الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إعفاف
تعريفه عند علماء اللغة:
الاعفاف مصدر أعف متعديا فيقال أعفه الله وأما العفة فهى الكف عما لا يحل ولا يجمل جاء فى شرح غريب المهذب عف عن الحرام يعف عفا وعفافا وعفافة
(1)
أى كف فهو عف وعفيف.
تعريفه عند علماء الشريعة:
فقهاء الشريعة يستعملون العفة فى ترك نحو الزنا ويستعملون الاعفاف فى أن يعطى الفرع أصله ما به يكون الاعفاف كأن يعطى أصله مهر حرة تعفه ولو كتابية أو يقول له انكح وأنا أعطيك مهر المثل فهم يريدون به معنى أخص من المعنى
(2)
اللغوى.
ما يكون به الاعفاف وحكمه:
مذهب الحنفية:
ما اذا احتاج الأصل الى زوجة تعفه وكان الفرع موسرا وجب على الفرع تزويجه أو شراء أمة.
فقد جاء فى الفتاوى الهندية ما نصه ان احتاج الأب الى زوجة والابن
(3)
موسع وجب عليه أن يزوجه أو يشترى له جارية.
مذهب المالكية:
يرى المالكية أن الأب يستحق اعفافه بزوجة واحدة.
فقد جاء فى كتاب الشرح الكبير بهامش حاشية الدسوقى
(4)
: ما نصه: يجب على الولد الموسر واحدا أو أكثر اعفاف الأب بزوجة واحدة لا أكثر أن أعفته الواحدة.
ولا تتعدد النفقة على الولد لزوجتى الأب ان كانت أحداهما أمه وأولى ان كانتا أجنبيتين.
والقول للأب فيمن ينفق عليها الابن حيث لم تكن احداهما أمه والا تعينت الأم ولو غنية.
مذهب الشافعية:
يرى الشافعية أن اعفاف الأب واجب على ولده ذكرا أو أنثى متى كان حرا موسرا.
ويشرط الأب أن يكون حرا معسرا بأن يكون فاقد مهر أو ثمن أمة وأن يكون محتاجا الى النكاح بأن تتوق نفسه الى الوط ء وان لم يخف زنا محتاجا الى نكاح.
ولجد كالأب فيعطيه مهر حرة أو يملكه أمة.
ويجب التجديد اذا ماتت أو انفسخ.
اذ جاء فى مغنى المحتاج
(5)
: لزم الولد ذكرا أو أنثى أو خنثى اذا كان حرا موسرا ولو كافرا اعفاف الأب الحر المعسر ولو كافرا معصوما.
واعفاف الأجداد من الجهتين اذا كانوا بالصفة المذكورة على المشهور لأن ذلك من حاجاتهم المهمة كالنفقة والكسوة ولئلا يعرضهم للزنا المفضى الى الهلاك وذلك لا يليق بحرمة الابوة وليس من المصاحبة بالمعروف المأمور بها.
والثانى وهو مقابل المشهور لا يلزمه كما لا يلزم الأصل اعفاف الفرع فان كان الولد معسرا لا يلزمه اعفاف الأب كما يلزم الموسر اعفاف غير أصل ولا أصل غير ذكر.
(1)
شرح غريب المهذب ج 2 ص 167.
(2)
حاشيتى قليوبى وعميره ج 3 ص 269 مكتبة محمد على صبيح وأولاده بمصر بميدان الأزهر.
(3)
الفتاوى الهندية ج 1 ص 417 نفقة ذوى الأرحام.
(4)
للشيخ محمد عليش ج 2 ص 523 طبعة دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(5)
ج 3 ص 205 - 208 طبعة دار الكتب العربية الكبرى.
والفرق بين الأصل الذكر والأنثى: أن الغرم بدفع المهر فى اعفاف الذكر عليه فيحمله الفرع.
أما اعفاف الأنثى فلا غرم فيه اذ المهر لها لا عليها ولو اجتمع جدان لزمه اعفافهما ان اتسع مال الفرع والا فأب الأب أولى وان بعد للعصوبة كأبى أبى أب مع أبى أم وان لم يكن لأحدهما عصوبة قدم الأقرب فان استويا كأبى أم الأب وأبى أب أم اقرع بينهما على الأصح ولو بدون رفع الى حاكم.
ولو تعدد الفرع وكان ذكورا فقط، أو كان اناثا فقط كان الاعفاف عليهما أو عليهم أو عليهن بالسوية أو كان ذكورا واناثا كان عليه بحسب الأرث كما فى النفقة على المعتمد.
والاعفاف بأن يعطى الأصل مهر حرة تعفه ولو كتابية أو يقول له انكح وأنا أعطيك مهر المثل فلا يلزمه أزيد منه فان نكح الأب بأزيد منه كان الزائد فى ذمة الأب، أو ينكح له باذنه حرة أو بمهرها أو يملكه أمة تحل له أو ثمنها.
لأن غرض الاعفاف يحصل بكل من هذه الطرق وللابن أن لا يسلمه المهر أو الثمن الا بعد عقد النكاح أو الشراء وبما تقرر علم أنه لا يزوجه ولا يملكه عجوزا سشوهاء أو معيبة لأنها لا تعفه كما أنه ليس له أن يطعمه طعاما فاسدا لا ينساغ وليس له أن يزوجه بأمة لأنه مستغن بمال فرعه فهو مستطيع زواج الحرة بمال فرعه فلا يجوز له زواج الامة عندئذ نعم ان لم يقدر الفرع الا على مهر امة ينبغى أن يزوجها له وعلى الولد مؤونة أصله ومن أعفه بها من حرة أو أمة
(1)
.
ولو كان تحت الأصل من لا تعفه كعجوز وصغيرة لزم الفرع اعفافه فلو أعفه حينئذ لم يلزمه الا نفقة واحدة لا نفقتان وقد قالوا فى باب النفقة لو كان له زوجتان لم يلزم الولد الا نفقة واحدة ويوزعها الأب عليهما.
لكن قال ابن الرفعة هنا يظهر أنها تتعين للجديدة لئلا تفسخ الزواج بنقص ما يخصها عن المد. ولو اتفق الأب والولد على مهر أو ثمن امة فتعيينها للأب لأنه أقرب الى اعفافه ولا ضرر فيه على الولد ويجب التجديد للاعفاف اذا ماتت الزوجة أو الأمة أو انفسخ النكاح بردة منها أو فسخ الزوج النكاح بعيب فى الزوجة أو فسخت هى النكاح بعيب فيه لأنه معذور كالموت.
أما الفسخ بردته أو بردتها فهو كطلاقه بغير عذر فلا يجب عليه اعفافه ان تاب وكردتها الفسخ برضاع كما لو كان تحته صغيرة وأرضعتها زوجته التى أعف بها لأنها صارت أم زوجته.
وكذا ان طلق أو أعتق بعذر كشقاق أو ريبة يجب التجديد له فى الأصح كما فى الموت ومقابل الأصح المنع.
ولو كان قادرا على المهر أو ثمن الامة بالكسب لم يلزم الولد اعفافه كما قال الشيخ أبو على.
وجزم به الرافعى فى الشرح الصغير.
وان قال فى الكبير ينبغى أن يكون فيه الخلاف الذى فى النفقة فلا يكلف الكسب كما فى الصحيح فيها.
ولو قدر على تزوج حرة بدون مهر مثلها أو على شراء أمة بدون ثمن مثلها لم يجب اعفافه.
ولو نكح فى يساره بمهر فى ذمته ثم أعسر قبل الدخول. وامتنعت الزوجة حتى تقبضه.
قال البلقينى يجب على الولد دفعه لحصول الاعفاف بذلك والصرف للموجودة أولى من السعى فى أخرى.
قال: وعليه لو نكح فى اعساره ولم يطالب ولده بالاعفاف ثم طالبه به ينبغى ان يلزم ولده القيام به لا سيما اذا جهلت الاعسار وارادت الفسخ.
(1)
المرجع السابق ص 205 - 206.
والظاهر انه انما يلزمه جميع ذلك اذا كان قدر مهر مثل من يليق به.
ولو احتاج للنكاح لا للتمتع بل للخدمة لنحو مرض وجب اعفافه وهو صحيح اذا تعينت الحاجة اليه لكى لا يسمى اعفافا
(1)
.
مذهب الحنابلة:
يلزم القريب نفقة زوجة من تلزمه مؤنته لأنه لا يتمكن من الاعفاف الا به.
ويجب أيضا على من وجبت عليه النفقة لقريب اعفاف من وجبت له نفقة من أب وان علا. ومن ابن وان نزل وغيرهم كأخ وعم اذا احتاج الى النكاح لزوجة حرة أو سرية تعفه أو يدفع المنفق اليه مالا يتزوج به حرة أو يشترى به أمة لأن ذلك مما تدعو حاجته اليه ويستضر بفقده فلزم على من تلزمه النفقة.
ولا يشبه ذلك الحلوى فانه لا يستضر بتركها.
والتخيير فيما ذكر للملزوم بذلك لأنه المخاطب به فكانت الخيرة اليه فيه فيقدم تعيينه على تعيين المعفوف وليس له أن يزوجه قبيحة ولا أن يملكه أمة قبيحة لعدم حصول الاعفاف بها.
ولا يزوجه ولا يملكه كبيرة لا استمتاع بها لعدم حصول المقصود بها ولا أن يزوجه أمة لما فيه من الضرر عليه ولاسترقاق أولاده.
ولا يملك القريب استرجاع ما دفع اليه من جارية ولا عوض ما زوجه به اذا أيسر لأنه واجب عليه كالنفقة لا يرجع بها بعد وتقدم تعيين قريب اذا استوى المهر على تعيين زوج لأنه المخاطب به فكانت الخيرة له
ويصدق المنفق عليه اذا أدعى انه تائق بلا يمين لأنه الظاهر بمقتضى الجيلة وان ماتت التى أعفه بها من زوجة أو أمة اعفه ثانيا لأنه لا صنع له فى ذلك الا أن طلق لغير عذر أو أعتق السرية مجانا بان لم يجعل عتقها صداقها فلا يلزمه اعفافه ثانيا لأنه الذى فوت على نفسه.
وان اجتمع جدان ولم يملك ولد ولدهما الا اعفاف أحدهم قدم الأقرب كالنفقة الا أن يكون أحدهما من جهة الأب فيقدم وان بعد على الذى من جهة الأم لامتيازه بالعصوبة.
ويلزمه اعفاف أمه اذا طلبت ذلك وخطبها كفؤ كما يلزمه اعفاف أبيه
(2)
.
مذهب الزيدية:
لا يلزم الابن اعفاف أبيه كما لا يلزم الأب اعفاف ابنه.
وقال الامام يحيى يلزم الابن اعفاف أبيه لأنه يستضر بفقده وعلى هذا الرأى.
والخيرة للأب فيمن يعفه من تسرى أو نكاح ولا ينكحه أمة ولا شوهاء ولا عجوزا لفوت المقصود واذا أيسر بعد قبضه مالا من ابنه ليتزوج به لم يلزمه رده اذ قبضه مستحقا له كالزكاة.
ومتى طلق أو أعتق لم يلزم الابن التعويض فان ماتت فاحتمالان للامام يحيى أقواهما لزوم التعويض
(3)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: ولا يجب اعفاف من تجب النفقة له
(4)
.
(1)
المرجع السابق ص 206.
(2)
كشاف القناع على متن الاقناع لشيخ مشايخ الاسلام الشيخ منصور بن أدريس، الطبعة الأولى بالمطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ ج 3 ص 316 - 317.
(3)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار ج 2 ص 279 الطبعة الأولى سنة 1367 هـ سنة 1948 م مكتبة الخانجى بمصر مطبعة انصار السنة المحمدية (باب النفقات).
(4)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 2 ص 49 طبعة دار مكتبة الحياة (كتاب النكاح).
إعلان
التعريف فى اللغة
(1)
:
اعلان مصدر فعله أعلن المزيد بالهمزة فأصل مادته (علن) على وزن نصر وضرب وكرم وطرح، يقال علن الأمر اذا ظهر وشاع.
ويقال: أعلن الأمر وأعلن بالأمر أظهره وجهر به وأشاعه فالاعلان هو الاظهار والجهر والاشاعة.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء:
بالنظر فى استعمال الفقهاء لكلمة (اعلان) يتبين أنهم لا يكادون يخرجون على الاستعمال اللغوى لها فهى بمعنى الاظهار والمجاهرة والاشاعة.
حكم الاعلان فى النكاح
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن الشهادة شرط فى جواز النكاح (أى صحته) وذلك لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه قال:
لا نكاح الا بشهود، وما روى من أنه صلى الله عليه وسلم قال: لا نكاح الا بشاهدين.
ولما روى عن عبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: الزانية التى تنكح نفسها بغير بينة.
ولو لم تكن الشهادة شرطا لم تكن هذه المرأة زانية بدونها، ولأن الحاجة مست الى دفع تهمة الزنا عنها، ولا تندفع الا بالشهود، لأنها لا تندفع الا بظهور النكاح واشتهاره والنكاح لا يظهر ولا يشتهر الا بقول الشهود
(2)
.
قال صاحب فتح القدير: أما اشتراط الشهادة فلقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بشهود قال المصنف وهو حجة على مالك فى اشتراط الاعلان دون الاشهاد.
وظاهره أنه حجة عليه فى الأمرين اشتراط الاعلان وعدم اشتراط الاشهاد ولكن المقصود أنه حجة فى أصل المسألة وهو اشتراط الشهادة.
وانما زاد ذكر الاعلان تتميما لنقل مذهبه ونفى اشتراط الشهادة قول ابن أبى ليلى وعثمان البتى (وأبى ثور وأصحاب الظواهر قيل وزوج ابن عمر بغير شهود).
وكذا فعل الحسن وهم محجوجون بقوله صلى الله عليه وسلم لا نكاح الا بشهود رواه الدارقطنى قطنى وذلك أن كلمتهم قاطبة فيه على القول بموجب دلائل الاعلان وادعاء العمل بها باشتراط الاشهاد اذ به يحصل الاعلان.
وانما الخلاف بعد ذلك فى أن الاعلان المشترط هل يحصل بالاشهاد حتى لا يضر بعده توصيته للشهود بالكتمان اذ لا يضر بعد الاعلان التوصية بالكتمان أولا يحصل بمجرد الاشهاد حتى يضر فقلنا نعم وقالوا لا.
ولو أعلن بدون الاشهاد لا يصح لتخلف شرط آخر وهو الاشهاد وعنده يصح فالحاصل أن شرط الاشهاد يحصل فى ضمنه الشرط الآخر فكل اشهاد
(1)
انظر لسان العرب للعلامة أبى جمال الدين بن مكرم ابن منظور الأفريقى المصرى، مادة عن طبع دار صادر دار بيروت وترتيب القاموس المحيط على طريقة المصباح المنير لطاهر حمد الزاوى مادة علن الطبعة الأولى مطبعة الرسالة سنة 1956 م والمعجم الوسيط اخراج وجمع اللغة العربية بمصر مادة علن.
(2)
كتاب بدائع الصنائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 252 - 253 الطبعة الأولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة المطبوعات العلمية بمصر.
اعلان ولا ينعكس كما لو أعلنوا بحضرة صبيان أو عبيد
(1)
.
وأما ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أنه نهى عن نكاح السر فنقول بموجبه لكن نكاح السر ما لم يحضره شاهدان فأما ما حضره شاهدان فهو نكاح اعلان لا نكاح سر اذ السر اذا جاوز اثنين خرج من أن يكون سرا وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أعلنوا النكاح لأنهم اذا أحضر النكاح شاهدين فقد أعلناه، وقوله صلى الله عليه وسلم: ولو بالدف «ندب الى زيادة اعلانه، وهو مندوب اليه
(2)
».
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل: أن صاحب التوضيح قال: يسحب اعلان النكاح واشهاره، واطعام الطعام عليه، فقد روى الترمذى والنسائى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: أعلنوا النكاح وأجعلوه فى المساجد، وأضربوا عليه بالدفوف.
وروى أيضا أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: فصل ما بين الحرام والحلال الدف والصوت.
وقال الجزولى: ومن فضائل النكاح الاعلان لأنه روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بدار فسمع لعبا فقال ما هذا؟ فقيل له: الوليمة فقال: هذا نكاح وليس بسفاح.
أعقدوه فى المساجد وأضربوا فيه بالدف وقد نص على استحبابه غير واحد من أهل المذهب قال الشيخ زروق فى شرح الارشاد.
ويستحب كتمان الأمر الى العقد
(3)
. وذكر الدسوقى فى حاشيته على الشرح الكبير أن اعلان النكاح مندوب اليه بخلاف الخطبة - بكسر الخاء - فينبغى اخفاؤها خشية كلام المفسدين
(4)
.
وقال الحطاب: أن دخل الزوجان بلا أشهاد فسخ الحاكم النكاح بخلاف ما اذا دخلا بعد الاشهاد فانه لا يفسخ ولو كان الاشهاد بعد العقد ألا أن يكون قصد الى الاستسرار بالعقد فلا يصح أن يثبتا عليه لنهى النبى صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر ويؤمر الزوج أن يطلقها طلقة ثم يستأنف العقد. فان دخلا فى الوجهين جميعا وهما النكاح على وجه الاستسرار وعدمه فرق بينهما - وان طال الزمان - بطلقة لاقرارهما بالنكاح وحدا أن أقرا بالوط ء ألا أن يكون الدخول فاشيا أو يكون على العقد شاهد واحدا فيدرأ الحد بالشبهة
(5)
.
فمذهب المالكية أن أعلان النكاح مندوب والشهادة شرط فى حل الاستمتاع بالزوجة وليس شرطا فى صحة العقد فلو تزوجها بدون شهود صح العقد ولكن لا يحل له الدخول والاستمتاع بها الا بالاشهاد فان دخل بدون اشهاد وجب التفريق بينهما ولزم الحد الا اذا كان قد حصل أعلان للنكاح بوليمة أو ضرب دف أو غير ذلك.
واذا أشهد بعد العقد وقبل الدخول حل الاستمتاع.
مذهب الشافعية:
جاء فى حاشيتى قليوبى وعميرة أن المقصود بوليمة العرس تحقيق الاعلان فى النكاح المنصوص
(1)
من شرح فتح القدير للامام كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيد أسى المعروف بابن الهمام مع تكملته نتائج الأفكار على شرح الهداية ج 3 ص 351 - 352 وبهامشه شرح العناية للبابرتى وحاشية سعد جلبى طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 315 هـ.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 2 ص 352 - 253 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب فى كتاب مع التاج والاكليل ج ص 478 الطبعة الأولى سنة 1328 طبع مطبعة السعادة بمصر.
(4)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير وبهامشه الشرح الكبير تقريرات الشيخ محمد عليش ج 2 ص 216 طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(5)
كتاب مواهب الجليل لشرح مختصر خليل المعروف بالحطاب فى كتاب ج 3 ص 409 - 410 الطبعة السابقة.
عليه فى حديث: أعلنوا هذا النكاح وأضربوا عليه بالدفوف ولو فى المساجد لكنه ضعفه الترمذى.
ولذلك اختلف فى حكم وليمة العرس.
فقيل: هى سنة لثبوتها عن النبى صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا، فقد أو لم على بعض نسائه بمدين من شعير رواه البخارى وعلى صفية بحيس.
وقيل: هى واجبة لظاهر الأمر فى قول النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن عوف وقد أعرس: أو لم ولو بشاة متفق عليه والقول الأول يحمل الأمر هنا على الندب.
والاجابة الى وليمة العرس على الأول فرض عين وقيل فرض كفاية وقيل سنة.
والأصل فى ذلك حديث اذا دعى أحدكم الى الوليمة فليأتها متفق عليه.
والثالث يحمله على الندب موافقة للمجاب اليه.
والثانى ينظر الى أن المقصود اظهار النكاح والدعاء الى وليمته وذلك حاصل بحضور البعض.
أما الاجابة اليها على القول بوجوبها فواجبة جزما وجوب عين أو كفاية على الوجهين
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أنه يستحب أعلان النكاح والضرب فيه بالدف، فقد قال الامام أحمد رحمه الله تعالى:
يستحب أن يظهر النكاح ويضرب فيه بالدف حتى يشتهر ويعرف. وقيل له: ما الدف؟ قال:
هذا الدف، وقال: لا بأس بالغزل فى العرس بمثل قول النبى صلى الله عليه وسلم للأنصار:
«أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييم لولا الذهب الأحمر ما حلت بواديكم ولولا الحنطة السوداء ما سرت عذاريكم» لا على ما يصنع الناس اليوم، وقال الامام أحمد أيضا: يستحب ضرب الدف والضرب فى الأملاك
(2)
: فقيل له: ما الصوت؟ قال:
يتكلم ويتحدث ويظهر والأصل فى هذا ما روى عن محمد بن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فصل بين الحلال والحرام والصوت والدف فى النكاح».
رواه النسائى.
وقال صلى الله عليه وسلم: «أعلنوا النكاح - وفى لفظ: أظهروا النكاح» وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يضرب عليها بالدف وفى لفظ:
«وأضربوا عليه بالغربال
(3)
».
وجاء فى كشاف القناع: أن النكاح لا يبطل بالتواصى بكتمانه، لأنه لا يكون مع الشهادة عليه مكتوما فان كتم النكاح الزوجان والولى والشهود قصدا صح العقد وكره كتمانهم له، لأن السنة اعلان النكاح.
ثم قال صاحب كشاف القناع: ويكفى العدالة ظاهرا فقط فى الشاهدين بالنكاح وذلك بأن لا يظهر فسقهما لأن الغرض من الشهادة اعلان النكاح ولهذا يثبت النكاح بالتسامع، فاذا حضر من يشتهر بحضوره كفى
(4)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(5)
: ان النكاح لا يتم الا باشهاد
(1)
حاشية قليوبى وعميرة للشيخ شهاب الدين القليوبى والشيخ عميرة على شرح العلامة جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين للشيخ محيى الدين النووى ج 3 ص 294 - 295 طبع مطبعة محمد على صبيح وشركاه بمصر.
(2)
الأملاك بكسر الهمزة التزويج.
(3)
المغنى لابن قدامة المقدس ويليه الشرح الكبير على متن المقنع طبعة مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ ج 6 ص 537 - 538.
(4)
كشاف القناع على متن الاقناع للعلامة الشيخ منصور الحنبلى منتهى الارادات للشيخ منصور بن يوسف البهوتى ج 7 بن أدريس ج 3 ص 38 طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.
(5)
المحلى للعلامة ابن محمد بن أحمد بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 9 ص 465 - 466 مسئلة رقم 1828 طبع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية سنة 1350 هـ الطبعة الأولى.
عدلين فصاعدا أو باعلان عام، فان استكتم الشاهدان لم يضر ذلك شيئا لأن كل من صدق فى خبر فهو ذلك الخبر عادل صادق بلا شك فاذا أعلن النكاح فالمعلنان له به بلا شك صادقان عدلان فيه فصاعدا.
وكذلك الرجل والمرأتان فيهما شاهدا عدل بلا شك.
ولا صحة لما يقال من أنه اذا استكتم الشاهدان فهو نكاح سر وهو باطل.
أولا، لأنه لم يصح قط نهى عن نكاح السر اذا شهد عليه عدلان.
وثانيا: لأنه لا يكون سرا ما علمه خمسة - هم الناكح والمنكح والمنكحة والشاهدان - وقد قال الشاعر: ألا كل سر جاوز اثنين شائع.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب: أنه يندب اشاعة النكاح بالطبول وغيرها مما يظهر عن كتمه، اذ المشروع المبالغة فى اظهاره عكس ضده.
قال فى الكافى: ولا خلاف فى أنه يجوز ضرب الطبول والبوق - وهو النفير - والصينج - وهو نحاس على نحاس يضرب به على غير ألحان المعاصى، لا التدفيف المثلث وهو ما يطرب ويدعو الى اللهو والغناء فانهما لا يجوزان عندنا فى عرس ولا غيره سواء كان بدف أو طبل أو مزمار أو نحو ذلك وسماعه كفعله لا سماعه بغير عناية فلا يجب سد الأذنين فأما اذا كان التدفيف على غير ألحان المغنين جاز
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى المختصر النافع نقلا عن تذكرة الفقهاء أنه يستحب الاعلان والاظهار فى النكاح الدائم والاشهاد وليس الاشهاد شرطا فى صحة العقد عند علمائنا أجمع وبه قال عبد الله بن عمر، وابن الزبير وغيرهما
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه يجب الاعلان بالنكاح والاجهار به لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: فرق ما بين السفاح والنكاح الاعلان ولحديث النهى عن الأسرار وأصل النهى للتحريم وقد اختلفوا فى النهى، هل يدل على الفساد أو أنه يمكن أن يريد بوجوب الاعلان التأكيد على مجرد نفى السر بدون أن يعتبر هنالك غيره.
وأما قول الشيخ: ويجوز عقده سرا وعلانية فمعناه انه يجوز عقد النكاح بلا اشهار بناء على أن نكاح السر المنهى عنه هو ما استكتم فيه الشاهدان.
وأما ما وقع بلا استكتام فلا بأس به ولو لم يشهر وهو قول لبعضهم.
ويجوز أن يكون الشيخ قد أراد بالجواز صحة العقد.
ولو وجب الاعلان، ولم يعلن به وقيل: ينهى عن استكتامه وعن ايقاعه سرا بدون استكتامه، وان استكتم ولو مدة صغيرة فهو المنهى عنه مثل أن يقال للشهود: لا تخبروا اليوم أحدا وأخبروا غدا، أو لا تخبروا فى هذه الساعة وأخبروا بعدها.
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليماتى الصنعانى ج 2 ص 6 - 7 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.
(2)
المختصر النافع فى فقه الإمامية لفضيلة الشيخ أبو القاسم نجم الدين جعفر بن حسن الحلى المتوفى سنة 676 هـ الطبعة الثانية طبع بمطبعة وزارة الأوقاف سنة 1378 هـ ص 194، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلى الحسن بن المطهر المتوفى سنة 726 هـ ج 2 ص 571 طبع مطبعة النجف بطهران سنة 1374 هـ، سنة 1955 م.
الله تعالى: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نكاح السر. وعنه صلى الله عليه وسلم: فرق ما بين السفاح والنكاح الاعلان.
ولا يفسد النكاح بكتمه خلافا لما لك وبعض أصحابنا قال: أبو يعقوب يوسف بن خلفون رحمه وعنه صلى الله عليه وسلم: لا نكاح حتى يسمع طنين الدف أو يرى دخان. وعنه صلى الله عليه وسلم: فرق ما بين النكاح والسفاح ضرب الدف.
وعنه صلى الله عليه وسلم: أعلنوا النكاح واجعلوه فى المساجد، وأشهروه ولو بالدف.
ويكره كتمانه ولو وقع فى ملأ. وجل قول أصحابنا أنه يجوز مع الكراهة، وحملوا ذلك على الكراهه بينما يرى القليل من أصحابنا فساد نكاح السر، والتفريق بينهما وهو كذلك وكان أبو بكر رضى الله عنه لا يجيز نكاح السر - أعنى يبطله ويفرق بينهما وكذا عمر رضى الله تعالى عنه، فقد روى أنه رفع اليه نكاح أشهد عليه رجل واحد فقال، هذا نكاح السر ولا أجيزه وروى عنه أنه قال: لو تقدمت فيه لرجمت. وروى عنه عن عبد الله بن عتبة أنه قال شر النكاح نكاح السر.
وروى عن ابن شهاب أنه أن مسها فى نكاح السر فرق بينهما واعتدت وعوقب الشاهدان.
واختلفوا هل هو نكاح سر اذا لم يشهر أو لا يكون نكاح سر الا ان استكتم قولان. وان استكتموه خوفا من ظالم فالظاهر أنه لا يحرم ولا يفرق بينهما وانما يضرب الدف عند أصحابنا لاشهار النكاح ضربة أو ضربتين لا غير.
وفى رواية أعلنوا النكاح وأضربوا عليه بالدفوف قال أبو الليث: انما هذا كناية عن اظهار النكاح ولم يرد ضرب الدف بعينه.
قال والخلاف انما هو فى ضرب الدف الذى يضرب به فى الزمان المتقدم، وأما ضرب دف الصنجات والجلاجلات فيكره بالاتفاق.
وزعم الشيخ عمر والثلاثى فى أواخر نزهة الأديب أن ضرب الطبل لشهرة النكاح لا يجوز فى زماننا هذا لاستقباحه فيه وكذلك ضرب الدف لتلك الشهرة.
ولا يجوز أيضا لذلك الاستقباح وان جاز لها بشرط عدم الغناء على الدف قديما لعدم استقباحهما فيه. ولكل زمان ومكان حكم. وما زعمه الشيخ عمر والثلاثى ليس صحيحا لأن ضرب الدف لاشهار النكاح ورد به الحديث على الاطلاق لا بنقييد زمان فلا يجوز لأحد الحكم بعدم جوازه فى زمان لعلة نقبيحه
(1)
.
أعلان أهل الذمة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن أهل الذمة يؤخذون باظهار علامات يعرفون بها ولا يتركون يتشبهون بالمسلمين فى لباسهم ومركبهم وهيئتهم فيؤخذ الذمى بأن يجعل على وسطه كشما مثل الخيط الغليظ ويلبس قلنسوة طويلة مضروبة ويركب سرجا على قربوسه مثل الرومانة ولا يلبس طيلسانا مثل طيالسة المسلمين ورداء مثل أردية المسلمين.
والأصل فيه ما روى أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى مر على رجال ركوب ذوى هيئة فظنهم مسلمين فسلم عليهم فقال له رجل من أصحابه: أصلحك الله تدرى من هؤلاء فقال: من هم؟ فقال: هؤلاء نصارى بنى تغلب، فلما أتى منزله أمر أن ينادى فى الناس أن لا يبقى نصرانى الا عقد ناصيته وركب الأكاف ولم ينقل أنه أنكر عليه أحد فيكون كالاجماع ولأن السلام من شعائر الاسلام فيحتاج المسلمون الى اظهار هذه الشعائر عند الالتقاء ولا يمكنهم ذلك الا بتميز أهل الذمة بالعلامة ولأنه فى اظهار هذه العلامات اظهار آثار الذلة عليهم وفيه صيانة
(1)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيس ج 3 ص 157 وما بعدها الى ص 159 طبع مطبعة محمد ابن يوسف البارونى وشركاه بمصر.
عقائد صفة المسلمين عن التغيير على ما قال سبحانه وتعالى «وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ 1}.
وكذلك يجب أن يتميز نساؤهم عن نساء المسلمين فى حال المشى فى الطريق ويجب التمييز فى الحمامات فى الأزر فيخالف أزرهم أزر المسلمين لما قلنا وكذا يجب أن تميز الدور بعلامات تعرف بها دورهم من دور المسلمين ليعرف السائل المسلم أنها دور الكفرة فلا يدعو لهم بالمغفرة.
ولا يمكنون من اظهار بيع الخمور والخنازير فى دار الاسلام لأنهم مخاطبون بالحرمات وهو الصحيح عند أهل الأصول، فكان اظهار بيع الخمر والخنزير منهم اظهارا للفسق فيمنعون من ذلك وعندهم أن ذلك مباح فكان اظهار شعائر الكفر فى مكان معد لاظهار شعائر الاسلام وهو امصار المسلمين فيمنعون من ذلك.
ولا يمكنون من اظهار صليبهم فى عيدهم لأنه اظهار شعائر الكفر فلا يمكنون من ذلك فى أمصار المسلمين، ولو فعلوا ذلك فى كنائسهم لا يتعرض لهم وكذا لو ضربوا الناقوس فى جوف كنائسهم القديمة لم يتعرض لذلك لأن اظهار الشعائر لم يتحقق، فان ضربوا به خارجا منها لم يمكنوا منه لما فيه من اظهار الشعائر.
ولا يمنعون من اظهار شئ مما ذكرنا من بيع الخمر والخنزير والصليب وضرب الناقوس فى قرية أو موضع ليس من أمصار المسلمين ولو كان فيه عدد كثير من أهل الاسلام وانما يكره ذلك فى أمصار المسلمين - وهى التى يقام فيها الجمع والأعياد والحدود - لأن المنع من اظهار هذه الأشياء لكونه اظهار شعائر الكفر فى مكان اظهار شعائر الاسلام فيختص المنع بالمكان المعد لاظهار الشعائر وهو الجامع.
وأما اظهار فسق يعتقدون حرمته - كالزنا وسائر الفواحش التى هى حرام فى دينهم فانهم يمنعون من ذلك سواء كانوا فى أمصار المسلمين أو فى أمصارهم ومدائنهم وقراهم
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء: فى حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ان الذمى يلزم بلبس يميزه عن المسلمين يؤذن بذلة كعمامة زرقاء وبرنيطة وطرطور حتى لا يتشبه بهم ويعزر لترك الزنار
(3)
، كما يعزر على اظهار السكر بين المسلمين فى مجلس غير خاص بهم فيشمل الأسواق وحواريهم التى يدخلها المسلمون ولو لبيع أو فى بعض الأحيان فيما يظهر.
وأما لو أظهروه فى بيوتهم وعلمنا ذلك برفع أصواتهم فلا يعزرون ويعزر الذمى على اظهار معتقده فى المسيح أو غيره مما لا ضرر فيه على المسلمين وعلى بسط لسانه على مسلم أو بحضرته وتراق الخمر اذا أظهرها - قيل بدون أن تكسر أوانيها.
وقال ابن عرفة تراق وتكسر الأوانى وهو الصواب وكذلك قال المواق وصرح البرزلى فى نوازله - وانما أريقت الخمر دون غيرها من النجاسات لأن النفس تشتهيها.
والظاهر أن كل مسلم له أن يريقها ولا يختص ذلك بالحاكم وكما تراق الخمر اذا أظهرها الذمى تراق اذا حملها من بلد الى آخر فان لم يظهرها وأراقها مسلم ضمن له قيمتها لتعديه عليه.
ويكسر الناقوس ان أظهروه - كما فى الجواهر - ولا شئ على من كسره.
(1)
الآية رقم 33 من سورة الزخرف.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 113 - 114، الطبعة السابقة.
(3)
الزنار بضم الزاى خيوط متلونة بألوان شقى يشد بها وسط علامة على ذلة.
وكذلك الصليب كما فى المواق وينقض عهده بقتال عام للمسلمين يقتضى خروجه عن الذمة لا ما كان فيه ذب عن نفسه كما ينقضى بمنع الجزية واظهار عدم المبالاة بالأحكام الشرعية ويعزر اذا أظهر الخنزير أو جهر بالقراءة بين المسلمين
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج أن أهل الذمة يؤمرون وجوبا عند اختلاطهم بنا - وان دخل دارنا لرسالة أو تجارة - بتغيير اللباس كأن يخيط الواحد منهم فوق أعلى ثيابه بموضع لا يعتاد الخياطة عليه كالكتف بما يخالف لونه لونها ويكفى عنه نحو منديل معه كما قالاه والعمامة المعتادة لهم الآن والأولى باليهود الأصفر وبالنصارى الأزرق وبالمجوس الأسود وبالسامرى الأحمر هذا هو المعتاد فى كل بعد الأزمنه المتقدمة ولو أرادوا التميز بغير المعتاد منعوا خشية الالتباس وقد أعتيد فى هذا الزمن بدل العمائم القلانس للنصارى والطزاطير الحمر لليهود.
وتؤمر ذمية خرجت بتخالف لون خفيها ومثلها الخنثى وكذا يؤمرون بالزنار فوق الثياب نعم تشده المرأة والخنثى تحت أزار بحيث يظهر بعضه والا لم يكن له فائدة.
وقول الشيخ أبى حامد: تجعله فوقه مبالغة فى التمييز مردود بأن فيه تشبيها بما يختص بالرجال فى العادة وهو حرام، وبتقدير عدم الحرمة فيه زيادة ازرائها فلا تؤمر به ويمتنع ابداله بنحو منديل أو منطقة والجمع بينهما تأكيد ومبالغة فى الشهرة فاللامام الأمر باحدهما فقط واذا دخل حماما فيه مسلمون أو مسلم أو تجرد عن ثيابه وثم مسلم جعل فى عنقه أو نحوه خاتم أى طوق من حديد أو رصاص وجوبا ليتميز.
وتمنع الذمية من حمام به مسلمة ترى منها ما لا يبدو فى المهنة ويمنع الذمى وجوبا ولو لم يشرط عليه - من أسماعه للمسلمين شركا كثالث ثلاثة.
ويمنع من اظهار منكر بيننا نحو خمر وخنزير وناقوس - وهو ما تضرب به النصارى اعلاما بأوقات الصلوات - وعيد ونحو لطم ونوح وقراءة نحو توراة وانجيل ولو بكنائسهم لأن فى ذلك مفاسد لاظهار شعائر الكفر، فان انتفى الاظهار فلا منع ومتى أظهروا خمرا اريقت ويتلف ناقوس اظهر.
ولو شرط عليهم الامتناع من هذه الأمور التى يمنعون منها وان فعلوا كانوا ناقصين مخالفين مع تدينهم بها لم ينقض العهد اذ ليس فيه كبير ضرر علينا لكن يبالغ فى تعزيرهم حتى يمتنعوا منها
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء المغنى أنه يلزم أهل الذمة بأن يكفوا عن ما فيه اظهار منكر وهو خمسة أشياء.
احداث البيع والكنائس ونحوها، ورفع أصواتهم يكتبهم بين المسلمين واظهار الخمر والخنزير والضرب بالنواقيس وتعلية البنيان على أبنية المسلمين والاقامة بالحجاز ودخول الحرم فيلزمهم الكف عن ذلك سواء شرط عليهم أو لم يشرط كما يميزون عن المسلمين فى أربعة أشياء فى لباسهم وشعورهم وروكوبهم وكناهم أما لباسهم فهو أن يلبسوا ثوبا يخالف لونه لون سائر الثياب فعادة اليهود العسلى وعادة النصارى الأدكن وهو الناختى ويكون هذا فى ثوب واحد لا فى جميعها ليقع الفرق ويضيف
(1)
شرح الخراشى لأبى عبد الله محمد الخرشى على المختصر الجليل لأبى الضياء سيدى خليل فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى ج 3 ص 148 - 149 الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1317 هـ.
(2)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد ابن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى الشهير بالشافعى الصغير ج 8 ص 95 وما بعدها الى ص 98 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الباقى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.
الى هذا شد الزنار فوق ثوبه ان كان نصرانيا أو علامة أخرى ان لم يكن نصرانيا كخرقة يجعلها فى عمامته أو قلنسوته يخالف لونها ويختم فى رقبته خاتم رصاص أو حديد أو جلجل ليفرق بينه وبين المسلمين فى الحمام.
ويلبس نساؤهم ثوبا ملونا وتشد الزنار تحت ثيابهم وتختم فى رقبتها ولا يمنعون لبس فاخر الثياب ولا العمائم ولا الطيلسان لأن التمييز حصل بالغبار والزنار.
وأما الشعور فانهم يحذفون مقاديم رعوسم ويجزون شعورهم ولا يفرقون شعورهم لأن النبى صلى الله عليه وسلم فرق شعره
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن أهل الذمة ممنوعون من أن يظهروا شيئا من كفرهم ولا مما يحرم فى دين الاسلام وهذا من الصغار الذى أشار اليه قول الله تبارك وتعالى.
«حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ»
(2)
ولقول الله عز وجل:
«وَقاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّهِ}
(3)
» وبنو تغلب وغيرهم سواء لأن الله تبارك وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم لم يفرقا بين أحد منهم ويجمع الصغار شروط عمر رضى الله تعالى عنه عليهم التى وردت فيما رواه مسروق عن عبد الرحمن بن غنم قال كتبت لعمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه حين صالح نصارى الشام وشرط عليهم فيه ألا يحدثوا فى مدينتهم ولا ما حولها ديرا ولا كنيسة ولا قلية ولا صومعة راهب ولا يجددوا ما خرب ولا يمنعوا كنائسهم أن ينزلها أحد من المسلمين ثلاث ليال يطعمونهم ولا يؤوا جاسوسا ولا يكتموا غشا للمسلمين ولا يظهروا شركا.
ولا يشبهوا بالمسلمين فى شئ من لباسهم فى قلنسوة ولا عمامة ولا نعلين ولا فرق شعر، ولا يتكلموا بكلام المسلمين ولا يتكنوا بكناهم ولا يركبوا سرجا ولا يتقلدوا سيفا ولا يتخذوا شيئا من السلاح ولا ينقشوا خواتيمهم بالعربية.
ولا يبيعوا الخمور وأن يجزوا مقادم رءوسهم وأن يلزموا زيهم حيث ما كانوا وأن يشدوا الزنانير على أوساطهم.
ولا يظهروا صليبا ولا شيئا من كتبهم فى شئ من طرق المسلمين.
ولا يضربوا ناقوسا الا ضربا خفيفا ولا يرفعوا أصواتهم بالقراءة فى كنائسهم فى شئ من حضرة المسلمين.
ولا يخرجوا سعانين
(4)
. ولا يرفعوا مع موتاهم أصواتهم ولا يظهروا النيران معهم ..
فان خالفوا شيئا مما شرطوه فلا ذمة لهم وقد حل للمسلمين منهم ما يحل من أهل المعاندة والشقاق
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب: أن أهل الكتاب الذين يصح صلحهم اذا امتنعوا من الاسلام والتزموا الدخول تحت الذمة وتسليم الجزية فانهم يلزمون سواء كانوا رجالا أو نساء أن يتخذوا زيا يتميزون به عن المسلمين فيه صغار لهم واذلال من زنار - وهى منطقة تربط فى الوسط فوق الثياب غير ما يستعمله المسلمون.
(1)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد محمد بن قدامة المقدسى على مختصر الخرقى ج 8 ص 533، الطبعة الثالثة طبع دار المنار سنة 1367 هـ.
(2)
الآية رقم 29 من سورة التوبة.
(3)
الآية رقم 193 من سورة البقرة.
(4)
السعاتين - بالسين المهملة بعدها عين مهملة - هو عيد لهم معروف قبل عيدهم الكبير بأسبوع وهو سريانى معرب، وقيل هو جمع واحدة سنون.
(5)
المحلى لأبن محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 7 ص 346، ص 347 مسئلة رقم 959 طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.
ويكره مجاورتهم فان جاوروا المسلمين لزم لأبوابهم علامات تتمييز بها لئلا تلتبس للقريب بأبواب المسلمين والأولى سكونهم فى منتزح عن المسلمين واذا لم يستصلح الزنار ألزموا لبس لباس مغاير للباس المسلمين وأولى ما يلييق باليهود الأغبر وبالنصارى الأزرق وبالمجوس الأكهب وهو الأغبر المشرب بسواد.
ولا يلزمون أصفر ولا أحمر لأنهما محظوران على المسلمين ولا يجوز أن تأمرهم بما هو محرم علينا وان شق ذلك فى اللباس لعارض ألزم من طول شعر رأسه منهم جزء وسط الناصية ومنعوا فرق الشعر ولبس العمامة لتظهر تلك العلامة لمن يراهم فالزام أهل الذمة أحد هذه الأمور الثلاثة واجب ليتميزوا بها عن المسلمين.
هذا ويجب ألا يظهروا شعارهم وهو صلبانهم وكتبهم الا فى الكنائس والبيع الا فى شئ من طرق المسلمين ولا أسواقهم.
ولا يضربون ناقوسهم وبوقهم الا ضربا خفيفا.
ولا يرفعون أصواتهم بالقراءة فى معابدهم ولا يبيعون الخمر ويحدون لشراب المسكر منه لا دونه الا فى بيت المسلم فيعذر شاربه منهم
(1)
.
ولا يظهرون الصلبان فى أعيادهم الا فى البيع.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام: أن من شروط الذمة ان لا يتظاهروا بالمناكير كشرب الخمر والزنا وأكل لحم الخنزير ونكاح المحرمات.
ولو تظاهروا بذلك نقض العهد وقيل لا ينقض بل يفعل معهم ما يوجبه شرع الاسلام من حد أو تعزيز ومن شروطها كذلك أن لا يضربوا ناقوسا.
ويعزرون لو خالفوا ولو كان تركه مشترطا فى العهد انتقض
(2)
.
واذا فعل أهل الذمة هو شائع فى شرعهم ولبس بسائغ فى الاسلام لم يتعرضوا وان تجاهرو به عمل بهم ما تقتضيه الجناية بموجب شرع الاسلام
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه يلزم أهل الذمة أن يتميزوا فى اللباس عن المسلمين وأن يلبسوا قلانس يميزونها عن قلانس المسلمين بالحمرة ويشدوا الزنار على أوساطهم ويكون فى رقابهم خاتم من نحاس أو رصاص أو جرس يدخلون به الحمام.
وليس لهم أن يلبسوا العمائم ولا الطيلسانات وأما الورأة فانها تشد الزنار تحت الازار وقيل فوق الازار وهو أولى ويكون فى عنقها خاتم تدخل به الحمام ويكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض ويمنعون من اظهار المنكر كالخمر والخنزير والناقوس والجهر بالتوراة والانجيل
(4)
، وقد أمر عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أن لا يظهر صليب خارج من كنيسة الاكسر على رأس صاحبه وهذا مذهب علماء المسلمين أجمعين
(5)
.
حكم اعلان الاذن بالتجارة والحجر
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن الاذن بالتجارة - بالاضافة الى الناس ضربان.
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى الصنعانى ج 4 ص 352، ص 353 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 354 الطبعة أولى طبع مطابع دار احياء الكتب العربية سنة 1366 هـ، سنة 1947 م.
(3)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للامام المحقق المحلى من منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت ج 1 ص 155 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.
ج 10 ص 415 - 411 طبع المطبعة السلفية بالقاهرة سنة
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 157 الطبعة السابقة.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيس
اذن أسرار واذن اعلان وهو المسمى بالخاص والعام فى الكتاب.
فالخاص أن يقول أذنت لعبدى فى التجارة لا على وجه ينادى أهل السوق فيقول: بايعوا عبدى فلانا فانى قد أذنت له فى التجارة. ولا خلاف فى أن العلم بالاذن شرط لصحة الاذن فى هذا النوع لأن الاذن هو الاعلام قال الله تعالى:
«وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ»
(1)
أى اعلام والفعل لا يعرف اعلاما الا بعد تعلقه بالعلم ولأن اذن العبد يعتبر باذن الشرع ثم حكم الاذن من الشرع لا يثبت فى حق المأذون الا بعد علمه به فعلى ذلك اذن العبد.
وأما فى الاذن العام فان العبد يصير مأذونا وان لم يعلم به وذكر فى الزيادات فيمن قال لأهل السوق: بايعوا ابنى فلانا فبايعوه. والصبى لا يعلم بالاذن: أنه لا يصير مأذونا ما لم يعلم باذن الأب
(2)
.
أما ما يظهر به الاذن بالتجارة من جهة المولى فهو تشهيره الاذن واشاعته بأن ينادى أهل السوق: انى قد أذنت لعبدى فلان بالتجارة فبايعوه لأنه لا شك فيه وذلك لحصول العلم للسامعين بحس السمع من الاذن ولغير السامعين بالنقل بطريق التواتر واذا جاء رجل بعبد الى السوق وقال هذا عبدى أذنت له بالتجارة فبايعوه فبايعه أهل السوق، فلحقه دين ثم استحق أو تبين أنه كان حرا أو مدبرا أو أم ولد فهذا لا يخلو من أحد وجهين:
أما أن يكون الآمر حرا وأما أن يكون عبدا، فان كان الآمر حرا فعليه الأقل من قيمة العبد ومن الدين، وانما وجب أصل الضمان عليه لأنه غرهم بقوله هذا عبدى، فبايعوه حيث أضاف العبد الى نفسه وأمرهم بمبايعته فيلزمه ضمان الغرور.
وهذا لأن أمره اياهم بالمبايعة اخبار منه عن كونه مأذونا فى التجارة واضافة العبد الى نفسه اخبار عن كونه ملكا له والاذن بالتجارة مع عبد الآذن يوجب تعليق الدين برقبته فكان الاذن مع الاضافة دليلا على الكفالة بما يتعلق برقبته التى هى مملوكة له فيؤخذ بضمان الكفالة اذ ضمان الغرور فى الحقيقة ضمان الكفالة وان كان الآمر عبدا فان كان محجورا فلا ضمان عليه حتى يعتق لأن هذا ضمان كفالة وكفالة العبد المحجور لا تنفذ للحال وان كان مأذونا أو مكاتبا وكان الآذن حرا فلا ضمان على الآمر فى شئ.
وكذا لو كان الآمر صبيا مأذونا لأن المأذون والمكاتب لا تنفذ كفالتهما للحال، ولكنها تنعقد، فيؤاخذان به بعد العتق، والصبى لا تنعقد كفالته فلا يؤاخذ بالضمان
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن من أراد أن يحجر على ولده أتى الامام ليحجر عليه ويشهر ذلك فى الجامع والأسواق ويشهد على ذلك فمن باعه أو ابتاع منه بعد ذلك فهو مردود
(4)
.
واذا أراد الوصى أو الأب اطلاق هذا المجحور من الولاية كان له ذلك ويعقد فى ذلك لما تبين لفلان بن فلان الفلانى رشد محجوره أو ولده
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 193، ص 194 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 194
(3)
المرجع السابق للكاسانى ج 7 ص 201 الطبعة السابقة.
(4)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى المعروف بالحطاب ج 5 ص 64 فى كتاب على هامشه التاج والأكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير:
بالمواق الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.
فلان الذى فى ولايته وحسن نظره لنفسه وضبطه لماله أطلقه من حكم الولاية ورشده وملكه أمر نفسه وماله على العموم والاطلاق والشمول والاستغراق ولم تبق عليه ولاية وقبل ذلك من ترشيده المرشد المذكور قبولا تاما واعترف برشده وانه بالأحوال الموصوفة شهد على أحوال الرشد والمرشد المذكورين بما فيه عنهما فى صحة وجواز وطوع من الرشد مطلقا ومن المرشد من الآن وعرفها فى كذا.
وأن ضمن الشهود معرفة رشد المحجور كأن أتم وان سقط من العقد لم يضره وان طلب المحجور عليه ترشيد نفسه كلفه القاضى اثبات رشده فاذا ثبت ذلك كذلك أعذر للأب ورد فعله
(1)
.
قال فى التوضيح وعلى المشهور أن السيد اذا أذن لعبده فى التجارة وخصه بنوع من أنواع التجارة فانه يلزمه فى جميع أنواع التجارة، لكن بعض الصقليين قيد ذلك بما اذا كان لم يشهر ذلك ولم يعلنه، أما ان أشهره وأعلنه فلا يلزمه وذكر ابن رشد فى المقدمات أنه لا يجوز له أن يتجر الا أن يأذن له سيده فى التجارة فان أذن له فيها جاز أن يتجر بالدين والنقد وان لم يأذن له فى التجارة بالدين ولزمه ما داين به فى جميع أنواع التجارات وان لم يأذن له الا فى نوع واحد منها على مذهب ابن القاسم فى المدونة اذ لا فرق بين أن يحجر عليه فى التجارة بالدين أو يحجر عليه فى التجاره فى نوع من الأنواع وهو قول أصبغ فى التحجير فى الدين وذهب سحنون الى أنه ليس له أن يتجر بالدين اذا حجر عليه فى التجارة به.
وكذلك يلزم على قوله اذا حجر عليه فى نوع من الأنواع الا أن يشهر ذلك ويعلنه فى الوجهين جميعا فلا يلزمه قال فى المدونة لأنه لا يدرى الناس لأى نوع التجارة أقعده
(2)
.
وروى الحطاب عن المدونة أن من أراد أن يحجر على وليه فلا يحجر عليه الا عند السلطان فمن باع بعد ذلك منه أو ابتاع فبيعهه مردود.
وكذلك العبد المأذون له فى التجارة لا ينبغى لسيده أن يحجر عليه الا عند السلطان فيواقفه السلطان ويأمر به فيطاف به حتى يعلم ذلك منه
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: أنه يستحب للحاكم اذا أراد أن يحجر على مفلس أن يشهد على الحجر ويشهره بالنداء ليحذر من معاملته فيأمر مناديا ينادى فى البلد أن الحاكم حجر على فلان ابن فلان.
قال الشبراملسى: والأمر بالنداء على سبيل الندب.
وأجرة المنادى ان احتيج اليها من مال المفلس وان لم يكن له شئ ففى بيت المال
(4)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى الشرح الكبير: أنه يستحب اظهار الحجر على الصبى وأن يشهد عليه الحاكم ليظهر أمره فيتجنب معاملته وان رأى أن يأمر
(1)
المرجع السابق ج 5 ص 65 - 66 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 75 - 76 نفس الطبعة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق ج 5 ص 77 نفس الطبعة المتقدمة.
(4)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد ابن أبى العباسى أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى ج 4 ص 305 فى كتاب على هامشه حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه فى مصر سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.
مناديا ينادى بذلك ليعرفه الناس فعل ولا يشترط الاشهاد لأنه قد ينتشر أمره لشهرته
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن السيد ان أراد أن يبطل فعل العبد فى ماله فليعلن بأنه انتزعه منه، وحينئذ لا يجوز للعبد أن يتصرف فى شئ من ماله
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن من أذن لعبده فى التجر فى سلعة أو صنعة معروفة فمأذون له فى الكل يتجر فى جميع السلع ويصنع الصنائع كلها ويعامل بالبيع والشراء ولو للأصل ولو أذن له فى صنعة معروفة ويصنع جميع الصنائع ويتجر فى جميع السلع.
ولو أذن له فى عمل صنعة معروفة ويعامل ولو فى الأصول.
وكذا لو أذن له فى نوع من المعاملات كالسلم فله أن يتعامل فى الكل ووجه ذلك أن الاذن فى واحدة اذن فى الكل لأنه اذا أذن له فى النجارة - بالنون - احتاج الى شراء الآلات والى أجرة من يصلحهن اذا فسدن أو الى عملهن بيده وكذا العكس.
وهناك وجه آخر وهو دفع الحرج والخديعة عمن يراه ينجر فى تلك السلعة أو نوع من المعاملات أو يصنع تلك الصنعة لأنه اذا رأه فى ذلك ظن أنه مأذون له على الاطلاق فيعامله على الاطلاق فى التجر والصنائع أو يطلبه العبد على ذلك فيوافقه لأنه قد رآه فى بعض المعاملات أو الصنائع لأن أصل العبد الحجر، فاذا رئى فى شئ من ذلك لم يعلم رائيه خصوصه بذلك ألا ترى أنه لو اعتبر ما يرى فيه لتوهم رائيه أنه لا يتجر الا فى المسكر ان رآه فيه فقط وهكذا الا أن قال: هو مأذون له فى كذا وشهر ذلك بنداء عليه فيكون كالغرور.
ويرفع السيد مأذونه من السوق بالنداء عليه بأنه قد حجر عليه ويمنعه من التجر لئلا يغتر بذلك أحد اذا أراد التحجير ويشهد العدول على ذلك ويكفى النداء وحده وان نادى عليه وجاء غائب لم يحضر الحجر ولم يسمع به فعامله فقيل: لا يعذر وقيل يعذر وعلى هذا الأخير يتمسك بسيده فى كل ماله عليه أو به وكذا يرفع المأذون من السوق وارث من أذن له ان مات من أذن له أن أراد الوارث التحجير ويشهد بذلك
(3)
.
حكم الاعلان فى الأذان والإقامة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أنه يسن أن يجهر المؤذن بالأذان فيرفع صوته به لأن المقصود وهو الاعلام يحصل به ألا ترى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن زيد علمه بلالا فانه أندى وأمد صوتا منك، ولهذا كان الأفضل أن يؤذن فى موضع يكون أسمع للجيران كالمئذنة ونحوها، ولا ينبغى أن يجهد نفسه لأنه يخاف حدوث بعض العلل كالفتق واشباه ذلك دل عليه ما روى أن عمر رضى الله عنه قال لأبى محذوره أو لمؤذن بيت المقدس حين رآه يجهد نفسه فى الأذان أما تخشى أن ينقطع مريطاؤك
(4)
؟.
وكذا يجهر بالاقامة لكن دون الجهر بالأذان لأن المطلوب من الاعلام بها دون المقصود من الأذان.
(1)
المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى ج 4 ص 527 - 528 الطبعة الثانية طبع مطبعة المنار فى مصر سنة 1347 هـ.
(2)
المحلى لابن محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 8 ص 278 - 279 مسئلة، 1394 طبع دار الطباعة المنيرية فى مصر.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف اطفيس ج 7 ص 46 - 47 طبع المطبعة البارونية.
(4)
المريطاء ما بين السرة والعانة.
ولذلك سن أن يسترسل المؤذن فى الأذان ويحدر فى الاقامة لقول النبى صلى الله عليه وسلم لبلال رضى الله عنه: اذا أذنت فترسل واذا أقمت فاحدر، وفى رواية فاحذم، وفى رواية فاحذف.
ولأن الأذان لاعلام الغائبين بهجوم الوقت واذا فى الترسل أبلغ والاقامة لاعلال الحاضرين بالشروع فى الصلاة وانه يحصل بالحدر.
ولو ترسل فيهما أو حدر أجزاه لحصول أصل المقصود وهو الاعلام
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل انه يندب فى المؤذن أن يكون مرتفع الصوت لأن المقصود من الأذان الاعلام، واذا كان مرتفع الصوت كان أبلغ فى الأسماع ولذلك يختار للأذان أصحاب الأصوات الندية المرتفعة المستحسنة.
ويكره فى ذلك ما فيه غلظة أو فظاعة أو تكلف زيادة، ولذلك قال عمر بن عبد العزيز أذن أذانا سمحا والا فاعتزلنا وفى التوضيح وروى الدار قطنى أن النبى صلى الله عليه وسلم كان له مؤذن يطرب فى أذانه فقال له صلى الله عليه وسلم الأذان سهل سمح فان كان أذانك سهلا سمحا فأذن والا فلا، وقال فى النوادر:
والسنة أن يكون الأذان مرسلا معلنا يرفع به الصوت وقال ابن الفكهانى فى شرح الرسالة فى صفات الأذان:
الأولى أن يبالغ فى رفع الصوت به مالم يشق عليه إذا المقصود منه الإعلام فكلما رفع صوته به كان أبلغ فى المقصود.
وقال فى مختصر الوقار. ويجتهد مؤذنوا مساجد الجماعات فى مد أذانهم ورفع أصواتهم
(2)
.
لانتفاع أهل البيوت ولاقتداء مؤذنى العشائربهم.
وظاهر كلامهم أن المطلوب فى اقامة المنفرد أن يكون سرا قال ابن المسيب وابن المنكدر ومن صلى وحده فليسر الاقامة فى نفسه وقال المغربى:
وظاهر الكتاب: أن الأسرار مطلوب واليه ذهب أبو عمران قائلا: مخافة أن يشوش على من عسى أن يكون قد يصلى هناك.
واختصره ابن يونس فى قوله فلا بأس ان يسر الاقامة فى نفسه قال ابن الحاجب واسرار المنفرد حسن.
قال ابن هارون: هكذا وقع فى المدونة وفيه نظر لاحتمال أن يريد غير الاسرار وهو الجهر أحسن لقول أبى محمد عن أشهب: أحب الى رفع الصوت بالاقامة ولم يحفظه ابن عبد السلام بل قال لو اختير فيها رفع الصوت لكان أحسن لأن الشيطان اذا سمع التثويب أدبر ومباعدة الشيطان مطلوبة لا سيما فى هذه الحال. قلت ظاهره أن أشهب يخالف فى اقامة المنفرد ويرى الجهر بها أولى.
ولم أر من صرح بذلك الا ما يفهم من كلام ابن عرفه قيل لأشهب: أيؤذن على المنار أو فى سطح المسجد؟ قال: أحب الى من الأذان أسمعه للقوم وأحب الى فى الاقامة أن تكون فى صحن المسجد وقرب الامام وكل واسع وأحب الى أن يرفع صوته بالأذان والاقامة.
قال صاحب الطراز: من أقام فى المسجد بعد ما صلى أهله لا يجهر بذلك لما فيه من اللبسة والدلسة ولأنه اذا سمع منه ذلك مرارا يظن به الخروج عن رأى الامام وعما عليه الجماعة وأنه يتعمد أن يصلى وحده.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 149 الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء خليل المعروف بالحطاب ج 1 ص 437 الطبعة السابقة.
وقال الشبيبى فى شرح الرسالة وفى صفة الاقامة أن تكون جهرا للجماعة سرا للفرد
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج أن المنفرد يرفع صوته ندبا بالأذان فوق ما يسمع نفسه ومن يؤذن لجماعة يرفع صوته فوق ما يسمع واحد منهم ويبالغ كل منهما فى الجهر ما لم يجهد نفسه لما فى صحيح البخارى عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى صعصعة أن أبا سعيد الخدرى قال له: انى أراك تحب الغنم والبادية فاذا كنت فى غنمك أو باديتك فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا انس ولا شئ الا شهد له يوم القيامة.
هذا الا أن يكون بمسجد ونحوه - من مدرسة ورباط من أمكنة الجماعه - وقعت فيه جماعة فلا يرفع صوته به، لأنه ان طال الزمن بين الأذانين توهم السامعون دخول وقت صلاة أخرى والا توهموا وقوع صلاتهم قبل الوقت لا سيما فى يوم الغيم
(2)
.
ويسن للأذان مؤذن عالى الصوت لقول النبى صلى الله عليه وسلم لرائى الأذان (أى من رآه فى المنام) ألقه على بلال فانه أندى صوتا منك، رواه أبو داود وصححه ابن حبان ولأن حكمة الأذان هى ابلاغ دخول الوقت وهو فى الصيت أكثر
(3)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير: أن الأفضل لكل مصل أن يؤذن ويقيم الا أنه اذا كان يصلى قضاء أو فى غير وقت الأذان لم يجهر به.
وان كان فى الوقت فى البادية أو نحوها استحب له الجهر بالأذان لقول أبى سعيد اذا كنت فى غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فانه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا انس ولا شئ الا شهد له يوم القيامة
(4)
.
ويستحب أن يكون المؤذن صيتا لقول النبى صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن زيد ألقه على بلال فانه أندى صوتا منك، واختار أبا محذورة للأذان لكونه صيتا ولأنه أبلغ فى الاعلام المقصود بالأذان
(5)
.
ويستحب رفع الصوت بالأذان لأنه أبلغ فى الاعلام وأعظم للأجر لما ذكرنا فى خبر أبى سعيد، ولا يجهد نفسه زيادة على طاقته كيلا يضر بنفسه وينقطع صوته. ومتى أذن لعامة الناس جهر بجميع الأذان ولا يجهر بالبعض ويخافت بالبعض لأنه يخل بمقصود الأذان.
وان أذن لنفسه أو لجماعة خاصة حاضرين فله أن يخافت ويجهر، وأن يجهر بالبعض ويخافت بالبعض الا أن يكون فى غير وقت الأذان فلا يجهر تشئ منه لئلا يغر الناس
(6)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن الصيت فى الأذان أفضل لأن الأذان أمر بالمجئ الى الصلاة فأسماع المأمورين أولى ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبى محذورة «ارجع فارفع صوتك» وهذا أمر برفع الصوت.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 464 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للرملى ج 1 ص 386 - 387 الطبقة المتقدمة.
(3)
المرجع السابق للرملى ح 1 ص 397 الطبعة المتقدمة.
(4)
المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير لأبى قدامه ج 1 ص 396 الطبعة المتقدمة.
(5)
المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 398 الطبعة المتقدمة.
(6)
المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 407 - 408 الطبعة المتقدمة.
فلو تعمد المؤذن أن لا يرفع صوته لم يجزه أذانه، وان لم يقدر على أكثر الا بمشقة لم يلزمه لقول الله تعالى:
{لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها}
(1)
وقال النبى صلى الله عليه وسلم: اذا نودى بالصلاة أدبر الشيطان له ضراط حتى لا يسمع التأذين «فالاجتهاد فى طرد الشيطان فعل حسن»
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه يستحب للمؤذن أن يرسل الأذان ويحدر الاقامة ولا يفسدان بترك الجهر بهما لأن الواجب فى الأذان التلفظ، أما اظهار الصوت فمستحب.
وقال الفقيه يحيى بن أحمد ذكر بعض أصحاب الشافعى انه ان لم يجهر بالأذان لم يعتد به وهذا لا يبعد على مذهب الأئمة لأن الجهر هو المعهود وقت الرسول صلى الله عليه وسلم
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه يستحب فى الأذان أن يرفع الصوت به اذا كان المؤذن ذكرا وكل ذلك يتأكد فى الاقامة
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل وشفاء العليل: أنه يندب للمؤذن أن يسمع الناس بأذانه وأن يمد صوته به ابتغاء ما عند الله
(5)
.
وأما الاقامة فيرفع فيها صوته ويعيد ان أسر
(6)
.
حكم أعلان الجهاد
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن العدو اذا لم تكن الدعوة قد بلغته فيجب على الغزاة المسلمين أن يفتتحوا الوقعة ولقاء العدو بالدعوة الى الاسلام باللسان لقول الله تبارك وتعالى:
ولا يجوز لهم القتال قبل الدعوة لأن الايمان وان وجب عليهم قبل بلوغ الدعوة بمجرد العقل فاستحقوا القتل بالامتناع لكن الله تبارك وتعالى حرم قتالهم قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وبلوغ الدعوة اياهم فضلا منه ومنة قطعا لمعذرتهم بالكلية وان كان لا عذر لهم فى الحقيقة لما أقام سبحانه وتعالى من الدلائل العقلية التى لو تأملوها حق التأمل ونظروا فيها لعرفوا حق الله تبارك وتعالى عليم لكن تفضل عليهم بارسال الرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين لئلا يبقى لهم شبهة عذر فيقولون:
ربنا لولا أرسلت الينا رسولا فتتبع آياتك.
وان لم يكن لهم أن يقولوا ذلك فى الحقيقة لما بينا ولأن القتال ما فرض لعينه بل للدعوة الى الاسلام والدعوة دعوتان دعوة بالبنان وهى القتال ودعوة بالبيان وهو اللسان وذلك بالتبليغ والثانية أهون من الأولى لأن فى القتال مخاطرة بالروح والنفس والمال وليس فى دعوة التبليغ شئ من
(1)
الآية رقم 286 من سورة البقرة.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 140 مسئلة رقم 323 الطبعة المتقدمة.
(3)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار وهامشه ج 1 ص 224 لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(4)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى ج 1 ص 50 - 51 الطبعة المتقدمة.
(5)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيس ج 1 ص 323 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 227 الطبعة السابقة.
(7)
الآية رقم 125 من سورة النحل.
ذلك فاذا احتمل حصول المقصود بأهون الدعوتين لزم الافتتاح بها.
هذا اذا كانت الدعوة لم تبلغهم فان كانت قد بلغتهم جاز لهم أن يفتتحوا القتال من غير تجديد الدعوة لما بينا من أن الحجة لازمة والعذر فى الحقيقة منقطع وشبهة العذر انقطعت بالتبليغ مرة لكن مع هذا الأفضل أن لا يفتتحوا القتال الا بعد تجديد الدعوة لرجاء الاجابة فى الجملة.
وقد روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقاتل الكفرة حتى يدعوهم الى الاسلام فيما كان دعاهم غير مرة، فهل أن الافتتاح بتجديد الدعوة أفضل
(1)
. واذا كان الكفرة فى أمان المسلمين أمانا مطلقا وأراد الامام أن ينقضه جاز له ذلك لأن عقد الأمان عقد غير لازم لكن ينبغى أن يخبرهم بالنقض ثم يقاتلهم لئلا يكون من المسلمين غدر فى العهد
(2)
.
ومثل عقد الأمان عقد الموادعة فى أنه عقد غير لازم محتمل للنقض ما دام الصلح على أن يستبقوا على أحكام الكفر فللامام أن ينبذ اليهم لقول الله سبحانه وتعالى:
«وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ 3» . فاذا وصل النبذ الى ملكهم فلا بأس للمسلمين أن يغزوا عليهم لأن الملك يبلغ قومه ظاهرا الا اذا استيقن المسلمون أن خبر النبذ لم يبلع قومه ولم يعلموا به فلا أحب أن يغزوا عليهم لأن الخبر اذا لم يبلغهم فهم على حكم الأمان الأول فكان قتالهم منا غدرا وتعزيرا وكذلك اذا كان النبذ من جهتهم بأن أرسلوا الينا رسولا بالنبذ وأخبروا الامام بذلك فلا بأس للمسلمين أن يغزوا عليهم لما قلنا الا اذا استيقن المسلمون ان أهل ناحية منهم لم يعلموا بذلك لما بينا.
ولو وادع الامام على جعل أخذ منهم ثم بدا له أن ينقض فلا بأس به لما بينا أنه عقد غير لازم فكان محتملا للنقض ولكن يبعث اليهم بحصة ما بقى من المدة من الجعل الذى أخذه لأنهم انما أعطوه ذلك بمقابلة الأمان فى كل المدة فاذا فات بعضها لزم الرد بقدر الفائت. هذا اذا وقع الصلح على أن يكونوا مستبقين على أحكام الكفر، فأما اذا وقع الصلح على أنه يجرى عليم أحكام الاسلام فهو لازم لا يحتمل النقض لأن الصلح الواقع على هذا الوجه عقد ذمة فلا يجوز للامام أن ينبذ اليهم.
هذا ولا يخلو عقد الموادعة من أن يكون مطلقا عن الوقت وأن يكون موقتا بوقت معلوم فان كان مطلقا عن الوقت فالذى ينتقض به:
نوعان نص ودلالة.
أما النص فهو النبذ من الجانبين صريحا.
وأما الدلالة فهى أن يوجد منهم ما يدل على النبذ نحو أن يخرج قوم من دار الموادعة باذن الامام ويقطعوا الطريق فى دار الاسلام لأن اذن الامام بذلك دلالة النبذ.
ولو خرج قوم من غير اذن الامام فقطعوا الطريق فى دار الاسلام فان كانوا جماعة لا منعة لهم لا يكون ذلك نقضا للعهد لأن قطع الطريق بلا منعة لا يصلح دلالة للنقض وان كانوا جماعة لهم منعة فخرجوا بغير اذن الامام ولا اذن مملكته فالملك وأهل مملكته على موادعتهم لانعدام دلالة النقض فى حقهم وان كان عقد الموادعة موقتا بوقت معلوم فانه ينتهى بانتهاء الوقت من غير حاجة الى النبذ حتى كان للمسلمين أن يغزوا عليهم لأن العقد المؤقت الى غاية ينتهى بانتهاء الغاية من غير حاجة الى الناقض
(4)
.
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 100 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق للكاسانى ج 7 ص الطبعة المتقدمة
(3)
الآية رقم 58 من سورة الأنفال.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 7 ص 109 - 110 الطبعة المتقدمة.
مذهب المالكية:
جاء فى شرح الخرشى: أن المسلم لا يقاتل المشرك حتى يدعوه الى دين الله جملة من غير تفصيل الشرائع الا أن يسأل عنها فتبين له الدعوة واجبه سواء بعدت دار الكافر عن دار الاسلام أم لا، بلغته الدعوة أم لا.
وأقل الدعوة ثلاثة أيام متوالية كالمرتد، ثم ان أبوا من قبول الاسلام دعوا الى أداء الجزية اجمالا الا أن يسألوا عن تفصيلها.
ومحل الدعوة ما لم يعاجلونا بالقتل والا قوتلوا من غير دعوة لأنها حينئذ حرام.
هذا ولا يدعى المشرك الى الاسلام أو الجزية الا فى محل آمن ولا يكف عنهم اذا أجابوا للاسلام أو الجزية الا ان يكون بمحل يؤمن غولهم وان لم يجيبوا للجزية أو أجابوا لها ولكنهم بمحل لا تنالهم أحكامنا فيه قوتلوا، أى أخذ فى قتالهم واذا قدر عليهم جاز قتلهم الا من نهى عن قتالهم، ومن قتل أحدا ممن لم تبلغه دعوة نبينا صلى الله عليه وسلم قبل أن يدعوه الى الاسلام أو الجزية فانه لا شئ عليه غير التوبة ولو فى غير جهاد
(1)
.
وللامام أن يهادن لمصلحة ويلزمنا أن نوفى لهم بما اشترطوا علينا فى تلك المدة الا أن يستشعر الامام منهم الخيانة فانه يجب عليه أن ينبذ عهدهم فيطرحه وينقضه وينذرهم ويعلمهم بأن لا عهد لهم وانه مقاتلهم
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: أن عقد الهدنة لمصلحة يجوز من الامام أو نائبه ويجب علينا أن نكف عنهم أذانا أو أذى أهل الذمة الذين ببلادنا فيما يظهر بخلاف أذى أهل الحرب وبعض أهل الهدنة فان خاف الامام أو نائبه خيانتهم بشئ مما ينقض اظهاره بأن ظهرت أمارة بذلك فله أن ينبذ عهدهم اليهم لقول الله عز وجل:
«وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ 3» فان لم تظهر أمارة حرم النقض لأن عقدها لازم وبعد النبذ ينتقض عهدهم لا بنفس الخوف وبعد النقض واستيفاء ما وجب عليهم من الحقوق يبلغهم مأمنهم حتما وفاء بعهدهم ولا ينبذ عقد الذمة بتهمة لأنه تأكد لتأييده، ومقابلته بمال ولأنهم فى قبضتنا غالبا
(4)
.
وجاء فى المهذب أن العدو ان كان ممن لم تبلغهم الدعوة لم يجز قتالهم حتى يدعوهم الى الاسلام لأنه لا يلزمهم الاسلام قبل العلم والدليل على ذلك قول الله عز وجل:
«وَما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً 5» .
ولا يجوز قتالهم على ما لا يلزمهم وان بلغتهم الدعوة فالأحب أن يعرض عليهم الاسلام لما روى سهل بن سعد رضى الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلى كرم الله وجهه يوم خيبر: اذا نزلت بساحتهم فادعهم الى الاسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فو الله لأن يهدى الله بهداك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
وان قاتلهم من غير أن يعرض عليهم الاسلام جاز لما روى نافع رضى الله تعالى عنه قال:
أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بنى المصطلق وهم غارون وروى وهم غافلون. فان كانوا ممن لا يجوز اقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم الى أن يسلموا لقول النبى صلى الله عليه وسلم: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله
(1)
شرح الخرشى ج 3 ص 112 - 113 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق للخرشى ج 3 ص 150 - 151 الطبعة المتقدمة.
(3)
الآية رقم 58 من سورة الأنفال.
(4)
نهاية المحتاج شرح ألفاظ المنهاج للرملى ج 8 ص 102 - 103 الطبعة المتقدمة.
(5)
الآية رقم 15 من سورة الاسراء.
إلا الله فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم الا بحقها.
وان كانوا ممن يجوز اقرارهم على الكفر بالجزية قاتلهم الى أن يسلموا أو يبذلوا الجزية والدليل عليه قول الله عز وجل:
وروى بريدة رضى الله تعالى عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا بعث أميرا على جيش أو سرية قال: اذا أنت لقيت عدوا من المشركين فأدعهم الى احدى ثلاث خصال فأيتهن ما أجابوك اليها فأقبل منهم وكف عنهم: أدعهم الى الدخول فى الاسلام فان أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم ثم أدعهم الى التحول من دارهم الى دار الهجرة فان فعلوا فأخبرهم أن لهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فان دخلوا فى الاسلام وأبوا أن يتحولوا الى دار الهجرة فأخبرهم
(2)
انهم كأعراب المؤمنين الذين يجرى عليهم حكم الله تعالى ولا يكون لهم فى الفئ والغنيمة شئ حتى يجاهدوا مع المؤمنين فان فعلوا فأقبل منهم وكف عنهم وان أبوا فأدعهم الى اعطاء الجزية فان فعلوا فأقبل منهم وكف عنهم وان أبوا فأستعن بالله عليهم ثم قاتلهم.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: أن أهل الكتاب والمجوس يقاتلون من غير أن يدعو قبل القتال لأن الدعوة قد انتشرت وعمت فلم يبق منهم من لم تبلغه الدعوة الا نادرا بعيدا أما عبدة الأوثان فان كانت الدعوة لم تبلغهم دعوا قبل أن يحاربوا.
وكذلك أهل الكتاب ان وجد منهم من لم تبلغه الدعوة دعوا قبل القتال وذلك لما روى بريدة قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا بعث أميرا على سرية أو جيش أمره بتقوى الله فى خاصته وبمن معه من المسلمين وقال اذا لقيت عدوك من المشركين فأدعهم الى احدى ثلاث خصال فأيتهن أجابوك اليها فأقبل منهم وكف عنهم، أدعهم الى الاسلام فان أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم فان هم أبوا فأدعهم الى اعطاء الجزية فان أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم فان بوأ فاستعن بالله عليهم وقاتلهم رواه أبو داود ومسلم
(3)
.
واذا عقد الامام أو نائبه الهدنة مع الكفار ثم خاف نقض العهد منهم جاز له أن ينبذ اليهم عهدهم لقول الله تبارك وتعالى:
«وَإِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ» يعنى أعلمهم بنقض عهدهم حتى تصير أنت وهم سواء فى العلم ولا يكفى وقوع ذلك فى قبوله حتى يكون عن أمارة تدل على ما خافه.
ولا يجوز أن يبدأهم بقتال ولا غارة قبل اعلامهم بنقض العهد للآية، ولأنهم آمنون منه بحكم العهد فلا يجوز قتلهم ولا أخذ مالهم
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب: انه يجب على الامام أن يقدم دعاء الكفار الى الاسلام قبل مقاتلتهم فيما عدا المرتدين ومن قد بلغتهم دعوة الاسلام وعرفوه فانه لا يجب تقديم دعائهم.
(1)
الآية رقم 29 من سورة التوبة.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 231 - 232 فى كتاب بأسفل صفحاته النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لمحمد بن أحمد بن يطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى فى مصر.
(3)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 361 الطبعة الثالثة طبع دار المنار سنة 1367 هـ.
(4)
المرجع السابق لابن قدامة المقدسى ج 8 ص 463 الطبعة المتقدمة.
ويجب عليه أيضا تقديم دعاء البغاة الى الطاعة للامام والانخراط فى سلك الطاعة والاتحاد، ندب فى دعاء الكفار الى الاسلام والبغاة الى الطاعة أن يكرر عليهم ثلاثة أيام
(1)
.
مذهب الأمامية:
جاء فى شرائع الاسلام: أن المجاهدين لا يبدأون القتال الا بعد الدعاء الى محاسن الاسلام ويكون الداعى الامام أو من نصبه ويسقط اعتبار الدعوة فيمن عرفها
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه يجب أن لا يقاتل الكفار الا بعد أن يدعوا الى الاسلام، فقد قال أبو عبيدة عن جابر بن زيد قال: بلغنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليا فى سرية فقال يا على: لا تقاتل القوم حتى تدعوهم وتنذرهم وبذلك أمرت وجئ بأسارى من حى من أحياء العرب فقالوا: يا رسول الله ما دعانا أحد ولا بلغنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقالوا الله. فقال: خلوا سبيلهم، ثم قال: حتى تصل اليهم دعوتى فان دعوتى تامة لا تنقطع الى يوم القيامة ثم تلى رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ}
(3)
.. الآية قال ابن عمر والحسن: أن دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمت فى حياته وانقطعت بعد موته فلا دعوة اليوم. يعنى ابن عمر والحسن بهذا أن الكفار يقاتلون بعد موت النبى صلى الله عليه وسلم محمد من غير دعاء الى الاسلام قال أبو عبد الله بن عمرو بن أبى ستة: هذا يشبه قول النكار الحجة فيما لا يسع السماع وان الناس كلهم قد سمعوا، قال الربيع قال أبو عبيدة:
الدعوة غير منقطعة الى يوم القيامة الا من فاجأك بالقتال فلك أن تدفع عن نفسك بلا دعوة.
قلنا وهذا هو الحق
(4)
.
وان سار قوم بطريقهم فرأوا مخوفا من باغ ونحوه فلهم جمع أموالهم وأصحابهم وأخذ فى هيئة حرب وقتال بلا اشهار سلاح اليه ولا جرى ولا قبيح كلام أو حمية ولا اظهار قتال ولا اظهار ما يدل عليه كصياح القتال والنداء عليه أو قولهم: لا تحسبونا كبنى فلان الذين قاتلتم ويظهرون أمانا وعافية.
ولهم أن يطلبوا أمانا وعافية ولهم أن يسكتوا ولهم أن يرسلوا الى جهته واحدا أو اثنين أو ثلاثة أو غير ذلك مما لا تهيج به الفتنة ليأتوا بالخبر
(5)
.
حكم اعلان اللقطة
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أن من أخذ اللقطة فانه يعرفها لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: عرفها حولا حين سئل عن اللقطة وروى أن رجلا جاء الى عبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما فقال: أنى وجدت لقطة فما تأمرنى فيها: عرفها سنة. وروينا عن عمر رضى الله تعالى عنه أنه أمر بتعريف البعير الضال.
وتقول: أن مدة التعريف تختلف تبعا لاختلاف قدر اللقطة فان كانت اللقطة شيئا له قيمة تبلغ عشرة دراهم فصاعدا، فمدة التعريف حول.
(1)
التاج المذهب لاحكام المذهب ج 4 ص 437، ص 428 مسئلة رقم 458 الطبعة المتقدمة.
(2)
شرائع الاسلام للمحقق الحلى فى فقه الإمامية ج 1 ص 147 الطبعة المتقدمة.
(3)
الآية رقم 19 من سورة الأنعام.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد ابن يوسف اطفيس ج 7 ص 427 طبع مطابع البارونى فى مصر.
(5)
المرجع السابق ج 7 ص 561 - 562 الطبعة السابقة.
وان كانت شيئا قيمته أقل من عشرة دراهم فمدة التعريف أيام على قدر ما يرى.
وروى الحسن بن زيادة عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى أنه قال.
التعريف على خطر المال، ان كان مائة ونحوها عرفها سنة وان كان عشرة ونحوها عرفها شهرا وان كان ثلاثة ونحوها عرفها جمعة - أو قال عشرة وان كان درهما ونحوه عرفها ثلاثة أيام وان كان دائقا ونحوه عرفه يوما وان كان ثمرة أو كسرة تصدق بها. وانما تكمل مدة التعريف اذا كان مما لا يتسارع اليه الفساد فان خاف الفساد لم تكمل المدة ويتصدق بها.
ويكون التعريف فى الأسواق وعلى أبواب المساجد لأنها مجمع الناس وممرهم فكان التعريف فيها أسرع الى تشهير الخبر
(1)
. هذا وفى أحكام اللقطة وما يترتب على التعريف وعدمه تفصيلات وفروع تطلب فى بحث (التقاط أو لقطة).
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل: أنه يجب على من التقط لقطة أن يعرفها ستة عقب الالتقاط، فلو أخر التعريف يضمن، قال ابن عبد السلام: لا يؤخر التعريف فان من ذلك داعية الى اياس ربها فلا يتعرض الى طلبها، فان ترك تعريفها حتى طال ضمنها واذا أمسك الملتقط اللقطة سنة ولم يعرفها ثم عرفها فى السنة الثانية فهلكت ضمنها وكذلك ان هلكت فى السنة الأولى ضمنها اذا تبين أن صاحبها من الموضع الذى وجدت فيه وان كان من غيره فغاب بقرب ضياعها ولم يقدم فى الوقت الذى ضاعت فيه لم يضمن ويعرف الكثير وما دونه من فوق التافه سنة أما الكثير فلا خلاف فيه، وأما ما دون الكثير وفوق التافه فحكى ابن الحاجب فيه قولين أولهما يعرف أياما مظنة طلبه وثانيهما: يعرف سنة كالكثير.
قال فى المدونة وتعرف اللقطة حيث وجدها وعلى أبواب المساجد وحيث يظن أن ربها هناك وفى سماع أشهب من كتاب اللقطة: سألت مالكا عن تعريف اللقطة فى المساجد فقال: لا أحب رفع الصوت فى المساجد وقد بلغنى أن عمر بن الخطاب أمر أن تعرف اللقطة على أبواب المساجد وأحب الى أن لا تعرف فى المساجد ولو مشى هذا الى الخلق فى المساجد يخبرهم بالذى وجد ولا يرفع صوته لم أر بذلك بأسا. وقال ابن الحاجب: يعرفها فى الجوامع والمساجد قال فى التوضيح ظاهره أن التعريف يكون فيها ولعل ذلك مع خفض الصوت وفى التمهيد التعريف عند جماعة الفقهاء فيما علمت لا يكون الا فى الأسواق وأبواب المساجد ومواضع العامة واجتماع الناس
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج: ان الأكثرين من لم يوجبوا تعريف اللقطة الا فى لقطة الحرم وقال الأقلون:
يجب أن يعرفها لئلا يفوت حق المالك بكتمها ورجحه الامام الغزالى رحمه الله تعالى وقواه واختاره فى الروضة وصححه فى شرح مسلم - وهو المعتمد كما قاله الأزرعى لأن المالك قد لا يمكنه انشاؤها لنحو سفر أو مرض ويمكن الملتقط أن يتخلص عن وجوب التعريف بأن يدفعها الى القاضى الأمين ولا يلزم الملتقط مؤنة التعريف فى ماله على القولين وان نقل الغزالى أن المؤنة تابعة للوجوب، ولو بدالة قصد التملك أو الاختصاص عرفها سنة من حينئذ ولا يعتد بما عرفه قبله، أما اذا أخذها للتملك أو الاختصاص فيلزمه التعريف جزما
(3)
.
ويعرفها الملتقط بنفسه أو نائبه من غير أن
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكسانى ج 5 ص 202 الطبعة المتقدمة.
(2)
مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى أبى الضيا خليل لأبى عبد الله الحطاب ج 6 ص 73 الطبعة الأولى.
(3)
نهاية المحتاج لشرح ألفاظ المنهاج للرملى ج 5 ص 43 الطبعة المتقدمة.
يسلمها له ويكون المعرف عاقلا غير مشهور
(1)
بالخلاعة والمجون وأن لم يكن عدلا كما قاله ابن الرفعة ويكون التعريف فى الأسواق عند قيامها وأبواب المساجد عند خروج الناس منها لأنه أقرب الى وجدانها ويكره تنزيها - كما فى المجموع - لا تحريما خلافا لجمع مع رفع الصوت بمسجد كانشاءها فيه الا المسجد الحرام كما قاله الماوردى والشاش لأنه لا يمكن تملك لقطة الحرم فالتعريف فيه محض عبادة بخلاف غيره فان المعرف فيه متهم بقصد التملك، وبه يرد على من ألحق به مسجد المدينة والمسجد الأقصى وعلى تنظير الأذرعى فى تعميم ذلك لغير أيام الموسم.
وكذا يكون التعريف فى نحو الأسواق وأبواب المساجد من المحافل والمجامع ومحال الرجال وليكن أكثره فى محل وجودها.
ولا يجوز له أن يسافر بها بل يدفعها لمن يعرفها باذن الحاكم والا ضمن. نعم لمن وجدها بالصحراء أن يعرفها لمقصده قرب أم بعد استمر أم تغير وقيل: يتعين أقرب البلاد لمحلها وأختير وان جازت به قافلة تبعها وعرفها ويجب فى غير الحقير الذى لا يفسد بالتأخير أن يعرف سنة من وقت التعريف تحديدا للخبر الصحيح فيه، لأن السنة لا تتأخر فيها النوافل غالبا، وتمضى فيها الفصول الأربعة.
ولأنه لو لم يعرف سنة لضاعت الأموال على أربابها ولو جعل التعريف أبدا لامتنع من التقاطها فكانت السنة مصلحة للفريقين. ولا يشترط استيعاب السنة فى التعريف بل يكون على العادة زمنا ومحلا وقدرا يعرف أولا كل يوم مرتين طرفى النهار أسبوعا ثم كل يوم مرة طرفه الى أن يتم أسبوعا آخر ثم كل أسبوع مرة أو مرتين أى الى أن يتم سبعة أسابيع ثم فى كل شهر مرة بحيث لا ينسى أن الأخير تكرار للأول. ولا يكفى فى التعريف سنة متفرقة - كأن يعرف اثنى عشر شهرا من اثنى عشر عاما فى الأصح لأن المفهوم من السنة فى الخبر التوالى قلت الأصح يكفى والله أعلم باطلاق الخبر وكما لو نذر صوم ستة ولو مات الملتقط فى التاء التعريف بنى وارثه كما قاله الزركشى والعراقى رادا قول شيخه أن الأقرب الاستئناف.
ويذكر من يقوم بالتعريف ندبا بعض أوصافها ويحرم عليه استيعابها ولا يلزم مؤنة التعريف ان أخذ لحفظ أولا لحفظ ولا لتملك أو اختصاص لأن المصلحة للمالك بل يرتبها القاضى من بيت المال قرضا
(2)
. لما قاله ابن الرفعة لكن مقتضى كلامها انه تبرع واعتمده الأذرعى - أو يقترض من الملتقط أو غيره على المالك أو بأمر الملتقط به ليرجع على المالك أو يبيع جزءا منها أن رآه فيجتهد.
ويلزمه أن يفعل الأحظ للمالك من هذه الأربعة فان أنفق على وجه غير ما ذكر فهو متبرع، وسواء فى ذلك أوجبنا أن يعرف أم لم نوجب ذلك على ما اعتمده السبكى والعراقى ونقله عن جمع لكن الذى فى الروضة كأصلها ان أوجبنا فعليه المؤنة، وان لم نوجبه فلا مؤنة عليه.
وان أخذ اللقطة شخص غير محجور عليه قاصدا بذلك التملك أو الاختصاص ابتداء أو فى الاثناء ولو بعد لقطه لحفظ لزمه مؤنة التعريف وان لم يتملك بعد ذلك لأن الحفظ له فى ظنه وقت التعريف، وقيل: ان لم يتملك فالمؤنة على المالك لعود الفائدة له. قال فى الروضة: وهو الأولى ليشمل ظهوره بعد التملك.
أما ان كان الملتقط محجورا عليه فلا يخرج وليه مؤننه من ماله وان رأى أن التملك أحظ له، بل يرفع الأمر الى الحاكم ليبيع جزءا منها لمؤنته، وان نازع الأذرعى فيه.
(1)
المرجع السابق لشرح لفظ المنهاج للرملى ج 5 ص 426 الطبعة المتقدمة.
(2)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد ابن أبى العباس الرملى الشهير بالشافعى الصغير فى كتاب مع حاشية الشبراملسى وبهامشه المغربى ج 5 ص 437 - 438 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى انه يجب على كل من التقط لقطة أن يعرفها سواء أراد أن يتملكها أو ان يحفظها لصاحبها لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر به زيد بن خالد وأبى بن كعب ولم يفرق ولأن حفظها لصاحبها انما يقيد باتصالها اليه وطريقة التعريف.
أما بقاؤها فى يد الملتقط من غير وصولها الى صاحبها فهو وهلاكها سيان، ولأن أمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز كردها الى موضعها أو القائها فى غيره ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الالتقاط لأن بقاءها فى مكانها اذا أقرب الى وصولها الى صاحبها اما بأن يطلبها فى الموضع الذى ضاعت فيه فيجدها واما بأن يجدها من يعرفها وأخذه لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الالتقاط وجب التعريف كيلا يحصل هذا الضرر، ولأن التعريف واجب على من أراد تملكها فكذلك على من أراد حفظها فان التمليك غير واجب فلا تجب الوسيلة اليه فيلزم أن يكون الوجوب فى المحل المتفق عليه لصيانتتا عن الضياع عن صاحبها وهذا موجود فى محل النزاع.
وقدر التعريف سنة، روى ذلك عن عمر بن الخطاب وعلى بن أبى طالب وعبد الله بن عباس رضى الله تعالى عنهم وبه قال ابن المسبب والشعبى. وروى عن عمر رواية أخرى أنه قال:
يعرفها ثلاثة أشهر، وعنه يعرفها ثلاثة أعوام، لأن أبى بن كعب روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بتعريف مائة دينار ثلاثة أعوام.
وقال أبو أيوب الهاشمى: ما دون الخمسين درهما يعرفها ثلاثة أيام الى سبعة أيام وقال الحسن بن صالح: ما دون عشرة دراهم يعرفها ثلاثة أيام وقال الثورى فى الدرهم يعرفه أربعة أيام وقال اسحاق ما دون الدينار يعرفه جمعة أو نحوها وروى أبو اسحاق الجوزجانى باسناده عن يعلى بن أمية قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من التقط درهما أو حبلا أو شبه ذلك فليعرفه ثلاثة أيام فان كان فوق ذلك فليعرفه سبعة أيام ويدل لنا حديث زيد بن خالد الصحيح، فإن النبى صلى الله عليه وسلم أمره بأن يعرفها عاما واحدا ولأن السنة لا تتأخر عنها القوافل، ويمضى فيها الزمان الذى تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والاعتدال، فصلحت قدرا كمدة أجل العنين.
ويكون التعريف فى النهار دون الليل لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم دون الليل ويكون ذلك فى اليوم الذى وجدها فيه والأسبوع أكثر لأن الطلب فيه أكثر ولا يجب فيما بعد ذلك متواليا.
ويعرفها فى مكان التعريف وهو الأسواق وأبواب المساجد والجوامع فى الوقت الذى يجتمعون فيه كأدبار الصلوات فى المساجد وكذلك فى مجامع الناس لأن المقصود اشاعة ذكرها واظهارها ليظهر عليها صاحبها فيجب تحرى مجامع الناس ولا ينشدها فى المسجد لأن المسجد لم يبن لهذا وقد روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سمع رجلا ينشد ضالة فى المسجد فليقل لأردها الله اليك فى المساجد لم تبن لهذا «وأمر عمر رضى الله تعالى عنه من وجد القطة بأن يعرفها على باب المسجد» .
وللملتقط بأن يتولى التعريف بنفسه وله أن يستنيب فيه فان وجد من يتبرع بذلك كان بها والا فان أحتاج الى أجر فهو على الملتقط لأن هذا أجر واجب على المعرف فكان عليه كما لو قصد تملكها ولانه لو وليه بنفسه لم يكن له أجر على صاحبها فكذلك اذا استأجر عليه لا يلزم صاحبها شئ ولأنه سبب لملكها فكان على الملتقط كما لو قصد تملكها ويكون التعريف بذكر جنسها لا غيره، فيقول: من ضاع منه ذهب أو فضة أو دنانير أو ثياب ونحو ذلك لقول عمر رضى الله تعالى عنه لمن وجد الذهب بطريق الشام ولا تصفها لأنه لو وصفها لعلم صفتها من يسمعها فلا تبقى صفتها دليلا على ملكها ولأنه لا يأمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها ويذكر صفتها التى يجب
دفعها بها فيأخذها وهو لا يملكها فتضيع على مالكها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن من وجد مالا فى قرية أو مدينة أو صحراء فى أرض العجم أو فى أرض العرب، العنوه أو الصلح، وجده مدفونا أو غير مدفون إلا أن عليه علامة أنه ضرب مدة الإسلام أو وجد مالا قد سقط أى مال كان فهو لقطة.
وفرض عليه أن يأخذه وأن يشهد عليه عدلا واحدا فأكثر ثم يعرفه ولا يأتى بعلامته لكن تعريفه هو أن يقول فى المجامع سواء التى يرجو أن يجد فيها صاحبه أو لا يرجو: من ضاع له مال فليخبر بعلامته. فلا يزال كذلك سنة قمرية فان كان ما وجد شيئا واحدا كدينار واحد أو درهم واحد أو لؤلؤة واحدة أو ثوب واحد أو أى شئ كان كذلك لا رباط له ولا وعاء ولا عفاص فهو للذى يجده، من حين وجده ويعرفه أبدا طول حياته فان كان ذلك فى حرم مكة حرسها الله تعالى أو فى رفقة قوم ناهضين الى العمرة أو الحج عرف أبدا ولم يحل له تملكه
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى التاج المذهب: أن التعريف باللقطة انما يكون فى مظان وجود المالك كالأسواق وأندية القوم وأبواب المساجد ونحو ذلك.
وأن وجده فى مكة عرف به فيها فلو لم يظن وجود المالك سقط عنه وجوب التعريف حتى يظن وجوده فيعرف به ومدة التعريف سنة عندنا من غير فرق بين الحقيرة والكبيرة ولا بد من توالى التعريف وحد التعريف ما جرى به العرف اذ المرجع فى مطلق المعاملات الى العرف فان فرق فلا استئناف الا لعرف ولا يجب الافراط فى التعريف حتى يشغل أوقاته به فان ترك التعريف أثم ولا يصرفها بعد السنة بل لا بد من التعريف سنة غير السنة الأولى الا أن يعرف فى الحال أن المالك لا يعرف قطعا فانه لا يجب التعريف.
وله أن يصرفها كالوديعة اذا أيس من معرفة صاحبها. ويعرف بها مجملة كمن ضاعت له ضالة فان فصل فلا يضمن اذ لا يسلم له بالصفة.
أما الدراهم فلا يجب التعريف بها الا اذا أمكن البينة عليها كأن تكون فى صرة أو نحوها ويجب على الملتقط أن يعرف بنفسه أو بنائب عنه وأجرته على الملتقط لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب كوجوبه
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: أنه يجب على من التقط لقطة المال أن يعرفه حولا على كل حال، سواء كان قليلا أو كثيرا أخذه بنية الانشاد أم لا وما كان فى غير الحرم يحل منه ما كان من الفضة دون الدرهم أو ما كانت قيمته دونه لو كان من غيرها من غير تعريف ولكن لو ظهر مالكه وعينه باقية وجب رده عليه على الأشهر وفى وجوب عوضه مع تلفه قولان.
وأما ما كان بقدر الدرهم أو أزيد عينا كان أو قيمة فانه يتخير فيه بعد أن يعرفه حولا عقيب الالتقاط مع الامكان تعريفا متتابعا بحيث يعلم السامع أن التالى تكرار لمتلوه وليكن التعريف فى موضع الالتقاط مع الامكان ان كان بلدا، ولو كان
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى مع الشرح الكبير ج 6 ص 319 وما بعدها ص 323 الطبعة الثالثة طبع دار المنار سنة 1367 هـ.
(2)
المحلى للعلامة أبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 8 ص 257 مسئلة رقم 1383 طبع مطبعة دار الطباعة المنيرية سنة 1350 هـ الطبعة الأولى.
(3)
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح متن الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 3 ص 448 - 449 الطبعة الأولى طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة 1366 هـ.
برية عرف من يجده فيها ثم أكمله اذا حضر فى بلده.
ولو أراد السفر قبل التعريف فى بلد الالتقاط أو اكماله فان أمكنه أن يستنيب فهو أولى والا عرفه فى بلده بحيث يشتهر خبره ثم يكمله فى غيره ولو أخره عن وقت الالتقاط اختيارا أثم، وأعتبر الحول من حين الشروع ويجوز التعريف بنفسه وبغيره لحصول الغرض بهما.
ويجب تعريف اللقطة البالغة درهما فصاعدا حولا كاملا على ما تقدم - ولو كان هذا الحول متفرقا فلا يعتبر وقوع التعريف كل يوم من أيام الحول، بل المعتبر ظهور أن التعريف التالى تكرار لما سبق لا تعريف للقطة جديدة فيكفى التعريف فى الابتداء كل يوم مرة أو مرتين ثم فى كل أسبوع ثم فى كل شهر ولا يختص تكراره أياما بأسبوع وأسبوعا ببقية الشهر وشهرا ببقية الحول وان كان ذلك مجزيا بل المعتبر أن لا ينسى كون التالى تكرار لما مضى لأن الشارع لم يقدره بقدر فيعتبر فيه ما ذكر لدلالة العرف عليه وليس المراد بجواز التعريف متفرقا أن الحول يجوز تلفيقه لو فرض ترك التعريف فى بعضه بل يعتبر اجتماعه فى حول واحد لأنه المفهوم منه شرعا عند الاطلاق خلافا لظاهر التذكرة حيث اكتفى به.
ووجوب التعريف ثابت سواء نوى الملتقط التملك أو لم ينوه فى أصح القولين لاطلاق الأمر به الشامل للقسمين خلافا للشيخ حيث شرط فى وجوبه نية التملك فلو نوى الحفظ لم يجب ويشكل هذا باستلزامه خفاء اللقطة وبأن التملك غير واجب فكيف تجب وسيلته وهى التعريف ولو التقط العبد عرف بنفسه أو بنائبه كالحر فلو أتلفها قبل التعريف أو بعده ضمن بعد عتقه ويساره كما يضمن غيرها من أموال الغير التى يتصرف فيها من غير أذنه ولا يجب على المالك أن يتنزع اللقطة من العبد قبل التعريف وبعده.
وان لم يكن هذا العبد أمينا لاصالة البراءة من وجوب حفظ مال الغير مع عدم قبضه وخصوصا مع وجود يد متصرفة
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أن من التقط لقطة لم يعرف صاحبها عليه أن يعرفها بأن يقول: كذا من يأتى بأمارته. ويكون التعريف سنة عربية أو قدر ما يظن وجوده قلت أو كثرت، ولا يظهرها حيث يراها الناس لئلا يأخذوا صفتها فينعتوها له وان أظهرها كذلك لم يجزه الا أن يأتى من يدعيها بشاهدين على دعواه وان أظهرها وأعطاها من رآه ضمنها للفقراء ان لم يجد بيانا وضمنها لصاحبها ان وجد البيان وكذا ان أعطاها من لم يرها لامكان أن يصفها له من رآها ويرجع هو على من أعطأها اياه ان أظهرها وان أظهرها وفيها ما بطن فانه يعطيها من أتى بصفتها الباطنة.
وانما يعرفها فى مواضع اجتماع الناس كالسوق وأبواب المساجد من خارج والعرس ونحو ذلك بحسب ما يليق فان كان العرس لا يجتمع فيه الا النساء لم يلق أن يعرف فيه ما ليس خاصا بالنساء كالسلاح ويقول فى التعريف: من سقط عنه شئ فليأت بعلامته قال فى ارشاد السارى: أنه ينادى من ضاع له شئ فليطلبه عندى ويكون فى الأسواق ومجامع الناس وأبواب المساجد عند خروجهم من الجماعات ونحوها لأن ذلك أقرب الى وجود صاحبها.
ولا ينادى بذلك فى المساجد كما لا تطلب اللقطة فيها، نعم يجوز أن تعرف اللقطة فى المسجد الحرام اعتبارا بالعرف، ولأنه مجمع الناس، وقضية التعليل أن مسجد المدينة والمسجد الأقصى كذلك وقيل: يحرم فيهما كذلك وقيل: يكره.
ويجب أن يكون محل التحريم أو الكراهة اذا وقع ذلك برفع الصوت كما أشارت اليه الأحاديث أما
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 2 ص 245 وما بعدها الى ص 248 طبع مطبعة دار الكتب العربية بمصر سنة 1379 هـ.
لو سأل الجماعة فى المسجد بدون رفع الصوت فلا تحريم ولا كراهة، واستدل بعض العلماء على جواز تعريفها فى المسجد الحرام بقول النبى صلى الله عليه وسلم: لا تحل لقتطها الا لمنشدها.
ويجب أن يكون التعريف فى محل اللقطة، ولو التقطت فى الصحراء وهناك قافلة تبعها وعرف فيها والا ففى بلد يقصده سواء قرب أو بعد، ويجب التعريف حولا كاملا ان أخذها للتملك بعد للتعريف وتكون أمانة ولو بعد سنة حتى يتملكها لأن القوافل لا تتأخر فى السنة ولأن الأزمنة الأربعة تمضى فيها ولو التقط اثنان لقطة عرف كل منهما سنة. هذا ولا يشترط الفور للتعريف بل المعتبر تعريف سنة متى كان وكذا لا يشترط الموالاة فى التعريف فلو فرق السنة كأن عرف شهرين وترك شهرين وهكذا جاز لأنه عرف سنة ولا يجب الاستيعاب للسنة بل يعرف على العادة فينادى فى كل يوم مرتين طرفيه فى الابتداء ثم فى كل يوم مرة ثم فى كل اسبوع مرتين أو مرة ثم فى كل شهر وان عرفها سنة متفرقة لم يجزه مثل أن يعرف فى كل سنة شهرا.
ولا يجب أن يعرفها بنفسه بل يجوز أن يوكل أمينا، قال بعض: أو يوكل من يصدقه لا من لا يصدقه الا ان كان يعرف بحضرته ويقول:
فليطلبها عند فلان ذاكرا اسم من التقطها.
فان قصد الملتقط التملك ولو بعد التقاطه للحفظ أو مطلقا فمئونة التعريف الواقع بعد قصده عليه سواء تملك أو لا لأن التعريف سبب تملك ولأن الحفظ له وان قصد الحفظ ولو بعد التقاطه للتملك أو مطلقا فمئنة التعريف على بيت المال ان كان فيه سعة قيل: والا فعلى المالك أن يقترض عليه الحاكم، وانما لم تجب النفقات على الملتقط لأن الحظ للمالك فقط، كذا قيل: والذى عندى أن مئونة التعريف من اللقطة وقيل من عند الملتقط لأن التعريف واجب
(1)
.
حكم الاعلان فى القضاء
مذهب الحنفية:
جاء فى البحر الرائق: أن على القاضى الجديد أن ينظر فى حال المحبوسين فى سجن القاضى فمن لم يقم على بينة ولم يقر هو، أمر مناديا كل يوم فى محلته وقت جلوسه ينادى: من من كان يطلب فلان ابن فلان المحبوس بحق فليحضر حتى نجمع بينه وبينه فان حضر واحد وأدعى بينما المحبوس على انكاره ابتدأ الحكم بينهما وان لم يحضر أحد تأنى فى ذلك أياما على حسب ما يرى القاضى فان لم يحضر أحد بعد ذلك أخذ منه كفيلا وأطلقه اتفاقا فان قال: لا كفيل لى وأبى أن يعطى كفيلا وجب أن يحتاط نوعا آخر من الاحتياط فينادى شهرا فان لم يحضر أحد أطلقه
(2)
. ثم قال صاحب البحر الرائق.
اذا توارى الخصم فالقاضى يرسل أمينا ينادى على بابه ثلاثة أيام ثم ينصب عنه وكيلا للدعوى وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى استحسنه وعمل به
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل
(4)
: انه يستحب طلب القضاء لمجتهد خفى علمه وأراد اظهاره بولايته القضاء.
ويكره أن يكون سعيه فى طلب القضاء لتحصيل الجاه والاستعلاء على الناس فهذا يكره له
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 100 وما بعدها الى ص 102 طبع مطبعة يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين ج 6 ص 300 - 301 الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ.
(3)
المرجع السابق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق لابن عابدين ج 7 ص 22 الطبعة المتقدمة.
(4)
كتاب مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء خليل ج 6 ص 102 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
السعى ولو قيل انه يحرم لكان وجهه ظاهرا لقوله تعالى:
«تِلْكَ الدّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ 1}.
وعلى القاضى الجديد أن يكون أول ما يبدأ به الكشف عن الشهود والموثقين فيعرف حال من لا يعرف حاله منهم ويفحص عن عدالتهم فمن كان عدلا أثبته ومن كان فيه جرحه أسقطه وأراح المسلمين من اذايته.
ولا يحل له أن يترك غير المرضى ينصبه للناس فانها خديعة للمسلمين ووصمة فى شعائر الدين، وعليه أن يصرح بعزل هؤلاء ويسجل على شاهد الزور كتابا مخلدا بعد عقوبته وكذلك يجب عليه أن يكشف عن المحبوسين واذا ولى قضاء غير بلده فنقل فى التوضيح عن المازرى أنه يسئل عن عدول البلد قبل خروجه قال:
وينادى مناد يشعر الناس باجتماعهم لقراءة سجله المكتوب بولايته
(2)
.
وذكر صاحب التاج والاكليل نقلا عن المتيطى وغيره أن أول ما يبدأ به القاضى النداء عن اذنه أنه حجر على كل يتيم لا ولى له وعلى كل سفيه مستوجب للولاية عليه وان من علم منكم واحدا من هذين فليرفعه الينا لنولى عليه، ومن باع منهما بعد النداء فهو مردود
(3)
.
قال الامام مالك فى المدونة واذا ظهر الامام على شاهد الزور ضربه بقدر رأيه ويطاف به فى المجالس.
وروى ابن وهب أن محمدا كتب الى عماله بالشام ان أخذتم شاهد زور فاجلدوه أربعين وسخموا وجهه وطوفوا به حتى يعرفه الناس ويطال حبسه ويحلق رأسه
(4)
.
وجاء
(5)
فى التاج والاكليل أن ابن عرفة قال القضاء على الغائب سمع ابن القاسم فيه قال الامام مالك: أما المدين فانه يقضى عليه، فأما كل شئ فيه حجج فلا يقضى عليه.
قال سحنون والذى تكون فيه الحجج قال ابن رشد: مذهب مالك أن قربت غيبته كمن على ثلاثة أميال كتب اليه وأعذر اليه فى كل حق أما وكل أو قدم فان لم يفعل حكم عليه فى الدين وبيع عليه ماله من أصل أو غيره وفى استحقاق العروض والحيوان والأصول.
وكل الأشياء من طلاق وعتق وغيره وان لم تزج له حجة فى شئ وان بعدت غيبته على عشرة أيام ونحوها حكم عليه فى غير استحقاق الرباع (أى المنازل) والأصول من الديون والحيوان والعروض ورجيت حجته فيه. وذكر ابن رشد أن غيبته ان بعدت وانقطعت كالعدوة من الأندلس ومكة حكم عليه فى كل شئ من حيوان وعروض ودين والرباع والأصول، ورجئت حجته فى ذلك وزاد ابن رشد فى أجوبته:
أن هذا التحديد فى القرب والبعد انما هو مع أمن الطريق وكونها مسلوكة وان لم تكن كذلك حكم عليه وان قربت غيبته.
ولو استعدى شخص على رجل غائب أعداه القاضى على خصم بطابع يعطيه اياه فاذا أتى صاحبه أمر بأخذ الطابع منه أو أعداه عليه برسول قال ابن فتوح ينبغى للقاضى ان كان قريبا أن يأمر غلامه الذى له الاجارة من بيت
(1)
الآية رقم 83 من سورة القصص.
(2)
مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضيا سيدى خليل المعروف بالمولق ج 6 ص 114، ص 115 الطبعة المتقدمة.
(3)
مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل على هامش مواهب الجليل ج 6 ص 115 الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 6 ص 122.
(5)
المرجع السابق ج 6 ص 143 - 144 الطبعة المتقدمة.
المال بأن يسير معه، فان لم يرتفع المطلوب بالطابع أشهد عليه بعصيانه وتأبيه على المجئ ثم يرسل القاضى اليه أحد أعوانه ويجعل له من رزقه جعلا اذا لم يكن له رزق من بيت المال اذا رفع المطلوب عليه وهو مما يلزمه فان لم يفعل القاضى ذلك فأحسن الوجوه أن يكون الطالب يستأجره على النهوض فى المطلوب ورفعه ويعطى العون ما يتفقان عليه الا أن يتبين أن المطلوب الذى طلبه ودعاه الى الارتفاع الى القاضى فأبى عليه فيكون على المطلوب أجرة شخوص العون اليه ولا يكون على الطالب من ذلك شئ.
قال ابن الحاجب: يجلب الخصم مع مدعيه بخاتم أو رسول أن لم يزد على مسافة العدوى.
فان زاد لم يجلبه ما لم يشهد شاهد. قال سحنون: لا يشخص من البعد خصم ولا شاهد والبعد ستون ميلا.
قال ابن سحنون: فان كان الخصم فى مصر الحاكم أو على الأميال اليسيرة ونفر كتب برفعه قال أصبغ: لا يكتب الا لأهل العدل أجمعوا فلانا وفلانا للتناصف فان أبى فانظروا فان رأيتم للمدعى وجه مطلب ولم يرد المطلوب تعنيته فارفعوه الى والا فلا
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى نهاية المحتاج
(2)
: انه يندب للامام أو نائبه أن يكتب لمن يوليه كتابا بالتولية وما فوضه اليه وما يحتاج اليه القاضى ولا بد من أن يشهد بما فى الكتاب من التولية شاهدين ان أراد العمل بذلك الكتاب، يخرج هذان الشاهدان معه الى محل التولية وان كان قريبا يخبران بالحال لتلزم طاعته على أهل البلد والاعتماد على ما يشهدان به لا على ما فى الكتاب ولا بد من سماعهما التولية من المولى.
واذا قرئ بحضرته فليعلما أن ما فيه هو الذى قرئ لئلا يقرأ غير ما فيه ثم ان كان فى البلد قاض أديا عنده وأثبت ذلك بشروطه والا كفى اخبارهما لأهل البلد - أى لأهل الحل والعقد منهم - كما هو ظاهر وتكفى الاستفاضة فى الأصح لأنها أكد من الشهادة لا مجرد كتاب فلا يكفى على المذهب لاحتمال التزوير وان حفت القرائن بصدقه ولا يكفى اخبار القاضى لاتهامه فان صدقوه لزمهم طاعته فى أوجه الوجهين.
وينظر القاضى أولا ندبا بعد تسلمه ديوان الحكم من القاضى الأول، وأن ينادى فى البلد نداء متكررا: ان القاضى يريد النظر فى المحبوسين فى يوم كذا فمن كان له محبوس فليحضر فى أهل الحبس ان لم يكن ثم من هو أهم منهم هل يستحقونه أولا لأنه عذاب. ويبدأ بقرعة فمن حضرت له أحضر خصمه وفصل بينهما وهكذا، فمن قال حبست بحق أدامه الى وفائه أو ثبوت اعساره وبعد ذلك ينادى عليه لاحتمال ظهور غريم آخر له ولا يحبس حال النداء ولا يطالب بكفيل بل يراقب.
وان كان الحق حدا أقامه عليه وأطلقه أو تعزيرا ورأى اطلاقه فعل، أو قال حبست ظلما فعلى خصمه حجة ان كان حاضرا فان أقامها أدامه والا حلفه وأطلقه بلا كفيل الا أن يراه فحسن فان كان خصمه غائبا عن البلد كتب اليه ليحضر لفصل الخصومة بينهما أو يوكل لأن القصد اعلامه ليلحق بحجته فان علم ولم يحضر ولم يوكل حلف وأطلق لتقصير الغائب حينئذ.
واذا ثبت عند حاكم مال على غائب وحكم به وله مال قضاه الحاكم منه وأن لم يكن له مال فى محل ولايته أو لم يحكم فان سأل المدعى انهاء
(1)
التاج والاكليل لمختصر سيدى خليل لأبى عبد الله محمد ابن يوسف العبدرى الشهير بالمواق فى كتاب على هامش مواهب الجليل ج 6 ص 144 - 145 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
(2)
نهاية المحتاج للرملى وحاشية الشبراملسى. عليه ج 8 ص 237 - 238 طبع مطبعة البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة
الحال الى قاضى بلد الغائب أو الى كل من يصل اليه الكتاب من القضاة أجابه حتما وان كان المكتوب اليه قاضى ضرورة مسارعة لبراءة ذمة غريمه ووصوله الى حقه فينهى سماع بينة ثبت بها الحق ثم ان عدلها لم يحتج المكتوب اليه الى تعديلها والا احتاج ليحكم بها ثم يستوفى الحق والأوجه جواز كتابته بسماع شاهد واحد ليسمع المكتوب اليه شاهدا آخرا أو يحلفه له، أو ينهى اليه حكما ان حكم ليستوفى الحق لدعاء الحاجة الى ذلك ولا يشترط هنا بعد المسافة ولو شهدا عند غير المكتوب اليه أمضاه اذ الاعتماد على الشهادة.
ولو نادى القاضى قاضى بلد الغائب وهما فى طرفى ولايتهما وقال له: انى حكمت بكذا أمضاه وكذا اذا كان فى بلد قاضيان ولو نائبا ومستنيبا وشافه أحدهما الآخر فيمضيه وان لم يحضر الخصم وان اقتصر القاضى الكاتب على سماع بينة كتب سمعت بينة على فلان ويصفه بما يميزه ليحكم عليه المكتوب اليه ويسميها وجوبا ويرفع فى نسبها ان لم يعدلها ليبحث المكتوب له عن عدالتها وغيرها حتى يحكم بها
(1)
.
واذا كان المدعى عليه حاضرا ببلد القاضى وهو أهل لسماع الدعوى فاستخفى نودى عليه نداء متكررا بباب داره وان لم يحضر الى ثلاثة أيام سمر بابه أو ختم وسمعت الدعوى عليه وحكم بها فان لم يحضر بعدها وسأل المدعى أحدهما وأثبت أنه يأوى الى داره أجابه
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أنه اذا جلس الحاكم فى مجلسه فأول ما ينظر فيه أمر المحبوسين لأن الحبس عذاب وربما كان فيهم من لا يستحق البقاء فيه فينفذ الى حبس القاضى الذى كان قبله ثقة يكتب اسم كل محبوس وفيم حبس؟ ولمن حبس فيحمله اليه فيأمر مناديا يناد فى البلد ثلاثة أيام: ألا أن القاضى فلان بن فلان ينظر فى أمر المحبوسين يوم كذا، فمن كان له محبوس فليحضر فاذا حضر ذلك اليوم وحضر الناس ترك الرقاع التى فيها اسم المحبوسين بين يديه ومد يده اليها فما وقع فى يده منها نظر الى اسم المحبوس وقال: من خصم فلان المحبوس فاذا قال خصمه أنا بعث معه ثقة الى الحبس فأخرج خصمه وحضر معه مجلس الحكم ويفعل ذلك فى قدر ما يعلم أنه يتسع زمانه للنظر فيه فى ذلك المجلس ولا يخرج غيرهم فاذا حضر المحبوس وخصمه لم يسأل خصمه لما حبسته لأن الظاهر أن الحاكم انما حبسه بحق لكن يسأل المحبوس بما حبست؟ فان قال حبست ظلما ولا حق على فينادى منادى الحاكم يذكر ما قاله فان حضر رجل فقال: أنا خصمه فأنكره وكانت للمدعى بينة كلف الجواب على ما مضى وان لم تكن له بينة أو لم يظهر له خصم فالقول قوله مع يمينه أنه لا خصم له أو لا حق عليه ويخلى سبيله
(3)
.
واذا استعدى رجل على رجل الى الحاكم فلا يخلو المستعدى عليه من أن يكون حاضرا أو غائبا، فان كان حضرا فى البلد أو قريبا منه فان شاء الحاكم بعث مع المستعدى عونا يحضر المدعى عليه وان شاء بعث معه قطعة من شمع أو طين مختوما بخاتمه فاذا بعث معه ختما فعاد فذكر أنه امتنع أو كسر الختم بعث اليه عيونا فان امتنع أنقذ
(4)
صاحب المعونة فأحضره فاذا
(1)
نهاية المحتاج للرمى وحاشية الشبراملسى عليه ج 8 ص 258 وما بعدها الى ص 261 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وشركاه بمصر سنة 1357 هـ.
(2)
المرجع السابق للرملى وحاشية الشبراملسى عليه ح 8 ص 267 - 268 الطبعة المتقدمة.
(3)
المغنى لابن قدامة المقدسى ومعه الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 11 ص 390 وما بعدها الى ص 393 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
(4)
المرجع السابق لابن قدامة المقدسى الى ج 3 ومعه الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج ابن أحمد بن قدامة المقدسى ج 11 ص 410 وما بعدها 413 الطبعة المتقدمة.
حضر وشهد عليه شاهدان بالامتناع عزره ان رأى ذلك بحسب ما يراه تأديبا له أما بالكلام وكشف رأسه أو بالضرب أو بالحبس فان اختبأ بعث الحاكم من ينادى على بابه ثلاثا فانه ان لم يحضر سمر بابه وختم عليه ويجمع أماثل جيرانه ويشهدهم على أعزاره فان لم يحضر وسأل المدعى أن يسمر عليه منزله ويختم عليه وتقرر عند الحاكم أن المنزل منزله سمره أو ختمه فان لم يحضر بعث الحاكم من ينادى على بابه بحضرة شاهدى عدل أنه ان لم يحضر مع فلان أقام عنه وكيلا وحكم عليه فان لم يحضر أقام عنه وكيلا وسمع البينة عليه وحكم عليه كما يحكم على الغائب وقضى حقه من ماله أن وجد له مالا.
وان استعدى على غائب نظرت فان كان الغائب فى غير ولاية القاضى لم يكن له أن يعدى عليه وان كان فى ولايته وله فى بلده خليفة فان كانت له بينة ثبت الحق عنده وكتب به الى خليفته ولم يحضره وان لم تكن له بينة حاضره نفذه الى خصمه ليخاصمه عند خليفته وان لم يكن له فيه خليفة وكان فيه من يصلح للقضاء أذن له فى الحكم بينهما وان لم يكن فيه من يصلح للقضاء قيل له: حرر دعواك لأنه يجوز أن يكون ما يدعيه ليس بحق عنده كالشفعة للجار وقيمة الكلب أو خمر الذمى فلا يكلفه الحضور لما لا يقضى عليه به مع المشقة فيه بخلاف الحاضر فانه لا مشقة فى حضوره فاذا تحررت بعث فأحضر خصمه بعدت المسافة أو قربت لأنه لا بد من فصل الخصومة بين المتخاصمين فاذا لم يكن الا بمشقة فعل ذلك كما لو امتنع من الحضور فانه يؤدب ويعزر.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: أن للحاكم أن ينفذ حكم غيره فاذا كتب اليه أنى قد حكمت بكذا نفذه سواء وافق اجتهاده أم خالف نحو أن يكون فمن يحكم بالنكول ثم يكتب الى من لا يحكم به، واذا قامت دعوى عند حاكم وكملت حتى لم يبق الا الحكم كان للحاكم الآخر أن يتولى الحكم بعد دعوى كانت قد قامت عند غيره وهو الحاكم الأول ولا يحتاج الى اعادة الدعوى والشهادة وانما يكون له ذلك بشروط منها أن يكون قد كتب اليه بذلك قال فى الحاشية:
وكذا لو لم يكتب اليه القاضى مع الشاهدين بل أشهدهما على ما صح له فأمرهما بنقل ذلك عنه الى الثانى وانه أمره بالحكم فيصح عندنا مع تكامل شروطه. قال فى شرح الأبانة: اذا التقى القاضيان فى موضع واحد وأخير أحدهما صاحبه من غير كتاب ولا رسول فانه ينظر فان كان الموضع من عمل أحدهما دون الآخر لم يعمل به وان كان من عملهما فان أخبره بأنه قد حكم بذلك نفذه وأن أخبره بثبوت الشهادة فان كان موضع الشهود بعيدا جاز وأن كان قريبا لم يجز عند الناصر
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن من أداب القاضى المستحبة أن ينادى بقدومه أن كان البلد واسعا لا ينتشر خبره فيه الا بالنداء. وأن يجلس للقضاء فى موضع بارز مثل رحبة أو فضاء ليسهل الوصول اليه وأن يبدأ بأخذ ما فى يد الحاكم المعزول من حجج الناس وودائعهم لأن نظر الأول سقط بولايته ثم يستحب له أن يسأل عن أهل السجون ويثبت أسماءهم وينادى فى البلد بذلك ليحضر الخصوم ويجعل لذلك وقتا فاذا اجتمعوا أخرج اسم واحد ويسأله عن موجب حبسه وعرض قوله على خصمه فان ثبت لحبسه موجب أعاده والا شاع حاله بحيث أن لم يظهر له خصم أطلقه وقيل: يحلفه مع ذلك
(2)
.
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 4 ص 321 - 322 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 206، ص 207 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.
واذا أراد قاض أن ينهى الى قاض ما حكم به فان كان ذلك بالكتابة لم يصح لأن الكتابة لا عبرة بها لامكان التشبيه وان كان بالقول مشافهة بأن يقول للآخر حكمت بكذا أو أنفذت أو أمضيت ففى القضاء به تردد ونص الشيخ أنه لا يقبل، وان كان الانهاء بالشهادة فان شهدت البينة بالحكم وبالشهادة اياهما على حكمه تعين القبول لأنه ذلك مما تمس الحاجة اليه اذ احتاج أرباب الحقوق الى اثباتها فى البلاد المتباعدة غالب وتكليف شهود الأصل التنقل متعذر أو متعسر فلا بد من وسيلة الى استيفائها مع تباعد الغرماء.
ولا وسيلة الا رفع الأحكام الى الحكام وأتم ذلك احتياطا ما صورناه
(1)
. هذا واذا كان ما ينهى من الحاكم حكما وقع بين المتخاصمين فان حضر شاهدان لانهاء خصومة الخصمين وسمعا ما حكم به الحاكم وأشهدهما على حكمه ثم شهدا بالحكم عند الآخر ثبت بشهادتهما حكم ذلك الحاكم وأنفذ ما ثبت عنده واذا كان ما ينهى من الحاكم اثبات دعوى المدعى فان حضر الشاهدان الدعى واقامة الشهادة والحكم بما شهدا به وأشهدهما على نفسه بالحكم وشهدا بذلك عند الآخر قبلها وأنفذ الحكم ولو لم يحضرا الواقعة وأشهدهما بما صورته أن فلان بن فلان الفلانى ادعى على فلان بن فلان الفلانى بكذا وشهدا له بدعواه فلان وفلان ويذكر عدالتهما أو تزكيتهما - فحكمت أو أمضيت ففى الحكم به تردد مع أن القبول ارجع خصوصا مع احضار الكتاب المتضمن للدعوى وشهادة الشهود، أما لو أخبر حاكما آخر بأنه ثبت عنده كذا لم يحكم به الثانى
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: أنه يندب للقاضى أن يجلس فى بارز من الأرض ليصل اليه كل أحد ويكون فى وسط البلد وينبغى أن يجعل لجلوسه ساعة يعرفها الناس ليأتوه فيها
(3)
.
واذا كان الخصم حاضرا فى بلد القاضى أرسل اليه أحد خدامه ليرفعه الى مجلس الحكم ان أبى وان كان على يسير الأميال كفى فيه أن يكتب اليه وان بعد أو كان هناك خوف أمر من يلى أمر بلد هو فيه بأن يصلح بينهما أو أن يعزم على الشخص المطلوب فى أن يصل لمحل الحكم. وقيل: يرسل اليه اذا كان فى البلد مطلقا الا أن تبين كذبه وأجرة الرسول عندنا من بيت المال وقال قومنا: هى من مال من له الحق
(4)
.
وينبغى للقاضى اذا ظهر عنده شاهد الزور أن يشهره فى ذلك المنزل ويحذر الناس منه.
وذكر فى الكتاب: أن شاهد الزور يسحم وجهه ويطاف به وقيل: يعزره الحاكم: وقيل أنه ينكل به، وذكر عن شريح والله أعلم - انه اذا ظهر عنده شاهد الزور بعث به الى سوقه ان كان له سوق أو الى منزله ان كان غير ذى سوق فيقول رسوله للناس: ان شريحا يقرئ لكم السلام ويقول لكم: انا وجدنا هذا شاهد زور فاحذروه وحذروا الناس منه وقيل:
يجلد شاهد الزور، ويطاف به ويطال حبسه حتى يحدث توبة وكتب عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه فى شاهد زور: ان اجلدوه أربعين جلدة ويحلق رأسه ويطاف به ويطال سجنه
(5)
.
(1)
المرجع السابق للمحقق الحلى ج 2 ص 217 الطبعة المتقدمة.
(2)
المرجع السابق فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 218 طبع دار مكتبة الحياء ببيروت سنة 1295 هـ.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ح 6 ص 526 طبع مطابع البارونى فى مصر.
(4)
المرجع السابق للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 580، ص 581 طبع مطابع البارونى بمصر.
(5)
المرجع السابق للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 6 ص 611 - 612 طبع مطابع البارونى فى مصر.
حكم اعلان الصدقات
ذكر القرطبى فى تفسير قول الله عز وجل:
«إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ 1}.
أن جمهور المفسرين ذهبوا الى أن هذه الآية فى صدقة التطوع لأن الاخفاء فيها أفضل من الاظهار وكذلك سائر العبادات الاخفاء أفضل فى تطوعها لانتفاء الرياء عنها وليس كذلك الواجبات.
قال الحسن: اظهار الزكاة أحسن واخفاء التطوع أفضل لأنه أدل على انه يراد الله عز وجل به وحده قال ابن عباس: جعل الله صدقة السر فى التطوع تفضل علانيتها بل يقال بسبعين ضعفا وجعل صدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها يقال بخمسة وعشرين ضعفا قال: وكذلك جميع الفرائض والنوافل فى الأشياء كلها قلت: مثل هذا لا يقال من وجهة الرأى وانما هو توقيف وفى صحيح مسلم عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: أفضل صلاة المرء فى بيته الا المكتوبة، وذلك أن الفرائض لا يدخلها رياء والنوافل عرضة لذلك.
وروى النسائى عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ان الذى يجهر بالقرآن كالذى يجهر بالصدقة والذى يسر بالقرآن كالذى يسر بالصدقة وفى الحديث: (صدقة السر تطفئ غضب الرب).
قال ابن العربى: «وليس فى تفضيل صدقة العلانية على السر، ولا تفضيل صدقة السر على العلانية حديث صحيح ولكنه الاجماع الثابت، فأما صدقة النفل فالقرآن ورد مصرحا بأنها فى السر أفضل منها فى الجهر، بيد أن علماءنا قالوا: ان هذا على الغالب مخرجه والتحقيق فيه أن الحال فى الصدقة تختلف بحال المعطى لها والمعطى اياها والناس الشاهدين لها. أما المعطى بكسر الطاء - فله فيها فائدة اظهار السنة وثواب القدوة قال القرطبى: هذا لمن قويت حاله وحسنت نيته وأمن على نفسه الرياء وأما من ضعف عن هذه المرتبة فالسر له أفضل.
وأما المعطى اياها فان السر له أسلم من احتقار الناس له أو نسبته الى أنه أخذها مع الغنى وترك التعفف.
وأما حال الناس فالسر عنهم أفضل من العلانية لهم، من جهة أنهم ربما طعنوا على المعطى لها بالرياء وعلى الآخذ لها بالاستغاء، ولهم فيها تحريك القلوب الى الصدقة لكن هذا اليوم قليل.
وقال يزيد بن حبيب: انما نزلت هذه الآية فى الصدقة على اليهود والنصارى وكان يأمر بقسم الزكاة فى السر وقال المهدوى: المراد بالآية فرض الزكاة وما تطوع به فكان الاخفاء أفضل فى مدة النبى صلى الله عليه وسلم ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك فاستحسن العلماء اظهار الفرائض لئلا يظن بأحد المنع.
وقال ابن عطية: يشبه فى زماننا أن يحسن التستر بصدقة الفرض فقد كثر المانع لها.
وصار اخراجها عرضة للرياء
(2)
.
أما الفقهاء سار أكثرهم على التفريق بين الفرض والتطوع.
(1)
الآية رقم 271 من سورة البقرة.
(2)
تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن لابن عبد الله محمد ابن أحمد الانصارى القرطبى ج 3 ص 332 - 333 طبع مطبعة دار الكتب المصرية سنة 1396 هـ، سنة 1936 م.
مذهب الحنفية:
جاء فى فتاوى قاضيخان أن الرجل اذا أراد أداء الزكاة الواجبة قالوا: الأفضل هو الاعلان والاظهار أما فى التطوعات فان الأفضل هو الاخفاء والأسرار
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل نقلا عن عياض فى قواعده أن من أداب الزكاة أن يسترها عن أعين الناس، قال وقد قيل: الاظهار فى الفرائض أفضل قال شارحه:
قال ابن بطال: لا خلاف بين أئمة العلم أن اعلان صدقة الفرض أفضل من اسرارها وأن الاسرار بصدقة النوافل أفضل من اعلانها ثم ذكر عن ابن عطية وغيره خلافا فى صدقة الفرض، لكن ضعف القول باسرارها ثم قال:
وما بدأ به المؤلف هو القول المرجوح المطعون عليه وانما قدمه لأنه مذهب مالك وقال الشيخ زروق فى شرح القرطبية: فأما سترها فمستحب لما يعرض من الرياء الا أن يكون الغالب على الناس تركها فيستحب الاظهار للاقتداء وهذا عكس ما قال ابن عطية على ما نقل القباب، فانه قال: كثر المانع لها وصار اخراجها عرضة للرياء. وهذا والله أعلم يختلف باختلاف الأحوال فمن أيقن بسلامته من الرياء وحسن قصده فى الاظهار استحب له ذلك ومن غلب عليه خوف الرياء استحب له الاسرار ومن تحقق وقوع الرياء وجب عليه الاخفاء والاستنابة
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى حاشيتى قليوبى وعميرة على شرح جلال الدين المحلى أن دفع صدقة التطوع سرا وعدم اطلاق غيره عليه أفضل من دفعها جهرا الا لنحو اقتداء به وخلو عن نحو رياء وسمعة والا أن يكون من دفع الامام الزكاة للفقراء فى المال الظاهر والباطن فجهرا أفضل فيهما وكذلك الأمر اذا دفعها المالك فى المال الظاهر فقط
(3)
:
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن صدقة السر أفضل من صدقة العلانية لقول الله تبارك وتعالى:
وروى أبو هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: سبعة يظلهم الله فى ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله وذكر منهم رجلا - تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه (متفق عليه).
وروى عن النبى صلى الله عليه وسلم:
«ان صدقة السر تطفئ غضب الرب
(5)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى
(6)
ان اظهار الصدقة من غير أن ينوى به رياء حسن سواء فى ذلك صدقة الفرض
(1)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية بهوامشه فتاوى قاضيخان للأوزجندى ج 1 ص 260 الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.
(2)
مواهب الجليل شرح مختصر سيدى أبى الضيا سيدى خليل المعروف بالمواق ج 2 ص 353 الطبعة الأولى سنة 1329 هـ.
(3)
حاشيتى قليوبى وعميرة على شرح جلال الدين المحلى على منهاج الطالبين لمحيى الدين النووى ج 3 ص 205
(4)
الآية رقم 271 من سورة البقرة.
(5)
المغنى لابن قدامة المقدسى على مختصر الخرقى ج 3 ص 81، ص 82 الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
(6)
المحلى للعلامة أبى محمد على ابن أحمد بن سعيد ابن حزم الظاهرى ج 6 ص 156 مسئلة رقم 724 طبع مطبعة دار الطباعة المنيرية سنة 1350 هـ.
وصدقة التطوع وان اخفاء كل ذلك أفضل وهو قول أصحابنا، اذ التفريق بين صدقة الفرض والتطوع لا برهان على صحته. قال الله عز وجل:
مذهب الزيدية:
جاء فى حواشى شرح الأزهار أنه يستحب فى صدقة التطوع الإسرار والاعلان لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
صدقة السر تطفئ غضب الرب وصدقة العلانية تقى ميتة السوء
(1)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أن صدقة السر أفضل من الجهر الا أن يتهم فى ترك المواساة فيظهرها دفعا للتهمة
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى قناطر الخيرات أن الاختلاف فى حكم اعلان الصدقة ليس اختلافا فى المسئلة بل هو اختلاف فى الحال لأنا لا نحكم حكما بتا بأن الاخفاء أفضل فى كل حال أو الاظهار أفضل بل يختلف ذلك باختلاف النيات وتختلف النيات باختلاف الأحوال والأشخاص فينبغى للانسان أن يكون مراقبا لنفسه حتى لا يتدلى بحبل الغرور وينخدع بمكر الشيطان والمكر والخداع له دخل فى كل من الاظهار والاخفاء
(3)
.
أعمى
التعريف فى اللغة:
العمى ذهاب البصر من العينين كلتهما، والفعل منه: عمى يعمى ويقال رجل أعمى وامرأة عمياء، ولا يقع هذا الوصف على العين الواحدة بل يقال: عميت عيناه
(4)
.
وقيل أن كلمة «الأعمى» مأخوذة من أصل مادتها وهو «العماء» والعماء هو الضلالة
(5)
.
الأعمى والاجتهاد فى أوانى المياه للطهارة
مذهب المالكية:
الأعمى كالبصير فى أحكام المياه التى يتطهر بها، الا على القول بالاجتهاد فاختلف فيه: أهو كالبصير أم لا؟ قولان ذكرهما القرافى فى الذخيرة (ينظر مصطلح مياه)
(6)
.
مذهب الشافعية:
الأعمى كالبصير فى الاجتهاد فى مياه الطهارة، لتمكنه من الوقوف على المقصود بالشم والذوق والسمع واللمس.
نعم لو فقد الأعمى تلك الحواس امتنع عليه الاجتهاد.
وهناك قول ثان: هو أن الأعمى لا يجتهد، لفقد البصر الذى هو عمدة الاجتهاد بل يقلد.
(1)
حواشى شرح الأزهار على هامش شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار مع حواشيه للعلامة أبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 558 الطبعة الثالثة طبع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 251 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت سنة 1295 هـ.
(3)
قناطر الخيرات للشيخ اسماعيل بن موسى الجيطانى النفوسى ج 2 ص 45 وما بعدها الى ص 51
(4)
معجم مقاييس اللغة لابن الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الطبعة الأولى سنة 1368 هـ طبع دار احياء الكتب العربية بالقاهرة ج 4 ص 133.
(5)
انظر فى المادة النهاية لابن الأثير ولسان العرب لابن منظور ومفردات القرآن للأصفهانى.
(6)
مواهب الجليل شرح مختصر أبى عبد الله محمد بن محمد ابن عبد الرحمن الخطاب المتوفى سنة 954 هـ الطبعة الأولى مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ وبهامشه التاج والأكليل لمختصر خليل أحمد بن يوسف الشهير المتوفى سنة 897 هـ.
فان تحير الأعمى قلد بصيرا أو أعمى أقوى منه.
فان لم يجد من يقلده أو وجده فتحير يتمم.
وان اشتبه عليه بول - أو نحوه - انقطعت رائحته لم يجتهد فيهما على الصحيح، لأن الاجتهاد يقوى ما فى النفس من الطهارة الأصلية، والبول لا أصل له فى الطهارة فامتنع العمل به سواء أكان أعمى أم بصيرا.
والقول الثانى يجتهد كالماءين
(1)
.
وفى حاشية البجيرمى: يجوز للأعمى أن يجتهد فى الأوانى لأنه يدرك الامارة باللمس وغيره كالشم والذوق.
وان اشتبه على الأعمى ماء وبول، فتحبر فعليه التقليد ولو لأعمى أقوى ادراكا منه، ولو بأجرة لا تزيد على ماء الطهارة ان قدر على الزيادة ويجب على من قصده الاجتهاد ولو بأجرة وتجب له الأجره ان لم يرض مجانا
(2)
.
وفى الأشباه والنظائر للسيوطى: فى اجتهاد الأعمى فى الأوانى قولان: أظهرها يجتهد، لأنه يمكنه الوقوف على الأمارات، باللمس والشم واعوجاج الأناء واضطراب الغطاء وغير ذلك.
والثانى لا لأن للنظر أثرا فى حصول الظن بالمجتهد فيه لكنه فى الوقت مخير بين الاجتهاد والتقليد
(3)
.
وفى الأوانى لا يجوز له التقليد والفرق أن الاجتهاد فى الأوقات انما يتأتى بأعمال مستغرقة للوقت وفى ذلك مشقة ظاهرة، بخلافه فى الأوانى.
فان تحير فى الأوانى قلد.
أما البصير فلا يقلد غيره عند التحير بل يتيمم وأما اجتهاده فى الثياب ففيه القولان الواردان فى الأوانى كما ذكره ابن الرفعة فى الكفاية
(4)
.
وفى المجموع للنووى: لا يجتهد الأعمى فى الأوانى والثياب فى قول
(5)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كتاب المغنى: اذا أخبر شخص غيره أن كلبا ولغ فى هذا الأناء لزم قبول خبره، سواء أكان هذا الشخص بصيرا أم ضريرا لأن للضرير طريقا الى العلم بذلك بالخبر والحس.
وأن أخبره أن كلبا ولغ فى هذا الاناء، ولم يلغ فى هذا. وقال آخر: لم يلغ فى الأول، وانما ولغ فى الثانى وجب اجتنباهما، فيقبل قول كل واحد منهما فى الاثبات دون النفى لأنه يجوز أن يعلم كل واحد منهما ما خفى على الآخر الا أن يفينا وقتا معينا وكلبا واحدا يضيق الوقت عن شربه منها، فيتعارض قولاهما، ويسقطان ويباح استعمال كل واحد منهما.
فان قال أحدهما شرب من هذا الأناء وقال الآخر نزل ولم يشرب قدم قول المثبت الا أن
(1)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج تأليف شمس الدين محمد بن أبى العباس الرملى المصرى الانصارى المتوفى سنة 1004 هـ طبعة مصطفى البابى الحلبى سنة 1357 هـ - 1938 م ج 1 ص 80
(2)
حاشية البجيرمى على شرح منهج الطلاب للشيخ سليمان ج 1 ص 30 - 31 مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر طبعة ربيع الأول 1345 هـ.
(3)
يقصد أوقات الصلاة.
(4)
الأشباه والنظائر فى قواعد فقه الشافعية لجلال الدين عبد الرحمن السيوطى المتوفى سنة 911 هـ طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1378 هـ - 1959 م بمصر ص 252
(5)
المجموع شرح المهذب للامام أبى زكرياء محيى الدين ابن شرف النووى المتوفى سنة 1676 مطبعة التضامن الأخوى بالقاهرة سنة 1344 هـ ج 9 ص 304
يكون المثبت لم يتحقق شربه مثل الضرير الذى يخبر عن حسه فيقدم قول البصير لأنه أعلم
(1)
.
مذهب الأمامية:
جاء فى كتاب الخلاف: اذا كان مع غير البصير اناءان وقع فى أحدهما نجاسة واشتبها وجب عليه اراقتهما ويتيمم لأن البصير لا يجوز له التحرى، ولا الرجوع الى غيره فحكم الأعمى حكمه سواء
(2)
.
أجتهاد الأعمى فى القبلة
مذهب الحنفية:
جاء فى الدرومتنه ويتحرى عاجز عن معرفة القبلة فان ظهر خطؤه - أى بعد ما صلى - لم يعد لأن الطاعة بحسب الطاقة. وان علم به أى بخطئه - فى صلاته - أو تحول رأيه: بأن غلب على ظنه أن الصواب فى جهة أخرى، استدار وبنى ولا يلزمه قرع أبواب ومس جدران.
وجاء فى حاشية ابن عابدين.
لا يلزم الأعمى مس جدران المسجد اذا جهل القبلة، ولو صلى الأعمى ركعة الى غير القبلة فجاء رجل فسواه الى القبلة واقتدى به فان وجد الأعمى وقت الشروع فى الصلاة من يسأله فلم يسأله، لم تجز صلاتهما، والا جازت صلاة الأعمى دون المقتدى، لأن عنده أن امامه بنى صلاته على الفاسد، وهو الركعة الأولى.
ومفادة أن الأعمى لا يلزمه امساس المحراب اذا لم يجد من يسأله وأنه لو ترك السؤال مع أمكانه وأصاب القبلة جازت صلاته والا فلا
(3)
.
وجاء فى الفتاوى الهندية.
امرأة مكفوفة لا تجد من يوجهها الى القبلة، فان ضاق الوقت ولم تجد أحدا فانها تتحرى وتصلى
(4)
.
