ملتزما للاحكام وفى المقطوع كونه معصوما كما فى النفس. ومن قتل به الشخص
(1)
الأنوار لاعمال الأبرار للعلامة يوسف الاردبيلى ج 2 ص 256 - 258 الطبعة الأولى بمطبعة الجمالية بمصر 1328 هـ، على هامشه حاشية الكمثرى وحاشية الحاج ابراهيم.
قطع به ومن لا يقتل به فلا يقطع به، فلا يقطع العبد بالعبد والرجل بالمرأة وبالعكس والذمى بالمسلم والعبد بالحر ولا عكس فيهما. ويقطع الجماعة:
بالواحد اذا اشتركوا بأن وضعوا السكين على اليد وتحاملوا عليها دفعة وأبانوها.
ولو تميز فعل الشركاء بأن قطع هذا من جانب وذلك من جانب آخر حتى التقت الحديدتان أو قطع أحدهما بعض اليد وأبانها الآخر فلا قصاص، ويلزم على كل منهما حكومة تليق بجنايته بحيث يبلغ المجموع دية يد. ولو جر اثنان حديدة جر المنشار ولم يتحاملا فى كل جرة وأبانوها فلا قصاص والحكومة كما قلنا
(1)
.
وجاء فى الأم أنه لا قصاص على من لم تجب عليه الحدود وذلك من لم يحتلم من الرجال أو تحض من النساء أو يستكمل خمس عشرة سنة وكل مغلوب على عقله بأى وجه ما كانت الغلبة الا بالسكر فان القصاص والحدود على السكران كما هى على الصحيح
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أنه يشترط فى قصاص الأطراف ثلاثة شروط.
الشرط الأول: امكان الاستيفاء بلا حيف لأن الحيف جور وظلم واذا لم يمكن القصاص الا به لم يجز فعله وأما الأمن من الحيف فشرط لجواز الاستيفاء مع أنه فى نفس الأمر واجب اذ لا مانع منه لوجود شرطه وهو العدوان على من يكافئه عمدا مع المساواة فى الاسم والصحة والكمال لكن الاستيفاء غير ممكن لخوف العدوان على الجانى.
وفائدة ذلك أنه اذا قلنا انه شرط للوجوب تعينت الدية اذا لم يوجد الشرط. وان قلنا أنه شرط للاستيفاء دون الوجوب انبنى على أصل وهو أن الواجب ماذا فان قلنا القصاص عينا لم يجب بذلك شئ الا أن المجنى عليه اذا عفا يكون قد عفا عمن يحصل له ثوابه.
وان قلنا موجب العمد أحد الشيئين انتقل الوجوب الى الدية كغيره. وامكان الاستيفاء بلا حيف بأن يكون القطع من مفصل لأن المماثلة فى ذلك غير ممكنة ولا يؤمن أن يستوفى أكثر من الحق.
أو يكون القطع له حد ينتهى القطع اليه كمارن الأنف وهو ما لان منه - وهو الذى يجب فيه القصاص والدية دون القصبة، لأن لذلك حدا ينتهى اليه أشبه اليد. فان قطع القصبة - أى قصبة الأنف أو قطع من نصف كل من الساعد أو الكف أو الساق أو العضد أو الورك أو قطع يده من الكوع ثم تآكلت الى نصف الذراع فلا قصاص وله الدية، لخبر: أن رجلا ضرب رجلا على
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 253 نفس الطبعة.
(2)
الام ج 6 ص 4 كتاب الشعب.
ساعده بالسيف فقطعها من غير مفصل فاستدعى عليه النبى صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال: انى أريد القصاص. فقال: «خذ الدية بارك الله لك فيها» . رواه ابن ماجة «ولأن القطع ليس من مفصل فلا يؤمن فيه الحيف ولا أرش للباقى أى لا يجب سوى دية يد أو رجل لئلا يجمع فى عضو واحد بين دية وحكومة. ولا قود فى اللطمة ونحوها لأن المماثلة فيها غير ممكنة
(1)
.
والشرط الثانى: المماثلة فى الاسم والموضع قياسا على النفس ولأن القصاص يعتمد المماثلة: ولانها جوارح مختلفة المنافع والأماكن فلم يؤخذ بعضها ببعض كالعين بالانف فتؤخذ اليمين باليمين وتؤخذ اليسار باليسار من كل ما انقسم الى يمين ويسار من يد ورجل واذن ومنخر وثدى والية وخصية وشفر، وتؤخذ العليا بالعليا والسفلى بالسفلى من شفة وجفن وأنملة، فلا تؤخذ يمين بيسار ولا يسار بيمين ولا سفلى بعليا ولا عليا بسفلى لعدم المساواة فى الموضع وتؤخذ الأصبع بمثلها وتؤخذ السن بمثلها وتؤخذ الأنملة بمثلها فى الاسم والموضع دون ما خالفها فى ذلك
(2)
والشرط الثالث: استواؤهما (أى الطرفان) فى الصحة والكمال لأن القصاص يعتمد المماثلة فلا تؤخذ صحيحة من يد أو غيرها بشلاء لأنه لا نفع فيها سوى الجمال فلا تؤخذ بما فيه نفع، ولا تؤخذ كاملة الاصابع من يد أو رجل بناقصة الاصابع
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: انه لا قود على مجنون فيما أصاب فى جنونه ولا على سكران فيما أصاب فى سكره المخرج له من عقله ولا على من لم يبلغ ولا على أحد من هؤلاء دية ولا ضمان وهؤلاء والبهائم سواء، للخبر الثابت: رفع القلم عن الصبى حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق والسكران لا يعقل
(4)
.
والقصاص واجب فى كل ما كان بعمد من جرح أو كسر لايجاب القرآن ذلك فى كل تعد، وفى كل حرمة، وفى كل عقوبة وفى كل سيئة
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: انه انما يجب القصاص بشروط الأول: أن يكون فى جناية
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس ج 3 ص 373 - 374 الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى.
(2)
نفس المرجع ج 3 ص 381 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 380 الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 344 المسألة رقم 2020 طبعة ادارة الطباعة المنبرية شارع الأزهر مصر الطبعة الأولى سنة 1352 تحقيق محمد منير الدمشقى.
(5)
المحلى ج 10 ص 403 الطبعة السابقة.
مكلف فلا قصاص فيما جناه الصبى والمجنون والمغمى عليه والنائم وكذا السكران عند أبى العباس وأبى طالب.
وعند الناصر والمؤيد بالله أنه يقتص منه. والشرط الثانى: أن تقع الجناية من عامد فلا قصاص فى الجناية الخطأ والشرط الثالث أن تكون الجناية على نفس أو ذى مفصل أو موضحة قدرت طولا وعرضا، فالنفس واضح والمفصل كمفاصل الأصابع ومفصل الكف ومفصل المرفق وكذا فى الرجل.
وأما الموضحة فهى التى توضح العظم فاذا علم قدرها طولا وعرضا لزم القصاص فيها. أو لم تكن الجناية على ذى مفصل ولا موضحة لكنها على شئ معلوم القدر مأمون التعدى فى الغالب من الأحوال كالأنف اذا قطعت من المارن وهو الغطروف المتصل بعظم قصبتها، فاذا قطعت من المارن فهو معلوم القدر مأمون التعدى فى الغالب فيجب القصاص حينئذ، وكذلك يؤخذ المنخر بالمنخر والروثة بالروثة وهو ما يجمع المنخرين من طرف الغطروف. ومن قطع المارن والقصبة قطع مارنه وسلم أرش القصبة، ومن قطع بعض مارن غيره قدر وقطع بقدره من نصف أو ثلث أو ربع، ولا يقدر بالمساحة ولا عبرة بالطول والعرض. وكذلك الاذن هى وان لم تكن ذات مفصل فهى معلومة القدر مأمونة التعدى فى الغالب. فيؤخذ الاذن بالاذن وان اختلفا صغرا وكبرا وصحة وصمما اذا كان السمع لا ينقص بالقطع والمثقوبة بالصحيحة والعكس فان أخذ بعضها أخذ مثله مقدرا كما مر فى الأنف.
قيل واللسان والذكر من الأصل حكمهما حكم الأنف والأذن فى وجوب القصاص.
وقال الامام يحيى: وكذا يقتص ببعض اللسان والذكر وفى أخذ الذكر بالذكر نظر اذ لا يؤمن على النفس اذا قطع من أصله بخلاف اليد ونحوها ولهذا أشير الى ضعف جعل اللسان والذكر كالأذن بقولنا.
قيل ولا يجب القصاص فيما عدا النفس والموضحة ومعلوم القدر مأمون التعدى الا اللطمة والضربة بالسوط ونحوه كالعود والدرة عند الامام يحيى.
وقال زيد بن على والناصر والمؤيد بالله والامام يحيى والفريقان لا قصاص فى ذلك اذ لا يمكن الوقوف على قدرها وهو شرط فى القصاص اجماعا وهو الرأى القوى.
ويجب القصاص بالسراية إلى ما يجب فيه فلو جرح إنسان فى غير مفصل ثم سرت الجناية إلى ذى مفصل فأتلفته وجب القصاص ويسقط بالعكس أى اذا جنى على ذى مفصل فسرت الجناية حتى
تعدت الى ما لا قصاص فيه نحو أن يجنى على مفصل الكف فتسرى الى نصف الساعد فتتلفه فأنه لا يجب القصاص بعد السراية.
ولا يجب القصاص لفرع وعبد وكافر على ضدهم. وعلى الأصل الدية اذ لا موجب لسقوطها واذا قتلت المرأة رجلا وجب أن تقتل المرأة بالرجل فقط ولا مزيد شئ على قتلها.
واذا قتل الرجل المرأة قتل بها ويتوفى ورثته من أولياء الدم نصف دية، ولا يجب لهم القصاص الا بشرط التزامهم ذلك فيخير ورثة المرأة بين قتل الرجل قصاصا بالمرأة ويدفعون الى ورثته نصف ديته وبين أن يعفو عن القصاص ويأخذوا دية المرأة هذا قول الهادى والقاسم والناصر وابى العباس وابى طالب وهذا الحكم فى أطراف المرأة والرجل كالعين واليد ونحوهما.
وفى شرح الابانة عن زيد بن على وأحمد بن عيسى والمؤيد بالله والفقهاء أن الرجل يقتل بالمرأة ولا شئ سوى ذلك لقول الله سبحانه وتعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} واختاره صاحب شرح الأزهار: وكثير من المذاكرين.
وقال المؤيد بالله «وكذلك الأطراف» وعند زيد بن على وأحمد بن عيسى أنه لا يؤخذ أطراف الرجل بأطراف المرأة
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن قصاص الطرف المراد به ما دون النفس وان لم يتعلق بالأطراف المشهورة وموجبه اتلاف العضو وما فى حكمه بالمتلف غالبا وان لم يقصد الاتلاف أو بغير المتلف غالبا مع القصد الى الاتلاف كالجناية على النفس وشروط قصاص الطرف هى شروط قصاص النفس وهى خمسة.
الشرط الأول: التساوى فى الحرية أو الرق فيقتل الحر بالحر سواء كان القاتل ناقص الأطراف عادم الحواس والمقتول صحيح أو بالعكس لعموم الآية.
الشرط الثانى: التساوى فى الدين فلا يقتل مسلم بكافر حربيا كان الكافر أم ذميا.
الشرط الثالث: انتفاء الأبوة.
الشرط الرابع: كمال العقل فلا يقتل المجنون بعاقل ولا مجنون.
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الاطهار للعلامة أبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 384 - 390 مطبعة حجازى بالقاهرة الطبعة الثانية سنة 357 هـ.
الشرط الخامس: يكون المقتول محقون الدم أى غير مباح القتل شرعا.
ويزيد فى شروط قصاص الطرف على شروط قصاص النفس اشتراط التساوى أى تساوى العضوين من المقتص به ومنه فى السلامة أو عدمها، أو كون المقتص منه أخفض فلا تقطع اليد الصحيحة بالشلاء وهى الفاسدة ولو بذلها الجانى لأن بذله لا يسوغ قطع ما منع الشارع من قطعه كما لو بذل قطعها بغير قصاص وتقطع اليد الشلاء بالصحيحة لأنها دون حق المستوفى الا اذا خيف من قطعها السراية الى النفس لعدم انحسامها فتثبت الدية حينئذ. وحيث يقطع الشلاء يقتصر عليها ولا يضم اليها أرش التفاوت.
وتقطع اليمين باليمين لا باليسرى ولا بالعكس كما لا تقطع السبابة بالوسطى ونحوها ولا بالعكس، فان لم يكن لقاطع اليمين يمين فاليسرى فان لم يكن له يسرى فالرجل اليمنى فان فقدت فاليسرى على الرواية التى رواها حبيب الساجستانى عن الباقر وانما أسند الحكم اليها لمخالفته للأصل من حيث عدم المماثلة بين الأطراف خصوصا بين الرجل واليد الا أن الرواية قوبلت بالقبول.
وما ذكر من ترتيب الرجلين مشهور والرواية خالية عنه بل مطلقة فى قطع الرجل لليد حيث لا يكون للجانى يد.
وعلى الرواية لو قطع أيدى جماعة قطعت يداه ورجلاه للأول فالأول ثم تؤخذ الدية للمتخلف ولا يتعدى هذا الحكم الى غير اليدين مما له يمين ويسار كالعينين والأذنين وقوفا فيما خالف الأصل على موضع اليقين وهو الأخذ بالمماثل وكذا ما ينقسم من أعلى وأسفل كالجفنين والشفتين لا يؤخذ الأعلى بالأسفل ولا بالعكس
(1)
.
ولا يثبت القصاص فى الهاشمة للعظم والمنقلة له ولا فى كسر العظام لتحقق التعزير بنفس المقتص منه ولعدم امكان استيفاء نحو الهاشمة والمنقلة من غير زيادة ولا نقصان ويجوز القصاص قبل اندمال جناية الجانى لثبوت أصل الاستحقاق وان كان الصبر الى الاندمال أولى حذرا من السراية الموجبة لتغير الحكم وقيل لا يجوز لجواز السراية الموجبة للدخول
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن الله تعالى شرع القصاص فى النفس وما دون النفس لأن ما دون النفس قد يوصل الى الموت فقد يصل المقلوع العين مثلا الى الموت وقد يصل اليه أيضا من يقتص منه قال الله عز وجل: {وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ}
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 401 وما بعدها الى ص 410، 411 طبعة دار الكتاب العربى بمصر.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 412 الطبعة السابقة.
(1)
ويشترط لقصاص الأطراف أن يكون القصاص بين الأحرار الموحدين البلغ العقلاء فيما بينهم. ويكون بين العبيد فيما بينهم ويقتص موحد من مشرك لا عكسه كاقتصاص حر من عبد كذلك أى دون أن يقتص العبد منه. ويقتص طفل بواسطة أبيه لا غيره من بالغ ان كان له أب وقيل لا يقتص له أبوه، ولا يقتص بالغ من طفل ولا مجنون من عاقل.
ويجرى بين الرجال والنساء وقيل لا تأخذه امرأة من رجل وقيل لا يؤخذ ممن لا يعطى له فلا يقتص موحد من مشرك ولا حر من عبد. وخص بالظهور باذن الامام فمن أخذه أو أعطاه فى كتمان اثم وسقط به التباعة، ويجب فى عمد وفى تلف عضو لا بطلانه ولزم به ديته. ولا قصاص فى المنقلة والهاشمة والآمة والجائفة والنافذة ولا فى الجروح الخمس فوق الجلد وكذا فى خمس تحته وقيل لا يكون فى جرح غير موضح ولا فى عضو بان لا من مفصل ولا فى شعر رأس أو حاجب أو شفر أو لحية.
ولا يضر تخالف بصغر وكبر أو عمش بعين أو غيره أى غير العين من الأعضاء كاذن وأنف بين جان ومقتص منه فتقلع العين الكبيرة بالصغيرة والعكس. ومن له عين واحدة فنزع لذى عينين عينا واحدة لم تنزع واحدته ويترك أعمى لأن واحدته كاثنين فى غيره، ولكن له دية عينه وقيل له دية كاملة. وينزع ذو العين الواحدة لذى العينين واحدة العين اليمنى ان كانت المنزوعة اليمنى واليسرى ان كانت اليسرى لا هما معا
(2)
.
كيفية القصاص فى الأطراف
مذهب الحنفية:
جاء فى شرح فتح القدير: أن من قطع يد غيره عمدا من المفصل قطعت يده وان كانت يده أكبر من اليد المقطوعة لقول الله تبارك وتعالى: «وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ»
(3)
وهو ينبئ عن المماثلة فكل ما أمكن رعايتها فيه يجب فيه القصاص وما لا يمكن رعاية المماثلة فيه فلا قصاص فيه. وقد أمكن فى القطع من المفصل فاعتبر، ولا معتبر بكبر اليد وصغرها لأن منفعة اليد لا تختلف بذلك وكذلك الرجل ومارن الأنف والأذن لامكان رعاية المماثلة
(4)
.
(1)
الآية رقم 45 من سورة المائدة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 208، ص 210 طبع المطبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر.
(3)
الآية رقم 45 من سورة المائدة.
(4)
الهداية شرح فتح القدير والكفاية ج 9 ص 167 - 168 طبعة المطبعة الميمنية بمصر سنة 1319 هـ.
وجاء فى بدائع الصنائع: أنه لا قصاص فى العين اذا قورت أو فسخت لأنا اذا فعلنا ما فعل وهو التقوير والفسخ لا يمكن استيفاء المثل اذ ليس له حد ملعوم وان ضرب عليها فذهب ضؤوها مع بقاء الحدقة على حالها لم تنخسف ففيها القصاص لقوله تبارك وتعالى:
«وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» ولأن القصاص على سبيل المماثلة ممكن بأن يجعل على وجهه القطن المبلول وتحمى المرآة وتقرب من عينه حتى يذهب ضؤوها.
وقيل أول من اهتدى الى ذلك سيدنا على رضى الله عنه. وان انخسفت فلا قصاص لأن الثانى قد لا يقع خاسفا بها فلا يكون مثل الأول وروى عن أبى يوسف أنه لا قصاص فى عين الأحول لان الحول نقص فى العين فيكون استيفاء الكامل بالناقص فلا تتحقق المماثلة ولهذا لا تقطع اليد الصحيحة باليد الشلاء كذا هذا
(1)
.
ولا قصاص فى الاشفار والاجفان لأنه لا يمكن استيفاء المثل فيها وأما الاذن فان استوعبها ففيها القصاص لقول الله تبارك وتعالى «وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ» لأن استيفاء المثل فيها ممكن فان قطع بعضها فان كان له حد يعرف ففيه القصاص والا فلا. وأما الأنف فان قطع المارن ففيه القصاص بلا خلاف بين أصحاب أبى حنيفة لقول الله سبحانه وتعالى «الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ» ولأن استيفاء المثل فيه ممكن لأن له حدا معلوما وهو مالان منه. فان قطع بعض المارن فلا قصاص فيه لتعذر استيفاء المثل، وان قطع قصبة الأنف فلا قصاص فيه لأنه عظم ولا قصاص فى العظم الا فى السن.
قال أبو يوسف: ان استوعب ففيه القصاص.
وقال محمد لا قصاص فيه وان استوعب.
ولا خلاف بينهما فى الحقيقة لأن أبا يوسف أراد استيعاب المارن وفيه القصاص بلا خلاف ومحمد أراد به استيعاب القصبة ولا قصاص فيها بلا خلاف.
وأما الشفة فقد روى عن أبى حنيفة أنه قال: اذا قطع شفة الرجل السفلى أو العليا وكان يستطاع أن يقتص منه ففيه القصاص.
وذكر الكرخى أنه ان استقصاها بالقطع ففيها القصاص لامكان استيفاء المثل عند الاستقصاء وان قطع بعضها فلا قصاص فيه لعدم الامكان
(2)
.
وجاء فى شرح القدير أن من قطع يد رجل من نصف الساعد أو جرحه جائفة فبرأ منها فلا قصاص عليه لأنه لا يمكن اعتبار المماثلة فيه، اذ الأول كسر العظم ولا ضابط فيه، وكذا البرء
(1)
بدائع الصنائع ج 7 ص 308.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 308.
نادر فيفدى الثانى الى الهلاك ظاهرا واذا كانت يد المقطوع صحيحة ويد القاطع شلاء أو ناقصة الاصابع فالمقطوع بالخيار ان شاء قطع اليد المعيبة ولا شئ له غيرها، وان شاء أخذ الأرش كاملا لأن استيفاء الحق كاملا متعذر فله أن يتجوز بدون حقه، وله أن يعدل الى العوض كالمثلى اذا انعدم عن أيدى الناس بعد الاتلاف ثم اذا استوفاها ناقصا فقد رضى به فيسقط حقه كما اذا رضى بالردئ مكان الجيد
(1)
.
وجاء فى شرح فتح القدير أن الشفة اذا استقصاها بالقطع يجب القصاص لامكان اعتبار المساواة بخلاف ما اذا قطع بعضها لأنه يتعذر اعتبارها
(2)
. وفى السن القصاص يقول الله تبارك وتعالى {(وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ)} وان كان سن من يقتص منه أكبر من سن الآخر لأن منفعة السن لا تتفاوت بالصغر والكبر ولا قصاص الا فى عظم السن. وهذا اللفظ مروى عن عمر وابن مسعود رضى الله عنهما. وقال عليه الصلاة والسلام: «لا قصاص فى العظم» والمراد غير السن ولأن اعتبار المماثلة فى غير السن متعذر لاحتمال الزيادة والنقصان بخلاف السن لأنه يبرد بالمبرد ولو قلع من أصله يقلع الثانى فيتماثلان
(3)
.
وجاء فى بدائع الصنائع أنه لو قطع من رجل يمينه من المفصل اقتص منه ثم ان أحدهما قطع من الآخر الذراع من المرفق فلا قصاص فيه وفيه حكومة العدل عند أصحاب أبى حنيفة الثلاثة رضى الله عنهم.
وقال زفر يجب القصاص كذا ذكر القاضى الخلاف فى شرحه مختصر الطحاوى.
وذكر الكرخى الخلاف بين أبى حنيفة وأبى يوسف.
وجه قول أبى يوسف وزفر أن استيفاء القصاص على سبيل المماثلة ممكن لأن المحلين استويا والمرفق مفصل فكان المثل مقدور الاستيفاء فلا معنى للمصير الى الحكومة كما لو قطع انسان من مفصل الزند.
ولأبى حنيفة ومحمد أن القصاص فيما دون النفس يعتمد المساواة فى الأرش لأن ما دون النفس يسلك به مسلك الأموال والمساواة فى اتلاف الأموال معتبرة ولهذا لا يجرى القصاص بين طرفى الذكر والانثى والحر والعبد لاختلاف الأرش.
وههنا لا يعرف التساوى فى الأرش لأن أرش الذراع حكومة العدل وذلك يكون بالحزر والظن فلا يعرف التساوى بين أرشيهما، لأن قطع الكف يوجب وهن الساعد وضعفه وليس له أرش مقدر، وقيمة الوهن والضعف فيه لا تعرف الا
(1)
شرح فتح القدير ج 9 ص 171 الطبعة السابقة.
(2)
الهداية شرح فتح القدير ج 9 ص 172.
(3)
نفس المرجع ج 9 ص 168.
بالحزر والظن فلا تعرف المماثلة بين أرشى الساعدين فيمتنع وجوب القصاص
وعلى هذا الخلاف اذا قطع يد رجل وفيها اصبع زائدة وفى يد القاطع اصبع زائدة مثل ذلك أنه لا قصاص عند أبى حنيفة ومحمد وفيهما حكومة العدل.
وعند أبى يوسف يجب القصاص لوجود المساواة بين اليدين.
ولهما أن الاصبع الزائدة فى الكف نقص فيها وعيب، وهو نقص يعرف بالحزر والظن، ولأنهما ليس لهما أرش مقدر فلا تعرف المماثلة بين الكفين ولو قطع اصبعا زائدة وفى يده مثلها فلا قصاص عليه بالاجماع، لأن الأصبع الزائدة فى معنى التزلزل ولا قصاص فى المتزلزل، ولأنها نقص ولا تعرف قيمة النقصان الا بالحزر والظن ولأنه ليس لهما أرش مقدر فلا تعرف المماثلة
(1)
.
ولو قطع رجل المفصل الأعلى من سبابة رجل ثم عاد فقطع المفصل الثانى منها فعليه القصاص من المفصل الأول ولا قصاص عليه فى المفصل الثانى وعليه قيمة الأرش، وكذلك لو قطع أصبع رجل من أصلها ثم قطع الكف التى منها الأصبع كان عليه القصاص فى الأصبع ولا قصاص عليه فى الكف وعليه الأرش فى الكف ناقصة بأصبع. وكذلك لو قطع يد رجل وهى صحيحة ثم قطع ساعده من المرفق من اليد التى قطع منها الكف فعليه فى اليد القصاص ولا قصاص عليه فى الساعد بل فيه أرش حكومة كذا روى عن أبى حنيفة ولم يفصل بين ما اذا كانت الجناية الثانية بعد برء الأولى أو قبلها. وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: اذا كانت الجناية الثانية بعد برء الأولى فهما جنايتان متفرقتان وان كانت قبل البرء فهى جناية واحدة
(2)
.
وجاء فى بدائع الصنائع: أنه لو قطع يد رجل ثم قتله فان كان بعد البرء لا تدخل اليد فى النفس بلا خلاف، والولى بالخيار ان شاء قطع يده ثم قتله وان شاء اكتفى بالقتل وان شاء عفا عن النفس وقطع يده، وان كان قبل البرء فكذلك فى قول أبى حنيفة.
وفى قولهما تدخل اليد فى النفس، وله أن يقتله وليس له أن يقطع يده.
وجه قولهما أن الجناية على ما دون النفس اذا لم يتصل بها البرء لا حكم لها مع الجناية على النفس فى الشريعة بل يدخل ما دون النفس فى النفس
(3)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 302 - 303 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.
(2)
نفس المرجع ج 7 ص 301، 302.
(3)
بدائع الصنائع ج 7 ص 303.
ولا قصاص فى جز شعر الرأس وحلقه وحلق الحاجبين والشارب واللحية وان لم ينبت بعد الحلق والنتف أما الجز فلأنه لا يعلم موضعه فلا يمكن أخذ المثل وأما الحلق والنتف الموجود من الحالق والناتف فلأن المستحق حلق ونتف غير منبت وذلك ليس فى وسع المحلوق والمنتوف لجواز أن يقع حلقه ونتفه منبتا فلا يكون مثل الأول.
وذكر فى النوادر أنه يجب القصاص اذا لم ينبت. ولم يذكر حكم ثدى المرأة أنه هل يجب فيه القصاص أم لا، وكذا لم يذكر حكم الانثيين فى وجوب القصاص فيهما.
وينبغى أن لا يجب القصاص فيهما لأن كل ذلك ليس له مفصل معلوم فلا يمكن استيفاء المثل.
وأما حلمة ثدى المرأة فينبغى أن يجب القصاص فيها لأن لها حدا معلوما فيمكن استيفاء المثل فيها كالحشفة. ولو ضرب على رأس انسان حتى ذهب عقله أو سمعه أو كلامه أو شمه أو ذوقه أو جماعه أو ماء صلبه فلا قصاص فى شئ من ذلك، لأنه لا يمكنه أن يضرب ضربا تذهب به هذه الأشياء فلم يكن استيفاء المثل ممكنا فلا يجب القصاص. وكذلك لو ضرب على يد رجل أو رجله فشلت لا قصاص عليه، لأنه لا يمكنه أن يضرب ضربا مشلا فلم يكن المثل مقدور الاستيفاء فلا يجب القصاص
(1)
.
ولا قصاص فى الأظفار لانعدام المساواة فى أروشها، لأن أرش الظفر الحكومة وأنها معتبرة بالحزر والظن.
وأما بيان وقت الحكم بالقصاص فيما دون النفس فوقته بعد البرء فلا يحكم بالقصاص فيه ما لم يبرأ. لما روى أنه عليه الصلاة والسلام قال: «لا يستقاد من الجراحة حتى يبرأ
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة: أنه اذا جنى على اللسان عمدا ففيه القود اذا كان يستطاع القود منه ولم يكن متعلقا مثل الفخذ والمنقلة وما أشبه ذلك أقيد منه، وان كان متعلقا مثل الفخذ والمنقلة لم يقد منه وفى كل كسر خطأ اذا برأ وعاد الى هيئته لا شئ فيه الا أن يكون عمدا يستطاع القصاص فيه فانه يقتص منه، وان كان عظما الا فى المأمومة والمنقلة والجائفة وما لا يستطاع أن يقتص منه فلا شئ فيه من القود الا الدية فى عمد ذلك مع الأدب فى العمد. وعظام الجسد فيها القود من الهاشمة الا ما كان مخوفا مثل الفخذ وما أشبهه فلا قود فيه
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 309 نفس الطبعة.
(2)
نفس المرجع ج 7 ص 310، 311 نفس الطبعة.
وأما الرأس - فعند أبى القاسم - لا هاشمة فيها الا أن كانت منقلة، وأما الباضعة - والملطأة والدامية. وما أشبهها وما يستطاع منه القود ففيه القود فى العمد عند مالك والهاشمة فى الرأس مما لا يستطاع منه القود.
روى عن مالك أن فى السن القود وان ثبتت وهو رأى ابن القاسم والاذن عنده مثله يقتص منه.
وفى العين القصاص ان كان يستطاع منه القصاص أقيد والا فالعقل واذا شلت اليد أو الرجل فقد تم عقلهما.
فان كانت الضربة عمدا فشلت اليد أو الرجل ففيهما القود - ويضرب الضارب كما ضرب - يقتص لهذا المضروب من الضارب فان شلت يد الضارب والا كان عقل اليد فى مال الضارب وليس على العاقلة منه شئ.
ولا يمكن الذى له القود من أن يقتص لنفسه، انما يدعى له من يعرف القصاص فيقتص له ولا يمكن المجروح من ذلك. وان أخرج الانثيين عمدا أو رضهما عمدا ففى اخراجهما القصاص، ويرى ابن القاسم أنه ان كان يخاف على الانثيين الرض وكانتا متلفتين فلا قود فيهما
(1)
.
ولو فقأ رجل أعور العين اليمنى عين رجل اليمنى خطأ فعلى عاقلته نصف الدية، وان فقأها عمدا فهى بمنزلة اليد والرجل مثل لو أن رجلا أقطع اليمين قطع يمين رجل أو أقطع الرجل اليمنى قطع رجل رجل اليمنى أنه لا قصاص فيه ولكن فيه الدية.
والعين مثل ذلك. واليد والرجل مما لا اختلاف فيه أنه لا يقتص لليسرى باليمنى ولا باليمنى لليسرى ففى ذلك دليل على أن العين كذلك أيضا لا يقتص عين يمنى بيسرى ولا يسرى بيمنى والأسنان أيضا كذلك ثنية بالثنية والرباعية بالرباعية والعليا بالعليا والسفلى بالسفلى ولا تقاد سن الا بمثلها سواء فى صفتها ومواضعها لا غير ذلك. ويرجع ذلك الى العقل اذا لم يكن له مثل الذى طرح له فيقتص له منه. وعقل العين خمسمائة دينار فى مال هذا الأعور الجانى
(2)
.
قال ابن القاسم: سألنا مالكا عن الأعور يفقأ عين الصحيح فقال: ان أحب الصحيح أن يقتص اقتص، وان أحب فله دية عينه. ثم رجع بعد ذلك فقال: ان أحب أن يقتص اقتص وان أحب فله دية عين الأعور ألف دينار. وقوله الآخر أعجب الى وهذا انما هو فى الأعور اذا فقأ عين رجل وعين الأعور الباقية هى مثل تلك العين، تكون عين الأعور اليمنى باقية
(1)
المدونة للامام مالك رواية الامام سحنون ابن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن بن القاسم ج 4 ص 434 وما بعدها طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ على هامشه كتاب المقدمات الممهدات لأبى الوليد محمد بن أحمد ابن رشد.
(2)
نفس المرجع ج 4 ص 486.
فيفقأ عين رجل اليمنى أو تكون اليسرى باقية فيفقأ عين رجل اليسرى فأما رجل أعور العين اليمنى فقأ عين رجل اليمنى فهذا لا قصاص فيه فيما سمعت من مالك، وفيما بلغنى عنه وليس له الا دية عينه ان كان المفقودة عينه صحيحة فخمسمائة دينار وان كان أعور فألف دينار لأنه لا قصاص له فى عين الجانى، ولأن دية عين الأعور عند مالك ألف دينار
(1)
.
ولو أن رجلا ذهب سمع احدى أذنيه فضربه رجل فأذهب سمع أذنه الأخرى فعليه نصف الدية، ولا تكون الدية عند مالك فى شئ واحد مما هو زوج فى الانسان الا فى عين الأعور وحدها فان فيها الدية كاملة عند مالك.
والفرق بين السمع والبصر.
وقد قال مالك ان فى عين الأعور الباقية الدية كاملة وفى الذى قد ذهب سمع احدى أذنيه أن فى سمع أذنه الباقية نصف الدية - الفرق بينهما السنة التى جاءت فى عين الأعور وحده ان فى عينه الدية كاملة ألف دينار. وما سوى ذلك مما هو زوج فى الانسان مثل اليدين والرجلين والسمع وما أشبه هذا فان فى كل واحدة نصف الدية ما ذهب منه أول أو آخر فهو سواء
(2)
.
ولو أن رجلا قطع يدى رجل ثم رجليه ثم ضرب عنقه، فانه يقتص منه بأن يضرب عنقه ولا تقطع يداه ولا رجلاه لان كل قصاص يكون عليه فان القتل يأتى على ذلك كله فالقتل يأتى على قطع اليدين والرجلين، ولا يقاد منه فى اليدين ولا فى الرجلين. وان قطع رجل يد رجل من نصف الساعد عمدا فانه يقتص منه لأن مالكا يرى القصاص فى العظام الا فى الفخذ وما يخاف عليه فيه. وان اغتال رجل رجلا على مال فقطع يده فليس لمن قطعت يده أو فقئت عينه على غيلة قصاص انما ذلك الى السلطان الا أن يتوب قبل أن يقدر عليه فيكون فيه القصاص.
وان جنى رجل على رجل فقطع يمينه ثم ذهبت يمين القاطع بأمر من السماء فلا شئ عليه وان سرق فقطعت يده فلا شئ للمقطوعة يمينه. واذا سرق وقطع يمين رجل قطعت يمينه للسرقة وكانت السرقة أولى بيمينه من القصاص لأن القصاص ربما عفى عنه والسرقة لا عفو فيها
(3)
.
ولو أن رجلا قتل رجلا عمدا فحبس ليقتل فوثب عليه رجل فى الحبس ففقأ عينه خطأ أو عمدا، فحكمه أنه رجل من المسلمين يستقاد منه وله.
وتعقل جراحاته ما لم يقتل. ويرى ابن القاسم أنه أولى بجراحات نفسه كان عمدا
(1)
المدونة الكبرى ج 4 ص 486 - 487
(2)
نفس المرجع ج 4 ص 486.
الطبعة السابقة.
(3)
نفس المرجع السابق ج 4 ص 495 - 498 نفس الطبعة.
أو خطأ، ان كان عمدا كان له القصاص ان شاء اقتص وان شاء عفا وان كان خطأ كان له الأرش وليس لولاة المقتول فى ذلك شئ انما لهم نفسه
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعى: القصاص وجهان:
طرف يقطع وجرح يبط. ولا قصاص فى طرف من الأطراف يقطع من غير مفصل، لأنه لا يقدر على القطع من غير المفاصل، حتى يكون قطع كقطع بلا تلف يفضى به القاطع الى غير موضعه.
وقال أيضا: وكل نفس قتلتها بنفس لو كانت قاتلتها أقصصت بينهما ما دون النفس.
وقال: وأقص للرجل من المرأة وللمرأة من الرجل بلا فضل مال بينهما والعبيد بعضهم من بعض وان تفاوتت أثمانهم ولو أن عبدا أو حرا أو كافرا جرح مسلما أقصصت المجروح منه ان شاء، لأنى أقتله لو قتله ولو كان الحر المسلم قتل كافرا أو جرحه أو عبدا أو جرحه لم أقصه منه.
وقال: والقصاص من الأطراف بالاسم لا بقياس من الأطراف فتقطع اليد باليد والرجل بالرجل والاذن بالاذن والأنف بالأنف، وتفقأ العين بالعين وتقلع السن بالسن لأنها أطراف. وسواء فى ذلك كله كان القاطع أفضل طرفا من المقطوع أو المقطوع أفضل طرفا من القاطع لأنها افاتة شئ كافاتة النفس التى تساوى النفس بالحياة والاسم، وهذه تستوى بالأسماء والعدد لا بقياس بينهما، ولا بفضل بعضها على بعض.
واذا قطع الرجل أنف رجل أو أذنه أو قلع سنه فأبانه ثم ان المقطوع ذلك منه ألصقه بدمه، أو خاط الأنف أو الأذن، أو ربط السن بذهب أو غيره فثبت وسأل القود فله ذلك لأنه وجب له القصاص بابانته. وان لم يثبته المجنى عليه أو أراد اثباته فلم يثبت وأقصى من الجانى عليه فأثبته لم يكن على الجانى أكثر من أن يبان منه مرة.
وان سأل المجنى عليه الوالى أن يقطعه من الجانى ثانية لم يقطعه الوالى للقود، لأنه قد أتى بالقود مرة الا أن يقطعه لأنه الصق به ميتة. وان شق شيئا من هذا فالصقه بدمه لم أكره ذلك له، ويشق من الشاق، ان قدر على أن يأتى بمثله ويقول يلصقه فان لصق من الشاج ولم يلصق من المشجوج أو من المشجوج ولم يلصق من الشاج فلا تباعة لواحد منهما على صاحبه.
وقال الشافعى: والوجه الثانى من القصاص الجراح بالشق فاذا كان الشق كالجراح يؤخذ بالطول لا باستيظاف
(1)
نفس المرجع ج 4 ص 499 نفس الطبعة.
طرف. فان قطع رجل من رجل طرفا فيه شئ ميت بشلل أو غيره أو شئ مقطوع، كأن قطع يده وفيها أصبعان شلاوان لم تقطع يد الجانى بها وفيها اصبعان شلاوان ولو رضى ذلك القاطع وان سأل المقتص له أن يقطع له أصابع القاطع الثلاث ويؤخذ له حكومة الكف والاصبعين الباقيتين كان ذلك له.
وقال الشافعى: ولو كان القاطع هو أشل الاصبعين، والمقطوع تام اليد.
خير المقتص له بين أن يقطع يده بيده ولا شئ غير ذلك أو تقطع له أصابعه الثلاث ويأخذ أرش اصبعين وانما لم أجعل له اذا قطع كفه غير ذلك لأنه قد كان بقى جمال الاصبعين الشلاوين وسدهما موضعهما. ولو كان القاطع مقطوع الاصبعين قطعت كفه وأخذت للمقطوعة يده أرش أصبعين تامين.
ولو أن رجلا أقطع أصابع اليد الا اصبعا واحدا قطع اصبع رجل أقيد منه. ولو قطع كف رجل كان له القود فى الكف وأرش أربعة أصابع. ولو كان المجنى عليه أقطع أصابع الكف الا اصبعا فقطع يد رجلا صحيح اليد فسأل القود أقتص منه من الأصبع وأعطى حكومة فى الكف ولو كان أقطع اصبع واحدة فقطعت كفه. أقص منه أربع أصابع وأخذت له حكومة فى كفه، ولا أبلغ بحكومة كفه دية أصبع لأنها تبع الاصابع كلها، وكلها مستوية فلا يكون أرشها كأرش واحدة منها.
واذا كانت لرجل خمس أصابع فى يده فقطع تلك اليد رجل له ست أصابع فسأل المقطوعة يده القود لم يكن ذلك له لزيادة أصبع القاطع على أصبع المقطوع. ولو كان الذى له ستة أصابع هو المقطوع والذى له الخمس هو القاطع أقتص له منه وأخذت له فى الأصبع الزائدة حكومة لا أبلغ بهادية أصبع لأنها زائدة فى الخلق.
وقال الشافعى: اذا قطع الرجل أنف الرجل من المارن قطع أنفه من المارن، وسواء كان أنف القاطع أكبر أو أصغر من أنف المقطوع لأنه طرف، وان قطعه من دون المارن قدرت ما ذهب من أنف المقطوع ثم أخذ له من أنف القاطع بقدره من الكل، ان كان قدر مارن المقطوع قطع قدر نصف مارنه ولا يقدر بالشبر كما وصفت فى الأطراف. الذكر وغيره.
وان قطع من أحد شقى الأنف قطع من احدى شقيه كما وصفت، وان قطع رجل أنف رجل من العظم فلا قود فى العظم. وان أراد قطعنا له المارن وأعطيناه زيادة حكومة فيما قطع من العظم.
ويقطع أنف الصحيح بأنف الأجذم وان ظهر بأنفه قرح الجذام ما لم
يسقط أنفه أو شئ منه، وكذلك يده بيده، وان ظهر فيها قرح الجذام ما لم تسقط أصابعها أو بعضها.
وتقطع الأذن بالاذن وأذن الصحيح بأذن الأصم لا فضل بينهما على الآخر لانهما طرفان ليس فيهما سمع. وان قطع بعض الأذن قطعت منه بعض أذنه كما وصفت - ان قطع نصفا أو ثلثا قطع منه نصفا أو ثلثا، وسواء كانت أذنه أكبر أو أصغر من أذن المقطوعة أذنه لأنها طرف وتقطع الاذن الصحيحة التى لا ثقب فيها بالاذن المثقوبة ثقبا لقرط.
واذا قلع رجل سن رجل قد ثغر قلعت سنه، فان كان المقلوعة سنه لم يثغر فلا قود حتى يثغر فيتتام طرح أسنانه ونباتها فاذا تتام ولم تنبت سئل أهل العلم عن الأجل الذى اذا بلغه ولم تنبت سنه لم تنبت فبلغه فاذا بلغناه ولم تنبت أقدناه منه. فاذا بلغناه وقد نبت بعضها أو لم تنبت فلا قود وله من العقل بقدر ما قصر نباتها يقدر ان كانت ثنيه بالثنية التى تليها، فان كانت بلغت نصفها أخذ له بعيران ونصف وان بلغت ثلثها أخذ له ثلث عقل سن.
وان قطع رجل لرجل سنا زائدة أو قطع له أصبعا زائدة أو كانت له زنمة تحت أذنه زائدة فقطعها رجل فسأل القود فلا قود وفيها حكومة.
وان كان للقاطع فى موضع من هذا مثله ففيه القود سنا كان أو غير سن، أو اصبع أو زنمة. وهكذا لو خلقت له أصبع لها طرفان فقطع أحد الطرفين فلا قود وفيها حكومة الا أن يكون له أصبع مثلها فيقاد منه.
وان قطع رجل أصبع رجل ولها طرفان أو أنملة ولها طرفان ولم يخلق للقاطع تلك الحلقة فسأل المقطوع القود فهو له وزيادة حكومة الا أن يكون طرفاها أشلاها فأذهبا منفعتها فلا قود وان كان للقاطع مثلها وليست شلاء أقيد ولا حكومة ولو كانت لأصبع القاطع طرفان وليس ذلك لأصبع المقطوع فلا قود، لأن اصبع القاطع كانت أكبر من أصبع المقطوع
(1)
.
وان كان القصاص على رجل فى جميع أصابع كفه أو بعضها فقال اقطعوا يدى ورضى بذلك المقتص له قيل لا يقطع الا من حيث قطع، ولا أقبل فى هذا اجتماعهما عليه لانه عدوان، واذا قطع الرجل يد الرجل الشلاء ويد القاطع صحيحة فتراضيا بأن يقتص من القاطع فيقطع يده الصحيحة لم أقطع يده الصحيحة برضاه ورضا صاحبه وجعلت عليه حكومة. واذا كانت يد المقطوع الأول صحيحة ويد
(1)
الام للامام الشافعى ج 6 ص 45 وما بعدها طبعة كتاب الشعب.
القاطع هى الشلاء، ففى يد المقطوع الأرش لنقص يد القاطع عنها فان رضى المقتص له بأن يقطع ولم يرض ذلك القاطع سألت أهل العلم بالقطع فان قالوا. ان اليد الشلاء اذا قطعت كانت أقرب من التلف على من قطعت منه من يد الصحيح لو قطعته لم أقطعها بحال وان قالوا ليس فيها من التلف الا ما فى يد الصحيح قطعتها ولم التفت الى مشقة القطع على المستقاد منه ولا المستقاد له اذا كان يقدر على أن يؤتى بالقطع لا يزاد عليه. ولو رضى الأشل أن يقطع لم التفت الى رضاه وكان رضاه وسخطه فى ذلك سواء وهذا هكذا فى الاصابع والرجل وغيرهما بما يشل.
واذا قطع الأشل يد الصحيح فسأل الصحيح القود وأرش فضل ما بين اليدين قيل: ان شئت اقتص لك واذا أخترت القصاص فلا أرش وان شئت فلك الأرش ولا قصاص. وانما يكون له أرش وقصاص اذا كان القطع على أطراف تعد فقطع بعضها وبقى بعض كأن يقطع ثلاثة أصابع فوجد له أصبعين ولا يجد له ثالثا فتقطع أصبعين ونجعل فى الثالثة الأرش وان كانت الثلاثة شلاء فسأل أن يقطع ويأخذ له فضل ما بينهما لم يكن ذلك له وقطعت له ان شاء أو أخذ له الأرش
(1)
.
قال الشافعى: واذا كسر الرجل سن الرجل من نصفها سألت أهل العلم فان قالوا نقدر على كسرها من نصفها بلا اتلاف لثنيتها ولا صدع، أقدته وان قالوا لا نقدر على ذلك لم نقده لتفتتها، واذا قلع رجل ظفر رجل فسأل القود قيل لأهل العلم هل تقدرون على قلع ظفره بلا تلف على غيره فان قالوا:
نعم. أقيد، وان قالوا: لا ففى الظفر حكومة وان قطع الرجل أنملة رجل ولا ظفر للمقطوعة أنملته فسأل القصاص لم يكن له وكذلك ان كان ظفرها مقطوعا قطعا لا يثبت لا قليلا ولا كثيرا لنقصها عن أنملة المقتص منه. وما كان فى سن أو ظفر من عوار لا يفسد الظفر وان كان يعيبه. وكان لا يفسد السن بقطع ولا سواد ينقص المنفعة، أو كان أثر قرحة خفيفا كان له القصاص وان كان رجل مقطوع أنملة فقطع رجل أنملته الوسطى والقاطع وافر تلك الأصبع، فسأل المقطوعة أنملته الوسطى القصاص لم يكن له ولا يجوز أن يقطع له الأنملة التى من طرف بوسطى ولا الوسطى فتقطع بأنملته التى قطع من طرف ولم يقطعها.
ولو قطع أنملة خنصر من طرف رجل، وأنملة خنصر الوسطى من آخر من أصبع واحدة فان جاءا معا اقتص منه لأنملة الطرف ثم اقتص منه أنملة الخنصر الوسطى، وان جاء صاحب الوسطى قبل صاحب الطرف قيل
(1)
نفس المرجع ج 6 ص 50 نفس الطبعة السابقة.
لا قصاص لك، وقضى له بالدية وان جاء صاحب الطرف فقطع له الطرف فسأل المقضى له بالدية ردها ان كان أخذها أو ابطالها ان كان لم يأخذها ويقطع له أنملة الوسطى قصاصا لم يجب الى ذلك لأنه قد أبطل القصاص وجعل أرشا. وكذلك لو قطع وسط أنمله رجل الوسطى تقضى له بالأرش، ثم انقطع طرف أنملته فسأل القصاص لم يقض له به ولو لم يأت صاحب الوسطى حتى انقطع طرف أنملته أو قطع له بقصاص كان له القصاص
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن الأصل فى القصاص قول الله سبحانه وتعالى:
«وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى حديث أنس وقصة الربيع عمته لما كسرت ثنية جارية وطلبوا العفو فأبوا فقال النبى صلى الله عليه وسلم «كتاب الله القصاص» متفق عليه. وأجمعوا على وجوب القصاص فيما دون النفس اذا أمكن لأن ما دون النفس كالنفس فى الحاجة الى حفظه بالقصاص فكان كالنفس فى وجوبه وكل من أقيد بغيره فى النفس أقيد به فيما دونها من حر وعبد لأن من أقيد به فى النفس انما أقيد به لحصول المساواة المعتبرة للقود فوجب أن يقاد به فيما دونها.
فلو قطع مسلم يد مسلم قطعت يده لأنه يقاد به فى النفس ومن لا يجرى القصاص بينهما فى النفس لا يجرى بينهما فى الطرف كالأب مع ابنه وكالحر مع العبد وكالمسلم مع الكافر. فلا تقطع يد الأب بيد ابنه ولا يد الحر بيد العبد ولا يد المسلم بيد الكافر لأنه لا يقاد به فى النفس.
ولا يجب القصاص فيما دون النفس الا بما يوجب القود فى النفس وهو العمد المحض فلا قود فى شبه العمد.
ولا قود فى خطأ. قال فى «المبتدع» اجماعا والآية مخصوصة بهما.
وما دون النفس نوعان. أحدهما الأطراف فتؤخذ العين بالعين اليمنى باليمنى واليسرى باليسرى ويؤخذ الأنف بالأنف، ويؤخذ الحاجز - وهو وتر الأنف بمثله وتؤخذ الاذن بالاذن، ويؤخذ السن بالسن، والجفن بالجفن، والشفة بمثلها، واليد والرجل واللسان والأصبع، والكتف والمرفق والذكر والخصية والالية وشفر المرأة بمثله لأن المماثلة موجودة
(1)
الام ج 6 ص 55 الطبعة السابقة.
والقصاص ممكن فوجب الحاقا لغير المنصوص عليه من ذلك بالمنصوص
(1)
.
ويؤخذ الأنف الكبير بالأنف الصغير لمساواته له فى الاسم. ويؤخذ الأنف الأقنى بالافطس والأشم بالأخشم الذى لا شم له، لأن عدم الشم لعلة فى الدماغ ونفس الأنف صحيح فوجب أخذ الاشم به لأنه مثله.
ويؤخذ الأنف الصحيح بالأنف الأجذم لأنه مثله ما لم يسقط عنه شئ الا أن يكون الساقط من أحد جانبيه فيؤخذ من الصحيح مثل ما بقى من الأجذم أو يأخذ أرش ذلك. فلا يشترط لوجوب القصاص التساوى فى الصغر والكبر والصحة والمرض فى العين والأذن ونحوهما - فتقلع عين الشاب بعين الشيخ المريضة، وتقلع عين الكبير بعين الصغير وتقلع العين الصحيحة بعين الأعمش، لأن التفاوت فى الصفة لا يمنع القصاص، لكن ان كان الجانى قلع عينه بأصبعه فلا يجوز للمجنى عليه أن يقتص بأصبعه لأنه لا يمكن المماثلة فيه. ولا تؤخذ العين الصحيحة بالقائمة وهى صحيحة فى موضعها وانما ذهب نورها وابصارها لانتفاء استوائهما فى الصحة، وتؤخذ العين القائمة بالصحيحة، لأنها دون حقه، ولا أرش لها معها لعدم التفاوت.
وتؤخذ أذن السميع بمثلها أى بأذن سميع للمماثلة. وتؤخذ اذن السميع بأذن الأصم لأن العضو صحيح ومقصوده الجمال، وذهاب السمع لعلة فى الرأس لأنه محله وليس بنقص فى الاذن وتؤخذ أذن الأصم بكل واحدة منهما أى من أذن السميع والأصم.
وتؤخذ الاذن الصحيحة بالأذن المثقوبة لأنه ليس بنقص فى الاذن وانما يفعل فى العادة للقرط والتزين به فان كان الثقب فى غير محله أو كانت الاذن مخرومة أخذت بالصحيحة لأنه رضى بدون حقه، ولم تؤخذ الاذن الصحيحة بالمثقوبة فى غير محل الثقب أو بالمخرومة لأنه عيب فتفوت المساواة. ويخير المجنى عليه بين أخذ الدية الا قدر النقص وبين أن يقتص فيما سوى العيب وبتركه من أذن الجانى ويجب له فى قدر النقص حكومة.
وان قطع الجانى بعض اذنه فله أن يقتص من أذن الجانى بقدر ما قطع من أذنه ويقدر ذلك بالاجزاء كالنصف والثلث والربع ولا يؤخذ بالمساحة، لأنه قد يفضى الى أخذ جميع أذن الجانى لصغره ببعض أذن المجنى عليه لكبره. وكذا فى
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور ابن ادريس ج 3 ص 372 - 373 الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هو بهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى.
الأنف واللسان والشفة
(1)
. والحكم فى السن اذا قلعها ثم أعيدت كالحكم فى الأذن على ما سبق من التفصيل وتؤخذ السن - ربطها بذهب أولا - بالسن لقول الله تبارك وتعالى «وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ» تؤخذ الثنية بالثنية، والناب بالناب، والضاحك بالضاحك والضرس بالضرس الأعلى بالأعلى، والأسفل بالأسفل لأن المماثلة موجودة فى ذلك كله ممن أثغر أى سقطت رواضعه ثم نبتت. وان كسر الجانى بعض السن برد من سن الجانى مثله اذا أمن قلعها وسوادها لامكان الاستيفاء بلا حيف، فان لم يأمن ذلك سقط القصاص. فان لم يكن المجنى على سنه أثغر لم يقتص له من الجانى فى الحال لأنه يرجى عوده، ولا قود ولا دية لما رجى عوده من عين كسن أو منفعة كعدو فى مدة يقولها أهل الخبرة لأنه لا يمكن عوده فلا يجب فيه شئ وتسقط المطالبة به فوجب تأخيره. فان عاد مثلها أى السن ونحوها والمنفعة كالعدو فى موضعها على صفتها أى الذاهبة فلا شئ على الجانى لأن المتلف عاد فلم يجب به شئ كما لو قطع شعره وعاد - وان عادت السن مائلة أو متغيره عن صفتها فعليه حكومة لأنه نقص حصل بفعله فوجب عليه ضمانه وان عادت السن قصيرة ضمن ما نقص منها بالحساب.
وان قلع الجانى سنا فاقتص منه ثم عادت سن المجنى عليه فقلعها الجانى فلا شئ عليه لا قصاص ولا دية لأن سن المجنى عليه لما عادت وجب للجانى عليه دية سنه، فلما قلعها وجب على الجانى ديتها للمجنى عليه فقد وجب لكل منهما دية فيتقاصان
(2)
. ويؤخذ كل من جفن البصير والضرير بالآخر للمساواة وعدم البصر نقص فى غير الجفن.
ويؤخذ جفن البصير بجفن البصير، وجفن الضرير بمثله للمماثلة
(3)
.
وان قطع الجانى الأصابع الخمس من مفاصله فللمجنى عليه القود لأن القطع من مفصل فأمن الحيف موجود وأن قطع الأصابع من الكوع فله القود من الكوع للماثلة. فان أراد المجنى عليه قطع الاصابع فقط فليس له ذلك لأن للجناية عليه محلا يمكن الاقتصاص منه وهو مفصل الكوع فلا يقتص من غيره لاعتبار المساواة فى المحل حيث لا مانع.
وان قطع الجانى من المرفق فللمجنى عليه القصاص من المرفق لامكان المماثلة، فان أراد القود من الكوع منع لما سبق
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 375.
(2)
كشاف القناع ج 3 ص 375 - 377 الطبعة السابقة.
(3)
نفس المرجع ج 3 ص 377 - 378 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 3 ص 378 نفس الطبعة.
وان قطع الجانى من الكتف أو خلع عظم المنكب «يقال له مشط الكتف» فله القود اذا لم يخف جائفة بلا نزاع، فان خيف ان اقتص من منكب جائفة فللمجنى عليه أن يقتص من مرفقه لأنه أخذ ما أمكن من حقه. ومتى خالف واقتص مع خشية الحيف من منكب أو نحوه أو اقتص من مأمومة أو جائفة أو من نصف الذراع ونحوه كالساعد والساق أجزأ ولا شئ عليه، لأنه فعل كما فعل به والرجل كاليد فيما تقدم من التفصيل
(1)
.
ولو قطع أنملة رجل عليا وقطع أيضا الأنملة الوسطى من تلك الاصبع من رجل آخر ليس عليا فصاحب الأنملة الوسطى مخير بين أخذ عقل أنملته الآن ولا قصاص له بعد ذلك ولو ذهبت الأنملة العليا لأن أخذ عقلها عفو عن القصاص وبين أن يصير حتى تذهب عليا القاطع بقود أو غيره ثم يقتص من الوسطى لأنه لا يمكن القصاص فى الحال لما فيه من الحيف وأخذ الزيادة على الواجب ولا سبيل الى تأخير حقه حتى تمكن من القصاص لما فيه من الضرر فوجبت الخيرة بين الأمرين، ولا أرش لصاحب الوسطى الآن اذا اختار الصبر حتى تذهب عليا القاطع لأجل الحيلولة بخلاف غصب مال لسد مال مسد مال كما تقدم. وان قطع من قطع أنملة عليا من رجل والوسطى من آخر من اصبع نظيرتها ومن ثالث الأنملة السفلى فللأول أن يقتص من العليا، ثم للثانى أن يقتص من الوسطى، ثم للثالث أن يقتص من السفلى سواء جاءوا معا أو واحد بعد واحد، لأن كلا يستوفى حقه من غير حيف. فان جاء صاحب الوسطى أو صاحب السفلى يطلب القصاص قبل صاحب العليا لم يجب اليه لما فيه من الحيف ويخيران أى صاحب السفلى والوسطى بين أن يرضيا بعقل الأنملتين أو الصبر حتى يقتص الأول ولا أرش لهما.
وان عفا صاحب الأنملة العليا فلا قصاص لهما فى الحال ويخيران كما سبق - وان اقتص صاحب العليا فلصاحب الوسطى الاقتصاص لأنه تمكن من الاستيفاء بغير حيف.
وحكم صاحب السفلى مع صاحب الوسطى هو حكم صاحب الوسطى مع صاحب العليا. فان اقتص من الوسطى جاز لصاحب السفلى أن يقتص والا فلا قصاص ما لم تذهب الوسطى قبل أن يأخذ صاحب السفلى عقلها. فان قطع صاحب الوسطى الوسطى والعليا فعليه دية العليا لأنها زائدة عن حقه ولا قصاص عليه لأن له شبهة فى قطع الوسطى فدرئ لها القصاص تدفع دية العليا الى صاحب العليا أى تدفع الى الجانى ليدفعها لصاحب العليا أو يدفع له الجانى من ماله نظيرها وان قطع صاحب
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 378 نفس الطبعة السابقة.
الوسطى الأصبع كلها فعليه القصاص فى الأنملة الثالثة السفلى، لأنه لا شبهة له فى قطعها وعليه أرش العليا للأول على ما تقدم وأرش السفلى على الجانى لصاحبها لتعذر القصاص. وان عفا الجانى عن القصاص من السفلى وجب أرشها يدفعه اليه ليدفعه الى المجنى عليه بقطع أنملته السفلى.
وتؤخذ يد أو رجل كاملة الأصابع بيد أو رجل زائدة اصبعا لأن الزيادة عيب ونقص فى المعنى فلم يمنع وجودها القصاص كالسلعة وان تراضيا على أخذ الأصلية بالزائدة أو على عكسه بأخذ الزائدة بالأصلية، أو تراضيا على أخذ خنصر ببنصر أو على أخذ شئ من ذلك المذكور بما يخالف فى الاسم أو الموضع لم يجز، لأن الدماء لا تستباح بالاباحة والبدل فلا يحل لاحد قتل نفسه ولا قطع طرفه ولا يحل لغيره ذلك ببذله أى باباحته له لحق الله تبارك وتعالى، فان فعلا فقطع يسار جان من له قود فى يمينه بتراضيهما أو عكسه بأن قطع يمين جان من له قود يساره بتراضيهما أجزأت وسقط القود، لأن القود سقط فى الأولى باسقاط صاحبها وفى الثانية باذن صاحبها فى قطعها، وديتها مساوية قال له أبو بكر أو قطعها أى اليسار من له قود اليمين أو العكس متعديا أجزأت ولا قود لانهما متساويتان فى الدية والألم والاسم فتساقطا. ولان ايجاب السقوط يفضى الى قطع يد كل منهما واذهاب منفعة الجنس وكل من القطعين مضمون بسرايته لأنه عدوان أو قطع خنصر ببنصر أجزأت ولا ضمان لما سبق. أو قال المجنى عليه للجانى أخرج يمينه فأخرج يساره عمدا أو خطأ أو ظنا انها تجزى فقطعها أجزأت على كل حال. قال فى الانصاف، وهذا المذهب، ولم يبق قود ولا ضمان كقطع يسار السارق بدل يمينه حتى ولو كان أحدهما أى الجانى والمجنى عليه مجنونا لأنه لا يزيد على التعدى بخلاف ما اذا قطع يد انسان وهو ساكت لأنه لم يوجد منه البذل
(1)
. فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أقل من ذلك لم يجز القصاص لأنها فوق حقه.
وهل له أن يقطع من أصابع الجانى بعدد أصابعه؟ فيه وجهان.
ولا تؤخذ يد أو رجل ذات أظفار بما لا أظفار لها لزيادتها على حقه ولا بناقصة الاظفار حتى الجانى بذلك أولا لما تقدم من أن الدماء لا تستباح بالاباحة. فلو قطع من له خمس أصابع يد من له أربع أصابع فأقل، أو قطع من له أربع يد من له ثلاث أصابع فأقل فلا قصاص لعدم المساواة، أو قطع ذو اليد الكاملة يدا فيها اصبع
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 382 وما بعدها نفس الطبعة السابقة.
شلاء فلا قصاص لعدم المساواة.
وان كانت المقطوعة من يد أو رجل ذات أظفار. الا أنها أى الاظفار - خضراء مستحشفة ورديئة - أخذت بها السليمة كما يؤخذ الصحيح بالمريض.
ولا يؤخذ لسان ناطق بلسان أخرس لنقصه، ولا يؤخذ ذكر صحيح بأشل ولا ذكر فحل بذكر خصى أو عنين لأنه لا نفع فيها ولأن الخصى لا يولد له ولا ينزل ولا يكاد العنين أن يقدر على الوط ء فهما كالاشل. ويؤخذ مارن الأشم الصحيح بمارن الأخشم الذى لا يجد رائحة شئ لعدم الشم لعلة فى الدماغ ونفس الانف صحيح فوجب أخذ الأخشم به لانه مثله. ولا يؤخذ مارن الصحيح المجذوم وهو المقطوع وتر أنفه بالمستحشف وهو الردئ، لأن ذلك مرض ولأنه لا يقوم مقام الصحيح. وتؤخذ أذن سميع صحيحة بأذن أصم شلاء لأن العضو صحيح ومقصوده الجمال لا السمع وذهاب السمع لنقص فى الرأس لأنه محله وليس بنقص فى الاذن. ويؤخذ معيب من ذلك المذكور كله بصحيح لأنه رضى بدون حقه كما رضى المسلم بالقود من الذمى. والحر من العبد، ويؤخذ معيب من ذلك كله بمثله لحصول المساواة فتؤخذ الشلاء من يد أو نحوها بالشلاء اذ أمن من قطع الشلاء التلف بأن يسأل أهل الخبرة فان قالوا: انها اذا قطعت لم تفسد العروق ولم يدخل الهواء أجيب الى ذلك وان قالوا: يدخل الهواء فى البدن فيفسد سقط القصاص.
وتؤخذ الناقصة بالناقصة اذا تساوتا فى النقص بأن يكون المقطوع من يد الجانى كالمقطوع من يد المجنى عليه لحصول المماثلة فان اختلفا فى النقص فكان المقطوع من يد أحدهما الابهام والمقطوع من الأخرى أصبع غيرها كالسبابة لم يجز القصاص لعدم المساواة ولا يجب له أى المجنى عليه اذا أخذ المعيب بالصحيح وأخذ الناقص بالزائد مع ذلك الأخذ أرش لأن الاشل كالصحيح فى الخلقة وانما نقص فى الصفة ولأن الفعل الواحد لا يوجب مالا وقودا وان اختلفا. أى الجانى وولى الجناية.
فى شلل العضو وصحته بأن قال الجانى كان أشل، وأنكره ولى الجناية فالقول قول ولى الجناية مع يمينه. وكذا لو اختلفا فى نقص العضو بغير شلل لأن الظاهر السلامة وظفر كسن فى انقلاع وفى عود على ما سبق تفصيله.
وان قطع الجانى بعض لسان. أو بعض شفة أو بعض حشفة أو بعض ذكر.
أو بعض أذن. قدر بالاجزاء كنصف وثلث وربع وأخذ منه مثل ذلك لقول الله تبارك وتعالى: «وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» ولأنه يؤخذ جميعه بجميعه فأخذ بعضه ببعضه ولا يؤخذ بالمساحة لئلا يفضى الى أخذ جميع عضو الجانى ببعض عضو المجنى عليه
(1)
.
(1)
نفس المرجع ج 3 ص 384 وما بعدها الطبعة السابقة.
وجاء فى كشاف القناع أيضا أنه انما يقتص فى كل جرح ينتهى الى عظم كالموضحة فى الوجه والرأس وجرح العضد والساعد والفخذ والساق والقدم لانه يمكن استيفاؤه من غير حيف ولا زيادة لانتهائه الى عظم أشبه قطع الكف من الكوع ولأن الله نص على القصاص فى الجروح فلو لم يجب فى كل جرح ينتهى الى عظم. سقط حكم الآية ولا يستوفى القصاص فى الجروح فلو لم يجب فى كل جرح ينتهى الى عظم سقط حكم الآية ولا يستوفى القصاص فيما دون النفس بالسيف خوف التعدى ولا يستوفى بآلة يخشى منها الزيادة لانها عدوان وسواء كان الجرح بها أى بالآلة التى يخشى منها الزيادة أو بغيرها لحديث إن الله كتب الإحسان على كل شئ فان كان الجرح موضحة أو ما أشبهها وأنه يستوفى بالموسى أو حديدة ماضية معدة لذلك لا يخشى منه الزيادة ولا يستوفى ذلك الا من له علم بذلك كالجرائحى ومن أشبه ممن له خبرة بذلك. فان لم يكن للولى علم بذلك أمر بالاستنابه لأنه أحد نوعى القصاص كالنفس. ولا يقتص فى غير جرح ينتهى الى عظم من الشجاج والجروح كما دون الموضحة كالباضعة أو أعظم منها أى الموضحة كالهاشمة والمنقلة والمأمومة وأم الدماغ لأنه ليس له حد ينتهى اليه، ولا يمكن الاستيفاء من غير حيف.
وله أن يقتص فيهن أى فى الهاشمة وما بعدها موضحة لأنه يقتص على بعض حقه ويقتص من محل جنايته فانه انما وضع السكين فى موضع وضعها الجانى فيه لأن سكين الجانى وصلت العظم ثم تجاوزته بخلاف قاطع الساعد، فانه لا يضع سكينه فى الكوع، ويجب له اذا اقتص موضحة والجناية فوقها ما بين دية الموضحة ودية تلك الشجة لأنه تعذر فيه القصاص فوجب الأرش كما لو تعذر فى جميعها
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: وحواشيه:
أنه اذا قطعت الأنف من المارن فهو معلوم القدر مأمون التعدى فى الغالب فيجب القصاص حينئذ وكذلك يؤخذ المنخر بالمنخر والروثة بالروثة والوتيرة بالوتيرة.
ومن قطع المارن والقصبة قطع مارنه وسلم أرش القصبة ومن قطع بعض مارن غيره قدر وقطع بقدره من نصف أو ثلث أو ربع ولا يقدر بالمساحة ولا عبرة بالطول والعرض وكذلك الاذن وان لم تكن ذات مفصل فهى معلومة القدر مأمونة التعدى فى الغالب فيؤخذ الاذن بالاذن وان اختلفا صغرا وكبرا صحة وصمما اذا كان السمع لا ينقص بالقطع والمثقوبة بالصحيحة والعكس
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 385 وما بعدها نفس المطبعة السابقة.
فان أخذ بعضها أخذ مثله مقدرا.
واللسان والذكر من الأصل حكمهما حكم الأنف والأذن فى وجوب القصاص وكذا يقتص ببعض اللسان والذكر. وقال مولانا عليه السلام: فى أخذ الذكر بالذكر نظر اذ لا يؤمن على النفس اذا قطع من أصله بخلاف اليد ونحوها ولهذا أشرنا الى ضعف جعل اللسان والذكر كالأذن لقولنا: قيل ولا يجب القصاص فيما عدا ذلك.
أى فيما عدا النفس والموضحة ومعلوم القدر مأمون التعدى
(1)
.
وجاء فى شرح الأزهار: أنه من أذهب أحد عضوين أخوين وجب أن يأخذ به نظير ذلك العضو فيجب فى العضو الأيمن من المجنى عليه الأيمن من الجانى نحو العين اليمنى بالعين اليمنى لا اليسرى وكذلك الاذنان ونحو ذلك اذا كان أحد العضوين أسفل والآخر أعلى كالشفتين فانه يؤخذ بالسفلى مثلها وبالعليا مثلها فان قطع اليمنى ويمين الجانى شلاء أن له قطع الشلاء ما لم يخش سرايتها الى نفس الجانى فان خشى موته فلا.
قال الامام يحيى: ويرجع فى ذلك الى عدلين من أهل الخبرة بالجرائح لأنه لا يؤمن أن تبقى أفواه العروق مفتوحة لا تنحسم فتدخل الريح فيها فيخشى على نفسه وكان فيه أخذ نفس بيد وذلك لا يجوز. وكذا لو كانت يد الجانى زائدة أصبعا أو نقصت.
وقد أشار الامام يحيى بقوله: أنه يقتص ويأخذ أرش ما نقص، فاذا قطع يدا كاملة وليده أصبعان قطعت ووفى المجنى عليه أرش ثلاث أصابع ونحو ذلك فان تعذر أخذ المثل بأن لا يكون للجانى على عضو عضو يماثله نحو أن يقلع أعور ذاهبة عينه اليمنى عينا يمنى فان القصاص هنا متعذر لعدم تماثل العضوين وهكذا فى اليدين ونحوهما فان لم يوجد المثل فالدية لذلك العضو
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أنه لا قصاص الا بالحديد لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا قود الا بحديد» فيقاس الجرح طولا وعرضا بخيط وشبهه ويعلم طرفاه فى موضع الاقتصاص ثم يشق من احدى العلامتين الى الأخرى ولا تجوز الزيادة. فان اتفقت عمدا اقتص من المستوفى أو أخطأ فالدية. ويرجع الى قوله فيهما بيمينه. أو لاضطراب المستوفى منه
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 385 - 387 الطبعة الثانية شهر شعبان سنة 1357 هـ بمطبعة حجازى بالقاهرة.
(2)
شرح الأزهار ج 4 ص 395 - 396 الطبعة السابقة.
فلا شئ لاستنادها الى تفريطه. وينبغى ربطه على خشبة أو نحوها لئلا يضطرب حالة الاستيفاء. ويؤخر قصاص الطرف من الحر والبرد الى اعتدال النهار حذرا من السراية. ويثبت القصاص فى العين للآية ولو كان الجانى بعين واحدة والمجنى عليه باثنتين قلعت عين الجانى وان استلزم عماه فان الحق أعماه ولا طلاق قول الله تعالى «وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ» ولا رد.
ولو انعكس بأن قلع عينه أى عين ذى العين الواحدة. رجل صحيح العينين فأذهب بصره اقتص له بعين واحدة لأن ذلك هو للمماثل للجناية وقال ابن الحفيد والشيخ فى أحد قوليه وجماعة وله مع القصاص على ذى العينين نصف الدية لأنه أذهب بصره أجمع وفيه الدية وقد استوفى منه نصف الدية وهو العين الواحدة فيبقى له النصف.
وروى محمد بن قيس عن الباقر قال:
قضى أمير المؤمنين على رضى الله عنه فى رجل أعور أصيبت عينه الصحيحة ففقئت أن يفقأ احدى عينى صاحبه ويعقل له نصف الدية وان شاء أخذ دية كاملة ويعفو عن صاحبه.
وروى مثلها عبد الله بن الحكم عن الصادق ولو ذهب ضوء العين مع سلامة قيل: فى طريق الاقتصاص منه باذهاب بصرها مع بقاء حدقتها: طرح على أجفان الجانى قطن مبلول، وتقابل بمرآة محماة مواجهة الشمس بأن يفتح عينيه ويكلف النظر اليها حتى يذهب الضوء من عينه وتبقى الحدقة.
والقول فى استيفائه على هذا الوجه هو المشهور بين الأصحاب، ومستنده ما روى أن عليا كرم الله وجهه فعل ذلك فيمن لطم عين غيره فأنزل فيها الماء وأذهب بصرها. ويجوز الاقتصاص بما يحصل به الغرض من اذهاب البصر وابقاء الحدقة بأى وجه اتفق.
ويثبت القصاص فى الشعر أن أمكن الاستيفاء المماثل للجناية بأن يستوفى ما ينبت على وجه ينبت وما لا ينبت كذلك على وجه لا يتعدى الى افساد البشرة ولا الشعر زيادة عن الجناية. وهذا أمر بعيد ومن ثم منعه جماعة وتوقف آخرون
(1)
.
ويقطع ذكر الشاب بذكر الشيخ وذكر المختون بالأغلف، والفحل بمسلول الخصيتين لثبوت أصل المماثلة وعدم اعتبار زيادة المنفعة ونقصانها.
وتقطع يد القوى بيد الضعيف، وعين الصحيح بالأعشى، ولسان الفصيح بغيره.
ولا يقطع الصحيح بالعنين ويثبت فى العكس وفى الخصيتين وفى احداهما القصاص ان لم يخف بقطع الواحد ذهاب منفعة
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 411 - 412 طبعة دار الكتاب العربى بمصر.
الأخرى فان خيف فالدية ولا فرق فى جواز الاقتصاص فيهما بين كون الذكر صحيحا وعدمه لثبوت أصل المماثلة.
وتقطع الأذن الصحيحة بالصماء لأن السمع منفعة أخرى خارجة عن نفس الأذن فليس الأمر كالذكر الصحيح والعنين حتى لو قطع أذنه فان زال سمعه فهما جنايتان.
ولا تؤخذ الأذن الصحيحة بالمخرومة بل يقتص الى حد الخرم ويؤخذ حكومة الباقى أما الثقب فليس بمانع.
وتقطع الأنف الشام بالأخشم، لأن منفعته خارجة عن الأنف والخلل فى الدماغ لا فيه. وكذا يستوى الأقنى والأفطس والكبير والصغير وأحد المنخرين بصاحبه المماثل له فى اليمين واليسار كما يعتبر ذلك فى نحوهما من الأذنين واليدين، وكما يثبت فى جميعه فكذا فى بعضه، لكن ينسب المقطوع الى أصله. ويؤخذ من الجانى بحسابه لئلا يستوعب بالبعض أنف الصغير فالنصف بالنصف والثلث بالثلث وهكذا
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه لا قصاص فى كتمان فى النفس وما دون النفس بل الأرش والدية فى الكتمان وخص القصاص فى النفس وما دونها فى الكتمان والظهور.
وقيل لا يجوز فيما دون النفس ويجوز فى النفس.
وقيل يجوز مع السلطان فقط ولو جائرا وهو المختار لأنه ملك البلاد.
وفى الأثر: من أخذ القصاص فى زمان الكتمان هلك وان مات بذلك ضمن دية الذى أخذ منه القصاص وان كان وارثا فلا يرثه. وهكذا لا يرثه وان اقتص منه فى الظهور فهذا قول، وذلك قول، ولعله أراد هنا بالقصاص ما دون النفس جريا على منع القصاص فيه الا فى الظهور وبمحل قدر فيه على القصاص بلا زيادة ولا نقص أى يتم القصاص بحيث يتمكن من المماثلة فيه بحيث لا يكون مظنة للزيادة، والنقص كمفصل، فقد يمكن من غير مفصل مثل أن يقطع رجله فيفصلها من الساق فان الفصل سهل ممكن لا يخشى عليه من الزيادة، وان نقص زاد حتى تفصل وهذا غير معتاد.
قال ابن محبوب: لا قصاص فى القطع فى العظام من غير مفصل، كالقصاص بالاذن والعين وقلع السن لا قطعها
(2)
.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 412 وما بعدها نفس الطبعة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد يوسف أطفيش ج 8 ص 88 طبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر.
ولو قطع رجل يد آخر من فوق المفصل لاقتص منه بقطعها من المفصل وأخذ الفضل دية وان شاء أخذ الدية.
ووجه أخذ الفضل دية. عند صاحب شرح النيل: أن ينظر كم يكون ما لم يقطعه، فان كان نصفا فله نصف دية اليد، وان ثلثا فله ثلثها.
وقال المصنف كغيره: للباقى ثلث الدية. وان اقتصر على الدية فدية يد لا غير لأن القطع بمرة وان قطعها من فوق الرسغ (مارق من اليد) وما فوقه أخص مما فوق المفصل خير فى الاقتصاص من الرسغ مع أخذ دية الباقى وبين الاقتصار على أخذ الدية.
ولو قطع رجل يد آخر من فوقه الى جهة الأصابع واذ اقتص فلما بقى فى اليد من عند الرسغ اذا قطعت لمنتهاها من الكتف ثلث ديتها فان قطع قاطع منها كان لما قطع ثلثها بحساب ما قطع وما بقى، فان كان ما قطع بعد القطع المذكور نصفا والباقى نصفا فله نصف الثلث وان كان ثلثا فثلث الثلث
(1)
.
وان قطع رجل يمنى آخر وللقاطع يسراه فقط فان خلق بها فقط أو زالت يمناه قبل لزومه الأرش وهو دية اليد فلا قصاص لأنها المماثلة ولم تكن هنا لأنه لا يمنى للجانى لا يقبل منه لا سم القصاص الرضا بقطع يده اليسرى كعكسه. وان قطع اليمنى وكان بها فقط خير المقطوع فى دية يده وفى القطع ورد نصف الدية ان لم يكن القاطع أخذ للأولى الذاهبة، وان قطع أصبعا أو راجية وليست للقاطع فالدية
(2)
.
ولا يضر تخالف بصغر وكبر أو عمش بعين أو غيره أى غير العين من الأعضاء كأذن وأنف بين جان ومقتص منه فتقلع العين الكبيرة بالصغيرة والعكس ومن له عين واحدة فنزع لذى عينين عينا واحدة لم تنزع واحدته ويترك أعمى لأن واحدته كاثنتين فى غيره، ولكن له دية عينه وقيل دية كاملة. وينزع ذو العين الواحدة لذى العينين واحدة، العين اليمنى ان كانت المنزوعة اليمنى واليسرى ان كانت اليسرى لا هما معا
(3)
.
ومن نزع لرجل عينين أخذ له واحدة بالقلع قصاصا ودية الأخرى أو أخذ ديتهما معا ولا يجب أن ينزعهما معا، وقيل يجب وهو أولى لأن فى ذلك تمام القصاص وان نزع ذو العينين عينى رجلين، أى عين رجل وعين رجل آخر فلهما عليه نزع عين واحدة ان شاءا أن ينزعاها نزعاها وحدها سواء كانت يمنى أو يسرى ان نزع من أحدهما يمناه ومن الآخر يسراه. وان نزع
(1)
نفس المرجع ج 8 ص 88 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 89 نفس الطبعة.
(3)
شرح النيل ج 8 ص 208 - 210 نفس الطبعة.
منهما جميعا اليمنى أو: اليسرى نزعا منه ما نزع منهما، وعلى كل حال لا يجب أن ينزعا عينيه كليتهما وقيل:
لهما أن ينزعا عينيه كليتهما. وان أراد كل منهما دية عينه فله. وأن أراد أحدهما النزع والآخر الدية جاز لهما. وان تسابقا الى النزع فنزع السابق، أو الى الامام أو قاضية فأمر له به، وان نزع بلا سبق اليهم لم يضمن فللسابق نزع العين وللآخر الدية وكذا غير العين من الأعضاء كالأذنين من الأعضاء المتعددة والمتحدة فى جميع المسائل المتقدمة أن تكون له يد واحدة، فينزع لذى اليدين يدا واحدة فانه لا ينزع واحدته ويترك بلا يد، وينزع له واحدة فى عكسه، وهكذا ومثل أن يقطع ذكرى رجلين فلهما نزع ذكره وهكذا. وما قطع لا من مفصل لزم القطع به فيه وفيما زاد النظر.
وقيل: لا شئ فيه. وكذا القطع من مرفق أو ركبة يقطع منهما من قطع غيره منهما وان زاد قطع منهما.
وفى الزائد النظر.
وقيل: لا شئ فى الزائد.
وقيل ان قطع انسان انسانا من مرفق أو ركبة فانه يقطع منه بهما، اليد والرجل من الرسغ والكعب والركبة.
وقيل لا يؤخذ شئ فى الحكم بعد القطع من الرسغ ومن الكعب ولا وجه لهذا القول.
نعم ان فعل ذلك المجنى عليه يقال له لا شئ لك لأنك اخترت القصاص ولم تف به فمالك الا ما فعلت، اذ لا تؤلمه مرتين، ولا دية لك فى الزائد لأنك اخترت القصاص
(1)
.
وان جرح قاطع يد رجل فى يده بعد قطعة وذلك الجرح فى محل القطع أو بها قرح فى محل القطع كره قطعها حتى تبرأ.
ولا يقطع عضو أو يقلع بوقت يتولد فيه من قطعه موت أو بطلان كالسمائم
(2)
.
ويقتص بشفرة حادة ولو كان الأول بكليلة، وان وجد تلك الآلة الكليلة قطع بها أو بالحادة. ويأخذ القصاص من وكله الامام أو القاضى عليه. ويداوى المقتص منه نفسه حذرا من هلاكه أو يداويه وليه أو غيره. ومن فقئت عينه أو قلعت فأراد قصاصا جعل المقتص على وجه المقتص منه مانعا من حرارة النار كقطن أو عجين ويلف غير التى تنزع بالقلع أو الفقء ثم يحمى مرآة هندية ثم
(1)
المرجع نفسه ج 8 ص 210 وما بعدها نفس الطبعة.
(2)
جمع سائمة: الريح الشديدة الحرارة فى القيظ ويقابلها فى الشتاء الليالى الشديدة البرودة.
يمسكها مقابلها حتى تسيل. وتنشر سن بمبرد فى قصاص بسن منكسرة حتى تساوى السن المقتص به أو حتى تساوى اللثة.
ويرى صاحب شرح النيل أنه لا يحسن شئ من ذلك اذ لا تقوى السن على مرور المبرد عليها بل ذلك يؤدى الى افساد السن كلها أو قطعها والواجب دية السن.
وقد اختلف فى قطع الأعضاء.
قيل يقتص منه. وقيل لا.
وقيل: ان كان من المفصل يقتص منه وان كان من غيرها فلا يقتص.
وقال بعض الشيوخ: هذا الخلاف راجع الى خوف التلف وعدم الخوف.
وينتظر مجروح أراد قصاص جرحه سنة حتى يتجسم وان تجسم قبل تمامها اقتص وان تمت ولم يتجسم فله أن يقتص. وان اقتص على الفور ولم ينتظر كذلك سنة فقام اليه جرحه بعد فكان منه بطلان أو هلاك لم يدرك أرش ذلك وقيل لا يقتص ما لم يتجسم. ولو تمت السنة لعموم ظاهر ما رواه عمر ابن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا طعن رجلا بقرن فى ركبته فجاء النبى صلّى الله عليه فقال: أقدنى.
فقال النبى صلى الله عليه وسلم:
«حتى تبرأ ثم جاء اليه فقال أقدنى فأقاده ثم جاء اليه فقال: يا رسول الله: عرجت. فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: نهيتك فعصيتنى فأبعدك الله ويطيل عرجك» ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ. ولا قصاص بعد طلب دية العضو أو الجرح. وفى طلب المال هل يمنع القصاص خلاف
(1)
.
الديات والحكومات فى الأطراف
أولا: دية الأنف:
مذهب الحنفية:
جاء فى الكفاية أن الأصل فى الأطراف أنه اذا فوت جنس منفعة على الكمال أو أزال جمالا مقصودا فى الآدمى على الكمال يجب كل الدية لاتلافه النفس من وجه وهو ملحق بالاتلاف من كل وجه تعظيما للآدمى أصله قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية كلها فى اللسان والأنف. ففى الأنف الدية لأنه أزال الجمال على الكمال وهو مقصود وكذا اذا قطع المارن أو الأرنبة ولو قطع المارن مع القصبة لا يزاد على دية واحدة
(2)
لأنه عضو
(1)
شرح النيل ج 8 ص 221، 222 الطبعة السابقة.
(2)
الهداية شرح الكفاية ونتائج الأفكار لجلال الدين الحوارزمى الكرلانى ج 9 ص 212 طبعة المطبعة اليمنية سنة 1319 هـ.
