الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعارة
تعريفها لغة:
الاعارة مصدر أعرت، والاسم منه عارية بتشديد الياء، وقد تخفف، تقول:
أعرته الشئ أعيره اعارة وعارة.
والعارية والعارة ما تداوله الناس بينهم وقد أعاره الشئ وأعاره منه وعاوره اياه والمعاورة والتعاور المداولة والتداول فى الشئ يكون بين اثنين.
وتعور واستعار: طلب العارية واستعاره الشئ واستعاره منه: طلب منه أن يعيره اياه.
وقيل فى قوله مستعار قولان. أحدهما: أنه استعير فأسرع العمل به مبادرة لارتجاع صاحبه اياه.
(والثانى) - أن يجعل من التعاور يقال:
استعرنا الشئ واعتورناه وتعاورناه بمعنى واحد.
وقيل: مستعار بمعنى متعاور أى متداول
(1)
.
الاستعمال الفقهى:
استعمل الفقهاء اسم الاعارة للدلالة على العقد التى يترتب عليه تمليك المنافع بلا عوض أو اباحتها على الخلاف فى ذلك.
كما استعملوا اسم العارية تارة للدلالة على ذلك العقد وعلى هذا أكثر كتب الفقهاء وتارة للدلالة على الشئ المعار.
وعلى ذلك فالتعريف بالاعارة يعد تعريفا للعارية بالاطلاق الأول.
تعريفها شرعا:
وعرفها الحنفية: بأنها تمليك المنافع بغير عوض.
وخالف الكرخى، فقال: هى اباحة الانتفاع بملك الغير
(2)
: وعلى ذلك فهى عقد عندهم.
وسيأتى تفصيل دليل كل من الطرفين عند الكلام فى حكم الاعارة.
وعرفها ابن عرفة من المالكية:
بأنها تمليك منفعة مؤقتة بزمن أو فعل نصا أو عرفا بلا عوض. وعرف الاسم منها، وهى العارية بأنها مال ذو منفعة مؤقتة ملكت بغير عوض
(3)
.
(1)
لسان العرب ج 20 ص 618 - 619 مادة (عور) طبعة بيروت، القاموس المحيط ج 2 ص 96 مادة (العور) المطبعة الاميرية الطبعة الثالثة سنة 1301 هـ
(2)
الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 99 - 100 طبعة مصطفى محمد
(3)
شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 6 ص 139 - 140 المطبعة الاميرية سنة 1299 هـ، الشرح الصغير وحاشية الصاوى عليه ج 2 ص 226 المطبعة الاميرية سنة 1289 هـ
وعرفها الشافعية:
بأنها اباحة الانتفاع بما حل الانتفاع به مع بقاء عينه
(1)
: أما العارية فاسم لما يعار.
وعرفها الحنابلة:
بأنها اباحة الانتفاع بعين من أعيان المال بلا عوض
(2)
.
وعرفها الظاهرية:
بأنها اباحة منافع بعض الشئ، كالدابة للركوب، والثوب للباس
(3)
.
وعرفها الزيدية:
بأنها اباحة المنافع على وجه يحل
(4)
.
وعرفها الإمامية:
بأنها الاذن فى الانتفاع بالعين تبرعا
(5)
وعرفها الإباضية:
بأنها تمليك منفعة مؤقتة بغير عوض
(6)
.
حكم الاعارة:
مذهب الحنفية:
الاعارة مستحبة شرعا
(7)
.
مذهب المالكية:
الاصل فيها الندب، فهى من حيث ذاتها مندوب اليها، لأنها احسان.
وقد تجب لمن يخشى هلاكه بعدمها، كابرة أضطر لها لعلاج جرح يهلك المجروح بسببه غالبا لولاها.
وقد تحرم لمن يعلم أنه يستعملها أو تعينه على معصية.
وقد تكره من المستعير ولمن يعلم أنه يستعملها أو تعينه على مكروه. وتباح لغنى عنها فى الحال، ولكن بصدد الاحتياج اليها مستقبلا
(8)
.
مذهب الشافعية:
كانت الاعارة واجبة أول الاسلام بمقتضى التوعد عليها بقوله تعالى:
«وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ» المفسر عند الجمهور بما يعار.
ثم نسخ وجوبها فصارت مستحبة أصالة والا فقد تجب كاعارة الثوب لدفع حر أو برد
(1)
اسنى المطالب ج 2 ص 324 المطبعة الميمنية سنة 1313 هـ
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 354 مطبعة المنار سنة 1347 هـ، كشاف القناع ج 2 ص 314 الطبعة الاولى، المطبعة العامرية سنة 1319 هـ
(3)
المحلى ج 9 ص 168 مسألة رقم 1649 دار الطباعة المنيرية سنة 1351
(4)
التاج المذهب ج 3 ص 253 الطبعة الاولى للحلبى سنة 1366
(5)
المختصر النافع ج 1 ص 150 طبعة دار الكتاب العربى سنة 1376 هـ
(6)
شرح النيل ج 6 ص 64، ص 65 طبعة البارونى
(7)
الاختيار ج 2 ص 118 الطبعة الاولى
(8)
حاشية العدوى على شرح الخرشى ج 6 ص 140 والشرح الكبير ج 3 ص 438، حاشية كنون على حاشية الرهونى ج 6 ص 196 المطبعة الاميرية سنة 1306 هـ
واعارة الحبل لانقاذ غريق واعارة كل ما فيه أحياء مهجة محترمة لا أجرة لمثله كما لو خشى الهلاك من العطش على نفسه أو حيوان محترم ووجد بئرا ومع غيره دلو.
ولو أوصى انسان أن تعار داره لزيد سنة فانه يجب على الوصى تنفيذه ومن دخل عليه وقت الصلاة، ولم يجد من يعلمه وهو يحسن القراءة فانه يجب عليه استعارة مصحف اذا وجد من يعيره.
وقد تحرم كاعارة الصيد للمحرم، وقد تكره كاعارة الخادم المسلم للكافر
(1)
.
مذهب الحنابلة:
الاعارة مندوب اليها غير واجبة، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:«ليس فى المال حق سوى الزكاة» .
وفى حديث الاعرابى الذى سأل الرسول صلى الله عليه وسلم: ماذا فرض الله على من الصدقة؟ قال: «الزكاة» . فقال: هل على غيرها؟ قال: «لا» ، الا أن تتطوع شيئا.
وقيل: هى واجبة لآية «وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ» ،} ولما روى أبو هريرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«ما من صاحب أبل لا يؤدى حقها» الحديث. قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: «اعارة دلوها، واطراق فحلها، ومنحة لبنها يوم ورودها» فذم الله تعالى مانع العارية، وتوعده رسول الله بما ذكر فى خبره
(2)
.
مذهب الظاهرية:
الاعارة فعل حسن، وقد تكون فرضا فى بعض المواضع، كمن سألها محتاجا اليها ففرض على المسئول اعارته اياها اذا وثق بوفائه، فان لم يأمنه على اضاعة ما يستعير أو على جحده فلا يعره شيئا.
أما كونها فرضا فلقوله تعالى: «وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ»
(3)
.
مذهب الزيدية:
الاعارة تنقسم الى واجب، ومندوب، ومحظور، ومكروه، ومباح.
أما الواجب: فعند ظن الضرر بالغير ان لم يعره ما لا قيمة لمنفعته فى مدة الاعارة، أما ما لمنفعته قيمة فلا تجب الا بالاجرة.
وأما المندوب فعند حاجة الغير للعين المعارة.
وأما المحظور، فنحو اعارة آلة الاصطياد للمحرم بالحج ليصطاد بها، وكاعارة السلاح لمن يحارب المسلمين أو الامام من الكفار أو البغاة.
وأما المكروه فنحو اعارة الخادم المسلم للكافر لأجل خدمته.
(1)
اسنى المطالب ج 2 ص 324، حاشية القليوبى على شرح المحلى على المنهاج ج 3 ص 17 طبعة الحلبى
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 354 - 355، كشاف الفناع، وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 314، 315
(3)
المحلى ج 9 ص 168 مسألة رقم 1649
وأما المباح فما عدا ذلك
(1)
.
مذهب الإمامية:
الاعارة عقد مشروع جائز
(2)
.
مذهب الإباضية:
الاعارة عقد جائز، ولا ينبغى منع العارية عمن احتاج اليها، وقد كانت واجبة فى صدر الاسلام، ثم نسخ وجوبها فصارت مستحبة، وقد تجب لعارض، وقد تحرم وقد تكره على التفصيل السابق فى مذهب الشافعية
(3)
.
دليل مشروعيتها:
والاصل فى مشروعيتها الكتاب والسنة والاجماع، والمعقول.
أما الكتاب: فقوله سبحانه وتعالى:
«فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ. الَّذِينَ هُمْ يُراؤُنَ وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ}
(4)
.
روى عن ابن عباس وابن مسعود أن الماعون هو ما يتعاوره الناس فى العادة مثل القدر والدلو والميزان وقد توعد الله عز وجل من منع الماعون - وهو عدم اعارته - بالويل فتكون اعارته مشروعة.
- وأما السنة: فما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال فى حجة الوداع:
«العارية مؤداة والمنحة مردودة» .
وما رواه البخارى «أنه عليه الصلاة والسلام استعار من أبى طلحة فرسا يسمى المندوب فركبه، لفزع كان بالمدينة» .
وروى صفوان بن أمية أن النبى صلى الله عليه وسلم استعار منه أدرعا يوم حنين فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: بل عارية مضمونة».
وأما الاجماع: فان الأمة أجمعت على جوازها.
وانما اختلفوا فى كونها مستحبة وهو قول الأكثرين.
أو واجبة وهو قول البعض وسند الاجماع فى ذلك قول الله تعالى: «وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى» }.
(5)
وهى من البر.
وقوله عليه الصلاة والسلام «لا يزال الله فى عون العبد ما دام العبد فى عون أخيه» .
وأما المعقول: فلأن التمليك نوعان:
بعوض وبغير عوض، والاعيان قابلة للنوعين بالبيع والهبة، فكذلك المنافع بالاجارة والاعارة، والجامع دفع الحاجة.
وهذه الأدلة متفق عليها بين جميع المذاهب الا أن المالكية فسروا «الماعون» الذى توعد الله على منعه فى الآية بالزكاة المفروضة واستدلوا للاعارة من الكتاب بقوله تعالى:
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 253
(2)
تحرير الاحكام ص 369 طبعة حجر سنة 1314 هـ
(3)
شرح النيل ج 6 ص 72، 75
(4)
سورة الماعون اية رقم 4 - 7
(5)
الاية رقم 2 من سورة المائدة
«وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»
(1)
وقوله سبحانه: «إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ»
(2)
.
4 -
حكمة مشروعية الاعارة:
الاعارة معروف يصل بين القرابة والجيران وغيرهم من الناس، فهى داعية للتودد والتواصل وداخلة فى قوله عليه الصلاة والسلام:«تهادوا تحابوا» فالحاجة داعية اليها، لما فيها من قضاء حاجة المسلم، ولما فيها من البر والمعروف والاحسان والله يحب المحسنين.
ومن محاسنها النيابة عن الله سبحانه فى اجابة المضطر، لأنها لا تكون الا لمحتاج غالبا.
وكل هذا متفق عليه بين جميع المذاهب
(3)
.
5 -
اركان الاعارة:
ذهب الحنفية الى أن ركن الاعارة
(4)
هو الصيغة.
وذهب المالكية الى أن أركانها أربعة وهم: المعير، والمستعير، والمستعار وما يدل عليها من صيغة لفظية
(5)
أو غيرها.
وبذلك قال الشافعية أيضا
(6)
.
وأما الحنابلة فقد ذكروا صيغة الاعارة وما يشترط فى المعير، والمستعير والمستعار والمنفعة. وان هذه الشرائط هى شرائط صحتها
(7)
، وسيأتى تفصيل كل أمر من هذه الامور.
الاول: الصيغة المعبرة المطلوبة فيها، والالفاظ التى تنعقد بها حقيقة ومجازا:
مذهب الحنفية:
ركن الاعارة عندهم هو الايجاب من المعير، وهو أن يقول: أعرتك هذا الشئ.
أما القبول من المستعير فليس بركن عند أبى حنيفة وأبى يوسف ومحمد. استحسانا.
والقياس أن يكون القبول ركنا.
وهو قول زفر.
(1)
الاية رقم 77 من سورة الحج
(2)
الاية رقم 114 من سورة النساء
(3)
المراجع السابقة المذكورة فى دليل شرعية الاعارة
(4)
البدائع ج 6 ص 214 وتكملة حاشية ابن عابدين ج 2 ص 382 - 383 الطبعة الثانية للحلبى سنة 1386
(5)
الشرح الصغير وحاشية الصاوى ج 2 ص 226 - 227
(6)
اسنى المطالب ج 2 ص 324 - 327
(7)
كشاف القناع ص 2، ص 315، ص 316، ص 331.
وثمرة الخلاف فيمن حلف لا يعير انسانا معينا فأعاره ولم يقبل فانه يحنث عندهم استحسانا.
وعند زفر: لا يحنث ما لم يقبل.
وفى قول له: لا يحنث ما لم يقبل ويقبض وهى لا تتم الا بالقبض لأن الاعارة عقد تبرع، فلا يفيد الحكم بنفسه بدون القبض كالهبة
(1)
.
وقال ابن عابدين: الظاهر ان المراد بالقبول الذى ليس بركن انما هو القبول صريحا، فيصبح عقد الاعارة بفعل يدل على القبول كالتعاطى بخلاف الايجاب، ولهذا قال فى الهندية: ان الاعارة لا تثبت بالسكوت والا لزم ألا يكون أخذها قبولا
(2)
.
وتصح الاعارة بقول المعير: أعرتك هذا الشئ، لأنه صريح فيه أى حقيقة فى عقد الاعارة. كما تصح بقوله: منحتك هذا الثوب أو هذه الدار اذا لم يرد به الهبة، لأنه لتمليك العين وعند عدم ارادته الهبة يحمل على تمليك العين تجوزا أو لأن المنحة اسم للعطية التى ينتفع بها الانسان زمانا ثم يردها على صاحبها وهو معنى الاعارة، قال النبى صلى الله عليه وسلم «المنحة مردودة» ومنحة الأرض زراعتها قال عليه الصلاة والسلام «ازرعها أو امنحها أخاك» يعنى: ليزرعها.
وكذلك تصح بقوله: حملتك على هذه الدابة، اذا لم يرد به الهبة، لأنه يحتمل الاعارة والهبة فأى ذلك نوى فهو على ما نوى لأنه نوى ما يحتمله اللفظ، وعند الاطلاق ينصرف الى الاعارة، لأنها أدنى فكان الحمل عليها أولى كيلا يلزمه الأعلى بالشك.
وتصح أيضا بقوله: دارى لك سكنى، لأنه جعل سكنى الدار له من غير عوض، وسكنى الدار منفعتها المطلوبة منها عادة فقد أتى بمعنى الاعارة.
وأما لو قال: دارى لك رقبى أو حبس فهو اعارة عند أبى حنيفة ومحمد.
لما روى شريح: «أن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز العمرى ورد الرقبى» .
ولأنه تعليق الملك بالخطر فلا يصح.
واذا لم يصح يكون اعارة، لأنه يقتضى اطلاق الانتفاع به.
وعند أبى يوسف: هو هبة، لأن قوله دارى لك تمليك للعين.
وقوله رقبى شرط فاسد لا يبطل الهبة.
(1)
البدائع ج 6 ص 214، 215
(2)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 524 الطبعة الثالثة للمطبعة الاميرية سنة 1325 هـ .. الفتاوى الهندية ج 4 ص 364 الطبعة الثالثة المطبعة الاميرية سنة 1310، تكملة ابن عابدين ج 8 ص 383
وتصح أيضا بقوله: أطعمتك هذه الأرض، أو هذه الأرض طعمة لك أى غلتها، لأن عين الأرض لا تطعم فيكون الاطعام المضاف اليها هو اطعام منافعها التى تحصل منها بالزراعة من غير عوض عرفا وعادة وهو معنى الاعارة
(1)
.
واذا استعار أرضا بيضاء للزراعة يكتب المستعير: انك أطعمتنى أرضك لأزرعها، عند أبى حنيفة.
وقال محمد وأبو يوسف: يكتب انك أعرتنى، لأن لفظة الاعارة هى الموضوعة لهذا العقد، والكتابة بالموضوع له أولى كما فى اعارة الدار.
ولأبى حنيفة: ان لفظة الاطعام أدل على المراد من الاعارة، لأنها تختص بالزراعة، واعارة الأرض تارة تكون للزراعة وتارة تكون للبناء ونحوه فكانت الكتابة بلفظ الاطعام أولى ليعلم أن غرضه الزراعة. بخلاف الدار لأنها لا تعار الا للسكنى
(2)
.
مذهب المالكية:
تنعقد الاعارة بكل ما يدل على تمليك المنفعة بغير عوض، من قول كأعرتك، أو نعم جوابا لأعرنى أو فعل كمناولة مع تقدم طلبها أو اشارة مما يدل على الرضا، وتكفى المعاطاة فيها.
فلا يشترط فيها صيغة مخصوصة بل كل ما دل على تمليك المنفعة بغير عوض كاف.
ويجوز للشخص أن يقول لآخر: أعنى بثورك اليوم على أن أعينك بثورى غدا، ويكون ذلك اجارة لا اعارة.
وسيأتى تفصيل هذا فى «اشتراط العوض فى عقد الاعارة»
(3)
.
مذهب الشافعية:
لا تنعقد الاعارة عندهم الا بايجاب وقبول، لأنها ايجاب حق الآدمى فلا يصح الا بالايجاب والقبول كالبيع
(4)
والأصح - فى ناطق اشتراط لفظ يشعر بالاذن أو بطلبه، اذ الانتفاع بملك الغير يتوقف على ذلك.
ويلحق بذلك كتابة مع نية التعاقد.
واشارة أخرس مفهمة.
واللفظ المشعر بذلك، كأعرتك هذا، أو أعرتك منفعته وان لم يضفه للعين، أو أعرنى أو ما يؤدى معنى ذلك كأبحتك منفعته، أو خذه لتنتفع به، أو أركبتك دابتى، أو أركبنى دابتك.
ويكفى لفظ أحد المتعاقدين مع فعل الآخر وان تأخر أحدهما عن الآخر بزمن طويل لأنه لا يشترط الفور فى القبول هنا ولأنه حيث
(1 و 2)) من البدائع ج 6 ص 214 والعناية والهداية تكملة فتح القدير ج 7 ص 102 - 103، 112، حاشية بن عابدين ج 4 ص 525 و 526 والجوهرة ج 1 ص 350، 351 الطبعة الاولى للمطبعة الخيرية سنة 1322، الاختيار ج 2 ص 119
(3)
شرح الخرشى ج 6 ص 142، 143 وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 440 وحاشية الصاوى والشرح الصغير ج 2 ص 227 ومنح الجليل ج 3 ص 487
(4)
المهذب ج 1 ص 363 طبعة الحلبى.
حصلت الصيغة لا يضر التأخر ان لم يوجد من المعير ما يدل على الرجوع، ولا من المستعير ما يدل على رد الايجاب. فلو قال: أعرنى فأعطاه، أو قال له: أعرتك فأخذ صحت الاعارة كما فى اباحة الطعام.
ولا يكفى سكوت أحدهما من غير فعل، ولا الفعل منهما، الا فيما كان مستعارا ضمنا كظرف الهدية وظرف المبيع. اذا تسلمه المشترى فيه وجرت العادة به.
ولا يشترط اللفظ من جانب المعير، لأن العارية مضمونة على وفق الأصل فيكتفى فيها بلفظ من أحد الجانبين. وقيل على ما ذكره المتولى، انه لا يشترط فى الاعارة لفظ يدل على الاذن حتى لو أعطى عاريا قميصا فلبسه تمت الاعارة عنده.
والمعتمد أنه اباحة لا اعارة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
تنعقد الاعارة بكل لفظ أو فعل يدل عليها، كقول المعير أعرتك هذه الدابة، أو اركبها الى كذا، أو استرح عليها ونحوه كدفعه دابته لرفيقه عند تعبه، وتغطيته بكسائه لبرده.
لأن الاعارة من البر فتصح بمجرد دفع العين المعارة كدفع الصدقة، ومتى ركب المستعير الدابه، أو استبقى الكساء عليه، كان ذلك قبولا.
وكذلك تنعقد بقول المستعير: أعرنى هذا، أو أعطنى دابتك أركبها أو أحمل عليها فيسلمها اليه، وأشباه هذا.
قال فى الترغيب: يكفى فى عقد الاعارة ما يدل على الرضا من قول أو فعل كما لو سمع من يقول: من يعيرنى كذا فأعطاه كفى لأنها اباحة لا عقد
(2)
.
مذهب الزيدية:
لا يعتبر فى الاعارة عقد، بل التمكين أو ما يدل عليه كاف
(3)
.
مذهب الإمامية:
ينعقد عقد الاعارة بالايجاب ويتم بالقبول، لأن ثمرة العقد - وهو التبرع بالمنفعة - لا يتحقق بدون القبول فهو شرط فى صحة الاعارة
(4)
.
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 122 طبعة الحلبى سنة 1357، 1938،: اسنى المطالب ج 2 ص 327 للمطبعة الميمنية سنة 1313، شرح المحلى على المنهاج بحاشية القليوبى عليه ج 3 ص 19، مغنى المحتاج ج 2 ص 266 مطبعة مصطفى محمد، تحفة المحتاج ج 2 ص 229 المطبعة الوهبية سنة 1282 هـ، الاقناع ج 2 ص 53 الطبعة الرابعة، المطبعة الازهرية سنة 1348 هـ، 1929 م
(2)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 315، 331 والمغنى والشرح الكبير ج 5 ص 355 - 359
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 126 الطبعة الاولى للخانجى سنة: 1368 هـ - 1949 م، والتاج المذهب ج 3 ص 253 الطبعة الاولى للحلبى سنة 1366 هـ
(4)
شرائع الاسلام ج 2 ص 142 طبعة المكتبة العلمية بطهران سنة 1377 هـ
ولا يشترط القبول
(1)
نطقا، فقد يحصل القبول بفعل يدل عليه
(2)
، بل لو استفيد رضاه من غير الألفاظ كالكتابة والاشارة - ولو مع القدرة على النطق - كفى.
ومثله ما لو دفع اليه ثوبا حيث وجده عاريا أو محتاجا الى لبسه، أو فرش لضيفه فراشا، أو ألقى اليه وسادة أو مخدة. ولا حصر فى ألفاظها ايجابا وقبولا، بل كل ما دل على الاذن فى الانتفاع من طرف المعير فهو ايجاب.
وعبارة العقد الصريحة أن يقول: أعرتك فيقول قبلت
(3)
.
ما يشترط فى المعير من الاهلية:
مذهب الحنفية:
يشترط فى المعير: أن يكون عاقلا، فلا تصح الاعارة من المجنون والصبى الذى لا يعقل.
أما كونه بالغا فليس بشرط حتى تصح الاعارة من الصبى المأذون.
لأن الاعارة من توابع التجارة، وهو يملك التجارة فيملك ما هو من توابعها.
وكذلك الحرية ليست بشرط فيملك الاعارة العبد المأذون
(4)
.
وليس للأب اعارة مال طفله لأنه تصرف بلا بدل وهذا ما قاله عامة مشايخ المذهب، فان فعل وهلك المال كان ضامنا.
وقال بعض المتأخرين من المشايخ له ذلك استحسانا.
وكذلك ليس للقاضى اعارة مال اليتيم.
وجاء فى الفتاوى الهندية نقلا عن شرح بيوع الطحاوى أن له ذلك.
أما الوصى فليس له ذلك بلا خلاف
(5)
.
مذهب المالكية:
يشترط فى المعير: أن يكون مالكا للمستعار اما لعينه واما لمنفعته.
وأن لا يكون محجورا عليه حجرا أصليا لصغر أو سفه أو رق أو دين أو مرض.
فلا تصح الاعارة من الصبى والسفيه والعبد ولو مأذونا له فى التجارة لأنه انما أذن له فى التصرف بالاعواض خاصة ولم يؤذن له فى نحو الاعارة.
نعم يجوز له اعارة ما قل عرفا ان استألف به للتجارة لأنه من توابعها، أما ما كثر فلا.
(1)
قواعد الاحكام للحلى ص 191 طبعة سنة 1329 هـ
(2)
تحرير الاحكام ص 369 طبعة حجر سنة 1314
(3)
الروضة البهيه ج 1 ص 388، 389 طبعة دار الكتاب العربى
(4)
البدائع ج 6 ص 214
(5)
تكملة حاشية ابن عابدين ج 8 ص 406 و 407 طبعة الحلبى الطبعة الثانية سنة 1386 هـ - 1966 م، الفناوى الهندية ج 4 ص 373 المطبعة الاميرية الطبعة الثانية سنة 1310 هـ
أو حجرا جعليا وهو ما جعله المعير على المستعير صراحة بأن قال له: لا تعرها أو ضمنا كما لو قامت قرينة على ذلك نحو قول المعير لولا أخوتك أو صداقتك أو ديانتك ما أعرتك.
ولا تصح اعارة الفضولى لأنه ليس بمالك لشئ فأعارته لملك الغير غير منعقدة.
كما لا تصح اعارة مالك الانتفاع، وهو من ملك أن ينتفع بنفسه فقط وقصر الشارع الانتفاع على عينه. كساكن بيوت المدارس بوصفه مجاورا. والزوايا والجالس فى المساجد والأسواق.
فاذا أراد أن ينفع غيره فانه يسقط حقه منه ويأخذه الغير على أنه من أهله حيث كان من أهله.
وملك الخلو من قبيل ملك المنفعة لا من قبيل ملك الانتفاع وحينئذ فلمالك الخلو اعارته
(1)
. (انظر وقف).
مذهب الشافعية:
يشترط فى المعير: أولا: أن يكون ممن يصح تبرعه بأن يكون رشيدا، لأن الاعارة تبرع بالمنفعة.
فلا تصح ممن لا يصح تبرعه كصبى ومجنون ومحجور عليه لسفه أو افلاس ومكاتب بغير اذن سيده.
ثانيا: أن يكون مختارا.
فلا تصح اعارة المكره عليها بغير حق.
أما ان كان الاكراه عليها بحق كما لو أكره على اعارة واجبة فتصح.
ثالثا: أن يكون مالكا لمنفعة المستعار ولو بوصية أو وقف وان لم يملك العين المعارة.
لأن الاعارة انما ترد على المنفعة دون العين فتصح الاعارة من المستأجر لأنه مالك.
المنفعة، لا من المستعير، لأنه غير مالك لها كما سيأتى.
وليس للأب أن يعير مال ولده الصغير ولا أن يعيره فى خدمة لها أجرة أو تضر به.
بخلاف خدمة ليست كذلك كأن يعيره ليخدم من يتعلم منه كما صرح به الرويانى.
قال الزركشى: وينبغى أن يكون المجنون والبالغ السفيه كذلك
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يشترط أن يكون المعير أهلا للتبرع شرعا.
(1)
بداية المجتهد ج 2 ص 313 الطبعة الثانية للحلبى سنة 1370 هـ - 1950 م، شرح الخرشى ج 6 ص 140، 141 ومنح الجليل ج 3 ص 487 وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 437، 439، 139 حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 2 ص 226.
(2)
اسنى المطالب ج 2 ص 324، 125، تحفة المحتاج ج 2 ص 226، 227، مغنى المحتاج ج 2 ص 264
لأن الاعارة نوع من التبرع، لأنها اباحة المنفعة، فلا تصح اعارة ولى يتيم من ماله ولا ناظر وقف، ولا مكاتب
(1)
.
مذهب الزيدية:
يشترط فى المعير ثلاثة شروط:
(الأول): أن تصدر اباحة المنافع من مالكها ولو كان سكرانا غير مميز، أو من الولى، أو الوكيل أو الامام، أو الحاكم لمصلحة، وكل من جرى العرف باعارته.
وان كان المعير فضوليا فلا تلحقها الاجازة ما لم تكن عقدا نحو: أعرتك على دخول الدار، ودخول الدار ليس لمثله أجرة، فان كان لمثله أجرة كانت اجارة فتلحقها الاجازة، ويسقط بها ضمان الاستعمال.
(الثانى): أن يكون المعير مكلفا، فلا نصح من مجنون ولا من صبى الا اذا كان مميزا مأذونا جرت العادة باعارته.
(الثالث): أن يكون المعير مطلق التصرف فلا تصح من المحجور عليه، فان فعل لزم المستعير الاجرة وتكون للدائنين ولا يرجع المستعير بها على المعير، لأنه استوفى المنفعة
(2)
.
مذهب الإمامية:
يشترط أن يكون المعير مكلفا جائز التصرف مالكا للمنفعة، فلا تصح اعارة الصبى ولا المجنون ولا المحجور عليه للسفه أو الفلس.
وتجوز اعارة الصبى باذن وليه، لأن اذن الولى للصبى بمنزلة الايجاب، فتكون العبرة باذنه لا بعبارة الصبى وعلى هذا فلا فرق بين المميز وغيره.
ولا بد مع اذن الولى له فى اعارة ماله من وجود المصلحة بها،
وتتحقق المصلحة بكون يد المستعير أحفظ من يد الولى فى ذلك الوقت لخوف ونحوه أو لانتفاع الصبى بالمستعير ما يزيد عن منفعة ماله، أو لكون العين ينفعها الاستعمال ويضرها الاهمال أو نحو ذلك.
وتصح الاعارة من المستأجر والموصى له بالمنفعة والمستعير منهما كالمستعير من المالك.
ولا تصح اعارة الغاصب ولا المستعير ولو استعار من الغاصب عالما بالغصب
(3)
فلمالك الرجوع على من شاء منهما بالأجرة وأرش النقص والقيمة لو تلف المستعار ويستقر الضمان على المستعير، ومع الجهل يضمن الغاصب الجميع الا أن يكون المستعار ذهبا أو فضة فان الأقرب الضمان على المستعير خاصة لأن التلف فى يده.
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 315، 331
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 253، 254 والبحر الزخار ج 4 ص 126 الطبعة الاولى للخانجى سنة 1368 هـ - 1949 م
(3)
شرائع الإسلام ج 2 ص 142 والروضة البهية ج 1 ص 388 وقواعد الاحكام ص 191، 193.
مذهب الإباضية:
يشترط فى المعير: أن يكون مالكا لمنفعة العين المعارة.
فتصح الاعارة من مالك العين ومن المستأجر لها لا من المستعير، لأنه غير مالك لها وانما أبيح له الانتفاع.
ولا تصح اعارة مال الغير.
وقيل تصح ان لم يشك المستعير أنه اعارة له بغير اذنه.
وتصح الاعارة من البالغين العقلاء. رجالا ونساء وجائز لهؤلاء أن يعيروا وأن يستعبروا للأطفال والمجانين الا مالا يجوز من تضييع المال، حيث لا يجوز لأحد أن يعير ماله لمن يضيعه، لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن تضييع المال
(1)
.
ويجوز للشخص أن يعير مال ابنه الطفل، ولا يجوز له أن يعير مال من ولى أمره من يتيم أو مجنون أو غائب أو ما كان فى يده بالأمانة من أموال الناس والمساجد والمقابر ولا بغير اذن الشريك ولا بغير اذن صاحب مال المضاربة، ولا للمأذون فى التجارة لأن هذا معروف لا تجارة.
وللمضارب أن يعير مما فى يده من مال المضاربة لمن أعار لهم قبل ذلك لمنافع ذلك المال
(2)
.
ما يشترط فى المستعير:
مذهب الحنفية:
يشترط فى المستعير ما سبق اشتراطه فى المعير
(3)
.
مذهب المالكية:
يشترط فى المستعير أن يكون من أهل التبرع له بمنفعة ذلك الشئ المستعار بخصوصه، فلا يجوز اعارة المسلم - ولو عبدا - لكافر.
كما لا تصح اعارة مصحف أو كتب حديث لكافر، اذ الكافر ليس أهلا لأن يتبرع عليه بذلك وان كان من أهل التبرع له فى الجملة بغير ذلك.
وكذلك لا تصح اعارة السلاح لمن يقاتل به المسلمين وما فى معنى ذلك مما لازمه أمر ممنوع.
كما لا تصح الاعارة للدواب والجمادات
(4)
.
مذهب الشافعية
يشترط فى المستعير:
(أولا): صحة عبارته فلا تصح الاعارة لمن لا عبارة له كصبى ومجنون ومحجور عليه
(1)
شرح النيل ج 6 ص 75
(2)
شرح النيل ج 6 ص 85 - 86
(3)
البدائع ج 6 ص 214
(4)
الخرشى ج 6 ص 141 وحاشية الدسوقى ج 3 ص 439، وحاشية الصاوى والشرح الصغير ج 2 ص 226
ولو لسفه كما لا تصح استعارة وليه له الا لضرورة كبرد مهلك فيما يظهر، أو حيث لم يكن المستعار مضمونا كأن استعار له من نحو مستأجر اجارة صحيحة فتصح حينئذ.
(ثانيا): أن يكون أهلا للتبرع له، فلا تصح الاعارة لبهيمة مثل أن يقول: أعر فرسى سرجا.
(ثالثا): أن يكون معينا فلا تصح الاعارة لغير معين، فلو قال المعير: أعرت أحدكما بطلت، ولو استعملا المستعار ضمنا ضمان الغصب ولو أجازهما جميعا فكل واحد مستعير
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يشترط أن يكون المستعير أهلا للتبرع له بتلك العين المعارة بأن يصح منه قبولها هبة لشبه الاباحة بالهبة.
فلا تصح اعارة المصحف لكافر.
ولا تصح اعارة الصيد لمحرم، لأنه لا يجوز له امساكه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يشترط فى المستعير أن يكون موثوقا بوفائه، فان خشى المعير اضاعة ما يعيره أو خشى جحده فلا يعره شيئا.
فقد نهى الله سبحانه عن التعاون على الاثم والعدوان فلا يجوز عونه على ذلك.
وصح عن النبى صلى الله عليه وسلم «النهى عن اضاعة المال»
(3)
مذهب الزيدية:
يشترط أن يكون المستعير مكلفا، فمن أعار صبيا أو مجنونا لم يضمناه اجماعا ان هلك المستعار بدون جناية منهما، وكذلك ان جنيا عند بعض أئمتهم وتصح اعارة الخادم المسلم للكافر مع الكراهة اذ الاسلام يعلو
(4)
.
مذهب الإمامية:
يشترط فى المستعير أن يكون معينا، وأن يكون أهلا للتبرع له بعقد يشتمل على الايجاب والقبول فلا يصح استعارة الصبى ولا المجنون
(5)
.
مذهب الإباضية:
يشترط فى المستعير ما سبق اشتراطه فى المعير: من البلوغ والعقل، وعدم تضييع المال.
كما يشترط فيه أن يكون أهلا للتبرع له بذلك المستعار، فلا تصح اعارة المصاحف ولا كل ما كتب فيه القرآن أو اسم الله ولا اعارة الخدم المسلمين للمشركين
(6)
(1)
اسنى المطالب ج 2 ص 325، والاقناع ج 2 ص 53، تحفة المحتاج ج 2 ص 226 وحاشية البجرمى على منهج الطلاب ج 3 ص 88
(2)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 315، 331 والمغنى ج 5 ص 356، 360
(3)
المحلى ج 9 ص 168، 169
(4)
البحر الزخار ج 4 ص 126
(5)
قواعد الاحكام ص 191، تحرير الاحكام ص 369
(6)
شرح النيل 6 ص 75، 86.
9 -
ما يشترط فى المستعار
«العارية» والمنفعة المستفادة منه:
مذهب الحنفية:
يشترط أن يكون المستعار مما يمكن الانتفاع به بدون استهلاكه، فان لم يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه وفناء عينه فانه لا تصح اعارته فلو أعاره مكيلا أو موزونا لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه كان كناية عن القرض لأن حكم العقد ثبت فى المنفعة لا فى العين.
ويستثنى من ذلك ما سيأتى من جواز اعارة الشاة لينتفع بلبنها.
ويشترط فى المستعار أيضا أن يكون معينا اذا كانت جهالته تفضى الى المنازعة، أما اذا كانت جهالته لا تفضى الى المنازعة، أو كانت المنافع غير معينة، فلا تفسد الاعارة.
فاعارة الجزء الشائع تصح كيفما كان، أى فى الذى يحتمل القسمة أولا يحتملها، لشريك أو أجنبى.
وكذا اعارة الشئ لاثنين سواء أجمل أو فصل بالتنصيف أو بالاثلاث، لأن جهالة المنافع لا تفضى الى المنازعة لعدم لزوم الاعارة.
ويشترط فى المنفعة أن تكون مباحة شرعا.
فلا يصح اعارة الفروج للاستمتاع، لأن الاباحة لا تجرى فيها وكذا لا يصح للوصى أن يعير من تحت وصايته للخدمة، لأنه لا يجوز التبرع بمنافع الصغير
(1)
.
مذهب المالكية:
يشترط فى المستعار أن يكون عينا لمنفعة مباحة استعمالا من عرض أو حيوان أو عقار ينتفع به مع بقاء عينه ليرد لصاحبه بعد الانتفاع به.
فتصح اعارة كلب الصيد، وجلد الأضحية وجلد الميتة، لاباحتها استعمالا وان لم يبح بيعها.
ولا تصح اعارة المسلم للذمى، لما فيه من اذلال المسلم، قال تعالى:«وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً»
(2)
، والمراد خدمة المسلم للذمى، لأن الكلام فى المنفعة غير المباحة، وأما اعارة الذمى منفعة المسلم حيث كانت غير محرمة كأن يخيط له ثوبا مثلا فينبغى فيه الجواز كما فى الاجارة.
ولا تصح اعارة الجارية أو الزوجة للاستمتاع بها، كما لا تصح اعارة المرأة للخدمة فى غير الارضاع - لغير محرمها لأنه يؤدى الى الممنوع شرعا وهو الخلوة والاستمتاع بها.
وأما اعارتها للارضاع فتصح بلا فرق فى الصورتين بين الحرة والأمة.
(1)
البدائع ج 6 ص 214، 215 الفتاوى الهندية ج 4 ص 372، حاشية ابن عابدين ج 4 ص 524 - 525، تكملة ابن عابدين ج 8 ص 383 - 384 طبعة الحلبى الثانية سنة 1386 هـ - 1966 م
(2)
سورة النساء آية رقم 141
وكذلك لا تصح اعارة طعام أو شراب ليؤكل أو يشرب فان فيه ذهاب عينه بذلك ومثله النقد من دنانير ودراهم على ما سيذكر فى اعارة ما لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه»
(1)
.
مذهب الشافعية:
يشترط فى المستعار: امكان الانتفاع به - حالة التعاقد - انتفاعا مباحا شرعا مع بقاء عينه كالدار والثوب والدابة.
فلا تصح اعارة ما لا نفع فيه كالحمار المكسور.
أما ما يتوقع نفعه فى المستقبل كالجحش الصغير فالذى يظهر فيه أن الاعارة ان كانت مطلقة أو مؤقتة بزمن يمكن الانتفاع به فى خلاله صحت والا فلا تصح.
كما لا تصح اعارة ما ينتفع به انتفاعا محرما كآلات الملاهى ونحوها.
كما لا تصح اعارة نحو شمعة لوقود، وطعام لأكل لأن منفعتهما باستهلاكهما.
ولا بد أن تكون منفعة المستعار قوية مقصودة لما سيذكر فى اعارة ما لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه. ولا يشترط تعيين المستعار عند الاعارة فلو قال: أعرنى دابة فقال: خذ احدى دوابى أو خذ من دوابى ما شئت صحت الاعارة، لأن الغرر لا يحتمل هنا
(2)
.
ولا تصح اعارة العين للانتفاع بعين منها الا فى ثلاثة أشياء:
الأول: اعارة الفحل للضراب قطعا.
الثانى: اعارة الشاة لأخذ لبنها.
الثالث: اعارة الشجرة لأخذ ثمرتها عند القاضى أبى الطيب ومن تبعه، وتفصيله يأتى فى اعارة ما لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه
(3)
.
مذهب الحنابلة:
يشترط فى المستعار أن يكون منتفعا به مع بقائه على الدوام، كما يشترط فى المنفعة المستفادة منه أن تكون مباحة للمستعير ولو لم يصح فيها المعاوضة، لأن الاعارة لا تبيح للمستعير الا ما أباحه الشرع، فلا تصح الاعارة لغناء أو زمر كما لا تصح بل تحرم اعارة أوانى الذهب والفضة والحلى المحرمة ونحوهما.
وتصح اعارة الكلب للصيد، واعارة الفحل للضراب، لأن دفع ذلك مباح ولا
(1)
شرح الخرشى ج 6 ص 141، 142 وحاشية العدوى على الشرح الصغير ج 2 ص 226 - 227
(2)
تحفة المحتاج ج 2 ص 227 - 228 ومغنى المحتاج ج 2 ص 265 وأسنى المطالب ج 2 ص 325، وحاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 3 ص 88 - 89 ونهاية المحتاج ج 5 ص 120
(3)
الاشباه والنظائر للسيوطى ص 467 طبعة سنة 1368 هـ - 1959 للحلبى من باب العارية
محظور فى اعارتهما لذلك والمنهى عنه هو العوض المأخوذ عن ذلك، ولذلك امتنعت اجارتهما
(1)
.
مذهب الزيدية:
يشترط فى المستعار ثلاثة شروط:
(الأول) - أن يكون مما يمكن الانتفاع به حال الاعارة فلا تصح اعارة ما لا يمكن الانتفاع به كالحمار المكسور، والعبد الرضيع ونحوهما، ويكون أمانة حتى لو ضمنه المالك لم يضمنه، ولا يجب عليه الرد ما لم يكن ذلك للايناس فيكون اعارة.
(الثانى) - أن يكون المستعار مما يصح الانتفاع به مع بقاء عينه كالمنشار والفأس.
(الثالث) أن ينتفع به مع بقاء عينه، ويشترط فى المنفعة أن تكون حلالا
(2)
.
مذهب الإمامية:
يشترط فى المستعار. كونه عينا مملوكة يصح الانتفاع به مع بقاء عينه. كما يشترط فى المنفعة أن تكون مباحة فلا تصح اعارة العين لنفع محرم، فليس للمحرم استعارة الصيد من محرم ولا من غير محرم، ولو كان الصيد فى يد محرم فاستعاره غير محرم جاز لزوال ملك المحرم عنه بالاحرام وتصح استعارة الجوارى للخدمة وان كان المستعير أجنبيا
(3)
.
مذهب الإباضية:
يشترط فى المستعار أن يكون مما ينتفع به مع بقائه، فلا تصح الاعارة فيما ينتفع باتلافه. كما يشترط فى المنفعة أن تكون حلالا، فلا تصح الاعارة فى الفروج ولا الاذن فيها، وان فعلا هلكا ويحد الزانى ولا يثبت نسبه. وتصح اعارة المكروه من الحيوان وغيره
(4)
.
- 10
تعيين المدة فى عقد الاعارة:
مذهب الحنفية:
لا يلزم فى عقد الاعارة تعيين مدة أو تحديد أجل، لأن بيان الأجل انما يكون تحرزا عن الجهالة المفضية الى المنازعة، والجهالة فى عقد الاعارة لا تفضى الى المنازعة، لأن للمعير أن يفسخ العقد فى أى ساعة لكونها غير لازمة فلا تمنع صحة العقد. ولأن الملك فى الاعارة يثبت بالقبض وهو الانتفاع، وعند ذلك لا جهالة
(5)
.
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 315، 316، 331، والمغنى والشرح الكبير ج 5 ص 355، 359 - 360.
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 253 - 254، البحر الزخار ج 4 ص 126
(3)
تحرير الاحكام ص 369 وشرائع الاسلام ج 2 ص 142، قواعد الاحكام ص 191
(4)
شرح النيل ج 6 ص 85 - 87
(5)
البدائع ج 7 ص 396، ج 6 ص 215 .. تكملة فتح القدير والعناية والهداية ج 7 ص 102
مذهب المالكية:
الاصل فى الاعارة التأقيت، ولذا جعل فصلا من تعريفها بقوله: مؤقتة بزمن أو فعل نصا أو عرفا
(1)
. فان لم يشترط المعير مدة لزمته من المدة ما يرى الناس أنه مدة لمثل تلك الاعارة
(2)
أو التأقيت اما أن يكون لفظا أو اعادة، فاذا قال المعير للمستعير: أعرتك هذا الفرس مثلا ولم يحدد لذلك أجلا فانه يلزم المعتاد
(3)
، وهو ما جرت العادة بأنه يعار اليه، فليس للمعير أخذه من المستعير قبله، لأن العرف كالشرط
(4)
.
مذهب الشافعية:
تصح الاعارة مطلقة من غير تقييد بزمن، وكذلك تصح مقيدة بمدة كشهر مثلا فلا يفترق الحال بينهما الا أن المؤقتة يجوز فيها أن يكرر المستعير ما استعار له، فاذا استعار أرضا لبناء أو غراس جاز له أن يبنى أو يغرس المرة بعد الأخرى ما لم تنقض المدة أو يرجع المعير. وأما فى المطلقة فلا يفعل ذلك الا مرة واحدة فان هدم ما بناه أو قلع ما غرسه لم يكن له اعادته الا باذن جديد اللهم الا أن يكون المعير قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى
(5)
.
مذهب الحنابلة:
تصح الاعارة سواء كانت مطلقة أو مقيدة بزمن معين، لأنها أباحة فأشبهت أباحة الطعام
(6)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم أن التوقيت فى الاعارة شرط باطل ليس فى كتاب الله تعالى فللمعير أن يأخذ ما أعار متى شاء
(7)
.
مذهب الزيدية:
تصح الاعارة مطلقة ومؤقتة ولو بمجهول كالوصية والاباحة
(8)
.
مذهب الإمامية:
تصح الاعارة مطلقة ومؤقتة بمدة معينة
(9)
.
مذهب الإباضية:
قال صاحب شرح النيل: وهبة المنافع - الاعارة - تكون اما مؤجلة الى بعض
(1)
حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 2 ص 226
(2)
بداية المجتهد ج 2 ص 313 الطبعة الثانية للحلبى سنة 1370 هـ - 1950 م
(3)
حاشية العدوى على شرح الخرشى ج 6 ص 139
(4)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدرديرى ج 3 ص 443
(5)
الاقناع ج 2 ص 53 ومغنى المحتاج ج 2 ص 273
(6)
المغنى ج 5 ص 364
(7)
المحلى ج 9 ص 168 - 169 مسألة رقم 1649
(8)
البحر الزخار ج 4 ص 127 - 128
(9)
شرائع الاسلام ج 2 ص 142 وتحرير الاحكام ص 370.
من عمر المعير أجلا معلوما أو مجهولا، أو أجلا مسكوتا عنه مفوضا الى المستعير، وأما مؤجلة الى تمام حاجة المستعير. فالاعارة ولو لم يذكر فيها الأجل، لكنها فى ضمن التأجيل المفوض الى المستعير، فاذا لم تسم المدة انتفع المستعير بقدر ما استعار له
(1)
.
حكم الاعارة - لزومها وعدم لزومها:
مذهب الحنفية:
الاعارة عقد غير لازم، ولذلك الملك الثابت به ملكا غير لازم، لأنه ملك لا يقابله عوض فلا يكون لازما كالملك الثابت للموهوب له فى الهبة فبناء عليه يكون للمعير أن يرجع فى الاعارة متى شاء، سواء أطلق الاعارة أو وقت لها وقتا
(2)
. أو كان فى الرجوع ضرر
(3)
، لأن المنافع تملك شيئا فشيئا على حسب حدوثها فالتمليك فيما لم يوجد منها لم يتصل به القبض ولا يملك الا به فيصح الرجوع عنه
(4)
. غير أنه فى الاعارة المؤقتة يكره تنزيها أن يرجع المعير قبل تمام الوقت. لأن فيه خلف الوعد ويستحب الوفاء به.
فاذا رجع المعير عن الاعارة كان له استرداد العين المعارة.
ويستثنى من هذا عدة أمور لا يملك فيها المعير أن يسترد المستعار من المستعير:
كما اذا طلب السفينة المعارة وهى فى لجة البحر، أو طلب السيف المعار ليقتل به ظلما، أو طلب الفرس المعار لمن يغزو عليه فى دار الحرب فى موضع لا يوجد فيه مركب بالشراء ولا بالاجرة، أو طلب المستعار للرهن قبل قضاء الدين، أو طلب الاناء المستعار فى الصحراء بعد أن ملأه المستعير دهنا مثلا، وكذلك لا يمكنه استرداد مرضعة استعارها المستعير لارضاع طفله بعد أن ألفها الطفل بحيث صار لا يصبر عنها ولا يأخذ الا ثديها.
وكذلك اذا أستعار أرضا للزراعة وزرعها لا تؤخذ منه حتى يحصده ولو لم يوقت لذلك وقتا. ففى كل هذا ليس للمعير استرداد العين المعارة لما فى ذلك من الضرر وتبقى العين بيد المستعير بأجر المثل من حين الرجوع الى حين زوال العذر المانع من استردادها، لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا
(5)
.
وتلزم الاعارة فيما اذا استعار جدار غيره لوضع جذوعه ووضعها، ثم باع المعير الجدار فان المشترى لا يتمكن من رفعها وقيل: لا بد من اشتراط ذلك وقت البيع والا جاز له أن يرفعها. والوارث فى هذا بمنزلة المشترى.
(1)
شرح النيل ج 6 ص 64، 88
(2)
البدائع ج 6 ص 216
(3)
من حاشيته ابن عابدين ج 4 ص 525 وتكملته المذكورة.
(4)
العناية على الهداية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 103
(5)
تكملة حاشية ابن عابدين ج 8 ص 386 و 388، 413 والاشباه والنظائر ج 2 ص 75
مذهب المالكية:
الاعارة اذا كانت مقيدة بعمل كزراعة أرض بطنا فأكثر مما لا يخلف كقمح، أو مما يخلف كبرسيم وقصب، أو طحن أردب أو حمله لكذا أو ركوب له.
أو مقيدة بأجل كسكنى دار شهرا مثلا أو أقل أو أكثر فانها تكون لازمة الى انقضاء ذلك العمل أو الأجل
(1)
. حتى ولو لم يقبض على المشهور
(2)
. فليس للمعير أخذ العين المعارة قبل ذلك سواء كان المستعار عرضا أو كان أرضا لزراعة أو سكنى أو لوضع شئ بها أو كان حيوانا لركوب أو حمل أو غير ذلك
(3)
.
وان لم تكن مقيدة بعمل ولا بأجل كقول المعير: أعرتك هذه الارض أو هذه الدابة أو هذه الدار وما أشبه ذلك فانها تلزم الى انقضاء مدة ينتفع فيها بمثلها عادة، فليس للمعير أخذها قبله، لأن العرف والعادة كالشرط
(4)
. وقيل اذا لم تكن مقيدة بعمل ولا أجل بأن أطلقت فلا تلزم، وللمعير أخذ العين المعارة متى شاء، ولا يلزم قدر ما تراد لمثله عادة على المعتمد، وهو قول ابن القاسم فى المدونة مع أشهب. ومحل لزومها مدة معتادة فيما أعير لغير البناء، والغرس أو فيهما قبل حصولهما أو بعد حصولهما حيث لم يدفع المعير للمستعير قدر ما انفق.
أما أن دفع ما أنفق فى البناء أو الغرس فله الرجوع واخراج المستعير منها قبل مضى المدة المعتادة. وسيأتى تفصيله فى «اعارة الأرض للبناء والغرس»
(5)
.
واذا انتفى التقييد بالعمل والأجل وانتفى المعتاد، وكان ذلك قبل القبض فقيل: المعير بالخيار فى تسليم ذلك وامساكه وان سلمه فله استرداده وان قرب الزمن. وقيل: يلزم المعير القدر الذى يرى أنه أعار لمثله، ذكر الخلاف فى ذلك اللخمى
(6)
.
مذهب الشافعية:
الاعارة عقد غير لازم فلكل من المعير والمستعير الرجوع فيها متى شاء سواء فى ذلك المطلقة أو المؤقتة قبل فراغ المدة، لأنها تبرع بالمنافع المستقبلة، ولأنها احسان من المعير وارتفاق من المستعير فالالزام غير لائق فيها والا امتنع الناس منها
(7)
.
ويستثنى من ذلك بعض الامور التى تجعل العقد لازما من الجانبين، أو أحدهما.
كما اذا أعار أرضا لدفن ميت محترم، ودفن فيه فعلا فلا يرجع المعير فى موضعه ويمتنع أيضا على المستعير ردها فالاعارة لازمة من
(1)
شرح الخرشى ج 6 ص 145، 146 وحاشية الصاوى والشرح الصغير ج 2 ص 229
(2)
حاشية الرهونى ج 6 ص 203
(3)
شرح الخرشى ج 6 ص 146
(4)
حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 2 ص 229، حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 3 ص 444
(5)
شرح الخرشى ج 6 ص 146
(6)
حاشية العدوى على شرح الخرشى ج 6 ص 145، 146
(7)
شرح المحلى بحاشيتى قليوبى وعميرة ج 3 ص 21، 22، تحفة المحتاج ج 2 ص 233
جهتها حتى يندرس أثر المدفون بأن يصير ترابا محافظة على حرمة الميت، ويعلم ذلك بمضى مدة يغلب على الظن اندراسه فيها.
ولو أقتت الاعارة بمدة لا يبلى فيها الميت عادة فسدت. كما لا يرجع كل من العاقدين فى ثوب كفن فيه المعير أجنبيا قبل الدفن أو بعده.
أو أحرم فيه عار بفرض لما فى ذلك من هتك الحرمة فتلزم الاعارة من جهتهما فى هاتين الصورتين أيضا. كما تلزم من جهتهما فيما لو أعاره سترة ليصلى فيها الفرض وشرع فى الصلاة فعلا.
أما اذا استعارها لمطلق الصلاة فتكون لازمة من جهة المستعير فقط ان أحرم بفرض، وغير لازمة من جهتهما أن أحرم بنفل.
وتلزم الاعارة من جهة المعير فيما لو قال: أعيروا دارى بعد موتى شهرا فلا يجوز للوارث الرجوع قبل الشهر ان خرجت أجرته من الثلث، لأنها وصية بالسكنى تلك المدة وليست اعارة حقيقة ولذا امتنع على الوارث الرجوع لأنه ليس معيرا، وان كان هو المالك لتقدم الوصية على ملكه.
وكذلك تلزم من جهته ان أعاره للرهن وقبضه المرتهن، أو نذر أن يعيره مدة معلومة أو نذر أن لا يرجع.
وتلزم من جهة المستعير فيما لو استعار دار السكنى معتدة.
وفيما لو استعار آلة الاستقاء لوضوء أو ازالة نجس، وقد ضاق وقت الصلاة ويقاس على ذلك ما فى معناه.
وكل مسألة امتنع على المعير الرجوع فيها تجب له الاجرة اذا رجع وعلم المستعير برجوعه الا فى ثلاث مسائل:
الأولى: اذا أعار أرضا للدفن فيها أو ثوبا للتكفين فيه، فلا رجوع ولا أجرة له اذا رجع، لعدم جريان العادة بالعوض فى ذلك.
الثانية: اذا أعار الثوب لصلاة الفرض فلا أجرة له اذا رجع بعد احرام المستعير، لقصر زمنه.
الثالثة: اذا اعار سيفا للقتال فاذا التقى الصفان امتنع على المعير الرجوع فى ذلك حتى ينكشف القتال ولا أجرة له اذا رجع والظاهر أن وجوب الاجرة - فيما تجب فيه - لا يتوقف على عقد جديد بل حيث رجع المعير وجب له أجره مثل كل مدة مضت
(1)
.
مذهب الحنابلة:
الاعارة ليست لازمة فللمستعير رد العارية متى شاء وللمعير الرجوع متى شاء مطلقة كانت الاعارة أو مؤقتة لأن المنافع انما تستوفى شيئا فشيئا فكلما استوفى منفعة فقد قبضها والذى لم يستوفه لم يقبضه فجاز الرجوع فيه
(2)
(1)
من حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 3 ص 93 - 95، أسنى المطالب ج 2 ص 231 - 332، وحاشية الشرقاوى على شرح التحرير ج 2 ص 105، نهاية المحتاج ج 5 ص 126 ومغنى المحتاج ج 2 ص 70، المرجعين السابقين
(2)
من كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 317، 319، 320، 334
ويستثنى من ذلك: ما اذا أعاره شيئا لينتفع به انتفاعا يلزم من الرجوع فى أثنائه ضرر بالمستعير فلا يجوز للمعير أن يرجع فى الاعارة ويسترد العارية فى مثل ما اذا أعاره سفينة لحمل متاعه، أو أعاره لوحا يرقع به سفينة فرقعها به ولجج فى البحر لم يجز الرجوع ما دامت فى البحر حتى ترسى.
وله الرجوع قبل دخول البحر.
وان أعاره حائطا ليضع عليه أطراف خشبة جاز.
وله الرجوع ولو بعد وضعه ما لم يبن المستعير عليه لأنه لا ضرر فيه. فان بنى عليه لم يجز للمعير الرجوع لما فى ذلك من هدم البناء حتى ولو قال للمستعير: أنا أدفع اليك أرش ما نقص بالقلع، لم يلزم المستعير ذلك لأنه اذا قلعه انقلع ما فى ملكه منه.
ولا يجب على المستعير قلع شئ من ملكه بضمان القيمة وان انهدم الحائط وزال الخشب عنه أو ازاله المستعير باختياره، أو سقط الخشب والحائط بحاله، لم يملك المستعير اعادته الا بأذن المعير، لأن الاعارة لا تلزم وانما امتنع الرجوع قبل انهدامه وغيره لما فيه من الضرر بالمستعير بازالة المأذون فى وضعه وقد زال ذلك
(1)
.
وكذلك ان أعاره أرضا لدفن ميت فلا يرجع الى أن يندرس أثره. وان أعاره شيئا وأذن له فى اجازته مدة معلومة فليس للمعير الرجوع بعد عقد الاجارة حتى ينقضى لأن عقد الاجارة لازم.
وحيث كان الرجوع يضر بالمستعير فلا أجرة عليه للمعير منذ رجع الى أن يزول الضرر، لأن بقاء ذلك بحكم الاعارة، ولأنه لا يملك الرجوع فى المنفعة فى حال تضرر المستعير فلا يملك طلب بدلها. الا فى الزرع اذا رجع المعير قبل أوان حصده فله أجرة مثل الأرض - كما سيأتى فى اعارة الأرض للزرع
(2)
.
مذهب الظاهرية:
للمعير أن يرجع فى اعارته ويأخذ ما أعار متى شاء، سواء عين مدة أو لم يعين، أشهد أو لم يشهد، لأنه لا يحل مال أحد بغير طيب نفس منه إلا بنص، ولا نص فى هذا.
وتعيينه المدة وعد، والوعد لا يلزم الوفاء به - وان كان يكره له ذلك والافضل أن يفى به - لأنه شرط ليس فى كتاب الله، فهو باطل.
أما ارتجاعه العين المعارة متى شاء فلأنه لم يهب الاصل ولا الرقبة. فلا يجوز من ماله الا ما طابت به نفسه، وللمعير أن يأخذ ما أعاره متى أحب بلا تكليف عوض، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام»
(3)
.
(1)
من المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 365 و 366، 362
(2)
من كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 317، 320، 322، 334
(3)
المحلى ج 9 ص 168، 163، 164 رقم 1649، 1647، 126 من ج 7
مذهب الزيدية:
يصح لمن أعار عينا الرجوع فيها متى شاء وسواء كانت الاعارة مطلقة أو مؤقتة كالاباحة، لأن المنافع المستقبلة غير حاصلة فيصح الرجوع كقبل قبض المستعار.
وللمستعير ردها متى شاء أيضا كالمباح له
(1)
.
ويستثنى من ذلك: ما اذا أدى رجوع المعير واسترداده العين المعارة الى محظور أو ترك واجب نحو أن يستعير ثوبا ليستر عورته فى الصلاة الواجبة، أو ليصلى عليه فى الموضع المتنجس، ونحو أن يستعير سفينة ليعبر عليها. أو خيطا ليربط به جرح محترم، أو آلة من حبل أو غيره لينقذ به محترم الدم فى بئر مثلا، أو ثوبا ليكفن به ميتا
(2)
. فانه لا يجوز الرجوع بعد الدفن
(3)
. وتتأبد الاعارة للقبر - ان كان المعار قبرا - بعد الدفن حتى يندرس الميت، اذ لا يحول الميت لقوله صلى الله عليه وسلم فى قتلى أحد:«يدفنون حيث صرعوا» فاذا كره التحويل عن المصرع فالتحويل عن القبر أشد كراهة
(4)
.
وللمعير الرجوع قبل أن ينهال عليه التراب ولو قد وضع فى قبره ويكون آثما.
وتؤبد الاعارة أيضا بعد القاء البذر فى الأرض المستعارة حتى يحصد الزرع ان لم يقصر المستعير كما سيأتى مفصلا فى اعارة الارض للزراعة.
كما تؤبد فى استعارة النار حتى ينضج ما استعيرت لأجل انضاجه ما لم يقصر المستعير.
وللمعير فى كل ذلك أجرة المثل من يوم الرجوع، وللمستعير اتمام عمله ولا يصير غاصبا، وفى المقبرة له أجرة المثل من يوم الرجوع حتى يندرس الميت أو يجتاحه سيل
(5)
.
مذهب الإمامية:
الاعارة من العقود غير اللازمة لأحد المتعاقدين فلكل منهما فسخه متى شاء، وسواء كانت الاعارة مطلقة أم مؤقتة فى الاصح على خلاف ابن الجنيد حيث حكم بلزومها من طرف المعير ان عين لها مدة، ولكن يستثنى من هذا مواضع:
(الاول): الاعارة للرهن بعد وقوعه، أو للاجارة فيلزم المعير الصبر الى انقضاء المدة.
(الثانى): الاعارة لدفن ميت مسلم ومن بحكمه، فلا يجوز الرجوع بعد تسوية التراب على الميت الى أن تندرس عظامه لتحريم نبشه وهتك حرمته، ولو رجع المعير قبل التسوية
(1)
البحر الزخار ج 4 ص 128
(2)
شرح الأزهار ج 3 ص 430
(3)
شرح الأزهار ج 3 ص 430 الطبعة الثانية مطبعة حجازى سنة 1357
(4)
البحر الزخار ج 4 ص 128
(5)
التاج المذهب ج 3 ص 257 - 259
جاز له ذلك وان كان الميت قد وضع فى القبر على الأقوى.
(الثالث): اذا حصل بالرجوع ضرر على المستعير لا يستدرك كما لو أعاره لوحا رقع به سفينته ولجج فى البحر فلا رجوع للمعير الى أن يمكن للمستعير الخروج الى الشاطئ أو اصلاحها مع نزعه من غير ضرر فلو رجع قبل دخول السفينة أو بعد خروجها فلا اشكال فى عدم جوازه، ويحتمل جواز رجوع المعير مطلقا وان كان يجب عليه الصبر باسترداد المعار وقبضه حتى يزول الضرر
(1)
.
مذهب الإباضية:
من أعار أحدا عارية لوقت معين حرم عليه أخذها قبل انقضائه ديانة، أى فيما بينه وبين الله سبحانه والمراد بالوقت المعين الحد المعين زمانا كان أو مكانا كالحمل الى موضع كذا، أو فعلا كخياطة الثوب بابرة مستعارة.
وأما فى القضاء فانه يحكم برد العين المعارة ان طلبها المعير ولو قبل المدة أو الحد المستعارة لأجله
(2)
.
حكم الاعارة - أثرها:
أختلف الفقهاء فى الاثر المترتب على الاعارة
أهو تمليك، أم اباحة؟ على النحو الآتى:
مذهب الحنفية:
يترتب على عقد الاعارة بعد تمامه عند عامة مشايخ المذهب أن يملك المستعير - بغير عوض - منفعة العين المعارة أو ما هو ملحق بالمنفعة عرفا وعادة كلبن الشاة المعارة للحلب
(3)
.
وقال الكرخى: يترتب عليه اباحة الانتفاع بملك الغير لا تملكه، لأن الاعارة تنعقد بلفظ الاباحة والتمليك لا ينعقد بلفظ الاباحة، ولا يشترط فيها تعيين المدة والتمليك يقتضى أن تكون المنافع المملكة معلومة ولا تعلم الا ببيان المدة وبيان المدة ليس بشرط هنا فكان تمليكا للمجهول، ولأن المعير يملك نهى المستعير عن الانتفاع ولو كانت تمليكا لما ملكه كالمؤجر لا يملك نهى المستأجر عن الانتفاع، وكذلك المستعير لا يملك الاجارة لغيره ولو كانت الاعارة تمليكا للمنافع كالاجارة لجاز للمستعير أن يؤجر المستعار ولكن لا يصح منه ذلك
(4)
.
واستدل عامة الحنيفة.
(أولا): بأن المعير سلط المستعير على تحصيل المنافع وصرفها الى نفسه على وجه زالت يده عنها والتسليط على هذا الوجه يكون تمليكا لا اباحة كما فى الاعيان
(5)
.
(1)
شرائع الاسلام ج 2 ص 142، الروضة البهية ج 1 ص 389
(2)
شرح النيل ج 6 ص 81 وما بعدها
(3)
البدائع ج 6 ص 214
(4)
الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 100
(5)
البدائع ج 6 ص 214
(ثانيا): بأن الاعارة تنعقد بلفظ التمليك مثل أن يقول: ملكتك منفعة دارى هذه شهرا، وما ينعقد بلفظ التمليك فهو تمليك.
وانعقادها بلفظ الاباحة مجاز كما أن الاجارة تنعقد بلفظ الاباحة ولا نزاع فى كونها تمليكا، والجهالة المفضية الى النزاع هى المانعة من التمليك أما الجهالة فى باب الاعارة فلا تقضى اليه. وعمل النهى فى الاعارة لأن الاعارة عقد غير لازم فكان للمعير الرجوع فى أى وقت شاء
(1)
.
وامتناع اجارة المستعير للعين المعارة له لبس لأن المستعير لا يملك المنفعة بل لأن المعير ملكه المنافع على وجه لا ينقطع حقه عنها متى شاء، فلو جاز له أن يؤجرها لتعلق بالاجارة استحقاق المستأجر فيقطع حق المعير فى الاسترداد فى أى وقت شاء
(2)
.
مذهب المالكية:
عقد الاعارة يفيد تمليك منفعة العين للمستعير تمليكا مؤقتا، وملك المنفعة فى هذا العقد أعم من ملك الانتفاع فى بعض العقود مثل أن يوقف بيت على طلبة العلم يسكنونه ففيه تمليك انتفاع وليس فيه تمليك منفعة، لأن الانتفاع يكون بنفس المنتفع فقط وليس له أن يؤاجره ولا أن يعيره لغيره، أما ملك المنفعة فأعم من ذلك لأن له فيها الانتفاع بنفسه أو بغيره كأن يعيره أو يؤاجره
(3)
.
مذهب الشافعية:
يترتب على تمام عقد الاعارة اباحة الانتفاع للمستعير بالعين المستعارة ولذا صحت بلفظ الاباحة والاباحة لا تفيد نقل اليد بدليل أن الضيف لا يمكنه أن يتصرف فيما قدم له
(4)
.
قال الامام السيوطى:
المستعير يملك - بعقد الاعارة - الانتفاع دون المنفعة، ومن ملك الانتفاع فليس له الاجارة قطعا ولا الاعارة فى الاصح، أما من ملك المنفعة كالمستأجر فله الاجارة والاعارة
(5)
.
مذهب الحنابلة:
الاعارة اباحة لمنفعة العين المعارة وليست تمليكا لها، فلا يجوز للمستعير أن يبيحها غبره كاباحة الطعام، لأن المستعير لم يملك المنافع انما ملك استيفاءها على الوجه الذى أذن له فيه. ويحتمل أن يكون تمليك المنفعة للمستعير مذهبا للامام أحمد فى الاعارة
(1)
الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 100 - 102
(2)
الجوهرة النيرة ج 1 ص 350
(3)
حاشية العدوى على شرح أبى الحسن ج 2 ص 239 طبعة عبد الحميد حنفى، حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 2 ص 226، شرح الخرشى ج 6 ص 139 - 142
(4)
حاشية البجرمى على شرح المنهج ج 3 ص 90، 87، حاشية القليوبى على شرح المحلى ج 3 ص 18.
(5)
الاشباه والنظائر للسيوطى ص 326
المؤقتة بناء على كونه اذا أعاره أرضه سنة ليبنى فيها لم يحل الرجوع للمعير قبل السنة، لأن المستعير قد ملك المنفعة فجازت له اعارتها كالمستأجر بعقد لازم، وقد حكى هذا صاحب المجرد وقال: انه قول لأحمد
(1)
.
مذهب الظاهرية:
الاعارة اباحة للمنافع وليست تمليكا لها، لأنها معروف وفعل حسن من المعير لا عقد
(2)
.
مذهب الزيدية:
الاعارة اباحة للمنافع وليس هبة لها ولذا لا يجوز للمستعير أن يعير العين المستعارة الا لعرف فانه يعتبر اذنا له بالاعارة
(3)
.
مذهب الإمامية:
المنافع فى عقد الاعارة ليست مملوكة للمستعير وان كان له استيفاؤها، فلا يجوز له اعارة العين المستعارة الا باذن المالك وكذلك لا يجوز له اجارتها
(4)
.
مذهب الإباضية:
الاعارة هبة للمنافع أى تمليك لها وليست باباحة، لأنها - عندهم - عقد فى نقضه معصية
(5)
.
13 -
اعارة الارض للزراعة:
مذهب الحنفية:
اذا استعار أرضا للزراعة فزرعها، ثم أراد المعير لها أن يأخذها لم يكن له ذلك حتى يصير الزرع صالحا للحصاد سواء وقت الاعارة أو لم يوقتها، بل تترك الأرض فى يد المستعير الى وقت الحصاد بأجر المثل استحسانا. وفى القياس: يكون له ذلك كما فى استعارة الأرض للبناء والغرس. ووجه الفرق للاستحسان ان النظر للجانبين ورعاية الحقين واجب عند الامكان، وذلك ممكن فى الزرع لأن الزرع له نهاية معلومة وفى الترك اليها مراعاة الجانبين جانب المستعير حيث لم تقف منفعة زرعه وجانب المالك بالترك الى وقت الحصاد بالأجر
(6)
. بخلاف الغرس لأنه ليس لادراكه غاية معلومة فلو ابقيناه لعطلنا على المعير منفعة أرضه حتى لو كان الغرس للبيع والنقل لا للاستبقاء كان الحكم فيه كالحكم فى الزرع
(7)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 361، 364، 368، 369 وكشاف القناع ج 2 ص 315
(2)
المحلى ج 9 ص 168، 169، 173 رقم 1649
(3)
التاج المذهب ج 3 ص 253 والبحر الزخار ج 4 ص 126
(4)
شرائع الإسلام ج 2 ص 142
(5)
شرح النيل ج 6 ص 64، 65، 81
(6)
البدائع ج 6 ص 217 وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 527، الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 110
(7)
حاشية الشلبى على تبيين الحقائق ج 5 ص 366، 368 الطبعة الاولى المطبعة الاميرية سنة 1315
مذهب المالكية:
اعارة الأرض لزرعها بطنا أو أكثر مما لا يخلف كقمح، أو مما يخلف كبرسيم وقصب تكون لازمة الى انقضاء ذلك الأجل، وان لم تكن مقيدة بذلك كقول المعير: أعرتك هذه الأرض فانها تلزم الى انقضاء مدة ينتفع بمثلها عادة
(1)
، وتحمل على زراعتها مرة واحدة عند الاطلاق.
والظاهر: أنه لا رجوع للمعير فى اعارة الأرض اعارة مطلقة للزراعة حتى ولو قبل أن يزرعها المستعير فليس للمعير منعه، لأن مقدار الزراعة معلوم فهو كالأجل المعلوم
(2)
.
مذهب الشافعية:
اذا أعاره أرضا لزراعة مطلقا ورجع المعير قبل ادراك الزرع فالصحيح أن عليه الابقاء الى الحصاد ان كان القلع قبل الادراك ينقصه لأنه محترم وله أمد ينتظر.
ومقابل الأصح وجهان:
أحدهما: له القلع ويغرم أرش نقصه.
وثانيهما: له التملك بالقيمة فى الحال.
أما اذا لم ينقص بالقلع وان لم يعتد قطعه أو نقص بالقلع ولكن العادة قطعه أخضر كالبقول، فان المستعير يجبر على قلعه حينئذ.
والصحيح على القول الأول: أن للمعير الاجرة من وقت رجوعه الى حصاد الزرع، لأن الاباحة انقطعت بالرجوع.
وقيل: لا أجرة له، لأن منفعة الأرض الى الحصاد كالمستوفاة بالزرع.
وكذلك تلزم تبقية الزرع بالأجر الى الحصاد كما فى الاعارة المطلقة لو عين المعير مدة ولم يدرك الزرع فيها بدون تقصير من المستعير بتأخير الزراعة.
سواء كان عدم الادراك لنحو برد أو مطر أم لقصر المدة التى عينها المعير.
أما ان كان عدم ادراك الزرع فى المدة يرجع الى تقصير المستعير بتأخير الزراعة فلا يلزم المعير ابقاء الزرع، وعلى المستعير قلعه مجانا ويلزمه تسوية الأرض. وكذلك الحكم ان قصر المستعير بالزرع ولم يقصر بالتأخير كأن كان على الارض سيل أو ثلج أو نحو ذلك مما لا يمكن الزرع معه ثم زرع بعد زواله ما لا يدرك فى بقية المدة.
وكذلك اذا ابدل المستعير الزرع المعين المتعاقد عليه بغيره مما يبطئ أكثر منه كان كالتقصير بالتأخير
(3)
.
ولو أعاره أرضا للزرع لم يزرع الا مرة واحدة
(4)
.
(1)
شرح الخرشى ج 6 ص 146، حاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردبر ج 3 ص 443
(2)
حاشية الرهونى ج 6 ص 203
(3)
أسنى المطالب ج 2 ص 334، نهاية المحتاج ج 5 ص 149، مغنى المحتاج ج 2 ص 273
(4)
حاشية عميرة على شرح المحلى للمنهج ج 3 ص 24 - 25
مذهب الحنابلة:
اذا أعاره الأرض للزرع فله الرجوع ما لم يزرع فاذا زرع المستعير لم يملك المعير الرجوع فيها الى أن ينته الزرع
(1)
.
فاذا رجع فعلا قبل أوان حصاده وهو لا يحصد أخضر فله مثل أجرة الأرض المعارة من حين رجع الى حين الحصاد، لوجوب تبقيته فى أرض المعير الى أوان حصاده قهرا عليه لأنه لم يرض بذلك بدليل رجوعه.
وان بذل المعير للمستعير قيمة الزرع ليملكه لم يكن له ذلك نص عليه أحمد، لأن له وقتا ينته اليه.
وهو قصير بالنسبة الى الغرس فلا داعى اليه.
وكذلك لا يملك المعير أن يقلع الزرع ويضمن نقصه، لأنه لا يمكن نقله الى أرض أخرى بخلاف الغرس وآلات البناء، والمستعير اذا اختار قلع زرعه ربما يفوت على المعير الانتفاع بأرضه ذلك العام فيتضرر به فيتعين ابقاء الزرع بأجرته الى الحصاد جمعا بين الحقين.
وفى المسألة وجه آخر مفاده: أنه يحتمل ألا يجب الأجر، لأن حكم الاعارة باق فى الزرع لكونها صارت لازمة للضرر اللاحق بفسخها بالرجوع، والاعارة تقتضى الانتفاع بغير عوض.
واختاره صاحب المحرر فى الفقه، والذى عليه العمل عند الجميع هو الأول
(2)
.
هذا اذا كان الزرع مما لا يحصد أخضر فان كان مما يحصد أخضر قبل أوان حصاده فعلى المستعير قطعه فى وقت جرت العادة بقطعه فيه اذا رجع المعير، لعدم الضرر فيه.
مذهب الظاهرية:
اذا أعاره أرضا للزراعة فله أن يستردها متى شاء بلا تكليف عوض، سواء عين مدة أو لم يعين.
وسواء أشهد أو لم يشهد
(3)
، وقد سبق تفصيل ذلك فى «لزوم عقد الاعارة وعدم لزومه» .
مذهب الزيدية:
اذا استعار أرضا للزرع فرجع المعير بعد أن زرعها المستعير فلا يخلو اما أن يكون من المستعير تقصير أولا، فان لم يكن فللمستعير الخيار فان شاء طلب من المعير قيمته قائما ليس له حق البقاء. وان شاء قلع زرعه وأخذ أرش النقص. وان شاء أبقى الزرع الى أن يصير صالحا للحصاد، وعليه أجرة المثل
(1)
من المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 361، 366، 368 (4، 6، 9) كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 317، 320، 333 - 334
(2)
المحرر فى الفقه ج 1 ص 360 مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ
(3)
المحلى ج 9 ص 163 رقم 1647 وص 169 رقم 1649
للمعير. من غير فرق فيما اذا كان ذلك بعد انقضاء الوقت المعين فى الاعارة المؤقتة أو بعد انقضاء الوقت المعتاد فى المطلقة، أو قبل انقضاء الوقت فى كل منهما.
وقيل: بل المذهب انه اذا اختار الرفع فلا شئ له. وان كان من المستعير تقصير فى القاء البذر ونحوه فله الخيارات الثلاثة أيضا اذا كان رجوع المعير قبل انقضاء الوقت المعين فى المؤقتة أو الوقت المعتاد فى المطلقة.
وأما اذا كان رجوع المعير بعد انقضاء ذلك فلا خيار للمستعير بل يأمره المعير بالقلع أو يضرب عليه من الاجرة ما شاء.
وقال فى المعيار: من أعار أرضا للزرع أو الغرس فحرث المستعير الأرض وسقاها ثم رجع فانه تلزمه تلك الصفة، لاستهلاكها على المستعير حيث لا يمكن فصلها
(1)
.
مذهب الإمامية:
ان أعاره أرضا واذن له فى زراعتها ثم رجع وأمره بقلع الزرع فان كان الزرع قد بلغ حد القطع وجب قطعه وحصاده مجانا لانتفاء الضرر. وان كان الزرع لم يبلغ ذلك وجب للمستعير على المعير - على الأشبه - أرش النقصان وهو الفرق بين كون الزرع قائما الى انقضاء المدة، ومقلوعا قبل انقضائها وليس للمعير المطالبة بقلع الزرع بدون هذا الارش، للضرر.
وقيل: ليس للمعير الرجوع قبل حصاد الزرع، لأن له مدة فينتظر لانقضائها.
ولو شرط المعير على المستعير قلع الزرع مجانا وتسوية الحفر - عند الرجوع - ألزم المستعير الوفاء ولا ارش وان شرط عليه القلع فقط لم يكلف المستعير تسوية الحفر.
وان لم يشترط عليه القلع فأراده المستعير فله ذلك، وهل عليه التسوية؟ اشكال
(2)
.
ولو أذن له فى الزرع مرة لم يكن له التكرار ولو أطلق فالأقرب الجواز.
مذهب الإباضية:
اذا انقضت مدة الاعارة قبل ادراك الزرع فلا يجبر المستعير على قلعه حتى يدرك حد الحصاد وعليه أجرة نقصان الأرض من حين انقضاء المدة المحددة فى عقد الاعارة.
وان أذن المعير للمستعير أن يزرع بمائه فلا يملك المعير أن يمنعه من الماء بعد القاء البذر - وله ذلك قبل القاء البذر حتى ولو كان المستعير قد سقى الأرض بمائه.
وان أخرج المعير الماء من ملكه ببيع أو غيره فلا يمنعه عن المستعير من انتقلت اليه ملكية الماء حتى يدرك الزرع حد الحصاد
(3)
.
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 257 - 259، شرح الازهار ج 3 ص 431 - 432، البحر الزخار ج 4 ص 129.
(2)
قواعد الاحكام ص 192، شرائع الاسلام ج 2 ص 142، وتحرير الاحكام ص 369
(3)
شرح النيل ج 6 ص 91
14
-
اعارة الارض للبناء والغرس:
مذهب الحنفية:
اذا استعار ارضا ليبنى عليها أو ليغرس فيها ثم بدا للمعير أن يخرجه فله ذلك.
سواء كانت الاعارة مطلقة أم مقيدة.
الا أنها ان كانت مطلقة له أن يجبر المستعير على قلع الغرس ونقض البناء، لأن فى الترك ضررا بالمعير لأنه لا نهاية له. ولا يضمن المعير شيئا من قيمة الغرس والبناء، لأنه لو وجب عليه الضمان لوجب بسبب الغرور ولا غرور من جهته حيث أطلق العقد ولم يوقت فيه وقتا فأخرجه قبل الوقت، والمستعير ملتزم غير مغرور حيث اعتمد اطلاق العقد من غير أن يسبق من المعير وعد بذلك.
وان كانت مؤقتة ورجع المعير قبل انتهاء الوقت صح رجوعه، ولكن يكره ذلك لما فيه من خلف الوعد
(1)
، والمستعير بالخيار بين أمرين.
الأول: ان شاء ضمن صاحب الأرض قيمة غرسه وبنائه قائما سليما، وترك ذلك له لأن المعير لما وقت للاعارة وقتا ثم أخرجه قبل الوقت فقد غره فصار كفيلا عنه فيما يلزمه من العهدة، اذ ضمان الغرور ضمان كفالة، فكان له أن يرجع عليه بالضمان، ويملك المعير البناء والغرس بأداء الضمان، وتعتبر قيمتهما يوم الاسترداد.
الثانى: ان شاء أخذ غرسه وبناءه ولا شئ على المعير. ومحل ثبوت الخيار للمستعير اذا لم يكن قلع الغرس أو نقض المبناء مضرا بالأرض فان كان مضرا بها فالخيار للمالك لأن الأرض أصل والبناء أو الغرس تابع لها، فكان المعير صاحب أصل والمستعير صاحب تبع، فكان اثبات الخيار لصاحب الأصل أولى ان شاء أمسك الغرس والبناء، وان شاء رضى بالقلع وللنقض
(2)
.
وقال زفر: لا ضمان على المعير لأن المستعير لما علم أن للمعير ولاية الأخذ فقد رضى بذلك
(3)
.
مذهب المالكية:
اذا أعاره أرضه يبنى فيها بنيانا أو يغرس فيها غرسا فلما غرس أو بنى أراد المعير اخراجه والحال انه لم يحصل تقييد بأجل فله اخراجه ولو بقرب الاعارة قبل المعتاد وهذا أحد قولين عندهم، لتفريط المستعير بعدم التقييد بالأجل ويملك المعير اخراج المستعير بشرط أن يدفع للمستعير كل ما انفقه وكلفه على ذلك البنيان والغرس.
وقيل: له أن يخرجه ان دفع للمستعير قيمة ما أنفق، والقولان لمالك فى المدونة، فمحل اعطاء القيمة ان كان ما غرسه المستعير أو بنى به من آجر وخشب من ملكه ولم يشتره، أو اشتراه بغبن كثير، أو طال زمن البناء
(1)
البدائع ج 6 ص 216، 217 والهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 103
(2)
البدائع ج 6 ص 217، حاشية ابن عابدين ج 4 ص 527
(3)
الاختيار ج 2 ص 120 الطبعة الاولى للحلبى سنة 1355 هـ 1936 م
والغرس. ومحل دفع ما أنفق أن اشتراه للعمارة بدون غبن أصلا أو بغبن يسير، أو لم يطل الزمن.
أما اذا أعاره أرضا ليبنى فيها أو يغرس الى مدة معلومة ثم انقضت المدة المشترطة أو المعتادة فان المستعير يصير حكمه حكم الغاصب.
فان شاء المعير أمر المستعير بقلع غرسه ونقض بنائه وتسوية الأرض كما كانت.
وان شاء أمره بابقاء كل ذلك ويدفع له قيمته منقوضا ومقلوعا ان كان له قيمة بعد أن يحاسبه بأجرة من يسوى الأرض ويسقطها من القيمة الا أن يكون المستعير من شأنه تولى هدم أو قلع ذلك بنفسه أو بخدمه أو نحو ذلك فانه يأخذ قيمة ما ذكر كاملة من غير اسقاط أجرة من يسوى الأرض وانما كان المستعير كالغاصب مع أنه مأذون له فى البناء والغرس، لأنه دخل على ذلك لتحديده بزمن قد أنقضى ولو اشترط المستعير أن المدة اذا انقضت لا يكون كالغاصب فالظاهر أنه يعمل بالشرط
(1)
.
هذا اذا انقضت المدة أما اذا لم تنقض فليس للمعير أخذ الأرض قبل ذلك على ما سبق بيانه عند الكلام فى «لزوم عقد الاعارة» .
مذهب الشافعية:
اذا أعار شخصا أرضا للبناء أو الغرس ولم يذكر مدة بأن أطلق ثم رجع بعد أن بنى المستعير أو غرس.
فان كان المعير شرط القلع أو الهدم بلا عوض لنقصه فان المستعير يلزمه ذلك عملا بالشرط.
فان امتنع فللمعير قلعه مجانا - أى بلا عوض يلزمه -
ويلزم المستعير أيضا تسوية الحفر ان شرطت والا فلا.
وان لم يشترط عليه القلع فان اختار المستعير القلع والهدم قلع وهدم بلا عوض، لأنه ملكه وقد رضى بنقضه.
ولا يلزمه تسوية الأرض فى الأصح، لأن الاعارة مع العلم بأن للمستعير أن يقلع رضا بما يحدث ويترتب على القلع.
وقيل: بل الأصح أنها تلزمه، لأنه قلع باختياره، ولو امتنع منه لم يجبر عليه فيلزمه اذا قلع رد الأرض الى ما كانت عليه - أى بأن يعيد التراب الذى أزيل بالقلع الى مكانه فقط ولا يكلف ترابا آخر لو كان ترابها لا يكفيها ليرد كما أخذ.
وان لم يختر المستعير القلع لم يقلع المعير مجانا، لأنه موضوع بحق فهو محترم.
بل للمعير الخيار بين أن يبقيه بأجرة مثله، وبين أن يقلع أو يهدم ويضمن أرش
(1)
شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 6 ص 146، 147، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 444
نقصه، وهو قدر التفاوت ما بين قيمته قائما ومقلوعا.
وقيل: للمعير أيضا فى الأصح أن يتملكه بعقد مشتمل على ايجاب وقبول بقيمته حال التملك مستحق القلع أو الهدم.
ومحل تخيير المعير بين الثلاث اذا كان فى القلع أو الهدم نقص للأرض، وكان المعير غير شريك. ولم يكن على الغرس ثمر لم يبد صلاحه، والا فيتعين القلع فى الأول والتبقية بأجرة المثل فى الثانى وتأخير التخيير الى ما بعد قطع التمر فى الثالث لأن له أمدا ينتظر.
فان لم يختر المعير واحدة من الخصال التى خير فيها فليس له أنه يقلع أو يهدم مجانا ان التزم المستعير دفع الاجرة لانتفاء الضرر وكذا ان لم يلتزمها فى الأصح، لتقصير المعير بترك الاختيار مع رضاه باتلاف منافعه.
واذا لم يختر المعير ولم يلتزم المستعير الاجرة فقيل يبيع القاضى الأرض وما فيها من بناء وغرس ويقسم بينهما، فصلا للخصومة.
والأصح أن القاضى يعرض عنهما حتى يختار المعير ما له اختياره ويوافقه المستعير عليه لينقطع النزاع بينهما.
وللمعير حينئذ دخول الأرض والانتفاع بها فى مدة المنازعة، لأنها ملكه أما المستعير فلا يدخلها بدون حاجة الا باذن من المعير، ويجوز دخوله لسقى الغرس أو اصلاحه أو اصلاح البناء صيانة لملكه عن الضياع.
ولو تعطل نفع الأرض على المعير بدخوله لم يلزمه أن يمكنه من دخولها الا بأجرة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان أعار أرضه لغرس أو بناء وشرط على المستعير القلع أو الهدم فى وقت معين أو عند رجوعه ثم رجع المعير فانه يلزم المستعير القلع فى الوقت المعين أو عند رجوع المعير ولو لم يأمره المعير بالقلع، لقوله صلى الله عليه وسلم:«المؤمنون عند شروطهم» ولأن المستعير دخل فى الاعارة راضيا بالتزام الضرر الداخل عليه بالقلع أو الهدم.
ولا يلزم المعير ضمان نقص الغرس والبناء، كما لا يلزم المستعير تسوية الأرض اذا حصل فيها حفر الا بشرط المعير عليه ذلك وان لم يشترط المعير على المستعير القلع أو الهدم فلا يلزم المستعير ذلك الا أن يضمن له المعير النقض. فان قلع المستعير أو هدم باختياره فعليه تسوية الأرض من الحفر، وان أبى القلع أو الهدم - فى الحال التى لا يجبر فيها - فللمعير تملك البناء والغرس بقيمته جبرا على المستعير، أو قلع الغرس وهدم البناء ويضمن نقصه للمستعير ولو دفع المستعير قيمة الأرض ليتملكها لم يكن له ذلك، لأنها أصل والغرس والبناء تابع بدليل تبعهما لها فى البيع فان أبى المعير الأخذ بالقيمة، والقلع مع ضمان النقص،
(1)
مغنى المحتاج ج 2 ص 271 - 273 مطبعة مصطفى محمد، نهاية المحتاج ج 5 ص 125 - 127 الحلبى سنة 1357 هـ 1938 م، الطبعة السابقة، اسنى المطالب ج 2 ص 332 - 334 الطبعة الميمنية
وامتنع المستعير من دفع أجرة البناء أو الغرس أو من قلعه فلا يجبران على ذلك وتباع الأرض بما فيها من غرس أو بناء ان رضيا به أو رضى به أحدهما ويجبر الآخر على البيع بطلب من رضى به، لأنه طريق لتخلص كل منهما من مضارة الآخر وتحصيل ماله ولكل منهما بيع ماله منفردا من صاحبه وغيره ويثبت للمشترى ما كان للبائع فيما تقدم.
ولا أجرة للمعير على المستعير من حين رجوعه فى نظير بقاء الغرس والبناء الى تملكه بقيمته. أو قلعه مع ضمان نقصه لأن المعير اذا أبى أخذ الغراس أو البناء بقيمته أو قلعه وضمان نقصه فابقاؤه فى الآرض من جهته فلا أجرة له كما كان قبل الرجوع.
وان غرس المستعير أو بنى فيما استعاره لذلك بعد رجوع المعير أو بعد انقضاء الوقت المعين فى الاعارة ولو لم يصرح المعير بعد انقضائه بالرجوع فهو غاصب يلزمه ازالة ما غرسه أو بناه مجانا، لتصرفه فى مال غيره بغير اذنه لزوال الاعارة بالرجوع وبانتهاء الوقت فى المؤقتة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
من أعار أرضا للبناء فيها، أو حائطا للبناء عليه، فله أخذه بهدم بناء المستعير - متى شاء بلا تكليف عوض وسواء فى ذلك أكانت الاعارة مؤقتة ورجع قبل انقضاء الوقت، أو مطلقة، لأنه لا يحل مال أحد بغير طيب نفس منه والمعير لم يهب الأصل ولا الرقبة فيرجع فيهما متى شاء، وتعيينه المدة وعد لا يلزمه الوفاء به
(2)
.
مذهب الزيدية:
اذا رجع المعير فى اعارته الأرض للغرس والبناء ونحوهما كموضع الجذع فى وسط الجدار أو الفص فى الخاتم فللمستعير فى كل ذلك خياران:
ان شاء طلب من المعير قيمة البناء والغرس قائما ليس له حق البقاء
وان شاء قلع غرسه وهدم بناءه، ولا يلزمه تسوية الأرض.
وهذا اذا لم يشترط المعير على المستعير القلع أو الهدم ونحوه عند الرجوع، فاذا اشترطه فلا خيار للمستعير.
وسواء فى كل ذلك أكانت الاعارة مطلقة أو مؤقتة ورجع المعير قبل انقضاء الوقت.
وللمعير أجرة المثل من يوم الرجوع، كما أن له دخول الارض المستعارة والاستظلال بأشجارها وغروسها لا الاتكاء عليها، اذ هو استعمال ملك الغير.
وفى دخول المستعير لسقى الشجر واصلاحه وبعد رجوع المعير وجهان:
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 318، 319، 320، 333، المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 359، 361 - 368
(2)
المحلى ج 9 ص 169 رقم 1649، رقم 1647
أصحهما له ذلك اذا كان لغرسه أو بنائه استحقاق البقاء
(1)
.
مذهب الإمامية:
لو أعاره للغرس مدة معينة فله الرجوع قبل انقضائها مع الارش، وهو التفاوت بين كون الغروس قائمة الى نهاية المدة ومقلوعة قبل انقضائها
(2)
.
فاذا طالب المعير المستعير بقلع ما اذن له فى غراسه من غير أن يضمن له أرش النقصان وأبى ذلك المستعير لم يجبر عليه، لما روت عائشة عن النبى صلى الله عليه وسلم: «من بنى فى رباع قوم باذنهم فله قيمته
(3)
.
ولو رجع المعير بعد انقضاء المدة فله الزام المستعير بالقلع مجانا.
ولو رجع المعير قبل الغرس فلم يعلم المستعير حتى غرس جاز له القلع مجانا على أشكال وفى استحقاق الاجرة قبل القلع نظر.
ولو شرط المعير على المستعير القلع، عند الرجوع مجانا وتسوية الحفر ألزم المستعير الوفاء ولا أرش له
وان شرط القلع مجانا فقط لم يكلف المستعير تسوية الحفر. ولو لم يشترط المعير القلع فأراده المستعير فله ذلك.
وهل عليه التسوية؟ أشكال.
ولو اذن فى غرس شجرة بأرضه فانقلعت جاز أن يغرس غيرها استصحابا للاذن الأول.
وقيل: يفتقر الى اذن مستأنف وهو الاشبه
(4)
.
ولو تصرف المستعير بعد المدة كان غاصبا وعليه الاجرة فان كان قد غرس فعليه قلعه وعليه تسوية الحفر
(5)
: ونقص الأرض ويجوز للمعير الاستظلال بالشجر المذكور، وان كان ملكا لغيره، لأنه جالس فى ملكه كما لو جلس فى غيره من أملاكه فاتفق له التظلل بشجر غيره.
وكذا يجوز له الانتفاع بأرضه بكل ما لا يستلزم التصرف فى الشجر.
وليس للمستعير دخول الارض لغرض يتعلق بغير الشجر فيجوز له الدخول اليها لسقيه وحرثه وحراسته وغيرها، كما يجوز له الاستظلال بالشجر الذى غرسه وان استلزم التصرف فى الارض بغير الغرس، لقضاء العادة به
(6)
.
مذهب الإباضية:
ان اذن المعير للمستعير أن يبنى ويسكن لأجل معين، ثم رجع فأخرجه قبل تمام الاجل
(1)
البحر الزخار ج 4 ص 129 والتاج المذهب ج 3 ص 257، 258
(2)
قواعد الاحكام ص 192 وشرائع الاسلام ج 2 ص 142
(3)
الخلاف فى الفقه ج 1 ص 670 رقم 9 مطبعة رنكين بطهران سنة 1377 هـ
(4)
قواعد الاحكام ص 192 وشرائع الاسلام ج 2 ص 142
(5)
تحرير الاحكام ص 370
(6)
الروضة البهية ج 1 ص 390، 391
فللمستعير أجرة تعبه وما تجشمه فى سبيل البناء، وقيمة ما جلبه من مستلزمات البناء كآجر وخشب من خارج الارض لأنه لم يتم له الاجل الذى شرطه.
وان أخرجه بعد الاجل.
فقيل: له أجرة تعبه.
وقيل: ليس له ذلك، وليس له قيمة مواد البناء التى جلبها له من خارج الارض.
وان أعاره الأرض اعارة مطلقة عن الأجل ثم رجع فأخرجه فللمستعير كذلك أجرة تعبه وقيمة مواد البناء المجلوبة له من خارج الارض.
وفى الاثر: ان أعار أرضا للبناء لم يكن للمعير اخراج المستعير منها حتى يعطيه قيمة النقض.
وان أجل الاعارة بأجل لم يكن له اخراجه قبل الاجل، ويقول له: انقض بناءك، فالبناء للمستعير على هذا وعليه نقله الا أن اتفقا.
وعلى القول الاول: البناء للمعير للأجل.
وهذا فى اعارة الارض للبناء.
أما ان اعاره الأرض لغرس الودى وهو النخل الصغير لأجل معين وشرط عليه أن يكون بعد نهاية الاجل للمعير، ألزم المستعير بما اشترطه وان لم يشترط عليه ذلك، فالنخل للمستعير فى الارض بلا قيمة للأرض لأنه غرس بأمر صاحبها وان غرس غير النخل فللمستعير أجرة تعبه وقيمة غرسه اذا رجع المعير وأخرجه من الأرض المعارة له للغرس اعارة مطلقة
(1)
.
أما ان كانت الاعارة مؤقتة وأخرجه بعد الاجل فلا شئ له، وان أخرجه قبل الاجل فله أجرة تعبه وقيمة غروس أدخلها فى الارض من خارجها.
والفرق بين النخل وغيره من الغروس، أن النخل معين لصاحبه لأن له عروقا فهو لصاحبه اذا أخرجه صاحب الارض، أما الغروس فغير معينة، لأنها تنقل وتسمى بخلاف الاسم الأول فهى تابعة للأرض
(2)
.
وان أعار أرضه لمن يبنى أو يغرس فيها فلا يفعل ذلك الا مرة واحدة فلا يبنى ما انهدم بعضه.
ولا يغرس فى موضع الميتة التى لها خلف، بل ينتفع بالباقى فقط.
وقيل له ذلك: اذا كان من جنسه أو أخف وان أعاره أرضا للبناء والغرس، ثم رجع فأخرجه منها فلا أجرة له ولا قيمة لغرسه أو بنائه اذا كان ذلك من الارض.
وقيل: ينظر الى ما انتفع به من الارض والى تعبه، فان لم يتم له تعبه فى انتفاعه أتمه المعير له من ماله.
وان زاد انتفاعه على تعبه رد الزائد للمعير.
وان كان ذلك من خارج الارض اعطاه المعير قيمته وقت الغرس والبناء.
(1)
شرح النيل ج 6 ص 85
(2)
شرح النيل ج 6 ص 85
وقيل: وقت الاخراج وورثة كل واحد منهما أو خليفته يقوم مقامه ولمن انتقلت الأرض اليه اخراج المستعير ان أراد، وأجرة تعبه على الاول. وللمستعير أن يبيع بناءه وغرسه
(1)
.
15 -
يد المستعير على العاربة:
مذهب الحنفية:
العارية أمانة فى يد المستعير فان هلكت فى يده من غير تعد لم يضمنها، وان فرط فيها أو تعدى ضمنها بالاجماع لقوله صلى الله عليه وسلم:«وليس على المستعير غير المغل ضمان» ولأنه لم يوجد من المستعير سبب لوجوب الضمان فلا يجب عليه الضمان كالوديعة والاجارة لان الضمان لا يجب على المرء بدون فعله، وفعله الموجود منه ظاهرا هو العقد والقبض وكل واحد منهما لا يصلح سببا لوجوب الضمان عليه أما العقد فلأنه عقد تبرع بالمنفعة تمليكا أو اباحة وما وضع لذلك لا يتعرض للعين حتى يوجب الضمان عند هلاكها
(2)
.
وأما القبض فانما يوجب الضمان اذا وقع تعديا والقبض بموجب عقد الاعارة ليس كذلك لكونه مأذونا فيه فلا يرفع يد المالك.
وأما ما روى فى حديث صفوان من قوله عليه الصلاة والسلام: «بل عارية مضمونة» فقد اختلفت الرواية فيه، فقد روى أن صفوان هرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل اليه فأمنه وكان الرسول يريد حنينا فقال:«هل عندك شئ من السلاح» .؟
فقال صفوان: عارية أم غصبا؟ فقال عليه الصلاة والسلام (عارية) فأعاره ولم يذكر فيه الضمان والحادثة، حادثة واحدة مرة واحدة فلا يكون الثابت الا احداهما فتعارضت الروايتان فسقط الاحتجاج على ما أنه ان ثبت فيحتمل ضمان الرد - ونحن نقول به - فلا يحمل على ضمان العين مع الاحتمال يؤيد ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:«العارية مؤداة»
(3)
: «ولأن صفوان كان حربيا فى ذلك الوقت ويجوز من الشروط بين الحربى والمسلم ما لا يجوز بين المسلمين
(4)
.
وأما الذى يغير حال المستعار - وهو فى يد المستعير - من الأمانة الى الضمان فأنواع.
منها الأتلاف حقيقة، لأن اتلاف مال الغير بغير اذنه سبب لوجوب الضمان لما فيه من اعجاز المالك عن الانتفاع بماله.
ومنها الاتلاف معنى بالمنع بعد الطلب أو بعد انقضاء المدة المحددة فى عقد الاعارة حتى لو حبس المستعير المستعار بعد انقضاء المدة أو بعد رجوع المعير ومطالبته برد المستعار قبل انقضاء المدة فانه يدخل فى ضمانه لأنه واجب الرد فى هاتين الحالتين لقوله
(1)
شرح النيل ج 6 ص 92
(2)
البدائع ج 6 ص 217، 218، الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7، 103، 104
(3)
البدائع ج 6 ص 218
(4)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق ج 5 ص 85 الطبعة الاولى المطبعة الاميرية سنة 1315 هـ.
عليه الصلاة والسّلام: «العارية مؤداة» ، «على اليد ما أخذت حتى ترده» ولأن حكم العقد انته بانقضاء المدة والطلب فصارت العين فى يده كالمغصوب والمغصوب مضمون الرد حال قيامه ومضمون القيمة حال هلاكه.
وسواء استعمله بعد الوقت أم لا.
وقيل: انما يضمن المستعير اذا انتفع بعد مضى الوقت.
ومنها التقصير فى حفظ المستعار فلو فصر المستعير فى الحفظ حتى ضاع المستعار ضمنه لأنه بعقد الاعارة التزم حفظه.
ومنها جحود المستعار وانكاره فى وجه المالك عند طلبه. حتى لو قامت البينة على اعارته أو نكل المستعير عن اليمين أو أقربه دخل فى ضمانه لأن العقد لما ظهر بالحجة فقد ظهر أرتفاعه بالجحود، والمستعير لما جحد المستعار حال حضرة المعير، فقد عزل نفسه عن الحفظ فانفسخ العقد فبقى مال الغير فى يده بغير اذنه فيكون مضمونا عليه فاذا هلك تقرر الضمان.
ومنها مخالفة المستعير لما هو مشروط فى العقد حقيقة أو عرفا، الا اذا خالف الى مثل المشروط أو أخف.
ومنها
(1)
: ما اذا ظهر أن المستعار مستحق للغير فان المستعير يضمنه للمستحق لأنه تبين أن لا اعارة لأن الاعارة تمليك المنفعة والتمليك انما يكون من المالك وهذا غصب.
ولا يرجع المستعير بما ضمنه على المعير، لأنه متبرع.
وللمستحق أن يضمن المعير ولا رجوع له على المستعير بما ضمن، لأنه ملك المستعار بالضمان مستندا الى حين الاعارة فتبين أنه أعار ملكه
(2)
.
مذهب المالكية:
يضمن المستعير العارية اذا كانت مما يغاب عليها - أى مما يمكن اخفاؤه وتغييبه - كالثياب والحلى والعروض والسفينة السائرة، الا لبينة تشهد على تلفها أو ضياعها بلا سبب منه فلا يضمنها حينئذ لأن الضمان فى باب الاعارة ضمان تهمة ينتفى باقامة البينة على ما ادعاه على المشهور خلافا لاشهب حيث قال: ان ضمان العوارى ضمان عداء لا ينتفى باقامة البينة.
وأما العارية التى لا يغاب عليها كالعقار والحيوان ولو صغيرا والسفينة بمحل المرسى فلا يضمنها المستعير ان لم يظهر كذبه.
واذا لم يضمن المستعير الحيوان فانه يضمن سرجه ولجامه وما أشبه ذلك بخلاف ثياب الانسان المستعار فانه لا يضمنها، لأن الانسان حائز لما عليه. واذا وجب على المستعير ضمان العارية لدعواه التلف أو الضياع سواء كان ذلك قبل الاسبتعمال أو بعده أو فى أثنائه فانه يضمن قيمتها يوم القضاء أجل الاعارة على الوجه الذى تصير اليه بعد الاستعمال المأذون فيه على فرض حصوله، وذلك بعد يمينه لقد ضاعت
(1)
البدائع ج 6 ص 211 - 218، الاختيار ج 1 ص 224 وج 2 ص 120
(2)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 525 وتكملة الحاشية ج 2 ص 389
ضياعا لا يقدر على ردها، لأنه يتهم على أخذها بقيمتها بغير رضا صاحبها، فاذا كانت قيمتها بدون الاستعمال أصلا عشرة وبعد الاستعمال المأذون فيه ثمانية وضاعت ولو قبل الاستعمال فانه يلزمه ثمانية وان استعملها فى غير ما اذن له فيه فنقصها الاستعمال الذى أذن له فيه فيضمن ما نقصها الاستعمال غير المأذون بعد القدر الذى نقصها الاستعمال المأذون فيه، فاذا كانت قيمتها بعد التنقيص المأذون فيه ثمانية وبعد غيره ستة فانه يضمن اثنين.
وهذه طريقة لابن رشد فى المقدمات وهى المعتمدة.
وفى الشامل طريقة أخرى حاصلها:
أنه يضمن قيمتها يوم آخر رؤية لها عنده ان تعددت رؤيتها عنده وان لم تتعدد رؤيتها عنده ضمن للمعير الاكثر من قيمتها يوم قبضها ويوم تلفها، هذا اذا كان التلف بعد الاستعمال المأذون فيه أما لو تلفت قبل الاستعمال فانه يضمن قيمتها يوم انقضاء أجل الاعارة بعد أن يسقط منها قدر استعماله فى مدة الاعارة على فرض استعماله.
واذا وجدت العين المعارة بعد غرم قيمتها أو مثلها فانها تكون للمستعير ولا يأخذها المعير
(1)
.
ويضمن المستعير المستعار الذى لا يمكن اخفاؤه كالدابة بأحد أمرين.
أولا: أن يتعدى عليه، ووجوه التعدى كثيرة فمنها الزيادة فى الحمل، والزيادة فى المسافة بلا فرق بين أن يكونا مما تعطب به الدابة ونحوها أم لا حيث تلفت.
ومنها اذا حملها جنسا يخالف ما استعارها له ولو أقل قدرا.
ثانيا: أن يتبين كذب المستعير فى دعواه تلف المستعار ويكون بأشياء.
منها أن يقول: تلفت الدابة مثلا فى موضع كذا ولم يسمع أحد من الرفقة بتلفها.
أو يقول ماتت بموضع كذا. ولم يوجد لها أثر بذلك الموضع أو تشهد بينة أنه كان يستعملها بعد ذلك.
أما المستعار الذى يمكن اخفاؤه - وهو الذى يكون مضمونا فى يد المستعير أصلا - كالثياب فانه لا يضمنه على المشهور اذا أقام البينة على هلاكه أو تلفه ومثل قيام البينة فى ذلك ما لو علم أن التلف بغير سبب المستعير كسوس فى ثوب أو قرض فأر، لكن بعد يمينه أنه ما فرط
(2)
.
مذهب الشافعية:
العين المستعارة مضمونة على المستعير ولو للأجزاء منها اذا تلفت بغير الاستعمال المأذون فيه وان لم يفرط، فيضمنها ان تلفت فى يده بآفة سماوية أو أتلفها هو أو غيره ولو بلا تقصير، وذلك لقوله صلّى الله عليه
(1)
الخرشى ج 6 ص 143، حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 3 ص 440 - 441، منح الجليل ج 3 ص 490 - 492 طبعة المطبعة الاميرية سنة 1294.
(2)
حاشية العدوى على شرح ابى الحسن ج 2 ص 240 - 241
وسلم فى حديث صفوان «بل عارية مضمونة» ولأنه مال يجب رده لمالكه فيضمن عند تلفه. وان تلفت هى أو أجزاؤها باستعمال مأذون فيه كاللبس والركوب المعتاد فالاصح أن المستعير لا يضمن العين ولا الاجزاء لحصول التلف بسبب مأذون فيه فأشبه ما لو قال شخص لآخر:
أذبح بقرتى
(1)
. وقيل يضمن المستعير مطلقا حتى فى الاستعمال المأذون فيه لحديث «على اليد ما أخذت حتى تؤديه» فاذا تعذر الرد
(2)
. ضمنه ولا يشترط فى ضمان المستعير كون العين فى يده بل يضمنها ولو كانت بيد المالك
(3)
. كأن استعار ثورين واستعان بمالكهما يحرث عليهما فتلفا وكأن ركب الدابة المستعارة له ومالكها يسوقها أو يقودها فتلفت ضمن المستعير كل ذلك
(4)
.
ويضمن المستعير المستعار - اذا تلف بغير الاستعمال المأذون فيه - بقيمته يوم التلف على الاصح لأن الأصل رد العين، وانما تجب القيمة بدلا عنها بالفوات وهو انما يتحقق بالتلف.
والاصح أن المستعار يضمن بالقيمة سواء كان متقوما أو مثليا كخشب وحجر، لأن رد مثل المستعار مع استعمال جزء منه متعذر فصار بمنزلة المثلى المفقود فيرجع الى القيمة وقال ابن أبى عصرون: يضمن المثلى بالمثل على القاعدة والقياس، وجرى عليه السبكى.
وقيل: يضمن المستعار بأقصى قيمة وصل اليها فيما بين القبض والتلف وقيل:
يضمن بقيمته يوم قبض المستعير له.
وهما مقابل الأصح
(5)
.
ويستثنى من ضمان المستعار وهو فى يد المستعير مسائل:
منها جلد الاضحية المنذورة فان اعارته جائزة، ولا يضمنه المستعير اذا تلف فى يده لابتناء يده على يد من ليس بمالك.
ومنها المستعار للرهن اذا تلف فى يد المرتهن فلا ضمان عليه ولا على المستعير.
ومنها: لو استعار الحلال من المحرم صيدا لم يرسله فى احرامه فتلف فى يد المستعير غير المحرم لم يضمنه، لأن المحرم المعير غير مالك له لأنه اذا أحرم وفى ملكه صيد زال ملكه عنه.
ومنها: لو أعار الامام شيئا من بيت المال لمن له حق فيه فتلف فى يد المستعير لم يضمنه.
ومنها: لو استعار الفقيه كتابا موقوفا على المسلمين فتلف لا يضمنه لأنه من جملة الموقوف عليهم.
ومنها: لو ولدت المستعارة فى يد المستعير فالولد أمانة وكذا لو ساقها المستعير فتبعها ولدها والمعير ساكت ينظر فالولد أمانة
(1)
اسنى المطالب وحاشية الرملى عليه ج 2 ص 328 - 329 والاقناع ج 2 ص 54
(2)
مغنى المحتاج ج 2 ص 267
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 126، حاشية البجرمى على شرح المنهج ج 3 ص 91
(4)
أسنى المطالب ج 2 ص 328 وما بعدها
(5)
نهاية المحتاج ج 5 ص 141 والاقناع ج 2 ص 54، أسنى المطالب ج 2 ص 329، حاشية البجرمى على شرح المنهج ج 3 ص 92، مغنى المحتاج ج 2 ص 274
لأن المستعير لم يأخذه للانتفاع به بل لتعذر حفظه بدون أمه، وذلك أمانة شرعية.
فان تمكن من رده فلم يرده ضمنه، وكذا ان لم يعلم المعير بأن الولد قد تبع أمه بل هذا أولى بوجوب الضمان لأن المستعير هو السبب فى اخراجه عن حوزة المعير ويده.
ومنها: لو استعار من مستأجر احارة صحيحة ونحوه كموصى له بالمنفعة أو موقوف عليه أو مستحق للمنفعة بنحو صداق أو صلح فتلفت العين المستعارة فى يده لم يضمنها على الاصح لأن هذا الانتفاع مستحق على الملك والمستعير نائب عن المستحق من مستأجر وغيره وهو أمين.
والضابط لذلك - عند البلقينى وغيره - أن تكون المنفعة مستحقة لشخص استحقاقا لازما، وليست الرقبة له فاذا أعار لا يضمن المستعير منه.
ومنها لو أركب المالك دابته لوكيله فى حاجته أو لمن يحفظ متاعه المحمول عليها، أو لمن يروضها ويعلمها السير وتلفت فى يده بلا تفريط لم يضمن لأنه لم يركبها الا لغرض المالك.
ومنها ما اذا وضع شخص متاعه على دابة رجل وسيرها مالكها بغير أمر الواضع فتلفت لم يضمن الواضع.
ومنها: ثياب الانسان المستعار للخدمة أو غيرها لا تكون مضمونة على المستعير اذا تلفت لأنه لم يأخذها للاستعمال بخلاف اكاف الدابة أى برذعتها - فانها تكون مضمونة عليه ان تلفت فى غير الاستعمال المأذون فيه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
العارية المقبوضة مضمونة على المستعير اذا تلفت سواء تعدى أو فرط فيها أو لم يتعد لحديث صفوان.
ويستثنى مما تقدم أن تلفت باستعمال المستعير لها بالمعروف كثوب بلى باللبس، لأن الاذن فى الاستعمال تضمن الاذن فى الاتلاف الحاصل به وكذا لا تضمن أن تلفت هى أو جزؤها بمرور الزمن لأنه تلف بالامساك المأذون فيه وكذا لا يضمن المستعير ولد العارية أو الزيادة التى حصلت فيها عنده ان تلفت لأنه لم يرد عليها عقد الاعارة ويشترط فى ضمان المستعير كون العين المعارة فى يده.
فلا يضمن لو كانت بيد المالك، فلو أركب انسان دابته شخصا منقطعا طلبا للثواب فتلفت الدابة تحت المنقطع لم يضمنها، لأنها غير مقبوضة لأنها بيد صاحبها وراكبها لم ينفرد بحفظها أشبه ما لو غطى ضيفه بلحاف فتلف عليه لم يضمنه. وتضمن العارية أن تلفت ووجب ضمانها بقيمتها وقت التلف ان كانت متقومة، لأنه حينئذ يتحقق فوات العارية فوجب اعتبار الضمان به.
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 125 - 126، اسنى المطالب ج 2 ص 325 - 326، حاشية البجرمى على شرح المنهج ج 2 ص 92، الاقناع ج 2 ص 54.
وان كانت العارية من ذوات الامثال وتلفت فضمانها بمثلها، لأنه أقرب اليها من القيمة
(1)
.
ويستثنى أيضا من ضمان المستعار عندهم فيما عدا التفريط مسئلتان:
الاولى: فيما اذا كان المستعار وفقا ككتب علم وغيرها كسلاح موقوف على الغزاة اذا أستعارها لينظر فيها أو يحارب بها الكفار فان تلفت بغير تفريط ولا تعد فلا ضمان وان أستعار ذلك برهن وتلفت عاد الرهن الى مالكه، لأنه لا يصح أخذ الرهن عليها لأنها أمانة فيرد الرهن لمالكه مطلقا حتى وان تلف المستعار الموقوف بتفريط المستعير أو تعديه، ويضمن المستعير ما تلف منها بتفريطه أو تعديه.
الثانية: فيما اذا أعار المستأجر العين المستأجرة فلا ضمان على المستعير منه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
العارية غير مضمونة ان تلفت من غير تعدى المستعير، وسواء ما غيب عليه من العوارى وما لم يغب عليه منها.
وذلك لما روى عن عمر وعلى رضى الله عنهما (ان العارية ليست بيعا ولا مضمونة انما هو معروف الا أن يخالف فيضمن).
وعن عمر: «العارية بمنزلة الوديعة ولا ضمان فيها الا أن يتعدى» فان تعدى المستعير كان ضامنا
(3)
.
ويستثنى من عدم ضمان المستعار وهو فى يد المستعير ما اذا تلف بتعد من المستعير أو تضييعه له.
مذهب الزيدية:
المستعار أمانة فى يد المستعير لا يجب عليه ضمانه ان تلف بغير جناية منه ولا تفريط لما سبق ذكره من دليل للحنفية
(4)
.
ويضمن اذا تعدى ولو بجحود العارية أو فرط.
مذهب الإمامية:
المستعار أمانة فى يد المستعير لا يضمنه الا بالتفريط فى حفظه أو التعدى.
والا ما استثنى
(5)
: على ما سيأتى ذكره لكل المذاهب ويضمن المستعير بالتعدى أو التفريط أو كان المستعار ذهبا أو فضه أو كان المستعير محرما فاستعار صيدا من غير المحرم ولو نقص المستعار بالاستعمال، ثم تلف
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 322 - 324، 336 - 337، المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 355 - 358، 365 - 368، الروض المربع ج 2 ص 221 الطبعة السادسة المطبعة السلفية سنة 1380
(2)
نيل المآرب وبهامشه الروض المربع ج 1 ص 114 الطبعة الاولى، المطبعة الخيرية سنة 1324 هـ، كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 323 - 325، 336 - 337
(3)
المحلى ج 9 ص 169 رقم 1650
(4)
الروض النضير ج 3 ص 378 طبعة أولى مطبعة السعادة سنة 1348 هـ، والبحر الزخار ج 4 ص 127
(5)
شرائع الإسلام ج 2 ص 142، الروضة البهية ج 1 ص 389
وقد شرط ضمانه ضمن المستعير قيمته يوم تلفه، لأن النقصان المذكور غير مضمون
(1)
.
مذهب الإباضية:
المستعار من باب الامانة وزاد قوة على الامانة من حيث ان المستعير يأخذه للانتفاع والمستعار اذا تلف فى يد المستعير بآفة سماوية أو أتلفه المستعير أو غيره فقيل:
يضمنه لأنه مال يجب رده على مالكه، وان تلف باستعمال مأذون فيه كاللبس والركوب المعتادين لم يضمنه لحصول التلف بسبب مأذون فيه.
والصحيح أن لا ضمان على المستعير أن تلف المستعار بسبب آت من قبل الله سبحانه وبما لا طاقة للمستعير على منعه عنه ولا تضييع فيه، فيؤول اليه حديث الرسول صلى الله عليه وسلم «بل عارية مضمونة مؤداه» فقيل: ليس فيه موجب ضمان ومعنى كونها مضمونة مؤداة أنه يلزم المستعير حفظ العارية - المستعارة. ورده للمعير، لا يتملكه ولا يحبسه عنه ولا يتلفه واذا كان سبيل الاعارة الحفظ والرد فلا يضمن المستعير المستعار ان تلف بلا تضييع أو تعد
(2)
.
اشتراط ضمان المستعار
او عدم ضمانه فى عقد الاعارة
مذهب الحنفية:
اختلف مشايخ المذهب فيما اذا اشترط المتعاقدان أو أحدهما ضمان المستعار فى عقد الاعارة هل يصح أم لا؟ ففى رواية يصح الشرط ويكون المستعار مضمونا على المستعير.
قال صاحب الجوهرة: ان شرط فى الاعارة ضمان المستعار كان مضمونا بالشرط، لقوله عليه السلام لصفوان بن أمية حين أستعار منه أدرعا يوم حنين، وقال له صفوان: أغصبا تأخذها يا محمد؟ فقال عليه السلام: «بل عارية مضمونة» ، قال:
فضاع بعضها فعرض عليه النبى صلى الله عليه وسلم أن يضمنها له فقال: أنا اليوم فى الاسلام أرغب
(3)
. فأخذها بشرط الضمان، فالمستعير وان كان لا يضمن فى الاصل الا أنه يضمن بالشرط.
والذى عليه أكثر المشايخ: هو أن شرط الضمان باطل، ففى الينابيع والفتاوى البزازية وغيرها لو قال: أعرنى دابتك أو ثوبك فان ضاع فأنا ضامن له، فأعاره، ثم ضاع فالشرط لغو ولا يضمن المستعير، لما سبق ذكره من أمانة المستعير، والضمان
(1)
قواعد الاحكام ص 193 - 194، شرائع الإسلام ج 2 ص 142، 143
(2)
شرح النيل ج 6 ص 75 - 77.
(3)
رواه أحمد وأبو داود ونيل الاوطار ج 5 ص 299) طبعة أولى بالمطبعة العثمانية سنة 1357 هـ
المذكور فى الحديث يحتمل أن يكون ضمان رد العين فيحمل عليه
(1)
.
مذهب المالكية:
ان شرط المعير الضمان على المستعير فيما لا يغاب عليه - أى لا يمكن إخفاؤه - كالدواب ونحوها.
فقول مالك وجميع أصحابه أن الشرط باطل جملة من غير تفصيل، لأن عدم ضمانه بطريق الاصالة وحينئذ فلا ينتفع المعير بشرطه.
ولم يخالف فى هذا الا مطرف فانه قال: ان شرط المعير على المستعير ضمان ألمستعار لأمر خافه من طريق مخوفة أو نهر أو لصوص أو ما أشبه ذلك، فالشرط لازم ويلزم المستعير ضمانه ان تلف المستعار فى الأمر الذى خافه واشترط الضمان من أجله لأن المعير قصد الاحسان الى المستعير ان سلم المستعار، ورفع الضرر عن نفسه فيما له مندوحة عنه.
والمعتمد: أنه لا ضمان ولا عبرة بشرط المعير لذلك ولو لأمر خافه. وتنقلب الاعارة مع شرط الضمان أجارة فاسدة فكأن المعير قد أجرها بقيمتها المشروط دفعها عند الفوات، وهى مجهولة فكانت اجارة فاسدة. وحينئذ ففيها أجرة المثل ان أستوفى المنفعة وهلكت العين فى يده. ويجب فسخها قبل استيفاء المنفعة لفسادها.
اشتراط نفى الضمان
وأن شرط المستعير نفى الضمان عن نفسه فيما يغاب عليه - أى ما يمكن اخفاؤه - كالثياب والجواهر ففيه قولان:
الأول - يضمن ولا ينفعه الشرط، لأن الضمان عليه بطريق الاصالة وشرطه هذا يزيده تهمة، ولأنه من باب اسقاط الحق قبل وجوبه فلا يعتبر.
الثانى - لا يضمن وينفعه الشرط، لأنه معروف واحسان من وجهين: فالاعارة فى حد ذاتها معروف واسقاط الضمان فيها معروف آخر.
والقول الأول هو الأرجح
(2)
.
وعلى كلا القولين لا يفسد ذلك الشرط عقد الاعارة.
وقيل: يفسده ويكون للمعير أجرة ما أعاره
(3)
.
(1)
تكملة حاشية ابن عابدين ج 2 ص 383 طبعة ثانية طبعة الحلبى سنة 1386 هـ، الجوهرة ج 1 ص 351 طبعة أولى المطبعة الخيرية سنة 1322 الفوائد السنية ج 2 ص 90 طبعة أولى المطبعة الاميرية 1324، تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق ج 5 ص 85 طبعة أولى المطبعة الاميرية 1315 هـ
(2)
حاشية الرهونى على شرح الزرقانى وبهامشها حاشية كنون ج 6 ص 199، 201، حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 3 ص 441، شرح الخرشى ج 6 ص 143
(3)
حاشية العدوى على شرح أبى الحسن ج 2 ص 240 والمراجع السابقة
مذهب الشافعية:
اشتراط كون المستعار أمانة فى يد المستعير لغو.
فلو أعاره بشرط أن يكون أمانة لغا الشرط وكان المستعار مضمونا ومقتضى كلام الاسنوى صحة العقد والمعتمد أنه شرط مفسد للعقد فيضمن المستعير الأجرة لمثل المستعار ويأثم باستعماله أما ان اشترطا أن لا ضمان فالشرط فاسد غير مفسد للعقد ولو أعار عينا بشرط ضمانها عند تلفها بقدر معين من المال، قال المتولى: العقد صحيح وفسد الشرط والمعتمد هو فساد العقد أيضا
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان شرط المستعير عدم ضمان المستعار وقبله المعير لم يسقط الضمان ويلغو الشرط لأن كل عقد اقتضى الضمان لم يغيره شرط خلافه ويلغو لمنافاته مقتضى العقد، وهذا بخلاف ما اذا اذن له فى اتلافه لأن الاتلاف فعل يصح الاذن فيه ويسقط الضمان معه.
أما اسقاط الضمان هنا فنفى للحكم مع وجود سببه وليس ذلك للمالك ولا يملك الاذن فيه. وقال أبو حفص العكبرى: يعمل بالشرط ويسقط الضمان.
قال أبو الخطاب: وروى عن أحمد ما يشير الى هذا لأن المعير لو اذن للمستعير فى اتلاف المستعار لم يلزمه ضمانه فكذلك اذا أسقط ضمانه عنه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
اشتراط
(3)
ضمان المستعار على المستعير باطل لأنه شرط ليس فى كتاب الله عز وجل فهو باطل.
مذهب الزيدية:
اذا شرط ضمان المستعار فى الاعارة صح الشرط ولزم المستعير ضمانه ان تلف، لقوله صلى الله عليه وسلم:«بل عارية مضمونة» فى حديث صفوان السابق. هذا هو مذهب العترة ومن معهم وسواء كان الشارط للضمان المعير أو المستعير وسواء علم المستعير باشتراط الضمان عليه أو جهله فلا يسقط الضمان عنه وصورة جهله به أن يرسل رسولا يستعير له شيئا فيستعيره له ويشرط عليه المعير الضمان فيضمن من أرسله سواء أداه اليه أم لم يؤده، وسواء أخبره بشرط الضمان أم لم يخبره لأن قبض الرسول كاف.
ومثل اشتراط الضمان صراحة فى هذا ما اذا كان الضمان مشروطا ضمنا نحو أن يستعير عينا ليرهنها ويضمنه أن تلف بأوفر قيمة وصل اليها من يوم القبض الا ان قارن التلف التضمين فمن يوم التضمين واذا ولدت العين المستعارة وان كانت مضمنة بالشرط
(1)
أسنى المطالب ج 2 ص 128، نهاية المحتاج ج 5 ص 125، حاشية القليوبى على الشرح المحلى ج 3 ص 20
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 323، 336 والمغنى والشرح الكبير ج 5 ص 356، 366
(3)
المحلى ج 9 ص 170
أو غيره لم يدخل ولدها فى الضمان ولا فى الاعارة بل يكون أمانة
(1)
.
مذهب الإمامية:
اذا اشترط ضمان المستعار فى عقد الاعارة فانه يكون مضمونا على المستعير عملا بالشرط، وسواء شرط المعير ضمان العين أم الاجزاء أم هما معا فيتبع شرطه.
ولو شرط سقوط الضمان فيما هو مضمون أصلا كالذهب والفضة صح الشرط، وسقط الضمان عملا بالشرط.
ولو شرط سقوط الضمان مع التعدى أو التفريط فى المستعار يحتمل صحة الشرط والعمل به لأنه فى قوة الاذن فى الاتلاف فلا يستعقب الضمان كما لو أمره بالقاء متاعه فى البحر ويحتمل عدم صحة الشرط، لأن التعدى والتفريط من أسباب الضمان فلا يعقل اسقاطه قبل وقوعه، لأنه كالبراءة مما لم يجب.
والأول هو الأقوى
(2)
.
مذهب الإباضية:
المختار أن المستعير متى شرط على نفسه رد المستعار أو شرطه عليه المعير ضمنه أن تلف، وهذا هو الموافق للسنة من أن المؤمنين على شروطهم ومقابل المختار عدم ضمان المستعار ولو كان الضمان مشروطا بينهما أو شرط الرد بينهما بناء على أن أصل الاعارة عدم الضمان للمستعار وما أصله عدم الضمان لا يوجب اشتراط الضمان فيه ضمانه.
والأكثر على أنه اذا اشترط الضمان فى الاعارة للمستعار لزم المستعير ضمانه ان تلف.
وفى تلف المستعار فيما استعير له أو تلف بعضه فيما استعير له بدون تعد ولا تضييع ان شرط ضمانه به خلاف.
ولا ضمان ان لم يشترط
(3)
.
وان شرط المعير شيئا معينا ان لم يرد المستعير المستعار فله ذلك ولو كان أكثر من قيمته وقيل له قيمته فقط
(4)
.
اشتراط العوض فى عقد الاعارة
مذهب الحنفية:
يشترط فى الاعارة خلوها عن شرط العوض وعدم ذكر البدل، لأنها تصير به اجاره.
ولو استعار أرضا ليبنى ويسكن واذا خرج فالبناء للمالك فللمالك أجرة مثلها مقدار السكنى والبناء للمستعير، لأن الاعارة تمليك بلا عوض وهنا قد جعل له عوضا
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 255 - 256، البحر الزخار ج 4 ص 127، الروض النضير ج 3 ص 378 الطبعة الاولى مطبعة السعادة سنة 1348 هـ
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 390 - 391
(3)
شرح النيل ج 6 ص 76 - 77
(4)
شرح النيل ج 6 ص 90
وهو كون البناء الذى أحدثه المستعير له فكانت اجارة معنى وفسدت بجهالة المدة والعوض، لأن قدر ما ينفقه فى العمارة غير معلوم حال عقد الاعارة والفاسد يجب فيه أجرة المثل بالانتفاع وقد حصل.
وكذا لو شرط المعير ان يكون خراج الأرض المعارة على المستعير، وسواء كان الخراج المشروط خراج المقاسمة أو التوظف فانها تكون اجارة فاسدة، لأن الخراج على المعير فاذا شرطه على المستعير فقد جعله بدلا عن المنافع، ويكون قد أتى بمعنى الاجارة والعبرة للمعانى فى العقود
(1)
.
مذهب المالكية:
يشترط فى الاعارة أن تكون بغير عوض ويجوز للشخص أن يقول لآخر: أعنى بدابتك اليوم على أن أعينك بدابتى غدا، ويكون ذلك اجارة لا اعارة، لأن الاعارة بغير عوض وهذا بعوض، أجاز ذلك ابن القاسم ورآه من الرفق، لكن بشرط أن يكون ما يقع به التعاون معلوما بينهما، وأن يقرب العقد من زمن العمل، فلو قال:
أعنى بدابتك غدا على أن أعينك بدابتى بعد شهر لم يجز ذلك، لأنه نقد عاجل فى منافع معينة يتأخر قبضها وذلك لا يجوز بخلاف ما لو كان التأخير نصف شهر فأقل فيجوز. وسواء أتحد نوع المعار فيه كالبناء أو أختلف كالحصاد والدراس وسواء تساوى الزمن أو اختلف كأعنى بثورك يوما على أن أعينك بثورى يومين
(2)
.
مذهب الشافعية:
لو قال المعير: أعرتك فرسى مثلا بخمسة دراهم أو لتعيرنى فرسك فهو اجارة نظرا للمعنى لأن فيها عوضا، وهى فاسدة:
لجهالة المدة فى الأولى والعوض فى الثانية وتوجب أجرة المثل اذا مضى بعد قبض المستعير المستعار زمن لمثله أجرة ولا ضمان عليه بتلف العين كالمستأجرة.
وقيل: أنه اعارة نظرا للفظ، فاسدة لذكر العوض فلا تجب الاجرة. وأما العين فمضمونة على المستعير. أما لو عين له المدة والعوض كقوله أعرتك هذه شهرا من الآن بعشرة دراهم أو فى نظير أن يعيرنى ثوبك هذا شهرا من الآن ففيه وجهان:
(احداهما) - أنه اجارة صحيحة نظرا للمعنى.
(والثانى) اعارة صحيحة نظرا للفظ.
والأول أصح الوجهين
(3)
.
(1)
تكملة حاشية ابن عابدين ج 2 ص 383 و 414 طبعة الحلبى سنة 1966 م
(2)
الخرشى ج 6 ص 142، 143، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ج 2 ص 227
(3)
مغنى المحتاج ج 2 ص 266، 267، ص 440، حاشية الصاوى على الشرح الصغير شرح الحلى ج 3 ص 19، نهاية المحتاج ج 5 ص 123، تحفة المحتاج ج 2 ص 229
مذهب الحنابلة:
ان شرط المعير فى الاعارة المؤقتة بزمن معلوم عوضا معلوما صح ذلك، وتصير به أجارة صحيحة تغليبا للمعنى على اللفظ فان أطلقت الاعارة عن التأقيت أو جهل العوض فأجارة فاسدة. فلو أعاره فرسه على أن يعيره الآخر ثوره مثلا فهى اجارة فاسدة اما لاشتراط عقد فى عقد آخر، أو لعدم تقدير المنفعتين. والعين فيها غير مضمونة كالعين المستأجرة
(1)
.
مذهب الزيدية:
لو قال المستعير للمعير: أعرنى كذا لأعيرك كذا، كان ذلك اجارة فاسدة لا اعارة
(2)
.
مذهب الإمامية:
لو قال المعير: أعرتك دابتى مثلا بعشرة دراهم، فان قبل المستعير فهى أجارة فاسدة من حيث المعنى تقتضى أجرة المثل.
ولو قال: أعرتك حمارى على أن تعيرنى فرسك فالاقرب جواز هذا وان كان لا يجب وليس على واحد منهما أجرة. أما لو لم يعر الثانى فرسه للأول فالاقرب الاجرة لحمار الأول
(3)
.
مذهب الإباضية:
يشترط فى الاعارة ان تكون بغير عوض
(4)
.