مذهب المالكية:
جاء فى حاشية الدسوقى.
اذا تبين للأعمى خطأ فى استقباله القبلة - وهو فى الصلاة فانه يتحول ويستقبلها فى أثناء الصلاة، ثم يتم. واذا تبين له الخطأ بعد انتهاء الصلاة فانه لا يعيد الصلاة
(5)
. وفى الشرح الكبير.
ولا يقلد مجتهد وهو العارف بأدلة القبلة - مجتهدا غيره، لأن القدرة على الاجتهاد تمنع من التقليد فالاجتهاد واجب ولا يقلد المجتهد أيضا محرابا، الا أن يكون لمصر من الأمصار التى يعلم أن محاربيها انما نصبت باجتهاد العلماء هذا اذا كان المجتهد بصيرا، بل وان كان أعمى واذا لم يجز له التقليد سأل عن الأدلة ليهتدى بها الى القبلة وان لم يكن مجتهدا قلد مكلفا عدلا عارفا بطريق الاجتهاد أو محرابا ولو لغير مصر فان لم يجد من يقلده ولا محرابا يختر جهة من الجهات الأربع وصلى
(6)
وفى مواهب الجليل.
(1)
المغنى تأليف موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن محمد بن قدامة الحنبلى المتوفى سنة 630 هـ على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى المتوفى سنة 334 هـ ج 1 ص 65 الطبعة السابقة مطبعة المنار بمصر سنة 1367 هـ.
(2)
الخلاف فى الفقه لشيخ الطائفة الامام أبى جعفر محمد ابن الحسن بن على الطوسى طبعة زنكين بطهران الطبعة الثانية سنة 1377 هـ.
(3)
رد المحتار على الدر المختار تنوير الأبصار (المشهور بحاشية ابن عابدين) للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين الطبعة الثالثة المطبعة الأميرية الكبرى ببولاق سنة 1323 هـ ج 1 ص 304
(4)
الفتاوى الهندية المسماه بالفتاوى العالمكية الطبعة الثانية المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1310 هـ ج 5 ص 282.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للشيخ محمد عرفة الدسوقى مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر ج 1 ص 227.
(6)
الشرح الكبير مع الحاشية ج 1 ص 226 - 227.
للأعمى العاجز أن يقلد فى الاتجاه الى القبلة شخصا مكلفا عارفا بأدلة القبلة، لأن الأعمى غير مجتهد
(1)
.
مذهب الشافعية:
فى المجموع للنووى: قال أصحابنا: الأعمى يعتمد المحراب بمس اذا عرفه بالمس حيث يعتمده البصير، وكذا البصير فى الظلمة، وفيه وجه:
أن الأعمى انما يعتمد محرابا رآه قبل العمى، ولو اشتبه على الأعمى مواضع لمسها صبر حتى يجد من يخبره، فان خاف فوت الوقت صلى على حسب حاله، وتجب الاعادة
(2)
. وفيه أيضا:
لا يجتهد الأعمى فى القبلة
(3)
وفى الاشباه والنظائر.
لا يجتهد الأعمى فى القبلة، ولا خلاف فى أنه لا يجتهد فيها لأن غالب أدلتها بصرية
(4)
.
مذهب الحنابلة:
فى المغنى لابن قدامه: اذا صلى الأعمى فى حضر بلا دليل وأخطأ القبلة أعاد صلاته لأنه يقدر على الاستدلال بالخبر والمحاريب فان الأعمى اذا لمس المحراب وعلم أنه محراب وأنه متوجه اليه فهو كالبصير، وكذلك اذا علم أن باب المسجد الى الشمال أو غيرها من الجهات جاز له الاستدلال به، ومتى أخطأ فعليه الاعادة وحكم المقلد حكم الأعمى فى هذا.
وان كان الأعمى أو المقلد مسافرا، ولم يجد من يخبره، ولا مجتهدا يقلده، فظاهر كلام الخرفى أنه يعيد سواء أصاب أو أخطأ لأنه صلى من غير دليل فلزمته الاعادة وان أصاب كان كالمجتهد اذا صلى من غير اجتهاد.
وقال أبو بكر الخلال يصلى على حسب حاله.
وفى الاعادة روايتان سواء أصاب أم أخطأ أحداهما يعيد لما ذكرنا والثانية لا اعادة عليه لأنه أتى بما أمر به فأشبه المجتهد، ولأنه عاجز عن غير ما أتى به، فسقط عنه كسائر العاجزين عن الاستقبال، ولأنه عادم للدليل فأشبه المجتهد فى الغيم والحبس. وقال ابن حامد.
ان أخطأ أعاد.
وان أصاب فعلى وجهين
(5)
. وجاء فى المغنى.
أيضا اذا اختلف مجتهدان فى القبلة، ومعهما أعمى قلد أوثقهما فى نفسه وهو أعلمهما عنده
وأصدقهما قولا، وأشدهما تحريا لأن الصواب اليه أقرب
(6)
.
والمجتهد فى القبلة هو العالم بأدلتها، وان كان جاهلا بأحكام الشرع فان كل من علم أدلة شئ كان من المجتهدين فيه وأن جهل غيره، لأنه يتمكن من استقبالها بدليله فكان مجتهدا فيها كالفقيه ولو جهل الفقيه أدلتها أو كان أعمى فهو مقلد وان علم غيرها
(7)
.
(1)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد ابن محمد بن عبد الرحمن الحطاب المتوفى سنة 954 هـ الطبعة الأولى مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ ج 1 ص 510 وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لمحمد بن يوسف الشهير بالمواق المتوفى سنة 897 هـ.
(2)
المجموع شرح المهذب للامام أبى زكريا محيى الدين ابن شرف النووى المتوفى سنة 676 مطبعة التضامن الأخوى بالقاهرة سنة 1344 هـ ج 3 ص 204.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 204.
(4)
الأشباه والنظائر قواعد فروق فقه الشافعية لجلال الدين عبد الرحمن السيوطى المتوفى سنة 911 مطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1 هـ - 1959 م ص 250، ص 252
(5)
المغنى تأليف موفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن محمد بن قدامة المتوفى سنة 630 هـ. على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى المتوفى سنة 334 هـ ج 1 ص 493 - 494 الطبعة الأولى مطبعة المنار سنة 1347 هـ تصحيح وتعليق وتخريج السيد محمد رشيد رضا، ويليه الشرح الكبير على متن المقنع تأليف شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامه المقدسى المتوفى سنة 682 هـ.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 477
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 463
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى: أنه اذا كان الأعمى يقدر على معرفة جهة القبلة، وترك ذلك عامدا أو ناسيا بطلت صلاته، ويعيد ما كان فى الوقت ان كان عامدا، ويعيد أبدا ان كان ناسيا.
واذا خفيت على الأعمى الدلائل - اذ لا دليل له - فانه يصلى الى أى جهة أمكنه
(1)
.
مذهب الزيدية:
يجب على غير المعاين للكعبة، ومن فى حكمه، وهو الذى لا يتمكن من مشاهدة الكعبه بأن يكون أعمى .. التحرى لجهة الكعبة لا لعينها
(2)
.
واذا صلى الأعمى الى جهة بقول غيره ثم رجع اليه بصره فى حال الصلاة فان حصل له العلم بصحة قوله أتمها. وان لم يحصل له واحتاج الى التحرى أعادها والمذهب أنه يتحرى ويبنى.
واذا خالف المصلى جهة أمامه جاهلا كما فى ظلمة أو ما فى حكمها كالأعمى فانه يعيد فى الوقت لا بعده ان تيقن الخطأ
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية.
من شروط الصلاة التوجه الى القبلة: وهى عين الكعبة للمشاهد لها أو من فى حكمه وهو من يقدر على التوجه الى عينها بغير مشقة كثيرة، وجهتها هى السمت الذى يحتمل كونها فيه، ويقطع بعدم خروجها عنه لأمارة شرعية لغير المشاهد ومن بحكمه كالأعمى
(4)
.
مذهب الإباضية:
من الخصال التى يسقط بها فرض القبلة أن يكون أعمى ولا يجد من يدله ويعرفه ثقة أو تكون ظلمة وهو بصير أو غابت عنه الدلالة أو كان فى موضع يجهل فيه الدلالة فيبقى مجتهدا، يجتهد ويصلى ويقلد الأعمى البصير، والجاهل العارف
(5)
.
وان تحير فى القبلة فانه يجتهد ويصلى.
وأما الأعمى ففرضه التقليد وأنه يقلد شخصا عالما بأدلة القبلة مسلما مكلفا وأن عدم من يقلده فليجتهد ويصلى الصلاة أربع مرات الى أربع جهات والله أعلم
(6)
.
اجتهاد الأعمى فى أوقات الصلاة
مذهب الشافعية:
يلزم أن يجتهد الأعمى كالبصير - عند اشتباه وقت الصلاة - لأنه يشارك البصير فى العلامات التى يستدل بها كالدرس والأوراد والأعمال وشبهها، بخلاف القبلة. وانما يجتهد الأعمى كالبصير فى وقت الصلاة اذا لم يخبرهما ثقة بدخول الوقت عن مشاهدة فان أخبر عن مشاهدة بأن قال: رأيت الفجر طالعا، أو الشفق غاربا،
(1)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 هـ ج 3 ص 228 - 230 الطبعة الأولى مطبعة النهضة بمصر، سنة 1347 هـ.
(2)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار المفتح لتمائم الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح المتوفى سنة 877 هـ ج 1 ص 192 الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 197.
(4)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 57 مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1378 هـ.
(5)
حواشى الايضاح للشيخ عامر بن على بن سيفار الشماخى ج 1 ص 446 الطبعة الثانية طرابلس سنة 1391 هـ - 1971 م طبع المطبعة الوطنية ببيروت نشر دار الفتح للطباعة والنشر ثالوت ومعه حاشية محمد بن عمر أبو ستة القصبى النفوسى.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 443
لم يجز الاجتهاد ووجب العمل بخبره وكذا لو أخبر ثقة عن أخبار ثقة عن مشاهدة وجب قبوله فان أخبر عن اجتهاد جاز للأعمى تقليده لأن الأعمى يجوز له تقليد المجتهد. واذا وجب الاجتهاد فصلى بغير اجتهاد لزمه اعادة الصلاة وان صادف الوقت لتقصيره وتركه الاجتهاد الواجب
(1)
.
وجاء فى الأشباه والنظائر.
لا خلاف فى أن الأعمى يجتهد فى أوقات الصلاة، لأن مدركها الأوراد والأذكار وشبهها وهو يشارك البصير فى ذلك
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى.
أن الأعمى اذا شك فى دخول وقت الصلاة لم يصل حتى يتيقن دخوله، أو يغلب على ظنه ذلك.
وان أخبره ثقة عن علم عمل به.
وان أخبره عن اجتهاد لم يقلده، واجتهد لنفسه حتى يغلب على ظنه .. والبصير والأعمى والمطمور الموجود فى مكان مرتفع أو منخفض على ما فى اللسان القادر على التوصل الى الاستدلال سواء لاستوائهم فى امكان التقدير بمرور الزمان
(3)
.
أذان الأعمى
مذهب الحنفية:
يجوز أذان الأعمى بلا كراهة، لأن قوله مقبول فى الأمور الدينية فيكون ملزما فيحصل به الاعلام
(4)
.
مذهب المالكية:
يجوز أذان الأعمى
(5)
. وفى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى:
جاز أذان الأعمى ان كان تبعا لغيره فيه أى ان كان تابعا لغيره فى أذانه أو قلد فى دخول الوقت ثقة
(6)
.
مذهب الشافعية:
يكره أن يكون الأعمى مؤذنا راتبا الا مع البصير، كابن أم مكتوم مع بلال
(7)
. وفى الأشباه والنظائر:
يكره كون الأعمى مؤذنا راتبا وحده.
وهل يجوز اعتماد صوت المؤذن العارف فى الغيم والصحو؟ فيه أوجه.
أصحها الجواز للبصير والأعمى.
وثانيها: عدم الجواز لهما.
وثالثها يجوز للأعمى دون البصير.
ورابعها يجوز للأعمى مطلقا وللبصير فى الصحو دون الغيم، لأن فرض البصير الاجتهاد، والمؤذن فى الغيم مجتهد فلا يقلده من فرضه الاجتهاد، وصححه الرافعى
(8)
وفى المجموع.
يجوز للأعمى فى الصحو والغيم أن يعتمد أذان المؤذن الثقة العارف بالمواقيت
(9)
.
(1)
المجموع شرح المهذب ج 3 ص 73
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطى ص 252.
(3)
المغنى لابن قدامة ج 1 ص 387.
(4)
رد المختار على الدر المختار حاشية ابن عابدين ج 1 ص 364.
(5)
كتاب الشرح الصغير على أقرب المسالك الى مذهب الامام مالك لأبى البركات أحمد بن محمد بن أحمد الدردير ج 1 ص 254 مطبعة دار المعارف بالقاهرة سنة 1391 هـ.
(6)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 197 - 198.
(7)
المجموع شرح المهذب ج 9 ص 304.
(8)
الأشباه والنظائر للسيوطى ص 250 - 251.
(9)
المجموع شرح المهذب ج 3 ص 74.
مذهب الظاهرية:
فى مذهب الظاهرية
(1)
ما يفيد جواز الأذان من الأعمى لأنهم استشهدوا بالحديث، اذا أذن بلال فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وابن أم مكتوم كان أعمى.
مذهب الزيدية:
فى نيل الأوطار للشوكانى أورد الحديث الذى يقول: فكلوا وأشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ثم قال وفى الحديث دليل على جواز أذان الأعمى قال ابن عبد البر وذلك عند أهل العلم اذا كان معه مؤذن آخر يهديه للأوقات وقد نقل عن ابن مسعود وابن الزبير كراهة أذان الأعمى، وعن ابن عباس كراهة اقامته
(2)
.
مذهب الإمامية:
يستحب فى المؤذن أن يكون عدلا مبصرا بصيرا بأوقات الصلاة
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى كتاب الايضاح كل من تصح منه الصلاة يصح منه الأذان الا المرأة
(4)
.
الأعمى وصلاة الجماعة
مذهب الحنفية:
لا تجب الجماعة فى الصلاة على الأعمى ولو وجد قائدا
(5)
.
مذهب الشافعية:
ورد فى المجموع أن الصحيح فى مذهب الشافعية:
أن صلاة الجماعة فرض على الكفاية
(6)
.
ثم ذكر سقوط الجماعة بأعذار هى المطر والوحل والريح الشديدة فى الليلة المظلمة ولم يذكر العمى ضمن هذه الأعذار
(7)
.
مذهب الظاهرية:
فى المحلى لأبن حزم عن أبى هريرة قال: أتى النبى صلى الله عليه وسلم رجل أعمى فقال:
يا رسول الله ليس لى قائد يقودنى الى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلى فى بيته فرخص له فلما ولى دعاه وقال له هل تسمع النداء بالصلاة قال نعم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجب. ويفهم من هذا ان الأعمى مأمور باجابة النداء
(8)
.
مذهب الزيدية:
فى نيل الأوطار: ذكر الشوكانى حديثا رواه مسلم والنسائى وفيه أن رجلا أعمى قال:
يا رسول الله ليس لى قائد يقودنى الى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلى فى بيته فرخص له فلما ولى، دعاه فقال هل تسمع النداء قال: نعم. قال فأجب
(9)
. ثم ذكر حديثا آخر رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وفيه عن عمرو بن أم مكتوم قال: قلت يا رسول الله أنا ضرير شاسع الدار، ولى قائد لا يلائمنى (أى لا يوافقنى) فهل تجد لى رخصة أن أصلى فى بيتى؟ قال: أتسمع
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 3 ص 120.
(2)
نيل الأوطار ج 2 ص 51.
(3)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى الامامى تأليف جعفر بن الحسن بن أبى زكريا الهذلى الملقب بالمحقق ج 1 ص 50.
(4)
الايضاح للشيخ عامر بن على بن سيفار الشماخى مطبعة الوطن ببيروت نشر دار الفتح للطباعة والنشر بليبيا ج 1 ص 414.
(5)
الدر المختار مع حاشية بن عابدين ج 1 ص 290.
(6)
المجموع شرح المهذب ج 4 ص 190.
(7)
المرجع السابق ج 4 ص 203.
(8)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 4 ص 189 الطبعة الأولى بمصر سنة 1347 هـ.
(9)
نيل الأوطار ج 3 ص 125.
النداء؟ قلت نعم. قال: ما أجد لك رخصة.
ثم قال الشوكانى:
أن الترخيص فى أول الأمر اجتهاد منه صلى الله عليه وسلم والأمر بالاجابة لوحى من الله.
وقيل:
الترخيص مطلق مقيد بعدم سماع الندا.
وقيل أن الترخيص باعتبار العذر، والأمر للندب فكأنه قال: الأفضل لك والأعظم لأجرك أن تجيب وتحضر فأجب.
ثم ذكر أن حضور الجماعة يسقط بالعذر باجماع المسلمين.
ومن جملة العذر العمى اذا لم يجد قائدا لحديث ابن عباس رواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم والدارقطنى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
من سمع النداء فلم يأت الصلاة فلا صلاة له الا من عذر
(1)
.
مذهب الإباضية:
فى الايضاح: روى حديث ابن أم مكتوب السابق الذى جاء فيه قوله: هل تسمع النداء: قال نعم قال فأجب وهذا يدل على وجوب الاستجابة على من سمع النداء.
ولكن الشماخى علق بعد ذلك بقوله: ويؤيد هذا القول ما روى أنه صلى الله عليه وسلم قال:
من سمع النداء فليجب، ومن لم يجب فلا صلاة له الا من عذر قيل وما العذر يا رسول الله قال:
خوف أو مرض فهذا عندى فى زمان الناس فيه كلهم صالحون والمسلمون هم الغالبون للناس والحاكمون عليهم يأمرون بالمعروف علانية وينهون عن المنكر علانية لا يخافون فى الله لومة لائم فعند ذلك ينبغى للمسلم لا يعتزل المسلمين ولا يغيب عن جماعتهم، لأن المسلمين يومئذ كلمتهم مجتمعة ودينهم واحد، وان كان فيهم من لا يخاف الله فهو مقهور ذليل
(2)
.
امامة الأعمى
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية ابن عابدين: تكره امامة الأعمى الا أن يكون اعلم القوم
(3)
. وجاء فى شرح فتح القدير:
وجاء فى شرح فتح القدير يكره تقديم الأعمى فى الامامة لأنه لا يتوقى النجاسة
(4)
.
مذهب المالكية:
فى حاشية الدسوقى: جاز بمرجوحية اقتداء بأعمى اذ امامة البصير المساوى فى الفضل للأعمى أفضل لأنه أشد تحفظا من النجاسات، وهذا هو المعتمد.
وقيل أن امامة الأعمى المساوى فى الفضل للبصير أفضل لأنه أخشع لبعده عن الاشتغال.
وقيل انهما سيان
(5)
.
وعبارة الشرح الصغير على أقرب المسالك:
وجائز بمعنى - خلاف الأولى - امامة أعمى.
ثم ذكر القول الآخر ثم قال: والمعول عليه الأول
(6)
.
وجاء فى مواهب الجليل:
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 125 - 126
(2)
الايضاح للشيخ عامر بن على ج 1 ص 532، 533
(3)
رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 4 ص 71 الطبعة السابقة.
(4)
شرح فتح القدير تأليف كمال الدين محمد بن عبد الواحد السيد واسى المعروب بابن الهمام الحنفى المتوفى سنة 682 هـ ج 1 ص 247 الطبعة السابقة.
(5)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لمحمد عرفة الدسوقى ج 1 ص 333 مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة
(6)
الشرح الصغير على أقرب المسالك الى مذهب الامام مالك ج 1 ص 444 مطبعة دار المعارف بالقاهرة سنة 1392 هـ.
ما نصه: وجائز أذان الأعمى وامامته وكان الامام مالك لا يرى بأسا فى اتخاذ الأعمى اماما راتبا لأن حاسة البصر لا تعلق لها بشئ من فرائض الصلاة ولا سنتها ولا فضائلها
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع: وان اجتمع بصير وأعمى فالمنصوص أنهما سواء لأن فى الأعمى فضيلة، وهى أنه لا يرى ما يلهيه وفى البصير فضيلة وهى أنه يجتنب النجاسة.
وقال أبو اسحاق المروزى:
الأعمى أولى وعندى أن البصير أولى لأنه يجتنب النجاسة التى تفسد الصلاة والأعمى يترك النظر الى ما يلهيه ويفسد الصلاة به.
ثم ذكر النووى فى شرحه لعبارة المهذب.
ان المسألة فيها ثلاثة أوجه:
الأول ان الأعمى أولى.
والثانى أن البصير أولى.
والثالث أنهما سواء.
ثم قال: أن الصحيح أن البصير والأعمى سواء كما نص عليه الشافعى وبه قطع الشيخ أبو حامد وآخرون، واتفقوا على انه لا كراهة فى امامة الأعمى للبصراء
(2)
.
وجاء فى كتاب الأم.
روى الأمام الشافعى أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى وقال وسمعت عددا من أهل العلم يذكرون أأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستخلف ابن أم مكتوم وهو أعمى فيصلى فى عدد غزوات له وقال: «وأحب امامة الأعمى والأعمى اذا سدد الى القبلة كان أحرى ألا يلهو بشئ تراه عيناه ومن أم - صحيحا كان أو أعمى - فأقام الصلوات أجزأت صلاته. ولا أختار امامة الأعمى على الصحيح لأن أكثر من جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم اماما بصير، ولا امامة الصحيح على الأعمى لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجد عددا من الأصحاء يأمرهم بالامامة أكثر من عدد من أمر بها من العمى
(3)
.
وجاء فى الأشباه والنظائر.
أن امامة الأعمى فيها أوجه قيل: البصير أولى لأنه أشد تحفظا من النجاسات.
وقيل الأعمى أولى لأنه أخشع والأصح أنهما سواء
(4)
.
مذهب الحنابلة:
فى المغنى: امامة الأعمى جائزة ولا نعلم فى صحة امامته خلافا، الا ما حكى عن أنس والصحيح عن ابن عباس أنه كان يؤم وهو أعمى وكذلك عتبان بن مالك وقتادة وجابر واستخلف النبى ابن أم مكتوم يؤم الناس وهو أعمى ولأن العمى فقد حاسة لا يخل بشئ من أفعال الصلاة، ولا بشروطها فأشبه فقد الشم.
وقال أبو الخطاب:
والبصير أولى من الأعمى لأنه يستقبل القبلة بعلمه ويتوقى النجاسات ببصره.
وقال القاضى: هما سواء لأن الأعمى أخشع، لأنه لا يشتغل فى الصلاة بالنظر الى ما يلهيه، فيكون ذلك فى مقابلة فضيلة البصر عليه، فيتساويان.
والأول أصح لأن البصير لو أغمض عينه كان مكروها، ولو كان ذلك فضيلة لكان مستحيا لأنه يحصل بتغميضه ما يحصاه الأعمى ولأن البصير اذا غض بصره مع امكان النظر كان له الأجر فيه، لأنه
(1)
مواهب الجليل شرح مختصر خليل لأبى عبد الله الحطاب ج 1 ص 451 الطبعة الأولى مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ انظر أيضا الجامع لأحكام القرآن للقرطبى ج 1 ص 354 طبعة دار الكتب المصرية سنة 1372 هـ - 1952 م فقد جاء فيه ولا بأس بامة الأعمى.
(2)
المجموع شرح المهذب ج 4 ص 286، ص 287 الطبعة السابقة.
(3)
الأم لأبى عبد الله محمد بن ادريس الشافعى المتوفى 204 ج 1 ص 146 طبع دار الشعب بالقاهرة سنة 1388 هـ - 1968 م.
(4)
الأشباه والنظائر للسيوطى ج 1 ص 251 الطبعة السابقة.
يترك المكروه مع امكانه اختيارا والأعمى يتركه اضطرارا فكان أدنى حالا وأقل فضيلة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
فى كتاب المحلى: الأعمى والبصير والخصى والفحل والعبد والحر، وولد الزنى والقرشى سواء فى الامامة فى الصلاة كلهم جائز أن يكون اماما راتبا، ولا تفاضل بينهم الا بالقراءة والفقه وقدم الخير والسن فقط
(2)
. وفيه عن سفيان الثورى عن حماد بن أبى سليمان قال: سألت ابراهيم عن ولد الزنى والأعرابى والعبد والأعمى، هل يؤمون؟ قال نعم اذا أقاموا الصلاة
(3)
.
مذهب الزيدية:
ذكر الشوكانى جواز امامة الأعمى وساق حديث أنس الذى رواه أحمد وأبو داود وفيه أن النبى صلى الله عليه وسلم استخلف ابن أم مكتوم على المدينة مرتين يصلى بهم وهو أعمى ثم حديث عتبان بن مالك الذى رواه البخارى والنسائى وفيه أنه كان يؤم قومه وهو أعمى وساق خبر عبد الله بن عمر الخطمى، وفيه أنه كان يؤم قومه بنى خطمة وهو أعمى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
(4)
.
مذهب الإمامية:
فى الروضة البهية: وتكره امامة الأبرص والأجذم والأعمى بغيرهم ممن لا يتصف بصفتهم للنهى عنه المحمول على الكراهية جمعا بين الدليلين
(5)
.
مذهب الإباضية:
فى شرح النيل: أن البصير فى الامامة أولى من الأعمى فيها. وجاء فيه:
ندب كون الامام أقرأ القوم للكتاب وأعلمهم بالسنة وأورعهم وأكبرهم سنا وأقدمهم اسلاما فان استووا اختاروا فالمقيم والمتأهل والبصير والمرتدى والمغتسل أولى من مقابلاتها.
ومنع أبو عبد الله امامة الأعشى ليلا بمن ليس مثله
(6)
.
الأعمى وفريضة الجمعة
مذهب الحنفية:
فى الدر المختار وحاشية ابن عابدين: يشترط لوجوب الجمعة وجود بصر، فتجب على الأعور وكذلك ضعيف البصر فيما يظهر.
وأما الأعمى فلا تجب عليه الجمعة، وان قدر على قائد متبرع أو بأجرة، وعندهما ان قدر على ذلك تجب وتوقف فى البحر: فيما لو أقيمت وهو حاضر فى المسجد. وأجاب بعض العلماء:
بأنه ان كان متطهرا فالظاهر الوجوب لأن العلة الحرج: وهو منتف.
واستظهر ابن عابدين وجوب الجمعة على بعض العميان وهو الأعمى الذى يمشى فى الأسواق ويعرف الطريق بلا قائد. ولا كلفة ويعرف أى مسجد أراده بلا سؤال أحد، لأنه حينئذ كالمريض
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 2 ص 30 الطبعة السابقة ويليه الشرح الكبير على متن المقنع ج تأليف شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى المتوفى سنة 672 هـ.
(2)
المحلى لابى محمد على بن سعيد بن حزم المتوفى سنة 456 هـ ج 4 ص 211.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 213.
(4)
نيل الأوطار ج 3 ص ص 160 - 170 الطبعة السابقة.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى مطابع دار الكتاب العربى بمصر سنة 1378 هـ ج 1 ص 120.
(6)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 436 طبع محمد بن يوسف البارونى وشركائه.
القادر على الخروج بنفسه بل ربما تلحقه مشقة أكثر من هذا
(1)
.
مذهب المالكية:
العمى لا يكون عذرا يبيح التخلف عن الجمعة والجماعة، اذا كان من قام به العمى ممن يهتدى للجامع بلا قائد أو كان عنده من يقوده اليه فلو وجد قائدا بأجرة وجبت عليه الجمعة حيث كانت تلك الأجرة أجرة المثل وكانت لا تحجف به
(2)
. وفى الشرح الصغير
(3)
:
من الأعذار المسقطة لوجوب الجمعة عدم وجود قائد لأعمى ان كان لا يهتدى بنفسه والا وجب عليه السعى أى حيث اهتدى بنفسه أو وجد قائدا ولو بأجرة حيث لم تزد على أجرة المثل وكانت لا تجحف به.
مذهب الشافعية:
فى المجموع اذا حضر الأعمى الذى لا يجد قائدا صلاة الجمعة لزمته ولا خلاف لزوال المشقة
(4)
.
والأعمى ان وجد قائدا متبرعا أو بأجرة المثل وهو او اجدها لزمته الجمعة لأنه يخاف الضرر مع عدم القائد، ولا يخافه مع القائد هكذا بالاطلاق
(5)
.
وقال القاضى حسين والمتولى تلزمه ان أحسن المشى بالعصى بلا قائد.
فى المجموع أيضا: لا جمعة فى الأعمى اذا لم يجد قائدا
(6)
.
مذهب الحنابلة:
لا تجب الجمعة على الأعمى الا اذا وجد قائدا أو ما يقوم مقام القائد، كمد الحبل من منزله الى مكان الصلاة أما اذا لم يجد ذلك فلا تجب وان أمكنه الوصول الى المسجد دون مشقة
(7)
.
مذهب الزيدية:
ذكر الشوكانى فى نيل الأوطار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الجمعة على من سمع النداء، وأن ابن أم مكتوم أراد أن يرخص له الرسول صلى الله عليه وسلم فى ترك الجماعة وهو أعمى فقال له: هل تسمع النداء بالصلاة؟ قال: نعم. فقال النبى صلى الله عليه وسلم فأجب. ثم قال الشوكانى فاذا كان هذا فى مطلق الجماعة فالقول به فى خصوصية الجمعة أولى
(8)
.
مذهب الإمامية:
يجب فى صلاة الجمعة السلامة من العمى
(9)
.
وفى المختصر النافع اشترط الشيعة الإمامية لوجوب الجمعة أن يكون الانسان سليما من العمى
(10)
.
مذهب الإباضية:
لا تجب الجمعة على الأعمى، وقيل: ان لم يوجد قائد
(11)
.
(1)
رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 1 ص 571 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 1 ص 391 الطبعة السابقة.
(3)
الشرح الصغير على أقرب المسالك ج 1 ص 516 الطبعة السابقة.
(4)
المجموع شرح المهذى ج 4 ص 490 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 486 وانظر الأشباه والنظائر للسيوطى ص 250.
(6)
المجموع شرح المهذب ج 9 ص 304.
(7)
الفقه على المذاهب الأربعة قسم العبادات ج 1 ص 280 الطبعة الرابعة مطبعة دار الكتب المصرية سنة 1358 هـ - 1939 م.
(8)
نيل الأوطار ج 3 ص 225 - 226.
(9)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى الامامى ج 1 ص 59 الطبعة السابقة.
(10)
المختصر النافع لأبى القاسم الحلى ص 36 طبعة دار الكتاب العربى بالقاهرة سنة 1376 هـ.
(11)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 1 ص 501 الطبعة السابقة.
الأعمى والحج
مذهب الحنفية:
لا حج على الأعمى وان وجد قائدا
(1)
.
مذهب المالكية:
يجب الحج على القادر على المشى كأعمى زجل له قائد، ولو بأجرة وله مال يوصله والا فلا يجب عليه.
ولا يجب الحج على المرأة العمياء ولو قدرت على المشى مع قائد، بل يكره ذلك لها
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع: ان كان الشخص أعمى لم يجب عليه الحج فان وجد له زاد وراحلة ومن يقوده ويهديه عند النزول، ويركبه وينزله، وقدر على الثبوت على الراحلة بلا مشقة شديدة لزمه الحج، لأن الأعمى من غير قائد كالزمن (صاحب العاهة والمرض) ومع القائد كالبصير.
ولا يجوز للأعمى عند توافر ما سبق له الاستئجار للحج عنه.
وقال الرافعى: القائد فى حق الأعمى كالمحرم فى حق المرأة يعنى فيكون فى وجوب استئجاره وجهان أصحهما الوجوب وهو مقتضى كلام الجمهور
(3)
.
مذهب الحنابلة:
من شروط وجوب الحج وجود القائد للأعمى فان لم يجد قائدا فلا يجب عليه الحج بنفسه ولا بغيره.
مذهب الظاهرية:
فى المحلى: يقول الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً}
(5)
فكان هذا عموما لكل استطاعة بمال أو جسم فلا يخص من ذلك مقعد ولا أعمى ولا أعرج اذا كانوا مسطيعين الركوب ومعهم سعة، وليس هذا من الحرج الذى أسقطه الله عنهم، لأنه لا حرج فيه عليهم وقوله تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ 6} ، انما نزلت فى الجهاد وهو الذى يحتاج فيه الى الشد والتحفظ والجرى وكل هذا حرج طاهر على الأعرج والأعمى.
وأما الحج فليس فيه شئ من ذلك أصلا
(7)
.
مذهب الزيدية:
لا يجب الحج على الأعمى الا اذا وجد أجرة القائد فان وجدها وجب عليه الحج. قالوا:
وقائد الأعمى وخادمه شرط فى الوجوب لأن الأعمى يتعذر عليه الحج من دون قائد
(8)
.
مذهب الإباضية:
الأعمى يلزمه الحج اذا استطاعه ووجد من يقوده أو يقود دابته، من ولد له، أو لغيره ولو بأجرة يقوم بها ماله. وقيل لا يلزمه
(9)
.
(1)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 194.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 6.
(3)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 7 ص 85 الطبعة السابقة.
(5)
سورة آل عمران الآية رقم 97.
(6)
سورة الفتح الآية رقم 17.
(7)
المحلى لأبى محمد على بن حزم الظاهرى ج 7 ص 56 الطبعة السابقة.
(8)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ج 2 ص 65 الطبعة السابقة.
(9)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 2 ص 274.
الأعمى والبيع
مذهب الحنفية:
بيع الأعمى وشراؤه جائز وله الخيار اذا اشترى ولا خيار رؤية له فيما باعه، وتقليبه وجسه بمنزلة النظر من الصحيح فيما يجس، وفى المشموم يعتبر الشم، وفى المذوق يعتبر الذوق، ولا يشترط بيان الوصف فان كان ثوبا فلا بد من صفة طوله وعرضه ورقته مع الجس، وفى الحنطة لا بد من اللمس والصفة.
ولو اشترى ثمارا على رءوس الأشجار فانه يعتبر فيه الوصف لا غير.
ولا يسقط خياره فى العقار حتى يوصف له وكذا الدابة والعبد والأشجار وجميع ما لا يعرف بالجس والشم والذوق وان وجد هذه الأسباب قبل العقد فلا خيار. ولو وصف له ثم رضى به ثم أبصر لا يعود الخيار.
ولو اشترى البصير ثم عمى انتقل الخيار الى الوصف.
ولو قال الأعمى قبل الوصف: رضيت، لم يسقط خياره
(1)
.
وفى حاشية ابن عابدين:
لا بد فى الوصف للأعمى من كون المبيع على ما وصف له ليكون فى حقه بمنزلة الرؤية فى حق البصير.
والخيار ثابت للأعمى لجهله بصفات المبيع، فاذا زال ذلك بأى وجه كان يسقط خياره ليسقط خياره يجس المبيع وشمه وذوقه فيما يعرف بذلك ووصف عقاره وشجر وعبد، وكذا كل ما لا يعرف يجس وشم وذوق، أو بنظر وكيله ولو أبصر بعد ذلك فلا خيار له. اذا اشترى الأعمى قبل أن يوجد منه الجس ونحوه، لا يسقط خياره بوجوده بل يثبت باتفاق الروايات ويمتد الى أن يوجد منه ما يدل على الرضا من قول أو فعل.
ولو اشترى البصير ثم عمى انتقل الخيار الى الوصف.
وفى حاشيه ابن عابدين أيضا:
أنه يصح عقد الأعمى ولو لغيره كأن يكون وصيا أو وكيلا
(2)
.
وفى بدائع الصنائع للكسانى:
ما يفيد أن شراء الأعمى وبيعه جائز عندهم وأن له خيار الشرط أيضا فقد روى عن عمر أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لحبان بن منقذ:
اذا بايعت فقل: لا خلابة ولى الشرط ثلاثة أيام وكان حبان ضريرا.
والاجماع منعقد على جواز بيع الأعمى وشرائه فان العميان فى كل زمان من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يمنعوا من بياعاتهم وأشريتهم، بل بايعوا فى سائر الأعصار من غير انكار واذا جاز شراؤه وبيعه فله الخيار فيما اشترى ولا خيار رؤية له فيما باع فى أصح الروايتين كالبصير
(3)
.
مذهب المالكية:
جاز البيع والشراء من الأعمى سواء ولد أعمى أم طرأ عليه العمى فى صغره أو كبره، ويعتمد فى ذلك على أوصاف المبيع هذا اذا كان المبيع غير جزاف
(4)
لأن الجزاف تعتبر فيه الرؤية فتذكر له الأوصاف ليعتمد عليها فى البيع والشراء.
(1)
الفتاوى الهندية ج 3 ص 65 الطبعة السابقة.
(2)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار حاشية ابن عابدين ج 4 ص 71.
(3)
بدائع الصنائع ج 5 ص 164.
انظر النهاية فى غريب الحديث والأثر لابن الاثير ج 1 ص
(4)
الجزاف والجزف: المجهول القدر مكيلا كان أو موزونا انظر النهاية فى غريب الحديث والأثر لابن الأثير ج 1 ص 269 طبعة دار إحياء الكتب العربية بمصر سنة 1383 هـ - 1963 م.
وهذا فيما لا يمكن فيه معرفته للمبيع بغير وصف وأما ما يمكن معرفته للمبيع بدون وصف فيجوز شراؤه، وان لم يوصف له المبيع كالسمن فى الشاة وكالأدهان والمشمومات، لأنه يدركها باللمس والذوق والشم.
وانما يجوز البيع من الأعمى اذا كان المبيع غير جزاف لأن الجزاف تعتبر فيه الرؤية
(1)
.
مذهب الشافعية:
فى المجموع للنووى: يقاس بيع الأعمى على بيع ما لم يره البصير: أيصح أم لا يصح؟ قالوا اذا لم يجوز بيع الغائب وشراءه لم يصح بيع الأعمى ولا شراؤه.
واذا جوزناه فوجهان: أصحهما لا يجوز أيضا، لأنه لا طريق له الى رؤيته، فيكون كبيع الغائب على أن لا خيار.
والثانى يجوز فيقام وصف غيره له مقام رؤيته.
فان صححناه قال المتولى وغيره: يثبت له الخيار عند وصف السلعة له ويكون الوصف بعد العقد كرؤية البصير
(2)
.
ثم جاء فى المجموع:
لا يصح بيع الأعمى وشراؤه واجارته ورهنه وهبته ومساقاته ونحوها من المعاملات. على المذهب الصحيح
(3)
.
وجاء مثل ذلك فى الأشباه والنظائر وأضاف أنه لا يصح قبضه ما ورث أو وهب له أو اشتراه سلما، أو قبل العمى، أو دينه. نعم يصح أن يشترى نفسه أو يؤجرها، لأنه لا يجهلها، أو يشترى ما رآه قبل العمى ولم يتغير
(4)
.
ويجوز للعبد أن يقبل الكتابة على نفسه لعلمه بنفسه
(5)
.
واذا أسلم
(6)
الأعمى فى شئ أو أسلم اليه فان كان عمى بعد بلوغه سن التمييز صح السلم بلا خلاف لأنه يعرف الأوصاف ثم يوكل من يقبض عنه ولا يصح قبضه لنفسه على أصح الوجهين، لأنه لا تمييز بين المستحق وغيره.
فان خلق أعمى، أو عمى قبل التمييز فوجهان أحدهما لا يصح وهو الأصح عند المتولى وأصحها عند العراقيين والجمهور من غيرهم الصحة وهو المنصوص أو ظاهر النص لأنه يعرف بالسماع، فعلى هذا انما يصح اذا كان رأس المال موصوفا وعين فى المجلس فان كان معينا فى العقد فهو كبيعه العين والمذهب بطلانه
(7)
.
واذ ملك الأعمى شيئا بالسلم أو الشراء - حيث صححناه لم يصح قبضه ذلك بنفسه بل يوكل بصيرا يقبض له بتلك الأوصاف فلو قبضه الأعمى لم يعتد به.
قال المتولى:
ولو اشترى البصير شيئا ثم عمى قبل قبضه وقلنا لا يصح شراء الأعمى فهل ينفسخ هذا البيع؟ فيه وجهان كما اذا اشترى الكافر كافرا فأسلم العبد قبل القبض. الأصح لا يبطل
(8)
.
وفى مكاتبة الأعمى وجهان حكاهما المتولى وآخرون أصحهما جوازه وصححه المتولى تغليبا للعتق والثانى لا يجوز وبه قطع البغوى
(9)
.
وكل ما لا يصح من الأعمى من التصرفات فطريقه أن يوكل وتحتمل صحة وكالته للضرورة
(10)
.
مذهب الظاهرية:
بيع الأعمى وابتياعه بالصفة جائز كالصحيح ولا فرق لأنه لم يأت قرآن ولا سنة بالفرق بين شئ وشئ من ذلك.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 3 ص 24 الطبعة السابقة.
(2)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 2 ص 302 - 303 مطبعة التضامن الأخوى بمصر سنة 1344 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 9 ص 304.
لجلال الدين عبد الرحمن السيوطى المتوفى سنة 911 هـ طبع شركة مكة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر
(4)
الأشباه والنظائر فى قواعد فروع فقه الشافعية سنة 1378 هـ - 1959 م ص 250.
(5)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 9 ص 303 مطبعة التضامن الأخوى بمصر سنة 1334 هـ.
(6)
من السلم.
(7)
المرجع السابق ج 9 ص 303.
(8)
المرجع السابق ج 9 ص 303 - 304.
(9)
المرجع السابق ج 9 ص 303.
(10)
المرجع السابق ج 9 ص 303.
وأحل الله البيع فدخل فى ذلك الأعمى والبصير
(1)
.
مذهب الزيدية:
البيع والشراء يصحان من الأعمى سواء أكان العمى طارئا بعد معرفة المبيع أم كان أصليا فلو عاد اليه نظره فلا خيار له فى الضياع وغيرها، لأن الوصف قائم مقام الرؤية.
وقيل يصح شراء الأعمى وبيعه اذا كان العمى طارئا لا أصليا
(2)
.
مذهب الإمامية:
فى الروضة البهية يقول العاملى عن الشئ المبيع الذى يراد طعمه كالدبس (عسل التمر وعسل النحل) وريحه كالمسك. فان خرج معيبا تخير المشترى بين الرد والأرش ان لم يتصرف فيه تصرفا زائدا على اختياره، ويتعين الأرش لو تصرف فيه كما فى غيره من أنواع المبيع، وان كان المشترى المتصرف أعمى، لتأول الأدلة له
(3)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: بيع الأعمى وشراؤه الشئ الذى يتوقف على نظر ولا يتغير فى عينه ولونه وعرفه قبل العمى:
قيل صحيح ولو لم يحضر، وقيل فاسد ولو حضر وكان لا يتغير لأن حضوره كعدم حضوره ولو لمسه. لأنه لا يراه وهو قول من لا يجيز بيع الغائب ولو عرف قبل وان كان بين رؤيته وعماه قدر ما يتغير فيه لم يجز وهو اختيار ظاهر الديوان.
وقيل يجوز بيعه أيضا ما لم يتغير ان عرفه قبل العمى ولم تمضى عليه مدة التغير.
وقيل يجوز ان وصف له أو قيل له هو باق على ما عرفته قبل فيكون فيه ما فى البصير.
وأما ما لا يتوقف على نظر كبيع الماء باليوم والليلة أو بتسمية كربع يوم - فجائز على الصحيح.
وقيل لا يصح بيع الأعمى، وعرف قبل أم لا، أصلا أو عرضا، يتغير أم لا، يتوقف على نظر أم لا.
وقيل اذا باع ما يتوقف عليه ولم يره قبل العمى وكان نفعا له ولم ينقضه جاز.
وقيل لا وهو حرام وان نقض ما لا يبصر جاز نقضه لمن شاء.
وان مات ولم يرجع وارثه قال بعض: وكذا ان مات المشترى.
وقيل: يجوز بيعه ما خف ولو لم يبصره.
والشراء كالبيع فى الخلاف.
وجاز بيعه وبيع المريض مال غيرهما ان علمه الأعمى أو ووصف له على ما مر أو علمه صاحبه فباعه الأعمى بلا علم والشراء كالبيع.
وينبغى للأعمى أن يوكل من يبيع له أو يشترى ممن علم ويرى
(4)
.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 9 ص 52 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 3 ص 8 الطبعة السابقة.
(3)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 287 مطابع دار الكتاب العربى بالقاهرة سنة 1378 هـ.
(4)
شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 4 ص 140 الطبعة السابقة.
أثر العمى فى الخلوة
مذهب الحنفية:
لا تتم الخلوة مع وجود الأعمى ثالثا للزوجين لأن الأعمى يحس
(1)
.
وفى الاختيار: لا ينعقد الخلوة الصحيحة بين الزوج والزوجة اذا كان معهما رجل مكفوف البصر
(2)
.
مذهب الحنابلة:
اذا تزوج المكفوف المرأة فأدخلت عليه فأرخى الستر وأغلق الباب، فان كان لا يعلم بدخولها عليه فلها نصف الصداق.
واذا نشزت عليه أو كانت كبيرة ومنعته نفسها لا يكمل صداقها لأنه لم يوجد التمكين من جهتها فأشبه ما لو لم يخل بها
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار: لا تمنع الزوجة نفسها عن زوجها عند حضور الأعمى فى بعض الأحوال، وفى حكم العمى الظلمة مع عدم ملاصقة الحاضر للخاليين، ما لم يفطن الأعمى تفصيل ما هما فيه
(4)
.
أثر العمى فى الشهادة
مذهب الحنفية:
فى حاشية ابن عابدين لا يصلح الأعمى لتحمل الشهادة ولا لأدائها لأن من شرائط تحمل الشهادة وأدائها البصر
(5)
.
وجاء فى تكملة الحاشية المذكورة: لا يصح تحمل الشهادة من الأعمى لأنه يشترط فيها البصر
(6)
.
ثم جاء فى حاشية ابن عابدين: لا تقبل الشهادة من أعمى، أى لا يقضى بها مطلقا وهو يعم ما لو عمى بعد الأداء قبل القضاء وما تجوز الشهادة فيه بالتسامح خلافا لأبى يوسف الذى أجاز شهادة الأعمى فيما تجوز فيه الشهادة بالتسامع، لو عمى بعد التحمل، وفى رواية لزفر عن أبى حنيفة يقضى بشهادة الأعمى فيما تجوز الشهادة فيه بالسامع لأن الحاجة فيه الى السماع، ولا خلل فيه
(7)
.
وجاء فى تكملة الحاشية المذكورة: لا يقبل القاضى شهادة من أعمى - أى لا يقضى بها - فى شئ من الحقوق دينا أو عينا، منقولا، أو عقارا، والعلة فيه أن الأداء يفتقر الى التمييز بالاشارة بين المشهود له والمشهود عليه ولا يميز الأعمى الا بالنغمة (الصوت) فيخشى عليه التلقين من الخصم اذ النغمة تشبه النغمة، ولو قضى القاضى بها صح قضاؤه
(8)
.
وجاء فى حاشية ابن عابدين: اشترط الحنفية وجود شاهدين فى عقد الزواج ولو كان
(1)
المحتار على الدر المختار لمحمد أمين المشهور بابن عابدين ج 2 ص 347 الطبعة السابقة.
(2)
الاختيار شرح المختار لابن مودود الموصلى ج 3 ص 165 مطبعة البابلى.
(3)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن محمد بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين ابن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 8 ص 65 الطبعة الأولى لمطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.
(4)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار الفتح لكمائم الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ ج 2 ص 312.
(5)
رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 385 الطبعة السابقة.
(6)
قرة عيون الأخبار لتكملة رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 1 ص 41 الطبعة السابقة وانظر رد المحتار ج 4 ص 385.
(7)
رد المحتار على الدر المختار حاشية ابن عابدين ج 4 ص 394 الطبعة السابقة.
(8)
قرة عيون الأخبار لتكملة رد المحتار على الدر المختار لعلاء الدين أفندى ج 1 ص 83 الطبعة السابقة.
الشاهدان أعميين. وهذا يفيد جواز شهادة الأعمى فى عقد النكاح كما يجوز فى عقد النكاح شهادة ابنى الزوجين وان لم يثبت النكاح بهما
(1)
.
مذهب المالكية:
فى حاشية الدسوقى: ان كان الشاهد أعمى تقبل شهادته فى الأقوال مطلقا، سواء تحملها قبل العمى أم لا، لضبطه الأقوال بسمعه.
وتجوز شهادته فيما عدا المرئيات من المسموعات والملموسات والمذوقات والمشمومات، حيث ان هذه الأشياء يستوى فيها الأعمى وغيره.
ولا تقبل شهادة الأعمى الأصم
(2)
.
وجاء فى كتاب الجامع لأحكام القرآن للقرطبى عن تفسير قوله تعالى:
«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ 3» ما نصه:
قوله «من رجالكم: دليل على أن الأعمى من أهل الشهادة لكن اذا علم يقينا، مثل ما روى عن ابن عباس قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة فقال: ترى هذه الشمس فأشهد على مثلها، أو دع. وهذا يدل على اشتراط معاينة الشاهد لما يشهد به، لا من يشهد بالاستدلال الذى يجوز أن يخطئ.
وقال أيضا مذهب مالك فى شهادة الأعمى على الصوت جائزة فى الطلاق وغيره، اذا عرف الصوت قال ابن قاسم: قلت لمالك: فالرجل يسمع جاره من وراء الحائط ولا يراه، يسمعه يطلق امرأته فيشهد عليه وقد عرف الصوت؟ قال: قال مالك:
شهادته جائزة
(4)
.
مذهب الشافعية:
لا تقبل شهادة الأعمى الا فيما تحمله قبل العمى أو بالاستفاضة أو على من تعلق به
(5)
.
وفى الأشباه والنظائر لا تقبل شهادة الأعمى الا فى أربع مسائل: الترجمة والنسب وما تحمل وهو بصير واذا أقر فى أذنه رجل فتعلق به حتى شهد عليه عند الحاكم. وفى قبول شهادته الاستفاضة وجهان: الأصح نعم، اذا كان المشهود به وله وعليه معروفين لا يحتاج واحد منهم الى الاشارة
(6)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كتاب المغنى تجوز شهادة الأعمى اذا تيقن الصوت لقوله تعالى:
«وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجالِكُمْ» وسائر الآيات فى الشهادة ولأنه رجل عدل مقبول الرواية فقبلت شهادة كالبصير وفارق الصبى فانه ليس برجل ولا عدل ولا مقبول الرواية ولأن السمع أحد الحواس التى يحصل بها اليقين، وقد يكون المشهود عليه من ألفه الأعمى وكثرت صحبته له، وعرف صوته يقينا، فيجب أن تقبل فيما يتقنه كالبصير ولا سبيل الى انكار حصول اليقين فى بعض الأحوال .. والأقوال مدركها السمع والأعمى يشارك البصير فى السمع وربما زاد عليه.
فان تحمل الشهادة على فعل ثم عمى جاز أن يشهد به، اذا عرف المشهود عليه باسمه ونسبه لأن العمى فقد حاسة لا تخل بالتكليف، فلم يمنع قبول الشهادة. فان لم يعرف المشهود عليه باسمه ونسبه لكن يتبين صوته لكثرة ألفه له صح أن يشهد به أيضا. وان شهد عند الحاكم ثم عمى قبل الحكم بشهادته جاز الحكم بها لأن العمى طرأ
(1)
حاشية ابن عابدين ج 2 ص 376 الطبعة السابقة.
(2)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير لمحمد عرفة الدسوقى مطبعة دار احياء الكتب العربية بمصر سنة ج 3 ص 167.
(3)
سورة البقرة الآية رقم 282.
(4)
الجامع لأحكام القرآن لأبى عبد الله محمد بن أحمد الانصارى القرطبى ج 2 ص 390 الطبعة الثانية مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1373 هـ - 1954 م.
(5)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 9 ص 304 مطبعة التضامن الأخوى بالقاهرة سنة 1344 هـ.
(6)
الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطى ص 250، 252 شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1378 هـ - 1959 م.
بعد أداء الشهادة وهو معنى لا يورث تهمة فى حالة الشهادة، فلم يمنع قبولها كالموت
(1)
.
واذا كان الشهود على الزنى عميانا، أو بعضهم جلدوا فلا تقبل شهادتهم، لأن العميان معلوم كذبهم، لأنهم شهدوا بما لم يروه يقينا والأعمى ليس من أهل الشهادة على الأفعال
(2)
.
مذهب الظاهرية:
شهادة الأعمى مقبولة كالصحيح .. ولا يجوز لمبصر ولا أعمى ان يشهد الا بما يوقن ولا يشك فيه ولو لم يقطع الأعمى بصحة اليقين على من يكلمه لما حل له أن يطأ امرأته، اذ لعلها أجنبية، ولا يعطى أحدا دينا عليه اذ لعله غيره، ولا أن يبيع من أحد ولا أن يشترى، وقد قبل الناس كلام أمهات المؤمنين من خلف الحجاب.
وقد أمر الله تعالى بقبول البينة ولم يشترط أعمى من مبصر.
وما كان ربك نسيا
(3)
.
مذهب الزيدية:
لا تصح شهادة من أعمى فيما يفتقر فيه الى تجديد الرؤية عند الأداء وتحصيل المذهب ان ما شهد به الأعمى لا يخلو أما أن يكون مما يحتاج الى المعاينة عند أداء الشهادة أولا فالأول لا تقبل شهادته فيه كتوب أو عبد.
قيل ألا أن يكون الثوب أو العبد فى يده باذنهما معا على وجه الأمانة من قبل ذهاب بصره. وأما الثانى فان كان مما يثبت بطريق الاستفاضة كالنكاح والنسب والوقف والولاء والموت، فانها تقبل شهادته فيه بكل حال، سواء أثبته قبل ذهاب البصر أم بعده وان كان مما لا يثبت بطريق الاستفاضة فان كان قد أثبته يعنى تحمل الشهادة - بعد ذهاب بصره، فانها لا تقبل شهادته فيه.
قيل: وهذا مبنى على أن الشهادة على الصوت لا تصح فلو قلنا بصحتها مع العلم قبلت.
والصحيح أن الأعمى اذا عرف الصوت وأفاد العلم قبلت شهادته والا لم تقبل.
وعند البعض تقبل شهادة الأعمى فى العقود ان حصل علم، والاقرار اذا عرف الصوت.
واذا صاح رجل فى أذن الأعمى بالاقرار بشئ للغير، فضمه وتعلق به حتى أوصله الى الحاكم وشهد عليه باقراره، ففى قبول شهادته وجهان: تقبل وهو الأصح لحصول اليقين.
ولا تقبل حسما لهذا الباب لأنه يعسر ضبط درجات التعلق
(4)
.
وفى شرح الأزهار أيضا: لو كان الشاهدان - فى عقد النكاح - أعميين فان شهادتهما تكفى ولو لم يصح الحكم بها
(5)
أى أن النكاح يصح بشهادتهما ولو لم يصح الحكم بشهادتهما لأنهما لا يعرفان الصوت.
مذهب الإمامية:
الأعمى تقبل شهادته فى العقد قطعا لتحقق الآله الكافية فى فهمه فان انضم الى شهادته معرفان جاز له الشهادة على العاقد مستندا الى تعريفهما كما يشهد المبصر على تعريف غيره ولو لم يحصل ذلك وعرف هو صوت العاقد معرفة يزول معها الاشتباه.
قيل: لا يقبل لأن الأصوات تتماثل والوجه أنها تقبل فان الاحتمال يندفع باليقين لانا نتكلم على تقديره.
(1)
المغنى لابن قدامة ج 12 ص 61، 62، 63 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 10 ص 181، 182 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 9 ص 434 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الأزهار ج 4 ص 199 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 241 الطبعة السابقة.
وبالجملة فان الأعمى تصح شهادته متحملا ومؤديا عن علمه وعن الاستفاضة فيما يشهد به بالاستفاضة.
ولو تحمل شهادة وهو مبصر ثم عمى فان عرف نسب المشهور أقام الشهادة فان شهد على القين وعرف الصوت يقينا جاز أيضا.
أما شهادته على المقبوض فماضية قطعا وتقبل شهادته اذا تزاحم للحاكم عبارة حاضر عنده
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل: لا يشترط فى الشاهد أن يكون سميعا بصيرا، بالنسبة الى كل ما يشهد فيه بل أن توقف ما يشهد فيه على السمع أو البصر اشترط ذلك والا فيشهد الأعمى فى الأقوال والأصم فى الأفعال.
وقد قيل بجواز شهادة الأعمى فى كل ما يعقل فيه صوت المتكلم ويميزه عن غيره لو جاء فى جملة ناس عرفه بكلامه.
وفى الديوان وشهادة الأعمى جائزة فيما يدرك علمه بالصفة علمه قبل ذهاب بصره أو بعد ذهابه، مثل النكاح والطلاق والعتق والنسب والاقرار فى الأنفس وما دونها، والاقرار فى الأموال بالمعاملات. والتعديات.
وقيل: شهادة الأعمى جائزة فيما علمه قبل ذهاب بصره.
وأما ما علم بعد ذهاب بصره فلا تجوز شهادته فيه.
وأما الصحيح البصر ان استشهد بالليل فانه يشهد بما تبين له من ذلك، لا بما لم يتبين.
وفى الأثر: وجازت يعنى الشهادة فيما يستدل عليه بالخبر المشهور كالموت والنسب والنكاح مما لا شك فيه اذا كان فى أهل بيت نشأ فيه حتى كان كأحدهم ولم يتهم واذا شهد وهو يبصر وأداها عند الحاكم وهو أعمى جازت. وقيدها أبو الحوارى بما اذا شهد بأرض أو نخلة ووصفها بحدودها بعد أن يشهد عدلان أنها التى شهد بها الأعمى. وجوزت فى النسب اذا شهد أن فلانا ابن فلان، لا ان قال: هذا فلان ابن فلان، ولا على زنى أو سرقة ونحوها من الحدود ولو قال أنه شهد بها قبل أن عمى.
وتجوز الشهادة على شهادة الأعمى والمعتوه اذا شهدا فى صحتهما.
وجازت من أعمى فى رضاع ونكاح ومراجعة
(2)
.
حكم ذبح الأعمى وصيده
مذهب الحنفية:
فى حاشية ابن عابدين ينبغى أن يكره ذبح الأعمى
(3)
.
مذهب الشافعية:
فى المجموع للنووى يكره ذكاة الأعمى لأنه ربما أخطأ المذبح فان ذبح حل لأنه لم يفقد فيه الا النظر وذلك لا يوجب التحريم
(4)
. وفيه أيضا:
تكره ذكاة الأعمى كراهة تنزيه بلا خلاف، ولا يحل صيده بارساله كلبا أو سهما فى أصح الوجهين
(5)
.
(1)
شرائع الاسلام ج 2 ص 236 - 237 الطبعة السابقة.
(2)
شرح النيل ج 6 ص 586 الطبعة السابقة.
(3)
رد المحتار على الدر المختار وحاشية ابن عابدين ج 4 ص 71 الطبعة السابقة.
(4)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 9 ص 74 وانظر الأشباه والنظائر للسيوطى ص 250 الطبعة السابقة.
(5)
المجموع للنووى ج 9 ص 304 الطبعة السابقة.
وفى المجموع: أيضا تحل ذكاة الأعمى بلا خلاف، ولكن تكره كراهة تنزيه.
وفى حل صيده بالكلب والرمى وجهان مشهوران فى كتب الخراسانيين أصحهما التحريم لأنه لا يرى الصيد، فلا يصح أرساله.
والثانى يحل كذكاته وقطع بكل واحد من الوجهين طائفة وممن قطع بالتحريم صاحب الشامل وصححه الرافعى فى كتابيه.
وقال امام الحرمين عندى أن الوجهين مخصوصان بما اذا أدرك حسن الصيد، وبنى أرساله عليه.
وقال الرافعى: الأشبه أن الخلاف مخصوص بما اذا أخبره بصير بالصيد، فأرسل الكلب أو السهم، وكذا صورهما البغوى، وأطلق كثيرون الوجهين
(1)
.
وقال السيوطى فى الأشباه والنظائر: ويحرم صيد الأعمى برمى أو كلب فى الأصح
(2)
.
مذهب الزيدية:
فى الروض النضير: تجزئ ذبيحة الأعمى
(3)
.
مذهب الإمامية:
ان تصور فى الأعمى قصد الصيد حل صيده، والا فلا
(4)
.
مذهب الإباضية:
يجوز ذبح الأعمى ونحوه ان أحسن الذبح والنحر
(5)
.
وتصح ذكاة الموحد العاقل وان كان أعمى.
وقيل لا يجوز ذبح الأعمى
(6)
.
حكم الأعمى فى الولاية العامة والقضاء
مذهب الحنفية:
وفى بدائع الصنائع: الصلاحية للقضاء لها شرائط منها العقل ومنها البلوغ ومنها الاسلام ومنها الحرية ومنها البصر ومنها النطق ومنها السلامة عن حد القذف، فلا يجوز تقليد المجنون والصبى والكافر والعبد والأعمى والأخرس والمحدود فى القذف، لأن القضاء من باب الولاية، بل هو أعظم الولايات وهؤلاء ليست لهم أهلية أدنى الولايات وهى الشهادة، فلأن لا يكون لهم أهلية أعلاها أولى
(7)
.
وفى الدار المختار ولو فسق القاضى أو ارتد أو عمى ثم صلح أو أبصر فهو على قضائه، وما قضى فى نسقه ونحوه باطل
(8)
.
مذهب المالكية:
فى الشرح الكبير وحاشية الدسوقى: ما يفيد أنه يجب أن يكون الحاكم ذا بصر وكلام وسمع فلا يجوز تولية الأعمى أو الأبكم أو الأصم وان وقع نفذ حكم أعمى وأبكم وأصم أى لا ينقض لأن عدم هذه الأمور ليس بشرط فى صحة ولايته ابتداء ولا فى صحة دوامها بل هو واجب غير شرط فى الابتداء والدوام فلا تجوز تولية القاضى ابتداء ولا استمرار ولايته الا اذا اتصف بعدم هذه الثلاث العمى والبكم والصم فان اتصف بواحدة منها فلا يجوز توليه ابتداء ولا استمرارا مع صحة ما وقع منه من الحكم والمعنى انه ينفذ حكم من اتصف بواحدة فقط من هذه الصفات الثلاث
(1)
المرجع السابق ج 9 ص 76 - 77 الطبعة السابقة.
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطى ص 250 الطبعة السابقة.
(3)
الروض النضير ج 3 ص 171 الطبعة السابقة.
(4)
الروضة البهية ج 2 ص 265 الطبعة السابقة.
(5)
النيل وشفاء العليل ج 2 ص 528 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 551 الطبعة السابقة.
(7)
بدائع فى ترتيب الشرائع ج 7 ص 3 الطبعة السابقة.
(8)
الدر المختار بهامش ابن عابدين ج 4 ص 423 الطبعة الثالثة المطبعة الكبرى الاميرية ببولاق سنة 6878 هـ.
فان اتصف باثنين منها أو بالثلاثة فلا تنعقد ولايته. وتجوز تولية الأعمى فى الفتوى
(1)
.
مذهب الشافعية:
لا يلى الأعمى الأمانة العظمى ولا القضاء
(2)
ولا يكون الأعمى سلطانا
(3)
، ويجوز للأعمى أن يكون مفتيا
(4)
. ولا يكون الأعمى وليا فى النكاح فى وجه
(5)
وفى الأشباه والنظائر:
فى كونه وليا فى النكاح وجهان الأصح
(6)
: يلى.
ولا يجوز أن يكون وصيا فى وجه
(7)
.
مذهب الحنابلة:
ينبغى أن يكون الحاكم صحيح السمع والبصير
(8)
.
وجاء فى الشرح الكبير لأبن قدامة المقدسى على هامش المغنى:
يشترط فى القاضى شروط منها أن يكون بصيرا لأن البصر احدى الحواس التى تؤثر فى الشهادة فيمنع فقدها ولاية القضاء فاذا لم تقبل منه الشهادة فالقضاء أولى
(9)
.
وجاء فى المغنى.
يجوز فى ولى النكاح أن يكون أعمى، لأن شعيبا عليه السلام زوج ابنته وهو أعمى، ولأن المقصود فى النكاح يعرف بالسماع والاستفاضة فلا يفتقر الى النظر
(10)
.
مذهب الزيدية:
يشترط لتولى الرجل القضاء السلامة من العمى، فلا يصح أن يكون القاضى أعمى
(11)
.
مذهب الإمامية:
من الشروط اللازمة للقضاء والافتاء البصر على الأشهر
(12)
.
مذهب الإباضية:
لا تنعقد ولاية الأصم والأبكم والأعمى ويجب عزلهم ولو طرأ عليهم لعدم المقصود من الفهم والافهام وقيل يجوز الأعمى اذا ولى فصل القضاء وغيره. فى الديوان.
لا ينبغى لهم أن يجعلوا القاضى أعمى أو ضعيفا لا يقوم بأمر المسلمين الا أن يجدوا غيرهما
(13)
.
ويقول العاصمى فى شروط الوالى:
وأن يكون ذكرا حرا سلم «من فقد رؤية وسمع وكلم
(14)
.
الأعمى والحضانة
مذهب الحنفية:
فى حاشية ابن عابدين: أما حضانة الأعمى فان أمكنه حفظ المحضون كان أهلا والا فلا
(15)
.
مذهب المالكية:
من شروط الحاضن ذكرا كان أو أنثى الكفاية أى القدرة على القيام بشأن المحضون فلا حضانة لعاجز عن ذلك والعمى من أسباب العجز
(16)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأشباه والنظائر لجلال الدين السيوطى:
هل للأعمى حضانة؟ قال ابن الرفعة:
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 4 ص 130 الطبعة السابقة.
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطى ج ص 250 الطبعة السابقة.
(3)
المجموع المهذب للنووى ج 9 ص 304 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 41 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 9 ص 304 الطبعة السابقة.
(6)
الأشباه والنظائر للسيوطى ص 252 الطبعة السابقة.
(7)
المجموع للنووى ج 9 ص 304 الطبعة السابقة.
(8)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن قدامة ج 11 ص 385 الطبعة السابقة.
(9)
المرجع السابق ج 11 ص 387 الطبعة السابقة.
(10)
المغنى ج 11 ص 357 الطبعة السابقة.
(11)
شرح الأزهار ج 4 ص 410 الطبعة السابقة.
(12)
الروضة البهية ج 1 ص 236 الطبعة السابقة.
(13)
شرح النيل ج 1 ص 528 الطبعة السابقة.
(14)
المرجع السابق ج 56 الطبعة السابقة.
(15)
حاشية ابن عابدين ج 4 ص 71 الطبعة السابقة.
(16)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 528 الطبعة السابقة.
لم أر لأصحابنا فيه شيئا غير أن فى كلام الامام (امام الحرمين).
ما يؤخذ منه أن العمى مانع فانه قال: أن حفظ الأم للولد الذى لا يستقل ليس مما يقبل القرائن، فان المولود فى حركاته وسكناته لو لم يكن ملحوظا من مراقب لا يسهو ولا يغفل لأوشك أن يهلك ومقتضى هذا أن العمى يمنع فان الملاحظة معه كما وصف لا تتأتى.
قال الأذرعى فى القوت:
ورأيت فى فتاوى ابن البرزى أنه سئل عن حضانة العمياء، فقال: لم أر فيها مسطورا، والذى أراه أنه يختلف باختلاف أحوالها فان كانت ناهضة يحفظ الصغير وتدبيره وللنهوض بمصلحته وأن تقيه من الأسواء والمضار فلها الحضانة والا فلا.
وأفتى قاضى قضاة حماة بأن العمى ليس بقادح فى الحضانة بشرط أن يكون الحاضن قائما بمصالح المحضون أما بنفسه أو بمن يستعين به.
وفى فتاوى عبد الملك بن ابراهيم المقدسى الهمدانى شارح المفتاح من اقران ابن الصباغ:
أنه لا حضانة لها. قال الأذرعى ولعله أشبه
(1)
.
مذهب الزيدية:
فى شرح الأزهار: مما يسقط حق الحضانة الجنون ونحوه وكذلك كل منفر كالجذام والعمى وتنتقل الحضانة من الشخص اذا كان فيه منفر كالعمى
(2)
.
الأعمى والجهاد
مذهب الحنفية:
لا يجب الجهاد على الأعمى لعجزه ولقول الله تبارك وتعالى:
«لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ» فانها نزلت فى أصحاب الأعذار
(3)
.
مذهب المالكية:
يسقط الجهاد عن الأعمى
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى المجموع: الأعمى ليس من أهل القتال بخلاف الحج
(5)
.
وفى الأشباه والنظائر:
لا جهاد على الأعمى
(6)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى: يشترط لوجوب الجهاد السلامة من الضرر ومنها السلامة من العمى لقوله تعالى:
«لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ» .
ومن المعروف أن العمى عذر يمنعه من الجهاد
(7)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى الروضة البهية: يشترط فيمن يجب عليه الجهاد البصر فلا يجب على الأعمى وان
(1)
الأشباه والنظائر ص 250، ص 251 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الأزهار ج 1 ص 525 الطبعة السابقة.
(3)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار لابن عابدين ج 3 ص 227 الطبعة الثالثة المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1323 هـ. وانظر ج 4 ص 71 حيث ذكر أنه لا يجب عليه الجهاد.
(4)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير للشيخ محمد عرفة الدسوقى ج 2 ص 155 مطبعة دار احياء الكتب العربية.
(5)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 7 ص 85 مطبعة التضامن الأخوى بمصر سنة 1344 هـ.
(6)
الأشباه والنظائر للسيوطى فى قواعد فروع فقه الشافعية لجلال الدين عبد الرحمن السيوطى مطبعة الحلبى سنة 1378 هـ وانظر أيضا المجموع للنووى ج 9 ص 304 الطبعة السابقة.
(7)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة ج 10 ص 367 مطبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.
وجد قائدا ومطية وهذا فى جهاد المشركين ابتداء لدعائهم الى الاسلام.
وأما جهاد من يدهم على المسلمين من الكفار بحيث يخافون استيلاءهم على بلادهم وأخذ مالهم وما أشبه - وان قل - فيجب الدفع على القادر سواء الذكر والأنثى، والسليم والأعمى والمريض والعبد وغيرهم
(1)
.
وفى كتاب المختصر النافع:
من شروط وجوب الجهاد أن لا يكون أعمى
(2)
.
إغاثة
التعريف فى اللغة:
اغاثة مصدر فعله أغاث المزيد بالهمزة فى أوله للتعدية فأصل مادته غاث.
جاء فى لسان العرب
(3)
: الغوث الاعانة.
يقال غاث الله فلانا يغيثه اذا أعانه على شدة وتعديته بنفسه بهذا المعنى قليل.
وانما المعدى بنفسه من الغيث وهو المطر.
يقال غاث الله البلاد يغيثها غيثا اذا أنزل بها الغيث.
ومنه ما روى فى الحديث الشريف «فأدع الله يغيثنا» بفتح الياء.
فاذا كان بمعنى الاعانة فالكثير تعديته بالهمزة يقول من وقع فى بلية اللهم أغثنى أى فرج عنى.
ومنه ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «اللهم أغثنا» .
ويقال: استغثت فلانا أى طلبت اعانته إياى.
قال تعالى: «وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا 4 يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ» .
قال فى التهذيب، والغياث ما أغاثك الله به.
وحكى ابن الأعرابى: أجاب الله غياثه.
والغواث بالضم - الاغاثة. والاسم الغوث.
(1)
الروضة البهية ج 1 ص 217 الطبعة السابقة.
(2)
المختصر النافع ج 1 ص 109.
(3)
لسان العرب للامام العلامة أبى الفضل جمال الدين ابن مكرم بن منظور الافريقى المصرى ج 8 ص 174، 175 وما بعدها مادة غوث طبع دار بيروت سنة 1374 هـ سنة 1955 م الطبعة الأولى.
(4)
حاشية ابن عابدين برد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 1 ص 613 وما بعدها الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1326 هـ.
والغواث بضم الغين وفتحها.
وفى حديث هاجر أم اسماعيل: فهل عندك غواث.
والغواث كالغياث بالكسر من الاغاثة.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء:
لا يكاد الفقهاء يخرجون فى استعمالهم لكلمة اغاثة عن المعنى اللغوى الذى سبق ذكره وهذا عند استعمالهم لنفس مادة غوث.
هذا بالاضافة الى أن الفقهاء كثيرا ما يعبرون بألفاظ أخرى مقصود بها الاغاثة والاعانة كتعبيرهم بلفظ الانجاد أو الانقاذ أو الاستنجاد أو غير ذلك من الألفاظ التى تلتقى كلها عند معنى الاعانة فى وقت الخطر.
على أن الاغاثة قد تكون نتيجة الاستغاثة من الغير.
وقد تكون بدون استغاثة كأن تكون لازمة لانقاذ الغير فردا كان أو جماعة من مهلكة وقع فيها أو ضرر يتوقع حدوثه.
وفى كلتا الحالتين يختلف حكم الاغاثة وجوبا أو ندبا أو عدمهما حسب توقع الضرر أو عدمه كما يتبين ذلك فى أثناء البحث.
مذهب الحنفية:
أولا: حكم اغاثة المصلى لغيره وهو فى الصلاة:
جاء فى الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه:
أنه يجب قطع الصلاة لاغاثة ملهوف وغريق وحريق.
قال ابن عابدين والظاهر من الوجوب الافتراض.
ثم قال نقلا عن الامداد: وسواء استغاث الملهوف وغيره بالمصلى أو لم يعين أحدا فى استغاثته اذا قدر على ذلك.
ومثله خوف تردى أعمى فى بئر مثلا اذا غلب على ظنه سقوطه.
وقال صاحب الدر: ولا يجب قطع الصلاة لنداء أحد أبويه بلا استغاثة الا فى النفل، فان علم انه يصلى فلا بأس أن لا يجيبه وان لم يعلم أجابه.
قال ابن عابدين: المراد بالأبوين الأصول وان علوا.
وظاهر سياقه انه نفى لوجوب الاجابة فيصدق مع بقاء الندب والجواز.
لكن ظاهر ما فى فتح القدير انه نفى للجواز وبه صرح فى الامداد بقوله: أى لا يجوز قطعها بنداء أحد أبويه من غير استغاثة وطلب اعانة لأن قطعها لا يجوز الا بضرورة.
وقال الطحاوى: هذا فى الفرض، فان كان فى نافلة فان علم أحد أبويه أنه فى الصلاة وناداه فلا بأس أن لا يجيبه وان لم يعلم فانه يجيبه.
قال ابن عابدين: ان كان يصلى النفل فانه يجيبه وجوبا وان لم يستغث لأنه ليم عابد بنى اسرائيل على تركه الاجابة.
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم ما معناه:
لو كان فقيها لأجاب أمه.
وهذا ان لم يعلم أنه يصلى.
فان علم لا تجب الاجابة لكنها أولى كما يستفاد من قوله: لا بأس أن لا يجيبه وقد يقال أن لا بأس هنا لدفع ما يتوهم أن عليه بأسا فى عدم الاجابة وكونه عقوقا فلا يفيد أن الاجابة أولى.
وذكر الرحمتى
(1)
ما معناه: أنه لما كان بر الوالدين واجبا وكان مظنة أن يتوهم أنه اذا ناداه أحداهما يكون عليه بأس فى عدم اجابته دفع ذلك بقوله لا بأس ترجيحا لأمر الله تعالى بعدم قطع العبادة لأن نداءه له مع علمه بأنه فى الصلاة معصية ولا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق فلا تجوز اجابته.
بخلاف ما اذا لم يعلم أنه فى الصلاة فأنه يجيبه لما علم فى قصة جريج الراهب ودعاء أمه عليه وما ناله من العناء لعدم اجابته لها.
فليس كلمة لا بأس هنا لخلاف الأولى لأن ذلك غير مطرد فيها بل قد تأتى بمعنى يجب والظاهر أن هذا منه.
ثانيا: حكم اغاثة المستمع لخطبة الجمعة لغيره:
نقل ابن عابدين فى حاشيته عن البحر أن المستمع لخطبة
(2)
الجمعة لو رأى رجلا عند بئر فخاف وقوعه فيها أو رأى عقربا يدب الى انسان فانه يجوز له أن يحذره وقت الخطبة.
قال ابن عابدين: وهذا حيث تعين الكلام اذ لو أمكن بغمز أو لكز لم يجز الكلام.
وقال صاحب الدر المختار: وكل ما حرم فى الصلاة حرم للحاضر فى خطبة الجمعة بل يجب عليه أن يستمع ويسكت بلا فرق بين قريب وبعيد.
ولا يرد تحذير من خيف هلاكه لأنه يجب لحق آدمى وهو محتاج اليه، والانبعاث والانصات لحق الله تعالى ومبناه على المسامحة.
ثالثا: حكم خروج المعتكف من المسجد لاغاثة غيره:
جاء فى تبين الحقائق للزبلعى انه يفسد اعتكاف
(3)
من خرج من المسجد بلا عذر ساعة أو أكثر من نصف يوم على أحد القولين فى ذلك.
فلو خرج المعتكف لانجاء الغريق أو الحريق أو للجهاد اذا كان النفير عاما أو لأداء شهادة فكل ذلك وفسد للاعتكاف.
أما لو خاف على نفسه أو ماله من المكابرين فخرج فلا يفسد اعتكافه.
رابعا: حكم اعلان الناس بطريق الأذان وقت
الخطر:
ذكر ابن عابدين
(4)
فى حاشيته عند الكلام على الأذان لغير الصلاة أنه يندب الاذان عند مزدحم الجيش وعند الحريق.
خامسا: حكم التخلف عن الجماعة لانقاذ نفسه
أو ماله أو مال غيره:
جاء فى حاشية ابن عابدين أن الجماعة لا تجب
(5)
على من خاف على ماله من لص ونحوه اذا لم يمكنه غلق الدكان أو البيت مثلا ومنه خوفه على تلف طعام فى قدر أو خبز فى تنور.
قال ابن عابدين وهل التقييد بماله للاحتراز عن مال غيره؟ والظاهر عدمه لأن له قطع الصلاة له ولا سيما ان كان أمانة عنده كوديعة أو عارية أو رهن بما يجب عليه حفظه.
(1)
المرجع السابق لابن عابدين ج 1 ص 666، 667 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
رد المحتار على الدر المختار المسماه بحاشية ابن عابدين ج 1 ص 668 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
كتاب تبين الحقائق شرح كنز الدقائق للامام فخر الدين عثمان بن على الزيلغى وبهامشه حاشية الشيخ الامام شهاب الدين أحمد الشلبى ج 1 ص 351 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 1315 هـ الطبعة الأولى.
(4)
حاشيه ابن عابدين على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 1 ص 357، 358 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق المعروف برد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 1 ص 514 وما بعدها الطبعة السابقة.
ثم قال
(1)
: ولا تجب الجماعة على خائف من ظالم يخافه على نفسه أو ماله.
وكذا قيامه بمريض يحصل له بغيبته المشقة والوحشة. كذا فى الامداد.
سادسا: حكم إغاثة المجاهدين لحفظ الوطن
وإنقاذ الأسرى:
قال ابن عابدين فى حاشيته نقلا عن البدائع
(2)
:
أن ضعف أهل ثغر عن مقاومة الكفرة وخيف عليهم من العدو فعلى من وراءهم من المسلمين الأقرب فالأقرب أن ينفروا اليهم وأن يمدوهم بالسلاح والكراع والمال.
لما ذكر من أن الجهاد فرض على الناس كلهم ممن هو من أهل الجهاد ولكن سقط الفرض عنهم لحصول الكفاية بالبعض فما لم يحصل لا يسقط.
قال ابن عابدين: وحاصل ذلك أن كل موضع خيف هجوم العدو منه فرض على الامام أو على أهل ذلك الموضع حفظه.
وان لم يقدروا فرض على الأقرب اليهم اعافتهم الى حصول الكفاية بمقاومة العدو.
وفى الدر المختار أن الجهاد فرض عين أن هجم العدو على ثغر من ثغور الاسلام فيصير فرض عين على من قرب منهم وهم يقدرون على الجهاد.
ونقل صاحب النهاية عن الذخيرة أن الجهاد اذا جاء النفير اثما يصير فرض عين على من يقرب من العدو فأما من وراءهم ببعد من العدو فهو فرض كفاية عليهم حتى يسعهم تركه اذا لم يحتج اليهم.
فان عجز من كان يقرب من العدو عن المقاومة مع العدو أو لم يعجزوا عنها لكنهم تكاسلوا ولم يجاهدوا فانه يفترض على من يليهم فرض عين كالصلاة والصوم لا يسعهم تركه ثم وثم الى أن يفترض على جميع أهل الاسلام شرقا وغربا على هذا التدريج.
ونقل صاحب البحر الرائق
(3)
عن الذخيرة أنه اذا دخل المشركون أرضا فأخذوا الأموال وسبوا الذرارى والنساء فعلم المسلمون بذلك وكان لهم عليهم قوة كان عليهم أن يتبعوهم حتى يستنقذوهم من أيديهم ما داموا فى دار الاسلام.
فاذا دخلوا فى أرض الحرب فكذلك فى حق النساء والذرارى ما لم يبلغوا حصونهم وجدرهم ويسعهم أن لا يتبعوهم فى حق المال.
وذرارى أهل الذمة وأموالهم فى ذلك بمنزلة ذرارى المسلمين وأموالهم.
وفى البزازية لو أن امرأة مسلمة سبيت بالمشرق وجب على أهل المغرب تخليصها من الأسر ما لم تدخل دار الحرب لأن دار الاسلام كمكان واحد.
ومقتضى ما فى الذخيرة أنه يجب تخليصها ما لم تدخل حصونهم وجدرهم.
وفى الذخيرة: ويستوى أن يكون المستنفر عدلا أو فاسقا يقبل خبره فى ذلك لأنه خبر يشتهر بين المسلمين فى الحال وكذلك الجواب فى منادى السلطان يقبل خبره عدلا كان أو فاسقا.
وجاء فى بدائع الصنائع
(4)
أن الغزاة اذا جاءهم جمع من المشركين لا طاقة لهم به وخافوهم
(1)
المرجع السابق لابن عابدين ج 1 ص 520 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
حاشية ابن عابدين المسماه برد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 3 ص 303، ص 304 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
كتاب البحر الرائق شرح كنز الدقائق للشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم ج 5 ص 38، 79 وما بعدها فى كتاب على هامشه الحواشى المسماه بمنحة الخالق على البحر الرائق للسيد محمد أمين الشهير بابن عابدين الطبعة الأولى طبع المطبعة العلمية بمصر.
(4)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 7 ص 68، 99 وما بعدها طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1920 م الطبعة الأولى
ان يقتلوهم فلا بأس لهم أن ينحازوا الى بعض أمصار المسلمين أو الى بعض جيوشهم.
والحكم فى هذا الباب لغالب الرأى وأكبر الظن دون العدد.
فان غلب على ظن الغزاة أنهم يقاومونهم يلزمهم الثبات وان كانوا أقل عددا منهم.
وان كان غالب ظنهم أنهم يغلبون فلا بأس أن ينحازوا الى المسلمين ليستعينوا بهم وان كانوا أكثر عددا من الكفرة، وكذا الواحد من الغزاة ليس معه سلاح مع اثنين منهم معهما سلاح أو مع واحد منهم من الكفرة ومعه سلاح لا بأس أن يولى دبره متحيزا الى فئة.
والأصل فيه قوله تبارك وتعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} .
وكذلك قال النبى صلى الله عليه وسلم للذين فروا الى المدينة وهم فيها: أنتم الكرارون، أنا فئة كل مسلم فقد أخبر النبى صلى الله عليه وسلم أن المتحيز الى فئة كرار وليس بفرار من الزحف فلا يلحقه الوعيد.
سابعا: الاغاثة من قاطع الطريق ونحوه:
جاء فى بدائع الصنائع أنه يشترط لتحقيق قطع الطريق وما يترتب
(1)
عليه من اقامة الحد أن يكون ذلك فى مكان لا يلحق فيه الغوث وذلك بأن يكون فى غير مصر فان كان فى مصر لا يجب الحد سواء كان القطع ليلا أو نهارا وسواء كان بسلاح أو غيره، وهذا استحسان وهو قولهما.
والقياس انه يجب الحد وهو قول أبى يوسف.
ووجه القياس أن سبب الوجوب قد تحقق وهو قطع الطريق فيجب الحد كما لو كان فى غير مصر.
ووجه الاستحسان أن القطع لا يحصل بدون الانقطاع والطريق لا ينقطع فى الأمصار وفيما بين القرى، لأن المارة لا تمتنع عن المرور عادة فلم يوجد السبب.
وقيل: انما أجاب أبو حنيفة رحمه الله تعالى على ما شاهده فى زمانه لأن أهل الأمصار كانوا يحملون السلاح فالقطاع ما كانوا يتمكنون من مغالبتهم فى المصر، والآن ترك الناس هذه العادة فمكنهم المغالبة فيجرى عليهم الحد.
وعلى هذا قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى فيمن قطع الطريق بين الحيرة والكوفة أنه لا يجرى عليه الحد لأن الغوث كان يلحق هذا الموضع فى زمانه لاتصاله بالمصر والآن صار ملتحقا بالبرية فلا يلحق الغوث فيتحقق قطع الطريق.
ويشترط كذلك أن يكون بين قطاع الطريق وبين المصر مسافة سفر فان كان أقل من ذلك لم يكونوا قطاع الطريق وهذا على قولهما.
فأما على قول أبى يوسف فليس بشرط ويكونون قطاع الطريق.
والوجه ما بينا فيجب الحد.
وروى عن أبى يوسف فى قطاع الطريق فى المصر انهم أن قاتلوا نهارا بسلاح يقام عليهم الحد.
وان خرجوا بخشب لهم لم يقم عليهم الحد، لأن السلاح لا يلبث فلا يلحق الغوث - أى يأتى
(1)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاساتى ج 7 ص 92، طبع مطبعة الجمالية بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
عليه قبل أن يلحقه الغوث - والخشب يلبث فالغوث يلحق.
وان قاتلوا ليلا بسلاح أو بخشب يقام عليهم الحد لأن الغوث قلما يلحق بالليل فيستوى فيه السلاح وغيره.
ثم قال: ولو أشهر على رجل سلاحا نهارا أو ليلا فى غير مصر أو فى مصر فقتله المشهور عليه عمدا فلا شئ عليه.
وكذلك ان شهر عليه عصا ليلا فى غير مصر أو فى مصر.
وان كان نهارا فى مصر فقتله المشهور عليه يقتل به.
والأصل فى هذا أن من قصد قتل انسان لا ينهدر دمه ولكن ينظر ان كان المشهور عليه يمكنه دفعه عن نفسه بدون القتل لا يباح له القتل.
وان كان لا يمكنه الدفع الا بالقتل يباح له القتل لأنه من ضرورات الدفع.
وان شهر عليه سيفه يباح له أن يقتله لأنه لا يقدر على الدفع الا بالقتل.
ألا ترى أنه لو استغاث بالناس لقتله قبل أن يلحقه الغوث اذ السلاح لا يلبث فكان القتل من ضرورات الدفع فيباح قتله فاذا قتله فقد قتل شخصا مباح الدم فلا شئ عليه.
وكذا اذا أشهر عليه العصا ليلا لأن الغوث لا يلحق بالليل عادة سواء كان فى المغازة أو فى المصر.
وان أشهر عليه نهارا فى المصر لا يباح قتله لأنه يمكنه دفع شره بالاستغاثة بالناس.
وان كان فى المغازة يباح قتله لأنه لا يمكنه الاستغاثة فلا يندفع شره الا بالقتل فيباح له القتل.
وجاء فى المبسوط
(1)
أن المنتهبين لو بيتوا على مسافرين فى منازلهم فى غير مصر ولا فى مدينة فكابروهم وأخذوا المال فالحكم فيهم كالحكم فى الذين قطعوا الطريق لأن السبب قد تحقق منهم وهو المحاربة وقطع الطريق اذ لا فرق فى ذلك بين أن يفعلوا ذلك بهم فى مشيهم أو فى حال نزولهم، لأنهم فى حفظ الله تعالى فى الحالتين فأنما يتمكن هؤلاء منهم لمنعتهم وشوكتهم فى الحالتين.
فان نزل المسافرون منزلا فى قرية ففعلوا ذلك بهم لم يلزمهم حد قطاع الطريق لأن الذين نزلوا القرية بمنزلة أهل القرية فى أن بعضهم يغيث البعض فلا يتحقق قطع الطريق بما فعل بهم.
وكذلك أن أغار بعض النازلين فى القرية على البعض فقتلوا وأخذوا المال فالحكم فيهم كالحكم فى الذى فعل ذلك فى جوف المصر.
وجاء فى المبسوط
(2)
فى موضع آخر: ولو كابر انسانا ليلا حتى سرق متاعه فعليه القطع لأن سرقته قد تمت حين كابره ليلا فان الغوث بالليل قل ما يلحق صاحب البيت وهو عاجز عن دفعه بنفسه فيكون تمكنه من ذلك بالناس والسارق استخفى فعله من الناس.
بخلاف ما اذا كابره فى المصر نهارا حتى أخذ منه مالا فانه لا يلزمه القطع استحسانا لأن الغوث فى المصر بالنهار يلحقه عادة فالآخذ مجاهرا بفعله غير مستخفف له وذلك يكون نقصانا فى السرقة قال صلى الله عليه وسلم: لا قطع على مختلس ولا منتهب ولا خائن.
(1)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 9 ص 202 وما بعدها طبع بمطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1328 هـ.
(2)
المبسوط لشمس الدين السرخسى ج 1 ص 151 الطبعة السابعة وبدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاساتى ج 7 ص 66 وما بعدها الطبعة السابقة.
ونقل ابن عابدين
(1)
عن الفتح أنه لو أخذ اللصوص متاع قوم فاستغاثوا بقوم فخرجوا فى طلبهم فان كان أرباب المتاع معهم أو غابوا لكن يعرفون مكانهم ويقدرون على رد المتاع عليهم حل لهم قتال اللصوص وان كانوا لا يعرفون مكانهم ولا يقدرون على الرد لا يحل.
ثامنا: حكم الاغاثة فى حال البغى:
جاء فى البحر الرائق أن البغاة ان
(2)
أظهروا ما يبيح لهم القتال كأن ظلمهم الامام أو ظلم غيرهم ظلما لا شبهة فيه لا يكونون بغاة.
ولا يجوز معاونة الامام عليهم حتى يجب على المسلمين أن يعينوهم حتى ينصفهم الامام ويرجع عن جورهم بخلاف ما اذا كان الحال مشتبها أنه ظلم مثل تحميل بعض الجبايات التى للامام أخذها والحاق الضرر بهذه الجماعة لدفع ضرر أعم منه.
ونقل صاحب البحر الرائق عن البدائع أنه يجب على كل من دعاهم الامام الى قتالهم أن يجيب ولا يسعهم التخلف اذا كان له غنى وقدرة لأن طاعة الامام فيما ليس بمعصية فرض فكيف فيما هو طاعة.
وما روى عن أبى حنيفة من الاعتزال فى الفتنة ولزوم البيت فمحمول على ما اذا لم يدعه الامام أما اذا دعاه الامام فالاجابة فرض.
وأما تخلف بعض الصحابة رضى الله تعالى عنهم عنها فمحمول على أنه لم يكن لهم قدرة وربما كان بعضهم فى تردد من حل القتال.
تاسعا - حكم اغاثة المحتاج:
جاء فى الفتاوى الهندية: قال محمد رحمه
(3)
الله تعالى فى كتاب الكسب: يفترض على الناس اطعام المحتاج فى الوقت الذى يعجز عن الخروج والطلب وهذه المسألة تشتمل على ثلاثة فصول:
أحدها أن المحتاج اذا عجز عن الخروج يفترض على كل من يعلم حاله أن يطعمه مقدار ما يتقوى به على الخروج وأداء العبادات اذا كان قادرا على ذلك حتى اذا مات ولم يطعمه أحد ممن يعلم حاله اشتركوا جميعا فى المأثم.
وكذلك اذا لم يكن عند من يعلم بحاله ما يطعمه ولكنه قادر على أن يخرج الى الناس ليخبر بحاله فيواسوه فيفرض عليه ذلك فاذا امتنعوا من ذلك حتى مات اشتركوا فى المأثم ولكن اذا قام به البعض سقط عن الباقين.
الفصل الثانى:
اذا كان المحتاج قادرا على الخروج ولكن لا يقدر على الكسب فعليه أن يخرج ومن يعلم بحاله ان كان عليه شئ من الواجبات فليؤده اليه حتما.
وان كان المحتاج يقدر على الكسب فعليه أن يكتسب ولا يحل له أن يسأل.
وفى الاختيار لتعليل المختار بعد أن ذكر مثل ما جاء فى الفتاوى استدل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم ما آمن بالله من بات شبعان وجاره الى جنبه طاو.
(1)
حاشية ابن عابدين على الدر المختار ج 3 ص 297 وما بعدها الطبعة السابعة.
(2)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 5 ص 151 وص 152 طبع المطبعة العلمية بمصر الطبعة الأولى.
(3)
الفتاوى العالمكرية المعروفة بالفتاوى الهندية فى مذهب الامام أبى حنيفة النعمان وبهامشه الفتاوى البخارية وهى المسماه بالجامع الوجيز للشيخ الامام حافظ الدين محمد بن محمد بن شهاب المعروف بابن البزار الكردى الحنفى ج 5 ص 338 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر سنة 310 هـ الطبعة الثانية.
وقال عليه الصلاة والسلام: أيما رجل مات ضياعا بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله.
وان أطعمه واحد سقط عن الباقين.
وكذا اذا رأى لقيطا أشرف على الهلاك أو أعمى كاد أن يتردى فى البئر وصار هذا كانجاء الغريق.
الفصل الثالث:
اذا كان المحتاج عاجزا عن الكسب ولكنه قادر على أن يخرج ويطوف على الأبواب فانه يفرض عليه ذلك حتى اذا لم يفعل ذلك وقد هلك كان أثما عند الله تعالى.
ثم قال والمعطى أفضل من الآخذ وهذه المسألة على ثلاثة أوجه:
أحدها أن يكون المعطى مؤديا للواجب والآخذ قادرا على الكسب ولكنه محتاج فهاهنا المعطى أفضل بالاتفاق.
والثانى: أن يكون المعطى والأخذ كل واحد متبرعا أما المعطى فظاهر وأما الآخذ بأن يكون قادرا على الكسب وفى هذا الوجه المعطى أفضل.
والثالث: أن يكون المعطى متبرعا والآخذ مفترضا بأن يكون عاجزا عن الكسب وفى هذا الوجه المعطى أفضل عند أهل الفقه كذا فى المحيط
مذهب المالكية:
أولا - حكم اغاثة المصلى لغيره وهو فى الصلاة:
جاء فى حاشية الدسوقى
(1)
: أنه اذا كان شخص يصلى وقد ناداه أحد أبويه فان كان أحد أبويه أعمى أصم وكان وهو يصلى نافلة وجب عليه اجابته وقطع تلك النافلة لأنه قد تعارض معه واجبان فيقدم أوكدهما وهو اجابة الوالدين للاجماع على وجوبها.
والخلاف فى وجوب اتمام النافلة.
واما ان كان المنادى له من أبويه ليس أعمى ولا أصم أو كان يصلى فى فريضة فليخفف ويسلم ويكلمه.
وأما اذا وجب لاجابته عليه السلام فى حال حياته أو بعد موته فهل تبطل به الصلاة أو لا تبطل قولان.
والمعتمد منهما عدم البطلان.
واذا ترك المصلى الكلام لانقاذ الأعمى وهلك ضمن ديته.
وكما يجب الكلام لانقاذ الأعمى وأن أبطل الصلاة يجب أيضا لتخليص المال اذا كان يخشى بذهابه هلاكا أو شديد أذى سواء كان قليلا أو كثيرا ويقطع الصلاة سواء كان الوقت متسعا أولا.
وأما اذا كان لا يخشى بذهابه هلاكا للمال ولا شديد أذى فان كان يسيرا فلا يقطع وان كان كثيرا قطع أن اتسع الوقت والكثرة والقلة بالنسبة للمال فى حد ذاته.
ثانيا - حكم التخلف عن صلاة الجماعة
أو الجمعة لاغاثة الغير:
جاء فى حاشية
(2)
الدسوقى: أنه يجوز للانسان أن يتخلف عن الجمعة والجماعة لتمريضه
(1)
حاشية الدسوقى والشرح الكبير للشيخ محمد عرفة الدسوقى وبهامشه الشرح الكبير وتقريرات الشيخ محمد عليش ج 1 ص 298 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(2)
المرجع السابق للدسوقى ج 1 ص 389 - 390 وما بعدها الطبعة السابقة.
لأجنبى وليس له من يقوم به وخشى عليه وبتركه لضيفه أو لقريب خاص كولد ووالد وزوج بعذر مطلقا وغير الخاص كالأجنبى فلا بد من القيدين فيه وهما أن لا يكون له من يقوم به وأن يخشى عليه الضيعة لو ترك.
لو ترك.
وجعل القريب غير الخاص كالأجنبى وهو ما لابن عرفة وهو المعتمد.
خلافا لابن الحاجب حيث جعل تمريض القريب مطلقا سواء كان خاصا أو غير خاص عذرا من غير اعتبار شئ من القيدين المعتبرين فى تمريض الأجنبى.
ثم قال: وخوف على مال له بال وان لغيره سواء كان الخوف من لص أو نار.
وقوله له بال أى وهو الذى يجحف بصاحبه.
ومثل الخوف على المال المذكور الخوف على العرض أو الدين كأن يخاف قذف أحد من السفهاء له أو الزام قتل الشخص أو ضربه ظلما أو الزام بيعه ظالم لا يقدر على مخالفته بيمين يحلف للظالم أنه لا يخرج عن طاعته ولا من تحت يده.
ثالثا - حكم الاغاثة فى أثناء الحرب:
جاء فى التاج
(1)
والأكليل: ان الجهاد يتعين بفجأ العدو.
قال ابن عرفه قد يعرض لغرض الكفاية ما يوجبه على الأعيان.
وفى التلقين قد يتعين فى بعض الأوقات على من يفجؤهم العدو وقال سحنون أن نزل أمر يحتاج فيه الى الجميع كان عليهم فرضا.
وينفر من بسفاقس
(2)
لغوث سوسة
(3)
ان لم يخف على أهله لرؤية سفن أو خبر عنها وان على امرأة.
ومن النوادر يخرج لمتعينه مطيقة ولو كان صبيا أو امرأة.
قال أبو عمر يتعين على كل أحد أن حل العدو بدار الاسلام محاربا لهم فيخرج اليه أهل تلك الدار خفافا وثقالا شبانا وشيوخا ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكتر.
وان عجز أهل تلك البلاد عن القيام بعدوهم كان على من جاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة.
وكذلك من علم أيضا بضعفهم وأمكنه غياثهم لزمه أيضا الخروج فالمسلمون كلهم يد على من سواهم.
قال ابن بشير اذا نزل قوم من العدو بأحد من المسلمين وكانت فيهم قوة على مدافعتهم فان عجزوا تعين على من قرب منهم نصرتهم.
قال المازرى اذا عصى الأقرب وجب على الأبعد.
قال سحنون ومن عليه دين قد حل وعنده قضاء فلا ينفر ولا يرابط ولا يعتمر ولا يسافر حتى يقضى دينه وان كان دين لم يحل أولا وفاء له به فله أن ينفر.
قال ابن شاس للابوين منع ولدهما من ركوب البحر والبرارى المخطرة للتجارة.
قال سحنون ولا أحب لمن له والدان أن ينفر الا باذنهما الا أن ينزل بمكانة من العدو ما لا طاقة لمن حضر بدفعه فلينفر بغير اذنهما.
ولو نزل ذلك بساحل بغير موضعه ولا غوث عنهم أو كان الغوث بعيدا منهم فلينفر بغير اذن الأبوين لا جد.
(1)
التاج والاكليل لمختصر سيدى خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف العبودى الشهير بالمواق ج 3 ص 348، ص 349 - 350 وما بعدهم فى كتاب على هامش مواهب الجليل لمختصر خليل المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.
(2)
سفاقس: اسم بلد بالمغرب العربى.
(3)
سوسة: اسم مدينة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط فى جمهورية ليبيا العربية.
قال سحنون بر الجدة والجد واجب وليسا كالأبوين أحب أن يسترضيهما ليأذنا له فى الجهاد، فان أبيا فله أن يخرج ولا شئ عليه.
ومن له أخوة وأخوات وعمة وأعمام وخالات وخال ان كان القائم بهم ويخاف ضيعتهم بخروجه فمقامه أفضل والا فخروجه والكافر كغيره فى غيره.
والذى لابن يونس وابن عرفة لا أحب لمن له والدان أن ينفر الا باذنهما الا لعدو لا طاقة لمن حضر بدفعه واحد الأبوين كالأبوين ولو كانا مشركين الا أن يعلم منعهما كراهة أعانة المسلمين.
رابعا - حكم الاغاثة فى حال البغى:
جاء فى التاج
(1)
والأكليل: قال ابن يونس ان كان البغاة يظلمون الوالى الظالم فلا يجوز لك الدفع عنه ولا القيام عليه ولا يسعك الوقوف عن العدل كان هو القائم أو المقام عليه قال عياض أنحدر المأمون الى محاربة بعض بلاد مصر وقال للحرث بن مسكين ما تقول فى خروجنا هذا فقال أخبرنى ابن القاسم عن مالك ان الرشيد سأله عن قتال أهل دمك فقال أن كانوا خرجوا عن ظلم السلطان فلا يحل قتالهم.
ومن تفسير القرطبى عن قوله سبحانه وتعالى «إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ 2 خَلِيفَةً» ، ولا ينبغى للناس أن يسارعوا الى نصرة مظهر العدل وان كان الأول فاسقا لأن كل من يطلب الملك يظهر من نفسه الصلاح حتى يتمكن فيعود بخلاف ما أظهر.
وسأل ابن نصر مالكا عن الفتن بالأندلس وكيفية المخرج منها اذا خاف الانسان على نفسه فقال مالك أما أنا فما أتكلم فى هذا بشئ وأعاد الرجل الكلام عليه وقال انى رسول من خلفى اليك فقال له مالك كف عن الكلام فى هذا ومثله وأنا لك ناصح ولا تجب فيه.
ولابن محرز فى تبصرته من شارك فى عزل انسان وتوليه غيره ولم يأمن سفك دم مسلم فقد شارك فى سفك دمه أن سفك.
ونقل ابن رشد والمتيطى وغيرهما من شارك فى قتل مسلم ولو بشطر كلمة لقى الله تعالى يوم القيامة وبين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله تعالى.
قال ابن العربى فى قوله ولا تنازع الأمر أهله يعنى من ملكه لا من يستحقه فان الأمر فيمن يملكه أكثر منه فيمن يستحقه والطاعة واجبه فى الجميع والصبر على ذلك أولى من التعرض لافساد ذات البين.
ثم قال وللامام العدل قتال أهل البغى قال مالك ان كل مثل عمر بن عبد العزيز وجب على الناس الذب عنه وأما غيره فلا.
قال ابن بطال دعا على رضى الله تعالى عنه بعضهم الى القتال معهم فأبوا أن يجيبوا فعذرهم.
وكذا يجب على الامام أن لا يعيب من تخلف عنه فى قتال البغاة.
سادسا: حكم إغاثة المحتاج:
جاء فى الدسوقى
(3)
على الشرح الكبير: انه يجب الضمان على انسان ترك تخليص المال مع قدرته على خلاصه بجاهه أو ماله حتى ضاع ذلك المال على ربه فانه يضمن له قيمة ذلك المال ان كان مقوما ومثله ان كان مثليا.
(1)
التاج والاكليل: ج 6 ص 277 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 30 من سورة البقرة.
(3)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 111 وما بعدها الطبعة السابقة.
وأما اذا ترك تخليص النفس حتى قتلت فانه يضمن الدية فى ماله أن ترك التخليص عمدا وعلى عائلته أن تركه متأولا ولا يقتل به ولو ترك التخليص عمدا هذا مذهب المدونة.
وحكى عياض عن مالك أنه يقتل به.
قال الأبى فى شرح مسلم ما زال الشيوخ ينكرون حكايته عن مالك ويقولون أنه خلاف المدونة نقله الحطاب.
وفى التوضيح عن اللخمى أنه خرج ذلك على الخلاف فيمن تعمد الزور فى شهادته حتى قتل بها المشهود عليه قال فقد قيل يقتل الشاهد.
ومذهب المدونة لا قتل عليه.
وبذلك تعلم أن قول الخرشى ولو كان متعمدا لاهلاكه بترك تخليصه قتل غير صواب.
ثم قال
(1)
: والمباح ما اذن فيه وان كان قد يجب للضرورة وهى الخوف على النفس من الهلاك علما أو ظنا ما يسد الرمق
(2)
.
وظاهره أنه لا يجوز له الشبع والمعتمد أن له أن يشبع ويتزود من الميتة فاذا استغنى عنها طرحها كما فى الرسالة غير آدمى وغير خمر من الأشربة.
ودخل فى غيرهما الدم والعذرة وضالة الابل نعم تقدم الميتة عليها.
وأما الآدمى فلا يجوز تناوله وكذا الخمر الا لغصة فيجوز أزالتها به عند عدم ما يسيغها به من غيره.
ونص الموطأ ومن أحسن ما سمعت فى الرجل يضطر الى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها فان وجد عنها غنى طرحها وتناول قوله للضرورة ما يسد الملتبس بالمعصية كما هو مختار ابن يونس وشهره القرافى.
خلافا لمن قال لا يباح له تناول الميتة وتمسك بظاهر قوله تعالى «فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ 3 باغٍ وَلا عادٍ» ، وقوله عز وجل «فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ 4 غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ}.
وأجاب المشهور بأن المراد غير باغ فى نفس الضرورة بأن يتجانف ويميل فى الباطن لشهوته ويتمسك فى الظاهر بالضرورة كأنه قيل فمن اضطر اضطرارا صادقا فاذا عصى فى نفس السبب المبيح كأن كاذبا فى الضرورة وبغى وتعدى فيها وتجانب الاثم كانت كالعدم.
مذهب الشافعية:
أولا: حكم اغاثة المصلى لغيره
وهو فى الصلاة:
جاء فى المهذب
(5)
: ان رأى المصلى ضريرا يقع فى بئر فانذره بالقول ففيه وجهان.
قال أبو اسحاق المروزى رحمه الله تعالى لا تبطل صلاته لأنه واجب عليه فهو كاجابة النبى صلى الله عليه وسلم.
ومن أصحابنا من قال تبطل صلاته لأنه لا يجب عليه لأنه قد لا يقع فى البئر وليس بشئ فان كلمه انسان وهو فى الصلاة وأراد أن يعلمه أنه فى الصلاة أو سها الامام فأراد أن يعلمه بالسهو استحب له أن كان رجلا أن يسبح وتصفق أن كانت امرأة.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 115 - 136 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المراد بالرمق الحياة وسدها حفظها.
(3)
الآية رقم 173 من سورة البقرة.
(4)
الآية رقم 3 من سورة المائدة.
(5)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 87 - 88 وما بعدها طبع مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
ثانيا - حكم التخلف عن صلاة الجماعة أو
الجمعة لاغاثة الغير:
جاء فى نهاية
(1)
المحتاج: ان من الأعذار التى تبيح التخلف عن الجماعة الخوف على مال ولو لغيره وان لم يلزمه الذب عنه فى ألا وجه خلافا لمن قيد به وكذلك
(2)
حضور مريض بلا متعهد له قريبا كان أو أجنبيا لئلا يضيع حيث خاف عليه ضررا أوله متعهد مشغول بشراء الأدوية مثلا فيكون كما لو لم يكن له متعهد أو حضور نحو قريب ممن له متعهد أو حضور قريب له متعهد لكنه يأنس به أى الحاضر لأن تأنيسه أهم.
ومن الأعذار التى تبيح التخلف عن صلاة الجمعة ما ذكره فى المهذب
(3)
من أن الجمعة لا تجب على من له مريض يخاف ضياعه لأن حق المسلم آكد من فرض الجمعة.
ولا تجب على من له قريب أو صهر أو ذو ود يخاف فوته لما روى أنه استصرخ على سعيد ابن زيد وابن عمر يسعى الى الجمعة فترك الجمعة وحضر اليه وذلك لما بينهما من القرابة فانه ابن عمه ولأنه يلحقه بفوات ذلك من الألم أكثر مما يلحقه من مرض أو أخذ مال.
وقال فى المجموع
(4)
: أما التمريض فقال أصحابنا أن كان للمريض متعهد يقوم بمصالحه وحاجته نظر ان كان قرابة زوجة أو مملوكا أو صهرا أو صديقا أو نحوهم.
فان كان مشرفا على الموت أو غير مشرف لكن يستأنس بهذا الشخص حضره وسقطت عنه الجمعة بلا خلاف.
وان لم يكن مشرفا ولا يستأنس به لم تسقط عنه على المذهب.
وفيه وجه حكاه الشيخ أبو حامد فى تعليقه عن أبى على بن أبى هريرة وحكاه أيضا الرافعى أنها تسقط لأن القلب متعلق به.
ولا يتقاصر عن عذر المطر وأن كان أجنبيا ليس له حق بوجه من الأمور السابقة لم تسقط الجمعة عن المتخلف عنده بلا خلاف هذا كله اذا كان له متعهد.
فان لم يكن متعهد قال أمام الحرمين وغيره ان خاف هلاكه ان غاب عنه فهو عذر يسقط الجمعة سواء كان قريبا أو أجنبيا.
قالوا لأن انقاذ المسلم من الهلاك فرض كفاية وان كان يلحقه بغيبته ضرر ظاهر لا يبلغ دفعه مبلغ فروض الكفاية ففيه ثلاثة أوجه.
أصحها أنه عذر أيضا.
والثانى: لا.
والثالث عذر فى القريب ونحوه دون الأجنبى ولو كان له متعهد لا يتفرغ لخدمته لاشتغاله بشراء الأدوية ونحوه فهو كمن لا متعهد له لفوات مقصد المتعهد.
ثالثا - حكم الاغاثة من قاطع الطريق
ونحوه:
جاء فى المهذب
(5)
: أنه اذا قصد الشخص رجل فى نفسه أو ماله أو أهمله بغير حق فله أن يدفعه لما روى سعيد ابن زيد رضى الله تعالى
(1)
المرجع السابق لابن شرف الدين الرملى ج 2 ص 153 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 2 ص 165 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 109 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المجموع شرح المهذب ج 4 ص 460 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
مغنى المحتاج الى معرفة الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب وبهامشه من المنهاج لأبى زكريا بن يحيى ابن شرف النووى ج 4 ص 207 - 208 وما بعدها طبع المطبعة اليمنية بمصر سنة 1308 هـ ونهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 8 ص 62 - 63 وما بعدها الطبعة السابقة.
عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من قاتل دون أهله أو ماله فقتل فهو شهيد.
وهل يجب عليه الدفع؟ ينظر فيه.
فان كان فى المال يجوز أباحته.
وان كان فى أهله وجب عليه الدفع لأنه لا يجوز اباحته.
وان كان فى النفس ففيه وجهان.
أحدهما أنه يجب عليه الدفع لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ 1» .
والثانى أنه لا يجب لأن عثمان رضى الله تعالى عنه لم يدفع عن نفسه ولأنه ينال الشهادة اذا قتل فجاز له ترك الدفع لذلك.
واذا أمكنه الدفع بالصياح والاستغاثة لم يدفع باليد وان كان فى موضع لا يلحقه الغوث دفعه باليد فان كان لن يندفع باليد دفعه بالعصا فان لم يندفع بالعصا دفعه بالسلاح فان لم يندفع الا باتلاف عضو دفعه باتلاف العضو.
فان لم يندفع الا بالقتل دفعه بالقتل.
وان عض يده ولم يمكنه تخليصها الا بفك لحييه فك لحييه.
وأن لم يندفع الا بأن يبعج جوفه بعج.
رابعا - حكم الاغاثة فى حال البغى:
جاء فى المهذب
(2)
: انه أن اقتتل فريقان من أهل البغى فان قدر الامام على قهرهما لم يعاون واحدا منها لأن الفريقين على الخطأ.
وان لم يقدر على قهرهما ولم يأمن أن يجتمعا على قتاله ضم الى نفسه أقر بهما الى الحق.
فان استويا فى ذلك اجتهد فى رأيه فى ضم أحدهما الى نفسه ولا يقصد بذلك معاونته على الآخر بل يقصد الاستعانة به على الاخر فاذا انهزم الاخر لم يقاتل الذى ضمه الى نفسه حتى يدعوه الى الطاعة لأنه حصل بالاستعانة به فى أمانه.
خامسا - حكم اغاثة المضطر:
جاء فى المهذب
(3)
، أنه أن اضطر الى طعام غيره وصاحبه غير مضطر اليه وجب عليه بذله لأن الامتناع عن بذله اعانة على قتله.
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم من أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه أيس من رحمة الله.
وان طلب منه ثمن المثل لزمه أن يشتريه منه.
ولا يجوز أن يأكل الميتة لأنه غير مضطر.
فان طلب أكثر من ثمن المثل أو امتنع من بذله فله أن يقاتله عليه.
فان لم يقدر على مقاتلته فاشترى منه بأكثر من ثمن المثل ففيه وجهان.
أحدهما: يلزمه لأنه ثمن فى بيع صحيح.
والثانى: لا يلزمه الا ثمن المثل كالمكره على شرائه فلم يزمه أكثر من ثمن المثل، وجاء فى مغنى المحتاج
(4)
: أنه لا أجرة لمن خلص مشرفا على الهلاك بوقوعه فى ماء أو نار أو نحوه بل يلزمه تخليصه بلا أجرة لضيق الوقت عن تقدير الأجرة فان اتسع الوقت لتقديرها لم يجب تخليصه الا بأجرة.
(1)
الآية رقم 15 من سورة الأنفال.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 2 ص 219 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 25 وما بعدها الطبعة السابقة ومغنى المحتاج الى شرح معرفة الفاظ المنهاج ج 4 ص 283 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
مغنى المحتاج للشربينى الخطيب ج 4 ص 284 وما بعدها الطبعة السابقة.
فان قيل قد مر أنه لا يجب بذل الطعام للمضطر مجانا فهل يفرق بينه وبين ضيق وقت فلا يجب كما هنا أو لا يجب عليه الا بعوض مطلقا خلاف.
نقل صاحب الشامل عن الأصحاب الأول.
وقال الاذرعى أنه الوجه.
والذى قاله القاضى أبو الطيب وغيره واختصر عليه الأصفهانى والحجازى كلام الروضة.
والثانى: وهو الظاهر والفرق أن فى اطعام المضطر بذل مال فلا يكلف بذله بلا مقابل بخلاف تخليص المشرف على الهلاك.
ولو أوجر المالك المضطر قهرا أو أوجره وهو مغمى عليه لزمه البدل، لأنه غير متبرع بل يلزمه اطعامه ابقاء لمهجته ولما فيه من التحريض على مثل ذلك.
مذهب الحنابلة:
1 - حكم اغاثة المصلى لغيره وهو فى الصلاة:
قال فى المغنى
(1)
: أن المصلى اذا تكلم بكلام واجب مثل أن يخشى على صبى أو ضرير الوقوع فى هلكة أو يرى حية ونحوها بقصد غافلا أو نائما أو يرى نارا أو يخاف أن تشتعل فى شئ ونحو هذا ولا يمكن التنبيه بالتسبيح فقال أصحابنا: تبطل الصلاة بهذا.
ويحتمل أن لا تبطل الصلاة به وهو ظاهر قول أحمد رحمه الله تعالى فانه قال فى قصة ذى اليدين انما كلم القوم النبى صلى الله عليه وسلم حين كلمهم لأنه كان عليهم أن يجيبوه فعلل صحة صلاتهم بوجوب الاجابة عليهم وهذا متحقق ها هنا.
وهذا ظاهر مذهب الشافعى.
والصحيح عند أصحابه أن الصلاة لا تبطل بالكلام فى جميع هذه الأقسام ووجه صحة الصلاة ها هنا أنه تكلم بكلام واجب عليه أشبه كلام المجيب للنبى صلى الله عليه وسلم.
ثانيا - حكم التخلف عن صلاة الجماعة
أو الجمعة لاغاثة الغير:
من الأعذار
(2)
المبيحة للتخلف عن الجماعة والجمعة الخوف على ولده وأهله أن يضيعوا أو يخاف موت قريبه ولا يشهده فهذا كله عذر فى ترك الجمعة والجماعة.
وبهذا قال عطاء والحسن ولا نعلم خلافا.
وقد استصرخ ابن عمر على سعيد بن زيد بعد ارتفاع الضحى وهو يتجمر للجمعة فأتاه بالعقيق وترك الجمعة.
ثالثا - حكم أغاثة خطيب الجمعة
لغيره أثناء الخطبة:
جاء فى المغنى
(3)
: أنه يجوز لخطيب الجمعة ومستمع الخطبة أن يتكلم فى أثنائها كتحذير الضرير من البئر أو من يخاف عليه نارا أو حية أو حريقا ونحو ذلك لأن هذا يجوز فى نفس الصلاة مع افسادها فهاهنا أولى.
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى ج 1 ص 707.
(2)
الشرح الكبير والمغنى لابن قدامه ج 2 ص 84.
(3)
المغنى لابن قدامة. ج 2 ص 168، 169.
رابعا - حكم الاغاثة من قاطع الطريق
جاء فى
(1)
المغنى أنه اذا صال على انسان صائل يريد ماله أو نفسه ظلما أو يريد امرأة ليزن بها فللغير المصول عليه معونته فى الدفع.
ولو عرض اللصوص لقافلة جاز لغير أهل القافلة الدفع عنهم لأن النبى صلى الله عليه وسلم قال «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» .
وفى حديث «ان المؤمنين يتعاونون على الفتان» .
ولأنه لولا التعاون لذهبت أموال الناس وأنفسهم لأن قطاع الطريق اذا انفردوا بأخذ مال انسان لم يعنه غيره فأنهم يأخذون أموال الكل واحدا واحدا وكذلك غيرهم.
وفى الكشاف
(2)
ولا يجب الدفع عن مال الغير قال فى المذهب اما دفع الانسان عن مال غيره فيجوز ما لم يفض الى الجناية على نفس الطالب أو شئ من أعضائه.
وجزم فى المنتهى باللزوم مع ظن سلامتهما لكن له معونة غيره فى الدفع عن ماله ونسائه فى قافلة وغيره مع ظن السلامة لحديث «أنصر أخاك ظالما أو مظلوما» ولئلا تذهب الأنفس والأموال.
ولو ظلم ظالم لم يجب على أحد أعانته على دفع الظلم عنه حتى يرجع عن ظلمه نصا قال أخشى أن يجترئ فيدعه حتى ينكسر.
وكره الامام أحمد أن يخرج الى صيحة بالليل لأنه لا يدرى ما يكون نقله صالح.
قال فى الفروع وظاهره كلام الأصحاب خلافة.
واذا وجد رجلا يزنى بامرأة فقتلهما فلا قصاص عليه ولا دية رواه سعيد عن عمر.
خامسا - حكم الاغاثة فى حالة البغى:
اذا قاتل الامام أهل البغى فانه يجب على رعيته
(3)
معونته على حربهم لقوله تعالى {(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)} .
ولقوله عليه الصلاة والسلام «من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الاسلام من عنقه» رواه أحمد وأبو داود من حديث أبى ذرة.
وان أقتتلت طائفتان من البغاة لأنهما جميعا على الخطا فقدر الامام على قهرهما أى الطائفتين لم يمل لواحدة من البغاة.
وان عجز عن قتالهما معا وخاف الامام اجتماعهما على حربه ضم اليه أقربهما الى الحق دفعا لأعظم المفسدتين بأخفهما.
وان استويا اجتهد الامام برأيه فى ضم أحدهما اليه.
ولا يقصد بذلك معونة أحداهما على الأخرى بل يقصد بذلك الاستعانة على الطائفة الأخرى ليردها الى الحق.
ثم قال: وان أعان البغاة أهل ذمة أو عهد انتقض عهدهم باعانتهم لهم طوعا مع علمهم بأن ذلك لا يجوز كما لو انفردوا بقتالهم وصاروا أهل حرب تحل دماؤهم وأموالهم مع علمهم بأن ذلك لا يجوز كما لو انفردوا بقتالهم الا أن يدعوا شبهة كان يظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض عهدهم، لأن ما ادعوه محتمل فيكون شبهة.
وان أكرههم البغاة على معونتهم لم ينتقض عهدهم.
وان أدعوا ذلك الاكراه قبل منهم لأنه محتمل.
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 353.
(2)
كشاف الفتاح ج 4 ص 93.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 97 - 99 وما بعدها.
سادسا - حكم الاغاثة فى حالة الاضطرار:
جاء فى المغنى
(1)
: ان صاحب الطعام اذا لم يكن مضطرا اليه لزمه بذله للمضطر لأنه يتعلق به احياء نفس آدمى معصوم فلزمه بذله له كما يلزمه انجاؤه من الغرق والحريق فان لم يفعل فللمضطر أخذه منه لأنه مستحق له دون مالكه فجاز له أخذه كغير ماله.
فان احتيج فى ذلك الى قتال فله المقاتلة عليه.
فان قتل المضطر فهو شهيد وعلى قاتله ضمانه.
وأن آل أخذه الى قتل صاحبه فهو هدر لأنه ظالم بقتاله فأشبه الصائل الا أن يمكن أخذه بشراء أو استرضاء فليس له المقاتلة عليه لامكان الوصول اليه دونها.
فان لم يبعه الا بأكثر من ثمن مثله فذكر القاضى أن له قتاله.
والأولى أن لا يجوز له ذلك لامكان الوصول اليه بدونها.
وان اشتراه بأكثر من ثمن مثله لم يلزمه الا ثمن مثله لأنه صار مستحقا له بقيمته ويلزمه عوضه فى كل موضع أخذه فان كان معه فى الحال والا لزمه فى ذمته.
ولا يباح للمضطر من مال أخيه الا ما يباح من الميتة.
قال أبو هريرة يا رسول الله ما يحل لأحدنا من مال أخيه اذا اضطر اليه قال «يأكل ولا يحمل ويشرب ولا يحمل» .
ثم قال واذا اشتدت المخمصة فى سنة المجاعة وأصابت الضرورة خلقا كثيرا وكان عند بعض الناس قدر كفايته وكفاية عياله لم يلزمه للمضطرين وليس لهم أخذه منه لأن ذلك يفضى الى وقوع الضرورة به ولا يدفعها عنهم.
وكذلك ان كانوا فى سفر ومعه قدر كفايته من غير فضله فلم يلزمه بذل ما معه للمضطرين ولم يفرق أصحابنا بين هذه الحال وبين كونه لا يتضرر بدفع ما معه اليهم فى ان ذلك واجب عليه لكونه غير مضطر فى الحال والآخر مضطر فوجب تقديم حاجة المضطر.
ولنا أن هذا مفض به الى هلاك نفسه وهلاك عياله فلم يلزمه كما لو أمكنه انجاء الغريق بتغريق نفسه ولأن فى بذله القاء بيده الى التهلكة وقد نهى الله عن ذلك.
مذهب الظاهرية:
أولا - حكم خروج المعتكف من المسجد
لاغاثة غيره:
جاء فى المحلى لابن حزم الظاهرى
(2)
: كل فرض على المسلم فان الاعتكاف لا يمنع منه وعليه أن يخرج اليه ولا يضر ذلك باعتكافه.
وانما يبطل الاعتكاف خروجه لما ليس فرضا عليه.
وقد افترض الله على المسلم ما رويناه من طريق البخارى أن أبا هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام وعيادة المريض واتباع الجنائز واجابة الدعوة وتشميت العاطس.
وقال تعالى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَداءُ إِذا ما دُعُوا} .
وقال تعالى
(3)
(1)
المغنى لابن قدامة المقدسى والشرح الكبير ج 11 ص 80 - 81 وما بعدها.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 188 مسألة رقم 628 ادارة الطباعة المنيرية سنة 1346 هـ.
(3)
الآية رقم 41 من سوره التوبه.
فهذه فرائض لا يحل تركها للاعتكاف.
وبلا شك عند كل مسلم أن كل من أدى ما افترض الله تعالى عليه فهو محسن.
قال الله تعالى
(1)
«ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ» .
قال ابن حزم
(2)
. فان نزل عدو كافر أو ظالم بساحة موضعة فان اضطر الى النفار نفر وقاتل فاذا استغنى عنه رجع الى معتكفه فان تردد لغير ضرورة بطل اعتكافه.
ثانيا - الاغاثة فى البغى:
جاء فى المحلى
(3)
: أن من كان من أهل العدل ورأى أباه فى الباغين أو وجده يقصد إلى مسلم يريد قتله أو ظلمه ففرض على الابن حينئذ أن لا يشتغل بغيره عنه وفرض عليه دفعه عن المسلم بأى وجه أمكنه وإن كان فى ذلك قتل الأب والجد والأم.
برهان ذلك ما روينا عن طريق البخارى حدثنا سعيد بن الربيع حدثنا شعبه عن الأشعث بن سليم قال: سمعت معاوية بن سويد بن مقرن يقول: سمعت البراء بن عازب قال: أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع فذكر عيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ورد السلام ونصر المظلوم واجابة الداعى وابرار القسم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل: يا رسول الله هذا ننصره مظلوما فكيف ننصره ظالما؟ قال: تمنعه - تأخذ فوق يده.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه.
فهذا أمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يسلم المرأ أخاه المسلم لظلم ظالم وأن يأخذ فوق يد كل ظالم وان ينصر كل مظلوم فاذا رأى المسلم أباه الباغى أو ذا رحمه كذلك يريد ظلم مسلم أو ذمى ففرض عليه منعه من ذلك بكل ما لا يقدر على منعه الا به من قتال أو قتل فما دون ذلك على عموم هذه الأحاديث.
وانما افترض الله تعالى الاحسان الى الأبوين وان لا ينهرا وان يخفض لهما جناح الذل من الرحمة فيما ليس فيه معصية الله تعالى فقط.
وهكذا نقول: أنه لا يحل لمسلم له أب كافر أو أم كافرة أن يعينهما على شئ من معاصى الله تعالى وأن لا يدعه يفعل شيئا من ذلك وهو قادر على منعه.
قال الله تعالى
(4)
: {وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} .
وهذه وصية جامعة لكل خير فى العالم.
ثم قال ابن حزم فى موضع آخر من المحلى
(5)
: لو ترك أهل الحرب من الكفار وأهل المحاربة من المسلمين على قوم من أهل البغى ففرض على جميع أهل الاسلام وعلى الامام عون أهل البغى وانقاذهم من أهل الكفر ومن أهل الحرب لأن أهل البغى مسلمون.
وقد قال الله تعالى
(6)
: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} .
وقال تعالى: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ 7 أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ} .
(1)
الآية رقم 91 من سورة التوبة.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 189 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 11 ص 109 - 110 الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 2 من سورة المائدة.
(5)
المحلى ج 11 ص 117 مسألة رقم 2162 الطبعة السابقة.
(6)
الآية رقم 10 من سورة الحجرات.
(7)
الآية رقم 54 من سورة المائدة
وقال تعالى: {أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ} .
وأما أهل المحاربة من المسلمين فانهم يريدون ظلم أهل البغى فى أخذ أموالهم والمنع من الظلم واجب.
قال الله تعالى: {وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} .
فمن ترك المحارب ولم يعن المطلوب فقد أعان المحارب على اثمه وعدوانه وهذا حرام.
حكم اغاثة المضطر:
قال ابن حزم الظاهرى فى المحلى
(1)
: مما كتبه الله تعالى علينا استنقاذ كل متورط من الموت أما بيد ظالم كافر أو مؤمن متعد أو حية أو سبع أو نار أو سيل أو هدم أو حيوان أو من علة صعبة تقدر على معاناته منها أو من أى وجه كان فوعدنا على ذلك الأجر الجزيل الذى لا يضعيه ربنا تعالى الحافظ علينا صالح أعمالنا وسيئة.
ففرض علينا أن نأتى من كل ذلك ما افترضه الله تعالى علينا وأن نعلم أنه قد أحصى أجرنا على ذلك من يجازى على مثقال الذرة من الخير والشر.
وقال ابن حزم: من
(2)
أستسقى قوما فلم يسقوه حتى مات قال على: روينا من طريق أبى بكر بن أبى شيبة حدثنا حفص بن غبات عن الأشعث عن الحسن أن رجلا استسقى على باب قوم فأبوا أن يسقوه فأدركه العطش فمات فضمنهم عمر بن الخطاب ديته.
قال أبو محمد: القول فى هذا عندنا وبالله التوفيق هو أن الذين لم يسقوه ان كانوا يعلمون أنه لا ماء له البتة الا عندهم ولا يمكنه أدراكه أصلا حتى يموت فهم قتلوه عمدا وعليهم القود بان يمنعوا الماء حتى يموتوا، كثروا أو قلوا، ولا يدخل فى ذلك من لم يعلم بأمره ولا من لم يمكنه أن يسقيه فان كانوا لا يعلمون ذلك ويقدرون أنه سيدرك الماء فهم قتلة خطأ وعليهم الكفارة وعلى عواقلهم الدية ولا بد.
برهان ذلك قول الله تعالى: {وَتَعاوَنُوا عَلَى 3 الْبِرِّ وَالتَّقْوى وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ} .
وقال تعالى
(4)
: {فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ} .
وقال تعالى: {وَالْحُرُماتُ قِصاصٌ 5} .
وبيقين يدرى كل مسلم فى العالم أن من استقاه مسلم وهو قادر على ان يسقيه فتعمد أن لا يسقيه الى أن مات عطشا فانه قد اعتدى عليه بلا خلاف من أحد من الأمة واذا أعتدى فواجب بنص القرآن أن يعتدى على المعتدى بمثل ما اعتدى به.
فتصح قولنا يقين لا اشكال فيه.
وأما اذا لم يعلم بذلك فقد قتله اذ منعه مالا حياة له الا به فهو قاتل خطأ فعليه ما على قاتل الخطأ.
قال أبو محمد: وهكذا القول فى الجائع والعارى ولا فرق وكل ذلك عدوان.
(1)
المحلى ج 11 ص 19 مسألة رقم 2115.
(2)
المحلى ج 10 ص 522 مسألة رقم 2097 الطبعة المنيرية.
(3)
الآية رقم 2 من سورة المائدة.
(4)
الآية رقم 194 من سورة البقرة.
(5)
الآية رقم 194 من سورة البقرة.
وليس هذا كمن اتبعه سبع فلم يؤوه حتى أكله السبع لأن السبع هو القاتل له ولم يمت فى جنايتهم ولا مما تولد من جنايتهم ولكن لو تركوه فأخذه السبع وهم قادرون على انقاذه منهم فهم قتلة عمدا اذ لم يمت من شئ الا من فعلهم وهذا كمن أدخلوه فى بيت ومنعوه حتى مات ولا فرق وهذا كله وجه واحد وبالله التوفيق.
وقال ابن حزم
(1)
: لا يحل لمسلم اضطر أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعاما فيه فضل عن صاحبه لمسلم أو ذمى لأن فرضا على صاحب الطعام اطعام الجائع فاذا كان ذلك كذلك فليس بمضطر الى الميتة ولا الى لحم الخنزير.
وله أن يقاتل عن ذلك فان قتل فعلى قاتله القود.
وان قتل المانع فالى لعنة الله لأنه منع حقا وهو طائفة باغية.
قال تعالى: {فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ} .
ومانع الحق باغ على أخيه الذى له الحق.
وبهذا قاتل أبو بكر الصديق رضى الله تعالى عنه مانعى الزكاة.
مذهب الزيدية:
أولا - حكم أغاثة المصلى لغيره وهو فى الصلاة:
جاء فى شرح الأزهار أن الصلاة تفسد بتوجه واجب
(2)
على المصلى خشى فوته كانقاذ غريق فانه يلزمه الخروج من الصلاة لفعل هذا الواجب فان لم يفعل فسدت ولو انتهى حال الغريق الى السلامة لأنه قد وجب عليه واستمراره على ذلك معصية وهو ظاهر الازهار.
وسواء كان عروض هذا الواجب فى أول الوقت أم فى آخره، فانه يجب تقديمه ولو فات الوقت.
ومثل انقاذ الغريق ازالة منكر تضيق كالقتل ونحوه أو رد وديعة يخشى فوت صاحبها، أو عرض واجب لم يخش فوته لكنه قد تضيق وجد به بمعنى أنه لا يجوز تأخيره عن تلك الحال وهى أى الصلاة التى قد دخل فيها موسعة بمعنى انه لما يتضيق وجوبها.
مثال ذلك أن تدخل فى الصلاة فى أول الوقت فلما أحرمت أتى غريمك بالدين أو من له عندك وديعة فطالبك بهما وحرج عليك فى التأخير حتى يتم الصلاة فانه حينئذ يجب الخروج من الصلاة عندنا.
فان لم يخرج فسدت الصلاة عندنا.
فأما لو كانت الصلاة قد تضيق وقتها فانه لا يجب الخروج بل يلزم الاتمام.
نعم وقال فى الكافى كلاما معناه أن من خالف فى صحة الصلاة فى الدار المغصوبة يخالف فى صحة الصلاة هنا لو لم يخرج.
قال مولانا المهدى عليه السلام الا أن لأبى طالب يحيى بن الحسين الهارونى احتمالا يقتضى أنها لا تفسد هنا لأن الصلاة ليست مانعة من الواجب لأنه يمكن الامتناع من دونها بخلاف الدار المغصوبة فلا احتمال لأن الصلاة فيها بنفسها معصية.
قال على خليل وتحقيق ذلك أنه قال ما معناه أو اذا عرض للمصلى واجب لم ينضيق لكنه أهم من الصلاة.
ولو كان لا يخشى فوته اذا صلى فانه يجب تقديمه على الصلاة ولو كانا جميعا موسعين اذا عرض هذا الواجب الأهم قبل الدخول فى الصلاة فقدم فعل الصلاة على ذلك الواجب لم تنعقد.
(1)
المحلى ج 6 ص 159 وما بعدها.
(2)
ج 1 ص 277 وهامشه، ص 278 - 279 من كتاب «شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله ابن مفتاح فى كتاب اسقله الحواشى الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
أما بعد الدخول فى الصلاة فلا يجب الخروج اتفاقا.
قال مولانا المهدى عليه السلام ومثال ذلك يصعب تحقيقه.
وقد مثله بعض المذاكرين بما لو أخذ ثوب انسان ولو هازلا وعرف أن الأخذ لا يتلفه فى الحال وهذا فيه نظر لأن نفس القبض قبيح فهو مضيق.
قال ولعل الأقرب فى مثاله أن يكون للمصلى جدار متصدع قد وجب عليه اصلاحه لتجويز أضراره لكنه يظن أنه لا يحصل به أضرار قبل فراغه فوجوب اصلاحه حينئذ موسع كالصلاة لكن اصلاحه أهم لكونه حقا للغير ودفع أضرار يجوز.
قال والصحيح أنه لا يجب تقديم الانكار على الصلاة حيث المنكر لا يخشى وقوعه لأنهما واجبان لم يتضيق أحدهما فلا ترجيح لأحدهما على الآخر.
ثانيا: حكم أغاثة خطيب الجمعة
لغيره أثناء الخطبة:
جاء فى نيل الأوطار
(1)
: ونقل صاحب المغنى الاتفاق على أن الكلام الذى يجوز فى الصلاة يجوز فى الخطبة كتحذير الضرير من البئر ونحوه.
ثالثا - حكم الاغاثة فى أثناء الحرب
جاء فى التاج المذهب
(2)
: أن من فر من معسكر الامام عند لقاء عدوه يفسق الا أن يكون قراره متحرفا لقتال، أو كان ذلك الفار متحيزا الى فئة يعنى الا أن يكون الفار يأوى بنفسه الى ما يمنعه من عدوه وهى الفئة فلا يفسق وتلك الفئة أما أن تكون ردأ وهو المركز الذى يتركه الزاحفون على العدو ردأ أو وراء ظهورهم أو منعة يأوى اليهم الفار أى مكانا متحصنا يمنعه من عدوه اذاكر عليه فاذا انصرف من عدوه الى فيه يمنعه أو فار لخشية استئصال بالسرية أو أكثرها قتلا أو أسرا جاز له الفرار ولو الى غير فئة.
رابعا - حكم الاغاثة من قاطع الطريق:
جاء فى البحر الزخار
(3)
لو هجم نفر على قافلة تستقل بدفعهم من غير ضرر فاستسلمت أو هربت فهى مضيعة، فلم يكونوا محاربين، اذ الاضاعة حصلت من القافلة.
فان هربوا خوفا على أنفسهم لكثرة النفر أو نجدته، أو قاوموا ثم انفزعوا من غير ظفر كان النفر محاربا لشوكته وعدم الغوث.
وقاطع الطريق فى المصر أو القرية ليس محاربا للحوق الغوث بل مختلسا، أو طرارا، أو منتهبا يعزر فقط.
خامسا - حكم الاغاثة فى حالة البغى والظلم:
جاء فى التاج المذهب
(4)
أن من له جار يؤذيه جاز له رفعه الى سلطان ظالم أى من له سلطة عليه كائنا من كان يدفع عنه أذيته وضرره فان كان يعرف ان من له السلطة عليه يفعل به فوق ما يجب عليه شرعا لم يجز له رفعه اليه.
ويجب أيضا اعانة الأقل ظلما من الظالمين على ازالة الأكثر ظلما حيث قصد ازالة المنكر
(1)
نيل الأوطار للشوكانى ج 3 ص 291.
(2)
التاج المذهب ج 4 ص 429 للعلامة أحمد بن قاسم الصنعانى.
(3)
التاج البحر الزخار ج 5 ص 198 طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ - 1948 م.
(4)
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 487 - 479 وما بعدها طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية لعيسى البابى الحلبى وشركاه الطبعة الأولى سنة 1366 هـ - 1947 م.
لا أن قصد اعانة من ظلمهم ونصرته. وسواء كان أقل من الآخر أو مثله أو أكثر مهما وقف على الرأى أى على رأى المعينين له من المسلمين ولم يؤد ذلك الى قوة ظلمه بأن يستظهر على الرعية بتلك الاعانة ويمتد يده فى قبض ما لا يستحقه من الواجبات
(1)
.
سادسا: هل يضمن المغيث غيره:
جاء فى التاج
(2)
: ان جناية المباشر مضمون على فاعله وأن لم يتعد فيه يعنى فى فعله فيضمن المباشر غريقا امسكه يريد انقاذه فثقل عليه وخشى أن تم الامساك أن يتلفا معا فأرسله من يده لخشية تلفهما معا وأن كان فى الأصل محسنا بارادة انقاذه ولما خشى على نفسه أرسله فى الماء حتى مات فانه مباشر فى هذه الجناية ولا يجوز له أن يستفدى نفسه بقتل غيره ولهذا وجب الضمان للغريق وفى الحاشية ذكر أن الضمان بالقود مطلق عما يفهم منه أن هذا هو المذهب عندهم مع أنه جاء فى التعليق على شرح الأزهار أن هذا قول فقيه منهم والآخرون على عدم القود وأنه يجب الضمان فقط أى الدية.
وذلك للمرسل له وسواء أرسله بعد أن خرج رأسه من الماء أم قبل ذلك وان عفا عنه سلم الدية من ماله أو هو مباشر فان كان الغريق هو الممسك واستفدى نفسه بالارسال فلا ضمان فان هلك الممسك بفتح السين بامساك الغريق ضمنه من ماله فان هلك الممسك ونجا الغريق قتل به.
وجاء فى حواشى شرح الأزهار
(1)
تعليقا على القول بالضمان فقال: أطلق الفقيه حسن فى تذكرته وجوب الضمان ولم يذكر القود وفى الحفيظ يجب القود.
وقال الفقيه يوسف بل يكون خطأ.
وهل يجوز الارسال أم لا.
قيل يجوز ارساله وضمن لأنه صار هالكا بكل حال فجاز له الارسال لئلا يهلكا جميعا.
وقيل لا يجوز كالمكره على قتل الغير والاكراه على قتل الغير لا يبيحه قط ويلزم القصاص وذلك يدل عليه كلامه فى شرح الابانة فيمن استفداه بقتل غيره ظلما وكما لو قصد السبع رجلين فدفع أحدهما صاحبه حتى افترسه فانه يلزم القصاص لأنه ألقى به على نفسه قال صاحب الأثمار يجوز الارسال لخشية تلفهما بل لا يبعد وجوبهما ولا ضمان مطلقا لأن الامساك لم يكن منجيا فان كان الغريق هو الممسك فلا ضمان مطلقا فان هلك الممسك بفتح السين بامساك الممسك الذى هو الغريق ضمنه من ماله فان هلك الممسك ونجى الغريق قتل به وهو المختار لديهم
(3)
.
سابعا - وحكم الاغاثة فى حالة الاضطرار:
قال فى البحر الزخار
(4)
أن علينا سد رمق المضطر، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «أيما رجل مات جوعا فى محلة قوم سألهم الله بدمه يوم القيامة» وكتنقيذ من حرق أو غرق، فان وجد العوض لم يجب الا ببذله الا أن يضعف المضطر من مناولته وجب ويرجع فان امتنع
(1)
التاج المذهب لأحكام المذهب شرح فى فقه الأئمة الأطهار للقاضى العلامة أحمد بن قاسم العنسى اليمانى الصنعانى ج 4 ص 487 و 479 وما ما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية لقيس البابى الحلبى وشركاه الطبعة الأولى سنة 1366 هـ - 1947 م.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 299 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
هوامش شرح الأزهار أسفل كتاب شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدراز فى فقه الأئمة الأطراف أبى الحسن عبد الله مفتاح ج 4 ص 419 وما بعدها طبع طبعة حجازى باقاهرة سنة 1357 هـ.
(4)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأحياء للامام أحمد بن يحيى بن المرتضى فى كتاب على هامشه كتاب جواهر الأخبار والآثار للعلامة محمد بن يحيى بهران الصعدى مع تعليقات القاضى عبد الله بن عبد الكريم الجرافى ج 4 ص 332 وما بعدها الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ - 1948 م.
فللمضطر اكراهه، ولو بمقاتلته فان قتله المضطر فهدر كالمدافع.
وفى العكس القصاص.
وعلى المضطر التزام العوض ان طلب.
فان طلب من المضطر أكثر من ثمن المثل فله المخادعة فى أخذه بلا عقد، أو يعقد عقدا باطلا.
فان عقد عقدا صحيحا فوجهان.
عند الامام يحيى أصحهما يلزم.
وقيل لا كالمكره وعليه العوض.
مذهب الإمامية:
أولا - حكم إغاثة المصلى لغيره وهو فى الصلاة:
جاء فى مصباح الفقيه
(1)
: انه يجوز للمصلى أن يقطع صلاته اذا خاف تلف مال أو فوات غريم أو تردى طفل أو ما شابه ذلك من مواقع الضرورة العرفية دينية كانت أو دنيوية بل قد يجب القطع فى مثل هذه الموارد اذا بلغ خوفه الى مرتبة الظن وكان ما يخاف منه مما يجب حفظه كانقاذ نفس محترمة من الغرق والحرق ونحوه.