واحد. وتجب الدية بفوات الشم بقول المجنى عليه اذا صدقه الجانى أو استحلف فنكل وطريقة معرفة ذهاب الشم أن يوضع بين يدى المجنى عليه ما له رائحة كريهة فان تنفر عن ذلك، علم أنه لم يذهب شمه
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى: أن فى الأنف الدية كاملة اذا قطع من العظم، وهو تفسير المارن أو قطع من أصله، فذلك سواء فيه الدية كاملة بمنزلة رجل قطع حشفة رجل ففيها الدية كاملة، وان قطع ذكر رجل ففيه الدية كاملة، فدية الحشفة ودية الذكر كله سواء، وكذلك المارن والأنف اذا قطع من أصله فذلك فى الدية سواء وان خرم أنفه فيرى الامام مالك أن فى كل نافذة فى عضو من الأعضاء اذا برئ وعاد لهيئته من غير عثل فلا شئ فيه. لا حكومة ولا غير ذلك وان برئ على المثل ففيه الاجتهاد وهو رأى ابن القاسم. وما قطع من الأنف يحسب بحساب ما ذهب منه من المارن
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم: أنه فيما قطع من المارن الدية بحساب المارن ان قطع نصفه ففيه النصف أو ثلثه ففيه الثلث. ويحسب بقياس مارن الأنف نفسه ولا تفضل واحدة من صفحتيه على واحدة ولا روثته على شئ لو قطع من مؤخره ولا الحاجز من منخرية على ما سواه. وان كان أو عبت الروثه الا الحاجز كان فيما أو عبت سوى الحاجز من الدية بحساب ما ذهب منه - واذا شق فى الأنف شق ثم التأم ففيه حكومة فاذا شق فلم يلتئم فتبين انفراجه أعطى من دية المارن بقدر ما ذهب منه وحكومة ان لم يذهب منه شئ. وقد روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أن فى الأنف اذا قطع المارن مائة من الابل. والأنف هو المارن لأنه غضروف يقدر على قطعه بلا قطع لغيره، وأما العظم فلا يقدر على قطعه الا بمؤنة وضرر على غيره من قطع أو كسر أو ألم شديد واذا قطع المارن فأبين فأعاده المجنى عليه أو غيره فالتأم ففيه عقل تام كما يكون لو لم يعد ولو لم يلتئم. ولو قطعت منه قطعة فلم توعب وتدلت فأعيدت فالتئمت كان فيها حكومة، لأنها لم تجدع انما الجدع القطع. واذا ضرب الأنف فاستحشف حتى لا يتحرك غضروفه ولا الحاجز بين منخريه ولا يلتقى منخراه ففيه حكومة لا أرش تام. ولو كانت الجناية عليه فى هذا عمدا لم يكن فيه قود، ولو خلق هكذا أو جنى عليه فصار هكذا ثم قطع كانت فيه حكومة أو أكثر من حكومة اذا استحشف وما أصابه من هذا الاستحشاف وبقى بعضه دون
(1)
الكفاية ج 9 ص 214 الطبعة السابقة.
(2)
المدونة الكبرى للامام مالك ج 4 ص 433، ص 435.
بعض ففيه حكومة بقدر ما أصابه من الاستحشاف ولم يجعل استحشافه كشلل اليد لأن فى اليد منفعة تعمل وليس فى الأنف أكثر من الجمال أو سد موضعه، وأنه مجرى لما يخرج من الرأس ويدخل فيه، فكل ذلك قائم فيه وان كان قد نقص الانضمام أن يكون عونا على ما يدخل الرأس من الصعوط، ولم يجز أن يجعل فيه اذا استحشف ثم قطع الدية كاملة وقد جعل فى استحشافه حكومة وهو ناقص كما وصف
(1)
.
واذا كسر الأنف ثم جبر ففيه حكومة ولو جبر أعوج كانت فيه الحكومة بقدر عيب العوج. ولو ضرب الأنف فلم يكسر لم يكن فيه حكومة لأنه ليس بجرح ولا كسر عظم. ولو كسر الأنف أو لم يكسر فانقطع عن المجنى عليه أن يشم ريح شئ بحال، فقد قيل:
فيه الدية. ومن قال هذا قاله:
لو جدع وذهب عنه الشم فجعل فيه الدية وفى الجدع الدية.
وان كان قد ذهب الشم عنه فى وقت الألم ثم يعود اليه بعد فانه ينتظر حتى يأتى ذلك الوقت. فان مات قبله أعطى ورثته الدية.
وان جاء وقال: لا أشم شيئا أعطى الدية بعد أن يحلف ما يجد رائحة شئ بحال.
وان قال: أجد ريحة ما اشتدت رائحته وجدت ولا أجد ريح ما لا نت رائحته وكنت أجدها فان كان يعلم لذلك قدر جعل فيه بقدره، وان كان لا يعلم له قدر ففيه حكومة بقدر ما يصف منه ويحلف فيه كله وان قضى له بالدية ثم أقر أنه يجد رائحة قضى عليه برد الدية وان مر بريح مكروهة فوضع يده على أنفه فقيل قد وجد الرائحة ولم يقر بأنه وجدها لم يرد الدية من قبل أنه قد يضع يده على أنفه ولم يجد شيئا من الريح ويضعها حاكا له ومستمخطا وعبثا ومحدثا نفسه ومن غبار أو غيره
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن فى مارن الأنف وهو مالان منه دون القصبة ولو من أخشم الدية لأن الشم ليس فى الأنف وان قطع الجانى المارن وشيئا من القصبة فعليه دية واحدة ويندرج ما قطع من القصبة فى دية الأنف كما لو قطع اليدين مما فوق الكوع وفى كل واحد من المنخرين
(1)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 104.
(2)
الأم ج 6 ص 104 - 105 الطبعة السابقة.
والحاجز بينهما ثلث الدية لأن الأنف يشتمل على هذه الثلاثة.
وفى قطع أحد المنخرين مع نصف الحاجز نصف الدية ولأنه قطع نصف الأنف وفى قطع أحد المنخرين مع كل الحاجز ثلثا الدية.
وفى الشم الدية كما فى كتاب عمرو ابن حزم. وفى ذهاب الشم من أحد المنخرين نصف الدية وفى بعضه حكومة اذا لم يعلم قدره، وان نقص الشم من أحد المنخرين قدر النقص بما يقدر به نقص السمع من احدى الأذنين.
وان قطع الجانى أنف المجنى عليه فذهب شمه فديتان لأن الشم ليس فى الأنف فلا تندرج ديته فيه. وان قطع مع الأنف اللحم الذى تحته ففى اللحم حكومة لأنه غير الأنف ولا مقدر فيه كقطع الذكر واللحم الذى تحته وان ضرب الجانى الأنف فأشله أو عوجه أو غير لونه فحكومة لأن نفع الأنف باق مع الشلل بخلاف اليد فان نفعها قد زال ونفع الأنف جمع الرائحة ومنع وصول شئ الى دماغه وفى قطع الأنف الا جلدة بقى معلقا بها فلم يلتحم واحتيج الى قطعه ففيه ديته لأن بقاءه اذن كعدمه وان رده فالتحم أو أبانه فرده فالتحم فحكومة لنقصه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(2)
: أنه ليس فى الأنف الا القود فى العمد أو المفاداة ولا شئ فى الخطأ لقول الله تبارك وتعالى: «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}.
(3)
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أنه تجب الدية فى الأنف واللسان والذكر اذا قطعت من الأصل - أما الأنف ففيه الدية ولو من أخشم لجماله فان قطع من أصله فلا خلاف أنه تجب فيه الدية، وذلك بأن يقطع من أصل العظم المنحدر من الحاجبين.
وان قطع من المارن فالذى حكى فى «الكافى» وشرح الابانه عن الهادى أن الدية لا تجب، والذى صححه للناصر ورواه عن الفقهاء أيضا انها تجب فيه الدية
(4)
.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 4 ص 23 الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ وبهامشه كتاب شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى.
(2)
المحلى لابن حزم الاندلسى ج 10 ص 433 المسألة رقم 2032 الطبعة الأولى سنة 1352 هبادارة الطباغة المنيرية شارع الأزهر مصر تحقيق محمد منير الدمشقى.
(3)
الآية رقم 5 من سورة الأحزاب.
(4)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الائمة الأطهار للعلامة أبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 444 الطبعة الثانية طبعة مطبعة حجازى بالقاهرة.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن فى الأنف الدية سواء قطع مستأصلا أو قطع مارنه خاصة. وقيل ان الدية فى مارنه خاصة دون القصبة حتى لو قطع المارن والقصبة معا فعلية دية وحكومة للزائد وهو أقوى. ولو قطع بعضه فبحسابه من المارن.
وكذا لو كسر ففسد، ولو جبر على صحة فمائة دينار وعلى غير صحة مائة وزيادة حكومة. وفى شلله وهو فساده ثلثا ديته صحيحا. وفى قطعه أشل الثلث، وفى روثته الثلث.
وفى كل منخر ثلث الدية على الأشهر لأن الأنف الموجب للدية يشتمل على حاجز ومنخرين وقيل النصف لأنه ذهب نصف المنفعة ونصف الجمال
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه يجب الدية كاملة فى كل ما كان واحدا من أطراف الانسان فتجب الدية فى مارن الأنف، وما كان دون ذلك فبحسابه. وقيل لأرنبة الأنف بحسب ما ذهب
(2)
.
وروى عن ابن محبوب أنه جاء فى الأثر: ان كسر قبل أنف فأدمى فبعير.
وان أدمى أحد منخريه أى مع الكسر للعظم المذكور فنصف بعير، ان نخشا المنخران جميعا فدية الانسان التامة، ولنخش أحدهما نصفها أى نصف دية الانسان التامة وان قطع مارن الأنف للقصبة فدية تامة، وان قطع بعضه فبحساب الذاهب، فلو قطعت ورقة الى القصبة لكان لها نصف الدية، قيل وللباقى ثلث الدية، وللأرنبة حساب الذاهب والباقى أى يعتبر ما يكون الذاهب من جهة الأنف الى القصبة فان كان ثلثا فثلث الدية، وان كان أقل أو أكثر فبحسابه أيضا وقيل للأرنبة نصف التامة. ولنافذة منخريه الثلث بدون أن تنفذ الورقة، ولها ثلث الثلث أن نفذت فى احدى الورقتين.
فان نفذت ضربة الضارب أو مثل الضربة الثقبتين والحاجز فثلث دية الأنف ولا حداهما الحاجز ثلثه أى ثلث الثلث روى ذلك عن ابن محبوب.
وفى الأثر: ومارنة الأنف ان قطعت وحدها نصف التامة. ومن ضرب رجلا فمالت أنفه أو حدبت أو حولت عينه فعليه السوم.
وقيل فى الوتيرة ثلث الدية
(3)
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 432 طبعة دار الكتاب العربى بمصر.
(2)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 19 طبعة المطبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر.
(3)
نفس المرجع السابق ج 8 ص 78 - 79 نفس الطبعة السابقة.
ثانيا: دية اللسان
مذهب الحنفية:
جاء فى الكفاية أن فى اللسان الدية وذلك لفوات منفعة مقصودة وهى النطق، وكذا فى قطع بعضه اذا منع الكلام لتفويت منفعة مقصودة وان كانت الآلة قائمة. ولو قدر على الكلام ببعض الحروف قيل: تقسم على عدد الحروف وقيل على عدد الحروف التى تتعلق باللسان فبقدر ما لا يقدر على نطقه تجب. وقيل أن قدر على أداء أكثر الحروف تجب حكومة عدل لحصول الافهام مع الاختلال. وان عجز عن أداء الأكثر يجب كل الدية لأن الظاهر أنه لا تحصل منفعة الكلام
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى أن فى اللسان ما منع منه الكلام دية كاملة فان قطع اللسان من أصله فانما فيه دية واحدة ودية اللسان فى الكلام ليس فى اللسان بمنزلة الأذنين انما الدية فى السمع وليس فى الأذنين فكذلك اللسان انما تكون الدية فيه اذا قطع منه ما يمنع الكلام.
فان قطع من اللسان ما نقص من حروفه ينظر فيه، فيكون عليه من الدية بقدر ما نقص من كلامه لأن الحروف بعضها أثقل من بعض فيكون عليه ما نقص
(2)
. وفى لسان الأخرس الاجتهاد
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم: أنه اذا قطع اللسان قطعا لا قود فيه خطأ ففيه الدية، وهو فى معنى الأنف ومعنى ما قضى النبى صلى الله عليه وسلم فيه بدية من تمام خلقة المرء وأنه ليس فى المرء منه الا واحد. واللسان مخالف للأنف فى معان منها. أنه المعبر عما فى القلب، وان أكثر منفعته ذلك التعبير، وان كانت فيه المنفعة بمعونته على أمرار الطعام والشراب. واذا جنى على اللسان فذهب الكلام من قطع أو غير قطع ففيه الدية تامة بغير اختلاف.
واذا قطع من اللسان شئ لا يذهب الكلام قيس، ثم كان فيما قطع منه بقدره من اللسان فان قطع خديه من اللسان تكون ربع اللسان فذهب من كلامه قدر ربع الكلام ففيه ربع الدية وان ذهب أقل من ربع الكلام ففيه ربع الدية وان ذهب نصف كلامه ففيه نصف
(1)
الهداية شرح الكفاية ج 9 ص 212 - 213.
(2)
المدونة للامام مالك ج 4 ص 434 رواية الامام سحنون عن الامام عبد الرحمن بن القاسم وبهامشه شرح كتاب المقدمات اللمهدات لابى الوليد محمد بن أحمد بن رشد.
(3)
المدونة الكبرى ج 4 ص 440 الطبعة السابقة.
الدية يجعل عليه الأكثر من قياس ما أذهب من كلامه أو لسانه .. واذا ذهب بعض كلام الرجل. اعتبر عليه بأصول الحروف من التهجى، فان نطق بنصف التهجى ولم ينطق بنصفه فله نصف الدية، وكذلك ما نطق به مما زاد أو نقص على النصف ففيه الدية بحسابه
(1)
.
فان خلق للسان طرفان فقطع رجل أحد طرفيه، فان أذهب الكلام ففيه الدية، وان ذهب بعضه ففيه من الدية بحساب ما ذهب منه.
وان أذهب الكلام أو بعضه فأخذت له الدية ثم نطق بعدها رد ما أخذ له من الدية. وان نطق ببعض الكلام الذى ذهب ولم ينطق ببعض رد من الدية بقدر ما نطق به من الكلام.
وان قطع أحد الطرفين ولم يذهب من الكلام شئ، فان كان الطرفان مستويى المخرج من حيث افترقا كان فيه الدية بقياس اللسان ربعا كان أو أقل أو أكثر، فان كان المقطوع زائدا عن حد مخرج اللسان ولم يذهب من الكلام شئ ففيه حكومة، وان كانت الحكومة أكثر من قدره من قياس اللسان لم يبلغ بحكومته قدر قياس اللسان وان قطع الطرفان جميعا وذهب الكلام ففيه الدية وان كان أحد الطرفين فى حكم الزائد من اللسان جعل فيه دية وحكومة بقدر الألم
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن فى اللسان الناطق الدية اذا استوعب قطعا اجماعا لأنه أعظم الأعضاء نفعا وأتمها جمالا، وفى الكلام الدية لأن كل ما تعلقت الدية باتلافه تعلقت باتلاف محله.
وفى الذوق اذا ذهب ولو من لسان أخرس الدية لان الذوق حاسة أشبه الشم والمذاق الخمس، الحلاوة والمرارة والحموضة والعذوبة والملوحة، فاذا ذهب واحد من الخمس فلم يدركه وادرك الباقى منها فخمس الدية لأن الخمس تجب فيها الدية ففى احداها خمسها وان ذهب اثنتان من الخمس فخمسا الدية وفى ثلاثة ثلاثة أخماس الدية وفى ذهاب أربعة أربعة أخماس الدية وان لم يدرك بواحدة من الخمس ونقص الباقى فخمس الدية التى لم يدرك بها وحكومة لنقص الباقى وان جنى على لسان ناطق فأذهب كلامه وذوقه مع اللسان فديتان كما لو ذهبت منافع اللسان مع بقائه، فان قطع اللسان فذهبت منفعة الكلام والذوق معا فدية واحدة لانهما ذهبا تبعا فوجبت دية اللسان دونهما كما لو قتل
(1)
الام للامام الشافعى ج 6 ص 105 طبعة كتاب الشعب.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 105 الطبعة السابقة.
انسان. وان ذهب بعض الكلام وجب من الدية بقدر ما ذهب من الكلام
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يجب فى اللسان اذا كان عمدا الا القود أو المفاداة لأنه جرح ولا مزيد وأما الخطأ فمرفوع بنص القرآن
(2)
.
ولسان الاخرس كغيره والالم واحد والقود واجب لقول الله تبارك وتعالى «وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ» أو المفادات، وكذلك لسان الصغير
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أنه تجب الدية فى الأنف واللسان والذكر اذا قطعت من من الأصل
(4)
. ولسان الصبى وذكره الذى لم يعلم صحتهما اذا قطعا ففى كل واحد منهما حكومة ذكره فى التفريعات وشرح الابانة. وقيل يجب فيهما الدية لأن الأصل فيهما الصحة والسلامة.
فان قطع لسان صبى يتكلم مثله ولم يتكلم هو فحكومة اذا الظاهر الخرس
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن استئصال اللسان بالقطع بحيث لا يبقى شئ منه الدية، وكذا فيما يذهب به الحروف أجمع، وفى اذهاب البعض بحساب الذاهب من الحروف بأن يبسط الدية عليها أجمع فيؤخذ للذاهب من الدية بحسابه ويستوى فى ذلك اللسنية وغيرها والخفيفة والثقيلة لاطلاق النص ولاعتبارها بمساحة اللسان، فلو قطع نصفه فذهب ربع الحروف فربع الدية خاصة وبالعكس وقيل هنا أكثر الأمرين من الذاهب ومن اللسان ومن الحروف لأن اللسان عضو متحد فى الانسان ففيه الدية وفى بعضه بحسابه. والنطق منفعة توجب الدية كذلك وهذا أقوى. وفى لسان الأخرس ثلث الدية تنزيلا له منزلة الأشل لاشتراكهما فى فساد العضو المؤدى الى زوال المنفعة المقصود منه، وفى بعضه بحسابه مساحة.
ولو أدعى الصحيح ذهاب نطقه بالجناية التى يحتمل ذهابه بها صدق
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 4 ص 24 وما بعدها الطبعة الأولى طبع بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ وبهامشه كتاب شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى.
(2)
المحلى لابن حزم الاندلسى ج 10 ص 443 مسألة رقم 2045 الطبعة الاولى بادارة الطباعة المنيرية بشارع الأزهر مصر.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 444 المسألة رقم 2046 نفس الطبعة.
(4)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 445 - الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 449 وما بعدها.
بالقسامة خمسين يمينا بالاشارة لتعذر اقامة البينة على ذلك وحصول الظن المستند الى الامارة بصدقه فيكون لوثا، وقيل يضرب لسانه بابرة فان خرج الدم أسود صدق من غير يمين على ما يظهر من الرواية وان خرج الدم أحمر كذب. والمستند رواية الأصبغ ابن نباته عن أمير المؤمنين وفى طريقها ضعف وارسال
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه تتم دية اللسان بذهاب كلامه كله وان ذهب بعض كلامه فانه يؤخذ ببعضه قدر الذاهب ويعتبر قدره بعدول فان أقام الحروف ولم يفهم كلاما لانفصال بعضها عن بعض أو نحو ذلك فسوم عدل بما قطع من اللسان. ان كان ذلك بسبب القطع فليس المرجع حينئذ الحروف، والأولى أن يرجع حينئذ الى مقدار ما قطع ان نصفا فنصف دية وهكذا.
وفى أثر: واللسان ان قطع كله أو بعضه وعرف ففيه القصاص، وفيه الدية التامة ان ذهب كلامه أو كله، وان ذهب كلامه فبقدره، وقيل فيه السوم. ولا قصاص فى لسان أعجم الا لمثله - وتوقف بعض فى القصاص فى اللسان، وقيل ان قطع وتكلم صاحبه فله نصف الدية ووجبت بذهاب الصوت اجماعا. وفى نافذة اللسان ثلث الدية كلسان الأعجم اذا ذهب كلامه
(2)
.
ثالثا: دية الذكر والأنثيين
مذهب الحنفية:
جاء فى الكفاية: أن فى الذكر الدية لأنه يفوت به منفعة الوط ء والايلاج واستمساك البول والرمى به ودفق الماء والايلاج الذى هو طريق الاعلاق عادة.
وفى الحشفة الدية كاملة لأن الحشفة أصل فى منفعة الايلاج والدفق والقصبة كالتابع له
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى: أن فى حشفة الذكر الدية، وان قطع الذكر من أصله ففيه دية واحدة، فان قطعت حشفة رجل خطأ فأخذ الدية ثم قطع رجل آخر عسيبه بعد ذلك ففيه الاجتهاد وان قطع رجل حشفة رجل خطأ ينتظر به حتى يبرأ لأن الامام مالكا يرى أن لا يقاد من الجارح عمدا الا بعد
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 432 - 433 طبعة دار الكتاب العربى بمصر.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 81 - 82 طبعة المطبعة الأدبية بسوق الخضار بمصر.
(3)
الكفاية ج 9 ص 213 الطبعة السابقة.
البرء، وحتى يعرف الى ما صارت اليه جراحاته. وما قطع من الحشفة انما تقاس الحشفة فينظر الى ما قطع منها فيقاس فما نقص من الحشفة كان عليه بحساب ذلك من الدية، ولا يقاس ذلك من أصل الذكر، لأن اليد لو قطعت من المنكب كان عقلها قد تم فان قطع منها أنملة من الأنامل انما هى على حساب الأصابع ولا ينظر الى اليد كلها، وكذلك الحشفة
(1)
.
وفى الأنثيين الدية وانما يراد بالانثيين البيضتان فاذا أهلكت البيضتان فقد تمت الدية. وان أخرج البيضتين عمدا أو رضهما عمدا ففى الأخراج القصاص أما الرض فان كان يخاف على الانثيين التلف وكانتا متلفتين فلا قود فيهما.
ومن قطع ذكر رجل وأنثييه جميعا فعليه ديتان. فان كان قطع أنثييه ولم يقطع الذكر ففيه الدية كاملة.
وان قطع ذكره ثم قطع أنثييه بعد ذلك ففى الذكر الدية وفى الأنثيين بعد ذلك الدية كاملة. ومن لا ذكر له ففى أنثييه الدية كاملة. ومن لا أنثيين له ففى ذكره الدية. والبيضتان سواء اليمنى واليسرى، وفى كل واحدة منهما نصف الدية
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم أنه اذا قطع الذكر فأوعب ففيه الدية تامة لأنه فى معنى الأنف ولأنه من تمام خلقة المرء، وأنه ليس فى المرء منه الا واحد. واذا قطعت خشفته فأوعبت ففيها الدية تامة وسواء فى هذا ذكر الشيخ الفانى الذى لا يأتى النساء اذا كان ينقبض وينبسط، وذكر الخصى الذى لم يأت امرأة قط وذكر الصبى لأنه عضو أبين من المرء سالم ولم تسقط فيه الدية بضعف فى شئ منه وانما يسقط أن يكون فيه دية تامة بأن يكون به كالشلل فيكون منبسطا لا ينقبض أو منقبضا لا ينبسط. فأما غير ذلك من قرح فيه أو غيره من عيوبه جذام أو برص أو عوج رأس فلا تسقط الدية فيه بواحد من هذا
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن فى الذكر الدية اجماعا من صغير وكبير وشيخ وشاب لعموم حديث عمرو بن حزم مرفوعا. «وفى الذكر الدية» رواه أحمد والنسائى وان قطع الجانى نصفه بالطول ففيه الدية كاملة لأنه ذهب بمنفعة الجماع. قال الموفق والشارح وهذا
(1)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 4 ص 435 الطبعة السابقة.
(2)
نفس المرجع ج 4 ص 437 نفس الطبعة.
(3)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 106 طبعة كتاب الشعب.
هو الأولى. وقال فى الأنصاف وهو الصواب.
ونقل الموفق عن أصحابنا أن فيه نصف الدية وقطع به فى (المنتهى).
وان قطع منه قطعة ما دون الحشفة وخرج البول على عادته وجب بقدر القطعة من جميع الذكر من الدية. وان خرج من موضع القطع وجب الأكثر من الدية أو الحكومة.
وفى حشفة الذكر الدية قال فى (المبدع) بغير خلاف نعلمه لأن منفعته تكمل بالحشفة كما تكمل منافع اليد بالأصابع.
وفى ذكر الخصى ولو جامع به حكومة.
وفى ذكر العنين حكومة. وفى الذكر دون حشفته حكومة لأنه لا مقدر فيه ولا يمكن ايجاب دية كاملة لذهاب منفعته.
وفى الانثيين الدية وفى أحداهما نصفها فان قطع الذكر والانثيين معا فديتان أو قطع الذكر ثم الانثيين فديتان لأن كل واحد منهما لو انفرد لوجب فى قطعه الدية فكذا لو اجتمعا. وان قطع الأنثيين ثم قطع الذكر ففى الأنثيين الدية لأن قطعهما لم يصادف ما يوجب نقصهما من ديتهما، وفى الذكر حكومة لأنه ذكر خصى. وان رض أنثييه أو أرسلهما كملت ديتهما كما لو قطعهما، وان قطعهما فذهب نسله فدية واحدة وكذا لو قطع احداهما فذهب النسل فنصف الدية لأن دية منفعة العضو تندرج فيه كما سبق غير السمع والشم
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: أنه لم يصح فى الدية فى الذكر والانثيين شئ لا نص ولا اجماع والواجب أن لا يجب فى ذلك شئ فى الخطأ وأن يجب فى ذلك القود فى العمد أو المفاداة لأنه جرح
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أن فى الذكر الدية اذا قطع من أصله وتدخل الحكومة فيها.
فان قطعت الحشفة فقط ففيها الدية أيضا وفى الباقى حكومة.
وتجب الدية فى كل زوج فى البدن اذا بطل نفعه بالكلية كالانثيين والبيضتين وجاء فى «الضياء والصحاح» أنهما البيضتان فصار فى الفرج ثلاثة أعضاء وهى الذكر والبيضتان والانثيان فأيها ذهب بالجناية لزمت فيه الدية وفى أحد
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس ج 4 ص 29 - 30 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 450 المسألة رقم 2053 الطبعة السابقة.
البيضتين أو الانثيين نصف دية. هكذا فى «شرح الابانة» وحكاه فى الكافى عن المؤيد بالله.
وقال الامام يحيى وعن القاضى زيد أنه يجب فى الذكر دية. وان تأخر قطعه عن الانثيين.
وأما اذا كان المقطوع الانثيين والبيضتين دون الذكر، فان كان بفعل واحد فالقياس أنه تجب ديتان لأنهما زوجان، وان كان بفعلين وجب فى الأول دية وفى الآخر حكومة لعدم نفعه بعد ذهاب صاحبه وذلك أقرب الى القياس.
وأما اذا قطع الثلاثة جميعا فان كان بضربة واحدة فالقياس وجوب ثلاث ديات وكذا اذا قدم الذكر ثم قطع الآخران بفعل واحد وأما اذا أخر قطع الذكر فله حكومة على الصحيح
(1)
.
مذهب الإمامية:
وجاء فى الروضة البهية: أن فى الذكر مستأصلا أو الحشفة فما زاد الدية لشيخ كان أم لشاب أم لطفل صغير قادر على الجماع أم عاجز عنه. ولو كان مسلول الخصيتين، لأنه مما فى الانسان منه واحد فتثبت فيه الدية مطلقا.
وفى بعض الحشفة بحسابه، أى حساب ذلك البعض منسوبا الى مجموعها خاصة.
ولو قطع ذكر العنين اعتبر بحسابه من المجموع لا من الحشفة والفرق بينه وبين الصحيح أن الحشفة فى الصحيح هى الركن الأعظم فى لذة الجماع بخلافها فى العنين لاستواء الجميع فى عدم المنفعة مع كونه عضوا واحدا فينسب الى مجموعه على الأصل. وفى الخصيتين معا الدية، وفى كل واحدة نصف الدية للخبر العام.
وقال جماعة منهم الشيخ فى «الخلاف» وأتباعه، والعلامة، فى المختلف:
فى اليسرى الثلثان وفى اليمنى الثلث لما روى من أن الولد يكون من اليسرى، ولتفاوتهما فى المنفعة المناسب لتفاوت الدية. وتخلق الولد من اليسرى لم يثبت وخبره مرسل وقد أنكره بعض الأطباء. وفى أدرتهما أى انتفاخهما أربعمائة دينار فان فجح أى تباعدت رجلاه أعقابا مع تقارب صدور قدميه فلم يقدر على المشى فثمانمائة دينار على المشهور
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه تجب الدية كاملة فى الذكر والفرج بأن قطع باب الدبر أو القبل وكذا فى الحشفة وحدها، وفيما يمنع جماعا أو ولادة بعدم انزال أو بغير ذلك أو دمعا أو ضحكا أو ريقا
(1)
شرح الأزهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 445 - 446 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 436 الطبعة السابقة.
أو مخاطا ان أمكن اتصاله وعدم القدرة على امساكه أو البول أو الغائط ولم ينقطع. وان كان الحدوث مرة ولم يكن بعدها فقيل له ثلث دية العضو وقيل النظر وفيه أقوال منها أنه لا ينحصر بل بحسب نظر الحاكم. ومنها أنه ثلث دية العضو. ومنها أنه خمس دية ذلك العضو وقيل انها نصف دية العضو وقيل عشرون درهما. وسواء فى ذلك وقع ذلك بضرب ذلك المحل أو ضرب محل آخر مثل أن يضربه فى رأسه فلا ينقطع مخاطه أو فى ظهره فلا يقوم قضيبه
(1)
. وان استؤصل ذكر أو قطع من أصله أو قطعت حشفته وأنثياه بها أى بضربة واحدة فخلاف فى دية واحدة أو ديتين فى ذلك قولان.
رابعا: دية اليدين والرجلين والأصابع
مذهب الحنفية:
جاء فى الهداية شرح الكفاية: أن فى اليدين الدية وفى الرجلين الدية وفى احداهما نصف الدية وفى كل اصبع من أصابع اليدين والرجلين عشر الدية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم «فى كل اصبع عشر من الابل» ولأن قطع الكل تفويت جنس المنفعة وفيه دية كاملة وهى عشر فتنقسم الدية عليها. والأصابع كلها سواء لاطلاق الحديث، ولأنها سواء فى أصل المنفعة فلا تعتبر الزيادة فيه كاليمين مع الشمال وكذا أصابع الرجلين لأنه يفوت بقطع كلها منفعة المشى فتجب الدية كاملة ثم فيهما عشره أصابع فتنقسم الدية عليها أعشارا وفى كل أصبع فيها ثلاثة مفاصل ففى أحدها ثلث دية الأصبع وما فيها مفصلان ففى أحدهما نصف دية الاصبع وهو نظير انقسام دية اليد على الأصابع
(2)
.
وفى أصابع اليد نصف الدية لأن فى كل أصبع عشر الدية فكان فى الخمس نصف الدية، ولأن فى قطع الأصابع تفويت جنس منفعة البطش وهو الموجب - على ما مر. فان قطعها مع الكف ففيه أيضا نصف الدية لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«وفى اليدين وفى احداهما نصف الدية» ولأن الكف تبع للاصابع لأن البطش بها.
وان قطعها مع نصف الساعد ففى الاصابع والكف نصف الدية، وفى الزيادة حكومة عدل وهو رواية عن أبى يوسف وعنه ان ما زاد على أصابع اليد والرجل فهو تبع للأصابع الى المنكب والى الفخذ لأن الشرع أوجب فى اليد الواحدة نصف الدية واليد اسم لهذه الجارحة الى المنكب يزاد على تقدير الشرع.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن أطفيش ج 8 ص 20 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الكفاية لجلال الدين الخوارزمى ج 9 ص 215.
ولو كان فى الكف ثلاثة أصابع يجب أرش الأصابع ولا شئ فى الكف بالاجماع لأن الأصابع أصول التقوم وللأكثر حكم الكل فاستتبعت الكف كما اذا كانت الأصابع قائمة بأسرها. وفى الاصبع الزائدة حكومة عدل تشريفا للآدمى لأنه جزء من يده ولكن لا منفعة فيه ولا زينة سواء كان فى العمد أو فى الخطأ، وسواء اذا كان للقاطع أصبع زائدة أم لا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى: أنه اذا شلت اليد أو الرجل فقد تم عقلهما فان كانت الضربة عمدا فشلت اليد أو الرجل ففيهما القود، ويضرب الضارب كما ضرب، يقتص لهذا المضروب من الضارب فان شلت يد الضارب والا كان عقل اليد فى مال الضارب وليس على العاقلة منه شئ. واذا شلت الأصابع ففيها ديتها كاملة.
ومن قطع هذه الأصابع بعد ذلك ففيها حكومة فان كان عمدا فلا قود فيها وفيها الحكومة فى مال الجانى
(2)
.
وجاء فى المدونة أيضا أن عقل الاصبع تماما فى كل مفصل من الابهام نصف عقل الأصبع. فان قطع رجل ابهام رجل فأخذ دية الأصبع ثم قطع رجل بعد ذلك العقدة التى بقيت من الابهام فى الكف ففيه حكومة. واذا قطعت الكف ليس فيها أصابع ففيها حكومة، وكذلك ان قطع بعض الكف.
وان قطع اصبعين بما يليهما من الكف فان كان فى ضربة واحدة فخمسا دية الكف وليس معه حكومة
(3)
.
واذا ذهب من الكف اصبعان ذهبتا من أمر الله أو قطعهما رجل عمدا أو خطأ فاقتص منه أو أخذ لذلك عقلا ثم قطع رجل كفه بأصابعه الثلاثة عمدا ففيها القصاص وتقطع يد القاطع والابهام وغيرها سواء عند ابن القاسم.
وأما الاصبعان والثلاثة فقول مالك الذى سمعه ابن القاسم وبلغه عنه فى الاصبعين والثلاثة أنه لا يقتص له من قاطعه ولكن يكون له العقل على قاطعه فى ماله.
وفى المرأة ان قطعت لها اصبعان عمدا فاقتصت أو عفت ثم قطع من ذلك الكف أيضا اصبعان فانه يؤخذ لها عشرون بعيرا ولا يضاف هذا الى ما قطع قبله لأن الذى قطع أولا لم يكن له دية وانما كان عمدا. وانما يضاف بعض الأصابع الى البعض فى الخطأ
(4)
وان قطع رجل ظفر رجل خطأ فان برئ وعاد لهيئته فلا شئ عليه، وان برأ
(1)
شرح الكفاية ج 9 ص 221 الطبعة السابقة.
(2)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 4 ص 437 الطبعة السابقة.
(3)
نفس المرجع ج 4 ص 438.
(4)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 4 - 443 - 444.
على عثم كان فيه الاجتهاد فان كان عمدا ففيه القصاص
(1)
سأل سحنون ابن القاسم قائلا: أرأيت المرأة الى كم توازى الرجل الى ثلث ديتها هى أم الى ثلث دية الرجل؟ قال ابن القاسم: قال مالك الى ثلث دية الرجل ولا تستكملها، أى اذا انتهت الى ثلث دية الرجل رجعت الى عقل نفسها.
ويرى الامام مالك أن فى كل شئ من الانسان مما له فرض سمى من الانسان اذا أصيب منه شئ فانتقص ثم أصيب بعد ذلك الشئ فانما له على حساب ما بقى من ذلك العضو.
وما كان من خلقة خلقها الله ولم ينتقص منها شئ كاليد يكون فيها الضعف ولكنه يبطش بها والرجل يستمتع بها ويمشى بها الا أن فيها ضعفا ففى كل هذا الدية كاملة اذا بنى عليه. وأما اذا كان ذلك فى شئ أصيب به حتى ضعفت اليد أو الرجل فأخذ لذلك عقلا ثم أصيب بعد ذلك فانما له ما بقى من العقل على حساب ما ذهب وما بقى
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم: أنه اذا قطعت اليد من مفصل الكف ففيها نصف الدية، وان قطعت من الساعد أو المرفق أو ما بين الساعد والمرفق ففيها نصف الدية والزيادة على الكف حكومة يزاد فى الحكومة بقدر ما يزاد على الكف ولا يبلغ بالزيادة وان أتت على المنكب دية كف تامة، وسواء اليد اليمنى واليسرى ويد الأعسر ويد غيره وسواء يد الأعسر اذا كانت الكف سالمة فقطعت ويد غير الأعسر، وانما تكون فيها الدية اذا كانت أصابعها الخمس سالمة، فان كانت أصابعها أربعا ففيها أربعة أخماس دية وحكومة الكف لا يبلغ بها دية أصبع، وان كانت أصابعها خمسا احداها شلاء ففيها أربعة أخماس دية، وحكومة الكف والأصبع الشلاء أكثر من الحكومة فى الكف ليس لها الا أربعة أصابع وان كانت أصابعها ستا ففيها ديتها وهى نصف الدية وحكومة فى الأصبع الزائدة. وكذلك ان كانت فيها اصبعان زائدتان أو أكثر يزاد فى الحكومة بقدر زيادة الأصابع الزوائد.
واذا كانت اليد شلاء قطعت ففيها حكومة والشلل اليبس فى الكف فتيبس الأصابع أو فى الاصابع وان لم تيبس الكف
(3)
.
وجاء فى الأم أن فى كل اصبع قطعت من رجل عشر من الابل وسواء فى ذلك الخنصر والابهام والوسطى. انما العقل على الأسماء وأصابع اليدين والرجلين
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 487 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 10 نفس الطبعة
(3)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 63 طبعة كتاب الشعب.
سواء وأصابع الصغير والكبير الفانى والشاب سواء والابهام من أصابع القدم مفصلان، فاذا قطع منهما مفصل ففيه خمس من الابل ولما سواها من الاصابع ثلاثة مفاصل فاذا قطع منها مفصل ففيه ثلاث من الابل وثلث
(1)
.
وجاء فى الأم أنه اذا قطع الرجل ظفر رجل عمدا فان كان يستطاع فيه القصاص اقتص منه وان لم يستطع منه القصاص ففيه حكومة. فان نبت صحيحا غير مشين ففيه حكومة وان نبت مشينا ففيه حكومة أكثر من الحكومة فيه اذا نبت غير ناقص ولا مشين وان لم ينبت ففيه حكومة أكثر من الحكومة التى قبله، ولا يبلغ بالحكومة دية أنملة ولا دية قدر ما تحت الظفر من الأنملة لأن الظفر لا يستوظف الأنملة فلا يبلغ بحكومته أرشها لو قطع ما تحته من الأنملة
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن فى اليدين الدية وفى احداهما نصفها للاخبار وسواء قطعهما من الكوع أو المنكب أو مما بينها لأن اليد اسم للجميع لأنه لما نزلت آية التيمم مسح الى المناكب، فان قطعهما من الكوع وجبت الدية لأن اليد فى الشرع محمولة على ذلك بدليل قطع السارق والمسح فى التيمم ثم ان قطعهما الجانى من المرفق أو مما قبله أو ما بعده ففى المقطوع ثانيا حكومة لأن الدية وجبت عليه بالقطع الأول كما لو قطع الاصابع ثم قطع الكف.
وان جنى على اليدين فأشلهما وأذهب نفعهما أو أشل رجله أو ذكره أو انثييه أو اسكتيها وكذا سائر الأعضاء اذا جنى عليها فأشلها فعليه دية العضو الذى أشل لأنه عطل نفعه، وان جنى على يد فعوجها أو نقص قوتها أو شانها فعليه حكومة وان كسرها الجانى ثم انجبرت مستقيمة فحكومة لشينها ان شانها ذلك ان لم يكن الكسر فى الذراع أو العضد وان عادت بعد كسرها معوجة فالحكومة أكثر من الحكومة اذا عادت مستقيمة لزيادة الشين - وان قال الجانى اكسرها ثم أجبرها مستقيمة لم يمكن من ذلك لما فيه من الاضرار للمجنى عليه وقد لا يصيب. فان كسرها تعديا أى بغير اذن ولى الجناية ثم جبرها فاستقامت لم يسقط ما وجب من الحكومة فى أعوجاجها لانه استقر بالاندمال وفى الكسر الثانى حكومة أخرى لأنه جناية غير الأولى وتجب دية اليد فى يد المرتعش وتجب دية الرجل فى قدم الأعرج وتجب دية اليد فى يد الاعسم لعموم الاخبار
(3)
.
(1)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 66 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 72 الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 27 - 28 نفس الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم أنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الاصابع سواء هذه وهذه سواء» يعنى الخنصر والإبهام وأنه عليه الصلاة والسلام قال: «الأصابع عشر عشر» قال أبو محمد وباليقين ندرى أنه ليس ههنا الا عمد أو خطأ وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رفع عن أمتى الخطأ» وصح قول الله سبحانه وتعالى: «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ»
(1)
فسقط أن يكون فى الخطأ غرامة أصلا فيما دون النفس، وسقط أن يكون فى الخطأ دية أصلا، وتكون الدية على العامد فى ذلك واجبة بلا شك فان الله سبحانه وتعالى يقول:
{وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها»
(2)
وكان العامد مسيئا بسيئته فالواجب بنص القرآن أن يساء إليه بمثلها، والدية إذا أوجبها الله تعالى على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى اساءة مسئ فهى مثل سيئة ذلك المسئ بلا شك وكذلك الحدود إذا أمر الله تعالى بها أيضا فإذا فاتت المماثلة بالقود فى الأصابع وجبت المماثلة فى الدية بذلك
(3)
.
أما مفاصل الأصابع فالذى نقول به هو أن النبى صلى الله عليه وسلم حكم فى كل إصبع بعشر من الإبل فواجب بلا شك إن العشر المذكورة مقابلة للإصبع ففى كل جزء من الاصبع جزء من العشر فعلى هذا، فى نصف الإصبع نصف العشر وفى ثلث الإصبع ثلث العشر وهكذا فى كل جزء وأما الاصبع تشل فقد جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم:«فى الأصابع عشر عشر» فهذا عموم لا يخرج عنه الا ما أخرجه نص أو اجماع وقد قيل: ان فى شلل الاصبع دية كاملة، فالواجب القول بذلك لعموم النص الذى ذكر، وأما كسره فيفيق عنتا أو صحيحا الا أنه لم يبطل فلا شئ فى ذلك، وهذا النص يقتضى أن أصابع اليدين والرجلين سواء لعموم ذكره عليه الصلاة والسلام الاصابع وبالنسبة للاصبع الزائدة فاسم الاصبع فى النص يقع على زائدة. ولم يخص عليه الصلاة والسلام أصبعا زائدة من غيرها، ولو أراد ذلك لبينه فواجب أن يكون فى الاصبع الزائدة ما فى سائر الأصابع
(4)
.
وأصابع المرأة سواء بنص حكم الرسول صلى الله عليه وسلم اذ يقول: الأصابع سواء هذه وهذه» فصح يقينا أن أصابع المرأة سواء وأن أصابع الرجل سواء فاذ ذلك كذلك.
(1)
الآية رقم 5 من سورة الأحزاب.
(2)
الآية رقم 40 من سورة الشورى.
(3)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 435 - 436 مسألة رقم 2037 الطبعة الاولى بادارة الطباعة المنيرية بشارع الأزهر بمصر تحقيق محمد منير الدمشقى.
(4)
المحلى ج 10 ص 437 - 438 مسألة رقم 2038 نفس الطبعة.
وقد صح الاجماع على أن فى أربعة أصابع من المرأة فصاعدا نصف ما فى ذلك من الرجل بلا خلاف، فاذ بلا شك فى هذا، وقد حكم عليه الصلاة والسلام أن أصابعها سواء فواجب أن يكون فى أصبعين نصف ما فى الأربع بلا شك وفى الاصبع الواحد نصف ما فى الاثنين
(1)
. واليد والرجل ليس فيهما الا الدية للأصابع
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: فى كل اصبع أيا كانت عشر الدية وهذا قول الأكثر، وكان عمر رضى الله عنه يفاضل بين أصابع اليدين فجعل فى الخنصر ستا من الإبل وفى البنصر تسعا وفى الوسطى عشرا وفى السبابة اثنى عشر وفى الابهام ثلاثة عشر، قيل ثم رجع عن ذلك، وأصابع اليدين والرجلين سواء فان أشل أصبعا فديتها اذا بطلت منفعتها.
قال صاحب البحر: وفيه نظر، اذ الجمال باق فتجب حكومة والمختار الأول. وإذا وجب فى الأصابع الكاملة عشر الدية وجب فى مفصلها منه ثلث العشر الا الابهام من اليدين والرجلين فيجب فيه نصف العشر، إذ ليس لها إلا مفصلان، وتجب فيما دون المفصل حصته من الأرش ويقدر بالمساحة
(3)
.
وفى مجرد عضد لا ذراع معه - اما ذهب بعد ثبوته أو لو لم يخلق له ذراع، أو ذكر لا حشفة معه، وكذلك فى ساعد مجردة مثل تجرد العضد، وكف بلا أصابع، فى كل واحد من هذه الأربعة حكومة مقاربة لدية اليد أو الذكر، وان لم يكن الكف مجردا عن الأصابع بل ذهب بأصابعه تبعها الكف وكان أرشه داخلا فى أرش الاصابع فان كان قد زال عنه بعض الأصابع وجب بقدره من حكومة الكف ودية الباقى مثاله لو قطع كف عليه أصبعان وجبت ديتهما وثلاثة أخماس حكومة الكف لا الساعد فانه لا يتبع الاصابع كما يتبعها الكف، بل اذا قطعت يد الرجل من العضد وجبت دية الأصابع وحكومة فى الساعد، وكذلك الرجل حكمها حكم اليد فى ذلك فتدخل حكومة كفها فى دية الاصابع - ولا تدخل حكومة الساق فى دية الاصابع
(4)
.
وتجب الدية فى اليدين اذا قطعت من الكف
(5)
والرجلين وفيما كسر من الأعضاء
(1)
المحلى ج 10 ص 441 مسألة رقم 2042 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى ج 10 ص 440 - 442 مسائل 2041، 2043، 2044 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الأزهار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 447 - 448 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 451.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 446 الطبعة السابقة.
فانجبر بعد انكساره ونحوه ثلث ما فيه ولو لم ينجبر
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن فى كل من اليدين نصف الدية سواء اليمين والشمال وحدها المعصم وهو المفصل ما بين الكف والذراع. وفى الأصابع حيث تقطع وحدها ديتها وهى دية اليد فلو قطع آخر بقية اليد فالحكومة خاصة ولو قطع معها شئ من الزند فحكومة زائدة على دية اليد أما لو قطعت من المرفق أو المنكب فدية اليد خاصة والفرق تناول اليد لذلك حقيقة وانفصاله بمفصل محسوس كأصل اليد بخلاف ماذا قطع شئ من الزند فان اليد انما صدقت عليها من الزند والزند من جناية لا تقدير فيها فيكون فيها الحكومة
(2)
.
أما لو قطعت اليد من المرفق أو الكف فالمشهور أن فيه دية اليد ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك حتى لو قطعها من الكف وجب ثلاث ديات لعموم الخبر فانه قول فى المسألة ووجوب به.
وفى اليد الزائدة حكومة وتتميز عن الأصلية بفقد البطش أو ضعفه وميلها عن السمت الطبيعى ونقصان خلقتها ولو فى اصبع ولو تساوتا فيها فاحداهما زائدة لا بعضها ففيهما جميعا دية وحكومة.
وقيل فى الزائد ثلث الدية الأصلية ففيهما هنا دية وثلث.
والرجلان فيهما الدية وفى كل واحدة النصف، وحدها مفصل الساق وان اشتملت على الأصابع.
وفى الأصابع منفردة الدية فى كل واحد عشر سواء الابهام وغيره ودية كل اصبع مقسومة على ثلاث مفاصل بالسوية أيضا.
وفى الساقين وحدهما الركبة الدية وكذا فى الفخذين لأن كل واحد منهما مما فى الانسان منه اثنان هذا اذا قطعا منفردين عن الرجل. وقطع الفخذ منفرد عن الساق. أما لو جمع بينهما أو بينها ففيه ما فى اليدين من احتمال دية واحدة اذا قطع من المفصل ودية وحكومة، وتعدد الدية بتعدد موجبة
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه تجب الدية كاملة فى اليدين والرجلين
(4)
وفى الأصابع -
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 454 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 433 - 435 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 437 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل ج 8 ص 21 الطبعة السابقة.
وان كانت من رجل - الدية بلا تفاضل بين أصابع اليد وأصابع الرجل، فان قطعت أصابع اليدين فدية كاملة، وان قطع بنان الرجلين فدية كاملة ولبعض ذلك حسابه الا ابهام يد ان قطعت من المفصل الأسفل إلى جهة الكف فلها ثلث دية اليد وهو ثلث نصف الدية الكاملة وذلك ستة عشر بعير وثلثا بعير، ولكل من أصابع اليد والرجل عشرة أبعرة.
وجاء فى الأثر: فى أصابع اليدين الدية تامة، وفى أصابع الرجلين الدية تامة وان اختلفت منافع الأصابع - وقد روى أن الرسول صلي الله عليه وسلم ساوى بينهما فى الدية، وقيل: وضع الخنصر على الابهام وقال: هما سواء وفى كل اصبع ثلاث مفاصل على خلاف فى الابهام وهى لا تنقص عن الاصابع الأخرى بل تساويها أو تزيد عليها فى الدية ولكل مفصل ثلث دية الأصبع وهو ثلاثة أبعرة وثلث بعير وان قطع بعض مفصل فهو بقدره من المفصل فلنصف المفصل سدس دية الأصبع وهكذا وان كانت الأصابع من أصابع رجل وان قطعت أصبع من بين مفصلين حسبت بقدر الزائد من المفصل الآخر.
وجاء فى الأثر: لكل اصبع عشر من الابل الا الابهام فلها ثلث دية اليد، وعلى من قطع خمس أصابع من يد رجل فعليه نصف التامة.
وقد حكم عمر فى الخنصر بست وفى البنصر بتسع وفى الوسطى بعشر وفى السبابة باثنى عشرة وفى الابهام بثلاثة عشرة فتلك خمسون.
وقيل الإبهام وغيرها سواء.
وفى كل أنملة من الإبهامين خمس من الإبل لأنه ليس فيه إلا أنملتان وقيل ثلاثة وثلث على أن فيه ثلاث أنامل فتعد التى تلى الكف وليس لإبهام الرجل فضل علي غيرها.
ولا قصاص فى الزائدة وقيل لها قصاص ولها ما للاصبع ان ساوت أصبعا من الأصابع فى المقدار والمفاصل، وقيل فيها حكومة وقيل ان كان لها قوة فلها دية الأصبع والا ففيها حكومة، فان كن ستا فلكل سدس وان كن سبعا فلكل سبع وهكذا، وان لم تساوها فلها السوم وكذا فى الرجل والأسنان وان كانت فى الكف أربعة أصابع أو أقل فلها نصف الدية وان قطع منها أصبع أو اثنان أو ثلاث قسمت على العدد.
وان قطع أصبع رجل من الأعلى ثم قطعها للآخر كلها اقتص صاحب الأعلى ثم الآخر بقية الأصبع، وكان له بما ذهب منها أرش. ولكل كف فيه ثلاث أصابع الدية التامة واختير أن فى اليد ديتها ما كان فيها أكثرها وان
لم يبق الا الأقل فلا قصاص وله ثلث دية اليد وما يرى العدول له ما دام فيها شئ. وكذا ان قطعت اليد وان قطعت الكف وفيها بعض الأصابع فله أرشه بنظر العدول!!
والرجل ان قطعت من ورك أو دون الركبة ففيها دية الرجل فقط وهى نصف الدية، وقيل فى الزيادة على ما تحت الكعب النظر
(2)
.
وان كسرت ركبة أو مرفق فجبرت سالمة مستقيمة لا تنعطف وينتفع بها فنصف ديتها، وهو ربع دية الانسان وان جبرت بلا استقامة فبحسب النقص، والفخذ أو الساق أو العضد، ان كسرت احداهن فنقلت منها عظام عن موضعها وبقيت على سمت أو شفى وهى باقية على الانتقال فسبع قلائص ونصف لكل واحدة من الفخذ أو الساق أو العضد.
فان ضرب الساق أو العضد ووهن العظم وخرج المخ فلا تجتمع عظامها عادة بتجريب الأطباء فان ذهبت العظام فلها نصف مأمومة الرأس وهى ستة عشر قلوصا وثلثان، وفى الصلب كله أى فى أى موضع منه كسر الدية ولو جبر متحدبا، وان جبر مستقيما فله بقدر نصف الدية وان ذهب الجماع أو الماء فالدية تامة، وكذا لو منع المشى.
وفى الأثر ان لم ينحدب ولم يشنه فله خمس عشر الدية، وان شانه فأربعة أخماس عشرها، وان جبر ولم يحمل فله دية تامة وان حمل فنصفها
(3)
.
ولكل يد عسماء أو شلاء أو رجل عرجاء أو سن سوداء أو عين عوراء أو لسان أعجم أو ذكر خصى اذا صيب ثلث سالم مثله
(4)
.
خامسا: دية العينيين وأشفارهما والحاجبين
مذهب الحنفية:
جاء فى الكفاية أن فى العينين الدية وفى احداهما نصف الدية. ولأن فى تفويت الاثنتين تفويت جنس المنفعة أو كمال الجمال فيجب كل الدية، وفى تفويت احداهما تفويت النصف فيجب نصف الدية.
وفى أشفار العينين الدية وفى احداها ربع الدية ويحتمل أن مراده الاهداب مجازا كما ذكره محمد فى الأصل للمجاورة كالراوية للقربة، وهى حقيقة فى البعير، وهذا لأنه لا يفوت الجمال على الكمال وجنس المنفعة، وهى منفعة دفع الأذى والقذى عن العين اذ هو يندفع بالهدب، واذا كان الواجب فى الكل كل الدية وهى أربعة أشفار كان (1) المرجع السابق ج 8 ص 21 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 38.
(3)
المرجع السابق ج 8 ص 36 - 37 الطبعة السابقة.
(4)
نفس المرجع ج 8 ص 39.
فى أحدها ربع الدية، وفى ثلاثة منها ثلاثة أرباعها ويحتمل أن يكون مراده منبت الشعر والحكم فيه هكذا. ولو قطع الجفون بأهدابها ففيه دية واحدة لأن الكل كشئ واحد، وصار كالمارن مع القصبة
(1)
.
وجاء فى بدائع الصنائع: أن فى العينين الدية وفى احداهما نصف الدية وسواء ذهب بالجناية على العين نور البصر دون الشحمة أو ذهب البصر مع الشحمة لأن المقصود من العين البصر والشحمة فيه تابعة
(2)
.
وجاء فى الكفاية: أن فى الحاجبين وفى أحدهما نصف الدية
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة: أنه اذا ابيضت العين أو انخسفت أو ذهب بصرها وهى قائمة فان كان هذا كله خطأ ففيه الدية وان كان عمدا فمن خسفها خسفت عينه وان لم تنخسف وكانت قائمة وذهب بصرها كله فان كان يستطاع منه القود أقيد منه والا فالعقل. والبياض عند ابن القاسم مثل القائم العين ان كان يستطاع منه القود أقيد منه والا فالعقل وان ضربها فنزل الماء فأخذ الدية أو ابيضت فأخذ الدية فبرئت بعد ذلك فترد اليه الدية عند ابن القاسم. وينتظر بالعين سنه، فان مضت السنة والعين منخسفة لم يبرأ جرحها فينتظر حتى يبرأ الجرح، لأنه لا قود الا بعد البرء. وكذلك فى الدية أيضا انما هى بعد البرء واذا ضربت العين فسال دمعها فلم يرقأ فانه ينتظر بها سنة وفيها حكومة
(4)
.
واذا فقأ رجل أعور العين اليمنى عين رجل اليمنى خطأ فعلى عاقلته نصف الدية فان كانت عمدا ففيها الدية
(5)
. وجفون العينين وأشفارهما فيها الاجتهاد. والحاجبان فيهما الحكومة اذا لم ينبتا
(6)
. وفى العين القائمة الاجتهاد
(7)
.
واذا أصيبت العين فنقص بصرها تغلق الصحيحة وتقاس له التى أصيبت بأمكنة
(1)
الهداية شرح الكفاية ج 9 ص 215 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لابى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 314 الطبعة الاولى سنة 1328 هـ، سنة 1910 م طبعة الجمالية بمصر.
(3)
الكفاية ج 9 ص 215 الطبعة السابقة.
(4)
المدونة الكبرى للإمام مالك ج 4 ص 436 الطبعة السابقة.
(5)
المدونة للامام مالك ج 4 ص 436 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 4 ص 437 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 4 ص 440 الطبعة السابقة.
تختبر بها فاذا اتفق قوله فى تلك الأمكنة قيست الصحيحة ثم نظر كم انتقصت هذه المصابة من الصحيحة فيعقل له قدر ذلك فتوضع له البيضة أو الشئ فى مكان فان أبصرها حولت الى موضع آخر ثم الى موضع آخر فان قياس ذلك سواء أو يشبه بعضه بعضا صدق.
وان ضربه رجل ضربة فادعى المضروب أن جميع سمعه ذهب أو قال قد ذهب بصرى ولا أبصر شيئا يتصامم ويتعامى، يرى الامام مالك أن الظالم أحق أن يحمل عليه.
ويرى ابن القاسم اذا لم يعلم ذلك أن القول قول المضروب مع يمينه
(1)
.
قال ابن القاسم سألنا الامام مالكا عن الأعور يفقأ عين الصحيح فقال: ان أحب الصحيح أن يقتص اقتص وان أحب فله دية عينه. ثم رجع بعد ذلك فقال: ان أحب أن يقتص اقتص وان أحب فله دية عين الأعور ألف دينار. وقوله الآخر أعجب الى وهذا انما هو فى الأعور اذا فقأ عين رجل وعين الأعور الباقية هى مثل تك العين، تكون عين الأعور اليمنى باقية فيفقأ عين رجل اليمنى فهذا لا قصاص فيه فيما سمعت من مالك وفيما بلغنى عنه وليس له الا دية عينه ان كانت المفقودة عينه صحيحة عينه فخمسمائة دينار، وان كان أعور فألف دينار لأنه لا قصاص له فى عين الجانى ولان دية عين الأعور عند مالك ألف دينار
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم أن فى الكتاب الذى كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر ابن حزم: وفى العين خمسون وفى الرجل خمسون.
قال الشافعى: وفى الحديث ما يبين أنه صلى الله عليه وسلم يعنى خمسين من الابل وهذا دليل على أن كل ما كان من تمام خلقة الانسان وكان يألم بقطعه منه فكان فى الانسان منه اثنان ففى كل واحد منهما نصف الدية، وسواء فى ذلك العين العمشاء القبيحة الضعيفة البصر والعين الحسنة التامة البصر وعين الصبى والشيخ الكبير والشاب ان ذهب بصر العين ففيها نصف الدية أو نجقت أو صارت قائمة من الجناية ففيها نصف الدية واذا ذهب بصرها وكانت قائمة فنجقت ففيها حكومة.
ولو كان على سواد العين بياض تنح عن الناظر ثم فقئت العين كانت ديتها كاملة. ولو كان البياض على بعض
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 488 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 486 الطبعة السابقة.
الناظر كان فيها من الدية بحساب ما صح من الناظر وألغى ما يغطى من الناظر. ولو كان البياض رقيقا يبصر من ورائه ولا يمنع شيئا من البصر ولكنه يظله كان كالعلة من غيره وكان فيه الدية تامة. واذا نقص البياض البصر ولم يذهب كان فيه من الدية بحساب نقصانه. وسواء العين اليمنى واليسرى وعين الأعور وعين الصحيح.
ولا يجوز أن يقال فى عين الأعور الدية تامة، وانما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى العين بخمسين وهى نصف الدية، وعين الأعور لا تعدو أن تكون عينا.
واذا فقأ الرجل عين الرجل فقال:
فقأتها وهى قائمة، وقال المفقودة عينه - ان كان حيا أو أولياؤه ان كان ميتا.
فقأها صحيحة فالقول قول الفاقئ الا أن يأتى المفقوءة عينه أو أولياؤه بالبينة أنه أبصر بها فى حال فاذا جاءوا بأنه كان يبصر بها فى حال فهى صحيحة وان لم يشهدوا أنه كان يبصر بها فى الحال التى فقأها فيه حتى يأتى الفاقئ يالبينة أنه فقأها وهى قائمة. وهكذا اذا فقأ عين الصبى فقال فقأتها ولا يبصر، وقال أولياؤه، فقأها وقد أبصر فعليهم البينة أنه أبصر بها بعد أن ولد ويسع الشهود الشهادة على أنه كان يبصر بها وان لم يتكلم اذا رأواه يتبع الشئ ببصره وتطرف عيناه ويتوقاه.
واذا أصاب عين الرجل القائمة ففيها حكومة. واذا قطعت جفون العينين حتى تستأصل ففيها الدية كاملة فى كل جفن ربع الدية لأنها أربعة فى الانسان وهى من تمام خلقته ومما يألم بقطعه قياسا على أن النبى صلى الله عليه وسلم جعل فى بعض ما فى الانسان منه واحد الدية وفى بعض ما فى الانسان منه اثنان نصف الدية. ولو فقئت العينان وقطعت جفونهما كان فى العينين الدية وفى الجفون الدية لأن العينين غير الجفون. ولو نتفت أهدابها فلم تنبت كان فيها حكومة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن فى العينين الدية اذا اذهبهما من ذكر أو أنثى أو خنثى مسلم أو كافر ولو مع حول بالعينين أو احداهما وعمش بهما أو باحداهما ومرض كذلك وبياض لا ينقص البصر، وسواء كانا من كبير أو صغير لعموم حديث عمرو بن حزم، وفى احدى العينين نصف الدية لكن اذا كان بهما أو بأحداهما بياض ينقص البصر نقص منه أى من الدية بقدر نقص البصر لأنه المقصود منهما، وفى ذهاب البصر الدية اجماعا.
وفى ذهاب بصر احداهما نصف الدية لأن ما وجب فى جميع الشئ وجب فى بعضه بقدره كاتلاف المال.
(1)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 108 الطبعة السابقة.
فان ذهب البصر بالجناية على رأس المجنى عليه وجبت الدية أو ذهب البصر بالجناية على عينه وجبت الدية أو ذهب لمداواة الجناية وجبت الدية لذهابه بجنايته أو أثرها.
فان ذهب البصر ثم عاد لم تجب الدية لتبين أن لا ذهاب، وان كان المجنى عليه قد أخذ الدية ردها لتبين أن أخذها بغير حق.
وان ذهب بصر المجنى عليه أو ذهب سمعه فقال عدلان من أهل الخبرة بالطب لا يرجى عود بصره أو سمعه وجبت الدية لذلك.
وان قال العدلان يرجى عوده الى مدة عيناها، انتظر المجنى عليه الى مضى تلك المدة ولم يعط الدية حتى تنقضى المدة التى عيناها فان بلغها بأن مضت المدة ولم يعد ما ذهب وجبت الدية لليأس أو مات المجنى عليه قبل مضيها وجبت الدية لما ذهب لليأس من عوده.
وان قلع أجنبى غير الجانى على البصر أولا عين الذى أذهب الأول بصرها فى المدة التى عينها العدلان لعود بصرها استقرت على الأول الدية أو القصاص لليأس من عود بصرها ووجب على الثانى حكومة لقلع العين التى لا بصر لها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى لابن حزم: أنه لا يجب شئ فى الخطأ
(2)
لقول الله سبحانه وتعالى:
«وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ» وكذلك لا يجب فى شفر العين شئ فى الخطأ
(3)
والقول فى العين كالقول فى السن سواء بسواء
(4)
القود فى العمد أو المفاداة وكذلك الحكم فى الجناية على الحاجبين
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أنه تجب الدية فى العينين وفى أحداهما النصف من الدية، وتجب الدية فى الحاجبين ولزم فى كل جفن ولو من أعمى - ربع الدية لأن فى الأجفان الأربعة دية كاملة
(6)
.
وتجب فى شعر الحاجبين وأهداب العينين حكومة دون نصف الدية
(7)
.
واذا لطمت العين أو أصيبت فتولد من تلك الجناية خلل فى العين حتى صارت
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابى منصور ابن ادريس ج 4 ص 20 وما بعدها فى كتاب على هامشه كتاب شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى.
(2)
المحلى لابن حزم الاندلسى ج 10 ص 420 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 424 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 10 ص 419 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 10 ص 430 - 431 الطبعة السابقة.
(6)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار للعلامة أبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 445 - 446 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ بمطبعة حجازى بالقاهرة.
(7)
المرجع السابق ج 4 ص 449 نفس الطبعة.
دمعتها ضارة وجبت فى درور الدمعة ثلث دية العين وهو سدس الدية.
وحد الدرور أن لا ينقطع عنها كثرة الماء وان لم يتتابع القطر وفى دونه الخمس وهو أن يكون وقت انقطاع الماء أكثر من وقت الدرور فان استويا أو التبس فالربع
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة: أن فى العينين الدية وفى كل واحدة النصف صحيحة كانت العين أو حولاء أو عمشاء وهى ضعيفة البصر مع سيلان دمعها فى أكثر أوقاتها. أو جاحظة وهى عضيمة المقلة أو غير ذلك كالجهراء أو الرمدى وغيرها، أما لو كان عليها بياض فان بقى البصر معه تاما فكذلك، ولو نقص نقص من الدية بحسبه، ويرجع فيه الى رأى الحاكم.
وفى الأجفان الأربعة الدية وفى كل واحد الربع للخبر العام.
وقيل فى الأعلى ثلثا الدية وفى الأسفل الثلث.
وقيل. فى الأعلى الثلث وفى الأسفل النصف فينقص المجموع سدس الدية استنادا الى خبر ظريف وعليه الأكثر لكن فى طريقه ضعف وجهالة. ولا فرق بين أجفان صحيح العين وغيره حتى الأعمى عليه الديتان لاصالة عدم التداخل. وفى عين ذى العين الواحدة كمال الدية اذا كان العور خلقة أو بآفة من الله سبحانه وتعالى أو من غيره حيث لا يستحق عليه أرشا، كما لو جنى عليه حيوان غير مضمون، ولو استحق ديتها وان لم يأخذها أو ذهبت فى قصاص فالنصف فى الصحيح أما الأول فهو موضع وفاق على ما ذكره جماعة وأما الثانى فهو مقتضى الأصل فى دية العين الواحدة.
وذهب ابن ادريس الى أن فيها هنا ثلث الدية خاصة وجعله الأظهر فى المذهب وهو وهم. وفى خسف العين العوراء وهى هنا الفاسدة ثلث ديتها حالة كونها صحيحة على الأشهر وروى ربعها والأول أصح طريقا سواء كان العور من الله تعالى أو من جناية جان وسواء أخذ الأرش أم لا
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه تجب الدية كاملة فى كل ما به اثنان كيد ورجل وعين وأذن وأنف وحاجب وشفة وبيضة ومقعدة وثدى ووجنة الا حلمة الثدى
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 453 - 454 نفس الطبعة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 431 - 432 طبعة دار الكاتب العربى.
فان لها من الرجل خمسة أبعرة ومن المرأة عشرة أبعرة وفى الواحدة نصف الدية
(1)
.
وجاء فى شرح النيل أيضا أنه ان قطعت عين مع جفن أو جفنين أو شفر أو شفرين وحاجب بضربة واحدة فدية هذه الأعضاء واحدة وهى دية العين وهى نصف الدية الكاملة فان قطعت الأخرى مع الحاجب أيضا والجفنين مع الشفرين فنصف دية فذلك دية كاملة وقيل لكل عضو ديته. ولو قطع عضوان أو ثلاثة فصاعدا، للحاجبين دية أخرى غير دية العينين ولو قطعا مع العينين بما فيها أى بما معهما من جفنين وشفرين دية كاملة للحاجبين ودية كاملة للعينين ولا شئ للجفنين والشفرين لأنهما كالجزء من العين فلو قطع الحاجبان وعين واحدة أو العينان وحاجب واحد فدية ونصف دية وذلك ان كان القطع بضربة واحدة
(2)
ولتقدير قيمة الدية ينصب علم لناقص النظر فينظر اليه بعين سالمة ثم تغمض وتفتح عينه الناقصة بحيث بلغ نظرة قيس وحلف ان اتهم ويعتبر كم يكون مبلغ نظرها من جملة المسافة وذلك أنه يعلم على موضع العلم الأول ثم يقرب اليه ذلك العلم فلا يزال يقرب حتى ينظره بعينه الناقصة. فان لم ينظره بعينه الناقصة الا على النصف من المسافة بينه وبين الموضع الأول فله نصف دية العين أو الثلث فله ثلث دية العين أو الربع فله ربعها وهكذا الأقل والأكثر
(3)
.
ومن ضرب أحدا فى رأسه فذهب بصره، فان ذهب بعد أيام اقتص منه بالجرح وأخذ بالعين دية وان ذهب من حينه اقتص منه فى الضربة والعين ان سقطت. ومن فقأ عين رجل وفى عين الفاقئ بياض فللرجل أن يقتصها أو يأخذ دية عين فان كانت هى الناقصة فليس له القصاص، وانما له نظر العدول. وان كان يبصر بها وفيها ضعف فديتها تامة
(4)
. وتتم الدية فى الجفون الأربعة وفى الواحد ربع الدية وتتم فى الأشفار الأربعة وفى الواحد ربع الدية. وفى الجارحة العليا من الأجفان أو الأشفار أو الشفاة ثلثا الدية وفى السفلى الثلث وقيل عكس ذلك أى للجارحة السفلى الثلثان وللعليا الثلث فى الشفتين لأن السفلى هى المتحركة عند المضغ والكلام تحركا ظاهرا وكذا فى الحاجبين والأشفار قيل فيها بالعكس. وقيل الشفتان والحاجبان والأشفار سواء كان واحدة نصف الدية
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 21 طبعة المطبعة الأدبية بسوق الخضار.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 25 - 26 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 8 ص 35 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 8 ص 36 الطبعة السابقة.
وهو الصحيح. وقال ابن محبوب الأجفان أربعة لكل جفن واحد ربع الدية. وفى شعر الجفن نصف الدية اذا لم ينبت الى سنة فلكل شعر جفن ثمن الدية وان نبت الشعر فسوم عدل
(1)
.
سادسا: دية الثديين والحلمتين:
مذهب الحنفية:
جاء فى الهداية: أن فى ثديى المرأة الدية لما فيه من تفويت جنس المنفعة وفى أحدهما نصف الدية بخلاف ثديى الرجل حيث تجب حكومة عدل لأنه ليس فيه تفويت جنس المنفعة والجمال.
وفى حلمتى المرأة الدية كاملة لفوات جنس منفعة الأرضاع وامساك اللبن، وفى أحداهما نصف الدية
(2)
.
وجاء فى «بدائع الصنائع» أنه سواء قطع الحلمة من ثدى المرأة أو قطع الثدى وفيه الحلمة ففيه نصف الدية للحلمة، والثدى تبع لأن المقصود من الثدى وهو منفعة الرضاعة يفوت بفوات الحلمة وسواء كان ذلك بضربة أو ضربتين اذا كان قبل البرء من الأولى لأن الجناية لا تستقر قبل البرء فاذا أتبعها الثانية قبل استقرارها صار كأنه أوقعهما معا
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة أنه فى طرف ثديى المرأة الدية أما حلمتاها فيرى ابن القاسم أن فيهما الدية اذا كان قد أبطل مخرج اللبن أو أفسده ويرى ابن القاسم أنه اذا قطع ثديى الصغيرة فينظر فى ذلك فان كان قد استيقن أنه قد أبطل ثدييها ولا يكون لها ثدى أبدا فتكون عليه الدية، وان شك فى ذلك يرى أن يوضع لها العقل ويستأنى بها مثل السن فان نبتت فلا عقل لها وان لم تنبت ففيهما الدية وان انتظرت فيبست ففيهما الدية أيضا، وان ماتت قبل أن يعلم ذلك كانت فيهما لها الدية. وفى ثديى الرجل حكومة
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم أنه اذا أصيبت حلمتا ثديى الرجل أو قطع ثدياه ففيهما
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 22 الطبعة نفسها.
(2)
الهداية شرح الكفاية لجلال الدين الخوارزمى الكرلاتى ج 9 ص 215 طبعة المطبعة الميمنية سنة 1319 هـ.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام علاء الدين أبى بكر الكاسانى ج 7 ص 314 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ، سنة 1910 م بمطبعة الجمالية بمصر.
(4)
المدونة الكبرى للامام مالك ج 4 ص 337 طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ.
حكومة. واذا أصيبت حلمتا ثديى المرأة أو اصطلم ثدياها ففيهما الدية تامة لأن فى ثدييها منفعة الرضاع وليس ذلك فى ثديى الرجل، ولثدييها جمال ولولدها فيه منفعة وعليها بدونهما شين لا يقع ذلك الموقع من الرجل فى جماله ولا شين عليه مثلها واذا ضرب ثدى امرأة قبل أن تكون مرضعا فولدت فلم يأت لها لبن فى ثديها المضروب وحدث فى الذى لم يضرب أو لم يحدث لها لبن فى ثدييها معا لم يلزم الضارب بأن لم يحدث اللبن فى ثدييها الا أن يقول أهل العلم به هذا لا يكون الا من جنايته فيجعل فيه حكومة. واذا ضرب ثدياها وفيهما لبن فذهب اللبن فلم يحدث بعد الضرب ففيهما حكومة أكثر من الحكومة فى المسألة التى قبلها لا دية تامة. فان ضرب ثدياها فعابا ولم يسقطا ففيهما حكومة، ولو ضربا فماتا ولا يعرف موتهما الا بأن لا يألما اذا أصابهما ما يؤلم الجسد ففيهما ديتهما تامة وفى أحدهما اذا أصابه ذلك نصف ديتهما.
واذا استرخيا. فكانا اذا رد طرفاهما على آخرهما لم ينقبض كان فى هذا حكومة هى أكثر من الحكومة فيما سواه، لأنه اجتمع مع هذا الا يألما اذا أصابهما ما يؤلم فكان موتا وعيبا، ولو قطع ثديى المرأة فجافها كانت فيه نصف ديتها ودية جائفة. ولو قطعت ثدياها فجافهما كانت فيهما ديتهما ودية جائفتهما. ولو فعل هذا برجل كانت فى ثدييه حكومة وفى جائفته جائفة، وقد قيل فى ثدييى الرجل الدية
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن فى الثديين الدية وفى أحدهما نصفه وفى حلمتيهما الدية لأنه ذهب منهما ما تذهب المنفعة بذهابه كحشفة الذكر. وفى احداهما نصف الدية.
وان قطع الثديين بحلمتيهما فدية واحدة كقطع الذكر بحشفته لأن مسمى الجميع واحد فان حصل مكان قطع الثديين جائفة ففيها ثلث الدية مع دية الثديين. وان حصل جائفتان فدية للثديين وثلثان من الدية للجائفتين.
وان جنى على الثديين فأذهب لبنهما من غير أن يشلهما فعليه حكومة لما حصل من النقص ولم تجب الدية لأنه لم يذهب نفعهما بالكلية.
وان جنى على الثديين من صغيرة ثم ولدت فلم ينزل لها لبن فان قال أهل الخبرة قطعته الجناية فعلى الجانى ما على من ذهب باللبن بعد وجوده وهو حكومة اذا لم يشلهما وان قال أهل الخبرة قد انقطع
(1)
الامام للامام الشافعى ج 6 ص 114 طبعة كتاب الشعب.
من غير الجناية لم يضمن ما ذهب من اللبن لأنه بغير جنايته. وان نقص لبن الثديين بالجناية أو كانا ناهديين فكسرهما أو صار بهما مرض فعليه حكومة لذلك النقص.
وفى ثندوتى الرجل. وهى مغرز الثدى الدية لأنه يحصل بهما الجمال وليس فى البدن غيرهما من جنسهما وفى احداهما نصف الدية
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يجب فى الثديين غرامة أصلا فان أصيبا خطأ فلا شئ فى ذلك وان كان عمدا ففيه القود
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أنه تجب الدية فى ثدييى المرأة أما ثديا الرجل فلا خلاف أن فيهما حكومة
(3)
وفى حلمة الثدى ربع الدية اذا استمسك اللبن والا فدية الثدى نصف الدية هذا فى ثدى المرأة كما صرح به فى «البحر» وادعى الاجماع أن فى حلمة ثدى الرجل حكومة.
وفى البيان: سواء كان ثدى رجل أو امرأة. وفى ثدى المرأة اذا لم يبطل اللبن حكومة الى قدر ثلثى ديتها.
واذا أصيب الثدى فاستمر درور لبن المرأة ففيه ثلث دية الثدى
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن فى ثدى المرأة فى كل واحد منهما نصف الدية سواء اليمين واليسار وهو موضع وفاق، وفى انقطاع اللبن عنهما حكومة وكذا لو تعذر.
وفى الحلمتين الدية لو قطعا منفردين عند الشيخ - لأنهما مما فى الانسان منه اثنان فيدخلان فى الخبر العام.
وكذا فى حلمتى الرجل فيهما الدية عند الشيخ فى المبسوط والخلاف
وقال ابن بابويه. وابن حمزة فى حلمتى الرجل ربع الدية وفى كل واحدة ثمن استنادا الى كتاب ظريف وقيل فيهما الحكومة خاصة واستضعافا لمستند غيرها
(5)
.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلاقة الشيخ منصور بن ادريس ج 4 ص 28 - 29 الطبعة الأولى بالمطبعة الشرفية سنة 1319 هـ طبع على هامشها شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى.
(2)
المحلى لابن حزم الأندلسى ج 10 ص 455 المسألة رقم 2057 الطبعة الأولى سنة 1352 هـ ادارة الطباعة المنيرية بشارع الأزهر درب الأتراك بمصر تحقيق محمد منير الدمشقى.
(3)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 446 الطبعة المشار اليها من قبل.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 453 - 454 نفس الطبعة.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 435 - 436 الطبعة المشار اليها من قبل.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن فى حلمة ثدى الرجل اذا قطعت خمسة أبعرة وعشرة فى الحلمتين من ثدييه، وفى حلمة ثدى المرأة عشرة أبعرة وفى حلمتيها عشرين.
وقيل فى الحلمة حكومة.
وقيل ثلث دية الثدى.
وما ذكره من أن فى حلمتها عشرة يثبت ان لم يذهب رضاعها أى رضاع تلك الحلمة فقط، والا فنصف ديتها وتمت الدية ان قطعت الحلمتان من ثدى المرأة وذهب رضاعهما.
وقيل: فى حلمة المرأة خمس ديتها.
وفى حلمتيها خمسا ديتها.
وقيل: فى حلمة الرجل عشر ديته وفى حلمتيه خمس ديته
(1)
.
سابعا: دية الشفتين
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن كل اثنين من البدن فيهما كمال الدية، وفى أحدهما نصف الدية من احدى العينين واليدين والرجلين، والاذنين والحاجبين اذا لم تنبت والشفتين والانثيين والثديين والحلمتين لما روى أنه عليه الصلاة والسلام كتب فى كتاب عمرو بن حزم: وفى العينين الدية وفى احداهما نصف الدية وفى اليدين الدية، وفى احداهما نصف الدية ولأن كل الدية عند قطع العضوين يقسم عليهما فيكون فى أحدهما النصف يستوى فيه اليمين واليسار، لأن الحديث لا يوجب الفصل بينهما، وكذا العليا والسفلى من الشفتين سواء عند عامة الصحابة.
وروى عن زيد بن ثابت أنه فصل بينهما فأوجب فى السفلى الثلثين وفى العليا الثلث لزيادة جمال فى العليا.
ومنفعة فى السفلى وبقية الصحابة سووا بينهما وهو قول جماعة من التابعين
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى: أن الشفتين سواء وفى كل واحدة نصف الدية
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم أن فى الشفتين الدية وسواء العليا منهما أو السفلى
(1)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطفيش 8 ص 53 - 54 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للعلامة علاء الدين أبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 314 الطبعة المشار اليها.
(3)
المدونة للامام مالك ج 4 ص 437 الطبعة السابقة.
وما قطع من الشفتين فبحسابه وكذلك ان قطع من الشفتين شئ ثم قطع بعده شئ كان عليه فيما قطع بحساب ما قطع.
وان أصاب انسان شفتين فيبستا حتى تصير مقلصتين لا تنطبقان على الأسنان أو استرختا حتى تصيرا لا تقلصان عن الأسنان اذا كشر أو ضحك أو عمل تقليصهما ففيهما الدية تامة.
فان أصابهما جان فكانتا مقلصتين عن الاسنان بعض التقليص لا تنطبقان عليها كلها وترتفعان الى فوق، أو كانتا مسترخيتين تنطبقان على الأسنان ولا تتقلصان الى فوق كما تتقلص الصحيحتان كان فيهما من الدية بحساب ما قصرتا على بلوغه مما تبلغه الشفتان السالمتان، يرى ذلك أهل البصر به ثم يحكمون فيه ان كان نصفا أو أقل أو أكثر. وان شق فيهما شقا ثم التأم أو لم يلتئم ولم يقلص عن الأسنان ففيه حكومة، وان قلص عن الأسنان شيئا حتى يكون كما قطع منهما فان كان اذا مدا التأم واذا أرسل عاد فهذا انقباض لافتراق الشفة وليس بشئ قطعه فأبانه منها فليس فيه عقل معلوم وفيه حكومة بقدر الشين والألم. والشفة كل ما زايل جلد الذقن والخدين من أعلى وأسفل مستديرا بالفم كله مما ارتفع عن الاسنان واللثة فاذا قطع من ذلك شئ طولا حسب طوله وعرضه وطول الشفة التى قطع منها العليا كانت أو السفلى ثم كان فيه بحساب الشفة التى قطع منها
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء كشاف القناع: أن فى الشفتين الدية اذا استوعبتا قطعا وفى كل واحدة منهما نصف الدية فان ضربت الشفتان فأشلتا ففيهما الدية لتعطل نفعهما أشبه بشلل اليد أو ضربت وتقلصتا فلم تنطبقا على الأسنان ففيهما الدية لتعطل جمالهما أو استرختا فصارتا لا تنفصلان عن الأسنان ففيهما الدية لتعطل نفعهما. وان تقلصتا بعض التقلص فحكومة لذلك النقص
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى شرح الأزهار: أن الواجب فى الشفتين القود فى العمد أو المفاداة لأنه جرح وأما فى الخطأ فلا شئ لرفع الجناح عن المخطئ وتحريم الأموال الا بنص أو جماع
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أن فى الشفتين الدية. وفى احداهما نصف الدية.
(1)
الام للامام الشافعى ج 6 ص 109 - 110 طبعة كتاب الشعب.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 23 - 24 نفس الطبعة.
(3)
المحلى لابن حزم ج 10 ص 446 مسألة رقم 2050 الطبعة السابقة.
وقال فى المنتخب تفضل السفلى على العليا بما يراه الحاكم لانها تحفظ الطعام والريق فكانت أفضل وقد فضلها زيد بن ثابت بسدس الدية
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن فى كل من الشفتين نصف الدية للخبر العام وهو صحيح لكنه مقطوع وتعضده رواية سماعة عن الصادق قال: الشفتان العليا والسفلى سواء فى الدية.
وقيل فى السفلى الثلثان لامساكها الطعام والشراب وردها اللعاب وحينئذ ففى العليا الثلث.
وقيل النصف وفيه مع ندورة اشتماله على زيادة لا معنى لها.
وفيهما قول رابع ذهب اليه جماعة منهم العلامة فى المختلف وهو أن فى العليا أربعمائة دينار وفى السفلى ستمائة لما ذكر.
ولو استرختا فثلثا الدية لأن ذلك بمنزلة الشلل فلو قطعتا بعد ذلك فالثلث.
ولو تقلصتا أى انزوتا على وجه لا ينطبقان على الاسنان ضد الاسترخاء لعدم ثبوت مقدم بذلك فيرجع اليها.
وقيل الدية لزوال المنفعة المخلوقة لأجلها والجمال فيجرى وجودها مجرى عدمها
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه تجب الدية كاملة فى الشفتين وفى الشفة العليا ثلثاها وفى السفلى الثلث. وقيل عكس ذلك أى للعليا الثلث وللسفلى الثلثان لأن السفلى هى المتحركة عند المضغ والكلام تحركا ظاهرا.
وقيل الشفتان والحاجبان والأشفار سواء لكل واحدة نصف الدية وهو الصحيح
(3)
.
ثامنا: دية الأذنين:
مذهب الحنفية:
جاء فى البدائع: أن فى الأذنين الدية وفى احداهما نصف الدية لما روى أنه عليه الصلاة والسلام كتب فى كتاب عمرو ابن حزم: وفى العينين الدية وفى احداهما نصف الدية وفى اليدين الدية وفى احداهما نصف الدية، ولأن كل الدية عند قطع
(1)
شرح الأزهار للعلامة أبى الحسن عبد الله ابن مفتاح 4 ص 446 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 432 - 433 الطبعة السابقة.