اعارة ما لا يمكن الانتفاع به الا باستهلاكه
مذهب الحنفية:
اعارة الدراهم والدنانير وكذا اعارة كل ما لا يمكن لا انتفاع به الا باستهلاك عينه كالطعام ونحوه مما لا تقع الاعارة على منافعه تكون قرضا لا اعارة، فيضمن المستعير بهلاكها قبل الانتفاع لأن الاعارة تمليك المنافع ولا يمكن الانتفاع بهذه الاشياء الا باستهلاك عينها ولا يملك الاستهلاك الا اذا ملكها فاقتضى ذلك تمليك عينها ضرورة، وذلك بالهبة أو بالقرض والقرض أدناهما ضررا لكونه يوجب رد المثل الذى يقوم مقام العين، وما هو أقل ضررا فهو الثابت يقينا فوجب المصير اليه. وهذا كله فيما اذ أطلق الاعارة عما يقتضى الانتفاع بها مع بقاء عينها.
أما اذا عين الجهة بأن استعار دراهم مثلا ليعاير بها ميزانا، أو يزين بها دكانا، أو أستعارت حليا لتتجمل بها أو غير ذلك مما لا يستهلك به عين المستعار فلا يكون قرضا بل يصح ذلك اعارة تملك بها المنفعة المسماة دون غيرها. وكذلك تصح اعارة العين للانتفاع بعين منها واستهلاكها اذا كانت العين المستهلكة ملحقة بالمنفعة عرفا وعادة، كما
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 315، 331
(2)
البحر الزخار ج 4 ص 126
(3)
قواعد الاحكام ج 1 ص 191 - 192
(4)
شرح النيل ج 6 ص 64 - 65
اذا منح انسانا شاة أو ناقة لينتفع لبنها ووبرها مدة، ثم يردها على صاحبها.
لأن ذلك معدود من المنافع عرفا وعادة فكان له حكم المنفعة، وقد روى عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه قال:«هل من أحد يمنح من ابله ناقة أهل بيت لادر لهم» وهذا يجرى مجرى الترغيب فيصح، وكذا لو منح جديا أو عناقا - وهى الانثى من أولاد المعز - كان اعارة لا فرضا، لأنه لغرض أن ينتفع بلبنه وبصوفه وتصح اعارة السهم ولا يضمن، لأن الرمى به يجرى مجرى هلاكه من غير تعد للاذن فيه فلا يكون ضامنا
(1)
.
مذهب المالكية:
لا تصح اعارة النقد من دنانير ودراهم والطعام والشراب وغيره من المكيلات والموزونات ان وقعت وأعطيت للغير ولو بلفظ الاعارة وانما تكون قرضا، لأن المقصود من الاعارة الانتفاع بالمستعار مع رد عينه للمعير بعد الانتفاع به.
وفى الانتفاع بما ذكر ذهاب عينها ولهذا كانت قرضا وفائدته أنه يضمنه الآخذ ولو قامت بينه على هلاكه بدون سبب منه
(2)
.
وهذا اذا لم تعين جهة الانتفاع.
فان استعار الصيرفى مثلا دراهم أو دنانير يجعلها بين يديه ليرى أنه ذو مال فيقصده البائع والمشترى فهذه اعارة يكون المستعار فيها مضمونا اذا لم تقم البينة على تلفه
(3)
.
ويجوز اعارة الشاة لينتفع المستعير بلبنها، وهى المسماة بالمنحة
(4)
.
مذهب الشافعية:
لا يعار النقدان الذهب والفضة، اذ منفعة التزين بهما أو العمل على مثلهما منفعة ضعيفة قلما تقصد ومعظم منفعتهما فى الانفاق والاخراج. الا ان صرح باعارتهما لذلك أو نواها فتصح، لاتخاذه هذه المنفعه مقصدا وان ضعفت ولو شاعت لفظة الاعارة فى قرضهما فى بقعة كان قرضا.
وكذلك لا تصح اعارة نحو شمعة لوفود وطعام لأكل، لأن منفعتهما باستهلاكهما.
فان كان ليعمل مثل الطعام صح. وحيث لم تصح اعارة المستعار فجرت اعارته ضمن، لأنه مضمون فى عقد الاعارة الصحيح، وللفاسد حكم الصحيح فى الضمان.
وقيل: لا ضمان له، لأن ما جرى بينهما ليس باعارة صحيحة ولا فاسدة ومن قبض مال غيره باذنه لا لمنفعة كان أمانة.
وكون الاعارة لاستفادة المستعير المنفعة فقط هو الغالب فلا ينافيه أنه قد يستفيد
(1)
البدائع ج 6 ص 215 وتكملة ابن عابدين ج 2 ص 383، 396، 397، الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 108، 109 والجوهرة ج 1 ص 351
(2)
الخرشى ج 6 ص 142 ومنح الجليل ج 3 ص 489، حاشية على شرح ابى الحسن ج 2 ص 239
(3)
منح الجليل ج 3 ص 489
(4)
حاشية العدوى على شرح ابى الحسن ج 2 ص 240
عينا من المستعار كاعارة شجرة لأخذ ثمرها، وشاة لأخذ لبنها، وبئر لأخذ ماء، ودواة للكتابة منها، ومكحلة للاكتحال منها، اذ الشرط فى الاعارة أن لا يكون فيها استهلاك المستعار لا أن لا يكون المقصود فيها استفاء عين.
وحقق ذلك الاشمونى فقال: ان اللبن والتمر والماء ليس مستفادا بالاعارة بل بالاباحة التى تتضمن اعارة أصلها توصلا لما أبيح.
ولو أعاره شاة وملكه لبنها أو نسلها لم تصح الاعارة ولا التمليك، ولا يضمن آخذها اللبن والنسل. لأنه أخذهما بهبة فاسدة.
أما الشاة فيضمنها بحكم الاعارة الفاسدة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
تصح اعارة الدراهم واعارة الدنانير للوزن بها أو ليعاير عليها.
فان استعارها لينفقها أو أطلق كانت قرضا يملكه بالقبض، لأن هذا معنى القرض وهو مغلب على اللفظ فانعقد القرض به كما لو صرح بذلك.
وقيل: لا يجوز اعارة الدراهم والدنانير ولو كان للوزن بها. وليس للمستعير أن يشترى بها شيئا. وكذلك لا تصح اعارة كل ما لا ينتفع به الا مع تلف عينه كسائر الموزونات والمكيلات ان استعارها ليأكلها أو أطلق. وتكون قرضا. وكذا الاطعمة والاشربة، لكن ان أعطاها بلفظ الاعارة.
فقال ابن عقيل: يحتمل أن يكون ذلك اباحة الانتفاع على وجه الاتلاف
(2)
.
مذهب الزيدية:
ان لم يمكن الانتفاع بالمستعار الا باتلافه كالطعام والدراهم والدنانير واستعاره فقرض غالبا، يعنى تنقلب اعارته قرضا صحيحا مع علم المالك أن المستعير يريد اتلافه.
فان لم يعلم المالك ذلك وأتلفه المستعير كان غصبا.
أما اعارة الدراهم والدنانير وسائر ذوات الامثال اذا استعيرت للانتفاع بها مع بقاء عينها كالوزن أو التجمل بها فانها تكون اعارة صحيحة. وقولهم: «قرض غالبا» احتراز من اعارة ما لا يمكن الانتفاع به الا بنقصه كالدواة والمكحلة والسراج. فاعارة هذه الاشياء صحيحة وتكون اباحة ولو أدى الى استهلاك جميعها كالشمعة.
ولو أستعير المستعار لينتفع المستعير بعين من نمائه كاعارة الشاة للصوف واللبن والشجر للثمر لم يكن ذلك اعارة ولا قرضا بل يكون من با العمرى والرقبى
(3)
.
(1)
اسنى المطالب ج 2 ص 325 - 326، نهاية المحتاج ج 5 ص 120، تحفة المحتاج ج 2 ص 327 - 328، حاشية القليوبى على شرح المحلى ج 3 ص 18
(2)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 315 - 316، 331 - 332، المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 356، 359
(3)
التاج المذهب ج 3 ص 254 - 255، شرح الازهار ج 3 ص 427 - 428
مذهب الإمامية:
الاقرب جواز اعارة الدراهم والدنانير ان فرضت لها منفعة حكمية كالتزين بها ويكون المستعار مضمونا اذا كان ذهبا أو فضة وان لم يشترط ضمانه، سواء كان دراهم ودنانير أم لا على أصح القولين، لأن فيه جمعا بين النصوص المختلفة.
وقيل: يختص الضمان بالنقدين استنادا الى الحكمة الباعثة على الحكم وهو ضعف المنفعة المطلوبة منهما بدون الانفاق فكانت اعارتهما موجبة بالذات لما يوجب التلف فيضمنان بها.
أما اذا لم تفرض لهما منفعة فلا تصح اعارتهما للانفاق، كما لا تصح أعارة كل ما لا يتم الانتفاع به الا بذهاب عينه كالاطعمة، لأن منفعتهما فى استهلاكها.
ويستثنى من ذلك المنحة، وهى الشاة المستعارة للحلب، للنص السابق ذكره بمذهب الاحناف، فتجوز استعارتها وللمعير أن يرجع فى اللبن مع وجود الأصل عند المستعير.
وفى جواز اعارة غير الشاة من الحيوان المتخذ للحلب وتعدية حكمها اليه وجهان.
أصحهما أنه لا يصح غيرها لذلك. لأن الاقتصار فيما خالف الاصل على موضع اليقين أجود
(1)
.
مذهب الإباضية:
لا تكون الاعارة فيما ينتفع باتلافه كالدنانير والدراهم والمأكول والمشروب بل ذلك قرض.
ولا ينتفع المستعير بغلة العين المستعارة مثل لبن الناقة الا باذن.
فان اذن له فى الانتفاع بالغلة.
فقيل: لا ينتفع بالنتاج ولا بالصوف، لأنهما ليسا من الغلة.
وقيل: ينتفع بهما، وهما من غلة الحيوان.
وان اذن له أن ينتفع بها وما قام عنها انتفع بذلك وغيره. ومن استعار شاة أو غيرها ولدت أو لم تلد فلا يحلب الا لبن الولادة التى هى فيها.
وأن جعل له أجلا حلب ألبان الأجل كلها
(2)
.
انتفاع المستعير وتصرفاته
مذهب الحنفية:
الاعارة لا تخلو.
أما أن تكون مطلقة فى الوقت والانتفاع.
أو مقيدة بهما.
أو مقيدة بأحدهما.
فان كانت مطلقة فيهما لمن استعار دابة أو ثوبا ولم يسم مكانا ولا زمانا ولا ركوبا
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 388 - 390، قواعد الاحكام ص 191 - 192
(2)
شرح النيل ج 6 ص 85 - 90، 3
ولا حملا كان للمستعير أن يستعملها فى أى مكان وزمان شاء، وله أن يركب ويلبس ويحمل مما شاء، لأن المعير امره بالانتفاع مطلقا.
والمطلق يتناول أى انتفاع شاء فى أى وقت شاء. الا أنه ان كان المستعار مما يختلف باختلاف المستعمل كاللبس والركوب والزراعة كان تعيين نوع الانتفاع. والمنتفع مفوضا الى المستعير فان شاء استعمل الدابة مثلا فى الحمل عليها أو فى الركوب بنفسه أو غيره، وأى ذلك فعل تعين فلا يمكنه أن يفعل غيره بعد ذلك، لأن المطلق اذا تبين بقيد لا يبقى مطلقا بعد ذلك.
فاذا أركب المستعير غيره تعين هذا الغير منتفعا حتى لو ركب المستعير بعد ذلك بنفسه ضمن وهو الصحيح، لأن الانتفاع تعين بالفعل فيكون خلافه تعديا.
وقال شيخ الاسلام - المعروف بخواهر زادة - الاصح عندى أنه لا يضمن، لأن المستعير من المستعير اذا لم يضمن بالركوب أو اللبس لأنه استعمل المستعار باذن المستعير وتمليكه فبطريق الأولى أنه لا يضمن.
اذا ركب أو لبس بعد ذلك بنفسه، لأنه استعمله بالملك لأنه لو لم يملك ذلك لما ملك غيره. وكذلك تقيد الاعارة المطلقة عرفا بأن يكون الانتفاع مما يطيقه المستعار، فلا يحمل المستعير على الدابة المستعارة مثلا ما يعلم ان مثلها لا يستطيع مثل هذا الحمل، ولا يستعملها ليلا ونهارا اذا كان مثلها من الدواب لا يستعمل لذلك عادة حتى لو فعل فهلكت ضمنها، لأن العقد وان كان مطلقا الا أنه يتقيد بالعرف والعادة دلالة كما يتقيد نصا.
(ب).
وان كانت الاعارة مقيدة فيراعى فيها القيد ما أمكن، لأن الأصل اعتبار تصرف العاقل على الوجه الذى تصرف الا اذا لم يمكن أعتباره لعدم الفائدة ونحو ذلك فيلغوا القيد لأن ذلك يجرى مجرى العبث. ثم انما يراعى القيد فيما دخل فيه فقط لا فيما لم يدخل، لأن المطلق اذا قيد ببعض الاوصاف يبقى مطلقا فهما وراءه وبيان ذلك فى مسائل.
(أولا) - ان كانت الاعارة مقيدة بالانتفاع دون الوقت بأن شرط فيها أن ينتفع المستعير بنفسه أو غيره معينا فلا يجوز له أن يخالف ذلك التقييد فيما يختلف باختلاف المستعمل كالركوب واللبس ونحوهما، لأن اعتبار هذا القيد ممكن لأنه مقيد لتفاوت الناس فى استعمال الدواب والثياب ركوبا ولبسا فلزم اعتبار القيد فيه فان فعل حتى هلك المستعار ضمنه، لمخالفته، وان كان لا يختلف باختلاف المستعمل كما لو أعاره داره ليسكنها بنفسه فانه يجوز للمستعير أن يفعل ذلك بنفسه وبغيره، لأن المملوك بالعقد السكنى والناس لا يتفاوتون فيها عادة فلم يكن التقييد بسكناه مفيدا فيلغوا، ولكن ليس للمستعير أن يسكنها حدادا أو قصارا ونحوهما ممن يوهن عمله البناء، كما أنه ليس للمستعير أن يفعل ذلك بنفسه لأن المعير لا يرضى به عادة والمطلق يتقيده بالعرف والعادة. أما من حيث الوقت فى هذه الحال فالاعارة هنا باقية على اطلاقها فللمستعير أن يستعملها فى أى وقت شاء.
ثانيا - ان كانت مقيدة بالوقت كأن اتفقا على أن يستعمل المستعير العارية يوما واحدا تقيدت به حتى لا يجوز للمستعير أن ينتفع بها الا فى هذا الوقت المحدد حتى لو مضى اليوم ولم يردها على المالك مع امكان الرد ضمن اذا هلكت سواء استعملها بعد الوقت أم لا وسواء كان التأقيت نصا أو دلالة حتى لو استعار قدوما ليكسر به خشبا فكسره أو استعار كتابا ليحضر فيه درس فلان فأتمه أو ترك الدرس فانه يجب رده حتى لو أمسكه ضمن ولو لم يوقت، لأنه مقيد معنى.
وأما من حيث الانتفاع فى هذه الحال فهى باقية على اطلاقها فيجوز له الانتفاع مطلقا على الصفة المتقدمة فى المطلق عن الوقت والانتفاع.
ثالثا - ان كانت مقيدة بمكان معين - كما اذا اتفقا على أن يستعمل العارية فى مكان كذا فى المصر - تقيدت به وللمستعير أن يستعملها فى أى وقت شاء بأى وجه من وجوه الانتفاع، لأن التقييد لم يوجد الا بالمكان فبقى مطلقا فيما وراءه، لكنه لا يملك أن يجاوز ذلك المكان حتى لو جاوزه دخلت فى ضمانه.
رابعا - ان كانت مقيدة بوقت وانتفاع معا تقيدت من حيث الوقت كيفما كان، وكذا من حيث الانتفاع فيما يختلف باختلاف المستعمل. أما فيما لا يختلف فلا تتقيد به لعدم الفائدة على ما بيناه فى المقيدة بالانتفاع.
خامسا - لو قيدها المعير باستعمال العارية تقيدت به حتى لو أمسكها المستعير فى بيته ولم يستعملها حتى هلكت ضمنها، لأنه اعاره للأستعمال لا للامساك فيكون الامساك منه خلافا فيوجب الضمان، ثم فى كل موضع قلنا تتقيد الاعارة بالمسمى فليس للمستعير أن يخالفه الى ما هو فوقه فى الاضرار بالعارية ويجوز له أن يخالف الى ما هو مثل المسمى أو ما هو دونه فى الضرر، فان فعل فلا شئ عليه ان هلكت العارية وان خالف الى ما هو فوقه فى الضرر فهلكت فان كان من خلاف جنس المشروط والمسمى ضمن كل الدابة مثلا، لأنه متعد فى الجميع وان كان من جنسه ضمن بقدر الزيادة، لأنها هلكت بفعل مأذون فيه وغير مأذون فيه فيقسم على قدرهما لا اذا كان هذا الذى من الجنس قدرا لا تطيقه الدابة فيضمن الكل لكونه غير معتاد فلا يكون مأذونا فيه. وبيان ذلك فى مسائل.
منها لو أعاره دابة مثلا ليحمل عليها هذه الحنطة كان للمستعير أن يحمل عليها هذا القدر أو أقل منه من حنطة أخرى وكذا يكون له أن يحمل مثل قدر هذه الحنطة شعيرا أو دخنا أو أرزا أو غير ذلك مما يكون مثل الحنطة أو أخف منها استحسانا حتى أنها لو هلكت لا يضمن، لأن هذا وان كان خلافا صورة فليس بخلاف معنى، لأن المالك يكون راضيا به دلالة فلم يكن التقييد بالحنطة مقيدا والقياس أنه ليس له ذلك فيضمن لو هلكت، لأنه خالف،: وهو قول زفر. ولو أعاره على أن يحمل عليها أردبا من الشعير فليس له أن يحمل عليها اردبا من الحنطة، لأن الحنطة أثقل من الشعير وليس من جنسه فلم يكن مأذونا
فيه أصلا فكان اعتبار القيد مفيدا، ويصير غاصبا كل الدابة متعديا عليها ويضمن كل قيمتها ان هلكت .. ولو أعاره على أن يحمل عليها وزنا معينا من حنطة أو قطن فليس له أن يحمل عليها حطبا أو تبنا أو آجرا أو حديدا أو حجارة سواء كان ذلك مثل الحنطة فى الوزن أو أخف لأن ذلك أشق على الدابة فكان ضرره بالدابة أكثر والرضا بأدنى الضررين لا يكون رضا بأعلاهما فكان التقييد مقيدا فيلزم اعتباره فلو فعل حتى هلكت ضمن. ولو أعاره على أن يحمل عليها قدرا معينا من الحنطة فحمل عليها من الحنطة زيادة على المسمى فى القدر فهلكت نظر فى ذلك فان كانت الزيادة مما لا تطيق الدابة حملها يضمن جميع قيمتها، لأن حمل ما لا تطيق الدابة اتلاف لها.
وان كانت الزيادة مما تطيق الدابة حملها يضمن من قيمتها قدر الزيادة حتى لو أعاره على أن يحمل عليها عشرة مخاتيم حنطة فحمل عليها أحد عشر مختوما فهلكت يضمن جزءا من أحد عشر جزءا من قيمتها، لأنه لم يتلف منها الا هذا القدر، وكذلك ان أعاره ليركب بنفسه فأردف غيره فهلكت.
فان كانت الدابة مما تطيق حملهما جميعا يضمن نصف قيمة الدابة لأنه لم يخالف الا فى قدر النصف ولأن ركوب أحدهما مأذون فيه وركوب الآخر غير مأذون فيه فيضمن نصف قيمتها.
وان كانت الدابة مما لا تطيق حملهما ضمن جميع قيمتها لأنه استهلكها. ولو أرسل رجل رسولا يستعير له دابة من فلان الى مكة فاستعارها له الرسول الى المدينة فان ركبها المستعير الى مكة فهلكت تحته فهو ضامن لها، لأنه خالف المكان الذى أذن فيه المالك فصار مستعملا لها بغير اذنه، وهذا لأن ظنه غير معتبر انما المعتبر اذن المالك، ثم لا يرجع المرسل على الرسول بشئ لأنه لم يوجد منه عقد ضمان انما أخبره بخبر أو لم يخبره بشئ، ولكنه لم يبلغ رسالته كما أمره به، وذلك غير موجب للضمان. وأن بدا للمستعير أن يركبها الى المدينة وهو لا يشعر بما كان من قول الرسول فركبها فهلكت تحته فلا ضمان عليه، لأنه استعملها باذن مالكها.
ويملك المستعير أن يعير العين المعارة له ان لم يعين المعير منتفعا بأن صدرت الاعارة مطلقة وسواء كانت العين المعارة مما يختلف باختلاف المستعمل كاللبس والركوب والزراعة أم لا كالسكنى والحمل والاستخدام، لأن الاعارة تمليك المنافع واذا كانت تمليكا فمن ملك شيئا جاز له أن يملكه على حسب ما ملك ويكون ذلك من المستعير تعيينا للراكب واللابس على ما سبق.
وان عين المعير منتفعا فان كانت العين المعارة مما لا يختلف باختلاف المستعمل ملك المستعير أن يعيرها أيضا، وان كانت تختلف باختلاف المستعمل فلا يملك المستعير اعارتها، وذلك دفعا لمزيد الضرر عن المعير، لأنه رضى باستعماله لا باستعمال غيره.
وفى ايداع المستعير للعين المعارة له اختلف مشايخ المذهب.
فقال بعضهم ومنهم الكرخى: لا يملك المستعير أن يودعها مطلقا، واستدلوا على ذلك
بمسألة مذكورة فى الجامع الصغير، وهى أن المستعير اذا رد العارية على يد أجنبى فهلكت فى يد الرسول ضمن المستعير العارية ومعلوم أن الرد على يده ايداع اياه ولو ملك الايداع لما ضمن.
قال الباقلانى: هذا القول أصح، لأن الايداع تصرف فى ملك الغير بغير اذنه قصدا فلا يجوز بخلاف الاعارة لأنه تصرف فى المنفعة قصدا وتسليم العين من ضروراته فافترقا. وأكثر مشايخ المذهب ومنهم مشايخ العراق وأبو الليث وبرهان الائمة على أنه على أنه يملك أن يودع العارية بدون أن تدخل فى ضمانه بذلك، لأنه يملك الاعارة مع أن فيها ايداعا وتمليك المنافع فلأن يملك الايداع وليس فيه تمليك المنافع أولى وحملوا مسألة الجامع الصغير على أنها موضوعة فيما اذا كانت الاعارة مؤقتة فمضت مدتها ثم بعثها مع الاجنبى، لأنه بامساكها بعده يضمن لتعديه فكذا اذا تركها فى يد الأجنبى.
قال ظهير الدين المرغينانى: وعليه الفتوى. وفى الصيرفيه: أن القول بأن العين المستعارة تودع أولا تودع محله ما اذا كان المستعير يملك الاعارة أما فيما لا يملكها فلا يملك الايداع. ولا يملك المستعير أن يؤجر ما استعاره، لأن الاجارة لازمة فيلزم المعير زيادة الضرر لأنه لو جازت الاجارة من المستعير لما جاز للمعير أن يرجع حتى تفرغ مدتها فيتضرر فلا يلزمه بغير رضا.
فان فعل المستعير ذلك فهلك ضمنه حين سلمه الى المستأجر، لأنه دفع مال الغير اليه بغير اذنه فصار غاصبا والمعير بالخيار ان شاء ضمن المستعير وان شاء ضمن المستأجر لأنه قبض مال الغير بغير اذنه الا أنه ان ضمن ملكه بأداء الضمان فتبين أنه آجر ملك نفسه ويتصدق بالأجرة عند أبى حنيفة ومحمد لأنها حصلت بسبب خبيث وهو استعمال مال المستعير لا يرجع بالضمان على المستأجر، لأنه الغير فكان سبيله التصدى.
وان ضمن المستأجر فان كان عالما بكونه مستعارا لا يرجع على المستعير، لأنه ليس مغرورا من جهته وان لم يكن عالما بذلك يرجع عليه، لأنه اذا لم يعلم به فقد صار مغرورا من جهة المستعير فيرجع عليه بضمان الغرور، وكذلك ليس للمستعير أن يرهن ما استعاره، لأنه ليس له أن يوفى دينه من مال الغير بغير اذنه.
وللمعير تضمين المرتهن وبأدائه الضمان يكون الرهن هالكا على ملك المرتهن، ولا رجوع له على الراهن المستعير بما ضمن، لأنه غاصب ويرجع بدينه فقط. هذا فى رهن المستعار للانتفاع.
أما اعارة الشئ للرهن لغيره فجائزة وهى من المعروف
(1)
.
(1)
البدائع ج 6 ص 215 - 216 وتكملة ابن عابدين ج 2 ص 390 وما بعدها. الطبعة الثانية مطبعة الحلبى سنة 1386، 1966، تبين الحقائق للزيلعى ج 5 ص 85 - 87 الطبعة الاولى المطبعة الاميرية سنة 1315 - والفتاوى الهندية ج 4 ص 364، 373:، الجوهرة وبهامشها اللباب للميدانى ج 1 ص 351 والاختبار ج 2 ص 120 وج 1 ص 224 والمبسوط ج 11 ص 149 الطبعة الاولى مطبعة السعادة.
واذا دخل المستعار فى ضمانه ثم أزال الخلاف وعاد الى الوفاق لا يبرأ عن الضمان، لأن المستعار لما دخل فى ضمان المستعير بالخلاف فقد ارتفع عقد الاعارة حينئذ فلا يعود الا بالتجديد ولم يوجد
(1)
.
وقال زفر: يبرأ عن الضمان قياسا على الوديعة اذا تعدى فيها المودع، ثم أزال التعدى
(2)
.
مذهب المالكية:
يجوز للمستعير أن يفعل بالمستعار ما أذن له فى فعله من المعير، ويفعل به أيضا مثل ما استعاره له ودونه فى الحمل والمسافة كأن استعار دابة ليحمل عليها اردب فول فحمل عليها أردب قمح، أو ليركبها لمكان كذا فركبها اليه من هو مثله أو ركبها الى مكان غيره مثله فى المسافة.
وقيل: ان المراد بالمثل الذى يباح للمستعير فعله المثل فى الحمل كيلا أوزنة.
وأما الذهاب بها فى مسافة أخرى مثل ما استعارها لها فلا يباح له ولا يجوز.
ويضمن ان عطبت كالاجارة على قول ابن القاسم، وهو الارجح لما فى كل منهما من فسخ المنافع فى مثلها وهو فسخ دين فى دين
ولا يجوز للمستعير أن يفعل بالمستعار ما هو أضر مما استعاره له، سواء كان ذلك الاضر أقل مما استعاره فى الوزن أو المسافة أو مساويا له أو أكثر، كما اذا استعار دابة ليحمل عليها قمحا فحمل عليها حديدا أقل منه وزنا ثم تارة يحمل عليها ما تعطب بمثله، وتارة ما لا تعطب به وفى كل اما أن تعطب واما أن تسلم.
فان زاد ما تعطب به وعطبت فعلا فصاحبها مخير حينئذ بين أن يضمن المستعير قيمتها يوم التعدى ولا شئ له غير ذلك. وبين أن يأخذ أجرة الزائد المتعدى فيه فقط. فان كانت أجرتها فيما استعارها له تساوى عشرة مثلا وأجرتها فيما حمل عليها تساوى خمسة عشر دفع المستعير الخمسة الزائدة على أجرة ما أستعارها له وخياره هذا ينفى ضرره.
وان زاد ما لا تعطب به فعطبت منه، أو تعبت أو سلمت، أو زاد ما تعطب به وسلمت فليس للمعير الا أجرة الزيادة فقط فى الصور الاربع، ولا خيار له لأن عطبها حينئذ من أمر الله ليس من أجل الزيادة.
وان زاد ما تعطب به ولم تعطب، ولكن تعيبت فانه يلزم المستعير الأكثر من أجرة الزيادة وقيمة العيب. هذا اذا خالف المستعير وزاد فى المحمول.
أما اذا زاد فى المسافة فانه يضمن قيمتها ان عطبت، سواء كانت تعطب بمثلها أم لا.
وان تعيبت فللمعير الأكثر من أجره الزيادة وقيمة العيب.
وان سلمت فليس له على المستعير الا أجرة الزيادة فقط.
والفرق بين زيادة الحمل وزيادة المسافة:
ان زيادة المسافة من المستعير محض تعد
(1)
البدائع ج 6 ص 212، 216، 218
(2)
الجوهرة ج 1 ص 351
مستقل منفصل بخلاف زيادة الحمل فانه مصاحب للمأذون فيه.
وان تعدى المستعير للركوب بنفسه واردف معه شخصا آخر فحكمه فى التفصيل حكم زيادة الحمل، ثم ان علم الرديف بالتعدى كان للمعير غريمان يخير فى مطالبته أيهما شاء.
ولو كان الرديف صبيا أو سفيها.
وان لم يعلم الرديف بالتعدى.
فان كان المستعير معدما لا مال له فللمستعير أن يطالب الرديف حيث كان رشيدا، لأن الخطأ والعمد فى أموال الناس سواء.
وان كان المستعير موسرا لم يطالب الرديف.
فان كان الرديف صبيا أو سفيها فانه لا يتبع ولا يطالب بشئ اذا لم يعلم بالتعدى ومن غرم منهما فلا رجوع له على الآخر، لأن كلا منهما سبب فى غرامة الآخر
(1)
.
وتصح اعارة المستعير للعين المستعارة وان كان يكره له ذلك، كما تصح منه اجارتها وهبتها، لأنه مالك للمنفعة والشارع جعل له الانتفاع بنفسه وبغيره.
ومحل الصحة ما لم يمنعه المعير من ذلك صراحة أو ضمنا على ما هو مذكور فى شرائط المعير
(2)
. واذا خالف المستعير وتجاوز ما اذن له فيه وسلم المستعار من التلف أثناء التجاوز فليس للمعير الا أجرة مثل ما تجاوزه أو زاده المستعير سواء كان التجاوز أو الزيادة مما يتلف المستعار بمثلها أم لا
(3)
.
مذهب الشافعية:
للمستعير الانتفاع بالمستعار بحسب الاذن وما يقتضيه العرف فيه، لرضا المعير به دون غيره.
والصحيح أنه ان تعددت جهة الانتفاع بالمستعار كالارض تصلح للزرع والبناء والغرس وكالدابة للركوب والحمل وجب التصريح بالجهة أو بالتعميم كقوله: انتفع به كيف شئت أو افعل به ما بدا لك. أما ما لا ينتفع به الا بجهة واحدة عادة كبساط لا يصلح الا للفرش فلا حاجة فى اعارته الى بيان جهة الانتفاع لكونه معلوما بالتعيين، ويستعمل فى ذلك بالمعروف حتى لو استعمله المستعير فى غير الفرش كأن تغطى به ضمن. وكذلك لا حاجة الى بيان نوع الانتفاع فيما لو كان الانتفاع بجهات، لكن احداها هى المقصودة من المستعار عادة.
وينتفع المستعير فى صورة التعميم بما هو العادة فى المستعار على الاصح.
وقيل: ينتفع به كيف شاء.
(1)
الشرح الصغير بحاشية الصاوى عليه ج 2 ص 228، الشرح الكبير بحاشية الدسوقى ج 3 ص 442 - 443، شرح الخرشى بحاشية العدوى ج 6 ص 114 - 115.
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 438
(3)
الشرح الصغير وحاشية الصاوى ج 2 ص 228، الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 3 ص 443
فلو استعار دابة مطلقا بلا تقدير زمن ولا مسافة فله الانتفاع الى الرجوع ويتركه بالليل على الاصح.
ويجوز له الذهاب والعود فى أى طريق أراده اذا تعددت الطرق ولو أختلفت، لأن سكوت المعير عن ذلك رضا منه بكلها.
ولو أعاره دابة ليركبها لمحل كذا ولم يتعرض للركوب فى رجوعه جاز له الركوب فيه، لأن ردها لازم عليه فيتناول الاذن الركوب فى عوده عرفا.
ولو جاوز المستعير المكان بالدابة التى استعارها ليركبها اليه لزمه أجرة مثل الذهاب منه والعود اليه، لتعديه وله الرجوع منه راكبا على الاصح بناء على أن الاعارة لا تبطل بالمخالفة.
وان تلفت الدابة أو جزء منها بالاستعمال حال المجاوزة فالاصح أنه يلزم المستعير ضمانه.
وان أعاره أرضا لزراعة شئ معين فللمستعير زرعه وزرع مثله وما دونه فى ضرر الأرض، الا أن ينهاه المعير عن زراعة غير ما عينه فلا يزرع غيره وان كان مثله أو أقل منه اتباعا لنهيه، وحيث زرع المستعير ما ليس له زرعه صار متعديا فللمعير قلعه مجانا، والاعارة باقية فللمستعير زرع ما أبيح له بعد قلع الأول.
فان مضت مدة لمثلها أجرة لزمه جميع أجرة المثل على المعتمد.
وقيل: يلزمه أجرة المثل فيما بين زراعة ما له زراعته وما ليس له زراعته.
وليس للمستعير أن يغرس أو يبنى فى الارض المستعارة للزراعة اتفاقا، لأن الغرس والبناء ليسا من نوع الزرع وضررهما أكثر ويقصد بهما الدوام.
وان استعار الارض للغرس أو البناء كان له أن يزرع وان لم يكن الزرع من نوعهما لأن ضرره للأرض أخف الا أن ينهاه عن الزرع فلا يفعل.
والصحيح أنه اذا استعار الأرض للبناء فقط لم يكن له أن يغرس فيها وكذا العكس، لاختلاف جنس الضرر فان ضرر البناء فى ظاهر الأرض فى أكثر من باطنها وضرر الغرس باطنها أكثر لانتشار عروقه. وقيل: يكون له ذلك لأن كلا من الغرس والبناء للتأبيد وما يغرس للنقل فى عامه يسمى الشتل كالزرع فى كل ما مر ذكره من أحكامه
واذا أستعار لواحد مما ذكره ففعله ثم قلعه ولم يكن قد صرح له بالتجديد مرة بعد أخرى لم يجز له فعل نظيره ولا اعارته مرة ثانية الا باذن جديد
(1)
.
ولا تصح اعارة المستعير للعين المعارة له بغير اذن المعير على الصحيح لأنه غير مالك للمنفعة وانما أبيح له الانتفاع والمستبيح لا يملك نقل الاباحة بدليل أن الضيف لا يبيح لغيره ما قدم له فان اذن له المعير صحت
(1)
أسنى المطالب وحاشية الرملى عليه ج 2 ص 330 - 331، نهاية المحتاج ج 5 ص 127 - 128 وحاشية القليوبى على شرح المحلى ج 3 ص 21 ومغنى المحتاج ج 2 ص 268، 269
الاعارة، ثم ان اذن له ولم يسم من يعير له فالمستعير الأول - وهو المعير الثانى - باق على اعارته صحيحة غير باطلة والضمان باق عليه، وله الرجوع فيها، وان ردها الثانى عليه برئ.
وان اذن له المعير فى الاعارة وسمى له من يعيره فأعاره انعكست هذه الاحكام.
وقيل: تصح الاعارة من المستعير ولو بدون اذن من المعير، لأنه يكفى فى المعير أن تكون المنفعة مباحة له، وكذلك لا تصح اجارة المستعير للعين المستعارة اتفاقا، لما ذكر.
ولو أودع المستعير العين المستعارة بلا اذن من المعير ولا عذر له كان متعديا ويضمنها حتى لو أودعها عند القاضى، لأن المعير لم يرض بذلك.
وللمعير أن يستنيب عنه من يستوفى المنفعة له من العين المستعارة، كأن يركب الدابة المستعارة وكيله أو زوجته أو خادمه أو من هو مثله أو دونه فى أمر تعود منفعته عليه
(1)
.
وان جاوز المستعير المكان المعين فى الاعارة بالدابة التى استعارها دخلت فى ضمانه ان تلفت هى أو جزء منها كما تلزمه أجرة المثل، ولا يبرأ من هذا الضمان حتى تصل الدابة الى يد المالك أو وكيله، لتعديه.
وقيل: الصحيح أن الاعارة لا تبطل بالمخالفة فيبرأ من ضمانها بعد عوده الى المكان المشروط
(2)
.
مذهب الحنابلة:
لا يشترط تعيين نوع الانتفاع فى الاعارة فلو أعار شيئا اعارة مطلقة أبيح للمستعير الانتفاع به فى كل ما هو مستعد له من الانتفاع بالمعروف، فاذا أعاره أرضا مطلقا فله أن يزرع فيها ويغرس ويبنى ويفعل فيها كل ما هى معدة له من الانتفاع، لأن الاذن مطلق وان اعاره للغرس أو للبناء فله أن يزرع فيها ما شاء.
وان أعاره للزرع فليس له أن يغرس ولا أن يبنى.
وان أعاره للغرس أو للبناء ملك المستعير المأذون فيه منهما دون الآخر.
وان استعارها لزرع القمح فله زرعه وزرع ما هو أقل ضررا للأرض منه كالشعير والعدس، وله أيضا زرع ما ضرره كضرر الحنطة وليس له زرع ما هو أكثر ضررا منه كالذرة والدخن والقطن.
واذا أعاره للغرس أو للبناء أو للزراعة لم يكن للمستعير ما زاد على المرة الواحدة الا باذن المعير واستعارة الدابة للركوب لا تقيد السفر بها، لأنه ليس مأذونا فيه لفظا ولا عرفا.
(1)
أسنى المطالب ج 2 ص 325، 336 من الحاشية، نهاية المحتاج ج 5 ص 120، شرح المحلى وحاشية القليوبى عليه ج 3 ص 18
(2)
اسنى المطالب وحاشية الرملى عليه ج 2 ص 330، نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى ج 4 ص 95
وما كان غير مهيأ للانتفاع به من جهات متعددة وانما يصلح لجهة واحدة كالبساط يصلح للفرش فالاطلاق والتقييد فيه سواء، لتعين نوع الانتفاع بالعرف فيحمل الاطلاق عليه.
وليس للمستعير أن يستعمل فيه مثله مثل أن يحشو القميص قطنا كما يفعل بالجوالق أو يحمل فيه ترابا، أو يستعمل المناشف والطنافس فى ذلك أو يستظل بها من الشمس أو نحوه، لأنه غير مأذون فيه لفظا ولا عرفا فان فعل ذلك ضمن ما نقص من أجزائها بهذه الاستعمالات.
وليس للمستعير أن يودع المستعار ولا أن يعيره ولا أن يؤجره الا باذن.
فان أذن له جاز.
ولا يضمن المستأجر من المستعير مع الاذن من المعير اذا تلفت العين عنده بلا تفريط.
واذا أجر المستعير المستعار باذن المعير فالاجرة للمعير، لأنها بدل عما يملكه من المنافع. ولا شئ للمستعير منها، لأنه لا ملك له فى المنافع وانما يملك الانتفاع.
وان أعار المستعير أو أجر العين المستعارة بغير اذن المعير فتلفت عند الثانى مستأجرا كان أو مستعيرا ضمن المعير المستعير أو الآخذ منه أيهما شاء والقرار فى ضمانها على الثانى مستعيرا كان أو مستأجرا ان كان عالما بأن مالكها لم يأذن فان لم يعلم الثانى بذلك بل ظنها ملك المعير له استقر عليه ضمان العين فقط فى حالة الاعارة لأنه قبضها على أنها عارية وهى مضمونة، ويستقر ضمان المنفعة على المستعير الأول بدفعها له على أن يستوفى منافعها بغير عوض، أما فى حالة اجارتها من المستعير لمن يجهل ذلك فيستقر على المستأجر ضمان المنفعة وعلى المستعير ضمان العين وليس للمستعير أن يرهن المستعار بغير اذن مالكه فان أذن له صح ولا يصير المعير ضامنا للدين، لأنه اعارة ليقضى منه حاجته فلم يكن ضامنا. وللمعير مطالبة الراهن بفكاك الرهن فى الحال سواء كان بدين حال أم مؤجل، لأن للمعير الرجوع متى شاء.
ومن استعار شيئا فله استيفاء منفعته بنفسه وبمن يقوم مقامه، وهو وكيله لأنه نائب عنه ويده كيده
(1)
.
وللمستعير دفع الكتاب المعار لمن ينسخه له، وكذا الخاتم المعار الى من ينقش له على مثاله، لأن المنافع واقعة له كالوكيل.
مذهب الزيدية:
للمستعير الانتفاع بالمستعار بنفسه أو نائبه فى العمل لقيامه مقامه.
وليس للمستعير أن يسافر بما استعاره للحضر أو العكس، أو يودعه لغير عذر، أو يرده الى المعير مع غير معتاد أو نحو ذلك فانه يضمن ضمان غصب، وليس له أن يحمل على الدابة أكثر مما استعارها له مما يكون
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 323، 335 - 337:، المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 360، 369
(2)
البحر الزخار ج 4 ص 126
مؤثرا فيها ولمثله أجره والا كان له ذلك وليس له أن يحملها جنسا آخر غير المشروط ولو كان أخف مع عدم العرف.
وليس له أن يجاوز بالدابة ونحوها قدرا لمثله أجرة.
وليس له أن يردف معه آخر على الدابة والرديف ضامن أيضا ان ساق أو تلفت الدابة تحت العمل، وتستقر حصته من الضمان عليه.
فان أوهمه المستعير أن الدابة ملك له ضمن الرديف قيمة حصته ويرجع بما دفع من القيمة على المستعير المدلس.
أما ان دفع قيمة حصته من الاجرة فلا يرجع بها على المستعير، لأنه قد أستوفى ما فى مقابلها. وهذا ما لم تتلف الدابة تحت العمل فان تلفت تحته فلا يرجع بما دفع من القيمة
(1)
.
ومن استعار أرضا ليغرسها نخلا مثلا فقلع الغرس ففى جواز اعادته وجهان:
أصحهما لا يجوز وذلك الا باذن جديد، اذ الاذن يتناول الأول فقط.
ولو استعار أرضا ليزرع ما شاء صح ذلك.
وللمستعير أن يزرع ما شاء فان عين له المعير شيئا حرمت عليه مخالفته الا الى الاقل ضررا.
ولو أستعار ليغرس أو ليبنى جاز له أن يزرع لا العكس. وليس لمن استعار للغرس أن يبنى ولا العكس فى الاصح، لاختلافهما
(2)
.
ولو أجاز المعير رأى المستعير فى المستعار كان للمستعير أن يعيره غيره اجماعا لتفويضه فى ذلك
(3)
.
وان زال تعدى المستعير فى حفظ المستعار أو استعماله لم يخرج من كونه صار مضمونا عليه، وذلك نحو أن يودعه لغير عذر ثم يسترده أو يحمل عليه أكثر مما استعاره له، ثم ينزع تلك الزيادة عنه فلا تعود يده يد أمانة بزوال التعدى
(4)
.
مذهب الإمامية:
يتقدر انتفاع المستعير بالمستعار بقدر تسليط المعير له على ذلك، وينتفع المستعير بما جرت به العادة فى الانتفاع بالمستعار.
ولا يشترط فى الاعارة تعيين جهة الانتفاع وان تعددت.
فلو استعار الدابة ركب أو حمل عليها.
ولو استعار أرضا فله البناء أو الغرس أو الزرع، وكذا لو قال المعير للمستعير:
أنتفع به كيف شئت
(5)
.
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 256 - 258
(2)
البحر الزخار ج 4 ص 128
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 126
(4)
التاج المذهب ج 3 ص 257، البحر الزخار ج 4 ص 130
(5)
قواعد الاحكام ص 193 طبعة سنة 329 هـ
ولو عين المعير للمستعير جهة لم يجاوزها ولو الى المساوى أو الأقل عملا بمقتضى التعيين واقتصارا على المأذون.
وقيل: يجوز التخطى الى المساوى والأقل ضررا، وهو ضعيف.
ولو علم انتفاء الغرض بالجهة المعينة جاز التخطى الى الاقل على وجه.
أما المساوى فلا يجوز التخطى اليه مطلقا كما أنه مع النهى عن غير المعين يحرم مخالفته مطلقا، وحيث يتعين المعين فتعدى المستعير الى غيره ضمن ولزمته الاجرة لمجموع ما فعل من غير أن يسقط منها ما قابل المأذون فيه على الأقوى، لكونه تصرفا بغير اذن المعير فيوجب الاجرة، والقدر المأدون فيه لم يفعله فلا معنى لاسقاط قدره الا اذا كان المأذون فيه داخلا فى ضمن المنهى عنه كما لو اذن فى تحميل الدابة قدرا معينا فتجاوزه أو فى ركوبها بنفسه فأردف غيره تعين اسقاط أجرة المقدار المأذون فيه لأنه بعض ما أستوفى من المنفعة وأما ضمان الدابة جميعها فعليه
(1)
.
ولو أعاره أرضا لزراعتها مرة لم يكن للمستعير تكرارها.
ولو أطلق فالأقرب جواز التكرار
(2)
.
ويجوز للمستعير استيفاء منفعة المستعار بنفسه وبوكيله ما دامت المنفعة تعود اليه لا الى الوكيل. ولا يجوز للمستعير اعارة العين المستعارة الا باذن المالك، لأن الاعارة انما تناولت الاذن له خاصة فان أعار بغير اذن المالك فانه يضمن العين وأجرة المثل للمنفعة، ويرجع المالك على من شاء منهما.
فان رجع على المستعير الأول لم يرجع بما غرم على الثانى الجاهل الا أن تكون العين مضمونة فيرجع عليه ببدل العين خاصة.
فان كان الثانى عالما أستقر الضمان عليه كالغاصب.
وان رجع المعير على المستعير الثانى رجع بما غرم على الأول اذا كان جاهلا بملكية العين لغير من اعارة، لأنه مغرور
(3)
.
وكذلك لا يجوز للمستعير أن يؤجر العين بدون اذن المالك.
فان فعل كان للمالك الأجرة ان شاء أجرة المثل وان شاء المسمى بين المستعير والمستأجر منه، وله الرجوع بذلك على من شاء منهما. وكذلك لا يجوز له رهن العين المستعارة بلا اذن، فلو استعار ورهن بدون ذلك انتزع المالك العين،: ويرجع المرتهن بماله على الراهن.
واذا أودع المستعير العين المستعارة مع عدم الضرورة ضمنها.
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 389 - 391 وشرائع الإسلام ج 2 ص 142 تحرير الاحكام ج 1 ص 369 - 371 طبعة حجر سنة 1324 هـ قواعد الاحكام ص 191، 193
(2)
المختصر النافع ج 1 ص 150 طبعة دار الكتاب العربى سنة 1376 هـ
(3)
شرائع الاسلام ج 2 ص 142، قواعد الاحكام ص 192
ولو أمر المستعير رسوله بأن يستعير له دابة من فلان الى قرية كذا فكذب الرسول وأخبر المعير بطلب المستعير الى قرية أخرى فخرج بها المستعير الى ما ذكره الرسول للمعير فتلفت لم يضمن، لأن صاحبها أعارها الى هذا المكان ولو خرج بها المستعير الى المكان الذى أمر رسوله باستعارتها اليه فتلفت ضمن ولا شئ على الرسول.
ولو استعار الدابة مثلا الى مسافة معينة فتجاوزها دخلت الدابة فى ضمانه ولا يبرأ من الضمان لو أعارها الى المسافة المشترطة بينهما، فتلزم المستعير قيمتها ان تلفت بعد اعادتها اليها ولو بدون تعد منه. وكذلك تلزمه الأجرة لمجموع ما فعل من غير أن يسقط ما قابل المأذون فيه
(1)
.
مذهب الإباضية:
من استعار شيئا لينتفع به فى عمل معين فعمل به أكثر أو أشد مما استعاره له فتلف كله أو بعضه ففى ضمانه قولان:
الأول - يضمن منه مقدار ما خالف فقط مثل الثلث، لأن الضمان للمخالفة فيعتبر بمقدارها.
والثانى - يضمنه كله، لأنه متعد ما أمر به لأنه لما جمع ما استعار لأجله مع غيره صار فعله كله تعديا حتى ما أمر به ولا ضمان ان عمل أقل أو أخف مما استعاره له، لأن فى مخالفته هنا نفعا وابقاء على ما استعاره من دابة أو غيرها وقيل: يضمن، لأن الأموال لا تحل الا باذن والمعير لم يأذن له فى ذلك الذى خالف فيه.
ولو خالف الى مثل المشروط ضمن، لأن ابقاء المخالفة الى ما لم يؤذن له فيه مع عدم ابقاء أو نفع مجدد على ما استعاره بالمخالفة واستظهر صاحب شرح النيل أنه يضمن اذا خالف الى غير الجنس الذى استعار له ولو كان أخف.
ولا يضمن ان خالف فحمل على الدابة مثلا من الجنس الذى عليه الاعارة أقل مما أعير له وان خالف الى موضع أقرب من الموضع المستعار له الدابة ونحوها يضمن ان كان الطريق اليه أشق
(2)
.
وان جاوز المستعير فى حمله على الدابة المستعارة بلدا سماه أو وقتا سماه أو جاوز بما استعاره ما شرط له فالصحيح المأخوذ به أنه يجبر على قيمة الدابة ان تلفت، كما يجبر على أجرة مثل المقدار الذى جاوزه، سواء تلفت الدابة أم لا، ولا يكون فى ذلك اجتماع العوض والمعوض، لأن الأجرة على الحمل، والقيمة على التلف
(3)
.
ولو تعدى المستعير فى المستعار ولو بعد اذن كان للمعير أخذه ولو كان فى الأخذ ضرر على المستعير ويلزم المستعير أجرة استعمالها بعد منعه ولو كان فى محل لا يجد فيه ما يحمل عليه متاعته مثلا وقيل: لا أجرة
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 390
(2)
شرح النيل ج 6 ص 78، 79
(3)
شرح النيل ج 6 ص 78، 79
للمعير على ذلك حيث لا يجد المستعير ما يحمل عليه
(1)
.
وان أستعار المستعير شيئا الى موضع فلا ينتفع به فى رجوعه كلبس ثوب وركوب دابة الا ان علم صاحبه
(2)
.
وان استعار دواب ليدرس عليها شعيرا مثلا فبقدر نظره ويضربها يسيرا بحيث لا يضرها فان جرحها ضمن ولا يربط أفواهها ولا السنتها، ويجوز له جعل رءوسها فى المخالى ونحوها.
وللمستعير أن يحمل على الدابة المستعارة زاده طعاما وشرابا ورحله وسلاحه الا ما فحش من ذلك ويحمل علفها ولا يحمل عليها مال غيره وان كان قليلا والا ضمن، ولا يقيدها الى دابة غيره ويقيدها الى دابته ولا يقاتل عليها الا ان أذن له صاحبها.
وان أعار له دابة ليحرث عليها فلا يقرنها مع غيرها من الدواب ليحرث بها الا ان أذن له صاحبها أو كانت عادة البلد كذلك
(3)
.
وان أعطى المستعير المستعار من يعمل له به لم يضمن ان أعطاه لمن يحسن العمل.
وقيل: يضمن الا ان على المعير انه ممن لا يعمل بيده
(4)
.
ولا يجوز للمستعير أن يؤجر المستعار ولا يعيره، وان فعل ضمن ولزمته الأجرة.
وقيل يضمنانه معا ان علم المستأجر أنه مستعار.
وقيل: لا يلزم المستأجر ضمان ان كان المستعير ثقة
(7)
.
ولكن للمستعير استيفاء المنفعة بنفسه أو بوكيله أو بزوجته أو خادمه
(5)
.
وله أن يناول المستعار لكل من يعمل له كطفله وأجيره ولهم أخذه بلا اذن من المستعير ولا ضمان وقيل: ان أخذوه بلا اذن لزم الضمان من أفسده من الاجراء ونحوهم
(6)
.
وكذلك ليس للمستعير أن يرهن المستعار اذا شرط المستعير أن لا يضمنه للمعير، أو على القول بأنه غير مضمون ان لم يشرط المعير الضمان، لانتفاء الضمان بالتلف
(7)
.
وفى الديوان ان أرسل رسولا الى الى رجل ليعير له دابة فجلبها الرسول اليه على خلاف ما أرسله ولم يعلم فاستعملها على ما أرسله فتلفت ضمن ورجع على الرسول بما ضمن، وقيل لا يرجع عليه وان استعملها على ما جلبها اليه الرسول فلا يضمن ان تلفت.
وقيل: الظاهر أنه لا يضمن اذا وافق ما أمره به مرسله بشرط أن يكون على الطريق الذى أذن له فيه المعير فلو لم يكن كذلك ضمن
(8)
.
(1)
شرح النيل ج 6 ص 83
(2)
نفس المرجع السابق ج 6 ص 89
(3)
نفس المرجع السابق ج 6 ص 88
(4)
نفس المرجع السابق ج 6 ص 90
(5)
نفس المرجع السابق ج 6 ص 86
(6)
نفس المرجع السابق ج 6 ص 75
(7)
شرح النيل وشفاء العليل ج 5 ص 467
(8)
شرح النيل ج 6 ص 79 - 80
نفقة المستعار:
مذهب الحنفية:
نفقة العارية على المستعير دابة أو غيرها سواء كانت الاعارة مطلقة أو مقيدة
(1)
لأن ملك منفعتها زمن الاعارة له فنفقتها عليه
(2)
.
وقال محمد: لا يجبر المستعير على الانفاق على المستعار أو علفه، لأنه لا لزوم فى الاعارة، ولكن يقال للمستعير: أنت أحق بالمنافع فان شئت فأنفق لتحصل لك المنفعة وان شئت فخل يدك عن المستعار أما أن يجبر على الاتفاق فلا
(3)
.
ولو أعاره دارا على أن يسكنها ويقوم بترميمها بدون أجر فهى اعارة صحيحة، لأن الترميم من باب النفقة وهى على المستعير
(4)
هذا فى النفقة. أما كسوة المستعار فعلى المعير فى الأحوال كلها
(5)
. لأن الاعارة غير لازمة وان ذكر لها مدة وللمعير الرجوع عنها فى كل حين، والكسوة تكون للزمان المستطيل ولو صح رجوعه لتضرر المستعير بذهاب كسوته من غير حصول انتفاعه
(6)
.
مذهب المالكية:
فى علف الدابة المستعارة ونحوها وهى عند المستعير قولان:
(أحدهما) - أنها تلزم صاحبها وليس على المستعير من ذلك شئ، لأنها لو كانت عليه لكان ذلك أجرة وربما يكون العلف فى الغلاء أكثر من الأجرة فتخرج الاعارة عن المعروف والاحسان الى الاجارة.
(والثانى) أنها تلزم المستعير، لأن المعير فعل معروفا فلا يليق أن يشدد عليه.
والمعتمد من القولين أن علف الدابة على صاحبها. وقال بعض المفتين: أنها على المستعير اذا استعارها لليلة أو ليلتين. وقيل أيضا: تكون على المعير اذا أعارها لفترة قصيرة كليلة أو ليلتين. وأما فى المدة الطويلة والسفر البعيد فعلى المستعير.
والعلف الذى فيه الخلاف - بفتح اللام - هو ما يعلف به. وأما العلف - بسكون اللام - وهو تقديم الطعام للدابة فهو على المستعير قولا واحدا. وهذا فى علف الدابة. أما نفقة الخادم المستعار فانها تكون على المستعير بلا خلاف
(7)
.
مذهب الشافعية:
علف الدابة المستعارة وسقيها ونفقة الخادم المستعار كل ذلك لازم على المعير لا على المستعير فى الاصح سواء كانت
(1)
الفتاوى الهندية ج 4 ص 372
(2)
البدائع ج 4 ص 39
(3)
الفتاوة الهندية ج 4 ص 372
(4)
تكملة أبن عابدين ج 1 ص 282، 304
(5)
حاشية الشلبى على تبيين الحقائق ج 5 ص 88
(6)
تكملة ابن عابدين ج 2 ص 282، 304
(7)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير ج 3 ص 446، حاشية العدوى وشرح الخرشى ج 6 ص 149، الحطاب ج 5 ص 272
الاعارة صحيحة أم فاسدة، لأن النفقة من حقوق الملك.
ولو قال المعير: أعرتك فرسى مثلا لتعلفه أو على أن تعلفه بعلفك فهو اجارة - نظرا الى المعنى وهو العوض - فاسدة، لجهالة المدة والعوض.
وقيل انه: اعارة فاسدة نظرا للفظ فلا تجب أجرة المثل، والعين مضمونة.
فان اتفق المستعير أو علف لم يرجع على المعير بشئ من ذلك الا ان كان ذلك باذن القاضى أو اشهاد بنية الرجوع ان تعذر اذن القاضى.
وخالف القاضى حسين فى هذا فقال:
ان نفقة المستعار - انسانا كان أو حيوانا - على المستعير، فلا تفسد الاعارة عنده بشرط كون المستعير يعلفه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
لا يجب على المستعير نفقة العين المستعارة من مأكل ومشرب زمن انتفاعه بها عنده بل كل ذلك على مالكها كالمستأجرة
(2)
.
مذهب الزيدية:
نفقة المستعار على المعير، اذ هو المالك والمستعير مباح له الانتفاع، وتصير الاعارة يجرى العرف أو بشرط النفقة على المستعير للدابة مثلا اجارة صحيحة ان كان العلف قدرا معلوما والمدة معلومة والا فاجارة فاسدة
(3)
.
مذهب الإمامية:
نفقة العين المستعارة تلزم المعير لا المستعير، فلو قال: أعرتك الدابة بعلفها فهى اجارة فاسدة من حيث المعنى تقتضى أجرة المثل
(4)
.
مذهب الإباضية:
ليس على المستعير حفظ المستعار ونفقته ان حضر المعير والا حفظه وأنفق عليه، ثم رجع على صاحبه بنفقته.
واستظهر صاحب شرح النيل عدم رجوع المستعير على المعير بنفقة المستعار سواء حضر المعير أو غاب. وفى جامع أبى العباس:
لا يرجع عليه الا ان شرط الرجوع
(5)
.
(1)
نهاية المحتاج ج 5 ص 123، 124، تحفة المحتاج ج 2 ص 229، مغنى المحتاج ج 2 ص 266، 267، اسنى المطالب وحاشية الرملى ج 2 ص 327، شرح المحلى وحاشيتى القليوبى وعميرة ج 3 ص 19
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 320 ص 338 والروض المربع ج 2 ص 220
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 128 والتاج المذهب ج 3 ص 259
(4)
قواعد الاحكام ص 192
(5)
شرح النيل ج 6 ص 87
رد المستعار ومؤنته وتسليمه:
مذهب الحنفية:
رد المستعار للمعير بعد انتهاء الاعارة واجب على المستعير، لأنه قبض المستعار لمنفعة نفسه على الخلوص فكان رده عليه.
فلو كانت الاعارة مؤقتة فأمسك المستعير المستعار بعد انقضاء الوقت ضمنه لتقصيره فيكون مانعا له بعد مضى الوقت، سواء استعمله بعد الوقت أم لا على ما اختاره السرخسى وهو الاصح الا اذا كان عدم رده لعذر.
وكذلك أجرة رد المستعار على المستعير، لأن الأجر مؤنة الرد فمن وجب عليه الرد وجب أجره ولأنه قبضه لمنفعة نفسه والغرم بازاء الغنم، الا اذا استعاره المستعير ليرهنه فتكون أجرة رد المستعار على المعير، لأن هذه اعارة فيها منفعة للمعير بصيرورة المستعار مضمونا عند الهلاك فى يد المرتهن وللمعير أن يرجع على المستعير بقيمته فكانت بمنزلة الاجارة
(1)
.
واذا جاء المستعير بالمتاع المستعار له وألقاه فى دار المعير، أو جاء بالدابة فأدخلها فى اصطبله كان ردا صحيحا حتى لو هلكت قبل قبضها لا يضمن استحسانا، لأنه أتى بالتسليم المتعارف لأن رد العوارى الى دار الملاك معتاد كآلة البيت، ولو سلمه للمالك فالمالك يرده الى الدار أو الاصطبل فكان الرد اليهما ردا على المالك
وفى القياس: هو ضامن لأنه مارد المستعار على مالكه بل ضيعه، ولأن الله سبحانه أمر برد الأمانات الى أهلها، وأهلها مالكها، فيلزم الرد للمالك. وهو قول زفر.
وهذا الخلاف فى الأشياء التى تكون فى يد الغلمان عادة. وأما اذا لم تكن فى أيديهم عادة كعقد جوهر ونحو ذلك من كل شئ نفيس فلا يصح رد المستعير له الا بالتسليم للمالك فلو وضعه فى داره أو اصطبله أو سلمه لغيره يضمن، لعدم جريان العادة بذلك فى الأشياء النفيسة.
ولو رده المستعير مع خادمه أو ابنه أو أجيره أو بعض من فى عياله لم يضمن، لأنه أمانة وللمستعير حفظها على يدهم وكذا لو رده مع خادم المعير أو ابنه أو أجيره أو بعض من فى عياله لم يضمن أيضا، لأن المالك يحفظه بهؤلاء عادة فكان الدفع اليهم كالدفع الى المالك عادة، ولو سلمه الى المالك ليسلمه هو اليهم.
والمراد بالأجير هو ما يكون مسانهة أو مشاهرة، لأنه هو الذى يعد مع من فى عياله بخلاف الأجير مياومة، لأنه لا يعد كذلك.
وقيل: لا يبرأ المستعير الا اذا رد الدابة على الخادم الذى يقوم بها ويتعهدها كالسائس والاصح أنه يبرأ بتسليمها لخادم المعير مطلقا
(1)
الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 111، تكملة حاشية ابن عابدين ج 2 ص 400، 401
وان كان لا يتعهد الدواب، لأن المالك يدفع اليه الدواب فى بعض الاحيان فيكون رضاه موجودا دلالة وان سلمه المستعير لاجنبى ليرده الى المالك ضمنه، وهذه المسألة محمولة عند بعض الحنفية على ما اذا كانت الاعارة مؤقتة فمضت مدتها ثم بعثها مع الأجنبى، لأن المستعير بامساكها بعد الوقت يضمن لتعديه فكذا اذا تركها فى يد الأجنبى أو أنه باستيفاء مدتها يصير المستعير مودعا والمودع لا يملك الايداع بالاتفاق، وفى هذه المسألة أراء متعددة - تراجع فى المطولات - أساسها أن الصحيح فى المذهب أن المستعير يملك ايداع المستعار كما سبق فى تصرفات المستعير فالحكم هنا يتعارض مع الحكم هناك
(1)
.
مذهب المالكية:
أجرة أخذ المستعار من مكانه ان احتاج لأجرة على المستعير. وأختلف فى أجرة رده فقيل: على المستعير أيضا، وهو الاظهر
(2)
واذا رد المستعير المستعار الذى يتعذر أخفاؤه كالدابة مع خادمه أو رسوله أو نحوهما فتلفت أو ضلت فانه لا ضمان عليه، لأن شأن الناس هذا وعادتهم جارية بذلك. أما فى المستعار الذى يمكن اخفاؤه كالثياب والحلى فانه يضمنه ولا يصدق فى ذلك
(3)
.
وقال ابن رشد: من حق المستعير ان يشهد على تسليمه المستعار للمعير وان كان قد أخذه منه بلا اشهاد
(4)
.
مذهب الشافعية:
يجب على المستعير رد المستعار فورا متى بطلت الاعارة أو انتهت وان لم يطالبه المعير بذلك وسواء كان المستعير حيا أو ميتا فيجب ذلك على ورثته. وللمستعير ركوب المستعار - ان كان مما يركب - فى أثناء رده ولو لم تجربه عادة، للزومه له.
فان أخر المستعير الرد لزمته الأجرة مع مؤنة الرد، فان كان ذلك بعد علمه وتمكنه من الرد ضمن المستعار أيضا وان أخر الورثة الرد حتى هلك المستعار فان كان لعدم تمكنهم منه فالمستعار مضمون فى تركة المستعير ولا أجرة وان كان مع تمكنهم منه فالمستعار مضمون عليهم مع الأجرة.
وكذلك تجب على المستعير أجرة رد المستعار ان كان له مؤنة لأن الاعارة احسان فلو لم تجعل أجرة الرد على المستعير فقد يمتنع الناس منها، فان كان المستعير ميتا
(1)
البدائع ج 6 ص 211، تكملة ابن عابدين ج 2 ص 402 - 404، الهداية والعناية بتكملة فتح القدير ج 7 ص 111 - 112، الجوهرة ج 1 ص 352، الاختيار ج 2 ص 121
(2)
الحطاب ج 5 ص 272 والخرشى ج 6 ص 149، الدسوقى عى الشرح الكبير ج 3 ص 446
(3)
شرح الخرشى ج 6 ص 148، الحطاب ج 5 ص 273
(4)
الحطاب ج 5 ص 272
فأجرة الرد تجب على الورثة ان أخروا الرد مع تمكنهم منه. وفى حالة عدم تمكنهم من الرد تجب أجرة الرد على التركة. وهذا كله فى المستعير من المالك.
أما المستعير من مستأجر ونحوه فعليه أجرة الرد أيضا ان رد على معيره المستأجر.
وان رد على المالك مباشرة فأجرة الرد على المالك كما لو رد عليه معيره المستأجر
(1)
.
ويجب تسليم المستعار الى المعير أو وكيله فيه أو الحاكم عند غيبتهما أو ولى المعير أو الحاكم عند الحجر على المعير بسفه أو فلس. فلو رد المستعير الدابة المستعارة للاصطبل، أو الثوب ونحوه للبيت الذى أخذه منه لم يبرأ من الضمان الا أن يعلم بذلك المعير أو يخبره به ثقة.
وكذلك لا يبرأ المستعير من الضمان اذا رد المستعار وسلمه الى ولد المعير أو زوجته لأن ما وجب رده يجب رده الى المالك أو الى وكيله كالمغصوب وان لم يجد المعير أو وكيله بل يضمنا - الولد والزوجة - بتسلمهما المستعار، لعدم اذن المعير، فان تلف أستقر الضمان عليهما، لحصول التلف فى يدهما حتى لو غرما لم يرجعا على المستعير، ولو غرم المستعير رجع عليهما ويستثنى من هذا ما لو استعار مصحفا ونحوه من مسلم ثم ارتد المعير امتنع تسليمه اليه بل يتعين تسليمه للحاكم
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يجب على المستعير رد المستعار ان كان قائما متى انقضى الغرض المستعار له أو بطلت الاعارة أو انتهت.
فان أخر المستعير الرد بعد ذلك فعليه، أجرة المثل لمدة تأخيره، لصيرورة المستعار كالمغصوب لعدم الاذن فيه، قاله الحارثى وعلى المستعير أجرة رد المستعار الى مالكه كالمغصوب بجامع أنه قبضه لا لمصلحة مالكه.
وعلى المستعير رد المستعار الى المالك فى الموضع الذى أخذه منه الا أن يتفقا على رده الى غيره، ولا يجب على المستعير أن يحمله له الى موضع آخر غير الذى أستعاره فيه. فاذا أخذه المستعير بدمشق وطلبه مالكه به فى بعلبك فان كان المستعار معه لزمه دفعه له لعدم الضرر، وان لم يكن معه فلا يلزمه حمله الى بعلبك، لأن الاطلاق انما أقتضى الرد من حيث أخذ اعادة للشئ الى ما كان عليه فلا يجب ما زاد
(3)
.
وعلى المستعير تسليم المستعار الى المعير
(1)
اسنى المطالب ج 2 ص 328 - 336، نهاية المحتاج ج 5 ص 124، حاشية القليوبى على شرح المحلى ج 3 ص 20
(2)
أسنى المطالب وحاشية الرملى عليه ج 2 ص 329، نهاية المحتاج ج 5 ص 124، المهذب ج 1 ص 364
(3)
كشاف القناع وشرح المنته لهامشه ج 2 ص 324، 325، 338، المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 355، الروض المربع ج 2 ص 320.
أو وكيله فى قبضه ويبرأ بذلك من ضمانه وكذلك يبرأ من ضمانه ان سلمه الى من جرت عادته بجريان ذلك على يديه كتسليم الدابة الى سائسها وتسليم الدابة وغيرها من العوارى الى زوجة المعير المتصرفة فى ماله، أو خازن أمواله، أو وكيله العام فى قبض حقوقه اذا سلم اليهم ما جرت عادتهم بقبضه، وهذا هو الجارى على قياس المذهب قاله القاضى فى المجرد، لأن أحمد قال فى الوديعة: اذا سلمها المودع الى امرأته لم يضمنها، ولأن المستعير مأذون فى ذلك.
عرفا.
وان رد المستعير الدابة المستعارة الى أصطبل مالكها أو ردها الى المكان الذى أخذها منه أو الى ملك صاحبها ولم يسلمها لأحد لم يبرأ بذلك من ضمانها.
وكذلك لا يبرأ من ضمانها أن سلمها الى غلامه القائم بخدمته وقضاء أموره عبدا كان أو حرا أو سلمها الى عياله الذين لا عادة لهم بقبض ماله، لأنه لم يسلمها الى مالكها ولا نائبه فلم يبرأ كالأجنبى
(1)
.
مذهب الزيدية:
يجب على المستعير رد المستعار متى انقضت مدة الاعارة ونحوها، وتكفى التخلية ومدتها من مدة الاعارة فان شرط فى الاعارة عدم الرد صح الشرط ويكون المستعار بعد انقضاء مدة الاعارة ونحوها وديعة. وبموت المستعير يجب على ورثته الرد فورا، اذ الاباحة متعلقة به
(2)
.
ويكفى رد المستعار مع شخص معتاد لتسليمه الى يد شخص معتاد أن يتسلم ذلك.
أو لوضعه فى موضع معتاد فلا يجب على المستعير رد المستعار بنفسه ولا تسليمه الى يد مالكه بل لو رده على يد غلامه أو سلمه الى من جرت العادة بالتسليم اليه كزوجة المعير أو ولده صح وبرئ المستعير واذا كانت العادة جارية بتسيب الحيوان لم يحتج فيه الى اذن بل يبرأ اذا سيب الدابة حيث جرت العادة بذلك مع علم المالك.
وهذا كله فيما اذا لم يشرط المعير على المستعير تسليم المستعار الى يده فان شرط ذلك لم يبرأ المستعير بالتسليم أو الرد الى من جرى العرف بالتسليم والرد اليه، سواء كان شخصا أو مكانا لأن العرف يبطله الشرط، ولأن له أن يتحكم فى ملكه كيف شاء.
وكذلك يضمن المستعير لو سلم المستعار لأجنبى اجماعا، أو لم يربط ما جرت العادة بربطه فى الاصطبل لتفريطه، ويضمن ضمان غصب لو رد المستعار مع غير معتاد
(3)
.
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 325، 338، المغنى والشرح الكبير ج 5 ص 358، 369 - 370
(2)
التاج المذهب ج 3 ص 255، 256، البحر الزخار ج 4 ص 128
(3)
التاج المذهب ج 3 ص 256 - 257، البحر الزخار ج 4 ص 128
مذهب الإمامية:
يجب رد العين المستعارة عند طلب المعير وتمكن المستعير من ذلك، فان أهمل معهما ضمن وكذلك تجب أجرة رد المستعار على المستعير
(1)
.
ويجب رد العين المستعارة وتسليمها الى مالكها أو وكيله ويبرأ المستعير بذلك ولا يبرأ لو ردها الى ملك صاحبها، أو الى الحرز أو الموضع الذى أخذها منه من غير أن يسلمها الى يده أو ما فى حكمها كوكيله نحو أن يكون المستعار دابة فيردها المستعير الى اصطبل صاحبها ويربطها فيه لم يبرأ من الضمان، لأنه لم يسلمها الى المالك، وعلى اليد ما أخذت حتى تؤدى. ولو لم تكن العين المستعارة مضمونة صارت مضمونة بذلك لتفريطه بوضعها فى موضع لم يأذن المالك بالرد اليه
وكذا لو سلمها المستعير الى من جرت العادة بحفظها كزوجة المالك وسائس الدابة لم يبرأ
(2)
مذهب الإباضية:
ان تمت مدة الاعارة أو قضى المستعير حاجته فعليه رد المستعار لصاحبه، وان ضيعه ضمن
(3)
. ولا يدفع المستعير العين المستعارة لغير صاحبها من خادمه وزوجته وأجيره، ولا يربط الدابة فى غير رباطها فان فعل ذلك ضمن أن تلفت قبل أن تصل صاحبها.
وكذلك ليس له أن يرسلها مع من ذكر الا باذن صاحبها فان فعل فهو ضامن أن تلفت قبل أن تصل ويجوز له أن يرسلها مع أمين ليسلمها لصاحبها.
وان قال له صاحبها أرسلها مع من يجئ أو مع من شلت من الناس أو سمى له واحدا من قبيلة معلومة أو منزل معلوم فجائز. وقيل:
لا يجوز، فلا يفعل المستعير ذلك حتى يبين له رجلا معلوما.
وذكر فى الكتاب أنه يجوز للمستعير أن يسلمها لعيال المعير مثل خادمه أو ولده أو أجيره أو أمرأته أو يربطها فى موضع رباطها.
كما يجوز للمستعير أن يرسلها مع واحد من عياله ولا ضمان عليه وقيل يضمن ولو أرسلها مع أمين ان أحدث فيها الأمين شيئا.
واذا استعار شيئا ثم علم المستعير بحرمة هذا الشئ فى يد المعير بربا أو غصب أو سرقة أو قمار أو غير ذلك من وجوه الحرام فانه يلزم المستعير أن يسلمه لمالكه - لا لجاعله بيده - ان علمه. وان لم يعلم المستعير مالك هذا الشئ المستعار باعه واتفق ثمنه على الفقراء بنية الصدقة عليه.
ويرخص للمستعير أن يسلمه لجاعله بيده - المعير - ان علمت توبته
(4)
.
(1)
قواعد الاحكام ص 193، 194
(2)
تحرير الاحكام ص 371 وشرائع الاسلام ج 2 ص 143، الخلاف فى الفقه ج 1 ص 668 طبعة طهران سنة 1377
(3)
شرح النيل ج 6 ص 87
(4)
شرح النيل ج 6 ص 87 - 88
وان تسلم المعير دابته المستعارة فوجد فى عنقها قلادة كخيط وحبل وحجاب، أو وجد فى رجلها قيدا كان له أخذه عند البعض، لأن هذه الأشياء تكون موجودة بالدابة على وجه اللزوم الدائم وان طلبه صاحبه رده المعير اليه. وان وجد عليها سرجا أو برذعة أو لجاما أو حوية فليس له أخذه، لأن هذه الأشياء وجودها عارض للعمل لا على اللزوم الدائم الأكثر
(1)
.
اختلاف المعير والمستعير وتنازعهما:
مذهب الحنفية:
(أ) لو أختلف المعير والمستعير فى الأيام أو المكان أو فيما يحمل على العين المستعارة أو فى اطلاق العقد أو تقييده فالقول قول المعير، لأن المستعير يستفيد ملك الانتفاع من المعير فكان القول فى المقدار والتعيين قوله لكن مع اليمين دفعا للتهمة
(2)
.
(ب) وكل تصرف هو سبب للضمان لو ادعى أنه فعله باذن المعير وكذبه المعير فى ذلك فالقول قول المعير مع اليمين الا اذا أقام المستعير بينه على الأذن، لأن التصرف منه سبب لوجوب الضمان فى الأصل فدعوى الاذن من المعير دعوى أمر عارض فلا تسمع الا بدليل
(3)
. فمثلا لو دفع المستعير المستعار الى من زعم أنه استعاره من المالك وأمره بقبضه وأنكر المالك ذلك ضمن المستعير، لأنه يدعى على المعير الامر بالدفع وهو ينكر فالقول له مع اليمين فاذا حلف علم أنه دفعه الى غير المالك فيضمن له.
ولا يرجع المستعير على القابض اذا صدقه فى دعواه الاستعارة لأنه فى زعمه أن المعير ظالم له فى التضمين والمظلوم لا يظلم غير ظالم، فلو كذبه أو لم يصدقه أو شرط عليه الضمان فانه يرجع عليه
(4)
.
(ج) اذا ادعى المستعير الاعارة وهلاك المستعار فى يده وادعى المالك الغصب فان كان اختلافهما قبل مباشرته الانتفاع فالقول قول المستعير ولا ضمان عليه وان كان قد باشر الانتفاع بالمستعار فلا يقبل قوله ويكون ضامنا لوجود سبب الضمان وهو استعمال مال الغير.
(د) وان أدعى المالك الاجارة للعين وادعى الآخذ لها الاعارة وقد باشر الانتفاع بها وهلكت أثناء الانتفاع فالقول قول المنتفع مدعى الاعارة مع يمينه ولا ضمان عليه، لأنهما تصادقا على أن الانتفاع كان باذن المالك.
(هـ) واذا ادعى المستعير فى صحته أو مرضه - هلاك المستعار فالقول قوله مع يمينه.
(1)
شرح النيل ج 5 ص 514، 515
(2)
البدائع ج 6 ص 121، ص 122
(3)
البدائع ج 6 ص 216، 218، حاشية بن عابديا ج 4 ص 528 - 529، الفتاوى الهندية ج 4 ص 372 (9، 12) حاشية بن عابدين ج 4 ص 528، 529 والبدائع ج 6 ص 211
(4)
الفتاوى الهندية ج 4 ص 372
(و) واذا ادعى المستعير رد العين المستعارة للمعير قبل قوله فى هذا مع يمينه لأن المعير يدعى أمرا عارضا وهو الضمان على الأمين والمستعير مستصحب لحال الأمانة فكان متمسكا بالأصل فكان القول قوله مع اليمين
(1)
.
(ز) واذا جهز ابنته بما يجهز به مثلها ثم قال: كنت أعرتها الامتعة فان كان العرف شائعا بين الناس أن الاب يدفع ذلك الجهاز ملكا لا اعارة لا يقبل قوله انه اعارة لأن الظاهر يكذبه.
وان لم يكن العرف كذلك أو تارة وتارة فالقول قوله.
ولو كان الجهاز أكثر مما يجهز به مثلها فان القول له فى أنه اعارة اتفاقا. والأم وولى الصغيرة كالأب فى كل ما ذكره
(2)
.
مذهب المالكية:
ان ادعى الآخذ الاعارة وادعى المالك الاجارة فالقول قول المالك بيمينه الا أن يكون مثله لا يؤجر الدواب مثلا لشرفه وعلو مقامه فان القول حينئذ قول المستعير بيمين، فان نكل فالقول قول المالك بيمين ويأخذ منه الأجرة التى زعم أنه آجرها به، فان نكل أخذ أجرة مثلها الى الموضع الذى ركبها اليه. ومثل هذا التفصيل فيما اذا أسكنه معه فى دار سكناه.
وأما ان أسكنه بغيرها فالقول قول مالك الدار أنه آجرها، ولا يراعى كون مثله ذا قدر ورفعه أم لا. ومثل دار سكناه فى التفصيل المذكور الثياب والآنية.
(ب) وان أدعى المالك الاعارة والآخر يدعى شراء العين منه فالقول للمالك لأن القول قول من ادعى عدم البيع، لأن الشئ لا يخرج عن ملك صاحبه بلا بينة.
(ج) وكذلك القول قول المعير بيمينه فى زائد المسافة اذا اختلفا فيه فقال المعير.
أعرتك منافع دابتى من مصر لغزة وقال المستعير: بل الى دمشق فالقول للمعير اذا كان تنازعهما قبل أن يزيد المستعير شيئا على ما ادعاه المعير بأن تنازعا فى غزة.
وان كان تنازعهما قبل أن يحصل ركوب أصلا أو فى أثناء المسافة التى ادعاها المعير خير المستعير بين الركوب الى المحل الذى حلف عليه المعير، وبين أن يترك. فان خيف من المستعير أن يتعدى الموضع الذى حلف عليه المعير توثق منه المعير قبل أن يسلمها اليه، لئلا يركب ما ادعاه.
وان كان تنازعهما بعد أن ركب المستعير المسافة التى فوق دعوى المعير كلا أو بعضا فالقول قول المستعير بيمينه بالنسبة لنفى الضمان ان تلفت الدابة فيها، وينفى الأجرة مطلقا سواء كان تنازعهما بعد وصول دمشق أو قبله الا أنه اذا كان التنازع قبل وصولها فلا يقبل قول المستعير لما بقى من المسافة، وهذا ان أشبه قوله عرف الناس فى ذلك وحلف. فان لم يشبه قوله ذلك أو نكل عن
(1)
حاشية بن عابدين ج 4 ص 528، 529، والبدايع ج 6 ص 211
(2)
نفس المرجع السابق
اليمين كان القول قول المعير، فيضمن المستعير قيمتها ان تلفت فى المسافة الزائدة ويضمن أجرتها ان سلمت
(1)
.
(د) وان أختلفا فى قدر الأجل كان القول قول من شهد له العرف. فان أدعى معير العرصة - وهى كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها بناء - أنه أعارها رجلا خمسة أعوام وقال المستعير: عشرة فالقول قول المستعير مع يمينه، لأنه أقرب الى ما يشبه ارفاق الناس فى ذلك البنيان لأجل النفقة المنفقة عليها وقد أقر له المعير بأجل وأنكر المدة فصاحب العرصة مدع وعليه البينة. فان لم يشهد العرف لواحد منهما فالجارى على القواعد أن يكون القول قول المعير
(2)
.
(هـ) وان اختلفا فى تلف أو ضياع ما هو غير مضمون على المستعير من العوارى كالدواب ونحوها فالقول قول المستعير فبصدق ولا ضمان عليه الا لقرينة تدل على كذبه كأن يقول: تلف أوضاع يوم كذا فتقول البينة رأيناه معه بعد ذلك اليوم، أو يقول رفاقه فى السفر: ما سمعنا ذلك ولا رأيناه.
أما ما هو مضمون عليه كالحلى والثياب مما شأنه الخفاء فالقول قول المعير ان ادعى المستعير ضياعه الا اذا أقام المستعير البينة على ضياعه بلا سبب منه
(3)
.
وما علم هلاكه من العوارى بغير صنع المستعير كالسوس فى الثوب والخشب وقرض الفأر وحرق النار فانه يحلف بالله ما فرط فيه ويبرأ ان ادعى عليه المعير أنه حصل بتفريطه، وسواء كان مما هو مضمون عليه أم لا. فان نكل المستعير عن اليمين فانه يغرم بنكوله ولا ترد اليمين على المعير، لأنها يمين تهمة. وحيت نكل وضمن فيضمن ما بين قيمته سليما وقيمته بما حدث فيه سواء كان ذلك كثيرا أم قليلا
(4)
.
(و) وان اختلفا فى قيمة تالف تواصفاه.
(ز) وان اختلفا فى صفة المستعار وقد ضاع كان القول قول المستعير مع يمينه ما لم يأت بما لا يشبه ولا يتفق مع العرف
(5)
.
(ج) واذا ادعى المستعير أنه رد المستعار غير المضمون عليه كالحيوان الى صاحبه فانه يصدق، لأن القاعدة أن من قبل قوله فى الضياع والتلف قبل قوله فى الرد الى من دفعه اليه، الا أن يكون أخذه ببينة مقصودة
(6)
. أشهدها المعير عند الاعارة لخوف ادعاء المستعير الرد، فحينئذ لا يقبل
(1)
شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 6 ص 147، الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 3 ص 444 - 445
(2)
حاشية الرهونى ج 6 ص 203
(3)
الشرح الصغير ج 2 ص 227
(4)
الشرح الصغير ج 2 ص 228، شرح الخرشى ج 6 ص 144
(5)
حاشية الرهونى ج 6 ص 198
(6)
الخرشى ج 6 ص 148
قول المستعير برده الا ببينة تشهد له برد المستعار للمعير
(1)
.
(ط) أما اذا أدعى المستعير رد المستعار الذى يمكن اخفاؤه وتغييبه والمضمون فى يده فانه لا يصدق فى ذلك
(2)
. ويكون القول قول المعير مع اليمين سواء أخذه ببينة أو بغير بينة
(3)
.
(ى) وان زعم شخص أنه مرسل من زيد لاستعارة نحو حلى مثلا له من بكر فدفع له بكر ما طلب فأخذه وادعى أنه تلف منه ضمنه مرسله وهو زيد ان صدقه فى ارساله ويبرأ الرسول.
وان لم يصدقه أنه أرسله لاستعارة ما ذكر فان المرسل يحلف ويبرأ، ثم يحلف الرسول لقد أرسلنى وأنه تلف بلا تفريط منى، ويبرأ ويكون المستعار هدرا أى لا ضمان على واحد منهما.
وقيل: ان الرسول يضمن ولا يحلف الا كبينة تشهد له وأنه أرسله فلان. وهو الراجح فالضمان حينئذ على من أرسله.
أما لو كان المستعار مما لا يضمن كدابة فلا ضمان على أحد الا اذا تعدى. فان اعترف الرسول بالتعدى وأنه لم يرسله أحد وتلف منه ضمن أن كان حرا رشيدا. بخلاف الصبى والسفيه فلا يضمنان لتفريط المعير بالدفع لهما مع عدم أختبار حالهما
(4)
.
مذهب الشافعية:
لو اختلف المعير والمستعير فى رد المستعار فالقول قول المعير بيمينه، لأن الأصل عدم الرد مع أن المستعير قبض العين لمحض نفع نفسه
(5)
.
(ب) ولو اختلفا فقال مالك الدابة مثلا:
آجرتكها، وقال المتصرف فيها أعرتنيها، صدق المتصرف بيمينه ان لم تمض مدة لها أجرة ولم تتلف العين المستعارة، لأنه لم يتلف شيئا حتى تجعله مدعيا لسقوط بدله، وبحلف ما آجرتنى لتسقط عنه الأجرة ويرد العين لمالكها. فان نكل حلف المالك يمين الرد واستحق الأجرة فان مضت مدة لها أجرة صدق المالك بيمينه، لأنه انما يأذن فى الانتفاع بمقابل غالبا، والمتصرف فوت منفعة مال غيره وطلب اسقاط الضمان عن نفسه فلم يصدق.
ويحلف المالك: ما أعرتك بل آجرتك، ليستحق الأجرة ولا يكفى الاقتصار على نفى الاعارة لأنه لم ينكر أصل الاذن حتى يتوصل الى اثبات المال بنفى الاذن فاذا اعترف بأصل الاذن فانما يثبت المال بطريق الاجارة، فان نكل المالك عن اليمين لم يحلف المتصرف، لأنه لا يدعى الا الاعارة وهى لا تلزم ولا يستحق بها شيئا فان كانت العين تالفه - فى هذه
(1)
الشرح الصغير ج 2 ص 228 - 229
(2)
الخرشى ج 6 ص 148 - 149
(3)
الحطاب ج 5 ص 272
(4)
الخرشى ج 6 ص 148 - 149
(5)
مغنى المحتاج ج 2 ص 247 المطبعة اليمنية سنة 1308
المسألة - فالمتصرف مقر بالقيمة والمالك منكر لها ويدعى الأجرة ان كان التلف بعد مضى مدة لها أجرة، فيعطى المالك قدر الأجرة من القيمة بلا يمين، ويحلف للزائد فيما لو زادت الأجرة على القيمة
(1)
. ويجرى هذا على اختلاف مالك الأرض وزارعها وقيل يصدق المتصرف والزارع لأن المالك وافقهما على اباحة المنفعة لهما والأصل براءة ذمتهما من الأجرة التى يدعيها، وقيل: بصدق المالك فى الأرض دون الدابة، لأن الدواب يكثر فيها الاعارة
(2)
.
(ج) ولو اختلفا فادعى المالك غصب العين وادعى المتصرف أو الزارع الاعارة لها وهناك مدة لها أجرة ولم تتلف العين، صدق المالك بيمينه، لأن الأصل عدم الاذن فيحلف ويستحق أجرة المثل. وان لم تمض مدة لها أجرة فلا معنى للنزاع اذا لم تفت العين ولا المنفعة، فلو تلفت العين تلفا يوحب ضمانها فللمالك أخذ قيمتها يوم تلفها بلا يمين، لأن المتصرف مقر له بها. ولا يأخذ الاجرة فيما اذا مضت مدة لها أجرة ولا الزائد على قيمة يوم التلف الا بيمين.
(د) وان اختلفا فادعى مالك العين اعارتها وادعى المتصرف اجارتها، فالقول قول المالك بيمينه، لأن الأصل بقاء استحقاق المنفعة فيسترد العين ان كانت باقية. فان نكل عن اليمين حلف المتصرف اليمين المردودة واستوفى المدة.
وان حلف المالك وهناك مدة لها أجرة فقد أقر المتصرف فى العين له بأجرة وهو ينكرها فيسقط اقراره وان اختلفا فى ذلك بعد تلف العين بما هو غير مأذون فيه نظر فى ذلك
(3)
فان لم تمض مدة لمثلها أجرة حلف المالك وأخذ قيمة العين، لأن المتصرف أتلفها ويدعى مسقطا والأصل عدمه وان مضت مدة لمثلها أجرة فالمالك يدعى القيمة والمتصرف يدعى الأجرة فان كانت قيمة العين أكثر من الأجرة لم يستحق المالك شيئا حتى يحلف.
وان كانت القيمة مثل الأجرة أو أقل منها ففيه وجهان:
أحدهما، يستحق من غير يمين لأنهما متفقان على استحقاقه.
الثانى: لا يستحق من غير بمين، لأن المالك أسقط حقه من الأجرة حيث يدعى القيمة بحكم الاعارة والمتصرف منكر فلا يستحق بدون يمين
(4)
. وان كان تلف العين بما هو مأذون فيه فلا شئ
(5)
.
(هـ) وان اختلفا فادعى المالك الاعارة وادعى المتصرف ذو اليد الغصب فلا معنى لنزاعهما فيما اذا كانت العين باقية ولم تمض لها أجرة فان مضت فذو اليد مقر بالأجرة لمنكرها فتسقط.
(1)
اسنى المطالب ج 2 ص 335
(2)
مغنى المحتاج ج 2 ص 245 - 246
(3)
اسنى المطالب ج 2 ص 235
(4)
اسنى المطالب ج 2 ص 335، المهذب ج 1 ص 367
(5)
حاشية القليوبى على شرح المحلى ج 3 ص 26
وان تلفت العين قبل مضى مدة لها أجرة فان لم يزد أقصى القيم على قيمة يوم التلف أخذ القيمة بلا يمين وان زادت، أو مضت مدة لها أجرة فالزيادة والأجرة مقر بهما لمنكرهما فتسقطان
(1)
.
(و) وان اختلف المعير والمستعير فى وقوع شرط القلع أو الهدم أو تسوية الأرض فى البناء والغرس مجانا أو بعوض صدق المعير بيمينه كما لو اختلفا فى أصل الاعارة، لأن من صدق فى شئ صدق فى صفته. وذهب بعضهم الى تصديق المستعير، لأن الأصل عدم الشرط واحترام ماله
(2)
.
(ز) وان اختلفا فى حصول التلف للعين المستعارة بالاستعمال المأذون أو لا صدق المستعير بيمينه، لعسر اقامة البينة عليه، ولأن الأصل براءة ذمته.
وقيل: يصدق فى ذلك المعير، لأن الأصل فى العارية الضمان حتى يثبت ما يسقطه
(3)
.
ولو أقاما بينتين على ذلك قدمت بينة المعير، لأنها ناقلة وبينة المستعير مستصحبة
(4)
.
مذهب الحنابلة:
ان اختلفا فى المدة فقال المستعير: هى سنتان وقال المعير هى سنة - أو اختلفا فى المسافة فقال المعير: أعرتكها لتركبها أو تحمل عليها مسافة فرسخ واحد، وقال المستعير: بل أعرتنيها لمسافة فرسخين فالقول قول المعير، لأنه منكر لاعارة الزائد والأصل عدمه كما لو أنكر الاعارة أصلا.
(ب) وان اختلفا فى صفة العين حين التلف بأن قال المعير: كانت البقرة مثلا تدر لبنا كثيرا ونحوه وأنكر المستعير أو اختلفا فى قدر قيمة العين المعارة بعد تلفها فالقول للمستعير بيمينه ان ساغ، لأنه غارم ومنكر لما يدعيه المعين من الزيادة والأصل عدمها الا أن يكون للمعير بينة.
(ج) وان اختلفا فى رد المستعار بأن قال المستعير رددته وأنكره المعير فالقول للمعير بيمينه.
(د) وان اختلفا فادعى المالك الاعارة وادعى القابض الايداع فالقول قول المالك بيمينه لأن الأصل فى القابض لمال غيره الضمان، ويستحق المالك قيمة العين ان كانت تالفة ولا أجرة له. وكذلك القول قول المالك فى عكسها بأن أدعى المالك الايداع وادعى القابض الاعارة وللمالك حينئذ على القابض أجرة انتفاعه بالمقبوض، لأن الأصل ضمان المنافع عليه، ودعواه الاعارة غير مقبولة.
(هـ) واذا ادعى القابض أنه زرع الأرض اعارة وادعى المالك أنها اجارة فالقول قول
(1)
مغنى المحتاج ج 2 ص 248
(2)
حاشية البجيرمى على شرح المنهج ج 3 ص 95، حاشية القليوبى على شرح المحلى ج 3 ص 22
(3)
نهاية المحتاج ج 5 ص 126
(4)
حاشية الباجورى على شرح ابن القاسم ج 2 ص 13
المالك وان دفع اليه دابة أو غيرها ثم اختلفا فادعى المالك اجارتها وادعى القابض اعارتها وكان ذلك عقب العقد والدابة قائمة لم تتلف فالقول قول القابض بيمينه فان كان الاختلاف بعد مضى من المدة مع يمينه دون ما بقى من المدة فلا يقبل قول المالك فيه، لأن الأصل عدم العقه. ويكون القول فيها قول القابض لأن ما بقى بمنزله ما لو اختلفا عقب العقد.
وان ادعى المالك فى هذه الصورة الاعارة وادعى آخر الاجارة فالقول قول المالك مع يمينه لأن القابض يدعى استحقاق المنافع ويعترف بالأجر للمالك والمالك ينكر ذلك كله.
وان اختلفا فى ذلك بعد تلف الدابة قبل مضى مدة لمثلها أجر فالقول قول المالك سواء ادعى الاجارة أو الاعارة، لأنه ان ادعى الاجارة فهو معترف للقابض ببراءة ذمته من ضمانها فيقبل اقراره على نفسه وان أدعى الاعارة فهو يدعى قيمتها والقول قوله لأنهما اختلفا فى صفة القبض والأصل فيما يقبضه الانسان من مال غيره الضمان فاذا حلف المالك استحق القيمة.
وان اختلفا فى ذلك بعد مضى مدة لها أجرة والدابة تالفة وكان الأجر بقدر قيمتها أو كان ما يدعيه المالك أقل مما يعترف به القابض فالقول قول المالك بغير يمين سواء ادعى الاعارة أو الاجارة، اذ لا فائدة فى اليمين،
وان كان ما يدعيه المالك أكثر سواء كان يدعى القيمة بالاعارة أو الاجرة بالاجارة فالقول قوله بيمينه فى الصورتين فاذا حلف استحق ما حلف عليه.
(و) وان اختلفا فادعى القابض الاعارة وادعى المالك الغصب فان كان الاختلاف عقب العقد والدابة قائمة لم يتلف منها شئ فلا معنى للاختلاف ويأخذ المالك عينه المتنازع عليها وكذلك القول قول المالك ان كانت الدابة تالفة، لأن القيمة تجب على المستعير كوجوبها على الغاصب.
وان كان الاختلاف بعد مضى مدة لمثلها أجر فالاختلاف فى وجوبه والقول فيه قول المالك.
(ز) وان اختلف المعير والمستعير فيما تلفت به أجزاء المستعار فادعى المستعير تلفها بالاستعمال المعتاد والمأذون فيه، وادعى المعير تلفها بغيره ولا بينة له فالقول قول المستعير مع يمينه أنه لم يتعد الاستعمال بالمعروف، فاذا حلف برأ من ضمانها، لأنه منكر والأصل براءته
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ان اختلفا فادعى المعير على المستعير أنه تعدى أو أضاع المستعار حتى تلف أو عرض فيه عارض فان قامت بذلك بينة ضمن المستعير بلا خلاف، وان لم تقم بينه وأنكر المستعير ذلك لزمته اليمين وبرئ لأنه مدعى عليه
(2)
.
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 320 - 326، 338 - 339، والمغنى والشرح الكبير ج 5 ص 362، 369، 371 - 373 والروض المربع ج 2 ص 221
(2)
المحلى ج 9 ص 169 مسألة رقم 1650
مذهب الزيدية
اذا اختلف المعير والمستعير كان القول للمستعير فى سبعة أشياء:
الأول: فى قيمة المستعار المضمون باشتراط الضمان أو بالتعدى بعد تلفه.
الثانى: فى قدر المدة المضروبة للاعارة.
الثالث: فى قدر المسافة التى وقعت الاعارة عليها. وانما يقبل قول المستعير فى قدر المدة والمسافة بعد مضيهما اذ بالأصل البراءة فان كان اختلافهما قبل مضيها فالقول قول المعير فيما بقى منهما دون الماضى، لأن انكاره بمنزلة الرجوع عن لا اعارة وهى تبطل برجوعه.
الرابع: فى رد المستعار غير المضمون وتلفه.
الخامس: اذا كان المستعار مضمونا بالتعدى فالقول قول المستعير فى عينه.
السادس: اذا كان المستعار غير مضمون فالقول قول المستعير فى تلفه، لأنه أمين، فان كان المستعار مضمنا فالقول قول المعير، وتلزم المستعير البينة.
السابع: فى أنها اعارة لا اجارة والبينة على المالك أنها اجارة وهذا اذا لم يكن للمالك عادة باجارة العين موضع النزاع أو أستوت عادته فى تأجيرها وعدم تأجيرها معا لأن الأصل فى المنافع عدم الأعواض عند الهادوية، وهو المختار. فان كانت عادته تأجيرها أكثر من اعارتها كان القول قوله فى انها اجارة لا اعارة
(1)
.
مذهب الإمامية:
(أ) ان اختلف المعير والمستعير فى تلف المستعار بأن ادعاه المستعير وأنكره المعير فالقول قول المستعير لأنه أمين فيقبل قوله لامكان صدقه، سواء أدعى التلف بأمر ظاهر أم خفى فلو لم يقبل قوله لزم تخليده فى الحبس.
(ب) ولو ادعى المستعير رد المستعار فالقول قول المعير مع يمينه لاصالة عدم الرد، وقد قبضه المستعير لمصلحة نفسه فلا يقبل قوله.
ومعنى عدم قبول قول المستعير فيه الحكم بضمانه للمثل أو القيمة حيث تعذر رد عينه.
(ج) ولو اختلفا فى قيمة المستعار كان القول قول المستعير، وقيل: القول قول المالك، والأول هو الأشبه.
(د) ولو اختلفا فى التفريط فالقول قول المستعير بيمينه
(2)
.
(هـ) واذا اختلفا فادعى المالك الغصب، وادعى ذو اليد الاعارة فالقول قول ذى اليد،
(1)
التاج المذهب ج 3 ص 260 - 261، البحر الزخار ج 4 ص 130
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 390 - 391، شرائع الاسلام ج 2 ص 143، قواعد الاحكام ج 1 ص 194 (5، 6) المختصر النافع ج 1 ص 150 وشرائع الاسلام ج 2 ص 143
لأن الأصل براءة الذمة والمالك مدع فعليه البينة
(1)
.
(و) ولو أدعى المالك الاجارة وأدعى ذو اليد الاعارة فالقول قول ذى اليد، لاتفاقهما على أن تلف المنافع وقع على ملك ذى اليد وانما يختلفان فى الأجرة والأصل براءة ذمته منها.
وقيل: القول قول المالك فى عدم الاعارة لأن المنافع أموال كالاعيان فهى بالاصالة لمالك العين فادعاء ذى اليد ملكيتها بغير عوض على خلاف الأصل، ويثبت له بعد الحلف الأقل من أجرة المثل والمدعى ولو كان الاختلاف عقب العقد من غير انتفاع كان القول قول ذى اليد القابض للعين اتفاقا لأن المالك يدعى عقدا وهذا ينكره
(2)
.
(ز) واذا اختلف الزراع وصاحب الأرض.
فقال الزارع: أعرتنيها، وقال صاحبها:
أجرتكها، فالقول قول الزارع مع يمينه، لما ذكر من أن الأصل براءة الذمة
(3)
.
(ج) ولو ادعى ذو اليد استئجار الذهب - على القول بجوازه - بعد تلفه وادعى المالك الاعارة فان اتفقت الأجرة والقيمة أخذها المالك بغير يمين.
وان زادت القيمة عن الأجرة أخذها باليمين فان كان اختلافهما قبل تلف العين فللمالك انتزاعها من يد المستعير باليمين على نفى الاجارة
(4)
.
مذهب الإباضية:
ان ادعى مالك الدابة أو الدار أو السفينة أو غير ذلك اعارتها، وادعى الآخذ لها الاجارة فالقول قول المالك.
وفى الديوان: اذا حمل رجل على دابة رجل شيئا فقال صاحبها: أعطنى أجرتها، وقال: أعرتها لى فالقول قول الحامل عليها.
وقيل: القول قول صاحبها ان عرف أنه يؤجرها.
(ب) وان قال المستعير: أمرتنى أن أحمل عليها الى كذا، أو أن أحمل كذا فأنكر المعير، أو قال بأقل أو بخلاف فالقول قول المعير. وكذلك الحكم فى غير الدابة.
(ج) والمستعار اذا فعل به المستعير ما يجعله ضامنا له فادعى أنه دفعه للمعير وأنكر ذلك المعير فالقول قوله وقيل: القول قول من من كان المستعار بيده
(5)
.
(د) ويصدق المستعير بلا يمين ان ادعى تلف ما بيده من مستعار وكان أمينا عند القاضى فان لم يكن أمينا عنده احتاج الى الشهود على كونه أمينا.
(1)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 669 مسألة رقم 5
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 390 - 391، شرائع الاسلام ج 2 ص 143، قواعد الاحكام ج 1 ص 194
(3)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 668 مسألة رقم 4
(4)
قواعد الاحكام ج 1 ص 194
(5)
شرح النيل ج 5 ص 192
وان كان غير أمين أو لا يدرى حاله حلف وقيل: يحلف فى ذلك كله ولو أمينا.
والمراد بالتلف هنا التلف الذى يعذر فيه المستعير كالموت لا الذى لا يعذر فيه كالسقوط والنسيان فى موضع والغلط
(1)
.
(هـ) وان جحد المستعير ما بيده، وقال مثلا: لا عارية لك عندى، فأقام عليه المعير البينة أنها بيده ثم أدعى تلفها لم يصدق فى ادعائه التلف الا ببيان أو يمين، لأنه بجحوده خرج من كونه أمينا فى الشئ ولو كان أمينا فيه قبل.
قال صاحب شرح النيل: وعندى أنه لا يخرج عن الغرم باليمين ولا يطالب باليمين ولا يمين عليه بل يلزمه الغرم لا يخرج عنه الا ببيان
(2)
.
(و) وان استعارت حليا فجعلته لبنتها فذهب، وقالت: استعرته لها وأنكر ذلك المعير فالقول قوله مع يمينه فان حلف ضمنته الأم ان لم تبين.
فان أقر المعير باستعارته لبنتها لم تضمن الأم الا أن كانت البنت خفيفة تدخل مداخل السوء ولم يعلم بذلك صاحب الحلى المستعارة لها فان الأم ضامنة
(3)
.
انفساخ عقد الاعارة وفسخه:
مذهب الحنفية:
تنفسخ الاعارة بموت المعير فلورثته استرداد العارية
(4)
. لأن المعير ملك المستعير منافع المستعار فى الحال لا بعد موته بمقتضى العقد بالموت
(5)
.
وكذلك تنفسخ بموت المستعير، فليس لورثته الانتفاع بالمستعار بعد ذلك حتى لو استعملوه فهلك ضمنوه
(6)
.
ولو مات المستعير ولم توجد العين المعارة فيما حلف أو لم تعرف بعينها ومات قبل البيان فانها تكون مضمونة عليه فى تركته لأنه صار بالتجهيل مستهلكا للعارية، ولا تصدق ورثته على الهلاك أو التسليم للمعير.
ولو عين المستعير العين المستعارة فى حال حياته أو علم ذلك كان ذلك أمانة فى يد وصيه أو فى يد وارثه كما كان فى يده ويصدقون على الهلاك والدفع الى المعير كما يصدق المستعير فى ذلك قبل موته
(7)
. كما تنفسخ بمخالفة المستعير لما هو مشروط نصا أو عرفا، لأن المستعير لما خالف ودخل المستعار فى ضمانه فقد ارتفع العقد فلا يعود الا بالتجديد.
(1)
شرح النيل ج 7 ص 35
(2)
شرح النيل ج 7 ص 36
(3)
شرح النيل ج 6 ص 90
(4)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 530 والفتاوى الهندية ج 4 ص 373
(5)
البدائع ج 7 ص 352 - 353
(6)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 530 والفتاوى الهندية ج 4 ص 373
(7)
البدائع ج 6 ص 115
وكذلك تنفسخ بجحود المستعير للمستعار فى وجه المعير، لأنه لما جحده حال حضرة المالك فقد عزل نفسه عن استيفاء منفعته فانفسخ العقد، حتى لو قامت البينة على الاعارة أو نكل المستعير عن اليمين أو أقربه بعد ذلك دخل المستعار فى ضمانه
(1)
.
وكذلك تفسخ الاعارة برجوع أحد المتعاقدين المعير أو المستعير - متى شاء ولو مؤقتة. وتنته الاعارة اذا كانت مؤقتة بانقضاء المدة المحددة لها فى العقد
(2)
.
مذهب المالكية:
لا ينفسخ عقد الاعارة بموت المعير ولا المستعير اذا كان ذلك بعد قبض العارية ويقوم ورثة المستعير مقامه فى الانتفاع بالعارية بعد موته وتنفسح بموت المعير قبل قبضها فلا يكون للمستعير حق طلبها ولا تنفسح بموت المستعير قبل القبض ويقوم ورثته مقامه
(3)
واذا أتلف المعير العين المعارة بعد قبض المستعير لها وقبل استعماله ففى ضمان المعير وغرامته ثلاثة أقوال أحسنها:
ان المعير يغرم للمستعير قيمة تلك المنافع التى لم يستعملها والتى استعار العارية لأجلها.
وقيل: يغرم المعير قيمة العارية ويستأجر للمستعير من القيمة مثل العارية التى أتلفها وقيل: يشترى له من القيمة مثلها. واذا أتلفها المعير قبل قبض المستعير لها فلا شئ عليه
(4)
.
مذهب الشافعية:
تنفسخ الاعارة بموت واحد من المتعاقدين أو جنونه أو اغمائه أو الحجر عليه لسفه، وكذا بالحجر على المعير بسبب افلاسه فيما يظهر أما لو حجر على المستعير بفلس فلا تنفسخ الاعارة اذا لم تكن العارية مضمونة، لأنه يجوز ابتداؤها حينئذ.
وكذلك تنفسخ بزوال ملك العين عن المستعار بنحو بيع أو وقف كما تنفسخ بالرجوع من المتعاقدين أو أحدهما واذا انفسخت الاعارة أو انتهت وجب على المستعير ان كان حيا أو ورثته ان كان ميتا رد المستعار فورا وان لم يطلب المعير فان أخره الورثة فان كان لعدم تمكنهم منه كان المستعار مضمونا فى التركة مع مؤنة رده ولا أجرة فان لم تكن تركة فلا شئ عليهم غير التخلية وان كان التأخير بغير عذر فالمستعار مضمون عليهم مع الأجرة ومؤنة رده. وكورثة المستعير فى كل ذلك وليه لو جن أو حجر عليه بسفه أو أغمى عليه أكثر من ثلاثة أيام
(5)
.
(1)
البدائع ج 6 ص 212
(2)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 525، 528
(3)
المدونة ج 4 ص 363 الطبعة الاولى للمطبعة الخيرية سنة 1324
(4)
منح الجليل ج 3 ص 491 - 492
(5)
اسنى المطالب ج 2 ص 332، الاشباه والنظائر للسيوطى ج 1 ص 289 طبعة الحلبى سنة 1378 هـ، نهاية المحتاج ج 5 ص 126 وحاشية القليوبى على شرح المحلى ج 3 ص 22
ولو استعمل المستعير المستعار بعد جنون المعير غير عالم به فعليه الاجرة لأن المعير بعد جنونه ليس أهلا للاباحة ولا ينسب اليه تقصير لعدم الاعلام. ومثل الجنون اغماؤه أو موته فتلزم الأجرة مطلقا لبطلان الاذن بالاغماء والموت.
ولو استعمل المستعير المستعار فى الاعارة المؤقتة بعد انتهاء المدة المحددة فى العقد جاهلا بانتهائها فالاقرب هو ضمان الأجرة لأن الاستعمال فى المؤقتة بعد فراغ المدة لم يتناوله الاذن أصلا فاستعمالها محض تعد، وجهله انما يفيد عدم الاثم فقط.
ولو استعمله بعد رجوع المعير جاهلا فلا أجرة عليه، ولا ينافيه قولهم: ان الضمان لا يختلف بالعلم والجهل لأن محله اذا لم سلطة المالك ولى يقصر بترك اعلامه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
تنته الاعارة بموت المعير أو المستعير، وبمطالبة المعير المستعير برد المستعار ولو لم ينقض غرض المستعير منه، لأن الاذن قد انقطع بالطلب
(2)
.
وكذلك تنته لو وهب المعير للمستعير العين المستعارة، أو باعها له أو نحوه لأنها غير لازمة وتنته الاعارة أيضا بأنقضاء غرض المستعير من العين المستعارة أو بانتهاء الوقت ان كانت الاعارة مؤقتة. واذا حدث شئ من ذلك وجب على المستعير رد المستعار، فان أخره بعد ذلك لزمه أجرة مثل المستعار لمدة تأخيره، لصيرورته كالمغصوب لعدم الاذن فيه
(3)
.
مذهب الزيدية:
تنفسخ الاعارة بجنون المعير أو المستعير فى الاعارة المطلقة لا المؤقتة، وكذلك تنفسخ باغماء أحدهما أو ردته مع لحوقه بدار الحرب لأنها غير لازمة من الطرفين كالوكالة وكذلك تنفسخ بموت المعير فى المطلقة لا المؤقتة أما المستعير فتنفسح بموته ولو مؤقته فلا يستحق ورثة المستعير شيئا مما كان لمورثهم اذ الاباحة متعلقة به لا بورثته.
وأما الخيار الذى كان لمورثهم فى الغرس والبناء - السابق ذكره فى اعارة الأرض للبناء والغرس - فيثبت لهم وكذلك تنفسخ برجوع المعير
(3)
.
فان كانت الاعارة مؤقتة فمات المعير قبل انقضاء الوقت كانت فيما بقى من المدة وصية يراعى فيها نفاد الانتفاع بها من ثلث التركة.
مذهب الإمامية
تنفسخ الاعارة بموت كل من المعير أو المستعير كغيرها من العقود الجائزة،
(1)
حاشية البجرمى على شرح منهج الطلاب ج 3 ص 93
(2)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 2 ص 313
(3)
التاج المذهب ج 3 ص 258 - 259 وشرح الازهار ج 3 ص 432، 433
وجنون كل منهما أو اغمائه كما تنفسخ الاعارة بفسخ أحد المتعاقدين لها
(1)
.
مذهب الإباضية:
تنفسخ الاعارة بموت المعير أو جنونه فلا ينتفع المستعير بالمستعار ولا بغلته بعد ذلك.
وكذلك تنفسخ برجوع المعير ونزعه المستعار من يد المستعير.
ولا تنفسخ بموت المستعير فينتفع بالمستعار ورثته الا أنه لا ينتفع به منهم الا أولاده وبنته ولو تزوجت. وينتفعون به على قدر انصبائهم لا على الرءوس. وينتفع به ولد الابن قدر نصيب أبيه فقط ولو تعدد ولو أنثى. أما ولد البنت فلا ينتفع معهم
(2)
.
وان مات المعير لوعاء ونحوه فطلبه ورثته من مستعيره وله فيه شئ يفسد بنزعه من الوعاء فلا يرده لهم حتى يفرغ ذلك الشئ الذى فيه.
ولا يزيد فيه بعد موت المعير ولا يحتال فى بقائه فيه بل يحرص فى فراغه.
فان زاد أو احتال ضمن الأجرة.
ولا يدفعه لأولاد المعير أو ورثته بلا حضور وكيل اليتيم أو المجنون أو الغائب والقول قول المستعير ان ادعى انه جعل ذلك الشئ فى الوعاء أثناء حياة المعير قال صاحب شرح النيل: ولا يمين عليه عندى، لأنه فى يده مأمون فيه.
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 385 وشرائع الإسلام ج 2 ص 142 طبعة المكتبة العلمية بطهران سنة 1377.
(2)
شرح النيل ج 6 ص 90 - 91.
إعتاق
التعريف بالاعتاق:
الاعتاق مصدر أعتق يعتق اعتاقا هو لغة اثبات القوة، يقال عتق الفرخ اذا قوى وطار من وكره
(1)
، وشرعا عند أبى حنيفة ازالة الملك، وعند أبى يوسف ومحمد اثبات القوة الشرعية للمملوك
(2)
والمراد انه اذا أعتق العبد ثبتت له قوة شرعية بها يمكنه أن يبيع ويشترى وغير ذلك من التصرفات التى يقوم بها الأحرار. ولا يخرج معناه الشرعى عن هذا عند سائر المذاهب،
صفته الشرعية
أما صفته الشرعية فقد ندب اليه الشرع فى الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى:
«فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ»
(3)
.
وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم:
(4)
.
من يصح اعتاقه
مذهب الحنفية:
ذهبت الحنفية الى أنه يشترط فيمن يصح اعتاقه أن يكون بالغا عاقلا حرا مالكا لمن يعتقه حالة العتق.
أما اشتراط البلوغ فلأن الصبى ان كان اعتاقه قربة فهو ليس من أهل القرب لأن القلم مرفوع عنه، وان كان اعتاقه ليس قربة فهو اتلاف محض واضاعة للمال فيما لا غرض فيه ولا مصلحة.
وأما اشتراط العقل فلأن المجنون مرفوع عنه القلم فلا يتوجه اليه خطاب للندب، وهو أولى من الصبى فى عدم صحة اعتاقه لأنه زائل العقل والصبى ناقص العقل.
وأما اشتراط الحرية، فلأن العبد وما ملكت يداه لسيده فهو لا يملك شيئا ويدل على أنه لا يملك شيئا ما روى أن ابن مسعود رضى الله عنه كان له عبد أراد أن يعتقه فقال له أخبرنى بمالك فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«من أعتق عبدا فماله للذى أعتقه» ذكر هذا الحديث ابن حزم.
وأما اشتراط أن يكون مالكا للعبد حالة العتق فلقوله صلى الله عليه وسلم لا عتق لابن آدم فيما لا يملك.
(1)
القاموس المحيط فصل العين باب القاف 262
(2)
الزيلعى ج 3 ص 67
(3)
الآية رقم 11، 12، 13 من سورة البلد ..
(4)
رواه الشيخان
ولم يشترط الحنفية الاختيار فيقع عندهم اعتاق المكره كما سنذكره فيما يعد ان شاء الله تعالى.
ولم يشترطوا القصد فيقع عندهم اعتاق الهازل لقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث هزلهن جد وجدهن جد» وعد منها الاعتاق
(1)
.
مذهب المالكية:
وذهبت المالكية الى أنه يشترط فيمن يقع اعتاقه أن يكون بالغا عاقلا وأن يكون غير محجور عليه فيما أعتق فلو منعه الحاكم من العتق لسفهه فأعتق لا يقع عتقه. وان لا يكون مدينا يحيط الدين بماله فلو أعتق عبدا وكان العبد داخلا فى الدين، لا يقع عتقه، والظاهر عند المالكية أنه يصح اعتاق العبد لأنه يملك وان كان محجورا عليه فيه، فلا ينفذ الا باذن سيده
(2)
.
مذهب الشافعية:
وذهبت الشافعية الى ما ذهبت اليه الحنفية من اشتراط البلوغ والعقل والحرية وأن يكون مالكا لما يعتقه حالة العتق فلو قال لعبد الغير أنت حر ثم ملكه بشراء أو هبة لا يقع عتقه لأنه وقت العتق لم يكن مالكا له
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وذهبت الحنابلة الى أنه يشترط فيمن يقع اعتاقه أن يكون بالغا.
وقيل يجوز اعتاق الصبى ويشترط أن يكون غير سفيه وأن يكون عاقلا
(4)
.
مذهب الظاهرية:
وذهبت الظاهرية الى اشتراط البلوغ والعقل والملك حالة العتق والقربة ولم يشترطوا الحرية بناء على أن العبد يملك عندهم
واستدلوا على ملكية العبد. بقوله تعالى - «فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» }.
قال ابن حزم أن الخطاب فى هذه الآية عام يشمل الاحرار والعبيد، وقد أمر الله تعالى العبيد بأن يدفعوا المهر لمن يتزوجونهن فدل ذلك على ملكيتهم للمهر
(5)
.
مذهب الزيدية:
وذهبت الزيدية الى أنه يشترط أن يكون مكلفا مطلق التصرف مالكا حالة العتق
(6)
.
مذهب الإمامية:
وذهبت الشيعة الإمامية الى اشتراط العقل والحرية والملك لمن يعتقه حالة العتق والقربة
(1)
الزيلعى ج 3 ص 67
(2)
حاشية الدسوقى ج 4 ص 359، والحطاب ج 6 ص 327
(3)
شرح المنهاج ج 4 ص 521
(4)
كشاف القناع ج 2 ص 626
(5)
المحلى ج 9 ص 205 وما بعدها
(6)
البحر الزخار ج 4 ص 192
ولم يشترطوا البلوغ لأن الصبى نوى بالعتق التقرب الى الله تعالى وان لم يثبت له الثواب
(1)
.
مذهب الإباضية:
وذهبت الإباضية الى اشتراط البلوغ والعقل والملك والقربة وفى ملكية العبد قولان هم
(2)
. فبناء على أنه يملك يصح عتقه وبناء على أنه لا يملك لا يصح عتقه.
من هذا الذى ذكرنا تبين أن الظاهرية والإمامية والإباضية يشترطون القربة فى الاعتاق بمعنى أن يكون المعتق يقصد بعتقه وجه الله تعالى ودليلهم على ذلك ما ذكره ابن حزم من قوله تعالى:
«وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» .
قال ابن حزم ولما كان العتق عبادة فلا بد أن تكون خالصة لله تعالى فاذا كانت غير خالصة وجب ردها لقوله صلى الله عليه وسلم: «ومن عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» فوجب رد هذا العتق وابطاله.
وذهب جمهور الفقهاء
(3)
الى عدم اشتراط القربة قياسا على الكتابة فانها صحيحة وهى عتق على مال وليس فيها معنى القربة اذ كيف يتقرب الى الله تعالى بعتق عبد أخذ فى مقابلة مالا ولو كانت القربة شرطا فى العتق لما صح اعتاق الكافر لعبد مسلم لأنه ليس من أهل القرب.
الفاظه الصريح منها والكنائى
مذهب الحنفية:
ذهبت الحنفية الى أن ألفاظ الأعتاق الصريحة أنت حر ومحرر وحررتك وأنت معتق وعتيق واعتقك فهذه الالفاظ يقع بها العتق بدون نية لأنه غلب استعمالها فى ازالة الرق.
أما الكنائى من الفاظ العتق فمثل لا سبيل عليك ولا ملك لى عليك، لأن هذه الألفاظ تحتمل الاعتاق لأن السيد له سبيل على العبد من جهة أن العبد لا يتصرف الا باذن سيده، فاذا نوى العتق أصبح السيد لا سبيل له على عبده واذا نوى عدم العتق صدق، كما اذا قال نويت نفى السبيل كذبا أو تهكما ومثل ذلك لا ملك عليك لأنى بعتك فلا يعتق أو لا ملك عليك لأنى أعتقتك فيعتق
(4)
.
مذهب المالكية:
وذهبت المالكية الى أن الصريح أنت حر وعتيق وما تصرف منهما والكتابة مثل لا سبيل لى عليك ولا ملك لى عليك
(5)
.
(1)
المختصر النافع ص 235 وما بعدها
(2)
شرح النيل ج 6 ص 322 وما بعدها
(3)
راجع المراجع المذكورة لجمهور الفقهاء فى باب العتق
(4)
الزيلعى ج 7 ص 167
(5)
بداية المجتهد ج 1 ص 58
مذهب الشافعية:
وذهبت الشافعية الى أن صريح العتق التحرير والعتق وما تصرف منهما لورودهما فى القرآن والسنة أما أنت تحرير أو عتق فكتابة لا بد فيها من النية
(1)
.
مذهب الحنابلة:
وذهبت الحنابلة الى أن صريح العتق لفظ العتق والحرية وما تصرف منهما وكناياته كثيرة منها خليتك ولا سبيل لى عليك ولا خدمة لى عليك
(2)
.
مذهب الزيدية:
قالوا ألفاظه الصريحة حررتك وأعتقتك وأنت حر وعتيق وكتابته ما احتمله وغيره، كأطلقتك فتعتبر النية اجماعا، ولا ملك ولا سبيل لى عليك وأخرجتك من ملكى
(3)
.
مذهب الإمامية:
قالوا عبارته الصريحة التحرير، وفى لفظ العتق تردد، ولا اعتبار بغير ذلك من الكنايات وان قصد
(4)
.
عتق ذى الرحم المحرم بالملك
مذهب الحنفية:
ذهبت الحنفية والحنابلة والزيدية والإباضية الى أن من ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه، والمراد بذى الرحم المحرم، القريب الذى يحرم تزوجه لو كان أنثى كالأصل والقرع، والأخوة والأعمام والأخوال، سواء أكان الملك اختياريا كما اذا أشترى الرجل أباه أو أخا الرقيقين، أم اضطراريا كالارث، كما اذا أشترت أمه عمه، ثم ماتت الأم أصبح وارثا للتركة التى من جملتها عمه فيعتق عليه جبرا
(5)
.
واستدلوا على ذلك بالمنقول، والمعقول.
- أما المنقول فقوله صلى الله عليه وسلم:
«ومن ملك ذا رحم محرم منه عتق عليه»
(6)
.
وأما المعقول فهو أن الشارع انما حرم نكاح مثل الأخت، لما فى ذلك من قطيعة الرحم التى أمرنا بوصلها ونهينا عن قطعها.
وانما كان الزواج من المحارم يؤدى الى قطيعة الرحم، لما فى نكاحهن من ذل الاستفراش وذل ملك النكاح وهذا المعنى وهو الذل المؤدى الى قطيعة الرحم موجود بصورة أظهر فى ملك اليمين لأن المالك يتصرف فى
(1)
شرح المنهاج ج 4 ص 522 - 527
(2)
كشاف القناع ج 2 ص 626
(3)
البحر الزخار ج 4 ص 192
(4)
المختصر النافع ص 235 وما بعدها
(5)
الحنفية زيلعى ج 3 ص 70 الحنابلة ج 12 ص 268 الزيدية البحر الزخار ج 4، ص 193 - 194 الإباضية شرح النيل ج 6 ص 379
(6)
رواه داود وهو رواية عن عمر يرفعه
أخته مثلا كيف شاء من بيع أو هبة أو اجارة أو اعارة أو استخدام أو غير ذلك، فكلما كان الذل أقوى كان هو بالمنع أولى، وللصيانة عن قطيعة الرحم حرم الشارع نكاح الأختين وقال صلى الله عليه وسلم: انكم ان فعلتم هذا قطعتم أرحامكم
(1)
.
مذهب المالكية:
وذهبت المالكية الى أنه لا يعتق عليه الا الأصل والفرع والأخوة والأخوات.
أما الأصل فلقوله صلى الله عليه وسلم:
«لا يجزى ولد عن والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه
(2)
.
قال الامام مالك أنه يفهم من هذا الحديث انه اذا اشترى الرجل أباه عتق عليه، وأما الفرع فيعتق عليه قياسا على الأب بجامع البعضية فى كل، ولذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم:«فاطمة بضعة منى» وأما الأخوة فيعتقون عليه بالقياس على الأب بجامع الاتصال فى كل، فكما أن الأب متصل بابنه بدون واسطة فالأخ متصل بأخيه بدون واسطة بخلاف ابن الأخ اذا ملكه فانه متصل به بواسطة الأخ. فلا يعتق عليه
(3)
.
مذهب الشافعية
وذهبت الشافعية الى أنه لا يعتق عليه الا الأصل والفرع، مستدلين على ذلك بحديث لا يجزى ولد الذى ذكرناه سابقا ثم قاسوا الابن على الأب بجامع البعضية فى كل
(4)
.
مذهب الظاهرية:
وأما الظاهرية: فعبارة ابن حزم هى ما يأتى:
ومن ملك ذا رحم محرم منه فهو حر ساعة يملكه، فإن ملك بعضه لم يعتق عليه الا الوالدان خاصة والأجداد والجدات، فانهم يعنقون عليه كلهم ان كان له مال يبلغ قيمتهم فان لم يكن له مال استسعوا وهم الأصول والفروع والأعمام والعمات وغير ذلك من كل ذى رحم محرم
(5)
.
مذهب الإمامية:
وأما الإمامية فانهم يقولون أنه يحرم على الرجل والمرأة أن يملك كل واحد منهما الأصل والفرع.
أما غير الأصل والفرع من كل ذى رحم محرم منه كالأخ والأخت وغيرهما، فيحرم على الرجل تملكه.
أما المرأة فلا يحرم عليها تملك غير الأصل والفرع، فيجوز عندهم أن تملك المرأة أخاها مثلا ولا يعتق عليها
(6)
.
(1)
الزيلعى الجزء والرقم السابقين ..
(2)
رواه مسلم والترمذى وغيرهم
(3)
المالكية بداية المجتهد لابن رشد ج 1 ص 459
(4)
الشافعية شرح المنهاج 44 ص 529
(5)
المحلى ج 9 ص 200 - 205
(6)
المختصر النافع 237
اعتاق الحامل
مذهب الحنفية والمالكية والشافعية
والزيدية:
أنه اذا حرر حاملا تحررت هى وحملها ولا يصح استثناء الحمل بأن يقول أنت حرة الا حملك
(1)
. واستدلوا على ذلك بأن الحمل تابع أمه يتحرك بحركتها ويتغذى بغذائها، فاذا أعتقها عتق حملها تبعا لها، ولا يصح استثناؤه لأن النبى صلى الله عليه وسلم نهى عن الثنيا الا أن تعلم.
مذهب الحنابلة والظاهرية:
ذهبت الحنابلة والظاهرية الى أنه يصح استثناؤه لما روى عن ابن عمر رضى الله عنهما فيمن أعتق أمه واستثنى ما فى بطنها قال له ثنياه، وروى عبد الله بن أحمد بن حنبل يرفعه الى ابن عمر أنه أعتق أمة له واستثنى ما فى بطنها
(2)
.
مذهب الإمامية:
قالوا وعتق الحامل يتبعها الحمل، والأظهر عدم دخوله مطلقا، سواء نفخ فيه الروح أو لم ينفخ
(3)
.
اعتاق الحمل وحده
مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة
والزيدية والإمامية:
قالوا اذا أعتق الحمل وحده عتق ولا تتبعه أمه لأن الحمل تابع لأمه يتحرك بحركتها، فاذا حرره وحده تحرر وحده ولا تتبعه أمه لأن الأصل لا يتبع التبع، والا لزم على ذلك قلب الموضوع بجعل المتبوع تابعا
(4)
.
مذهب الشافعية:
المعتمد فى مذهبهم أنه ان كان بعد نفخ الروح فيه عتق وحده وان كان قبل نفخ الروح فيه لا يعتق، ولعل وجهه أنه قبل نفخ الروح علقة أو مضغة ومثل ذلك لا يوصف بالعتق أو الحرية، أما بعد نفخ الروح فيه.
فهو نفس أخرى فيه حياة فيصح وصفه بالحرية والرق، ومن ثم صح اعتاقه
(5)
.
مذهب الظاهرية:
قالوا ان كان قبل نفخ الروح فيه عتق وعتقت أمه معه، وان كان بعد نفخ الروح فيه لا يعتق الا أن يتبعها اياه، بأن يقول حمل جاريتى وجاريتى حران، لأنه قبل نفخ الروح
(1)
الحنفية زيلعى ج 3 ص 71 المالكية المدونة ج 5 ص 40 وحاشية الدسوقى ج 4 ص 176 الشافعية المنهاج ج 4 ص 156 الزيدية البحر الزخار ج 4 ص 196
(2)
الحنابلة المغنى لابن قدامه ج 2 ص 238 الظاهرية المحلى ج 9 ص 188
(3)
الروضة البهية ج 2 ص 200
(4)
الحنفية الزيلعى ج 1 ص 71 المالكية حاشية الدسوقى ج 4 ص 376 الحنابلة ج 12 ص 238، الزيدية البحر الزخار ج 4 ص 196 الإمامية الروضة البهية ج 2 ص 200
(5)
الشافعية المنهاج ج 4 ص 521
فيه ماء من ماء أمه وحشوه من حشوتها كسائر ما فى جوفها فهو يتبع لها لأنه بعضها.
فاذا اعتق، فقد أعتق بعضها فوجب بذلك عتق جميعها لأن العتق لا يتجزأ، أما بعد نفخ الروح فيه فهو غيرها لأن الله سماه خلقا آخر وهو حينئذ قد يكون ذكرا وقد يكون أنثى وقد يكون واحدا أو اثنين فهو مجهول ولا يصح التقرب الى الله بما هو مجهول فما لم يتبعها اياه لا يعتق
(1)
.
تجزؤ الاعتاق وفيه مسألتان
المسألة الأولى: اذا أعتق المالك جزءا من عبده كنصفه أو ثلثه.
مذهب الحنفية:
ذهب أبو حنيفة الى أنه اذا اعتق المالك جزءا من عبده كنصفه أو ثلثه عتق ذلك الجزء وسعى العبد فى بقية قيمته، فاذا كانت قيمة العبد مائة جنيه وأعتق نصفه سعى العبد فى باقى قيمته وهو خمسون جنيها، فهو كالمكاتب عنده، الا أن الفرق بينه وبين المكاتب، أن المكاتب اذا عجز عن أداء بدل الكتابة عاد الى الرق، أما هو فلا يعود الى الرق اذا عجز عن أداء باقى قيمته، ودليله فى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:«من أعتق شخصا له فى عبد كلف عتق بقيته» .
قال أبو حنيفة: ان تكليف السيد بأن يعتق بقيته يدل على بقاء الملك فيه، اذ لو كان عتق البعض عتقا للكل كما يقول جمهور الفقهاء. لكان تكليفه بعتق بقيته تكليفا بتحصيل الحاصل وهو محال
(2)
.
رأى الصاحبان وجمهور الفقهاء:
ذهب أبو يوسف ومحمد وجمهور الفقهاء الى أن من أعتق بعض عبده عتق كله لقوله صلى الله عليه وسلم: «من أعتق شقصا له فى عبد يعتق كله ليس لله فيه شريك» وهو نص موضوع النزاع
(3)
. ومن هذا الذى ذكرناه يظهر ان أبا حنيفة يتجزأ العتق عنده بخلاف الجمهور.
المسألة الثانية: اذا أعتق أحد الشريكين نصيبه فى عبد.
فقد ذهب أبو حنيفة الى أن الشريك الساكت مخير بين أن يعتق نصيبه فيكون الولاء لهما وبين أن يضمن شريكه المعتق قيمة نصيبه ان كان موسرا، فيكون الولاء للمعتق وبين أن يستسعى العبد موسرا كان المعتق أو معسرا.
أما أنه مخير بين أن يعتق نصيبه، فلأن العتق يتجزأ عنده، فاذا أعتق شريكه نصيبه
(1)
الظاهرية المحلى ج 9 ص 178 - 188
(2)
الحنفية زيلعى ج 3 ص 73
(3)
بداية المجتهد ج 1 ص 49 المنهاج ج 4 ص 521 المغنى ج 2 ص 253 المحلى ج 9 ص 200 البحر الزخار ج 4 ص 193 الروضة البرية 163 ج 2 شرح النيل ج 6 ص 320
فالشريك الساكت لم يزل ملكه عن العبد فله أن يعتق نصيبه وأما أنه له أن يضمن شريكه قيمة نصيبه فلقوله صلى الله عليه وسلم فى الرجل يعتق نصيبه «ان كان غنيا ضمن وان كان فقيرا استسعى العبد فى حصة الآخر» .
وأما أن له أن يستسعى العبد مع يسار المعتق فلاحتباس قيمة نصيبه فى العبد، فله أن يستسيعه مع يسار المعتق، ولما كان العبد
(1)
فقيرا لا يمكن تضمينه فله أن يستسعيه.
وذهب الصاحبان والظاهرية والإمامية والزيدية والإباضية
(2)
.
الى أنه ليس للشريك الساكت الا أن يضمن للمعتق ان كان موسرا أو يستسعى العبد ان كان معسرا لقوله صلى الله عليه وسلم «ان كان موسرا ضمن وان كان فقيرا سعى العبد فى حصة الآخر» وليس له أن يعتق نصيبه لأن العتق لا يتجزأ عندهم فاذا عتق البعض عتق الكل.
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
الى انه ان كان المعتق موسرا ضمن نصيب صاحبه وعتق العبد، وان كان معسرا بقى نصيب صاحبه رقيقا، فله أن يبيع نصيبه أو يعتقه لقوله صلى الله عليه وسلم:«من اعتق شركا له فى عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل وأعطى شركاءه حصصهم، وعتق عليه العبد والا عتق عليه ما عتق» وزاد الدارقطنى ورق منه مارق
(3)
.