وأما اذا لم يصل خوفه الى هذا الحد أو كان مما يخاف منه مما لا يجب عليه شرعا التحرز من ضرره كفوات غريم ونحوه لم يجب القطع بل يجوز كما نبه عليه الشهيدان حيث قسما قطع الصلاة الى الأقسام الخمسة.
فعن الذكرى أنه بعد أن حكم بتحريم القطع الا فى مواضع الضرورة قال وقد يجب القطع كما فى حفظ الصبى والمال المحترم من التلف وانقاذ الغريق والمحترق وحيث يتعين عليه فلو استمر بطلت صلاته للنهى المفسد للعبادة.
وقد لا يجب بل يباح كقتل الحية التى لا يغلب على الظن اذاها واحراز المال الذى لا يضر فوته.
وقد يستحب كالقطع لاستدراك الاذان والاقامة وقراءة الجمعة والمنافقين فى الظهر والجمعة والائتمام بامام الأصل وغيره.
وقد يكره كاحراز المال اليسير الذى لا يبالى بفواته مع احتمال التحريم.
وفى المسالك قال فى شرح العبارة المراد بالجواز هنا معنا الأعم.
ثم قال فان قطعها لحفظ الصبى المتردى اذا كان محترما واجب وكذا حفظ المال المضر فوته بحالة وقطعها لاحراز المال اليسير الذى لا يضر فوته مباح ولاحراز المال اليسير الذى لا يبالى بفواته كالحة والحبتين من الحنطة مكروه الى أن قال وقد يستحب قطعها لأمور تقدم بعضها كناسى الآذان والاقامة.
وأما أنه مأمور بقطع الصلاة فلقوله فى صحيحة حريز ما رواه الصدوق فى الصحيح عن حريز ابن عبد الله عن أبى عبد الله عليه السلام قال: اذا كنت فى صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تتخوفها على نفسك فاقطع الصلاة وابتغ غلامك أو غريمك واقتل الحية.
وموثقة سماعة قال: سألته عن الرجل يكون قائما فى صلاة الفريضة فينسى كيسه أو متاعا يتخوف ضياعه أو هلاكه قال يقطع صلاته ويحرز متاعه ثم يستقبل القبلة.
قلت فيكون فى الصلاة الفريضة فتفلت عليه دابة أو تفلت دابته فيخاف أن تذهب أو يصيب منها عنتا فقال لا بأس بأن يقطع صلاته ويتحرز ويعود الى صلاته.
(1)
صباح الفقيه ج 2 ص 427 - 428 وشرائع الاسلام فى مسائل الحلال والحرام للمحقق الحلبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن.
وجاء فى العروة الوثقى
(1)
: انه يجوز قطع الفريضة لحفظ مال ولدفع ضرر مالى أو بدنى كالقطع لأخذ العبد من الا باق أو الغريم من الفرار أو الدابة من الشراء ونحو ذلك.
وقد يجب كما اذا توقف حفظ نفسه أو حفظ نفس محترمة أو حفظ مال يجب حفظه شرعا عليه.
وقد يستحب كما اذا توقف حفظ مال مستحب الحفظ عليه وكقطعها عند نسيان الآذان والاقامة اذا تذكر قبل الركوع.
وقد يجوز كدفع الضرر المالى الذى لا يضره تلفه ولا يبعد كراهته لدفع ضرر مالى يسير.
وجاء فى تذكرة الفقهاء
(2)
.
انه يحرم قطع الصلاة لغير حاجة لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تُبْطِلُوا 3 أَعْمالَكُمْ» .
ويجوز للحاجة كما لو رأى دابة له انفلتت أو غريما يخاف فوته أو ما لا يخاف ضياعه أو غريقا يخاف هلاكه أو طفلا خاف سقوطه لئلا يلحقه الضرر وهو منفى ولقول الصادق عليه السلام اذا كنت فى صلاة الفريضة فرأيت غلاما لك قد أبق أو غريما لك عليه مال أو حية تخافها على نفسك فاقطع الصلاة واتبع الغلام أو الغريم وأقتل الحية.
ثانيا - حكم الاغاثة فى أثناء الحرب:
جاء فى شرائع الاسلام
(4)
: أنه يجب التربص اذا كثر العدو وقل المسلمون حتى تحصل الكثرة للمقاومة ثم يجب المبادرة.
ولا يبدأون الا بعد الدعاء الى محاسن الاسلام ويكون الداعى الامام أو من نصبه.
ويسقط اعتبار الدعوى فيمن عرفها.
ولا يجوز الفرار اذا كان العدو على الضعف من المسلمين أو أقل الا لمتحرف كمطالب.
السعة أو موارد المياه أو استدبار الشمس أو تسوية لأمته أو المتحيز الى فئة قليلة كانت أو كثيرة.
ولو غلب عنده الهلاك لم يجز الفرار.
وقيل يجوز الفرار لقول الله تبارك وتعالى:
«وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ» .
والأول أظهر لقول الله عز وجل «إِذا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا 5}.
واذا كان المسلمون أقل من ذلك لم يجب الثبات.
ولو غلب على الظن السلامة استحب.
وان غلب العطب قيل يجب الانصراف.
وقيل يستحب وهو أشبه.
وجاء فى تذكرة الفقهاء
(6)
: ان للمقاتل أن يترك القتال الا بنية الهرب بل يتحرف للقتال، قال الله تبارك وتعالى «إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ» .
والمتحرف للقتال هو الذى ينصرف ليكمن فى موضع ثم يهجم أن يكون فى موضع ضيق
(7)
فيتحرف حتى يتبعه العدو الى موضع واسع ليسهل القتال فيه أو يرى الصواب فى التحول
(1)
تذكرة الفقهاء ج 1 ص 133.
(2)
تذكرة الفقهاء ج 1 ص 133.
(3)
الآية رقم 33 من سورة محمد.
(4)
شرائع الاسلام ج 1 ص 147 وتذكرة الفقهاء ج 1 ص 411.
(5)
الآية رقم 45 من سورة الأنفال.
ص 219.
(6)
تذكرة الفقهاء ج 1 ص 411 والروضة البهية ج 1 ص 211.
(7)
الخلاف فى الفقه ج 2 ص 480.
من الواسع الى الضيق أو لينحرف عن مقابلة الشمس أو الريح أو يرتفع عن هابط أو يمضى الى موارد المياه من المواضع المعطشة أو ليستند الى جبل وشبهه.
وان يتحيز الى فئة وهو الذى ينصرف على قصد أن يذهب الى طائفة ليستنجد بها فى القتال.
ولا فرق بين أن تكون الطائفة قليلة أو كثيرة للعموم.
ولا بين أن تكون المسافة قصيرة أو طويلة.
وانه يجب أن تكون المسافة قصيرة ليتصور الاستنجاد بها فى هذا القتال واتمامه.
وقال بعض انما يجوز التحيز الى فئة اذا استشعر المتحيز عجزا محوجا الى الاستنجاد لضعف جند الاسلام فان لم يكن كذلك فلا والعموم يخالفه.
ثالثا - حكم الاغاثة من قاطع
الطريق ونحوه:
جاء فى الخلاف
(1)
: ان حكم قطاع الطريق فى البلد والبادية سواء مثل أن يحاصروا قرية ويفتحوها ويغلبوا أهليها ويفعلوا مثل هذا فى بلد صغير أو طرف من أطراف البلد أو كان بهم كثرة فأحطوا ببلد كبير واستولوا عليهم الحكم فيهم واحد.
وهكذا القول فى دعار البلد اذا استلوا على أهله وأخذوا مالهم على صفة لا غوث لهم الباب واحد.
دليلنا اجماع الفرقة وأخبارهم.
وأيضا قول الله تبارك وتعالى «إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ» الى آخر الآية، ولم يفصل بين أن يكونوا فى البلد وغير البلد.
رابعا - حكم أغاثه المحتاج:
جاء فى مفتاح الكرامة
(2)
: أن من اضطر الى طعام الغير يعنى لحفظ نفسه لم يجب على الغير اعطاؤه لأن الأصل براءة الذمة وايجاب ذلك يحتاج الى دليل.
وفى التحرير والكتاب لو امتنع المالك من بذله بالأكثر من ثمنه حل للمضطر قتاله وكان دم المالك هدرا ودم المضطر مضمونا.
ونحو ذلك ما فى المبسوط من أن المضطر أولى من المالك بطعامه وحكى ذلك عن غير المبسوط.
وظاهرهم فى باب اللقطة الأطباق على ذلك ولا دليل لهم الا قوله صلى الله عليه وآله وسلم من أعان على قتل مسلم ولو بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله تعالى.
ولعل التفصيل بالطلب وعدمه أولى.
واذا قصر من لزمه الالقاء فعليه الاثم دون الضمان كما لو لم يطعم صاحب الطعام المضطر حتى هلك اذا لم يطلب المضطر منه.
وكذا كل من رأى انسانا فى مهلكة فلم ينجه منها مع قدرته على ذلك لم يلزمه ضمانه.
نعم لو اضطر الى طعام غيره أو شرابه فطلب منه فمنعه اياه مع غنائه فى تلك الحال فمات ضمن المطلوب منه لأنه باضطراره اليه صار أحق من المالك.
ولو أخذه قهرا فمنعه اياه عند طلبه سبب لهلاكه كما نص عليه فى التحرير.
(1)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 449.
(2)
مفتاح الكرامة ج 5 ص 449.
وجاء فى موضع آخر
(1)
انه اذا أشرفت السفينة على الغرق جاز القاء بعض أمتعتها فى البحر.
وقد يجب رجاء نجاة الراكبين اذا خيف عليهم فيجب القاء ما لا روح له وان علت قيمته لنجاة ذى الروح.
ولا يجب القاء الحيوان اذا حصل الغرض بغيره.
واذا مست الحاجة الى القاء الحيوان قدمت الدواب لبقاء بنى آدم.
ولا فرق بين العبيد والأحرار فلا يقدم العبد على الحر.
ولعلهم يريدون ببنى آدم ما كان معصوم الدم كالمسلم والذمى والمعاهد لا المرتد والزانى المحصن والحربى واللائط فهذه تقدم على الدواب الا الكلب المعقور والخنزير والفواسق الخمس فانه يتخير كما نبهوا على ذلك.
وقال المحقق الثانى اذا قطع بغرق السفينة وهلاك بعض أهلها وبسلامتها لو ألقى المال فى البحر ففى وجوب الالقاء لانقاذ الغير من الهلاك أشكال.
خامسا - حكم الاغاثة فى حال البغى:
جاء فى الخلاف
(2)
: أنه يجوز للامام أن يستعين بأهل الذمة على قتال أهل البغى.
ودليلنا أن بينا أنهم كفار واذا كانوا كفارا فلا خلاف أنه يجوز أن يستعين بأهل الذمة عليهم ولأن الأصل جواز ذلك والمنع يحتاج الى دليل.
ثم قال
(3)
: اذا قصد رجل رجلا يريد نفسه أو ماله جاز له الدفع عن نفسه وعن ماله وأن أتى على نفسه أو نفس طالبه ويجب عليه أن يدفع عن نفسه اذا طلب قتله ولا يجوز أن يستسلم مع القدرة على الدفع.
دليلنا قول الله تبارك وتعالى: «وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ 4 إِلَى التَّهْلُكَةِ» .
وأيضا معلوم بأوائل العقول وجوب دفع المضار عن النفس فمن لم يدفعها عنها مع القدرة استحق الذم.
مذهب الإباضية:
حكم أغاثة المصلى لغيره وهو فى الصلاة:
جاء فى الايضاح
(5)
: أنه اذا رأى الرجل ما يخاف فساده من جميع الأموال والأنفس فانه يشتغل به ويصلحه اذ أصلاحه أوجب من الصلاة ويبنى على صلاته سواء كان المال له أو لغيره وسواء خاف الضمان أولا.
وهذا مخالف لكلام الشيخ أبى نصر رحمه الله تعالى.
وعبارة الديوان تشهد للمصنف رحمه الله تعالى ونصها واذا كان الرجل فى الصلاة فانه يصلح الفساد اذا رأى ما يضر بالأنفس والأموال أو رأى غنما تفسد أموال الناس فليطردها عن أموال الناس ويبنى على صلاته.
وأن رأى ماشية غيره تفسد ماله أو رأى ماله يفسد ماله فانه يعمل ما شاء.
ومنهم من يقول أن أصلح ماله فى الصلاة أعاد.
(1)
مفتاح الكرامة فى شرح قواعد العلامة ج 5 ص 449 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الخلاف ج 2 ص 429 وما بعدها.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 431.
(4)
الآية 115 من سورة البقرة.
(5)
الايضاح ج 1 ص 563 - 564.
ومنهم من يقول يصلح الفساد ويبنى.
وأما ان كان فى يده مال غيره فرأى ما يفسده فانه يصلحه على كل حال فان لم يصلح ضمن.
وفى صلاته قولان البناء والاستئناف.
ويمكن حمل المال على مال الغير ليوافق كلام الديوان.
قال فى الديوان وأما ان كان ميتا فخاف فساده وهو فى الصلاة فانه يشتغل به ويبنى على صلاته وان لم يخف فساده فليمض على صلاته حتى يفرغ منها ثم يرجع الى الميت.
وان خاف فوات الصلاة ولم يأخذ فيها فليختصر فى صلاته مقدار ما يبلغ فيه الميت قبل أن يفسد فان لم يمكن ذلك الا بالتوقى فليفعل.
فان لم يمكنه الا بالتكبير فليفعل بالتكبير ثم يرجع الى الميت.
وان أمكنه أن يشتغل بأمر الميت مع اشتغاله بأمر الصلاة فليفعل.
فان فسد الميت بعد ذلك فلا شئ عليه.
وكذلك ان خاف الفوت للوقت والفساد فى جميع الأنفس فانه يختصر فى صلاته كما ذكرنا أولا فى الميت.
وظاهر أنه خاص بالأموات والأنفس لكن ذكر بعد هذا ما يؤخذ منه أن الحكم عام فى كل فساد.
حكم الاغاثة من قاطع الطريق ونحوه:
جاء فى النيل
(1)
ويثبت البغى فى نفس أو مال أو فرج انسان أو فرج دابة وفى كل فاحشة كزنى فى غير فرج ونظر وقبلة ولمس وان مع رجال رجل مع آخر أو نساء امرأة مع امرأة أو امرأة مع طفل أو مجنونة أو نائمة أو سكرى ويدفع قاصدا بها أى قاصدا حدا أو شيئا لأجلها ولو عن الغير ولو لم يستغث به ذلك الغير ولا استغاثة له غيره ولا أن ترك المال وكره رده ونزعه ودفع الباقى.
وان رضى الفاحشة والضر فى النفس فهما معا باغيان يوصلهما بغيهما الى أن يحدهما الامام أو نحوه أو يؤدبهما حيث لا جلد ولا رجم.
وفى النيل
(2)
وجاز دخول بيت بدون استئذان لتنجيه وان المال ينجى فى البيت أو ينجى من خارج البيت ولو كان المال لغيره.
قال بعضهم بيت أن سرق أو احترق أو هدم أو فيه مصيبة أو مستغيث بغير استئذان ويدخل على امرأة يضربها زوجها ان استغاثت بالله وبالمسلمين لا أن صرخت بغير استغاثة.
واختلف فيما اذا خاف تلف ماله.
وقيل يدخل على ضارب أهله جزافا بلا اذن.
ثم ظهر لى أنه الا ذلك كله أن يستأذن ويدخل بدون انتظار الاذن.
حكم اغاثة المحتاج:
جاء فى النيل
(3)
وجاز لخائف من موت: أو ذهاب عضو من أعضائه بجوع أو عطش تنجية نفس وان برمضان أى فى رمضان فى حضر بأكل حلال أو شرب حلال ولا سيما فى صوم غير رمضان أو بأكل أو شرب محرم وان فى رمضان فى حضر كلحم ميتة ولبنها ودمها ولحم خنزير.
(1)
ج 7 ص 431 من كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.
(2)
النيل ج 2 ص 796 فى كتاب بهامشه متن النيل الطبعة السابقة.
(3)
انظر ج 9 ص 205 - 206 من كتاب شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش طبعة البارونى.
قيل أو بخمر.
قيل ومن جاع بالفعل حتى خاف الموت أخذ من مال الناس ما ينجى به نفسه واذا وجد ضمنه لصاحبه.
قلت لا ضمان لأن على صاحب المال أن ينجيه لو حضر.
وفى الضياء من أخذه الجبار بمال فدى نفسه بوديعته أن لم يجد ماله ويضمن وليس عليه أن يقاتل اذا كان معه أنه يقتل.
وانما يجوز له القتال على ماله أو الوديعة اذا كان بين الرجاء والخوف.
وان لم يجد الا مالا لغيره فله أن يخلص نفسه لأن على صاحب هذا المال أن يخلصه من القتل أن قدر.
وأيضا لا خلاف بين أهل العلم أن رجلا لو كان فى سفر أو حضر وعدم الطعام وخاف الهلاك ولم يجد الا مال رجل مسلم أنه يأكله بغير رأيه ويضمن ويحى نفسه من الموت.
قلت بل فيه قول انه يموت ولا يأكل منه.
قال اذا كان بالاجماع يجوز له تنجية نفسه بالأكل من مال غيره كان جائزا تنجية نفسه به من القتل.
واذا وجد الميتة ومال غيره فانه ينجى بمال غيره نفسه بما يقوته ويضمن وهذا قول الأكثر.
وقال غيرهم يأكل لحم الميتة ويقدم الميتة فالدم فلحم الخنزير.
وقيل لحم الخنزير بأن يذبحه فالدم فالميتة.
وقيل ينجى نفسه بما شاء.
ومن مات جوعا فى رمضان وقد وجد ما يأكل أو مات وترك الميتة أو الدم أو لحم الخنزير ففى النار.
وقد اختلف فى التنجية بمال غيره.
فقيل بموت ولا ينجى نفسه به الا أن أشهد الناس عليه.
وقيل ينجى نفسه به ويجهد نفسه فى الايصاء به ما استطاع.
وقيل لا يلزمه أيصاء وأن ذلك حق له على صاحب المال وهذا مع غرابته حسن اذا أعتقد أن يتخلص منه ان استطاع.
إغتسال
التعريف اللغوى:
غسل الشئ يغسله غسلا وغسلا، وقيل الغسل المصدر من غسلت والغسل بالضم الاسم من الاغتسال وهو تمام غسل الجسد كله، والغسول، الماء الذى يغتسل به، وفى التنزيل العزيز «هذا مُغْتَسَلٌ بارِدٌ وَشَرابٌ 1» الآية وفى الحديث «وضعت له غسله من الجنابة» قال ابن الأسير. الغسل بالضم الماء القليل الذى يغتسل به
(2)
،
التعريف الاصطلاحى:
وهو عند الفقهاء على ما يلى:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: يراد به غسل جميع البدن ظاهرا وباطنا من غير حرج بالماء
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: هو ايصال الماء لجميع الجسد بنية فرض الغسل أو رفع الحدث أو استباحة ممنوع بدون الطهارة مع الدلك
(4)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: هو سيلان الماء على جميع البدن بالنية
(5)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: هو استعمال ماء طهور فى جميع بدنه على وجه مخصوص
(6)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: هو امساس الماء البشرة بالقصد الى تأدية ما افترض الله تعالى من ذلك
(7)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: هو افاضة الماء من قمة الرأس الى قرار القدم مقرونا بالدلك مع النية فى أوله
(8)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: غسل الجسد من لدن القرن الى القدم أو هو افاضة الماء على الرأس والجسد أو بالارتماس على القول بصحته
(9)
.
(1)
الآية رقم 42 من سورة ص.
(2)
لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ج 46 ص 494 «مادة غسل» طبع بيروت 1374 هـ، وترتيب القاموس المحيط للزواوى ج 3 ص 345 الطبعة الأولى سنة 1959 م «مادة غسل» .
(3)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 34 الطبعة الأولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة شركة المطبوعات العالمية بمصر.
(4)
بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 59 وحاشية الصاوى عليه طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر وشرح الخرشى على مختصر خليل مع حاشية العذوى ج 1 ص 161 الطبعة الثانية سنة 1317 هـ طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر.
(5)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى مع حاشية الشبراملسى عليه ج 1 ص 194 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ.
(6)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى مع هامش شرح المنتهى ج 1 ص 103 الطبعة الأولى 1319 هـ طبع المطبعة العامرة الشرقية.
(7)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 2 ص 25 مسألة رقم 182 الطبعة الأولى 1348 هـ ادارة الطباعة المنيرية طبع مطبعة النهضة بمصر.
(8)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار وحاشيته، لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 104 الطبعة الثانية 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بمصر.
(9)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن بن النجفى الطبعة السادسة سنة 1378 هـ طبع مطبعة النجف.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: أنه تعميم الغسل مع الدلك وايصال الماء الى سائر أجزاء البدن
(1)
.
مقدار الماء الذى يغتسل به:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: جاء فى بدائع الصنائع ذكر فى ظاهر الرواية قال: أوفى ما يكفى فى الغسل من الماء صاع لما روى عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فقيل له: وان لم يكفنا؟ فغضب وقال لقد كفى من هو خير منكم وأكثر شعرا.
ثم ان محمدا رحمه الله ذكر الصاع فى الغسل مطلقا عن الأحوال، ولم يفسره.
وقال: بعض مشايخنا. هذا التقدير فى الغسل اذا لم يجمع بين الوضوء والغسل فأما اذا جمع بينهما فيحتاج الى عشرة أرطال، رطلان للوضوء، وثمانية أرطال للغسل.
وقال عامة المشايخ: الصاع كاف لهما.
ثم قال: ثم هذا التقدير الذى ذكره محمد رحمه الله عن الصاع فى الغسل ليس بتقدير لازم، بحيث لا يجوز النقصان عنه أو الزيادة عليه بل هو بيان قدر أدنى الكفاية عادة حتى أن من أسبغ الغسل بدون ذلك أجزأه وان لم يكفه زاد عليه، لأن طباع الناس وأحوالهم تختلف.
والدليل على ذلك ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم. كان يتوضأ بثلى مد.
لكن ينبغى أن يزيد عليه بقدر ما لا اسراف فيه، لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. مر على سعد بن أبى وقاص وهو يتوضأ، ويصب صبا فاحشا، فقال: اياك والسرف، فقال: أو فى الوضوء سرف؟ قال: نعم، ولو كنت على ضفة نهر جار «وفى رواية» ولو كنت على شط بحر
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: القليل هو ما كان كآنية المغتسل كالصاع والصاعين، والكثير ما زاد على ذلك.
وفى الخرشى: اختلف فى حد القليل من الماء فقيل لم يكن له حد، بل بمقدار العادة.
وفى البرزلى فى مسائل الطهارة: مما رويناه عن النووى: الاجماع على أنه لا يجوز السرف فى الطهارة ولو كان على ضفة نهر وهو معنى ما فى الرسالة، والسرف منه غلو وبدعة، وكل هذا فى حق غير ذى الوسواس. أما الموسوس.
فيغتفر فى حقه
(3)
.
مذهب الشافعية:
قال: يسن أن لا ينقص ماء الوضوء فيمن اعتدل جسده عن مد تقريبا، وهو رطل وثلث بغدادى، والغسل عن صاع تقريبا. وهو أربعة أمداد لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يوضئه المد ويغسله الصاع، أما من لم يعتدل جسده فيعتبر بالنسبة الى جسده صلى الله عليه وسلم زيادة ونقصا كما قاله ابن عبد السلام، ولا حد له أى لماء الغسل والوضوء، فلو نقص عن ذلك مع الاسباغ كفى، وقد نقل عن امامنا -
(1)
كتاب الوضع مختصر فى الأصول والفقه للامام أبى زكريا الجناوى ج 2 ص 49 الطبعة الأولى طبع مطبعة الفجالة الجديدة بمصر.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 35 الطبعة السابقة.
(3)
بلغة السالك لاقرب المسالك للدردير ج 1 ص 16 الطبعة السابقة، وشرح الخرشى على مختصر خليل ج 1 ص 66 الطبعة السابقة، ومواهب الجليل وبهامشه التاج والأكليل لمختصر خليل المعروف بالحطاب ج 1 ص 316 الطبعة الأولى سنة 1328 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.
رضى الله عنه - أنه قال: قد يرفق الفقية بالقليل فيكفيه ويخرق الأخرق بالكثير فلا يكيفيه، ويستحب الاقتصار على المد والصاع لأن الرفق محبوب
(1)
فان أسبغ بما دون ذلك أجزأه لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم. توضأ بما لا يبل الثرى
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يسن أن يغتسل بصاع وهو أربعة أمداد لما روى أنس أن النبى صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع فان اغتسل بدون صاع أجزأه ذلك «المد رطل وأوقيتان وسبعة أوقية مصرى وما وافقه فيكون الصاع خمسة أرطال مصرية تقريبا أو ما وافقها فى غير مصر» لأن الله تعالى أمر بالغسل.
ومن اغتسل فقد فعل ما أمر به ولم يكره لحديث عائشة قالت: كنت أغتسل أنا والنبى صلى الله عليه وسلم من اناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك
(3)
.
وجاء فى المحرر
(4)
- السنة ألا يغتسل بدون الصاع.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: يكره الاكثار من الماء فى الغسل .. عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبى بكر - وكان تحت المنذر بن الزبير - قالت ان عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها أخبرتها أنها كانت تغتسل هى ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى اناء واحد يسع ثلاثة أمداد أو قريبا من ذلك:
وقد جاءت آثار أنه عليه السلام توضأ بمكوك واغتسل بخمس مكاكى
(5)
، وأنه عليه الصلاة والسلام كان يتوضأ من أناء فيه مد وربع، وكل هذا صحيح لا يختلف، وانما هو ما أجزأ فقط
(6)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: قدر - الاغتسال - بصاع للرجل، وبصاع ونصف للمرأة لما حدث به زيد بن على عن أبيه عن جده عن على عليهم السلام قال: كنا نؤمر فى الغسل للجنابة، للرجل بصاع، وللمرأة بصاع ونصف
(7)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: يستحب أن يكن الغسل بصاع ولذا وجب حمل قول أبى جعفر عليه السلام فى صحيح زرارة أن من انفرد بالغسل وحده فلا بد له من صاع - على الاستحباب لا على الوجوب - ودليل اسحباب الغسل بصاع ما روى عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم. أنه يغتسل بصاع، واذا كان معه بعض نسائه يغتسل بصاع ومد
(8)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: فى حاشية الامام الشيخ عبد الله ابن سعيد على كتاب الايضاح: قال بعض العلماء لا يجزئ فى الوضوء أقل من المد ولا فى الغسل أقل من الصاع.
(1)
نهاية المحتاج للرملى ج 1 ص 212 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 31 طبع مطبعة عيسى البابلى الحلبى وشركاه بمصر.
(3)
كشاف القناع ج 1 ص 161 الطبعة السابقة.
(4)
المحرر فى الفقه للامام مجد الدين أبى البركات ج 1 ص 21 طبع مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ.
(5)
المكوك - كتنور - طاسى يشرب به، ومكيال يسع صاعا ونصفا أو نصف رطل الى ثمان أو أكثر، والجمع مكاكيك ومكاكى .. ورد هذا فى ترتيب القاموس المحيط ج 4 ص 243 «مادة مكى» .
(6)
المحلى لابن حزم ج 2 ص 72 وما بعدها المسألة رقم 208 الطبعة السابقة.
(7)
كتاب الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير لشرف الدين الحسين الصنعانى ج 1 ص 258 الطبعة الأولى سنة 1347 هـ طبع مطبعة السعادة بمصر.
(8)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام ج 3 ص 119 الطبعة السابقة.
واحتجوا بما روى أنه صلى الله عليه وسلم «يغتسل بالصاع ويتوضأ بالمد» .
واختلفوا فى مقدار المد والصاع.
قال بعضهم الصاع ثمانية أرطال والمد رطلان، ولعلهم ذهبوا الى ما روى أنه صلى الله عليه وسلم يغتسل بالصاع.
وروى عن عائشة رضى الله عنها أنها أخذت عسيا - العس - القدح الكبير يحتزر قدر ثمانية أرطال فقالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل بمثل هذا فتوهموا أن الصاع ثمانية أرطال.
وقال آخرون ان الصاع خمسة أرطال وثلث وهو الصحيح عندى.
وقال آخرون ان عم جسده بالغسل فقد عمل ما أمر به ولو بأقل من المد والصاع ودليلهم ما روى من طريق عائشة رضى الله عنها أنها قالت اغتسلت أنا والنبى صلى الله عليه وسلم بصاع ونصف يقول: أبقى لى وأقول أبقى لى.
وهذا الحديث يدل على أن الصاع والمد ليسا بحتم فى الغسل والوضوء لأن المغتسلين من اناء واحد لا بد أن يفضل أحدهما الآخر بشئ ولأن المسح يسمى غسلا لما روى أنه اغتسل من جنابة فرأى فى بدنه لمعة لم يصبها الماء فعقر جمته - الجمة من شعر الرأس ما سقط على المنكبين ثم مسحها بما قطر منها فهذا يدل على أن الماسح يسمى غاسلا ولذلك قال بعضهم اذا دهن جسده بالماء وقطر الى الأرض ثلاث قطرات أجزأه وقيل ولو قطرة واحدة أجزأه فى الغسل
(1)
.
كيفية الاغتسال
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: يبدأ المغتسل فيأخذ الاناء بشماله ويكفيه على يمينه فيغسل يديه الى الرسغية ثلاثا ثم يفرغ الماء بيمينه على شماله فيغسل فرجه حتى ينقيه ثم يتوضأ وضوأه للصلاة ثلاثا ثلاثا الا أنه لا يغسل رجليه حتى يفيض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم يتنحى فيغسل قدميه.
والأصل ما روى عن ميمونة زوج النبى صلى الله عليه وسلم أنها قالت وضعت غسلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليغتسل من الجنابة فأخذ الاناء بشماله وأكفاه على يمينه فغسل يديه ثلاثا ثم أنقى فرجه بالماء وثم مال بيده الى الحائط فدلكها بالتراب «والمقصود من ذلك هو التطهر وازالة النجاسة فيقوم الصابون ونحوه من المطهرات مقام التراب» ثم توضأ وضوأه للصلاة غير غسل القدمين ثم أفاض الماء على رأسه وسائر جسده ثلاثا ثم تنحى فغسل قدميه.
وهل يمسح رأسه عند تقديم الوضوء على الغسل.
ذكر فى ظاهر الرواية أنه يمسح.
وروى الحسن عن أبى حنيفة أنه لا يمسح لأن تسييل الماء عليه بعد ذلك يبطل معنى المسح فلم يكن فيه فائدة بخلاف سائر الأعضاء لأن التسييل معه بعد لا يبطل التسييل من قبل.
والصحيح جواب ظاهر الرواية لأن السنة وردت بتقديم الوضوء على الافاضة على جميع البدن على ما روينا والوضوء اسم للمسح والغسل جميعا، الا أنه يؤخر غسل القدمين لعدم الفائدة فى تقديم غسلهما لأنهما يتلوثان بالغسالات من بعد حتى أنه لو اغتسل على موضع لا يجتمع الغسالة
(1)
كتاب الايضاح للامام الشيخ عامر بن على شماخى مع حاشية الشيخ عبد الله ابن سعيد السدويكشى ج 1 ص 139 طبع مطبعة الشيخ محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1304 هـ.
تحت قدميه كالحجر ونحوه ولا يؤخر لانعدام معنى التلوث.
وليس على المرأة أن تنقض ضفائرها فى الغسل اذا بلغ الماء أصول الشعر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضى الله عنها أما يكفيك اذا بلغ الماء أصول شعرك وهذا أحد القولين وهو الأصح.
وقال بعضهم يجب عليها نقض الضفائر لقول النبى صلى الله عليه وسلم «تحت كل شعرة جنابة ألا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة. والحديث محمول على الرأى الأول فيما اذا كان الشعر منقوضا لأن ذلك لا حرج فيه.
وقال فى المبسوط الرجل اذا ضفر شعره هل يجب ايصال الماء الى أثناء الشعر؟ ظاهر الحديث يدل على أنه لا يجب.
وذكر الصدر الشهيد أنه يجب.
أما الضفائر بالنسبة له فالاحتياط وجوب نقضها.
ويجب ايصال الماء الى أثناء اللحية كما يجب الى أصولها.
ويجب ايصال الماء الى داخل السرة لا مكان الايصال اليها بلا حرج وينبغى أن يدخل فيها الأصبع للمبالغة.
ويجب على المرأة غسل الفرج الخارج لأنه يمكن غسله بلا حرج وليس على المرأة بل ذوائب شعرها وهو الصحيح.
والأكلف يجب عليه ايصال الماء الى القلفة.
وقال بعضهم لا يجب وليس بصحيح لا مكان ايصال الماء اليه من غير حرج
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: كيفية الغسل المندوبة أى الكاملة التى جمعت الفرائض والسنن والفضائل، أن يبدأ بغسل يديه الى كوعيه ثلاثا كالوضوء بنية السنية ثم يغسل ما بجسمه من أذى وينوى فرض الغسل أو رفع الحدث. الأكبر فيبدأ بغسل فرجه وأنثييه ورفيفه ودبره وما بين إليتيه مرة فقط ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر ثم يغسل وجهه الى تمام الوضوء مرة مرة ثم يخلل أصول شعر رأسه لتنسد المسام خوفا من أذية الماء اذا صب على الرأس ثم يغسل رأسه ثلاثا يعم رأسه فى كل مرة ثم يغسل رقبته ثم منكبيه الى المرفقين ثم يفيض الماء على شقه الأيمن الى الكعب ثم الأيسر كذلك ولا يلزم تقديم الأسافل على الأعالى لان الشق كله بمنزلة عضو واحد خلافا لمن قال بغسل الشق الأيمن الى الركبة ثم الأيسر ثم يغسل من ركبته اليمنى الى كعبها ثم اليسرى كذلك قال لأن لا يلزم تقدم الأسافل عى الأعالى خلافا لمن قال يغسل الشق الأيمن الى الركبة ثم الأيسر ثم يغسل من ركبته اليمنى الى كعبها ثم اليسرى كذلك قال لأنه لا يلزم تقديم الأسافل على الأعالى ولم يدر أن الشق كله بمزلة عضو واحد ولم تنتقل هذه الصفة فى اغتسال النبى صلى الله عليه وسلم.
ثم اذا غسل الشق الأيمن أو الأيسر يغسله بطنا وظهرا فان شك فى محل ولم يكن مستنكحا وجب غسله والا فلا.
ثم قال: والغسل فى الصفة المتقدمة أو على غيرها يجزئ عن الوضوء ولو لم يستحضر رفع الحدث الأصغر لأنه يلزم من رفع الأكبر رفع الأصغر كعكسه فى محل الوضوء ولو تبين له أنه لم يكن عليه جنابة فيصلى بذلك الغسل ما لم يحصل ناقض للوضوء من حدث كريح أو سبب كمس ذكر بعد تمام الوضوء أو بعضه وقبل تمام الغسل فان حصل ناقض أعاد ما فعله من الوضوء مرة مرة بنية الوضوء أما حصوله بعد تمام الغسل فانه يعيده بنيته اتفاقا مع التثليث على ما تقدم
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: اذا أراد الرجل أن يغتسل من الجنابة فانه يسمى الله عز وجل وينوى الغسل
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 34 - 35 الطبعة السابقة، وفتح القدير على الهداية للكمال بن الهمام مع شرح العناية لليابرتى ج 1 ص 40 الطبعة الأولى سنة 1315 هـ طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر.
(2)
بلغة السالك على الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 60، ج 61، ص 62 الطبعة السابقة.
من الجنابة أو الغسل لاستباحة أمر لا يستباح الا بالغسل كقراءة القرآن والجلوس فى المسجد ويغسل كفيه ثلاثا قبل أن يدخلهما فى الاناء ثم يغسل ما على فرجه من الأذى ثم يتوضأ وضوأه للصلاة ثم يدخل أصابعه العشر فى الماء فيغرف بها غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته ثم يحثى على رأسه ثلاث حثيات ثم يفيض الماء على سائر جسده ويمر يديه على ما قدر عليه من بدنه ثم يتحول عن مكانه ثم يغسل قدميه لأن عائشة وميمونة رضى الله عنهما وصفتا غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.
وفى نهاية المحتاج
(1)
قال: ويدلك بدنه خروجا من خلاف من أوجبه ويثلث، ولو انغمس فى ماء فان كان جاريا كفى فى التثليث أن يمر عليه ثلاث جريات لكن بفوته الدلك لعدم تمكنه منه غالبا تحت الماء فان كان الماء راكدا انغمس فيه ثلاثا اما برفع رأسه منه ونقل قدميه أو انتقاله فيه من مقامه الى آخر ثلاثا ولا يحتاج الى انفصال جملته ولا رأسه اذ حركته تحت الماء كجرى الماء عليه.
وجاء فى المهذب أيضا: وان كانت امرأة تغتسل من الجنابة كان غسلها كغسل الرجل فان كان لها ضفائر فان كان الماء يصل اليها من غير نقض لم يلزمها نقضها لأن أم سلمة رضى الله عنها قالت يا رسول الله. انى امرأة أشد ضفر رأسى أفأنقضه للغسل من الجنابة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا. انما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيض عليك الماء فاذا أنت قد طهرت وان لم يصل اليها الماء الا بنقضها لزمها نقضها لأن ايصال الماء الى الشعر والبشرة واجب وان كانت تغتسل من الحيض فالمستحب لها أن تأخذ فرصة من المسك فتتبع بها أثر الدم. لما روت عائشة رضى الله عنها أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقالت خذى فرصة من مسك فتطهرى بها فقالت كيف أتطهر بها فقال النبى صلى الله عليه وسلم سبحان الله تطهرى بها قالت عائشة رضى الله عنها قلت تتبعى بها أثر الدم فان لم تجد مسكا فطيبا غيره لأن القصد تطييب الموضع فان لم تجد فالماء كاف
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: الغسل اما كامل واما مجزئ فالغسل الكامل هو المشتمل على الواجبات والسنن وهو أن ينوى أى يقصد رفع الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة ثم يسمى فيقول باسم الله لا يقوم غيرها مقامها ثم يغسل يديه ثلاثا ثم يغسل ما لوثه من أذى فيفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثة ثم يتوضأ كاملا ثم يحثى على رأسه ثلاثا يروى بكل مرة أصول شعره لقول ميمونة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حثيات ولقول عائشة رضى الله عنها ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه فى أصول الشعر حتى اذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأتفوا البشرة ثم يفيض الماء على بقية جسده ثلاثا لقول عائشة رضى الله عنها ثم أفاض على سائر جسده ويبدأ بشقه الأيمن ثم بشقه الأيسر ويدلك بدنه بيده لأنه أنقى وبه يتيقن وصول الماء الى مغابته وجميع بدنه ويتفقد أصول شعره وغضاريف أذنيه وتحت حلقه وأبطيه وعمق سرته وحالبيه وبين اليتيه وعلى ركبتيه ليصل الماء أليها ويكفى الظن فى الإسباغ أى فى وصول الماء الى البشرة لأن اعتبار اليقين حرج ومشقة ثم يتحول عن موضعه فيغسل قدميه ولو كان فى حمام ونحوه مما لا طين فيه لقول ميمونة رضى الله عنها ثم تنحى عن مقامه
(1)
نهاية المحتاج لابن شهاب الرملى ج 1 ص 210 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 31 الطبعة السابقة.
فغسل رجليه وان آخر غسل قدميه فى وضوئه فغسلها أخر غسله فلا بأس لوروده فى حديث ميمونة رضى رضى الله عنها.
والغسل المجزئ وهو المشتمل على الواجبات فقط أن يزيل ما ببدنه من نجاسة أو غيرها تمنع وصول الماء الى البشرة ان وجد ما يمنع وصول الماء اليها ليصل الماء الى البشرة وينوى لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى ..
الحديث ثم يسمى ثم يعم بدنه بالغسل فلا يجزئ المسح حتى فمه وأنفه فتجب المضمضة والاستنشاق فى الغسل وظاهر شعره وباطنه مع نقضه وجوبا لغسل حيض ونفاس لا غسل جنابة اذا روت أصوله لحديث عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال لها اذا كنت حائضا خذى ماءك وسدرك وامتشطى ولا يكون المشط الا فى شعر غير مضفور وللبخارى انقضى شعرك وامتشطى ولابن ماجة انقضى شعرك واغتسلى ولأن الأصل وجوب نقض الشعر لتحقق وصول الماء الى ما يجب غسله فعفى عنه فى غسل الجنابة لأنه يكثر فيشق ذلك فيه والحيض بخلافه فبقى على الأصل فى الوجوب والنفاس فى معنى الحيض
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال: ابن حزم الظاهرى: أما غسل الجنابة فيختار - دون أن يجب ذلك فرضا - أن يبدأ بغسل فرجه ان كان من جماع وأن يمسح بيده الجدار أو الأرض بعد غسله ثم يتمضمض ويستنشق ويستنثر ثلاثا ثم يغمس يديه فى الاناء بعد أن يغسلها ثلاثا فرضا ولا بد ان قام من نوم والا فلا يخلل أصول شعره حتى يوقن أنه قد بل الجلد ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثا بيده وأن يبدأ بميانه.
وأما الفرض الذى لا بد منه فان يغسل يديه ثلاثا قبل أن يدخلها فى الماء ان كان قام من نوم والا فلا ويغسل فرجه ان كان من جماع ثم يفيض الماء على رأسه ثم جسده بعد رأسه ولا بد افاضة يوقن أنه قد وصل الماء الى بشرة رأسه وجميع شعره وجميع جسده برهان ذلك قول الله تعالى «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا 2» فكيفما أتى بالطهور فقد أدى ما افترض الله تعالى عليه وما روى عن عمران بن حصين قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر: فذكر الحديث وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى الذى أصابته الجنابة اناء من الماء وقال اذهب فافرغه عليك وما روى عن ابن عباس رضى الله عنه حدثتنى خالتى ميمونة رضى الله عنها قالت أوتيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم غسله من الجنابة فغسل كفيه مرتين أو ثلاثا ثم أدخل يده فى الاناء ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكا شديدا ثم توضأ وضوأه للصلاة ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات من أكفه ثم غسل سائر جسده ثم تنحى عن مقامه فغسل رجليه ثم أتيته بالمنديل فرده وقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضى الله عنها انما يكفيك أن تحثى على رأسك ثم تفيضى الماء عليك فاذا بك قد طهرت.
قال ابن حزم فله أن يقدم غسل فرجه وأعضاء وضوئه قبل رأسه فقط ان شاء فان انغمس فى ماء جار فعليه أن ينوى تقديم رأسه على جسده ولا يلزمه ذلك فى سائر الأغسال الواجبة اذ لم يأت بذلك نص.
ثم قال أيضا وليس عليه أن يتدلك وبهذا جاءت الآثار كلها فى صفة غسله صلى الله عليه وسلم لا ذكر للتدليك فى شئ من ذلك.
ثم قال ولا معنى لتخليل اللحية فى الغسل.
(1)
كشاف القناع على شرح منتهى الارادات ج 1 ص 113، 114، 115، الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
ثم قال وليس على المرأة أن تخلل شعر ناصيتها أو ضفائرها فى غسل الجنابة فقط برهان ذلك الحديث السابق ذكره عن أم سلمة رضى الله عنها.
ثم قال أيضا ويلزم المرأة حل ضفائرها وناصيتها فى غسل الحيض وغسل الجمعة والغسل من غسل الميت ومن النفاس برهان ذلك ما روى عن عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها فى الحيض انقضى رأسك واغتسلى.
قال على: والأصل فى الغسل الاستيعاب لجميع الشعر وايصال الماء الى البشرة بيقين بخلاف المسح فلا يسقط ذلك الا حيث أسقطه النص وليس ذلك الا فى الجنابة فقط وقد صح الاجماع بأن غسل النفاس كغسل الحيض.
ثم قال لو انغمس من عليه غسل واجب أى غسل كان فى ماء جار أجزأه اذا نوى به ذلك الغسل وكذلك لو وقف تحت ميزاب ونوى به ذلك الغسل أجزأه اذا عم جميع جسده لما ذكرنا من أن التدلك لا معنى له وهو قد تطهر واغتسل كما أمر.
ثم قال ولو انغمس من عليه غسل واجب فى ماء راكد ونوى الغسل أجزأه من الحيض ومن النفاس ومن غسل الجمعة ومن الغسل من غسل الميت ولم يجزه للجنابة فان كان جنبا ونوى بانغماسه فى الماء الراكد غسلا من هذه الأغسال ولم ينو غسل الجنابة أو نواه لم يجزه أصلا لا للجنابة ولا لسائر الأغسال.
برهان ذلك ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يغتسل أحدكم فى الماء الدائم أى الراكد وهو جنب فقيل كيف يفعل يا أبا هريرة قال يتناوله تناولا
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: اذا أراد الجنب أو غيره ممن يجب عليه الغسل أو يندب الاغتسال، بدأ بغسل يده اليمنى يفرغ عليها الماء بالاناء افراغا حتى ينقيها ثم يغسل يده اليسرى يفرغ عليها بيده اليمنى ثم يغسل فرجه مرتين بالتراب حتى ينقيه ثم يضرب بيده اليسرى على الأرض حتى تحمل التراب ثم يغسل فرجه ثم يضرب الأرض بها ضربة أخرى فيغسلها بما تحمل من التراب، وهذا مبنى على أن ثم لزوجة فى النجاسة ثم يتوضأ وضوء الصلاة لكنه مخير ان شاء أتمه ألخ وان شاء ترك الرجلين ثم يغرف على رأسه ويدلكه حتى يصل الماء الى بشرته ثم يفيض الماء على جوانبه يمينا وشمالا، ويدلك بدنه كله حتى ينقيه بحيث لو كانت نجاسة رطبة لزالت قال الامام المهدى والتحقيق أن المستحب من ذلك انما هو تقديم غسل أعضاء الوضوء مرتبا على ذلك الترتيب قبل أفاضة الماء على الجسد فأما نفس غسلها فهو واجب، وهل يستحب التثليث؟ فيه نظر ان قلنا يستحب فظاهر دليل الاستحباب انما هو فى وضوء الصلاة ولا دليل على استحباب التثليث فى الغسل كذا قال، ولكن نقل فى حواش شرح الأزهار عن زيد بن على أنه يندب تثليثه فى الوضوء اذ الكل طهارة، وروى عنه فى ذلك حديث يرفعه
(2)
.
وبالنسبة للمرأة قال فى البحر: وندب للمرأة أن تتبع آثار الدم بمسك ثم طيب لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعائشة خذى فرصة من مسك فتتبعى أثر الدم
(3)
.
(1)
المحلى لابن حزم الظاهرى ح 2 ص 28 مسألة رقم 188، ص 29، ص 30 مسألة رقم 189، ص 33 مسألة رقم 190، ص 37 مسألة رقم 191، ومسألة رقم 192، ص 38، ص 40 مسألة رقم 193، ومسألة رقم 194، ص 41 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ح 1 ص 117، ص 118 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب البحر الزخار ح 1 ص 108 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: يبدأ المغتسل بغسل كفيه ثم يغسل فرجه ثم يصب الماء على رأسه ثلاثا ثم على سائر جسده مرتين على وجه الترتيب بأن يبدأ بالرأس مقدما على سائر بدنه بلا خلاف أجده ثم يبدأ بغسل تمام الجانب الأيمن ثم من بعده الأيسر فان لم يعم الماء صدره وظهره غسلهما فان ظن بقاء شئ من صدره وظهره لم يصل الماء اليه غسله
(1)
.
وفى الروضة البهية: والعورة تابعة للجانبين ويجب ادخال جزء من حدود كل عضو وتخليل مانع وصول الماء الى البشرة بأن يدخل الماء خلاله الى البشرة على وجه الغسل ويستحب الاستبراء للمنزل لا لمطلق الجنب بالبول ليزيل أثر المنى الخارج ثم بالاجتهاد بالاستيراء وفى استحبابه للمرأة قول فتستبرئ عرضا ويستحب نقض المرأة الضفائر وخص المرأة لأنها مورد النص والا فالرجل كذلك لأن الواجب غسل البشرة دون الشعر وانما استحب النقض للاستظهار وتثليث الغسل لكل عضو من أعضاء البدن الثلاثة بأن يغسله ثلاث مرات ويسقط الترتيب بين الأعضاء الثلاثة بالارتماس وهو غسل البدن أجمع دفعة واحدة عرفية وقول الصادق عليه السلام: لو أن رجلا جنبا ارتمس فى الماء ارتماسة واحدة أجزأه ذلك وان لم يدلك جسده ولقوله عليه السلام فى حسن الحلبى اذا ارتمس الجنب فى الماء ارتماسة واحدة أجزأه كذلك من غسله
(2)
.
وكذا ما أشبهه كالوقوف تحت المبازيب والمطر الغزيرين لأن البدن يصير به عضوا واحدا ويعاد غسل الجنابة بالحدث الأصغر فى أثنائه على الأقوى
(3)
وغسل الرأس والرقبة أولا ولا ترتيب بينهما لأنهما فيه عضو واحد ولا ترتيب فى نفس أعضاء الغسل بل بينها كأعضاء مسح الوضوء بخلاف أعضاء غسله فانه فيها وبينها ثم غسل الجانب الأيمن ثم الجانب الأيسر.
وفى جواهر الكلام، ويختم بغسل الرجلين.
أو فى المراسم بعد ذلك ثم يفيض الماء على جسده فلا يترك منه شعرة أو يراد به الاستحباب فانه قال بعد أن ذكر الترتيب وان أفاض الماء بعد الفراغ على جميع البدن كان أفضل ودليله ما روى عن الصادق الأمين عليه السلام فى حديث كيفية غسل الجنابة قال: فان كنت فى مكان نظيف فلا يضرك أن لا تغسل رجليك وان كنت فى مكان ليس بنظيف فأغسل رجليك فانه لا يخلو من دلالة على عدم وجوب ازالة النجاسة مقدما على أصل الغسل
(4)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية فى شرح النيل: قال جابر ابن عبد الله كان النبى صلى الله عليه وسلم يفرغ على رأسه ثلاثا وقال الحسن بن محمد ابن الحنفية زوجة على الجابر بن عبد الله سئل كيف الغسل من الجنابة فقال كان النبى صلى الله عليه وسلم يأخذ ثلاثة أكف ويفضيها على رأسه ثم يفيض على سائر جسده والمراد بالكفين يداه معا بدليل رواية جبير بن مطعم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا تمارى عنده الصحابة فى صفة الغسل أما أنا فأفيض على رأسى ثلاثا وأشار بيديه كلتيهما وألحق به أصحابنا الجسد قياسا عليه ثم الابتداء بالميامن.
(1)
جواهر الكلام ج 3 ص 85، ص 88، 89 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية شرح اللغة الدمشقية للشهيد السعيد الطبعة السابقة.
(3)
جواهر الكلام ح 3 ص 93 الطبعة السابقة.
الطبعة السابقة ج 1 ص 29، ص 30 طبع بمطابع دار الكتاب العربى بمصر.
(4)
جواهر الكلام ج 3 ص 89، 103
وقيل بعد صب الماء على وسط الرأس أيمن العضو قبل أيسره والعضو الأيمن قبل الأيسر فالأذن اليمنى قبل اليسرى ويقسم الظهر والبطن مع الميامن والمياسر وقيل الميامن فالمياسر فالبطن فالظهر ويجزئ الغسل قيل داخل سيل أو نهر أو بحر تموجه والمراد بالتموج التحرك الشديد بحيث يكون للماء شدة تغنيه عن الدلك.
وقيل لا يجزى الا بعرك والخلف فى مطر يعم وميذاب ودلو يصبان بشدة ونحو ذلك.
وبعضهم لم يشترط العرك ولو مع عدم الحركة والشدة بل العبرة بايصال الماء وصح الغسل ان كان الدلك بزوجة له أو زوج لها أو سرية أو سيد أو بغير بالغ أو ببالغ ذكرا أو أنثى وكفى الا أنه يحرم كشف العورة ومسها لغير الزوجة والسرية والأحوط تأخير الوضوء عنه لئلا يمس نجسا أو عورة وان أراد تقديمه فليزل النجس من فرجه وغيره ثم يغسل فرجه وينويه للجنابة وكذا ما ينقض مسه الوضوء واذا وصل الموضع فى الاغتسال غسله بظاهر يده أو بلفها أو بغيرها أو يصب الماء بلا عرك بناء على ما أجاز الشيخ من كفاية عرك الكثير من عضو والجسد كله فى الغسل عضو واحد ولا يكفى فى الغسل عن الوضوء على الصحيح وقيل يكفى ولا يحرم تأخير الاستنجاء عنه الا ما يحضر من ايصال النجس لغير موضعه فاذا استنجى بعده فليغسل الموضع وينويه للجنابة لأن النجس يؤثر فى الوضوء بعد تمامه لا فى الغسل ولا يلزم المرأة بالغسل من الجنابة نقض الضفائر أى فكها ولكن توصل الماء الى أصول الشعر وتصب الماء عليه وتعركه
(1)
.
وفى الايضاح: حديث أم سلمة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة جاءتها فقالت امرأة تشد شعر رأسها هل تنقضه لغسل الجنابة؟ قال انما يكفيها أن تحثى عليه ثلاث حثيات من ماء وأغمزى قرونك عند كل حثية ثم تفيضين الماء وتتطهرين وقد زعم بعض أنه لا يجب غسل الشعر ولزم نقض الضفائر عند ارادة الغسل من حيض أو نفاس وأجيز ألا تفك ان قلت المدة وقال ابن وصاف يجوز ألا تفك الحائض شعرها عند الغسل ان كانت تصب الماء وتبلغه أصول الشعر
(2)
.
الأركان والواجبات
مذهب الحنفية:
ركنه هو اسالة الماء على جميع ما يمكن:
اسالته عليه من البدن من غير حرج مرة واحدة.
حتى لو بقى جزء لم يصبه الماء ولو صغر لم يجز الغسل، وان كانت يسيرة. لقوله تعالى «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}
(3)
أى طهروا أبدانكم واسم البدن يقع على الظاهر والباطن فيجب تطهير ما يمكن تطهيره منه، بلا حرج، ولهذا وجبت المضمضة والاستنشاق فى الغسل لأن ايصال الماء الى داخل الفم والأنف ممكن بلا حرج، ويجب ايصال الماء الى أثناء اللحية كما يجب الى أصولها، وكذا يجب على المرأة ايصال الماء الى أثناء شعرها اذا كان منقوضا - كذا ذكر الفقيه أبو جعفر الهندوانى - لأنه يمكن ايصال الماء الى ذلك من غير حرج، وأما اذا كان شعرها ضفيرا فهل يجب عليها ايصال الماء الى أثنائه - اختلف فى ذلك.
فقال بعضهم يجب لقول النبى صلى الله عليه وسلم «تحت كل شعر جنابة الا فبلوا الشعر وأنقوا البشرة» .
(1)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 97، ص 98، ص 99، ص 100 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر.
(2)
الايضاح مع حاشية ج 1 ص 134، ص 135 الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
وقال بعضهم لا يجب وهو اختيار الشيخ الامام أبى بكر محمد بن الفضل البخارى وهو الأصح لما روى أن أم سلمة رضى الله عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت:
يا رسول الله: انى أشد ضفر رأسى أفأنقضه اذا اغتسلت فقال النبى صلى الله عليه وسلم أفيضى الماء على رأسك وسائر جسدك ويكفيك اذا بلغ الماء أصول شعرك. ولأن ضفيرتها اذا كانت مشدودة فتكليفها نقضها يؤدى الى الحرج، ولا حرج حال كونها منقوضة والحديث محمول على هذه الحالة.
ويجب ايصال الماء الى داخل السرة لا مكان الايصال اليها بلا حرج وينبغى أن يدخل فيها الأصبع للمبالغة.
ويجب على المرأة غسل الفرج الخارج لأنه يمكن غسله بلا حرج وكذا الأقلف يجب عليه ايصال الماء الى القلفة وقال بعضهم لا يجب وليس بصحيح لا مكان ايصال الماء اليه من غير حرج
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: فرائض الغسل خمسة.
الأولى النية عند أول مفعول بأن ينوى بقلبه أداء فرض الغسل أو ينوى رفع الحدث الأكبر أو رفع الجنابة أو ينوى استباحة ما صنعه الحدث الأكبر أو استباحة الصلاة.
الفريضة الثانية: الموالاة ان ذكر وقدر كالموالاة ان ذكر فان فرق عامدا بطل ان طال والا بنى على ما فعله بنية.
الفريضة الثالثة: تعميم ظاهر الجسد بالماء بأن ينغمس فيه أو يصبه على جسده بيده أو غيرها وذلك ولو بعد صبه بخرقة فان تعذر سقط ولا استنابة.
الفريضة الرابعة: الدلك وهو امرار العضو على ظاهر الجسد يدا أو رجلا فيكفى دلك الرجل بالأخرى ويكفى الدلك بظاهر الكف وبالساعد والعضو بل ويكفى بالخرقة عند القدرة باليد على الراجح بأن يمسك طرفيها بيده ويدلك بوسطها ويكفى ولو بعد صب الماء وانفصاله عن الجسد ما لم يجف فان تعذر الدلك سقط ويكفى تعميم الجسد بالماء كما فى سائر الفرائض اذ لا يكلف الله نفسا الا وسعها خلافا لمن يقول يجب استنابة من يدلكه من زوجة أو أمة أو يتدلك بحائط ان كانت ملكا له أو أذن له مالكها فى ذلك وكان الدلك بها لا يؤذيه فانه ضعيف وان مشى عليه الشيخ.
الفريضة الخامسة: تخليل شعره ولو كثيفا سواء كان شعر رأس أو غيره ومعنى تخليله أن يضمه ويعركه عند صب الماء حتى يصل الى البشرة فلا يجب ادخال أصابعه تحته ويعرك بها البشرة
(2)
.
وكذا يجب تخليل أصابع الرجلين هنا فأولى اليدين.
ولا يجب على المغتسل نقض مضفور شعره ما لم يشتد الضفر حتى يمنع وصول الماء الى البشرة أو يضفر بخيوط كثيرة تمنع وصول الماء الى البشرة أو الى باطن الشعر
(3)
.
ثم قال الخرشى: ولا يكلف مريد الغسل رجلا أو امرأة بنقض الشعر المضفور حيث كان مرخوا يدخل الماء وسطه والا فلا بد من حله
(4)
.
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ح 1 ص 34 الطبعة السابقة.
(2)
جاء فى ترتيب القاموس المحيط ح 3 ص 180 «عركه ودلكه وحكه» الطبعة السابقة.
(3)
بلغة السالك لاقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ح 1 ص 59، ص 60 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الخرش على مختصر خليل ح 1 ص 168 الطبعة السابقة.
ويجب على المغتسل أن يتعهد مغابته أى المحلات التى ينبو عنها الماء كالشقوق التى فى البدن أو التجاعيد والسرة والرفغين والأبطين وكل ما غار من البدن بأن يصب عليه الماء ويدلكه ان أمكن اكتفى بصب الماء
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: والواجب فى الغسل ثلاثة أشياء. النية وازالة النجاسة ان كانت وتعميم شعره وبشرة لما فى الصحيح من قول النبى صلى الله عليه وسلم. أما أنا فيكفين أن أصب على رأسى ثلاثا ثم أفيض بعد ذلك على سائر جسدى ولأن الحديث عم جميع البدن فوجب تعميمه بالغسل.
ويجب ايصال الماء الى منابت شعر وان كثف.
ويجب نقض ضفائر لا يصل الماء الى باطنها الا بالنقض وغسل ما ظهر من صماخى الأذنين وما يبدو من شقوق البدن التى لا غور لها وما تحت قلفة أقلف وما ظهر من باطن أنف مجدوع ومن فرج الثيب عند قعودها لحاجتها ويعفى عن باطن شعر معقود نعم شعر العين والأنف لا يجب غسله ومراده بالبشرة ما يشمل الأظفار
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة فى كتاب المحرر: فرائض الغسل النية وتعميم البدن بالماء حتى باطن الأنف وفى الفم والتسمية روايتان والمعتمد أن التسمية واجبة
(3)
.
وجاء فى كشاف القناع. واجبات الغسل.
التسمية وهى أول واجب فى الغسل ومن تركها عمدا لم تصح طهارته والأخرس يشير بها والمضمضة والاستنشاق ويسميان فرضين لأن الفرض والواجب مترادفان على الصحيح وقال ابن عقيل هما واجبان لا فرضان ولا يسقطان سهوا
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى. من أولج فى الفرج وأجنب فعليه النية فى غسله ذلك لهما معا وعليه أيضا الوضوء ولا بد ويجزيه فى أعضاء الوضوء غسل واحد ينوى به الوضوء والغسل من الايلاج ومن الجنابة.
برهان ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى. الحديث. فلا بد لكل عمل مأمور به من القصد الى تأديته كما أمره الله تعالى ويجزى من كل ذلك عمل واحد لأنه قد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم. أنه كان يغتسل غسلا واحدا من كل ذلك فأوجب ذلك بالنص ووجبت النية بالنص
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية وفروضه ثلاثة النية قال صاحب شرح الأزهار.
الفرض الأول مقارنة أول الغسل بنيته. أى بنية الغسل لرفع الحدث الأكبر أو فعل ما يترتب عليه فان تعدد موجبه كفت نية واحدة مطلقا - سواء اتفق جنسهما كجنابتين أم اختلفا كجنابة وحيض، أو نوى ما يترتب عليهما أو على أحدهما فقط، عكس النفلين والفرض والنفل من الغسل،
(1)
الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 60 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب للشيرازى ح 1 ص 31 الطبعة السابقة، ونهاية المحتاج لشهاب الدين الرملى ح 1 ص 206، ص 208 الطبعة السابقة.
(3)
المحرر لمجد الدين أبى البركات ح 1 ص 20 الطبعة السابقة.
(4)
كشاف القناع مع منتهى الارادات ح 1 ص 66، ص 70 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
المحلى لابن حزم الظاهرى ح 2 ص 8 مسألة رقم 177 الطبعة السابقة.
فانها لا تكفى نية أحدهما بل لا بد من نية كل واحد من السببين.
وأول الغسل ما ابتدئ بغسله من البدن.
قال بعض المتأخرين بعد غسل مخرج المنى.
وقال المنصور بالله. الجسم كالعضو الواحد فان نسى النية فى أوله ثم نوى وقد بقى من الجسم بقية أجزأه.
وقال فى شرح الأزهار والنية تصح مشروطة، وذلك نحو أن يشك فى جنابة عليه يوم الجمعة فينوى غسله للجنابة - ان كانت - وللجمعة.
فاذا انكشف له تحقيق الجنابة، فقد أجزأه بذلك الغسل بتلك النية.
الفرض الثانى: المضمضة والاستنشاق وهما مشروعان اجماعا لفعله صلى الله عليه وسلم فيما روى عن عائشة وميمونة رضى الله عنهما ..
ثم تمضمض واستنشق .. ويجبان بالآية، وقول النبى صلى الله عليه وسلم «المضمضة والاستنشاق للجنب ثلاثا فريضة» وقوله صلى الله عليه وسلم «تحت كل شعرة جنابة» فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر وفى الفم بشر لقول ثعلب: البشرة هى الجلدة التى تقى اللحم من الأذى.
الفرض الثالث: عم ما يمكن تطهيره من بشر وشعر فيخلل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسلها فعل به كذا وكذا فى النار وفى باطن العين خلاف ويجب الدلك لما أمكن.
وقال فى شرح الأزهار وهل يجب استعمال غير اليد لدلك ما لا تبلغه اليد ب عن الأمير شمس الدين أنه يجب وقال المنصور بالله لا يجب.
فان تعذر الدلك فالصب للماء يقوم مقامه ثم ان تعذر الصب وجب المسح أو الانغماس.
قلت هذه الفروض الثلاثة تعم الذكر والأنثى.
وأضاف صاحب الأزهار فرضا رابعا يختص بالرجل أبدا وبالمرأة فى بعض الأحوال وذلك قوله، وعلى الرجل نقض الشعر وعلى المرأة فى الدمين.
وقال فى الشرح قال الامام المهدى. وانما خصصنا الرجل بذلك دون المرأة الجنب لحديث أم سلمة رضى الله عنها قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله. انى امرأة شديدة عقص الرأس أفأحله اذا اغتسلت قال لا ولكن صبى عليه ثلاث صبات ثم قال: وقال المؤيد بالله والقاسم لا يجب فى الدمين أيضا لظاهر عموم الخبر وانما يستحب فى الدمين
(1)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: واجباته المتوقفة عليها صحته خمس.
الأولى: النية اجماعا كما فى كل عبادة سيما ما كان منها مثل الغسل.
الثانى استدامة حكمها الى آخر الغسل.
الثالث غسل البشرة فلا يجزى غسل غيرها عنها فى غير ما استثنى من الجبيرة ونحوها بما يسمى غسلا عرفا وان كان من الأفراد الخفية كما اذا كان مثل الدهن وعليه يحمل خبر اسحاق ابن عمار عن أبى جعفر عن أبيه عليهما السلام:
ان عليا عليه السلام قال: الغسل من الجنابة والوضوء يجزى منه ما أجزأه من الدهن الذى يبل الجسد جمعا بينه وبين غيره.
الرابع: تخليل ما لا يصل اليه الماء الا بتخليله مقدمة لحصول غسل البشرة المدلول على وجوب غسلها نفسها فى الغسل بالسنة.
(1)
شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار ح 1 ص 113، ص 114، 115، ص 116، ص 117، ص 118 الطبعة السابقة.
الخامس: من واجبات الغسل الذى يبطل بتركها عمدا أو سهوا الترتيب بأن يبدأ بالرأس مقدما على سائر بدنه بلا خلاف أجده
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: فروض الغسل الواجب وغيره النية عند ارادة التلبس به وقيل لا تجب وان تذكرها فى وسطه ومضى الآخره أعاد ما قبلها فقط وقيل الكل وذلك مبنى على جواز الترتيب وعدم جوازه فمن لم يجز يقول يعيد ومن أجاز يقول لا يعيد ولكن يرجع الى ما مضى فقط ويستصحب النية من عند ارادة غسل يديه الى الشروع فى غسل رأسه أو فى غسل ما ابتدأ به.
والتحقيق أنه انما يلزم استصحابها الى ذلك بناء على أنه لا تجب المضمضة والاستنشاق.
وقيل يجبان فلا يجب الاستصحاب وان قطعها بقصد غسل عضوا تبريدا أو ازالة للوسخ فذلك قطع لحكمها كقصد ازالة وسخ للأنف واستصحاب حكمها فيه ولا يضر الذهول بعدها وتعميم الجسد بالقصد الى المواضع الخفية مطلقا وامرار اليد أو نائبها كعود وحجر.
وقيل لا يجب الامرار بالمطلق من الماء كما فى الوضوء.
وأجاز بعضهم التوضئ، والاغتسال بما تغير لونه وطعمه وريحه جميعا ما دام يسمى ماء.
والموالاة وقيل لا تجب ولو مع الذكر والقدرة كما لا تجب مع عدم الذكر وهو النسيان ومع العذر وقيل تجب ولو مع النسيان أو الذكر والمضمضة والاستنشاق على الراجح وقيل سنتان فى الغسل كالوضوء ووجه كونهما فرضا فى الاغتسال أن الاغتسال مأمور به فى القرآن بلا ذكر للأعضاء فعلمنا عمومه الفم والأنف لأنه يصلهما الماء بلا مشقة وعلمنا عمومه اياهما من كونهما يتأثر فيهما الحدث الأصغر فكيف لا يتأثر الأكبر فيهما بخلافهما فى الوضوء فانهما من السنة فهما سنة واجبة فى الوضوء وقيل غير واجبة.
وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضمض واستنشق فى غسله وترك ولكن أكثر فعله فعلهما فعلم من ذلك ومن كونهما من الأعضاء الظاهرة أنهما الراجح
(2)
.
شروط الاغتسال
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: شرائط الطهارة أعم من الصغرى والكبرى نوعان.
شروط وجوب وهى تسعة الاسلام والعقل والبلوغ ووجود الحدث ووجود الماء المطلق المطهر الكافى والقدرة على استعماله وعدم الحيض وعدم النفاس وتنجز خطاب المكلف بضيق الوقت.
وشروط صحة وهى أربعة مباشرة الماء المطلق الطهور لجميع الأعضاء وانقطاع الحيض وانقطاع النفاس وعدم التلبس فى حالة التطهير بما ينقضه فى حق غير المعذور بذلك
(3)
.
وقال ابن عابدين تعليقا على هذه الشروط:
جميع الشروط الأول ترجع الى ستة وهى الاسلام والتكليف وقدرة استعمال الماء المطهر ووجود حدث وفقد المنافى من حيض ونفاس وضيق الوقت.
(1)
جواهر الكلام شرح شرائع الاسلام ح 3 ص 78، ص 79، ص 80، ص 85 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 96، 97 الطبعة السابقة، وكتاب الايضاح مع حاشية ج 1 ص 132 الطبعة السابقة.
(3)
الأشباه والنظائر لابن نجيم مع شرحه غمز عيون البصائر للحموى ح 1 ص 198، ص 199 طبع دار الطباعة العامرة سنة 1290 هـ.
والأخيرة ترجع الى اثنين تعميم المحل بالمطهر وفقد المنافى من حيض ونفاس وحدث فى حق غير المعذور به
(1)
.
وجاء فى البدائع بالنسبة لشروط الغسل أن يكون بالماء حتى لا يجوز بما سوى الماء من المائعات كالخل والعصير واللبن، لقول الله تعالى «وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً 2» الآية. نقل الحكم الى التراب عند عدم الماء فدل على أن المنقول منه هو الغسل بالماء، وأن يكون الماء مطلقا لأن مطلق اسم الماء ينصرف الى الماء المطلق فلا يجوز بالماء المقيد والماء المطلق هو الذى تتسارع أفهام الناس اليه عند اطلاق اسم الماء كماء الأنهار والعيون والآبار وماء الفدران والحياض والبحار فيجوز الاغتسال بذلك كله سواء كان فى معدنه أو فى الأوانى لأن نقله من مكان الى مكان لا يسلبه اطلاق اسم الماء عنه وسواء كان عذبا أو ملحا لأن الماء الملح يسمى ماء على الاطلاق وقال النبى صلى الله عليه وسلم خلق الماء طهورا لا ينجسه شئ الا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه وقال الله تعالى «وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً 3» الآية: وقال الله تعالى:
«وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ}
(4)
الآية:
وسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته:
وسئل رسول الله صلي الله عليه وسلم عن المياه التى تكون فى الفلوات وما ينوبها من الدواب والسباع فقال لها ما أخذت فى بطونها وما أبقت فهو لنا شراب وطهور وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ من آبار المدينة.
وأما الماء المقيد كالذى يستخرج من الأشياء كماء الأشجار والثمار وماء الورد فلا يجوز الاغتسال بشئ منه وكذلك الماء المطلق اذا خالطه شئ من المائعات الطاهرة على وجه زال عنه اسم الماء بأن صار مغلوبا به فهو بمعنى الماء المقيد على تفصيل ينظر فى مصطلح «مياه» .
وأن يكون الماء طاهرا فلا يجوز الاغتسال بالماء النجس لأن الطهارة مستحيلة بالماء النجس والماء النجس هو ما خالطته النجاسة وبيان المقدار ما ينجس الماء منها موضعه مصطلح «نجاسة» .
وأن يكون الماء طهورا، والطهور اسم للطاهر فى ذاته المطهر لغيره فلا يجوز الاغتسال بالماء المستعمل لأنه نجس عند بعض أصحابنا وعند بعضهم طاهر غير طهور ويجوز بالماء المكروه لأنه ليس ينجس الا أن الأولى أن لا يغتسل به اذا وجد غيره أنظر مصطلح «مياه» .
ولا يجوز الاغتسال بالماء المتبقى من شرب الحمار لأنه مشكوك فى طهوريته عند الأكثرين وعند بعضهم فى طهارته
(5)
أنظر تفصيل ذلك فى مصطلح «سؤر» مصطلح «مياه» .
مذهب المالكية:
قال المالكية: شروط صحة الغسل ثلاثة:
الاسلام وعدم الحائل على أى عضو من جميع الجسد وعدم المنافى وهو الجماع وما فى معناه.
وشروط وجوبه فقط وهى أربعة: البلوغ ودخول الوقت والقدرة على الاستعمال وثبوت الموجب.
(1)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار المعروف بحاشية ابن عابدين ح 1 ص 81 طبع المطبعة العثمانية سنة 1324 هـ.
(2)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
(3)
الآية رقم 48 من سورة الفرقان.
(4)
الآية رقم 11 من سورة الأنفال.
(5)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 15، ص 16، ص 17 الطبعة السابقة.
وشروط وجوبه وصحته معا خمسة. العقل وانقطاع دم الحيض والنفاس بالنسبة للمرأة ووجود ما يكفى جميع البدن من الماء المطلق وكون المكلف غير نائم ولا غافل وبلوغ الدعوة
(1)
».
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: وشروط الغسل أمور منها.
الماء المطلق ولو مظنونا واسلام وتمييز وعدم صارف ويعبر عنه بدوام النية حكما وعدم مناف من نحو حيض فى غير أغسال الحج ونحوها وازالة النجاسة وأن لا يكون بعضوه ما يغير الماء تغيرا مضرا وان لا يعلق نيته
(2)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: شروط الغسل عندهم. النية سواء كان غسلا واجبا أو مستحبا لخبر «انما الأعمال بالنيات وانما لكل امرئ ما نوى» ولأنه عبادة من شروطها النية.
والشرط الثانى: طهورية الماء.
والشرط الثالث: اباحته فلا يصح الغسل بنحو ماء مغصوب.
الشرط الرابع: ازالة ما يمنع وصول الماء الى البشرة ليحصل الأسباغ المأمور به.
والشرط الخامس: التمييز لأنه أدنى سن يعتبر قصد الصغير فيه شرعا فلا يصح غسل من لم يميز.
والشرط السادس: الاسلام.
والشرط السابع: العقل
(3)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى
(4)
فى المحلى: من أولج وكان مجنونا أو سكرانا أو مغمى عليه أو مكرها فليس على من هذه صفته الا الوضوء فقط وان كان أحدهما غير بالغ فلا غسل عليه ولا وضوء.
ثم قال ابن حزم. أما المجنون فقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة: فذكر عليه السلام. المجنون حتى يفيق والصبى حتى يبلغ .. فاذا زالت هذه الأحوال كلها من الجنون والاغماء والنوم والصبى فالوضوء لازم لهم فقط.
وظاهر من هذا أن البلوغ والعقل والافاقة والاختيار شروط للغسل عند ابن حزم.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: شروط وجوبه التكليف: قال عليه السلام: والتكليف أينما ورد فى كتابنا هذا فالمراد به البلوغ والعقل فلا يجب على الصغير والمجنون اذ لا تكليف عليهما لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاثة: الصبى حتى يبلغ، والنائم حتى يستيقظ والمجنون حتى يفيق:
وشروط صحته هى:
الأول. الاسلام. فلا يصح من الكافر لأنه قربة ولا تصح القربة من كافر.
والثانى طهارة البدن عن موجب الغسل من حيض ونفاس وجنابة
(5)
.
(1)
الشرح الصغير للدردير ح 1 ص 48 الطبعة السابقة.
(2)
نهاية المحتاج لشهاب الدين الرملى ح 1 ص 139 الطبعة
(3)
كشاف القناع مع منتهى الارادات ج 1 ص 61، الطبعة السابقة.
(4)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ح 2 ص 2، ح 3 مسألة رقم 170 الطبعة السابقة.
(5)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 79 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: يشترط فى صحة الغسل النية واستدامتها الى الفراغ واطلاق الماء وطهارته وعدم كونه ماء الغسالة وعدم الضرر فى استعماله واباحته، واباحة مكان الغسل ومصب مائه وطهارة البدن وعدم ضيق الوقت والترتيب فى الغسل الذى يجب فيه الترتيب، وعدم حرمة الارتماس فى الغسل الارتماس منه كيوم الصوم وفى حال الأحرام والمباشرة فى حال الاختيار وما عدا الاباحة.
وشرط عدم حرمة الارتماس من الشرائط واقعى لا فرق فيها بين العمد والعلم والجهل والنسيان بخلاف المذكورات فان شرطيتها مقصورة على حال العمد والعلم
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: شروط الاغتسال عندهم.
النية والفور والترتيب. ذلك أنه لم ينقل الينا قط أنه عليه السلام توضأ ولا تطهر الا مرتبا مواليا والترتيب فى الغسل أبين منه وذلك بين الرأس وسائر الجسد لحديث أم سلمة رضى الله عنها أنها سألت النبى صلى الله عليه وسلم:
عن امرأة جاءتها فقالت امرأة تشد شعر رأسها هل تنقضه لغسل الجنابة؟ فقال النبى عليه السلام: انما يكفيها أن تحثى عليه ثلاث حثيات من ماء واغمزى قرونك عند كل حثية ثم تفيضين الماء عليك وتطهرين، وحرف ثم يقتضى الترتيب بلا خلاف
(2)
.
موجبات الاغتسال
مذهب الحنفية:
جاء فى ابن عابدين، وفرض الغسل عند خروج منى من العضو فان خرج من مقره ولم يخرج من العضو بأن بقى فى قصبة الذكر أو الفرج الداخل فلا يفرض الغسل اتفاقا لأنه فى حكم الباطن.
ولو اغتسلت المرأة فخرج منها منى فان كان منيها يقينا أعادت الغسل لا الصلاة وان لم يكن منيها بل كان منى الرجل لا تعيد شيئا.
ويشترط أن يكون خروج المنى من العضو بشهوة أى بلذة ولو حكما كمحتلم ولم يذكر الدفق ليشمل منى المرأة لأن الدفق فيه غير ظاهر.
واشترط أبو يوسف الدفق فمن نظر بشهوة فأمسك ذكره حتى سكنت شهوته ثم أرسله فأنزل وجب الغسل عندهما لا عنده.
وكذلك الحكم لو خرج منه بقية المنى بعد الغسل قبل النوم أو البول أو المشئ الكثير فان خرج بعد النوم والبول والمشى فان ذلك يقطع مادة الزائل عن مكانه بشهوة فيكون الثانى زائلا عن مكانه بلا شهوة فلا يجب الغسل اتفاقا.
وجاء فى الزيلعى
(3)
وكذلك يفرض الغسل عند إيلاج حشفة آدمى أو إيلاج قدرها من مقطوعها فى أحد سبيلى آدمى حى يجامع مثله فعلى الفاعل والمفعول لو كانا مكلفين الغسل ولو كان أحدهما مكلفا فعليه الغسل فقط دون المراهق لكن يمنع من الصلاة حتى يغتسل والغسل واجب بالايلاج وان لم ينزل منيا بالاجماع.
والخنثى المشكل لا غسل عليه بايلاجه الا بالانزال.
ويفرض الغسل كذلك عند رؤية مستيقظ منيا أو مذيا وان لم يتذكر الاحتلام الا اذا علم انه مذى أو شك أنه مذى أو ودى أو كان ذكره منتشرا قبيل النوم فلا غسل عليه اتفاقا.
(1)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى ج 3 ص 86، ص 87 الطبعة الثانية سنة 1379 هـ.
سنة 1379 هـ.
(2)
كتاب الايضاح مع حاشيته ج 1 ص 140 الطبعة السابقة.
(3)
تبين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان ابن الزيلعى ج 1 ص 15 وحاشية الشلبى عليه طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر الجديدة الطبعة الأولى سنة 3113 هـ.
لكن فى الجواهر الا اذا نام مضطجعا أو تيقن أنه منى أو تذكر حلما فعليه الغسل.
ولا يفترض الغسل ان تذكر ولو مع اللذة ولم ير بللا اجماعا.
ولو وجد بين الزوجين ماء ولا مميز ولا تذكر ولا نام قبلهما غيرهما اغتسلا.
ومن أولج حشفته أو قدرها ملفوفة بخرقة ان وجد لذة الجماع وجب الغسل والا لم يجب ما لم ينزل على الأصح والأحوط الوجوب.
ويفرض الغسل عند انقطاع حيض ونفاس، قال فى البدائع. أما الحيض فلقول الله عز وجل «وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ 1» أى يغتسلن ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة. دعى الصلاة أيام أقرائك. أى يغتسلن ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم للمستحاضة. وهى الصلاة أيام أقرائك. أى أيام حيضك ثم اغتسلى وصلى.
وأما النفاس فلا نص على وجوب الغسل منه وانا عرف باجماع الأمة ثم اجماع الأمة يجوز أن يكون بناء على خبر فى الباب لكنهم تركوا نقله اكتفاء بالاجماع عن نقله لكون الاجماع أقوى.
ويجوز أنهم قاسوا على دم الحيض لكون كل واحد منهما خارجا من الرحم فبنوا الاجماع على القياس اذ الاجماع ينعقد عن الخبر وعن القياس
(2)
.
وجاء فى الزيلعى: ويجب الغسل للميت ولمن أسلم جنبا.
أما غسل الميت فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: للمسلم على المسلم ستة حقوق وذكر منها الغسل بعد موته.
أما اذا أسلم الكافر جنبا ففيه روايتان.
فى رواية لا يجب لأنه ليس مخاطبا بالشرائع.
وفى رواية يجب عليه لأن وجوب الغسل بارادة الصلاة وهو عندها مخاطب فصار كالوضوء وهذا لأن صفة الجنابة مستدامة بعد اسلامه فدوامها بعده كانشائها فيجب الغسل
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: الموجب الأول من موجبات الغسل. خروج المنى أى انفصاله بلذة معتادة ولو لم تقارنه من رجل أو امرأة.
وقيل يجب على المرأة الغسل بالاحساس - باللذة - وليست كالرجل لأن عادته ينعكس الى داخل الرحم ليتخلق منه الولد كما قاله سند.
وما قاله سند خلاف ظاهر المذهب وخلاف ظاهر أقوالهم والمراد بخروجه انفصاله عن مقره الى المحل الذى يعد بوصوله اليه خارجا وذلك بانفصاله عن ذكر الرجل وباحساس المرأة بانفصاله الى الداخل.
ومحل الخلاف فى منى المرأة اذا التذت فى اليقظة أما اذا التذت فى النوم فلا غسل عليها حتى يبرز بلا خلاف وعليه يحمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم. انما الماء من الماء.
ثم قال، ويجب غسل جميع ظاهر الجسد بسبب خروج منى بلذة معتادة ولو كان خروجه فى حالة النوم فان حصلت اللذة فى النوم وخرج المنى معها فلا خلاف فى وجوب الغسل وسواء فى ذلك الرجل والمرأة.
وان حصلت اللذة فى النوم ثم استيقظ فلم يجد بللا فلا غسل عليه فان خرج المنى بعد ذلك ففى وجوب الغسل قولان المشهور الوجوب.
(1)
الآية رقم 222 من سورة البقرة.
(2)
رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين ج 1 ص 148 الى ص 153 الطبعة السابقة، وبدائع الصنائع للكاسانى ج 1 من ص 35 إلى ص 39 الطبعة السابقة.
(3)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للزيلعى ج 1 ص 18، ص 19 الطبعة السابقة.
فان وجد المنى ولم يذكر أنه احتلم ففى وجوب الغسل قولان كما نقلهما ابن راشد فى شرح ابن الحاجب.
ونقل القرافى الاجماع على وجوب الغسل فيه نظر مع هذا.
ثم قال أيضا ويجب غسل ظاهر الجسد بخروج منى وان كان خروجه غير مقارن للذة بل حصل بعد ذهابها لكن ان كانت اللذة ناشئة عن غير جماع بل بملاعبة فيجب الغسل عند خروج المنى سواء اغتسل قبل خروجه أم لا لأن غسله لم يصادف محلا.
وان كانت اللذة ناشئة عن جماع بأن أغاب الحشفة ولم ينزل ثم أنزل فانه يجب عليه الغسل ما لم يكن اغتسل قبل الانزال والا فلا لوجود موجب الغسل إلا إن خرج المنى بلا لذة كمن لدغته عقرب فأمنى أو بلذة غير معتادة كمن حك لجرب أو نزل فى ماء حار فأمنى فانه لا يجب عليه الغسل على المشهور خلافا لسحنون. واذا لم يجب الغسل لخروج هذا المنى يتوضأ لأن لذلك الخارج تأثيرا فى الكبرى فلا أقل من الصغرى. الموجب الثانى مغيب الحشفة قال ويجب الغسل على المكلف من فاعل أو مفعول بمغيب جميع حشفة انسى حى بالغ بغير حائل كثيف لا صغير ولو راهق ولا على موطوءته الا أن ينزل، لا بلفافة كثيفة ثم ان حشفة البالغ توجب الغسل.
ويجب الغسل بمغيب قدر الحشفة من مقطوعها أو ممن لم يخلق له حشفة أو ممن خلقت له ولم تقطع.
الموجب الثالث والرابع. دم الحيض، ودم النفاس. فلو خرج الولد جافا لم يجب الغسل وعليه اقتصر اللخمى قال لأن اغتسالها للدم لا للولد ولو اغتسلت النفساء لخروج الولد لا للدم لم يجزها وروى عن مالك بالوجوب واستظهرها ابن عبد السلام وآخر من روايتين عن مالك بالوجوب والندب وحكاهما ابن بشير قولين وجوب الغسل فى حال خروج الولد بلا دم أصلا بناء على اعطاء الصورة النادرة حكم غالبها
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: فى كتاب المهذب: الذى يوجب الغسل. ايلاج الحشفة فى الفرج لما روت عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا التقى الختانان وجب الغسل.
والتقاء الختانين يحصل بتغييب الحشفة فى الفرج، وان أولج فى فرج امرأة ميتة وجب عليه الغسل لأنه فرج أدمية فأشبه فرج الحية كذلك يجب الغسل ان أولج فى دبر امرأة أو رجل أو بهيمة وجب عليه الغسل لأنه يشبه فرج المرأة.
وخروج المنى يوجب الغسل على الرجل والمرأة فى النوم واليقظة لما روى أبو سعيد الجندى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال «الماء من الماء» روت أم سلمة رضى الله عنها قالت - جاءت أم سليم امرأة أبى طلحه الى النبى صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله ان الله لا يستحى من الحق هل على المرأة من غسل اذا هى احتلمت قال نعم اذا رأت الماء، فان احتلم ولم ير المنى أو شك هل خرج المنى لم يلزمه الغسل.
وان رأى المنى ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل لما روت عائشة رضى الله عنها أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد البلل ولا يذكر الاحتلام قال يغتسل وسئل عن الرجل يرى أنه احتلم ولا يجد البلل قال لا غسل عليه.
وان رأى المنى فى فراش نام فيه هو وغيره لم يلزمه الغسل لأن الغسل لا يجب بالشك والأولى أن يغتسل وان كان لا ينام فيه غيره لزمه الغسل.
(1)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 1 من ص 161 إلى ص 165 الطبعة السابقة، وبلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير ج 1 من ص 57 إلى ص 59 الطبعة السابقة.
والحيض يوجب الغسل لقول الله عز وجل «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ 1» قيل فى التفسير هو الاغتسال.
ودم النفاس يوجب الغسل لأنه حيض مجتمع ولأنه يحرم الصوم والوط ء ويسقط فرض الصلاة فأوجب الغسل كالحيض.
أما اذا ولدت المرأة ولدا ولم تر دما ففيه وجهان.
أحدهما أنه يجب عليها الغسل، لأن الولد منى منعقد.
والثانى لا يجب عليها الغسل، لأنه لا يسمى منيا.
وان استدخلت المرأة المنى ثم خرج منها لم يلزمها الغسل
(2)
.
وجاء فى نهاية المحتاج أن من موجبات الغسل الموت
(3)
.
وينظر تفصيل ذلك فى مصطلح «غسل الميت» .
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع موجبات الاغتسال ستة أشياء أيها وجد كان سببا لوجوبه.
أحدها خروج المنى من مخرجه ولو دما دفقا بلذة لقول على أن النبى صلى الله عليه وسلم قال اذا فضخت الماء فاغتسل وان لم تكن فاضخا فلا تغتسل رواه أحمد والفضخ هو خروجه بالغلبة فان خرج المنى من غير مخرجه المعتاد لم يجب غسل وان خرج من مخرجه بدون لذة كمرض أو برد من غير نائم أو من مجنون ومغمى عليه وسكران لم يوجب غسلا كذلك.
وان انتبه بالغ أو من يمكن بلوغه كأبن عشر وبنت تسع من نوم ووجد بللا ببدنه أو ثوبه جهل كونه منيا بلا سبب تقدم نومه من برد أو نظر أو فكر أو ملاعبة أو انتشار وجب الغسل احتياطيا.
وقال فى المبدع لا يجب وأن تقدم نومه سبب من برد أو نظر أو فكر أو ملاعبة أو انتشار لم يجب غسل لعدم تيقن الحدث والأصل بقاء الطهارة.
ولا يجب الغسل بحلم بلا بلل لحديث عائشة رضى الله عنها فان انتبه من احتلم ثم خرج المنى اذن وجب الغسل من حين الاحتلام.
وان وجد منيا فى ثوب لا ينام فيه غيره فعليه الغسل لوجود موجبه، وان كان ينام هو وغيره فى الثوب الذى وجد به المنى وكان من أهل الاحتلام فلا غسل عليهما لأن كلا منهما متيقن الطهارة شاك فى الحدث.
وان أحس رجل أو امرأة بانتقال المنى فحبسه فلم يخرج وجب الغسل كخروجه لأن الجنابة أصلها البعد لقول الله عز وجل «وَالْجارِ الْجُنُبِ» أى البعيد ومع الانتقال قد باعد الماء محله فصدق عليه اسم الجنب.
وفى المغنى أن وجوب الغسل هو المشهور عن أحمد وأنكر أن يكون الماء يرجع وأحب أن يغتسل ولم يذكر القاضى فى وجوب الغسل خلافا.
وظاهر قول الخرقى واحدى الروايتين عن أحمد أنه لا غسل عليه فان خرج المنى بعد الغسل من انتقاله لم يجب غسل آخر وكذلك لو خرج المنى بعد غسله من جماع لم ينزل فيه لغير شهوة لم يجب الغسل ولو خرج منى الرجل من فرج المرأة بعد غسلها فلا غسل عليها لأنه ليس منيها ومحل وجوب الغسل
(1)
الآية رقم 222 من سورة البقرة.
(2)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 29، ص 30 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج لابن شهاب الدين الرملى ج 1 ص 194 الطبعة السابقة.
بخروج المنى اذا لم يصر سلسا - أى ينزل فى فترات متقاربة لمرض قاله القاضى وغيره.
الثانى من موجبات الاغتسال تغيب حشفة أصلية أو قدرها ان فقدت بلا حائل فى فرج أصلى لحديث أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعا «اذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل» متفق عليه زاد أحمد ومسلم وان لم ينزل وفى حديث عائشة رضى الله عنها قالت:
قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل.
والمراد بالفرج قبلا كان أو دبرا من آدمى ولو مكرها أو من بهيمة لأنه ايلاج فى فرج أصلى من حى أو ميت ولو كان ذو الحشفة الأصلية مجنونا أو نائما أو مغمى عليه بأن أدخلتها المرأة فى فرجها فيجب الغسل على النائم والمجنون والمغمى عليه كما يجب الغسل على المجامعة ولو كانت مجنونة أو نائمة أو مغمى عليها لأن موجب الطهارة لا يشترط فيه القصد.
وان استدخلت المرأة الحشفة الأصلية من ميت أو بهيمة وجب عليها الغسل دون الميت فلا يعاد غسله لذلك ويعاد غسل الميتة الموطوءة، ولو كان المجامع غير بالغ فاعلا ومفعولا ان كان يجامع مثله كأبنة تسع وابن عشر.
قال الامام يجب على الصغير اذا وطئ والصغيرة اذا وطئت مستدلا بحديث عائشة رضى الله عنها فيلزم الغسل ابن عشر وبنت تسع اذا أراد ما يتوقف على الغسل فقط كقراءة القرآن.
ولو مات الصغير شهيدا بعد الجماع وقبل غسله فانه يغسل لوجوب الغسل قبله كما لو مات غير شهيد.
ويرتفع حدث الصغير لغسله قبل البلوغ فلا يجب عليه اعادته بعد بلوغه لصحة غسله.
ولا يجب الغسل لتغييب بعض الحشفة بلا انزال ولا بايلاج بحائل مثل أن يلف على ذكره خرقة أو أدخله فى كيس بلا انزال ولا يجب الغسل بالتصاق الختانين من غير ايلاج ولا بسحاق بلا انزال.
الثالث من موجبات الغسل: اسلام الكافر ولو مرتدا أو مميزا لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن ثمامة بن أثال أسلم فقال النبى صلى الله عليه وسلم اذهبوا به الى حائط - بستان - بنى فلان فمروه أن يغتسل رواه أحمد وعن قيس بن عاصم أنه أسلم فأمره النبى صلى الله عليه وسلم أن يغتسل بماء سدر رواه أحمد وأبو داود والنسائى والترمذى وسواء وجد منه فى كفره ما يوجب الغسل من نحو جماع أو انزال أولا.
ولا يلزم الذى أسلم غسل آخر بسبب حدث وجد منه فى حال كفره بل يكفيه غسل الاسلام الا أن ينوى على أن لا يرتفع غيره وقال أبو بكر لا غسل على الكافر اذا أسلم الا اذا وجد منه فى حال كفره ما يوجبه فيجب.
والحائض والنفساء والكتابيتان اذا اغتسلتا لوط ء زوج مسلم أو سيد مسلم ثم أسلمتا فلا يلزمهما اعادة الغسل لصحته منهما وعدم اشتراط النية فيه للعذر بخلاف ما لو اغتسل الكافر لجنابة ثم أسلم وجب عليه اعادة الغسل لعدم صحته منه.
الرابع من موجبات الغسل - الموت - لقوله عليه السلام. أغسلنها والغسل تعبدا لا عن حدث «وينظر تفصيل ذلك فى مصطلح غسل الميت» .
الخامس من موجبات الغسل. خروج الحيض لقول النبى صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت أبى حبيش: «واذا ذهبت فاغتسلى وصلى» متفق عليه وأمر به أم حبيبة وسهلة بنت سهيل وغيرهن يؤيده قول الله تعالى «فَإِذا تَطَهَّرْنَ}
{فَأْتُوهُنَّ} الآية
(1)
» أى اذا اغتسلن فمنع الزوج من وطئها قبل غسلها فدل على وجوبه عليها.
وكلام الخرقى يدل على أن الغسل يجب بالانقطاع وهو ظاهر الأحاديث.
وعلى ذلك فاذا استشهدت الحائض قبل الانقطاع فان قلنا يجب الغسل بخروج الدم وجب غسلها للحيض وان قلنا لا يجب الا بالانقطاع لم يجب الغسل لأن الشهيد لا يغسل ولم ينقطع الدم الموجب للغسل قاله المجد وابن عبيد الله والزركش وصاحب مجمع البحرين وغيرهم، وان كان على الحائض جنابة فليس عليها أن تغتسل للجنابة حتى ينقطع حيضها نصا لعدم الفائدة فان اغتسلت فى زمن حيضها صح غسلها ويزول حكم الجنابة لأن بقاء أحد الحدثين لا يمنع ارتفاع الآخر.
السادس من موجبات الغسل النفاس. وهو الدم الخارج بسبب الولادة ولا يجب الغسل بولادة عريت عن دم لأنه لا نص فيه ولا يحرم وطؤها قبل الغسل ولا يجب الغسل بالقاء علقة أو بالقاء مضغة لا تخطيط فيها لأن ذلك ليس ولادة
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى الأول من موجبات الاغتسال: ايلاج الحشفة أو ايلاج مقدارها - من الذكر الذاهب الحشفة والذاهب أكثر من الحشفة - فى فرج المرأة الذى هو مخرج الولد منها، بحرام أو حلال اذا كان تعمدا أنزل أو لم ينزل فان عمدت هى أيضا لذلك فكذلك أنزلت أو لم تنزل فان كان أحدهما مجنونا او سكران أو نائما أو مغمى عليه أو مكرها، فليس على من هذه صفته منهما الا الوضوء فقط اذا اذا أفاق أو استيقظ الا أن ينزل فان كان أحدهما غير بالغ فلا غسل عليه، فاذا بلغ لزمه الغسل فيما يحدث.
برهان ذلك ما روى عن عائشة رضى الله عنها عن النبى صلى الله عليه وسلم قال «اذا التقى الختانان وجب الغسل» .
وما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا قعد بين شعبها الأربع والزق الختان بالختان فقد وجب الغسل.
وانما قلنا بذلك فى العمد دون الأحوال التى ذكرنا، لأن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا قعد ثم أجهد» وهذا الاطلاق ليس الا للمختار القاصد، ولا يسمى المغلوب أنه قعد ولا النائم ولا المغمى عليه.
وأما المجنون فقد ذكرنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة فذكر عليه السلام المجنون حتى يفيق والصبى حتى يبلغ.
الموجب الثانى - الجنابة قال ابن حزم الظاهرى. لو أجنب كل من ذكرنا وجب عليهم غسل الرأس وجميع الجسد اذا أفاق المغمى عليه والمجنون وانتبه النائم وصحا السكران وأسلم الكافر، وبالاجناب يجب الغسل والبلوغ.
برهان ذلك قول الله تعالى «وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا}. الآية
(3)
».
والثالث من الموجبات: انقطاع دم الحيض فى مدة الحيض ومن جملته دم النفاس يوجب الغسل لجميع الجسد والرأس وهذا اجماع متيقن من خالفه كفر عن نصوص ثابتة.
(1)
الآية رقم 222 من سورة البقره.
(2)
كشاف القناع ومنتهى الارادات ج 1 ص 103 وما بعدها الطبعة السابقة، والمغنى لابن قدامة المقدسى على الشرح الكبير ج 1 ص 203 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
قال: ولا يوجب الغسل شئ غير ما ذكرنا أصلا لأنه لم يأت فى غير ذلك أثر صحيح البتة
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: موجباته خمسة.
الأول. الامناء لشهوة اجماعا، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «الماء من الماء» وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فى حديث على « .. المنى الماء الدافق، اذا وقع مع الشهوة أوجب الغسل» .
ثم قال: والمرأة كالرجل، ولها ماء، لقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: ان للمرأة ماء كماء الرجل: ولا شك فى الشهوة ما لم يمن، لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «لمن احتلم ولم يجد بللا لا غسل عليك.
ويغتسل الخنثى ان خرج المنى من فرجيه وفى أحدهما وجهان، وخروجه من الدبر لا يوجب اذ لا شهوة.
الموجب الثانى: توارى الحشفة فى الفرج لقول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 2» . والجماع جنابة لغة لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «اذا التقى الختانان وتوارت الحشفة فقد وجب الغسل، أنزل أو لم ينزل.
وفى الايلاج مع الحائل وجوه. موجب، لعموم الخبر، ولا كاللمس. ويوجب ان رق الحائل اذ هو كالمعدوم.
الثالث. الحيض اجماعا: لقول الله عز وجل «وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتّى يَطْهُرْنَ فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللهُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ 3» وقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم. واذا أدبرت فاغتسلى.
وفى وجوبه فيها وفى النفساء برؤية الدم أو انقطاعه وجهان: بالرؤية اذ هو السبب.
وبالانقطاع للحديث المتقدم ولا تغتسل لاستدخاله ولا لجنابة.
الرابع النفاس اجماعا، فان لم تر دما فلا غسل كخروج لحم.
الخامس موت مؤمن غير شهيد
(4)
، وينظر تفصيل ذلك فى مصطلح «غسل الميت» .
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: الاغسال الواجبة ستة:
غسل الجنابة والحيض والاستحاضة. مع غمس القطنة سواء سال عنها أم لا. لأنه موجب حينئذ فى الجملة والنفاس ومس الأموات من الناس قبل تغسيلهم وبعد بردهم وغسل الأموات بلا خلاف أجده فى شئ منها سوى غسل المس - أى مس الميت - فعن المرتضى القول باستحبابه - وهو ضعيف - ومن نص على وجوبه هنا من القدماء الشيخان والقاضى
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 2 ص 2 مسألة رقم 170، ص 2، ص 4 مسألة رقم 171، ص 5، ص 25 مسألة رقم 183، ص 27 مسألة رقم 187 الطبعة السابقة.
(2)
الآية السابقة من سورة المائدة رقم 6
(3)
الآية رقم 222 من سورة البقرة.
(4)
كتاب البحر الزخار ج 1 من ص 97 إلى ص 102 الطبعة السابقة، وكتاب شرح الأزهار ج 1 ص 106 الطبعة السابقة.
وابن زهرة وسلار وأبو الصلاح وابنا ادريس وسعيد وقد نفى الخلاف عنه بعضهم الا من المرتضى بل فى القنية الاجماع عليه وأما الخمسة فلا اشكال فى وجوبها.
ولو اغتسل ثم ارتد الكافر بعد اسلامه واغتساله ثم عاد لم يبطل غسله لعدم الدليل على كون الردة ناقضة للغسل كما هو واضح.
ولو كان الارتداد عن فطرة - وهو الذى انعقد وأحد أبويه مسلم
(1)
- فلا اشكال فى عدم صحة الغسل منه، وان كان مكلفا به وان قلنا بتوبة المرتد بالفطرة فى الباطن دون الظاهر احتمل القول بصحة الغسل منه كسائر العبادات
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: أجمع العلماء على وجوب الاغتسال من حيض ونفاس ووط ء فان اجتمع الثلاثة أو اثنان وجب غسل لكل واحد مثل أن تضيع الغسل من الحيض والجنابة حتى تحمل فاذا ولدت واعتدت اغتسلت ثلاثا أو جامعها فى الحيض أو فى النفاس فعليها ثلاث فان اجتمع حيض وجنابة أو نفاس وجنابة فاثنان اذا طهرت من حيض أو نفاس.
وقيل تغتسل من الجنابة ولو حائضا أو نفساء قبل الطهر.
وزعم بعض أنه يجزى واحد عن الثلاثة بقصدهن.
ويتفق الجنابة بالاحتلام فى الحيض والنفاس وبالعمد والجهل والنسيان.
وقيل يكفى غسل واحد للحيض والنفاس.
واذا ماتت حائض أو نفساء غسلت واحدا وقيل غسلتين.
وان طهرت وماتت قبل الغسل غسلت غسلة للحيض وغسلة للموت.
وقيل فى ذلك كله عند الموت بغسل واحد وغسل الميت.
ثم قال. وان كان الوط ء بلا انزال للنطفة أو به وان كان الانزال باحتلام ولو كان الاحتلام احتلاما لامرأة على الصحيح.
ويقابله عدم وجوب الغسل عليها باحتلام أو بغيره ولو أنزلت ما لم تغب فيها حشفة الذكر والصحيح أنه يلزمها بغيبوبة الحشفة.
وبكل انزال فى احتلام أو غيره وأنها تنزل كما فى أحاديث شبه الولد وأمه أو أبيه وحديث السائلة عمن تحتلم.
والخلاف فى أى وط ء يجب به الغسل.
فقيل بالتقاء البابين.
وقيل الرفقين.
وقيل بدخوله بين رجليها باجهاد.
وقيل بانزال فما لم يكن الانزال لا يجب ولو حصل لوط ء.
وان أنزل خارج فرجها فدخلت النطفة فرجها لزمها غسل.
وقيل لا وهو الصحيح ورجح وجوب الغسل بالتقاء الختانين وهو موضع الختان من الذكر والأنثى.
ثم قال: ولو كان الداخل من الذكر بحشفة أو كان قدرها ملفوفا فى شئ خشن أو لين أو مع
(1)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 2 ص 97 الطبعة السابقة.
(2)
جواهر الكلام شرح شرائع الإسلام ج 3 ص 2، ص 3، ص 40 الطبعة السابقة والروضة البهية ج 1 ص 28 الطبعة السابقة.
سكر أو اغماء أو جنون من فاعل أو مفعول به فى ذلك كله وانما يجب عليهم الغسل بعد افاقة.
وعن بعض أن من سكر أو أغمى عليه أو جن وجب عليه الغسل ولو بلا جماع وهو ضعيف اذ لا دليل على انزاله ان لم يظهر.
وهل موجب الغسل خروج المنى من الذكر وكذا فرج الأنثى لأى سبب خرجت النطفة أو لم تخرج أو وجود لذة المنى؟ هما قولان فان انتقل المنى من أصل مجاريه بلذة وجب الغسل عند من قال موجبه اللذة ولو بلا خروج، ثم ان خرج بدون لذة فى وقت ما بعد غسل أو دونه ففى اعادته ان غسل وايجابه ابتداء ان لم يغسل خلاف الايجاب عند من قال موجبه الخروج وعدمه عند من قال موجبه اللذة.
وجوز لرجل منفصل منه منى خاف خروجه من ذكره فعصر ذكره فرده داخلا أن يغتسل وان لم يستبرئ ومن أوجب الغسل بالخروج لم يوجبه عليه فان لم يخرج بل ذهب باطنا وتلاش فلم يخرج ببول ولا دونه فلا غسل عليه وقيل يلزمه لانفصاله عن مجاريه باللذة.
وقال فى الايضاح، والمجنب انما يجب عليه غسل الجنابة فى حين نزلت عليه الجنابة كان فى وقت صلاة أو غيره.
وقيل انما يجب عليه الغسل من الجنابة حين يمكنه الغسل فيما دون وقت الصلاة
(1)
.
أحكام الاغتسال
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: الغسل قد يكون فرضا وقد يكون واجبا وقد يكون سنة وقد يكون مستحبا.
أما غسل الفرض فقد بيناه وهو الغسل من الجنابة والحيض والنفاس.
وأما الغسل الواجب فهو غسل الموتى.
أما السنة فهو غسل يوم الجمعة ويوم عرفة والعيدين وعند الاحرام.
أما المستحب. فهو غسل الكافر اذا أسلم.
لما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل من جاءه يريد الاسلام وأدنى درجات الأمر الندب والاستحباب هذا اذا لم يعرف أنه جنب فأسلم فاذا علم كونه جنبا فأسلم، اختلف المشايخ فيه.
قال بعضهم لا يلزمه الاغتسال أيضا، لأن الكفار غير مخاطبين بشرائع هى من القربات والغسل يصير قربة بالنية فلا يلزمه.
وقال بعضهم يلزمه لأن الاسلام لا ينافى بقاء الجنابة وعلى هذا غسل الصبى والمجنون عند البلوغ والافاقة
(2)
.
والمستحب فى يوم الجمعة أن يغتسل، لأن الجمعة من أعظم شعائر الاسلام فيستحب أن يكون المقيم لها على أحسن وجه.
ولنا ما روى أبو هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال «من توضأ يوم الجمعة فيها ونعمت ومن اغتسل فهو أفضل.
وغسل يوم الجمعة هل هو لليوم أو للصلاة.
قال الحسن ابن زياد ليوم الجمعة اظهارا لفضيلته قال النبى صلى الله عليه وسلم ..
سيد الأيام يوم الجمعة.
وقال أبو يوسف لصلاة الجمعة لأنها مؤداة بشرائط ليست لغيرها فلها من الفضيلة ما ليس لغيرها.
(1)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 101 وما بعدها الطبعة السابقة، وكتاب الايضاح وحاشيته ج 1 ص 132 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 35 الطبعة السابقة.
وفائدة الاختلاف، أن من اغتسل يوم الجمعة ثم أحدث فتوضأ وصلى به الجمعة فعند أبى يوسف لا يصير مدركا لفضيلة الغسل.
وعند الحسن يصير مدركا لها وكذا اذا توضأ وصلى به الجمعة ثم اغتسل فهو على هذا الاختلاف، فأما اذا اغتسل يوم الجمعة وصلى به الجمعة فانه ينال فضيلة الغسل بالاجماع على اختلاف الأصلين لوجود الاغتسال والصلاة به
(1)
.
ويستحب فى يوم العيد أن يغتسل والاغتسال فى يوم العيد لما ذكر فى اغتسال الجمعة.
ومن سنن الحج اذا أراد أن يحرم اغتسل أو توضأ والغسل أفضل لما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما بلغ ذا الحليفة اغتسل لاحرامه وسواء كان رجلا أو امرأة والمرأة طاهرة من الحيض والنفاس أو حائض أو نفساء لأن المقصود من اقامة هذه السنة النظافة فيستوى فيها الرجل والمرأة.
وحال طهر المرأة وحيضها ونفاسها والدليل عليه أيضا ما روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم. لما نزل تحت الشجرة فى بيعة الرضوان أتاه أبو بكر الصديق رضى الله عنه وقال له: ان أسماء قد نفست وكانت قد ولدت محمد بن أبى بكر رضى الله عنه فقال له النبى صلى الله عليه وسلم امرها فلنغتسل ولتحرم بالحج وكذا روى أن عائشة رضى الله عنها حاضت فأمرها بالاغتسال والاهلال بالحج والأمر بالاغتسال فى الحديثين على وجه الاستحباب لا الايجاب لأن الاغتسال من الحيض والنفاس لا يجب حال قيام الحيض والنفاس وانما كان الاغتسال أفضل لأن النبى صلى الله عليه وسلم. اختاره على الوضوء لاحرامه وكان يختار من الأعمال أفضلها، وكذا أمر به عائشة وأسماء رضى الله عنهما. ولأن معنى النظافة فيه أتم وأوفر
(2)
.
ويغتسل يوم عرفة، وغسل يوم عرفة سنة، كغسل يوم الجمعة والعيدين وعند الاحرام، ثم غسل يوم عرفة لأجل يوم عرفة أو لأجل الوقوف فيجوز أن يكون على الاختلاف الذى ذكرنا فى غسل الجمعة
(3)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: وسن غسل كل مصل للجمعة ولو لم تلزمه الجمعة كالمسافرين والعبيد والنساء.
وصحة الغسل للجمعة بطلوع الفجر فلا يصح قبله واتصاله بالرواح الى المسجد ولا يضر الفصل اليسير فان فصل كثيرا بأن تغذى خارجه أو نام خارجه اختيارا أو اضطرارا أو طال أعاد لبطلانه
(4)
.
وسن للاحرام غسل متصل به متقدم عليه كالجمعة فان تأخر أحرامه كثيرا أعاده.
وقد اختلف هل هذا الاتصال من تمام السنة فاذا اغتسل غدوة وأخر الاحرام للظهر لم يجزه وهو الموافق لكلام المدونة. وقال الباسطى الاتصال سنة مستقلة فلو تركه أتى بسنة الغسل وفاته سنة الاتصال.
ويستثنى من طلب الاتصال من مكان بالمدينة ويريد الاحرام من ذى الحليفة فانه يندب له الغسل بالمدينة ويأتى لابسا لثيابه.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 269، ص 270، ص 279 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 2 ص 143، ص 144 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 151 الطبعة السابقة.
(4)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 168، ص 169 الطبعة السابقة، وشرح الخرشى على مختصر خليل ج 2 ص 84، ص 85 الطبعة السابقة.
ويندب غسل المعفو عنه اذا تفاحشت لذلك والاستحاضة من جملتها وأما قول بعضهم لاحتمال أن يكون خالط الاستحاضة حيض وهى لا تشعر ففيه نظر، لأنه يقتضى وجوب الغسل لا ندبه لوجود الشك فى الجنابة.
ومن الاغتسالات المندو به الغسل للكافر اذا أسلم وتلفظ بالشهادتين اذا لم يتقدم له سبب يقتضى وجوب الغسل من جماع أو انزال أو حيض أو نفاس للمرأة
(1)
.
وندب الغسل للعيدين ويدخل وقته بالسدس الأخير من الليل، وندب أيضا كونه بعد صلاة الصبح
(2)
.
كما يندب الغسل لدخول مكة أى فى ذى طوى فالغسل فى نفسه مندوب وكونه بهذا المكان مندوب ثان وذلك لغير حائض ونفساء لأنه للطواف وهى لا يمكنها الطواف وهى حائض أو نفساء
(3)
.
كما يندب اغتسال الغاسل للميت بعد فراغه من غسله لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به كما فى حديث أبى هريرة رضى الله عنه الذى فى الموطأ: من غسل ميتا فليغتسل
(4)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: السنة لمن أراد الجمعة أن يغتسل. لما روى ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من جاء منكم الجمعة فليغتسل ووقته ما بعد طلوع الفجر الى أن يدخل فى الصلاة فان اغتسل قبل طلوع الفجر لم يجزه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم. غسل الجمعة واجب على كل محتلم فعلقه على اليوم.
والأفضل أن يغتسل عن الرواح لحديث ابن عمر رضى الله عنه، لأنه انما يراد لقطع الروائح فاذا فعله عند الرواح كان أبلغ فى المقصود فان ترك الغسل جاز لما روى سمرة أن النبى صلى الله عليه وسلم قال من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل وروى عن أبى سعيد الحذرى وأبى هريرة رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من اغتسل يوم الجمعة واستن - أى استاك - ومس من طيب ان كانت عنده ولبس أحسن ثيابه وخرج حتى يأتى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع وأنصت اذا خرج الامام كانت كفارة ما بينها وبين الجمعة.
والسنة أن يغتسل للعيدين لما روى أن عليا وابن عمر رضى الله عنهما كانا يغتسلان ولأنه يوم عيد يجتمع فيه الكافة للصلاة فسن فيه الغسل لحضورها كالجمعة وفى وقت الغسل قولان أحدهما بعد الفجر كغسل الجمعة وروى البويطى أنه يجوز أن يغتسل قبل الفجر لأن الصلاة تقام فى أول النهار وتقصدها الناس من البعد فيجوز تقديم الغسل حتى لا يفوتهم فجوز على هذا القول أن يغتسل بعد نصف الليل كما يقول فى أذان الصبح.
ويستحب ذلك لمن يحضر الصلاة ولمن لا يحضر لأن القصد اظهار لزينة الجمال
(5)
.
وان أسلم الكافر ولم يجب عليه غسل فى حال الكفر فالمستحب أن يغتسل لما روى أنه أسلم قيس بن عاصم فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم. أن يغتسل ولا يجب ذلك لأنه
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 59 الطبعة السابقة، وشرح الخرشى ج 1 ص 165 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 176 الطبعة السابقة، وشرح الخرشى ج 2 ص 101، ص 102 الطبعة
(3)
بلغة السالك لأقرب المسالك ج 1 ص 255 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 182 الطبعة السابقة.
السابقة.
(5)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 117، ص 119 الطبعة السابقة.
أسلم خلق كثير ولم يأمرهم النبى صلى الله عليه وسلم بالغسل.
وان وجب عليه غسل فى حال الكفر ولم يغتسل لزمه أن يغتسل
(1)
.
والسنة أن يغتسل لصلاة الكسوف لأنها صلاة شرع لها الاجتماع والخطبة فليس لها الغسل كصلاة الجمعة.
ويستحب أن يتنظف لصلاة الاستسقاء بغسل وسواك لأنها صلاة يسن لها الاجتماع والخطبة فيشرع لها الغسل كصلاة الجمعة
(2)
.
ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: من غسل ميتا فليغتسل.
ولا يجب ذلك.
وقال البويطى ان صح الحديث قلت بوجوبه.
والأول أصح لأن الميت طاهر.
ومن غسل طاهرا لم يلزمه بغسله طهارة كالجنب وهل هو آكد أو غسل الجمعة فيه قولان.
قال فى القديم غسل الجمعة آكد لأن الأخبار فيه أصح.
وقال فى الجديد الغسل من غسل الميت آكد وهو الأصح لأن غسل الجمعة غير واجب.
والغسل من غسل الميت متردد بين الوجوب وغيره.
وفى مغنى المحتاج: يسن الغسل فى الحج لأمور سبعة.
أولها الاحرام أى عند اراداته بحج أو عمرة أو بهما أو مطلقا من رجل أو صبى أو امرأة أو حائض أو نفساء للاتباع وانما لم يجب لأنه غسل لمستقبل كغسل الجمعة والعيد ويكره تركه واحرامه جنبا وغير المميز يغسله وفيه لما روى أبو داود والترمذى خبر أن الحائض والنفساء تغتسل وتحرم وتقضى المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت.
والغسل الثانى لدخول الحرم.
والغسل الثالث لدخول مكة ولو حلالا للاتباع رواه الشيخان فى المحرم والشافعى فى الحلال.
والغسل الرابع بعد الزوال للوقوف بعرفة والأفضل كونه بنمرة ويحصل أصل السنة فى غيرها وقبل الزوال وبعد الفجر لكن تقريبه للزوال كتقريبه من ذهابه فى غسل الجمعة.
والغسل الخامس بعد نصف ليلة النحر للوقوف بمزدلفة عند المشعر الحرام غداة يوم النحر أى بعد فجره.
والغسل السادس فى كل يوم من أيام التشريق الثلاثة بعد الزوال للرمى أى رمى الجمرات الثلاث لآثار وردت فيها ولأنها مواضع اجتماع فأشبه غسل الجمعة ولو قدم الغسل على الزوال حصل أصل السنة نظير غسل الجمعة وان خالف فى ذلك بعض المتأخرين.
والغسل السابع لدخول المدينة ولا يسن الغسل للمبيت بمزدلفة لقربه من غسل عرفة ولا لرمى يوم النحر اكتفاء بغسل العيد ولا لطواف القدوم لقربه من غسل الدخول
(3)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 20 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1، 1204 الطبعة السابقة.
(3)
مغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 462، ص 463 طبع المطبعة الميمنية بمصر سنة 1308 هـ.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يسن الغسل لصلاة الجمعة لحديث أبى سعيد مرفوعا. غسل الجمعة واجب على كل محتلم وقوله عليه الصلاة والسلام من جاء منكم الجمعة فليغتسل وقوله واجب معناه متأكد الاستحباب.
ويدل عليه ما روى الحسن عن سمرة ابن جندب أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل: رواه أحمد وأبو داود والترمذى وذلك لحاضرها أى الجمعة فى يومها وأوله من طلوع الفجر فلا يجزئ الاغتسال قبله ان صلاها ولو لم تجب عليه كالعبد لعموم ..
من جاء منكم الجمعة.
ولا يستحب غسل الجمعة لأمرأة نصا وغسل الجمعة آكد الاغتسال المسنونة.
ويسن الغسل أيضا لصلاة عيد لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يغتسل لذلك ولا يجزئ الغسل للعيد قبل طلوع الفجر وقال ابن عقيل ان المنصوص عن أحمد انه قبل الفجر وبعده لأن زمن العيد أضيق من الجمعة والغسل انما يكون لحاضر العيد ان صلى العيد.
ويسن الاغتسال لصلاة كسوف واستسقاء لأنه عبادة يجتمع لها الناس أشبهت الجمعة والعيدين.
ويسن الغسل من غسل ميت مسلم أو كافر لما روى أبو هريرة رضى الله عنه مرفوعا:
من غسل ميتا فليغتسل.
ويسن الغسل لافاقة من جنون أو اغماء بلا انزال منى فيهما قال ابن المنذر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: اغتسل من الاغماء متفق عليه من حديث عائشة رضى الله عنها والجنون فى معناه بل أولى وان تيقن معهما الاتزال وجب الغسل لأنه من جملة الواجبات كالنائم وان وجد بعد الافاقة بلة لم يجب الغسل قال الزركشى على المعروف من المذهب لأنه يحتمل ان تكون لغير شهوة أو مرض نص عليه فى المبدع.
ويسن الغسل لاستحاضة لكل صلاة لأن أم حبيبة استحيضت فسألت النبى صلى الله عليه وسلم عن ذلك فأمرها أن تغتسل فكانت تغتسل عند كل صلاة متفق عليه، ويسن الغسل لاحرام لما روى زيد ابن ثابت رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم. تجرد لاهلاله واغتسل رواه الترمذى وحسنه. وظاهره ولو مع حيض ونفاس وصرح به فى المنتهى لأن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن أبى بكر بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه أن يأمرها أن تغتسل وتهل رواه مسلم ويسن غسل لدخول مكة ولو مع حيض ودخول حرم مكة ووقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة ورمى جمار وطواف زيارة ووداع لأنها أنساك يجتمع لها الناس ويزدحمون فيعرقون فيؤذى بعضهم بعضا فاستحب كالجمعة
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى. غسل يوم الجمعة فرض لازم لكل بالغ من الرجال والنساء لما روى عن عمرو بن سليم الأنصارى قال. أشهد على أبى سعيد الحدرى قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم وأن يستن «أى يستعمل السواك» وأن يمس طيبا قال عمرو بن سليم أما الغسل فأشهد انه واجب وأما الاستنان والطيب فالله أعلم أواجب هو أم لا ولكن هكذا فى الحديث، وغسل يوم الجمعة انما هو لليوم لا للصلاة.
(1)
كشاف القناع ومنتهى الارادات - ج 1 ص 111، ص 112، ص 113 الطبعة السابقة.
برهان ذلك ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال اغتسلوا يوم الجمعة وان لم تكونوا جنبا وأصيبوا من الطيب.
ومنها الغسل من غسل الميت ولذا قال ابن حزم من غسل ميتا متوليا ذلك بنفسه بصب أو عرك فعليه أن يغتسل فرضا.
برهان ذلك ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ.
ومنها أيضا غسل الحج أو العمرة بالنسبة للنفساء والحائض فأيتهما أرادت الحج أو العمرة ففرض عليها أن تغتسل ثم تهل.
برهان ذلك ما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت. نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبى بكر الصديق بالشجرة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضى الله عنه أن تغتسل وتهل.
والمتصلة الدم الأسود الذى لا يتميز ولا تعرف هى أيامها فان الغسل فرض عليها ان شاءت لكل صلاة فرض أو تطوع، وان شاءت اذا كان قرب آخر وقت الظهر اغتسلت وتوضأت وصلت الظهر يقدر ما تسلم منها بعد دخول وقت العصر ثم تتوضأ وتصلى العصر.
ويستجب الغسل عند الإحرام للرجال والنساء وليس فرضا الا على النفساء وحدها لحديث أسماء بنت عميس السابق
(1)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: الغسل عندهم اما واجب أو مسنون أو مندوب.
فالواجب ما مر ذكره.
وأما المسنون فثلاث.
الأول: غسل الجمعة فقد جاء فى البحر الزخار
(2)
، وغسل الجمعة مشروع اجماعا، وهو سنه لحديث سمرة بن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وسلم قال «من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل.
وأما ما أخرجه الستة الا الترمذى من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم «الغسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم» وقوله حق الله على كل مسلم «فقد يعبر عن المسنون بالواجب والحق ترغيبا.
الثانى: غسل العيدين قال فى البحر
(3)
: ويسن الغسل للعيدين لقول على عليه السلام أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغسل يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم العيد.
وقال فى شرح الأزهار
(4)
: والمذهب أن غسل العيدين للرواح للصلاة وليس لليوم، ومن ثم قال عليه السلام: ولو اغتسل لهما قبل الفجر فانه مستن.
وحكى فى الزوائد عن الهادى والناصر والمؤيد بالله أنه لا يجزى قبل الفجر ويحضر الصلاة بهذا الغسل ان لم يحدث والا أعاده قبلها وهل يسن للمنفرد أو لمن حضر الجماعة فقط؟ الظاهر أنه مسنون لهما، وظاهر كلام القاسم يقتضى أنه انما يسن لمن أراد الصلاة فقط.
الثالث غسل يوم عرفة قال فى البحر
(5)
يسن
(1)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 2 ص 8 مسألة رقم 178، ص 9، ص 19 مسألة رقم 19، ص 20، ص 21 مسألة رقم 181، ص 27 مسألة رقم 186 الطبعة السابقة، والمحلى ج 7 ص 82 مسألة رقم 844 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ج 1 ص 109، ص 110 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الأزهار النزع من الغيث المدرار ج 1 ص
(4)
كتاب البحر الزخار ج 1 ص 110 الطبعة السابقة.
119 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار ج 1 ص 110 الطبعة السابقة.
الغسل يوم عرفة، لخير على المتقدم «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال فى شرح الأزهار
(1)
: واختلف فى وقته فقال أبو العباس الحسنى: من الفجر الى الغروب وفى الزوائد من بعد الزوال.
ومن الأغسال المندوبة: أولا: غسل ليالى القدر فى البحر
(2)
وندب الاغتسال فى ليالى القدر، لما روى أن النبى صلي الله عليه وآله وسلم أنه كان يعتزل النساء فى ليالى القدر ويغتسل.
وقال فى شرح الأزهار
(3)
أنه يسن لها الغسل - أى يندب - بين العشاءين، وكذا بعدهما الى الفجر.
الثانى غسل الاحرام قال فى البحر
(4)
: وندب للاحرام، لأمره صلى الله عليه وآله وسلم أسماء بنت عميس فى حديث طويل بالغسل، ثم قال:
وفيه نظر.
الثالث: الغسل لدخول الحرم قال فى البحر
(5)
يندب لدخول الحرم، لفعله صلى الله عليه وآله وسلم فقد روى مسلم وغيره عن ابن عمرو أنه كان لا يقدم الا بات بذى طوى حتى يصبح، ويغتسل ثم يدخل مكة، ويذكر عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يفعله. وروى عن على عليه السلام وأولاده الحسنين ومحمد أنهم كانوا يغتسلون بذى طوى.
ثم قال فى الشرح: ولا دلالة فى هذه الأخبار على ندب الغسل لدخول الحرم المحرم وانما يدل على ندب الغسل لدخول مكة، لأن ذا طوى موضع بالقرب من مكة معروف.
وقال فى شرح الأزهار
(6)
: وأحد قولى الناصر أن الغسل لدخول الحرم واجب.
الرابع والخامس والسادس والسابع: يندب لدخول مكة والكعبة والمدينة وقبر النبى صلى الله عليه وآله وسلم.
الثامن الغسل بعد غسل الميت قال فى البحر
(7)
: وندب بعد غسل الميت، لما رواه أبو داود عن عائشة وأبى هريرة رضى الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «من غسل ميتا فليغتسل» وقلنا مندوب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «لا غسل عليكم من غسل ميتكم، حسبكم أن تغسلوا أيديكم» .
وقال فى شرح الأزهار
(8)
هو مسنون ما لم يصبه شئ، فان أصابه شئ وجب .. وأحد قولى الناصر أنه واجب.
التاسع: الغسل بعد الحجامة قال فى البحر:
ويندب الغسل بعد الحجامة لقوله عليه السلام:
الغسل: من الحجامة سنة.
العاشر: بعد الحمام قال فى البحر. يندب بعد الحمام.
وقال فى شرح الأزهار: قال الفقيه حسن ولا فرق بين أن يكون الحمام للعرق أو يكون فيه ماء.
الحادى عشر: بعد الاسلام قال فى البحر
(9)
«يندب الغسل بعد الاسلام لمن كان كافرا ثم أسلم، وهذا اذا لم يكن ترطب فى حال كفره بعرق
(1)
شرح الأزهار ج 1 ص 119 الطبعة السابقة.
(2)
البحر الزخار ج 1 ص 112 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب شرح الأزهار ج 1 ص 119، ص 120 الطبعة السابقة.
(4)
البحر الزخار ج 1 ص 110، ص 111 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 111 الطبعة السابقة.
(6)
شرح الأزهار ج 1 ص 120 الطبعة السابقة.
(7)
البحر الزخار ج 1 ص 111 الطبعة السابقة.
(8)
شرح الأزهار ج 1 ص 120 الطبعة السابقة.
(9)
البحر الزخار ج 1 ص 120، ص 121 الطبعة السابقة.
او غيره، فان كان قد ترطب وجب غسل المترطب واستحب غسل الباقى وهذا بالنسبة للمرتد أما الكافر الأصلى فقد ترطب بالولادة.
وقال فى شرح الأزهار
(1)
ويندب الغسل لمزدلفة تشريفا كالحرم وأيام التشريق كالجمعة ولطواف الوداع ولمجنون أفاق اذ لا يأمن التجنس والامناء، والغدير والمباهلة وهو اليوم الرابع من شوال ومولد النبى صلى الله عليه وسلم باثنى عشر ربيع.
وقال الناصر والامام يحيى. وبندب لدعاء الاستفتاح ولزيارة قبور الأئمة والصالحين.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام. أما الأغسال المسنونة فالمشهورة منها ثمانية وعشرون غسلا: ستة عشر للوقت، وهى غسل يوم الجمعة ووقته ما بين طلوع الفجر الى زوال الشمس وكل ما قرب من الزوال كان أفضل وبجواز تعجيله يوم الخميس لمن خاف عوز الماء وقضاؤه يوم السبت - وستة فى شهر رمضان أول ليلة منه وليلة النصف وسبع عشرة وتسع عشرة واحدى وعشرين وثلاث وعشرين وليلة الفطر ويومى العيدين وعرفة وليلة النصف من رجب ويوم السابع والعشرين منه وليلة النصف من شعبان ويوم الغدير ويوم المباهلة.
وسبعة للفعل وهى غسل الاحرام وغسل زيارة النبى صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام وغسل المفرط فى صلاة الكسوف مع احتراق القرص اذا أراد قضاءها على الأظهر وغسل التوبة سواء كان عن فسق أو كفر وصلاة الحاجة وصلاة الاستخارة.
وخمسة للمكان وهى غسل دخول الحرم والمسجد الحرام والكعبة والمدينة ومسجد النبى صلى الله عليه وسلم
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: سن الغسل بلا جنابة للجمعة وقيل بوجوبه.
ويغسل أيضا الاغتسال للعيدين والحجامة - بكسر الحاء - يعنى بعدها لزيادة التنظيف ومثل الحجامة الفصد.
ويستحب الغسل لدخول الحرم ولدخول المسجد الحرام.
وندب الغسل للوقوف بعرفة وللمبيت بالمزدلفة وللطواف والسعى وكذا غسل من غسل الميت.
كما يندب الغسل من الاستحاضة عند انقطاع الدم لا قبله وقيل عند كل صلاتين وعند صلاة الفجر وقيل عند كل صلاه وقيل غسل لصلاة الليل وغسل لصلاة النهار
(3)
.
شراء ماء الاغتسال
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: اختلف المشايخ فيمن يجب عليه ثمن ماء الاغتسال فقال بعضهم لا يجب على الزوج سواء كانت المرأة غنية أو فقيرة، غير أنها ان كانت فقيرة يقال للزوج اما أن تدعها حتى تنتقل الى الماء أو تنقل الماء اليها.
وقال بعضهم يجب وهو قول الفقيه أبى الليث
(1)
شرح الأزهار ج 1 ص 120 الطبعة السابقة.
(2)
شرائع الإسلام ج 1 ص 127 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 97، ص 96 الطبعة السابقة.
لأنه لا بد لها منه فنزل نزلة الماء الذى للشرب وذلك عليه وكذا هذا
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: لزم شراء الماء بثمن اعتيد وأن بذمته أن لم يحتج له أى يجب على المكلف الذى لم يجد ماء لطهارته أن يشتريه بالثمن المعتاد فى ذلك المحل وان كان الثمن فى ذمته بأن يشتريه بثمن الى أجل معلوم ان كان غنيا ببلده أو بترجى الوفاء ببيع شئ أو اقتضاء دين أو نحو ذلك ومحل وجوب شرائه اذا لم يحتج لذلك الثمن فى مصارفه والا جاز له التيمم
(2)
انظر تيمم.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: وفى ثمن الماء الذى تغتسل به وجهان.
أحدهما يجب على الزوج لأنها غرامة تتعلق بالوط ء فكانت على الزوج كالكفارة.
والثانى يجب عليها لأن الغسل يجب للصلاة فكان ثمن الماء عليها
(3)
.
وفى نهاية المحتاج: ويجب فى الوقت شراؤه.
أى الماء. وان لم يكفه ولو بمحل يلزمه فيه القضاء فيما يظهر بثمن مثله أن قدر عليه بنقد أو عرض لأنه قادر على استعمال الماء فان بيع بغبن لم يكلف شراءه للضرورة، وان قلت الزيادة وأن بيع نسيئة لزمه شراؤه ان كان موسرا وماله حاضر أو غائب والأجل ممتد الى وصوله له، ولو زيد فى ثمنه بسبب التأجيل زيادة لائقة بالأجل لم يخرج بها عن كونه ثمن مثله، والمراد به القدر اللائق به فى ذلك الزمان والمكان ولا تعتبر حالة الاضطرار. فقد تصل الشربة دنانير ويبعد فى الرخص ايجاب مثل ذلك، نعم يسن له شراؤه اذا زاد على ثمن مثله وهو قادر على ذلك
(4)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: من عدم الماء ووجده يباع بثمن مثله فى موضعه أو زيادة يسيرة يقدر على ذلك مع استغنائه عنه لقوته ومؤنة سفره لزمه شراؤه وان كانت الزيادة كثيرة تجحف بماله لم يلزمه شراؤه لأن عليه ضررا وان كانت الزيادة كثيرة لكن لا تجحف بماله فقد توقف أحمد فيمن بذل له ماء بدنانير ومعه مائة دينار فيحتمل اذن وجهين.
أحدهما يلزمه شراؤه لأنه واجد للماء قادر عليه فيلزمه استعماله.
والثانى لا يلزمه شراؤه لأن عليه ضررا فى الزيادة الكثيرة فلم يلزمه بذلها كما لو خاف لصا يأخذ من ماله ذلك المقدار فان لم يكن معه ثمنه فبذل له بثمن فى الذمة يقدر على ادائه فى بلده فقال القاضى يلزمه شراؤه لأنه قادر على أخذه بما لا مضرة وقيل لا يلزمه شراؤه لأنه عليه ضررا فى بقاء الدين
(5)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: لا يجوز شراء الماء ولا ببعه ولهذا قال ابن حزم. ليس على من لا ماء معه أن يشتريه لا للوضوء ولا للغسل لا بما قل ولا بما كثر، فان اشتراه لم يجزه الوضوء به ولا الغسل وفرضه التيمم ودليل هذا ما روى أن
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 38 الطبعة السابقة.
(2)
الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 69 الطبعة السابقة.
(3)
المهذب للشيرازى ج 1 ص 215 الطبعة السابقة.
(4)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج ج 1 ص 255 الطبعة السابقة.
(5)
المغنى لابن قدامة المقدسى على الشرح الكبير ج 1 ص 244، 245 الطبعة السابقة.
رسول الله صلى الله عليه وسلم. نهى عن بيع الماء.
وروى أنه سمع عن أبى هريرة رضى الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ.
قال أبو محمد فاذا نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيعه فبيعه حرام، واذ هو كذلك فأخذه بالبيع أخذ بالباطل، واذ هو مأخوذ بالباطل فهو غير متملك له، واذ هو غير متملك له فلا يحل استعماله له لقول الله عز وجل «وَلا 1 تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوالِ النّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ» ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن دماءكم وأموالكم عليكم حرام» فاذا لم يجده الا بوجه حرام. من غصب أو بيع محرم. فهو غير واجد الماء، واذا لم يجد الماء ففرضه التيمم
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية. جاء فى شرح الأزهار: من عدم الماء فى ملكه وهو يجده بالثمن فانه يجب عليه شراؤه بما يجحف
(3)
.
مذهب الإمامية:
قال الإمامية: ماء غسل المرأة من الجنابة والحيض والنفاس وكذا أجرة تسخينه اذا احتاج اليه على زوجها على الأظهر لأنه يعد جزءا من نفقتها كما قر به الشهيد فى الذكرى وحكاه العلامة فى المنتهى عن جماعة ونسب فيه الى بعض التفصيل بين فقر الزوجة فعلى الزوج وغنائها فعليها
(4)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: والعادم للماء الذى لا يصل اليه الا بالشراء وليس عنده مال فانه يجزيه التيمم
(5)
.
(1)
الآية رقم 188 من سورة البقرة.
(2)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 1 ص 171 مسألة رقم 241، ص 125، ص 126 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 117 الطبعة السابقة.
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 90 الطبعة السابقة.
(5)
كتاب الايضاح مع حاشيته ج 1 ص 232 الطبعة السابقة.
غسل الميت
التعريف به:
غسل الشئ يغسله غسلا وغسلا: وقيل الغسل المصدر من غسلت والغسل بالضم الاسم من الاغتسال.
وقال اللحيانى. ميت غسيل فى أموات غسلى وغسلاء وميتة غسيل وغسيلة.
والغسول الماء الذى يغتسل به. والمغسل والمغتسل موضع غسل الميت
(1)
.
حكمه ودليله
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: غسل الميت واجب والدليل على وجوبه النص والاجماع والمعقول.
أما النص فما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: للمسلم على المسلم ست حقوق وذكر فى جملتها أنه يغسله بعد موته، ولفظ «على» يفيد الايجاب.
والاجماع منعقد على وجوبه.
أما المعقول فقد اختلفت فيه العبارات، فذكر محمد بن شجاع البلخى. أن الآدمى لا يتنجس بالموت كرامة له، ولكن وجب غسله للحدث لأن الموت لا يخلو عن سابقة حدث لوجود استرخاء المفاصل وزوال العقل والبدن فى حق التطهير لا يتجزأ فوجب غسله كله.
وعامة المشايخ قالوا: ان الميت يتنجس بالموت الا انه اذا غسل يحكم بطهارته كرامة له فكانت الكرامة عندهم فى الحكم بالطهارة عند وجود السبب المطهر فى الجملة وهو الغسل لا فى المنع من حلول النجاسة.
وعند البلخى فى امتناع حلول النجاسة وحكمها.
وقول العامة اظهر لأن فيه محلا بالدليلين، اثبات النجاسة عند وجود سبب النجاسة، والحكم بالطهارة عند وجود ماله أثر فى التطهير فى الجملة.
ولا شك أن هذا فى الجملة أقرب الى القياس من منع ثبوت الحكم أصلا مع وجود السبب
(2)
.
وهو واجب على الكفاية لحصول المقصود بالبعض، والواجب هو الغسل مرة واحدة والتكرار سنة وليس بواجب، حتى لو اكتفى بغسلة مرة واحدة أو غمسة فى ماء جار جاز لأن الغسل اذن وجب لازالة الحدث كما ذهب اليه البعض فقد حصل بالمرة الواحدة وان وجب لازالة النجاسة المتشربة فيه كرامة له على ما ذهب اليه العامة فالحكم بالغسل مرة واحدة أقرب الى معنى الكرامة، ولو أصابه المطر لا يجزئ لأن الواجب فعل الغسل ولم يوجد، ولو غرق فى الماء فأخرج أن كان المخرج حركه كما يحرك الشئ فى الماء بقصد التطهير سقط الغسل والا فلا
(2)
، والشهيد لا يغسل لورود النص باستثنائه «أنظر مصطلح شهيد» .
مذهب المالكية:
قال المالكية
(3)
: اختلف هل الميت المسلم التقدم له استقرار حياة وليس بشهيد ولا فقد أكثره على قولين.
(1)
لسان العرب للامام العلامة ابن منظور ج 46 ص 494 «مادة غسل» طبع بيروت سنة 1374 هـ. وترتيب القاموس المحيط للزاوى ج 3 ص 345 الطبعة الأولى سنة 1959 «مادة غسل» .
(2)
كتاب بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى ج 1 ص 299، ص 300 الطبعة الأولى سنة 1327 هـ طبع مطبعة شركة المطبوعات العالمية بمصر.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 30 وما بعدها الطبعة السابقة.
أحدهما أنه واجب على الكفاية وشهره ابن رشد وابن فرحون والثانى أنه سنة وشهره ابن بريزة
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية. غسل الميت فرض على الكفاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الذى سقط عن بعيره اغسلوه بماء وسدر
(2)
، وللاجماع على ما حكاه فى أصل الروضة وللأمر به فى الأخبار الصحيحة فى المسلم غير الشهيد والمشهور أن المخاطب بذلك كل من علم بموته من قريب أو غيره
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة. غسل الميت فرض على الكفاية لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الذى وقصته راحلته «اغسلوه بماء وسدر وكفنوه فى ثوبيه» متفق عليه من حديث ابن عباس ويتعين مع جنابة أو حيض ويسقطان به، وحمله صاحب المنتهى على أنه ينتقل الى ثواب فرض العين اذن لأن الغسل تعين على الميت قبل موته ثم مات، وهو فى ذمته فالذى يتولى غسله ينوب منابه فى ذلك فيكون أكثر ثوابا
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى. غسل الميت المسلم الذكر والأنثى وتكفينهما فرض لما روى عن أم عطية الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال:
أغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك ان رأيتن ذلك بماء وسدر، واجعلنه فى الآخرة كافور أو شيئا من كافور، فأمر النبى عليه الصلاة والسلام بغسلها وأمره فرض ما لم يخرجه عن الفرض نص آخر.
ولا خلاف فى أن حكم الرجل والمرأة فى ذلك سواء، ومن لم يغسل ولا كفن حتى دفن وجب اخراجه حتى يغسل لما روى عن جابر بن عبد الله قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبى عبد الله بن أبى بن سلول بعد ما أدخل حفرته، فأمر به فأخرج فوضعه على ركبته ونفث عليه من ريقه والبسه قميصا:
وأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالغسل والكفن ليس محدودا بوقت فهو فرض أبدا وان تقطع الميت هذا لا يمنع من غسله ومن حمل عن المعركة وهو حى فمات غسل، وكل ما ذكرنا من غسل الميت، أنه فرض على الكفاية فمن قام به سقط عن سائر الناس
(5)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية. حكم غسل الميت الوجوب.
فقد جاء فى شرح الأزهار ويجب غسل الميت
(6)
.
(1)
شرح الخرشى على مختصر خليل مع حاشية العدوى مطبعة عيسى البابى الحلبى وشركاه بمصر.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 127 طبع الشربينى ج 1 ص 326 طبع الطبعة اليمنمية بمصر سنة 1308 هـ.
(3)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للخطيب عليه ج 2 ص 113 الطبعة الثانية سنة 1317 هـ طبع الطبعة الكبرى الأميرية بمصر، وبلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 181 وحاشية الصاوى عليه طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
(4)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن أدريس الحنبلى مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 378، ص 379 الطبعة الأولى سنة 1319 هجرية طبع المطبعة العامرة الشرقية.
(5)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 113 مسألة رقم 558، ص 114 مسألة رقم 559، ص 115، ص 116 ص 121 مسألة رقم 567 الطبعة الأولى سنة 349 هـ ادارة الطباعة المنيرية طبع مطبعة النهضة بمصر.
(6)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار وحاشيته لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 403 الطبعة الثانية سنة 1357 هـ طبع مطبعة حجازى بمصر.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية. هو فرض على الكفاية
(1)
، وفى المستمسك يجب كفاية تغسيل كل مسلم واستدل له باطلاق بعض النصوص مثل موثق سماعة عن أبى عبد الله عليه السلام قال:
وظاهر ما فى التذكرة ونهاية الأحكام من الاجماع على وجوب تغسيل كل مسلم
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية. غسل الميت واجب على من حضره قبل دفنه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اغسلوا موتاكم» وغسل الميت فرض على الكفاية اذا قام به البعض سقط عن الباقين.
وجاء فى شرح النيل: أنه مندوب.
والصحيح انه واجب
(3)
.
وقيل بوجوب الغسلات الثلاث.
ولا يقال بوجوب السدر والكافور.
وقيل بوجوبه.
والقول بوجوب الغسلة الواحدة هو الأصح وكون بقية الغسلات مستحبة قال فى الايضاح هو الأصح عندى
(4)
.