(3)
شرح كتاب النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 22 الطبعة السابقة
العضوين يقسم عليهما فيكون فى أحدهما النصف لأن وجوب الكل فى العضوين لتفويت كل المنفعة المقصودة من العضوين، والفائت بقطع أحدهما النصف فيجب فيه نصف الدية ويستوى فيه اليمين واليسار لأن الحديث لا يوجب الفصل بينهما
(1)
.
وجاء فى الكفاية أنه تجب الدية بمقابلة فوات كل واحدة من هذه المنافع:
السمع والبصر والشم والذوق، وطريق معرفة ذهاب السمع أن يتغافل فينادى فان أجاب لذلك علم ان سمعه لم يذهب كما جاء فى الذخيرة.
وقال أبو يوسف فى المنتقى: لا يعرف ذهاب السمع فالقول فيه قول الجانى
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى أنه اذا اصطلمت الاذن أو ضربت فشدخت ففيها الاجتهاد. وفى الأذنين اذا ذهب سمعهما الدية أصطلما أو لم تصطلما
(3)
.
واذا أصيبت الاذن فيقاس السمع بأن يختبر بالأمكنة حتى يعرف صدقه من كذبه
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم: أن فى الاذنين اذا اصطلمتا الدية قياسا على ما قضى النبى صلى الله عليه وسلم فيه بالدية من الاثنين فى الانسان وفى كل واحدة منهما نصف الدية. وان ذهب سمعهما ولم يصطلما ففى السمع الدية. وان ضربتا فاصطلمتا وذهب السمع ففى الاذنين الدية وفى السمع الدية. والاذنان غير السمع.
وان كانت الاذنان مستحشفتين - بهما من الاستحشاف ما يبد من الشلل وذلك أن تكونا اذا حركتا لم تتحركا ليبس أو غمزتا بما يؤلم لم تألما - فقطعتا ففيهما حكومة لا دية تامة.
وان ضربهما انسان وهما صحيحتان فصيرهما الى هذه الحال ففيهما قولان:
أحدهما أن ديتهما تامة كما تتم دية اليد اذا شلت - والثانى أن فيهما حكومة لأنه لا منفعة فيهما فى حركاتهما كالمنفعة فى حركة اليد، انما هما جمال فالجمال باق. واذا قطع من الاذن شئ ففيه بحسابه من أعلاها كان أو أسفلها بحسابه من القياس فى الطول والعرض لا فى احداهما دون الأخرى. وان كان
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لعلاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 314 الطبعة السابقة.
(2)
الهداية شرح الكفاية لجلال الدين الخوارزمى الكرلانى ج 9 ص 213 الطبعة السابقة.
(3)
نفس المرجع المدونة الكبرى للإمام مالك ج 4 ص 436 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 488 الطبعة السابقة.
قطع بعضه أشين من بعض لم يزد فيه بالشين، ولا يزيد للشين مما جعل فيه أرش معلوم شئ فى مملوك ولا حر
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن فى الأذنين ولو من أصم الدية وفى احداهما نصف الدية وان قطع بعض الأذن وجب بالحساب من ديتها يقدر بالأجزاء كالنصف والثلث، فان جنى على أذنه فاستحشفت - شلت - لأنه لم يذهب المقصود منها بالكلية وهو الجمال فان قطع الأذن قاطع بعد استحشافها ففيها ديتها لأن فيها جمالها المقصود منها وفى السمع اذا ذهب من الأذنين الدية.
قال فى المبدع خلاف وسنده قوله عليه الصلاة والسلام. وفى السمع الدية وان ذهب السمع من احداهما فنصف الدية وان قطع الجانى أذنى المجنى عليه فذهب سمعه فديتان دية للأذنين ودية للسمع لأنه من غير الاذنين فلا تدخل دية أحدهما فى الآخر كالبصر مع الاجفان والنطق مع الشفتين
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: أنه لا شئ فى ذهاب السمع بالخطأ لأن الأموال محرمة الا بنص أو اجماع وليس فيه وأما فى العمد فان أمكن القصاص منه بمثل ما ضرب فواجب ويصيب فى أذنه ما يبطل سمعه مما يؤمن معه موته فهذا هو القصاص
(3)
.
ولا شئ فى الاذنين الا القود أو المفاداة فى العمد لأنه جرح ولا شئ فى الخطأ فى ذلك
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أنه تجب الدية فى الاذنين وفى احداهما النصف
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن فى الاذنين الدية وفى كل واحدة النصف سميعة كانت أم صماء لأن الصمم عيب فى غيرها. وفى قطع البعض منها بحسابه بأن تعتبر مساحة المجموعة من أصل الاذن وينسب المقطوع اليه ويؤخذ له من الدية بنسبته اليه، فان كان المقطوع النصف فنصف الدية أو الثلث فثلث الدية وهكذا. وتعتبر الشحمة فى
(1)
الام للامام الشافعى ج 6 ص 109 طبعة كتاب الشعب.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 4 ص 22 - 23 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 10 ص 447 المسألة رقم 2051 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 10 ص 449 مسألة رقم 2052 نفس الطبعة السابقة.
(5)
شرح الأزهار للعلامة أبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 445 الطبعة السابقة.
مساحتها حيث لا تكون هى المقطوعة.
وفى شحمة الاذن ثلث ديتها على المشهور وبه رواية ضعيفة وفى خرمها ثلث ديتها على ما ذكره الشيخ وتبعه عليه جماعة وفسره ابن ادريس بخرم الشحمة ثلث الدية الشحمة مع احتماله ارادة الاذن أو ما هو أعم ولا سند لذلك يرجع اليه
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه تجب الدية كاملة فى كل ما به اثنان كيد ورجل وعين وأذن ففى الكل وان صغر أو انقطع أو بطل بذهاب منفعة أو فساد جسمه مثل أن لا يتحرك دية كاملة، وفى الواحدة نصف الدية وفى زوالها بعد الابطال أى بعد ابطال الجانى منفعتها كازالة الانف بعد اذهاب الشم وكقطع الاذن بعد زوال السمع - هل لها دية جارحة تامة وهو الصحيح أو نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها أو النظر فى ذلك خلاف.
وفى زوال الجارحتين الزوجين بعد ابطالهما جميعا دية الانسان التامة أو نصفها أو ثلثها أو ربعها أو خمسها أو النظر فى ذلك خلاف
(2)
.
تاسعا: دية اللحية والشارب وشعر الرأس
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أنه لو ضرب رجل على رأس رجل فسقط شعره أو على رأس امرأة فسقط شعرها، أو حلق لحية رجل أو نتفها، أو حلق شعر امرأة ولم ينبت فان كان حرا ففيه الدية عند أصحاب أبى حنيفة، حيث أن الشعر للنساء والرجال جمال كامل، وكذا اللحية للرجال.
وقد روى عن سيدنا علىَّ رضى الله عنه أنه قال: فى الرأس اذا حلق فلم ينبت الدية كاملة، وكذا روى عنه أنه قال: فى اللحية اذا حلقت فلم تنبت الدية وروى أن رجلا أغلى ماء فصبه على رأس رجل فانسلخ جلد رأسه فقضى سيدنا على رضى الله عنه بالدية.
وعن الفقيه أبى جعفر الهندوانى أنه قال انما يجب كمال الدية فى اللحية اذا كانت بحيث يتجمل بها فأما اذا كانت طاقات متفرقة لا يتجمل بها فلا شئ فيها، ان كانت غير متوفرة بحيث يقع بها الجمال الكامل وليست مما يشين ففيها حكومة عدل.
ولو حلق رأس انسان أو لحيته ثم نبت فلا شئ عليه لأن النابت قام
(1)
الروضة البهية اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 432 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 21 - 22 الطبعة السابقة.
مقام الفائت، فكأنه لم يفت الجمال أصلا
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة: أن حلق الرأس واللحية والحاجبين فيها جميعا الأدب لا القصاص عند ابن القاسم
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم أنه لا قود فى نتف اللحية والشارب والرأس، وقد قيل فيه حكومة اذا نبت وان لم ينبت ففيه حكومة أكثر وان قطع من هذا شئ بجلدته ففيه الأكثر من حكومة الشين وموضحة أو مواضح ان أوضح موضحة أو مواضح بينهن صحة من الرأس أو اللحية لم توضح. ولا قدر معلوم فى الشعر، وفيه اذا لم ينبت أو نبت معيبا حكومة بقدر الألم أو الألم والشين
(3)
.
ولو أفرغ رجل على رأس رجل أو لحيته حميما أو نتفهما ولم تنبتا كانت عليه حكومة يزاد فيها بقدر الشين ولو نبتا أرق مما كانا أو أقل، أو نبتا وافرين كانت عليه حكومة ينقص منها اذا كانت أقل شينا ويزاد فيها اذا كانت أكثر شينا
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن فى شعر الرأس وشعر اللحية فى كل منها الدية كثيفة كانت أو خفيفة جميلة أو قبيحة من صغير أو كبير اذا أذهبها بحيث لا تعود لما روى عن على وزيد بن ثابت فى الشعر الدية ولأنه اذهب الجمال على الكمال ولا قصاص فى هذه الشعور لعدم امكان المساواة وفى بعض ذلك بقسطه من الدية يقدر بالمساحة.
كالأذنين وان عاد الشعر قبل أخذ الدية سقطت ديته وان عاد بعد أخذ الدية ترد للجانى وان بقى من شعر اللحية أو من غيره من الشعور ما لا جمال فيه فالواجب دية كاملة لأنه اذهب المقصود منه كله ولأن جنايته ربما أحوجت لا ذهاب الباقى لزيادته فى القبح على ذهاب الكل. وفى الشارب حكومة ان لم يعد لأنه لا مقدر فيه
(5)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للامام أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 312 الطبعة السابقة.
(2)
المدونة الكبرى للامام مالك ج 4 ص 436 طبعة المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ على هامشها كتاب المقدمات الممهدات لأبى الوليد محمد أحمد ابن رشد.
(3)
الام للامام الشافعى ج 6 ص 108 - 109 طبعة كتاب الشعب.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 72 نفس الطبعة
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور ابن ادريس ج 4 ص 22 الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه ليس فى الشعر شئ فى الخطأ وفى شعر الرأس واللحية والشاربين وفى العمد القود أو المفاداة
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه لا أرش فيما كان حقيرا كنتف شعرة أو شعرتين بل يجب فى ذلك التأديب وهذه الحكومة غير مقدرة، وانما هى على ما رآه الحاكم مقربا ما لم يرد له أرش مقدر.
وفى الشعر اذا ذهب فلم يرجع أبدا حكومة، فيجب فى شعر الرأس أو اللحية حكومة مقاربة للدية قال الامام يحيى:
والمقارب ما زاد على النصف.
وقال فى البحر: وهذا فى لحية الرجل أما فى لحية المرأة فلا شئ فيها:
لأنه شين لا زين، أى لا حكومة لها وان وجبت من جهة الاثم والعدوان فان رجع الشعر والا وجبت فيه دية كاملة وتجب فى شعر الحاجبين وأهداب العينين حكومة دون نصف الدية
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن فى شعر الرأس أجمع الدية ان لم ينبت، لرجل كان أم لغيره لما رواه سلمان بن خالد وغيره. وكذا فى شعر اللحية للرجل:
أما لحية المرأة ففيها الأرش مطلقا وكذا الخنثى المشكل، ولو نبت شعر الرأس واللحية بعد الجناية فالأرش ان لم يكن شعر الرأس لامرأة ولو نبت شعر رأس المرأة ففيه مهر نسائها
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه تجب الدية فى اللحية ان ذهبت كلها ولم تنبت ولو بقى ما يكون تحت الشفة السفلى.
وما كان دون ذلك فبحسابه وقيل ان بقى ذلك الشعر المنفرد تحت الشفة سقط من الدية بقدره. وتجب الدية فى شعر الرأس ان لم ينبت وان لم يذهب ذلك كله فبحسابه وان نتفت منه جملة شعرات نظر كم مقدارها من الباقى بأن يجعل شعر الرأس كله جملة مقدارها فتعطى بمقدارها
(4)
.
وفى الشارب ان لم ينبت نصف دية الشفة وقيل فيه السوم. وفى اللحية
(1)
المحلى لابن حزم الأندلسى ج 10 ص 433 المسألة رقم 2033 والمسألة رقم 2034 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح ج 4 ص 449 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 431 الطبعة السابقة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيش ج 8 ص 19.
ان لم تنبت الدية وفيها السوم ان نبتت وفيها القصاص شعرة بشعرة ومن نتف من لحية رجل مائة أو مائتين ولم يتبين نقصانها وليس فى لحية الناتف الا مائتان أو أكثر قليلا فانه ينتف منه بقدر ما نتف، وقيل القصاص فى اللحية، بالاجزاء بأن ينظر ما نتف من المنتوف ويعد الباقى حتى يعرف كم هو ثلث أو دونه أو فوقه فينقص منه ذلك الجزء. ومن اللحية العنفقة والعارضان وحدهما العظم المحاذى للاذنين والذاهب من اللحية بقدرها من الدية
(1)
. الى بياض أو غيره فبحساب ما بلغ فى الدية فنصف الشعر بنصف الدية وثلث بثلث وهكذا.
وان ضرب أقرع أو أصلع فأشعر أى صار ذا شعر فله دية الجرح أن كان فقط وكذا كل صلاح تولد من ضرب
(2)
وقيل فى الشارب أو شعر الرأس دية كاملة كاللحية ولا شئ فى شارب امرأة أو لحيتها أو ساقها ان نتف ولم ينبت لان ذلك منفعة لها ولها أرش الجرح فقط
(3)
.
عاشرا: دية الأسنان
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أنه لو ضرب رجل رجلا ضربة فألقى أسنانه كلها فعليه دية وثلاثة أخماس الدية لأن جملة الأسنان اثنان وثلاثون سنا عشرون ضرسا وأربعة أنياب وأربع ثنايا وأربع ضواحك فى كل سن نصف عشر الدية فيكون جملتها ستة عشر ألف درهم وهى دية وثلاثة أخماس تؤدى هذه الجملة فى ثلاث سنين فى السنة الأولى ثلثا الدية، ثلث من ذلك من الدية الكاملة وهى عشرة آلاف درهم، وثلث من ثلاثة أخماس الدية وهى ستة آلاف درهم وفى السنة الثانية الثلث من الدية الكاملة والباقى من ثلاثة أخماس الدية، وفى السنة الثالثة ثلث الدية وهو ما بقى من الدية الكاملة. وانما كان كذلك لأن الدية الكاملة تؤدى فى ثلاث سنين فى كل سنة ثلثها وثلاثة أخماس الدية وهى ستة آلاف درهم تؤدى فى سنتين من السنين الثلاث وهذا يلزم أن يكون قدر المؤدى من الدية الكاملة والناقصة فى السنتين الأوليين وقدر المؤدى من الدية الكاملة فى السنة الثالثة ما وصف.
ولو ضرب رجل أسنان رجل وتحركت ينتظر بها حولا لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: يستأنى بالجراح حتى تبرأ والتقدير بالسنة لأنها مدة يظهر فيها حقيقة حالها من السقوط والتغير والثبوت، وسواء كان المضروب صغيرا أو كبيرا كذا روى
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 22 وما بعدها نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 50.
(3)
المرجع نفسه ج 8 ص 55.
فى المجرد عن أبى حنيفة أنه يؤجل سنة سواء كان صغيرا أو كبيرا.
وقال أبو يوسف ينتظر فى الصغير ولا ينتظر فى الرجل، وعن محمد أنه ينتظر اذا تحركت واذا سقطت لا ينتظر
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة: أن الاسنان والأضراس عند الامام مالك سواء وفى السن خمس من الابل وان كانت سوداء فهى كالصحيحة الا أن تكون تضطرب اضطرابا شديدا، فان كانت كذلك ففيها الاجتهاد.
وان كانت سنا مأكولة فذهب بعضها فقلعها رجل عمدا أو خطأ فالدية على حساب ما بقى منه لأنه ناقص غير تام فى رأى ابن القاسم
(2)
.
وفى السن السوداء اذا طرحها رجل العقل كامل وكذلك فى الحمراء أو الصفراء اذا أسقطها رجل فعليه العقل تاما. فاذا ضربه رجل فاسودت سنة او احمرت أو اصفرت أو اخضرت ففى السواد العقل تاما، واذا كانت الخضرة أو الحمرة أو الصفرة مثل السواد فقد تم عقلها والا فعلى حساب ما نقص واذا ضرب الرجل السن فتحركت من ضربه فان كانت تضطرب اضطرابا شديدا فقد تم عقلها ان كان تحريكا خفيفا عقل لها بقدر ذلك وينتظر بهذه السن التى تضطرب اضطرابا شديدا سنة
(3)
.
وقال الامام مالك: قال ابن المسيب فى السن اذا اسودت فقد تم عقلها وان أصيبت بعد ذلك ففيها أيضا عقلها كاملا
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فى السن بخمس كما جاء فى الكتاب الذى كتبه صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم والثنايا والرباعيات والأنياب والأضراس كلها وضرس الحلم وغيره أسنان وفى كل واحد منها اذا قلع خمس من الابل لا يفضل منها سن على سن. والدية المؤقتة على العدد لا على المنافع.
وفى سن من قد ثغر واستخلف له من بعد سقوط أسنان اللبن ففيها
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للعلامة الامام علاء الدين أبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 315 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المدونة للامام مالك ج 4 ص 436 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 441 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 443 الطبعة السابقة.
عقلها خمس من الابل فان نبت بعد ذلك يوما أخذ من العقل وقد قيل لا يرد شيئا الا أن يكون من أسنان اللبن فان استخلف لم يكن له شئ.
واذا ثغر الرجل واستخلفت أسنانه فكبيرها ومتراصفها وصغيرها وتامها وأبيضها وحسنها سواء فى العقل كما يكون ذلك سواء فيما خلق من الأعين والاصابع التى يختلف حسنها وقبحها وأما اذا نبتت الأسنان مختلفة ينقص بعضها عن بعض نقصا متباينا نقص من أرش الناقصة بحساب ما نقصت عن قرينتها مثل أن تكون كنصفها أو ثلثيها أو أكثر فاذا تفاوت النقص فيهما فنزعت الناقصة منهما ففيها من العقل بقدر نقصها عن التى تليها، وان كان نقصها عن التى تليها متقاربا كما يكون فى كثير من الناس كنقص الأشر ودونه فنزعت ففيها خمس من الابل وهكذا فى كل سن نقصت عن نظيرتها كالرباعيتين تنقص احداهما عن خلقة الأخرى ولا تقاس الرباعية بالثنية لأن الأغلب أن الرباعية أقصر من الثنية ولا أعلى الفم من الثنايا وغيرها بأسفله لأن ثنية أعلى الفم غير ثنية أسفله، وتقاس العليا بالعليا والسفلى بالسفلى على معنى ما وصف.
ولو كانت لرجل ثنيتان فكانت احداهما مخلوقة خلقة ثنايا الناس تفوت الرباعية فى الطول بأكثر مما تطول به الثنية الرباعية والثنية الأخرى تفوتها فوتا دون ذلك فنزعت التى هى أطول كان فيها أرشها تاما، وفوتها للأخرى التامة كالعيب فيها أو غير الزيادة.
وسواء ضربت الزائدة أو أصابت صاحبتها علة فزادت طولا أو نبتت هكذا، فاذا أصيبت هذه الطائلة أو التى تليها الأخرى ففى كل واحدة منهما خمس من الابل واذا أصيب من واحدة من هاتين شئ ففيها بقياسها.
ويقاس السن عما ظهر من اللثة منها فان أصاب اللثة مرض فانكشفت عن بعض الأسنان بأكثر مما انكشفت به عن غيرها فأصيبت سن مما انكشفت عنها اللثة فيبست السن بموضع اللثة قبل انكشافها فان جهل ذلك كان القول قول الجانى فيما بينه وبين ما يمكن مثله.
واذا قال ما لا يمكن مثله لم يكن القول قوله وأعطى المجنى عليه على قدر ما بقى من لثته لم ينكشف عما بقى من أسنانه.
وان انكشفت اللثة عن جميع الأسنان فهكذا أيضا اذا علم أن باللثة مرضا ينكشف مثلها بمثله فان جهل ذلك فاختلف الجانى والمجنى عليه، فقال المجنى عليه: هكذا خلقت وقال الجانى:
هذا عارض من مرض فالقول قول المجنى عليه مع يمينه ان كان ذلك فى خلق الآدميين. وان كان لا يكون فى خلق الآدميين فالقول قول الجانى حتى يدعى المجنى عليه ما يمكن أن يكون فى خلق الآدميين.
ولو خلقت لرجل أسنان قصار كلها من أعلى والسفلى طوال أو قصار من أسفل والعليا طوال أو قصار فسواء.
ولا تعتبر أعالى الاسنان بأسافلها فى كل سن قلعت منها خمس من الابل وكذلك لو كان مقدم الفم من أعلى طويلا والأضراس قصار أو مقدم الفم قصيرا والأضراس طوال كانت فى كل سن اصيبت له خمس من الابل
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن فى كل سن ممن قد أثغر خمس من الابل وروى عن عمر وابن عباس ولخبر عمرو بن حزم مرفوعا «فى السن خمس من الابل» رواه النسائى والأضراس والأنياب كالاسنان لما روى أبو داود عن ابن عباس مرفوعا قال: الأسنان سواء الثنية والضرس سواء فيكون فى جميعها مائة وستون بعيرا لأنها اثنتان وثلاثون أربع ثنايا وأربع رباعيات وأربعة أنياب وعشرون ضرسا فى كل جانب خمسة من فوق وخمسة من أسفل اذا قلعت الأسنان بسنخها - وهو ما بطن منها فى اللحم أو قطع الظاهر منها فقط وسواء قلعت الأسنان فى دفعة واحدة أو دفعات لعموم الخبر.
وان قلع منها السنخ فقط ولو كان القالع السنخ الذى جنى على ظهرها ففى السنخ حكومة لأنه لم يرد فيه تقدير.
ولا يجب بقلع سن الصغير الذى لم يثغر فى الحال شئ، لأن العادة عود سنه ولكن ينتظر عودها، فان مضت مدة ييأس من عودها وجبت ديتها، قال أحمد يتوقف سنه لأنه غالب فى نباتها الا أن ينبت مكانها أخرى مماثلة فلا شئ عليها كما لو عاد السمع.
وان عادت السن قصيرة أو شوهاء أو أطول من أخواتها أو صفراء أو حمراء أو سوداء أو خضراء فحكومة، لأنها لم تذهب بمنفعتها فلم تجب ديتها ووجبت الحكومة لنقصها.
وان عادت قصيرة وأمكن تقدير نقصها من نظيرتها أو كان فيها ثلمة أمكن تقديرها ففيها بقدر ما نقص منها من ديتها بالنسبة وان نبتت السن المجنى عليها مائلة عن صف الاسنان بحيث لا ينتفع بها ففيها ديتها كأنها لم تعد اذ لا نفع بذلك العائد وان كان ينتفع بها مع ميلها فحكومة للميل وان جعل المجنى عليه مكان السن المقلوعة سنا أخرى من آدمى أو من حيوان أو عظما فثبتت وجب ديتها كما لو لم يجعل مكانها شيئا، وان قلعت هذه الثلاثة فحكومة للنقص.
وان قلع سنه أو قلع طرفه كلسان ومارن ونحوهما فرده فالتحم فله أرش نقصه فقط وهو حكومة. ثم ان أبانه أجنبى بعد ذلك وجبت ديته كما لو لم يتقدمه جناية عليه. وان
(1)
الأم للامام الشافعى ج 6 ص 110 - 111 طبعة كتاب الشعب.
عادت سن من قد أثغر ولو بعد الاياس من عودها رد المجنى عليه ديتها ان كان قد أخذها لأنا تبينا أنه كان لا يستحقها وان لم يكن أخذها سقطت.
وان كسر الجانى بعض ظاهر السن ففى الذاهب من دية السن بقدره كالنصف والثلث كسائر ما فيه مقدر وان جاء جان آخر فكسر الباقى منها فعليه بقية الأرش أى بقية ديتها، وان اختلف الجانيان فى قدر ما اذهب كل منهما فالقول قول المجنى عليه فى قدر ما أتلف كل واحد منهما.
وان انكشفت اللثة عن بعض السن ثم كسر السن أو بعض السن وأريد تقديره فالدية فى قدر الظاهر من السن عادة دون ما انكشف على خلاف العادة لأنه عارض فلا يعتد به.
وان اختلف الجانى والمجنى عليه فى قدر الظاهر من السن اعتبر ذلك بأخواتها لأن الظاهر مساواتها لهن فان لم يكن لها شئ تعتبر به بأن لم يكن له غيرها ولم يمكن أن يعرف ذلك أهل الخبرة فقول الجانى بيمينه لأنه منكر فيما زاد عما يقر به.
وان قلع الجانى سنا مضطربة لكبر أو مرض وكانت منافع السن باقية من المضغ وحفظ الطعام والريق وجبت ديتها وكذلك ان ذهب بعض منافعها وبقى بعضها وجبت ديتها لأنه اذهب عصوا فيه منفعة وان ذهبت منافعها كلها فهى كاليد الشلاء ففيها حكومة.
وان قلع سنا فيها داء أو أكلة ولم يذهب شئ من أجزائها ففيها دية سن صحيحة لكمالها وبقاء منافعها وان سقط من أجزائها شئ سقط من ديتها بقدر الذاهب منها ووجب الباقى من ديتها فيما أذهبه كسائر ما فيه مقدر
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه اذا كان سواد السن واخضرارها واحمرارها واصفرارها وصدعها وكسرها - اذا كان كل ذلك خطأ فلا قرآن فيه بايجاب غرامة ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا اجماع على شئ من ذلك أصلا فلم يجز أن يوجب فى ذلك شئ لأن الخطأ مرفوع بنص القرآن والأموال محرمة بالقرآن والسنة فلا يجوز البتة ايجاب غرامة فى ذلك لأنه ايجاب شرع والشرع لا يجب الا بنص أو اجماع وكذلك لا نص ولا اجماع فى سن الصبى
(2)
.
وجاء فى المحلى
(3)
أن من قطع يدا فيها آكلة أو قلع ضرسا وجعة أو متآكلة بغير اذن صاحبها فينظر فان قامت بينة
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور ابن ادريس ج 4 ص 26 - 27 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الأندلسى ج 10 ص 416 - 418 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 10 ص 444 مسألة رقم 2047 نفس الطبعة.
أو علم الحاكم أن تلك اليد لا يرجى لها برء. ولا توقف وأنها مهلكة ولابد ولا دواء لها الا القطع فلا شئ على القاطع - وقد أحسن لأنه دواء.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أن فى كل سن من الأسنان نصف عشر الدية فحينئذ يجب فى جميعها دية ونصف دية وعشر دية، فان كسر بعض السن ففيه حصته من ديته قال الامام يحيى وأبو العباس ويعتبر بالمنافع، فيجب من الأرش بقدر ما ذهب من منافعها، وفى قلع السن العليل وجهان - قال الامام يحيى تجب ديتها لذهاب جمالها، ورجح الامام وجوب حكومة اذا كثر ضعفها.
ومن قلعت سنه فاقتص بها ثم نبتت سنه فعليه دية السن الذى قلع وله حكومة فى سنه، وذكر فى البحر:
أنه اذا ذهب السن ثم عاد سن المقتص ففيه وجهان: أصحهما لا شئ عليه لأن عوده موهبة
(1)
.
وسن الصبى الذى لم يثغر اذا قلع وجب فيه حكومة وقال الامام: ولعل الواجب فيه ثلث دية السن كالعضو الزائد لما كان حصول عضوه معلوما وفى اسوداد السن مع بقاء منفعته حكومة لذهاب الجمال
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أن فى الاسنان الدية والاسنان ثمان وعشرون سنا، فى المقاديم الاثنتى عشرة ستمائة دينار فى كل واحدة خمسون وفى المآخير الست عشرة أربعمائة فى كل واحدة خمسة وعشرون ويستوى فى ذلك البيضاء والسوداء والصفراء خلقة. وان كانت قبل أن يثغر متغيرة ثم نبتت كذلك أما لو كانت بيضاء قبل أن يثغر ثم نبتت سوداء رجع الى العارفين فان حكموا بكونه لعلة فالحكومة، والا فالدية. وتثبت دية السن بقلعها مع سنخها اجماعا وبدونه مع استيعاب ما يبرز عن اللثة على الأقوى وفى الزائدة عن العدد ثلث دية الاصلية بحسب ما تقرر لها بمعنى أنها ان كانت فى الأضراس فثلث الخمسة وعشرين وان كانت فى المقاديم فثلث الخمسين هذا ان قلعت منفردة عن الأصلية المتصلة بها ولا شئ فيها لو قلعت منضمة اليها كما لو قطع العضو المقدر ديته المشتمل على غيره. وقيل فيه حكومة لو انقلعت منفردة بناء على أنه لا تقدير لها شرعا والاشهر الأول
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن فى كل سن أو ضرس خمسا من الابل بلا تفاضل
(1)
شرح الأزهار للعلامة أبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 446 - 447 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 449 الطبعة السابقة.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية لزين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 433 الطبعة السابقة.
ان قلع وفى الجميع بضربة واحدة دية تامة فان أصيب ولم يقلع أجل سنة فان وقع أو اسود ومات مكانه فدية تامة وان كسر فبحساب الذاهب والباقى بلا كسر أو اسوداد والسن والضرس سواء وفيه خمس من الابل وهو نصف العشر.
ودية أعضاء المرأة وأسنانها وعظامها على النصف من أعضاء الرجل وأسنانه وعظامه.
وجاء فى الأثر: هذا اذا أزال السن وكذلك اذا اسودت وكذلك اذا تحركت تحركا شديدا وكذلك اذا أزال نصفها واسود الباقى فالدية فيها فى أربعة مواضع
(1)
.
إطعام
ما يجب فيه اطعام الفقير وغيره:
قد يحصل من الانسان ما يوجب عليه الاطعام ككفارة أو فدية لما حصل منه وذلك يكون فى الصوم أو الحج أو الظهار أو اليمين وبيان ذلك.
ما يوجب الاطعام بالنسبة للصوم:
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية الى أن الكفارة ومن أنواعها الاطعام انما يجب على من جامع أو جومع فى أحد السبيلين عامدا أو أكل أو شرب عامدا غذاء أو دواء وهو صائم فى رمضان وهذا لكمال الجناية بقضاء شهوة البطن والفرج ولا خلاف فى وجوب الكفارة بالجماع انظر تفصيل أحكامها فى مصطلح كفارة.
ووجوب الاطعام فى الكفارة على التخيير بينه وبين الكسوه والاعتاق فى كفارة اليمين لقوله تعالى «فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ» وعند العجز عن الاعتاق والصوم فى كفارة الظهار والجناية على الصوم فى رمضان لقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا} {فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} . هذا والاطعام يتحقق باطعام كل مسكين نصف صاع من بر أو دقيقه أو سويقه أو صاع من تمر أو شعير وكذلك لارتكاب محظور من محظورات الاحرام على الوضع الآتى:
اذا فعل المحرم محظورا من محظورات الاحرام الآتية فعليه الكفارة وبيان هذه المحظورات وما يجب فى كل منها كما يأتى:
استعمال الطيب والحلق وقص الأظافر
.
اذا طيب المحرم أقل من عضو كربعه ونحوه فعليه صدقة، وهى مقدرة
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للعلامة الشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 8 ص 41 وما بعدها الطبعة السابقة.
بالاطعام وذلك نصف صاع من بر، لأنه أقل صدقة وجبت شرعا كالفداء أو الكفارة أو صدقة الفطر وهذا على ظاهر الرواية وقال محمد: يجب تقديره من الدم اعتبارا للجزء بالكل، قال الاسبيجابى الصحيح جواب ظاهر الرواية، وان غطى رأسه أقل من يوم كامل أو ليلة كاملة فعليه صدقة كما سبق، وان حلق مواضع المحاجم فعليه دم، وقال محمد وأبو يوسف عليه صدقة لأنه لم يحلق لازالة الشعث
(1)
بل لأجل الحجامة، وهى ليست من المحظورات فكذلك هذا، الا أنه لما كان فيه ازالة شئ من الشعث وجبت الصدقة، وان قص خمسة أظافر متفرقة من يديه ورجليه فعليه لكل ظفر صدقة عند أبى حنيفة وأبى يوسف واعتمد قولهما المحبوبى والنسفى، وقال محمد: عليه دم اعتبارا بما لو قصها من كف واحدة، وان حلق أقل من ربع رأسه تصدق بنصف صاع من بر لأن الربع مقصود معتاد عند بعض الناس كأهل البادية فكان
(2)
ارتفاقا كاملا وما دونه ليس فيه معناه فتجب فيه صدقة، وان طيب أو حلق أو لبس لعذر فعليه الفدية، قال تعالى {(وَلا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ، فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ، فَفِدْيَةٌ 3 مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)} والصدقة فى الآية تعطى لستة مساكين لكل مسكين نصف صاع من طعام، وان قص أقل من خمسة أظافر فعليه لكل ظفر صدقة، لأنه لم يحصل بذلك زينة بل يشينه.
الطواف محدثا
ومن طاف محدثا للقدوم فعليه صدقة ومثل ذلك فى كل طواف تطوع، جبرا لما فاته من النقص بترك الطهارة، واظهار للفرق بين الحدث والجنابة بايجاب الصدقة، ومن طاف طواف الصدر محدثا فعليه صدقة ومن ترك ثلاثة أشواط من طواف الصدر فعليه صدقة وان ترك رمى احدى الجمرات الثلاث فى غير اليوم الأول فعليه لكل حصاة صدقة لأن الكل فى هذا اليوم واحد، والمتروك الأقل.
قتل الصيد وما فيه
وان قتل المحرم صيدا أو دل غيره عليه فقتله فعليه الجزاء عند أبى حنيفة وأبى يوسف.
والجزاء: هو أن يقوم الصيد فى مكان الصيد أو أقرب مكان اليه ان كان بصحراء
(1)
الشعت: غبار الرأس.
(2)
ارتفاقا: انتفاعا.
(3)
والتقدير فحلق ففدية، وقد فسرها صلى الله عليه وسلم بذلك وهى نزلت فى المعذور الآية رقم 196 من سورة البقرة.
وبعد ذلك هو مخير بين ثلاثة أشياء من بينها شراء طعام بالقيمة يتصدق به على المساكين لكل مسكين نصف صاع من بر أو دقيقه، أو صاعا من تمر أو شعير.
ولا يجوز أن يطعم المسكين أقل من نصف صاع، لأن الطعام الوارد فى النصوص ينصرف الى المعهود شرعا، والمعهود شرعا هو نصف الصاع فما فوق فحمل على نصف الصاع لأنه أقل صدقة وجبت شرعا.
فان فضل أقل من نصف صاع فهو مخير بين أن يتصدق به وبين أن يصوم عنه يوما كاملا ولا يجوز أقل من ذلك لأن صوم أقل من يوم غير مشروع.
وقال محمد: يجب فى الصيد النظير سواء كانت القيمة أقل أو أكثر وما ليس له نظير كالعصفور ففيه القيمة اجماعا والاصل فى الجزاء قوله تعالى {(فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)}
(1)
الآية.
قتل قملة أو جرادة أو أكثر
ومن قتل قملة تصدق بما شاء مثل كف من طعام، أو كسرة من خبز، هذا اذا أخذها من بدنه أو رأسه أو ثوبه، وسواء قتل القملة أو ألقاها على الأرض. وان قتل قملتين أو ثلاثا تصدق بكف من طعام وفى الزيادة على ذلك نصف صاع من حنطة.
وجاء فى الفتاوى اذا قتل عشرا تصدق بنصف صاع، وانما كان فى قتل القملة صدقة لأنها متولدة من التغث
(2)
الذى على البدن، وكما لا يجوز للمحرم أن يقتل القمل لا يجوز أن يدفعه الى غيره ليقتله، فان فعل ضمن وكذا لا يجوز أن يشير اليه ولا أن يلقى ثيابه فى الشمس ليموت أو يغسلها ليموت ولو ألقاها فى الشمس ليموت فمات فعليه نصف صاع اذا كان كثيرا، ولو دفع ثوبه الى حلال ليقتل قمله فقتله فعلى الدافع الجزاء وانما لزمه الجزاء فى القمل وان لم يكن صيدا لأنه حادث من البدن كالشعر، ففى ازالته ازالة الشعث فلزمه لأجل ذلك صدقة لأنه منهى عن ازالة الشعث ومن قتل جرادة تصدق بما شاء لأن الجراد من صيد البر، قال فى البحر: ولم أر من فرق بين القيل والكثير وينبغى أن يكون كالقمل
(3)
.
وكذلك يجب الاطعام فى كفارة الظهار عند الحنفية على الوضع الآتى:
اذا ظاهر الرجل من زوجته فعليه الكفارة ومن أنواعها الاطعام وهو لا يكون
(1)
الآية رقم 95 من سورة المائدة.
(2)
التفث الوسخ.
(3)
الاختيار ج 1 ص 216 واللباب ج 1 ص 203 والجوهرة ج 1 ص 168.
الا بعد العجز عن الصيام لمرض لا يرجى برؤه أو كبر سن والاطعام يكون لستين مسكينا، والتقييد بالمسكين اتفاقى (غير مقصود) لجواز صرفه الى غيره ممن تصرف لهم الزكاة ولا يجزئ لغير المراهق، ولا فرق بين أن يكون المساكين ذميين أو مسلمين عندهما.
وقال أبو يوسف لا يجوز لفقراء أهل الذمة.
ما يعطى للمسكين:
ويعطى لكل مسكين نصف صاع من بر، أو صاع من تمر أو شعير كالفطرة قدرا ومصرفا لحديث (لكل مسكين نصف صاع من بر) ومقدار الصاع عند أبى حنيفة ومحمد: ثمانية أرطال بالعراقى.
وقال أبو يوسف خمسة أرطال وثلث رطل.
قال الاسبيجانى: الصحيح قول أبى حنيفة ومحمد وقيل لا خلاف بين القولين.
لأن الطرف الثانى قدره برطل المدينة، والأول قدره برطل العراق
(1)
.
أداء القيمة:
وتجزئ قيمة الصاع أو نصفه لأن القيمة عندنا تجزئ فى الزكاة فكذا فى الكفارات ولأن المقصود سد الخلة ودفع الحاجة، وذلك يوجد فى القيمة، قال أبو يوسف الدقيق أحب الى من الحنطة والدراهم أحب الى من الدقيق لأنه أيسر على الغنى، وأنفع للفقير، والأحوط الحنطة ليخرج عن الخلاف، ولا يجوز الخبز والأقط الا باعتبار القيمة لعدم ورود النص بها، فان غداهم وعشاهم جاز، قليلا كان ما أكلوا أو كثيرا لأن المنصوص عليه فى الآية هو الاطعام وهو حقيقة فى اباحة الطعم، وفى التمليك بخلاف الزكاة فان الواجب فيها التمليك، ولا بد من الأدام فى خبز الشعير ليمكنه من الاستيفاء فى الشبع.
وفى خبز الحنطة لا يشترط الادام كما فى الهداية
(2)
. فان أعطى مسكينا واحدا ستين يوما أجزأه، لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد فى كل يوم، فالدفع اليه فى اليوم الثانى كالدفع الى غيره وان أعطاه طعام ستين يوما فى يوم واحد دفعة واحدة لم يجزه الا عن يوم واحد وان أعطاه ذلك ستين دفعة فالصحيح أنه لم يجزه أيضا الا عن يومه ذلك لفقد
(1)
هذا التقدير كان فى زمانهم وقد قدر حسب المعايير المتداولة، أما الآن فيقدر حسب المكاييل أو الموازين المتداولة حسب عرف كل بلد.
(2)
وعن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لو غداهم أو عشاهم خبزا واداما أو خبزا بغير أدام أو خبز الشعير أو سويقا أو تمرا جاز.
التعدد حقيقة وحكما ولو غدى ستين وعشى ستين غيرهم لم يجزه الا أن يعيد على ستين منهم غداء أو عشاء، ويجوز غداءان وعشاءان أو عشاء وسحور وكذا لو غداهم يوما وعشاهم يوما آخر لوجود أكلتين مشبعتين، ولو عشاهم فى رمضان لكل مسكين ليلتين أجزاه، والمستحب غداء وعشاء ولو أطعم كل مسكين مدا (نصف القدر الواجب اخراجه) أعطاه مدا آخر، ولا يجوز أن يعطيه غيرهم، لأن الواجب شيئان مراعاة عدد المساكين والمقدار فى الوظيفة لكل مسكين.
ومن أطعم مائة وعشرين مسكينا عن كفارتى ظهار أجزاه عنهما وان لم يعين واحدة بعينها لأن الجنس متحد، فلا حاجة الى نية التعيين، وقال زفر رحمه الله تعالى: لا يجوز عن واحدة منهما لعدم التعيين، وان أطعم ستين مسكينا كل مسكين صاعا من بر عن كفارتين لم يجزه الا عن واحدة، وقال محمد رحمه الله تعالى يجزئه عنهما وان أطعم ذلك عن ظهار وافطار أجزأه عنهما بالاجماع وعن قياس محمد رحمه الله تعالى وهذا لأن فى المؤدى وفاء بهما والمصروف اليه محل لهما فيقع عنهما وصار كما أذا فرق الدفع ولأبى حنيفة وأبى يوسف أن النية تعتبر فى الجنسين لا فى جنس واحد واذا لغت النية فى الجنس الواحد لغى أصل النية فيجزئ عن الواحدة كما اذا قال عن كفارة ظهار
(1)
.
وكذلك يجب الاطعام فى كفارة اليمين عند الحنفية على الوضع الآتى:
اذا حنث انسان فى يمينه فعليه الكفارة ومنها الاطعام: فيطعم عشرة مساكين كالاطعام المار فى كفارة الظهار والأصل فيه قوله تعالى {(لا يُؤاخِذُكُمُ 2 اللهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)} وكلمة (أو) للتخيير، فكان الواجب أحد الأشياء الثلاثة الاطعام، أو الكسوة، أو تحرير الرقبة.
مقدار ما يعطى للمسكين:
ويجزئ فى الاطعام التمليك والتمكين، فالتمليك أن يعطى كل مسكين نصف صاع من بر، أو دقيقه، أو سويقه، أو صاعا من شعير، أو دقيقه، أو سويقه.
أو صاعا من تمر، وأما الزبيب فالصحيح أنه كالحنطة يجزئ منه نصف صاع وفى رواية كالشعير، وأما ما عدا هذه الحبوب كالأرز والذرة والدخن فلا يجزيه
(1)
المرجع السابق الاختيار ج 3 ص 232 - 234 واللباب والجوهرة ج 2 ص 68 - 69.
(2)
الآية رقم 89 من سورة المائدة.
الا على طريق القيمة أى يخرج منها قيمة نصف صاع من بر، أو قيمة صاع من تمر أو شعير، ولا يعتبر فى سائر الحبوب تمام كيلة، لأن النص لم يتناوله، وانما المعتبر فيها القيمة وأما التمكين: فهو أن يغديهم ويعشيهم فيحصل لهم أكلتان مشبعتان أو يعشيهم عشاءين، أو يغديهم غداءين أو يعيشهم ويسحرهم، فان أطعمهم بغير ادام فلا يجزئه الا فى خبز الحنطة لا غير، فان أطعمهم خبزا أو تمرا أو سويقا لا غير أجزأه ذلك اذا كان من طعام أهله، وأن أطعم مسكينا واحدا عشرة أيام غداء وعشاء أجزأه ذلك وان لم يأكل فى كل أكلة الا رغيفا واحدا لأن المقصود اشباعه وانما يعتبر التقدير فى التمليك وان غدى عشرة، وعشى عشرة غيرهم لم يجزئه، وكذا اذا غدى وعشى غيره عشرة أيام لم يجزئه، لأنه فرق طعام العشرة على عشرين فلم يحصل لكل واحد منهم المقدار المقدر كما اذا فرق حصة المسكين على مسكينين، ولو غدى مسكينا وأعطاه قيمة العشاء فلوسا أو دراهم أجزأه وكذا اذا فعله فى عشرة مساكين فغداهم وأعطاهم قيمة عشائهم فلوسا أو دراهم قال هشام عن محمد: لو غدى مسكينا عشرين يوما أو عشاه فى رمضان عشرين ليلة أجزأه لأن سد الجوعة فى أيام لواحد كسد الجوعة فى يوم واحد لجماعة كذا فى الكرخى وان أعطى مسكينا واحدا طعام عشرة مساكين فى يوم واحد لم يجزئه، لأن تكرار الدفع مستحق كما اذا رمى الجمرة بسبع حصيات دفعة واحدة لم يجزئه الا عن واحدة فكذا هذا
(1)
.
مذهب المالكية:
ما يوجب الاطعام بالنسبة للصوم
.
ذهب المالكية الى أن الكفارة ومنها الاطعام واجبة بالافطار فى رمضان عمدا بالأكل والجماع على النحو المفصل فى الكفارة ويجب على التخيير بينه وبين الاعتاق والصوم أما فى القتل والظهار والتمتع فعلى الترتيب الوارد بالنص، والاطعام الواجب فى الكفارة بالجناية على الصوم يكون باطعام ستين مسكينا والمراد من المسكين ما يشمل الفقير ويعطى كل مسكين وجوبا مدا بمده صلى الله عليه وسلم لا أقل ولا أكثر والمد: ملء اليدين المتوسطتين وهو الأفضل
(2)
.
هل يكفر العبد والسفيه:
ولا كفارة بالاطعام على العبد بل يكفر بالصوم الا اذا أذن له سيده بالاطعام فيطعم كالحر وأما السفيه فيأمره وليه بالصوم، فان لم يقدر كفر عنه وليه بأدنى النوعين قيمة الاطعام أو العتق ويكفر السيد عن أمته ان وطئها ولو اطاعته ويكفر الرجل عن غير أمته كزوجة أو امرأة زنى بها ان أكرهها لنفسه، لا ان اطاعته ولا أن
(1)
اللباب والجوهرة ج 2 ص 195 - 196
(2)
الشرح الصغير ج 2 ص 16.
أكرهها لغيره والكفارة عليها ان طاوعت ولا أن أكرهت واذا كفر عن غيره كفر بالاطعام لا بالصوم اذ الصوم عمل بدنى لا يقبل النيابة ولا بالعتق لأن الموطوءة أمة فلا يصح منها العتق حتى ينوب عنها فيه أما الحرة فيصح عنها العتق.
المفرط فى قضاء رمضان:
ويجب الاطعام على مفرط فى قضاء رمضان أو بعضه الى أن دخل عليه رمضان آخر ولا يتكرر (ذلك) بتكرر هذا التفريط ويجب اطعام مد عن كل يوم من غالب قوت البلد لكل مسكين أن أمكن القضاء بشعبان وذلك بأن يتقى منه بقدر ما عليه من رمضان ولا يجب على المفرط فى قضاء رمضان أو بعضه اطعام ان اتصل عذره من مرض أو سفر أو جنون أو حيض أو نفاس بقدر الأيام التى عليه الى تمام شعبان، فمن عليه خمسة أيام مثلا وحصل له عذر قبل رمضان الثانى بخمسة أيام فلا اطعام عليه وان كان طول عامه خاليا من الأعذار وان حصل العذر له فى يومين فقط وجب عليه اطعام ثلاثة أمداد لأنها أيام التفريط بلا عذر ويندب له الاخراج فى اليوم الذى يقضيه عنه.
ويجب الاطعام على مرضع أفطرت خوفا على ولدها مد عن كل يوم من رمضان بخلاف الحامل اذا خافت على حملها.
الاطعام عن المخالفات التى تقع فى الحج:
اذا ارتكب المحرم محظورا من محظورات الاحرام الآتية فعليه الفدية ومن أنواعها الاطعام فتجب الفدية على الانثى اذا كانت محرمة بحج أو عمرة أو بهما ولبست مخيطا بكف أو اصبع أو سترت وجهها ولو بخمار أو منديل بلا عذر. وتجب الفدية على المحرم ذكرا وانثى حرا أم أمة من صيام أو صدقة أو نسك على التخيير فى كل شئ يتنعم به وفى ازالته عن النفس أذى حرم على المحرم لغير ضرورة ويرجع الى بيان ذلك فى مصطلح احرام والفدية أنواع ثلاثة شاة من ضأن أو اطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام راجع مصطلح احرام.
والاطعام الواجب يكون لستة مساكين من غالب قوت المحل الذى أخرجها فيه، ويعطى كل مسكين مدين بالمد النبوى فالجملة ثلاثة أصع، وكذا يجب الاطعام على محرم أو من كان بالحرم اذا قتل الجراد وكان لم يعم أو عم ولم يجتهد فى التحفظ منه ففيه قيمته طعاما بالاجتهاد كما يقول به أهل المعرفة وهذا اذا زاد الجراد على العشرة أما اذا لم يزد عن العشرة ففى الواحدة الى العشرة حفنة من طعام والحفنة ملء اليد الواحدة قياسا على تقريد
(1)
البعير ففيه حفنة أيضا وفى قتل الدود والنمل ونحوهما كالذباب قبضة من طعام من غير تفصيل بين قليله وكثيره.
(1)
تقريد البعير: القاء القراد منه بالأرض.
جزاء الصيد
.
وجزاء قتل الصيد فى الحرم أحد ثلاثة أنواع كالفدية، وبدهى أنه من جملة هذه الأنواع الاطعام المعبر عنه بالصدقة، وذلك هو قيمة الصيد طعاما بأن يقوم بطعام من غالب طعام أهل ذلك المكان الذى يخرج فيه، يحكم بذلك ذوا عدل، مسلمان حران فقيهان وتعتبر القيمة والاخراج يوم التلف بمحل التلف.
ما يعطى للمسكين فى جزاء الصيد:
ويعطى لكل مسكين من ذلك الطعام مد بمده صلى الله عليه وسلم ولا يجزئ عن الواحد أقل من مد وان أعطى غيره أكثر منه وله نزع الزائد ان كان باقيا واعطائه لمن نقص نصيبه وان لم يوجد بمحل التلف مساكين فيعطى مساكين أقرب مكان اليه ولو وجب عليه بعض مد كمل لكسره ندبا فى الاطعام
(1)
.
الاطعام الواجب فى كفارة اليمين:
اذا حلف انسان يمينا وحنث فيها وجبت عليه الكفارة ومن أنواع هذه الكفارة الاطعام والمراد منه تمليك عشرة من المساكين
(2)
من أوسط ما يطعم الأهل، فلا يكون من الأعلى ولا من الأدنى فان أخرج من الادنى لم يجزه وان أخرج من الأعلى أجزأه.
ويعطى كل مسكين من العشرة مدا بمده صلى الله عليه وسلم ويشترط فى كل واحد من هؤلاء المساكين العشرة أن يكون حرا مسلما لا تجب نفقته على المكفر. ويندب للمكفر اذا كان فى غير المدينة المنورة أن يعطى المسكين زيادة على المد بدون تقدير الزيادة وقيل تكون الزيادة ثلث المد وقيل نصفه والأول هو المذهب أو يعطى لكل واحد رطلين من الخبز بالبغدادى من أوسط ما يأكل الأهل، وهو أصغر من رطل مصر بيسير، وندب أن يكون الاطعام بادام من تمر أو زبيب، أو لحم أو غير ذلك ويجزئ عن العشرة امداد شبع العشرة مرتين كغداء وعشاء فى يوم أو أكثر كغداءين أو عشاءين، مجتمعين أو متفرقين، متساويين فى الأكل أو متفاوتين، والمراد من الشبع الوسط فى كل مرة ولو كانوا أطفالا استغنوا بالطعام عن اللبن فلا يكفى أشباعهم مرتين بل لا بد من المد كاملا
(3)
.
الاطعام الواجب فى كفارة الظهار:
اذا ظاهر الرجل من امرأته لزمته الكفارة ومن أنواعها الاطعام وهو لا يكون الا بعد عدم استطاعة صيام الشهرين والمراد من هذا الاطعام التمليك
(1)
الشرح الصغير ج 2 ص 67 - 88 طبعة مفردة بدون حاشية الصاوى.
(2)
المسكين يشمل الفقير عندهم.
(3)
الشرح الصغير ج 2 ص 136.
لستين مسكينا كما نصت عليه الآية {(فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)} ويعطى كل مسكين مد وثلثان بمده صلى الله عليه وسلم فهى مائة مد وتقدر بخمسة وعشرين صاعا وتكون من غالب قوت البلد، فان كان ما يقتاتونه برا أعطوا من البر ولا يجزئ غيره كالشعير أو الذرة أو غير ذلك فان اقتاتوا غيره فعد له شبعا لا كيلا خلافا للباجى وذلك بأن يقال: اذا شبع الشخص من مد حنطة وثلثين فما الذى يشبعه من غيرها.
فان قيل يشبعه كذا فانه يخرجه ولا يجزئ العشاء، أو العشاء والغذاء قال الامام رضى الله عنه: انى لا أظنه يبلغ مدا وثلثين ولذلك لو تحقق بلوغهما كفى ذلك وللعبد اخراج الطعام ان أذن له سيده عند عجزه عن الصوم أو منعه منه لاضراره بخدمته، هذا ويشترط فى المساكين أن يكونوا أحرارا مسلمين
(1)
.
مذهب الشافعية:
الاطعام الواجب بالنسبة للصوم:
من كان صائما لرمضان ووقعت منه مخالفة مما يأتى وجبت عليه الفدية أو الكفارة والفدية هنا مد أو مدان من الطعام كما سيوضح عقب ذلك فمن تلك المخالفات أن من فاته شئ من رمضان بعذر كمرض ومات بعد التمكن من القضاء ولم يقض لم يصم عنه وليه فى الجديد بل يخرج عنه من تركته لكل يوم مد من الطعام وفى القديم يصح صومه واخراجه للفدية عنه سواء فات بعذر أم لا، قال النووى القديم هنا أظهر. والولى على القول المختار كل قريب للميت ولو لم يكن وارثا له.
والأظهر وجوب المد على من أفطر فى رمضان للكبر فصار يلحقه بالصوم مشقة وكذا لمرض لا يرجى برؤه.
ومقابل الأظهر لا يجب عليه المد.
وأما الحامل والمرضع فان أفطرتا خوفا على الولد من الهلاك لزمتهما الفدية مع القضاء فى الأظهر ولو كانتا مسافرتين أو مريضتين.
ومقابل الأظهر لا تلزمهما.
وقيل تجب على المرضع دون الحامل.
والأصح أنه يلحق بالمرضع فى ايجاب الفدية مع القضاء من أفطر لانقاذ حيوان محترم مشرف على الهلاك.
ومقابل الأصح لا تلزمه الفدية.
والمتعدى بفطر رمضان بغير جماع فقيل يلزمه مع القضاء الفدية والأصح
(1)
الشرح الصغير ج 3 ص 140.
أنه يلزمه القضاء فقط ومن أخر قضاء رمضان مع امكانه حتى دخل عليه رمضان آخر لزمه مع القضاء لكل يوم مد، ويأثم بالتأخير والأصح تكرر المد بتكرر السنين ومقابله لا يتكرر.
والأصح أنه لو أخر القضاء مع امكانه حتى دخل رمضان آخر فمات أخرج عنه من تركته لكل يوم مدان مد للفوات، ومد لتأخير القضاء، فان صام عنه وليه وجبت عليه فدية التأخير فقط.
ومقابل الأصح يكفى مد واحد.
ومصرف الفدية الفقراء والمساكين فقط دون بقية الأصناف وله صرف امداد لشخص واحد أما المد الواحد فلا يجوز صرفه لاثنين، وجنس الفدية هو جنس الفطرة ونوعها، وصفتها
(1)
.
ومن جامع بعد الأكل ناسيا وعلم أنه لم يفطر بهذا الأكل ثم جامع فتجب عليه الكفارة بهذا الجماع، والكفارة تجب على الزوج عنه دون الزوجة.
وفى قول تلزمهما كفارة واحدة ويتحملها الزوج.
وقيل تجب على كل واحد كفارة ويتحملها الزوج.
وفى قول عليها كفارة أخرى ولا يتحملها الزوج.
وكذا تلزم الكفارة من انفرد برؤيه هلال رمضان وجامع فى يومه لصدق الضابط عليه ومن جامع فى يومين لزمه كفارتان سواء كفر عن الجماع الأول أم لا.
والكفارة هى: عتق رقبة مؤمنة فان لم يجدها صام شهرين متتابعين فان لم يستطع فاطعام ستين مسكينا ولو عجز عن الجميع استقرت فى ذمته ولا تسقط عنه فى الأظهر ومقابله تسقط عنه
(2)
.
الاطعام الواجب فى الحج:
اذا وقعت من الشخص مخالفة فى الحج من محظورات الاحرام فيجب عليه الفدية والاطعام نوع منها (انظر احرام) والمحرم يتخير فى فدية الحلق بين التصدق بثلاثة آصع لستة مساكين، وبين أن يؤدى واحدا من النوعين الآخرين
(3)
.
وكذلك يتخير فى الصيد المثلى بين ذبح مثله والصدقة. بلحمه على مساكين الحرم، وبين أن يقوم المثل بالنقد الغالب ويشترى به طعاما للمساكين مما يجزئ فى الفطرة أو يصوم عن كل مد يوما، وكذا يجب
(1)
أنظر توضيح ذلك فى زكاة الفطر.
(2)
السراج الوهاج ج 1 ص 144.
(3)
ذبح شاة أو صيام ثلاثة أيام.
الطعام اذا عجز عن الدم فى ترك المأمور، فيشترى بقيمة الشاة طعاما ويتصدق به على مساكين الحرم ومن أحصر وتحلل وعجز عن ذبح الشاة لفقدها فالأظهر أن لها بدلا وهو طعام بقيمة الشاة ومقابل الأظهر لا بدل له فيبقى فى ذمته
(1)
.
الاطعام الواجب فى كفارتى الظهار واليمين
.
أما فى كفارة الظهار فان من أنواعها الاطعام وهو لا يكون الا بعد العجز عن صيام الشهرين والاطعام يكون لستين مسكينا أو فقيرا، والمراد من اطعامهم تمليكهم، فلا يكفى التغذية ولا التعشية ولا تمليك الكافر ولا الهاشمى ولا المطلبى ولا لمن تلزمه نفقته ويصرف المكفر لهم ستين مدا لكل واحد مد مما يكون فى الفطرة وتخرج من غالب قوت بلد المكفر، فلا يجزئ نحو الدقيق، واذا عجز عن الاطعام بقى فى ذمته ولا يسقط عنه
(2)
.
وأما الاطعام فى كفارة اليمين: عندهم فأنه يكون لعشرة مساكين لكل مسكين مد حب من غالب قوت بلد المكفر، ولا يجوز اطعام خمسة وكسوة خمسة، ولا يكفر عبد بمال الا اذا ملكه سيده أو غيره طعاما أو كسوة وأذن له فى التكفير، بل يكفر العبد بالصوم ومن بعضه حر وبعضه رقيق وله مال.
له أن يكفر بالطعام أو الكسوة ولا يكفر بالصوم ولا بالعتق لأنه ليس من أهله
(3)
.
مذهب الحنابلة:
الاطعام الواجب على بعض المخالفات التى تقع من الصائم فى رمضان:
من جامع فى نهار رمضان فى الفرج قبلا كان أو دبرا فعليه القضاء والكفارة وضمن أنواع هذه الكفارة الاطعام أى اطعام ستين مسكينا بعد العجز عن صيام الشهرين لكل مسكين مد برأى ربع صاع أو نصف صاع من تمر أو زبيب أو شعير أو أقط، ودليل هذه الكفارة ما روى أبو هريرة رضى الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبى صلى الله عليه وسلم اذ جاءه رجل فقال يا رسول الله: هلكت قال: مالك قال وقعت على أهلى وأنا صائم، فقال صلى الله عليه وسلم هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا قال فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال:
لا قال: فهل تجد اطعام ستين مسكينا قال: لا الحديث فان لم يجد شيئا يطعمه للمساكين سقطت عنه الكفارة لأن الاعرابى لما دفع اليه النبى صلى الله عليه وسلم التمر ليطعمه للمساكين
(1)
السراج الوهاج ج 2 ص 168.
(2)
وكذلك بقية خصلتى الكفارة - السراج الوهاج ص 441.
(3)
السراج الوهاج ص 574.
فأخبره بحاجته اليه قال له أطعمه لأهلك ولم يأمره بكفارة أخرى ولم يذكر له بقاءها فى ذمته، وهذا هو ظاهر المذهب.
وعن الامام لا تسقط بل تبقى فى ذمته الى أن يجدها وهذه الكفارة للجماع تجب سواء كان المجامع عامدا أو ساهيا فى ظاهر المذهب.
وعن الامام لا كفارة عليه مع الاكراه والنسيان.
ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر وهل يلزمها مع عدمه؟ فى ذلك روايتان
(1)
.
الاطعام الواجب على بعض المخالفات فى الحج.
قد يقع من المحرم محظورا من محظورات الاحرام وفى بعض هذه المحظورات تجب الفدية، والاطعام نوع من أنواع هذه الفدية وهاك بعضا مما تجب فيه الفدية فتجب الفدية فى بعض محظورات الاحرام على ما قيل فى مصطلح «احرام» ومن ذلك حلق الشعر أو قطعه أو نتفه قال تعالى {(وَلا تَحْلِقُوا 2 رُؤُسَكُمْ حَتّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ)} وقال تعالى {(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ)} الآية وحديث كعب قال ابن عجرة فيما رواه البخارى قال وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية ورأسى يتهافت قملها فقال يؤذيك هوامك قلت نعم قال فاحلق رأسك قال وفى نزلت هذه الآية {فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} فقال النبى صلى الله عليه وسلم صم ثلاثة أيام أو تصدق بفرق بين ستة مساكين وفى رواية صم ثلاثة أيام أو اطعم ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع. ومن حلق شعرة واحدة أو قلم ظفرا واحدا أطعم مسكينا واحدا، وان حلق أو قلم اثنين أطعم مسكينين يأخذ المسكين الواحد مدا من طعام وهذا كله على رواية ظاهر المذهب وعن الامام قبضة من طعام لأنه لا تقدير فيه ولأنها اليقين وازالة بعض الشعرة كالشعرة وكذلك الظفر وعن الامام: درهم، وتجب الفدية اذا قتل صيد البر اجماعا لقوله تعالى {(لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ 3 وَأَنْتُمْ حُرُمٌ)} وكذا اذا صاده لقوله تعالى {(وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ 4 الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً)} والمراد به ما كان وحشيا مأكولا، أو متولدا منه ومن غيره فمن أتلفه، أو تلف فى يده، أو أتلف جزءا منه، فعليه جزاؤه ومن ضمن أنواع جزاء الصيد أنه يخير
(1)
المقنع ج 1 ص 364 والروض المربع ج 1 ص 126.
(2)
الآية رقم 196 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 95 من سورة المائدة.
(4)
الآية رقم 96 من سورة المائدة.
فيه بين المثل، أو تقويم هذا المثل بدراهم فيشترى بها طعاما، فيطعم كل مسكين مدا من البر، ومدان من غيره وعن الامام يجوز له الصدقة بالدراهم ولا يتعين أن يشترى بها طعاما وأن كان الصيد مما لا مثل له خير بين الاطعام والصيام.
الاطعام الواجب فى كفارة الظهار
.
أجمع أهل العلم على أن المظاهر اذا لم يجد الرقبة، ولم يستطع الصيام أن فرضه اطعام ستين مسكينا على ما أمر الله تعالى فى كتابه وجاء فى سنة نبيه صلى الله عليه وسلم سواء عجز عن الصيام لكبر أو مرض يخاف بالصوم تباطؤه أو زيادته أو الشبق
(1)
فلا يصبر فيه عن الجماع فان أوس بن الصامت لما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصوم قالت امرأته:
أنه شيخ كبير ما به من صيام قال:
فيطعم ستين مسكينا، ولما أمر سلمة بن صخر بالصيام قال: وهل أصبت ما أصبت الا من الصيام قال: فاطعم فنقله الى الاطعام لما أخبره أن به من الشبق والشهوة ما يمنعه من الصيام، وقسنا على هذين ما يشبههما فى معناها ويشترط فى المسكين أربعة شروط الاسلام والحرية فلا يجوز دفعها الى كافر ذميا كان أو حربيا وهذا هو المذهب وعليه الأصحاب لأنها كفارة فلم يجز اعطاؤهم كمساكين أهل الحرب، والآية مخصوصة بهذا فقيس عليه وأن يكون حرا فلا يجوز دفعها الى مكاتب، ولا الى عبد ولا الى أم ولد ولا خلاف فى أنه لا يجوز دفعها الى عبد. لأن نفقته واجبة على سيده وكذلك لا يجوز دفعها الى أم ولد لأن نفقتها كذلك واجبة على سيدها وأن لا يكون طفلا فان كان طفلا لم يأكل الطعام لم يدفع اليه، وهذا اختيار الخرقى وغيره وقيل يجوز دفعها الى الصغير الذى لم يطعم. ويقبض له وليه، لأنه حر مسلم محتاج فأشبه الكبير، ولأن أكله للكفارة ليس بشرط فيصرف فيما تتم به كفايته فأما المكاتب فيجوز دفعها اليه فى احدى الروايتين وهى المذهب.
والثانية لا يجوز.
فان دفعها الى من يظنه مسكينا فبان غنيا فعلى وجهين.
والصحيح من المذهب الاجزاء.
وان ردده على واحد ستين يوما.
لم يجزه الا الا يجد غيره فيجزئه فى ظاهر المذهب وهذا هو الصحيح من المذهب فى ذلك
(2)
.
(1)
الشبق الميل الشديد الى الجماع بحيث لو تركه تشققت أنثياه.
(2)
وعن الامام لا يجزئه وعنه يجزئ وان وجد غيره.
فان وجد غيره من المساكين لم تجزئه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب، وعن أحمد يجزئه اختاره ابن بطة وغيره وان دفع الى مسكين فى يوم واحد من كفارتين أجزأه وهذا هو المذهب وعليه أكثر الأصحاب، لأنه دفع القدر الواجب الى العدد الواجب فأجزأ كما لو دفع اليه المدين فى يومين وعن أحمد لا يجزئه. ويجزئ فى الاطعام البر أو الشعير أو دقيقهما أو سويقهما
(1)
أو تمر، أو زبيب أو أقط
(2)
وهذا هو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
واقتصر الخرقى على البر والشعير والتمر واخراج السويق والدقيق هنا من مفردات المذهب وفى الخبز روايتان فان كان قوت بلده غير ذلك أجزأ منه وذلك كالذرة والأرز وهو أحد الوجهين لقوله تعالى «مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ» }.
وقال القاضى أبو يعلى لا يجزئه، وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب ولا يجزئ من البر أقل من مد، ولا من غيره أقل من مدين
(3)
، ولا من الخبز أقل من رطلين بالعراقى الا أن يعلم أنه مد وأن أخرج القيمة أو غدى المساكين فلا يجزئ وهذا هو المذهب، وعن الامام يجزئه اذا أطعمهم القدر الواجب واختاره الشيخ تقى الدين ألا أنه لم يعتبر القدر الواجب وذلك لقوله تعالى {(فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً)} وهذا قد أطعمهم
(4)
.
الاطعام الواجب فى كفارة اليمين
.
من حنث فى يمينه فعليه كفارته ويخير فى هذه الكفارة بين ثلاثة أشياء الاطعام وهو أحدها وهو المراد هنا، فيطعم عشرة مساكين لكل مسكين مد بر أو نصف صاع من غيره ولو أطعم خمسة، وكسا خمسة أجزأه على الصحيح من المذهب.
ومن لزمته ايمان قبل التكفير عن أحدها فعليه كفارة واحدة، لأنها كفارات من جنس واحد فتداخلت كالحدود من جنس واحد، وان اختلف سبب الكفارة كالظهار واليمين بالله تعالى لزمه كفارتان ولم يتداخلا لعدم اتحاد الجنس
(5)
.
(1)
السويق: ما يحمص ثم يطحن، على أن يكون الدقيق أو السويق يوزن الحب.
(2)
الأقط: ما يعمل من اللبن المجفف المخيض.
(3)
مقال أبو هريرة رضى الله عنه. يطعم مدا من أى الأنواع كان وذكره المجد فى رواية ونقله الأثرم ودليل المذهب ما يروى الامام أحمد قال جاءت امرأة من بنى بياضة بنصف وسق شعير فقال صلى الله عليه وسلم أطعم هذا فان مدى شعير مكان مدبر ولم يعرف مخالف من الصحابة.
(4)
المقنع ج 3 ص 552، ص 255.
(5)
المقنع ج 3 ص 257 ولروض ج 2 ص 361.
مذهب الظاهرية:
الاطعام الواجب فى بعض المخالفات
بالنسبة لصوم رمضان
ذهب الظاهرية الى أنه لا كفارة على من تعمد فطرا فى رمضان الا بوط ء فى الفرج من امرأته أو أمته فان هذا عليه الكفارة وصفة الكفارة بالاطعام اطعام ستين مسكينا
(1)
.
الاطعام الواجب عن بعض
المخالفات فى الحج:
من احتاج الى حلق رأسه وهو محرم لمرض أو صداع أو لنحو قمل أو جرح به أو نحو ذلك مما يؤذيه فليحلقه وعليه أحد ثلاثة أشياء هو مخير فى أيها شاء لابد له من أحدها اما أن يصوم ثلاثة أيام، وأما أن يطعم ستة مساكين متغايرين لكل مسكين منهم نصف صاع تمر ولابد، واما أن يهدى شاة يتصدق بها على المساكين أو يصوم أو يطعم أو ينسك الشاة فى المكان الذى حلق فيه أو فى غيره برهان ذلك قوله تعالى:{(فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)}
(2)
وكذا من قصد صيدا عامدا لقتله، ذاكرا لاحرامه أو انه فى الحرم فهو عاص لله تعالى، وحجه باطل وعمرته كذلك، وهو مخير بين ثلاثة أشياء أيها شاء فعله، وقد أدى ما عليه، أما أن يهدى مثل الصيد الذى قتله من النعم وهى الابل والبقر والغنم ضأنها وما عزها وعليه من ذلك ما يشبه الصيد الذى قتله مما قد حكم به عدلان من الصحابة رضى الله عنهم أو من التابعين رحمهم الله تعالى وان شاء أطعم مساكين وأقل ذلك ثلاثة، وان شاء نظر الى ما يشبع ذلك الصيد من الناس فصام بدل كل إنسان يوما
(3)
.
الاطعام الواجب فى كفارة الظهار:
كفارة الظهار عتق رقبة فمن لم يقدر فعليه صيام شهرين متتابعين، فان عجز عن الصيام فعليه أن يطعم ستين مسكينا متغايرين
(4)
.
الاطعام الواجب فى كفارة الايمان
من حنث فى يمينه أو أراد الحنث وان لم يحنث فهو مخير بين ما جاء به النص أما أن يطعم عشرة مساكين قال تعالى {(فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ)} الآية وما نعلم فى ذلك خلافا ولا يجزيه بدل ما ذكرنا صدقة، ولا هدى ولا قيمة ولا شئ سواه أصلا، لأن الله تعالى لم يوجب غير ما ذكرنا، فمن أوجب فى ذلك قيمة فقد تعدى حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه وشرع من الدين ما لم يأذن به الله تعالى {(وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا)} ولا يجزئ اطعام مسكين واحد، أو ما دون العشرة يردد الاطعام عليهم، لأن الله تعالى افترض اطعام عشرة مساكين، وهذا خلاف
(1)
المحلى ج 6 ص 185.
(2)
المحلى ج 7 ص 208، ص 209.
(3)
المحلى ج 7 ص 219.
(4)
المحلى ج 10 ص 49 - 50.
ما أمر الله تعالى ولا يجزئ الا مثل ما يطعم أهله، فان كان يطعم أهله الدقيق فليعط المساكين الدقيق، وان كان يعطى أهله الحب فليعط المساكين الحب وان كان يطعم أهله الخبز فليعط المساكين الخبز، لا يجزيه غير ذلك أصلا لأنه خلاف نص القرآن ويعطى من الصفة والكيل الوسط، لا الأعلى ولا الأدنى كما قال الله عز وجل وأما مقدار ما يعطى لكل مسكين فلم يحدد فيه شيئا كتاب الله
(1)
.
مذهب الزيدية:
الاطعام الواجب بالنسبة للصوم:
تجب الكفارة بالوط ء فى القبل أو الدبر فى صيام رمضان لقول النبى صلى الله عليه وسلم لمن وطئ (أعتق رقبة) وقوله (من أفطر فى نهار رمضان بالجماع فعليه ما على المظاهر
(2)
وقيل: تندب الكفارة لقوله صلى الله عليه وسلم (كله أنت وعيالك) ولم يأمره باخراج الكفارة متى تمكن، وبدهى أن الاطعام نوع من الكفارة فتجب الكفارة على من أفطر فى رمضان لعذر مأيوس، أو أيس عن قضاء ما أفطره والكفارة هى نصف صاع عن كل يوم أفطره من أى قوت كان لقوله صلى الله عليه وسلم أطعم عن كل يوم نصف صاع ولم يفصل فى القوت.
وقيل: هى مد من بر أو نصف صاع من غيره.
وقيل صاع من غير البر كالكفارة فى الظهار، وهذا قياس ولا قياس مع النص السابق.
ومن خافت على رضيع أو جنين أفطرت وأطعمت فعن ابن عمر، وابن عباس رضى الله عنهما أنهما قالا: الحامل والمرضع اذا خافتا على أولادهما أفطرتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا.
وخرج الامام مالك فى الموطأ أنه بلغه أن عبد الله بن عمر سئل عن المرأة الحامل اذا خافت على ولدها واشتد عليها الصيام فقال تفطر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مدا من حنطة بمد النبى صلى الله عليه وسلم والشيخ الكبير الذى لا يطيق الصوم يفطر ويطعم فعن على رضى الله عنه أنه قال ضمن حديث: لما أنزل الله فريضة الصيام أتى النبى صلى الله عليه وسلم شيخ يتوكأ بين رجلين فقال يا رسول الله:
هذا شهر رمضان مفروض ولا أطيق الصوم، فقال: اذهب فأطعم عن كل يوم نصف صاع للمساكين
(3)
.
(1)
المحلى ج 8 ص 65.
(2)
يعنى يكفر مثل كفارة الظهار وتحب على المرأة المطاوعة مثل الرجل ولا شئ على المكرهة ومن وطئ فى أيام أجزأته كفارة واحدة كالتكرار فى يوم واحد وكتكرار السرقة والقذف.
(3)
البحر الزخار ج 2 ص 227.
الاطعام الواجب عن بعض
المخالفات فى الحج:
تلزم الفدية فى لبس الثياب، والحلق وتتكرر الفدية فى الاجناس المختلفة وقيل لا تتكرر وشعر الرأس والجسد جنسان، وتلزم أيضا فى قص الظفر، وقشر الجلدة كالشعر وفيما لا يبين أثره من ذلك صدقة وتجب فى قلع السن، وخضب الأصابع كتقصيرها فيه الفدية وفى كل أصبع نصف صاع، وفى الأنملة نصف المد، وفى خضب الرأس واللحية فدية، وفديتان ان تفرقا.
والفدية هى: شاة أو اطعام ستة مساكين أو صيام ثلاثة أيام لقوله تعالى: {(فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)} وتجب الكفارة على الوط ء.
الاطعام الواجب فى كفارة اليمين:
اذا حنث الشخص فى يمينه وجبت عليه الكفارة وهى أحد الثلاثة أنواع التى ذكرها الله تعالى ومن أنواعها الاطعام، أى اطعام عشرة مساكين أو فقراء ويشترط اعلامهم أنها كفارة ليشبعوا الا أن يعلم أنهم يشبعون من غير اعلامهم فلا يشترط، أما لو أعطاهم الخبز على جهة التمليك كان كاخراج القيمة ويجزئ اطعامهم ولو كانوا متفرقين وسواء أطعم كل يوم مسكينا، أو كل اسبوع أو كل شهر، لكن الجمع أفضل والاطعام هو أن يطعم كل واحد منهم وجبتين، غذاءين أو عشاءين أو غذاء وعشاء أو عشاء وسحورا بادام حتما حيث أطعم على وجه الاباحة وأعلا الادام اللحم، وأوسطه الزيت، وأدناه الملح حيث جرى به العرف وأما اذا أخرج الطعام تمليكا فلا يشترط الادام.
قال الفقيه يوسف: وحيث يجب الادام لا تبطل الكفارة بتركه بل يخرج مقدار قيمة الادام الى القابضين ويجزئ ذلك ولو كانت الوجبتان متفرقتين اذا كان الأكل واحدا فان أطعم شخصا وجبة وآخر وجبة لم يجز فان فاتوا بعد الوجبة الأولى بموت أو غيره استأنف الوجبتين ولا يعتد بتلك التى فات أهلها.
واذا أكل المساكين أو أحدهم وجبة وامتنع من أكل الوجبة الاخرى وجب أن يضمن الممتنع الوجبة التى أكلها واذا لم يكن الاطعام على وجه الاباحة أجزأه تمليك كل منهم صاعا وقدره نصف ثمن قدح صنعانى ومجموع الكفارة فى وقتنا خمسة اثمان قدح، ويجوز تفريق الصاع فى التمليك اذا كان الى فقير واحد ويكون ذلك الصاع من أى حب من ذرة أو شعير أو من أى تمر يقتاته كالتمر والزبيب ويجوز أن أن تكون من أجناس مختلفة وكما يخرج الصاع من غير البر يخرج نصفه من البر ويجوز الدفع الى الصغير كالكبير ومثل ذلك الضعيف وأما المريض فتعتبر نفقته فى حال الصحة ولا يعتبر اذن الولى الا فى التمليك فاذا أطعم الصغير على وجه الاباحة لم يحتج الى اذن الولى
وأن ملكه طعاما اعتبر اذن الولى ويجوز الترديد فى العشرة المساكين ومعنى الترديد أن يصرف اليهم كفارات متعددة سواء اتفقت أسبابها أم اختلفت وسواء أكان المخرج جنسا أو جنسين مثل كسوة واطعام وسواء وجد العشرة أم لا لكن يكره الترديد فيهم اذا وجد غيرهم من المساكين والا فلا يكره على الصحيح من المذهب ولا يصح صرف كفارة اليمين الى أقل من عشرة فاذا لم يجدهم ينتظر بالباقى فقط الى أن يكملوا.
ولا يجوز اخراج أقل من صاع أو نصفه ولكن يجوز نصف صاع من أرز عوضا عن صاع من شعير لكون النص لم يرد الا فى الأرز.
ومن تعذر عليه الاطعام للعشرة كأن يجد تسعة أصواع فهو كالعادم فينتقل الى الصوم ومثله من كان بينه وبين ماله ثلاثة أيام
(1)
.
الاطعام الواجب فى كفارة الظهار:
من ظاهر من امرأته فعليه الكفارة ومن ضمن أنواعها الاطعام وهو يكون بعد العجز قال تعالى {(وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ)} ويعطى لكل مسكين نصف صاع من أى قوت كان وهذا هو الراجح.
وقيل مد من بر أو نصف صاع من غيره وقيل صاع من غير البر كالكفارة والمعتبر فى الاطعام وصوله الى كل فرد من أفراد الستين، فلا يجزئ تكرارها الى ما دونهم ولو ظاهر الرجل من زوجته فى مجلس واحد مرارا فيجب عليه كفارة واحدة وأن ظاهر فى مجالس متعددة فعليه كفارات متعددة
(2)
.
مذهب الإمامية:
الاطعام الواجب على بعض المخالفات بالنسبة للصوم:
قد يقع من الانسان فى صومه الواجب بعض المخالفات يجب فيها الفدية والكفارة عند الإمامية، وتلك الكفارة هى: عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا، ومن الواضح أن الاطعام نوع من هذه الكفارة فمما تجب فيه الكفارة الأكل والشرب مطلقا، والجماع كله، والاستمناء وايصال الغبار المتعدى الى الحلق، والبقاء على الجنابة مع
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 430.
(2)
الروض النضير ج 1 ص 183 والبحر الزخار ج 2 ص 277.
علمه بها ليلا ومعاودة النوم جنبا بعد انتباهتين متأخرتين عن العلم بالجنابة فيكفر من لم يكف عن أحد هذه السبعة اختيارا فى صوم واجب متعين أو فى شهر رمضان مع وجوبه بقرينة المقام ويقضى ويكفر لو تعمد الاخلال بالكف المؤدى الى فعل أحدها.
ولو استمر مرض الصائم الذى أباح له الفطر الى رمضان آخر فلا قضاء لما أفطره ويفدى عن كل يوم بمد من طعام وان تهاون فى القضاء فدى وقضى ما مضى والحامل والمرضعة القليلة اللبن اذا خافتا على الولد فقط تفطران وتفديان عن كل يوم بمد من طعام ومن أفطر فى قضاء رمضان بعد الزوال فعليه الكفارة ومن ضمنها اطعام عشرة مساكين وكذا الافطار فى شهر رمضان على محرم مطلقا يوجب الكفارة
(1)
.
الاطعام الواجب فى بعض
المخالفات فى الحج:
اذا ارتكب المحرم بالحج أو من كان بالحرم محظورا تعين عليه الاطعام فمن ذلك أن من قتل نعامة فعليه بدنة فان لم يجد بدنة قومت بالبر ويفرق البر على ستين مسكينا لكل مسكين نصف صاع وهو مدان على المشهور وقيل مد وفيه قوة، وفى قص الظفر مد من طعام وفى نتف كل واحد من أبطيه أو حلقه اطعام ثلاثة مساكين ويتخير بين شاة الحلق لأذى أو غيره وبين اطعام عشرة مساكين لكل واحد مد وفى شعر سقط من رأسه أو لحيته بمسه قل أو كثر كف من طعام ولو كان بسبب الوضوء
(2)
.
الاطعام الواجب فى كفارة الظهار:
من ظاهر من امرأته فعليه الكفارة، ومن ضمن أنواع هذه الكفارة الاطعام وهو يكون بعد العجز عن الصيام فيطعم ستين مسكينا ككفارة الجماع فى شهر رمضان كما سبق واطعام الستين مسكينا أما اشباعا فى أكلة واحدة.
أو تسليم مد الى كل واحد على أصح القولين فتوى وسندا، وقيل مدان مطلقا وقيل مع القدرة والصغار والكبار فى الاطعام سواء من حيث القدرة وان كان الواجب فى الصغير التسليم الى الولى وكذا فى الاشباع ان اجتمعوا ولو انفرد الصغار احتسب الاثنان بواحد، ولا يتوقف على اذن الولى ولو تعذر العدد فى البلد وجب النقل الى غيره مع الامكان، فان تعذر كرر على الموجودين فى الأيام بحسب المتخلف والمراد بالمسكين هنا من لا يقدر على تحصيل قوته للسنة فعلا وقوة فيشمل
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 143.
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 204.
الفقير. والمراد من الطعام مسماه كالحنطة والشعير، ودقيقهما وخبزهما، وما يغلب على قوت البلد ويجزئ التمر والزبيب مطلقا ويعتبر كونه سليما من العيب الممتزج بغيره فلا يجزئ المسوس والممتزج بالتراب غير المعتاد ومن عجز عن اطعام القدر المذكور ولو قدر على بعضه استغفر الله تعالى ولو مرة بنيه الكفارة
(1)
.
الاطعام الواجب فى كفارة اليمين:
من حنث فى يمين بالله تعالى فعليه الكفارة ومن أنواع هذه الكفارة الاطعام وهو اطعام عشرة مساكين لكل مسكين مد من حنطه أو مدان من دقيق
(2)
.
مذهب الإباضية:
الاطعام الواجب على بعض المخالفات التى تقع من الصائم:
من تعمد افساد صومه بما يوجب القضاء والكفارة ولم يستطع عتق رقبة وعجز عن صيام شهرين متتابعين أطعم ستين مسكينا، والكبير الذى لا يطيق صوما له الفطر ولا يقضى كمريض لا يرجى برؤه فى قول، ولزمهما اطعام مسكين غداء وعشاء أو عشاءا وسحورا عن كل يوم أفطر فيه أو يعطيانه مدين من الحب سواء كان من البر أو غيره وقيل مدين من الشعير وحفنة وهو المشهور المعمول
(3)
به، وقيل يعطى لكل مسكين حفنة وذلك لقوله تعالى {(وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ}
(4)
وقيل بسقوطه عنهما أيضا كالصوم وهو المتبادر لأنه لم يكلف بالصوم فكيف يلزم الاطعام؟ والحامل والمرضع أن أفطرتا خوفا على ولدهما من الضياع والهلاك بسبب الصوم فيلزمهما اطعام أو كيل كما سبق قبيل ذلك عن كل يوم أقطرتاه ثم القضاء بعد ذلك وقيل عليهما القضاء فقط دون الاطعام
(5)
.