احوال الاعتاق
يقع الاعتاق منجزا أى فى الحال كقوله لعبده أنت حر، ومعلقا على شرط كأن صليت فأنت حر، أو ملك، كان ملكتك فأنت حر ويقع على مال كأنت حر على ألف أو بألف أو مشروطا بشرط خدمة أو تعليم.
الاعتاق المنجز
لا خلاف بين الفقهاء فى وقوعه فى الحال.
الاعتاق المعلق على شرط
مذهب الحنفية والمالكية والشافعية
والحنابلة والزيدية والإباضية:
ذهب هؤلاء الى وقوع الاعتاق المعلق على شرط عند وجود الشرط كأن صليت فأنت حر فان وجد الشرط وهو الصلاة عتق، لأن العتق المعلق على شرط، كالمنجز عند وجود الشرط، فمن قال لعبده ان صليت فأنت حر، فالعبد مملوك لسيده، عند التعليق، والظاهر أنه يبقى فى ملكه الى وجود الشرط فاذا وجد الشرط وهو فى ملكه وجد المشروط وهو
(1)
راجع مذهب الحنفية فى الزيلعى ج 3 ص 73
(2)
المحلى ج 9 ص 200 وما بعدها الروضة البهية ج 2 ص 163 وما بعدها البحر الزخار ج 4 ص 193 وما بعدها الإباضية شرح النيل ج 6 ص 315 وما بعدها ..
(3)
بدانة المجتهد والمنهاج والمغنى فى الاجزاء والارقام المذكورة ..
العتق، وصار كأنه تلفظ بالعتق عند وجود الشرط
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ذهبت الظاهرية الى أن العتق المعلق على شرط لا يقع.
قال ابن حزم لا يجوز عتق بشرط أصلا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل شرط ليس فى كتاب الله تعالى فهو باطل» وقد روينا عن عطاء من قال لعبده أنت حر لم يكن حرا حتى يقول لله وان من قال لعبده أنت حر ان دخلت الدار لا يقع به عتق، لأنه علق على شرط فلا يقع بذلك.
أما اذا اعتق عبده الى أجل مسمى قريب أو بعيد كأن يقول أنت حر غدا أو الى سنة أو الى بعد موتى فهو كما قال لأن العتق فى هذه الحال اما وصية واما نذر وكلاهما عقد صحيح جاء النص بوجوب الوفاء بهما
(2)
.
مذهب الإمامية:
لا يجوز تعليق العتق على شرط كقوله أنت حر ان فعلت كذا أو ان طلعت الشمس الا فى التدبير فانه يجوز أن يعلق بالموت لا بغيره - والا فى النذر فانه يجوز أيضا لأنه نذر يجب الوفاء به وكذلك لو شرط عليه فى صيغة العتق خدمته مدة معلومة صح الشرط والعتق لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:
المؤمنون عند شروطهم
(3)
.
تعليقه على ملك
مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة:
ذهب هؤلاء الفقهاء الى أن العتق المعلق على ملك كأن اشتريتك فأنت حر واقع عند وجود الشرط وهو الملك فاذا اشتراه عتق واستدلوا على ذلك بما روى أن الشعبى سأله سائل عن رجل قال لعبد الغير ان ملكتك فأنت حر فقال الشعبى ان ملكه يصير حرا فقال السائل: كيف وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا عتق لابن آدم فيما لا يملك» .
فقال الشعبى ذلك فى المنجز لا المعلق بأن يقول رجل لعبد الغير أنت حر فاذا ملكه لا يكون حرا فقد كان أهل الجاهلية يوقعون هذا العتق فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا عتق لابن آدم فيما لا يملك» أى لا عتق منجزا فيما لا يملك
(4)
.
(1)
الحنفية زيلعى ج 3 ص 73 المالكية بداية المجتهد ج 1 ص 461 الشافعية المنهاج ج 4 الرقم السابق الحنابلة المغنى ج 12 ص 461 الزيدية البحر الزخار ج 4 ص 198 الإباضية شرح النيل ج 6 ص 320
(2)
المحلى ج 9 ص 185، 183 ص 206
(3)
المرجع الروضة البهية ج 2 ص 192
(4)
الحنفية زيلعى ج 3 ص 713 فتح القدير ج 3 ص 390، وما بعدها المالكية بداية المجتهد ج 1 ص 461 الحنابلة، المغنى ج 12 ص 302 ..
مذهب الشافعية والظاهرية والزيدية
والشيعة الجعفرية:
وذهب هؤلاء الفقهاء الى أن العتق المعلق على ملك لا يقع لقوله صلى الله عليه وسلم «لا عتق لأبن آدم فيما لا يملك»
(1)
.
العتق المشروط بشرط
مذهب جمهور الفقهاء:
ذهب جمهور الفقهاء الى أن العتق المشروط بشرط كقول السيد لعبده أنت حر على أن تخدمنى سنة أو تعلم أولادى سنة، واقع لما روى عن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قالت لى أم سلمة أريد أن أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت قلت ان لم تشترطى على لم أفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أموت. قال فاعتقتنى واشترطت على أن أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عاش.
وأعتق عمر بن الخطاب كل من صلى من سبى العرب وشرط عليهم أن يخدموا الخليفة بعده ثلاث سنوات
(2)
.
مذهب الظاهرية:
وفى المحلى أن العتق يقع فى الحال ويبطل الشرط، وهو احدى روايتين عن أحمد بن حنبل لقوله صلى الله عليه وسلم:«كل شرط ليس فى كتاب الله فهو باطل»
(3)
. هذا وينبغى أن يفهم أن العتق المشروط بشرط لا يقع فى الحال الا اذا قبل العبد فى المجلس لأنه عقد كسائر العقود يتوقف على القبول فى المجلس فاذا قبل العبد فى المجلس العتق على هذا الشرط، عتق فى الحال ولزمه الشرط وهو الخدمة مثلا، وان قام من المجلس قبل القبول بطل العتق، وعلى ذلك اذا لم يقبل العبد هذا الشرط لا يقع العتق كسائر العقود.
العتق على مال
مذهب الحنفية والمالكية والشافعية
والحنابلة:
ذهب هؤلاء الى أن العتق على مال كقول السيد لعبده أنت حر على ألف أو بألف واقع اذا قبل العبد فى المجلس لأنه منزل منزلة الكتابة فانها عتق على مال فاذا جازت الكتابة وهى عتق على مال جاز العتق على مال، الا أن الفرق بين الكتابة والعتق على مال أن الكتابة لا يقع فيها العتق الا اذا أدى المكاتب بدل الكتابة، فاذا عجز عن أداء البدل عاد الى الرق، أما العتق على مال فانه يقع فى الحال
(1)
الشافعية مغنى المحتاج شرح المنهاج ج 3 ص 272 الظاهرية المحلى ج 9 ص 187، وما بعدها الزيدية البحر الزخار ج 4 ص 200 وما بعدها الشيعة المختصر النافع فى باب العتق ..
(2)
راجع المراجع المذكورة لجمهور الفقهاء فى باب العتق ..
(3)
راجع المحلى ج 9 ص 301 فى باب العتق.
ولا يعود الى الرق وصار المال دينا فى ذمته
(1)
.
مذهب الظاهرية:
وذهبت الظاهرية الى أن هذا العتق لا يقع لأنه لم يرد فى كتاب الله ولا فى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عتق على مال الا فى الكتابة فوجب الاقتصار على ما ورد فيه نص
(2)
.
العتق بالاكراه
مذهب جمهور الفقهاء:
ذهب جمهور الفقهاء الى أن عتق المكره غير واقع لقوله صلى الله عليه وسلم (رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) والمراد رفع حكم الاكراه الدنيوى والأخروى، فلا يترتب أثر القول الصادر عن اكراه عليه ولا يعاقب المكره فى الآخرة على ما اكره عليه ويتحقق الاكراه بأن يهدد المكره بالقتل أو تلف عضو من أعضاء جسمه ان لم يفعل
(3)
.
مذهب الحنفية:
ذهبت الحنفية الى أن اعتاق المكره واقع قياسا على الهازل فانه يقع اعتاقه مع أنه غير راض بحكم الهزل وكذلك غير راض بحكم الاكراه فيقع اعتاقه لأنه خير بين أمرين فاختار أهولهما فهو مختار فى التلفظ بالاعتاق كالهازل الا أن كلا منهما غير راض بالحكم وهو الاعتاق، وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم: ثلاث هزلهن جد وجدهن جد وعد منها العتق
(4)
.
اعتاق المالك عبدا يحتاج الى ثمنه
أو خدمته:
والمتتبع لقواعد الشريعة الاسلامية يعرف أن المالك يتصرف فى ملكه كيف شاء فى الحدود التى رسمتها له الشريعة الاسلامية، فاذا اعتق المالك عبدا يحتاج الى ثمنه ليصرف منه فى حوائجه أو يحتاج اليه فى خدمته فالعتق واقع لأنه تصرف فى ملكه على وجه يرضى الله تعالى ويرضى العبد الذى أعتقه فقد نصوا عند بيان أحكام العتق أن من قال لعبده أنت حر عتق دون اشتراط أى شرط فى ذلك.
مذهب الظاهرية:
وذهب الظاهرية الى أن هذا العتق لا يقع لما روى عن جابر بن عبد الله أن رجلا أعتق عبدا له ليس له مال غيره فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتراه منه نعيم بن النحام
(5)
.
(1)
راجع المراجع المذكورة لجمهور الفقهاء فى باب العتق.
(2)
راجع المحلى لابن حزم ج 9 فى العتق
(3)
المالكية حاشية الدردير ج 4 ص 425 الشافعية المنهاج ج 4 ص 521 الحنابلة والمغنى ج 12 ص 239 الظاهرية المحلى ج 9 ص 205 الزيدية البحر الزخار ج 4 ص 193 الشيعة الجعفرية الروضة البهية ج 2 ص 190 الإباضية شرح النيل ج 6 ص 622
(4)
الزيلعى ج 3 ص 71
(5)
راجع المحلى ج 9 ص 623 فى آخر باب العتق وراجع احكام العتق فى المذاهب المختلفة ..
اعتراف
التعريف اللغوى:
جاء فى لسان العرب
(1)
: اعتراف مصدر فعله اعترف المزيد بالهمزة والتاء فأصل مادته «عرف» يقال عرفه يعرفه عرفه وعرفانا ومعرفة.
ويقال: أعرف فلانا وعرفه اذا وقفه على ذنبه ثم عفا عنه، وعرفه الأمر: أعلمه أياه، وعرفه بيته: أعلمه بمكانه.
والتعريف الاعلام والتعريف أيضا: أنشاد الضالة.
واعترف فلان القوم: سألهم وقيل سألهم عن خبر ليعرفه.
قال بشر بن حازم: أسائله عميرة عن أبيها: خلال الجيش تعترف الركابا.
- قال ابن برى: ويأتى تعرف بمعنى اعترف.
وربما وضعوا اعترف موضع عرف كما وضعوا عرف موضع اعترف.
ويقال تعرفت ما عند فلان أى تطلبت حتى عرفت.
ويقال: اعترف فلان اذا ذل وانقاد، وعرف بذنبه عرفا واعترف: أقر،، وعرف له:
أقر وفى حديث عمر «اطردنا المعترفين» هم الذين يقرون على أنفسهم ما يجب عليهم فيه الحد والتعزير.
والعرف الاسم من الاعتراف يقال له على ألف عرفا أى اعترافا وهو توكيد وقد ورد فى السنة الاعتراف بمعنى الاقرار ما ورد فى السنة.
استعمال الفقهاء للفظ الاعتراف:
ورد فى كثير من أبواب الفقه استعمال الفقهاء للفظ اعتراف بمعنى الاقرار الذى هو إخبار الشخص
(2)
. بثبوت حق للغير على نفسه، وذلك لأن الاقرار لغة.
(1)
لسان العرب للامام ابى الفضل جمال الدين بن مكرم بن منظور الافريقى المصرى ج 37 ص 236 وما بعدها مادة عرف طبع دار صادر دار بيروت سنة 1374 هـ، سنة 1955 م، الطبعة الاولى وترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير، وأساس البلاغة للاستاذ طاهر احمد الزاوى مادة عرف طبع مطبعة الاستقامة بالقاهرة الطبعة الأولى سنه 1959 م
(2)
انظر من شرح فتح القدير للشيخ امام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيواسى السكندرى المعروف بابن الهمام الحنفى المتوفى سنة 682 هـ مع تكملته نتائج الافكار فى كشف الرموز والاسرار للمولى شمس الدين احمد المعروف بقاضى زاده المتوفى سنة 988 هـ وبهامشه شرح العناية على الهداية للامام أكمل الدين بن محمود البابرتى المتوفى سنة 786 هـ وحاشيته المولى المحقق سعد الله بن عيسى المفتى الشهير بسعدى جلبى وبسعدى أفندى المتوفى سنة 945 هـ على شرح العناية المذكور، وعلى الهداية شرح بداية المبتدى للشيخ برهان الدين على بن أبى بكر المرغينانى المتوفى سنة 395 هـ ج 6 ص 278 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق بمصر المحمية الطبعة الاولى سنة 1315 هـ كشاف القناع على متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور بن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منته الارادات للشيخ منصور بن يوسف البهوتى ج 4 ص 290 وما بعدها طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 الطبعة الاولى والمهذب للامام ابى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى وبهامشه النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب ج 2 ص 301 ط، وما بعدها طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1276 هـ
هو الاعتراف بالحق، بل فى كثير من المسائل الفقهية يرد لفظا اعتراف واقرار فى المسألة الواحدة ومن ذلك ما ورد فى المغنى ابن قدامة
(1)
. من باب الدعوى.
ان ادعى شخص على شاهدين أنهما شهدا عليه زورا أحضرهما القاضى فان اعترفا أغرمهما ان أنكرا وللمدعى بينة على اقرارهما فأقامها لزمهما ذلك.
والاعتراف بمعنى الاقرار هو حجة وحجيته ثابتة والدليل على أنه حجة الكتاب والسنة والاجماع (انظر مصطلح اقرار) لقول الله تبارك وتعالى:
«وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ» .
وقول الله عز وجل:
{وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً»
(2)
.
فقد أمر الله تعالى من عليه الحق بالاملاء فلو لم يلزمه بالاملاء شئ لما أمر به والاملاء لا يتحقق الا بالاقرار وما روى أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أحدهما يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وقال الآخر وهو أفقههما أجل يا رسول الله اقض بيننا بكتاب الله عز وجل وأئذن لى فى أن أتكلم قال تكلم.
قال: ان ابنى كان عسيفا على هذا فزنا بامرأته فأخبرت أن على ابنى الرجم فافتديت منه بمائة شاة وجارية لى ثم انى سألت أهل العلم فأخبرونى انما على ابى جلد مائة وتغريب عام وانما الرجم على امرأته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما والذى نفسى بيده لأقضين بينكما بكتاب الله عز وجل.
أما غنمك وجاريتك فرد عليك وجلد ابنه مائة وغربه عاما وأمر أنيس الأسلمى أن يغدو على امرأة الآخر فان اعترفت رجمها فاعترفت فرجمها، فأثبت الحد بالاعتراف فلو لم يكن حجة لما طلبه وأثبت الحد به.
واذا كان حجة فيما يندرئ بالشبهات فلأن يكون حجة فى غيره أولى ولما كان الاعتراف اقرار فجميع احكام الاقرار ثابتة له ويرجع فى بيانها الى مصطلح «اقرار» .
(1)
المعنى لشيخ الاسلام موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامه المتوفى سنة 620 هـ على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ويليه الشرح الكبير على متن المقنع لشيخ الاسلام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن ابن الشيخ الامام أبى عمر محمد بن أحمد ابن قدامه المقدسى المتوفى سنة 682 هـ ج 12 من باب الدعوى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ الطبعة الاولى
(2)
الآية 102 من سورة التوبة، والاية رقم 282 من سورة البقرة.
اعتصار
المعنى اللغوى:
يقال عصرت العنب ونحوه عصرا من باب ضرب استخرجت ماءه واعتصرت كذلك ومنه قيل اعتصرت مال فلان اذا أستخرجته منه «المصباح» وفى لسان العرب والقاموس.
الاعتصار ارتجاع العطية اى طلبها من موضعها وان يخرج من انسان ما لا يغرم أو بوجه غيره.
والاعتصار الأخذ.
ويقال: اعتصر عليه بخل عليه بما عنده ومنعه واعتصر ماله استخرجه من يده.
الاستعمال الفقهى
استعمل المالكية لفظ الاعتصار فى الدلالة على حكم الرجوع فى الهبة أو الصدقة فى بعض الأحوال ولم يعثر على هذا الاستعمال لغيرهم.
قال مالك الأمر عندنا الذى لا اختلاف فيه ان كل من تصدق على ابنه بصدقة قبضها الابن أو كان فى حجر ابيه فاشهد له على صدقته فليس له أن يعتصر شيئا من ذلك لأنه لا يرجع فى شئ من الصدقة.
ويرى المالكية أنه لا يجوز للواهب أن يرجع فى هبته أى لا يجوز اعتصارها الا لمن يأتى ذكرهم وذلك بشروط. نذكر فيما يلى:
اعتصار الأب.
جاء فى الشرح الكبير أن اعتصار الهبة ليس لغير الأب والأم أما الأب فيجوز له ذلك فيما يهبه لابنه أو لابنته ويستوى فى ذلك حال كبرهما وحال صغرهما وحال غناهما وحال فقرهما فيغتصرها جبرا عنهما بلا عوض ولو بعد حيازتها ويتحقق ذلك بقوله رجعت فى هبتى لولدى أو أخذتها منه أو اعتصرتها أو ما يدل على ذلك.
قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا فيمن نحل ولده نحلا أى أعطاه عطاء ليس على سبيل الصدقة ان له أن يعتصر ذلك ما لم يستحدث الولد دينا يداينه الناس به ويأمنونه عليه من أجل ذلك العطاء الذى أعطاه أبوه فليس لأبيه أن يعتصر من ذلك شيئا بعد ان تكون عليه الديون أو يعطى الرجل ابنه أو ابنته المال فتنكح المرأة الرجل وانما تنكحه لغناه وللمال الذى أعطاه أبوه فيريد أن يعتصر ذلك الأب - أو يتزوج الرجل المرأة قد نحلها أبوها النحل انما يتزوجها ويرفع فى صداقها لغناها ومالها وما أعطاه أبوها ثم يقول الأب انا اعتصر ذلك فليس له أن يعتصر من ابنه ولا من ابنته شيئا من ذلك والصدقة فى جميع أحوالها لا يجوز الاعتصار فيها ولذا لو أتى الأب بلفظ يحتمل القربة حين وهب لولده كقوله هبة لله ونحوه وليس له أن يعتصر وكذلك لو أراد بها الصلة عند سحنون كأن يكون له ولد محتاج أو ابن بائن منه فوصله بهبة اذ يكون ذلك بقرينة الحال فى معنى القربة والصلة فلا يجوز اعتصارها.
وقيل له فى هذه الحال اعتصارها لأنها هبة لم يقترن بها من الكلام ما يدل على تمحضها صلة.
ولو وهب ابنه فاشترط فى هبته أن له حق اعتصارها فلا خلاف فى جواز اعتصارها حينئذ كما يكون له حق الاعتصار اذا وهب فأطلق فى هبته ولم يقيدها بما يخلصها للقربة وذلك له ما لم يستحدث الولد دينا داينه الناس بسببها كما ذكر.
وروى ابن حبيب عن ابن الماجشون أن الأب اذا وهب ابنته المتزوجة أو ابنه المريض أو ابنه المديان (كثير الاستدانة) لم يعتصر ما وهبه كما لو تقدمت العطية على هذه الحوادث.
وقال أصبغ اذا كانت الحال واحدة كالحال يوم الهبة لم تتغير فله الاعتصار.
وجه القول الأول ان ما يمنع الاعتصار اذا حدث بعد الهبة يمنعها اذا كان موجودا وقتها.
ووجه القول الثانى ان دينه لم يتعلق بذمته من أجل الهبة فلا يمنع اعتصارها وانما يمنع الاعتصار دين حدث بسببها.
واذا وهب الرجل ابنه الكبير الهبة اليسيرة التى يرى أنه لا يداين بمثلها فاستدان أو تزوج يمنع ذلك الاعتصار.
قاله ابن الماجشون ونقل مطرف عن مالك لا يمنع ذلك الاعتصار ونقله ابن القاسم فى العتبية.
وجه قول ابن الماجشون أن تلك الهبة على تقوى الدين.
ووجه القول الثانى أنه لم يداين ولم يتزوج من أجلها.
ولو وهب ابنته فتزوجت ثم زال النكاح بموت أو طلاق قبل البناء أو بعده فقد روى عيسى عن ابن القاسم لا يعود حكم الاعتصار سواء دخل أم لم يدخل بها ووجه ذلك أن الأب قد أعطاها فتعلقت حقوق الناس بعطيتها فلا يجوز له ابطالها
(1)
.
اعتصار الأم:
وتعتصر الام ما وهبته لولدها الصغير اذا كان له أب فان كان يتيما لم يكن لها حق الاعتصار لا فرق فى ذلك بين حال كان الولد وأبوه فيها معسرين أو موسرين أو احدهما وليس لها حق الاعتصار ولو بلغ بعد الهبة واذا كان الأب مجنونا لم يحل ذلك دون حقها فى الاعتصار واذا سار الولد يتيما بعد أن وهبت له حال حياة والده فلها الاعتصار بعد موته على المختار ولها حق الاعتصار فى هبتها لولدها الكبير الا فيما أريد به صلة أو الأخرة لأنها حينئذ يكون حكمها حكم الصدقة
(2)
.
وروى ابن القاسم عن مالك ان الام ليس لها أن تعتصر اذا لم يكن لولدها أب ولكن للأب أن يعتصر اذا لم يكن لولده أم.
(1)
الموطأ باب الهبة، الموطأ والمنتقى ج 6 ص 116 وما بعدها ..
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 110 وما بعدها
وروى أشهب أن اليتيم اذا كان غنيا كان للأم أن تعتصر منه كما تعتصر من الكبير وعن مالك للأم أن تعتصر ما للأب أن يعتصره لأنها أحد الأبوين.
اعتصار الجد والجدة:
اختلف فيه قول مالك.
فروى عنه ابن وهب لا اعتصار لهما.
وروى أشهب انهما يعتصران كالأبوين وبه قال ابن عبد الحكم ولا اعتصار لغير هؤلاء من الأقارب باتفاق
(1)
.
موانع الاعتصار:
يمنع الاعتصار مرض الواهب فقد روى ابن حبيب عن مالك لا يعتصر مريض ولا يعتصر منه والمراد به المرض المخوف.
أما الموهوب له فلتعلق حق ورثته بالهبة.
وأما الواهب فلأن اعتصاره حينئذ يكون لغيره.
وكذلك يمنع الاعتصار فوات الهبة عند الموهوب له ببيع أو بهبة أو بتغير كجعل الذهب دنانير أو حليا ونحو ذلك، ومن الفوت زيادة الهبة فى ذاتها ككبر الصغير وسمن الهزيل ونقصه كأن يصير أعمى أو أعرج أو يصيبه شلل أو هرم أو موت ولا يضر تغير قيمتها بتغير الاسعار وذلك ما يعبر عنه بحوالة السوق ما دامت الذات قائمة وكذلك يمنعه نكاح الموهوب له أو مداينته كما بينا وانما يمنعان اذا كانت الهبة سببا لهما فان حدثا مرادايه ذات الموهوب له لم يمنعا وذلك ما لم تحدث الهبة والموهوب له متزوج أو مدين أو مريض أو كان الواهب مريضا فعند ذلك لا يترتب على هذه العوارض منع الاعنصار على المختار وكذلك الحكم اذا زال المرض الحاصل بعد الهبة من موهوب أو واهب فله الاعتصار على المختار وليس لزوال النكاح هذا الحكم وكذلك الدين لأن المرض لم يعامله الناس عليه بخلاف النكاح والدين ويظهر من ذلك أن زوال الزيادة والنقص كزوال المرض فى الحكم بدليل هذا التعلية
(2)
.
ورجوع الواهب فى هبته فيه اختلاف الفقهاء.
فمنهم من منعه فى جميع أحوالها.
ومنهم من منعه فى بعض أحوالها كالصدقة.
ومنهم من جوزه بشروطه.
وفى تفصيل ذلك وبيانه يرجع الى مصطلح هبة.
(1)
المنتقى ج 6 ص 117
(2)
الشرح الكبير ج 4 ص 112.
اعتقال
يقال: عقلت البعير عقلا من باب ضرب اذا ثنيت وظيفه (ما فوق الرسغ الى مفصل الساق من كل ذى أربع) مع ذراعه فشددتهما جميعا فى وسط الذراع بحبل هو العقال فحبستهما عن الحركة وعن هذا الاستعمال.
قيل اعتقل أو اعتقل لسان فلان اذا حبس عن الكلام أى منع فلم يقدر عليه.
كما يقال: عقلته وعقلته واعتقلته.
وكذا يقال: عقل الدواء بطن فلان اذا أمسكه والمصمت معتقل اللسان ولم يخرج استعمال الفقهاء لاسم اعتقال عن هذا المعنى فحين تكلموا فى حكم معتقل اللسان أرادوا من اعتقل لسانه بسبب اصابته من مرض أو نحوه مدة من الزمان طالت أو قصرت وهو المصمت ويريدون به خلاف الأخرس وهو من به عاهة الخرس الملازمة له التى تتقيد بزمن ويسمى الأعجم لغة وتكون من الميلاد ويصاحبها
(1)
الصمم (تمهيد).
ان الالتزام من أهم مصادر الحق وهو يقوم على الارادة من الملتزم وهى أمر باطنى لا سبيل الى تعرفه الا بما يصدر عنه من دلالات وامارات تدل عليها وأظهرها عبارته ولذا كانت الأصل فى اتخاذها مظهرا وصورة لارادته ويقوم مقامها فى الدلالة عليها كتابته وهى فى الواقع ضرب من الاشارة كما يقوم مقامها أيضا «اشاراته» وقد شاعت الكتابة وانتشرت حتى أصبحت فى مستوى العبارة من ناحية الدلالة والاعتماد عليها كالعبارة.
أما الاشارة فقد اختلف رأى الفقهاء فى اعتمادها فمن الفقهاء من اعتمدها مطلقا ولو مع القدرة على النطق والكتابة كما اعتمدت الكتابة مع القدرة على النطق ومن هؤلاء المالكية.
ومن الفقهاء من اشترط عجز صاحبها عن العبارة والكتابة جميعا فلا يقبل اشارة الناطق ولا الكاتب ومن هؤلاء كثير من الحنفية ومنهم من اشترط العجز عن العبارة فقط ولم يشترط العجز عن الكتابة ومن هؤلاء بعض الحنفية، يراجع مصطلح «اشارة» .
وقد اختلفت الآراء فى اشارة معتقل اللسان وفيما يلى مذاهب الفقهاء فى الاعتداد باشارته اذا كانت مفهمة مع ملاحظة عجزه عن الكتابة وقدرته عليها على ما جاء فى مصطلح «اشارة» .
مذهب الحنفية:
جاء فى الاشباه والنظائر لابن نجيم ان فقهاء الحنفية قد اختلفوا فى حكم اشارة
معتقل اللسان
فمنهم من ذهب الى أن حكمها حكم اشارة الأخرس فى اعتبارها فى كل شئ من بيع
(1)
مصباح وقاموس والمعجم الوسيط
واجارة وهبة ورهن ونكاح وطلاق واقرار وقصاص وغير ذلك الا الحدود فلا تثبت بالاشارة.
وفى رواية أن القصاص كالحدود فى عدم ثبوته بالأشارة (راجع مصطلح أخرس).
ومنهم من ذهب الى عدم اعتبارها مطلقا بل ينتظر برؤه والفتوى على اعتبارها ان دامت عقلته الى وقت وفاته.
ومن الفقهاء من اكتفى فى اعتبارها بدوامها سنة
(1)
.
ويلاحظ أنه حين قدرته على الكتابة لا يكتفى منه بالاشارة عند بعض فقهاء الحنفية خلافا لمن ذهب الى اعتبارها مع قدرته عليها، اذ المناط الافهام وكلاهما لا يخرج عن أن يكون اشارة، وعلى الرأى المفتى به من اعتبارها ان دامت عقلته الى وقت وفاته - تكون تصرفاته بالاشارة أو الكتابة موقوفة.
فان مات على عقلته نفذ تصرفه مستندا الى وقت الاشارة أو الكتابة فلمطلقته أن تتزوج ان مضت عدتها من ذلك الوقت وينفذ تصرف المعتوق من ذلك الوقت.
ولو تزوج بالاشارة لا يحل له وطؤها لعدم نفاذ التصرف، لأن نفاذه موقوف على موته على عقلته، لا على اجازته حتى يقال: ينبغى أن يكون طلبه الوط ء دليلا على ارادة النكاح لكنه اذا مات على عقلته، كان لها المهر من تركته
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير ان اشارة الناطق كعبارته، وان اشارة الأخرس معتبرة كاشارة الناطق وذلك ما يستلزم اعتبارهم اشارة معتقل اللسان من باب أولى وان كان يحسن الكتابة، راجع مصطلح اشارة
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الاشباه للسيوطى المعتقل لسانه واسطة بين الناطق والأخرس، وذكر ان وصيته باشارته المفهمة صحيحة وهذا يقتضى ان بقية العقود صحيحة باشارته كوصيته، وكذلك اقراره اذ لا فرق بين الوصية وغيرها من العقود وبخاصة اذا لوحظ انها التزام بتبرع.
وجاء فى نهاية المحتاج ان معتقل اللسان ملحق بالأخرس اذا لم يرج برؤه أو مضى على اعتقاله ثلاثة أيام (4).
ولا يشترط الشافعية فى اعتبارها عجزه عن الكتابة بل تعتبر مع القدرة عليها.
فقد جاء فى المنهج ويعتد باشارة الأخرس وان قدر على الكتابة فى طلاق وغيره كالبيع والنكاح والاقرار والخلع والعتق للضرورة وعلق على ذلك البجرمى فى حاشيته.
فقال: ومثل الأخرس فى الحكم من طرأ عليه العجز عن الكلام كمن اعتقل لسانه ولم يرج برؤه.
فان رجى برؤه انتظر ثلاثة أيام على الأكثر
(1)
الفن الثالث ص 199 طبعة الاسلابول من كتاب الاشباه
(2)
الدر المختار وحاشيته ابن عابدين ج 5 ص 644 - 645 مسائل شتى
(3)
الشرح الكبير للدردير ج 3 ص 400 طبعة الحلبى ج 6 ص 427
فلا يلحق بالأخرس قبل مضيها الا فى اللعان فلا انتظار للأضرار اليه بخلاف غيره.
مذهب الحنابلة:
معتقل اللسان كالأخرس اذا لم يرج نطقه، فان رجى بقول عدلين خبيرين انتظر برؤه.
وفى الترغيب يكتفى بانتظار ثلاثة أيام وجزم بذلك فى المنته
(1)
. ولا يلحق بالأخرس حينئذ قبل مضيها.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى ما يدل على أن حكم معتقل اللسان والأبكم والأخرس واحد فيعاملون بما يقدرون عليه من اشارة فى اقرار وطلاق ونحوهما اذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها
(2)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أنه لا فرق فى الحكم بين معتقل اللسان وهو المصمت الذى حبس عن الكلام لسبب طرأ عليه كالمرض وغيره بعد أن كان يتكلم.
والأخرس هو من جمع الخرس والصمم ولازمته عاهة الخرس وهى العجمة من مولده فاشارة هؤلاء المفهمة معتبرة فى عقودهم من بيع وشراء ورهن وكفالة ونحوها كما تعتبر فى النكاح والطلاق فجميع تصرفاتهم صحيحة باشارتهم المفهمة ولا ينتظر لاعتبارها مدة تزول عنهم فيما عاهتهم
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى تحرير الاحكام أنه يكتفى فى العقود باشارة الأخرس وشبيهه وعلى ذلك فحكم الأخرس ومعتقل اللسان واحد عندهم.
ولا اعتبار بالاشارة الا مع العجز عن النطق
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: ان الأصم والأبكم اذا نشأ مع قوم يعرفون بالاشارة الصادرة منهما ما يريدان جاز عليهما ما صنعا من طلاق ونكاح وغيرهما كايلاء وظهار وبيع وشراء.
وقيل: لا طلاق لهما ولو أفهماه باشاة أو كتابة والصحيح الأول.
ومن تزوج ثم خرس لسانه أو قطع اختلف فى طلاقه بالاشارة.
فقيل: يقع.
وقيل: لا.
وقيل: ان فهمت اشارته فى طلاقه ونكاحه وتيقنت جاز عليه.
وان شك فى اشارته لم يصحا وكذلك الحكم فى البيع والشراء وغيرهما.
واختلف فى طلاقه بالكتابة اذا كان يعرفها والصحيح الوقوع اذ لا كلام له
(5)
. ومؤدى ذلك أنهم لا يشترطون فى أعتبار اشاراته عجزه عن الكتابة (راجع فى جميع ما ذكر مصطلح «اشارة»).
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 242
(2)
81 ص 48 - 197/ 10/1135/ 1961 ..
(3)
دردير الاحكام ج 2 ص 53
(4)
الأزهار ج 3 ص 9
(5)
شرح النيل ج 3 ص 623، 624.
اعتكاف
تعريفه لغة:
جاء فى لسان العرب
(1)
: عكف على الشئ يعكف ويعكف عكفا وعكوفا. أقبل عليه مواظبا لا يصرف عنه وجهه، والعكوف الاقامة فى المسجد: قال الله تعالى: «وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» (*).
قال المفسرون وغيرهم من أهل اللغة:
عاكفون مقيمون فى المساجد لا يخرجون منها الا لحاجة الانسان يصلى فيه ويقرأ القرآن.
ويقال لمن لازم المسجد وأقام على العبادة فيه عاكف ومعتكف، والاعتكاف والعكوف الاقامة على الشئ وبالمكان ولزومهما.
تعريفه شرعا:
التعريف الشرعى يساير التعريف اللغوى مع زيادة قيود اختلف فيها الفقهاء.
فأغلب الفقهاء يتفقون على أن معناه:
البث أو الاقامة فى المسجد بقصد العبادة بنية
(2)
.
ويزيد الأحناف فى التعريف كلمة «مع الصوم»
(3)
.
ويعرفه المالكية بأنه: لزوم مسلم مميز مسجدا مباحا «أى يدخله كل الناس وليس محجورا عن أحد» بصوم كافا عن الجماع ومقدماته يوما بليلته للعبادة بنية
(4)
.
- ينص الإباضية على أنه: اللبث فى المسجد للعبادة يوما وليلته أو يوما وبعض الليل مما يلى آخره فأكثر
(5)
.
مشروعيته:
جميع المذاهب
(6)
. على أن الأصل مشروعية الاعتكاف هو قوله تعالى: «أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ» .
(1)
ج 1 مادة عكف
(*)) الآية رقم 187 من سورة البقرة
(2)
للشافعية، حاشية الباجورى ج 1 ص 514 وللحنابلة المغنى لابن قدامه ج 3، ص 117 طبعة أولى طبعة المنار بمصر سنة 1346 هـ وللزيدية البحر الزخار ج 2 ص 263 مطبعة السعادة طبعة أولى سنة 1367 هـ وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 465 مطبعة النعمان بالنجف سنة 1381 هـ وللظاهرية المحلى لابن حزم ج 5 ص 179 طبعة أولى المطبعة المنيرية سنة 1349 هـ
(3)
الهداية ج 1 ص 95 مطبعة مصطفى الحلبى سنة 355 هـ
(4)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 238 المكتبة التجارية
(5)
شرح النيل ج 2 ص 253 طبعة محمد ابن يوسف البارونى وشركاه
(6)
المراجع السابقة
وقوله:
(1)
«وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» }. وما روته السيدة عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان، وما رواه أبو سعيد الخدرى. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان يعتكف العشر الأواسط من رمضان. وأنه عليه السلام قال:«من كان اعتكف معى فليعتكف العشر الأواخر» ولم يخالف أحد فى مشروعيته.
حكمة مشروعيته:
التشبه بالملائكة الكرام فى استغراق الاوقات فى العبادة وحبس النفس عن شهواتها والكف عن الخوض فيما لا ينبغى.
والاعتكاف من الشرائع القديمة وهو من أشرف الأعمال اذا كان عن اخلاص.
قال عطاء: مثل المعتكف كمثل رجل له حاجة الى عظيم يجلس على بابه ويقول لا أبرح حتى تقضى حاجتى.
وقال الزهرى: عجبا من الناس كيف تركوا الاعتكاف ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل الشئ ويتركه وما ترك الاعتكاف حتى قبض، وفى الاعتكاف تفريغ القلب عن أمور الدنيا وتسليم النفس الى بارئها والتحصن بحصن حصين وملازمة بيت الله تعالى
(2)
مكانه بالنسبة للرجال
ليس هناك خلاف بين الفقهاء على أن مكان الاعتكاف هو المسجد.
الا ما قاله ابن لبابة من المالكية
(3)
وبعض المخالفين من أصحاب المذهب الاباضى
(4)
.
من أنه يجوز فى غير المسجد.
لكنهم اختلفوا فى تحديد صفة المسجد بالنسبة للمعتكف على الوجه الآتى:
1 -
قيل ان مكان الاعتكاف هو كل مسجد.
وهو رأى المالكية
(5)
بالنسبة لمن لا تجب عليه الجمعة وكذا لمن نذر اعتكافا فى مدة لا تتخللها الجمعة وبشرط أن يكون المسجد مباحا لجميع الناس وليس محجورا.
وجوز الشافعية
(6)
. الاعتكاف فى كل مسجد بشرط أن يكون المسجد خالص المسجدية أى ليس مشاعا.
وهو رأى محمد وأبى يوسف والطحاوى من الأحناف
(7)
.
(1)
* الآية رقم 187 من سورة البقرة
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخس ج 3 ص 114، 115 طبعة أولى مطبعة السعادة سنة 1324 هـ ..
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل ج 2 ص 455 مطبعة السعادة طبعة أولى سنة 1328 هـ
(4)
شرح النيل ج 2 ص 253
(5)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 238 والحطاب ج 2 ص 455
(6)
حاشية الباجورى ج 1 ص 518 هـ
(7)
رد المختار على الدر المختار حاشية ابن عابدين ج 2 ص 176 المطبعة العثمانية سنة 1324 هـ
وهو أيضا رأى الحنابلة
(1)
لمن لا تلزمه الجمعة ولا الجماعة.
والظاهرية
(2)
توسعوا فى الأمر فذكر ابن حزم فى كتابه المحلى أن الاعتكاف جائز فى كل مسجد جمعت فيه الجمعة أو لم تجمع سواء كان مسقفا أو مكشوفا.
واستدل القائلون بجواز الاعتكاف فى أى مسجد بعموم قوله تعالى: «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» فالآية مطلقة لم تحدد مسجدا خاصا.
2 -
وقيل ان مكان الاعتكاف هو مسجد الجماعة وهو ماله امام ومؤذن، أديت فيه الصلوات أم لا.
قال بهذا الرأى الأحناف على ما جاء فى ابن عابدين والهداية
(3)
.
وهو رأى الحنابلة
(4)
أيضا لمن تلزمه الجماعة.
ورأى الإباضية
(5)
.
وعن أبى حنيفة قول أيضا باشتراط أن تصلى فيه الصلوات الخمس.
3 -
وورد عن بعض العلماء
(6)
كحذيفة وسعيد بن المسيب وابن مسعود أنه لا اعتكاف الا فى المساجد الثلاثة «بيت الله الحرام، وبيت المقدس، ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم» مستدلين بما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا اعتكاف الا فى المسجد الحرام ومسجدى هذا والمسجد الأقصى.
ولقد وفق صاحب بدائع الصنائع
(7)
.
بين الروايات المختلفة بالنسبة للمساجد الثلاثة والمسجد الجامع ومسجد الجماعة وكل مسجد بأن ذلك محمول على بيان الأفضل. كقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة لجار المسجد الا فى المسجد» فأفضل الاعتكاف أن يكون فى المسجد الحرام ثم فى مسجد المدينة ثم فى المسجد الأقصى ثم فى المسجد الجامع ثم فى المساجد العظام التى كثر أهلها.
الاعتكاف فى مكان معين بالنذر:
يرى الحنفية
(8)
ان من نذر اعتكافا فى مكان مخصوص أجزأه الاعتكاف فى غيره وخرج عن موجب نذره.
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع ج 1 ص 533 طبعة أولى المطبعة العامرة الشرفية سنة 1391 هـ ..
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 5، ص 193 ادارة الطباعة المنيرية طبعة أولى سنة 1349 هـ
(3)
الهداية ج 1 ص 95 وابن عابدين ج 2 ص 176 ..
(4)
كشاف القناع ج 1 ص 533
(5)
شرح النيل ج 2 ص 253
(6)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 113 مطبعة شركة المطبوعات العالمية طبعة أولى سنة 1327 هـ والمغنى لابن قدامه ج 3 ص 124 والمجموع شرح المهذب ج 6 ص 483 ادارة الطباعة المنيرية ..
(7)
بدائع الصنائع ج 2 ص 113 الطبعة السابقة ..
(8)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 3 ص 132
وقال زفر: لا بد من الاعتكاف فى المسجد الذى عينه لأن الخروج عن موجب النذر لا يكون الا بالأداء فى المكان الذى عينه أو فى مكان هو أعلى من المكان الذى عينه.
وذهب المالكية والشافعية والحنابلة والظاهرية والزيدية
(1)
الى أن من نذر الاعتكاف فى أحد المساجد الثلاثة - المسجد الحرام ومسجد المدينة والمسجد الأقصى - لزمه الاعتكاف فيها لأنها مساجد تشد الرحال اليها.
والأصل أنه ان عين الأفضل لم يجزئه فيما هو دونه وان عين المفضول أجزأه فيما هو أفضل.
وفى رأى الشافعية
(2)
ان الذى يتعين هو المسجد الحرام فقط لأنه أفضل من سائر المساجد ولا يتعين المسجد الأقصى ولا مسجد المدينة لأنه لا يجب قصدهما بالشرع فلم يتعين بالنذر كسائر المساجد.
ويرى الإمامية
(3)
: ان النذر لا يلزم الا فى أربعة مساجد - المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الكوفة ومسجد البصرة.
وان نذر الاعتكاف فى مسجد آخر غيرها لم يلزمه الاعتكاف فيها ويجزئه الاعتكاف فى أى مسجد لأن الله تعالى لم يعين لعبادته موضعا ولا مرية لبعضها على بعض فلم يتعين
وينص الإباضية
(4)
: على أن من نوى مسجدا معروفا لزمه ما نواه.
وقيل كل ما علق من عبادة على مسجد كفاه فى مسجد بلده أو مسجد ما الا المسجد الحرام أو المسجد النبوى أو بيت المقدس.
الاعتكاف فيما يلحق بالمسجد:
مذهب الحنفية:
(5)
ان المنارة تعتبر من المسجد سواء كان بابها داخل المسجد أو خارجه فيصح الاعتكاف فيها.
مذهب المالكية:
(6)
فلا يصح عندهم الاعتكاف فى رحبة المسجد ولا الطريق المتصلة به اذ لا يقال لواحد منهما مسجد ولا يصح فى بيت القناديل والسقاية والسطح.
مذهب الشافعية:
(7)
ان من المسجد سطحه وهواؤه وروشنه المتصل به فيصح الاعتكاف على سطحه وعلى
(1)
للمالكية الحطاب ج 2 ص 461 وللشافعية المهذب ج 1 ص 160 مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه، وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 533، 534، وللظاهرية المحلى لابن حزم ج 8 ص 18، 19، 20، وللزيدية البحر الزخار ج 2 ص 265 مطبعة السعادة طبعة أولى سنة 1367 هـ
(2)
المجموع ج 6 ص 482
(3)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 476 ..
(4)
شرح النيل ج 2 ص 253 وما بعدها
(5)
بدائع الصنائع ج 2 ص 115
(6)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 238 ..
(7)
حاشية الباجورى ج 1 ص 518، ونهاية المحتاج ج 3 ص 209 والمهذب ج 1، ص 192 ..
غصن شجرة فى هوائه سواء كان أصلها فيه أو كان خارجا عنه وكذلك اذا كان أصلها فى المسجد وغصنها خارجه كالروشن.
وقال فى نهاية المحتاج: لا فرق بين سطح المسجد وصحنه ورحبته المعدودة منه، ويعتبرون كذلك أن المنارة الداخلة فى المسجد تعتبر منه وأختلف فى المنارة الخارجة عن رحبة المسجد.
مذهب الحنابلة:
(1)
ان ظهر المسجد ورحبته المحوطة وعليها باب تعتبر من المسجد، ومنارته التى بابها فيه تعتبر منه، بدليل منع الجنب، وكذلك لو كانت المنارة فيه ولم يكن بابها منه، وما زيد فى المسجد فهو منه.
مذهب الظاهرية:
(2)
فلا يجوزون الاعتكاف فى رحبة المسجد الا أن تكون منه.
مذهب الزيدية:
(3)
والزيدية يجوزون الاعتكاف على سطح المسجد اذ هو مسجد.
مذهب الإمامية:
(4)
والإمامية يوافقون الحنابلة والشافعية فيعتبرون أن سطح المسجد وسردابه ومحرابه منه ما لم يعلم خروجها. وكذا مضافاته اذا جعلت جزءا منه كما لو وسع فيه.
ولم نعثر للإباضية
(5)
فى باب الاعتكاف على شئ من هذا القبيل الا ما جاء فى باب أحكام المساجد من أن مازاد فى المسجد فهو منه ولا تعتبر المنارة منه.
مكان الاعتكاف بالنسبة للزوجة
والعبد عند جميع الأئمة:
هو المسجد كالرجل.
الا ما قاله الحنفية وبعض الزيدية
(6)
من أن المرأة تعتكف فى مسجد بيتها.
وروى الحسن عن أبى حنيفة أيضا أن للمرأة أن تعتكف فى مسجد الجماعة وان شاءت اعتكفت فى مسجد بيتها ومسجد بيتها أفضل.
قال صاحب بدائع الصنائع ان ما ذكر اذن من أن المرأة لا تعتكف الا فى مسجد بيتها محمولا على نفى الفضيلة لا على نفى الجواز.
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 533 ..
(2)
المحلى ج 5 ص 193
(3)
شرح الازهار ج 2 ص 43
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 493، 944 ..
(5)
شرح النيل ج 2 ص 717، 730
(6)
للحنفية حاشية ابن عابدين ج 2 ص 176 والبدائع ج 2 ص 108 - 116، وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 47 - 51.
وحجة الحنفية ان القربة وان كانت خصت بالمساجد لكن مسجد بيتها له حكم المسجد فى حقها بالنسبة للاعتكاف.
والمراد بمسجد البيت هو مكان صلاتها أو أن تخصص موضعا فيه فتعتكف فيه ويكون له حكم المسجد.
وكره الزيدية. اعتكاف المرأة الشابة فى المسجد خوف الفتنة اذا كان المسجد يدخله الرجال.
وورد أيضا رأى للشافعية فى حاشية الباجورى من أن المرأة اذا أعدت لصلاتها محلا فى بيتها يكون كالمسجد فلها الاعتكاف فيه.
واستحب الحنابلة لها أن تعتكف بخباء ونحوه وتجعله فى مكان لا يصلى فيه الرجال لفعل عائشة وحفصة وزينب فى عهد النبى صلى الله عليه وسلم.
وذهب الإباضية الى أن اعتكاف المرأة فى بيتها أفضل.
وقالوا مع ذلك يصح لها أن تعتكف بالمسجد بستر مع زوجها أو محرم لها ولو عبدا.
وقيل يصح اعتكافها مع امرأة أو طفل أو طفلة أو مع أمينين أو مع من لا حاجة له بالنساء
(1)
.
أركانه
ورد فى بعض المذاهب أركان للاعتكاف وذكرت فى نفس المذاهب أيضا فى مكان آخر على أنها شروط.
وهناك مذاهب أخرى لم يرد ذكر للأركان فيها.
- والأركان التى وردت هى:
1 -
اللبث فى المسجد عند الحنفية والمالكية والشافعية والزيدية
(2)
.
2 -
المعتكف وهو ركن عند المالكية والشافعية.
3 -
الصوم عند المالكية والزيدية.
4 -
المسجد عند المالكية والشافعية.
5 -
النية عند الشافعية والزيدية.
6 -
ترك الوط ء عند الزيدية.
7 -
كونه مقدورا عند الزيدية.
وسيأتى تفصيل الكلام على هذه الأركان عند ذكرها فى الشروط.
شروطه
النية:
وهى شرط لصحة الاعتكاف عند جميع
(1)
راجع للمالكية حاشية الصفتى ص 357 وبلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 239، 243، والحطاب ج 2 ص 458، وللشافعية المهذب ج 1 ص 190، 193 والمجموع ج 6 ص 477، 520، وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 531، 532، 536، 537، وللظاهرية المحلى ج 5 ص 187 - 196، ج 7 ص 30، ج 8 ص 2، 4، 25، 27، وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 477 - 520 وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 253 - 257 وص 707
(2)
للحنفية ابن عابدين ج 2 ص 177 وللمالكية الحطاب ج 2 ص 454، 455، وللشافعية حاشية الباجورى ج 1 ص 514، وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 42
الأئمة
(1)
لأن النية شرط فى سائر العبادات لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى» .
وفى رأى المالكية والشافعية والزيدية أنها ركن لا شرط.
ويجب عند الشافعية والحنابلة والإمامية
(2)
.
- أن يعين نوع الاعتكاف - واجبا أو مندوبا - بالنية ليتميز الواجب عن التطوع.
وفى الواجب ينوى الوجوب.
وفى المندوب ينوى الندب
وتكفى نية واحدة عند الشافعية
(3)
.
فيما اذا أطلق الاعتكاف ولو طال مكثه.
فان خرج ثم عاد احتاج الى استئناف النية سواء خرج لقضاء حاجة أم لغيرها لأن ما مضى عبادة تامة مستقلة ولم يتناول بنيته منه غيرها فاشترطت النية لدخول الثانى لأنها عبادة أخرى، الا أن يعزم حين الخروج أن يقضى الحاجة ثم يعود فهذه العزيمة تقوم مقام النية.
وهذا فى الاعتكاف الذى لم يعين فيه زمنا.
فان عين زمنه وخرج.
فأصح الأقوال أنه ان خرج لقضاء حاجة ثم عاد لم يجب تجديد النية.
وان خرج لغرض آخر فلا بد من تجديد النية سواء أطال الزمان أم قصر.
وان شرط فى اعتكافه خروجه لشغل ثم خرج وعاد فالأصح وجوب تجديد النية.
وهذا الكلام يجرى فى اعتكاف التطوع وفى النذر الذى لم يشترط فيه تتابع.
فان كان النذر متتابعا وكان خروجه لا يقطع التتابع فلا يجب عليه استئناف النية عند عوده لشمول النية جميع المدة.
وان كان الخروج يقطع التتابع فانه يجب عليه تجديد النية قطعا.
ويجب تبييت النية عند الزيدية
(4)
.
واذا كان الاعتكاف متصلا ليلا ونهارا كفت نية واحدة للاعتكاف فى أوله ويجدد نية الصوم فى كل يوم.
أما لو كان الاعتكاف فى النهار دون الليل فلا بد من نية الاعتكاف فى كل يوم.
(1)
للحنفية حاشية ابن عابدين ج 2، ص 177 وللمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 238، وللشافعية نهاية المحتاج ج 2 ص 216، والمجموع ج 6 ص 498، وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 530، وللظاهرية المحلى ج 5 ص 179 وللزيدية شرح الأزهار ج 1 ص 42 وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 1 ص 468،: والروضة البهية ج 1، ص 156، وللإباضية شرح النيل ج 2، ص 253 ..
(2)
نهاية المحتاج ج 3 ص 216، وكشاف القناع ج 1 ص 530، مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 468 ..
(3)
المرجع السابق للشافعية ..
(4)
المرجع السابق للزيدية
وعند الإمامية
(1)
:
ينوى قبل طلوع الفجر على رأى من اعتبر الأيام وقبل الغروب على رأى من اعتبر بدايته الليل.
الشرط الثانى - الصوم:
يرى الحنفية
(2)
:
أن الصوم شرط لصحة الاعتكاف الواجب بلا خلاف.
أما اعتكاف التطوع فقد روى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يصح بدون الصوم. واعتمد بعض شيوخ المذهب على هذه الرواية وذكر محمد فى الأصل أنه يصح بدون صوم.
وسبب هذا الاختلاف فى اعتكاف التطوع هو ما ورد من أن اعتكاف التطوع مقدر بيوم فيكون الصوم شرطا له أو غير مقدر أصلا على رواية محمد فلا يكون الصوم شرطا له.
ودليل الأحناف على وجوب الصوم فى الاعتكاف ما روى عن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا اعتكاف الا بالصوم» .
والصوم كذلك شرط لصحة الاعتكاف
(3)
عند المالكية والجعفرية والزيدية وأكثر الإباضية ورواية عن الامام أحمد حيث قال: «اذا اعتكف يجب عليه الصوم» .
ويرى بعض الزيدية
(4)
:
أنه يصح بدون صوم لكن حمل هذا القول على التطوع.
أما الواجب فلا بد فيه من الصوم.
ودليل وجوب شرط الصوم عند القائلين به هو حديث عائشة السابق.
والصوم ليس بشرط عند الشافعية
(5)
.
ومشهور مذهب الحنابلة
(6)
.
وبعض الإباضية
(7)
.
وابن حزم الظاهرى
(8)
بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم «ليس على المعتكف صيام الا أن يجعله على نفسه» .
ولكنه مستحب عند الشافعية
(9)
- والحنابلة
(10)
.
ولا يجب عند هؤلاء الأئمة الا اذا أوجبه المعتكف على نفسه.
وعند المالكية والجعفرية لا يعتبر أن يكون
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 470 ..
(2)
بدائع الصنائع ج 2 ص 109
(3)
للمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 238 والجعفرية مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 471 وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 43، وللإباضية شرح النيل ج 2، ص 253، وللحنابلة المغنى ج 3 ص 121 ..
(4)
المرجع السابق للزيدية ..
(5)
المجموع ج 6 ص 487 ..
(6)
المرجع السابق للحنابلة ..
(7)
المرجع السابق للإباضية ..
(8)
المحلى ج 5 ص 181
(9)
المرجع السابق للشافعية ..
(10)
المرجع السابق للحنابلة ..
الصوم لأجل الاعتكاف بل يعتبر فيه أى صوم كان واجبا أو تطوعا
(1)
.
وعند الإباضية
(2)
- لا يجزئ صوم كفارة ولا تطوع.
ويجزئ صوم رمضان عند الجميع
(3)
وعلى رأى الأئمة القائلين
(4)
: بأن الصوم شرط لصحة الاعتكاف لا يجوز الاعتكاف فى الأيام التى لا يصح فيها الصوم كأيام العيدين والتشريق ولا يصح نذر الاعتكاف فيها فمن أوجبها قضاها.
ويجوز ذلك عند الأئمة الذين لا يعتبرون الصوم شرطا لصحة الاعتكاف.
كذلك لا يصح عند القائلين
(5)
بالصوم اعتكاف الليل فقط ولا نذره لأن الليل ليس محلا للصوم.
وعلى ذلك قول الحنفية: لو نذر اعتكاف ليلة لم يصح ولو نوى معها اليوم لعدم محليتها للصوم لأنه لما جعل اليوم تبعا لليلة وقد بطل نذره فى المتبوع وهو الليلة وبطل فى التابع وهو اليوم، لكن لو نوى بالليلة اليوم صح لأنه أطلق الليلة وأراد اليوم مجازا.
وقال المالكية: ان من نذر ليلة لزمه يوم وليلة.
وعند الزيدية كذلك لا يصح نذر ليلة فقط.
أما الجعفرية فلا يجوز عندهم نذر ليلة أو يوم لأن من شرطه عندهم ألا يكون أقل من ثلاثة أيام.
وعند الإباضية من نذر أن يعتكف ليلا لم يلزمه.
الشرط الثالث:
المسجد وهو شرط لصحة الاعتكاف عند جميع الأئمة
(6)
.
الا ما ذهب اليه ابن لبابة المالكى وبعض الإباضية من أنه يصح فى غير المسجد.
الشرط الرابع:
المكث أى اللبث فى المسجد وهو شرط عند جميع الأئمة (7).
(1)
للمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 238، وللجعفرية مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 471 وما بعدها
(2)
شرح النيل ج 2 ص 253
(3)
المراجع السابقة ..
(4)
للحنفية ابن عابدين ج 2 ص 181، وللمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 238 وللزيدية البحر الزخار ج 2 ص 267 وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 471 وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 269 المراجع السابقة ..
(5)
للحنفية حاشية ابن عابدين ج 2، ص 176 وللمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 238 وللشافعية المهذب ج 1 ص 190 وللحنابلة كشاف القناع ج 1، ص 532، وللظاهرية المحلى ج 5 ص 193، وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 43 وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 474، وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 253 ..
(6)
للحنفية حاشية ابن عابدين ج 2، ص 177 وللمالكية الحطاب ج 2 ص 454، وللشافعية المهذب ج 1 ص 191، ونهاية المحتاج ج 3، ص 209، وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 530، وللظاهرية المحلى ج 5 ص 179، 180، وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 43،: وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 478 وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 257 ..
أما مقدار اللبث المطلوب فسيأتى عند الكلام عن مدته.
الشرط الخامس - العقل:
وهو شرط عند جميع الأئمة
(1)
.
الا أن الزيدية زادوا شرط البلوغ أيضا.
الشرط السادس:
الطهارة من الجنابة والحيض والنفاس وهو شرط للصحة عند جميع الأئمة
(2)
.
الشرط السابع:
ترك الوط ء. فالجماع مما يبطل الاعتكاف عند جميع الأئمة.
وقد عد بعضهم ترك الجماع من الشروط فى الاعتكاف وهم
(3)
. الحنفية والمالكية والزيدية والإباضية.
واعتبره الشافعية شرط اللبث فى المسجد الذى هو أحد أركان الاعتكاف.
واستدلوا جميعا بقوله تعالى:
«وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» .
حكمه
يرى الحنفية
(4)
:
أن الاعتكاف اما واجب بالنذر تنجيزا أو تعليقا وبالشروع فيه على رأى.
وأما سنة مؤكدة وهو اعتكاف العشر الأواخر من رمضان لما ورد فى الصحيحين عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله تعالى ثم اعتكف أزواجه من بعده.
واما مستحب وهو ما سوى العشر الأواخر من رمضان من الأزمنة.
وذهب الشافعية
(5)
والحنابلة
(6)
والإباضية
(7)
وبعض المالكية
(8)
الى أنه سنة.
(1)
للحنفية حاشية ابن عابدين ج 2، ص 177 وللمالكية الحطاب ج 2 ص 454، وللشافعية المجموع ج 6 ص 476 وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 530 وللظاهرية المحلى ج 6 ص 227 وللزيدية البحر الزخار ج 2، ص 263 وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 468، وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 228 ..
(2)
للحنفية ابن عابدين ج 2 ص 177، وللشافعية نهاية المحتاج ج 3 ص 217، وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 530، وللمالكية الحطاب ج 2 ص 462 - 463، وللظاهرية المحلى ج 5 ص 194، 188، وللزيدية شرح الأزهار ج 1 ص 150 وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 1 ص 471، 497، وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 259
(3)
المراجع السابقة
(4)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 177، وبدائع الصنائع ج 2 ص 108 ..
(5)
المهذب ج 1 ص 190
(6)
كشاف القناع ج 1 ص 530
(7)
شرح النيل ج 2 ص 252
(8)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 238 ..
ويرى الزيدية
(1)
والإمامية وبعض المالكية
(2)
أنه مندوب.
والظاهرية
(3)
يقولون انه فعل حسن.
ودليل هؤلاء جميعا حديث عائشة السابق.
الا أن الامام مالك كره الدخول فيه مخافة عدم الوفاء به ..
والكل متفق على أنه يجب بالنذر.
ويزيد الإمامية
(4)
بأنه يجب أيضا بالعهد واليمين والنيابة ان وجبت والاستئجار عليه وبمضى يومين وبالشروع.
ودليل الوجوب عند الجميع ما روته عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه» .
ومما يتصل بأحكام الاعتكاف ما قاله الفقهاء فى حكم اعتكاف الزوجة والعبد وهو كما يلى:
اتفق جميع الأئمة
(5)
على أن المرأة والعبد يصح لهما الاعتكاف باذن من الزوج والسيد لأنهما من أهل العبادة، وانما المانع حق الزوج فى الاستمتاع وحق السيد فى المنفعة فاذا وجد الاذن فقد زال المانع.
واتفقوا كذلك على أن العبد والزوجة لو نذرا اعتكافا بغير اذن فللزوج والسيد منعهما.
وأما المكاتب فليس للسيد منعه من الأعتكاف لأن المولى لا يملك منافع مكاتبه فكان كالحر فى حق منافعه.
وذلك عند الحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية
(6)
.
وعند الجعفرية
(7)
اذا كان اعتكافه اكتسابا.
وعند المالكية
(8)
اذا كان اعتكافه يسيرا لا ضرر فيه على سيده.
(1)
البحر الزخار ج 2 ص 267
(2)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 467 ..
(3)
المرجع السابق للمالكية ..
(4)
المحلى ج 5 ص 179
(5)
المرجع السابق للامامية ..
(6)
للحنفية حاشية ابن عابدين ج 2، ص 176، وبدائع الصنائع ج 2 ص 108، 109، 113، 114، 116 وللمالكية حاشية الصفتى ص 357 وبلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، 239، 243 وللشافعية المهذب ج 1، ص 190، 193 والمجموع ج 6 ص 477 وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 531، 532، 536، 537 وللظاهرية المحلى ج 5، ص 187 الى 196 وج 8 ص 2، 4 وص 25 و 27 وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 47، 48، 51، وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 477 الى ص 520، وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 253 الى 257 وج 2 ص 707
(7)
المراجع السابقة للحنفية والشافعية والحنابلة والزيدية ..
(8)
المرجع السابق للجعفرية ..
واذا أذن الزوج أو السيد بالاعتكاف للزوجة والعبد
(1)
.
فعند الحنفية
(2)
لا يجوز للزوج أن يرجع فى اذنه لأنه لما أذن لها بالاعتكاف فقد ملكها منافع الاستمتاع بها فى زمان الاعتكاف وهى من أهل الملك فلا يملك الرجوع عن ذلك، أما السيد فاذا أذن لمملوكه بالاعتكاف فله أن يرجع لأن السيد لم يملك العبد منافعه لأنه ليس من أهل الملك وانما أعاره منافعه، وللمعير أن يرجع فى العارية متى شاء الا أنه يكره له الرجوع لأنه خلف فى الوعد وغرور فيكره له ذلك.
وقال المالكية
(3)
:
ان أذن الزوج والسيد فى نذر الاعتكاف فان دخلا فيه فلا يمنعانهما منه وان لم يدخلا فيه جاز منعهما منه.
وعند الشافعية
(4)
:
ان الزوجة والعبد اذا نذرا اعتكافا باذن الزوج والسيد فان كان النذر غير متعلق بزمان يعينه لم يجز أن يدخلا فيه بغير اذنهما لأن الاعتكاف ليس على الفور وحق الزوج والمولى على الفور فيقدم على الاعتكاف، وان كان النذر متعلقا بزمان يعينه جاز أن يدخلا فيه بغير اذنهما لأنه تعين عليهما فعله باذنهما.
وان دخلا فى اعتكاف.
فان كان تطوعا جاز للزوج والسيد اخراجهما منه لأنه لا يلزمه بالدخول.
وان كان فى فرض متعلق بزمان بعينه لم يجز لأنه تعين عليه فى وقته.
وان كان فى فرض غير متعلق بزمان بعينه لم يجز لأنه تعين عليه فى وقته.
وان كان فى فرض غير متعلق بزمان بعينه ففيه وجهان:
أحدهما: لا يجوز لأنه وجب باذنه ودخلا فيه باذنه فلم يجز اخراجهما منه.
والثانى: أنه ان كان متتابعا لم يجز لأنه لا يجوز الخروج منه فلا يجوز اخراجهما منه كالمنذور فى زمان بعينه.
وان كان غير متتابع جاز لأنه يجوز لهما الخروج منه كالتطوع.
وقال الحنابلة
(5)
:
ان شرعا فى الاعتكاف باذن من الزوج والسيد فلهما تحليلهما من الاعتكاف.
ان كان تطوعا لأن النبى صلى الله عليه وسلم أذن لعائشة وحفصة وزينب فى الاعتكاف ثم منعهن منه بعد ان دخلن ولأن حق الزوج والسيد واجب والتطوع لا يلزم بالشروع ولأن لهما المنع منه ابتداء فكان لهما المنع دواما.
(1)
المرجع السابق للمالكية ..
(2)
المرجع السابق للحنفية ..
(3)
المرجع السابق للمالكية ..
(4)
المرجع السابق للشافعية ..
(5)
المرجع السابق للحنابلة ..
وان كان الاعتكاف نذرا ولو غير معين فلا يمنعانهما منه لأنه يتعين بالشروع فيه ويجب اتمامه.
أما قبل الشروع فى الاعتكاف فانه يجوز الرجوع مطلقا بعد الأذن فى الاعتكاف للزوجة والعبد ما دام لم يشرعا فيه على أن الأذن فى عقد النذر يعتبر اذنا فى الفعل اذا كان النذر معينا بالأذن كما لو أذن الزوج والسيد لهما فى نذر اعتكاف العشر الأخير من رمضان فيكون اذنا فى فعله.
أما اذا لم يكن الزمن معينا بالأذن فلا يكون الأذن فى النذر اذنا فى الفعل لأن زمن الشروع لم يتضمنه الأذن السابق.
أما الظاهرية
(1)
:
فان ابن حزم الظاهرى يعتبر النذر كالفرض يجب الوفاء به حيث قال: من نذر طاعة لله لزمه الوفاء بها فرضا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه» .
ثم قال ابن حزم:
ونذر الرجل والمرأة البكر ذات الأب وغير ذات الأب وذات الزوج وغير ذات الزوج والعبد والحر سواء لأن الله أمر بالوفاء بالنذر ولم يخص أحدا.
وعند الزيدية
(2)
:
اذا أذن الزوج أو السيد بايجاب الاعتكاف فأوجباه ودخلا فيه لم يجز لهما المنع بعد ذلك.
لكن يجوز للزوج والسيد أن يرجعا عن اذنهما قبل أن يقع الايجاب من الزوجة والمملوك.
فأما بعد وقوع الايجاب فلا رجوع.
فان كان الزوج أو السيد قد أذنا فى الايجاب دون الفعل فأوجباه.
فان كان الوقت معينا فلا رجوع اتفاقا.
وكذلك ان كان الوقت غير معين على رأى من جعل الواجبات على الفور.
وعند الإمامية
(3)
:
اذا أذن المولى لعبده فى الاعتكاف جاز له الرجوع عن اذنه ما لم يمض يومان فاذا مضى يومان فليس له الرجوع بعدهما لوجوب اتمامه بثلاثة أيام حينئذ حيث أن أقل الاعتكاف عندهم ثلاثة أيام.
وذلك اذا كان تطوعا.
فان كان واجبا فكذلك لا يجوز الرجوع بعد الاذن وبعد الشروع فيه.
أما الإباضية
(4)
:
فانهم يقولون: من أذن لزوجته فى اعتكاف ودخلت فيه فليس له منعها، أما قبل الدخول فله منعها.
(1)
المحلى ج 8 ص 412، 25
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 47، 48، 51
(3)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 477 الى ص 520 ..
(4)
شرح النيل ج 2 ص 253 الى 257
وقيل ان للزوج المنع بعد الدخول ولو باذنه وقيل حتى تتم اليوم فيمنعها ان شاء.
ما يطرأ على المرأة والعبد أثناء الاعتكاف.
اتفق الأئمة ما عدا الظاهرية على أن ما يطرأ على المرأة من حيض أو نفاس يعتبر عذرا يجب معه الخروج من المسجد حتى يزول عذرها فاذا زال العذر.
- فعند الحنفية
(1)
:
ان كانت فى اعتكاف تطوع فهى بالخيار بين الرجوع وعدمه.
وان كان اعتكافها نذرا فان كان شهرا بعينه قضت ما فات وقت العذر وبنت على ما مضى.
وان كان نذرا غير معين أستأنفت اعتكافها من أجل التتابع.
واذا كان العبد أو المرأة قد منعا من الاعتكاف المنذور فعليهما قضاؤه اذا عتق العبد وبانت المرأة.
وقال المالكية
(2)
:
من حاضت خرجت وعليها حرمة الاعتكاف أى لا تفعل ما لا يفعله المعتكف فاذا طهرت رجعت وبنت على ما مضى.
لكن لو حصل منها ما يحرم فعله على المعتكف أثناء حيضها كجماع أو قبلة بشهوة ولو ناسية لاعتكافها بطل اعتكافها واستأنفته من أوله،
وكذلك ان أخرت الرجوع الى المسجد بعد طهرها بطل اعتكافها واستأنفته من أوله.
وان حاضت المعتكفة فخرجت للحيض فطلقها زوجها فانها ترجع للمسجد اذا طهرت لتكمل اعتكافها كما لو طلقها وهى فى المسجد فانها لا تخرج.
واذا اعتكفت ثم طرأ عليها ما يوجب العدة فانها تتم اعتكافها أولا ولا تخرج حتى تنته من اعتكافها ثم ترجع الى بيت زوجها فتتم فيه باقى العدة، فان كان موجب العدة قد سبق الاعتكاف فلا تعتكف حتى تتم العدة.
وان اجتمع على امرأة عبادات متضادة الأمكنة كعدة واحرام واعتكاف فان سبق الاعتكاف العدة أتمت السابق فتستمر فى اعتكافها حتى تنته منه.
واذا منع العبد من الاعتكاف المنذور فعليه ذلك الاعتكاف ان عتق.
وقال سحنون فى العبد الذى منع ان كان المنذور معينا فلا قضاء عليه.
وقال الشافعية
(3)
:
ان كان اعتكافها فى مدة لا يمكن حفظها من الحيض فيها خرجت من المسجد فاذا طهرت عادت وأتمت مدة اعتكافها.
(1)
بدائع الصنائع ج 2 ص 108 - 116
(2)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 243 والحطاب ص 458 ..
(3)
المجموع ج 6 ص 477 - 520، والمهذب ج 1 ص 190 - 193 ..
وان كان اعتكافها فى مدة يمكن حفظها فيها من الحيض ففاجأها الحيض فيها فانها تخرج ثم تبدأ اعتكافا جديدا.
أما المستحاضة فلا تخرج من المسجد لأنها كالطاهرة لكن تحترز عن تلويث المسجد.
واذا طلقت المعتكفة تخرج لتعتد فى بيت الزوجية ثم تعود فتتم اعتكافها.
وعند الحنابلة
(1)
:
اذا حاضت المرأة وهى معتكفة خرجت الى بيتها فاذا طهرت رجعت الى المسجد فان كان للمسجد رحبة غير محوطة يمكنها ضرب خباء فيها بلا ضرر سن لها ضرب الخباء بها وتجلس بها.
وهذا اذا لم تخف تلويثا فاذا طهرت دخلت المسجد لتتم اعتكافها لما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت: «كن المعتكفات اذا حضن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باخراجهن من المسجد وأن يضربن الأخبية فى رحبة المسجد حتى يطهرن» .
ولا تمنع الاستحاضة الاعتكاف وهذا اذا أمنت تلويث المسجد والا خرجت لصيانة المسجد من النجاسات.
وتخرج المعتكفة لعدة وفاة فى منزلها لوجوبها شرعا ولأنه لا يستدرك اذا ترك بخلاف الاعتكاف.
وعند الظاهرية
(2)
:
أن المعتكفة اذا حاضت فلا تخرج من المسجد بل تقيم فيه كما هى تذكر الله تعالى وكذلك اذا ولدت فان اضطرت الى الخروج خرجت ثم رجعت اذا قدرت فان تأخرت بطل اعتكافها.
والحائض يجوز دخولها المسجد ولا تمنع منه اذا لم يأت بالمنع لها نص ولا اجماع.
وعند الزيدية
(3)
:
من اعتكفت ثم حاضت قبل الاتمام أو وجبت عليها عدة خرجت من المسجد فاذا طهرت أو أتمت عدتها رجعت الى المسجد وأتمت اعتكافها وتبنى على ما مضى اذا كانت لم تنو التتابع او نوت التتابع وكانت المدة طويلة والا استأنفت.
فان كانت قد نذرت يوما واحدا وبدأت الاعتكاف ثم طرأ ما يوجب الخروج.
أو كانت قد نذرت يوما وليلة وطرأ موجب الخروج فى النهار فانها تستأنف الاعتكاف:
وقال الإمامية
(4)
:
تخرج المرأة للحيض فاذا طهرت عادت الى المسجد.
واذا طلقت أثناء الاعتكاف.
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 531 الى 537
(2)
المحلى ج 5 ص 187 الى 196
(3)
شرح الأزهار ج 2 ص 47 الى 51
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 477 الى 520
فان كان طلاقها رجعيا وجب عليها الخروج الى منزلها للاعتداد وبطل اعتكافها وتستأنفه بعد العدة.
وهذا اذا كان الاعتكاف غير معين.
أما اذا كان معينا فلا يبعد التخيير بين اتمام الاعتكاف ثم الخروج للعدة أو ابطال الاعتكاف والخروج للعدة وقيل تعتد فى المسجد.
أما اذا طلقت طلاقا بائنا فانها تتم اعتكافها ثم تخرج للعدة.
وقال الإباضية
(1)
:
ان الحائض والنفساء يخرجان من المسجد ويبنيان بعد زوال العذر.
وان حلفت أن تعتكف كل يوم جمعة فحاضت لزمتها كفارة اليمين لا الاعتكاف،
واذا نذرت اعتكاف أيام الحيض فليس عليها شئ.
مدته ووقته
أقل مدة الاعتكاف الواجب عند الحنفية
(2)
.
يوم باتفاق وهو كذلك فى رواية عن أبى حنيفة فى اعتكاف التطوع.
وعن محمد فى الأصل وظاهر الرواية عن الامام أن التطوع غير مقدر.
ويستوى فيه القليل والكثير ويكفى فيه ولو ساعة من ليل أو نهار لأن النفل مبنى على المساهلة والمسامحة.
وذهب المالكية
(3)
:
الى أن أقل مدته يوم وليلة على الصحيح سواء كان نذرا أو تطوعا.
وقد ورد عندهم أن أقله كمالا - بحيث يكون ما نقص عنه اما مكروها أو خلاف الأولى - يوم وليلة وقيل ثلاثة أيام وقيل عشرة أيام.
وعند الزيدية
(4)
: أقله يوم.
أما الإمامية
(5)
:
فانهم يعتبرون أن أقل مدة الاعتكاف ثلاثة أيام مع دخول الليلتين المتوسطتين على الأشهر.
والإباضية
(6)
:
يوافقون المالكية فى أن أقل مدته يوم وليلة على الصحيح سواء كان نذرا أو تطوعا وورد عندهم أن أقله ثلاثة أيام وقيل عشرة أيام.
وتحديد المدة عند هؤلاء الأئمة منظور فيه الى اعتبار شرط الصوم ولا يكون الصوم أقل من يوم.
(1)
شرح النيل ج 2 ص 253 الى 257
(2)
حاشية أبن عابدين ج 2 ص 179
(3)
حاشية الدسوقى ج 1 ص 541
(4)
شرح الازهار ج 2 ص 44
(5)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 472 - 473
(6)
شرح النيل ج 2 ص 252
أما الحنابلة
(1)
. والشافعية
(2)
والظاهرية
(3)
: فليس للاعتكاف عندهم مدة محددة بل تكفى مدة يطلق عليها مكث حقيقى وذلك لأنهم لا يشترطون الصوم فى صحته.
وكل ذلك فى أقل المدة.
أما أكثرها فلا حد لها.
وقد ورد عن المالكية أن أكثره كمالا عشرة أيام وقيل شهر.
أما وقت الاعتكاف:
فقد أتفق جميع الأئمة
(4)
على أن الاعتكاف جائز فى كل وقت لكنه فى شهر رمضان أفضل وتتأكد الافضلية فى العشر الأواخر من رمضان ففى الصحيح عن عائشة رضى الله عنها كان النبى صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله وكانت أزواجه يعتكفن بعده.
وفى حديث آخر يقول النبى صلى الله عليه وسلم: «من أراد أن يعتكف فليعتكف العشر الأواخر - يعنى من رمضان.
وسبب أفضلية الاعتكاف فى رمضان وخاصة العشر الأواخر منه وقوع ليلة القدر فيها على الأشهر والحث على احيائها بالعبادة.
وذلك فيما عدا الأيام التى لا يصح فيها الصوم كأيام العيدين والتشريق عند من يشترط الصوم فى صحة الاعتكاف.
فقد ورد للحنفية فى بدائع الصنائع
(5)
.
على رواية أبى يوسف وابن المبارك عن أبى حنيفة:
أنه لا يصح نذر الشخص الاعتكاف فى هذه الأيام كما لا يصح نذر الصوم فيها لأن الصوم من لوازم الاعتكاف الواجب.
وعند المالكية
(6)
:
أن يوم العيد لا يحتسب من الاعتكاف ويبنى المعتكف على ما مضى من اعتكافه.
وفى شرح الأزهار للزيدية
(7)
:
أنه لا يجزئ اعتكاف العيدين والتشريق ومن أوجبها قضاها. لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «لا اعتكاف الا بصوم» .
وفى مستمسك العروة الوثقى
(8)
.
للجعفرية:
ان الاعتكاف لا يصح وقوعه فى أيام العيدين بل لو دخل فيه قبل العيد بيومين لم يصح وان كان غافلا حين الدخول:
وذكر الإباضية (9):
أن من نذر اعتكاف سنة أبدل العيدين.
(1)
المحرر ج 1 ص 232
(2)
حاشية الباجورى ج 1 ص 518
(3)
المحلى ج 5 ص 179
(4)
المراجع السابقة ..
(5)
حاشية الدسوقى ج 1 ص 541
(6)
ج 2 ص 43
(7)
ج 8 ص 471
(8)
شرح النيل ج 2 ص 256
أما الشافعية والحنابلة والظاهرية:
فيجوز وقوع الاعتكاف عندهم فى أيام الأعياد والتشريق لأنهم لا يشترطون الصوم فى صحة الاعتكاف.
بل ان ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى ذكر أن اعتكاف يوم الفطر ويوم الأضحى وأيام التشريق حسن
(1)
.
مندوباته
جميع الأئمة
(2)
: على أنه يندب للمعتكف الاشتغال بالعبادة والعلم والذكر والتلاوة.
قال الحنفية وتدريس سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وقصص الأنبياء وحكاية الصالحين وكتابة أمور الدين.
وزاد المالكية:
أنه يندب للمعتكف اعداد ثوب آخر يأخذه معه لاحتمال أن يصيب الذى عليه نجاسة فيلبسه.
ويندب مكثه فى المسجد ليلة العيد اذا اتصل اعتكافه بها وكان آخر اعتكافه آخر يوم من رمضان ليمضى من معتكفه الى المصلى حتى يصل عبادة بعبادة.
ويندب اعتكاف عشرة أيام لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم ينقص عنها.
ويندب كونها فى رمضان وكونها فى العشر الأخير منه لليلة القدر الغالبة وقوعها فيه.
ويندب مكثه بآخر المسجد ليبعد عمن يشغله بالحديث ويندب له دخول المسجد قبل الغروب على القول المعتمد بأن أقله يوم وليلة.
وزاد الشافعية: كذلك قراءة وسماع نحو الأحاديث والرقائق والمغازى التى هى غير موضوعة وتحتملها أفهام العامة.
واختار أبو الخطاب من الحنابلة استحباب اقراء القرآن وتدريس العلم ومناظرة الفقهاء ومجالستهم وكتابة الحديث ونحو ذلك اذا قصد به المعتكف الطاعة لا المباهاة.
وزاد الحنابلة كذلك أنه يستحب للمعتكف اجتناب ما لا يعنيه من جدال ومراء وكثرة كلام وغيره بقوله عليه الصلاة والسلام:
«من حسن اسلام المرء تركه ما لا يعنيه» .
ومن اعتكف العشر الأواخر من رمضان استحب له أن يبيت ليلة العيد فى معتكفه
ويستحب له أيضا أن يترك لبس رفيع الثياب والتلذذ بما يباح له قبل الاعتكاف وألا
(1)
للشافعية، حاشية الباجورى ج 1، ص 518 وما بعدها وللحنابلة، المحرر ج 1، ص 232 وللظاهرية المحلى ج 5 ص 181
(2)
للاحناف حاشية ابن عابدين ج 2، وما بعدها وللمالكية حاشية الدسوقى ج 1، ص 550، وللشافعية نهاية المحتاج ج 2، ص 215، وللحنابلة المغنى ج 2 ص 148، وكشاف القناع ج 1 ص 536 وما بعدها، وللظاهرية المحلى ج 5 ص 200، وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 52، وللإمامية الروضة البهية ج 1 ص 52، وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 253
ينام الا عن غلبة وألا ينام مضطجعا بل متربعا مستندا.
وذكر ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى.
أنه يستحب للمعتكف أن يكون له خباء.
ويرى الإمامية انه يستحب للمعتكف أن يشترط فى ابتدائه الرجوع فيه عند العارض.
مكروهاته
ذهب الحنفية
(1)
:
الى أنه يكره - تحريما - للمعتكف الصمت ان اعتقد أن الصمت قربة والالم يكره، والصمت مكروه لأنه ليس من شريعة الاسلام ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
«لا يتم بعد احتلام ولا صمات يوم الى الليل» ويكره كذلك التكلم الا بخير لأن الكلام يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب، ويكره احضار سلعة فى المسجد للبيع والشراء لأن المسجد محرز عن شغله بحقوق العباد أما البيع والشراء بمعنى الايجاب والقبول من غير احضار السلعة الى المسجد فلا بأس به.
وقال قاضيخان والزيلعى انه يكره عقد التجارة وان لم يحضر السلعة الى المسجد.
وعند المالكية
(2)
:
يكره للمعتكف أن يأكل بفناء المسجد أو رحبته بل يأكل فى مكانه الذى يعتكف فيه.
ويكره أن يعتكف دون أن يكون معه ما يكفيه من طعام وشراب وثياب ان كان قادرا على ذلك.
ويكره - اذا خرج لقضاء حاجة - أن يدخل منزله القريب الذى به زوجته لئلا يطرأ عليه ما يفسد اعتكافه فلو لم يكن به أحد لم يكره أو كان أهله فى العلو ودخل هو أسفله فلا يكره.
ويكره أن يشتغل بكتابة ولو كان المكتوب مصحفا وهذا ان كثرت الكتابة لا ان قلت.
ويكره أن يشتغل بتعلم أو تعليم لأن المقصود من الاعتكاف صفاء القلب لمراقبة الله وذلك يتم بالذكر ويكره اشتغاله بكل فعل غير ذكر وتلاوة وصلاة مثل عيادة المريض الذى بالمسجد وكان بعيدا عن مكانه الذى هو فيه وصلاة الجنازة ولو لاصقت وصعود المنارة والسطح للأذان واقامة الصلاة.
ويكره حلق الرأس وانتظار غسل ثوبه وتجفيفه ان كان له ثوب آخر.
ويكره أن يخرج القاضى المعتكف لدعوة توجهت عليه قبل تمام اعتكافه ما لم تطل مدة الاعتكاف بحيث تضر برب الحق.
ويرى الشافعية
(3)
:
أنه يكره للمعتكف الاكثار من فعل الصنائع فى المسجد كالخياطة والكتابة ونسج
(1)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 184
(2)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 240، 241، وحاشية الدسوقى ج 1، ص 549.
(3)
نهاية المحتاج ج 3 ص 214 وحاشية الباجورى ج 1 ص 532
الخوص لأن فيه انتهاكا لحرمة المسجد أما القليل فيجوز.
وكذلك تكره الحجامة والفصد اذا أمن تلويث المسجد والا حرم، وتكره المعاوضة بلا حاجة وان قلت.
ويكره البيع والشراء ان كثر فان قل جاز.
مذهب الحنابلة
(1)
:
فانه يكره عندهم أن يتطيب المعتكف لأن الاعتكاف عبادة تختص مكانا فكان ترك الطيب فيها مشروعا قال أحمد لا يعجبنى أن يتطيب.
كذلك يكره الصمت الى الليل على رأى ابن عقيل وان نذره لم يجب عليه الوفاء به لحديث للى قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «صمات يوم الى الليل» رواه أبو داود.
مذهب الزيدية
(2)
:
يكره الاشتغال بما لا قربة فيه سيما البيع والشراء لما ورد فيه من النهى عنه فى المسجد.
وكذلك يكره الكلام المباح.
مذهب الإباضية
(3)
:
يرى الإباضية كراهة الاشتغال بغير الطاعة وكراهة ان يعمل الغنى ليأكل من عمل يده.
«تتابعه وتفرقه وما يتبع
ذلك من وقت الدخول والخروج»
مذهب الحنفية
(4)
:
عندهم أن الأصل بالنسبة للتتابع والتفرق فى الاعتكاف هو أنه متى دخل الليل والنهار فى الاعتكاف فانه يلزم متتابعا، ودخول الليل والنهار فى الاعتكاف يتوقف تارة على اللفظ وتارة على النية وتارة على الاطلاق، والاعتكاف قد يكون مثنى أو جمعا أو محصورا فى زمن.
فمن نذر اعتكاف يومين ولا نية له فى التتابع أو عدمه فانه يلزمه اعتكاف يومين متتابعين بليلتيهما على رأى أبى حنيفة ومحمد، وعلى ذلك فانه يدخل المسجد قبل غروب الشمس فيمكث تلك الليلة ويومها ثم الليلة الثانية ويومها الى أن تغرب الشمس فيخرج من المسجد، وعومل المثنى هنا معاملة الجمع بدليل ما ورد «الاثنان فما فوقهما جماعة» والعرف أيضا ثابت بدخول الليلتين مع اليومين فى التثنية كما فى الجمع يقول الرجل كنا عند فلان يومين ويريد به يومين وما بازائهما من الليالى.
وذهب أبو يوسف الى أنه يلزمه يومان متتابعان لكن الليلة الأولى لا تدخل فى نذره - وانما تدخل الليلة المتخللة بين اليومين لضرورة حصول التتابع والدوام ولا ضرورة
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 539 والمغنى ج 3 ص 151.
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 52
(3)
شرح النيل ج 2 ص 254
(4)
بدائع الصنائع ج 2 ص 110، 111 وفتح القدير ج 2 ص 114، 115 وحاشية ابن عابدين ج 2 ص 186
فى دخول الليلة الأولى، والعرف ثابت فى دخول الليلة الأولى فى الجمع لا فى التثنية وعلى ذلك فانه يدخل المسجد قبل طلوع الفجر ويخرج بعد غروب شمس اليوم الثانى.
ولو نوى يومين خاصة دون ليلتيهما صحت نيته ويلزمه اعتكاف يومين بغير ليلة لأنه نوى حقيقة كلامه وهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق اذ ليس فى لفظه ما يدل على التتابع واليومان متفرقان لتخلل الليلة بينهما وعلى ذلك فانه يدخل المسجد كل يوم قبل طلوع الفجر ويخرج بعد غروب الشمس، ولو نذر اعتكاف ليلتين ولا نية له لزمه اعتكاف ليلتين مع يوميهما متتابعان ويدخل المسجد قبل غروب الشمس، ولو نوى الليل خاصة دون النهار صحت نيته لأنه نوى حقيقة كلامه ولا يلزمه شئ لأن الليل ليس محلا للصوم.
كذلك ذهب الحنفية الى أن نذر اعتكاف الأيام بلفظ الجمع تتبعه الليالى ونذر اعتكاف الليالى بلفظ الجمع تتبعه الأيام فمن نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو عشرة أو ثلاثين يوما ولا نية له فانه يلزمه اعتكاف الأيام مع الليالى متتابعة وتدخل الليلة الأولى فى نذره فيدخل المسجد قبل غروب الشمس ويخرج بعد الغروب من آخر يوم.
ولو نوى الأيام فقط دون الليالى صحت نيته لأنه نوى حقيقة كلامه ويلزمه اعتكاف الأيام فقط فيدخل المسجد كل يوم قبل طلوع الفجر الى غروب الشمس وهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق لأن اللفظ مطلق عن قيد التتابع ولا يلزم التتابع الا بالشرط، ولو قال عنيت الليالى دون الأيام لم يعمل بنيته ولزمه الليل والنهار لأنه لما نص على الأيام لا يكون قوله: نويت بها الليالى دون الأيام مقبولا لأنه نوى ما لا يحتمله كلامه.
ومن نذر اعتكاف ثلاث ليال أو عشرا أو ثلاثين ليلة ولا نية له فانه تلزمه الليالى مع الأيام متتابعة ويدخل المسجد قبل غروب الشمس، ولو قال عنيت به الليالى دون النهار فلا يلزمه شئ لأنه نوى حقيقة كلامه والليالى فى اللغة اسم للزمان الذى تغيب فيه الشمس لكن عند الاطلاق فانها تتناول ما بازائها من الأيام بالعرف، فاذا عنى حقيقة كلامه - والعرف أيضا باستعمال هذه الحقيقة باق - صحت نيته لمصادفتها محلها.
والأصل فى كل ذلك أن الأيام اذا ذكرت بلفظ الجمع يدخل ما بازائها من الليالى وكذلك الليالى اذا ذكرت بلفظ الجمع يدخل ما بازائها من الأيام لقوله تعالى فى قصة زكريا عليه السلام: «قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَةَ أَيّامٍ إِلاّ رَمْزاً»
(1)
.
وقوله تعالى فى موضع آخر: «قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلاّ تُكَلِّمَ النّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا»
(2)
. والقصة واحدة فلما عبر فى موضع باسم الأيام وفى موضع باسم الليالى دل على أن المراد من كل واحد منهما هو وما بازاء صاحبه حتى أنه فى الموضع الذى لم تكن الأيام فيه على عدد الليالى أفرد كل واحد
(1)
الآية رقم 41 من سورة آل عمران ..
(2)
الاية رقم 1 من سورة مريم
منهما بالذكر قال تعالى: «سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً»
(1)
.
- ومن نذر اعتكاف شهر غير معين يلزمه اعتكاف شهر أى شهر كان متتابعا فى الليل والنهار سواء ذكر التتابع أم لا فيدخل المسجد قبل غروب الشمس فيعتكف ثلاثين ليلة وثلاثين يوما ثم يخرج بعد استكمالها بعد غروب الشمس، ولا ينفعه أن ينوى النهار فقط أو الليل فقط لأن الشهر اسم لزمان مقدر بثلاثين يوما وليلة مركب من شيئين مختلفين كل واحد منهما أصل فى نفسه فاذا أراد أحدهما فقط فقد أراد بالاسم ما لم يوصع له ولا احتمله فبطل، لكن لو تلفظ فقال لله على أن اعتكف شهرا: النهار دون الليل أو قال شهرا الا الليالى فليس عليه الا اعتكاف النهار فقط لأنه لما قال النهار دون الليل فقد لغا ذكر الشهر بنص كلامه، وهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق.
والأصل فى ذلك أن كل اعتكاف وجب فى الأيام دون الليالى فصاحبه بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق، وكل اعتكاف وجب فى الأيام والليالى وجب متتابعا بالصوم.
ولو قال شهرا: الليل دون النهار أو قال شهرا الا النهار فلا يلزمه شئ لأن الليل لا يصح فيه الصوم الذى هو من شروط الاعتكاف.
وخالف زفر فيما مر من لزوم التتابع، والرأى عنده أن التتابع لا يلزم الا بذكر التتابع أو نيته، فان لم يذكر التتابع ولم ينوه فهو بالخيار ان شاء تابع وان شاء فرق ودليله أن اللفظ مطلق عن قيد التتابع ونيته فيجرى على اطلاقه كما فى الصوم.
واستدل من يوجب التتابع بأن الاعتكاف عبادة دائمة ومبناها على الاتصال لأنه لبث واقامة والليالى قابلة للبث فلا بد من التتابع وان كان اللفظ مطلقا عن قيد التتابع لكن فى لفظه ما يقتضيه وفى ذاته ما يوجبه بخلاف الصوم اذ ليس مبنى حصوله على التتابع بل على التفريق لأن بين كل عبادتين منه وقتا لا يصلح لها وهو الليل.
ومن نذر اعتكافا فى شهر معين بأن قال لله على أن اعتكف رجب فانه يلزمه بصومه متتابعا.
مذهب المالكية:
يوجبون
(2)
: التتابع فى الاعتكاف المطلق.
فمن نذر ثلاثة أيام أو عشرة أو ثلاثين فيجب اعتكافها متتابعة لأن طريقة الاعتكاف وشأنه التتابع.
واختلف فى وقت الدخول:
فقيل: يجب أن يدخل قبل غروب الشمس على اعتبار أن أقله يوم وليلة، ورجحه الدسوقى.
وعلى القول بأن أقله يوم يجزئه الدخول قبل الفجر.
فان قيد النذر بتتابع أو عدمه عمل بما قيد ونوى.
(1)
الآية رقم 7 من سورة الحاقة ..
(2)
حاشية الدسوقى ج 1 ص 550
مذهب الشافعية
(1)
:
ذهب الشافعية الى أن من نذر اعتكاف يومين دون نية فانه يلزمه اعتكاف يومين ولا تدخل الليلة الأولى بلا خلاف، وانما الخلاف فى الليلة المتوسطة والراجح أنها لا تلزمه ويلزمه اليومان فقط دون تتابع فان نوى التتابع أو صرح به لزمته الليلة التى بينهما على وجه التتابع وذلك على طريقة الشيخ أبى حامد وابن الصباغ والمتولى وأكثر الأصحاب.
ولو نوى النهار خاصة فلا يدخل فيه الليل ولا يلزمه تتابع وعليه اعتكاف يومين فقط ويدخل المسجد قبل الفجر ويخرج بعد غروب الشمس.
ولو نذر اعتكاف ليلتين دون نية فانه يلزمه اعتكاف ليلتين وفى اليوم الذى بينهما خلاف.
والراجح أنه لا يلزمه ولا يلزمه تتابع الا اذا صرح بالتتابع أو نواه، فان صرح أو نوى لزمه ليلتان متتابعتان ويدخل المسجد قبل الغروب ومن نذر اعتكاف ثلاثة أيام أو عشرة أو ثلاثين ونوى التتابع فانه يلزمه الاعتكاف متتابعا ولا تدخل الليلة الأولى فى نذره بلا خلاف ويدخل المسجد قبل الفجر ولا تدخل الليلة الأولى لأن الليالى تنقص عن عدد الأيام بواحد أبدا فلا يلزمه ليال بعدد الأيام.
فان نوى الأيام خاصة فلا يلزمه الا الأيام بلا خلاف، أما اذا لم ينو التتابع ففى وجوب اعتكاف الليالى المتخللة خلاف:
فقيل ان الليالى المتخللة تلزمه كما حكى البغوى فى احدى طرقه وقيل لا تلزمه مطلقا واستظهره صاحب المهذب لأنه زمان لا يتناوله نذره فلا يلزمه اعتكافه.
وان نذر ليالى فان نواها متتابعة لزمته الأيام التى بينها.
وان نوى تتابع الليالى وحدها لم تلزمه الأيام المتخللة.
وان لم ينو التتابع فقيل تلزمه الأيام وقيل لا تلزمه.
ومن نذر اعتكاف شهر بعينه وأطلق لزمه اعتكافه متتابعا ليلا ونهارا تاما كان الشهر أو ناقصا ويجزئه الناقص بلا خلاف ويدخل المسجد قبل الغروب فان قال أيام الشهر فلا تلزمه الليالى وان قال الليالى فلا تلزمه الأيام فلو لم يقيد بليل أو نهار لكن نواه بقلبه فوجهان:
أصحهما: عند المتولى والبغوى والرافعى وغيرهم أنه لا أثر لنيته لأن النذر لا يصح الا باللفظ.
والوجه الثانى: أن النية كاللفظ فيعمل بنيته وهو قول القفال.
وان نذر اعتكاف شهر غير معين فانه يكفيه شهر بالهلال، تم أو نقص لأن الشهر اسم لما بين الهلالين ويدخل المسجد قبل غروب الشمس فاذا دخل بعد الغروب فقد
(1)
المجموع ج 6 ص 493، 496، 497
صار شهره عدديا فيلزمه استكمال ثلاثين يوما بلياليها.
ثم ان كان شرط التتابع لزمه بلا خلاف.
وان كان قد شرط التفرق جاز متفرقا متتابعا.
وان أطلق جاز متفرقا ومتتابعا على المذهب وبه قطع صاحب المهذب والجمهور، لكن يستحب التتابع.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة
(1)
: ان من نذر اعتكاف يومين أو ليلتين متتابعتين فانه يلزمه التتابع باتفاق ولا تدخل الليلة الأولى فى نذر اليومين ويدخل المسجد قبل الفجر. ولا يلزمه اليوم الأول فى نذر الليلتين، ويدخل المسجد قبل الغروب.
والاختلاف انما هو عند الاطلاق فى نذر اليومين أو الليلتين.
فذهب القاضى أبو يعلى الى وجوب التتابع ودخول الليلة الثانية فى نذر اليومين واليوم الثانى فى نذر الليلتين كما لو نوى ذلك متتابعا.
وقال أبو الخطاب لا يلزمه تتابع ولا يلزمه ما بينهما من ليل أو نهار.
ومن نذر اعتكاف ثلاثين بوما وأطلق.
فقال القاضى: يلزمه التتابع.
وقال أبو الخطاب: لا يلزمه تتابع لأن اللفظ يقتضى ما تناوله، والأيام المطلقة توجد بدون التتابع فلا يلزمه.
فان نوى التتابع أو شرطه لزمه التتابع قولا واحدا، ويلزمه ما بين الايام من الليالى - ولا تدخل الليلة الأولى انما يلزمه الليالى الداخلة بين الأيام فقط. ودخول الليالى التى بين الأيام انما هو لوجوب التتابع وهذا يحصل بما بين الأيام خاصة فاكتفى به.
ومن نذر أن يعتكف شهرا غير معين وأطلق لزمه شهر بالأهلة أو ثلاثون يوما بلياليها.
واختلف فى لزوم التتابع.
فقال القاضى: يلزمه التتابع قولا واحدا لأنه معنى يحصل فى الليل والنهار فاذا أطلقه اقتضى التتابع وان أتى بشهر بين هلالين أجزأه ذلك وان كان ناقصا.
وان اعتكف ثلاثين يوما من شهرين جاز، وتدخل فيه الليالى، لأن الشهر عبارة عنهما.
وعلى القول الثانى لا يلزمه التتابع لأنه معنى يصح فيه التفريق، ومن نذر أن يعتكف شهرا بعينه لزمه متتابعا ويدخل المسجد قبل غروب الشمس.
وفى رواية أخرى عن الامام أحمد أن الليلة الأولى لا تدخل فى نذره، ويدخل المسجد قبل طلوع الفجر لأن النبى صلّى الله
(1)
المغنى ج 3 ص 156،: 154، 155 وكشاف القناع ج 1 ص 534
عليه وسلم كان اذا أراد أن يعتكف صلى الصبح ثم دخل معتكفه.
ورد على الامام بأن ذلك فى التطوع.
ومن نذر أن يعتكف أيام هذا الشهر أو ليالى هذا الشهر لزمه ما نذر وكذلك لو قال شهرا فى النهار أو فى الليل لزمه ما نذر فقط.
ومن نذر اعتكاف يوم لا يجوز تفريقه بساعات من يوم فلو كان فى وسط النهار فقال لله على أن أعتكف يوما من وقتى هذا لزمه من ذلك الوقت الى مثله ليتحقق مضى يوم من ذلك الوقت.
مذهب الظاهرية:
والظاهرية
(1)
. لم يذكروا تفصيلا وأرجعوا ذلك الى ما التزمه المعتكف أو نواه.
فقد ذكر ابن حزم فى كتابه المحلى ما نصه: ليس على أحد الا ما التزم أو نوى.
ثم ذكر: أن من نذر اعتكاف شهر فمبدأ الشهر أول ليلة منه فيدخل المسجد قبل الغروب ويخرج بعد الغروب من آخر الشهر.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية
(2)
: ان الليالى تتبع الأيام والأيام تتبع الليالى فى نذره.
فلو نذر اعتكاف يومين لزمه يومان مع ليلتيهما ويبتدئ بأيهما شاء باليوم أو بالليلة، وقيل يبدأ بالليل اذ ليلة كل يوم قبله.
ولو قال لله على أن أعتكف ليلتين لزمه يومان وليلتان فيدخل اليومان تبعا لليلتين.
ومن نذر اعتكاف عشرين يوما وعشرين ليلة لزمه أربعون يوما بلياليها الا أن يريد ليالى الأيام فلا يلزمه الا عشرين يوما بلياليها.
ويصح استثناء جميع الليالى من الأيام فلو قال لله على أن أعتكف ثلاثين يوما الا ثلاثين ليلة فانه يصح وتلزمه الأيام فقط دون الليالى.
لكن لا يصح أن يستثنى الأيام، فلو قال لله على أن أعتكف ثلاثين ليلة الا ثلاثين يوما لم يصح لأن الاعتكاف انما يصح مع الصوم فاذا استثنى الايام لم يبق ما يصح صومه.
ويصح أن يستثنى البعض نحو أن ينذر اعتكاف عشرين ليلة الا عشرة أيام فان ذلك يصح ويبقى عليه اعتكاف عشرة أيام بلياليها.
ومن نذر أن يعتكف شهرا لزمه أن يعتكف ثلاثين يوما بلياليها متتابعة، ومثل الشهر الاسبوع والسنة، فمن أوجب اسبوعا أو سنة لزمه ذلك متتابعا.
فلو نوى التفريق فلا يجب التتابع.
فاذا استثنى الليالى سقط وجوب التتابع وقيل لا يسقط.
والأصل أن ما كان له طرفان يكشفانه فالاسبوع والسنة والشهر فانه يجب فيه التتابع الا أن ينوى التفريق.
(1)
المحلى ج 5 ص 198
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 42، 44
مذهب الإمامية:
أما الإمامية
(1)
: فقد مر أن أقل الاعتكاف عندهم ثلاثة أيام ويجب أن تكون متتابعة مع دخول الليلتين المتوسطتين ولا يجب ادخال الليلة الأولى.
فمن نذر اعتكاف يومين دون تقيد بزيادة أيام أخرى صح نذره ووجب ضم يوم آخر.
ولو نذر اعتكاف ثلاثة أيام من دون الليلتين المتوسطتين لم ينعقد نذره.
ولو نذر ثلاثة أيام أو أكثر لا تدخل الليلة الأولى فى نذره.
ولو نذر اعتكاف شهر فان الليلة الأولى جزء من الشهر فيجب الاعتكاف متتابعا مع ادخال الليلة الاولى فيه ويجزئه ما بين الهلالين ولو كان ناقصا لكن لو كان مراده مقدار شهر وجب ثلاثون يوما.
ولا يجب التتابع فى مفهوم المقدر والاطلاق ينفيه.
ويجوز له التتابع والتفرق فان فرق فيكون ثلاثة ثلاثة على اعتبار أن أقل الاعتكاف ثلاثة أيام وهكذا الى أن يكمل ثلاثين يوما.
وكذلك يجوز التفريق أيضا يوما يوما الى أن يكمل ثلاثين يوما على أن يضم لكل يوم يومين آخرين.
مذهب الإباضية:
أما الإباضية
(2)
: فان التتابع عندهم من شروط الاعتكاف الا لضرورة.
فمن نذر عددا من الأيام دون تقيد بليل أو نهار وجب متتابعا ولا تجب الليلة الأولى فيدخل المسجد قبل الفجر ومن نذر اعتكاف شهر وجب متتابعا مع دخول الليلة الأولى فيدخل المسجد قبل الغروب، وكذلك لو عده بالأيام.
ومن التزم شهرا ونوى النهار دون الليل لزمه الجميع، لكن من التزم عشرة ونوى النهار دون الليل فله ذلك.
الاستثناء فى التزام الاعتكاف
يراد بالاستثناء فى الاعتكاف أمران:
(أ) استثناء الأيام من الليالى أو الليالى من الأيام
(ب) يطلق الاستثناء ويراد به اشتراط عمل شئ أثناء الاعتكاف كالخروج لعارض مثلا، ونظرا لأن الاعتكاف معناه اللبث والاقامة فكأنه أستثنى هذا العمل بشرطه.
أما استثناء الأيام من الليالى والليالى من الأيام فقد مر ذكره فى عنصر التتابع فيرجع اليه.
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 472، 487، ص 488
(2)
شرح النيل ج 2 ص 268، 269
وأما اشتراط عمل شئ أثناء الاعتكاف فالفقهاء فيه على ما يأتى:
مذهب الحنفية:
ذكر الحنفية
(1)
: ان ما يغلب وقوعه من الأعمال يصير مستثنى حكما وان لم يشترطه، وما لا يغلب وقوعه من الأعمال فلا يصير مستثنى الا اذا شرطه، والذى يغلب وقوعه من الأعمال هو الخروج لحاجة الانسان الطبيعية كالبول والغائط أو الحاجة الشرعية كالعيد والجمعة.
وفى التتارخانية عن الحجة أن المعتكف لو شرط وقت النذر أن يخرج لعيادة مريض وصلاة جنازة وحضور مجلس علم جاز ذلك.
مذهب المالكية:
وعند المالكية
(2)
: ان المعتكف اذا شرط أى عزم فى نفسه سواء كان عزمه قبل دخول المعتكف أو بعده على أنه ان حصل له موجب للقضاء لا يقضى.
أو شرط أن يجامع زوجته وهو معتكف أو أنه لا يصوم لم يفده شرطه: أى فشرطه باطل واعتكافه صحيح.
ويجب عليه العمل على مقتضى ما أمر الشارع على المشهور.
وقيل لا يلزمه اعتكاف أصلا.
وقيل: ان كان الشرط قبل الدخول فى الاعتكاف بطل اعتكافه وان كان بعد أن دخل بطل الشرط،
أما الشرط الذى يتضمن ما يجوز فعله فلا بأس به.
مذهب الشافعية:
ويذكر الشافعية
(3)
: ان من نذر اعتكافا متتابعا وشرط الخروج منه لعارض مباح مقصود وغير مناف للاعتكاف كعيادة مريض وشهود جنازة واشتغال بعلم صح الشرط على المذهب لأن الاعتكاف انما لزم بالالتزام فكان على حسب ما التزم.
فلو عين فى شرطه نوعا أو فردا كعيادة المرضى أو زيد خرج له دون غيره.
- فلو أطلق العارض أو العمل خرج لكل مهم دينى كالجمعة أو دنيوى مباح كلقاء الأمير وقيل ببطلان الشرط لمخالفته لمقتضاه فلم يصح كما لو شرط الخروج للجماع.
ولو شرط قطع الاعتكاف للعارض صح ولا يجب عليه العود عند زوال العارض بخلاف ما لو شرط الخروج للعارض فيجب عوده.
ولو قال الا أن يبدو لى لم يصح الشرط لتعليقه على مجرد الخيرة وهو مناف للالتزام.
(1)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 180 الى 184
(2)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 243 والحطاب ج 2 ص 664
(3)
نهاية المحتاج ج 3 ص 222
ولا يصح شرط المحرم كسرقة ولا شرط شئ غير مقصود كنزهة ولا شرط شئ مناف للاعتكاف كقوله: ان اخترت جامعت أو ان اتفق لى جماع جامعت فلا ينعقد نذره.، والزمان المصروف للعارض لا يجب تداركه ان عين المدة كهذا الشهر فان لم يعينها كشهر مطلق وجب تداركه لتتم المدة، وتكون فائدة الشرط تنزيل العارض منزلة قضاء الحاجة فى أن التتابع لا ينقطع به.
ولو قال
(1)
لله على أن أعتكف رمضان الا أن أمرض أو أسافر فمرض أو سافر فلا شئ عليه ولا قضاء.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة
(2)
: أن من علق نذر الاعتكاف بشرط فله شرطه ولا يلزمه حتى يوجد شرطه.
وكل قربة لا تتعين عليه كزيارة رحم وصديق وتحمل شهادة وأدائها لا يخرج لها الا بشرط.
وان شرط ما له بد منه وليس بقربة كالعشاء فى منزله والمبيت فيه جاز له فعله لأنه يجب بعقده كالوقف ولأنه يصير كأنه نذر ما أقامه.
ولا يصح شرط الوط ء:
ولا يصح شرط الخروج لأجل الفرجة أو النزهة أو الخروج للبيع والشراء للتجارة أو التكسب بالصناعة فى المسجد أو الخروج لما شاء لأن ذلك ينافى الاعتكاف صورة ومعنى كشرط ترك الاقامة فى المسجد.
وان قال متى مرضت أو عرض لى عارض خرجت فله شرطه.
وفائدته جواز التحلل اذا حدث عائق عن المضى.
أما الخروج لما لا بد منه كحاجة الانسان والطهارة من الحدث فهو كالمستثنى.
مذهب الظاهرية:
والظاهرية
(3)
: يجيزون أن يشترط المعتكف ما شاء من المباح.
فان ابن حزم يقول: وللمعتكف أن يشترط ما شاء من المباح والخروج له لأنه بذلك انما التزم الاعتكاف فى خلال ما استثناه وهذا مباح فله أن يعتكف اذا شاء ويترك اذا شاء لأن الاعتكاف طاعة وتركه مباح فان أطاع أجر وان ترك لم يعص.
مذهب الإمامية:
والإمامية الجعفرية
(4)
: يجيزون أن يشترط المعتكف حين النية وحين النذر الرجوع متى شاء حتى فى اليوم الثالث سواء علق الرجوع على عروض عارض أو لا بل له أن يشترط الرجوع متى شاء حتى بلا سبب
(1)
المجموع ج 6 ص 539
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 531
(3)
المحلى ج 5 ص 187
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 508، 509
عارض، لكن لا يجوز له اشتراط ما ينافى الاعتكاف كالجماع ونحوه.
مذهب الإباضية:
والإباضية
(1)
: كذلك يجيزون للمعتكف أن يشترط فعل شئ يمنع الاعتكاف الا الجماع والا الافطار وبعضهم يجيز اشتراط الخروج للعشاء فى منزله وبعضهم لا يجيز ذلك.
ما يحل للمعتكف
مذهب الحنفية:
ذهب الحنفية
(2)
: الى أنه يجوز للمعتكف أن يخرج لما لا بد منه لحاجة الانسان من بول وغائط اذ لا بد منها، وقد روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج من معتكفه ليلا ولا نهارا الا لحاجة الانسان.
وكذلك يجوز له الخروج للجمعة، والخروج لها ضرورة لأنها فرض عين ولا يمكن اقامتها فى كل مسجد فيحتاج الى الخروج اليها.
ذكر الكرخى: أنه يخرج للجمعة عند الأذان فيكون فى المسجد مقدار ما يصلى قبلها أربعا وبعدها أربعا أو ستا.
وروى الحسن بن زياد عن أبى حنيفة مقدار ما يصلى قبلها أربعا وبعدها أربعا، وهو على الاختلاف فى سنة الجمعة بعدها فى أنها أربع فى قول أبى حنيفة وعندهما ستة.
وقال محمد ان كان منزله بعيدا يخرج حين يرى أنه يبلغ المسجد عند النداء وهذا أمر يختلف بقرب المسجد وبعده، فيخرج فى أى وقت يرى أنه يدرك الصلاة. والخطبة ويصلى قبل الخطبة أربع ركعات لأن اباحة الخروج للجمعة اباحة لها بتوابعها.
وسننها من توابعها.
ولو خرج المعتكف للحاجة أو للجمعة ثم عاد مريضا أو صلى على جنازة من غير أن يكون خروجه لذلك قصدا فذلك جائز.
ويجوز الخروج لعذر كانهدام مسجد أو أخرجه السلطان مكرها لكن بشرط أن يدخل مسجدا آخر غيره من ساعته.
ويجوز له صعود المئذنة وان كان بابها خارج المسجد لأنها من المسجد.
ويجوز له أن يخرج رأسه من المسجد ولو الى داره الذى بجوار المسجد لأنه ليس بخروج لما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج رأسه من المسجد فيغسل رأسه.
ويجوز أن يغسل المعتكف رأسه فى المسجد فى اناء اذا لم يلوث المسجد بالماء المستعمل.
ويجوز الخروج للغسل لو احتلم ان لم يمكنه الاغتسال فى المسجد.
(1)
بشرح النيل ج 2 ص 255
(2)
بدائع الصنائع ج 2 ص 114، 115، 116، 117، وحاشية ابن عابدين ج 2، ص 180، 181، 183
ولا بأس للمعتكف أن يبيع ويشترى والمراد من البيع والشراء هو كلام الايجاب والقبول من غير نقل الأمتعة الى المسجد لما روى عن على رضى الله عنه انه قال لابن أخيه جعفر: هلا اشتريت خادما؟ قال كنت معتكفا قال وماذا عليك لو اشتريت، أشار الى جواز الشراء فى المسجد.
ويجوز أن يحرم فى الاعتكاف بحج أو عمرة.
ويجوز الخروج للمرض وللعيد.
ويجوز له أن يتزوج ويراجع ويلبس ويتطيب ويدهن ويأكل ويشرب بعد غروب الشمس الى طلوع الفجر ويتحدث ما بدا له الا أن يكون مأثما، وينام فى المسجد وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك فى اعتكافه ويتحدث مع أصحابه ونسائه وهو معتكف فى المسجد.
مذهب المالكية:
والمالكية
(1)
: أجازوا للمعتكف الخروج لضروراته من اشتراء مأكول أو مشروب أو لطهارة أو لقضاء حاجة بحيث لا يتجاوز أقرب مكان، وله الأكل والشرب فى المسجد.
وجاز له التطيب بأنواع الطيب وأن ينكح وأن يزوج من له عليها ولاية من غير انتقال من مجلسه.
وجاز اذا خرج لغسل جنابة أن يقص ظفرا وشاربا.
وجاز انتظار غسل ثوبه من نجاسة لحقت به وانتظار تجفيفه اذا لم يكن له غيره.
ويجوز له أن يؤذن فى مكانه أو فى صحن المسجد وأن يكون اماما فى الصلاة وسلامه على من بقربه من غير انتقال من مجلسه.
واذا تضرر من رأسه وهو فى المسجد جاز له أن يخرج رأسه من المسجد والحلاق خارجه.
مذهب الشافعية:
وذهب الشافعية
(2)
: الى أنه يجوز للمعتكف الصنعة القليلة، والأمر باصلاح معاشه وتعهد ضياعه والأكل والشرب وغسل اليد.
ويجوز أن يحتجم أو يفتصد فى المسجد فى اناء مع الكراهة.
ويجوز له الخروج للحاجة وللغسل من الجنابة وازالة النجاسة والرعاف.
واذا خرج المعتكف لقضاء حاجته جاز له أن يعود مريضا أو يزور قادما بحيث لا يطول وقوفه، وان يصلى على جنازة ان لم ينتظرها ولم يعدل فى طريقه اليها.
ويجوز له الخروج للمرض الذى يشق معه
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 239، 241
(2)
المهذب ج 1 ص 194 ونهاية المحتاج ج 3 ص 214 الى 224
المقام فى المسجد، وللخوف من لص أو حريق.
ويجوز له الطيب والتزين وقص الشارب وتسريح الشعر ولبس الثياب الحسنة، لعدم ورود ترك ذلك عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا الأمر به.
ويجوز له التزوج والتزويج والنوم والاضطجاع والاستلقاء ومد رجليه. وأن يخيط فى المسجد، وأن يقرأ القرآن ويقرئه غيره، وأن يتعلم العلم ويعلمه فى اعتكاف التطوع.
ويجوز له أن يخرج لصلاة الجنازة وعيادة المريض.
كذلك يجوز للمعتكف أن يخرج للجمعة اذا اعتكف فى غير الجامع وحضرت الجمعة وهو من أهل وجوبها مع تقصيره حيث لم يعتكف فى الجامع.
ويجوز أن يلبس ما يلبسه فى غير الاعتكاف لأن النبى صلى الله عليه وسلم اعتكف ولم ينقل أنه غير شيئا من ملابسه.
ويجوز أن يبيع ويبتاع لكنه لا يكثر منه لأن المسجد ينزه عن أن يتخذ موضعا للبيع والشراء.
مذهب الحنابلة:
وذهب الحنابلة
(1)
: الى أنه يجوز للمعتكف أن يخرج للحاجة، وليأت بمأكول ومشروب يحتاج اليه ان لم يكن له من يأتيه به.
ويخرج للجمعة ان وجبت عليه أو شرط الخروج لها. وله التبكير اليها واطالة المقام بعدها.
ويجوز له الخروج أن تعين عليه، كخروجه لاطفاء حريق وانقاذ غريق ونحوه، ولنفير متعين ان احتيج اليه، ولشهادة تعين عليه أداؤها، ولخوف من فتنة على نفسه، ولمرض يتعذر معه المقام فى المسجد واكراه السلطان له وله البيع والشراء فى طريقه اذا خرج لحاجته ما لم يقف.
وله اذا خرج لما لا بد له منه الدخول الى مسجد آخر يتم اعتكافه فيه ان كان أقرب الى مكان حاجته من المسجد الأول.
ويجوز أن تزوره زوجته وتتحدث معه وتصلح رأسه ما لم يتلذذ بشئ وله أن يتحدث مع من يأتيه الا أن يكثر، لان صفية رضى الله عنها زارت النبى صلى الله عليه وسلم فى المسجد فتحدثت معه، وله أن يأمر بما يريد بحيث لا يشغله.
ويجوز أن يصلح بين القوم ويعود المريض ويصلى على الجنائز ويهنئ ويعزى ويؤذن ويقيم كل ذلك فى المسجد، لأنه لا ينافيه.
وله أن يأكل فى المسجد ويضع سفرة فيه.
وله أن يتزوج فى المسجد ويشهد النكاح لنفسه ولغيره.
(1)
كشاف القناع ج 1 ص 536 الى 539 ..
وله أن يتوضأ فى المسجد ويغتسل فيه بلا ضرر. وغسل يده فى اناء.
مذهب الظاهرية:
والظاهرية
(1)
: أجازوا الخروج لكل فرض على المسلم ولا يبتاع ما لا بد له منه لأهله: من الأكل واللباس، ولا يتردد على غير ذلك.
وله أن يشيع أهله الى منزلها.
وله الخروج لعيادة المريض مرة واحدة يسأل عن حاله وهو واقف وينصرف.
وجاز له أن يشهد الجنازة فاذا صلى عليها انصرف.
ويخرج لحاجة الانسان من بول وغائط وغسل نجاسة وغسل من احتلام وغسل لجمعة ان شاء فى حمام أو فى غير حمام.
ويجوز له أن يعمل فى المسجد كل ما أبيح له من محادثة فيما لا يحرم ومن طلب العلم:
أى علم كان، ومن خياطة وخصام فى حق، ونسخ وبيع وشراء وتزوج وغير ذلك ويؤذن فى المسجد ان كان باب المئذنة فى المسجد أو فى صحنه ويصعد على ظهر المسجد، وله اخراج رأسه من المسجد للترجيل.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية
(2)
: يجوز للمعتكف أن يخرج لقضاء الحاجة، لفعله صلى الله عليه وسلم.
ويلزمه حضور الجمعة لقوله تعالى:
ويحل له الطيب ونفيس الثياب وترجيل الشعر، والحديث بما لا فحش فيه، والافطار فى المسجد، وغسل يده فيه فى اناء، وعيادة المريض بغير قعود، وأداء الشهادة والخروج لتحملها وللقراءة على الشيخ، والاحرام بالحج والخروج للمرض والتمريض.
والخروج فى كل ذلك بشرط ألا يلبث خارج المسجد الا فى الأقل من وسط النهار.
ويجوز الخروج للواجب سواء كان فرض عين أم كفاية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
ويجوز الخروج لمباح دعت اليه الحاجة كأن يخرج ليأمر أهله وينهاهم أو يقضى لهم حاجة.
مذهب الإمامية:
أما الإمامية الجعفرية
(3)
: فقد أجازوا للمعتكف الاشتغال بالأمور الدنيوية من المباحات حتى الخياطة والنساجة ونحوهما، والا كان الأحوط الترك الا مع الاضطرار اليها.
بل ويجوز البيع والشراء اذا مست الحاجة
(1)
المحلى ج 5 ص 188، 192
(2)
شرح الأزهار ج 2 ص 49
(3)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 512
اليهما للأكل والشرب مع تعذر التوكيل أو النقل بغير البيع.
ويجوز له الخوض فى المباح والنظر فى معاشه مع الحاجة وعدمها.
ويجوز له الخروج لاقامة الشهادة ولحضور الجماعة ولتشييع الجنازة وان لم تتعين عليه هذه الأمور وكذا فى سائر الضرورات العرفية أو الشرعية الواجبة أو الراجحة سواء كانت متعلقة بأمور الدنيا أو الآخرة مما يرجع مصلحته الى نفسه أو غيره.
مذهب الإباضية:
وأجاز الإباضية
(1)
:
نسخ العلم ودرسه وتغلمه وتعليمه ولا يكون بأجر الا اذا احتاج اليه وله غسل رأسه وترجيله ودهنه واكتحال.
ويجوز دخول غيره عليه والتحدث معه بالمباح.
ويجوز للفقير الذى يأكل من عمل يده أن يعمل مع الكراهة.
واذا نوى أن يعتكف النهار ويعمل الليل بمنزله صنعة يده جاز له ذلك.
ويجوز أن يقضى دين الناس ولا يتقاضى ما كان له من دين.
وان مرض مرضا شديدا واضطر الى علاج فى بيته وخاف من الضرر ان قعد فى المسجد فليخرج ويعالج نفسه.
ويجوز له الخروج لصلاة الجماعة اذا كان المسجد المعتكف فيه لا تصلى فيه الجماعة.
ويخرج للجمعة وللعيد، ويخرج للجمعة بعد الزوال ويرد السّلام ولا يبدؤه وقيل يجوز له أن يحضر الجنازة ويصلى عليها.
وأجاز بعض الإباضية الخروج لعيادة المريض.
ويجوز له الخروج لما لا بد له منه كحاجة الانسان وطعام لا غنى عنه وان لعياله واتيان بيته لأكل وشرب ووضوء وحضور جماعة لفرض أو لميت لزمه حضوره كأب وولد وأخ وزوجة.
ويجوز له الخروج للاغتسال أو للاستنجاء بلا وقوف لتعزية أو كلام فى طريق.
ما يحرم فعله على المعتكف
ذهب جميع الأئمة
(2)
:
الى أنه يحرم على المعتكف كل فعل ينافى
الاعتكاف أو ينافى شرطا من شروطه
المحددة عندهم:
فيحرم على المعتكف الخروج من المسجد
(1)
شرح النيل ج 2 ص 254
(2)
راجع للحنفية حاشية ابن عابدين ج 2 ص 180 وما بعدها، وللمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 239 - 240 وللشافعية المجموع ج 6 ص 499، وما بعدها وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 538، وما بعدها وللظاهرية المحلى ج 5 ص 187 وما بعدها وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 49 وما بعدها وللامامية مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 510 وما بعدها، وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 254 وما بعدها.
لغير عذر أو ضرورة، لأن ذلك ينافى اللبث والاقامة الذى هو أصل الاعتكاف.
كذلك يحرم الجماع ومقدماته لأنه من محظورات الاعتكاف لقوله تعالى:
«وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» .
ويحرم تعاطى المسكر، ويحرم الأكل والشرب فى النهار عمدا عند من يشترطون الصوم فى صحة الاعتكاف، وهم الحنفية والمالكية والزيدية والإمامية والإباضية.
ويحرم تعمد المعصية وتلويث المسجد أو ادخال نجاسة فيه.
ويحرم نقل الأمتعة الى المسجد للبيع والشراء عند الحنفية والحنابلة والكثير من ذلك عند الشافعية، لما فى ذلك من اتخاذ المسجد متجرا.
كذلك يحرم عند الإمامية شم الطيب مع التلذذ، وكذا الريحان.
ويحرم عندهم أيضا المجادلة بقصد اظهار العلبة واظهار الفضيلة.
مبطلات الاعتكاف
1 - الأول من مبطلات الاعتكاف:
الخروج من المسجد:
اتفق أئمة المذاهب الثمانية على أن الخروج من المسجد أثناء الاعتكاف لغير الحاجة والضرورة مبطل للاعتكاف لأن الاعتكاف لما كان لبثا واقامة فالخروج يضاده ولا بقاء للشئ مع ما يضاده فكان ابطالا له، وقد روى عن عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم كان لا يخرج من معتكفه ليلا ولا نهارا الا لحاجة الانسان.
والمراد بالخروج الخروج بكل البدن وليس عضوا منه لما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدنى الىّ - رأسه لأرجله وكان لا يدخل البيت الا لحاجة الانسان على أن الأئمة اختلفوا بعد ذلك فى الامور التى لا تعتبر ضرورية من حيث فساد الاعتكاف بها من عدمه.
مذهب الحنفية
(1)
:
فالحنفية ذهبوا الى أن الاعتكاف الواجب يفسده الخروج لغير الحاجة الطبيعية كالبول والغائط أو الحاجة الشرعية كالجمعة والعيد والأذان - مبطل للاعتكاف وذلك كالخروج لعيادة المريض وصلاة الجنازة، لأنه لا ضرورة الى الخروج فعيادة المريض ليست من الفرائض بل من النوافل، وصلاة الجنازة فرض كفاية.
ولا يجوز ابطال الاعتكاف لأجلهما وكذلك الخروج لعذر لا يغلب وقوعه كانجاء غريق أو انهدام مسجد أو أخرجه السلطان أو غيره مكرها فانه يبطل الاعتكاف الا أنه لا يأثم.
والخروج أثناء الاعتكاف مبطل سواء كان عمدا أو نسيانا فلو خرج ولو ساعة زمانية يفسد اعتكافه عند أبى حنيفة لأنه ترك الاعتكاف
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 2، ص 114
بالاشتغال بضده من غير ضرورة فيبطل اعتكافه لفوات الركن وبطلان الشئ بفوات ركنه يستوى فيه القليل والكثير، ولا يقاس على التأنى فى المشى عند الخروج للحاجة لأن أحوال الناس فى المشى مختلفة لا يمكن ضبطها فسقط اعتبار المشى.
وعند أبى يوسف ومحمد لا يفسد حتى يخرج أكثر من نصف يوم لأن الخروج القليل عفو ولو كان بغير عذر.
بدليل أنه لو خرج لحاجة الانسان وهو يمشى متأنيا لم يفسد اعتكافه.
وعلى ذلك اذا خرج لحاجته ومكث بعد فراغه فان اعتكافه يفسد عند أبى حنيفة:
قل مكثه أو كثر.
ولا يفسد عند أبى يوسف ومحمد ما لم يكن أكثر من نصف يوم.
وبطلان الاعتكاف فيما مر انما هو فى الاعتكاف الواجب باتفاق.
أما اعتكاف التطوع فانه اذا خرج لغير عذر كعيادة مريض وتشييع جنازة فعلى رواية محمد فى الأصل لا يفسد اعتكافه بناء على أن اعتكاف التطوع غير مقدر بيوم فله أن يعتكف ساعة من نهار أو نصف يوم أو ما شاء من قليل أو كثير ويخرج فيكون معتكفا ما أقام تاركا للاعتكاف ما خرج ويكون الخروج انهاء له.
وعلى رواية الحسن بن زياد عن أبى حنيفة أنه يفسد بناء على اعتكاف التطوع مقدر بيوم لأن الشروع فى التطوع موجب للاتمام صيانة للمؤدى عن البطلان ومست الحاجة الى صيانة المؤدى.
مذهب المالكية:
وذهب المالكية
(1)
:
الى أن الخروج الذى يبطل الاعتكاف هو الخروج للجمعة اذا اعتكف فى غير الجامع من وجبت فى حقه الجمعة واعتكف مدة تجب فيها.
والخروج لمرض أحد أبويه مبطل للاعتكاف.
واختلف فى البطلان عند عدم الخروج.
فقيل يبطل بناء على القول ببطلان الاعتكاف بفعل الكبائر لأن عدم الخروج عقوق والعقوق من الكبائر.
وقيل لا يبطل بناء على أن الاعتكاف لا يبطل بفعل الكبائر.
والخروج لجنازة أحد أبويه والآخر حى مبطل لأعتكافه فان لم يخرج فالخلاف السابق فى البطلان وعدمه عند عدم الخروج.
فان لم يكن الثانى حيا فالخروج مبطل.
واذا خرج لضروراته من اشتراء مأكل ومشرب أو طهارة أو قضاء حاجة وزاد على قدر الضرورة بطل اعتكافه.
واختلفوا فى الخروج لمانع من الصوم فقط كالعيد والمرض الخفيف فقيل يبطل وقيل لا يبطل.
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 238، 239
مذهب الشافعية:
وفصل الشافعية
(1)
:
فى الامور التى اذا خرج لها بطل اعتكافه فقالوا
ان خرج لحاجته وله بيتان قريب وبعيد فان ترك القريب وذهب الى البعيد ففيه وجهان:
أظهرهما أنه ان ذهب الى البعيد بطل اعتكافه لأنه لا حاجة له اليه فأشبه اذا خرج لغير الحاجة، وقال أبو على بن أبى هريرة لا يبطل.
وان خرج الى بيته للأكل فقال أبو العباس يبطل اعتكافه لأنه يمكنه أن يأكل فى المسجد.
وقيل لا يبطل اعتكافه.
قال فى المهذب:
وهو المنصوص.
واذا خرج المعتكف الى المنارة الخارجة عن رحبة المسجد ليؤذن: فقيل:
يبطل اعتكافه لأنها خارجة وقيل لا يبطل.
وقال أبو اسحق المروزى:
ان كان المؤذن ممن قد ألف الناس صوته جاز أن يخرج ولا يبطل اعتكافه.
وان لم يألفوا صوته وخرج بطل اعتكافه.
واعتبر الشافعية كذلك ان الخروج لصلاة الجنازة يبطل الاعتكاف الواجب لا التطوع.
أما الخروج لعيادة المريض فمبطل للاعتكاف مطلقا تطوعا أو واجبا.
وعند الخروج للحاجة جاز له أن يسأل عن المريض فى الطريق دون أن يقف فان وقف بطل اعتكافه لما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها كانت اذا اعتكفت لا تسأل عن المريض الا وهى تمشى ولا تقف.
ومن اعتكف فى غير الجامع وحضرت الجمعة لزمه الخروج اليها وبطل اعتكافه لأنه كان يمكنه الاحتراز.
وقيل: لا يبطل.
وفى الخروج لأداء الشهادة ان كان لم يتعين عليه تحملها فقد روى المزنى رضى الله عنه أنه يبطل وفى الخروج من المسجد فى مرضه الخفيف الذى يمكنه معه المقام فى المسجد من غير مشقة البطلان.
وان اكره على الخروج من المسجد حتى خرج بنفسه ففيه قولان:
أحدهما يبطل، والثانى: لا يبطل.
وان أخرجه السلطان لاقامة الحد عليه بطل اعتكافه ان كان قد ثبت الحد باقراره، فان كان قد ثبت ببينة فوجهان.
أحدهما يبطل لأنه اختار سببه، والثانى لا يبطل.
وان خرج لعذر وزال العذر وتمكن من العود فلم يعد بطل اعتكافه.
وفى كل ما مر يبطل الاعتكاف ان كان
(1)
المهذب ج 1 ص 192، 193، والمجموع ج 6 ص 500
الخروج عمدا فان خرج ناسيا لم يبطل اعتكافه لقول النبى صلى الله عليه وسلم: (رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه).
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة
(1)
:
أن المعتكف اذا خرج لحاجته فهو على اعتكافه ما لم يطل فان طال بطل وان أقام بعد قضاء حاجته لأكل أو غيره بطل اعتكافه.
وقال القاضى لا يبطل.
ويبطل بالخروج لما له منه بد عامدا وان قل الا أن يكون اشترط ذلك.
وان خرج ناسيا فقال ابن عقيل يفسد اعتكافه.
وقال القاضى لا يفسد.
وان خرج الى منارة خارج المسجد للأذان بطل اعتكافه.
وقال أبو الخطاب يحتمل ألا يبطل.
ويبطله الخروج لمرض خفيف يمكن معه القيام فى المسجد كصداع وحمى خفيفة ووجع ضرس لأنه خروج لما له منه بد.
وان أخرجه السلطان لاستيفاء حق عليه وكان يمكنه الخروج من الحق وخرج من المسجد بطل اعتكافه.
ورحبة المسجد قيل:
ليست منه فلا يخرج اليها وقيل: هى من المسجد.
وقال القاضى: ان كان عليها حائط وباب فهى كالمسجد وان لم تكن محوطة لم يثبت لها حكم المسجد.
ويبطل الاعتكاف بالذهاب الى منزله البعيد ان كان له منزل قريب.
وان خرج ابتداء الى مسجد آخر أو الى الجامع من غير حاجة أو كان المسجد أبعد من موضع حاجته فمضى اليه فهو خروج لغير الحاجة.