الماء الذى يغسل به الميت
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: يغسل الميت فى المرة الأولى بالماء القراح وفى المرة الثانية يغسل بماء السدر أو ما يجرى مجراه مبالغة فى التنظيف لأن ذلك أبلغ فى التطهير وازالة الدرن.
وقيل بغسل فى المرة الثانية بالماء يغلى فيه السدر أو الحرض فان لم يكن واحد منهما فبالماء القراح أما الغسلة الثالثة فتكون بالماء القراح
(5)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: يكون الغسل بماء مطلق على المشهور بناء على أن الغسل تعبد، ويحمل قول من قال. وللغسل سدر على غير الأولى لما صرح به ابن حبيب.
وماء زمزم كغيره مع الكراهة بناء على نجاسة الآدمى بالموت وعلى طهارته يجوز الا أن يكون فى جسده نجاسة فقول ابن شعبان لا يغسل بماء زمزم ميت، ولا نجاسة، أن حمل على الكراهة كان وفاقا، وان حمل على المنع فلا وجه له عند مالك وأصحابه
(6)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: والمستحب أن تكون الغسلة الأولى بالماء والسدر لما روى ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فى المحرم الذى خر من بعيره «أغسلوه بماء وسدر» ولأن السدر ينظف
(1)
شرح الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للحقق الحلى ج 1 ص 34 طبع مطابع دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ببيروت.
(2)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى ج 4 ص 53 طبع مطبعة النجف الطبعة الثانية سنة 1376 هـ.
(3)
كتاب الايضاح للامام الشيخ عامر بن على الشماضى مع حاشية الشيخ عبد الله بن سعيد السدويكش ج 1 ص 578 طبع مطبعة الشيخ محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1304 هـ.
(4)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 643، ص 644 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر والايضاح مع حاشيته ج 1 ص 578، ص 579 الطبعة السابقة.
(5)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 301 الطبعة السابقة.
(6)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 2 ص 113 الطبعة السابقة، بلغة السالك لاقرب المسالك على الشرح الصغير لدردير ج 1 ص 181 الطبعة السابقة.
الجسم، ثم يغسل بالماء القراح، ويجعل فى الغسلة الأخيرة شيئا من الكافور لما روت أم سليم أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: اذا كان فى آخر غسلة من الثلاث أو غيرها فاجعلى فيه شيئا من الكافور.
والأولى أن يكون بماء بارد ولأنه يشد البدن الا أن يحتاج الى السخن لوسخ أو برد ونحوه فيسخن قليلا قليلا ولا يبالغ فى تسخينه لئلا يسرع اليه الفساد
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: المنصوص عن أحمد رحمه الله أنه يستحب أن يغسل بماء وسدر، قال صالح قال أبى: الميت يغسل بماء وسدر ثلاث غسلات، قلت: فيبقى عليه؟ قال أى شئ يكون هو أنقى له، وذكر عن عطاء أن ابن جريح قال له: انه يبقى عليه السدر اذا غسل به كل مرة قال عطاء: هو طهور، واحتج أحمد بحديث أم عطية الأنصارية قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفيت ابنته فقال:
وذهب كثير من أصحابنا المتأخرين الى أنه لا يترك فى الماء سدر يغيره.
ثم اختلفوا فقال ابن حامد يطرح فى كل المياه شئ يسير من السدر لا يغيره ليجمع بين العمل بالحديث ويكون الماء باقيا على اطلاقه.
وقال القاضى وأبو الخطاب يغسل أول مرة بالسدر ثم يغسل بعد ذلك بالماء القراح فيكون الجميع غسلة واحدة ويكون الاعتداد بالآخر دون الأول لأن السدر ان غير الماء سلبه الطهورية وان لم يغيره فلا فائدة فى ترك يسير لا يؤثر، فان لم يجد السدر غسله بما يقوم مقامه ويقرب منه كالخطمى ونحوه لحصول المقصود به، وان غسله بذلك مع وجود السدر جاز، لأن الشرع ورد بهذا لمعنى معقول وهو التنظيف فيتعدى الى كل ما وجد فيه المعنى، والماء الحار يستعمل ان احتج اليه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: يغسل بماء قد رمى فيه شئ من سدر ولا بد، ان وجد فان لم يوجد فبالماء وحده
(3)
لحديث أم عطية السابق ذكره فى مذهب الحنابلة.
مذهب الزيدية:
يغسل الميت بالماء القراح، ثم بالماء الممزوج بالكافور، بحيث لا يتغير لونه ولا طعمه. ويعفى عن الرائحة لأنها مقصودة
(4)
.
قال الشيعة الإمامية. يغسل بماء يصاحب لشئ من السدر ثم بماء مصاحب لشئ من الكافور ثم يغسل ثالثا بالماء القراح وهو المطلق الخالص من الخليط.
وكل واحد من هذه الأغسال يغسل فيه كما يغسل من الجنابة.
وأقل ما يلقى فى الماء من السدر والكافور ما يقع عليه الاسم وقيل سبع ورقات.
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 128، ص 129 الطبعة السابقة، ومغنى المحتاج للخطيب الشربينى ج 1 ص 326، ص 327 الطبعة السابقة.
(2)
المغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامه القدسى والشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج بن أحمد بن قدامه القدسى ج 2 ص 321 الطبعة الأولى سنة 1348 ج طبع مطبعة المنار بمصر.
(3)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 121 مسألة رقم 567 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 413 الطبعة السابقة.
ولو عدم الكافور والسدر غسل بالماء القراح
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية. الماء الذى يغسل به الميت هو الماء الذى يغتسل به الجنب وقيل ان غسل بماء كدور أو طبخ فيه طعام أو وقع فيه أو ماء صبغ ونحو ذلك كفى ان لم يؤثر فى الجسد وان غسل بماء حرام كفى وقيل لا ولزم الضمان.
ويجوز بماء الدلالة
(2)
، وندب غسله ثلاثا أولها بماء قراح وينبغى أن يكون بين الحرارة والبرودة وكذا ينبغى فى الثانية والثالثة بماء وورق سدر مدقوق وثالثتهما بماء وكافور
(3)
.
كيفية تغسيل الميت
مذهب الحنفية:
قال الحنفية يجرد الميت اذا أريد غسله لأن المقصود من الغسل هو التطهير ومعنى التطهير لا يحصل بالغسل وعليه الثوب لتنجس الثوب بالغسالات التى تنجست بما عليه من النجاسات الحقيقية وتعذر عصره وحصوله بالتجريد أبلغ فكان أولى، ويوضع على التخت لأنه لا يمكن الغسل الا بالوضع عليه لأنه لو غسل على الأرض لتلطخ.
ومن أصحابنا من قال يوضع الى القبلة طولا كما يفعل فى مرضه اذا أراد الصلاة بالايماء ومنهم من اختار الوضع عرضا كما يوضع فى قبره.
والأصح أنه يوضع كما تيسر لأن ذلك يختلف باختلاف المواضع وتستر عورته بخرقة لأن حرمة النظر الى العورة باقية بعد الموت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تنظروا الى فخذ حى ولا ميت» .
وقد روى الحسن عن أبى حنيفة أنه يؤزر بازار سابغ كما يفعله فى حياته اذا أراد الاغتسال.
والصحيح ما سبق من تجريده لأنه يشق غسل ما تحت الازار.
ثم الخرقة ينبغى أن تكون ساترة ما بين السرة والركبة لأن كل ذلك عورة.
ثم تغسل عورته تحت الخرقة. بعد أن يلف الغاسل على يده خرقة لأن حرمة مس عورة الغير فوق حرمة النظر.
وهل يستنجى أو يكتفى بوصول الماء الى محل الاستنجاء؟ خلاف الا أن يكون بالمحل نجاسة فيجب غسله.
ثم يوضأ وضوءه للصلاة لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال للاتى غسلن ابنته ابدان بميامنها ومواضع الوضوء منها، ولأن هذا سنة الاغتسال فى حالة الحياة فكذا بعد الممات. الا أنه لا يمضمض الميت ولا يستنشق لأن ادارة الماء فى فم الميت غير ممكن ثم يتعذر اخراجه من الفم الا بالكب وذا مثلة مع أنه لا يؤمن أن يسيل منه شئ لو فعل ذلك به وكذا الماء لا يدخل الخياشيم الا بالجذب بالنفس وذا غير متصور من الميت، ولو كلف الغاسل ذلك لوقع فى الحرج وكذا لا يؤخر غسل رجليه عند التوضئة لأن الغسالة لا تتجمع على التخت فلم يكن التأخير مفيدا، وكذا لا يمسح رأسه لأن المسح حال الحياة سن تعبدا لا تطهيرا فلو سن
(1)
الروضة البهية شرح اللغة الدمشقية للشهيد السعيد الجبلى العاملى ج 1 ص 78 طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر، وشرائع الاسلام من الفقه الجعفرى للمت الحلى ج 1 ص 34 الطبعة السابقة.
(2)
الدلالة - حرفة الدلال - ما جعلته للدلال أو الدليل من الأجرة، وقبل الجامع بين السبعين، ترتيت القاموس المحيط «مادة دل» ج 2 ص 193 الطبعة السابقة.
(3)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 643، ص 644 الطبعة السابقة، والايضاح مع حاشية ج 1 ص 578، ص 579 الطبعة السابقة.
هنا لسن تطهيرا لا تعبدا، والتطهير لا يصل بالمسح ثم يغسل رأسه ولحيته بالخطمى
(1)
، لأن ذلك أبلغ فى التنظيف فان لم يكن فالصابون وما أشبهه فان لم يكن فيكفيه الماء القراح ولا يسرح شعره ثم يضجعه على شقة الأيسر لتحصل البداية بجانبه الأيمن اذ السنة هى البداية بالميامن فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه ويرى أن الماء قد خلص الى ما يلى التخت منه ثم يضجعه على شقه الأيمن فيغسله حتى يرى أن الماء قد وصل الى ما يلى التخت منه ثم يقعده ويسنده الى ظهره أو يده فيمسح بطنه مسحا رفيقا حتى ان بقى شئ عند المخرج يسيل منه، هكذا ذكر فى ظاهر الرواية.
وروى عن أبى حنيفة فى غير رواية الأصول أنه يقعده ويمسح بطنه أو لا ثم يغسله بعد ذلك ثلاث مرات فيطهر.
ووجه ظاهر الرواية أن الميت قد يكون فى بطنه نجاسة منعقدة لا تخرج بالمسح قبل الغسل وتخرج بعد ما غسل مرتين فكان المسح بعد المرتين أولى. والأصل فى المسح ما روى أن النبى صلى الله عليه وسلم لما تولى تغسيله على والعباس والفضل بن العباس وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسند على رسول الله صلى الله عليه وسلم الى نفسه ومسح بطنه مسحا رفيقا فلم يخرج منه شئ فقال على رضى الله عنه. طبت حيا وميتا.
ثم اذا مسح بطنه فان سال منه شئ يمسحه كيلا يتلوث الكفن ويغسل ذلك الموضع تطهيرا له عن النجاسة الحقيقية، ولا يعيد الغسل ولا الوضوء، لأن الموت أشد من خروج النجاسة ثم هو لم يمنع حصول الطهارة فلأن لا يرفعها الخارج، مع أن المنع أسهل أولى، ثم يضجعه على شقه الأيمن فيغسله بالماء القراح حتى ينقيه ليتم عدد الغسل ثلاثة، لما روت أم عطية فى الحديث السابق فى مذهب الظاهرية، ولأن الثلاث هو العدد المسنون فى الغسل حالة الحياة، ثم ينشفه فى ثوب لئلا تبتل أكفانه، وحكم المرأة فى الغسل حكم الرجل، وكذا الصبى فى الغسل كالبالغ لأن غسل الميت للصلاة عليه والصبى والمرأة يصلى عليهما الا أن الصبى اذا كان لا يعقل الصلاة لا يوضأ عند غسله لأن حالة الموت معتبرة بحالة الحياة وفى حالة الحياة لا يعتبر وضوء من لا يعقل فكذا بعد الموت، والمحرم وغير المحرم سواء لأن الاحرام ينقطع بالموت فى حق أحكام الدنيا
(2)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: غسل الميت كالغسل من الجنابة، الأجزاء كالأجزاء والكمال كالكمال الا ما يختص به غسل الميت كالتكرار ولا يكرر وضوء على الراجح ويبدأ بغسل يدى الميت أولا ثم يزيل الأذى ان كان ثم يوضئه مرة مرة ويثلث رأسه ثم يفيض الماء على شقه الأيمن ثم على الأيسر وهذا الغسل لا يحتاج الى نية لأن ما يفعله الشخص فى غيره لا يحتاج اليها.
وجاء فى بلغة السالك: يندب تجريد الميت من ثيابه بعد ستر عورته ووضعه على مرتفع حين الغسل لأنه أمكن لغاسله، وكون الغسل وترا ثلاثا أو خمسا لسبع، ثم المدار على الانقاء، ولا يعاد الغسل ولا الوضوء لخروج نجاسة بعد اتمامها وتغسل النجاسة فقط وندب عصر بطنه حال الغسل برفق لا بشدة وندب حينئذ كثرة صب الماء فى حال غسل مخرجيه لازالة النجاسة لأن الشأن فى الأموات كثرة ذلك، ولا يفضى الغاسل بيديه لغسل ذلك بل يلف خرقة كثيفة بيده حال غسل العورة من تحت السترة
(1)
الخطمى - نبات محلل وخلط بذره بالماء أو سحيق أصله يجمدانه - ترتيب القاموس المحيط ج 1 ص 75، ص 76 الطبعة السابقة.
(2)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 300، ص 301 الطبعة السابقة.
وله الافضاء للعورة ان اضطر اليه، وندب توضئته أولا بعد ازالة ما عليه من الأذى بالسدر والصابون فاذا أزاله شرع فى توضئته كالجنابة.
فيغسل يديه الى كوعيه ثلاثا ثم يمضمضه بأن يضع الماء فى فمه عند امالته لرأسه، وندب تعهد أنفه عند الاستنشاق بعد المضمضمة بخرقة نظيفة وكذلك أسنانه عند المضمضة، وندب امالة رأسه عند المضمضة والاستنشاق برفق ليتمكن من ذلك ولئلا يدخل الماء فى جوفه ثم يتمم وضوءه مرة مرة ثم يجعله على شقه الأيسر فيغسل الأيمن ثم يديره على الأيمن فيغسل الأيسر، بعد تثليث رأسه ثم يجعل الكافور فى ماء فيغسله به للتبريد وهذه هى صفة الغسلة الثالثة وهذا معنى قول بعضهم الأولى بسدر للتنظيف والثانية بمطلق للتطهير والثالثة بكافور للتبريد فان احتيج بعد ذلك للخامسة أو السابعة لكون جسده يحتاج لذلك لمرض زاد ما يحتاج اليه فى الحال
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية. المستحب أن يجلسه اجلاسا رفيقا ويمسح بطنه مسحا بليغا لما روى القاسم ابن محمد قال توفى عبد الله بن عبد الرحمن فغسله ابن عمر رضى الله عنه فنفضه نفضا شديدا وعصره عصرا شديدا ثم غسله، ولأنه ربما كان فى جوفه شئ فاذا لم يعصره قبل الغسل خرج بعده شئ وربما خرج بعد الكفن فيفسد الكفن وكلما أمر اليد على البطن صب عليه ماء كثيرا حتى ان خرج شئ لم تظهر رائحته ثم يبدأ فيغسل أسافله كما يفعل الحى اذا أراد الغسل ثم يوضأ كما يتوضأ الحى لما روت أم عطية فى الحديث السابق فى مذهب الظاهرية، لأن الحى يتوضأ اذا أراد الغسل يدخل أصبعه فى فيه ويسوك بها أسنانه، ولا يغفر فاه، ويتتبع ما تحت أظفاره ويكون ذلك بعود لين لا يجرحه ثم يغسله ويكون كالمنحدر قليلا حتى لا يجتمع الماء تحته فيستنقع فيه ويفسد بدنه، ويغسله ثلاثا، يبدأ برأسه ولحيته كما يفعل الحى فان كانت اللحية متلبدة سرحها حتى يصل الماء الى الجميع ويكون بمشط منفرج الأسنان ويمشطه برفق حتى لا ينتف شعره ثم يغسل شقه الأيمن حتى ينتهى الى رجله ثم شقه الأيسر حتى ينتهى الى رجله.
ثم يحرفه على جنبه الأيسر فيغسل جانب ظهره كذلك لحديث أم عطية السابق ذكره، والمستحب أن تكون الغسلة الأولى بالماء والسدر للحديث الذى سبق ذكره، لأن السدر ينظف الجسم ثم يغسل بالماء القراح ويغمض بصره ويشد لحييه بعصابة وفى الغسلة الأخيرة يجعل فى الماء شيئا من الكافور، لأن الكافور يقويه.
وهل يحتسب الغسل بالسدر من الثلاث أولا، وجهان.
قال أبو اسحاق يعتد به لأنه غسل بما لم يخالطه شئ.
ومن أصحابنا من قال لا يعتد به لأنه ربما غلب عليه السدر.
فعلى هذا يغسل ثلاث مرات بالماء القراح والواجب منها مرة مرة ويستحب أن يتعاهد أمرار اليد على البطن فى كل مرة فان غسل الثلاث ولم ينظف زاد حتى يتنظف، والسنة أن يغسله وترا خمسا أو سبعا، والفرض فى غسل الميت النية وغسل مرة واحدة، واذا فرغ من غسله أعيد تليين أعضائه، وينشف بثوب وان غسل وخرج منه شئ ففيه ثلاثة أوجه.
أحدها يكفيه غسل الموضع كما لو غسل وأصابته نجاسة من غيره.
والثانى يجب منه الوضوء لأنه حدث فأوجب الوضوء كحدث الحى.
(1)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 1 ص 114 الطبعة السابقة وبلغة السالك لأقرب المسالك على شرح الصغير للدردير ج 1 ص 181، ص 182، ص 183 الطبعة السابقة.
والثالث يجب الغسل منه لأنه خاتمة أمره فكان بطهارة كاملة وان تعذر غسله لعدم الماء أو غيره يمم لأنه تطهير لا يتعلق بازالة عين فانتقل فيه عند العجز الى التيمم كالوضوء وغسل الجنابة
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة المستحب تجريد الميت عند غسله وستر عورته بمئزر رواه الأثرم عن أحمد فقال:
يغطى ما بين سرته وركبتيه وهذا اختيار أبى الخطاب.
وجاء فى كشاف القناع: اذا شرع فى غسل الميت ستر عورته وجوبا ويسن من ابن سبع الى عشر ستر الفرجين فقط، أما أقل من ابن سبع سنين فلا بأس بغسله مجردا ثم بعد ذلك يجرده من ثيابه ندبا لأن ذلك أمكن فى تغسيله وابلغ فى تطهيره وأهون له من التنجيس اذ يحتمل حروجها منه، ولفعل الصحابة، ولو غسله فى قميص خفيف واسع الكمين جاز، قال أحمد يعجبنى أن يغسل وعليه ثوب يدخل يده من تحت الثوب، والاستحباب ألا يغسل تحت السماء بل يسن ستره حالة الغسل عن العيون لأنه ربما به عيب يستره فى حياته أو تظهر عورته، وكان ابن سيرين يستحب أن يكون البيت الذى يغسل فيه مظلما، وأن يغسل تحت ستر أو سقف ونحوه كخيمة لئلا يستقبل السماء بعورته، ويكره النظر اليه لغير حاجة، حتى الغاسل فلا ينظر الى ما لا بد منه، قال ابن عقيل لأن جميعه صار عورة اكراما له فلهذا شرع ستر جميعه بالتكفين ويستحب خضب لحية رجل ورأس امرأة ولو غير شائبين بحناء لقول أنس: أصنعوا بموتاكم ما تصنعون بعرائسكم، ثم يرفع رأسه برفق فى أول غسله الى قريب من جلوسه ولا يشق عليه.
قال فى المغنى، وتلين مفاصله أن سهلت عليه والا تركها وهو أن يرد ذراعيه الى عضدية وعضدية الى جنبيه ثم يردهما ويرد ساقيه الى فخذيه ثم يردهما، ويرد ساقيه الى فخذيه وفخذيه الى بطنه ليكون ذلك أبقى للينة فيكون ذلك أمكن للغاسل، وان شق ذلك ترك لأنه لا يؤمن أن تنكسر أعضاؤه ويصير به ذلك الى المثلة.
وجاء فى كشاف القناع، ويعصر بطن غير حامل بيده ليخرج ما فى بطنه من نجاسة بخلاف الحامل ويكون العصر رفيقا ويكثر صب الماء حينئذ ليذهب ما خرج، ويكون فى المكان الذى يغسل فيه بخور لئلا يتأذى برائحة الخارج ثم يلف الغاسل على يده خرقة خشنة يمسحها لئلا يمس عورته فانه لا يحل مس عورة من له سبع سنين فأكثر بغير حائل ولا النظر اليها، ويستحب ألا يمس سائر بدنه الا بخرقة لفعل على رضى الله عنه مع النبى صلى الله عليه وسلم ثم ينوى الغاسل غسله بعد تجريده وستر عورته وتنجيته - أى الاستنجاء له - لتعذر النية من الميت ولأن نية الغسل فرض فلا يصح بدونها، ثم يسمى الغاسل فيقول بسم الله لا يقوم غيرها مقامها ثم يغسل كفى الميت ندبا، ويغسل ما عليه من النجاسة ولا يكفى مسحها، ويستحب أن يدخل أصبعيه السبابة والابهام وعليهما خرقة خشنة مبلولة بالماء بين شفتيه فيمسح أسنانه، وفى منخريه وينظفهما، ولا يدخل الماء فى الفم والأنف ويتبع ما تحت أظفاره من وسخ بعود ليصل الماء الى محله، ويسن ضرب سدر ونحوه فيغسل برغوته رأسه ولحيته فقط ويغسل باقى بدنه بالثقل أى ثقل السدر ويكون السدر فى كل غسلة من الثلاث فأكثر، واعتبر ابن حامد أن يكون السدر قليلا وقال: انه الذى وجد عليه أصحابنا ليجمع بين العمل بالخير ويكون الماء باقيا على اطلاقه.
ويسن تيامنه فيغسل شقه الأيمن من نحو رأسه الى نحو رجليه يبدأ بصفحة عنقه ثم يده
(1)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 128، ص 129 الطبعة السابقة.
اليمنى الى الكتف ثم كتفه وشق صدره وفخذه وساقه الى الرجل ثم شقه الأيسر كذلك ويقلبه الغاسل على جنبه مع غسل شقيه فيرفع جانبه الأيمن ويغسل ظهره ووركه وفخذه، ويفعل بجانبه الأيسر كذلك ولا يكب على وجهه اكراما له، ثم يفيض الماء القراح على جميع بدنه فيكون ذلك غسلة واحدة يجمع فيها بين السدر والماء القراح يفعل ذلك ثلاثا للحديث السابق ذكره عن أم عطية الا أن الوضوء يكون فى المرة الأولى فقط من الغسلات ان لم يخرج منه شئ فان خرج منه شئ أعيد وضوءه ويمر الغاسل بيده فى كل مرة على بطنه برفق، وان لم ينق الميت بالغسلات الثلاث غسله الى سبع فان لم ينق فى الأولى غسله حتى ينقى للحديث الذى سبق عن أم عطية حيث قال عليه الصلاة والسلام أغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا أو أكثر من ذلك أن رأيتن ذلك، ويقطع على وتر من غير اعادة وضوء كما سبق ان لم يخرج منه شئ وان خرج من الميت شئ من السبيلين أو غيرهما بعد السبع غسلت النجاسة ووضئ ولا يعاد غسله بعد السبع لكن يحشو المخرج بالقطن أو ما يماثله، وان خرج منه شئ بعد وضعه فى أكفانه فلا غسل ولا وضوء سواء كان ذلك فى السابعة أو قبلها وسواء كان الخارج قليلا أو كثيرا.
ويسن أن يجعل الغاسل فى الغسلة الأخيرة كافورا وسدرا.
واذا فرغ الغاسل من غسله نشفه بثوب ندبا ويكره أن يسرح شعره لما فيه من تقطيع الشعر من غير حاجة اليه ويضفر ندبا شعر الأنثى ثلاثة قرون ويسدله وراءها لقول أم عطية - تضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه خلفها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى يغسل جميع جسد الميت ورأسه ثلاث مرات ولا بد، يبتدئ بالميامن ويوضأ فان أحبوا الزيادة فعلى الوتر أبدا، أما ثلاث مرات واما خمس مرات واما سبع مرات ويجعل فى آخر غسلاته ان غسل أكثر من مرة شيئا من كافور ولا بد فرضا فان لم يوجد فلا حرج
(2)
.
والمحرم أن مات ما بين أن يحرم إلى أن تطلع الشمس من يوم النحر ان كان حاجا أو أن يتم طوافه وسعيه ان كان معتمرا فان الفرض أن يغسل بماء وسدر فقط ان وجد السدر، ولا يمس بكافور ولا طيب وان كانت امرأة فكذلك.
أما من مات بعد طلوع الشمس من يوم النحر فكسائر الموتى رمى الجمار أو لم يرمها
(3)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: اذا أريد غسل الميت وضع فى مغتسله بثياب موته ويلقى على ظهره مستقبلا بوجهه القبلة ثم تنزع ثيابه وتستر عورته وجوبا واذا أراد غسل العورة وجب أن يلف الغاسل يده لغسلها بخرقة اذا كان الغاسل متحدا فى الجنس مع المغسول، أما اذا كانا من غير الجنس وكانا زوجين فلكل منهما أن يلمس العودة بغير حائل فان كانا غير ذلك كالأخ مع الأخت لم يجز له مس العورة بالخرقة ولا بغيرها، وندب ثلاثة أشياء الأول مسح بطن الميت، وندب اقعاده قبل المسح ومسح البطن يكون ثلاث مسحات قبل افراغ الماء عليه لتخرج النجاسة التى لا يؤمن أن تخرج بعد الغسل فيبطل الغسل ويكون المسح رفيقا وانما يندب هذا المسح فى بطن غير الحامل فأما اذا كانت المرأة حاملا لم يمسح بطنها لئلا يخرج الولد والثانى أن يجعل ترتيب غسله كالترتيب فى غسل الحى فيبدأ بازالة
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 184 وما بعدها الطبعة السابقة والمغنى لأبى محمد عبد الله بن أحمد بن قدامه المقدس والشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج بن أحمد بن قدامه المقدس ج 2 ص 315 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 121، ص 122 مسألة رقم 567 الطبعة السابقة.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 148، ص 149 مسألة رقم 590 الطبعة السابقة.
النجاسة وجوبا من فرجيه فاذا زالت النجاسة وضأة وضوء الصلاة ويمضمضه وينشفه مائلا برأسه برفق، ثم يغسل رأسه ثم سائر جسده ويبدأ بميامنه، والثالث أن يغسله ثلاث غسلات وصفة ذلك أن يوضئه أولا ثم يطلى رأسه وجسده بالحرض وهو الاشنان فاذا استكمله غسله بالماء وهذه غسلة ثم يطلى جسده بالسدر مضروبا كما طلاه بالحرض فاذا أستكمله غسله بالماء وهذه الغسلة الثانية ثم يوضع الكافور بين الماء، يمزج به على وجه لا يتغير به طعم الماء ولا لونه ثم يغسل بهذا الماء وهذه هى الغسلة الثالثة وانما يغسل بالكافور اذا لم يكن محرما، فأما اذا مات وهو محرم غسل الثالثة بالماء القراح لأن حكم الاحرام باق فان خرج من فرجه قبل التكفين بول أو غائط انتقض الغسل فتجب اعادته، ويجب ذلك بشروط.
أحدها أن يكون الحادث بولا أو غائطا فلو خرج من جسمه دم أو من الفرجين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الأقرب أنه لا يوجب غسلا، ويحتمل أن يكون حكمه حكم البول والغائط.
والشرط الثانى: أن يخرج ذلك قبل التكفين فلو خرج بعد ادراجه فى الكفن لم يعد الغسل.
والشرط الثالث الا يكون خروجه بعد أن خرج مرتين وغسل لكل مرة حتى استكمل الغسلات سبعا فانه اذا خرج بعد ذلك شئ ولم تجب اعادة الغسل.
واذا خرج وكان قد غسل ثلاث مرات كملت الغسلات خمسا فيزاد بعد خروج الحدث غسلتان وكذلك اذا حدث بعد الخمس كملت سبعا وهذه الغسلات السبع ليست كلها واجبة وانما الواجب منها ثلاث فقط
(1)
.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: يبدأ على الوجوب بازالة النجاسة العرضية عن بدنه قبل الشروع فى غسله. ويستحب فتق قميصه من الوارث أو من يأذن له ونزعه من تحته، لأنه مظنة النجاسة ويجوز غسله فيه بل هو أفضل عند الأكثر وتغسيله على ساحة. وهى لوح من خشب مخصوص والمراد وضعه عليها أو على غيرها مما يؤدى فائدتها حفظا لجسده من التلطخ وليكن على مرتفع ومكان الرجلين منحدرا مستقبل القبلة.
وقيل يجب الاستقبال به.
وتثليث الغسلات بأن يغسل كل عضو من الأعضاء الثلاثة ثلاثا ثلاثا فى كل غسلة، وغسل يديه أى يدى الميت الى نصف الذراع ثلاثا فى كل غسلة.
ومسح بطنه فى الغسلتين الأوليين قبلهما تحفظا من خروج شئ بعد الغسل لعدم القوة الماسكة الا الحامل التى مات ولدها فانها لا تمسح حذرا من الاجهاض.
وتنشيفه بعد الفراغ من الغسل بثوب صونا للكفن من البلل.
ويكره أن يجعل الميت بين رجليه، وأن يقعده وأن يقص أظفاره وأن يرجل شعره وأن يغسل مخالفا فان اضطر غسله غسل أهل الخلاف
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: الواجب فى غسل الميت غسلة واحدة، والمستحب ثلاث غسلات ويستحب لمن
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار وحاشية لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 412 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 1 ص 38، ص 40 الطبعة السابقة، وشرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى المحقق الحلى ج 1 ص 34، ص 35 الطبعة السابقة.
أراد أن يغسل الميت أن يكون على طهارة وأن يستر الميت سترا رقيقا يخرج منه الماء وأن تكون هناك سترة أخرى بين الميت وبين السماء وان غسل الميت فى ظلمة أو ليل أو كان الغاسلون عميانا فالسترة مستحبة لا واجبة ويعصر الغاسل بطن الميت برفق ثم يستجمر له والأولى أن يبدأ بقبله ان كان فيه بلل ويستجمر لدبره ولا يجعل الميت فى حال غسله مستقبلا للقبلة الا أن لم يمكنه غير ذلك، ويمسك الميت من الخلف ليسهل غسل ظهره وجوانبه ويوقف ركبتيه ليسهل غسلهما وغسل الساقين، ويحتال لغسل ما يلى الأرض من مقعدتيه، ويغسل على حصير مرشوش بالماء ندبا ليلين، ويكون الحصير مفروشا على باب مما يخرج الماء من وسطه أو جوانبه، ويبتدئ الغاسل بغسل يدى الميت بلا وجوب أن كانتا طاهرتين يغسل يده اليمنى ثم يده اليسرى ثم يلف الغاسل يده التى يغسل بها بخرقة فان كان الميت مدققا فى مرضه - أي ثقل مرضه وكان ملازما له - فليأخذ فى غسله من سرته لعورته فيغسلها كما يغسل الحى لنفسه، ويطهرها ما أمكن من غير تفتيش ولا استدخال يده فى شئ من مخرجيه، وذلك احتياطا أن يكون بلغه النجس فى ذلك الموضع وهو لا يعرف أو لا يقدر على الامتناع منه، فان كان غير مدنف فليقصد فى غسله الى مخرجيه فيغسلهما وينظفهما وذلك غسل للنجاسة، ثم يغسل ما ردت سرته لركبتيه قداما وخلفا ولا ينزع الخرقة التى لفت بها يده حتى يغسل ما بين سرته وركبتيه، ثم يبدأ فيتوضأ له كما يتوضأ للصلاة وهو سنة فى غسل الميت وقال قوم لا وضوء لأنه شرط من شروط الصلاة وهى موضوعة عن الميت والقول الأول أصح، وجميع ما ينقض وضوء الأحياء ينقض وضوء الميت ما لم يصل عليه، ثم يغسله بماء وسدر أن كان يغسله مرة، والا فانه يؤخر السدر الى المرة الثانية فيبدأ من شق رأسه الأيمن وما يليه من خلف وقدام ثم شقه الأيسر وما يليه كذلك ويمسح الأذنين ثم يغسل عنقه مقدما الشق الأيمن وما يليه ثم يمناه وتاليها وهو الكتف الأيمن ثم الكتف الأيسر ويغسل فى ذلك الكفين وما بين الأصابع وجملة اليدين، ثم يغسل جانباه الأيمن فالأيسر وتاليهما ثم بطنه وظهره ثم من كتفه اليمنى لرجله ثم ركبته اليسرى الى الرجل ثم يعممه برفق غسلا ثانيا بافاضة ماء ويرفق بغسله جهده، وفى غسل الميت ما فى غسل الجنب من الخلف فى ترتيب وموالاة وبناء واستئناف، وان غسلوه وفى بعض جسده نجس فغسلوه بعد ذلك فلا يجزيهم غسله حتى ينزعوا جميع ما كان فى جسده من النجس لأن الحدث ينقض هذه الطهارة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فى ابنته ان حاز به لميت
(1)
انظر مصطلح تيمم.
وقال آخرون يعيدون غسل ذلك النجس ولا يعيدون غسل الميت وما جاز بسببه تيمم لحى جاز به لميت انظر مصطلح تيمم.
شرائط وجوب تغسيل الميت:
مذهب الحنفية:
قال الحنفية من شروط وجوب تغسيل الميت أن يكون ميتا بعد الولادة حتى لو ولد ميتا لم يغسل. روى عن أبى حنيفة أنه قال: اذا استهل المولود غسل، وان لم يستهل لم يغسل.
وعن محمد رحمه الله أيضا أنه لا يغسل وهكذا ذكر الكرخى وروى عن أبى يوسف أنه يغسل وهكذا ذكر الطحاوى، وقال محمد فى السقط الذى استبان خلقه أنه يغسل.
وجه ما اختاره الطحاوى أن المولود ميتا نفس مؤمنة فيغسل.
(1)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 650 وما بعدها الطبعة السابقة، وكتاب الايضاح للامام الشيخ عامر بن على الشماخى مع حاشية الشيخ عبد الله بن سعيد السدويكشى ج 1 ص 584 وما بعدها الطبعة السابقة.
ووجه ما ذكره الكرخى ما روى عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال اذا استهل المولود غسل وان لم يستهل لم يغسل ولأن وجوب الغسل بالشرع وأنه ورد باسم الميت ومطلق اسم الميت فى العرف لا يقع على من ولد ميتا، وهذا اذا لم يستهل فاذا استهل بأن حصل منه ما يدل على حياته من بكاء أو تحريك عضو أو طرف أو غير ذلك فانه يغسل بالاجماع لما روينا ولأن الاستهلال دلالة الحياة فكان موته بعد ولادته حيا فيغسل.
وعلى هذا يخرج ما اذا وجد من أطراف الانسان كيد أو رجل فلا يغسل لأن الشرع ورد بغسل الميت، والميت اسم لكله ولو وجد الأكثر منه غسل لأن للأكثر حكم الكل وان وجد الأقل منه أو النصف لم يغسل لأن هذا القدر ليس بميت حقيقة وحكما ولأن الغسل للصلاة وما لم يزد على النصف لا يصلى عليه فلا يغسل.
وذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى أنه اذا وجد النصف ومعه الرأس يغسل وان لم يكن معه الرأس لا يغسل فكأنه جعله مع الرأس فى حكم الأكثر لكونه معظم البدن، ولو وجد نصفه مشقوقا لا يغسل لما قلنا، ولأنه لو غسل الأقل أو النصف يصلى عليه لأن الغسل لاجل الصلاة ولو صلى عليه لا يؤمن أن يوجد الباقى فيصلى عليه فيؤدى الى تكرار الصلاة على ميت واحد وذلك مكروه أو يكون صاحب الطرف حيا فيصلى على بعضه وهو حى وذلك فاسد.
ومنها أن يكون الميت مسلما فلا يجب غسل الكافر لأن الغسل وجب كرامة وتعظيما للميت، ولكن اذا كان ذا رحم من المسلم لا بأس بأن يغسله، لأن الابن ما نهى عن البر بمكان أبيه الكافر، والأصل ما روى فيه عن على رضى الله عنه لما مات أبوه أبو طالب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ان عمك الضال قد توفى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب وغسله وكفنه وواره ولا تحدثن حدثا حتى تلقانى قال على رضى الله عنه: ففعلت ذلك وأتيته فأخبرته فدعى لى بدعوات ما أحب أن يكون لى بها حمر النعم، وقال سعيد بن جبير رضى الله عنه سأل رجل عبد الله بن عباس رضى الله عنه فقال: ان امرأتى ماتت نصرانية فقال: أغسلها وكفنها وادفنها، وان مات مسلم وله أب كافر فينبغى ألا يمكن من تغسيله بل يغسله المسلمون، ولو اجتمع الموتى المسلمون والكفار ينظر ان كان للمسلمين علامة يمكن الفصل بها، وان لم يكن بهم علامة يغسلوا جميعا كان المسلمون أكثر أو الكفار أكثر أو كانوا على سواء، ووجه أن غسل المسلم واجب وغسل الكافر جائز فيؤتى بالجائز لتحصيل الواجب، ولو وجد ميت أو قتيل فى دار الاسلام فان كان عليه سيما المسلمين يغسل وان لم يكن عليه سيما المسلمين - أى علامتهم - ففيه روايتان والصحيح أنه يغسل لحصول غلبة الظن بكونه مسلما بدلالة المكان وهى دار الاسلام، ولو وجد فى دار الحرب فان كان معه سيما المسلمين يغسل وان لم يكن معه سيما المسلمين ففيه روايتان والصحيح لا يغسل، والحاصل أنه لا يشترط الجمع بين السيما ودليل المكان بل يعمل بالسيما وحده بالاجماع أما دليل المكان ففيه روايتان والصحيح أنه يعمل به لحصول غبلة الظن عنده.
ومنها أن يكون عادلا حتى لا يغسل الباغى اذا قتل، وألا يكون ساعيا فى الأرض بالفساد فلا يغسل البغاء وقطاع الطريق والمكاثرون والخناقون اذا قتلوا، لأن المسلم يغسل كرامة له وهؤلاء لا يستحقون الكرامة بل الاهانة.
وعن محمد أن من قتل مظلوما لا يغسل، ومن قتل ظالما يغسل.
ومنها وجود الماء لأن وجود الفعل مقيد بالوسع ولا وسع مع عدم الماء فسقط الغسل، ولكن ييمم بالصعيد. لأن التيمم صلح بدلا عن الغسل فى حالة الحياة فكذا بعد الموت.
وان كان زوجين فالمرأة تيمم زوجها بلا خرقة فالتيمم أولى اذا لم تبين منه فى حال حياته بالاجماع ولا حدث بعد وفاته ما يوجب اللبينونة عند علمائنا الثلاثة خلافا لزفر لأنها تغسله بلا خرقة فالتيمم أولى.
وأما الزوج فلا ييمم زوجته بلا خرقة.
ومنها ان لا يكون الميت شهيدا لأن الغسل ساقط عن الشهيد بالنص وهو ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال فى شهداء أحد، زملوهم بكلومهم ودمائهم فانهم يبعثون يوم القيامة وأوداجهم تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك.
وفى بعض الروايات. زملوهم بدمائهم ولا تغسلوهم فانه ما من جريح يجرح فى سبيل الله الا وهو يأتى يوم القيامة وأوداجه تشخب دما اللون لون الدم والريح ريح المسك
(1)
، وتفصيل ذلك ينظر فى مصطلح شهيد.
مذهب المالكية:
قال المالكية: ان غسل الميت والصلاة عليه متلازمان فمن وجب له التغسيل وجبت له الصلاة بأن كان الميت مسلما حاضرا تقدم له استقرار حياة وليس بشهيد ولا فقد أكثره فان فقد شئ من ذلك سقطا، ولا يرد أن من تقطع جسده يصلى عليه ولا يغسل لأن التيمم قائم مقام الغسل
(2)
.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: يشترط فى وجوب تغسيل الميت أن يكون مسلما غير شهيد.
وفى نهاية المحتاج والشهيد يحرم غسله والكافر لا يجب غسله.
والسقط الذى بلغ أربعة أشهر ولم تظهر أمارة حياته يجب غسله مع أنا لم نعلم سبق موته له فلا يرد عليه ذلك
(3)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: يشترط فى الميت الذى يغسل ألا يكون شهيد معركة ولا مقتولا ظلما ولو كان غير مكلف أو كان غالا رجلا كان أو امرأة لعموم حديث جابر أن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بدفن قتلى أحد فى دمائهم ولم يغسلهم ولم يصلى عليهم، الا أن يكون الشهيد أو المقتول ظلما جنبا أو وجب عليهما الغسل لحيض أو نفاس أو اسلام ومن قتله المسلمون أو الكفار خطأ يغسل.
ويغسل الباغى وقاطع الطريق، والشهداء وغير شهداء المعركه كالمطعون والمبطون والحريق وصاحب الهدم فهؤلاء يغسلون ويدخل معهم من حمل بعد جرحه فأكل أو شرب أو نام أو بال أو تكلم أو عطس ثم مات فانه يغسل وجوبا أو يطول بقاؤه عرفا فانه يغسل وجوبا.
واذا ولد السقط لأكثر من أربعة أشهر غسل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، والسقط يصلى عليه، والغسل واجب ولو لم يستهل - أى يصوت عند الولادة، ويشترط أن يكون الميت مسلما والسقط لو كان من كافرين فان حكم باسلامه كما لو مات أحد أبويه بدارنا فكالمسلم يغسل ويصلى عليه واذا ولد لأربعة أشهر فأكثر وان لم يحكم باسلامه فلا يغسل، ومن
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 302، 304، 224 الطبعة السابقة.
(2)
شرح الخرشى على مختصر خليل ج 2 ص 114 الطبعة السابقة، وبلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير ج 1 ص 180، ص 181 الطبعة السابقة.
(3)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى مع حاشية الشيرملسى عليه ج 1 ص 194، ج 2 ص 432 طبع مطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ
جهل اسلامه ووجد عليه علامة
(1)
المسلمين وجب غسله، ويشترط ألا يتعذر غسله فمن تعذر غسله لعدم ماء أو حرق أو جذام يمم، وان تعذر غسل بعضه غسل ما أمكنه.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: شروطه أن يكون مسلما وأن لا يكون شهيدا فان حمل عن المعركة وهو حى فمات غسل
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية: فى كتاب شرح الأزهار - يشترط فى الميت الذى يجب غسله أن يكون مسلما فلا يغسل الكافر مطلقا ويدخل فيه أطفال الكفار، وكفار التأويل والكافرة التى فى بطنها ولد مسلم فهؤلاء لا يغسلون.
ويشترط أن يكون عدلا فلا يغسل الفاسق، أما مجروح العدالة بغير فسق فانه يغسل.
ويشترط أن يستهل اذا كان سقطا فاذا استهل بعطاس أو صياح ونحوه وجب غسله.
ويشترط أن يكون الذاهب أقله فقط اذا كان قد أكله السباع ونحو ذلك فانه اذا كان الذاهب الأقل وهو دون النصف فانه يجب غسل الباقى فلو ذهب أكثره لم يغسل وكذا لو ذهب نصفه ولو بقى ما تممه الرأس نصفا على ظاهر الكتاب فلا يغسل.
ويشترط أن يكون غير شهيد وهو الذى قتل فى سبيل الله وهو مكلف ذكر عدل أما الصبى والمجنون فانهما يغسلان اذا كانا مسلمين.
ولو قتلا مع أهل الحق.
والأنثى تغسل ولو قتلت فى الجهاد، ولو احتيج اليها فى الجهاد.
واشتراط القتل فى سبيل الله احتراز ممن يسمى شهيدا كالغريق. وصاحب الهدم فانه يغسل ولو سمى شهيدا، والشهيد الذى لم يمت فى موضع القتال لكنه ذهب وقد جرح فى موضع المعركة بما يعرف من طريق العادة أنه يقتله يقينا نحو رمية أو ضربة بسيف أو رضخة أو طعنة فى معمد ولم يمت منها فى الحال فان هذا لا يغسل ولو مات فى بيته على فراشه ذكره الصادق بالله.
وظاهر قول الهادى أنه اذا نقل وبه رمق غسل.
وحكى فى الزوائد للقاسمية أنه اذا أكل أو شرب أو دوى غسل والا فلا والشهيد الذى قتل أو جرح وكان ذلك فى المصر من دون قتال بل قتله البغاة ظلما فانه لا يغسل، والشهيد الذى قتل أو جرح حال كونه مدافعا عن نفس أو مال فانه لا يغسل
(3)
.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: يجب تغسيل كل ميت مسلم أو بحكمه كالطفل والمجنون المتولدين من مسلم ولقيط دار الاسلام أو دار الكفر وفيها مسلم يمكن تولده منه والمسبى بيد المسلم على القول بتبعيته فى الاسلام كما هو مختار الشهيد أبو عبد الله النبطى العاملى الجزينى ولو سقطا
(1)
الروض المربع بشرح زاد المستقنع مختصر المقنع فى فقه الامام أحمد بن حنبل الشيبانى لشرف الدين أبى النجا موسى بن أحمد الحجاوى وشرحه للعلامة منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 99 الطبعة السادسة سنة 1380 هـ طبع المطبعة السلفية، وكشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى مع هامش شرح منتهى الارادات ج 1 ص 386 الطبعة السابقة.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 113 مسألة رقم 558، ص 115 مسألة رقم 562 الطبعة السابقة.
(3)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار ج 1 ص 403 الطبعة السابقة.
اذا كان له أربعة أشهر ولو كان دونها لف فى حرقة ودفن بغير غسيل وألا يكون شهيدا ولا من وجب عليه القتل فان الأخير يؤمر بالاغتسال قبل قتله ثم لا يغسل بعد ذلك
(1)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: الواجب غسل كل ميت من أهل الاسلام بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الا الشهيد فان النبى صلى الله عليه وسلم خصه من جملة موتى المسلمين بعدم الغسل لقول النبى صلى الله عليه وسلم «زملوهم فى ثيابهم ودمائهم» والشهيد عندنا من قتل فى الحرب وان كان الشهيد جنبا فانه يغسل وقيل لا وقيل ان مات فى يومه فلا يغسل والا غسل وقيل يغسل الشهيد مطلقا والمشهور الأول
(2)
.
من يغسل الميت
مذهب الحنفية:
قال الحنفية: الجنس يغسل الجنس فيغسل الذكر الذكر والأنثى الأنثى لأن حل المس من غير شهوة ثابت للجنس فى حالة الحياة فكذا بعد الموت وسواء كان الغاسل جنبا أو حائضا لأن المقصود هو التطهير حاصل فيجوز وروى عن أبى يوسف أنه كره للحائض لأنها لو اغتسلت بنفسها لم تعتد به فكذا اذا غسلت ولا يغسل الجنس خلاف الجنس لأن حرمة المس عند اختلاف الجنس ثابتة حالة الحياة فكذا بعد الموت، والمجبوب والخصى فى ذلك مثل الفحل كما فى حالة الحياة لأن كل ذلك منهى عنه والمرأة تغسل زوجها اذا لم تثبت البينونة فى حالة حياته ولم يحدث بعد وفاته ما يوجب البينونة فاذا مات رجل فى سفر فان كان معه رجال يغسله رجل وان كان معه نساء لا رجل فيهن فان كان فيهن امرأته غسلته.
والمرأة تغسل زوجها لما روى عن عائشة رضى الله عنها أنها قالت لو استقبلنا من الأمر ما استدبرنا لما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الا نساؤه ومعنى ذلك أنها لم تكن عالمة وقت وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم باباحته ثم علمت بعد ذلك.
وروى أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه أوصى الى امرأته أسماء بنت عميس أن تغسله بعد وفاته وهكذا فعل أبو موسى الأشعرى ولأن اباحة الغسل مستفادة بالنكاح فتبقى ما بقى النكاح والنكاح بعد الموت باق الى وقت انقطاع العدة بخلاف ما اذا ماتت المرأة حيث لا يغسلها الزوج لأن هناك انتهى ملك النكاح لانعدام المحل فصار الزوج أجنبيا فلا يحل له غسلها واذا بانت الزوجة من الزوج قبل وفاته بأن طلقها ثلاثا أو بائنا ومات وهى فى العدة لا يباح لها غسله وكذا لو ارتدت عن الاسلام ثم أسلمت بعد موته لأن الردة توجب زوال ملك النكاح وكذا اذا قبلت ابن زوجها ثم مات وهى فى العدة لأن الحرمة ثبتت بالتقبيل على سبيل التأبيد فبطل ملك النكاح ولو طلقها طلاقا رجعيا ثم مات وهى فى العدة لها أن تغسله لأن الطلاق الرجعى لا يزيل ملك النكاح أما اذا حدث ما يوجب البينونة بعد وفاة الزوج لا يباح لها أن تغسله عندنا وعند زفر يباح ووجه ذلك عند زفر أن الردة بعد الموت لا ترفع النكاح لأنه ارتفع بالموت فبقى حال الغسل كما كان بخلاف الردة فى حالة الحياة.
ولنا أن زوال النكاح موقوف على انقضاء العدة فكان النكاح قائما فيرتفع بالردة وان لم يبق مطلقا فقد بقى فى حق حل المس.
(1)
الروضة البهية شرح اللغة الدمشقية للشهيد السعيد الجبلى العاملى ج 1 ص 38 الطبعة السابقة وشرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للحقق الحلى ج 1 ص 34 الطبعة السابقة.
(2)
كتاب الايضاح للامام الشيخ عامر بن على الشماخى مع حاشية عبد الله بن سعيد السدويكشى ج 1 ص 579 الطبعه السابقة، وكتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 644 الطبعة السابقة.
والنظر وعلى الخلاف اذا طاوعت ابن زوجها أو قبلته بعد موته أو وطئت بشبهة بعد موته فوجب عليها العدة ليس لها أن تغسله عندنا خلافا لزفر.
وكذا لا تغسله اذا انقضت عدتها عندنا من ذلك الغير خلافا لأبى يوسف وكذلك اذا دخل الزوج بأخت امرأته بشبهة ووجبت عليها العدة ثم مات فانقضت عدتها بعد موته فهو على هذا الخلاف وكذلك المجوسى اذا أسلم ثم مات ثم أسلمت امرأته المجوسية لم تغسله عندنا خلافا لأبى يوسف رحمه الله وذكر القاضى فى شرحه مختصر الطحاوى. أن لمرأة أن تغسله فى هذه المواضع عندنا وليس لها أن تغسله عند زفر ولو لم يكن فيهن امرأة ولكن معهم رجل كافر يعلمنه غسل الميت ويخلين بينهما حتى يغسله ويكفنه لأن نظر الجنس الى الجنس أخف وان لم يكن بينهما موافقة فى الدين فان لم يكن معهن رجل ومعهن صبية صغيرة لم تبلغ حد الشهوة وأطاقت الغسل علمتها الغسل ويخلين بينه وبينها حتى تغسله لأن حكم العورة غير ثابت فى حقها وان لم يكن معهن ذلك فانهن لا يغسلنه سواء كل ذوات رحم محرم منه أولا لأن المحرم فى حكم النظر الى العورة والأجنبية سواء فكما لا تغسله الأجنبية فكذا ذوات محارمه وان لم تكن ذات رحم محرم منه يممته بخرقة تلفها بكفها وكذا اذا كانت فيهن أم ولده لا تغسله فى القول الآخر لأبى حنيفة، وفى قوله الأول وهو قول زفر لها أن تغسله لأنها معتدة فأشبهت المنكوحة. ولنا أن الملك لا يبقى فيها ببقاء العدة لأن الملك فيها كان ملك يمين وهو يعتق بموت السيد والحرية تنافى ملك اليمين فلا يبقى بخلاف المنكوحة فان حريتها لا تنافى ملك النكاح وكذا اذا كان فيهن أمته أو مدبرته أما الأمة فلأن ملكه زال عنها بالموت الى الورثة غير أنه اذا يممته فبدون خرقة وأما المدبرة فلأنها تعتق ولا يجب عليها العدة ثم أم الولد لا تغسله يبقى بخلاف المنكوحة فان حريتها لا تنافى ملك فلئلا تغسله هذه أولى.
أما المرأة اذا ماتت فى سفر ومعها نساء فيغسلنها وليس لزوجها أن يغسلها لما روى عن ابن عباس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن امرأة تموت بين رجال فقال تيمم بالصعيد ولم يفصل بين أن يكون فيهم زوجها أو لا يكون ولأن النكاح ارتفع بموتها واذا زال النكاح صارت أجنبية وان لم يكن هناك نساء مسلمات ومعهم امرأة كافرة علموها الغسل ويخلون بينهما حتى تغسلها فان لم يكن معهم نساء وكان معهم صبى لم يبلغ حد الشهوة وأطاق الغسل علموه الغسل فيغسلها وان لم يكن معهم ذلك فانها لا تغسل ولكنها تيمم غير أن الميمم لها ان كان محرما لها يممها بغير خرقة وان لم يكن محرما لها فمع الخرقة يلفها على كفه ويعرض بوجهه عن ذراعيها ولا بأس أن ينظر الى وجهها كما فى حالة الحياة ولو مات الصبى الذى لا يشتهى لا بأس أن تغسله النساء وكذلك الصبية التى لا تشتهى لا بأس أن يغسلها الرجال
(1)
.
مذهب المالكية:
قال المالكية: كل واحد من الزوج أو الزوجة اذا مات الآخر يقوم فى غسله على سائر الأولياء ويقضى له اذا نازعه الأولياء لأن من ثبت له حق فالأصل أن يقضى له به هذا ان صع النكاح بينهما حصل بناء أم لا اذ المعلوم شرعا كالمعدوم حسا الا أن يفوت الفاسد بوجه من المفوتات الآتية كالدخول فى بعض صوره والطول فى بعضها فيلحق حينئذ بالصحيح فيقدم فيه الزوجان كما فى الصحيح ثم ان محل تقديم الزوجية لم يكن الحى منهما محرما والا فلا يقدم لقول فى المدونة ولا ينبغى أن يغسل أحد الزوجين المحرمين الآخر فان فعل كرم له.
ثم قال والحى من الزوجين اذا كان رقيقا يقدم على الأولياء فى غسل الميت ان أذن له سيده فى
(1)
بدائع الصنائع للكاسانى ج 1 ص 304، ص 305، ص 306 الطبعة السابقة.
التغسيل ولا يكفى الاذن له فى النكاح وسواء كان الميت رقيقا مثله أو حرا وظاهره أنه يقدم بالقضاء ومطلقا وقاله ابن القاسم وقال سحنون ان كان أحدهما أو كلاهما رقيقا فانه يقدم بغير قضاء الا فى صورة واحدة وهى ما اذا كانت الزوجه حرة وهو رقيق وأذن له سيده فى الغسل فيقضى له واحد الزوجين يثبت له التقديم على الأولياء ولو حصل الموت قبل بناء أو بأحدهما الحى أو الميت عيب يوجب الخيار لأنه بالموت صار كالعدم لفوات الرد أو وضعت بعد موت زوجها فهى أحق بتغسيله وان حلت للغير بالوضع سواء تزوجت أم لا، والأحب نفى الغسل ان تزوج أختها حيث ماتت أو من يحرم جمعه معها قاله ابن القاسم وأشهب لأن فيه جمعا بين محرمتى الجمع وقد تموت أختها فيجمع بين غسيلهما وجمعهما يحرم فى الحياة ويكره فى الممات وهذا بغير أن فعله مكروه لا خلاف الأولى ويفيد أنه اذا وطئ أختها بملك اليمين فان الأحب له نفى غسلها أيضا وظاهر كلام خليل وخلافه وكذلك اذا ولدت االمرأة وتزوجت غيره فأحب الى أن لا تغسله لأنه قد حرم عليه تزوجها.
ويغسل أحد الزوجين صاحبه اذا كانت الزوجية لا خلل فيها كأن تكون المرأة مطلقة طلاقا رجعيا ولا تغسيل لواحد منهما على الآخر وهو مذهب المدونة والكتابية لا تغسل زوجها المسلم الا بحضرة مسلم ويقضى لها بذلك ولو ماتت هى لم يغسلها زوجها المسلم ومعنى قوله بحضرة مسلم أى شخص مسلم ذكرا أو أنثى عارف بأحكام الغسل وهذا بناء على أن الغسل للنظافة وأما على القول بأنه للتعبد فلا تغسله ولو بحضرة مسلم لأن الكافر ليس أهلا للتعبد لأنه قربة، ولا يضر تحريم عارض من حيض أو نفاس أو اظهار كما قاله الباسطى وان لم يكن أحد الزوجين أو كان وأسقط حقه أو غاب فالرجل الميت أحق بغسله أقرب أوليائه على أبعدهم فيقدم ابن فابنه فأب فأخ فابنه فجد فعم فأبنه والشقيق وعاصب النسب على غيره ويقرع بين المتساويين ثم ان لم يوجد من ذكر رجل أجنبى مسلم أو ذمى بحضرة مسلم ثم ان لم يوجد الأجنبى فامرأة محرم ولو كافرة بنسب أو رضاع أو صهر كما عند ابن عرفة كأم زوجته وزوجة ابنه ويقدم محرم رضاع على الصهر عند التنازع لكن اختلف اذا غسلته المحرم هل تستر جميع جسد الميت بثوب وهو فهم اللخمى وغيره وهو الذى فى الأمهات واختصروا فيها عليه أو انما تستر عورته بالنسبة اليها ثم ان عدم من تقدم ولم يوجد الا النساء الأجانب يمم لمرفقيه على المشهور على حد ما يريد منه حيا وقيل لكوعيه ثم ان تقديم الأقرب على القريب بالقضاء.
وأما المرأة فيلى تغسيلها الزوج أو السيد فان عدما فالأقرب اليها من أهلها النساء ولو كتابية بحضرة مسلم على ترتيب العصية فى الرجل فبنتها فبنت ابنها فالأم فالأخت فبنت الأخ فالجدة فالعمة فبنت العم وتقدم الشقيقة على غيرها فان لم يوجد من أقاربها النساء أحد فالمرأة الأجنبية ولو كتابية بحضرة مسلم ثم المحرم من أهلها الرجال يغسلها من فوق ثوب ولا يباشرها بيده ثم ان لم يوجد محرم يممت فى وجهها ويديها لكوعيها.
ويجوز للمرأة أن تغسل صبيا ابن ثمان سنين فأولى من دونه لا ابن تسع وان جاز لها النظر الى عورته، وجاز غسل رجل كرضيعة أى رضيعة وما قاربها كزيادة شهر على مدة الرضاع لا بنت ثلاث سنين فلا يجوز للرجل تغسيلها
(1)
.
(1)
بلغة السالك لأقرب المسالك على الشرح الصغير للدردير وحاشية الصاوى عليه ج 1 من ص 181 وما بعدها الى ص 188 الطبعة السابقة وشرح الخرشى على مختصر خليل ج 2 من ص 114 وما بعدها الى ص 124 الطبعة السابقة.
مذهب الشافعية:
قال الشافعية: فى كتاب نهاية المحتاج
(1)
ان الرجل يغسل الرجل والمرأة تغسل المرأة فكل أولى بصاحبه على ذلك وهذا هو الأصل.
قال فى المهذب. ان كان الميت رجلا لا زوجة له فأولى الناس بغسله الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم لأنهم أحق بالصلاة عليه فكانوا أحق بالغسل وان كان له زوجة جاز لها غسله لما روت عائشة رضى الله عنها أن أبا بكر الصديق رضى الله عنه أوصى أسماء بنت حميس لتغسله وهل تقدم على العصبات؟ فيه وجهان.
أحدهما أنه تقدم لأنها تنظر منه الى ما لا تنظر العصبات وهو ما بين السرة والركبة.
والثانى يقدم المعصبات لأنهم أحق بالصلاة عليه.
وان ماتت امرأة ولم يكن لها زواج غسلها النساء وأولاهن ذات رحم محرم ثم ذات رحم غير محرم ثم الأجنبية فان لم يكن نساء غسلها الأقرب فالأقرب من الرجال على ما ذكرناه وان كان لها زوج جاز أن يغسلها لما روت عائشة رضى الله عنها قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدنى وأنا أجد صداعا وأقول وارأساه ثم قال وما ضرك لو مت قبلى غسلتك ولقنتك وصليت عليك ودفنتك وهل يقدم على النساء؟ على وجهين.
أحدهما يقدم لأنه ينظر الى ما لا ينظر النساء منها والثانى تقدم النساء على الترتيب الذى ذكرناه فان لم يكن نساء فأولى الأقرباء بالصلاة فان لم يكن فالزوج، وان طلق زوجته طلقة رجعية ثم مات أحدهما قبل الرجعية لم يكن للآخر غسله لأنها محرمة عليه تحريم المبتوتة.
وان مات رجل وليس هناك الا امرأة أجنبية أو ماتت امرأة وليس هناك الا رجل أجنبى ففيه وجهان.
أحدهما ييمم.
والثانى يستر بثوب ويجعل الغاسل على يده خرقة ثم يغسله.
فان مات كافر فأقاربه الكفار أحق بغسله من أقاربه المسلمين لأن للكافر عليه ولاية وان لم يكن أقارب من الكفار جاز لأقاربه من المسلمين غسله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضى الله عنه أن يغسل أباه، وان ماتت ذمية ولها زوج مسلم كان له غسلها، لأن النكاح كالنسب فى الغسل وان مات الزوج قال فى الأم كرهت لها أن تغسله فان غسلته أجزأه لأن القصد منه التنظيف وذلك يحصل بغسلها.
وان ماتت أم ولد كان للسيد غسلها لأنه يجوز له غسلها فى حال الحياة فجاز له غسلها بعد الموت كالزوجة وان مات السيد فهل يجوز لها غسله فيه وجهان قال أبو على الطبرى لا يجوز لأنها عتقت بموته فصارت أجنبية والثانى يجوز لأنه لما جاز له غسلها جاز لها غسله كالزوجة
(2)
. أما غسل المرأة للصبى وغسل الرجل للصبية فقد قال صاحب المجموع:
مذهبنا أنهما يغسلان ما لم يبلغا حدا يشهيان فيه، واذا مات الخنثى المشكل فان كان هناك محرم له من الرجال أو النساء غسله بالاتفاق وان لم يكن له محرم منهما فان كان الخنثى صغيرا جاز للرجال والنساء جميعا غسله بالاتفاق وان كان كبيرا ففيه طريقان أصحهما وبه قطع
(1)
نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج لابن شهاب الدين الرملى مع حاشية الشبراملسى عليه ج 2 من ص 438 وما بعدها الى ص 444 الطبعة السابقة.
(2)
المهذب لأبى اسحاق الشيرازى ج 1 ص 127، ص 128 الطبعة السابقة.
صاحب الشامل والجمهور وصححه المتولى والشاشى وآخرون انه على الوجهين فيما اذا مات رجل وليس عنده الا امرأة أجنبية أحدهما ييمم وأصحهما هنا باتفاق الأصحاب يغسل فوق ثوب والطريق الثانى وهو الذى اختاره الماوردى أنه يغسله أوثق من يحضره من الرجال أو النساء
(1)
.
مذهب الحنابلة:
قال الحنابلة: وأولى الناس بغسل الميت وصيه ان كان عدلا لأنه حق للميت فقدم فيه وصيه على غيره كباقى حقوقه ولأن أبا بكر رضى الله عنه أوصى أن تغسله زوجته أسماء وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ثم أبوه لحنوه وشفقته ثم جده وان علا ثم ابنه وان نزل لقربه ثم الأقرب فالأقرب من عصابته نسبا فيقدم الأخ لأبوين ثم لأب ثم ابن الأخ لأبوين ثم لأب ثم عم لأبوين ثم لأب وهكذا ثم عصابته نعمة - أى ولاء العتاقة - فيقدم المعتق ثم عصبته الأقرب فالأقرب ثم ذوو أرحامه كالأخ لأم والجد للأم والعم للأم وابن الأخت ونحوها ثم الأجانب ويقدم الأصدقاء منهم ثم غير الأصدقاء الأدين الأعرف فيقدم على غيره لتلك الفضيلة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليليه أقربكم ان كان بعلم فمن ترون عنده حظا من ورع وأمانة والأحرار فى الجميع من عصبات النسب والولاء وذوى الأرحام والأجانب أولى من الزوجة للخروج من الخلاف فى تغسيل أحد الزوجين الآخر، والزوجة أولى من أم الولد، والأجنبية أولى من الزوج خروجا من خلاف من منعه غسلها.
وأجنبية ولم يغسل أمة من سيد للخروج من خلاف من لم يبح له غسلها والسيد أحق بغسل عبده لأنه مالكه ووليه.
ولا حق للقاتل فى غسل المقتول ان لم يرثه، عمدا كان القتل أو خطأ لمبالغته فى قطيعة الرحم وأحق الناس بغسل المرأة بعد وصيتها أمها وان علت ثم بنتها وان نزلت ثم القربى فالقربى كالميراث فيقدم منهن من يقدم من الرجال ولكل واحد من الزوجين ان لم تكن الزوجة ذمية غسل صاحبه ولو كان الموت قبل الدخول أو كان الموت بعد طلاق رجعى.
والأصل فى تغسيل كل من الزوجين للآخر وصية أبى بكر بأن تغسله زوجته أسماء فغسلته، ولا تغسل الزوجة زوجها الذى أبانها ولو فى مرض موته المخوف فرار الانقطاع الزوجية، والسيد وأمته سواء وطئها أو لا وأم ولده كالزوجين فلكل منهما أن يغسل الآخر، ويغسل السيد مكاتبته ان شرط وطأها. أى وطأها لاباحتها له فان لم يشترط وط ء مكاتبته فلا يباح لها أن تغسله لحرمتها عليه من قبل الموت.
ولا يغسل سيد أمته المزوجة ولا أمته المعتدة من زوج، ولا يغسل السيد المعتق بعضها لحرمتها عليه قبل موتها ومثلها المشتركة ولا يغسل من هى فى استبراء واجب ولا تغسل الأمة المزوجة أو المعتدة من زوج أو المعتق بعضها أو من هى فى استبراء، ولرجل وامرأة غسل من له دون سبع سنين من ذكر وأنثى لأنه لا حكم لعورته بدليل أن ابراهيم بن النبى صلى الله عليه وسلم غسله النساء ولو كان دون السبع سنين بلحظة. قال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه أن المرأة تغسل الصبى الصغير فتغسله مجردا من غير سترة وتمس عورته وتنظر اليها.
وليس للرجل غسل ابنة سبع سنين فأكثر ولو كان محرما لها كأبيها وأخيها لأنها محل للشهوة.
وليس للمرأة غسل ابن سبع سنين ولو كان محرما لها.
(1)
المجموع شرح المهذب للامام أبى زكريا النووى ج 5 ص 147، ص 148، ص 153 طبع المطبعة العربية بمصر ادارة الطباعة المنيرية.
وان مات رجل بين نسوة لا رجل معهن ممن لا يباح لهن غسله بأن لم يكن زوجاته ولا اماؤه يمم.
ولو ماتت امرأة بين رجال ممن لا يباح لهم غسلها بأن لم يكن فيهم زوجها ولا سيدها يممت لما روى تمام فى فوائده عن وابلة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما يمم الرجال، ولو مات خنثى مشكل له سبع سنين فأكثر ولم تحضره أمة له يمم بحائل من خرقة ونحوها
(1)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم الظاهرى: جائز أن تغسل المرأة زوجها وأم الولد سيدها، وان انقضت العدة بالولادة ما لم يتزوجا، فان نكحتا لم يحل لهما غسله الا كالأجنبيات، وقال أيضا. وجائز للرجل أن يغسل امرأته وأم ولده وأمته ما لم يتزوج حريمتها - أو يستحل حريمتها بالملك فان فعل لم يحل له غسلها وليس للأمة أن تغسل سيدها أصلا، لأن ملكها بموته انتقل الى غيره.
برهان ذلك ما روى عن ابن عباس رضى الله عنه قال الرجل أحق بغسل امرأته وما روى عن أبى الشعثاء هو جابر بن زيد - رضى الله عنه. قال الرجل أحق أن يغسل امرأته من أخيها.
ثم قال ابن حزم أيضا لو مات رجل بين نساء لا رجل معهن أو ماتت امرأة بين رجال لا نساء معهم، غسل النساء الرجال وغسل الرجال المرأة على ثوب كثيف، يصب الماء على جميع الجسد دون مباشرة اليد لأن الغسل فرض كما قدمنا وهو ممكن كما ذكرنا بلا مباشرة، فلا يحل تركه، ولا كراهة فى صب الماء أصلا.
برهان ذلك ما روى عن معمر بن الزهرى وقتادة رضى الله عنهم قالا جميعا تغسل وعليها الثياب يعنيان فى المرأة تموت بين رجال لا مرأة معهم
(2)
.
مذهب الزيدية:
قال الزيدية فى كتاب شرح الأزهار: لا بد أن يكون الغاسل للميت من جنسه ان كان رجلا فرجل وان كان أنثى فأنثى، أو جائز الوط ء كالمراة مع زوجها والمملوكة التى هى غير مزوجة مع مالكها فيجوز أن يغسل كل واحد منهما صاحبه، وهل الزوجة أولى من الرجال والزوج أولى من النساء، قال عليه السلام لا كلام أنهما سواء فى الجواز فأما الأولوية فالأقرب أن الجنس أولى لارتفاع حكم الاستمتاع بالموت وتسويغ نظر العورة تبع له وللاجماع على جوازه وتغسل الزوجة زوجها والعكس مع عدم الطلاق بينهما فان كان بينهما طلاق بائن لن يغسل واحد منهما صاحبه، وان كان الطلاق رجعيا فالمذهب أن لكل واحد منهما أن يغسل صاحبه لأن الوط ء جائز بينهما بلا تجديد عقد نكاح أما المملوكة مع المالك فان لم يكن الوط ء بينهما جائزا نحو أن تكون مزوجة أو نحو ذلك كالمشتركة والحامل من الغير لم يجز لأحدهما أن يغسل صاحبه، فان كان الوط ء بينهما جائزا جاز لكل واحد منهما أن يغسل الآخر ويجوز للسيد أن يغسل أم ولده وأن تغسله ويجوز له أن يغسل مدبرته أما مكاتبته فلا تغسله ولا يغسلها لأن الوط ء بينهما غير جائز ما لم تعجز نفسها.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس مع هامش منتهى الارادات ج 1 من ص 379 وما بعدها الى ص 81 الطبعة السابقة، ونيل المآرب على مذهبه الامام أحمد بن حنبل ج 1 ص 36 طبع مطبعة محمد على صبيح وأولاده بمصر سنة 1374 هـ.
(2)
المحلى لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 174 مسألة رقم، ص 175، ص 176 الطبعة السابقة.
وفى الكافى أن المملوكة لا تغسل سيدها لأنها انتقلت للورثة، وأن أم الولد لا تغسل سيدها ولا يغسلها والمدبرة لا يجوز لها أن تغسله لأنها قد عتقت بالموت ولا عدة عليها بخلاف أم الولد فانها ولو عتقت بالموت فلها أن تغسله لأن عليها عدة.
ثم اذا مات ميت وتعذر حضور جنسه أو من له وطؤه كرجل بين نساء أو امرأة بين رجال فانه يغسل هذا الميت محرمه ان أمكن حضوره كالأخ فى حق المرأة والأخت فى حق الرجل، ثم اذا لم يوجد محرم لذلك الميت مع تعذر الجنس والزوجة جاز أن يغسله أجنبى فيغسل الرجل امرأة أجنبية وتغسل المرأة رجلا أجنبيا ويكون هذا الغسل بالصب للماء على جميعه.
وحكم الأمة بين الأجانب وكذا الرجل بين الاماء حكم المرأة فى الغسل وان اختلف الحكم فى النظر والخنثى المشكل الذى لم يتميز الى الذكور ولا الى الاناث فان حكم غسله حكم غسل الرجل حيث تغسله امرأة أجنبية وهو أن يغسله بالصب دون الدلك ويكون مستترا، ولو مات طفل أو طفلة لا تشتهى فكل مسلم حيث كان عدلا يصح أن يغسله ولو كان أجنبيا منه
(1)
.
مذهب الإمامية:
قال الشيعة الإمامية: أولى الناس بغسل الميت أولاهم بميراثه بمعنى أن الوارث أولى ممن ليس بوارث وان كان قريبا ثم ان اتحد الوارث اختص وان تعدد فالذكر أولى من الأنثى والمكلف أولى من غيره والأب من الولد والجد، والزوج أولى بزوجته مطلقا فى جميع أحكام الميت ولا فرق بين الدائم والمنقطع، ويجب المساواة بين الغاسل والميت فى الرجولة والأنوثة فاذا كان الولى مخالفا للميت أذن للماثل، وقيد بالرجولية لئلا يخرج تغسيل كل من الرجل والمرأة ابن ثلاث سنين وبنته لانتفاء وصف الرجولية فى المغسل الصغير، وانما يعتبر المماثلة فى غير الزوجين فيجوز لكل منهما تغسيل صاحبه اختيارا.
والمشهور أنه من وراء الثياب وان جاز النظر ولا فرق فى الزوجة بين الحرة والأمة والمدخول بها وغيرها المطلقة رجعية زوجة بخلاف البائن ولا يقدح انقطاع العدة فى جواز التغسيل عندنا.
وكذا يجوز للرجل تغسيل مملوكته غير المزوجة وان كانت أم ولد دون المكاتبة، وان كانت مشروطة دون العكس لزوال ملكه عنها - أى لا يجوز للملوكة تغسيل مولاها لزوال ملك المولى بموته عنها وينتقل الى الورثة .. نعم لو كانت أم ولد غير منكوحة لغيره عند الموت جاز ومع التعذر للمساوى فى الذكورة والأنوثة فالمحرم وهو من يحرم انكاحه مؤبدا بنسب أو رضاع أو مصاهرة يغسل محرمه الذى يزيد سنه عن ثلاث سنين من وراء الثوب فان تعذر المحرم والمماثل فالكافر يغسل المسلم والكافرة تغسل المسلمة بتعليم المسلم فى المشهور والمراد هنا صورة الغسل، ويجوز تغسيل الرجل ابنة ثلاث سنين مجردة وكذا المرأة يجوز لها تغسيل ابن ثلاث سنين مجردا وان وجد المماثل ومنتهى تحديد السن الموت
(2)
.
مذهب الإباضية:
قال الإباضية: المتفق عليه أن الرجال يغسلون الرجال والنساء يغسلن النساء والاختلاف فى المرأة تموت مع الرجال وليس فيهم زوج والرجل
(1)
شرح الازهار المنتزع من الغيث المدرار فى فقه الأئمة الأطهار وحاشية لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 47 الطبعة السابقة.
(2)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد الجبعى العاملى ج 6 ص 38، ص 39 الطبعة السابقة وشرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 34 الطبعة السابقة.
يموت مع النساء وليس فيهن زوجة قال بعضهم يغسل كل واحد منهم صاحبه من فوق الثياب فالرجال يغسلون المرأة من فوق ثيابها والنساء يغسلن الرجل من فوق ثيابه.
وقال قوم تيمم كل واحد منهم لصاحبه.
ثم قال صاحب الايضاح القول الأول عندى أصح، ثم قال صاحب الايضاح وقد ذكر عن بعضهم أن المرأة تغسل ذا محرم منها الا موضع الفرج ولا يغسل الرجل ذات محرم منه لأن نظر الرجال الى النساء أغلظ من نظر النساء الى الرجال
(1)
.
وفى شرح النيل
(2)
ان الطفل اذا لم يجاوز سبع سنين يغسله الرجال والنساء، فان جاوزها فلا يغسله الا الرجال ان حضروا والا تيمم له وقيل بتيمم النساء للطفل ولو مات وقت ولادته أما الطفلة التى يحضرها الرجال فقط فانهم يتيممون لها ولو يوم ولدت، ورخص أن يغسلوها ان تجاوز أربع سنين والا تيمموا لها ان لم يحضر غيرهم وقيل تغسل المرأة الطفل ما لم يتكلم والرجل يغسل الطفلة ما لم تتكلم وقيل تغسل المرأة الفطيم أو فوقه بشئ وقيل ابن أربع أو خمس، ثم قال فى شرح النيل أيضا، والزوج أولى بزوجته والزوجة أولى بزوجها فيغسل أحد الزجين الآخر مباشرة ولو فى العورة وقيل لا تغسل الزوجة زوجها ولا يغسل الزوج زوجته وذلك لانقطاع العصمة بينهما لكونه يحرم على احدهما أن يتمتع من الآخر اذا مات بجماع أو مس أو نظر، ولو كان أحد الزوجين أولى بالآخر لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضى الله عنها.
وقال بعض أصحاب المذهب تغسل المرأة زوجها أما الزوج فانه لا يغسل زوجته فان بانت عنه فلا يغسل أحدهما الآخر وأما السيد فقيل انه يغسل أمته، والأمة تغسل سيدها وقيل لا يغسل أحدهما الآخر قولان والقول بعدم الغسل هو الأظهر.
وقيل يصح غسل السيد لأمته ولا يصح الأمة لسيدها وذلك لبقاء ملكه عليها ان ماتت هى وعدم بقاء ملكه عليها ان مات هو وذلك الخلاف فى الأمة المتسراة، أما ان كانت أمة غير متسراة فتغسلها النساء ولا ينبغى غير ذلك، وفى الانسان المشكل الذى لم يبين ذكر ولا أنثى أقوال فقيل تشترى له أمه من ماله وتغسله وان لم يكن له مال فمن بيت المال، وقيل تيمم له الرجال فوق ثوب، وأجيز مباشرة وأحسن الأقوال التيمم له فوق ثوب أو مباشرة.
(1)
كتاب الايضاح للامام الشيخ عامر بن على الشماخى مع حاشية الشيخ عبد الله ابن سعيد السدويكشى ج 1 ص 581 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
كتاب شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 648، ص 649 الطبعة السابقة.
إغماء
التعريف عند اللغويين:
اغماء مصدر فعله أغمى عليه.
يقال أغمى عليه اغماء، وأغمى عليه فهو مغمى عليه بضم الميم وسكون الغين وفتح الميم الثانية.
وغمى عليه بالضم - فهو مغمى عليه بفتح الميم وسكون الغين وكسر الميم الثانية - على وزن مفعول. فأصل مادته غماء.
قال ابن دريد: غما البيت يغموه غموا ويغميه غميا اذا غطاه.
وقيل اذا غطاه بالطين والخشب.
والغما سقف البيت وتثنيته غموان وغميان وهو الغماء أيضا والكلمة واوية ويائية.
وغمى على المريض - بضم الغين وكسر الميم.
وأغمى عليه غشى عليه ثم أفاق.
وفى التهذيب أغمى على فلان اذا ظن أنه مات ثم يرجع حيا.
ورجل غمى عليه - بالفتح - مغمى عليه، وامرأة غمى كذلك.
وكذلك الاثنان والجمع والمؤنث لأنه مصدر.
وقد ثناه بعضهم وجمعه فقال رجلان غميان ورجال أغماء.
وفى التهذيب: غميان فى التذكير والتأنيث.
ويقال ترك فلانا غمى مقصور مثل قفى أى تركته مغشيا عليه ذا غمى لأنه مصدر، يقال غمى عليه غمى، وأغمى عليه اغماء.
قال أبو بكر: يقال رجل غمى - بالفتح والقصر - لمشرف على الموت.
قال فى التهذيب: ويقال رجل غمى ورجلان غميان اذا أصابه مرض.
قال الغراء: تركتهم غمى لا يتحركون كأنهم قد سكنوا.
قال ابن برى: والغمى أيضا ما غطى به الغرس ليعرق.
ويقال أغمى يومنا اذا دام غيمه وأغميت ليلتنا غم هلالها.
وغمى فهو مغمى - بضم فسكون - ومغمى - بضم ففتح - اذا حال دون رؤيته غيم أو فترة كما يقال: غم علينا.
وأصل التغمية الستر والتغطية ومنه أغمى على المريض اذا أغشى عليه كأن المرض ستر عقله وغطاه وهى ليلة الغمى.
قال الراجز:
ليلة غمى طامس هلالها
…
أو غلتها ومكره ابغا لها
وفى الحديث: فان غمى عليكم وفى رواية فان أغمى عليكم.
وفى رواية فان غم عليكم فأكملوا العدة، والمعنى واحد
(1)
.
(1)
لسان العرب لابن منظور جمال الدين محمد بن مكرم الأنصارى ج 19 ص 370، ص 371 طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة مصورة من طبعة بولاق بمصر مادة (غما).
التعريف عند الفقهاء:
يكاد الفقهاء لا يخرجون فى استعمالهم كلمة اغماء على المعنى اللغوى
فقد جاء فى تبين الحقائق أن الاغماء ما يصير العقل به مغلوبا
(1)
.
وجاء فى بلغة السالك أن الاغماء مرض يعترى الشخص بسبب شدة هم أو فرح
(2)
.
(الفرق بين الاغماء وكل من النوم والجنون
والعته والسكر من حيث المفاهيم)
جاء فى شرح المنار وحواشيه أن الاغماء مرض يضعف القوى ولا يزيل الحجى.
والنوم فترة طبيعية تحدث فى الانسان بلا اختيار منه فتمتنع حواسه الظاهرة والباطنة عن العمل ويحبس العقل عن الاستعمال عن قيامه فيعجز به العبد عن اداء الحقوق
(3)
.
والجنون آفة تحل الدماغ تبعث على الأقدام على ما يضار مقتضى العقل من غير ضعف فى اعضائه
(4)
.
والعته آفة توجب خللا فى العقل فيصير صاحبه مختلط الكلام يشبه بعض كلامه بكلام العقلاء وبعضه بكلام المجانين وكذا سائر أموره.
فكما أن الجنون يشبه بأول أحوال الصبا فى عدم العقل يشبه العته بآخر أحوال - الصبا فى وجود أصل التعقل مع تمكن خلل فيه
(5)
.
وجاء فى الأشباه والنظائر: أنه اختلف فى حد السكران.
فقيل هو من لا يعرف الأرض من السماء ولا يعرف الرجل من المرأة - وبه قال الامام الأعظم رحمه الله تعالى:
وقيل هو من فى كلامه اختلاط وهذيان، وهو قول صاحبيه رحمهما الله تعالى.
وبه قال كثير من المشايخ.
وقيل هو الحموى: وعليه الفتوى كما فى الخانية
(6)
.
وجاء فى كشف الأسرار أن السكر قيل هو سرور يغلب على العقل - بمباشرة بعض الأسباب الموجبة له فيمنع الانسان عن العمل بموجب عقله من غير أن يزيله ولهذا بقى السكران أهلا للخطاب.
فعلى هذا لا يكون ما حصل من شرب الدواء مثل الأفيون من أقسام السكر لأنه ليس بسرور.
وقيل هو غفلة تلحق الانسان مع فتور فى الأعضاء بمباشرة بعض الأسباب الموجبة لها من غير مرض وعلة.
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق للامام فخر الدين عثمان بن على الزبلعى ج 1 ص 10 فى كتاب على هامش حاشية الشيخ الشلبى على شرح تبيين الحقائق الطبعه الأولى طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة 1313 هـ.
(2)
بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد الصاوى على الشرح الصغير لسيدى أحمد الدردير ج 1 ص 91 فى كتاب على هامشه الشرح المذكور طبع المكتبة التجارية الكبرى بمصر.
(3)
شرح المنار وحواشيه لعز الدين عبد اللطيف ابن عبد العزيز بن ملك على متن المنار فى أصول الفقه للشيخ أبى البركات عبد الله بن أحمد المعروف بحافظ الدين النسفى ص 952 ومعه حاشية الشيخ يحيى الرهاوى المصرى فى كتاب على هامشه حاشيتا الشيخ مصطفى بن بير بن على ابن محمد المعروف بعزمى زاده، وأنوار الملك على شرح المنار لابن ملك للشيخ رضى الدين محمد بن ابراهيم الشهير بابن الحلبى طبع المطبعة العثمانية سنة 1315 هـ.
(4)
المرجع السابق ص 947 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ص 950 نفس الطبعة.
(6)
الاشباه والنظائر لزين العابدين ابراهيم المشتهر بابن نجم المصرى مع شرحه غمز عيون البصائر لأحمد بن محمد الحنفى الحموى ج 2 ص 152 طبع دار الطباعة العامرة.
وقيل هو معنى يزول به العقل عند مباشرة بعض الأسباب المزيلة
(1)
.
وجاء فى الأشباه والنظائر: أن الشيخ أسحق قال: العقل صفة يميز بها الحسن والقبيح.
قال بعضهم: ويزيله الجنون والاغماء والنوم.
وقال الغزالى رحمه الله تعالى الجنون يزيله والاغماء يغمره والنوم يستره.
قال السبكى رحمه الله تعالى، وانما لم يذكر المغمى عليه فى قوله صلى الله عليه وسلم: رفع القلم عن ثلاث، عن النائم حتى يستيقظ وعن المبتلى حتى يبرأ وعن الصبى حتى يكبر لأن المغمى عليه فى معنى النائم.
ويظهر أن فى الخرف رتبة بين الاغماء والجنون، وهى الى الاغماء أقرب
(2)
.
حكم اغماء المتوضئ
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع: أن الاغماء من أنواع الحدث الحكمى لأنه فى استرخاء المفاصل واستطلاق الوكاء فوق النوم مضجعا، والنوم مضجعا حدث، فهذا أولى.
ولا فرق فى هذا بين الاضطجاع والقيام لأن ما ذكرنا من المعنى لا يوجب الفصل بين حال وحال
(3)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن الاغماء من الأسباب التى ينقض بها الوضوء.
قال الحطاب رحمه الله تعالى وظاهر كلام خليل وزوال العقل بغير النوم لا يفصل فيه كما يفصل فى النوم وهو ظاهر المدونة والرسالة.
ولم يتعرض ابن الحاجب رحمه الله تعالى لكيفية نقض الاغماء ونحوه فى طول أو قصر وذلك يدل على أنه ناقضه مطلقا وهو الحق خلافا لبعضهم.
وقال ابن بشير رحمه الله تعالى: والقليل فى ذلك كالكثير.
قال فى الطراز قال مالك رحمه الله تعالى:
من غلبه هم حتى ذهل وذهب عقله عليه الوضوء، فاذا كان قاعدا فأحب الى أن يتوضأ.
وعن ابن القاسم رحمه الله تعالى أنه لا وضوء على من غلبه هم
(4)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الاغماء من نواقص الوضوء اذ به يزول التمييز كما يزول بنحو النوم والسكر والجنون وذلك لقول رسل الله صلى الله عليه وسلم: العينان وكاء السه فمن نام فليتوضأ «رواه أبو داود وغيره» .
والاغماء أبلغ من النوم فى الذهول الذى هو مظنة لخروج شئ من الدبر كما أشعر به الخبر
(5)
.
(1)
كشف الأسرار على أصول على بن محمد البزدوى لعبد العزيز البخارى ج 4 ص 1472 طبعة حسن حلمى الريزوى سنة 1307 هـ فى كتاب على هامشه أصول على بن للامام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى ص 212، ص 213 محمد البزدوى.
(2)
الاشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية ص 212 وص 213 الطبعة الأخيرة طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1378 هـ، سنة 1959 م.
(3)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ص 30 الطبعة الأولى طبع شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ.
(4)
مواهب الجليل لشرح مختصر لأبى عبد الله محمد ابن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج 1 ص 296 الطبعة السابقة.
(5)
مغنى المحتاج المعروف بمعانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 1 ص 34، ص 35 فى كتاب على هامشه متن المنهاج.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن من نواقض الوضوء تغطية العقل باغماء أو سكر قليل أو كثير.
قال فى المبدع: إجماعا على كل الأحوال لأن هؤلاء لا يشعرون بحال بخلاف النائم. ولو كان تغطيته بنوم.
قال أبو الخطاب رحمه الله تعالى - وغيره.
ولو تلجم فلم يخرج منه شئ الحاقا بالغالب لأن الحس يذهب معه ولعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة، ولأن النوم ونحوه مظنة الحدث فأقيم مقامه
(1)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن ذهاب العقل بأى شئ كان ذلك من جنون أو اغماء أو سكر من أى شئ سكر ليس من نواقض الوضوء خلافا لمن ذهبوا الى ذلك.
ولا يقاس شئ من ذلك على النوم لأن النوم لا يشبه الاغماء ولا الجنون ولا السكر فيقاس عليه
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار وحواشيه أن من نواقض الوضوء زوال العقل بأى وجه من نوم أو اغماء أو جنون
(3)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرح الأزهار وحواشيه أن من نواقض الوضوء كل ما أزال العقل مثل الاغماء والسكر والجنون دون مثل البهت، لا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم كما روى عن المنتهى.
وروى عن الغنية والمستدرك والدلائل والكفاية اجماع الأصحاب، وروى عن التهذيب اجماع المسلمين
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن الوضوء ينتقض بالاغماء والجنون والسكر.
وقيل لا ينتقض بالثلاثة ما لم يتيقن انتقاضه.
وعلى القول بانتقاضه بها يعتبر فيها ما يعتبر فى الانتقاض بالنوم من ثقل وطول واضطجاع، اذ المختار أنه ينتقض بالنوم الثقيل وان كان قصيرا أو كان النائم قاعدا لا بالنوم الخفيف وأن تطاول مع اتكاء أو قعود أو ركوع أو سجود أو قيام أن لم يكن باضطجاع وان كان به نقض أن تطاول وان خف على المختار
(5)
.
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 1 ص 93 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 1 ص 221، ص 222 مسئلة رقم 157 طبع ادارة الطباعة المنيرة بمصر حقيق الشيخ أحمد محمد شاكر الطبعة الأولى سنة 1347.
(3)
شرح الازهار ج 1 ص 96
(4)
مستمسك العروة الوثقى ج 2 ص 215
(5)
شرح النيل وشفاء العليل ج 1 ص 80 طبع مطبعة محمد يوسف البارونى.
حكم ما اذا تسبب الإغماء فى فوات
الصلاة أو فى قطع الأذان
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع أنه ان أغمى على الانسان يوما وليلة أو أقل يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات لانعدام الحرج، وان زاد على يوم وليلة فلا قضاء عليه لأنه يحرج فى القضاء لدخول العبادة فى حد التكرار
(1)
وقال بشر رحمه الله تعالى: الاغماء: ليس بمسقط حتى يلزمه القضاء وان طالت مدة الاغماء
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى منح الجليل أن الاغماء من الاعذار التى تبيح للمسلم أن يصلى الصلاة كلها فى وقتها الضرورى من غير أثم ولا معصية
(3)
. فاذا أفاق المغمى عليه فى الوقت الضرورى أدى الصلاة فيه من غير اثم لعدم تسبب المكلف فى ذلك
(4)
قال فى المنتقى: ولو أن مغمى عليه أفاق قبل الغروب فذكر صلاة نسيها قبل الاغماء فانه يبدأ بالصلاة التى نسى قبل الاغماء فان بقى بعد فراغها وقت للصلاتين أو احداهما صلى ما أدركه الوقت وان لم يدرك شيئا من الوقت فقد اختلف فيه قول ابن القاسم رحمه الله تعالى فقال فى كتاب محمد لا يصلى ظهرا ولا عصرا واختاره أصبغ، ورواه عن مالك رحمهما الله تعالى، وقال مرة أخرى يصلى ما أفاق فى وقته رواه القاضى اسحاق عن محمد بن مسلمة فوجه الرواية الأولى ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها اذا ذكرها فان ذلك وقتها فاذا اجتمع فى هذا الوقت ثلاث صلوات واستوعبت الصلاة الأولى الوقت سقط فرض ما بعدها لما كانت أحق بالوقت، ووجه الرواية الثانية أنه مغمى عليه أدرك وقت الظهر والعصر فلزمه الاتيان بهما وانما قدمت عليها الفائتة للترتيب لا لأن الوقت مختص أو لك لا يسقط فرض الظهر والعصر
(5)
. قال فى الطراز: وان أغمى على من يؤذن فى بعض الأذان أو جن ثم أفاق بنى فيما قرب، وقال أشهب رحمه الله تعالى: ان رعف مقيم أو أحدث أو مات أو أغمى عليه ابتدأ فان بنى هو أو غيره أجزأ
(6)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه لا قضاء على شخص ذى اغماء اذا أفاق لحديث «رفع القلم عن ثلاث» عن الصبى حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يبرأ، صححه ابن حيان والحاكم، فورد النص فى المجنون وقيس عليه كل من زال عقله بسبب يعذر فيه، وسواء قل زمن ذلك أو طال، وانما وجب قضاء الصوم على من أغمى عليه جميع النهار لمشقة قضاء الصلاة لأنها قد تكثر بخلاف الصوم، نعم يسن للمغمى عليه والمجنون ونحوهما القضاء. بخلاف ذى الاغماء المتعدى به اذا أفاق فانه يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات زمن ذلك لتعديه
(7)
ولو أغمى عليه أول الوقت واستغرق باقيه وجبت تلك
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 1 ص 246 الطبعة الأولى طبع شركة المطبوعات العالمية بمصر سنة 1327 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 108 نفس الطبعة.
(3)
شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل للشيخ محمد عليش ج 1 ص 112 فى كتاب على هامشه فى حاشية المسماة تسهيل منح الجليل.
(4)
شرح أبى عبد الله محمد الخرشى على المختصر الجليل ج 1 ص 220 فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الاميرية بمصر سنة 1317 هـ.
(5)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المعروف بالحطاب ج 1 ص 411 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 427 نفس الطبعة.
(7)
مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 1 ص 133 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
الصلاة لا الثانية التى تجمع معها ان أدرك من عرض له الاغماء قبل عروضه قدر الفرض أخف ممكن ولو مقصورا لمسافر ووقت طهر لا يصح تقديمه عليه كتيمم لتمكنه من الفعل فى الوقت فلا يسقط بما يطرأ بعده كما لو هلك النصاب بعد الحول وامكان الأداء فان الزكاة لا تسقط وكذا لو خلا عن الموانع فى أثناء الوقت القدر المذكور.
وانما لم تجب الصلاة الثانية التى تجمع معها اذا خلا من الموانع ما يسعها لأن وقت الأولى لا يصلح للثانية الا اذا صلاهما جمعا بخلاف العكس، وأيضا وقت الأولى فى الجمع وقت للثانية تبعا بخلاف العكس بدليل عدم وجوب تقديم الثانية فى جمع التقديم وجواز تقديم الأولى بل وجوبه على وجه فى جمع التأخير، أما الطهارة التى يمكن تقديمها على الوقت فلا يعتبر مضى زمن يسعها وان لم يدرك قدر الفرض كما وصفنا فلا وجوب فى ذمته لعدم التمكن من فعلها كما لو هلك النصاب قبل التمكن
(1)
. وتجب موالاة كلمات الأذان والاقامة لأن ترك الموالاة يخل بالاعلام، ولا يضر بسير اغماء ويسن ان يستأنف فيه
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن حكم المغمى عليه فى الصلاة حكم النائم لا يسقط عنه قضاء شئ من الواجبات التى يجب قضاؤها على النائم كالصلاة والصيام لما روى أن عمارا رضى الله تعالى عنه غشى عليه أياما لا يصلى فاستيقظ ثم استفاق بعد ثلاث فقال: هل صليت؟ فقيل له: ما صليت منذ ثلاث، فقال: أعطونى وضوءا فتوضأ ثم صلى تلك الليلة.
وروى أبو مجلز أن سمرة بن جندب رضى الله تعالى عنه قال: المغمى عليه اذا ترك الصلاة يصلى مع كل صلاة صلاة مثلها، قال: قال عمران زعم ولكن ليصليهن وروى الأثرم رحمه الله تعالى هذين الحديثين فى سننه، وهذا فعل الصحابة وقولهم ولا يعرف لهم مخالف فكان اجماعا، ولأن الأغماء لا يسقط فرض الصيام ولا يؤثر فى استحقاق الولاية على المغمى عليه فأشبه النوم.
أما ما روى من أن عائشة رضى الله تعالى عنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يغمى عليه فيترك الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس من ذلك قضاء الا أن يغمى عليه فيفيق فى وقتها فيصليها، فحديث باطل يرويه الحاكم بن سعد وقد نهى أحمد رحمه الله تعالى عن حديثه وضعفه ابن المبارك وقال البخارى: تركوه وفى اسناده أيضا خارجة بن مصعب وهو ضعيف أيضا. ولا يصح قياس المغمى عليه على المجنون لأن المجنون تتطاول مدته غالبا وقد رفع القلم عنه ولا يلزمه صيام ولا شئ من أحكام التكليف وتثبيت الولاية عليه ولا يجوز على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والاغماء بخلافه، وما لا يؤثر فى اسقاط الخمس لا يؤثر فى اسقاط الزائد عليها كالنوم. ومن شرب دواء فزال عقله به نظر فان كان زوالا لا يدوم كثيرا فهو كالاغماء وان كان يتطاول فهو كالمجنون، وأما السكر ومن شرب محرما يزول عقله وقتا دون وقت فلا يؤثر فى اسقاط التكليف وعليه قضاء ما فاته فى حال زوال عقله لا نعلم فيه خلافا، ولأنه اذا وجب عليه القضاء بالنوم المباح فبالسكر المحرم أولى
(3)
. ولو أغمى على من يؤذن فى أثناء أذانه أو أصابه جنون يقطع الموالاة بطل أذانه.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا صلاة على مجنون ولا مغمى عليه ولا حائض ولا نفساء، ولا قضاء على واحد منهم الا ما أفاق المجنون والمغمى عليه أو طهرت
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 125 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 139 نفس المرجع.
(3)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن الحسين ابن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 1 ص 415، وما بعدها الى ص 417 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1341 هـ.
الحائض والنفساء فى وقت أدركوا فيه بعد الطهارة الدخول فى الصلاة. برهان ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاثة» فذكر المجنون حتى يفيق، أما المغمى عليه فلما روينا عن عمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه أن المغمى عليه يقضى، وقال سفيان:
يقضى ان أفاق عند غروب الشمس الظهر والعصر فقط، وقد صح عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما خلاف قول عمار على أن الذى روينا عن عمار انما هو أنه أغمى عليه أربع صلوات فقضاهن، كما روينا عن نافع باسناده أن ابن عمر اشتكى مرة غلب فيها على عقله حتى ترك الصلاة ثم أفاق فلم يصل ما ترك من الصلاة، وعن ابن جريج عن ابن طاوس عن أبيه قال اذا أغمى على المريض ثم عقل لم يعد الصلاة. قال على بن حزم: المغمى عليه لا يعقل ولا يفهم فالخطاب عنه مرتفع، واذا كان كل من ذكرنا غير مخاطب بها فى وقتها الذى الزم الناس أن يؤدوها فيه فلا يجوز أداؤها فى غير وقتها لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك، وصلاة لم يأمر الله تعالى بها لا تجب
(1)
. وأما من سكر حتى خرج وقت الصلاة أو نام عنها حتى خرج وقتها أو نسيها حتى خرج وقتها ففرض على هؤلاء خاصة أن يصلوها أبدا، قال الله عز وجل «لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ 2» فلم يبح الله تعالى للسكران أن يصلى حتى يعلم ما يقول، وحدثنا عبد الله بن ربيع باسناده عن أبى قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: انه ليس فى النوم تفريط انما التفريط فى اليقظة، فاذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها اذا ذكرها
(3)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أنه لا تجب الصلاة على مجنون أو ما فى حكمه كالسكران والمغمى عليه، فاذا أفاق المغمى عليه لا يقضى ما فاته
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه لو أغمى على المؤذن للصلاة فى خلال الأذان ثم أفاق استحب له أن يستأنفه، ويجوز له البناء
(5)
. واذا أغمى على من يجب عليه الصلاة فى جميع وقت الصلاة لم يلزمه قضاؤها، وان أغمى عليه أياما استحب له قضاء يوم وليلة، وروى أنه يستحب له قضاء ثلاثة أيام وذلك لأن القضاء فرض ثان والأصل براءة الذمة وأما ما روى أن المغمى عليه يقضى ثلاثة أيام أو يوما وليلة فمحمول على الاستحباب
(6)
. واذا أدرك المصلى من أول وقت الظهر دون أربع ركعات ثم غلب على عقله بجنون أو اغماء أو حاضت المرأة أو نفست لم يلزمهم الظهر واليه ذهب جميع أصحاب الشافعى الا أبا يحيى البلخى فانه قال يجب عليه صلاة الظهر قياسا على من لحق ركعة من آخر الوقت، دليلنا اجماع الفرقة فانهم لا يختلفون فى أن من لم يدرك من أول الوقت مقدار ما يؤد الفرض فيه لم يلزمه قضاؤه
(7)
. واذا أدرك من أول الوقت مقدار ما يصلى فيه أربع ركعات ثم جن أو أغمى عليه لزمه قضاؤه واذا لحق مقدار ما يصلى فيه ثمان ركعات لزمه الظهر والعصر معا لما ذكرنا من أن وقت العصر يلى وقت الظهر، وانه اذا زالت الشمس فانه يختص الظهر مقدار أن يصلى أربع
(1)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 2 ص 333، ص 234، مسئلة رقم 277 الطبعة الأولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر سنة 1348 هـ.
(2)
الآية رقم 43 من سورة النساء.
(3)
المحلى لابن حزم الظاهرى ج 2 ص 234، ص 235 مسئلة رقم 278 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 168 وحواشيه الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(5)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 1 ص 51 طبع دار مكتبة الحياة ببيروت.
(6)
الخلاف فى الفقه للامام أبى جعفر محمد بن الحسن ابن على الطوسى ج 1 ص 89 مسئلة رقم 17 الطبعة الثانيه طبع مطبعة رنكين فى طهران سنة 1377 هـ.
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 88، 89 مسئلة رقم 15 الطبعة السابقة.
ركعات وما بعد ذلك مشترك بينه وبين العصر، واذا ثبت ذلك فهذا قد أدرك وقت العصر فاذا لم يصل فيه فينبغى أن يجب عليه القضاء بالاجماع، ومن خالف فى ذلك انما بناه على أن وقت العصر لم يدخل بعد. وجاء فى جواهر الكلام أن الصلاة لا تبطل قطعا لو اعرض للمنصوب للصلاة ما يبطل الصلاة من اغماء أو حدث، للأصل وغيره لكن فى التذكرة لو أحدث الامام فى صلاة الجمعة أو غيرها أو خرج بسبب آخر جاز أن يستخلف غيره ليتم بهم الصلاة عند علمائنا
(1)
ثم لا فرق فى سبب الاغماء بين الآفة السماوية وفعل المكلف لاطلاق النصوص وبعض الفتاوى خلافا للذكرى حيث أوجب القضاء فى الثانى دون الأول، ونسبه - كما روى عن غيره الى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه وتبعه عليه بعض من تأخر عنه بل لعله ظاهر السرائر حيث قيد عدم وجوب القضاء بما اذا لم يكن هو السبب فى دخوله عليه بمعصية يرتكبها، وكيف كان فمستنده أعلى الظاهر انصراف الاطلاق الى المتبادر المتعارف، سيما مع اشتمال جملة من نصوص الاغماء على قوله عليه السلام: كل ما غلب الله تعالى عليه فهو أولى بالعذر، فيبقى غيره حينئذ مندرجا فى عموم قوله عليه السلام: من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته واستحسنه فى الرياض لولا ما يظهر من الفوات من تحقق الخطاب بالفعل ثم يفوت وهو مفقود فى المقام، وفيه أولا منع عدم تحقق الخطاب فى لا يقبح معاملته معاملة المقدور المتعلق به الاختيار، لا تصح معاملته معاملة لمقدور المتعلق به الاختيار، وثانيا منع توقف صدق اسم الفوات على تحقق الخطاب فى نحو ما نحن فيه، بل أقصاه توقفه على عدم النهى كالحائض ونحوها على اشكال فالأولى فى رد الشهيد حينئذ اطلاق النصوص بعد منع الانصراف. اللهم الا أن يثبت اجماع وكأنه أخذ مما ذكر من وجوب القضاء على من زال عقله بسبب منه كشرب المسكر وعلى كل حال فالمتجه اختصاص ذلك بما لو علم ترتب الاغماء على فعله أو بالمعصية التى أشار اليها فى السرائر
(2)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن قضاء الصلاة يلزم من جن أو أغمى عليه فى الوقت ولو فى اللحظة الأولى منه وأفاق بعده، وقيل لا الا أن ذهب من الوقت مقدار ما يصلى فيه مع ما لزمه من الوظائف ولم يصل وهو ذاكر غير ممنوع وان ذهب منه مقدار ما يتطهر لها بشروطها ووظائفها ولم يتطهر أو تطهر فجن أو أغمى عليه فلا اعادة عليه عند بعض، وفى الجنون أو الاغماء الذى قبله الزائل بعده قولان، والراجح عدم اللزوم لأن الصلاة يكلف بها فى وقتها وهذا دخل عليه وقتها وهو غير مكلف ولم يكن بحال تكليف حتى خرج وكذا النائم بعد الوقت حتى خرج الا أن نام قبله لئلا يصلى فانها تلزمه، وان جن أو أغمى عليه قبل الوقت وأفاق آخره فقيل أن بقى مقدار ما يصلى بوظائف الصلاة كوضوء وكاستنجاء ان لزمه وكاغتسال ان لزمه فهى لازمة له وان بقى أقل لم تلزمه، وقيل ان بقى مقدارها بدون ما لزمه من وظائفها لم تلزمه وقيل ان بقى مقدار ركعة لزمته وقيل ان بقى أقل قليل لزمته وكذا الخلاف ان جن أو أغمى عليه قبل مقدار ما يصلى على قول من لا يلزمه ثم أفاق آخره وان علم المجنون أو المغمى عليه أنه بقى من عقله ما يصلى به بتكييف أو بتكبير وأطاق لزمه أن يصلى فى حينه بما أطاق من ذلك
(3)
وان أغمى على الامام أو غشى بطلت عليه لانتقاض وضوئه بالاغماء ومضى فيها من خلفه وحكم اغمائه كحكم موته
(4)
.
(1)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن النجفى ج 11 ص 195 بتحقيق وتعليق الشيخ عباس القوجانى الطبعة السادسة طبع دار الكتب الاسلامية بالنجف سنة 1381 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 13 ص 5، ص 6 الطبعة السابقة سنة 1382 هـ.
(3)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 1 ص 596 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 472 نفس الطبعة.
أثر الإغماء فى الصيام
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع قال عامة مشايخنا ان الافاقة ليست من شرائط وجوب الصيام ويجب صوم رمضان على المغمى عليه لكن أصل الوجوب لا وجوب الأداء بناء على أن عندهم الوجوب نوعان أحدهما أصل الوجوب - وهو اشتغال الذمة بالواجب وانه ثبت بالأسباب لا بالخطاب ولا تشترط القدرة لثبوته بل ثبت جبرا من الله تعالى شاء العبد أو أبى - والثانى وجوب الأداء وهو اسقاط ما فى الذمة وتفريقها من الواجب وأنه ثبت بالخطاب وتشترط له القدرة على فهم الخطاب وعلى أداء ما تناوله الخطاب لأن الخطاب لا يتوجه الى العاجز عن فهم الخطاب ولا العاجز عن فعل ما تناوله الخطاب، والمغمى عليه لعجزه عن استعمال عقله عاجز عن فهم الخطاب وعن أداء ما تناوله الخطاب فلا يثبت وجوب الأداء فى حقه ويثبت أصل الوجوب فى حقه لأنه لا يعتمد القدرة بل يثبت جبرا، وتقرير هذا الأصل معروف فى أصول الفقه وفى الخلافيات. وقال أهل التحقيق من مشايخنا بما وراء النهر ان الوجوب فى الحقيقة نوع واحد وهو وجوب الأداء فكل من كان من أهل الأداء كان من أهل الوجوب ومن لا فلا - وهو اختيار أستاذى الشيخ علاء الدين محمد بن أحمد السمرقندى رضى الله تعالى عنه - لأن الوجوب المعقول هو وجوب الفعل كوجوب الصوم والصلاة وسائر العبادات ومن لم يكن من أهل أداء الفعل - الواجب وهو القادر على فهم الخطاب والقادر على فعل ما يتناوله الخطاب لا يكون من أهل الوجوب ضرورة والمغمى عليه عاجز عن فهم الخطاب بالصوم وعن أدائه اذ الصوم الشرعى هو الامساك لله تعالى ولن يكون ذلك بدون النية والمغمى عليه ليس من أهل النية فلم يكن من أهل الأداء فلم يكن من أهل الوجوب.
والذى دعا الأولين الى القول بالوجوب فى حق المغمى عليه وغيره ما انعقد الاجماع عليه من وجوب القضاء على المغمى عليه بعد الافاقة بعد مضى بعض الشهر أو كله، فقالوا ان وجوب القضاء يستدعى فوات الواجب المؤقت عن وقته مع القدرة عليه وانتفاء الحرج فلا بد من الوجوب فى الوقت ثم فواته حتى يمكن ايجاب القضاء فاضطرهم ذلك الى اثبات الوجوب فى حال الاغماء، وقال الآخرون: ان وجوب القضاء لا يستدعى سابقية الوجوب لا محالة وانما يستدعى فوت العبادة عن وقتها والقدرة على القضاء من غير حرج، ولذلك اختلفت طرقهم فى المسئلة
(1)
. ولو أفاق المغمى عليه فى نهار رمضان قبل الزوال فنوى الصوم اجزاه عن رمضان بلا خلاف بين أصحابنا
(2)
.
جاء فى التاج
(3)
والاكليل: أن من شروط الصيام وصحة فعله العقل، قال ابن القاسم رحمه الله تعالى نقلا عن المدونة من أغمى عليه ليلا فى رمضان وقد نوى صوم ذلك اليوم فلم يفق الا عند المساء وبعد ما أضحى لم يجزه صوم ذلك اليوم ويقضيه وأما من أغمى عليه جل اليوم ففى المدونة قال مالك رضى الله تعالى عنه: من أغمى عليه قبل طلوع الشمس فأفاق عند الغروب لم يجزه صومه لأنه أغمى عليه أكثر النهار، وأما من أغمى عليه أقل اليوم ولم يسلم أوله ففى المدونة أن من نوى صوم ذلك اليوم فلم يفق الا بعد ما أضحى لم يجزه صوم ذلك اليوم. قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: ومن أغمى عليه قبل الفجر فلم يفق الا بعده لم يجزه صوم ذلك اليوم بخلاف النائم لو نام قبل الفجر فانتبه قبل الغروب
(1)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 2 ص 88 طبع شركة المطبوعات العلمية الطبعة الأولى بمصر سنة 1327 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 89 نفس الطبعة.
(3)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق ج 2 ص 422 فى كتاب على هامش مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1327 هـ.
فانه يجزئه صومه، ولو كان ذلك الاغماء لمرض به لم يجزه صومه قال ابن يونس رحمه الله تعالى لأن المغمى عليه غير مكلف فلم تصلح له نية والنائم مكلف لو نبه انتبه، وجاء فى المدونة أن من أغمى عليه بعد أن أصبح ونيته الصوم فأفاق نصف النهار وأغمى عليه وقد مضى أكثر النهار أجزأه صوم ذلك اليوم، وروى - الخطاب عن ابن عبد السلام رحمه الله تعالى أن الاغماء ان كان فى أقل النهار مع سلامة أوله فلا أثر له كالنوم وذلك لكثرته فى الناس بخلاف الجنون لقلته وظاهر كلام صاحب الطراز أن حكم الجنون والاغماء سواء فقد قال فى باب الاعتكاف اذا أغمى عليه أو جن وكان فى عقله حين الفجر أو أكثر النهار ولم يخرج من المسجد حتى دخل الليل يجزئه عكوفه ذلك اليوم على ما مر فى صحته صومه
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أن الصوم لا يجب على المغمى عليه لأن العقل شرط وجوب صوم رمضان
(2)
. وجاء فى المهذب أنه اذا نوى انسان الصوم من الليل ثم أغمى عليه جميع النهار لم يصح صومه وعليه القضاء، وقال المزنى رحمه الله تعالى يصح صومه كما لو نوى الصوم ثم نام جميع النهار، والدليل على أن الصوم لا يصح أن الصوم نية وترك ثم لو انفرد الترك عن النية لم يصح فاذا انفردت النية عن الترك لم يصح، وأما النوم فان أبا سعيد الاصطخرى رحمه الله قال اذا نام جميع النهار لم يصح صومه كما لا يصح اذا أغمى عليه جميع النهار والمذهب انه يصح صومه اذا نام، والفرق بين النوم وبين الاغماء ان النائم ثابت العقل لأنه اذا نبه انتبه والمغمى عليه بخلافه، ولأن النائم كالمستيقظ ولهذا ولايته ثابتة على ماله بخلاف المغمى عليه وان نوى الصوم ثم أغمى عليه فى بعض النهار فقد قال فى كتاب الظهار ومختصر البويطى اذا كان فى أوله مفيقا صح صومه، وقال فى كتاب الصوم اذا أفاق فى بعضه أجزأه وقال فى اختلاف أبو حنيفة وابن أبى ليلى: اذا كانت صائمة فأغمى عليها أو حاضت بطل صومها وخرج أبو العباس رحمه الله تعالى قولا آخر أنه ان كان مفيقا فى طرفى النهار صح صومه فمن أصحابنا من قال المسئلة على قول واحد أنه يعتبر أن يكون مفيقا فى أول النهار وتأول ما سواه من الأقوال على هذا، ومن أصحابنا من قال فيه أربعة أقوال، أحدهما أنه تعتبر الافاقة فى أوله كالنية تعتبر فى أوله. والقول الثانى منها أنه تعتبر الافاقة فى طرفيه كما أن فى الصلاة يعتبر القصد فى الطرفين فى الدخول والخروج ولا يعتبر فيما بينهما. والقول الثالث: أنه تعتبر الافاقة فى جميعه فاذا أغمى عليه فى بعضه لم يصح صومه لأنه معنى اذا طرأ أسقط فرض الصلاة فأبطل الصوم كالحيض. والقول الرابع: أنه تعتبر الافاقة فى جزء منه ولا أعرف له وجها.
وان نوى الصوم ثم جن ففيه قولان: قال فى الجديد: يبطل الصوم لأنه عارض يسقط فرض الصلاة فأبطل الصوم كالحيض، وقال فى القديم:
هو كالاغماء لأنه يزيل العقل والولاية فهو كالاغماء
(3)
. قال صاحب مغنى المحتاج: ويجب قضاء ما فات بالاغماء لأنه نوع مرض فاندرج تحت قول الله عز وجل ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر
(4)
وخالف الصلاة للمشقة فيها بتكررها وخالف الجنون لأنه أخف منه. ولو صب ماء فى حلق صائم وهو مغمى عليه لم يفطر لانتفاء الفعل والقصد منه
(5)
.
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن الرعينى المعروف بالحطاب ج 2 ص 422 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق الطبعة السابقة.
(2)
مغنى المحتاج لمعرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 1 ص 423 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
(3)
المهذب لأبى اسحاق ابراهيم بن على بن يوسف الفيروزابادى الشيرازى ج 1 ص 185 فى كتاب أسفله النظم المستعذب فى شرح غريب المهذب لمحمد بن أحمد بن بطال الركبى طبع مطبعة عيسى البابى الخلبى بمصر.
(4)
الآية رقم 74 من سورة البقرة.
(5)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 1 ص 424 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أن الصائم متى أغمى عليه جميع النهار فلم يفق فى شئ منه لم يصح صومه فى قول امامنا لأن الصوم هو الامساك مع النية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له الا الصيام فانه لى وأنا أجزى به يدع طعامه وشرابه من أجلى. متفق عليه، فأضاف ترك الطعام والشراب اليه فاذا كان مغمى عليه فلا يضاف الامساك اليه فلم يجزئه، ولأن النية أحد ركنى الصوم فلا تجزئ وحدها كالامساك وحده وأما ما يقال من أن الاغماء كالنوم فمردود لأن النوم عادة وهو لا يزيل الاحساس بالكلية، ومتى نبه النائم انتبه، أما الاغماء فعارض وهو يزيل العقل فأشبه الجنون. ومتى فسد الصوم بالاغماء فعلى المغمى عليه القضاء بغير خلاف علمناه لأن مدته لا تتطول غالبا ولا تثبت الولاية على صاحبه فلم يزل التكليف به وقضاء العبادات كالنوم. ومتى أفاق المغمى عليه فى جزء من النهار صح صومه سواء كان فى أوله أو فى آخره لأن الافاقة حصلت فى جزء من النهار فأجزأ كما لو وجدت فى أوله خلافا للشافعى رحمه الله تعالى حيث قال فى أحد قوليه: تعتبر الافاقة فى أول النهار ليحصل حكم النية فى أوله وانما خالفنا فى ذلك لأن النية قد حصلت من الليل فيستغنى عن ذكرها فى النهار كما لو نام أو غفل عن الصوم ولو كانت النية انما تحصل بالافاقة فى النهار لما صح منه صوم الفرض بالافاقة لأنه لا يجزئ بنية من النهار
(1)
.
مذهب الظاهرية
(2)
:
جاء فى المحلى أن من أغمى عليه أو جن بعد أن نوى الصوم من الليل لا يكون مفطرا بالاغماء عليه لكنه فيه غير مخاطب وقد كان مخاطبا به فان أفاق فى ذلك اليوم أفى فى يوم بعده من أيام رمضان فانه ينوى الصوم من حينه ويكون صائما لأنه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه، وكذلك من جن أو أغمى عليه قبل غروب الشمس فلم يفق الا من الغد وقد مضى اكثر النهار، وذلك لأننا تأملنا ما رواه على بن ابى طالب كرم الله تعالى وجهه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل» فوجدناه ليس فيه الا أنه غير مخاطب فى حال جنونه حتى عقل وليس فى ذلك بطلان صومه الذى لزمه قبل جنونه ولا عودته عليه بعد افاقته، وكذلك المغمى عليه.
ووجدنا المجنون لا يبطل جنونه ايمانه ولا نكاحه ولا طلاقه ولا ظهاره ولا ايلاءه ولا حجه ولا احرامه ولا بيعه ولا هبته ولا شيئا من أحكامه اللازمة له قبل جنونه ووجدنا ذهوله عن كل ذلك لا يوجب بطلان شئ من ذلك فقد يذهل الانسان عن الصوم والصلاة حتى يظن أنه ليس مصليا ولا صائما فيأكل ويشرب ولا يبطل بذلك صومه ولا صلاته، بهذا جاءت السنن على ما ذكرنا فى الصلاة وغيرها وكذلك المغمى عليه ولا فرق فى كل ذلك ولا يبطل الجنون والاغماء الا ما يبطل النوم من الطهارة بالضوء وحده فقط، وأيضا فان من نوى الصوم كما أمره الله عز وجل ثم جن أو أغمى عليه فقد صح صومه بيقين من نص واجماع فلا يجوز بطلانه بعد صحته الا بنص أو اجماع ولا اجماع فى ذلك أصلا.
أما حكم من جن أو أغمى عليه أو سكر أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق ولا صحا ولا انتبه
(1)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم لمحمد بن الحسن ابن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 3 ص 32، ص 33 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1346 هـ.
(2)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 6 ص 226، وما بعدها الى ص 229 مسئلة رقم 54 الطبعة الأولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر سنة 1349 هـ.
ليلته كلها والغد كله الى بعد غروب الشمس أيقضيه أم لا؟ نظرنا فوجدنا القضاء ايجاب شرع والشرع لا يجب الا بنص فلم نجد ايجاب القضاء فى النص الا على أربعة: المسافر والمريض - والحائض والنفساء والمتعمد للقئ بالسنة ولا مزيد، ووجدنا النائم والسكران والمجنون المطبق عليه ليسوا مسافرين ولا متعمدين للقئ ولا حيضا ولا من ذوات النفاس ولا مرضى فلم يجب عليهم القضاء أصلا ولا خوطبوا بوجوب الصوم عليهم فى تلك الأحوال بل القلم مرفوع عنهم بالسنة، ووجدنا المصروع والمغمى عليه مريضين بلا شك لأن المرض هى حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال - وصحة الجوارح والقوة الى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها وهذه صفة المصروع والمغمى عليه بلا شك ويبقى وهن ذلك وضعفه عليهما بعد الافاقة مدة فاذ هما مريضان فالقضاء عليهما بنص القرآن. وليس قولنا بسقوط الصلاة عن المغمى عليه الا ما أفاق فى وقته منها وبقضاء النائم للصلاة - مخالفا لقولنا هنا. بل هو موافق لأن ما خرج وقته للمغمى عليه فلم يكن مخاطبا بالصلاة فيه ولا كان أيضا مخاطبا بالصوم ولكن الله تعالى أوجب على المريض عدة من أيام أخر ولم يوجب تعالى على المريض قضاء صلاة وأوجب قضاء الصلاة على النائم والناسى ولم يوجب تعالى قضاء صيام على النائم والناسى بل أسقطه تعالى عن الناسى والنائم اذ لم يوجبه عليه. ومن أفاق بعد ما تبين الفجر له أكل باقى نهاره واستأنف الصوم من غد ثم يقضى
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أن المذهب على ان الاغماء فى الصوم كالمرض فيجب على المغمى عليه أن يقضى صومه، وجاء فى حواشى شرح الأزهار:
قال المفتى أما قولهم ان الجنون والاغماء مرض فضعيف اذ لا خطاب على من زال عقله بخلاف المريض فينظر فى وجه الوجوب والقضاء عندنا بأمر جديد
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى العروة الوثقى أن من شرائط وجوب الصوم عدم الاغماء فلا يجب مع الاغماء الصوم، ولو حصل الاغماء فى جزء من النهار. نعم لو كان نوى الصوم قبل الاغماء فالأحوط أن يتمه وقال فى الحاشية: بل لا يخلو وجوبه من قوة. أما لو صحا قبل الزوال فالأحوط له تجديد النية والاتمام.
ولا يجب على من أفطر بسبب الاغماء أن يقضى ما فات منه وقت اغمائه سواء نوى الصوم قبل الاغماء أم لم ينو
(3)
. ويستحب للمغمى عليه اذا أفاق فى أثناء نهار رمضان أن يمسك تأدبا وان لم يكن صوما
(4)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أن فى حكم المغمى عليه قولين أحدهما: أنه كالمجنون فلا يقضى ما فاته من صوم رمضان فى أثناء اغمائه، والقول الثانى:
أنه كالمريض والنائم فيجب عليه أن يقضى ما فاته، وثانى القولين: اختيار ظاهر الديوان. ومنشأ هذا الخلاف راجع الى حقيقة الاغماء هل هو زوال عقل كالمجنون أو هو خمود عقل وكونه داخلا لخلل فى البدن فيكون كالنوم والمرض
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 241 مسئلة رقم 760 نفس الطبعة.
(2)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد ابن يحيى بن المرتضى ج 2 ص 230، ص 256 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ - 1948 م.
وحواشى شرح الأزهار ج 2 ص 37 فى كتاب أسقل شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(3)
العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 368 فى كتاب أسفله تعليقات لأشهر مراجع العصر وزعماء الشيعة الإمامية طبع دار الكتب الاسلامية بطهران الطبعة الثانية سنة 1388 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 372 نفس الطبعة.
وما تقدم فى القولين فى حكم المغمى عليه متعلق بمن يغمى عليه فى رمضان كله أو فى أيام منه أو فى يومين، وأما فى يوم واحد ففيه أقوال أحدها أنه يكون مفسدا للصوم مطلقا والثانى أنه غير مفسد مطلقا ان بيت النية من الليل والثالث أنه يفرق بين أن يغمى على شخص قبل الفجر أو بعده، واذا أغمى عليه بعد الفجر فأما أن يكون بعد مضى أكثر النهار أو أقله فعلى القول الأول يجب أن يقضى كل يوم وقع الاغماء فيه، وعلى القول الثانى لا يجب القضاء الا أن أفطر بأكل أو شرب أو جماع أو نحو ذلك وان لم يبيت النية من الليل، والمفسد له ان أغمى عليه قبل الفجر أوجب قضاء كل يوم طلع فجره على من لا يعقل صومه وهذا أحوط لشروعه فيه مع الفجر بلا عقل ولا نية ولو نوى قبل ذلك لكنه عند الفجر لا نية له لزوال عقله ولا يصدق عليه أنه مستصحب لها ولا يصدق عليه أنه فاعل للصوم، ولا يرد على ذلك بأن الذهول لا يفسد الصوم اذا كانت النية من الليل، ولا بأن النوم لا يفسده لأن الذهول أمر كثير لا يطيق أحد عدمه ولأن النوم مباح جاز فعله عمدا وجعل الله لنا فيه راحة والفرق بين أكثر النهار وأقله أوجب الفساد بالأكثر لا بالأقل أو النصف، وحكم الأكثر عنده كالكل بخلاف الأقل والنصف. والمجنون كالمغمى عليه فى بعض ما ذكر وهو أنه ان طلع عليه الفجر وهو لا يعقل أبدل ما أصبح فيه مجنونا. والواضح أنه ان نوى الصوم ليلا وأغمى عليه بعد ذلك أو جن أو نام ولم يحدث ما يبطل الصوم صح صومه، واختار بعضهم أنه ان زال عقله سنة فلا بدل عليه واختار بعضهم فى النائم الى الغروب أن عليه القضاء والصحيح ان لا قضاء عليه ان كان نيته من الليل ولم يحدث مبطلا الا أن اتصل نومه يومين فانه يعيد الثانى عند من يشترط التجديد للنية كل ليلة. وقال الشيخ يحيى رحمه الله تعالى: المغمى عليه يوما أو يومين أو أكثر يعيد الصوم وقيل الصلاة وقيل اياهما وقيل لا يعيد واحدا منهما، وقيل ان أغمى عليه فى أول النهار وصحا فى آخره أعاد اليوم ولا يعيد فى العكس وقيل اذا أغمى عليه فى وقت ما من النهار. أعاد
(1)
اليوم.
أثر الاغماء فى الاعتكاف
مذهب الحنفية:
جاء فى بدائع الصنائع ان نفس الاغماء لا يفسد الاعتكاف بلا خلاف حتى لا ينقطع التتابع ولا يلزمه ان يستقبل الاعتكاف اذا أفاق وان أغمى عليه أياما فسد اعتكافه وعليه اذا برأ أن يستقبل لأنه لزمه متتابعا وقد فاتت صفة التتابع فيلزمه الاستقبال كما فى صوم كفارة الظهار
(2)
.
مذهب المالكية:
جاء فى الشرح الكبير وحاشية الدسقوقى عليه أن الاغماء اذا طرا على الاعتكاف فان كان الاعتكاف نذرا معينا من رمضان أو نذرا غير معين بطل اعتكافه فاذا أفاق أتى ببدل ما حصل فيه الاغماء وكمل نذره سواء طرأ الاغماء قبل الشروع فى الاعتكاف أو بعده أو مقارنا له. وان كان الاعتكاف نذرا معينا بغير رمضان فان طرأ الاغماء قبل الشروع فى الاعتكاف أو مقارنا له فلا يجب القضاء، وان طرأ بعد الشروع وجب القضاء متصلا، اما ان كان الاعتكاف تطوعا معينا بالملاحظة أو غير معين فلا قضاء عليه سواء طرأ الاغماء قبل الشروع فيه أو بعده أو مقارنا له
(3)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه لا يصح اعتكاف المغمى عليه لعدم صحة نيته، ومحل ذلك اذا
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 226، ص 227 طبع محمد يوسف البارونى.
(2)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع للكاسانى أبى بكر ابن مسعود الكاسانى ج 2 ص 116 الطبعة الأولى طبع شركة المطبوعات العلمية بمصر سنة 1327 هـ.
(3)
الشرح الكبير لأبى البركات سيدى أحمد الدردير وحاشية الدسوقى عليه للشيخ محمد عرفة الدسوقى ج 1 ص 551 فى كتاب على هامشه الشرح الكبير طبع دار احياء الكتب العربية مطبعة عيسى البابى الحلبى بمصر.
كان الاغماء فى الابتداء، أما لو طرأ عليه فى أثناء اعتكافه فانه لا يبطل ويحسب زمنه من اعتكافه المتتابع كما فى الصائم اذا أغمى عليه بعض النهار
(1)
. وجاء فى المجموع أن المعتكف اذا أغمى عليه فى الاعتكاف فان لم يخرج من المسجد فأفاق فاعتكافه باق لا يبطل، قال المتولى رحمه الله تعالى: والمذهب أن زمان الاغماء محسوب من الاعتكاف كما ذكرنا فى الصائم اذا اغمى عليه بعض النهار، قال وفيه وجه آخر وهو انه لا يحسب ذلك الزمان من الاعتكاف تخريجا من قولنا فى الصائم اذا أغمى عليه يبطل وبهذا الوجه قطع صاحب الجاوى، قال بخلاف ما اذا نام المعتكف فانه يحسب زمان نومه كالمستيقظ فى جريان الأحكام عليه. هذا اذا لم يخرجه أهله من المسجد أما اذا أخرجوه فلا ينقطع بتابع اعتكافه لأنه لم يخرج باختياره، هذا هو المذهب وبه قطع الجمهور، وقال المتولى وآخرون: هو كالمريض ان خيف تلويث المسجد منه لم يبطل تتابعه بالاخراج والا ففيه قولان أصحهما لا يبطل، أما اذا جن فان لم يخرجه وليه من المسجد حتى أفاق لم يبطل اعتكافه قال المتولى رحمه الله تعالى، لكن لا يحسب زمان الجنون من اعتكافه لأن العبادات البدنية لا تصح من المجنون أداؤها فى حال الجنون فان أخرجه المولى فان كان لا سبيل الى حفظه فى المسجد لم يبطل تتابع اعتكافه بلا خلاف وان كان يمكن حفظه قال المتولى فهو كالمريض فيكون فيه الخلاف والمذهب انه لا ينقطع تتابعه وهو الجارى على القاعدة
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن الاعتكاف لا يبطل بالاغماء كما لا يبطل بالنوم بجامع بقاء التكليف
(3)
. وجاء فى المغنى والشرح الكبير أنه ان تعذر على المعتكف أن يقيم فى المسجد لمرض لا يمكنه المقام معه فيه كالقيام المتدارك أو سلس البول أو الاغماء، أو لا يمكنه المقام الا بمشقة شديدة مثل ان يحتاج الى خدمة وفراش فله الخروج واذا خرج ثم زال عذره نظرنا فان كان اعتكافه تطوعا فهو مخيرا ان شاء رجع الى معتكفه وان شاء لم يرجع اليه وان كان اعتكافه واجبا رجع الى معتكفه فبنى على ما مضى من اعتكافه
(4)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يبطل الاعتكاف شئ الا خروج المعتكف عن المسجد لغير حاجة عامدا ذاكرا لأنه قد فارق العكوف وتركه، وبماشرة المرأة فى غير الترجيل لقوله الله عز وجل «وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ»
(5)
.
وتعمد معصية الله سبحانه وتعالى أى معصية كانت لأن العكوف الذى ندب الله عز وجل اليه هو الذى لا يكون على معصية، ولا شك عند أحد من أهل الاسلام فى أن الله عز وجل حرم العكوف على المعصية فمن عكف فى المسجد على معصية فقد ترك العكوف على الطاعة
(1)
مغنى المحتاج لمعرفة معانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 1 ص 439 ج 1 ص 439، ص 440 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
(2)
المجموع شرح المهذب للامام أبى زكريا يحيى الدين ابن شرف ج 6 ص 516 وما بعدها الى ص 518 فى كتاب يليه فتح العزيز شرح الوجيز لأبى القاسم عبد الكريم محمد الرافعى فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير لأبى الفضل أحمد بن على بن حجر العسقلانى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن أدريس ج 1 ص 532 فى كتاب هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(4)
المغنى للامام موفق الدين أبى محمد عبد الله أحمد ابن محمد بن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 3 ص 146 فى كتاب أسفله الشرح الكبير للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن ابن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1349 هـ.
(5)
الآية رقم 187 من سورة البقرة.
فبطل عكوفه
(1)
. ومن عصى ناسيا أو خرج ناسيا أو مكرها أو باشر أو جامع ناسيا أو مكرها فالاعتكاف تام لا يقدح كل ذلك فيه شيئا لأنه لم يعمد الى ابطال اعتكافه وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «رفع عن آمتى الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»
(2)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى العروة الوثقى أن الاعتكاف لا يصح من المجنون ولو كان جنونه أدوارا فى دوره ولا من السكران وغيره من فاقدى العقل
(3)
.
أثر الاغماء فى الحج
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندسية أن من أغمى عليه فأهل عنه - رفقاؤه جاء ذلك عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى وقال صاحباه لا يجوز ذلك.
ولو أمر انسان انسانا بأن يحرم عنه اذا أغمى عليه أو نام فأحرم المأمور عنه صح بالاجماع حتى لو أفاق أو استيقظ وأتى بأفعال الحج جاز كذا فى الهداية، ولا يلزم النائب أن يتجرد عن المخيط حال احرامه عن المغمى عليه كذا فى البحر الرائق، واختلفوا فيما لو استمر مغمى عليه الى وقت أداء الأفعال هل يجب أن يشهدوا به المشاهد فيطاف به ويسعى ويوقف أو لا يجب شئ من ذلك بل مباشرة الرفقة لذلك عنه تجزيه؟ اختار طائفة الأول واختار آخرون الثانى، وجعله فى المبسوط الأصح، كذا فى فتح القدير.
وان أحرم عنه أو طاف به أو رمى عنه من ليس من رفقته ففيه خلاف قيل لا يجزيه وقيل يجزيه، كذا فى محيط السرخسى، وروى عيسى بن أبان فى المنتقى عن محمد رحمه الله تعالى أنه لو أحرم رجل بالحج وهو صحيح ثم أصابه عته فقضى به أصحابه المناسك ووقفوا به فلبث كذلك سنين ثم أفاق أجزأه ذلك عن حجة الاسلام قال:
وكذلك الرجل اذا قدم مكة وهو صحيح أو مريض الا أنه يعقل فأغمى عليه بعد ذلك فحمله أصحابه وهو مغمى عليه وطافوا به فلما قضوا الطواف أو بعضه وقد أغمى عليه ساعة من نهار ولم يتم ذلك يوما أجزأه ذلك عن طوافه كذا فى المحيط، وذكر الاسبيجابى رحمه الله تعالى أن من طيف به محمولا أجزأ ذلك الطواف عن الحامل جميعا سواء نوى الحامل الطواف عن نفسه وعن المحمول أو لم ينو أو كان للحامل طواف العمرة وللمحمول طواف الحج أو بالعكس، ولو كان الحامل ليس بمحرم فللمحمول عما أوجبه احرامه، كذا فى البحر الرائق وهكذا فى شرح الطحاوى، ولو أن مريضا لا يستطيع الطواف فطاف به أصحابه وهو نائم فان كان لم يأمرهم بذلك لا يجزيه وان كان أمرهم ثم نام أجزأه، وكذلك اذا دخلوا به الطواف أو وجهوه نحوه فنام فطافوا به أجزأه هكذا فى المحيط. ولو استأجروا رجالا فحملوا امرأة فطافوا بها ونووا الطواف أجزأهم ولهم الأجرة وأجزأ المرأة وان نوى الحاملون طلب غريم لهم والمحمولة بعقل وقد نوى الطواف أجزأ المحمول دون الحاملين، وان كان مغمى عليه لم يجزئه كذا فى فتح القدير.
وجاء فى فتاوى قاضيخان أن من اجتاز بعرفات وهو نائم أو مغمى عليه أجزأه عن الوقوف.
ولو أحرم بالحج ثم أغمى عليه وطافوا به حول البيت على بعير وأوقفوه بعرفات ومزدلفة
(1)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم الظاهرى ج 5 ص 192 مسئلة رقم 630 بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر طبع أداره الطباعة المنيرية بمصر الطبعة الأولى سنة 1349 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 5 ص 192 مسئلة رقم 631 نفس الطبعة.
(3)
العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 379 فى كتاب أسفله تعليقات لأشهر مراجع العصر وزعماء الشيعة الإمامية طبع دار الكتب الاسلامية بطهران الطبعة الثانية سنة 1388 هـ.
ووضعوا الأحجار فى يده ورموا بها وسعوا به بين الصفا والمروة جاز، وروى عن محمد رحمه الله تعالى فى المحرم اذا أغمى عليه ييمم اذا طيف به تشبيها بالمتوضئين
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن المغمى عليه لا يحرم عنه وليه ولا غيره فلو أحرم عنه أحد لم يصح احرامه عنه سواء أرادوا أن يحرموا عن المغمى عليه بفريضة أو نافلة وسواء خافوا ان يفوته الحج أم لا كما يفهم ذلك من كلام صاحب الطراز وكما يفهم من كلام المدونة، قال البرازعى رحمه الله تعالى: ومن أتى الميقات وهو مغمى عليه فأحرم عنه أصحابه بحجة أو عمرة أو قران وتمادوا فان أفاق وأحرم بمثل ما أحرموا به عنه أو بغيره ثم أدرك فوقف بعرفة مع الناس أو بعدهم قبل طلوع الفجر من ليلة الفجر أجزأه حجه وأرجو أن لا يكون عليه دم لترك الميقات وأن يكون معذورا وليس ما أحرم عنه أصحابه بشئ وانما الاحرام ما أحرم به هو.
وان لم يقف حتى طلع الفجر من ليلة النحر وقد وقف به أصحاب لم يجزه حجه.
قال ابن يونس رحمه الله تعالى وانما لم يصح أن يحرموا عنه لأن الاحرام هو الاعتقاد بالقلب للدخول فى الحج والعمرة والاعتقادات النيات ولا ينوب فيها أحد عن أحد والمغمى عليه لا تصح منه نية ولا تنعقد عليه عبادة لأنه غير مخاطب بها فى حال اغمائه ولا خلاف فى ذلك.
اذا علم ذلك فمن أغمى عليه عند الاحرام فينتظر فان لم يفق من اغمائه - حتى خرج الوقت - فقد فاته الحج وان أفاق من اغمائه قبل فوات وقت الوقوف فلا يخلوا اما أن يفيق بعرفة أو يفيق قبل يوم عرفة فان أفاق بعرفة أحرم منها حينئذ فان كان ذلك بعد الزوال فانه يلبى ثم يقطع مكانه التلبية على المشهور وقيل يلبى حتى يرمى جمرة العقبة.
وان أفاق قبل يوم عرفة قال سند رحمه الله تعالى فان أمكنه أن يرجع الى الميقات فالأحسن له أن يرجع فان لم يفعل وأحرم من موضعه أجزأه وهل عليه دم؟
قال ابن القاسم رحمه الله تعالى: لا أحفظ فيه عن مالك شيئا وأرجو أن لا يكون عليه شئ وهو بين فان دم مجاوزة الميقات انما يثبت فى حق من يجاوزه مريدا للحج أو للعمرة أو لدخول مكة على خلاف فى الأخيرة.
وهذا اذا لم يكن عند الميقات مريدا أصلا فأشبه المجنون المطيق اذا جاوز به أهله الميقات ثم عوفى فأفاق وأحرم من موضعه لا يختلف فيه أنه لا دم عليه. هذا كله فيمن أغمى عليه قبل الاحرام
(2)
.
أما من أغمى عليه بعد الاحرام قبل أن يأتى عرفة فوقف به أصحابه فانه يجزيه سواء كان ذلك قبل الزوال أو بعده، قال ابن القاسم رحمه الله تعالى، قال سند لأن الاغماء لا يبطل الاحرام وقد دخل فى نية الاحرام.
ولا بد من أن يقف به أصحابه جزءا من الليل، ولو دفعوا به قبل الغروب لم يجزه عند مالك رحمه الله تعالى، قال فى الطراز وهو ظاهر وهو قول مالك وهو مذهب المدونة وهو المشهور، مقابلة قولان أحدهما: أنه ان أغمى عليه قبل الزوال لم يجزه وان أغمى عليه بعرفة بعد الزوال أجزأه ذلك وان كان ذلك قبل أن يقف
(1)
فتاوى قاضيخان محمود الأوزجندى ج 1 ص 299 فى كتاب على هامش الفتاوى العالمكرية الطبعة السابقة.
(2)
مواهب الجليل الشرح مختصر أبى الضياء خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب ج 2 ص 481 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف ابن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.
ولو اتصل حتى دفع به وليس عليه أن يقف ثانية أن أفاق فى بقية ليلته وهذا قول مطرف وابن الماجشون رحمهما الله تعالى.
والقول الثانى: أنه أن حصل الاغماء بعد أن أخذ فى الوقوف يعنى بعد الزوال أجزأه وأما أن وقف به مغمى عليه فلا يجزئه ولو كان ذلك بعد الزوال وعزاه اللخمى رحمه الله تعالى الى الامام مالك فى مختصر ما ليس فى المختصر ولأشهب رحمه الله تعالى فى المدونة.
وحزاه فى الطراز لمن ذكر ولابن نافع رحمه الله تعالى، قال ابن عرفة: وفى أجزاء من وقف به مغمى عليه مطلقا أو أن أغمى عليه بعرفة بعد الزوال ولو بعد وقوفه.
ثالثها: ان أغمى عليه بعدهما لهما وللخمى عن رواية الآخرين وابن شعبان مع أشهب رحمهم الله تعالى، ونقل الأقوال الثلاثة صاحب الطراز ونقلها فى التوضيح وغيره.
واذا قلنا يجزئ المغمى عليه الوقوف ولو كان قبل الزوال فنقل صاحب الطراز عن الموازية أنه لا دم عليه قال سند رحمه الله تعالى: ولو قدم عرفات وهو نائم فى محمله وأقام فى نومه حتى دفع الناس وهو معهم أجزأه وقوفه للمعنى الذى ذكرناه فى المغمى عليه ونقله الشارح فى الكبير.
ومن شرب مسكرا حتى غاب عقله اختيارا أو بشئ أكله من غير علم أو أطعمه أحد ما أسكره وفاته الوقوف لم أر فيه نصا والظاهر أنه ان لم يكن له فى ذلك اختيار فهو كالمغمى عليه والمجنون وان كان باختياره فلا يجزئه كالجاهل بل هو أولى
(1)
.
مذهب الشافعية:
قال صاحب المجموع
(2)
: اتفق أصحابنا العراقيون والخرسانيون وغيرهم على أن المغمى عليه ومن غشى لا يصح احرام وليه عنه ولا رفيقه عنه لأنه غير زائل العقل ويرجى برؤه عن قرب فهو كالمريض. قال أصحابنا رحمهم الله تعالى:
لو خرج فى طريق الحج فأغمى عليه عند الميقات قبل أن يحرم لم يصح أن يحرم وليه ولا رفيقه عنه.
سواء كان أذن فى ذلك قبل الاغماء أم لم يأذن خلافا لأبى حنيفة رحمه الله تعالى قال القاضى أبو الطيب رحمه الله تعالى ودليلنا على عدم الصحة انه بلغ فلم يصح عقد الاحرام له من غيره كالنائم، ولا نسلم أن يقاس الاحرام على الطواف لأن الطواف لا تدخله النهاية حتى لو كان مريضا لم يجز لغيره الطواف عنه بل يطاف به محمولا.