الاطعام الواجب فى كفارتى الظهار واليمين:
الكفارة على نوعين اما أن تكون على التغليظ وهى أما عتق أو صوم شهرين متتابعين أو اطعام ستين مسكينا واما مخففة وهى الايمان المرسلة وهى ما فى قوله تعالى «فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ» الآية. واطعام العشرة أكلتان مع الماء
(6)
بادامهما ولو كان الادام خلا، والأكلتان غداء وعشاء بشبع،
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 227.
(2)
مستمسك العروة الوثقى ج 1 ص 329 مطبعة النعمان بالنجف.
(3)
سيأتى زيادة ايضاح لذلك فى كفارتى الظهار واليمين عقب ذلك.
(4)
أى أن طعام المسكين فى الآية حفنة.
(5)
شرح النيل ج 2 ص 223، ص 228.
(6)
ويلزمه أن يسقيهم الماء اذا لم يمكنهم الأكل الا به.
ولا تجزئ أكلة واحدة لأنها أدنى والأوسط الغداء والعشاء وجاز اطعام واحد فى عشرة أيام وكره بعضهم ذلك الا اذا لم يجد سواه وقيل لا يكره ولو لم يجد سواه فليوص أو ينتظر ومثل هذا الخلاف فى اطعام الستين مسكينا.
ومن لم يكن فى قريته الا ستون أو عشرة أطعم ما فيها وأتم بالقرية القريبة اليها ومثل ذلك الحب اذا أعطاهم اياه اذ أنه كما يجوز الاطعام بالخبز يجوز بالحب فيعطى كل مسكين مدين، برا كان أو غيره أو تمرا.
والحبوب التى يعطى منها ستة
(1)
.
وقيل ثلاثة.
وقيل يعطى كل مسكين مدين من شعير وقبضة وهو المشهور المعمول قياسا على كفارة المحرم الذى حلق كما ورد بذلك الحديث (مدان لكل مسكين من بر) فقيس سائر الكفارات عليه، وقيس غير البر على البر بالقيمة، فان كانت قيمة الشعير مثلا أربعة أمداد تساوى مدين من البر أعطى لكل مسكين أربعة من الشعير وهكذا.
ورخص بعضهم أن يعطى مدا واحدا من أيها شاء.
وقيل صاع من زبيب أو غيره من الحبوب سوى البر فيعطى منه مدين.
وذكر بعضهم أنه يجوز الاطعام من غير الحبوب الستة من كل ما يقتات ومن الوسط منها، ولا يلزم أن يعطى اداما مع برجيد
(2)
ويلزم مع غيره، وهذا فى الأكل.
وقيل لا يلزم مع غير البر.
هذا وأول الغذاء الفجر الى آخر الزوال، وأول العشاء من الوقت المتصل بالزوال وآخره ذهاب ثلثى الليل أو نصفه فمن أطعمهم قبل الزوال أو بعده مرتين فهى أكلة واحدة، ولا تطعم الاكلتان فى الوقت الذى قبل الزوال أو الزوال وما بعده وان فعل فهى أكلة واحدة ويعيد لهم الاكلة الأخرى فى الوقت الثانى.
وقيل ان ابتدأ أكلهم بالعشاء لم يجزه وكره تقارب الأكلتين بقصد أن يأكلوا قليلا وان لم يقصد لم يكره، والتحقيق أنه لا يجزيه اذا قل أكلهم جدا بسبب التقارب حتى لا يكفيهم لليوم ومثل ذلك لو أطعمهم الغداء ثم أطعمهم الغداء لكفارة أخرى لم يجز
(1)
الحبوب الستة هى الواردة فى صدقة الفطر.
(2)
او تمر جيد أو زبيب جيد.
الا الغداء الأول الا اذا لم يطعمهم الثانى الا وقد فاء
(1)
فانهما يجزيان ولا يجوز أن يطعم اليوم بعضا وغدا بعضا الا اذا لم يجد مساكين
(2)
.
الاطعام الواجب فى بعض المخالفات
التى تقع من المحرم
.
يمنع المحرم عن أشياء ورد النهى عنها سواء كان احرامه بحج أو عمرة فمن فعل واحدة من تلك المخالفات الآتية وجبت عليه الفدية، ومن أنواع هذه الفدية الاطعام (انظر مصطلح احرام وفدية وكفارة)
أطعمة
المعنى اللغوى:
أطعمة جمع مفرده طعام. والطعام مصدر فعله طعم.
يقال: طعم يطعم طعما وطعاما اذا شبع، ويقال: طعم الشئ وطعم من الشئ اذا أكله بمقدم فمه وثناياه.
ويقال: طعم الشئ اذا ذاقه، ومن ذلك قول الله تبارك وتعالى:«إِنَّ اللهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي.»
(3)
والطعام اسم يطلق على كل ما يؤكل وما به قوام البدن كما يطلق على كل ما يتخذ منه القوت من الحنطة والشعير والتمر.
ويطلقه أهل الحجاز والعراق الأقدمون على القمح خاصة. والطعام اسم لما نضب عنه البحر فنبت ومن ذلك قول الله تعالى «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ»
(4)
وطعام البحر ما نضب عنه الماء من السمك فأخذ من غير صيد
(5)
.
المعنى فى اصطلاح الفقهاء:
يستعمل الفقهاء كلمة (طعام) بمعان مختلفة تبعا لاختلاف موطنها، فيستعملون الطعام فى الكفارة والفدية ويقصدون به (القوت) كالحنطة والذرة والأرز والتمر واللبن.
(1)
فاء: رجع.
(2)
شرح النيل ج 2 ص 483. فائدة: ذكر صاحب كتاب الوضع: ص 224 الطبعة الجديدة ان الكفارة المغلظة كما تكون فى الظهار والجماع فى رمضان تكون أيضا فى أكل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو النجاسات أو المحرمات وفى الحلف بما يخرج الانسان عن الاسلام اذا حنث وكذا الحالف بعهد الله وميثاقه وما أشبه ذلك.
(3)
الآية رقم 249 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 96 من سورة المائدة.
(5)
لسان العرب للامام العلامة أبى الفضل جمال الدين بن مكرم بن منظور الافريقى المصرى مادة طعم طبع دار بيروت سنة 1374 هـ، سنة 1955 الطبعة الأولى.
ويستعملون الطعام فى الربا ويقصدون به (مطعوم الآدميين) الذى يشمل ما يطعم للتغذية كالقمح والماء وما يطعم للتأدم كالزيت، وما يطعم للتفكه كالتفاح، وما يطعم للتداوى والاصلاح كالحبة السوداء والملح.
وقد يطلقون لفظ الأطعمة على (كل ما يؤكل وما يشرب مما ليس بمسكر) ويقصدون من ذلك ما يمكن أكله أو شربه على سبيل التوسع ولو كان مما لا يستساغ ولا يتناول عادة كالمسك وقشر البيض.
أما المسكرات فانهم يعبرون عنها بلفظ الأشربة
(1)
.
1 - حكم تناول الأطعمة الحيوانية المائية
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن جميع ما فى البحر من الحيوان محرم الأكل الا السمك خاصة، فانه يحل أكله الا ما طفا منه.
وهذا قول أصحابنا رضى الله تعالى عنهم وقال بعض الفقهاء وابن أبى ليلى رحمه الله تعالى ما سوى السمك من الضفدع والسرطان وحية الماء وكلبه وخنزيره ونحو ذلك لكن على أن يكون ذلك بالذكاة وهو قول لليث بن سعد رضى الله تعالى عنه الا فى انسان الماء وخنزيره فانه لا يحل وذلك لقول الله تبارك وتعالى:
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ»
(2)
من غير فصل فى التحريم بين البرى والبحرى.
وانما قال أصحابنا بتحريم ما سوى السمك لقول الله عز شأنه: «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ»
(3)
والضفدع والسرطان والحية ونحوها من الخبائث، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ضفدع يجعل شحمه فى الدواء فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفادع، وذلك نهى عن أكلها
(4)
.
هذا والمقصود بالسمك الطافى الذى لا يحل أكله عندنا هو السمك الذى يموت فى الماء حتف أنفه بغير سبب حادث.
سواء علا على وجه الماء أو لم يعل بعد أن مات فى الماء حتف أنفه من غير سبب حادث.
وقال بعض مشايخنا هو الذى يموت فى الماء بسبب حادث ويعلو على وجه الماء فان لم يعل حل أكله.
والصحيح هو الحد الأول، وانما سمى طافيا لعلوه على وجه الماء عادة.
(1)
انظر تبيين الحقائق للزيلعى شرح كنز الدقائق للعلامة فخر الدين عثمان بن على الزيلعى وبهامشه حاشية الشيخ شهاب الدين أحمد الشلى ج 1 ص 327، ص 337، ج 2 ص 55، ج 4 ص 85 الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المعزية سنة 1313 هـ وكشاف القناع على متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور ابن يونس البهوتى ج 4 ص 112 طبع مطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.
(2)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(3)
الآية رقم 157 من سورة الاعراف.
(4)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 5 ص 35 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بالقاهرة سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.
وروى هشام عن محمد رحمهما الله تعالى فى السمك اذا كان بعضها فى الماء وبعضها على الأرض: أنها ان كان رأسها على الأرض أكلت وان كان رأسها أو أكثره فى الماء لم تؤكل لأن رأسها موضع نفسها فاذا كان خارجا من الماء فالظاهر أنه مات بسبب حادث واذا كان فى الماء أو أكثره فى الماء فالظاهر أنه مات فى الماء بغير سبب.
وقالوا فى سمكة ابتلعت سمكة أخرى:
أنها تؤكل لأنها ماتت بسبب حادث.
ولو مات من الحر والبرد وكدر الماء ففيه روايتان.
فى رواية لا يؤكل لأن الحر والبرد وكدر الماء ليس من أسباب الموت ظاهرا فلم يوجد الموت بسبب حادث يوجب الموت ظاهرا وغالبا فلا يؤكل.
وفى رواية يؤكل لأن هذه أسباب الموت فى الجملة، فقد وجد الموت بسبب حادث، فلم يكن طافيا فيؤكل.
ويستوى فى حل الأكل جميع أنواع السمك من الجريث والمارماهى
(1)
وغيرهما لأن ما ذكرنا من الدلائل فى اباحة السمك لا يفصل بين سمك وسمك الا ما خص بدليل وقد روى عن سيدنا على وعبد الله ابن عباس رضى الله تعالى عنهم اباحة الجريث والسمك الذكر ولم ينقل عن غيرهما خلاف ذلك فيكون اجماعا
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى: أن المباح من الحيوان البحرى كله وان كان ميتا سواء وجد راسيا فى الماء أو طافيا أو فى بطن حوت أو طير وسواء ابتلعه ميتا أو حيا ومات فى بطنه ويغسل ويؤكل وسواء صاده مسلم أو مجوسى ويشمل البحرى آدمى الماء وكلبه وخنزيره وهو المعتمد. وما عداه لا يعول عليه.
ثم ان ميتة البحر طاهرة ولو تغيرت ونتنت كالملوحة الا أن يتحقق ضررها فتحرم لذلك لا لنجاستها، وكذلك المذكى ذكاة شرعية طاهر ولو تغير ونتن، ويؤكل ما لم يتحقق ضرره. والطافى هو الذى يرتفع ويعلو على وجه الماء الا أنه اذا باعه يبين لأن النفوس تنفر منه، وكذا يبين فيما اذا كان فى بطن طير
(3)
.
(1)
الجريث بالجيم المكسورة والراء المشددة سمك اسود وقيل: هو نوع من السمك مدور كالترس. ولمارماهى بسكون الراء على ما جاء فى لسان العرب لابن منظور مادة جريث وفتح الراء على ما جاء فى الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية من كتب الامام هو سمك فى صورة الحية.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 36 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
شرح الخرشى ج 3 ص 26 على مختصر أبى الضياء سيدى خليل فى كتاب على هامشه حاشية العدوى الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية ببولاق بمصر سنة 1317 هـ.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن حيوان البحر - وهو ما لا يعيش الا فى الماء وعيشه خارج الماء كعيش المذبوح - منه ما ليس له رئة مثل أنواع السمك، ومنه ما له رئة مثل الضفدع فانها تجمع بين الماء والهواء.
أما السمك فهو حلال كيف مات سواء مات حتف أنفه أو بسبب ظاهر، كصدمة حجر أو ضربة صياد أو انحسار ماء وسواء كان راسيا أو طافيا لقول الله تبارك وتعالى:«أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ.»
(1)
أى مصيده ومطعومه.
وقال جمهور الصحابة رضوان الله تعالى عليهم: طعامه ما طفا على وجه الماء.
والى هذا يشير قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو الطهور ماؤه والحل ميتته.
والصحيح فى حديث العنبر أنهم وجدوه بشاطئ البحر ميتا فأكلوا منه وقدموا منه الى النبى صلى الله عليه وسلم فأكل منه.
نعم ان انتفخ الطافى بحيث يخشى منه السقم فانه يحرم للضرورة.
قاله الجوينى والشاشى. ولا يتوقف حل السمك على موته فانه يحل بلع سمكة حية كما يحل قلى صغار السمك من غير أن يشق جوفه.
ولو وجد سمكة فى جوف سمكة حل أكلها الا أن تكون قد تغيرت فيحرم لأنها صارت كالقئ هذا حكم السمك.
أما غير السمك مما ليس على صورة السمك المشهورة من حيوان البحر مثل خنزير الماء وكلبه فانه حلال فى الأصح المنصوص لاطلاق الآية والحديث المارين وقد روى عن ابى بكر رضى الله تعالى عنه أنه قال: كل دابة تموت فى البحر فقد ذكاها الله لكم.
وقيل: لا يحل لأنه لا يسمى سمكا والأول يقول بأنه يسمى سمكا.
وعلى الأول لا يشترط فيه ذكاة لأنه حيوان ولا يعيش الا فى الماء.
وقيل: ان أكل مثله فى البر كالبقر والغنم حل أكله ميتا وان لم يؤكل مثله فى البر فلا يحل أكله مثل الكلب والحمار اعتبارا لما فى البحر بما فى البر، ولأن الاسم يتناوله فأجرى عليه حكمه فعلى هذا الوجه يكون ما لا نظير له فى البحر حلالا، لحديث العنبر
(2)
المشهور فى الصحيح.
(1)
الآية رقم 96 من سورة المائدة.
(2)
العنبر: هى سمكة كبيرة بحرية يتخذ من جلدها التراس ويقال للترس عنبر، وفى الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم بعث سرية الى ناحية السيف فجاعوا، فساق الله لهم دابة يقال لها العنبر فأكل منها جماعة السرية شهرا حتى سمنوا (لسان العرب مادة عنبر)
أما اذا ذبح ما أكل شبهه فى البر فانه يحل جزما ولو كان يعيش فى البر والبحر لأنه حينئذ مثل حيوان البر، وحيوان البر يحل مذبوحا فحمل الخلاف على ما اذا أكل ميتا.
وما يعيش فى بر وبحر مثل الضفدع وهو من الحيوان الذى لا عظم له.
لا يؤكل
(1)
.
وذكر صاحب المغنى: ان من الحيوانات البحرية المحرم أكلها السرطان - بفتح السين والراء - ويسمى أيضا عقرب الماء، والحية ويطلق على الذكر والأنثى - والعقرب والترسة وهى اللجأة - والسلحفاة
(2)
والتمساح كل ما تقدم ذكره محرم للتسمية فى الحية والعقرب وللاستخباث فى غيرهما ولأن التمساح يتقوى بنابه وقضية هذا تحريم القرش - بكسر القاف - ويقال له: اللخم
(3)
بفتح اللام والخاء المعجمة - لكن أجاب المحب الطبرى - تبعا لابن الأثير فى النهاية - بحله وهو الظاهر.
وفى تحريم النسناس وجهان
(4)
:
أوجههما - كما جرى عليه ابن المقرى التحريم.
وصحح النووى فى المجموع أن جميع ما فى البحر تحل ميتته الا الضفدع
أما ما ذكره الأصحاب أو بعضهم من تحريم السلحفاة والحية والنسناس فهو محمول على غير ما فى البحر.
ويوافقه قول الشامل - بعد نقله نصوص الحل قال أصحابنا أو بعضهم يحل جميع ما فيه الا الضفدع للنهى عن قتله. والنهى هو ما صح عن ابن عمر رضى الله تعالى عنه من أنه قال:
لا تقتلوا الضفادع، فان نقيقها تسبيح.
قال ابن قاسم ومما عمت به البلوى أكل الدنيلس
(5)
فى مصر والسرطان فى الشام أما السرطان فقد تقدم الكلام فيه.
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 4 ص 273 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.
(2)
السلحفاة بضم السين وكسرها مع فتح اللام وسكون الحاء دابة برية ونهرية وبحرية، لها قوائم اربع تختفى بين طبقتين عظيمتين صقيلتين والكبار من البحرية تبلغ مقدارا عظيما ويقال لها: اللجاة أيضا والذكر يقال له الغيلم وهى معربة عن لفظ (سولاح باى) بالفارسية أنظر محيط المحيط.
(3)
وجاء فى لسان العرب اللخم: بضم اللام وسكون الخاء ضرب من سمك البحر، وقيل هو سمك ضخم، وقيل لا يمر بشئ الا قطعه وهو يأكل الناس ويقال له: الكرسج، ويقال له القرش (لسان العرب مادة لخم).
(4)
النسناس بكسر النون ويجوز فتحها حيوان يوجد فى جزائر الصين يثب على رجل واحدة وله عين واحدة ويقتل الانسان ان ظفر به ويقفز - اى يثب صعدا ويقفز - كقفز الطير. محيط المحيط مادة نسنس وحاشية البجرمى للعلامة الشيخ سليمان البجرمى على شرح منهج الطالبين وبهامشة مع الشرح نفائس ولطائف للشيخ المرصفى ج 4 ص 304 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر فى ربيع الأول سنة 1345 هـ.
(5)
الدنيلس - بتشديد الدال وفتحها وفتح النون وسكون الياء - هو نوع من الصدف والحزون. ولعل المقصود بذلك الصدف الصغير المعروف عندنا باسم أم الخلول.
وأما الدنيلس فروى عن ابن عبد السّلام وعلماء عصره أنه يحل أكله. وهذا هو الظاهر لأنه من طعام البحر ولا يعيش الا فيه وعن ابن عبد السّلام أنه أفتى بتحريمه قال الزركشى: وهو الظاهر لأنه أصل السرطان لتولده منه.
وقال الدميرى لم يأت على تحريمه دليل.
وما نقل عن ابن عبد السّلام لم يصح فقد نص الشافعى رحمه الله تعالى على أن حيوان البحر الذى لا يعيش الا فيه يؤكل لعموم الآية والأخبار
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير: أن كل صيد البحر مباح الا الضفدع.
وقال الشعبى رحمه الله تعالى: لو أكل أهلى الضفادع لاطعمتهم.
وروى عن أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنه أنه قال: فى كل ما فى البحر: قد ذكاه الله لكم، وعموم قوله تعالى:{(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ)،} يدل على اباحة جميع صيده.
وروى عطاء وعمرو بن دينار أنهما بلغهما عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: ان الله ذبح كل شئ فى البحر لابن آدم.
فأما الضفدع فان النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله، رواه النسائى.
فيدل ذلك على تحريمه. فأما التمساح فقد نقل عنه ما يدل على أنه لا يؤكل.
وقال الأوزاعى: لا بأس به لمن اشتهاه.
وقال ابن حامد: لا يؤكل التمساح ولا الكوسج لأنهما يأكلان الناس.
هذا وكلب الماء مباح وقد ركب الحسن بن على رضى الله تعالى عنهما سرجا عليه جلد من جلود كلاب الماء.
وعن أحمد رحمه الله تعالى فى السمكة توجد فى بطن سمكة أخرى أو فى حوصلة طائر أو يوجد فى حوصلته جراد قال فى موضع: كل شئ أكل مرة لا يؤكل.
وقال فى موضع آخر: الطافى أشد من هذا. وقد رخص فيه أبو بكر رضى الله تعالى عنه وهذا هو الصحيح وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
«أحلت لنا ميتتان ودمان ولأنه حيوان طاهر فى محل طاهر لا تعتبر له ذكاة، فأبيح كالطافى من السمك
(2)
.
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للرملى ج 4 ص 274 للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وفى كتاب على هامشه متن المنهاج للنووى طبع المطبعة الميمينة بمصر سنة 1306.
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 11 ص 84 وما بعدها الى ص 86 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
مذهب الظاهرية:
ذكر صاحب المحلى: أن ما يسكن جوف الماء ولا يعيش إلا فيه يكون حلالا كله كيفما وجد سواء أخذ حيا ثم مات أو مات فى الماء وسواء طفا أو لم يطف وسواء قتله حيوان بحرى أو حيوان برى فانه كله حلال أكله وسواء فى ذلك الحكم خنزير الماء أو انسان الماء أو كلب الماء وغير ذلك فان ذلك كله حلال أكله سواء قتله وثنى أو مسلم أو كتابى، أو لم يقتله أحد لقول الله تعالى:«وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا»
(1)
وقوله تعالى «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ»
(2)
فعم تعالى ولم يخص شيئا من شئ {وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا»
(3)
ولما رواه مسلم عن جابر قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر علينا أبا عبيدة، نتلقى عيرا لقريش، وزودنا جرابا من تمر لم يجد لنا غيره، فكان أبو عبيدة يعطينا تمرة تمرة، وانطلقنا على ساحل البحر، فرفع لنا على ساحل البحر كهيئة الكثيب الضخم، فأتيناه فاذا هو دابة تدعى العنبر.
قال أبو عبيدة ميتة.
ثم قال: لا بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى سبيل الله تعالى وقد اضطررتم فكلوا فأقمنا عليه شهرا ونحن ثلاثمائة حتى سمنا.
ثم قال: وتزودنا من لحمه وشائق
(4)
، فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو رزق أخرجه الله تعالى لكم فهل معكم من لحمه شئ فتطعمونا فأرسلنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منه فأكله
(5)
. هذا حكم ما يسكن فى جوف الماء ولا يعيش الا فيه.
أما ما يعيش فى الماء وفى البر فلا يحل أكله الا بذكاة كالسلحفاة وكلب الماء والسمور ونحو ذلك لانه من صيد البر ودوابه وان قتله المحرم جزاه وأما الضفدع فلا يحل أكله أصلا لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن ذبحها
(6)
.
(1)
الآية رقم 12 من سورة فاطر.
(2)
الآية رقم 96 من سورة المائدة.
(3)
الآية رقم 64 من سورة مريم.
(4)
الوشائق بالشين المعجمة جمع وشيقة وهى أن يؤخذ اللحم فيغلى قليلا ولا ينضج ويحمل فى الأسفار وقيل: هو القديد.
(5)
المحلى للعلامة أبى محمد على بن أحمد ابن سعيد بن حزم الظاهرى ج 7 ص 462 مسئلة رقم 989 بتصحيح الشيخ محمد خليل هراس طبع مطبعة الامام رقم 13 شارع قرة قول المنشية بالقلعة بمصر سنة 1350 هـ الطبعة الأولى.
(6)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 467 مسئلة رقم 990 الطبعة المتقدمة.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أنه يحل من البحر ما أخذ سواء كان حيا أو ميتا وسواء كان بتصيد آدمى أو جزر الماء عنه أو قذفه أو نضوبه لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «هو الحل ميتته وقوله صلى الله عليه وسلم: ما ألقاه البحر أو جزر عنه فكله» ويحرم مستخبثه وهو ما حرم شبهه فى البر كالجرى والمارماهى:
والسلحفاة وقيل: لا لعموم قول الله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ»
(1)
قلنا خصصها القياس لا يحل الا السمك ونحوه كالصير والصيراك وما عاش فى البر كالضفادع والسرطان حرم لخبثة ولا يحرم ما اصطاده كافر من البحر اذ هو ميتة وميتة البحر حلال الا ما خصه دليل يحرم لقوله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ.»
(2)
والخطاب للمسلمين
(3)
.
ويحرم الطافى وهو ما مات بغير ما مر لقول النبى صلى الله عليه وسلم «وما وجدتموه طافيا فلا تأكلوه» .
وقال آخر: بل هو حلال لعموم قول الله تعالى: «أُحِلَّ لَكُمُ» وقول النبى صلى الله عليه وسلم: «هو الحل ميتته» .
وما ذكرنا أولا أصح لأن الخبر المروى فيه خاص وأرجح.
واذا وجد سمكة ميتة فى بطن سمكة حل أكلهما كموته فى يد الصائد والقائه فى الزيت حيا
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه انما يحل من حيوان البحر السمك له فلس وان زال عنه فى بعض الأحيان كالكنعت ويقال له الكنعد بالدال المهملة - وهو ضرب من السمك له فلس ضعيف يحتك بالرمل فيذهب عنه ثم يعود
(5)
.
ولا يحل من حيوان البحر الجرى
(6)
والمارماهى
(7)
والزهو
(8)
على قول الأكثر وبه أخبار لا تبلغ حد الصحة وجاء بحلها أخبار صحيحة حملت على التقية ويمكن حمل النهى على الكراهة كما فعل الشيخ فى موضع من النهاية الا أنه رجع فى موضع آخر وحكم بقتل
(1)
الآية رقم 96 من سورة المائدة.
(2)
الآية السابقة.
(3)
كتاب البحر الزخار الجامع لعلماء الامصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 302، طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1361 هـ، سنة 1948 م الطبعة الأولى.
(4)
المرجع السابق للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 304 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 277 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
(6)
الجرى بالجيم المكسورة فالراء المهملة المشددة المكسورة، ويقال: الجريث بالضبط الأول مختوما بالثاء المثلثة.
(7)
بفتح الراء فارس معرب واصلها حية السمك.
(8)
بالزاى المعجمة فالهاء الساكنة.
مستحلها، وحكايته قولا مشعرة بتوقفه مع أنه رجح فى الدروس التحريم وهو الأشهر.
وكذلك لا يحل السلحفاة والضفدع والسرطان وغيرها من حيوان البحروان كان جنسه فى البر حلالا سوى السمك المخصوص والجلال من السمك - وهو الذى اغتذى العذرة محضا حتى نما بها - كغيره حتى يستبرئ بأن يطعم علفا طاهرا مطلقا على الأقوى فى الماء الطاهر يوما وليلة. روى ذلك عن الرضا بسند ضعيف وفى الدروس أنه يستبرئ يوما الى الليل ثم نقل الرواية وجعلها أولى ومستند اليوم رواية القاسم بن محمد الجوهرى وهو ضعيف.
أيضا الا أن الأشهر الأول وهو المناسب ليقين البراءة المزيل حكم التحريم الى أن يعلم المزيل، ولولا الاجماع على عدم اعتبار أمر آخر فى تحليله لما كان ذلك قاطعا للتحريم لضعفه
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن كل حيوان بحرى طاهر ولو كان تطول حياته فى البحر كجمل البحر فانه قد يبقى حيا فى البر سبعة أيام فيجوز القطع منه والأكل وهو حى وسواء فى حيوان البحر ما مات باصطياد أو وجد ميتا على الماء أو فى طرف البحر فى البحر أو أسفل الماء كما يدل عليه اطلاق حديث: «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» وكما يدل عليه أنهم لما وجدوا حوتا فى ساحل البحر وأكلوا منه وقدموا المدينة ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هو رزق أخرجه الله اليكم فهل معكم شئ من لحمه فتطعمونا فأرسلوا اليه منه فأكل فدل على أنه حلال، ولو وجد ميتا وعلى أنه حل لهم بدون اضطرارهم اليه لان النبى صلى الله عليه وسلم أكل منه بلا ضرورة وكما يدل له عموم حديث:
أحل لكم ميتتان ودمان ولا يحرم من الحوت شئ ولو بصورة ما يحرم كالانسان والخنزير وقيل: يحرم ما على صورة المحرم أو على صورة المحرم وصورة المحلل معا أو على صورة المحرم وصورة المكروه معا، أو على صورة المحلل، والمحرم والمكروه معا ويكره ما على صورة المكروه أو على صورة المكروه والمحلل بلا كراهة معا. وذلك قياس ضعيف لا يقبل، ولا يشمله النص، لأنه اذا أطلق تحريم الخنزير والانسان وكراهة نحو الذئب مثلا لم يتناول ما فى البحر بل يتبادر أن المراد البرى من ذلك
(2)
.
2 - حكم تناول الأطعمة الحيوانية البرية:
يختلف حكم تناول الأطعمة الحيوانية البرية تبعا لاختلاف أنواعها، وهى
(1)
كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 277 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد ابن يوسف اطفيش ج 1 ص 246 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
تتنوع على حسب خصائصها وطبائعها، فتنقسم تبعا ذلك الى الأقسام الآتية:
1 -
حيوان ليس له دم أصلا، 2 - حيوان ليس له دم سائل، 3 - حيوان له دم سائل وهو أرضى مستأنس 4 - حيوان له دم سائل وهو أرضى متوحش 5 - حيوان له دم سائل وهو طائر.
أولا: حكم تناول ما ليس له دم أصلا من
الحيوان البرى وما ليس له دم سائل
منها
.
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أنه لا يحل أكل ما ليس له دم أصلا من الحيوان البرى مثل الجراد والزنبور
(1)
والذباب والعنكبوت والخنفساء والعقرب ونحو ذلك. ويستثنى الجراد خاصة من عدم حل الأكل أما تحريم ما عدا الجراد فلأن أفراد هذا النوع كلها من الخبائث ولاستبعاد الطبائع السليمة اياها وقد قال الله تبارك وتعالى: «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ»
(2)
الا أن الجراد قد خص من هذه الجملة بقول النبى صلى الله عليه وسلم: «أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال، فبقى على ظاهر العموم
(3)
.
وكذلك حكم تناول ما ليس له دم سائل من مثل الحية والوزغ
(4)
وسام ابرص وجميع الحشرات وهوام الأرض من الفأر والقراد والقنافذ
(5)
والضب واليربوع وابن عرس
(6)
ونحوها فلا يحل أكل شئ من ذلك ولا خلاف فى حرمة هذه الأشياء وذلك لقول الله تبارك وتعالى:
«وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» وكل هذه من الخبائث دون استثناء، وقد روى عن السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم أهدى اليه لحم ضب فامتنع أن يأكله فجاءت سائلة فأرادت السيدة عائشة رضى الله عنها أن تطعمها اياه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أتطعمين ما لا تأكلين ولا يحتمل أن يكون امتناع النبى صلى الله عليه وسلم عن الأكل من
(1)
الزنبور والزنبار والزنبورة: ضرب من الذباب لساع التهذيب طائر يلسع لسان العرب مادة زنبر.
(2)
الآية رقم 157 من سورة الاعراف.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 36 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
الوزغ بفتحتين: دويبة جاء فى التهذيب أن الوزغ سوام أبرص وقال ابن سيدة: الوزغة سام ابرص (لسان العرب مادة وزغ).
(5)
القنقذ: وهو دويبة ذات ريش حاد فى أعلاه يقى به نفسه اذ يجتمع مستديرا تحته والأثنى قنفذة ويوجد منه أنواع كثير وكنيفة أبو سفيان.
(6)
ابن عرس دويبة معروفة دون السنور اشتر أصلم اصك له ناب والجمع بنات عرس ذكرا كان أو أنثى قال الجوهرى: وابن عرس دويبة تسمى بالفارسية راسو (لسان العرب مادة عرس).
الضب لما أن نفسه الشريفة عافته لأنه لو كان كذلك لما منع السيدة عائشة من أن تتصدق به كما حدث فى شاة الأنصار من أن النبى صلى الله عليه وسلم لما امتنع من أكلها أمر بالتصدق بها
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى: أنه يباح أكل العقرب
(2)
والخنافس
(3)
وكذلك بنات
(4)
وردان كما يباح من الحشرات الدود والنمل وما فى معناها - وهو مراد أهل المذهب بما لا نفس له سائلة طاهر - وان مات حتف أنفه
(5)
.
وذكر الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير أنه يباح أكل خشاش الأرض ان قبلته طبيعته والا فلا يجوز أكله حيث ترتب عليه ضرر، لأنه قد يعرض للطاهر المباح ما يمنع أكله
(6)
. ولا يفهم من حل هذه الأنواع أنه يحل أكلها بدون ذكاة بل ان حل الأكل يفتقر الى ذكاة مع ذكر اسم الله تعالى وجوبا مع القدرة عليه.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج: أنه لا تحل الحشرات كخنفساء وهى أنواع منها بنات وردان وحمار قبان والصرصار وتحرم دوات السموم والابر والوزغ بأنواعها لاستخباثها ولان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتلها ويحرم سام أبرص - وهو كبار الوزغ ويحرم الدود وهو أنواع كثيرة تدخل فيها الأرضة ودود القز والدود الأخضر الذى يوجد على شجر الصنوبر
(7)
.
وجاء فى نهاية المحتاج أنه يحل أكل الجراد بالاجماع سواء فى ذلك ما صيد حيا ومات وما مات حتف أنفه ولو صاده مجوسى ونحوه فيحل ولا اعتبار بفعله وكذا يحل أكل الدود المتولد من طعام وخل وفاكهة اذا أكل معه سواء كان الدود حيا أو ميتا فى الأصح وذلك لعسر تمييزه غالبا لانه كجزئه طبعا وطعما أما ان كان هذا الدود منفردا فانه يحرم. ومحل ما ذكره
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكسانى ج 5 ص 36 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
وكذلك العقربة والعقرباء كله للانثى أما الذكر فيقال له: عقربان.
(3)
الخنافس جمع خنفساء بضم الخاء والمد والانثى خنفساة وفى المحكم الخنفس دويبة صغيرة سوداء أصغر من الجعران منتنة الريح والانثى خنفسة وخنفساء وخنفساة.
(4)
دويبة نحو الخنفساء حمراء اللون وأكثر ما يكون فى الحمامات وفى الكنف.
(5)
من كتاب شرح الخرشى لفضيلة المدقق سيدى أبى عبد الله محمد الخرشى على المختصر الجليل للامام أبى الضياء سيدى خليل وبهامشه حاشية نادرة زمانه وفريد عصره وأوانه للعلامة الشيخ على العدوى الطبعة الثانية ج 1 ص 81 طبع بالمطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنع 1317 هـ.
(6)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 115 نفس الطبعة المتقدمة.
(7)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج ج 4 ص 278 نفس الطبعة المتقدمة.
حيث لم ينقل من موضع الى آخر ولم يغيره، والا حرم. ويقاس على الدود التمر والباقلاء المسوسان اذا طبخا وكذا العسل اذا وقع به نمل وطبخ
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن الحشرات حرام كلها كديدان وجعلان وبنات وردان - نحو الخنفساء حمراء اللون وأكثر ما تكون فى الحمامات والكنف - وخنافس وأوزاغ وصراصر وحرباء
(2)
وعضاة
(3)
وجراذين
(4)
وحيات وعقارب وخفاش - وهو الوطواط وزنبور ونحل ونمل وذباب وطبابيع
(5)
- قمل أحمر - وقمل وبراغيث ونحوها
(6)
.
وجاء فى المغنى أنه يجوز أكل الأطعمة التى فيها الدود والسوس كالفواكه والقثاء والخيار والبطيخ والحبوب والخل اذا لم تقذره نفسه وطابت به لأن التحرز من ذلك يشق ويجوز أكل العسل بقشه وفيه فراخ لذلك وان نقاه فحسن فقد روى عن النبى صلى عليه وسلم أنه أتى بتمر عتيق فجعل يفتشه ويخرج السوس منه وينقيه.
وهذا أحسن
(7)
.
وذكر ابن قدامة أنه يباح أكل الجراد باجماع أهل العلم فقد قال عبد الله بن أبى أوفى غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد رواه البخارى وأبو داود.
ولا فرق بين أن يموت بسبب أو بغير سبب فى قول عامة أهل العلم وعن أحمد أنه اذا قتله البرد لم يؤكل.
(1)
نهاية المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للرملى ج 8 ص 107، ص 108 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
الحرباء: ذكر أم حبين وقيل: هو دويبة نحو العظاءة، أو أكبر يستقبل الشمس برأسه ويكون معها كيف دارت، يقال انه انما يفعل ذلك ليقى جسده برأسه ويتلون الوانا بحر الشمس والجمع الحرابى، والأنثى الحرباءة.
قال الأزهرى: الحرباء دويبة على شكل سام أبرص، ذات قوائم أربع دقيقة الرأس مخططة الظهر. (لسان العرب مادة حرب).
(3)
العضاة: هى ذكر الوحر وقيل هى التى تسمى فرس الجن فى العرف وقيل هى الغزالة التى تشبه الجراد.
(4)
الجراذين: جمع الجرذ: الذكر من الفأر وقيل الذكر الكبير من الفأر وقيل هو أعظم من اليربوع أكذر فى ذنبه سواد والجمع جرذان وفى الصحاح: الجرذ ضرب من الفأر (انظر لسان العرب مادة جرذ).
(5)
الطبابيع: جمع مفرده طبوع والطبوع ذكره عروة بن بكر فى ذات السموم من الدواب سمعت رجلا من أهل مصر يقول: هو من جنس القردان الا أن لعضضه ألما شديدا وربما ورم معضوضه بالأشياء الحلوة قال الأزهرى: هو النبر عند العرب مادة طبع).
(6)
كشاف القناع عن متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات للشيخ منصور بن يوسف البهوتى ج 4 ص 113 الطبعة المتقدمة.
(7)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 605 نفس الطبعة السابقة.
وعنه لا يؤكل اذا مات بغير سبب.
ويدل للقول الأول عموم قول النبى صلى الله عليه وسلم: أحلت لنا ميتتان ودمان فالميتتان السمك والجراد ولم يفصل ولأنه تباح ميتته فلم يعتبر له سبب كالسمك ولأنه لو افتقر الى سبب لافتقر الى ذبح وذابح وآلة كبهيمة الأنعام
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: أن الجراد حلال اذا أخذ ميتا أو حيا سواء بعد ذلك مات فى الظروف أو لم يمت لما روى عن عبد الله بن أبى أوفى أنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات أو ستا نأكل معه الجراد
(2)
.
والضب حلال لما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما قال:
دخلت أنا وخالد بن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ
(3)
فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقلت أحرام هو يا رسول الله؟ قال: لا. ولكنه لم يكن أرض قومى فأجدنى أعافه. قال خالد: فاجتزرته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر
(4)
وكذلك يحل
(5)
أكل القنافذ واليربوع وام حبين
(6)
والوبر
(7)
والسرطان
(8)
والجراذين والورل
(9)
وكل ما أمكن أن يذكى مما لم يفصل تحريمه وكذلك الخفاش والوطواط والخطاف لقول الله تعالى: «كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً.»
(10)
مع قوله تعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.»
(11)
ولا يحل أكل الحلزون
(12)
البرى ولا شئ من الحشرات كلها كالوزغ والخنافس
(1)
المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 572 ص 573 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 512، ص 513 مسئلة رقم 1042 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
محنوذ يعنى مشوى.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 505 وما بعدها الى ص 507 مسئلة رقم 1031 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 481، ص 482 مسئلة رقم 999 نفس الطبعة المتقدمه.
(6)
أم حبين هو ذكر الحرباء لسان العرب مادة حرب.
(7)
الوبر بالتسكين دويبة على قدر السنور غبراء أو بيضاء من دواب الصحراء حسنة العينين شديدة الجباء تكون بالغور والانثى وبرة بالتسكين والجمع وبر ووبور ووبار ووبارة وابارة قال الجوهرى هى طحلاء اللون لا ذنب لها تدخل فى البيوت وفى حديث مجاهد فى الوبر شاة يعنى اذا قتلها المحرم لأن لها كرشا وهى تجتر لسان العرب مادة وبر.
(8)
السرطان: دابة من حلق الماء تسميه الفرس مخ لسان العرب مادة سرط.
(9)
الورل دابة على خلقة الضب الا أنه اعظم منه يكون فى الرمال والصحارى والجمع أورال فى العدد ورلان وأرؤل بالهمز والأنثى ورله قال أبو منصور: الورل مبسط الخلق طويل الذنب كأن ذنبه ذنب جبة قال درب ذنبه ورل يربو طوله على زراعين. والورل يأكل العقارب والحيات والحرابى والخنافس ولحمه ورياق. لسان العرب مادة ورل.
(10)
الآية رقم 168 من سورة البقرة.
(11)
الآية رقم 119 من سورة الأنعام.
(12)
الحلزون: دابة تكون فى الرمث.
والنحل والنمل والذباب والدبر
(1)
كله والدود كله سواء كانت طيارة أو غير طيارة والقمل والبراغيث والبق والبعوض وكل ما كان من أنواعها لقول الله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» وقوله تعالى: «إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ» وقد صح البرهان على أن الذكاة فى المقدور عليه لا تكون الا فى الحلق أو الصدر فما لم يقدر فيه على ذكاة فلا سبيل الى أكله فهو حرام لامتناع أكله الا ميتة غير مذكى هذا الى أن ما ذكرنا قسمان:
قسم مباح قتله كالوزغ والخنافس والبراغيث والبق والدبر.
وقسم محرم قتله كالنمل والنحل فالمباح قتله لا ذكاة فيه لأن قتل ما تجوز فيه الذكاة اضاعة للمال وما لا يحل قتله لا تجوز فيه الذكاة.
وقد روينا من طريق الشعبى: كل ما ليس له دم سائل فلا ذكاة فيه وروى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا وقع الذباب فى اناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه فان فى أحد جناحيه شفاء وفى الآخر داء. فأمر عليه الصلاة والسلام بطرحه ولو كان حلالا أكله ما أمر بطرحه
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: أنه يحرم أكل النحلة والنملة لأنهما من الخمسة التى ورد النهى عن قتلها وكذا يحرم من الحيوان الذى لا دم له سائل ما استخبثته العرب. كالخنفساء والعظاية والوزغ والجعلان والذباب والبعوض والزنبور والقمل والكتان والبق والبرغوث لقول الله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ 3 الْخَبائِثَ» وهى مستخبثة عندهم والقرآن نزل بلغتهم فكان استخباثهم طريق تحريم فان استخبثه البعض اعتبر الأكثر. والعبرة باستطابة أهل السعة لا ذوى الفاقة
(4)
ويحرم دود الجبن والباقلاء، والتمر اذ كان النبى صلى الله عليه وسلم يفتش التمر خشية الدود
(5)
.
وجاء فى شرح الأزهار أن دود الجبن والباقلاء والتمر ونحوه يحرم بعد انفصاله وأما مع اتصاله بذلك فقيل
(1)
الدبر الدابرة: صيصة الديك ابن سيده:
دابرة الطائر الأصبع من وراء رجل وبها يضرب البازى وهى للديك أسفل من الصيصة يطأ بها والأدبار: لذوات الحوافر والظلف والمخلب ما يجمع الاست والحياء (لسان العرب مادة دبر).
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 476، ص 477 مسئلة رقم 995 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
الآية رقم 157 من سورة الاعراف.
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 329 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1361 هـ الموافق سنة 1948 م.
(5)
المرجع السابق للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 4 ص 331 نفس الطبعة المتقدمة.
يجوز وكذا يحرم قملة الماء ودود الحب.
وأما الجراد فمع أنه حيوان برى ولا دم له غير أنه حلال أكله ويجوز أكل حيه وميته، وقد أكلها النبى صلى الله عليه وسلم فى سبع غزوات وأما أكل الشظا - قال فى البحر وهو ذباب يخرج أيام الصيف - فانه يحل أكله لقول الله تعالى «أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ»
(1)
ولقول الله تعالى: «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ»
(2)
ولقوله تعالى «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ»
(3)
وقوله تعالى: «كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ»
(4)
«وَمِمّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ» }.
هذا وقد ذكر فى التقرير أنه لا يجوز عند يحيى عليه السلام.
وكما يحرم ما لا دم له من البرى يحرم ما وقعت فيه ميتة نحو أن يقع فى شئ من الطعام أو الشراب ذباب أو نحوه مما لا دم له وكبرت ميتته فيه فانه يحرم ذلك الطعام أن أنتن بها
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه يحرم من الحيوانات البرية الضب والحشرات كلها كالحية والفأرة والعقرب والخنافس والصراصير وبنات وردان والبراغيث
(6)
والقمل، واليربوع والقنفذ والوبر وكذا تحرم
(7)
الزنابير بنوعيها الأحمر والأصفر، والبق والذباب
(8)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه يحرم أكل نحو عقرب وزنبور وجعل وخنفساء وذباب ونملة وعنكبوت لاستخباثها ولسم العقرب
(9)
، وذكر صاحب شرح النيل ثلاثة أقوال فى حكم أكل مستقذرات الهوام - وهن الخشاخش - سواء كن ذوات سم أو لا كالحية والاماحى
(10)
قيل حكم ذلك كله التحريم لانهن خبيثات ويعدون كالسبع.
(1)
الآية رقم 5 من سورة المائدة.
(2)
الآية رقم 145 من سورة الانعام.
(3)
الآية رقم 32 من سورة الاعراف.
(4)
الآية رقم 57 من سورة البقرة.
(5)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 95 ص 96 الطبعة السابقة.
(6)
بفتح الواو مبنيا على الفتح.
(7)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 278 طبع مطبعة دار الكتب العربية بمصر سنة 1379 هـ.
(8)
المرجع السابق للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 281 نفس الطبعة المتقدمة.
(9)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 248، ص 249 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر.
(10)
جمع امحى وهى نوع من الحيات.
وقيل: حكمها الحل، وقيل الكراهة،
وقيل: لا حكم لاستخباث العرب الشئ بل ينظر غالب قوته وشبهه بمحرم أو محل
(1)
.
ومثل ذلك الأوزاغ - ويقال لكبارها سام أبرص - والصحيح التحريم لاستقذارها وضررها والأمر بقتلها فقد جاء فى صحيح البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الوزغ - وروى البخارى ومسلم وابن ماجة والنسائى عن أم شريك أنها استأمرت النبى صلى الله عليه وسلم فى قتل الوزغان فأمرها بذلك والحرباء ويقال لها: أم حبين، وقيل:
الحرباء ذكر وأم حبين الانثى.
وقال فى الروضة الحرباء نوع من الوزغ غير مأكولة ومقتضى كونها ذكر أم حبين أنها تؤكل لان أم حبين تؤكل لانها طيبة.
وأما السلحفاة فقد حكى البغوى فى حلها وجهين وقد روينا عن عطاء اباحة أكل السلحفاة ولا بد من ذكاة لها.
وقيل: تحل بلا ذكاة، والقولان فى المذهب.
ويحل مطلقا أكل القنفذ واليربوع والوبر والضب، فقد قيل فى الضب انه حلال الأكل اجماعا لقول النبى صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد:
لا، حين قال له: أحرام هو؟ كما ذكره الشيخ فى الايضاح عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما، وكذا رواه عنه البخارى ومسلم وفى رواية مسلم: لا آكله ولا أحرمه. وفى أخرى: كلوه فانه حلال ولكنه ليس من طعامى
(2)
.
ثانيا: حكم تناول ما له دم سائل وهو حيوان
مستأنس غير طائر ولا داجن:
يختلف حكم تناول الحيوان البرى المستأنس الذى له دم سائل تبعا لاختلاف أنواعه وخصائص كل نوع:
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن المستأنس ان كان من البهائم مثل الابل والبقر والغنم - فهو حلال بالاجماع وبقول الله تبارك وتعالى: «وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ، وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ»
(3)
وقوله سبحانه وتعالى «اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ.»
(4)
واسم الانعام يقع على هذه الحيوانات بلا خلاف بين أهل اللغة.
ولا تحل البغال والحمير عند عامة العلماء رحمهم الله تعالى، وحكى عن بشر
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 257، ص 258 وما بعدها الى ص 261 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
شرح النيل ج 1 ص 258 وما بعدها الى ص 261.
(3)
الآية رقم 5 من سورة النحل.
(4)
الآية رقم 79 من سورة غفر.
المريسى رحمه الله تعالى أنه قال: لا بأس بأكل الحمار، واحتج بظاهر قول الله عز وجل:«قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ»
(1)
ولم يذكر الحمير الانسية وروى أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال: انه فنى مالى ولم يبق لى الا الحمر الاهلية، فقال صلى الله عليه وسلم: كل من سمين مالك فانى انما كنت نهيتكم عن جلال القرية، وروى:
عن جوال القرى - بتشديد اللام وروى: فانما قذرت لكم جالة القرية.
ويدل لنا قول الله تبارك وتعالى:
«وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً.» وسنذكر وجه الاستدلال بالآية ان شاء الله بعد قليل.
وروى أبو حنيفة عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى غزوة خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وعن متعة النساء وروى أن سيدنا عليا رضى الله تعالى عنه قال لابن عباس رضى الله تعالى عنهما وهو يفتى الناس فى المتعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، فرجع ابن عباس رضى الله تعالى عنهما عن ذلك وروى أنه قيل للنبى صلى الله عليه وسلم يوم خيبر: أكلت الحمر فأمر أبا طلحة رضى الله تعالى عنه ينادى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهاكم عن لحوم الحمر فانها رجز - وروى فانها رجس - وهذه أخبار مستفيضة عرفها الخاص والعام وقبلوها وعملوا بها وظهر العمل بها وأما الآية فقد اختص منها أشياء غير مذكورة فيها فيختص المتنازع فيه بما ذكرنا من الدلائل مع أن ما روينا من الأخبار مشهورة ويجوز نسخ الكتاب بالخبر المشهور.
وعلى أن فى الآية الشريفة أنه لا يحل سوى المذكور فيها وقت نزولها لان الأصل فى الفعل هو الحال فيحتمل أنه لم يكن وقت نزول الآية تحريم سوى المذكور فيها ثم حرم ما حرم بعد، على أنا نقول بموجب الآية لا محرم سوى المذكور فيها ونحن لا نطلق اسم المحرم على لحوم الحمر الأهلية اذ المحرم المطلق ما تثبت حرمته بدليل مقطوع به فأما ما كانت حرمته محل الاجتهاد فلا يسمى محرما على الاطلاق بل نسميه مكروها فنقول بوجوب الامتناع عن أكلها عملا مع التوقف فى اعتقاد الحل والحرمة.
وأما الحديث فيحتمل أن يكون المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: كل من سمين مالك، أى من أثمانها كما يقال فلان أكل عقاره، أى ثمن عقاره.
(1)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
ويحتمل أن يكون ذلك اطلاقا للانتفاع بظهورها بالاكراء كما يحمل على شئ مما ذكرنا عملا بالدلائل كلها.
ويحتمل أنه كان قبل التحريم فانفسخ بما ذكرنا وان جهل التاريخ فالعمل بالحاظر أولى احتياطا.
فان قيل: أن ما روينا يحتمل أيضا أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الحمر يوم خيبر لأنها كانت غنيمة من الخمس أو لقلة الظهر أو لانها كانت جلالة فوقع التعارض.
أجبنا بأن شيئا من ذلك لا يصلح محملا.
أما الأول فلأن ما يحتاج اليه الجند لا يخرج منه الخمس كالطعام والعلف.
وأما الثانى فلأن المروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر باكفاء القدور يوم خيبر ومعلوم أن ذلك مما لا ينتفع به فى الظهر.
وأما الثالث فلأنه صلى الله عليه وسلم خص النهى بالحمر الأهلية وهذا المعنى لا يختص بالحمر بل يوجد فى غيرها.
وأما لحم الخيل فقد قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه يكره.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: لا يكره واحتجا بما روى عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنهما أنه قال: أكلنا لحم فرس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروى عن جابر رضى الله تعالى عنه أنه قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى الخيل، وروى أنه قال أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل، ونهانا عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى الخيل وروى أنه قال أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر. وروى عنه أنه قال كنا قد جعلنا فى قدورنا لحم الخيل ولحم الحمار فنهانا النبى صلى الله عليه وسلم أن نأكل لحم الحمار وأمرنا أن نأكل الخيل. وعن سيدتنا أسماء بنت سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله تعالى عنهما انها قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلناه.
وأما قول أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه بالكراهة فيستدل له بالكتاب والسنة والاجماع.
أما الكتاب العزيز فقوله جل شأنه:
«وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً» ووجه الاستدلال به ما حكى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فانه روى أنه سئل عن لحم الخيل، فقرأ بهذه الآية الشريفة وقال ولم يقل تبارك
وتعالى لتأكلوها. فيكره أكلها. وتمام هذا الاستدلال أن الله تبارك وتعالى ذكر الأنعام فيما تقدم ومنافعها وبالغ فى ذلك بقوله تعالى: «وَالْأَنْعامَ خَلَقَها لَكُمْ فِيها دِفْءٌ وَمَنافِعُ وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ»
وكذا ذكر فيما بعد هذه الآية الشريفة متصلا بها منافع الماء المنزل من السماء والمنافع المتعلقة بالليل والنهار والشمس والقمر والنجوم والمنافع المتعلقة بالبحر على سبيل المبالغة بيان شفاء لا بيان كفاية وذكر فى هذه الآية أنه سبحانه وتعالى خلق الخيل والبغال والحمير للركوب والزينة ذكر منفعة الركوب والزينة ولم يذكر سبحانه وتعالى منفعة الأكل فدل أنه ليس فيها منفعة أخرى سوى ما ذكرناه ولو كان هناك منفعة أخرى سوى ما ذكرنا لم يحتمل أن لا نذكرها عند ذكر المنافع المتعلقة بها على سبيل المبالغة والاستقصاء وقوله عز وجل «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» ولحم الخيل ليس بطيب بل هو خبيث لان الطباع السليمة لا تستطيبه بل تستخبثه حتى لا تجد أحدا ترك بطبعه الا ويستخبثه وينفر طبعه عن أكله وانما يرغبون فى ركوبه الا برغب طبعه فيما كان محبولا عليه وبه تبين أن الشرع انما جاء باحلال ما هو مستطاب فى الطبع لا بما هو مستخبث ولهذا لم يجعل المستخبث فى الطبع غذاء اليسر وانما جعل ما هو مستطاب بلغ فى الطيب غايته.
وأما السنة فما روى عن جابر رضى الله عنه أنه قال لما كان يوم خيبر أصاب الناس مجاعة فأخذوا الحمر الأهلية فذبحوها فحرم رسول صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأنسية ولحوم الخيل والبغال وكل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير، وحرم الخلسة والنهبة. وعن خالد بن الوليد رضى الله تعالى عنه أنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الخيل والبغال والحمير وعن المقدام ابن معدى كرب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: حرم عليكم الحمار الأهلى وخيلها. وهذا نص على التحريم. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الخيل لثلاثة فهى لرجل ستر ولرجل أجر ولرجل وزر، ولو صلحت للأكل لقال صلى الله عليه وسلم:
الخيل لأربعة، لرجل ستر ولرجل أجر ولرجل وزر ولرجل طعام. وأما دلالة الاجماع فهى أن البغل حرام بالاجماع، وهو ولد الفرس فلو كانت أمه حلالا لكان هو حلالا أيضا لان حكم الولد حكم أمه لأنه منها وهو كبعضها، ألا ترى أن حمار وحش لو نزى على حمارة أهلية فولدت لم يؤكل ولدها ولو نزا حمار أهلى على حمارة وحشية وولدت يؤكل ولدها ليعلم أن حكم الولد حكم أمه فى الحل والحرمة دون الفحل، فلما
كان لحم الفرس حراما كان لحم البغل كذلك.
وأما ما روى فى بعض الروايات عن جابر، وما فى رواية سيدتنا أسماء رضى الله تعالى عنها فيحتمل أنه كان ذلك فى الحال التى كان يؤكل فيها الحمر، لأن النبى صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن أكل لحوم الحمر يوم خيبر وكانت الخيل تؤكل فى ذلك الوقت ثم حرمت يدل عليه ما روى عن الزهرى أنه قال ما علمنا الخيل أكلت الا فى حصار وعن الحسن رضى الله تعالى عنه أنه قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكلون لحوم الخيل فى مغازيهم فهذا يدل على أنهم كانوا يأكلونها فى حال الضرورة كما قال الزهرى رحمه الله تعالى: أو يحمل على هذا عملا بالدليل صيانة لها عن التناقض أو يترجح الحاظر على المبيح احتياطا.
وهذا الذى ذكرنا حجج أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه على رواية الحسن أنه يحرم أكل لحم الخيل.
وأما على ظاهر الرواية عن أبى حنيفة رضى الله تعالى عنه أنه يكره أكله ولم يطلق التحريم لاختلاف الأحاديث المروية فى الباب واختلاف السلف فكره أكل لحمه احتياطا لباب الحرمة
(1)
.
هذا حكم تناول المستأنس من البهائم.
أما المستأنس من السباع وهو الكلب والسنور الأهلى فلا يحل لما روى فى الخبر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير، وعن الزهرى رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كل ذى ناب من السباع حرام.
ولا بأس بأكل الأرنب لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهدى له أعرابى أرنبة مشوية فقال لأصحابه: كلوا وعن محمد بن صفوان أو صفوان بن محمد أنه قال: أصبت أرنبتين فذبحتهما بمروة وسألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرنى بأكلهما
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى أن النعم من المباح أكله وهى الابل والبقر والغنم ولو جلالة، ولو تغير لحمه من ذلك وهو المشهور عند اللخمى وباتفاق عند ابن رشد.
وقيل: ان الحيوان الذى يصيب النجاسة لحمه وعرقه ولبنه وبوله
(3)
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 37 وما بعدها الى ص 39 نفس الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 39 نفس الطبعة السابقة.
(3)
شرح الخرشى مع حاشية العدوى عليه ج 3 ص 26 نفس الطبعة المتقدمة.
نجس ثم ذكر الخرشى أن من الحيوان المحرم الخيل والبغال والحمير والخنزير والكلب على أحد الأقوال.
أما الخنزير البرى فلا خلاف فى تحريم لحمه وشحمه وجلده وعصبه كل ذلك حرام، وأما الخيل والبغال والحمير فالمشهور انها حرام.
وهناك رأى آخر روى عن الامام مالك رحمه الله تعالى بكراهة أكل البغال والحمير وأما الخيل فقيل بالكراهة والاباحة والمعتمد التحريم.
ولو كان الحمار وحشيا دجن فان توحش بعد ما دجن فانه يحكم له بحكم أصله فيكون مباحا وذلك خلافا لابن القاسم حيث قال: لا يكون ذلك ناقلا والاباحة باقية ووجهه أنه لو كان تأنسه ناقلا له عن حكم الأصل للزم مثل ذلك فى الأهلى اذا توحش أن يؤكل ولا قائل به. ورد ذلك بمراعاة الاحتياط فى الأول دون الثانى
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن من الحيوانات البرية التى يحل أكلها الابل والبقر والغنم وان اختلفت أنواعها لقول الله تبارك وتعالى: «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ» والخيل - ولا واحد له من لفظه كقوم وقيل مفرده خائل، لا فرق فى ذلك بين العربية وغيرها لخبر الصحيحين عن جابر رضى الله تعالى عنه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى لحوم الخيل. وفيهما عن أسماء رضى الله تعالى عنها قالت: نحرنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكلناه ونحن بالمدينة وأما خبر خالد فى النهى عن أكل لحوم الخيل فقال الامام أحمد وغيره منكر وقال أبو داود: منسوخ والاستدلال على التحريم بقوله تعالى: {لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً» ولم يذكر الأكل مع أنه فى سياق الامتنان.
مردود كما ذكره البيهقى وغيره فان الآية مكية بالاتفاق ولحوم الحمر انما حرمت يوم خيبر سنة سبع بالاتفاق.
فدل على أنه لم يفهم النبى صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فى الآية تحريما لا للحمر ولا لغيرها فانها لو دلت على تحريم الخيل دلت على تحريم الحمر وهم لم يمنعوا منها بل امتدت الحال الى يوم خيبر فحرمت وأيضا الاقتصار على ركوبها والتزين بها لا يدل على نفى الزائد عليهما وانما خصهما بالذكر لانهما معظم المقصود من الخيل
(2)
.
(1)
المرجع السابق مع حاشية العدوى عليه ج 3 ص 30 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للرملى ج 4 ص 274 نفس الطبعة المتقدمة.
ويحل أكل الأرنب لأنه بعث بوركها الى النبى صلى الله عليه وسلم فقبله وأكل منه رواه البخارى ويحرم أكل البغل للنهى عن أكله فى خبر أبى داود باسناد على شرط مسلم ولتولده بين حلال وحرام فانه متولد بين فرس وحمار أهلى، فان كان الذكر فرسا كان شديد الشبه بالحمار، وان كان الذكر حمارا كان البغل شديد الشبه بالفرس فان تولد بين فرس وحمار وحشى أو بين فرس وبقر حل بلا خلاف.
وكذا يحرم حمار أهلى وان توحش للنهى عنه فى خبر الصحيحين
(1)
وتحرم الهرة الأهلية أيضا على الصحيح، ففى الحديث أنها سبع، وقيل تحل لضعف نابها
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن من الحيوان المباح أكله بهيمة الأنعام وهى الابل والبقر والجاموس والغنم ضأنها ومعزها لقول الله تبارك وتعالى: «أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ» .
وكذا يباح المتولد من مأكولين كبغل من حمار وحش وخيل ولو كانت الخيل غير عربية ويباح الأرنب أيضا
(3)
.
ويحرم من الحيوانات الآدمى لدخوله فى عموم قوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» ولمفهوم حديث: أحل لنا ميتتان ودمان.
ويحرم الحمر الأهلية ولو توحشت قال ابن عبد البر لا خلاف فى تحريمها وسنده حديث جابر رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى لحوم الخيل متفق عليه.
ويحرم الخنزير بالنص والاجماع مع أن له نابا يفترس به.
كما يحرم الكلب والسنور الأهلى لما رواه جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهر رواه أبو داود وابن ماجه والترمذى رضى الله تعالى عنهما
(4)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه يحل أكل الخيل والبغال ولا يحل أكل شئ من الحمر الانسية توحشت أو لم تتوحش لما روينا من طريق البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر مناديا فنادى أن الله ورسوله ينهاكم عن لحوم الحمر الأهلية فانها رجس فأكفئت القدر وانها
(1)
المرجع السابق لمعرفة الفاظ المنهاج للرملى ج 4 ص 275 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق للرملى ج 4 ص 276 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 114 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق عن متن الاقناع ج 4 ص 112 نفس الطبعة المتقدمة.
لتفور باللحم فصح أنها كلها رجس، واهراق الصحابة رضى الله تعالى عنهم القدور بها بحضرة النبى صلى الله عليه وسلم بيان أن ودكها وشحمها وعظمها وكل شئ منها حرام. وروى عن جابر ابن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن فى لحوم الخيل. وأما البغل فقد قال الله تعالى «يا أَيُّهَا النّاسُ كُلُوا مِمّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً»
(1)
وقال تعالى:
«وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ.»
(2)
فالبغل حلال بنص القرآن لانه لم يفصل تحريمه
(3)
.
ولا يحل أكل شئ من الخنزير لا لحمه ولا شحمه ولا جلده ولا عصبه ولا غضروفه ولا حشوته ولا مخه ولا عظمه ولا رأسه ولا أطرافه ولا لبنه ولا شعره سواء كان ذكرا أو انثى صغيرا أو كبيرا لقوله تعالى: «أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً» والضمير فى لغة العرب التى نزل بها القرآن راجع الى أقرب مذكور اليه فصح بالقرآن أن الخنزير بعينه رجس فهو كله رجس وبعض الرجس رجس والرجس حرام واجب اجتنابه فالخنزير كله حرام
(4)
.
ولا يحل أكل لحوم الناس ولو ذبحوا لان الله تعالى قال: «وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ.»
(5)
ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يوارى كل ميت من مؤمن أو كافر فمن أكله فلم يواره، ومن لم يواره فقد عصى الله تعالى
(6)
.
والأرنب حلال لانه لم يفصل لنا تحريمها.
وقد اختلف السلف فيها. لما روينا من طريق وكيع عن عمر أو ابن عمر أنه كره الأرنب وروى أن سعد ابن أبى وقاص أكلها واحتج من كرهها بخبر من طريق وكيع عن عكرمة أن النبى صلى الله عليه وسلم أتى بأرنب فقيل له: انها تحيض فكرهها». وروى عن عبد الكريم أبى أمية قال: سأل جرير بن أنس الأسلمى النبى صلى الله عليه وسلم عن الأرنب فقال: لا آكلها أنبئت أنها تحيض» هذا وقد صح من طريق شعبة عن أنس بن مالك أنه صاد أرنبا فأتى بها أبا طلحة فذبحها وبعث الى النبى صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها فأتيت بها النبى صلى الله عليه وسلم فقبلها. وروى من طريق أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى
(1)
الآية رقم 168 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 119 من سورة الانعام.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 477 وما بعدها الى ص 481 مسألة رقم 996 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
المحلى للعلامة أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى خ 7 ص 457 وما بعدها الى ص 459 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية سنة 1350 هـ الطبعة الاولى.
(5)
الآية رقم 12 من سورة الحجرات.
(6)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 398 ص 399 مسألة رقم 993 الطبعة الأولى.
صلّى الله عليه وسلّم أتى بأرنب مشوية فلم يأكل عليه الصلاة والسلام منها وأمر القوم فأكلوا، فهذا نص صحيح فى تحليلها وقد يكرهها صلى الله عليه وسلم خلقة لا لاثم فيها ونحن لعمر الله نكرهها جملة ولا نقدر على أكلها أصلا وليس هذا من التحريم فى شئ
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: ان من بين ما يكره أكله الأرنب لأن النبى صلى الله عليه وسلم عند ما أهديت اليه رأى فى حياها دما فردها وكرهنا ما كرهه صلى الله عليه وسلم.
وفى أحد قولى الناصر أنها محرمة
(2)
.
ويحرم أكل الخيل والبغال وروى عن الحسن أنه يبيح أكلها. وكذلك يحرم أكل الحمير الأهلية والخنزير
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أنه يكره أكل الخيل والبغال والحمير الأهلية فى الأشهر، وآكدها أنه يكره البغل لتركيبه من الفرس والحمار وهما مكروهان فجمع الكراهتين ثم الحمار.
وقال القاضى: بالعكس آكدها كراهة الحمار ثم البغل لأن المتولد من قوى الكراهة وضعيفها أخف كراهة من المتولد من قويها خاصة وقيل بتحريم البغل، وفى صحيحة ابن سكان النهى عن الثلاثة الا لضرورة وحملت على الكراهة جمعا
(4)
.
ويحرم الكلب والخنزير والسنور والأرنب
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه يكره الأرنب للحيض والا فهى تأكل العشب ولا تصطاد، روى البيهقى عن ابن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم جئ له بأرنب فلم يأكلها ولم ينه عنها وذكر أنها تحيض وهى تأكل اللحم وغيره وتجتر وتبعر وفى باطن أشداقها شعر وتحت رجليها روى الترمذى عن حيان بن جزء عن أخيه خزيمة بن جزء قلت يا رسول الله ما تقول فى الأرنب قال: لا آكله ولا أحرمه قلت: ولم يا رسول الله؟ قال: انى أحسب أنها تدمى أى تحيض.
(1)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 507. ص 508 مسألة رقم 1032 نفس الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابى الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 4 ص 99 طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(3)
المرجع السابق لابى الحسن عبد الله بن مفتاح وبهامشه ج 4 ص 95، ص 96 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 277 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
(5)
المرجع السابق للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 278 نفس الطبعة المتقدمة.
وقال الجمهور الأرنب حلال بلا كراهة قال أنس: أنفحنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم عليها فلغبوا فأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذها وقبلها
(1)
.
وفى ذوات الحوافر كالخيل والبغال والحمير الأهلية والفيل أقوال.
أولها التحريم.
وثانيها التحليل.
وثالثها الكراهية.
ورابعها تحليل الخيل فقط
(2)
.
ويحرم لحم الخنزير مطلقا سواء لم تزل حياته أو زالت بأى شئ كان.
واختلف فى أجزاء الخنزير غير اللحم فقال أصحابنا كاللحم مثل الجلد والشعر والعظم اذا زال ودكه.
وحجة من قال: المحرم لحمه فقط هو أن الضمير فى قوله عز وعلا «فَإِنَّهُ رِجْسٌ» عائد الى المضاف، لأن الأصل عود الضمير اليه لأنه المحدث عنه لا المضاف اليه لانه وقع ذكره بطريق العرض وهو تعريف المضاف وتخصيصه كما قال أبو حيان. قلنا: هو هنا عائد الى المضاف اليه وهو الخنزير فيفيد تحريم الخنزير كله شحمه وكبده وطحاله وسائر أجزائه
(3)
.
ثالثا: حكم تناول ما له دم سائل وهو حيوان
متوحش غير طائر ولا داجن
مذهب الحنفية:
الحيوان المتوحش اما أن يكون بهيمة أو سبعا ولكل حكمه.
ذكر صاحب بدائع الصنائع أن المتوحش من البهائم حلال باجماع المسلمين - وذلك نحو الظباء وبقر الوحش وحمر الوحش وابل الوحش - ولقول الله تبارك وتعالى: «يَسْئَلُونَكَ ماذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ»
(4)
وقوله عز شأنه «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ»
(5)
وقوله سبحانه وتعالى:
«كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ»
(6)
ولحوم هذه الأشياء من الطيبات فكان حلالا.
وروى أنه لما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر فقال: الأهلية؟ فقيل:
(1)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 253 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 343.
(2)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 255 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 247 نفس الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 4 من سورة المائدة.
(5)
الآية رقم 157 من سورة الأعراف.
(6)
الآية رقم 172 من سورة البقرة.
نعم. فدل قول رسول الله صلى عليه وسلم على اختلاف حكم الأهلية عن حكم الوحشية.
وقد ثبت أن الحكم فى الأهلية الحرمة لما ذكرنا من الدلائل فكان حكم الوحشية الحل ضرورة.
وروى أن رجلا من فهر جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم وهو بالروحاء، ومع الرجل حمار وحشى عقره فقال:
هذه رميتى يا رسول الله وهى لك فقبله النبى صلى الله عليه وسلم وأمر سيدنا أبا بكر رضى الله تعالى عنه فقسمه بين الرفاق.
والحديث وان ورد فى حمار الوحش لكن احلال الحمار الوحشى احلال للظبى والبقر الوحشى والابل الوحشى من طريق الأولى، لأن الحمار الوحشى ليس من جنسه من الأهلى ما هو حلال بل هو حرام وهذه الأشياء من جنسها الأهلى ما هو حلال فكانت أولى بالحل. هذا حكم المتوحش من من البهائم.
أما المتوحش من السباع - وهو كل ذى ناب من السباع - فلا يحل لما روى فى الخبر المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع وعن الزهرى رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل ذى ناب من السباع حرام، فذو الناب من سباع الوحش مثل الأسد والذئب والضبع والنمر والفهد والثعلب والسنور البرى والسنجاب والفنك والسمور والدلق والدب والقرد والفيل ونحوه فلا خلاف فى هذه الجملة أنها محرمة
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى أن الحيوان الوحشى الذى لم يفترس - أى لم يعد - كحمر الوحش والغزلان مباح الأكل
(2)
وأنه يكره سبع وثعلب وذئب وهر وان كان وحشيا هذا ان لم يفترس، وهذا مذهب المدونة لقول مالك فيها، لا أحب أكل السبع ولا الثعلب ولا الهر الوحشى ولا الانسى ولا شئ من السباع ورواه العراقيون عن مالك، ولقوله تعالى «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ.»
(3)
فهذه الآية دلت على عدم تحريم
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 39 نفس الطبعة السابقة.
(2)
شرح الخرشى للمحقق الفاضل سيدى أبى الضياء خليل وبهامشه حاشية العدوى ج 3 ص 26 الطبعة الثانية طبع مطبعة الكبرى الأميرية بمصر المحمية سنة 1317 هـ.
(3)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
هذه الأشياء ولما كان نفى التحريم لا يقتضى الجواز عينا أحتيط للكراهة.
وروى المدنيون عن مالك تحريم أكل ما يعدو من هذه الأشياء كالأسد والنمر والثعلب والكلب، وما لا يعدو يكره أكله كالضبع والهر كذا فى بهرام وجعل الضبع لا يعدو باعتبار بعض الأقطار والا فهو يعدو فى بلادنا.
وأما الضب فقد صحح فى توضيحه اباحته.
ومن المكروه النمس والفهد
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه يحل أكل بقر الوحش - وهو أشبه شئ بالمعز الأهلية - وحمار الوحش لأنهما من الطيبات ولما فى الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال فى الثانى: كلوا من لحمه وأكل منه وقيس به الأول ولا فرق فى حمار الوحش بين أن يستأنس أو يبقى على توحشه.
وكذا يحل ظبى وظبية بالاجماع وضبع لأنه صلى الله عليه وسلم قال:
يحل أكله. رواه الترمذى وقال حسن صحيح قال الشافعى رضى الله تعالى عنه: وما زال الناس يأكلونها بين الصفا والمروة من غير نكير ولأن نابها ضعيف لا تتقوى ولا تعيش به وهو من أحمق الحيوان لانه يتناوم حتى يصاد.
ويحل ضب لأنه أكل على مائدته صلى الله عليه وسلم بحضرته ولم يأكل منه فقيل له: أحرام هو؟ قال: لا ولكنه ليس بأرض قومى فأجدنى أعافه رواه الشيخان.
ويحل ذئب ودب وفيل وثعلب لأنه لا يتقوى بنابه ولأنه من الطيبات ويربوع
(2)
لأن العرب تستطيبه ونابه ضعيف وفنك
(3)
وسمور
(4)
لأن العرب تستطيبهما
(5)
ويحرم كل ذى ناب من السباع وهو كما قال الشافعى رضى الله تعالى عنه ما يعدو على الحيوان ويتقوى بنابه للنهى عنه فى خبر الصحيحين وذلك مثل الأسد والنمر.
وكذا يحرم ابن آوى
(6)
وهرة وحش، فى الأصح أما ابن آوى فلأنه مستخبث
(1)
شرح الخرشى ج 3 ص 30، ص 31 الطبعة السابقة.
(2)
حيوان يشبه الفأر قصير اليدين طويل الرجلين أبيض البطن أغبر الظهر بطرف ذنبه شعرات.
(3)
حيوان يؤخذ من جلده الفرو للينه وخفته.
(4)
حيوان يشبه السنور.
(5)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 4 ص 275 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.
(6)
حيوان فوق الثعلب ودون الكلب طويل المخالب فيه شبه من الذئب وشبه من الثعلب ..
وله ناب يعدو به ويأكل الميتة ووجه حله ان نابه ضعيف وأما الهرة فلأنها تعدو بنابها فتشبه الأسد، ووجه حلها أنها حيوان ينقسم الى أهلى ووحشى فيحل الوحشى منه ويحرم الأهلى كالحمار.
وأما ابن مقرض
(1)
- بضم الميم وكسر الراء وبكسر الميم وفتح الراء - وهو الدلق فلا يحرم لأن العرب تستطيبه ونابه ضعيف هذا ما جرى عليه ابن المقرى وهو مقتضى كلام الرافعى والذى نقله فى أصل الروضة عن تصحيح الأكثرين وما صححه المصنف فى مجموعة من تحريمه لأنه ذو ناب غلطه فيه الأسنوى وغيره.
وأما النمس الذى يأوى الخراب من الدور ونحوها فهو نوع من القردة فيحرم، لأنه يفترس الدجاج فهو كابن آوى.
وكذا يحرم القرد ومن ذى الناب الكلب والخنزير والفهد والببر
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن الخنزير محرم بالنص والاجماع مع أن له نابا يفترس به، وما له ناب يفترس به نص عليه سوى الضبع فانه مباح وان كان له ناب لما روى جابر رضى الله تعالى عنه قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال:
هو صيد ويجعل فيه كبش اذا صاده المحرم رواه أبو داود. وهذا خاص فيقدم على العام.
ويحرم أكل كل ما له ناب كأسد ونمر وذئب وفهد وكلب وابن آوى وابن عرس وسنور أهلى وبرى ونمس وقرد ولو كان صغيرا لم ينبت نابه ودب وفيل وثعلب لما روى أبو ثعلبة الخشنى رضى الله تعالى عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذى ناب من السباع
(3)
.
وجاء فى المغنى والشرح الكبير أن الروايات اختلفت فى الثعلب فأكثر الروايات عن أحمد انه حرام، وهذا قول أبى هريرة رضى الله تعالى عنه لأنه سبع فيدخل فى عموم النهى.
ونقل عن أحمد أباحته. اختاره الشريف أبو جعفر ورخص فيه عطاء وطاوس وقتادة والليث وسفيان بن عيينة رضى الله تعالى عنهم لأنه يفدى فى الاحرام والحرم.
(1)
دويبة أكهل اللون طويل الظهر أصغر من الفأر يقتل الحمام ويقرض الثياب.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للرملى ج 4 ص 275، ص 276 نفس الطبعة السابقة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 112 نفس الطبعة السابقة.
وقال أحمد وعطاء كل ما يفدى اذا أصابه المحرم فانه يؤكل.
واختلفت الرواية عن أحمد فى سنور البر كاختلافها فى الثعلب والقول فيه كالقول فى الثعلب
(1)
.
وذكر صاحب كشاف القناع: أنه يحرم سنجاب وسمور وفنك - بفتح النون - لحديث أبى ثعلبة المذكور، لأن لها نابا
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه يحل أكل حمر الوحش سواء تأنست أو لم تتأنس لما روى من طريق مسلم، عن ابن جريج قال أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: أكلنا زمن خيبر الخيل وخمر الوحش فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحمار الأهلى
(3)
.
ولا يحل شئ من السباع ذوات الأنياب ولا أكل الكلب أو الهر انسيا كان أو بريا، ولا الثعلب، حاشا الضبع وحدها فهى حلال أكلها، ولو أمكنت ذكاة الفيل لحل أكله.
أما تحريم السباع فلما روينا من طريق مالك بن أنس عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل ذى ناب من السباع فأكله حرام. والكلب والهر والثعلب ذو ناب من السباع فكل ذلك حرام.
وأما استثناء الضبع من الحرمة فذلك لما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن أبى عمار قال: سألت جابر ابن عبد الله عن الضبع: أآكلها؟ قال:
نعم قلت: أصيد هى؟ قال: نعم قلت أسمعت ذلك من نبى الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم قال ابن جريج حدثنا نافع مولى ابن عمر قال:
أخبر رجل ابن عمر أن سعد بن أبى وقاص يأكل الضباع. قال نافع فلم ينكر ابن عمر ذلك وأما الفيل فليس سبعا ولا جاء فى تحريمه نص، وقد قال الله تعالى «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً» وقال تعالى:«قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ» وقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ» فكل شئ حلال الا ما جاء نص بتحريمه ولم يأت فى الفيل نص تحريم فهو حلال
(4)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامة ومعه على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج ابن أحمد بن قدامة المقدسى ج 11 ص 67 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1348 هـ.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 113 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 477، ص 478، ص 479 المسألة رقم 996 نفس الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 468، ص 469، ص 470، ص 471، ص 472، ص 473 مسألة رقم 993 نفس الطبعة المتقدمة.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير: أنه يحرم أكل السبع فقد روى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: كل ذى ناب من السباع فأكله حرام
(1)
. وروى عن على رضى الله تعالى عنه قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضب والضبع.
وفى مجمع الزوائد عن عبد الله بن يزيد السعدى قال أمرنى ناس من قومى أن أسأل سعيد بن المسيب عن سنان يحددونه ويركزونه فى الأرض يصبح وقد قتل الضبع أفتراه ذكاته؟ قال: فجلست الى الرأس واللحية من أهل الشام فسألته عن ذلك قال:
أو انك لتأكل الضبع؟ قلت: ما أكلتها قط، وان ناسا من قومى ليأكلونها. قال فقال: أكلها لا يحل فقال الشيخ يا عبد الله ألا أحدثك بحديث سمعته من أبى الدرداء يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: بلى.
قال: سمعت أبا الدرداء يقول:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل ذى نهبة وعن كل ذى مجثمة وعن كل ذى ناب من السباع.
هذا وروى من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن نجيح عن مجاهد قال كان على بن أبى طالب لا يرى فى أكل الضبع بأسا وقال معمر عن عمرو بن مسلم سمعت عكرمة وسئل عن الضبع فقال رأيتها على مائدة ابن عباس وروى عن عبد الله بن زيد قال سألت أبا هريرة رضى الله تعالى عنه عن الضبع فقال: نعجة من الغنم، وعن عطاء أحب الى من كبش، وأجابوا عن عموم تحريم كل ذى ناب من السبع بأن هذا خبر خاص فيجب اعماله فى محله وبالعام فيما عداه.
وروى فى مجمع الزوائد عن عبد الرحمن ابن معقل السلمى أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت ما تقول فى الضبع؟ قال: لا آكله ولا أنهى عنه. قلت ما لم تنه عنه فأنا آكله قال قلت: ما تقول فى الأرنب:
قال: لا آكلها ولا أحرمها. قلت: ما لم تحرمه فأنا آكله. قلت: يا رسول الله ما تقول فى الثعلب؟ قال: ويأكل ذلك أحد؟ قلت: ما تقول فى الذئب قال ويأكل ذلك أحد؟ رواه الطبرانى فى الكبير
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه يحرم الكلب والخنزير والسنور
(3)
وان كان
(1)
الروض النضير ج 3 ص 200 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 199، ص 200 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
بكسر السين وفتح النون.
وحشيا والاسد والنمر والفهد والثعلب والأرنب والضبع وابن آوى
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن فى حكم سباع الوحش أقوالا، قيل: هى مباحة بناء على أن قول الله عز وجل «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ» نزل فى حجة الوداع ناسخا لحديث تحريم السباع.
وقيل محرمة.
وقيل مكروهة، وهو قول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى قصة قتله السباع من أراد اللحم المكروه فعليه بوادى كذا وانما أجازها مع أنه قتلها قتلا اما لأنه نوى حين قتلها أن قتلها تذكية واصطياد، وأراد أجازة أكلها بشرط تذكية ما أدركوه حيا.
وأصح هذه الأقوال التحريم لحديث النهى عن أكل كل ذى ناب من السباع فيحمل النهى على التحريم لهذا الحديث فيما روى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذى ناب من السباع وذى مخلب من الطير، ولأن النهى للتحريم على الصحيح ما لم تصرفه قرينة
(2)
.
والضبع قيل حكمه حكم نعجة الكبش فليست بسبع وان كان فيها ما فى السباع من أكل اللحم والعدو والمساورة، وهو الصحيح لقول النبى صلى الله عليه وسلم الضبع من الصيد، وقوله صلى الله عليه وسلم: الضبع صيد فاذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن ويؤكل رواه الحاكم وأبو داود
(3)
.
والمشهور تحريم الفيل لأنه ذو ناب مكادح - أى مقاتل مغالب به.
وحكى الرافعى عن أبى عبد الله البوشنجى أنه حلال.
وقال أحمد ليس الفيل من طعمة المسلمين وعن الحسن هو ممسوخ فيحرم
(4)
.
أما الثعلب فانه حلال ولو كان يصيد ويأكل اللحم لانه انما يحرم ما قويت أنيابه فعدا بها على الحيوان طالبا غير مطلوب فحينئذ يكون غذاءه بأنيابه علة تحريمه، والثعلب لم يكن كذلك، ولو كان الغالب عليه أكل اللحم وهو يصيد كما تصيد السباع واذا قوى على الأرنب فرسها وعلى صغار الغنم أكلها ويأكل الثمار والأعناب وقوله صلى الله عليه وسلم: الثعلب شر السباع وسئل بشير عنه فقال اصطد وأطعمنا
(5)
.
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 278 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 250 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لابن يوسف أطفيش ج 1 ص 252 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 256، ص 257 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 253 نفس الطبعة المتقدمة.
رابعا: حكم تناول ما له دم سائل وهو
طائر أو داجن من حيوان البر
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أنه يحرم أكل كل ذى مخلب من الطير كالبازى
(1)
والباشق
(2)
والسقر والشاهين
(3)
والحدأة والنعاب والنسر والعقاب
(4)
وما أشبه ذلك لأنه يدخل تحت نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن كل ذى مخلب من الطير وروى أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذى خطفة ونهبة ومجثمة
(5)
وعن كل ذى ناب من الطير
(6)
.
ويكره الغراب الأسود الكبير لما روى عن عروة عن أبيه أنه سئل عن أكل الغراب فقال: من يأكله بعد ما سماه الله تبارك وتعالى فاسقا عنى بذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس من الفواسق يقتلهن المحرم فى الحل والحرم، ولأن أغلب أكلها الجيف، فيكره أكلها كالجلالة ولا بأس بغراب الزرع لأنه يأكل الحب والزرع ولا يأكل الجيف هكذا روى بشر بن الوليد عن أبى يوسف رحمه الله تعالى قال سألت أبا حنيفة رحمه الله عن أكل الغراب فرخص فى غراب الزرع وكره الغداف، فسألته عن الأبقع فكره
(7)
ذلك. وان كان غرابا يخلط فيأكل الجيف ويأكل الحب لا يكره فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى، قال:
وانما يكره من الطير ما لا يأكل الا الجيف.