مذهب الظاهرية:
وعند الظاهرية
(2)
:
لا يبطل الاعتكاف الا خروجه من المسجد لغير الحاجة عامدا ذاكرا لأنه قد فارق العكوف.
واذا خرج المعتكف للأذان وباب المئذنة خارج المسجد بطل اعتكافه ان تعمد ذلك.
وان خرج لحاجته وتردد على أكثر من تمام حاجته بطل اعتكافه.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية
(3)
:
أن الخروج من المسجد لغير حاجة ولو لحظة واحدة يبطل اعتكافه.
قالوا: الا أن يخرج لواجب سواء كان فرض عين كالجمعة او كفاية كصلاة الجنازة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
أو يخرج لمندوب كعيادة المرضى.
أو يخرج لمباح دعت اليه الحاجة كأن يخرج
(1)
المغنى ج 3 ص 132 وما بعدها الى ص 141 وكشاف القناع ج 1 ص 535
(2)
المحلى ج 5 ص 192
(3)
شرح الأزهار ج 2 ص 49، 50
ليأمر أهله وينهاهم أو يقضى لهم حاجة، فان ذلك لا يفسد الاعتكاف بشرط ألا يلبث خارج المسجد الا فى الأقل من وسط النهار وهو ما دون النصف أو النصف.
أما لو خرج لجاجة أول جزء من النهار أو آخر جزء منه عند الغروب أو لبث أكثر من وسط النهار خارج المسجد فسد اعتكافه.
مذهب الإمامية:
أما الإمامية الشيعة الجعفرية
(1)
:
فيبطل عندهم الاعتكاف بالخروج عمدا اختيارا لغير الأسباب المبيحة للخروج من ضرورات عرفية أو شرعية: واجبة أو راجحة، سواء كانت متعلقة بأمور الدنيا أو الآخرة مما يرجع مصلحته لنفسه أو لغيره فالخروج لغير ذلك هو المبطل.
وكذلك يبطل الاعتكاف لو خرج لضرورة وطال خروجه بحيث انمحت صورة الاعتكاف.
أما الخروج نسيانا أو اكراها فلا يبطل.
مذهب الإباضية:
والإباضية
(2)
:
يقولون: كل خروج مخير فيه المعتكف.
غير مضطر اليه مفسد.
وفى فساد الاعتكاف بحضور الجنازة أو عيادة المريض قولان.
وان جاوز الماء القريب الى الماء البعيد بلا عذر فسد اعتكافه.
قالوا: والصحيح أن الاعتكاف لا يفسده خروجه لما لا بد له منه لحاجة الانسان، وطعام لا غنى عنه وان لعياله، واتيان بيته لأكل أو شرب أو وضوء أو حضور جماعة لفرض أو صلاة على ميت لزمه حضوره كأب وولد بلا وقوف لتعزية وبلا وقوف لكلام فى طريق
الثانى: من مبطلات الاعتكاف:
الوط ء:
اتفق جميع الأئمة على أن الجماع من مبطلات الاعتكاف لكنهم اختلفوا فى مقدمات الجماع والمباشرة فيما دون الفرج وفى الانزال بدون جماع وفى العمد وفى السهو.
مذهب الحنفية:
فقال الحنفية
(3)
:
ان الاعتكاف يبطل بالوط ء فى الفرج أنزل أم لا ولو كان وطؤه خارج المسجد ليلا أو نهارا عامدا أو ناسيا لأن حالته مذكرة فلا يغتفر النسيان لقوله تعالى: «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» قيل المباشرة كناية عن الجماع لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه أن ما ذكر الله تعالى فى القرآن الكريم من المباشرة والرفث والغشيان فانما عنى به الجماع.
ويبطل الاعتكاف كذلك بالانزال بالتقبيل والمعانقة واللمس والتفخيذ لأنه بالانزال صار فى معنى الجماع فلو لم ينزل لم يفسد
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 478
(2)
شرح النيل ج 2 ص 254، 256
(3)
بدائع الصنائع ج 2 ص 115
لكنه يكون حراما وأما الانزال بفكر أو نظر فلا يفسد الاعتكاف لانعدام معنى الجماع صورة ومعنى.
مذهب المالكية:
والمالكية
(1)
:
كذلك يبطل الاعتكاف عندهم بالوط ء عمدا أو نسيانا.
ويبطل كذلك بالقبلة بشهوة فى غير الفم.
أما القبلة فى الفم فتبطل مطلقا.
ويبطل كذلك باللمس ان قصد اللذة أو وجدها.
مذهب الشافعية:
وعند الشافعية
(2)
:
يبطل الاعتكاف ان جامع فى الفرج ذاكرا للاعتكاف عالما بالتحريم لأنه أحد ما ينافى الاعتكاف فأشبه الخروج من المسجد وان باشر فيما دون الفرج بشهوة أو قبل بشهوة ففيه قولان:
قال فى الاملاء يبطل وهو الصحيح لأنها مباشرة محرمة فى الاعتكاف فبطل بها كالجماع وقال فى الأم لا يبطل.
أما المباشرة فيما دون الفرج بدون شهوة فلا تبطل الاعتكاف، وكذلك لا يبطله الجماع نسيانا أو جهلا بالتحريم.
وقال الشافعية كذلك ان استمنى بيده فان لم ينزل لم يبطل اعتكافه بلا خلاف وان أنزل فالأصح البطلان.
والحنابلة
(3)
:
كالحنفية:
فى فساد الاعتكاف بالوط ء عمدا او نسيانا وفى فساده بالانزال بالمباشرة فيما دون الفرج.
مذهب الظاهرية:
أما الظاهرية
(4)
:
فيذكر ابن حزم الظاهرى فى كتابه المحلى من مبطلات الاعتكاف:
الجماع وملامسة المرأة الرجل فى غير الترجيل بشرط أن يكون ذلك عمدا، أما نسيانا فلا يبطل الاعتكاف لحديث (رفع عن أمتى الخطأ والنسيان).
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية
(5)
:
يبطله الوط ء والامناء ليلا او نهارا اذا كان معتكفا بالليل مع النهار فأما حيث يعتكف نهارا فقط فلا يفسده الوط ء بالليل.
مذهب الإمامية:
وعند الإمامية
(6)
:
يبطله مباشرة النساء بالجماع فى القبل أو الدبر وباللمس والتقبيل بشهوة ويبطله
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 239 ..
(2)
المهذب ج 1 ص 194 والمجموع ج 6، ص 526 ..
(3)
المغنى ج 3 ص 142
(4)
المحلى ج 5 ص 192
(5)
شرح الازهار ج 2 ص 49
(6)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 510 ..
الاستمناء على الأحوط ولو بالنظر الى حليلته.
والذى يبطل عند الإباضية
(1)
:
الجماع فقط وان بليل عمدا أو نسيانا وقيل لا يبطل بالجماع نسيانا أما التقبيل فلا يبطله، ومن تعمد انزالا فأنزل بأى وجه كان بطل اعتكافه.
الثالث من مبطلات الاعتكاف: الردة:
ولا خلاف بين الفقهاء
(2)
- فى أن الردة من مبطلات الاعتكاف لأن الاعتكاف قربة والكافر ليس من أهل القربة ولهذا لم ينعقد مع الكفر فلا يبقى مع الكفر لقوله تعالى «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» }.
الرابع: من مبطلات الاعتكاف:
الأكل والشرب فى النهار عمدا عند من
يعتبر الصوم
(3)
من شروط صحة الاعتكاف
وهم الحنفية - والمالكية - والجعفرية - والزيدية - وأكثر الإباضية.
وعلى رأى للامام أحمد.
أما الأكل والشرب نسيانا فلا يبطل الاعتكاف الا عند الزيدية اذ الأكل والشرب يستوى فيه عندهم. العمد والنسيان.
الخامس من مبطلات الاعتكاف:
السكر
(4)
- وهو مبطل عند الشافعية والحنابلة، وبتعمده عند المالكية والظاهرية والإمامية والزيدية والإباضية، ويبطل عند الحنفية ان كان نهارا.
السادس من مبطلات الاعتكاف:
الاغماء والجنون
عند الحنفية
(5)
- ان داما أياما بأن يفوته صوم بسبب عدم امكان نيته.
والمالكية
(6)
:
يعتبرون ذلك من المبطلات التى تخص زمن الاعتكاف الذى وقع فيه الاغماء والجنون ولا يبطل ما تقدم منه.
(1)
شرح النيل ج 2 ص 257
(2)
للاحناف بدائع الصنائع ج 2 ص 116 وللمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 238، وللشافعية المهذب ج 1 ص 193 ونهاية المحتاج ج 3 ص 218 وللحنابلة المغنى ج 3 ص 145 وللظاهرية المحلى ج 5 ص 192 وللزيدية البحر الزخار ج 2 ص 263، وللجعفرية مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 482 ..
(3)
راجع للاحناف فى بدائع الصنائع ج 2 ص 116 وللمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 239 وللجعفرية مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 514 وللزيدية شرح الأزهار ج 2 ص 49 وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 257
(4)
راجع للشافعية نهاية المحتاج ج 3، ص 218 وللحنابلة كشاف القناع ج 1 ص 539 وللمالكية بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 239 وللظاهرية المحلى ج 5 ص 192، وللإمامية مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 515 وللزيدية البحر الزخار ج 2 ص 263 وللإباضية شرح النيل ج 2 ص 256 وللاحناف ابن عابدين ج 2 ص 186
(5)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 186
(6)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1، ص 242 ..
وذهبت الشافعية
(1)
:
الى أن الجنون يبطل زمن الاعتكاف الذى وقع فيه تحسب مدة الجنون من الاعتكاف.
أما الاغماء فتحسب مدته من الاعتكاف ان لم يخرج من المسجد.
وعند الحنابلة
(2)
:
يبطل الاعتكاف بالجنون ولا يبطل بالاغماء.
وهما كذلك من مبطلات الاعتكاف عند الإمامية
(3)
:
أما الظاهرية
(4)
:
فلا يبطل الاعتكاف عندهم بالاغماء والجنون.
وزاد الإمامية
(5)
:
ان الاعتكاف يبطل اذا اتفق مانع من اتمام الاعتكاف فى المسجد لخوف أو هدم ويجب استنئافه أو قضاؤه ان كان واجبا فى مسجد آخر وليس له البناء، وكذلك يبطل عندهم اذا اعتكف فى مكان باعتقاد المسجدية فتبين خلافه، وقالوا كذلك والأحوط بطلان
«أثر انقطاع الاعتكاف
مع بيان ما يجب اذا فات
عن وقته»
مذهب الحنفية
(6)
:
اذا فسد الاعتكاف فالذى فسد لا يخلو اما أن يكون واجبا واما أن يكون تطوعا فان كان واجبا فان المعتكف يقضى اذا قدر على القضاء - الا فيما فسد بالردة خاصة فلا يقضى اذا ما عاد الى الاسلام - انما يقضى لأن الاعتكاف اذا فسد التحق بالعدم وصار فائتا معنى فيحتاج الى القضاء جبرا للفوات ويقضى بالصوم لأنه فاته مع الصوم.
فان كان اعتكاف شهر بعينه قضى قدر ما فسد لا غير ولا يلزمه الاستقبال.
فاذا كان اعتكاف شهر بغير عينه يلزمه الاستقبال لأنه يلزمه متتابعا فيراعى فيه صفة التتابع، وسواء فسد بصنعه من غير عذر كالخروج لغير حاجة والجماع والأكل والشرب فى النهار أو فسد بصنعه لعذر كما اذا مرض فاحتاج الى الخروج فخرج، أو فسد بغير صنعه رأسا كالحيض والجنون والاغماء الطويل لأن القضاء يجب جبرا للفائت، أما فى الردة فسقوط القضاء عرف بالنص وهو قوله تعالى «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ» وقول النبى صلى الله عليه وسلم:
(1)
المجموع ج 6 ص 517 ونهاية المحتاج ج 3 ص 219
(2)
كشاف القناع ج 1 ص 530، 532
(3)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 468 ..
(4)
المحلى ج 6 ص 227
(5)
مستمسك العروة الوثقى ج 8، ص 510 وما بعدها
(6)
بدائع الصنائع ج 2 ص 117، 118.
«الاسلام يجب ما قبله» والقياس فى الجنون الطويل أن يسقط القضاء كما فى صوم رمضان الا أن الاستحسان أن يقضى لأن سقوط القضاء فى صوم رمضان انما كان لرفع الحرج فالجنون اذا طال قلما يزول فيتكرر عليه صوم رمضان فيحرج فى قضائه وهذا المعنى لا يتحقق فى الاعتكاف.
وأما اعتكاف التطوع اذا قطعه قبل تمام اليوم فلا شئ عليه فى رواية محمد فى الأصل.
وفى رواية الحسن يقضى.
واذا فات الاعتكاف عن وقته المعين له بأن نذر اعتكاف شهر بعينه ففات بعضه قضاه لا غير ولا يلزمه الاستقبال.
وان فانه كله قضى الكل متتابعا لأنه لما لم يعتكف حتى مضى الوقت صار الاعتكاف دينا فى ذمته فصار كأنه أنشأ النذر باعتكاف شهر بغير عينه.
فان قدر على قضائه فلم يقضه حتى أيس من حياته يجب عليه أن يوصى بالفدية لكل يوم طعام مسكين، لأجل الصوم، لا لأجل الاعتكاف كما فى قضاء رمضان.
وان قدر على البعض دون البعض فلم يعتكف فكذلك ان كان صحيحا وقت النذر.
فان كان مريضا وقت النذر فذهب الوقت وهو مريض حتى مات فلا شئ عليه.
واذا نذر اعتكاف شهر بغير عينه فجميع العمر وقته.
وفى أى وقت أدى كان مؤديا لا قاضيا، لأن الايجاب حصل مطلقا عن الوقت وانما يتضيق عليه الوجوب اذا أيس من حياته وعند ذلك يجب عليه أن يوصى بالفدية، فاذا لم يوص حتى مات سقط عنه، ولا تؤخذ من تركته، ولا يجب على الورثة الا أن يتبرعوا.
ومن فاته
(1)
الاعتكاف فى رمضان المعين فضى شهرا غيره بصوم مقصود. ولا يجوز القضاء فى رمضان آخر ولا فى واجب سوى قضاء رمضان الأول، لأنه خلف عنه.
وروى عن أبى يوسف أن الاعتكاف لا يلزمه ويسقط نذره.
ولو أوجب اعتكاف شهر بعينه فاعتكف شهرا قبله أجزأه عند أبى يوسف لا عند محمد.
والشافعية يقولون
(2)
:
ان المعتكف اذا فعل فى الاعتكاف ما يبطله من خروج أو مباشرة أو مقام فى البيت بعد زوال العذر فان كان ذلك فى تطوع لم يبطل ما مضى من الاعتكاف، لأن ذلك القدر لو أفرده واقتصر عليه أجزأه ولا يجب عليه اتمامه.
وان كان اعتكافه منذورا فان لم يشرط فيه التتابع لم يبطل ما مضى من اعتكافه ويلزمه أن يتمم، لأن الجميع قد وجب عليه، وقد فعل البعض فوجب الباقى، وان كان قد شرط
(1)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 179
(2)
المهذب ج 1 ص 191 وص 194، والمجموع ج 6 ص 454 و 487 و 493 و 541
التتابع بطل تتابعه، ويجب عليه أن يستأنف ليأتى به على الصفة التى وجبت عليه.
ومن نذر اعتكاف العشر الأواخر من شهر بعينه ففاته وخرج الشهر ناقصا لم يلزمه الاقضاء تسعة أيام بلياليها، لأن العشر الذى التزمه انما كان تسعة بلياليها، صرح به المتولى وغيره وهو ظاهر.
ولو نذر ان يعتكف شهر رمضان ففاته لزمه اعتكاف شهر آخر ولا يلزمه الصوم بلا خلاف.
ومن نذر اعتكاف شهر معين ففاته الشهر ولم يعتكف فيه لزمه قضاؤه.
ويجوز أن يقضيه متفرقا ومتتابعا، لأن التتابع فى أدائه بحكم الوقت، فاذا فات سقط فان كان قد شرط التتابع فانه يلزمه قضاؤه متتابعا بحكم النذر ولا بسقط بفوات الوقت وهذا على الوجه الصحيح الذى قطع به صاحب المهذب والأكثرون.
وحكى النورانى والمتولى والبغوى وآخرون من الخراسانيين أنه لا يجب التتابع بل يجوز قضاؤه متفرقا لأن التتابع يقع فيه ضرورة فلا أثر لتصريحه.
واذا نذر اعتكاف شهر مضى فقال الشافعى فى الأم لم يلزمه لأن الاعتكاف فى شهر مضى محال.
ومن مات وعليه اعتكاف فالصحيح أنه لا يطعم عنه.
اما المالكية
(1)
:
فعندهم أن المعتكف اذا أفسد اعتكافه عمدا بغير عذر كتعمد أكل أو شرب نهارا أو تعمد سكر أو خروج لغير عذر أو جماع أو تقبيل أو مباشرة فانه يبطل ما مضى من اعتكافه ويستأنفه من أوله سواء كان الاعتكاف واجبا أو تطوعا.
ويلحق بهذا الحكم من جامع أو قبل أو باشر ناسيا حيث يستوى العمد والنسيان فى ذلك.
أما ان بطل اعتكافه بعذر كالخروج من المسجد لمرض شديد، أو جنون أو اغماء أو سلس أو بأكل وشرب نهارا ناسيا فلا يبطل ما مضى من اعتكافه بل يبنى مع قضاء ما حصل فيه المانع ان كان الاعتكاف واجبا.
وان كان تطوعا فلا قضاء، وقال عبد الملك عليه القضاء وهو ظاهر المدونة.
واذا طرأ عذر منع من الاعتكاف قبل الدخول فيه فان كان نذرا معينا من غير رمضان أو كان تطوعا معينا أو غير معين فلا يجب عليه القضاء.
وان كان نذرا معينا من رمضان أو كان نذرا مطلقا وجب عليه القضاء.
وعند الحنابلة
(2)
:
(1)
حاشية الصفتى ص 359، والحطاب ج 2 ص 457 وبلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 242
(2)
المغنى لابن قدامة ج 3 ص 145، وص 146 وكشاف القناع ج 1 ص 531
كما جاء فى المغنى:
ان كل موضع فسد اعتكافه فيه فان كان تطوعا فلا قضاء عليه لأن التطوع لا يلزم بالشروع فيه.
وان كان نذرا فان كان أياما متتابعة فسد ما مضى من اعتكافه واستأنف لأن التتابع وصف فى الاعتكاف، وقد أمكنه الوفاء به فلزمه.
وان كان معينا كالعشر الاواخر من رمضان فوجهان:
أحدهما يبطل ما مضى ويستأنفه، لأنه نذر اعتكافا متتابعا فبطل بالخروج منه.
والثانى لا يبطل لأن ما مضى منه قد أدى فيه العبادة أداء صحيحا فلم يبطل بتركها فى غيره، والتتابع هنا حصل ضرورة التعيين، ولأن وجوب التتابع من حيث الوقت لا من حيث النذر، فالخروج فى بعضه لا يبطل ما مضى منه وعلى ذلك يقضى ما فسد منه فحسب وعليه الكفارة على الوجهين جميعا، لأنه تارك لبعض ما نذره.
واذا نذر اعتكاف أيام متتابعة بصوم فأفطر يوما أفسد تتابعه ووجب عليه أن يستأنف الاعتكاف لاخلاله بالاتيان بما نذره على صفته وهذا فيما اذا أفسد اعتكافه بغير عذر كجماع وسكر.
وان انقطع اعتكافه لعذر بأن وقعت فتنة خاف منها فترك المسجد أو خاف من حريق أو تعذر عليه المقام لمرض شديد.
فان كان الاعتكاف تطوعا وخرج لعذر من ذلك ثم زال عذره فهو مخير: ان شاء رجع الى معتكفه فبنى على ما مضى من اعتكافه وان شاء لم يرجع.
وان كان الاعتكاف واجبا رجع الى معتكفه فان كان نذره فى أيام غير متتابعة ولا معينة فلا يلزمه قضاء بل يتم ما بقى عليه، لكنه يبتدئ اليوم الذى خرج فيه من أوله ليكون متتابعا ولا كفارة عليه.
وان كان نذره فى أيام معينة كشهر رمضان فعليه قضاء ما ترك وكفارة يمين وقيل لا تلزمه الكفارة.
وان كان نذره فى أيام متتابعة فهو مخير بين البناء والقضاء والتكفير وبين الابتداء بدون كفارة لأنه يأتى بالمنذور على وجهه فلم تلزمه الكفارة.
وان نذر أن يعتكف رمضان ففاته لعذر أو غيره لزمه اعتكاف شهر غيره، ليفى بنذره ولا يلزمه الصوم فى الشهر الذى يعتكفه قضاء عن رمضان.
وعند الإمامية
(1)
:
اذا فسد الاعتكاف بأحد المفسدات.
فان كان واجبا معينا وجب قضاؤه.
وان كان واجبا غير معين وجب استئنافه الا اذا كان مشروطا فيه أو فى نذره الرجوع فانه لا يجب قضاؤه أو استئنافه.
(1)
مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 515 الى 520
وان كان الاعتكاف مندوبا وكان الافساد بعد اليومين فيجب قضاؤه لأنه يكون واجبا بعد اليومين.
أما اذا كان الافساد قبل اليومين فلا شئ عليه.
واذا فسد الاعتكاف الواجب بالجماع فى النهار وكان فى شهر رمضان فعليه كفارتان احداهما للاعتكاف والثانية للافطار فى نهار رمضان.
فان كان قد نذر الاعتكاف فى شهر رمضان وأفسده بالجماع فى النهار وجب عليه ثلاث كفارات احداها للاعتكاف والثانية لخلف النذر والثالثة للافطار فى رمضان.
واذا جامع امرأته المعتكفة وهو معتكف فى نهار رمضان فالأحوط أربع كفارات وتكون الرابعة تحملا عن امرأته فلو كانت مطاوعة فعلى كل منهما كفارتان ان كان فى النهار وكفارة واحدة ان كان فى الليل.
ولو نذر زمانا معينا شهرا أو غيره وتركه نسيانا أو عصيانا أو اضطرارا وجب قضاؤه، ولا يجب الفور فى القضاء وان كان أحوط.
ومن مات فى أثناء الاعتكاف الواجب بنذر أو نحوه لم يجب على وليه القضاء وان كان أحوط.
نعم لو نذر أن يصوم معتكفا وجب على الولى قضاؤه لأن الواجب حينئذ عليه هو الصوم ويكون الاعتكاف واجبا بخلاف ما لو نذر الاعتكاف فان الصوم ليس واجبا فيه وانما هو شرط فى صحته.
والظاهرية
(1)
يقولون:
ان فسد الاعتكاف فان كان نذرا قضاه وان كان تطوعا فلا شئ عليه.
ومن مات وعليه نذر اعتكاف قضاه عنه وليه أو استؤجر من رأس ماله من يقضيه عنه لا بد من ذلك.
ومضمون كلام الزيدية
(2)
:
أن ما فسد من الاعتكاف بغير عذر يوجب الاستئناف من أوله.
وما فسد بعذر ففيه البناء.
ويجب قضاء معين فات فمن نذر اعتكاف يوم أو شهر معين أو اعتكاف غد مثلا ثم فات عليه ذلك المعين ولم يعتكفه فانه يقضيه.
وكذلك اذا أوجب اعتكاف رمضان معين فلم يعتكفه فانه يقضيه، لكن لا يجزئه القضاء فى رمضان آخر اذ بفوته لزمه صوم لأجل النذر فلا يجزئ عنه ما وجب بغيره.
ويجب الايصاء بقضاء ما فات ان تمكن منه ولم يؤده والا فلا شئ عليه وتكون الأجرة عليه تخرج من ثلث ماله فان لم يوص لم يجب.
وان كان النذر مطلقا فان مضى وقت يمكنه فيه العمل وجبت الوصية وان نذر وهو لا يتمكن لزمته كفارة يمين. ولو نوى اعتكاف شهر قد مضى لم يصح وعليه كفارة يمين.
(1)
المحلى ج 5 ص 187، 197
(2)
البحر الزخار ج 2 ص 269 وشرح الأزهار ج 2 ص 46 الى 49
والإباضية
(1)
:
يسلكون مسلك الزيدية فى وجوب الاستئناف اذا فسد الاعتكاف بغير عذر والبناء اذا قطع العذر.
وعندهم لا يعتكف عن ميت.
وقيل: ان كان على الميت اعتكاف شهر أطعموا عنه ثلاثين مسكينا للاعتكاف وثلاثين للصوم.
ومن أفسد اعتكافه بالجماع متعمدا لزمه البدل والكفارة وقيل البدل فقط،
وهل كفارته على التخيير كرمضان أو على الترتيب كالظهار قولان.
كذلك قيل بالكفارة فى تعمد الأكل والشرب.
ومن أكره امرأته على الجماع لزمته كفارتها.
إعذار
التعريف باللغة:
كلمة اعذار مصدر فعله أعذر المزيد بالهمزة فى أوله فأصل مادته عذر.
جاء فى لسان العرب: العذر - بضم العين - الحجة التى يعتذر بها والجمع أعذار - بفتح الهمزة.
وأعذر الرجا اعذارا وعذرا، أبدى عذرا والعرب تقول أعذر فلان أى كان منه ما يعذر به.
والصحيح أن العذر الاسم.
والاعذار المصدر.
وفى المثل أعذر من أنذر.
ويكون أعذر بمعنى اعتذر اعتذارا يعذر به وصار ذا عذر منه. ومنه قول لبيد يخاطب بنتيه ويقول اذا مت فنوحا وابكيا على حولا.
فقوما فقولا بالذى قد علمتما
…
ولا تخمشا وجها ولا تحلقا الشعر
وقولا: هو المرء الذى لا خليله
…
أضاع ولا خان الصديق، ولا غدر
الى الحول، ثم اسم السّلام عليكما
…
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر
(1)
شرح النيل ج 2 ص 255 - 257
أى أتى بعذر، فجعل الاعتذار بمعنى الاعذار.
والمعتذر يكون محقا ويكون غير محق.
قال الفراء: اعتذر الرجل اذا أتى بعذر واعتذر اذا لم يأت بعذر، وأنشد:
ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر.
أى أتى بعذر. وأعذر فلان فلانا كعذره، قال الأخطل:
فان تك حرب ابنى نذار تواضعت
…
فقد أعذرتنا فى طلابكم العذر
وأعذر فلان قصر ولم يبالغ وهو يرى - بضم الياء وكسر الراء - أنه مبالغ، وأعذر فى كذا بالغ فيه.
وفى الحديث الشريف: لقد أعذر الله الى من بلغ من العمر ستين سنة.
أى لم يبق فيه موضعا للاعتذار حيث أمهله طول هذه المدة ولم يعتذر.
يقال: أعذر الرجل اذا بلغ أقصى الغاية فى العذر.
وفى حديث المقداد: لقد أعذر الله اليك أى عذرك وجعلك موضع العذر فأسقط عنك الجهاد ورخص لك فى تركه لأنه كان قد تناهى فى السمن وعجز عن القتال:
وفى حديث ابن عمر رضى الله تعالى عنهما:
اذا وضعت المائدة فليأكل الرجل مما عنده ولا يرفع يده وان شبع وليعذر فان ذلك يخجل جليسه.
فالاعذار المبالغة فى الأمر، أى يبالغ فى الأكل مثل الحديث الآخر:
انه كان اذا أكل مع قوم كان آخرهم أكلا.
ويقال: عذر الرجل فهو معذر اذا اعتذر ولم يأت بعذر، وعذر لم يثبت له عذر، وأعذر له عذر، وعلى ذلك قول الله عز وجل.
وجاء المعذرون من الأعراب ليؤذن لهم
(1)
: بالتثقيل هم الذين لا عذر لهم، ولكن يتكلفون عذرا، وقرئ «المعذرون» .
بالتخفيف، وهم الذين لهم عذر. وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم انه قال: لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم.
يقال أعذر من نفسه اذا أمكن منها، يعنى أنهم لا يهلكون حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم فيعذروا من أنفسهم ويستوجبوا العقوبة ويكون لمن يعذبهم عذر، كأنهم قاموا بعذره فى ذلك.
ويروى بفتح الياء من عذرته، وهو بمعناه، وحقيقة عذرت محوت الاساءة وطمستها وفيه لغتان أعذر اعذارا اذا كثرت عيوبه وذنوبه وصار ذا عيب وفساد.
(1)
الآية رقم 90 من سورة التوبة ..
قال الأزهرى: وكان بعضهم يقول:
عذر يعذر بمعناه ومنه قول الأخطل:
فان تك حرب ابنى نذار تواضعت
…
فقد عذرتنا فى كلاب وفى كعب
ويروى أعذرتنا، أى جعلت لنا عذرا فيما صنعناه.
ويقال: أعذر الرجل اذا أحدث.
وأعذر المكان أى كثر فيه العذرة وهى الغائط.
والعذرة الختان والعذرة الجلدة يقطعها الخاتن وعذر الغلام والجارية يعذرهما عذرا وأعذرهما ختنهما.
والعذار - بكسر العين - والاعذار والعذيرة والعذير كله طعام الختان.
وفى الحديث: الوليمة فى الاعذار حق، فالاعذار الختان.
ثم قيل للطعام الذى يطعم فى الختان اعذار.
وفى الحديث: كنا اعذار عام واحد، أى ختنا فى عام واحد، واعذروا للقوم عملوا ذلك الطعام لهم وأعدوه.
واعذار والعذار طعام المأدبة
(1)
.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء:
لا يكاد الفقهاء فى استعمالهم كلمة:
اعذار يخرجون على المعنى اللغوى لها، فالاعذار فى استعمالهم يأتى.
بمعنى تقديم العذر.
وبمعنى المبالغة.
وبمعنى ثبوت العذر.
وبمعنى الختان ووليمته.
جاء فى تهذيب الفروق قال ابن سهل رحمه الله تعالى: والاعذار المبالغة فى العذر، ومنه قولهم: قد أعذر من أنذر.
أى قد بالغ فى الاعذار من تقدم اليك فأنذرك، ومنه اعذار القاضى الى من ثبت عليه حق يؤخذ منه فتعذر عليه فيمن شهد عليه بذلك
(2)
.
وجاء فى مواهب الجليل: ووقع فى كتاب محمد: المشترى أعذر من البائع فى الرجوع أيضا، ويعنى أعذر أكثر اضطرارا.
(1)
لسان العرب للامام ابن منظور ج 20 ص 545 وما بعدها الى ص 555 مادة عذر طبعة صادر دار بيروت ..
(2)
تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية للشيخ محمد على حسين ج 4 ص 129 فى كتاب على هامش للامام شهاب الدين أبى العباس بن احمد بن ادريس ابن عبد الرحمن المشهور بالقرافى، طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية الطبعة الأولى سنة 1346 هـ ..
وقال ابن عبد الحكم رحمه الله تعالى:
لا أعذر الله واحدا منهما.
ونقل اللخمى كلامه بلفظ ما عذر الله واحدا منهما وأمرهما فى الاثم سواء.
كذا نقله ابن عبد السّلام وخليل رحمه الله تعالى.
وفى بعض النسخ، ما أعذر الله بالألف من باب أكرم والمعنى واحد، أى ما قبل الله العذر من واحد منهما
(1)
.
وجاء فى حاشية الشيخ على العدوى على شرح الخرشى أن طعام الختان يقال له اعذار
(2)
، وجاء فى المهذب أن الطعام الذى يدعى اليه الناس سنة الوليمة للعرس والخرس للولادة والاعذار للختان
(3)
وجاء فى المغنى أن العذيرة اسم لدعوة الختان وتسمى الاعذار
(4)
.
ما يلزم فيه الاعذار وما لا يلزم:
جاء فى تهذيب الفروق نقلا عن ابن فرحون فى تبصرته أن ما يلزم فيه الاعذار ثلاثة أنواع.
النوع الأول: كل من قامت عليه بينة بحق من معاملة أو نحوها.
والنوع الثانى: كل من قامت عليه دعوى بفساد أو غصب أو تعد ولم يكن من أهل الفساد الظاهر ولا من الزنادقة المشهورين بما ينسب اليهم.
النوع الثالث: كل من قامت عليه بينة غير مستفيضة بالأسباب القديمة والحديثة وبالموت القديم والحديث وبالنكاحات القديمة والحديثة، وبالولاء القديم وبالأحباس القديمة وبالضرر يكون بين الزوجين، وأما ما لا يلزم فيه الاعذار فثلاثة أنواع أيضا:
النوع الأول: كل من قامت عليه بينة بغير حق معاملة ونحوها انتفت الظنون والتهمة عنهم ويتحقق بمسائل:
المسئلة الأولى: قال اسحاق بن ابراهيم النجيبى رحمه الله تعالى: ومما لا اعذار فيه استفاضة الشهادات المشهود بها عند
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر أبى الضياء لأبى عبد الله محمد بن محمد المعروف بالحطاب ج 4 ص 259 فى كتاب على هامشه التاح والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ ..
(2)
حاشية الشيخ على العدوى على شرح الخرشى ج 3 ص 301 الطبعة الثانية ..
(3)
المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على ابن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج 2، ص 63 فى كتاب أسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لمحمد بن أحمد بن بطال الركبى، طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.
(4)
المغنى لموفق الدين محمد عبد الله بن احمد بن محمود بن قدامه على مختصر ابى القاسم عمر بن الحسين ابن عبد الله الخرقى ج 7 ص 1 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامه. الطبعة الاولى.
الحكام فى الأسباب القديمة والحديثة وفى الموت القديم والحديث، وفى النكاحات القديمة والحديثة، وفى الولاء القديم، وفى الأحباس القديمة وفى الضرر يكون بين الزوجين، وفى أشياء غيرها يطول ذكرها.
قال ابن فرحون رحمه الله تعالى: قوله والضرر معناه أنه يسقط الاعذار فى الشهادة بالضرر.
المسئلة الثانية: قال ابن فرحون: اذا أنعقد فى مجلس القاضى مقال باقرار أو انكار وشهدت به شهود المجلس عند القاضى أنفذ تلك المقالة على قائلها ولم يعذر اليه فى شهادة شهودها لكونها بين يديه وعلمه بها وقطعه بحقيقتها، وهذا هو الاجماع من المتقدمين والمتأخرين قاله أبو ابراهيم اسحاق بن ابراهيم النجيبى، وقال ابن العطار رحمه الله تعالى وبه جرى الحكم والعمل عند الحكام، لكن قال ابن سهل رحمه الله تعالى: ورأيت فى غير كتاب ابن العطار أن شهود المجلس اذا كتبوا شهادتهم على مقال مقر أو منكر فى مجلس القاضى ولم يشهدوا بها عند القاضى فى ذلك المجلس ثم ارادوا الشهادة بعد ذلك عنده اذا أحتيج اليها فانه يعذر فى شهادتهم الى المشهود عليه، بخلافهم اذا أدوها فى المجلس نفسه الذى كان فيه المقال وكذلك لو حفظوها ولم يكتبوها ثم أدوها بعد ذلك اذا طلبوا بها وكانوا عدولا فانه يعذر فيها الى من شهدوا عليه بها.
المسئلة الثالثة: قال ابن فرحون:
الشهود الذين يحضرون تطليق المرأة نفسها وأخذها بشرطها فى الطلاق فى مسائل الشروط فى النكاح لا يحتاج الى تسميتهم لأنه لا اعذار فيهم.
والنوع الثانى: مما لا يلزم فيه الاعذار:
كل من قامت عليه بغير حق معاملة ونحوها بينة أقامهم الحاكم مقام نفسه ويتضح ذلك بمسائل.
المسئلة الأولى: قال أبو ابراهيم رحمه الله تعالى: لا يعذر القاضى فيمن أعذره الى مشهود عليه من امرأة أو مريض لا يخرجان.
المسئلة الثانية: قال أبو ابراهيم رحمه الله تعالى: لا يعذر فى الشاهدين الذين يوجههما الحاكم لحضور حيازة الشهود لما شهدوا فيه من دار أو عقار.
وقال ابن سهل رحمه الله تعالى وسألت ابن عتاب عن ذلك فقال لا اعذار فيمن وجه للاعذار.
وأما الموجهان للحيازة فيعذر فيهما، وقد أختلف فى ذلك.
المسئلة الثالثة: قال ابن فرحون رحمه الله تعالى الشاهدان الموجهان لحضور اليمين لا يحتاج الى تسميتهم لأنه لا اعذار فيهما فى المشهود من القول لأن الحاكم اقامهما مقام نفسه.
وقيل: لا بد من الاعذار فيهما. ومن هذا النوع تعديل السر، فلا يعذر القاضى فى المعدلين سرا، ومنه أيضا حكم الحكمين فيسقط الاعذار فيه.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى: لأنهما يحكمان فى ذلك بما خلص اليهما بعد النظ والكشف وليس حكمهما بالشهادة القاطعة
النوع الثالث: كل من قامت عليه دعوى بفساد أو غصب أو تعد وهو من أهل الفساد الظاهر أو من الزنادقة المشهورين بما ينسب اليهم فلا يعذر اليهم فيما شهد به عليهم، ففى آخر الجزء الثانى من كتاب ابن سهل أن أبا الخير الزنديق لما شهد عليه بما يتعاطاه من القول المصرح بالكفر والانسلاخ من الايمان وقامت البينة عليه بذلك وكانوا ثمانية عشر شاهدا، وكان القاضى يومئذ منذر بن سعيد قاضى الجماعة فأشار بعض العلماء بأن يعذر اليه فيما شهد به عليه وأشار قاضى الجماعة واسحاق بن ابراهيم النجيبى وصاحب الصلاة احمد بن مطرف بأنه يقتل بغير اعذار لأنه ملحد كافر، وقد وجب قتله بدون ما ثبت عليه فقتل بغير اعذار فقيل لأبى ابراهيم اشرح أصل الفتيا فى قتله بغير اعذار الذى اعتمدت عليه فذكر أنه اعتمد فى ذلك على قاعدة مذهب الامام مالك رضى الله تعالى عنه فى قطع الاعذار عمن استفاضت عليه الشهادات فى الظلم وعلى مذهبه فى السلابة والمغيرين وأشباههم اذا شهد عليهم المسلوبون والمنتهبون بأن تقبل شهاداتهم عليهم اذا كانوا من أهل القبول وفى قبولها عليهم سفك دمائهم، وفى الرجل يتعلق بالرجل وجرحه يدمى فيصدق عليه، وفى التى تتعلق بالرجل فى المكان الخالى وقد فضحت نفسها بأصابته لها فتصدق بفضيحة نفسها، وفى الذى وجده مالك رضى الله تعالى عنه عند أحد الحكام وهو يضرب بدعوى صبى قد تعلق به وهو يدمى فضربه الحاكم فيما ادعاه عليه من اصابته لم فلم يزل يضرب ومالك جالس عنده حتى ضرب ثلاثمائة سوط وهو ساكت لا ينكر ذلك مع ما تقدم له من الضرب قبل وصول مالك رضى الله تعالى عنه، وقد بلغنى: أنه أنته به الضرب الى ستمائة سوط، وفى أهل حصن من العدو يأتون مسلمين رجالا ونساء حوامل فيصدقون فى أنسابهم ويتوارثون اذا كانوا جماعة لهم عدد.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى والعشرون عندى جماعة فأين الاعذار فى هؤلاء كلهم؟ قال: واذا كان مالك رحمه الله تعالى يرى فى أهل الظلم للناس والسلابين والمحاربين ونحوهم أن يقطع عنهم الاعذار فالظالم لله تعالى ولكتابه ولرسوله صلى الله عليه وسلم أحق بأن يقطع عنه الاعذار فيما ثبت عليه وانى متقرب الى الله تعالى باسقاط التوسعة عليه فى طلب المخارج له بالاعذار وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فى الموطأ أنه قال انما أنا بشر مثلكم يوحى الى وانكم تختصمون الى فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع منه وهذا الحديث هو أم القضايا ولا اعذار فيه، وكذلك كتاب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه الى أبى عبيدة بن الجراح والى أبى موسى الأشعرى رضى الله تعالى عنهما وهما أيضا ملاذ الحكام فى الأحكام ولا اعذار فيهما ولا اقالة من حجة ولا من كلمة غير أن الاعذار فيما يتحاكم الناس فيه من غير أسباب الديانات استحسان من أئمتنا
وأنا على أتباعهم فيه والأخذ به على بصيرة مستحكمة فيما أوجبوا الاعذار فيه من الحقوق والتزم التسليم لما استحسنوه، اذا هم القدوة والهداة.
وأما فى اقامة الحدود فى الالحاد والذندقة وتكذيب القرآن والرسول صلى الله عليه وسلم فلم أسمع به ولم أره لأحد ممن وصل الينا علمه. قال فالى هذه الأمور نزعت فى ترك الاعذار الى هذا الملحد.
قال ابن سهل رحمه الله تعالى: لقد أحسن أبو ابراهيم رحمه الله تعالى فى هذا التبيين والنصح للمسلمين، وان كان فى فصول من كلامه اعتراض على الأصول وفى بعضها اختلاف والحق البين أن من تظاهرت الشهادات عليه فى الالحاد أو غيره هذا التظاهر وكثرت البينة العادلة عليه هذه الكثرة فالاعذار اليه معدوم الفائدة لأنه لا يستطيع تجريح جميعهم ولا يمكنه الاتيان بما يسقط به شهادتهم، ومن قال بالاعذار أفاد أصله المتفق عليه عند العلماء والحكام فى لزوم الاعذار فى الأموال
(1)
.
والأصل فى الاعذار قول الله عز وجل فى قصة الهدهد «لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتينى بسلطان مبين
(2)
وقوله تعالى:
وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا
(3)
.
وقوله تعالى:
(4)
الآية:
وقوله تعالى:
«لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}
(5)
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن الاعذار واجب.
وقيل مستحب وان حكم بلا اعذار أو أعذره ولم يعجزه ثم وجد المحكوم عليه حجة قام بها ويعذره ثم يحكم وهو المعمول به عندهم وقيل يحكم ثم يعذر.
وقد يطلق الاعذار على التجريح واذا طلب المحكوم له من الحاكم تعجيز المحكوم عليه فله ذلك وهو جائز فى كل شئ، فاذا عجزه لم يقبل البيان عنه بعد الا فى الطلاق والنسب والدم والعتق والحبس وطريق العامة ومنافعهم.
وقيل: يقبل.
والقول الثالث أنه يقبل من المحكوم له وتقدم عن الديوان وغيره تأجيل ثلاثة آجال،
(1)
تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية للشيخ محمد على حسين ج 4 ص 126 وما بعدها الى ص 128 فى كتاب على هامش الفروق للامام شهاب الدين أبى العباس أحمد بن أدريس بن عبد الرحمن المشهور بالقرافى، طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية بمصر، الطبعة الأولى سنة 1346 هـ
(2)
الآية رقم 21 من سورة النمل.
(3)
الاية رقم 15 من سورة الاسراء.
(4)
الاية رقم 134 من سورة طه ..
(5)
الاية رقم 165 من سورة النساء ..
(6)
تهذيب الفروق والقواعد السنية ج 4 ص 129 الطبعة السابقة ..
وذكر قومنا أن الأجل الأول فى غير الأصول ثمانية، والثانى ستة، والثالث أربعة وزادوا رابعا وهو ثلاثة للتلوم.
- قالوا والتلوم الأجل الأخير - والأصل فيه قول الله عز وجل.
«تمتعوا فى داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب
(1)
. وذلك أحد وعشرون وجعلوا فى الأصول وفى الارث لأصل وغيره ثلاثين، الأول خمسة عشر ثم ثمانية، ثم أربعة، ثم ثلاثة تلوما، أو عشرة ثم عشرة ثم يتلوم له بعشرة أو ثمانية ثم ثمانية ثم يتلوم بأربعة عشر أو ستة عشر ثم ثمانية ثم أربعة ثم أثنين، وهذا كله عند قومنا مع حضور البينة فى البلد، فان غابت البينة عن البلد أجل أكثر وان بعدت أو ادعى مدعى ما بيد غيره من الأصول فثلاثة أشهر. ومن عليه دين وليس له ما يقضى به الا قيمة أصله فانه يؤجل شهرا أو شهرين لبيعه، وذلك مظنة بلوغ الخبر لمن يريد الشراء غالبا ويؤجل لحل العقود.
واذا ادعى نقضها بتناقض الشهود أو بتجريح أو غير ذلك شهر، ويجوز للحاكم أن يجمع الآجال ويفصله شيئا فشيئا.
وان أدعى رجل عبدا فأنكر العبد العبودية أو قال لست عبدك أو أدعى امرأة زوجة فأنكرت كذلك فأجل له الحاكم أجلا لبيانه فلم يبين عند الأجل فحجر عليه الحاكم أن لا يقرب ما ادعاه بأن لا يقرب العبد بالاستخدام أو البيع أو التملك أو الامساك ولا يقرب المرأة بالجماع أو المس أو النظر ولا بالامساك لم ينفعه بيانه بعد الأجل والتحجير، ولو بين بعدول أنه عبده وأنها زوجة فالتحجير كحكمه ولا يقبل البيان بعد التأجيل والحكم وقيل يقبل حتى يتم ثلاثة آجال ويعجز عند كل منها وقيل أربعة فتحجيره هناك الحكم بطلاقها أو تتزوج به أو بالعتق فلا ينفعه بيانه لأنه لما حجر عليه دار أمرهما بين أن يكونا غير زوجته وغير عبده وأن تكون طالقا أو يكون حرا فحجره مثل قوله ليس عبدا لك أو ليست زوجة لك ولكن لم يرد الحكم بالنفى ولا سيما أنه هنا بالعجز عن البيان
(2)
.
ولو استعبد شخص بالغا فجحد ذلك البالغ كونه عبدا لمستعبده فعلى المستعبد أن يبين، ويحبس البالغ ان طلب مستعبده حبسه الى أن يبين لأجل مسمى بنظر الحاكم وأجبر على أن ينفق عليه من كل ما يحتاج اليه ولو خدمته وعناءه.
فان خرج حرافهما للحر ولا رجوع عليه بما أنفق الا ما لم يتلف وكذا منفق على طفل أو مجنون يدعيه ابنا أو عبدا لا يردان الا ما وجدا باقيا وكذا الحال مع من أدعى امرأة أو عبدا أو أمة ان طلب المدعى يمينا من المرأة أو الأمة أن تحضر عند أجل يؤجله الحاكم له أو من العبد كذلك أو طلب
(1)
الآية رقم 65 من سورة هود ..
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 702، وما بعدها الى ص 704 طبع مطبعة البارونى.
ضمينا بأن لم يقنع باليمين فطلب الضمين لأن له ذلك. على أن يكون ما طلبه المدعى يمينا ينته مضمونها الى البيان أو ضمينا ينته مضمونه الى البيان، ومضمونهما هو حضور المدعى عليه عند أجل البيان. فان لم يأته بضمين ولم يحلف أو لم يقبل المدعى اليمين حبس المدعى المرأة أو العبد أو الأمة بواسطة الحاكم وانفق المدعى على المدعى عليه كما مر لأنه عطلهم وأثبت على نفسه ما يوجب عليه نفقتهم ولا رجوع فيما أنفق ان تبين خلاف دعواه الا ما لم يتلف.
وان طلب المدعى اليمين وأراد المدعى عليه الضمين فله الضمين.
وان لم يجد بيانا فى الأجل على أنها امرأته أو أمته أو أنه عبده سواء حلفوا على أن يحضروا أو أخذ الضمين أو حبسوا وجد يمينا على المرأة أنها ليست امرأته أو على الأمة انها ليست أمته أو على العبد أنه ليس عبده وكذا حكم عكس القضية فيحبس الى أجل البيان وان لم تطلب المرأة أو العبد أو الأمة الحبس وهو أن تدعى أنها امرأته أو أمته أو يدعى أنه عبد لهذا الحر فينكر فعليهم البينة وان لم تكن حلف أنها ليست امرأته أو أمته أو أنه ليس عبده ولا نفقة لهم عليه فى الأجل الذى يؤجل للبينة كما قال بلا انفاق.
وفى الأثر ان أدعى تزوج امرأة ليمنعها أجل بقدر ما تأتى بينته.
فان كانت مع زوج واحتج أحد فى تزوجها لم توقف عن زوجها ولا يوقف عنها الا ان صح العقد فيمنعان عنها معا ويؤجل كذلك فان بين والا خلى بين الرجل وزوجته، فان صح العقد للطالب قبل تزوجها فطلب رضاها ويمينها أنه ليس زوجا لها فله عليها اليمين فان حلفت برئت منه وان ردتها اليه وحلف كانت امرأته وان كانت فى عقد من رضيته لم يلزمها للطالب يمين لثبوت نكاح الآخر عليها وان رضيت به وبالأول من قبل لم يقبل قولها الا بشاهدين.
وان ادعت امرأة على زوجها طلاقا وبينه أجلت كذلك وان أدعته ممن يرد نكاحه كمولى أو لحرمة بينهما كرضاع أجلت.
ومن أدعى على زوجته جنونا أو جذاما أو برصا فاحشا أو عفلا أو نخشا
(1)
.
فليبين أنه كان بها قبل نكاحها الا أن كان مما يشك فيه.
وان أدعى عبد تحريرا من سيده أجل بقدره لأنه يمنع من بيعه لا من استخدامه بأجرة فان صح دعواه ببينه فله أجرته ويحاصص بنفقته وكسوته ويعطى الباقى وكذا الأمة.
ومن احتج ليتيم أو غائب أو نحوهما على رجل بمال فى يده أجل وكذا من ادعى حكما من قاض أو وال على ما بيد صاحبه الا أن تلف.
(1)
العفل - بعين مفتوحة وفاء مفتوحة - شئ مدور يخرج من رحم المرأة وحياة الناقة شبه الادرة فى الرجل والمرأة العفلاء الضيقة الفرج من ورم يحدث بين مسلكيها. والنخش الهزال يقال: نخش الرجل ونحوه ينخش نخشا هزل. انظر المعجم الوسيط مادة (عفل ونخش).
وان أحتج فى تخريج شاهد أو معدل أو أدعى أصلا أجل أيضا.
قال ابن محبوب رحمه الله تعالى: من أدعى على رجل حقا وبينة عليه. حبس له يوما فان أتى بها والا ترك ان لم يجد كفيلا.
وان ادعاها سئل عنها فان كانت عادلة أجل له والا أنفذ الحكم.
وان طلبت فى العكس - وهو أن تدعى أنه زوجها وينكر أو يدعى أنه سيدى - المرأة يمينا بطلاقها ثلاثا أو أثنتين ان تقدمت واحدة أو ما يقوم مقامها أو كانت ممن طلاقها مرتان فقط أو واحدة أن تقدمت اثنتان كذلك أو كانت ممن طلاقها مرة أو بطلاقها بائنا أو طلب العبد والأمة المدعيان أنه سيدها أو جاء العبد ببيان أنه سيده حلفه تبيينها اذا جاءت به فى الأجل أنه زوجها أو أنه سيدها أو جاء العبد ببيان أنه سيده حلفه الحاكم بذلك لئلا يعطلهم.
فان بينوا فى الأجل وحضر أنفق وأقام.
وان لم يبينوا ذهبوا وعملوا بما علموه فيما بينهم وبين الله وان بينوا ولم يحضر فى الأجل خرج حرا وخرجت حرة أو طالقا لا رجعة عليها مالكة أمر نفسها.
وان طلبوا ان يحضر فى الأجل عند الحاكم ولو لم يكن لهم بيان وأنه ان لم يحضر طلقت كذلك أو عتقت أو عتق فلهم ذلك وتطلب لنفسها منه يمينا أيضا بالثلاث أو أقل على حد ما مر أو بالعتق وللعبد بالعتق أيضا ان أدعى أنها زوجته أو أمته أو أدعى أن هذا عبده وأن يحضر عند الأجل الذى أجله الحاكم له أن يأتى فيه ببيان أمتها امرأته أو أمته أو أنه عبده ان لم يجد بيانا عند دعواه ولم يعطه ضمينا.
وان ادعت متولاة أن زوجها طلقها ثلاثا وعرف بكثرة اليمين بالطلاق حبس بتهمة ان لم يجد بيانا حتى يقر أنه قد رفع نفسه عنها.
قال أبو زكرياء رحمه الله تعالى وقد فعل ذلك أبو موسى فى ولايته ورفع نفسه لما رأى انه يسجن، والأولى أن يقول حتى يرفع نفسه عنها أو يجئ بما يرفع عنه التهمة مثل أن تقول بعد ذلك ان من ألفاظ طلاقة كذا فيتبين أن ذلك اللفظ غير طلاق
(1)
.
ويبين عبد أدعى عتقا من ربه وأنكر ربه ولا يمنع من طلب البيان ولو بسفر وان خيف هروبه بسفر فليعط ضمينا.
وقال قومنا اذا حلف الحاكم بالطلاق كان بائنا لا يملك رجعته ولا تجدها هى ان أتفقا ولو لم ينو البائن لأن تحليفه للفصل وكذا ان طلقها الحاكم عليه للداعى الى ذلك فهو فى كل ذلك بائن الا أن نوى الحكم انه غير بائن ولم ينو الزوج اذا طلق بلسانه أنه غير بائن فان لم يجد البيان لأجل يؤجله الحاكم وجد يمينا من ربه يحلف انى لم أعتقه وانه عبد ومنع من اخراجه من ملكه بوجه ما الى الأجل الذى أجله الحاكم للبيان فان مضى ولم يبين ولم يكن له عذر لم يمنع من
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 709، وما بعدها الى ص 711 نفس الطبعة ..
اخراجه من ملكه وكل أجل أجله الحاكم متبين عذر فى حق من لزمه البيان للأجل فانه يعذر ويؤجل له آخر وهكذا بلا حد.
وفى الأثر اذا عرف العبد لرجل بتأليد أو عرف أنه جلب من أرض الحبشة فادعى أنه حر لم يشتغل به الا ان بين وأما غير هؤلاء من العبيد اذا ادعى الحرية فالقول قوله وكذا ان قال أنا معتق أو قال أعتقنى رجل ولم يسمه وان سماه فعليه بيان أنه أعتقه
(1)
.
أعذار القاضى للمدعى والمدعى عليه
..
مذهب الحنفية:
جاء فى تبيين الحقائق أنه ان صحت الدعوى سأل القاضى المدعى عليه عن الدعوى لينكشف له وجه القضاء ان ثبت حقه لأن القضاء بالبينة يخالف القضاء بالاقرار وهذا لأن الاقرار حجة ملزمة بنفسه ولا يحتاج فيه الى القضاء واطلاق اسم القضاء فيه مجاز وانما هو أمر بالخروج عما لزمه بالاقرار، بخلاف البينة فانها ليست بحجة الا اذا أتصل بها القضاء فيسقط احتمال الكذب بالقضاء فى حق العمل فيصير حجة يجب العمل به كسائر الحجج الشرعية.
فان أقر المدعى عليه أو أنكر فبرهن المدعى قضى عليه لوجود الحجة الملزمة للقضاء.
وان لم يكن للمدعى بينة حلف المدعى عليه اذا طلب المدعى يمينه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للمدعى: ألك بينة قال لا، فقال: صلى الله عليه وسلم لك يمينه، فقال: يحلف ولا يبالى، فقال صلى الله عليه وسلم: ليس لك الا هذا، شاهداك أو يمينه «فصار اليمين حقا له لاضافته اليه بلام التمليك، وانما صار حقا له لأن المنكر قصد اتواء
(2)
حقه على زعمه بالانكار فمكنه الشارع من اتواء نفسه باليمين الكاذبة وهى الغموس ان كان كاذبا كما يزعم وهو أعظم من اتواء المال.
ولا ترد يمين على مدع لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم لكن اليمين علي المدعى عليه، رواه مسلم وأحمد رحمهما الله تعالى، جعل جنس اليمين على المنكر لأن الألف واللام للاستغراق وليس وراءه شئ آخر حتى يكون على المدعى، ولقوله صلى الله عليه وسلم «البينة على المدعى واليمين على من أنكر» حيث قسم بينها والقسم تنافى الشركة
(3)
.
ويقضى للمدعى ان نكل المدعى عليه مرة صريحا بقوله لا أحلف أو دلالة بسكوته، لاجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وروى عن على كرم الله تعالى وجهه انه وافق
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 713 نفس الطبعة ..
(2)
جاء فى لسان العرب: أتوته أتوه أتوا وأتاوة: رشوته، وكل مأخذ بكره أو قسم على موضع من الجباية وغيرها (انظر مادة أتى) ..
(3)
تبين الحقائق شرح كنز الدقاق ج 4 ص 294 للامام فخر الدين عثمان بن على الزيلعى الطبعة الأولى، المطبعة الاميرية ببولاق مصر سنة 1314 هـ ..
اجماعهم فانه روى عن شريح أن المنكر طلب منه رد اليمين على المدعى فقال ليس لك اليه سبيل وقضى بالنكول - بين يدى على رضى الله تعالى عنه - فقال له على رضى الله تعالى عنه أصبت. وروى عن عمر رضى الله تعالى عنه ان امرأة أدعت عنده على زوجها أنه قال لها حبلك على غاربك فحلف عمر الزوج بالله ما اردت طلاقا، فنكل فقضى عليه بالفرقة، ولأن النكول دل على كونه باذلا أو مقرا، اذ لولا ذلك لأقدم على اليمين أداء للواجب ودفعا للضرر عن نفسه فترجحت هذه الجهة على غيرها من التورع والترفع والاشتباه لأن الظاهر أنه يأتى بالواجب فلا يترفع عن الصادقة، والظاهر من حال المسلم انه لا يكذب فلا يكون نكوله تورعا عن الكاذبة ظاهرا باعتبار حاله.
ولو كان لاشتباه الحال لاستمهل حتى ينكشف له الحال، فتعين أن يكون لأجل البذل، ولا وجه لرد اليمين على المدعى لما روينا من أن اليمين على المنكر، ويعرض القاضى اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات ندبا، يقول له فى كل مرة انى أعرض عليك اليمين فان حلفت والا قضيت عليك بما ادعاه اعلاما له للحكم لأنه موضع خفاء لاختلاف العلماء فيه لأن الشافعى رحمه الله تعالى لا يراه.
فاذا كرر عليه الانذار والعرض ولم يحلف حكم عليه اذا علم انه لا آفة به من طرش وخرس، وعن أبى يوسف ومحمد، رحمهما الله تعالى أن التكرار حتم حتى لو قضى القاضى بالنكول مرة لا ينفذ، والصحيح انه ينفذ، والعرض ثلاثا مستحب، وهو نظير امهال المرتد ثلاثة أيام فانه مستحب فكذا هذا مبالغة فى الانذار ولا بد أن يكون النكول فى مجلس القاضى لأن المعتبر يمين قاطع للخصوبة ولا معتبر باليمين عند غيره فى حق الخصومة فلا يعتبر.
وهل يشترط القضاء على فور النكول؟ فيه اختلاف، ثم اذا حلف المدعى عليه فالمدعى على دعواه ولا يبطل حقه بيمينه، الا أنه ليس له ان يخاصمه ما لم يقم البينة على وفق دعواه، فانه وجد بينة اقامها عليه وقضى له بها، وبعض القضاة من السلف كانوا لا يسمعون البينة بعد الحلف ويقولون يترجح جانب صدقه باليمين فلا تقبل بينه المدعى بعد ذلك كما يترجح جانب صدق المدعى بالبينة حتى لا يعتبر يمين المنكر معها، وهذا القول مهجور غير مأخوذ به وليس بشئ أصلا لأن عمر رضى الله تعالى عنه قبل البينة من المدعى بعد يمين المنكر، وكان شريح رضى الله تعالى عنه يقول اليمين الفاجرة أحق أن ترد من البينة العادلة
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن المدعى عليه اذا أنكر المدعى به قال القاضى للمدعى: ألك بينة فان قال نعم أمره باحضارها، واعذر للمدعى عليه فيها أى قطع عذره فيها بأن يقول له الك مطعن فى هذه البينة؟ فان نفى المدعى البينة بأن قال لا بينة
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 295، 296 نفس الطبعة ..
لى، وطلب تحليف خصمه وحلف فلا بينة تقبل للمدعى بعد ذلك الا لعذر فى نفيه لها واستحلافه للمدعى عليه كنسيان للبينة حين تحليفه خصمه وحلف انه نسيها فلو شرط المدعى عليه على المدعى عدم القيام ببينة يدعى نسيانها أو عدم علمه بها وفى له بشرطه
(1)
.
وجاء فى بلغة السالك أن المدعى يبين فى دعوى المال السبب كالقرض والبيع والنكاح والنصب والسرقة.
وان لم يبين السبب سأله الحاكم عن السبب وجوبا.
والا بأن ادعى بمجهول أو بمعلوم غير محقق أو لم يبين السبب لم تسمع دعواه وادعاؤه بمعلوم غير محقق كأظن ان لى عليه دينارا لعدم تحقق المدعى ولو قال أظن ظنا قويا واذا لم تسمع دعواه يطلب من المدعى عليه جواب أى وسواء بين السبب أم لا على المشهور، ومقابلة ما قاله المازرى رحمه الله تعالى من انه اذا أدعى بمجهول لم يقبل ان لم يبين السبب فان بين السبب أمر المدعى عليه بالجواب، أما بتعيينه أو الانكار فان ادعى نسيان السبب أعذر بذلك وتسمع دعواه، فيطلب الجواب من المدعى عليه. وان اتهم المدعى عليه كأظن انك سرقت لى كذا أو غصبته منى أو فرطت فيه حتى تلف تسمع دعواه وتتوجه اليمين على المنهم على القول المشهور اذا أنكر المتهم. ثم بعد أن يذكر المدعى دعواه يأمر القاضى المدعى عليه بالجواب.
فان أقر فللمدعى الاشهاد عليه وللحاكم ان غفل المدعى ان ينبه عليه بأن يقول للعدول أشهدوا بأنه أقر.
وان أنكر قال القاضى للمدعى ألك بينة تشهد لك عليه؟
فان نفاها بأن قال ليس عندى بينة فللمدعى ان يطلب حلف المدعى عليه المنكر، هذا اذا ثبتت بينهما خلطة من معاملة أو غيرها بل وان لم تثبت بينهما خلطة بدين أو تكرر بيع وقيل ليس له استحلافه الا اذا ثبتت بينهما خلطة بذلك ولو بامرأة وهو الذى مشى عليه الشيخ وهو ضعيف.
فان حلف المدعى عليه بعد أن طلب المدعى منه اليمين برئ.
وليس للمدعى بعد ذلك مطالبة عليه.
واذا برئ فلا بينة تقبل للمدعى بعد أن نفى بينة نفسه وطلب من المدعى عليه اليمين وحلف الا لعذر كنسيان لها عند تحليفه المدعى عليه وحلف ان أراد القيام بها أنه نسيها، وكعدم علم بها قبل تحليفه فله اقامتها وحلف وكذا اذا ظن انها لا تشهد له أو انها ماتت كان حلف المدعى عليه الرد شهادة شاهد اقامه المدعى وكانت الدعوى لا تثبت الا لشاهدين فطلب منه الثانى فقال ليس عندى الا هذا وحلف
(1)
الشرح الكبير لسيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه لشمس الدين محمد عرفه الدسوقى ج 4 ص 146 فى كتابه على هامشه الحاشية المذكورة، طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية 996 ..
المدعى عليه يمينا لرد شهادة هذا الشاهد فوجد ثانيا كان نسيه أو لم يعلم به فله أن يقيمه وبضمه للأول وان اقامها يعنى اذا قال القاضى للمدعى حين أنكر عليه ألك بينة فان نفاها فقد تقدم.
وان اقامها اعذر الى المطلوب وهو المدعى عليه.
والاعذار واجب ان ظن القاضى جهل من يريد الحكم عليه بأن له الطعن أو ضعفه.
وأما ان ظن علمه بأن له الطعن وانه قادر على ذلك لم يجب بل له أن يحكم بدونه وحيث وجب الاعذار وحكم بدونه نقض الحكم واستؤنف الاعذار.
والاعذار من القاضى بأن يسأله عن عذر فيقول القاضى للمطلوب بعد سماع بينة الطالب: بقيت لك حجة وعذر فى هذه البينة، فاما أن يقول نعم واما أن يعجز.
ويستثنى ممن فيهم الاعذار أربعة لا اعذار فيهم.
الأول: شاهد الاقرار من المطلوب الكائن بمجلس القاضى فلا اعذار فيه لمشاركة القاضى له فى سماع الاقرار.
والثانى: مطلوب يخشى منه الضرر على من شهد عليه أو طالبا يخشى منه الضرر على من يجرح بينته فلا اعذار له.
والثالث: مزكى السر وهو من يخبر القاضى سرا بعدالة الشهود أو تجريحهم فلا اعذار فيه، وليس على الحاكم تسميته، بل لو سئل عنه لم يلتفت للسائل.
والرابع المبرز فى العدالة أى الفائق فيها لا اعذار فيه بغير عداوة للمشهود عليه، أو قرابة للمشهود له.
وأما بالعداوة أو القرابة فيعذر.
فان قال المدعى عليه نعم لى حجة ومطعن فى هذه البينة، أنظره القاضى لبيان الحجة باقامة البينة بها بالاجتهاد منه فليس للانظار حد معين وانما هو موكول لاجتهاد الحاكم، هذا اذا لم يتبين لدده، والا حكم عليه من تبين اللدد ومثل ذلك ذلك ما لو قال لى بينة بعيدة الغيبة هى التى تجرح بينة المدعى فانه يحكم عليه من الآن الا أنه فى هذه الحالة يكون باقيا على حجة اذا قدمت بينته ويقيمها عند القاضى. ثم اذا لم يأت بحجة معتبرة شرعا حكم عليه بمقتضى الدعوى من مال أو غيره، كما يحكم اذا نفى حجته وقال لا حجة عندى، وحكم بعجزه بعد انظاره وكتب التعجيز فى سجله بأن يكتب فيه:
انا طلبنا منه حجة فى البينة وانظرناه فلم يأت بها فحكمنا عليه فلا تقبل له حجة بعد ذلك.
وفائدة التسجيل مخافة ان يدعى أنه باق على حجته وان القاضى لم ينظره.
ويستثنى من التعجيز خمس مسائل ليس للقاضى فيها تعجيز.
المسألة الأولى دعوى الدم: كأن يدعى بأنه قتل وليه عمدا وله بينة بذلك فانظره
القاضى ليأتى بها فلم يأته بها فلا يعجزه فمتى أتى بها حكم بقتل المدعى عليه.
والمسألة الثانية: العتق اذا ادعاه الرقيق على سيدة المنكر، وقال عندى بينة فانظره فلم يأته بها فلا يعجزه بل متى أقامها حكم بعتقه.
والمسألة الثالثة: الطلاق اذا ادعته المرأة على زوجها المنكر، وقالت لى بينة بذلك ولم تأت بها فلا يعجزها فمتى اقامتها حكم بطلاقها.
والمسألة الرابعة: الحبس اذا ادعاه انسان على الواقف أو واضع اليد المنكر، وقال لى بينة على وقفه فانظره الحاكم فلم يأت بها فلا يعجزه فمتى أتى بها حكم بالوقف.
والمسألة الخامسة: النسب اذا ادعاه انسان وانه من ذرية فلان وله بذلك بينة فان لم يأت بها بعد الانظار لم يحكم بتعجيزه وهو باق على حجته متى أقامها حكم بنسبة هذا اذا أجاب المدعى عليه باقرار او انكار.
فان لم يجب باقرار او انكار بل سكت حبس وضرب باجتهاد القاضى فى قدر الحبس والضرب ليجيب.
ثم ان استمر على عدم الجواب حكم عليه بالحق بلا يمين من المدعى لأن اليمين فرع الجواب وهو لم يجب.
وان أنكر المدعى عليه المعاملة من أصلها فقال لا معاملة بينى وبينه فاقيمت عليه البينة بالحق المطلوب فأقام بينته تشهد له بالقضاء لم تقبل بينته بالقضاء لذلك الحق لأن انكاره المعاملة تكذيب لبينته بالقضاء، بخلاف قوله لا حق لك على فأقام عليه بينة به فأقام هو بينة بالقضاء فتقبل لأنه لم ينكر أصل المعاملة وانما انكر الحق المطلوب منه فقط وليس فيه تكذيب لبينته بالقضاء
(1)
.
وجاء فى تهذيب الفروق انه اذا حصلت التزكية للشهود فلا بد من الاعذار فى المزكى والمزكى، ثم هل يعذر اليه قبل أن يسأله ذلك أن بعد أن يسأله؟ فى المذهب أربعة أقوال:
قال ابن نافع رحمه الله تعالى يقول له دونك فجرح والا حكمت عليك.
وقال مالك رحمه الله تعالى فى رواية أشهب: لا يقول له ذلك، وذلك وهن للشاهد
وقال أشهب رحمه الله تعالى يقول له ذلك ان كان قبولهم بالتزكية ولا يقوله فى المبرزين.
وقال ابن القاسم رحمه الله تعالى: يقوله لمن لا يدرى ذلك كالمرأة والضعيف، ثم حيث قلنا بالاعذار فما الذى يسمع منه.
قال ابن شاس رحمه الله تعالى: يسمع فى متوسط العدالة القدح فيها.
(1)
الشرح الصغير للشيخ احمد الدردير وبلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للشيخ احمد الصاوى ج 2 ص 313 وما بعدها الى ص 316 فى كتاب على هامشه الشرح الصغير طبع المكتبة التجارية بمصر ..
وأما المبرز المعروف بالصلاح فيسمع فيه القدح بالعداوة والقرابة والهجر.
وقال سحنون: يمكن من التجريح ولم يفرق واذا قلنا بسماع الجرح فى المبرز، فقال سحنون رحمه الله تعالى لا يقبل ذلك الا من المبرز فى العدالة.
وقال ابن الماجشون رحمه الله تعالى بجرح الشاهد من هو مثله وفوقه ولا يجرح من هو دونه الا بالعداوة والهجر.
أما القدح فى العدالة فلا.
وقال مطرف رحمه الله تعالى يجرحه من هو مثله وفوقه ودونه بالاسفاه والعداوة، اذا كان عدلا عارفا بوجوه الجراح، واختاره اللخمى رحمه الله تعالى.
وقال عبد الحكم رحمه الله تعالى: لا يقبل التجريح فى المبرز الا أن يكون المجرحون معروفين بالعدالة واعدل منه ويذكرون ما جرحوه به مما يثبت بالكشف.
وقال ابن القطان رحمه الله تعالى:
لا يجرح الشاهد من دونه بالعداوة، وأجازه ابن العطار رحمه الله تعالى وفى معين الحكام.
ويعذر فى تعديل العلانية دون تعديل السر فلا يعذر القاضى فى المعدلين سرا
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب انه اذا حضر عند القاضى خصمان وادعى أحدهما على الآخر حقا يصح فيه دعواه وسأل القاضى مطالبة الخصم بالخروج من دعواه طالبه.
وان لم يسأله مطالبته للخصم ففيه وجهان احدهما انه لا يجوز للقاضى مطالبته: لأن ذلك حق للمدعى فلا يجوز استيفاؤه من غير أذنه.
والثانى: وهو المذهب انه يجوز له مطالبته لأن شاهد الحال يدل على الأذن فى المطالبة فان طولب لم يخل أما أن يقر أو ينكر أو لا يقر ولا ينكر.
فان أقر لزمه الحق ولا يحكم به الا بمطالبة المدعى لأن الحكم حق له فلا يستوفيه من غير أذنه فان طالبه بالحكم حكم له عليه.
وان أنكر فان كان المدعى لا يعلم ان له اقامة البينة قال له القاضى: ألك بينة؟
وان كان يعلم فله ان يقول له ذلك وله أن يسكت.
وان لم تكن له بينة وكانت الدعوى فى غير دم فله ان يحلفه المدعى عليه.
ولا يجوز للقاضى ان يحلفه الا بمطالبة المدعى لأنه حق له فلا يستوفيه من غير أذنه وان أحلفه قبل المطالبة لم يعتد بها لأنها يمين قبل وقتها وللمدعى أن يطالب بأعادتها لأن اليمين الاولى لم تكن يمينه وان أمسك المدعى عن أحلاف المدعى عليه ثم أراد أن يحلفه بالدعوى المتقدمة جاز لأنه لم يسقط حقه من اليمين وانما أخرها وان قال أبرأتك من اليمين
(1)
تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الاسرار الفقهية للشيخ محمد على حسين ج 4 ص 128، 129 فى كتاب على هامش الفروق للقرافى، الطبعة السابقة ..
سقط حقه منها فى هذه الدعوى وله أن يستأنف الدعوى لأن حقه لم يسقط بالابراء من اليمين
فان أستأنف الدعوى وانكر المدعى عليه فله ان يحلفه لأن هذه الدعوى غير الدعوى التى أبرأه فيها من اليمين فان حلف سقطت الدعوى لما روى وائل بن حجر رضى الله تعالى عنه أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الحضرمى غلبنى هذا على أرض ورثتها من أبى، وقال الكندى أرضى وفى يدى أزرعها لا حق له فيها، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه قال انه لا يتورع عن شئ فقال ليس لك الا ذلك، فان امتنع عن اليمين لم يسأل عن سبب امتناعه فان ابتدأ وقال امتنعت لأنظر فى الحساب امهل ثلاثة أيام لأنها مدة قريبة ولا يمهل أكثر منها لأنها مدة كثيرة فان لم يذكر عذرا لامتناعه جعله ناكلا ولا يقضى عليه بالحق بنكوله لأن الحق انما يثبت بالاقرار أو البينة والنكول ليس باقرار ولا بينة.
فان بذل اليمين بعد النكول لم يسمع لأن بنكوله ثبت للمدعى حق وهو اليمين فلم يجز ابطاله عليه، فان لم يعلم المدعى ان اليمين صارت اليه قال له القاضى اتحلف وتستحق وان كان يعلم فله ان يقول ذلك وله ان يسكت، وان قال أحلف ردت اليمين عليه لما روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم رد اليمين على صاحب الحق وروى ان المقداد استقرض من عثمان مالا فتحاكما الى عمر فقال المقداد هو أربعة آلاف وقال عثمان: سبعة آلاف، فقال المقداد لعثمان احلف انه سبعة آلاف، فقال عمر انه انصفك فلم يحلف عثمان، فلما ولى المقداد قال عثمان: والله لقد أقرضته سبعة آلاف فقال عمر: لم لم تحلف؟ فقال خشيت أن يوافق ذلك به قدر بلاء فيقال بيمينه.
وأختلف قول الشافعى رحمه الله تعالى فى نكول المدعى عليه مع يمين المدعى، فقال فى أحد القولين هما بمنزلة البينة لأنه حجة من جهة المدعى.
وقال فى القول الآخر هما بمنزله الاقرار وهو الصحيح لأن النكول صادر من جهة المدعى عليه واليمين ترتب عليه وله فصار كاقراره فان نكل المدعى عن اليمين سئل عن سبب نكوله والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث لم يسأل عن سبب نكوله ان بنكول المدعى عليه وجب للمدعى حق فى رد اليمين والقضاء له فلم يجز سؤال المدعى عليه وبنكول المدعى لم يجب لغيره حق فيسقط بسؤاله.
فان سئل فذكر أنه أمتنع من اليمين لأن له بينة يقيمها وحسابا ينظر فيه فهو على حقه من اليمين ولا يضيق عليه فى المدة ويترك ما ترك تارك.
والفرق بينه وبين المدعى عليه حيث قلنا انه لا يترك أكثر من ثلاثة أيام انه يترك المدعى عليه يتأخر حق المدعى فى الحكم له ويترك المدعى لا يتأخر الا حقه، وان قال امتنعت لأنى لا اختار ان أحلف حكم بنكوله.
فان بذل اليمين بعد النكول لم يقبل فى هذه الدعوى لأنه أسقط حقه منها.
فان عاد فى مجلس آخر واستأنف الدعوى وانكر المدعى عليه وطلب يمينه حلف فان حلف ترك وان نكل ردت اليمين على المدعى.
فاذا حلف حكم له لانها يمين فى غير الدعوى التى حكم فيها بنكوله فان كان له شاهد واختار أن يحلف المدعى عليه جاز وتنتقل اليمين الى جنبة المدعى عليه فان اراد أن يحلف مع شاهده لم يكن له فى هذا المجلس لأن اليمين أنتقلت عنه الى جنبه غيره فلم تعد اليه فان عاد فى مجلس آخر وأستأنف الدعوى جاز أن يقيم الشاهد ويحلف معه لأن حكم الدعوى الأولى قد سقط.
وان حلف المدعى عليه فى الدعوى الأولى سقطت عنه المطالبة وان نكل عن اليمين لم يقض عليه بنكوله وشاهد المدعى لأن للشاهد معنى تقوى جنبة المدعى فلم يقض به مع النكول من غير يمين كاللوث فى القسامة، وهل ترد اليمين على المدعى ليحلف مع الشاهد؟ فيه قولان:
أحدهما أنه لا ترد لانها كانت فى جنبته وقد أسقطها وصارت فى جنبة غيره فلم تعد اليه كالمدعى عليه اذا نكل عن اليمين فردت الى المدعى فنكل فانها لا ترد على المدعى عليه.
والقول الثانى وهو الصحيح انها ترد لأن هذه اليمين غير الأولى، لأن سبب الأولى قوة جنبة المدعى بالشاهد وسبب الثانية قوة جنبته بنكول المدعى عليه واليمين الأولى لا يحكم بها الا فى المال وما يقصد به المال، والثانية يقضى بها فى جميع الحقوق التى تسمع فيها الدعوى فلم يكن سقوط احداهما موجبا بسقوط الاخرى، فان قلنا انها لا ترد حبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر لأنه تعين عليه ذلك.
وان قلنا انها ترد حلف مع الشاهد واستحق
(1)
وان قال المدعى لى بينه غائبه وطلب يمين المدعى عليه أحلف لأن الغائبة كالمعدومة لتعذر اقامتها فان حلف المدعى عليه، ثم حضرت البينة وطلب سماعها والحكم بها وجب سماعها والحكم بها لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه انه قال البينة العادلة أحق من اليمين الفاجرة، ولأن البينة كالاقرار، ثم يجب الحكم بالاقرار بعد اليمين فكذلك بالبينة، وان قال لى بينة حاضرة ولكنى أريد أن أحلفه حلف لأنه قد يكون له غرض فى احلافه بأن يتورع عن اليمين فيقر، واثبات الحق أقوى وأسهل من اثباته بالبينة.
وان قال ليس لى بينة حاضرة ولا غائبة أو قال كل بينة تشهد لى فهى كاذبة وطلب احلافه فحلف ثم أقام البينة على الحق ففيه ثلاثة أوجه.
(1)
المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على ابن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 300 فى 301 فى كتاب بأسفله المنظم المستعذب فى شرح غريب المهذب محمد بن احمد ابن بطال الركبى، طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر ..
احدها انها لا تسمع لأنه كذبها بقوله:
والثانى انه ان كان هو هذا الذى استوثق بالبينة لم تسمع لأنه كذبها، وان كان غيره المستوثق بالبينة سمعت لأنه لم يعلم بالبينة فرجع قوله لا بينة لى الا ما عنده.
والثالث انها تسمع بكل حال وهو الصحيح لأنه يجوز أن يكون ما علم وان علم فلعله نسى فرجع قوله لا بينة لى الى ما يعتقده
(1)
.
وان قال المدعى: لى بينة بالحق لم يجز له ملازمة الخصم قبل حضورها لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: شاهداك أو يمينه ليس لك الا ذلك.
وان شهد له شاهدان عدلان عند الحاكم وهو لا يعلم ان له دفع البينة بالجرح، قال له قد شهد عليك فلان وفلان، وقد ثبتت عدالتهما عندى وقد اطردتك جرحهما.
وان كان يعلم فله أن يقول وله ان يسكت.
فان قال المشهود عليه لى بينة بجرحهما نظر فان لم يأت بها حكم عليه لما روى عن عمر رضى الله تعالى عنه انه قال فى كتابه الى أبى موسى الاشعرى رضى الله تعالى عنه: واجعل لمن أدعى حقا غائبا أمدا ينته اليه، فان أحضر بينته أخذت له حقه والا استحللت عليه القضية فانه أنفى للشك وأجلى للعمى ولا ينظر أكثر من ثلاثة أيام لأنه كثير وفيه اضرار بالمدعى.
وان قال لى بينة بالقضاء أو الابراء أمهل ثلاثة أيام فان لم يأت بها حلف المدعى انه لم يقضه ولم يبرئه، ثم يقضى له لما ذكرناه وله ان يلازمه الى أن يقيم البينة بالجرح أو القضاء لأن الحق قد ثبت له فى الظاهر.
وان شهد له شاهدان ولم تثبت عدالتهما فى الباطن فسأل المدعى أن يحبس الخصم الى أن يسأل عن عدالة الشهود ففيه وجهان احدهما وهو قول أبى اسحاق رحمه الله تعالى وهو ظاهر المذهب انه يحبس لأن الظاهر العدالة وعدم الفسق.
والثانى وهو قول أبى سعيد الاصطخرى انه لا يحبس لأن الأصل براءة ذمته.
وان شهد له شاهد واحد وسأل أن يحبسه الى أن يأتى بشاهد آخر ففيه قولان أحدهما أنه يحبس كما يحبس اذا جهل عدالة الشهود، والثانى أنه لا يحبس وهو الصحيح لأنه لم يأت بتمام البينة، ويخالف اذا جهل عدالتهم لأن البينة تم عددها والظاهر عدالتها.
وقال أبو اسحاق ان كان الحق مما يقضى فيه بالشاهد واليمين حبس قولا واحدا لأن الشاهد الواحد حجة فيه لأنه يحلف معه
(2)
.
وان سكت المدعى عليه ولم يقر ولم ينكر
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 302 نفس الطبعة ..
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 303 نفس الطبعة ..
قال له الحاكم: ان اجبت والا جعلتك ناكلا.
والمستحب أن يقول له ذلك ثلاثا، فان لم يجب جعله ناكلا وحلف المدعى وقضى له لأنه لا يخلو اذا أجاب من أن يقر أو ينكر فان أقر فقد قضى عليه بما يجب على المقر وان انكر فقد وصل انكاره بالنكول عن اليمين فقضينا عليه بما يجب على المنكر اذا نكل عن اليمين
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن المدعى اذا ذكر أن بينته بعيدة منه اولا يمكنه احضارها أو لا يريد اقامتها فطلب اليمين من المدعى عليه احلف له، فاذا حلف ثم أحضر المدعى بينته حكم له وبهذا قال شريح والشعبى رضى الله تعالى عنهما لقول عمر رضى الله تعالى عنه:
«البينة الصادقة أحب الى من اليمين الفاجرة» ، وظاهر هذه البينة الصدق ويلزم من صدقها فجور اليمين المتقدمة فتكون اولى، ولأن كل حالة يجب عليه الحق فيها باقراره يجب عليه بالبينة كما قبل اليمين.
وحكى عن ابن ابى ليلى رحمه الله تعالى أن بينته لا تسمع لأن اليمين حجة المدعى عليه فلا تسمع بعدها حجة المدعى كما لا تسمع يمين المدعى عليه بعد بينة المدعى وهذا لا يصح لأن البينة الأصل واليمين بدل عنها ولهذا لا تشرع الا عند تعذرها والبدل يبطل بالقدرة على المبدل كبطلان التيمم بالقدرة على الماء ولا يبطل الاصل بالقدرة على البدل ويدل على الفرق بينهما انهما حال اجتماعهما وامكان سماعهما تسمع البينة ويحكم ولا تسمع اليمين ولا يسأل عنهما
(2)
. فان طلب المدعى حبس المدعى عليه او اقامة كفيل به الى ان تحضر بينته البعيدة لم يقبل منه ولم يكن له ملازمة خصمه، نص عليه الامام أحمد رحمه الله تعالى لأنه لم يثبت له قبله حق يحبس به ولا يقيم به كفيلا، ولأن الحبس عذاب فلا يلزم معصوما لم يتوجه عليه حق ولأنه لو جاز ذلك لتمكن كل ظالم من حبس من شاء من الناس بغير حق.
وان كانت بينته قريبة فله ملازمته حتى يحضرها لأن ذلك من ضرورة اقامتها فانه لو لم يتمكن من ملازمته لذهب من مجلس الحاكم ولا تمكن اقامتها الا بحضرته ولأنه لما تمكن من احضاره مجلس الحاكم ليقيم البينة عليه تمكن من ملازمته فيه حتى تحضر البينة، وتفارق البينة البعيدة أو من لا يمكن حضورها فان الزامه الاقامة الى حين حضورها يحتاج الى حبس او ما يقوم مقامه ولا سبيل اليه
(3)
.
وان قال المدعى لى بينة حاضرة وأريد
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 303 نفس الطبعة السابقة ..
(2)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمود بن قدامه على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقى ج 12 ص 110، 111 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبا الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن أحمد بن قدامه، الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار فى مصر سنة 1348 هـ ..
(3)
المرجع السابق ج 12 ص 111 نفس الطبعة ..
احلاف المدعى عليه ثم اقيم البينة عليه ففيه وجهان.
احدهما: له ذلك ويستحلف خصمه لأنه يملك استحلافه اذا كانت بينته بعيدة فكذلك اذا كانت قريبة، ولأنه لو قال لا أريد اقامة بينتى القريبة ملك استحلافه فكذلك اذا اراد اقامتها.
والثانى: لا يملك استحلافه لأن فى البينة غنية عن اليمين فلم تشرع معها، ولأن البينة أصل واليمين بدل فلا يجمع بين البدل والأصل كالتيمم مع الماء، وفارق البعيدة فانها فى الحال كالمعدومة للعجز عنها وكذلك التى لا يريد اقامتها لأنه قد تكون عليه مشقة فى احضارها أو عليها فى الحضور مشقة فيسقط ذلك للمشقة بخلاف التى يريد اقامتها
(1)
.
واذا نكل من توجهت عليه اليمين عنها وقال لى بينة اقيمها أو حساب استثبته لا حلف على ما اتيقن ذكر أبو الخطاب رحمه الله تعالى انه لا يمهل وان لم يحلف جعل ناكلا.
وقيل لا يكون ذلك نكولا ويمهل مدة قريبة.
وان قال: ما أريد ان احلف أو سكت فلم يذكر شيئا نظرنا فى المدعى به.
فان كان مالا أو المقصود منه المال قضى عليه بالنكول ولم ترد اليمين على المدعى نص عليه الامام احمد رحمه الله تعالى، ويدل لذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم:
«ولكن اليمين على جانب المدعى عليه» فحصرها فى جانب المدعى عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: البينة على المدعى واليمين على المدعى عليه. «فجعل جنس اليمين فى جنبة المدعى عليه كما جعل جنس البينة فى جنبة المدعى» .
وقال احمد رحمه الله تعالى قدم ابن عمر الى عثمان رضى الله تعالى عنهم فى عبد له فقال له أحلف انك ما بعته وبه عيب علمته فأبى ابن عمران يحلف فرد العبد عليه ولم يرد اليمين على المدعى، ولأنها بينة فى المال فحكم فيها بالنكول، كما لو مات من لا وارث له فوجد الامام فى دفتره دينا له على انسان فطالبه به فأنكره وطلب منه اليمين فأنكره فانه لا خلاف فى ان اليمين لا ترد، وقال ابن ابى ليلى: لا ادعه حتى يقر أو يحلف واختار ابو الخطاب رحمه الله تعالى ان له رد اليمين على المدعى ان ردها حلف المدعى وحكم له بما ادعاه، قال وقد صوبه احمد رحمه الله تعالى، فقال ما هو ببعيد يحلف ويستحق، وقال هو قول أهل المدينة روى ذلك عن على رضى الله تعالى عنه، وبه قال شريح والشعبى والنخعى وابن سيرين رحمهم الله تعالى فى المال خاصة، وقاله الشافعى فى جميع الدعاوى لما روى عن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم «رد اليمين على طالب الحق. رواه الدارقطنى ولأنه اذا نكل ظهر
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 111، 112 نفس الطبعة ..
صدق المدعى وقوى جانبه فتشرع اليمين فى حقه كالمدعى عليه قبل نكوله وكالمدعى اذا شهد له شاهد واحدا، ولأن النكول قد يكون لجهله بالحال وتورعه عن الحلف على ما لا يتحققه أو للخوف من عاقبة اليمين أو ترفعا عنها مع علمه بصدقه فى انكاره ولا يتعين بنكوله صدق المدعى فلا يجوز الحكم له من غير دليل فاذا حلف كانت يمينه دليلا عند عدم ما هو أقوى منها كما فى موضع الوفاق. وكذلك لو ادعى رجل على ميت انه وصى اليه بتفريق ثلثه وانكر الورثة ونكلوا عن اليمين قضى عليهم، والخبر لا تعرف صحته ومخالفة ابن عمر له فى القصة التى ذكرناها تدل على ضعفه فانه لم يرد اليمين على المدعى ولا ردها عثمان، فعلى هذا اذا نكل عن اليمين قال له الحاكم: إن حلفت وإلا قضيت عليك ثلاثا فان حلف والا قضى عليه وعلى القول الآخر يقول له: لك رد اليمين على المدعى فإن ردها حلف وقضى له.
وان نكل عن اليمين سئل عن سبب نكوله فان قال لى بينة اقيمها أو حساب استثبته لأحلف على ما اتيقنه أخرت الحكومة.
وان قال ما اريد أن أحلف سقط حقه من اليمين فلو بذلها فى ذلك المجلس بعد هذا لم تسمع منه الى أن يعود فى مجلس آخر فان قيل فالمدعى عليه لو امتنع عن اليمين ثم بذلها سمعت منه فلم منعتم سماعها ههنا؟ قلنا اليمين فى حق المدعى عليه هى الأصل فمتى قدر عليها أو بذلها وجب قبولها والمصبر اليها كالمبدلات مع ابدالها.
وأما يمين المدعى فهى بدل فاذا امتنع منها لم ينتقل الحق الى غيره فاذا امتنع منها سقط حقه منها لضعفها.
وأما اذا حلف وقضى له فعاد المدعى عليه وبذل اليمين لم يسمع منه، وهكذا لو بذلها بعد الحكم عليه بنكوله لم يسمع لأن الحكم قد تم فلا ينقض كما لو قامت به بينة، هذا اذا كان المدعى به مالا أو المقصود منه المال فأما غير المال وما لا يقصد به المال فلا يقضى فيه بالنكول نص عليه أحمد رحمه الله تعالى فى القصاص، ونقل عنه فى رجل ادعى على رجل انه قذفه، فقال استحلفوه فان قال لا أحلف أقيم عليه.
قال أبو بكر هذا قول قديم والمذهب انه لا يقضى فى شئ من هذا بالنكول ولا فرق بين القصاص فى النفس والقصاص فى الطرف. وروى عن أحمد رحمه الله تعالى انه يقضى بالنكول فى القصاص فيما دون النفس:
والأول هو المذهب لأن هذا أحد نوعى القصاص فأشبه النوع الآخر فعلى هذا ما يصنع به فيه وجهان.
احدهما يخلى سبيله لأنه لم تثبت عليه حجة فتكون فائدة شرعية اليمين الردع والزجر.
والثانى يحبس حتى يقر أو يحلف
(1)
.
ومن ادعى دعوى وقال لا بينة لى ثم أتى بعد
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 122، وما بعدها الى ص 126 نفس الطبعة ..
ذلك ببينة لم تقبل لأنه مكذب لبينته لأنه أكذب ببينته باقراره انه لا يشهد له أحد فاذا شهد له انسان كان تكذيبا له.
وان قال ما أعلم لى بينة ثم أتى ببينة سمعت منه لأنه يجوز أن تكون له بينة لم يعلمها ثم علمها قال ابو الخطاب رحمه الله تعالى ولو قال ما أعلم لى ببينة، فقال شاهدان نحن نشهد لك سمعت بينته
(1)
.
ومن أدعى شهادة عدل فانكر العدل أن تكون عنده، ثم شهد بها بعد ذلك، وقال كنت انسيتها قبلت منه ولم ترد شهادته، وذلك لأنه يجوز أن يكون نسيها واذا كان ناسيا لها فلا شهادة عنده فلا نكذبه مع امكان صدقه، ولا يشبه هذا ما اذا قال لا بينة لى ثم أتى ببينة حيث لا تسمع - على ما مر - فان ذلك اقرار منه على نفسه بعدم البينة والانسان يؤاخذ باقراره، وقول الشاهد لا شهادة عندى ليس باقرار فان الشهادة ليست له انما هى حق عليه فيكون منكرا لها فاذا اعترف بها كان اقرار بعد الانكار وهو مسموع بخلاف الانكار بعد الانكار، ولأن الناسى للشهادة لا شهادة له عنده فهو صادق فى انكاره فاذا ذكرها صارت عنده فلا تنافى بين القولين وصار هذا كمن أنكر أن يكون عنده شهادة قبل ان يستشهد ثم استشهد بعد ذلك فصارت عنده بخلاف من انكر ان له بينة فانه لا يخرج عن ان يكون له بينة بنسيانها
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن كل من ادعى على أحد وأنكر المدعى عليه فكلف المدعى البينة فقال: لى بينة غائبة أو قال لا أعرف لنفسى بينة، أو قال لا بينة لى، قيل له: ان شئت فدع تحليفه حتى تحضر بينتك أو لعلك تجد بينة وان شئت حلفته وقد سقط حكم بينتك الغائبة جملة فلا يقضى لك بها أبدا، وسقط حكم كل بينة تأتى بها بعد هذا عليه ليس لك الا هذا فقط فاى الامرين أختار قضى له به ولم يلتفت له الى بينة فى تلك الدعوى بعدها الا أن يكون تواتر يوجب صحة العلم، ويقينه أنه حلف كاذبا فيقضى عليه بالحق أو يقر بعد أن حلف فيلزمه ما أقر به
(3)
.
فإن لم يكن للطالب بينه وأبى المطلوب معه اليمين أجبر عليها أحب أم كره بالأدب.
ولا يقضى عليه بنكوله فى شئ من الأشياء أصلا ولا ترد اليمين على الطالب البتة ولا ترد يمين أصلا إلا فى ثلاثة مواضع فقط، وهى القسامة فيمن وجد مقتولا فانه ان لم تكن لأوليائه بينة حلف خمسون منهم واستحقوا القصاص أو الدية.
فان أبوا حلف خمسون من المدعى عليهم
(1)
المرجع السابق ج 12 ص 159، ص 160 نفس الطبعة ..
(2)
المرجع السابق ج 12 ص 157 نفس الطبعة ..
(3)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 9 ص 371، 372 مسئلة رقم 1782، طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ ..
وبرئوا فان نكلوا أجبروا على اليمين أبدا، وهذا مكان يحلف فيه الطالبون فان نكلوا رد على المطلوبين.
والموضع الثانى الوصية فى السفر لا يشهد عليها الا كفار.
وان الشاهدين الكافرين يحلفان مع شهادتهما.
فان نكلا لم يقض بشهادتهما فان قامت بعد ذلك بينة من المسلمين حلف اثنان منهم مع شهادتهما وحكم بها وفسخ ما شهد به الاولان فان نكلا بطلت شهادتهما وبقى الحكم الأول كما حكم به، فهذا مكان يحلف فيه الشهود لا الطالب ولا المطلوب.
والموضع الثالث من قام له بدعواه شاهد واحد عدل أو امرأتان عدلتان فيحلف ويقضى له.
فان نكل حلف المدعى عليه وبرئ.
فان نكل أجبر على اليمين أبدا فهذا مكان يحلف فيه الطالب فان نكل رد على المطلوب
(1)
.
وأداء الشهادة فرض على كل من علمها الا أن يكون عليه حرج فى ذلك لبعد مشقة أو لتضييع مال أو لضعف فى جسمه فليعلنها فقط، قال الله عز وجل:
«ولا يأبى الشهداء اذا ما دعوا» .
فهذا على عمومه اذا دعوا للشهادة أو دعوا لأدائها.
ولا يجوز تخصيص شئ من ذلك بغير نص
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار انه اذا ادعى رجل على غيره شيئا فانه لا يجب عليه اجابة هذه الدعوى باقرار ولا انكار سواء كانت صحيحة أو فاسدة، وأما الحضور فيجب عليه فينصب الحاكم من يدافع عن الخصم الممتنع اذا كان غائبا.
والا يكن غائبا وكان حاضرا ولم يجب بنفس ولا اثبات أو قال لا أقر ولا أنكر حكم عليه الحاكم ولا يلزمه الاجابة.
- والمراد بالغيبة عن مجلس الحكم ولو كان حاضرا فى البلد، لكن يحكم عليه بعد الاعذار ما لم تكن غيبته بريدا فصاعدا فلا يشترط التمرد ولا يحتاج الى الاعذار.
ويحكم الحاكم بعد سماع البينة.
فان لم تكن ثم بينة عرض عليه المدعى اليمين.
فان نكل حكم عليه وان حلف فلا يحكم عليه.
وان سكت حكم عليه عند الهادى عليه السلام والناصر، اذ التمرد كالنكول، وعند أبى طالب يحبس حتى يقرأ وينكل عن اليمين.
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 372، 373 مسئلة رقم 1783 نفس الطبعة ..
(2)
المرجع السابق ج 9 ص 429 مسئلة رقم 1798 نفس الطبعة ..
ولا يوقف خصم لمجئ بينة عليه غائبة الا لمصلحة.
فاذا أدعى رجل على رجل حقا فأنكره المدعى عليه فزعم المدعى ان له بينة غائبة وطلب منع المدعى عليه من السفر حتى يأتى ببينة فان الحاكم لا يجيبه الى توقيف المدعى عليه لأجل ذلك ولا يجب عليه الا اليمين الا ان يرى فى ذلك صلاحا.
فاذا رأى الحاكم مصلحة فى توقيفه حتى تحضر البينة فطلب منه الكفيل بوجهه وجب ذلك فيكفل عشرا فى المال وشهرا فى النكاح
(1)
وإذا لم يكن للمدعى بينة فى المجلس فطلب يمين المنكر عن اليمين فإنه يجب عليه ذلك الحق بالنكول هذا مذهب الهادى والناصر.
وقال المؤيد بالله وابن ابى ليلى انه لا يحكم بالنكول.
واذا حكم بالنكول حكم به سواء نكل مرة أو أكثر إلا فى الحد والنسب فإنه لا يحكم فيهما بالنكول.
قال ابو طالب: واذا سكت المدعى عليه ولم يجب المدعى بشئ او قال لا أقر ولا انكر فانه لا يحكم عليه كما يحكم بالنكول، ولكن مع سكوته يحبس حتى يقر بما ادعى عليه أو ينكر فيطلب منه اليمين وإن نكل حكم عليه ذكر ذلك ابو طالب.
وقال فى الكافى مع البينة مذهبنا والفريقين ان المدعى عليه اذا سكت او قال لا أقر ولا انكر سمع الحاكم بينة المدعى وحكم عليه فان لم يكن للمدعى بينة عرضت اليمين على المدعى عليه وان حلف والا حكم عليه.
قال مولانا عليه السلام: وهو الصحيح للمذهب وقد أشرنا الى ضعف ما حكاه أبو طالب للمذهب بقولنا:
قيل ولو نكل المدعى عليه عن اليمين ثم أجاب الى الحلف اورد اليمين وجب أن يقبل اليمين بعد النكول ولو مردودة لأن النكول ليس بإقرار حقيقة ولا يجب به الحق الا بعد الحكم - وسقط عنه الحق.
واذا أدعى رجل على غيره حقا فأنكر المدعى عليه وحلف ثم أتى المدعى بالبينة فلا حكم لهذه اليمين وقبلت البينة بعدها ولو بشاهد ويمين المدعى، وحكم بها هذا مذهبنا، وهو قول زيد.
وقال الناصر وابن ابى ليلى: لا تقبل البينة بعد اليمين. وانما تقبل اليمين بعد النكول والبينة بعد اليمين ما لم يحكم فى النكول واليمين فأما اذا كان الحاكم قد حكم على الناكل بالحق لأجل نكوله لم تقبل يمينه بعد الحكم أو حكم بسقوط الحق عن المنكر لأجل يمينه لم تسمع بينة المدعى بعد الحكم.
ومتى ردت اليمين على المدعى لزمته فان نكل لم يحكم له بما ادعاه.
قال عليه السلام: ولو طلب انه يحلف بعد أن ردها لم يجب الى ذلك لأن حقه قد بطل
(1)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 131، 132 الطبعة الثانية، طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ ..
بالرد. أو طلب المدعى عليه من المدعى تأكيد بينته بيمين أن شهوده شهدوا بحق فانها تلزم تلك اليمين بشروط أربعة الأولى: ان يطلبها المدعى عليه.
وان كان جاهلا لاستحقاقها فللحاكم أن ينبهه على لزومها.
والثانى: أن تكون بينته غير البينة المحققة وهى أن لا يشهد الشهود على التحقيق بل يشهدوا بالظاهر، فاذا شهدوا على التحقيق لم تلزم هذه اليمين المؤكدة.
وقال أبو العباس: أشار المؤيد بالله فى الزيادات الى أنها تجب سواء شهدوا على التحقيق أم على الظاهر.
الشرط الثالث: أن تكون الدعوى لآدمى فى حقه المحض فيؤكد ببينته باليمين من المدعى، فلو كان مشوبا بحق الله تعالى لم تجب.
وللشرط الرابع أن يكون ذلك حيث أمكنت اليمين لا لو ادعى الولى لصبى أو لمسجد فطلب المنكر من الولى تأكيد البينة باليمين فهى ها هنا لا تمكن فلا تلزم، وكذا لو ردت عليه لم تلزم، فمتى كملت هذه الشروط لزمت اليمين المؤكدة فان امتنع المدعى من اليمين المؤكدة لم يحكم له ولا يبطل دعواه.
فان رجع بعد النكول قبل ما لم يتقدم ما يكذبها محضا.
قال فى الشرح وانما وجبت المؤكدة اذا طلبها المدعى عليه لأنه كان ادعى على المدعى انه يعلم بطلان دعواه فكان له تحليفه ما هى باطلة.
وقال فى الانتصار لا يحلف المدعى مع شهوده لأن ذلك حط من البينة ولأنه مختلف فيها لتأديتها الى بطلان.
- وقال فى الكافى لا يجمع بين - البينة واليمين وذلك ظلم عند السادة والفقهاء الا عند الهادى
(1)
.
ويجب على متحمل الشهادة الأداء اذا طلب ذلك من له طلبه لكل أحد حتى يصل صاحبها الى حقه فى القطعى مطلقا.
واما اذا كانت الشهادة فى الحق الظنى لم يجب على الشاهد اداء الشهادة الا الى حاكم محق فقط وان بعد على الشاهد المسير الى الحاكم لاداء الشهادة لم يمنع ذلك وجوب اداء الشهادة الا لشرط منه عند التحمل أن يشهد فى بلده ولا يخرج لها الى غيره صح هذا الشرط ولم يلزم الخروج الا لخشية فوت الحق فيجب الخروج.
ولو كان قد شرط أن لا يخرج ذكره السيد يحيى بن الحسين رحمه الله تعالى وقال يحيى ابن حمزة رحمه الله تعالى فيه نظر، قال مولانا عليه السلام: لا وجه للتنظير بل اذا خشى الفوت وجب الخروج لاداء الشهادة.
وان لم يتحمل الشهادة من باب الأمر بالمعروف الا لخوف من الشاهد على نفسه أو ماله فانه لا يجب عليه أداء الشهادة.
وان خشى فوت الحق وأعلم انه تطيب
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 145، وما بعدها الى ص 148 نفس الطبعة ..
للشاهد أخذ الاجرة على الخروج الى الحاكم لاداء الشهادة اذا كانت المسافة مما يحتمل مثلها الاجرة، وسواء خشى الفوت للحق أم لم يخش فانه يجوز له طلبها مع الخشية وعدمها وسواء شرط أن لا يخرج أم لم يشرط وسواء كان فوق البريد أم دونه، وانما حلت الأجرة هنا لأن الواجب انما هو الشهادة لا قطع المسافة، لكن لما لم يتم الواجب الا بقطعها وجبت وطابت الاجرة لما لم يكن على ما هو واجب فى نفسه وانما وجب تبعا لوجوب غيره، والاجرة انما تحرم اذا كان فى مقابلة ما هو واجب فى نفسه من ابتداء الامر كالصلاة والصوم والحج ونحو ذلك
(1)
.
ومن شهد عند حاكم عادل ثم رجع عنده أو عند مثله فى الحكم والعدالة بطلت تلك الشهادة اذا وقع الرجوع عنها قبل الحكم بها مطلقا سواء كانت فى الحقوق أم فى الحدود.
فان لم يكونوا شهدوا عند حاكم عادل أو لم يرجعوا عند حاكم عادل لم يصح رجوعهم فلا تصح دعوى كونهم قد رجعوا.
ولو حكم الحاكم بشهادة ثم رجع الشهود بعد الحكم بطلت شهادتهم ايضا اذا رجعوا فى الحد والقصاص قبل التنفيذ.
فاذا رجعوا قبل تنفيذهما لم يجز للحاكم تنفيذها بعد رجوعهم وان لم يكن الرجوع عن الشهادة بعد الحكم بالحد والقصاص بل فى غيرهما أو وقع بعد التنفيذ فلا يبطل ما قد حكم به اما العتق والوقف فلا خلاف انهما لا يبطلان برجوع الشهود بعد الحكم بهما، وأما غيرهما من الأموال والحقوق فالمذهب وعليه جمهور العلماء من الحنفية والشافعية وغيرهم انه لا ينقض الحكم برجوعهم.
وظاهر كلام الهادى عليه السلام فى المنتخب انه ينقض.
قال الامام يحيى عليه السلام: ولا خلاف فى أن المشهود له اذا صدقهم فى الرجوع نقض الحكم فيغرمون لمن غرمته الشهادة أو نقصته أو أقرت عليه ما كان معرضا للسقوط
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية انه اذا ادعى دعوى مسموعة طولب المدعى عليه بالجواب، وجواب المدعى عليه اما اقرار بالحق المدعى به أجمع أو انكار له أجمع او مركب منهما فيلزمه حكمهما أو سكوت. فالاقرار يمضى على المقر مع كمال المقر على وجه يسمع اقراره بالبلوغ والعقل مطلقا ورفع الحجر فيما يمتنع نفوذه به.
فان التمس المدعى حينئذ الحكم حكم عليه فيقول الزمتك ذلك او قضيت عليك به.
ولو التمس المدعى من الحاكم كتابة اقراره كتب وأشهد مع معرفته أو شهادة عدلين بمعرفته أو اقتناعه بحليته لا بمجرد اقراره.
(1)
شرح الازهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4، ص 187 وما بعدها الى ص 190 الطبعة السابقة ..
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 219 وما بعدها الى ص 221 نفس الطبعة ..
وان صادقه المدعى حذرا من تواطؤهما على نسب لغيرهما ليلزما ذا النسب بما لا يستحق عليه.
فان ادعى الاعسار وهو عجزه عن أداء الحق لعدم ملكه لما زاد عن داره وثيابه اللائقة بحاله ودابته وخادمه كذلك وقوت يوم وليلة له ولعياله الواجبى النفقة - ويثبت صدقه فى دعوى الاعسار ببينة مطلقة على باطن امره مراقبة له فى خلواته واجدة صبره على ما لا يصبر عليه واجد المال عادة حتى ظهر لها قرائن الفقر ومخايل الاضافة مع شهادتها على نفى ذلك بما يتضمن الاثبات لا على نفى الصرف او بتصديق خصمه له على الاعسار أو كان أصل الدعوى بغير مال بل جناية أوجبت مالا واتلافا فانه حينئذ يقبل قوله فيه لأصالة عدم المال بخلاف ما اذا كان أصل الدعوى مالا فان اصالة بقائه تمنع من قبول قوله، وانما يثبت اعساره بأحد الأمرين البينة أو تصديق الغريم.
ولو شهدت البينة بالاعسار فى القسم الثانى فأولى بعدم اليمين، وعلى تقدير كون الدعوى ليست مالا وحلف على الاعسار ترك الى أن يقدر ولا يكلف التكسب فى المشهور وان وجب عليه السعى على وفاء الدين. والا يتفق ذلك بأن لم يقم بينة ولا صادقه الغريم مطلقا ولا حلف حيث لا يكون أصل الدعوى مالا حبس وبحث عن باطن امره حتى يعلم حاله.
فان علم له مال أمر بالوفاء.
فان امتنع باشره القاضى ولو ببيع ماله ان كان مخالفا للحق.
وان علم عدم المال أو لم يف الموجود بوفاء الجميع أطلق بعد صرف الموجود. هذا اذا أقر أو سكت أما اذا انكر فان كان الحاكم عالما بالحق قضى بعلمه مطلقا على أصح القولين ولا فرق بين علمه به فى حال ولايته ومكانها وغيرهما وليس له حينئذ طلب البينة من المدعى مع فقدها قطعا ولا مع وجودها على الاقوى وان قصد رفع التهمة الا مع رضاء المدعى.
وان لم يعلم الحاكم بالحق طلب البينة من المدعى ان لم يكن عالما بأنه موضع المطالبة بها والا جاز للحاكم السكوت.
فان قال لا بينة لى عرفه ان له احلافه، فان طلب احلافه حلفه الحاكم، ولا يتبرع الحاكم باحلافه لأنه حق للمدعى فلا يستوفى بدون مطالبته وان كان ايقاعه الى الحاكم.
فلو تبرع المنكر به او استحلفه الحاكم من دون التماس المدعى لغى وكذا لا يستقل به الغريم من دون اذن الحاكم لما قلناه من ان ايقاعه موقوف على اذنه وان كان حقا لغيره لأنه وظيفته.
فان حلف المنكر على الوجه المعتبر سقطت الدعوى عنه وان بقى الحق فى ذمته وحرم مقاصته به لو ظفر له المدعى بمال وان كان مماثلا لحقه الا أن يكذب المنكر نفسه بعد ذلك وكذا لا تسمع البينة من المدعى بعد حلف
المنكر على أصح الاقوال، لصحيحة ابن ابى يعفور عن الصادق عليه السلام اذا رضى صاحب الحق بيمين المنكر بحقه فاستحلفه فحلف ان لا حق له قبله.
وان أقام بعد ما استحلفه خمسين قسامة فان اليمين قد أبطلت كل ما ادعاه.
وقيل تسمع بينته مطلقا.
وقيل مع عدم علمه بالبينة وقت تحليفه ولو بنسيانها والأخبار حجة عليهما.
وان لم يحلف المدعى عليه ورد اليمين على المدعى حلف المدعى ان كان دعواه قطعية والا لم يتوجه الرد عليه، وكذا لو كان المدعى وليا او وصيا فانه لا يمين عليه وان علم بالحال، بل يلزم المنكر بالحلف.
فان أبى حبس الى أن يحلف أو يقضى بنكوله.
فان امتنع المدعى من الحلف حيث يتوجه عليه سقطت دعواه فى هذا المجلس قطعا، وفى غيره على قول مشهور الا أن يأتى ببينة
ولو استمهل امهل بخلاف المنكر.
ولو طلب المدعى احضار المال قبل حلفه ففى اجابته قولان:
أجودهما العدم.
ومتى حلف المدعى ثبت حقه لكن هل يكون حلفه كاقرار الغريم أو كالبينة قولان.
أجودهما الأول.
وان نكل المنكر عن اليمين وعن ردها على المدعى بأن قال انا ناكل او قال لا أحلف عقيب قول الحاكم له أحلف أولا أرد ردت اليمين أيضا على المدعى بعد أن يقول الحاكم للمنكر: ان حلفت والا جعلتك ناكلا ورددت اليمين مرة ويستحب ثلاثا فان حلف المدعى ثبت حقه.
وان نكل فكما مر.
وقال الشيخان والصدوقان وجماعة يقضى على المنكر بالحق بنكوله بصحيحة محمد بن مسلم عن الصادق عليه السلام أنه حكى عن أمير المؤمنين على أنه ألزم أخرس بدين ادعى عليه فانكر ونكل عن اليمين فالزمه بالدين بامتناعه عن اليمين والأول أقرب لأن النكول أعم من ثبوت الحق لجواز تركه اجلالا ولا دلالة للعام على الخاص ولما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه رد اليمين على صاحب الحق وللأخبار الدالة على رد اليمين على المدعى من غير تفصيل ولأن الحكم مبنى على الاحتياط التام ولا يحصل الا باليمين وفى هذه الأدلة نظر بين.
وان قال المدعى مع انكار غريمه لى بينة عرفه الحاكم أن له احضارها وليقل أحضرها ان شئت ان لم يعلم ذلك فان ذكر غيبتها خيره بين احلاف الغريم والصبر وكذا يتخير بين احلافه واقامة البينة.
وان كانت حاضرة وليس له طلب احلافه ثم اقامة البينة فان طلب احلافه ففيه مامر.
وان طلب احضارها امهله الى أن يحضر وليس له الزامه بكفيل للغريم ولا ملازمته
لأنه تعجيل عقوبة لم يثبت موجبها وقيل له ذلك.
وان أحضرها وعرف الحاكم العدالة فيها حكم بشهادتها بعد التماس المدعى سؤالها والحكم، ثم لا يقول لهما اشهدا بل من كان عنده كلام أو شهادة ذكر ما عنده ان شاء.
فان اجابا بما لا يثبت به حق طرح قولهما.
وان قطعا بالحق وطابق الدعوى وعرف العدالة حكم كما ذكرنا.
وان عرف الفسق ترك ولا يطلب التزكية لأن الجارح مقدم وان جهل حالها طلب من المدعى تزكيتها فان زكاها بشاهدين على كل من الشاهدين يعرفان العدالة
…
ومزيلها أثبتها، ثم سأل الخصم عن الجرح فان اعترف بعدمه حكم كما مر.
وان استنظره امهله ثلاثة أيام فان احضر الجارح نظر فى امره على حسب ما يراه من تفصيل واجمال وغيرها، فان قبله قدمه على التزكية لعدم المنافاة، فان لم يأت بالجارح مطلقا أو بعد المدة حكم عليه بعد التماس المدعى الحكم وان ارتاب الحاكم بالشهود مطلقا فرقهم استحبابا وسألهم عن مشخصات القضية زمانا ومكانا وغيرهما من المميزات.
فان اختلفت أقوالهم سقطت شهادتهم.
ويستحب له عند الريبة وعظهم وامرهم بالتثبت والأخذ بالجزم.
ويكره له أن يدخل على الشهود العنت والمشقة اذا كانوا من أهل البصيرة بالتفريق وغيره من التحزيز.
ويحرم عليه أن يتعتع الشاهد وذلك بأن يداخله فى الشهادة فيدخل معه كلمات توقعه فى التردد أو الغلط بأن يقول الشاهد انه اشترى كذا فيقول الحاكم بمائة أو فى المكان الفلانى أو يريد أن يتلفظ بشئ ينفعه فيداخله بغيره ليمنعه من اتمامه ونحو ذلك أو يتعقبه بكلام ليجعله تمام ما يشهد به بحيث لولاه لتردد أو أتى بغيره، بل يكف عنه حتى ينته ما عنده وان لم يفد او تردد، ثم يترتب عليه بما يلزم أو يرغبه فى الاقامة اذا وجده مترددا، أو يزهده لو توقف.
ولا يقف عزم الغريم عن الاقرار الا فى حق الله تعالى فيستحب أن يعرض المقر بحد الله تعالى بالكف عنه والتأويل لقضية ما عز ابن مالك عن النبى صلى الله عليه وسلم حين أقر عنده بالزنا فى أربعة مواضع والنبى صلى الله عليه وسلم يردده ويوقف عزمه تعريضا لرجوعه ويقول له: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال لا، قال أفنكتها لا تكنى، قال نعم، قال حتى غاب ذلك منك فى ذلك منها؟ قال نعم، قال كما يغيب المرود فى المكحلة والرشا فى البئر؟ قال نعم، قال:
قال هل تدرى ما الزنا؟ قال نعم أتيت منها حراما ما يأتى الرجل من امرأته حلالا فعند ذلك أمر برجمه، وكما يستحب تعريضه للانكار يكره لمن علمه منه غير الحاكم حثه على الاقرار، لأن هزالا قال لما عز بادر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن ينزل فيك قرآن فقال له النبى صلى الله عليه وسلم لما علم به ألا سترته بثوبك كان خيرا لك.
وأما سكوت المدعى عليه فان كان لآفة من طرش أو خرس توصل الحاكم الى معرفة الجواب بالاشارة المفيدة لليقين ولو بمترجمين عدلين.
وان كان السكوت عنادا حبس حتى يجيب على قول الشيخ فى النهاية لأن الجواب حق واجب عليه.
فاذا امتنع منه حبس حتى يؤديه أو يحكم عليه بالنكول بعد عرض الجواب عليه بأن يقول له أن أجبت والا جعلتك ناكلا.
فان أصر حكم بنكوله على قول من يقضى بمجرد النكول.
ولو اشترطنا معه احلاف المدعى أحلف بعده
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: قال أبو محمد خصيب رحمه الله تعالى: وأعلى رتبة فى الاسلام قطع شكوى المظلوم بالانصاف له من ظالمه بالحكم او بالردع والزجر أو بالأمر والنهى أو غير ذلك، أى يقطع ذلك فى الدنيا عن الاشتكاء الى الله فيها أو فى الآخرة أو فيهما سواء قطعها تحقيقا عند الله أو عكس بحيث يعذر لأنه يحكم بالظاهر فاذا حكم بالظاهر فله أجر من وافق الحق عند الله ولو لم يوافق الحق عنده بحيث يعذر لأن نيته انفاذ الحق، والحكم انما يجرى على الظاهر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«انما أنا بشر مثلكم تختصمون الى فاحكم بينكم ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضى له على نحو ما أسمع فمن قضيت له بشئ من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فانما أقطع له قطعة من النار» .
وكان شريح يقول للخصم انى والله لا أفضى لك وانى لأظنك ظالما ولا أقضى بالظن وانما أقضى ببينتك وان قضائى لا يحل لك حراما، الحق أحق من قضائى. وزاد فى آخرها: فليحملها أو يذرها مستدلا بقول الله عز وجل.
«وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ»
(2)
فليس حكم القاضى يحل حراما ولا يحرم حلالا فى الأموال والابدان اجماعا وفى غيرها أيضا خلافا لأبى حنيفة رحمه الله تعالى فى عقد النكاح وحله.
وفى الحديث والآية دلالة على أنه ان أقيمت البينة بعد اليمين سمعت البينة وبطل الحكم الأول الذى هو تحليف المنكر وتبريئه.
وفى الديوان: اذا أراد الحاكم أن يحكم بين الخصمين فليقل: يا أيها الناس ان من قضيت له بقضاء وهو يعلم انه ليس بحق أو استحقه بخصومة أو جدال فانما أقطع له قطعة من النار فلا أعلم الغيب».
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العالمى ج 1 ص 241 وما بعدها الى ص 245، طبع بمطابع دار الكتاب العربى بمصر.
(2)
الآية رقم 188 من سورة البقرة ..
«وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ»
(1)
.
وانما أقضى بشهادة هؤلاء الشهود لم أزد حرفا ولم أنقصه وقد جازت عندى شهادتهم
(2)
.
ولا يحكم الحاكم ليلا الا بعذر كسفر مثل أن يكون أحد الخصمين أو كلاهما على السفر ليلا أو فى صبح الليل سواء كانا مقيمين وأرادا سفرا أو كانا فى البلد مسافرين وأراد الخروج وكذا أحدهما أو اختلفا فى ذلك أو كانا أو أحدهما على الاصباح فى البلد وما بعد الاصباح ولو الى نصف النهار لكن فى شغل متبين العذر لا يحضر عقله معه فى الخصام فانه يحكم بينهما ليلا سواء علما السفر صبحا أو ظنا أو شكا، أو بعذر كتحمل حمالة الاداء أو الوجه فان الحاكم ينسب بينهما الحكم فى شأن أن يعطى غريمه ضمين الوجه أو المال اذا استحقه بحكم الشرع مثل أن يكون على سفر أو خيف منه سفر أو هروب.
وفى التاج: وقيل لا يجوز له أن يحكم فى الليل.
وفى بعض الآثار: ولا يجلس للقضاء بين المغرب والعشاء ولا بالاسحار الا لأمر يحدث فى تلك الاوقات فلا بأس أن يأمر فيها وينهى ويسجن ويرسل الشرطى.
أما الحكم فلا، وكذلك الجلوس فى أيام العيد وعند خروج الحاج وما أشبه ذلك من الأوقات التى فيها على الناس تضييق.
وظاهر هذا الأثر انه ان شاء حكم بين صلاة العشاء وبين السحر وان قضى ليلا بين المغرب والعشاء أو بعد العشاء الى الفجر مضى قضاؤه وانفذ سواء لعذر سفر أو نحوه أو بلا عذر ان كان الى ضوء سراج أو شمعة أو نحوها، لا القمر وان لم ينكره أحدهما وامضياه بلا نار أو اقرا به نهارا مضى عليهما
(3)
.
واذا تمت دعوى المدعى عند الحاكم فرد المدعى عليه الجواب وأتى المدعى بالبينة أو أقر المدعى عليه بما ادعى عليه المدعى فلا يؤخر الحاكم الحكم عليه ساعة».
وان أخره بلا عذر هلك، وان قال له المدعى لا تحكم لى شيئا فلا يحكم له وهو فى سعة من ذلك، وكذلك من ترك حقه للمدعى عليه أو اعطاه له أو لغيره من الناس أو قال له أخر له الحكم الى وقت كذا وكذا فله ذلك.
وأما قول المدعى عليه أو غيره من الناس فلا يشتغل به الا أن تشابه عليه الامر فله أن يؤخره حتى يتبين له.
وان كانت المسألة عنده لكنه أراد أن يؤخر الحكم ليعلم المأخوذ به ويعلم ما يحكم عليه بين الخليفة وبين من استخلفه او خاف ما يدخل عليه فى المسألة، أو أراد أن يحضر
(1)
الآية رقم 227 من سورة الشعراء ..
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 563، 564 طبع البارونى بمصر.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 563 نفس الطبعة.
الشهود للحكومة ليقوى حكمه فجائز له أن يفعل ويؤخر الحكم أيضا حتى يرسل الى من يفتى له من أهل العلم.
وان مات المدعى أو تجنن أو هرب أو تبين له أنه طفل أو عبد غير مأذون له فى التجارة أو تبين أن الذى يختصمان عليه حرام أو لقطة أو ضالة أو مات المدعى عليه أو تجنن أو تبين له أنه ممن لا يجوز عليه الحكم فلا يحكم فى هذه الوجوه كلها.
وان هرب المدعى عليه حين وجب عليه الحكم فانه يحكم عليه ولا يشتغل بهروبه
(1)
.
ولا تجوز الحكومة لغائب ولا على غائب اذا لم تكن له الخليفة على ذلك فان كانت له الخليفة فانه يحكم له ويحكم عليه، ولا يقر الحاكم للبينة أو يسمعها الا بمحضر المشهود عليه وقيل الا ببينة الوكالة والنسب فيجوز فيها ذلك بلا محضر منه،
وقيل يجوز فى الوكالة فقط، فاذا كان الخصم حاضرا فى بلد القاضى أرسل اليه أحد خدامه ليرفعه لمجلس الحكم ان أبى وان كان على يسير الاميال كفى فيه الكتب وان بعد أو كان الخوف أمر من يلى أمر بلد هو فيه أن يصلح بينهما أو يعزم على المطلوب فى الوصول الى محل الحكم وذلك كله مع مخائل صدق المدعى لعله يريد تعنت المطلوب وقيل يرسل اليه اذا كان فى البلد مطلقا الا أن تبين كذبه واجرة الرسول عندنا من بيت المال وقال قومنا من مال من له الحق.
واذا عصى الأمر فعندنا يضرب أو يسجن.
وقال قومنا كذلك وزادوا أن يطبع عليه ما يهمه فلا ينتفع به ولا يترك اليه حتى يرجع الى الحق.
واستدل بعضهم على الحكم على الغائب باباحة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة أن تأخذ من مال زوجها ما يكفيها وعيالها.
ويجاب على ذلك بأنه افتاء على الاطمئنان او بغير ذلك.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لعلى رضى الله تعالى عنه: اذا حضر الخصمان فلا تقضى لاحدهما حتى تسمع حجة خصمه.
وفى رواية لا تقضى لاحدهما حتى تسمع حجة الآخر ولهذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: لا تسمع حجة على غائب، ولا يجوز عليه حكم وكان فيما قبل يحكم للمرأة على زوجها وهو غائب.
وقال أصحابنا رحمهم الله تعالى: يجوز الاستماع على الغائب عن نصره والممتنع عن الحكم والحضور الى مجلس الحاكم وانفاذ الحكم عليه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «البينة على المدعى» ففى جعلها على المدعى دلالة على أنه اذا أحضرها حكم بها
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 579، 580 نفس الطبعة.
وبحديث هند بنت عتبة، كذا قال أبو اسحق الحضرمى رحمه الله تعالى وهو صحيح لأن امتناع الخصم كحضوره، لكن الذى عندى انه يجبر على الحضور ورد الجواب.
قال واما الحدود فلا يحكم بها على غائب باتفاق الأمة.
وقال ابن محبوب رحمه الله تعالى اذا تولى عن المجلس أو تماجن فى السجن استمع عليه الحجة وحكم عليه.
وان استخلف أحد الخصمين على خصومته رجلا فيما أن رأى الحاكم أراد أن يحكم على خليفته نزعه من الخلافة فانه قد زال من الخلافة ويحكم الحاكم على المدعى عليه بما تبين عنده من ذلك.
فان أفاق المجنون أو بلغ الطفل حين أراد أن يحكم على خليفته أو حين أراد أن يحكم لخليفته فانه يحكم لصاحب الحق ويحكم على من كان عليه الحق منهما حين صحت عقولهما.
وان نزع الأب خليفة ابنه الطفل على الخصومة أو المجنون أو نزعت العشيرة خليفتهما على الخصومة أو نزع هؤلاء أنفسهم من الخلافة حين أراد الحاكم أن يحكم هو عليهم أو حين أراد ان يحكم لهم فلا يحكم بعد ذلك حتى يستخلفوا لهما
(1)
.
وانما يحكم الحاكم فى الأصل ما علمه حاضرا أو غائبا وان لم يعلمه فمتى يعلمه امناؤه فانه يحكم بهم أيضا.
وان لم يعلمه هو ولا أمناؤه فلا يحكم حتى يرسل اليه الامناء مع شهود المدعى فاذا وصل اليه امناؤه وعلموه بقول الخصمين أو شهادة الشهود ورجعوا الى الحاكم فأعلموه بذلك فليحكم الحاكم بذلك وكذلك نزوع المضرة واثباتها لا يحكمها الا أن علمها أو علمها امناؤه.
وأما غير الأصل من الأمتعة والحيوان فلا يحكم به حتى يحضر وان كان كثيرا أحضر بعضه.
وكل مضمون من الدين أو غيره فانه يحكم ولو لم يحضر.
وما لم يحضر فليحكمه بالصفة
(2)
.
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 580، وما بعدها الى ص 582 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 6 ص 582 نفس الطبعة.
اعذار المرتد
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع انه يستحب أن يستتاب المرتد ويعرض عليه الاسلام لاحتمال أن يسلم، لكن لا يجب لأن الدعوة قد بلغته.
فان أسلم فمرحبا وأهلا بالاسلام.
وان أبى نظر الامام فى ذلك.
فان طمع فى توبته أو سأل هو التأجيل أجله ثلاثة أيام.
وان لم يطمع فى توبته ولم يسأل هو التأجيل قتله من ساعته.
والأصل فى ذلك ما روى عن سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه أنه قدم عليه رجل من جيش المسلمين فقال هل عندكم من مغرية خبر قال نعم رجل كفر بالله تعالى بعد اسلامه، فقال سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه ماذا فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه، فقال سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه: هلا طينتم عليه بيتا ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستبتموه لعله يتوب ويرجع الى الله سبحانه وتعالى اللهم انى لم أحضر ولم آمر ولم أرض اذ بلغنى، وهكذا روى عن سيدنا على كرم الله تعالى وجهه انه قال: يستتاب المرتد ثلاثا وتلى هذه الآية:
«إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا»
(1)
. فقد أثبت الله سبحانه وتعالى الايمان بعد وجود الردة منه، والايمان بعد وجود الردة لا يحتمل الرد الا انه اذا تاب فى المرة الرابعة يضربه الامام ويخلى سبيله.
وروى عن ابى حنيفة رضى الله تعالى عنه أنه اذا تاب فى المرة الثالثة حبسه الامام ولم يخرجه من السجن حتى يرى عليه أثر الخشوع التوبة والاخلاص.
وأما المرأة فلا يباح دمها اذا ارتدت ولا تقتل عندنا ولكنها تجبر على الاسلام، واجبارها على الاسلام أن تحبس وتخرج فى كل يوم فتستتاب ويعرض عليها الاسلام، فان أسلمت والا حبست ثانيا، وهكذا الى أن تسلم أن تموت، ذكره الكرخى رحمه الله تعالى وزاد عليه تضرب أسواطا فى كل مرة تعزيرا لها على ما فعلت، وذلك لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال لا تقتلوا امرأة ولا وليدا. ولأن القتل انما شرع وسيلة الى الاسلام بالدعوة اليه بأعلى الطريقين عند وقوع اليأس عن اجابتها بأدناهما وهو دعوة اللسان بالاستتابة باظهار
(1)
الآية رقم 137 من سورة النساء.
محاسن الاسلام، والنساء اتباع الرجال فى اجابة مذه الدعوة فى العادة فانهم فى العادات الجارية يسلمن باسلام أزواجهن على ما روى أن رجلا أسلم وكانت تحته خمس نسوة فأسلمن معه، واذا كان كذلك فلا يقع شرع القتل فى حقها وسيلة الى الاسلام فلا يفيد، فلهذا لم تقتل الحربية، بخلاف الوجل فان الرجل لا يتبع رأى غيره خصوصا فى أمر الدين بل يتبع رأى نفسه فكان رجاء الاسلام منه ثابتا فكان شرع القتل مفيدا فهو الفرق.
وأما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول «من بدل دينه فاقتلوه» فمحمول على الذكور عملا بالدلائل صيانة لها عن التناقض. وكذلك الأمة اذا ارتدت لا تقتل عندنا وتجبر على الاسلام، ولكن يجبرها مولاها ان احتاج الى خدمتها ويحبسها فى بيته لأن ملك المولى فيها بعد الردة قائم، وهى مجبورة على الاسلام شرعا، فكان الرفع الى المولى رعاية للحقين، وكذلك الصبى العاقل لا يقتل وان صحت ردته عند ابى حنيفة ومحمد رضى الله تعالى عنهما لأن قتل البالغ بعد الاستتابة والدعوة الى الاسلام باللسان واظهار حججه وايضاح دلائله لظهور العناد ووقوع اليأس عن فلاحه وهذا لا يتحقق من الصبى فكان الاسلام منه مرجوا والرجوع الى الدين الحق منه مأمولا فلا يقتل ولكن يجبر على الاسلام بالحبس لأن الحبس يكفيه وسيلة الى الاسلام، وعلى هذا صبى أبواه مسلمان حتى حكم باسلامه تبعا لأبويه فبلغ كافرا ولم يسمع منه اقرار باللسان بعد البلوغ لا يقتل لانعدام الردة منه، اذ هى اسم التكذيب بعد سابقة التصديق ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ أصلا لانعدام دليله وهو الاقرار، حتى لو أقر بالاسلام ثم ارتد بقتل لوجود الردة منه بوجود دليلها وهو الاقرار فلم يكن الموجود منه ردة حقيقية فلا يقتل ولكنه يحبس لأنه كان له حكم الاسلام قبل البلوغ ألا ترى انه حكم باسلامه بطريق التبعية والحكم فى اكسابه كالحكم فى اكساب المرتد لانه مرتد حكما
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل أن المسلم اذا ارتد استتيب ثلاثة بلا رجوع ومعاقبة.
فان تاب والا قتل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من غير دينه فاقتلوه» .
قال مالك رحمه الله تعالى: وذلك فيمن حرج من الاسلام الى غيره لا من خرج من ملة سواه الى غيرها.
وجاء عن عمر رضى الله تعالى عنه وعن غيره استتابة المرتد ثلاثا لقول الله عز وجل:
«قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما}
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 134، 135 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.
{قَدْ سَلَفَ»
(1)
.
وسئل مالك عن قول عمر رضى الله تعالى عنه: «ألا حبستموه ثلاثا واطعمتموه فى كل يوم رغيفا» فقال: لا بأس فى ذلك وليس بالمجمع عليه
(2)
.
وجاء فى مواهب الجليل أن ظاهر كلام خليل ان تأخير المرتد ثلاثة أيام واجب، هكذا قال فى التوضيح انه ظاهر المذهب.
وقال ابن العربى فى أول كتاب التوسط فى أصول الدين ألا ترى أن المرتد استحب العلماء له الامهال لعله انما ارتد لريب فيتربص به مدة لعله أن يراجع الشك باليقين والجهل بالعلم، ولا يجب ذلك لحصول العلم بالنظر الصحيح أولا.
وقال القاضى عبد الوهاب رحمه الله تعالى فى شرح الرسالة: وعرض التوبة واجب على الظاهر من المذهب الا فله ان قتله قاتل قبل استتابته فبئس ما صنع ولا يكون فيه قود ولا دية
(3)
.
وفى عيون المجالس للقاضى عبد الوهاب، انه اذا ارتد ثم تاب ثم ارتد ثم تاب لم بعزر فى المرة الاولى.