كما لا يصح أن يقاس المغمى عليه على الطفل لأن الاغماء يرجى زواله عن قرب بخلاف الصبا ولهذا يصح أن يعقد الولى النكاح للصبى دون المغمى عليه.
واذا وقف وهو مغمى عليه ففى صحة وقوفه وجهان حكاهما ابن المرزبان والقاضى أبو الطيب فى تعليقه والدارمى والبغوى والمتولى وصاحب البيان وآخرون رحمهم الله تعالى أصحهما - وبه قطع صاحب المهذب والأكثرون - أنه لا يصح.
وممن قطع به الشيخ أبو حامد والرافعى فى المجرد وآخرون وصححه ابن الصباغ والمتولى.
(1)
المرجع السابق ج 3 ص 95 نفس الطبعة.
(2)
المجموع شرح المهذب للامام الحافظ أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ج 7 ص 78 فى كتاب أسفله الترتيب كتابا فتح العزيز شرح الوجيز للامام أبى القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعى ثم التلخيص لأبى الفضل محمد بن حجر بن على العسقلانى طبع ادارة الطباعة المنيرية.
قال صاحب البيان: هو المشهور.
والثانى: يصح ورجحه البغوى والرافعى فى الشرح.
ولو وقف وهو مجنون فطريقان المذهب القطع بأنه لا يصح والثانى فيه الوجهان كالمغمى عليه، ولو وقف وهو سكران قال ابن المرزبان القاضى أبو الطيب والدارمى فيه الوجهان كالمغمى عليه.
وقال صاحب البيان ان كان سكره بغير معصية ففيه الوجهان كالمغمى عليه وان كان بمعصية فوجهان حكاهما الصيمرى أصحهما أنه لا يجزئه تغليظا عليه.
والثانى يجزئه لأنه كالصاحى فى الأحكام واذا قلنا فى المغمى عليه لا يصح وقوفه قال المتولى رحمه الله تعالى لا يجزئه عن حج الغرض لكن يقع نفلا كحج الصبى الذى لا يميزه وحكاه عنه أيضا الرافعى رحمه الله تعالى وسكت عليه فكأنه ارتضاه.
واتفق أصحابنا على أن الجنون لو تخلل بين الاحرام والوقوف أو بينه وبين الطواف أو بين الطواف والوقوف وكان عاقلا فى حال فعل الأركان لا يضر بل يصح حجه ويقع عن حجة الاسلام
(1)
.
ولو أغمى على المحرم قبل الرمى ولم يكن اذن فى الرمى عنه لم يصح الرمى عنه فى اغمائه بلا خلاف وان كان أذن فيه جاز الرمى عنه هذا هو المذهب وبه قطع الجماهير فى الطريقتين.
ونقل الرافعى فيه وجها شاذا ضعيفا أنه لا يجوز، وحكى أمام الحرمين رحمه الله تعالى الجواز عن العراقيين فقال قال العراقيون لو استناب العاجز عن الرمى وصححنا الاستنابة فأغمى على المستنيب دامت النيابة وان كان مقتضى الاغماء الطارئ على اذن انقطاع أذنه اذا كان أصل الاذن جائزا كالوكالة ولكن الغرض هنا اقامة النائب مقام العاجز.
قال وما ذكروه محتمل جدا ولا يمتنع خلافه، قال وقد قالوا لو استناب المغصوب فى حال حياته حياته من يحج عنه ثم مات المغصوب لم تنقطع الاستنابة هكذا ذكروه فى الاذن المجرد وهو بعيد لكن لو فرض فى الاجارة فالاجارة تبقى ولا تنقطع لأن الاستئجار عن الميت بعد موته ممكن فلا منافاة وقد استحق منفعة الأجير.
قال: والذى ذكروه فى الاذن جائز وهو محتمل فى الاغماء بعيد فى الموت هذا كلام الامام رحمه الله تعالى.
ثم ان الأصحاب فى الطريقتين أطلقوا أنه اذا استناب قبل الاغماء جاز رمى النائب عنه فى الاغماء كما ذكرنا.
وقال الماوردى رحمه الله تعالى ان كان حين اذن مطيقا للرمى لم يصح الرمى عنه فى الاغماء لأن المطيق لا تصح النيابة عنه فلم يصح أذنه وان كان حين الاذن عاجزا بأن كان مريضا فأذن ثم أغمى عليه صحت النيابة وصح رمى النائب وهذا كلام الماوردى رحمه الله تعالى ونقله الروبانى فى البحر عن الأصحاب وأشار اليه أبو على البندنيجى وآخرون.
وفى كلام أمام الحرمين الذى حكيته عنه الآن موافقته فليحمل اطلاق الأصحاب على من استناب فى حال العجز ثم أغمى عليه، واتفق الأصحاب رحمهم الله تعالى على أنه لو أذن فى حال اغمائه لم يصح اذنه وان رمى عنه بذلك الاذن لم يصح لأن أذنه ساقط فى كل شئ والمجنون كالمغمى عليه فى كل هذا صرح به المتولى وغيره رحمهم الله تعالى
(2)
.
(1)
المرجع السابق ج 8 ص 104، ص 105 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 8 ص 244، ص 245 نفس الطبعة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير انه اذا أغمى على بالغ لم يصح أن يحرم عنه رفيقه لأنه بالغ فلم يصر محرما باحرام غيره عنه كالنائم ولو أنه أذن فى ذلك وأجازه لم يصح فمع عدم هذا أولى أن لا يصح
(1)
. وان وقف وهو مغمى عليه أو مجنون ولم يفق حتى خرج منها لم يجزئه وهو قول الحسن والشافعى وأبى ثور، واسحاق بن المنذر رحمهم الله تعالى، وقال عطاء فى المغمى عليه يجزئه وهو قول مالك وأصحاب الرأى وقد توقف أحمد رحمه الله تعالى فى هذه المسألة، وقال الحسن يقول بطل حجه، وعطاء يرخص فيه ذلك لأنه لا يعتبر له نية ولا طهارة، ويصح من النائم فصح من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة، ومن نصر الأول قال هو ركن من أركان الحج فلم يصح من المغمى عليه كسائر أركانه، قال ابن عقيل رحمه الله تعالى:
والسكران كالمغمى عليه لأنه زائل العقل بغير نوم فأشبه المغمى عليه، وأما النائم فيجزئه الوقوف لأنه فى حكم المستيقظ
(2)
.
وجاء فى كشاف القناع ان الاحرام لا يبطل بالاغماء والموت والسكر كالنوم
(3)
. وجاء فى شرح منتهى الارادات أنه لا ينعقد احرام مع وجود الجنون أو الاغماء أو السكر لعدم صحة القصد حينئذ
(4)
. وقال صاحب كشاف القناع:
ومن أحرم فأغمى عليه وخشى فوات الحج ذبح هديا شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة لقول الله عز وجل: «فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ»
(5)
ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين احصروا فى الحديبية ان ينحروا ويحلوا.
ويكون الذبح فى موضع حصره سواء كان حلا أو حرما لذبح رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالحديبية وهى من الحل وينوى المحصر بذبح الهدى التحلل وجوبا لحديث انما الأعمال بالنيات «ثم حل من احرامه»
(6)
.
وجاء فى المغنى أنه اذا كان الرجل مريضا أو محبوسا أو له عذر جاز أن يستنيب من يرمى عنه، قال الأثرم رحمه الله تعالى قلت لأبى عبد الله اذا رمى عنه الجمار يشهد هو ذاك أو يكون فى رحله؟ قال هو ذاك أو يكون فى رحله؟ قال يعجبنى أن يشهد ذاك ان قدر حين يرمى عنه. قلت فان ضعف عن ذلك أيكون فى رحله ويرمى عنه؟ قال نعم، قال القاضى رحمه الله تعالى، المستحب أن يضع الحصى فى يد النائب ليكون له عمل فى الرمى، وان أغمى على المستنيب لم تنقطع النيابة وللنائب أن يرمى عنه كما لو استنابه فى الحج ثم أغمى عليه
(7)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن من أغمى
(8)
عليه فى احرامه أو جن بعد أن أحرم وهو فى عقله فاحرامه صحيح، وكذلك لو أغمى عليه أو جن بعد أن وقف بعرفة ولو طرفة عين أو بعد أن أدرك شيئا من الصلاة بمزدلفة مع الامام فحجه تام لأن الاغماء والجنون لا يبطلان عملا تقدم أصلا ولا جاء بذلك نص أصلا ولا اجماع وليس قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاث، فذكر النائم حتى ينتبه والمبتلى حتى يفيق،
(1)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن محمد بن قدامة على مختصر الامام ابن القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 3 ص 205 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1346 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 434، ص 435 نفس الطبعة.
(3)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن أدريس ج 1 ص 548 فى كتاب على هامشه منتهى الادارات للشيخ منصور بن يونس البهوتى.
(4)
شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 627 فى كتاب على هامش كشاف القناع.
(5)
الآية رقم 196 من سورة البقرة.
(6)
كشاف القناع ج 1 ص 631 الطبعة السابقة.
(7)
المغنى ج 3 ص 519 الطبعة السابقة.
(8)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 7 ص 192 مسئلة رقم 1860.
والصبى حتى يبلغ، ليس هذا القول بموجب بطلان ما تقدم من عمله، وانما فيه أنهم فى هذه الحال غير مخاطيبين فقط، فاذا أفاقوا صاروا على حكمهم الذى كانوا عليه قبل.
ومن أغمى
(1)
عليه أو جن أو نام قبل الزوال من يوم عرفة فلم يفق ولا استيقظ الا بعد طلوع الفجر من ليلة يوم النحر فقد بطل حجه سواء وقف به بعرفة أو لم يوقف به، وكذلك من أغمى عليه أو جن أو نام قبل أن يدرك شيئا من صلاة الصبح بمزدلفة مع الامام فلم يفق ولا استيقظ الا بعد سلام الامام من صلاة الصبح فقد بطل حجه، فان كانت امرأة فنامت أو جنت أو أغمى عليها قبل أن تقف بمزدلفة فلم تفق ولا انتبهت حتى طلعت الشمس من يوم النحر فقد بطل حجها وسواء وقف بها بمزدلفة أو لم يقف لأن الأعمال المذكورة فرض من فرائض الحج وقد قال الله عز وجل «وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ 2» .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«انما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى» فصح أنه لا يجزئ عمل مأمور به الا بنية القصد اليه مؤدى باخلاص لله تعالى فيه كما أمر الله عز وجل، وكل ما ذكرنا لم يعبد الله فى الأعمال المذكورة مخلصا له الدين بها فلم يأت بها ولا حج لمن لم يأت بها، ولا يجزئ أن يقف به غيره هنالك لقول الله سبحانه وتعالى:«كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ 3» . وقوله تعالى:
«وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى 4» .
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أن الحج لا يلزم المجنون لرفع القلم عنه، ولا السكران الا أن يميز لقول الله عز وجل «حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ 5» .
والمغمى عليه كالمجنون
(6)
. ويفعل الرفيق فيمن زال عقله وعرف ما خرج له جميع ما يجب من فعل وترك فينوب عنه فى عقد احرامه وما بعده فيبنى ان أفاق، وان مات محرما بقى حكمه على الخلاف، والمذهب أنه ان كان قد أحرم فكذلك، فان جهل ما أحرم له فكالناس، ولا دم عليه ان مات اذ الأصل البراءة، قال صاحب البحر ولا وجه لتحتمه على الرفيق، بل ندب له معاونته على البر والتقوى
(7)
. وجاء فى شرح الأزهار أن الوقوف يجزئ على أى صفة كان سواء كان الواقف نائما أم مجنونا أم مغمى عليه أم سكران أم راكبا لمغصوب أو نحو ذلك فان هذه ونحوها لا يفسد بها الوقوف لأن العبرة بالصيرورة وقد صار
(8)
. ومن حدث له عذر من مرض أو خوف منع من الرمى جاز له أن يستأجر من يرمى عنه من حلال أو محرم فان زال عذره والوقت باق بنى على ما فعل الأجير، ذكر معناه فى الهداية، كمن زال عقله ثم أفاق وفى الذويد يعيد. قال عليه السلام: والقياس يقتضى أن الاستبانة لا تصح الا أن يكون العذر مأيوسا لكن كلام أصحابنا فيمن خرج للحج والحادثة قبله فى اعتبار اليأس وعدمه
(9)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى مستمسك
(10)
العروة الوثقى أن من أراد أن يحج اذا كان له عذر عن أصل انشاء الاحرام لمرض أو اغماء ثم زال وجب عليه ان يعود الى
(1)
المرجع السابق ج 7 ص 192، ص 193 مسئلة رقم 861 الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 98 من سورة البينة.
(3)
الآية رقم 38 من سورة المدثر.
(4)
الآية رقم 164 من سورة الأنعام.
(5)
الآية رقم 43 من سورة النساء.
(6)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد ابن يحيى المرتضى ج 2 ص 281 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1367 هـ - سنة 1948 م.
(7)
المرجع السابق ج 2 ص 400 نفس الطبعة.
(8)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 120 فى كتاب أسفله الحواشى الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(9)
المرجع السابق ج 2 ص 126 والحواشى أسفله نفس الطبعة.
(10)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 10 ص 593، ص 594 الطبعة الثانية طبع مطبعة النعمان بالنجف سنة 1381 هـ - سنة 1961 م.
الميقات اذا تمكن، والا كان حكمه حكم الناس فى الاحرام من مكانه اذا لم يتمكن الا منه وان تمكن من العود فى الجملة وجب، وذهب بعضهم الى أنه اذا كان مغمى عليه ينوب عنه غيره، قال فى القواعد: ولو لم يتمكن من نية الاحرام لمرض وغيره أحرم عنه وليه وجنبه ما يتجنبه المحرم، وحكى فى كشف اللثام ذلك عن الأحمدى، وفى الدروس: ولو جن فى الميقات أو أغمى عليه أحرم عنه وليه وجنبه ما يتجنبه المحرم. والظاهر أن المراد أن يحرمه رجل ويجنبه عن محرمات الاحرام الا أنه ينوب عنه فى الاحرام كما هو مذكور فى القواعد وغيرها أى يحرم به رجل فيتولى النائب والأفعال تكون من المنوب عنه اذ هو نظير قيام الطهارة بالنائب والصلاة بالمنوب عنه فان ذلك مما لا يقبل النيابة، ولذلك قال فى المدارك وقد بينا فيما سبق أن المراد بالاحرام عن غير المميز والمجنون والاحرام بهما لا كون الولى نائبا عنهما.
واقتضى هذا القول عدم وجوب العود الى الميقات بعد افاقته وان كان ممكنا ولكن العمل به مشكل فالأقوى العود مع الامكان وعدم الاكتفاء به مع عدمه.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل وشفاء العليل أن من أغمى عليه قاصدا للبيت هل يجزيه أن يهل عنه أصحابه أو لا يجزيه حتى يفعل هو؟ قال الربيع رحمه الله تعالى: من أم البيت فأغمى عليه فأهل عنه أصحابه ثم وقفوا به المناسك كلها أجزأه، ومن أرتد بعد الاحرام ثم أسلم فهو على احرامه، ومن ارتد قبل الغروب لم ينفعه وقوفه، وان ارتد بعده فخلاف والمختار أنه غير تام ان لم يزره
(1)
ومن أغمى عليه عشية عرفة أو سكر بعد الوقوف صح حجه، وقيل أن عليه الحج وكذا من حبس بعد الوقوف عن منى حتى مضت أيامها ومن سكر من أول الوقوف الى آخره فلا حج له وقيل له حج، ومن أفاض وأدرك بعضا فله حج اجماعا، والنوم كذلك فى كله ولزم الدم للنوم فى ذلك كله عند من يبطل الحج
(2)
. وان أغمى على الواقف بعد الزوال بعرفة أو وقع عليه مانع كجنون أو حبس بعد الوقوف فى بعض الزمان بعد الزوال حتى مضت أيام منى تم حجه ولا يخرج الى أهله مثلا حتى يزور، وان خرج ولم يصل أهله ولم يجامع فليرجع وان وصله أو جامع أعاد الحج ورخص بعض أن يلزمه دم
(3)
.
أثر الاغماء فى عقد النكاح
مذهب الحنفية:
جاء فى تبيين الحقائق وحاشية الشلبى عليه أنه قيل أن الشرط فى عقد النكاح حضور الشاهدين لاسماعهما، قال الكمال رحمه الله تعالى وهو قول جماعة منهم القاضى على السعدى ونقل عن أبواب الأمان من السير الكبير أنه يجوز وان لم يسمعوا وعلى هذا جوزه بحضور الأصمين والنائمين والصحيح اشتراط السماع لأنه المقصود بالحضور. قال الزيلعى، ولو عقد بحضرة النائمين جاز على الأصح ولا ينعقد بحضور الأصمين على المختار، ولو عقد بحضرة السكارى صح اذا فهموا وان لم يذكروا بعد للصحو، ولو عقد بحضرة هنديين لم يفهما كلامهما لم يجز، وان سمع أحد الشاهدين فأعيد على الآخر فسمعه دون الآخر لم يصح الا فى رواية عن أبى يوسف رحمه الله تعالى استحسانا اذا اتحد المجلس ولو كان أحدهما أصم فأعاد عليه صاحبه حتى سمع لا يجوز ولو سمع أحدهما كلام الزوج والآخر كلام المرأة ثم أعيد فسمع الذى كان سمع كلام الزوج كلام المرأة وسمع الآخر كلام الزوج لا يجوز عند العامة، وقال أبو سهل رحمه الله تعالى ان اتحد المجلس يجوز وروى الشلبى عن
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 2 ص 269 طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 368 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 409 نفس الطبعة.
جمع التفاريق أنه لا بد من سماع الشهود كلام المتعاقدين وفى نظم الزند ويستى: الأصح أن سماعهما معا شرط وبه أخذ عامة العلماء وفى المحيط: ولا تقبل شهادة الكفار والصبيان والمجانين والعبيد والمدبرين والمكاتبين والنائمين والأصمين الذين لا يسمعون العاقدين
(1)
.
ولا ولاية فى النكاح لصغير ولا لعبد ولا لمجنون لأنهم لا ولاية لهم على أنفسهم فأولى أن لا يكون لهم ولاية على غيرهم لأن الولاية على الغير فرع الولاية على النفس ولهذا لم تقبل شهادتهم ولأن هذه الولاية نظرية ولا نظر فى التفويض الى رأيهم قال الشيخ أحمد الشلبى وهذا باجماع الأئمة الأربعة، قال الكمال رحمه الله تعالى:
والمراد بالمجنون المطيق وهو على ما قيل سنة وقيل أكثر من السنة وقيل شهر وعليه الفتوى، وفى التجنيس وأبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يوقت فى المجنون المطيق شيئا كما هو دأبه فى التقديرات فيفوض الى رأى القاضى، وغير المطيق يثبت له الولاية فى حالة افاقته بالاجماع، وقد يقال لا حاجة الى تقييده به لأنه لا يزوج حال جنونه مطبقا أو غير مطبق لكن المعنى أنه اذا كان مطبقا سلب ولايته فتزوج ولا تنتظر افاقته واذا كان غير مطبق ثبتت له الولاية فلا تزوج وتنتظر افاقته كالنائم، ومقتضى النظر أن الكفء الخاطب ان فات بانتظار افاقته زوجت ولم تنتظر افاقته وان لم يكن مطبقا والا انتظر على ما اختاره المتأخرون فى غيبة الولى الأقرب
(2)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه يشترط فى صيغة عقد النكاح اصرار التعاقد وبقاؤه بصفة الكمال حتى يوجد القبول، فان أوجب الولى ثم رجع أو جن أو أغمى عليه أو رجعت الآذنة عن أذنها أو أغمى عليها أو جنت أو ارتدت امتنع القبول
(3)
، ولا ولاية لمجنون فى حالة جنونه المطبق وكذا ان تقطع جنونه كما صححه فى الروضة وان صحح الرافعى فى الشرح الصغير أنه لا يزيل الولاية لعدم تمييزه وتغليبا لزمن الجنون فى المتقطع فيزوج الأبعد فى زمن جنون الأقرب دون افاقته ولو أفاق المجنون وبقى آثار الخيل كحدة خلق لم تعد ولايته فى أحد وجهين قال النووى رحمه الله تعالى لعله الأصح وجزم به فى الأنوار، ولو قصر زمن الافاقة جدا فهى كالعدم كما قاله الامام رحمه الله تعالى ولو قصر زمن الجنون كيوم فى سنة فهو كالعدم كذلك فلا تنقل به الولاية بل ينتظر افاقته كالمغمى عليه ولا ولاية لمختل النظر بهرم - وهو كبر السن - أو خيل
(4)
وهو فساد العقل - ولا فرق فى الخيل بين الأصلى والعارض لعجزه عن اختيار الأكفاء، وفى معناه من شغلته الأسقام والآلام عن ذلك. أما الاغماء فان كان لا يدوم غالبا قطعا كالنائم، وان كان يدوم يوما أو أياما انتظر أيضا على اصح لأنه قريب الزوال كالنوم، ولا يصح أن يقاس سكون الألم فيمن شغلته الأسقام والآلام على افاقة المغمى عليه فيجب أن ينتظر السكون فيه كما تنتظر الافاقة فى المغمى عليه لأن الاغماء له أمد يعرفه أهل الخبرة فجعل مرادا بخلاف سكون الألم وان احتمل زواله. وقيل اذا كان الاغماء يدوم لا تنتظر افاقته بل تنتقل الولاية للأبعد كالجنون والسكر بلا تعد فى معنى الاغماء، فان دعت حاجتها الى النكاح فى زمن الاغماء أو السكر فظاهر كلام الشيخين رحمهما الله تعالى أن الحاكم لا يزوجها وهو كذلك وان قال المتولى يزوجها
(5)
.
(1)
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق لفخر الدين عثمان ابن على الزيلعى وحاشية الشيخ شهاب الدين أحمد الشلبى عليه ج 2 ص 99 فى كتاب على هامشه الشلبى الطبعة الأولى طبع المطبعة الكبيرى الأميرية بمصر سنة 1313 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 125 نفس الطبعة.
(3)
مغنى المحتاج الى معرفة ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 132 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
(4)
الخيل بتحريك الموحدة واسكانها فساد العقل، وقيل انه بالاسكان مصدر (أنظر لسان العرب مادة خبل).
(5)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى ألفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 146 الطبعة السابقة.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير أن الاغماء لا يزيل ولاية النكاح لأنه يزول عن قرب فهو كالنوم ولذلك لا تثبت الولاية على المغمى عليه، ويجوز الاغماء على الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم، ومن كان يجن فى الأحيان لم تزل ولايته لأنه لا يستديم زوال عقله فهو كالاغماء
(1)
، ولو أوجب النكاح ثم زال عقله بجنون أو اغماء بطل حكم الايجاب ولم ينعقد بالقبول بعده لأنه ما لم يضامه القبول لم يكن عقدا فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون - وهذا مذهب الشافعى رحمه الله تعالى - وان زال عقله بنوم لم يبطل حكم الايجاب لأنه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هذا
(2)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار
(3)
ان من دواعى انتقال ولاية النكاح ممن يستحقها الى من يليه جنون الولى ولو صرعا ولو كان يفيق فى الحال، وكذا زوال عقله بالسكر أو الاغماء أو البنج وقيل ان هؤلاء الثلاثة ينتظرون حتى يفيقوا ولا تبطل ولايتهم
(3)
.
ومن أركان عقد النكاح أن يكون القبول واقعا فى المجلس الذى وقع فيه الايجاب. قال فى الحاشية: والعبرة بمجلس القابل من زوج أو ولى، وظاهر الأزهار أنه لا فرق لأن أعراض الموجب كالرجوع قبل القبول، وهو يبطل بالرجوع من المبتدئ أو احرامه أو ردته أو جنونه أو الاغماء عليه. قال المؤيد بالله فى أحد قوليه: ويشترط أن يقع القبول عقيب الايجاب فورا والا بطل اذا تراخى ولو قليلا وهو أحد قولى أبى طالب، وقال أبو طالب فى القول الأخير:
لا يشترط ذلك، وانما يشترط أن يقع القبول قبل الاعراض أو لا يتخلل بين الايجاب والقبول من المتزوج أمر يفهم من حاله انه معرض عن القبول نحو أن يقوم بعد سماع الايجاب أو نحو ذلك، فلو تخلل زوال عقل أحدهما ثم أفاق ثم أوجب أو قبل لم يصح بل يستأنف وكذا لو أغمى على الزوجة وقد رضيت قال فى البحر بطل اذنها.
ولعل ذلك حيث أفاقت ولم يعقد الولى، وعن المفتى عليه السلام: المذهب أن اذنها لا يبطل به
(4)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه اذا أوجب عقد النكاح من يصح ايجابه ثم جن أو أغمى عليه بطل حكم الايجاب فلو قبل من يصح قبوله بعد ذلك كان لغوا، وكذا لو سبق القبول من القابل ثم زال عقله فلو أوجب الولى بعد ذلك كان لغوا
(5)
.
ولا عبرة فى النكاح بعبارة الصبى ايجابا وقبولا ولا بعبارة المجنون وفى السكران الذى لا يعقل تردد، أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز، وفى رواية أن السكرى اذا زوجت نفسها ثم أفاقت فرضيت أو دخل بها فأفاقت وأقرته كان ماضيا
(6)
.
ولو جن الأب أو أغمى عليه انتقلت ولايته الى الجد خاصة فان زال المانع عادت الولاية اليه
(7)
.
ومن عيوب المرأة التى يجوز أن يرد بها النكاح الجنون وهو فساد العقل فلا يثبت الخيار مع السهو السريع زواله ولا مع الاغماء العارض مع غلبة المرة، وانما يثبت الخيار فيه مع استقراره
(8)
.
(1)
المغنى لابن قدامة ج 7 ص 355، ص 356
(2)
المرجع السابق ج 7 ص 432 نفس الطبعة.
(3)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 226 وحواشيه الموضوعة أسفل كتاب الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(4)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار وحواشيه ج 2 ص 232 الطبعة السابقة.
(5)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 9 طبع مطابع دار مكتبة الحياة للطباعة والنشر ببيروت.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 8 نفس الطبعة.
(7)
المرجع السابق ج 2 ص 11 نفس الطبعة.
(8)
المرجع السابق ج 2 ص 30، ص 31 نفس الطبعة.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه يجب الاشهاد فى عقد النكاح ومن تزوج بحضرة نيام أو سكارى أو صم لم تجز شهادتهم، ومن تزوج بلا شهود ثم زال عقله فاستخلف له من يشهد على نكاحه لم يجز الا بتجديده لأن زوال عقله قبل تمام النكاح أبطال لما وقع منه فلا يصح البناء على ما بطل وكذا ان تجنن الولى فلا يصح اشهاد ولى سواه لما مر من أن زوال العقل ابطال لما وقع قبله
(1)
.
حكم طلاق المغمى عليه وظهاره واعتاقه
مذهب الحنفية:
جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار أنه لا يقع طلاق المجنون والصبى والمعتوه والمبرسم والمغمى عليه والمدهوش
(2)
والنائم لانتفاء الارادة
(3)
ومن شروط المظاهر أن يكون عاقلا أما حقيقة أو تقديرا فلا يصح ظهار المجنون ولا الصبى الذى لا يعقل لأن حكم الحرمة وخطاب التحريم لا يتناول من لا يعقل ومنها أن لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما فلا يصح ظهار هؤلاء كما لا يصح طلاقهم
(4)
، ويشترط فى المعتق كذلك أن لا يكون معتوها ولا مدهوشا ولا مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما فلا يصح الاعتاق من هؤلاء كما لا يصح لطلاق منهم.
مذهب المالكية:
جاء فى التاج والاكليل أن ابن شاس رحمه الله تعالى قال: شرط المطلق أن يكون مسلما مكلفا فلا ينعقد طلاق الكافر ولا الصبى ولا من زال عقله بجنون أو اغماء أو نحو ذلك من نوم أو غيره مما يذهب الاستشعار. وكذا لا يلزم الظهار الصبى ولا المجنون ولا المغمى عليه ولا النائم ولا السكران بحلال لأن كلا من هؤلاء خارج باشتراط التكليف فيمن يلزمه الظهار
(6)
، وكذا يشترط فى صحة العتق أن يكون صادرا من مكلف غير محجور عليه فلا يصح اعتاق غير المكلف كما لا يصح طلاقه وظهاره.
مذهب الشافعية:
جاء فى مغنى المحتاج أنه اذا مر طلاق بلسان نائم أو من زال عقله بسبب لم يعصى به لغى ذلك الطلاق وان قال بعد استيقاظه أو افاقته: أجزته أو أوقعته لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «رفع القلم عن ثلاث، وذكر منها النائم حتى يستيقظ، ولانتفاء القصد، ولو
(1)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 53، 56 طبع محمد بن يوسف البارونى.
(2)
جاء فى القاموس المحيط: دهش الرجل بالكسر كفرح تحير أو ذهب عقله، واقتصر فى المصباح المنير على المعنى الثانى فقال دهش الرجل دهشا من باب تعب ذهب عقله حياء أو خوفا قال ابن عابدين ولذلك جعله فى البحر داخلا فى المجنون (حاشية ابن عابدين ج 2 ص 438).
(3)
حاشية ابن عابدين المسماة رد المختار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ج 2 ص 437، ص 438 فى كتاب على هامشه الشرح المذكور مع تقريرات لبعض الأفاضل وتعليقات للشيخ محمد العباس المهدى وتقييدات لوالده الشيخ محمد أمين المهدى الطبعة الثالثة طبع المطبعة الكبرى الأميرية بمصر سنة 1323 هـ.
(4)
بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع لأبى بكر بن مسعود الكاسانى ج 3 ص 230 الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ وسنة 1910 م.
(6)
شرح منهج الجليل على مختصر خليل للشيخ محمد عليش ج 2 ص 323 فى كتاب على هامشه حاشيته المسماه تسهيل منح الجليل.
تلفظ بالطلاق ثم قال كنت حينئذ صبيا أو نائما وأمكن ذلك صدق بيمينه كما قاله الرويانى رحمه الله تعالى، وان قال فى الروضة: فى تصديق النائم نظر فانه لا أمارة عليه بخلاف الصبى
(1)
.
وانما يصح الظهار من كل زوج مكلف بأن يكون بالغا عاقلا، فلا يصح من صبى ولا مجنون ولا مغمى عليه لما مر فى الطلاق. نعم لو علق المكلف الظهار على صفة تحققت وهو مجنون أو مغمى عليه حصل الظهار قطعا، قاله ابن كج رحمه الله تعالى
(2)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى والشرح الكبير أن أهل العلم أجمعوا على أن من زال عقله بغير سكر أو ما فى معناه لا يقع طلاقه كذلك قال عثمان وعلى وسعيد ابن المسيب والحسن والنخعى والشعبى وغيرهم رضى الله تعالى عنهم، وقد أجمع أهل الرأى على أن الرجل اذا طلق فى حال نومه لا طلاق له، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:(رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق) وروى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: (كل طلاق جائز الا طلاق المعتوه المغلوب على عقله) رواه النجاد رحمه الله تعالى، ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع وسواء زال عقله بجنون أو اغماء أو نوم أو شرب دواء أو اكراه على شرب خمر أو شرب ما يزيل عقله شربه وهو لا يعلم أنه مزيل للعقل فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة ولا نعلم فيه خلافا. وروى عن الامام أحمد رحمه الله تعالى أنه اذا طلق المغمى عليه فلما أفاق علم انه كان مغمى عليه وهو ذاكر لذلك.
قال الامام أحمد: اذا كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه فيجوز طلاقه، وقال فى رواية أبى طالب رحمه الله تعالى فى المجنون يطلق فقيل له بعد ما أفاق انك طلقت امرأتك فقال أنا أذكر أنى طلقت ولم يكن عقلى معى، فقال اذا كان يذكر أنه طلق فقد طلقت فلم يجعله مجنونا اذا كان يذكر الطلاق ويعلم به وهذا فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه فأما من كان جنونه لنشاف أو كان مبرسما فانه يسقط حكم تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق
(3)
. ومن لا يصح طلاقه لا يصح ظهاره كالطفل والزائل العقل بجنون أو اغماء أو نوم أو غير ذلك لا نعلم فى هذا خلافا
(4)
. ولا يصح العتق من غير جائز، التصرف، فلا يصح عتق الصبى والمجنون، قال ابن المنذر رحمه الله تعالى: هذا قول عامة أهل العلم وممن حفظنا عنه ذلك الحسن والشعبى والزهرى وأصحاب الرأى رحمهم الله تعالى وذلك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم) المذكور ولأنه تبرع بالمال فلم يصح منهما كالهبة ولا يصح عتق السفيه المحجور عليه وهو قول القاسم بن محمد رحمه الله تعالى، وذكر أبو الخطاب فيه رواية أخرى أنه يصح عتقه قياسا على طلاقه وتدبيره، ويدل لنا أنه محجور عليه فى ماله لحظ نفسه فلم يصح عتقه كالصبى ولأنه تصرف فى المال فى حياته فأشبه بيعه وهبته ويفارق الطلاق لأن الحجر عليه فى ماله والطلاق ليس بتصرف فيه ويفارق التدبير لأنه تصرف فيه بعد موته وغناه عنه بالموت، ولهذا صحت وصيته ولم تصح هبته المنجزة
(5)
.
(1)
مغنى المحتاج الى معرفة معانى الفاظ المنهاج للشيخ محمد الشربينى الخطيب ج 3 ص 267 فى كتاب على هامشه متن المنهاج لأبى زكريا يحيى بن شرف النووى.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 326 نفس الطبعة.
(3)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن أحمد ابن قدامة على مختصر أبى القاسم عمر بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 7 ص 254 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع لشمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد ابن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1348 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 8 ص 555 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 9 ص 333 الطبعة الأولى سنة 1367 هـ.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن طلاق السكران غير لازم وكذلك من فقد عقله بغير الخمر
(1)
، ولا يجوز عتق من لا يبلغ ولا يعتق من لا يعقل من سكران أو مجنون ولا عتق مكره ولا من لم ينو العتق لكن أخطأ لسانه الا أن هذا وحده ان قامت عليه بينة ولم يكن له الا الدعوى قضى عليه بالعتق، وأما بينه وبين الله تعالى فلا يلزمه لقول الله عز وجل:«لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ 2» فصح أن السكران لا يعلم ما يقول، ومن لا يعلم ما يقول لا يلزمه ما يقول حتى لو كفر بكلام لا يدرى ما هو لم يلزمه ولقول الله عز وجل:«وَما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ 3» ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى) والمجنون والسكران والمكره لا نية لهم، وكذلك من أخطأ لسانه وليس من هؤلاء أحد أخلص لله الدين بما نطق به العتق فهو باطل، وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ والمجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال (عفى لأمتى عن الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه
(4)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى شرح الأزهار أن طلاق الصبى والمغمى عليه لا يقع ومثله طلاق المبرسم والمغمور بمرض شديد والمبنج وكل من عقله زائل غير السكران فان طلاقه واقع وان كان زائل العقل، ولو لم يبق له تمييز، ولو طلق السكران فى حال سكره فحصل الشرط بعد ذلك وقع طلاقه
(5)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى شرائع الاسلام أنه لا يصح طلاق المجنون ولا السكران ولا من زال عقله باغماء أو شرب مرقد، لعدم القصد، ولا يطلق الولى عن السكران لأن زوال عذره غالب فهو كالنائم، ويطلق عن المجنون، ولو لم يكن له ولى طلق عنه السلطان أو من نصبه للنظر فى ذلك
(6)
.
ولا يصح ظهار الطفل ولا المجنون ولا المكره ولا فاقد القصد بالسكر أو الاغماء أو الغصب
(7)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل ان طلاق السكران واقع ومحكوم عليه به لأن عقله موجود فيه ولو كان مغمورا، ولزم طلاق المعتوه عند جابر بن زيد وضمام رحمهما الله تعالى لا أبى عبيدة، وهو من يجن تارة ويصحو أخرى وهو المختلط العقل - الا ان بان أنه طلق حال جنونه، وقيل يحكم بغالب أمره ما لم يتبين طلاقه. أما طلاق المجنون فلا يقع اجماعا، وقيل ان السكران لا يلزم طلاقه كالمجنون، قال صاحب شرح النيل:
التحقيق أنه ان بقى له بعض تمييز لزم والا فلا، وقيل: السكران لدواء شربه لا يلزمه طلاق، والسكران لشراب نحو الخمر يلزمه، والايلاء والظهار والعتق كالطلاق فى هذا ولا يصح بيعه ولا شراؤه ولا هبته ولا تزوجه وسواء سكر بنفسه أو أكره على شرب المسكر فشرب فسكر خلافا
(1)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 10 ص 208 مسئلة رقم 1968 طبعة أولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1352 هـ.
(2)
الآية رقم 43 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 98 من سورة البينه.
(4)
المحلى لابن حزم ج 9 ص 205، ص 206 مسئلة رقم 16606 نفس الطبعة.
(5)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 382 الطبعة الثانية طبع مطبعة حجازى بمصر سنة 1357 هـ.
(6)
شرائع الاسلام فى مسائل الحلال والحرام للمحقق الحلى أبى القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن ج 3 ص 12 بتحقيق وتعليق عبد الحسين محمد على الطبعة المحققة الأولى طبع مطبعة الآداب فى النجف الأشرف سنة 1379 هـ، سنة 1969 م.
(7)
المرجع السابق ج 3 ص 61 نفس الطبعة.
للشافعى رضى الله تعالى عنه، ولا طلاق لولى المجنون أو خليفته ولا لولى المخالط فى عقله أو خليفته، وكذا المعتوه. وقال بعض قومنا رحمهم الله تعالى يصح من أوليائهم وخلائفهم، واختلفوا أيضا فى يمين السكران، ولا يلزمه اقرار ولا عقد، ولا يلزم الطلاق مبرسما
(1)
خولط فى عقله، وفى طلاق المغمى عليه قولان
(2)
.
بعض أحكام يختلف فيها الاغماء
عن كل من الجنون والعته والنوم والسكر
مذهب الحنفية:
جاء فى كشف الأسرار أن القياس فى الجنون أن يكون مسقطا للعبادات كلها أى مانعا لوجوبها سواء كان الجنون أصليا أم عارضا، وسواء كان قليلا أو كثيرا، وهو قول زفر والشافعى رحمهما الله تعالى حتى قالا لو أفاق المجنون فى بعض شهر رمضان لم يجب عليه قضاء ما مضى كالصبى اذا بلغ أو الكافر اذا أسلم فى خلال الشهر، وكذا اذا أفاق قبل تمام يوم وليلة لم يجب عليه قضاء ما فاته من الصلوات عندهما وذلك لأن الجنون ينافى القدرة لأنها تحصل بقوة البدن والعقل.
والجنون يزيل العقل فلا يتصور فهم الخطاب والعلم به بدون العقل والقدرة على الأداء لا تتحقق بدون العلم لأن العلم أخص أوصاف القدرة فتفوت القدرة بفوته، وبفوت القدرة يفوت الأداء، واذا فات الأداء عدم الوجوب اذ لا فائدة فى الوجوب بدون الأداء وحاصله أن أهلية الأداء تفوت بزوال العقل، وبدون الأهلية لا يثبت الوجوب، فلا يجب القضاء.
والدليل على ذلك أن الصبى أحسن حالا من المجنون فانه ناقص العقل فى بعض أحواله عديم العقل فى بعض أحواله الى الاصابة، والمجنون عديم العقل لا الى الاصابة عادة، واذا كان الصغر يمنع الوجوب حتى لم يلزم الصبى قضاء ما مضى من الشهر اذا بلغ فى خلال الشهر فالجنون أولى به، وهذا بخلاف المغمى عليه حيث يجب عليه قضاء ما مضى من الصوم عند الافاقة وقضاء الصلوات اذا كان الاغماء أقل من يوم وليلة لأن أهليته قائمة لقيام العقل اذ الاغماء لا ينافى العقل بل هو عجز عن استعمال آلة القدرة كالنوم فكان العقل ثابتا كما كان كمن عجز عن استعمال السيف لم يؤثر ذلك فى السيف بالاعدام فكذلك الاغماء.
لكن علماءنا الثلاثة رحمهم الله تعالى استحسنوا فى الجنون اذا زال قبل الامتداد فجعلوه عفوا أى ساقطا كأن لم يكن والحقوه بالنوم والاغماء، وذلك أن الجنون من العوارض كالاغماء والنوم وقد الحق النوم والاغماء بالعدم فى حق كل عبادة لا يؤدى ايجابها الى الحرج على المكلف بعد زوالهما وجعل كأنهما لم يوجدا أصلا فى حق ايجاب القضاء وأن العبادة كانت واجبة ففاتت من غير عذر فيلحق الجنون الموصوف بكونه عارضا بهما بجامع أن كل واحد عذر عارض زال قبل الامتداد.
وكذا الحكم فى كل عذر عارض كالحيض والنفاس فى حق الصوم. هذا فى حق ايجاب القضاء فأما فى حق لحوق المآثم فالأمر مبنى على الحقيقة لورود النص المنبئ وأن الله تعالى لا يكلف نفسا الا وسعها والا ما آتاها، الا ترى أن الشرع الحق العارض بالعدم فى حق صحة الأداء حتى أن من نوى من الليل الصوم ثم نام ولم ينتبه الا بعد غروب الشمس أو أغمى عليه أو جن ولم يفق الى ذلك الوقت حكم بجواز الصوم مع أنه عبادة خالصة والامساك ركن وهو فعل مقصود ولا بد فى مثله من التحصيل بالاختيار، وما به من العذر قد سلب اختياره لكن عند زوال العذر جعل هذا الفعل بمنزلة
(1)
المبرسم بضم الميم وفتح الباء واسكان الراء وفتح السين من أصيب بعلة يهذى فيها، تسمى البرسام بكسر الباء وسكون الراء (انظر شرح النيل ج 3 ص 623).
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 3 ص 623 طبع محمد بن يوسف البارونى.
الفعل الاختيارى بطريق الحاق العذر الزائل بالعدم واذا كان فى حق الأداء الذى هو المقصود ففى حق الوجوب الذى هو وسيلة أولى أن يكون كذلك، يوضحه ان الشرع الحق العارض بالعدم فى حق الأداء، وقت تقرره حيث حكم بصحة الفعل الموجود فى حالة النوم والاغماء.
ونحن فى حق الوجوب الحقنا العارض بالعدم بعد زواله وجعلنا السبب الموجود فى تلك الحالة معتبرا فى حق ايجاب القضاء عند زوال العارض فكان أولى بالصحة
(1)
. لكن الجنون اذا لم يمتد لم يكن عدم اعتباره والحاقه بالعدم وايجاب العبادة معه موقعا فى الحرج.
وقد اختلفوا فى الجنون الذى جعل عفوا اذا زال قبل الامتداد فقال أبو يوسف رحمه الله تعالى: «الحاق الجنون بالنوم والاغماء وايجاب القضاء عند زواله قبل الامتداد انما يتحقق اذا كان عارضا من كل وجه بأن حدث بعد البلوغ ليمكن الحاقه بالعوارض وجعله عفوا عند عدم الامتداد، فأما اذا بلغ الصبى مجنونا فان حكم هذا الجنون يكون مثل حكم الصبا فاذا زال هذا الجنون فى خلال الشهر صار فى معنى الصبى اذا بلغ فى خلال الشهر فلا يجب عليه قضاء ما مضى.
وقال محمد رحمه الله تعالى: الجنون الأصلى والعارض سواء فى أن غير الممتد من كل واحد منهما ملحق بالعدم، واعتبر محمد رحمه الله تعالى حال الجنون الأصلى وهى امتداده وعدم امتداده وفرق بين الأمرين فى الشئ الذى يزول هذا الجنون عنه من الواجبات مثل الصوم والصلاة، ويلحق محمد الجنون الأصلى بأصل الجنون وهو كونه عارضا - يعنى أن الأصل فى الجنون أن يكون عارضا نظرا الى أن الأصل فى الجبلة سلامتها عن الآفات فكان هذا الجنون أصليا أمرا عارضا فيه فيلحق محمد رحمه الله تعالى هذا العارض بأصل والحاقه الأصل بالعارض انما يتحقق فى زوال الجنون الأصلى قبل انسلاخ شهر رمضان فانه يلحقه بزوال الجنون العارضى قبل الانسلاخ ويوجب قضاء ما مضى من الشهر بزواله ولا يوجبه أبو يوسف رحمه الله تعالى وكذا الحكم فى الصلاة بأن بلغ مجنونا ثم زال الجنون قبل مضى يوم وليلة لزمه قضاء صلوات ما مضى عند من جعل الجنون الأصلى كالعارضى ولا يلزمه قضاؤها عند من فرق بينهما - وذكر الاختلاف فى المبسوط وفتاوى قاضيخان وعامة الكتب على عكس ما ذكر ههنا فقيل وان كان جنونه أصليا بأن بلغ مجنونا ثم أفاق فى بعض الشهر فالمحفوظ عن محمد رحمه الله تعالى أنه ليس عليه قضاء ما مضى لأن ابتداء الخطاب يتوجه عليه الآن فيكون بمنزلة الصبى يبلغ.
وروى هشام عن أبى يوسف رحمهما الله تعالى أنه قال فى القياس لا قضاء عليه ولكنى استحسن فأوجب عليه قضاء ما مضى من الشهر لأن الجنون الأصلى لا يفارق الجنون العارضى فى شئ من الأحكام وليس فيه رواية عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى، واختلف فيه المتأخرون على قياس مذهبه، والأصح أنه ليس عليه قضاء ما مضى.
وذكر الشيخ أبو المعين: رحمه الله تعالى فى طريقته ما يوافقه فقال فى ظاهر الرواية:
لا فرق بين الجنون الأصلى والعارضى.
وروى ابن سماعة عن محمد رحمهما الله تعالى أنه جعل الذى بلغ مجنونا بمنزلة الصبى والكافر ولم يرد عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى فى هذا شئ منهم من جعل ما روى عن محمد تفسيرا لما أبهم فى ظاهر الرواية.
ومنهم من يجعل هذا قول محمد رحمه الله تعالى خاصة وجه الفرق أن الجنون الحاصل
(1)
كشف الأسرار على أصول على بن محمد البزدوى لعبد العزيز البخارى ج 4 ص 1384، ص 138 طبعة حسن حلمى الريزوى سنة 1307 هـ فى كتاب على هامشه أصول البزدوى.
قبل البلوغ حصل فى وقت نقصان الدماغ الآفة فيه مانعة له عن قبول الكمال مبقية له على ما خلق عليه من الضعف الأصلى فكان أمرا أصليا فلا يمكن الحاقه بالعدم فتلزمه الحقوق مقتصرة على الحال.
فأما الحاصل بعد البلوغ فقد حصل بعد كمال الأعضاء واستيفاء كل منها القوة فكان معترضا على المحل الكامل بلحوق آفة عارضة فيمكن الحاقه بالعدم عند انتفاء الحرج فى ايجاب الحقوق.
ووجه المساواة بينهما فى الحكم أن الجنون الحاصل قبل البلوغ من قبيل العارض أيضا لأنه لما زال فقد دل ذلك على حصوله عن أمر عارض على أصل الخلقة لا لنقصان جبل عليه دماغه فكان مثل العارض بعد بلوغه.
وحد الامتداد فى الجنون يختلف باختلاف الطاعات لأن بعضها موقت باليوم والليلة وبعضها بالشهر وبعضها بالسنة.
فالامتداد فى حق الصلوات وسائر العبادات يحصل بالكثرة الموقعة فى الحرج لأنه لم يمكنه أداء العبادات مع هذا الوصف واذا زال وقد وجبت العبادات عليه فى حال الجنون اجتمعت عليه واجبات حال الجنون وواجبات حال الافاقة فى وقت واحد فيخرج فى أدائها لكثرتها.
ثم لما لم تكن للكثرة نهاية يمكن ضبطها اعتبر أدناها وهو أن يستوعب العذر وظيفة الوقت الا أن وقت جنس الصلاة يوم وليلة وهو وقت قصير فى نفسه فأكدت كثرتها بدخولها فى حد التكرار. ثم اختلف أصحابنا فيما يحصل به التكرار فاعتبر محمد رحمه الله تعالى دخول نفس الصلوات فى حد التكرار بأن تصير الصلوات ستا لأن التكرار يتحقق به، وأقام أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى الوقت فى دخول الصلوات فى حد التكرار مقام الصلاة، يعنى أنهما اعتبرا الزيادة على يوم وليلة باعتبار الساعات.
هكذا ذكر الاختلاف الفقيه أبو جعفر رحمه الله تعالى وفائدة الاختلاف تظهر فيما اذا جن بعد طلوع الشمس ثم أفاق فى اليوم الثانى قبل الزوال او قبل دخول وقت العصر فعند محمد رحمه الله تعالى يجب عليه القضاء لأن الصلوات لم تصر ستا فلم يدخل الواجب فى حد التكرار حقيقة، وعندهما لا قضاء عليه لأن وقت الصلوات الخمس - وهو اليوم والليلة قد دخل فى حد التكرار وان لم يدخل الواجب فيه والوقت سبب فيقام مقام الواجب الذى هو مسببه للتيسير على المكلف باسقاط الواجب عنه قبل صيرورته مكررا.
كما أقيم السفر مقام المشقة وقد روى أن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما أغمى عليه أكثر من يوم وليلة فلم يقض الصلوات والعبرة فى المنصوص عليه لعين النص لا للمعنى والجنون فوق الاغماء فى هذا الحكم فيلحق به دلالة والامتداد فى الصوم بأن يستغرق الجنون شهر رمضان وهذا اللفظ يشير الى أنه لو أفاق فى جزء من الشهر ليلا أو نهارا يجب القضاء - وهو ظاهر الرواية وذكر فى الكامل نقلا عن الامام شمس الأئمة الحلوانى رحمه الله تعالى أنه لو كان مفيقا فى أول ليلة من رمضان فأصبح مجنونا واستوعب الجنون باقى الشهر لا يجب عليه القضاء وهو الصحيح لأن الليل لا يصام فيه فكان الجنون والافاقة فيه سواء.
وكذا لو أفاق فى ليلة من الشهر ثم أصبح مجنونا، ولو أفاق فى آخر يوم من رمضان فى وقت النية لزمه القضاء، وان أفاق بعده اختلفوا فيه.
والصحيح أنه لا يلزم القضاء لأن الصوم لا يفتتح فيه. ثم لم يعتبر التكرار فى حق الصوم كما اعتبر فى حق الصلاة لوجهين أحدهما أنا انما شرطنا دخول الصلوات فى التكرار تأكيدا لوصف الكثرة فان أصل الكثرة يحصل باستيعاب الجنس وانما يصار الى المؤكد اذا لم يزد المؤكد على الأصل.
وفى باب الصوم لا يمكن اعتباره لأن المؤكد فيه يزداد على الأصل اذ لا يأتى وقت وظيفة أخرى ما لم يمض أحد عشر شهرا فيزداد ما شرع تابعا على ما شرع بطريق الاصالة وهو فاسد.
ولا يلزم عليه زيادة المرتين على المرة الواحدة فى الوضوء فانها شرعت لتأكيد الغرض مع أنها أكثر عددا من الأصل لأنها لم تشرع شرطا لاستباحة الصلاة بطريق الوجوب، بل الزائد سنة والسنن والنوافل وان كثرت لا تماثل الفرض فلا يرد نقضا لأن المطلوب نفى المماثلة بين التبع والأصل وقد حصل بخلاف ما نحن فيه لأن الزائد فيه شرط كالأصل فلم يجز أن يكون مثلا له.
والثانى: ان الصوم وظيفة السنة لا وظيفة الشهر وان كان أداؤه فى بعض أوقاتها كالصلوات الخمس وظيفة اليوم والليلة وان كان أداؤها فى بعض الأوقات ولهذا كان رمضان الى رمضان كفارة لما بينهما وجعل صوم رمضان مع ست من شوال بمنزلة صيام الدهر كله.
كما ورد به الحديث ثم كما مضى الشهر دخل وقت وظيفة أخرى اذ الاستيعاب لا يتحقق الا بوجود جزء من شوال فكان الجنس كالتكرار بتكرر وقته ويتأكد الكثرة به فلا حاجة الى اعتبار تكرار حقيقة الواجب فكان هذا مثل ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما الله تعالى فى الصلاة.
والامتداد فى حق الزكاة بأن يستغرق الجنون الحول عند محمد رحمه الله تعالى وهو رواية ابن رستم عنه.
ورواية الحسن عن أبى حنيفة والمروى عن أبى يوسف رحمهم الله تعالى فى الأمالى، قال صدر الاسلام: وهذا هو الأصح لأن الزكوات تدخل فى حد التكرار بدخول السنة الثانية.
وروى هشام عن أبى يوسف رحمهما الله ونصف السنة ملحق بالأقل لأن كل وقتها الحول تعالى ان امتداده فى حق الزكاة بأكثر السنة الا أنه مديد جدا فقدر بأكثر الحول عملا بالتيسير والتخفيف فان اعتبار أكثر السنة أيسر وأخف على المكلف من اعتبار تمامها لأنه أقرب الى سقوط الواجب من اعتبار الجميع كما أن اعتبار الوقت فى حق الصلاة أيسر من اعتبار حقيقتها، فاذا زال الجنون قبل هذا الحد الذى ذكرنا فى كل عبادة وهو أصلى كان على الاختلاف المذكور بين أبى يوسف ومحمد رحمهما الله تعالى.
وقد بينا ذلك فى حق الصوم والصلاة وبيانه فى حق الزكاة فيما اذا بلغ الصبى مجنونا وهو مالك لنصاب فزال جنونه بعد مضى ستة أشهر ثم تم الحول من وقت البلوغ وهو مفيق وجبت عليه الزكاة عند محمد رحمه الله تعالى لأنه لا يفرق بين الأصلى والعارضى، ولا تجب عليه الزكاة عند أبى يوسف رحمه الله تعالى، بل يستأنف الحول من وقت الافاقة لأنه بمنزلة الصبى الذى بلغ الآن عنده.
ولو كان الجنون عارضيا فزال بعد ستة أشهر وجبت الزكاة بالاجماع لأنه زال قبل الامتداد عند الكل ولو زال الجنون بعد مضى أحد عشر شهرا وجبت الزكاة عند محمد رحمه الله تعالى سواء كان الجنون أصليا أو عارضيا لوجود الزوال قبل الامتداد ولمساواة الأصلى العارضى عنده.
وعند أبى يوسف رحمه الله تعالى لا تجب الزكاة بوجود الزوال بعد الامتداد.
فالجنون لا ينافى أهلية الوجوب لأنها تثبت بالذمة والصلاحية لحكم الوجوب أى فائدته المقصودة منه وهو استحقاق ثواب الآخرة وباحتمال الأداء. والجنون لا ينافى الذمة لأنها ثابتة لكل مولود من البشر على ما مر بيانه.
ولا ينافى حكم الواجب أيضا لأنه لا ينافى الاسلام اذ المجنون يبقى مسلما بعد جنونه
فلا ينافى استحقاق ثواب الآخرة ولا ينافى احتمال الأداء مرجو منه بالافاقة فى الوقت وخلفه وهو القضاء متوهم بالافاقة خارج الوقت وذلك كاف للوجوب.
كما فى الاغماء فثبت أنه لا ينافى أهلية الوجوب وذلك لأن الأداء مقصور عنه فانه لو نرى الصوم ليلا ثم أصبح مجنونا صح منه الصوم ذلك اليوم لأن الركن بعد النية هو ترك المفطرات وهو يتصور منه كما يتصور من العاقل.
والترك من حيث هو ترك لا يفتقر الى القصد والتمييز، واذا تصور منه اداء كان أهلا للوجوب لأن من كان أهلا للأداء كان أهلا للوجوب.
ومما يوضح أن الجنون لا ينافى الذمة أن المجنون يرث ويملك، وثبوت الارث من باب الولاية لأن الوراثة خلافة والوارث يخلف المورث ملكا وتصرفا حتى أن ما يقطع الولاية كالرق واختلاف الدين يمنع التوارث، وكذا الملك ولاية لأنه استيلاء على المحل شرعا والولاية لا تثبت بدون الذمة.
والجنون لا ينافى أهلية الوجوب الا أن ينعدم الأداء تحقيقا وتقديرا بأن يلزم منه حرج فيصير الوجوب حينئذ معدوما أى لا يثبت أصلا بناء على عدم الأداء.
ولأن الجنون لا ينافى أهلية الوجوب قلنا أن المجنون يؤاخذ بضمان الأفعال فى الأموال على الكمال حتى لو أتلف مال انسان يجب عليه الضمان كما يجب على العاقل لأن المجنون أهل لحكم وجوب المال وهو الأداء على ما قلنا فى باب الأهلية ان المال هو المقصود فى حقوق العباد دون الفعل.
والمقصود يحصل بأداء النائب فكان المجنون من أهل وجوبه كالصبى.
واذا ثبتت أهلية للمجنون كان هذا العارض وهو الجنون من أسباب الحجر، يعنى أن المجنون ليس بعديم الأهلية بحيث لا تعتبر أفعاله وأقواله جميعا كالبهائم، بل له أصل الأهلية حيث يثبت له الأرث والملك.
واعتبر من أفعاله ما يتوقف صحته على العقل نظرا له كالصبا والرق فانهما من أسباب الحجر نظرا للصغير والمولى.
والحجر عن الأقوال صحيح لأن اعتبارها بالشرع فيجوز ان يسقط اعتبارها شرعا بعارض بخلاف الافعال فانها توجد حسا لامر لها فلا يتصور الحجر عنها شرعا.
ففسدت عباراته حتى لم تصح أقاريره وعقوده وغيرها مما يتعلق بالعبارة لأن صحة الكلام بالعقل والتمييز، فبدونهما لا يمكن اعتباره.
وقلنا لم يصح ايمان المجنون حتى لو كان أبواه كافرين فأقر بوحدانية الله تعالى وصحة الرسالة لا يحكم باسلامه لأن ركن الايمان لم يوجد وهو عقد القلب والأداء الصادران عن عقل.
وكذا الحكم فى سائر عباراته أيضا فانها ليست بمعتبرة أصلا لفوات العقل حتى لم تنفذ باجازة الولى فكان المراد من الحجر فيها اخراجها من الاعتبار من الأصل ومع أن الايمان لا يصح من المجنون بنفسه هو مشروع فى حقه بطريق التبعية حتى صار مؤمنا تبعا لأبويه ولم يصح تكليف المجنون بايمان بوجه سواء كان بالغا أو لم يكن لأن صحة التكليف مبنية على العقل الذى هو آلة القدرة وقد عدم الا فى حقوق العباد فان تكليفه بالايمان يصح فيما يرجع الى حقوقهم، فلو أن نصرانيا زوجه أبوه النصرانى امرأة نصرانية فأسلمت المرأة فالقياس أن لا يعرض الاسلام على الأب ولكن يؤخر حتى يعقل وذلك لأن العرض وجب على الزوج وثبت له حق الامساك باسلامه فوجب تأخيره الى حال عقله كما فى الصغير، وفى الاستحسان يعرض الاسلام على الأب لأن الجنون ليس له غاية معلومة فالتأخير الى حال العقل بعد ابطالا لحقها مع أن
فيه فسادا لأن المجنون قادر على الوط ء فصار التأخير ضررا محضا وفسادا، وكلاهما غير مشروع فتعذر الامساك بالأصل - وهو اسلامه تبعا.
وفيه صيانة الحقين بقدر الامكان فصار أولى من ابطال أحدهما فان أسلم الأب بقيا على النكاح والا يفرق بينهما.
وما كان ضررا يحتمل السقوط فغير مشروع فى حق المجنون مثل الصلاة والزكاة والصوم وسائر العبادات فان الزامها نوع ضرر فى حقه وهى تسقط باعذار، ومثل الحدود والكفارات فانها تسقط بالشبهات، فاذا كانت تسقط بالأعذار والشبهات فلأن تسقط بعذر الجنون المزيل للعقل أولى، وكذا الطلاق والعتاق والهبة وما أشبهها من المضار غير مشروع فى حقه حتى يملكها عليه وليه كما لا تشرع فى حق الصبى لأنها من المضار المحضة.
وما كان قبيحا لا يحتمل العفو مثل الكفر فثابت فى حقه حتى أنه يصير مرتدا تبعا لأبويه لأن التصرف الضار وان كان غير ثابت فى حقه الا أن الكفر بالله قبيح لا يحتمل العفو فلا يمكن القول برده بعد تحققه من الأبوين
(1)
.
وكما الحق الجنون بأول أحوال الصغر فى الأحكام الحق العته بآخر أحوال الصبا فى جميع الأحوال أيضا حتى أن العتة لا يمنع صحة القول والفعل كما لا يمنع الصبا مع العقل فيصح اسلام المعتوه وتوكله ببيع مال غيره وطلاق منكوحة غيره وعتاق عبد غيره ويصح منه قبول الهبة كما يصح من الصبى، لكن العته يمنع العهدة أى ما يوجب الزام شئ ومضرة كالصبا فلا يطالب المعتوه فى الوكالة بالبيع والشراء بنقد الثمن وتسليم المبيع ولا يرد عليه بالعيب ولا يؤمر بالخصومة فيه ولا يصح طلاقه امرأة نفسه ولا اعتاقه عبد نفسه باذن الولى وبدون اذنه ولا بيعه وشراؤه لنفسه بدون اذن الولى لأن كل ذلك من العهدة والمضار.
وأما ضمان ما يستهلك من المال فليس من العهدة المنفية عنه لأن المنفى عنه عهدة تحتمل العفو فى الشرع، وضمان المتلف لا يحتمل العفو شرعا لأنه حق العبد، ولأن العهدة اذا استعملت فى حقوق العباد يراد بها ما يلزم بالعقود فى أغلب الاستعمال وهو المراد بها ههنا وضمان المستهلك ليس من هذا القبيل فلا يكون عهدة لكن الضمان شرع جبرا لما استهلك من المحل المعصوم ولهذا قدر المثل وكون المستهلك معتوها لا ينافى عصمة المحل لأنها ثابتة لحاجة العبد اليه لتعلق بقائه وقوام مصالحه به وبالعته لا تزول حاجته اليه عنه فبقى معصوما فيجب الضمان على المستهلك ولا يمتنع بعذر العته.
بخلاف حقوق الله تعالى فانها تجب بطريق الابتلاء وذلك يتوقف على كمال العقل والقدرة وبخلاف الحقوق الواجبة بالعقود لأنها لما وجبت بالعقد وقد خرج كلامهما عن الاعتبار عند استلزامه المضار لم يجعل العقود أسبابا لتلك الحقوق فى حقهما.
ويوضع عن المعتوه الخطاب كما يوضع عن الصبى فلا يجب عليه العبادات ولا يثبت فى حقه العقوبات كما فى حق الصبى وهو اختيار عامة المتأخرين.
وذكر القاضى الامام أبو زيد رحمه الله تعالى فى التقويم أن حكم العته حكم الصبا الا فى حق العبادات فانا لم نسقط به الوجوب احتياطا فى وقت الخطاب وهو البلوغ بخلاف الصبا لأنه وقت سقوط الخطاب.
وذكر صدر الاسلام مشيرا الى هذا القول أن بعض أصحابنا ظنوا أن العته غير ملحق بالصبا بل هو ملحق بالمرض حتى لا يمنع وجوب العبادات وليس كما ظنوا بل العته نوع جنون
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 1385 وما بعدها الى ص 1391 نفس الطبعة.
فيمنع وجوب أداء الحقوق جميعا اذ المعتوه لا يقف على عواقب الأمور كصبى ظهر فيه قليل عقل وتحقيقه أن نقصان العقل لما أثر فى سقوط الخطاب عن الصبى كما أثر عدمه فى حقه أثر فى سقوط الخطاب بعد البلوغ أيضا كما أثر عدمه فى السقوط بأن صار مجنونا لأنه لا أثر للبلوغ الا فى كمال العقل فاذا لم يصل الكمال بحدوث هذه الآفة كان البلوغ وعدمه سواء.
قال الشيخ رحمه الله تعالى: الخطاب يسقط عن المجنون كما يسقط عن الصبى فى أول أحوال الصبا تحقيقا للعدل وهو أن لا يؤدى الى تكليف ما ليس فى الوسع.
ويسقط عن المعتوه كما يسقط عن الصبى فى آخر أحوال الصبا تحقيقا للفضل وهو نفس الحرج عنه نظرا ومرحمة على المعتوه لغيره كما تثبت على الصبى لأنه ثبوت الولاية من باب النظر ونقصان العقل مظنة النظر والمرحمة لأنه دليل العجز، ولا يلى هو على غيره لأنه عاجز عن التصرف بنفسه فلا بد على غيره
(1)
. وأما النوم فيعجز العبد به عن أداء الحقوق فلزم بآخر الخطاب فى حق العمل به، لا سقوط الوجوب بالاحتمال الأداء حقيقة بالانتباه أو احتمال خلفه، عدم الانتباه وهذا لأن نفس العجز لا يسقط أصل الوجوب وانما يسقط وجوب العمل الى حين القدرة الى أن يطول زمان الوجوب ويتكثر الواجب فحينئذ يسقط دفعا للحرج والنوم لا يمتد عادة بحيث يخرج العبد فى قضاء ما يفوته فى حال نومه فانه لا يمتد ليلا ونهارا عادة.
واذا كان النوم كما بينا أنه غير ممتد وغير مستلزم للحرج لم يسقط الوجوب به لأنه لا يحل بالأهلية لأن الأهلية وجوب العبادات بالذمة وبالاسلام والنوم لا تحل بهما
(2)
.
يوضح ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها اذا ذكرها - فان ذلك - وقتها فان قوله فليصلها اذا ذكرها دليل على أن الوجوب ثابت فى حق النائم والناس قال الامام البرغرى رحمه الله تعالى فى هذا الحديث اشارة الى أن الصلاة واجبة، حالة النوم ولكن تأخر وجوب أدائها بعذر النوم لأنه صلى الله عليه وسلم قال من نام عن صلاة، ولو لم تكون واجبة حالة النوم لما كان نائما عن الصلاة.
والنوم ينافى الاختيار أصلا لأن الاختيار بالتمييز ولم يبقى للنائم تميز فلذلك بطلت عبارات النائم فيما بنى على الاختيار مثل الطلاق والعتاق والاسلام والردة والبيع والشراء وصار كلامه لعدم التميز والاختيار بمنزلة الحان الطيور فلا يعتبر.
والمصلى اذا قرأ فى صلاته وهو نائم فى حال قيامه لم تصح قراءاته كما قلنا، وكذا لا يعتد قيامه وركوعه وسجوده من الفرض لصدورها لا عن اختيار، وأما القعدة الأخيرة فلا نص فيها عن محمد رحمه الله تعالى، وقيل انها تعد من الفرض لأنها ليست بركن ومبناها على الاستراحة فيلائمه النوم فيجوز أن يحتسب من الفرض بخلاف سائر الأفعال فان مبناها على المشقة فلا يتأذى فى حالة النوم، وذكر فى المنية انه اذا نام فى القعدة كلها ثم انتبه فعليه ان يقعد قدر التشهد فان لم يفعل فسدت صلاته وذكر فى النوادر ان قراءة النائم تنوب عن الفرض لأن الشرع جعل النائم كالمسقط فى حق الصلاة كذا فى الذخيرة. واذا تكلم النائم فى صلاته لم تفسد صلاته لأنه ليس بكلام لصدوره كمن لا تمييز له، وذكر فى الخلاصة ان المصلى اذا نام وتكلم فى حالة تفسد صلاته من غير ذكر خلاف، وفى النوازل انه اذا تكلم فى الصلاة وهو فى النوم تفسد صلاته هو المختار واذا قهقه النائم فى صلاته قال الحاكم أبو محمد رحمه الله تعالى تفسد صلاته ويكون حدثا لأنه قد يثبت بالنص أن القهقهة فى صلاة ذات ركوع وسجود، وقد وجدت، ولا فرق
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 1394، ص 1395 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 1398، ص 1399 نفس الطبعة.
فى الأحداث بين النوم واليقظة، الا ترى أنه لو احتلم يجب الغسل كما لو أنزل بشهوة فى اليقظة وتفسد صلاته لأن النائم فى الصلاة كالمستيقظ، وبهذا أخذ عامة المتأخرين احتياطا كذا فى المغنى، وعن شداد ابن أوس عن أبى حنيفة رحمه الله تعالى انها تكون حدثا ولا تفسد صلاته حتى كان له أن يتوضأ ويبنى على صلاته بعد الانتباه ولأن فساد الصلاة بالقهقهة باعتبار معنى الكلام فيها وقد زال بالنوم لفوات الاختيار، أما تحقق الحدث فلا يفتقر الى الاختيار فلا يمتنع بالنوم وكانت القهقهة فى هذه الحالة حدثا ساريا بمنزلة الرعاف فلا تفسد الصلاة وقيل تفسد صلاته ولا تكون حدثا، وهذا هو المذكور فى عامة نسخ الفقه لأن فساد الصلاة باعتبارها معنى الكلام فى القهقهة والنوم كاليقظة فى حق الكلام عند الأكثر كما قلنا، وأما كونها حدثا فاعتبار معنى الجنابة وقد زال بالنوم ألا ترى أن قهقهة الصبى فى الصلاة لا تكون حدثا لزوال معنى الجنابة عن فعله. والاغماء وهو فتور يزيل القوى ويعجز به ذو العقل عن استعماله مع قيامه حقيقة لا يخل بالأهلية كالنوم لأن العجز عن استعمال العقل لا يوجب عدم العقل فتبقى الأهلية ببقائه كمن عجز عن استعمال السيف لم يؤثر ذلك فى السيف بالاعدام ألا ترى بأنه لا يولى عليه كما يولى على الصبى والمجنون وأن النبى صلى الله عليه وسلم لم يكن معصوما عنه، ولو كان فيه زوال العقل لعصم عنه كما عصم عن الجنون.
قال الله عز وجل: {ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ}
(1)
» والاغماء أشد من النوم فى كونه عارضا وفى فوت الاختيار والقوة لأن النوم فترة أصلية - أى طبيعية بحيث لا يخلو الانسان عنه فى حال صحته فمن هذا الوجه يختل كونه عارضا وان تحققت العارضية فيه باعتبار انه زائد على معنى الانسانية، ولا يزيل أصل القوة أيضا وان أوجب العجز عن استعمالها، ويمكن ازالته بالتنبيه، والاغماء عارض من كل وجه لأن الانسان قد يخلو عنه فى مدة حياته فكان أقوى من النوم فى العارضية، وهو ينافى القوة أصلا لما قلنا أنه مرض مزيل للقوى.
ولهذا لا يمكن ازالته بفعل أحد، بخلاف النوم لأنه عجز عن استعمال القوة مع وجودها ولهذا يزول بالتنبيه.
ويوضح كون الاغماء أشد من النوم أنه يصير حدثا فى كل حال مضطجعا كان أو قاعدا أو قائما أو راكعا أو ساجدا، والنوم ليس بحدث فى بعض الأحوال لأنه بذاته لا يوجب استرخاء المفاصل الا اذا غلب فحينئذ يصير سببا للاسترخاء فيكون حدثا ويفارق الاغماء النوم أيضا فى أن النوم لازم للانسان بأصل الخلقة فيكون كثير الوقوع فلهذا كان النوم من المضطجع فى الصلاة اذا لم يتعمده حدثا لا يمنع البناء بمنزلة الرعاف والاغماء من العوارض النادرة فى الصلاة فلم يكن فى معنى ما ورد به النص وهو الحدث الذى يغلب وجوده فى جواز البناء.
والاغماء فوق الحدث فى المنع من الصلاة لأنه مع كونه حدثا فى جميع الأحوال مخل بالعقل وكل واحد منهما مؤثر فى المنع من الأداء لأنه مفتقر الى كل واحد منهما، كذا فى بعض الفوائد، فلم يلحق الاغماء بالحدث لهذين الوجهين كما لم تلحق الجنابة به، ومنع البناء على كل حال مضطجعا كان المغمى عليه أو غير مضطجع قليلا كان الاغماء أو كثيرا.
ويختلف النوم والاغماء فيما يجب من حقوق الله تعالى بطريق الخبر فيصلح الاغماء عذرا مسقطا فى البعض ولا يصفح النوم عذرا مسقطا بحال لأن الاغماء مرض ينافى القوة أصلا فلا يجب الأداء فى الحال للعجز.
وقد يحتمل الامتداد فى حق بعض الواجبات على وجه يوجب عدم اعتبار امتداده الحرج بدخول الواجب فى حد التكرار فيسقط به عنه
(1)
الآية رقم 2 من سورة القلم.
حقيقة الأداء للعجز وخلفه - وهو القضاء - للحرج.
واذا سقط وجوب الأداء أصلا بطل نفس الوجوب لما قلنا فى باب الأهلية ان الوجوب غير مقصود بنفسه بل المقصود منه الأداء فلما سقط لم يبق الوجوب لعدم الفائدة وسقوط الأداء بالاغماء عند امتداده استحسان وكان القياس أن لا يسقط بالاغماء شئ وان طال كما ذهب اليه بشر بن غياث المريس لأنه مرض لا يؤثر فى العقل ولكنه يوجب خللا فى القدرة الأصلية فيؤثر فى تأخير الأداء ولا يوجب. سقوط القضاء كالنوم، والفرق ما ذكرنا أن الاغماء قد يقصر وقد يطول عادة فى حق بعض الواجبات فاذا قصر اعتبر بما يقصر عادة وهو النوم فلا يسقط به القضاء واذا طال اعتبر بما يطول عادة الجنون والصغر فيسقط القضاء.
وامتداد الاغماء فى الصلوات أن يزيد على يوم وليلة باعتبار الأوقات عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى، وباعتبار الصلوات عند محمد رحمه الله تعالى على ما فسرناه فى الجنون وقال الشافعى رحمه الله تعالى امتداده باستيعاب وقت الصلاة حتى لو كان مغمى عليه وقت صلاة كاملا لا يجب عليه القضاء لأن وجوب القضاء يبتنى على وجوب الأداء وفرق بين النوم والاغماء فان النوم عن اختيار منه بخلاف الاغماء ولكنا استحسنا لحديث على رضى الله تعالى عنه فانه أغمى عليه أربع صلوات فقضاهن وعمار بن ياسر رضى الله تعالى عنه أغمى عليه يوما وليلة فقضى الصلوات وعبد الله بن عمر رضى الله تعالى عنهما أغمى عليه أكثر من يوم وليلة فلم يقض الصلوات.
فعرفنا أن امتداده فى الصلوات بما ذكرنا كذا فى المبسوط وذكر فى بعض المواضع أن القضاء يجب على المغمى عليه بالاجماع اذا لم يزد الاغماء على يوم وليلة.
وفى الصوم لا يعتبر امتداده حتى لو كان مغمى عليه فى جميع الشهر ثم أفاق بعد مضيه يلزمه القضاء أن تحقق ذلك الا عند الحسن البصرى رحمه الله فانه يقول سبب وجوب الأداء لم يتحقق فى حقه لزوال عقله بالاغماء ووجوب القضاء يبتنى عليه.
وقلنا ان الاغماء عذر فى تأخير الصوم الى زواله الا فى اسقاطه لأن سقوطه بزوال الأهلية أو بالحرج ولا تزول الأهلية به لما بينا ولا يتحقق الحرج به أيضا لأنه انما يتحقق فيما يكثر وجوده وامتداده فى حق الصوم نادر لأنه مانع من الأكل والشرب وحياة الانسان شهرا بدون الأكل والشرب لا تتحقق الا نادرة فلا يصلح لبناء الحكم عليه.
وفى الصلاة امتداده غير نادر فيوجب حرجا فيجب اعتباره وفى اعتبار امتداده فى حق الصلاة جاءت السنة كما بينا
(1)
.
أما السكر فنوعان سكر بطريق مباح وسكر بطريق محظور، أما السكر بالمباح فمثل من أكره على شرب الخمر بالقتل فانه يحل له وكذلك المضطر اذا شرب من الخمر ما يروى به العطش فسكر به، وكذلك اذا شرب دواء فسكر به مثل البنج والأفيون، أو شرب لبنا فسكر به فان السكر فى هذه المواضع بمنزلة الاغماء يمنع من صحة الطلاق والعتاق وسائر التصرفات لأن ذلك ليس من جنس اللهو فصار من أقسام المرض وذكر القاضى الامام فخر الدين المعروف بخان رحمه الله تعالى فى فتاواه وشرحه للجامع الصغير ناقلا عن أبى حنيفة وسفيان الثورى أن الرجل ان كان عالما بفعل البنج وتأثيره فى العقل ثم أقدم على أكله فانه يصح طلاقه وعتاقه.
وأما السكر المحظور فهو السكر من كل شراب محرم وكذلك السكر من النبيذ المثلث أو نبيذ
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 1399 وما بعدها الى ص 1401 نفس الطبعة.
الزبيب المطبوخ المعتق لأن هذا وان كان حلالا عند أبى حنيفة وأبى يوسف رحمهما الله تعالى فانما يحل بشرط أن لا يسكر منه وذلك من جنس ما يتلهى به فيصير السكر منه مثل السكر من الشراب المحرم. والسكر المحظور لا ينافى الخطاب بالاجماع لأن الله سبحانه وتعالى قال: «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ 1» فان كان هذا خطابا فى حال سكره فلا شبهة فى أنه لا ينافى الخطاب وان كان فى حال الصحو فكذلك يدل على انه لا ينافى الخطاب أيضا اذ لو كان منافيا له لصار كأنه قيل لهم اذا سكرتم وخرجتم عن أهلية الخطاب فلا تصلوا لأن الواو للحال والأحوال شروط وحينئذ يصير كقولك للعاقل اذا جننت فلا تفعل كذا وفساده ظاهر لأنه اضافة الخطاب الى حالة منافية له، ولما صح ههنا عرفنا أنه أهل للخطاب فى حال السكر، وانما لم يسقط الخطاب عنه كالمغمى عليه ولم يتأخر كالنائم نظرا الى أن السكر يعجزه عن استعمال العقل وفهم الخطاب كالنوم والاغماء لم يسقط الخطاب عنه مع ذلك لأن الخطاب انما يتوجه على العبد باعتدال الحال وأقيم السبب الظاهر - وهو البلوغ عن عقل - مقامه تيسير العذر الوقوف على حقيقته، وبالسكر لا يفوت هذا المعنى ثم قدرته على فهم الخطاب ان فاتت بآفة سماوية يصلح عذرا فى سقوط الخطاب أو تأخره عنه لئلا يؤدى الى تكليف ما ليس فى الوسع والى الحرج، فأما اذا فاتت من جهة العبد بسبب هو معصية عدت قائمة زجرا عليه فبقى الخطاب متوجها عليه وذلك أنه لما كان فى وسعه دفع السكر عن نفسه بالامتناع عن الشرب كان هو بالاقدام على الشرب مضيعا للقدرة فيبقى التكليف متوجها عليه فى حق الاثم وان لم تبقى فى حق الأداء وبهذا الطريق بقى التكليف بالعبادات فى حقه وان كان لا يقدر على الأداء ولا يصح منه الأداء كذا فى شرح التأويلات.
واذا ثبت أن الكسران مخاطب ثبت أن السكر لا يبطل شيئا من الأهلية لأنها بالعقل والبلوغ والسكر لا يؤثر فى العقل بالاعدام فيلزمه أحكام الشرع كلها من الصلاة والصوم وغيرهما، وتصح عباراته كلها بالطلاق والعتاق، وهو أحد قولى الشافعى رحمه الله تعالى، وفى قوله الآخر لا يصح، وهو قول مالك واختيار أبى الحسن الكرخى وأبى جعفر الطحاوى من أصحابنا رحمهم الله تعالى، ونقل عن عثمان رضى الله تعالى عنه أيضا لأن غفلته فوق غفلة النائم فان النائم ينتبه اذا نبه والسكران لا ينتبه، ثم طلاق النائم وعتاقه لا يقع فطلاق السكران وعتاقه أولى، ويصح بيعه وشراؤه واقراره وتزويجه الولد الصغير وتزوجه واقراضه واستقراضه وسائر تصرفاته قولا وفعلا عندنا لأنه مخاطب كالصاحى، وبالسكر لا ينعدم عقله انما يغلب عليه السرور فيمنعه من استعمال عقله وذلك لا يؤثر فى تصرفه سواء شرب مكرها أو طائعا، وذكر فى شرح الجامع الصغير لقاضى خان رحمه الله تعالى أنه ان شرب السكر مكرها ثم طلق أو أعتق اختلفوا فيه والصحيح أنه كما لا يجب عليه الحد لا ينفذ تصرفه - وبالسكر ينعدم القصد الصحيح - وهو العزم على الشئ - لأن ذلك ينشأ عن نور العقل وقد احتجب ذلك عنه بالسكر، أما العبارة فلا تنعدم به لأنها توجد حسا، وصحتها تبتنى على أهل العقل حتى ان السكران اذا تكلم بكلمة الكفر لم تبن منه امرأته استحسانا لأن الردة تبتنى على القصد والاعتقاد ونحن نعلم أن السكران غير معتقد لما يقول بدليل أنه لا يذكره بعد الصحو، وما كان عن عقد القلب لا ينسى خصوصا المذاهب فانها تختار عن فكر وروية وعما هو الأحق من الأمور عنده، واذا كان كذلك كان هذا عمل اللسان دون القلب فلا يكون اللسان معبرا عما فى الضمير فجعل كأنه لم ينطق به حكما كما لو جرى على لسان الصاحى كلمة الكفر خطأ كيف ولا ينجو سكران من التكلم بكلمة الكفر عادة وهذا بخلاف ما اذا تكلم بالكفر هازلا لأنه بنفسه استخفاف
(1)
الآية رقم 43 من سورة النساء
بالدين وهو كفر وقد صدر عن قصد صحيح فيعتبر.
أما فى القياس - وهو قول أبى يوسف رحمه الله تعالى على ما ذكر فى شرح التأويلات - فان امرأته تبين منه لأنه مخاطب كالصاحى فى اعتبار أقواله وأفعاله. واذا أسلم الكافر فى حال سكره وجب أن يصح اسلامه بوجود أحد الركنين ترجيحا لجانب الاسلام كما فى المكره وفى المبسوط أن السكران اذا قذف رجلا حبس حتى يصحو ثم يحد للقذف ثم يحبس حتى يخف عليه الضرب ثم يحد للسكر لأن حد القذف فيه معنى حق العباد فيقدم على حد السكر ولا يوالى بينهما فى الاقامة لئلا يؤدى الى التلف وسكره لا يمنع وجوب الحد عليه بالقذف لأنه مع سكره مخاطب واذا زنى فى سكره حد اذا صحا، واذا أقر أنه سكر من الخمر طائعا لم يحد حتى يصحو فيقر ثانيا أو تقوم عليه البينة أنه سكر طائعا لأن السكران لا يثبت على كلام ولكنه يتكلم بالشئ وضده والاصرار على الاقرار بالسبب لا بد منه لا يجاب حد الخمر واذا أقر بشئ من الحدود لم يؤخذ به الا بحد القذف لأن الرجوع عن الاقرار بالحدود يصح فيما سوى حد القذف، وقد قارنه ههنا دليل الرجوع وهو السكر فمنعه عن الثبوت لأن المنع أسهل من رفع
(1)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أن من نواقض الوضوء زوال العقل وان بنوم ثقل ولو قصر لا بنوم خف، وندب ان طال، قال الحطاب رحمه الله تعالى:
وظاهر كلام خليل رحمه الله تعالى أن زوال العقل بغير النوم لا يفصل فيه كما يفصل فى النوم، وهو ظاهر المدونة والرسالة، قال فى المدونة:
ومن نام جالسا أو راكبا الخطوة ونحوها فلا وضؤ على من نام محتبيا فى يوم جمعة وشبهها لأنه لا يثبت، قال أبو هريرة رحمه الله تعالى: ليس على المحتبى النائم ولا على القائم النائم وضوء قال ابن وهب رحمه الله تعالى قال ابن أبى سلمة من استثقل نوما على أى حال كان فعليه الوضوء ثم قال: ومن خنق نائما أو قاعدا توضأ ولا غسل عليه ومن فقد عقله باغماء أو سكر أو جنون توضأ.
وقال فى الرسالة: يجب الوضوء من زوال العقل بنوم مستثقل أو اغماء أو سكر أو تخبط جنون، وقال ابن عبد السلام رحمه الله تعالى لكيفية نقضها فى طول أو قصر وذلك يدل على أنها ناقضة مطلقا وهو الحق خلافا لبعضهم وقال ابن بشير رحمه الله تعالى: والقليل والكثير فى ذلك سواء وقال ابن ناجى رحمه الله تعالى فى شرح الرسالة ظاهر كلامه أن الجنون والاغماء لكونه لم يشترط فيهما القتل كما اشترطه فى النوم وهو كذلك قاله مالك وابن القاسم رحمهما الله تعالى، ونقل اللخمى عن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى أنهما سببان، وخرج على القول من جن قائما أو قاعدا بحضرة قوم ولم يحسوا انه خرج منه شئ واعترض كلام اللخمى من وجهين الأول لابن بشير رحمه الله تعالى أن عبد الوهاب أطلق عليهما أنهما سببان الا أنه أوجب عنهما الوضوء دون تفصيل، والثانى لبعض شيوخنا رحمهم الله تعالى أنه لا يلزم من عدم احساسهم عدم الحدث ويلزمه مثل ذلك فى النوم. وأما النوم فاختلف فيه، قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: وقال أبو الفرج روى عن ابن القاسم أنه حدث والمشهور انه سبب، قال الحطاب: وطريقة اللخمى رحمه الله تعالى وهى التى مشى عليها خليل أأن الثقيل الطويل ينقض بلا خوف والثقيل القصير فيه خلاف والمشهور النقض، والقصير الخفيف لا ينقض بلا خلاف، والطويل الخفيف يستحب منه الوضوء قال الشيخ زروق رحمه الله تعالى فى شرح الرسالة وعلامة الاستثقال سقوط شئ من يده أو انحلال حبوته
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 1471 وما بعدها الى ص 1475 نفس الطبعة.
أو سيلان ريقه أو بعده عن الأصوات المتصلة به ولا يتفطن لشئ من ذلك قال فى المدونة: ولا وضوء على من نام محتبيا.
قال ابن هارون رحمه الله تعالى فى شرحه يعنى اذا استيقظ لحل حيوته واما لو لم يشعر بحلها لزمه الوضوء وكذلك من بيده مروحة واستيقظ لسقوطها فلا وضوء عليه، والا توضأ.
قال أبو الحسن رحمه الله تعالى والمراد بالسكر السكر وان كان من حلال، قال فى الأم ولو سكر من لبن قال فى الطراز: فمن غلبه هم حتى ذهل وذهب عقله قال مالك رحمه الله تعالى: فى المجموعة عليه الوضوء، قيل له هو قاعد قال أحب الى أن يتوضأ وهذا يحتمل أحد معنيين اما أن يريد الذى يختاره ويقول به أنه يتوضأ أو يريد أنه اذا كان جالسا يستحب له الوضوء بخلاف المضطجع فانه يجب عليه لأن الجالس متمكن من الأرض وغفلته فى حكم غفلة الوسنان، وقال الشيخ زروق رحمه الله تعالى فى شرح الرسالة قال مالك رحمه الله تعالى فيمن حصل له هم أذهل عقله يتوضأ، وعن ابن القاسم رحمه الله تعالى:
لا وضوء عليه
(1)
.
وجاء فى شرح منح الجليل ان من صلى الصلاة كلها فى وقتها الضرورى يأثم وان كانت صلاته أداء الا أن يؤخرها الى وقتها الضرورى لعذر من نحو اغماء وجنون ونوم وغفلة، فلو أفاق المغمى عليه من الاغماء فى الوقت الضرورى وصلى فيه فلا اثم عليه.
وكذلك المجنون والنائم قبل دخول الوقت ولو علم أنه لا يفيق فيه أفاق منه فيه وصلى فيه فلا حرمة عليه، ولا يجوز النوم بعد دخول وقت الصلاة قبل الصلاة الا اذا علم تيقظه منه فى الاختيار أو وكل من يوقظه فيه ممن يثق به أما السكر فان كان حراما أفاق منه فى الوقت الضرورى وصلى فيه فهو آثم لادخاله على نفسه.
وان كان غير حرام فهو كالجنون
(2)
. وجاء فى شرح الخرشى ان العذر المسقط اذا طرأ فى الوقت المدرك لمن زال عذره أسقطه فكما تدرك الحائض مثلا الظهرين والعشاءين يطهرها لخمس والثانية فقط لطهرها لدون ذلك كذلك يسقطان اذا حصل الحيض لخمس قبل الغروب أو تسقط الثانية فقط وتتخلف الأولى عليها ان حاضت لدون ذلك ولو أخرت الصلاة عامدة كما يقصر الصلاة المسافر ولو أخرها عامدة.
وروى نحو ذلك لابن عرفة عن ابن بشير رحمهما الله تعالى، ومثل الحيض الاغماء والجنون، وأخرج النائم والناسى فلا يسقطان المدرك لكن يسقطان الاثم
(3)
.
ويشترط لصحة الاذان أن يكون عاقلا فلا يصح الاذان من مجنون ولا من صبى غير مميز ولا من مغمى عليه ولا من سكران طافح
(4)
. قال فى الطراز فان أغمى عليه فى بعض الأذان أو جن ثم أفاق بنى فيما يقرب، وقال أشهب رحمه الله تعالى فى الاقامة: ان رعف مقيم أو أحدث أو مات أو أغمى عليه ابتدأ، فان بنى هو أو غيره أجزأه قال الشيخ رحمه الله تعالى: يريد توضأ بعد أفاقته.
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربى الرعينى المعروف بالحطاب ج 1 ص 294 وما بعدها الى ص 296 فى كتاب على هامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1328 هـ.
(2)
شرح منح الجليل على مختصر العلامة خليل للشيخ محمد عليش ج 1 ص 112 فى كتاب على هامشه حاشيته المسماه تسهيل منح الجليل.
(3)
شرح أبى عبد الله محمد الخرشى على مختصر خليل لأبى الضياء العدوى ج 1 ص 291 فى كتاب على هامشه حاشية الشيخ على العدوى على شرح الخرشى الطبعة الثانية طبع المطبعة الأميرية بمصر سنة 1317 هـ.
(4)
شرح منح الجليل على مختصر خليل ج 1 ص 120 الطبعة السابقة.
ومن شروط صحة الصيام العقل قال مالك رحمه الله تعالى: من بلغ وهو مجنون مطيق فمكث سنين ثم أفاق فليقض صوم تلك السنين ولا يقضى الصلاة كالحائض، وقال ابن يونس رحمه الله تعالى القول فى المغمى عليه كالقول فى المجنون وهو بخلاف النائم قال ابن القاسم رحمه الله تعالى فى المدونة: من أغمى ليلا فى رمضان وقد نوى صوم ذلك اليوم فلم يفق الا عند الماء وبعد ما أضحى لم يجره صوم ذلك اليوم ويقضيه وأما من أغمى عليه جل اليوم ففى المدونة قال مالك رحمه الله تعالى:
من أغمى عليه قبل طلوع الشمس فأفاق عند الغروب لم يجزه صلاة لأنه أغمى عليه أكثر النهار، وأما من أغمى عليه أقل اليوم ولم يسلم أوله فقد جاء فى المدونة أن من نوى صوم ذلك اليوم فلم يفق الا بعد ما أضحى لم يجزه صوم ذلك اليوم، قال ابن القاسم رحمه الله تعالى من أغمى عليه قبل الفجر فلم يفق الا بعده لم يجزه صومه بخلاف النائم لو نام قبل الفجر فانتبه قبل الغروب أجزأه صومه ولو كان ذلك الاغماء لمرض به لم يجزه صومه قال ابن يونس رحمه الله تعالى: لأن المغمى عليه غير مكلف فلم تصلح له نية والنائم مكلف لو نبه انتبه.
وجاء فى مواهب الجليل
(1)
أن الجنون اذا طرأ بعد الفجر ولم يطل هل هو كالاغماء أم لا؟ ظاهر كلام ابن عبد السلام أنه ليس كالاغماء فانه قال فى شرح قول ابن الحاجب رحمه الله تعالى:
وان كان فى أقله وأوله ما لم فكالنوم، يريد أن كان الاغماء فى أقل النهار مع سلامة أوله فلا أثر له كالنوم وذلك لكثرته فى الناسى ولا يلزم على هذا الحاق الجنون به فى هذا لقلته، وظاهر كلام صاحب الطراز أن حكم الجنون والاغماء سواء فقد قال فى باب الاعتكاف: انما اذا أغمى عليه أوجن وكان فى عقله حين الفجر أو أكثر النهار ولم يخرج من المسجد حتى دخل الليل يجزئه عكوفه ذلك اليوم على ما مر فى صحة صومه.
وجاء فى الشرح الكبير أن الاعتكاف يبطله سكر المعتكف ليلا حراما وان صحا منه قبل الفجر قال الدسوقى: وأولى أن يبطله سكره نهارا ومثل السكر بحرام كل مخدر استعمله ليلا وخدره، أما سكر المعتكف بحلال فيبطل اعتكاف يومه ان كان السكر نهارا، والحال ان الشرب ليلا كالجنون والاغماء فيجرى فيه ما جرى فيهما على ما سيأتى بيانه
(2)
.
والعذر الطارئ على المعتكف أما اغماء أو جنون أو حيض أو نفاس أو مرض والاعتكاف أما نذر معين من رمضان أو من غيره أو نذر غير معين أو تطوع معين بالملاحظة أو غير معين، وعلى كل حال اما أن يطرأ العذر قبل الشروع فى الاعتكاف أو بعد الشروع فيه أو يقارن الشروع فيه.
فان كان الاعتكاف نذرا معينا من رمضان أو نذرا غير معين وطرأت خمسة الاعذار قبل الشروع فى الاعتكاف أو بعده أو مقارنة له فانه يبنى فى كل هذه الأحوال وان كان نذرا معينا بغير رمضان فان طرأت خمسة الأعذار قبل الشروع فى الاعتكاف أو مقارنة له فلا يجب القضاء وان طرأت بعد الشروع فالقضاء متصلا وان كان تطوعا معينا بالملاحظة أو غير معين فلا قضاء سواء طرأت خمسة الأعذار قبل الشروع أو بعده أو مقارنة له
(3)
.
وجاء
(4)
فى مواهب الجليل انه لا يشترط فى صحة الحج الا الاسلام فيصح الحج لغير المميز والمجنون
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 1 ص 427 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى ج 2 ص 422 الطبعة السابقة.
(3)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 1 ص 422 الطبعة السابقة.
(4)
الشرح الكبير لشرح مختصر خليل ج 1 ص 544.
ويحرم عنهما وليهما، هذا هو مذهب المدونة وهو المشهور فى المذهب وفى الموازية لا يحج بالرضيع وأما ابن أربع أو خمس فنعم، قال اللخمى، وعلى قوله هذا فلا يحج بالمجنون المطبق. وقول الباجى رحمه الله تعالى: عدم العقل يمنع صحة الحج خلاف النص وذكر ابن عبد السلام رحمه الله تعالى أنه وقع فى كلام بعض شارحى الموطأ من المتأخرين أن الحج لا يصح من المجنون. ولا فرضا وهو خلاف نص المدونة
(1)
. قال الخطاب: ويحرم الولى عن المجنون المطبق قرب الحرم ويجرده كما قال فى المدونة والمجنون فى جميع أموره كالصبى.
أما اذا كان الجنون يجئ أحيانا ويفيق أحيانا فانه ينتظر به حال افاقته فان علم بالعادة فانه لا يفيق حتى ينقض الحج صار كالأول.
اما المغمى عليه فلا يحرم عنه وليه يريد ولا غير وليه فلو أحرم عنه أحد لم يصح احرامه عنه والفرق بينه وبين المجنون المطيق أن الاغماء مرض يترقب زواله بالقرب غالبا بخلاف المجنون فانه شبيه بالصبى لدوامه، وصح الاحرام عن الصبى لأنه يتبع غيره فى أصل الدين.
وسواء أرادوا أن يحرموا عن المغمى عليه بفريضة أو نافلة وسواء خافوا أن يفوته الحج أم لا كما يفهم ذلك من كلام صاحب الطراز وكما يفهم من كلام المدونة ولم أحرم الولى من المجنون المطبق ثم أفاق بعد احرام وليه عنه فالظاهر أن احرام الولى يلزمه وليس له أن يرفضه ويجدد احراما بالفرض، قال البساطى رحمه الله تعالى ولا يجب على صبى ولا مجنون ولا معتوه قال الحطاب رحمه الله تعالى: ان كان مراده بالمعتوه المجنون لا يصح عطفه عليه، وان كان مراده به ضعيف العقل كما هو الغالب فى استعمالهم فالظاهر أن الحج لا يسقط عنه
(2)
.
ومن أركان الحج الوقوف بعرفة ومن أغمى عليه قبل الزوال وكان أحرم قبل ذلك بالحج فوقف به أصحابه فانه يجزيه عند ابن القاسم رحمه الله تعالى، قال سند لأن الاغماء لا يبطل الاحرام وقد دخل فى نية الاحرام.
وان كان الاغماء بعد الزوال أجزأه من باب الأولى، ولا بد من أن يقف به أصحابه جزءا من الليل ولو دفعوا به قبل الغروب لم يجزه عند مالك، قال فى الطراز وهو ظاهر، على ما ذكر سابقا، قال سند رحمه الله تعالى: ولو قدم عرفات وهو نائم فى محمله وأقام فى نومه حتى دفع الناس وهو معهم أجزأه وقوفه للمعنى الذى ذكرناه فى المغمى عليه، ومن شرب سكرا حتى غاب عقله اختيارا أو بشئ أكله من غير علم أو أطعمه أحد ما أسكره وفاته الوقوف لم أر فيه نصا والظاهر أنه ان لم يكن له فى ذلك اختيار فهو كالمغمى عليه والمجنون، وان كان باختياره فلا يجزئه كالجاهل بل هو أولى
(3)
.
ولا ينعقد طلاق من زال عقله بجنون أو اغماء أو نحو ذلك من نوم أو غيره مما يذهب الاستشعار.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى طلاق فاقد العقل ولو بنوم لغو، قال اللخمى رحمه الله تعالى: والمعتوه كالمجنون.
ولو طلق المريض وقد ذهب عقله من المرض فأنكر ذلك وقال لم أعقل حلف ولا شئ عليه قاله مالك رحمه الله تعالى فى الموازية، وكذا نقله عنه فى العتبية، وقال ابن عرفة قال ابن رشد رحمهما الله تعالى: انما ذلك أن شهد
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 480، ص 481 نفس الطبعة.
(2)
المرجع السابق ج 3 ص 95 نفس الطبعة.
(3)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ص 43 الطبعة السابقة.
العدول أنه يهذى ويختل عقله، وان شهدوا أنه لم يستنكر منه شئ فى صحة عقله فلا يقبل قوله ولزمه الطلاق، قاله ابن القاسم رحمه الله تعالى فى العشرة قال فى التوضيح:
وتحصيل القول فى السكران أن المشهور أنه تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا تلزمه الاقرارات والعقود.
قال فى البيان: وهو قول مالك وعامة أصحابه رحمهم الله تعالى وأظهر الأقوال ثم قال: وعلى المشهور من عدم الزامه بالنكاح فقال فى البيان اختلف ان قالت البينة انها رأت منه اختلاطا ولم تثبت الشهادة بسكره على قولين أحدهما وهو المشهور أنه يحلف ولا يلزمه النكاح والثانى انه لا يصدق ولا يمكن من اليمين ويلزمه النكاح ثم قال: وحمل فى البيان قول مالك رحمه الله تعالى لا أرى نكاح السكران جائزا وقول سحنون رحمه الله تعالى لا يجوز بيعه ونكاحه وهبته وصدقته على معنى أنه لا يلزمه ذلك وله أن يرجع عنه، قال: ولا يقال فى شئ من ذلك على مذهب مالك رحمه الله تعالى أنه غير منعقد وانما يقال غير لازم.
وكلام ابن شعبان يدل على أن عقوده غير منعقدة لأنه جعل بيعه من الغرر، ثم قال: اذا أوصى السكران بوصية فيها عتق ووصايا لقوم واذا أبت عتق عبيده فى مرضه فقال صاحب البيان الصحيح على مذهب مالك رحمه الله تعالى أنه ان مات من مرضه ذلك نفذ العتق وغيره من الثلث على معنى الوصية وان صح من مرضه نفذ عليه العتق ولزومه وكان له الرجوع فيما بتله من الهبة والصدقة من أجل السكر
(1)
.
وجاء فى المدونة أن طلاق المبرسم فى هذياته لا يلزمه، قال ابن القاسم رحمه الله تعالى.
وكذا ان سقى السكيران ولم يعلم، قال ابن رشد رحمه الله تعالى قول ابن القاسم ولم يعلم فيه نظر لأنه يدل على أنه لو شربه وهو يعلم أنه يفقد عقله لزمه ما أعتق أو طلق وان كان لا يعقل وهذا لا يصح أن يقال وانما الزم من ألزم السكران طلاقه وعتقه لأن معه بقية من عقله لا لأنه أدخل السكر على نفسه وقول من قال انه أدخل السكر على نفسه غير صحيح وقال ابن عرفة طلاق السكران أطلق الصقلى وغير واحد الروايات بلزومه وقال ابن رشد رحمه الله تعالى: السكران المختلط طلاقه لازم، وقال ابن عبد الحكم رحمه الله تعالى لا يلزمه، وذكره المازرى رحمه الله تعالى رواية
(2)
.
وجاء فى مواهب الجليل أنه يشترط فى انعقاد البيع أن يكون عاقده مميزا فلا ينعقد بيع غير المميز لصغر أو جنون أو اغماء ولا ينعقد شراؤه فان كان عدم تمييزه لسكر أدخله على نفسه ففى انعقاد بيعه وشرائه تردد اذ اختلف المتأخرون فى نقل المذهب فى ذلك.
قال ابن عبد السلام رحمه الله تعالى فى شرح قول ابن الحاجب وشرطه التمييز وقيل الا السكران يعنى أنه يشترط فى العاقد أن يكون مميزا ولا يشترط العقل فيدخل الصبى ويخرج السكران لوجود التمييز فى الصبى وفقده من السكران والعقل مفقود منهما، وقال فى التوضيح أى شرط صحة بيع العاقد وشرائه أن يكون مميزا فلا ينعقد بيع غير المميز ولا شراؤه لصغر أو جنون أو اغماء أو سكر، ولا اشكال فى الصبى.
والمجنون والمغمى عليه أما السكران فهو مقتضى ذكر ابن شعبان رحمه الله تعالى، فانه قال: ومن الغرر بيع السكران وابتياعه اذا كان سكره متيقنا، ويحلف بالله ما عقل حين فعل ذلك ثم لا يجوز ذلك عليه، قال ابن نافع رحمه الله تعالى ينعقد بيع السكران، والجمهور
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 4 ص 43 الطبعة السابقة.
(2)
التاج والاكليل لشرح مختصر خليل للمواق ج 4 ص 43 الطبعة السابقة.
على خلافه ثم قال فى التوضيح والذى ذكره صاحب البيان وصاحب الاكمال أن مذهب مالك وعامة أصحابه رحمهم الله تعالى انه لا تلزمه عقود
(1)
.
وقال ابن رشد رحمه الله تعالى السكران قصمان الأول سكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة وهو لا خلاف فى أنه كالمجنون فى جميع أحواله وأقواله فيما بينه وبين الله تعالى وفيما بينه وبين الناس الا فيما ذهب وقته من الصلوات فقيل أنه لا يسقط عنه بخلاف المجنون من أجل أن السكران أدخل السكر على نفسه فكأنه تعمد تركها.
والثانى: السكران المختلط الذى معه بقية من عقله وهذا اختلف أهل العلم فى أقواله وأفعاله على أربعة أقوال أحدها أنه كالمجنون فلا يحد ولا يقتص منه ولا يلزمه بيع ولا عتق ولا طلاق ولا شئ من الأشياء قال بهذا محمد ابن عبد الحكم رحمه الله تعالى.
وثانيها: أنه كالصحيح لأن معه بقية من عقله، وهو قول ابن نافع رحمه الله تعالى حيث قال يجوز عليه كل ما فعل من بيع أو غيره.
وثالثها: تلزمه الأفعال ولا تلزمه الأقوال فيقتل بمن قتل ويحد فى الزنا والسرقة ولا يحد فى القذف ولا يلزمه طلاق ولا عتق وهو قول الليث رحمه الله تعالى.
ورابعها: أنه تلزمه الجنايات والعتق والطلاق والحدود ولا يلزمه الاقرارات والعقود، وهو مذهب مالك وعامة أصحابه رضى الله تعالى عنهم. وهو وأظهر الأقوال وأولاها بالصواب لأن مالا يتعلق به حق الله من الاقرارات والعقود اذا لم يلزمه السفيه والصبى لنقصان عقلهما فأحرى أن لا يلزم السكران لنقصان عقله بالسكر.
وما سوى ذلك مما يتعلق به حق الله تعالى يلزمه ولا يسقط قياسا على ما أجمعوا عليه من أن العبادات من الصوم والصلاة تلزمه
(2)
.
قال ابن عرفة رحمه الله تعالى: السكران بغير خمر كالمجنون، قال الحطاب رحمه الله تعالى: وهذا اذا شرب شيئا مباحا أو تداوى به ولم يعلم انه يسكره.
وأما اذا شربه وهو عالم باسكاره فلا فرق بين الخمر وغيرها.
وقال ابن عرفة عقد المجنون حال جنونه ينظر له السلطان بالأصلح فى اتمامه وفسخه ان كان مع من يلزمه عقده لقول المدونة من جن فى أيام الخيار نظر له السلطان ولسماع عيسى بن القاسم رحمه الله تعالى أن من باع مريض ليس فى عقله فله أو لوارثه الزامه المبتاع.
قال ابن رشد رحمه الله تعالى لأنه ليس بيعا فاسدا كبيع السكران على قول من لا يلزمه بيعه قال الحطاب رحمه الله تعالى.
والأولى أن يحمل كلام العتبية وابن رشد وصاحب التنبيهات وابن عرفة على من عنده شئ من التمييز وحصل عنده شئ من الاختلاط كالمعتوه ويشهد لذلك تشبيه ابن رشد له ببيع السكران وقد تقدم فى كلامه أن الخلاف انما هو فى لزوم بيع السكران الذى عنده شئ من التمييز وأما من ليس عنده شئ من التمييز فالظاهر ان بيعه غير منعقد لأنه جاهل بما يبيعه وما يشتريه وذلك موجب لعدم انعقاد البيع، قال الدمامينى رحمه الله تعالى عن مالك أن المذعور لا يلزمه ما صدر منه فى حال ذعره من بيع أو اقرار أو غير ذلك
(3)
.
(1)
مواهب الجليل لشرح مختصر خليل للحطاب ج 4 ص 241، ص 242.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 242 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 244 نفس الطبعة.
والمجنون يحجر عليه الى افاقته سواء كان ذكرا أو أنثى قال فى الذخيرة: ويزول الحجر عن المجنون بافاقته ان كان الجنون طارئا بعد البلوغ لأنه كان على الرشد، وان كان الجنون قبل البلوغ فلا يزول الحجر الا بعد اثبات الرشد، وكذا لو كان بلغ سفيها ثم جن فلا ينفك الحجر بالافاقة فقط.
وأما المغمى عليه فقال القرطبى رحمه الله تعالى فى أوائل سورة النساء: استحسن مالك رضى الله تعالى عنه أن لا يحجر على المغمى عليه لسرعة زوال ما به
(1)
.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأشباه والنظائر أن النائم والمجنون والمغمى عليه قد يشتركون فى أحكام، وقد ينفرد النائم عن المجنون والمغمى عليه وتارة يلحق بالمغمى عليه وتارة يحلق بالمجنون وبيان ذلك على النحو التالى:
أولا: يشترك الثلاثة فى الحدث.
ثانيا: يستحب للمجنون أن يغتسل عند الافاقة ومثله المغمى عليه.
ثالثا: قضاء الصلاة اذا استغرق ذلك الوقت يجب على النائم أما المجنون والمغمى عليه فلا يجب عليهما قضاء.
رابعا: قضاء الصوم اذا استغرق النهار، يجب على المغمى عليه، أما المجنون فلا يجب القضاء عليه، والفرق بين قضاء الصلاة وقضاء الصوم كثرة تكرار الصلاة، ونظيره وجوب قضاء الصوم على الحائض والنفساء دون الصلاة وأما النائم اذا استغرق النهار وكان نوى من الليل فانه يصح صومه على المذهب، والفرق بينه وبين المغمى عليه ان النائم ثابت العقل لأنه اذا نبه انتبه بخلاف المغمى عليه، وفى النوم وجه آخر وهو أنه يضر بالصوم كالاغماء وفى الاغماء وجه آخر وهو أنه لا يضر بالصوم كالنوم، ولا خلاف فى الجنون، وأما غير المستغرق من الثلاثة فالنوم لا يضر بالاجماع، وفى الجنون قولان الجديد البطلان لأنه مناف للصوم كالحيض، وقطع به بعضهم وفى الاغماء طرق: احدها: لا يضر أن أفاق جزءا من النهار سواء كان فى أوله أو آخره والثانى القطع انه ان أفاق فى أوله صح والا فلا، والثالث وهو الأصح - فيه أربعة أقوال أظهرها أنه لا يضر ان أفاق لحظة، والثانى ان أفاق فى أوله خاصة، والثالث لا يضر ان أفاق فى طرفيه، والرابع يضر مطلقا فيه فيشترط الافاقة جميع النهار.
خامسا: الأذان لو نام أو أغمى عليه أثناءه ثم أفاق نظر فان لم يطل الفصل بنى وان طال الفصل وجب الاستئناف على المذهب، قال فى شرح المهذب قال أصحابنا رحمهم الله تعالى:
والجنون هنا كالاغماء.
سادسا: لو لبس الخف ثم نام حتى مضى يوم وليلة انقضت المدة، قال البلقينى رحمه الله تعالى: ولو جن أو أغمى عليه فالقياس أنه لا تحسب عليه المدة لأنه لا تجب عليه الصلاة بخلاف النوم لوجوب القضاء، قال: ولم أر من تعرض لذلك.
سابعا: اذا نام المعتكف حسب زمن النوم من الاعتكاف قطعا لأنه كالمستيقظ، وفى زمان الاغماء وجهان أصحهما يحسب، ولا يحسب زمن الجنون قطعا لأن العبادات البدنية لا يصح أداؤها فى حال الجنون.
ثامنا: يجوز للمولى أن يحرم عن المجنون أما المغمى عليه فلا يجوز للمولى أن يحرم عنه كما جزم به الرافعى رحمه الله تعالى.
تاسعا: الوقوف بعرفة لا يصح من المجنون والمغمى عليه مثل المجنون فى الأصح بخلاف النائم
(1)
السابق ج 5 ص 58 نفس الطبعة.
المستغرق فى الأصح، وحكى الرافعى عن المتولى رحمهما الله تعالى أنه اذا لم يجزه فى المجنون يقع نفلا كحج الصبى وكذا المغمى عليه كما فى شرح المهذب، وأقر الرافعى ما حكاه عن المتولى.
عاشرا: يصح الرمى عن المغمى عليه ممن أذن له قبل الاغماء فى حال تجوز فيه الاستبانة قال فى شرح المهذب: والمجنون مثل المغمى عليه صرح به المتولى وغيره.
حادى عشر: يبطل بالجنون كل عقد جائز كالوكالة الا فى رمى الجمار وكالايداع والعارية والكتابة الفاسدة، ولا يبطل بالنوم وفى الاغماء وجهان أصحهما كالجنون.
ثانى عشر: ينعزل القاضى بجنونه وباغمائه بخلاف النوم.
ثالث عشر: ينعزل الامام الأعظم بالجنون، ولا ينعزل بالاغماء لأنه متوقع الزوال.
رابع عشر: اذا جن ولى النكاح انتقلت الولاية للأبعد والاغماء ان دوام أياما ففى وجه كالجنون والأصح أنه لا يكون كالجنون بل ينتظر كما لو كان سريع الزوال.
خامس عشر: يزوج المجنون وليه بشرطه المعروف ولا يزوج المغمى عليه كما يفهم كلامهم وهو نظير الاحرام بالحج.
سادس عشر: قال الأصحاب رحمهم الله تعالى: لا يجوز الجنون على الأنبياء لأنه نقص ويجوز عليهم الاغماء لأنه مرض، ونبه السبكى رحمه الله تعالى: على أن الاغماء الذى يحصل لهم ليس كالاغماء الذى يحصل الآحاد الناس، وانما هو لغلبة الأوجاع للحواس الظاهرة فقط، دون القلب، قال لأنه ورد «أنه انما تنام أعينهم دون قلوبهم» فاذا حفظت قلوبهم وعصمت من النوم الذى هو أخف من الاغماء فلأن تعصم قلوبهم من الاغماء أولى.
سابع عشر: الجنون يقتضى الحجر، وأما الاغماء فالظاهر أنه مثله كما يفهم من كلامهم.
ثامن عشر: يشترك الثلاثة فى عدم صحة مباشرة العبادة والبيع والشراء وجميع التصرفات من العقود والفسوخ كالطلاق والعتق وفى غرامة المتلفات فى أروش الجنايات.
تاسع عشر: لا ينقطع خيار المجلس بالجنون والاغماء على الأصح وأما النوم فلم أر من تعرض له.
عشرون: لو قال ان كلمت فلانا فأنت طالق فكلمته وهو نائم أو مغمى عليه أو هذت بكلامه فى نومها أو اغمائها أو كلمته وهو مجنون طلقت، أما ان كلمته وهى مجنونة ففى قول ابن الصباغ رحمه الله تعالى أنها لا تطلق، وقال القاضى حسين رحمه الله تعالى: تطلق، قال الرافعى رحمه الله تعالى: والظاهر تخريجه على حنث الناسى.
الحادى والعشرون: ان المجنون لو وطئ زوجة ابنه حرمت عليه قال القاضى حسين رحمه الله تعالى:
الثانى والعشرون: ذهب القاضى والفورانى رحمهما الله تعالى الى أن المجنون لا يتزوج الأمة لأنه لا يخاف من وط ء يوجب الحد والاثم، ولكن الأصح خلافه كذا فى الأشباه والنظائر لابن الوكيل، ثم ذكر أن الشافعى رحمه الله تعالى نص على أن المجنون لا يزوج منه أمة
(1)
.
أما السكران فالأصح المنصوص فى الأم أنه مكلف، قال الرافعى رحمه الله تعالى: وفى محل القولين أربع طرق أصحهما أنهما جاريان فى أقواله وأفعاله كلها ما له وما عليه.
(1)
الأشباه والنظائر فى قواعد وفروع فقه الشافعية للامام جلال الدين عبد الرحمن السيوطى ص 213، وما بعدها الى ص 215 طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1378 هـ، سنة 1959 م.
والثانى أنهما فى أقواله كلها كالطلاق والعتاق والاسلام والردة والبيع والشراء وغيرها، وأما أفعاله كالقتل والقطع وغيرها فكأفعال الصاحى بلا خلاف لقوة الأفعال.
الثالث: أنهما فى الطلاق والعتاق والجنايات، وأما بيعه وشراؤه وغيرهما من المعارضات فلا يصح بلا خلاف لأنه لا يعلم ما يعقد عليه، والعلم شرط فى المعاملات.
الرابع أنهما فيما له كالنكاح والاسلام أما ما عليه كالاقرار والطلاق والضمان فينفذ قطعا تغليظا، وعلى هذا لو كان له من وجه وعليه من وجه كالبيع والاجارة نفذ تغليبا بطريق التغليظ، هذا ما أورده الرافعى رحمه الله تعالى، وقد اغتربه بعضهم فقال تفريعا على الأصل: السكران فى كل أحكامه كالصاحى الا فى نقض الوضوء، قال السيوطى: وفيه نظر فالصواب تقييد ذلك بغير العبادات ويستثنى منه الاسلام أما العبادات فليس فيها كالصاحى كما تبين ومن ذلك الأذان، فلا يصح أذانه على الصحيح كالمجنون والمغمى عليه لأن كلامه لغو وليس من أهل العبادة، وفيه وجه أنه يصح بناء على صحة تصرفاته قال فى شرح المهذب: وليس بشئ قال أما من هو فى أول النشوة فيصح أذانه بلا خلاف ومن ذلك الصيام: لو شرب المسكر ليلا وبقى سكره جميع النهار لم يصح صومه وعليه القضاء وان صحا فى بعض فهو كالاغماء فى بعض النهار، ومن ذلك ما لو سكر المعتكف فان اعتكافه يبطل كما يبطل تتابعه أيضا، واعلم أن فى بطلان الاعتكاف بالسكر والردة ستة طرق نظير مسألة العفو عما لا يدركه الطرف فى الماء والثوب الأول وهو الأصح: يبطل بهما قطعا لأنهما أفحش من الخروج من المسجد.
والثانى: لا قطعا.
والثالث: فيهما قولان.
والرابع يبطل فى السكر دون الردة لأن السكران ليس من أهل المقام فى المسجد لأنه لا يجوز اقراره فيه.
والخامس: يبطل فى الردة دون السكر لأنه كالنوم بخلافها لأنها تنافى العبادات.
والسادس يبطل فى السكر لامتداد زمانه وكذا الردة ان طال زمانها والا فلا.
قال الرافعى: رحمه الله تعالى: ولا خلاف فى أنه لا يحسب زمانها ومن العبادات التى لا يكون فيها السكران كالصاحى الوقوف بعرفة، فلا يصح وقوف السكران بعرفة سواء كان متعد أم لا كالمغمى عليه، ذكره فى شرح المهذب.
ومن ذلك أيضا أن فى وجوب الرد عليه اذا سلم - ومثله المجنون - وجهين فى الروضة بلا ترجيح.
قال فى شرح المهذب والأصح أنه لا يجب الرد عليه ولا يسن ابتداؤها فهذه فروع ليس السكران فيها كالصاحى، ومن ذلك لو بان أمام الصلاة سكران فهل تجب الاعادة كما لو بان مجنونا لأنه لا يخفى حاله، أولا تجب الاعادة كما لو بان محدثا الظاهر الأول
(1)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى كشاف القناع أن من فرائض جحخب زوال العقل - كحدث جنون أو برسام سواء كان كثيرا أو قليلا أو تغطيته باغماء أو سكر قليل أو كثير، قال فى المبدع اجماعا على كل الأحوال لأن هؤلاء لا يشعرون بحال بخلاف النائم ولو كانت تغطيته بنوم، قال أبو الحطاب محفوظ وغيره ولو تلجم فلم يخرج منه شئ الحاقا بالغالب لأن الحس يذهب معه، ولعموم حديث «على العين وكاء السه
(2)
فمن نام فليتوضأ رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة، وعن معاوية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» العين وكاء السه فاذا نامت العينان استطلق الوكاء
(1)
المرجع السابق ص 216، ص 217 نفس الطبعة.
(2)
السه: اسم حلقة الدبر وانظر القاموس المحيط للفيروزابادى ولسان العرب لابن منظور.
رواه حمد والدارقطنى، ولأن النوم ونحوه مظنة الحدث فأقيم مقامه والنوم رحمة من الله تعالى على عبده ليستريح بدنه عند تعبه وهو غشية ثقيلة تقع على القلب تمنع المعرفة بالأشياء الا نوم النبى صلى الله عليه وسلم ولو كثيرا على أى حال كان فانه صلى الله عليه وسلم كانت تنام عيناه ولا ينام قلبه، والا النوم اليسير عرفا من جالس وقائم لقول أنس رضى الله تعالى عنه كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرون العشاء الآخرة حتى تخفق رؤوسهم ثم يصلون ولا يتوضئون (رواه أبو داود وباسناد صحيح، ولقول ابن عباس رضى الله تعالى عنهما فى قصة تهجده صلى الله عليه وسلم: فجعلت اذا غفيت يأخذ بشحمة أذنى) رواه مسلم ولأن الجالس والقائم يشتبهان فى الانحفاظ واجتماع المخرج، وربما كان القائم أبعد من الحدث لكونه لو استثقل فى النوم سقط، فان نام وشك هل نومه كثير أو يسير لم يلتفت اليه لتيقنه الطهارة وشكه فى نقضها، وان رأى فى نومه رؤيا فهو كثير، نص عليه.
قال الزركشى رحمه الله تعالى: لا بد فى النوم الناقض من الغلبة على العقل فمن يسمع كلام غيره وفهمه فليس بنائم، فان سمعه ولم يفهمه فهو نوم يسير، قال واذا سقط الساجد عن هيئته والقائم عن قيامه ونحو ذلك بطلت طهارته لأن أهل العرف يعدون ذلك كثيرا وان خطر بباله شئ لا يدرى أرؤيا أو حديث نفس فلا وضوء عليه لتيقنه فى الطهارة وشكه فى الحدث، وينتقض النوم اليسير من راكع أو ساجد كمضطجع، وقياسهما على الجالس مردود بأن محل الحدث فيهما منفتح بخلاف الجالس، وينقض اليسير أيضا من مستند ومتكئ ومحتب كمضطجع بجامع الاعتماد
(1)
.
وتجب الخمس على نائم أى يجب عليه قضاؤها اذا استيقظ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها اذا ذكرها) رواه مسلم من حديث أبى هريرة ولو لم تجب عليه حال نومه لم يجب عليه قضاؤها كالمجنون ومثله الساهى ويجب اعلام النائم اذا ضاق الوقت، صححه فى الانصاف وجزم به أبو الخطاب رحمه الله تعالى فى التمهيد، وتجب الخمس على من تغطى عقله بمرض أو اغماء أو دواء مباح لأن ذلك لا يسقط الصوم فكذا الصلاة وكالنائم ولأن عمارا رضى الله تعالى عنه غشى عليه ثلاثا ثم أفاق فقال هل صليت فقالوا ما صليت منذ ثلاث ثم توضأ وصلى تلك الثلاث وعن عمران ابن حصين وسمرة بن جندب رضى الله تعالى عنهما نحو ذلك ولم يعرف لهم مخالف فكان كالاجماع ولأن مدة الاغماء لا تطول غالبا ولا تثبت عليه الولاية، ويجوز على الانبياء بخلاف الجنون وكذا تجب الخمس على من تغطى عقله بمحرم كسكر فيقضى لأن سكره معصية فلا يناسب اسقاط الواجب عنه ولأنه اذا وجب بالنوم المباح فبالمحرم بطريق الأولى، وقيل تسقط ان كان مكرها، ويقضى من تغطى عقله بسكر ولو زمن جنونه لو جن بعد شربه المسكر متصلا جنونه بسكرة والمحرم تغليظا عليه
(2)
.
ولا تجب الصلاة على مجنون لا يفيق لحديث عائشة رضى الله تعالى عنها مرفوعا (رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يعقل وعن الصبى حتى يحتلم) رواه أبو داود والترمذى وحسنه، ولأنه ليس من أهل التكليف أشبه الطفل، وظاهره: ولو اتصل جنونه بردته كالحيض، وقدم فى المبدع يجب قضاء أيام الجنون الواقعة فى الردة لأن اسقاط القضاء عن المجنون رخصة والمرتد ليس من أهلها، ولا تصح الصلاة من المجنون لأن من
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الحنبلى ج 1 ص 93 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرقية سنه 1219 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 156 نفس الطبعة.
شرطها النية والنية لا تمكن منه، ولا قضاء عليه المجنون اذا أفاق لعدم لزومها، وكذا الأبله
(1)
الذى لا يفيق ذكره السامرى وغيره كالمجنون.
ولا يعتد بالأذان ان فرق بينه بسكوت طويل ولو بسبب نوم أو اغماء أو جنون
(2)
.
وجاء فى المغنى والشرح الكبير أنه متى أغمى جميع النهاد على من نوى الصيام من الليل فلم يفق فى شئ منه لم يصح صومه فى قول امامنا والشافعى رحمهما الله تعالى خلافا لأبى حنيفة رحمه الله تعالى ويدل لنا أن الصوم هو الامساك مع النية قال النبى صلى الله عليه وسلم (يقول الله تعالى كل عمل ابن آدم له الا الصيام فانه لى وأنا أجزى به يدع طعامه وشرابه من أجلى) متفق عليه فأضاف ترك الطعام والشراب اليه، فاذا كان مغمى عليه فلا يضاف الامساك اليه فلم يجزئه، ولأن النية أحد ركنى الصوم فلا تجزئ وحدها كامساك وحده، أما النوم فانه عادة ولا يزول الاحساس بالكلية ومتى نبه انتبه، والاغماء عارض يزيل العقل فأشبه الجنون اذا ثبت هذا فزوال العقل يحصل بثلاثة أشياء أحدها الاغماء - وحكمه على ما مر - ومتى فسد الصوم به فعلى المغمى عليه القضاء بغير خلاف علمناه لأن مدته لا تتطاول غالبا ولا تثبت الولاية على صاحبه فلم يزل التكليف به وقضاء العبادات كالنوم، ومتى أفاق المغمى عليه فى جزء من النهار صح صومه سواء كان فى أوله أو فى آخره.
وقال الشافعى رحمه الله تعالى فى أحد قوليه تعتبر الافاقة فى أول النهار ليحصل حكم النية فى أوله.
ويدل لنا أن الافاقة حصلت فى جزء من النهار فأجزأ كما لو وجدت فى أوله، وما ذكروه لا يصح فان النية قد حصلت من الليل فيستغنى عن ذكرها فى النهار كما لو نام أو غفل عن الصوم ولو كانت النية انما تحصل بالافاقة فى النهار لما صح منه صوم الفرض بالافاقة لأنه لا يجزئ نية من النهار.
الثانى مما يحصل به زوال العقل النوم، وهو لا يؤثر فى الصوم سواء وجد فى بعض النهار أو فى جميعه.
الثالث: الجنون وحكمه حكم الاغماء الا أنه اذا وجد فى جميع النهار لم يجب قضاؤه، وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: متى أفاق المجنون فى جزء من رمضان لزمه قضاء ما مضى منه لأنه أدرك جزءا من رمضان وهو عاقل فلزمه صيامه كما لو أفاق فى جزء من اليوم، ويدل لنا أنه معنى يمنع الوجوب اذا وجد فى جميع الشهر فمنعه اذا وجد فى جميع النهار كالصبا والكفر، وأما ان أفاق فى بعض اليوم قلنا منع فى وجوبه، وان سلمناه فانه قد أدرك بعض وقت العبادة فلزمه كالصبى اذا بلغ والكافر اذا أسلم فى بعض النهار وكما لو أدرك بعض وقت الصلاة.
وقال الشافعى رحمه الله تعالى: اذا وجد الجنون فى جزء من النهار أفسد الصوم لأنه معنى يمنع وجوب الصوم فأفسده وجوده فى بعضه كالحيض، ويدل لنا أن زوال عقل فى بعض النهار فلم يمنع صحة الصوم كالاغماء والنوم، ويفارق الحيض فان الحيض لا يمنع الوجوب، وانما يجوز تأخير الصوم ويحرم فعله ويوجب الغسل ويحرم الصلاة والقراءة واللبث فى المسجد والوط ء فلا يصح قياس الجنون عليه
(3)
.
(1)
يقال بله بلها كتعب تعبا، وتباله أى أرى من نفسه ذلك وليس به، ويقال الأبله أيضا من غلبت عليه سلامة الصدر، وفى الحديث أكثر أهل الجنة البله قال الجوهرى يعنى البله فى أمر الدنيا لقلة اهتمامهم بها وهم أكياس فى أمر الآخرة.
(2)
كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور ج 1 ص 156، ص 157.
(3)
المغنى لموفق الدين أبى محمد عبد الله بن محمد ابن قدامة على مختصر الامام أبى القاسم بن الحسين بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 3، ص 33 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر بن أبى محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى الطبعة الأولى طبع مطبعة المنار بمصر سنة 1346 هـ.
ولا يصح الاعتكاف من المجنون
(1)
، ولا يبطل باغماء كما لا يبطل بنوم بجامع بقاء التكليف (2).
وان تعذر على المعتكف المقام فى المسجد لمرض لا يمكنه المقام معه فيه كالقيام المتدارك أو سلس البول أو الاغماء أو لا يمكنه المقام الا بمشقة شديدة مثل أن يحتاج الى خدمة وفراش له الخروج وان كان المرض خفيفا كالصداع ووجع الضرس ونحوه فليس له الخروج فان خرج بطل اعتكافه
(3)
. وان سكر المعتكف ولو ليلا بطل اعتكافه لخروجه عن كونه من أهل المسجد كالمرأة تحيض ولا يبنى اذا زال سكره لأنه غير معذور بخلاف المرأة تحيض، وان شرب المعتكف مسكرا ولم يسكر لم يفسد اعتكافه لأنه لا يخرج بذلك عن أهليته له
(4)
.
ويشترط فى وجوب الحج أن يكون عاقلا لأن المجنون ليس بمكلف وقد روى عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل، رواه أبو داود وابن ماجه، والترمذى وقال حديث حسن، وكما لا يجب الحج على مجنون لا يصح منه لأنه ليس من أهل العبادات
(5)
، فاذا أفاق المجنون قبل الوقوف بعرفة أو فى وقته وأمكنه أن يأتى بالحج لزمه ذلك لأن الحج واجب على الفور فلا يجوز تأخيره مع امكانه وان فاته الحج لزمته العمرة لأنها واجبة أمكن فعلها فأشبهت الحج ومتى أمكنه ذلك فلم يفعله استقر الوجوب عليه سواء كان موسرا أو معسرا لأن ذلك وجب عليه بامكانه فى موضعه فلم يسقط بفوات القدرة بعده، ولا يصح احرام المجنون واذا أحرم لم ينعقد احرامه لأنه من غير أهل العبادات ويكون حكمه حكم من لم يحرم
(6)
. واذا أغمى على بالغ لم يصح أن يحرم عنه رفيقه لأنه بالغ فلم يصر محرما باحرام غيره كالنائم ولو أنه أذن فى ذلك وأجازه لم يصح فمع عدم هذا أولى ان لا يصح
(7)
.
وكيفما حصل بعرفة وهو عاقل أجزأه سواء كان قائما أو جالسا أو راكبا أو نائما وان مر بها مختارا فلم يعلم انها عرفة أجزأه لعموم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقد أتى عرفات قبل ذلك ليلا أو نهارا) ولأنه حصل بعرفة فى زمن الوقوف وهو عاقل فأجزأه كما لو علم، وان وقف وهو مغمى عليه أو مجنون ولم يفق حتى خرج منها لم يجزئه وهو قول الحسن والشافعى وأبى ثور واسحاق وابن المنذر رحمهم الله تعالى.
وقال عطاء فى المغمى عليه يجزئه وهو قول مالك وأصحاب الرأى رحمهم الله تعالى، وقد توقف أحمد رحمه الله تعالى فى هذه المسئلة وقال الحسن يقول بطل حجه وعطاء يرخص فيه وذلك لأنه لا يعتبر له نية ولا طهارة ويصح من النائم فصح من المغمى عليه كالمبيت بمزدلفة.
ومن نصر الأول قال ركنا من أركان الحج فلم يصح من المغمى عليه كسائر أركانه قال ابن عقيل رحمه الله تعالى:
والسكران كالمغمى عليه لأنه زائل العقل بغير نوم فأشبه المغمى عليه وأما النائم فيجزئه الوقوف لأنه فى حكم المستيقظ
(8)
. ولا يجب الحج على المجنون كالعمرة ولا يصح منه الحج ولا العمرة ان عقده بنفسه أو عقده له وليه على ما تقدم ذكره، ولا تبطل استطاعة الحج بجنونه فيحج
(1)
كشاف القناع عن متن الاقناع ج 1 ص 530 الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 532 الطبعة السابقة.
(4)
المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى ج 3 ص 146 الطبعة السابقة.
(5)
كشاف القناع عن متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى ج 1 ص 539 الطبعة السابقة.
(6)
المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى ج 3 ص 161 الطبعة السابقة.
(7)
المرجع السابق ج 3 ص 201 نفس الطبعة.
(8)
المرجع السابق ج 3 ص 205 نفس الطبعة.
عنه ولا يبطل الاحرام بالجنون ولا بالاغماء ولا بالسكر كالنوم.
ولا يجزئ حج المجنون عن حجة الاسلام الا أن يفيق ثم يحرم قبل الدفع من عرفة أو بعده أو عاد فوقف فى وقته ثم أتم حجه
(1)
.
ولا ينعقد احرام مع وجود جنون أو اغماء أو سكر لعدم صحة القصد اذن
(2)
.
ولا خلاف فى اعتبار العقل لأن الولاية انما تثبت نظرا للمولى عليه عند عجزه عن النظر لنفسه ومن لا عقل له لا يمكنه النظر ولا يلى نفسه فغيره أولى وسواء فى هذا من لا عقل له لصغره كطفل ومن ذهب عقله بجنون أو كبر كالشيخ اذا أفند، قال القاضى رحمه الله تعالى والشيخ الذى قد ضعف لكبره فلا يعرف موضع الخطر لها لا ولاية له فأما الاغماء فلا يزيل الولاية لأنه يزول عن قرب فهو كالنوم ولذلك لا تثبت الولاية عليه ويجوز على الأنبياء عليهم السلام ومن كان يجن فى الأحيان لم تزل ولايته لانه لا يستديم زوال عقله فهو كالأغماء
(3)
.
وان أوجب النكاح زال عقله بجنون أو اغماء بطل حكم الايجاب ولم ينعقد بالقبول بعده لأنه ما لم يضان القبول لم يكن عقدا فبطل بزوال العقل كالعقود الجائزة تبطل بالموت والجنون وان زال عقله بنوم لم يبطل حكم الايجاب لأنه لا يبطل العقود الجائزة فكذلك هذا
(4)
.
وأجمع أهل العلم على أن الزائل العقل بغير سكر أو ما فى معناه لا يقع طلاقه كذلك عثمان وعلى وسعيد بن المسيب وغيرهم وأجمعوا على أن الرجل اذا طلق فى حال نومه لا طلاق له، وقد ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:
(رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق) وروى عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم انه كل الطلاق جائز الا طلاق المعتوه المغلوب على عقله
(5)
.
ولأنه قول يزيل الملك فاعتبر له العقل كالبيع، وسواء زال عقله لجنون أو اغماء أو نوم أو شرب دواء أو اكراه على شرب خمر أو شرب ما يزيل عقله شربه ولا يعلم أنه مزيل للعقل فكل هذا يمنع وقوع الطلاق رواية واحدة .. ولا نعلم فيه خلافا فأما ان شرب البنج ونحوه مما يزيل عقله عالما به متلاعبا فحكمه حكم السكران فى طلاقه لأنه زال عقله بمعصية فأشبه السكران.
قال أحمد رحمه الله تعالى فى المغمى عليه اذا طلق فلما أفاق علم أنه كان مغمى عليه وهو ذاكر لذلك فقال:
اذا كان ذاكرا لذلك فليس هو مغمى عليه يجوز طلاقه. وقال فى رواية أبى طالب رحمه الله تعالى فى المجنون يطلق فقيل له بعد ما أفاق أنك طلقت امرأتك فقال أنا أذكر انى طلقت ولم يكن عقلى معى، فقال اذا كان يذكر أنه طلق فقال طلقت فلم يجعله مجنونا اذا كان يذكر الطلاق ويعلم به وهذا فيمن جنونه بذهاب معرفته بالكلية وبطلان حواسه، فأما من كان جنونه لنشانف أو كان مبرسما فانه يسقط حكم تصرفه مع أن معرفته غير ذاهبة بالكلية فلا يضره ذكره للطلاق
(6)
.
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس ج 1 ص 548، 549 الطبعة السابقة.
(2)
شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى ج 1 ص 627 فى كتاب على هامش كشاف القناع عن متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس الطبعة السابقة.
(3)
المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى ج 7 ص 355، ص 356 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 7 ص 432 نفس الطبعة.
(5)
رواه البخارى وقال الترمذى لا تعرفه الا من حديث عطاء بن عجلان وهو ذاهب الحديث.
(6)
المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى ج 8 ص 254، ص 255 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع لابن قدامة الطبعة السابقة.
وجاء فى الشرح الكبير أن الرواية اختلفت عن أحمد رحمه الله تعالى فى طلاق السكران فروى عنه أنه يقع - اختارها أبو بكر الخلال والقاضى وهو مذهب سعيد بن المسيب وعطاء ومجاهد رحمهم الله تعالى - لقول النبى صلى الله عليه وسلم: (كل الطلاق جائز الا طلاق المعتوه).
وروى مثل هذا عن على ومعاوية وابن عباس رضى الله عنهم، قال ابن عباس:
طلاق السكران جائز ان ركب معصية من معاصى الله نفعه ذلك، ولأن الصحابة جعلوه كالصاحى فى الحد بالقذف بدليل ما روى أبو دبرة الكلبى قد أرسلنى خالد الى عمر فأتيته فى المسجد وعنده عثمان وعلى وعبد الرحمن وطلحة والزبير فقلت ان خالدا يقول ان الناس انهمكوا فى الخمر وتحاقروا العقوبة، قال عمر رضى الله تعالى عنه:
هؤلاء عندك فسلهم، فقال على كرم الله تعالى وجهه نراه اذا سكر هذى واذا هذى افترى، وعلى المفترى ثمانون، فقال عمر:
أبلغ صاحبك ما قال: فجعلوه كالصاحى، ولأنه ايقاع طلاق من مكلف غير مكره صادف ملكه فوجب أن يقع كطلاق الصاحى ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ويقطع بالسرقة وبهذا فارق المجنون والرواية الثانية:
لا يقع طلاقه، اختارها أبو بكر عبد العزيز وهو قول عثمان رضى الله تعالى عنه ومذهب عمر بن عبد العزيز والقاسم وطاووس وربيعة ويحيى الأنصارى رضى الله تعالى عنهم، قال ابن المنذر:
هذا ثابت عن عثمان لا نعلم أحدا من الصحابة خالفه، وقال أحمد رحمه الله تعالى:
حديث عثمان أرفع شئ فيه وهو أصح يعنى من حديث على وحديث الأعمش عن منصور ولا يرفعها على، ولأنه زائل العقل أشبه المجنون والنائم ولأنه مفقود الارادة أشبه المكره، ولأن العقل شرط التكليف اذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهى ولا يتوجه ذلك الى من لا يفهمه ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها بدليل ان من كسر ساقه جاز له أن يصلى قاعدا ولا ضربت المرأة بطنها فنفست سقطت عنها الصلاة ولو ضربت رأسه فجن سقط التكليف.
وحديث أبى هريرة رضى الله تعالى عنه لا يثبت فأما قتله وقذفه وسرقته فهو كمسئلتنا.
والحكم فى عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته واقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم فى طلاقه لأن المعنى فى الجميع واحد، وقد روى عن أحمد رحمه الله تعالى فى بيعه وشرائه الروايتان.
وسأله ابن منصور رحمه الله تعالى اذا طلق السكران أو سرق أو زنى أو افترى أو اشترى أو باع فقال أخبر عنه لا يصح من أمر السكران شئ وقال أبو عبد الله بن حامد رحمه الله تعالى:
حكم السكران حكم الصاحى فيما له وفيما عليه أما فيما له وعليه كالبيع والنكاح والمعاوضات فهو كالمجنون لا يصح له شئ، وقد أومأ اليه أحمد رحمه الله تعالى، والأولى أن ماله أيضا لا يصح منه لأن تصحيح تصرفاته مما عليه مؤاخذة له وليس من المؤاخذة تصحيح له وكذلك الحكم فيمن شرب أو أكل ما يزيل عقله لغير حاجة وهو يعلم قياسا على السكران فى وقوع طلاقه.
وبهذا قال أصحاب الشافعى رحمهم الله تعالى - لأنه زال عقله فأشبه السكران، وقال أصحاب أبى حنيفة رحمهم الله تعالى لا يقع طلاقه لأنه لا يلتذ بشربها
(1)
.
(1)
الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسى ج 8 ص 238 وما بعدها الى ص 240 فى كتاب أسفل المغنى لابن قدامة على مختصر الخرقى الطبعة السابقة.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أن النوم فى ذاته حدث ينقض الضوء سواء قل أو كثر قاعدا أو قائما فى صلاة أو غيرها راكعا كان أو ساجدا أو متكئا أو مضطجعا، أيقن من حواليه أنه لم يحدث أو لم يوقنوا لما روى عن عاصم بن أبى النجود عن زر ابن حبيش قال سألت صفوان بن عسال عن المسح على الخفين فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا اذا كنا مسافرين أن نمسح على خفافنا ولا ننزعها ثلاثة أيام من غائط وبول ونوم من جنابة، فعم صلى الله عليه وسلم كل نوم ولم يخص قليله من كثيره ولا حالا من حال، وسوى بينه وبين الغائط والبول
(1)
.
أما ذهاب العقل بأى شئ ذهب من جنون أو اغماء أو سكر من أى شئ كان السكر فلا ينقض الوضوء خلافا لمن أوجب الوضؤ من ذلك ولا يقاس من ذلك على النوم اذ القياس باطل لأن النوم لا يشبه الاغماء ولا الجنون ولا السكر فيقاس عليه.
وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر المشهور الثابت عن عائشة أم المؤمنين رضى الله تعالى عنها أنه صلى الله عليه وسلم فى علته التى مات فيها أراد الخروج للصلاة فأغمى عليه، فلما أفاق اغتسل، ولم تذكر وضوءا وانما كان غسله ليقوى على الخروج فقط
(2)
.
ولا صلاة على مجنون ولا على مغمى عليه.
ولا حائض ولا نفساء ولا قضاء على واحد منهم الا ما أفاق المجنون والمغمى عليه أو طهرت الحائض والنفساء فى وقت أدركوا فيه بعد الطهارة الدخول فى الصلاة.
لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (رفع القلم عن ثلاثة فذكر المجنون حتى يفيق وأما المغمى عليه فلأنه لا يعقل ولا يفهم فالخطاب عنه مرتفع).
واذا كان كل من ذكرنا غير مخاطب بها فى وقتها الذى الزم الناس أن يؤدوها فيه فلا يجوز أداؤها فى غير وقتها لأنه لم يأمر الله تعالى بذلك، وصلاة لم يأمر الله تعالى بها لا تجب
(3)
.
وأما من سكر حتى خرج وقت الصلاة أو نام عنها حتى خرج وقتها أو نسيها حتى خرج وقتها ففرض على هؤلاء خاصة أن يصلوها أبدا، قال الله عز وجل «لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ 4}.
فلم يصح الله تعالى للسكران أن يصلى حتى يعلم ما يقول.
وروى عن أبى قتادة رضى الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (انه ليس فى النوم تفريط انما التفريط فى اليقظة فاذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها اذا ذكرها
(5)
.
ولا يجوز أن يؤذن ويقيم الا رجل بالغ عاقل مسلم فلا يجزئ أذان من لا يعقل حين أذانه لسكر أو نحو ذلك لأن الصبى والمجنون والذاهب العقل لسكر غير مخاطبين فى هذه الأحوال.
وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة فذكر الصبى والمجنون والنائم) والأذان مأمور به فلا يجزئ أداؤه الا من مخاطب به بنية أدائه ما أمر به
(6)
.