ولا بأس بالعقعق لأنه ليس بذى مخلب ولا من الطير الذى لا يأكل الا الحب كذا روى أبو يوسف أنه قال:
سألت أبا حنيفة رحمه الله تعالى فى أكل العقعق فقال: لا بأس به فقلت انه يأكل الجيف فقال: انه يخلط، فحصل من قول أبى حنيفة أن ما يخلط من الطيور لا يكره أكله كالدجاج.
(1)
الباز والبازى ضرب من الصقور جمعه بواز وبزاة ترتيب القاموس المحيط مادة بزء ومادة بوز وقيل أنه من أشد الحيوان وأضيقه خلقا وهو مذكر.
(2)
الباشق بفتح الشين اسم طائر وهو أعجمى عرب لسان العرب مادة بشق.
(3)
الشاهين: هو نوع من سباع الطير ليس بعربى محض.
(4)
العقاب: طائر من العناق مؤنثة العقاب يقع على الذكر والأنثى الا أن يقولون هذا عقاب ذكر والجمع أعقب وأعقبه لسان العرب مادة عقب.
(5)
المجثمة روى بكسر الثاء وفتحها من الجثوم وهو تلبد الطائر الذى من عادته الجثوم على غيره ليقتله وهو السباع من الطير فيكون نهيا عن أكل كل طائر هذا عادته. وبالفتح هو الصيد الذى يجثم عليه طائر فيقتله فيكون نهيا عن أكل كل طير قتله طير آخر بجثومه عليه. وقيل بالفتح هو الذى يرمى حتى يجاثم فيموت، بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 39 نفس الطبعة المتقدمة.
(6)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ج 5 ص 39 نفس الطبعة السابقة.
(7)
الغراب الأبقع: اى الذى فيه بياض وسواد قهستانى قال فى العناية واما الغراب الأبقع والأسود فهو أنواع ثلاثة نوع يلتقط الحب ولا يأكل الجيف وليس بمكروه ونوع لا يأكل الا الجيف وهو الذى سماه المصنف الأبقع وانه مكروه ونوع يخلط يأكل الحب مرة والجيف أخرى ولم يذكره فى الكتاب وهو غير مكروه عنده مكروه عند أبى يوسف والأخير هو العقعق كما فى المنح وذكر أيضا أنه عقعق بصوت يشبه العين والقاف.
وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى:
يكره لأن غالب أكله الجيف
(1)
، أما ما ليس له مخلب صائد، وليس أغلب أكله الجيف من الطيور ذات الدم السائل فحلال وذلك مثل الدجاج والبط والأوز والحمام - مستأنسا كان أو متوحشا - والفواخت والعصافير والقبج
(2)
والكركى والخطاف
(3)
والبوم والدبس والصلصل
(4)
واللقلق والعقعق واللحام والهدهد والصرد
(5)
والخفاش.
غير أن فى حكم الخفاش قولا مرجوحا بأنه غير مأكول. والهدهد والصرد يكرهان تنزيها.
وأما الدبس والصلصل واللقلق والعقعق واللحام فلا يستحب أكلها وان كانت فى الأصل حلالا لما هو شائع بين الناس ان من يأكلها يصاب بآفة
(6)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى أن المشهور عند المالكية أن جميع الطير مباح أكله ولو كان ذا مخلب كالباز والعقاب والصقر والرخم
(7)
ويكره الوطواط
(8)
على المشهور
(9)
.
وذكر العدوى فى حاشيته على شرح الخرشى أن مقابل المشهور فيما عدا الوطواط ما رواه ابن أويس عن مالك رحمه الله تعالى أنه قال: لا يؤكل كل ذى مخلب. وظاهر قوله: لا يؤكل المنع وقاله فى الاكمال وحكى عنه ابن أويس كراهة أكل كل ذى مخلب.
أما مقابل المشهور فى الوطواط
(10)
فهو الحرمة
(11)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 40 الطبعة المتقدمة.
(2)
القبج: بفتح القاف وسكون الباء - هو الكروان معرب وهو بالفارسية كبج، معرب لان القاف والجيم لا يجتمعان فى كلمة واحدة من كلام العرب بالقبجة تقع على الذكر والانثى لسان العرب مادة قبج.
(3)
خطاف: بضم الخاء وتشديد الطاء وجمعه خطاطيف ويسمى زوار الهند ويعرف عند الناس بعصفور الجنة لانه زهد فيما فى أيديهم من الأقوات قال الدميرى ومن عجيب أمره أن عينه تقلع فتعود لا يفرخ فى عش عتيق حتى يطينه بطين جديد.
(4)
الصلصل: طائر تسميه العجم الفاضة، ويقال: بل هو الذى يشبهها، ابن العربى الصلاصل الفواخت واحدها صلصل وقال فى موضع آخر: الصلصلة والعكرمة والسعدانة الحمامة المحكم والصلة لسان العرب مادة صلل.
(5)
الصرد: يضم الصاد وفتح الراء - طائر ضامر الرأس يصطاد العصافير وقيل أنه طائر صام لله تعالى. جمعه صردان ترتيب القاموس المحيط مادة صرد.
(6)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ج 5 ص 39 نفس الطبعة السابقة وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 201 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الاميرية لكبرى ببولاق مصر سنة 1326 هـ.
(7)
الرخم أو الرخمة بفتحتين طائر أبقع يشبه النسر خلقة ويسمى آكل العظم غرر الأفكار.
(8)
من كتاب شرح الخرشى ج 3 ص 26 نفس الطبعة السابقة.
(9)
المرجع السابق ج 3 ص 27 نفس الطبعة السابقة.
(10)
الوطواط: ويقال له الخفاش والوطواط وهو طائر صغير لا ريش له يشبه الفأرة يطير بين المغرب والعشاء، ولهذا أفردهما الفقهاء بالذكر وان أطلق اللغويون اسم أحدهما على الاخر (أنظر كتاب مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج الرملى ج 4 ص 278 نفس الطبعة المتقدمة.
(11)
حاشية العدوى على شرح الخرشى ج 3 ص 26، ص 27 نفس الطبعة المتقدمة.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه يحرم كل طائر له ظفر للنهى عنه فى خبر مسلم وذلك مثل الباز والشاهين والصقر والنسر والعقاب، ودخل فى ذلك جميع جوارح الطير لاستخباثها
(1)
.
وتحل نعامة بالاجماع ولأن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم قضوا فيها اذا قتلها المحرم ببدنة.
ويحل كركى
(2)
قطعا وما أوهمه كلام العبادى من جريان الخلاف فيه شاذ.
ويحل طير الماء وهو أنواع منها بط وأوز لأنهما من الطيبات. وجميع طيور الماء حلال لأنها من الطيبات الا اللقلق
(3)
- وهو طير طويل العنق يأكل الخبائث ويصف - فلا يحل لاستخباثه. وروى: كل مارف ودع ما صف. ويحل دجاج بالاجماع سواه كان أنسيا أو وحشيا ولان النبى صلى الله عليه وسلم أكله رواه الشيخان.
ويحل حمام بسائر أنواعه لأنه من الطيبات ويحل القطا
(4)
ويحل الورشان
(5)
ويحل الحجل
(6)
- وهذه الثلاثة قال فى الروضة انها أدرجت فى الحمام - ويحل كل ما كان على شكل عصفور لأنه من الطيبات وان اختلف لونه ونوعه كعندليب
(7)
وصعوة وزرزور ونغر
(8)
وبلبل وكذا الحمر. قال الرافعى ويقال ان أهل المدينة يسمون البلبل النغرة والحمرة
(9)
.
ويحرم غراب أبقع وهو الذى فيه سواد وبياض، وحدأة لخبر الصحيحين:
خمس تقتلهن فى الحل والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور، وفى رواية مسلم: والغراب الأبقع لأن الأمر بقتل ما ذكر اسقاط لحرمته ومنع من اقتنائه ولو أكل لجاز اقتنائه. ويحرم أيضا رخمة وهى طائر يشبه النسر فى الخلقة، وذلك لخبث غذائها، وبغاثة لأنها كالحدأة.
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للرملى ج 4 ص 275، ص 276 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
الكركى على وزن كرسى طائر يقرب من الأوزة، ابتر الذنب رمادى اللون فى خده علامات سود وهو قليل اللحم صلب العظم يأوى الى الماء أحيانا وجمعه كراكى.
(3)
اللقاق بفتح اللامين - ويقال له: اللقلاق بزيادة ألف قبل آخره طائر أعجمى نحو الأوزة طويل العنق وكنيته عند أهل العراق أبو خديج وهو يأكل الحيات ويوصف بالفطنة والذكاء.
(4)
جمع قطاة وهو طائر معروف.
(5)
الورشان بفتح الواو والراء ذكر القمرى وقيل طائر متولد بين الفاختة والحمامة.
(6)
الحجل وهو جمع حجلة وهو طائر على قدر الحمام كالقطا أحمر المنقار والرجلين ويسمى دجاج البر.
(7)
العندليب: بفتح العين والدال المهملتين وبينهما نون وآخر وحدة بعد تحتانية وهو الهزاز.
(8)
نغر: بضم النون وفتح المعجمة - عصفور صغير أحمر الأنف.
(9)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للرملى ج 4 ص 277، 278 نفس الطبعة المتقدمة.
ويحرم أيضا النهاس
(1)
- طائر صغير ينهس اللحم بطرف منقاره - لانه مستخبث مثل السباع التى تنهش اللحم.
والأصح أن غراب الزرع حلال وهو أسود صغير محمر المنقار والرجلين، لانه مستطاب يأكل الزرع فأشبه الفواخت.
وقيل: انه لا يحل لأنه غراب.
وأما ما عدا الغراب الابقع وغراب الزرع فأنواع أحدهما العقعق وثانيها الغداف الكبير - ويسمى الغراب الجبلى لأنه لا يسكن الا الجبال - فهذان حرامان لخبثهما. وثالثها الغداف الصغير - وهو اسود رمادى اللون - وهذا قد اختلف فيه، فقيل: أنه حرام كما صححه فى أصل الروضة وجرى عليه ابن المقرى للأمر بقتل الغراب فى خبر مسلم.
وقيل بحله كما هو قضية كلام الرافعى وهو الظاهر.
وقد صرح بحله البغوى والجرجانى والرويانى وعلله بأنه يأكل الزرع واعتمده الاسنوى، والبلقينى.
والأصح تحريم ببغاء ويحرم طاووس ووجه تحريمه وتحريم ما قبله خبثهما، ومن قال بالحل يمنع أنهما خبيثان ويحرم أيضا ملاعب ظلة، والضبوع لاستخباثها
(2)
.
ولا يحل ما نهى عن قتله وهو أمور منها خطاف - وهو المعروف عند الناس بعصفور الجنة - وخفاش ويقال له الوطواط وقد قطع الشيخان بتحريمه مع جزمهما فى محرمات الاحرام بوجوب قيمته اذا قتله المحرم أو قتل فى الحرم مع تصريحهما بأن ما لا يؤكل لا يجب ضمانه، والمعتمد ما هنا وظاهر كلامهما أن الخطاف والخفاش متغايران، واعترضا بأن الخفاش والخطاف واحد وهو الوطواط كما قاله أهل اللغة، وأجيب بأن كلامهما ليس باعتبار اللغة بل باعتبار العرف ففى تهذيب الأسماء واللغات أن الخطاف عرفا هو طائر أسود الظهر أبيض البطن يأوى البيوت فى الربيع.
وأما الوطواط وهو الخفاش فهو طائر صغير لا ريش له يشبه الفأرة يطير بين المغرب والعشاء ولهذا أفردهما الفقهاء بالذكر، ومن الطيور المحرمة كذلك الهدهد والصرد
(3)
.
(1)
النهاس بسين مهملة طائر صغير ينهس اللحم بطرف منقاره وأصل النهس أكل اللحم بطرق الأسنان وأما النهش بالمعجمة فهو الأكل جميعها.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للرملى ج 4 ص 276، ص 277 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للرملى ج 4 ص 278 نفس الطبعة المتقدمة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير: أنه يحرم أكل ما له مخلب من الطير يصيد به كعقاب وباز وصقر وشاهين وحدأة وبومة، لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال نهى رسول صلى الله عليه وسلم عن كل ذى مخلب من الطير رواه أبو داود وعن خالد بن الوليد رضى الله تعالى عنه مرفوعا نحوه وما يأكل الجيف كنسر ورخم ولقلق وغراب البين والأبقع لقول النبى صلى الله عليه وسلم: خمس فواسق يقتلن فى الحل والحرم: الغراب والحدأة والفأرة والعقرب والكلب العقور، فهذه الخمس محرمة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم أباح قتلها فى الحرم ولا يجوز قتل صيد مأكول فى الحرم ولأن ما يؤكل لا يحل قتله اذا قدر عليه وانما يذبح ويؤكل.
وسئل أحمد عن العقعق فقال:
ان لم يكن يأكل الجيف فلا بأس به قال بعض أصحابنا هو يأكل الجيف فيكون على هذا محرما
(1)
.
وما تستخبثه العرب ذوو اليسار من أهل القرى والأمصار من أهل الحجاز لأنهم هم الذين نزل عليهم الكتاب وخوطبوا به وبالسنة فرجع فى مطلق ألفاظها الى عرفهم دون غيرهم ولا عبرة بأهل البوادى من الأعراب الجفاة لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون كل ما وجدوه، ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون فقال:
مادب ودرج الا أم حبين فقال: أيهن أم حبين العاقبة تأمن أن تطلب فتؤكل وأم حبين الخنافس الكبار.
والذى تستخبثه العرب ذوو اليسار كالقنفذ والدلدل وهو عظيم القنافذ قدر السخلة ويسمى الفيص على ظهره شوك طويل نحو ذراع وخفاش وخشاف وهو الوطواط وهدهد وصرد - كعمر - نوع من الغربان وهو طائر أبقع أبيض البطن أخضر الظهر ضخم الرأس والمنقار يصيد العصافير وصغار الطير وغداف - كغراب - ويقال: هو غراب الغيط، وخطاف، وأخيل وسنوفر وهو نوع من الخطاف وغير ذلك مما أمر الشرع بقتله أو نهى عنه وما لا تعرفه العرب من أمصار الحجاز وقراها ولا ذكر فى الشرع يرد الى أقرب الأشياء شبها به بالحجاز، فان لم يشبه شيئا من المحرمات فمباح لدخوله فى عموم قول الله تعالى:«قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ» الآية
(2)
(1)
المغنى والشرح الكبير لابن قدامه المقدسى ج 11 ص 68 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع وهامشه ج 4 ص 113، ص 114 الطبعة السابقة.
ولو اشتبه مباح ومحرم حرما تغليبا لجانب الحظر وكذا لو اشتبه ما لا تعرفه العرب ولا ذكر فى الشرع مباحا ومحرما فانه يحرم. ويباح أكل نعامة لقضاء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم فيها بالفدية، ودجاج لقول أبى موسى رضى الله تعالى عنه رأيت النبى صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج وديوك وطاووس وببغاء وعندليب وسائر الوحش من الصيود، وغراب الزرع - وهو أحمر المنقار والرجل يأكل الزرع - والزاغ لأن مرعاهما الزرع والحبوب، وحجل وزرزور
(1)
، وصعوة
(2)
- وهو صغار العصافير وحمام وسائر أنواعه من الفواخت والجوازل والرقاطى والدياسى، وسمانى وسلوى - وقيل هما شئ واحد - وعصافير وقنابر وقطا وحبارى لقول سفينة: أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حبارى رواه أبو داود، وكركى وكروان وبط وأوز وما أشبهه مما يلتقط الحب أو يفدى فى الاحرام لأن ذلك مستطاب فيحل لانه من الطيبات فيدخل فى عموم قول الله تعالى:«وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ» وغرانيق وهو من طير الماء طويل العنق وطير الماء كله واشباه ذلك مباح لما سبق
(3)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل أكل شئ من ذوات المخالب من الطير - وهى التى تصيد الصيد بمخالبها ولا الحداء ولا الغراب لما روينا من طريق مسلم عن ابن عمر قال حدثتنى احدى نسوة النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان صلى الله عليه وسلم يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحديا
(4)
والغراب والحية قال: وفى الصلاة أيضا.
وأما ذوات المخالب فلما روينا من طريق مسلم عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كل ذى ناب من السباع وعن كل ذى مخلب من الطير ولا يسمى ذا المخلب عند العرب الا الصائد بمخلبه وحده.
وأما الديك والعصافير والزرزور والحمام وما لم يصد فلا يسمى شئ منها ذا مخلب فى اللغة
(5)
. ولا يحل أكل الهدهد ولا الصرد ولا الضفدع لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتلها
(6)
.
ويحل أكل النسور والرخم والبلزج والورل والطير كله وكل ما أمكن أن
(1)
زرزور وهو يضم الزاى طائر من نوع العصفور سمى بذلك لزرزرته أى تصويته.
(2)
صعوة: بفتح الصاد وسكون العين المهملين صغار العصافير المجرة الرأس.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع وهامشه ج 4 ص 113، 114 نفس الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 473 وص 474، ص 475 مسئلة رقم 994 الطبعة السابقه.
(5)
الحديا بضم الحاء وتشديد الياء وتصغير الحدأة على وزن عتبة وهى طائر من الجوارح.
(6)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 481 مسئلة رقم 998 نفس الطبعة السابقة.
يذكى مما لم يفصل تحريمه وكذلك الخفاش والوطواط والخطاف فقد روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه نهى المحرم عن قتل الرخمة وجعل فيها الجزاء
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أن من المحرمات كل ذى مخلب من الطير كالنسر والصقر والشاهين، واختلف فى المخلب فقيل هو المنقار، وقيل هو الظفر وقيل:
هما متلازمان وهى التى تفترس بها
(2)
.
وجاء فى الروض النضير أن بعضهم قال: لا يسمى ذا مخلب عند العرب الا الصائد بمخلبه وأما الديك والعصافير والزرزور والحمام وما لم يصد بمخالبه فلا يسمى شئ منها ذا مخلب عند أئمة اللغة
(3)
.
وعموم كلام القاسم أنه يجوز أكل غراب الزرع وذكر الفقيه يوسف بن أحمد بن عثمان أن الغربان أربعة الغداف والأبقع والمحى وغرابنا هذا.
وظاهر قول الآخرين أنه لا يجوز أكل الغراب.
فأما المحى - بكسر الميم - فلا اشكال فى جوازه.
وأما الغداف وهو الغراب الأسود الكبير وقيل انه غراب أسود لا يوجد الا فى الشام - والغراب الأبقع فانهما محرمان لأنهما لا يلتقطان الحب ويؤذيان البعير والمعنى بكونه يؤذى البعير علة فى انه يجوز قتله على غير صفة الذبح المبيح للأكل فلو كان يجوز أكل لحمه لما جاز أن يقتل على غير صفة الذبح وكان قتله كسائر ما يؤكل فعرفت صحة الاحتجاج.
ويجوز أكل النعامة لانها ليست من ذوات المخالب ويجوز أكل العصافير والدراج
(4)
اذ هى من طيبات الرزق
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه يحرم من الطير ما له مخلاب كالبازى والعقاب والصقر والشاهين والنسر والرخم والبغاث
(1)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 482 مسئلة رقم 999 نفس الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 4 ص 94، ص 95 الطبعة السابقة.
(3)
الروض النضير ج 3 ص 200، ص 201 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
الدراج: بتشديد الدال وضمها طائر يشبه الحيقطان وهو من طير العراق، أرقط وفى التهذيب: أنقط قال ابن دريد: أحسبه مولدا. قال الجوهرى: الدراج والدراجة ضرب من الطير للذكر والأنثى حتى تقول الحيقطان فيختص بالذكر وجاء فى التهذيب وأما الدرجة فان بن السكيت قال: هو طائر اسود باطن الجناحين وظاهرهما اعتبر وهو على خلقة القطا لأنها ألطف (لسان العرب مادة درج).
(5)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 94، ص 95 نفس الطبعة السابقة.
والغراب الكبير الأسود الذى يسكن الجبال والخربان ويأكل الجيف، والأبقع - أى المشتمل على البياض والسواد مثل الأبلق فى الحيوان والمشهور انه صنف واحد وهو المعروف بالعقعق وفى المهذب جعله صنفين أحدهما المشهور والآخر أكبر منه حجما وأصغر ذنبا ومستند التحريم فيهما صحيحة على بن جعفر عن أخيه عليهما السلام بتحريم الغراب مطلقا وما روى عن أبى يحيى الواسطى أنه سأل الرضا عن الغراب الأبقع فقال: لا يؤكل ومن أحل لك الأسود؟.
ويحرم من الطير ما كان صفيفه حال طيرانه أكثر من دفيفه
(1)
، دون ما انعكس أو تساوى الصفيف والدفيف فيه والمنصوص تحريما وتحليلا داخل فيه الا الخطاف فقد قيل بتحريمه مع أنه يدف فبذلك ضعف القول بتحريمه وكذا يحرم ما ليس له قانصة
(2)
ولا حوصلة
(3)
ولا صيصية
(4)
بكسر أوله وثالثة - والظاهر أن العلامات متلازمة فيكفى بظهور أحدها.
وفى صحيحة عبد الله بن سنان قال سأل أبى أبا عبد الله وانا أسمع:
ما تقول فى الحبارى؟ قال: ان كانت له قانصة فكل. قال وسألته عن طير الماء فقال مثل ذلك.
وفى رواية زرارة عن أبى جعفر قال:
كل ما دف ولا تأكل ما صف فلم يعتبر أحدهما الجميع وفى رواية سماعة عن الرضا: كل من طير البر ما كان له حوصلة ومن طير الماء ما كانت له قانصة كقانصة الحمام لا معدة كمعدة الانسان وكل ما صف فهو ذو مخلب وهو حرام وكل ما دف فهو حلال، والقانصة والحوصلة يمتحن بها من الطير ما لا يعرف طيرانه، وكل طير مجهول، وفى هذه الرواية أيضا دلالة على عدم اعتبار الجمع وعلى أن العلامة لغير المنصوص على تحريمه وتحليله والخشاف ويقال له الخفاش والوطواط والطاووس
(5)
ويكره كذلك الصرر والصوام
(6)
وفى الأخبار: النهى عن قتلهما فى جملة الستة، والشقراق
(7)
وعن أبى عبد الله تعليل كراهة بقتله الحيات قال:
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
الصفيف هو أن يطير مبسوط الجناحين من غير أن يحركهما والدفيف هو أن يحركهما حال طيرانه.
(2)
هى للطير بمنزلة المصارين لغيرها.
(3)
الحوصلة بتشديد اللام وتخفيفها هى ما يجمع فيها الحب وغيره من المأكول عند الحلق
(4)
بكسر أوله وثالثه مخففا هى الشوكة التى فى رجله موضع العقب، وأصلها شوكة الحائك التى يسوى بها السداة واللحمة.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد سعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 278، ص 279 نفس الطبعة المتقدمة.
(6)
هو طائر أغبر اللون طويل الرقبة. أكثر ما يبيت فى النخل.
(7)
الشقراق بتشديد الراء ويقال الشقراق بوزن قرطاس والشرقراق والشرقوق بزنة سفرجل طائر مرقط بخضرة وحمرة وبياض.
يوما يمشى فاذا بشقراق قد انقض فاستخرج من خفه حية
(1)
.
ويحل من الحيوان غراب الزرع المعروف بالزاغ فى المشهور وكذا الغداف وهو أصغر منه يميل الى الغبرة يسيرا ويعرف بالرمالى لذلك.
وانما نسب القول بحل الأول الى الشهرة لعدم دليل صريح يخصصه، بل الأخبار منها ما هو مطلق فى تحريم الغراب، بجميع أصنافه كصحيحة على ابن جعفر عن أخيه موسى أنه قال لا يحل شئ من الغربان زاغ وغيره وهو نص ومنها ما هو مطلق فى الاباحة كرواية زرارة عن أحدهما أنه قال:
كل الغراب ليس بحرام وانما الحرام ما حرم الله فى كتابه لكن ليس فى الباب حديث صحيح غير ما دل على التحريم فالقول به متعين. ولعل المخصص استند الى مفهوم حديث أبى يحيى لكنه ضعيف ويفهم من المصنف أنه يقطع بحل الغداف الأغبر لأنه أخره عن حكاية المشهور، ومستنده غير واضح مع الاتفاق على أنه من أقسام الغراب
(2)
.
ويحل الحمام كله كالقمارى
(3)
والدباسى
(4)
والورشان ويحل أيضا الحجل والدراج والقطا والدجاج والكروان والكركى والصعو والعصفور الأهلى.
ويعتبر فى طير الماء - وهو الذى يبيض ويفرخ فى الماء - ما يعتبر فى الطير البرى من الصفيف والدفيف والقانصة والحوصلة والصيصية
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح
(6)
النيل أن من الحيوان المكروه أكله ذوات المخالب كالعقاب والصقر والبازى من سباع الطير قال الأبهرى رحمه تعالى: ليس فى ذى مخلب نهى صحيح وقال غيره: لم يثبت حديث النهى عن أكل ذى المخلب من الطير فانه وان روى ميمون بن مهران عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم النهى عن أكل ذى ناب وذى مخلب لكنه سقط سعيد بن جبير فصار علة تحطه عن رتبة الصحيح ويرده أنه روى متصلا من طريق آخر، ومن سباع الطير النسر، وان لم يكن له مخلب
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 280 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 278 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
بفتح القاف الحمام الأزرق جمع قمرى بضم القاف منسوب الى طير قمر.
(4)
بضم الدال جمع دبسى بالضم منسوب الى طير دبس بالضم كذلك وقيل الى دبس بالكسر وهو الرطب.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 280، ص 281 نفس الطبعة السابقة.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف أطفيش ج 1 ص 254، ص 255 نفس الطبعة.
كالغراب قيل يحرم أكل الغراب الأبقع الفاسق وأما الأسود الكبير فهو حرام أيضا على الصحيح وغراب الزرع حلال على الأصح، وفى سنن ابن ماجة قيل لابن عمر رضى الله تعالى عنهما: أيؤكل الغراب قال: ومن يأكله بعد قول النبى صلى الله عليه وسلم: انه فاسق؟!
قال الرافعى رحمه الله تعالى: لا ملك ولا حد فى الفواسق الخمس فلا يجب ردها على صاحبها.
أما الرخمة فقيل نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل الرخمة رواه البيهقى عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم واسناده ليس بالقوى، وما نهى عن قتله كهدهد وصرد وخطاف مكروه عندنا.
وقيل مباح الأكل طاهر بلا كراهة.
وحجة القول بالكراهة أن قتله حرام فاذا ذبح لم يكن كسائر الحلال بلا كراهة، ولم يحرم لأن النهى عن قتله انما كان لأن له مزية وفضلا لا لأكل خبث أو نحوه مما يستقذر أو يحرم.
وحجة الاباحة أن النهى عن قتله غير الحكم بتنجيسه فليبق على أصله فى الاباحة وحجة التحريم تحريم قتله روى أبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية من التابعين عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن قتل الخطاطيف، وقال: لا تقتلوا هذه العوذ فانها تعوذ بكم من غيركم رواه البيهقى. وظاهره أن علة النهى التجاءها الينا وذلك حديث منقطع. وقال محمد بن حسن أنه حلال لحم الخطاف لانه يتقوت بالحلال غالبا.
قال أبو عاصم العبادى رحمه الله تعالى هذا محتمل على أصلنا واليه مال أكثر أصحابنا، وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النملة والنحلة والهدهد والصرد. قالوا والنهى عن القتل دليل الحرمة والعرب أيضا تتشائم بصوته وشخصه فكان من المستقذرات وقيل يؤكل
(1)
.
3 - حكم تناول الأطعمة غير الحيوانية
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار أنه يحرم أكل البنج وهو بالفتح نبات يسمى فى العربية شيكران يصدع ويخلط العقل - وفى القهستانى هو أحد نوعى شجر القنب، وهو حرام
(1)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 262 نفس الطبعة المتقدمة.
لأنه يزيل العقل وعليه الفتوى. ومثله ما يخل العقل من غير أن يزيله، والمراد بذلك كله القدر المسكر منه يدل عليه ما فى غاية البيان عن شرح شيخ الاسلام أن أكل قليل السقمونيا والبنج مباح للتداوى وما زاد على ذلك اذا كان يقتل أو يذهب العقل حرام. أى أنه يحرم تناول القدر المضر منها دون القليل النافع، لأن حرمتها ليست لعينها بل لضررها واذا اعتاد الانسان أكل شئ من الجامدات التى لا يحرم القليل النافع منها ويسكر الكثير منها حتى صار يأكل منها القدر المسكر ولا يسكره سواء أسكره فى ابتداء الأمر أولا. ففيه أقوال، قيل:
يحرم عليه استعماله نظرا الى أنه يسكر غيره، وقيل: يحرم نظرا الى أنه قد أسكره قبل اعتياده ويحرم أكل الحشيشة وهو ورق القنب، لأنه مفسد للعقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة، غير أن حرمة الحشيشة دون حرمة الخمر، فان أكل الشخص شيئا منها فلا حد عليه وان سكر من ذلك لأن الشرع أوجب الحد بالسكر من المشروب لا من المأكول واذا كان لا حد على من أكل الحشيشة فانه يعزر بما دون الحد.
ونقل عن الجامع وغيره أن من قال بحل الحشيشة فهو زنديق مبتدع، وقد أفتى مشايخ الحنفية بأنه حرام وأن باعته يؤدبون حتى قرروا أن من قال بأنه حلال فهو زنديق كما فى المبتغى، بل قال نجم الدين الزاهدى رحمه الله تعالى ان من استحله يكفر ويباح قتله.
قال ابن عابدين: رأينا فى الزواجر لابن حجر ما نصه: وحكى القرافى وابن تيمية الاجماع على تحريم الحشيشة قال:
ومن استحلها فقد كفر. وكذلك يحرم.
والأفيون وهو عصارة الخشخاش - لأنه يكرب ويسقط الشهوتين ويتلف الأغشية ويحرقها لأنه مفسد للعقل حتى يصير للرجل فيه خلاعة وفساد، لكن حرمته كذلك دون حرمة الخمر، فان أكل شيئا من ذلك فلا حد عليه وان سكر منه، بل يعزر بما دون الحد كذا فى الجوهرة وكذا تحرم جوزة الطيب لكن دون حرمة الحشيشة ومثل جوزة الطيب العنبر والزعفران، ومثله زهر القطن فانه قوى التفريح يبلغ الاسكار.
قال صاحب الدر المختار: وفى الأشباه فى قاعدة الأصل الاباحة أو التوقف ويظهر أثره فيما أشكل حاله كالحيوان المشكل أمره والنبات المجهول سمته قلت: فيفهم منه حكم النبات الذى شاع فى زماننا المسمى بالتتن وهو الاباحة على المختار أو التوقف.
وقد كرهه شيخنا العمادى رحمه الله تعالى فى هديته الحاقا له بالثوم والبصل.
قال ابن عابدين: ظاهر كلام العمادى أنه مكروه تحريما ويفسق متعاطيه ويؤخذ من ذلك أنه يكره أكل الثوم والبصل كراهة تحريم فى المسجد للنهى الوارد فى الثوم والبصل والظاهر كراهة تعاطيه حال القراءة لما فيه من الاخلال بتعظيم كتاب الله تعالى
(1)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية أنه اذا عجن الدقيق بالخمر وخبزه لا يؤكل ولو أكل لا يحد وكذلك لو وقعت الحنطة فى الخمر لا تؤكل قبل الغسل فان غسلت وطحنت أو لم تطحن ولم توجد رائحة الخمر ولا طعمها فلا بأس بأكله قيل هذا اذا لم تنتفخ الحنطة أما اذا انتفخت فعلى قول محمد رحمه الله تعالى لا تطهر أبدا، وعلى قول أبى يوسف رحمه الله تعالى تغسل ثلاث مرات وتجفف فى كل مرة وتؤكل
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى أن من المباح أكله من الأطعمة غير الحيوانية العقيد وهو العصير الذى هو ماء العنب اذا غلى على النار حتى انعقد وذهب منه الاسكار ويسمى بالرب الصامت
(3)
.
وفى حكم الطين قولان، قيل: يمنع أكله وبه قال ابن الماجشون لأنه يضر بالبدن.
وقيل لا يمنع أكله بل يكره وبه.
قال ابن المواز وذكر ابن عرفة ان المشهور هو القول بمنع أكل التراب.
وذكر العدوى فى حاشيته على شرح الخرشى أن هناك قولا باباحة أكل الطين ويستثنى من كراهة الطين أو حرمته المرأة الحامل اذا تاقت له وخافت على جنينها فيرخص لها قطعا كما قال ابن الغلاب فى أكله
(4)
.
وجاء فى التاج والاكليل أن للمتأخرين فى الحشيشة قولين هل هى من المسكرات أو من المفسدات مع اتفاقهم على المنع من أكلها.
فاختار القرافى انها من المخدرات قال لأنى لم أرهم يميلون الى القتال والنصرة بل عليهم الذلة والمسكنة وربما عرض لهم البكاء.
وكان شيخنا الشهير بعبد الله المنوفى رحمه الله تعالى يختار أنها من المسكرات لأنا رأينا من يتعاطاها يبيع أمواله لأجلها ولولا أن لهم فيها طربا لما
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 5 ص 303 وما بعدها الى ص 306 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الاميرية سنة 1326 هـ.
(2)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 411 نفس الطبعة السابقة.
(3)
من كتاب شرح الخرشى ج 3 ص 28 نفس الطبعة السابقة.
(4)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 3 ص 32 الطبعة المتقدمة.
فعلوا ذلك، يبين ذلك أننا لا نجد أحدا يبيع داره ليأكل بها سيكرانا وهو واضح.
ولفظ القرافى فى الحشيشة أنها مفسدة وذكر القرافى أن الأفيون من المفسدات
قال الحطاب: فعلى هذا يجوز لمن ابتلى بأكل الأفيون وصار يخاف على نفسه الموت من تركه أن يستعمل منه القدر الذى لا يؤثر فى عقله وحواسه ويسعى فى تقليل ذلك وقطعه جهده ويجب عليه أن يتوب ويندم على ما مضى.
قال ابن فرحون: وأما العقاقير الهندية فان أكلت لما تؤكل الحشيشه امتنع أكلها وان أكلت للهضم وغيره من المنافع لم تحرم ولا يحرم منها الا ما أفسد العقل.
مذهب الشافعية:
جاء فى فى حاشيتى قليوبى وعميرة على شرح جلال الدين المحلى أن من الأطعمة غير الحيوانية الثوم والكراث والبصل والفجل وأكلها مكروه فى حق النبى صلى الله عليه وسلم على الراجح وكذا فى حقنا ولو فى غير المسجد ويكره دخول المسجد لمن أكلها، سواء كانت نيئة أو مطبوخة أو مشوية، وذلك اذا ظهر منها ريح لأن الكراهة متعلقة بالريحة التى تظهر منها
(1)
.
وجاء فى مغنى المحتاج أن الشيخين نقلا فى باب الأطعمة عن الرويانى أن أكل الحشيشة حرام ولا حد فيها.
وقال الغزالى رحمه الله تعالى فى القواعد يجب على أكلها التعزير الزاجر دون الحد، ولا تبطل الصلاة بحملها
(2)
وقال ابن حجر الهيثمى رحمه الله تعالى: الحشيشة مسكرة على معنى أنها تغطى العقل لا مع الشدة المطربة لأن ذلك من خصوصيات المسكر المائع.
وهذا لا ينافى أنها مخدرة، ومن ذلك فان استعمالها كبيرة وفسق كالخمر فكل ما جاء فى وعيد شارب الخمر يأتى فى متعاطى الحشيشة لاشتراكهما فى ازالة العقل المقصود للشارع بقاؤه لأنه الآلة للفهم عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأن به يتميز الانسان عن الحيوان، فكان فى تعاطى ما يزيله وعيد الخمر والأصل فى ذلك ما رواه أحمد رحمه الله تعالى فى مسنده وأبو داود فى سننه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر قال العلماء: المفتر كل ما يورث الفتور والخدر فى الأطراف. والحشيشة ونحوها تسكر وتفتر وتخدر.
وحكى بعض العلماء الاجماع على
(1)
حاشيتى قليوبى وعميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين ج 1 ص 227 طبع مطبعة محمد على صبيح بمصر.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج ج 4 ص 173 نفس الطبعة السابقة.
تحريم الحشيشة قال: ومن استحلها فقد كفر
(1)
.
وفى بعض شروح الحاوى الصغير أن الحشيشة نجسة وفى بعض الكتب أن الحد واجب فى الحشيشة كالخمر، ولكن لما كانت جمادا وليست شرابا مائعا تنازع الفقهاء فى نجاستها على أقوال ثلاثه أصحها أنها نجسة
(2)
.
ونقل الامام أبو بكر ابن القطب العسقلانى رحمه الله تعالى انها تصدع الرأس وتظلم البصر وتعقد البطن وتجفف المنى فيتعين على كل ذى عقل سليم وطبع مستقيم اجتنابها كغيرها من المسكرات لما تشتمل عليه من المضار التى هى مبدأ مداعى الهلاك.
ويحرم كذلك أن تطعم الحشيشة الحيوان لان اسكار الحيوان حرام أيضا. والأفيون كذلك مسكر بمعنى أنه يغطى العقل لا مع الشدة المطربة فهو مخدر واذا ثبت أنه مسكر أو مخدر فاستعماله كبيرة وفسق كالخمر
(3)
.
وجاء فى مغنى المحتاج أن كل ما يزيل العقل من غير الأشربة من نحو بنج لا حد فيه كالحشيشة فانه لا يلذ ولا يطرب ولا يدعو قليله الى كثيره بل فيه التعزير، ولا يحد بخبز عجن دقيقه بها على الصحيح لأن عين الخمر أكلتها النار وبقى الخبز نجسا
(4)
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أنه يباح كل طعام طاهر لا مضرة فيه من الحبوب والثمار وغيرها كالنباتات غير المضرة حتى المسك والفاكهة المسوسة والمدودة ويباح أكل الفاكهة بدودها فيؤكل تبعا لها لا استقلالا، ويباح أكل باقلا بذبابه، وأكل خيار وقثاء وحبوب وخل بما فيه من نحو دود تبعا لها ولا يباح أكل النجاسات ولا أكل الحشيشة المسكرة لعموم قول النبى صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام
(5)
وذكر ابن تيمية فى فتاويه أن هذه الحشيشة الصلبة حرام سواء سكر منها أو لم يسكر، والسكر منها حرام باتفاق المسلمين وكل ما يغيب العقل فانه حرام وان لم يحصل به نشوة ولا طرب. والحشيشة تجامع الشراب المسكر فى النشوة والطرب ولكن الخمر توجب الحركة والخصومة، وهذه توجب الفتور والذلة، وفيها مع ذلك
(1)
الزواجر لابن حجر الهيثمى ج 1 ص 212 طبعة 1390 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 214.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 214، ص 215.
(4)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج ج 4 ص 174 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 112 الطبعة السابقة.
من فساد العقل والمزاج وفتح باب الشهوة وما توجبه من الدياثة ما يجعلها من شر المسكرات ومن استحل الحشيشة فهو كافر يستتاب فان تاب والا قتل كافرا مرتدا
(1)
ولا يباح كل ما فيه مضرة من السموم وغيرها لقول الله تبارك وتعالى: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 2}.
وفى الواضح المشهور أن السم نجس وفيه احتمال لأكله صلى الله عليه وسلم من الذراع المسمومة. وفى التبصرة: ما يضر كثيره يحل يسيره فيباح يسير السقمونيا والزعفران ونحوهما اذا كان لا مضرة فيه لانتفاء علة التحريم
(3)
.
وما سقى بنجس أو سمد بنجس من زرع وثمر يحرم وينجس بذلك لما روى ابن عباس رضى الله عنهما قال:
كنا نكرى أراضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يد ملوها بعذرة الناس
(4)
. ولولا أن ما فيها يحرم بذلك لم يكن فى اشتراط ذلك فائدة ولأنه تتربى بالنجاسة أجزاؤه والاستحالة لا تظهر عندنا فان سقى الثمر أو الزرع النجس أو سمد به بطاهر يستهلك به عين النجاسة به طهر وحل، لأن الماء الطهور يطهر النجاسات وكالجلالة اذا حبست وأطعمت الطاهرات وان لم يسق بطاهر يستهلك عين النجاسة فلا يحل لما تقدم.
ويكره أكل تراب وفحم وطين لضرره فان كان من الطين ما يتداوى به كالطين الأرمنى لم يكره لأنه لا ضرر فيه، وكذا يسير تراب وطين بحيث لا يضر فلا يكره لانتفاء علة الكراهة.
ويكره أكل بصل وثوم ونحوهما كالكراث ما لم ينضح بطبخ قال أحمد رحمه الله تعالى: لا يعجبنى وصرح بأنه كرهه لمكان الصلاة فى وقت الصلاة.
ويكره أكل كل ذى رائحة كريهة ولو لم يرد دخول المسجد فان أكل البصل أو الثوم أو نحوه قبل انضاجه بالطبخ كره له دخول المسجد ما لم يذهب ريحه لحديث من أكل من هذه الشجرة الخبيثة فلا يقربن مصلانا، ويكره له أيضا حضور جماعة ولو بغير مسجد.
ويكره أيضا أكل حب من نحو برديس بحمر أهلية وبغال نص عليه وقال:
لا ينبغى أن يدوسوه بها وقال حرب رحمه الله تعالى: أكرهه كراهة شديدة، وينبغى أن يغسل، نقل أبو طالب رحمه
(1)
فتاوى ابن تيمية ج 4 ص 262، 263.
(2)
الآية رقم 195 من سورة البقرة.
(3)
كشاف القناع ج 4 ص 112.
(4)
دمل الأرض دملا ودملانا أصلحها أو سرقفها فتدملت صلحت به انظر القاموس المحيط ماده دمل.
الله تعالى أنه لا يباع ولا يشترى ولا يؤكل حتى يغسل ويكره الخبز الكبار قال الامام: ليس فيه بركة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل أكل العذرة ولا الرجيع ولا شئ من أبوال الخيول ولا القئ أما العذرة فلما روى من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى النهى عن الصلاة وهو يدافغ الأخبثين البول والغائط، ولقول الله عز وجل، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فكل خبيث فهو محرم بالنص ولا خبيث الا ما سماه الله تعالى ورسوله خبيثا، وأما القئ فلما روينا من طريق البخارى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العائد فى هبته كالعائد فى قيئه» والقئ هو ما تغير فان خرج الطعام ولم يتغير فليس قيئا، فليس حراما
(2)
.
وكل خبز أو طعام أو غير ذلك طبخ أو شوى بعذرة أو بميتة فهو حلال كله: لأنه ليس ميتة ولا عذرة والعذرة والميتة حرام وما أحل فهو حلال فاذا لم يظهر فى شئ منه عين العذرة أو الميتة فهو حلال وكذلك لو وقع طعام فى خمر أو فى عذرة فغسل حتى لا يكون للحرام فيه عين فهو حلال اذ لم يوجب تحريم شئ من ذلك قرآن ولا سنة
(3)
.
ولا يحل أكل السم القاتل
(4)
ببط ء أو تعجيل ولا ما يؤذى من الأطعمة ولا الاكثار من طعام يمرض الاكثار منه لقول الله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ»
(5)
ولا يحل أكل ما عجن بالخمر أو بما لا يحل أكله أو شربه الا أن يكون ما عجن به الدقيق وطبخ به الطعام شيئا حلالا، وكان ما رمى فيه من الحرام قليلا لا ريح له فيه ولا طعم ولا لون، ولا يظهر للحرام فى ذلك أثر أصلا فهو حلال حينئذ، وقد عصى الله تعالى من رمى فيه شيئا منه لأن الحرام اذا بطلت صفاته التى بها سمى بذلك الاسم الذى نص به على تحريمه فقد بطل ذلك الاسم عنه واذا بطل ذلك الاسم سقط التحريم
(6)
.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 115، ص 116 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 398 وص 399 مسئلة رقم 993 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 418 مسئلة رقم 1011 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 7 ص 418 مسئلة رقم 1013 الطبعة السابقة.
(5)
الآية رقم 151 من سورة الأنعام 4
(6)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 422 مسألة رقم 1017 نفس الطبعة السابقة.
ولا يحل أكل جبن عقد بأنفحة ميتة لأن أثرها ظاهر فيه وهو عقدها له، وهكذا حكم كل ما مزج بحرام
(1)
.
ولا يحل أكل السيكران لتحريم النبى صلى الله عليه وسلم كل مسكر، والسيكران مسكر، فان موه قوم باللبن والزوان فليس كما ظنوا، لأن اللبن والزوان مخدران مبطلان للحركة ولا يسكران والسيكران والخمر مسكران لا يخدران ولا يبطلان الحركة
(2)
.
وأكل الطين لمن لا يستضر به حلال.
وأما أكل ما يستضر به من طين أو اكثار من الماء أو الخبز فحرام لأنه ليس مما فصل تحريمه لنا فهو حلال.
وأما كل ما أضر فهو حرام لقول النبى صلى الله عليه وسلم ان الله كتب الاحسان على كل شئ
(3)
والخل المستحيل عن الخمر حلال سواء تعمد تخليلها أو لم يتعمد لأن الخمر مفصل تحريمها.
والخل حلال لم يحرم لما روينا من طريق مسلم عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم الادام الخل» فاذا الخل حلال فهو بيقين غير الخمر المحرمة فاذا سقطت عن تلك العين صفات الخمر المحرمة وحلت فيها صفات الخل الحلال فليست خمرا محرمة بل هى خل حلال
(4)
.
والسمن الذائب يقع فيه الفأر مات فيه أو لم يمت فهو حرام لا يحل امساكه أصلا، بل يهراق فان كان جامدا أخذ ما حول الفأر فرمى وكان الباقى حلالا كما كان وأما كل ما عدا السمن يقع فيه الفأر أو غير الفأر فيموت أو لا يموت فهو كله حلال كما كان ما لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه فان ظهر فيه الحرام فهو حرام وكذلك السمن يقع فيه غير الفأر فيموت أو لا يموت فهو حلال كله ما لم يظهر فيه تغيير الحرام له
(5)
.
والثوم والبصل والكراث حلال الا أن من أكل منها شيئا فحرام عليه أن يدخل المسجد حتى تذهب الرائحة وله أن يجلس فى الأسواق والجماعات والأعراس
(1)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 422 مسألة رقم 1018 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 426 مسألة رقم 1024 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 430 مسألة رقم 1030 نفس الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 433 مسألة رقم 1033 نفس الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 434 مسألة رقم 1034 نفس الطبعة السابقة.
وحيث شاء الا المساجد لما روى عن جابر بن عبد الله رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من أكل من هذه الشجرة - قال أول يوم الثوم ثم قال: الثوم والبصل والكراث - فلا يقربنا فى مساجدنا فان الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الانس
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار، وحاشيته أنه يحرم أكل ما يضر من الأشياء الطاهرة مثل السموم وما كثر من التراب وغير ذلك مما فيه ضرر على الآكل وقد يحرم على شخص دون شخص نحو أن يكون فى شخص علة وكان أكل البقول أو نحوها يضره فانها تحرم عليه
(2)
. قال القاسم عليه السلام:
ويكره أكل الثوم ونحوه كالبصل والكراث لمن أراد حضور مساجد الجماعات وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم «من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا وليعتزل مساجدنا وليقعدن فى بيته» ولا يكره اذا لم يرد حضورها وقيل الكراهة للحظر فلا تجوز صلاته فى مسجد ولا مع جماعة يتأذون بذلك.
وقيل عن الفقيه محمد بن سليمان ابن أبى الرجال أن الكراهة للتنزيه.
وقال بعض العلماء أكل الثوم لعذر جاز له دخول المسجد.
والمذهب خلافه فلا يجوز مع قصد الأذية دخول المسجد اذا علم أو ظن أنه يتأذى برائحته.
قال مولانا عليه السلام: وظاهر الآثار أن النهى انما هو لأجل التأذى به ممن لم يأكله.
فعلى هذا لو أكل أهل المسجد كلهم ولم يظنوا أنه يبقى من ريحه ما يتأذى به من دخل من بعد لم يكره وكذا من كان فى المسجد وحده لا يقال:
ان الملائكة تتأذى لانا نقول: لو اعتبر ذلك لكره أكلها فى المسجد وغير المسجد اذ لا ينفك المكلف من الملائكة
(3)
.
وجاء فى شرح الأزهار وهامشه أنه يحرم تناول الحشيشة والأفيون والجوزة، ويحد من تناول شيئا من ذلك حيث أسكر، والمختار أنه لا يحد بل يعزر فقط
(4)
.
(1)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 437 مسألة رقم 1041 نفس الطبعة السابقة وج 4 ص 202، ص 203 مسألة رقم 486 نفس الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وحواشى شرح الأزهار ج 4 ص 99 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 99، ص 100 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لابن الحسن عبد الله بن مفتاح وهامشه ج 4 ص 362 الطبعة المتقدمة.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه يحرم أكل الأعيان النجسة كالعذرات النجسة وكذا كل طعام مزج بالخمر أو النبيذ أو المسكر أو الفقاع وان قل، ويحرم الطين فلا يحل شئ منه والسموم القاتل قليلها وكثيرها
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى جوهر النظام أنه يحرم تناول كل ما يضر الجسم مثل السم والسم أصل أمهات الضرر - فكل ما يضر يحرم مثله ولذلك اختلفوا فى حكم تناول الزئبق، فمنهم من يقول هو حلال لأنه نافع لمرض، ومنهم من يقول هو حرام لأنه من السموم.
ولا بأس فى تناول الخل لأنه يراد لغير السكر، ولذلك فاذا عرته فورة أمهل الى أن تسكن تلك الفورة ثم يؤكل بعد ذلك، وان انقلب الخل الى مسكر عولج الاسكار حتى يذهب عنه ثم يحل ما بقى خاليا عن الاسكار وكذلك يحرم البنج والأفيون والتتن، ويستهجن من يتعاطاها لأنها معروفة بالسكر - وهو زوال الفكر وطروء التغير على العقل - ولا حجة لمن يقول بأن التتن حلال، فحتى لو سلمنا بأنه لا يسكر فهو محرم لضرره، فقد ثبت أنه يصيب الجسم بمائة وعشرين علة منها اصفرار اللون، ونتن الفم، واسوداد الأضراس والاصابة بمرض السل، وخرق الكبد، وتفتير الشهوة. الى غير ذلك من العلل.
ويحرم أيضا أكل التراب وأكل الحجر لما فى ذلك من الضرر، وكذلك يحرم أكل النورة - وهى حجر زاده التحريق.
وفى قهوة البن التى تستعمل خلاف العلماء، فقيل: انها حرام لما ورد فى ذلك من الآثار المروية عن السادة الأخيار.
وقيل: هى حلال وهو أوجه
(2)
.
4 - حكم تناول أجزاء الحيوان المأكول
وما انفصل منه
يختلف حكم تناول أجزاء الحيوان المأكول وما انفصل منه تبعا لحال الحيوان والكيفية التى أبين بها العضو وذلك لأن جزء الحيوان اما أن يكون عضوا أبين من حيوان غير مذكى أو أن يكون جزءا من حيوان مذكى أو أن يكون شيئا انفصل منه. ثم ان الأول وهو العضو الذى أبين من حيوان
(1)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 145، ص 146 الطبعة السابقة.
(2)
جوهر النظام فى علمى الأديان والأحكام لابن حميد السالمى طبع المطبعة العربية فى مصر سنة 1344 هـ.
غير مذكى - اما أن يكون عضوا أبين من حيوان حى أو أن يكون عضوا أبين من حيوان ميت أو أن يكون أبين من الحيوان المذكى فى أثناء التذكية قبل تمامه، أو أن يكون عضوا أبين من الحيوان المذكى بعد تمام التذكية ولكن قبل أن تزهق الروح أو أن يكون عضوا أبين بآلة الصيد من الحيوان المصيد. ولكل من ذلك حكمه من الحل والحرمة.
أولا: حكم العضو المبان من الحيوان قبل
أن تتم تذكيته
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه اذا قطع من الية الشاة قطعة أو من فخذها أنه لا يحل المبان وان ذبحت الشاة بعد ذلك لأن حكم الذكاة لم يثبت فى الجزء المبان وقت الابانة لانعدام ذكاة الشاة لكونها حية وقت الابانة وحال فوات الحياة كان الجزء منفصلا وحكم الذكاة لا يظهر فى الجزء المنفصل.
وروى أن أهل الجاهلية كانوا يقطعون قطعة من الية الشاة ومن سنام البعير فيأكلونها فلما بعث النبى المكرم صلى الله عليه وسلم نهاهم عن ذلك فقال صلى الله عليه وسلم: ما أبين من الحى فهو ميت، والجزء المقطوع مبان من حى وبائن منه فيكون ميتا، وكذلك اذا قطع ذلك من صيد لم يؤكل المقطوع وان مات الصيد بعد ذلك.
وان قطع فتعلق العضو بجلدة لا يؤكل لأن ذلك القدر من التعلق لا يعتبر فكان وجوده والعدم بمنزلة واحدة وان كان متعلقا باللحم يؤكل الكل، لأن العضو المتعلق باللحم من جملة الحيوان وذكاة الحيوان تكون لما اتصل به ولو ضرب صيدا بسيف فقطعه نصفين جاز أن يؤكل النصفان عندنا جميعا وهو قول ابراهيم النخعى رحمه الله تعالى لأنه وجد قطع الأوداج بكونها متصلة من القلب بالدماغ فأشبه الذبح فيؤكل الكل وان قطع أقل من النصف فمات فان كان مما يلى العجز لا يؤكل المبان عندنا لقول النبى صلى الله عليه وسلم ما أبين من الحى فهو ميت والمقطوع مبان من الحى فيكون ميتا وأما ان كان الجزء المقطوع مما يلى الرأس فان الكل يجوز أن يؤكل لوجود قطع الأوداج فكان الفعل حال وجوده ذكاة حقيقية فيحل به الكل
(1)
.
وجاء فى المبسوط أنه اذا رمى المسلم صيدا بسيف فأبان منه عضوا ومات أكل الصيد كله الا ما بان عنه لقول النبى صلى الله عليه وسلم ما أبين من
(1)
من كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 44، ص 45 طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
الحى فهو ميت. ومراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرم ما كانوا يعتادونه فى الجاهلية فانهم كانوا يقطعون بعض لحم الألية من الشاة وربما يقطعون بعض لحم العجز منها فيأكلونه فحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لأن فعل الذكاة لا يتحقق فى المبان مقصودا، وأصل الشاة حية وبدون الذكاة لا يثبت الحل وهذا المعنى موجود هنا، فحكم الذكاة استقر فى الصيد بعد ما مات، وهذا العضو مبان من صيد مات فلا يسرى حكم الذكاة الى ذلك العضو ولا يمكن اثبات حكم الذكاة فى ذلك العضو مقصودا بالابانة كما لو بقى الصيد حيا فلهذا لا يؤكل ذلك العضو وان لم يكن بان ذلك العضو منه أكل كله لأن بقاء الاتصال به يسرى حكم الذكاة الى ذلك العضو فيكون حلالا كغيره، وان كان تعلق منه بجلدة فان كان بمنزلة ما قد بان منه فلا يؤكل، ومراده من ذلك اذا كان بحيث لا يتوهم اتصاله بعلاج فهو والمبان سواء وان كان بحيث يتوهم ذلك فهذا جرح وليس بابانة فيؤكل كله وان قده نصفين فقد استقر فعل الذكاة بقطع الأوداج فلهذا يؤكل كله فان أبان طائفة من رأسه فان كان أقل من النصف لم يؤكل ما بان منه لأن الرأس ليس بمذبح فهو كما لو أبان جزءا من الذنب وان كان النصف أو أكثر أكل لأنه تنقطع الأوداج به فيكون فعله ذكاة بنفسه. ولو ضرب وسمى وقطع ظلفه فان أدماه فلا بأس بأكله وان لم يكن أدماه لم يؤكل لأن تسييل الدم النجس لم يحصل وعلى هذا لو ضرب عنق شاة بسيف فأبانه من قبل الأوداج فانه يؤكل وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أند الدم وأفرى الأوداج فكل
(1)
.
وجاء فى بدائع الصنائع أنه ان ضرب رأس صيد فأبانه نصفين طولا أو عرضا يؤكل كله فى قول أبى حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى وهو قول أبى يوسف - رحمه الله تعالى - الأول ثم رجع عنه وقال: لا يؤكل النصف البائن ويؤكل ما بقى من الصيد والأصل فيه أن الأوداج متصلة بالدماغ فتصير مقطوعة بقطع الرأس وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى على هذا ثم ظن أنها لا تكون الا فيما يلى البدن من الرأس وان كان المبان أكثر من النصف فكذلك يؤكل الكل لأنه اذا قطع العروق فلم يكن ذلك ذبحا بل كان جرحا وأنه لا يبيح المبان
(2)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية أنه لو ذبح رجل شاة وقطع الحلقوم والأوداج الا أن الحياة فيها باقية فقطع انسان
(1)
من كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 11 ص 253، ص 254 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1324 هـ طبع الساسى.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 45 الطبعة السابقة.
منهما قطعة يحل أكل المقطوع كذا فى الجوهرة النيرة.
ولو انتزع الذئب رأس الشاة وهى حية تحل بالذبح بين اللبة واللحيين ولو قطع الذئب من ألية الشاة قطعة لا يؤكل المبان وقد كان أهل الجاهلية يأكلونه فقال النبى صلى الله عليه وسلم ما أبين من الحى فهو ميتة، وفى الصيد ينظر الى الصيد ان كان يعيش بدون العضو المبان فالمبان لا يؤكل وان كان لا يعيش بدون العضو المبان كالرأس يؤكلان كذا فى الوجيز
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى المدونة الكبرى أنه لو ضربت فخذ الصيد أو رجله أو يده فتعلقت فمات. قال الامام مالك رحمه الله تعالى: ان كان أبانها أو كانت متعلقة بشئ من الجلد أو اللحم لا يجرى فيه دم ولا روح ولا تعود لهيئتها أبدا فلا يؤكل ما تعلق منها على هذه الصفة وليذكه وليأكله وليطرح ما تعلق منه الا أن يكون مما لو ترك لعاد لهيئته يوما ما فلا بأس فى أن يأكله. أما لو ضرب عنق الصيد فأبانه فله فى هذه الحالة أن يأكل الرأس وجميع الجسد فان ضرب خطم الحيوان فأبانه فليس له أن يأكله قياسا على ابانة اليد والرجل فانها لا تؤكل كذلك
(2)
.
وجاء فى شرح الخرشى أنه يكره لمن يذبح أن يتعمد ابانة رأس الحيوان المذبوح بعد قطع الحلقوم والودجين لأنه تعذيب وقطع قبل الموت ولكنها تؤكل ولو تعمد ذلك قبل الذبح عند ابن القاسم رحمه الله تعالى قال: لأنها تكون حينئذ كذبيحة ذكيت ثم عجل قطع رأسها قبل أن تموت.
وروى عن مالك رحمه الله تعالى أنها لا تؤكل لأنه كالعابث.
وتأول مطرف وابن الماجشون والتونسى عليه قوله فيها لمالك: من ذبح فترامت يده الى أن أبان الرأس أكلت ما لم يتعمد ذلك.
وتأوله ابن القاسم على الكراهة قال ابن يونس رحمه الله تعالى: وهو القياس والأول استحسان
(3)
.
(1)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية وبهامشه فتاوى قاضيخان للاوزجندى ج 5 ص 291 الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1310 هـ.
(2)
المدونة الكبرى للامام مالك بن أنس الأصبحى رواية الامام سحنون بن سعيد التنوخى عن الامام عبد الرحمن بن القاسم العنقى ج 3 ص 62 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ طبع محمد المغربى.
(3)
الخرشى شرح المحقق الفاضل المدقق سيدى عبد الله محمد الخرشى على مختصر الجليل للامام أبى الضيا سيدى خليل وبهامشه حاشية نادرة زمانه وأوانه العلامة الشيخ على العدوى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1317 هـ ج 3 ص 18.
ولو أن الكلب أو الباز قطع من الصيد دون نصف ولم يبلغ مقاتله ومات قبل أن تدرك ذكاته فان ذلك الدون لا يؤكل لأنه وصفه بأنه ميتة لأن القاعدة أن المنفصل من الحى كميتته ويؤكل ما عداه اتفاقا فلو أبان الجارح من الصيد دون نصفه الا أنه أنفذ مقاتله فانه يؤكل جميعه لأن الصيد لا يعيش مع ذلك أبدا، ولهذا لو أبان الكلب أو الباز رأس الصيد فانه يؤكل مع رأسه وكذلك اذا ضربه الجارح فقطعه نصفين
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه لو أبان من الصيد عضوا كيده بجرح مسرع للقتل فمات فى الحال حل العضو والبدن الباقى لأن محل ذكاة الصيد كل البدن أما ان أبان منه عضوا بغير جرح مسرع للقتل ثم ذبحه أو لم يذبحه بل جرحه جرحا آخر مسرعا للقتل ولم يثبته بالجرح الأول فمات فان العضو المبان يكون حراما لأنه أبين من حيوان حى ويكون الباقى حلالا لوجود الذكاة فى الصورة الأولى وقيام الجرح المسرع للقتل مقام الذكاة فى الصورة الثانية. فان كان الجرح الأول مثبتا بغير ذبحه فلا يجزى الجرح الثانى لأنه مقدور عليه فان لم يتمكن من ذبحه ومات بالجرح الأول حل الجميع - العضو المبان والبدن - لأن الجرح السابق كالذبح للجملة، فيتبعها العضو.
هذا ما جرى عليه هنا تبعا للمحرر، وقيل - وهو المصحح فى الشرحين والروضة والمجموع - يحرم العضو الذى أبين لأنه أبين من حى فأشبه ما لو قطع ألية شاة ثم ذبحها فان الألية لا تحل أما باقى البدن فانه يحل جزما
(2)
.
ولو رمى الصيد فقطعه نصفين مثلا حل النصفان سواء تساويا أو تفاوتا لحصول الجرح المذفف لكن ان كانت التى مع الرأس فى صورة التفاوت أقل حلا بلا خلاف فان ذلك يجرى مجرى الذكاة وان كان العكس
(3)
حلا أيضا.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أنه ان رمى صيدا أو ضرب صيدا فأبان بعضه ولو بنصب مناجل ونحوها كسكاكين فان قطعت قطعتين متساويتين أو متقاربتين أو قطع رأسه حل الجميع، فان أبان منه عضوا غير الرأس ولم يبق فيه حياة مستقرة وكانت البينونة والموت معا أو كان موته بعد أن أبان منه
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 19 الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج ج 4 ص 248 نفس الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 248 الطبعة السابقة.
العضو بزمن قليل أكل هو وما أبين منه.
قال الامام أحمد رحمه الله تعالى انما حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما قطعت من الحى ميتة» اذا قطعت وهى حية تمشى وتذهب أما اذا كانت البينونة والموت جميعا فى وقت واحد أو بعده بقليل اذا كان فى علاج الموت فلا بأس به ألا ترى الذى يذبح ربما مكث ساعة وربما مشى حتى يموت ولأن ما كان ذكاة لبعض الحيوان كان ذكاة لجميعه كما لو قد الصائد الصيد نصفين، والخبر يقتضى أن يكون الباقى حيا حتى يكون المنفصل منه ميتا وان كانت حياته مستقرة فالمبان منه حرام سواء بقى الحيوان حيا أو أدركه أحد فذكاه أو رماه الصائد بسهم آخر فقتله لقول النبى صلى الله عليه وسلم: ما أبين من حى فهو ميت وان بقى العضو متعلقا بجلدة حل العضو بحل الحيوان لأن العضو لم يبن تماما فلم ينفصل فهو كسائر أجزاء الحيوان.
وان أخذ قطعة من حوت وأفلت الحوت حيا أبيح ما أخذ منه لأن أقصى حاله أن يكون ميتة وميتة الحوت ونحوه طاهرة. وتحل الطريدة - وهى الصيد يقع بين القوم لا يقدرون على ذكاته فيقطع ذامنه بسيفه قطعة ويقطع الآخر أيضا قطعة حتى يؤثر على الصيد وهو حى. قال الحسن رحمه الله تعالى:
لا بأس بالطريدة كان المسلمون يفعلون ذلك فى مغازيهم وما زال الناس يفعلونه فى مغازيهم واستحسنه أبو عبد الله أحمد
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن ما قطع من البهيمة وهى حية أو قبل تمام تذكيتها فبان عنها فهو ميتة لا يحل أكله فان تمت الذكاة بعد قطع ذلك الشئ أكلت البهيمة ولم تؤكل تلك القطعة وهذا ما لا خلاف فيه لأنها زايلت البهيمة وهى حرام أكلها فلا تقع عليها ذكاة كانت بعد مفارقتها لما قطعت منها
(2)
. وما قطع من البهيمة بعد تمام التذكية وقبل ان تموت لم يحل أكله ما دامت البهيمة حية فاذا ماتت البهيمة حلت هى وحلت القطعة أيضا لقول الله تبارك وتعالى «فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها»
(3)
فلم يبح الله تعالى أكل شئ منها الا بعد وجوب الجنب - وهو الموت - فاذا ماتت فالذكاة واقعة على جميعها اذا ذكيت فالذى قطع منها مذكى فاذا حلت هى حلت أجزاؤها
(4)
.
ومن رمى صيدا فقطع منه عضوا أى عضو كان فمات منه بيقين موتا
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 131 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 449 مسألة رقم 1049 نفس الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 36 من سورة الحج.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 449 مسألة رقم 1050.
سريعا كموت سائر الذكاة أو موتا بطيئا الا أنه لم يدركه الا وقد مات أو وهو فى أسباب الموت الحاضر أكله كله وأكل العضو البائن أيضا فلو لم يمت منه موتا سريعا وأدركه حيا وكان يعيش منه أكثر من عيش المذكى ذكاه وأكله ولم يأكل العضو البائن أى عضو كان لأنه اذا مات منه كموت الذكاة فهو ذكى كله فلو لم يدركه حيا فهو ذكى متى مات مما أصابه وهو مذكى كله، وما كان بخلاف ذلك فهو غير مذكى وقال النبى صلى الله عليه وسلم:
«اذا خزق فكل فهذا عموم لا يجوز تعديه»
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير أن ما بان من البهيمة وهى حية لم يؤكل سواء كان ما بان يدا أو رجلا أو ألية لأن ذلك ميتة وذلك لما روى من حديث أبى واقد الليثى رضى الله تعالى عنه قال:
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة: وهم يجبون أسنمة الابل ويقطعون أليات الغنم ويأكلون ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة لا يؤكل: والحديث يدل على أن ما قطع من الحيوان المأكول الذى لا تحل ميتته وهو حى فهو ميتة ولو كان القطع فى حال التذكية قبل تمامها فان تمت الذكاة بعد قطع العضو حلت المذكاة دون العضو البائن.
ولو انفصل شئ من البهيمة من جانب وبقى متصلا بها من جانب آخر ولو باليسير وزالت عنه الحياة فانه يكون حلالا الا أن تكون العلة هى زوال الحياة قبل التذكية فيحرم
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن ما أبين من حى يحرم أكله واستعماله كأليات الغنم لأنها فى حكم الميتة
(3)
.
وجاء فى الخلاف أنه اذا قطع الصيد نصفين حل أكل الكل بلا خلاف وان كان الذى مع الرأس أكبر حل الذى مع الرأس دون الباقى وذلك للاحتياط فأن أكل ما مع الرأس مجمع على اباحته ولما روى عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
ما أبين من حى فهو ميت. وهذا الأقل أبين من حى فيجب أن يكون ميتا
(4)
.
(1)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 465 مسألة رقم 1075.
(2)
الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للقاضى شرف الدين الحسين بن أحمد بن الحسين السياغى ج 3 ص 177، ص 178 الطبعة الأولى سنة 1347 هـ طبع مطبعة السعادة فى مصر.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 284 نفس الطبعة السابقة.
(4)
من كتاب الخلاف فى الفقه ج 2 ص 520 مسألة رقم 17 نفس الطبعة المتقدمة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن الضربة ان كانت فى مؤخر الشاة وعجزها فبان منها شئ وان قل فهو ميتة ويذكى الباقى فان تحرك أكل والا فلا ولو بان الرأس ناحية والرجلان ناحية لكان ذلك كله ميتة ويذكى ما بقى مواليا للمذبح ويؤكل ان تحرك. أما ما قطع من حى لا يشترط ذبحه كسمك فانه حلال وقيل لا يحل لعموم ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما قطع من حى ميتة
(1)
.
ومن ضرب شاة أو بقرة بسيف أو بمدية فأبان رأسها قبل أن يذبحها فلا بأس بأكلها دون رأسها وان بان هو ومؤخرها وبقى وسطها مع محل الذبح يتحرك ذبح وأكل أن تحرك بعد الذبح، ولا يؤكل ما بان منها من ذلك ولو أكثرها وقيل ان ضربها بذلك غير مريد للذبح فلا تؤكل الا أن أدرك نحرها أو ذبحها ان بقى المنحر أو المذبح الى الجسد ولا يؤكل الرأس الا أن أريد ذبحها ولم يتعمد فصل الرأس وان بقى بعض مذبح متصلا بالرأس ذكى الرأس وأكل وان ذكى الجسد فى بعض المنحر المتصل به أيضا أكل
(2)
ومن رمى صيدا فأبان منه عضوا غير رأسه حرم العضو المبان وحل الباقى بالرمية ان وجد الباقى ميتا، والا ذكاه وحل بالتذكية وقيل يحل العضو أيضا ان مات بمجرد الابانة ولم تبق الحياة بعده فى جهة الرأس ولا فى غيرها حملا لقول النبى صلى الله عليه وسلم ما قطع من البهيمة وهى حية فهو ميتة على غير الذكاة والصيد فمن ذبح وأبان الرأس بلا عمد لم تحرم الذبيحة عليه وحل الرأس مع أنه قليل مقطوع من كثير حى بعد القطع. وان أبان رأسه أكل الكل ان وجد ميتا، والا حرم لفقد محل الذكاة
(3)
.
ثانيا: حكم العضو المبان من حيوان مذكى
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الذى يحرم أكله من أجزاء الحيوان المأكول سبعة هى: الدم المسفوح والذكر والانثيان والقبل والغدة والمثانة، والمرارة لقول الله عز وجل شأنه:«وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ»
(4)
وهذه الأشياء السبعة مما تستخبثه الطباع السليمة فكانت محرمة وروى عن مجاهد رضى الله تعالى عنه أنه قال: كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة الذكر والانثيين
(1)
من كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 529 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 537 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق لابن أطفيش ج 2 ص 569 الطبعة المتقدمة.
(4)
الآية رقم 157 من سورة الأعراف.
والقبل والغدة والمرارة والمثانة والدم، فالمراد منه كراهة التحريم بدليل أنه جمع بين الأشياء الست وبين الدم فى الكراهة والدم المسفوح محرم. والمروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال: الدم حرام وأكره الستة فأطلق اسم الحرام على الدم المسفوح وسمى ما سواه مكروها لان الحرام المطلق ما ثبتت حرمته بدليل مقطوع به.
وحرمة الدم المسفوح قد ثبتت بدليل مقطوع به وهو النص المفسر من كتاب الله العزيز قال الله تعالى عز شأنه:
(1)
الآية وثبتت بانعقاد الاجماع أيضا على حرمته
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل ان ابن رشد رحمه الله تعالى نقل فى رسم سماع موسى من كتاب الصلاة أنه يجوز أكل المشيمة - وهى بميمين وعاء الولد - وأفتى الصائغ بمنع أكلها وأفتى بعض شيوخ ابن عرفة رحمه الله تعالى ورحمهم بأنه ان أكل الجنين أكلت. وأما الدجاجة فيؤكل ما فى بطنها اذا ذكيت سواء تم خلقه أم لم يتم. قاله الجزولى فى شرح الرسالة
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع أنه يحل أكل الكبد والطحال بلا خلاف للحديث الصحيح:
«أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالسمك والجراد والدمان الكبد والطحال» وروى البيهقى عن زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه قال: قال: انى لآكل الطحال وما بى اليه حاجة الا ليعلم أهلى أنه لا بأس به.
وروى عن مجاهد رضى الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره من الشاة سبعا: الدم والمرارة والذكر والانثيين والحيا والغدة والمثانة وكان أعجب الشاة اليه مقدمها
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه يكره أكل الغدة وأذن القلب لما روى عن مجاهد رضى الله تعالى عنه قال:
كره رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشاة ستا وذكر هذين ولان النفس تعافهما وتستخبثهما ولا أظن أحمد رحمه الله تعالى كرههما الا لذلك لا للخبر لأنه قال فيه: هذا حديث منكر ولأن فى الخبر ذكر الطحال وقد قال أحمد:
لا بأس به ولا أكره منه شيئا
(5)
.
(1)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 61 الطبعة المتقدمة.
(3)
مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضيا سيدى خليل للمواق ج 3 ص 228 نفس الطبعة السابقة.
(4)
المجموع شرح المهذب للأمام النووى ج 9 ص 70 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
المغنى لابن قدامه المقدسى فى كتاب مع الشرح الكبير ج 11 ص 89 نفس الطبعة المتقدمة.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أنه يكره أكل الطحال لقول على عليه السلام: الطحال لقمة الشيطان وكذا تكره المرارة والغدة ومبالة الشاة لعيافتها
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه يحرم من الذبيحة خمسة عشر شيئا: الدم والطحال والقضيب والانثيان والفرث والمثانة والمرارة والمشيمة والفرج والعلباء
(2)
والنخاع والغدة وذات الأشاجع
(3)
وخرزة الدماغ والحدق وتحريم هذه الأشياء اجمع ذكره الشيخ غير المثانة فزادها ابن ادريس رحمه الله تعالى وتبعه جماعة منهم المصنف ومستند الجميع غير واضح لأنه روايات يتلفق من جميعها ذلك، بعض رجالها ضعيف وبعضها مجهول، والمتيقن منها تحريم ما دل عليه دليل خارج كالدم وفى معناها الطحال وتحريمها ظاهر من الآية وكذا ما استخبث منها كالفرث والفرج والقضيب والانثيين والمثانة والمرارة والمشيمة وتحريم الباقى يحتاج الى دليل والأصل يقتضى عدمه والروايات يمكن الاستدلال بها على الكراهة لسهولة خطبها الا أن يدعى استخباث الجميع، وهذا مختار العلامة فى المختلف.
وابن الجنيد رحمه الله تعالى أطلق كراهية بعض هذه المذكورات ولم ينص على تحريم شئ نظرا الى ما ذكرناه، أما نحو السمك والجراد فلا يحرم منه شئ من المذكورات للأصل.
ويكره أكل الكلا
(4)
وأذنا القلب والعروق ولو ثقب الطحال مع اللحم وشوى حرم ما تحته من لحم وغيره دون ما فوقه أو مساوية، ولو لم يكن مثقوبا لم يحرم ما معه مطلقا، هذا هو المشهور، ومستنده رواية عمار الساباطى رحمه الله تعالى عن أبى عبد الله عليه السلام، وعلل فيها بأنه مع الثقب يسيل الدم من الطحال الى ما تحته فيحرم بخلاف غير المثقوب لأنه فى حجاب لا يسيل منه
(5)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن جميع ما فى الذبيحة يجوز أكله كالجنين اذا تبين أنه لحم والرحم وما يتصل بها والذكر،
(1)
البحر الزخار ج 4 ص 336 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
العلباء بالمهملة المكسورة فاللام الساكنة فالباء الموحدة فالألف الممدودة عصبتان عريضتان ممدودتان من الرقبة الى عجب الذنب.
(3)
هى أصول الأصابع التى يتصل بعصب ظاهر الكف.
(4)
الكلا بضم الكاف وقصر الألف جمع كلية وكلوة بالضم فيهما.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 284، ص 285 نفس الطبعة المتقدمة.
والمبولة بعد ازالة بولها وغسلها وقيل: لا يؤكل الذكر، وقيل: لا تؤكل المبولة ولو أزيل ماؤها وغسلت.
وقيل: تؤكل بلا غسل وماؤها طاهر وكره النبى صلى الله عليه وسلم المبولة والذكر والفرج من الأنثى. ودم القلب حلال.
وقيل: نجس والصحيح ما ذكرت من أنه واضح وعليه الشيخ أبو العباس أحمد اذ قال رحمه الله تعالى وتؤكل الشاة بعد الذبح بجميعها الا موضع النجس منها وان غسل جاز أكله
(1)
.
ثالثا: حكم تناول ما انفصل من الحيوان
مذهب الحنفية:
حكم الجنين
.
جاء فى بدائع الصنائع أن الجنين اذا خرج بعد ذبح أمه وخرج حيا فذكى فانه يحل وان مات قبل أن يذبح فانه لا يؤكل بلا خلاف أما ان خرج ميتا فان لم يكن كامل الخلق لا يؤكل أيضا فى قولهم جميعا لأنه بمعنى المضغة، وان كان كامل الخلق اختلف فيه.
قال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه لا يؤكل وهو قول زفر والحسن بن زياد رحمهم الله تعالى.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: لا بأس بأن يؤكل واحتجا بقول النبى صلى الله عليه وسلم: ذكاة الجنين بذكاة أمه فيقتضى أنه يتذكى بذكاة أمه ولأنه تبع لأمه حقيقة وحكما أما حقيقة فظاهر وأما حكما فلأنه يباع ببيع الأم ويعتق بعتقها، والحكم فى التبع يثبت بعلة الأصل ولا يشترط له علة على حدة لئلا ينقلب التبع أصلا، ويدل لأبى حنيفة رحمه الله تعالى قول الله تعالى:
«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ»
(2)
والجنين ميتة لأنه لا حياة فيه والميتة ما لا حياة فيه فيدخل تحت النص أما ما يقال: بأن الميتة اسم لزائل الحياة. وهذا يستدعى تقدم الحياة وهو أمر لا يعلم فى الجنين، فيجاب عليه بأن تقدم الحياة ليس بشرط لاطلاق اسم الميت قال الله تعالى «وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ»
(3)
على أنا ان سلمنا ذلك فلا بأس به لأنه يحتمل أنه كان حيا فمات بموت الأم ويحتمل أنه لم يكن فيحرم احتياطا ولأنه أصل فى الحياة فيكون له فى الذكاة والدليل على أنه أصل فى الحياة أنه يتصور بقاؤه حيا بعد ذبح الأم ولو كان تبعا للام فى الحياة لما تصور بقاؤه حيا بعد زوال الحياة عن الأم واذا كان أصلا فى الحياة يكون أصلا فى الذكاة لأن الذكاة تفويت الحياة ولأنه
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 539 نفس الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(3)
الآية رقم 28 من سورة البقرة.
اذا تصور بقاؤه حيا بعد ذبح الأم لم يكن ذبح الأم سببا لخروج الدم عنه اذ لو كان لما تصور بقاؤه حيا بعد ذبح الأم اذ الحيوان الدموى لا يعيش بدون الدم عادة فبقى الدم المسفوح فيه ولهذا اذا جرح يسيل منه الدم وأنه حرم لقول الله سبحانه وتعالى «أَوْ دَماً مَسْفُوحاً»
(1)
وقوله عز شأنه «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ»
(2)
ولا يمكن التمييز بين لحمه ودمه فيحرم لحمه أيضا. وأما الحديث فقد روى بنصب الذكاة الثانية معناة كذكاة أمه اذ التشبيه قد يكون بحرف التشبيه وقد يكون بحذف حرف التشبيه
(3)
.
حكم البيضة:
جاء فى بدائع الصنائع أنه اذا خرجت من الدجاجة الميتة بيضة تؤكل عندنا سواء اشتد قشرها أو لم يشتد، وذلك لأنه شئ طاهر فى نفسه مودع فى الطير منفصل عنه ليس من أجزائه فتحريمها لا يكون تحريما له كما اذا اشتد قشرها.
وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: يؤكل ما تصلبت قشرته فقط.
هذا اذا خرج بيض من حيوان مأكول بعد موته دون تذكية شرعية وهو مما يحتاج الى الذكاة فان خرج البيض من حيوان مأكول فى حال حياته أو بعد تذكيته شرعا أو بعد موته وهو مما لا يحتاج الى التذكية كالسمك فبيضه مأكول الا اذا فسد. أما ان خرج البيض من حيوان غير مأكول فان كان من ذوات الدم السائل كالغراب الأبقع فبيضه نجس تبعا للحمه فلا يكون مأكولا، وان لم يكن من ذوات الدم السائل كالزنبور فبيضه طاهر تبعا للحمه ومأكول لأنه ليس بميتة
(4)
.
حكم اللبن:
جاء فى بدائع الصنائع أنه ان خرج اللبن من حيوان حى فهو تابع للحمه فى اباحة التناول وكراهته وحرمته ويستثنى من المحرم لبن الآدمى فهو مباح وان كان لحمه محرما، لأن تحريمه للتكريم لا للاستخباث وكذا يستثنى الخيل ففى لبنها رأيان.
أحدهما أنه تابع للحم فيكون حراما أو مكروها - بناء على الاختلاف فى حكمها بين التحريم والكراهة.
ثانيهما أنه مباح، لأن تحريم الخيل
(1)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
(2)
الاية رقم 3 من سورة المائدة.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 42 نفس الطبعة السابقة.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 42 نفس الطبعة المتقدمة وحاشية ابن عابدين ج 5 ص 194 نفس الطبعة المتقدمة وتبيين الحقائق ج 1 ص 26 نفس الطبعة المتقدمة.
أو كراهتها لكونها آلة الجهاد لا لاستخباث لحمها واللبن ليس آلة الجهاد. وهذا هو الصحيح.
وان خرج اللبن من حيوان مأكول بعد تذكيته فهو مأكول وان خرج من آدمية ميتة فهو طاهر مأكول عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لصاحبيه.
أما ان خرج اللبن من ميتة المأكول كالنعجة مثلا فهو طاهر مأكول عند أبى حنيفة.
ويرى صاحبا أبى حنيفة أنه حرام لتنجسه بنجاسة الوعاء وهو ضرع الميتة الذى تنجس بالموت.
ويدل لأبى حنيفة رحمه الله تعالى قول الله تبارك وتعالى: «وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ}.
(1)
والاستدلال بالآية من وجوه.
أحدها: أنه وصفه بكونه خالصا فيقتضى أن لا يشوبه شئ من النجاسة.
والثانى: أنه سبحانه وتعالى وصفه بكونه سائغا للشاربين والحرام لا يسوغ للمسلم.
والثالث: أنه سبحانه وتعالى من علينا بذلك اذ الآية خرجت مخرج المنة. والمنة بالحلال لا بالحرام
(2)
.
حكم الانفحة
(3)
:
يختلف حكم الأنفحة تبعا لحالة الحيوان فان أخذت من حيوان مذكى ذكاة شرعية فهى طاهرة مأكولة، وان أخذت من حيوان ميت أو مذكى ذكاة غير شرعية فهى طاهرة مأكولة عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
وقال صاحباه ان كانت صلبة يغسل ظاهرها وتؤكل ظاهرها وان كانت مائعة فهى نجسة لنجاسة وعائها بالموت فلا تؤكل
(4)
.
مذهب المالكية:
حكم الجنين:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أن ذكاة الجنين يوجد ميتا بسبب ذكاة أمه تحقيقا أو شكا حاصلة بذكاة أمه فذكاة أمه ذكاة له وحينئذ فيؤكل بغير ذكاة اكتفاء بذكاة أمه هذا اذا
(1)
الآية رقم 66 من سورة النحل.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 43 الطبعة المتقدمة وحاشية ابن عابدين ج 1 ص 135، وج 5 ص 194، ص 216 الطبعة المتقدمة وتبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج 1 ص 26 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
الانفحة مادة بيضاء صفراوية فى وعاء جلدى يستخرج من بطن الجدى أو الحمل أو الرضيع يوضع قليل منها فى اللبن الحليب فينعقد ويتكاثف ويصير جبنا.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 43 نفس الطبعة المتقدمة.
كان خلقه قد تم واستوى ولو كان ناقص يد أو رجل - مع نبات شعر جسده ولو بعضه لا شعر عينيه أو رأسه أو حاجبه فلا يعتبر.
وفى المشيمة - وهى وعاء الجنين ثلاثة أقوال ثالثها أنها تبع للولد ان أكل الولد أكلت والا فلا.