ويجوز أن يعزر فى المرة الثانية والثالثة والرابعة اذا رجع الى الاسلام، ولست أعرفه منصوصا ولكن يجوز عندى، والفرق بين الأولى وغيرها انه فى الأولى يجوز أن يكون حصلت له شبهة فارتد ثم رجع بسبب زوالها فاذا عاود الردة بعد زوال الشبهة ثم تاب ضربه لأنه لم يبق له شبهة ولا يزاد على التعزير ولا يحبس ولا يقتل
(4)
.
وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن ابن عرفه رحمه الله تعالى ان الزنديق - وهو من يظهر الاسلام ويسر الكفر - ان ثبتت زندقته باقراره ففى قبول توبته طريقان الاولى قبولها اتفاقا.
قال ابن الحاجب رحمه الله تعالى:
«لا يقتل الزنديق اذا جاء تائبا على الاصح بخلاف من ظهر عليه قتل لأنه اذا ظهر عليه لم يخرج ما أبداه عن عادته ومذهبه فان التقية عند الخوف عين الزندقة» ، قال: ويقتل ولا يستتاب ويكون ميراثه لورثته المسلمين، وكذلك من عبد شمسا أو قمرا أو حجرا أو غير ذلك مستسرا به مظهرا للاسلام عليهم وهم يقرون بالاسلام وهم بمنزلة المنافقين على عهد النبى صلى الله عليه وسلم.
وقبل عذر من أسلم وقال اسلمت عن ضيق ان ظهر عذره بقرينته.
(1)
الآية رقم 38 من سورة الأنفال.
(2)
التاج والأكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى والشهير بالمداق ج 6 ص 281 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الرحمن المعروف بالحطاب، الطبعة الأولى،: طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد الحطاب فى كتاب على هامشه التاج والأكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 6 ص 281 الطبعة الأولى، طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هغ.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 282 نفس الطبعة.
فقد روى ابن القاسم رحمه الله تعالى فى نصرانى أسلم ثم ارتد عن قرب وقال: أسلمت من ضيق ضيق على.
فان علم انه من ضيق حال أو خوف أو شبهه عذر، وقاله ابن القاسم وابن وهب رحمهما الله تعالى اذا كان عن ضيق أو عذاب أو غرم أو خوف.
قال اصبع رحمه الله تعالى اذا صح ذلك وكان زمان يشبه ذلك فى جوره
(1)
.
وان سبه نبيا أو ملكا أو عرض به أو عابه أو لعنه أو قذفه أو استخف بحقه أو غير صفته أو الحق به نقصا وان فى بدنه أو خصلته أو غض من رتبته أو وفور علمه أو زهده أو أضاف اليه مالا يجوز عليه أو نسب - اليه ما لا يليق بمنصبه على طريق الذم أو قيل له بحق رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعن وقال أردت العقرب قتل حدا ولم يستتب.
قال عياض رحمه الله تعالى: من أضاف الى النبى صلى الله عليه وسلم الكذبة فيما بلغه أو أخبر به أو سبه، أو استخف به أو بأحد من الأنبياء، أو أزرى عليهم او اذاهم فهو كافر باجماع، وكذلك من يكفر من اعترف بنبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولكن قال مات قبل أن يلتحى أو ليس الذى كان بمكة والحجاز أو ليس الذى كان من قريش لأن وصفه بغير صفته المعلومة نفى له وتكذيب به.
قال عياض: وهذا كله فيمن تحقق كونهم من الملائكة والنبييين كجبريل وملك الموت والزبانية ورضوان ومنكر ونكير.
فأما من لم يثبت بالأخبار ولا وقع الاجماع على كونه من الملائكة أو الأنبياء كهاروت وماروت من الملائكة ولقمان وذى القرنين ومريم وآسية وخالد بن سنان الذى قيل انه نبى أهل الرس فليس الحكم فيهم ما ذكرنا اذ لم يثبت لهم تلك الحرمة لكن يؤدب من تنقصهم.
وأما انكار كونهم من الملائكة او النبيين.
فان كان المتكلم من أهل العلم فلا حرج.
وان كان من عوام الناس زجر عن الخوض فى مثل هذا مما ليس تحته عمل
(2)
.
وقال القرطبى رضى الله تعالى عنه فى شرح مسلم لا خلاف فى وجوب احترام الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وتحريم سبهم.
ولا يختلف فى أن من قال كانوا على كفر وضلال كافر يقتل لأنه انكر معلوما من الشرع فقد كذب الله ورسوله، وكذلك الحكم فيمن كفر احد الخلفاء الأربعة أو ضللهم، وهل حكمه حكم المرتد فيستتاب أو حكم الزنديق
(1)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للموان ج 6 ص 282 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل ج 6 ص 285 فى كتاب على هامش مواهب الجليل الطبعة السابقة.
فلا يستتاب ويقتل، على كل حال هذا مما يختلف فيه
(1)
.
قال عياض والذمى اذا صرح بسب النبى صلى الله عليه وسلم أو عرض به أو استخف بقدره أو وصفه بغير الوجه الذى كفر به فلا خلاف عندنا فى قتله ان لم يسلم لأن الاسلام يجب ما قبله.
وعن ابن يونس رحمه الله تعالى ان من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عابه ان كان مسلما قتل.
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى وان كان نصرانيا قتل صاغرا الا أن يسلم وليس يقال له اسلم ولكن يقتل الا أن يسلم طائعا، وكذلك قال مالك رحمه الله تعالى
(2)
.
وجاء فى بلغة المسالك أنه لا يعذر الساب لنبى مجمع عليه بجهل لأنه لا يعذر أحد فى الكفر بالجهل.
ولا يعذر له بسكر حرام أو تهور أو غيظ
(3)
.
فلا يعذر اذا سب حال الغيظ بل يقتل
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج انه تجب استتابة المرتد والمرتدة قبل قتلهما لانهما كانا محترمين بالاسلام فربما عرضت لهما شبهة فيسعى فى ازالتها لأن الغالب ان الردة تكون عن شبهة عرضت وثبتت وجوب الاستتابة عن عمر رضى الله تعالى عنه، وروى الدارقطنى عن جابر رضى الله تعالى عنه ان امرأة يقال لها أم رومان ارتدت فأمر النبى صلى الله عليه وسلم أن يعرض عليها الاسلام.
فان تابت والا قتلت ولا يعارض هذا النهى عن قتل النساء الذى استدل به ابو حنيفة رحمه الله تعالى لأن ذلك محمول على الحربيات وهذا على المرتدات.
وفى قول تستحب استتابته كالكافر الأصلى.
فان قيل يدل لذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستتب العرنيين اجيب بأنهم حاربوا والمرتد اذا حارب لا يستتاب.
والاستتابة على القولين معا فى الحال فى الأظهر.
فان تاب والا قتل لأن قتله المرتب عليها حد فلا يؤخر كسائر الحدود.
ولو سأل المرتد ازالة شبهته نوظر بعد اسلامه لا قبله لأن الشبهة لا تنحصر وهذا ما صححه الغزالى رحمه الله تعالى كما فى نسخ الرافعى المعتمدة وهو الصواب.
ووقع فى أكثر نسخ الروضة تبعا لنسخ
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 6 ص 285، 286 الطبعة السابقة
(2)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للموان فى كتابه على هامش مواهب الجليل للحطاب ج 6 ص 287 الطبعة السابقة.
(3)
التهور كثرة الكلام بدون ضبط.
(4)
بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للشيخ أحمد الدردير ج 6 ص 388 فى كتاب على هامشه شرح الشيخ احمد الدردير طبع المكتبة التجارية بمصر.
الرافعى السقيمة أن الاصح عند الغزالى رحمه الله تعالى المناظرة أولا.
والمحكى عن النص عدمها.
وان شكا قبل المناظرة جوعا أطعم ثم نوظر.
وفى قول يمهل فيها على القولين ثلاثة أيام لأثر روى عن عمر رضى الله تعالى عنه فى ذلك وأخذ به الامام مالك رحمه الله تعالى.
وقال الزهرى رحمه الله تعالى يدعى الى الاسلام ثلاثة مرات.
فان أبى قتل، وروى عن على رضى الله تعالى عنه انه يستتاب شهرين.
وقال النخعى والثورى رحمهما الله تعالى:
يستتاب أبدا، وعلى التأخير يحبس مدة الامهال ولا يخلى سبيله.
فان لم يتب الرجل والمرأة عن الردة بل أصرا عليها قتلا وجوبا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخارى
(1)
.
وان كان كل من الرجل والمرأة ارتدا الى دين لا تأويل لأهله كعبدة الأوثان ومنكرى النبوات ومن يقر بالتوحيد وينكر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ثم أسلم صح اسلامه اذا أتى بالشهادتين.
قال ابن النقيب رحمه الله تعالى فى مختصر الكفاية: وهما أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وهذا يؤيد من افتى من بعض المتأخرين بأنه لا بد من أن يأتى بلفظ أشهد فى الشهادتين والا لم يصح اسلامه.
وقال الزنكلونى رحمه الله تعالى فى شرح التنبيه وهما لا اله الا الله محمد رسول الله وظاهره ان لفظة أشهد لا تشترط فى الشهادتين وهو يؤيد من افتى بعدم الاشتراط، وهى واقعة حال اختلف المفتون فى الافتاء فى عصرنا فيها والذى يظهر لى أن ما قاله ابن النقيب محمول على الكمال وما قاله الزنكلونى محمول على أقل ما يحصل به الاسلام.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله محمد رسول الله» رواه البخارى ومسلم، ولا بد من ترتيب الشهادتين بأن يؤمن بالله ثم برسوله.
فان عكس لم يصح كما فى المجموع فى الكلام على ترتيب الوضوء.
وقال الحليمى رحمه الله تعالى: ان الموالاة بينهما لا تشترط فلو تأخر الايمان بالرسالة عن الايمان بالله تعالى مدة طويلة صح، واذا قال كل منهما ذلك ترك ولو كان زنديقا أو تكرر ذلك منه، ولا يشترط مضى مدة الاستبراء لقول الله عز وجل: «قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ}.
(2)
نعم بعذر من
(1)
معنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 129 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى طبع المطبعة اليمنية بمصر سنة 1308 هـ.
(2)
الآية رقم 38 من سورة الأنفال.
تكرر ذلك منه لزيادة تهاونه بالدين فيعزر فى المرة الثانية فما بعدها ولا يعزر فى المرة الأولى.
وحكى ابن يونس رحمه الله تعالى الاجماع عليه.
وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى انما يعذر فى الثالثة.
ونقل عن أبى أسحاق المروزى رحمه الله تعالى انه يقتل فى الرابعة.
وقال الامام: وعد هذا من هفواته ولا بصح هذا عن أبى اسحاق وانما هو منسوب لاسحاق بن راهوية رحمه الله تعالى كما قاله القاضى حسين وغيره.
وقيل لا يصح اسلام من ارتد ان ارتد الى كفر خفى كزنادقة وهم من يظهر الاسلام ويخفى الكفر كما قالاه.
وقيل لا يقبل اسلامه ان ارتد الى كفر باطنية
(1)
.
وان كان ارتد الى دين يزعم اهله أن محمدا صلى الله عليه وسلم مبعوث الى العرب خاصة أو الى دين من يقول رسالته حق لكنه لم يظهر بعد أو جحد فرضا أو تحريما لم يصح اسلامه الى أن يقر بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الى جميع الخلق ويرجع الثانى عما أعتقده.
ولا يكفى شهادة الفلسفى وهو النافى لاختيار الله تعالى أن الله علة الأشياء ومبدؤها حتى يشهدوا بالاختراع والأحداث من العدم.
ولا يكفى الطبائع القائل بنسبة الحياة والموت الى الطبيعة لا الى المحيى المميت حتى يقول لا اله الا الله ونحوه من أسماء الله تعالى، التى لا تأويل فيها.
وأما البرهمى وهو موحد ينكر الرسل فان قال مع لا اله الا الله، محمد رسول الله، فهو مؤمن. وان لم يذكر غيره من الرسل لأ ان قال عيسى وموسى وكل نبى قبل محمد صلى الله عليه وسلم رسل الله لأن الاقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم اقرار برسالة من قبله لأنه شهد لهم وصدقهم.
والمعطل اذا قال محمد رسول الله قيل يكون مؤمنا لأنه أثبت المرسل والرسول.
والأصح أنه لا بد من أن يأتى بالشهادتين غيره.
ولو أقر يهودى برسالة عيسى لم يجبر على الاسلام كما لو أقر ببعض شرائع الاسلام كالصلوات الخمس وتقبل توبة مكذبة صلى الله عليه وسلم وكذا قاذفه على الأصح.
وقال ابو بكر الفارسى رحمه الله تعالى انه يقتل حدا ولا يسقط بالتوبة.
وقال الصيدلانى رحمه الله تعالى يجلد ثمانين جلدة لأن الردة ارتفعت باسلامه وبقى جلده
(2)
.
(1)
الباطنية هم القائلون بأن للقرآن باطنا وانه المراد منه دون الظاهر، وقيل هم ضرب من الزنادقة يزعمون ان الله خلق شيئا، ثم خلق منه شيئا آخر يدبر العالم، وسموا الأول العقل، والثانى النفس.
(2)
المغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4، 129، ص 130 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى ان من ارتد عن الاسلام من الرجال والنساء وكان بالغا عاقلا دعى اليه ثلاثة ايام وضيق عليه.
فان رجع والا قتل لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «من بدل دينه فاقتلوه» رواه البخارى وأبو داوود.
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث الثيب الزانى والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» متفق عليه.
وروى الدارقطنى رحمه الله تعالى ان امرأة يقال لها أم رومان ارتدت عن الاسلام فبلغ أمرها الى النبى صلى الله عليه وسلم فأمر أن تستتاب فان تابت والا قتلت» ولأنها شخص مكلف بدل دينه الحق بالباطل فتقتل كالرجل.
واما نهى النبى صلى الله عليه وسلم عن قتل المرأة فالمراد به الاصلية فانه قال ذلك حين رأى امرأة مقتولة وكانت كافرة أصلية، ولذلك نهى الذين بعثهم الى ابن ابى الحقيق عن قتل النساء ولم يكن فيهم مرتد
(1)
.
ولا يقتل حتى يستتاب ثلاثا لحديث أم رومان.
ولما روى مالك رضى الله تعالى عنه فى الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن القارئ عن أبيه رضى الله تعالى عنهم انه قدم على عمر رضى الله تعالى عنه رجل من قبل أبى موسى فقال له عمر هل كان من مغربه خبر؟
(2)
قال: نعم، رجل كفر بعد اسلامه، فقال ما فعلتم به؟ قال: قربناه فضربنا عنقه، فقال عمر فهلا حبستموه ثلاثا فاطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب أو يراجع أمر الله؟ اللهم انى لم أحضر ولى آمر ولم أرض اذ بلغنى.
ولو لم تجب استتابته لما برئ من فعلهم ولأنه امكن استصلاحه فلم يجر اتلافه قبل استصلاحه كالثوب النجس.
وأما الامر بقتله فالمراد به بعد الاستتابة بدليل ما ذكرنا.
أما ما روى من أن معاذا رضى الله تعالى عنه قدم على أبى موسى رضى الله تعالى عنه فوجد عنده رجلا موثقا فقال: ما هذا؟ قال رجل كان يهوديا فأسلم ثم راجع دينه دين السوء فتهود، قال لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله قال اجلس، قال لا أجلس حتى يقتل، قضاء الله ورسوله ثلاث مرات فأمر به فقتل» فانه قد جاء فيه وكان قد استتيب.
(1)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد ابن قدامه المقدسى على مختصر أبى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله أحمد الخرقى ج 8 ص 123، 124 تعليق السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثالثة طبع دار المنار سنة 1967 هـ.
(2)
هل جاء فى المصباح المنير والمعجم البسيط: هل من مغربة خبر بفتح الراء، واضافة مغربة الى ما بعدها أو بكسر الراء مع الثقل فى الفتح والكسر أى هل من حالة حاملة لخبر من موضع بعيد، فيعنى هل من خبر جديد يأتى من موضع بعيد (أنظر المصباح المنير مادة غرب، والمعجم الوسيط اخراج مجمع اللغة العربية بمصر نفس المادة ج 2، ص 654 طبع مطبعة مصر سنة 1381 هـ - سنة 1961 م.
ويروى «ان أبا موسى استتابه شهرين قبل قدوم معاذ عليه، وفى رواية فدعاه عشرين ليلة أو قريبا من ذلك فجاء معاذ فدعاه وابى فضرب عنقه» رواه أبو داود
(1)
.
ولأن الردة انما تكون لشبهة، ولا تزول الشبهة فى الحال فوجب أن ينتظر مدة يرتئى فيها، وأولى ذلك ثلاثة أيام للأثر فيها، وانها مدة قريبة، وينبغى أن يضيق عليه فى مدة الاستتابة ويحبس لقول عمر رضى الله تعالى عنه هلا حبستموه واطعمتموه كل يوم رغيفا؟ ويكرر دعايته لعله يتعطف قلبه فيراجع دينه
(2)
.
ومفهوم كلام الخرقى رحمه الله تعالى ان المرتد اذا تاب قبلت توبته ولم يقتل أى كفر كان وسواء كان زنديقا يستسر بالكفر أو لم يكن.
ويروى ذلك عن على وابن مسعود رضى الله تعالى عنهما، وهى احدى الروايتين عن أحمد رحمه الله تعالى واختيار أبى بكر الخلال رحمه الله تعالى وقال انه أولى على مذهب ابى عبد الله رحمه الله تعالى.
والرواية الأخرى عن أحمد رحمه الله تعالى لا تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته، واخبر ابو بكر انه لا تقبل توبة الزنديق لقول الله عز وجل:
«إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا»
(3)
.
والزنديق لا تظهر منه علامة تبين رجوعه وتوبته لانه كان مظهرا للاسلام مسرا للكفر.
فاذا وقف على ذلك فأظهر التوبة لم يزد على ما كان منه قبلها وهو اظهار الاسلام.
وأما من تكررت ردته فقد قال الله عز وجل:
(4)
.
وروى الاثرم باسناده عن ظبيان بن عمارة ان رجلا من بنى سعد مر على مسجد بنى حنيفة فاذا هم يقرءون برجز مسيلمة فرجع الى ابن مسعود فذكر ذلك له فبعث اليهم فأتى بهم فاستتابهم فتابوا فخلى سبيلهم الا رجلا منهم يقال له ابن النواحة قال قد أتيت بك مرة فزعمت أنك قد تبت وأراك قد عدت فقتله.
ووجه الرواية الاولى قول الله عز وجل:
«قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ»
(5)
.
وروى أن رجلا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ساره به حتى جهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فاذا هو يستأذنه فى قتل رجل من المسلمين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس يشهد أن لا اله الا الله؟
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 124، 125 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 126 نفس الطبعة.
(3)
الآية رقم 160 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 137 من سورة النساء.
(5)
الآية رقم 38 من سورة الانفال.
قال: بلى ولا شهادة له، قال:«أليس يصلى» قال: بلى ولا صلاة له.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أولئك الذين نهانى الله عن قتلهم» .
وقد قال الله تبارك وتعالى:
(1)
.
وروى أن محسن بن حمير كان فى النفر الذين أنزل الله تعالى فيهم:
(2)
.
فأتى النبى صلى الله عليه وسلم وتاب الى الله تعالى فقبل الله توبته، وهو الطائفة التى عنى الله تعالى فى قوله:
«إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ»
(3)
.
فهو الذى عفى الله عنه وسأل الله تعالى أن يقتل فى سبيله ولا يعلم بمكانه فقتل يوم اليمامة ولم يعلم موضعه، ولأن النبى صلى الله عليه وسلم كف عن المنافقين بما اظهروا من الشهادة مع اخبار الله تعالى له بباطنهم فى قوله عز وجل:
«وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ»
(4)
. وغيرها من الآيات، وحديث ابن مسعود رضى الله تعالى عنه السابق حجة فى قبول توبتهم مع استسرارهم بكفرهم.
وأما قتله ابن النواحة فيحتمل انه قتله لظهور كذبه فى توبته لانه أظهرها وتبين انه ما زال عما كان عليه من كفره.
ويحتمل أنه قتله لقول النبى صلى الله عليه وسلم له حين جاء رسولا لمسيلمة: «لولا ان الرسل لا تقتل لقتلتك» فقتله تحقيقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى انه قتله لذلك
(5)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى ان كل من صح عنه انه كان مسلما متبرئا من كل دين حاش دين الاسلام ثم ثبت عنه انه ارتد عن الاسلام وخرج الى دين كتابى أو غير كتابى او الى غير دين قد تقدم دعاؤه الى الاسلام حين أسلم بلا شك أن كان دخيلا فى الاسلام او حين بلغ وعلم شرائع الدين فالواجب اقامة الحد عليه وقتله ان لم يراجع الاسلام.
ولا يلزم الاشتغال عن ذلك وتأخيره باستتابة ودعاء، فليست الاستتابة والدعاء واجبة ولا ممنوعة اذ لا برهان على شئ من ذلك
(6)
.
(1)
الآية رقم 145، 146 من سورة النساء
(2)
الآية رقم 65 من سورة التوبة.
(3)
الآية رقم 66 من سورة التوبة.
(4)
الآية رقم 56 من سورة التوبة.
(5)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد ابن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر أبى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله ابن أحمد الخرقى ج 8 ص 126، 127 الطبعة السابقة.
(6)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 11 ص 188 وما بعدها الى ص 197 مسئلة رقم 2195، طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر بتحقيق محمد منير الدمشقى سنة 1352 هـ.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار ان حد المرتد القتل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث» الخبر.
وتقتل المرأة كالرجل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» ولأمره صلى الله عليه وسلم بقتل أم رومان حين ارتدت ولم تتب.
وعن على رضى الله تعالى عنه انها لا تقتل لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «نهيت عن قتل النساء» لكن تسبى الحرة المرتدة ان لحقت وتسترق والأمة يخيرها سيدها.
ولا يقتل المرتد حتى يستتاب حتما كما خرجه أبو طالب لقول الله عز وجل.
«ان ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف» .
وفى تخريج المؤيد بالله بل ذلك يكون ندبا لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» ولم يذكر الاستتابة.
وقال الحسن البصرى رضى الله تعالى عنه: الاستتابة غير مشروعة بل يقتل فورا.
وقال عطاء بن ابى رباح رضى الله تعالى عنه: ان ولد فى الاسلام لم يستتب.
وان أسلم بعد كفر استتيب.
وقال الناصر عليه السلام: يستتاب ثلاثة أيام اذ روى ذلك عن على رضى الله تعالى عنه وروى عنه أيضا انه يستتاب شهرا.
قال الزهرى رضى الله تعالى عنه بل ثلاث مرات فى حالة واحدة، ويقبل اسلامه مطلقا كالأصلى.
وفى قبول توبة الزنديق وجهان:
قال الامام يحيى عليه السلام أصحهما تقبل توبته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله» الخبر، وكالمنافقين
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية ان المرتد يقتل ان كان ارتداده عن فطرة الاسلام لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من بدل دينه فاقتلوه» ولما جاء فى صحيحة محمد بن مسلم عبد الباقر عليه السلام: «من رغب عن الاسلام وكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم بعد اسلامه فلا توبة له. وقد وجب قتله، وبانت منه امرأته ويقسم ما تركه على ولده» .
وروى عمار عن الصادق عليه السلام قال: كل مسلم بين مسلم ارتد عن الاسلام وجحد محمدا نبوته فان دمه مباح لكل من سمع ذلك عنه وامرأته بائنة منه يوم ارتد فلا تقربه ويقسم ماله على ورثته وتعتد امرأته عدة المتوفى عنها زوجها وعلى الامام أن يقتله ولا يستتيبه، ولا تقبل توبته ظاهرا لما ذكرناه وللاجماع فيتعين قتله مطلقا وفى قبولها باطنا قول قوى حذرا من تكليف ما لا يطاق لو
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5، ص 424 وما بعدها الى ص 426 الطبعة الأولى، طبع مطبعة الخانجى بمصر سنة 1368 هـ - 1949 م.
كان مكلفا بالاسلام أو خروجه عن التكليف ما دام حيا كامل العقل وهو باطل بالاجماع.
وحينئذ فلو لم يطلع أحد عليه أو لم يقدر على قتله أو تأخر قتله بوجه فتاب قبلت توبته فيما بينه وبين الله تعالى وصحت عباداته ومعاملاته وطهر بدنه ولا يعود ماله وزوجته اليه بذلك عملا بالاستصحاب لكن يصح له تجديد العقد عليها بعد العدة وفى جوازه فيها وجه كما يجوز للزوج العقد على المعتدة بائنا
(1)
.
ويستتاب المرتد ان كان ارتداده عن كفر اصلى فان تاب والا قتل.
ومدة الاستتابة ثلاثة ايام فى المروى عن الصادق عليه السلام بطريق ضعيف، والا قوى تحديدها بما يؤمل معه عوده، ويقتل بعد اليأس منه وان كان من ساعته، ولعل الصبر عليه ثلاثة أيام أولى رجاء لعودته وحملا للخبر على الاستحباب
(2)
.
وجاء فى الخلاف ان الموضع الذى قلنا يستتاب لم يجده أصحابنا بقدر والاولى ان لا يكون مقدرا لأن التحديد بذلك يحتاج الى دليل وأيضا روى عن على كرم الله وجهه انه تنصر رجل فدعاه وعرض عليه الرجوع الى الاسلام فلم يرجع فقتله ولم يؤخره وظاهر ذلك انه لا تقدير فيه.
وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «من بدل دينه فاقتلوه» فالظاهر انه يقتل من غير استتابة الا ما قام عليه الدليل من الاستتابة
(3)
.
والمرأة لا تقتل وان كانت ردتها عن فطرة، بل تحبس دائما وتضرب اوقات الصلاة بحسب ما يراه الحاكم وتستعمل فى الحبس فى أسوأ الأعمال وتلبس أخشن الثياب المتخذة للبس عادة وتطعم اجشب الطعام - وهو ما غلظ منه وخشن - ويعتبر فيه عادتها الى أن تتوب أو تموت لصحيحة الحلبى عن أبى عبد الله عليه السلام فى المرتدة عن الاسلام.
قال: لا تقتل وتستخدم خدمة شديدة وتمنع عن الطعام والشراب الا ما يمسك نفسها وتلبس أخشن الثياب وتضرب على الصلوات.
وفى خبر آخر: لا المرأة تستتاب فان تابت والا حبست فى السجن وأضر بها ولا فرق فيها بين الفطرية والملية.
ولو تكرر الارتداد والاستتابة من الملى قتل فى الرابعة أو الثالثة على خلاف فى ذلك لأن الكفر بالله تعالى أكبر الكبائر. وقد عرفت أن أصحاب الكبائر يقتلون فى الثالثة ولا نص هنا بالخصوص.
والاحتياط فى الدماء يقتضى قتله فى الرابعة
(4)
.
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى ج 2، ص 391، 392 طبع مطابع دار الكتاب العربى.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 392 نفس الطبعة.
(3)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن أبن على الطوسى ج 2 ص 435 مسألة رقم 6 الطبعة الثانية طبع مطبعة تايان فى طهران سنة 1382 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 393 نفس الطبعة.
ولو جن بعد ردته عن ملة لم يقتل ما دام مجنونا لأن قتله مشروط بامتناعه عن التوبة ولا حكم لامتناع المجنون.
أما لو جن بعد ردته عن فطر فانه يقتل مطلقا
(1)
.
وجاء فى الخلاف أن الزنديق وهو الذى يظهر الاسلام ويبطن الكفر - اذا تاب وقال تركت الزندقة روى أصحابنا أنه لا تقبل توبته لأنه دين مكتوم لاجماع الفرقة، ولأن قتله بالزندقة واجب بلا خلاف وما أظهره من التوبة لم يدل دليل على انه يسقط هذا القتل عنه، وأيضا فان مذهبه اظهار الاسلام فاذا طالبته بالتوبة فقد طالبته باظهار ما هو مظهر له فكيف يكون اظهار دينه توبة
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن المرتد يقتل ان لم يتب ذكرا كان أو أنثى.
وقيل: يستتاب ثلاثة فان لم يتب قتل.
وقال الشافعى رضى الله تعالى عنه:
يستتاب فى الحال، وقال على رضى الله تعالى عنه يستتاب شهرا.
وقال بعض يستتاب أبدا، فان تاب والا قتل.
والمرأة كالرجل تقتل وجاء به حديث.
وفى رواية عن على كرم الله وجهه انها تسترق
(3)
.
وجاء فى جوهر النظام ما يفيد أن الارتداد يوجب القتل بلا خلاف بين أهل العدل اذا أبى أن يتوب بعد ثلاثة ثم لا يمهل بعد ذلك لأن التتويب انما يكون فى الثلاثة، والاناث فى الحكم كالرجل فتقتل المرأة اذا ارتدت.
وقيل لا تقتل بل تسجن حتى تعود.
واذا طلب المرتد أن يمهل فى أمره حتى يبحث ويعيد النظر جاز للامام ان شاء أن ينظره، وان شاء قتله. قال صاحب جوهر النظام:
فالارتداد موجب للقتل
…
بلا خلاف بين أهل العدل
اذا أبى المتاب يقتلنا
…
بعد ثلاث لا يمهلنا
لأنما التتويب فى الثلاث
…
وكالرجال فى الحكم فى الاناث
فتقتل المرأة ان ترتدا
…
وقيل بل تسجن حتى تردى
وان يكن قد طلب الانظارا
…
فى امره ليسبر الانظار
فللامام أن ينشأ أن ينظره
…
وان يشأ يقتله ويقبره
(4)
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 393، 394 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 433 مسئلة رقم 2 نفس الطبعة.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 643 طبع محمد بن يوسف البارونى.
(4)
جوهر النظام فى علمى الاديان والاحكام لأبن حميد السالمى ص 581 طبع المطبعة العربية فى مصر سنة 1344 هـ.
اعذار البغاة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن امام العدل ان علم ان الخوارج يشهرون السلاح ويتأهبون القتال فينبغى له أن يأخذهم ويحبسهم حتى بقلعوا عن ذلك ويحدثوا توبة، لأنه لو تركهم سعوا فى الأرض بالفساد، فيأخذ على أيديهم ولا يبدؤهم الامام بالقتال حتى يبدأوه لأن قتالهم لدفع شرهم لا لشر شركهم لأنهم مسلمون فما لم يتوجه الشر منهم لا يقاتلهم، وان لم يعلم الامام بذلك حتى تعسكروا وتأهبوا للقتال فينبغى له أن يدعوهم الى العدل والرجوع الى رأى الجماعة أولا لرجاء الاجابة وقبول الدعوة كما فى حق أهل الحرب، وكذا روى أن سيدنا عليا رضى الله تعالى عنه لما خرج عليه أهل حروراء ندب اليهم عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهم ليدعوهم الى العدل فدعاهم وناظرهم، فان اجابوا كف عنهم وان أبوا قاتلهم لقول الله عز وجل.
(1)
.
وكذا قال سيدنا على رضى الله تعالى عنه أهل حروراء بالنهروان بحضرة الصحابة رضى الله تعالى عنهم تصديقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لسيدنا على انك تقاتل على التأويل كما تقاتل على التنزيل.
والقتال على التأويل هو القتال مع الخوارج، ولأنهم ساعون فى الأرض بالفساد فيقتلون دفعا للفساد على وجه الأرض.
وان قاتلهم قبل الدعوة فلا بأس فى ذلك لأن الدعوة قد بلغتهم لكونهم فى دار الاسلام ومن المسلمين أيضا
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والإكليل نقلا عن ابن عرفة رحمه الله تعالى انه لو قام على امام من أراد ازالة ما بيده فقال مالك رحمه الله تعالى ان كان مثل عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه وجب على الناس الذب عنه واما غيره فلا.
قال ابن بطال رحمه الله تعالى: دعا على رضى الله تعالى عنه بعضهم الى القتال معهم فأبوا أن يجيبوه فعذرهم.
وكذلك يجب على الامام أن لا يعيب من تخلف عنه فى قتال البغاة
(3)
.
(1)
الآية رقم 9 من سورة الحجرات.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 140 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ - سنة 1910 م.
(3)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 6 ص 277 فى كتابه على هامش مواهب الجليل وشرح مختصر أبى الضياء خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن، المعروف بالحطاب للطبعة الأولى سنة 1329 هـ، طبع مطبعة السعادة بمصر.
وذكر عز الدين رحمه الله تعالى ان من الزواجر الزجر عن مفسدة البغى.
فان رجعوا الى الطاعة كففنا عن قتلهم وقتالهم، وهذا زجر عن مفسدة لا اثم فيها.
قال ابو عمر رأى مالك رحمه الله تعالى قتال الخوارج.
وقال ابن يونس رحمه الله تعالى قال مالك: يستتاب أهل الاهواء من القدرية وغيرهم وذلك اذا كان الامام عدلا ولا يصلى عليهم.
قال سحنون رحمه الله تعالى: أدبا لهم، وكتب عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه فى الخوارج ان كان رأى القوم أن يسبحوا فى الأرض من غير فساد على الائمة ولا على أحد من أهل الذمة ولا على قطع سبيل من سبل المسلمين فليذهبوا حيث شاءوا، وان كان انما رأيهم القتال فو الله لو أن أبكارى خرجوا رغمة عن جماعة المسلمين لأرقت دماءهم التمس بذلك وجه الله تعالى
(1)
.
وجاء فى بلغة السالك ان للامام قتال البغاة وقتلهم، وانذروا وجوبا فيدعوهم لطاعته ان لم يطيعوا قاتلهم ما لم يعالجوه بالقتال
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الامام لا يقاتل البغاة حتى يبعث اليهم امينا فطنا ان كان البعث للمناظرة كما قاله بعض المتأخرين ناصحا لهم.
فاذا وصل اليهم يسألهم ما ينقمون وما يكرهون، اقتداء بعلى رضى الله تعالى عنهما فانه بعث ابن عباس رضى الله تعالى عنهما الى النهروان فرجع بعضهم وابى بعضهم.
وظاهر عبارة المنهاج أن البعث واجب وهو ظاهر عبارة الشرحين ايضا وبه صرح ابن الصباغ وغيره.
وقال فى المطلب هو ظاهر كلام الشافعى رحمه الله تعالى وصرح به الأصحاب.
وفى تعليق القاضى أبى الطيب رحمه الله تعالى انه مستحب.
فان ذكروا مظلمة هى سبب امتناعهم من الطاعة أو شبهة ازالها لأن المقصود بقتالهم ردهم الى الطاعة ودفع شرهم كدفع السائل دون قتلهم لقول الله عز وجل:
«فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ»
(3)
. أى ترجع الى كتاب الله تعالى وسنة رسوله.
فان اصروا بعد الازالة او لم يذكروا شيئا نصحهم ووعظهم وخوفهم سوء عاقبة البغى وأمرهم بالعودة لطاعته لأن ذلك أقرب الى حصول المقصود.
ثم ان أصروا دعاهم الى المناظرة.
فان لم يجيبوا أو أجابو وغلبوا فى المناظرة
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 278 نفس الطبعة.
(2)
بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير للشيخ احمد الدردير ج 2 ص 384 فى كتاب على هامشه شرح الشيخ احمد الدردير طبع المكتبة التجارية بمصر.
(3)
الآية رقم 9 من سورة الحجرات.
وأصموا آذنهم بالمد أى أعلمهم بالقتال لأن الله تعالى أمر أولا بالاصلاح ثم بالقتال فلا يجوز تقديم ما أخره الله تعالى.
هذا اذا علم أن فى عسكره قوة وقدرة عليهم.
أما اذا لم يعلم ذلك أخر اعلامهم بالقتال الى أن تمكنه القوة عليهم لأنه الاحتياط فى ذلك كما نقله فى البحر عن النص.
وقتالهم حينئذ واجب لاجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم على ذلك بأحد خمسة امور - كما قاله الماوردى رحمه الله تعالى - أن يتعرضوا لحريم أهل العدل، أو يتعطل جهاد الكفار بهم أو يأخذوا من حقوق بيت المال ما ليس لهم، أو يمتنعوا من دفع ما وجب عليهم، أو يتظاهروا على خلع الامام الذى قد انعقدت بيعته.
فلو انفردوا عن الجماعة ولم يمنعوا حقا ولا تعدوا الى ما ليس لهم جاز قتالهم لأجل تفريق الجماعة ولا يجب لتظاهرهم بالطاعة.
فان طلبوا الامهال من الامام اجتهد فيه وفى عدمه وفعل ما رآه صوابا منهما.
وان ظهر له أن استمهالهم للتأمل فى ازالة الشبهة أمهلهم ليتضح لهم الحق.
وان ظهر له أنهم يحتالون لاجتماع عساكرهم وانتظار مددهم لم يمهلهم.
وان سألوا ترك القتال ابدا لم يجبهم
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن من خرج على من ثبت امامته باغيا وجب قتاله.
ولا يجوز قتالهم حتى يبعث اليهم من يسألهم ويكشف لهم الصواب الا أن يخاف كلبهم فلا يمكن ذلك فى حقهم.
فاما ان أمكن تعريفهم عرفهم ذلك وازال ما يذكرونه من المظالم وازال حججهم فان لجوا قاتلهم حينئذ لأن الله عز وجل بدأ بالأمر بالاصلاح قبل القتال فقال جل شأنه:
(2)
.
وروى أن عليا رضى الله تعالى عنه أرسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل، ثم أمر أصحابه أن لا يبدءوهم بالقتال، ثم قال: ان هذا يوم من فلج فيه فلج يوم القيامة، ثم سمعهم يقولون الله أكبر بالثارات عثمان فقال: اللهم اكب قتلة عثمان لوجوههم.
وروى عبد الله بن شداد بن الهادى رضى الله تعالى عنه أن عليا كرم الله وجهه لما اعتزلته الحرورية بعث اليهم عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما فواضعوه كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف، فان أبوا الرجوع وعظهم وخوفهم القتال، وانما كان كذلك لأن المقصود كفهم ودفع شرهم لا قتلهم، فاذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال لما
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للامام الشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 119 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لابى زكريا يحيى بن شرف النووى، طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.
(2)
الآية رقم 9 من سورة الحجرات.
فيه من الضرر بالفريقين، فان سألوا الانظار نظر فى حالهم وبحث عن أمرهم، فان بان له أن قصدهم الرجوع الى الطاعة ومعرفة الحق امهلهم، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: اجمع على هذا كل ما احفظ عنه من أهل العلم، فان كان قصدهم الاجتماع على قتاله وانتظار مدد يقوون به أو خديعة الامام أو ليأخذوه على غرة ويفترق عسكره لم ينظرهم وعاجلهم لأنه لا يأمن أن يسير هذا طريقا الى قهر أهل العدل ولا يجوز هذا وان أعطوه عليه مالا لأنه لا يجوز أن يأخذ المال على اقرارهم على ما لا يجوز اقرارهم عليه.
وان بذلوا له رهائن على انظارهم لم يجز أخذها لذلك ولأن الرهائن لا يجوز قتلهم لغدر أهلهم فلا يفيد شيئا.
وان خاف الامام على الفئة العادلة الضعف عنهم أخر قتالهم الى أن تمكنه القوة عليهم لأنه لا يؤمن الاصطلام والاستئصال فيؤخرهم حتى تقوى شوكة أهل العدل ثم يقاتلهم.
وان سألوه أن ينظرهم أبدا ويدعهم وما هم عليه ويكفوا عن المسلمين نظر، فان لم يعلم قوته عليهم وخاف قهرهم له ان قاتلهم تركهم.
وان قوى عليهم لم يجز اقرارهم على ذلك لأنه لا يجوز أن يترك بعض المسلمين طاعة الامام ولا تؤمن قوة شوكتهم بحيث يفضى الى قهر الامام العادل ومن معه، ثم ان امكن دفعهم بدون القتل لم يجز قتلهم لأن المقصود دفعهم لأهلهم ولأن المقصود اذا حصل بدون القتل لم يجز القتل من غير حاجة
(1)
.
فاذا ترك أهل البغى القتال اما بالرجوع الى الطاعة واما بالقاء السلاح واما بالهزيمة الى فئة او الى غير فئة واما بالعجز لجراح أو مرض أو أسر فانه يحرم قتلهم واتباع مدبرهم لما روى عن على رضى الله تعالى عنه انه قال يوم الجمل لا يذفف على جريح ولا يهتك ستر ولا يفتح باب.
ومن أغلق بابا فهو آمن ولا يتبع مدبر، وقد روى نحو ذلك عن عمار وعن على رضى الله تعالى عنه انه ودى قوما من بيت مال المسلمين قتلوا مدبرين، وعن ابى امامة انه قال شهدت صفين وكانوا لا يجهزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا، وقد ذكر القاضى رحمه الله تعالى فى شرحه عن عبد الله ابن مسعود رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:«يا ابن ام عبد ما حكم من بغى على امتى؟ فقلت الله ورسوله أعلم فقال لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل اسيرهم ولا يقسم فيئهم»
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى ان تأويل البغاة يختلف، فأى طائفة تأولت فى بغيتها طمسا لشئ من
(1)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن احمد ابن قدامة المقدسى على ابى القاسم عمر ابن حسين بن عبد الله بن احمد الخرقى ج 8 ص 108، 109 تعليق السيد محمد رشيد رضا، الطبعة الثالثة، طبع دار المنار سنة 1367 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 114، 115 نفس الطبعة.
السنة كمن قام برأى الخوارج ليخرج الأمر عن قريش أو ليرد الناس الى القول بابطال الرجم أو تفكير أهل الذنوب أو استقراض المسلمين أو قتل الاطفال والنساء واظهار القول بابطال القدر أو ابطال الرؤية أو الى أن الله تعالى لا يعلم شيئا الا حتى يكون أو الى البراءة عن بعض الصحابة أو ابطال الشفاعة أو الى ابطال العمل بالسنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعا الى الرد الى من دون رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الى المنع من الزكاة أو من اداء حق من مسلم أو حق الله تعالى فهؤلاء لا يعذرون بالتأويل الفاسد لأنها جهالة تامة.
واما من دعا الى تأويل لا يحل به سنة لكن مثل تأويل معاوية فى أن يقتص من قتلة عثمان رضى الله تعالى عنه قبل البيعة لعلى كرم الله وجهه فهذا يعذر لأنه ليس فيه احالة شئ من الدين وانما هو خطأ خاص فى قصة بعينها لا تتعدى، ومن قام لعرض دنيا فقط كما فعل يزيد بن معاوية ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان فى القيام على ابن الزبير، وكما فعل مروان بن محمد فى القيام على يزيد بن الوليد، وكمن قام أيضا على مروان، فهؤلاء لا يعذرون لأنهم لا تأويل لهم أصلا وهو بغى مجرد.
فاذا أريد انسان بظلم فمنع من نفسه لم يكن باغيا سواء اراد ظلمه الامام أو غيره لما روينا من طريق عبد الرزاق باسناده عن أبى قلابة قال ارسل معاوية بن أبى سفيان الى عامل له أن يأخذ الوهط
(1)
.
فبلغ ذلك عبد الله بن عمرو بن العاص فلبس سلاحه هو ومواليه وغلمته وقال: انى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«من قتل دون ماله مظلوما فهو شهيد» .
قال ابن جريج رضى الله تعالى عنه: لما كان بين عبد الله بن عمرو بن العاص وبين عنبسة بن أبى سفيان ما كان وتيسروا للقتال ركب خالد بن العاص الى عبد الله بن عمرو فوعظه فقال له عبد الله بن عمرو بن العاص:
أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل على ماله فهو شهيد» فهذا عبد الله بن عمرو بن العاص بقية الصحابة وبحضرة سائرهم رضى الله تعالى عنهم يريد قتال عنبسة بن أبى سفيان عامل أخيه معاوية أمير المؤمنين اذ أمره بقبض الوهط، ورأى عبد الله بن عمرو أن أخذه منه غير واجب.
وما كان معاوية رحمه الله تعالى ليأخذ ظلما صراحا لكن أراد ذلك بوجه تأوله بلا شك.
- ورأى عبد الله بن عمرو ان ذلك ليس بحق ولبس السلاح للقتال ولا مخالف له فى ذلك من الصحابة رضى الله تعالى عنهم.
وهكذا.
فالخارجة على الامام اذا خرجت سئلوا عن خروجهم فان ذكروا مظلمة ظلموها انصفوا والا دعوا الى الفيئة.
(1)
الوهط ما كان لعمرو بن العاص.
فان فاءوا فلا شئ عليهم.
وان أبوا قوتلوا
(1)
.
فان تركوا القتال جملة منصرفين الى بيوتهم لم يحل اتباعهم اصلا.
وان كانوا منحازين الى فئة أو لائذين بمعقل يمتنعون فيه أو زائلين عن الغالبين لهم من أهل العدل الى مكان يأمنونهم فيه لمجئ الليل أو لبعد الشقة ثم يعودون الى حالهم فيتبعون، لأن الله عز وجل افترض علينا قتالهم حتى يفيئوا الى أمر الله تعالى.
فاذا فاءوا حرم علينا قتلهم وقتالهم فهم اذا ادبروا تاركين لبغيهم راجعين الى منازلهم أو متفرقين عما هم عليه فبتركهم البغى صاروا فائين الى أمر الله.
فاذا فاءوا الى أمر الله فقد حرم قتلهم.
واذا حرم قتلهم فلا وجه لاتباعهم ولا شئ لنا عندهم حينئذ.
وأما اذا كان ادبارهم ليتخلصوا من غلبة أهل الحق وهم باقون على بغيهم فقتالهم باق علينا بعد لأنهم لم يفيئوا بعد الى أمر الله تعالى
(2)
.
وعلى ذلك فاذا كان الباغون متأولين تأويلا يخفى وجهه على كثير من أهل العلم كمن تعلق بآية خصتها أخرى او بحديث قد خصه آخر أو نسخها نص آخر فهؤلاء كما قلنا معذورون، حكمهم حكم الحاكم المجتهد يخطئ فيقتل آخر مجتهدا أو يتلف مالا مجتهدا أو يقضى فى خرج خطأ مجتهدا ولم تقم عليه الحجة فى ذلك ففى الدم دية على بيت المال لا على الباغى ولا على عاقلته.
ويضمن المال كل من أتلفه ونسخ كل ما حكموا به ولا حد عليه فى وط ء فرج جهل تحريمه ما لم يعلم بالتحريم وهكذا أيضا من تأول تأويلا خرق به الإجماع بجهالة ولم تقم عليه الحجة ولا بلغته.
وأما من تأول تأويلا فاسدا لا يعذر فيه لكن خرق الاجماع فى أى شئ وكان ولم يتعلق بقرآن ولا سنة ولا قامت عليه الحجة وفهمها وتأول تأويلا يسوغ وقامت عليه الحجة ولكنه عند، فعلى من قتل هكذا القود فى النفس فما دونها والحد فيما أصاب بوط ء حرام وضمان ما استهلك من مال، وهكذا من قام فى طلب دنيا مجردا بلا تأويل ولا يعذر هذا أصلا لانه عامد لما يدرى انه حرام، وهكذا من قام عصبية ولا فرق، أما قولنا ان من لم تقم عليه الحجة فلا قود عليه ولا حد فلقول الله عز وجل:
«لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ»
(3)
.
ومن بلغ فلا حجة الا على من بلغته الحجة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وجعفر بن ابى طالب ومن معه من
(1)
المحلى لابن محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 11 ص 97، وما بعدها الى ص 99 مسئلة رقم 2154، طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر بتحقيق محمد منير الدمشقى سنة 1352 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 11 ص 101 مسئلة رقم 2154 نفس الطبعة.
(3)
الآية 190 من سورة الانعام من سورة
أفاضل الصحابة رضى الله تعالى عنهم بأرض الحبشة بينهم المهامة الفيح والبلاد البعيدة والفرائض تنزل بالمدينة ولا تبلغهم الا بعد عام أو أعوام كثيرة وما لزمتهم ملامة عند الله تعالى ولا عند رسوله صلى الله عليه وسلم ولا عند احد من الأمة فصح يقينا أن من جهل حكم شئ من الشريعة فهو غير مؤاخذ به الا فى ضمان ما اتلف من مال فقط لأنه استهلكه بغير حق فعليه متى علم أن يرده الى صاحبه ان أمكن وان لا يصر على ما فعل وهو يعلم.
واما من قامت عليه الحجة وبلغه حكم الله تعالى وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم وفهمه ولم يكن عنده الا العناد والتعلق اما بتقليد مجرد أو برأى مفرد أو بقياس فليس معذورا وعليه القود أو الدية.
وضمان ما أتلف والحد فى الفرج لقول الله عز وجل:
«فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ»
(1)
.
وهؤلاء معتدون بلا شك فعليهم مثل ما اعتدوا به
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار انه يجب على الامام تقديم دعاء البغاة الى الطاعة للامام والانخراط فى سلك المسلمين.
ومن قتل أحدا منهم قبل الدعوة وجبت الدية.
وندب فى دعاء البغاة الى الطاعة أن يكرر عليهم ثلاثة أيام.
وتنشر فيها الصحف على أيدى الرجال ويدعوهم الى ما فيها.
قال فى البحر لفعل على رضى الله تعالى عنه فى الحروريين رواه صاحب روضة الحجورى عن على رضى الله تعالى عنه انه قال يا قوم من يأخذ منى هذا المصحف فيدعو القوم الى ما فيه، فوثب غلام من بنى مجاشع فقال أنا آخذه يا امير المؤمنين.
قال الامام شرف الدين: نشر المصحف غير مندوب لأنه لم يكن من فعل النبى صلى الله عليه وسلم ولا فعل على رضى الله تعالى عنه وانما فعله معاوية طلبا لخديعة الحق.
واما ما ذكره فى البحر من كونه من فعل على عليه السلام فلم يوجد فى شئ من الكتب انه فعله انما كان منه الارسال بالمصحف ونحوه طلبا الى الاجابة لما فيه لا نشره على رؤوس الرماح اذ تلك بدعة فعلها معاوية.
وترتب فى تلك الايام الثلاثة الصفوف كأنه يريد التعبئة للقتال فى تلك الحال فيهيئ الجناحين والقلب لابسين لآمة الحرب كاملة زاحفين عليهم ارهابا لهم
(3)
.
ويجوز للامام فى البغاة والظلمة وائمة الجور أن يضمنهم ما قبضوه من الحقوق
(1)
الآية 194 من سورة البقرة.
(2)
المحلى لأبى محمد على بن حزم ج 11 ص 107، 108 مسئلة رقم 2155 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار فى فقه الائمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 538 الطبعة السابقة.
التى أمرها الى الامام من واجبات او خراج او مظالم او نحو ذلك وكذلك يجوز له تضمين أعوانهم حتى يستوفى الحقوق التى عليهم مما أمره اليه سواء كانت عليهم فاخفوها منه بعد المطالبة أو قبضوها من غيرهم
(1)
.
وجاء فى البحر الزخار أنه يجب امهال البغاة بعد دعائهم ان طلبوا الامهال للنظر مدة معلومة لا مؤيدة ولا أن فهم منهم الخداع، اذ لا يجوز التقرير على قبيح.
ولو بذلوا مالا للامهال لم يجز اذ هو فى مقابلة محظور.
قال الامام يحيى عليه السلام وتقبل أولادهم رهائن فى فك أسرى أهل العدل وتطلق بعد الوفاء ولا تقتل ان قتل الاسير.
ويحرم قتالهم بعد الطاعة وكذا ان القوا السلاح اذ هو امارة الخضوع ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: «من ألقى سلاحه فهو آمن» وكذا اذا طلبوا الامان ان أمن خدعهم.
ولا يقتل مدبرهم ولا جريحهم اتفاقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتبع مدبرهم»
(2)
.
قال الامام يحيى عليه السلام وليس للامام أن يضمن البغاة التالف اذ لم يضمنهم على رضى الله تعالى عنه ما أتلفوه من ذلك ولا من أعطوه
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف أن الباغى هو من خرج على امام عادل وقاتله ومنع تسليم الحق اليه وذلك لاجماع الفرقة واخبارهم وايضا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: حربك يا على حربى وسلمك سلمى، وحرب النبى صلى الله عليه وسلم كفر فيجب أن يكون حرب على رضى الله تعالى عنه مثل ذلك
(4)
.
واذا قصد رجل رجلا يريد نفسه أو ماله جاز له الدفع عن نفسه أو عن ماله.
وان أتى على نفسه أو نفس طالبه يجب عليه أن يدفع من نفسه اذا طلب قتله.
ولا يجوز أن يستسلم مع القدرة على الدفع وذلك لقول الله عز وجل:
«وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ»
(5)
.
وأيضا معلوم بأوائل العقول وجوب دفع المضار عن النفس فمن لم يدفعها عنها مع القدرة استحق الذم
(6)
.
واذا أتلف الباغى على العادل نفسا أو
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 557، 558 نفس الطبعة.
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5، ص 417، 418 الطبعة الأولى مطبعة الخانجى بمصر سنة 1368 هـ - سنة 1949 م.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 422، نفس الطبعة.
(4)
الخلاف فى الفقه لابى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 426 مسئلة رقم الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.
(5)
الآية رقم 195 من سورة البقرة.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 431 مسئلة رقم 16 نفس الطبعة.
مالا والحرب قائمة كان عليه الضمان فى المال والقود فى النفس وذلك لقول الله عز وجل:
«وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ يا أُولِي الْأَلْبابِ»
(1)
.
ولقوله عز وجل:
«الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى»
(2)
.
وقال سبحانه وتعالى:
«وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ»
(3)
.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وروى عن أبى بكر رضى الله تعالى عنه فى الذين قاتلهم: يدون قتلانا ولا ندى قتلاهم ولم ينكر ذلك أحد فدل على انه اجماع
(4)
.
واذا ولى أهل البغى الى غير فئة او ألقوا السلاح أو قعدوا أو رجعوا الى الطاعة حرم قتالهم بلا خلاف.
وان ولوا منهزمين الى فئة لهم جاز أن يتبعوا ويقتلوا وبه قال ابو حنيفة وابو اسحاق المروزى رحمهما الله تعالى.
وقال باقى أصحاب الشافعى رحمهم الله تعالى انه لا يجوز قتالهم ولا اتباعهم، ودليلنا قول الله عز وجل:
«فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ}
(5)
.
وهؤلاء ما فاءوا الى أمر الله، ولا ينافى ذلك ما روى ان عليا كرم الله تعالى وجهه يوم الجمل نادى أن لا يتبع مدبرهم لأن أهل الجمل لم يكن لهم فئة يرجعون اليها، وعلى ما قلناه اجماع الفرقة واخبارهم واردة به
(6)
.
واذا امتنع أهل البغى بدارهم وأتوا ما يوجب الحد فمتى ظهرنا عليهم أقيم عليهم وذلك لقول الله عز وجل».
«الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما} مائة جلدة»
(7)
.
ولقول الله عز وجل:
«وَالسّارِقُ وَالسّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما»
(8)
.
ولما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «من شرب الخمر فاجلدوه فان عاد فاجلدوه» ولم يفصل. وبذلك قال الشافعى رحمه الله تعالى»
(6)
.
(1)
الآية رقم 179 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 178 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 45 من سورة المائدة.
(4)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر الطوسى ج 2 ص 426، 427 مسئلة رقم 2 الطبعة السابقة.
(5)
الآية رقم 9 من سورة الحجرات.
(6)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 428 مسئلة رقم 4 الطبعة السابقة.
(7)
الآية رقم 2 من سورة النور.
(8)
الآية رقم 38 من سورة المائدة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه يجوز لامام ظهور أو دفاع أو لجماعة ويدفع قاصد ببغى ويحال بينه وبين مراده.
وان مات بدفع فدمه هدر.
ولا يقاتل الباغى بعد انهزام أو كف بغى ولو بقى فى مكانه لم يهرب ولم يتب، الا أن ثبت فى موضع حجر عليهم حتى يتوبوا لأن الحجر للبغى ولما تابوا لم يقع عليهم الحجر وذلك فى بغاة أهل التوحيد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا عبد الله يعنى ابن عمر - أتدرى كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة، قال الله ورسوله أعلم. قال لا يجهز على جريحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها ولا يقسم فيئها وذلك فى القتال.
وجوز القتال ما خيف شره ولو انهزم أو كف، أو ما خيف شوكته بأن يقاتل اذا استراح أو وجد غرة أو يتدبر كيف يظفر أو ما خيف انه له قوم ينصرونه أو نصره بلا مادة مثل أن يخاف المسلمون عدوا آخر ليس من ذلك العدو ولا معينا له أو يخاف المسلمون خذلانا أو هروبا فيقوى ذلك العدو فيجوز القتال فى تلك الأحوال الى أن يفئ الى أمر الله
(1)
.
ولا يقتل قاصد بالبغى سلبا أو سرقا أو فعل محرم كزنا وقبلة ولمس وثبوت لنظر حيث لا يحل له الثبوت أو النظر أو كل ذلك ..
لا يقتل بعد كفه عن البغى الذى قصد به بعض ما ذكر أو كله، أو منع نفسه دون بغيه أو دون ما بغى ليأخذه الا ان قاتل ابتداء أو أخذ ذلك وهرب به وقاتل فى هروبه من تبعه لرد ذلك أو أقام فى موضعه يقاتل أخذه أو لم يأخذه
(2)
.
ولزم الباغى ضمان المال والدم إلا أن كان متدينا فلا يلزم عند أصحابنا.
قال أصحابنا: ما تلف بين أهل البغى والعدل من نفس أو مال فلا ضمان على كل واحد من الفريقين لأن الصحابة ومن معهم تقاتلوا ولم يطالب أحدهم.
وعن الزهرى رحمه الله تعالى وقعت الفتنة العظمى بين الصحابة وهم متوافرون فأجمع رأيهم أن كل دم أريق بتأويل القرآن فهو هدر.
وكل مال تلف بتأويل القرآن فلا ضمان فيه.
وكل فرج استبيح بتأويل القرآن فلا حد فيه
(3)
.
(1)
شرح النيل العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 423، 424 طبع محمد بن يوسف البارونى.
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 430 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 7 ص 431 نفس الطبعة.
اعذار الزانى
مذهب الحنفية:
جاء فى تبيين الحقائق أن الزنا يثبت باقرار الزانى أربع مرات فى أربعه مجالس من مجالس المفر كلما أقر رده القاضى ويدل لذلك حديث ما عز رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر اقامة الحد عليه الى أن تم اقراره أربع مرات فى أربعة مجالس، فلو ظهر دون الأربع لما أخرها لثبوت الوجوب، وقد اختص الزنا بزيادة العدد فى الشهود وكذا فى الاقرار تعظيما لأمره وتحقيقا للستر، ولا بد من اختلاف المجالس لما رويناه ولأن لاتحاد المجلس أثرا فى جمع المتفرقات فعنده يتحقق شبهة الاتحاد فيه وهو قائم بالمقر فيعتبر مجلسه دون مجلس القاضى، ويرده القاضى كلما أقر فيذهب به حتى يغيب عن نظره فى كل مرة فيما يروى عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم طرد ماعزا حتى توارى بحيطان المدينة.
فان قيل انما رده صلى الله عليه وسلم قبل أن يتبين له عقله لأنه جاء أشعث أغبر متغير اللون، ولما استبان له عقله رجمه، ألا ترى انه صلى الله عليه وسلم قال له: أبك خبل، أبك جنون، فقال لا. فسأل عنه فقالوا ما نعلم فيه الا خيرا، وبعث الى أهله هل تنكرون من عقله شيئا فقالوا لا، فسأله عن احصانه فأخبره انه محصن فرجمه، قلنا: ليس كذلك لأن حاله يدل على كمال عقله اذ هى حالة التوبة والخوف من الله تعالى ولا يدل على جنونه، وقوله صلى الله عليه وسلم أبك خبل ابك جنون تلقين منه لما يدرأ به الحد كما قال صلى الله عليه وسلم له لعلك قبلتها لعلك باشرتها، والسؤال عنه كان على سبيل الاحتياط والدليل عليه ما قاله أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه له بعد ما أقر ثلاث مرات: انك ان اعترفت الرابعة رجمك فاعترف، وهذا دليل على أن هذا العدد كان معروفا بينهم ظاهرا عندهم، ألا ترى الى قول أبى بريدة كنا نتحدث فى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ماعزا لو قعد فى بيته بعد المرة الثالثة ولم يقر لم يرجمه، وصح أن الغامدية رجمها صلى الله عليه وسلم بعد ما أقرت أربع مرات وقال ابن أبى ليلى لا يعتبر اختلاف المجالس وانما يعتبر العدد فقط كما فى الشهادة، والحجة عليه ما بيناه.
وينبغى للامام أن يزجره عن الاقرار ويظهر الكراهية من ذلك ويأمر بابعاده عن مجلسه فى كل مرة لأنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك.
وقال عمر رضى الله تعالى عنه اطردوا المعترفين يعنى بالزنا فاذا تم اقراره أربع مرات سأله عن الزنا ما هو، وكيف هو؟ وأين هو؟ وأين زنى: وبمن زنى، ومتى زنى ليزول الاحتمال وقيل لا يسأله عن الزمان لأن تقادم العهد يمنع الشهادة دون الاقرار.
والأصح انه يسأله لاحتمال انه زنى فى صباه وهذا السؤال يكون بعد ما نظر فى حاله وعرف انه صحيح العقل كما فعل صلى الله عليه وسلم، ولا بد من التصريح به فى ذلك.
ولا يكتفى بالكناية لأنه صلى الله عليه وسلم قال لماعز فهل تدرى ما الزنا قال نعم، وقال له أنكتها ولا تكنى، قال نعم. فاذا بين ذلك وظهر زناه سأله عن الاحصان، فان قال له انه محصن. سأله عن الاحصان ما هو، فان وصفه بشرائطه حكم برجمه، ولا يعتبر اقراره عند غير القاضى ممن لا ولاية له فى اقامة الحدود ولو كان أربع مرات حتى لا تقبل الشهادة عليه بذلك لأنه ان كان منكرا فقد رجع وان كان مقرا لا تعتبر الشهادة مع الاقرار.
ولو أقر بالزنا مرتين وشهد عليه أربعة لا يحد عند أبى يوسف رحمه الله تعالى لأن الاقرار موجود حقيقة لكنه غير معتبر شرعا فأورثت الحقيقة شبهة وهو يدرأ بها فصار كما اذا كانت معتبرة شرعا،
وقال محمد رحمه الله تعالى: يحد لأن هذا الاقرار ليس بحجة فلا يعتد به فيكون الامتناع عن الباقى دليل الرجوع او هو غير صحيح فيه فيلتحق بالعدم شرعا فبقيت الشهادة وحدها هى الحجة فيقبل.
فان رجع عن اقراره قبل الحد أو فى وسطه خلى سبيله لأن الرجوع خبر يحتمل الصدق والكذب كالاقرار الأول فأورث شبهة وهو يدرأ بها وهذا لأن كل واحد من كلاميه يحتملها فلا يمكن العمل بأحدهما لعدم الأولوية فيترك على ما كان بخلاف القصاص وحد القذف لأنه من حقوق العباد وهو يكذبه والحد حق الله تعالى فلا يكذب له والى صحة الرجوع أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: هلا تركتموه حين أخبر بفرار ماعز.
وقال ابن ابى ليلى رحمه الله تعالى: يحد لوجوبه لاقراره فلا يبطل بعد ذلك بانكاره وهذا لأنه احدى الحجتين فصار ثبوته به كثبوته بالشهادة كالقصاص وحد القذف.
ويستحب للامام أن يلقنه الرجوع بقوله: لعلك قبلتها أو لمستها أو وطئتها بشبهة أو بنكاح أو بملك يمين لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال لماعز: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت.
قال لا يا رسول الله. قال: أنكتها ولا تكنى؟ قال نعم. فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخارى واحمد وأبو داود رضى الله عنهما، وقال صلى الله عليه وسلم فى رواية: أنكتها كما يغيب المرود فى المكحلة والرشاء فى البئر؟ قال: نعم. فقال: فهل تدرى ما الزنا؟ قال:
نعم: أتيت منها حراما ما يأتى الرجل من امرأته حلالا. الى آخر الحديث
(1)
.
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان بن على الزيلعى ج 3 ص 166 - 167 فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ شهاب الدين احمد الشلبى على شرح كنز الدقائق الطبعة الاولى، طبع المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق مصر سنة 1313 هـ.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن الزنا يثبت باقرار الزانى مرة الا أن يرجع مطلقا سواء رجع الى ما يعذر به أو أكذب نفسه من غير أن يبدى عذرا.
فان أنكر الاقرار فان انكاره كتكذيب نفسه على قول ابن القاسم رحمه الله تعالى الذى مشى عليه خليل رضى الله تعالى عنه من انه يقبل رجوعه ولو كان لغير شبهة، قاله فى التوضيح فى باب الزنا وفى باب الشهادات
(1)
.
وجاء فى التاج والاكليل نقلا عن ابن عرفة رحمه الله تعالى أن نصوص المدونة وغيرها واضحة بحد المقر بالزنا طوعا ولو مرة واحدة.
وجاء فى الموازية انه ان رجع عن اقراره لوجه وسبب لم يختلف أصحاب مالك رحمه الله تعالى فى قبول رجوعه.
قال الباجى رحمه الله تعالى: وان رجع لغير شبهة فروى ابن وهب ومطرف انه يقال، وقاله ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم رحمهم الله تعالى.
وروى عن مالك: لا يقبل منه.
قال أبو عمر رحمه الله تعالى: اختلف قول مالك فى المقر بالزنا أو بشرب الخمر يقام عليه بعض الحد فيرجع تحت الجلد.
فقال مرة أن يقيم أكثر:
وقال مرة يقال ولا يضرب بعد رجوعه وهو قول ابن القاسم وجماعة العلماء
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الزنا يثبت باقرار حقيقى ولو مرة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رجم ماعزا والغامدية باقرارهما رواه مسلم خلافا لمن قال ان الاقرار لا بد من أن يكون أربعا لأنه صلى الله عليه وسلم انما كرره على ماعز فى خبره ولأنه شك فى عقله، ولهذا قال أبك جنون، ولم يكرره فى خبر الغامدية، ويعتبر كون الاقرار مفصلا كالشهادة فلا يستوفى القاضى الحد بعلمه
(3)
.
ولو أقر بالزنا ثم رجع عنه سقط الحد عنه لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرض لماعز بالرجوع بقوله: لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت؟ فلو لم يسقط به الحد لما كان له معنى، ولأنهم لما رجموه. قال: ردونى الى
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر ابى الضياء خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج 6 ص 294 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف ابن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ
(2)
التاج والاكليل لمختصر خليل ابى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العيدرى الشهير بالمواق ج 6 ص 294 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 4 ص 138 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يسمعوا، وذكروا ذلك للنبى صلى الله عليه وسلم فقال:
هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه.
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى: هذا أوضح دليل على أنه يقبل رجوعه لكن لو قتل بعد الرجوع لم يقتص من قاتله لاختلاف العلماء فى سقوط الحد بالرجوع ويضمن بالدية كما قال له ابن المقرى رحمه الله تعالى لأن الضمان بها يجامع الشبهة.
ويحصل الرجوع بقوله كذبت أو رجعت عما أقررت به أو ما زنيت أو كنت فاخذت أو نحو ذلك وسواء رجع بعد الشروع فى الحد أو قبله.
فان رجع فى أثنائه فكمل الامام متعديا بأن كان يعتقد سقوطه بالرجوع فمات بذلك فهل يجب عليه نصف الدية لأنه مات بمضمون وغيره أو توزع الدية على السياط قولان.
أقربهما كما قال شيخنا رحمه الله تعالى.
الثانى: كما لو ضربه زائدا على حد القذف.
ويسن لمن اقر بزنا او شرب مسكرا الرجوع كما يستتر ابتداء كما رجمه فى الروضة
(1)
.
ولو قال المقر بالزنا لا تحدونى أو هرب من اقامة الحد فلا يسقط عنه فى الأصح لأنه قد صرح بالاقرار ولم يصرح بالرجوع ولكن يكف عنه فى الحال ولا يتبع.
فان رجع فذاك والا حد.
وان لم يكف عنه فمات فلا ضمان لأنه صلى الله عليه وسلم لم يوجب عليهم فى قصة ماعز شيئا والثانى يسقط لاشعاره بالرجوع
(2)
.
ولو شهد أربعة من الرجال بزناها وأربع نسوة أو رجلان كما قال البلقينى رحمه الله تعالى أو رجل وامرأتان كما قاله غيره انها عذراء لم تحد هى لشبهة بقاء العذرة.
والحد يدرأ بالشبهات لأن الظاهر من حالها انها لم توطا ولم يحد قاذفها لقيام البينة بزناها واحتمال عود بكارتها لترك المبالغة فى الافتضاض
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن الزنا ان ثبت باقرار اعتبر اقراره أربع مرات، وبهذا قال الحكم وابن أبى ليلى وأصحاب الرأى رحمهم الله تعالى.
وقال الحسن وحماد وأبو ثور وابن المنذر يحد باقراره مرة لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «واغد يا انيس الى امرأة هذا فان اعترفت فارجمها» واعتراف مرة اعتراف، وقد أوجب عليها الرجم به ورجم الجهينية وانما اعترفت مرة.
وقال عمر رضى الله تعالى عنه ان الرجم
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 139 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 139 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 139، 140 نفس الطبعة.
حق واجب على من زنى وقد احصن اذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ولأنه حق فيثبت باعتراف مرة كسائر الحقوق. ويدل لنا ما روى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه قال:
أتى رجل من الأسلميين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو فى المسجد فقال يا رسول الله انى زنيت، فأعرض عنه، فتنحى تلقاء وجهه فقال يا رسول الله انى زنيت فأعرض عنه حتى ثنى ذلك أربع مرات، فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ابك جنون؟ قال: لا، قال: فهل احصنت؟ قال: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ارجموه» متفق عليه.
ولو وجب الحد بمرة لم يعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يجوز ترك حد وجب لله تعالى، وروى نعيم بن هزال حديثه، وفيه حتى قالها أربع مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«انك قد قلتها أربع مرات، فبمن؟، قال بفلانة» . رواه أبو داود رحمه الله تعالى، وهذا تعليل منه يدل على أن اقرار الأربع هى الموجبة.
وروى أبو برزة الاسلمى ان أبا بكر الصديق رضى الله تعالى عنه قال له عند النبى صلى الله عليه وسلم: ان اقررت اربعا رجمك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا يدل من وجهين:
أحدهما: أن النبى صلى الله عليه وسلم أقره على هذا ولم ينكره، فكان بمنزلة قوله لأنه لا يقر على الخطأ.
الثانى: انه قد علم هذا من حكم النبى صلى الله عليه وسلم ولولا ذلك ما تجاسر على قوله بين يديه.
فأما حديث أنيس وغيره فان الاعتراف لفظ المصدر يقع على القليل والكثير وحديثنا يفسره ويبين ان الاعتراف الذى يثبت كان أربعا. وسواء كان ذلك فى مجلس واحد أو مجالس متفرقة.
قال الاثرم: سمعت ابا عبد الله يسأل عن الزانى يردد اربع مرات، قال: نعم على حديث ماعز هو أحوط، قلت له فى مجلس واحد أو فى مجالس شتى قال:
أما الأحاديث فليست تدل الا على مجلس واحد الا ذاك الشيخ بشير بن مهاجر عن عبد الله ابن بريدة عن أبيه، وذاك عندى منكر الحديث، ويدل لقولنا ان الحديث الصحيح انما يدل على أنه أقر أربعا فى مجلس واحد، وقد ذكرنا الحديث ولأنه احدى حجتى الزنا فاكتفى به فى مجلس واحد كالبينة.
ويعتبر فى صحة الاقرار يذكر حقيقة الفعل لنزول الشبهة لأن الزنا يعبر عما ليس بموجب للحد، وقد روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لماعز:«لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت» قال: لا. قال: «أفنكتها» لا تكنى؟، قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه. رواه البخارى. وفى رواية عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال: «افنكتها» قال: نعم.
قال: «حتى غاب ذاك منك فى ذاك منها» .
قال: نعم. قال: كما يغيب المرود فى المكحلة
والرشاء فى البئر؟ قال: نعم قال: فهل تدرى ما الزنا؟ قال: نعم. أتيت منها حراما ما يأتى الرجل من امرأته حلالا. وذكر الحديث رواه أبو داود
(1)
.
هذا ومن شرط اقامة الحد بالاقرار البقاء على الاقرار الى تمام الحد.
فان رجع عن اقراره أو هرب كف عنه.
وبهذا قال عطاء ويحيى بن يعمر والزهرى وحماد والثورى واسحاق رضى الله تعالى عنهم.
وقال الحسن وسعيد بن جبير وابن أبى ليلى رضى الله تعالى عنهم: يقام عليه الحد ولا يترك لأن ماعزا هرب فقتلوه ولم يتركوه، وروى انه قال:«ردونى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قومى هم غرونى من نفسى وأخبرونى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلى فلم ينزعوا عنه حتى قتلوه» -.
أخرجه أبو داود ولو قبل رجوعه للزمتهم ديته ولأنه حق وجب باقراره فلم يقبل رجوعه كسائر الحقوق.
وحكى عن الاوزاعى رحمه الله تعالى انه ان رجع حد للفرية على نفسه ويدل لنا أن ماعزا هرب فذكر للنبى صلى الله عليه وسلم فقال:
«هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه» .
قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
ثبت من حديث أبى هريرة وجابر ونعيم بن هزال ونصر بن داهر وغيرهم «أن ماعزا لما هرب فقال لهم ردونى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه» ففى هذا أوضح الدلائل على أنه يقبل رجوعه، وعن بريده رضى الله تعالى عنه قال:«كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وانما رجمهما عند الرابعة» رواه أبو داود رحمه الله تعالى، ولأن رجوعه شبهة والحدود تدرأ بالشبهات، ولأن الاقرار احدى بينتى الحد فيسقط بالرجوع عنه كالبينة اذا رجعت قبل اقامة الحد.
وفارق سائر الحقوق فانها لا تدرأ بالشبهات.
وانما لم يجب ضمان ماعز على الذين قتلوه بعد هربه لأنه ليس بصريح فى الرجوع.
اذا ثبت هذا فانه اذا هرب لم يتبع لقول النبى صلى الله عليه وسلم: «هلا تركتموه؟» .
وان لم يترك وقتل لم يضمن لأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يضمن ماعزا من قتله ولأن هربه ليس بصريح فى رجوعه.
وان قال ردونى الى الحاكم وجب رده ولم يجز اتمام الحد.
فان أتم فلا ضمان على من أتمه لما ذكرنا فى هربه.
(1)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن احمد ابن محمد بن قدامة المقدسى على مختصر ابى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن احمد الخرقى ج 8 ص 191 وما بعدها الى ص 193 تعليق السيد محمد رشيد رضا، الطبعة الثالثة طبع دار المنار سنة 1967 هـ
وان رجع عن اقراره وقال: كذبت فى اقرارى أو رجعت عنه أو لم افعل ما أقررت به وجب تركه.
فان قتله قاتل بعد ذلك وجب ضمانه لأنه قد زال اقراره بالرجوع عنه فصار كمن لم يقر ولا قصاص على قاتله لأن أهل العلم اختلفوا فى صحة رجوعه فكان اختلافهم شبهة دارئة للقصاص، ولأن صحة الاقرار مما يخفى فيكون ذلك عذرا مانعا من وجوب القصاص
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى انه اذا صح الاعتراف بالزنا مرة أو ألف مرة فهو كله سواء فى ايجاب الحد ولا بد، وليس الترديد أربع مرات شرطا فى اقامة الحد وذلك لما رواه عبد الله بن بريدة عن أبيه رضى الله تعالى عنهما أن ماعز ابن مالك الأسلمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله انى قد ظلمت نفسى وزنيت وأنى أريد أن تطهرنى فرده، فلما كان من الغد أتاه فقال: يا رسول الله انى قد زنيت فرده الثانية، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الى قومه فقال: أتعلمون بعقله بأسا أتنكرون منه شيئا؟ فقالوا ما نعلم الا أنه وفى العقل من صالحينا فيما نرى، فأتاه الثالثة فأرسل اليهم أيضا فسأل عنه فأخبروه انه لا بأس به ولا بعلقه، فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم امر به فرجم، فجاءت الغامدية فقالت يا رسول الله انى قد زنيت فطهرنى، وانه صلى الله عليه وسلم ردها، فلما كان الغد قالت:
يا رسول الله أتردنى لعلك تريد أن تردنى كما رددت ماعزا، فو الله انى لحبلى، قال لها:
لا، أما الآن فاذهبى حتى تلدى، فلما ولدت أتته بالصبى فى خرقة قالت: هذا قد ولدته قال: فاذهبى فارضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتت بالصبى فى يده كسرة خبر قالت: هذا يا رسول الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبى الى رجل من المسلمين ثم امر بها فحفر لها الى صدرها وأمر الناس فرجموها، فهذا هو البيان الجلى من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأى شئ رد ماعزا، لأن الغامدية قررته صلى الله عليه وسلم على أنه رد ماعزا وانه لا يحتاج الى ترديدها لأن الزنا الذى افرت به صحيح ثابت وقد ظهرت علامته وهى حبلها - فصدقها رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك وأمسك عن ترديدها.
ولو كان ترديده صلى الله عليه وسلم ماعزا من أجل أن الاقرار لا يصح بالزنا حتى يتم أربع مرات لأنكر عليها هذا الكلام ولقال لها: لا شك انما أردك كما رددت ماعزا لأن الاقرار لا يتم الا بأربع مرات وهو صلى الله عليه وسلم لا يقر على الخطأ ولا على باطل، فصح يقينا انها صادقة فانها لا تحتاج من الترديد الى ما احتاج اليه ماعز ولذلك لم يردها صلى الله عليه وسلم.
وصح أن ترديده صلى الله عليه وسلم ماعزا انما كان لوجهين:
أحدهما: ما نص صلى الله عليه وسلم من تهمته لعقله فسأل صلى الله عليه وسلم قومه المرة بعد المرة هل به جنون.
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 197، 198 نفس الطبعة
والوجه الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتهمه أنه لا يدرى ما الزنا فردده لذلك وقرره كما روى عكرمة عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهم، ان الاسلمى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعترف بالزنا فقال لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت فقد صح يقينا ان ترديد النبى صلى الله عليه وسلم لماعز لم يكون مراعاة لتمام الاقرار أربع مرات أصلا وانما كان لتهمته اياه فى عقله وفى جهله ما هو الزنا
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار ان الاقرار بالزنا كالشهادة اجماعا، قالت العترة: وتكراره أربعا شرط، لفعله صلى الله عليه وسلم فى الرجل الأسلمى.
وقال البتى رحمه الله تعالى بل يكفى مرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنيس:
«فان اعترفت فارجمها» ولم يذكر التكرار، ويدل لنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لماعز:«الآن تم الاقرار أربعا فارجموه» ونحوه فيحمل عليه المطلق
(2)
.
وجاء فى شرح الأزهار انه متى ثبت الزنا باقرار الزانى فلا بد فيه من اربعة قيود.
الأول أن يقر به مفصلا نحو ان يقول زنيت بفلانة مفسرا له بالايلاج فى فرج من يحرم عليه وطؤها.
قال فى الكافى وان أقر بالزنا بامرأة لا يعرفها هو ولا الحاكم فانه يحد ما اذا شهد عليه شهود انه زنى بامرأة لا يعرفونها فانه لا يحد لجواز انها زوجة له.
القيد الثانى: أن يقر أربع مرات وسواء كان حرا أم عبدا.
القيد الثالث: أن تكون هذه الأربع مفرقة فى أربعة من مجالس المقر.
القيد الرابع: أن تكون هذه الأربع كلها عند من اليه الحد وصورة ذلك أن يغيب عن القاضى بحيث لا يراه ثم يأتى ويقر وسواء كان مجلس الحاكم واحدا أم أكثر، وسواء كان المقر فى مجلس واحد أم أكثر، وحكى فى الزوائد عن المؤيد بالله عليه السلام انه يصح أن تكون الأربع فى مجلس واحد، فمتى كملت هذه القيود لزم الحد وان اختل أحدها لم يلزم
(3)
.
قال فى البحر الزخار: وعلى الامام استفسار كل المسقطات لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما انه لما أتى ماعز رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: لعلك قبلت
(1)
المحلى لأبى محمد على بن احمد بن سعيد بن حزم ج 11 ص 176 وما بعدها الى ص 181 مسئلة رقم 2191 بتحقيق محمد منير الدمشقى طبع ادارة الطباعة المنيرية بالقاهرة سنة 1352 هـ.
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 5 ص 152، 153 للامام احمد ابن يحيى بن المرتضى الطبعة الاولى مكتبة الخانجى بمصر سنة 1368 هـ سنة 1949 م.
(3)
شرح الازهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 337 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
أو غمزت أو نظرت؟ قال: لا يا رسول الله.
قال: انكتها لا تكنى؟ قال: نعم. فعند ذلك أمر برجمه». هذه رواية البخارى وأبى داود رضى الله تعالى عنهما.
وفى رواية مسلم: «أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك: أحق ما بلغنى انك وقعت بجارية آل فلان؟ قال نعم، فشهد أربع شهادات ثم أمر به فرجم»
(1)
.
وجاء فى شرح الأزهار أنه يندب للامام وغيره تلقين ما يسقط الحد نحو أن يقول: لعلك اكرهت لعلك ظننتها زوجتك، لعلك كنت نائما، وذلك لما روى أن رجلا جاء إلى النبى صلى الله عليه وسلم يشهد على نفسه بالزنا فرده اربعا، فلما جاء فى الخامسة قال أتدرى ما الزنا؟ قال نعم أتيتها حراما، حتى غاب ذلك منى فى ذلك منها كما يغيب الميل فى المكحلة والرشاء فى البئر، فأمر صلى الله عليه وسلم برجمه
(2)
.
ثم اذا أقر بالزنا أربع مرات ثم رجع عن اقراره فانه يقبل رجوعه ويدرأ عنه الحد برجوعه عن الاقرار رجلا كان ام امرأة.
ولو كان رجوعه حال اقامة الحد فيمتنع الاتمام.
فان قامت الشهادة بعد رجوعه حد لحصول سببه
(3)
.
وعلى من يقيم للحد استفصال كل المسقطات فيجب عليه أن يسأل عن عدالة الشهود وصحة عقولهم وأبصارهم، ويسأل هل بين الشهود والمشهود عليه عداوة ثم يسأل عن المشهود عليه هل هو حر أم عبد، محصن أم غير محصن، مكره أم غير مكره، يسأل عن الزمان والمكان، وعن عين الفعل وكيفيته.
فان قصر الامام فى استفصال شئ مما تقدم نحو أن يشهد الشهود على رجل بالزنا وهو محصن فى الظاهر فرجمه الامام ثم علم انه كان مجبوبا ضمن ان تعمد لتقصيره.
وهل يجب عليه القود أو الدية ينظر فيه.
وان لم يعتمد التقصير بل كان على وجه الخطأ فبيت المال تلزم فيه الدية.
وان كان سئل عن عقله فقامت البينة بذلك كانت الدية على الشهود.
وان وجد بعد الرجم مملوكا كانت قيمنه من بيت المال.
فان كان الشهود شهدوا بحريته فعلى الشهود ان تعمدوا الا فعلى عواقلهم
(4)
.
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام احمد بن يحيى المرتضى ج 5 ص 153 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار فى فقه الائمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 347 الطبعة السابقة
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 349 نفس الطبعة.
(4)
شرح الازهار فى فقه الائمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 350، 351 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف انه لا يجب الحد بالزنا الا باقرار أربع مرات فى أربعة مجالس فاما الاقرار دفعة واحدة فلا يثبت به على حال وذلك لاجماع الفرقة واخبارهم، وأيضا لأن الأصل براءة الذمة واذا أقر أربع مرات على ما بيناه لزمه الحد بلا خلاف ولا دليل على استحقاق الحد باقراره مرة واحدة.
وروى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما ان ماعزا أقر عند النبى صلى الله عليه وسلم مرتين فاعرض ثم أقر مرتين فأمر صلى الله عليه وسلم برجمه.
وروى ان ابا بكر رضى الله تعالى عنه قال لماعز ان أقررت أربع مرات رجمك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
.
واذا أقر بحد ثم رجع عنه سقط الحد وذلك لاجماع الفرقة. وأيضا فان ماعزا أقر عند النبى صلى الله عليه وسلم بالزنا فأعرض عنه مرتين أو ثلاثا ثم قال لعلك لمست لعلك قبلت، فعرض له بالرجوع حين أعرض عند اقراره وصرح له بذلك فى قوله لعلك لمست لعلك قبلت ولولا أن ذلك يقبل منه لم يكن له فائدة
(2)
.
واذا شهد أربع شهود بالزنا فكذبهم أقيم عليه الحد بلا خلاف لعموم الاخبار التى وردت فى وجوب اقامة الحد اذا قامت عليه البينة أربعة ولم يفصلوا
(3)
.
واذا شهد أربعة شهود على رجل بالزنا بامرأة فشهد اثنان انه أكرهها وشهد آخران انها طاوعته.
قال الشافعى رحمه الله تعالى لا يجب عليه الحد وهو الأقوى عندى لأن الأصل براءة ذمته وايجاب الحد يحتاج الى دليل، وأيضا لأن الشهادة لم تكمل بفعل واحد وانما شهادة على فعلين لأن الزنا طوعا غير الزنا كرها.
وقال ابو حنيفة رحمة الله تعالى عليه الحد وبه قال أبو العباس رحمه الله تعالى
(4)
.
واذا شهد أربعة ثم رجع واحد منهم عن شهادته فلا حد على المشهود عليه بلا خلاف
(5)
.
وجاء فى الروضة البهية انه يستحب للامام أن يعرض للمقر بحد الله تعالى بالكف عن الاقرار والتأويل، لقضية ماعز بن مالك عند النبى صلى الله عليه وسلم حين أقر عنده بالزنا فى أربعة مواضع، والنبى صلى الله عليه وآله وسلم يردده ويوقف عزمه تعريضا لرجوعه، ويقول له لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت، قال لا.
(1)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 443 مسئلة رقم 16 الطبعة الثانية طبع مطبعة تايان فى طهران سنة 1382 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 443 مسئلة رقم 17 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 444 مسئلة رقم 19 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 445 مسئلة رقم 34 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 449، 450 مسئلة رقم 34 نفس الطبعة.
قال: أفنكتها لا تكنى، قال: نعم. قال صلى الله عليه وسلم: حتى غاب ذلك منك فى ذلك منها؟ قال: نعم. قال: كما يغيب المرود فى المكافحة والرشا فى البئر، قال: نعم.
قال: هل تدرى ما الزنا؟ قال: نعم أتيت منها حراما ما يأتى الرجل من امرأته حلالا فعند ذلك أمر صلى الله عليه وسلم برجمه. وكما يستحب تعريضه للانكار يكره لمن علمه منه غير الحاكم حثه على الاقرار لأن هزالا قال لماعز. بادر الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن ينزل فيك قرآن فقال له النبى صلى الله عليه وسلم لما علم به: ألا سترته بثوبك كان خيرا لك
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى جوهر النظام ما يفيد أن حد الزنا انما يلزم بالاقرار ثلاث مرات من غير انكار يقر فيها انه زنى.
والاقرار فى المرة الرابعة توجب حده، وذلك ان كان خاليا من نحو الجنون والعتة.
وانما يؤمر بالتمهل فى اقراره مخافة الفساد، وذلك لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لماعز بن مالك حين أقر بالزنا أفيك شئ من جنون؟ فقال: لا ولكننى أردت تطهير نفسى مما صنعت.
فاذا أقر بالزنا ثم رجع عن اقراره قبل أن يشرع فى حده منع الحد وقبل رجوعه واذا ثبت عند الامام ما أتى الزانى جاز له ان يحتال فى دفعه عنه اذا رأى مجالا. قال صاحب جوهر النظام
(2)
.
وانما يلزم بالاقرار
…
ثلاث مرات بلا انكار
يقر انه زنى والرابعة
…
توجب حده بلا مخالفة
ان كان قد خلا من الجنون
…
وعته فى عقله المصون
وانما يؤمر بالتمهل
…
به مخافة الفساد المخبل
قال النبى اذا أقر ماعز
…
أفيك شئ من جنون غامز
فقال لا لكننى أردت
…
تطهير ما كنت له صنعت
وان يكن أقر ثم رجعا
…
قبل الشروع حده قد منعا
ومن أتى فليسترن ما أتى
…
وان يكن عند الامام ثبتا
فجائز له بأن يحتالا
…
بدفعه اذا رأى مجالا
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 244 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر.
(2)
جوهر النظام فى علمى الاديان والأحكام لأبن حميد السالمى ص 590، 591 طبع المطبعة العربية بمصر سنة 1344 هـ.
اعذار الكفار
عند مجاهدتهم
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الأمر فيما يجب على الغزاء الافتتاح به حالة الوقعة ولقاء العدو لا يخلو من أحد وجهين:
اما أن تكون الدعوة قد بلغتهم.
واما أن تكون الدعوة لم تبلغهم.
فان كانت الدعوة لم تبلغهم فعلى الغزاة أن يفتحوا بالدعوة الى الاسلام باللسان لقول الله تبارك وتعالى:
(1)
.
ولا يجوز لهم القتال قبل الدعوة لأن الايمان وان وجب عليهم قبل بلوغ الدعوة بمجرد الفعل فاستحقوا القتل بالامتناع لكن الله تبارك وتعالى حرم قتالهم قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وبلوغ الدعوة اياهم فضلا منه ومنة قطعا لمعذرتهم بالكلية وان كان لا عذر لهم فى الحقيقة لما أقام الله سبحانه تعالى من الدلائل العقلية التى لو تأملوها حق التأمل ونظروا فيها لعرفوا حق الله تبارك وتعالى عليهم لكن تفضل عليهم بارسال الرسل صلوات الله تعالى وسلامه عليهم أجلعين لئلا يبقى لهم شبهة عذر فيقولون ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فنتبع آياتك وان لم يكن لهم أن يقولوا ذلك فى الحقيقة لما بينا، ولأن القتال ما فرض لعينة بل للدعوة الى الاسلام.
والدعوة دعوتان.
دعوة بالبنان وهى القتال.
ودعوة بالبيان وهو اللسان وذلك بالتبليغ.
والثانية أهون من الأولى لأن فى القتال مخاطرة الروح والنفس والمال وليس فى دعوة التبليغ شئ من ذلك.
فاذا احتمل حصول المقصود بأهون الدعوتين لزم الافتتاح بها.
هذا اذا كانت الدعوة لم تبلغهم.
فان كانت قد بلغتهم جاز لهم أن يفتتحوا القتال من غير تجديد الدعوة لما بينا من أن الحجة لازمة والعذر فى الحقيقة منقطع وشبهة العذر انقطعت بالتبليغ مرة، لكن مع هذا الافضل أن لا يفتتحوا القتال الا بعد تجديد الدعوة لرجاء الاجابة فى الجملة وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقاتل الكفرة حتى يدعوهم الى الاسلام فيما كان دعاهم غير مرة فدل هذا ان الافتتاح بتجديد الدعوة أفضل، ثم اذا دعوهم الى الاسلام فان أسلموا كفوا عن القتال لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن
(1)
الآية رقم 125 من سورة النحل.
أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها».
ولقوله صلى الله عليه وسلم: «من قال لا اله الا الله فقد عصم منى دمه وماله» .
فان أبوا الاجابة الى الاسلام دعوهم الى الذمة الا مشركى العرب والمرتدين.
فان أجابوا كفوا عنهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«فان قبلوا عقد الذمة فاعلمهم ان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين» .
وان ابوا استعانوا بالله سبحانه وتعالى على قتالهم ووثقوا بعهد الله سبحانه وتعالى النصر لهم بعد أن بذلوا جهدهم واستفرغوا وسعهم وثبتوا واطاعوا الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وذكروا الله كثيرا على ما قال تبارك وتعالى:
(1)
.
ولهم أن يقاتلوا وان لم يبدأوا بالدعوة لقول الله عز وجل:
«فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ»
(2)
.
وسواء كان فى الاشهر الحرم أو فى غيرها لأن حرمة القتال فى الاشهر الحرم صارت منسوخة بآية السيف وغيرها من آيات القتال.
ولا بأس بالاغارة والبيات عليهم.
ولا بأس بقطع أشجارهم المثمرة وغير المثمرة وافساد زروعهم لقول الله تبارك وتعالى:
«ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ}
(3)
.
ولا بأس باحراق حصونهم بالنار واغراقها بالماء وتخريبها وهدمها عليهم ونصب المنجنيق عليها لقول الله عز وجل:
«يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ»
(4)
.
أما مشركو العرب
(5)
فلا يدعون الى الذمة ولا يقبل منهم الا الاسلام أو السيف لقول الله عز وجل:
(6)
.
أمر سبحانه وتعالى بقتل المشركين ولم
(1)
الآية 45، 46 من سورة الانفال.
(2)
الآية رقم 5 من سورة التوبة.
(3)
الآية رقم 5 من سورة الحشر
(4)
الآية رقم 2 من سورة الحشر
(5)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 7 ص 100 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ - سنة 1910 م.
(6)
الآية رقم 5 من سورة التوبة
يأمر بتخلية سبيلهم الا عند توبتهم، وهى الاسلام.
ويجوز عقد الذمة مع أهل الكتاب لقول الله تبارك وتعالى:
(1)
.
وسواء كانوا من العرب او من العجم لعموم النص.
ويجوز مع المجوس لأنهم ملحقون بأهل الكتاب فى حق الجزية لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال فى المجوس:
وكذلك فعل سيدنا عمر رضى الله تعالى عنه بسواد العراق وضرب الجزية على جماجمهم والخراج على أراضيهم. ثم وجه الفرق بين مشركى العرب وغيرهم من أهل الكتاب ومشركى العجم ان أهل الكتاب انما تركوا بالذمة وقبول الجزية لا رغبة فيما يؤخذ منهم أو طمع فى ذلك بل للدعوة الى الاسلام ليخالطوا المسلمين فيتأملوا فى محاسن الاسلام وشرائعه وينظروا فيها فيروها مؤسسة على ما تحتمله العقول وتقبله، فيدعوهم ذلك الى الاسلام فيرغبون فيه فكان عقد الذمة لرجاء الاسلام وهذا المعنى لا يحصل بعقد الذمة مع مشركى العرب لأنهم أهل تقليد وعادة لا يعرفون سوى العادة وتقليد الآباء، بل يعبدون ما سوى ذلك سخرية وجنونا فلا يشتغلون بالتأمل والنظر فى محاسن الشريعة ليقفوا عليها فيدعوهم الى الاسلام فتعين السيف داعيا لهم الى الاسلام، ولهذا لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم الجزية ومشركوا العجم ملحقون بأهل الكتاب فى هذا الحكم بالنص الذى روينا.
وكذلك الشأن بالنسبة للمرتد فانه لا يقبل من المرتد أيضا الا الاسلام أو السيف لقول الله تبارك وتعالى:
«تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ»
(2)
.
قيل ان الآية نزلت فى أهل الردة من بنى حنيفة ولأن العقد فى حق المرتد لا يقع وسيلة الى الاسلام لأن الظاهر أنه لا ينتقل عن دين الاسلام بعد ما عرف محاسنه وشرائعه المحمودة فى العقول الا لسوء اختياره وشؤم طبعه فيقع اليأس عن فلاحه فلا يكون عقد الذمة وقبول الجزية فى حقه وسيلة الى الاسلام
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والإكليل نقلا عن الرسالة انه أحب الينا أن لا يقاتل العدو حتى يدعوا الى دين الله.
فاما أن يسلموا.
أو يؤدوا الجزية.
والا قوتلوا.
(1)
الآية رقم 29 من سورة التوبة
(2)
الآية رقم 16 من سورة الفتح
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 110، 111 الطبعة السابقة.
وقد قال مالك رحمه الله تعالى: لا يقاتل المشركون حتى يدعوا.
قال اصبغ رحمة الله تعالى وبهذا كتب عمر بن عبد العزيز رضى الله تعالى عنه: لأنا انما نقاتلهم على الدين وانه يخيل اليهم والى كثير منا أن ما نقاتلهم على الغلبة، فلا يقاتلون حتى يتبينوا.
قيل لأصبغ رحمه الله تعالى: أرأيت من دعى الى الاسلام والجزية فأبوا فقوتلوا مرارا يدعور كلما عزوناهم قال: أما الجيوش الغالبة الظاهرة فلا يقاتلوا قوما ولا حصنا حتى يدعوهم لأنهم لم يخرجوا لطلب غرة ولا لانتهاز فرصة، وانما خرجوا ظاهرين قاهرين.
وأما السرايا وشبهها التى تطلب الغرة وتنتهز الفرصة فلا دعوة عليهم لأن دعوتهم انذار وتجليب عليهم مع ما فى الدعوة من الاختلاف
وقد قال جل الناس: الدعوة بلغت جميع الامم.
قال ابن حبيب قال مالك رحمه الله تعالى:
اذا وجبت الدعوة فاما يدعوا الى الاسلام جملة من غير ذكر الشرائع الا أن يسألوا عنها فلتبين لهم وكذلك يدعون الى الجزية مجملا بلا توقيت ولا تحديد الا أن يسألوا عن ذلك فيبين لهم.
قال ابو عمر رحمه الله تعالى ولا يجوز تبييت من لم تبلغه دعوة.
قال سحنون رحمه الله تعالى:
واذا بذلوا الجزية يعطونها عاما بعد عام على أن يقيموا بموضع كانوا بموضع يناله سلطان الاسلام وحكمه قبلت منهم، وان كانوا فى بعد من سلطاننا فلا نقبل منهم الجزية ألا أن ينتقلوا الى حيث سلطاننا
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المهذب انه ان كان العدو ممن لم تبلغهم الدعوة لم يجز قتالهم حتى يدعوهم الى الاسلام لأنه لا يلزمهم الاسلام قبل العلم به، والدليل على ذلك قول الله عز وجل:
«وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً»
(2)
.
ولا يجوز قتالهم على ما لا يلزمهم.
وان بلغتهم الدعوة فالأحب أن يعرض عليهم الاسلام لما روى سهل بن سعد رضى الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى كرم الله تعالى وجهه يوم خيبر: اذا نزلت بساحتهم فادعهم الى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فو الله لأن يهدى الله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
وان قاتلهم من غير أن يعرض عليهم الاسلام جاز لما روى نافع رضى الله تعالى عنه قال: أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على
(1)
التاج والاكليل شرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 3 ص 350 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب، الطبعة الأولى، طبعة مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.
(2)
الآية رقم 15 من سورة الاسراء.
بنى المصطلق وهم غارون، وروى: وهم غافلون.
فان كانوا ممن لا يجوز اقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم الى أن يسلموا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها.
وان كانوا ممن يجوز اقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم الى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية، والدليل عليه قول الله عز وجل:
«قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ}.
{حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ}
(1)
.
وروى بريدة رضى الله تعالى عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بعث اميرا على جيش أو سرية قال اذا أنت لقيت عدوا من المشركين فادعهم الى احدى ثلاث خصال.
فأيتهن ما أجابوك اليها فاقبل منهم وكف عنهم.
ادعهم الى الدخول فى الاسلام.
فان أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
ثم ادعهم الى التحول من دارهم الى دار الهجرة.
فان فعلوا فاخبرهم أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين.
فان دخلوا فى الاسلام وأبوا أن يتحولوا الى دار الهجرة فاخبرهم انهم كاعراب المؤمنين الذين يجرى عليهم حكم الله تعالى ولا يكون لهم فى الفئ والغنيمة شئ حتى يجاهدوا مع المؤمنين.
فان فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم.
وان أبوا فادعهم الى اعطاء الجزية.
فان فعلوا فاقبل منهم وكف عنهم.
وان أبوا فاستعن بالله عليهم ثم قابلهم
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن الكفار قسمان:
أهل الكتاب والمجوس.
وعبدة الأوثان.
أما أهل الكتاب والمجوس فلا يدعون قبل القتال لأن الدعوة قد أنتشرت وعمت فلم يبق منهم من لم تبلغه الدعوة الا نادر بعيد.
وأما عبدة الأوثان فمن بلغته الدعوة منهم لا يدعى، ومن لم تبلغه الدعوة دعوا قبل القتال.
(1)
الآية رقم 29 من سورة التوبة
(2)
المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على ابن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج 2 ص 231 - 232 فى كتاب بأسفله التنظيم المستعذب فى شرح غريب المهذب لمحمد بن احمد بن بطال الركبى.
قال الامام احمد رحمه الله تعالى ان الدعوة قد بلغت وانتشرت ولكن ان جاز أن يكون قوم خلف الروم وخلف الترك على هذه الصفة لم يجز قتالهم قبل الدعوة وذلك لما روى بريدة رضى الله تعالى عنه قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا بعث اميرا على سرية أو جيش أمره بتقوى الله فى خاصته وبمن معه من المسلمين، وقال اذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم الى احدى ثلاث خصال.
فأيتهن أجابوك اليها فاقبل منهم وكف عنهم.
ادعهم الى الاسلام.
فان أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
فان هم أبوا فادعهم الى اعطاء الجزية.
فان أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم.
فان أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم.
رواه أبو داود ومسلم. وهذا يحتمل انه كان فى بدء الأمر قبل انتشار الدعوة وطهور الاسلام فاما اليوم فقد انتشرت الدعوة فاستغنى بذلك عن الدعاء عند القتال.
قال احمد رحمه الله تعالى: كان النبى صلى الله عليه وسلم يدعوا الى الاسلام قبل أن يحارب حتى أظهر الله الدين وعلا الاسلام ولا أعرف اليوم أحدا يدعى قد بلغت الدعوة كل أحد، فالروم قد بلغتهم الدعوة وعلموا ما يراد منهم، وانما كانت الدعوة فى اول الاسلام، وان دعا فلا بأس، وقد روى ابن عمر رضى الله تعالى عنهما:«أن النبى صلى الله عليه وسلم أغار على بنى المصطلق وهم غارون آمنون وابلهم تسقى على الماء فقتل المقاتلة وسبى الذرية» متفق عليه، وعن مصعب بن جثامه رضى الله تعالى عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن ديار المشركين يبيتون فيصيبون من نسائهم وذراريهم فقال «هم منهم» متفق عليه.
وقال سلمة بن الاكوع رضى الله تعالى عنه «أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله تعالى عنه فغزونا ناسا من المشركين فبيتناهم» رواه أبو داود، ويحتمل أن يحمل الأمر بالدعوة فى حديث بريدة على الاستحباب فانها مستحبة فى كل حال.
وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر عليا حين اعطاه الراية يوم خيبر وبعثه الى قتالهم ان يدعوهم وهم ممن بلغتهم الدعوة رواه البخارى، ودعا خالد بن الوليد رضى الله تعالى عنه طليحة الأسدى حين تنبأ فلم يرجع فأظهره الله عليه.
ودعا سلمان أهل فارس، فاذا ثبت هذا.
فان كان المدعو من أهل الكتاب أو مجوسا دعاهم الى الاسلام.
فان أبوا دعاهم الى اعطاء الجزية.
فان أبوا قاتلهم.
وان كانوا من غيرهم دعاهم الى الاسلام، فان أبوا قاتلهم.
ومن قتل منهم قبل اللقاء لم يضمن لأنه
لا ايمان له ولا امان فلم يضمن كنساء من بلغته الدعوة وصبيانهم
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى انه لا يقبل من كافر الا الاسلام أو السيف، الرجال والنساء فى ذلك سواء، حاشا أهل الكتاب خاصة - وهم اليهود والنصارى والمجوس فقط -
فانهم ان أعطوا الجزية أقروا على ذلك مع الصغار لقول الله عز وجل:
(2)
.
وقال عز وجل:
(3)
.
فلم يخص الله تعالى عربيا من عجمى فى كلا الحكمين.
وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر فصح انهم من أهل الكتاب ولولا ذلك ما خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب ربه تعالى
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أنه اذا عرض الكتابيون الجزية وجب قبولها عجما كانوا أم عربا اجماعا للآية.
قال القاسمية: وتقبل الجزية من العجمى غير الكتابى ولو وثنيا. لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم للسرايا: «ادعوهم الى الاسلام» .
«فان أبوا فادعوهم الى الجزية» .
فعم كل مشرك الى ما خصه دليل.
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقريش: «وأدت لكم العجم الجزية» ولم يفصل.
قالت العترة: ولا يقبل من مشركى العرب الا الاسلام أو السيف لقول الله عز وجل:
(1)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامه المقدسى على مختصر أبى القاسم عمر بن حسين بن عبد الله بن احمد الخرقى ج 8 ص 361، 362 تعليق السيد محمد رشيد رضا الطبعة الثالثة طبع دار المنار بمصر سنة 1367 هـ
(2)
الآية رقم 5 من سورة التوبة
(3)
الآية رقم 29 من سورة التوبة
(4)
المحلى لأبى محمد على بن احمد ابن سعيد بن حزم ج 7 ص 345، 346 مسئلة رقم 958 بتحقيق الشيخ عبد الرحمن الحريرى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.
{فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ»
(1)
.
والمراد مشركوا العرب اجماعا، اذ كان العهد لهم يومئذ دون العجم، والمجوس ليسوا أهل كتاب لقول الله عز وجل:
«إِنَّما أُنْزِلَ الْكِتابُ عَلى طائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنا»
(2)
.
ولم يقل طوائف، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «سنوا بهم سنة أهل الكتاب» ولم يقل هم أهل الكتاب، ولقول على كرم الله تعالى وجهه:«كانوا أهل كتاب فرفع لقضية جرت فيهم» الخبر.
واذا رفع فلا كتاب لهم لأن كتابهم الآن منسوب الى رجل يسمى زرادشت.
فان أبوا وجب الحرب ان ظن الغلبة
(3)
.
وجاء فى شرح الأزهار أنه يجب على الامام أن يقدم دعاء الكفار الى الاسلام قبل مقاتلتهم بالاجماع.
وانما قدم الدعاء هنا مع اباحة دم الكافر مطلقا لأن فى الحرب خطرا كما فى الحدود.
فان أجابوا لم يقاتلهم
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف أن من لم تبلغه الدعوة من الكفار لا يجوز قتله قبل عرض الدعوة عليه فان قتله فلا ضمان عليه، وذلك لاجماع الفرقة واخبارهم، وأيضا لأن الأصل براءة الذمة من الضمان وايجاب الضمان يحتاج الى دليل
(5)
.
واذا أسلم الحربى أحرز ماله ودمه وصغار أولاده وسواء فى ذلك ماله الذى فى دار الحرب أو فى دار الاسلام وذلك لاجماع الفرقة واخبارهم وأيضا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم. ولم يفصل صلى الله عليه وسلم بين ما كان فى دار الحرب وغيره
(6)
.
ولا يجوز أخذ الجزية من عباد الأوثان سواء كانوا من العجم او من العرب لاجماع الفرقة وأخبارهم، وأيضا لقول الله عز وجل «فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ»
(7)
.
وقال عز وجل:
«فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ»
(8)
.
ولم يستثن.
(1)
الآية رقم 5 من سورة التوبة.
(2)
الآية رقم 156 من سورة الأنعام.
(3)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 396، 397 الطبعة الأولى طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1368 هـ - 1949 م.
(4)
شرح الازهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 538 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ
(5)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى 21 ص 501 مسئلة رقم 6 الطبعة الثانية طبع مطبعة تايان فى طهران سنة 1382 هـ.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 503، 504 مسئلة رقم 12 نفس الطبعة.
(7)
الآية رقم 5 من سورة التوبة
(8)
الآية رقم 4 من سورة محمد
وقال الله عز وجل:
(1)
.
فخص سبحانه وتعالى أهل الكتاب بالجزية دون غيرهم وأيضا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله
(2)
.
ويجوز أخذ الجزية من أهل الكتاب من العرب وبه قال جميع الفقهاء وذلك لقول الله عز وجل:
«مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ» }.
ولم يفرق، وايضا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد رضى الله تعالى عنه الى دومة الجندل فأغار عليها وأخذ اكيدر دومة فأتى به النبى صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية
(3)
.
واذا وجبت الجزية على الذمى بحول الحول ثم مات أو أسلم قال أصحابنا ان أسلم سقطت ولم يذكروا الموت، والذى يقتضيه المذهب انه اذا مات لا تسقط عنه لأن الحق واجب عليه يؤخذ من تركته. أما الدليل على انها تسقط بالاسلام فقول الله عز وجل:
«حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» فشرط فى اعطائها الصغار وهذا لا يمكن مع الاسلام فيجب أن تسقط، بالاسلام
وأيضا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الاسلام يجب ما قبله» يفيد سقوطها لأن عمومه يقتضى ذلك، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لا جزية على مسلم وذلك على عمومه فى الاعط ء والوجوب
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل انه يجوز قتال المشركين الى أن يفيئوا الى أمر الله.
قال سليمان بن بريدة عن أبيه رضى الله تعالى عنهما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أمر أميرا على جيش أوصاه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيرا. ثم قال له اغزوا باسم الله فى سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، واذ القيت عدوك من المشركين فادعهم الى ثلاث خصال فأيتها أجابوك اليها فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم الى الاسلام فان اجابوك فاقبل منهم، ثم ادعهم الى التحول من دارهم الى دار المهاجرين فان أبوا فاخبرهم انهم يكونون كاعراب
(1)
الآية رقم 29 من سورة التوبة
(2)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر الطوسى ج 2 ص 509 مسئلة رقم 1 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 509 مسئلة رقم 3 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 511، 512 مسئلة رقم 11 نفس الطبعة.
المسلمين ولا يكون لهم فى الغنيمة والفئ شئ الا أن يجاهدوا مع المسلمين، فان هم أبوا فاسئلهم الجزية، فان هم أجابوك فاقبل منهم، فان هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، واذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تفعلن ولكن اجعل لهم ذمتك فانكم ان تخفروا ذمتكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وان أرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تفعل بل على حكمك فانك لا تدرى أتصيب فيهم حكم الله أم لا.
وقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه اذا بعث سرية قال بسم الله فى سبيل الله وعلى ملة رسول الله، لا تمثلوا، فكذا يجب على المسلمين ذلك فى قتالهم عدوهم ولا يتعرضوا أحدا بالقتال بلا دعوة ولا يبدأونه به فمن امتنع من حق يجب عليه أو حد يلزمه التسليم له أو ادعى ما ليس له من ولاية أو امامة أو عن طاعة ائمة الحق أو أظهر دعوة الكفر دعى الى الرجوع عن ذلك واعطاء الحق. فان تاب قبل منه.
والا صار باغيا حلالا دمه يقاتل حتى يفئ الى الله أمر الله
(1)
.
اعذار الناسى
والجاهل والمخطئ
مذهب الحنفية:
جاء فى الأشباه والنظائر:
أن النسيان
(2)
مسقط للاثم مطلقا سواء وقع النسيان فى ترك مأمور به أو فعل منهى عنه وسواء كان فى حقوق الله تعالى أو فى حقوق العباد للحديث الحسن: «ان الله تعالى وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
قال الأصوليون: انه من باب ترك الحقيقة بدلالة محل الكلام لأن عين الخطأ واخويه غير مرفوع فالمراد حكمها.
فان قيل: حيث كان النسيان مسقطا للاثم مطلقا فما معنى الدعاء بعدم المؤاخذة فى قول الله تعالى عز وجل:
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 7 ص 424، 425 طبع محمد بن يوسف البارونى بمصر.
(2)
حد النسيان فى التحرير بأنه عدم تذكر الشيئ وقت حاجته اليه، وهذا الحد يشمل السهو والنسيان، وقد أختلف العلماء فى الفرق بين السهو والنسيان، فذهب الفقهاء والاصوليون وأهل اللغة الى عدم الفرق، وذهب الحكماء الى الفرق فقالوا ان السهو زوال الصورة عن المدركة مع بقائها فى الحافظة، والنسيان زوالها عنهما معا فيحتاج فى حصولها الى سبب جديد، وقيل النسيان عدم ذكر ما كان مذكورا والسهو غفلة عما كان مذكورا وما لم يكن مذكورا، فالنسيان أخص منه مطلقا كذا فى شرح التحرير لأبن أمير الحاج الاشباه والنظائر ج 2 ص 132، 133)
«ربنا لا تؤاخذنا ان نسينا أو أخطأنا»
(1)
؟ قلت الجواب عن ذلك من وجوه أحسنها أن النسيان منه ما يعذر صاحبه فيه ومنه ما لا يعذر.
فمن رأى دما فى ثوبه وأخر ازالته الى أن نسى فصلى وهو على ثوبه عد مقصرا اذ كان يلزمه المبادرة الى ازالته وكذا اذا تغافل عن تعاهد القرآن حتى نسيه فانه يكون ملوما، بخلاف ما لو واظب على القراءة ومع ذلك نسى فانه يكون معذورا، فثبت ان الناسى قد لا يكون معذورا وذلك اذا ترك التحفظ واعرض عن أسباب التذكر، واذ كان كذلك صح طلب غفرانه بالدعاء.
وحكم النسيان نوعان:
أخروى: وهو هنا المأثم.
ودنيوى: وهو هنا الفساد، والحكمان مختلفان.
اذ الأول مبنى على صحة العزيمة وفسادها.
والثانى: مبنى على وجود الأركان والشرائط وعدمها فيوجد أحدهما بدون الآخر كمن صلى رياء مراعيا الشرائط والأركان.
ومن صلى متوضئا بماء نجس غير عالم به، ولما اختلف النوعان صار لفظ الحكم مشتركا فلا يعم لأن المشترك عندنا لا عموم له.
فاذا ثبت الأخروى اجماعا لم يثبت الآخر كذا فى التنقيح وتمامه فى شرحنا على المنار وأما الحكم الدنيوى فان وقع فى ترك مأمور لم يسقط الحكم - وهو الفساد - لأن النسيان لا ينافى الوجوب ولا وجوب الاداء لأنه لا يخل بالأهلية لكمال العقل وايجاب الحقوق على الناس لا يؤدى الى ايقاعه فى الحرج ليمنع الوجوب به، بل يجب تداركه ويحصل الثواب المترتب عليه بتداركه.
وان وقع فى فعل منهى عنه.
فان أوجب عقوبته كان شبهة فى اسقاطها كالحدود كما لو شرب الخمر ناسيا ويفهم منه ان ما لا يوجب عقوبة لا يسقط كما لو تكلم فى الصلاة ناسيا.
فمن نسى صلاة أو صوما أو حجا أو زكاة أو كفارة أو نذرا وجب عليه قضاؤه بلا خلاف.
وكذا لو وقف بغير عرفه غلطا يجب القضاء اتفاقا.
وكذا لو صلى بنجاسة مانعة ناسيا أو نسى ركنا من اركان الصلاة أو تيقن الخطأ فى الاجتهاد فى الماء بعد ما توضأ وفى الثوب بعد ما صلى وفى الوقت بعد ما صلى وفى الصوم بعد ما صام.
أو نسى نية الصوم وصام بلا نية أو تكلم فى الصلاة ناسيا. ومما يسقط حكمه فى النسيان لو أكل أو شرب ناسيا فى الصوم أو جامع لم يبطل صومه.
ولو أكل ناسيا فى الصلاة تبطل.
ولو سلم ناسيا فى الصلاة الرباعية على رأس الركعتين لا تبطل، والناسى والعامد فى اليمين سواء وكذا فى الطلاق لو قال زوجتى طالق ناسيا أن له زوجة وكذا فى العتاق وفى محظورات الاحرام. وقد جعل لما ذكره مما
(1)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
يسقط حكمه بالنسيان وما لا يسقط أصلا فى التحرير فقال ان كان مع النسيان مذكر ولا داعية له كأكل المصلى لم يسقط لتقصيره بخلاف سلامه فى القعدة الأولى ظانا انها القعدة الاخيرة حيث جعل النسيان عذرا حيث لا تفسد صلاته لأن القعدة محل السّلام وليس للمصلى هيئة تذكر انها القعدة الأولى فيكون مثل النسيان فى الصوم، فان لم يكن مع النسيان مذكر مع داع كأكل الصائم سقط، وان لم يكن معه مذكر ولا داعى له فأولى ان يسقط حكمه كترك الذابح القسمية فانه لا داعى الى تركها وليس ثمة ما يذكر أخطارها بالبال واجراءها على اللسان. ومن مسائل النسيان.
ما لو نسى المدين الدين حتى مات فان كان ثمن مبيع او قرضا لم يؤاخذ به وان كان غصبا أوخذ به، كذا فى الخانية.
ومنها لو علم الوصى بأن الموصى أوصى بوصايا لكنه نسى مقدارها قال فى وصايا خزانة المفتين: يستأذنهم بأن يعطيهم كيف شاء فاذا اذنوا له جاز له أن يعطيهم كيف شاء.
وأما الجهل
(1)
فأقسامه على ما ذكره الاصوليون كما فى المنار أربعة.
جهل باطل لا يصلح عذرا فى الآخرة كجهل الكافر بالله ورسله فانه لا يصلح عذرا أصلا لأنه مكابرة وعناد بعد وضوح الدلائل على وحدانية الله تعالى وربوبيته بحيث لا يخفى على أحد من حدوث العالم المحسوس وكذا على حقية الرسول من القرآن وغيره من المعجزات.
وكجهل صاحب الهوى بصفات الله تعالى مثل جهل المجسمة والكرامية فانهم قالوا بحدوث صفات الله تعالى ومثل جهل الفلاسفة بصفات الله تعالى حيث لا يثبتونها ويمتنعون عن اطلاق مثل العالم والقادر والسميع والبصير على البارئ تعالى.
وهذا الجهل دون الأول لكون هذا الجاهل متأولا بالقرآن.
وكجهل الباغى حتى يضمن مال العدل اذا أتلفه فانه لا يصلح عذرا لأنه مخالف للدليل القاطع الواضح وهو ان امام المسلمين اذا كان عادلا يكون على الحق لا يجوز مخالفته بالاجماع.
وكجهل من خالف فى اجتهاده الكتاب أو السنة المشهورة أو الاجماع أو عمل بالغريب على خلاف الكتاب أو السنة المشهورة فانه ليس بعذر أصلا كالفتوى ببيع امهات الأولاد.
والثانى: الجهل فى موضع الاجتهاد الصحيح أو فى موضع الشبهة بأن لا يكون مخالفا للكتاب أو السنة أو الاجماع فانه يصلح عذرا كالمحتجم أفطر على ظن أن الحجامة مفطرة لا تلزمه الكفارة لأن جهله فى موضع الاجتهاد الصحيح فان الحجامة تفسد الصوم عند الامام الاوزاعى رحمه الله تعالى لقول
(1)
حقيقة الجهل عدم العلم عما من شأنه العلم، فان قارن اعتقاد النقيض فهو مركب وهو المراد بالشعور بالشئ على خلاف ما هو به، والا فبسيط وهو المراد بعدم الشعور.
الاشباه والنظائر لزين العابدين ابراهيم المشتهر بابن نجيم المصرى فى كتاب مع حاشية غمز عيون البصائر لأحمد بن محمد الحموى ج 2 ص 136 طبع دار الطباعة العامرة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفطر الحاجم والمحجوم» وهذا اذا كان ظنه مبنيا على فتوى مضت أو سماع حديث أما اذا كان غير مبنى على أحدهما فانه يلزمه القضاء والكفارة بالاتفاق بخلاف المغتاب لو أفطر على ظن ان الغيبة فطرته لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «الغيبة تفطر الصائم» لأنه مؤول بالاجماع فلا يكون جهله فى موضع الاجتهاد الصحيح.
ومن زنى بجارية والده أو زوجته على ظن أنها تحل له فان الحد لا يجب عليه عندنا خلافا لزفر رحمه الله تعالى لأن الأملاك متصلة بين الآباء والأبناء والزوجين والمنافع دائرة، ولهذا لا تقبل شهادة أحدهما للآخر فيكون محلا للاشتباه فيصير الجهل شبهة فتصلح دائرته للحد ويسمى هذا شبهة الاشتباه فلا يثبت بها النسب وان أدعى ولدها ولا تجب العدة بخلاف ما اذا وطئ الأب جارية ابنه حيث يثبت النسب اذا ادعى ولدها وان قال علمت انها على حرام لأن الشبهة نشأت فيه عن الدليل وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنت ومالك لأبيك» وشبهة الدليل أقوى من شبهة الاشتباه.
والثالث: الجهل بالشرائع فى دار الحرب من مسلم أسلم فيها ولم يهاجر، فذلك يكون عذرا حتى لو مكث فيها ولم يعلم ان عليه الصلاة والزكاة وغيرهما ولم يؤدهما لا يلزم عليه قضاؤها خلافا لزفر رحمه الله تعالى لخفاء الدليل فى حقه وهو الخطاب لعدم بلوغه اليه حقيقة بالسماع وتقديرا بالشهرة فيصير جهله بالخطاب عذرا بخلاف الذمى اذا أسلم فى دار الاسلام لشيوع الاحكام والتمكن من السؤال. ويلحق بذلك القسم جهل الشفيع بالبيع حتى يكون عذرا ويثبت له حق الشفعة اذا علم بالبيع لأن الدليل خفى فى حقه أيضا اذ ربما يقع البيع ولا يشتهر. ويلحق به جهل الأمة بالاعتاق وكذا بالخيار اذا اعتقت الأمة المنكوحة يثبت لها خيار العتق ان شاءت أقامت مع الزوج وان شاءت فارقته لحديث بريرة ملكت نفسك فاختارى، فجهلها بالتق أو بالخيار يجعل عذر لأن الدليل خفى فى حقها.
أما فى الأول فظاهر.
وأما فى الثانى فلأن خدمة المولى شاغله لها عن تعلم احكام الشرع بخلاف خيار البلوغ كمن زوجها الاخ أو العم فانه يبطل بالجهل بالخيار لأن الدليل غير خفى فى حقها لتمكنها من التعلم. ومن هذا القسم جهل البكر بنكاح الولى فان الولى اذا زوج البكر البالغة ولم تعلم بالنكاح ويجعل جهلها عذرا حتى يكون لها الخيار وان سكتت قبله، وكذا جهل الوكيل باطلاق الوكالة وجهل المأذون بالاذن يكون عذرا فانه لا يصير وكيلا ولا مأذونا بدون العلم حتى لا ينفذ تصرفها قبل ذلك على الموكل والمولى، وكذا جهل الوكيل بالعزل والمأذون بالحجر يكون عذرا ايضا لكنه ينفذ تصرفهما لخفاء الدليل.
وقالوا لو لم تعلم الامة المنكوحة بأن لها خيار العتق لا يبطل بسكوتها، ولو لم تعلم الصغيرة الحرة خيار البلوغ فى انكاح غير الأب والجد بطل.
وقالوا: لو استلم جارية منتقبة أو ثوبا
ملفوفا فظهر انه يملكه بعد الكشف قيل بعذر اذا ادعاه للجهل فى موضع اخفاء.
وقيل: لا. والمعتمد الأول.
وقالوا يعذر الوارث والوصى المتولى بالتناقض للجهل.
وقالوا اذا باع الوصى أو الاب ثم ادعى انه وقع بغبن فاحش وقال لم أعلم تقبل.
ولا يضر التناقض فى الحرية والنسب والطلاق لأن مبناها على الخفاء فيعذر فى التناقض لأن النسب يبتنى على العلوق والطلاق والحرية ينفرد بهما الزوج والمولى.
وفى الخلاصة اذا تكلم بكلمة الكفر جاهلا قال بعضهم لا يكفر، وعامتهم على أنه يكفر ولا يعذر.
وفى آخر اليتيمة لو ظن لجهله أن ما فعله من المحظورات حلال له فان كان مما يعلم من دين النبى صلى الله عليه وسلم ضرورة كفر والا فلا ..
وقالوا فى باب خيار الرؤية لو اشترى ما كان رآه ولم يتغير فلا خيار له الا اذا كان لا يعلم انه مرئيه لعدم الرضاء به كذا فى الهداية، وقالوا فى كتاب الغصب ان الجهل بكونه مال الغير يدفع الاثم لا الضمان.
وفى اقرار اليتيمة سئل على بن احمد رحمه الله تعالى عن رجل اقر أن عليه لفلان حنطة من سلم عقداه بينهما ثم انه بعد ذلك قال سألت الفقهاء عن العقد فقالوا هو فاسد فلا يجب على شئ والمقر معروف بالجهل هل يؤاخذ باقراره فقال لا يسقط عنه الحق بدعوى الجهل فيجب عليه الوفاء بالمسلم فيه.
ولو باع الوكيل قبل العلم بالوكالة لم يجز البيع، ولو باع الوصى قبل العلم بالايصاء جاز لأن الايصاء اثبات خلافة فصح بلا علم كالوراثة بخلاف الوكالة فانها اثبات ولاية فلا يصح تصرف الوكيل مع الجهل ولو باع ملك أبيه ولم يعلم بموته ثم علم جاز وكذا لو باع الجد مال ابنه ولم يعلم بموته نفذ على الصغير، ومقتضى بيع الوارث انه لو زوج امة ابنه ثم بأن ميتا نفذ ولو باعه على أنه ابق فبان راجعا ينبغى أن ينفذ.
ولو أجاز الورثة الوصية ولم يعلموا ما أوصى به لم تصح اجازتهم كذا فى وصايا الخانية ولو أمر رجلا ببيع غلامه بمائة دينار فباعه بألف درهم ولم يعلم الموكل بما باعه فقال المأمور بعت الغلام فقال أجزت جاز البيع وكذا فى النكاح وان قال قد اجزت ما امرتك به لم يجز، واذا عفا بعض الورثة عن القاتل عمدا ثم قتله الباقون فان علم أن عفو البعض يسقط القصاص اقتص منه والا فلا لأن هذا مما يشكل على الناس فيعذر بالجهل
(1)
.
(1)
الأشباه والنظائر لزين العابدين ابراهيم المشتهر بابن نجيم المصرى ج 2 ص 132 وما بعدها الى ص 141 فى كتاب أسفل شرح الاشباه والنظائر المسمى غمز عيون البصائر لأحمد بن محمد الحموى طبع دار الطباعة العامره.
مذهب المالكية:
جاء فى تهذيب الفروق:
ان الجهل والنسيان وان اشتركا فى أن المتصف بواحد منهما غير عالم بما أقدم عليه الا أنه يفرق بينهما من جهتين.
الجهة الأولى: ان النسيان يهجم على العبد فهرا بحيث لا تكون له حيلة فى دفعه عنه بخلاف الجهل فان له حيلة فى دفعه بالتعلم.
الجهة الثانية: ان الأمة قد اجمعت على أن النسيان لا اثم فيه من حيث الجملة ودل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» على أن الناسى معفو عنه.
وأما الجهل فليس كذلك لأن من القاعدة التى حكى الغزالى رضى الله تعالى عنه فى احياء علوم الدين والشافعى رضى الله تعالى عنه فى رسالته الاجماع عليها من أن المكلف لا يجوز له أن يقدم على فعل حتى يعلم حكم الله تعالى فيه، ويدل عليها من جهة القرآن قول الله عز وجل حكاية عن نوح عليه السلام:«انى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم»
(1)
.
اذ معناه ما ليس لى بجواز سؤاله علم وذلك انه عليه السلام لما عوتب على سؤال الله عز وجل لابنه أن يكون معه فى السفينة لكونه سأل قبل العلم بحال الولد وانه مما ينبغى طلبه أم لا واجاب بما ذكر فالعتب والجواب كلاهما يدل على انه لا بد من تقديم العلم بما يريد الانسان ان يشرع فيه، وكذا قول الله عز وجل:
(2)
حيث نهى الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم عن اتباع غير المعلوم فدل على انه لا يجوز الشروع فى شئ حتى يعلم، وكذا قوله صلى الله عليه وسلم:«طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة» يعلم ان طلب العلم واجب عينا فى كل حالة يقدم عليها الانسان، فمن باع يجب أن يتعلم ما عينه الله وشرعه فى البيع.
ومن آجر يجب عليه أن يتعلم حكم الله تعالى فى الاجارة.
ومن قارض يجب عليه أن يتعلى حكم الله تعالى فى القراض.
ومن صلى يجب عليه ان يتعلم حكم الله تعالى فى تلك الصلاة وهكذا الطهارة وجميع الاقوال والاعمال فمن تعلم وعمل بمقتضى ما علم فقد اطاع الله تعالى طاعتين ومن لم يعلم ولم يعمل فقد عصى الله تعالى معصيتين.
ومن علم ولم يعمل بمقتضى علمه فقد أطاع الله تعالى طاعة وعصاه معصية ومن هنا قال مالك رحمه الله تعالى: ان الجهل فى الصلاة كالعمد والجاهل كالمتعمد لا كالناسى، بل قال العلامة الامير فى شرحه على نظم بهرام فيما لا يعذر فيها كالجهل: القاعدة أن الجاهل فى العبادات كالعامد وذلك انه بتركه الواجب عليه من العلم بما يقدم عليه من نحو الصلاة كان عاصيا كالمتعمد الترك بعد العلم بما وجب عليه.
(1)
الآية رقم 47 من سورة هود.
(2)
الآية رقم 36 من سورة الاسراء.
والجهل نوعان:
النوع الأول جهل تسامح صاحب الشرع عنه فى الشريعة فعفا عن مرتكبه، وضابطه ان كل ما يتعذر الاحتراز عنه عادة فهو معفو عنه، وله صور.
احداها من وطئ امرأة أجنبية بالليل يظنها امرأته أو جاريته عفى عنه لأن الفحص فى ذلك مما يشق على الناس.
الصورة الثانية: الجهل بنجاسة الاطعمة والمياه والأشربة يعفى عنه لما فى تكرر الفحص عن ذلك من المشقة والكلفة فالجاهل المستعمل لشئ منها لا اثم عليه بذلك.
الصورة الثالثة لا اثم على من شرب خمرا يظنه جلابا فى جهله به لمشقة فحصه عنه.
الصورة الرابعة: لا اثم على من قتل مسلما فى صف الكفار يظنه حربيا فى جهله به لتعذر الاحتراز عن ذلك فى تلك الحالة.
الصورة الخامسة: لا اثم على الحاكم يقضى بشهود الزور جاهلا بحالهم لتعذر الاحتراز من ذلك عليه.
الصورة السادسة اذا كان الشاهد من جهلة العوام فانهم يتسامحون فى مثل ذلك قال ابن عبد السّلام رحمه الله تعالى فينبغى عندى أن يعذروا به.
النوع الثانى:
جهل لم يتسامح صاحب الشرع عنه فى الشريعة فلم يعف عن مرتكبه، وضابطه ان كل ما لا يتعذر الاحتراز عنه ولا يشق لم يعف عنه، وهذا النوع يطرد.
فى اصول الدين واصول الفقه وفى بعض أنواع من الفروع.
أما أصول الدين فلأن صاحب الشرع لما شدد فى جميع الاعتقادات تشديدا عظيما بحيث أن الانسان لو بذل جهده واستفرغ وسعه فى رفع الجهل عنه فى صفة من صفات الله تعالى أو فى شئ يجب اعتقاده من اصول الديانات ولم يرتفع ذلك الجهل لكان يترك ذلك الاعتقاد آثما كافرا يخلد فى النار على المشهور من المذاهب مع انه قد أوصل الاجتهاد حده وصار الجهل له ضروريا لا يمكنه دفعه عن نفسه حتى صارت هذه الصورة فيما يعتقد انها من باب تكليف ما لا يطاق، وبحيث انه يكلف بأدلة الوحدانية ودقائق أصول الدين نحو المرأة البلهاء المفسودة المزاج الناشئة فى الاقاليم المنحرفة عما يوجب استقامة العقل حتى صار تكليف من لا يفهم القول وبعدت اهليته لهذه الغاية بذلك من باب تكليف ما لا يطاق لما اختصه الشرع بثلاثة احكام عن الفقه.
احدهما: ان المصيب واحد.
وثانيهما: ان المخطئ فيه آثم.
وثالثها: لا يجوز التقليد فيه.
وأما اصول الفقه فقال العلماء يلحق باصول الدين، قال ابو الحسن رحمة الله تعالى فى كتاب المعتمد فى أصول الفقه ان اصول الفقه اختص بثلاثة احكام عن الفقه.
ان المصيب فيه واحد.
والمخطئ فيه آثم ولا يجوز التقليد فيه.
وأما بعض أنواع الفروع:
فأحدها: نوع العبادات لما مر عن الامير من ان القاعدة ان الجاهل فيها كالعامد، وذلك انه قال عند قول بهرام رحمه الله تعالى وذاك كثير فى الوضوء ومثله. بفرض صلاة ثم حج تحصلا. ما نصه: اطلق فى التوضيح الثلاث فلم يقيدها بالفرض والمشهور اطلاق العبادة فتشمل الصوم والعمرة، وقال عند قوله: وواطئ رهين اعتكاف بالشريعة جاهلا: من وطئ فى اعتكافه جهلا فسد اعتكافه ولا يعذر بجهله وظاهره سواء جهل الحرمة أو جهل انه مفسد.
ثم قد يقال ان الاعتكاف من العبادات والقاعدة ان الجاهل فيها كالعامد ولا مفهوم للوطئ، بل كل ما يفسد به الاعتكاف كذلك كالخروج جهلا والفطر جهلا الى غير ذلك.