(1)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 1 ص 222، ص 223 مسئلة رقم 158 الطبعة الأولى طبع النهضة بمصر بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر سنة 1347 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 221، 222 مسئلة رقم 157 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 233، ص 234 مسئلة رقم 277 نفس الطبعة.
(4)
الآية رقم 43 من سورة النساء
(5)
المحلى لأبى على محمد بن حزم ج 2 ص 234، 235 مسئلة رقم 278 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 3 ص 140، ص 141 مسئلة رقم 323 نفس الطبعة.
قال أبو محمد: كنا نذهب الى أن المجنون والمغمى عليه يبطل صومهما ولا قضاء عليهما وكذلك الصلاة ونقول ان الحجة فى ذلك ما رويناه مسندا عن على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رفع القلم عن ثلاثة:
(عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل).
وكنا نقول اذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب بصوم ولا بصلاة، ثم تأملنا هذا الخبر فوجدناه ليس فيه الا ما ذكرنا من أنه غير مخاطب فى حال جنونه حتى يعقل وليس فى ذلك بطلان صوم الذى لزمه قبل جنونه ولا عودته عليه بعد افاقته، وكذلك المغمى عليه.
فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مضطرا بجنونه لكنه فيه مخاطب وقد كان مخاطبا به فان أفاق فى ذلك اليوم أو فى يوم بعده من أيام رمضان فانه ينوى الصوم من حينه ويكون صائما لأنه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه وكذلك من أغمى عليه كما ذكرنا.
وكذلك من جن أو أغمى عليه قبل غروب الشمس أو نام أو سكر قبل غروب الشمس فلم يستيقظ ولا صحا الا من الغد، وقد مضى أكثر النهار أو أقله ووجدنا المجنون لا يبطل جنونه ولا ايمانه ولا نكاحه ولا طلاق ولا ظهاره ولا ايلاءه ولا حجه ولا احرامه ولا بيعه ولا هبته ولا شيئا من أحكامه اللازمة له قبل جنونه ولا خلافته ان كان خليفة ولا امارته.
ان كان أميرا ولا ولايته ولا وكالته ولا توكيله ولا كفره، ولا فسقه، ولا عدالته، وصاياه ولا اعتكافه ولا سفره ولا اقامته ولا ملكه ولا نذره، ولا حنثه ولا حكم العام فى الزكاة عليه.
ووجدنا ذهوله لا يوجب بطلان شئ من ذلك فقد يذهل الانسان عن الصوم والصلاة حتى يظن أنه ليس مصليا ولا صائما فيأكل ويشرب ولا يبطل بذلك صوم ولا صلاته، بهذا جاءت السنن.
وكذلك المغمى عليه ولا فرق فى كل ذلك، ولا يبطل الجنون والاغماء الا ما يبطل النوم من الطهارة بالوضوء وحده فقط وأيضا فان المغلوب المكره على الفطر لا يبطل صومه بذلك والمجنون والمكره مغلوبان مكرهان مضطران بقدر غالب من عند الله تعالى على ما أصابهما فلا يبطل ذلك صومهما.
وأيضا فان من نوى الصوم كما أمره الله عز وجل ثم جن أو أغمى عليه فقد صح صومه بيقين من نص واجماع فلا يجوز بطلانه بعد صحته الا بنص أو اجماع ولا اجماع فى ذلك أصلا.
وأما من بلغ مجنونا مطيقا فهذا لم يكن قط مخاطبا، ولا لزمته الشرائع ولا الأحكام ولم يزل مرفوعا عنه القلم فلا يجب عليه قضاء صوم أصلا.
وأما من شرب حتى سكر فى ليلة رمضان وكان نوى الصوم فصحا بعد صدر من النهار أقله أو أكثر أو بعد غروب الشمس فصومه قام وليس السكر معصية، انما المعصية شرب ما يسكر سواء سكر أم لم يسكره.
ولا خلاف فى أن من فتح فمه أو أمسكت يده وجسده وصب الخمر فى حلقه حتى سكر أنه ليس عاصيا بسكره أنه لم يشرب ما يسكره اختيارا والسكر ليس هو فعله انما هو فعل الله تعالى فيه.
وانما ينهى المرء عن فعله لا عن فعل الله تعالى فيه الذى لا اختيار له فيه.
وكذلك من نام ولم يستيقظ الا فى النهار ولا فرق أو من نوى الصوم ثم لم يستيقظ الا بعد غروب الشمس فصومه تام.
وبقى حكم من جن أو أغمى عليه أو سكر أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق ولا صحا ولا
انتبه ليلته كلها والغد كله الى بعد غروب الشمس أيقضيه أم لا؟ نظرنا فوجدنا القضاء ايجاب الشرع والشرع لا يجب الا بنص.
فلم نجد ايجاب القضاء فى النص الا على أربعة، المسافر والمريض - بالقرآن الكريم - والحائض والنفساء، والمتعمد للقئ - بالسنة - ولا مزيد.
ووجدنا النائم والسكران والمجنون المطبق عليه ليسو مسافرين ولا متعمدين للقئ ولا حيضا ولا من ذوات النفاس ولا مرضى فلم يجب عليهم القضاء اصلا ولا خوطبوا بوجوب الصوم عليهم فى تلك الأحوال.
بل القلم مرفوع عنهم بالسنة ووجدنا المصروع والمغمى عليه مريضين بلا شك لأن المرض حال مخرجة للمرء عن حال الاعتدال، وصحة الجوارح والقوة الى الاضطراب وضعف الجوارح واعتلالها.
وهذه صفة المصروع والمغمى عليه بلا شك، ويبقى وهن ذلك وضعفه عليهما بعد الأفاقة مدة، فاذاهما مريضان فالقضاء عليهما ينص القرآن.
وليس قولنا بسقوط الصلاة عن المغمى عليه الا ما أفاق فى وقته منها وبقضاء النائم للصلاة مخالفا لقولنا ههنا، بل هو موافق لأن ما خرج وقته للمغمى عليه فلم يكن مخاطبا بالصلاة فيه ولا كان أيضا مخاطبا بالصوم ولكن الله تعالى أوجب على المريض عدة من أيام أخر، ولم يوجب تعالى على المريض قضاء صلاة.
وأوجب قضاء الصلاة على النائم والناسى ولم يوجب قضاء صيام على النائم والناسى بل أسقطه سبحانه وتعالى عن النائم والناسى اذا لم يوجبه عليه فصح قولنا
(1)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار: ان النوم من نواقض الوضوء وحده، زوال العقل، لا المفتر كالنعاس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من استجمع نوما فعليه الوضوء» قال أبو موسى وأبو مخلد وحميد الأعرج:
النوع ليس حدثا فى نفسه اذن لنقض يسير كالبول، قلنا:
بل حدث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نام فليتوضأ» قال الناصر الأطروشى: ولا ينقض الوضوء النوم فى الصلاة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذا نام العبد فى سجوده باهى الله به ملائكته يقول عبدى روحه عندى وجسده ساجدين بين يدى
(2)
قلنا لم يصرح بذلك، وتعنى الخفقتان وان توالتا - قال صاحب البحر - ان لم يتخللهما انتباه كامل والخفقات التى تخللها انتباه كامل، لا ثلاث متوالية فصاعدا، قالت العترة:
والجنون والاغماء ناقض مطلقا كالنوم، قال الأكثر: والسكر كالجنون، قال المسعودى:
لا ان لم يغش، قلنا: زال عقله
(3)
.
وجاء فى شرح الأزهار أن الصلاة لا تجب على مجنون أو ما فى حكمه كالسكران المغمى عليه
(4)
، قال فى البحر الزخار: لا تجب على من زال عقله ويقضى زائل العقل ان كان لسكر لا غير لتفريطه.
فان جن مع سكره لم يسقط القضاء لا اذا حاضت معه فتسقط، اذ سقوطها عن الحائض حتم وعن
(1)
المرجع السابق ج 6 ص 226 وما بعدها الى ص 229 مسئلة رقم 754 نفس الطبعة.
(2)
حكاه فى المهذب ونسبه فى التخليص الى البيهقى، من حديث أبى هريرة وغيره بألفاظ متقابلة من طرق شتى ضعيفة (انظرها من البحر الزخار ج 1 ص 89).
(3)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 1 ص 88، 89 الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1366 هـ، سنة 1947 م.
(4)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 168 فى كتاب أسفله حواشى عليه الطبعة الثالثة.
المجنون تخفيف، فلا يخفف عنه مع السكر ويقضى قدر السكر فقط لأنه السابق وقيل قدر الجنون اذ هو مرض، والأول أصح
(1)
.
ومن سقطت عنه الجنون أو سكر قبل تضيق الأداء لم يلزمه القضاء اذ لم تفت حينئذ لجواز التأخير، ومن فاتته لنوم أو نسيان لزمه القضاء وان لم يتضيق عليه الأداء
(2)
.
والمجنون الأصلى فى الصيام كالصغير فلا يقضى ما فات من الصيام بالجنون، ويقضى ما فات بالجنون الطارئ اذ هو كالمرض لطروه، والاغماء كالمرض
(3)
.
وجاء فى حواشى شرح الأزهار قال المفتى أما قولهم أن الجنون والاغماء مرض ضعيف أولا خطاب على زائل العقل بخلاف المريض فلا فرق بين طارئ وأصلى لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاث» الى آخر الحديث
(4)
.
وجاء فى البحر الزخار أن شرط المعتكف العقل فيفسد بطرو السكر لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم وشراءكم وبيعكم وخصوماتكم (ورفع أصواتكم واقامة حدودكم وسل سيوفكم واتخذوا على أبوابها المطاهر وخمروها فى الجمع وهو كالمجنون
(5)
.
ولا يلزم الحج المجنون لرفع القلم عنه، ولا السكران الا أن يميز لقول الله عز وجل: «حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ}
(6)
». والمغمى عليه كالمجنون
(7)
.
ويكفى فى الحج المرور بعرفة على أى صفة كان ولو نائما أو نحوه كالمعتكف، وكذا المغمى عليه والمجنون والسكران. لما روى عن عروة ابن مضرس الطائى قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمزدلفة حين أقام الصلاة فقلت يا رسول الله انى جئت من جبل طئ أكلت راحلتى وأتعبت نفسى، والله يا رسول الله ما تركت من جبل الا وقفت عليه فهل لى من حج أفقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف بعرفة قبل ذلك ليلا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه» ولم يفصل صلى الله عليه وسلم
(8)
.
وجاء فى شرح الأزهار أن الجنون من أسباب انتقال الولاية من الولى فى النكاح الى من يليه فورا من غير خلاف، قال فى الحاشية: ولو صرعا ولو كان يفيق فى الحال وكذا زوال عقله بالسكر والاغماء والبنج وقيل ان هؤلاء الثلاثة ينتظرون ولا تبطل ولا يتهم
(9)
.
وقال صاحب البحر الزخار: ولا ولاية للمجنون المطيق لرفع القلم عنه ولأن الولاية لطلب الحظ ولا هداية له الى ذك بخلاف المصروع والمغمى عيه اذ ولايته تعود بالافاقة. والسكران والمبنج والسقيم اذ صار لا يشعر بشئ من أحواله ولا يفرق بين الحسن والقبيح كالمجنون، والا فلا يكون كالمجنون
(10)
.
(1)
البحر الزخار لأحمد بن يحيى المرتضى ج 1 ص 149 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 174 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 229، ص 230 نفس الطبعة.
(4)
شرح الأزهار لابن مفتاح ج 2 ص 27 الطبعة السابقة.
(5)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار لأحمد ابن يحيى المرتضى ج 2 ص 263 الطبعة السابقة.
(6)
الآية رقم 43 من سورة النساء
(7)
البحر الزخار للمرتضى ج 2 ص 281 الطبعة السابقة.
(8)
المرجع السابق ج 2 ص 333 الطبعة السابقة.
(9)
شرح الأزهار فى فقه الأئمة الأطهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 2 ص 226 الطبعة السابقة.
(10)
البحر الزخار للمرتضى ج 3 ص 53 الطبعة السابقة.
ويقع الطلاق من السكران اذ لم تفصل الأدلة وهى قول الله عز وجل «الطَّلاقُ مَرَّتانِ 1» ونحوها.
ولقوله سبحانه وتعالى: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى}
(2)
.
فمخاطبتهم حال السكر تقتضى تكليفهم، وقال القاسم بن محمد والناصر وأبو طالب وغيرهم:
لا يقع طلاق السكران لزوال عقله كالصبى والمجنون. قال الامام يحيى: ان صيره السكر لا يفرق بين السماء والأرض، بل كالنائم والمغمى عليه لم يصح طلاقه اتفاقا، وان صيره نشاطا طربا لم يضع من عقله شئ صح اتفاقا، وان كان بين هاتين الحالتين بحيث لم يضع أكثر عقله فهو محل الخلاف، قال:
والأصح جواز عقوده لتميزه، واختلف فى علة تصحيح طلاقه، فقيل المعصية تغليظا عليه، فعلى هذا ينفذ ما فيه عليه خسر كالطلاق والعتق والهبة، لا ما فيه نفع له كالنكاح والرجعة، وقيل لأن زوال عقله انما يعلم من جهته فلا يقبل قوله فى زواله لفسقه، فيقع ظاهرا لا باطنا.
ولا يقع الطلاق من النائم اجماعا لرفع القلم عنه
(3)
.
ولا يقع الطلاق من الصبى ولا المغمى عليه ولا المبرسم ولا المغمور بمرض شديد والمنهج وكل من عقله زائل بدون سكر فان طلاق هؤلاء لا يقع قال فى حاشيته شرح الأزهار: وكذا المعتوه يقع طلاقه كما فى البيع، وفى البحر لا يصح طلاق المعتوه والصبى. قال أبو العباس: ولو زال عقله بالبنج والخمر معا أو بأحدهما والتبس فالأصل بقاء النكاح فلا يقع طلاقه قال مولانا عليه السلام: وهكذا لو شرب فعرض له الجنون أيضا فانه لا يقع
(4)
.
ولا تصح الرجعة باللفظ من زائل العقل الا من السكران فان رجعته تصح، قال فى الوافى:
رجعة السكران كطلاقه على الخلاف، وتصح الرجعة بالفعل ولو وقع الوط ء منه وهو مجنون أو سكران أو نائم
(5)
.
ولا يصح الظهار الا من المكلف فلا يصح من الصبى والمجنون، وأما السكران فحكم ظهاره حكم طلاقه على الخلاف المذكور، وانما يشترط التكليف حال ايقاعه فى المعلق، ولو حصل حال جنونه فانه يصح فان قال ان دخلت الدار فأنت على كظهر أمى فدخلت الدار بعد أن صار مجنونا صح الظهارة
(6)
.
والتمييز من شروط البيع الصحيح فلا يصح من غير المميز اجماعا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة .. الحديث)، ويصح من المجنون بعد افاقته اجماعا، قال القاسم والهادى: ويصح من السكران، قال الامام يحيى: أراد القاسم والهادى بالسكران من لم يذهب عقله لقولهما اذا كان يعقلهما
(7)
.
ولا يصح الاقرار من غير المميز اجماعا، قال الامام يحيى: ولا يصح من معتوه لضعف عقله
(8)
.
والمذهب على أن الوكالة تبطل بجنون الوكيل أو جنون الأصل أو اغمائهما اذ بحدوث ذلك فخرجا عن كونهما من أهل التصرف، قال المؤيد بالله: تبطل الوكالة بالجنون فقط أما الاغماء فلا تبطل به اذ هو كالنوم قلنا: هو بالجنون
(9)
أشبه.
(1)
الآية رقم 229 من سورة البقرة.
(2)
الآية رقم 43 من سورة النساء
(3)
البحر الزخار للمرتضى ج 3 ص 166 الطبعة السابقة.
(4)
شرح الأزهار لابن مفتاح وحواشى شرح الأزهار ج 2 ص 382، 383 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 481 الطبعة السابقة.
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 490 نفس الطبعة.
(7)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للمرتضى ج 3 ص 291 الطبعة السابقة.
(8)
المرجع السابق ج 5 ص 3 نفس الطبعة.
(9)
المرجع السابق ج 5 ص 65 الطبعة السابقة.
مذهب الإمامية:
وجاء فى مستمسك العروة الوثقى أن النوم مطلقا من نواقض الوضوء وأن كان فى حال المشى اذا غلب على القلب والسمع والبصر، فلا تنقض الخفقة اذ لم تصل الى الحد المذكور، ومثل النوم كل ما أزال العقل مثل الاغماء والسكر والجنون، دون مثل البهت
(1)
.
ومن نام فى خلال الأذان والاقامة ثم استيقظ استحب له استئنافه ويجوز له البناء، وكذا ان أغمى عليه
(2)
.
وذكر صاحب جواهر الكلام أن من نام فى خلال الأذان أو الاقامة ثم استيقظ استحب له الاستئناف، وظاهرهم أنه يجوز له البناء ولا يخفى عليك أنه كذلك البحث أن أغمى عليه فى خلالهما أو جن أو أسكر أو غير ذلك
(3)
.
ومن أسباب فوات الصلاة ويسقط معه وجوب القضاء الجنون بأفة سماوية ولم يمض عليه من أول الوقت مقدار أداء الصلاة، أما اذا كان من فعله فقد قال الشهيد فى الذكرى ان عليه القضاء مسندا له الى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه.
ولا فرق بين الاطباتى من الجنون والادارى بعد فرض تسييبهما الفوات فى جميع الوقت للاطلاق، ولا فرق كذلك بين الماليخوليا وغيره لصدق المجنون عليه عرفا
(4)
.
وكذا يسقط القضاء مع الاغماء والمستوعب للوقت على الأظهر لأشهر كما فى الروضة بل هو المشهور نقلا وتحصيلا، لكن فى الحدائق عن بعض أنه يقضى آخر أيام افاقته ان أفاق نهارا، ويقضى آخر ليله أن أفاق ليلا ثم نقل قول الصدوق بقضاء الجميع
(5)
.
ثم لا فرق فى سبب الاغماء بين الآفة السماوية وفعل المكلف لاطلاق النصوص وبعض الفتاوى خلافا للذكرى حيث أوجب القضاء فى الثانى دون الأول ونسبه كما روى عن غيره الى الأصحاب مشعرا بدعوى الاجماع عليه
(6)
.
ولو زال عقل المكلف بشئ يزيل العقل غالبا وكان ذلك من قبله عالما بترتب الزوال عليه غير مكره ولا مضطرب كالمسكر وشرب المرقد وجب عليه القضاء لأن الشرب مثلا سبب فى زوال العقل غالبا اذ هو عن الفقهاء ما ترتب عليه الشئ غالبا بلا خلاف أجده، وفى المنتهى: ويقضى السكران كل ما فاته وأن كان غائبا بالسكر ولا نعلم فيه خلافا وعلله مع ذلك بكونه السبب لذلك ونحوه الى أن قال: وكذا البحث فيمن شرب دواء مرقدا وأن تطاول زمان الاغماء وأما لو لم يكن عالما بالاسكار مثلا أو كان مكرها أو شربه لضرورة دعت اليه أو كان مما لا يسكر غالبا كما لو أكل غذاء مؤذيا قال الى الاغماء لم يقض كما صرح بالأخيرة فى المنتهى والتحرير، وذكر الأولين فى البيان ظاهرا فى الأول وصريحا فى الثانى وصرح بالثالث جماعة على ما قيل كسابقيه، لكن لا يخفى أنه يشكل الحكم هنا بسقوط القضاء عمن لم يندرج منهم فيما ذكرنا مما استدل على سقوط القضاء عنه كالمجنون ونحوه بناء على صدق الفوات على من لم يخاطب بالأداء اللهم الا أن يؤخذ بعموم قوله عليه السلام: كل ما غلب الله عليه فهو أولى بالعذر
(7)
.
(1)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 2 ص 214، 215 الطبعة الثانية طبع مطبعة النجف سنة 1376 هـ.
(2)
شرائع الاسلام فى الفقه الاسلامى الجعفرى للامام الحلبى ج 1 ص 51 من منشورات دار الكو مكتبة الحياة ببيروت.
(3)
جواهر الكلام فى شرح شرائع الاسلام للشيخ محمد حسن النجفى ج 9 ص 117 وما بعدها الى ص 119.
أطبعة السادسة طبع مطبعة النجف سنة 1380 هـ.
(4)
المرجع السابق ج 13 ص 3، ص 4 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 13 ص 4 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق ج 13 ص 5 نفس الطبعة.
(7)
المرجع السابق ج 13 ص 12، ص 13 نفس الطبعة.
والصوم لا يجب على المجنون لأن من شروط وجوبه العقل ولا فرق فى الجنون بين الاطباقى والادوارى اذا كان يحصل فى النهار ولو فى جزء منه وأما لو كان دور جنونه فى الليل بحيث يفيق قبض الفجر فيجب عليه. وكذلك لا يجب الصوم على المغمى عليه ولو حصل فى جزء من النهار لأن عدم الاغماء من شروط وجوب الصيام، نعم لو كان نوى الصوم قبل الاغماء فالأحوط اتمامه بل لا يخلو وجوبه من قوة - والا فلو صحا قبل الزوال فالأحوط له تجديد النية
(1)
والاتمام.
ولا يجب على المجنون ما فات منه أيام جنونه من غير فرق بين ما كان من الله أو من فعله على وجه الحرمة أو على وجه الجواز، وكذا لا يجب على المغمى عليه سواء نوى الصوم قبل الاغماء أم لا
(2)
.
ويجب القضاء على ما فاته الصوم للنوم بأن كان نائما قبل الفجر الى الغروب من غير سبق النية، بل الى الزوال وان كان الأحوط له الاتمام ثم القضاء وكذا يجب على ما فاته للغفلة
(3)
.
ويستحب للمجنون والمغمى عليه اذا أفاقا فى أثناء نهار رمضان أن يمسكا فيه وان لم يكن صوما
(4)
.
والاعتكاف لا يصح من المجنون ولو أدوارا فى دوره، ولا من السكران وغيره من فاقدى العقل لأن من شروط صحته العقل
(5)
.
ولا زكاة فى مال المجنون فى تمام الحول أو بعضه ولو أدوارا بل قيل ان عروض الجنون آنا ما يقطع الحول لكنه مشكل بل لا بد من صدق اسم المجنون وأنه لم يكن فى تمام الحول عاقلا والجنون آنا ما بل ساعة وأزيد لا يضر لصدق كونه عاقلا
(6)
.
والأظهر وجوب الزكاة على المغمى عليه فى أثناء الحول وكذا السكران، فالاغماء والسكر لا يقطعان الحول فيما يعتبر فيه ولا ينافيان الوجوب اذا عرضا حال المتعلق فى الغلات
(7)
.
بل صرح الفاضل فى تذكرته والمحكى من نهايته أنه لو كان الجنون يعتوره ادوارا اشترط الكمال طول الحول فلو جن فى أثنائه سقط واستأنف من حين عوده، بل فيهما أن حكم المغمى عليه حكم المجنون، نعم فى التذكرة أن الزكاة تجب على الساهى والنائم والمغفل لكن اعترضه فى المدارك انه انما تسقط الزكاة عن المجنون المطبق أما ذو الأدوار فالأقرب تعلق الوجوب فى حال الافاقة اذ لا مانع من توجه الخطاب اليه فى تلك الحال وأن فى الفرق بين الاغماء والنوم نظرا لأنه ان أريد عدم أهلية المغمى عليه للتكليف فمسلم لكن النائم كذلك وان أريد كون الاغماء مقتضيا لانقطاع الحول وسقوط الزكاة كما ذكره فى ذى الأدوار طولب بدليله فالمتجه مساواة الاغماء للنوم فى تحقق التكليف بالزكاة بعد زوالهما كما فى غيرهما من التكاليف وعدم انقطاع الحول بعروض ذلك فى الأثناء
(8)
.
ولا يجب الحج على المجنون وان كان أدواريا اذا لم يف دور افاقته باتيان تمام الأعمال. ويستحب للولى أن يحرم بالمجنون وان كان لا يخلو عن اشكال لعدم نص فيه بالخصوص فيستحق الثواب عليه، ولكن لو أحرم به بوجاء المطلوبية فلا اشكال فيه. والمراد بالاحرام به جعله محرما لا أن يحرم عنه، فيلبسه ثوبى الاحرام ويقول اللهم انى
(1)
العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 1 ص 368 فى كتاب أسفله تعليقات لأشهر مراجع العصر وزعماء الشيعة الإمامية طبع دار الكتب الاسلامية بطهران الطبعة الثانية سنة 1388 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 372 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 372 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 378 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 379 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق نفس الصفحة.
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 386 نفس الطبعة.
(8)
جواهر الكلام ج 15 ص 29 الطبعة السابقة.
أحرمت هذا الخ ويأمره بالتلبية بمعنى أن يلقنه اياها، وان لم يكن قابلا يلبى هو عنه ويجنبه عن كل ما يجب على المحرم الاجتناب عنه ويأمره بكل ما يتمكن منه من أفعال الحج وينوب عنه فى كل ما لا يتمكن منه، ويطوف به ويسعى به بين الصفا والمروة، ويقف به فى عرفات ومنى، ويأمره بالرمى وان لم يقدر يرمى عنه، وهكذا يأمره بعد الطواف وان لم يقدر يصلى عنه، ولا بد من أن يكون طاهرا متوضئا ولو بصورة الوضوء وان لم يمكن فيتوضأ هو عنه. ويحلق رأسه وهكذا جميع الأعمال
(1)
.
ولو كان لمن أراد الحج عذر عن أصل انشاء الاحرام لمرض أو اغماء ثم زال وجب عليه أن يعود الى الميقات اذا تمكن، والا كان حكمه حكم الناسى فى الاحرام من مكانه اذا لم يتمكن الا منه وان تمكن من العود فى الجملة وجب وذهب بعضهم الى انه اذا كان مغمى عليه فلم يفق حتى أتى الوقف قال عليه السلام يحرم عنه بلا رجل، والظاهر أن المراد أنه يحرم رجل ويجنبه عن محرمات الاحرام لا أنه ينوب عنه فى الاحرام ومقتضى هذا القول عدم وجوب العود الى الميقات بعد افاقته وان كان ممكنا ولكن العمل به مشكل لارسال الخبر وعدم الجابر فالأقوى العود من الامكان وعدم الاكتفاء به مع عدمه
(2)
.
وجاء فى شرائع الاسلام: أنه لا عبرة فى النكاح بعبارة المجنون، وفى السكران الذى لا يعقل تردد أظهره أنه لا يصح ولو أفاق فأجاز، وفى رواية اذا زوجت السكرى نفسها ثم أفاقت فرضيت أو دخل بها ثم أفاقت وأقرته كان النكاح ماضيا
(3)
.
واذا أوجب ثم جن أو أغمى عليه بطل حكم الايجاب فلو قيل بعد ذلك كان لغوا، وكذا لو سبق القبول وزال عقله فلو أوجب الولى بعده كان لغوا وكذا فى البيع
(4)
.
ولو جن الأب أو أغمى عليه انتقلت ولاية النكاح الى الجد ولو زال المانع عادت الولاية اليه
(5)
.
ولا يصح طلاق المجنون ولا السكران ولا من زال عقله باغماء أو شرب مرقد لعدم القصد ولا يطلق الولى عن السكران لأن زوال عذره غالب فهو كالنائم، ويطلق عن المجنون ولو لم يكن ولى طلق السلطان أو من نصبه للنظر فى ذلك
(6)
.
ولا يصح ظهار المجنون ولا فاقد القصد بالسكر أو الاغماء أو الغصب
(7)
وكذا لا يقع الخلع مع الجنون ولا مع السكر ولا مع الغضب الرافع للقصد
(8)
.
ويعتبره فى المولى من زوجته كمال العقل والقصد، ولو جن المولى بعد ضرب المدة احتسبت المدة عليه، وان كان مجنونا فان انقضت المدة والجنون باق تربص به حتى يفيق
(9)
.
واذا وطئ المولى ساهيا أو مجنونا، قال الشيخ بطل حكم الايلاء لتحقق الاصابة ولا تجب الكفارة لعدم الحنث
(10)
.
والمعتبر فى المعتق كمال العتق والقصد اليه فلا يصح عتق السكران
(11)
.
وكذا الحكم فى التدبير فلا يصح تدبير المجنون ولا السكران
(12)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 458 نفس الطبعة
(2)
مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطبائى الحكيم ج 10 ص 593، ص 594 نفس الطبعة
(3)
شرائع الاسلام فى الفقة الاسلامى الجعفرى للمحقق الحلى ج 2 ص 8 من منشورات دار مكتبة الحياة ببيروت
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 9 نفس الطبعة
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 11 نفس الطبعة
(6)
المرجع السابق ج 2 ص 53 نفس الطبعة
(7)
المرجع السابق ج 2 ص 75 نفس الطبعة
(8)
المرجع السابق ج 2 ص 71 نفس الطبعة
(9)
المرجع السابق ج 2 ص 84 نفس الطبعة
(10)
المرجع السابق ج 2 ص ص 85
(11)
المرجع السابق ج 2 ص 93 نفس الطبعة
(12)
المرجع السابق ج 2 ص 98 نفس الطبعة
ولا يصح الاقرار من المجنون ولا من السكران لأنه يشترط فى المقر أن يكون مكلفا
(1)
.
ولا ينقد بين الصغير ولا المجنون ولا المكره ولا السكران ولا الغضبان
(2)
.
ولا يصح النذر من المجنون ولا من السكران ولا الغضبان الذى لا قصد له لأن شرط الناذر أن يكون عاقلا قاصدا
(3)
.
ولا يصح بيع المجنون ولا المغمى عليه ولا السكران غير المميز لأن من شروط العاقد فى البيع أن يكون عاقلا مختارا
(4)
.
ولا بد فى الضامن من يكون مكلفا فلا يصح ضمان المجنون
(5)
.
وكذا لا تصح الاعارة منه لاشتراط التكليف فى صحة العارية
(6)
.
ولا تصح الاجارة منه فلو أجر المجنون لم تنعقد اجارته
(7)
.
وكذا لا تصح الوكالة منه ولو عرض الجنون بعد التوكيل أبطل الوكالة
(8)
.
وجاء فى العروة الوثقى أن من مبطلات الوكالة الجنون والاغماء من أحد العاقدين من غير فرق بين كون الجنون اطباقيا أو ادواريا وكون مدة الاغماء قصيرة أو طويلة ومن غير فرق بين علم الموكل بذلك وجهله وظاهرهم الاجماع على البطلان بعروض أحدهما، فبعد الافاقة يحتاج الى توكيل جديد، وربما يستدل أيضا بانقطاع الاذن فى جنون الموكل وفيه أنه ممنوع لا يبعد أن يقال له أن يوكل فى حال عقله وافاقته من يتصدى أموره اذا جن أو أغمى عليه فيكون الوكيل أولى الحاكم الشرعى، بل يمكن أن يقال انه أولى من وليه الاجبارى لانه أولى بنفسه وقد جعل لنفسه من يتصدى أموره، وأيضا لا مانع من أن يقول للوكيل أنت وكيلى ما دمت عاقلا بأن يصرح بوكالته حال عقله سواء كان من الأول أو بعد الافاقة من الجنون وكذا الحكم بالنسبة الى الاغماء فقد تبطل بالنوم وان طال ولا بعروض النسيان لأحدهما ولا بالسكر من أحدهما
(9)
.
وجاء فى العروة الوثقى أن الشركة تبطل بالموت والجنون والاغماء والحجر الفلس أو السفه بمعنى أنه لا يجوز للآخر التصرف واما أصل الشركة فهى باقية
(10)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى طلعة الشمس أن حكم الجنون والعته مثل حكم الصغر وذلك أن الجنون مزيل للعقل بالكلية وليس فى الصبى الا نقصان العقل، فالمجنون أولى برفع التكاليف من الصبى.
وأما العته فهو نوع من الجنون وحكمه مثل حكمه.
وللنوم حكمان أحدهما تأخير تعلق الخطاب الى حال اليقظة فان النائم لعجزه عن فهم الخطاب لا يتناسب أن يتوجه اليه الخطاب ولامكان فهم الخطاب منه بالانتباه لم يسقط الخطاب عنه رأسا لكن أخر عنه الى أن يستيقظ واستدلوا على بقاء وجوب الخطاب فى حق النائم.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها اذا ذكرها،
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 97.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 112 نفس الطبعة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 120 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 127.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 165 نفس الطبعة
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 206
(7)
المرجع ج 1 ص 233.
(8)
المرجع السابق ج 1 ص 233.
(9)
العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 2 ص 125 طبع مطبعة الحيدرى بطهران سنة 1377 هـ.
(10)
المرجع السابق ج 1 ص 580 نفس الطبعة.
قالوا لو لم يكن الوجوب ثابتا فى حق النائم والناس ما أمروا بالقضاء.
والحكم الثانى: الغاء ألفاظه فلا توصف ألفاظ النائم بخبر ولا استخبار ولا انشاء ولا يتم بلفظه بيع ولا شراء ولا تزويج ولا طلاق ولا عتق ونحو ذلك لعدم القصد والارادة فيها ولأجل ذلك قال بعضهم بثبوت العفو عنها فى الصلاة فلا تنقض صلاة من تكلم فيها وهو نائم لعدم القصد والارادة فى ذلك.
وقيل انها تنتقص بالكلام فى اليقظة والنوم أخذا بظاهر الحديث:
ان صلاتنا هذه لا يصلح فيها شئ من كلام الآدميين.
وحكم الاغماء مثل حكم النوم فى جميع ما مر لأن الاغماء أشد فى ذهاب الحواس وأكثر منافاة للقصد والارادة من النوم فما ثبت للنوم من الأحكام فهو ثابت للاغماء بطريق الأولى لكن استحسنوا نقض الصلاة والصوم بالاغماء دون الصوم لندرة وقوع الاغماء أى لما كان الاغماء لا يقع فى الانسان الا نادرا.
استحسن الفقهاء الصلاة والصوم به لأنه حدث لا يؤمن معه الحدث، وهو مزيل للحواس فتعاد معه الصلاة اذا طرأ فيها لا اذا أغمى عليه قبل وجوبها ثم مضى وقتها وهو لم يفق من اغمائه فانه لا قضاء عليه فى مثل هذه الصورة بخلاف النوم وصرح بذلك الامام الكومى رضوان الله تعالى عليه، أما لو دخل وقتها وهو صحيح أو صحا من اغمائه قبل خروج وقتها فعليه قضاؤها لتعلق الوجوب عليه بتمام صحته فى بعض وقتها.
ويعيد الصيام اذا أغمى عليه من الليل حتى أصبح فلو استمر به الاغماء ليالى وأياما كان عليه بدل تلك الأيام كلها.
كذا قال أبو عبد الله رحمه الله تعالى واستثنى من ذلك اليوم الذى أصبح فيه صحيحا ثم أغمى عليه فى النهار، قال لا يدل عليه فيه.
قال أبو سعيد رحمه الله تعالى:
ولا أعلم فى ذلك اختلافا، وقيل لا بدل عليه حتى فى الأيام التى أصبح فيها معنى عليه لأنه فى ذلك بمنزلة النائم، وحاصله أنه اذا طرأ عليه الاغماء نهارا فلم يحدث حدثا ينقض الصوم فلا قضاء عليه لأنه بمنزلة النوم وان طرأ عليه الاغماء ثم أصبح كذلك ففى لزوم القضاء عليه قولان اختار أبو عبد الله رحمه الله تعالى أن يقضى واختار أبو سعيد رحمه الله تعالى أن لا قضاء عليه
(1)
.
أما السكر وهو تغير العقل بسبب أبخرة تصعد الى الدماغ من شرب المسكرات أو أكلها.
فنوعان لأنه اما أن يكون سببه حلالا وأما أن يكون سببه حراما، فأما السكر الذى سببه حلال فكسكر من سكر من الأشياء التى أبيح له أكلها أو شربها لحال الضرورة كما لو اضطره الجوع الى شرب الخمر أو أكل المسكر أو جبره السلطان على ذلك فانه يباح له على قول احياء نفسه من المسكر فاذا أحياها من ذلك المباح فى حقه فسكر فحكمه فى الصلاة والصيام ومنع التصرف حكم المغمى عليه لأن كل واحد من الاغماء والسكر المباح مغير للعقل من غير هوى من صاحبه.
وأما السكر الذى سببه حرام فهو أن يسكر المرء من أجل المسكر أو شربه على غير الضرورة
(1)
شرح طلعة الشمس على الألفية المسماة بشمس الأصول لأبى محمد عبد الحميد بن حميد السالمى ج 2 ص 248 فى كتاب على هامشه بهجة الأنوار شرح أنوار العقول فى التوحيد ثم الحجج المعنعة فى أحكام صلاة الجمعة للسالمى طبع مطبعة الموسوعات بمصر.
المتقدم ذكرها فان هذا السكر لا ينافى الخطاب لأنه متعرض بنفسه لتغير عقله اختيارا فمناسب أن تجرى عليه الأحكام الشرعية، والدليل على أنه غير مناف للخطاب قول الله عز وجل:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى»
(1)
.
فانهم نهوا أن يقربوا الصلاة وهو سكارى، وهذا الخطاب متوجه اليهم حال السكر فاذا ظهر لك صحة تعلق الخطاب بالسكران فأجر عليه أحكام الصاحى فيثبت طلاقه لزوجته وعتقه لعبيده ويلزمه الاسلام فى حال سكره بمعنى أنه اذا كان كافرا ثم سكر ثم أسلم فى حال السكر ثم شاء أن يرتد بعد الصحو فانه يجبر على الاسلام ترجيحا للاسلام على غيره لأن الاسلام يعلو ولا يعلى عليه أو لو كان مسلما ثم ارتد فى سكره فانه لا يقام عليه حد المرتد لأن الحدود تدرأ بالشبهات.
وتغير العقل بالسكر شبهة واضحة وعلى الجملة، فجميع الأحكام ثابتة على السكران الذى سبب سكره حرام حتى قيل أنه لو فعل فى سكره فانه لا يقام عليه حد المرتد لأن الحدود فلو زنى وهو سكران أقيم عليه حد الزنا ولو سرق وهو سكران قطعت يده وكذا سائر الحدود.
وقيل لا يقام عليه الحد فى ذلك لأن الحدود تدرأ بالشبهات وهو الصحيح عندى والأول أشهر وأقول أنه ينبغى أن يخرج من جملة ذلك حد الارتداد فيقال ان المرتد فى حال سكره لا يقام عليه حد المرتد وهو القتل لأن السكران لا تمييز معه فيجرى على لسانه ما لم يكن مقصودا له.
وقد رأيناهم ينتظرون بالمرتد ما لا ينتظرون بغيره من أهل الحدود حتى حكى بعضهم اجماع الناس على أن المرتد من الاسلام الى الشرك يستناب قبل القتل.
وفى حكاية هذا الاجماع نظر فانه قد روى عن الحسن البصرى رضى الله تعالى عنه أنه يقتل فى الحال ولا يستتاب، وقال عطاء رضى الله تعالى عنه ان كان مولودا على الاسلام استتيب وان كان أسلم بعد كفر ثم ارتد لم يستتب.
وقال الشافعى رضى الله تعالى عنه فيه ثلاثة أقاويل أحدها التافى به ثلاثا.
والقول الثانى يقتل فى الحال الا أن سأل النظرة، وقال ابن بركة رحمه الله تعالى النظر يوجب أن لا يجب على الامام استتابة ولو كانت الاستتابة واجبة قبل القتل لما يرجى من رجوعه لموجب أن لا يقبل منه استتابة واحدة أو اثنتين أو ثلاثا لأن الرجاء قبل القتل لما يرجى من رجوعه قائم.
وقال بعض أصحاب الظاهر: يجب على الامام قتل المرتد أول أوقات الامكان لأن النبى صلى الله عليه وسلم أمر بقتله ولم يجعل لذلك وقتا معلوما، واختار أصحابنا أن يستتاب المرتد قبل أن يقتل.
لما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه استتاب مرتدا أربع مرات، وروى أن عمر رضى الله تعالى عنه كتب الى عامله فى رجل تنصر أن استقبه ثلاثا فان أبى عن التوبة فاقتله.
وقال أبو حنيفة رضى الله تعالى عنه: انه يستتاب ثلاثا فى ثلاثة أسابيع كل أسبوع مرة، وقال سفيان الثورى رضى الله تعالى عنه يستتاب أبدا ولعله يريد بذلك عدم حصر الاستتابة فى عدد مخصوص.
(1)
الآية رقم 43 من سورة النساء.
ولا يريد بأنه لا يقتل، بل يستتاب فقط، وكأن مراده أنه يستتاب الى أن يقتل لهذه الأخبار وهذه الآثار دالة على تخصيص المرتد بالتأنى فى شأنه والانتظار وليس شئ من ذلك فى سائر الحدود فان سائر الحدود تقام بنفس مباشرة سببها فصح أن تستثنى من جملتها حد المرتد فلا يقتل اذا ارتد وهو سكران حتى يستمر على ارتداده بعد الصحو.
واعلم أنهم قالوا أن السكران لا يقام عليه الحد فى حال سكره لكن ينتظر به الصحو فاذا صحا أقيم عليه حد السكران وسائر الحدود الثانية عليه لأن ذلك أزجر له وأردع لأن الصاحى أشد تألما بالحد من السكران لأن الحدود اذا ثبتت لا تؤخر من وقت الى وقت آخر.
وهذا الاحتجاج مبنى على القول بأن الأمر المطلق يقتضى الفور، والصحيح أنه لا يقتضى الفور فيصح تأخيره لمصلحة يراها الامام
(1)
أو نائبه.
أثر الاغماء فى العقود المالية
ونحوها من التصرفات
مذهب الحنفية:
جاء فى الفتاوى الهندية أنه اذا أغمى على عاقدى البيع ثم أفاقا وقيل جاز عند أبى يوسف رحمه الله تعالى، وقال محمد رحمه الله تعالى، اذا طال الاغماء يبطل كذا فى التتار خانية
(2)
ومن شروط انعقاده الكفالة أن يكون الكفيل عاقلا فلا تنعقد كفالة الصبى ولا المجنون، ولو وقع الاختلاف بين الطالب والكفيل فقال الكفيل كفلت وأنا مجنون أو مغمى على أو مبرسم وأنكر الطالب ذلك وقال: كفلت وأنت صحيح فان كان ذلك معهودا من المقر فالقول قول المقر وان لم يكن ذلك معهودا منه فالقول قول الطالب، كذا فى المحيط
(3)
ومن شرط المعتق أن لا يكون معتوقا ولا مدهوشا ولا مبرسما ولا مغمى عليه ولا نائما حتى لا يصح الاعتاق من هؤلاء
(4)
.
واقرار الصبى المحجور عليه المعتوه والمغمى عليه والنائم باطل بمنزلة سائر تصرفاتهم، كذا فى محيط السرخسى
(5)
. ولا تجوز القسمة على المبرسم ولا على المغمى عليه ولا على الذى يجن ويفيق الا برضاه أو وكالته فى حالة صحته وافاقته كذا فى الذخيرة
(6)
.
مذهب المالكية:
جاء فى مواهب الجليل أنه يشترط فى انعقاد البيع أن يكون عاقده مميزا، فلا ينعقد بيع غير المميز لصغر أو جنون أو اغماء ولا ينقعد شراؤه
(7)
، ويشترط فى عاقد الرهن ما يشترط فى عاقد البيع
(8)
، قال القرطبى فى أوائل سورة النساء: استحسن مالك رحمه الله تعالى أن لا يحجز على المغمى عليه لسرعة زوال ما به
(9)
.
(1)
شرح طلعة الشمس على شمس الأصول لابن حميد الساعى ج 2 ص 264 وما بعدها الى ص 266 الطبعة السابقة.
(2)
الفتاوى الهندية المسماة بالفتاوى العالمكرية ج 3 ص 7، ص 8 فى كتاب على هامشه فتاوى قاضيخان للامام فخر الدين حسن بن منصور الأوزجندى الأقرغانى الطبعة الثانية طبع المطبعة الكبرى الأميرثة بمصر سنة 1310 هـ.
(3)
المرجع السابق ج 3 ص 253 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 2، ص 3 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 170 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق ج 5 ص 220 نفس الطبعة.
(7)
مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل لأبى عبد الله محمد بن عبد الرحمن المغربى المعروف بالحطاب ج 2 ص 244 فى كتاب على هامشه التاج والأكليل لشرح مختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف بن أبى القاسم العبدرى الشهير بالمواق الطبعة الأولى طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1329 هـ.
(8)
المرجع السابق ج 5 ص 2 نفس الطبعة.
(9)
المرجع السابق ج 5 ص 58 نفس الطبعة.
مذهب الشافعية:
جاء فى الأنوار أن من شروط صيغة عقد البيع أن يصر البادئ على ما امتثل به من الايجاب أو القبول ويستمر تكليفه واطلاقه الى امتثال الثانى، فلو رجع البادئ قبل امتثال الثانى أو جن أو أغمى عليه أو حجر بطل ما امتثل به
(1)
.
ويشترط فى العاقد أن يكون مكلفا فلا يصح بيع الصبى والمجنون لا لأنفسهما ولا لغيرهما باذن الولى ودون اذنه، ويصح بيع السكران وشراؤه
(2)
.
وجاء فى نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسى عليه أنه يشترط فى عقد البيع أن تبقى أهلية المتعاقدين الى تمام العقد، فلو جن احداهما أو أغمى عليه أضر ذلك بالعقد
(3)
.
ولا يبطل الرهن بموت المتعاقدين ولا بجنونهما ولا باغمائها
(4)
.
وتنفسخ الشركة بموت أحد الشريكين أو جنونه أو اغمائه فعم الاغماء الخفيف الذى لا يستغرق وقت فرض صلاة لا يؤثر
(5)
.
ولا يصح توكيل الصبى والمجنون والمغمى عليه بمرض وغيره ولا توكيل الشيخ المغند لأن شرط الموكل أن يكون متمكنا من مباشرة ما يوكل فيه بالملك أو الولاية
(6)
.
ولو مات الوكيل أو الموكل أو جن أو أغمى عليه زمنا طويلا انعزل، ولو سكر أو نام أو ارتد لم ينعزل وكذا اذا أغمى عليه اغماء خفيفا لا يستغرق وقت فرض صلاة على ما ذكر فى الشركة
(7)
.
وينفسخ القراض بموت أحد المتعاقدين أو جنونه أو اغمائه ولو أغمى على المالك أو جن أو مات وأراد الوارث الرشيد أو الولى تقرير العامل وكان المال نقدا جاز بعقد مستأنف بشروطه وان كان قبل القسمة لجواز القراض على المشاع ومع الشريك بشرط أن يختص العامل باليد وبربح نصيبه وأن يتشاركا فى ربح نصيب الآخر، وينقعد بلفظ الترك والتقرير، فيكفى أن يقول ورثة المالك للعامل قررناك أو تركناك على ما كنت عليه مع قبوله لفهم المعنى، وكالورثة وليه وكالموت الجنون والاغماء، فيقرر المالك بعد الافاقة منهما، ذكره فى شرح الروض
(8)
.
واذا جن أحد المتعاقدين على القراض أو أغمى عليه ثم أفاق وأراد القراض ثانيا فكالانفساخ بالموت، أى يجوز القراض بشروطه
(9)
.
وجاء فى نهاية المحتاج أن اقرار الصبى ولو مراهقا وأذن له وليه والمجنون والمغمى عليه وكل من زال عقله بما يعذر به لاغ لسقوط أقوالهم
(10)
.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المغنى أنه ان خرس أحد المتبايعين أثناء الخيار قامت اشارته مقام لفظه فان لم
(1)
الأنوار لأعمال الأبرار للامام يوسف الأردبيلى ج 1 ص 210 فى كتاب أسفله حاشية الكمثرى على الأنوار، وعلى هامشه حاشية الحاج ابراهيم على الأنوار الطبعة الأولى طبع مطبعة الجمالية بمصر سنة 1328 هـ، سنة 1910 م.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 210 نفس الطبعة.
(3)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج لشمس الدين محمد بن أبى العباس أحمد بن حمزة بن شهاب الدين الرملى المنوفى المصرى الأنصارى الشهير بالشافعى الصغير ج 3 ص 370 وحاشية أبى الضياء نور الدين على بن الشبراملس على نهاية المحتاج فى كتاب أسفل النهاية وعلى هامشها حاشية أحمد بن عبد الرازق بن محمد بن أحمد المعروف بالمغربى الرشيدى طبع شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى بمصر سنة 1938 م.
(4)
الأنوار لأعمال الأبرار للامام يوسف الأردبيلى ج 1 ص 282 الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 1 ص 319 نفس الطبعة.
(6)
المرجع السابق ج 1 ص 322 نفس الطبعة.
(7)
المرجع السابق ج 1 ص 327 نفس الطبعة.
(8)
المرجع السابق ج 1 ص 380 نفس الطبعة.
(9)
المرجع السابق ج 1 ص 386 نفس الطبعة.
(10)
نهاية المحتاج الى شرح المنهاج للرملى الخرقى لأبى القاسم عمر بن الحسن بن عبد الله بن أحمد الخرقى ج 4 ص 9 فى كتاب أسفله الشرح الكبير على متن المقنع للامام شمس الدين أبى الفرج عبد الرحمن بن أبى عمر محمد بن أحمد ابن قدامة المقدسى الطبعة الثانية طبع طبعة المنار بمصر سنة 1347 هـ.
تفهم اشارته أو جن أو أغمى عليه قام وليه - من الأب أو وصيه أو الحاكم - مقامه
(1)
.
ولا تبطل الوكالة بالاغماء كالنوم لأنه لا تثبت عليه الولاية.
ولا يصح الاقرار لا من عاقل مختار، فأما الطفل والمجنون والمبرسم والنائم والمغمى عليه فلا يصح اقرارهم لا نعلم فى هذا خلافا، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رفع القلم عن ثلاثة عن الصبى حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ، فنص على الثلاثة.
والمبرسم والمغمى عليه فى معنى الجنون والنائم ولأنه قول من غائب العقل فلم يثبت له حكم البيع والطلاق
(2)
.
مذهب الظاهرية:
جاء فى المحلى أنه لا يجوز بيع من لا يعقل لسكر أو جنون ولا يلزمهما لقول الله عز وجل «لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ»
(3)
فشهد عز وجل بأن السكران لا يدرى ما يقول والبيع قول أو ما يقوم مقام القول ممن لا يقدر على القول ممن به آفة من الخرس أو بفمه آفة فمن لا يدرى ما يقول فلم يبع شيئا ولا اتباع شيئا، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال «رفع القلم عن ثلاث فذكر المبتلى حتى يفيق والصبى حتى يبلغ
(4)
. ولا يجوز عتق من لم يبلغ ولا عتق من لا يعقل من سكران أو مجنون، لما تقدم ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى» والمجنون والسكران لا نية لهما
(5)
.
مذهب الزيدية:
جاء فى البحر الزخار أن المذهب على أن الوكالة تبطل بجنون الوكيل أو الأصل أو اغمائهما اذ خرجا عن كونهما من أهل التصرف، قال المؤيد بالله: تبطل بالجنون فقط اذ الاغماء كالنوم، قلنا: الاغماء بالجنون أشبه وفى الواقى أنه يعود بعود عقله. قال صاحب البحر وفيه نظر اذا الولاية المستفادة لا تعود بعد زوالها الا بتجديد. والوكالة أضعف
(6)
.
مذهب الإمامية:
جاء فى العروة الوثقى أن من مبطلات الوكالة الاغماء من أحدهما من غير فرق بين كون مدة الاغماء قصيرة أو طويلة، ومن غير فرق بين علم الموكل بذلك وجهله، وظاهرهم الاجماع على البطلان بعروض الاغماء لأحدهما فبعد الافاقة يحتاج الى توكيل جديد
(7)
، وجاء فى شرائع الاسلام أنه لا يصح البيع من المجنون والمغمى عليه والسكران غير المميز، ويشترط فى الراهن والمرتهن كمال العقل وجواز التصرف،
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع للشيخ منصور بن ادريس ج 2 ص 236 فى كتاب على هامشه شرح منتهى الارادات للشيخ منصور بن يونس البهوتى الطبعة الأولى طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ.
(2)
المحلى لأبى محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم ج 9 ص 19 مسئلة رقم 1522 الطبعة الأولى طبع ادارة الطباعة المنيرية بمصر سنة 1351 هـ
(3)
الآية رقم 43 من سورة النساء.
(4)
المرجع السابق ج 9. ص 205، ص 206 مسألة رقم 1669 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق نفس الصفحة.
(6)
البحر الزخار الجامع لمذاهب علماء الأمصار للامام أحمد بن يحيى المرتضى ج 5 ص 65 الطبعة الأولى طبع مطبعة السنة المحمدية بمصر سنة 1368 هـ وسنة 1949 م.
(7)
العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 2 ص 125 طبع مطبعة الحيدرى بطرهان بطهران سنة 1377 هـ.
ويبطل عقد الراهن لو نطق بالعقد ثم جن أو أغمى عليه أو مات قبل القبض
(1)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل أنه يشترط فى عاقدى البيع أن يكونا عاقلين فلا يعقد بمجنون أو سكران أو مغلوب على عقله بنوم أو غيره ولو صحا بعد الا أن أتم بعد صحو أو جدد
(2)
، وأن جن مشتر بعد بيع وقبل قبول علق البيع الى الافاقة، وخليفته بمقامه ان كان والا أجبر أولياؤه باستخلاف عليه أن طلب البائع ذلك فى الأظهر لئلا يتعطل مال البائع
(3)
. ومن باع شيئا فمات أو جن أو ارتد فظهر له بعد الارتداد أن لا يبيع مطلقا أو أن لا يبيع الا بكذا أو بشرط كذا علق للمشترى وخير، فان قبل المبيع أخذه وان قبله ولم يتوصل اليه استخلفوا له من يوصله اليه
(4)
. وتصح الحوالة بين بلغ عقلاء لأنها بيع والبيع لا يصح من غير بالغ ولا لغير بالغ ولا من مجنون ولا لمجنون
(5)
.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 194 نفس الطبعة.
(2)
شرح النيل وشفاء العليل للشيخ محمد بن يوسف أطفيش ج 4 ص 132 طبع محمد بن يوسف البارونى.
(3)
المرجع السابق ج 4 ص 131 نفس الطبعة.
(4)
المرجع السابق ج 4 ص 132 نفس الطبعة.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 625 نفس الطبعة.
إفاضة
معنى الافاضة فى اللغة:
الافاضة فى اللغة مصدر للفعل: أفاض.
يقال أفاض اناء أى ملأه حتى فاض وأفاض دموعه وأفاض الماء على نفسه أى أفرغه، وأفاض الناس من عرفات الى منى أى دفعوا منها، وكل دفعة افاضة، وأفاضوا فى الحديث اندفعوا فيه
(1)
.
وجاء فى المصباح أفاضه الله كثره: وأفاضوا من منى الى مكة يوم النحر أى رجعوا اليها.
ومنه طواف الافاضة أى طواف الرجوع من منى الى مكة
(2)
وهذا هو المعنى المستعملة فيه كلمة الافاضة فى لسان الفقهاء.
الافاضة من عرفات الى مزدلفة:
وقتها:
الوقوف بعرفة ركن للحج لقوله صلى الله عليه وآله وسلم «الحج عرفة» .
وقد اختلف الفقهاء فى القدر الذى يكفى لأداء هذا الركن، وهل هو جزء من الليل أو جزء من النهار أو هما معا.
ومن هنا اختلف الفقهاء فى تحديد وقت الافاضة من عرفات الى مزدلفة وفيما يلى بيان آراء الفقهاء فى تحديد هذا الوقت:
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن الافاضة من عرفات الى مزدلفة تبدأ بعد غروب الشمس من يوم عرفة وهو التاسع من ذى الحجة، لما أخرجه الامام أبو داود والترمذى وابن ماجة عن على رضى الله عنه قال: وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال هذه عرفة وهذا هو الموقف وعرفة كلها موقف ثم أفاض حين غربت الشمس وأردف خلفه أسامة بن زيد
(3)
.
وجاء فى فتح القدير:
«اذا دفع قبل الغروب ان كان لحاجة بأن ند بعيره فتبعه أن جاوز عرفة بعد الغروب فلا شئ عليه، وان جاوز قبله فعليه دم.
فان لم يعد أصلا أو عاد بعد الغروب لم يسقط الدم أو ان عاد قبله فدفع مع الامام بعد الغروب سقط على الصحيح لأنه تداركه فى وقته
(4)
.
مذهب المالكية:
والمالكية يتفقون مع الحنفية فى أن وقت الافاضة من عرفات الى مزدلفة هو بعد غروب الشمس من يوم عرفة، وهم يقولون انه لا بد من حضور جزء من ليلة النحر بعرفة، وذلك يتحقق بغروب الشمس.
جاء فى حاشية الدسوقى «فمتى استقر بعد الغروب بعرفة لحظة أجزاه، سواء دفع منه بدفع الامام أو قبله - سواء أفاض من عرفة مع الامام أو أفاض قبله.
- وان كان الأفضل أن يدفع بدفعه.
ولكن المالكية يخالفون الحنفية فى الأثر المترتب
(1)
مختار الصحاح باب الفاء فصل الياء.
(2)
المصباح المنير كتاب الفاء فصل الفاء مع الباء
(3)
فتح القدير ج 2 ص 168، 169
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 169
على عدم مراعاة وقت الافاضة من عرفة ذلك أنهم ينصون على أنه اذا أفاض قبل غروب الشمس بطل حجه، لأن الوقوف بعرفة لحظة من الليل ركن فى مذهب المالكية لا ينجبر بالدم
(1)
.
مذهب الشافعية:
وأما الشافعية فلهم فى وقت الافاضة رأيان، وقد بين ذلك تبعا للاختلاف فى وجوب الجمع بين جزء من النهار وجزء من الليل فى عرفة أو عدم وجوبه وان كان كل من الرأيين يقول بأن من أفاض قبل الغروب عليه دم وقال الرملى فى شرحه على المنهاج، ولو وقف نهارا بعد الزوال ثم فارق عرفة قبل الغروب ولم يعد اليها أجزأه ذلك وأراق - دما استحبابا خروجا من خلاف من أوجبه.
وعلم من ذلك عدم وجوب الجمع بين الليل والنهار وفى قول يجب الدم لتركه نسكا هو الجمع بين الليل والنهار. وان عاد الى عرفة فكان بها عند الغروب فلا دم، وكذا ان عاد اليها ليلا فلا دم عليه فى الأصح، وفيه يجب الدم لأن النسك الوارد الجمع بين آخر النهار وأول الليل وقد فوته
(2)
.
مذهب الحنابلة:
الافاضة من عرفات الى المزدلفة يجب أن تكون بعد غروب الشمس من يوم عرفة.
فان أفاض قبل الغروب ثم عاد نهارا فوقف حتى غربت الشمس فلا دم عليه
…
لأنه أتى بالواجب وهو الوقوف بالليل والنهار فلم يجب عليه دم
(3)
.
مذهب الظاهرية:
بين ابن حزم وقت الافاضة بقوله يقف الناس بالدعاء فاذا غابت الشمس نهضوا كلهم الى مزدلفة، ولو نهض انسان الى مزدلفة قبل الغروب فلا حرج فى ذلك ولا شئ عليه ولا دم
(4)
.
مذهب الزيديية:
جاء فى شرح الأزهار
(5)
- ويكفى فى الوقوف بعرفة المرور به.
ويجزى الوقوف على أى صفة كانت ويجب أن يدخل جزءا من الليل من وقف فى النهار وأن لم يستكمله بل أفاض قبل الغروب لزمه اراقة دم خلافا للناصر.
مذهب الإمامية:
وقت الافاضة من عرفات عندهم بعد الغروب من يوم عرفة جاء فى المختصر النافع فلو أفاض قبل الغروب عامدا عالما بالتحريم لم يبطل حجه ولكن يجب عليه أن يجبره ببدنة.
فاذا عجز عنها صام ثمانية عشر يوما ولا شئ عليه اذا أفاض قبل الغروب غير متعود بأن كان جاهلا أو ناسيا
(6)
.
مذهب الإباضية:
جاء فى شرح النيل - فى بيان وقت الافاضة ما يأتى:
ومن أفاض قبله - أى قبل الغروب - لم يتم حجه خلافا لبعض قومنا الا أن يرجع اليها ولم يخرج من حدها الا بعده عندنا وعليه دم.
(1)
حاشية الدسوقى على الشرح الكبير ج 2 ص 37
(2)
شرح الرملى على المنهاج ج 3 ص 295
(3)
الشرح الكبير مع المغنى ج 3 ص 346 طبع 1346 هـ.
(4)
المحلى ج 7 ص 121
(5)
ج 2 ص 118
(6)
المختصر النافع ص 110
ورخص بعض أن أفاض ولم يخرج من حدها لا بعده أن يتم حجه. والصحيح أنه لا يتم أن نوى الافاضة لأن الغرض اللبث وهو قد انتقل ..
وقيل من أفاض قبل الغروب فحجه تام وعليه دم وقيل لا دم عليه.
ما يفعله الحاج أثناء الافاضة من عرفات:
مذهب الظاهرية:
نص الحنفية على أن ما يفعله الحاج حين افاضته من عرفات هو الاكثار من الاستغفار والذكر لقول الله تعالى «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضّالِّينَ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
(1)
.
فاذا وصل الى مزلدفة فمن المستحب أن يقف بقرب جبل قزح
(2)
: لأن النبى عليه الصلاة والسلام وقف عند هذا الجبل وكذا عمر رضى الله تعالى عنه ويتحرز فى النزول عن الطريق كى لا يضر بالمارة فينزل عن يمينه أو يساره.
ويستحب أن يقف وراء الامام كما هو الحال فى الوقوف بعرفة
(3)
.
كما يستحب أن يدخل المزدلفة ماشيا وأن يغتسل لدخولها
(4)
.
مذهب المالكية:
نص المالكية على أن من أفاض من عرفات الى مزدلفة يسن له تأخير صلاة المغرب ليجمع بينها وبين صلاة العشاء فى مزدلفة وأن يقصر صلاة العشاء باستثناء أهل مزدلفة فيتمونها.
ويرى المالكية أن الجمع بين المغرب والعشاء سنة فى حق من وقف بعرفات مع الامام وأفاض منها مع الناس وصار معهم.
أما ان وقف مع الامام ولكنه عجز عن لحاق الناس فى سيرهم لمزدلفة لعجز به أو بدابته فانه يجمع بعد الشفق فى أى محل كان ولو فى غير مزدلفة
(5)
.
وأما من لم يقف مع الامام فلا يجمع بمزدلفة ولا بغيرها وانما يصلى كل صلاة لوقتها بمنزلة غير الحاج بالكلية
(6)
.
مذهب الشافعية:
قرر الشافعية أن الحاج اذا أفاض من عرفات انما يفيض وعليه السكينة لما روى الفضل بن عباس رضى الله عنهما أن النبى صلى الله عليه وسلم قال للناس عشية عرفة وغداة جمع حين دفعوا «عليكم السكينة» .
فاذا وجد فرجة أسرع لما روى أسلمة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسير العنق فاذا وجد فرجة نص
(7)
ويجمع بين المغرب والعشاء لمزدلفة.
والشافعية يخالفون الحنفية والمالكية فى حكم الجمع بمزدلفة حيث يقرر فقهاء المذهب الشافعى أن للحاج حين يفيض من عرفات أن يصلى كلا من المغرب والعشاء فى وقتها من غير جمع بينهما وذلك لأن الشافعية يرون أن الجمع رخصة لأجل السفر فيجوز تركه بخلاف غيرهم اذ ينظرون الى الجمع على أنه من المناسك
(8)
.
(1)
الآية رقم 198، 199 من سورة البقرة.
(2)
قزح من قازح اسم فاعل قزح الشئ اذا ارتفع وهو جبل صغير فى آخر المزدلفة.
(3)
الهداية هامش الفتح ج 2 ص 169
(4)
فتح القدير ج 169
(5)
الشرح الكبير ج 2 ص 44
(6)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 45
(7)
العنق بفتح العين والنون السير بين الابقاء والاسراع وهو سهل فى سرعة وقيل سريع يتحرك فيه عنق الدابة وقيل الخطو الفسيح. أما بالنص فهو فوق العنق أو تحريك الدابة حتى يستخرج أقصى ما عندها وأصل النص غاية المشى ثم استعمل فى ضرب سريع من المشى.
(8)
المجموع شرح المهذب ج 8 ص 123 طبعة 1347 هـ.
مذهب الحنابلة:
جاء فى المعنى لابن قدامة: والمستحب أن يقف حتى يدفع الامام ثم يسير نحو مزدلفة على سكينة ووقار.
ويستحب كذلك لمن أفاض من عرفة أن يكبر فى الطريق ويذكر الله تعالى لأن ذكره سبحانه مستحب فى الأوقات كلها وهو فى هذا الوقت أشد تأكيدا لقول الله تعالى «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ» }.
ولأنه زمن الاستشعار بطاعة الله تعالى والتلبس بعبادته والسعى الى شعائره.
وتستحب التلبية وذكر قوم أنه لا يلبى ومن السنة لمن أفاض من عرفة أن لا يصلى المغرب حتى يصل مزدلفة فيجمع بين المغرب والعشاء
(1)
.
مذهب الظاهرية:
ذكر ابن حزم أنه يجب على الحاج عند أفاضته من عرفات أن يؤخر صلاة المغرب الى حين وصوله المزدلفة فيصليها بها بعد مغيب الشفق ثم بعد ذلك يصلى صلاة العشاء ثم قال ولا تجزى أحدا أن تصليها أى المغرب تلك الليلة قبل مزدلفة ولا قبل مغيب الشفق فاذا سلم أقيم لصلاة الضحة اقامة بلا أذان فيصليها الامام بالناس
(2)
.
مذهب الزيدية:
يرى الزيدية أنه يندب الدعاء فى هذا اليوم فاذا أفاض من عرفة فمع السكينة والوقار والاستغفار وسلوك طريق المازمين لفعل النبى صلى الله عليه وسلم ولا يصلى العشاءين الا فى مزدلفة حتما. واذا خشى فوتهما ففى الطريق لقوله صلى الله عليه وسلم «صلوا الصلاة لوقتها
(3)
.
مذهب الإمامية:
نص الإمامية على أنه عند الافاضة من عرفات يستحب مراعاة المندوبات الثلاثة الآتية:
1 -
الاقتصاد فى السير.
2 -
والدعاء عند الكثيب الأحمر وقد اختار الإمامية أن يقول فى دعائه «اللهم ارحم موقفى وزدنى فى عملى وسلم لى دينى وتقبل مناسكى» .
3 -
تأخير المغرب والعشاء الى المزدلفة ولو سار ربع الليل والجمع بينهما بأذان واحد واقامتين وتأخير نوافل المغرب حتى يصلى العشاء
(4)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية أنه من السنة أن تكون الافاضة من عرفات «بعنق أو نص» ثم يقول عند افاضته اللهم اليك أفضت واليك قصدت وما عندك أردت ومن عذابك أشفقت
(5)
، وهو فى ذلك يلبى وليرفق بنفسه ودابته فى كل موضع وليكن أكثر كلامه التلبية فاذا وصل الى جمع أى مزدلفة.
قال اللهم ان هذا جمع فاجمع لى فيها جوامع الخير كلها واصرف عنى جوامع الشر كلها وأجعلنى متبعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم وليجتهد ليلة فى الدعاء والذكر والتلبية لما قيل من أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة.
(1)
المفتى ج 3 ص 436، ص 438 طبعة 1348 هـ.
(2)
المحلى ج 7 ص 118
(3)
البحر الزخار ج 2 ص 334، ص 336 طبعة 1367 هـ.
(4)
المختصر النافع ص 110، 111
(5)
شرح النيل ج 2 ص 372
النزول بالمزدلفة والمبيت بها:
مذهب الحنفية:
أن الوقوف بالمزدلفة واجب وأن المبيت بها سنة ووقت الوقوف بها من طلوع فجر يوم النحر الى شروق الشمس
(1)
.
مذهب المالكية:
أن النزول بالمزدلفة واجب ولو بقدر حط الرحال قبل طلوع الفجر فان لم ينزل بمزدلفة على هذا الوجه وجب عليه دم الا أن يكون ترك النزول بها لعذر فلا شئ عليه اما البيات بالمزدلفة فهو مندوب عند المالكية
(2)
.
مذهب الشافعية:
وأما الشافعية فلهم فى المبيت بمزدلفة رأيان.
الأول وجوب المبيت بمزدلفة لأنه نسك مقصود فى موضع فكان واجبا كالرمى.
والثانى أنه سنة لأنه مبيت فكان سنة كالمبيت بمنى ليلة عرفة فعلى القول بأنه واجب وجب بتركه دم وأما على القول بأنه سنة فلا يجب بتركه دم
(3)
.
مذهب الحنابلة:
وعند الحنابلة المبيت بالمزدلفة واجب قولا واحدا من تركه وجب عليه دم
(4)
.
مذهب الظاهرية:
وعند الظاهرية فهو وجوب المبيت بمزدلفة يقول ابن حزم: ويبيت الناس هناك ومن لم يدرك مع الامام بمزدلفة صلاة الصبح فقد بطل حجه ان كان رجلا
(5)
.
مذهب الزيدية:
من مناسك الحج المبيت بمزدلفة وهو واجب
(6)
.
مذهب الإمامية:
قالوا ان الوقوف بالمشعر ركن فمن لم يقف به ليلا ولا بعد الفجر عامدا بطل حجه ولا يتأتى الوصول للمشعر الحرام الا بالنزول بمزدلفة لأنه جزء منها
(7)
.
مذهب الإباضية:
ويرى الإباضية أن المبيت بمزدلفة واجب يلزم من تركه دم وقيل المبيت بها فرض لا حج لتاركه وليحج من قابل وعن بعضهم لا حج له وليجعله عمرة ويحج من قابل
(8)
.
الوقوف بالمشعر الحرام:
مذهب الحنفية:
اذا طلع الفجر صلى الامام بالناس الفجر بغلس ثم وقف ووقف معه الناس ودعا، والمزدلفة كلها موقف الا وادى محصر
(9)
.
(1)
فتح القدير ج 2 ص 174
(2)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى عليه ج 2 ص 44
(3)
المجموع شرح المهذب ج 8 ص 123
(4)
المغنى ج 3 ص 441
(5)
المحلى ج 7 ص 118
(6)
الأزهار ج 2 ص 119
(7)
المختصر النافع ج 112
(8)
شرح النيل ج 2 ص 374
(9)
الهداية مع الفتح ج 2 ص 171
مذهب المالكية:
وعند المالكية يقول الدردير أنه يندب للحاج عند ذلك الوقوف بالمشعر الحرام فيكبر الله ويدعو لنفسه والمسلمين وأن يستمر فى التكبير والدعاء والذكر الى وقت الأسفار
(1)
.
وفى الدسوقى أن الوقوف بالمشعر الحرام سنة بل قال ابن رشد ان الوقوف به فريضة.
واذا وقف بالمشعر الحرام ندب له أن يستقبل القبلة وذلك بأن يجعل المشعر على يساره.
هذا وقد نص المالكية على أن الوقوف بالمشعر الحرام مكروه بعد الأسفار الأعلى أو قبل صلاة الصبح
(2)
.
مذهب الشافعية:
ومذهب الشافعية الى أن الحاج يصلى الصبح بمزدلفة فى أول الوقت ويندب له تقديمها حتى يتمكن من الوقوف بالمشعر الحرام فى وقت مبكر.
لما روى عبد الله قال ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الا لميقاتها الا المغرب والعشاء بجمع وصلاة الفجر يومئذ قبل ميقاتها أى الميقات المعتاد وهو الأسفار وبذا تكون فى أول وقتها.
ولأنه يستحب الدعاء بعدها فاستحب تقديمها ليكثر من الدعاء
(3)
.
مذهب الحنابلة:
أما الحنابلة فيحكى ابن قدامة مذهبهم فيقول:
والمستحب الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فى المبيت الى أن يصبح ثم يقف بالمشعر الحرام حتى يسفر ولا بأس بتقديم الضعفة والنساء
(4)
.
مذهب الظاهرية:
قال ابن حزم ان صلاة الصبح بمزدلفة مع الامام هو الذكر المفروض.
وأن المزدلفة هى المشعر الحرام وفى هذا يقول قال الله تعالى «فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ» }.
فوجب الوقوف بمزدلفة وهى المشعر الحرام وذكر الله تعالى عندها فرض يعصى من خالفه ولا حج له لأنه لم يأت بما أمر الا أن ادراك صلاة الفجر فيها مع الامام هو الذكر المفترض ببيان رسول الله صلى الله عليه وسلم المذكور
(5)
.
مذهب الزيدية:
والزيدية يرون أن وقت الافاضة الى المشعر الحرام هو بعد صلاة الفجر وقد استشهدوا بطرف من حديث جابر الطويل عند مسلم وغيره.
قال ثم اذا أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء وبأذان وأقامتين ولم يصل بينهما شيئا ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان واقامة ثم ركب القصوى حتى أتى المشعر الحرام فرقى عليه فحمد الله وكبره وهلله فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا.
وقد دل هذا الحديث على أنه صلى الله عليه وسلم خص المشعر الحرام عقيب صلاة الفجر بالمشى اليه والوقوف عليه بعد أن رقى اليه حامد الله مكبرا مهللا موحدا
(6)
.
(1)
الشرح الكبير ج 2 ص 45
(2)
الشرح الكبير ج 2 ص 45
(3)
المجموع شرح المهذب ج 8 ص 125 - 127
(4)
المغنى ج 3 ص 442 - 443
(5)
المحلى ج 7 ص 130
(6)
الروض النضير ج 3 من ص 46 - 99
مذهب الإمامية:
يرون أن وقت الوقوف بالمشعر الحرام ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس غير أنهم نصوا على أن الوقوف يجزئ من المضطر ولو قبل الزوال
(1)
.
مذهب الإباضية:
نصوا على أن الحاج يصلى الفريضة عند طلوع الفجر وعليه أن يعاجل بالصلاة فى أول الوقت ثم يقف عند المشعر الحرام ولكنهم قالوا ان وقف بعد الفجر أيضا حيث شاء من جمع ولم يقرب من الجبل جاز ويدعو ويحمد الله تعالى ويثنى عليه ويصلى على النبى صلى الله عليه وسلم ويستغفر الله ويلبى وان لم يقف بعد الفجر عند المشعر بل صلى ومضى لزمه دم لأنه خالف السنة وينبغى أن يغتسل اذا طلع الفجر
(2)
.
الافاضة من المشعر الحرام الى منى:
(1)
وقتها:
مذهب الحنفية:
وقت الافاضة من المشعر الحرام الى منى هو قبل طلوع الشمس عند الاسفار فقد جاء فى الهداية اذا أسفر أفاض الامام والناس لأن النبى صلى الله عليه وسلم دفع قبل طلوع الشمس
(3)
.
مذهب المالكية:
وقت هذه الافاضة عند المالكية قبل طلوع الشمس من يوم النحر حيث يكرهون لمن أفاض الى المشعر الحرام أن يستمر فى وقوفه به الى ما بعد الاسفار البين كما كان يفعل الجاهلية، واذا كره له الوقوف فمعنى ذلك أن يفيض الى منى قبل أن تطلع الشمس حتى لا يدخل فى وقت الكراهة
(4)
.
مذهب الشافعية:
ويقرر الشافعية أنه من المستحب الافاضة من المشعر الحرام الى منى قبل طلوع الشمس فان أخرها حتى طلعت الشمس كره له ذلك لما روى المسور بن مخرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانوا يدفعون من المشعر الحرام بعد أن تطلع الشمس على رءوس الجبال كأنها عمائم الرجال فى وجوههم وانا ندفع قبل أن تطلع الشمس ليخالف هدينا هدى أهل الشرك والأوثان فان قدم الافاضة بعد نصف الليل وقبل طلوع الفجر جاز لما روت عائشة رضى الله عنها أن سودة رضى الله عنها كانت امرأة «ثبطة
(5)
» فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تعجيل الافاضة ليلا فى ليلة المزدلفة فأذن لها
(6)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامه فى وقت الافاضة من مزدلفة الى منى ما نصه لا نعلم خلافا فى أن السنة الدفع قبل طلوع الشمس وذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم كان يفعله قال عمر ان المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس ويقولون «أشرق شبير كيما نفير»
(7)
وأن رسول الله
(1)
المختصر النافع ص 111
(2)
شرح النيل ج 2 ص 374
(3)
الهداية هامش الفتح ج 2 ص 173 - 174
(4)
الشرح الكبير ج 2 ص 45 وحاشية الدسوقى عليه نفس الموضع.
(5)
فى ترتيب القاموس المحيط ج 1 ص 331 الثبط ككتف الثقيل فالمراد أنها كانت امرأة ثقيلة.
(6)
المجموع ج 8 ص 125
(7)
جبل بمكة «المختار الصحاح باب الثاء فصل الباء» والمراد أنهم ينتظروا حتى تشرق الشمس على جبل ثبير لكى يفيضوا بعد ذلك.
صلى الله عليه وسلم خالفهم فأفاض قبل أن تطلع الشمس رواه البخارى والستة أن يقف حتى يسفر جدا .. وروى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل واقفا حتى أسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس .. عن نافع أن ابن الزبير أخر فى الوقت حتى كادت تطلع الشمس فقال ابن عمر انى أراه يريد أن يصنع كما صنع أهل الجاهلية فدفع ودفع الناس معه وكان ابن مسعود يدفع كانصراف القوم من صلاة الغداة وانصرف ابن عمر حين أسفر وأبعدت الابل مواضع اخفافها
(1)
.
ومن ناحية أخرى قرر ابن قدامة أن الافاضة من مزدلفة الى منى لا تجوز قبل نصف الليل، فمن أفاض بعده فلا شئ عليه وقد استدل لذلك بما روى عن عائشة رضى الله عنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت رواه أبو داود. ثم قال ابن قدامة فمن دفع من جمع قبل نصف الليل ولم يعد فى الليل فعليه دم فان عاد فيه فلا دم عليه كالذى دفع من عرفة نهارا، ومن لم يوافق مزدلفة الا فى النصف الأخير فلا شئ عليه
(2)
.
مذهب الظاهرية:
وعند الظاهرية وقت الافاضة الى منى هو قبل طلوع الشمس عند الاسفار
(3)
، ولكن يستثنى من ذلك النساء والصبيان والضعفاء لما رواه مسلم بسنده عن ابن جريج عن عبد الله مولى أسماء بنت أبى بكر الصديق أن أسماء قالت له بمزدلفة: هل غاب القمر؟ قلت لها، فصلت ساعة ثم قالت يا بنى هل غاب القمر؟ قلت نعم، قالت ارحل بى فارتحلنا حتى رمت الجمرة ثم صلت فى منزلها فقلت لها أى هنتاه:
لقد غسلنا.
قالت. كلا أى بنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اذن للظعن
(4)
. ولما روى عن سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بالليل فيذكرون الله تعالى. ثم يدفعون قبل أن يدفع الامام، ويقول ابن عمر أرخص فى أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم
(5)
.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية وقت الافاضة من المشعر الحرام الى منى هو قبل طلوع الشمس بزمان قريب لما أخرجه البخارى عن ميمون قال «شهدت عمر صلى بجمع الصبح ثم وقف فقال ان المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس وأن النبى صلى الله عليه وسلم خالفهم ثم أفاض قبل أن تطلع الشمس. وهذا التحديد لوقت الافاضة الى منى أمر واجب عند الزيدية فلا تجوز الافاضة قبله ولا بعده متى كان الحاج قويا يستطيع تحمل الزحام. أما النساء والصبيان وضعفة الناس فيجوز لهم أن يفيضوا فى السحر لما فى سنن البيهقى من حديث عبيد الله بن أبى يزيد أنه سمع ابن عباس يقول أنا ممن قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة فى ضعفة أهله. وبعد أن ذكر صاحب الروض النضير حديث عائشة عن استئذان سودة رضى الله عنه قال ما نصه «والحديث يدل على جواز تقديم النساء والصبيان الذين لا يطيقون مباشرة الزحام» . ومجموع الروايات يقتضى أن الوجه المصوغ للتقديم هو العذر. قال الخطابى وهذه رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه
(1)
المفتى ج 2 ص 443، 444
(2)
المفتى ج 2 ص 442
(3)
المحلى ج 7 ص 118
(4)
أى يا هذه، بضم الظاء والعين وبسكون العين أيضا وهن النساء المسافرات.
(5)
المحلى ج 7 ص 132
وسلم لضعفه أهلا لئلا تصيبهم الحطمة
(1)
وليس ذلك لغيرهم من الأقوياء .. وليس المراد لضعفة أهله لا لغيرهم بل ومن شاركهم فى تلك العلة لقيام الاجماع على ذلك
(2)
.
مذهب الإمامية:
أما الشيعة الأمامية فيقولون بأن وقت الافاضة من المشعر الحرام الى منى هو بعد الفجر من يوم النحر، فاذا أفاض قبل الفجر عامدا عالما جبره بشاة ولم يبطل حجه ان كان قد سبق له الوقوف بعرفات. ويستحب لمن عدا الامام أن يفيض قبل طلوع الشمس والا يجاوز وادى محسر حتى تطلع، أما الامام فيتأخر بجمع حتى تطلع الشمس ثم يفيض بعد ذلك
(3)
.
مذهب الإباضية:
والإباضية يقولون ان الافاضة من المزدلفة الى منى يجب أن تكون قبل طلوع الشمس، ولكن يجوز للضعفاء والرعاة الافاضة من جمع بالليل - ومن أفاض بعد طلوع الشمس فعليه دم روى أنه صلى الله عليه وسلم أفاض بعد ما أسفر جدا
(4)
.
ما يفعله الحاج أثناء الافاضة الى منى:
مذهب الحنفية:
يقرر الحنفية ان المفيض من مزدلفة الى منى يسرع قليلا فى وادى محسر ويسلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى لما فى حديث جابر الطويل. فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التى عند الشجرة
(5)
.
مذهب المالكية:
نص المالكية على أنه يندب لمن أفاض من المزدلفة الى منى أن يلتقط معه جمار العقبة الأولى من مزدلفة كما يندب له الاسراع ذهابا وايابا فى بطن محسر
(6)
.
مذهب الشافعية:
يقرر الشافعية أنه من المستحب - عند الافاضة من المزدلفة أن يمشى وعليه السكينة لما ذكر من حديث الفضل بن عباس واذا وجد فرجة أسرع كما كان يفعل فى الافاضة من عرفة، كما يستحب له اذا بلغ وادى محسر أن يسرع اذا كان ماشيا أو يحرك دابته اذا كان راكبا - وهذا الاسراع بقدر رمية حجر - لما روى جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرك قليلا فى وادى محسر
(7)
.
مذهب الحنابلة:
يستحب لمن أفاض الى منى أن يسير وعليه السكينة كما فى سيره من عرفات، كما يستحب الاسراع فى وادى محسر، فان كان ماشيا أسرع وان كان راكبا حرك دابته، والاسراع المستحب هو ما كان بقدر رمية حجر. ويستحب أن يكون فى طريقه ملبيا فان الفضل بن عباس رضى الله عنه قال: شهدت الافاضتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة وهو كاف
(1)
الحطمة كمهزة الكثير من الابل والغنم.
(2)
الرض النضير ج 3 ص 48، 50، 51
(3)
المختصر النافع ص 112
(4)
شرح النيل ج 2 ص 377
(5)
فتح القدير ج 2 ص 174 طبعة 1315 هـ.
(6)
بطن محسر: هو واد بين المزدلفة ومنى، ومحسر بضم الميم وفتح الحاء وكسر السين المشددة وسمى بهذا الوسم لأن الله تعالى أنزل فيه العذاب على أصحاب الفيل، أو لأنه سبحانه حسر فيلهم فى هذا الوادى وحسره بمعنى أعياه وأحجزه عن السير.
(7)
المجموع ج 8 ص 125
بعيره ولبى حتى رمى جمرة العقبة الأولى. ولأن التلبية من شعار الحج فلا يقطع الا بالشروع فى الاحلال وهو رمى جمرة العقبة
(1)
. ويستحب له أن يأخذ الجمار من طريقه أو من المزدلفة
(2)
.
مذهب الظاهرية:
يبين ابن حزم أن المفيض يسرع قليلا فى بطن محسر ويسلك الطريق الوسطى التى تخرج على الجمرة الكبرى حتى يأتى الجمرة التى عند الشجرة
(3)
أخذا بحديث جابر.
مذهب الزيدية:
وعند الزيدية يفيض الامام والناس معه من المشعر الحرام وعليهم السكينة والوقار، ولذلك فانهم يقولون بالاسراع فى وادى محسر.
مذهب الإمامية:
يستحب لمن أفاض أن يهرول فى وادى محسر، وأن يدعو بالدعاء المأثور ولو نسى الهرولة رجع فتداركها
(4)
.
مذهب الإباضية:
يقول الإباضية ان الذى يفيض الى منى يسير رويدا رويدا مهلا بالذكر والتلبية حتى يأتى منى
(5)
.
طواف الافاضة:
(1) حكمه:
طواف الافاضة ركن من أركان الحج لا يتم الا به عند الفقهاء على اختلاف مذاهبهم. وبعض الكتب تعبر عنه بطواف الزيارة، وبعضها الآخر يسميه طواف الركن غير أن لهذا الركن بعض أحكام خاصة قد تختلف عن بقية أركان الحج الأخرى، وقد اختلف الفقهاء فى بعض هذه الأحكام.
مذهب الحنفية:
الحنفية يقولون كما جاء فى الهداية - ان هذا الطواف هو المفروض فى الحج وهو ركن فيه، اذ هو المأمور به فى قوله تعالى «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» ويسمى طواف الافاضة وطواف يوم النحر
(6)
، كما يسمونه أيضا طواف الزيارة.
وهو محرم عن النساء فقط أبدا حتى يطوف
(7)
.
طواف الزيارة أصلا حتى رجع الى أهله فعليه أن يعود بذلك الاحرام - لانعدام التحلل منه وهو محرم عن النساء فقط أبدا حتى يطوف.
مذهب المالكية:
والمالكية يقصدون بالركن ما لا بد من فعله ولا يجزئ بدلا عنه دم ولا غيره ولكن على الرغم من أن طواف الافاضة ركن من أركان الحج عند المالكية فانهم يذهبون الى أن الحج لا يفوت بفواته ولا يتحلل تاركه من الاحرام. ولو وصل الى أقصى المشرق أو المغرب فانه يرجع الى مكة ليفعله
(8)
، واذا فسد طواف الافاضة فانه يرجع اليه أيضا الا أن يتطوع بعده بطواف صحيح فيجزئه عن الطواف الفاسد ولا دم عليه.
(1)
المغنى ج 3 ص 444، 445
(2)
المغنى ج 3 ص 445 - 462
(3)
المحلى ج 7 ص 121
(4)
المختصر النافع ج 112، 113، 116
(5)
شرح النيل ج 2 ص 376، 377
(6)
الهداية هامش الفتح ج 2 ص 180
(7)
المرجع السابق ص 246 طبع المكتبة التجارية.
(8)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 35، 36
لأن هذا الطواف فى الحقيقة هو طواف الافاضة، ولا يضر عدم ملاحظة أنه فرض. ومحل أجزائه على ما استظهره بعضهم حيث كان غير ذاكر لفساد الافاضة، وذهب الى بلده ولم يعلم بفساده الا بعد ذهابه، ولذلك فانه اذا كان بمكة طولب بالاعادة كما قاله بعضهم
(1)
والظاهر من ذلك أن الاعادة واجبة فى هذه الحالة.
مذهب الشافعية:
والشافعية كالحنفية والمالكية وغيرهم يعتبرون طواف الافاضة ركنا من أركان الحج، ويسمونه طواف الفرض وطواف الزيارة وطواف الافاضة وطواف الصدر وقد نصوا على أن أركان الحج ومنها طواف الافاضة - لا مدخل فيها للجبر بحال
(2)
.
مذهب الحنابلة:
يقول ابن قدامة عن طواف الافاضة انه ركن للحج لا يتم الا به لا تعلم فيه خلاف ولأن الله عز وجل قال «وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ» وعن عائشة قالت حججنا مع النبى صلى الله عليه وسلم فأفضنا يوم النحر فحاضت صفية .. فقلت يا رسول الله انها حائض قال أحابستنا هى قالوا يا رسول الله انها قد أفاضت يوم النحر قال: «اخرجوا» متفق عليل فدل على أن هذا الطواف لا بد منه وأنه حابس لمن لم يأت به
(3)
.
مذهب الظاهرية:
ويقول ابن حزم من ترك عمدا أو نسيانا شيئا من طواف الافاضة .. فليرجع أيضا كما ذكرنا ممتنعا من النساء حتى يطوف بالبيت ما بقى عليه فان خرج ذو الحجة قبل أن يطوف فقد بطل حجه
(4)
.
مذهب الزيدية:
والزيدية يسمونه طواف الزيارة كما يسمى طواف الافاضة لفعله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الافاضة من منى وطواف الركن اذ هو أحد أركان الحج دون الطوافين الآخرين كما يسمى طواف النساء لأنه لا يحل الوط ء ومقدماته الا بعده وأجمعوا على أنه لا يفوت الحج بفواته لحديث الحج عرفات وقد تقدم - ولا يجبر بالدم اجماعا بل يجب العود له لأبعاضه لخبر صفية زوج النبى صلى الله عليه وسلم
(5)
.
مذهب الإمامية:
ويقرر الإمامية أن طواف الافاضة ركن من أركان الحج كما هو الحال عند غيرهم، فلو تركه حامدا بطل حجه، ولكن لو تركه نسيانا، فله أن يأتى به.
غير أنه اذا رجع الى بلده وكان من المتعذر عليه أن يعود الى البيت الحرام مرة أخرى كان له أن يستنيب غيره ليؤدى طواف الافاضة بالنيابة عنه وفى رواية عندهم «لو تركه على وجه جهالة أعاد وعليه بدنة»
(6)
.
مذهب الإباضية:
وعند الإباضية لا حج لمن ترك طواف الافاضة اذ هو ركن من أركان الحج كما هو الحال عند سائر المذاهب ولكنهم نصوا على أن الذى يترك طواف الزيارة أو الافاضة ويرجع الى بلده فان عليه بدنة وقيل دم ان لم يرجع قبل الحول وله الرجوع متى شاء ان لم يحل الحول، فاذا حال الحول ولم يرجع فسد حجه ولزمته بدنة أو دم
(7)
.
(1)
الشرح الكبير وحاشية الدسوقى علية ج 2 ص 35، 36
(2)
المحلى على المنهاج وحاشية قليوبى وعميرة عليه ج 2 ص 119، 127
(3)
المفتى ج 3 ص 465
(4)
المحلى ج 7 ص 172
(5)
الروض النضير ج 3 ص 57
(6)
المختصر النافع ج 118
(7)
شرح النيل ج 2 ص 400
2 - وقت طواف الافاضة:
مذهب الحنفية:
يبدأ طواف الافاضة بعد طلوع الفجر من يوم النحر لأن ما قبله من الليل انما هو وقت للوقوف بعرفة وطواف الافاضة مرتب عليه، وكل أيام النحر عندهم وقت لطواف الافاضة - لأن الله تعالى عطف الطواف على الذبح حيث قال:
{(فَكُلُوا مِنْها)} ثم قال سبحانه: {(وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)} فكان وقتهما واحدا، وأفضل هذه الأيام أولها كما فى الأضحية وفى الحديث أفضلها أولها
(1)
ولعل أيام النحر هى وقت أداء هذا الطواف لأنهم قالوا ويكره تأخيره عن هذه الأيام .. وان أخره عنها لزمه دم عند أبى حنيفة وهذا هو المقصود من قول الكمال «فان الطواف لا يتوقف بأيام النحر حتى يفوت بفواتها بل وقته العمر
(2)
» أى يقضيه فى أى وقت وعليه دم مع الكراهة.
مذهب المالكية:
ونص المالكية على أن طواف الافاضة يبدأ وقت أدائه يوم النحر فقد جاء فى الشرح الكبير ما نصه «ثم بعد رمى العقبة والنحر والحلق يفيض أى يطوف طواف الافاضة وندب فعله فى ثوبى احرامه وعقب حلقه ولا يؤخره الا قدر ما يقضى حوائجه
(3)
مذهب الشافعية:
نص الشافعية على أن أداء طواف الافاضة يوم النحر أفضل. ولكنهم يختلفون عن المالكية فى تحديدهم للوقت الذى يصح أن يكون بداية لأداء هذا الطواف حيث قالوا ان وقت طواف الافاضة يدخل بنصف ليلة النحر اذا كان الحاج قد وقف قبل ذلك. ومن ناحية أخرى فان فقهاء المذهب الشافعى يرون أن طواف الافاضة لا آخر لوقته
(4)
.
مذهب الحنابلة:
وفى تحديد وقت طواف الافاضة عند الحنابلة يقول ابن قدامة «ولهذا الطواف وقتان: وقت فضيلة ووقت اجزاء. أما وقت الفضيلة فيوم النحر بعد الرمى والنحر والحلق.
بقول جابر فى صفة حج النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر فأفاض الى البيت فصلى بمكة الظهر وفى حديث عائشة الذى ذكرت فيه حيض صفية قالت فأفضنا يوم النحر، وقال ابن عمر أفاض النبى صلى الله عليه وسلم يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر متفق عليهما فان آخره الى الليل فلا بأس» لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم «أخر طواف الزيارة الى الليل ..
اما وقت الجواز فأوله من نصف ليلة النحر وذكر أقوالا متعددة عن آخر وقت لطواف الافاضة ثم قال: «والصحيح أن آخر وقته غير محدود فانه متى أتى به صح بغير خلاف انما الخلاف فى وجوب الدم»
(5)
فمن قال بأن آخره غير محدود قال بأن من طاف فيما بعد أيام النحر طوافا صحيحا لا يلزمه دم كما لو طاف أيام النحر ومن قال ان آخره آخر أيام النحر قال بأن من أخره عن أيام النحر وجب عليه دم.
مذهب الظاهرية:
وأما مذهب الظاهرية فى وقت طواف الافاضة فهو كما قرره ابن حزم - بعد صلاة الصبح يوم النحر، وهذا وقت ابتدائه، لأنه يرى أن صلاة
(1)
الهداية هامش الفتح ج 2 ص 180
(2)
فتح القدير ج 2 ص 180
(3)
الشرح الكبير ج 2 ص 46، 47
(4)
شرح المحلى على المنهاج وحاشية قليوبى عليه ج 2 ص 120
(5)
المغنى ج 3 ص 465، 466
الصبح بمزدلفة يوم النحر فرض لا بد منه ومن فاتته من الرجال فقد بطل حجه - غير أنه يجوز للنساء والصبيان الطواف قبل ذلك للعذر. وأما آخر وقت طواف الافاضة فهو نهاية شهر ذى الحجة. فقد جاء فى المحلى «فان خرج ذو الحجة قبل أن يطوف فقد بطل حجه .. قال الله تعالى:
{(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)} وقد ذكرنا أنها شوال وذو القعدة وذو الحجة فاذ هو كذلك فلا يحل لأحد أن يعمل شيئا من أعمال الحج فى غير أشهر الحج، فيكون مخالفا لأمر الله تعالى
(1)
.
مذهب الزيدية:
وفى بيان مذهب الزيدية يقول صاحب الروض النضير: «والذى ثبت فى وقت طوافه صلى الله عليه وسلم ما أخرجه أو داود من حديث عائشة قالت: «أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر حين صلى الظهر وهو أيضا فى حديث جابر الطويل المتفق عليه بلفظ (فأفاض الى البيت فصلى الظهر بمكة) قال شراح حديثه. تقديره.
فأفاض الى البيت وطاف بالبيت» فحذف ذكر الطواف لدلالة الكلام عليه، الا أنه قد ورد ما يدل على صحة فعله عقيب الفجر من حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن توافى صلاة الصبح يوم النحر بمكة، قال فى مجمع الزوائد بعد ايراده فى باب وقت طواف الافاضة رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح وقد تقدم تخريجه بلفظ (فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت) وتعقيبه بالفاء يدل على المطلوب الا أن يقال ان ذلك ترخيص للعذر المسوغ لتعجيل الرمى فلا حجة فيه. وآخر وقته آخر أيام التشريق عند الأكثر .. واختار فى ضوء النهار أن آخره شهر ذى الحجة اذ هو من أشهر الحج المدلول عليها بقوله تعالى:{(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ)} .
مذهب الشيعة الإمامية:
أما الشيعة الإمامية فيجعلون وقت طواف الافاضة يوم النحر واليوم التالى له وهذا الحكم بتأكيد بالنسبة للمتمتع فان أخر طواف الافاضة عن ذلك أثم وأما المفرد والقارن فوقت الطواف موسع لهما طول شهر ذى الحجة على كراهية
(2)
مذهب الإباضية:
ويرى الإباضية أن الوقت المفضل لطواف الافاضة هو وقت أيام التشريق وتعجيل الطواف خلال هذه الأيام أفضل، جاء فى شرح النيل ما نصه «من أخر الزيارة أى طواف الافاضة - الى مضى أيام التشريق أساء ولا عليه. ومن رجع الى بلده قبل الزيارة فبدنة وقيل دم ان لم يرجع قبل الحول وله الرجوع متى شاء ان لم يحل الحول. واذا كان ذلك فسد حجه ولزمته بدنة أى دم. وتعجيلها أى تعجيل الزيارة للطواف أفضل ومعنى ذلك أن آخر وقت طواف الافاضة عند الإباضية هو حولان الحول
(3)
.
3 - كيفية طواف الافاضة وشروطه:
تكلم بعض الفقهاء عن كيفية طواف الافاضة.
وقد بينوا - أثناء ذلك - الافعال الواجبة والمسنونة والمندوبة. كما تكلم بعض الفقهاء الآخرين عن شروط طواف الافاضة مبينين - خلال دراسة الشروط - الواجبات والسنن والمندوبات.
ولذلك فانه من المتعين عرض مذاهب الفقهاء بالصورة التى جاءت بها فى كتبهم.
مذهب الحنفية:
المحرم اذا دخل مكة ابتدأ بالمسجد الحرام.
ثم ابتدأ بالحجر الأسود، فاستقبله وكبر وهلل.
(1)
المحلى ج 7 ص 172
(2)
المختصر النافع ص 116
(3)
شرح النيل ج 2 ص 400
ويرفع يديه، ويستلمه ان استطاع من غير أن يؤذى مسلما، لما روى أن النبى صلي الله عليه وسلم قبل الحجر الأسود ووضع شفتيه عليه.
غير أنه اذا وجد فرجة يستلمه والا فيستقبله ويكبر ويهلل لأن الاستلام سنة والتحرز عن أذى المسلم واجب. وأن أمكنه أن يمس الحجر شيئا فى يده كالعرجون وغيره ثم قبله فعل لما روى أنه عليه الصلاة والسلام طاف على راحلته واستلم الأركان بمحجنه - وان لم يستطع شيئا من ذلك استقبله وكبر وهلل وحمد الله وصلى على النبى صلى الله عليه وسلم. ثم أخذ عن يمينه مما يلى الباب وقد اضطبع
(1)
بردائه قبل ذلك فيطوف بالبيت سبعة أشواط .. والاصطباع سنة. ويجعل طوافه من وراء الحطيم - وهو اسم لموضع فيه ميزاب سمى به لأنه حطم من البيت - أى اقتطع - وسمى حجرا لأنه حجر فيه وهو من البيت - ولهذا يجعل الطواف من ورائه حتى لو دخل الفرجة التى بينه وبين البيت لا يجوز - أى لا يحل له ذلك فتجب اعادته ليؤديه على وجهه المشروع فالواجب هو الأخذ فى الطواف من جهة الباب - ويرمل فى الثلاثة الأول من الأشواط - والرمل أن يهز فى مشيته الكتفين كالمبارز يتبختر بين الصفين - ويمشى فى الباقى على هينته والرمل من الحجر الى الحجر فان زحمة الناس فى الرمل وقف فاذا وجد مسلكا رمل لأنه لا بدل له فيقف حتى يقيمه على وجه السنة بخلاف الاستلام لأن الاستقبال بدل له ويستلم الحجر كلما مر أن استطاع لأن أشواط الطواف كركعات الصلاة فكما يفتتح كل ركعة بالتبكير يستلم كل شوط باستلام الحجر وان لم يستطع الاستلام استقبل وكبر وهلل ويستلم الركن اليمانى وهو حسن فى ظاهر الرواية وعند محمد أنه سنة ولا يستلم غيرهما ويختم الطواف باستلام الحجر ثم يأتى المقام فيصلى عنده ركعتين أو حيث تيسر له من المسجد وهى واجبة عند الحنفية
(2)
هذا وقد نص الحنفية على أن مكان الطواف داخل المسجد فان طاف من وراء السوارى أو من وراء زمزم أجزأ وان طاف من وراء المسجد لا يجوز وعليه الاعادة اذ المناط عندهم الا يكون بينه وبين الكعبة حائل من جدر ونحوها حتى يكون الطواف منسوبا الى الكعبة لا الى غيرها وكيفية ذلك أن يقف مستقبلا على جانب الحجر بحيث يصير جميع الحجر عن يمينه ثم يمشى كذلك مستقبلا حتى يجاوز جميع الحجر
(3)
.
ومن ناحية أخرى فانهم نصوا على أنه اذا طاف طواف الافاضة محدثا فعليه شاة لأنه أدخل النقص فى الركن وان كان جنبا فعليه بدنة لأن الجنابة أغلظ من الحدث فيجب جبر نقصانها بالبدنة اظهارا للتفاوت والأفضل أن يعيد الطواف ان كان بمكة ولا دم عليه والأصح أن يؤمر بالاعادة فى الحدث استحبابا وفى الجنابة ايجابا لفحش التفاوت بسبب الجنابة وقصوره بسبب الحدث وان أعاده بعد أيام النحر لزم دم عند أبى حنيفة رضى الله عنه للتأخير ولو رجع الى بلده وقد طاف جنبا عليه أن يعود لأن النقص كثير فيؤمر بالعود استدراكا له وان لم يعد وبعث بدنة أجزأ وان رجع الى أهله وقد طاف محدثا ان عاد وطاف جاز وان بعث بالشاة فهو أفضل لأنه خف معنى النقصان وفيه نفع للفقراء
(4)
.
مذهب المالكية:
نص فقهاء مذهب الملكية على شروط طواف الافاضة عندهم وهى سبعة شروط بيانها كالآتى:
1 -
كونه أشواطا سبعة.
2 -
أن يكون المحرم متلبسا بالمطهرين فيبطل
(1)
الاضطباع هو: أن يجعل وسط ردائه تحت منكبه الأيمن، وطرفيه على منكبه الايسر. مأخوذ من الضبع - بسكون الباء - وهو العضد.
(2)
الهداية هامش الفتح ج 2 ص 147 - 153
(3)
فتح القدير ج 2 ص 180
(4)
الهداية هامش الفتح ج 2 ص 243 - 246
الطواف بحدث حصل أثناءه ولو سهوا ووجب استئناف الطواف.
3 -
ستر العورة.
4 -
جعل البيت على يساره فلو جعله عن يمينه أو قبالة وجهه أو وراء ظهره لم يجز والمراد أنه على يساره وهو ماش مستقيما جهة الامام
(1)
5 -
خروج كل البدن عن الشاذروان
(2)
لأنه من أصل البيت فلو طاف خارجه ووضع احدى رجليه عليه أحيانا لم يصح كما يشترط المالكية فى الطواف خروج كل البدن عن الحجر بكسر الحاء وسكون الجيم بمقدار ستة أذرع - أى أنه لا بد من الخروج عن جميع الحجر ولا يعتد بالطواف داخله حسب الراجح من المذهب المالكى ومن تمام هذا الشرط عندهم أيضا اعتدال القامة أثناء الطواف فاذا طاف مطاطئا رأسه أو يده فى هواء الشاذروان لم يصح طوافه.
6 -
أن يطوف داخل المسجد.
7 -
أن يكون الطواف متواليا أى لا يفرق بين أجزائه والا ابتدأ الا أن يكون التفريق يسيرا فلا يضر ولو كان لغير عذر أو كثيرا لعذر وهو على طهارته
(3)
وواجبات الطواف عندهم هى:
(أ) ابتداؤه من الحجر الأسود فان ابتدأه من الركن اليمانى مثلا لغى ما قبل الحجر وأتم اليه فان لم يتم اليه أعاد الطواف والسعى مادام بمكة والا فعليه دم
(4)
.
(ب) المشى عند القدرة عليه فلا دم على عاجز طاف راكبا أو محمولا وأما القادر اذا طاف أو سعى محمولا أو راكبا فانه يؤمر باعادته ماشيا مادام بمكة ولا يجبر بالدم حينئذ كما يؤمر العاجز باعادته اذا قدر مادام بمكة أما ان رجع الى بلده فلا يؤمر بالعودة لاعادته ولكن يلزمه دم فان رجع وأعاده ماشيا سقط عنه الدم.
(ج) ركعتى الطواف على المشهور فى المذهب المالكى
(5)
وسننه:
1 -
تقبيل الحجر الأسود فى أول الطواف وكذا استلام الركن اليمانى فى الشوط الأول أيضا أما تقبيل الحجر الأسود فى بقية الأشواط فمستحب وكذلك استلام اليمانى ويكره التقبيل بصوت وقيل مباح ورجحه غير واحد منهم وكره مالك السجود على الحجر وتمريغ الوجه عليه ومن لم يقدر على التقبيل للزحمة يكفى اللمس باليد وان لم يقدر بها جاز له أن يلمس الحجر بعود أو نحوه ثم يضع يده أو العود على فمه مع التكبير والتقبيل على المعتمد فان تعذر عليه اللمس مطلقا كبر فقط من غير اشارة بيده.
2 -
الدعاء بلا حد فى الدعاء والمدعو به جميعا فلا يقتصر على شئ معين.
3 -
رمل الرجل فى الأشواط الثلاثة فقط وهذه السنة خاصة بمن أحرم من الميقات بحج أو عمرة ومندوباته منها ايقاع ركعتى الطواف الواجبتين فى مقام ابراهيم ويندب أيضا أن يقرأ فيهما ب «الكافرون والاخلاص» لاشتمالهما على التوحيد وندب دعاء الملتزم بعد الطواف وركعتيه وهو ما بين الباب والحجر الأسود من الحائط فيلتزمه ويعتنقه وأضعا صدره ووجهه وذراعيه عليه باسطا كفيه - ويسمى بالحطيم - وندب استلام الحجر الأسود وتقبيله بكل شوط بعد الأول ولمس الركن اليمانى بعد الشوط الأول
(5)
.
(1)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 31
(2)
قال ابن فرحون بكسر الذال المعجمة وقال النووى يفتحها وهو بناء لطيف ملصق بحائط الكعبة مرتفع على وجه الأرض قدر ثلثى ذراع نقضته قريش من أصل الجدار حين بنو البيت.
(3)
حاشية الدسوقى ج 2 ص 30، 31
(4)
المرجع السابق نفس الموضع.
(5)
المرجع السابق ج 2 ص 40، 41
مذهب الشافعية:
لطواف الافاضة عند الشافعية واجبات لا يصح الا بها وسنن يصح بدونها أما الواجبات - وقد عبروا عنها بالشروط أيضا - فهى ستر العورة وطهارة الحدث والنجس كما فى الصلاة، قال عليه السلام: الطواف بمنزلة الصلاة.
الا أن الله أحل فيه النطق فمن نطق فلا ينطق الا بخير رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم، فلو طاف عاريا أو محدثا أو على ثوبه أو بدونه نجاسة غير معفو عنها لم يصح طوافه ويعفى عما يشق الاحتراز منه فلو أحدث فيه توضأ وبنى وفى قول استأنف كما فى الصلاة وفرق الأول بأن الطواف يحتمل فيه ما لا يحتمل فى الصلاة كالفعل الكثير والكلام ولو سبقه الحدث فقولان عند الشافعية أرجحهما البناء سواء طال الفصل أم لا، وهذا على القول بأن الموالاة فى الطواف سنة، وفى قول انها واجبة فيستأنف فى الطول بلا عذر. ومع ذلك فعلى القول بعدم وجوب الاستئناف فانه مستحب.
ومن واجبات الطواف عند الشافعية - أن يجعل البيت عن يساره ويمر تلقاء وجهه مبتدئا فى ذلك بالحجر الأسود محاذيا له فى مروره عليه ابتداء بجميع بدنه بأن لا يقدم جزءا من بدنه على جزء من الحجر. فان بدأ بغير الحجر لم يحسب فاذا انتهى اليه ابتدأ منه ولو مشى على الشاذروان. أو مس الجدار الكائن فى موازاته أو دخل من احدى فتحتى حجر اسماعيل وخرج من الأخرى لم تصح طوفته فى المسائل الثلاث لأنه فيها طائف فى البيت لا به، وقد قال تعالى {(وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ)} ومن واجبات الطواف أن يطوف سبعا داخل المسجد ولو فى أخرياته، ولا بأس بالحائل فيه كالسقاية والأصل فيما ذكر الأتباع
(1)
فقد روى مسلم عن جابر أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم مكة أتى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا. ومشى أربعا. وروى مسلم عن جابر: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئ على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عنى مناسككم فانى لا أدرى لعلى لا أحج بعد حجتى هذه.
وأما سنن الطواف فهى: أن يطوف ماشيا ولا يركب الا بعذر كالمرض ونحوه وقد طاف صلى الله عليه وسلم فى حجة الوداع راكبا ليراه الناس فيستفتوه. ومن كان بلا عذر جاز بلا كراهة. وأن يستلم الحجر أول طوافه ويقبله، روى الشيخان عن ابن عمر أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قبله، ومن سنن الطواف وضع الجبهة على الحجر، فان عجز عن التقبيل ووضع الجبهة للزحمة استلمه بيده ثم قبله. فان عجز أشار باليد. ولا يستحب للنساء استلام ولا تقبيل الا عند خلو المطاف فى الليل ويراعى ذلك فى كل طواف ولا يقبل الركنين الشاميين ولا يستلمها ويستلم اليمانى ولا يقبله لكن يقبل اليد بعد استلامه ويفعل ذلك فى كل طوفة لما روى الشيخان عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستلم الركن اليمانى والحجر الأسود فى كل طوفة ولا يستلم الركنين الذين يليان الحجر ومن السنة أيضا أن يقول فى أول كل طوفة بسم الله والله أكبر أيمانا بك وتصديقا لكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك صلى الله عليه وسلم وليقل قبالة الباب اللهم ان البيت بيتك والحرم حرمك والأمن أمنك وهذا المقام العائذ بك من النار وعند الركنين اليمانين يقول {رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ} ويدع بما شاء فى جميع طوافه ومأثور الدعاء فيه أفضل والقراءة أفضل من غير المأثور.
وأن يرمل فى الأشواط الثلاثة الأول ويختص الرمل بطواف يتبعه سعى؟ وليقل أثناء الرمل:
(1)
المحلى على المنهاج ج 2 ص 202، 103، 104، 105
اللهم أجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا وسعيا مشكورا وان يضطبع فى كل طواف يرمل فيه.
ولا ترمل المرأة ولا تضطبع وان يقرب من البيت تقربا. وأن يوالى طوافه. وفى قول تجب الموالاة فيبطل الطواف بالتفريق الكثير بلا عذر.
وأن يصلى ركعتين خلف مقام ابراهيم يقرأ فى الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون وفى الثانية بعدها سورة الاخلاص. وفى قول تجب هذه الصلاة لأن النبى صلى الله عليه وسلم لما فعلها قال: «واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى» رواه مسلم. فأفهم أن الآية آمرة والأمر للوجوب.
وعورض بما فى حديث الصحيحين المشهور «
…
هل على غيرها» قال لا الا أن تطوع».
وعلى الوجوب يصح الطواف بدونها ولا يجيز هذا ولا تجب النية فى طواف الافاضة لأن النية فى الحج تشمله
(1)
.
مذهب الحنابلة:
وفقهاء مذهب الحنابلة قد بينوا كيفية طواف الافاضة مع التنبيه الى كل فعل واجب أو مسنون أو مندوب.
وكيفية الطواف أن المحرم اذا دخل المسجد الحرام: أتى الحجر الأسود واستلمه أن استطاع وقبله ويتجنب ايذاء الناس، لأن ايذاء الناس محرم واستلام الحجر مستحب. ويحاذى الحجر بجميع بدنه - ويضطبع بردائه، ويرمل فى الأشواط الثلاثة الأولى ويمشى فى الأربعة الباقية، كل ذلك من الحجر الأسود الى الحجر أسود.
ويكون طاهرا فى ثياب طاهرة لأن الطهارة من الحدث والنجاسة والستارة شرائط لصحة الطواف فى المشهور عن أحمد. فمتى طاف للزيارة غير متطهر أعاد ما كان بمكه. فان خرج منها فعليه دم ولا يستلم من الأركان الا الأسود واليمانى ويقبل الأسود أما اليمانى فالصحيح عن أحمد أنه يستلمه ولا يقبله ويفعل ذلك فى كل شرط، ويكبر كلما أتى الحجر أو حاذاه ويقول عند الركنين «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النّارِ» }. ويستحب أن يقول اللهم أجعله حجا مبرورا وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا، رب أغفر وأرحم وأعف عما تعلم وأنت الأعز الأكرم. ويكون حجر اسماعيل داخلا فى طوافه ولأن الحجر من البيت ولو طاف على جدار الحجر وشاذروان الكعبة لم يجز لأن ذلك من البيت فاذا لم يطف به فلم يطف بكل البيت.
ولو نكس الطواف فجعل البيت على يمينه لم يجزئه. وهذا الترتيب واجب كالصلاة ويصلى ركعتين خلف المقام، أى أنه يسن للطائف أن يصلى بعد فراغه ركعتين، ويستحب أن يركعها خلف المقام لقوله تعالى «وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» ، ويستحب أن يقرأ فيها بعد الفاتحة بالكافرون والاخلاص، وركعتا الطواف سنة مؤكدة غير واجبة فاذا صلى المكتوبة بعد ركعتى الطواف جاز
(2)
.
مذهب الظاهرية:
تكلم ابن حزم عن بعض شروط الطواف فقال:
ولا يجوز لأحد أن يطوف بالبيت عريانا فان فعل لم يجزه. ثم قال: والطواف بالبيت على غير طهارة جائز ولا يحرم الا على الحائض فقط لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم منع أم المؤمنين اذ حاضت من الطواف - ومن قطع طوافه لعذر أو بنى على ما طاف، فلو قطعه عابثا فقد بطل طوافه لأنه لم يطف كما أمر. ثم أن الطواف راكبا جائز. ولا يجوز التباعد عن البيت فى الطواف الا عند الزحام والطواف بالبيت جائز عند طلوع الشمس وعند غروبها. ويركع عند ذلك.
(1)
المحلى على المنهاج ج 2 ص 102 - 110 طبع صبيح.
(2)
المغنى ج 3 ص 383 الى 401
والكلام مع الناس فى الطواف جائز وذكر الله أفضل لأن النص لم يأتى بمنع ذلك
(1)
.
مذهب الزيدية:
أن للطواف عندهم فروضا تسعة هى النية والطهارة والستر والترتيب وهو جعل البيت عن يساره فلو عكس لم يجزه
…
وندب الابتداء من الحجر الأسود وقال بعضهم بل هو فرض، ثم أن التماس الأركان فى كل شوط شرط. ومحاذاة جميع الحجر بجميع بدنه أو بعضه لفعله صلى الله عليه وسلم وكونه داخل المسجد. والتسبيع أى كون الطواف سبعة أشواط. وتوقى الاوقات المكروهة. ويصلى ركعتين خلف مقام ابراهيم بعد الطواف. ونصوا على أن سنن الطواف هى: المشى ثم استلام الحجر الأسود ثم السجود عليه وأن يقول عند الاستلام بسم الله الله أكبر وأن تلا قرآنا جاز اذ هو أفضل الأذكار أو يقول سبحان الله والحمد لله ولا اله الا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. ثم استلام الأركان وتقبيلها. ثم الاضطباع لفعله صلى الله عليه وسلم قالوا انما رمل واضطبع ليرهب المشركين بالقوة وقد رمل صلى الله عليه وسلم فى عمرة الجعرانة وحجة الوداع ايضا والراكب يحرك دابته فى موضع الرمل. وندب أن يقول: اللهم اجعله حجا مبرورا. وحين يمشى اللهم أغفر وارحم لفعله صلى الله عليه وسلم. ثم يقرأ فى الركعتين مع الفاتحة الكافرون وفى الثانية الاخلاص. ومن تركها فى المقام صلى فى غيره ولا دم عليه. وندب بعدها مس الحجر ثم مسح الوجه لفعله صلى الله عليه وسلم ويكبر اذ حاذى الحجر الأسود.
وندب الدعاء عند الحجر والركن اليمانى ويكره عند الطواف ووضع اليد على الفم ولا رمل ولا اضطباع على المرأة والخنثى - وندب اذا انتهى فى آخره الى المستجار أن يبسط على البيت يديه وبطنه وخديه قائلا «اللهم البيت بيتك والحرم حرمك والعبد عبدك وهذا مقام العائذ بك من النار. وندب الدخول الى زمزم
(2)
.
مذهب الإمامية:
يشترط الإمامية فى الطواف ثلاثة شروط هى:
تقديم الطهارة - وازالة النجاسة من الثوب والبدن والختان فى الرجل. ويستحب دخول مكة بالسكينة والوقار مغتسلا ولو تعذر اغتسل بعد الدخول، من باب بنى شيبة، والدعاء عنده أما كيفية الطواف عندهم - فواجبها:
النية والبداءة بالحجر والختم به، والطواف على اليسار، وادخال الحجر فى الطواف وأن يطوف سبعا، ويكون بين المقام والبيت ويصلى ركعتين فى المقام فان منعه زحام صلى حياله، ويصلى النافلة حيث شاء فى المسجد ولو نسى الركعتين فى المقام رجع فأتى بهما فيه ولو شق عليه صلاهما حيث ذكر، ولو مات قضى عنه الولى.
ومندوبات الطواف عندهم الوقوف عند الحجر والدعاء واستلامه وتقبيله فان لم يقدر أشار بيده وأن يقتصد فى مشيه، ويذكر الله سبحانه فى طوافه، ويلتزم المستجار وهو بحذاء الباب من وراء الكعبة - ويبسط يديه وخده على حائطه، ويلصق بطنه به، ويذكر ذنوبه ولو جاوز المستجار رجع والتزمه. وكذا يستلم الأركان. وأكدها ركن الحجر واليمانى. ويقرأ فى ركعتى الطواف بالحمد والصمد فى الأولى وبالحمد والكافرون فى الثانية ويكره الكلام فيه بغير الدعاء والقراءة
(3)
.
مذهب الإباضية:
قد تكلم فقهاء مذهب الإباضية عن كيفية الطواف - فقالوا ان ابراهيم عليه السلام ابتدأه
(1)
المحلى ج 7 ص 179، 180، 181، 197
(2)
البحر الزخار ج 2 ص 346 الى 354
(3)
المختصر النافع ص 116، 117، 118 وشرائع الاسلام ج 1 ص 132
من الحجر الأسود وعلى الحاج أن يكثر عند استلام هذا الحجر من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير والحوقلة والصلاة على النبى محمد صلى الله عليه وسلم وآدم وابراهيم واخواتهم من النبيين والملائكة أجمعين. والدعاء عند الوقوف بالباب وعند الميزاب والركعتين - عند المقام - وادخال الحطيم - فى الطواف - ولا يصح بدونه.
ومن شروط الطواف عندهم الطهارة كالصلاة.
والحائض تفعل كل فعل الا الطواف فحتى تطهر.
وكره الكلام فيه الا بمهم كما يكره الأكل والشرب فى الطواف ولكن لا يفسده ويصح الطواف راكبا من العاجز عن المشى ويجوز الطواف بعد صلاة الصبح وبعد صلاة العصر ولكن يؤخر الركوع لما بعد صلاة المغرب ولا يجوز عند الطلوع والغروب وقد بينت السنة أن الطواف سبعة أشواط فلو طاف وأكل وحل وجامع فسد حجه ومن طاف أكثر ولم ينو خلاف السنة ثم نفر فعليه دم وذلك فى طواف الزيارة فان شك. قبل الخروج من الطواف بنى على يقينه حتى يتم السبعة ثم يركع ثم يطوف طواف سبعة تامة، وقيل كل من طاف أقل من سبعة رجع وأتم ما بقى وقيل لتأخيره دم
(1)
.
4 - ترتيب طواف الافاضة بين مناسك يوم
النحر:
مذهب الحنفية:
نص فقهاء مذهب الحنفية على أن المفيض اذا أتى منى رمى جمرة العقبة
…
ثم يذبح أن أحب ثم بحلق أو يقصر .. ثم يأتى مكة من يومه ذلك ..
فيطوف بالبيت طواف الزيارة
(2)
وظاهر من هذا أن المناسك التى يفعلها الحاج يوم النحر مرتبة على الوجه الذى نصوا عليه اذ العطف بثم يفيد الترتيب - ولم نجد لهم نصا يبين حكم مخالفة هذا الترتيب الا ما جاء فى باب الجنابات من آخر كتاب الحج حيث جاء فى الهداية ما نصه «ومن آخر الحلق حتى مضت أيام التشريق فعليه دم عند أبى حنيفة، وكذا اذا أخر طواف الزيارة حتى مضت أيام التشريق فعليه دم عنده وقال الصاحبان لا شئ عليه فى الوجهين وكذا الخلاف فى تأخير الرمى وفى تقديم نسك على نسك كالحلق قبل الرمى والحلق قبل الذبح، لهما أن ما فات مستدرك بالقضاء ولا يجب مع القضاء شئ آخر وله حديث ابن مسعود رضى الله عنه أنه قال «من قدم نسكا على نسك فعليه دم
(3)
».
مذهب المالكية:
وفى مذهب المالكية يقرر الدردير هذا الحكم بقوله: وأعلم أنه يفعل فى يوم النحر أربعة أمور مرتبة: رمى العقبة فالنحر فالحلق فالافاضة فتقديم الحلق على الافاضة واجب وما عداه مندوب. وقد علق على ذلك الدسوقى بقوله: أن تقديم الرمى على الاثنين الآخيرين واجب يجبر بالدم. أما تقديمه على الثانى أو تقديم الثانى على كل واحد من الأخيرين أو تقديم الثالث على الرابع فمستحب فالمراتب ستة الوجوب فى اثنين والندب فى أربعة
(4)
.
مذهب الشافعية:
أما مذهب الشافعية فقد بينه الجلال المحلى - فى شرحه على منهاج الطالبين حيث قال:
وهذا الرمى والذبح والحلق والطواف يسن ترتيبها، ولا يجب
(5)
.
(1)
كتاب النيل وشرحه ج 2 ص 348، 349، 350، 351، 352
(2)
الهداية هامش الفتح ج 2 ص 173 - 177 - 179
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 252
(4)
شرح الكبير للدردير ج 2 ص 46 وحاشية الدسوقى عليه نفس المرجع.
(5)
المحلى على المنهاج ج 2 ص 119
مذهب الحنابلة:
وأما الحنابلة فقد رتبوا مناسك يوم النحر الترتيب المتقدم فقد قالوا: أنه يفيض من مزدلفة قبل طلوع الشمس فاذا وصل منى ورمى جمرة العقبة
…
ثم ينحر ان كان معه هدى
ويحلق أو يقصر
…
ثم يزور البيت فيطوف سبعا وهو الطواف الواجب الذى به تمام الحج ولم نقف لهم على حكم مخالفة هذا الترتيب غير ما ذكره ابن قدامة من انه يجوز تأخير الحلق والتقصير الى آخر أيام التشريق
(1)
.
مذهب الظاهرية:
فقد حكاه ابن حزم حيث قال «وجائز فى رمى الجمرة والحلق والنحر والذبح وطواف الافاضة.
أن تقدم أيهما شئت على أيهما لا حرج فى شئ من ذلك، روينا عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال يا رسول الله انى حلقت قبل أن أرمى قال:
ارم ولا حرج وآتاه آخر فقال: انى أفضت الى البيت قبل أن أرمى قال: ارم ولا حرج قال فما رأيته يسأل يومئذ عن شئ الا قال افعلوا ولا حرج وعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف بمنى فى حجة الوداع فجاء رجل فقال: يا رسول الله انى لم أشعر فنحرت قبل أن أرمى قال: أرم ولا حرج فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ قدم أو أخر الا قال اصنع ولا حرج
(2)
.
مذهب الزيدية:
وأما الزيدية فقد نصوا على أنه يندب «الترتيب بين الرمى والذبح والحلق أو التقصير» وقد علق صاحب البحر الزخار على ذلك بقوله «قلنا أما بين الرمى والحلق فحتم .. فعلى قولنا لا يحل الحلق قبل الرمى بل يوجب الدم .. ولا شئ فى تقديم الحلق على الذبح، ولم نقف لهم على غير ذلك فى هذه المسألة
(3)
.
مذهب الإمامية:
ويرى الشيعة الإمامية: أن الحاج اذا أفاض من مزدلفة حتى وصل منى فعليه أن يبدأ برمى جمرة العقبة، ثم بالذبح ثم بالحلق. وهذا الترتيب واجب عندهم، غير أنه اذا خالف هذا الترتيب أثم ولا أعادة عليه - ومن ناحية أخرى نصوا على أنه لا يزور البيت لطواف الافاضة الا بعد الحلق أو التقصير. وهذا الترتيب واجب عند الشيعة الإمامية. ولكن لو خالفه وطاف قبل ذلك عامدا لزمه دم شاة، أما ان كان ناسيا فلا يلزمه شئ الا أنه يعيد طوافه
(4)
.
مذهب الإباضية:
يرى الإباضية ان المغيض اذا وصل منى رمى جمرة العقبة ثم يذبح ويحلق والحلق بعد النحر.
ثم يمضى للزيارة (5) أى لطواف الزيارة - وهو طواف الافاضة، هذا هو الترتيب الذى نصوا عليه ولم نقف لهم على مخالفة هذا الترتيب.
5 - أثر طواف الافاضة:
التحلل الأكبر
مذهب الحنفية:
يرى الحنفية أن المحرم اذا أدى طواف الافاضة على وجهه المشروع حل له النساء ولكنهم يقولون أن هذا التحليل ليس بسبب طواف الافاضة ولكن بالحلق السابق عليه «اذ هو
(1)
ج 3 ص 443، 447، 451، 455، 460، 464 المحلى ج 7 ص 181
(2)
البحر الزخار ج 2 ص 345
(3)
المختصر النافع ص 116
(4)
شرح النيل ج 2 ص 377 الى 379، 398، 399
المحلل لا الطواف، الا أنه أخر عمله فى حق النساء
(1)
.
مذهب المالكية:
فقد جاء فى الشرح الكبير للدردير ما نصه:
«وحل به أى بطواف الافاضة ما بقى من نساء وصيد وطيب وهو التحلل الأكبر وهذا بشرط أن يكون قد حلق وسعى
(2)
.
مذهب الشافعية:
وأما الشافعية فانهم يسمون التحلل الأكبر بالتحلل الثانى وهو أثر مباشر لطواف الافاضة عندهم
(3)
.
مذهب الحنابلة:
ويقول ابن قدامة فى بيان مذهب الحنابلة «اذا طاف للزيارة بعد الرمى والنحر والحلق حل له كل شئ حرمه الاحرام، وقد ذكرنا أنه لم يكن قد بقى عليه شئ من المحظور سوى النساء. فهذا الطواف حلل له النساء: قال ابن عمر لم يحل النبى صلى الله عليه وسلم من شئ حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر فأفاض بالبيت ثم حل من كل شئ حرمه. وعن عائشة مثله متفق عليهما. ولا نعلم خلافا فى حصول الحل بطواف الزيارة على الترتيب .. وأنه كان قد سعى مع طواف القدوم وأن لم يكن قد سعى لم يحل حتى يسعى
(4)
.
مذهب الظاهرية:
ومذهب الظاهرية يبينه ابن حزم فيقول:
فان نهضوا من يومهم الى مكة بالبيت سبعا لا خبب فى شئ منها - ثم سعى بين الصفا والمروة سبعا ان كان متمتعا أو أن كان لم يسع بينهما أول دخوله أن كان قارنا فقد تم الحج كله أو القرآن كله وحل لهم الوط ء
(5)
.
مذهب الزيدية:
وقد نص الزيدية على أن الرجل اذا طاف طواف الزيارة حل له الطيب والنساء ان قصر وذبح، فقد أخرج أبو داود والحاكم والبيهقى من حديث أم سلمة فى قصة فيها: (قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا يوم رخص لكم فيه اذا رميتم الجمرة ونحرتم الهدى أنكم قد حللتم من كل شئ الا النساء حتى تطوفوا بالبيت، ويبدو مما أورده الشيعة الزيدية أن الحل مترتب على فعل الطواف كاملا فلو بقى شوط منه أو بعض شوط لم يحل له الوط ء حتى يفعله هو أو نائبه كأصل الحج
(6)
.
مذهب الإمامية:
أما الشيعة الأمامية فقد نصوا «ويحل من كل شئ عند فراغ مناسكه ب «منى» عدا الطيب والنساء والصيد فاذا طاف لحجه حل له الطيب واذا طاف طواف النساء
(7)
حللن له
(8)
.
مذهب الإباضية:
ومذهب الإباضية أن التحلل الأكبر مترتب على طواف الافاضة. وبه يحل للمحرم النساء والطيب والصيد باستثناء صيد الحرم فهو محرم على التأبيد. فقد جاء فى شرح النيل «وحل له غير النساء والطيب والصيد بالتحليل الأصغر بعد الحلق أو التقصير بعد الذبح .. وحل كل حلال - غير صيد الحرم فانه حرام أبدا - بالأكبر وهو طواف الزيارة
(9)
.
(1)
الهداية هامش الفتح ص 174
(2)
الشرح الكبير ج 2 ص 46 - 47.
(3)
المهذب ج 1 ص 230 طبعة الحلبى.
(4)
المغنى ج 3 ص 467
(5)
المحلى ج 3 ص 118
(6)
الروض النضير ج 3 ص 57 - 58
(7)
وهو طواف بعد طواف الافاضة عندهم، الروضة البهية ج 1 ص 187
(8)
المختصر النافع ص 116
(9)
شرح النيل ج 2 ص 399
إفاقة
التعريف بالكلمة:
تستخدم الافاقة فى اللغة بمعنى عام هو الانتقال من حال الى حال أفضل، ومن ثم يقال (أفاق الزمان) اذا أخضب بعد جدب، و (أفاقت الناقة) اذا اجتمعت الفيقة فى ضرعها يعنى وجد اللبن بعد نفاده بالحلبة السابقة.
ولهذا تستخدم مادة (الافاقة) فى المجنون اذا رد اليه عقله.
وفى السكران اذا ذهب عنه سكره، وفى النائم اذا صحا من نومه، وفى المريض اذا شفى وفى المغمى عليه اذا غادرته غشيته حيث يقال:
أفاق الرجل من جنونه ومن سكره ومن نومه ومن مرضه ومن اغمائه
(1)
. وتترتب الأحكام التالية على الافاقة
(2)
:
1 - افاقة المجنون:
الوضوء:
يرى أصحاب المذاهب الفقهية كلها ان أفاقة المجنون تستلزم الوضوء اذا أراد الصلاة لزوال العقل فترة الجنون وزوال العقل ناقض للوضوء.
والوضوء واجب عند الافاقة اذا لم يكن قد وقع للمجنون أو حدث منه ما يوجب الغسل والا فيجب الغسل
(3)
.
الصلاة:
لا يلزم المجنون قضاء ما فاته من صلاة حال جنونه، الا أن يفيق فى وقت الصلاة فيصير كالصبى عند ما يبلغ فى وقت الصلاة فيجب عليه اسقاط الصلوات عن المجنون حال جنونه متفق عليه فى المذاهب كلها لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل
(4)
.
الزكاة:
روى عن جمع من الصحابة فيهم عمر وعلى وعائشة وابن عمر أن الزكاة تجب فى مال المجنون ويخرجها عنه وليه ومقتضى هذا القول أنها تجب عليه أداؤها عند أفاقته اذا لم يكن وليه قد أخرجها فى حال جنونه.
(1)
لسان العرب ج 12 ص 192 - 197 طبع الدار المصرية للتأليف والترجمة والنشر، والقاموس المحيط ج 3 ص 278 المطبعة المصرية سنة 1352 هـ - 1933 م ومختار الصحاح ص 515 مطبعة جامعة القاهرة سنة 1951 م (جامعة فؤاد الأول سابقا).
(2)
سنرجع فى الأحكام التالية الى الكتب الآتية: فى مذهب أبى حنيفة: الهداية لبرهان الدين المرغينانى (ت 593 هـ) وفتح القدير لكمال الدين محمد ابن الهمام (ت 861 هـ) المطبعة الأميرية ببولاق سنة 1315 هـ. وفى مذهب مالك: المدونة الكبرى الجامعة لفقه الامام مالك، وستة عشر جزءا فى ثمان مجلدات، مطبعة السعادة بمصر سنة 1323 هـ. وفى مذهب الشافعى: الأم الجامع لفقه الشافعى المطبعة الأميرية ببولاق سنة 1321 هـ، ومختصر أبى ابراهيم المزنى (ت 264 هـ) فى فقه الامام الشافعى مطبوع على هامش الأم. وفى مذهب ابن حنبل: المغنى لابن قدمة المقدسى (ت 620 هـ) طبع دار المنار 1367 هـ. وفى مذهب الإمامية: شرائح الاسلام للمحقق (ت 676 هـ) طبع دار مكتبة الحياة ببيروت، وكتاب الخلاف فى الفقه لأبى جعفر الطوسى (ت 460 هـ) طبع طهران سنة 1377 هـ. وفى مذهب الزيدية: البحر الزخار لابن المرتضى (ت 840 هـ) مطبعة السعادة بمصر 1366 هـ - 1947 م، وشرح الأزهار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح (ت 840 هـ) مطبعة حجازى بالقاهرة - 1357 هـ، والتاج المذهب للقاضى أحمد بن قاسم اليمانى دار احياء الكتب العربية 136 هـ - 1947 م. وفى المذهب الظاهرى: المحلى لابن حزم (ت 456 هـ) مطبعة النهضة بمصر 1347 هـ. وفى المذهب الاباضى: النبل وشفاء العليل لعبد العزيز بن ابراهيم المصلعبى (مخطوط) وشرح النيل لمحمد بن يوسف أطفيس (ت 1332 هـ) طبع البارونى، والايضاح للشيخ عامر بن على الشماخى.
(3)
راجع الهداية وفتح القدير ج 1 ص 34 الطبعة الأولى والمدونة الكبرى ج 1 ص 12 والأم ج 1 ص 11 ومختصر المزنى ج 1 ص 15 والمغنى ج 1 ص 167 وشرح النيل ج (ص 80 وشرح الأزهار ج 1 ص 96 والخلاف ج 1 ص 21 والمحلى ج 2 ص 3
(4)
راجع مثلا: المغنى لابن قدامة ج 1 ص 416، 417 والأم ج 1 ص 61 والمحلى ج 2 ص 223 وشرائع الاسلام ج 1 ص 69 والنيل ج 1 ص 97 وشرح الأزهار ج 1 ص 336 والهداية وفتح القدير ج 1 ص 464 والمدونة الكبرى ج 1 ص 93 والحديث أخرجه أبو داود وابن ماجة والترمذى وغيرهم، وفيه روايات أخرى متفقة كلها مع هذه الرواية فى المضمون.
وبهذا قال مالك والشافعى وابن حنبل والظاهرية
(1)
، وهم يستشهدون على وجه العموم - بأدلة نقلية وعقلية من أظهرها قوله تعالى:«خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها 2» وفيها عموم لكل صغير وكبير عاقل ومجنون.
أما حديث «رفع القلم .. » السابق فانما أريد به عند القائلين بهذا الرأى رفع الاثم فى العبادات البدنية.
أما أبو حنيفة فقال: تجب الزكاة فى ثماره وزروعه ولا زكاة فى ماله من الذهب والفضة والماشية.
لأن تكليف المالك غير معتبر عنده فى زكاة الزروع والثمار خاصة
(3)
.
أما الزيدية: فان أكثر فقائهم يقولون بوجوبها فى مال المجنون.
يقول صاحب شرح الأزهار متى ثبت اسلام المالك لزمته الزكاة عاقلا كان أو غير عاقل، فيجب على ولى المجنون اخراج الزكاة من ماله، وان كان بعض علماء الزيدية يقولون أنه لا تجب الزكاة فى مال المجنون ومن هؤلاء العلماء زيد بن على والباقر والناصر
(4)
.
أما الإمامية: فيقولون: ان الزكاة تجب على البالغ العاقل الحر المالك المتمكن من التصرف.
وعلى هذا فالأصح فى المجنون عندهم أنه لا زكاة فى ماله الا فى الصامت (الذهب والفضة) اذا أنجر له الوالى استحبابا
(5)
.
ومن ثم يرون أن المجنون لا يضمن عند أفاقته اذا أهمل وليه فى دفع الزكاة عن ماله حال جنونه
(6)
.
وأيضا فان زكاة الفطر لا تجب عندهم على المجنون، لأن التكليف عندهم من شروط وجوبها
(7)
، لكن من زال جنونه قبل رؤية هلال شوال تجب عليه زكاة الفطر
(8)
.
أما الإباضية: فان فقاءهم اختلفوا فى وجوب الزكاة على المجنون وسبب اختلافهم هو اختلافهم فى مفهوم الزكاة الشرعية هل هى عبادة كالصلاة والصوم؟ أم هى حق واجب للفقراء على الأغنياء؟.
والصحيح عندهم أنها واجبة على الصغير والكبير واليتيم والمجنون لعموم الخبر فى قوله عليه السلام (أمرت أن آخذها من أغنيائكم، وأردها على فقرائكم
(9)
.
ومقتضى وجوبها فى مال المجنون حال جنونه أنها تلزم هذا المال بعد أفاقته اذا لم يكن وليه قد دفعها فى حال الجنون.
الصيام
مذهب الحنفية:
قال أبو حنيفة: من جن شهر رمضان كله فلا قضاء عليه عند أفاقته - فان أفاق فى شئ منه قضى الشهر كله، لأنه أدرك جزءا من رمضان وهو عاقل فلزمه صيامه كما لو أفاق فى جزء من اليوم
(10)
.
(1)
انظر المغنى ج 2 ص 622 والمدونة الكبرى ج 2 ص 9 - 10 ومختصر المزنى ج 1 ص 210 والأم ج 2 ص 23 والمحلى ج 5 ص 201
(2)
التوبة 103
(3)
راجع فى تفصيل هذا القول ومناقشات الاستدلال له:
الهداية وفتح القدير ج 2 ص 3 وما بعدها.
(4)
شرح الأزهار ج 1 ص 451
(5)
شرائع الاسلام ج 1 ص 77
(6)
المرجع السابق ص 78
(7)
نفسه ص 91
(8)
نفسه ص 92
(9)
الايضاح ج 2 ص 3 والنيل ج 1 ص 117
(10)
الهداية وفتح القدير ج 2 ص 90
مذهب المالكية:
وقال مالك: من بلغ وهو مجنون جنونا مطبقا، واستمر على ذلك سنين ثم أفاق فانه يقضى كل رمضان كان فى تلك السنين ولا يقضى شيئا من الصلوات
(1)
.
مذهب الشافعية:
وقال الشافعى: لا يقضى المجنون صوما فانه حال جنونه، لأن الجنون معنى يمنع وجوب الصوم أصلا.
مذهب الحنابلة:
ان الجنون اذا وجد فى جميع النهار لم يجب قضاؤه والا فيجب
(2)
.
مذهب الظاهرية:
فيقول ابن حزم: كنا نذهب الى أن الجنون يبطل صوم المجنون ولا قضاء عليه عند افاقته، والحجة فى ذلك حديث «رفع القلم عن ثلاث» .
وكنا نقول: اذا رفع القلم عنه فهو غير مخاطب بصوم ولا بصلاة، ثم تأملنا هذا الخبر بتوفيق الله تعالى - فوجدناه ليس فيه الا ما ذكرنا من أنه غير مخاطب فى حال جنونه حتى يعقل.
وليس فى ذلك بطلان صومه الذى لزمه قبل جنونه، ولا عودته عليه بعد افاقته فوجب أن من جن بعد أن نوى الصوم من الليل فلا يكون مفطرا بجنونه، لكنه فيه غير مخاطب، وقد كان مخاطبا به.
فان أفاق فى ذلك اليوم أو فى يوم بعده من أيام رمضان فانه ينوى الصوم من حينه ويكون صائما، لأنه حينئذ علم بوجوب الصوم عليه، وأما من بلغ مجنونا مطبقا فهذا لم يكن قط مخاطبا ولا لزمته اللشرائع ولا الأحكام، ولم يزل مرفوعا عنه القلم فلا يجب عليه قضاء صوم أصلا.
فاذا عقل فحينئذ ابتدأ الخطاب بلزومه اياه لا قبل ذلك
(3)
.
مذهب الزيدية:
فان الجنون عندهم مرض، ومن ثم يجب على المجنون أن يقضى بعد افاقته ما فاته من صيام رمضان حال جنونه.
والجنون محمول عندهم على المرض فى قوله تعالى «فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيّامٍ أُخَرَ 4.»
مذهب الإمامية:
فان من شروط وجوب الصوم عندهم (كمال العقل) ومن ثم لا يجب على المجنون
(5)
وأيضا لا يجب القضاء عليه عند افاقته.
«فمن فاته شهر رمضان أو شئ منه لجنون فلا قضاء عليه
(6)
.
مذهب الإباضية:
فان المجنون عندهم «لا يقضى ولا يطعم أن جن قبل رمضان وأفاق بعده اذا لم يشاهده
(7)
.
وان جن فى بعضه صام ما أدرك فقط، وقيل:
يقضى ما أدرك، وقيل يقضى ما مضى أيضا لأن من شهد بعضه فقد شهد
(8)
كله لأنه فرض
(9)
واحد.
(1)
المدونة الكبرى ج 1 ص 208
(2)
راجع المغنى ج 3 ص 98.
(3)
المحلى ج 6 ص 226 - 228
(4)
البقرة 185 وراجع البحر الزخار ج 2 ص 256
(5)
شرائع الإسلام ج 1 ص 102
(6)
المرجع السابق ص 104
(7)
يعنى وهو مفيق.
(8)
راجع قول أبى حنيفة السابق فى ذلك.
(9)
النيل ج 1 ص 162.
اقرار المجنون ووصيته وشهادته وطلاقه ويمينه
وسائر تصرفاته
فقهاء المذاهب - وعلى وجه العموم - متفقون على أن من أفاق من جنونه لا يؤاخذ على سائر أقواله وأفعاله التى تفوه بها أو فعلها فى حال جنونه، فلا يؤاخذ باقرار ولا بوصية ولا بقصاص ولا بقذف ولا بتوكيل ولا بطلاق ولا غيرها من التصرفات لحديث (رفع القلم .. ) السابق.
وأيضا لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لما عز حين أقر على نفسه بالزنا (أبك جنون؟) مما يدل على أن المجنون لا يؤاخذ بشئ مما يقوله أو بفعله حال جنونه
(1)
.