أما ان كان الجنين ميتا من قبل ذكاة أمه فلا يحل. وان خرج الجنين بعد ذكاة أمه تاما بشعره حيا حياة محققة أو مشكوكا فيها ذكى وجوبا وان لم يذك لم يؤكل الا أن يبادر اليه - بفتح الدال - ويسارع الى ذكاته فيسبق بالموت فيؤكل للعلم بأن حياته حينئذ غير معتبرة لضعفها بأخذه فى السياق فهو بمنزلة ما نزل ميتا من بطن أمه بعد ذكاتها فيحكم عليه بأن ذكاته بذكاة أمه. فان لم يبادر حتى مات وكان بحيث لو بودر لم يدرك كره أكله، أما لو كان بحيث لو بودر لأدرك فلا يؤكل. وذكى الجنين المزلق - وهو ما ألقته أمه فى حياتها لعارض - ان كان مثله يعيش بأن كان تام الخلقة مع نبات شعر وكانت حياته محققة أو مظنونة لا مشكوكة، فان كان مثله لا يحيا أو شك فى أمره هل تستمر حياته أم لا لم يؤكل ولو ذكى لأن موته يحتمل أن يكون من الازلاق
(1)
.
حكم البيض:
جاء فى شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه أن أكل البيض الطاهر حلال، لا فرق فى ذلك بين البيض المتصلب أو غيره كما لا فرق أيضا بين بيض الطير أو السباع أو الحشرات اذ لحمها مباح اذا أمن سمها. هذا اذا لم يكن البيض مذرا
(2)
فان كان مذرا فهو نجس ويطلق المذر كذلك على ما اختلط صفاره ببياضه لكن هذا الأخير طاهر ما لم يحصل فيه عفن، وأما ما يوجد من نقطة دم فى وسط بياض البيض فمقتضى مراعاة السفح فى نجاسة الدم الطهارة فى هذه كما فى الذخيرة هذا فى بيض الحيوان الحى أما بيض الحيوان الميت فان كان من حيوان ميتته نجسة فهو نجس وان كان من حيوان ميتته طاهرة فان كان هذا الحيوان لا يفتقر الى ذكاة - كالتمساح والترس - فهو طاهر، وان كان يفتقر الى ذكاة كالجراد فيحتمل أن يقال بنجاسته كجنين ما ذكى اذا لم يتم خلقه ولم ينبت شعره ويحتمل أن يقال بطهارته كطهارة ميتة ما خرج منه ولكنه لا يؤكل الا بذكاة
(3)
.
(1)
الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه لشمس الدين محمد عرفه الدسوقى ج 2 ص 114 طبع دار احياء الكتب العربية بمصر.
(2)
المذر هو البيض الذى فسد بعد انفصاله من الحى بعفن أو صار دما أو صار مضغة أو فرخا ميتا ويطلق أيضا على ما اختلط صفاره ببياضه.
(3)
شرح الخرشى ج 1 ص 85 نفس الطبعة المتقدمة.
حكم اللبن:
ذكر الخرشى أن لبن الآدمى طاهر اذا خرج منه وهو حى سواء كان ذكرا أو انثى وسواء كان مسلما أو كافرا مستعملا للنجاسات أم لا لاستحالته الى صلاح ولجواز الرضاع بعد الحولين لأنه لو لم يكن طاهرا لمنع وأما الخارج بعد موته فهو نجس على المنصوص لنجاسة وعائه بناء على نجاسته بالموت، ولبن غير الآدمى تابع للحمه فان كان الحيوان مباح الأكل فلبنه طاهر ولو أكل نجاسة على المشهور.
وان كان الحيوان محرم الأكل فلبنه نجس وان كان مكروه الأكل فلبنه مكروه شربه ولبن الجنى كلبن الآدمى لا كلبن البهائم لجواز مناكحتهم وجواز امامتهم ونحو ذلك
(1)
.
مذهب الشافعية:
حكم الجنين:
جاء فى مغنى المحتاج أنه يحل جنين وجد ميتا أو عيشه عيش مذبوح، سواء أشعر أم لا فى بطن مذكاة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ذكاة الجنين ذكاة أمه رواه الترمذى وحسنه ورواه ابن حبان وصححه، بمعنى أن ذكاة امه التى أحلتها أحلته تبعا لها ولأنه جزء من أجزائها وذكاتها ذكاة لجميع أجزائها ولأنه لو لم يحل بذكاة أمه لحرم ذكاتها من ظهور الحمل كما لا تقتل الحامل قودا أما اذا خرج وبه حياة مستقرة فلا يحل بذكاة أمه ولا بد من أن يسكن عقب ذبح أمه فلو اضطرب فى البطن بعد ذبح أمه زمانا طويلا ثم سكن لم يحل كما قاله الشيخ أبو محمد رحمه الله تعالى فى الفروق وأقراه وان خالف فى ذلك البغوى والمروزى وقالا بالحل مطلقا.
قال الأذرعى رحمه الله تعالى: والظاهر أن مراد الأصحاب اذا مات بذكاة أمه فلو مات قبل ذكاتها كان ميتة لا محالة لأن ذكاة الأم لم تؤثر فيه والحديث يشير اليه.
وعلى هذا لو خرج رأسه ميتا ثم ذبحت أمه قبل انفصاله لم يحل وان خالف فى ذلك البغوى وقال البلقينى رحمه الله تعالى محل الحل ما اذا لم يوجد سبب يحال عليه موته فلو ضرب حاملا على بطنها وكان الجنين متحركا فسكن حتى ذبحت أمه فوجد ميتا لم يحل ولو خرج رأسه وفيه حياة مستقرة لم يجب ذبحه حتى يخرج لأن خروج بعضه كعدم خروجه فى العدة وغيرها فيحل اذا مات عقب خروجه بذكاة أمه وان صار بخروج رأسه مقدورا عليه وشرط حله أن يخرج مضغة مخلقة فان كان علقة لم يؤكل، لأنه دم ولو لم
(1)
المرجع السابق للخرشى ج 1 ص 85 نفس الطبعة المتقدمة.
تتخطط المضغة لم تحل، بناء على عدم وجوب الغرة فيها وعدم ثبوت الاستيلاد يعنى لو كانت من آدمى ولو كان للمذكاة عضو أشل حل كسائر أجزائها
(1)
.
حكم البيض:
جاء فى المجموع أن فى حل أكل بيض ما لا يؤكل خلافا فاذا قلنا بطهارته جاز أكله بلا خلاف لأنه غير مستقذر وهل يجب غسل ظاهر البيض اذا وقع على موضع طاهر؟ فيه وجهان حكاهما البغوى وصاحب البيان وغيرهما بناء على أن رطوبة الفرج طاهرة أم نجسة؟
وقطع ابن الصباغ رحمه الله تعالى فى فتاويه بأنه لا يجب غسله.
هذا والبيضة الطاهرة اذا استحالت دما ففى نجاستها وجهان الأصح النجاسة كسائر الدماء والثانى الطهارة كاللحم وغيره من الأطعمة اذا تغيرت ولو صارت مذرة - وهى التى اختلط بياضها بصفرتها - فطاهرة بلا خلاف صرح به صاحب التتمة وغيره
(2)
.
أما البيض من مأكول اللحم فطاهر بالاجماع
(3)
.
وحكم اللبن:
جاء فى نهاية المحتاج أن لبن ما لا يؤكل غير لبن الآدمى نجس كلبن الأتان لكونه من المستحيلات فى الباطن أما لبن ما يؤكل لحمه كلبن الفرس وان ولدت بغلا فطاهر، وكذا لبن الشاة أو البقرة اذا أولدها كلب أو خنزير فيما يظهر خلافا للزركشى رحمه الله تعالى فى خادمه، ولا فرق بين لبن البقرة والعجلة والثور والعجل خلافا للبلقينى ولا بين أن يكون على لون الدم أو لا يكون ان وجدت فيه خواص اللبن كنظيره فى المنى.
أما ما أخذ من ضرع بهيمة ميتة فانه نجس اتفاقا كما فى المجموع، والأصل فى طهارة ما ذكر قول الله تبارك وتعالى {(نُسْقِيكُمْ مِمّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خالِصاً سائِغاً لِلشّارِبِينَ} .
(4)
وأما لبن الآدمى فطاهر أيضا اذ لا يليق بكرامته أن يكون منشؤه نجسا، ولأنه لم ينقل أن النسوة أمرن باجتنابه وسواء كان من ذكر أم من أنثى ولو صغيرة لم تستكمل تسع سنوات أم من خنثى مشكل قياسا على الذكر وأولى،
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 4 ص 281 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
المجموع شرح المهذب للامام أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ج 2 ص 556، فى كتاب مع فلح العزيز شرح الوجيز والتلخيص الحبير طبع ادارة الطباعة المنيرية بالمطبعة العربية بمصر.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 555 نفس الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 66 من سورة النحل.
وسواء انفصل فى حياته أم بعد موته لأن التكريم الثابت للآدمى الأصل شموله للجميع ولأنه أولى بالطهارة من المنى.
قال الصيمرى رحمه الله تعالى: ألبان الآدميين لم يختلف المذهب فى طهارتها وجواز بيعها
(1)
.
حكم الأنفحة:
جاء فى نهاية المحتاج أن الأنفحة طاهرة - وهى لبن فى جوف نحو سخلة
(2)
فى جلدة تسمى أنفحة أيضا - ان كانت من مذكاة لم تطعم غير اللبن وسواء فى اللبن لبن أمها أم غيره، شربته أم سقى لها كان طاهرا أم نجسا ولو من نحو كلبة خرج على هيئته حالا أم لا ولا فرق فى طهارتها عند توفر الشروط بين مجاوزتها زمنا تسمى فيه سخلة أولا فيما يظهر نعم يعفى عن الجبن المعمول بالأنفحة من حيوان تغذى بغير اللبن لعموم البلوى به فى هذا
(3)
الزمان.
مذهب الحنابلة:
حكم الجنين:
جاء فى كشاف القناع أنه تحصل ذكاة جنين مأكول خرج من بطن أمه بعد ذبحها بذكاة أمه اذا خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح سواء نبت شعره أو لم ينبت روى عن على وابن عمر رضى الله تعالى عنهم لحديث جابر مرفوعا قال: ذكاة الجنين ذكاة أمه. رواه أبو داود باسناد جيد، ورواه الدارقطنى من حديث ابن عمر وأبى هريرة رضى الله تعالى عنهم قال الترمذى رحمه الله تعالى: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وغيرهم ولأن الجنين متصل بأمه اتصال خلقة يتغذى بغذائها فتكون ذكاته بذكاتها كأعضائها.
هذا ويستحب ذبح الجنين وان كان ميتا ليخرج الدم الذى فى جوفه.
وان كان فى الجنين حياة مستقرة لم يبح الا ذبحه أو نحره لأنه نفس أخرى، وهو مستقل بحياته.
ولو وجأ بطن أم جنين مسميا فأصاب مذبح الجنين المباح فهو مذكى والأم ميتة لفوات شرطها وهو قطع الحلقوم والمرئ، مع القدرة على قطعهما
(4)
.
حكم البيض:
جاء فى المغنى أن الدجاجة ان ماتت وفى بطنها بيضة قد صلب قشرها فهى طاهرة لأنها بيضة صلبة القشر طرأت
(1)
نهاية المحتاج الى معرفة شرح المنهاج للرملى فى كتاب معه حاشية الشبراملسى ج 1 ص 227 نفس الطبعة السابقة.
(2)
جاء فى القاموس المحيط: السخلة بفتح السين وسكون الخاء: ولد الشاة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 227 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
كشاف القناع ج 4 ص 124.
النجاسة عليها فأشبه ما لو وقعت فى ماء نجس وليست جزءا من النجاسة - كما قيل - انما هى مودعة فيها غير متصلة بها فأشبهت الولد اذا خرج حيا من الميتة، أما كراهة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم لها فهى محمولة على كراهة التنزيه استقذارا لها فان لم تكمل البيضة قال بعض أصحابنا: ما كان قشره أبيض فهو طاهر، وما لم يبيض قشره فهو نجس لأنه ليس عليه حائل حصين واختار ابن عقيل رحمه الله تعالى أنه لا ينجس لأن البيضة عليها غاشية رقيقة كالجلد وهو القشر قبل أن يقوى فلا ينجس منها الا ما كان لاقى النجاسة
(1)
.
وذكر صاحب كشاف القناع أن بيض الجلالة تابع لأصله، فان كانت النجاسة أكثر علف الجلالة حرمت هى وحرم بيضها لتولده منها وان لم يكن أكثر علفها النجاسة لم تحرم هى ولم يحرم بيضها
(2)
.
حكم اللبن والأنفحة:
جاء فى الشرح الكبير: أن لبن الميتة نجس لأنه مائع فى وعاء نجس فتنجس به وكذلك أنفحتها فى ظاهر المذهب لما ذكرنا.
وروى أن الأنفحة طاهرة لأن الصحابة رضى الله تعالى عنهم أكلوا الجبن لما دخلوا المدائن وهو يعمل بالأنفحة وذبائحهم ميتة لأنهم مجوس.
والقول الأول أولى لأنه مائع فى اناء نجس
(3)
.
مذهب الظاهرية:
حكم الجنين:
جاء فى المحلى أن كل حيوان ذكى فوجد فى بطنه جنين ميت وقد كان نفخ فيه الروح بعد فهو ميتة لا يحل أكله فلو أدرك حيا فذكى حل أكله فلو كان لم ينفخ فيه الروح بعد فهو حلال الا ان كان بعد دما لا لحم فيه ولا معنى لاشعاره ولا لعدم اشعاره وذلك لقول الله تبارك وتعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ»
(4)
وقال تعالى:
(5)
وبالعيان ندرى أن ذكاة الأم ليست ذكاة للجنين الحى لأنه غيرها وقد يكون ذكرا وهى أنثى، فأما اذا كان لحما لم ينفخ فيه الروح بعد فهو بعضها ولم يكن قط حيا فيحتاج الى ذكاة
(6)
.
(1)
المغنى لابن قدامة ج 1 ص 61، ص 62.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 115 نفس الطبعة السابقة وشرح منتهى الإرادات على هامش كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 173 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
الشرح الكبير فى أسفل المغنى لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 72 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(5)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(6)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 419 مسألة رقم 1014 نفس الطبعة المتقدمة.
حكم البيض:
جاء فى المحلى أنه لو خرجت بيضة من دجاجة ميتة أو طائر ميت مما يؤكل لحمه لو ذكى فان كانت ذات قشر فأكلها حلال وان لم تكن ذات قشر بعد فهى حرام لأنها اذا صارت ذات قشر فقد باينت الميتة وصارت منحازة عنها واذا لم تكن ذات قشر فهى حينئذ بعض حشوتها ومتصلة بها فهى حرام
(1)
.
حكم اللبن:
جاء فى المحلى أن كل ما حرم أكل لحمه فحرام لبنه لأنه بعضه ومنسوب اليه الا ألبان النساء فهى حلال
(2)
ولا يحل شرب ألبان الجلالة لأنه منها وبعضها فاذا قطع عنها أكل العذرة حل لبنها لما روينا من طريق أبى داود عن مجاهد عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهم قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها
(3)
.
حكم الأنفحة:
جاء فى المحلى أنه لا يحل أكل جبن عقد بأنفحة ميتة لأن أثرها ظاهر فيه وهو عقدها له
(4)
.
مذهب الزيدية:
حكم الجنين:
جاء فى شرح الأزهار: أنه لا تغنى تذكية ذات الجنين عن تذكيته، فلو ذبحت شاة أو نحوها فخرج من بطنها جنين فان تذكيتها لا تغنى عن تذكيته فان خرج حيا ذكى وان خرج ميتا حرم هذا اذا كان قد حلت فيه الحياة فان لم تكن حلت فيه الحياة فهو لحمة كجزء من أمه وقال زيد بن على رحمه الله تعالى: ان الجنين اذا خرج ميتا جاز أكله لكن بشرط أن يكون قد أشعر
(5)
.
حكم البيض:
جاء فى البحر الزخار ان بيضة الميتة تحل مثل صوفها وتغسل لمجاورتها النجاسة، وذكر الامام الناصر انها تكره لشبهها ببضعة من الميتة
(6)
.
حكم اللبن:
جاء فى الروض النضير أنه لا يسوغ للانسان أن يشرب من لبن البدنة الا ما فضل عن ولدها
(7)
.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 417، ص 418 مسألة رقم 1009 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 410 مسألة رقم 997 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 410، ص 411 مسألة رقم 1000 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 7 ص 422، مسألة رقم 1018 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 83 والتاج المذهب لأحكام المذهب ج 3 ص 463 نفس الطبعة المتقدمة.
(6)
البحر الزخار ج 4 ص 335 نفس الطبعة المتقدمة.
(7)
الروض النضير ج 3 ص 129، ص 130 نفس الطبعة المتقدمة.
وذكر صاحب البحر الزخار أن لبن الميتة يحرم تناوله لمجاورته النجاسة وهو مترطب
(1)
.
مذهب الإمامية:
حكم الجنين:
جاء فى الروضة البهية أن ذكاة الجنين ذكاة أمه اذا تمت خلقته وتكاملت أعضاؤه وأشعر وأوبر كما دلت على ذلك الأخبار سواء ولجته الروح أو لم تلجه، وسواء خرج ميتا أو خرج حيا غير مستقر الحياة لأن غير مستقر الحياة بمنزلة الميت ولاطلاق النصوص بحله اذا كان تاما
(2)
.
حكم البيض:
جاء فى الروضة البهية أنه يحل بيض الميتة اذا اكتسى القشر الأعلى الصلب والا كان بحكمها
(3)
.
وبيض السمك تابع له فى الحل والحرمة.
ولو اشتبه بيض المحلل ببيض المحرم أكل الخشن دون الأملس وأطلق كثير ذلك من غير اعتبار التبعية
(4)
، وكذلك بيض الطير تابع له فى الحل والحرمة فكل طائر يحل أكله يؤكل بيضه وما لا يحل أكله فلا يحل بيضه فان اشتبه الأمر أكل ما اختلف طرفاه واجتنب ما اتفق
(5)
.
حكم اللبن:
جاء فى الروضة البهية أنه يحل اللبن فى ضرع الميتة على قول مشهور بين الأصحاب مستنده روايات منها صحيحة زرارة عن أبى عبد الله عليه السلام قال سألته عن اللبن يكون فى ضرع الشاة وقد ماتت قال:
لا بأس به وقد روى نجاسته صريحا فى خبر آخر ولكنه ضعيف السند الا أنه موافق للأصل من نجاسة المائع بملاقاة النجاسة، وكل نجس حرام.
وفى الدروس جعل القول بالحل أصح وضعف رواية التحريم وجعل القائل به نادرا وحمله على التقية
(6)
.
حكم الأنفحة:
جاء فى الروضة البهية أن أنفحة الميتة حلال سواء أريد بها اللبن المستحيل فى جوف السخلة فتكون من جملة ما لا
(1)
البحر الزخار ج 4 ص 335 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 273، ص 274 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 283.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 277 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
المرجع السابق للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 281.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 283 نفس الطبعة المتقدمة.
تحله الحياة أو كانت كرش الحمل أو الجدى ما لم يأكل فاذا أكل فهى كرش فتكون من جملة ما تحله الحياة وبذلك الحكم تصبح مستثناة فهى طاهرة وان لاصقت الجلد الميت للنص
(1)
.
مذهب الإباضية:
حكم الجنين:
جاء فى شرح النيل أن ذكاة الجنين ذكاة أمه لا يحتاج فيه الى ذكاة أن تمت خلقته ووجد ميتا فى بطنها وعلامة تمام خلقته وجود الشعر فى جميع جسده.
وقيل: ولو فى بعض جسده.
وقيل: أن ينبت ثلاث شعرات.
وقيل: شعره كله.
وقيل: شعرة واحدة.
وقيل: حتى ينبت ويتحرك قبل موت أمه وبعد الذبح.
وقيل حتى يتحرك بعد موتها وينزع ويذبح على أن معنى الحديث: ذكاته كذكاة أمه.
وقيل: تعتبر الحياة بالحركة فى بطن أمه بعد ذبحها أو نحرها وعليه فمن ذبح شاة وبها ولد أكل ان تحرك فى بطنها بعد الذبح والا فلا يؤكل بناء على اشتراط تحرك الذبيحة بعد الذبح فانه لما اكتفينا عن ذبحه بذبحها أبقينا شرط الحركة فيه بعد ذبحه الذى هو ذبح أمه.
وقيل: يؤكل اذا تبين أنه حى قبل ذبح أمه ولو لم يتحرك فى بطنها بعد ذبحها بناء على عدم اشتراط حركة الذبيحة بعد الذبح، وجوز الأكل مطلقا سواء تحرك أو لم يتحرك كقطعة لحم منها.
وقيل: يؤكل سواء تمت خلقته أو لم تتم كانت فيه الحياة أم لم تكن كان فيه الشعر أم لم يكن، تحرك أم لم يتحرك.
وقيل بجواز أكله ان كان به شعر وان قل وتكفى ذكاة أمه
(2)
.
ومن شق بطن شاة بعد الذبح ظانا موتها فنزع ولدا حيا صح ذبحه وجاز أكله وحرمت أمه لظهور أنها كانت عند الشق حية والا لم يوجد ولدها حيا، ولما وجد ولدها حيا علم أنه شق بطنها وهى حية فيكون الموت بالذبح والشق، لا بالذبح وحده فتحرم
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 383 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل ج 2 ص 537 وما بعدها الى ص 538 الطبعة السابقة.
وكذا كل بهيمة وجد جنينها حيا بعد الشق الا الأرنب فتؤكل وان وجد حيا بعد الشق لصحة حياته فى بطنها بعد موتها وان رأى أمارة الحياة فى الأرنب وشق بطنها حرمت وحل جنينها ان حيى وذبح وهكذا مثلها وان أخرج الجنين حيا وبادره الموت قبل امكان ذبحه فلا يحل ومن شق بطن بهيمة قبل الذبح ونزع منها جنينا حيا وذبحه وذبح أمه أكلا معا، وان لم تدرك ذكاة أحدهما لم يؤكل وأكل الآخر، وان خرج رأسه أو رأسه وعنقه منها بالولادة ثم ذبحت وذبح بعدها أو قبلها أو معها بأن ذبحها انسان وذبحه آخر فى حال واحدة أكلت دونه لأنه يعين على موته الضيق الذى هو فيه. ويؤكل ان خرج صدره أو أكثر.
وفى التاج: ان أخرج من نتاجها ولم يستتم خروجه وذبحت وخرج من بعد أو ماتت فلا بأس بأكله وما لم يخرج كله فحكمه حكمها
(1)
.
5 - حكم تناول الحيوان الذى
لم تعرفه العرب
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية ابن عابدين نقلا عن معراج الدراية أن العلماء أجمعوا على أن المستخبثات حرام بالنص وهو قول الله عز وجل «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ»
(2)
وما استطابه العرب حلال لقول الله تبارك وتعالى «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ»
(3)
وما استخبثه العرب فهو حرام بالنص، والذين يعتبر استطابتهم أهل الحجاز من أهل الأمصار لأن الكتاب نزل عليهم وخوطبوا به ولم يعتبر أهل البوادى لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما يجدون.
وما وجد فى أمصار المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز رد الى أقرب ما يشبهه فى الحجاز فان كان مما يشبه شيئا منها فهو مباح لدخوله تحت قول الله تعالى «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ»
(4)
الآية ولقول النبى صلى الله عليه وسلم:
ما سكت الله عنه فهو مما عفا الله عنه
(5)
.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن كل ما لم يرد فيه نص على أنه حرام فهو حلال، وبناء على ذلك فهم لا يعتبرون استطابة العرب من أهل الحجاز ولا استخباثهم كما لا يعتبرون المشابهة بين حيوان مجهول
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 540، ص 541 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 175 من سورة الاعراف.
(3)
الآية رقم 175 من سورة الاعراف.
(4)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
(5)
حاشية ابن عابدين على متن تنوير الأبصار ج 5 ص 266 نفس الطبعة المتقدمة.
الحكم وحيوان معروف الحكم أساسا فى اباحته أو تحريمه
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الحيوان الذى لا نص فيه من كتاب أو سنة أو اجماع لا خاص ولا عام بتحريم ولا تحليل ولا ورد فيه أمر بقتله ولا بعدمه ان استطابه أهل ثروة وخصب وأهل طباع سليمة من أكثر العرب سكان بلاد أو قرى فى حال رفاهية حل وان استخبثوه فلا يحل لأن الله عز وجل أناط الحل بالطيب والتحريم بالخبيث وعلم بالعقل أنه لم يرد ما يستطيبه ويستخبثه كل العالم لاستحالة اجتماعهم على ذلك عادة لاختلاف طبائعهم، فتعين أن يكون المراد بعضهم والعرب بذلك أولى لأنهم أولى الأمم اذ هم المخاطبون أولا، ولأن الدين عربى أما غير أهل اليسار - وهم المحتاجون - وغير ذوى الطباع السليمة - وهم أجلاف البوادى - الذين يأكلون مادب ودرج من غير تمييز فلا عبرة بهم وكذا لا عبرة بالاستطابة فى حال الضرورة. ويرجع فى كل زمان الى العرب الموجودين فيه، فان استطابته فحلال أو استخبثته فحرام وذلك اذا لم يسبق فيه كلام العرب الذين كانوا فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم فمن بعدهم فان ذلك قد عرف حاله واستقر أمره، فان اختلفوا فى استطابته اتبع الأكثر فان استووا فقريش لأنهم قطب العرب، فان اختلفت ولا ترجيح أو شكوا أو لم نجدهم ولا غيرهم من العرب اعتبرنا قرب الحيوان شبها به صورة أو طبعا أو طعما فان استوى الشبهان أو لم يوجد ما يشبهه فحلال لقول الله تبارك وتعالى «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً»
(2)
الآية ولا يعتمد فيه شرع من قبلنا لأنه ليس شرعا لنا فاعتماد ظاهر الآية التى تقتضى الحل أولى من استصحاب الشرائع السالفة.
وان جهل اسم حيوان سئل العرب عن ذلك الحيوان وعمل بتسميتهم له مما هو حلال أو حرام لأن المرجع فى ذلك الى الاسم وهم أهل اللسان وان لم يكن له اسم عندهم اعتبر بالأشبه به من الحيوان فى الصورة أو الطبع أو الطعم فى اللحم فان تساوى الشبهان أو فقد ما يشبهه حل على الأصح فى الروضة والمجموع
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الشرح الكبير أن ما استطابته العرب فهو حلال لقول الله تبارك وتعالى:
«وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ» يعنى ما يستطيبونه،
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير سيدى أحمد الدردير فى كتاب على هامشه الشرح الصغير ج 1 ص 300 وما بعدها الى ص 302 طبع المكتبة التجارية الكبرى فى مصر.
(2)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
(3)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج ج 4 ص 279 نفس الطبعة المتقدمة.
وما استخبثه العرب فهو محرم لقول الله تبارك وتعالى «وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ» والذين تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار لأنهم الذين نزل عليهم الكتاب وخوطبوا به - وبالسنة فرجع فى مطلق ألفاظهما الى عرفهم دون غيرهم ولم يعتبر أهل البوادى لأنهم للضرورة والمجاعة يأكلون ما وجدوا، ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون فقال: ما دب ودرج الا أم حبين.
وما وجد فى أمصار المسلمين مما لا يعرفه أهل الحجاز رد الى أقرب ما يشبهه فى الحجاز فان لم يشبهه شئ منها فهو مباح لدخوله فى عموم قول الله عز وجل «قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ» الآية ولقول النبى صلى الله عليه وسلم «ما سكت الله عنه فهو مما عفى عنه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن كل حيوان لم يرد فيه نص بأنه محرم الأكل ولم يأمر النبى صلى الله عليه وسلم بقتله ولم تسخبثه الطباع السليمة فهو مباح لقول الله تعالى: «وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ.»
(2)
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أن ما استخبثه العرب يحرم تناوله والعبرة فى ذلك بأهل الترف والسعة لا ذوى الفاقة وما اختص به بلاد العجم من الحيوان ألحق بشبهه فى العرب، فان التبس فوجهان، قيل: يحرم اذ هو الأصل، وقيل: لا يحرم لعموم قول الله تعالى:
{قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً
…
» الآية
(3)
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن أبا جعفر عليه السلام سئل عن سباع الطير والوحش حتى ذكر القنافذ والوطواط والحمير والبغال والخيل فقال: ليس الحرام الا ما حرم الله تعالى فى كتابه وروى حماد عن عثمان عن أبى عبد الله عليه السلام قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عزوف النفس، وكان يكره الشئ ولا يحرمه فأتى بالأرنب مكرها ولم يحرمها
(4)
.
(1)
الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة المقدسى أسفل كتاب المغنى لابن قدامة المقدسى على مختصر الخرقى ج 11 ص 72، ص 73 نفس الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 398 وما بعدها الى ص 410 مسألة رقم 993 وما بعدها الى مسألة رقم 1000 الطبعة المتقدمة.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 329.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 271 الطبعة المتقدمة.
6 - ما يشترط فى حله التذكية من
الحيوان وما لا يشترط
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه يشترط الذكاة فى حل الأكل من الحيوان المأكول البرى -، فلا يحل أكله بدون الذكاة لقول الله تبارك وتعالى:«حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ»
(1)
فقد استثنى سبحانه وتعالى المذكى من المحرم، والاستثناء من التحريم اباحة
(2)
.
وأما أحكام التذكية وأنواعها وما يتبع فى الحيوان المصيد والناد ونحوه فينظر ذلك كله فى موطنه فى بحث ذكاة - تذكية.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أنه صرح فى التنبيهات بأن الصحيح من المذهب أن الخشاش لا يؤكل الا بذكاة
(3)
.
وجاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أنه يفتقر على المشهور نحو الجراد من كل ما ليس له نفس سائلة للذكاة بنية وتسمية لكن ذكاته بأى فعل يموت به ان عجل الموت كقطع الرقبة بل ولو لم يعجل كقطع جناح أو رجل أو القاء فى ماء بارد.
ولا يؤكل ما قطع منه ولكن لابد من تعجيل الموت فان لم يحصل تعجيل فانه بمنزلة العدم ولا بد من ذكاة أخرى بنية وتسمية
(4)
.
وقال الامام مالك رحمه الله تعالى لا بأس فى أن يقطع الحوت قبل أن يموت لأنه لا ذكاة فيه، وأنه لو وجد ميتا فلا بأس به
(5)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج
(6)
أنه لا يحل شئ من الحيوان المأكول البرى بغير ذكاة شرعية لقول الله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ» الى قوله تعالى: «وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ.»
(7)
وتحل ميتة
(8)
السمك والجراد بالاجماع لخبر أحلت لنا.
(1)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 40 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضيا سيدى خليل ج 3 ص 228 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 114 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
المرجع السابق على الشرح الكبير ج 3 ص 229 نفس الطبعة المتقدمة.
(6)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 4 ص 244 نفس الطبعة المتقدمة.
(7)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(8)
المرجع السابق للخطيب الشربينى ج 4 ص 246 نفس الطبعة المتقدمة
ميتتان» ولخبر: هو - أى البحر - الطهور ماؤه الحل ميتته، ولأن ذبحهما لا يمكن عادة، فسقط اعتباره، سواء ماتا بسبب أم بغير سبب.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أنه لا يباح شئ من الحيوان المقدور عليه من الصيد والأنعام والطير الا بالذكاة ان كان مما يعيش فى البر لقول الله تبارك وتعالى «إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ» ولأن الله تعالى حرم الميتة وهى ما زهقت نفسه بسبب غير مباح أو ليس بمقصود، وما لم يذك فهو ميتة فيحرم لذلك الا الجراد وشبهه كالجندب
(1)
فيحل ولو مات بغير سبب من كبس وتفريق.
فأما السمك وشبهه من حيوانات البحر مما لا يعيش الا فى الماء فيباح بغير ذكاة سواء صاده انسان أو نبذه البحر أو جزر عنه الماء أو حبس فى الماء بحظيرة حتى يموت لعموم حديث ابن عمر مرفوعا رضى الله تعالى عنهما قال:
«أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال.
وما كان مأواه البحر وهو يعيش فى البر ككلب الماء وغيره وسلحفاة وسرطان ونحو ذلك لم يبح المقدور عليه منه الا بالتذكية لأنه لما كان يعيش فى البر ألحق بحيوان البر احتياطا
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل أكل ما يعيش فى الماء وفى البر الا بذكاة كالسلحفاة وكلب الماء والسمور ونحو ذلك لأنه من صيد البر ودوابه
(3)
ولا يحل أكل حيوان مما يحل أكله ما دام حيا لقول الله تعالى «إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ» فحرم علينا أكل ما لم نذك والحى لم يذك بعد
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير أن الحيوان المأكول الذى لا تحل ميتته ضربان مقدور على ذبحه ومتوحش، فالمقدور على ذبحه لا يحل الا بالذبح فى الحلق واللبة وهذا مجمع عليه وسواء فى هذا الانسى والوحشى اذا قدر على ذبحه بأن أمسك الصيد أو كان متأنسا، أما المتوحش كالصيد فجميع أجزائه تذبح ما دام متوحشا فاذا رماه بسهم أو أرسل عليه جارحة فأصاب شيئا منه ومات به حل بالاجماع وأما اذا توحش أنسى، بأن ند بعير أو بقرة أو فرس أو شاة أو غيرها فهو كالصيد فيحل بالرمى الى غير
(1)
جاء فى القاموس المحيط: الجندب - بضم الجيم وكسرها - جراد (مادة جدب).
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 120 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 398 مسألة رقم 990 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 398 مسألة رقم 991 نفس الطبعة المتقدمة.
مذبحه وبارسال الكلب وغيره من الجوارح عليه
(1)
.
وجاء فى التاج المذهب أن ما أخذ من البحر حيا فانه يحل ولا يحتاج الى تذكية ولو كان من جنس ما يذكى، ومثله ما أخذ ميتا بسبب آدمى نحو أن يعالج الصيد فيموت بسبب ذلك فانه يحل حينئذ، وكذا ما مات من ذلك لأجل جزر الماء وانحساره عنه أو قذفه بأن يرمى البحر به الى موضع جاف أو نضوب البحر عنه فمتى مات لأجل هذه الأسباب فقط ولم يكن من جنس ما يحرم حل، وأما اذا مات بغير شئ من ذلك نحو أن يموت بحر الماء أو برده أو بأن يقتل بعضه بعضا أو وجد طافيا أو خرج بنفسه ثم مات بسبب الخروج فانه لا يحل أكله
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن الذكاة انما تقع على حيوان طاهر العين غير آدمى ولا حشار - وهى ما سكن الأرض من الحيوانات كالفأر والضب وابن عرس - ولا تقع على الكلب والخنزير اجماعا ولا على الآدمى وان كان كافرا اجماعا ولا على الحشرات على الأظهر للأصل اذ لم يرد بها نص وقيل تقع وهو شاذ
(3)
.
وذكاة السمك المأكول اخراجه من الماء حيا، بل اثبات اليد عليه خارج الماء حيا وان لم يخرجه منه، وعلى ذلك فيجوز أكل السمك حيا لكونه مذكى باخراجه من غير اعتبار موته بعد ذلك بخلاف غيره من الحيوان فان تذكيته مشروطة بموته بالذبح أو النحر أو ما فى حكمهما.
وقيل لا يباح أكله حتى يموت كباقى ما يذكى ومن ثم لو رجع الى الماء بعد اخراجه فمات فيه لم يحل، فلو كان مجرد اخراجه كافيا لما حرم بعده
(4)
.
وذكاة الجراد أخذه حيا باليد أو الآلة ولو كان الآخذ له كافرا اذا شاهده المسلم وذلك اذا كان الجراد مستقلا بالطيران والا لم يحل وبناء على ذلك فلو أحرقه قبل أن يأخذه حرم، وكذا لو مات فى الصحراء أو فى الماء قبل أخذه وان أدركه بنظره، ويحل أكله حيا وبما فيه كالسمك
(5)
.
(1)
الروض النضير ج 3 ص 176 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
التاج المذهب لأحكام المذهب ج 3 ص 453، 454 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 271 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
المرجع السابق للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 272، ص 273 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 273 نفس الطبعة المتقدمة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن كل حيوان يباح أكله انما يحل اذا ذكى الذكاة المشروعة والا فهو ميتة يحرم تناولها لقوله تعالى «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ» واستثنى من ذلك السمك والجراد فانه لا يشترط تذكيتهما
(1)
».
7 - حكم تناول أطعمة أهل الكتاب
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه تؤكل ذبيحة أهل الكتاب لقول الله تبارك وتعالى:
«وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ»
(2)
والمراد منه ذبائحهم، اذ لو لم يكن المراد ذلك لم يكن للتخصيص بأهل الكتاب معنى لأن غير الذبائح من أطعمة الكفرة مأكول، ولأن مطلق اسم الطعام يقع على الذبائح كما يقع على غيرها لأنه اسم لما يتطعم والذبائح مما يتطعم فيدخل تحت اطلاق اسم الطعام فيحل لنا أكلها.
ويستوى فيه أهل الحرب منهم وغيرهم لعموم الآية الكريمة.
وكذا يستوى فيه نصارى بنى تغلب وغيرهم، لأنهم على دين النصارى الا أنهم نصارى العرب فيتناولهم عموم الآية الشريفة.
وقال سيدنا على رضى الله تعالى عنه:
لا تؤكل ذبائح نصارى العرب لأنهم ليسوا بأهل الكتاب. وقرأ قول الله عز شأنه: «وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاّ أَمانِيَّ.»
(3)
وقال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما:
تؤكل وقرأ قوله عز وجل: «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ.»
(4)
والآية الكريمة التى تلاها سيدنا على رضى الله عنه دليل على أنهم من أهل الكتاب لأن الله عز وجل قال: «وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلاّ أَمانِيَّ.»
(3)
أما الصابئون ففى حكم أطعمتهم خلاف، قال الامام أبو حنيفة رحمه الله تعالى:
تؤكل ذبائحهم.
ويقول أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى: لا تؤكل.
واختلاف الحكم يرجع الى اختلافهم فى تفسير المقصود بالصابئين وأنهم ممن هم؟
ثم انما تؤكل ذبيحة الكتابى اذا
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 516، ص 517 نفس الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 5 من سورة المائدة.
(3)
الآية رقم 78 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 51 من سورة المائدة.
لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شئ أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده لانه اذا لم يسمع منه شيئا يحمل على أنه قد سمى الله تبارك وتعالى وجرد التسمية تحسينا للظن به كما بالمسلم ولو سمع منه ذكر اسم الله تعالى لكنه عنى بالله عز وجل المسيح عليه الصلاة والسلام قالوا: تؤكل لأنه أظهر تسمية هى تسمية المسلمين، الا اذا نص فقال بسم الله الذى هو ثالث ثلاثة فلا تحل.
وقد روى عن سيدنا على رضى الله عنه تعالى عنه أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب وهم يقولون ما يقولون؟ فقال رضى الله تعالى عنه قد أحل الله ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
فأما اذا سمع عنه أنه سمى المسيح عليه الصلاة والسلام وحده، أو سمى الله سبحانه وتعالى وسمى المسيح فان هذا لا تؤكل ذبيحته كذا روى عن سيدنا على رضى الله تعالى عنه ولم يرو عن غيره خلافه فيكون اجماعا ولقول الله عز وجل «وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ»
(1)
وهذا أهل لغير الله عز وجل فلا يؤكل ومن أكلت ذبيحته ممن ذكرنا أكل صيده الذى صاده بالسهم أو بالجوارح ومن لا فلا
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الشيخ حجازى على حاشية الأمير أنه تؤكل ذبيحة الكتابى وان كان أصله مجوسيا كالسامرى ولا يشترط فى ذبيحة الكتابى حضور مسلم يعرفها أو يصفها لمن يعرفها الا أن يأكل الميتة فيكفى الحضور بناء على عدم اعتبار النية من الكافر اذ شرطها الاسلام، بل فى بعض شراح الرسالة أن غير الكتابى اذا ذكى بحضرة مسلم وسمى أكلت هذا ولكن نية فعل الذكاة لا بد منه ولو من الكافر والا لأكلت موقوذته ان صادفت الذكاة نعم لا يشترط نية التحليل وان لم يكن حلاله حرم أكله وذلك ان ثبت تحريمه بشرعنا.
هذا ويكره شحم اليهودى لأنه جزء مذكى تابع والنظر للتحريم عليه انما هو فى جميع الذات لكنه اعتبر فى الجملة للكراهة وانما لم يحرم مع أنه ثبت تحريمه بشرعنا لما علمت أنه جزء مذكى والذكاة لا تتبعض، ويكره قبول صدقة موتاهم لأنه تعظيم لشركهم، وينخرط فى هذا قبول ما يهدونه للمسلمين فى أعيادهم من الرقاق والبيض، وأما مهاداتهم فى غير ذلك فلا بأس بها ما لم تصل الى حد الصداقة
(3)
.
(1)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 45، ص 46 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
حاشية الشيخ حجازى العدوى على حاشية الشيخ محمد الأمير على شرح مجموعه الفقهى ج 1 ص 351، ص 352 نفس الطبعة المتقدمة.
وجاء فى حاشية الأمير على شرح مجموعه الفقهى ان ما ذبحه الكتابيون لنحو عيسى وصليب وصنم ان ذكروا عليه اسم الله أكل ولو قدموا غيره لأنه يعلو ولا يعلى عليه. والا فان قصدوا اهداء الثواب من الله فكذلك يؤكل بمنزلة الذبح للولى وان قصدوا التقرب والتبرك بالألوهية أو تحليلها بذلك حرم أكله
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الله تعالى أباح ذبائح أهل الكتاب بقول الله تبارك وتعالى: «وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ»
(2)
وهم لا يسمون غالبا فدل على أن التسمية غير واجبة، وبقول السيدة عائشة رضى الله تعالى عنها ان قوما قالوا يا رسول الله ان قومنا حديثو عهد بالجاهلية يأتون بلحام لا ندرى أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا أنأكل منها، فقال صلى الله عليه وسلم:
اذكروا اسم الله وكلوا» رواه البخارى.
ولو كان ذكر اسم الله تعالى واجبا لما أجاز صلى الله عليه وسلم الأكل مع الشك
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أنه لا بأس فى أكل جبن المجوسى وغيرهم من الكفار ولو كانت أنفحته من ذبائحهم وكذا الدروز والنصيرية فقد سئل الامام أحمد رحمه الله تعالى عن الجبن فقال: يؤكل من كل أحد، فقيل له عن الجبن الذى يصنعه المجوسى فقال: ما أدرى وذكر أن أصح حديث فيه حديث عمر رضى الله تعالى عنه أنه سئل عن الجبن وقيل له: يعمل فيه أنفحة الميتة قال: سموا اسم الله وكلوا
(4)
. والمفهوم من قول الله تبارك وتعالى «وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ» أن طعام غير أهل الكتاب من الكفار حرام وانما أخذت من المجوسى الجزية لأن شبهة الكتاب تقتضى التحريم لدمائهم، فلما غلب التحريم فى دمائهم وجب أن يغلب عدم الكتاب فى تحريم ذبائحهم ونسائهم احتياطا للتحريم فى الموضعين ويؤكل من طعام المرتدين والمجوس والوثنيين والزنادقة والدروز والنصيرية غير اللحم والشحم والكوارع والرؤوس ونحوها من أجزاء الذبيحة لأنها ميتة، وكل أجزائها ميتة
(5)
وان ذبح الكتابى باسم المسيح أو غيره لم تبح الذبيحة لقول الله تعالى: «وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ»
(6)
واذا
(1)
حاشية الأمير على شرح مجموعه الفقهى فى كتاب مع حاشية الشيخ حجازى على الأمير ج 1 ص 352 نفس الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 5 من سورة المائدة.
(3)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج ج 4 ص 250 نفس الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 119 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 121 نفس الطبعة المتقدمة.
(6)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
لم يعلم أسمى الذابح أم لم يسم أو لم يعلم أذكر اسم غير الله أم لم يذكر فالذبيحة حلال لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها: قالوا يا رسول الله ان قوما حديثو عهد بشرك يأتوننا بلحم لا ندرى أذكروا اسم الله أم لم يذكروا فقال: سموا أنتم وكلوا» رواه البخارى
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل أكل ما ذبح أو نحر لغير الله تعالى، ولا ما سمى عليه غير الله تعالى متقربا بتلك الذكاة اليه، سواء ذكر اسم الله تعالى معه أو لم يذكره وكذلك ما ذكى من الصيد لغير الله تعالى: فلو قال باسم الله وصلّى الله على المسيح أو قال: وصلّى الله على محمد أو ذكر سائر الأنبياء فهو حلال، لأنه لم يهل به لهم قال الله تعالى:
{أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ»
(2)
فسواء ذكر الله تعالى عليه أو لم يذكر هو مما أهل لغير الله تعالى به فهو حرام سواء ذبحه مسلم أو كتابى
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى الروض النضير
(4)
أنه يباح طعام اليهود لما ثبت من أن النبى صلى الله عليه وسلم أضافه يهودى على خبز شعير وأهالة سنخة والخبر المشهور من حديث أنس رضى الله تعالى عنه أن يهودية أهدت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة فأكل منها، وكذلك الحكم فى ذبائح النصارى، فقد روى عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم قال: كلوا ذبائح بنى تغلب وتزوجوا نساءهم فان الله تعالى يقول: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ» فلو لم يكونوا منهم الا بالولاية منهم لكانوا منهم.
هذا وقد ذهبت القاسمية والمؤيد بالله أحمد بن الحسين الهارونى ومحمد ابن عبد الله النفس الزكية الى تحريم ذبيحة الكتابى كالوثنى قال فى البحر: وهو احدى الروايتين عن زيد بن على.
أما المحلون فقد احتجوا بقول الله تعالى: «وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ}
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 124 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 483 المسألة رقم 1001 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
الروض النضير ج 3 ص 167 وما بعدها الى ص 169 نفس الطبعة المتقدمة.
{حِلٌّ لَكُمْ»
(1)
حيث تشير هذه الآية الى أن ذبيحتهم حلال وكأنهم لا يذكرون عيسى وعزيزا فى مقام الذبح أو ينذر منهم فلم يعبأ بذلك وجعلت ذبيحتهم كذبيحة المسلم. أما ذبائح المجوس فان مذهب الجمهور المنع مطلقا. قال البيهقى رحمه تعالى: واجماع أكثر المسلمين عليه ونقل الحربى الاجماع على المنع الا عن أبى نور وأخرج ابن أبى شيبة من طريقه جواز التسرى من المجوس باسناد صحيح واذا جاز التسرى جاز أكل ذبائحهم اذ هما قرينان فى الحكم وذلك انهم أهل كتاب لحديث: «انما المجوس طائفة من أهل الكتاب» واسناده حسن، فحكمهم كحكم أهل الكتاب فى جميع الأحكام وقد صح أن النبى صلى عليه وسلم أخذ منهم الجزية ولم يأذن الله عز وجل فى أخذها الا من أهل الكتاب
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن ذبيحة الوثنى ميتة وفى الكتابى روايتان أشهرهما المنع فلا يؤكل ذباحة اليهودى ولا النصرانى ولا المجوسى، وفى رواية ثالثة تؤكل ذباحة الذمى اذا سمعت تسميته وهى مطروحة
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن الذبيحة لا تؤكل على الصحيح ان ذبحها أو نحرها مشرك غير كتابى أو كتابى محارب.
وتجوز ذبيحة أهل الكتاب كلهم من الرجال والنساء والأحرار والعبيد ممن اختتن منهم ومن لم يختتن ما داموا فى العهد والذمة، واذا حاربوا فلا تؤكل ولا تؤكل ذبيحة من ارتد الى أهل الكتاب من أهل الاقرار، وتؤكل ذبيحة الطفل والطفلة الكتابيين ان لم يحارب أبواهما
(4)
.
وقد ورد فى الأثر أنه يجوز أكل ذبيحة نصرانى ذكر عليها ثلاثة آلهة منهم الله.
ولا يؤكل ما ذبح لغير الله تعالى ولو لغير الأصنام وسئل على وابن عباس رضى الله تعالى عنهم كيف حلت ذكاة أهل الكتاب وهم يذكرون غير الله تعالى فقالا ان الله حين أحل لنا ذبائحهم قد علم ما يقولون
(5)
.
(1)
الآية رقم 5 من سورة المائدة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 170 نفس الطبعة السابقة.
(3)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 137 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 544، ص 545 نفس الطبعة المتقدمة.
(5)
المرجع السابق لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 555 نفس الطبعة السابقة.
8 - حكم تناول السمك المملح
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق أن دم السمك معفو عنه لأنه ليس بدم على التحقيق وانما هو دم فى الصورة لأنه اذا يبس يبيض والدم اذا يبس يسود، وأيضا لأن الحرارة خاصية الدم والبرودة خاصية الماء فلو كان للسمك دم لم يدم سكونه فى الماء. وعلى ذلك فالحكم يشمل السمك الكبير اذا سال منه شئ فان ظاهر الرواية أن دم السمك مطلقا طاهر.
وروى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه نجس مطلقا وأنه مقدر بالكثير الفاحش، وروى عنه أن دم الكبير نجس وما روى عن أبى يوسف ضعيف
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ترتيبا على ما جاء من الخلاف فى طهارة الدم المسفوح من السمك:
أنه يترتب على ذلك الخلاف الخلاف فى جواز أكل السمك الذى يوضع بعضه على بعض ويسيل دمه من بعضه الى بعض وعدم جواز أكله: فعلى القول بأن الدم المسفوح من السمك نجس.
لا يجوز أن يؤكل من هذا السمك الا الصف الأعلى وعلى القول بأن ذلك الدم طاهر - وممن قال بذلك ابن العربى رحمه الله تعالى - يجوز أن يؤكل هذا السمك كله.
ومذهب الحنفية أن الخارج من السمك ليس بدم بل هو رطوبة، وحينئذ فهو طاهر.
ولو شك على القول باباحة الأكل من الصف الأعلى منه فقط - هل هذا السمك كان من الصف الأعلى أو من غيره أكل لأن الطعام لا يطرح بالشك
(2)
.
وجاء فى مواهب الجليل نقلا عن المدونة أن من ملح حيتانا فوجد فيها ضفادع ميتة أكلت. قيل: الضمير يعود الى الضفادع يعنى أكلت الضفادع، وقيل الضمير يعود الى الحيتان يعنى أكلت الحيتان. والجميع يؤكل
(3)
.
وجاء فى بلغة السالك أن الدردير رضى الله تعالى عنه كان يقول: الذى أدين الله به أن الفسيخ طاهر لأنه لا يملح ولا يرضخ الا بعد الموت والدم المسفوح
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم فى كتاب على هامشه الحواشى المسماة بمنحة الخالق على البحر الرائق ج 1 ص 247 نفس الطبعة المتقدمه.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 57 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل المعروف بالمواق ج 3 ص 229 نفس الطبعة المتقدمة.
لا يحكم بنجاسته الا بعد أن يخرج وبعد موت السمك ان وجد فيه دم يكون كالبامى فى العروق بعد الذكاة الشرعية فالرطوبات الخارجة منه بعد ذلك طاهرة لا شك فى ذلك
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى حاشية البجيرمى على شرح منهج الطلاب نقلا عن الجواهر: أن كل سمك مملح ولم ينزع ما فى جوفه فهو نجس. ثم قال صاحب الحاشية ومن ذلك يعلم حرمة أكل الفسيخ المعروف خلافا لما اشتهر على الألسنة
(2)
.
وجاء فى حاشية البجيرمى على الاقناع نقلا عن الجواهر: أن الأصحاب من الشافعية رحمهما الله تعالى يرون أنه لا يجوز أكل السمك الذى ملح ولم ينزع ما فى جوفه من المستقذرات، وظاهر ذلك أنه لا فرق فى التحريم بين صغير السمك وكبيره لكن ذكر الشيخان - الرافعى والنووى - أنه يجوز أكل الصغير من السمك مع ما فى جوفه لعسر تنقية ما فيه وان كان الأصح أنه نجس
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أن دم السمك طاهر اذ يؤكل بدمه كالعروق بعد الذبح والا لنجست ميتته ولزمت تذكيته ليذهب دمه كالشاة
(4)
.
9 - الأطعمة التى يتغير حكم
تناولها بسبب عارض
أولا: طعام المضطر:
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندية أنه لا بأس بأن يأكل الانسان الميتة فى حالة المخمصة قدر ما يدفع به الهلاك عن نفسه. واختلفوا فى حكم أكله.
قيل: أكله حرام الا أنه وضع الاثم عنه.
وقيل: هو حلال لا يسعه أن يتركه كذا فى الغرائب.
ولو خاف الانسان على نفسه الموت من الجوع ومع رفيق له طعام ذكر فى الروضة أنه يجوز له أن يأخذ من
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير لسيدى أحمد الدردير ج 1 ص 21 نفس الطبعة السابقة.
(2)
حاشية البجيرمى على منهج الطلاب ج 4 ص 304 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
حاشية البجيرمى على الاقناع ج 1 ص 92 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن المرتضى ج 1 ص 17 طبع مطبعة السعادة فى مصر الطبعة الأولى سنة 1366 هـ الموافق سنة 1947 م.
الطعام قدر ما يدفع جوعه على شرط الضمان، كذا فى الخلاصة ومن أصابته مخمصة وعنده طعام رفيقه فلم يأخذ منه كرها بالقيمة بل صبر حتى مات جوعا يثاب كذا فى القنية.
وان اضطر الى طعام والمالك يمنعه وسعه أن يأخذ منه ولا يقاتله عليه ولو ترك حتى مات كان فى سعة.
ولو أن مضطرا لم يجد ميتة وخاف الهلاك فقال له رجل اقطع يدى وكلها أو قال اقطع منى قطعة وكلها فانه لا يسعه أن يفعل ذلك ولا يصح أن يؤمر به، كما لا يسع للمضطر أن يقطع قطعة من نفسه فيأكل كذا فى فتاوى قاضيخان ومن امتنع عن أكل الميتة حالة المخمصة أو صام ولم يأكل حتى مات يأثم كذا فى الاختيار شرح المختار، ولو جاع ولم يأكل مع قدرته حتى مات يأثم كذلك
(1)
.
وذكر صاحب الفتاوى الهندية أنهم تكلموا فى حد الاضطرار الذى يحل له الميتة فقيل: يكون الشخص مضطرا اذا كان بحال يخاف فيها على نفسه التلف روى عن ابن المبارك رحمه الله تعالى أنه قال اذا كان بحال لو دخل السوق لا ينظر الى شئ سوى الحرام.
وقيل: يكون مضطرا اذا كان يضعف عن أداء الفرائض.
وقيل: بعد ثلاثة أيام.
والصحيح أنه غير مؤقت لأنه يختلف باختلاف طبائع الناس
(2)
.
وفى حد الاضطرار وصفاته تفصيل وتفريع يطلب فى بحث اضطرار.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى أن الانسان اذا خاف على نفسه الهلاك بأن علم ذلك أو ظنه فانه يباح له فى هذه الحالة أن يأكل من الميتة بقدر ما يسد الرمق ولا يشبع، وبه قال ابن حبيب وابن الماجشون وأبوه فيما اذا كانت الضرورة نادرة أما ان كانت دائمة فلا خلاف فى جواز الشبع قاله ابن العربى.
وأما جنس الطعام المباح فى هذه الحال فهو كل ما يرد جوعا أو عطشا برفع الضرورة أو تخفيفها كالأطعمة النجسة والميتة من كل حيوان غير الآدمى، قال ابن القاسم: ولا يقرب المضطر ضوال الابل قال العدوى رحمه الله تعالى: الا أن تتعين طريقا لنجاته
(1)
الفتاوى الهندية ج 5 ص 337 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 337 نفس الطبعة المتقدمة.
وقاله ابن وهب. وقال ابن العربى رحمه الله تعالى: ولا يأكل ابن آدم وان مات قاله علماؤنا. ولا فرق بين ميتة المسلم والكافر فى الحرمة. وهل هى تعبد - وهو المشهور - أو للأذية لما قيل: انها اذا جافت صارت سما
(1)
.
ويقدم المضطر فى التناول للضرورة الميتة التى لم تتغير ويخشى من أكلها على الخنزير لأن لحمه حرام لذاته والميتة حرام لوصفها فهى أخف، ولأن الميتة تحل حية - ولو على قول فى مذهبنا أو غيره - والخنزير لا يحل مطلقا. وكذا يقدم الميتة على ما صاده المحرم وان ذبحه غيره أو ذبحه المحرم وان صاده حلال وهذا حيث كان المضطر محرما.
وأما ان كان حلالا وصاد المحرم صيدا وذبحه الحلال فانه يقدمه على الميتة لأن التحريم فيه من جهة واحدة.
ويفهم من كلامه تقديم صيد المحرم على الخنزير، وكذا يقدم ما اختلف فى تحريمه كالبغال والحمير على ما أتفق على تحريمه كالخنزير.
واذا وجد المضطر ما صاده محرم آخر أو ما صيد له بعد ما ذبح فانه يقدمه على الميتة وجوبا على الراجح، وقيل ندبا وسواء ذكاه محرم أو حلال
(2)
.
واذا وجد المضطر الميتة وطعام الغير من تمر أو زرع أو غنم مما ليس مضطرا اليه ربه فانه يقدم طعام الغير على أكل الميتة. هذا ان لم يخف أن تقطع يده بسبب ذلك فيما فيه قطع كتمر الجرين وغنم المراح، ولم يخف أن يؤذى أو يضرب فيما لا قطع فيه كالتمر المعلق فان خاف ما ذكر قدم الميتة على طعام الغير. أما ان لم يخف القطع والايذاء فان له أن يقاتل عليه جوازا بعد أن يعلمه أنه ان لم يعطه قاتله ثم بعد ذلك ان قتله المضطر فهدر وان قتل رب الطعام المضطر فالقصاص
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج: أن من خاف من عدم الأكل على نفسه موتا أو مرضا مخوفا أو زيادته أو طول مدته أو انقطاعه عن رفقته أو خوف ضعف عن مشى أو ركوب ولم يجد طعاما حلالا يأكله ووجد محرما كميتة ولحم خنزير وطعام الغير لزمه أن يأكله لأن تاركه ساع فى هلاك نفسه، كما يجب أن يدفع الهلاك بأكل الحلال، وقد قال الله تعالى:
«وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً.»
(4)
قال الزركشى رحمه الله تعالى: وينبغى أن يكون خوف حصول الشين الفاحش
(1)
شرح الخرشى ج 3 ص 28 فى كتاب مع حاشية العدوى عليه الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق وحاشية العدوى عليه ج 3 ص 29، 30 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق وحاشية العدوى عليه ج 3 ص 30 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
الآية رقم 29 من سورة النساء.
فى عضو ظاهر كخوف طول المرض كما فى التيمم ولا يشترط مما يخاف منه تحقق وقوعه لو لم يأكل بل يكفى فى ذلك الظن كما فى الاكراه على أكل ذلك فلا يشترط فيه التيقن ولا الاشراف على الموت بل لو انتهى الى هذه الحالة لم يحل له أن يأكله فانه غير مفيد كما صرح به فى أصل الروضة.
وقيل لا يلزم المضطر أن يأكل المحرم بل يجوز أن يتركه وأن يأكله كما يجوز له الاستسلام للصائل.
هذا ويتخير المضطر بين أنواع الطعام المحرم كميتة شاة وحمار، لكن لو كانت الميتة من حيوان نجس فى حياته كخنزير وميتة حيوان طاهر فى حياته كحمار وجب تقديم ميتة الطاهر كما صححه فى المجموع.
قال فى المهمات: وهذا التفصيل الذى صححه ليس وجها ثابتا فضلا عن تصحيحه واعترض بأنه وجه ثابت وجزم به فى الحاوى.
فان توقع مضطر طعاما حلالا على قرب لم يجز قطعا غير سد الرمق لاندفاع الضرورة به، وقد يجد بعده الحلال، ولقول الله تبارك وتعالى:
«فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
(1)
قيل: أراد به الشبع وان لم يتوقع طعاما حلالا على قرب ففى قول يجوز له أن يشبع لاطلاق الآية ولأن له تناول قليلة فجاز له الشبع كالمذكى وليس المراد بالشبع أن يملأ جوفه حتى لا يجد للطعام مساغا فان هذا حرام قطعا صرح به القاضى أبو الطيب والبندنيجى وغيرهما، بل المراد كما قاله الامام رحمه الله تعالى أن يأكل حتى يكسر سورة الجوع بحيث لا يطلق عليه اسم جائع - والأظهر أنه لا يشبع بل يجب سد الرمق فقط فى الأصح لأنه بعد ذلك يكون غير مضطر فلا يباح لانتفاء الشرط، الا أن يخاف تلفا أو حدوث مرض أو ريادته ان اقتصر على سد الرمق فتباح له الزيادة بل تلزمه لئلا يهلك نفسه.
ويجوز للمضطر أن يتزود من الأطعمة المحرمة ولو رجا الوصول الى الحلال ويبدأ وجوبا بلقمة حلال ظفر بها فلا يجوز له أن يأكل مما ذكر حتى يأكلها لتتحقق الضرورة واذا وجد الحلال بعد تناوله الميتة ونحوها لزمه القئ اذا لم يضره كما هو قضية نص الأم. ولو عم الحرام جاز استعمال ما يحتاج اليه ولا يقتصر على الضرورة قال الامام: بل على الحاجة، قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى: هذا ان توقع معرفة المستحق اذ المال عند اليأس منها للمصالح العامة.
ولو وجد مضطر طعام غائب ولو محرزا ولم يجد طعاما غيره أكل منه ابقاء لمهجته وغرم بدل ما أكله
(1)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
من قيمة فى المتقوم ومثل فى المثلى لحق الغائب سواء قدر على البدل أم كان عاجزا عنه، لأن الذمم تقوم مقام الأعيان.
ولو وجد المضطر طعام حاضر مضطر اليه لم يلزمه بذله لغيره ان لم يفضل عنه. بل هو أحق به لحديث: أبدأ بنفسك، وابقاء لمهجته، نعم ان كان غير المالك نبيا وجب على المالك أن يبذله له وان لم يطلبه. فان آثر على نفسه فى هذه الحالة مضطرا مسلما معصوما جاز بل يسن وان كان أولى به كما فى الروضة لقول الله تعالى، «وَيُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ.»
(1)
ولو وجد المضطر طعام حاضر مضطر له لزم غير المضطر أن يطعم مضطرا معصموما مسلما كان أو ذميا أو نحوه كمعاهد ولو كان يحتاج اليه فى ثانى الحال على الأصح للضرورة الناجزة بخلاف غير المعصوم كالحربى، فان امتنع هو أو وليه غير مضطر فى الحال من بذله بعض لمضطر محترم فللمضطر أن يقهره على أخذه وان احتاج اليه المانع فى المستقبل وان قتله، ويجب قتاله كالصائل، بل أولى
(2)
.
ولو وجد مضطر ميتة وطعام غيره الغائب أو وجد مضطر محرم ميتة وصيدا مأكولا غير مذبوح ولم يجد حلالا يذبحه فالمذهب يجب أكلها.
أما فى الأولى: فلأن اباحة الميتة للمضطر بالنص واباحة مال الغير بالاجتهاد والنص أقوى ولأن حق الله تعالى أوسع.
وأما فى الثانية: فلأن فيها تحريم ذبح الصيد وتحريم أكله وفى الميتة تحريم واحد، وما خف تحريمه أولى.
والرأى الثانى: يأكل الطعام والصيد.
والرأى الثالث: التخيير بين الاثنين فى المسألتين لأن الأول نجس لا ضمان فيه والثانى طاهر فيه الضمان، أما اذا كان مالك الطعام حاضرا وامتنع من البيع أصلا أو امتنع من البيع الا بأكثر مما يتغابن به فانه يجب عليه أن يأكل الميتة فى الأولى ويجوز له فى الثانية، وسن له أن يشترى بالزيادة ان قدر على ذلك. ومثل الميتة فى ذلك صيد الحرم - كما فى الكفاية - فان ذبح المحرم الصيد أو ذبح الحلال صيد الحرم صار ميتة فيتخير المضطر بينه وبين الميتة لأن كلا منهما ميتة ولا مرجح، ولا قيمة للحمه كسائر الميتات. وفى الصيد وطعام الغير وجوه أحدها - وهو الظاهر - يتعين الصيد لبناء حق الله تعالى على المسامحة، ثانيها يتعين
(1)
الآية رقم 9 من سورة الحشر.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 4 ص 282، وما بعدها الى ص 284 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1306 هـ.
الطعام. ثالثها يتخير بينهما. وان وجد المريض طعاما له أو لغيره يضره ولو بزيادة فى مرضه فله أن يأكل الميتة دونه. والأصح حيث لم يجد المضطر شيئا يأكله - تحريم قطع بعضه كجزء من فخذه لأكله لأنه قد يتولد من ذلك الهلاك، قال صاحب المنهاج - أخذا من الرافعى فى الشرح - الأصح أنه يجوز لأنه اتلاف بعضه لاستبقاء كله فأشبه قطع اليد بسبب الأكلة، وشرط الجواز أمران.
أحدهما: فقد الميتة ونحوها مما مر.
والأمر الثانى: أن يكون الخوف فى قطعه أقل من الخوف فى ترك الأكل فان كان مثله أو أكثر حرم جزما ويحرم على مضطر أيضا أن يقطع لنفسه قطعة من حيوان معصوم
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أن من اضطر الى محرم - سوى سم ونحوه مما يضر - بأن خاف على نفسه التلف أما من جوع أو يخاف ان ترك الأكل عجز عن المشى وانقطع عن الرفقة فيهلك أو يعجز عن الركوب فيهلك وجب عليه سواء كان فى الحضر أو السفر - أن يأكل من المحرم ما يسد رمقه ويأمن معه الموت لقول الله تبارك وتعالى:
«فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ.»
(2)
وقوله عز شأنه:
«وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ.»
(3)
وليس للمضطر أن يشبع من المحرم لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر اليه فاذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء، كما يحرم ما فوق الشبع اجماعا ذكره فى الشرح والمبدع.
وقال الموفق وتبعه جماعة ان كانت الضرورة مستمرة جاز الشبع وان كانت الحاجة مرجوة الزوال فلا يشبع لعدم الحاجة وللمضطر أن يتزود من المحرم ان خاف الحاجة ان لم يتزود لأنه لا ضرر فى استصحابها ولا فى اعدادها لدفع ضرورته وقضاء حاجته ولا يأكل منها الا عند ضرورته فان تزود فلقيه مضطر آخر لم يجز له بيعه منه لأنه ليس بمال كبيعه من غيره، ويلزمه اعطاؤه منه بغير عوض ان لم يكن المتزود مضطرا فى الحال الى ما معه فلا يعطى غيره لأن الضرر لا يزال بالضرر ويجب على المضطر تقديم السؤال على أكله نص عليه وقال الشيخ رحمه الله تعالى: لا يجب تقديم السؤال ولا يأثم
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه متن المنهاج للنووى ج 4 ص 284، ص 285
(2)
الآية رقم 173 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 195 من سورة البقرة.
بعدمه وانه ظاهر المذهب لظاهر نقل الأثرم.
وان وجد المضطر من يطعمه ويسقيه لم يحل له أن يمتنع لأنه يلقى بنفسه الى الهلاك ولا يحل له أن يعدل الى الميتة لأنه غير مضطر اليها الا أن يخاف أن يسمه فى الطعام أو يكون الطعام مما يضره ويخاف أن يهلكه أو يمرضه فيمتنع منه ويعدل الى الميتة لاضطراره اليها وان وجد طعاما مع صاحبه وميتة وامتنع رب الطعام من بذله للمضطر أو بيعه منه ووجد المضطر ثمنه لم يجز له مكابرة رب الطعام عليه وأخذه منه لعدم احتياجه اليه بالميتة، ويعدل المضطر الى الميتة وان بذل الطعام ربه للمضطر بثمن مثله وقدر المضطر على الثمن لم يحل له أن يأكل الميتة لاستغنائه عنها بالمباح وان بذل الطعام ربه بزيادة لا تجحف لزمه شراؤه كالرقبة فى الكفارة.
وان كان المضطر عاجزا عن الثمن فهو فى حكم العادم لما يشتريه فتحل له الميتة.
وان امتنع رب الطعام من بذله للمضطر الا بأكثر من ثمن مثله فاشتراه المضطر بذلك كراهة أن يجرى بينهما دم أو عجزا عن قتاله لم يلزم المضطر أكثر من ثمن مثله لأنه وجب على ربه بذله بقيمته فلا يستحق أكثر منها فان أخذ أكثر رده والا سقط. وليس للمضطر فى سفر المعصية كقاطع الطريق والقن الآبق أن يأكل من الميتة ونحوها من المحرمات لقول الله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ»
(1)
الا أن يتوب من المعصية فيأكل من المحرم لأنه صار بالتوبة من أهل الرخصة.
وان وجد المضطر طعاما جهل مالكه وميتة أكل من الميتة ان أمكن رد الطعام الى ربه بعينه لأن حق الله تعالى مبنى على المسامحة والمساهلة بخلاف حق الآدمى فانه مبنى على الشح والضيق وحقه يلزمه غرامته بخلاف حق الله تعالى: وفى الفنون قال الامام حنبل رحمه الله تعالى: الذى يقتضيه مذهبنا خلاف هذا فان تعذر رده الى ربه بعينه كالمغصوب قدم أكلها على أكل الميتة على ما ذكره فى الاختيارات.
ولو وجد المضطر صيدا حيا وهو محرم وميتة أكل الميتة لأن ذبح الصيد جناية لا تجوز له حال الاحرام.
وان وجد المضطر صيدا وطعاما جهل مالكه بلا ميتة والمضطر محرم أكل الطعام لاضطراره اليه وفيه جناية واحدة وان وجد المضطر لحم صيد ذبحه محرم وميتة أكل لحم الصيد قاله القاضى وجزم به فى المنتهى وقال فى التنقيح وهو أظهر.
(1)
الآية رقم 173 من سورة البقرة.
وقال أبو الخطاب رحمه الله تعالى:
يأكل من الميتة ولو وجد بيض صيد سليما وميتة فظاهر كلام القاضى يأكل الميتة ولا يكسره لأن كسره جناية لا تجوز له حال الاحرام وجزم به فى المنتهى.
وان لم يجد المحرم المضطر الا صيدا ذبحه وكان ذكيا طاهرا وليس بنجس ولا ميتة فى حقه لاباحته له اذن، ويتعين عليه ذبحه فى محل الذبح وتعتبر شروط الذكاة فيه، وله أن يشبع منه لأنه ذكى لا ميتة ولا يجوز له قتله اذن مع تمكنه من ذكاته كالأهلى المأكول وهو ميتة فى حق غيره فلا يباح الا لمن تباح له الميتة وكذا لو اضطر الى صيد بالحرم.
ولو وجد المضطر ميتتين مختلف فى أحدهما فقط أكلها دون المجمع عليها، لأن المختلف فيها مباحة على قول بعض المسلمين فاذا وجدها كان واجدا للمباح على ذلك القول فتحرم عليه الأخرى، ولأنها أخف وان لم يجد المضطر شيئا مباحا ولا محرما لم يبح له أن يأكل بعض أعضائه لأنه يتلفه لتحصيل ما هو موهوم ومن لم يجد الا طعاما لم يبذله مالكه أو لم يجد الا ما لم يبذله مالكه فان كان صاحبه مضطرا اليه ولو فى المستقبل بأن كان خائفا أن يضطر فصاحبه أحق به لأنه ساواه فى الضرورة وانفرد بالملك.
وليس للمضطر الايثار بالطعام الذى معه فى حال اضطراره لقول الله تعالى:
{وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .
(1)
ولا يجوز لأحد أن يأخذ من المضطر طعامه المضطر اليه فان أخذه فمات صاحبه جوعا لزم الآخذ ضمانه، وان لم يكن صاحبه مضطرا اليه لزمه بذله للمضطر بقيمته فان أبى رب الطعام بذله أخذه المضطر بالأسهل من شراء أو استرضاء ولا يجوز قتاله حيث أمكن أخذ بدون قتال لعدم الحاجة اليه كدفع الصائل فان أبى رب الطعام أن يبذله بالأسهل أخذه المضطر قهرا لأنه يستحقه دون مالكه ويعطى المضطر عوضه فان منع رب الطعام المضطر من أخذه فله أن يقاتله على ما يسد رمقه لأنه منعه من الواجب عليه فأشبه ما نعى الزكاة.
فان قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه لأنه ظالم بقتاله أشبه الصائل وان قتل المضطر فعلى صاحب الطعام ضمانه لأنه قتله ظلما.
ويلزم المضطر عوض الطعام فى كل موضع أخذه ولو بذل الطعام ربه للمضطر بثمن مثله لزمه قبوله ولو كان معسرا ولو امتنع المالك للطعام من البيع للمضطر الا بعقد ربا جاز للمضطر أن يأخذه منه قهرا فى ظاهر كلام جماعة لاطلاقهم
(1)
الآية 195 من سورة البقرة.
تحريم الربا فان لم يقدر المضطر على قهره دخل معه فى العقد صورة وعزم على أن لا يتم عقد الربا فان لم يجد المضطر الا آدميا محقون الدم لم يبح له قتله ولا اتلاف عضو منه مسلما كان المحقون أو كافرا ذميا كان أو مستأمنا لأن المعصوم الحى مثل المضطر فلا يجوز له ابقاء نفسه باتلاف مثله، وان وجد المضطر آدميا معصوما ميتا لم يبح أكله لأنه كالحى فى الحرمة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: كسر عظم الميت ككسر عظم الحى
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن كل ما حرم الله عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام أو ميتة أو دم أو لحم سبع أو طائر أو ذى أربع أو حشرة أو خمر، أو غير ذلك فهو كله حلال عند الضرورة، حاشا لحوم بنى آدم وما يقتل من تناوله فلا يحل من ذلك شئ أصلا لا بضرورة ولا بغيرها. فمن اضطر الى شئ مما ذكرنا قبل ولم يجد مال مسلم أو ذمى فله أن يأكل حتى يشبع وله أن يتزود حتى يجد حلالا، فاذا وجده عاد الحلال من ذلك حراما كما كان عند ارتفاع الضرورة وحد الضرورة أن يبقى يوما وليلة لا يجد فيها ما يأكل أو ما يشرب فان خشى الضعف المؤذى الذى ان تمادى أدى الى الموت أو قطع به عن طريقه وشغله حل له الأكل والشرب فيما يدفع به عن نفسه الموت بالجوع أو العطش وكل ما ذكرنا سواء لا فضل لبعضها على بعض أن وجد منها نوعين أو أنواعا فيأكل ما شاء منها فلا معنى للتذكية فيها.
أما تحليل كل ذلك للضرورة فلقول الله تبارك وتعالى: «وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ»
(2)
فأسقط تعالى تحريم ما فصل تحريمه عند الضرورة فعم ولم يخص فلا يجوز تخصيص شئ من ذلك.
وأما استثناء لحوم بنى آدم فللأمر بمواراتها فلا يحل غير ذلك وأما ما يقتل فانما أبيحت المحرمات خوف الموت أو الضرر فاستعجال الموت لا يحل لقول الله تعالى: «وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ»
(3)
وأما تحديدنا ذلك ببقاء يوم وليلة بلا أكل فلتحريم النبى صلى الله عليه وسلم الوصال يوما وليلة
(4)
.
ولا يحل شئ مما ذكرنا لمن كان فى طريق بغى على المسلمين أو ممتنعا
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 4 ص 116 وما بعدها الى ص 118 الطبعة المتقدمة.
(2)
الآية رقم 119 من سورة الأنعام.
(3)
الآية رقم 29 من سورة المائدة.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 426 وص 427 مسألة رقم 1025 نفس الطبعة المتقدمة.
من حق، بل كل ذلك حرام عليه، فان لم يجد ما يأكل فليتب مما هو فيه وليمسك عن البغى وليأكل حينئذ وليشرب مما اضطر اليه حلالا له فان لم يفعل فهو عاص لله تعالى فاسق آكل حرام وذلك لقول الله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»
(1)
وقوله «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
(2)
فانما أباح الله تعالى ما حرمه بالضرورة لمن لم يتجانف لاثم ومن لم يكن باغيا ولا عاديا
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب أن المباح من أكل الميتة عند الضرورة لمن خشى التلف فى الحال أو فى المآل انما هو سد الرمق منها فقط والمراد بسد الرمق أنه متى خشى التلف جاز له أن يسد الجوعة بما لا يتضرر بالنقص منه دون الشبع والمراد بالتلف ذهاب الروح ونحوه فساد عضو من أعضائه أو حاسة من حواسه.
ولا بأس على المضطر فى أن يتزود منها اذا خشى أن لا يجدها فان لم يمكنه أن يتزود منها حل الشبع منها ما لم يمكنه أن يترك السفر.
ويقدم وجوبا الأخف من ذلك فالأخف عند الاضطرار ولا يعدل الى الأغلظ تحريما مع وجود الأخف فمن أبيح له الميتة قدم ميتة المأكول ثم ميتة غير المأكول ثم فى ميتة غير المأكول يقدم ميتة الكلب ثم ميتة الخنزير ثم ميتة الدب، ثم الحربى حيا المكلف الذكر بعد الذبح بضرب العنق الشرعى أو ميتا، ثم ميتة الذمى ثم ميتة المسلم ثم مال الغير بنية الضمان ثم دابة حية له غير المأكولة بعد ذبحها ثم دابة لغيره بنية الضمان الى بضعة من نفسه حيث لا يخاف من قطعها ما يخاف من الجوع
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه يجوز للانسان عند الاضطرار أن يتناول المحرم من الميتة والخمر وغيرهما عند خوف التلف بدون التناول أو حدوث المرض أو زيادته أو الضعف المؤدى الى التخلف عن الرفقة مع ظهور أمارات العطب على تقدير التخلف.
ومقتضى هذا الاطلاق عدم الفرق بين الخمر وغيره من المحرمات فى جواز تناولها عند الاضطرار وهو فى غير الخمر موضع وفاق.
(1)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(2)
الآية رقم 173 من سورة البقرة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 427، ص 428 مسألة رقم 1026 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
التاج المذهب لأحكام المذهب ج 3 ص 473 مسألة رقم 341 نفس الطبعة المتقدمة.
أما فى الخمر فقد قيل بالمنع مطلقا سواء قام مقام الخمر غيره من المحرمات أم لا.
وقيل بالجواز مع عدم قيام غيرها مقامها وظاهر العبارة ومصرح الدروس أنه يجوز استعمالها للضرورة مطلقا حتى للدواء كالنزياق والاكتحال لعموم الآية الدالة على جواز تناول المضطر اليه والأخبار كثيرة فى المنع من استعمالها مطلقا حتى الاكتحال وفى بعضها ان الله تعالى لم يجعل فى شئ مما حرم دواء ولا شفاء وان من اكتحل بميل من مسكر كحله الله بميل من نار
(1)
.
وانما يجوز للمضطر اذا كان غير باغ ولا عاد أن يتناول من المحرم ما يحفظ الرمق - وهو بقية الروح - والمراد أنه يجب أن يقتصر على حفظ النفس من التلف ولا يجوز التجاوز الى الشبع مع الغنى عنه ولو احتاج اليه للمشى أو العدو، أو الى التزود منه لوقت آخر جاز وهو حينئذ من جملة ما يسد الرمق وعلى هذا فيختص خوف المرض السابق بما يؤدى الى التلف ولو ظنا لا مطلق المرض، أو يخص هذا بتناوله للغذاء الضرورى، لا للمرض وهو أولى ولو وجد ميتة وطعام الغير فطعام الغير أولى أن بذله مالكه بغير عوض أو بعوض يكون المضطر قادرا عليه فى الحال أو فى وقت طلبه سواء كان بقدر ثمن مثله أم أزيد على ما يقتضيه الاطلاق، وهو أحد القولين.
وقيل لا يجب بذل الزائد عن ثمن مثله وان اشتراه به كراهة للفتنة، ولأنه كالمكره على الشراء بل له قتاله لو امتنع من بذله ولو قتل أهدر دمه، وكذا لو تعذر عليه الثمن.
والأقوى وجوب دفع الزائد مع القدرة لأنه غير مضطر حينئذ والناس مسلطون على أموالهم. وان لم يبذل الغير طعامه أصلا أو بذله لكن بعوض يعجز عنه المضطر أكل الميتة ان وجدها.
وفى حكم أكل المضطر الميتة فى هذه الحالة وجهان.
قيل: يحتم عليه أن يأكل الميتة وقيل يخير بين أكل الميتة وبين أكل طعام الغير على تقدير أنه قادر على قهر صاحبه عليه وذلك لاشتراكهما حينئذ فى التحريم.
وفى الدروس أنه مع قدرته على قهر الغير على طعامه بالثمن أو بدون الثمن مع تعذره لا يجوز له أن يأكل الميتة بل يأكل الطعام ويضمنه لمالكه فان تعذر عليه قهره أكل الميتة وهو حسن، لأن تحريم مال الغير عرضى بخلاف الميتة
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 290، ص 291 الطبعة السابقة.
وقد زال بالاضطرار فيكون أولى من الميتة.
وقيل: أنه حينئذ لا يضمن الطعام للاذن فى تناوله شرعا بغير عوض، والأول أقوى جمعا بين الحقين وحين يأكل مال الغير بدون اذنه فاللازم مثله أو قيمته وان كان يجب بذل أزيد لو سمح به المالك والفرق أن ذلك كان على وجه المعاوضة الاختيارية وهذا على وجه اتلاف مال الغير بغير اذنه وموجبه شرعا هو المثل أو القيمة وحيث تباح له الميتة فميتة المأكول أولى من غيره ومذبوح ما يقع عليه الذكاة أولى منهما، ومذبوح الكافر والناصب أولى من الجميع
(1)
.
وجاء فى الخلاف أنه اذا وجد المضطر ميتة وصيدا حيا وهو محرم اختلفت أحاديث أصحابنا فيها على وجهين أحدهما أنه يأكل الصيد ويفدى ولا يأكل الميتة. والوجه الآخر يأكل الميتة ويدع الصيد دليلنا على ذلك أن الصيد اذا قتله وأكله فداه فيكون أكل من ماله طيبا وأيضا أكثر أصحابنا على ذلك وأكثر رواياتهم واذا قلنا بالرواية الأخرى - وهو الأصح عندى - أن الصيد اذا كان حيا فذبحه المحرم كان حكمه حكم الميتة ويلزمه الفداء فان يأكل الميتة أولى من غير أن يلزمه فداء.
والرواية الأولى نحملها على من وجد لحم الصيد مذبوحا فان الأولى أن يأكله ويفدى ولا يأكل الميتة
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه يجوز لمن خاف من موت أو ذهاب عضو من أعضائه بجوع أو عطش أن ينجى نفسه ولو كان ذلك فى رمضان فى حضر بأكل حلال أو شرب حلال ولا سيما فى صوم غير رمضان أو بأكل أو شرب محرم وان كان فى رمضان فى حضر كلحم ميتة ولبنها ودمها ولحم خنزير قيل:
أو بخمر.
قيل: ومن جاع بالفعل حتى خاف الموت أخذ من مال الناس ما ينجى به نفسه واذا وجد ضمنه لصاحبه قلت:
لا ضمان لأن على صاحب المال أن ينجيه لو حضر.
واذا وجد الميتة ومال غيره فانه ينجى نفسه بمال غيره بما يقوته ويضمن، وهذا قول الأكثر وقال غيرهم: يأكل الميتة ويقدم الميتة فالدم فلحم الخنزير، وقيل بل يقدم لحم الخنزير بأن يذبحه فالدم فالميتة، وقيل: ينجى
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 291، ص 292 الطبعة المتقدمة.
(2)
الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 44 مسألة رقم 25 نفس الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران.
نفسه بما شاء. ومن مات وترك الميتة أو الدم أو لحم الخنزير فهو فى النار كما قال ابن عمر رضى الله تعالى عنهما
(1)
.
ثانيا: الحيوانات الجلالة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه يكره أكل لحوم الابل الجلالة - وهى التى الأغلب من أكلها النجاسة - لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل لحوم الابل الجلالة، ولأنه اذا كان الغالب من أكلها النجاسات يتغير لحمها وينتن فيكره أكله كالطعام المنتن وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلالة أن تشرب ألبانها لأن لحمها اذا تغير يتغير لبنها وأما ما روى من أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن أن يحج عليها أو أن يعتمر فذلك محمول على أنها أنتنت فى نفسها فيمتنع من استعمالها حتى لا يتأذى الناس بنتنها كذا ذكره القدورى رحمه الله تعالى فى شرح مختصر الكرخى.
وذكر القاضى فى شرح مختصر الطحاوى أنه لا يحل الانتفاع بها من العمل وغيره الا أن تحبس أياما وتعلف فحينئذ تحل.
وما ذكره القدورى رحمه الله تعالى أجود لأن النهى ليس لمعنى يرجع الى ذاتها، بل يرجع الى عارض جاورها فكان الانتفاع بها حلالا فى ذاته الا أنه يمنع عنه لغيره.