وقال: من دفع الزكاة لغير مستحق جهلا لم يعذر، وهذا فى اجتهاد ربها اما بدفع الامام او نائبه فتجزئ.
وثانيها: نوع العقود، قال الامير رحمه الله تعالى: البيع الفاسد يفسخ ولا يعذر فيه بالجهل ولا خصوصية فى البيع كما يظهر بل كذلك غيره كالنكاح مثلا لأن العبرة فى صحة العقد بموافقة الشرع فى الواقع ونفس الامر لا فى ظن العاقد فقط كما يفيده العلامة القاسمى رحمه الله تعالى على المحلى وغيره.
وثالثها: نوع مسقط للشفعة قال الامير ما حاصله انه لا شفعة لشريك علم البيع وسكت سنة لا اقل، ولو كتب شهادته.
وما لابن رشد رحمه الله تعالى معه من أن الكتابة تسقط الشفعة بشهرين ضعيف وان جنح له فى المختصر بل فى الخرشى وعبد الباقى عن المدونة انه لا بد من شهرين زيادة على السنة وقرره شيخنا رحمه الله تعالى ولا يعذر بدعواه للجهل لا بأن ذلك مسقط للشفعة ولا بأن الشقعة واجبة.
وفى عبد الباقى والخرشى ان أبا الحسن والحطاب عن ابن كوثر والتتائى عن الذخيرة عن ابن عتاب ذكروا ان شراء الشفيع الشقص من المشترى يسقط الشفعة.
ولا يعذر بالجهل ولو كان امرأة بل مقتضى ان المذهب ان الشفعة لا يعذر فيها بالجهل جريان ذلك فى بقية المسقطات من الاستئجار والمقاسمة وبيع حصة نفسه ثم فائدة سقوط الشفعة بالشراء يظهرها اختلاف الثمن.
ورابعها: نوع العيب المانع من أجزاء عتق الرقبة فى الكفارات.
قال الامير: فى التوضيح.
قال اصبغ رحمه الله تعالى فيمن اشترى نصرانية فاعتقها فى الكفارة انها لا تجزيه ولا يعذر بجهل» وظاهرة جهل الحكم أو انها كافرة ومثل الكفر العيوب المانعة من الاجزاء لا يعذر فيها بجهل كما يفيده قول الخرشى رحمه الله تعالى فى الظهار اذا اطلع بعد العتق على عيب يمنع الاجزاء استعان بأرشه فى رقبة اخرى.
وخامسها: نوع بيع الخيار، قال الامير بيع الخيار يلزم واضع اليد بمضى المدة فلا
يعذر فيه بالجهل ولا معنى لتخصيص العبد بذلك، بل كل بيع بالخيار كما صرح به المختصر وشروحه، ولا يطرد هذا النوع من الجهل فيما عدا هذه الانواع الخمس من الفروع بل هو فى مسائل ذكرها العمدة الشيخ خليل رحمه الله تعالى فى توضيحه ونظمها الشيخ بهرام رحمه الله تعالى فى أربع وأربعين بيتا. وشرحها الأمير ونقحها.
مذهب الشافعية:
ذكر السيوطى فى الأشباه والنظائر أن قاعدة الفقه أن النسيان والجهل مسقط للاثم مطلقا، وأما الحكم فان وقعا فى ترك مأمور لم يسقط بل يجب تداركه ولا يحصل الثواب المترتب عليه لعدم الأئتمار، أو وقعا فى فعل منهى ليس من باب الاتلاف فلا شئ فيه، أو فيه اتلاف لم يسقط للضمان.
فان كان يوجب عقوبة كان شبهة فى اسقاطها وخرج عن ذلك صور فى قسام.
فمن فروع القسم الأول:
من نسى صلاة أو صوما أو حجا أو زكاة أو كفارة أو نذرا وجب تداركه بالقضاء بلا خلاف. وكذا لو وقف بغير عرفة يجب القضاء اتفاقا.
ومنها من نسى الترتيب فى الوضوء أو نسى الماء فى رحلة فتيمم وصلى ثم ذكره، أو صلى بنجاسة لا يعفى عنها ناسيا كان أو جاهلا بها، أو نسى قراءة الفاتحة فى الصلاة أو تيقن الخطأ فى الاجتهاد فى الماء والقبلة والثوب ووقت الصلاة والصوم والوقوف بأن وقوعها قبله أو صلوا لسواد ظنوه عدوا فبان خلافه أو دفع الزكاة الى من ظنه فقيرا فبان غنيا أو استناب فى الحج لكونه معضوبا فبرأ.
وفى هذه الصور كلها خلاف.
قال فى شرح المهذب: بعضه كبعض، وبعضه مرتب على بعض أو أقوى من بعض.
والصحيح فى الجميع عدم الاجزاء ووجوب الاعادة.
ومأخذ الخلاف أن هذه الأشياء هل هى من قبل المأمورات التى هى شروط كالطهارة عن الحدث فلا يكون النسيان والجهل عذرا فى تركها لفوات المصلحة منها وانها من قبيل المناهى كالأكل والكلام فيكون ذلك عذرا؟ والأول أظهر ولذلك تجب الاعادة بلا خلاف فيما لو نسى نية الصوم لأنها من قبيل المأمورات وفيما لو صادف صوم الاسير ونحوه الليل دون النهار لأنه ليس وقتا للصوم كيوم العيا ذكر فى شرح المهذب.
ولو صادف الصلاة أو الصوم بعد الوقت اجزأ بلا خلاف، لكن هل يكون أداء للضرورة أو قضاء لأنه خرج عن وقته؟ قولان أو وجهان أصحهما الثانى.
وأما الوقوف اذا صادف ما بعد الوقت فان صادف الحادى عشر لم يجز بلا خلاف كما لو صادف السابع.
وان صادف العاشر اجزأ ولا قضاء لأنهم
لو كلفوا به لم يأمنوا الغلط فى العام الآتى الآتى أيضا
(1)
.
ومن فروع القسم الثانى من شرب خمرا جاهلا فلا حد ولا تغرير، ولو قال انت أزنى من فلان ولم يصرح فى لفظه بزنى فلان، لكنه كان ثبت زناه باقرار أو بينة والقائل جاهل فليس بقاذف بخلاف ما لو علم به فيكون قاذفا لهما ولو أتى بمفسدات العبادة ناسيا أو جاهلا كالأكل فى الصلاة والصوم، وفعل ما ينافى الا صلاة من كلام وغيره، والجماع فى الصوم والاعتكاف والاحرام، والخروج من المعتكف: والعود من قيام الثالثة الى التشهد ومن السجود الى القنوت والاقتداء بمحدث وذى نجاسة، وسبق الامام بركعتين، ومراعاة المزحوم ترتيب نفسه اذا ركع الامام فى الثانية، وارتكاب محظورات الاحرام التى ليست باتلاف كاللبس والاستمتاع والدهن والطيب، سواء جهل التحريم أو كونه طيبا، والحكم فى الجميع عدم الافساد وعدم الكفارة والفدية.
وفى أكثرها خلاف.
ولم سلم عن ركعتين ناسيا وتكلم عامدا لظنه اكمال الصلاة لا تبطل صلاته لظنه انه ليس فى صلاة، ونظيره ما لو تحلل من الاحرام وجامع ثم بان انه لم يتحلل لكون رميه وقع قبل نصف الليل، والمذهب انه لا يفسد الحج.
ولو أكل ناسيا فظن بطلان صومه فجامع، ففى وجه لا يفطر قياسا عليه، والأصح الفطر، كما لو جامع على ظن أن الصبح لم يطلع فبان خلافه ولكن لا تجب الكفارة لأنه وطئ وهو يعتقد انه غير صائم
(2)
.
ومن فروع القسم الثالث اتلاف مال الغير، فلو قدم له غاصب طعاما ضيافة فأكله جاهلا فقرار الضمان عليه فى أظهر القولين، ويجريان فى اتلاف مال نفسه جاهلا.
ولو اتلف المشترى البيع قبل القبض جاهلا فهو قابض فى الاظهر.
ولو خاطب زوجته بالطلاق جاهلا بأنها زوجته بأن كان فى ظلمة أو نكحها له وليه أو وكيله ولم يعلم وقع طلاقه، وفيه احتمال للامام، وكذا لو خاطب أمته بالعتق كذلك قال الرافعى رحمه الله تعالى.
واذا وكل وكيلا فى اعتاق عبد فاعتقه ظنا منه انه عبد الموكل فاذا هو عبد الوكيل نفذ عتقه.
قال العلائى:
ولا يجئ فيه احتمال الامام لأن هذا قصد قطع الملك فنفذ.
(1)
تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية للشيخ محمد على حسن ج 2 ص 163 وما بعدها الى ص 169 فى كتاب على هامش الفروق لشهاب الدين أبى العباس أحمد ابن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرانى وأسئلة حاشية سراج الدين أبى القاسم قاسم بن عبد الله الأنصارى المعروف بابن الشاط على الفروق طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية الطبعة الأولى سنة 1345 هـ.
(2)
الاشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية للامام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى ص 188 وما بعدها الى ص 190 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1378 هـ، سنة 1959 م.
واذا قال الغاصب لمالك العبد المغصوب:
اعتق عبدى هذا فاعتقه جاهلا عتق على الصحيح، وفى وجه لا يعتق لأن لم يقصد قطع ملك نفسه.
قال السيوطى رحمه الله تعالى خرج عن هذه النظائر مسئلة وهى ما اذا استحق القصاص على رجل فقتله خطأ فالأصح انه لا يقع الموقع أما محظورات الاحرام - التى هى اتلاف كازالة الشعر والظفر وقتل الصيد - فلا تسقط فديتها بالجهل والنسيان.
واذا حلف على شئ بالله أو الطلاق أو العتق أن يفعله فتركه ناسيا او حلف أن لا يفعله ففعله ناسيا للحلف، او جاهلا انه المحلوف عليه أو على غيره ممن يبالى بيمينه ووقع ذلك منه جاهلا أو ناسيا فقولان فى الحنث، رجح كلا المرجحون.
ورجح الرافعى رحمه الله تعالى فى المحرر عدم الحنث مطلقا واختاره فى زوائد الروضة والفتاوى، قال لحديث:«رفع عن امتى الخطأ والنسيان» وهو عام فيعمل بعمومه الا ما دل دليل على تخصيصه كغرامة المتلفات.
ومما يعذر فيه بالجهل فى الضمان: اذا أخرج الوديعة من الحرز على ظن انها ملكه فتلفت فلا ضمان عليه، ولو كان عالما ضمن ذكره الرافعى رحمه الله تعالى:
قال الأسنوى رحمه الله تعالى: ومثله الاستعمال والخلط ونحوهما.
ومنها اذا استعمل المستعير العارية بعد رجوع المعير جاهلا فلا أجرة علية، نقله الرافعى عن القفال وارتضاه
(1)
.
ومن فروع القسم الرابع: من قتل جاهلا بتحريم القتل لا قصاص عليه.
وقتل الخطأ فيه الدية والكفارة دون القصاص.
واذا اقتص الوكيل بعد عفو موكله جاهلا فلا قصاص عليه على المنصوص وعليه الدية فى ماله والكفارة ولا رجوع له على العافى لأنه محسن بالعفو.
وقيل لا دية.
وقيل هى على العاقلة.
وقيل يرجع على العافى لأنه غره بالعفو.
ونظير هذه المسئلة ما لو اذن الامام للولى فى قتل الجانية ثم علم حملها فرجع ولم يعلم الولى رجوعه فقتل فالضمان على الولى، وخرج عن هذا القسم صور لم يعذر فيها بالجهل.
منها ما اذا بان أحد الأولياء فقتل الجانى بعد عفو بعض الأولياء جاهلا به فان الأظهر وجوب القصاص عليه لأنه متعد بالانفراد.
ومنها اذا قتل من علمه مرتدا او ظن انه لم يسلم فالمذهب وجوب القصاص لأن ظن الردة لا يفيد اباحة القتل.
فان قتل المرتد الى الامام لا الى الآحاد.
(1)
المرجع السابق ص 190، ص 191، ص 192 وما بعدها الى 197 نفس الطبعة.
ومنها ما اذا قتل من عهده ذميا أو عبدا وجهل اسلامه وحريته، فالمذهب وجوب القصاص، لأن جهل الاسلام والحرية لا يبيح القتل، ومنها ما اذا قتل من ظنه قاتل ابيه فبان خلافه فالاظهر وجوب القصاص لأنه كان من حقه التثبت.
ومنها ما اذا ضرب مريضا - جهل مرضه - ضربا يقتل المريض دون الصحيح فمات فالأصح وجوب القصاص لأن جهل المرض لا يبيح الضرب، وعلم من ذلك ان الكلام فيمن لا يجوز له الضرب.
أما من يجوز له الضرب للتأديب فلا يجب عليه القصاص قطعا، وصرح به فى الوسيط.
وخرج عنه صور عذر فيها بالجهل حتى فى الضمان، منها ما اذا قتل مسلما بدار الحرب ظانا كفره فلا قصاص قطعا، ولا دية فى الأظهر.
ومنها ما اذا رمى الى مسلم تترس به المشركون فان علم اسلامه وجبت الدية والا فلا.
ومنها ما اذا أمر السلطان رجلا بقتل رجل ظلما والمأمور لا يعلم فلا قصاص عليه ولا دية ولا كفارة.
ومنها ما اذا قتل الحامل فى القصاص فانفصل الجنين ميتا ففيه غرة وكفارة أو انفصل حيا فمات فلا دية
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى روضة الناظر وشرحها أن الناسى والنائم غير مكلف لأنه لا يفهم فكيف يقال له أفهم وكذا السكران الذى لا يعقل.
وذكر صاحب نزهة الخاطر أن فى طلاق الناسى خلافا بين العلماء.
وعن أحمد رضى الله تعالى عنه فى طلاقه قولان.
وأما السكران فله فيه أقوال:
الوقوع
وعدمه
والوقف
والمشهور بين الأصحاب فى الناسى والسكران الوقوع.
قال الطوفى رحمه الله تعالى:
والأشبه عدم الوقوع لأنهما غير مكلفين ولا عبارة لغير مكلف.
فان جعلوا الوقوع فيهما سببا عارضهم فى الناسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم.
عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان.
وفى السكران حيث قالوا يقع طلاقه عقوبة له لأنه بسبب محرم حصل باختياره انهم قد عاقبوه بايجاب الحد فى الدنيا وجعله من أهل الوعيد فى الآخرة والجناية شرعا لا يترتب عليها من جهة واحدة عقوبتان
(2)
.
(1)
المرجع السابق ص 197 وما بعدها الى ص 202 نفس الطبعة.
(2)
روضة الناظر وجنة المناظر للموفق الدين 201 محمد ج 1 ص 139 وص 142.
وجاء فى قواعد ابن رجب أن من توقف نفوذ تصرفه أو سقوط الضمان او الحنث عنه على الاذن فتصرف قبل العلم به ثم تبين ان الاذن كان موجودا فهل يكون كتصرف المأذون له أو لا؟
فى المسألة وجهان تتخرج عليهما صور
منها: لو تصرف فى مال غيره بعقد او غيره ثم تبين انه كان اذن له فى التصرف فهل يصح أم لا فيه وجهان.
ومنها ما لو قال لزوجته ان خرجت بغير اذنى فأنت طالق ثم اذن لها ولم تعلم باذنه فخرجت فهل تطلق؟ فيه وجهان.
واشهرهما - وهى المنصوص - انها تطلق لأن المحلوف عليه قد وجد وهو خروجها على وجه المشاقة والمخالفة فانها أقدمت على ذلك ولأن الاذن هنا اباحة بعد حظر فلا يثبت فى حقها بدون علمها كاباحة الشرع.
ولأبى الخطاب رحمه الله تعالى فى الانتصار طريقة ثانية وهى أن دعواه الاذن غير مقبولة لوقوع الطلاق فى الظاهر.
فلو اشهد على الاذن لنفعه ذلك ولم تطلق وهذا ضعيف.
ومنها لو اذن البائع للمشترى فى مدة الخيار فى التصرف فتصرف بعد الاذن وقبل العلم فهل ينفذ أم لا؟ يتخرج على الوجهين فى التوكيل وأولى.
وجزم القاضى فى خلافه بعدم النفوذ.
ومنها لو غصب طعاما من انسان ثم اباحة له المالك ثم أكله الغاصب غير عالم بالاذن فانه يضمن، ذكره ابو الخطاب فى الانتصار وهو بعيد جدا.
والصواب الجزم بعدم الضمان لأن الضمان لا يثبت بمجرد الاعتقاد فيما ليس بمضمون كمن وطئ امرأة يظنها أجنبية فتبينت زوجته فانه لا مهر عليه ولا عبرة باستصحاب أصل الضمان مع زوال سببه كما أنه لو اكل فى الصوم يظن الشمس لم تغرب فتبين انها كانت غربت فانه لا يلزمه القضاء ويلتحق بهذه
(1)
.
ومن تصرف فى شئ يظن انه لا يملكه فتبين انه كان يملكه ففيه الخلاف ايضا، من ذلك ما لو باع ملك ابيه بغير اذنه ثم تبين ان اباه كان قد مات ولا وارث له غيره، ففى صحة تصرفه وجهان.
ومنه ما لو طلق امرأة يظنها اجنبية فتبينت انها زوجته ففى وقوع الطلاق روايتان وبناهما ابو بكر رحمه الله تعالى على أن الصريح هل يحتاج الى نية أم لا؟
قال القاضى: انما هذا الخلاف فى صورة الجهل بأهليته المحل ولا يطرد مع العلم به.
ومنه ما لو لقى امرأة فى الطريق فقال تنحى باحرة فاذا هى أمته ففيه الخلاف أيضا.
(1)
القواعد فى الفقه الاسلامى للحافظ أبى الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلى ص 116، 117 القاعدة الرابعة والستون طبع مطبعة الصدق الخيرية بمصر الطبعة الأولى سنة 1352 هـ / 1933 م.
ونص الامام احمد رحمه الله تعالى على ذلك.
وفى المغنى احتمال بالتفريق لأن هذا يقال كثيرا فى الطريق ولا يراد به العتق، وهذا مع اطلاق القصد فأما ان قصد به المدح بالعفة ونحوها فليست من المسألة فى شئ.
ويتنزل الخلاف فى هذا على أن الرضا بغير المعلوم هل هو رضا معتبر والا ظهر عدم اعتباره.
ومن ذلك ما لو ابرأه من مائة درهم مثلا معتقدا انه لا شئ له عليه ثم تبين انه كان له فى ذمته مائة درهم وفيها الوجهان ومنه ما لو جرحه جرحا لا قصاص فيه فعفا عن القصاص وسرايته ثم سرى الى نفسه فهل يسقط القصاص؟ يخرج على الوجهين اشار الى ذلك الشيخ مجد الدين فى تعليقه على الهداية وبناه على أن القصاص هل يجب للميت أو لورثته كالدية وجزم القاضى وغيره بأنه لا يصح العفو هنا.
ومنه ما لو تزوجت امرأة المفقود قبل الزمان المعتبر ثم تبين انه كان ميتا قبل ذلك بمدة تنقضى فيها العدة او انه كان طلقها ففى صحة النكاح الوجهان ذكره القاضى.
ورجح صاحب المغنى عدم الصحة هنا لفقد شرط النكاح فى الابتداء كما لو تزوجت المرتابة قبل زوال الريبة.
ومنه ما لو أمره غيره بأن يعتق عبدا يظن انه للآمر فتبين انه عبده ففى التلخيص يحتمل تخريجه على من أعتق عبدا فى ظلمة ثم تبين انه عبده لكن يرجع هنا على الآمر بالقيمة لتغريره له ويحتمل أن لا ينفذ لتغريره بخلاف ما اذا لم يغره أحد فانه غير معذور فينفذ عتقه لمصادفته ملكه اذ المخاطبة بالعتق لعبد غيره شبيه بعتق الهازل والمتلاعب فينفذ وكذلك فى الطلاق ونظير هذه فى الطلاق أن يوكل شخص فى تطليق زوجته ويشير الى امرأة معينة فيطلقها ظانا انها امرأة الموكل ثم تبين انها امرأته هو، وقد تخرج هذه المسألة على مسألة ما اذا نادى امرة له فأجابته امرأته الأخرى فطلقها ينوى المناداة فانه تطلق المناداة وحدها.
ولا تطلق المواجهة فى الباطن.
وفى الظاهر روايتان، فعلى هذا لا تطلق المرأة الموكل فى طلاقها هنا، وقد يفرق بينهما بأن الطلاق هنا انصرف الى جهة مقصودة فلم يحتج الى صرفه الى غير المقصودة.
وان كانت مواجهة به بخلاف ما اذا لم يكن هناك جهة سوى المواجهة فان الطلاق يصير صرفه عنها هزلا ولعبا ولا هزل فى الطلاق.
ومن ذلك ما لو اشترى آبقا يظن انه لا يقدر على تحصيله فبان بخلافه ففى صحة العقد وجهان لاعتقاده فقد شرط الصحة وهو موجود فى الباطن.
وفى المغنى احتمال ثالث بالفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم المبيع فيفسد البيع فى حقه لأنه متلاعب وبين من لا يعلم ذلك فيصح، لأنه لم يقدم على
ما يعتقده باطلا وقد تبين وجود شرط صحته، وهذا يبين أن للمسألة التفاتا الى مسئلة بيع الهازل والمشهور بطلانه وهو قول القاضى.
وقال ابو الخطاب فى انتصاره هو صحيح، وهذا يرجح وجه بطلان البيع فى المسائل المبدوء بها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى الأحكام فى اصول الاحكام أن الأصل الذى تجرى عليه الفتيا انه لا شئ على الناسى لقول الله عز وجل:
«وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ»
(2)
فلا يخرج عن هذا النص الا ما اخرجه نص او اجماع، فلهذا النص ولما اخبر فيه ابو العباس احمد بن عمر العذرى باسناده عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ان الله تجاوز لى عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
ففى هذا الحديث نص التسوية بين العمل المقصود نسيانا بغير نية وبين الخطأ الذى لم يقصد فلهذا ولنصوص أخر لم يبطل صوم من أفطر ناسيا غير ذاكر لصومه، ولا بطلت صلاة من تكلم أو عمل أو أكل ناسيا فى صلاته غير ذاكر انه فى صلاة، وهكذا كل نسيان الا نسيانا استثناه من هذا النص نص آخر أو اجماع، كما صح من الاجماع المتيقن المقطوع به أن من أحدث بشئ يخرج من مخرجيه من غائط أو بول أو ريح أو مذى أو ودى أو منى ناسيا بطلت طهارته على كل حال بالنسيان والعمد، وبالضرورة ندرى انه لم يزل الناس يحدثون فى كل يوم من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكلهم يوجب الوضوء من ذلك فصح اجماع منقول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك النوم لأنه لا يكون الا بغلبة أبدا لا بقصد ولو قصد المرء دهره كله ان ينام لم يقدر الا أن يغلبه النوم، وأما سائر الأحداث التى لا اجماع فيها فانها لا تنقض الطهارة عندنا الا بالقصد والعمد لا بالنسيان كاللمس للنساء وكمس الفرج. وكذلك الأمر فيمن ذبح او نحر أو تصيد فلم يسم الله تعالى ناسيا أو عامدا فكلاهما سواء لا يحل أكل شئ من ذلك لأن النص ورد بأن لا نأكل مما لم يذكر اسم الله تعالى عليه، قال الله عز وجل:
«ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وانه لفسق»
(3)
.
وقال عز وجل:
«فكلوا مما أمسكن عليكم وأذكروا اسم الله عليه»
(4)
.
فلما كان ما ذكاه الناس للتسمية مما لم يذكر اسم الله عليه بلا شك كان مما نهينا عن أكله بالنص.
(1)
المرجع السابق ص 117، 118 القاعدة الخامسة والستون نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 5 من سورة الأحزاب
(3)
الآية رقم 121 من سورة الأنعام
(4)
الآية رقم 4 من سورة المائدة
واما الاثم فساقط عن الناس جملة
(1)
.
والخطأ يكون على ضربين احدهما فعل لم يقصده الانسان أصلا وذلك كرجل رمى غرضا فأصاب انسانا لم يقصده. وكانسان جر نفسه فاستجر ذبابا فدخل حلقه وهو صائم، أو أراد حك فخذه فمس ذكره.
فهذا وجه - وهو الذى يسميه أهل الكلام التولد لأنه تولد عن فعله ولم يقصد هو فعله.
والوجه الثانى: فعل قصد الانسان عمله الا أنه لم ينو بذلك طاعة ولا معصية ولا نوى بذلك ما حدث من فعله ولا قصد الى بعض ما أمر به ولا الى خلاف ما أمر به كانسان لطم آخر فوافق منية الملطوم أو كانسان صائم عمد الأكل وهو غير ذاكر لصومه ولا قاصد الى افساد صومه، أو نسى انه فى صلاة فقصد الى الأكل أو الى الكلام أو الى المشى غير عامد لافساد صلاته أو نسى انه على طهارة فقصد الى مس ذكره غير قاصد بذلك الى نقض وضوئه أو سقاه انسان بحضرة عدول من اناء أخبره أن فيه نبيذا غير مسكر فلما جرع منه قاصدا الى شربه علم أنه خمر فأزاله عن فيه بعد أن شرب منه، أو وطئ امرأة لقيها فى فراشه عامدا لوطئها وهو يظنها امرأته فاذا بها أجنبية أدخلت عليه، أو قرأ آية قاصدا الى الألفاظ التى قرأ يظنها من القرآن وهى بخلاف ذلك فى القرآن، أو قتل صيدا عامدا لقتله غير ذاكر لاحرامه وهو محرم. فهذا الوجه الثانى، وكلاهما مرفوع لا ينقض شئ من ذلك عملا ولا ايمانا ولا يوجب اثما ولا حكما الا حيث جاء النص بأنه يوجب حكما مما ذكرنا فيوقف عنده ويكون مستثنى من الجملة التى ذكرنا منها طرفا كالنص الوارد فى ايجاب الدية على العاقلة، لأنه فى كلا الوجهين المذكورين لم ينو معصية
(2)
.
ومن ذلك من لقى رجلا فى صف المشركين فظنه مشركا فقتله عمدا وهو لا يعلم انه مسلم فاذا هو مسلم فلا خلاف فى أنه لا قود عليه ولا اثم، وكذلك سقط الاثم والقود عن المتأول من الحكام وان كان عامدا ليس ذلك الا لأنه لم يقصد خلاف ما أمر به وهو يعلمه معصية، وكذلك من أكل لحم خنزير وهو يظنه لحم كبش أو حنث غير ذاكر ليمينه فكل هذا لا شئ عليه فيه ولا قضاء ولا اثم ولا تعزير ولا حد.
فان جاء نص فى شئ ما من ذلك كان مستثنى كمن صلى وهو يظن انه واضئ فاذا به غير واضئ فذكر بعد ذلك فهذا لم يصل فليصل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا صلاة الا بطهور» وهذا لم يصل كما أمر، واما من صلى وفى ثوبه شئ فرض اجتنابه على من بلغه أو صلى الى غير القبلة، فان كان ممن لم يبلغه فرض اجتناب ذلك الشئ ولا فرض القبلة فصلاته تامة لأنه لم يكلف ما لم يبلغه،
(1)
الاحكام فى أصول الاحكام لابى محمد على بن حزم الاندلسى ج 5 ص 149، 150 بتصحيح الشيخ احمد محمد شاكر الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1347 هـ
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 154، 155 نفس الطبعة.
فان كان ممن بلغه كل ذلك فعليه أن يعيد الصلاة ما دام وقتها لانه علم ووقتها قائم اذ لم يصل تلك الصلاة كما أمر ففرض عليه أن يصليها كما أمر وأما بعد الوقت فلا لأنه لا يصلى صلاة الا فى وقتها حاشا النائم والناسى والسكران فانهم خصوا بالنص فيهم
(1)
.
وجاء فى المحلى أن من أصاب شيئا محرما فيه حد أو لا حد فيه وهو جاهل بتحريم الله سبحانه وتعالى له فلا شئ عليه فيه لا اثم ولا حد ولا ملامة، لكن يعلم حكمه فان عاد الى ذلك أقيم عليه حد الله تعالى فان ادعى جهالة نظر فان كان ذلك ممكنا فلا حد عليه أصلا.
وقد قال قوم بانه يحلف، ولا نرى نحن عليه حدا ولا تحليفا وان كان متيقنا انه كاذب لم يلتفت الى دعواه. قال ابو محمد رحمه الله تعالى: برهان ذلك قول الله عز وجل:
«وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ»
(2)
.
فان الحجة على من بلغته النذارة لا من لم تبلغه، وقد قال الله عز وجل:
«لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها»
(3)
.
وليس فى وسع أحد أن يعلم ما لم يبلغه لأنه علم غيب.
واذا لم يكن ذلك فى وسعه فلا يكلف الله أحدا الا ما فى وسعه فهو غير مكلف تلك القصة فلا اثم عليه فيما لم يكلفه ولا حد عليه ولا ملامة، وانما سقط هذا عمن يمكن أن يعلم ويمكن أن يجهل فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام» . وقد جاءت فى هذا عن السلف آثار كثيرة كما روينا عن سعيد بن المسيب رضى الله تعالى عنه أن عاملا لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه كتب الى عمر يخبره أن رجلا اعترف عنده بالزنا فكتب اليه عمر أن سله هل كان يعلم انه حرام فان قال نعم فاقم عليه الحد وان قال لا فأعلمه انه حرام فان عاد فاحدوه.
وعن الهيثم بن بدر عن حرقوص قال أتت امرأة الى على بن أبى طالب كرم الله وجهه فقالت ان زوجى زنا بجاريتى فقال صدقت هى وما لها لى حل، فقال له على: اذهب ولا تعد، كأنه درأ عنه الحد بالجهالة
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الازهار وحواشيه أن من نسى الجنابة حتى صلى صلوات بعضها بالوضوء وبعضها بالتيمم قضى ما صلى بالوضوء اذا كانت الجنابة مجمع عليها الا ما صلى بالتيمم لأنه كان فرضه
(5)
.
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 156 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 19 من سورة الانعام.
(3)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
(4)
المحلى لأبى محمد على بن احمد بن سعيد بن حزم الاندلسى ج 11 ص 188 مسئلة رقم 2194 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.
(5)
شرح الازهار فى فقه الأئمة الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 125 طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
وجاء فى البحر الزخار نقلا عن الامام الهادى والناصر ويحيى رضى الله تعالى عنهم أن الناسى للماء كالعادم لاشتراكهما فى التعذر، فان وجده فى الوقت اعاد كالعادم لتجدد الخطاب ولفساد التيمم بعدم التلوم.
فلو جعل الماء فى رحله من غير أن يعلم به أو علم به والتبس بسائر اقمشته، أو التبس رحله برحل غيره فتيمم فهو كالناسى.
قال الامام يحيى رضى الله تعالى عنه:
يحتمل أن لا يعيد فى الوقت اذ الناسى أتى من نفسه لا هو
(1)
.
والمتحيرة الناسية لوقتها وعددها كمجنونة سنين استحيضت فيها ان ذكرت ابتداء الدم قدرت منه والا فان ذكرت لها حالة طهر قدرت الابتداء منه فان لم تذكر صلت وصامت واحترمت المسجد والمصحف والوط ء والقراءة الا فى الصلاة واغتسلت لكل صلاة اذ هو الأحوط.
وقيل تكون من وقتها كالمبتدأة
(2)
.
فان انسيت العدد لا الوقت تحيضت ثلاثا من أول وقتها المعتاد ثم اغتسلت لكل صلاة الى آخر العشر ثم توضأت لكل صلاة الى ذلك الوقت ثم تستمر كذلك، والوجه واضح لا
(3)
.
والمذهب على أن من ترك الصلاة أو ما لا تتم الصلاة الا به قطعا، أو ما لا تتم الصلاة الا به فى مذهبه عالما فى حال تضيق عليه فيه الأداء حتى فاتت لزمة القضاء. لما روى عن أنس رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: من نسى صلاة فليصل اذا ذكر لا كفارة لها الا ذلك، وتلا قتادة رضى الله تعالى عنه قول الله عز وجل:
«وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي»
(4)
.
وفى رواية «اذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها اذا ذكرها فان الله عز وجل يقول: «أقم الصلاة لذكرى» أخرجه البخارى ومسلم
(5)
، ولا ترتيب بين الفائتة والمؤداة الا أن يخشى فوت المؤداة قدمها حتما لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذا أقيمت الصلاة فلا صلاة الا المكتوبة «أخرجه مسلم وأبو داود والترمذى والنسائى من رواية أبى هريرة.
وقيل
(6)
يجب الترتيب والمذهب على أن من جهل فأتته من خمس فثنائية وثلاثية ورباعية لصحة النية المشروطة كما مر، لكن يجهر
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام احمد بن يحيى بن المرتضى ج 1 ص 116 فى كتاب يليه جواهر الاخبار والآثار المستخرجة من لجة البحر الزخار للمحقق محمد بن يحيى بهران الصعدى الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمراجعة الشيخ عبد الله محمد الصديق وعبد الحفيظ سعد عطية سنة 1366 هـ، سنة 1947 م.
(2)
المرجع السابق 1 ص 140 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 141 نفس الطبعة.
(4)
الآية رقم 14 من سورة طه.
(5)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 1 ص 171، 172 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 173 نفس الطبعة.
فى ركعة ويسر فى أخرى لوجوبهما، قال المؤيد بالله بل يقضى واحدة رباعية تقف عند الثنتين والثلاثة، وهو مبنى على عدم وجوب ما بعد القعود الآخر وسنبطله.
قال القاسم رضى الله تعالى عنه: ومن جهل كمية ما عليه قضى حتى يظن الوفاء ولا يقال بل حتى يتيقن اذ الصلاة قطعية لأنا نقول والقضاء ظنى.
ومن فاتته الصلاة لنوم أو نسيان لزمه القضاء وان لم يتضيق عليه الأداء للخبر المار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:
«من نسى صلاة فليصل اذا ذكر لا كفارة لها الا ذلك»
(1)
.
قال الناصر رضى الله تعالى عنه: ومن تحرى القبلة فأخطأ لا يعيد الا فى الوقت ان تيقن الخطأ لتوجه الخطاب مع بقائه، وكانكشاف الخطأ قبل تنفيذ الحكم.
فان لم يتيقن فلا اذ لا يأمن الخطأ فى الأخرى.
فان خرج الوقت فلا قضاء لما روى عن جابر رضى الله تعالى عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية كنا فيها فأصابتنا ظلمة فلم نعرف القبلة فقالت طائفة منا قد عرفنا القبلة ها هنا قبل الشمال وخطوا خطوطا.
وقال بعضهم القبلة ها هنا قبل الجنوب وخطوا خطوطا، فلما أصبحنا وطلعت الشمس أصبحت الخطوط لغير القبلة، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فعلنا فأنزل الله عز وجل:
«فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ}
(2)
.
وللضرورة
(3)
.
ومن خالف جهة امامه جاهلا فحكمه حكم المخطئ فى تجرية
(4)
.
ومن نسى نجاسة ثوبه أو مكانه أو لم يعملها حتى صلى ثم علم أعاد فى الوقت لا بعده.
قال الامام يحيى رضى الله عنه الا مجمعا عليها
(5)
.
ولو لم تعلم الأمة بالعتق فصلت حاسرة ثم علمت بالعتق أعادت فى الوقت لا بعده
(6)
.
ومن تكلم فى الصلاة ناسيا أو جاهلا فهو كالعامد لعموم الادلة.
قال زيد بن على رضى الله تعالى عنه لا تفسد الصلاة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «رفع عن أمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . ولما روى ابو هريرة
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 174 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 115 من سورة البقرة.
(3)
البحر الزخار لاحمد بن يحيى بن المرتضى ج 1 ص 209 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 211 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 216 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 232 نفس الطبعة.
رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف من اثنتين فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى اثنتين أخريين ثم سلم ثم كبر ثم سجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع. اذ الكلام لظن التمام أو غيره كالسهو واذ لم يأمر من شمت العاطس جهلا بالاعادة فلا تفسد وان كثر وقيل ان قل. وهو الى ثلاث كلمات فقط.
وقيل: فدر كلامه صلى الله عليه وسلم فى خبر ذى اليدين
(1)
.
وجاء فى شرح الأزهار أن الصائم لو افطر بأى أسباب الافطار وكان فى تلك الحال ناسيا لصومه فسد صومه لأن الناسى فى هذا الباب كالعامد كجناية الخطأ اذ هو جناية.
وخطأ الجناية كعمدها فى باب الضمانات.
فان قيل: ما الفرق بين هذا وبين الصلاة، ففى الصلاة اذا أكل ناسيا او فعل ناسيا ما أفسد الصلاة وذكر بعد خروج الوقت لم يجب عليه القضاء وها هنا يجب القضاء والواجب ان الصوم أصله الامساك مشروطا بغيره ومن أكل أو جامع لم يمسك واذا لم يمسك لم يكن صائما واذا لم يكن صائما لزمه القضاء ذكره فى الشرح ولأنه لا يفيد موافقته أهل الخلاف فى الصوم بخلاف الصلاة.
وعند زيد بن على والناصر والمهدى احمد بن الحسين والصادق والباقر واحمد ابن عيسى رضى الله تعالى عنهم انه اذا أكل ناسيا او جامع ناسيا فلا قضاء عليه ولا يفسد صومه عندهم وحجتهم فى ذلك ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:
الله أطعمه وسقاه فيتم صومه. قلنا يمسك لحرمة الوقت، قلنا: يسقط الاثم فقط.
وأما القضاء فيجب كالحج
(2)
.
واذا نوى الحج وعين ما نراه ثم التبس عليه ما قد كان عين أو نوى انه محرم بما احرم به فلان من حج او عمرة او تمتع او قران وجهله بأن لم يعلم ما أحرم له فلان بل التبس عليه صحت تلك النية ولم يفسد بعروض اللبس، لكن اذا اتفق له ذلك طاف وسعى لجواز أن يكون قارنا او متمتعا والقارن والمتمتع يجب عليهما تقديم طواف العمرة وسعيها
(3)
.
ومن محظورات الاحرام ليس الرجل المخيط كالقميص والسراويل، فاذا لبسه أوجب الاثم أن تعمد لبسه لغير ضرورة ويوجب الفدية مطلقا سواء لبسه عامدا أم ناسيا لعذر أم لغير عذر
(4)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 290، 291 نفس الطبعة.
(2)
شرح الازهار فى فقه الأئمة الاطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 19، 20 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 80 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 87، 88 نفس الطبعة.
مذهب الإمامية:
جاء فى مفتاح الكرامة أن النسيان هو الغفلة مع انمحاء صورته أو معناه عن القوة المدركة - بكسر الراء - والحافظة
(1)
.
وفى نهاية الأحكام لو تكلم ناسيا للصلاة لم تبطل صلاته، ونحوه المنته، وفيه أن عليه علماءنا أجمع.
قال صاحب مفتاح الكرامة: لقد نقلنا عن النهاية والجمل والعقود والوسيلة بطلان صلاة من تكلم ناسيا للصلاة وذلك لأنه قال فى النهاية: فان صلى ركعة من صلاة الغداة وجلس وتشهد وسلم ثم تذكر انه كان قد صلى ركعة قام فأضاف اليها ركعة أخرى ما لم يتكلم أو يلتفت عن القبلة أو يحدث ما ينقض الصلاة.
فان فعل شيئا من ذلك وجبت عليه الاعادة
(2)
.
والجاهل عامد لا يعذر اجماعا كما فى الدرة.
وفى كشف اللثام هو عامد حقيقة وحكما للعموم وخصوص قول الصادق عليه السلام فيما رواه الشيخ صحيحا عن مسعدة ابن زياد رحمه الله تعالى فى قول الله عز وجل:
(3)
.
ان الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدى أكنت عالما فان قال نعم قال له أفلا عملت بما علمت.
وان قال كنت جاهلا قال أفلا تعلمت حتى تعمل فيخصمه فتلك الحجة البالغة.
وفى شرح الألفية للكركى جاهل الحكم عامد عند عامة الأصحاب رضوان الله تعالى عليهم فى جميع المنافيات من فعل أو ترك الا فى الجهر والاخفات فى الصلاة ويعذر الجاهل فيهما اجماعا كما فى الدرة والرياض.
قال الكركى رحمه الله تعالى فى شرح الألفية: ان ناسى الحكم كجاهله فى المؤاخذة.
واما فى الرخصة فظاهر النص ثبوتها فى الجهر والاخفات دون حكم السفر. وكذا الجاهل عامد الا فى غصبية الماء والثوب والمكان ونجاستهما ونجاسة البدن كما نص على ذلك جمهور الأصحاب لأن الشرط انما هو الجهل بالغصبية والنجاسة لا العلم بالعدم لأصل العدم وانتفاء الحرج فى الدين بل لزوم تكليف ما لا يطاق كما فى كشف اللثام.
وفى السرائر: من لم يتقدم له العلم بالغصب بالمكان فلا اعادة عليه سواء علم قبل خروج الوقت أو بعد خروجه بلا خلاف، وكذا الثوب المغصوب.
وفى الغنية لو لم يتقدم له علم بالنجاسة
(1)
مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة للسيد محمد الحداد بن محمد بن محمد الحسينى العاملى ج 3 ص 280 طبع مطبعة الشورى بمصر.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 281 نفس الطبعة
(3)
الآية رقم 149 من سورة الانعام.
والغصب فصلى ثم علم بذلك والوقت باق لزمته الاعادة ولم يلزمه بعد خروجه وهذا حكم من سها فصلى الى يمين القبلة بدليل الاجماع.
وقد قال جماعة: جاهل نجاسة الثوب والبدن معذور بالنسبة الى القضاء اما بالنسبة الى الاعادة فلا يعذر.
وقال جماعة لو علم الغصبية والنجاسة وجهل الحكم لم يعذر.
وقال جماعة ليس الجاهل بنجاسة ماء الطهارة كالجاهل بنجاسة الثوب والبدن والمكان.
وفى الدرة وارشاد الجعفرية الاجماع على ذلك، وتحقيق المقام أن جاهل الحكم - وهو الجاهل بما اقتضاه الخطاب من وجوب وحرمة - حكمه وجوب الاعادة. فيما عدا الوصفين السابقين لأنه عامد.
وأما جاهل الأصل - وهو الجاهل بمتعلق الوجوب أو الحرمة كالجاهل بكون الجلد مذكى أو كون الخاتم ذهبا - فضابطه ان الوجوب اذا أنيط بوصف فواته مانع من تأثير محله المطلوب شرعا بالكلية كنجاسة الماء وكونه مضافا فالجاهل فيه كالعامد فى وجوب الاعادة.
وان لم يكن فوات الوصف المناط به مانعا من التأثير الشرعى بالكلية.
فان كان خلاف الاصل وجب الأخذ بالعلامة المنصوبة شرعا لأن الحكمة تقتضى نصب علامة عليه فان جهله ولم يأخذ بالعلامة وجب الاعادة كذكاة الجلد فان علامة ذلك شرعا أخذ من يد مسلم وكونه مأكول اللحم وعلامته للجاهل اجبار المسلم، وكون الثوب من جنس ما لا يصلى فيه وكون المسجد أرضا أو ما فى حكمها كذلك.
ولو أخذه بالعلامة المنصوبة أجزأ وان ظهرت المخالفة.
وان لم يكن الوصف خلاف الأصل كاباحة الماء والثوب والمكان وطهارة الأخيرين فلا اعادة على الجاهل أما مطلقا أو خارج الوقت على اختلاف الرأيين فى النجاسة.
ومن هذا يعلم حكم الحرمة لأنها تعاكس فبيان حكمه مغن عن بيان حكمها وهل الجهل بنجاسة موضع السجود كالجهل بنجاسة الثوب والبدن؟ صريح الشرائع والنافع والمعتبر وغيرها ان الحكم فيهما واحد وهو قضية كلام الشيخ فى المبسوط والجمل حيث قال يعيد من سجد على موضع النجس بعد علمه بذلك
(1)
.
وجاء فى الخلاف أن المصلى اذا نسى التشهد الأول من صلاة رباعية أو ثلاثية وذكر قبل الركوع من الثانية عاد فجلس وتشهد وبنى وليس عليه شئ.
وان ذكر بعد الركوع مضى فى صلاته فاذا سلم قضى التشهد ثم سجد سجدتى السهو وذلك لاجماع الفرقة واجماع الفرقة حجة.
(1)
مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة للعاملى ج 3 ص 283، 284 الطبعة السابقة.
وروى سليمان بن خالد رضى الله تعالى عنه قال سألت ابا عبد الله عليه السلام عن رجل نسى أن يجلس فى الركعتين الأوليين فقال ان ذكر قبل أن يركع فليجلس وان لم يذكر فليتم الصلاة حتى اذا فرغ فليسلم وليسجد سجدتى السهو.
وروى الحسين بن ابى العلاء عن أبى عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يصلى الركعتين من المكتوبة فلا يجلس فيهما حتى يركع فى الثالثة، قال يتم صلاته ويسجد سجدتين وهو جالس قبل ان يتكلم
(1)
.
ومن ترك سجدة من الركعة الأولى ناسيا حتى قام الى الثانية.
فان ذكر قبل الركوع عاد فسجد وليس عليه ان يجلس ثم يسجد سواء جلس فى الأولى جلسة الفصل أو جلسة الاستراحة أو لم يجلس وان لم يذكر حتى ركع مضى فى صلاته فاذا سلم قضى تلك السجدة وسجد سجدتى السهو.
ومن أصحابنا من قال أن ترك سجدة من الركعتين الأوليين حتى يركع استأنف.
وان تركها من الاخيرتين عمل على ما ذكرناه ودليلنا على القول الأول ما رواه ابو بصير رضى الله تعالى عنه قال سألته عمن نسى أن يسجد سجدة واحدة فذكرها وهو قائم قال يسجدها اذا ذكرها ما لم يركع فان كان قد ركع فليمض على صلاته فاذا انصرف قضاها وليس عليه سهو.
وروى اسماعيل بن جابر عن ابى عبد الله فى رجل نسى أن يسجد السجدة الثانية حتى قام فذكر وهو قائم انه لم يسجد قال فليسجد ما لم يركع فاذا ركع فذكر بعد ركوعه انه لم يسجد فليمض على صلاته حتى يسلم ثم يسجدها فانها قضاء والذى يدل على القول الثانى من قول اصحابنا ما رواه احمد بن محمد بن أبى نصر رحمه الله تعالى قال سألت أبا الحسن عليه السلام عمن رجع يصلى ركعتين ثم ذكر فى الثانية وهو راكع انه ترك سجدة من الأولى فقال كان أبو الحسن عليه السلام يقول اذا تركت السجدة فى الركعة الأولى فلم تدر واحدة أو اثنتين استقبلت الصلاة حتى تصح لك ثنتان واذا كان فى الثالثة والرابعة فتركت سجدة بعد أن تكون حفظت الركوع أعدت السجود، وهذا الخبر لا ينافى الأول لأن هذا الحكم يختص بمن شك فلم يذكر فلزمه الاعادة وانما يجوز له المضى فى الصلاة واعادة السجدة بعد التسليم اذا كان ذلك مع العلم ولا تنافى بين هذه الأخبار
(2)
.
واذا أكل الصائم أو شرب ناسيا لم يفطر وكذلك الجماع وبه قال الشافعى وأصحابه رضى الله تعالى عنهم. وهو المروى عن على كرم الله وجهه وكذا عن ابن عمر وابى هريرة رضى الله تعالى عنهم ودليلنا على ذلك اجماع
(1)
الخلاف فى الفقه للامام ابى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 1 ص 166 مسئلة رقم 197 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1377 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 166، 167 مسئلة رقم 198 نفس الطبعة.
الفرقة، وأيضا لأن الأصل براءة الذمة وليس على ايجاب القضاء والكفارة على الناسى دليل، وروى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه، وروى ابو هريرة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من صام ثم نسى فأكل وشرب فليتم صومه ولا قضاء عليه، الله أطعمه وسقاه
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح طلعة الشمس ان النسيان مسقط لحق الله عن العباد اذا لم يكن الناسى مقصرا فى ذلك فلا اثم على من فوت الصلاة أو الصوم أو نحوهما نسيانا وكذلك لا كفارة عليه لعدم تقصيره لأن الكفارات نوع عقوبة ولا عقوبة على غير المقصر.
أما لو قصر فى أداء ذلك الواجب فانه يلزمه على تقصيره ما يلزم المقصر، مثاله لو سها المصلى حتى أكل أو شرب أو انضجع نائما أو نحو ذلك فانه يكون فى هذه الصورة ونحوها مقصرا اذ لو لم يكن مقصرا فى المحافظة على عبادته لما سها هذا السهو. هذا فى حق الله تعالى.
وأما حق العباد فلا يسقط بالنسيان بل يجب عليه عزمه مطلقا ولا اثم عليه فيما أتلفه بالنسيان لأن حرمة الاتلاف من حقوق الله تعالى على معنى أن الله تعالى هو الذى حرم ذلك
(2)
.
أما الخطأ فهو أن يفعل فعلا من غير أن يقصده قصدا تاما وذلك أن اتمام قصد الفعل بقصد محله.
وفى الخطأ يوجد قصد الفعل دون قصد المحل، وهذا مراد من قال انه فعل يصدر بلا قصد اليه عند مباشرة أمر مقصود سواه، وهو عذر يسقط به الوزر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رفع عن امتى الخطأ والنسيان» الى آخر الحديث، والمراد رفع الاثم، وكذلك يسقط بالخطأ الحد والقصاص أى اذا فعل المخطئ ما يوجب الحد والقصاص خطأ فلا يقام عليه الحد ولا ينفذ فيه القصاص لشبهة الخطأ.
اما الخطأ فى موجب الحد فكما لو قصد الى مدح انسان فسبق لسانه بقذفه مع قيام القرائن على صحة قصده.
واما الخطأ فى موجب القصاص فلا خلاص قصده الى غير الفعل الذى فعله، لكن يلزم من قتل مؤمنا خطأ تحرير رقبة مؤمنة فان لم يجد فصيام شهرين ودية على عاقلته مسلمة الى أهل المقتول.
أما الكفارة فعقوبة عدم التثبت منه،
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 385، 386 مسئلة رقم 31 نفس الطبعة.
(2)
شرح طلعة الشمس على الألفية المسماة بشمس الأصول لناظمها أبى عبد الله بن حميد السالمى ج 2 ص 248 و 249 فى كتاب على هامشه بهجة الانوار شرح أنوار العقول فى التوحيد، المقنعة فى احكام صلاة الجمعة 2 للسالمى طبع مطبعة الموسوعات بمصر.
وأما الدية فجبر دم المؤمن، واما كونها على العاقلة فهو تخفيف له حيث لم يقصد الى قتله ولا يسقط الخطأ شيئا من حقوق الخلق فيلزم من أخطأ فى مال الغير ضمانه
(1)
.
أما الجهل فانه بالنظر الى حال الجاهلين على أربعة أقسام:
القسم الأول: هو ما لا يقبل فى الديانة مثل جهل من يعبد الصنم من دون الهه تعالى فان عبادة الأصنام لم تكن فى حال من الديانة فهى باطلة فى جميع الشرائع فالتمسك بها ضلال ظاهر لظهور الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة على بطلانها، ولهذا كان حكم أهل هذا النوع اجراء حكم الشرع عليهم.
القسم الثانى: هو ما يقبل الدينونة مثل جهل أهل الكتب السابقة من اليهود والنصارى وغيرهم شريعة نبينا صلى الله عليه وسلم فان جهلهم فى ذلك قابل للدينونة سواء كان أهل الكتب السابقة عجما أو عربا لأن المعتبر هنا الديانة لا النسب وسواء كانوا جاهلين بحقيقة نبينا أم متجاهلين بها فانا نقطع أن فى اليهود والنصارى من يعرف ان ما جاء به نبينا صلى الله عليه وسلم حق لقول الله عز وجل:
(2)
.
لكن لما كان علمهم بذلك غير نافع لهم حيث لم يعملوا بموجبه نزلوا فى ذلك منزلة من لا يعلم فأجرى عليهم أحكام الجاهلين من أهل ملتهم، ولأهل هذا الصنف أحكام يرجع الى تفصيلها فى أحكام أهل الحرب وأهل الذمة.
القسم الثالث: هو جهل دون جهل من مر من عباد الأصنام وأهل الكتب السالفة وذلك جهل من اعترف بالاسلام وهو على أنواع ثلاثة:
النوع الأول: جهل من اعتقد فى دينه الهوى بجهله صفات المولى سبحانه وتعالى أو بجهله حكم الله فى الآخرة وذلك كجهل الأشعرية ومن وافقهم فى اعتقادهم أن صفات الذات معان حقيقية قائمة بالذات وفى اعتقادهم أن ذاته تعالى يصح أن ترى وانها سترى سبحانه وتعالى. وفى اعتقادهم ان الشفاعة لأهل الكبائر من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وفى اعتقادهم خروج الفاسق من النار وهذا كله جهل لما عليه الأدلة الشرعية لكنهم تأولوا تلك الأدلة وحكم هؤلاء أن يبين لهم فساد معتقدهم ويوضح لهم الحق فان قبلوه والا دعاهم الامام الى الدخول فى طاعته فان اذعنوا بذلك كان لهم ما لنا وعليهم ما علينا ويتركون ومعتقدهم لكن يمنعون من الدعوة اليه ومن اظهاره للعوام مخافة التلبيس فان لم يمتنعوا عاقبهم الامام بقدر ما يرى من العقوبة فى ذلك.
النوع الثانى: جهل البغاة وقد تقدم حكمه فى اعذار الباغى.
النوع الثالث: جهل يكون شبهة يدرأ به الحد دون غيره من الأحكام وذلك كمن تسرى أمة زوجته يظن انها له فى ذلك مثل أمته فان
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 270، 271 نفس الطبعة.
(2)
الآية رقم 146 من سورة البقرة
هذا جاهل بحكم الله فى قضيته فلا يرجم لأن الحدود تدرأ بالشبهات لكن يصح لنا أن نبرأ منه لأن البراءة بغض على معصية الله وهو قد عصى.
وان كان جاهلا فانه لا يسعه جهله بذلك وعليه أن يتوب من فعله ولا يكون درء الحد عنه دليلا على عذره فانه غير معذور فى ذلك.
القسم الرابع: من أقسام الجهل وهو ما يكون عذرا لصاحبه لا اثم يلحقه بسببه فهو كجهل الوكيل عزله عن الوكالة أو جهل الشفيع شفعته أو جهل المتزوج انسابه أو جهل لحم الخنزير المقطع فأكله من يد من تجوز ذبيحته ونحو ذلك بيانه ان الوكيل اذا عزله الموكل ولم يعلم بالعزل فان جهله بالعزل يكون عذرا له فى التصرف فى مال الموكل حتى قيل انه لو باع أو اشترى على مقتضى الوكالة نفذ تصرفه وثبت بيعه وشراؤه وكذلك الشفيع اذا بيعت شفعته ولم يعلم ببيعها ثم علم بعد ذلك فان له أخذ شفعته بعد العلم ببيعها ولا يكون جهله ببيعها مسقطا لحقه وكذلك من تزوج ذات محرم منه ولم يعلم انها ذات محرم فان جهله بنسبها يكون عذرا فى رفع الحرج عنه فمتى علم انها ذات محرم لزمه تركها وكذلك من أكل لحم الخنزير المقطع من يد من يجوز له أكل اللحم من يده وهو لا يعلم انه لحم خنزير فانه لا اثم عليه فى أكله فصار جهله عذرا له فى ذلك أما من وجد الخنزير قائما فلا يسعه أكل لحمه.
وان كان لا يعرف الخنزير لأن عين الخنزير معروفة عند من يعرف الخنزير.
فاذا لم يعلم هذا المبتلى ما تلك العين لزمه ان لا يأكله لأنه حرام فى دين الله تعالى وعينه شاهدة على معرفته فالجهل به انما هو جهل مع قيام الحجة ونصب الأدلة فلا يكون عذرا
(1)
.
اعذار المكره
مذهب الحنفية:
جاء فى كشف الأسرار على أصول البزدوى ان الاكراه ثلاثة أنواع:
نوع يعدم الرضاء: ويفسد الاختيار نحو التهديد بما يخاف به على نفسه أو عضو من أعضائه لأن حرمة الأعضاء كحرمة النفس تبعا لها.
ونوع يعدم الرضاء ولا يفسد الاختيار نحو الاكراه بالقيد أو الحبس مدة مديدة أو بالضرب الذى لا يخاف به التلف على نفسه وانما لم يفسد به الاختيار لعدم الاضطرار الى مباشرة ما اكره عليه لتمكنه من الصبر على ما هدد به.
ونوع آخر: لا يعدم الرضا فلا يفسد به الاختيار ضرورة لأن الرضاء مستلزم الصحة الاختيار، وهو أن يقصد المكره بحبس ابى المكره أو ولده أن يغتم المكره بسبب حبس
(1)
شرح طلعة الشمس للسالمى ج 2 ص 258 وما بعدها الى ص 263 نفس الطبعة.
ابيه وما يجرى مجراه من حبس زوجته وامه واخته وأخيه وكل ذى رحم محرم منه لأن القرابة المتأبدة بالمحرمية بمنزلة الولاد.
والاكراه بجميع أقسامه لا ينافى أهلية الوجوب ولا أهلية الأداء لأنها ثابتة بالذمة والعقل والبلوغ.
والاكراه لا يخل بشئ من ذلك، ثم هو كذلك لا يوجب سقوط الخطاب بها عن المكره بحال سواء كان ملجئا او لم يكن، لأن المكره مبتلى والابتلاء يحقق الخطاب، ألا ترى أن المكره فى الاتيان بما اكره عليه متردد بين كونه مباشر فرض كما لو اكره على أكل الميتة أو شرب الخمر. بما يوجب الالجاء فانه يفترض عليه الاقدام على ما اكره عليه حتى لو صبر ولم يأكل ولم يشرب حتى قتل يعاقب عليه لثبوت الاباحة فى حقه فى هذه الحالة بالاستثناء المذكور فى قول الله عز وجل:
«إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ»
(1)
.
وبين كونه مباشر محظور كما فى الاكراه على الزنا وقتل النفس المعصومة، وبين اباحته كما فى اكراه الصائم على افساد الصوم فانه يبيح له الفطر، وبين رخصته كما فى الاكراه على الكفر فانه ترخص له اجراء كلمة الكفر على اللسان. وتردد المكره بين هذه الأمور علامة لثبوت الخطاب فى حقه لأن هذه الأشياء لا تثبت بدون الخطاب
(2)
.
والاكراه لا ينافى الاختيار لأن الاختيار لو سقط لتعطل الاكراه وهذا لأن المكره - بكسر الراء - حمله على اختيار الفعل وقد وافق المكره الحامل فيكون مختارا فى الفعل ضرورة، ولكونه مختارا كان مخاطبا فى عين ما أكره عليه فثبت من ذلك أن الاكراه بنفسه لا يصلح لابطال حكم شئ من الاقوال مثل الطلاق والعتاق والبيع ونحوها، ولا لابطال حكم شئ من الافعال مثل القتل واتلاف المال وافساد الصلاة والصوم ونحوها، فيثبت موجب هذه الجملة لكونها صادرة عن أهلية واختيار، لكن يتغير الحكم بدليل غيره بعد ما صح الفعل فى نفسه كما يتغير فعل الطائع بدليل يلتحق به يوجب تغيير موجبه، فان موجب قوله انت طالق أو أنت حر - وهو وقوع الطلاق أو العتاق - يثبت عقيب التكلم به الا اذا لحق به مغير من تعليق أو استثناء وكذلك موجب فعله كشرب الخمر أو الزنا أو السرقة ثابت فى الحال الا اذا تحقق مانع بأن تحققت هذه الأفعال فى دار الحرب أو تحققت فيها شبهة فكذا يثبت موجب اقوال المكره وأفعاله الا عند وجود المغير
(3)
.
والمعنى الذى تدور عليه الاحكام أن الاكراه عندنا لا يوجب تبديل الحكم بحال سواء كان ملجئا أو غير ملجئ بل يبقى حكمه، ولا يوجب تبديل محل الجناية ولا يوجب تبديل النسبة الا بطريق واحد وهو أن تجعل المكره - بالفتح - آلة المكره - بالكسر -
(1)
الآية رقم 119 من سورة الانعام
(2)
كشف الاسرار لعبد العزيز البخارى على أصول على بن محمد البزدوى ج 4 ص 1502 وما بعدها الى ص 1504 طبع فى مكتبة الصنائع بمعرفة حسن حلمى الريزوى سنة 1307 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 1504 الطبعة السابقة.
وجعل المكره آلة لا باعتبار أن الاكراه يفوت اختياره أصلا ولكن لأنه يفسد اختياره به لتحقق الالجاء. اذ الانسان مجبول على حب حياته وذلك يحمله على الاقدام على ما اكره عليه فيفسد به اختياره من هذا الوجه، والفاسد فى معارضته الصحيح كالمعدوم فيصير الفعل منسوبا الى المكره لوجود الاختيار الصحيح والمكره يصير آلة له لعدم اختياره حكما فى معارضته الاختيار الصحيح
(1)
.
والاكراه الذى له أثر فى الأحكام نوعان:
حرمة لا تزول ولا تسقط نحو حرمة الزنا والقتل لان القتل لا يحل لضرورة ما فلا يحل بهذه الضرورة أيضا لأن حرمة نفس غيره مثل حرمة نفسه فلا يجوز أن يجعل اهلاك نفس غيره طريقا الى صيانة نفسه والزنا فى حكم القتل أيضا.
وحرمة لا تحتمل السقوط أصلا مثل حرمة الميتة وشرب الخمر.
وحرمة لا تحتمل السقوط لكنها تحتمل الرخصة نحو حرمة اجراء كلمة الكفر فانها لا تحتمل السقوط أبدا لكن تدخلها الرخصة اى تسقط المؤاخذة بالمباشرة مع قيام الحرمة،
وحرمة تحتمل السقوط لكنها لا تسقط بعذر الاكراه واحتملت الرخصة كحرمة اتلاف مال الغير فانها تحتمل السقوط باباحة صاحبه ولم تسقط بعذر الاكراه كما لم تسقط بعذر المخمصة لأن حرمته لحق الغير، وحقه باق فى حالة الاكراه والاضطرار لكنها تحتمل الرخصة حتى رخص له الاتلاف بالاكراه والأكل بالمخمصة مع بقاء الحرمة
(2)
.
ثم ينظر.
فان كان التصرف المكره عليه من جنس ما لا ينفسخ ولا يتوقف على وجود الرضا والاختيار لم يبطل بالاكراه مثل الطلاق والعتاق والنكاح لأن ذلك لا يبطل بالهزل وهو ينافى الاختيار والرضاء بالحكم ولا يبطل شرط الخيار وهو ينافى الاختيار أصلا فلأن لا يبطل بما يفسد الاختيار أولى
(3)
.
وأما التصرف الذى يحتمل الفسخ ويتوقف على الرضاء مثل البيع والاجارة ونحوهما فانه يقتصر على المباشر أيضا كالذى لا يحتمل الفسخ لأن الأقوال كلها تقتصر على المتكلم الا أن الذى يحتمل الفسخ ويتوقف على الرضاء ينعقد فاسدا لأن الاكراه لا يمنع انعقاد أصل التصرف لصدوره من أهله فى محله ولكنه يمنع نفاذه لفوات الرضاء الذى هو شرط النفاذ بالاكراه فينعقد بصفة الفساد.
ولا تصح الأقارير كلها حتى لو اكره بقتل أو اتلاف عضو أو حبس أو قيد على أن يقر بعتق ماض او طلاق او نكاح او رجعة او فئ
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 1507، 1508 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 1507 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 1507، 1508 نفس الطبعة.
فى ايلاء أو عفو عن دم عمد أو بيع أو اجارة أو دين فى ذمته لانسان أو ابراء عن دين أو على ان يقربا سلام ماض كان الاقرار باطلا لأنه اذا هدد بما يخاف التلف على نفسه فهو ملجأ الى الاقرار محمول عليه.
والاقرار خبر متردد بين الصدق والكذب.
وانما يوجب الحق باعتبار رجحان جانب الصدق ودلالته على وجود المخبر به وذلك يفوت بالالجاء لأن قيام السيف على رأسه دليل على أن اقراره هذا لا يصلح للدلالة على المخبر به لأنه يتكلم به دفعا للسيف عن نفسه وكذا ان هدد بحبس أو قيد لأن الرضاء ينعدم بالحبس والقيد لما يلحقه من الهم، وعدم الرضاء يمنع ترجيح جانب الصدق فى اقراره
(1)
.
والكامل من الاكراه.
وهو الاكراه بالقتل أو القطع.
والقاصرة منه - وهو الاكراه بالحبس أو القيد - فى الذى يحتمل الفسخ ويتوقف على الرضاء والاقارير كلها سواء لأن القاصر يعدم الرضاء وعدمه يمنع النفاذ ويدل على عدم المخبر به
(2)
.
مذهب الملكية:
جاء فى نهاية السول فى شرح منهاج الوصول أن الاكراه قسمان:
اكراه قد ينته الى حد الالجاء وهو الذى لا يبقى للشخص معه قدرة ولا اختيار كالالقاء من شاهق واكراه قد لا ينته اليه كما لو قيل له ان لم تقتل هذا والا قتلتك وعلم انه ان لم يفعل والا قتله الأول يمنع التكليف اى بفعل المكره عليه وبنقيضه.
قال فى المحصول لأن المكره عليه واجب الوقوع وضده ممتنع والتكليف بالواجب والممتنع محال. وهذا القسم لا خلاف فيه.
وأما الثانى وهو غير الملجئ فمفهوم كلام صاحب منهاج الوصول انه لا يمنع التكليف.
قال ابن التلمسانى رحمه الله تعالى: وهو مذهب أصحابنا رحمهم الله تعالى لأن الفعل ممكن والفاعل متمكن.
قال: وذهبت المعتزلة الى أنه يمنع التكليف فى عين المكره عليه دون نقيضه، فانهم يشترطون فى المأمور به أن يكون بحال يثاب على فعله.
واذا اكره على عين المأمور به فالاتيان به لداعى الاكراه لا لداعى الشرع فلا يثاب فلا يصح التكليف به بخلاف ما اذا أتى بنقيض
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 1510 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 1510، ص 1511 نفس الطبعة.
المكره عليه فانه أبلغ فى اجابة داعى الشرع
(1)
.
وجاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه أن الاكراه.
أما شرعى.
أو غير شرعى.
ومذهب المدونة أن الاكراه الشرعى - وهو الاكراه على الفعل الذى تعلق به حق لمخلوق - مقطوع يقع به الطلاق جزما خلافا للمغيرة رحمه الله تعالى، كما لو حلف بالطلاق لا تخرج زوجته فأخرجها قاض لتحلف عند المنبر، وكما لو حلف فى نصف عبد يملكه لا باعه فاعتق شريكه نصفه فقوم عليه نصيب الحالف وكمل به عتق الشريك، او حلف لا يشترى نصيب شريكه فى العبد فاعتق الحالف نصيبه فقوم عليه نصيب شريكه لتكميل عتقه لزمه الطلاق على المذهب خلافا للمغيرة رحمه الله تعالى حيث قال بعدم لزوم الطلاق.
والمختار هنا مذهب المغيرة فلا يحنث المكره سواء اكره على قول كما مر أو على فعل كأن يحلف بطلاق لا أدخل دارا فأكره على دخولها أو حمل وأدخلها مكرها خلافا لابن حبيب رحمه الله تعالى الذى يقول بالحنث فى الاكراه الفعلى وهو مقيد بما اذا كانت صيغة بر.
فان كانت صيغة حنث نحو أن لم أدخل الدار فى طالق فأكره على عدم الدخول فانه يحنث كما قدمه فى اليمين حيث قال:
ووجبت الكفارة بالحنث ان انتفى الاكراه برأى بان لا يكون اكراه أصلا أو كان اكراه فى صيغة الحنث، ومفهومه انه اذا أكره على صيغة البر فلا حنث. ومقيد بما لم يأمر الحالف غيره أن يكرهه وبما اذا لم يعلم حين الحلف انه سيكره بعده وبما اذا لم يقل فى يمينه لا أدخلها طوعا ولا كرها وان لا يفعله بعد زوال الاكراه والحنث حيث كانت يمينه غير مقيدة بأجل.
وأما لو كانت مقيدة بأجل وفرع وفعل الحلوف عليه بعده طائعا فلا حنث
(2)
.
ومثل الاكراه على الطلاق فى عدم اللزوم.
الاكراه على العتق والنكاح والاقرار نحو ان لم تعتق عبدك أو أن لم تزوجنى بنتك أو أن لم تقر بأن فى ذمتك كذا قتلتك أو ضربتك أو سجنتك أو صفعتك بملأ أو قتلت ولدك أو نهبت مالك أو نحو ذلك فاذا خاف واعتق أو زوج أو أقر أو باع فلا يلزمه ذلك. وكذلك الحكم فى الاكراه على اليمين ونحوه كالبيع والشراء وسائر العقود كعقد الاجارة والجعالة والصرف والهبة فانها لا تلزم بالاكراه نحو أن
(1)
نهاية السول للامام جمال الدين الأسنوى شرح منهاج الوصول الى علم الأصول للقاضى البيضاوى ج 1 ص 111، 112 فى كتاب على هامش التقرير والتحبير شرح العلامة ابن الهمام الطبعة الأولى طبعة المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1316 هـ.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لشمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقى والشرح الكبير لسيدى احمد الدردير ج 2 ص 367، 368 فى كتاب على هامشه الشرح المذكور طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر.
يقول له ان لم تحلف بالله أو بالمشى الى مكة أو بصوم العام او بعتق عبدك على أن لا تكلم زيدا أو لا تدخل دارى لقتلتك أو ضربتك أو سجنتك أو صفعتك بملأ أو قتلت ولدك أو نهبت مالك فاذا خاف انه اذا لم يحلف له يفعل معه شيئا مما ذكره فحلف له فلا تنعقد تلك اليمين فاذا فعل المحلوف عليه لم يلزمه شئ.
أما الاكراه على الاتيان بما يقتضى الاتصاف بالكفر من قول أو فعل فلا يتحقق فيه الاكراه الا بالخوف من القتل فقط، ومثل ذلك الاكراه على سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا سب نبى مجمع على نبوته أو ملك مجمع على ملكيته او الحور العين فلا يجوز القدوم عليه الا اذا خاف على نفسه القتل.
أما من لم يجمع على نبوته كالخضر عليه السلام.
ومن لم يجمع على ملكيته كهاروت وماروت فيجوز سبهما اذا خاف مؤلما مما مر ولو كان غير القتل كذا فى عبد الباقى وفيه ان سب الصحابة لا يجوز الا بالقتل فهم أولى فالذى ينبغى أنهم كالصحابة ولا يجوز سبهم الا بمعاينة القتل.
ولا يجوز قذف المسلم وكذا سب الصحابة ولو بغير قذف الا اذا خاف على نفسه من معاينة القتل لا بغير ذلك ولو بقطع عضو ولو خوف بغير القتل كالضرب وقتل الولد ونهب المال ففعل شيئا من ذلك ارتد وحد للمسلم وكذا الحكم بالنسبة للمرأة لا تجد من القوت ما يحفظ بقية حياتها ولو بميتة أو خنزير الا لمن يزنى بها فيجوز لها الزنا بما يشبعها لا بما يحفظ حياتها فقط، فاذا وجدت من يزنى بها ويشبعها ومن يزنى بها ويحفظ حياتها زنت لمن يشبعها ولو كان يزنى بها أكثر من ذلك، والمرأة بخلاف الولد فلا يجوز له أن يمكن من اللواط فيه ولو ادى الجوع الى موته.
ومفهوم المرأة أن الرجل اذا لم يجد ما يحفظ حياته الا ان يزنى بامرأة تعطيه ما يحفظ فليس له ذلك نظرا لانتشاره، قاله فى عبد الباقى.
والحق انه يجوز اذا كانت طائعة ولا مالك لبضعها من زوج أو سيد.
وصبر من ذكر - وهو من اكره على الكفر أو سب النبى أو قذف المسلم بالقتل - على القتل كصبر المرأة على الموت افضل عند الله واكثر ثوابا. هذا بخلاف الاكراه على قتل المسلم ولو رقيقا فلا يجوز بخوف القتل.
فاذا قال له ظالم ان لم تقتل فلانا قتلتك فلا يجوز له قتله ويجب عليه أن يرضى بقتل نفسه. وكذا لا يجوز بخوف القتل أن يقطع المسلم ولو أنملة بل يرضى بقتل نفسه ولا يقطع انملة غيره، ومثل ذلك ماذا قال له الظالم ان لم تزن بفلانة قتلتك فلا يجوز له الزنا بها ويجب عليه الرضا بقتل نفسه اذا كانت تلك المرأة مكرهة او كانت طائعة وكانت ذات زوج أو سيد.
أما لو كانت طائعة ولا زوج لها ولا سيد فيجوز له الزنا بها اذا خوف بالقتل لا بغيره، كذا قاله الدردير رحمه الله تعالى، وفيه نظر
ففى المواق عن ابن رشد أن سحنونا رحمه الله تعالى سوى بين الزنا بالطائعة التى لا زوج لها ولا سيد وبين شرب الخمر وأكل الميتة.
ومن اكره على الحلف على طاعة سواء كانت تلك الطاعة تركا أو فعلا فهل تلزمه تلك اليمين او لا تلزمه؟ قولان.
الأول: منهما قول مطرف وابن حبيب رحمهما الله تعالى.
والثانى: قول اصبغ وابن الماجشون رحمهما الله تعالى.
والظاهر منهما القول الثانى.
فاذا اكره على الحلف بالله أو بالطلاق أو بالمشى الى مكة أنه لا يشرب الخمر أو لا يغش المسلمين أو ليتصدقن بكذا أو ليصلين أول الوقت، فمتى شرب أو غش ومتى لم يتصدق بما حلف عليه أو أخر الصلاة عن أول الوقت حنث.
ولا يعد مكرها على القول الأول.
وعلى القول الثانى - وهو الظاهر - لا يحنث نظرا للاكراه.
واما لو اكره على يمين متعلقة بمعصية كان أكره على أن يحلف ليشربن الخمر أو يمين متعلقة بمباح كمن أكره على الحلف ليدخلن الدار لم تلزمه اليمين اتفاقا
(1)
.
مذهب الشافعية:
وجاء فى الاشباه والنظائر أن التلفظ بكلمة الكفر يباح بالاكراه للآية.
ولا يجب بل الأفضل الامتناع مصابرة على الدين واقتداء بالسلف.
وقيل الأفضل التلفظ صيانة لنفسه،
وقيل ان كان ممن يتوقع منه النكاية فى العدو والقيام بأحكام الشرع فالأفضل التلفظ لمصلحة نقائه، والا فالأفضل الامتناع.
أما القتال المحرم لحق الله ولا يباح به بلا خلاف، بخلاف المحرم للمالية كنساء الحرب، وصبيانهم فيباح به، وكذا لا يباح الزنا بالاكراه بالاتفاق أيضا لأن مفسدته افحش من الصبر على القتل وسواء كان المكره رجلا أو امرأة، ومثل الزنا اللواط، صرح به فى الروضة.
أما الاكراه على القذف فقد قال العلائى رحمه الله تعالى: لم أر من تعرض له.
وفى كتب الحنيفة انه يباح بالاكراه، ولا يجب به حد، وهو الذى تقتضيه قواعد المذهب.
قال السيوطى رحمه الله تعالى: قد تعرض له ابن الرفعة رحمه الله تعالى فى المطلب، فقال: يشبه أن يلتحق بالتلفظ بكلمة الكفر ولا ينظر الى تعلقه بالمقذوف لأنه لم يتضرر به.
قال فى المطلب: ويظهر أن السرقة تلتحق باتلاف المال لأنها دون الاتلاف: قال فى الخادم
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 369، 370 نفس الطبعة.
وقد صرح جماعة باباحتها منهم القاضى حسين رحمه الله تعالى فى تعليقه.
قال السيوطى: وجزم به الأسنوى رحمه الله تعالى فى التمهيد.
أما الاكراه على شرب الخمر فيباح به شربها قطعا استبقاء للمهجة كما يباح لمن غص بلقمة أن يسيغها به ولكن لا يجب على الصحيح كما فى أصل الروضة.
وكذا يباح بالاكراه شرب البول وأكل الميتة.
وفى الوجوب احتمالان للقاضى حسين رحمه الله تعالى.
قال السيوطى: ينبغى أن يكون أصحهما الوجوب
وكذا يباح بالاكراه اتلاف مال الغير، بل يجب قطعا كما يجب على المضطر أكل طعام غيره.
أما شهادة الزور:
فان كانت تقتضى قتلا أو قطعا ألحقت به.
وان كانت تقتضى اتلاف مال ألحقت به أو جلدا فهو محل نظر اذ يفضى الى القتل.
كذا فى المطلب.
وقال الشيخ عز الدين رحمه الله تعالى:
لو أكره على شهادة زور أو حكم باطل فى قتل أو قطع أو احلال بضع استسلم للقتل.
وان كان يتضمن اتلاف مال لزمه ذلك حفظا للمهجة.
ويباح بالاكراه الفطر فى رمضان.
بل يجب على الصحيح، وكالفطر فى ذلك الاكراه على الخروج من صلاة الفرض.
وقد ضبط الأودنى رحمه الله تعالى هذه الصور بأن ما يسقط بالتوبة يسقط حكمه بالاكراه.
وما لا يسقط بالتوبة فلا يسقط بالاكراه نقله فى الروضة وأصلها.
قال فى الخادم: وقد أورد عليه شرب الخمر فانه يباح بالاكراه ولا يسقط حده بالتوبة وكذلك القذف
(1)
.
قال السيوطى وقد اختلف أهل الاصول فى تكليف المكره على قولين، وفصل الامام فخر الدين واتباعه رحمهم الله تعالى فقالوا:
ان انته الاكراه الى حد الالجاء لم يتعلق به حكم وان لم ينته الى ذلك فهو مختار وتكليفه جائز شرعا وعقلا.
وقال الغزالى رحمه الله تعالى فى البسيط الاكراه يسقط اثر التصرف عندنا الا فى خمس مواضع وذكر اسلام الحربى والقتل والارضاع والزنا والطلاق اذا أكره على فعل المعلق عليه وزاد عليه غيره مواضع وذكر النووى رحمه الله تعالى. تهذيبه أن يستثنى مائة مسئلة لا أثر للاكراه فيها ولم يعددها. ولكنى بامعان النظر
(1)
الاشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية للامام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى ص 206 وما بعدها الى ص 208 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1378 هـ، سنة 1959 م.
فى تتبعها استطعت الوصول الى جملة منها، وذلك نحو الاكراه على الحدث وهو من باب الاتلاف اذ هو اتلاف للطهارة. ولهذا لو أحدث ناسيا انتقض، ونحو الاكراه على افساد الماء بالاستعمال أو النجاسة او مغير طاهر فانه يفسد وهو أيضا من باب الاتلاف اذ لا فرق فيه بين العمد وغيره.
ولو ألقى انسان فى نهر مكرها فنوى فيه رفع الحدث صح وضوئه.
ومما لا أثر فيه للاكراه اذا اكره على غسل النجاسة ودبغ الجلد.
وكذا الاكراه على التحول عن القبلة فى الصلاة فتبطل.
وكذا الاكراه على الكلام فيها فتبطل فى الأظهر لندوره ومثله الاكراه على فعل ينافى الصلاة.
والاكراه على ترك القيام فى الفرض، والاكراه على تأخير الصلاة عن الوقت - حيث تصير قضاء.
والاكراه على تفرق المتصارفين قبل القبض فيبطل كما ذكره فى الاستقصاء وغيره ولو ضربا فى خيار المجلس حتى تفرقا ففى انقطاع الخيار قولا حنث المكره.
ولو اكره على اتلاف مال الغير فانه يطالب بالضمان وان كان القرار على المكرة فى الأصح.
وكذا الحكم لو اكره على اتلاف الصيد، بخلاف ما لو حلق شعر محرم مكرها لا يكون للمحرم طريقا فى الضمان على الأظهر لأنه لم يباشر.
ولو اكره على الأكل فى الصوم فانه يفطر فى أحد القولين.
وصححه الرافعى رحمه الله تعالى فى المحرر.
ولو اكره على الجماع فى الصوم أو فى الاحرام ففيه طريقان فى أصل الروضة بلا ترجيح.
احدهما يفسد قطعا بناء على أن اكراه الرجل على الوط ء لا يتصور.
والثانى فيه وجهان بناء على الناسى ولو اكره على الخروج من المعتكف فانه يبطل فى أحد القولين كالأكل فى الصوم.
ولو اكره على اعطاء الوديعة لظالم فانه يضمن فى الأصح، ثم يرجع على من أخذ منه، وكذا لو اكره على الذبح او الرمى من محرم أو مجوسى لحلال ومسلم
ولو اكره على تخليل الخمر بلا عين.
قال الاسنوى رحمه الله تعالى: يحتمل الحاقه بالمختار ويحتمل القطع بالطهارة.
ولو اكره على الوط ء حصل به الاحصان واستقر المهر وحلت الموطوءة للمطلق ثلاثا ولحقه الواطئ الولد وصارت الموطوءة اذا كانت امته بذلك الوط ء مستولدة، ويلزمه المهر فى غير الزوجة.
ولو اكره على القتل وجب القصاص على المكره فى الاظهر.
ولو اكره على ترك الوضوء فتيمم.
قال الرويانى رحمه الله تعالى: لا قضاء عليه، وقال النووى رحمه الله تعالى: فيه نظر قال: لكن الراجح ما ذكره لأنه فى معنى من غصب ماؤه.
قال الاسنوى رحمه الله تعالى والمتجه خلافه لأن الغصب كثير معه د بخلاف الاكراه على ترك الوضوء فعلى هذا يستثنى.
أما الاكراه على السرقة فقيل لا يسقط الحد.
ولو أكره على قتل مورثه لا يرث على الصحيح، ولو اكره على الارضاع حرم اتفاقا وأوجب المهر اذا انفسخ به النكاح على المرضعة على الاصح.
قال الأسنوى رحمه الله تعالى، وفيه نظر.
ولو اكره على القذف وجب عليه الحد فى وجه.
ولو اكره على الاذان أو على فعل الصلاة أو الوضوء وأركان الطهارة أو الصلاة أو الحج أو اداء الزكاة أو الكفارة أو الدين أو بيع ماله فيه أو الصوم أو الاستئجار للحج أو الانفاق على رقيقه وبهيمته وقريبه أو اقامة الحدود أو اعتاق المنذور عتقه كما صرح به فى البحر والمشترى بشرط العتق وطلاق المولى اذا لم يطأ واختيار من أسلم على أكثر من أربع وغسل الميت والجهاد، فكل ذلك يصح مع الاكراه
(1)
.
مذهب الحنابلة:
(2)
جاء فى روضة الناظر أن العلماء اختلفوا فى دخول المكره تحت التكليف.
فذهب ابن قدامه رحمه الله تعالى الى انه مكلف مطلقا، لأنه يفهم ويسمع ويقدر على تحقيق ما أمر به وتركه.
وفضل ابن قاضى الجبل وصاحب تحرير المنقول فقالا اذا انته الاكراه الى سلب القدرة والاختيار حتى صار كآلة تحمل فهذا غير مكلف، وقال البرماوى رحمه الله تعالى المكره كالألة يمتنع تكليفه قيل باتفاق، واذا كان الاكراه بضرب أو تهديد بحق أو غيره فصاحبه مكلف عند أكثر العلماء خلافا للمعتزلة والطوقى من أصحابنا قال صاحب الروضة:
وعندى أن الاكراه ان كان بالالجاء والقسر حتى صار صاحبه كآلة تحمل كان صاحبه غير مكلف والا فهو مكلف، وذلك أن أعظم ما يكون به
(1)
المرجع السابق ص 203 وما بعدها الى ص 206 نفس الطبعة.
(2)
روضة الناظر وجنة المناظر لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن احمد بن قدامة المقدسى ج 1 ص 142 فى كتاب أسفله شرحها نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر بن أحمد ابن مصطفى بدران الدومى طبع المطبعة السلفية بمصر سنة 1342 هـ.
الاكراه القتل بأن يقال لزيد مثلا ان قتلت عمرا والا قتلناك فيقع التعارض عنده بين أن يقتل فيسلم أو يمتنع فيقتل فقد دار الأمر بين تفويت نفسه ونفس غيره، وهما سواء بالنسبة الى عدل الشرع فاذا أقدم المكره على القتل فقد رجح بقاء نفسه على فواتها وبقاء نفس غيره فصار مختارا وخرج عن حد الاكراه. كما لو اكره على طلاق زينب فطلق عمرة، أو أكره على الاقرار بدراهم فأقر بدنانير أو على العكس فيهما فان طلاقه واقراره يصح لأنه مختار بالنسبة الى زينب والدبنارين وانما كان الاكراه على غيره، بل هو فى صورة القتل أولى بأن يخرج عن حد الاكراه لما عرف من رجحان حرمة الدماء على الأموال.
واذا تقرر ان المكره على القتل يخرج عن حد الاكراه لم يكن فيه دلالة على تكليف المكره لأنا نقول المكره على القتل يصير عند القتل مختارا لا مكرها فلذلك يقتل.
قال الطوفى رحمه الله تعالى فى مختصره:
والحق ان الخلاف فى هذه المسألة مبنى على خلق الافعال فمن رآها خلقا لله تعالى قال بتكليف المكره اذ جميع الأفعال واجبة بفعل الله تعالى.
والتكليف بايجاد المأمورية منها وترك المنهى عنه غير مقدور وهذا أبلغ ومن لا فلا.
قال صاحب نزهة الخاطر: وتحقيق الحق ان العدل الشرعى الظاهر يقتضى عدم تكليف المكره مطلقا لأن تكليفه اضرار به وتضييق لما وسعه الله تعالى والله تعالى لا يكلف عبده ما لا يطيقه
(1)
.
وجاء فى المغنى انه لا تختلف الرواية عن الامام احمد رحمه الله تعالى ان طلاق المكره لا يقع.
وروى ذلك عن عمر وعلى وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجابر بن سمرة رضى الله تعالى عنهم وبه قال عبد الله بن عبيد بن عمير وعكرمه والحسن وجابر بن زيد وغيرهم وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(2)
.
رواه أبو داود والأثرم رضى الله تعالى عنهما، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ولا مخالف لهم فى عصرهم فيكون اجماعا، ولأنه قول
(1)
نزهة الخاطر العاطر للشيخ عبد القادر ابن احمد بن مصطفى بدران الدومى ج 1 ص 144 شرح روضة الناظر لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن قدامة الطبعة السابقة.
(2)
قال أبو عبيد والقتيبى معناه فى اكراه، وقال أبو بكر سألت ابن دريد وابا ظاهر النحويين فقالا: يريد الاكراه لأنه اذا اكره انغلق عليه رايه، ويدخل فى هذا المعنى المبرسم والمجنون. انظر المغنى للامام موفق الدين ابى محمد عبد الله بن احمد بن محمود بن قدامة ج 8 ص 259 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن احمد ابن قدامة المقدسى. الطبعة الاولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
حمل عليه بغير حق فلم يثبت له حكم مثل كلمة الكفر اذا أكره عليها.
وان كان الاكراه بحق نحو اكراه الحاكم المولى على الطلاق بعد التربص اذا لم يفى واكراهه الرجلين اللذين زوجهما وليان ولا يعلم السابق منهما على الطلاق وقع الطلاق لأنه قول حمل عليه بحق فصح كاسلام المرتد اذا اكره عليه ولأنه انما جاز اكراهه على الطلاق ليقع طلاقه فلو لم يقع لم يحصل المقصود
(1)
.
فان نيل بشئ من العذاب كالضرب والخنق والعصر والحبس والغط فى الماء مع الوعيد فانه يكون اكراها بلا اشكال لما روى ان المشركين أخذوا عمارا فأرادوه على الشرك فأعطاهم فانته اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكى فجعل يمسح الدموع من عينه ويقول: «أخذك المشركون فغطوك فى الماء وأمروك أن تشرك بالله ففعلت فان أخذوك مرة أخرى فافعل ذلك بهم» رواه ابو حفص باسناده.
وقال عمر رضى الله تعالى عنه ليس الرجل أمينا على نفسه اذا أجعته أو ضربته أو وثقته وهذا يقتضى وجود فعل يكون به اكراها.
فأما الوعيد بمفرده فعن أحمد فيه رايتان.
احداهما: ليس باكراه لأن الذى ورد الشرع بالرخصة معه هو ما ورد فى حديث عمار، وفيه: انهم أخذوك فغطوك فى الماء فلا بثبت الحكم الا فيما كان مثله.
والرواية الثانية ان الوعيد بمفرده اكراه.
قال فى رواية ابن منصور رحمه الله تعالى: حد الاكراه اذا خاف القتل أو ضربا شديدا وهذا قول أكثر الفقهاء وبه يقول أبو حنيفة والشافعى رضى الله تعالى عنهما لأن الاكراه لا يكون الا بالوعيد فان الماضى من العقوبة لا يندفع بفعل ما اكره عليه، ولا يخشى من وقوعه.
وانما أبيح له فعل المكره عليه دفعا لما يتوعده به من العقوبة لا يندفع بفعل ما اكره عليه ولا يخشى من وقوعه وانما أبيح له فعل المكره عليه دفعا لما يتوعده به من العقوبة فيما بعد.
وهو فى الموضعين واحد ولأنه متى توعده بالقتل وعلم انه يقتله فلم يبح له الفعل أفضى الى قتله والقائه بيده الى التهلكة ولا يفيد ثبوت الرخصة بالاكراه شيئا لأنه اذا طلق فى هذه الحال وقع طلاقه فيصل المكره الى مراده ويقع الضرر بالمكره.
وثبوت الاكراه فى حق من نيل بشئ من العذاب لا ينفى ثبوته فى حق غيره.
وقد روى عن عمر رضى الله تعالى عنه.
فى الذى تدلى يشتار عسلا فوقف امرأته على الحبل وقالت طلقنى ثلاثا والا قطعته فذكرها الله والاسلام فقالت لتفعلن أو لأفعلن فطلقها
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 259، 260 نفس الطبعة.
ثلاثا فرده اليها رواه سعيد باسناده، وهذا كان وعيدا
(1)
.
وان أكره على طلاق امرأة فطلق غيرها وقع لأنه غير مكره عليه.
وان اكره على طلقة فطلق ثلاثا وقع أيضا لأنه لم يكره على الثلاث.
وان طلق من اكره على طلاقها وغيرها وقع طلاق غيرها دونها.
وان خلصت نيته فى الطلاق دون دفع الاكراه وقع لأنه قصده واختاره.
ويحتمل أن لا يقع لأن اللفظ مرفوع عنه فلا يبقى الا مجرد النية فلا يقع بها طلاق، وان طلق ونوى بقلبه غير امرأته أو تأول فى يمينه فله تأويله ويقبل قوله فى نيته لأن الاكراه دليل له على تأويله وان له يتأول وفصدها بالطلاق لم يقع لأنه معذور وذلك لأنه مكره عليه فلم يقع لعموم ما ذكرنا من الأدلة ولأنه قد لا يحضره التأويل فى تلك الحال فتفوت الرخصة.
وذكر أصحاب الشافعى رحمهم الله تعالى وجها آخر وهو أنه يقع طلاقه لأنه لا مكره له على نيته
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى الأحكام أن المكره على الكفر أن عمد بلسانه ولم يعمد بقلبه لم يخرج بذلك عن الايمان، قال الله عز وجل:
«إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ»
(3)
.
فانما راعى الله تعالى عمل القلب فقط
(4)
.
وجاء فى المحلى ان الاكراه ينقسم قسمين:
اكراه على كلام.
واكراه على فعل.
فالاكراه على الكلام لا يجب به شئ وان قاله المكره كالكفر والقذف والاقرار والنكاح والانكاح والرجعة والطلاق والبيع والابتياع والنذر والايمان والعتق والهبة واكراه الذمى الكتابى على الايمان وغير ذلك لأنه فى قوله ما اكره عليه انما هو حاك للفظ الذى أمر أن يقوله ولا شئ على الحاكى بلا خلاف ومن فرق بين الأمرين فقد تناقض، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«انما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى» فصح أن كل من أكره على قول وله ينوه مختارا له فانه لا يلزمه.
والاكراه على الفعل ينقسم قسمين:
احدهما: كل ما تبيحه الضرورة كالأكل
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 260، 261 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 262 نفس الطبعة.
(3)
الآية رقم 106 من سورة النحل.
(4)
الأحكام فى أصول الاحكام لابى محمد على بن حزم ج 5 ص 157 بتصحيح الشيخ احمد محمد شاكر طبع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1347 هـ.
والشرب فهذا يبيحه الاكراه لأن الاكراه ضرورة فمن أكره على شئ من هذا فلا شئ عليه لأنه أتى مباحا له اتيانه.
والثانى: ما لا تبيحه الضرورة كالقتل والجراح والضرب وافساد المال فهذا لا يبيحه الاكراه فمن أكره على شئ من ذلك لزمه القود والضمان لأنه أتى محرما عليه اتيانه والاكراه هو كل ما سمى فى اللغة اكراها وعرف بالحس انه اكراه كالوعيد بالقتل ممن لا يؤمن منه انفاذ ما توعد به والوعيد بالضرب كذلك او الوعيد بالسجن كذلك أو الوعيد بافساد المال كذلك او الوعيد فى مسلم غيره بقتل أو ضرب او سجن او افساد مال لقول رسول الله تعالى صلى الله عليه وسلم:
«المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه
(1)
.
فمن أكره على شرب الخمر أو أكل الخنزير أو الميتة أو الدم أو بعض المحرمات أو أكل مال مسلم أو ذمى فمباح له أن يأكل ويشرب ولا شئ عليه لأحد ولا ضمان لقول الله عز وجل.
«وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم اليه»
(2)
.
وقوله عز وجل:
«فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ»
(3)
.
ولقوله سبحانه وتعالى:
«فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ»
(4)
.
فان كان المكره على أكل مال مسلم له مال حاضر فعليه قيمة ما أكل لأن هذا هو حكم المضطر.
فان لم يكن له مال حاضر فلا شئ عليه فيما أكل لما ذكرنا
(5)
.
ولو امسكت امرأة حتى زنى بها أو أمسك رجل فادخل احليله فى فرج امرأة فلا شئ عليه ولا عليها سواء انتشر أو لم ينتشر، أمنى أو لم يمن، أنزلت هى أو لم تنزل لأنهما لم يفعلا شيئا اصلا.
والانتشار والامناء فعل الطبيعة الذى خلقه الله تعالى فى المرء سواء أحب أم كره لا اختيار له فى ذلك
(6)
.
ولا يجوز طلاق المكره لما روينا من طريق حماد بن سلمة حدثنا عبد الملك بن قدامة الجمحى حدثنى أبى ان رجلا تدلى بحبل ليشتار عسلا فحلفت له امرأته لتقطعن الحبل أو ليطلقنها ثلاثا فطلقها ثلاثا فلما خرج أتى
(1)
المحلى لأبى محمد على بن احمد بن سعيد بن حزم ج 8 ص 329، 330 مسئلة رقم 1403 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1350 هـ.
(2)
الآية رقم 119 من سورة الأنعام.
(3)
الآية رقم 173 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(5)
المرجع السابق ج 8 ص 330 مسئلة رقم 1404 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق ج 8 ص 331 مسئلة رقم 1405 نفس الطبعة.
عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فاخبره فقال له عمر: ارجع الى امرأتك فان هذا ليس طلاقا. ولما روى من طريق حماد بن سلمة باسناده عن على بن ابى طالب كرم الله تعالى وجهه قال: ليس لمستكره طلاق.
قال الحسن: وأخذ رجلا أهل امرأته فطلقها ان لم يبعث بنفقتها الى شهر فجاء الأجل ولم يبعث شيئا فخاصموه الى على كرم الله تعالى وجهه فقال: اضطهدتموه حتى جعلها طالقا فردها عليه ولأن الله عز وجل قال:
«وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ»
(1)
.
والمكره لم يطلق قط انما قيل له قل:
هى طالق ثلاثا فحكى قول المكره - بكسر الراء - له فقط
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أن الاكراه ضربان
الجاء وهو من بلغ به داعى الحاجة الى الفعل حدا لا يقابله صارف كمن جرد عليه السيف أو أججت له نار لا يمكنه دفعها الا بفعل ما أمر به.
والثانى: اكراه لا الجاء وهو ما ازال الاختيار كالتوعد بالضرب المبرح والتخليد فى الحبس ونحو ذلك.
قال القاسمية وللناصر والمؤيد بالله: ولا يقع طلاق المكره بأى الضرريين لقول الله عز وجل.
(3)
.
أى لا حكم لفعل المكره الا ما خصه دليل اذ الاكراه على الدين واقع.
وقال سعيد بن المسيب وسفيان الثورى وابو حنيفة واصحابه: بل يصح طلاقه مطلقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«ثلاث هزلهن جد» الخبر، وقوله صلى الله عليه وسلم:«كل طلاق واقع الا طلاق المعتوه والصبى» قلنا: هذا معارض بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «وما استكرهوا عليه» قلت: وقوله صلى الله عليه وسلم: «لا طلاق ولا عتاق فى اغلاق»
(4)
.
أخرجه أبو داود ثم أن المكره ليس هازلا ثم الخبر الثانى يقتضى صحة طلاق النائم فيبطل الأخذ بظاهرهما.
ويصح اكراه الحربى على الاسلام، وفى الذمى تردد.
قال الامام يحيى عليه السلام: الأصح جواز ذلك، قلت: وفيه نظر.
واكراه المرأة على الرضاع لا يبطل ثبوت حكمه فى التحريم.
(1)
الآية رقم 225 من سورة البقرة.
(2)
المحلى لأبى محمد بن حزم ج 8 ص 331 وما بعدها الى ص 335 مسئلة رقم 1406 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 256 من سورة البقرة.
(4)
الاغلاق المنع، وقال أبو داود: الاغلاق الغضب.
والاكراه على القتل لا يبيحه فيلزمه القصاص كما سيأتى.
ولا يبيح الزنا ولكن يسقط الحد على خلاف فى ذلك.
فان حلف من دخول الدار بطلاق امرأته فاكره على الدخول حنث به، ولم يبطل الاكراه الحنث اذ قد وقع الشرط
(1)
.
وذكر صاحب البحر الزخار عن الامام يحيى عليه السلام ان ما أباحه الاضطرار اباحه الاكراه لقول الله عز وجل:
«إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ»
(2)
.
وقال عز وجل أيضا:
(3)
.
وهى فى عمار وياسر رضى الله تعالى عنهما حين اكرها على الكفر وترك ما اكره عليه أفضل وان قتل لتفضيله صلى الله عليه وسلم ايمان ياسر لما صبر على القتل
(4)
.
والاكراه يكون بوعيد القادر اما بقتل او قطع عضو أو ضرب أو طعن ذى حد.
وهذا مؤثر اجماعا واما بلطم أو ضرب.
فيشترط أن يكون مؤثرا فى التضرر.
وأما بالحبس فلا بد من كونه كذلك فالحبس ساعة ليس باكراه والحبس سنة اكراه.
وما بين الساعة والسنة فمختلف فيه.
والضابط التضرر، ومنه القيد والكتف وطرح العمامة والجر بالرجل فى الملأ فيؤثر فيمن له رتبة علم أو شرف لا فى ذوى الدنائة وكذلك السب والشتم.
قال الامام يحيى عليه السلام: اذ قد يتفاداه الرئيس بالقتل والقتال.
قال الامام يحيى: وفى الوعيد بأخذ المال وجهان أصحهما أنه اكراه اذ يبذل نفسه دونه.
وقيل ليس باكراه لاستحقاره لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجعل مالك دون عرضك.
قال صاحب البحر: الأقرب انه يختلف حاله على حسب الحاجة اليه وسماحة النفس وعدمها وقلة المتوعد بأخذه وكثرته فيكون موضع اجتهاد.
قال أبو مضر رحمه الله تعالى: والازعاج من الوطن بالقتل، اذ قرنه الله سبحانه وتعالى به.
قال صاحب البحر: بل يختلف فهو كالمال، وكالمال حبس الولد والأحبة وضربهم.
والعبرة فى التضرر أن يحرى مجرى حدوث علة أو زيادتها أو استمرارها.
(1)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الامصار للامام أحمد بن يحيى بن المرتضى ج 3 ص 166، 167 الطبعة الأولى طبع مطبعة أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ، 1948 م.
(2)
الآية رقم 119 من سورة الأنعام.
(3)
الآية رقم 106 من سورة النحل.
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى بن المرتضى ج 5 ص 98 الطبعة الأولى طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1368 هـ، سنة 1949 م.
قال المؤيد بالله عليه السلام ولا يبيح المحظور الا الضرب الأول المفضى الى التلف أو ما فى حكمه، وعليه المذهب.
قال صاحب البحر: كالميتة لا يبيحها الا خشية التلف فقيس عليها.
وقال الامام يحيى عليه السلام: بل يبيح المحظور كل ضار اذ لم تفصل الايتان، ولقول عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما:
ليس الرجل يأمن على نفسه اذا ضربته أو أوثقته أو جوعت» ولم ينكر، ولقول شريح رضى الله تعالى عنه: القيد كره والوعيد كره، ولم يخالف.
قال صاحب البحر: أراد فى العقود وبه أو بالضرب الثانى وما بعده يجوز ترك الواجب ويبطل حكم الاقرار والعقود اتفاقا الا ابو حنيفة رحمه الله تعالى فلم يجعل للاكراه حكما فى العقود الا البيع والردة والاقرار، ويدل لنا عموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
قال المؤيد بالله عليه السلام: بل يبطل الاقرار والعقود ما يخرج عن حد الاختيار وان لم يضر. قلنا: ليس بمكره لغة ولا عرفا فخرج من عموم الخبر.
قال صاحب البحر: لكن يبطل به البيع لعموم التراضى وقد اعتبرته الآية، وقياس سائر العقود عليه فأصل بطلانها الآية لا الخبر اذ لا اكراه.
قال صاحب البحر: ولا يصح اكراه على فعل قلب اذ لا يطلع عليه ولا على عبث اذ يخرجه الاكراه عن العبثية
(1)
.
وما تعدى ضرره الى الغير لم يبحه الاكراه وما لم يتعد ابيح. فيباح له كلمة الكفر والمسكر ونحوه اجماعا لما مر.
قال الامام يحيى عليه السلام: ولا يباح القذف ولا السب لتعدى ضررهما والتعظيم الله تعالى اياه لتسميته بهتانا عظيما، وعليه المذهب.
قال الناصر عليه السلام: بل القذف والسب مثل كلمة الكفر.
قال صاحب البحر: وهو قوى حيث لا يتضرر المقذوف.
ولا يباح الزنا بالاكراه اجماعا.
ويصح اكراه المرأة فيسقط الحد والاثم حيث لا تمكن من الدفع.
وفى صحة اكراه الرجل تردد.
قال ابو طالب عليه السلام: روى عن بعض المتكلمين أن الاكراه هنا متعذر لمنع الخوف عند تحرك الشهوة
قال المؤيد بالله وابو طالب: لا تعذر فى ذلك لغلبة طبع الشهوة.
قال المؤيد بالله:
وان اكره الرجل بحد لعموم قول الله عز وجل:
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 99، 100 نفس الطبعة.
«الزّانِيَةُ وَالزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ»
(1)
.
قلنا: خصصها الخبر.
قال المؤيد بالله والقاضى زيد عليهما السلام: ويباح مال الغير بالاكراه بشرط الضمان كالاضطرار.
قال أبو طالب عليه السلام: لا يباح اجماعا لتعذر ضرره. قلنا لا وجه لدعوى الاجماع.
قال صاحب البحر: والوعيد بما لا يؤثر فى التضرر لكن يخرج عن حد الاختيار ليس باكراه لغة ولا عرفا، ولكن يبطل به البيع فى الأصح، لقول الله عز وجل:
«تَراضٍ»
(2)
.
ويقاس سائر العقود
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الخلاف أن طلاق المكره وعتقه وسائر العقود التى يكره عليها لا يقع منه وبه قال الامام الشافعى ومالك والأوزاعى رضى الله تعالى عنهم وذلك لاجماع لفرقة واخبارهم، وأيضا لأن الأصل براءة الذمة وبقاء العقد وزوال العقد وشغل الذمة يحتاج الى دليل، ولا دليل فى الشرع على وقوع هذا النوع من الطلاق، وأيضا روى ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» . ومعلوم انه لم يرد رفع ما وقع من الخطأ لأن ما وقع لا يمكن رفعه، ثبت انه صلى الله عليه وسلم أراد رفع حكم الخطأ.
وروى عن عائشة رضى الله تعالى عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لا طلاق ولا اعتاق فى اغلاق.
وقال أبو عبيدة: الاغلاق الاكراه، فانه صلى الله عليه وسلم قال: لا طلاق فى اكراه. وما قلناه مروى عن على كرم الله تعالى وجهه وعمر وابن عباس وابن عمرو وابن الزبير رضى الله تعالى عنهم ولا مخالف لهم فدل على انه اجماع
(4)
.
واذا اكره الامير غيره على قتل من لا يجب قتله فقال له ان قتلته والا قتلتك لم يحل له قتله بلا خلاف، فان خالف وقتل فان القود على من باشر القتل دون الملجئ.
وفرض الفقهاء ذلك فى الامام والتغلب مثل الخوارج وغيرهم والخلاف فى الامام والامير واحد لقول الله عز وجل:
«وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً»
(5)
.
(1)
الآية رقم 2 من سورة النور.
(2)
الآية رقم 233 من سورة البقرة.
(3)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 5 ص 100، 101 الطبعة السابقة.
(4)
الخلاف فى الفقه لأبى جعفر محمد بن الحسن بن على الطوسى ج 2 ص 240 مسئلة رقم 44 الطبعة الثانية طبع مطبعة تابان فى طهران سنة 1382 هـ.
(5)
الآية رقم 33 من سورة الاسراء.
وهذا مقتول مظلوما وعليه اجماع الصحابة وروى أن رجلين شهدا عند على كرم الله تعالى وجهه على رجل بالسرقة قطعه على كرم الله وجهه ثم أتياه بآخر وقالا هذا الذى سرق فأخطأنا على الأول فرد شهادتهما على الثانى وقال لو علمت انكما تعمدتما على الأول لقطعتكما، فموضع الدلالة أن عليا كرم الله تعالى وجهه قضى بالقصاص على من الجأ الحاكم الى القطع بالشهادة مع قدرة الحاكم على الامتناع من قتله بأن يعدل عن النظر والمكره أغلظ حالا من الحاكم فانه ملجأ اليه على وجه لا يمكنه الا قتله خوفا على نفسه فاذا كان على الشاهد القود فبأن يكون على المكره أولى واحرى، وهذا دليل الشافعى رحمه الله تعالى وليس فيه دلالة لأنه قياس ونحن لا نقول به ومعولنا على الآية وذلك قول الله عز وجل.
«الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى»
(1)
.
وعلى اجماع الفرقة، وأيضا ما روى عن عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث: كفر بعد ايمان أو زنا بعد احصان أو قتل نفس بغير نفس» وهذا قتل نفسا بغير نفس فيجب أن يحل دمه
(2)
.
واذا استكره امرأة على الزنا فلا حد عليها بلا خلاف وعليه الحد ولا مهر لها وذلك لاجماع الفرقة واخبارهم، وأيضا لأن الأصل براءة الذمة. فمن شغلها فعليه الدلالة.
وروى الحجاج بن ارطاة عن عبد الرحمن ابن وائل بن حجر عن أبيه ان امرأة استكرهت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فدرأ النبى صلى الله عليه وسلم عنها الحد، وحد الذى اصابها ولم ينقل انه جعل لها مهرا فلو كان واجبا لأوجبه لها، وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن مهر البغى
(3)
.
وجاء فى مفتاح الكرامة ان من اكره على الكلام فى الصلاة قد تردد فيه فى الذكرى والدروس وارشاد الجعفرية.
وفى البيان هو كالناسى فى قول
والبطلان خيرة التحرير والموجز الحاوى وجامع المقاصد وهو الأقرب كما فى المنته وكشف الالتباس وهو الأقوى كما فى التذكرة ونهاية الأحكام.
وفى المدارك هو الأحوط.
وفى الوسيلة: ان تكلم تقية لا تبطل صلاته وفى الذكرى ان القول بأنه كالحدث قياس لأن نسيان الحدث يبطل لا الكلام ناسيا ومال الى البطلان به، وبين وجه التردد
(1)
الآية رقم 178 من سورة البقرة.
(2)
الخلاف فى الفقه للطوسى ج 2 ص 351 - 352 مسئلة رقم 29 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 450 مسئلة رقم 36 نفس الطبعة.
فى الايضاح فقال هو مكلف بالصلاة الكلية لا بالجزئيات المخصوصة، والكلام ينافيها.
والاكراه على ماينا فى الكلى انما يتحقق مع الاكراه على الاتيان به فى كل الجزئيات.
فاذا اكره على الاتيان به فى جزئى لا غير أتى به فى الجزئى الآخر لأنه يمكنه أن يأتى به من غير مناف فتبطل هذه الصلاة ويجب عليه غيرها ولأنه نادر فلا يكون عذرا اذ العذر فيما يستلزم الحرج المنفى بالآية لا يتحقق فى النادر، ومن أن المنافى انما هو الكلام عامدا مختارا، ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:«رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
ثم قال: والمراد حصول الاكراه مع اتساع الوقت.
قال فى كشاف اللثام بعد نقل كلام الايضاح: وجهه انه مع الضيق مضطر الى ما فعله مؤد لما عليه، وفيه انه مع السعة ايضا كذلك خصوصا اذا طرأ الاكراه فى الصلاة ولا دليل على أن الضيق شرط فى الاضطرار ولا على اعادة المضطر اذا بقى الوقت
(1)
.
وجاء فى الخلاف أن من اكره على الافطار لم يفطر ولم يلزمه شئ سواء كان اكراه قهر او اكراها على أن يفعل باختياره.
وقال الشافعى رحمه الله تعالى: ان اكره اكراه قهر مثل ان يصب الماء فى حلقه لم يفطر وان اكره حتى أكل بنفسه فعلى قولين، وكذلك ان اكره حتى يتقيأ بنفسه فعلى قولين لأنه ان ذرعه القئ لم يلزمه شئ.
وان تقيأ متعمدا أفطر وكذلك ان اكرهها على الجماع بالقهر لم تفطر هى.
وان كان اكراه تمكين فعلى قولين وكذلك اليمين اذا حلف لا دخلت هذه الدار فادخل الدار محمولا لم يحنث.
وان اكره على أن يدخل فعلى قولين.
ولو قتل باختياره لزمه القود وان اكره.
فان كان اكراه قهر وهو أن يرمى به عليه فلا ضمان عليه.
وان اكره حتى يقبل فعلى قولين فى القود.
وأما الدية فانها بينهما اذا سقط القود، ودليلنا على ذلك ان الأصل براءة الذمة ولا يعلق عليها شئ الا بدليل ولا دليل فى شئ من هذه المسائل على ما ادعوه، وأيضا روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال:
«رفع عن امتى ثلاث: الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه» .
مذهب الإباضية:
جاء فى طلعة الشمس ان الاكراه هو حمل الغير على ان يفعل ما لا يرضاه ولا يختار مباشرته لو خلى ونفسه فيكون معدما للرضا
(1)
الخلاف فى الفقه للامام ابى جعفر محمد بن على الطوسى ج 1 ص 390 مسئلة رقم 46 الطبعة الثانية طبع مطبعة تايان فى طهران سنة 1377 هـ.
لا للاختيار اذ الفعل يصدر عنه باختياره حيث آثر الجانب الاسهل على الجانب الأشق، ولذا كان الجبر غير مناف للخطاب، فان الخطاب الشرعى متوجه للمجبور فتثبت الأحكام الشرعية فى حقه لكن خفف عليه بسبب الاكراه، اذ جوز له الترخص فى كثير من الأحكام حتى فى كلمة الشرك، فيصح للجمهور المكره على الشرك أن يتلفظ بكلمة الشرك اذا كان قلبه مطمئنا بالايمان قال الله عز وجل:
«إِلاّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ»
(1)
.
وكذلك يصح له الترخص بترك العبادات البدنية اذا اكره على تركها كما لو اكرهه جبار على ترك صلاة الظهر مثلا وكان قائما عليه لا يفارقه حتى مضى الوقت كان لهذا المجبر أن يترك من أركان الصلاة ما يخشى فى فعله الهلاك على نفسه ويصلى كيفما أمكنه حتى لو لم يمكنه الا التكييف فى نفسه كيفها وكان ذلك عذرا له وذلك أن الترخص قد صح فى كلمة الكفر وهو ها هنا أولى، وأيضا فقد ثبت الترخص فى امور الصلاة والصوم ونحوها باعذار دون الاكراه كالسفر والمرض والخوف ونحو ذلك فثبوت الترخص فى الاكراه اولى لأنه أشد من السفر والمرض وهو نوع من أنواع الخوف الشديد فينبغى أن تثبت فيه رخص الخوف، وكذلك يجوز للمجبر الترخص بفعل بعض المحرمات، فالمحرمات منها ما لا يصح الترخص بفعله عند الاكراه ومنها ما يصح التقية به، أما الذى لا يصح الترخص به عند الاكراه فهو قتل المسلم بغير حق أو اتلاف عضو منه او جرحه او نحو ذلك مثل الزنا وأشباهه فان التقية فى مثل هذا لا تصح، حتى لو اكره الجبار أحدا على جرح مسلم فان لم يفعل قتله لزمه أن لا يفعل لأن نفسه ليس أولى بالسلامة من نفس غيره.
وأما الزنا فانه بنفسه لا يقبل الاكراه حتى لو زنا عد مختارا للزنا لأن الآلة لا تساعده الا عند الرضا.
وأما المحرم الذى يصح التقية به فكأكل الميتة والدم ولحم الخنزير وجميع ما أبيح فى الضرورة لأن الاكراه نوع من الاضطرار فينبغى ألا يعطى أحكامه فى صحة المرخص، لكن لما كان المجبور لم يحمل نفسه على الهلكة بترك التقية من أكل الميتة ونحوها وانما حمله على ذلك الجبار جوزنا له ترك الترخص بخلاف ضرورة الجوع فانه ان لم يترخص فيها يكون حاملا لنفسه على الهلاك فيجب عليه الترخص هنالك.
وذهب ابن بركة والفخر الرازى وصاحب التوضيح والسعد التفتازانى رحمهم الله تعالى الى وجوب الأخذ بالرخصة فى أكل الميتة عند الاكراه وجعلوه كضرورة الجوع، والفرق بينهما واضح.
وذهب بعض أصحابنا الى منع الترخص بأكل الميتة ونحوها فى حالة الاكراه وقصروا
(1)
الآية رقم 106 من سورة النحل.
جواز الترخص بذلك فى حالة المخمصة عملا بمفهوم قول الله عز وجل:
«فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ»
(1)
الآية، قلنا: لا مفهوم للمخمصة فى الآية لأنها انما ذكرت لكونها الأغلب من حالات المصطر.
ففى العادة أنه لا يضطر غالبا الى أكل الميتة ونحوها الا الجوع الشديد. وكذلك بصح للمجبر أن يترخص باتلاف مال الغير.
فاذا اكره الجبار أحدا على اضاعة مال غيره جاز له التقية بذلك فصح له اتلافه بشرط ضمانه لصاحبه، ومعنى ذلك انه لا يكون آثما فى اتلافه لأن النفوس تفدى بالمال ولا عكس وانما أوجبنا عليه الضمان لئلا يضيع مال الغير فى شئ، وفى الحديث:
لا تواء على مال امرئ مسلم والتواء الهلاك.
وممن لم يأخذ بالرخصة فى شئ من هذه الامور لكنه تمسك بالعزيمة حتى قتل عليها أو عذب جاز بذلك من الله المقام الأكمل اذ لا يلزمه الترخص فى شئ منها بل الترخص فيها كلها جائز فقط خلافا لمن أوجب التقية بأكل الميتة واشباهها، ونحن نقول انه لا فرق فى الاكراه بين الأخذ بالعزيمة فى ترك التلفظ بالكفر وفى ترك الترخص بأكل الميتة.
وقد ورد أن رجلين مرا على مسيلمة فأخذهما فقال: لأحدهما ما تقول فى محمد فقال رسول فقال ما تقول فى قال أنت أيضا فخلاه، وقال للآخر ما تقول فى محمد؟ قال رسول الله، قال ما تقول فى؟ قال أنا اصم، فأعاد ثلاثا فأعاد جوابه فقتله فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
أما الأول فقد أخذ بالرخصة.
وأما الثانى فقد صدع بالمحق، فهنيئا له.
فهذه عدة أدلة مصرحة بأن الأخذ بالعزيمة أوسع بل هو أفضل من الترخص ولم يعد تارك الرخصة فى هذه الصورة حتى قتل مهلكا نفسه فكذا أكل الميتة، والفرق بينهما عسر جدا
(2)
.
(1)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(2)
شرح طلعة الشمس على الألفية المسماة بشمس الاصول لأبى محمد عبد الله بن حميد السالمى ج 2 ص 271 وما بعدها الى ص 273 فى كتاب على هامشه كتابان هما بهجة الأنوار شرح أنوار العقول فى التوحيد، والحجج المقنعة فى أحكام صلاة الجمعة لأبى محمد عبد الله ابن حميد السالمى طبع مطبعة الموسوعات بمصر.
إعسار
تعريف الاعسار لغة:
جاء فى لسان العرب: الاعسار مصدر أعسر، والعسرة اسم المصدر وفى التنزيل:
«وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ»
(1)
.
والعسرة قلة ذات اليد، وكذلك الاعسار وأعسر الرجل فهو معسر صار ذا عسرة وقلة ذات يد وقيل: افتقر والعسر بالضم وبضمتين وبالتحريك - من الاعسار ضد اليسر وهو الضيق والشدة والصعوبة. والمعسر نقيض الموسر
(2)
.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء:
يختلف باختلاف محله فى كل باب من أبواب الفقه التى يتأتى وروده فيها، وسيأتى تعريفه مفصلا عند كل مذهب فى خلال البحث وعند سرد أحكامه المترتبة عليه فى كل باب على حدة.
وقد يعبر الفقهاء عن الاعسار بالافلاس والعكس. الا أنه يغلب استعمالها لكلمة الاعسار عند الكلام على العجز عن أداء الحقوق المالية التى أوجبها الله سبحانه على الانسان عبادة كانت كزكاة المال والفطر أو عقوبة كالكفارة والدية والجزية أو عوضا عن غير مال كنفقة الأقارب والصداق وأجرة الحضانة والارضاع أو صلة كنفقة الأقارب.
أما عند العجز الكلى أو الجزئى عن أداء الديون التى تكون للشخص على آخر عوضا عن مال كقرض أو ثمن أو أجرة فيغلب استعمالهم لكلمة الافلاس تعبيرا عن هذا المعنى.
- وهذا هو ما جرينا عليه فى تخطيط وتفصيل أحكام الاعسار فرقا بينه وبين الافلاس. وعليه فينظر فى مصطلح «افلاس» .
أثر الاعسار فى سقوط
زكاة المال وزكاة الفطر
مذهب الحنفية:
لا تجب الزكاة على معسر لأن الزكاة مواساة للفقير والمعسر محتاج الى المواساة
(3)
.
والاعسار بها يتحقق فى كل من لا يملك نصابا من الأنصبة المالية المذكورة تفصيلا فى مصطلح «زكاة» وهذا كله محل اتفاق بين المذاهب.
(1)
سورة البقرة آية رقم 280.
(2)
لسان العرب ج 20 ص 563 - 565 مادة عسر طبعة مكتبة الحياة ببيروت والقاموس المحيط ج 2 ص 87 مادة عسر الطبعة الثالثة بالمطبعة الاميرية سنة 1301 هـ.
(3)
الجوهرة المنيرة ج 1 ص 114 الطبعة الاولى المطبعة الخيرية سنة 1322 هـ.
وفقهاء الحنفية يعبرون بالفقر بدل الاعسار.
اما ان كان الشخص يملك نصابا تجب فيه الزكاة ثم أعسر فى خلال الحول بأن هلك النصاب كله أو ضاع أو استهلكه مالكه فان ذلك يقطع حكم الحول. حتى لو استفاد فى ذلك الحول نصابا آخر فانه يستأنف له حولا جديدا، لأن النصاب الهالك لم يحل عليه الحول وكذا النصاب المستفاد بعد هلاك الأول كله.
وهذا بخلاف ما اذا أعسر فى خلال الحول لهلاك بعض النصاب أو استهلاكه أو ضياعه ثم استفاد قبل فراغ الحول ما يكمل به النصاب فانه تجب عليه الزكاة حتى لو كان الباقى من النصاب درهما واحدا لأنه يشق اعتبار كمال النصاب فى خلال الحول وقال زفر: لا تلزمه الزكاة لأن شرط وجوب الزكاة عنده تحقق اليسار وكماله من أول الحول الى آخره
(1)
وان أعسر الشخص بضياع المال أو هلاكه بدون استهلاك أو تعد منه وكان ذلك بعد الحول وبعد وجوب الزكاة عليه سفطت عنه ولا تبقى دينا فى ذمته سواء تمكن من أدائها قبل الاعسار أم لا، لأنه لا يمكن مؤاخذته بأصل الواجب عليه لأن محله النصاب والحق لا يبقى بعد فوات محله وكذلك لا يمكن مؤاخذته بضمانه لأن وجوب الضمان يستدعى تفويت ملك أو يد كما فى سائر الضمانات وهو بالتأخير عن أول أوقات الامكان حتى أعسر لم يفوت على الفقير ملكا ولا يدا لأن المستحق فقبر يعينه هو لا فقير يطلب بنفسه فلا يضمن.
وان طالبه الساعى بأداء الزكاة فامتنع من الأداء حتى أعسر بسبب هلاك النصاب بأى وجه من الوجوه بدون تعد أو استهلاك منه، قال الكرخى ومشايخ المذهب من العراقيين:
لا تسقط عنه الزكاة ويضمنها لأنها أمانة طالبه بها من هو متعين للأخذ ويملك المطالبة فيلزمه الأداء عند طلبه فيصير بالامتناع متعديا فيضمن.
وقال مشايخ المذهب بما وراء النهر:
تسقط عنه الزكاة ولا يضمنها وهو الأصح لأن الساعى وان كان متعينا لأخذ الزكاة لكن للمالك رأى فى اختيار محل الأداء بين العين والقيمة ثم القيمة شائعة فى محال كثيرة والرأى يستدعى زمانا فلا يصير ضامنا بالامتناع لأجل ذلك.
وهذا كله ان أعسر لضياع المال أو هلاكه بدون استهلاك أو تعد منه.
أما ان استهلكه فانه يضمن زكاته لأنه قد وجد منه التعدى بالاتلاف على محل مشغول بحق الغير فجعل المحل وهو النصاب - قائما زجرا له عن التعدى ونظرا لصاحب الحق فى الزكاة وهو الفقير، اذ لو لم يجعل كذلك لما وصل الى الفقير شئ لأن كل من وجبت عليه
(1)
البدائع ج 2 ص 15 الطبعة الاولى سنة 1327 هـ، حاشية ابن عابدين ج 2 ص 302 الطبعة الثانية مطبعة الحلبى سنة 1386 هـ، 1966 م، فتح القدير والعناية والهداية ج 1 ص 528 طبعة مصطفى محمد
الزكاة لا يعجز عن أن يصرف النصاب الى حاجة نفسه بلا ضمان
(1)
.
وهذا كله فى زكاة المال. أما صدقة الفطر فلا تسقط بالاعسار ان اعسر بها الشخص بعد وجوبها عليه بالاتفاق.
والفرق بينها وبين الزكاة أن وجوب صدقة الفطر لم يتعلق بالمال وانما يتعلق بالذمة والمال شرط فى الوجوب وذمته قائمة بعد اعساره لهلاك المال أو ضياعه مثلا فكان الواجب قائما لا يسقط.
أما الزكاة فتتعلق بالمال فتسقط ان أعسر بها لهلاك المال.
والاعسار بزكاة الفطر يتحقق فى كل من لا يملك نصابا، أو يملكه غير فاضل عن مسكنه وثيابه وأثاثه وفرسه وسلاحه وخدمه.
والوقت المعتبر ليساره أو اعساره بها هو طلوع الفجر الثانى من يوم الفطر فلو أعسر الغنى قبل هذا الوقت لم تجب عليه وكذلك لا تجب على المعسر ان أيسر بعد هذا الوقت أما اذا أيسر قبله فانها تجب عليه
(2)
.
مذهب المالكية:
ان أعسر الشخص بعد الحول لتلف كل النصاب أو جزئه فان كان التلف بتفريط منه فى حفظ المال ضمن مطلقا ولا نسقط عنه الزكاة ويطالب بها سواء تمكن من أداء الزكاة أم لا.
وأما لو كان التلف من غير تفريط منه فان كان مع امكان أداء الزكاة ضمنها ان أخرها أياما. أما لو أخر أداءها بعد الحول يوما أو يومين مع تمكنه من الأداء حتى أعسر بها لتلف كل المال أو بعضه بحيث صار الباقى أقل من نصاب فانه لا ضمان عليه، وتسقط عنه الزكاة حيث لم يقصر فى حفظ المال. وكذلك لا يضمن الزكاة وتسقط عنه ان أعسر بها لتلف المال ونحوه من غير تفريط منه ولم يمكن أداؤها لأى سبب من الأسباب كغيبة المال أو عدم وجود مستحق لها، أو عدم امكان الوصول الى المال
(3)
.
وهذا كله فى غير الماشية من الأموال.
أما فى الماشية فان زكاتها تسقط عنه مطلقا ان أعسر لموتها أو ضياعها أو ذبحه لها بغير قصد الفرار من الزكاة قبل مجئ الساعى المعين لأخذها ان كان هناك ساع معين لذلك من قبل الامام فان لم يكن هناك ساع أو
(1)
الاشباه والنظائر ج 2 ص 215 طبعة دار الطباعة العامرة سنة 1290 هـ، البدائع 2 ص 22، 23، فتح القدير والعناية والهداية ج 1 ص 514 - 516، حاشية ابن عابدين ج 2 ص 361
(2)
الجوهرة ج 1 ص 135 والبدائع ج 2 ص 69، 75 وفتح القدير والهداية ج 2 ص 29 - 30 والاشباه والنظائر ج 2 ص 215، الفتاوى الهندية ج 1 ص 192 الطبعة الثانية المطبعة الاميرية سنة 1310 هـ
(3)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 2 ص 261، 262 المطبعة الاميرية سنة 1299 وحاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 1 ص 473، 474 الطبعة الاولى مطبعة السعادة سنة 1329 هـ
نعذر وصوله فالحكم فيها كغيرها من الأموال
(1)
.
وهذا الاعسار بزكاة الأموال. أما زكاة الأبدان وهى صدقة الفطر فانه اذا طرأ على الشخص اعسار بعد مضى زمن وجوبها - وهو أول ليلة غير الفطر أو فجره - وهو موسر فانها لا تسقط عنه أبدا، لترتبها فى الذمة، لأنها لسد حاجة الفقير وهو حاصل فى كل وقت. أما لو مضى زمن وجوبها وهو معسر فيه فانها تسقط عنه الا أنه يستحب المعسر أن يخرجها ان زال عسره يوم العيد بعد فجره أما لو زال عسره قبل فجره فانها تجب عليه والاعسار بها عندهم يتحقق فى كل من لا يملك - ولو بالاقتراض - شيئا زائدا عن قوته وقوت عياله فى ذلك اليوم
(2)
.
مذهب الشافعية:
اذا أعسر الشخص بالزكاة لتلف المال المزكى مثلا - بعد وجوبها عليه بمضى الحول وتمكنه من أدائها بعده فانه يصير ضامنا لها ولا تسقط عنه ويؤديها متى أيسر، وذلك لتقصيره بحبس الحق عن مستحقه
أما ان أعسر بها لتلف المال بلا تفريط منه قبل أن يتمكن من أدائها بعد الحول فلا يلزمه اخراجها وتسقط عنه لعدم تقصيره وكذا لا يلزمه اخراجها ان أعسر بها قبل الحول ولو بتقصير منه.
وان اعسر بها لتلف بعض النصاب بعد الحول وقبل التمكن من أدائها بلا تفريط فالأظهر أنه لا يسقط عنه قسط ما بقى. وقيل:
لا شئ عليه. وهذا كله ان كان الاعسار لتلف المال المزكى بدون اتلاف من المالك.
أما ان أتلفه بعد الحول - ولو قبل التمكن لم تسقط الزكاة ويضمنها، لتعديه.
وكذلك لا تسقط الزكاة ان أعسر المالك لاتلاف أجنبى للمال، لأن الأجنبى ضامن لقيمته حينئذ فينتقل قدر الزكاة لها
(3)
.
وهذا فى زكاة المال.
أما زكاة الفطر فلا تجب على المعسر بها وقت وجوبها - وهو غروب شمس آخر يوم من رمضان على الأصح - حتى ولو أيسر بعد ذلك. والاعسار بزكاة الفطر يتحقق فى كل من لم يفضل عن قوته وقوت من فى نفقته وكل ما يحتاج اليه من مسكن أو خادم ليلة العيد ويومه شئ ويسن للمعسر أن طرأ عليه يسار اثناء ليلة العيد أو يومه قبل الغروب أن يخرجها. وان كان المعسر بها قادرا على التكسب فلا يجب عليه التكسب لأجلها. وان كان قادرا على أداء بعض المقدار وجب اخراجه. وان كان موسرا وقت وجوبها ثم
(1)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 2 ص 188، 189 وحاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 1 ص 412، 413 وبداية المجتهد ج 1 ص 249 طبعة ثانية الحلبى
(2)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 2 ص 264، 269، 271 وحاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدرديرج ص 479، 480.
(3)
تحفة المحتاج ج 1 ص 393، 394 طبعة المطبعة الوهبية سنة 1282 هـ، شرح المحلى على المنهاج بحاسيتى قلبوبى وعميره ج 2 ص 46، 47 طبعة عبسى البابى الحلبى
ثم طرأ عليه اعسار - بغير تلف المال - ولو قبل التمكن من أدائها فانها تصير دينا فى ذمته لا تسفط عنه لتقررها عليه وقت الوجوب، ويجبر على التكسب حينئذ ان كان قادرا عليه ليؤديها، وان كان له مسكن أو غيره فانه يباع عليه فيها لأنها بعد الثبوت التحقت بالديون.
أما ان كان الاعسار بها بسبب تلف المال أو هلاكه قبل التمكن من أدائها فانها تسقط عنه كما فى زكاة المال.
وان أعسر الزوج بزكاة الفطر عن زوجته - غير الناشز - وقت الوجوب ففى أحد قولى الشافعى: أنه يلزم الزوجة أن تخرجها عن نفسها اذا كانت موسرة بها.
وفى القول الآخر: أنها تسقط عنها ولا يلزمها اخراجها عن نفسها بل يستحب لها أن تفعل ذلك تطهيرا لها ولا ترجع بها على الزوج لو أيسر بعد ذلك
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان أعسر الشخص لتلف المال الذى وجبت فيه الزكاة بعد الحول فلا تسقط سواء فرط فيه أو لم يفرط، وسواء تمكن من الأداء أو لم يتمكن لأنها حق الآدمى
(2)
أو مشتملة عليه فأشبهت دين الآدمى ولاستقرارها بمضى الحول.
وفى رواية تسقط عنه الزكاة ولا يضمنها ان أعسر لتلف ماله بعد الحول بدون تفريط منه واختار هذا طائفة من أصحاب أحمد
(3)
.
ويستثنى من عدم سقوطها على الرواية الأولى ما اذا أعسر لتلف الزرع أو الثمر بجائحة قبل حصاده وجذاذه أو بعدهما قبل احرازهما فانه تسقط زكاته لعدم استقرارها قبل ذلك
(4)
.
وهذا فى زكاة المال.
أما زكاة الفطر فان أعسر الشخص بها وقت وجوبها عليه وهو غروب شمس ليلة عيد الفطر فلا تجب عليه وان كان موسرا قبله أو أيسر بعده لعدم وجود سبب الوجوب وان كان موسرا وقت وجوبها ثم أعسر ليلة الفطر قبل أدائها فانه يجب عليه اخراجها ولا تسقط عنه ويقضيها متى أيسر، لاستقرارها فى ذمته والاعسار بزكاة الفطر يتحقق فى كل من لا يملك يوم العيد وليلته صاعا من طعام فاضلا عن قوته وقوت عياله وما يحتاجه لنفسه وليس تلزمه مؤتته من مسكن ودابة وخادم ونحوه.
ومن أعسر بزكاة الفطر وقت وجوبها عليه ثم أيسر فأداها فقد أحسن. وان أعسر زوج
(1)
شرح المحلى على المنهاج بحاشيتى قليوبى وعميره ج 2 ص 33، 35 تحفة المحتاج ج 1 ص 378، 379، اسنى المطالب ج 1 ص 388، 389 طبعة المطبعة الميمنية سنة 1313 هـ
(2)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 1 ص 432، 434، 459 الطبعة الاولى المطبعة الشرفية سنة 1319 هـ.