لكننا نجد عند الإمامية خاصة شيئا من الخلاف فى اعتبار العقل شرطا فى وجوب حد الزنا خاصة.
حيث يروى المحقق الحلئ أنه لو وطئ المجنون عاقلة وجب عليه الحد رجما أو جلدا عند بعض فقهاء الإمامية، ويعلق عليه بقوله: (وفيه تردد
(2)
.
ويقول أيضا: «ولو زنى المجنون بعاقلة فعليها الحد تاما، وفى ثبوته فى طرف المجنون تردد، والمروى أنه يثبت
(3)
.
2 - أفاقة السكران:
من شرب محرما غزال عقله وقتاما، فهل يؤاخذ عند افاقته بما فاته من العبادات وما يكون قد قاله أو فعله حال سكره؟
الوضوء:
يتفق فقهاء المذاهب جميعا فى وجوب الوضوء على السكران عند افاقته لغلبة السكر على عقله، الا اذا كان قد تلبس بما يوجب الغسل فيجب عليه الغسل
(4)
.
الصلاة:
اتفق فقهاء المذاهب جميعا على أن السكر لا يؤثر فى وجوب الصلاة، ومن ثم فعلى السكران عند افاقته قضاء ما يكون قد فاته من فرائض حال سكره.
ويستوى عندهم فى وجوب القضاء عند الافاقة ألا يكون قد صلى أصلا حال سكره وأن يكون قد صلى الفرائض وهو ذاهب العقل من السكر.
وذلك لقوله تعالى {(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ)}
(5)
حيث لم يبح الله تعالى للسكران أن يصلى حتى يعلم ما يقول، وهذا لا يكون الا عند الافاقة
(6)
.
ومعلوم أن وجوب القضاء عند الافاقة لا يؤثر فى حرمة ما ارتكبه كما لا يؤثر فى وجوب حد الشرب عليه.
الطلاق:
يقع طلاق السكران عند أبى حنيفة وان كان الكرخى والطحاوى من الحنفية قد اختارا أنه
(1)
راجع مثلا فى سائر المذاهب الهداية وفتح القدير ج 3 ص 343 والأم ج 5 ص 234 والمدونة الكبرى ج 6 ص 30 وشرح الأزاهر ج 3 ص 3، 435، 510 والتاج المذهب ج 2 ص 22 وج 4 ص 357 والبحر الزخار ج 3 ص 165 والمغنى ج 5 ص 138 وج 6 ص 102 وج 8 ص 194 وشرائح الاسلام ج 1 ص 165، 195، 206، 259، ج 2 ص 8 والمحلى ج 8 ص 49، 50 وج 10 ص 344
(2)
شرائع الاسلام ج 2 ص 243
(3)
المرجع السابق ص 245 وقارن هذا بحديث ما عز السابق (ابك جنون؟).
(4)
انظر المراجع السابقة فى وجوب الوضوء عند افاقة المجنون.
(5)
النساء 43
(6)
راجع الأم ج 1 ص 60 والمغنى ج 1 ص 401 والمحلى ج 2 ص 234 وشرائع الاسلام ج 1 ص 69 وشرح الأزهار ج 1 ص 337 والايضاح ج 1 ص 545 والنيل ج 1 ص 97
لا يقع طلاقه
(1)
. وذهب مالك أيضا الى وقوع طلاق السكران
(2)
.
وذهب الشافعى أيضا الى وقوع طلاقه، حيث يقول نصا.
ومن شرب خمرا أو نبيذا فأسكره فطلق لزمه الطلاق والحدود كلها والفرائض ولا تسقط المعصية بشرب الخمر والمعصية بالسكر من النبيذ عنه فرضا ولا طلاقا
(3)
.
أما ابن حنبل فقد روى عنه روايتان.
احداهما: يقع طلاقه اختارها أبو بكر الخلال والقاضى - وهو مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة وصاحبيه.
ولقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم (كل الطلاق جائز الا طلاق المعتوه).
والرواية الثانية: لا يقع طلاقه - اختارها أبو بكر عبد العزيز - وهو قول عثمان بن عفان، ولأنه زائل العقل فأشبه المجنون
(4)
.
أما الظاهرية: فان داود الظاهرى يقول بعدم وقوع طلاق السكران
(5)
ويقول ابن حزم:
وطلاق السكران غير لازم وكذلك من فقد عقله بغير الخمر.
«ويستدل ابن حزم لذلك بقوله تعالى {(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)} .
ويقول «فمن أخبر الله تعالى أنه لا يدرى ما يقول فلا يحل أن يلزم شيئا من الأحكام لا طلاقا ولا غيره، ولأنه غير مخاطب
(6)
.
أما الزيدية فهناك خلاف بين علمائهم فى الزام السكران بعد افاقته بطلاقه حال سكره.
حيث يروى ابن المرتضى أولا أن طلاق السكران يقع حيث لم تفرق النصوص الصحيحة عندهم بين السكرئان وغيره، ويحكى أن هذا مذهب القاسمية والناصرية والمؤيد من الزيدية ويستدل ابن المرتضى لصحة هذا الرأى بقوله تعالى {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى)} .
ويقول: فمخاطبتهم حال السكر تقتضى تطليقهم) لكن ابن المرتضى يروى أيضا أن بعض علماء الزيدية الآخرين مثل الامام أحمد بن يحيى ويحيى بن الحسين وغيرهما يقولون: لا يقع طلاق السكران لزوال عقله كالصبى والمجنون
(7)
.
أما الإمامية: فلا يقع عندهم طلاق السكران، لأن من شروط ايقاع الطلاق عندهم أن يكون المطلق عاقلا قاصدا
(8)
.
أما الإباضية فقد ورد فى (شرح النيل) ما نصه:
وطلاق السكران واقع ومحكوم عليه، لا طلاق المجنون اجماعا
(9)
والمفهوم من مجموع كلامهم فى ذلك ان الزام السكران بطلاقه انما هو فى السكران المتعمد لسكر بشرب ما يسكر.
ومن ثم قالوا:
السكران بدواء شربه لا يلزمه طلاق والسكران بشراب نحو الخمر يلزمه
(10)
.
العتق والنذر والبيع والشراء والردة والاقرار
والقتل والقذف والسرقة وسائر التصرفات:
يبدو أن موقف معظم فقهاء المذاهب الثمانية من سائر تصرفات السكران ومن حيث مدى الزامه بها بعد أفاقته - كان متفرعا بصورة عامة على مواقفهم السابقة من ايقاع طلاقه أو عدم ايقاعه.
(1)
البداية وفتح القدير ج 3 ص 340 - 346
(2)
المدولة الكبرى ج 6 ص 29 - 30
(3)
الام ج 5 ص 234
(4)
المغنى ج 7 ص 114 - 115
(5)
المحلى ج 10 ص 29
(6)
المرجع السابق.
(7)
البحر الزخار ج 3 ص 166
(8)
شرائع الإسلام ج 2 ص 53
(9)
شرح النيل ج 3 ص 623
(10)
المرجع السابق.
يقول الشافعى فى هذا: من شرب خمرا أو نبيذا مسكرا فسكر لزمه ما أقر به وفعل مما لله وللآدميين، لأنه ممن تلزمه الفرائض، ولأن عليه حراما وحلالا وهو آثم بما دخل فيه من شرب المحرم.
ولا يسقط عنه ما صنع
(1)
وهكذا ألزم الشافعى السكران بما قاله أو فعله حال سكره مما فيه حق لله أو للآدميين.
وهكذا كان مذهب أبى حنيفة، فيما عدا أنه لم يؤاخذ بردته.
لأن الركن فى الردة هو الاعتقاد، والسكران غير معتقد لما يقول لزوال عقله، فلا يحكم بردته لزوال ركنها لا للتخفيف عنه فى الردة خاصة
(2)
.
أما مذهب مالك فى ذلك فيروى ابن القاسم حين سئل.
أرأيت ظهار السكران من امرأته، أيلزمه الظهار فى قول مالك؟ قال: قال مالك يلزم السكران الطلاق فكذلك الظهار عندى هو لازم له، لأن الظهار انما يجر الى الطلاق
(3)
.
وقد قال مالك: «طلاق السكران ونكاحه وجميع أفعاله جائزة الا الردة فقط، فلا يحكم له فى شئ من أموره بحكم المرتد.
وهو فى هذا يوافق أبا حنيفة فى استثناء الردة خاصة.
أما مذهب ابن حنبل فان ابن قدامه يقول عن السكران بعد أن يذكر تعدد الرواية عن أحمد فى طلاقه «والحكم فى عتقه ونذره وبيعه وشرائه وردته واقراره وقتله وقذفه وسرقته كالحكم فى طلاقه لأن المعنى فى الجميع واحد
(4)
.
أما مذهب الظاهرية فيرى ابن حزم أن السكران لا يؤاخذ عند افاقته بشئ مما قاله أو فعله حال سكره.
ويقول انه يأخذ حكم المجنون فى ذلك تماما.
ويروى أن أبا حنيفة ومالكا والشافعى وغيرهم قد خالفوا فى الحاق السكران بالمجنون ويقول:
وحجتنا فى السكران قول الله تعالى {(لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ)} فمن شهد الله تعالى بأنه لا يدرى فلا يحل أخذه بما لا يدرى
(5)
.
أما الزيدية فانهم يلحقون السكران بالمجنون فى بعض تصرفاته مثل البيع والشراء والهبة والنكاح فلا يجيزون شيئا من هذه الأفعال السابقة اذا انعقدت حال سكره ولا يلزمونه بشئ منها عند افاقته
(6)
.
ولكنهم يختلفون فى شئ من تصرفاته الأخرى حيث يذهب بعضهم الى الحاقه بالمجنون فلا يلزمونه بها.
بينما يذهب آخرون الى الحاقه بالمفيق كما يفعل عدد من أئمة المذاهب السابقة، وقد مر بنا خلاف علمائهم فى ايقاع طلاق السكران وأيضا يقول القاضى اليمانى:
ان الوصية لا تصح من مجنون وتصح من السكران على الأصح كسائر انشاءاته
(7)
.
(1)
الأم ج 3 ص 309
(2)
الهداية وفتح الغدير ج 3 ص 345 - 347 وراجع المحلى ج 10 ص 209
(3)
المدونة الكبرى ج 6 ص 52 وراجع المحلى ج 10 ص 209
(4)
المغنى ج 7 ص 115
(5)
المحلى ج 8 ص 49 - 50
(6)
شرح الأزهار ج 3 ص 3، 435 والتاج المذهب ج 2 ص 22
(7)
التاج المذهب ج 4 ص 357 وان كنا لا نجد فيما يتيسر لنا من فقه الزيدية تفصيلا لكل الامور المختلف فيها من تصرفات لسكران ومدى الزامه بها عند افاقته راجع أبواب الفقه المختلفة فى تصرفات السكران فى الكتب التالية البحر الزخار وشرح الأزهار التاج المذهب.
أما الإمامية فلا يصح عندهم بيع السكران ولا شراؤه ولو رضى بما أمضى بعد افاقته
(1)
كما لا يصح خلعه، ولا ظهاره، ولا اقراره، ولا ينعقد يمينه، ولا تقبل شهادته
(2)
.
وأما نكاح السكران عندهم نفيه تردد، أظهره انه لا يصح ولو أفاق فأجاز وفى رواية اذا زوجت السكرى نفسها ثم أفاقت فرضيت أو دخل بها فأفاقت وأقرته كان ماضيا
(3)
.
أما الإباضية: فقد نصوا على أن الايلاء والظهار والعتق من السكران تقع كما يقع طلاقه فيما سبق لكن لا يصح بيعه وشراؤه، وهبته وتزوجه
(4)
عندهم.
2 - افاقة السكران بغير المحرم:
ما تقدم من الأحكام خاص بافاقته من سكر بمحرم فكان متعديا بسكره أما من سكر بمحرم فكان متعديا بسكره أما من سكر بعذر ولم يكن متعديا بسكره كالمريض يعالج بالمسكر فيسكره والشارب للمسكر غير عالم به.
والمكره على شرب المسكر، وسائر من سكر بسبب مباح فحكمه فى كل تصرفاته حكم المجنون فى عدم مؤاخذته.
3 - افاقة النائم، ما يترتب عليها:
1 - الوضوء:
أن النوم الذى يحتمل معه الحدث هو الناقض فيكون ناقضا للوضوء فيجب الوضوء بعد الافاقة منه واذا نام المتوضئ ثم أفاق من نومه وأراد الصلاة فاذا كان النوم يعتبر ناقضا للوضوء فيجب الوضوء بعد الافاقة منه.
واذا كان النوم لا يعتبر ناقضا للوضوء فلا يجب الوضوء بعد الافاقة منه. انظر تفصيل ذلك فى مصطلح «نواقض الوضوء.
الصلاة:
فقهاء المذاهب متفقون جميعا على أن من فاته شئ من الفرائض لاستغراقه فى النوم فانه يجب عليه أن يصليها متى أفاق من نومه لقوله صلى الله عليه وسلم (انه ليس فى النوم تفريط، انما التفريط فى اليقظة فاذا نسى أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها اذا ذكرها.
وقد حكى ابن حزم وغيره فى ذلك اجماعا متيقنا مبنيا على هذا الحديث برواياته المتعددة المتشابهة فى المعنى
(5)
.
أقوال النائم وأفعاله:
يتفق أصحاب المذاهب الفقهية جميعا على أن النائم لا يؤاخذ بعد افاقته بما يقوله حال استغراقه فى النوم، وذلك لحديث (رفع القلم .. ) السابق فلا يؤاخذ بطلاق أو عتاق أو قذف أو هبة أو غير ذلك مما يكون قد تفوه به حال تلبسه بالنوم المستغرق الذى لا يعى فيه
(6)
.
أما ما يأتيه من أفعال يترتب عليها ضرر لغيره فان كان الضرر متعلقا بمال غيره فهو ضامن لما يتلفه حال نومه - أنظر مصطلح ضمان - وان كان الضرر يتعلق بنفس الغير أو بالاطراف - انظر مصطلح قتل افاقة المغمى عليه:
(انظر مادة اغماء).
(1)
شرائع الاسلام ج 1 ص 165
(2)
شرائع الاسلام ج 2 ص 71، 75، 112، 120، 232
(3)
المرجع السابق ص 8
(4)
انظر شرح النيل ج 3 ص 623
(5)
راجع مثلا: المحلى ج 2 ص 234 - 245، وج 8 ص 49 - 50 والمغنى ج 1 ص 400 وج 5 ص 138 وج 7 ص 664 وشرائع الاسلام ج 1 ص 69 وج 2 ص 53 والايضاح ج 1 ص 545 والنيل ج 1 ص 97 وشرح النيل ج 4 ص 132 وشرح الأزهار ج 1 ص 337 سائر كتب مختلف المذاهب الفقهية.
(6)
راجع الأبواب الفقهية فى الكتب السابقة للمذاهب الثمانية.
إفتاء
التعريف فى اللغة:
افتاء مصدر فعله أفتى الثلاثى المزيد بالهمزة، فأصل مادته فتى، جاء فى لسان العرب
(1)
:
الفتاء الشباب، والفتى والفتية، الشاب والشابة والفعل فتو بضم التاء - يفتو فتاء، وقد فتى - بالكسر - يفتى - بالفتح - فتى فهو فتى السن بين الفتاء، يقال: افتاء فى الأمر ابانه له، وأفتى الرجل فى المسألة واستفتيته فيها فأفتانى افتاء. ويقال أفتيت فلانا رؤيا رآها اذا عبرتها له، وأفتيته فى مسألة اذا أجبته عنها، وفى الحديث أن قوما تفاتوا اليه معناه تحاكموا اليه وارتفعوا اليه فى الفتيا ومن ذلك قول الطرماح: انفتح بفتاء أشد من عدى، ومن جرم وهم أهل التغانى أى التحاكم وأهل الافتاء والفتياتيين المشكل من الأحكام، أصله من الفتى وهو الشاب الحدث الذى شب وقوى فكأنه يقوى ما أشكل ببيانه فيشب ويصير فتيا قويا، وأصله من الفتى وهو الشاب الحدث الذى شب وقوى فكانه يقوى ما أشكل ببيانه فيشب ويصير وأصله من الفتى وهو الحديث السن وأفتى المفتى اذا أحدث حكما، فى الحديث: الأثم ما حاك فى صدرك وان أفتاك الناس قال عنه وأفتوك أى جعلوا لك فيه رخصة وجوازا وقال أبو اسحاق فى قول الله عز وجل «فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً 2» أى فاسألهم سؤال تقرير أهم أشد خلقا أم من خلقنا من الأمم السالفة وقول الله عز وجل «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ 3» أى يسألونك سؤال تعلم. والفتيا والفتوى بضم الفاء فيهما. والفتوى بالفتح ما أفتى به الفقيه.
التعريف فى اصطلاح الفقهاء:
لا يكاد الفقهاء فى استعمالاتهم كلمة افتاء يخرجون على المعنى اللغوى فقد جاء فى حاشية ابن عابدين على الدر المختار
(4)
ان الافتاء هو الافادة بالحكم الشرعى وجاء فى تتمة الروض النضير: ان الافتاء أخبار عما علمه المفتى من حكم الله أو ظنه والأخبار عن الله لا عن دليل ولا امارة افتراء على الله وقد قال الله عز وجل «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ 5 كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ -} وجاء فى الحطاب
(6)
: ان الافتاء هو الأخبار عن حكم شرعى لا على وجه الالزام قيل ولا حاجة الى القيد الأخير لأنه ذكر للاحتراز عن القضاء، والفتوى بالفتح والضم والفتح لأهل المدينة قاله فى المحكم وهو الجارى على القياس، والفتيا بالضم وكلها اسم لما افتى به الفقيه، وفى تهذيب الفروق بهامش الفروق
(7)
:
ان الفتوى هى محض أخبار عن الله تعالى فى الزام أو اباحة والحكم أخبار مآله الانشاء والالزام أى التنفيذ والامضاء لما كان قبل الحكم فتوى.
(1)
انظر لسان العرب للامام العلامة أبى الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور الافريقى المصرى ج 13 ص 145 وما بعدها مادة فتى طبع طابع مطبعة دار بيروت للطباعة والنشر سنة 1374 هـ وسنة 1955 م الطبعة الأولى.
(2)
الآية رقم 22 من سورة الصافات.
(3)
الآية رقم 176 من سورة النساء.
(4)
الدر المختار شرح تنوير الابصار على رد المحتار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 4 ص 315 وما بعدها الطبعة الثالثة طبع مطابع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 هـ.
(5)
الآية رقم 21 من سورة الانعام.
(6)
انظر مواهب شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل لأبى عبد الله محمد بن يوسف الشهير بالمواق ج 1 ص 32 وما بعدها طبع مطابع السعادة بمصر سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
(7)
تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية لمؤلف العالم الفاضل الشيخ محمد بن على بن المرحوم الشيخ حسين مفتى المالكية على الفروق للامام شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس بن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى فى كتاب ج 1 ص 86 وما بعدها طبع مطابع مطبعة دار احياء الكتب العربية الطبعة الأولى.
هل المستفتى يجب عليه الفتوى:
كان السلف
(1)
من الصحابة والتابعين يكرهون التسرع فى الفتوى ويود كل واحد منهم ان يكفيه اياها غيره فاذا رأى انها قد تعينت عليه بذل جهوده فى معرفة حكمها من الكتاب والسنة أو قول الخلفاء الراشدين ثم أفتى، وقال عبد الله بن المبارك حدثنا سفيان عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال أدركت عشرين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما كان منهم محدث الا ود أن أخاه كفاه الحديث ولا مفت الا ود أن أخاه كفاه الفتيا، وقال الامام أحمد حدثنا جرير عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن بن أبى ليلى قال أدركت عشرين ومائة من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما منهم رجل يسأل عن شئ الا ود أن أخاه كفاه.
ولا يحدث حديثا الا ود أن أخاه كفاه، وقال مالك عن يحيى بن سعيد أن بكير بن الأشج أخبره عن معاوية بن أبى عياش أنه كان جالسا عند عبد الله بن الزبير وعاصم بن عمر رضى الله تعالى عنهما فجاءهما محمد بن اياس بن البكر فقال أن رجلا من أهل البادية طلق امرأته ثلاثا فماذا تريان فقال عبد الله ابن الزبير أن هذا الأمر مالنا فيه قول فاذهب الى عبد الله بن عباس وأبى هريرة فانى تركتهما عند عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم ثم ائتنا فأخبرنا فذهبت فسألتهما فقال ابن عباس رضى الله تعالى عنه لأبى هريرة أفته يا أبى هريرة فقد جاءتك معضلة فقال أبو هريرة الواحدة تبينها والثلاث تحرمها حتى تنكح زوجا غيره، وقال مالك عن يحيى بن سعيد قال: قال ابن عباس أن كل من أفتى الناس فى كل ما يسألونه عنه لمجنون قال مالك وبلغنى عن ابن مسعود مثل ذلك رواه ابن وضاح عن يوسف بن عدى عن عبيد بن حميد عن الأعمش عن شفيق عن عبد الله ورواه حبيب ابن ثابت عن أبى وائل عن عبد الله وقال سحنون ابن سعيد أجرأ الناس على الفتيا أقلهم علما يكون عند الرجل الباب الواحد من العلم يظن أن الحق كله فيه، وفى البحر الرائق
(2)
: أن المفتى ان لم يكن غيره تعين عليه الافتاء وان كان هناك غيره فهو فرض كفاية ومع هذا لا يحل التسارع الى ما لا يتحقق وفى كشف الأسرار للبزدوى
(3)
:
الاجتهاد ثلاثة أنواع: فرض عين وفرض كفاية وندب.
أما الأولى ففى حالتين، احداهما: اجتهاد المجتهد فى حق نفسه فيما نزل به لأن المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره فى حق نفسه ولا فى حق غيره.
والثانية: اجتهاد فى حق غيره اذا تعين عليه الحكم فيه بأن ضاق وقت الحادثة. فانه يجب على الفور حينئذ.
وأما الثانى ففى حالتين، احداهما اذا نزلت حادثة بأحد فاستفتى أحد العلماء كان الجواب فرضا على جميعهم وأخصهم بفرضه من خص بالسؤال عن الحادثة فان أجاب واحد سقط الفرض عن جميعهم وان أمسكوا مع ظهور الجواب والصواب لهم أثموا وان أمسكوا مع التباسه عليهم عذروا ولكن لا يسقط عنهم الطلب وكان فرض الجواب باقيا عند ظهور الصواب.
والحالة الثانية: أن يتردد الحكم بين قاضيين مشتركين فى النطق فيكون فرض الاجتهاد مشتركا بينهما فأيهما تفرد بالحكم سقط الفرض وأما الثالث ففى حالتين أيضا.
احداهما: أن يجتهد العالم قبل نزول الحادثة ليسبق الى معرفة حكمها قبل
(1)
انظر أعلام الموقعين عن رب العالمين للشيخ الامام العلامة شمس الدين أبى عبد الله محمد بن أبى بكر المعروف بابن القيم الجوزية المتوفى سنة 571 هـ ج 1 ص 27، ص 28 وما بعدهما طبع مطابع مطبعة ادارة الطباعة المنيرية.
(2)
انظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق للامام الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم وبهامشه حواشى منحة الخالق للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 6 ص 290 وما بعدها طبع مطابع المطبعة العلمية بمصر سنة 1310 هـ الطبعة الأولى.
(3)
انظر المجلد الأول من كشف الأسرار لعبد العزيز البخارى على أصول الامام فخر الاسلام أبى الحسن على بن محمد حسين البزدوى ج 4 ص 134 وما بعدها طبع مطابع مطبعة مكتب الصنائع سنة 1307 هـ بمصر.
نزولها والثانية أن يستفتيه سائل قبل نزولها به فيكون الاجتهاد فى الحالتين ندبا كذا فى القواطع. وفى الحطاب
(1)
: قال ابن سلمون فى وثائقه سئل ابن رشد فى الفتوى وصغة المفتى فقال الذى أقول به فى ذلك أن الجماعة التى تنسب الى العلوم يتميز عن جملة العوام بالمحفوظ والمفهوم تنقسم على ثلاث طوائف. طائفة منهم اعتقدت صحة مذهب مالك تقليدا بغير دليل فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه فى مسائل الفقه دون التفقه فى معانيها بتمييز الصحيح منها والسقيم وطائفة اعتقدت صحة مذهبه بما بأن لها من صحة أصوله التى بناه عليها فأخذت أنفسها بحفظ مجرد أقواله وأقوال أصحابه فى مسائل الفقه وتفقهت فى معانيها الصحيح منها الجارى على أصوله من السقيم الخارج الا أنها لم تبلغ درجة التحقيق بمعرفة قياس الفروع على الأصول وطائفة اعتقدت صحة مذهب بما بأن لها أيضا من صحة أصوله لكونها عالمة بأحكام القرآن عارفة بالناسخ والمنسوخ والمفصل والمجمل والخاص من العام عالمة بالسنن الواردة فى الأحكام مميزة بين صحيحها من معلومها عالمة بأقوال العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء الأمصار وبما اتفقوا عليه واختلفوا فيه عالمة من علم اللسان بما يفهم به معانى الكلام عالمة بوضع الأدلة فى مواضعها فأما الطائفة الأولى فلا يصح لها الفتوى بما علمته وحفظته من قول مالك وقول أحد من أصحابه اذ لا علم عندها بصحة شئ من ذلك اذ لا يصح الفتوى بمجرد التقليد من غير علم ويصح لها فى خاصتها ان لم تجد من يصح لها أن تستفتيه أى يقلد مالكا أو غيره من أصحابه فيما حفظته من أقوالهم وان لم يعلم من نزلت به نازلة من يقلده فيها من قول مالك وأصحابه فيجوز للذى نزلت به نازلة أن يقلده فيما حكاه له من قول مالك فى نازلته ويقلد مالكا فى الأخذ بقوله فيها وذلك أيضا اذا لم يجد فى عصره من يستفتيه فى نازلته فيقلده فيها وان كانت النازلة قد علم فيها اختلافا من قول مالك وغيره فأعلمه بذلك كان حكمه فى ذلك حكم العامى اذا استفتى العلماء فى نازلته فاختلفوا عليه فيها وقد اختلف فى ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها أنه يأخذ بما شاء من ذلك والثانى أنه يجتهد فى ذلك فيأخذ فى ذلك بقول أعلمهم والثالث انه يأخذ بأغلظ الأقوال وأما الطائفة الثانية فيصلح لها اذا استفتيت أن تفتى بما علمته من قول مالك وقول غيره من أصحابه اذا كانت قد بانت لها صحته كما يجوز لها فى خاصتها الأخذ بقوله اذا بانت لها صحته ولا يجوز لها أن تفتى بالاجتهاد فيما لا تعلم فيه نصا من قول مالك أو قول غيره من أصحابه وان كانت قد بانت لها صحته اذ ليست ممن كمل لها آلات الاجتهاد الذى يصح لها بها قياس الفروع على الأصول وأما الطائفة الثالثة فهى التى يصح لها الفتوى عموما بالاجتهاد والقياس على الأصول التى هى الكتاب والسنة واجماع الأمة بالمعنى الجامع بينها وبين النازلة وعلى ما قيس عليها أن قدم القياس عليها ومن القياس جلى وخفى لأن المعنى الذى يجمع بين الأصل والفرع قد يعلم قطعيا بدليل قاطع لا يحتمل التأويل وقد يعلم بالاستدلال فلا يوجب الا غلبة الظن ولا يرجع الى القياس الخفى الا بعد القياس الجلى وهذا كله يتفاوت العلماء فى التحقيق بالمعرفة به تفاوتا بعيدا وتفترق أحوالهم أيضا فى جودة الفهم لذلك وجودة الذهن فيه افتراقا بعيدا اذ ليس العلم الذى هو الفقه فى الدين بكثرة الرواية والحفظ وانما نور يضعه الله تعالى حيث يشاء فمن اعتقد فى نفسه أنه ممن تصح له الفتوى بما أتاه الله عز وجل من ذلك النور المركب على المحظوظ المعلوم جاز له أن استفتى واذا اعتقد الناس فيه ذلك جاز له أن يفتى فمن الحق للرجل أن لا يفتى حتى يرى نفسه أهلا لذلك ويراه الناس أهلا له على ما حكى مالك عن ابن هرمز، وقال ابن عرفة فى شرط الفتوى لا ينبغى لطالب العلم أن يفتى حتى
(1)
انظر مواهب الجليل وبهامشه التاج والاكليل الشهير بالمواق ج 6 ص 94، 95 وما بعدها الطبعة السابقة وتهذيب الفروق للقرافى ج 2 ص 127، ص 128 وما بعدها الطبعة السابقة.
يراه الناس أهلا للفتوى وقال سحنون الناس هنا هم العلماء قال ابن هرمز ويرى هو نفسه أهلا لذلك وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا وهذا شأن الفتيا فى الزمن المتقدم وأما اليوم فقد خرق هذا السياج وهان على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح ولسوا عليهم اعترافهم بجيلهم وأن يقول أحدهم لا أدرى فلا جرم آل الحال بالناس الى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال والمجترئين على دين الله تعالى، وأما العامى
(1)
اذا عرف حكم حادثة بدليلها فهل له أن يفتى به ويسوغ لغيره تقليده ففيه أوجه للشافعية وغيرهم، أحدها لا يجوز مطلقا لعدم أهلية لذلك وعدم علمه بشروطه وما يعارضه ولعله يظن ما ليس بدليل دليلا وهذا هو الأصح فى بحر الزركشى، ثانيها: نعم يجوز مطلقا لأنه قد حصل له العلم كما للعالم وتميز العالم عنه لقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له أمر زائد على معرفة الحق بدليله، ثالثا: ان كان الدليل كتابا أو سنة جاز والا لم يجز لأنهما خطاب لجميع المكلفين فيجب على المكلف العمل بما وصل اليه منهما وارشاد غيره اليه، رابعهما: ان كان نقليا جاز والا فلا قال السبكى وأما العامى الذى عرف من المجتهد حكم مسألة ولم يدر دليلها كمن حفظ مختصرا من مختصرات الفقه فليس له أن يفتى ورجوع العامى اليه اذا لم يكن سواه أولى من الارتباك فى الحيرة وكل هذا فيمن لم ينقل عن غيره أما الناقل فلا يمنع فاذا ذكر العامى أن فلانا المفتى أفتانا بكذا لم يمنع من نقل هذا القدر أهـ. لكن ليس للذكور له العمل به على ما فى الزركشى لا يجوز للعامى أن يعمل بفتوى مفت لعامى مثله أفاد جميع هذا أمير الحاج فى موضعين من شرحه على التحرير الأصولى مع زيادة وتوضيح المقام على ما يرام أن الافتاء كان فى القرون الثلاثة التى شهد لها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله خير القرون قرنى ثم الذين يلونهم من خواص المجتهد المطلق ضرورة أن الاجتهاد استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم والفقيه هو المجتهد المطلق. وفى المجموع للنووى
(2)
: تعليم الطالبين وافتاء المستفتين فرض كفاية فان لم يكن هناك من يصلح الا واحد تعين عليه وان كان جماعة يصلحون فطلب ذلك من أحدهم فامتنع فهل يأثم؟ ذكروا وجهين فى المفتى والظاهر جريانهما فى المعلم وهما كالوجهين فى امتناع أحد الشهود والأصح لا يأثم ثم قال فى موضع آخر
(3)
: والافتاء فرض كفاية فاذا استفتى وليس من الناحية غيره تعين عليه الجواب فان كان فيها غيره وحضروا فالجواب فى حقهم فرض كفاية وان لم يحضر غيره فوجهان أصحهما لا يتعين والثانى يتعين ولو سأل عامى عما لم يقع لم يجب جوابه وفى الاقناع
(4)
: كان السلف الصالح يأبون الفتيا ويشددون فيها ويتدافعونها وأنكر أحمد وغيره على من يهجم على الجواب وقال لا ينبغى أن يجيب فى كل ما يستفتى فيه وقال اذا هاب الرجل شيئا لا ينبغى أن يحمل على أن يقول وقال لا ينبغى للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال احداها أن تكون له نية فان لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور. الثانية أن يكون له حلم ووقار وسكينة، الثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته الرابعة: الكفاية والا بغضه الناس، الخامسة: معرفة الناشئ، ثم
(1)
انظر تهذيب الفروق للقرافى ج 2 ص 118 وما بعدها فى كتاب الطبعة السابقة.
(2)
انظر المجموع شرح المهذب للامام الفقيه الحافظ أبى زكريا محيى الدين المتوفى سنة 23 هـ ويليه تلخيص الخبير فى تخريج احاديث الرافعى الكبير للامام الحافظ الحجة أبى الفضل أحمد بن على بن فخر العسقلانى المتوفى 852 هـ، وما بعدها طبع مطابع مطبعة التضامن الأخوى الدمشقى.
(3)
انظر المجموع شرح المهذب ج 1 ص 45 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
انظر الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل تأليف قاضى دمشق العلامة المتجر شيخ الاسلام المحقق أبى النجا شرف موسى الحجاوى المقدسى المتوفى سنة 968 هـ ج 4 ص 370، ص 371 وما بعدها طبع مطابع المطبعة الأزدرية بمصر.
قال
(1)
: ولا يلزم جواب السائل عن شئ لم يكن وقع لكن يستحب اجابته وكذلك لا يلزمه جواب ما لا يحتمله السائل ولا ما لا يقع فيه وله رد الفتيا ان خاف غائلتها أو كان فى البلد من يقوم مقامه والا لم يجز لكن ان كان الذى يقوم مقامه معروفا عند العامة مفتيا وهو جاهل تعين الجواب على العالم قال فى عيون المسائل الحكم يتعين بولايته حتى لا يمكنه رد محتكمين اليه ويمكنه رد من يستشهره وان كان محتملا شهادة فنادر أن لا يكون سواه.
وأما فى الحكم فلا ينوب البعض عن البعض ولا يقول لمن ارتفع اليه أمضى الى غيرى من الحكام. أهـ ومن قوى عنده مذهب غير امامه أفتى به وأعلم السائل قال أحمد: اذا أتت المسألة ليس فيها أثر فأفت فيها بقول الشافعى ذكره النووى فى تهذيب الأسماء واللغات فى ترجمة الشافعى.
وفى الأحكام لابن حزم الظاهرى
(2)
: قال أبو محمد قال الله تعالى {وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا 3 كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} فبين الله عز وجل فى هذه الآية وجه التفقه كله وأنه ينقسم قسمين. أحدهما: يخص المرء فى نفسه وذلك مبين فى قول الله تبارك وتعالى:
«وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ 3» فهذا معناه تعليم أهل العلم لمن حكم ما يلزمه والثانى تفقه من أراد وجه الله تعالى بأن يكون منذرا لقومه قال الله تبارك وتعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 4» ففرض على كل احد طلب ما يلزمه على حسب ما يقدر عليه من الاجتهاد لنفسه فى تعرف ما ألزمه الله تعالى اياه.
ثم قال ابن حزم
(5)
: وفرض على الامام أن يرتب أقواما لتعليم الجهال واذا انتدب لذلك من يقوم بالتعليم فقد سقط عن باقيهم الا ما يلزمه أى فى خاصة نفسه وفرض على جميع المسلمين أن يكون فى كل قرية أو مدينة أو حصن من يحفظ القرآن كله ويعلمه للناس ويقرؤه اياهم لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقراءته فصح أن النفار فرض على الجماعة كلها حتى يقوم بها بعضهم فيسقط عن الباقين.
وفى تتمة الروض
(6)
النضير: المفتى حاك عن الله تعالى حكمه الذى شرعه لعباده فلا يجوز له أن يخبر عن الله عز وجل حكمه ودينه الذى شرعه لعباده الا اذا كان خبره مطابقا لما شرعه والا كان قائلا على الله بلا علم قال الله تبارك وتعالى: «وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ 7 الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتاعٌ قَلِيلٌ 8 وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ» وجاء فى الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أفتى بغير علم كان اثمه على من أفتاه) وجاء أيضا فى الحديث (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) وقد كان السلف الصالح يهابون من التورط فى الفتيا ويخافون من الوقوع فيها غاية الخوف حتى قال بعض السلف ليتق أحدكم أن يقول أحل الله كذا وحرم كذا خشية أن يقول الله له كذبت لم أحل كذا
(1)
المرجع السابق ج 4 ص 372 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الأحكام فى أصول الأحكام للحافظ أبى محمد على ابن حزم الاندلسى الظاهرى ج 5 ص 128 وما بعدها طبع مطابع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1345 هـ.
(3)
الآية رقم 122 من سورة التوبة.
(4)
الآية رقم 43 من سورة النحل.
(5)
الأحكام فى أصول الحكام لابن حزم الظاهرى ج 5 ص 122 وما بعدها طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1345 هـ.
(6)
انظر تتمة الروض النضير شروح مجموع الفقه الكبير تأليف القاضى شرف الدين الحسين بن أحمد بن الحسين بن أحمد بن على بن محمد بن سليمان بن صالح السباعى الجيمى الصنعانى ص 145 وما بعدها طبع مطابع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1347 هـ.
(7)
الآية رقم 116 من سورة النحل.
(8)
الآية رقم 117 من سورة النحل.
ولم أحرم كذا كل ذلك خشية الحكم بغير ما أنزل وحتى قال حذيفة انما يفتى الناس أحد ثلاثة: من يعلم ما نسخ من القرآن أو امرؤ لا يجد بدأ أو أحمق متكلف.
وفى الروضة البهية
(1)
: أنه اذا تحققت فى المفتى الصفات التى يجب توافرها وجب على الناس الترافع اليه وقبول قوله والتزام حكمه لأنه مغصوب من الامام عليه السلام على العموم بقوله: أنظروا الى رجل منكم قد روى حديثنا وعرف أحكامنا فأجعلوه قاضيا، فانى قد جعلته قاضيا فتحاكموا اليه وفى بعض الأخبار فلترضوا به حاكما فاذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فانما بحكم الله استخف وعلينا رد، والراد علينا راد على الله، وهو على حد الشرك بالله عز وجل فمن عدل عنه الى قضاة الجور كان عاصيا فاسقا لأن ذلك كبيرة عندنا ففى مقبول عمر بن حنظلة، من تحاكم الى طاغوت فحكم له فانما يأخذ سحتا، وان كان حقه ثابتا لأنه أخذه بحكم الطاغوت وقد أمر الله أن يكفر بها ومثله كثيرا.
وفى طلعة الشمس
(2)
: أن من التابعين من كان يفتى ومنهم من كان يقبل ومنهم من يقرر وظهر عنهم الأمر بالاستفتاء والفتيا هذا هو العمدة فى جواز الفتيا قال وهو أظهر أمر فى الاجماع، وفى موضع آخر
(3)
: تحدث عن افتاء العامى بقول امامه فقال يجوز لضعيف العلم حكاية قول العالم فى الأحكام بلا خلاف بين العلماء لأن ذلك ضرب من الأخبار ولا خلاف فى صحته عند الضبط والاتقان ولكن الخلاف فى جواز افتائه بقول العالم الذى أخذ عنه تلك الفتيا وذلك بأن يسوق الكلام مساق الجزم بالحكم فيقول هذا حلال وهذا حرام مثل فقيل بجواز ذلك مطلقا واشترط بعضهم فى هذا القول أن يكون المفتى انما يفتى بنص قول امامه وقيل لا يجوز مطلقا لأنه ليس أهلا للافتاء وقيل ان كان مطلعا على مأخذ امامه جاز له ذلك وصح له التخريج على مذهب امامه وقيل انما يجوز للمخرج الافتاء بتخريجه عند عدم المجتهد لا مع وجوده فى تلك الناحية اذ لا يجوز العمل بالأضعف مع امكان الأقوى.
والصحيح أن فتوى الضعيف بنص عبارة المفتى جائزة فى غيبة المفتى وفى حضرته عرف عدلها أو لم يعرف اذا كان واثقا بمن أخذ عنه لأن ذلك ليس بأشد من علمه فاذا جاز له أن يعمل بقول المفتى جاز له أن يفتى به اذ لا فرق بينهما أما الفتوى بالتخريج من مذهب المفتى فلا تصح الا من المطلع على المأخذ العارف بالأدلة ومواردها اذ لا يكون التخريج الا لمن يكون من أهل النظر فمن كان من أهل النظر والاستدلال جاز له التخريج على مذهب العالم وهو مذهب الامام الكدمى وجمهور المشارقة والمغاربة حلافا لمن منع ذلك والله أعلم.
انبناء الفتوى على الاستفتاء دون تحقيق الوقائع:
جاء فى حاشية ابن عابدين
(4)
: شرط بعض الفقهاء أن يكون المفتى متيقظا احترازا عمن غلب عليه الغفلة والسهو وهذا شرط لازم فى زماننا فان العادة اليوم أن من صار بيده فتوى المفتى استطال على خصمه وقهره بمجرد قوله
(1)
انظر الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 237 وما بعدها طبع مطابع مطبعة دار الكتاب العربى بمصر طبع الطبعة الأولى.
(2)
انظر شرح طلعة الشمس على الألفية المسماه بشمس الأصول لناظمها أبى محمد عبد الله بن حميد السالمى وقد ظهر هامشه بكتابين خليلين الأول بهجة الأنوار شرح أنوار العقول فى التوحيد، والثانى الحج المقنعة فى أحكام صلاة الجعة لمؤلفه أبى محمد عبد الله بن محمد السالمى ج 2 ص 294 وما بعدها طبع مطابع مطبعة الموسوعات بشارع باب اللوق بمصر.
(3)
المرجع السابق طلعة الشمس على الألفية المسماه بشمس الأصل أبى محمد عبد الله محمد حميد السالمى ج 2 ص 365 وما بعدها طبع مطبعة الموسوعات بمصر.
(4)
انظر الدر المختار شرح تنوير الابصار للشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 4 ص 41 وما بعدها الطبعة السابقة.
أفتانى المفتى بأن الحق معى والخصم جاهل لا يدرى ما فى الفتوى فلا بد أن يكون المفتى متيقظا يعلم حيل الناس ودسائسهم فاذا جاءه السائل يقرره من لسانه ولا يقول له ان كان كذا فالحق معك وان كان كذا فالحق مع خصمك لأنه يختار لنفسه ما ينفعه ولا يعجز عن اثباته بشاهدى زور بل الأحسن أن يجمع بينه وبين خصمه فاذا ظهر له الحق مع أحدهما كتب الفتوى لصاحب الحق والتحرز من الوكلاء فى الخصومات فان احدهم لا يرضى الا باثبات دعواه بأى وجه أمكن ولهم مهارة فى الحيل والتزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل بصورة الحق فاذا أخذ الفتوى قهر خصمه ووصل الى غرضه الفاسد فلا يحل للمفتى أن يعينه على ضلاله وقد قالوا من جهل بأهل زمانه فهو جاهل.
وقد يسأل عن أمر شرعى وتدل القرائن للمفتى المتيقظ أن مراده التوصل به الى غرض فاسد كما شهدناه كثيرا والحاصل أن غفلة المفتى يلزم منها ضرر عظيم فى هذا الزمان والله تعالى المستعان.
وفى البحر الرائق
(1)
: ليكن المفتى متنزها عن خوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن حسن التصرف ويحرم عليه التساهل فى الفتوى واتباع الحيل ان فسدت الأغراض، وان سئل عن
(2)
الاخوة فصل فى جوابه ابن الأبوين أو لأب أو لأم وان كان فى الفريضة عول قال الثمن عائلا وان كان فى الورثة من يسقط بحال دون حال بينه ويكتب تحت الفتوى الصحيحة ان عرف أنها لأهل الجواب صحيح ونحوه وله أن يجيب ان رأى ذلك ويختصر وان جهل حاله فان لم يظهر له فله أمره بابدالها فان تعسر أجاب بلسانه ولا يجوز له الافتاء بالقول المهجور ولجر منفعة ولا يرجو عليه دينا ويقرأ المسألة بالبصيرة مرة بعد مرة حتى يتضح له السؤال ثم يجيب واذا لم يتضح السؤال سأل عن المستفتى.
وفى الفروق للقرافى
(3)
: كل شئ أفتى فيه لمجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الاجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلى السالم عن المعارض الراجح لا يجوز للمقلد أن ينقله للناس ولا يفتى به فى دين الله تعالى فان هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى لا تقره شرعا اذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا والفتيا بغير شرع حرام فالفتيا بهذا الحكم حرام.
وفى الحطاب
(4)
: لا يجوز للمفتى أن يتساهل فى الفتوى ومن عرف بذلك لم يجز ان يستفتى والتساهل قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى أو الحكم قبل استيفاء حقه من النظر والفكر وربما يحمله على ذلك توهمه أن الاسراع براعة والابطاء عجز ولأن يبطئ ولا يخطئ بخطئ أجمل به من أن يعجل فيضل ويضل.
وقد يكون تساهله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو المكروهة بالتمسك بالشبه طلبا للحرص على من يروم نفعه أو التغليظ على من يروم ضره.
قال ابن الصلاح ومن فعل ذلك فقد هان عليه دينه قال وأما اذا صح قصد المفتى واحتسب فى طلبه حيلة لا شبهة وفيها لا تجر الى مفسدة ليخلص بها المفتى من ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل.
وقال القرافى اذا كان فى المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل فلا ينبغى للمفتى
(1)
انظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم وبهامشه الحواشى المسماه بمنحة الخالق ج 6 ص 290، 291 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لابن نجيم وبهامشه حاشية ابن عابدين ج 6 ص 293 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر الفروق للقرافى ج 2 ص 109 الطبعة السابقة.
(4)
انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل فى كتاب ج 6 ص 91، 92 وما بعدها الطبعة السابقة.
أن يفتى العامة بالتشديد والخواص وولاة الأمور بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة فى الدين والتلاعب بالمسلمين وذلك فراغ القلب من تعظيم الله تعالى واجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقرب الى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين والحاكم كالمفتى فى هذا.
وفى المجموع
(1)
: أنه يحرم التساهل فى الفتوى ومن عرف به حرم استفتاؤه فمن التساهل أن لا يتثبت ويسرع فى الفتوى قبل استيفاء حقها من النظر والفكر فان تقدمت معرفته بالمسئول عنه فلا بأس بالمبادرة وعلى هذا يحمل ما نقل عن الماضيين من مبادرة ومن التساهل أن يحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحرمة أو المكروهة والتمسك بالشبه طلبا للترخيص لمن يروم نفعه أو التغليظ على من يريد ضره.
وأما من صح قصده فاحتسب فى طلب حيلة لا شبهة فيها للتخليص من ورطة يمين ونحوها فذلك حسن جميل وعليه يحمل ما جاء عن بعض السلف من نحو هذا لقول سفيان انما العلم عندنا الرخصة من ثقة فأما التشديد فيحسنه كل أحد ومن الحيل التى فيها شبهة ويذم فاعلها الحيلة السريجية فى سد باب الطلاق.
وفى المجموع
(2)
أيضا: أنه لا يجوز أن يفتى فى الايمان والاقرار ونحوهما مما يتعلق بالألفاظ الا أن يكن من أهل بلد اللافظ أو متنزلا منزلتهم فى الخبرة بمرادهم من ألفاظهم وعرفهم فيها.
وجاء فى موضع آخر
(3)
: أنه ليس للمفتى أن يكتب الجواب على ما عمله من صورة الواقعة اذا لم يكن فى الوقعة تعرض له بل يكتب جواب ما فى الوقعة فان أراد جواب ما ليس فيها فليقل ان كان الأمر كذا فجوابه كذا واستحب العلماء أن يزيد على ما فى الوقعة ماله تعلق بها مما يحتاج اليه السائل لحديث «هو الطهور ماؤه الحل ميتته» ليتأمل
(4)
الوقعة تأملا شافيا وآخرها أكد أن السؤال فى آخرها وقد يتقيد الجمع بكلمة فى آخرها ويغفل عنها:
قال الصيمرى قال بعض العلماء ينبغى أن يكون توقفه فى المسألة السهلة كالصعبة ليعتاده وكان محمد بن الحسن يفعله واذا وجد كلمة مشتبهة سأل المستفتى عنها ونقلها وشكلها وكذا ان وجد لحنا فاحشا أو خطأ يحمل المعنى أصلحه وان رأى بياضا فى أثناء سطر أو آخره خط عليه أو شغله لأنه ربما قصد المستفتى به الايذاء فى البياض بعد فتواه ما يفسدها كما يلى به القاضى أبو حامد المروزى ثم قال فى موضع آخر
(5)
: اذا ظهر للمفتى أن الجواب خلاف غرض المستفتى وأنه لا يرضى بكتابته فى ورقته فليقتصر على مشافهته بالجواب وليحذر أن يميل فى فتواه مع المستفتى أو خصمه.
ووجوه الميل كثيرة لا تخفى ومنها أن يكتب فى جوابه ما هو له ويتحرك ما عليه وليس له أن يبدأ فى مسائل الدعوى والبينات بوجوه المخالص منها.
واذا سألهم أحدهم وقال بأى شئ تندفع دعوى كذا وكذا أو بينة كذا وكذا ولم يجبه كيلا يتوصل بذلك الى ابطال حق وله أن يسأل عن حاله فيما أدعى عليه فاذا شرحه له عرفه بما فيه من دافع وغير دافع.
قال الصيمرى وينبغى للمفتى اذا رأى للسائل طريقا يرشده اليه أن ينبهه عليه يعنى ما لم يضر
(1)
انظر المجموع شرح المهذب للامام العلامة أبى زكريا محيى الدين شرف النووى ج 1 ص 46 الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق شرح المهذب لابن شرف النووى ج 1 ص 46 طبع مطابع مطبعة التضامن الأخوى.
(3)
المرجع السابق لأبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ج 1 ص 48 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق شرح المهذب للنووى ج 1 ص 48 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق شرح المهذب للنووى ج 1 ص 50 وما بعدها الطبعة السابقة.
غيره ضررا بغير حق قال كمن حلف لا ينفق على زوجته شهرا يقول يعطيها من صداقها أو قرضا أو بيعا ثم يبريها.
كما حكى أن رجلا قال لأبى حنيفة رحمه الله تعالى، حلفت أنى أطأ امرأتى فى نهار رمضان ولا أكثر ولا أعصى فقال سافر بها، ثم قال
(1)
: انه اذا لم يفهم المفتى السؤال أصلا ولم يحضر صاحب الواقعة فقال الصيمرى يكتب يزاد فى الشرح ليجيب عنه أو لم أفهم ما فيها فأجيب قال وقال بعضهم لا يكتب شيئا أصلا قال ورأيت بعضهم كتب فى هذا يحضر السائل لتخاطبه شفاها.
وقال الخطيب ينبغى له اذا لم يفهم الجواب أن يرشد المستفتى الى مفت آخر ان كان والا فليمسك حتى يعلم الجواب.
قال الصيمرى واذا كان فى رقعة الاستفتاء مسائل فهم بعضها دون بعض أو فهمها كلها ولم يرد الجواب فى بعضها أو احتاج فى بعضها الى تأمل أو مطالعة أجاب على ما أراد وسكت عن الباقى وقال لنا فى الباقى نظرا وتأمل أو زيادة نظر.
ثم قال
(2)
: قال الصيمرى وأبو عمر: اذا سئل عن ميراث فليست العادة أن يشترط فى الورثة عدم الرق والكفر والقتل وغيرها من موانع الميراث بل المطلق محمول على ذلك بخلاف ما اذا أطلق الأخوة والأخوات والأعمام وبنيهم فلا بد أن يقول فى الجواب من أب وأم أو من أب أو من أم.
واذا سئل عن مسألة عول كالمنبرية وهى زوجة وأبوان وبنتان فلا يقل للزوجة الثمن ولا التسع لأنه لم يطلقه أحد من السلف بل يقل لها الثمن عائلا وهى ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين أولها ثلاثة أسهم من سبعة وعشرين أو يقول ما قاله أمير المؤمنين على بن أبى طالب رضى الله تعالى عنه صار ثمنها تسعا.
واذا كان فى المذكورين فى رقعة الاستفتاء من لا يرث أفصح بسقوطه فقال وسقط فلان وان كان سقوطه فى حال دون حال قال وسقط فلان فى هذه الصورة أو نحو ذلك لئلا يتوهم أنه لا يرث بحال واذا سئل عن اخوة وأخوات أو بنين وبنات فلا ينبغى أن يقول للذكر مثل حظ الانثيين فان ذلك قد شكل على العامى بها يقول يقتسمون التركة على كذا وكذا سهما لكل ذكر كذا وكذا سهما ولكل أنثى كذا وكذا سهما.
قال الصيمرى قال الشيخ ونحن نجد فى تعمد العدل عن حزازة فى النفس لكونه لفظ القرآن العزيز وأنه أقل ما يخفى معناه على أحد وينبغى أن يكون فى جواب مسائل المناسخات شديد التحرز والتحفظ وليقل فيها لفلان كذا وكذا ميراثه عن أبيه ثم من أمه ثم من أخيه قال الصيمرى وكان بعضهم يختار أن يقول لفلان كذا وكذا سهما ميراثه عن أبيه كذا وعن أمه كذا وعن أخيه كذا وقل وكان هذا قريب قال الصيمرى وغيره حسن أن يقول تقسم التركة بعد اخراج ما يجب تقديمه من دين أو وصية ان كانا.
وجاء فى موضع آخر
(3)
: قال الصيمرى والخطيب رحمهم الله تعالى.
واذا سئل فقيه عن مسألة من تفسير القرآن العزيز فان كانت متعلقة بالأحكام أجاب عنها وكتب خطه بذلك كمن سئل عن الصلاة الوسطى والقرء ومن بيده عقدة النكاح وان كانت ليست من مسائل الأحكام كالسؤال عن الرقيم والنقير
(1)
المرجع السابق وبه فتح العزيز شرح الوجيز ومعه التلخيص الكبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير ج 1 ص 52 الطبعة السابقة.
(2)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 51 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر المجموع شرح المهذب لابن شرف الدين النووى مع فتح العزيز شرح الوجيز لأبى القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعى ج 1 ص 53 وما بعدها طبع مطبعة التضامن الأخوى ادارة الطباعة المنيرية.
والقطمير والغسلين رده الى أهله ووكله الى من نصب نفسه له من أهل التفسير ولو أجاب شفاها لم يستقبح هذا كلام الصيمرى والخطيب ولو قيل أنه يحسن كتابته للفقيه العارف به لكان حسنا أى وفرق بينه وبين مسائل الأحكام، وجاء فى موضع
(1)
آخر.
ليس بمنكر أن يذكر المفتى فى فتواه الحجة اذا كانت نصا واضحا مختصرا قال الصيمرى لا يذكر الحجة ان أفتى عاميا ويذكرها ان أفتى فقيها كمن يسأل عن النكاح بلا ولى فحسن أن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا نكاح الا بولى» أو عن رجعة المطلقة بعد الدخول فيقول له رجعتها قال الله تبارك وتعالى «وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ 2» قال ولم تجر العادة أن يذكر فى فتواه طريق الاجتهاد ووجهة القياس والاستدلال الا أن تتعلق الفتوى بقضاء قاض فيومئ فيها الى طريق الاجتهاد ويلوح بالنكتة وكذا اذا أفتى غيره فيها بغلط فيفعل ذلك لينبه على ما ذهب اليه ولو كان فيما يفتى به غموض فحسن أن يلوح بحجته وقال صاحب الحاوى لا يذكر حجة ليفرق بين الفتيا والتصنيف قال ولو ساغ التجاوز الى قليل لساغ الى كثير ولصار المفتى مدرسا.
والتفصيل الذى ذكرناه أولى من اطلاق صاحب الحاوى المنع: وقد يحتاج المفتى فى بعض الوقائع الى أن يشدد ويبالغ فيقول وهذا اجماع المسلمين أولا أعلم فى هذا خلافا أو فمن خالف هذا فقد خالف الواجب وعدل عن الصواب أو فقد أثم وفسق أو على ولى الأمر أن يأخذ بهذا ولا يهمل الأمر وما أشبه هذه الألفاظ على حسب ما تقتيضيه المصلحة وتوجيه الحال، وجاء فى المجموع
(3)
.
وقال الصيمرى اذا رأى المفتى المصلحة أن يفتى العامى بما فيه تغليظ وهو مما لا يعتقد ظاهره وله فيه تأويل جاز ذلك زجرا له كما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما أنه سئل عن توبة القاتل فقال لا توبة له وسأله آخر فقال له توبة فقال اما الأول فرأيت فى عينه ارادة القتل فمنعته وأما الثانى فجاء مستكينا قد قتل فلم أقنطه:
قال الصيمرى وكذا أن سأله رجل فقال ان قتلت عبدى هل على قصاص فواسع أن يقول ان قتلت عبدك قتلناك فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «من قتل عبده قتلناه» ولأن القتل له معان قال ولو سئل عن سب الصحابى هل يوجب القتل فواسع أن يقول روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من سب أصحابى فاقتلوه فيفعل كل هذا زجرا للعامة ومن قل دينه ومروءته، وجاء فى موضع آخر
(4)
.
قال الصيمرى والخطيب اذا سئل عمن قال انا أصدق من محمد بن عبد الله أو الصلاة لعب وشبه ذلك فلا يبادر لقوله هذا حلال الدم أو عليه القتل بل يقول ان صح هذا باقراره أو بالبينة استتابه السلطان فان تاب قبلت توبته وان لم يتب فعل به كذا وكذا وبالغ فى ذلك وأشبعه قال وان سئل عمن تكلم بشئ ويحتمل وجوها يكفر ببعضها دون بعض قال يسأل هذا القائل فان قال أردت كذا فالجواب كذا وان سئل عمن قتل أو قلع عينا أو غيرها احتاط بذكر الشروط التى يجب بجميعها القصاص. وان سئل فعل ما يوجب التعزير ذكر ما يعزر به فيقول يضربه السلطان. كذا وكذا ولا يزاد على كذا.
هذا كلام الصيمرى والخطيب وغيرهما.
قال أبو عمر ولو كتب عليه القصاص أو التعزيز
(1)
المجموع شرح المهذب لابن شرف النووى ج 1 ص 51 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الآية رقم 228 من سورة البقرة.
(3)
المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 50 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 1 ص 49، 50 وما بعدها الطبعة السابقة.
بشرط فليس ذلك باطلاق بل تقييده بشرطه يحمل الوالى على السؤال على شرطه والبيان أولى.
وفى الاقناع
(1)
أنه يحرم الحكم والفتيا بالهوى اجماعا وليحدر المفتى أن يميل فى فتياه مع المستفتى أو مع خصمه، مثل أن يكتب فى جوابه ما هو له دون أن يكتب ما هو عليه ونحو ذلك وليس له أن يبتدئ فى مسائل الدعاوى والبينات بذكر وجوه المخالص منها وان سأله بأى شئ تندفع دعوى كذا وكذا.
وبينة كذا وكذا لم يجب لئلا يتوصل بذلك الى أبطال حق، وله أن يسأله عن حاله فيما ادعى عليه فاذا شرحه له عرفه بما فيه من دافع وغير دافع، ويحرم الحكم والفتيا بقول أو وجه من غير نظر فى الترجيح اجماعا ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه اجماعا قاله الشيخ.
ولا يشترط كون القاضى كاتبا أو ورعا أو زاهدا أو يقظا أو مثبتا للقياس أو حسن الخلق والأولى كونه كذلك - قال الشيخ: الولاية لها ركنان القوة والأمانة.
فالقوة فى الحكم ترجع الى العلم بالعدل وتنفيذ الحكم.
والأمانة ترجع الى خشية الله
(2)
.
ثم قال ويلزم المفتى تكرير النظر عند تكرار الواقعة وان حدث ما لا قول فيه - تكلم فيه حاكم ومجتهد ومضت وينبغى له أن يشاور من عنده ممن يثق بعلمه الا أن يكون فى ذلك افشاء سر السائل أو تعرضه للأذى أو مفسدة لبعض الحاضرين.
وحقيق أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح، ولا يجوز أن يلقى السائل فى الحيرة مثل أن يقول فى مسألة الفرائض تقسم على فرائض الله، أو يقول فيها قولان ونحوه بل يبين بيانا مزيلا للاشكال لكن ليس عليه أن يذكر المانع فى الميراث من الكفر وغيره وكذلك فى بقية العقود من الاجارة والنكاح وغير ذلك فلا يجب أن يذكر الجنون والاكراه ونحو ذلك.
والعامى يخير فى فتواه فيقول مذهب فلان كذا ويقلد العامى من عرفه عالما عدلا أو رآه منتصبا معظما ولا يقلد من عرفه جاهلا عند العلماء ويكفيه قوله عدل خبير.
قال ابن عقيل يجب سؤال أهل الفقه والخبر فان جهل عدالته لم يجز تقليده، ويقلد ميتا وهو كالاجماع فى هذه الأعصار وقبلها.
وفى الأحكام
(3)
لابن حزم: قال واذا سئل العالم عن مسألة فأعيته أو نزلت به نازلة فأعيته فانه يلزمه أن يسأل الرواة عن أقوال العلماء.
فى تلك المسألة النازلة ثم يعرض تلك الأقوال على كتاب الله تعالى وكلام النبى صلى الله عليه وسلم كما أمره الله تعالى بقوله: «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ 4 إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» وإذ يقول الله عز وجل «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ 5 مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ» وقول الله تبارك وتعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا 6 أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً» فمن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليرد ما اختلف فيه من الدين إلى القرآن والسنة الواردة عن النبى صلى الله عليه وسلم ولا يرد ذلك إلى رجل من المسلمين لم يؤمر بالرد اليه وفى الروض النضير
(7)
: يجب أن يكون
(1)
الاقناع فى فقه الإمام أحمد بن حنبل ج 4 ص 369 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 370، 371، ص 372 وما بعدهم الطبعة السابقة.
(3)
الأحكام فى أصول الأحكام للحافظ أبى محمد على ابن حزم الأندلسى الظاهرى ج 6 ص 150 وما بعدها طبع مطابع السعادة بمصر سنة 1345 هـ الطبعة الأولى.
(4)
الآية رقم 7 من سورة الأنبياء.
(5)
الآية رقم 10 من سورة الشورى.
(6)
الآية رقم 56 من سورة النساء.
(7)
انظر تتمة الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير ص 142 وما بعدها الطبعة السابقة.
الحاكم والمفتى مجتهدا بالفعل فى أشخاص مسائل الاستفتاء وفصل الخصومات.
ولا يكفى مجرد تمكنه من الاجتهاد فيها لأن الحكم والافتاء أخبار عما علمه الحاكم.
والمفتى من حكم الله وظنه والأخبار عن الله لا عن دليل ولا امارة افتراء على الله وقد قال الله تبارك وتعالى «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً 1 أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ» }.
ولا يخفى أن أول مطلوب فى أى حكم هو الاستناد الى العلم سواء كان من الكتاب أو من السنة فالعلم به ضرورى
(2)
، وجاء أجرؤكم عن الفتيا أجرؤكم على النار فلا بد أن يكون المنصوب للفتيا مجتهدا بالفعل فى كثير من الأحكام فيجب أن يكون له كمال أهلية الاجتهاد وكمال الممارسة لموارد الأدلة لاشتراط قراءته للقرآن وفقه وأن يكون قد ظهر وتبين كمال اجتهاده الفعلى فى كثير من الأحكام ليتحقق كمال الأهلية لأن المطلوب من الانتصاب للفتيا هو بيان الأحكام الشرعية وغير الممارس وان كانت ملكته قوية يكاد أن يخفى عليه ما هو المتعين للاستناد اليه من الأدلة المعارضة لما استند اليه من تقدمه فى النظر فى دليل الحكم لجواز وجود مخصص للعام أو مقيد للمطلق ونحو ذلك.
وهذا القدر يعترف به كل من جود النظر وكان كامل الأهلية عالى الهمة يقظان ولا يكفى كونه أصوليا وهو المعبر عنه بالمتمكن من الاجتهاد، لأن مجرد تحصيل الأدلة بدون استعمال لها غير مغن لكثرة خطأ غير الممارس أى صناعة كانت كما ذلك معلوم ولا بد أن يكون مستعينا بكثرة الممارسة للفروع المدونة بجميع فتاوى السلف وأقوال العلماء من الخلف وان كان ذلك غير شرط فى الاجتهاد لأنه يزيد المنتصب للفتيا كمالا وثباتا.
وفى الروضة البهية
(3)
.
لا بد أن يكون للمفتى قوة يتمكن لها من رد الفروع الى أصولها واستنباطها منها وهذه هى العمدة فى هذا الباب وتلك القوة بيد الله سبحانه وتعالى يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده.
ولكثرة المجاهدة والممارسة لأهلها مدخل عظيم فى تحصيلها قال الله تبارك وتعالى «وَالَّذِينَ جاهَدُوا 4» فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ»}.
ثم قال فى الروضة
(5)
البهية: ولا بد للمفتى من الاجتهاد فى الأحكام الشرعية وأصولها ويتحقق بمعرفة المقدمات الست وهى الكلام والأصول والنحو والتصريف ولغة العرب وشرائط الأدلة والأصول الأربعة وهى الكتاب والسنة والاجماع ودليل العقل.
وفى طلعة الشمس
(6)
: يلزم المجتهد أن ينظر فى الأدلة ويستخرج حكم القضية فى حالتين:
احداهما اذا سأله سائل عن رأيه فى تلك القضية وكان السئل محتاجا للعمل فيها.
والحالة الأخرى ما اذا شاء المجتهد أن يعمل فى شئ مما يصح الخلاف فيه فانه يلزمه أن ينظر فى أقوى الامارات ويأخذ بمقتضى أرجحهما فان تعارضت معه الأدلة ولم يمكنه الترجيح وجب عليه الوقوف ويلتمس الأرجح ان رجى حصوله فان غلب فى ظنه عدم وجود الأرجح فقيل يطرحها جميعا.
(1)
الآية رقم 21 من سورة الانعام.
(2)
انظر تتمة الروض النضير ص 146، ص 147 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب الروضة البهية شرح للمعة الدمشقية للشهيد السعيد زين الدين الجبعى العامى ج 1 ص 237 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 69 من سورة العنكبوت.
(5)
الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية ج 1 ص 236 وما بعدها الطبعة السابقة.
(6)
انظر طلعة الشمس ج 2 ص 285 وما بعدها الطبعة السابقة.
ويرجع فى تلك الحادثة الى حكم العقل هذا قول محققى المعتزلة وقيل بل ويقلد الأعلم ان كان عنده غيره أعلم منه فى العلوم كلها الفن الذى تلك الحادثة منه.
وقيل يتخير واحدا من الأدلة فيعمل به وقد مر بيان ذلك فى بيان التراجيح والصحيح أنه يكون فى تلك القضية بمنزلة الجاهل فيجب عليه اذا شاء العمل أن يأخذ بقول غيره فيها كما يجب ذلك على الضعيف ويلزم المجتهد البحث فيما استدل به عن ناسخه ومخصصه أى ان كان نصا لم يستدل به حتى يعلم أو يظن أنه غير منسوخ ولا متأول بتأويل يخالف ظاهره وان كان عموما فيبحث عن كونه مخصصا أم غير مخصص.
وحكى عن الصيرفى أنه لا يجب البحث عن ذلك بل يستغنى بما حضر فى ذهنه قال صاحب المنهاج واذا وجب البحث فاعلم أنه ليس يجب عليه استقصاء الأخبار بل يكفى البحث فى كتاب جامع لأخبار الأحكام.
وجملة الأمر ان البحث على وجهين.
أحدهما: أن يوجب عليه استقصاء الأخبار الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يعلم أو يظن انه لم يبق شئ مما روى عنه الا وقد أطلع عليه فلم يجد فيها ما يخصص دليله أو ينسخه والتكليف بذلك شاق غاية المشقة.
بل لو قيل متعذر لم يبعد لكثرة الرواية عنه صلى الله عليه وسلم والرواة حتى خرجت كثرة ذلك عن حد الضبط فى تصحيح الرواية بالتعديل للرواة والنظر فى المجروح والمعدل ومعرفة أحوالهم.
قال وهذا الوجه لم يوجبه أهل التحقيق من علماء الأصول والفروع الى أن قال والوجه الثانى أنه لا يجب عليه البحث الا فيما قد ظهر تصحيحه الى أن قال ثم أنه لا يجب عليه البحث فيما عدا الآيات والأخبار الواردة فى الأحكام الخمسة وقد جمعها أهل الحديث فى كتب منفردة وزعموا أنهم قد استقصوا فيها ما يتعلق بالأحكام حتى لم يبق شئ يدل بمنطوقه ولا مفهومه على حكم شرعى الا وقد ذكروه فيما أفردوه للأحكام.
فحينئذ لا يلزم البحث فى غيرها لأن أخبارهم مثلا بأن هذا الكتاب قد أحاط بأخبار الأحكام يفيد الظن القوى لظهور عدالتهم واطلاعهم.
وحينئذ لا يجب على المجتهد البحث عن المعارض فى النصوص بل اذا قال مصنف الكتاب أنه قد أورد فى كل باب ما يتعلق به من الأخبار لم يلزمه البحث الا فى ذلك الباب لا فى غيره من أبواب ذلك الكتاب.
فى ظنه ان غلب فى ظنه صحة ما ادعاه وذلك حيث لا يكون للمسألة تعلق ببابين أو ثلاثة فان تعلقت كذلك بحث فى كل باب لها به تعلق فهذا هو الذى يلزم المجتهد البحث فيه من الأخبار.
قال واما اذا استدل بالقياس فتعارضت عليه الأشباه فالواجب عليه أن لا يبحث عن كل ما يجوز تعلق ذلك الفرع به من الأصول حيث كان له شبه بأصول متعددة أو تعارضت العلل التى يحتمل التعليق بها فيرجع الى التراجيح بين الأشباه فما حصلت فيه أغلبية الشبه عمل بها.
وكذلك فى ترجيح العلل يعمل به حتى يرجح ما يختاره فهذا هو الذى يلزم المجتهد فى اجتهاده هذا كلامه مع حذف بعضه وهو ظاهر الحسن.
واعلم أنه اذا تكررت الواقعة من المسائل الاجتهادية وكان قد اجتهد فيها وأداه نظره فيها الى حكم لم يلزمه عند تكررها تكرير النظر فى وجه استنباطه بل يكفيه النظر الأول اذا كان ذاكرا لما كان قضى به رأيه فيها.
وقال صاحب الملل والنحل بل يلزمه تكرير النظر لأنه يجوز أن يؤديه نظره الثانى الى أقوى من اجتهاده الأول بخلاف المسائل العلمية.
وطريق العلم لا يختلف فلا يلزمه اعادة النظر فيها.
ورد بأنه قد اجتهد فيها الاجتهاد الأول والأصل عدم أمر آخر يقتضى بطلان الاجتهاد الأول فيبقى عليه قال صاحب المنهاج.
ويؤيد ذلك ان من تحرى القبلة فى مسجد أو غيره فأداه تجزيه الى جهة أنه لا يلزمه اعادة التحرى لكل صلاة يؤديها فى ذلك المكان بل يكفيه التحرى الأول وهو نوع من الاجتهاد فيلزم مثله فى سائر الاجتهادات والله أعلم.
هل الفتوى يلزم العمل بها:
قال ابن عابدين
(1)
فى حاشيته على البحر:
المفتى على مذهب اذا افتى يكون الشئ كذا على مذهب امام ليس له أن يقلد غيره ويفتى بخلافه لأنه محض تشه وقال أيضا أنه بالتزامه مذهب امام يكلف به ما لم يظهر له غيره والمقلد لا يظهر له. هـ. قلت وفى التحرير لابن الهمام مسألة لا يرجع فيما قلد فيه أى عمل به اتفاقا وهل يقلد غيره فى غيره المختار نعم للقطع بأنهم كانوا يستفتون مرة واحدا ومرة غيره غير ملتزمين مفتيا واحدا فلو التزم مذهبا معينا كأبى حنيفة والشافعى فهى يلزمه الاستمرار عليه.
فقيل نعم وقيل لا وقيل كمن لم يلتزم أن عمل بحكم تقليدا لا يرجع عنه وفى غيره له تقليد غيره وهو الغالب على الظن لعدم ما يوجبه شرعا ويتخرج منه جواز اتباعه للرخص.
ولا يمنع منه مانع شرعى اذ للانسان أن يسلك الأخف عليه اذا كان له اليه سبيل بأن لم يكن عمل بالآخر فيه، وفى فتح القدير:
قد استقر رأى الأصوليين على أن المفتى هو المجتهد وأما غير المجتهد فمن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفت والواجب عليه اذا سئل ان يذكر قول المجتهد كأبى حنيفة على جهة الحكاية فعرف ان ما يكون فى زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى بل هو نقل كلام المفتى ليأخذ به المستفتى وطريق نقله كذلك عن المجتهد أحد أمرين اما أن يكون له فيه سند اليه أو يأخذه من كتاب معروف تداولته الأيدى نحو كتب محمد بن الحسن ونحوها من التصانيف المشهورة للمجتهدين لأنه بمنزلة الخبر المتواتر عنهم أو المشهور هكذا.
ذكر الرازى فلو كان حافظا للأقاويل المختلفة للمجتهدين ولا يعرف الحجة ولا قدرة له على الاجتهاد للترجيح لا يقطع بقول منها يفتى به بل يحيكها للمستفتى فيختار المستفتى ما يقع فى قلبه أنه الأصوب ذكره فى بعض الجوامع وعندى انه لا يجب عليه حكاية كلها بل يكفيه أن يحكى قولا منها فان المقلد له أن يقلد أى مجتهد شاء فاذا ذكر أحدها فقلده حصل المقصود.
نعم لا يقطع عليه فيقول جواب مسألتك كذا بل يقول قال أبو حنيفة حكم هذا كذا نعم لو حكى الكل فالأخذ بما يقع فى قلبه أنه الأصوب أولى والعامى لا عبرة بما يقع فى قلبه من صواب الحكم وخطئه وعلى هذا اذا استفتى فقيهين أعنى مجتهدين فاختلفا عليه الأولى ان يأخذ بما يميل اليه قلبه منهما وعندى أنه لو أخذ بقول الذى لا يميل اليه قلبه جاز لأن ميله وعدمه سواء والواجب عليه تقليد مجتهد وقد فعل، وفى الدر المختار وحاشية ابن عابدين
(2)
عليه: ان الأصح كما فى السراجية وغيرها ان يفتى بقول الامام على الاطلاق ثم بقول الثانى ثم بقول الثالث ثم بقول زفر والحسن بن زياد وصحح فى الحادى القدسى قوة المدرك وقال ابن عابدين: قد جعل
(1)
رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار للعالم العلامة الشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين المعروف بحاشية بان عابدين الشرح المذكور ج 6 ص 29 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 1 ص 50، 51، 52 وما بعدها الطبعة السابقة.
العلماء الفتوى على قول الامام الأعظم فى العبادات مطلقا وهو الواقع بالاستقراء ما لم يكن عنه رواية كقول المخالف كما فى طهارة الماء المستعمل والتيمم فقط عند عدم غير نبيد التمر كذا فى شرح المنية الكبير للحلبى فى بحث التيمم وقد صرحوا بأن الفتوى على قول محمد فى جميع مسائل ذوى الأرحام وفى قضاء الأشباه والنظائر الفتوى على قول أبى يوسف فيما يتعلق بالقضاء كما فى القنية والبزازية. أى لحصول زيادة العلم له به بالتجربة ولذا رجع أبو حنيفة عن القول بأن الصدقة أفضل من حج التطوع.
لما حج وعرف مشقته وفى شرح البيرى أن الفتوى على قول أبى يوسف أيضا فى الشهادات وعلى قول زفر فى سبع عشرة مسئلة حررتها فى رسالة.
وينبغى أن يكون هذا عند عدم ذكر أهل المتون للتصحيح والا فالحكم بما فى المتون.
كما لا يخفى لأنها صارت متواترة. واذا كان فى مسألة قياس واستحسان فالعمل على الاستحسان الا فى مسائل معدودة مشهورة.
وفى باب قضاء الفوائت من البحر المسألة اذا لم تذكر فى ظاهر الرواية وثبتت فى رواية أخرى تعين المصير اليها أهـ.
وفى آخر المستصفى للامام النسفى اذا ذكر فى المسألة ثلاثة أقوال فالراجح هو الأول أو الأخير لا الوسط أهـ.
وفى شرح المنية ولا ينبغى أن يعدل عن الدراية اذا وافقتها رواية أهـ ذكره فى واجبات الصلاة فى معرض ترجيح رواية وجوب الرفع من الركوع والسجود للأدلة الواردة.
مع أنها خلاف الرواية المشهورة عن الامام، وفى وقف البحر وغيره متى كان فى المسألة قولان مصححان جاز القضاء والافتاء بأحدهما.
وفى أول المضمرات أما العلامات للافتاء فقوله وعليه الفتوى وبه يفتى وبه نأخذ وعليه الاعتماد وعليه عمل اليوم وعليه عمل الأمة وهو الصحيح أو الأصح والأظهر أو الأشبه أو الأوجه أو المختار ونحوها مما ذكر فى حاشية البزدوى أهـ قال ابن عابدين قوله وفى وقف البحر - الخ هذا محمول على ما اذا لم يكن لفظ التصحيح فى أحدهما أكد من الآخر فلا يخبر بل يتبع الآكد.
وينبغى تقييد التخيير أيضا بما اذا لم يكن أحد القولين فى المتون لما قدمناه آنفا عن البيرى.
ولما فى قضاء الفوائت من البحر من أنه اذا اختلف التصحيح والفتوى فالعمل به وافق المتون أولى وكذا لو كان أحدهما فى الشروح والآخر فى الفتاوى لما صرحوا به من أن ما فى المتون مقدم على ما فى الشروح وما فى الشروح مقدم على ما فى الفتاوى لكن هذا عند التصريح بتصحيح كل من القولين أو عدم التصريح أصلا.
أما لو ذكرت مسألة فى المتون ولم يصرحوا بتصحيحها بل صرحوا بتصحيح مقابلها فقد أفاد العلامة قاسم ترجيح الثانى لأنه تصحيح صريح وما فى المتون تصحيح التزامى والتصحيح الصريح مقدم على التصحيح الالتزامى أى التزام المتون ذكر ما هو الصحيح فى المذهب وكذا لا تخيير لو كان أحدهما قول الامام والآخر قول غيره لأنه لما تعارض التصحيحان تساقطا فرجعنا الى الأصل وهو تقديم قول الامام بل فى شهادات الفتاوى الخيرية المقرر عندنا أنه لا يفتى ويعمل الا بقول الامام الأعظم ولا يعدل عنه الى قولهما أو قول أحدهما أو غيرهما الا لضرورة لمسألة المزارعة.
وأن صرح المشايخ بأن الفتوى على قولهما لأنه صاحب المذهب والامام للقدم ومثله فى البحر عند الكلام على أوقات الصلاة.
وفيه من كتاب القضاء يحل الافتاء بقول الامام بل يجب وان لم يعلم من أين قال، وكذا لو عللوا أحدهما دون الآخر.
كان التعليل ترجيحا للمعلل كما أفاده الرملى فى فتاواه من كتاب الغصب.
وكذا لو كان أحدهما استحسانا والآخر قياسا لأن الأصل تقديم الاستحسان الا فيما استثنى كما قدمناه.
فيرجع اليه عند التعارض، وكذا لو كان أحدهما ظاهر الرواية وبه صرح فى كتاب الرضاع من البحر حيث قال فى الفتوى اذا اختلفت كان الترجيح الظاهر الرواية وفيه من باب المعرف - اذا اختلف التصحيح وجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع اليها وكذا لو كان أحدهما أنفع للوقف لما سيأتى فى الوقف - والاجارات أنه يفتى بكل ما هو أنفع للوقف فيما اختلف العلماء به.
وكذا لو كان أحدهما قول الأكثرين لما قدمناه عن الحاوى والحاصل أنه اذا كان أحد القولين مرجح على الآخر فيبقى فيه زيادة قوة لم توجد فى الآخر.
هذا ما ظهر لى من فيض الفتاح العليم.
وقال فى الدر المختار
(1)
: أنه اذا تعارض أمامان معتبران عبر أحدهما بالصحيح والآخر بالأصح فالأخذ بالصحيح أولى لأنهما اتفقا على أنه صحيح والأخذ بالمتفق أوفق فليحفظ ثم رأيت فى رسالة آداب المفتى اذ زيلت رواية فى كتاب معتمد بالأصح أو الأولى أو الأوفق أو نحوها فله أن يفتى بها ويخالفها أيضا ايا شاء واذا ذيلت بالصحيح أو المأخوذ به أو به يفتى أو عليه الفتوى لم يفت بمخالفه الا اذا كان فى الهداية مثلا هو الصحيح فى الكافى بمخالفه هو الصحيح فيخير فيختار الأقوى عنده والألبق والأصلح.
فليحفظ وحاصل ما ذكره الشيخ قاسم فى تصحيحه أنه لا فرق بين المفتى والقاضى الا أن المفتى مخبر عن الحكم والقاضى ملزم به - أى الحكم والفتيا.
ولا يجوز العمل بالضعيف حتى لنفسه عندنا، وفى حكم التقليد والرجوع عنه بالقول المرجوح جهل وخرق للاجماع وأن الحكم الملفق باطل بالاجماع قال ابن عابدين قوله وان الحكم والفتيا الى آخره قال وكذا العمل به لنفسه.
قال العلامة الشرنبلالى فى رسالته العقد الفريد فى جواز التقليد مقتضى مذهب الشافعى كما قاله السبكى منع العمل بالقول المرجوح فى القضاء والافتاء دون العمل لنفسه.
ومذهب الحنفية المنع عن المرجوح حتى لنفسه لكون المرجوح صار منسوخا فليحفظ وقيده البيرى بالعامى أى الذى لا رأى له يعرف به معنى النصوص حيث قال هل يجوز للانسان العمل بالضعيف من الرواية فى حق نفسه نعم اذا كان له رأى اما اذا كان عاميا فلم أره لكن مقتضى تقييده بذى الرأى أنه لا يجوز للعامى ذلك قال فى خزانة الروايات العالم الذى يعرف معنى النصوص والأخبار وهو من أهل الدراية يجوز له أن يعمل عليها.
وان كان مخالفا لمذهب قلت لكن هذا فى غير موضع الضرورة فقد ذكر فى حيض البحر فى بحث ألوان الدماء أقوالا ضعيفة ثم قال وفى المعراج عن فخر الأئمة لو أفتى مفت بشئ من هذه الأقوال فى مواضع الضرورة طلبا للتيسير كان حسنا.
وكذا قول أبى يوسف رحمه الله تعالى فى المنى اذا خرج بعد فتور الشهوة لا يجب به الغسل ضعيف وأجازوا العمل به للمسافر أو الضيف الذى خاف الريبة كما سيأتى فى محله.
وذلك فى مواضع الضرورة قوله بالقول المرجوح كقول محمد رحمه الله تعالى مع وجود
(1)
المرجع السابق وحاشية ابن عابدين عليه ج 1 ص 52 وما بعدها الطبعة السابقة.
قول أبى يوسف رحمه الله تعالى اذا لم يصحح أو يقو وجهه وأولى من هذا بالبطلان الافتاء بخلاف ظاهر الرواية اذا لم يصحح والافتاء بالقول المرجوح عنه أهـ قوله وان الحكم الملفق المراد بالحكم الحكم الوضعى كالصحة مثاله متوضئ سال من بدنه دم ولمس امرأة ثم صلى فان صحة هذه الصلاة ملفقة من مذهب الشافعى والحنفى والتلفيق باطل فصحته منتفية أهـ قوله وان الرجوع الى آخره صرح بذلك المحقق بن الهمام رحمه الله تعالى فى تحريره ومثله فى أصول الأمدى وابن الحاجب وجمع الجوامع وهو محمول كما قال ابن حجر والرملى فى شرحيهما على المنهاج.
وابن قاسم فى حاشيته على ما اذا بقى من آثار الفعل السابق أثر يؤدى الى تلفيق العمل بشئ لا يقول به كل من المذهبين كتقليد الشافعى فى مسح بعض الرأس ومالك فى طهارة الكلب فى صلاة واحدة وكما لو أفتى ببينونة زوجته بطلاقها مكرها ثم نكح أختها مقلدا للحنفى بطلاق المكره ثم أفتاه شافعى بعدم الحنث فيمتنع عليه أن يطأ الأولى مقلدا للشافعى.
والثانية مقلدا للحنفى أو هو محمول على منع التقليد فى تلك الحادثة بعينها لا مثلها كما صرح به الامام السبكى وتبعه عليه جماعة وذلك كما لو صلى ظهرا بمسح ربع الرأس مقلدا للحنفى فليس له ابطالها باعتقاده لزوم مسح الكل مقلدا للمالكى.
وأما لو صلى يوما على مذهب وأراد أن يصلى يوما آخر على مذهب آخر فلا يمنع منه على أن فى دعوى الاتفاق نظرا فقد حكى الخلاف فيجوز اتباع القائل بالجواز كذا أفاده العلامة الشرنبلالى فى العقد الفريد ثم قال بعد ذكر فروع من أهل المذهب صريحة بالجواز وكلام طويل فتحصل مما ذكرناه انه ليس على الانسان التزام مذهب معين وأنه يجوز له العمل بما يخالف ما عمله على مذهبه مقلدا فيه غير امامه مستجمعا شروطه ويعمل بأمرين متضادين فى حادثتين لا تعلق الواحدة منهما بالأخرى وليس له ابطال عين ما فعله بتقليد امام آخر لأن امضاء الفعل كامضاء القاضى لا ينقض وقال أيضا ان له التقليد بعد العمل كما اذا صلى ظانا صحتها على مذهبه ثم تبين بطلانها فى مذهبه وصحتها على مذهب غيره فله تقليده ويجتزئ بتلك الصلاة على ما قال فى البزازية أنه روى عن أبى يوسف رحمه الله تعالى أنه صلى الجمعة مغتسلا من الحمام ثم أخبر بفأرة ميتة فى بئر الحمام فقال نأخذ بقول اخواننا من أهل المدينة اذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا قوله وان الخلاف بين الامام وصاحبيه فيما اذا قضى بغير رأيه عمدا هل ينفذ فعنده نعم فى أصح الروايتين عنه وعندهما لا كما فى التحرير وقال شارحه نص فى الهداية والمحيط على أن الفتوى على قولهما بعدم النفاذ فى العمد والنسيان وهو مقدم على ما فى الفتاوى الصغرى والخانية من ان الفتوى على قوله لأن المجتهد مأمور بالعمل بمقتضى ظنه اجماعا وهذا خلاف ظنه أهـ.
وقد استشكل بعضهم هذه المسألة على قول الأصوليين أن المجتهد اذا اجتهد فى واقعة بحكم يمتنع عليه تقليد غيره فيما اتفاقا والخلاف فى تقليده قبل اجتهاده فيها والأكثر على المنع فهذه المسألة تبطل دعوى الاتفاق وأجاب فى التحرير بأن قول الامام بالنفاذ لا يوجب حمل الاقدام على هذا القضاء نعم وقد وقع فى بعض المواضع ذكر لخلاف فى الحل ويجب ترجيح رواية عدمه اهـ.
وحينئذ فلا اشكال فافهم مقوله.
وأما المقلد الى آخره نقله فى القنية عن المحيط وغيره وجزم به المحقق فى فتح القدير وتلميذه العلامة قاسم وأدعى فى البحر أن المقلد اذا قضى بمذهب غيره أو برواية ضعيفة أو بقول ضعيف نفذ.
وأقوى ما تمسك به ما فى البزازية عن شرح الطحاوى اذا لم يكن القاضى مجتهدا وقضى بالفتوى ثم تبين أنه على خلاف مذهبه نفذ وليس لغيره نقضه وله أن ينقضه كذا عن محمد.
وقال الثانى ليس له أن ينقضه أيضا اهـ.
قال فى النهر وما فى الفتح يجب أن يعول عليه فى المذهب وما فى البزازية محمول على أنه رواية عنهما اذ قصارى الأمر أن هذا منزل منزلة الناس لمذهبه وقد مر عنها فى المجتهد أنه لا ينفذ فالمقلد أولى اهـ.
قوله منشورة، المنشور ما كان غير مختوم من كتب السلطان قاموس «قوله لكيف بخلاف مذهبه» أى فكيف ينفذ قضاؤه بخلاف مذهبه لأنه اذا نهاه عن القضاء بالأقوال الضعيفة فى مذهبه لا ينفذ قضاؤه فيها بخلاف مذهبه فى الأولى ومبنى ذلك على ما قالوا أن تولية القضاء تتخصص بالزمان والمكان والشخص.
فلو ولاه السلطان القضاء فى زمان مخصوص أو مكان مخصوص أو على جماعة مخصوصة تعين ذلك لأنه نائب عنه.
ولو نهاه عن سماع بعض المسائل لم ينفذ حكمه فيها كما اذا نهاه عن سماع حادثة مضى عليها خمس عشرة سنة بلا مانع شرعى والخصم منكر.
وقد ذكر الحموى فى حاشية الأشباه أن عادة سلاطين زماننا اذا تولى أحدهم عرض عليه قانون من قبله وأمر باتباعه. قوله وينقض لا حاجة اليه لأنه اذا كان معزولا بالنسبة لما ذكر لا صح له قضاء حتى ينقض لأن النقض انما يكون للثابت الا أن يقال أنه قضاء بحسب الظاهر.
قوله فى البرهان «وهو شرح مواهب الرحمن كلاهما للعلامة الطرابلسى» صاحب الاسعاف فى الأوقاف قوله بالنواجذ هى اضراس الحلم كما فى المغرب والكلام كناية عن غاية التمسك.
كما أن قولهم ضحك حتى بدت نواجذه عبارة عن المبالغة فى الضحك والا فلا تبدو بالضحك عادة كما حققه الامام الزمخشرى قوله نعم أمر الأمير الى آخره تصديق لما مر واستدراك بأمر آخر كالاستناد مما قبله هكذا عرف المصنف فى مثل هذا التركيب قوله نفذ أمره ان كان المراد بالأمر الطلب بلا قضاء وعليه فالمراد بالنفاذ وجوب الامتثال.
أصاب ذلك المجتهد أو أخطأ وقالوا المنتقل من مذهب الى مذهب آخر باجتهاد وبرهان آثم يستوجب التعزيز فبلا اجتهاد وبرهان أولى ولا بد أن يراد بهذا الاجتهاد معنى التحرى وتحكيم القلب لأن العامى ليس له اجتهاد.
ثم حقيقة الانتقال انما تحقق فى حكم مسألة خاصة قلد فيه وعمل به والا فقوله قلدت أبا حنيفة فيما أفتى من المسائل مثلا والتزمت العمل به على الاجمال.
وهو لا يعرف صورها ليس حقيقة التقليد بل هذا حقيقة تعليق التقليد أو وعد به لأنه التزم أن يعمل بقول أبى حنيفة فيما يقع له من المسائل التى تتيقن فى الوقائع فان أرادوا هذا الالتزام فلا دليل على وجوب اتباع المجتهد المعين بالزامه نفسه ذلك قولا أو نية شرعا بل الدليل اقتضى العمل بقول المجتهد فيما احتاج اليه لقول الله تبارك وتعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ 1 إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» والسؤال انما يتحقق عند طلب حكم الحادثة المعينة وحينئذ اذا ثبت عنده قول المجتهد وجب عليه عمله به والغالب أن مثل هذه الزامات منهم لكف الناس عن تتبع الرخص والا أخذ العامى فى كل مسألة بقول مجتهد قوله أخف عليه وأنا لا أدرى ما يمنع هذا من النقل أو العقل وكون الانسان يتبع ما هو أخف على نفسه من قول مجتهد مسوغ له الاجتهاد ما علمت من الشرع ذمه عليه وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب ما خفف عن أمته والله تعالى أعلم بالصواب، وفى الفتاوى الهندية
(2)
: أن القاضى اذا استفتى فى حادثة
(1)
الآية رقم 43 من سورة النمل.
(2)
الفتاوى العالمكرية المعروفة بين الناس بالفتاوى الهندية ج 3 ص 313 وما بعدها الطبعة السابقة.
وأفتى ورأيه بخلاف رأى المفتى فانه يعمل برأى نفسه ان كان من أهل الرأى فان ترك رأيه وقضى برأى المفتى لم يجز عندهما كما فى التحرى وعند أبى حنيفة رحمه الله تعالى ينفذ لمصادفته فصلا مجتهد فيه فان لم يكن له رأى وقت القضاء وقضى برأى المفتى ثم حدث له رأى بخلافه قال محمد رحمه الله تعالى ينقضه هو وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى لا ينقضه كما لو قضى برأيه ثم ظهر له رأى آخر كذا فى التتار خانية وفيما لا نص فيه يخالفه، ولا اجماع لا يخلو أما أن يكون القاضى من أهل الاجتهاد وأما أن لم يكن من أهل الاجتهاد فان كان من أهل الاجتهاد وأفضى رأيه الى شئ يجب عليه العمل برأيه وان خالف رأى غيره من أهل الاجتهاد والرأى ولا يجوز أن يتبع رأى غيره لأن ما أدى اليه اجتهاده هو الحق عند الله تعالى ظاهرا ولو أفضى رأيه الى شئ وهناك مجتهد آخر أفقه منه له رأى آخر فأراد أن يعمل برأيه من غير النظر فيه ويرجح رأيه لكونه أفقه منه هل يسعه ذلك ذكر فى كتاب الحدود أن عند أبى حنيفة رحمه الله تعالى يسعه ذلك وعند أبى يوسف ومحمد رحمه الله تعالى لا يسعه الا أن يعمل برأى نفسه وذكر فى بعض الروايات هذا الاختلاف على العكس وان أشكل عليه حكم الحادثة استعمل رأيه فى ذلك وعمل به والأفضل أن يشاور أهل الفقه فى ذلك فان اختلفوا فى حكم الحادثة نظر فى ذلك فأخذ بما يؤدى الى الحق ظاهرا وان اتفقوا على رأى يخالف رأيه عمل برأى نفسه أيضا لكى لا ينبغى أن يعجل بالقضاء ما لم يعص حق التأويل والاجتهاد منكشف له وجه الحق فاذا ظهر له الحق باجتهاده قضى بما يؤدى اليه اجتهاده ولا يكون خائفا فى اجتهاده بعد ما بذل مجهوده لاصابة الحق حتى لو قضى مجازفا لم يصح قضاؤه فيما بينه وبين الله تعالى وان كان من أهل الاجتهاد الا أنه اذا كان لا يدرى حاله يحمل على أنه قضى برأيه ويحكم بالصحة حملا لأمر المسلم على الصحة والسداد ما أمكن هذا اذا كان القاضى من أهل الاجتهاد فأما اذا لم يكن من أهل الاجتهاد فان عرف أقاويل أصحابنا وحفظها على الأحكام والاتقان عمل بقول من يعتقد قوله حقا على التقليد وان لم يحفظ أقاويلهم عمل بفتوى أهل الفقه فى بلده من أصحابنا وان لم يكن فى البلد الا فقيه واحد من أصحابنا يسعه أن يأخذ بقوله ونرجو أن لا يكون عليه شئ كذا فى البدائع.
وفى الحطاب
(1)
: قال القرافى فى شرح المحصول قال سيف الدين اذا تبع العامى مجتهدا فى حكم حادثة وعمل بقوله اتفقوا على أنه ليس له الرجوع فى ذلك الحكم واختلفوا فى رجوعه الى غيره فى غير ذلك الحكم واتباع غيره فيه فمنع وأجيز وهو الحق نظر الى اجماع الصحابة رضى الله تعالى عنهم فى تسويغهم للعامى الاستفتاء لكل عالم فى مسألة ولم ينقل عن السلف الحجر فى ذلك على العامة ولو كان ذلك ممتنعا لما جاز للصحابة اهماله والسكوت عن الانكار عليه ولأن كل مسألة لها حكم نفسها فكما لم يتعين الأول للاتباع فى المسألة الأولى الا بعد سؤاله فكذلك فى المسألة الأخرى، وأما اذا عين العامى مذهبا معينا كمذهب الشافعى وأبى حنيفة وقال أنا على مذهبه وملتزم له فجوز قوم اتباع غيره فى مسألة من المسائل نظرا الى أن التزام ذلك المذهب غير ملزوم له ومنعه آخرون لأن التزامه ملزوم له كما لو التزمه فى حكم حادثة معينة والمختار التفصيل وهو أن كل مسألة من مذهب الأول ان اتصل عمله بها فليس له تقليد الغير فيها وما لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غيره وكان الشيخ عز الدين ابن عبد السلام يذكر فى هذه المسألة اجماعين:
أحدهما اجماع الصحابة المتقدم ذكره.
والثانى اجماع الأمة على أن من أسلم لا يجب عليه اتباع امام معين بل هو مخير فاذا قلد اماما معينا وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه لا سيما الاجماع لا يدفع الا بما هو مثله من القوة انتهى كلام القرافى.
(1)
انظر مواهب الجليل لسيدى أبى الضياء خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 32 وما بعدها الطبعة السابقة.
وقال البرزلى وأما الانتقال من مذهب امام الى غيره ففى ذلك ثلاثة أقوال بالجواز والمنع والثالثة ان وقعت حادثة فقلده فيها فليس له الرجوع.
ثم قال الحطاب
(1)
: ينبغى للقاضى أن يحضر العلماء ويشاورهم، واطلاق المشاورة ظاهره أنه سواء كان عالما بالحكم أو جاهلا وفى الطرر لابن عات لا يجوز للحاكم أن يشاور فيما يحكم فيه اذا كان جاهلا لا يميز الحق من الباطل لأنه اذا أشير عليه وهو جاهل لم يعلم أحكم بحق أم بباطل ولا يجوز له أن يحكم بما لا يعلم أنه الحق ولا يحكم بقول من أشار عليه تقليدا حتى يتبين له الحق من حيث تبين للذى أشار عليه.
وقال المازرى فى شرح التلقين القاضى مأمور بالاستشارة ولو كان عالما لأن ما ذكر فيه الفقهاء وبحثوا فيه تثق به النفس ما لا يثق بواحد اذا استبد برأيه ولا يمنع من ذلك كونهم مقلدين لاختلافهم فى الفتوى فيما ليس بمسطور بحسب ما يظن كل الواحد منهم أنه يقتضى أصول المذهب.
وفى التوضيح قال ابن عطية فى تفسيره ومن لم يستشر أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا مما لا خلاف فيه.
وفى المجموع
(2)
: قال الخطيب البغدادى اذا لم يكن فى الموضع الذى هو فيه الا مفت واحد فافتأه لزمه فتواه.
وقال أبو المظفر السمعانى رحمه الله تعالى اذا سمع المستفتى جواب المفتى لم يلزمه العمل به الا بالتزامه وقال يجوز أن يقال أنه يلزمه اذا أخذ العمل به وقيل يلزمه اذا وقع فى نفسه صحته.
قال السمعانى وهذا أولى الأوجه.
قال الشيخ أبو عمر ولم أجد هذا لغيره وقد حكى هو بعد ذلك عن بعض الأصوليين أنه اذا أفتاه بما هو مختلف فيه خيره بين أن يقبل منه أو من غيره ثم اختار هو أنه يلزمه الاجتهاد فى أعيان المفتين ويلزمه الأخذ بفتيا من اختاره باجتهاده قال الشيخ والذى تقتضيه القواعد أن نفصل فنقول اذا أفتاه المفتى نظر فان لم يوجد مفت آخر لزمه الأخذ بفتياه ولا يتوقف ذلك على التزامه لا بالأخذ فى العمل به ولا بغيره ولا يتوقف أيضا على سكون نفسه الى صحته.
وان وجد مفت آخر فان استبان أن الذى أفتاه هو الأعلم الأوثق لزمه ما أفتاه به بناء على الأصح فى تعينه كما سبق وان لم يستبن ذلك لم يلزمه ما أفتاه بمجرد افتائه اذ يجوز له استفتاء غيره وتقليده ولا يعلم اتفاقهما فى الفتوى فان وجد الاتفاق أو حكم به حاكم لزمه حينئذ.
ثم قال
(3)
: اذا استفتى فأفتى ثم حدثت تلك الواقعة له مرة أخرى فهل يلزمه تجديد السؤال؟ فيه وجهان:
أحدهما يلزمه لاحتمال تغير رأى المفتى.
والثانى لا يلزمه وهو الأصح لأنه قد عرف الحكم الأول والأصل استمرار المفتى عليه، وخصص صاحب الشامل الخلاف بما اذا قلد حيا وقطع فيما اذا كان ذلك خبرا عن ميت بأنه لا يلزمه والصحيح أنه لا يختص فان المفتى على مذهب الميت قد يتغير جوابه على مذهبه.
وفى الاقناع
(4)
: المفتى: من بين الحكم من غير الزام الحاكم يبينه ويلزم به ثم قال
(5)
والعامى اذا استفتى واحدا أخذ بقوله ويلزمه بالتزامه ولو سأل مفتيين فأكثر فاختلفا عليه تخير فان لم يجد الا مفتيا واحدا لزمه قبوله وله العمل بخط المفتى وان لم يسمع الفتوى من لفظه اذا عرف أنه خطه.
(1)
انظر مواهب الجليل لشرح مختصر سيدى أبى الضياء خليل وبهامشه التاج والاكليل لمختصر خليل الشهير بالمواق ج 1 ص 117 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر المجموع شرح المهذب لابن شرف النووى ج 1 ص 56 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 1 ص 57 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
انظر الاقناع لشيخ الاسلام المحقق أبى النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدس ج 4 ص 371 طبع مطابع المطبعة المصرية بالأزهر.
(5)
المرجع السابق ج 4 ص 375 وما بعدها الطبعة السابقة.
وفى الأحكام لابن حزم
(1)
الظاهرى ان سأل العامى فقيهين فصاعدا فاختلفوا عليه فان الذى نقول به أنه أفتاه فقيهان فصاعدا بأمور مختلفة نسوبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو غير فاسق بتركه قبول شئ منها، لأنه انما يلزمه ما ألزمه النص فى تلك المسألة وهو لم يدره بعد، فهو غير آثم بتركه ما وجب بما لم يعلمه حتى يعلمه لكنه بتركهم يسأل غيرهم، ويطلب الحق، وذلك كما اذا سأل رجل كيف أحج؟ فقال له فقيه: أفرد فهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجته التى لم يكن له بعد الهجرة غيرها وقال آخرون: أقرن، فهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجته التى لم تكن له بعد الهجرة غيرها.
وقال له آخر: تمتع، فهكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حجته التى لم يكن له بعد الهجرة غيرها، ففرض عليه أن يتركهم ويستأنف سؤال غيرهم ثم يلزمه ما قلنا آنفا قبل هذا من موافقته للحق أو حرمانه اياه بعد اجتهاده ويكون العامى حينئذ بمنزلة عالم لم يبن له وجه الحكم فى مسألة ما.
اما بتعارض أحاديث أو آى أو أحاديث وآى فحكمه التوقف والتزيد من الطلب والبحث حتى يلوح له الحق. أو يموت وهو باحث عن الحق عالى الدرجة فى كلا الأمرين.
ولا يؤاخذه الله تعالى بتركه أمرا لم يلح له الحق فيه لما قدمنا قبل من أن الشريعة لا تلزم الا من بلغته وصحت عنده والأصل اباحة كل شئ بقول الله تبارك وتعالى «خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً}
(2)
.
وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (أعظم الناس جرما فى الاسلام من سأل عن أمر لم يحرم فحرم من أجل مسألته).
والأصل أن لا يلزم أحدا شئ الا بعد ورود النص وبيانه بقول الله تبارك وتعالى «لا تَسْئَلُوا 3 عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ»
وبقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو قلتها لوجبت فاتركونى ما تركتكم» .
وبقول النبى صلى الله عليه وسلم فى قيام رمضان «خشيت أن يفرض عليكم فمن علم أن عليه الحج ولم يدر كيف يقيمه فلا يؤاخذ من تركه ما وجب عليه من عمل الحج الا بما علم لا بما لا يعلم، ولكن عليه التزيد فى البحث حتى يدرى كيف يعمل ثم حينئذ يلزمه الذى علم ولا يؤاخذ الله تعالى أحدا بشئ لم تقم عليه الحجة ولا صح عنده وجهه، لأنه لم يبلغه ذلك الحكم.
قال الله تبارك وتعالى «لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ 4» وأما من قال: ان الفرض على العامى أن يقبل ما أفتاه به الفقيه ولم يفسر كما فسرنا - فقد أخطأ.
ويرى الظاهرية
(5)
: أن على المستفتى - وهو العامى أن يجتهد واجتهاده اذا سأل العالم عن أمور دينه فأفتاه - أن يقول له: هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فان قال له نعم، أخذ بقوله، ولم يلزمه أكثر من هذا البحث، وان قال له: لا، أو قال له: هذا قولى، أو قال له هذا قول مالك أو ابن القاسم أو أبى حنيفة أو أبى يوسف أو الشافعى، أو أحمد أو داود أو سمى له أحدا من صاحب أو تابع فمن دونهم غير النبى صلى الله عليه وسلم
(1)
انظر كتاب الأحكام فى أصول الأحكام للحافظ أبى على بن حزم الاندلسى الظاهرى ج 6 ص 160 طبع مطابع مطبعة السعادة بمصر الطبعة الأولى سنة 1345 هـ مكتبة الخانجى بمصر.
(2)
الآية رقم 29 من سورة البقرة.
(3)
الآية رقم 101 من سورة المائدة.
(4)
الآية رقم 19 من سورة الأنعام.
(5)
انظر فى الأحكام فى أصول الأحكام للحافظ بن أبى محمد على بن حزم الاندلسى الظاهرى ج 6 ص 152 وما بعدها الطبعة السابقة.
أو انتهره أو سكت عنه، فحرام على السائل أن يأخذ بفتياه وفرض عليه أن يسأل غيره من العلماء وأن يطلبه حيث كان، اذ انما يسأل المسلم من سأل من العلماء عن نازلة تنزل به ليخبره بحكم الله تعالى وحكم محمد صلى الله عليه وسلم فى ذلك وما يجب فى دين الاسلام فى تلك المسألة.
ولو علم أنه يفتيه بغير ذلك لتبرأ منه وهرب عنه وفرض على الفقيه اذا علم أن الذى أفتاه به هو نص القرآن الكريم والسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الاجماع أن يقول له: نعم هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرام عليه أن ينسب الى الله تعالى أو الى رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا قاله بقياس أو استحسان أو تقليد لأحد دون النبى صلى الله عليه وسلم فانه ان فعل ذلك كان بذلك كاذبا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومقولا ما لم يقل، وقد وجبت له النار يقينا بنص قول رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كذب على فليلج النار» .
وهذا الذى قلنا لا يعجز عنه أحد، وان بلغ الغاية فى جهله لأنه لا يكون أحد من الناس مسلما حتى يعلم أن الله تعالى ربه، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محمد بن عبد الله رسول الله بالدين القيم.
وفى شرح الأزهار وهامشه
(1)
: والتزام مذهب امام معين كالهادى والقاسم وغيرهما من مجتهدى أهل البيت وغيرهما من مجتهدى غير أهل البيت حيا كان أو ميتا فان ذلك أولى من ترك الالتزام والدليل على ذلك الاجماع المعنوى من جهة الصحابة وهو أن العوام كانوا يسألون من صادفوه منهم من دون التزام لهم فى ذلك ولا انكار على من لم يلتزم منهم مذهبا معينا كما هو معلوم وانما كان الالتزام أولى لأن من العلماء المجتهدين من قال بوجوبه ومنهم المنصور بالله والشيخ حسن الرصاص حيث قالا نحب الالتزام ونحرم الأخذ بقول عالم قد قلد غيره فى أى الأحكام وان لم يلتزم مذهبه جميعا بل أوجبا أن يتبع الأول فى رخصه وعزائمه فيكون الملتزم معيبا عند العلماء القائلين بالتقليد فكان أولى لموافقته الاجماع وقد ذكر معنى هذا البكرى.
ثم قال صاحب شرح الأزهار: ولا يجب الالتزام بل يجوز أن يقلد هذا فى حكم وهذا فى حكم آخر، ولا يجمع مستفت بين قولين مختلفين فى حكم واحد احترازا من الحكمين فلا يجمع بينهما بحيث يصير الحكم الذى فيه القولان على صورة لا يقول بها امام منفرد كنكاح خلا عن ولى عملا بقول الامام أبى حنيفة رحمه الله تعالى وعن شهود عملا بقول الامام مالك رحمه الله تعالى فان الطرفين وان قال بكل واحد منهما امام لكنهما فى حكم واحد وهو النكاح.
ولو سئل الامام أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن صحته قال ليس بصحيح لعدم الشهود.
ولو سئل الامام مالك رحمه الله تعالى عنه قال ليس بصحيح لعدم الولى فلا يكون فى هذا النكاح مقلدا لواحد من الامامين لأن كل واحد منهما يقول بفساده.
قال الامام شرف الدين
(2)
عليه السلام العامى اما ملتزم أو مقلد أو مستفتى لأنه ان نوى الالتزام لقول امام معين فهو الملتزم وان لم ينو فان عمل بقول امام فهو المقلد ولا يلزمه حكم الملتزم وان سأل الامام فقط ولما يعمل بقوله فهو المستفتى وله أن يعمل بأى أقوال المفتين شاء.
والمستفتى أعم من المقلد والمتلزم كما يفهم من التقسيم المذكور.
(1)
انظر شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار فى فقه الأئمة الاطهار للعلامة الحسن ابن عبد الله بن متاح ج 1 ص 17 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر شرح الأزهار السابق وهامشه ج 1 ص 18، ص 19 وما بعدهما الطبعة السابقة
وقال الهادى عليه السلام وهذا التفسير للثلاثة هو الأصح ومنهم من قال بالنية اذا انضم اليها لفظ الالتزام ومنهم من قال بالنية والقول والعمل قياسا على الاستيطان.
وفى العروة الوثقى
(1)
: اذا تغير رأى المجتهد فانه يجب عليه وعلى مقلديه العمل بالفتوى الثانية فيما يأتى دون ما مضى فانه صحيح فى الأعمال السابقة بل اذا كان ما مضى عقدا أو ايقاعا أو نحوهما مما من شأنه الدوام والاستمرار يبقى على صحته فيما يأتى أيضا بالنسبة الى تلك الواقعة الخاصة فاذا تزوج بكرا بأذنها بناء على كون أمرها بيدها ثم تبدل رأى المقلد أو رأى مجتهده الى كون أمرها بيد أبيها تكون باقية على زوجيته وان كان لا يجوز له نكاح مثلها بعد ذلك.
وفى طلعة الشمس
(2)
: اذا اجتهد العالم فى حادثة وجب عليه أن يلتزم ما رأى أنه الصواب فى حقه فاذا أراد الحكم فيها لزمه أن يحكم بما أداه اليه اجتهاده.
ثم قال: اذا اجتهد المجتهد فى حادثة فرأى جوازها فعمل بها ثم تغير اجتهاده فرأى أنها حرام فانه يحجر عليه الاقامة على ذلك الفعل مثال ذلك اذا رأى جواز تزويج الصبية أو جواز التزويج بغير ولى ففعل أو رأى أن الطلاق ثلاثا بلفظ واحد لا يقع الا واحدة ونحو ذلك فعمل بما رأى ثم رأى بعد ذلك أن ذلك العمل فعل حرام ألزمه أن يترك زوجته وهذا مبنى على القول بأن الاجتهاد ينقض الاجتهاد وهو الصحيح ثم قال
(3)
: اذا رجع المجتهد عن اجتهاد كان قد قلده فيه مقلد هل يلزمه اعلام مقلده بالرجوع أم لا فقيل أنه يلزمه ذلك ليرجع المقلد له الى قوله الآخر حيث هو مستلزم لمذهبه فى رخصه وعزائمه ومقلد له فى تلك المسألة فقط وقيل لا يلزمه اعلام مقلده بالرجوع لأنه عامل فى ذلك بقول من أقوال المسلمين وله أن لا يرجع عنه.
وأما بالنسبة للعامى فقد قال
(4)
: أعلم أنه يجوز لمن لا قدرة له على الاجتهاد أن يقلد العالم المجتهد بشرط أن يكون معروفا بالعلم والعدالة بل يجب عليه تقليده اذا شاء العمل فى القضايا الذى لا يعرف الحكم فيها لقول الله سبحانه وتعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 5» فلو لم يكن تقليد العامى للعالم جائزا ما أمر العوام بسؤال العلماء وظاهر الأمر للوجوب فهو واجب عند الحاجة اليه وقيل لا يجوز التقليد فى العمليات بل يجب عليه أن يسأل العالم لينبهه على طريق الحكم لأن العامى يمكنه العلم فلزم تكليفه به كالعالم وكما فى مسائل الأصول.
الفتوى بخلاف مذهب المفتى والمستفتى:
وفى البحر الرائق
(6)
: ليس لمجتهد تقليد مجتهد.
ولو حدثت واقعة قد اجتهد فيها وجب اعادته ان نسى الدليل أو تجدد مشكل والمنتسبون الى مذهب امام أما عوام فتقليدهم مفرع على تقليد الميت وأما مجتهدون فلا يقلدون.
فان وافق اجتهاده اجتهادهم فلا بأس وان خالفه احيانا.
ومن لم يبلغ رتبة الاجتهاد بل وقف على أصول امامه وتمكن من قياس ما لم ينص عليه على المنصوص فليس بمقلد فى نفسه بل هو واسطة.
(1)
انظر العروة الوثقى للعلامة الفقيه السيد كاظم الطباطبائى ج 3 ص 27 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر طلعة الشمس ج 2 ص 288 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 2 ص 290 الطبعة السابقة.
(4)
المرجع السابق ج 2 ص 293 الطبعة السابقة.
(5)
الآية رقم 43 من سورة النحل.
(6)
انظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق للشيخ زين الدين الشهير بابن نجم ج 6 ص 290 وما بعدها طبع مطابع المطبعة العلمية بمصر سنة 1316 هـ الطبعة الأولى.
فان نص صاحب المذهب على الحكم والعلة الحق بها غير المنصوص.
ولا نص على الحكم فقط فله أن يستنبط العلة ويقيس وليقل هذا قياس مذهبه لا قوله وان اختلف نص امامه فى مشتبهين فله التخريج من أحدهما الى الأخرى.
ثم قال
(1)
وصحح فى السراجية أن المفتى يفتى بقول أبى حنيفة على الاطلاق ثم بقول أبى يوسف ثم بقول محمد ثم بقول زفر والحسن بن زياد.
ولا يخير اذا لم يكن مجتهدا.
ثم قال صحح
(2)
فى الحاوى القدسى أن الامام اذا كان فى جانب وهما فى جانب فالأصح أن الاعتبار لقوة المدرك.
فان قلت كيف جاز للمشايخ الافتاء بغير قول الامام الأعظم مع أنهم مقلدون قلت قد أشكل على ذلك مدة طويلة ولم أر فيه جوابا الا ما فهمته الآن من كلامهم وهو أنهم نقلوا عن أصحابنا أنه لا يحل لأحد أن يفتى بقولنا حتى يعلم من أين قلنا حتى نقل فى السراجية أن هذا سبب مخالفة عصام للامام وكان يفتى بخلاف قوله كثيرا لأنه يعلم الدليل وكان يظهر له دليل غيره فيفتى به فأقول أن هذا الشرط كان فى زمانهم أما فى زماننا فيكتفى بالحفظ كما فى القنية وغيرها فيحل الافتاء بقول الامام بل يجب وان لم نعلم من أين قال وعلى هذا فما صححه فى الحاوى مبنى على ذلك الشرط.
وقد صححوا أن الافتاء بقول الامام فينتج من هذا أنه يجب علينا الافتاء بقول الامام وان أفتى المشايخ بخلافه لأنهم انما أفتوا بخلافه لفقد شرطه فى حقهم وهو الوقوف على دليله وأما نحن قلنا الافتاء وان لم نقف على دليله وقد وقع للمحقق ابن الهمام فى مواضع الرد على المشايخ فى الافتاء بقولهما بأنه لا يعدل عن قوله الا لضعف دليله وهو قوى فى وقت العشاء لكونه الأحوط وفى تكبير التشريق فى آخر وقته الى آخر ما ذكره فى فتح القدير لكن هو أهل للنظر فى الدليل.
ومن ليس بأهل للنظر فيه فعليه الافتاء بقول الامام والمراد بالأهلية هنا أن يكون عارفا مميزا بين الأقاويل له قدرة على ترجيح بعضها على بعض.
ولا يصير الرجل أهلا للفتوى ما لم يصر صوابه أكثر من أخطائه.
لأن الصواب متى كثر فقد غلب ولا عبرة بالمغلوب بمقابلة الغالب.
فان أمور الشرع مبنية على الأعم الأغلب كذا فى الولوالجية من كتاب القضاء.
ثم جاء فى موضع آخر
(3)
: قالوا المنتقل من مذهب الى مذهب باجتهاد وبرهان آثم يستوجب التعزير فبلا اجتهاد وبرهان أولى ولا بد أن يراد بهذا الاجتهاد.
معنى التحرى وتحكيم القلب لأن العامى ليس له اجتهاد.
ثم حقيقة الانتقال انما تتحقق فى حكم مسألة خاصة قلد فيه وعمل به.
وفى الحطاب
(4)
أنه لا يلزم الانسان أن يتقيد بمذهب معين ولا مذهبه أيضا اذا أراد أن يفتى.
فقد جاء فى الحطاب ما نصه اذ ليس أحد بالخيار فى أن يفتى على مذهب مالك ولا مذهب غيره من العلماء بل يلزمه ذلك اذا قام عنده الدليل على صحته.
(1)
المرجع السابق لابن مجيم ج 6 ص 292 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 293 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 298، ص 299 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(4)
انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق فى كتاب ج 6 ص 95 وما بعدها الطبعة السابقة.
ولا يصح له أن يقم عنده الدليل على صحته.
والسؤال عن الحكم فى أمر القاضى اذا كان ملتزما للمذهب المالكى.
وليس فى نظره من نال درجة الفتوى ولا هو فى نفسه أهل لذلك.
ثم قال
(1)
: قال ابن برهان تقليد الصحابة يتخرج على جواز الانتقال فى المذاهب فمن منعه لأن مذاهب الصحابة لم تكثر فروعها حتى يمكن المقلد الاكتفاء به طول عمره انتهى باختصار وأكثره باللفظ وذكر البرزلى أن ابن العربى سأل الغزالى عمن قلد الشافعى مثلا وكان مذهبه مخالفا لأحد الخلفاء الأربعة أو غيرهم من الصحابة فهل له اتباع الصحابة لأنهم أبعد عن الخطأ ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «اقتدوا بالذين من بعدى أبى بكر وعمر فأجاب أنه يجب عليه أن يظن بالشافعى أنه لم يخالف الصحابى الا لدليل أقوى من مذهب الصحابى وان لم يظن وهذا فقد نسب الشافعى للجهل بمقام الصحابى وهو محال وهذا سبب ترجيح مذهب المتأخرين على المتقدمين مع العلم بفضلهم عليهم لكون المتقدمين سمعوا الأحاديث آحادا وتفرقوا فى البلاد فاختلف فتاويهم وأقضيتهم فى البلاد وربما بلغتهم الأحاديث فوقفوا عما أفتوا به وحكموا ولم يتفرغوا لجمع الأحاديث لاشتغالهم بالجهاد وتمهيد الدين فلما أنهى فتاويهم الناس الى تابعى التابعين وجدوا الاسلام مستقرا ممهدا فصرفوا همهم الى جمع الأحاديث ونظروا بعد الاحاطة بجميع مدارك الأحكام ولم يخالفوا ما أفتى به الأول الا لدليل أقوى منه وهذا لم يسم فى المذاهب بكريا ولا عمريا انتهى مختصرا ثم ذكر البرزلى عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام أنه سئل عمن صح عنده مذهب أبى بكر أو غيره من علماء الصحابة فى شئ فهل يعدل الى غيره أم لا فأجاب بأنه اذا صح عن عصر الصحابة مذهب فى حكم من الأحكام فلا يجوز العدول عنه الا بدليل أوضح من دليله ولا يجب على المجتهد تقليد الصحابة وهذا مخالف لما تقدم وهو أيضا مبنى على مذهبه من جواز الانتقال من مذهب الى مذهب ثم ذكر المازرى انه سئل هل يسوغ الأخذ بقول ابن المسيب أن المبتوتة تحل بالعقد فأجاب بأنى سئلت عن هذه المسألة حين وقعت لشخص قرأ على فى شئ من الأصول.
وجاء لى سؤال من قبل قاضى تونس وفقهائها فأكثرت النكير عليه وبالغت حتى أظن أنى سمحت لهم فى عوقبته وذكرت لهم أن هذا باب ان فتح حدث منه خروق من الديانات وانى رأيت من الدين الحازم والأمر الحاتم أن أنهى عن الخروج عن مذهب مالك وأصحابه حماية للذريعة ولو ساغ هذا لقال رجل أنا أبيع دينارا بدينارين مقلدا لما روى عن ابن عباس رضى الله تعالى عنهما وآخر أنى أتزوج من غير ولى ولا شهود مقلدا فى الولى لأبى حنيفة رحمه الله تعالى وفى الشهود لمالك رحمه الله تعالى وبدانق مقلدا للشافعى رحمه الله وهذا عظيم الموقع فى الضرر.
وهب أنى أبحت لهذا السائل أن يفعل فى نفسه فنكاحه لا يخفى فهو أولى بالحسم من غيره وقضاة بلد وفقاؤهم لا يأخذون بذلك بل يفسخونه ولا تسمح أنفسهم بترك مذهب مالك والشافعى وأبى حنيفة لاتفاق الأمصار على تقليدهم انتهى.
وقال القرافى
(2)
فى شرح المحصول قال سيف الدين اذا أتبع العامى مجتهدا فى حكم حادثة وعمل بقوله اتفقوا على أنه ليس له الرجوع فى ذلك الحكم واختلفوا فى رجوعه الى غيره فى غير ذلك الحكم واتباع غيره فيه فمنع وأجيز وهو الحق نظرا الى اجماع الصحابة فى تسويفهم للعامى والاستفتاء لكل عالم فى مسألة.
ولم ينقل عن السلف الحجر فى ذلك على العامة ولو كان ذلك ممتنعا لما جاز للصحابة اهماله والسكوت عن الانكار عليه.
(1)
المرجع السابق للحطاب ج 1 ص 30، 31 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء خليل للحطاب ج 1 ص 32 وما بعدها الطبعة السابقة.
ولأن كل مسألة لها حكم نفسها فكما لم يتعين الأول للاتباع فى المسألة الأولى الا بعد سؤاله فكذلك فى المسألة الأخرى وأما اذا عين العامى مذهبا معينا كمذهب الشافعى وأبى حنيفة وقال أنا على مذهبه وملتزم له فجوز قوم اتباع غيره فى مسألة من المسائل نظرا الى أن التزام ذلك المذهب غير ملزوم له ومنعه آخرون لأن التزامه ملزوم له كما لو التزمه فى حكم حادثة معينة.
والمختار التفصيل وهو أن كل مسألة من مذهب الأول أن اتصل عمله بها فليس له تقليد الغير فيها وما لم يتصل عمله بها فلا مانع من اتباع غيره.
وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام يذكر فى هذه المسألة اجماعين.
أحداها اجماع الصحابة المتقدم ذكره.
والثانى اجماع الأمة على أن من أسلم لا يجب عليه اتباع امام معين بل هو مخير فاذا قلد اماما معينا وجب أن يبقى ذلك التخيير المجمع عليه حتى يحصل دليل على رفعه لا سيما الاجماع لا يدفع الا بما هو مثله من القوة.
فقال البرزلى وأما الانتقال من مذهب امام الى غيره ففى ذلك ثلاثة أقوال بالجواز والمنع والثالثة أن وقعت حادثة فقلده فيها فليس له الرجوع.
واذا لم يجد
(1)
الشخص نصا فى المسألة فى مذهب امامه ولا وجد من له معرفة بمداركه فالظاهر أنه يسأل عنها فى مذهب الغير ويعمل عليه ولا يعمل بجهل.
ويؤيد هذا ما قاله الشيخ يوسف بن عمر فى شرح قول الرسالة ويستعمل سائر ما ينتفع به طيبا الحلال ضالة مفقودة فيجتهد الانسان وفى المتفق عليه فى المذهب فان لم يجد فالقوى من الخلاف فان لم يجد فينظر الخلاف خارج المذهب ولا يخرج عن أقاويل العلماء وكذا ينبغى فى كل مسألة والله أعلم.
وفى المجموع
(2)
: قال أبو عمرو المفتون قسمان مستقل وغيره فالمستقل شرطه أن يكون قيما بمعرفة أدلة الأحكام الشرعية من الكتاب والسنة والاجماع والقياس عالما بما يشترط فى الأدلة عارفا من علوم القرآن والحديث والناسخ والمنسوخ والنحو واللغة والتعريف واختلاف العلماء واتفاقهم بالقدر الذى يتمكن معه من الوفاء بشروط الأدلة والاقتباس منها عالما بالفقه ضابطا لأمهات مسائله وتفاريعه وهذا هو المفتى المستقل والثانى المفتى الذى ليس بمستقل ومن دهر طويل عدم المفتى المستقل وصارت الفتوى الى المنتسبين الى أئمة المذهب المتبوعة وللمفتى المنتسب أربعة أحوال:
أحدهما أن لا يكون مقلدا لامامه لا فى المذهب ولا فى دليله لاتصافه بصفة المستقل وانما ينسب اليه لسلوكه طريقه فى الاجتهاد.
وفتوى المفتى فى هذه الحالة كفتوى المستقل فى العمل بها والاعتداد بها فى الاجماع والخلاف.
والحالة الثانية: أن يكون مجتهدا مقيدا فى مذهب امامه بتقرير أصوله بالدليل غير أنه لا يتجاوز فى أدلته أصول امامه وقواعده والعامل بفتوى هذا مقلد لامامه لا له وله أن يفتى فيما لا نص فيه لامامه بما يخرجه على أصوله.
ثم أفتى بتخريجه فالمستفتى مقلد لامامه لا له ثم تارة يخرج من نص معين لامامه وتارة لا يجده
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 33 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر المجموع شرح المهذب للامام العلامة الفقيه الحافظ أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ويليه فتح العزيز شرح الوجيز للامام الجليل أبو القاسم عبد الكريم ابن محمد الرافعى ومعه التلخيص الجبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير للامام على بن حجر العسقلانى ج 1 ص 42 وما بعدها طبع مطابع مطبعة التضامن الأخوى ادارة الطباعة المنيرية.
فيخرج على أصوله بأن يجد دليلا على شرط ما يحتج به أمامه فيفتى بموجبه.
الحالة الثالثة: أن لا يبلغ رتبة أصحاب الوجوه لكنه فقيه النفس حافظ مذهب امامه بأدلته قائم بتقريرها ويصور ويحرر ويقرر ويمهد ويزيف ويرجح لكنه قصر عن أولئك لقصوره عنهم فى حفظ المذهب وهذه صفة كثير من المتأخين.
وأما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها.
الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب ونقله وفهمه فى الواضحات والمشكلات ولكن عنده ضعف فى تقرير أدلته وتحرير أقيسته فهذا يعتمد نقله وفتواه به فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من نصوص امامه وتفريع المجتهدين فى مذهبه وما لا يجده منقولا أن وجد فى المنقول معناه بحيث يدرك بغير كبير فكر أنه لا فرق بينهما جاز الحاقه به.
والفتوى به هذه هى أصناف المفتين وكل صنف منها يشترط فيه حفظ المذهب وفقه النفس فمن تصدى للفتيا وليس بهذه الصفة قد باء بأمر عظيم.
ولقد قطع امام الحرمين وغيره بأن الأصولى الماهر المتصرف فى الفقه لا يحل له الفتوى بمجرد ذلك، ولو وقعت له واقعة لزمه أن يسأل عنها ويلتحق به المتصرف النظار والبحاث عن أئمة الخلاف وفحول المناظرين لأنه ليس أهلا لادراك حكم الواقعة استقلال لقصور آلته ولا من مذهب امام لعدم حفظه له على الوجه المعتبر.
فان قيل من حفظ كتابا أو أكثر فى المذهب وهو قاصر لم يتصف بصفة أحد ممن سبق ولم يجد العامى فى بلده غيره هل له الرجوع الى قوله:
فالجواب ان كان فى غير بلده مفت يجد السبيل اليه وجب التوصل اليه بحسب امكانه.
فان تعذر ذكر مسألته للقاصر فان وجدها بعينها فى كتاب موثوق بصحته وهو ممن يقبل خبره نقل له حكمها وكان بنصه وكان العامى فيها مقلدا صاحب المذهب.
قال أبو عمرو وهذا وجدته فى ضمن كلام بعضهم والدليل يعضده.
وان لم يجدها مسطورة بعينها لم يقسها على مسطور عنده وان اعتقده من قياس لا فارق فانه قد يتوهم ذلك فى غير موضعه، فان قيل هل لمقلد أن يفتى بما هو مقلد فيه.
فكذا قطع أبو عبد الله الحليمى وأبو محمد الجوينى وأبو المحاسن الرويانى وغيرهم بتحريمه.
وقال القفال المروزى يجوز، قال أبو عمرو قول من منعه معناه لا يذكره على صورة من يقوله من عند نفسه بل يضيفه الى امامه الذى قلده فعلى هذا من عددناه من المفتين المقلدين ليسوا مفتين حقيقة لكن لما قاموا مقامهم وأدوا عنهم عدوا معهم.
وسبيلهم أن يقولوا مثلا مذهب الشافعى كذا أو نحو هذا ومن ترك منهم الاضافة فهو اكتفاء بالمعلوم من الحال عن التصريح به ولا بأس بذلك.
وذكر صاحب الحاوى فى العامى اذا عرف حكم حادثة بناء على دليلها ثلاثة أوجه.
أحدها يجوز أن يفتى به ويجوز تقليده لأنه وصل الى علمه كوصول العالم.
والثانى يجوز ان كان دليلها كتابا أو سنة ولا يجوز أن كان غيرهما.
والثالث لا يجوث مطلقا وهو الأصح والله أعلم.
وجاء فى
(1)
موضع آخر: هل يجوز للعامى أن يتخير ويقلد أى مذهب شاء.
(1)
انظر المجموع شرح المهذب للامام النووى ومعه فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى ويليه التلخيص الجبير فى تخريج أحاديث الرافعى الكبير للعسقلانى ج 1 ص 55 وما بعدها الطبعة السابقة.
قال الشيخ ينظر ان كان منتسبا الى مذهب بنيناه على وجهين حكاهما القاضى حسين فى أن العامى هل له مذهب أم لا.
أحدهما لا مذهب له لأن المذهب لعارف الأدلة فعلى هذا له أن يستفتى من شاء من حنفى وشافعى وغيرهما.
والثانى وهو الأصح عند القفال له مذهب فلا يجوز له مخالفته وقد ذكرنا فى المنتسب ما يجوز له أن يخالف امامه فيه وان لم يكن منتسبا بنى على وجهين حكاهما ابن برهان فى أن العامى هل يلزمه أن يتمذهب بمذهب معين يأخذ برخصه وعزائمه أحدهما لا يلزمه كما لم يلزمه فى العصر الأول أن يخص بتقليده عالما بعينه، فعلى هذا هل له أن يستفتى من شاء أم يجب عليه البحث عن أشد المذاهب وأصحها أصلا ليقلد أهله فيه وجهان مذكوران كالوجهين السابقين فى البحث عن الأعلم والأوثق من المفتين.
والثانى يلزمه وبه قطع أبو الحسن الكيا وهو جار فى كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأصحاب سائر العلوم ووجهه أنه لو جاز اتباع أى مذهب شاء لأفضى الى أن يلتقط رخص المذاهب متبعا هواه ويتخير بين التحليل والتحريم والوجوب والجواز ذلك يؤدى الى انحلال ريقة التكليف بخلاف العصر الأول فانه لم تكن المذاهب الوافية بأحكام الحوادث مهذبة وعرفت فعلى هذا يلزمه أن يجتهد فى اختيار مذهب يقلده على التعيين ونحن نمهد له طريقا يسلكه فى اجتهاده سهلا فنقول أولا ليس له أن يتبع فى ذلك مجرد التشهى والميل الى ما وجد عليه أباءه وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة رضى الله تعالى عنهم وغيرهم من الأولين.
وان كانوا أعلم وأعلا درجة ممن بعدهم لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه فليس لأحد منهم مذهب مهذب محرر مقرر وانما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة المناحلين لمذاهب الصحابة والتابعين القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها الناهضين بايضاح أصولها وفروعها كمالك وأبى حنيفة وغيرهما.
ولما كان الشافعى قد تأخر عن هؤلاء الأئمة فى العصر ونظر فى مذاهبهم نحو نظرهم فى مذاهب من قبلهم فسبرها وخبرها وانتقدها واختار أرجحها ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل فتفرغ للاختيار والترجيح والتكميل والتنقيح مع كمال معرفته وبراعته فى العلوم وترجحه فى ذلك على من سبقه ثم لم يوجد بعده من بلغ محله فى ذلك كان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد وهذا مع ما فيه من الانصاف والسلامة من القدح فى أحد من الأئمة جلى واضح اذا تأمله العلمى قاده الى اختيار مذهب الشافعى والتمذهب به.
وفى روضة
(1)
الناظر: اتفقوا على أن المجتهد اذا اجتهد فغلب على ظنه الحكم لم يجز له تقليده غيره وعلى أن العامى له تقليد المجتهد.
فأما المتمكن من الاجتهاد فى بعض المسائل ولا يقدر على الاجتهاد الا بتحصيل علم على سبيل الابتداء كالنحو فى مسألة نحوية وعلم صفات الرجال فى مسألة خبرية فالأشبه أنه كالعلمى فيما لم يحصل علمه فانه كما يمكنه تحصيله فالعامى يمكنه ذلك مع المشقة التى تلحقه.
انما المجتهد الذى صارت العلوم عنده حاصلة بالقوة القريبة من الفعل من غير حاجة الى تعب كثير بحيث لو بحث عن المسألة ونظر فى الأدلة استقل بها ولم يفتقر الى تعلم من غيره.
فهذا المجتهد هل يجوز له تقليد غيره قال أصحابنا ليس له تقليد مجتهد آخر مع ضيق الوقت ولا سعته لا فيما يخصه ولا فيما يفتى به لكن يجوز له أن ينقل للمستفتى مذهب الأئمة كأحمد والشافعى
(1)
انظر روض الناظر. شرح نزهة الناظر الخاطر العاطر للأستاذ الشيخ عبد القادر بن أحمد ج 2 ص 337، ص 438، 439، 441، 442، 443 طبع مطابع المطبعة السلفية بمصر سنة 1342 هـ.
ولا يفتى من عند نفسه بتقليد غيره لأن تقليد من لا تثبت عصمته ولا تعلم أصابته حكم شرعى لا يثبت الا بنص أو قياس ولا نص ولا قياس اذ المنصوص عليه العامى مع المجتهد.
وليس ما اختلفنا فيه مثله فان العامى عاجز عن تحصيل العلم والظن بنفسه والمجتهد قادر فلا يكون فى معناه فان قيل هو لا يقدر على غير الظن وظن غيره كظنه قلنا مع هذا اذا حصل ظنه لم يجز له اتباع ظن غيره.
فكان ظنه أصلا وظن غيره بدلا فلا يجوز اثباته الا بدليل.
ولأنه اذا لم يجز له العدول اليه مع وجود المبدل لم يجز مع القدرة عليه كسائر الابدال والمبدلات.
فان قيل لا نسلم عدم النص فى المسألة بل فيها نصوص كقول الله تبارك وتعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 1» وهذا لا يعلم هذه المسألة وقول الله عز وجل «أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ 2» }.
قلنا المراد بالأولى أمر العامة بسؤال العلماء اذ ينبغى أن يتميز السائل عن المسئول فالعالم مسئول غير سائل ولا يخرج عن العلماء يكون المسألة غير حاضرة فى ذهنه اذا كان متمكنا من معرفتها من غير تعلم من غيره.
والثانى يحتمل أن يكون معناه اسألوا لتعلموا أى سلوا عن الدليل ليحصل العلم كما يقال كل لتشبع، وأشرب لتروى.
والمراد بأولى الأمر الولاة لوجوب طاعتهم اذ لا يجب على المجتهد طاعة المجتهد.
وان كان المراد به العلماء فالطاعة على العوام ثم هو معارض بعمومات أقوى مما ذكروه يمكن التمسك بها فى المسألة.
يقول الله تبارك وتعالى «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ 3» }. وقول الله عز وجل «لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ 4 مِنْهُمْ» وقول الله سبحانه وتعالى «أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ 5» وقول الله تبارك وتعالى «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ}
(6)
.
وهذا أمر بالتدبر والاستنباط والخطاب مع العلماء ثم لا فرق بين السائل والأعلم فان الواجب أن ينظر فان وافق اجتهاده الأعلم فذاك وان خالفه فمن أين ينفع كونه أعلم وقد صار مزيفا عنده وظنه عنده أقوى من ظن غيره وله الأخذ بظن نفسه اتفاقا ولم يلزمه الأخذ بقول غيره وان كان أعلم فينبغى أن لا يجوز تقليده فان قيل فلم ينقل عن طلحة والزبير ونظرائهما نظر فى الأحكام مع ظهور الخلاف فالأظهر أنهم أخذوا بقول غيرهم.
قلنا كانوا لا يفتون اكتفاء بغيرهم وأما علمهم لنفوسهم فلم يكن الا بما عرفوه فان أشكل عليهم شاوروا غيرهم لتعرف الدليل لا للتقليد والله أعلم.
وفى الأحكام لابن حزم
(7)
الظاهرى حد الفقه هو المعرفة بالأحكام الشرعية من القرآن الكريم.
ومن كلام المرسل بها، الذى لا تؤخذ الا عنه وتفسير هذا الحد كما ذكرنا المعرفة بأحكام القرآن وناسخها ومنسوخها، والمعرفة بأحكام كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه
(1)
الآية رقم 43 من سورة النحل.
(2)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 2 من سورة الحشر.
(4)
الآية رقم 83 من سورة النساء.
(5)
الآية رقم 82 من سورة النساء.
(6)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
(7)
انظر الأحكام فى أصول الأحكام للحافظ أبى محمد على بن حزم الاندلسى الظاهرى ج 5 ص 127، ص 128، ص 129، 130 وما بعدهم طبع مطابع السعادة بمصر الطبعه الأولى سنة 1345 هـ ط. الطبعة السابقة.
وما صح نقله مما لم يصح ومعرفة ما أجمع العلماء عليه، وما اختلفوا فيه وكيف يرد الاختلاف الى القرآن الكريم وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا تفسير العلم بأحكام الشريعة.
وكل من علم مسألة واحدة من دينه على الرتبة التى ذكرنا جاز له أن يفتى بها وليس جهله بما جهل بمانع من أن يفتى بما علم ولا علمه بما علم بمبيح له أن يفتى فيما جهل وليس لأحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم الا وقد غاب عنه من العلم كثير هو موجود عند غيره.
فلو لم يفت الا من أحاط بجميع العلم لما حل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتى أصلا.
وهذا لا يقوله مسلم وهو ابطال للدين وكفر من قائله وفى بعثه النبى صلى الله عليه وسلم الامراء الى البلاد ليعلموا الناس القرآن وحكم الدين ولم يكن أحد منهم يستوعب جميع ذلك لأنه قد كان تنزل بعدهم الآيات والأحكام، بيان صحيح بأن العلماء وان فاتهم كثير من العلم فان لهم أن يفتوا ويقضوا بما عرفوا.
وفى هذا الباب أيضا بيان جلى على أن من علم شيئا من الدين علما صحيحا فله أن يفتى به وعليه أن يطلب علم ما جهل مما سوى ذلك.
ومن علم أن فى المسألة التى نزلت حديثا قد فاته لم يحل له أن يفتى فى ذلك حتى يقع على ذلك الحديث.
ومن لم يعلم الأحكام على الصفة التى ذكرنا قبل لكن انما أخذ المسائل تقليدا، فانه لا يحل لمسلم أن يستفتيه ولا يحل له أن يفتى بين اثنين ولا يحل للامام أن يوليه قضاء ولا حكما أصلا.
ولا يحل له أن قلد ذلك أن يحكم بين اثنين وليس لأحد بعد النبى صلى الله عليه وسلم الا وهو يخطئ ويصيب فليس خطؤه بمانع من قبول صوابه وبالله تعالى التوفيق.
فلا يوجد مفت فى الديانة وفى الطلب أبدا الا أحد ثلاثة أناس.
أما عالم فيفتى بما بلغه من النصوص بعد البحث والتقصى كما يلزمه فهذا مأجور أخطأ أو أصاب، وواجب عليه أن يفتى بما علم.
واما فاسق يفتى بما يتفق له مستديما لرياسة أو لكسب مال وهو يدرى أنه يفتى بغير واجب.
وأما جاهل ضعيف العقل يفتى بغير يقين علم وهو يظن أنه مصيب ولم يبحث حق البحث.
ولو كان عاقلا لعرف أنه جاهل فلم يتعرض لما لا يحسن.
حدثنى أبو الزناد سراج بن سراج وخلف بن عثمان البحام وأبو عثمان سعيد بن محمد الضراب كلهم: يقول سمعت عبد الله بن ابراهيم الأصيلى يقول، قال لى الأبهرى أبو بكر محمد بن صالح كيف صفة الفقيه عندكم بالأندلس؟ فقلت له يقرأ المدونة وربما المستخرجة فاذا حفظ مسائلتهما أفتى فقال لى وهذا ما هو فقلت له، نعم فقال لى:
أجمعت الأمة على أن من هذه صفته لا يحل له أن يفتى.
قال أبو محمد على بن أحمد وحدثنى أبو مروان عبد الملك بن أحمد المروانى قال سمعت أحمد بن عبد الملك الأشبيلى المعروف بابن المكرى - ونحن مقبلون من جنازة من الربض بعدوة نهر قرطبة وقد سأله سائل فقال له، ما المقدار الذى اذا بلغه المرء حل له أن يفتى؟ فقال له: اذا عرف موضع المسألة فى الكتاب الذى يقرأ حل له أن يفتى.
ثم أخبرنى أحمد بن الليث الأنسرى أنه حمل اليه والى القاضى أبى بكر يحيى بن عبد الرحمن بن واقد كتاب الاختلاف الأوسط لابن المنذر فلما طالعاه قالا له، هذا كتاب من لم يكن عنده فى بيته لم يشم رائحة العلم.
قال: وزادنى بن واقد أن قال: ونحن ليس فى بيوتنا، فلم نشم رائحة العلم قال أبو محمد، لم نأت بما ذكرنا احتجاجا لقولنا ولكن الزاما لهم ما يلتزمونه فان قول أكابر أهل بلادنا عندهم أثبت من العيان وأولى بالطاعة مما رووا فى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله تعالى نعوذ من الخذلان، فقد بينا صفة الطلب والمفتى والاجتهاد الذى نأمر به ونصوب من فعله وهو طلب الحكم فى المسألة من نص القرآن الكريم وصحيح الحديث، وطلب الناسخ من المنسوخ وبناء الحديث بعضه مع بعض ومع القرآن وبناء الآى بعضها مع بعض على ما بينا فيما سلف من كتابنا هذا، ليس عليه غير هذا البتة وان طالع أقوال الصحابة والتابعين ومن جاء بعدهم عصرا عصرا.