ثم ليس لحبسها تقدير فى ظاهر الرواية، هكذا روى عن محمد رحمه الله تعالى أنه قال: كان أبو حنيفة عليه رحمه الله تعالى، لا يوقت فى حبسها وقال تحبس حتى تطيب. وهو قولهما أيضا.
وروى أبو يوسف عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنها تحبس ثلاثة أيام.
وروى ابن رستم رحمه الله تعالى عن محمد فى الناقة الجلالة والشاة والبقر الجلال أنها انما تكون جلالة اذا تعفنت وتغيرت ووجد منها ريح منتنة فهى الجلالة حينئذ لا يشرب لبنها ولا يؤكل لحمها وبيعها وهبتها جائز. هذا اذا كانت لا تخلط ولا تأكل الا العذرة غالبا.
فان خلطت فليست جلالة فلا تكره لأنها لا تنتن ولا يكره أكل الدجاج المحلى وان كان يتناول النجاسة لأنه لا يغلب عليه أكل النجاسة بل يخلطها بغيرها وهو الحب فيأكل ذا وذا.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 9 ص 205، ص 206 نفس الطبعة المتقدمة.
وقيل: انما لا يكره لأنه لا ينتن كما ينتن الابل. والحكم متعلق بالنتن.
ولهذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى فى جدى ارتضع بلبن خنزير حتى كبر:
انه لا يكره أكله. لأن لحمه لا يتغير ولا ينتن فهذا يدل على أن الكراهة فى الجلالة لمكان التغير والنتن لا لتناول النجاسة ولهذا اذا خلطت لا يكره وان وجد تناول النجاسة لأنها لا تنتن، فدل أن العبرة للنتن لا لتناول النجاسة
والأفضل أن يحبس الدجاج حتى يذهب ما فى بطنها من النجاسة لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحبس الدجاج ثلاثة أيام ثم يأكله، وذلك على طريق التنزه، وهو رواية أبى يوسف عن أبى حنيفة عليهما رحمة الله تعالى أنها تحبس ثلاثة أيام كأنه ذهب الى ذلك للخبر ولما ذكرنا من أن ما فى جوفها من النجاسة يزول فى هذه المدة ظاهرا وغالبا
(1)
. ولأن العبرة للنتن لا لتناول النجاسة.
ذكر صاحب الدر المختار أن السمك المتولد فى ماء نجس يحل
(2)
.
وقال صاحب تنوير الأبصار بأنه لو سقى ما يؤكل لحمه خمرا فذبح من ساعته حل أكله مع الكراهة
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى أن الابل والبقر والغنم مباحة ولو كانت جلالة سواء تغير لحمه من ذلك أو لم يتغير وهو المشهور عند اللخمى، وباتفاق عند ابن رشد.
وقيل: ان الحيوان الذى يصيب النجاسة لحمه وعرقه ولبنه وبوله نجس
(4)
.
وذكر ابن رشد أن الامام مالكا رحمه الله تعالى كره الجلالة
(5)
.
وذكر الحطاب أنه قد اختلف فى الحيوان الذى يصيب النجاسة هل تنقله عن حكمه قبل أن يصيبها؟
فقيل: هو على حكمه فى الأصل فى أسائرها وأعراقها ولحومها وألبانها وأبوالها.
وقيل: تنقله وجميع ذلك نجس، ولم يتبع فى حكايته الاتفاق على اباحة
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 5 ص 39، ص 40 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
الدر المختار فى كتاب مع حاشية ابن عابدين ج 5 ص 194 وما بعدها الى ص 196، ص 217 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 194 وما بعدها الى ص 196، وص 217.
(4)
الخرشى ج 3 ص 26 الطبعة السابقة.
(5)
بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد ج 1 ص 452.
الجلالة قال فى التوضيح عنه: واتفق العلماء على أكل ذوات الحواصل من الجلالة واختلفوا فى ذوات الكرش، فكره جماعة أكل الجلالة منها وشرب ألبانها لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن لحوم الجلالة وألبانها ولا خلاف فى المذهب فى أن أكل لحوم الماشية والطير الذى يتغذى بالنجاسة حلال جائز وانما اختلفوا فى الألبان والأبوال والأعراق
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه اذا ظهر تغير لحم الجلالة
(2)
من نعم أو غيره كدجاج ولو يسيرا حرم أكل اللحم كما فى المحرر لأنها صارت من الخبائث وقد صح النهى عن أكلها وشرب لبنها وركوبها كما قاله أبو داود وغيره. والحكم منوط بالتغير على الأصح.
وقيل ان كان أكثر علفها النجاسة ثبت والا فلا وهو ظاهر كلام المصنف فى التحرير، وجزم به فى تصحيح التنبيه واطلاقه هنا يشمل الأوصاف الثلاثة وقيداه فى الشرح والروضة بالرائحة قال الزركشى تبعا للأذرعى والظاهر أنه ليس بقيد فان تغير الطعم أشد.
وقيل: يكره لنتن لحمها قلت الأصح يكره كما نقله الرافعى رحمه الله تعالى فى الشرح وذلك لأن النهى انما هو لتغير اللحم وهو لا يوجب التحريم كما لو نتن اللحم المذكى وتروح فانه يكره أكله على الصحيح. ولا فرق فى ذلك بين لحمها ولبنها وبيضها فى النجاسة والطهارة والتحريم والتحليل، بل قال البلقينى رحمه الله تعالى ينبغى تعدى الحكم الى شعرها وصوفها المنفصل فى حياتها.
وقال الزركشى: الظاهر الحاق ولدها بها اذا ذكيت ووجد فى بطنها ميتا.
واذا علفت الحيوانات علفا طاهرا أو متنجسا - كشعير أصابه ماء نجس أو علفا نجس العين كما هو ظاهر كلام التنبيه فطاب لحمها بزوال رائحته حل ما ذكر وان علفت دون أربعين يوما اعتبارا بالمعنى وأما خبر حتى تعلف أربعين يوما - والتقييد بالعلف الطاهر - فجرى على الغالب. أما لو غسلت هى أو لحمها بعد ذبحها أو طبخ لحمها فزال التغير فان الكراهة لا تزول وكذا بمرور الزمان كما قاله البغوى رحمه الله تعالى، وقال غيره تزول قال الأذرعى: وهذا ما جزم به المروزى تبعا للقاضى.
وقال شيخنا: وهو نظير طهارة الماء المتغير بالنجاسة اذا زال التغير بذلك.
(1)
مواهب الجليل لمختصر خليل ج 3 ص 229
(2)
الجلالة بفتح الجيم وتشديد اللام ويقال الجالة هى التى تأكل الجلة بفتح الجيم وهى العذرة والبعر وغيرهما من النجاسة.
قال البلقينى وهذا فى مرور الزمان على اللحم.
فلو مر على الجلالة أيام من غير أن تأكل طاهرا أو غيره كما مر حلت وانما ذكر العلف بطاهر لأن الغالب أن الحيوان لا بد له من علف ووافقه الزركشى رحمه الله تعالى على ذلك.
ولو روى سخلة بلبن كلبة أو خنزيرة كانت كالجلالة، ولو غذى شاة نحو عشر سنين بمال حرام قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى: لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره لأن الأعيان لا توصف بحل ولا حرمة.
وقال الغزالى رحمه الله تعالى: ترك الأكل من شاة علفت بعلف مغصوب من الورع ولا يحرم ترك الورع ولا تكره الثمار التى سقيت بالمياه النجسة ولا حب زرع نبت فى نجاسة هذا وقيل ان الكلب اذا عض حيوانا وذبح لا يحل أكله لأن من أكل منه كلب
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع: أنه يحرم لحم الجلالة - وهى التى أكثر علفها النجاسة - ولبنها لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها رواه أحمد وأبو داود والترمذى وقال حسن غريب. وفى رواية لأبى داود نهى عن ركوب الجلالة وفى رواية أخرى له:
نهى عن ركوب جلالة الابل، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن ركوب الجلالة وأكل لحمها. رواه أحمد وأبو داود والنسائى. وكذا بيضها لأنه متولد من النجاسة ويكره ركوبها لأجل عرقها لما سبق من الأخبار حتى تحبس الجلالة ثلاث ليال بأيامهن لأن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما كان اذا أراد أكلها يحبسها ثلاثا وتطعم الطاهر وتمنع من النجاسة سواء كانت طائرا أو بهيمة اذ المانع من حلها يزول بذلك، ولأن ما طهر حيوانا طهر غيره كما لو كانت النجاسة بظاهره، ومثله ما اذا ارتضع خروف من كلبة ثم شرب لبنا طاهرا أو أكل شيئا طاهرا ثلاثة أيام فيحل أكله. واذا عض كلب شاة ونحوها فكلبت ذبحت دفعا لضررها وينبغى أن لا يؤكل لحمها لضررها أو قياسا على الجلال
(2)
.
وفى رواية أخرى عن الامام أحمد رحمه الله تعالى أن الطائر يحبس ثلاثة أيام أما الشاة فتحبس سبعة أيام وما عدا ذلك من الابل والبقر ونحوهما فى الكبر يحبس أربعين يوما لما روى عن
(1)
مغنى المحتاج ج 4 ص 279، ص 280 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع ج 4 ص 115
عبد الله بن عمر رضى الله عنهما أنه قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الابل الجلالة أن يؤكل لحمها ويشرب لبنها ويحمل عليها الأدم
(1)
ويركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يحل أكل لحوم الجلالة ولا شرب ألبانها ولا ما تصرف منها لأنه منها وبعضها ولا يحل ركوبها - وهى التى تأكل العذرة من الابل وغير الابل من ذوات الأربع خاصة - فاذا قطع عنها أكلها فانقطع عنها الاسم حل أكلها وشرب ألبانها وركوبها لما روينا من طريق أبى داود. عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهم قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها» وما روينا من طريق أبى داود عن ابن عمر كذلك قال:
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجلالة فى الابل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها.
ومن طريق ابن وهب كان عطاء ينهى عن جلالة الابل والغنم أن تؤكل فان حبستها وعلفتها حتى تطيب بطونها فلا بأس حينئذ بأكلها.
أما الدجاج والطير فلا يسمى شئ منها جلاله وان كانت تأكل العذرة
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه يندب حبس الجلالة فان ظهر فى لحمها ريح لم تحل ولو شربت خمرا أو غيره حرمت ولا تطهر بالطبخ والقاء التوابل وان زال الريح، اذ ليس ذلك باستحالة بل هو تغطية والمذهب أنها تطهر بالغسل مع استعمال الحار. وانما ندب حبس الجلالة قبل الذبح أياما حتى تطيب أجوافها فان كانت لا تعلف الا من العذرة كره أكلها قيل ان كان الجل أكثر أو استوى هو والعلف فترك الحبس مكروه وان كان العلف أكثر فتركه غير مكروه.
وقال الناصر تحبس الناقة والبقرة أربعة عشر يوما، والشاة سبعة أيام وتحبس الدجاجة ثلاثة أيام.
وقال فى الكافى للقاسمية والفقهاء يحبسها مدة على ما يرى ولم يوقتوا.
وان لم تحبس الجلالة وجب على الذابح أن يغسل المعاء وفى هذه الحالة يحل أكلها الا أن يبقى أثر النجاسة لأنه يصير مستخبثا، وأما طهارة كرشها وأمعائها فالعبرة فيه بزوال النجاسة
(1)
الأدم بضمتين جمع أديم وهو الجلد.
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 11 ص 71، ص 72 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 7 ص 482 مسئلة رقم 1000 نفس الطبعة المتقدمة.
سواء حبست أم لم تحبس فمهما بقى أثر النجاسة لم يحل أكلها ولو غسلت ما دام الأثر لأنها تستخبث وذلك يكون ان لم يستحل فيه ما حلت استحالة تامة كبيضة الميتة بناء على أنها تؤكل بقشرتها أو خشى التنجيس.
وقيل: لا فرق لانه لا يمكن خروجها من قشرتها الا بانفصالها من القشر وكذا بيض البط والدجاج وان كان حيا على قول من حكم بنجاسة زبلهما
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أن الحيوان الجلال - وهو الذى يتغذى عذرة الانسان محضا لا يخلط غيرها الى أن ينبت عليها لحمه ويشتد عظمه عرفا - حرام حتى يستبرأ على الأقوى لما روى عن أبى عبد الله قال: لا تأكلوا لحوم الجلالة - وهى التى تأكل العذرة - فان أصابك من عرقها فاغسله.
وقال ابن الجنيد: يكره لحمها وألبانها خاصة استضعافا للمستند أو حملا لها على الكراهة جمعا بينها وبين ما ظاهره الحل وعلى القولين فتستبرأ الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين وقيل البقرة كالناقة، وتستبرأ الشاة بعشرة أيام وقيل بسبعة ومستند هذه التقديرات كلها ضعيف، والمشهور منها ما ذكره المصنف، وينبغى القول بوجوب الأكثر للاجماع على عدم اعتبار أزيد منه، فلا تجب الزيادة والشك فيما دونه فلا يتيقن زوال التحريم مع أصالة بقائه حيث ضعف المستند فيكون ما ذكرناه طريقا للحكم وكيفية الاستبراء أن يربط الحيوان أو أن يضبط على وجه يؤمن معه أن يأكل النجس ويطعم علفا طاهرا من النجاسة الأصلية والعرضية طول المدة.
وتستبرأ البطة ونحوها من طيور الماء بخمسة أيام وتستبرأ الدجاجة وشبهها مما فى حجمها بثلاثة أيام والمستند ضعيف كما تقدم ومع ذلك هو خال عن ذكر الشبيه لهما، وما عدا ذلك من الحيوان الجلال يستبرأ بما يغلب على الظن زوال الجلل به عرفا لعدم ورود مقدر له شرعا، ولو طرحنا تلك التقديرات لضعف مستندها كان حكم الجميع كذلك، ولو شرب الحيوان المحلل لبن خنزيرة واشتد بأن زادت قوته وقوى عظمه ونبت لحمه بسببه حرم لحمه ولحم نسله سواء كان ذكرا أو انثى، أما اذا لم يشتد فانه يكره. هذا هو المشهور ولا نعلم فيه مخالفا والمستند أخبار كثيرة لا تخلو من ضعف ولا يتعدى الحكم الى غير الخنزير عملا بالأصل وان ساواه فى الحكم كالكلب مع احتماله.
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 97 نفس الطبعة المتقدمة.
وروى أنه اذا شرب لبن آدمية حتى اشتد كره لحمه ويستحب استبراؤه على تقدير كراهته بسبعة أيام أما بعلف ان كان يأكله أو بشرب لبن طاهر
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى جوهر النظام أنه يحل أكل الحيوانات الجلالة، وذلك اذا كان يستطاب أكلها ويستطعم ولا تنفر منه النفس
(2)
.
ثالثا: صيد المحرم وحيوان الحرم
مذهب الحنفية:
حكم صيد المحرم:
جاء فى بدائع الصنائع أنه لا يحل للمحرم أن يأكل ما ذبحه من الصيد ولا يحل لغيره من المحرم والحلال، وهو بمنزلة الميتة لأنه بالاحرام خرج من أن يكون أهلا للذكاة فلا تتصور منه الذكاة كالمجوسى اذا ذبح وكذا الصيد خرج من أن يكون محلا للذبح فى حقه لقول الله تبارك وتعالى:«وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً»
(3)
والتحريم المضاف الى الأعيان يوجب أن تخرج عن محلية التصرف شرعا كتحريم الميتة وتحريم الأمهات والتصرف الصادر من غير الأهل وفى غير محله يكون ملحقا بالعدم. فان أكل المحرم الذابح منه فعليه الجزاء وهو قيمته فى قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى، وقال أبو يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى ليس عليه الا أن يتوب ويستغفر لأنه أكل ميتة فلا يلزمه الا التوبة والاستغفار ويدل لأبى حنيفة رحمه الله تعالى: أنه تناول محظور احرامه فيلزمه الجزاء وبيان ذلك أن كونه ميتة لعدم الأهلية والمحلية وعدم الأهلية والمحلية بسبب الاحرام فكانت الحرمة بهذه الواسطة مضافة الى الاحرام فاذا أكله فقد ارتكب محظور احرامه فيلزمه الجزاء. هذا ان أكل المحرم الذابح أما ان أكل غير المحرم الذابح لم يلزمه الا التوبة والاستغفار لأن ما أكله ليس محظور احرامه بل هو محظور احرام غيره
(4)
.
ويستوى فى الحكم المتقدم ما اذا كان المحرم قد تولى صيده بنفسه أو بغيره من المحرمين بأمره أو رمى صيدا فقتله أو أرسل كلبه أو بازيه المعلم فانه لا يحل له فى ذلك لأن صيد غيره بأمره صيده معنى.
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 281، 282 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
جوهر النظام فى علمى الأديان والأحكام لابن حميد السالمى ج 1 ص 189 طبع المطبعة العربية فى مصر سنة 1344 هـ.
(3)
الآية رقم 96 من سورة المائدة.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع الكاسانى ج 2 ص 204، نفس الطبعة المتقدمة.
وكذا صيد البازى والكلب والسهم لأن فعل الاصطياد منه، وانما ذلك آلة الاصطياد والفعل لمستعمل الآلة، لا للآلة ويحل للمحرم أن يأكل صيدا اصطاده الحلال لنفسه عند عامة العلماء.
وقال داود بن على الاصفهانى رحمه الله تعالى: لا يحل والمسئلة مختلفة بين الصحابة رضى الله تعالى عنهم.
فقد روى عن طلحة وعبيد الله وقتادة وجابر وعثمان فى رواية أنه يحل.
وروى عن على وابن عباس وعثمان فى رواية أخرى أنه لا يحل واحتج هؤلاء بقول الله تبارك وتعالى: «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» حيث أخبر سبحانه وتعالى أن صيد البر محرم على المحرم مطلقا من غير فصل بين أن يكون صيد المحرم أو صيد الحلال.
وهكذا قال ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان الآية مبهمة لا يحل لك أن تصيده ولا أن تأكله.
وروى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن الصعب بن جثامة أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحم حمار وحشى وهو بالأبواء أو بودان فرده فرأى النبى صلى الله عليه وسلم فى وجهه كراهة فقال: ليس بنارد عليك ولكنا حرم.
وفى رواية: قال: لولا أنا حرم لقبلناه منك.
وعن زيد بن أرقم أن النبى صلى الله عليه وسلم: نهى المحرم عن لحم الصيد مطلقا.
ويدل لنا ما روى عن أبى قتادة رضى الله تعالى عنه أنه كان حلالا وأصحابه محرمون فشد على حمار وحش فقتله فأكل منه بعض أصحابه وأبى البعض فسألوا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما هى طعمة أطعمكموها الله هل معكم من لحمه شئ؟
وعن جابر رضى الله تعالى عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لحم صيد البر حلال لكم وأنتم حرم ما لم تصيدوه أو يصاد لكم.
وهذا نص فى الباب ولا حجة فى الآية لمن يحرم أكل الصيد لأن فيها تحريم صيد البر لا تحريم لحم الصيد، وهذا لحم الصيد وليس بصيد حقيقة لانعدام معنى الصيد - وهو الامتناع والتوحش - على أن الصيد فى الحقيقة مصدر وانما يطلق على المصيد مجازا.
وأما حديث الصعب بن جثامة فقد اختلفت الروايات فيه عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما روى فى بعضها أنه أهدى اليه حمارا وحشيا كذا روى
مالك وسعيد بن جبير وغيرهما عن ابن عباس فلا يكون حجة وحديث زيد ابن أرقم محمول على صيد صاده بنفسه أو غيره بأمره أو باعانته أو بدلالته أو باشارته عملا بالدلائل كلها وسواء صاده الحلال لنفسه أو للمحرم بعد أن لا يكون بأمره عندنا
(1)
.
حكم صيد الحرم:
جاء فى بدائع الصنائع: أنه لو أرسل كلبا فى الحل على صيد فى الحل فأتبعه الكلب فأخذه فى الحرم فقتله فلا شئ على المرسل ولا يؤكل الصيد لأن فعل الكلب ذبح للصيد وأنه حصل فى الحرم فلا يحل أكله كما لو ذبحه آدمى اذ فعل الكلب لا يكون أعلى من فعل الآدمى
(2)
.
وروى ابن سماعة عن محمد فى رجل أخرج صيدا من الحرم الى الحل أن ذبحه والانتفاع بلحمه ليس بحرام سواء كان أدى جزاءه أو لم يؤد، غير أنى أكره هذا الصنيع وأحب الى أن يتنزه عن أكله أما حل الذبح فلأنه صيد حل فى الحال فلا يكون ذبحه حراما، وأما كراهة هذا الصنيع فلأن الانتفاع به يؤدى الى استئصال صيد الحرم لأن كل من احتاج الى شئ من ذلك أخذه وأخرجه من الحرم وذبحه وانتفع بلحمه وأدى قيمته فان انتفع به فلا شئ عليه لأن الضمان سبب الملك المضمون على أصلنا فاذا ضمن قيمته فقد ملكه فلا يضمن بالانتفاع به
(3)
.
مذهب المالكية:
حكم صيد المحرم:
جاء فى شرح الخرشى أن المحرم اذا صاد صيدا مما يحرم عليه أن يصيده - أى مات بصيده أو سهمه أو كلبه أو ذبحه - وان لم يصده أو أمر بذبحه أو أعان على صيده باشارة أو مناولة لسوط أو نحو ذلك فانه يكون ميتة وعليه جزاؤه وكذا اذا صاده حلال فى الحرم يكون ميتة لكل أحد، وكذا اذا صاده حلال أو حرام لأجل محرم معين أو غير معين بأمره أو بغير أمره ليباع له أو يهدى له وذبح فى حال احرامه ولو لم يأكل منه المحرم فيكون ميتة على كل أحد عند الجمهور، هذا اذا ذبح فى حال احرامه أما اذا ذبح بعد احرامه فانه يكره أكله ولا جزاء عليه ان فعل.
وبيض الطير غير الأوز والدجاج اذا كسره محرم أو شواه أو شوى له فهو
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 204، 205 نفس الطبعة.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 209 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 209 نفس الطبعة المتقدمة.
ميتة لا يأكله حرام ولا حلال لأنهم جعلوا البيض هنا بمنزلة الجنين لأنه لما كان ينشأ عنه نزل منزلته أو لاحتمال أن يكون فيه جنين.
وبعبارة أخرى جعلوا البيض له حكم الميتة حكما لا لفقد الذكاة بل تغليظا على المحرم.
وبحث سند رحمه الله تعالى خلاف المذهب حيث قال أما منع المحرم من البيض فبين وأما منع غيره ففيه نظر لأن البيض لا يفتقر الى ذكاة حتى يكون بفعل المحرم ميتة ولا يزيد فعل المحرم فيه فى حكم الغير على فعل المجوسى وهو اذا شوى البيض أو كسره لا يحرم بذلك على المسلم بخلاف الصيد فانه يفتقر الى ذكاة مشروعة والمحرم ليس من أهلها.
ولو علم المحرم أن هذا الصيد صيد من أجله أو صيد من أجل محرم آخر وأكل منه فانه يلزمه جزاؤه
(1)
.
ويجوز لمحرم أن يأكل مصيد حل لحل من حل
(2)
.
ويجوز للمحرم أن يذبح الأوز والدجاج ويأكله لأن أصله لا يطير ويجوز له أيضا أن يأكل بيض الأوز والدجاج وكذلك يجوز للمحرم أن يذبح الغنم والبقر والابل لا البقر الوحشى لأنها صيد، وأما الحمام فانه صيد فلا يؤكل هو ولا بيضه وحشيا كان أو روميا، يتخذ للفراخ أم لا لأنه من أصل ما يطير قاله الامام مالك رحمه الله تعالى فى كتاب محمد.
وفى كتاب المدونة وكره الامام مالك أن يذبح المحرم الحمام الوحشى وغير الوحشى والحمامة الرومية التى لا تطير وانما تتخذ للفراخ لأنها من أصل ما يطير
(3)
.
حكم صيد الحرم:
جاء فى مواهب الجليل: أنه اذا رمى الصيد فى الحل ولم تنفذ الرمية مقاتله وتحامل حتى مات فى الحرم فالذى اختاره اللخمى رحمه الله تعالى أنه لا جزاء عليه فيه وأنه يؤكل ومقابله قولان أحدهما أنه لا جزاء فيه ولا يؤكل والثانى أن فيه الجزاء ولا يؤكل
(4)
.
مذهب الشافعية:
حكم صيد المحرم:
جاء فى مغنى المحتاج أن المحرم لو
(1)
شرح الخرشى ج 2 ص 370، ص 371 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية العدوى على شرح الخرشى ج 2 ص 371.
(3)
شرح الخرشى ج 2 ص 372 الطبعة السابقة
(4)
مواهب الجليل للحطاب ج 3 ص 177 الطبعة السابقة.
ذبح الصيد صار ميتة، وحرم عليه أن يأكله بالاجماع كما فى المجموع.
وهل يتأبد عليه التحريم أو يكون ذلك مدة احرامه؟ قولان أظهرهما أنه يتأبد وعليه الجزاء لله تعالى وضمنه لمالكه، ويحرم على غيره أن يأكله سواء كان حلالا أو محرما لأنه ممنوع من الذبح لمعنى فيه كالمجوس ولو كسر المحرم بيض صيد أو قتل جرادا كذلك ضمنه ولم يحرم على غيره كما صححه فى المجموع
(1)
.
حكم صيد الحرم:
جاء فى مغنى المحتاج أنه يحرم على الحلال فى الحرم اصطياد كل مأكول برى وحشى كبقر وحش ودجاجه وحمامه وكذا المتولد من المأكول البرى والوحشى ومن غيره كمتولد بين حمار وحشى وحمار أهلى أو بين شاة وظبى.
أما الأول: فلقول الله تعالى «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» أى حرم أخذ ذلك.
وأما الثانى: فللاحتياط وتحريم ذلك يستند الى الاجماع والى خبر الصحيحين أن النبى صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة قال: ان هذا البلد حرام بحرمة الله لا يعضد شجره ولا ينفر صيده رواه الشيخان أى لا يجوز تنفير صيده لمحرم ولا حلال فغير التنفير أولى، وقيس بمكة باقى الحرم
(2)
: فلو ذبح الحلال صيد الحرم صار ميتة وحرم عليه أكله بالاجماع كما فى المجموع
(3)
.
مذهب الحنابلة:
حكم صيد المحرم:
جاء فى كشاف القناع: أنه يحرم على المحرم أن يأكل ما صاده هو أو غيره من المحرمين أو يأكل ما ذبحه أو ما دل عليه حلالا أو أعانه عليه أو أشار اليه لحديث أبى قتادة رحمه الله تعالى لما صاد الحمار الوحشى وأصحابه محرمون قال النبى صلى الله عليه وسلم: هل أشار اليه انسان منكم أو أمره بشئ؟ قالوا: لا. وفيه أبصروا حمارا وحشيا فلم يدلونى وأحبوا لو أنى أبصرته، فالتفت فأبصرته ثم ركبت ونسيت السوط أو الرمح فقلت لهم ناولونى فقالوا:
لا والله لا نعينك عليه بشئ انا محرمون فتناولته فأخذته ثم أتيت الحمار من وراء أكمة فعقرته فأتيت به أصحابى فقال بعضهم كلوا وقال بعضهم لا تأكلوا، فأتيت النبى صلى الله عليه وسلم فسألته فقال كلوه وهو حلال.
متفق عليه ولفظه للبخارى، وكذا يحرم
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للشيخ الشربينى ج 1 ص 507 الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج ج 1 ص 506 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 507 نفس الطبعة المتقدمة.
على المحرم أن يأكل ما صيد لأجله نقله الجماعة لما فى الصحيحين من حديث الصعب بن جثامة رضى الله تعالى عنه أنه أهدى النبى صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا فرده عليه فلما رأى ما فى وجهه قال: أنا لم نرده عليك الا أنا حرم، وروى الامام الشافعى والامام أحمد رحمهما الله تعالى من حديث جابر رضى الله تعالى عنه مرفوعا لحم الصيد للمحرم حلال ما لم تصيدوه أو يصاد لكم، وعن عثمان رضى الله تعالى عنه أنه أتى بلحم صيد فقال لأصحابه كلوا فقالوا: ألا تأكل أنت فقال: انى لست كهيئتكم انما صيد لأجلى رواه مالك والشافعى.
وعلى المحرم الجزاء ان أكل ما صيد لأجله لأنه اتلاف منع منه بسبب الاحرام فوجب عليه الجزاء كقتل الصيد بخلاف ما لو قتل المحرم صيدا ثم أكله فانه يضمنه لقتله لا لأكله نص عليه لأنه مضمون بالجزاء فلم يتكرر كاتلافه بغير أكله، وكصيد الحرم اذا قتله حلال وأكله، ولأنه ميتة وهى لا تضمن ولهذا لا يضمنه بأكله محرم غيره وان أكل المحرم بعض ما صيد لأجله ضمنه بمثله من اللحم من النعم لضمان أصله لو أكله كله بمثله من النعم والفرع يتبع الأصل.
ولا يحرم على المحرم أن يأكل غير ما صيد أو ذبح له اذا لم يدل عليه أو نحو ذلك لما تقدم، فلو ذبح محل صيدا لغيره من المحرمين حرم على المذبوح له الأكل لما سبق ولا يحرم على غيره من المحرمين لما مر.
وما حرم على محرم لدلالة أو اعانة صيد له أو ذبح له لا يحرم على محرم غير الدال أو المعين أو الذى صيد له أو ذبح له كما لا يحرم على الحلال.
وان قتل المحرم صيدا ثم أكله ضمنه لقتله لا لأكله لأنه ميتة يحرم أكله على جميع الناس، والميتة غير متمولة فلا تضمن وكذا ان حرم صيد على المحرم بالدلالة أو الاعانة عليه أو الاشارة اليه فأكل منه لم يضمن ما أكله للأكل بل للسبب من الدلالة ونحوها لأنه مضمون بالسبب فلم يتكرر ضمانه.
وبيض الصيد ولبنه مثله فيما سبق لأنه كجزئه، فلا يحل لمحرم أن يأكل بيض الصيد اذا كسره هو أو كسره محرم غيره لأنه جزء من الصيد أشبه سائر أجزائه.
وكذا لا يحل شرب لبنه ويحل بيض الصيد الذى كسره محرم كما يحل لبنه الذى حلبه محرم للحلال، لأن حله على المحل لا يتوقف على الكسر أو الحلب ولا يعتبر لواحد منهما أهلية الفاعل فلو كسره أو حلبه مجوسى أو بغير تسمية حل.
وان كسر بيض الصيد - وكذا لو حلب لبنه - حلال فهو كلحم صيد ان كان أخذه لأجل المحرم لم يبح للمحرم أن يأكله كالصيد الذى ذبح لأجله. وان لم يكن الحلال أخذ لأجل المحرم أبيح للمحرم كصيد ذبحه حلال لا لقصد المحرم
(1)
.
حكم صيد الحرم:
جاء فى الشرح الكبير أن صيد الحرم ونباته حرام على الحلال والمحرم فمن أتلف من صيده شيئا فعليه ما على المحرم فى مثله، والأصل فى تحريمه النص والاجماع أما النص فما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وأنه لم يحل القتال فيه لأحد من قبلى ولم يحل لى إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يختلى خلاها ولا يعضد شوكها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها الا من عرفها، فقال العباس يا رسول الله إلا الأذخر فإنه لقينهم وبيوتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الا الاذخر» متفق عليه وأجمع المسلمون على تحريم صيد الحرم على الحلال والمحرم
(2)
.
واذا رمى الصائد من الحل صيدا فيه فقتل صيدا فى الحرم فعليه جزاؤه، وبهذا قال الثورى واسحاق وأصحاب الرأى لأنه قتل صيدا حرميا فلزمه جزاؤه كما لو رمى حجرا فى الحرم فقتل صيدا. يحققه ان الخطأ كالعمد فى وجوب الجزاء وهذا لا يخرج عن أحدهما.
فأما أن أرسل كلبه على صيد فى الحل فقتله فى الحرم فنص أحمد على أنه لا يضمنه لأنه لم يرسل الكلب على صيد فى الحرم وانما دخل باختيار نفسه فأشبه ما لو استرسل بنفسه وحكى صالح عن أحمد أنه ان كان الصيد قريبا من الحرم ضمنه لأنه فرط بارساله والا لم يضمنه، فان قتل صيدا غيره لم يضمنه لأنه لم يرسل الكلب على ذلك الصيد فأشبه ما لو استرسل بنفسه.
وفيه رواية أخرى أنه يضمن ان كان الصيد قريبا من الحرم لأنه مفرط فأشبه المسئلة التى قبلها.
اذا ثبت هذا فانه لا يأكل الصيد فى هذه المواضع كلها سواء ضمنه
(1)
كشاف القناع ج 2 ص 580، ص 581 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الكبير أسفل المغنى لابن قدامة المقدسى ج 3 ص 358 الطبعة السابقة.
أو لم يضمنه لأنه صيد حرمى قتل فى الحرم كما لو ضمنه ولأننا اذا ألغينا فعل الآدمى صار الكلب كأنه استرسل بنفسه فقتله فان رمى الحلال من الحل صيد فى الحل فجرحه فتحامل الصيد حتى دخل الحرم فمات فيه حل أكله ولا جزاء فيه لأن الذكاة حصلت فى الحل فأشبه ما لو جرح صيدا ثم أحرم فمات الصيد بعد احرامه ويكره أكله لموته فى الحرم
(1)
.
مذهب الظاهرية:
حكم صيد المحرم:
جاء فى المحلى أن من تصيد صيدا فقتله وهو محرم بعمرة أو بقران أو بحجة تمتع ما بين أول إحرامه إلى دخول وقت رمى جمرة العقبة فان ذلك الصيد يكون جيفة لا يحل أكله لقول الله عز وجل «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ}
(2)
. فقد سمى الله تعالى ذلك الصيد قتلا ونهى عنه ولم يبح لنا عز وجل أكل شئ من الحيوان الا بالذكاة التى أمر بها عز وجل، ولا شك عند كل ذى حس سليم أن الذى أمر الله تعالى به من الذكاة هو غير ما نهى عنه من القتل فاذ هو غيره فالقتل المنهى عنه ليس ذكاة واذ ليس هو ذكاة فلا يحل أكل الحيوان به لا فرق فى ذلك بين ما قتل عن عمد وما قتل عن غير عمد لأن الله تعالى قال «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» فعم تعالى ولم يخص وسمى اتلاف الصيد فى حال الاحرام قتلا وحرمه ثم قال بعد ذلك:«وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ» فأوجب حكم الجزاء على العامد خاصة، بخلاف النهى العام فى أول الآية
(3)
. وبيض النعام وغيرها من المصيد حلال للمحرم لأن البيض ليس صيداً ولا يسمى صيداً ولا يقتل وإنما حرم الله تعالى على المحرم أن يقتل صيد البر فقط
(4)
.
أما صيد كل ما سكن الماء من البرك أو الأنهار أو البحر أو العيون أو الآبار فحلال للمحرم أن يصيده وأن يأكله لقول الله تبارك وتعالى: «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ}
(1)
الشرح الكبير أسفل المغنى لابن قدامه المقدسى ج 3 ص 362، ص 363 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
الآية رقم 95 من سورة المائدة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 214 وما بعدها الى ص 218 مسئلة رقم 876 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.
(4)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 233 مسئلة رقم 880 الطبعة المتقدمة.
{حُرُماً» وقال تعالى: «وَما يَسْتَوِي الْبَحْرانِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْماً طَرِيًّا»
(1)
فسمى تعالى كل ماء عذب أو ملح بحرا، وحتى لو لم تأت هذه الآية لكان صيد البر والبحر والنهر وكل ما ذكرنا حلالا بلا خلاف بنص القرآن ثم حرم بالاحرام صيد البر ولم يحرم صيد البحر فكان ما عدا صيد البر حلالا كما كان اذا لم يأت ما يحرمه
(2)
.
حكم صيد الحرم:
جاء فى المحلى ان من تصيد صيدا فى الحرم سواء كان محرما أو محلا فان ذلك الصيد يكون جيفة لا يحل أن يأكله
(3)
لما روينا من طريق البخارى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم افتتح مكة فذكر كلاما فيه:
«هذا بلد حرمه الله عز وجل يوم خلق السموات والأرض وهو حرام بحرمة الله الى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده» ومن طريق مسلم عن سعد بن أبى وقاص رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: انى أحرم ما بين لابتى المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها» فصح ان كل صيد قتل فى حرم المدينة أو فى حرم مكة فهو غير ذكى
(4)
.
ولو أن كتابيا قتل صيداً فى الحرم لم يحل أكله لقول الله عز وجل «وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ»
(5)
فوجب أن يحكم عليهم بحكم الله تعالى على المسلمين
(6)
.
مذهب الزيدية:
حكم صيد المحرم:
جاء فى شرح الأزهار: أنه يحرم على المحرم أن يأكل صيد البر فقط سواء اصطاده هو أم محرم غيره أم حلال له أم لغيره، فأكله محظور فى ذلك عندنا أما الصيد البحرى فانه يجوز للمحرم أن يقتله وان يأكله، فان كان القاتل حلالا والدال محرما فى الحل فلا شئ على القاتل وعلى الدال الجزاء ولا يحل أكل الصيد لأن الدلالة سبب يؤثر فى تحريم أكله والقياس الحل وهو ظاهر كلام أهل المذهب
(7)
.
(1)
الآية رقم 12 من سورة فاطر.
(2)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 235، ص 236 مسئلة رقم 883 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 214 مسئلة رقم 876 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 236 الطبعة السابقة، ص 237 مسئلة رقم 885 الطبعة المتقدمة.
(5)
الآية رقم 49 من سورة المائدة.
(6)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 219 مسئلة رقم 877 الطبعة المتقدمة.
(7)
شرح الأزهار ج 2 ص 89 وما بعدها الى ص 95 الطبعة السابقة.
وجاء فى الروض النضير أن العترة ذهبوا الى تحريم أكله مطلقا سواء صاده المحرم أو صيد لأجله باذنه أو بغير اذنه أو لم يصد له واحتجوا بأدلة منها قول الله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» قالوا: والمراد به المصيد لا الحدث الذى هو الاصطياد ولحصول الاستغناء عنه بقوله تعالى «لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ» والتأسيس خير من التأكيد، ولحديث الصعب بن جثامة المتفق عليه أنه أهدى الى النبى صلى الله عليه وسلم حمارا وحشيا وهو بالأبواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما فى وجهه قال انا لم نرده عليك الا أنا حرم وفيه التعليل بمجرد الاحرام وأنه سبب التحريم فيستوى فيه جميع الأحوال
(1)
.
حكم صيد الحرم:
جاء فى شرح الأزهار أن ما صيد من حرمى مكة والمدينة شرفهما الله تعالى فهو حرام قيل: فلو كان فى الحرم نهر فصيده محرم تغليبا لجانب الحظر وهو ظاهر الأزهار - ولأن قول الله عز وجل «وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً»
(2)
مخصص لقول الله تعالى «أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ» كما يخصصه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحل صيدهما
(3)
.
وقال زيد بن على والناصر: يجوز صيد حرم المدينة وتسميته حرما مجاز.
هذا والعبرة فى التحريم بموضع الاصابة لا بموضع الموت أى لو رمى صيدا فى الحل فأصابه ثم حمل بنفسه الى الحرم فمات فيه فلا يحل أكله اذا دخل وبه رمق، فلو أصابه فى الحرم ومات فى الحل فانه يلزمه القيمة للحرم والجزاء للقتل ان كان محرما والفدية اذا أكل لا قيمة ما أكل
(4)
.
مذهب الإمامية:
حكم صيد المحرم:
جاء فى الخلاف أن لحم الصيد حرام على المحرم سواء صاده هو أو غيره، قتله هو أو غيره أذن فيه أو لم يأذن أعان عليه أو لم يعن وعلى كل حال، لاجماع الفرقة وطريقة الاحتياط ويمكن أن يستدل بقول الله تعالى «وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً» والمراد به المصيد عند أهل التفسير واذا ذبح المحرم صيدا فهو ميتة لا يجوز لأحد
(1)
الروض النضير ج 3 ص 69 الطبعة المتقدمة.
(2)
الآية رقم 97 من سورة آل عمران.
(3)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 73 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 102، ص 103 نفس الطبعة المتقدمة.
أن يأكله
(1)
. واذا أكل المحرم من صيد قتله لزمه قيمته لاجماع الفرقة
(2)
.
حكم صيد المحرم:
وجاء فى الخلاف أن المحرم أو المحل اذا ذبحا صيدا فى الحرم كان ميتة لا يجوز لأحد أكله لاجماع الفرقة
(3)
.
مذهب الإباضية:
حكم صيد المحرم:
جاء فى شرح النيل أن المحرم ممنوع من اصطياد فى بر ومن أكل صيد البر ولو صاده محل من الحل أيضا، وان أكل من قتيل غيره لزمه قيمة ما أكل لفقراء مكة ورخص فى غيرها وان قتل الصيد بنفسه وأكل منه لزمه قيمة ما أكل وجزاء الصيد قال الله تعالى:«وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ» أى تناوله بالقتل أو بالضر أو بالامساك أو بالأكل جميع ذلك حرام فالصيد بمعنى الحيوان.
وقيل الصيد بمعنى الاصطياد فهو مصدر وعليه فان المحرم قتله وقبضه وما يؤدى لصيده وعليه فلا جزاء على أكله ويدل للأول أنه صلى الله عليه وسلم أهدى اليه حمار وحش وهو محرم فرده الى صاحبه فقال أنا لم نرده عليك الا أنا حرم - بضم الحاء والراء - والمراد بالصيد فى الآية ما يمكن أن يصاد ولو لم يحل أكله شرعا.
هذا وقيل: اذا ذبح المحرم الصيد فهو ميتة لا قيمة فى أكله.
وقيل: اذا صاده المحل وذبحه جاز للمحرم أن يأكله وهو مروى عن عمر رضى الله تعالى عنه.
وقال ابن عباس وجابر بن زيد وعلى وأصحابنا رضى الله تعالى عنهم: لا يجوز له أن يأكله سواء صيد من أجله أو من أجل غيره وسواء ذبح له أو لمحل أو لمحرم غيره وأن دفع محل بيضة لمحرم فشواها وأكلها أو شواها له المحل فأكلها فعليه الجزاء كأنه اصطادها ومن أكل لحم صيد من صيد الحل فعليه الجزاء.
وان صاد محرم فى حل لم يجز للمحل أن يأكله وقيل يجوز.
وقيل ان ذبحه المحل جاز وعلى أنه لا يجوز يلزمه قيمة ما أكل.
وحل صيد بحرى وهو السمك ذو الملوحة وهو الذى من البحر المالح
(1)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 483 مسئلة رقم 271 ورقم 272 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 484 مسئلة رقم 274 الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 483، ص 484 مسئلة رقم 273 الطبعة المتقدمة.
وذلك جرى على الغالب لا قيد، وقد نصوا على جواز الصيد من البحر المالح والعذب والعيون والآبار وغدران المطر ومن كل ماء ولو فى دلو وكره بعض للمحل والمحرم أن يأكل ما أشبه الانسان أو الخنزير وطعام البحر حلال - وهو ما طفا على الماء ميتا أو قذفه الماء أو نضب عنه.
ولا بأس للمحرم فى أن يأكل عسل النحل وان كان فيه فراخه وأن يذبح الشاة والبقرة والبعير لحاجته أو حاجة غيره ويأكل لحوم الأنعام، وانما منع المحرم من صيد البر وأبيح له صيد البحر لأن فى صيد البر تلذذ يخرج اليه الأكابر تترفا ولعبا، ولأن كل ما فى البحر مذبوح كما جاء به الحديث على معنى أنه لا يحتاج الى الذكاة فهو كالطعام.
هذا ومن الحيوان البرى الفكرون
(1)
والضفدع وطير الماء والسلاحف وكل ما يعيش فى الماء والأرض فعليه الفداء ولو صادهن من البحر.
وقيل: السلاحف ليست برية، وقال عطاء: طير الماء بحرى.
وقيل: ما يعيش فى الماء والأرض ينظر ان كان يفرخ فى الماء فبحرى أو فى الأرض فبرى والحوطة ما تقدم
(2)
.
حكم صيد الحرم:
جاء فى شرح النيل: أنه يمنع الانسان من صيد الحرم سواء كان محلا أو محرما، ولو كان ذلك من ماء مطر أو عين أو غيره تولد منه الحيوان
(3)
.
وان رمى محل طيرا على غصن متدل فى حل وأصل شجرته فى الحرم لم يلزمه جزاء ولزمه بعكسه بأن يرمى طائرا على غصن متدل فى حرم من شجرة فى حل.
ومن دخل الحرم بصيد أطلقه على الصحيح، وان دخل بلحم صيد دفنه عند بعض، وأجاز بعض له ولغيره أن يأكله.
وعلى القول بمنع أكله ان أطعمه أحدا لزم قبل آكله جزاءه ان علم أنه لحم صيد وكان محرما، وكذا ان أطعم أحدا صيد الحرم يلزم آكله جزاءه ان علم أنه صيد الحرم سواء كان محرما أو محلا، وان لم يعلم لزم الذى أطعمه اياه.
(1)
الفكرون حيوان مقوس الظهر صلب الظهر والبطن والجوانب كأنه عظم يدخل رأسه وأرجله فى ذلك فلا يصاب ولا يؤثر فيه شئ واذا أراد المشى أخرج أرجله الأربعة ورأسه ومشى واذا أحس ما خاف منه أدخلهن ولونه كلون الضفدع.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 328 وما بعدها الى ص 331 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق لأطفيش ج 2 ص 328 الطبعة السابقة.
والذى عندى أنه يلزم فى هذه المسائل قيمة ما أكل.
وقيل: يأثم من أطعمه غيره فقط ولا كفارة عليه ولا على من أكل بلا علم أنه صيد الحرم.
وعلى القول بأن الكفارة تلزم بالاطعام فيلزم مطعمه كفارتان، جزاء الصيد وقيمة ما أطعم منه انسانا
(1)
.
رابعا: موطوء الآدمى من الحيوانات
مذهب الحنفية:
جاء فى تبيين الحقائق وحاشية الشلبى عليه: أن البهيمة اذا وطئها آدمى نظر فان كانت الدابة مما لا يؤكل لحمها تذبح وتحرق لما روى عن عمر رضى الله عنه انه أتى برجل وقع فى بهيمة فعزر الرجل وأمر بالبهيمة فأحرقت قال الاتقانى وقال شمس الأئمة السرخسى الاحراق جائز وليس بواجب، وان كانت الدابة مما يؤكل لحمها تذبح وتؤكل ولا تحرق بالنار على قول أبى حنيفة رحمه الله تعالى.
وقال أبو يوسف: تحرق هذه أيضا بالنار. هذا كله اذا كانت البهيمة للفاعل.
أما اذا كانت البهيمة لغير الفاعل يطالب صاحبها ان يدفعها الى الفاعل بقيمتها ثم يذبح. هكذا ذكروا، ولا يعرف ذلك الا سماعا فيحمل عليه
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير أن البهيمة الموطوءة كغير الموطوءة فى جواز الذبح والأكل فلا يحرم أكلها ولا يكره اذا كانت البهيمة مباحة
(3)
.
وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن الطرطوشى أن مذهب الامام مالك رحمه الله تعالى لا يختلف فى أن البهيمة الموطوءة من آدمى لا تقتل
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن البهيمة المفعول بها فيها أوجه أصحها لا تذبح.
وقيل: تذبح ان كانت مأكولة.
وقيل تذبح مطلقا لظاهر قول النبى صلى الله عليه وسلم من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه رواه الحاكم وصحح اسناده.
واختلفوا فى علة ذلك.
فقيل: لاحتمال أن تأتى بولد مشوه الخلق فعلى هذا لا تذبح الا اذا كانت أنثى وقد أتاها فى الفرج.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 338، ص 339 الطبعة المتقدمة.
(2)
تبيين الحقائق للزيلعى وحاشية الشيخ أحمد الشلبى عليه ج 3 ص 181، ص 182 الطبعة المتقدمة.
(3)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 316 الطبعة السابقة.
(4)
التاج والاكليل للمواق فى كتاب على هامش مواهب الجليل ج 6 ص 293 الطبعة السابقة.
وقيل ان فى بقائها تذكارا للفاحشة فيعير بها وهذا هو الأصح فعلى هذا لا فرق بين الذكر والأنثى وان كانت تلك البهيمة مأكولة وذبحت حل أكلها على الأصح.
وحيث وجب الذبح والبهيمة لغير الفاعل لزمه لمالكها ان كانت مأكولة ما بين قيمتها حية وقيمتها مذبوحة وان كانت غير مأكولة لزمه جميع القيمة.
وقيل: لا شئ لصاحبها لأن الشرع أوجب قتلها للمصلحة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن البهيمة اذا وطئها الآدمى تقتل سواء كانت مملوكة له أو لغيره وسواء كانت مأكولة أو غير مأكولة لما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما مرفوعا قال: من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة رواه أحمد وأبو داود والترمذى، وقال الطحاوى:
هو ضعيف، وقد صح عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه قال: من أتى بهيمة فلا حد عليه فان كانت البهيمة المأتية ملك الآتى لها فهى هدر لأن الانسان لا يضمن مال نفسه وان كانت البهيمة ملك غير الآتى ضمنها لربها لأنها أتلفت بسببه أشبه ما لو قتلها، ويحرم أكلها وان كانت من جنس ما يؤكل روى عن ابن عباس لأنها وجب قتلها لحق الله تعالى فأشبهت سائر المقتولات لحق الله تعالى
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يرى الظاهرية أن موطوء الآدمى من البهائم لا يقتل ولا يحرم أكل لحمها ولا كراهة فيه، لضعف ما روى فى ذلك الشأن من الآثار، وبذلك فهى مما لا يحتج به على أصولنا، وأما من وطئ البهيمة فانه يعزر لأنه قد أتى منكرا والله سبحانه وتعالى يقول:«وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ.»
(3)
ولا خلاف بين أحد من الأمة أنه لا يحل أن تؤتى البهيمة أصلا ففاعل ذلك فاعل منكر، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتغيير المنكر باليد
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أن البهيمة التى وطئت من الآدمى يكره أكلها وأكل لبنها
(5)
.
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 134 الطبعة السابقة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 4 ص 57 الطبعة السابقة.
(3)
الآيات من رقم 4 الى رقم 6 من سورة المؤمنون.
(4)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 11 ص 386 وما بعدها الى ص 388 مسئلة رقم 2300 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية سنة 1350 هـ الطبعة الأولى.
(5)
شرح الأزهار ج 4 ص 336، ص 337 الطبعة السابقة.
وجاء فى البحر الزخار أنه يكره أكلها تنزيها فقط وروى عن الامام على رضى الله تعالى عنه أنها تحرم وتذبح ولما روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه «قيل لابن عباس: ما شأن البهيمة؟ قال:
ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ذلك شيئا ولكن أراه كره أن يؤكل لحمها أو ينتفع بها وقد فعل بها ذلك» أخرجه أبو داود والترمذى وكذلك الحكم لو كانت البهيمة غير مأكولة لئلا تأتى بولد مشوه، ولا يعارض ذلك بأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح البهيمة لغير أكلها لحمل ذلك هنا على أنه أراد عقوبته بذبحها اذا كانت له وهى مأكولة. فاذا التبست بغيرها من البهائم فلا ضمان على الواطئ ولا يلزمه الفحص اجماعا
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه يحرم من الحيوان ذوات الأربع وغيرها على الأقوى الذكور والاناث موطوء الانسان ونسله المتجدد بعد الوط ء لقول الصادق عليه السلام أن أمير المؤمنين عليه السلام سئل عن البهيمة التى تنكح قال حرام لحمها ولبنها وخصه العلامة بذوات الأربع اقتصارا فيما خالف الأصل على المتيقن ويجب ذبح هذا الحيوان وحرقه بالنار ان لم يكن المقصود منه ظهره، سواء كان الانسان الذى وطئه صغيرا أو كبيرا عاقلا أو مجنونا ولو اشتبه هذا الحيوان بحيوان محصور قسم نصفين وأقرع بينهما بأن يكتب رقعتان فى كل واحدة اسم نصف منهما ثم يخرج على ما فيه المحرم فاذا خرج فى أحد النصفين قسم كذلك وأقرع وهكذا حتى تبقى واحدة فيعمل بها ما عمل بالمعلومة ابتداء
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه يلزم بالفعل ببهيمة مملوكة مما تؤكل أو مما لا تؤكل قيمتها لصاحبها مع الكفر، وتذبح ولو خفية وان ذبحها مع علم صاحبها جاز ولكن يخاف الفتنة وعلى كل حال لا يذكر زناه، وله أن يفرض له بالشراء تعويضا لا حقيقة لأنها لا ثمن لها لأنها حرام لا تؤكل ولا ينتفع بها كما يدل له الدفن ويدل الأمر بقتلها فى الحديث وانما القيمة لافساده اياها.
وتدفن أو تلقى فى البحر بعد الذبح أو حيث لا ينتفع بها والذبح كالنحر لا يحل لبنها ولا لحمها ولا نباتها من شعر أو صوف أو غيره ولا جزءا من أجزائها فصارت كالآدمى فى الحرمة.
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 146 نفس الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية ج 2 ص 282 الطبعة السابقة.
ولا يحل الانتفاع أيضا بالحمل عليها والخدمة فان علم صاحبها بذلك فلا اشكال وان لم يعلم ذبحها الزانى ودفنها وأعطاه قيمتها من حيث لا يخبره بالزنا وان لم يجد الى ذبحها سبيلا أخبره بأنها حرام عليه وأنها تذبح وتدفن وأعطاه قيمتها ولا يخبره بالزنا وان شاء أخبره بأن أحدا زنى بها ولا يذكر نفسه.
وقيل: لا يحرم لبنها ولا نباتها ولا لحمها ولا شئ منها ولا الحمل عليها والخدمة وعليه فلا تذبح ويعطى صاحبها ما نقصها ذلك.
والقولان أيضا فيما اختلف فيه هل يحل لحمه كالحمار والفرس والبغل؟
فقيل: تذبح وتدفن كذلك ويعطى القيمة لحرمة الانتفاع به.
وقيل: لا ويرجم فاعل ذلك.
وقيل: يقتل بالسيف ولو لم يكن محصنا.
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ومن وجدتموه وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة
(1)
.
خامسا: الطير اذا أوت الى أوكارها
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن أحمد رحمه الله تعالى قال لا بأس بصيد الليل فقيل له: قول النبى صلى الله عليه وسلم:
«أقروا الطير على وكناتها» فقال هذا كان أحدكم يريد الأمر فيثير الطير حتى يتفاعل ان كان عن يمينه قال كذا وان جاء عن يساره قال كذا، فقال النبى صلى الله عليه وسلم أقروا الطير على وكناتها» قال يزيد بن هارون:
وما علمت أن أحدا كره صيد الليل.
وقال يحيى بن معين ليس به بأس وسئل هل يكره للرجل صيد الفراخ الصغار مثل الورشان وغيره يعنى من أوكارها فلم يكرهه
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أنه يحرم أخذ الطير من وكره وعن قوم ويحرم لحمه لقول النبى صلى الله عليه وسلم الطير آمنة فى أوكارها بأمان الله فاذا طار فانصب له فخك وارمه بسهمك رواه الصادق عن أبيه الباقر. وهذا مخصص بالاجماع على الاباحة وكذلك حكم البيض لافزاعها بأخذه، وقيل: لا
(3)
.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 642 طبع محمد بن يوسف البارونى.
(2)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 11 ص 22، ص 23 الطبعة السابقة.
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 293.
مذهب الإباضية:
جاء فى جوهر النظام أنه يكره أن تصاد الطيور النائمة فى حال نومها ولا نرى أن ذلك مما يحرم صيده.
وقيل: يحل أن يخرج الصائد أفراخ الطير من أوكارها وليس فى هذا الفعل ضير على من يقوم به
(1)
.
آداب الطعام وما يستحب فيه ويكره
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاى الهندية: أن الأكل على مراتب.
احداها أن يكون فرضا وهو ما يندفع به الهلاك - فان ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى.
وثانيها: مأجور عليه وهو ما زاد عليه ليتمكن به من الصلاة قائما ويسهل عليه الصوم.
وثالث المراتب: مباح وهو ما زاد على ذلك الى الشبع لتزداد قوة البدن ولا أجر فيه ولا وزر عليه ويحاسب عليه حسابا يسيرا ان كان من حل.
ورابع المراتب: حرام وهو الأكل فوق الشبع الا اذا قصد به التقوى على صوم الغد أو اذا قصد به أن لا يستحى الضيف وحينئذ فلا بأس بأن يأكل فوق الشبع.
ولا تجوز الرياضة بتقليل الأكل حتى يضعف عن أداء الفرائض فأما تجويع النفس على وجه لا يعجز عن أداء العبادات معه فهو مباح وفيه رياضة النفس وبه يصير الطعام مشتهى بخلاف الأول فانه اهلاك النفس وكذا الشاب الذى يخاف الشبق لا بأس فى أن يمتنع عن الأكل ليكسر شهوته بالجوع على وجه لا يعجز معه عن أداء العبادات كذا فى الاختيار شرح المختار.
وان أكل الرجل مقدار حاجته أو أكثر لمصلحة بدنه فلا بأس به كذا فى الحاوى للفتاوى.
واذا أكل الرجل أكثر من حاجته ليتقيأ قال الحسن رحمه الله تعالى: لا بأس به وقال رأيت أنس بن مالك رضى الله تعالى عنه يأكل ألوانا من الطعام ويكثر ليتقيأ وينفعه ذلك كذا فى فتاوى قاضيخان.
ومن السرف الاكثار فى الباجات
(2)
الا عند الحاجة بأن يمل من باجة فيستكثر حتى
(1)
جوهر النظام فى علمى الأديان والأحكام لابن حميد السالمى طبع المطبعة العربية فى مصر سنة 1344 هـ.
(2)
الباجات روى صاحب لسان العرب أن الجوهرى روى أقواله اجعل الباجات باجا واحدا ضربا واحدا. وهو معرب وأصله فى الفارسية (باها) أى ألوان الأطعمة (اللسان مادة باج).
يستوفى من كل نوع شيئا فيجتمع له قدر ما يتقوى به على الطاعة أو قصد أن يدعو الأضياف قوما بعد قوم الى أن يأتوا الى آخر الطعام فلا بأس به كذا فى الخلاصة، واتخاذ ألوان الأطعمة ووضع الخبز على المائدة أكثر من الحاجة سرف الا أن يكون من قصده أن يدعو الأضياف قوما بعد قوم حتى يأتوا على آخره لأن فيه فائدة ومن الاسراف أن يأكل وسط الخبز ويدع حواشيه أو يأكل ما انتفخ منه ويترك الباقى لأن فيه نوع تجبر الا أن يكون غيره يتناوله فلا بأس به كما اذا اختار رغيفا دون رغيف كذا فى الاختيار شرح المختار.
ومن الاسراف كذلك ترك اللقمة الساقطة من اليد، بل يرفعها أولا ويأكلها قبل غيرها - على ما ذكره الكردى فى الوجيز - ومن اكرام الخبز أن لا ينتظر الادام اذا حضر ..
والسنة غسل الأيدى قبل الطعام وبعده.
وأداب غسل الأيدى قبل الطعام أن يبدأ بالشبان ثم بالشيوخ.
أما بعد الطعام فالأمر على العكس من ذلك - كذا فى الظهيرية.
وقال نجم الأئمة البخارى وغيره:
غسل اليد الواحدة أو أصابع اليدين لا يكفى لسنة غسل اليدين قبل الطعام لأن المذكور غسل اليدين وذلك انما يكون الى الرسغين كذا فى القنية.
ولا يمسح يده قبل الطعام بالمنديل ليكون أثر الغسل باقيا وقت الأكل ويمسحها بعده ليزول أثر الطعام بالكلية، وذكر فى التتارخانية نقلا عن اليتيمة أن غسل الفم عند الأكل ليس سنة كغسل اليد.
ولو غسل يده أو رأسه بالنخالة أو أحرقها فلا بأس به ان كانت بحيث لم يبق فيها شئ من الدقيق وبحيث تعلف بها الدواب.
وفى نوادر هشام رحمه الله تعالى سألت محمدا رحمه الله تعالى عن غسل اليدين بالدقيق والسويق بعد الطعام مثل الغسل بالأشنان
(1)
فأخبرنى أن أبا حنيفة رحمه الله تعالى لم ير بأسا فى ذلك وأبو يوسف رحمه الله تعالى كذلك وهو قولى فى الذخيرة.
ويكره للجنب رجلا كان أو امرأة أن يأكل طعاما أو أن يشرب قبل غسل اليدين والفم ولا يكره ذلك للحائض.
(1)
جاء فى لسان العرب الأشنان بضم الهمزة وكسرها من الحمض، وهو الذى يغسه به الأيدى. (مادة أشن).
والمستحب تطهير الفم فى جميع المواضع كذا فى فتاوى قاضيخان.
وينبغى أن يصب الماء من الآنية على يده بنفسه ولا يستعين بغيره.
وقد حكى عن بعض مشايخنا رحمهم الله تعالى أنه قال هذا كالوضوء ونحن لا نستعين بغيرنا فى وضوئنا كذا فى المحيط.
وسنن الطعام البسملة فى أوله والحمدلة فى آخره، فان نسى البسملة فى أوله فليقل اذا ذكر بسم الله على أوله وآخره، واذا قلت بسم الله فارفع صوتك حتى تلقن من معك، وذكر فى القنية أنه يبدأ باسم الله تعالى فى أوله ان كان الطعام حلالا. وبالحمد لله فى آخره كيفما كان ولا ينبغى أن يرفع صوته بالحمد لله الا أن يكون جلساؤه قد فرغوا عن الأكل.
وجاء فى الخلاصة أن من السنة أن يبدأ بالملح ويختم بالملح.
وجاء فى النوادر أن فضل بن غانم قال: سألت أبا يوسف رحمه الله تعالى عن النفخ فى الطعام هل يكره؟ قال لا يكره الا ما له صوت مثل أف.
ولا يؤكل طعام حار ولا يشم ولا ينفخ فى الطعام والشراب.
ومن السنة أن لا يأكل الطعام من وسطه فى ابتداء الأكل قاله فى الخلاصة وقال وكذا من السنة أن يلعق القصعة.
ويكره الأكل على الطريق ولا بأس فى أن يأكل وهو مكشوف الرأس وهو المختار.
ولا بأس بالأكل متكئا أو واضعا شماله على الأرض أو مستندا كذا فى الفتاوى العتابية
(1)
.
ثم ذكر صاحب الفتاوى الهندية نقلا عن الغيائية أنه لا بأس فى الشرب قائما ولا يشرب ماشيا، ورخص للمسافرين ذلك، ولا يشرب بنفس واحد ولا من فم السقاء والقربة لأنه لا يخلو عن أن يدخل حلقه ما يضره، وجاء فى الخلاصة أن شرب الماء من السقاية جائز للغنى والفقير.
ويكره رفع الجرة من السقاية وحملها الى منزله لأنه وضع للشرب لا للحمل.
وحمل ماء السقاية الى أهله ان كان مأذونا للحمل يجوز والا فلا.
هذا ولا يجوز وضع القصاع على الخبز والسكرجة
(2)
كذا فى القنية.
(1)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية لقاضيخان ج 5 ص 336، ص 337 الطبعة المتقدمة.
(2)
السكرجة بضم السين المهملة وسكون الكاف وضم الراء أو ضمها مشددة هى الصحفة التى يوضع فيها الأكل.
لا ينبغى للناس أن يأكلوا من أطعمة الظلمة لتقبيح الأمر عليهم وزجرهم عما يرتكبون وان كان يحل
(1)
.
واذا كان الرجل على مائدة فتناول غيره من طعام المائدة فان كان يعلم أن صاحب الطعام لا يرضى به لم يحل له ذلك وان كان يعلم بأنه يرضى به فلا بأس عليه، وان اشتبه عليه فلا يناول ولا يعطى سائلا.
وان كانوا على مائدتين لا يناول بعضهم بعضا الا اذا تيقنوا رضا رب البيت.
ولو كانت ضيافة فيها موائد فأعطى بعضهم بعض من على مائدة أخرى طعاما ليأكل أو على هذه المائدة فانه يجوز وان ناول الضيف شيئا من الطعام الى من كان ضيفا معه على الخوان تكلموا فيه قال بعضهم: لا يحل له أن يفعل ذلك ولا يحل لمن أخذ أن يأكل ذلك بل يضعه على المائدة ثم يأكل من المائدة، وأكثرهم جوزوا ذلك لأنه مأذون له ذلك عادة ولا يجوز لمن كان على المائدة أن يعطى انسانا دخل هناك لطلب انسان أو لحاجة أخرى كذا فى فتاوى قاضيخان.
والصحيح فى هذا أنه ينظر الى العرف والعادة دون التردد، وكذا لا يدفع الى ولد صاحب المائدة وعبده وكلبه وسنوره، واذا ناول الضيف من المائدة هرة لصاحب الدار أو لغيره شيئا من الخبز أو قليلا من اللحم فانه يجوز استحسانا لأنه اذن فى العادة.
ولو كان عندهم كلب لصاحب الدار أو لغيره لا يسعه أن يناوله شيئا من اللحم أو الخبز الا باذن صاحب البيت لأنه لا اذن فيه عادة.
ولو ناول العظام أو الخبز المحترق وسعه.
ولو أن رجلا دعا قوما إلى طعام وفرقهم على أخونة فليس لأهل هذا الخوان أن يتناول من طعام خوان آخر لأن صاحب الطعام انما أباح لأهل كل خوان أن يأكل ما كان على خوانه لا غير، وقال الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى: القياس كذلك.
وفى الاستحسان: اذا أعطى من كان فى ضيافة تلك جاز وان أعطى بعض الخدم الذى هناك جاز أيضا، وكذا لو ناول الضيف من المائدة شيئا من الخبز أو قليلا من اللحم جاز استحسانا وان ناول الطعام الفاسد أو الخبز المحترق فذلك جائز عندهم لأنه مأذون بذلك.
ولو كان رجل يأكل خبزا مع أهله
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 342.
فاجتمع كسرات الخبز ولا يشتهيها أهله فله أن يطعم الدجاجة والشاة والبقر وهو أفضل ولا ينبغى القاؤها فى النهر أو فى الطريق الا اذا كان الالقاء لأجل النمل ليأكل النمل فحينئذ يجوز هكذا فعله السلف
(1)
.
ويكره السكوت حالة الأكل لأنه تشبه بالمجوس كذا فى السراجية.
وجاء فى الغرائب أنه لا يسكت على الطعام ولكن يتكلم بالمعروف وحكايات الصالحين، واذا دعوت قوما الى طعامك فان كان القوم قليلا فجلست معهم فلا بأس لأن خدمتك اياهم على المائدة من المروءة، وان كان القوم كثيرا فلا تجلس معهم واخدمهم بنفسك ولا تغضب على الخادم عند الأضياف ولا ينبغى أن تجلس معهم من يثقل عليهم فاذا فرغوا من الطعام واستأذنوا فينبغى أن لا يمنعهم واذا حضر القوم وأبطأ آخرون فالحاضر أحق أن يقدم من المتخلف.
وينبغى لصاحب الضيافة أن لا يقدم الطعام ما لم يقدم الماء لغسل الأيدى، وكان القياس أن يبدأ بمن هو فى آخر المجلس ويؤخر صاحب الصدر ولكن الناس قد استحسنوا بالبداية بصاحب الصدر فان فعل ذلك فلا بأس به، واذا أرادوا غسل أيديهم بعد الطعام فقد كرهوا أن يفرغ الطست فى كل مرة وقال بعضهم لا بأس به لأن الدسومة اذا سالت فى الطست فربما تنتضح على ثيابه فتفسد عليه ثيابه، وكان فى الأمد الأول غالب طعامهم الخبز والتمر أو الطعام قليل الدسومة وأما اليوم فقد أكلوا الباجات والألوان ويصيب أيديهم بذلك فلا بأس بصبه فى كل مرة.
قال الفقيه اذا تخلل الرجل فما خرج من بين أسانه فان ابتلعه جاز وان ألقاه جاز، ويكره الخلال بالريحان وبالآس وبخشب الرماه.
ويستحب أن يكون الخلال من الخلاف الأسود، ولا ينبغى له أن يرمى بالخلال وبالطعام الذى خرج من بين أسنانه عند الناس لأن ذلك يفسد ثيابهم ولكنه يمسكه فاذا أتى بالطست لغسل اليد ألقاه فيه ثم يغسل يده فان ذلك من المروءة
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى بلغة السالك أنه يسن عينا لآكل وشارب ولو كان صبيا أن يسمى، ويندب الجهر بها لينبه الغافل ويتعلم الجاهل وان نسيها فى أول الأكل أتى
(1)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية لقاضيخان ج 5 ص 344 الطبعة المتقدمة.
(2)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكرية لقاضيخان ج 5 ص 345 الطبعة المتقدمة.
بها حيث ذكرها فيقول بسم الله فى أوله وفى وسطه وفى آخره فان الشيطان يتقابأ ما أكله خارج الاناء. والاقتصار على بسم الله أحد قولين راجحين والآخر منهما أن لا يقتصر بل يكملها وهو المعتمد لأن التكميل تذكار نعمة المنعم. وقد ورد فى الحديث زيادة على التسمية: «وبارك لنا فيما رزقتنا» . وان كان الطعام لبنا يزيد على ذلك وزدنا منه.
وندب لمن يأكل ومن يشرب أن يتناول باليمين لخبر «اذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه واذا شرب فليشرب بيمينه فان الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله.
وكذا يندب أن يحمد الله تعالى بعد الفراغ من طعامه أو شرابه لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند فراغه: الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين» ويندب أن يكون ذلك سرا خوفا من حصول الخجل للغير قبل أن يشبع، ويندب الصلاة والسّلام على الواسطة فى كل نعمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ويندب غسل اليدين بنحو أشنان لأن بقاء الغمر
(1)
يورث الجنون أو البرص أو أذية الهوام له - وأما غسلهما قبل الطعام له فالمشهور عندنا أنه مكروه قال الامام مالك رحمه الله تعالى:
وليس العمل على قول النبى صلى الله عليه وسلم الغسل قبل الطعام ينفى الفقر، وبعده ينفى اللمم أى ليس عمل أهل المدينة عليه، ومذهبه تقديم العمل على الحديث الصحيح لعلمهم بحال النبى صلى الله عليه وسلم فما خالفوا الحديث الا لكون النبى صلى الله عليه وسلم فعل خلافه، وقد غسل أمامنا مالك رضى الله تعالى عنه وعنا به قبل الطعام فيحمل ذلك على ما اذا كان باليد شئ أو كانت نفوس الحاضرين تأنف من ترك الغسل أو يكون من فى المجلس يده تحتاج الى الغسل ويقتدى به.
وبالجملة: غسل اليد قبل الطعام وان لم يكن سنة عندنا فهو بدعة حسنة ويجوز بلع ما بين الأسنان الا لخلطه بدم، فليس مجرد التغير يصيره نجسا خلافا لما قيل.
ويندب تنظيف الفم بالمضمضة والسواك وان لم يكن فى الطعام دسم لما تقدم من أنه ليس أضر على الملائكة من بقايا ما بين الأسنان، ويتأكد ذلك عند ارادة الصلاة.
ويطلب تخفيف المعدة بتقليل الطعام والشراب على قدر لا يترتب عليه ضرر ولا كسل عن عبادة فقد يكون الشبع سببا فى عبادة واجبة فيجب وقد يترتب
(1)
الغمر بفتح الغين والميم: زنخ اللحم وجمعه غمور (القاموس المحيط مادة غمر).
عليه ترك واجب فيحرم، أو يترتب عليه ترك مستحب فيكره وان لم يترتب عليه شئ فيباح، قال فى الرسالة ومن أدب الأكل أن تجعل بطنك ثلثا للطعام وثلثا للشراب وثلثا للنفس وذلك لاعتدال الجسد وخفته لأنه يترتب على الشبع ثقل البدن، وهو يورث الكسل عن العبادة ولأنه اذا أكثر من الأكل لما بقى للنفس موضع الا على وجه يضر به ولما ورد: المعدة بيت الداء والحمية
(1)
رأس الدواء أى وأصل كل داء البردة
(2)
.
ويندب لك أن تأكل مما يليك ان أكلت مع غيرك من غير ولد وزوجة ورفيق الا فى نحو فاكهة مما هو أنواع اذ لا يطالب بالأدب معهم وهم يطالبون به وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم حين أكل معه من نواحى الصفحة بقوله صلى الله عليه وسلم له: كل مما يليك فيكره أن يأكل من غير ما يليه لأنه ينسب للشره وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم لعكرش رضى الله تعالى عنه حين أكل معه ثريدا: كل من موضع واحد فانه طعام واحد». ثم أتى صلى الله عليه وسلم بطبق فيه ألوان من الرطب فجعل يأكل من بين يديه فقال صلى الله عليه وسلم: «كل من حيث شئت فانه غير لون واحد» .
ويندب أن لا يأخذ لقمة الا بعد أن يبلع ما فى فيه فأخذها قبل ذلك مكروه لئلا ينسب للشره.
ويندب أن ينوى بالأكل نية حسنة لحسن متعلقها كاقامة البينة والتقوى على الطاعة وشكر المنعم، ويندب تنعيم المضغ حتى يصير الممضوغ ناعما يلتذ به ويسهل بلعه ويخف على المعدة، ويندب أن يمص الماء اذ العب مكروه لقول النبى صلى الله عليه وسلم إذا شرب أحدكم فليمص مصا ولا يعب عبا فان الكباد من العب
(3)
. ومثل الماء فى ذلك كل مائع كلبن.
ويندب أن يبعد القدح حين التنفس حالة الشرب ثم يعيد القدح لفيه مسميا عند وضعه على فيه حامدا عند ابانته، يفعل ذلك ثلاثا وهذا هو الراجح.
وقيل يجوز أن يشرب فى مرة على حد سواء والراجح أنه خلاف الأولى أو مكروه لقول النبى صلى الله عليه وسلم إذا شرب أحدكم فليتنفس ثلاث مرات فانه أهنأ وأمرأ.
ويندب أن يناول من على يمينه وأن تعدد ان كان على يمينه أحد قبل أن يناول من على يساره ولو كان من على يمينه مفضولا فقد ناول النبى صلّى الله
(1)
الحمية: خلو البطن من الطعام.
(2)
البردة: ادخال الطعام على الطعام.
(3)
الكباد على وزن غراب وجع الكبد.
عليه وسلم الأعرابى الذى كان على يمينه قبل أبى بكر الذى كان جالسا على يساره، وورد أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال صلى الله عليه وسلم للغلام: أتأذن لى أن أعطى هؤلاء فقال:
لا والله يا رسول الله لا أوثر بنصيبى منك أحدا قال: فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم فى يده - يعنى أعطاه وليس لمن على اليمين أن يؤثر غيره بل ان لم يشرب سقط حقه فان كانوا جالسين أمام الشارب فيبدأ بأكابرهم.
ويكره النفخ فى الطعام لما فيه من اهانة الطعام بما يخرج من الريق وعليه يكره ولو أكل وحده سواء كان فى يده أو فى الاناء وخصه بعض بالطعام الذى فى الاناء.
وقيل: العلة أذية الآكل معه وعليه فلا يكره لمن كان وحده.
وكما يكره النفخ فى الطعام يكره النفخ فى الشراب لما ورد من النهى عن ذلك فيهما عن النبى صلى الله عليه وسلم.
ويكره التنفس فى الاناء حال الشرب فقد يكون نفسه كريها فيغير الاناء حتى يصير ذا رائحة كريهة يعرفها حتى النساء ويتكلمون بقبح فى الشارب كما قرره شيخنا الأمير.
ويكره أن يتناول المأكول والمشروب باليد اليسرى حيث أمكن أن يتناوله باليمنى.
ويكره أن يتكئ حال الأكل على جنبه فقد سئل مالك رحمه الله تعالى عن الرجل يأكل وهو واضع يده على الأرض فقال: انى لا أبتغيه ولا أكره وما سمعت فيه شيئا والسنة الأكل جالسا على الأرض على هيئة مطمئن عليها.
ولا يأكل مضطجعا على بطنه ولا متكئا على ظهره لما فيه من البعد عن التواضع ووقت الأكل وقت تواضع وشكر لله على نعمه، وكذا يكره الافتراش - وهو التربع - بل المطلوب أن يجلس كجلوس النبى صلى الله عليه وسلم وذلك بأن يقيم ركبته اليمنى أو مع اليسرى أو يجلس كالصلاة، وجثا صلى الله عليه وسلم مرة على ركبته حين أهديت له شاة فقيل له: ما هذه الجلسة؟ فقال: النبى صلى الله عليه وسلم:
ان الله جعلنى عبدا كريما ولم يجعلنى جبارا عنيدا، وقال انما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، وأجلس كما يجلس العبد لأن السيادة والعظمة انما تكون لله تعالى.
ويكره أن يأكل من رأس الثريد
(1)
لأن البركة تنزل على وسطه، وفى رواية اذا أكل أحدكم طعاما من أعلى الصحفة -
(1)
الثريد ما يفت من الخبز يبل بالمرق.
وهذه تشمل غير الثريد ولا ينبغى أن يقسم الرغيف بالخنجر بل يكون ذلك باليد، ولا يقسم من وسطه بل من حواشيه والسنة فى اللحم أن يؤكل بعد الطعام وأن ينهش، قال النبى صلى الله عليه وسلم: خير ادامكم اللحم، وقال صلى الله عليه وسلم: سيد ادام الدنيا والآخرة اللحم.
ويكره أن يغسل اليد بالطعام كدقيق الحنطة وكذا يكره أن يمسح اليد به - وهذا هو المعتمد ومثل دقيق الحنطة فى ذلك نخالة القمح لما فيها من الطعام بخلاف نخالة الشعير فلا كراهة فى الغسل بها ولا فرق فى الكراهة بين أن يكون ذلك فى زمن المسغبة وغيرها ويكره القران فى نحو التمر فيكره أن يأخذ اثنين فى مرة واحدة ولو كان ملكه حيث أكل مع غيره لئلا ينسب الى الشره، فان كان الغير شريكا بشراء أو غير ذلك فيحرم للاستبداد بزائد ان استووا فى الشركة، أما ان كان وحده أو مع عياله فلا يكره. قال النفراوى، اختلف هل النهى للأدب أو لئلا يأخذ كل واحد أكثر من حقه فعلى الأول يكون نهى كراهة وعلى الثانى يكون النهى للحرمة
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن ترك التبسط فى الطعام المباح مستحب فانه ليس من أخلاق السلف. هذا اذا لم تدع اليه حاجة كقرى الضيف وأوقات التوسعة على العيال من نحو يوم عاشوراء ويومى العيد، ولم يقصد بذلك التفاخر والتكاثر بل قصد به تطييب خاطر الضيف والعيال وقضاء وطرهم مما يشتهونه.
وقد حكى الماوردى رحمه الله تعالى مذاهب فى اعطاء النفس شهواتها المباحة.
فبعض المذاهب تمنع النفس من ذلك وتقهرها لئلا تطغى.
وبعضها يعطيها تحيلا على نشاطها وبعثها على روحانيتها.
قال الماوردى، والأشبه التوسط بين الأمرين لأن فى اعطاء النفس كل ما تشتهى سلاطة عليه وفى منعه اياها من ذلك بلادة.
ويسن الحلو من الأطعمة، وكثرة الأيدى على الطعام واكرام الضيف، والحديث الحسن على الأكل، ويسن تقليله ويكره ذم الطعام اذا كان الطعام لغيره لما فيه من الايذاء أما ان كان الطعام له فلا كراهة.
ويسن أن يأكل من أسفل الصحفة ويكره أن يأكل من أعلاها أو من وسطها.
(1)
بلغة السالك ج 2 ص 487 وما بعدها الى ص 490 نفس الطبعة المتقدمة.
ويسن أن يحمد الله تعالى عقب الأكل فيقول: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه وفى صحيح البخارى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان اذا رفع مائدته قال: الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفى ولا كفور ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا وروى أبو داود باسناد صحيح أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا أكل وشرب قال:
الحمد لله الذى أطعم وسقى وسوغه وجعل له مخرجا
(1)
.
ويأكل الضيف مما قدم له بلا لفظ من مالك الطعام اكتفاء بالقرينة العرفية كما فى الشرب من السقايات فى الطرق، وما ورد فى الأحاديث الصحيحة من لفظ الاذن فى ذلك محمول على الاستحباب. نعم ان كان ينتظر حضور غيره فلا يأكل الا باذن لفظا أو بحضور الغير لاقتضاء القرينة عدم الأكل بدون ذلك هذا وليس للأراذل أن يأكلوا مما بين أيدى الأماثل من الأطعمة النفيسة المخصوصة بهم وبه صرح الشيخ عز الدين رحمه الله تعالى قال: اذ لا دلالة على ذلك بلفظ ولا عرف، بل العرف زاجر عنه.
ولا يأكل الضيف جميع ما قدم له وبه صرح ابن الصباغ.
قال ابن شهبة وفيه نظر اذا كان قليلا يقتضى العرف أكل جميعه. وهذا ظاهر اذا علم رضا مالكه بذلك.
وصرح الماوردى بتحريم الزيادة على الشبع أى اذا لم يعلم رضا مالكه وأنه لو زاد لم يضمن.
قال الأذرعى رحمه الله تعالى: وفيه وقفة - وحد الشبع أن لا يعد جائعا - وأما الزيادة على الشبع من مال نفسه الحلال فمكروه وكذا الزيادة على الشبع من مال غيره اذا علم رضا مالكه.
قال ابن عبد السّلام ولو كان الضيف يأكل كعشرة مثلا وكان مضيفه جاهلا بحاله لم يجز له أن يأكل فوق ما يقتضيه العرف فى المقدار. قال:
ولو كان الطعام قليلا فأكل لقما كبارا مسرعا حتى يأكل أكثر الطعام ويحرم أصحابه لم يجز له ذلك ويحرم التطفل وهو حضور الوليمة من غير دعوة - الا اذا علم رضا المالك به لما بينهما من الأنس والانبساط وقيد ذلك الامام بالدعوة الخاصة، أما العامة كأن فتح الباب ليدخل من شاء فلا تطفل.
ولا يتصرف الضيف فى الطعام ببيع ولا غيره الا بأكل لأن الأكل هو المأذون فيه عرفا، فلا يطعم سائلا ولا هرة الا أن علم رضا مالكه به وللضيف تلقيم صاحبه الا أن يفاضل المضيف
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج ج 4 ص 285 نفس الطبعة المتقدمة.
طعامهما فليس لمن خص بنوع أن يطعم غيره منه وظاهره المنع سواء أخص بالنوع العالى أم بالسافل وهو محتمل، ويحتمل تخصيصه بمن خص بالعالى، ونقل الأذرعى هذا عن مقتضى كلام الأصحاب رحمهم الله تعالى. قال: وهو ظاهر. ويكره لصاحب الطعام أن يفاضل بين الضيفان فى الطعام لما فى ذلك من كسر الخاطر
(1)
.
وللضيف أن يأخذ ما يعلم رضا المضيف به - والمراد بالعلم ما يشمل الظن - لأن مدار الضيافة على طيب النفس فاذا تحقق ولو بالقرينة رتب عليه مقتضاه، ويختلف ذلك باختلاف الأحوال وبمقدار المأخوذ وبحال المضيف وبالدعوة، فان شك فى وقوعه فى محل المسامحة فالصحيح فى أصل الروضة التحريم.
قال فى الأحياء: واذا علم رضا المضيف ينبغى له مراعاة النصفة مع الرفقة فلا ينبغى أن يأخذ الا ما يخصه أو يرضون به عن طوع لا عن حياء
(2)
.
وتسن التسمية قبل الأكل والشرب ولو من جنب وحائض للأمر بها فى الأكل ويقاس به الشرب.
ولو سمى مع كل لقمة فهو حسن وأقلها بسم الله وأكملها بسم الله الرحمن الرحيم وهى سنة كفاية للجماعة ومع ذلك تسن لكل منهم.
فان تركها أول الطعام أتى بها فى أثنائه فان تركها فى أثناء الطعام أتى بها فى آخره فان الشيطان يتقايأ ما أكله أو شربه.
ويسن الحمد بعد الفراغ من ذلك ويجهر بهما ليقتدى به فيهما.
ويسن غسل اليد قبل الطعام وبعده لكن المالك يبتدئ به فيما قبله ويتأخر به فيما بعده ليدعو الناس الى كرمه.
ويسن أن يأكل بثلاث أصابع للاتباع وتسن الجماعة والحديث غير المحرم كحكاية الصالحين على الطعام وتقليل الكلام أولى.