(3)
الاختيارات العلمية لابن تيمية ج 1 ص 58 طبع مطبعة كردستان العلمية سنة 1329 هـ
(4)
كشاف القناع وشرح المنته عليه ج 1 ص 459
المرأة بزكاة فطرتها فانها تجب عليها، لأن اعسار الزوج جعله كالمعدوم، ولا ترجع عليه اذا أيسر لأنها لم تجب عليه ابتداء لاعساره الذى أفقده أهلية التحمل والمواساة.
وان أعسر الشخص بفطرة بعض من تجب عليه فطرتهم بأن لم يجد ما يؤديه عن جميعهم بدأ لزوما بنفسه ثم بزوجته لوجوب نفقتها مع الاعسار وتقدمها على سائر النفقات ثم بأمه ثم بأبيه ثم بولده ثم على ترتيب الميراث الأقرب فالأقرب وان تساوى اثنان فأكثر كولدين ولم يفضل غير صاع أقرع بينهما
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ان أعسر الشخص لخروج المال المزكى عن ملكه بأى وجه فى أثناء الحول قبل تمامه لم تجب عليه زكاة ذلك الحول. ولو أيسر برجوع المال الى ملكه بأى وجه ولو أثر خروجه بلحظة أو أكثر فانه يستأنف به حولا جديدا من حين رجوعه الى ملكه لأن الحول الأول قد بطل ببطلان الملك ومن الباطل أن يعد عليه وقت كان المال فيه مملوكا لغيره
(2)
.
وكذلك من أعسر بتلف ماله أو غصبه أو بالحيلولة بينه وبينه فى أثناء الحول فلا زكاة عليه فيه
(3)
أما ان أعسر بتلف المال كله أو بعضه - أثر وجوب الزكاة عليه بما قل من الزمن أو كثر بعد امكان اخراج الزكاة منه فالزكاة كلها واجبة فى ذمته كما كانت لو لم يتلف المال بلا فرق وسواء كان التلف بتفريط منه أو بغير تفريط لأن الزكاة تجب فى الذمة لا فى عين المال
(4)
.
وهذا فى زكاة المال.
أما فى زكاة الفطر فالاعسار بها يتحقق فى كل من لا يفضل عن قوت يومه ما يعطى فى زكاة الفطر
(5)
.
فمن أعسر بها وقت وجوبها - وهو طلوع الفجر الثانى من يوم الفطر ممتدا الى أن تبيض الشمس وتحل صلاة العيد من ذلك اليوم نفسه - فلا تجب عليه حتى وان أيسر بعد ذلك، لأنه لما كان لا يستطيعها وليس فى وسعه اداؤها فقد صح أنه لم يكلفها قط ولم يكن مأمورا بها. أما ان كان معسرا ثم أيسر فى أثناء وقتها الممتد فانها تجب عليه ويلزمه أداؤها
(6)
.
وان كان موسرا وقت وجوبها فلم يؤدها حتى خرج وقتها فقد وجبت فى ذمته وماله
(1)
كشاف القناع وشرح المنته عليه ج 1 ص 472 - 475، 517
(2)
المحلى ج 6 ص 118 مسألة رقم 689 طبعة دار الاتحاد العربى سنة 1388 هـ، 1968 م
(3)
المحلى ج 6 ص 121 مسألة رقم 690
(4)
المحلى ج 5 ص 391 مسألة رقم 665
(5)
المحلى ج 6 ص 199 مسألة رقم 716
(6)
المحلى ج 6 ص 198 مسألة رقم 713 وص 1، 201 مسألة رقم 718
ولا تسقط عنه سواء طرأ عليه اعسار أم لا، لأنها حينئذ تكون دينا لمن هى لهم وحقا من حقوقهم لا يسقط عنه الا بأدائه لهم
(1)
.
ومن كان معسرا فأخذ من زكاة الفطر أو غيرها مقدار ما يقوم بقوت يومه وفضل له منه ما يعطى فى زكاة الفطر لزمه أن يعطيه
(2)
.
مذهب الزيدية:
ان أعسر الشخص لنقصان ماله عن نصاب الزكاة بين طرفى الحول لم يسقط وجوب الزكاة عنه فى آخر الحول بهذا النقصان أما لو أعسر لانقطاع النصاب كله وسط الحول فانه يستأنف خولا جديدا للنصاب الذى يحصل بعد انقطاع الأول. وان أعسر بالزكاة بعد الحول لتلف المال مثلا فان كان الاعسار بذلك بعد تمكنه من أداء الزكاة فانه يضمنها ولا تسقط عنه سواء كان التلف بتفريط منه أم بغير تفريط. وان كان ذلك قبل تمكنه من أدائها فان تلف المال بتفريطه أو بجنايته ضمن الزكاة. وان تلف بدون تفريط ولا جناية منه فلا ضمان وقال المؤيد بالله لا يضمن الزكاة ان أعسر بها لتلف المال قبل التمكن من الأداء سواء تلف بتفريط منه أم لا
(3)
.
هذا فى زكاة المال.
أما زكاة الفطر ان أعسر بها بعد وجوبها عليه ولو قبل تمكنه من أدائها لا تسقط عنه وتبقى فى ذمته. وان أعسر الزوج بزكاة الفطر عن زوجته لزمها أن تخرجها عن نفسها ان كانت موسرة. فان كانت معسرة فقد ذكر المؤيد بالله: أن فطرتها تكون حينئذ على قرابتها الموسرين. وقياس المذهب أنها تبقى فى ذمة الزوج ولا شئ على قرابتها. فان أخرجتها عن نفسها وهى موسرة أو معسرة سقطت عن الزوج، لأن أصل الوجوب عليها وانما الزوج متحمل وكذا لو أخرجها القريب المعسر عن نفسه فالأقرب أنها تسقط عن الذى يتحملها عنه من اقربائه كالزوجة
(4)
.
مذهب الإمامية:
اذا اعسر الشخص بالزكاة بعد الحول لهلاك المال كله بدون تفريط منه فان كان قبل تمكنه من اخراج الزكاة لم يضمنها وسقطت عنه. وان كان بعد تمكنه من اخراجها ضمنها وصارت دينا فى ذمته وكذلك يضمنها ولا تسقط عنه ان كان اعساره بها قد حدث بسبب اتلافه للنصاب بعد الحول ولو قبل أن يتمكن من اخراجها، وسواء قصد بذلك الفرار من الزكاة أم لا. وان أعسر بعد الحول لتلف بعض النصاب فان فرط أو أخر اخراج الزكاة مع التمكن منها وجب عليه الجميع ولا يسقط عنه شئ مما كان واجبا عليه قبل الاعسار
(1)
المحلى ج 6 ص 203 مسألة رقم 718
(2)
المحلى ج 6 ص 199 مسألة رقم 716
(3)
شرح الأزهار ج 1 ص 452 - 457 مطبعة حجازى طبعة ثانية سنة 1357 هـ
(4)
شرح الازهار ج 1 ص 548 - 561، البحر الزخار ج 2 ص 197، 175 طبع مطبعة السعادة الطبعة الاولى سنة 1367 هـ، 11948 م
لنقصان النصاب بتلف بعضه. وان لم يفرط أو لم يتمكن من أدائها فانه يسقط عنه من الزكاة بنسبة ما تلف
(1)
.
هذا فى زكاة المال.
أما زكاة الفطر فان أعسر بها بعد وجوبها، وفسره صاحب الروضة البهية: بغروب الشمس ليلة عيد الفطر فاذا أخر دفعها مع امكانه حتى أعسر بها كان آثما ضامنا لها ويقضيها. وان كان مع عدم امكانه لم يضمنها وتسقط عنه.
وان أعسر الزوج بزكاة الفطر عن زوجته فانه لا يلزمها اخراجها عن نفسها وسقط عنها سواء كانت موسرة أم معسرة لأن زكاة فطرتها تجب على الزوج
(2)
.
مذهب الإباضية:
ان أعسر الشخص لتلف ماله بعد وجوب الزكاة فيه وقبل امكان اخراجها بدون تفريط منه فلا شئ عليه وتسقط عنه الزكاة وان كان ذلك بعد التمكن من اخراجها بلا تفريط منه ففيه خلاف:
فعند الأكثر: لا تسقط الزكاة عنه ويضمنها.
والأقوى: أنه يسقط عنه ضمان زكاة ما تلف ويلزمه زكاة الباقى وان قل.
وقيل: ليس عليه زكاة ما تلف ولا ما بقى الا أن يكون الباقى نصابا. وان كان ذلك بتفريط منه فلا تسقط عنه ويضمنها اتفاقا.
ولهم فى كل ذلك تفصيل ينظر فى مصطلح «زكاة»
(3)
.
وهذا فى زكاة المال.
أما زكاة الفطر فمن كان معسرا بها ثم أيسر فى خلال يوم العيد لزمه أن يؤديها ومن أعسر فيه لم تلزمه وله أخذها.
وفى التاج من أصبح غداة الفطر غنيا وأعسر قبل اخراجها فى يوم العيد لزمته وكذا فى عكسه.
وقال الأكثر: لا تلزم من أعسر بها ان أيسر بعد فجر يوم العيد وفى الضياء: لا تلزم من أعسر بها ان أيسر بعد صلاة العيد
(4)
.
الاعسار واثره فى
سقوط الحج
مذهب الحنيفة:
المعسر بمؤنة الحج عندهم هو البعيد عن مكة الذى لا يملك من المال مقدار ما يبلغه
(1)
شرائع الإسلام ج 1 ص 79 - 80 طبعة دار مكتبة الحياة ببيروت، مفتاح الكرامة ج 3 ص 29، 30، 38 الطبعة الاولى مطبعة الشورى الروضة البهية ج 1 ص 124 طبعة دار الكتاب العربى، المختصر النافع 1 ص 55 طبعة دار الكتاب العربى سنة: 1376 هـ
(2)
شرائع الاسلام ج 1 ص 91 - 93، الخلاف فى الفقه ج 1 ص 368 - 372 الطبعة الثانية مطبعة رنكين بطهران سنة 1377، الروضة البهية ج 1 ص 132 - 133، المختصر النافع ج 1 ص 61 - 62
(3)
شرح النيل ج 2 ص 23 - 24 طبعة البارونى
(4)
شرح النيل ج 2 ص 167، 170، 171
الى مكة ذهابا وايابا راكبا لا ماشيا. فمن تحقق فيه هذا لا يجب عليه الحج فى حال اعساره حتى ولو أتيح له الحصول على هذا المقدار من المال بطريق الاباحة أو الاعارة أو الهبة مادام لم يقبلها، وسواء كان هذا المال - المتاح له الحصول عليه من جهة من لا منة له عليه كالوالدين والمولودين. أو من غيرهم ممن يمتن عليه.
لكن اذا حج من أعسر ولو بالسؤال من الناس فانه يجوز ذلك ويجزئه عن حجة الاسلام حتى ولو أيسر بعد ذلك لا يلزمه حجة أخرى. لأن اشتراط هذا المقدار من المال فى حقه انما هو للتيسير ودفع للحرج عنه لا لاثبات أهلية الوجوب، فاذا أداه سقط عنه كالمسافر اذا صام رمضان ولأن المعسر اذا وصل الى المواقيت صار حكمه حكم أهل مكة فيجب عليه الحج كما يجب على المعسر القادر على المشى من أهل مكة أو القريبين منها
(1)
.
وهذا اذا كان معسرا ابتداء.
اما ان كان موسرا وقت خروج القافلة من بلده للحج ثم أعسر بعد ذلك فان الحج لا يسقط عنه، سواء كان الاعسار بسبب هلاك ماله أو استهلاكه، لأن شرط الحج هو القدرة التى تمكن الانسان من فعله ولا يشترط دوامها لوجوب الحج، لأنها شرط محض ليس فيه معنى العلة المؤثرة
(2)
.
وجاز له أن يستقرض للحج، وقيل يلزمه ووجوب الحج مع القدرة على الفور عند الشيخين خلافا لمحمد.
مذهب المالكية:
يجب الحج فى الراجح على الشخص المعسر الذى لا يملك زادا ولا راحلة اذا تحقق فيه أمران:
الأول: أن يكون قادرا على المشى ولو كان المشى غير معتاد له فى الظاهر من الأقوال ويكون ذلك قائما مقام الراحلة بالنسبة له.
واشترط القاضى عبد الوهاب والباجى أن يكون المشى معتادا له فلا يجب عليه الحج عندهما ان كان غير معتاد للمشى ويزرى به ولو قدر عليه تحقيقا.
الثانى: أن تكون له حرفة غير مزرية بحاله يعملها فى الطريق وتقوم به بأن يقدر على فعلها وتكون نافعة بحيث يحصل منها قوته. ويعلم أو يظن عدم كسادها، لأن حرفته تقوم مقام الزاد. فان كان مع اعساره لا يقدر على المشى ولا صنعة له أو كان يقدر على أحدهما دون الآخر فانه لا يجب عليه الحج حينئذ.
ومن أعسر بالزاد والراحلة وعجز عما
(1)
البدائع ج 2 ص 120، 122، الجوهرة ج 1 ص 149، 150، فتح القدير ج 2 ص 128
(2)
البدائع ج 2 ص 122، حاشية ابن عابدين ج 2 ص 360، ص 144 من الطبعة الاميرية الثالثة، فتح القدير ج 2 ص 120
يقوم مقامهما لا يجب عليه أن يستدين مالا فى ذمته ليحج به اذا لم يكن عنده ما يقضيه به ولا جهة له يوفى منها على الراجح. وكذلك لا يلزمه الحج اذا أعطى له مال - يمكنه به الوصول الى مكة - على جهة الصدقة أو الهبة فلم يقبله ولا يلزمه قبوله عند الجميع الا أن يكون ولده هو الباذل للمال على الأظهر، لأن الولد من كسبه ولا منة له عليه فى ذلك وكذلك لا يلزمه أن يحج ويسأله ما يقتات به فى طريقه الا أن كان من عادته السؤال بالحضر ومنه عيشه وعلم أو ظن أنه يعطى فى السفر ما يكفيه فالراجح أنه يجب عليه الحج.
وكذلك لا يلزم الشخص المعسر التكسب وجمع المال لأجل أن يحصل ما يحج به ولا أن يوفر ويجمع ما فضل عن كسبه مثلا كل يوم حتى يصير مستطيعا بل له أن يتصدق به.
واذا كان مع الشخص ما يكفيه لسفره لكن اذا سافر وحج أصبح معسرا لا شئ له، أو كان له أولاد ونحوهم ممن تلزمه نفقتهم اذا حج لم يبق لهم شئ فالمشهور انه يجب عليه الحج من غير نظر الى ما يؤول اليه أمره وأمر أهله وأولاده فى المستقبل، لأن ذلك أمره الى الله. وهذا ان لم يخش من اعساره بذلك هلاكا أو أذى شديدا على نفسه أو على من تلزمه نفقته.
وقال سحنون وابن حبيب: يشترط مصاحبة الزاد والراحلة، فلا يجب الحج عندهما على من أعسر بهما حتى ولو كان له صنعة أو قدرة على المشى
(1)
.
مذهب الشافعية:
لا يجب الحج ولا العمرة على من أعسر بالزاد الذى يكفيه أو أوعيته، أو أعسر بما يحتاج اليه فى السفر مدة الذهاب والاياب، أو أعسر بالراحلة شراء واستئجارا على تفصيل فى كل هذا ينظر فى مصطلح «حج» .
والوقت المعتبر فى اعسار الشخص بهذا يمتد من وقت خروج أهل بلده للحج الى حين عودهم اليه فمن أعسر فى جزء من ذلك الوقت لم يلزمه حج فى تلك السنة ولا عبرة بيساره قبل ذلك الوقت أو بعده.
ولو تكلف المعسر الحج أو العمرة فانه يجزئه ذلك عن حجة الاسلام وعمرته أداء أو قضاء لما أفسده منهما قبل ذلك
(2)
.
مذهب الحنابلة:
لا يجب الحج ولا العمرة على المعسر الذى لا يملك الزاد الذى يحتاج اليه فى ذهابه ورجوعه وان كان قويا مكتسبا وقال الشيخ مجد الدين: يجب عليه الحج ان كان قادرا
(1)
الحطاب ج 2 ص 498 - 508 مطبعة السعادة الطبعة الأولى سنة 1928 هـ، الخرشى ج 2 ص 230 - 332، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 6 - 8
(2)
اشرح المحلى على المنهاج بحاشيتى قليوبى وعميرة ج 2 ص 85، 86 طبعة الحلبى لحفة المحتاج ج 1 ص 429 - 431 المطبعة الوهبية سنة 1928
على التكسب فى طريقه وكذلك لا يجب على من أعسر بالراحلة الصالحة لمثله، أو لا يملك ما يقدر به على تحصيل ذلك فاضلا عما يحتاج اليه من سكن وخادم وقضاء دينه ونفقته ونفقه عياله على الدوام. والاعسار بالراحلة انما يعتبر فى الشخص الذى يبعد عن مكة بمسافة قصر - وهى ستة عشر فرسخا برا وبحرا أو مسيرة يومين - فأما القريب الذى يقدر على المشى فلا يعتبر اعساره بالراحلة، لأنها مسافة قريبة يمكنه السعى اليها. ولو تجشم الحج من أعسر بهما كان حجه صحيحا مجزئا عن حجة الاسلام، ويستحب له أن يفعل ذلك ان أمكنه من غير ضرر يلحق بغيره.
ويكره لمن أعسر بهما أن يسأل الناس ليحج، لأنه يضيق على الناس ويصير كلاّ عليهم فى التزام ما لا يلزمه ولا يصير المعسر بهما موسرا ببذل غيره له بحال فلا يجب عليه الحج ولا العمرة سواء كان الباذل قريبا أو أجنبيا.
وسواء بذل الركوب والزاد بعينهما أو بذل له مالا
(1)
.
وهذا فى المعسر بهما ابتداء.
أما من أعسر بعد وجوب الحج عليه لكمال شرائطه فيه فى أى وقت من عمره فانه لا يسقط عنه ويبقى فى ذمته يؤديه متى أيسر. وكذلك من أعسر بعد وجوب العمرة عليه لا تسقط عنه وروى أنهما لا يسقطان ويبقيان فى ذمة من أعسر بعد أو عدم تخليه الطريق يمانع من عدم ونحوه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: الاعسار بالحج يتحقق فى كل من لا مال له وقت الحج يمكنه منه ركوب البر أو البحر والعيش منه حتى يبلغ مكة ويعود الى موضع عيشه وأهله. والاعسار بهذا المعنى لا يسقط الحج ولا العمرة عمن وجبا عليه لأن الاعسار جزء من عدم الاستطاعة المشتمل عليه وعلى عدم صحة الجسم وعدم الطاقة على المشى والعجز عن التكسب من عمل أو تجارة بما يبلغ به الى الحج ويرجع الى أهله والمشتمل أيضا على أن لا يكون للشخص غير المستطيع لاعساره مثلا من يطيعه فيحج عنه ويعتمر بأجرة أو بغير أجرة فمن تحقق فيه كل هذه الأشياء مجتمعة وقت الحج فلا حج عليه ولا عمره
(3)
.
ومن استطاع أداءهما فى الوقت المحدد بأحد هذه الوجوه كأن كان صحيحا أو موسرا أو له من يحج عنه فلم يؤدهما حتى أعسر أو مرض فانهما لا يسقطان عنه ويلزمه أداؤهما على تفصيل ينظر فى مصطلح «حج وعمرة»
(4)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 169 - 174، 201 الطبعة الأولى مطبعة المنار سنة 2346 هـ، القواعد لابن رجب ج 1 ص 297 طبعة أولى مطبعة الصدق الخيرية سنة 1352
(2)
القواعد لابن رجب ج 3 ص 163، 164، 174، 175، 195، ج 8 ص 584
(3)
المحلى ج 7 ص 32، 33 مسألة رقم 815، ص 430 مسألة رقم 912.
(4)
المحلى ج 7 ص 48 مسألة رقم 818، ص 431 رقم 913.
مذهب الزيدية:
يسقط الحج عن المعسر وهو الذى لا يملك الزاد الفاضل عن كفايته وكفاية زوجته وأولاده الصغار وأبويه المعسرين حتى يرجع.
وقال أبو طالب: يسقط الحج عن المعسر بالزاد فى الذهاب للحج فقط خشية الانقطاع.
أما اعساره به فى الرجوع فلا يعتبر ويمكنه الكسب فى عودته.
ويجب على من أعسر بالزاد قبوله من ولده اذا بذله له لأنه لا منة له عليه أما غير ولده - ولو الامام - فلا يجب عليه قبوله للمنّة.
وقال الناصر: يجب عليه قبوله من غير الولد أيضا. وكذلك يسقط عن المعسر الذى لا يجد راحلة - ملكا أو أجرة - تحمله الى مكة اذا كان بينه وبينها مسافة قصر بريدا فصاعدا، سواء كان قادرا على المشى أم لا.
وقال الناصر وأحمد بن يحيى: لا يعتبر معسرا بالراحلة اذا كان قادرا على المشى فيجب عليه الحج.
والاعسار بالزاد والراحلة انما يعتبر مسقطا للحج اذا حصل فى أشهر الحج، فلو كان موسرا بهما ثم أعسر قبل مضى وقت يتسع للحج والرجوع منه لم يجب عليه الحج ولا شئ عليه الا اذا كان اعساره بعد وقت الحج يوم النحر مثلا فما بعده وكان يمكنه التكسب لصناعة فانه يلزمه الايصاء به، لأنه لو سار أدرك الحج ويعتمد فى رجوعه على الصناعة، فعلى هذا لو أيسر فى أول شوال واستمر يساره حتى رجع الحاج من الحج فانه يجب عليه الحج فى العام المقبل ان ظل موسرا وان أعسر انتقل الى ذمته
(1)
.
مذهب الإمامية:
لا يجب الحج ولا العمرة على من أعسر بالزاد أو الراحلة فيما يحتاج الى قطع المسافة وان سهل المشى لو كان معتادا له أو للسؤال.
وكذلك لا يجبان على من أعسر بما يمون به عياله الذين يجب عليه نفقتهم الى حين رجوعه فاضلا عما يحتاج اليه من داره وثيابه وخادمه ودابته.
والمعتبر هو اعساره بذلك فى أشهر الحج بالنسبة للحج والعمرة التى يتمتع بها الى الحج أما العمرة المبتولة فالمعتبر لعدم وجوبها عليه هو اعساره بذلك جميع السنة لأن جميع السنة وقت لها. ويستحب لمن أعسر بذلك أن يتكلف الحج الا أنه لا يجزئه ان فعله مع اعساره عن حجة الاسلام فلو أيسر بعد ذلك يجب عليه الحج ثانيا. ولا يسقط الحج عمن أعسر بذلك بعد أن كان موسرا به مستكملا كل شرائط الحج وأهمله وتستقر فى ذمته حتى يوسر فيؤديه فان مات موسرا وجب أن يحج عنه من صلب ماله كالدين، ولا يسقط بوفاته وان مات معسرا فوليه بالخيار فى القضاء عنه
(2)
.
(1)
البحر الزخار ج 2 ص 282 - 283، شرح الأزهار وحاشيته ج 2 ص 60 - 64.
(2)
الروضة البهية ج 1 ص 159 - 162، الخلاف فى الفقه ج 1 ص 411 - 419، شرائع الاسلام ج 1 ص 113 - 114
مذهب الإباضية:
لا يجب الحج على المعسر الذى لا يجد زادا ولا راحلة فاضلين عن مؤنة عياله وأثاث داره وآلات صنعته.
وقيل: اذا كان له مال يكفى عياله ذهابا ورجوعا وزادا وراحلة ولكنه اذا رجع لم يرجع الى شئ بل معسرا يسأل الناس لم يجب عليه الحج. والصحيح وجوبه عليه لوجود ما يمكنه من الحج. والمعتبر فى اعساره بذلك هو أشهر الحج فمن كان موسرا ثم أعسر قبل هذه الأشهر لم يلزمه الحج
(1)
.
اثر الاعسار فى
الاضحية والعقيقة
مذهب الحنيفة:
لا تجب الأضحية على المعسر وهو من لا يملك نصاب صدقة الفطر وهو مائتا درهم أو عشرون دينارا أو شئ يبلغ قيمته ذلك أو يملكه غير فاضل عن مسكنه وما يتأثث به وكسوته وخادمه ومالا يستغنى عنه.
وذلك لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من وجد سعة فليضح» شرط الرسول عليه الصلاة والسلام السعة وهى الغنى فلا تجب على المعسر اللهم الا اذا نذر المعسر صراحة أن يضحى بشاة معينة أو اشترى شاة ناويا أن يضحى بها لأن الشراء للأضحية ممن لا أضحية عليه يجرى مجرى الايجاب وهو النذر بالتضحية عرفا والايجاب بسبب النذر يستوى فيه الموسر والمعسر.
والوقت المعتبر فى اعساره أو يساره بها هو أيام النحر - وذلك بعد طلوع الفجر من اليوم العاشر من ذى الحجة الى غروب الشمس من الثانى عشر منه - فان كان موسرا فى أول هذه الأيام ثم أعسر بأى سبب من الأسباب بحيث لم يبق أهلا للتضحية فى آخر هذه الأيام فانه لا تجب عليه التضحية وتسقط عنه، لأنها تجب فى وقتها وجوبا موسعا بمعنى أنها تجب فى جملة الوقت المقدر كالصلاة فى وقتها، والعبرة للوجوب فى آخره فمن كان فقيرا فى آخره لا تلزمه التضحية ولو كان فى أوله موسرا.
ولو ضحى المعسر فى أول الوقت ثم أيسر فى آخره فعليه أن يعيد الأضحية.
وذهب المتأخرون من مشايخ المذهب الى أنه لا تلزمه الاعادة.
والصحيح هو الأول، لأنه لما أيسر فى آخر الوقت تعين آخر الوقت للوجوب عليه وتبين أن ما أداه وهو معسر كان تطوعا فلا ينوب عن الواجب
(2)
.
(1)
شرح النيل ج 2 ص 271 - 274
(2)
البدائع ج 5 ص 62 - 65، حاشية ابن عابدين ج 6 ص 315، 316، 319
ولو نذر المعسر أن يضحى شاة ثم أيسر فى أيام النحر لزمه شاتان
(1)
.
أما لو كان موسرا فى جميع أيام النحر فلم يضح حتى مضت الأيام كلها ثم طرأ عليه اعساره فانها لا تسقط عنه، وتصير قيمة شاة صالحة للأضحية دينا فى ذمته يتصدق بها متى وجدها لأن الوجوب لها قد تأكد عليه بآخر الوقت فلا يسقط باعساره بعد ذلك وان كان معسرا وقد اشتراها ومضت أيامها ولم يضح تصدق بها حية.
ولو اشترى الموسر شاة للأضحية فضاعت ثم صار معسرا فجاءت أيام النحر فليس عليه أن يشترى شاة أخرى لأنه لم يوجد شرط وجوبها وهو اليسار. ولو انه وجدها فى أيام النحر وهو ما زال معسرا فليس عليه أن يضحى بها لاعساره
(2)
.
هذا فى الأضحية أما العقيقة فقيل هى مباحة وقيل: هى مكروهة وعلى كلا القولين لا أثر للاعسار بها فلا يتأتى فيها هذا التفصيل
مذهب المالكية:
لا تسن الأضحية على معسر، وهو من لا يملك قوت عامه أو هو الذى يحتاج ثمن الأضحية فى ضرورياته فى خلال عامه. ولا يلزم المعسر أن يقترض من غيره ما يؤديها به سواء أمكنه الاقتراض أم لا.
وقال ابن رشد: يلزمه ذلك ان أمكنه وكان يرجو مالا يستطيع منه وفاء دينه.
ولو كان معسرا ثم قدر عليها فى خلال أيامها فانه يخاطب بها ويسن له التضحية لبقاء وقت الخطاب. أما ان قدر عليها بعد مضى أيامها فانه لا يخاطب بها، لأن المقصود من الأضحية التعاون على اظهار الشعائر وقد فاتت. وكذا لو كان موسرا ثم أعسر فى خلال أيامها ومضت أيامها وهو معسر فلا يخاطب بها أيضا لما ذكر
(3)
.
هذا فى الأضحية.
أما العقيقة فتندب على الأب المعسر - وان كان لولده مال وذلك حيث وجد من يقرضه ثمنها وكان يرجو وفاءه. والا لم يخاطب بها ولو أيسر بعد مضى زمنها وهو غروب شمس اليوم السابع لولادة المولود.
وقيل: لا يندب لمن أعسر بعقيقة مولوده أن يقترض لأدائها، لأنها ليست أوكد من الأضحية
(4)
.
مذهب الشافعية:
لا تسن الأضحية الا على الموسر أما المعسر وهو الذى لا تكون الأضحية فاضلة عن
(1)
حاشية ابن عابدين ج 3 ص 737 البدائع وحاشية ابن عابدين السابقين
(2)
البدائع ج 5 ص 69 وحاشية ابن عابدين ج 6 ص 339
(3)
حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 1 ص 346، ص 347 طبعة المطبعة الأميرية سنة 389 هـ، شرح الخرشى ج 2 ص 271، ج 3 ص 38.
(4)
حاشية العدوى على شرح أبى الحسن ج 1 ص 493 طبع مطبعة عبد الحميد حنفى.
حاجته وحاجة من يعوله يوم العيد وأيام التشريق الثلاثة - فانها لا تلزمه اطلاقا الا اذا نذرها باللفظ أو بالنية عند الشراء على الأصح. فان كان معسرا فى أول وقتها - وهو طلوع شمس يوم النحر - ثم أيسر بعد ذلك فى جزء من وقتها فانه يسن له التضحية وان كان موسرا فى أول وقتها فلم يضح حتى أعسر على النحو المذكور فى أثناء الوقت أو بعده سقطت عنه فلا يقضيها
(1)
.
وكذلك لا تسن العقيقة على المعسر وهو الذى لا تلزمه زكاة الفطر فيما يظهر ولو كان ولى المولود معسرا بها حين الولادة ثم أيسر قبل تمام اليوم السابع لولادة الولد استحب فى حقه أن يعق وان أيسر بها بعد السابع وبعد مضى أكثر مدة النفاس لم يؤمر بها وان أيسر بها بعد السابع قبل مضى أكثر مدة النفاس فالأصح أنه يؤمر بها لبقاء أثر الولادة.
ولا تسقط العقيقة عن الولى الموسر بها حتى يبلغ الولد، فان بلغ عق عن نفسه تداركا لما فات
(2)
.
مذهب الحنابلة
الاعسار بالأضحية هو عدم القدرة عليها فى أيام النحر الثلاثة ولو بالاقتراض من الغير. فمن تحقق فيه هذا فلا تسن له التضحية الا اذا أوجبها على نفسه بالنذر فتجب عليه حينئذ.
وان كان موسرا قادرا عليها ثم أعسر فى خلال أيامها وظل معسرا حتى خرج وقت الذبح سقطت عنه حتى لو أيسر بعد ذلك وذبحها وتصدق بها كان لحما تصدق به لا أضحية فى الأصح، لأن المحصل للفضيلة الزمان وقد فات وهذا فى غير الأضحية الواجبة بالنذر.
فان كانت واجبة بذلك فلا تسقط عنه بخروج الوقت ويذبحها قضاء
(3)
.
وهذا فى الاعسار بالأضحية.
أما اعسار الأب بعقيقه ولده فلا يمنع كونها سنة مؤكدة فى حقه ويقترض لأدائها.
قال احمد: اذا لم يكن عنده ما يعق به فاستقرض رجوت أن يخلف الله عليه لأنه أحيا سنة
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: الأضحية سنة حسنة مردودة الى ارادة المسلم سواء كان معسرا أو موسرا لأن كلا منهما محتاج الى فعل الخير مندوب اليه. ومن ترك التضحية - غير راغب عنها - ولو بعد أن نواها أو عين الأضحية فلا
(1)
اسنى المطالب ج 1 ص 534 - 537، تحفة المحتاج ج 4 ص 193، شرح المحلى بحاشيتى قليوبى وعميرة علبة ج 4 ص 249 - 252.
(2)
اسنى المطالب ج 1 ص 548، الاقياع وحاشية البجرمى عليه ج 4 ص 293 المطبعة الميمنية للحلبى سنة 1310 هـ، تحفة المحتاج ج 4 ص 204
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 638، 644 المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 555، 557، 581
(4)
شرح المنته بهامش كشاف القناع ج 1 ص 717
حرج عليه الا أن ينذر ذلك فيلزمه الوفاء به
(1)
.
وكذلك عقيقة المولود لا تفرض على أبيه المعسر ولا على أمه المعسرة ان لم يكن له أب، وتفرض حينئذ فى مال المولود ان كان له مال. والاعسار بالعقيقة يتحقق فى كل من لا يفضل له عن قوته مقدارها فمتى تحقق فيه ذلك فى اليوم السابع لولادة المولود لم يجبر عليها. فان أيسر بعد ذلك وأمكنه الذبح كان فرضا عليه أن يذبح
(2)
.
مذهب الزيدية
تسن الأضحية لكل مكلف حر مسلم قادر سواء كان ذكرا أو أنثى.
وكذلك تسن العقيقة للمولود على وليه الذى تلزمه نفقته ولو معسرا ولا تسقط عنه ان أخرها لاعساره عن نهاية سابع المولود.
فان ظل معسرا بها حتى بلغ الولد سقطت عنه.
وقيل: تسن العقيقة فى مال المولود ان كان له مال، لأنها شرعت لدفع الضرر عنه
(3)
.
مذهب الإمامية:
لا تسن الأضحية على المعسر وهو الذى لا يقدر عليها
(4)
.
أما ان اعسر الوالد بعقيقة ولده فلا تسقط عنه استحباب فعلها ويؤخرها حتى يتمكن من ذلك. ولو لم يعق الوالد عن ولده بسبب اعساره استحب للولد أن يعق عن نفسه اذا بلغ
(5)
.
اثر الاعسار
بالكفارات ونحوها
مذهب الحنفية:
يشترط لوجوب الكفارات مالية كانت أو بدنية - القدرة على أدائها. فالمعسر وهو هنا الذى لا يكون له فضل مال على كفايته بحيث لا يقدر على اعتاق رقبة صالحة للتكفير بها او اطعام المساكين أو كسوتهم لا يجب عليه التكفير بذلك، لأن قدر الكفارة مستحق الصرف الى حاجته الضرورية والمستحق كالمصروف فعلا فكان ملحقا بالعدم وليس المراد من عدم وجوبها على المعسر - الذى لا يقدر على الصوم - أن يسقط عنه اداؤها
(1)
المحلى ج 8 ص 3 وما بعدها مسألة رقم 973، 979، 980
(2)
المحلى ج 8 ص 312 وما بعدها مسألة رقم 1114
(3)
شرح الازهار ج 4 ص 84، 92 - 93 والتاج المذهب ج 3 ص 464
(4)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 526
(5)
شرائع الاسلام ج 2 ص 44 طبعة مكتبة الحياة ببيروت.
مطلقا بل المراد ان يتأخر وجوبها على المعسر - الذى لا يقدر على الصوم - أن يسقط عنه أداؤها مطلقا بل المراد أن يتأخر وجوبها عليه طوال فترة اعساره الى أن يقدر على الاعتاق فى كفارة القتل أو الاعتاق أو الاطعام فى كفارة الظهار والافطار عمدا فى رمضان أو الاطعام أو الكسوة أو الاعتاق فى كفارة الحنث فى اليمين لأن ايجاب الفعل فى الحال على العاجز عنه محال. والاعسار باعتاق رقبة فى كفارة القتل والظهار والافطار عمدا شرط لوجوب الصوم وكذلك الاعسار بها وبالاطعام والكسوة شرط لوجوبه فى كفارة اليمين وكذلك الاعسار بدم التمتع أو القران وأدناه شاة شرط لوجوب الصوم بدلا عنهما والوقت المعتبر فى اعسار المكفر ويساره بذلك هو وقت أداء الكفارة لا وقت وجوبها عليه، فلو كان موسرا وقت وجوبها بالقتل مثلا ثم أعسر جاز له الصوم وأجزأه وان كان على العكس لا يجوز، لأن الكفارة عبادة لها بدل ومبدل فيعتبر فيها وقت الاداء لا وقت الوجوب فاذا طرأ عليه الاعسار قبل التكفير بالمال فقد عجز عن الأصل قبل حصول المقصود به وقدر على تحصيله بالبدل.
ويشترط استمرار الاعسار الى الفراغ من الصوم فلو كان معسرا ثم أيسر قبل الشروع فى الصوم أو بعد الشروع فيه قبل تمامه لم يجز صومه، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل فيبطل المبدل وينتقل الأمر الى الأصل. وهو التكفير بالمال. وأما ما يخير الشخص فيه بين الصوم وغيره فلا فرق فيه بين المعسر والموسر، وذلك كجزاء قتل الصيد والدلالة عليه وفدية الحلق واللباس والطيب لعذر أثناء الاحرام بالحج.
وان أعسر الشيخ الفانى العاجز عن الصوم عجزا مستمرا بفدية افطاره فلا تجب عليه وتسقط عنه فاذا أيسر بعد ذلك لا يلزمه اخراجها عن فترة اعساره، لأنه لا تقصير منه بوجه من الوجوه. وكذا لو نذر صوم الأبد فضعف عن الصوم لاشتغاله بالمعيشة ولم يقدر على الاطعام لاعساره فانه يسقط عنه ويستغفر الله ويستقيله ولو بذل الابن لأبيه المعسر مالا ليكفر به فلا يثبت يساره به اجماعا
(1)
.
مذهب المالكية:
لا تجب الكفارة على المعسر حال اعساره الا أنه لو تكلف العتق بأن استدان واشترى رقبة وأعتقها عن كفارته فانه يجزئه ذلك عن كفارته سواء كان المتكلف جائزا أو مكروها كما اذا كان بالسؤال من الناس لأن السؤال مكروه ولو كان ممن عادته السؤال ويعطى وكذلك يجزئه ولو كان التكلف حراما كما اذا لا قدرة له على وفاء الدين الذى يريد استدانته لذلك ولا يعلم أرباب الدين بعجزه عنه
(2)
.
(1)
البدائع ج 5 ص 97، 98، 112، حاشية ابن عابدين ج 3 ص 482، الاشباه والنظائر لابن نجيم ج 2 ص 215، 137، 141، حاشية الدسوقى والشرح الكبير
(2)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 2 ص ج 2 ص 458 - 459
واذا أعسر المكفر فى كفارتى الظهار والقتل بعتق الرقبة فانه يصوم شهرين متتابعين فان أيسر بعد شروعه فى صوم الشهرين وقدر على عتق الرقبة فى اليوم الرابع أو ما بعده فانه يجب عليه الاستمرار فى صومه وان حصل له اليسار فى أثناء اليوم الأول أو بعد كماله وقبل الشروع فى اليوم الثانى وجب عليه الرجوع للتكفير بالعتق وان حصل له اليسار فى أثناء اليوم الثانى أو الثالث أو بعد فراغ اليوم الثالث وقبل الشروع فى اليوم الرابع ندب له الرجوع للعتق وهذا كله ان لم يفسد صومه بأى مفسد والا تعين فى حقه اعتاق رقبة ولو لم يبق من صومه الا يوم واحد لأنه لما بطل صومه خوطب بأداء الكفارة من الآن، وهو الآن موسر لا معسر فلا يجزئه الصوم
(1)
ولو حصل القتل من صبى أو مجنون وأعسر كل منهما بعتق رقبة فالظاهر انه ينتظر بلوغ الصبى وافاقة المجنون لأجل أن يصوما
(2)
.
وان اعسر الشخص بالاعتاق والاطعام وعجز عن الصيام فى كفارة الظهار فليس له وط ء امرأته التى ظاهر منها ولو طال زمن اعساره وعجزه، ويدخل عليه أجل الايلاء وهو أربعة أشهر ثم يطلق عليه القاضى.
وقيل: لا يدخله أجل الايلاء بل يطلق عليه القاضى وقيل: لا يدخله أجل الايلاء بل يطلق عليه القاضى حالا ان لم ترض بالاقامة معه بلا وط ء
(3)
.
وان أعسر بالاطعام أو الكسوة أو عتق الرقبة فى كفارة اليمين بأن لم يكن عنده ما ما يباع على المفلس ولم يجد من يقرضه فانه يلزمه صيام ثلاثة أيام فان شرع فى الصوم لاعساره بأقل الأنواع الثلاثة ثم أيسر فى أثناء صومها فان كان فى أثناء صوم اليوم الأول وجب عليه الرجوع للتكفير بما قدر عليه.
وان كان بعد كمال اليوم الأول وقبل كمال الثالث ندب له الرجوع للتكفير بما قدر عليه
وقيل: لا يستحب له الرجوع ان أيسر بعد كمال اليوم الأول لخفة أمر اليمين وغلظ كفارة الظهار والقتل
(4)
.
والاعسار بالرقبة يتحقق فى كل من لا يملك رقبة ولا ثمنها ولا قيمتها من دابة أو دار أو غير ذلك مما يساوى ثمنها وان كان محتاجا له. والوقت المعتبر فى اعسار المكفر هو وقت اداء الكفارة لا وقت وجوبها فمتى كان معسرا وقت ادائها صح له أن يكفر بالصوم ولو كان وقت وجوبها عليه قادرا على العتق فى كفارتى الظهار والقتل أو العتق أو الاطعام أو الكسوة فى كفارة اليمين
(5)
.
(1)
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 459، شرح الخرشى وحاشية العدوى ج 4 ص 136 - 137
(2)
شرح الخرشى وحاشية العدوى ج 8 ص 59
(3)
الشرح الكبير للدردير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 455 - 456
(4)
حاشية العدوى على شرح أبى الحسن ج 2 ص 22، حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 376، 546
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 458
وقيل المعتبر فى اعساره بها هو وقت وجوب الكفارة عليه بالقتل أو العود الى المظاهر منها أو الحنث فى اليمين فان كان معسرا وقت وجوبها عليه بذلك كفر بالصوم ولو كان وقت الأداء قادرا على العتق أو الاطعام والرأى الأول هو المعتمد
(1)
.
وأما كفارة الافطار عمدا فى رمضان فهى واجبة على التخيير بين خصالها الثلاثة - الاطعام والصيام وعتق رقبة - فلا يتأتى فيها هذا التفصيل.
وكذلك الحكم فى كفارتى الصيد والأذى فى خلال الحج، لوجوبهما على التخيير أيضا.
وان أعسر الزوج الذى أكره زوجته على الوط ء فى نهار رمضان بكفارتها الواجبة عليه فان الزوجة يلزمها أن تكفر عن نفسها بأحد الأنواع الثلاثة ان كانت موسرة، وترجع بذلك على زوجها متى أيسر. وهذا ان لم تكفر بالصوم. أما لو كفرت به فلا ترجع عليه بشئ لأن الصوم لا ثمن له
(2)
.
وكذلك لا تجب الفدية على من لم يستطع الصوم لهرم أو عطش وان كان يندب له معسرا كان أو موسرا أن يخرج عن كل يوم يفطره مدا على المشهور. وقيل: لا شئ عليهما أصلا
(3)
.
مذهب الشافعية:
ان اعسر المكفر فى كفارة الظهار أو القتل أو الجماع عمدا فى نهار رمضان بعتق الرقبة فانه ينتقل الى التكفير بصوم شهرين متتابعين وكذلك ان أعسر فى كفارة اليمين باطعام عشرة مساكين او كسوتهم او اعتاق رقبة على التخيير بينها فانه ينتقل الى صوم ثلاثة أيام.
والاعسار بعتق الرقبة يتحقق فيمن لا يملك عبدا أو ثمنه فاضلا عن كفاية نفسه وعياله نفقة وكسوة وسكنى وأثاثا لا بد منه.
أما الاعسار بالاطعام فى الكفارات التى يجب فيها فيتحقق فى كل من لا يفضل له عن كفاية عمره الغالب شئ وقيل: يتحقق فى الشخص اذا كان لا يفضل عن كفايته سنة شئ.
والمعتبر فى اعساره بذلك - على أظهر الأقوال - هو وقت الاداء للكفارة ولو بعد وجوبها عليه بمدة طويلة لا وقت الوجوب لها فلو كان معسرا حالة وجوب الكفارة عليه بالقتل مثلا ثم أيسر عند أدائها فالواجب عليه الاعتاق ولو تكلف الاعتاق وهو معسر بقرض أو غيره أجزأه.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 458، شرح الخرشى ج 3 ص 69
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 1 ص 502، شرح الخرشى ج 2 ص 295 - 296، حاشية الصاوى على الشرح الصغير ج 1 ص 284
(3)
الخرشى ج 2 ص 282، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 1 ص 488
ولو شرع المعسر فى الصوم ثم أيسر فى أثنائه ولو بعد لحظة لم يلزمه الانتقال الى الاعتاق فى الكفارات الأربعة المذكورة وكذا لا يلزمه الانتقال الى الاطعام أو الكسوة فى كفارة اليمين لشروعه فى البدل ولو كان حالة وجوب الكفارة عليه موسرا يقدر على الاعتاق فى كل الكفارات أو الاطعام أو الكسوة فى كفارة اليمين لشروعه فى البدل ولو كان حالة وجوب الكفارة عليه موسرا يقدر على الاعتاق فى كل الكفارات أو الاطعام أو الكسوة فى كفارة اليمين ثم أعسر ولو بقتل الرقبة، أو اتلاف المال فان الواجب عليه الصوم.
واذا اعسر من لزمته الكفارة بجميع الخصال المالية من اعتاق واطعام وكسوة وعجز عن الصوم فانها لا تسقط عنه وتبقى فى ذمته فى القول الأصح فاذا أيسر أو قدر على خصلة ولو الأخيرة فعلها ولا عبرة بقدرة المعسر العاجز عن كل الصوم على بعض خصلة من الاعتاق أو الصوم لأنهما لا يتبعان بخلاف الاطعام فانه اذا قدر المعسر على بعضه فانه يخرجه ولو كان بعض مد، لأنه لا بدل له، ويبقى الباقى فى ذمته على الأرجح يخرجه متى أيسر.
ولو أيسر أو قدر بعد اخراج ذلك البعض من الطعام على الاعتاق أو الصوم لم يجب عليه التكفير بذلك لشروعه فى الاطعام.
والاعسار المؤثر فى اسقاط الكفارات المالية هنا هو الاعسار ظاهرا وباطنا. حتى ولو صام من لزمته الكفارة لاعساره بالاعتاق أو الاطعام أو الكسوة ثم تبين يساره بنحو ارث سابق على شروعه فى الصوم فانه يلزمه الاعتاق أو ما معه ووقع صومه نفلا
(1)
.
واذا اعسر الشيخ الهرم العاجز عن الصوم عجزا لا يرجى قدرته عليه بعد ذلك بفدية افطاره فى رمضان فى ثبوتها فى ذمته قولان:
المعتمد منهما هو عدم سقوطها عنه لاعساره واستقرارها فى ذمته يؤديها متى أيسر كالكفارة.
وقال صاحب المجموع: ينبغى أن يكون الأصح هنا أنها تسقط عنه ولا تلزمه اذا أيسر كزكاة الفطر، لأنه عاجز حال التكليف بالفدية، وليست الفدية فى مقابلة جناية وقعت منه بخلاف الكفارة.
وكذلك ان أعسر المتمتع أو القارن بدم التمتع والقران أو أعسر بجزاء الصيد، وفدية الحلق والطيب واللباس وقت وجوبها فى الحج ثبت كل ذلك فى ذمته تغليبا لمعنى الغرامة
(2)
. (انظر مصطلح هدى).
مذهب الحنابلة:
ان أعسر المكفر بعتق رقبة فى كفارة الظهار أو الوط ء عمدا فى نهار رمضان أو
(1)
اسنى المطالب ج 3 ص 362 - 370، شرح المحلى بحاشيتى قليوبى وعميرة ج 4 ص 20 - 27، حاشية البجرمى على الإقناع ج 4 ص 18 - 24
(2)
الاشباه، والنظائر للسيوطى ج 1 ص 334 مطبعة الحلبى سنة 1378 هـ، سنة 1959 م، اسنى المطالب ج 1 ص 428، شرح المحلى بحاشيتى قليوبى وعميرة ج 2 ص 67
القتل فعليه صيام شهرين متتابعين فان لم يستطع الصوم أطعم ستين مسكينا فى غير كفارة القتل.
وكذلك ان اعسر باطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة فى كفارة اليمين فعليه صيام ثلاثة أيام متتابعة، فان أعسر المكفر بجميع خصال الكفارة المالية وعجز عن الصيام لم تسقط عنه الكفارة وتبقى فى ذمته يؤديها متى أيسر، وهذا فى كل الكفارات من ظهار وقتل وغيرها ما عدا كفارة الوط ء فى حالة الحيض وكفارة الوط ء فى نهار رمضان فى ظاهر المذهب فانهما يسقطان بالاعسار فتسقط الأولى بلا بدل وتسقط الثانية على أن يحل محلها الصيام والاعسار بعتق رقبة يتحقق فيمن لا يملك رقبة فعلا ولا يمكنه تحصيلها بثمن مثلها من نقد أو غيره لعدم وجود فاضل عن كفايته وكفاية من يمونه على الدوام وغيرها من حوائجه الأصلية والاعسار بالاطعام والكسوة يتحقق فيمن يتحقق فيه الاعسار بزكاة الفطر، وقد سبق ذكره فى الاعسار بها.
والوقت المعتبر لاعسار المكفر أو يساره فى أظهر الروايتين هو وقت وجوب الكفارة عليه بوط ء المظاهر منها أو الحنث فى اليمين أو زهوق الروح فى القتل أو حين الوط ء فى نهار رمضان، لأن الكفارة تجب على وجه الطهرة فكان الاعتبار فيها بحالة الوجوب فلو طرأ اعسار عن موسر قبل أن يكفر لم يجزئه صوم، لأنه غير ما وجب عليه وتبقى الرقبة دينا عليه لحين يساره، لأنها هى التى وجبت عليه فلا تسقط باعساره ولا يخرج عن العهدة الا باعتاقها. وان وجبت عليه الكفارة وهو معسر ثم أيسر بعد ذلك لم يلزمه الانتقال الى اعتاق الرقبة لأنه غير ما وجب عليه، الا انه يجوز للمعسر اذا أيسر الانتقال الى الاعتاق ان شاء ويجزئه ذلك عن كفارته لأن الاعتاق هو الأصل فوجب أن يجزئه ذلك كسائر الأصول وسواء كان قد شرع فى الصوم أم لا على الأظهر.
وكذلك يجوز للمعسر اذا أيسر أن ينتقل الى الاطعام أو الكسوة فى كفارة اليمين ان شاء، لأن ذلك هو الأظهر.
وكذلك يجوز للمعسر اذا أيسر أن ينتقل الى الاطعام أو الكسوة فى كفارة اليمين ان شاء، لأن ذلك هو الأصل.
وقيل: المعتبر فيها هو أغلظ الأحوال على المكفر من حين الوجوب بالحنث مثلا الى حين التكفير فمتى وجد المعسر رقبة أو طعاما أو كسوة فيما بين الوجوب الى حين التكفير لم يجزئه الا أحد هذه الأشياء
(1)
.
وان أعسر المفطر لكبر أو مرض لا يرجى برؤه بفدية افطاره فى رمضان - وهى اطعام مسكين عن كل يوم - فلا شئ عليه وتسقط عنه لقوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» وقال السامرى لا تسقط عنه وتبقى فى ذمته. فان كان المرض يرجى برؤه فلا
(1)
كشاف القناع ج 3 ص 231 - 240 ج 4 ص 143، المغنى والشرح الكبير ج 8 ص 583 - 586 و 617 - 619 وج 3 ص 69
تسقط الفدية باعساره بها اتفاقا، كما لا تسقط فدية الحج أيضا باعساره بها فمتى أيسر وقدر على الاطعام أطعم
(1)
.
مذهب الظاهرية:
اعسار المكفر لا يسقط ما لزمه من كفارة مالية وكذا عجزه عن الصوم لا يسقط عنه فى الكفارات التى تؤدى به.
والوقت المعتبر فى اعساره ويساره هو وقت لزوم الكفارة ووجوبها عليه فمن كان حين لزوم كفارة ظهار أو قتل أو وط ء فى نهار رمضان موسرا قادرا على عتق رقبة فانه لا يجزئه غيرها أبدا سواء طرأ عليه اعسار بعد ذلك أم لا فان أعسر فأمره الى الله عز وجل لأن فرض الله تعالى عليه بالعتق قد استقر فلا يحيله شئ.
ومن كان معسرا بالرقبة حين وجوب الكفارة عليه قادرا على صيام شهرين متتابعين فانه لا يجزئه شئ غير الصيام سواء أيسر بعد ذلك ووجد رقبة أو لم يوسر، فان لم يصمهما حتى عجز عن الصوم فكذلك لا يجزئه اطعام ولا عتق أبدا فان صح من عجزه صامهما وان مات صامهما عنه وليه.
ومن كان حين وجوب الكفارة عليه معسرا بالرقبة عاجزا عن الصوم فان كان قادرا على الاطعام فى كفارتى الظهار والوط ء فى نهار رمضان فانه لا يجزئه غيره عن كفارته سواء قدر على الرقبة أو الصوم بعد ذلك أو لم يقدر لأن ذلك هو فرضه بالنص والاجماع فلا يجوز سقوطه وايجاب فرض آخر عليه بغير نصر ولا اجماع
(2)
.
فان أعسر بالاطعام أيضا بعد اعساره بالرقبة وعجزه عن الصوم فانه يبقى فى ذمته دينا عليه لا يسقط عنه أبدا حتى لو أيسر بالرقبة أو قدر على الصوم بعد ذلك لأنه قد استقر عليه الاطعام بنص القرآن ولم يعوض الله عز وجل منه شيئا أصلا عند الاعسار به
(3)
.
وكذلك من حنث فى يمينه وهو موسر قادر على الاطعام أو الكسوة أو العتق ثم أعسر فعجز عن كل ذلك فانه لا يجزئه الصوم أصلا عن كفارته لأنه قد تعين عليه حين وجوب الكفارة أحد هذه الوجوه بنص القرآن فلا يجوز سقوط ما الزمه الله تعالى يقينا.
لكن يمهل حتى يوسر بأحدها فان ظل معسرا فالله تعالى ولى حسابه
(4)
.
ومن حنث فى يمينه وهو معسر بكل ذلك ففرضه الصوم سواء قدر عليه حينئذ أم لم يقدر فان أيسر بعد ذلك وقدر على العتق والاطعام والكسوة فكذلك لم يجزئه شئ من ذلك الا الصوم فان مات ولم يصم صام عنه
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 3 ص 16، 79 كشاف القناع ج 1 ص 508
(2)
المحلى ج 10 ص 58 رقم 1898 وص 359 رقم 2022 وج 6 ص 298 - 299 رقم 749
(3)
المحلى ج 10 ص 57 رقم 1898 ج 6 ص 300 رقم 751
(4)
المحلى ج 8 ص 449 رقم 1181
وليه أو أستؤجر عنه من ماله من يصوم عنه
(1)
.
وان أفطر الشيخ الذى لا يطيق الصوم لكبره فى رمضان فلا اطعام عليه، سواء كان موسرا أم معسرا لأنه غرامة لم يأت بها نص ولا اجماع. ولأن الصوم لا يلزمه لقوله تعالى:«لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» ،} فكذلك الاطعام وكذلك الحكم فى المريض بمرض لا يرجى برؤه منه
(2)
.
مذهب الزيدية:
ان أعسر المكفر عن ظهار، أو قتل باعتاق الرقبة فعليه صيام شهرين متتابعين فان عجز عن صومهما أجزأه الاطعام فى كفارة الظهار
(3)
.
فان أعسر بالعتق والاطعام وعجز عن الصيام قال فى الحفيظ: يطأ وتكون الكفارة فى ذمته وقال البيان ومثله فى الوابل:
لا يجوز له وط ء زوجته المظاهر منها ولا يلزمه الطلاق
(4)
.
وكذلك ان أعسر بالاعتاق والكسوة والاطعام فى كفارة اليمين جاز له أن يصوم عنها ثلاثة أيام متتابعة فان أيسر بعد فراغه من صوم الأيام الثلاثة فى كفارة اليمين أو الشهرين فى غيرها لم يلزمه استئناف التكفير بالمال اجماعا وان أيسر قبل فراغه من الصوم ولو بلحظة لزمه استئناف التكفير بالاعتاق فى كفارتى الظهار والقتل وبه أو الاطعام أو الكشوة فى كفارة اليمين لأنه صار واجدا للمال قبل فراغ الصوم فيتعين عليه التكفير به كقبل الشروع فى الصوم
(5)
.
ومن عليه كفارتان وأعسر بأداء احداهما دون الأخرى فانه يجب عليه أن يبدأ بالتكفير بالمال ثم يصوم للكفارة الأخرى فان قدم الصوم لم يجزئه
(6)
.
والاعسار هنا يتحقق فى كل من لا يملك شيئا سوى منزله وما يستر عورته من الكسوة المعتادة. ويعتبر معسرا أيضا من ملك من الرقبة أو الكسوة أو الطعام دون ما يكفى فى الكفارة. ولا يلزمه بيع ما يملكه من أى نوع منها وان كانت قيمته تكفى للتكفير من نوع آخر. وأما لو كان الموجود عنده من غير جنس ما يكفر به كسيف مثلا وقيمته تأتى من الطعام أو الكسوة ما يوفى الكفارة فانه لا يعتبر معسرا ويلزمه بيعه والتكفير عن كفارته
(7)
.
والعبرة فى اعسار المكفر ويساره بحال الأداء للكفارة دون حال وجوبها عليه فاذا كان حال وجوبها موسرا قادرا على أدائها بالمال فلم
(1)
المحلى ج 8 ص 450 رقم 1182
(2)
المحلى ج 6 ص 398، 404 رقم 770
(3)
البحر الزخار ج 3 ص 237 - 238 والتاج المذهب ج 4 ص 310 الطبعة الاولى مطبعة الحلبى سنة 1366
(4)
التاج المذهب ج 2 ص 250 وشرح الازهار ج 2 ص 499
(5)
البحر الزخار ج 3 ص 237 وج 4 ص ص 266
(6)
التاج المذهب ج 3 ص 433
(7)
التاج المذهب ج 3 ص 432، وج 4 ص 310
يؤدها ثم عزم بعد مدة على التفكير وبعد أن أعسر فانه يجزيه الصوم ولا عبرة بيساره فيما مضى
(1)
.
وقال الناصر فى أحد قوليه: ان العبرة بحال الوجوب لا بحال الاداء، وتثبت الكفارة دينا فى ذمة من أعسر بها يؤديها متى أيسر
(2)
.
وان أعسر الزوج بكفارة زوجته التى وطئها مكرهة فى أثناء احرامها بالحج فالأقرب أنه لا يلزمها أداؤها فان فعلت صح أداؤها ورجعت عليه، لأن وجوبها متعلق به. وقيل:
يلزمها اخراجها عن نفسها عند اعساره بها كما فى اعساره بزكاة فطرها
(3)
.
وان أعسر الشخص بكفارة افطاره عمدا فى نهار رمضان بأكل أو جماع أو غيرهما سقطت عنه ولا شئ عليه على الأصح، لأن هذه الكفارة مستحبة الأداء والترتيب
(4)
.
وان أعسر المفطر فى رمضان لعذر مأيوس من زواله ونحوه بفدية الأفطار الواجبة عليه فانها لا تسقط عنه وتبقى فى ذمته الى أن يوسر فيؤديها
(5)
.
مذهب الإمامية:
يجب على المكفر صيام شهرين متتابعين عند اعساره بالرقبة يعتقها فى كفارة الظهار والقتل الخطأ والاعسار بالرقبة يتحقق فى فى كل من لا يجدها فى ملكه ولا يجد الباذل لها ولا يملك ثمنها زائدا على داره وثيابه اللائقين بحاله وخادمه اللائق به أو المحتاج اليه. ويجب عليه صيام ثلاثة أيام فى الآتى:
(اولا): عند اعساره باطعام عشرة مساكين فى كفارة الافطار بعد الزوال فى قضاء رمضان.
(ثانيا): عند اعساره باطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة فى كفارة الحنث فى اليمين.
(ثالثا): عند اعساره بشاة يذبحها كفارة عن صيد الغزال وقت احرامه بالحج ويجب على المحرم أيضا صيام ثمانية عشر يوما عند اعساره بالبدنة يذبحها كفارة عن صيده البقر الوحشى أو كفارة عن افاضته من عرفات قبل الغروب عامدا كما يجب عليه صيام تسعة أيام عند اعساره بالبقرة يذبحها كفارة له عن صيده النعامة والوقت المعتبر فى اعسار المكفر بكل ذلك وانتقاله الى الصوم هو وقت أداء الكفارة لا وقت وجوبها فمن كان موسرا وقت الأداء قادرا على كل ما ذكر من عتق واطعام وغيره لم يجزئه الصوم وان كان معسرا وقت الوجوب.
ومن كان معسرا وقت أدائها أجزأه الصوم
(1)
التاج المذهب ج 2 ص 252
(2)
شرح الازهار ج 2 ص 501 - 502، البحر الزخار ج 2 ص 230 - 231
(3)
شرح الازهار ج 2 ص 165 الازهار ج 2 ص 22
(4)
البحر الزخار ج 2 ص 249، شرح
(5)
شرح الازهار ج 2 ص 29 - 23، البحر الزخار ج 2 ص 230 - 231
وان كان موسرا قادرا على كل ذلك وقت وجوبها عليه.
ولو تكلف المعسر التكفير بالمال أجزأه الا اذا كان له دائن.
وان شرع المكفر فى الصوم لاعساره ثم أيسر وقدر على التكفير بالمال فانه لا يلزمه ترك الصوم والانتقال الى التكفير بالمال، لأنه شرع فيما هو فرضه الا أنه ان فعل ذلك كان أفضل ويستحب له ذلك فان عجز المكفر عن الصوم فى كفارة الظهار والقتل الخطأ أطعم ستين مسكينا فان أعسر بالاطعام كله أو بعضه استغفر الله تعالى - ولو مرة - بنية الكفارة - والأشبه أن الاستغفار حينئذ يحل له وط ء زوجته المظاهر منها.
وقيل: يحرم عليه وطؤها حتى يكفر.
وكذلك حكم من أعسر بالكفارات المالية غير الاطعام وعجز عن الصيام بكل حال فانه يسقط عنه فرضها ويستغفر الله ولو مرة بدلا من الكفارة وقيل: ان أيسر بعد ذلك أو تمكن من أدائها بأى وجه أتى بها.
والاعسار بالاطعام يتحقق فى كل من لا يكون معه ما يفضل عن قوته وقوت عياله ليوم وليلة. وهذا كله فى الكفارات المرتبة والمعينة.
أما كفارة الأفطار فى شهر رمضان بأكل أو غيره وكفارة الاعتكاف وكفارة النذر والعهد وكفارة حلق الرأس فى أثناء الاحرام فهى واجبة على التخبير بين خصالها فلا يتأتى فيها هذا التفصيل سوى أنه اذا أعسر وعجز عن فعل كل خصالها استغفر الله سبحانه. وان أعسر الشيخ الكبير ونحوه بفدية أفطاره فى رمضان فلا شئ عليه.
وقيل: يعدم وجوب الفدية عليه أصلا وتسقط عنه كما يسقط الصوم
(1)
.
مذهب الإباضية:
ان أعسر المكفر بعتق الرقبة فى كفارة الظهار أو القتل صام شهرين متتابعين فان أيسر قبل تمام صومهما لزمه التكفير بعتق الرقبة سواء كان قد صام شهرا أو أقل أو أكثر، وما صامه نفل. وكذلك ان عجز عن الصوم فأطعم ستين مسكينا فى كفارة الظهار ثم أيسر بالعتق قبل تمام الاطعام لزمه العتق وان لم يوسر بالعتق الا بعد تمام الصوم أو الاطعام أجزأه ذلك عن كفارته ولا عتق عليه. وقيل: ان أيسر فى خلال الصوم أو الاطعام لم يلزمه عتق
(2)
.
ومن أعسر فى كفارة الظهار بالعتق والاطعام ولم يستطع الصوم لضعفه جاز له أن يسأل الناس ليدرك زوجته التى ظاهر منها
(3)
.
وان أعسر بالعتق وعجز عن الصوم ولم يكن له ما يطعم به ستين مسكينا جملة فله أن
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 226 - 229 الخلاف فى الفقه ج 1 ص 385 - 387 ج 2 ص 270 - 273، مستمسك العروة الوثقى ج 8 ص 323، 325، 388، 449، 450 الطبعة الثانية مطبعة النجف سنة 1371 هـ، شرائع الإسلام ج 2 ص 76 - 82
(2)
شرح النيل ج 3 ص 426
(3)
شرح النيل ج 2 ص 492
يطعم كل مرة ما قدر عليه حتى يتم اطعام ستين مسكينا
(1)
.
وكذلك ان أعسر بعتق الرقبة والاطعام والكسوة لعشرة مساكين فى كفارة الايمان المرسلة صام ثلاثة ايام فان أيسر وقدر على التكفير بأحد هذه الخصال فى خلال صوم هذه الأيام لزمه التكفير بما قدر عليه منها على التفصيل المذكور وما صام نفل
(2)
.
والاعسار بذلك يتحقق فى كل من لا يملك عشرين درهما زائدة على ما لا بد له منه كثوب ومسكن وخادم وقيل من لا يملك ثلاثة دراهم زيادة على ذلك. وقيل: من لا يفضل له عن ذلك خمسة عشر درهما زيادة على ما يغنيه هو وعياله وعلى ما يطعم أو يكسو أو يعتق
(3)
.
والوقت المعتبر لاعسار المكفر بذلك هو وقت وجوب الكفارة عليه فمن كان موسرا حال وجوبها عليه ثم توانى عن أدائها حتى اعسر فالمختار له أن يصوم فان أيسر بعد ذلك أعتق أو أطعم أو كسا.
وقيل: لا يصوم بل التكفير بغير الصوم دين عليه حتى يوسر.
وقيل: يصوم وقد أساء فى توانيه وله أن يسأل الناس فيكفر بغير الصوم لأنه لما توانى فى أداء الكفارة كان ذلك دينا عليه.
واذا كفر قبل الحنث فى يمينه بالصوم لاعساره على القول - بجواز ذلك - ثم كان موسرا حال الحنت فالظاهر من كلامهم أنه يعيد التكفير بغير الصوم
(4)
.
هذا فى الكفارة التى يجب اداؤها على الترتيب. أما غيرها من الكفارات مثل كفارة افساد صيام شهر رمضان بالجماع أو الطعام أو الشراب متعمدا وكفارة أكل الميتة أو الدم أو لحم الخنزير أو النجاسات والمحرمات وكفارة الحالف بما يخرجه من الاسلام اذا حنث والحالف بعهد الله وميثاقه وما أشبه ذلك من الايمان فالكفارة فى ذلك تجب على التخيير بين خصالها فلا يتأتى فيها هذا التفصيل
(5)
.
وان أعسر العجوز الذى لا يطيق الصوم أو المريض الذى لا يرجى برؤه بفدية الافطار فى شهر رمضان وهى اطعام مسكين كل يوم - فذكر فى التاج ان بعضا يقول: يطعم عنه قريبه، وقال هاشم: ان لم يكن له مال وله أولاد فليصم أكبرهم عنه، فان أبى الاكبر فالذى يليه وهكذا ولا يجبرون على ذلك فان ابوا جميعا أساؤا وقيل تسقط الفدية عنهما أيضا كالصوم وهو المتبادر لانهما لم يكلفا بالصوم فكيف يلزمهما الاطعام عنه وان افطرت من ترضع ابنها فان كان الصغير معسرا لا مال له ففدية افطارها فى مال الأب ان كان موسرا فان كان الأب معسرا فمن مالها وان كانت معسرة فمن بيت المال. وكذلك ان أفطرت
(1)
شرح النيل ج 2 ص 484
(2)
شرح النيل ج 2 ص 492، الوضع ج 1 ص 246 مطبعة الفجالة الجديدة
(3)
شرح النيل ج 2 ص 491
(4)
شرح النيل ج 2 ص 492 - 493، 501
(5)
الوضع ج 1 ص 244 - 245
من ترضع لقيطا التقطته ففدية افطارها فى ماله إن كان له مال فإن لم يكن له مال فمن مالها فان كانت معسرة فمن بيب المال
(1)
.
أثر الاعسار فى سقوط الجهاد
مذهب الحنفية:
لا يجب الجهاد ابتداء على المعسر الذى لا يجد ما ينفق - أى لا يملك زادا ولا راحلة ولا سلاحا - ولكنه اذا حضر القتال يكون له سهم كامل من الغنائم كسائر من فرض عليه القتال.
وكذلك لا يجب الجهاد على من له أب معسر محتاج لخدمته ولو كافرا، لأن خدمته فرض عين عليه وليس من الصواب ترك فرض عين ليتوصل الى فرض كفاية وهذا كله فيما اذا حصل المقصود من الجهاد وهو دفع العدو - بالبعض والا فالجهاد فرض عين على المعسر كسائر المسلمين
(2)
.
مذهب المالكية:
يسقط الجهاد عن المعسر الذى لا يجد ما يحتاجه من أدوات الحرب كسلاح وما يركبه ونحوه ولا يملك ما يشتريه به وما ينفقه على نفسه ذهابا وايابا. ويسقط عنه سواء كان الاعسار بذلك أصليا أو طرأ عليه بعد تعيين الامام له ليخرج لقتال العدو. وهذا بالنسبة للجهاد الذى هو فرض كفاية. أما ما هو فرض عين فلا يسقط عن الشخص لاعساره بذلك
(3)
.
مذهب الشافعية:
لا يجب الجهاد على المعسر، وهو العادم لأهبة القتال من سلاح وما ينفق فى طريقه فاضلا عن نفقة من تلزمه نفقته وكذلك لا يجب على من أعسر بما يحمله من دابة ونحوها اذا كان الجهاد على مسافة تقصر فيها الصلاة ستة عشر فرسخا أو سير يومين - أو أقل منها وهو لا يقدر على المشى. لأنه عبادة تتعلق بقطع مسافة بعيدة فلم يجب من غير مركوب كالحج. وان بذل الامام للمعسر ما يحتاج اليه من مركوب وغيره من بيت المال وجب عليه أن يقبل ويجاهد لأن ما يعطيه الامام حق له أما ان بذل له ذلك غير الامام فلا يجب عليه قبوله وان طرأ عليه الاعسار بعد خروجه للجهاد جاز له الانصراف ولو من المعركة ان ظن أنه يموت جوعا أو نحوه لو لم ينصرف ولم يورث انصرافه من المعركة فشلا فى المسلمين والا حرم الانصراف منها
(4)
.
(1)
شرح النيل ج 2 ص 223، 225
(2)
البدائع ج 2 ص 120، ج 7 ص 98، حاشية ابن عابدين ج 4 ص 122 أ، 123، 127
(3)
شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 3 ص 139، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للدردير ج 2 ص 179.
(4)
تحفة المحتاج ج 4 ص 144 والمهذب ج 2 ص 228 طبعة الحلبى، أسنى المطالب ج 4 ص 176 - 178
مذهب الحنابلة:
لا يجب الجهاد على المعسر لأن الجهاد لا يمكن الا بآلة فتعتبر القدرة عليها فان كان الجهاد على مسافة قريبة فالاعسار فيه يتحقق فى كل من لا يجد فى ملكه أو يبذل الامام أو نائبه سلاحا يقاتل به وما يكفيه ويكفى أهله من نفقة طوال مدة غيبته لقوله تعالى:
«وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ» .
وان كانت المسافة بعيدة بحيث تقصر فيها الصلاة - وهى مسيرة يومين فأكثر - فالاعسار يتحقق أيضا فى كل من لا يجد راحلة أو نحوها تحمله هذه المسافة لقوله تعالى:
«وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ» }.
وان بذل غير الامام او نائبه لمن أعسر بهذا ما يجاهد به لم يصر موسرا قادرا على الجهاد اذا لم يقبله وهذا كله فى الجهاد الواجب على الكفاية أما اذا هجم العدو فلا خلاف ان الجهاد يجب على المعسر كغيره من ذوى الاعذار
(1)
.
مذهب الزيدية:
لا يجب الجهاد - ان بعد العدو - على المعسر وهو الذى لا يجد زادا ولا راحلة تحمله هذه المسافة ولا يجد مؤنة من تلزمه مؤنته حتى يرجع من الجهاد
(2)
.
واذا بذل له الامام ذلك من بيت المال لزمه قبوله لأن فى بيت المال حقا فلا منّة لأحد عليه
(3)
.
مذهب الإمامية:
يسقط فرض الجهاد عن المعسر وهو من تحقق اعساره بنفقة نفسه فى طريقه وبنفقة عياله وثمن سلاحه.
واذا طرأ عليه الاعسار بعد التحام الحرب لم يسقط فرض الجهاد عنه على تردد الا اذا كان ذلك يعجزه عن القيام بواجبه فى المعركة.
واذا بذل للمعسر ما يحتاجه من نفقة وسلاح لزمه قبوله ووجب عليه الجهاد. ولو كان ذلك على سبيل الاجرة لم يجب. وهذا كله فى الجهاد الواجب على الكفاية فاذا تعين وجب على القادر على القتال سواء المعسر والموسر
(4)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 10 ص 367، كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 1 ص 1 ص 652، 718
(2)
البحر الزخار ج 5 ص 394
(3)
شرح الأزهار - ج 4 ص 526
(4)
شرائع الاسلام ج 1 ص 146، الروضة البهية ج 1 ص 217
الاعسار واثره فى
الجزية
مذهب الحنفية:
الاعسار بالجزية على أصح الأقوال عندهم يتحقق فى كل من لا يملك شيئا أو يملك أقل من مائتى درهم فان كان قادرا على العمل فالجزية عليه أثنا عشر درهما فى السنة يؤخذ منه كل شهر درهم واحد سواء كان يعمل بالفعل أم لا. وسواء كان يحسن جرفة يكتسب منها أم لا لأن الجزية انما تجب على القادر على القتال من أهل الكتاب وهو قادر عليه. وان كان غير قادر على العمل فلا توضع عليه الجزية وان كان يحسن حرفة من الحرف. والمعتبر فى هذه الأوصاف وجودها فيه فى أكثر السنة، لأن الانتساب لا يخلو عن قليل مرض فلا يجعل القليل منه عذرا وهو ما نقص عن نصف العام. فان كان معسرا غير قادر على العمل فى أول السنة ثم صار قادرا عليه بعد ذلك فى أكثر السنة وضعت عليه الجزية المذكورة وان كان موسرا فى أولها ثم أعسر بعد ذلك فى أكثر السنة سقطت عنه الجزية الموضوعة عليه وهذا اذا كان بحيث لا يقدر على العمل. ولو كان معسرا فى النصف غنيا فى النصف تؤخذ منه جزية متوسط الحال
(1)
.
مذهب المالكية:
تؤخذ الجزئة من المعسر - القادر على بعضها بقدر حاله ولو درهما واحدا وتسقط عن المعسر المعدم الذى لا يقدر على أداء شئ منها فان أيسر بعد ذلك لم يطالب بما مضى لسقوطه عنه
(2)
.
مذهب الشافعية:
تجب الجزية - دينارا كل سنة وهو أدناها على من أعسر بأدائها من أهل الكتاب حتى ولو كان عاجزا عن الكسب أصلا أو لم يفضل عن قوت يومه وليلته آخر السنة ما يدفعه فيها وذلك لأنها كالاجرة لسكنى دار الاسلام ولأنها تؤخذ لحقن الدم والمعسر والموسر يشتركان فيه.
واذا تمت سنة وهو معسر لا يقدر على ادائها فانها لا تسقط عنه وتبقى دينا فى ذمته حتى يوسر وكذلك حكم السنة الثانية وما بعدها.
والمعتبر فى اعساره بها وقت الأخذ فقط لا وقت طروء الاعسار عليه ولا وقت العقد
(1)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 196، ص 197، 201، الفتاوى الهندية ج 2 ص 246، وفتح القدير والهداية والعناية ج 4 ص 368، 373، 374
(2)
شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 3 ص 168، حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 1 ص 413
وعند الاختلاف فى اعساره ويساره فالقول قول مدعى الاعسار بيمينه الا أن تقوم بينة على خلافه أو يعهد له مال
(1)
.
مذهب الحنابلة:
تجب الجزية على المعسر المكتسب من أهل الكتاب أو من له شبهة كتاب فى أشهر الروايتين ويؤخذ منه أقلها وهو اثنا عشر درهما فى آخر السنة وهو ما قدره سيدنا عمر رضى الله عنه على المعسر. وقيل: يؤخذ منه ما يقدره الامام باجتهاده وأما المعسر العاجز عن أدائها لعدم قدرته على التكسب فلا تجب عليه لأنها مال يجب بحلول الحول فلا يلزم المعسر العاجز عن أدائه كالزكاة والدية.
والمعتبر فى اعساره بها هو آخر الحول لأنها مال يتكرر بتكرر الحول فلا يجب بأوله فان أيسر المعسر - المكتسب أو غيره فى أثناء الحول وجبت عليه الجزية ويؤخذ منه الواجب عليه عند تمام حول قومه بنسبة الزمن الذى أيسر فيه من الحول فان كان يساره فى نصفها فنصفها هو الواجب عليه وان طرأ على الموسر اعسار معجز عن أدائها فى أثناء الحول سقطت عنه لأنها لا تجب ولا تؤخذ قبل كمال حولها. أما ان أعسر بها بعد الحول فانها لا تسقط عنه ويطالب بأدائها متى أيسر لأنها دين وجب عليه فلم يسقط باعساره كسائر الديون
(2)
.
مذهب الظاهرية:
تجب الجزية على المعسر الذى لا شئ له أصلا من أهل الكتاب
(3)
.
مذهب الزيدية:
لا تؤخذ الجزية من معسر لا يقدر على التكسب أما المعسر القادر عليه فيفرض عليه أدناها وهو اثنا عشر درهما فى السنة
(4)
.
مذهب الإمامية:
تجب الجزية على المعسر الذى لا يقدر على أدائها وينظر بها حتى يوسر فيؤديها.
وقال صاحب الخلاف: المعسر الذى لا كسب له ولا مال لا تفرض عليه الجزية لأن الأصل براءة الذمة ولقوله تعالى:
«لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» و «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها سَيَجْعَلُ اللهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً» }.
(1)
تحفة المحتاج ج 4 ص 166، 168، شرح المحلى بحاشيتى قليوبى وعميرة ج 4 ص 230 - 232، اسنى المطالب ج 4 ص 213، 216
(2)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 1 ص 707، 708، 739، 740، المغنى والشرح الكبير ج 10 ص 574، 577، 599، القواعد لابن رجب ج 1 ص 298 الطبعة الاولى مطبعة الصدق الخيرية سنة 1352 هـ
(3)
المحلى ج 7 ص 566 رقم 960
(4)
البحر الزخار ج 5 ص 457
(5)
شرائع الإسلام ج 1 ص 154
واذا لم يكن له قدرة على المال ولا الكسب فلا تجب عليه الجزية
(1)
.
مذهب الإباضية:
ان أعسر الذمى بالجزية فقيل: لا تسقط عنه ويكلف أداءها لأنه يستطيع أن يسلم فيستريح من هذا التكليف وقيل: لا يكلفها وتسقط عنه طوال فترة اعساره بها
(2)
.
اثر الاعسار فى نفقة الزوجة
وفى وقوع الفرقة بين الزوجين
مذهب الحنفية:
اعسار الزوجة ويسارها سواء فى استحقاق النفقة لها، لأن هذه النفقة لها شبه بالأعواض فيستوى فيها الغنى والفقير كنفقة القاضى
(3)
.
وكذلك اعسار الزوج ويساره سواء فى فرض النفقة عليه، حتى لو كان الزوج معسرا وطلبت زوجته من القاضى فرض النفقة لها فرضها عليه اذا كان حاضرا وتستدين عليه فتنفق على نفسها، لأن الاعسار لا يمنع وجوب هذه النفقة فلا يمنع الفرض
(4)
.
فان كان كل من الزوجين معسرا فلا خلاف فى أن الواجب على الزوج هو نفقة الاعسار وهى أدنى ما يكفى الزوجة من الطعام والادام والدهن بالمعروف، وكذا من الكسوة أدنى ما يكفيها من الكسوة المناسبة للشتاء والصيف.
وأما ان كان أحدهما هو المعسر دون الآخر فعند الخصاف، يعتبر فى تقدير النفقة حالهما جميعا فيفرض لها القاضى نفقة وسطا بين نفقة اليسار ونفقة الاعسار ويطالب الزوج بقدر وسعه من النفقة ان كان هو المعسر ويكون الباقى - وهو ما يكمل نفقة الوسط - دينا فى ذمته الى أن يوسر.
وفى ظاهر الرواية وهو قول الكرخى:
يعتبر حال الزوج فى اعساره ويساره فان كان معسرا تجب نفقة الاعسار بدون نظر الى اعسار الزوجة أو يسارها لقوله تعالى:
وقول الخصاف هو الذى عليه الفتوى
(5)
واذا قضى القاضى للزوجة بنفقة الاعسار ثم أيسر أحدهما فخاصمته تمم لها القاضى نفقة الوسط فى المستقبل على المفتى به، لأن النفقة تختلف بحسب اليسار والأعسار وما قضى به تقدير لنفقة لم تجب بعد فاذا تبدل الحال فلها المطالبة بتمام حقها وكذلك
(1)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 511 رقم 10
(2)
شرح النيل ج 7 ص 314
(3)
البدائع ج 4 ص 22
(4)
البدائع ج 4 ص 28
(5)
حاشية ابن عابدين ج 3 ص 574، ص 575.
اذا قضى القاضى لها بنفقة اليسار ثم أعسر أحدهما وجب نفقة الوسط لما ذكر
(1)
.
واذا أعسر الزوج بنفقة زوجته لم يفرق بينهما سواء كان الزوج حاضرا أو غائبا.
ويأمرها القاضى - بعد فرض النفقة لها - بالاستدانة وتحيل الدائن على الزوج وان لم يرض الزوج وذلك لقوله تعالى: «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» وغاية النفقة أن تكون دينا فى الذمة وقد أعسر بها الزوج فكانت الزوجة مأمورة بالانظار بموجب الآية ولأن فى الزام التفريق ابطال حق الزوج بالكلية اذ لا يصل اليه الا بسبب جديد وفى الزام الانظار عليها والاستدانة عليه تأخير حقها دينا عليه تستوفيه فى المستقبل والابطال أقوى فى الضرر فكان دفعه أولى.
وقد نقل ابن عابدين عن غرر الأذكار ان مشايخ الحنفية استحسنوا أن ينصب القاضى الحنفى نائبا ممن مذهبه التفريق بينهما اذا كان الزوج حاضرا وأبى عن الطلاق لأن دفع الحاجة الدائمة لا يتيسر بالاستدانة، اذ الظاهر أنها لا تجد من يقرضها وغنى الزوج مآلا أمر متوهم فالتفريق ضرورى اذا طلبته وان كان الزوج غائبا لا يفرق بينهما، لأن اعساره غير معلوم حلل غيبته لجواز أن يكون قادرا فيكون هذا ترك الانفاق لا العجز عنه حتى لو قضى بالتفريق بينهما فالصحيح أنه لا ينفذ، لأن هذا القضاء ليس فى مجتهد فيه، لأن الاعسار لم يثبت فتكون الشهود قد علمت مجازفتهم بالشهادة فلا يقضى بها
(2)
.
مذهب المالكية:
تستحق الزوجة النفقة سواء كانت موسرة أو معسرة على زوجها بقدر حالهما من اليسار والاعسار ولا تلزم هذه النفقة الزوج المعسر وهو هنا الشخص العاجز عن النفقة التى تليق بزوجته عجزا تاما أو الذى لا يقدر على شئ من القوت الا على ما يحفظ الحياة فقط دون شبع معتاد أو متوسط. وتسقط عنه هذه النفقة طوال فترة اعساره بها سواء كانت الزوجة مدخولا بها أم لا، لقوله تعالى:
«لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمّا آتاهُ اللهُ لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها» . وهذا معسر لم يؤت شيئا فلا يكلف بشئ واذا سقطت نفقة الزوجة لاعسار الزوج بها فأنفقت على نفسها شيئا فى زمن الاعسار فانها لا ترجع عليه بعد يساره بشئ من ذلك سواء كان الزوج زمن انفاقها حاضرا أو غائبا، لأن نفقتها سقطت باعساره فيحمل انفاقها فى هذه الحالة على التبرع ولا يسقط اعسار الزوج الا النفقة المستحقة للزوجة فى زمن الاعسار خاصة أما ما تجمد لها من النفقة قبل اعسار الزوج أو بعد زوال عسره فانه باق فى ذمته كسائر الديون تأخذه منه سواء كان قد فرضه القاضى أم لم يفرضه وللزوجة ان ادعى
(1)
حاشية ابن عابدين ج 3 ص 592 - 593، فتح القدير والعناية والهداية ج 3 ص 331 - 332
(2)
فتح القدير والعناية والهداية ج 3 ص 329 - 331، حاشية ابن عابدين ج 3 ص 590 - 592 طبعة الحلبى سنة 1386، الاختيار ج 2 ص 242، 249
زوجها الاعسار بنفقتها أو كسوتها الحاضرة أو المستقبلة لمن يريد سفرا أن تختار الاقامة معه على ذلك، ولها أن ترفع الأمر الى القاضى وتشكو ضرر ذلك عليها وتطلب منه الطلاق ان كان قد دخل بها أو طلبت منه أن يدخل بها وجماعة المسلمين العدول يقومون مقام القاضى فى ذلك اذا تعذر الوصول اليه أو كان غير عدل. فان لم يثبت الزوج اعساره أمره القاضى بالنفقة والكسوة أو الطلاق فان امتنع من الانفاق والطلاق طلق عليه القاضى حالا بدون أن يمهله مدة من الزمن على الراجح.
وقيل يمهله القاضى مدة يحددها باجتهاده ثم يطلق عليه.
وان أثبت الزوج اعساره بالبينة مع يمينه فلا يأمره القاضى بنفقة ولا كسوة لأنه لا فائدة فيه اذ الغرض ثبوت اعساره ولا يجبره على التكسب بل يأمره بالطلاق ابتداء فان لم يطلق أمهله مدة من الزمن يحددها باجتهاده، وسواء كان الزوج يرتجى له بعض اليسار خلال هذه المدة أم لا، ثم بعد انقضائها بدون حدوث يسار له يمكنه من النفقة والكسوة يطلق عليه القاضى ولا نفقة لها على الزوج أثناء هذه المدة ان أثبت اعساره فيها والا رجعت عليه بها.
ولا فرق بين أن يكون الزوج الذى ثبت اعساره وأمهله القاضى مدة حاضرا أو غائبا ومعنى ثبوت الاعسار فى الغائب هو عدم وجود ما يقابل النفقة بأى وجه من الوجوه فيطلق عليه القاضى لاعساره سواء دخل بزوجته أم لم يدخل، وسواء دعى للدخول أم لا على المعتمد خلافا لما فى كتاب بهرام حيث قال:
لا بد من دخوله فعلا أو دعوته للدخول.
وامهال الغائب مدة من الزمن محله ان قربت غيبته كثلاثة أيام فيرسل اليه اعذارا يتضمن أمره اما بالانفاق على زوجته أو تطليقها عليه. وهذا كله ان لم تعلم الزوجة عند العقد عليها باعسار الزوج.
أما ان علمت بأن زوجها من المعسرين الطائفين على الأبواب أو أنه من المعسرين بدون سؤال ودخلت على ذلك راضية فانه يلزمها الاقامة معه بلا نفقة ولا يثبت لها حق طلب الطلاق الا اذا ترك السؤال بعد الدخول بها، أو كان عند العقد عليها مشهورا بالعطاء يقصده الناس به بدون سؤال ودخلت عالمة بذلك ثم انقطع العطاء عنه فيثبت لها حينئذ حق طلب الطلاق.
واذا أوقع القاضى على الزوج طلقة لاعساره بالنفقة فهى طلقة رجعية فاذا أراد الزوج أن يراجعها وهو ما زال معسرا أو أيسر يسارا لا يمكنه من القيام بواجب مثلها من نفقة فانه لا يمكن من ذلك بل ولا تصح الرجعة ولو رضيت الزوجة على المعتمد، لأن الطلقة التى أوقعها القاضى أو حكم بها انما كانت لأجل ضرر اعساره فلا يمكن من الرجعة الا اذا زال موجب الطلقة وهو الاعسار.
وقيل: تصح الرجعة ان رضيت لأن الحق لها:
أما ان أيسر فى أثناء العدة يسارا يمكنه من القيام بواجب مثلها عادة كما فى ابتداء
النكاح فانه يحق له مراجعتها ان أراد وتصح الرجعة بدون خلاف.
وان أعسر الزوج عند دفع نفقة تجمدت لزوجته فى الماضى فانه لا يجوز للزوجة أن تطلب الطلاق ولا أن يطلق عليه القاضى لاعساره بذلك لأن النفقة حينئذ صارت دينا فى ذمته ينظر فيها كسائر الديون
(1)
.
مذهب الشافعية:
اعسار الزوجة ويسارها سواء فى وجوب النفقة بأنواعها والسكنى لها على زوجها ولو كان معسرا بعد استكمال شرائطها المفصلة فى «مصطلح نفقة» .
وتجب النفقة مقدرة بحال الزوج اعسارا ويسارا فان كان معسرا وجب عليه كل يوم مد واحد - وهو نصف قدح بالكيل المصرى - من غالب قوت بلد الزوجة قمحا كان أو غيره وان لم يكن لائقا بها ولا ألفته لأن لها ابداله ولا تزاد على المد فى حالة اعساره حتى ولو كانت رفيعة الشأن ذات منصب أو فائقة اليسار.
وكذا يجب لها فى حالة اعساره ما يقدره القاضى باجتهاده من الأدم الغالب فى بلدها كزيت وسمن وجبن ولحم. ومن الكسوة على قدر كفايتها ومن السكنى المسكن اللائق بها على تفصيل فى كل هذا ينظر فى مصطلح نفقة.
والاعسار هنا يتحقق فى كل من له مال أو كسب لائق به يقع موقعا من كفايته ولا يكفيه فكل من لا يملك مالا أصلا أو يملك مالا لا يكفيه فهو معسر وقدرته على الكسب الواسع لا يخرجه عن الاعسار، ولا يجبر على الكسب من أجل هذه النفقة كما صرح بذلك الامام.
وقيل: يتحقق الاعسار هنا فى كل من قل دخله عن خرجه.
وقيل: يرجع فى ذلك الى العادة والعرف وتختلف باختلاف الأحوال والبلاد والرخص والغلاء وقلة العيال وكثرتهم.
والوقت المعتبر فى اعسار الزوج ويساره بهذه النفقة هو طلوع الفجر من كل يوم لأنه الوقت الذى يجب فيه تسليم النفقة لها ولا عبرة بما يطرأ له من اعسار أو يسار فى أثناء النهار فلا يتغير حكم نفقة ذلك اليوم بحال.
ويجب على الزوج وان كان معسرا اخدام زوجته التى لا يليق بشأنها أن تخدم نفسها، لأنه من المعاشرة بالمعروف التى أمره الله سبحانه وتعالى بها. والعبرة فى ذلك بحالها فى بيت أبيها أو أمها أو زوج سابق عليه وكذلك يجب عليه وان كان معسرا اخدام زوجته التى تخدم نفسها فى العادة ان احتاجت الى خدمة
(1)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 4 ص 214، 226 - 232، حاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 2 ص 526 - 531، حاشية العدوى على شرح أبى الحسن ج 2 ص 116 - 117، حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 1 ص 582 - 586
لمرض ونحوه فتجب عليه حينئذ نفقة خادم أو اجرته
(1)
.
هذا وأما أثر الاعسار فى الفرقة بين الزوجين ففيه أربعة أبحاث:
البحث الأول: فى ثبوت حق الفسخ بالاعسار ومحله فان أعسر الزوج ولو صغيرا أو مجنونا بأقل النفقة الواجب لزوجته - وهو المد المذكور فى المستقبل فالزوجة بالخيار: فان شاءت صبرت وأنفقت على نفسها من مالها أو مما اقترضته وتصير النفقة دينا فى ذمته - وان لم يفرضها القاضى - يؤديها متى أيسر. وان شاءت فسخت النكاح على الأظهر وهذا اذا كان الزوج غير قادر على الكسب فان كان قادرا على الكسب فليس لها حق الفسخ، لما رواه البيهقى: أن سعيد ابن المسيب سئل عن رجل لا يجد ما ينفق على امرأته فقال: يفرق بينهما فقيل له:
سنة؟ فقال: نعم سنة. وقضى بذلك عمر رضى الله عنه ولم يخالفه أحد من الصحابة ولأنها اذا فسخت بالجب والعنة فلأن تفسخ باعساره بالنفقة أولى، لأن البدن لا يقوم بدونها بخلاف الاستمتاع. ولو تزوجته وهى عالمة باعساره أو رضيت باعساره الطارئ بعد الزواج أبدا ثم ندمت فلها حق طلب الفسخ أيضا لأن النفقة تجب يوما فيوما والضرر يتجدد كل يوم ولا أثر لقولها: رضيت باعساره أبدا، لأنه وعد لا يلزم الوفاء به. ولو تبرع لها بالنفقة عن زوجها المعسر متبرع - ليس أصلا للزوج ولا فرعا - وسلمها لها لم يلزمها القبول ولها الفسخ، لما فى ذلك من تحمل منّة التبرع.
أما اذا كان المتبرع أبا وان علا عن ولد فى حجره أو ابنا عن والد يلزمه اعفافه بالزواج فانه يلزمها القبول حينئذ ولا يثبت لها حق الفسخ.
وكذلك لا يثبت لها حق الفسخ بالاعسار بنفقة مدة ماضية على الأصح، حتى لو لم تفسخ فى يوم جواز الفسخ فوجد نفقة بعده فلا فسخ لها للاعسار بنفقة الأمس وما قبله لتنزيلها منزلة الدين.
ولا يثبت لها حق الفسخ لاعسار الزوج بنفقة الخادم وتصير دينا فى ذمته ان كان لها خادم وكذلك لا فسخ لها لاعساره بالادام وان لم يطب الطعام بدونه لبعض الناس على الاصح لأنه تابع والنفس تقوم بدونه أما الاعسار بأقل الكسوة التى لا بد منها فهو كالاعسار بالنفقة فى كل ما مر ذكره من أحكام، لأن البدن لا يبقى بدونها غالبا، وكذلك الاعسار بأقل مسكن سواء كان لائقا بها أو غير لائق يثبت لها حق الفسخ كالاعسار بالنفقة على الأصح لتعذر الصبر على دوام فقده وان أقامت الزوجة بينة عند قاضى بلدها باعسار زوجها الغائب فسخت ولو قبل اعلامه ولا يلزمها الصبر لتضررها بالانتظار الطويل.
البحث الثانى: فى نوع الفرقة بالاعسار:
والفرقة بين الزوجين بسبب الاعسار تكون
(1)
اسنى المطالب ج 3 ص 426 - 432 و 442، وشرح المحلى على المنهاج بحاشيتى قليوبى وعميرة ج 4 ص 70 - 77، تحفة المحتاج ج 3 ص 368 - 376، وحاشية البجرمى على الاقناع 4 ص 78 - 83
فسخا لا طلاقا فلا تنقض عدد الطلقات التى يملك الزوج ايقاعها على زوجته ويشترط لذلك الفسخ أن ترفع الأمر الى القاضى أو المحكم ويثبت الاعسار باقرار الزوج أو بالبينة فيفسخه القاضى بنفسه أو نائبه أو يأذن لها فيه، لأنه محل اجتهاد فلا تستقل به الزوجة ولا ينفذ منها قبل ذلك لا ظاهرا ولا باطنا.
فان لم يوجد فى بلدها قاض ولا محكم أو عجزت عن الرفع اليه فانها تستقل بالفسخ وينفذ فسخها ظاهرا وباطنا للضرورة.
البحث الثالث: فى وقت الفسخ بالاعسار: اذا ثبت الاعسار ففى قول ينجز الفسخ وقت وجوب تسليم النفقة وهو طلوع الفجر، ولا يلزم الامهال لتحقق سبب الفسخ والقول الأظهر أنه يجب امهال الزوج بعد ثبوت الاعسار ثلاثة أيام وان لم يطلب الامهال فانه قد يعسر لعارض ثم يزول وهى مدة قريبة يتوقع فيها القدرة بقرض أو غيره ثم بعد الامهال لها الفسخ فى اليوم الرابع بلا امهال لتحقق الاعسار الا أن يسلم نفقته فلا فسخ لتبين زوال الاعسار ولو أعسر بعد أن سلم نفقة اليوم الرابع - بنفقة اليوم الخامس بنت على المدة الماضية ولم تستأنفها كما لو أيسر فى الثالث ثم أعسر فى الرابع فانها تبنى ولا تستأنف، اذ الضابط أنه متى انفق ثلاثة أيام متوالية أستأنفت مدة الامهال، فتبنى على ما مضى منها. وكذا تستأنف مدة الامهال ان رضيت باعساره فى أثنائها ثم طلبت الفسخ بعد الرضا، ولا يعتد بما مضى قبل رضاها.
ولو فسخت بسبب الاعسار ثم أيسر فى يوم الفسخ لم يبطل الفسخ.
البحث الرابع: فيمن له حق الفسخ بالاعسار: وحق الفسخ بسبب اعسار الزوج بالنفقة خاص بالزوجة فلا فسخ لولى صغيرة أو مجنونة باعسار الزوج وان كان فيه مصلحتهما، لأن الفسخ بسبب الاعسار يتعلق بالطبع والشهوة فلا يفوض الى غير ذى الحق وينفق عليهما حينئذ من مالهما فان كانتا معسرتين فنفقتهما على من تلزمه نفقتهما قبل النكاح وتكون دينا على الزوج المعسر يطالب بها متى أيسر
(1)
.
مذهب الحنابلة:
للزوجة سواء كانت موسرة أو معسرة على زوجها مع يساره واعساره نفقتها بجميع أنواعها. وتختلف هذه النفقة باختلاف حال الزوجين يسارا واعسارا فيعتبر ذلك القاضى وقت تنازعهما لا وقت عقد النكاح بينهما، فيفرض للمعسرة تحت المعسر كفايتها من أدنى خبز البلد بأدمه الملائم له عرفا، ومن اللبس ما يلبس مثلها أو ينام فيه على قدر عادتها وعادة أمثالها وفى حالة اعسار أحدهما فقط يفرض لها المتوسط من ذلك عرفا.
والاعسار هنا يتحقق فيمن لا يقدر على نفقة زوجته وكفايتها بماله أو كسبه كما ذكره صاحب المبدع.
(1)
اسنى المطالب ج 3 ص 438 - 442، شرح المحلى على المنهاج بحاشيتى قليوبى وعميرة ج 4 ص 81 - 83، تحفة المحتاج ج 3 ص 382، ص 385، حاشية البجرمى على الإقناع ج 4 ص 86 - 88
وقيل: يتحقق فيمن لا شئ له.
وان تنازع الزوجان فى الاعسار واليسار بأن ادعت يساره ليفرض القاضى لها نفقة الموسرين، أو ادعت أنه كان موسرا بالنسبة لنفقة ماضية وأنكر الزوج ذلك وادعى الاعسار فالقول قولها بيمينها ان عرف له مال، لأن الأصل بقاؤه. وان لم يعرف له مال ولم يكن أقر بيساره فالقول قوله فى اعساره بيمينه لأنه منكر والأصل عدم المال. والمطلقة طلاقا رجعيا والمبانة من زوجها بفسخ أو طلاق ان كانت حاملا كالزوجة فى وجوب كل ما ذكر على مطلقها ولو مع اعساره على التفصيل المذكور
(1)
.
وأما أثر الاعسار فى وقوع الفرقة بين الزوجين فانه اذا أعسر الزوج بنفقة المعسر لزوجته أو أعسر ببعضها فان الزوجة يثبت لها الخيار على التراخى بين امرين:
الأول: أن تصبر على اعساره وتقيم معه على النكاح وتكون نفقتها دينا فى ذمته ما لم تمنع نفسها ولها المقام على النكاح ومنعه من نفسها فلا يلزمها تمكينه ولا الاقامة فى منزله وعليه أن لا يحبسها بل يدعها تكتسب ولو كانت موسرة، لأنه لم يسلم اليها عوض الاستمتاع.
الثانى: أن تفسخ النكاح بينهما ولو بعد اختيارها المقام معه، أو رضاها باعساره أو تزوجته عالمة باعساره على ما سيأتى.
وقال ابن القيم: «الذى تقتضيه أصول الشريعة وقواعدها فى هذه المسألة أن الرجل اذا غر المرأة بأنه ذو مال فتزوجته على ذلك فظهر معدما لا شئ له فلها الفسخ. وان تزوجته عالمة باعساره أو كان موسرا ثم اصابته جائحة ذهبت بماله فلا فسخ لها فى ذلك ولم يزل الناس تصيبهم الفاقة بعد اليسار ولم ترفعهم أزواجهم الى القضاة ليفرقوا بينهم وبينهن.
وقد جعل الله الفقر والغنى مطيتين للعباد فيفتقر الرجل الوقت ويستغنى الوقت فلو كان من افتقر فسخت عليه امرأته لعم البلاء وتفاقم الشر وفسخت أنكحة أكثر العالم وكان الفراق بيد أكثر النساء فمن الذى لم تصبه عسرة ويعوز النفقة أحيانا؟
وان أعسر الزوج بالكسوة فللزوجة حق طلب الفسخ، لأنه لا بد منها ولا يمكن الصبر عنها ولا يقوم البدن بدونها كالنفقة أما أن أعسر بأجرة المسكن ففيه وجهان:
(احدهما): يثبت لها حق الفسخ لأنه مما لا بد منه كالنفقة والكسوة.
(والثانى): لا يثبت لها هذا الحق لأن البينة تقوم بدونه وهذا الوجه هو الذى ذكره القاضى. وان أعسر الزوج بنفقة الخادم فلا فسخ لها، لأنه يمكن الصبر عنها وكذلك ان أعسر بالأدم أو أعسر بما زاد على نفقة المعسر فلا فسخ لها، لأن الزيادة تسقط باعساره ويمكن الصبر عنها.
وكذلك ان أعسر بالنفقة الماضية فلا فسخ ويثبت كل ذلك دينا فى ذمة الزوج.
لأنه نفقة تجب على سبيل العوض فتثبت فى
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 230 - 240، 253، كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 3 ص 397 - 309، 347 - 351
الذمة كالنفقة الواجبة للزوجة قوتا، وهذا فيما عدا الزائد على نفقة المعسر فان ذلك يسقط بالاعسار.
وقال القاضى: ان أعسر بنفقة الخادم أو الأدم أو المسكن سقط عنه لأن ذلك من الزوائد فلم يثبت فى ذمته كالزائد على نفقة المعسر.
وان اعسر الزوج بنفقة زوجته فبذلها غيره لم تجبر الزوجة على قبولها من غيره لما يلحقها من المنّة ولها الفسخ الا اذا ملكها الزوج ثم دفعها الزوج أو وكيله لها فلا فسخ وتجبر على قبولها منه وكذلك لا فسخ لها ان اعسر زوجها بالنفقة وكان قادرا على الاكتساب ويجبر عليه والفرقة بين الزوجين بسبب الاعسار بالنفقة وغيرها مما سبق ذكره تكون فسخا لا طلاقا، لعجز الزوج عن الواجب لزوجته عليه فأشبهت فرقة العنة وعلى هذا فلا رجعة له فيه الا اذا أجبره القاضى على الطلاق لاعساره فطلق أقل من ثلاث فله الرجعة عليها ما دامت فى العدة فان راجعها وهو ما زال معسرا فطلبت المرأة الفسخ فللقاضى أن يفسخ النكاح، لأن المقتضى للفسخ - وهو الاعسار - باق أشبه ما قبل الطلاق. ولا يجوز فسخ النكاح بين الزوجين بسبب ما ذكر الا بقضاء القاضى لأنه فسخ مختلف فيه فافتقر الى القاضى ولا يجوز للقاضى التفريق بينهما الا بعد أن تطلب المرأة ذلك لأنه حقها فلم يجز من غير طلبها ويجوز لها أن تفسخ هى النكاح أيضا بأمر القاضى ومتى ثبت الاعسار بالنفقة على الاطلاق أمام القاضى فللمرأة المطالبة بالفسخ فورا بدون امهال على الأرجح لأن سبب الفسخ الاعسار وقد وجد فلا يلزم التأخير ولم يرد الشرع بالامهال فيه.
وقال ابن البناء: يؤجله القاضى ثلاثة ايام.
وان اعسر زوج الصغيرة أو زوج المجنونة لم يثبت لولى كل منهما الفسخ، لأن النفقة حق الزوجة فلا يملك الولى فسخ النكاح عند اعسار الزوج بها. وان أعسر الزوج بنفقة زوجته ونفقة نفسه فلا يلزم الزوجة وان كانت موسرة - الانفاق على زوجها، اذ لم يرد فى الشرع دليل على ذلك والكلام فى قوله تعالى:
«وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» فى النفقة الواجبة للوالدات بسبب الولادة دون غيرهن وقد بينت الآية أن نفقتهن واجبة على المولود له وهو الأب فاذا أعسر كانت نفقتهن على وارث الأب أو وارث المولود
(1)
.
مذهب الظاهرية:
اعسار الزوجة ويسارها سواء فى وجوب النفقة والكسوة والسكنى لها على زوجها مقدرة بحاله وحسب طاقته
(2)
.
فان كان معسرا قادرا على بعض النفقة والكسوة فالواجب أن يقضى عليه بما قدر فقط سواء قل ذلك أو كثر ويسقط عنه مالا
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 223 - 250، 263 - 268، كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 3 ص 310 - 313، 355 - 356، زاد المعاد ج 4 ص 155 - 156 المطبعة المصرية سنة 1379
(2)
المحلى ج 10 ص 88 رقم 1922، ص 91 رقم 1925 المطبعة المنيرية.
يقدر عليه وان كان معسرا لا يقدر على شئ من ذلك سقط عنه كل ذلك فلا يقضى عليه بشئ منه فان أيسر بعد ذلك قضى عليه بكل ما ذكر من حين أيسر، ولا يقضى عليه بشئ مما أنفقته على نفسها من نفقة أو كسوة خلال مدة اعساره لقوله تعالى:«لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» وقوله تعالى: «لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ ما آتاها» فصح يقينا أن ما ليس فى وسعه ولا آتاه الله تعالى اياه فلم يكلفه الله عز وجل اياه، واذن فهو غير واجب عليه وما دام لم يجب عليه فلا يجوز أن يقضى عليه به أبدا، سواء أيسر بعد ذلك أم لا. وهذا بخلاف ما اذا منع الزوج عن زوجته ما وجب لها من نفقة أو كسوة وهو موسر فهذا يؤاخذ به أبدا سواء أعسر بعد ذلك أم لم يعسر، لأن الله سبحانه قد كلفه اياه فهو واجب عليه فلا يسقطه عنه اعساره بعد ذلك لكن يوجب الاعسار أن ينظر به الى الميسرة فقط لقوله عز وجل:
«وان كان ذو عسرة فنظرة الى ميسرة»
(1)
.
ولا يفسخ النكاح بعد صحته باعسار الزوج بالنفقة أو الكسوة لقوله تعالى:
وكذلك لا يحبس الزوج ان أعسر بنفقة زوجته كما لا يجوز للزوجة عند اعسار زوجها بنفقتها منعة من الاستمتاع بها لأجل ذلك
(2)
.
وان أعسر الزوج بنفقة نفسه وزوجته غنية فقال ابن حزم: ان زوجته تكلف النفقة عليه حينئذ ولا ترجع عليه بشئ مما أنفقته عليه ان أيسر، وذلك لقوله تعالى:«وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» فقد جعل الله سبحانه على الوارث القادر نفقة مورثه المعسر والزوجة وارثة لزوجها فتجب عليها - اذا كانت موسرة - نفقته اذا كان معسرا بنص القرآن
(3)
.
مذهب الزيدية:
اعسار الزوج بكفاية زوجته - وان كانت موسرة - من النفقة والكسوة والمسكن لا يسقطها عنه. فان أعسر بكل ذلك وكان قادرا على التكسب فانه يلزمه لأجل الانفاق على زوجته أن يتكسب بأى وجه أمكنه ولو بسؤال الناس أو الاستدانة منهم وللقاضى أن يستدين عن الزوج المعسر لنفقة زوجته وبحبسه اذا امتنع من التكسب وطلبت الزوجة حبسه لطلب النفقة الحاضرة التى أعسر بها وكذا المستقبلة دون الماضية فهى كسائر الديون فى ذمته لاعساره فلا يجبر فيها على التكسب وحال الزوجين اعسارا ويسارا هو المعتبر فى
(1)
المحلى ج 10 ص 91 - 92 رقم 1928
(2)
المحلى ج 10 ص 109 رقم 1934 وص 93 رقم 1930 وص 92 رقم 1929
(3)
المحلى ج 10 ص 92 رقم 1930
تقدير النفقة وصفتها وكذلك الكسوة والسكنى. فان اختلفا بأن كان أحدهما موسرا والآخر معسرا أو كان أحدهما يوسر فى وقت مخصوص والآخر يعسر فى ذلك الوقت فالعبرة بحال الزوج عسرا ويسرا ولا عبرة بحالها فى ذلك فان كان معسرا فالواجب لها نفقة معسرة ولو كانت غنية. وكذلك يجب على الزوج وان كان معسرا اخدام زوجته بخادم واحد اذا احتاجت لذلك وكانت ممن لا تخدم نفسها عادة وتكون أجرة الخادم دينا فى ذمته.
عند الامام يحيى:
وان اختلفا فى الاعسار بأن ادعاه الزوج وانكرته الزوجة فالقول قوله، اذ هو الأصل.
وقال المؤيد وأبو طالب: لا بد له من البينة على اعساره لأنه يريد اسقاط حق قد لزمه ورجح هذا صاحب البحر الزخار. وان أعسر الزوج بذلك فالمذهب أنه يتكسب كما سبق فان توانى عن التكسب وتعذر اجباره عليه فرق بينه وبين مقاربة زوجته، ولا يجوز للقاضى فسخ النكاح بينهما، اذ لا دليل عليه وان أعسر ولم يتوان عن التكسب فقال الامام يحيى: لا يفرق بينهما.
وقال فى الانتصار: اذا أعسر الزوج بنفقة زوجته ولم يقدر على التكسب فللزوجة ثلاثة خيارات.
الأول: أن تمكنه من الاستمتاع ونفقتها دين فى ذمته.
الثانى: لها أن تمنع نفسها ولا تستحق النفقة.
الثالث: أن تفسخ النكاح بينها وبين زوجها. على قول ورجحه صاحب البحر الزخار، وبناء عليه فان اختارت البقاء مع اعساره فلا يبطل خيارها فى الفسخ متى شاءت لوجوب النفقة يوما فيوما فاذا عفت عن وقت تناول عفوها ذلك الوقت لا غير وكذلك لا يبطل خيارها فى الفسخ للاعسار ان تزوجته عالمة باعساره لجواز أن يقترض لنفقتها أو يحتال ونحوه.
وفى فسخ النكاح لاعسار الزوج بالادام والسكنى والخادم والكسوة وجهان.
أصحهما أن للزوجة الفسخ لاعساره بالكسوة لا غير، لأن الضرر الناجم من الاعسار بها كالضرر الناجم من الاعسار بالنفقة ولا فسخ للزوجة بسبب اعسار زوجها بنفقة ماضية وكذا اذا غاب ولا مال له لا يفسخ النكاح بينهما.
قاله فى الشرح وقيل: يفسخ وهو الأقوى.
والفرقة بين الزوجين بسبب الاعسار بالنفقة والكسوة تكون فسخا فى الأصح لكن لا بد من رفع الأمر الى القاضى فان لم يكن هناك قاض فلها أن تنفرد بالفسخ لدفع الضرر.
وقيل: لا فسخ بل يحبس الزوج حتى يطلق، فان امتنع طلق عنه القاضى فان راجع عنه طلق عنه ثانية فان راجع طلق عنه الثالثة.
ووقت الفسخ بسبب الاعسار يوكل الى اجتهاد القاضى ان كان، والا فبعد مضى وقت
الغذاء اذ لا تصبر أكثر من ذلك. ولا فائدة للامهال ان لم يرج يساره فى مدة الامهال.
والفسخ بسبب الاعسار حق يثبت للزوجة ويختص بها فقط فلا يفسخ ولى الصغيرة لذلك
(1)
.
واذا أعسر الزوج بنفقة زوجته وبنفقة نفسه فلا تلزم الزوجة وان كانت موسرة - نفقته الا اذا كان قريبا لها فتلزمها على قدر ارثها والمراد بالوارث فى قوله تعالى:
«وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» الوارث بالنسب لا بالزوجية
(2)
.
مذهب الإمامية:
اعسار الزوجة ويسارها سواء فى وجوب النفقة والأدم والكسوة والمسكن لها على زوجها ولو كان معسرا. ويراعى فى تقديرها حينئذ حاله ففى حالة اعساره بها يلزمه كفايتها من غير تقدير. وقال الشيخ الطوسى: يلزمه لنفقتها عن كل يوم مد. والاعسار هنا يتحقق فى كل من لا يجد قوت نفسه أولا يفضل منه بعد قوته ما يكفى للانفاق على زوجته والمعتبر اعساره بذلك طول اليوم. وكذلك يجب على الزوج وان كان معسرا اخدام زوجته ان كان من شأنها أن تخدم ويكون مخيرا بين أن يخدمها بنفسه أو ينفق على خادمها ان كان لها خادم.
واذا أعسر الزوج فلم يقدر على نفقة زوجته ففى تسلط زوجته يفسخ النكاح بينهما روايتان.
اشهرهما: أنه ينظر وعليها أن تصبر حتى يوسع الله عليه، ولا خيار لها فى فسخ النكاح بينهما بسبب ذلك ولا يفسخه القاضى ولا يلزمه به. اختار هذا الشيخ فى المبسوط والخلاف، وبه قال ابن حمزة وابن أدريس عملا باستصحاب لزوم العقد ولقوله تعالى:
«وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» ولم يفصل. وبناء على هذه الرواية فالأقرب سقوط حق الزوج فى حبس زوجته بالمنزل بل يجوز لها الخروج للتكسب ولا يحل لها الامتناع من تمكين زوجها من الاستمتاع بها. فاذا أيسر فالوجه أن لها المطالبة بما تجمع لها من نفقة وقت اعساره وهذا اذا لم ينفق عليها بالكلية. أما لو أنفق نفقة المعسر ثم أيسر لم يكن لها المطالبة بالتفاوت عن الماضى.
وقال ابن الجنيد: ان أعسر الزوج بنفقة زوجته فلها الخيار بين أن تصبر على اعساره على ما سبق وبين أن تفسخ النكاح أو تطلب من القاضى فسخه فيفسخه بعد ثبوت الاعسار، وذلك لرواية عن الصادق ولاشتماله على الضرر اذ لا يمكنها الانفاق فى حالة اعسارها فلو لم يجعل لها الخيار لزم الحرج المنفى بالاجماع. وعلى القول بالفسخ مع الاعسار بالنفقة هل تملك الفسخ مع الاعسار بالأدم أو الكسوة أو نفقة الخادم؟ اشكال. ولا فسخ لها لاعساره بالنفقة الماضية فانها دين مستقر فى ذمته وان لم يفرضها القاضى والفرقة بسبب الاعسار بالنفقة - عند من قال بها -
(1)
شرح الازهار ج 2 ص 532 - 544 البحر الزخار ج 3 ص 271 - 277
(2)
التاج المذهب ج 2 ص 290
فسخ لا طلاق. ويجوز للزوجة فعله بدون اذن القاضى واذا انكر الزوج دعوى الاعسار افتقرت الزوجة الى البينة أو اقرار الزوج به. ولا فسخ لها الا بعد انقضاء اليوم.
ولو رضيت بالاعسار فهل لها الفسخ بعد ذلك أم لا؟ اشكال. وحق الفسخ للزوجة فقط دون غيرها كالولى وان كانت صغيرة أو مجنونة ولو صبرت الزوجة على الاعسار لم تسقط نفقتها بل تبقى دينا عليه. ولو كان الزوج غائبا ولا مال له حاضر وثبت اعساره لم يكن لزوجته فسخ النكاح وان قلنا بالفسخ مع الاعسار وان كان الزوج معسرا قادرا على الكسب فانه يلزمه التكسب للانفاق على نفسه وعلى زوجته ولا يثبت لها حق الفسخ حينئذ، لأن القادر بالكسب كالقادر بالمال. واذا تنازع الزوجان فى الاعسار فادعى الزوج الاعسار بأصل النفقة فالقول قوله مع اليمين ان لم يعلم له أصل مال. فان علم له أصل مال لم يقبل قوله الا ببينة ويكون القول قولها فى يساره مع اليمين. وكذلك الحكم لو اتفقا على الانفاق وادعت يساره وانفاقه نفقة المعسر وأنكر اليسار أما لو وافقها على اليسار وادعى انفاقه نفقة الموسر وادعت هى نفقة المعسر فالأقرب ان القول قولها من اليمين عند عدم البينة
(1)
.
مذهب الإباضية:
تجب النفقة على الزوج ولو معسرا لزوجته ولو غنية
(2)
.
والمعتبر فى ذلك كفايتها مقدرا بحال الزوج وقدر منزلته فى المال يسارا واعسارا وكذلك الحكم فى سكناها وكسوتها
(3)
.
وليس على من أعسر بالنفقة لحم ولا أدام
(4)
.
والمشهور فى المذهب أن الزوج اذا أعسر بنفقة زوجته وكان غير قادر على التكسب فانه يؤمر بأخذ الدين ويلزمها الصبر وتتعلق النفقة بذمته متى أيسر أنفق وما فات من النفقة قبل ذلك يسقط عنه فلا تطالبه به الا أن كان قد فرض لها. وذلك لأن غاية النفقة أن تكون دينا فى الذمة وقد أعسر بها الزوج فدخل ذلك فى قوله تعالى: «وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ» فتكون الزوجة مأمورة بالانظار بالنص
(5)
.
وأما اذا أعسر الزوج بذلك وكان قادرا على التكسب فان القاضى يجبره حينئذ على النفقة أكلا وشربا بالضرب بلا نهاية حتى ينفق أو يطلق وقال صاحب شرح النيل: الأصح أنه يؤمر فقط بالانفاق أو الطلاق. وكذلك الحكم ان أعسر الزوج بكسوة زوجته.
(1)
قواعد الاحكام ج 2 ص 52 - 57 طبعة حجر سنة 1329، تحرير الاحكام ج 2 ص 47 - 49 طبعة حجر سنة 1314، مختلف الشيعة ج 2 ص 31 طبعة حجر سنة 1323، الخلاف فى الفقه ج 2 ص 326، 329 رقم 15 طبعة زنكين بطهران.
(2)
شرح النيل ج 7 ص 286
(3)
شرح النيل ج 7 ص 298، ج 3 ص 398، 299
(4)
شرح النيل ج 7 ص 304
(5)
شرح النيل ج 7 ص 206
والطلاق بسبب الاعسار بذلك طلاق بائن. وان طلق للاعسار رجعيا لم يضربه القاضى ليطلق بائنا بل يأمره ويجوز للزوج حينئذ أن يراجع زوجته ان أيسر ولو أبت الرجعة.
وفى الديوان: أن الطلاق للاعسار بالنفقة يكون بائنا ولو لم يذكر الزوج أنه بائن. وفى اجبار الزوج على الطلاق لاعساره فى حالة حيض المرأة أو نفاسها تردد، لأن الطلاق فى نحو الحيض معصية والانفاق لا سبيل له اليه لاعساره الذى يعجزه عنه والأولى أن يقترض أو يخدم بالأجرة أو نحو ذلك من المكاسب المحللة بقدر ما ينفق حتى تطهر. وان قبلت منه أن يقول لها: اذا طهرت فأنت طالق فعل ذلك
(1)
.
وان غاب الزوج ولا مال له حاضر ولا غائب ولا كفيل فنفقة الزوجة حينئذ على وليها
(2)
.
وان اختلفا فى الاعسار واليسار فادعى الزوج الاعسار وادعت غناه غنى عاليا أو متوسطا كان عليها اقامة البينة ولو بخبر على ذلك، ولا يحلف الزوج على اعساره اذا لم تقم البينة على يساره لأنه متمسك بالأصل وينفق عليها بحسب ما أقر به من حالة له
(3)
.
وان أعسر الزوج بنفقة زوجته فلا يجبر والد الزوج على نفقتها ان كان معسرا ولو كان الزوج طفلا أو مجنونا فان كان والد الزوج موسرا أجبر على النفقة على تفصيل فى ذلك (انظر مصطلح نفقة)
(4)
.
ومن لا يجوز طلاقه على غيره لا يجبر على نفقة زوجة ذلك الغير ان أعسر ذلك الغير بنفقة زوجته الا الأب الموسر، ولا تجب نفقة الزوج المعسر على زوجته الغنية وهى التى لها مال يكفيها ويكفيه فى الحال، وسواء فى ذلك أن لا يكون له ولى يلزمه وأن ينفق عليه أو يكون له ولى معسر لا مال له، لأنها ليست وليا له.
وقيل: يلزمها أن تنفق على زوجها هذا أكلا وشربا ولباسا وسكنى حتى ولو كان له ولى غنى تلزمه نفقته، لأنه تلزمه نفقتها ان كان موسرا فتلزمها نفقته ان كان معسرا، ولأن حق الزوج عليها عظيم فقبح أن يتكفف زوجها الناس ويتذلل لهم مع أن لها ما يغنيه عن ذلك
(5)
.
اثر الاعسار بنفقة الاقارب
مذهب الحنفية:
اعسار المنفق عليه من الأقارب وعجزه عن التكسب شرط لوجوب النفقة له على قريبه
(1)
شرح النيل ج 7 ص 315، 316، 327 وشرح النيل ج 3 ص 302
(2)
شرح النيل ج 7 ص 324
(3)
شرح النيل ج 3 ص 301
(4)
شرح النيل ج 7 ص 319، ص 320
(5)
شرح النيل ج 7 ص 324
الموسر لأن وجوب هذه النفقة معلول بحاجة المنفق عليه فلا تجب لغير المحتاج، الا للأب خاصة والجد - أبى الأب - عند عدم الأب فانه يقضى بنفقة الأب على ولده الموسر وان كان الأب صحيحا قادرا على التكسب مادام قد تحقق فيه شرط الاعسار فقط وكذلك نفقة الجد على ولد ولده، وهذا لأنه يلحقهما تعب فى السعى لتحصيل الكسب والولد مأمور بدفع الضرر عنهما فتجب نفقتهما لمجرد اعسارهما مع قدرتهما على الكسب.
وفى تفسير الاعسار والمعسر الذى يستحق النفقة هنا اختلف المشايخ.
فقيل: هو الذى يحل له أخذ الصدقة ولا تجب عليه الزكاة وذلك بأن يملك من غير جنس النفقة أقل من نصاب غير زائد عن حوائجه الأصلية سواء كان ناميا أو غير نام فان كان يملك دون نصاب من طعام أو نقود فلا يكون معسرا بالنسبة للنفقة فلا تجب له فى الظاهر، لأنها تجب بقدر كفايته وما دام عنده ما يكفيه من ذلك فلا تلزم غيره كفايته وان كان له منزل مثلا يحتاج اليه فانه يعتبر معسرا ويستحق النفقة على قريبه الموسر فى احدى الروايتين وهو الصواب، لأن بيع المنزل لا يقع الا نادرا وكذا لا يمكن لكل شخص السكنى بالأجرة أو بالمنزل المشترك.
وقيل: المعسر هو المحتاج
(1)
.
ويشترط لوجوب هذه النفقة على المنفق فى قرابة غير الولاد من الرحم المحرم كالأخ والعم ونحوهما - أن يكون المنفق موسرا، فلا تجب على المعسر - فى هذه القرابة - نفقة وان كان قادرا على الكسب لأن هذه النفقة تجب بطريق الصلة، والصلات انما تجب على الأغنياء لا على الفقراء
(2)
.
وللحنفية فى تفسير اليسار تفصيل ينظر فى مصطلح «يسار» و «نفقة» .
وأما قرابة الولاد. فان كان المنفق هو الأب فان النفقة تجب عليه وان كان معسرا ما دام قادرا على الكسب - لأولاده الصغار الفقراء وكذا الكبار المعسرين اذا كان هناك ما يمنعهم عن تحصيل الكسب كمرضهم أو تفرغهم لطلب العلم أو لكونهم من أبناء الكرام الذين لا يجدون من يستأجرهم وكذا الاناث المعسرات غير المتزوجات وان كن صحيحات ولا يشترط يساره فى هذا لأن النفقة احياء لهم وهم جزء منه فاحياؤهم احياء لنفسه واحياء نفسه واجب عليه فان امتنع عن الكسب حبس.
واذا لم يف كسبه بحاجتهم أو لم يكتسب لعدم تيسر الكسب أنفق عليهم القريب ورجع على الأب اذا أيسر.
وان كان الأب معسرا عاجزا عن الكسب لزمانة أو عمى أو شلل أو ذهاب عقل فالخصاف قال: يتكفف الناس وينفق عليهم.
وقيل: نفقتهم فى بيت المال.
(1)
البدائع ج 4 ص 34، 35، حاشية ابن عابدين ج 3 ص 628، فتح القدير والهداية ج 3 ص 350 - 351
(2)
البدائع ج 4 ص 35
والصحيح فى المذهب أن الأب يلحق بالميت فى استحقاق النفقة لأولاده المذكورين على غيره من الأقارب ولا يرجع عليه المنفق فى هذه الحالة حتى ولو أيسر الأب بعد ذلك فيما عدا الأم الموسرة فانها اذا أنفقت على الأولاد فى هذه الحالة ترجع على الأب بعد ذلك ان أيسر وهى أولى بتحمل نفقتهم عند اعسار الأب وعجزه عن الكسب. من سائر الأقارب
(1)
.
وان كان المنفق هو الابن وهو معسر مكتسب نظر فى كسبه فان كان فيه زيادة عن قوته يجبر على الانفاق على أبيه المعسر من الزيادة، سواء كان الأب عاجزا عن الكسب أم لا، لأنه قادر على احيائه من غير خلل يرجع عليه.
وان كان لا يبقى من كسبه شئ فانه - على المعتمد فى المذهب - لا يجبر على أن ينفق عليه ولا على أن يدخل عليه فى النفقة، لأن الجبر على الانفاق والاشراك فى نفقة الولد المعسر يؤدى الى اعجازه عن الكسب، لأن الكسب لا يقوم الا بكمال القوة وكمال القوة بكمال الغذاء فلو جعلناه نصفين لم يقدر على الكسب وفيه خوف هلاكهما جميعا لكنه يؤمر ديانة فيما بينه وبين الله عز وجل أن يواسى أباه، اذ لا يحسن أن يترك أباه المعسر ضائعا جائعا يتكفف الناس وله كسب.
وقال بعض المشايخ: يجبر الابن على ذلك قضاء واستدلوا على ذلك بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «طعام الواحد يكفى الاثنين» هذا اذا كان الولد يعيش وحده فان كان له أولاد صغار وزوجة ولا يفضل من كسبه شئ ينفقه على أبيه فطلب الأب من القاضى أن يدخله فى النفقة على عياله يدخله القاضى ههنا. لأن ادخال الواحد على الجماعة لا يخل بطعامهم خللا بينا بخلاف ادخال الواحد على طعام الواحد. وهذا كله اذا لم يكن الأب المعسر عاجزا عن الكسب.
فاما اذا كان عاجزا عنه فانه يشارك ابنه المعسر فى قوته ويدخل عليه فيأكل معه مطلقا لأنه ليس فى المشاركة خوف الهلاك وفى ترك المشاركة خوف هلاك الأب فتجب المشاركة قولا واحدا.
وكذلك الأم المعسرة وان كانت صحيحة غير عاجزة مثل الأب المعسر العاجز عن الكسب فى كل ما ذكر، لأن الأنوثة فى حد ذاتها عجز، فتدخل على ابنها المعسر الذى لا يبقى له من كسبه شئ بعد قوته فتأكل معه كالأب.
ولا يجبر الابن فى هذه الحالة على أن يعطى كل منهما شيئا على حدة
(2)
.
مذهب المالكية:
تجب نفقة الوالدين المعسرين بنفقتهما كلا أو بعضا - وان كان لهما خادم ودار لا فضل فيها على ولدهما الموسر مما فضل عن نفقته
(1)
البدائع ج 4 ص 35 - 36، حاشية ابن عابدين ج 3 ص 612 - 615، فتح القدير ج 3 ص 344
(2)
البدائع ج 4 ص 35، 36، حاشية ابن عابدين ج 3 ص 621، 622
ونفقة زوجاته ولو أربعا ونفقة خادمه ودابته اذا كان محتاجا لهما.
وكذلك تلزم الولد نفقة خادم والديه المعسرين وان كانا غير محتاجين لخدمته لقدرتهما على الخدمة بأنفسهما.
ومحل هذا اذا لم يكن الوالدان المعسران قادرين على الكسب أو قادرين عليه بصنعة تزرى بهما.
اما اذا كانا قادرين على الكسب ولو بصنعة تزرى بالولد فانها لا تجب لهما على الولد ويجبران على التكسب ما لم يزر بهما التكسب على الراجح.
ولا يجب على الولد المعسر القادر على التكسب أن يتكسب بصنعة أو غيرها لأجل الانفاق على والديه.
ولا تسقط نفقة الام المعسرة عن ولدها اذا تزوجت برجل معسر أو موسر ثم أعسر لأن وجوده كالعدم، وكذلك كل من لزمته نفقة امرأة لا يسقط عنه تزوجها بمعسر.
وهذا كله اذا ادعى الوالدان الاعسار وطلبا من الولد النفقة واعترف الولد باعسارهما.
أما اذا أنكر اعسارهما فانه يلزم الوالدين اثبات اعسارهما برجلين عدلين، ولا يكلف الوالدان اليمين مع شهادة العدلين حينئذ، ولا يجب على الولد نفقة زوج أمه المعسر ولو توقف اعفافها عليه على المشهور.
وقيل: تجب عليه مطلقا سواء دخل بها معسرا أو طرأ له الاعسار بعد الدخول.
وقيل: ان دخل بها معسرا لم تلزمه وان طرأ له الاعسار لزمته.
وكذلك لا يجب على ولد الابن أن ينفق على جده ولا جدته المعسرين وسواء كانا من جهة الأب أو من جهة الأم، هذا فى نفقة الوالدين.
أما نفقة الابن الصغير المعسر العاجز عن الكسب حتى يبلغ قادرا على الكسب فتجب على أبيه الموسر بما فضل عن قوته وقوت زوجته أو زوجاته على التفصيل السابق.
وكذلك تجب على الأب نفقة ابنته المعسرة التى لا مال لها ولا صنعة تقوم بنفقتها حتى يدخل بها زوجها الموسر. ولا نفقة للابن أو البنت على الأب عند اعساره ولا يجب عليه حينئذ أن يتكسب بصنعة أو غيرها لينفق على أولاده المعسرين، والمراد بالأولاد هنا الأولاد مباشرة فلا يلزم الجد نفقة المعسر من ولد ابنه أو بنته.
وكذا لا يلزم الأم - ولو موسرة - نفقة المعسر من أولادها الصغار اليتامى بالاتفاق وكذلك فى حالة اعسار الأب على المشهور فى المذهب.
وقال ابن المواز: ان كانت موسرة تجب عليها نفقة المعسر من أولادها بقدر ميراثها منه
(1)
.
(1)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 4 ص 235 - 238، حاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 2 ص 532 - 535، وحاشية الصاوى والشرح الصغير للدردير ج 1 ص 586، 587، حاشية العدوى على شرح أبى الحسن ج 2 ص 117 - 118
واذا تنازع المنفق والمنفق عليه - بعد قدوم المنفق من سفره - فى اليسار والاعسار ولا بينة لاحدهما فقال المنفق: كنت معسرا حال غيبتى فلا نفقة على. وقال المنفق عليه بل كنت موسرا فيلزمك نفقة ما مضى فان المعتبر فى ذلك حال قدوم المنفق من سفره فيعمل عليه ان جهل حال خروجه اعسارا ويسارا فان قدم المنفق من سفره معسرا فالقول قوله بيمينه وان قدم موسرا فالقول قول المنفق عليه بيمينه، وان علم حال خروج المنفق الى سفره يسارا واعسارا عمل به حتى يتبين خلافه، فان كان موسرا حينئذ فالقول قول المنفق عليه بيمينه، وان كان معسرا فالقول قول المنفق بيمينه، ويجرى هذا التفصيل أيضا على تنازع الزوجين فى اعسار الزوج
(1)
.
مذهب الشافعية:
اعسار الوالدين وان علوا وعجزهم عن الكسب بالفعل شرط فى وجوب النفقة لهم ذكورا واناثا على أولادهم وان نزلوا ذكورا واناثا.
وكذلك اعسار الأولاد المذكورين وعدم قدرتهم على الكسب شرط فى وجوب النفقة لهم على الوالدين المذكورين.
كما يشترط فى المنفق من هؤلاء أن يكون موسرا فلا تجب على معسر لأنها وجبت للمواساة والمعسر ليس من أهلها والاعسار بها يتحقق بعدم وجود فاضل للانسان عما يحتاج اليه من قوته وقوت عياله فى يومه وليلته التى تليه وكل ما لا غنى لمثله عنه.
واذا كان المنفق معسرا قادرا على الكسب ويمكنه أن يكتسب ما يفضل عن احتياجاته المذكورة فانه يجبر على الاكتساب الحلال اللائق به لينفق على قريبه على الأصح.