ويسن أن يأكل الطعام الساقط الذى لم يتنجس أو تنجس ولم يتعذر تطهيره وطهر.
ويسن أن يواكل الرجل عبيده وصغاره وزوجاته، وأن لا يخص نفسه بطعام الا لعذر كدواء بل يؤثرهم على نفسه ولا يقوم المالك عن الطعام وغيره بأكل ما دام يظن به حاجة الى الأكل ومثله من يقتدى به، وان يرحب بضيفه ويكرمه وأن يحمد الله على حصوله ضيفا عنده.
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب ج 3 ص 232 نفس الطبعة المتقدمة.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج ج 3 ص 233 الطبعة السابقة.
ويكره أن يأكل متكئا
(1)
، ومثله المضطجع كما فهم بالأولى، ويكره أن يأكل مما يلى غيره أو أن يأكل من الأعلى والوسط، ونص الشافعى رحمه الله تعالى على تحريمه محمول على المشتمل على الايذاء.
ويستثنى من ذلك نحو الفاكهة مما يتنفل به فيأخذ من أى جانب شاء، ويكره تقريب فمه من الطعام بحيث يقع من فمه اليه شئ.
ويكره أن يذم الطعام، أما أن يقول:
لا أشتهيه أو ما اعتدت أكله فلا كراهة، ويكره أن ينفض يده فى القصعة وأن يشرب من فم القربة، وأن يأكل بالشمال، وأن يتنفس أو ينفخ فى الاناء، ويكره البزاق والمخاط حال أكلهم ويكره أن يقرن تمرتين ونحوهما كعنبتين بغير اذن الشركاء.
ويسن للضيف - وان لم يأكل - أن يدعو للمضيف كأن يقول أكل طعامكم الأبرار وأفطر عندكم الصائمون وصلت عليكم الملائكة وذكركم الله فيمن عنده.
ويسن أن يقرأ سورة الاخلاص وسورة قريش ذكره الغزالى وغيره رحمهم الله تعالى.
ويندب أن يشرب بثلاثة أنفاس بالتسمية فى أوائلها وبالحمد فى أواخرها ويقول فى آخر الأول الحمد لله ويزيد فى الثانى رب العالمين وفى الثالث الرحمن الرحيم.
وأن ينظر فى الكوز قبل الشرب ولا يتجشأ فيه بل ينحيه عن فمه بالحمد ويرده بالتسمية والشرب قائما خلاف الأولى.
ومن آداب الأكل أن يلتقط فتات الطعام وأن يقول المالك لضيفه ولغيره كزوجته وولده اذا رفع يده من الطعام: كل ويكرره عليه ما لم يتحقق أنه اكتفى منه، ولا يزيد على ثلاث مرات. وأن يتخلل ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه ويتمضمض بخلاف ما يجمعه بلسانه من بينها فانه يبلعه، وأن يأكل قبل أكله اللحم لقمة أو لقمتين أو ثلاثة من الخبز حتى يسد الخلل وأن لا يشم الطعام ولا يأكله حارا حتى يبرد.
ومن آداب الضيف أن لا يخرج الا باذن صاحب المنزل وأن لا يجلس فى مقابلة حجرة النساء وسترتهن وأن لا يكثر النظر الى الموضع الذى يخرج منه الطعام ومن آداب المضيف أن يشيع الضيف عند خروجه الى باب الدار وينبغى للآكل أن يقدم الفاكهة ثم اللحم ثم الحلاوة وانما قدمت الفاكهة لأنها أسرع استحالة فينبغى أن تقع أسفل المعدة ويندب أن يكون على المائدة بقل
(2)
.
(1)
الاتكاء هو الجلوس معتمدا على وطاء تحته كقعود من يريد الاكثار من الطعام. قاله الخطابى وأشار غيره الى أنه المائل الى جنبه أنظر، مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب ج 3 ص 233 الطبعة المتقدمة.
(2)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للخطيب الشربينى ج 3 ص 233، ص 234 نفس الطبعة المتقدمة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير أنه تستحب التسمية عند الطعام وحمد الله عند آخره. لما روى عمر بن أبى مسلمة رحمه الله تعالى قال: أكلت مع النبى صلى الله عليه وسلم فجالت يدى فى القصعة فقال: سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك» قال فما زالت أكلتى بعد رواه ابن ماجة بمعناه ورواه أبو داود، وروى الامام أحمد رحمه الله تعالى باسناده عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال لا أعلمه الا عن النبى صلى صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«للطاعم الشاكر مثل ما للصائم الصابر» قال أحمد رحمه الله تعالى:
معناه اذا أكل وشرب يشكر الله ويحمده على ما رزقه فقد روى عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فان نسى أن يذكر اسم الله فى أوله فليقل باسم الله أوله وآخره» رواه أبو داود، عن معاذ بن أنس رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أكل طعاما فقال الحمد لله الذى أطعمنى هذا ورزقنيه من غير حول منى ولا قوة غفر له ما تقدم من ذنبه، وعن أبى سعيد رضى الله تعالى عنه قال كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا أكل طعاما قال: الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين.
وعن أبى أمامة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم كان اذا رفع طعامه أو ما بين يديه قال:
الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع» رواهن ابن ماجة.
ويسن أن يأكل بيمينه ويشرب بها لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
اذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه واذا شرب فليشرب بيمينه فان الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة.
ويستحب أن يأكل بثلاث أصابع لما روى كعب بن مالك رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل بثلاث أصابع ولا يمسح يده حتى يلعقها رواه الامام أحمد، وذكر له حديث ترويه ابنة الزهرى رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يأكل بكفه كلها فلم يصححه ولم ير الا ثلاث أصابع، وروى عن أحمد رضى الله تعالى عنه أنه أكل خبيصا بكفه كلها.
وروى عن عبد الله بن بريده رضى الله تعالى عنه أنه كان ينهى بناته أن يأكلن بثلاث أصابع وقال لا تشبهن بالرجال.
قال مهنا سألت أحمد رحمه الله تعالى عن حديث عائشة رضى الله
تعالى عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تقطعوا اللحم بالسكين فان ذلك صنيع الأعاجم» فقال ليس بصحيح، لا نعرف هذا، وقال: حديث عمرو بن أمية الضمرى خلاف هذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يحتز من لحم الشاة فقام الى الصلاة وطرح السكين، وحديث مسعر عن جامع بن شداد عن المغيرة اليشكرى عن المغيرة بن شعبة رضى الله تعالى عنهم: ضفت برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوى ثم أخذ الشفرة فجعل يحز فجاء بلال يؤذنه بالصلاة فألقى الشفرة.
وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال: لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفخ فى طعام ولا شراب ولا يتنفس فى الاناء وعن أنس رضى الله تعالى عنه قال: ما أكل النبى صلى الله عليه وسلم على خوان ولا فى سكرجة قال قتادة: فعلام كانوا يأكلون؟ قال على السفر.
وعن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم نهى أن يقام على الطعام حتى يرفع.
وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا وضعت المائدة فلا يقم رجل حتى ترفع المائدة ولا يرفع يده وان شبع حتى يفرغ القوم وليعذر فان الرجل يخجل جليسه فيقبض يده، وعسى أن يكون له فى الطعام حاجة. وسئل عن الرجل يأتى القوم وهم على طعام فجأة لم يدع اليه فلما دخل اليهم دعوه هل يأكل؟ قال: نعم وما بأس وسئل عن حديث النبى صلى الله عليه وسلم أنه ادخر لأهله قوت سنة هو صحيح؟ قال: نعم ولكنهم يختلفون فى لفظه.
وعن أنس رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم جاء الى سعد ابن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبى صلى الله عليه وسلم: أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة. وعن جابر رضى الله تعالى عنه قال صنع أبو الهيثم ابن التيهان للنبى صلى الله عليه وسلم طعاما فدعا النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه فلما فرغوا قال صلى الله عليه وسلم: أثيبوا أخاكم. قالوا يا رسول الله وما اثابته؟ قال: ان الرجل اذا دخل بيته فأكل طعامه وشرب شرابه فدعوا له فذلك اثابته رواه أبو داود
(1)
.
وعلى المضيف أن لا يحرم ضيفه فقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
المغنى لابن قدامه على مختصر الخرقى أعلى كتاب الشرح الكبير لابن المقدسى ج 11 ص 91 وما بعدها الى ص 93 نفس الطبعة المتقدمة.
قال: أيما رجل ضاف قوما فأصبح الضيف محروما فان نصره على كل مسلم حتى يأخذ بحقه من زرعه وماله. والواجب يوم وليلة والكمال ثلاثة أيام لما روى أبو شريح الخزاعى رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة ولا يحل لمسلم أن يقيم عند أخيه حتى يؤثمه. قالوا يا رسول الله كيف يؤثمه؟ قال: يقيم عنده وليس عنده ما يقريه» متفق عليه. قال الامام أحمد رحمه الله تعالى: جائزته يوم وليلة كأنه أوكد من سائر الثلاثة ولم يرد يوما وليلة سوى الثلاثة لأنه يصير أربعة أيام، وقد قال: وما زاد على الثلاثة فهو صدقة فان امتنع من اضافته فللضيف بقدر ضيافته.
قال أحمد رحمه الله تعالى له أن يطالبهم بحقه الذى جعله له النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يأخذ شيئا الا بعلم أهله.
وعنه رواية أخرى أن له أن يأخذ ما يكفيه بغير اذنهم لما روى عقبة بن عامر رضى الله تعالى عنه قال: قلنا يا رسول الله انك تبعثنا فننزل بقوم لا يقروننا. قال:
اذا نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغى للضيف فاقبلوا فان لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذى ينبغى لهم» متفق عليه.
وقال أحمد رحمه الله تعالى فى تفسير قول النبى صلى الله عليه وسلم: «فله أن يعقبهم بمثل قراه» يعنى أن يأخذ من أرضهم وزرعهم وضرعهم بقدر ما يكفيه بغير اذنهم
(1)
.
قال المروذى رحمه الله تعالى: رأيت أبا عبد الله يغسل يديه قبل الطعام وبعده وان كان على وضوء.
وقال مهنا: ذكرت ليحيى بن معين حديث قيس بن الربيع عن هاشم عن زاذان عن سلمان رضى الله تعالى عنهم عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
بركة الطعام الوضوء قبله وبعده» فقال لى يحيى: ما أحسن الوضوء قبله وبعده، وذكرت الحديث لأحمد رحمه الله تعالى فقال ما حدث بهذا الا قيس ابن الربيع، ويكره أن يكون الرغيف تحت القصعة، روى عن عقيل قال:
حضرت مع ابن شهاب وليمة ففرشوا المائدة بالخبز فقال: لا تتخذوا الخبر بساطا. وقال المروذى قلت لأبى عبد الله أن أبا معمر قال: ان أبا أسامة قدم اليهم خبزا فكسره، قال: هذا لئلا تعرفوا كم تأكلون.
ويكره الأكل متكئا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: لا آكل متكئا» رواه أبو داود، وعن شعيب بن عبد الله بن
(1)
المغنى لابن قدامه المقدسى أعلى الشرح الكبير ج 11 ص 90 نفس الطبعة المتقدمة.
عمرو، عن أبيه رضى الله تعالى عنهم قال: ما رئى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل متكئا قط رواه أبو داود.
وعن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل وهو منبطح رواه أبو داود
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن تسمية الله تعالى فرض على كل آكل عند ابتداء أكله، ولا يحل لأحد أن يأكل بشماله الا أن لا يقدر فيأكل بشماله لأمر النبى صلى الله عليه وسلم عمر بن أبى سلمة رضى الله تعالى عنه بالتسمية والأكل باليمين. وروى من طريق الليث عن أبى الزبير عن جابر رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم:«لا تأكلوا بالشمال فان الشيطان يأكل بالشمال وهذا عموم فى النهى عن شماله وشمال غيره فان عجز فالله تعالى يقول «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»
(2)
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: «اذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم
(3)
.
ولا يحل الأكل فى آنية أهل الكتاب حتى تغسل بالماء اذا لم يجد غيرها لما رويناه من طريق مسلم عن أبى ثعلبة الخشنى رضى الله تعالى عنه، قال:
قلت يا رسول الله انا بأرض قوم من أهل الكتاب نأكل فى آنيتهم؟ فقال صلى الله عليه وسلم أما ما ذكرت من أنكم بأرض قوم أهل كتاب تأكلون فى آنيتهم فان وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها وان لم تجدوا فاغسلوها وكلوا
(4)
.
ولا يحل الأكل من وسط الطعام ولا أن تأكل مما لا يليك سواء كان الطعام صنفا واحدا أو أصنافا شتى، فلو أن المرء أخذ شيئا مما يلى غيره ثم جعله أمام نفسه وتركه ثم أخذه فأكله فلا حرج عليه فى ذلك لما روينا من طريق سفيان بن عيينة رحمه الله تعالى عن سعيد بن جبير قال سمعت ابن عباس رضى الله تعالى عنهم يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
البركة تنزل وسط الطعام فكلوا من نواحيه ولا تأكلوا من وسطه» وروى من طريق البخارى عن عمر بن أبى سلمة المخزومى رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
كل مما يليك
(5)
. ومن أكل وحده فلا يأكل الا مما يليه لما ذكرنا آنفا
(1)
المغنى لابن قدامه المقدسى على مختصر الخرقى أعلى كتاب الشرح الكبير لابن قدامة ج 11 ص 91 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 424 مسئلة رقم 1022 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 424، ص 425 مسئلة رقم 1023 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 422، ص 424 مسئلة رقم 1020 الطبعة السابقة.
فان أدار الصحفة فله ذلك لأنه لم ينه عن ذلك فان كان الطعام لغيره لم يجز له أن يدير الصحفة لأن واضعها أملك بوضعها، ولم يجعل له ادارتها انما جعل له أن يأكل مما يليه فقط، فان كانت القصعة والطعام له فله أن يديرها كما يشاء وأن يرفعها اذا شاء لأنه ماله، وليس له أن يأكل الا مما يليه لأن أمر النبى صلى الله عليه وسلم بذلك عموم، وقال الله سبحانه وتعالى: «النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ،}
(1)
(2)
.
ولا يحل
(3)
القران
(4)
فى الأكل الا باذن المؤاكل الا أن يكون الشئ كله لك فافعل فيه ما شئت لما روينا من طريق البخارى عن جبلة بن سحيم أنه سمع ابن عمر رضى الله تعالى عنهم يقول وهو يمر بهم وهم يأكلون - لا تقارنوا فان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن القران الا أن يستأذن الرجل أخاه.
قال ابن شعبة: الاذن من قول ابن عمر
(5)
.
ولا يحل الأكل ولا الشرب فى آنية الذهب أو الفضة لا لرجل ولا لامرأة فان كان مضببا بالفضة جاز الأكل والشرب فيه للرجال والنساء، لأنه ليس اناء فضة فان كان مضببا بالذهب أو مزينا به حرم على الرجال لأن فيه استعمال ذهب وحل للنساء لأنه ليس اناء ذهب لما روينا من طريق مسلم عن أم سلمة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الذى يأكل أو يشرب فى آنية الذهب والفضة انما يجرجر فى بطنه نار جهنم» فهذا عموم يدخل فيه الرجال والنساء، وصح عن النبى صلى الله عليه وسلم ان الذهب حرام على ذكور أمته حل لأناثها، وروينا عن على رضى الله تعالى عنه أنه أتى بفالوذج فى اناء فضة فأخرجه وجعله على رغيف وأكله
(6)
.
ولا يحل أكل ما ذبح أو نحر فخرا أو مباهاة لقول الله سبحانه وتعالى:
{أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ»
(7)
وهذا مما أهل لغير الله به، وقد روينا من طريق أحمد بن شعيب ان على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
لعن الله من لعن والده ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثا
(1)
الآية رقم 6 من سورة الأحزاب.
(2)
الآية رقم 36 من سورة الاحزاب.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 424 مسئلة رقم 1021 الطبعة السابقة.
(4)
القران هو أن تأخذ أنت شيئين شيئين ويأخذ هو شيئا واحدا واحدا كتمرتين وتمرة أو تينتين وتينة ونحو ذلك.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 422 مسئلة رقم 1016 الطبعة المتقدمة.
(6)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 421 مسئلة رقم 1015 الطبعة السابقة.
(7)
الآية رقم 145 من سورة الأنعام.
ولعن الله من غير منار الأرض
(1)
.
والسرف حرام - وهو النفقة فيما حرم الله تعالى قلت أو كثرت ولو أنها جزء من قدر جناح بعوضة أو هو التبذير فيما لا يحتاج اليه ضرورة مما لا يبقى للمنفق بعده غنى، أو هو اضاعة المال وان قل برميه عبثا، فما عدا هذه الوجوه فليس سرفا وهو حلال وان كثرت النفقة - لقول الله عز وجل
(2)
«وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» وما سقط
(3)
من الطعام ففرض أن يؤكل، وروى من طريق حماد بن سلمة عن أنس بن مالك رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا سقطت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذى وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت
(4)
القصعة قال فانكم لا تدرون فى أى طعامكم البركة
(5)
.
ويكره الأكل متكئا ولا نكرهه منبطحا على بطنه وليس شئ من ذلك حراما لانه لم يأت نهى عن شئ من ذلك وما لم يفصل لنا تحريمه فهو حلال وقد روينا من طريق البخارى باسناده عن على بن الأقمر قال سمعت أبا جحيفة رضى الله تعالى عنهم يقول: قال النبى صلى الله عليه وسلم: انى لا آكل متكئا» فليس هذا نهيا فى الأصل لكنه صلى الله عليه وسلم آثر الأفضل فقط.
أما عن الأكل منبطحا فان ما رويناه فى ذلك من طريق أبى داود باسناده عن جعفر بن يرقان عن الزهرى عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضى الله تعالى عنهم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أن يأكل الرجل منبطحا على بطنه» خبر لم يسمعه جعفر من الزهرى، فسقط
(6)
، وغسل اليد قبل الطعام وبعده حسن لما روينا من طريق أبى داود باسناده عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من نام وفى يده غمر
(7)
ولم يغسله فأصابه شئ فلا يلومن الا نفسه، قال أبو محمد:
فهذا ندب لا أمر، والجرذ
(8)
ربما عض أصابع المرء اذا شم فيها رائحة الطعام. أما غسل اليد قبل الطعام فلم يأت نهى عنه
(9)
. وحمد الله تعالى
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 416، ص 417 مسئلة رقم 1007 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 141 من سورة الأنعام.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 428، ص 429 مسئلة رقم 1027 الطبعة المتقدمة.
(4)
جاء فى القاموس المحيط: سلت القصعة مسحها بأصابعه (مادة سلت).
(5)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 434، ص 435 مسئلة رقم 1035 الطبعة المتقدمة.
(6)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 435 مسئلة رقم 1036 نفس الطبعة المتقدمة.
(7)
الغمر بفتحتين الدسم والوسخ وزهومة اللحم.
(8)
الجرذ بضم الجيم وفتح الراء المهملة وبالذال المعجمة ذكر الفئران.
(9)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 435، ص 436 مسئلة رقم 1037 نفس الطبعة المتقدمة.
عند الفراغ من الأكل حسن ولو بعد كل لقمة لانه فعل خير وبر وفى كل حال.
وقطع اللحم بالسكين للأكل حسن ولا نكره قطع الخبز بالسكين للأكل أيضا وتستحب المضمضمة من الطعام لما روينا من طريق البخارى باسناده عن سويد بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل سويقا ثم دعا بماء فتمضمض، وروى من طريق الليث عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم أن النبى صلّى الله وسلم شرب لبنا ثم تمضمض بالماء وقال ان له دسما. وصح أنه صلى الله عليه وسلم شرب لبنا ولم يتمضمض فلم يأت بها أمر ولا نهى فهى فعل حسن ومباح.
وروى من طريق البخارى باسناده عن جعفر بن عمرو بن أمية أن أباه أخبره أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتز من كتف شاة فدعى الى الصلاة فألقاها والسكين التى يحتز بها ثم قام فصلى ولم يتوضأ ولم يأت نهى عن قطع الخبز وغيره بالسكين فهو مباح
(1)
.
واكثار المرق حسن وتعاهد الجيران منه ولو مرة فرض، وذم ما قدم الى المرء من الطعام مكروه لكن ان اشتهاه فليأكله وان كرهه فليدعه وليسكت.
والأكل معتمدا على يسراه مباح: لما روينا من طريق شعبة عن أبى ذر رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا طبختم اللحم فأكثروا المرق وأطعموا الجيران، وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «فان كان الطعام مشفوها
(2)
فليناوله منه أكلة أو أكلتين» يعنى صانعه وروينا من طريق أبى داود باسناده عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: ما عاب رسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما قط ان اشتهاه أكله وان كرهه تركه
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وحواشيه أنه ندب فى الأكل سننه العشر المأثورة عن النبى صلى الله عليه وسلم:
الأولى غسل اليد قبل أكل الطعام وبعده قيل: وهو بعده آكد، ولعل المراد الطعام المأدوم.
(1)
المرجع السابق لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 436 مسئلة رقم 1038 مسئلة رقم 1039 الطبعة السابقة.
(2)
المشفوه القليل وقيل. اراد فان كان مكثورا عليه آى كثرت آكلته.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 7 ص 438 مسئلة رقم 1043 الطبعة السابقة.
وقيل: لا فرق بين الطعام المأدوم وغيره وهو ظاهر الأخبار، فقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: الوضوء قبل الطعام ينفى الفقر وبعده ينفى اللمم - وهو الجنون - ويصحح النظر.
وقيل: يكفى من الطعام المأدوم غسل الأصابع فى الابتداء وبعد الفراغ الى الكف يعنى الرسغين
والثانية: أن يسمى الله تعالى فى الابتداء قيل: ويكون ذلك جهرا ليذكر من نسى، وان ترك التسمية فى أوله سمى فى اثنائه وقال بسم الله أوله وآخره، ويستحب أن لا يصلى على النبى صلى الله عليه وسلم عند الأكل لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: موطنان لا أذكر فيهما وان ذكر الله فيهما: عند الأكل والجماع.
وينبغى أن يسمى كل واحد من الآكلين، فان سمى واحد منهم أجزأ عن الباقين، وقيل لا تجزئ لأنها سنة على الأعيان.
والثالثة: أن يحمد الله سرا قال عليه السلام: فان فرغوا جميعا فلا بأس بالجهر بالحمد لارتفاع العلة المقتضية للاسرار، روى عن الناصر عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه كان اذا رفع يده من الطعام قال: الحمد لله الذى كفانا المؤنة وأسبغ علينا الرزق الحمد لله الذى أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين، الحمد لله الذى سوغه وجعل له مخرجا، اللهم بارك لنا فيما رزقتنا واجعلنا شاكرين.
الرابعة: الدعاء من بعد لنفسه وللمضيف.
الخامسة: أن يبرك على الرجلين فى حال القعود وأن ينزع نعله لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: اذا قرب الى أحدكم طعام فلينزع نعليه.
قال فى الانتصار: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس على حالين الأولى أن يجعل ظهر قدميه الى الأرض ويجلس على بطونهما، الحال الثانية أن ينصب قدمه اليمنى ويفترش فخذه اليسرى.
السادسة: أن يأكل بيمينه وبثلاث أصابع منها لأن الأكل بالأربع حرص، وبالخمس شره، وبالثنتين كبر، وبالواحدة مقت. وروى عن الصادق فى أنه يكره الأكل بالثلاث وكان يأكل بخمس وقرره الامام القاسم بن محمد وولده المتوكل على الله ورواه عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم: كذا روى عن على عليه السلام، وأما الحديث المروى أن الأكل بالأربع حرص وبالخمس شره وبالثنتين كبر .. الخ فقال ابن بهران: لا أصل له فى الحديث.
السابعة: أن يصغر اللقمة حيث لا يمقت على صغرها.
الثامنة: أن يطيل المضغ.
التاسعة: أن يلعق أصابعه اذا كان الطعام مما يلعق بالأصابع بعد كل فعل الا أن يكره الحاضرون فلا يندب بل يكره.
العاشرة أن يأكل - من تحته ان اختلف الطعام الا الفاكهة ونحوها فله أن يتخير قال الدوارى: حيث لا يلحق الآكل على هذه الهيئة مذمة فان لحقته مذمة فى جولان يده أكل مما يليه، أو لحقته مذمة فى الأكل مما يليه أكل من أى الجوانب شاء اذا كان منفردا فان كان معه غيره أكل مما تحت يده الى وسط الاناء ولا يأكل من تحت يد صاحبه.
وعلى الجملة حيث يخشى المذمة بهيئة الأكل تركها وان كان سنة لأن الذم مضرة وهو يجوز ترك السنن للمضرة.
وقيل: بل يجب ترك السنن للمضرة.
وندب تقديم الطعام الشهى لقول النبى صلى الله عليه وسلم: من لذذ أخاه بما يشتهيه كتب الله له ألف ألف حسنة ورفع له ألف ألف درجة فان رفعها الى فيه فأكلها بنى له بيتا فى الجنة طوله أربعة فراسخ وعرضه أربعة فراسخ وعمقه أربعة فراسخ ذكره فى الشفاء. وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال اذا قدم اليكم الخبز فكلوا ولا تنتظروا غيره.
وندب أن لا يجمع النوى والتمر تشريفا للتمر، وأن يأكل ما سقط لقول النبى صلى الله عليه وسلم: إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما فيها ويأكلها ولا يدعها للشيطان.
ومن آداب الأكل: الخلال بعده، ولا يأكل ما أخرجه الخلال الا ما كان حول أسنانه فلا بأس فى ابتلاعه وروى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أنه ما تجشأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شبع قط، وروى أنه صلى الله عليه وآله وسلم ما مدح طعاما ولا ذمه الا بالحرارة، ولا أكل رغيفا محورا بل بنخالته وأنه صلى الله عليه وسلم قال: كل شر بين السماء والأرض من الشبع وكل وخير بين السماء والأرض من الجوع أما أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يذم طعاما فالمراد بذلك فى الضيافات مخافة أن يغير قلب صاحب الضيافة وذلك أدب من جهته صلى الله عليه وآله وسلم ورحمة ورفق بالخلق واحسان النصيحة والسياسة فأما فى غير الضيافة فيجوز المدح بما لا يؤدى الى الكذب، ويجوز الذم بما لا يؤدى الى الاساءة وقد جرت العادة من جهة السلف الصالح أن يقال هذا طعام جيد وهذا طعام ردئ وهذا متوسط، وهذا نئ وهذا مطبوخ وهذا حلو وهذا
حامض الى غير ذلك من الصفات وقد قال سبحانه وتعالى فى حديث الماء «هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَهذا مِلْحٌ أُجاجٌ.»
(1)
وندب المأثور فى الشرب وهو أمور منها التسمية ومنها أخذ الاناء بيمينه ومنها أن يشرب ثلاثة أنفاس، ومنها أن يمصه مصا ولا يعبه عبا والعكس فى اللبن.
ومنها اذا شرب الانسان وأراد أن يسقى أصحابه فانه يبدأ بمن عن يمينه ثم يدير الاناء حتى ينتهى الى من عن شماله الا أن يكون عنده صبى قدمه لقول النبى صلى الله عليه وسلم من شرب وعنده صبى يريد أن يشرب قطع الله عنقه.
هذا ويدل على البدء بمن على اليمين ما رواه يحيى بن سهل الساعدى رضى الله تعالى عنه أنه صلى الله عليه وسلم أتى اليه بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال صلى الله عليه وسلم للغلام: أتأذن لى أن أعطى هؤلاء الأشياخ؟ فقال الصبى: لا والله لا أوثر بنصيبى منك أحدا فناوله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما فى يده.
وندب فى الأكل والشرب أن يترك المكروهات فيهما اما المكروهات فى الأكل فأمور منها الأكل باليسار، ومنها الأكل مستلقيا أو منبطحا أو متكئا على يده ومنها أكل ذروة الطعام.
ويكره نظر الجليس وكثرة الكلام وكثرة السكوت ويكره استخدام العيش بأن يمسح به يده أو شفتيه أو يضع عليه شيئا.
ويكره استخدام الضيف ولو كان أدنى من المضيف وأما المكروه فى الشرب فهو نقيض المندوب.
وكذا يكره الشرب حال كونه قائما والوجه فى ذلك ما رويناه عن زيد بن على عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال رجل يا أمير المؤمنين ما ترى فى سؤر الابل ومشى الرجل فى النعل الواحدة، وشرب الرجل وهو قائم قال فدخل الرحبة ثم دعا بماء واناء معه والحسن قائم ودعى بناقة له فسقاها من ذلك الماء ثم تناول ركوة فغرف من فضلها فشرب وهو قائم ثم انتقل بأحد نعليه حتى خرج من الرحبة، ثم قال للرجل قد رأيت فان كنت بنا تقتدى فقد رأيت ما فعلنا
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية أنه يستحب غسل اليدين معا وان كان الأكل
(1)
الآية رقم 12 من سورة فاطر.
(2)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح وحواشيه ج 4 ص 106 وما بعدها الى ص 108 نفس الطبعة المتقدمة.
باحداهما قبل الطعام وبعده فقد روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أوله ينفى الفقر وآخره ينفى الهم.
وقال على عليه السلام: غسل اليدين قبل الطعام وبعده زيادة فى العمر واماطة للغمر
(1)
عن الثياب ويجلو البصر.
وقال الصادق عليه السلام من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش فى سعة وعوفى من بلوى الجسد.
ويستحب مسح اليدين بالمنديل ونحوه فى الغسل الثانى وهو ما بعد الطعام دون الغسل الأول فانه لا تزال البركة فى الطعام ما دامت النداوة فى اليد.
ويستحب أن يسمى عند الشروع فى الأكل، فقد روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: اذا وضعت المائدة حفها أربعة آلاف ملك فاذا قال العبد بسم الله قالت الملائكة بارك الله عليكم فى طعامكم، ثم يقولون للشيطان:
اخرج يا فاسق لا سلطان لك عليهم، فاذا فرغوا فقالوا: الحمد لله قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فأدوا شكر ربهم، فاذا لم يسموا قالت الملائكة للشيطان ادن يا فاسق فكل معهم، فاذا رفعت المائدة ولم يذكروا الله قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربهم. ولو تعددت ألوان المائدة سمى على كل لون منها روى ذلك عن على عليه السلام، وروى أنه يستحب التسمية على كل اناء على المائدة وان اتحدت الألوان ولو نسى التسمية فى ابتداء الأكل تداركها فى الأثناء عند ما يذكرها وروى أن الناسى يقول بسم الله على أوله وآخره. ولو قال فى الابتداء مع تعدد الألوان والأوانى: بسم الله على أوله وآخره أجزأ عن التسمية عن كل لون وآنية.
وروى أن تسمية واحدة من الحاضرين على المائدة تجزئ عن الباقين.
ويستحب أن يأكل باليمين فى حالة الاختيار ولا بأس بأن يأكل باليسرى ما دام مضطرا فقد روى عن الصادق أنه قال: لا تأكل باليسرى وأنت تستطيع.
وفى رواية أخرى لا يأكل بشماله ولا يشرب بها ولا يتناول بها شيئا.
ويستحب أن يبدأ صاحب الطعام بالأكل لو كان معه غيره، وأن يكون آخر من يأكل ليأنس القوم ويأكلوا روى ذلك من فعل النبى صلى الله عليه وآله وسلم معللا بذلك.
ويبدأ صاحب الطعام اذا أراد غسل أيديهم فى الغسل الأول بنفسه ثم بمن عن يمينه دورا الى الآخر. وفى الغسل الثانى بعد رفع الطعام يبدأ بمن على يساره ثم يغسل هو أخيرا روى ذلك الصادق عليه السلام معللا البدءة أولا بقوله: لئلا يحتشمه أحد وعلل
(1)
الغمر بفتحتين وجاء فى القاموس القمر بالقاف ريح اللحم وما يعلق باليد من دسم.
التأخير آخرا بأن صاحب الطعام أولى بالصبر على الغمر - وهو بالتحريك ما على اليد من سهك الطعام وزهمته.
وفى رواية أنه يبدأ بعد الفراغ بمن على يمين الباب حرا كان أو عبدا ويجمع غسالة الأيدى فى اناء واحد لأنه يورث حسن أخلاق الغاسلين.
والمروى عن الصادق عليه السلام:
اغسلوا أيديكم فى اناء واحد تحسن أخلاقكم ويمكن أن يدل على ما هو أعم من جمع الغسالة فيه.
ويستحب أن يستلقى بعد الأكل على ظهره ويجعل رجله اليمنى على رجله اليسرى.
ويكره أن يأكل متكئا ولو على كفه لأن النبى صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكل متكئا منذ بعثه الله تعالى الى أن قبضه، روى ذلك عن الصادق عليه السلام وروى الفضيل بن يسار عن الصادق عليه السلام عدم كراهة الاتكاء على اليد فى حديث طويل آخره لا والله ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا قط - يعنى الاتكاء على اليد حالة الأكل وحمل على أنه لم ينه عنه لفظا والا فقد روى عليه السلام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعله كما سلف، وحمل فعل الصادق عليه السلام على بيان جوازه وكذا يكره التربع حالة الأكل بل فى جميع الأحوال قال أمير المؤمنين عليه السلام:
اذا جلس أحدكم على الطعام فليجلس جلسة العبد ولا يضعن أحدكم احدى رجليه على الأخرى ويتربع فانها جلسة يبغضها الله ويمقت صاحبها وكذا يكره التملى من المأكل قال الصادق عليه السلام:
ان البطن ليطغى من أكلة وأقرب ما يكون العبد من الله تعالى اذا خف بطنه، وأبغض ما يكون العبد الى الله اذا امتلأ بطنه وربما كان الافراط فى التملى حراما اذا أدى الى الضرر فان الأكل على الشبع يورث البرص وامتلاء المعدة رأس الداء، والأكل على الشبع وباليسار اختيارا مكروهان.
ويحرم الأكل على مائدة يشرب عليها شئ من المسكرات سواء كان خمرا أو غيره ومثل المسكرات فى ذلك الفقاع وذلك لقول النبى صلى الله عليه وسلم:
ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها الخمر وفى خبر آخر زيادة: طائعا.
وباقى المسكرات بحكمه، وفى بعض الأخبار تسميتها خمرا، وكذا الفقاع.
وباقى المحرمات يمكن الحاقها بذلك كما ذهب اليه العلامة لمشاركتها لها فى معصية الله تعالى، ولما فى القيام عنها من النهى عن المنكر فانه يقتضى الاعراض عن فاعله.
وحرم ابن ادريس الأكل من طعام يعصى الله به أو عليه ولا ريب فى أنه أحوط، ولا فرق بين وضع المحرم
أو فعله على المائدة فى ابتدائها واستدامتها فمتى عرض المحرم فى الاثناء وجب القيام حينئذ كما أنه لو كان ابتداء حرم الجلوس عليها وابتداء الأكل منها والأقوى أن كل واحد من الأكل منها والجلوس عليها محرم برأسه وان انفك عن الآخر
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن من الاسراف فى الطعام عدم التقاط ما سقط من أيدى الصبيان وغيرهم من الطعام وان أطعم ذلك حيوانا أو نملا أو طائرا فلا اسراف، ومنه الأكل فوق الشبع الا لأجل الضيف حتى لا يخجل أو لصوم غد. قال بعض المخالفين: ومنه الأكل فى اليوم مرتين روى البيهقى - منهم - عن عائشة رضى الله تعالى عنها أنها قالت: رآنى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أكلت فى اليوم مرتين فقال:
يا عائشة أما تحبين أن لا يكون لك شغل الا جوفك. الأكل فى اليوم مرتين من الاسراف والله لا يحب المسرفين» أراد مرتين غير العشاء ثم ان المراد والله أعلم التشبيه بالسرف، أو الأكل فوق الشبع، أو قبل الهضم لا سيما فى الأيام القصيرة بلا عمل شاق، ومنه أكل ما تشتهى. قال رسول الله صلى عليه وسلم:«من الاسراف أن تأكل كل ما اشتهيت» رواه ابن ماجة والبيهقى وابن أبى الدنيا، وحمله بعض على أكل كل ما يشتهى فى مجلس واحد لأنه يفضى الى الزيادة على الشبع، أو أراد التشبيه بالاسراف.
ومن الاسراف اكثار أنواع الطعام الا عند الحاجة مثل أن يمل الطعام فيأكل من كل واحد فيجتمع ما يتقوى به على الطاعة أو يدعو الأضياف اليها، ولا بأس بالتنعم والتلذذ بأنواع الأطعمة والفواكه بلا تضييع ولا نية فساد، قال الله تعالى:«قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ»
(2)
وقال تعالى:
«لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لَكُمْ .. » الآية
(3)
وعن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما: كل ما شئت والبس ما شئت ما أخطاك سرف ومخيلة وقد قيل فى نفائس الأطعمة واللباس الفاخر والبناء الرفيع أنه ليس اسرافا على الصحيح، وكذا ما أشبه ذلك الا أن قصد الكبر والفخر أو كان من حرام
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 2 ص 292، وما بعدها الى ص 294 طبع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر سنة 1379 هـ.
(2)
الآية رقم 32 من سورة الأعراف.
(3)
الآية رقم 87 من سورة المائدة.
ولكنه شبيه بالاسراف ويعد منه مجازا أو مكروها تنزيها لأن اللائق أن يقنع ويتصدق والآخرة خير وأبقى
(1)
.
ومن الاسراف قيل: أكل ما انتفخ من الخبز أو وسطه الا أن كان من يأكل الباقى، وكذا اكثار الخبز على المائدة أى أن أراد الرئاء أو نحوه أو يضيع ما يفضل من الكسرات، ولا يأكله أحد
(2)
. ويؤدب الصبى عن شره الطعام أولا ويقال له:
لا تأخذ الطعام الا بيمينك، وقل:
بسم الله الرحمن الرحيم وكل مما يليك
(3)
. ويجوز عند بعض العلماء للضيف - سواء كان ذلك بعد الشروع فى الأكل وقبل الفراغ أو بعد الفراغ أو قبل الشروع اذا فضل عنه ماء أو لبن طلبه لشرب أن يعطى منه لمن يصاحبه فى الأكل ان لم يقف به عليهم رب البيت أو غيره ممن يجوز له، ومنع بعض العلماء ذلك الا باذن أو يكون الطلب للعموم أو يقول قائل من أراد الشراب فليطلب فانه حينئذ يجوز الطلب من القائل ومن الطالب لنفسه أيضا.
هذا اذا لم يقف رب البيت بالشراب - ماء كان أو لبنا - عليهم فان وقف رب البيت به عليهم فلا خلاف فى جواز مناولة بعض لبعض. وجاز لبعضهم أن يعطى شيئا من لحم لقاعد من الضيوف معهم، وسائر أصحابه بعد الذى يعطى له، ومعنى الاعطاء له أنه يجوز أن يعطى له قبل القسمة اذا أراد الذهاب قبلها أو عندها بأن يضرب له بسهم معه أو بعد ذلك من سهمه، فلا يتوقف ذلك على اذن صاحب اللحم ولا يجوز ذلك مع غير القاعد منهم لأنه وان كان منهم غير أنه لم يقعد معهم الا أن يمنعه الزحام ولم يكن له سهم يحرز له.
ورخص أن يعطى بعض للبعض الذى لم يقعد معهم ان كان الطعام موضوعا لواحد ليأكله أو يأكل منه. ولا يعطى كلهم ولا بعضهم من اللحم أو من غيره مما يقسم لعيال رب البيت وان كان لكلب أو قط أو بعير أو دابة أو عبد.
وان قسم لهم اللحم رب الطعام أو قسم لهم غير اللحم أو أمر قاسما لهم فعل كل فى سهمه ما شاء من أكله أو رفعه واعطائه من شاء من العيال وغيرهم أو أكل بعض وابقاء بعض، فلو شاءوا قالوا له أقسم لنا أو مر قاسما ولو منا ليفعلوا ما شاءوا فى سهامهم ولا يحمل واحد سهمه الا باذنه ان قسموه بأنفسهم أو بعضهم، بل يأكلون ويتركون ما يبقى وذلك فى عرف من يأكلون من اللحم ويبقون أما فى
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 9 ص 235 وما بعدها الى ص 238 طبع محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.
(2)
المرجع السابق للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 9 ص 239 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 9 ص 420 الطبعة المتقدمة.
عرف من يقسمون فلهم الحمل. ورخص فى رفع قدر ما يأكله مطلقا، يرفعه لنفسه أو ليعطيه لغيره سواء قسموه هم أو قسمه صاحبه أو مأموره، ويترك ما زاد على قدر ما يأكل.
وقيل: يحمل منابه ليأكله سواء قل أو كثر ولو كان أكثر مما يأكل - لا ليعطى منه غيره.
وقيل يجوز أن يرفع منابه ولو كان أكثر مما يأكل ولو ليعطيه غيره ولو قسموه بأنفسهم وان أتاهم طعام بفحص
(1)
فعلوا فيه ما شاءوا من قسمة كله وأكل واعطاء ورفع وان لم يقعد معهم هناك آت به لأن المحل ليس محل حرز وردوا اليه القصعة أو نحوها والمنديل ونحوه.
وان قعد معهم من أتى بالطعام فليس لهم الا ما يأكلون ولا يرفعون منه شيئا لأن قعوده أمارة أنه يريد أن يأكلوا ويرجع بالباقى وان كان فيه لحم فقسموه فعلى الخلاف السابق آنفا فى اللحم.
واذا أحضر الطعام أو الشراب للضيف أو غيره فى البيت ونحوه أو فى الفحص فلهم أكله أو شربه كله الا أن جرت العادة بترك قليل فليتركوا قليلا لقمة أو جرعة فصاعدا. وجاز لكل واحد رديده فى الطعام بعد رفعها منه - وكذا يجوز رد يده فى الشراب - ولو رفعوه من بينهم ولا يردها فى عرمة أو شجرة أو نخلة أو نحو ذلك مما ليس وعاء يرفع - بعد رفع ان ناداهم للأكل منها، فمن رفع منهم يده فلا يردها لأن ذلك لم يكن الحد فيه رفعه بل حده رفع اليد لترك الأكل.
وفى الأثر اذا أكل الناس عند أحد فتولى رجل قسمة اللحم بينهم وفضل بعضا على بعض فلمن فضله أن يأخذ لاحتمال أن صاحب الطعام أمره بذلك ومن يأكل مع الناس فوجد بضعة لحم فله أن يأكلها لأن الله رزقه ذلك وليس عليه أن يطلب الحل، وان وضعت قدام قوم قصعة عليها اللحم والبيض والعدس وقال لهم صاحبها كلوا الخبز فانهم يأكلون ما عليها كله. ولا يقل بعض الضيوف لبعض كل أو زد الأكل وانما يقول ذلك رب الطعام. وجاز لهم مسح يد أو معلاق وفم بمنديل من طعام أو شراب أكلوه أو شربوه ومعه منديل، فقد صح النهى عن أن يبيت الانسان وفى يده ريح غمر، وقد جاء الأثر فى غسل اليد قبل الطعام وبعده
(2)
. ويأكلون أن وضع الانسان
(1)
الفحص بفتح فسكون: كل موضع يسكن انظر القاموس المحيط مادة (فحص).
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 9 ص 153 وما بعدها الى ص 155 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
لهم الطعام ونزع عنه الغطاء ووقف ولو لم يقل لهم كلوا وكذا الشراب - وأن مضى لأنه يمكن أن يكون قد مضى فى أمر ويرجع لهم ويأمرهم بالأكل ولو أبطأ فانهم لا يأكلون أو يشربون حينئذ ولو نزع الغطاء الا أن قال كلوا أو اشربوا ورخص مطلقا ولو لم يقف ولو مضى وأبطأ أو لم ينزع غطاء واذا نزع غطاء أو أغطية وبقى غطاء فكمن لم ينزع وان وضع لهم أصنافا فقال: كلوا أكلوا مما شاءوا أو أكلوا منها جميعا أو من متعدد أو أكلوها كلها، وكذا ان وضع ألوانا من شراب فقال اشربوا وان عين لهم صنف كذا أو صنفين أو أكثر فكل ما سمى أكلوه أو أكلوا بعضه أو شربوه أو شربوا بعضه لا غيره، فان وضع لهم طعاما وشرابا فقال: كلوا فلا يشربوا وان وضعهما فقال اشربوا فلا يأكلوا، وان وضع طعاما فقال اشربوا أو وضع شرابا فقال كلوا فليكفوا ولهم أن يستأذنوه فى مناولة ما لم يسم، وان سمى لهم الأكثر أكلوا الكل أو أكلوا من الكل ما سمى وما لم يسم سواء كان ذلك فى وعاء أو أوعية أما ان سمى الأقل أو النصف فانهم لا يأكلون الا ما سمى أو مما سمى، أما الأقل فواضح، وأما المساوى فلأنه لا مرجح لأحد المتساويين هنا.
ورخص فى أكل الكل والأكل من الكل مطلقا سواء سمى لهم شيئا أو لم يسم سمى الأكثر أو الأقل أو المساوى لأن الكل قد أحضر عندهم وجرت العادة بالاختصار بأن لا يذكروا كل واحد والنفس تسكن الى ذلك وذلك واقع فى الجملة فاذا لم تعرف عادة القوم أو المحل حملت على عادة أكل الكل أو من الكل مطلقا فى هذا الترخيص وسواء كان ذلك فى وعاء أو أوعية
(1)
.
(1)
المرجع السابق للشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 9 ص 157، ص 158 نفس الطبعة المتقدمة.
يلاحظ أن الأعلام الواردة فى هذا الجزء روعى فى ترتيبها أول حرف منها دون اعتداد بألفاظ: أب وأم وابن وال التى للتعريف
وقد أشرنا بالنسبة للأعلام التى وردت بهذا الجزء وسبق ورودها بالأجزاء السابقة إلى موضعها هناك.
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الألف:
ابراهيم بن عبد الله توفى سنة 145 هـ:
هو ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب أحد الأمراء الأشراف الشجعان خرج بالبصرة على المنصور العباسى فبايعه أربعة آلاف مقاتل وخافه المنصور فتحول الى الكوفة وكثرت شيعة ابراهيم فاستولى على البصرة وسير الجموع الى الأهواز وفارس وواسط وهاجم الكوفة فكانت بينه وبين جيوش المنصور وقائع هائلة الى أن قتله حميد بن قحطبة قال أبو العباس الحسنى حز رأسه وأرسل الى أبى الدوانيق ودفن بدنه الزكى بباخمرى وكان شاعرا عالما بأخبار العرب وأيامهم وأشعارهم وممن آزره فى ثورته الامام أبو حنيفة أرسل اليه أربعة آلاف درهم لم يكن عنده غيرها.
ابراهيم النخعى:
انظر النخعى ج 1 ص 279
الأبى:
أنظر ج 1 ص 247
احمد:
انظر ابن حنبل ج 1 ص 255
أحمد بن شعيب:
انظر النسائى ج 1 ص 279
الأذرعى:
انظر ج 1 ص 248
الأزهرى:
انظر ج 2 ص 343
أبو أسامة:
هو زيد بن أسلم العدوى مولاهم أبو أسامة أو أبو عبد الله فقيه مفسر من أهل المدينة كان مع عمر بن عبد العزيز أيام خلافته واستقدمه الوليد بن يزيد فى جماعة من فقهاء المدينة الى دمشق مستفتيا فى أمر وكان ثقة كثير الحديث له حلقة فى المسجد النبوى وله كتاب تفسير رواه عنه ولده عبد الرحمن.
الاسبيجابى:
انظر ج 2 ص 343
اسحاق بن ابراهيم:
أنظر ج 2 ص 343
أسماء بنت أبى بكر:
أنظر ج 3 ص 336
الأسنوى:
انظر ج 1 ص 249
أشعث بن عبد الملك توفى سنة 146 هـ:
هو أشعث ابن عبد الملك الحمرانى مولى حمران مولى عثمان روى عن ابن سيرين وغيره وكان ثقة ثبتا حافظا.
الأصبغ بن نباتة:
هو الأصبغ بن نباتة صاحب على أخرج ابن ماجة حديثه عنه وروى ابن عساكر ما يدل على أن له ادراكا فانه أخرج فى ترجمة عبد الرحيم بن محرز الغزارى من من طريق هشام بن الكلبى عن أبى يعلى واسمه سويد الجستانى عن مرة بن عمر عن الأصبغ ابن نباتة قال انا لجلوس ذات يوم عند على فى خلافة أبى بكر اذ اقبل رجل من حضر موت فذكر قصة طويلة.
أنس بن مالك:
انظر ج 1 ص 249
أوس بن الصامت توفى سنة 34 هـ:
هو أوس بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة ابن غنم بن سالم بن عوف بن الخزرج الأنصارى أخو عبادة بن الصامت ذكروه فيمن شهد بدرا والمشاهد وقال أبو داود حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد ابن الفضل حدثنا حماد بن سلمة عن هشام
ابن عروة عن ابيه عن عائشة ان جميلة كانت تحت اوس بن الصامت وكان رجلا به لمم فذكر حديث الظهار وتابع عازما على وصله شاذان ورواه موسى بن اسماعيل عن حماد مرسلا وهكذا رواه اسماعيل بن عباس وجماعة عن هشام عن ابيه مرسلا وروى البزار من طريق أبى حمزة الثمالى وفيه ضعف عن عكرمة عن ابن عباس قال كان الرجل اذا قال لزوجته فى الجاهلية أنت على كظهر أمى حرمت عليه وكان أول من ظاهر فى الاسلام رجل كان تحته بنت عم له يقال لها خويلة كذا أخرجه مبهما وقد رواه ابن شاهين وابن منده من هذا الوجه بلفظ أول ظهار كان فى الاسلام من أوس بن الصامت كانت تحته بنت عم له وروى الدارقطنى والطبرانى فى سند الشاميين من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس أن أوس بن الصامت ظاهر من امرأته خولة بنت ثعلبة قال ابن منده تفرد بوصله سعيد ابن بشير ورواه سعيد بن أبى عروبة عن قتادة مرسلا وروى أبو داود من طريق عطاء بن أبى رباح عن أوس بن الصامت حديثا وقال بعده عطاء لم يدرك أوس وهو من أهل بدر قديم وقال ابن حبان مات فى أيام عثمان وله خمس وثمانون سنة وقال غيره مات سنة أربع وثلاثين بالرملة وهو ابن اثنين وسبعين سنة.
ابن أبى أويس توفى سنة 226 هـ:
هو اسماعيل ابن أويس الحافظ أبو عبد الله الأصبحى المدنى سمع من خاله مالك وطبقته وفيه ضعف.
حرف الباء:
الباجى:
انظر ج 1 ص 250
الباقر:
انظر أبو جعفر ج 2 ص 347
البخارى:
انظر ج 1 ص 250
بشر المريسى صحابى:
انظر ج 4 ص 361
بشر بن الوليد:
انظر ج 2 ص 346
ابن بطة:
انظر ج 2 ص 396
البغوى:
انظر ج 2 ص 345
أبو بكر الخلال:
انظر ج 1 ص 256
أبو بكر الصديق:
انظر ج 1 ص 250
أبو بكر القطب العسقلانى:
انظر العسقلانى ج 2 ص 390
البلقينى:
انظر ج 2 ص 346
البنانى:
انظر محمد البنانى ج 7 ص 398
البندنيجى:
انظر ج 4 ص 361
حرف التاء:
تقى الدين بن تيمية:
انظر ج 1 ص 251
الترمذى:
انظر ج 1 ص 251
حرف الثاء:
أبو ثعلبة الخشنى صحابى:
انظر ج 1 ص 252
أبو ثور:
انظر ج 1 ص 252
الثورى:
انظر ج 1 ص 252
حرف الجيم:
جابر رضى الله عنه:
انظر ج 1 ص 252
جابر بن سمرة:
انظر ج 4 ص 362
جامع بن شداد راوى:
انظر ج 4 ص 362
أبو جحيفة توفى سنة 64 هـ:
هو وهب بن عبد الله ابن مسلم بن جنادة بن حبيب بن سواء السوائى بضم السين المهملة وتخفيف الواو والمد ابن عامر بن صعصعة أبو جحيفة السوائى قدم على النبى صلى الله عليه وسلم فى أواخر عمره وحفظ عنه ثم صحب عليا بعده وولاه شرطة الكوفة لما ولى الخلافة فى الصحيح عنه رأيت النبى صلى الله عليه وسلم وكان الحسن بن على يشبهه وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصا فمات قبل أن يقبضها وكان على يسميه وهب الخيروروى عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن على والبراء بن عازب روى عنه ابنه وعون والشعبى وأبو اسحاق السبيعى وسلمة بن
كهيل واسماعيل بن أبى خالد وعلى بن الأرقم والحكم بن عيينه وغيرهم قال الواقدى مات فى ولاية بشر على العراق وقال ابن حبان سنة أربع وستين.
ابن جريج:
انظر ج 1 ص 252
الجرجانى:
انظر ج 1 ص 252
ابن جزء:
هو عبد الله بن جزء الزبيدى ذكره ابن أبى على واستدركه ابو موسى وهو عبد الله ابن الحارث بن جزء نسب لجده فلا وجه لاستدراكه.
الجصاص:
انظر ج 1 ص 252
جعفر الصادق:
انظر ج 1 ص 263
أبو جعفر:
انظر ج 2 ص 347
جعفر بن محمد:
انظر ج 2 ص 347
جعفر بن ورقاء توفى سنة 352 هـ:
هو جعفر بن محمد بن ورقاء الشيبانى شاعر كاتب جيد البديهة والروية من الولاة ولد بسامراء واتصل بالمقتدر العباسى فكان يجريه مجرى بنى حمدان وتقلد عدة ولايات وكان بينه وبين سيف الدولة مكاتبات بالشعر والنثر.
ابن الجلاب توفى سنة 378 هـ:
أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب الامام الفقيه الأصولى العالم الحافظ، تفقه بالأبهرى وغيره وكان من أحفظ أصحابه وأنبلهم وتفقه به القاضى عبد الوهاب وغيره من الأئمة له كتاب فى مسائل الخلاف وكتاب التفريع فى المذهب مشهور معتمد توفى رحمه الله تعالى عند منصرفه من الحج سنة 378 هـ.
جلال الدين السيوطى:
انظر ج 1 ص 262
الجوزجانى توفى سنة 259 هـ:
هو ابراهيم بن يعقوب بن اسحاق السعدى الجوزجانى أبو اسحاق محدث الشام وأحد الحفاظ المصنفين المخرجين الثقات نسبته الى جوزجان «من كوربلخ بخراسان» ومولده فيها ورحل الى مكة ثم البصرة ثم الرملة وأقام فى كل منها مدة ونزل دمشق فسكنها الى أن مات له كتاب فى الجرح والتعديل وكتاب فى الضعفاء وقال ابن كثير له مصنفات منها المترجم فيه علوم غزيرة وفوائد كثيرة.
الجوينى:
انظر ج 1 ص 249 وانظر امام الحرمين
حرف الحاء:
ابن الحاجب:
انظر ج 1 ص 253
ابن حارث:
انظر ج 5 ص 366
حبيب السجستانى:
حبيب السجستانى قد عده الشيخ فى رجاله تارة من أصحاب السجاد وأخرى من أصحاب الباقر مضيفا الى ما فى العنوان قوله روى عنه وعن أبى عبد الله عليه السلام وثالثة من أصحاب الصادق عليه السلام مضيفا الى ما فى العنوان قوله روى عنهما يعنى عن الصادقين وروى الكش محمد بن مسعود قال حبيب السجستانى كان أولا شاريا ثم دخل فى هذا المذهب وكان من أصحاب أبى جعفر وأبى عبد الله منقطعا اليهما ومثله بعينه فى البحرين الطاووس بيان الشارى الجارجى وسمى الخوارج شراة لقولهم شرينا أنفسنا.
الشيخ حجازى:
حجازى بن عبد المطلب العدوى له حاشية فى الفقه المالكى المسماة بحاشية الشيخ حجازى على شرح مجموع الأمير.
ابن حجر الهيثمى:
انظر ج 1 ص 254
حذيفة بن اليمان:
انظر ج 1 ص 254
حرب:
انظر ج 2 ص 348
الحسن:
انظر ج 2 ص 349
أبو الحسن الثانى:
انظر ج 2 ص 349
الحطاب:
انظر ج 1 ص 254
أبو حامد:
انظر ج 1 ص 246
حاطب بن أبى بلتعة توفى سنة 36 هـ:
حاطب بن أبى بلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها مثناة ثم مهملة مفتوحات ابن عمرو بن عمير ابن سلمة بن صعب بن سهل اللخمى حليف بنى أسد بن عبد العزى يقال أنه حالف الزبير وقيل مولى عبيد الله بن حميد بن زهير بن الحارث بن أسد فكاتبه فأدى مكاتبته اتفقوا على شهوده بدرا وثبت ذلك فى الصحيحين من حديث على فى قصة كتاب حاطب الى أهل مكة يخبرهم بتجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم فنزلت فيه «يا أَيُّهَا الَّذِينَ}
{آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ» الآية فقال عمر دعنى أضرب عنقه فقال انه شهد بدرا واعتذر حاطب بانه لم يكن فى مكة عشيرة تدفع عن أهله فقبل عذره وروى قصته ابن مردويه من حديث ابن عباس فذكر معنى حديث على وفيه فقال يا حاطب ما دعاك الى ما صنعت فقال يا رسول الله كان أهلى فيهم فكتبت كتابا لا يضر الله ولا رسوله وروى ابن شاهين والبارودى والطبرانى من طريق الزهرى عن عروة بن عبد الرحمن بن حاطب ابن أبى بلتعة وقال حاطب رجل من أهل اليمن وكان حليفا للزبير وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شهد بدرا وكان بنوه وأخوته بمكة فكتب حاطب من المدينة الى كبار قريش ينصح لهم فيه فذكر الحديث نحو حديث على وفى آخره فقال حاطب والله ما ارتبت فى الله منذ أسلمت ولكننى كنت امرءا غريبا ولى مكة بنون وأخوة الحديث وزاد فى آخره فأنزل الله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ» الآيات ورواه ابن شاهين من حديث ابن عمر باسناد قوى وفيه نزول الآية قال ابن أبى حيثمة قال المدائن مات حاطب فى سنة ستة وثلاثين فى خلافة عثمان وله خمس وستون سنة ..
حماد:
انظر ج 3 ص 322
حماد بن سلمة:
انظر ج 1 ص 255
الحموى:
انظر ج 2 ص 350
ابو حنيفة:
انظر ج 1 ص 255
حرف الخاء:
خالد بن الوليد:
انظر ج 3 ص 343
الخرقى:
انظر ج 1 ص 256
الخضر عليه السلام:
الخضر لقب قالوا واسمه بلبا بموحدة مفتوحة ابن ملكان وقيل طليمان قال ابن قتيبة فى المعارف قال وهب بن منبه اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عابر ابن شالخ من أرفخشد بن سام بن نوح قالوا وكان أبوه من الملوك واختلفوا فى سبب تلقيبه بالخضر فقال الأكثر لأنه جلس على فروة بيضاء فصارت خضراء والفروة وجه الأرض وقيل الهشيم من النبات وقيل أنه كان اذا صلى اخضر ما حوله والصواب الأول فقد روينا فى الصحيح عن البخارى عن همام ابن منبه عن أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال انما سمى الخضر لأنه جلس على فروة فاذا هى تهتز من خلفه خضراء فهذا نص صحيح صريح وكنية الخضر أبو العباس وهو صاحب موسى النبى صلى الله عليه وسلم الذى سال السبيل الى أن لقيه وقد اثنى الله تعالى عليه فى كتابه بقوله تعالى «فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً» وأخبر الله عنه فى باقى الآيات بتلك الأعجوبات وموسى الذى صحبه هو موسى بنى اسرائيل كليم الله تعالى كما جاء به الحديث المشهور فى صحيحى البخارى ومسلم وهو مشتمل على عجائب من أمرهما واختلفوا فى حياة الخضر ونبوته فقال الأكثر من العلماء هو حى موجود بين أظهرنا وذلك متفق عليه عند الصوفية وأهل الصلاح والمعرفة وذكر أبو اسحاق الثعلبى المفسر اختلافا فى أن الخضر كان فى زمن ابراهيم الخليل عليه السلام أم بعده بقليل أم بعده بكثير قال والخضر على جميع الأقوال نبى معمر محجوب عن الأبصار وقيل انه لا يموت الا فى آخر الزمان عند رفع القرآن.
أبو الخطاب:
انظر ج 1 ص 256
الخطابى:
انظر ج 1 ص 256
خليل:
انظر ج 1 ص 256
حرف الدال:
أبو داود:
انظر ج 1 ص 257
أبو الدرداء:
انظر ج 1 ص 257
الدردير:
انظر ج 1 ص 257
الدسوقى:
انظر ج 1 ص 257
ابن ابى الدنيا توفى سنة 281 هـ:
عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن أبى الدنيا القرشى الأموى مولاهم البغدادى، أبو بكر حافظ للحديث مكثر من التصنيف، أدب الخليفة المعتضد العباس، فى حداثته ثم أدب ابنه المكتفى له مصنفات اطلع الذهبى على 20 كتابا منها «الفرج بعد الشدة، ومكارم الأخلاق، وكان من الوعاظ العارفين بأساليب
الكلام وما يلائم طبائع الناس ان شاء اضحك جليسه وان شاء أبكاه مولده ووفاته ببغداد
حرف الذال:
أبو ذر رضى الله عنه:
انظر ج 3 ص 344
حرف الراء:
رافع بن خديج توفى سنة 74 هـ:
رافع بن خديج ابن رافع الأنصارى الأوسى الحارثى صحابى كان عريف قومه بالمدينة وشهد أحدا والخندق توفى فى المدينة متأثرا من جراحه روى له البخارى ومسلم 78 حديثا.
رافع بن عمر:
رافع بن عمر الغفارى عده الشيخ فى رجاله من أصحاب الرسول وحاله مجهول وقد عده ابن عبد البر وابن منده وأبو نعيم من الصحابة.
ربيعة:
انظر ج 1 ص 258
ابن رجب:
انظر ج 1 ص 258
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258
الرضا:
انظر ج 1 ص 259
الرويانى:
انظر ج 2 ص 352
حرف الزاى:
أبو الزبير:
انظر ج 9 ص 373
الزركشى:
انظر ج 1 ص 259
زراره:
انظر ج 4 ص 364
زر بن حبيش توفى سنة 83 هـ:
زر بن حبيش بن حباشة بن أوسى الأسدى: تابعى من جلتهم.
أدرك الجاهلية والاسلام ولم ير النبى صلى الله عليه وسلم. كان عالما بالقرآن فاضلا وكان ابن مسعود يسأله عن العربية، سكن الكوفة وعاش مائة وعشرين سنة ومات بوقعة بدير الجماجم.
زفر:
انظر ج 1 ص 259
زكريا الأنصارى:
انظر ج 1 ص 259
زيد بن اسلم:
انظر ج 12 ص 400
زيد بن ثابت:
انظر ج 1 ص 260
زيد بن على:
انظر ج 1 ص 260
الزهرى:
انظر ج 1 ص 260
حرف السين:
السرخسى:
انظر ج 1 ص 261
سعيد بن جبير:
انظر ج 1 ص 261
سعيد بن المسيب:
انظر ج 1 ص 261
السكونى:
انظر ج 2 ص 353
سعيد بن أبى وقاص:
انظر ج 2 ص 353
ابن سكان:
ابن سكان كسجان اسمه عبد الله كوفى من أجلاء أصحاب الصادق عليه السلام أحد من أجمعت العصابة على تصحيح ما يصح عنه، روى أنه كان لا يدخل على أبى عبد الله عليه السلام شفقة أن لا يوفيه حق اجلاله وكان يسمع من أصحابه ويأبى أن يدخل عليه اجلالا له وقد أطال الكلام فى ذلك شيخنا فى المستدرك.
سليمان بن يسار:
انظر ج 2 ص 366
سماعة بن مروان:
انظر ج 3 ص 346
سفينة صحابية:
انظر ج 8 ص 376
ابن سماعة:
انظر ج 4 ص 365
سويد بن حنظلة:
سويد بن حنظلة لا أعرف له نسبا حديثه عند اسرائيل عن ابراهيم بن عبد الأعلى عن جدته عن أبيها سويد بن حنظلة قال خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر الحضرمى فأخذه عدوله فتحرج القوم ان يحلفوا وحلفت أنه أخى فخلوا سبيله فأتينا النبى صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال «صدقت المسلم أخو المسلم» لا أعلم له غير هذا الحديث.
الامام السيوطى:
انظر ج 1 ص 262
حرف الشين:
ابن شاس:
انظر ج 2 ص 354
الشاشى:
انظر القفال ج 1 ص 272
الشافعى:
انظر ج 1 ص 262
الشعبى:
انظر ج 1 ص 263
أم شريك:
انظر ج 8 ص 376
أبو شريح الخزاعى:
انظر ج 11 ص 379
شمس الأئمة:
انظر السرخسى
ابن أبى شيبة:
انظر ج 9 ص 377
حرف الصاد:
الصادق:
انظر ج 1 ص 263
صالح:
انظر ج 1 ص 264
صفوان بن عسال:
صفوان بن عسال بمهملتين مثقل المرادى من بنى زاهر بن عامر بن عوسان بن مراد قال أبو عبيد عداده فى بنى حمدله صحبة وقال البغوى سكن الكوفة وقال ابن أبى حاتم كوفى له صحبة مشهور روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أحاديث وروى عنه زر بن حبيش وعبد الله بن سلمة وغيرهما وذكر أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنتى عشرة غزوة.
صفوان بن محمد:
صفوان بن محمد أو محمد بن صفوان هكذا جاء حديثه على الشك فى بعض الطرق.
حرف الضاد:
أبو الضحى:
أبو الضحى بن صبيح هو مولى السعيد بن العاص وكان عطارا حدثنا أحمد ابن حرب الطائى قال حدثنا أسباط بن محمد عن الشيبانى عن أبى الضحى مسلم بن صبيح.
حرف الطاء:
الطحاوى:
انظر ج 1 ص 265
طارق بن سويد الجعفى:
طارق بن سويد الحضرمى أو الجعفى ويقال سويد بن طارق قال ابن السكن له صحبة وروى البخارى فى تاريخه وأحمد وابن ماجة والبغوى وابن شاهين من طريق حماد بن سلمة عن سماك عن علقمة بن وائل عن طارق بن سويد قال قلت يا رسول الله ان بارضنا اعنابا نعتصرها فنشرب منها قال لا وأخرجه أبو داود من طريق شعبة عن سماك فقال سأل سويد بن طارق أو طارق بن سويد وقال البغوى رواه غير حماد فقال سويد بن طارق والصحيح عندى طارق بن سويد.
أبو طلحة:
انظر ج 3 ص 349
طاووس:
انظر ج 2 ص 356
حرف العين:
عائشة:
انظر ج 1 ص 255
ابن عابدين:
انظر ج 1 ص 265
ابن عباس:
انظر ج 1 ص 267
عبد الله بن عمر:
انظر ج 1 ص 267
أبو عبيدة:
انظر ج 4 ص 368
عثمان:
انظر ج 1 ص 268
العدوى:
انظر الدردير ج 1 ص 257
عروة:
انظر ج 5 ص 373
عز الدين عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 268
ابن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 266
عطاء:
انظر ج 2 ص 358
ابن عبد البر:
انظر ج 1 ص 266
الشيخ أبو العباس أحمد:
انظر ج 1 ص 266
ابن عباس: انظر عبد الله بن عباس ج 1 ص 267
عبد الرحمن بن معقل السالمى:
هو عبد الرحمن ابن معقل السالمى صاحب الدثنية قال ابن حبان له صحبة وأخرج حديثه الطبرانى من طريق الحسن بن أبى جعفر قال حدثنا أبو محمد عن عبد الرحمن بن معقل صاحب الدثنية قال سألت النبى صلى الله عليه وسلم ما تقول فى الضب؟ قال لا آكله ولا أنهى عنه، قلت فما لم تنه عنه فانى آكله وذكر الحديث قال ابن عبد البر ليس بالقوى
ابن عرفة:
انظر ج 1 ص 268
عقبة بن عامر:
انظر ج 3 ص 351
ابن عقيل:
انظر ج 2 ص 358
عكرمة:
انظر ج 1 ص 268
الامام على:
انظر ج 1 ص 270
عبد الله بن أبى أوفى:
انظر ج 6 ص 387
عبد الله:
انظر ج 2 ص 362
أبو عبد الله عليه السلام:
انظر ج 6 ص 387
عبد الله بن سنان:
انظر ج 7 ص 394
أبو عبد الله البوشنجى توفى سنة 291 هـ:
هو محمد بن ابراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن ابن موسى، وقيل موسى بن عبد الرحمن أبو عبد الله البوشنجى العبدى شيخ أهل الحديث فى زمانه بنيسابور سمع ابراهيم بن المنذر الخرامى والحارث بن سريج النقال وأبى جعفر عبد الله بن محمد الفضيلى وعبد العزيز بن عمران بن مقلاص وعلى بن الجعد وأبى كريب محمد بن العلاء ومسدد ابن مسرهد ويحيى بن عبد الله بن بكير وسعيد بن منصور وأبى نصر التمار وغيرهم روى عنه محمد بن اسحاق الصغالى ومحمد ابن اسماعيل البخارى وهما أكبر منه وابن خزيمة وأبو العباس الدغولى وأبو حامد الشرقى وأبو بكر بن اسحاق الصبغى واسماعيل بن نجيد وخلق كثير، وقيل:
ان البخارى روى عنه حديثا فى الصحيح ذكر ذلك محمد بن يعقوب بن الأجزم، وفى الصحيح للبخارى: حدثنا محمد، حدثنا الفضيلى. ذكره فى تفسير سورة البقرة، قال شيخنا الذهبى: فان لم يكن البوشنجى والا قصد محمد بن يحيى قال: والأغلب أنه البوشنجى فان الحديث بعينه رواه الحاكم عن أبى بكر بن أبى نصر، حدثنا البوشنجى حدثنا الفضيل، حدثنا مسكين بن بكير حدثنا شعبة عن خالد الحذاء عن مروان بن الأصغر عن رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم وهو ابن عمر أنها نسخت «إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ» الآية قلت ولذلك ذكره شيخنا المزى فى التهذيب وكان البوشنجى من أجل الأئمة وله ترجمة طويلة عريضة ذات فوائد فى تاريخ الحاكم، قال ابن حمدان: سمعت ابن خزيمة يقول لو لم يكن فى أبى عبد الله من البخل بالعلم ما كان ما خرجت الى مصر وكان اماما فى اللغة وكلام العرب.
عمار الساباطى:
انظر ج 5 ص 374
أبو عمر:
انظر ج 2 ص 359
عمر بن الخطاب:
انظر ج 1 ص 269
عمرو بن أمية:
هو عمرو بن أمية الضمرى الصحابى رضى الله تعالى عنه واسمه أبو أمية عمرو بن أمية بن خويلد بن عبد الله ابن اياس بن عبيد الله بن ناشرة بن كعب ابن جدى - بضم الجيم وفتح الدال المخففة ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكنانى الضمرى الصحابى الحجازى أسلم قديما وهاجر الى الحبشة ثم الى المدينة وأول مشاهده بئر معونة - بالنون - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعثه فى أموره وبعثه عينا الى قريش وحده فحمل خبيب - بضم الخاء - بن عدى من الخشبة التى صلبوه عليها وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم الى النجاشى وكيلا فتزوج له أم حبيبة بنت أبى سفيان، وكان من أنجاد العرب ورجالها وقال ابن عبد البر: أنه انما أسلم بعد غزوة أحد والمشهور الأول قالوا وأسرته بنو عامر يوم بئر معونة فأعتقوه عن رقبة كانت عليهم، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرون حديثا اتفق البخارى ومسلم على حديث وللبخارى آخر، وروى عنه بنوه الثلاثة جعفر والفضل وعبد الله وآخرون توفى بالمدينة قبيل وفاة معاوية.
عمرو بن أبى سلمة:
انظر ج 11 ص 403
عمرو بن العاص:
انظر ج 3 ص 352
عمرو بن دينار:
انظر ج 1 ص 269
عبد الوهاب:
انظر القاضى عبد الوهاب ج 1 ص 267
عياض:
انظر ج 2 ص 362
أبو العالية:
قال صاحب الاصابة: أبو العالية المزنى لا يعرف اسمه ولا سياق نسبه، ذكره أبو أحمد الحاكم فى الكنى، أخرج حديثه الطبرانى فى مسند الشاميين من طريق أبى سعيد بالتصغير واسمه حفص بن غيلان عن حبان بن حجر عن أبى العالية المزنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ستكون بعدى فتن شداد خير الناس
فيها المسلمون من أهل البوادى لا يفتدون من دماء الناس ولا أموالهم.
ابن عدى توفى سنة 365 هـ:
عبد الله بن عدى ابن عبد الله بن محمد بن مبارك بن القطان الجرجانى أبو أحمد علامة بالحديث ورجاله أخذ عن أكثر من ألف شيخ وكان يعرف فى بلده بابن القطان واشتهر بين علماء الحديث بابن عدى من كتبه الكامل فى معرفة الضعفاء والمتروكين من الرواة منه ثمانية عشر جزءا مخطوط وهو كما فى كشف الظنون - ستون جزءا وله الانتصار على مختصر المزنى فى فروع الشافعية وعلل الحديث ثمانية أجزاء ومعجم فى أسماء شيوخه وكان ضعيفا فى العربية قد يلحن وهو من الأئمة الثقات فى الحديث.
حرف الغين:
الغزالى:
انظر ج 1 ص 270
حرف الفاء:
الفراء:
انظر ج 5 ص 375
ابن فرحون:
انظر ج 1 ص 271
الفورانى:
انظر أبو بكر أحمد بن محمد ج 2 ص 345
حرف القاف:
قتادة:
انظر ج 3 ص 353
ابن القاسم:
انظر ج 1 ص 271
القاسم بن محمد الجوهرى:
انظر ج 1 ص 271
القاسم:
انظر ج 1 ص 271
قبيصة:
انظر ج 6 ص 390
القتيبى:
انظر ج 11 ص 386
ابن قدامة:
انظر ج 1 ص 271
القرافى:
انظر ج 1 ص 273
حرف الكاف:
الكرخى:
انظر ج 1 ص 273
الكاسانى:
انظر ج 1 ص 273
كعب بن مالك:
انظر ج 4 ص 370
حرف اللام:
اللخمى:
انظر ج 1 ص 274
الليث:
انظر ج 1 ص 274
ابن أبى ليلى:
انظر ج 1 ص 274
حرف الميم:
المؤيد بالله:
انظر ج 1 ص 275
المتيطى توفى سنة 570 هـ:
المتيطى القاضى أبو الحسن على بن عبد الله بن ابراهيم الأنصارى المعروف بالمتيطى السبتى الفاسى الامام الفقيه العالم لازم أبا الحجاج المتيطى وبه تفقه ولزم بسبتة القاضى أبا محمد عبد الله التميمى ألف كتابا كبيرا فى الوثائق سماه النهاية والتمام فى معرفة الوثائق والأحكام اختصره ابن هارون وغيره توفى فى مستهل شعبان سنة 570 هـ رحمه الله تعالى.
ابن الماجشون:
انظر ج 2 ص 363
ابن المواز:
انظر ج 1 ص 278
أبو مجلذ:
أبو مجلذ لاحق بن حميد المحدث روى عنه سليمان التيمى وعمران بن جدير، حدثنا محمد بن منصور قال حدثنا سفيان ابن عيينه عن أبى السوداء سمع أبا مجلذ لاحق بن حميد يقول قال عمر: ما أبالى على أى حال أصبحت على ما أحب أو على ما أكره ذلك أنى لا أدرى الخير فيما أحب أو فيما أكره.
المحبوبى:
توفى سنة 346 هـ: هو أبو العباس المحبوبى محمد بن محبوب المروزى محدث مرو وشيخها ورئيسها توفى فى رمضان وله سبع وستون سنة روى جامع الترمذى عن مؤلفه وروى عن سعيد بن مسعود، صاحب النضر بن شميل وأمثاله.
مسعر توفى سنة 155 هـ:
هو مسعر بن كدام - بكسر الكاف - بن ظهير بن عبيدة - بضم
العين بن الحارث بن هلال أبو سلمة العامرى الهلالى الكوفى روى عن عمر بن سعيد النخعى وأبى اسحاق السبيعى وعبد الملك بن عمير والأعمش وخلائق وغيرهم من التابعين وروى عنه سليمان التيمى ومحمد بن اسحاق والثورى وشعبة ومالك ابن مغول وابن عيينة وابن المبارك ويحيى القطان ووكيع ويزيد بن هارون وخلائق وغيرهم واتفقوا على جلالته قال هشام بن عروة ما قدم علينا من العراق أفضل من أيوب السختيانى ومسعر وقال يحيى بن سعيد ما رأيت مثل مسعر كان من أثبت الناس وقال سفيان الثورى كنا اذا شككنا فى شئ سألنا مسعر عنه وقال شعبة: كنا نسمى مسعر المصحف وقال أبو حاتم: مسعر أتقن وأجود حديثا وأعلى اسنادا من سفيان وأتقن من حماد بن زيد وقال ابراهيم بن سعد كان شعبة وسفيان اذا اختلفا فى شئ قال اذهب بنا الى الميزان مسعر، توفى سنة خمس وخمسين ومائة.
محمد بن صفوان:
محمد بن صفوان الأنصارى من بنى مالك بن الأوس ذكر ذاك العسكرى وقيل صفوان بن محمد والأول أصوب وأخرج أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم فى صحيحهما من طريق داود بن أبى هند عن الشعبى أنه أتى النبى صلى الله عليه وسلم بأرنبين ذبحهما بمروة على الشك وأخرجه على بن عبد العزيز فى مسنده من رواية حماد بن سلمة عن داود فقال عن محمد بن صفوان بالجزم وكذا أخرجه البغوى من طريق شعبة ومن طريق عبدة بن سليمان وحكى ابن شاهين عن البغوى أنه الراجح وقال لا أعلم لمحمد بن صفوان غيره.
مروان بن الحكم:
انظر ج 3 ص 356
مروان بن عبيد:
انظر ج 1 ص 275
المزنى:
انظر ج 1 ص 276
مسلم:
انظر ج 1 ص 276
المنصور:
انظر ج 1 ص 277
معمر:
انظر ج 1 ص 277
المقدام بن معد يكرب توفى سنة 87 هـ:
المقدام بن معد يكرب بن عمرو بن يزيد بن معد يكرب يكن أبا كريمة وقيل كنيته أبو يحيى صحب النبى صلى الله عليه وسلم وروى عنه أحاديث وعن خالد بن الوليد ومعاذ وأبى أيوب ونزل حمص وروى عنه أبنه يحيى وحفيده صالح بن يحيى وخالد بن معدان وحبيب بن عبيد ويحيى بن جابر الطائى والشعبى وشريح بن عبيد وعبد الرحمن بن أبى عوف وآخرون ذكره ابن سيد فى الطبقة الرابعة من أهل الشام وقال مات سنة سبع وثمانين وهو ابن احدى وسبعين سنة وقال عثمان مات سنة ثلاث وقيل سنة ست وأخرج البغوى من طريق أبى يحيى بن سليم الطلاعى قال قلنا للمقدام بن معد يكرب يا أبا كريمة ان الناس يزعمون أنك لم تر النبى صلى الله عليه وسلم قال بلى والله لقد رأيته ولقد أخذ بشحمة أذنى وانى لأمشى مع عم لى ثم قال لعمى «أترى أنه يذكره» وسمعته يقول يحشر ما بين السقط الى الشيخ الفانى يوم القيامة أبناء ثلاثين سنة المؤمنين منهم فى خلق آدم ومن طريق الشعبى عن المقدام أبى كريمة رجل من أصحاب النبى صلى الله عليه وآله وسلم وفى رواية عن أبى كريمة الشامى.
ابن المقرى:
انظر ج 5 ص 378
مكحول:
انظر ج 3 ص 357
مالك:
انظر ج 1 ص 257
مهنى:
انظر ج 2 ص 365
أبو مسى:
انظر ج 1 ص 278
أبو معمر:
توفى سنة 236 هـ: هو أبو معمر القطيعى اسماعيل بن ابراهيم روى عن شريك وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وسنة.
ميمون بن مهران توفى سنة 117 هـ:
هو ميمون ابن مهران الرقى، أبو أيوب فقيه من القضاة كان مولى لامرأة بالكوفة وأعتقته ونشأ فيها ثم استوطن الرقة «من بلاد الجزيرة الفرانية» فكان عالم الجزيرة وسيدها واستعمله عمر ابن عبد العزيز على خراجها وقضائها وكان على مقدمة الجند الشامى مع معاوية بن هشام بن عبد الملك لما عبر البحر غازيا الى قبرص سنة 108 هـ وكان ثقة فى الحديث كثير العبادة وكان من العلماء العاملين، روى عن عائشة وأبى هريرة وطائفة.
حرف النون:
نافع:
انظر ج 1 ص 278
النسفى:
انظر ج 1 ص 279
الناصر:
انظر ج 1 ص 278
ابن أبى نجيح:
أبو يسار عبد الله بن أبى نجيح وأبو اليسر درهم مولى لآل جبير بن مطعم، سمعت العباس بن محمد قال سمعت يحيى ابن معين يقول كنيته عبد الله بن أبى نجيح يسار، حدثنى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال حدثنا وهب الله بن راشد قال حدثنا حيوة بن شريح قال أخبرنى أبو اليسر درهم المدينى مولى لآل جبير بن مطعم أنه سأل زيد بن أسلم فقال انا نعطى الشئ فى سبيل الله فهل يصلح لى أن أدع لأهلى منه نفقة فقال زيد بن أسلم أنفق منه على أهلك واقض منه دينك وأنزله منزلة مال ورثته من أبيك.
ابن نجيم:
انظر ج 1 ص 279
النووى:
انظر ج 1 ص 279
حرف الهاء:
أبو هريرة:
انظر ج 1 ص 280
هشام:
انظر ج 1 ص 281
هشام بن سالم:
روى عن أبى عبد الله عليه السلام الجواليقى الجعفى مولاهم كوفى أبو محمد مولى بشر بن مروان أبو الحكم كان من بنى الجورجان روى عن أبى عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام ثقة له كتاب عن أبن أبى عمير له اصل عن أبن أبى عمير وصفوان بن يحيى وعلى بن الحكم ظاهر أنه صحيح العقيدة معروف الولاية غير مدافع قاله ابن طاووس قدس سره وما رواه الكشى من أنه زعم أن الله عز وجل صورة وأن آدم خلق على مثال الرب ففى الطريق محمد بن موسى بن عبس الهمدانى وهو ضعيف.
أبو الهيثم بن نيهان توفى سنة 20، 21 هـ:
مالك بن النيهان والنيهان اسمه مالك بن عمرو بن عبد الأعلم بن عامر بن زعوراء بن جشم ابن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك ابن الأوس الأنصارى حليف بنى عبد الأشهل كان أحد النقباء ليلة العقبة ثم شهد بدرا واختلف فى وقت وفاته فذكر خليفة عن الأصمعى قال سألت قومه فقالوا مات فى حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لم يتابع عليه قائله وقيل أنه توفى سنة 20، 21 هـ سنة عشرين أو احدى وعشرين وقيل أنه أدرك صفين وشهدها مع على وهو على الأكثر وقيل أنه قتل بها والله أعلم، قال أبو نعيم أبو الهيثم بن النيهان اسمه مالك والنيهان اسمه عمرو بن الحارث أصيب أبو الهيثم مع على رضى الله عنهما يوم صفين وهذا قول أبى نعيم وغيره.
حرف الواو:
وائل بن حجر:
انظر ج 4 ص 374
واقد الليثى:
واقد الليثى يكنى أبا مراوح ذكره ابن منده عن أبى داود له صحبة وأخرج من طريق ربيعة بن عثمان عن زيد بن أسلم عن أسلم عن واقد أبى مراوح الليثى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله عز وجل: «انا أنزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة» .
وكيع:
انظر ج 4 ص 374
ابن وهب:
انظر ج 2 ص 366
حرف الياء:
يحيى:
انظر ج 1 ص 281
يحيى بن معين:
انظر ج 9 ص 385
أبو يوسف:
انظر ج 1 ص 281
يزيد بن عبد الرحمن:
يزيد بن عبد الرحمن ذكره أبو نعيم وأخرج من طريق عاصم بن عبد الله عن عبد الرحمن بن يزيد عن أبيه رفعه قال «أرقادكم أرقادكم» الحديث قال أبو نعيم يقال أنه يزيد بن حارثة قال ابن الأثير هو هو بلا شبهة وقد تقدم الحديث المذكور فى ترجمته.
أبو يعلى:
انظر ج 1 ص 281
ابن يونس:
انظر ج 1 ص 281