وقيل: لا يجبر على التكسب كما لا يجبر عليه لقضاء الدين.
أما ان كان المنفق عليه معسرا قادرا على الكسب وامتنع منه ففى وجوب النفقة له أقوال.
أظهرها: انها تجب للوالدين المعسرين لا المولودين، لأن تكليف الوالدين الكسب مع كبر سنهم ليس من المعاشرة بالمعروف المأمور بها الأولاد.
وقيل: لا تجب لمعسر قادر على الكسب، سواء كان أصلا أو فرعا، لأنه غنى بكسبه وسواء كان ذكرا أو أنثى.
وقيل: الأحسن انها تجب للأصل والفرع ولا يكلفان الكسب لأنه يقبح أن يكلف الانسان أصله أو فرعه الكسب مع اتساع ماله
(2)
.
(1)
الخرشى ج 4 ص 232، حاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 2 ص 530 - 531
(2)
حاشية البجرمى على الإقناع ج 4 ص 68 - 69، حاشية القليوبى على الشرح المحلى للمنهاج ج 4 ص 84 - 85، تحفة المحتاج ج 3 ص 385 - 386، اسنى المطالب ج 3 ص 443
مذهب الحنابلة:
لا تجب هذه النفقة على الوارث المعسر بها سواء كان ذكرا أو أنثى. والاعسار بها يتحقق فى كل من لا يفضل عن حاجته ونفقة نفسه وزوجته شئ ينفقه على أقاربه.
واذا كان المعسر بها قادرا على التكسب بحيث يفضل عن كسبه ما ينفقه على قريبه فانه يجبر على التكسب لنفقة قريبه، لأن تركه مع القدرة عليه تضييع لمن يعول، وهو منهى عنه وسواء كان المعسر القادر على التكسب من الوالدين أم لا واعسار المنفق عليه شرط لوجوب هذه النفقة له على قريبه.
واعساره يتحقق بكونه لا مال له ولا كسب يستغنى به عن انفاق غيره.
والأظهر فى المذهب أنه لا يشترط فى وجوب هذه النفقة للمعسر من الوالدين والمولودين وغيرهم أن يكون مع اعساره ناقص الخلقة كالأعمى، أو ناقص الأحكام كالصغير والمجنون فتجب نفقة المعسر الذى لا حرفة له منهم وان كان صحيحا مكلفا يقدر على الكسب ببدنه، فان كان له حرفة يحصل بها يساره لم تجب نفقته.
ومن أعسر بنفقة بعض من تجب عليه نفقته بدأ بزوجته ثم الأقرب فالأقرب ويقدم الولد على الأب.
ويشترك الوالدان معا فى نفقة شخص واحد ان أعسر ولدهما بغيرها على الأول.
وفى حالة اعسار الوارث الذى تجب عليه هذه النفقة فانها تجب على المحجوب به اذا كان موسرا وكان المنفق عليه المعسر من الوالدين وان علوا أو المولودين وان نزلوا ولو من ذوى الأرحام.
وقيل لا نفقة عليه وان كان محجوبا بمعسر لأنه ليس بوارث فأشبه الأجنبى.
أما ان كان المحجوب عن الأرث من غير عمودى النسب المذكورين فلا خلاف فى أنه لا تجب النفقة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
لا تفرض هذه النفقة على المعسر وهو الذى لا يفضل منه شئ بعد نفقته وكسوته وما لا بد منه ولا غنى له عنه فهذا لا يكلف أن يشركه فى ذلك أحد ممن سنذكر. فان فضل منه شئ بعد ذلك فانه يجبر على النفقة على المعسر الذى لا مال له ولا عمل بيده من أبويه واجداده وجداته وان علوا ومن أبنائه وبناته وبنيهم وان سفلوا ومن الاخوة والأخوات يسوى بينهم ولا يقدم أحد على أحد فان فضل منه شئ بعد نفقة هؤلاء وكسوتهم أجبر على النفقة على كل معسر لا عمل بيده تقوم مؤنته منه من ذوى رحمه المحرمة وموروثيه وهم الأعمام والعمات وان علوا والأخوال والخالات وبنو الأخوة وان سفلوا.
ومن كان من هؤلاء معسرا قادرا على
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 3 ص 314 - 316، 356 - 358، المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 257 - 261، 275 - 287
التكسب بأى عمل ولو كان حقيرا فلا نفقة له الا الأبوين والأجداد والجدات المعسرين فانه تجب لهم النفقة وان كانوا قادرين على الكسب لأن الولد مكلف بصيانتهم عن خسيس الكسب ان قدر على ذلك.
ويلزم المرأة كل ما ذكرنا كما يلزم الرجل الا نفقة الولد المعسر الذى لا مال له فما دام الأب موسرا قادرا عليها فليس على المرأة من ذلك شئ.
فان أعسر الأب بذلك أو مات وكان الولد معسرا لا مال له فحينئذ يقضى بنفقته وكسوته على أمه لقوله تعالى: «لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ» وليس فى المضارة شئ أكثر من أن تكون موسرة وأولادها معسرين يسألون على الأبواب.
وان أعسر واحد من المنفق عليهم ببعض نفقته وجب على المنفق الموسر أن يقوم بما أعسر به المنفق عليه فقط
(1)
.
مذهب الزيدية:
ان أعسر الأب القادر على الكسب بنفقة ولده غير العاقل لصغر أو جنون فلا تسقط النفقة عنه ولو كان الولد موسرا.
وقال المؤيد بالله والناصر والامام يحيى:
ان كان الصغير موسرا كانت نفقته فى ماله وكذا نفقة أبيه المعسر ورجح هذا صاحب البحر الزخار.
أما ان أعسر الأب بكل ما ذكر وكان غير قادر على الكسب فان كان الولد موسر فان النفقة تجب من ماله اجماعا له ولأبيه هذا فان كان الولد معسرا أيضا وجبت نفقة الولد على الأم الموسرة مع وجود الأب فانه يجب عليها الانفاق على غير العاقل من أولادها لاعساره واعسار الأب ويكون ذلك منها قرضا للأب ترجع عليه به متى أيسر ولو كان ذلك بدون اذن القاضى.
وقال محمد بن سليمان: لا يكون ما أنفقته الأم دينا على الأب المعسر الا اذا كان قادرا على الكسب اذ لو لم يقدر على الكسب كان وجوده كعدمه.
وأما الولد البالغ العاقل المعسر - ولو كان قادرا على التكسب - فان نفقته تجب على أبويه الموسرين حسب الارث الا أن يكون لهذا الولد المعسر ولد موسر فعليه نفقة والده.
وان كان الأب معسرا فلا يجبر على الاكتساب للانفاق على ولده الكبير الا اذا كان الولد عاجزا عن التكسب.
وقال الفقيه يحيى: لا يجبر على ذلك سواء كان الولد قادرا على التكسب أم عاجزا عنه وعلى الولد الموسر نفقة الوالدين المعسرين اجماعا.
ولا يلزم الابن المعسر القادر على الكسب أن يتكسب لوالده أو أمه أو أجداده المعسرين الا اذا عجزوا جميعا أو أحدهم عن التكسب فيجبر له، هذا فى الاعسار بنفقة الوالدين والأولاد.
(1)
المحلى ج 10 ص 100 - 109 رقم 1933.
أما غيرهم من الأقارب فاعسار المنفق عليه شرط فى وجوب النفقة له على قريبه الوارث له بقدر ارثه بشرط يساره ولو صغيرا أو مجنونا.
فان أعسر أحد الأقارب الوارثين فالنفقة كلها على الموسر كما لو انفرد على الأصح.
وقال فى المنتخب: بل عليه حصته من النفقة فقط كما لو أيسروا جميعا.
والاعسار هنا يتحقق عند أبى طالب وأبى العباس - فى كل من لا دخل له ولا يملك قوت عشر ليال ولا قيمتها فاضلة عن كسوته ومنزله وأثاثه وخادمه.
وعند الامام يحيى والعترة يتحقق فى كل من لا يجد ما يتقوته غداء وعشاء وهو الأقوى عند صاحب البحر الزخار.
وعند زيد بن على وصاحب الوافى:
يتحقق فى كل من لا يملك نصابا.
وقال الامام يحيى: يشترط فيمن تحقق اعساره أن لا يمكنه التكسب لصغر أو هرم أو مرض مزمن.
والمذهب أنها تلزم للمعسر الصحيح الذى لا حرفة له لا سيما الذى ينقص قدره بالحرفة أما من له حرفة ينفق منها فيعتبر موسرا بها
(1)
.
مذهب الإمامية:
اذا أعسر أحد الوالدين وإن علوا أو أحد المولودين وان نزل وجب الانفاق عليه اذا كان مع اعساره عاجزا عن التكسب على الأظهر.
ولا تجب النفقة على من كان معسرا من هؤلاء.
والاعسار بها يتحقق فى كل من لم يفضل عن قوته وقوت زوجته ليومه الحاضر وليلته ما يصرفه الى من ذكر من المنفق عليه فاذا تحقق فيه هذا فلا شئ عليه لأنها مواساة وهو ليس من أهلها.
وتجب نفقة الولد المعسر على أبيه الموسر فان أعسر بها فعلى جده لأبيه وان علا فان أعسر بها الجد أيضا أو عدمت الآباء فنفقة الولد على أمه ان كانت موسرة ومع اعسارها تكون نفقته على أبيها وأمها وان علوا الأقرب فالأقرب فاذا أعسر الأقرب تنتقل الى الأبعد.
وكذلك اذا كان الوالد معسرا محتاجا وجب على ولده أن ينفق عليه.
واذا أعسر الشخص بنفقة أحد أبويه دون الآخر كان نصيب الواحد بينهما بالتساوى لتساويهما فى الدرجة وليس أحدهما أولى من صاحبه ولتفصيل هذا انظر مصطلح (نفقة).
هذا فى الاعسار بنفقة الوالدين والمولودين المعسرين.
(1)
التاج المذهب ج 2 ص 288 - 293، 100، 101، البحر الزخار ج 3 ص 277 - 282، شرح الازهار ج 2 ص 546 - 552
وأما غيرهم من الأقارب كالاخوة والأعمام المعسرين فلا تلز نفقتهم أحدا وان كان يستحق الانفاق عليهم ويتأكد الاستحباب فى الوارث
(1)
.
مذهب الإباضية:
ان أعسر الأب بنفقة نفسه أو نفقة أطفاله المعسرين فنفقته على ولده الموسر ويجوز له حينئذ أن ينزع ذلك من مال ولده سواء كان طفلا أو بالغا وسواء كان ذكرا أو انثى ويدخل المال المنزوع فى ملكه بذلك ويخرج من ملك الولد
(2)
.
وان أعسر الأولاد الكبار لزم الأب أن ينفق عليهم أما الأولاد الصغار والمجانين فيلزمه أن ينفق عليهم وان لم يكونوا معسرين بأن يكون لهم مال، وله أن ينفق عليهم من مالهم ان كان
(3)
.
وكذلك تلزم المرأة نفقة من أعسر من أبويها وجدها وجدتها من أبيها وان علوا وأخيها وأختها لا لولدها فى مشهور المذهب
(4)
.
والقريب المعسر بهذه النفقة يعتبر كالمعدوم
(5)
.
والاعسار الموجب لهذه النفقة للمتفق عليه يتحقق فى كل من كان معدما لا مال له
(6)
.
فلا تجب لمحتاج يملك سلاحا وبيتا يسكنه فقط بل يبيعه ويأكل من ثمنه ان لم يكن أبا أو أما
(7)
.
وفى وجوب النفقة للمعسر صاحب الحرفة القادر على التكسب بها. قال صاحب شرح النبل: الصحيح أن القادر على الكسب أو صاحب الحرفة يؤمر بالكسب وينفق ثم أن احتاح بعد الكسب عأعطاه قريبه
(8)
.
أثر الاعسار بنفقة
الرقيق والدواب والأرض
مذهب الحنفية:
أن أعسر الرجل بنفقة عبده فان كان العبد يصلح للاجارة آجره القاضى عليه ان امتنع المولى من ذلك وانفق عليه من أجرته. وان كان لا يصلح لذلك بأن كان مريضا أو أعمى أو جارية جميلة يخشى من اجارتها الفتنة فان القاضى يجبر المولى المعسر حينئذ على الانفاق عليه أو بيعه ان كان يصح بيعه، لأن فى
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 143 - 145 الخلاف فى الفقه ج 2 ص 330 - 334، شرائع الاسلام ج 2 ص 48 - 49
(2)
شرح النبل ج 7 ص 266 - 267
(3)
شرح النبل ج 7 ص 209
(4)
شرح النبل ج 7 ص 210 - 211
(5)
شرح النبل ج 7 ص 212.
(6)
شرح النبل ج 7 ص 209
(7)
شرح النبل ج 7 ص 215
(8)
شرح النبل ج 7 ص 239
هذا ايفاء حق العبد وايفاء حق مولاه بنقله الى الخلف وهو الثمن
(1)
.
فان امتنع المولى عن بيعه حبسه القاضى حتى يبيعه عند أبى حنيفة.
وقال محمد وأبو يوسف: يبيعه القاضى عليه، وقولهما هو الذى عليه الفتوى. وان لم يكن العبد محلا للبيع كالمدبر والمدبرة وأم الولد فالظاهر أنه يجبر على الانفاق عليهم ان لم يقدروا على الكسب ويأمرهم القاضى بالاستدانة على سيدهم المعسر احياء لمهجتهم ويحتمل أن تلزم نفقتهم بيت المال
(2)
.
ولا يعتقهم القاضى على المولى اذا أعسر بنفقتهم لأنه ابطال لملكه بغير بدل فلا يفعل ذلك
(3)
.
وان أعسر مولى الأمة بنفقة ولدها من حر موسر فلا يؤمر الأب الحر بالنفقة على ولده بل يجبر المولى على الانفاق عليه أو بيعه ان كان من أمة قنة.
وان كان من مدبرة أو أم ولد أمر الأب الحر بالانفاق عليه ثم يرجع على المولى اذا أيسر، لتعذر الاجبار على البيع ههنا لعدم قبول المحل لذلك
(4)
.
وان أعسر الرجل بنفقة دوابه أو امتنع منها ففى ظاهر الرواية لا يجبره القاضى على الانفاق عليها أو بيعها ولكنه يؤمر بذلك ديانة فيما بينه وبين الله تعالى ويكون آثما معاقبا بحبسها عن البيع مع عجزه عن الانفاق.
وقال أبو يوسف: يجبر على ذلك لأن فى تركها جائعة تضييع المال وتعذيب الحيوان بلا فائدة وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك كله.
ووجه ظاهر الرواية أن الاجبار على الحق يكون عند الطلب والخصومة من صاحب الحق ولا خصم فلا يجبر، ولكن يجب ذلك ديانة لما ذكر أبو يوسف.
أما غير الحيوان من الجمادات كالدور والزرع والأرض فلا يجبر مالكها على الانفاق عليها أو بيعها اتفاقا وان كان يكره تضييع المال
(5)
.
وهذا فى غير الأرض الخراجية.
أما اذا عجز صاحب الأرض الخراجية عن زراعتها لاعساره أو لعدم قوته فللامام أن يدفعها لغيره مزارعة ويأخذ الخراج من نصيب المالك ويعطيه الباقى.
وان شاء أجرها وأخذ الخراج من الأجرة.
وان شاء زرعها بنفقة من بيت المال.
فان لم يتمكن من ذلك ولم يجد من يقبل ذلك باعها وأخذ من ثمنها خراج السنة
(1)
فتح القدير ج 3 ص 330، 355، الاختيار 2 ص 250، الفتاوى الأنقروية ج 1 ص 105 الطبعة الأميرية سنة 1281
(2)
حاشية ابن عابدين ج 3 ص 637، فتح القدير ج 3 ص 355
(3)
المبسوط ج 5 ص 192
(4)
البدائع ج 4 ص 22
(5)
حاشية ابن عابدين ج 3 ص 638، البدائع ج 4 ص 40، فتح القدير ج 3 ص 356
المنسلخة ودفع باقى الثمن لصاحبها ثم استمر بأخذ الخراج من المشترى، وهذا بلا خلاف، لأن هذا وان كان نوع حجر ففيه دفع الضرر العام بالضرر الخاص. وهو جائز عند أبى حنيفة.
وقال أبو يوسف فى رواية عنه: يدفع الامام لصاحب الأرض المعسر كفايته من بيت المال قرضا ليعمل فيها
(1)
.
مذهب المالكية:
ان أعسر الشخص بنفقة من تجب عليه نفقته من عبيده فانه يحكم عليه باخراجه من ملكه بهبة أو صدقة أو عتق أو بيع ان وجد من يشتريه وكان ممن يباع.
فان كان لا يصح بيعه فانه يجبر على تنجيز العتق فى أم الولد على المختار:
وقيل: تزوج.
وقيل: تسعى فى معاشها.
وأما المدبر والمعتق لأجل فيؤمران بالخدمة بقدر نفقتهما ان كان لهما قوة على الخدمة ووجد من يستخدمهما.
والأحكم هو تنجيز عتقهما.
وكذلك ان أعسر بعلف حيوانه - ولم يكن هناك مرعى - فان كان مما يذكى فيجبر على ذكاته أو على اخراجه عن ملكه ببيع ان كان مما يباع ووجد من يشتريه والا وهبه أو تصدق به. وان كان مما لا يذكى ولا يباع ككلب الصيد فيجبر على اخراجه من ملكه بغير البيع، ويحتمل أن يقال أنه تباع منفعته حينئذ. وقال ابن رشد: من يعلف دوابه فلا يجبر على الانفاق عليها كما لا يجبر على شئ مما نذكر بل يؤمر بكل ذلك من غير قضاء. وما قاله ابن رشد هو الحكم بالاتفاق ان أعسر بنفقة غير الحيوان من الجمادات كشجر وزرع حيث لم يسمع من أحد فى المذهب أنه يؤمر فى بيع ذلك
(2)
.
مذهب الشافعية:
يراعى فى نفقة الرقيق حال السيد فى يساره واعساره. فان أعسر السيد بنفقته بأن لم يكن له مال غيره أمره القاضى بايجار الرقيق ان وفّت أجرته، أو بازالة ملكه عنه ببيعه أو اعتاقه دفعا للضرر فان امتنع من ذلك خير القاضى بين اجارته وبين بيعه عليه ان استويا فى المصلحة والا وجب فعل الأصلح منهما، فان لم يجد مشتريا ولا مستأجرا له انفق عليه من بيت المال أو من مياسير المسلمين مجانا ان كان السيد محتاجا لخدمته الضرورية مع اعساره، والا فينبغى أن يكون ذلك قرضا يرجع عليه به ان أيسر، وهذا كله فى الاعسار بنفقة غير أم الولد من الرقيق.
(1)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 191، الفتاوى الهندية ج 2 ص 240 - 241، فتح القدير ج 4 ص 364
(2)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 2 ص 532، حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 1 ص 586، الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 4 ص 234
اما ان أعسر بنفقة أم ولده فانها لاتباع قطعا ولا يجبر على اعتاقها ولا على تزويجها براغب فى الأصح خلافا لأبى زيد ان غاب مولاها، ويجبر على اجارتها، فان تعذرت اجارتها أجبر على تخليتها لتكتسب وتنفق على نفسها، فان عجزت عن الكسب فنفقتها فى بيت المال ثم على مياسير المسلمين.
فان غاب مولاها ولم يعلم له مال ولا كسب لها وليس هناك بيت مال. قال القمولى:
فالرجوع لقول أبى زيد بتزويجها أولى للمصلحة وعدم الضرر.
وكذلك حكم الدابة ان أعسر صاحبها بعلفها - ولا مرعى لها - فانه يؤمر ببيعها كلها أو جزء منها أو اجارتها، فان امتنع باعها القاضى أو آجرها عليه، فان تعذر ذلك أنفق عليها من بيت المال، فان تعذر فعلى مياسير المسلمين كما فى الرقيق.
ولو كانت دابته لا تملك ككلب مثلا لزمه ان أعسر بكفايتها أن يدفعها لمن يحل له الانتفاع بها أو يرسلها.
وهذا وأما ان أعسر الشخص بنفقة أو عمارة ما لا روح فيه كقناة ودار وشجر فانه لا يجبر على الانفاق ولا على شئ مما ذكر وان كان يكره منه تركها حتى تهلك لما فيه من اضاعة المال
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان أعسر السيد بنفقة عبده أو أمته أجبر على ازالة ملكه عنهما ببيع أو هبة أو عتق ونحوه، وذلك بشرط أن يطلب العبد أو الأمة ذلك، لما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال:«عبدك يقول أطعمنى والا فبعنى» ، ولأن بقاء ملكه على عبده مع اعساره اضرار به وازالة الضرر واجبة.
وكذلك ان أعسر مالك البهيمة بما تحتاج اليه من علفها او اقامة من يرعاها فانه يجبر على بيعها أو اجارتها أو ذبحها ان كانت مما يؤكل، لأنها تتلف اذا تركت بلا نفقة واضاعة المال منهى عنها، فان أبى فعل شئ من ذلك فعل القاضى الأصلح من هذه الامور الثلاثة، أو استدان عليه وانفق عليها، لقيام القاضى مقامه فى أداء ما وجب عليه عند امتناعه منه.
وهذا كله يفارق نفقة الشجر والزرع والعقار ونحوه من غير الحيوان فليس للقاضى اجبار مالكه على الانفاق أو البيع ونحوه مما ذكر ان أعسر بها.
وفى الفروع يتوجه وجوب الانفاق عليه فيجبر على ذلك لئلا يضيع المال
(2)
.
(1)
اسنى المطالب ج 3 ص 442، 445، حاشية البجرمى على الإقناع ج 4 ص 71 - 72 تحفة المحتاج ج 3 ص 395
(2)
المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 314، 318، كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 3 ص 324 - 325 - 362 - 363
مذهب الظاهرية:
ان أعسر الشخص بنفقة مماليكه من العبيد والاماء فانه يجبر على بيع العبد والأمة ان لم يكن بأيديهما عمل يكون له أجرة تكفى نفقته، فان كان فانه يؤاجر حينئذ ولا يباع.
ولا تعتق أم الولد لاعسار سيدها بنفقتها بل تكلف بالانفاق على نفسها من مالها ان كان لها مال، فان كانت معسرة لا مال لها فنفقتها فى حقها من سهم الفقراء والمساكين من الزكاة والصدقات بنص القرآن لأنها حينئذ من جملتهم وليست مالا حتى تباع
(1)
.
وكذلك يجبر الشخص على بيع حيوانه ان اعسر بنفقته التى لا معاش له الا بها وأبى بيعه أو تسريحه للرعى ان كان يعيش من المرعى.
وكذلك يجبر على سقى نخله وزرعه ونحوه ان كان فى ترك سقيه هلاكه لقوله تعالى:
(2)
.
فمنع الحيوان ما لا معاش له الا به من علف أو رعى وترك سقى شجر الثمر والزرع حتى يهلكا هو بنص القرآن افساد فى الأرض واهلاك للحرث والنسل، وقد روى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن اضاعة المال.
واذا أعسر الرجل بحيث لم يكن له غنى عن زرع أرضه فكذلك يجبر على زرعها ان قدر على ذلك أو على اعطائها لغيره بجزء مما يخرج منها ولا يترك هكذا حتى يبقى عالة على المسلمين باضاعته لماله ومعصيته لله عز وجل بذلك
(3)
.
مذهب الزيدية:
ان أعسر السيد بنفقة عبده الخادم له أجبره القاضى على تخليته ليتكسب لنفقة نفسه ان كان قادرا على الكسب، فان لم يكن العبد قادرا على التكسب كلفه القاضى ازالة ملكه عنه بعتق أو بيع أو نحوهما، فان امتنع السيد من ذلك باعه القاضى عليه أو استدان له على سيده أو أنفق عليه من بيت المال ان كان وأمكن ذلك، ويكون ذلك دينا على سيده المعسر، أو مواساة لا يرجع به عليه ان أيسر بحسب ما يراه، وليس للقاضى ان امتنع السيد من ازالة ملك عنه أن يعتقه، وكذلك ان أعسر الشخص بعلف حيوانه أو امتنع منه أجبره القاضى على بيعه ان لم يكن هناك مرعى فان كان أجبره القاضى على اطلاقه فيه.
أما ان أعسر أو امتنع من الانفاق على شجره أو بنيانه ونحوه لاصلاحه فلا يجبر على ذلك اجماعا ويندب أمره بذلك، للنهى عن اضاعة المال
(4)
.
(1)
المحلى ج 10 ص 98، 99 رقم 1931
(2)
سورة البقرة آية رقم 205
(3)
المحلى ج 10 ص 99 - 100 رقم 1932
(4)
شرح الأزهار ج 2 ص 553، 555، التاج المذهب ج 2 ص 294، 297، البحر الزخار ج 3 ص 283 - 284
مذهب الإمامية:
ان أعسر السيد بنفقة عبده فقيل: يمكن وجوبها على قريب السيد وقيل: لا تجب على قريب السيد مطلقا، بل يجبر السيد على بيعه ان أمكن، وفى حكم بيعه اجارته مع شرط النفقة على المستأجر، وكذلك يجبر على عتقه، فان لم يفعل باعه القاضى أو أجره عليه.
وكذلك ان أعسر الرجل بعلف بهيمته أجبر على بيعها أو ذبحها ان كانت مقصودة بالذبح صونا لها عن التلف، فان لم تكن مقصودة بالذبح أجبر على بيعها أو الانفاق عليها بأى وجه صونا لها عن التلف فان لم يفعل ناب القاضى عنه فى ذلك على ما يراه ويقتضيه الحال، وهذا كله ان لم تكتف بالرعى وترد الماء بنفسها فان اكتفت بهما سقطا عنه ما دام الرعى ممكنا
(1)
.
مذهب الإباضية:
اذا اعسر المالك بنفقة مملوكه كان النظر للجانبين فى الزام المالك ببيعه، لأن فيه تخليص المملوك من عذاب الجوع وحصول البدل القائم مقامه للسيد، ويجبر على ذلك عند البعض.
ولو كانت أم ولد وأعسر مولاها بنفقتها لم يعتقها القاضى عليه.
وكذلك الحكم ان أعسر بنفقة حيوانه - ان لم يكن هناك مرعى - ولو كان ذلك الحيوان لا نفع فيه، وللمالك هنا أن يذبحه أو أن يتركه لمن شاء أن يأخذه ولا يعد ذلك تضييعا، ولكن لا يتركه بحيث يضر أموال الناس
(2)
.
أعسار الاب واثره فى اجبار الام
على ارضاع الصغير وحضانته
مذهب الحنفية:
اذا كان الصغير الرضيع وأبوه معسرين لا مال لهما فان الأم تجبر على ارضاع الصغير، فان كانت زوجة أو مطلقة رجعيا فليس لها الحق فى طلب الأجرة على الارضاع وان انقضت عدتها، ولها الحق فى أن تطلب من القاضى أن يقضى لها بأجرة الارضاع حينئذ.
فان قضى لها بذلك صارت الأجرة دينا فى ذمة الأب ترجع عليه بها متى أيسر
(3)
.
أما ان أعسر الأب بأجرة حضانة الصغير وامتنعت الأم عن حضانته وتربيته مجانا وهى ليست زوجته ولا فى عدة من طلاق رجعى.
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 144 - 146 شرائع الإسلام ج 2 ص 49 - 50
(2)
شرح النيل ج 7 ص 205 - 207، ج 3 ص 302
(3)
حاشية ابن عابدين ج 3 ص 618، الاختيار ج 2 ص 246
فان كان للصغير حاضنة أخرى كعمة مثلا قبلت أن تربى الصغير بمالها مجانا وتوافرت فيها شروط الحاضنة فالصحيح أن يقال للأم: اما أن تمسكى الولد وتربيه مجانا، واما أن تدفعيه للعمة المتبرعة صونا لماله ان كان له مال.
وان لم يكن له حاضنة أخرى فقبلت أجنبية أن تحضنه مجانا فالظاهر أن الأم تمسكه حينئذ بأجرة المثل، ولا تكون الأجنبية المتبرعة أولى منها
(1)
.
مذهب المالكية:
ان أعسر الأب بأجرة ارضاع الصغير المعسر الذى لا مال له فانه يلزم الأم حينئذ ارضاعه مجانا، سواء كانت فى عصمة زوجها أو مطلقة طلاقا بائنا، وسواء كانت من أشراف الناس الذين من شأنهم عدم ارضاع الأولاد أم لا، فان لم يكن لها لبن ترضعه به أو لها ولكن لا يكفيه، أو مرضت أو انقطع لبنها أو حملت فانه يلزمها عند اعسار الأب والصغير الرضيع أن تستأجر بمالها من ترضعه، ولا رجوع لها بالأجرة على الأب أو الصبى اذا أيسر، لأنه لما كان عليها الارضاع مجانا فيكون عليها بدله
(2)
.
وكذلك تلزمها حضانة الصغير وتجبر عليها ان كان الصغير معسرا لا مال له ولا أب.
أو كان له أب معسر. وتكون نفقة الصغير حينئذ فى بيت المال، لأن الأب لا يطالب بالنفقة أصلا حال اعساره.
أما اجرة الحضانة فالمذهب أنه لا أجرة فى مقابل الحضانة الا أنه يحق للأم فقط ان كانت معسرة أن تنفق على نفسها من مال الصغير المحضون ان كان موسرا وذلك باعتبار أمومتها له واعسارها لا باعتبار أن ذلك أجرة للحضانة
(3)
.
مذهب الشافعية:
ان أعسر الأب بأجرة ارضاع الصغير أو أجرة حضانته فلا تجبر الأم على ذلك اذا لم تجب عليها نفقة الولد المحضون لاعسار الأب فان وجبت عليها نفقته لاعساره واعسار الجد أيضا أو موته فانها تجبر على كل ذلك كما قاله ابن الرفعة، لأنها من جملة النفقة، والأم حينئذ قائمة مقام الأب، وهذا ليس خاصا بالأم بل كل من وجبت عليه النفقة لاعسار الأب أو غيره وامتنع من الحضانة وما يتبعها أجبر عليها
(4)
.
(1)
حاشية ابن عابدين ج 3 ص 557 - 562، جامع احكام الصغار بهامش جامع الفصولين ج 1 ص 100 الطبعة الاولى للمطبعة الازهرية سنة 1305
(2)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير للدردير ج 2 ص 535 والخرشى ج 4 ص 239 حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 2 ص 588
(3)
حاشية العدوى على شرح ابى الحسن ج 2 ص 113 - 114، حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 1 ص 592، الشرح وحاشية العدوى عليه ج 4 ص 253
(4)
حاشية البجرمى على الإقناع ج 4 ص 99
مذهب الحنابلة:
ان كان الرضيع معسرا لا مال له ووجبت على أمه نفقته لاعسار أبيه أو جده ان كان يتيما فانها تجبر حينئذ على ارضاعه بنفسها أو غيرها.
وتجب نفقة المرضع للصغير حينئذ على الأم، ولا ترجع بها على الأب ان أيسر لأن نفقة مرضعة الصغير كنفقة الكبير المعسر
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ان اعسر أبو الرضيع بأجرة ارضاعه اجبرت الأم المطلقة على ارضاعه بنفسها ولا شئ لها على الأب ما دام معسرا، وكذلك لا شئ لها - وان كانت معسرة - على الرضيع ان كان له مال، فان كانت الأم لا لبن لها أو لها لبن يضر الرضيع فانه يسترضع له غيرها وتجبر الأم - ان كانت موسرة - على أجرة مثل المرضعة، ولا شئ على الأب المعسر ولا على الرضيع ولو كان له مال، وان كانت الأم معسرة أيضا ولا وارث للرضيع فرضاعه على بيت مال المسلمين، فان لم يوجد أو وجد وامتنع فرضاعه على الجيران يجبرهم القاضى على ذلك، وأما ان كانت الأم غير مطلقة فانها تجبر على ارضاع ولدها مهما كانت عالية الشأن، وسواء كان الأب موسرا أم معسرا
(2)
.
مذهب الزيدية:
ان أعسر الأب بأجرة حضانة طفله ولم يمكنه التكسب فلا تجبر الأم - وان كانت موسرة - على حضانته أو استئجار من يحضنه الا اذا لزمتها نفقته فرضا للأب ولو كان للطفل مال.
وقال المؤيد والامام يحيى: بل تلزم الأم لقوله تعالى: «وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ» والقول الأول هو المذهب.
وقيل: ان أعسر الأب بذلك فينظر لو كان الطفل موسرا فالظاهر ان أجرة حضانته تكون من ماله، ولا يلزم الأب أن يتكسب لها. وان لم يكن للطفل مال فأجرة حضانته على من تلزمه نفقته. ويدخل الرضاع فى عقد اجارة الحضانة تبعا للخدمة، لأنه حق.
ولا فرق فى كل ذلك بين أن تكون الزوجية باقية بين الأم والأب أم لا
(3)
.
مذهب الإمامية:
اذا أعسر الأب وان علا بأجرة ارضاع ولده الصغير المعسر الذى لا مال له أجبرت أم الصغير على ارضاعه بدون أجرة، لأنه يجب عليها حينئذ كما يجب عليها الانفاق عليه ان كانت موسرة
(4)
.
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 3 ص 315، ص، ص 319، 359، المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 275
(2)
المحلى ج 10 ص 245، 249 رقم 1984
(3)
البحر الزخار ج 3 ص 278 التاج المذهب ج 2 ص 272 - 273، شرح الأزهار ج 2 ص 527
(4)
الروضة البهية ج 2 ص 139
أثر الاعسار بالمهر
مذهب الحنفية:
اذا اعسر الزوج بالمهر الواجب عليه لزوجته لم يفرق بينه وبين زوجته بسبب ذلك، لأنه دين مستقر ولأن المقصود بالنكاح غير المال فكان المال زائدا والعجز عن التبع لا يكون سببا لرفع الأصل
(1)
.
ويكون من حق المرأة حينئذ أن تمنع زوجها من الاستمتاع والسفر بها حتى يوفيها معجل مهرها كاملا وان كانت قد انتقلت الى بيت زوجها، لأن حق الزوج قد تعين فى المبدل وهو البضع فوجب أن يتعين حقها فى البدل وهو المهر تسوية بينهما وحقها فى المهر انما يتعين بالقبض لا بمجرد العقد، وكذلك يكون من حقها حينئذ أن تسافر وان تخرج من بيت زوجها لحاجتها أو لزيارة أهلها بدون اذنه ما لم تقبضه ويكون لها كل هذا سواء كان قبل الدخول أو بعد الدخول بها راضية - وهى من أهل الرضا - أو مكرهة عند أبى حنيفة - لأن كل وطأة معقود عليها فتسليم البعض لا يوجب تسليم الباقى.
وعند ابى يوسف ومحمد: ليس لها ذلك ان كان قد دخل بها برضاها، لأنها بالوط ء مرة واحدة سلمت جميع المعقود عليه برضاها وهى من أهل التسليم فبطل حقها فى المنع.
وعلى هذا الخلاف الخلوة بها برضاها لا تسقط حقها فى منعه من الاستمتاع بها وغيره حتى تقبض مهرها عنده خلافا لهما.
وعلى هذا الخلاف أيضا استحقاق النفقة لها على زوجها بعد الامتناع.
فعند أبى حنيفة تستحقها وليست بناشزة لأنه امتناع بحق.
وعند الصاحبين لا تستحقها وهى ناشزة الا أن تمنعه من الاستمتاع بها وهى تقيم معه فى بيته.
وهذا كله ان كان المهر معجلا كله أو بعضه أو كان مؤجلا لأجل مجهول جهالة فاحشة كالى وقت يساره مثلا، أو كان مسكوتا عن التعجيل والتأجيل وليس هناك عرف بتعجيل البعض وترك الباقى فى الذمة الى وقت الطلاق أو الموت.
أما اذا كان المهر كله مؤجلا مدة معلومة أو قليلة الجهالة كالحصاد ونحوه فليس لها أن تمنع نفسها عند أبى حنيفة ومحمد سواء كان قبل الدخول أو بعده، لأنها بالتأجيل رضيت باسقاط حق نفسها فلا يسقط حق الزوج، وسواء قبل حلول الأجل أو بعده، لأن حقها فى منع نفسها قد سقط بتأجيل المهر فى العقد والساقط لا يحتمل العود فلا يثبت لها بعد حلول الأجل.
(1)
المبسوط للسرخسى ج 5 ص 691 الطبعة الاولى مطبعة السعادة سنة 1324 هـ
وروى المعلى عن أبى يوسف: أن لها أن تمنع نفسها الى استيفاء الأجل اذا لم يكن قد دخل بها سواء كانت المدة قصيرة أو طويلة لأن موجب النكاح تسليم المهر أولا فلما رضى بتأجيله كله كان راضيا بتأخير حقه فى الاستمتاع حتى يوفى المهر بعد حلول الأجل.
والفتوى على قول أبى يوسف استحسانا.
وهذا اذا لم يشترط الدخول فى العقد قبل الحلول.
فان شرطه ورضيت به فليس لها الامتناع بالاتفاق
(1)
.
واذا اختلف الزوجان فى اعساره بالمهر فالقول قول الزوجة مع يمينها أنه موسر لأنه دين التزمه بالعقد اختيارا فاقدامه على الالتزام بمنزلة اقرار منه أنه قادر على الأداء فان العاقل لا يلتزم ما لا يقدر على أدائه اختيارا
(2)
.
مذهب المالكية:
اذا طالبت الزوجة زوجها - قبل الدخول - بمقدم مهرها عليه فادعى الاعسار ولم تصدقه ولم يقم بينة على صدقه وليس له مال ظاهر ولم يغلب على الظن اعساره وكان ينفق عليها من يوم أن طالبها بالدخول.
فان القاضى يؤجله لاثبات اعساره مدة يحددها القاضى باجتهاده.
ويستحسن أن تكون ثلاثة أسابيع، ولا يؤجله هذه المدة الا بعد أن يكفله آخر بالوجه خوفا من هروبه والا حبس كسائر الديون.
فان أثبت اعساره فى أثناء المدة المذكورة أو بعد تمامها بالبينة أعذرها القاضى فى تلك البينة الشاهدة باعساره.
فان كان عندها مطعن أبدته والا حلف الزوج مع تلك البينة يمين الاستظهار على تحقيق ما شهد له به من اعسار ثم بعد ذلك يمهله القاضى وجوبا مدة أخرى يقدرها بنظره رجاء ليساره، سواء كان يرجى له فيها يسار يمكنه من دفع ذلك الصداق المطالب به أم لا على الأصح. وكذلك يمهله ان صدقته زوجته فى دعواه الاعسار خلال المدة المذكورة أو لا أو بعد فراغها.
فان لم يأت بالمهر بعد انقضاء هذه المدة الثانية وظهور الاعسار طلق عليه القاضى أو أوقعته الزوجة ثم يحكم به القاضى. وهو طلاق بائن.
وللزوجة حينئذ نصف الصداق يكون دينا فى ذمته ترجع عليه به متى أيسر واذا لم يثبت اعساره فى الثلاثة أسابيع ولم تصدقه الزوجة.
فقال الحطاب: الظاهر انه يحبس ان جهل حاله ليعلم أمره فيحكم عليه بموجبه.
(1)
حاشية ابن عابدين ج 3 ص 143 - 145، فتح القدير ج 2 ص 472 - 474، البدائع ج 2 ص 288 - 289 والفتاوى الخانية ج 1 ص 385
(2)
المبسوط للسرخسى ج 5 ص 193 الطبعة السابقة
فان تبين اعساره أمهل ثم طلق عليه.
فان تبين يساره أخذ منه الصداق فى الحال وأمر بالدخول بزوجته وان صدقته الزوجة فى دعواه الاعسار ابتداء، أو أقام بينة باعساره أو كان ممن يغلب على الظن عسره.
فان القاضى يمهله المدة الثانية من أول الامر، ولا يؤجله لاثبات اعساره.
وان لم يجر النفقة عليها من يوم طلبها للدخول فلها أن تطلب الطلاق لعدم النفقة مع عدم الصداق على الراجح. وهذا كله فيما اذا طلبت الصداق قبل دخوله بها أو بعده وقبل أن تمكنه من نفسها.
أما ان طلبته بعد ذلك فادعى الاعسار فان لها المطالبة به فقط، ولا يجوز لها طلب الطلاق لأن المذهب الا طلاق للاعسار بالصداق بعد الدخول المصحوب بالتمكين
(1)
.
وللزوجة أيضا - ان لم ترد الطلاق - أن تمنع نفسها من زوجها أن يختلى أو يدخل أو يسافر بها الى أن يدفع لها ما حل من صداقها أصالة أو بعد التأجيل، وكذلك لها أن تمنع نفسها من تمكين الزوج منها بعد اختلائه او دخوله بها الى أن يسلم ما ذكر. وهذا كله ان لم يحصل وط ء ولا تمكين منه.
أما ان سلمت نفسها له ومكنته من وطئها - وطئ أو لم يطأ - فليس لها أن تمنع نفسها بعد ذلك من وط ء ولا سفر معه، سواء كان موسرا أو معسرا على المعتمد. وانما لها المطالبة به فقط ورفعه للقاضى كالمدين.
والذى ارتضاه ابن عرفة: أنه لا يسقط منعها الا الوط ء بالفعل لا التمكين منه.
وقيل: لها الامتناع من السفر معه اذا طلبها له ولو بعد الوط ء.
وعند ابن يونس. ليس لها منع نفسها من زوجها بعد الوط ء ان كان معسرا لا موسرا، وهو الراجح المعول عليه عند الأجهورى
(2)
.
واذا زوج الأب ولده الصغير أو المجنون أو السفيه ولو تفويضا وكانوا وقت العقد عليهم معسرين لا مال لهم.
فان الصداق يكون على الأب ولو كان معسرا أو لم يشترط عليه على المشهور، لأنه لا فائدة للولد فى شغل ذمته بالصداق مع اعساره وعدم الحاجة بالنسبة للصغير فى الحال، ولا فرق على المشهور بين حياة الأب أو موته بعد العقد، لأنه لزم ذمته فلا ينتقل عنها بموته ويؤخذ من تركته، وسواء بقى الولد على اعساره أو أيسر بعد العقد ولو قبل الفرض فى المفوضة.
ولو شرط الأب ان الصداق ليس عليه بل على الولد فانه يلزمه ولا عبرة بشرطه.
(1)
الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 3 ص 302، 303، الشرح الكبير وحاشية الدسوقى ج 2 ص 305 - 306، الشرح الصغير وحاشية الصاوى عليه ج 1 ص 461
(2)
الخرشى وحاشية العدوى ج 3 ص 300 والشرح الصغير وحاشية الصاوى 1 ص 460
أما ان كانوا موسرين وقت العقد فان المهر يكون عليهم حتى ولو طرأ عليهم اعسار بعده، ولا يكون على الأب الا بالشرط
(1)
.
مذهب الشافعية:
ان أعسر الزوج بالمهر الحال قبل الدخول ففى ثبوت خيار فسخ النكاح للزوجة أقوال:
أظهرها ثبوت حق الفسخ لها للعجز عن تسليم العوض مع بقاء المعوض بحاله، ولا بد فى هذا من رفع الأمر الى القاضى وثبوت اعساره به.
فاذا ثبت اعساره فالمعتمد امهاله ثلاثة أيام ليتحقق عجزه، ولها الفسخ صبيحة الرابع على على التفصيل السابق فى الاعسار بنفقة الزوجة، بل ان الامهال هنا أولى لأنها تتضرر بتأخير النفقة بخلاف المهر.
وقيل: خيارها هنا بعد طلب الفسخ والرفع الى القاضى على الفور، فلو أخرت الفسخ بعد ذلك سقط حقها فيه. لأن الضرر الناشئ من اعساره بالمهر لا يتجدد وقد رضيت باعساره.
وأظهر الأقوال أيضا أن لها الفسخ سواء كان الاعسار بكل المهر أو بعضه، لصدق العجز عن المهر كله بالعجز عن بعضه وان كان المهر مؤجلا ابتداء فلا يثبت لها حق فسخ النكاح لاعسار الزوج به وان حل موعد سداده لأنها رضيت ببقائه فى ذمته وكذلك لا فسخ لها لاعساره به بعد الدخول، لأن تمكينها قبل أخذ المهر يدل على رضاها ببقائه فى ذمته، وكذلك لا فسخ للاعسار بالمهر للمفوضة وهى التى لم يسم لها مهر قبل فرض المهر، لعدم وجوب مهر معين لها قبل فرضه.
وان تزوجته عالمة باعساره بالمهر أو رضيت باعساره به صراحة بعد العقد فليس لها الفسخ بعد ذلك لأن الضرر لا يتجدد وكذلك لو رضيت باعساره دلالة بأن أخرت الفسخ بعد طلب المهر منه.
أما قبل طلبه فلها الفسخ، لأنها قد تؤخر الفسخ لتوقع يساره.
وحق الفسخ للاعسار بالمهر حق خاص بالزوجة فلا يملكه وليها ولو كانت صغيرة أو مجنونة وكان فيه مصلحتهما بل يبقى المهر دينا لهما فى ذمة الزوج يطالب به اذا أيسر،
لما ذكر فى نظير ذلك من النفقة. والفرقة بسبب الاعسار بالمهر فسخ لا طلاق ومقابل الأظهر قولان:
أولهما: أن تفسخ لاعساره بذلك سواء قبل الدخول أو بعده، بناء على أن المهر فى مقابل جميع الوطآت ولم تستوف.
ثانيهما: أن ليس لها الفسخ لا قبل الدخول ولا بعده، لأن المهر ليس على قياس الأعواض حتى تفسخ العقد بتعذره لاعساره به
(2)
.
(1)
الخرشى وحاشية العدوى ج 3 ص 235، 236 و 237
(2)
أسنى المطالب ج 3 ص 439، 242، حاشية البجرمى على الإقناع ج 4 ص 87، ص 88 طبعة الحلبى سنة 1310 هـ.
وللزوجة التى لم يدخل بها زوجها - ان لم تطلب الفسخ - حق حبس نفسها عن زوجها لفرض المهر وقبضه ان كانت مفوضة وكذلك لها ذلك ان لم تكن مفوضة لتقبض المهر الحال الذى ملكته بالنكاح، سواء كان عينا أم دينا، وسواء كان بعضه أم كله ويسقط حق الزوجة فى حبس نفسها عن زوجها ان كان المهر مؤجلا.
ولو حل الأجل قبل تسليمها والدخول بها فلا حبس لها على الأصح لوجوب التسليم عليها قبل الحلول والقبض لرضاها بذمته فلا يرتفع بالحلول. وكذلك يسقط حقها فى الحبس بوط ء زوجها لها بتمكينه منها مختارة مكلفة اما ان سلمت نفسها له فقط بدون وط ء فلها بعده حبس نفسها حتى تقبض المهر من زوجها سواء كان موسرا أو معسرا
(1)
.
واذا زوج الرجل ابنه الصغير وهو معسر ففيه قولان.
قال الشافعى: فى القديم: يجب المهر على الأب، لأنه لما زوجه مع العلم بوجوب المهر والإعسار كان ذلك رضا بالتزامه.
وقال فى الجديد: يجب المهر على الابن وهو الصحيح، لأن البضع له
(2)
.
وكذلك المجنون فيجب المهر فى ذمتهما وان لم يشرطه الأب عليهما، ولا يضمنه بغير ضمان
(3)
:
ولو زوج الرجل ابنه وضمن المهر لزوجته ثم أعسر الابن ففى ثبوت حق الفسخ لها قولان:
(الأول): لها الفسخ باعسار الابن فقط ولو كان الأب موسرا.
(والثانى): وهو المعتمد أنه لا بد من اعسار الابن والأب معا حتى يثبت لها حق الفسخ. ثم ان ادعى الأب الاعسار فان عهد له بمال فلا بد من بينة تثبت اعساره. وان لم يعهد له مال.
فقيل: يقبل قوله قياسا على المفلس.
وقيل: لا بد من البينة أيضا لأنه يترتب على اعساره ضياع حق الغير وهو الولد
(4)
ولو تزوج الأب الموسر القادر على اعفاف نفسه بمهر فى ذمته ثم طرأ عليه اعسار قبل دخوله وامتنعت الزوجة من الدخول حتى تقبض مهرها.
فقال البلقينى: يجب على ولده دفعه لحصول اعفاف والده بذلك والصرف للمعقود عليها أولى من السعى لتزويجه بأخرى.
وكذلك لو تزوج الأب فى اعساره ولم يطالب ولده بالاعفاف ثم طالبه به فينبغى أن يلزم ولده دفع المهر لا سيما اذا جهلت الزوجة اعسار الأب وأرادت الفسخ.
(1)
تحفة المحتاج ج 3 ص 192 - 193، واسنى المطالب ج 3 ص 203
(2)
المهذب ج 2 ص 61 طبعة دار إحياء الكتب العربية
(3)
أسنى المطالب ج 3 ص 136 - 137
(4)
حاشية البجرمى على الإقناع ج 4، ص 88.
وانما يلزم الولد جميع ذلك اذا كان المهر الذى أعسر الأب به قدر مهر مثل من تليق به
(1)
.
مذهب الحنابلة:
ان أعسر الزوج بالصداق الحال ففى ثبوت حق طلب فسخ النكاح لزوجته فورا ومتراخيا ثلاثة أوجه:
أحدها: ليس للزوجة الفسخ سواء كان قبل الدخول أو بعده، وهو اختيار ابن حامد البغدادى.
والأصح عند صاحب المغنى لأن الصداق دين فلا يفسخ النكاح للاعسار به كالنفقة الماضية، ولأن تأخيره لا ضرر فيه وقد جرت العادة بتأخيره. وهذا فضلا عن أنه لا نص فيه وليس هو المقصود فى النكاح.
الثانى: لها الفسخ ولو بعد الدخول، وهو اختيار أبى بكر الخلال.
واقتصر على ذكره صاحب كشاف القناع وصاحب منته الارادات، لأنه باعساره تعذر.
وصول زوجته الى العوض فكان لها الرجوع فى المعوض كما لو أفلس المشترى بالثمن.
الثالث: وهو المشهور فى المذهب أنه ان أعسر قبل الدخول فلها الفسخ. وان كان بعد الدخول لم تملك الفسخ، لأن المعقود عليه قد استوفى.
وعلى القول بأن لها الفسخ للاعسار بالصداق فان تزوجته عالمة باعساره فلا تملك الفسخ بعد ذلك وجها واحدا، لأنها رضيت به كذلك. وكذلك لا تملك الفسخ للاعسار به ويسقط حقها فى طلبه ان علمت اعساره بعد العقد فرضيت بالاقامة معه، لأنها رضيت باسقاط حقها بعد وجوبه فسقط كما لو رضيت بعيب فى الزوج يوجب الفسخ. ولها أن تزوجته عالمة باعساره أو رضيت بعد العقد بالمقام مع اعساره منع نفسها من زوجها ولو لم تصلح للاستمتاع، وتسافر بغير اذنه قبل الدخول حتى تقبض مهرها الحال كله أو الحال منه ولو كان درهما لأن تسليم نفسها قبل تسليم صداقها يفضى الى أن يتسلم منفعتها المعقود عليها بالاستمتاع والوط ء ثم لا يسلم صداقها فلا يمكنها الرجوع فيما استوفى منها.
ومتى امتنعت من تسليم نفسها لتقبض صداقها فلها نفقتها ان صلحت للاستمتاع، لأنها امتنعت لحق. وكذلك لها منع نفسها منه بعد الدخول فى أحد الوجهين قياسا على ما قبل الدخول.
والوجه الثانى: ليس لها ذلك ان دخل أو اختلى بها مختارة كما لو سلم المبيع الى المشترى ثم أراد منعه بعد ذلك.
وان كان الصداق مؤجلا فليس لها أن تمنع نفسها حتى تقبضه حتى ولو حل الأجل قبل الدخول، لأن التسليم قد وجب عليها قبل قبضه فلم يكن لها أن تمتنع منه. وحق الفسخ للاعسار بالصداق خاص بالزوجة المكلفة كالنفقة فلا يملكه ولى الزوجة ان كانت صغيرة
(1)
أسنى المطالب ج 3 ص 189
أو مجنونة لأن الحق لها فى الصداق دون وليها وقد ترضى بتأخيره.
ولا يصح الفسخ للاعسار الا بقضاء القاضى أو اذنه للزوجة بالفسخ بدون تأجيل للزوج المعسر على الصحيح.
فاذا فرق القاضى بينهما لذلك فهو فسخ لا رجعة له فيه على التفصيل السابق فى الاعسار بنفقتها
(1)
.
وفسخ النكاح لاعسار الزوج بالمهر يسقط به مهرها ومتعتها ان كانت مفوضة أو سمى لها مهر فاسد، لأنها أتلفت المعوض قبل تسليمه فسقط العوض كالبدل
(2)
.
مذهب الظاهرية:
ان أعسر الزوج بصداق زوجته قبل الدخول أو بعده فلا يجوز للزوجة أن تفسخ النكاح بعد صحته بسبب ذلك كما لا يجوز لها أن تمنع زوجها من أن يتمتع بها لهذا السبب
(3)
.
مذهب الزيدية:
اذا كان المهر حالا فأعسر الزوج به كله أو بعضه فالمذهب أن الزوجة لا تجبر على تسليم نفسها حتى يسلمه لها. وقال الامام يحيى: الظاهر أنها تجبر على تسليم نفسها أولا لأن المهر تابع لمنافع البضع فلا تتسلمه حتى يستوفيها أو يتمكن.
وعند أكثر العترة: ان سلمت نفسها راضية لم يكن لها بعد ذلك أن تمنع نفسها من زوجها، لأنها أسقطت حقها فى الحبس فلا رجوع.
وقال أبو العباس الحسنى بل لها ذلك لأنها محسنة بالتسليم الأول، وما على المحسنين من سبيل.
فان كان المهر مؤجلا فليس لها الامتناع من تسليم نفسها.
فان تأخر التسليم حتى حل الأجل فالمذهب أن لها الامتناع حينئذ كما فى غير المؤجل.
والمذهب أن للزوجة فسخ النكاح أيضا ان أعسر الزوج بالمهر قبل الدخول لا بعده.
وان تزوجته عالمة باعساره به فلا فسخ لها، لأنها قد رضيت باعساره وكذلك لا فسخ لها لو مكنته من نفسها بعد اعساره به.
وقيل: بل يكون لها الفسخ، لأنها دخلت وهى تجوز يساره من بعد اعساره كالنفقة.
والأصح الأول، لأن وجوب النفقة متجدد بخلاف الصداق فافترقا.
وقال صاحب البحر الزخار: ان قياس المذهب يمنع فسخ النكاح لاعسار الزوج بالصداق مطلقا
(4)
.
(1)
المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 251، 252، 256، 267، 268، كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 3 ص 96، 97، 144، 145، 310، 355
(2)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 3 ص 88، 89، 130
(3)
المحلى ج 10 ص 109 رقم 1934، ص 92 رقم 1929
(4)
البحر الزخار ج 3 ص 105 - 106
مذهب الإمامية:
اذا أعسر الزوج بالمهر يمهل حتى يوسع الله تعالى عليه وليس لزوجته أن تفسخ النكاح بينها وبينه بسبب ذلك وانما لها أن تمتنع من تسليم نفسها قبل الدخول حتى تقبض مهرها الحال سواء كان الزوج موسرا أم معسرا.
وربما قيل: اذا كان معسرا ليس لها الامتناع، لمنع مطالبته. وليس لها بعد الدخول بها راضية أن تمنع نفسها من زوجها فى أصح القولين، لاستقرار المهر بالوط ء، وقد حصل تسليمها نفسها برضاها فانحصر حقها فى المطالبة دون الامتناع.
وقيل: لها الامتناع كقبل الدخول، لأن المقصود بالنكاح منافع البضع فيكون المهر فى مقابلها.
ولو كان المهر مؤجلا لم يكن لها الامتناع حتى تقبضه، لأنه لا يجب لها حينئذ شئ فيبقى وجوب حقه عليها بغير معارض.
ولو امتنعت وأقدمت على فعل المحرم - الى أن حل الأجل ففى جواز امتناعها حينئذ الى أن تقبضه وجهان:
أجودهما: أنه ليس لها الامتناع، لاستقرار وجوب تسليم نفسها قبل حلول الأجل فيستصحب.
وقيل: يجوز لها ذلك تنزيلا له منزلة الحال ابتداء
(1)
.
أثر الاعسار فى تقدير
متعة الطلاق
مذهب الحنفية:
اذا طلق الرجل امرأته التى لم يدخل بها ولم يسم لها مهرا فى العقد فالمعتبر فى تقدير المتعة الواجبة لها حينئذ هو حال الرجل اعسارا أو يسارا، لقوله تعالى:
«وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ»
(2)
.
وهو قول أبى يوسف واختاره أبو بكر الرازى.
وقال الكرخى: تعتبر بحال المرأة فى يسارها واعسارها لقيام المتعة حينئذ مقام نصف مهر المثل، ومهر المثل يعتبر بحالها فكذا ما يقوم مقامه.
وقال الخصاف: تعتبر بحالهما معا.
فان كانا معسرين فلها الأدنى من الثياب.
وان كان أحدهما معسرا والآخر موسرا فلها الوسط وهذا هو الأرجح والذى عليه الفتوى.
ومهما بلغ اعسار الرجل أو اعسارهما فان المتعة لا تنقص عن خمسة دراهم بأى حال فى
(1)
تحرير الاحكام ج 2 ص 49 طبعة سنة 1314، قواعد الاحكام ج 2 ص 37، 52 طبعة حجر سنة 1329، الروضة البهية ج 2 ص 144 - 146، شرائع الاسلام ج 2 ص 34، 36
(2)
سورة البقرة رقم 236
جميع الأقوال، لأن أقل المهر عشرة دراهم والمتعة بدل من نصفه
(1)
.
مذهب المالكية:
يستحب فى متعة الطلاق - أى طلاق - أن تكون على قدر حال الزوج من يسار واعسار على المشهور ولا يقضى عليه بها
(2)
.
مذهب الشافعية:
اذا تنازع الزوجان بعد الطلاق فى قدر المتعة الواجبة فالراجح أن القاضى يقدرها باجتهاده معتبرا حالهما من يسار الزوج واعساره ونسب الزوجة وصفاتها ويجب على الزوج حينئذ ما يقدره القاضى
(3)
.
مذهب الحنابلة:
اعسار الزوج ويساره هو المعتبر فى تقدير المتعة الواجبة للزوجة التى لم يسم لها مهر فى العقد ان فارقها زوجها قبل الدخول بها بطلاق أو غيره مما ينصف المهر.
وأدنى ما يجب على المعسر منها على الأرجح كسوة تجزى المرأة فى صلاتها وهى درع وخمار أو ثوب تصلى فيه بحيث يستر ما يجب ستره.
فان كان اعساره مما يعجزه عن أدائها بقيت فى ذمته ولا تسقط عنه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم: المقتر وهو من لا يجد قوت يومه أو لا يجد زيادة على ذلك، لا يكلف شيئا.
وتكون المتعة دينا عليه لا تسقط عنه.
فاذا وجد زيادة على قوته كلف أن يعطى مطلقته ما تنتفع به ولو فى أكلة يوم كما أمر الله عز وجل اذ يقول:
(5)
.
مذهب الزيدية:
ان أعسر المطلق بمتعة مطلقته التى لم يسم لها مهرا بقيت فى ذمته حتى يوسر فتؤخذ منه،
والمعتبر فى تقديرها هو حال المطلق يسارا وأعسارا.
وقيل: المعتبر هو حال الزوجة، لأن المتعة عوض عن المهر وهو معتبر بحالها
(6)
.
(1)
البدائع ج 2 ص 304، حاشية ابن عابدين ج 3 ص 111، فتح القدير والعناية والهداية ج 3 ص 441 - 442
(2)
حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 1 ص 532
(3)
شرح المحلى على المنهاج بحاشيتى قليوبى وعميرة ج 3 ص 291
(4)
المغنى والشرح الكبير ج 8 ص 52، كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 3، ص 94 - 140
(5)
المحلى ج 10 ص 335 - 336 رقم 1984
(6)
البحر الزخار ج 3 ص 128
مذهب الإمامية:
المعتبر فى متعة المفوضة المطلقة قبل الدخول هو حال الزوج يسارا واعسارا دون حالها فان كان معسرا وجب عليه امتاعها بدينار أو خاتم من ذهب أو فضة معتد به عادة أو ما شاكله من الأموال المناسبة
(1)
.
مذهب الإباضية:
يعتبر فى تقدير المتعة حال الرجل يسارا واعسارا والوقت المعتبر فى اعساره بالمتعة هو يوم انقضاء العدة لا يوم الطلاق ولا يوم الحكم لها بها.
فان كان فى ذلك الوقت معسرا لم تلزمه.
وان أيسر وهى فى العدة لزمته وان لم يوسر الا بعد العدة لم تلزمه.
وان كان حال الطلاق موسرا ثم أعسر فالمتعة دين عليه ان طلقها بائنا وان لم يعلم حاله وقت الطلاق وادعى الاعسار قبل قوله مع يمينه.
وان متعها فى عدتها وهو موسر ثم أعسر قبل انقضائها ردت له ما كان زيادة على متعة المعسر وذلك بشرط أن يظل معسرا بعد انقضاء العدة ولو بساعة. وكذلك الحكم ان أعسر مع الانقضاء وبقى كذلك بعده.
أما ان طرأ عليه الاعسار بعد انقضاء العدة واستمرار يساره بعدها ولو بساعة فلا رد عليها لشئ من المتعة.
وان متعها وهو معسر ثم أيسر فى خلال العدة لزمه أن يزيد لها ما نقصت متعة المعسر على متعة الموسر.
وقيل: الوقت المعتبر فى اعساره بها هو يوم الحكم لها حتى لو انتقل قبل ذلك من حال الى حال أو تبدلت أحواله قبل ذلك مرارا لأن ذلك الوقت هو وقت استحقاقها للمتعة
(2)
.
أثر الاعسار بالدية
مذهب الحنفية:
اعسار أحد أفراد عاقلة القاتل بما وجب عليه من الدية وهو ثلاثة دراهم أو أربعة لا يزاد على ذلك مقسطة على ثلاث سنين - لا يسقطه عنه بل يفرض عليه ذلك مع اعساره ما دام رجلا بالغا عاقلا لأنه من أهل النصرة وما فرض عليه منها قليل وقد ينقص عن هذا القدر فلا يعسر عليه أداء درهم أو درهم وثلث - على الأكثر - كل سنة من وقت القضاء
(1)
الروضة البهية ج 2 ص 116، شرائع الإسلام ج 2 ص 34
(2)
شرح النيل ج 3 ص 554، 556، 558، 559
بالدية وكذا اذا أعسر القاتل بالدية الواجبة عليه فى ماله خاصة دون عاقلة باقراره أو صلحه عنها أو بقتله ابنه عمدا فالذى يؤخذ من قواعدهم أنها لا باقية فى ذمته.
قال ابن نجيم فى الأشباه والنظائر ان الدين لا يمنع وجوب الدية
(1)
.
وهذا يفيد أن الاعسار لا يحول دون وجوب الدية.
مذهب المالكية:
الاعسار يسقط وجوب الدية عن المعسر اذا كانت الجناية من غيره فلا يدخل ضمن العاقلة فى تحمل الدية.
أما بالنسبة لجنايته هو على غيره ففى وجوب الدية عليه حالة اعساره قولان.
اختلف فى الترجيح بينهما.
أما اذا طرأ الاعسار بعد وجوب الدية عليه فلا أثر له فى سقوطها عنه.
والمعسر هنا هو الذى لا شئ فى يده ولا يقدر على غير قوته.
والمعتبر فى اعساره ويساره بذلك هو وقت توزيع الدية على العاقلة
(2)
.
مذهب الشافعية:
ان أعسر الشخص بالدية الواجبة عليه وتخصه هو دون عاقلته سقطت عنه المطالبة بها خلال فترة اعساره وتظل باقية فى ذمته يؤديها متى أيسر.
فان مات معسرا سقطت ولا يطالب بها الورثة.
أما لو مات موسرا فانها تحل عليه كسائر الديون.
أما ان وجبت الدية على عاقلة الجانى فلا يدخل فيهم من كان معسرا منهم ولا يوزع عليه شئ منها.
ولو كان قادرا على الاكتساب، لأن تحمل الدية عن الجانى وجب مواساة له والمعسر ليس من أهل المواساة.
والاعسار هنا يتحقق فى كل من ليس فى ملكه شئ زائد على ربع دينار - وهو أقل ما يتحمله الفرد من العاقلة فى السنة - فاضل فى كفايته وكفاية من تلزمه نفقته على دوام بقية العمر الغالب.
والوقت المعتبر لاعساره أو توسطه أو يساره هو آخر السنة من حين قضاء القاضى بها، لأنه وقت الأداء، فلا يؤثر الاعسار ونقيضه لا قبل ذلك ولا بعده فمن أعسر فى آخر السنة فلا شئ عليه من حصة تلك السنة حتى ولو كان موسرا من قبل أو أيسر بعد ذلك.
ومن كان موسرا فى آخرها ولم يؤد ما
(1)
حاشية أبن عابدين ج 6 ص 641 - 646، البدائع ج 7 ص 255، 256، 263، 264، الاشياء والنظائر ج 1 ص 359 من الفن الثالث طبعة الحلبى الثانية سنة 1387 هـ، 1968.
(2)
الخرشى ج 8 ص 56، 57، حاشية الصاوى والشرح الصغير ج 2 ص 445 - 446، حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 253 المطبعة الخيرية سنة 1326، شرح الخرشى وحاشية العدوى عليه ج 8 ص 27
عليه من الدية حتى أعسر لم يسقط ما عليه ويبقى دينا فى ذمته.
ولو ادعى الاعسار بعد اليسار فالقول قوله مع يمينه ولا يكلف البينة، لأنه انما يتحمل بعد العلم بيساره.
وان أعسرت كل العاقلة بتحمل كل الدية أو بعضها عن الجانى تحملها عنه كلا أو بعضا بيت المال ان وجد وكان الجانى مسلما.
فان فقد بيت المال أو امتنع ناظره من تحملها عنه ظلما فكل الدية أو الباقى منها بعد التوزيع على العاقلة تلزم الجانى فى ماله على الأظهر، وتلزمه مؤجلة كالعاقلة.
فان مات معسرا سقطت عنه كما لو كان حيا معسرا على ما سبق ذكره فى بداية الكلام عنها
(1)
.
مذهب الحنابلة:
لا يجب شئ من الدية على معسر من العاقلة حتى ولو كان مكتسبا، لأن تحميل المعسر شيئا منها يثقل عليه ويجحف بماله، وربما يكون الواجب عليه جميع ماله أو أكثر منه وهذا هو الصحيح.
وروى أبو الخطاب عن أحمد: أن للمعسر مدخلا فى التحمل، لأنه من أهل النصرة فكان من العاقلة كالموسر.
والاعسار هنا - على الصحيح يتحقق فى كل من لا مال له أصلا، أو فيمن لا يملك نصاب الزكاة عند حلول الحول الذى يبدأ من حين وجوب الدية بموت المجنى عليه أو بشفائه من جرحه.
فان كان موسرا ثم أعسر فى أثناء الحول قبل نهايته فانه يسقط عنه قسط ذلك الحول لأنه مال يجب مواساة فيسقط بحدوث المانع قبل تمام الحول كالزكاة.
أما ان أعسر بما وجب عليه من الدية بعد انتهاء الحول لم يسقط عنه بذلك. لأنه حق تدخله النيابة لا يملك اسقاطه فى حياته فأشبه الديون.
وان كان معسرا فى بداية الحول ثم أيسر فى أثنائه.
فقال القاضى أبو يعلى: يلزمه أداء ما كان يلزمه لو كان موسرا جميع الحول، لأنه وجد وقت الوجوب وهو من أهله.
وقيل: يحتمل أن لا يلزمه شئ عن هذا الحول الذى أيسر فيه، لأنه لم يكن من أهل الوجوب حالة السبب فلم يثبت الحكم فيه حالة تحقق الشرط.
وان أعسرت كل عاقلة الجانى بأداء كل الدية أو بعضها.
فان كان الجانى مسلما أخذت الدية كلها أو بعضها من بيت المال دفعة واحدة غير مؤجلة على الأصح، لأنها تؤجل على العاقلة تخفيفا عنهم ولا حاجة الى ذلك فى بيت المال فان تعذر أخذها من بيت المال لأى سبب من
(1)
اسنى المطالب ج 4 ص 85 - 86 شرح المحلى على المنهاج بحاشيتى قليوبى وعميرة عليه ج 4 ص 155 - 157
الأسباب فليس على الجانى شئ منها وتسقط، لأن الدية تلزم العاقلة ابتداء بدليل أنه لا يطالب بها غيرهم ولا يعتبر رضاهم بها فلا تجب على غير من وجبت عليه.
وقيل: ان أعسرت العاقلة بها وتعذر أخذها من بيت المال فانها تجب فى مال الجانى.
قال صاحب المغنى: وهذا أولى من اهدار دم الانسان فى أغلب الأحوال فانه لا يكاد توجد عاقلة تحمل الدية كلها، ولا سبيل الى الأخذ من بيت المال فتضيع الدماء.
واختاره أيضا ابن تيميه.
وان كان الجانى ذميا فالدية تجب فى ماله عند اعسار عاقلته بأدائها بدون خلاف، لأن بيت مال المسلمين لا يتحمل الدية عنه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
لا يجب شئ من الدية على من أعسر بنصيبه منها، لقوله تعالى:
«لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها» فصح يقينا أن المعسرين خارجون مما تكلفه العاقلة
(2)
.
وان أعسرت العاقلة كلها بالدية وكذلك الغرة تكون على جماعة المسلمين فى سهم الغارمين من الزكاة والصدقات لأنهم مدينون معسرون فحقهم فى سهم الغارمين بنص القرآن.
ولا تؤخذ الدية عند اعسار العاقلة بها من مال الجانى، لأنه لم يأت نص ولا اجماع بأن الجانى يغرم معهم شيئا من الدية فلم يحل أن يخرج من ماله شئ
(3)
.
وكذلك ان وجبت الدية فى مال الجانى وكان معسرا لا مال له ولا عاقلة فهى فى سهم الغارمين على ما ذكر
(4)
.
مذهب الزيدية:
لا فرق فى وجوب الدية على العاقلة بين موسرهم ومعسرهم فالمعسر يحمل منها أقل من عشرة دراهم كما يحمل الموسر سواء بسواء ولا يستثنى للمعسر شئ، لأنه ممن يتناصر بهم الجانى والمحمول شئ يسير فعم الوجوب وما لزمه منها فى حالة اعساره يكون من جملة ديونه. ولا يجب عليه التكسب لذلك بل يبقى دينا فى ذمته يؤديه متى أيسر فان تعذر فلا شئ عليه. فاذا لم يكن للجانى عاقلة أو كانت ولم يف ما تحملوه لقلتهم أو لكثرة اللازم وأعسر الجانى بالدية كلها أو بعضها أخذت الدية كلها أو بعضها - من بيت المال مقسطة فى ثلاث سنين. فاذا لم يكن هناك بيت مال تحمل الدية
(1)
كشاف القناع وشرح المنته بهامشه ج 4 ص 36، 39، 52، 57، المغنى والشرح الكبير ج 9 ص 492، 521 - 526، 546، 563، الاختيارات العلمية لابن تيميه بنهاية فتاويه ج 4 ص 174 مطبعة كروستان العلمية بالقاهرية سنة 1329
(2)
المحلى ج 11 ص 56 رقم 2343
(3)
المحلى ج 11 ص 56 رقم 2142
(4)
المحلى ج 10 ص 388 رقم 2023
عند المسلمون من أهل ناحيته ان كفوا فى ثلاث سنين. وان لم يكفوا انتقل الى أقرب جهة اليها
(1)
.
مذهب الإمامية:
لا يتحمل المعسر من عاقلة الجانى شيئا من الدية. والمعتبر اعساره عند استحقاق المطالبة وهو حلول أجل الدية بحولان الحول الذى يبدأ من حين الموت فى النفس ومن حين الجناية فى الأطراف، ومن حين الاندمال فى الجروح والشجاج، فان كان موسرا وقت الجناية ثم طرأ عليه اعسار عند استحقاق المطالبة فلا شئ عليه، أما اذا حال عليه الحول وهو موسر وجبت مطالبته بما لزمه ولو أعسر بعد ذلك لم يسقط عنه ما لزمه ويثبت فى ذمته الى أن يوسر فيؤديه وان أعسرت العاقلة بالدية أخذت من مال الجانى ان كان موسرا فان كان معسرا أخذت من الامام وقيل: مع اعسار العاقلة تؤخذ من الامام دون الجانى وان كان موسرا. وان أعسر الجانى بالدية الواجبة عليه فى ماله خاصة فقيل: تؤخذ من الأقرب اليه ممن يرث ديته. فان لم يكن فمن بيت المال، وهو الأظهر. ومن الاصحاب من قصرها على الجانى ولو مع اعساره ويمهل بها الى يساره وهذا فى المسلم أما ان أعسر الذمى بدية جنايته فعاقلته ابتداء هو الامام بتحملها عنه عند اعساره بها دون عصبته وان كانوا كفارا، بما وجب عليه من الدية فانه لاعساره فانه يزاد لأنه يؤدى الجزية اليه
(2)
.
مذهب الإباضية:
ان لم يكن لجان بالغ عاقل أو جان مجنون جن بعد البلوغ مال فالدية وما دونها فى العمد أو شبهة هى دين عليه يؤديها متى أيسر. واذا أعسر أحد أفراد العاقلة بما وجب عليه من الدية فانه يسقط عنه ولا يعد من العاقلة لاعساره فاذا أيسر بعد تقسيطها فلا شئ عليه لأن الحكم مضى
(3)
. وان لم تتحمل العاقلة من العصبة الدية لاعسارهم يزاد لهم من الفخذ ثم من البطن ثم من الفصيلة ثم من العشيرة ثم من القبيلة. فان أعسرت العاقلة كلها فان الدية تجب فى مال الجانى ولو كان طفلا أو مجنونا. وان كان الجانى غريبا لا عاقلة له ولا هو من أهل الديوان فان الدية ساقطة.
وقيل: الدية فى ماله ان كان له مال. وقيل:
فى بيت المال
(4)
.
وقال الشيخ أحمد: ان لم يكن فى العاقلة الا الفقراء والمساكين كانت عليهم دينا فمن أستفاد منهم مالا أدى ان لم يكن المال الذى استفاده أقل مما يفلس عليه القاضى
(5)
.
(1)
البحر الزخار ج 5 ص 252 - 255، التاج المذهب ج 4 ص 344 - 345
(2)
شرائع الاسلام ج 2 ص 312 - 313، الروضة البهية ج 2 ص 446 - 447
(3)
شرح النيل ج 8 ص 114
(4)
شرح النيل ج 8 ص 113، 114
(5)
شرح النيل ج 8 ص 116
أثر الاعسار فى النذر
مذهب الحنفية:
الوجوب بسبب النذر يستوى فيه الفقير والغنى. فلو نذر المعسر أن يتصدق بمال، أو نذر شيئا يتعلق بالمال صح نذره ولزمه المنذور بشرط أن يكون المال المنذور مملوكا له وقت النذر أو يضيفه الى الملك أو الى سبب الملك حتى لو قال: مالى فى المساكين صدقة وهو معسر لا مال له لا يصح نذره ولا يلزمه شئ لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا نذر فيما لا يملكه ابن آدم» الا اذا أضافه الى الملك أو سببه بأن قال كل مال أملكه فى المستقبل فهو صدقة أو قال: كل شئ أشتريه أو أرثه فيصح ويلزمه الوفاء به متى أيسر لقوله عز وجل: «وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصّالِحِينَ فَلَمّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ» }.
«ولو التزم بالنذر أكثر مما يملكه لزمه ما يملكه يوم الحنث فقط على المختار
(2)
.
مذهب المالكية:
اعسار الناذر بالشئ المنذور - كلا أو بعضا - يسقطه عنه، ويلزمه الاتيان بما قدر عليه منه ان أعسر ببعضه. وهذا كله فى غير نذر البدنة - وهى الواحدة من الابل ذكرا أو أنثى - من الأموال. أما اذا نذر بدنه وأعسر بها لعجزه عنها وعن ثمنها فانه يلزمه - على المشهور - أن يخرج بقرة بدلا منها فان أعسر بالبقرة أيضا فانه يلزمه أن يخرج سبع شياه فى سن الأضحية وصفتها. فان أعسر بالغنم أيضا فانه لا يلزمه شئ من صيام أو اطعام أو غيره بل يصبر لوجود الأصل أو بدله أو بدل بدله. ولو قدر على بعض السبعة من الغنم وأعسر بالبعض فانه لا يلزمه اخراج شئ من ذلك كما هو ظاهر كلام الخليل والمواق وقال البعض: يلزمه اخراج ما قدر عليه ثم يكمل ما بقى متى أيسر. قال الخرشى:
وهو ظاهر، لأنه ليس عليه أن يأتى بها كلها فى وقت واحد. وقال ابن نافع: اذا أعسر ناذر البدنة بها فلا يلزمه الا ما نذر، ولا تجزئه البقرة ولا الشياه. وقال البعض: اذا أعسر ناذر (1) البدائع ج 5 ص 61، 62، 90، الاشباه والنظائر ج 2 ص 103 من الرسالة 36 طبعة دار الطباعة العامرة سنة 1290
(2)
الفتاوى البزازية بهامش الهندية ج 4 ص 271، حاشية ابن عابدين ج 3 ص 741 - 742 طبعة الحلبى الثانية سنة 1386 هـ
البدنة بالسبع شياه وما قبلها صام عشرة أيام وقيل: يصوم شهرين
(1)
.
مذهب الشافعية:
اعسار الشخص لا يسقط عنه ما نذره من مال ويبقى المنذور دينا فى ذمته يلزمه أداؤه متى أيسر وفى الجواهر للقمولى: لو نذر الصدقة كل يوم بكذا فمرت أيام وهو معسر ثبتت فى ذمته
(2)
. وان أعسر الناذر فلم يتمكن من الحج المنذور فى سنة معينة فلا قضاء عليه ويسقط عنه. لأن المنذور حج فى تلك السنة ولم يقدر عليه لاعساره
(3)
.
مذهب الحنابلة:
ان اعسر الشخص بما أوجبه على نفسه بالنذر من صدقة ونحوها فانه لا يسقط عنه ويبقى فى ذمته يؤديه متى أيسر
(4)
.
مذهب الظاهرية:
ان نذر المعسر الذى لا يملك شيئا أن يتصدق بشئ كبدنة أو مائة درهم فهو نذر لازم ويكون فى ذمته الى أن يوسر
(5)
. الا أن يكون قد حدد لذلك وقتا فجاء ذلك الوقت وهو لا يقدر على أدائه لاعساره مثلا فانه لا يلزمه أداؤه لا حينئذ ولا بعد ذلك
(6)
.
مذهب الإمامية:
لو نذر شخص الصدقة بمال وهو معسر بطل نذره لأنه غير مقدور له
(7)
.
مذهب الإباضية:
لو نذر ماله كله أو بعضه - فى المساكين بيمين وهو موسر ثم حنث وهو معسر لا يملك شيئا غير لباسه فانه لا يلزمه شئ وعلى العكس وهو أن ينذر وهو معسر ثم يحنث وهو موسر فانه يلزمه أن يخرج كل ماله أو ثلثه أو نصفه أقوال تفصيلها ينظر فى مصطلح «نذر» وان نذر ثلاثين حجة أو أقل أو أكثر لزمته فان أعسر صام لكل حجة شهرين متتابعين وان عجز عن الصوم أطعم عن كل يوم مسكينا.
وقيل: يلزمه الحج لا غير يؤديه متى أيسر.
وقيل: يسقط الحج عنه لاعساره
(8)
.
(1)
الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوى عليه ج 1 ص 392 - 393، الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 166، الخرشى وحاشية الصاوى عليه ج 3 ص 109
(2)
الاشباه والنظائر للسيوطى ج 1 ص 368 رقم 1116
(3)
اسنى المطالب ج 1 ص 285
(4)
كشاف القناع ج 1 ص 510
(5)
المحلى ج 8 ص 368 رقم 1116
(6)
المحلى ج 8 ص 371 رقم 1119
(7)
الروضة البهية ج 2 ص 233
(8)
شرح النيل ج 2 ص 496، 501
يلاحظ أن الأعلام الواردة فى هذا الجزء روعى فى ترتيبها أول حرف منها دون اعتداد بألفاظ (أب)، (أم)، (ابن)، (آل) التى للتعريف.
وقد أشرنا بالنسبة للأعلام التى وردت بهذا الجزء وسبق ورودها بالجزء الأول إلى موضعها هناك.
مقرر اللجنة محمد سلام مدكور
بسم الله الرحمن الرحيم
حرف الالف:
ابراهيم بن رستم:
انظر ص 4 ص 395
ابراهيم النخعى:
انظر النخعى ص 1 ص 279
الابى:
انظر ص 1 ص 247
أبى بن أيوب:
انظر ص 3 ص 337
أبى بن كعب:
انظر ص 1 ص 247
الاثرم:
انظر ص 1 ص 247
احمد:
انظر ابن حنبل ص 1 ص 247
احمد بن الحسين:
انظر المؤيد بالله ص 1 ص 275
الاحنف:
المتوفى سنة 72 هـ: الاحنف بن قيس ابن معاوية بن حصين المرى السعدى المنقرى التميمى ابو بحر، سيد تميم، وأحد العظماء الدهاة العظماء الشجعان الفاتحين ولد فى البصرة وأدرك النبى صلى الله عليه وسلم ولم يره، ووفد على عمر حين آلت اليه الخلافة فى المدينة فاستبقاه عمر فمكث عاما وأذن له فعاد الى البصرة وشهد الفتوح فى خراسان واعتزل الفتنة يوم الجمل ثم شهد صفين مع على كرم الله وجهه ولما انتظم الامر لمعاوية عاتبه وأغلط له الاحنف فى الجواب وكان صديقا لمصعب ابن عمير أمير العراق فوفد عليه بالكوفة فتوفى فيها وهو عنده وأخباره كثيرة جدا
ابن ادريس:
انظر ص 2 ص 343
الاذرعى:
انظر ص 1 ص 248
الازجى:
المتوفى سنة 599 هـ: ابراهيم بن محمد ابن احمد الطيبى البغدادى الازجى الفقيه الايام أبو اسحاق مفتى العراق ويلقب بموفق الدين ولد فى خامس عشر من شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة، كما ذكره القطيعى وقال المنذرى فى نصف شوال وسمع من ابن الطلابه وسمع من ابن ناصر وأبى بكر بن الزغوانى وغيرهم - وكان له كتابا جمعه وسماه الترغيب وقرا الفقه على القاضى أبى يعلى بن أبى حازم وبرع فى الفقه مذهبا وخلافا وجدالا واتقن علم الفرائض والحساب وشهد طرفا من العربية وكتب خطا حسنا ودرس وافتى وناظر وكان من أكابر العدول وشهود الحضرة وأعيان المفتين المعتمد على فتاويهم متين الديانة حسن المعاشرة طيب المفاكهة حدث وسمع منه ابن القطيعى وروى عنه ابن الدبيثى والحافظ الضياء وابن النجار توفى آخر يوم الاثنين ثانى ذى الحجة سنة تسع وتسعين وخمسمائة وصلى عليه من الغد عند المقطرة بباب الازج وحمل على الرءوس ودفن بباب حرب وشيعه خلق عظيم، وقيل كانت وفاته فى مستهل ذى الحجة.
الازجى: توفى سنة 597 هـ: تميم احمد بن أحمد بن كرم بن غالب بن قتيل الفيديجى ثم البغدادى الازجى المقيد أبو القاسم بن أبى بكر بن أبى السعادات، ولد سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة تقريبا قاله ابن القطيعى وقال المنذرى سنة أربع أو خمس، وقال أبن النجار: قرأت بخطه قال ولدت فى رجب سنة أربع وأربعين وخمسمائة سمع الكثير من أبى بكر الزغوانى والوزير ابن هبيرة وغيرهم وكان يعتنى بحفظ أسماء الشيوخ ومعرفة مروياتهم ومواليدهم ووفياتهم وحدث باليسير لانه مات قبل الشيخوخه سمع منه ابن النجار وتكلم فيه هو وشيخه ابن الاخضر وأجاز للحافظ المنذرى، توفى يوم السبت ثالث جمادى الاخرة سنه سبع وتسعين وخمسمائة ودفن من الغد بمقبرة باب حرب.
الازهرى:
انظر ص 2 ص 343
اسامة بن زيد:
انظر ص 1 ص 248
الاسبيجابى:
انظر ص 2 ص 343
اسحاق:
انظر ص 2 ص 343
اسحاق بن عمار:
انظر ص 7 ص 386
ابو اسحاق الشيرازى:
انظر الشيرازى ص 1 ص 263
أبو اسحاق المروزى:
انظر ص 3 ص 335
اسمر:
اسمر بن مغرس الطائى - قال النجار وابن السكن له صحبة وحديث واحد وقال أبو عمر هو أخو عروة بن مغرس وهو أعرابى وقال ابن منده هو أسمر بن أبيض ابن مغرس زاد فى نسبه أبيض وقال عداده فى أهل البصرة «قلت» وأخرج حديثه أبو داود باسناد حسن قال أتيت النبى صلى الله عليه وسلم فبايعه فقال «من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو له»
اسماعيل بن سعيد الشامخى:
انظر ص 2 ص 344
الشيخ اسماعيل 750 هـ:
ابو طاهر اسماعيل الجيطالى عالم من علماء الإباضية البارزين خدم الاسلام باخلاص المؤمن وهو العالم وعمق الفيلسوف ولعل من أعظم ما كتب عن معانى الايمان وفلسفة الاخلاق: كتابه القيم قناطر الخيرات فى ثلاثة اجزاء ضخمة: لقد عاش الجيطالى فى القرنين السابع والثامن يملأ الدنيا علما وحكمة وخلقا ودينا وتوفى سنة خمسين وسبعمائة
الاسود:
انظر ص 4 ص 360
اشهب:
انظر ص 1 ص 249
اصبغ:
انظر ص 1 ص 249
الاعرج:
انظر ص 3 ص 336
الافقهسى:
انظر ص 3 ص 337
أمامه بنت أبى العاصى:
أمامه بنت أبى العاصى بن الربيع واسم أبى العاصى مهشم وقيل لقيط وقيل ياسر وقيل القاسم مذكور فى المهذب فى باب طهارة البدن وفى باب ما يفسد الصلاة وهى امامة بنت أبى العاصى بن الربيع بن عبد العزى بن عبد مناف القريشية أمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كان النبى صلى الله عليه وسلم يحبها ويحملها فى الصلاة وثبت ذلك فى الصحيح تزوجها على بن أبى طالب رضى الله عنها بعد وفاة فاطمة رضى الله عنها وكانت فاطمة أوصت عليا أن يتزوجها ثم تزوجها بعد على: المغيرة بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم فولدت له يحيى وبه يكنى وماتت عند المغيرة وليس زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا لرقية ولا لام كلثوم عقب وانما العقب لفاطمة رضى الله عنهم.
أبو أمامة:
انظر ص 4 ص 360
أنس:
انظر ص 1 ص 249
الاوزجندى:
انظر ص 4 ص 260
حرف الباء:
الباجى:
انظر ج 1 ص 250
النجارى:
انظر ج 1 ص 250
البرزلى:
انظر ج 5 ص 365
بروع بنت واشق:
انظر ج 1 ص 250
البساطى:
انظر ج 5 ص 365
بشر:
انظر ج 4 ص 361
البغوى:
انظر ج 2 ص 345
أبو بصير:
انظر ج 3 ص 338
الباقر:
انظر أبو جعفر ج 2 ص 347
أبو بكر:
انظر ج 2 ص 345
أبو بكر بن عبد الرحمن توفى سنة 94، 95 هـ:
أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم القريشى المخزومى المدنى التابعى أحد فقهاء المدينة السبعة اسمه محمد كنيته أبو بكر وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو عبد الرحمن والصحيح ان اسمه كنيته سمع أباه عبد الرحمن الصحابى وأبا مسعود البدرى وأبا هريرة وعائشة وغيرهم .. روى عنه مجاهد وعكرمة بن خالد وغيرهم، قال محمد بن سعيد ولد أبو بكر هذا فى خلافة عمر بن الخطاب رضى الله عنه وكان يقال له راهب قريش لكثرة
صلاته وكان مكفوفا واستصغر يوم الجمل هو وعروة ابن الزبير فروا قال وكان ثقة فقيها عالما توفى أبو بكر بالمدينة قال يحيى ابن بكير سنة أربع أو خمس وتسعين من الهجرة.
أبو بكر محمد بن الفضل:
أبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل ثقة مشهور يروى عن أبى بكر بن زياد النيسابورى وطائفة وهو جد أبو الغنائم عبد الصمد
ابن بكير توفى سنة 388 هـ:
ابو عبد الله الحسين بن أحمد بن عبد الله بن بكير البغدادى الصيرفى الحافظ، روى عن اسماعيل الصفار وطبقته. وكان عجبا فى حفظ الحديث وسرده، روى عنه أبو حفص بن شاهين مع تقدمه، وتوفى فى ربيع الآخر، عن احدى وستين سنة، وكان ثقة.
البلقينى:
انظر ج 2 ص 346
بهلام:
انظر ج 5 ص 365
البويطى:
توفى سنه 231 هـ 846 م: يوسف بن يحيى القرشى أبو يعقوب البويطى صاحب الامام الشافعى واسطة عقد جماعته قام مقامه فى الدرس والافتاء بعد وفاته وهو من أهل مصر نسبته الى بويط «من أعمال الصعيد الادنى» ولما كانت المحنة فى قضية خلق القران حمل الى بغداد «فى أيام الواثق» محمولا على بغل مقيدا واريد منه القول بأن القران مخلوق فامتنع فسجن ومات فى سجنه ببغداد قال الشافعى ليس أحدا أحق بمجلس من يوسف بن يحيى وليس أحد من أصحابى أعلم منه له المختصر فى الفقه اقتبسه من كلام الشافعى
البيهقى:
أنظر ج 1 ص 251
حرف التاء:
التتائى - توفى سنه 942 هـ:
محمد بن ابراهيم ابن خليل التتائى: فقيه من علماء المالكية نسبته الى «تتا» من قرى المنوفية بمصر فقيه القرى بقاضى القضاة بالديار المصرية من كتبه «فتح الجليل» شرح به مختصر خليل فى الفقه شرحا مطولا، و «جواهر الدرر» فى شرحه ايضا و «تنوير المقالة» فى شرح رسالة ابن أبى زيد القيروانى وفقهه، وخطط السداد والرشد بشرح نظم مقدمة بن رشد.
الشرندى:
انظر ج 1 ص 251
تقى الدين:
انظر ابن تيمية ج 1 ص 251
التمرتاش:
انظر ج 3 ص 338
التونسى:
انظر ج 1 ص 251
ابن تيميه:
انظر ج 1 ص 251
حرف الثاء:
أبو ثور:
انظر ج 1 ص 252
الثورى:
انظر ج 1 ص 252
حرف الجيم:
جابر بن زيد:
انظر ج 3 ص 339
جابر بن عبد الله:
انظر ج 1 ص 252
ابن جرير:
انظر ج 1 ص 252
ابن جعفر المتوفى سنة 215 هـ:
هو عبد الرحمن الضرير الوكيعى قال زكريا بن يحيى الساجى حدثنى أحمد بن محمد قال سمعت أبا نعيم يقول ما رأيت ضريرا أحفظ من أحمد بن جعفر الوكيعى وقال أبو داود كان أبو عبد الرحمن الوكيعى يحفظ العلم على الوجه وقال الدارقطنى احمد الوكيعى ثقة وابنه محمد ثقة قال الحربى مات أحمد الوكيعى ببغداد سنة خمس عشرة يعنى ومائتين وكان الوكيعى يحفظ مائة ألف حديث
جعفر بن محمد:
انظر ج 2 ص 347
ابو جعفر الهندوانى:
انظر ج 1 ص 253
الجعفى:
انظر حسين الجعفى ج 1 ص 254
ابن الجلاب المتوفى سنة 378 هـ:
هو أبو القاسم عبيد الله بن الحسن بن الجلاب الفقيه المالكى. صاحب القاضى أبو بكر الابهرى الف كتاب التفريع وهو مشهور وكتاب مسائل الخلاف وفى اسمه أقوال فى الشذرات «القاسم» بدون «أبو» وفى ترجمته فى شجرة النور الذكية ص 92 أبو القاسم عبيد الله بن الجلاب
ابن الجنيد:
انظر ج 1 ص 253
ابن الجوزى:
انظر ج 1 ص 253
حرف الحاء:
ام حبيبة:
انظر ج 5 ص 366
ابن الحاجب:
انظر ج 1 ص 253
الحاكم الشهيد:
انظر ج 1 ص 253
أبو حامد الاسفرايينى:
انظر ج 1 ص 246
ابن حجر الهيثمى:
انظر ج 1 ص 254
أبو حذيفة بن عتبة توفى سنة 12 هـ:
أبو حذيفة ابن عتبه بن ربيعة بن عبد شمس صحابى هاجر الى الحبشة، ثم الى المدينة وشهد بدرا واحدا والخندق والمشاهد كلها وقتل يوم اليمامة
حرب:
انظر ج 2 ص 348
أبو الحر سنه 130 هـ:
هو على بن الحصين بن مالك الخشخاشى العنبرى التميمى أبو الحر من فقهاء الإباضية كانت له ثروة فى البصرة وسكن مكة وجاهر فيها أيام مروان ابن محمد بمناصرة «طالب الحق» وكان هذا قد خلع طاعة مروان وبويع له بالخلافة فى اليمن فكتب مروان الى عامله بمكة يأمر بالقبض على أبى الحر فاعتقل وأوثق بالجديد وأشخص الى المدينة وهو شيخ كبير وادركه فى الطريق بعض أنصار طالب الحق فأنقذوه وعادوا به الى مكة مستترين ولما دخلها أبو حمزه المختار بن عوف كان «أبو الحر» من رجاله وقتل فى فتنته بمكة
ابن حزم:
انظر ج 1 ص 254
الحسن البصرى:
انظر ج 1 ص 254
الحسن بن عيسى:
هو الحسن بن عيسى أبو على المعروف بابن أبى عقيل العمانى شيخ فقيه متكلم جليل قال صاحب السرائر فى حقه وجه من وجوه أصحابنا. ثقة فقيه متكلم كان يثنى عليه الشيخ المفيد وكتابه أى كتاب المتمسك بحبل آل الرسول كتاب حسن كبير وهو عندى قد ذكره شيخنا أبو جعفر فى الفهرست وأثنى عليه، وهو أول من هذب الفقه واستعمل النظر وفتوى البحث عن الاصول والفروع فى ابتداء الغيبة الكبرى وبعده الشيخ الفاضل ابن الجنيد وهما من كبار الطبقة السابقة وابن عقيل اعلى منه طبقة فان أبن الجنيد من مشايخ المفيد وهذا الشيخ من مشايخ جعفر بن محمد بن قولويه كما علم من كلام النجاشى والعمانى بضم العين وتخفيف الميم نسبة الى عمان كورة غريبة على ساحل بحر اليمن تشتمل على بلدان تضرب بحرها المثل
أبو الحسن:
انظر ج 2 ص 349
الحسن بن على:
انظر ج 2 ص 349
الحسين:
سيدنا الحسين انظر ج 3 ص 341
الحطاب:
انظر ج 1 ص 254
حفصة:
انظر ج 3 ص 341
حكيم بن معاوية:
هو حكيم بن معاوية بن الحيرة القشيرى البصرى التابعى، ثقة، معروف روى عنه ابنه والحريرى
الحلبى:
انظر ج 6 ص 384
ابن حمزه:
انظر ج 2 ص 350
الحموى:
انظر ج 2 ص 350
حنبل:
انظر ج 2 ص 350
ابن الحنفية:
انظر محمد بن الحنفية ج 4 ص 371
ابو حنيفه:
انظر ج 1 ص 255
حرف الخاء:
خارجة بن زيد:
انظر ج 4 ص 362
خالد الجهنى:
هو خالد عدى الجهنى، يعد فى أهل المدينة وكان ينزل الاشعر وروى حديثه احمد وابن أبى شيبة والحارثى وأبى يعلى والطبرانى من طريق يسر بن سعيد عن خالد بن عدى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جاءه من أخيه معروف من غير اشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فانما هو رزق ساقه الله اليه
الخرشى:
انظر ج 2 ص 350
الخرقى:
انظر ج 1 ص 256
خزيمه بن ثابت:
المتوفى سنة 37 هـ: هو خزيمة ابن ثابت بن الفاكهه بن ثعلبة الانصارى، أبو عمارة صحابى من اشراف - الاوس فى الجاهلية والاسلام ومن شجعانهم المقدمين كان من سكان المدينة وحمل راية بنى خطمة من الاوس يوم فتح مكة وعاش الى خلافة الامام على كرم الله وجهه وشهد معه صفين فقتل فيها، روى له البخارى 38 حديثا
الخلال:
انظر ج 1 ص 256
ابو خلف الطبرى توفى سنه 470 هـ:
وفاته:
ذكر ابن باطيش أن أبا خلف توفى فى حدود سنة سبعين وأربعمائة هو محمد بن عبد الملك بن خلف أبو خلف البطرى السالمى من ائمة أصحابنا تفقه على الشيخين القفال وأبى منصور البغدادى، وهو القائل بأنه تجب الكفارة بكل ما يأثم به الصائم من اكل او شرب أو جماع او نحوها. وكان فقيها صوفيا وقفت له على كتاب «سلوة العارفين وأنس المشتاقين» فى التصوف وهو كتاب جليل فى بابه أعجبت به جدا صنفه للرئيس أبى على حسان ابن سعيد المنيعى ورتبه على اثنين وسبعين بابا أولها فى معنى التصوف وآخرها على بيان طبقات الصوفية وتراجمهم وما أراه الا حاكى رسالة أبى القاسم القشيرى ولعل خمول هذا الكتاب بهذا السبب والا فهو حسن جدا ولم أقف منه قط الا على النسخة التى قدمها هو للمنيعى نفسها وهى خط مليح مضبوط وقفها الملك الاشرف موسى فى خزانة كتيمه بدار الحديث الاشرفيه «بدمشق» وقد حاضر أبو خلف فى هذا الكتاب مع الصوفية فى احوالهم وأبان عن معرفة جيده بهذه الطريقة وتكيف بها وذكر انه فرغ من تصنيفه فى ربيع الاخر سنة تسع وخمسين وأربعمائة
خليل:
انظر ج 1 ص 256
خواهرزاده:
انظر ج 1 ص 257
الخيرى:
انظر ج 4 ص 363
خير الدين الرملى:
انظر ج 2 ص 351
حرف الدال:
الدبوسى:
انظر ج 1 ص 257
أبو الدرداء:
انظر ج 1 ص 257
الدردير:
انظر ج 1 ص 257
الدسوقى:
انظر ج 1 ص 257
ابو داود:
انظر ج 1 ص 257
حرف الراء:
الرافعى:
انظر ج 1 ص 258
الربيع:
انظر ج 1 ص 258
الربيع: انظر ج 3 ص 344
ربيعة الراى:
انظر ج 1 ص 258
الرحمتى:
انظر ج 2 ص 352
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258
الرضى عليه السلام:
انظر ج 1 ص 259
ريحانة:
بنت شمعون بن زيد وقيل بن عمرو بن قنافه أو خناقة من بنى النضير وقال ابن اسحاق من بنى عمر بن قريظة وقال ابن سعد ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خناقة ابن شمعون بن زيد من بنى النضير وكانت متزوجة رجلا من بنى قريظة يقال له الحكم ثم روى ذلك عن الواقدى قال ابن اسحاق فى الكبرى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سباها فأبت الا اليهودية فوجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فى نفسه فبينما هو مع أصحابه اذ سمع وقع نعليه خلفه فقال «هذا ثعلبة بن شعبة يبشرنى باسلام ريحانة» فبشره وعرض عليها أن يعتقها ويتزوجها ويضرب عليها الحجاب فقالت يا رسول الله بل تتركنى فى ملكك فهو اخف على وعليك فتركها وماتت قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسته عشر
حرف الزاى:
الزبير:
انظر ج 1 ص 259
زرارة بن اوفى:
قال صاحب الاصابة: هو زرارة ابن أوفى النخعى أبو عمر وقال ابن أبى حاتم عن أبيه له صحبة ومات فى زمن عثمان وتبعه أبو عمر فلم يزد قلت فأما زرارة ابن أوفى قاضى البصرة فهو تابعى معروف ثقة
الزركشى:
انظر ج 1 ص 259
شيخ الاسلام زكريا:
انظر ج 1 ص 259
زفر:
انظر ج 1 ص 259
أبو الزناد:
انظر ج 1 ص 259
الزهرى:
انظر ج 1 ص 260
ابن أبى زيد:
انظر القيروانى ج 1 ص 273
زيد:
أنظر ج 1 ص 260
زيد بن على:
أنظر ج 1 ص 260
الزيلعى:
أنظر ج 1 ص 260
زينب:
توفيت عام 20 هـ: بنت جحش الاسدية أم المؤمنين زوج النبى صلى الله عليه وسلم نسبها فى ترجمة أخيها عبد الله وأمها امية عمة النبى صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها النبى صلى الله عليه وآله وسلم سنة ثلاث وقيل سنة خمس ونزلت بسببها آية الحجاب وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة وفيها نزلت «فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها» وكان زيد يدعى ابن محمد فلما نزلت «ادعوهم لابائهم هو أقسط عند الله» وتزوج النبى صلى الله عليه وآله وسلم امرأته بعده انتفى ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من أن الذى يتبنى غيره يصير ابنه بحيث يتوارثان الى غير ذلك وقد وصفت عائشة زينب بالوصف الجميل فى قصة الافك وأن الله عصمها بالورع قالت وهى التى كانت تسامينى من أزواج النبى صلى الله عليه وآله وسلم وكانت تفخر على نساء النبى صلى الله عليه وآله وسلم بأنها بنت عمته وبأن الله زوجها له وهن زوجهن أولياؤهن وقال الواقدى ماتت سنة عشرين وكانت أول نساء النبى صلى الله عليه وسلم ماتت بعده قال الواقدى قد تزوجها النبى صلى الله عليه وآله وسلم وهى بنت خمس وثلاثين سنة وماتت سنة عشرين وهى بنت خمسين ونقل عن عمر بن عثمان الحجبى انها عاشت ثلاثا وخمسين
حرف السين:
سالم:
أنظر ج 2 ص 353
الشيخ سالم:
المتوفى سنة 1015 هـ: هو سالم بن محمد عز الدين بن محمد ناصر الدين السنهورى المصرى، فقيه، كان مفتى المالكية، ولد بسنهور وتعلم فى القاهرة وتوفى بها له حاشية على مختصر الشيخ خليل فى الفقه ورسالة فى ليلة نصف شعبان
السبكى:
أنظر ج 1 ص 260
ابن السبكى:
أنظر ج 1 ص 261
سحنون:
أنظر ج 1 ص 261
سراقة بن مالك:
توفى سنة 24 هـ، سراقة ابن مالك بن جشعم بن مالك بن عمرو بن تيم ابن مدلج بن مرة بن عبد مناف بن كنانة الكنانى المدلجى - وقد ينسب الى جده، يكنى أبا سفيان كان ينزل فريدا، روى البخارى قصته فى ادراكه النبى صلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر الى المدينة ودعا النبى صلى الله عليه وآله وسلم عليه حتى ساخت رجلا فرسه، ثم انه طلب منه الخلاص وأن لا يدل عليه ففعل وكتب له امانا وأسلم يوم الفتح، ورواها أيضا من طريق البراء بن عازب عن أبى بكر الصديق رضى الله عنه، وفى قصة سراقة مع النبى صلى الله عليه وآله وسلم يقول سراقه مخاطبا لابى جهل:
أبا حكم والله لو كنت شاهدا
…
لأمر جوادى اذ تسوخ قوائمه
علمت ولم تشكك بأن محمدا
…
رسول برهان فمن ذا يقاومه
وقال ابن عيينه عن اسرائيل أبى موسى عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لسراقة ابن مالك «كيف بك اذا لبست سوارى كسرى» قال فلما أتى عمر بسوارى كسرى ومنطقته وتاجه دعا سراقة فألبسه وكان رجلا أزب كثير شعر الساعدين فقال له ارفع يديك وقل الحمد لله الذى سلبهما كسرى بن هرمز والبسهما سراقة الاعرابى، وروى عنه ابن اخيه عبد الرحمن بن مالك بن جشعم، وروى عنه ابن عباس وجابر وسعيد بن المسيب وطاووس قال أبو عمر مات فى خلافه عثمان سنة أربع وعشرين وقيل بعد عثمان
سراقه بن مالك: سراقة بن مالك الانصارى أخو كعب بن مالك - ذكره الحاكم، وروى من طريق ابن اسحاق عن الزهرى عن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن
أخيه سراقة بن مالك أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضالة ترد حوضه فهل له أجر؟ الحديث وفى اسناده ضعف فان فيه ابن لهيعه قال صاحب الاصابة ولم أر من ذكر سراقة هذا فى الصحابة الا أنه سيأتى فى ترجمة سهل ابن مالك ذكر شئ رواه الطحاوى من طريق عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن عمه ولم يسمه فيحتمل ان يكون هو
سعد:
أنظر ج 3 ص 345
سعد بن أبى وقاص:
أنظر ج 2 ص 353
سعيد بن جبير:
أنظر ج 1 ص 261
أبو سعيد الخدرى:
أنظر ج 1 ص 261
سعيد بن العاص:
توفى سنة 69 هـ: الصحابى رضى الله عنه مذكور فى المهذب فى الصلاة على الجنازة وموقف الامام منها هو أبو عثمان وقيل أبو عبد الرحمن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس ابن عبد مناف القريشى الاموى الحجازى قال محمد بن سعد توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولسعيد تسع سنين وكان من أشراف قريش وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان واستعمله عثمان على الكوفة وسكن دمشق ثم تحول الى المدينة ولما قتل عثمان رضى الله عنه اعتزل الفقه فلم يشهد الجمل ولا صغين. وروى سعيد عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن عمر وعثمان وعائشة رضى الله عنهم، توفى سنة تسع وخمسين وقيل سنة سبع أو ثمان وخمسين رضى الله عنه
سعيد بن المسيب:
أنظر ج 1 ص 261
أبو سفيان:
انظر ج 1 ص 261
سفيان الثورى:
أنظر الثورى ج 1 ص 252
سفينة:
مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مذكور فى المهذب فى باب الاطعمة هو لقب له واسمه مهران هذا قول الاكثرين وقيل احمر قاله أبو الفضل وغيره وقيل رومان وقيل بحران وقيل عيسى وقيل قيس وقيل شنبة بعد الشين نون ساكنة ثم باء موحدة وقيل عمر حكاه الحاكم أبو أحمد وكنيته أبو عبد الرحمن هذا قول الاكثرين وقيل أبو البحترى ولقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة. روينا عنه قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نمشى فمررنا بوادى أو نهر وكنت أعبر الناس فقال لى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كنت منذ اليوم الا سفينة. قال ابن حاتم سمعت أبى يقول اشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وقال آخرون أعتقته أم سلمة فيقال له مولى النبى صلى الله عليه وسلم ويقال مولى أم سلمة، روى البخارى فى تاريخه أنه بقى الى زمن الحجاج وفى اسناد هذا نظر ذكره البخارى وابن أبى حاتم فى الاسماء المفردة
ابن السكيت:
أنظر ج 4 ص 365
ام سلمة:
أنظر ج 1 ص 261
سلمان الفارسى:
أنظر ج 3 ص 346
سليمان بن يسار:
أنظر ج 2 ص 366
ابن سماعة:
أنظر ج 4 ص 365
سند:
أنظر ج 3 ص 347
سودة بنت زمعة:
أنظر ج 2 ص 354
السيد المرتضى:
أنظر ج 1 ص 275
حرف الشين:
ابن الشاط:
أنظر ج 1 ص 262
الشافعى:
أنظر ج 1 ص 262
الشبراملسى:
انظر ج 1 ص 262.
ابن شبرمة:
توفى سنة 144 هـ: عبد الله بن البجلى الضبى الكوفى كان قاضيا لابى جعفر المنصور على سواد الكوفة وكان شاعرا توفى سنة 144 هـ ويظهر من الروايات ذمه وانه كان يعمل بالرأى والقياس وقال فى العبر وفى السنة المذكورة توفى فقيه الكوفة عبد الله بن شبرمة الضبى القاضى، روى عن أنس والتابعين قال أحمد العجلى كان عفيفا صارما عاقلا يشبه النساك شاعرا جوادا
الشبيبى المتوفى سنة 695 هـ:
هو أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميرى الحرانى. أبو عبد الله فقيه حنبلى أديب ولد ونشأ بحران ورحل الى حلب ودمشق
وولى نيابة القضاء فى القاهرة فسكنها أسن وكف بصره وتوفى بها من كتبه الرعاية الكبرى والرعاية الصغرى كلاهما فى الفقه وصفة المفتى والمستفتى ومقدمة فى أصول الدين وجامع الفنون وسلوة المحزون.
شرحبيل بن حنة:
أنظر ج 7 ص 293
الشرنبلالى:
انظر ج 1 ص 262
شريح:
أنظر ج 1 ص 263
أم شريك:
الانصارية - قيل هى بنت انس وقيل هى بنت خالد وقيل هى غيرهما وقيل هى أم شريك بنت أبى العكر بن سمى وذكرها ابن أبى خيثمة من طريق قتادة قال وتزوج النبى صلى الله عليه وآله وسلم أم شريك الانصارية النجارية وقال انى أحب أن اتزوج فى الأنصار فلم يدخل بها «قلت» ولها ذكر فى حديث صحيح عند مسلم من رواية فاطمة بنت قيس فى قصة الجساسة فى حديث تميم الدارى قال فيه وأم شريك امرأة غنية من الأنصار عظيمة النفقة فى سبيل الله عز وجل ينزل عليها الضيفان ولها حديث آخر أخرجه ابن ماجه من طريق شهر بن حوشب حدثتنى أم شريك الأنصارية قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ على الجنازة بفاتحة الكتاب ويقال أنها التى أمرت فاطمة بنت قس أن تعتد عندها ثم قيل لها أعتدى عند ابن أم مكتوم.
الشعبى:
انظر ج 1 ص 263
الشيرازى:
أنظر ج 1 ص 263
الشلبى:
أنظر ج 1 ص 263
حرف الصاد:
الصادق:
أنظر ج 1 ص 263
الصدوق:
أنظر ج 2 ص 355
ابن صفوان:
عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف الجمحى رئيس مكة وابن رئيسها شجاع من اصحاب عبد الله بن الزبير حارب معه الحجاج بن يوسف ولد فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم وقتل بمكة يوم مقتل ابن الزبير فبعث الحجاج برأسه الى عبد الملك بن مروان وعرفه ابن حزم بعبد الله الأكبر تمييزا له عن ابن صفوان الأصغر.
ابن صفوان الأصغر:
عبد الله بن صفوان الجمحى وال من الأعيان القادة ولى امرة المدينة فى أيام المنصور العباسى وتوفى سنة 160 هـ عرفه ابن حزم بعبد الله الأصغر للتفريق بينه وبين ابن صفوان الأكبر.
حرف الطاء:
أبو طالب:
انظر ج 1 ص 264
طاووس:
انظر ج 2 ص 356.
الطبرانى:
أنظر ج 1 ص 265
الطحاوى:
انظر ج 1 ص 262.
الطحطاوى:
أنظر ج 1 ص 265.
طلحة بن مصرف:
عن ابيه عن جده مذكور فى المهذب فى الوضوء فى صفة المضمضمة ومصرف يضم الميم وكسر الراء، توفى سنة 112 هـ على المشهور وحكى القلعى فتحها وهو غلط هو أبو محمد وقيل أبو عبد الله طلحة ابن مصرف بن عمرو بن كعب بن جورب بن معاوية بن سعيد بن الحارث بن وهل بن سلمة بن دؤل بن حنبل بن يأم بن رافع الساحل، ويقال الأيامى الهمدانى الكوفى التابعى الامام سمع ابن أبى أوفى وانسا وجماعة من التابعين قال أحمد بن عبد الله وغيره كان طلحة من اقرأ اهل الكوفة وخيارهم توفى سنة ثنتى عشرة وقيل ثلاث عشرة وقيل عشر ومائة.
حرف العين:
عائشة:
أنظر ج 1 ص 265
ابن عابدين:
انظر ج 1 ص 265
ابن عاشر:
المتوفى سنة 1040 هـ: هو عبد الواحد بن أحمد بن على بن عاشر الأنصارى احد فقهاء المالكية، أندلسى الأصل، نشأ وتوفى بفاس، وله تصانيف، منها: المرشد المعين على
الضرورى من علوم الدين، ومنظومة فى فقه المالكية وتنبيه الخلائق فى علم رسم القرآن، وغير ذلك.
ابن عباس:
انظر ج 1 ص 267.
ابو العباس:
أنظر ج 1 ص 266.
ابن عبد الحكم:
انظر ج 1 ص 266.
عبد الحق:
أنظر ج 6 ص 387.
الشيخ عبد الرحمن:
انظر ج 1 ص 271.
عبد الرحمن بن عوف:
انظر ج 1 ص 266.
ابن عبد السّلام:
انظر ج 1 ص 266.
ابو عبد الله المتوفى سنة 412 هـ:
هو أبو عبد الله الحسينى بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن الحارث التميمى المعلم امام مسجد بن زغبان أحد فقهاء الحنابلة حدث عن بن السماك، النقاش.
عبد الله بن سنان:
انظر ج 7 ص 394.
عبد الله بن عمر:
انظر ج 1 ص 267.
عبد الله بن مسعود:
أنظر ج 1 ص 267.
عبد الله بن أبى يعفور:
هو عبد الله بن أبى يعفور، أبو محمد كوفى ثقة جليل كان قارئا يقرأ فى مسجد الكوفة وكان من حوارى الصادقين ومن الفقهاء المعروفين الذين هم عيون الامامية، يعد مع زرارة وأمثاله، قال الصادق:
ما وجدت أحدا يقبل وصيتى ويطيع امرى الا عبد الله بن أبى يعفور.
عبد الملك:
انظر ابن حبيب: ج 1 ص 253.
عبد الوهاب:
انظر ج 1 ص 267.
ابو عبيد:
انظر ج 2 ص 357.
أبو عبيدة:
أنظر ج 4 ص 368.
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة المتوفى سنة 99 هـ هو أبو عبد الله، عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهزلى المدنى الامام التابعى أحد فقهاء المدينة السبعة، سمع ابن عمر وعائشة وسمع جماعات من كبار التابعين، روى عنه عراك بن مالك والزهرى وأبو الزناد وغيرهم واتفقوا على جلالته وامامته وعظم منزلته، قال ابن المدين والهيثم: توفى سنة 99 هـ وقال البخارى سنة 95 أو سنة 94 هـ وقال الواقدى والترمذى سنة 98 هـ.
عتبة بن عبد الله المتوفى سنة 87 هـ:
قال صاحب الاصابة: هو عتبة بن عبد، بغير اضافة، قال البخارى ويقال: ابن عبد الله، ولا يصح، وجزم ابن حبان بأن عتبة بن عبد الله السلمى أبو الوليد كان اسمه: عتلة فغيره النبى صلى الله عليه وسلم، وروى الطبرانى من طريق يحيى بن عتبة عن أبيه قال: رعانى النبى صلى الله عليه وسلم وأنا غلام جدث فقال: ما اسمك؟ قلت: عتلة، قال: بل أنت عتبة، قال الواقدى وغيره: مات سنة سبع وثمانين وجزموا بأنه عاش اربعا وتسعين، قال الواقدى: هو آخر من مات بالشام من الصحابة.
عثمان البتى:
عثمان البتى بفتح الباء، من البت وهو القطع، هو أبو عمرو البصرى، ويقال: اسم أبيه سليمان وروى عنه سفيان بن حبيب وغيره قال ابن حجر فى التقريب: صدوق من الخامسة، خرج له المرشد بالله.
عثمان بن عبد الرحمن:
انظر ابن الصلاح ج 1 ص 264.
عثمان بن عفان:
انظر ج 1 ص 268.
العدوى:
انظر الدردير ج 1 ص 257.
ابن عرفة:
انظر ج 1 ص 268.
عروة بن الزبير:
المتوفى سنة 94 هـ: هو ابو عبد الله، عروة بن الزبير بن العوام بن خويلد بن اسد ابن عبد العزى بن قصى القرشى الأسدى المدنى التابعى الجليل فقيه المدينة واحد فقهائها السبعة، روى عنه عطاء وابن أبى مليكة وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعمر بن عبد العزيز وخلائق من التابعين وغيرهم، قال ابن شهاب:
كان عروة بحرا لا يكدر وقال ابن عبيدة:
كان أعلم الناس بحديث عائشة رضى الله تعالى عنها ثلاثة، عروة أحدهم وقال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث
فقيها عالما مأمونا، ومناقبه كثيرة، قال الجمهور توفى سنة أربع وتسعين وقال البخارى سنة تسعة وتسعين.
عطاء:
انظر ج 2 ص 357.
ابن عطية المتوفى سنة 1106 هـ:
هو ابراهيم ابن مرعى بن عطية، برهان الدين الشبراخيتى من افاضل المالكية بمصر، توفى غريقا فى النيل وهو متجه الى رشيد، من كتبه: شرح مختصر خليل فى الفقه، والفتوحات الوهبية بشرح الاربعين حديثا النووية.
ام عطية:
انظر ج 3 ص 351.
ابن عقيل:
انظر ج 2 ص 358.
عكرمة:
انظر ج 1 ص 268.
علقمة:
انظر ج 1 ص 269.
ابو على:
المتوفى سنة 1140 هـ: هو الحسن بن حال بن أحمد، ابو على، فقيه من فقهاء المالكية من اهل المغرب الأقصى، ولى قضاء فاس ثم نحى عنه ثم ولى قضاء مكناسة، من كتبه: شرح مختصر خليل وحاشيته على شرح الخرشى.
ابو على بن خيران:
انظر ج 4 ص 369.
الشيخ عليش:
انظر ج 1 ص 269.
عمر بن الخطاب:
انظر ج 1 ص 269.
عمر بن دينار:
انظر ج 1 ص 267.
ابن عمر:
انظر ج 1 ص 267.
ابو عمرو:
انظر ابن الحاجب ج 1 ص 253.
ابو عمران الفاسى:
المتوفى سنة 430 هـ:
هو موسى بن عيسى بن أبى حاج البربرى الغفجومى، وغفجوم بطن من زنانة - قبيلة من البربر بالمغرب.
شيخ المالكية بالقيروان وتلميذ أبى الحسن القابسى، دخل الاندلس، وأخذ عن عبد الوارث قبيلة من البربر بالمغرب.
شيخ المالكية بالقيروان وتلميذ أبى الحسن القابس، دخل الاندلس، واخذ عن عبد الوارث بن سفيان وطائفة، وأخذ علم الكلام ببغداد عن ابن الباقلانى وقرأ على الحمامى وكان اماما فى القراءات بصيرا فى الحديث رأسا فى الفقه تخرج عنه خلق فى المذهب ومات فى رمضان وله اثنتان وستون سنة.
عمرو بن شعيب:
انظر ج 1 ص 270.
عمرو بن عبسه:
هو أبو نجيح وقيل ابو شعيب عمرو بن عبسه - بعين مهملة ثم باء موحدة، مفتوحتين ثم سين مهملة على وزن عدسة، وهذا الضبط لا خلاف فيه بين أهل الحديث، وهو صحابى جليل اسلم قديما وثبت فى صحيح مسلم انه كان رابع أربعة فى الاسلام وقدم المدينة بعد الخندق فسكنها ثم نزل الشام، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثون حديثا، وروى عنه جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو امامة وسهل بن سعد وجماعة من التابعين.
عمرو بن ميمون:
المتوفى فى سنة 75 هـ:
هو أبو عبد الله وقيل أبو يحيى الاودى الكوفى من أود بن صعب ابن سعد العشيره وهو معدود فى كبار التابعين، ادرك زمن النبى صلى الله عليه وسلم ولم يلقه، وسمع عمر بن الخطاب وسعد ابن أبى وقاص وابن مسعود ومعاذا وأبا أيوب وأبا هريرة وغيرهم من الصحابة وخلقا من التابعين، قال أبو اسحق السبيعى: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرضون عمرو بن ميمون وقال ابن معين: هو ثقة، روى له البخارى ومسلم، قالوا: وأسلم عمرو ابن ميمون فى زمن النبى صلى الله عليه وسلم وحج مائة حجة وقيل سبعين، وأدى صدقته الى عمال النبى صلى الله عليه وسلم قال عمرو بن ميمون:
قدم علينا معاذ بن جبل اليمن رسولا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع السحر رافعا صوته بالتكبير وكان حسن الصوت فما فارقته حتى جعلت عليه التراب ثم صحب ابن مسعود وتوفى سنة خمس وسبعين وقيل سنة أربع وسبعين.
عياض:
انظر القاضى عياض ح 2 ص 227.
ابن الغرس:
حرف الغين أنظر ج 2 ص 360
ابن غازى:
انظر ح 6 ص 389.
الغزالى:
انظر ح 1 ص 270.
حرف الفاء:
ابن فارس:
حرف الفاء انظر ح 1 ص 270.
الفراء:
انظر ح 5 ص 275.
أبو الفرج:
أنظر ج 5 ص 275.
ابن فرحون:
انظر ج 1 ص 271.
فاطمة بنت قيس:
فاطمة بنت قيس بن خالد القرشية الفهرية أخت الضحاك بن قيس وكانت أسن منه قال أبو عمر كانت من المهاجرات الاول وكانت ذات جمال وعقل وكانت عند أبى بكر بن حفص المخزومى فطلقها فتزوجت بعده أسامه بن زيد «قلت» وخبرها بذلك فى الصحيح لما طلبت النفقة من وكيل زوجها فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم «اعتدى عند أم شريك» ثم قال عند بن أم مكتوم فلما خطبت أشار عليها بأسامة بن زيد وهى قصة مشهورة وهى التى روت قصة الجساسة بطولها فانفردت بها مطولة رواها الشعبى لما قدمت الكوفة على أخيها وهو أميرها وقد وقفت على بعضها من حديث جابر وغيره وقيل انها كانت أكبر من الضحاك بعشر سنين قاله أبو عمر قال وفى بيتها اجتمع أهل الشورى لما قتل عمر قال ابن سعد أمها أمية بنت ربيعة من بنى كنانة.
حرف القاف:
القابسى:
أنظر ج 7 ص 388.
ابن القاسم:
أنظر ج 1 ص 271.
أبو القاسم:
أنظر عبد الكريم بن هوازن ح 1 ص 272.
القاسم عليه السلام:
أنظر ح 1 ص 271.
القاضى:
انظر ابن العربى ج 2 ص 361.
القاضى: انظر ح 2 ص 361.
القاضى خان:
أنظر ح 1 ص 271.
قتاده:
انظر ح 3 ص 353.
ابن قدامه:
انظر ح 1 ص 271.
القرافى:
انظر ح 1 ص 272.
حرف الكاف:
الكاتب:
هو الكاتب الاسكافى، يكنى أبا على عنونة ابن النديم فى فهرسته وقال:
قريب العهد من أكابر الشيعة الامامية، ثم عد كتبه، وأورده العلامة محمد مهدى فى فوائده الرجالية قائلا: أبو على الكاتب الاسكافى من أعيان الطائفة وأعاظم الفرقه وأفاضل قدماء الامامية وأكثرهم علما وفقها وأدبا، متكلم فقيه محدث أديب واسع العلم، صنف فى الكلام والفقه والاصول والادب والكتابة وغيرها تبلغ مصنفاته - عدا أجوبة مسائله - نحوا من خمسين كتابا.
الكاسانى:
انظر ح 1 ص 273.
الكاظم:
المتوفى فى سنة 183 هـ: هو موسى ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر، أبو الحسن سابع الأئمة الاثنى عشر عند الامامية، كان من سادات بنى هاشم ومن أعبد أهل زمانه وأحد كبار العلماء الاجواد، ولد فى الابواء قرب المدينة وسكن المدينة فأقدمه المهدى العباسى الى بغداد ثم رده الى المدينة وبلغ الرشيد أن الناس يبايعون للكاظم فيها، فلما حج مر بها سنة 179 هـ فاحتمله معه الى البصره وحبسه عند واليها ثم نقله الى بغداد فتوفى فيها سجينا.
الكرخى:
أنظر ج 1 ص 273.
الكمال بن الهمام:
انظر ح 1 ص 273.
حرف اللام:
اللخمى:
انظر ح 1 ص 274.
اللقانى:
انظر ح 6 ص 391.
لقمان الحكيم:
هو لقمان الحكيم عليه السلام الذى ورد ذكره فى القرآن الكريم، قال الامام أبو اسحاق الثعلبى فى كتاب العرائس فى القصص: كان لقمان مملوكا. وقال أبو هريرة رضى الله عنه مر رجل بلقمان والناس مجتمعون عليه فقال: ألست العبد الاسود الذى كنت تراعينا بموضع كذا قال: بلى، قال: فما بلغ بك ما أرى، قال:
صدق الحديث وأداء الامانة وترك مالا يعنينى، وحكم لقمان كثيرة مشهورة ومنها قوله لابنه: من يقارن قرين السوء لا يسلم ومن لا يملك لسانه يذم، يا بنى:
كن عبدا للاخيار، وغير ذلك كثير.
لقيط بن صبره:
الصحابى رضى الله عنه ويقال أبو عاصم لقيطبن عامر بن صبرة بن عبد الله المنتفق بن عامر بن عقيل العقيلى الحجازى الطائفى هكذا نسبه الجمهور وقال الترمذى فى كتاب العلل سمعت البخارى يقول أبو رزين العقيلى لقيط ابن عامر هو عندى لقيط بن صبرة قال الترمذى قلت له أبو رزين العقيلى أهو لقيط بن صبرة قال نعم قلت فحديث ابن هشام عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه هو عن أبى رزين العقيلى قال نعم قال الترمذى قال أكثر أهل الحديث لقيط ابن صبرة هو لقيط بن عامر قال وسألت عبد الله ابن عبد الرحمن الدارمى عن هذا فأنكر أن يكون لقيط بن صبرة هو لقيط بن عامر وجعلهما مسلم بن الحجاج أيضا فى كتاب الطبقات أثنين روى عنه ابن أخيه وكيع بن عدس ويقال ابن حدس وابنه عاصم بن لقيط وعمرو بن أبى أوس وغيرهم قالوا وكان النبى صلى الله عليه وسلم يكره المسائل فاذا مسألة أبو رزين أعجبته مسألته.
أبو الليث:
أنظر ج 1 ص 274
ليث بن أبى سليم توفى سنة 143 هـ:
ابن أبى زنيم مذكور فى المختصر فى باب امامة المرأة هو أبو بكر ويقال أبو بكير ليث بن أبى سليم بن أبى زنيم الكوفى القرشى مولاهم مولى عتبة، ويقال أنس روى ليث عن مجاهد وطاووس وعطاء بن أبى رباح واتفق العلماء على ضعفه واضطراب حديثه واختلال ضبطه توفى سنة ثلاث وأربعين ومائة رحمة الله تعالى.
ابن أبى ليلى:
انظر ح 1 ص 274.
حرف الميم:
المؤيد بالله:
انظر ح 1 ص 275.
ابن ماجه:
انظر ح 1 ص 274.
مارية:
توفيت سنة 16 هـ: هى مارية القبطية أم ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر ابن سعد من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صوصعة قال: بعث المقوقس صاحب الاسكندرية الى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سنة سبع من الهجرة مارية وأختها سيرين وألف مثقال ذهبا وعشرين ثوبا لينا مع حاطب ابن أبى بلتعه فعرض حاطب على مارية الاسلام ورغبها فيه فأسلمت وأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم العالية:
قال الواقدى:
ماتت فى المحرم سنة ست عشرة وقال ابن منده: ماتت بعد النبى صلى الله عليه وسلم بخمس سنين
المازرى:
أنظر ج 1 ص 274
الامام مالك:
انظر ح 1 ص 275.
الماوردى:
انظر ح 1 ص 278.
ابن المبارك:
انظر ح 7 ص 397.
الامام:
المتولى: انظر ح 3 ص 355.
مجاهد:
انظر ح 3 ص 355.
ابن محبوب:
المتوفى سنة 328 هـ: هو سعيد ابن عبد الله بن محمد بن محبوب من قريش أحد ائمة الإباضية فى عمان، بويع على أثر فتن كثيرة فى الديار العمانية واستقر له الامر حوالى سنة 320 هـ وكان فقيها عالما بالدين، حسنت سيرته وأطمأن الناس فى أيامه وتوفى فى احدى المواقع.
محمد بن الحسن الشيبانى:
انظر ح 1 ص 275.
المرتضى:
انظر ح 6 ص 275.
ابن المرزبان المتوفى فى سنة 366 هـ:
هو على ابن احمد بن المرزبان وهو أحد أركان المذهب الشافعى، تفقه على أبى الحسن ابن القطان، قال الخطيب كان أحد الشيوخ الافاضل، درس عليه أبو حامد الاسفرايينى أول قدومه بغداد، وقال الشيخ أبو اسحق: كان فقيها ورعا حكى عنه انه قال: ما أعلم لاحد على مظلمة، توفى فى رجب سنة ست وستين وثلاثمائة بعد شيخه ابن القطان.
المزنى:
انظر ح 1 ص 267.
مسلم:
انظر ح 1 ص 276.
ابن مسعود:
انظر عبد الله بن مسعود ح 1 ص 267.
مطرف:
انظر ح 2 ص 364.
ابو معاوية:
انظر ح 5 ص 378.
معاوية بن أبى سفيان:
انظر ح 1 ص 276.
المغيرة بن شعبه:
انظر ح 3 ص 357.
المفتى أبو السعود:
انظر أبو السعود ح 1 ص 261.
المقدسى:
انظر ابن قدامه ح 1 ص 271.
ابن أم مكتوم:
انظر ح 3 ص 367.
ابن المقرى:
أنظر ح 5 ص 378.
مكحوم:
انظر ح 3 ص 357.
ابن ملك:
انظر ح 1 ص 277.
ابن المنذر:
انظر ح 1 ص 277.
ابن منصور:
انظر ح 2 ص 364.
ابن المواز:
انظر ح 1 ص 278.
أبو موسى الاشعرى:
انظر ح 3 ص 358.
موسى بن على:
انظر ج 6 ص 392
حرف النون:
الناطفى:
انظر ح 1 ص 278.
نافع:
انظر ح 1 ص 278.
ابن نافع:
انظر ح 1 ص 278.
النجاشى:
النجاشى لقب كان يلقب به ملوك الحبشه، والنجاشى المذكور فى هذا العدد هو ملك الحبشه زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الذى زوج النبى صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأمهرها اربعة الاف وجهزها من عنده وبعث بها من الحبشة مع شرحبيل بن حسنة.
ابن نجيم:
انظر ج 1 ص 279.
النسائى:
انظر ح 1 ص 279.
أبن نصر الله:
توفى سنة 876 هـ: احمد بن ابراهيم بن نصر الله، أبو البركات، عز الدين الكنانى العسقلانى الاصل، المصرى الحنبلى: فقيه مؤرخ انتهت اليه رئاسة الحنابلة بمصر. وولى قضاء القضاة فحمدت سيرته. واستقر الى ان توفى مولده ووفاته بالقاهرة. قال السخلوى ان ترجمته تحتمل مجلدا ومنها طبقات الحنابلة.
النووى:
انظر ح 1 ص 279.
حرف الهاء:
الهادى عليه السلام:
انظر ح 1 ص 280.
أبو هريرة:
أنظر ج 1 ص 280.
هشام:
انظر ح 2 ص 366.
الهندوانى:
أنظر أبو جعفر ج 1 ص 251.
حرف الواو:
واقد بن عمر:
هو ابن عبد الله بن عمر بن الخطاب روى الحديث عن أبيه «حديث لا تمنعوا النساء المساجد» .
الولوالجى المتوفى فى سنة 1310 هـ:
هو ظهر الدين اسحق العالم الفقيه الحنفى صاحب الفتاوى الولوالجيه وقد جمع فيه ما لا بد منه لاهل الفتوى وهو مخطوط.
ابن وهب:
انظر ح 2 ص 366.
حرف الياء:
الامام يحيى:
انظر ح 1 ص 280.
أبو يوسف:
انظر ح 1 ص 281.
ابو اليسر توفى سنة 55 هـ:
الانصارى اسمه كعب بن عمرو بن عباد ابن سواد بن غنم بن كعب بن مسلمة وقيل كعب بن عمرو بن غنم بن شداد من غنم بن كعب بن سلمة، وقيل كعب بن عمرو بن غنم بن كعب بن سلمة الانصارى السلمى مشهور باسمه وكنيته شهد العقبة وبدرا وله فيها آثار كثيرة وهو الذى أسر العباسى قال بن اسحاق شهد بدرا والمشاهد وقال البخارى له صحبة شهد بدر او مات بالمدينة سنة خمس وخمسين وقال ابن اسحاق وكان آخر من مات من الصحابة كأنه يعنى أهل بدر روى عنه عبادة بن الصامت وحديثه مطول واخرجه مسلم.