ففرض عليه أن ينظر من أقوال العلماء كلها نظرا واحدا، ويحكم فيها القرآن والسنة فلأيها حكم اعتقده وأفتى به وأطرح سائرها.
وان لم يجد شيئا مما بلغه منها فى نص القرآن الكريم ولا فى نص السنة لم يحل له أن يأخذ بشئ منها بل عليه أن يأخذ بالنص وان لم يبلغه أن قائلا قال به، لما قد بيناه فى كلامنا فى الاجماع من امتناع الاحاطة بأقوال العلماء السالفين.
ومن قيام البرهان على أنه لا يخلو عصر من قائل الحق فهذا هو الاجتهاد الصحيح الذى يؤجر من فعله على كل حال.
فان وافق الحق عند الله عز وجل أجر أجرا ثانيا على الاصابة فحصل له أجران وان لم يوافق لادراك الحق لم يأثم وقد حصل له أجر الطلب للحق وارادته كما قال الشاعر، وما كل موصوف له الحق يهتدى.
ولا كل من أم الصوى يستبينها وكل ما سمى اجتهادا من غير ما ذكرنا فهو باطل وافك، زين بأن سمى اجتهادا كما سمى اللديغ سليما، والمهلكة مغازة، والاسود السخامى أبا اليضاء بصيرا والأعمى بصيرا.
وكما سمى قوم المسكر نبيذا وطلاء وهو الخمر بعينها.
وبين ما قلنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر، وان أصاب فله أجران). كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفى شرح الأزهار
(1)
: يصير المقلد ملتزما لمذهب امامه بالنية وهى العزم على العمل بقوله فى الأصح لأن فى ذلك أقوالا فمنهم من قال انما يصير مقلدا بالعمل وهو ظاهر قول ابن الحاجب فى المنتهى قال المهدى عليه السلام وعلى ذهنى أن قائلا يقول يصير مقلدا بمجرد السؤال وبعد الالتزام لقول امام معين فى حكم واحد أو فى أحكام أو فى جملة المذهب فانه يحرم الانتقال عن ذلك المذهب فى عين ذلك الحكم أو الأحكام المعينة قال ابن الحاجب بالاتفاق.
فأما فى الصورة الثالثة وهى التقليد فى جملة المذهب كمن التزم مذهب الشافعى مثلا هل له أن يرجع حنفيا فيه خلاف والصحيح التحريم الا الى ترجيح نفسه أى بعد الالتزام يحرم الانتقال عما التزمه الا الى ترجيح نفسه بعد استيفاء طرق الحكم الذى ينظر فيه وهى الأدلة عليه والامارات حتى لا يغيب شئ مما يحتاج به عليه فمتى استوفاها اجتهد فيها ورجح ما رجح فانه حينئذ يجوز له الانتقال الى ما يترجح عنده كما يجوز للمجتهد ترك الاجتهاد الأول لترجيح خلافه.
قال عليه السلام وهذا واضح لكنه مبنى على تجزى الاجتهاد وذلك مختلف فيه.
وقد أشرنا الى ذلك بقولنا فالاجتهاد يتبعض بمعنى أنه يكون الانسان مستكملا الآلة الاجتهاد فى مسألة دون مسألة.
(1)
انظر شرح الأزهار المنتزع من الغيث المدرار لأبى الحسن عبد الله بن مفتاح ج 1 ص 18، ص 19، ص 20 وما بعدهم وهامش الأزهار طبع مطابع مطبعة حجازى بالقاهرة سنة 1357 هـ الطبعة الثانية بمطبعة حجازى بمصر.
وفى فن دون فن وأنه لا مانع من ذلك فى الأصح من المذهبين لأن منهم من منع من ذلك وقال لا يكمل العالم الاجتهاد الأصغر حتى يكمل الاجتهاد الأكبر وروى ذلك المنصور بالله قال المهدى عليه السلام والصحيح عن المنصور بالله وغيره ما اخترناه من جواز التبعيض ثم لما كان ثم وجه آخر مجوز للانتقال بعد الالتزام عطفنا بذكره على المستثنى الأول فقلنا أو لانكشاف نقصان العالم الأول الذى قد عمل بقوله عن درجة الاجتهاد أو كمال العدالة فان ذلك يجوز الخروج عن تقليده بل يوجبه.
فأما الانتقال عن مذهب المجتهد العدل الى مذهب مجتهد أعلم من الأول أو أفضل منه ففيه تردد يحتمل الجواز لزوال العلة المقتضية تحريم الانتقال الى قول مثله وهى عدم الترجيح لأنه قد حصل الترجيح بالأعلمية والأورعية ويحتمل أن ذلك لا يجوز مع كمال الأول كما لا يجوز للمجتهد العدول الى قول من هو أعلم منه اذا خالف اجتهاده فلم تكن الا علمية مسوغة للانتقال قال عليه السلام أنه يمكن الفرق بأن يقول أن المجتهد عنده أن قول فى ذلك الحكم أصح من قول الأعلم فلم يجز له العدول بخلاف المقلد لدون الأعلم فانه لا يرى ترجيحا الا للأعلم فجاز له الانتقال والله أعلم.
فان فسق
(1)
المجتهد رفضه من قلده أى ترك تقليده واتباعه فيما تعقب الفسق من اجتهاداته وأقواله لاختلال أحد شرطى التقليد وهى العدالة قال عليه السلام وقلنا فقط اشارة الى أنه لا يرفض تقليده فيما سبق الفسق الا أنه لا ينبغى له الاعتزاء اليه بعد فسقه بل الى موافقيه من العلماء فيما قد قلده فيه فان كان الحكم الذى قلده فيه قبل فسقه مخالفا لما يقوله مجتهد وزمانه جميعا وجب على مقلده أن ينتقل بعد فسقه الى قول الجماعة لأن خلاف هذا المجتهد.
قد ارتفع بفسقه فصار الحكم اجماعيا وان رجع ذلك المجتهد عن اجتهاده الأول فى مسألة الى خلافه فلا حكم له أى لرجوعه اذا رجع فيما قد فعله أو هو المقلد له اذا قد نفذ ولا ثمرة له مستدامة كالحج فانه حكم لا ثمرة له مستدامة أى لا يتكرر فاذا رجع عن اجتهاد فيه قد أداه أو من قلده لم تلزم اعادته بعد الرجوع.
ولا تكرار فيه كالصلاة فيعمل فى المستقبل بالثانى وأما ما لم يفعله من الأحكام التى قد اجتهد فيها حتى رجع عن ذلك الاجتهاد ووقته أى وقت الحكم الذى رجع عن اجتهاده فيه باق نحو أن يرى أن مسافة مقصر ثلاث بعد أن كانت عنده بريدا ولما يصل.
والوقت باق أو قد فعل ذلك الحكم الذى قد رجع عن اجتهاده فيه نحو أن يتوضأ من غير ترتيب ثم يرى وجوب الترتيب.
ولما يفعل المقصود به أى بالضوء فبالثانى أى فيعمل بالاجتهاد الثانى فى الصورتين جميعا فيصل تماما ويعيد الوضوء فأما ما لم يفعله من الأحكام التى قد وجبت ورجع عن اجتهاده الأول فيه وعليه قضاؤه نحو أن يترك صلاة فى سفره حتى خرج وقتها وكان يرى أنه سفر يوجب القصر ثم رجع الى أنه لا يوجبه وأراد القضاء أو رجع عن الاجتهاد فى حكم قد فعله وله ثمرة مستدامة كالطلاق وذلك نحو أن يطلق امرأته ثلاثا من دون تخلل رجعة.
ثم رأى أن الطلاق يتبع الطلاق فخلاف بين العلماء
وهو يرى أن الطلاق لا يتبع الطلاق فراجعها فى الصورتين معا فمنهم من قال:
ان الاجتهاد الأول ليس بمنزلة الحكم فينقضه الاجتهاد الثانى فيقضى تماما ويحرم نكاح المثلثة وهذا أحد قولى المؤيد بالله وقول الحقينى والمهدى وذكره المنصورى بالله فى المهذب القول الثانى أنه بمنزلة الحكم فلا يعمل بالثانى فيقضى قصرا ولا يحرم نكاح المثلثة.
(1)
المرجع السابق ج 1 ص 21، 22، 23 الطبعة السابقة.
وهذا أحد قولى المؤيد بالله والمنصور بالله وهو قول أبو طالب ومحمد بن الحسن واختاره ابن الحاجب قال:
المهدى عليه السلام وهو القوى عندنا. وفى العروة
(1)
الوثقى.
اذا تبدل رأى المجتهد لا يجوز للمقلد البقاء على رأيه الأول واذا عدل المجتهد عن الفتوى الى التوقف والتردد يجب على المقلد الاحتياط أو العدول الى الأعلم بعد ذلك المجتهد.
واذا كان هناك مجتهدان متساويان فى العلم للمقلد تقليد أيهما شاء ويجوز التبعيض فى المسائل.
واذا كان أحدهما أرجح من الآخر فى العدالة أو الورع أو نحو ذلك فالأولى بل الأحوط اختياره واذا قلد من يقول بحرمة العدول حتى الى الأعلم.
ثم وجد أعلم من ذلك المجتهد فالأحوط العدول الى ذلك الأعلم وان قال الأول بعدم جوازه
(2)
وقال:
يجب على كل مكلف فى عباداته ومعاملاته أن يكون مجتهدا أو مقلدا أو محتاطا والأقوى جواز العمل بالاحتياط مجتهدا.
كان أولا لكن يجب أن يكون عارفا بكيفية الاحتياط بالاجتهاد أو بالتقليد وقد يكون الاحتياط فى الفعل.
كما اذا احتمل كون الفعل واجبا وكان قاطعا بعدم حرمته وقد يكون فى الترك كما اذا احتمل حرمة فعل وكان قاطعا بعدم وجوبه.
وقد يكون فى الجمع بين أمرين مع التكرار كما اذا لم يعلم ان وظيفته القصر أو التمام.
والأقوى جواز الاحتياط ولو كان مستلزما للتكرار، وأمكن الاجتهاد أو التقليد.
وفى مسألة جواز الاحتياط يلزم أن يكون مجتهدا أو مقلدا لأن المسألة خلافية.
وفى الضروريات لا حاجة الى التقليد كوجوب الصلاة والصوم ونحوهما.
وكذا فى اليقنيات اذا حصل له اليقين وفى غيرهما يجب التقليد ان لم يكن مجتهدا اذا لم يمكن الاحتياط ان أمكن تخيير بينه وبين التقليد.
وعمل العامى بلا تقليد ولا احتياط باطل، والتقليد هو الالتزام بالعمل بقول مجتهد معين.
وان لم يعمل بعد بل ولو لم يأخذ بفتواه فاذا أخذ رسالته والتزم بالعمل بما فيها كفى فى تحقيق التقليد.
والأقوى جواز البقاء على تقليد الميت ولا يجوز تقليد الميت ابتداء.
واذا عدل عن الميت الى الحى لا يجوز له العود الى الميت.
ولا يجوز العدول عن الحى الى الحى الا اذا كان الثانى أعلم ويجب تقليد الأعلم مع الامكان على الأحوط.
ويجب الفحص عنه واذا كان هناك مجتهدان متساويان فى الفضيلة يتخير بينهما الا اذا كان أحدهما أورع فيختار.
واذا لم يكن للأعلم فتوى فى مسألة من المسائل
(1)
انظر العروة الوثقى تأليف السيد محمد كاظم الطباطبائى ج 1 ص 5 وما بعدها المسألة رقم 21 طبع مطابع مطبعة الناشر دار الكتب الاسلامية الطبعة الثانية سنة 1388 هـ بطهران.
(2)
المرجع السابق ج 1 ص 3 مسألة رقم 1 ومسألة رقم 2 ومسألة رقم 3 ومسألة رقم 4 ومسألة رقم 5 ومسألة رقم 6 ومسألة رقم 7 ومسألة رقم 8 ومسألة رقم 9 ومسألة رقم 10 ومسألة رقم 11 ومسألة رقم 12 ومسألة رقم 13 ومسألة رقم 14 طبع مطبعة الشيخ محمد الاخنوندى بطهران سنة 1388 هـ الطبعة الثانية.
يجوز فى تلك المسألة الأخذ من غير الأعلم وان أمكن الاحتياط. وفى طلعة الشمس
(1)
.
أنه يجوز لضعيف العلم حكاية قول العالم فى الأحكام بلا خلاف بين العلماء لأن ذلك ضرب من الأخبار ولا خلاف فى صحته عند الضبط والاتقان.
لكن الخلاف فى جواز افتائه بقول العالم الذى أخذ عنه تلك الفتيا وذلك بأن يسوق الكلام مساق الجزم بالحكم.
فيقول هذا حلال وهذا حرام مثلا فقيل بجواز ذلك مطلقا واشترط بعضهم فى هذا القول.
أن يكون المفتى انما يفتى بنص قول أمامه وقيل لا يجوز مطلقا لأنه ليس أهلا للافتاء وقيل ان كان مطلعا على مأخذ أمامه جاز له ذلك وصح له التخريج على مذهب أمامه وقيل:
انما يجوز للمخرج الافتاء بتخريجه عند عدم المجتهد لا مع وجوده فى تلك الناصية اذ لا يجوز العمل بالاضعف مع امكان الأقوى والصحيح أن فتوى الضعيف بنص عبارة المفتى جائزة فى غيبة المفتى.
وفى حضرته عرف عدلها أو لم يعرف اذا كان متثقا بمن أخذ عنه لأن ذلك ليس بأشد من علمه فاذا جاز له أن يعمل بقول المفتى جاز له أن يفتى به اذ لا فرق بينهما.
أما الفتوى بالتخريج من مذهب المفتى فلا تصح الا من المطلع على المأخذ العارف بالأدلة ومواردها اذ لا يكون التخريج الا لمن يكون من أهل النظر فمن كان من أهل النظر والاستدلال جاز له التخريج على مذهب العالم وهو مذهب الامام الكدمى.
وجمهور المشارقة والمغاربة خلافا لمن منع ذلك والله أعلم، ثم قال
(2)
.
اعلم أن تقليد العامى لعالمين فصاعدا اما أن يكون تقليده لهما فى شئ واحد أو فى شيئين فان كان فى شئ واحد فاما أن يتفق قولهما فى تلك الحادثة واما أن يختلفا فيها فان اختلفا فلا يصح تقليدهما فى حال واحد معا اتفاقا لأن تقليدهما معا فى تلك الحادثة.
وذلك الحال مفض الى التناقض فان أحدهما يجوز له الاقدام مثلا والآخر يمينه فلا يتصور تقليدهما فى ذلك. وان اتفقا فى تلك الحادثة ففى جواز تقليدهما الخلاف الآتى فى تقليد عالمين والصحيح عندنا جوازه لأن الظن بصواب عالمين أقوى منه بصواب عالم واحد.
وأيضا فالاجماع انما كان حجة بسبب اتفاق أقوال العلماء فى حادثة.
فلو لم يصح تقليد عالمين اذا اتفقا لما صح تقليد ثلاثة اتفقوا وكذا الأربعة وكذا الخمسة فيئول ذلك الى ابطال حجية الاجماع رأسا.
وهو خلاف المشروع وان كان تقليده لهما فى شيئين فصاعدا أو فى حالين فالصحيح أيضا عندنا جوازه سواء كان قد التزم مذهب عالم من العلماء أو لم يلتزم فيصبح له أن يأخذ من هذا العالم مسألة من الآخر أخرى.
وهذه المسألة معروفة عندهم بمسألة الانتقال عن مذهب أمامه الى مذهب أمام آخر وحجتنا على جوازه أن كل مجتهد مصيب فلم يحرم علينا فى الشرع الا الانتقال من الصواب الى الخطأ لا من صواب الى صواب فلا مقتضى لتحريمه لا عقلا ولا
(1)
طلعة الشمس على الألفية المسماه لشمس الأصول لأبى عبد الله بن محمد بن حميد السالمى ج 2 ص 295 وما بعدها طبع مطابع مطبعة الموسوعات بباب الخلق بمصر سنة 1317 هـ.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 296 وما بعدها الطبعة السابقة.
شرعا اذ يصير كالواجب المخبر فانه جائز لكونه انتقالا من صواب الى صواب.
فكذلك المقلد اذا قلد مجتهدا ثم انتقل الى تقليد مجتهد آخر فهو كمن شرع فى واحد من أنواع الكفارة ثم ترجح له فعل النوع الآخر منها.
فكما لا حظر عليه فى ذلك كذلك المقلد اذا انتقل وانما الحظر فى ذلك على القول بأن الحق مع واحد والمخالف مخطئ.
وقد قدمنا بطلانه وأيضا فكما جاز للمقلد اختيار ما شاء من المذاهب فى الابتداء بلا خلاف لاصابة المجتهدين استصحبنا الحال بعد تقليده لا يهم اذا لم يتجدد له أيحرم ذلك.
وقيل ليس للمقلد الانتقال بعد التزام مذهب أمام الى مذهب أمام آخر لغير مرجح لأنه اختار المذهب الأول.
ولا يختاره الا وهو أرجح من غيره عنده فليس له الخروج عنه كما ليس للمجتهد الانتقال عن اجتهاده لغير مرجح وهذا مما لا خلاف فيه فى حق المجتهد ولا علة لتحريمه الا كونه خروجا عما قد اختاره لغير مرجح للخروج، فكذلك خروج المقلد لغيره ونسب هذا القول الى الأكثر قالوا: وتجوز ذلك يؤدى الى التهور فى الأعمال الشنيعة وتتبع الشهوات أن يختار لنفسه من الأقوال ما يؤديه الى نيل شهواته لا لكونه دين الله.
ولا قائل بالتنقل فى المذاهب لمجرد اتباع الشهوات قالوا وقد نص علماؤنا على أنه محرم اجماعا ثم أنهم جوزوا الانتقال من مذهب الى مذهب لأمور منها أن يعرف المقلد حجج المختلفين فى ذلك الحكم.
ويكون من أهل النظر فتترجع له حجة مخالف أمامه فحكنئذ يجوز له الانتقال الى ما ترجع له ومنها ان ينكشف له أن أمامه ناقص فى عدالته أو فى اجتهاده عن القدر المعتبر فينتقل عن تقليده الى تقليد الأكمل.
ومنها أن ينتقل الى أفضل من أمامه أو أوسع علما أو أشد ورعا ثم اختلفوا فى الوجه الذى يصير به المقلد ملتزما وفى جميع مسائله لأن التقليد كالاجتهاد.
فكما أن المجتهد متى عزم على العمل بما قد أداه اليه نظره صار ذلك الاجتهاد مذهبا له.
كذلك اختيار المقلد لمذهب عالم هو كالاجتهاد منه فى ذلك الحكم وقيل بالنية
(1)
.
والعمل فمهما لم يعمل فهو غير ملتزم لأنه اذا نوى ولم يعمل كان كالمجتهد الذى لم يجزم بشئ وقيل بل بالنية والقول والعمل لأن التقليد التزام وايجاب على النفس أن لا يعدل عن قول هذا العالم.
والايجاب كالنذر فكما لا ينعقد النذر بمجرد نية ولا عمل لا بد من لفظ كذلك التزام المذهب لا بد من أن يقول قد التزمت قول فلان فى كذا أو مذهب فلان فى مسائله كلها.
أقول هذا كله مما لا دليل عليه فان السلف من الصحابة رضى الله عنهم أنهم لم يلتزموا من سأل واحدا منهم عن حكم واحد وعمل بفتواه أن لا يسأل غيره عن غير ذلك الحكم ولا أنكروا عليه ذلك ولا نقله أحد لا عدل ولا غير عدل.
ولو وقع لنقل واشتهر لأنه مما تقضى العادة بنقله وكذلك فى زمن التابعين وتابعى التابعين الى وقتنا هذا فكان اجماعا على جوازه.
(1)
المرجع السابق ج 2 ص 296، 297، 298 وما بعدهم الطبعة السابقة وبهامشه بهجة الأنوار شرح أنوار العقول فى التوحيد ومعه الحجج المقنعة فى أحكام صلاة الجمعة لأبى محمد عبد الله بن حميد السالمى طبع مطابع مطبعة الموسوعات بباب الخلق بمصر.
أما قياسهم المقلد على المجتهد فممنوع لوجود الفارق بينهما وهو أن المجتهد اذا تبين له الراجح منع من العدول عنه لكونه حكم الله فى حقه.
فعدوله انما يكون عدولا عن فرضه الى غيره ورجوعا من المواضح الى المشكل وحال المقلد بخلاف ذلك فان أخذه بقول العالم ليس طريقا الى معرفة الراجح وانما هو اختيار منه لكون جميع أقوال المجتهدين صوابا فحاله بعد التقليد كحاله من قبله نعم تمنع الانتقال من مذهب الى مذهب لمجرد التشهى.
والخطوط العاجلة لأن ذلك يؤدى الى الانهماك فى الرخصة وعدم المبالات بالديانة حتى أن أصحابنا رحمهم الله تعالى منعوا من افتاء طالب الرخصة بل الوقوع فيها وما ذلك الا لخوف التساهل فى الديانة.
وطلب الجزم فى أمور الدين والنجاة للمسلمين وتجويز المانعين الانتقال فى بعض الصور ناقض لقياسهم المذكور فان قياسهم يقتضى اطلاق المنع وذلك لتجويز تخصيص بغير مخصص فهو نقض لمذهبهم والله أعلم.
ثم أنه أخذ فى بيان ما اذا تعدد المجتهدون وكان فيهم الفاضل والمفضول فقال:
اذا تعدد المجتهدون واختلفت أقوالهم وكان فيهم الفاضل والمفضول.
قال ابن الحاجب وغيره يجوز للمستفتى أن يقلد غير الأفصل ولا يلزمه أن يتحرى الأكمل فى العلم والورع اذا كانوا جميعا أهل اجتهاد وعدالة.
اذ قد حصل لمصحح فى كل واحد منهم.
وقيل بل يلزمه تحرى الأكمل فى معرفة علوم الاجتهاد فيقوى ظن الصحة لفتواه كالمجتهد يلزمه تحرى أقوى الامارات الدالة على الحكم.
والصحيح جواز تقليد المفضول مع كمال أسباب الاجتهاد.
والثقة بعدالته وسكون القلب الى تقواه والدليل على ذلك أن الافتاء قد شهد فى زمن الصحابة رضى الله تعالى عنهم من جماعة فيهم الفاضل والمفضول.
ولم ينكر أحد منهم افتاء المفضول ولم يعنف سائله ولو كان ذلك غير واسع للناس ما سكت عليه الصحابة رضى الله تعالى عنهم فهو اجماع منهم على جوازه منهم وكذلك وقع فى زمن التابعين وتابعيهم الى يومنا هذا.
ولا نكير من أحد من المسلمين فكان اجماعا من التابعين ومن بعدهم أيضا فلا وجه للقول بخلافه.
حكم أخذ الاجرة على الافتاء:
جاء
(1)
فى البحر الرائق: الأولى أن يتبرع المفتى بالفتوى فان أخذ رزقا من بيت المال جاز الا أن تعينت الفتوى عليه.
وله كفاية ولا يأخذ أجرة من مستفت فان جعل له أهل البلد رزقا جاز وان استؤجر جاز.
والأولى كونها بأجرة مثل كتبه مع كراهة وله قبول هدية لا رشوة على فتوى لما يريد وعلى الامام أن يفرض لمدرس.
ودفعت كفايته وفى حاشية ابن عابدين
(2)
نقلا عن الخانية أنه يجوز للامام والمفتى قبول الهدية.
(1)
البحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 291 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر كتاب رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه للسيد محمد أمين الشهير بابن عابدين ج 4 ص 323، 324 وما بدهما طبع مطابع المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق مصر المحمية سنة 1325 الطبعة الثالثة.
واجابة الدعوة الخاصة وهذا اذا أريد بالامام أمام الجامع وأما الامام بمعنى الوالى فلا تحل له الهدية لأنه رأس العمال.
قال فى النهر والظاهر أن المراد بالعمل ولاية ناشئة عن الامام أو نائبه كالساعى والعاشر.
وقلت ومثلهم مشايخ القرى والحرف وغيرهم ممن لهم قهر وتسلط على من دونهم فانه يهدى اليهم خوفا من شرهم أو ليروج عندهم وظاهر قوله:
ناشئة عن الامام .. الخ وخول المفتى اذا كان منصوبا من طرف الامام أو نائبه.
لكنه مخالف لاطلاقهم جواز قبول الهدية له والا لزم كون امام الجامع والمدرس المنصوبين من طرف الامام.
كذلك الا أن يفرق بأن المفتى يطلب منه المهدى المساعدة على دعواه ونصره على خصمه فيكون بمنزلة القاضى.
لكن يلزم من هذا الفرق ان المفتى لو لم يكن منصوبا من الامام يكون كذلك فيخالف ما صرحوا به من جوازها للمفتى.
فان الفرق بينه وبين القاضى واضح فان القاضى ملزم وخليفة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى تنفيذ الأحكام.
فأخذه الهدية يكون رشوة على الحكم الذى يؤمله المهدى ويلزم منه بطلان حكمه.
والمفتى ليس كذلك وقد يقال ان مرادهم بجوازها للمفتى اذا كانت لعلمه لا لاعانته للمهدى بدليل التعليل الذى نقله صاحب الدر من قوله يجوز للامام والمفتى والواعظ قبول الهداية لأنه انما يهدى الى العالم لعلمه بخلاف القاضى.
قال ابن عابدين فاذا كانت الهدية لاعانة المهدى صدق عليها حد الرشوة لكن المذكور فى حدها شرط الاعانة.
وفى الفتح عن الأقضية أنه لو أهداه ليعينه عند السلطان بلا شرط لكن يعلم يقينا انه انما يهدى ليعينه فمشايخنا على أنه لا بأس به. الخ.
وهذا يشمل ما اذا كان من العمال أو غيرهم وعن هذا قال فى جامع الفصولين.
القاضى لا يقبل الهدية من رجل لو لم يكن قاضيا لا يهدى اليه ويكون ذلك بمنزلة الشرط ثم قال أقول يخالفه ما ذكر فى الأقضية .. الخ.
قلت والظاهر عدم المخالفة لأن القاضى منصوص على انه لا يقبل الهدية على التفصيل الآتى:
فما فى الأقضية مفروض فى غيره فيحتمل أن يكون المفتى مثله فى ذلك ويحتمل أن لا يكون.
ولا شك أن عدم القبول هو المقبول ورأيت فى حاشية شرح المنهج للعلامة محمد الداودى الشافعى ما نصه:
ومن العمال مشايخ الأسواق والبلدان ومباشروا الأوقاف وكل من يتعاطى أمرا يتعلق بالمسلمين.
قال وفى بعض الشروح ولا يلحق بالقاضى فيما ذكر المفتى والواعظ ومعلم القرآن والعلم لأنهم ليس لهم أهلية الالزام.
والأولى فى حقهم ان كانت الهدية لأجل ما يحصل منهم من الافتاء والوعظ والتعليم عدم القبول ليكون علمهم خالصا لله سبحانه وتعالى.
وان أهدى اليهم حبا وتوددا لعلمهم وصلاحهم.
فالأولى القبول وأما اذا أخذ المفتى الهدية ليرخص فى الفتوى فان كان يوجه باطل فهو رجل فاجر يبدل أحكام الله تعالى ويشترى بها ثمنا وكية وان كان يوجه صحيح فهو مكروه كراهة شديدة.
هذا كلامه وقواعدنا لا تأباه.
وأما اذا أخذ لا ليرخص له بل لبيان الحكم الشرعى فهذا ما ذكره أولا وهذا اذا لم يكن بطريق الأجرة بل مجرد هدية لأن أخذ الأجرة على بيان الحكم الشرعى لا يحل عندنا وانما يحل على الكتابة لأنها غير واجبة عليه.
وفى البحر الرائق
(1)
قال:
ورد مفت زرا على خياط مستفت وقلعه من ثوبه تحرزا عن شبهة الرشوة. وفى الحطاب
(2)
.
قال البرزلى وأما الاجارة على الفتيا فنقل المازرى فى شرح المدونة الاجماع على منعها وكذلك القضاء لأنها من باب الرشوة.
لكن لو أتى خصمان الى قاض فأعطى له أجرا على الحكم بينهما وأتى رجل للمفتى فأعطاه أجرا على فتوى لم يتعلق بها خصومة ولم يتعين ذلك عليه لوجود من يقوم به.
فقال الشيخ عبد الحميد أى شئ يمنع من ذلك ولا يجسر على التصريح به وقال اللخمى يمنع من ذلك جملة.
وعلى الأول يحمل ما يروى عن ابن علوان أحد فقهاء تونس ومفتيها.
انه كان يقبل الهدية والهبة ويطلبها ممن يفتيه.
كما نقله ابن عرفة عنه قال البرزلى عن ضرر ابن عات عن ابن عبد الغفور.
وما أهدى للفقيه من غير حاجة فجائز له قبوله.
وما أهدى له رجاء العون على خصومه أو فى مسألة رجاء قضائها على خلاف المعمول به.
فلا يحل وهو رشوة قال البرزلى كأخذ فقهاء البادية الجعائل على رد المطلقة ثلاثا ونحوها من الرخص.
وكذلك اذا تنازع
(3)
عنده خصمان فأهديا اليه جميعا أو أهدى أحدهما.
يرجو كل واحد منهما أن يعينه فى حجته أو يعينه عند حاكم اذا كان ممن يسمع منه ويوقف عنده فلا يحل له الأخذ منهما.
ولا من أحدهما.
وقال ابن عرفة قال بعض المتأخرين ما أهدى للمفتى ان كان ينشط للفتيا أهدى له أم لا فلا بأس.
وان كان انما ينشط للفتيا اذا أهدى له فلا يأخذها وهذا ما لم يكن خصومه.
والأحسن أن لا يقبل من صاحب الفتيا وهو قول ابن عيشون وكان يجعل ذلك رشوة قال الحطاب قد يخف قبولها لمن كان محتاجا ولا سيما اشتغاله بأصولها يقطعه عن التسبب.
ولا رزق له عليها من بيت المال وعليه يحمل ما أخبرنى به غير واحد عن الشيخ الفقيه أبى على بن علوان أنه كان يقبل الهدية ويطلبها من يفتيه.
وفى الطراز وظاهره لابن عيشون ومن هذا انقطاع الرغبة للعلماء والمتعلقين بالسلطنة لدفع الظلم عنهم فيما يهدونه لهم ويخدمونهم.
(1)
انظر البر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم ج 6 ص 292 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى الضياء سيدى خليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 33 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق ج 6 ص 121 وما بعدها الطبعة السابقة.
هو باب من أبواب الرشوة لأن دفع الظلم واجب على كل من قدر على دفعه عن أخيه المسلم وعن الذمى.
وفى المجموع
(1)
.
المختار أن المتصدى للفتوى أن يتبرع بذلك ويجوز أن يأخذ عليه رزقا من بيت المال.
الا أن يتعين عليه وله كفاية فيحرم على الصحيح ثم ان كان له رزق لم يجز أخذ أجرة أصلا.
وان لم يكن له رزق فليس له أخذ أجرة من أعيان من يفتيه على الأصح كالحاكم.
واحتال الشيخ أبو حاتم القزوينى من أصحابنا فقال له أن يقول:
يلزمنى أن أفتيك قولا وأما كتابة الخط فلا فاذا استأجره على كتابة الخط جاز.
قال الصيمرى والخطيب لو اتفق أهل البلد فجعلوا له رزقا من أموالهم على أن يتفرغ لفتاويهم جاز.
أما الهدية فقال أبو مظفر السمعانى له قبولها بخلاف الحاكم فانه يلزم حكمه.
قال أبو عمرو ينبغى أن يحرم قبولها أن كانت رشوة على أن يفتيه بما يريد كما فى الحاكم وسائر ما لا يقابل بعوض.
قال الخطيب وعلى الامام أن يفرض من نصب نفسه لتدريس الفقه والفتوى فى الأحكام ما يفتيه عن الاحتراز ويكون ذلك من بيت المال.
ثم روى باسناده أن عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه أعطى كل رجل ممن هذه صفته مائة دينار فى السنة.
وفى نهاية المحتاج
(2)
:
قال ان أهدى الى القاضى من له خصومة أو من غلب على ظنه بأنه سيخاصم أو كان يهدى اليه قبل الولاية.
أو من لا خصومة له ولم يهد اليه شيئا قبل ولايته حرم عليه قبولها وقد ورد فى الأخبار الصحيحة هدايا العمال سحت.
وان كان من عادته أنه يهدى اليه قبل ولايته.
ولا خصومة له جاز قبول هديته ان كان بقدر العادة - ثم قال:
ولا يلتحق بالقاضى فيما ذكر المفتى والواعظ ومعلم القرآن.
والعلم لأنهم ليس لهم أهلية الالزام والأولى فى حقهم ان كانت الهدية لأجل ما يحصل منهم من الافتاء والوعظ والتعليم عدم القبول ليكون عملهم خالصا لله سبحانه وتعالى.
وان أهدى اليهم تحببا وتوددا لعلمهم وصلاحهم فالأولى القبول.
وأما اذا أخذ المفتى الهدية ليرخص الفتوى فان كان بوجه باطل فهو رجل فاجر يبدل أحكام الله تعالى.
ويشترى بها ثمنا قليلا وان كان بوجه صحيح فهو مكروه كراهة شديدة.
والأولى لمن جماز له قبول الهدية أن يثيب عليها أو يردها لمالكها أو يضعها فى بيت المال.
(1)
انظر المجموع شرح المهذب للامام الحافظ الفقيه أبى زكريا محيى الدين بن شرف النووى ج 1 ص 46 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر نهاية المحتاج الى شرح المنهاج فى الفقه ومعه حاشية أبى الضياء نور الدين على بن على الشبراملسى ج 8 ص 242، 243، 244، 245 طبع مطابع مطبعة شركة ومكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر سنة 1357 هـ، سنة 1938 م.
وسد باب القبول مطلقا أولى حسما للباب وجوز السبكى فى حلبياته قبول الصدقة ممن لا خصومة له ولا عادة.
وخصه فى تفسيره بما اذا لم يعرف التصدق بأنه القاضى وعكسه واعتمده ولده وهو متجه وبحث غيره القطع بحل أخذه للزكاة.
ويتجه تقييده بما ذكر والحق الحسبانى بالأعيان المنافع المقابلة لمال عادة كسكنى دار بخلاف غيرها كاستعارة كتاب علم وأكله طعام بعض أهل ولايته حنيفا كقبول هديتهم.
واما لو وقف عليه بعض أهل عمله فقد تردد فيه السبكى المتجه فيه.
وفى القدر أنه ان عينه باسمه وشرطنا القبول كان كالهدية له.
وفى كشاف
(1)
القناع وللمفتى أخذ الرزق من بيت المال لأن الافتاء من المصالح العامة كالآذان.
ولو تعين عليه أن يفتى ولا كفاية لم يأخذ من المستفتى أجرة لفتياه لأنه اعيتاض عن واجب عليه.
ولا يجوز ومن أخذ رزقا من بيت المال لم يأخذ من المستفتى أجرة لفتياه.
ولا لخطه لاستفتائه بالرزق والا أرى وان لم يأخذ رزقا أخذ أجرة خطه فقط.
ويجب على الامام أن يفرض من بيت المال لمن نصب نفسه لتدريس العلم والفتوى فى الأحكام ما يغنيه عن التكسب لدعاء الحاجة الى القيام بذلك.
والانقطاع له وهو فى معنى الامامة والقضاء.
وله أى المفتى
(2)
قبول هدية والمراد لا ليفتيه بما يريده مما لا يفتى به غيره.
اى غير المهدى والا اى وان أخذها ليفتيه بما يريده مما لا يفتى به غيره حرمت عليه الهدية.
ومن عدم مفتيا فى بلده وغيره فله حكم ما قبل الشرع على الخلاف هل الأصل فى الأشياء الحظر أو الاباحة أو الوقف.
وفى الروضة البهية
(3)
: أنه يجوز ارتزاق القاضى من بيت المال مع الحاجة الى الارتزاق لعدم المال أو الوصلة اليه سواء تعين القضاء عليه أم لا.
لأن بيت المال معد للمصالح وهو من أعظمها.
وقيل لا يجوز مع تعينه لوجوبه ويضعف بأن المنع حينئذ من الأجرة لا من الرزق ولا يجوز الجعل ولا الأجرة من الخصوم ولا من غيرهم.
لأنه فى معنى الرشاء المرتزقة من بيت المال المؤذن والقاسم والكاتب للامام أو لضبط بيت المال أو الحجج ونحوها من المصالح ومعلم القرآن والآداب كالعربية وعلم الأخلاق الفاضلة ونحوها.
وصاحب الديوان الذى بيده ضبط القضاة والجند وأرزاقهم ونحوها من المصالح ووالى بيت المال الذى يحفظه ويضبطه ويعطى منه ما يؤمر به.
(1)
كشاف القناع على متن الاقناع للشيخ منصور ابن ادريس الحنبلى وبهامشه شرح منتهى الارادات ج 4 ص 171 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق ج 4 ص 173 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 238، 239 وما بعدها الطبعة السابقة.
ونحوه وليس الارتزاق منحصرا فيما ذكر بل مصرفه كل مصلحة من مصالح الاسلام ليس لها جهة غيره أو قصرت جهتها عنها.
وفى العروة
(1)
الوثقى أنه قال: وأما الرشاء فى الحكم فهو الكفر العظيم.
وفى خير الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين عليه السلام أنه قال:
أيما وال احتجب عن حوائج الناس احتجب الله عنه يوم القيامة عن حوائجه وان أخذ هدية كان غلولا وان أخذ رشوة فهو شرك.
وفى رواية يوسف بن جابر لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نظر الى فرج امرأة لا تحل له ورجلا خان أخاه فى امرأته ورجلا احتاج الناس اليه لفقهه فسألهم الرشوة.
وفى شرح النيل
(2)
: انه يحرم على المفتى قبول هدية.
فانه يقال اذا دخلت الهدية من الباب خرج الحق من الكوة والمعنى والله أعلم أن الحق يتحمل الخروج من الكوة مع ضيقها ولا يتحمل المقام حتى تدخل الهدية لمنافرته اياها.
ولا يطيق على مزاحمتها لخبثها وبنضه اياها الا من قريب أو جار أو صديق معتاد فى الأهواء أو مما يستوى فيه الفقراء والأغنياء.
وربما زاد الصديق أو القريب أو الجار زيادة يريبها فيتحرج حتى تطمئن نفسه.
وجائز للامام أن يجعل له النفقة والكسوة وما يصلح له ولعياله من بيت المال وما يحتاج اليه ليتفرغ لأمور المسلمين.
وينبغى له أن يتنزه عن ذلك وان قبضه فليقتر فيه وان وسع أو أخذ ليتجر به أو ليتسع به ماله جاز له ربحه.
ولا يغرم ان أكل به الطرف وكذا ان أعطاه لجماعة ويعطى نفقة شهر أو سنة أو ما رأى من ذلك.
وان تلف أعطوه وان لم يفرغ للوقت زادوا ان رأوا أو تركوه حتى يفرغ.
وان فرغ قبل الوقت أعطوه وان خرج من الحكومة لم يلزمه رد ما بيده.
وكذا ان مات فلوارثه امساكه وان خرج أو مات فليس له أو لوارثه مما فرض له الا قبضه.
وله أن يصنع معروفا مما قبض ويصل قرابته وعليه حقوقه.
وكذا الحاكم والمفتى والترجمان والكاتب وكل من يعين أمور المسلمين بحسب تعينهم فى ذلك.
وليس ذلك شرطا بل يدخلون فى ذلك كله ويجعل لهم الامام أو الجماعة ذلك يقدر لهم ما يحتاجون اليه لئلا يشتغلوا عن أمور الاسلام بتجر.
وان لم يكن بيت مال جعل المسلمون ذلك لهم من مالهم والا قاموا بالأمور طاقتهم ويكسب قوتهم.
وينبغى للمسلمين أن يجعلوا من مالهم ما يقوى به الحق ويصنعون منه المعروف ويصلون به من يجور عليهم ويجعلون ذلك فى يد أمين.
ولا يعمل فيه الا ما اجتمع عليه خيارهم أو من فوضوا اليه أمرهم وهذا يفعل فى وقت الامام أو غيره والأصل أن تكون أجرته من بيت المال.
الا أن لم يتيسر ذلك لأنه كالقاضى يعمل أمرا لا يلزمه بعينه.
(1)
انظر العروة الوثقى تأليف السيد محمد كاظم الطباطبائى اليزدى ج 3 ص 25 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 561، 562 وما بعدها طبع محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1342 هـ.
ثم قال: والهدية رشوة فى الحكم والرشوة فى الحكم كفر ولا يجوز لأحد أن يأخذ شيئا ما على بطلان حق ما.
ويجوز للحاكم أن يأخذ ما أعطيه اذا لم يستر به انه جعل له على ابطال الحق.
ولا يأكل مما يجعل للأغنياء أو للأقوياء الا من قريبة أو صديقه وله الأكل مما للعامة أو الفقراء.
ويجوز لصاحب الحق أن يعطى الرشوة من يحكم له به ولا يجوز ان يأخذها ولا يجوز لمن يعطى أن يعطى أكثر من حقه.
لأن ذلك تضييع للمال قال جابر بن زيد رحمه الله تعالى.
ليس لنا شئ أنفع من الرشوة فى زمان عبيد الله بن زياد.
قالت العلماء الرشوة تصيد الحكيم وتفقأ عين الحكيم والله بعباده خبير عليم.
وقيل لا يجوز لأحد أن يعطى الرشوة من يحكم له ولو تيقن أن الحق له فأن أعطاها فهو كمن أعطاها ليأخذ حق غيره.
ولا يبيع أو يشترى لئلا يرخص له ما اشترى أو يغلو ما باع مداراة له أو ليحكم لهم وكذا ما دونه وان فعل صح البيع لكن يخاف ذلك عليه وينبغى أن يوكل غيره بحيث لا يعلم الناس أنه وكيله وله أن يباشر البيع والشراء حيث لا يعرفه من يعامله وفيما له سعر لا يزيد ولا ينقص.
ويقال أن القاضى اذا اتجر فى الموضع الذى يحكم فيه أنه ملعون ورخص له أن يرسل خديمه فبما يصلح للبيت كلحم وزيت وبقل ويلى بيع ما يحعله العلم بيده كمال يتيم أو غائب.
هل يضمن المفتى ما تلف بفتواه:
وفى البحر الرائق: من أفتى غيره ثم رجع عن فتواه قبل العمل بها كفى عن العمل.
وكذا اذا نكح امرأة بفتواه ثم رجع لزمه فراقها كما فى القبلة.
وان رجع بعد العمل وقد خالف دليلا قاطعا نقضه والا فلا.
وان كان المفتى يقلد الامام فنص أمامه.
وان كان اجتهاديا فى حقه كالدليل القطعى وعلى المفتى أعلامه برجوعه قبل العمل.
وكذا بعده ان وجب النقض وان أتلف بفتواه لا يغرم ولو كان أهلا اهـ.
والله تعالى أعلم، وفى حاشية ابن عابدين
(2)
:
ان بعض الفقهاء قاس المفتى على القاضى فى اختلاف الرواية.
فقد قال ابن عابدين القاضى.
اذا قاس مسألة على مسألة وحكم ثم ظهر رواية بخلافه فالخصومة للمدعى عليه يوم القيامة مع القاضى والمدعى.
أما مع المدعى فلأنه اثم بأخذ المال واما مع القاضى فلانه اثم بالاجتهاد.
لأن أحدا ليس من أهل الاجتهاد فى زماننا.
القاضى فأورت أن القاضى صاحب مباشرة للحكم فكيف يؤاخذ السبب مع المباشر فانقطع وكان له يقول:
(2)
انظر رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الابصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 4 ص 356 وما بعدها طبع المطبعة الكبرى الأميرية سنة 1325 هـ الطبعة الثالثة.
ان القاضى فى زماننا ملجأ الى الحكم بعد الفتوى لأنه لو ترك يلام لأنه غير عالم حتى يقضى بعلمه بزازية قبيل الشهادات قلت.
وفيه نظر فان هذا لا يسمى الجاء حقيقة والا لزم أن تنقطع النسبة عن المباشر الى المتسبب.
كما لو أكره رجل آخر باتلاف عضو على أخذ مال انسان فان الضمان على المكره بالكسر لصيرورة المكره بالفتح كالالة.
ولو شك أن ما هنا ليس كذلك فلم تنقطع النسبة عن المباشر وهو القاضى.
وان اثم المسبب وهو المفنى ولا يقاس هذا على مسألة تضمين الساعى الى ظالم مع أى الساعى متسبب لا مباشر فان تلك مسألة استحسانية خارجة عن القياس زجرا عن السعاية.
لكن قد يقال ان هذا حكم الضمان فى الدنيا والكلام فى الخصومة فى الآخرة.
ولا شك أن كلا من المباشر والمتسبب ظالم آثم وللمظلوم الخصومة معها.
وان اختلف ظلمهما فان المباشر طلمه أشد كمن أمسك رجلا حتى قتله آخر.
وفى الحطاب
(1)
: من أفتى رجلا فأتلف بفتواه ما لا فان كان مجتهدا.
فلا شئ عليه والا فقال المازرى يضمن ما تلف ويجب على الحاكم التغليظ عليه.
وان أدبه فأهل الا أن يكون تقدم له اشتغال بالعلم فيسقط عنه الأدب وينهى عن الفتوى اذا لم يكن أهلا.
ونقل البرزلى عن ابن رشد فى أوائل النكاح عن الشعبى.
انه يضمن قال وهذا عندى فى المفتى الذى يجب تقليده المنتصب لذلك.
وأما غيره فكالغرور بالقول ويجرى على أحكامه فتحصل أن المفتى المغتصب لذلك يضمن.
ولعل ابن رشد لا يخالف فيه لأن هذا يحكم بفتواه فهو كالشاهد يرجع عن الشهادة.
وأما غير المنتصب ففيه قولان لابن رشد والمازرى، وفى المجموع
(2)
.
اذا أفتى المفتى بشئ ثم رجع عنه فان علم المستفتى برجوعه.
ولم يكن عمل بالأول لم يجز العمل به وكذا ان نكح بفتواه.
واستمر على نكاح بفتواه ثم رجع لزمه مفارقتها كما لو تغير اجتهاد من قلده فى القبلة أثناء الصلاة.
وان كان عمل قبل رجوعه فان خالف دليلا قاطعا لزم المستفتى نقض عمله ذلك.
وان كان فى محل اجتهاد لم يلزمه نقضه لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
وهذا التفصيل ذكره الصيمرى والخطيب وأبو عمرو واتفقوا عليه.
ولا أعلم خلافه وما ذكره الغزالى والرازى ليس فيه تصريح بخلافه.
قال أبو عمرو واذا كان يفتى على مذهب امام فرجع لكونه بأن له قطعا مخالفة.
(1)
انظر مواهب الجليل شرح مختصر أبى خليل للحطاب وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 1 ص 33 وما بعدها طبع مطبعة السعادة سنة 1328 هـ الطبعة الأولى.
(2)
انظر المجموع شرح المهذب للنووى ج 1 ص 33 وما بعدها طبع مطابع مطبعة التضامن الأخوى.
نص مذهب أمامه وجب نقضه ان كان فى محل الاجتهاد لأن نص مذهب أمامه فى حقه كنص الشارع فى حق المجتهد المستقل.
أما اذا لم يعلم المستفتى برجوع المفتى فحال المستفتى فى علمه.
كما قبل الرجوع ويلزم المفتى اعلامه قبل العمل وكذا بعده حيث يجب النقض، واذا عمل بفتواه فى اتلاف فبان خطؤه.
وانه خالف القاطع فعن الأستاذ أبى اسحاق أنه يضمن ان كان أهلا للفتوى.
ولا يضمن ان لم يكن أهلا لأن المستفتى قصر.
كذا حكاه الشيخ أبو عمرو وسكت عليه وهو مشكل وينبغى أن يخرج الضمان على قولى الغرور المعروفين فى بابى الغصب والنكاح وغيرهما.
أو يقطع بعدم الضمان اذ ليس فى الفتوى الزام ولا الجاء.
وفى العروة الوثقى
(1)
أنه لو تبين خطأ الحاكم فى حكمه.
انتقض وحينئذ فان كان قبل العمل به فلا أشكال وان كان بعده.
فأما أن يكون فى محتوم أو قطع واما أن يكون فى مال.
ففى الأول اذا لم يكن مقصرا ولا جائرا فى حكمه فلا قصاص عليه قطعا وتكون الدية من بيت المال لخبر الأصبع بن نباته.
ما أخطأت القضاة فى دم أو قطع فعلى بيت مال المسلمين.
نعم لو كان المحكوم له عالما بفساد دعواه.
ومع ذلك أقدم عليها كان عليه القصاص.
وفى الثانى اذا كان المال موجودا استرد وان كان تالفا.
فان كان قد أخذه المحكوم له ضمن عوضه وان لم يكن أخذه لعدم كونه مما يرجع اليه.
فان كان عالما بفساد دعواه فكذلك لكونه السبب فى اتلافه على المحكوم عليه.
وان لم يكن عالما فعن جماعة أنه على بيت المال لكنه لا يخلو عن اشكال لاختصاص الخبر بالدم والقطع.
وحينئذ فلا ضمان على المحكوم له لعدم ثبوت يده عليه.
ولا على الحاكم لكونه مأذونا شرعا اذ المفروض عدم جوره وعدم تقصيرة.
وربما يحتمل ضمانه لصحيح عبد الله بن عبد الرحمن بن الحجاج.
قال: كان أبو عبد الله عليه السلام قاعدا فى حلقة ربيعة الرأى.
فجاء اعرابى فسأل ربيعة الرأى فأجابه فلما سكت قال له الاعرابى:
هو فى عنقك فسكت ربيعة ولم يرد شيئا.
فأعاد المسألة عليه فأجابه بمثل ذلك فقال الأعرابى:
هو فى عنقك فسكت عنه ربيعة فقال أبو عبد الله عليه السلام هو فى عنقه قال:
أو لم يقل وكل نعت ضامن» لكنه ضعيف والمراد من الضمان فى الخبر هو الاثم على تقدير التقصير أو عدم الأهلية أو ضمان العوض
(1)
انظر العروة الوثقى للسيد محمد كاظم الطباطبائى البزوى ج 3 ص 28، 29 مسألة رقم 39 الطبعة السابقة.
اذا كان سببا لاتلافه بفتواه مع كونه معقدا أو غير أهل.
وأما ان كان حكم الحاكم عن جور أو تقصير فى الاجتهاد أو فى مقدمات القضاء.
وكانت الدعوى فى قتل أو قطع كان الضمان عليه الا اذا كان المحكوم له ظالما فى دعواه.
وكان هو المباشر للقتل أو القطع فحينئذ يكون القصاص عليه لأن المباشر أقوى من السبب.
وان كان المباشر غيره بتسبيب فالمحكوم عليه أو وليه مخير بين القصاص منه أو من الحاكم.
وان كانت الدعوى ما لا وكان تالفا كان الضمان على الحاكم نعم لو كان المحكوم له ظالما فى دعواه تخير المحكوم عليه بين الرجوع عليه أو على الحاكم.
وفى كشاف القناع
(1)
: ان بأن خطأ الحاكم فى اتلاف كقطع وقتل لمخالفة دليل قاطع.
أو بان خطأ مفت ليس أهلا للفتيا ضمنا أى الحاكم والمفتى لأنه اتلاف حصل بفعلهما أشبه مالو باشراه.
وعلم منه أنه لو أخطأ فيما ليس بقاطع مما يقبل الاجتهاد لا ضمان ولو بان بعد الحكم كفر الشهود أو فسقهم لزمه أى الحاكم نقضه أى الحاكم لفقد شرط صحته.
ويرجع بالمال المحكوم به ان بقى أو بدله أن تلف على المحكوم له لأنه أخذ بغير حق.
أو يرجع ببدل قود مستوفى على المحكوم له ان لم يكن بعد قتله على ما سبق تفصيله فى العبد.
وان كان الحكم لله تعالى باتلاف حسى كقتل فى ردة.
وقطع فى سرقة أو بما سرى اليه أى الاتلاف الحسى كجلد سرى ومات به.
ثم بان كفر الشهود أو فسقهم ضمنه مزكون ان كانوا لتفريطهم وتسببهم والا فالحاكم.
وفى شرح النيل
(2)
.
أنه ان أخطأ موافق أو مخالف فى فتواه أو فى قضائه أو حكمه أو وعظه أو تفسيره آية أو حديثا أو كلاما من العلوم.
ولو غير الفقه لزمه اظهار الرجوع عنه الى كل من أفتى له بالخطأ.
أو قضى له أو عليه أو حكم كذلك أو وعظه أو فسر له والى من حضر فسمع من لسانه أو كتب كتابا الى أحد.
وكذا ما عمل من ذلك باشارة برأس أو غيره ونزع ما قضى به أو حكمه ممن ليس له ان أطاق.
وان بوهم أو غلط أن خاف أن يعمل بقوله ويعتمد عليه.
والا فليتب منه فقط ويتصور عدم العمل بقوله وعدم الاعتماد عليه بأن يكون هؤلاء لا يعلمون بقوله.
أو بأن يعلمون ان ما أفتى به خطأ وقد يقال الأمر كذلك اذا علم أنهم نسوه.
لكن فيه نظر اذ قد يتذكرون وكذا أن جنوا لكن قد يصحون فيحضر ذلك فى قلوبهم فالأحوط أن يظهر اليهم.
(1)
انظر كشاف القناع على متن الاقناع لابن ادريس الحنبلى وبهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 4 ص 212 وما بعدها طبع المطبعة العامرة الشرفية سنة 1319 هـ الطبعة الأولى.
(2)
انظر شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف أطفيش ج 10 ص 317، 318 طبع مطبعة البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
ولو نسوا ولو كان فى اظهاره تكفير لهم وان يظهر لهم اذا صحوا ولو لم يتذكروا ولا شئ عليه من الاظهار ما داموا ناسين أو جاحدين.
والواضح اظهار التخطئة لذلك ولو كان لا يخاف العمل به لمن علم له أو افتاه وان أفتى المجتهد أو قضى أو حكم أو وعظ أو فسر باجتهاده فى ذلك ثم تاب فلا ضمان عليه فى مال أو نفس وجاء فى موضع آخر من شرح النيل
(1)
.
ان من قال الحلال عليه حرام فأفتاه مفت بطلاق زوجته.
وقد مرت له تطليقتان وأخذ بفتياه ورأى أن لا رجعة له وتزوجت ثم سأله غيره فأفتاه بعدمه وأنها زوجته.
فرجع على المفتى الأول بالصداق أو باخراجها من الزوج فحاوله فأبى الا بضمان الصداق ضمنه له أيضا كذا قال ابن محبوب.
وان قال المفتى لست بفقيه ولا تأخذ برأيى لم يضمن وعذر وان قال له الفقيه.
غيرى فان شئت أن تأخذ برأيى فرأيى كذا وكذا ضمن أيضا الا ان قال:
لا تأخذ به وان أفتى مقبول الفتيا ففى ضمانه قولان وعليه التوبة ان لم يجز له الرأى وقيل لا يضمن حتى يقول هذا قول المسلمين وانما يضمن غير المجتهد ان خرج عن أقوال الموافقين والمخالفين أو أفتى بمجمع على خلافه وتخطئته أو بمحرم فى الأصول ان لم يكن فى النازلة حكم واحد فأفتى بغير ما قال فيها أهل الرأى سلم لأنه من أهله والا ضمن وتلعن الملائكة مفتيا بما لم يعلم واضعف الناس علما أعجلهم بالفتيا.
وعن أبى سعيد ليس العالم من حمل الناس على ورعه ولكن هو من أفتاهم لما يسعهم من الحق قبل لقد أحسن فى ذلك ولا شئ على من قصد الصواب وغلط فى فتياه ولا على من بلغها بغير تغيير ان لم يعلمها غلطا ومن بعث بسؤال الى ثقة مع غير ثقة وأتاه بخطه وعرف أنه خط الثقة المسئول واطمأن ان رسوله لا يبدل ولا يقصد غيره كفاه وان قال سن كذا وان كان منسوخا لم يأثم ان لم يعلمه منسوخا ولم يقصد الفتيا بباطل وان قال وجدت فى الأثر أو فى كتاب كذا عندى أو سمعت فيها كذا عندى فلا يعمل به لأنه ليس ذلك فتيا ولا رفع لقوله عندى بل ذلك ظن ونهى عن استفتاء معالج الأخبثين ومشغول بدين عليه أو بدنياه أو مصيبة أو نحو ذلك لأنه يؤدى الى الزلل.
والمسائل تصاد بنور القلب اذا اجتمع ولا يجاب سائل متعنت أو محتج على المسلمين أو معين للظالمين وطالب منزله أو نحو ذلك لما روى لا تطرحوا الدر فى أفواه الكلاب.
وقيل من أعطى الحكمة غير أهلها خاصمته الى ربها وظلمها من منعها من أهلها ولمن علم من احد جهلا بدينه أن يعلمه ولو لم يسأله وان سأله وجب عليه أن يعلمه ولو لم يعلمه جاهلا الا ان كان متعنتا.
واذا تكررت الواقعة للمجتهد وتجدد له ما يقتضى الرجوع عما ظنه فيها أولا حتما لا ولم يكن ذاكرا للدليل الأول لا أن كان ذاكرا للدليل اذ لو أخذ بالأول من غير نظر حيث لم يذكر الدليل كان آخذ الشئ من غير دليل يدل عليه والدليل الأول لعدم تذكرة لاثقة ببقاء الظن منه بخلاف ما اذا كان ذاكرا للدليل فلا يجب تجديد النظر فى واحدة من الصورتين اذ لا حاجة اليه.
ويجوز استفتاء من عرف بالأهلية للافتاء وشهرته بعلمه وعدالته أو ظن أنه أهل لانتصابه لذلك والناس يستفتونه ولو قاضيا وقيل لا يفتى.
(1)
المرجع السابق ج 10 ص 354، 355، 356 وما بعدهم الطبعة السابقة.
ما يشترط فى المفتى:
أولا فى الأصول:
وفى المستصفى
(1)
للغزالى: قال فى المستصفى المجتهد له شرطان:
أحدهما أن يكون محيطا بمدارك الشرع متمكنا من استثارة الظن بالنظر فيها وتقديم ما يجب تقديمه وتأخير ما يجب تأخيره.
والشرط الثانى أن يكون عدلا مجتنبا للمعاصى القادحة فى العدالة.
وهذا يشترط لجواز الاعتماد على فتواه فمن ليس عدلا لا تقبل فتواه أما هو فى نفسه فلا فكأن العدالة شرط القبول للفتوى لا شرط صحة الاجتهاد.
فان قيل متى يكون محيطا بمدارك الشرع وما تفصيل العلوم التى لا بد منها لتحصيل مغصب الاجتهاد قلنا انما يكون متمكنا من الفتوى بعد أن يعرف المدارك المثمرة للأحكام كما فصلناها أربعة الكتاب والسنة والاجماع والعقل.
وطريق الاستثمار يتم بأربعة علوم اثنان مقدمان واثنان متممان وأربعة فى الوسط فهذه ثمانية فلنفصلها ولننبه فيها على دقائق أهملها الأصوليون.
أما كتاب الله عز وجل فهو الأصل ولا بد من معرفته ولنخفف عنه أمرين.
أحدهما أنه لا يشترط معرفة جميع الكتاب بل ما تتعلق به الأحكام منه وهو مقدار خمسمائة آية.
والثانى لا يشترط حفظها عن ظهر قلب بل أن يكون عالما بمواضعها بحيث يطلب فيها الآية المحتاج اليها وقت الحاجة.
وأما السنة فلا بد من معرفة الأحاديث التى تتعلق بالأحكام.
وهى وان كانت زائدة على الوف فهى محصورة وفيها التخفيفان المذكوران اذ لا يلزمه معرفة ما يتعلق من الأحاديث بالمواعظ وأحكام الآخرة.
وغيرها الثانى لا يلزمه حفظها عن ظهر قلبه بل ان يكون عنده أصل مصحح لجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام كسنن أبى داود ومعرفة السنن لأحمد والبيهقى أو أصل وقعت العناية فيه بجميع الأحاديث المتعلقة بالأحكام ويكفيه أن يعرف مواقع كل باب فيرجعه وقت الحاجة الى الفتوى وان كان يقدر على حفظه فهو أحسن وأكمل.
وأما الاجماع فينبغى أن تتميز عنده مواقع الاجماع حتى لا يفتى بخلاف الاجماع كما يلزمه معرفة النصوص حتى لا يفتى بخلافها والتخفيف فى هذا الأصل أنه لا يلزمه أن يحفظ جميع مواقع الاجماع والخلاف بل كل مسألة يفتى فيها فينبغى أن يعلم أن فتواه ليس مخالفا للاجماع أما بأن يعلم أنه موافق مذهبا من مذاهب العلماء أيهم كان أو يعلم أن هذه واقعة متولدة فى العصر لم يكن لأهل الاجماع فيها خوض فهذا القدر فيه كفاية وأما العقل فمقتضى به مستند النفى الأصلى للأحكام فان العقل قد دل على نفى الحرج فى الأقوال والأفعال وعلى نفى الأحكام عنها من صور لا نهاية لها.
أما ما استثنته الأدلة السمعية من الكتات والسنة فالمستثناة محصورة وان كانت كثيرة فينبغى أن يرجع فى كل واقعة الى النفى الأصلى والبراءة الأصلية ويعلم أن ذاك لا يغير الا بنص أو قياس على منصوص فيأخذ فى طلب النصوص
وفى معنى النصوص الاجماع وأفعال رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاضافة الى ما يدل
(1)
انظر المستصفى من علم الأصول للامام حجة الاسلام أبى حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى ومعه كتاب فواتح الرحموت للعلامة عبد العلى محمد بن نظام الدين الأنصارى بشرح مسلم الثبوت فى أصول الفقه أيضا للامام المحقق الشيخ محب الله بن عبد الشكور ج 2 ص 350، 351، 352، 353، 354 طبع مطابع المطبعة الأميرية سنة 1354 هـ طبعة أولى.
عليه الفعل على الشرط الذى فصلناه فى كتاب السنة عند الكلام على أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم هذه المدارك الأربعة فأما العلوم الأربعة التى بها يعرف طرق الاستثمار.
فعلمان مقدمان أحدهما: معرفة نصب الأدلة وشروطها التى بها تصير البراهين والأدلة منتجة والحاجة الى هذا تعم المدارك الأربعة.
والثانى: معرفة اللغة والنحو على وجه يتيسر له به فهم الخطاب العرب وهذا يخص فائدة الكتاب والسنة ولكل واحد من هذين العلمين تفصيل وفيه تخفيف وتثقيل.
أما تفصيل العلم الأول فهو أن يعلم أقسام الأدلة وأشكالها وشروطها.
فيعلم أن الأدلة عقلية تدل لذاتها وشرعية صارت أدلة بوضع الشرع ووضعية وهى العبارات اللغوية ويحصل تمام المعرفة بما ذكرناه فى مقدمة الأصول من مدارك العقول لا بأقل منه فان لم يعرف شروط الأدلة لم يعرف حقيقة الحكم ولا حقيقة الشرع.
ولم يعرف مقدمة الشارع ولا عرف من أرسل الشارع.
ثم قالوا لا بد أن يعرف حدوث العالم وافتقاره الى محدث موصوف بما يجب له من الصفات منزه عما يستحيل عليه وأنه متعبد عبادة ببعثة الرسل وتصديقهم بالمعزات وليكن عارفا بصدق الرسول والنظر فى معجزاته والتخفيف فى هذا عندى أن القدر الواجب من هذه الجملة اعتقاد جازم اذ به يصير مسلما.
والاسلام شرط المفتى لا محالة.
فأما معرفته بطرق الكلام والأدلة المحررة على عادتهم فليس بشرط اذ لم يكن فى الصحابة والتابعين من يحسن صنعة الكلام فأما مجاوزة حد التقليد فيه الى معرفة الدليل فليس بشرط أيضا لذاته لكنه يقع من ضرورة منصب الاجتهاد فانه لا يبلغ رتبة الاجتهاد.
وفى العلم الا وقد فرع سمعة أدلة خلق العالم وأوصاف الخالق وبعثة الرسول صلى الله عليه وسلم واعجاز القرآن الكريم.
فان كل ذلك يشتمل عليه كتاب الله تعالى وذلك محصل للمعرفة الحقيقية مجاوز لصاحبه حد التقليد.
وان لم يمارس صاحبه صنعة الكلام فهذا من لوازم منصب الاجتهاد حتى لو تصور مقلد محض فى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم وأصول الايمان لجاز له الاجتهاد فى الفروع.
أما المقدمة الثانية فعلم اللغة والنحو أعنى القدر الذى يفهم به خطاب العرب وعادتهم فى الاستعمال الى حد يميز بين صريح الكلام وظاهره ومجمله وحقيقته ومجازه وعامه وخاصه ومحكمه ومتشابهه ومطلقه ومقيده ونصه وفحواه ولحنه ومفهومه، والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يبلغ درجة الخليل والمبرد وان يعرف جميع اللغة ويتعمق فى النحو بل القدر الذى يتعلق بالكتاب والسنة ويستوى به على مواقع الخطاب ودرك حقائق المقاصد منه.
وأما العلمان المتممان فأحدهما معرفة الناسخ والمنسوخ من الكتاب الكريم والسنة الشريفة.
وذلك فى آيات وأحاديث مخصوصة والتخفيف فيه أنه لا يشترط أن يكون جميعه على حفظه بكل واقعة يفتى فيها بآية أو حديث فينبغى أن يعلم أن ذلك الحديث وتلك الآية ليست من جملة المنسوخ.
وهذا يعم الكتاب والسنة الثانى وهو يخص السنة معرفة الرواية وتمييز الصحيح منها عن الفاسد والمقبول عن المردود فان ما لا ينقله العدل عن العدل فلا حجة فيه والتخفيف فيه أن كل حديث يفتى به مما قبلته الأمة فلا حاجة به الى النظر فى اسناده وان خالفه بعض العلماء فينبغى أن يعرف رواته وعدالته فان كانوا مشهورين عنده كما يرويه الشافعى عن مالك عن نافع عن
ابن عباس عن ابن عمر مثلا اعتمد عليه فهؤلاء قد تواتر عند الناس عدالتهم وأحوالهم.
والعدالة انما تعرف بالخبرة والمشاهدة أو بتواتر الخبر فما نزل عنه فهو تقليد وذلك بأن يقلد البخارى ومسلما فى أخبار الصحيحين وأنهما ما رددها الا عمن عرفوا عدالته فهذا مجرد وتقليد وانما يزول التقليد بأن يعرف أحوال الرواة بتسامع أحوالهم وسيرهم ثم ينظر فى سيرهم انها تقتضى العدالة أم لا وذلك طويل وهو فى زماننا مع كثرة للوسائط عسير.
والتخفيف فيه أن يكتفى بتعديل الامام العدل بعد أن عرفنا أن مذهبه فى التعديل مذهب صحيح فان المذاهب مختلفة فيما يعدل به ويجرح فان من مات قبلنا بزمان امتنعت الخبرة والمشاهدة فى حقه ولو شرط أن تواتر سيرته فذلك لا يصادف الا فى الأئمة المشهورين فيقلد فى معرفة سيرته عدلا فيما يخبر فتقلده فى تعديله بعد أن عرفنا صحة مذهبه فى التعديل فان جوزنا للمفتى الاعتماد على الكتب الصحيحة التى ارتضى الأئمة روايتها قصر الطريق على المفتى والا طال الأمر وعسر الخطب فى هذا الزمان مع كثرة الوسائط ولا يزال الأمر يزداد شدة بتعاقب الأعصار فهذه هى العلوم الثمانية التى يستفاد بها منصب الاجتهاد.
ومعظم ذلك يشتمل على ثلاثة فنون علم الحديث وعلم اللغة وعلم أصول الفقه.
فأما الكلام وتفاريع الفقه فلا حاجة اليهما وكيف يحتاج الى تفاريع الفقه وهذه التفاريع يولدها المجتهدون ويحكمون فيها بعد حيازة منصب الاجتهاد فكيف تكون شرطا فى منصب الاجتهاد وتقدم الاجتهاد عليها شرط نعم انما يحصل منصب الاجتهاد فى زماننا بممارسته فهو طريق تحصيل الدربة فى هذا الزمان ولم يكن الطريق فى زمان الصحابة ذلك ويمكن الآن سلوك طريق الصحابة أيضا وهذه «دقيقة» فى التخفيف يغفل عنها الأكثرون اجتماع هذه العلوم الثمانية انما يشترط فى حق المجتهد المطلق الذى يفتى فى جميع الشرع.
وليس الاجتهاد عندى منصبا لا يتجزأ بل يجوز بأن يقال للعالم بمنصب الاجتهاد فى بعض الأحكام دون بعض النظر فمن عرف طريق النظر القياسى فله أن يفتى فى مسألة قياسية وان لم يكن ماهرا فى علم الحديث فمن ينظر فى المسألة المشتركة يكفيه أن يكون فقيه النفس عارفا بأصول الفرائض ومعانيها وان لم يكن قد حصل الأخبار التى وردت فى مسألة تحريم المسكرات أو فى مسألة النكاح بلا ولى فلا استمداد لنظر هذه المسألة منها ولا تعلق لتلك الأحاديث بها.
فمن أين تصير الغفلة عنها أو القصور عن معرفتها نقصا ومن عرف أحاديث قتل المسلم بالذمى وطريق التصرف فيه فيما يضره تصوره عن علم النحو الذى يعرف قول الله تبارك وتعالى «وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ 1» }.
وقس عليه ما فى معناه وليس من شرط المفتى أن يجيب عن كل مسألة.
فقد سئل مالك رحمه الله تعالى عن أربعين مسألة فقال فى ست وثلاثين منها لا أدرى.
وكم توقف الشافعى رحمه الله تعالى بل الصحابة رضوان الله عليهم فى المسائل فاذا لا يشترط أن يكون على بصيرة فيما يفتى يدرى ويدرى أنه يدرى ويميز بين ما لا يدرى وبين ما يدرى فيتوقف فيما لا يدرى ويفتى فيما يدرى.
وأما المجتهد فيه فهو كل حكم شرعى ليس فيه دليل قطعى واحترزنا بالشرعى عن العقليات ومسائل الكلام فان الحق فيها واحد والمصيب واحد والمخطئ آثم.
(1)
الآية رقم 6 من سورة المائدة.
وانما نعنى بالمجتهد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثما ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع فيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف فليس ذلك محل الاجتهاد.
فهذه هى الأركان فاذا صور الاجتهاد التام من أهله وصادف محله كان ما أدى اليه الاجتهاد حقا وصوابا وقد ظن ظانون أن شرط المجتهد أن لا يكون نبيا فلم يجوزا الاجتهاد للنبى صلى الله عليه وسلم وان شرط الاجتهاد أن لا يقع فى زمن النبوة
(1)
مسألة فى وجوب الاجتهاد على المجتهد وتحريم التقليد عليه.
قال الغزالى
(2)
: وقد اتفقوا على أنه اذا فرغ من الاجتهاد وغلب على ظنه حكم فلا يجوز له أن يقلد مخالفه ويعمل بنظر غيره ويترك نظر نفسه.
أما اذا لم يجتهد بعد ولم ينظر فان كان عاجزا عن الاجتهاد كالعامى فله التقليد وهذا ليس مجتهدا لكن ربما يكون متمكنا من الاجتهاد فى بعض الأمور عاجزا عن البعض الا بتحصيل علم على سبيل الابتداء كعلم النحو مثلا فى مسألة نحوية وعلم صفات الرجال وأحوالهم فى مسألة خيرية وقع النظر فيها فى صحة الاسناد فهذا من حيث حصل بعض العلوم واستقل بها لا يشبه العامى ومن حيث أنه لم يحصل هذا العلم فهو كالعامى أو بالعالم فيه نظر والأشهر والأشبه أنه كالعامى.
وانما المجتهد هو الذى صارت العلوم عنده بالقوة القريبة.
أما اذا احتاج الى تعب كثير فى التعلم بعد فهو فى ذلك الفن عاجزا وكما يمكنه تحصيله فالعامى أيضا يمكنه التعلم ولا يلزمه بل يجوز له ترك الاجتهاد وعلى الجملة بين درجة المبتدئ فى العلم وبين رتبة الكمال منازل واقعة بين طرفين وللنظر فيها مجال.
وانما كلامنا الآن فى المجتهد لو بحث فى مسألة ونظر فى الأدلة لاستقل بها ولا يفتقر الى تعلم علم من غيره فهذا هو المجتهد فهل يجب عليه الاجتهاد أم يجوز له أن يقلد غيره هذا مما اختلفوا فيه فذهب قوم الى أن الاجماع قد حصل على أن من وراء الصحابة لا يجوز تقليدهم وقال قوم من وراء الصحابة والتابعين وكيف يصح دعوى الاجماع وممن قال بتقليد العالم أحمد بن حنبل واسحاق بن راهوية وسفيان الثورى قال محمد ابن الحسن يقلد العالم الأعلم ولا يقلد من هو دونه أو مثله.
وذهب الأكثرون من أهل العراق الى جواز تقليد العالم العالم فيما يفتى وفيما يخصه.
وقال قوم يجوز فيما يخص دون ما يفتى وخصص قوم من جملة ما يخصه ما يفوت وقته لو اشتغل بالاجتهاد واختار القاضى منع تقليد العالم للصحابة ولمن بعدهم وهو الأظهر عندنا والمسألة ظنية اجتهادية.
والذى يدل عليه أن تقليد من لا تثبت عصمته ولا يعلم بالحقيقة اصابته بل يجوز خطؤه وتلبيسه حكم شرعى لا يثبت الا بنص أو قياس على منصوص ولا نص ولا منصوص الا العامى والمجتهد اذ للمجتهد أن يأخذ بنظر نفسه وان لم يتحقق وللعامى أن يأخذ بقوله.
أما المجتهد انما يجوز له الحكم بظنه لعجزه عن العلم فالضرورة دعت اليه فى كل مسألة ليس فيها دليل قاطع.
أما العامى فانما يجوز له تقليد غيره للعجز
(1)
انظر المتصفى من علم الاصول للامام حجة الاسلام الغزالى ومعه كتاب فواتح الرحموت ج 2 ص 350، 351، 352، 353، 354 طبع المطبعة الأميرية سنة 1324 هـ الطبعة الأولى.
(2)
انظر المستصفى للغزالى ومعه فواتح الرحموت ج 2 ص 384، 385، 386، 387، 388، 389 الطبعة السابقة.
عن تحصيل العلم والظن بنفسه والمجتهد غير عاجز فلا يكون فى معنى العاجز فينبغى أن يطلب الحق بنفسه فانه يجوز الخطأ على العالم بوضع الاجتهاد فى غير محله والمبادرة قبل استتمام الاجتهاد والغفلة عن دليل قاطع وهو قادر على معرفة جميع ذلك ليتوصل فى بعضها الى اليقين وفى بعضها الى الظن فكيف ينبنى الأمر على عماية كالعميان وهو يصير بنفسه.
وجاء فى الفروق للقرافى
(1)
: ان طالب العلم له أحوال:
الحالة الأولى أن يشتغل بمختصر من المختصرات فى مذهبه فيه مطلقات مقيدة فى غيره وعمومات مخصوصة فى غيره ومتى كان الكتاب المعين حفظه وفهمه كذلك أو جوز عليه أن يكون كذلك حرم عليه أن يفتى بما فيه وان أجاده حفظا وفهما الا فى مسألة يقطع فيها انها مستوعية التقييد وأنها لا تحتاج الى مفتى آخر من كتاب آخر فيجوز له أن ينقلها لمن يحتاجها على وجهها من غير زيادة ولا نقصان وتكون هى عين الواقعة المسئول عنها لا أنها تشبهها ولا تخرج عليها بل هى حرفا بحرف لأنه قد يكون هنا لك فروق تمنع من الالحاق أو تخصيص أو تقييد بمنع من الفتيا بالمحفوظ فيجب الوقف.
الحالة الثانية أن يتسع تحصيله فى المذهب بحيث يطلع من تفاصيل الشروحات والمطولات على تقييد المطلقات وتخصيص العمومات ولكنه مع ذلك لم يضبط مدارك امامه ومسنداته فى فروعه ضبطا متقنا بل سمعها من حيث الجملة من أفواه الطلبة والمشايخ فهذا يجوز له أن يفتى بجميع ما ينقله من مذهبه اتباعا لمشهور ذلك المذهب بشروط الفتيا.
ولكنه اذا وقعت له واقعة ليست فى حفظه لا يخرجها على محفوظاته ولا يقول هذه تشبه المسألة الفلانية لأن ذلك انما يصح ممن أحاط بمدارك امامه وأدلته واقيسته وعلله التى اعتمد عليها مفصلة ومعرفة رتب تلك العلل ونسبتها الى المصالح الشرعية.
وكل شئ أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الاجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلى السالم عن المعارض الراجح لا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتى به فى دين الله تعالى فان هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم حاكم أولى ان لا نقره شرعا اذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا.
والفتيا بغير شرع حرام فالفتيا بهذا الحكم حرام وان كان الامام المجتهد غير عامى به بل مثابا عليه لأنه بذل جهده على حسب ما أمر به.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وان أصاب فله أجران» .
والحالة الثالثة أن يصير طالب العلم الى ما ذكرناه من الشروط مع الديانة الوازعة والعدالة المتمكنة فهذا يجوز له أن يفتى فى مذهبه نقلا وتخريجا ويعتمد على ما يقوله فى جميع ذلك.
وقال القرافى
(2)
: لا يجوز التخريج الا لمن هو عالم بتفاصيل أحوال الا قيسة والعلل ورتب المصالح وشروط القواعد وما يصلح أن يكون معارضا وما لا يصلح.
وهذا لا يعرفه الا من يعرف أصول الفقه معرفة حسنة فاذا كان موصوفا بهذه الصفة وحصل له هذا المقام تعين عليه مقام آخر وهو النظر وبذل الجهد فى تصفح تلك القواعد الشرعية وتلك
(1)
انظر الفروق للامام العلامة شهاب الدين أبى العباس أحمد بن ادريس ابن عبد الرحمن الصنهاجى المشهور بالقرافى وبأسفلها حاشية عمدة المحققين سراج الدين أبى القاسم قاسم بن عبد الله الانصارى المعروف بابن الشاطئ ج 2 ص 107، 108 وما بعدهما طبع مطبعة دار أحياء الكتب العربية سنة 1345 الطبعة الأولى.
(2)
المرجع السابق ج 2 ص 107، 108، 109، 110 الطبعة السابقة.
المصالح وأنواع الأقيسة وتفاصيلها فاذا بذل جهده فيما يعرفه ووجد ما يجوز أن يعتبره امامه فارقا أو مانعا أو شرطا وهو ليس فى الحادثة الى أن يروم تخريجها حرم عليه التخريج وان لم يجد شيئا بعد بذل الجهد.
وتمام المعرفة جاز له التخريج حينئذ.
وكذلك القول فى امامه مع صاحب الشرع لا بد أن يكون امامه موصوفا بصفات الاجتهاد التى بعضها ما تقدم اشتراطه فى حق المقلد المخرج ثم بعد اتصافه بصفات الاجتهاد ينتقل الى مقام بذل الجهد فيما عمله من القواعد وتفاصيل المدارك فاذا بذل جهده ووجد حينئذ ما يصلح أن يكون فارقا أو مانعا أو شرطا قائما فى الفرع الذى يروم قياسه على كلام صاحب الشرع حرم عليه القياس ووجب التوقف وان غلب على ظنه عدم جميع ذلك وان الفرع مساو للصورة التى نص عليها صاحب الشرع ووجب عليه الالحاق حينئذ وكذلك مقلده.
وحينئذ بهذا التقرير يتعين على من لا يشتغل بأصول الفقه لا يخرج فرعا أو نازلة على أصول مذهبه ومنقولاته وان كثرت منقولاته جدا فلا تفيد كثرة المنقولات مع الجهل بما تقدم كما أن امامه لو كثرت محفوظاته لنصوص الشريعة من الكتاب والسنة وأقضية الصحابة رضى الله تعالى عنهم ولم يكن عالما بأصول الفقه حرم عليه القياس والتخريج عن المنصوصات من قبل صاحب الشرع بل حرم عليه الاستنباط من نصوص الشارع لأن الاستنباط فرع معرفة أصول الفقه.
فهذا الباب المجتهدون والمقلدون فيه سواء فى امتناع التخريج بل يفتى كل مقلد وصل الى هذه الحالة التى هى ضبط مطلقات امامه فتأمل ذلك فالناس مهملون له اهمالا شديدا ويقتحمون على الفتيا فى دين الله تعالى.
ما يشترط فى المفتى: ثانيا فى الفقه:
جاء فى البحر الرائق
(1)
: شرط المفتى اسلامه وعدالته ولزم منها اشتراط بلوغه وعقله فترد فتوى الفاسق والكافر وغير المكلف اذ لا يقبل خبرهم.
فى الدر المختار لابن عابدين
(2)
: وشرط بعضهم تيقظه قال ابن عابدين احترازا عمن غلب عملية الغفلة والسهو ثم قال: وهذا شرط لازم فى زماننا فان العادة اليوم أن من صار بيده فتوى المفتى استطال على خصمه وقهره بمجرد قوله أفتانى المفتى بأن الحق معى والخصم جاهل لا يدرى ما فى الفتوى.
فلا بد أن يكون المفتى متيقظا يعلم رحيل الناس ودسائسهم فاذا جاء السائل يقرره من لسانه ولا يقول له ان كان كذا فالحق معك وان كان كذا فالحق مع خصمك لأنه يختار لنفسه ما ينفعه ولا يعجز عن اثباته بشاهدى زور، بل الأحسن أن يجمع بينه وبين خصمه.
فاذا ظهر له الحق مع أحدهما كتب الفتوى لصاحب الحق، وليحترز من الوكلاء فى الخصومات، فان أحدهم لا يرضى الا باثبات دعواه لموكله بأى وجه أمكن ولهم مهارة فى الحيل والتزوير وقلب الكلام وتصوير الباطل بصورة
وقال فى الدر المختار
(1)
ولا يشترط حريته أى غرضه الفاسد فلا يحل للمفتى أن يعينه على ضلاله.
وقد قالوا من جهل بأهل زمانه فهو جاهل.
وقد يسأل عن أمر شرعى وتدل القرائن للمفتى المتيقظ أن مراده التوصل الى غرض فاسد
(1)
انظر البحر الرائق شرح كنز الحقائق لابن نجيم ج 6 ص 286 وما بعدها طبع المطبعة العلمية بمصر سنة 1316 هـ الطبعة الأولى.
(2)
انظر رد المحتار على شرح تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين عليه ج 4 ص 418، 419 وما بعدهما طبع المطبعة الكبرى الأميرية سنة 1325 هـ الطبعة الأولى.
كما شاهدناه كثيرا، والحاصل أن غفلة المفتى يلزم منها ضرر عظيم فى هذا الزمان.
وقال فى الدر المختار
(1)
ولا يشترط حريته أى فهو كالراوى لا كالشاهد والقاضى ولذا تصح فتواه لمن لا تقبل شهادته له ولا تشترط ذكورته ونطقه فيصح افتاء الاخرس لا قضاؤه فيكتفى بالاشارة منه وذلك حيث فهمت اشارته والأصح أنه يصح فتوى الأطرش وهو من يسمع الصوت القوى.
قال ابن عابدين: لا شك أنه اذا كتب له وأجاب عنه جاز العمل بفتواه وأما اذا كان منصوبا للفتوى يأتيه عامة الناس ويسألونه من نساء وأعراب وغيرهم فلا بد أن يكون صحيح السمع لأنه يمكن كل سائل أن يكتب له سؤاله وقد يحضر اليه الخصمان ويتكلم أحدهما بما يكون فيه الحق عليه لا له والمفتى لم يسمع ذلك منه فيفتيه على ما سمع من بعض كلامه فيضيع حق خصمه وهذا قد شاهدته كثيرا فلا ينبغى التردد فى أنه لا يصلح أن يكون مفتيا عاما ينتظر القاضى جوابه ليحكم به فان ضرر مثل هذا أعظم من نفعه.
ويصح أن يفتى القاضى - ولو فى مجلس القضاء - من لم يخاصم اليه.
قال فى الظهيرية ولا بأس للقاضى أن يفتى من لم يخاصم اليه ولا يفتى أحد الخصمين فيما خوصم اليه.
وفى الخلاصة القاضى هل يفتى؟ فيه أقاويل والصحيح أنه لا بأس به فى مجلس القضاء وغيره فى الديانات والمعاملات، قال ابن عابدين ويمكن حمل ما فى الخلاصة على من لم يخاصم اليه فيوافق ما فى الظهيرية، وفى كافى الحاكم:
وكره للقاضى أن يفتى فى القضاء للخصوم كراهة أن يعلم خصمه قوله فتحرز منه بالباطل
(2)
.
وفى البحر الرائق: ويشترط أهلية اجتهادة ثم قال وحاصل شرائط المجتهد
(3)
الاسلام والبلوغ والعقل وكونه فقيه النفس بمعنى شديد الفهم بالطبع وعمله باللغة العربية أى الصرف والنحو والمعانى والبيان والأصول وكونه حاويا لعلم كتاب الله تعالى وما يتعلق بالأحكام وكونه عالما بالحديث متنا وسندا وناسخا ومنسوخا.
ولا يشترط فيه بعد صحة العقيدة علم الكلام ولا تفاريع الفقه ولا الذكورة ولا الحرية ولا العدالة فللفاسق الاجتهاد ليعمل بنفسه وأما غيره فلا يعمل به ويشترط كونه عالما بوجوه القياس.
وفى الحقيقة اشتراط علمه بالأصول يغنى عنه ولا بد من معرفة الاجماع ومواقعه ومن معرفة عادات الناس
(4)
ثم قال: فلا يغنى الا المجتهد وقد استقر رأى الأصوليين على أن المفتى هو المجتهد فأما غير المجتهد بمن يحفظ أقوال المجتهد فليس مفتيا والواجب عليه اذا سئل أن يذكر قول المجتهد كأبى حنيفة رحمه الله تعالى على جهة الحكاية فعرف أن ما يكون فى زماننا من فتوى الموجودين ليس بفتوى بل هو نقل كلام المفتى ليأخذ به المستفتى.
وقال فى كنز الدقائق
(5)
: والفاسق يصلح مفتيا وقيل لا، قال صاحب البحر: وجه الأول أنه يحذر النسبة الى الخطأ.
(1)
انظر الدر المختار وحاشية ابن عابدين عليه ج 4 ص 419 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر البحر الرائق شرح كنز الدقاق لابن نجم ج 6 ص 286 الطبعة السابقة.
(3)
انظر المرجع السابق شرح كنز الدقاق لابن نجيم ج 6 ص 288 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
انظر البحر الرائق شرح كنز الدقاق لابن نجيم ج 6 ص 289 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
المرجع السابق ج 6 ص 286 وما بعدها الطبعة السابقة.
ووجه الثانى أنه من أمور الدين وغيره غير مقبول فى الديانات ثم قال ولم يرجح الشارحون أحدهما، وظاهر ما فى التحرير أنه لا يحل استفتاؤه اتفاقا فانه قال: الاتفاق على حل استفتاء من عرف من أهل العلم بالاجتهاد والعدالة أو رآه منتصبا والناس يستفتونه معظمين وعلى امتناعه ان ظن عدم أحدهما فان جهل اجتهاده دون عدالته.
فالمختار منع استفتائه بخلاف المجهول من غيره اذ الاتفاق على المنع وقال صاحب البحر فلا أقل من أن يكون ترجيحا لعدم صلاحيته ولهذا جزم به فى المجمع واختاره فى شرحه.
وقال ابن عابدين: فى حاشيته تعليقا على ما فى التحرير من أنه لا يحل استفتاء الفاسق اتفاقا قال: هذا بناء على ما عليه الأصوليون من ان المفتى هو المجتهد وهو غير المراد هنا بل المراد به هنا المقلد الذى ينقل الحكم من غيره.
وجاء فى الفتاوى الهندية
(1)
: والبحر وفى اشتراط معرفة الحساب لتصحيح مسائله وجهان ويشترط أن يحفظ مذهب امامه ويعرف قواعده وأساليبه وليس للأصولى الماهر وكذا البحاث فى الخلاف من أئمة الفقه وفحول المناظرين أن يفتى فى الفروع الشرعية ومن شرطه أن لا يرمى بالكاغد كما اعتاده بعض الناس لأن فيه اسم الله تعالى وتعظيم اسمه تعالى واجب.
قال فى البحر
(2)
: وليكن المفتى متنزها عن خوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن حسن التصرف والاستنباط ولو كان المفتى عبدا أو امرأة أو أعمى أو أخرس بالاشارة وليس وهو كالشاهد فى رد فتواه لقرابة وجر نفع ودفع ضرر عداوة فهو كالراوى لا كالشاهد وتقبل فتوى من لا يكفر ولا يفسق ببدعة كشهادته وفى تنقيح المحبوبى أن الاشارة من المفتى الناطق يعمل بها فلا يختص بالأخرس، وفى البحر
(3)
: للمفتى أن يغلظ للزجر متأولا كما اذا سأله من له عبد عن قتله وخشى أن يقتله جاز أن يقول ان قتلتاك متأولا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، من قتل عبده قتلناه وهذا اذا لم يترتب على اطلاقه مفسدة. وفى الفروق للقرافى
(4)
: أن المفتى هو المجتهد المطلق وهو الفقيه قال الصيرفى موضوع لمن قام للناس بأمر دينهم وعلم حمل عموم القرآن الكريم وخصوصه وناسخه ومنسوخة وكذلك فى السنن والاستنباط ولم يوضع لمن علم مسألة وأدرك حقيقتها.
وقال ابن السمعانى هو من استكمل فيه ثلاث شرائط الاجتهاد والعدالة والكف عن الترخيص والتساهل، وللمتساهل حالتان:
احداهما: أن يتساهل فى طلب الأدلة وطرق الأحكام ويأخذ ببادئ النظر وأوائل الفكر وهذا مقصر فى حق الاجتهاد ولا يحل له أن يفتى ولا يجوز.
الثانية أن يتساهل فى طلب الرخص وتأول السنة فهذا متجوز فى دينه وهو آثم من الأول وجاء فى الحطاب
(5)
: قال ابن فرحون من الصفات التى ينبغى أن يتصف بها المفتى أن لا يتساهل فى الفتوى ومن عرف بذلك لم يجز أن يستفتى والتساهل قد يكون بأن لا يتثبت ويسرع بالفتوى أو الحكم قبل استيفاء حقه من النظر
(1)
انظر الفتاوى العالمكرية المسماه بالفتاوى الهندية للأوزجندى ج 3 ص 309 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر البحر الرائق شرح كنز الدقاق لابن نجيم ج 6 ص 286 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
انظر الفتاوى الهندية للاوزجندى ج 6 ص 290 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
انظر الفروق للقرافى وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية فى الأسرار الفقهية للشيخ محمد على ابن المرحوم الشيخ مفتى المالكية ج 2 ص 116، 117 وما بعدها طبع مطبعة دار احياء الكتب العربية سنة 1345 هـ الطبعة الأولى بمصر.
(5)
انظر مواهب الجليل وبهامشه التاج والاكليل للمواق ج 6 ص 91، 92 وما بعدها الطبعة السابقة.
والفكر وربما يحمله على ذلك توهمه أن الاسراع براعة والابطاء عجز ولأن يبطئ ولا يخطئ أجمل به من أن يعجل فيضل ويضل وقد يكون تساهله بأن تحمله الأغراض الفاسدة على تتبع الحيل المحظورة أو المكروهة بالتمسك بالشبه طلبا للحرص على من يروم نفعه أو التغليظ على من يروم ضرره قال ابن الصلاح ومن فعل ذلك فقد هان دينه.
قال وأما اذا قصد المفتى واحتسب فى طلب حيلة لا شبهة فيها ولا يجر الى مفسدة ليخلص بها المفتى من ورطة يمين أو نحوها فذلك حسن جميل.
وقال القرافى: اذا كان فى المسألة قولان أحدهما فيه تشديد والآخر فيه تسهيل فلا ينبغى للمفتى أن يفتى العامة بالتشديد والخواص وولاة الأمور بالتخفيف وذلك قريب من الفسوق والخيانة فى الدين والتلاعب بالمسلمين وذلك دليل فراغ القلب من تعظيم الله تبارك وتعالى واجلاله وتقواه وعمارته باللعب وحب الرياسة والتقريب الى الخلق دون الخالق نعوذ بالله من صفات الغافلين والحاكم كالمفتى فى هذا.
وفى الفروق للقرافى
(1)
: أن كل شئ أفتى فيه المجتهد فخرجت فتياه فيه على خلاف الاجماع أو القواعد أو النص أو القياس الجلى السالم عن المعارض الراجح ولا يجوز لمقلده أن ينقله للناس ولا يفتى به فى دين الله تعالى فان هذا الحكم لو حكم به حاكم لنقضناه وما لا نقره شرعا بعد تقرره بحكم الحاكم أولى أن لا نقره شرعا اذا لم يتأكد وهذا لم يتأكد فلا نقره شرعا والفتيا بغير الشرع حرام فالفتيا بهذا الحكم حرام وان كان الامام المجتهد غير عاص به بل شابا عليه لأنه بذل جهده على حسب ما أمر به.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(اذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وان أصاب فله أجران) فعلى هذا يجب على أهل العصر تفقد مذاهبهم فكل ما وجدوه من هذا النوع يحرم عليهم الفتيا به ولا يعرى مذهب من المذاهب عنه لكنه قد يقل وقد يكثر غير أنه لا يقدر أن يعلم هذا فى مذهبه الا من عرف القواعد والقياس الجلى والنص الصريح وعدم المعارض لذلك وذلك يعتمد أصول الفقه والتبحر فى الفقه فان القواعد ليست مستوعبة فى أصول الفقه بل للشريعة قواعد كثيرة جدا عند أئمة الفتوى والفقهاء ولا توجد فى كتب أصول الفقه أصلا وذلك هو الباعث لى على وضع هذا الكتاب لأضبط تلك القواعد بحسب طاقتى ولاعتبار هذا الشرط يحرم على أكثر الناس الفتوى فتأمل ذلك فهو أمر لازم وكذلك كان السلف رضى الله تعالى عنهم متوقفين فى الفتيا توقفا شديدا.
وقال مالك لا ينبغى للعالم أن يفتى حتى يراه الناس أهلا لذلك ويرى هو نفسه أهلا لذلك يريد تثبيت أهلية عند العلماء ويكون هو بيقين مطلعا على ما قاله العلماء فى حقه من الأهلية لأنه قد يظهر من الانسان أمر على ضد ما هو عليه فاذا كان مطلعا على ما وصفه به الناس حصل اليقين فى ذلك وهذا هو شأن الفتيا فى الزمن القديم وأما اليوم فقد انخرق هذا السياج وسهل على الناس أمر دينهم فتحدثوا فيه بما يصلح وما لا يصلح وعسر عليهم اعترافهم بجهلهم وان يقول أحدهم لا يدرى فلا جرم آل الحال للناس الى هذه الغاية بالاقتداء بالجهال.
وفى المجموع
(2)
: قالوا وينبغى أن يكون المفتى ظاهر الورع مشهور بالديانة الظاهرة والصيانة الباهرة وكان مالك رحمه الله تعالى يعمل بما لا يلزمه الناس ويقول لا يكون عالما حتى يعمل فى خاصة نفسه بما لا يلزمه الناس مما لو تركه لم يأثم وكان يحكى نحوه عن شيخه
(1)
انظر الفروق للقرافى ج 2 ص 109، 110 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
انظر المجموع للنووى شرح المهذب ومعه فتح العزيز شرح الوجيز للرافعى ج 1 ص 41 وما بعدها طبع مطبعة التضامن الأخوى بمصر.
ربيعة وشرط المفتى أن يكون مكلفا مسلما ثقة مأمونا متنزها عن أسباب الفسق وخوارم المروءة فقيه النفس سليم الذهن رصين الفكر صحيح التصرف والاستنباط متيقظا سواء فيه الحر والعبد والمرأة والأعمى والأخرس اذا كتب أو فهمت اشارته قال الشيخ أبو عمرو بن الصلاح وينبغى أن يكون كالراوى فى أنه لا يؤثر فيه قرابة وعداوة وجر نفع ودفع ضر لأن المفتى فى حكم مخبر عن الشرع بما لا اختصاص له بشخص فكان كالراوى لا كالشاهد وفتواه لا يرتبط بها الزام بخلاف حكم القاضى قال وذكر صاحب الحاوى أن المفتى اذا نابذ فى فتواه شخصا معينا صار خصما حكما معاندا فترد فتواه على من عاداه كما ترد شهادته عليه واتفقوا على أن الفاسق لا تصح فتواه ونقل الخطيب فيه اجماع المسلمين ويجب عليه اذا وقعت له واقعة أن يعمل باجتهاد نفسه وأما المستور وهو الذى ظاهره العدالة ولم تختبر عدالته باطنا ففيه وجهان أصحهما جواز فتواه لأن العدالة الباطنة يعسر معرفتها على غير القضاة.
والثانى: لا يجوز كالشهادة والخلاف كالخلاف فى صحة النكاح بحضور المستورين. قال الصيمرى وتصح فتاوى أهل الأهواء والخوارج ومن لا نكفره ببدعته ولا نفسقه، ونقل الخطيب هذا وأما الشراة والرافضة الذين يسبون السلف الصالح ففتاويهم مردودة وأقوالهم ساقطة، والقاضى كغيره فى جواز الفتيا بلا كراهة، هذا هو الصحيح المشهور من مذهبنا قال الشيخ ورأيت فى بعض تعاليق الشيخ أبى حامد أن له الفتوى فى العبادات ومالا يتعلق بالقضاء، وفى القضاء وجهان لأصحابنا أحدهما الجواز لأنه أهل.
والثانى لا لأنه موضع تهمة وقال ابن المنذر تكره الفتوى فى مسائل الأحكام الشرعية وقال شريح أنا أقضى ولا أفتى.
وفى اعلام الموقعين
(1)
، ولما كان التبليغ عن الله سبحانه يعتمد العلم بما يبلغ والصدق فيه لم تصلح مرتبة التبليغ بالرؤية والفتيا الا لمن اتصف بالعلم والصدق فيكون عالما بما يبلغ صادقا فيه ويكون مع ذلك حسن الطريقة مرضى السيرة عدلا فى أقواله وأفعاله متشابه السر والعلانية فى مدخله ومخرجه وأحواله واذا كان منصب التوقيع عن الملوك بالمحل الذى لا ينكر فضله ولا يجهل قدره وهو من أعلى المراتب السنيات فكيف بمنصب التوقيع عن رب الأرض والسموات فحقيق بمن أقيم فى هذا المنصب أن يعد له عدته وان يتأهب له أهبته وان يعلم قدر المقام الذى أقيم فيه ولا يكون فى صدره حرج من قول الحق والصدع به فان الله ناصره وهاديه وكيف وهو المنصب الذى تولاه بنفسه رب الأرباب فقال تبارك وتعالى «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللاّتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً 2» وكفى بما تولاه الله بنفسه تبارك وتعالى شرفا وجلالة اذ يقول فى كتابه الكريم «يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ 3» وليعلم المفتى عمن ينوب فى فتواه، وليوقن أنه مسئول غدا وموقوف بين يدى الله سبحانه وتعالى وأول من قام بهذا المنصب الشريف سيد المرسلين وامام المستفتين
(1)
انظر اعلام الموقعين عن رب العالمين للشيخ الامام شمس الدين أبى عبد الله محمد بن أبى بكر المعروف بابن القيم الجوزية ج 1 ص 8 وما بعدها طبع مطابع ادارة الطباعة المنيرية بمصر.
(2)
الآية رقم 127 من سورة النساء.
(3)
الآية رقم 176 من سورة النساء.
وخاتم النبيين عبد الله ورسوله وأمينه على وحيه وسفيره بينه وبين عباده فكان يفتى عن الله بوحيه المبين وكان كما قال له أحكم الحاكمين «قُلْ 1 ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ» }.
فكانت فتاوى رسول الله صلى الله عليه وسلم جوامع الأحكام ومشتملة على فصل الخطاب وهى فى وجوب اتباعها وتحكيمها والتحاكم اليها ثانية الكتاب الكريم وليس لأحد من المسلمين العدول عنها ما تجد اليها سبيلا وقد أمر الله عباده بالرد اليها حيث يقول سبحانه وتعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً 2» }.
ثم قام بالفتوى بعده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ألين الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأحسنها بيانا وأصدقها ايمانا وأعمها نصيحة وأقربها الى الله تبارك وتعالى وسيلة وكانوا بين مكثر منها ومقل ومتوسط وكما أن الصحابة رضوان الله عليهم سادة الأمة وأئمتها وقادتهم فهم سادات المفتين والعلماء قال الليث عن مجاهد العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
وقال سعيد عن قتادة فى قول الله تبارك وتعالى «وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ 3» قال أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ثم ذكر آثارا كثيرة فى فضل الصحابة وعلمهم وآثارهم فى القضاء والافتاء قصد السير فى طريقهم والنسج على منوالهم لم آت بها خشية الاطالة والخروج عن الموضوع والله الموفق والمعين.
ثم قال ابن القيم
(4)
: قال الامام أحمد فى رواية ابنه صالح عنه ينبغى للرجل اذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بوجوه القرآن الكريم عالما بالأسانيد الصحيحة عالما بالسنن وانما جاء خلاف من خالف لقلة معرفتهم بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلة معرفتهم بصحيحها من سقيمها.
وقال فى رواية ابنه عبد الله اذا كان عند الرجل الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلاف الصحابة والتابعين فلا يجوز أن يعمل بما شاء ويتخير فيقضى به ويعمل به حتى يسأل أهل العلم ما يؤخذ به فيكون يعمل على أمر صحيح وقال فى رواية الحرث لا يجوز الافتاء الا لرجل عالم بالكتاب والسنة.
وقال فى رواية حنبل: ينبغى لمن أفتى أن يكون عالما بقول من تقدم والا فلا يفتى. وقال محمد ابن عبد الله المناوى: سمعت رجلا يسأل أحمد اذا حفظ الرجل مائة ألف حديث يكون فقيها؟ قال لا قال: فمائتى ألف قال لا قال: فثلثمائة ألف قال لا قال فأربعمائة ألف قال بيده هكذا وحرك يده، قال أبو الحسين وسألت جدى محمد بن عبيد الله قلت فكم كان يحفظ أحمد بن حنبل رضى الله تعالى عنه قال أخذ عن ستمائة ألف قال أبو حفص:
قال لى أبو اسحاق لما جلست فى جامع المنصور للفتيا ذكرت هذه المسألة فقال لى رجل فأنت هو ذا لا تحفظ هذا المقدار حتى تفنى الناس فقلت له عفاك الله اذ كنت لا احفظ هذا المقدار فانى هو ذا أفتى الناس بقول من كان يحفظ هذا المقدار وأكثر منه.
فقال القاضى أبو يعلى ظاهر هذا الكلام أنه لا يكون من أهل الاجتهاد اذا لم يحفظ من الحديث هذا القدر الكثير الذى ذكره وهذا محمول على الاحتياط والتغليظ فى الفتوى ثم ذكر حكاية أبى اسحاق لما جلس فى جامع المنصور قال وليس
(1)
الآية رقم 86 من سورة ص.
(2)
الآية رقم 59 من سورة النساء
(3)
الآية رقم 6 من سورة سبأ.
(4)
انظر اعلام الموقعين عن رب العالمين ج 1 ص 49 وما بعدها الطبعة السابقة.
هذا الكلام من أبى اسحاق مما يقتضى أنه كان يقلد أحمد فيما يفتى به لأنه قد نص فى بعض تعاليقه على كتاب العلل على الدلالة على منع الفتوى بغير علم لقول الله تبارك وتعالى «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً 1» }.
ثم ذكر أقوال العلماء فى فتوى المقلد وهل يجوز له أن يفتى أو لا يجوز وانتهى منه الى ترجيح القول بالجواز وان العمل عليه ثم قال:
وقال الشافعى رحمه الله تعالى فيما رواه عنه الخطيب فى كتابه الفقيه والمتفقه له لا يحل لأحد أن يفتى فى دين الله عز وجل الا رجلا عارفا بكتاب الله الكريم بناسخه ومنسوخه ومحكمه ومتشابهة وتأويله وتنزيله ومكيه ومدنيه وما أريد به ويكون بعد ذلك بصيرا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم والناسخ والمنسوخ ويعرف من الحديث مثل ما عرف من القرآن الكريم ويكون بصيرا باللغة بصيرا بالشعر وما يحتاج اليه للسنة والقرآن يستعمل هذا مع الانصاف ويكون بعد هذا مشرفا على اختلاف أهل الأمصار وتكون له قريحة بعد هذا.
فاذا كان هذا فله أن يتكلم ويفتى فى الحلال والحرام واذا لم يكن هذا فليس له أن يفتى وقال صالح بن أحمد قلت لأبى ما تقول فى الرجل يسأل عن الشئ فيجيب بما فى الحديث وليس بعالم فى الفقه فقال ينبغى للرجل اذا حمل نفسه على الفتيا أن يكون عالما بالسنن عالما بوجوه القرآن الكريم عالما بالأسانيد الصحيحة وذكر الكلام المتقدم.
وقال على بن شفيق قيل لابن المبارك متى يفتى الرجل.
قال: اذا كان عالما بالأثر بصيرا بالرأى وقيل ليحيى ابن أكثم متى يجب للرجل أن يفتى فقال اذا كان بصيرا بالرأى بصيرا بالأثر قلت (ابن القيم) يريدان بالرأى القياس الصحيح والمعانى والعلل الصحيحة التى علق الشارع بها الأحكام وجعلها مؤثرة فيها طردا أو عكسا وجاء فى كشاف القناع
(2)
يحرم الحكم والفتيا بالهوى اجماعا وليحذر المفتى أن يميل فى فتياه مع المستفتى أو مع خصمه مثل أن يكتب فى جوابه ما هو له فقط ونحو ذلك بل يكتب ماله وما عليه لأنه العدل وأداء الأمانة فيما علمه الله تعالى وليس له أن يبتدئ فى مسائل الدعاوى والبينات بذكر وجوه المخالص منها لأن ذلك ميل مع أحدهما وان سأله بأى شئ تندفع دعوى كذا وكذا وبينة كذا وكذا لم يجب لئلا يتوصل السائل بذلك الى ابطال حق وله أن يسأله عن حاله فيما ادعى عليه فاذا شرحه المستفتى له: أى للمفتى عرفه بما فيه من دافع وغير دافع ليكون على بصيرة ويحرم الحكم والفتيا بقول أو وجه من غير نظر فى الترجيح اجماعا ويجب أن يعمل بموجب اعتقاده فيما له وعليه اجماعا.
ثم قال
(3)
: للمفتى أخذ الرزق من بيت المال لأن الافتاء من المصالح العامة كالأذان، ولو تعين عليه أن يفتى ولا كفاية «أى ليس عنده ما يكفيه لم يأخذ من المستفتى لأنه اعتياض عن واجب عليه ولا يجوز، ومن أخذ رزقا من بيت المال لم يأخذ من المستفتى أجرة لفتياه ولا لخطه لاستغنائه بالرزق والا. أى وان لم يأخذ رزقا أخذ أجرة خطه فقط، ويجب على الامام أن يفرض من بيت المال لمن نصب نفسه لتدريس العلم والفتوى فى الأحكام ما يغنيه عن التكسب لدعاء الحاجة الى القيام بذلك «أى اقتضائها» والانقطاع له وهو فى معنى الامامة والقضاء وان جعل له.
(1)
الآية رقم 26 من سورة الاسراء.
(2)
انظر كشاف القناع لابن ادريس الحنبلى وهامشه منتهى الارادات لابن يونس البهوتى ج 4 ص 174 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
المرجع السابق لابن ادريس الجبلى ج 4 ص 176، 177 وما بعدها الطبعة السابقة.
أى للمفتى أهل بلد رزقا ويتفرغ له جاز له أخذه، وجاء فى الاقناع
(1)
: ولا يجوز أن يفتى فيما يتعلق باللفظ بما اعتاده هو من فهم تلك الألفاظ دون أن يعرف عرف أهلها والمتكلمين بها، بل يحولها على ما اعتادوه وعرفوه وان كان مخالفا لحقائقها الأصلية، واذا اعتدل عنده قولان من غير ترجيح فقال القاضى يفتى بأيهما شاء، وفى كشاف
(2)
القناع: أيضا لا ينبغى للرجل أن يعرض نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصائل:
احداها أن تكون له نية أى أن يخلص فى ذلك لله تعالى ولا يقصد رياسة ولا نحوها فان لم تكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور اذ الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى.
الثانية: أن يكون له حلم ووقار وسكينة والا لم يتمكن من فعل ما تصدى له من بيان الأحكام الشرعية.
والثالثة أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته والا فقد عرض نفسه لعظيم.
الرابعة: الكفاية والا بغضه الناس فانه اذا لم تكن له كفاية احتاج الى الناس والى الأخذ مما فى أيديهم فيتضررون منه.
الخامسة: معرفة الناس: أى ينبغى للمفتى أن يكون بصيرا بمكر الناس وخداعهم ولا ينبغى له أن يحسن الظن بهم بل يكون حذرا فطنا مما يصورونه فى سؤالاتهم لئلا يوقعوه فى المكروه ويؤيده حديث «احترسوا من الناس بسوء الظن» وخير أخوك البكرى ولا تأمنه.
وقد روى عن مالك قال: ما أفتيت حتى شهد لى سبعون أنى أهل لذلك.
وفى رواية ما أفتيت حتى سألت من هو أعلم منى هل ترانى موصفا لذلك قال مالك ولا ينبغى لرجل أن يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه ويحرم أن يفتى فى حال لا يجوز أن يحكم فيها كغضب ونحوه كحر مفرط وملل ونحوه مما يغير الفكر فان أفتى فى ذلك الحال وأصاب الحق صح جوابه وكره، وتصح فتوى العبد والمرأة والأمى والأخرس المفهوم الاشارة أو الكتابة كغيرهم، وتصح الفتيا مع أخذ النفع ودفع الضرر، ومن العدو وان يفتى أباه وأمه وشريكه ومن لا تقبل شهادته له كزوجته ومكاتبته لأن القصد بيان الحكم الشرعى وهو لا يختلف وليس منه الزام بخلاف الحاكم، ولا تصح الفتيا من فاسق لغيره وان كان مجتهدا لأنه ليس بأمين على ما يقول وفى أعلام الموقعين قلت: الصواب جواز استفتاء الفاسق الا أن يكون معلنا بفسقه داعيا الى بدعته لكن يفتى المجتهد الفاسق نفسه لأنه لا يتهم بالنسبة الى نفسه ولا يسأله غيره لعدم حصول المقصود والوثوق به ولا تصح الفتيا من مستور الحال وفى المبدع تصح فتيا مستور الحال فى الأصح.
والحاكم كغيره فى الفتيا فيما يتعلق بالقضاء وغيره، ويحرم تساهل مفت فى الفتيا وتقليد معروف به أى بالتساهل فى الفتيا، قال الشيخ لا يجوز استفتاء الا من يفتى بعلم أو عدل لأن أمر الفتيا خطر فينبغى أن يحتاط، وليس لمن انتسب الى مذهب امام اذا استفتى فى مسألة ذات قولين أو وجهين أن يتخير ويعمل بأيهما شاء بل يراعى ألفاظ امامه ومتأخرها وأقربها من الكتاب والسنة ويلزم المفتى تكرير النظر عند تكرار الواقعة كالمجتهد فى القبلة يجتهد لكل صلاة.
أما العامى اذا وقعت له مسألة فسأل عنها ثم وقعت له ثانيا فلم أر لأصحابنا فيها شيئا وان حدث ما لا قول فيه للعلماء تكلم فيه حاكم ومجتهد ومفت فيرده الى الأصل والقواعد وينبغى للمفتى أن يشاور من عنده ممن يثق بعلمه الا أن يكون فى ذلك أمشاء السائل أو تعريضه للأذى أو يكون
(1)
الاقناع فى فقه الامام بن حنبل لأبى النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 4 ص 374 وما بعدها طبع المطبعة المصرية بمصر.
(2)
كشاف القناع على متن الاقناع وبهامشه منتهى الارادات ج 4 ص 175، 176 وما بعدها الطبعة السابقة.
فيه مفسدة لبعض الحاضرين فيخفيه ازالة لذلك وحقيق به أى بالمفتى أن يكثر الدعاء بالحديث الصحيح اللهم رب جبريل وميكائيل واسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة فأنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.
اهدنى لما اختلفت فيه من الحق باذنك انك تهدى من تشاء الى صراط مستقيم ويقول اذا اشكل عليه شئ يا معلم ابراهيم علمنى.
وجاء فى الاقناع
(1)
: رالمجتهد من يعرف من كتاب الله الكريم وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الحقيقة والمجاز والأمر والنهى والمجمل والمبين والمحكم والمتشابه والخاص والعام والمطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ والمستثنى والمستثنى منه ويعرف من السنة صحيحها من سقيمها وتواترها من آحادها ومرسلها ومتصلها وسندها ومنقطعها.
مماله تعلق بالأحكام خاصة ويعرف ما أجمع عليه مما اختلف فيه، والقياس وحدوده وشروطه وكيفية استنباطه والعربية المتناولة بالحجاز والشام والعراق وما يواليها فمن عرف ذلك أو أكثره ورزق فهما صلح للفتيا والقضاء.
وفى الأحكام
(2)
: المنتصبون لطلب الفقه وهم النافرون للتفقه الحاملون لفرض النفار عن جماعتهم المتأهبون لنذارة قومهم ولتعليم المتعلم وفتيا المستفتى وربما للحكم بين الناس ففرض عليهم تقصى علوم الديانة على حسب طاقتهم من أحكام القرآن الكريم وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ورتب النقل وصفات النقلة ومعرفة السند الصحيح مما عداه من مرسل وضعيف، هذا فرضه اللازم له، فان زاد الى ذلك معرفة الاجماع والاختلاف ومن أين قال كل قائل وكيف يرد أقاويل المختلفين المتنازعين الى الكتاب الكريم والسنة فحسن، وفرض عليه تعلم كيفية البراهين التى يتميز بها الحق من الباطل وكيف يعمل فيما ظاهره التعارض من النصوص وكل هذا منصوص فى القرآن الكريم.
قال الله تبارك وتعالى «وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ 3» }.
فهذا ايجاب لتعلم أحكام القرآن الكريم وأحكام أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن هذين أصل الدين وقال الله تبارك وتعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ»
(4)
فوجب بذلك تعرف عدول النقلة من فساقهم وفقهائهم ممن لم يتفقه منهم.
ثم قال: وفرض عليه أن يستعين على ذلك من سائر العلوم بما تقتضيه حاجته اليه فى فهم كلام ربه تبارك وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال الله عز وجل «وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ 5» }.
ففرض على الفقيه أن يكون عالما بلسان العرب ليفهم عن الله عز وجل وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون عالما بالنحو الذى هو ترتيب كلام العرب لكلامهم الذى به نزل القرآن وبه يفهم معانى الكلام التى يعبر عنها باختلاف الحركات وبناء الألفاظ فمن جهل اللغة وهى الألفاظ الواقعة على المسميات وجهل النحو
(1)
انظر الاقناع فى فقه الامام أحمد بن حنبل لأبى النجا شرف الدين موسى الحجاوى المقدسى ج 4 ص 369، 370 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
الإحكام فى أصول الإحكام لأبن حزم الظاهرى ج 5 ص 124 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
الآية رقم 122 من سورة التوبة
(4)
الآية رقم 6 من سورة الحجرات
(5)
الآية رقم 4 من سورة ابراهيم
الذى هو علم اختلاف الحركات الواقعة لا ختلاف المعانى.
فلم يعرف اللسان الذى به خاطبنا الله تبارك وتعالى ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن لم يعرف ذلك اللسان لم يحل له الفتيا فيه لأنه يفتى بما لا يدرى وقد نهاه الله تبارك وتعالى عن ذلك بقوله عز وجل «وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً 1» }.
وقول الله سبحانه وتعالى «وَمِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ 2» وقول الله عز وجل «ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ» وقال الله سبحانه وتعالى «إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ 3» .
وفرض على الفقيه أن يكون عالما بسير النبى صلى الله عليه وسلم ليعلم آخر أوامره وأولها وحربه صلى الله عليه وسلم لمن حارب وسلمه لمن سالم ليعرف على ماذا حارب ولماذا وضع الحرب وحرم الدم بعد تحليله وأحكامه عليه الصلاة والسلام التى حكم بها فمن كانت هذه صفته وكان ورعا فى فتياه مشفقا على دينه صلبا فى الحق حلت له الفتيا والا فحرام عليه أن يفتى بين اثنين أو أن يحكم بين اثنين وحرام على الامام أن يقلده حكما أو يتيح له فتيا وحرام على الناس أن يستفتوه لأنه ان لم يكن عالما بما ذكرنا فلم يتفقه فى الدين وان لم يكن مشفقا على دينه فهو فاسق وان لم يكن صلبا فى الحق لم يأمر بمعروف ولا نهى عن منكر.
والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فرضان على الناس قال الله تبارك وتعالى «وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ 4» . وهذا متوجه الى العلماء بالمعروف وبالمنكر لأنه لا يجوز أن يدعو الى الخير الا من علمه ولا يمكن أن يأمر بالمعروف الا من عرفه ولا يقدر على انكار المنكر الا من ميزه ثم قال ابن حزم
(5)
وأما معرفة الاجماع والاختلاف فقد زعم قوم أن هذا يجب معرفته بقول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً 6» قال ففرض علينا معرفة ما اتفقت عليه أولوا الأمر منا لأننا مأمورون بطاعتهم ولا يمكننا طاعتهم الا بعد معرفة اجماعهم الذى يلزمنا طاعتهم فيه.
وأما معرفة الاختلاف ومعرفة ما يتنازعون فيه ومعرفة كيفية الرد الى الكتاب الكريم والسنة فيقول الله عز وجل «فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ 7» ففرض علينا معرفة ما يتنازعون فيه ومعرفة كيف يرد ذلك الى الكتاب الكريم والسنة الشريفة لأننا ان لم نعرف الاختلاف ظننا أن القول الذى نسمعه من بعض العلماء لا خلاف فيه فنتبعه دون أن نعرضه على القرآن الكريم والسنة الشريفة فنخطئ ونعصى الله تعالى اذا أخذنا قولا نهينا عن اتباعه.
قال أبو محمد وهذا خطأ لأننا انما أمرنا الله تعالى بطاعة أولى الأمر فيما نقلوه الينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأما أن يقولوا من عند أنفسهم بحكم لا نص فيه فما جاز هذا قط لأحد أن يفعله ولاحل لأحد قط
(1)
الآية رقم 26 من سورة الاسراء.
(2)
الآية رقم 8 من سورة الحج.
(3)
الآية رقم 66 من سورة آل عمران.
(4)
الآية رقم 15 من سورة النور
(5)
الآية رقم 104 من سورة آل عمران.
(6)
انظر الأحكام فى أصول الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج 5 ص 125 وما بعدها الطبعة السابقة.
(7)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
أن يطيع من فعله وقد توعد الله تبارك وتعالى، رسوله صلى الله عليه وسلم على هذا أشد الوعيد فكيف على من دونه قال الله تبارك وتعالى «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ 1 لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ 2 ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ 3 الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ 4» فصح أن من قال فى الدين بقول اضافه الى الله تبارك وتعالى فقد كذب وتقول على الله تعالى الأقاويل وان لم يضفه الى الله عز وجل فليس من الدين أصلا لكن معرفة الاختلاف علم زائد.
قال سعيد بن حبير، أعلم الناس أعلمهم بالاختلاف وصدق سعيد لأنه علم زائد وكذلك معرفة من أين قال كل قائل فأما معرفة كيفية اقامة البرهان فيقول الله تبارك وتعالى «قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ}
(5)
» فلم نقل شيئا الا ما قاله ربنا عز وجل وأوجبه علينا وانما نحن منبهون على ما أمرنا الله تعالى ومنذرون قومنا فيما تفقهنا فيه ونفرنا لتعلمه كما أمرنا الله تبارك وتعالى اذ يقول «وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ 6» ولا نقول من عند أنفسنا شيئا.
ثم قال
(7)
: فحد الفقيه هو المعرفة بأحكام الشريعة من القرآن الكريم ومن كلام المرسل بها الذى لا تؤخذ الا عنه وتفسير هذا الحد هو المعرفة بأحكام القرآن الكريم وناسخها ومنسوخها والمعرفة بأحكام رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسخه ومنسوخه وما صح نقله مما لم بصح ومعرفة ما أجمع العلماء عليه وما اختلفوا فيه وكيف يرد الاختلاف الى القرآن الكريم وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا تفسير العلم بأحكام الشريعة وكل من علم مسألة واحدة من دينه على الرتبة التى ذكرنا جاز له أن يفتى بها وليس جهله بمانع من أن يفتى بما علم ولا علمه بما علم بمبيح له أن يفتى فيما جهل وليس أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم الا وقد غاب عنه من العلم كثير هو موجود عند غيره فلو لم يفت الا من أحاط بجميع العلم لما حل لأحد من الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفتى أصلا.
وهذا لا يقوله مسلم وهو ابطال للدين وكفر من قائله.
وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمراء الى البلاد ليعلموا الناس القرآن الكريم وحكم الدين ولم يكن أحد منهم يستوعب جميعه لأنه قد كانت تنزل بعدهم الآيات والأحكام وفى ذلك بيان صحيح بأن العلماء وان فاتاهم كثير من العلم فان لهم أن يفتوا ويقضوا بما عرفوا.
وفى هذا الباب أيضا بيان جلى على أن من علم شيئا من الدين علما صحيحا فله أن يفتى به وعليه أن يطلب علم ما جهل مما سوى ذلك ومن علم أن فى المسألة التى نزلت حديثا قد فاته لم يحل له أن يفتى فى ذلك حتى يقع على ذلك الحديث.
ثم قال ابن حزم الظاهرى
(8)
: فالواجب طلب الحكم فى المسألة من نص القرآن الكريم وصحيح الحديث الشريف وطلب الناسخ من المنسوخ وبناء الحديث بعضه مع بعض ومع القرآن الكريم وبناء الآى بعضها مع بعض، ليس عليه غير هذا البتة وان طالع أقوال الصحابة رضى الله تعالى عنهم والتابعين، ومن جاء بعدهم عصرا عصرا
(1)
الآية رقم 45 من سورة الحاقة
(2)
الآية رقم 44 من سورة الحاقة.
(3)
الآية رقم 46 من سورة الحاقة.
(4)
الآية رقم 47 من سورة الحاقة.
(5)
الآية رقم 111 من سورة البقرة.
(6)
الآية رقم 122 من سورة التوبة.
(7)
الأحكام فى أصول الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج 5 وما بعدها الطبعة السابقة.
(8)
المرجع السابق ج 5 ص 129، 130 وما بعدهما الطبعة السابقة.
ففرض عليه أن ينظر من أقوال العلماء كلها نظرا واحدا ويحكم فيها القرآن الكريم والسنة الشريفة فلأيها حكم اعتقده وأفتى به وأطرح سائرها وان لم يجد شيئا مما بلغه منها فى نص القرآن الكريم ولا فى نص السنة الشريفة لم يحل له أن يأخذ بشئ منها بل عليه أن يأخذ بالنص وان لم يبلغه أن قائلا قال به ثم قال
(1)
: لا يحل اتباع فتبا صاحب ولا تابع ولا أحد دونهم الا أن يوجبها نص أو اجماع وقال
(2)
: وقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يقولون بآرائهم فى عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبلغه ذلك فيصوب المصيب ويخطئ المخطى فذلك بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم أفشى وأكثر فمن ذلك فتيا أبى السنابل لسبيعة الأسلمية بأن عليها فى العدة آخر الأجلين فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر أن فتياه باطلة وقد أفتى بعض الصحابة رضوان الله عليهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم حى - بأن على الزانى غير المحصن الرجم حتى افتداه والده بمائة شاة وو ليدة فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الصلح وفسخه وسائق ابن حزم من ذلك أمثلة كثيرة وقال
(3)
: واذا سئل العالم عن مسألة فأعيته أو نزلت به نازلة فأعيته فانه يلزمه أن يسأل الرواة عن أقوال العلماء فى تلك المسألة النازلة ثم يعرض تلك الأقوال على كتاب الله تعالى الكريم وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمره الله تبارك وتعالى يقول «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ»
(4)
.
وإذ يقول سبحانه وتعالى «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ 5» وقول الله عز وجل «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً 6» فمن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليرد ما اختلف فيه من الدين الى القرآن الكريم والسنة الشريفة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يرد ذلك إلى رجل من المسلمين.
وفى تتمة الروض النضير
(7)
: أنه يجب أن يكون الحاكم والمفتى مجتهدا بالفعل فى أشخاص مسائل الاستفتاء وفصل الخصومات ولا يكفى مجرد تمكنه من الاجتهاد فيها لأن الحكم والافتاء اخبار عما علمه الحاكم والمفتى من حكم الله وظنه والأخبار عن الله تبارك وتعالى لا عن دليل ولا أمارة افتراء على الله عز وجل «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ»
(8)
.
ثم قال: حدثنى زيد بن على عن أبيه عن جده على عليهم السلام قال: لا يفتى الناس الا من قرأ القرآن الكريم وعلم الناسخ والمنسوخ وفقه السنة وعلم الفرائض والمواريث لأن المفتى حاك عن الله سبحانه وتعالى حكمه الذى شرعه لعباده فلا يجوز له أن يخبر عن الله عز وجل حكمه ودينه الذى شرعه لعباده الا اذا كان خبره مطابقا لما شرعه والا كان قائلا عن الله سبحانه وتعالى بلا علم وقد حرم الله عز وجل القول عليه بغير علم كما قال الله تبارك وتعالى «قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ}
(1)
الأحكام فى أصول الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج 6 ص 87، 88 وما بعدها الطبعة السابقة.
(2)
المرجع السابق لا بن حزم الظاهرى ج 6 ص 84 وما بعدها الطبعة السابقة.
(3)
الأحكام فى أصول الأحكام لا بن حزم الظاهرى ج 6 ص 150 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
الآية رقم 7 من سورة الأنبياء.
(5)
الآية رقم 10 من سورة الشورى.
(6)
الآية رقم 59 من سورة النساء.
(7)
انظر كتاب تتمة الروضة النضير شرح مجموع الفقه الكبير لشرف الدين الحسين بن أحمد بن الحسين بن على بن محمد بن سليمان بن صالح السياجى الخيمى الصنعانى ج ص 42، 43، 44، 45 وما بعدهم طبع مطبعة السعادة بمصر سنة 1345 هـ الطبعة الأولى.
(8)
الآية رقم 21 من سورة الأنعام
{وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ»
(1)
.
ثم قال: من أفتى بغير علم كان أثمه على من أفتاه أخرجه أبو داود والحاكم من حديث أبى هريرة وجاء «أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار» فلا بد أن يكون المنصوب
(2)
للفتيا مجتهدا بالفعل فى كثير من الأحكام فيجب أن يكون له أهلية الاجتهاد وكمال الممارسة لموارد الأدلة لاشتراط قراءته للقرآن وفقهه وأن يكون قد ظهر وتبين كمال اجتهاده الفعلى فى كثير من الأحكام ليتحقق كمال الأهلية لأن المطلوب من الانتصاب للفتيا هو بيان الأحكام الشرعية وغير الممارس وان كانت ملكته قوية يكاد أن يخفى عليه ما هو المتعين للاستناد اليه من الأدلة المعارضة لما استند اليه من تقدمه فى النظر فى دليل الحكم لجواز وجود مخصص للعام أو مقيد للمطلق ونحو ذلك وهذا القدر يعترف به كل من جود النظر وكان كامل الأهلية عالى الهمة يقظان الفطنة ولا يكفى كونه أصوليا وهو المعبر عنه بالتمكن من الاجتهاد لأن مجرد تحصيل الأدلة بدون استعمال لها غير مغن لكثرة خطأ الممارس فى أى صناعة كانت كما ذلك معلوم ولا بد أن يكون مستعينا بكثرة الممارسة للفروع المدونة بجميع فتاوى السلف وأقوال العلماء من الخلف وان كان ذلك غير شرط فى الاجتهاد لأنه يزيد المنتصب للفتيا كمالا وثباتا.
وفى الروضة البهية
(3)
: انه يشترط فى المفتى البلوغ والعقل والذكورة والايمان والعدالة وطهارة المولد اجماعا والكتابة والحرية والبصر على الأشهر، والنطق وغلبة الذكر والاجتهاد فى الأحكام الشرعية وأصولها ويتحقق بمعرفة المقدمات الست، وهى الكلام والأصول والنحو والتصريف ولغة العرب وشرائط الأدلة والأصول الأربعة، وهى الكتاب الكريم والسنة الشريفة والاجماع ودليل العقل والمعتبر من الكلام ما يعرف به الله تبارك وتعالى وما يلزمه من صفات الجلال والاكرام وعدله وحكمته ونبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وعصمته وامامة الأئمة عليهم السلام كذلك ليحصل الوثوق بخيرهم وتحقق الحجة به والتصديق بما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحوال الدنيا والآخرة كل ذلك بالدليل التفصيلى ولا يشترط الزيادة على ذلك بالاطلاع على ما حققه المتكلمون من أحكام الجواهر والأعراض وما اشتملت عليه كتبه من الحكمة والمقدمات والاعتراضات وأجوبة الشبهات وان وجب معرفته كفاية من جهة أخرى ومن ثم صرح جماعة المحققين بأن الكلام ليس شرطا فى التفقه فان ما يتوقف عليه منه مشترك بين سائر المكلفين ومن الأصول ما يعرف به أدلة الأحكام من الأمر والنهى والعموم والخصوص والاطلاق والتقييد والاجمال والبيان وغيرهما مما اشتملت عليه مقاصده ومن النحو والتصريف ما يختلف المعنى باختلافه ليحصل بسببه معرفة المراد من الخطاب ولا يعتبر الاستقصاء فيه على الوجه التام، بل يكفى الوسط منه فما دون، ومن اللغة ما يحصل به فهم كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بالحفظ أو الرجوع الى أصل مصحح يشتمل على معانى الألفاظ المتداولة فى ذلك ومن شرائط الأدلة معرفة الأشكال الاقترانية والاستثنائية وما يتوقف عليه من المعانى المفردة وغيرها ولا يشترط الاستقصاء فى ذلك بل يقتصر على المجزئ منه وما زاد عليه فهو مجرد تضيع للعمر وترجئة للوقت.
والمعتبر من الكتاب الكريم معرفة ما يتعلق بالأحكام وهو نحو خمسمائة آية اما بحفظها أو بفهم مقتضاها ليرجع اليها متى شاء ويتوقف على معرفة الناسخ منها من المنسوخ ولو بالرجوع الى أصل ليشتمل عليه ومن السنة جميع ما اشتمل عليها من الأحكام ولو فى أصل مصحح رواه عن عدل بسند متصل الى رسول الله صلى الله عليه
(1)
الآية رقم 33 من سورة الأعراف.
(2)
انظر كتاب تتمة الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير لابن سليمان بن صالح السياغى الخيمى ج ص 46، 47 وما بعدهما الطبعة السابقة.
(3)
انظر كتاب الروضة البهية شرح اللمعة الدمشقية للشهيد زين الدين الجبعى العاملى ج 1 ص 336، 337 وما بعدهما طبع مطابع دار الكتاب العربى بمصر 1300 هـ.
وسلم والأئمة ويعرف الصحيح منها والحسن والموثوق والضعيف والموقوف والمرسل والمتواتر والآحاد وغيرها من الاصطلاحات التى دونت فى رواية الحديث المفتقر اليها فى استنباط الأحكام وهى أمور اصطلاحية توقيفية لا مباحث علمية ويدخل فى أصول الفقه معرفة أحوالها عند التعارض وكثير من أحكامها ومن الاجماع والخلاف ان يعرف أن ما يفتى به لا يخالف الاجماع.
أما بوجود موافق بين المتقمين أو بغلبة ظنه على انه واقعة متجددة لم يبحث عنها السابقون بحيث جعل فيها أحد الأمرين لا معرفة كل مسألة أجمعوا عليها واختلفوا ودلالة العقل من الاستصحاب والبراءة الأصلية وغيرهما داخلة فى الأصول وكذا معرفة ما يحتج به من القياس بل يشتمل كثير من مختصرات أصول الفقه كالتهذيب ومختصر الأصول لابن الحاجب على ما يحتاج اليه من شرائط الدليل المدونة فى علم الميزان وكثير من كتب النحو على ما يحتاج اليه من التعريف نعم يشترط مع ذلك كله أن يكون له قوة يتمكن بها من رد الفروع الى أصولها واستنباطها منها وهذه هى العمدة فى هذا الباب والا فتحصيل تلك المقدمات قد صارت فى زماننا سهلة لكثرة ما حققه العلماء والفقهاء فيها وفى بيان استعمالها وانما تلك القوة بيد الله سبحانه وتعالى يؤتيها من يشاء من عباده على وفق حكمته ومراده ولكثرة المجاهدة والممارسة لأهلها مدخل عظيم فى تحصيلها قال الله تبارك وتعالى «وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ 1» }.
وفى شرح النيل
(2)
: انه يكره للقاضى أن يفتى فى الأحكام اذا سئل عنها وكان شريح يقول انما أقضى ولا أفتى ثم قال وان أفتى فى أمور الدين جاز وعن عمر رضى الله تعالى عنه أنه كتب الى شريح لا تسارر أحدا فى مجلسك ولا تبع ولا تبتع ولا تفت فى مسألة من الأحكام ولا تضر ولا تضار.
وقال العاصى: ومنع الافتاء للحكام فى كل ما يرجع للخصام وزعم بعضهم أنه يجوز كالخلفاء الأربعة قلت لا يصح عنهم وأجيز الافتاء فى مسألة عامة لا فى خصومة معينة، وجاء فى موضع آخر
(3)
: والقاضى لا يكون حجة فى فتواه ولا غيرها الا أن اطمأنت النفس أن ما أفتى به قد أخذه من لسان من يعرف ذلك وقرأه عليه فى كتاب وكان ورعا غير طاعن فى العلماء فانه يجوز أن يؤخذ بفتواه اذا أفتى بها فى صلاة أو صوم أو نحو ذلك ولا يكون قاضيا.
ثم قال
(4)
: فى شرح النيل: وجائز للامام أن يجعل للمفتى النفقة والكسوة وما يصلح له ولعياله من بيت المال وما يحتاج اليه ليتفرغ لأمور المسلمين وينبغى له أن يتنزه عن ذلك وان قبضه فليقتر فيه وان وسع أو أخذ ليتجر به أو ليتسع به ماله جاز له ربحه، ويعطى نفقة شهر أو سنة أو ما رؤى من ذلك وان تلف أعطوه وان لم يفرغ للوقت زادوا ان رأوا أو تركوه حتى يفرغ وان فرغ قبل الوقت أعطوه وان خرج من الحكومة لم يلزمه رد ما بيده وكذا ان مات فلوارثه امساكه وان خرج أو مات وكل من يعين لأمور المسلمين بحسب تعينهم فى ذلك وليس ذلك شرطا بل يدخلون فى ذلك كله ويجعل لهم الامام أو الجماعة ذلك يقدر لهم ما يحتاجون اليه لئلا يشتغلون عن أمور المسلمين بتجر وغيره وان لم يكن بيت المال جعل المسلمون ذلك لهم من مالهم والا قالوا بالأمور طاقتهم ويكسب قوتهم.
وجاء فى طلعة الشمس
(5)
انهم اشترطوا فى المجتهد شروطا لا يكون مجتهدا الا بكمالها لأن اجتهاد العلماء فى القضايا الشرعية متوقف على أمور لا بد من حصولها عند العالم المجتهد فمن لم تحصل معه تلك الشروط فلا يحل له القول فى الأحكام الشرعية عن نظر نفسه بل يقلد غيره فى ذلك وذلك حكم الله تبارك وتعالى لقول الله تبارك وتعالى «وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلاّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ 6» فمن شروط المجتهد أن يكون عالما بالنحو والمراد أن يكون عارفا بأحكام أواخر الكلمات بناءا واعرابا والمراد بالكلمات التى اشترطنا معرفتها هنا هى الكلمات التى تكون موجودة فى الأدلة
(1)
الآية رقم 66 من سورة العنكبوت.
(2)
انظر شرح النيل وشفاء العليل لمحمد بن يوسف اطفيش ج 6 ص 558 وما بعدها طبع مطبعة محمد بن يوسف البارونى وشركاه بمصر سنة 1343 هـ.
(3)
انظر لابن يوسف أطفيش ج 6 ص 432 وما بعدها الطبعة السابقة.
(4)
انظر كتاب شرح النيل وشفاء العليل لابن يوسف اطفيش ج 6 ص 562 وما بعدها الطبعة السابقة.
(5)
انظر كتاب طلعة الشمس على الألفية المسماه بشمس الأصول لأبى حميد السالمى ج 2 ص 275 وما بعدها طبع مطبعة الموسوعات بباب الخلق بمصر سنة 1317 هـ.
(6)
الآية رقم 7 من سورة الأنبياء.
الشرعية من الكتاب والسنة والكلمات التى تمس الحاجة اليها فى استنباط الأحكام كالاقرارات وألفاظ البيوع والترويج ونحو ذلك لا يشترط فى صحة الاجتهاد معرفة ما فوق ذلك ومن شروطه أيضا أن يكون عالما باللغة أى عارفا بمعانى الكلمات العربية وعارفا بمسمياتها والمشترط معرفته ها هنا من اللغة ما توقف فهم معانى الأدلة والأحكام عليه لا ما عدا ذلك.
ومن شروطه أن يكون عالما بالصرف أى عارفا بتغير أبنية الكلمات العربية وعارفا بمقتضى كل صيغة منها والمشترط معرفته من هذا النوع ما يتوقف فهم معنى الأدلة والأحكام عليه معرفة هذه الأشياء ومن شروطه أن يكون عارفا بالأصول والمراد بها أصول الديانات وأصول الفقه فأما أصول الديانات فهو معرفة العقائد الاسلامية ويشترط منه فى هذا المقام ما يكون حافظا للمجتهد من التلبس بالعقائد الضالة فانه اذا كان متلبسا بالهوى فلا يؤمن منه الغلط فى الفتوى.
فكم من مجتهد من قومنا حمل كثيرا من المسائل على اعتقاده الفاسد وهى صحيحة على قاعدته لكن قاعدته فاسدة وناهيك بقاعدة المعتزلة فى وجوب مراعاة الصلاحية والأصلحية على الله تبارك وتعالى وقد تفرعت عليها عندهم فروع يطول ذكرها أما المحق فى عقائد فانه يؤمن منه ذلك لأنه ان بنى على قاعدته كان بانيا على صواب وان أخطأه فى اجتهاده كان خطؤه غير مخالف للقطعيات لأنها عنده مضبوطة فلا يكون خطؤه خطأ فى الدين وأما أصول الفقه فيشترط منه ما يكون المجتهد متمكنا به من استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها، وفوق ما ذكرناه لا يكون شرطا فى صحة الاجتهاد لكنه كمال فى حقه ومن شروطه أن يكون عالما بالبلاغة أى عارفا بمطابقة مقتضى الحال فى المخاطبات ومقتدرا على التعبير عن المعنى الواحد بطرق مختلفة فى الوضوح والخفاء.
والمشترط هنا ما يتوقف فهم معنى الأدلة عليه لا ما فوق ذلك وكذلك يشترط معرفة كل ما لا يستغنى عنه المجتهد فى استنباط الأحكام فينبغى أن يكون عارفا بالسير النبوية لأن فيها معرفة أفعاله وأحواله صلى الله عليه وسلم وان يكون عارفا بسير الصحابة رضوان الله عليهم وأحوالهم لأن الدين ما عليه الصحابة رضى الله تعالى عنهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «عليكم بسنتى وسنة الخلفاء الراشدين من بعدى» وأن يكون عارفا بأسباب نزول الآيات وأسباب ورود الأحاديث وان يكون عارفا بقواعد التفسير وغير ذلك ولك أن تدخل هذه الأشياء تحت العلم بالكتاب الكريم والسنة الشريفة.
ومن شروطه أن يكون عالما بالكتاب محكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وخاصه وعامه ومجمله ومبنيه ومطلقه ومقيده وغير ذلك من أحكامه وان يكون عارفا بالآيات التى تستخرج منها الأحكام.
ومن شروطه أن يكون عالما بالسنة وبأحكامها وناسخا ومنسوخا وخاصها وعامها وأحادها ومتواترها الى غير ذلك من أحكامها وان يكون عارفا بالأحاديث التى يستنبط منها الأحكام.
قال بعضهم والمشترط من ذلك أن يكون حافظا لها عن ظهر الغيب وهو ظاهر الصواب لأن كثيرا من مجتهدى الصحابة رضى الله تعالى عنهم كانوا لا يحفظون القرآن الكريم على ظهر الغيب وانما يحفظون منه ما شاء الله أن يحفظوا وكذلك كانوا لا يحفظون جميع الأحاديث وانما يحفظون منها ما ينتهى اليهم علمهم ومن شروطه أن يكون عالما بالمسائل التى اجتمعت عليها الأمة لئلا يخالف اجتهاده الاجماع لأن الاجماع أحد الأدلة الشرعية وهو مقدم على القياس فليس للمجتهد أن يخالفه واشترط ابن بركة أن لا يخالف أقوال الصحابة رضوان الله تعالى عليهم اذا كان فى الحكم قول لهم واشترط بعض أن يوافق بعض أقواله من تقدمه أو يعلم أنها نازلة لم يخص فيها من تقدمه.
حرف الألف:
ابراهيم الحربى توفى سنة 285 هـ:
ابراهيم ابن اسحاق بن بشير بن عبد الله البغدادى الحربى أبو اسحاق من أعلام المحدثين أصله من مرو واشتهر وتوفى ببغداد ونسبته الى محلة فيها كان حافظا للحديث عارفا بالفقه بصيرا بالأحكام قيما بالأدب زاهدا أرسل اليه المعتضد ألف دينار فردها نفقه على الامام أحمد وصنف كتبا كثيرة منها غريب الحديث ومناسك الحج وسجود القرآن والهدايا والسنة فيها والحمام وآدابه ودلائل النبوة وكان عنده اثنا عشر ألف جزء فى اللغة وغريب الحديث كتبها بخطه.
الأبهرى:
انظر ج 7 ص 387.
ابن الاثير:
انظر ج 1 ص 247.
الأذرعى:
انظر ج 1 ص 248.
ابن اذينة:
هو عمر محمد بن عبد الرحمن بن أذينة قال القمى هو شيخ أصحابنا البصريين ووجههم روى عن أبى عبد الله عليه السلام بمكاتبة، له كتاب الفرائض وكان ثقة صحيحا وكان قد هرب من المهدى العباسى ومات باليمن فلذلك لم يرو عنه كثيرا وأذينة بضم الهمزة وفتح الدال المعجمة وسكون الباء المنقطة تحتها نقطتان وقد يطلق ابن أذينة على الشاعر الذى قال:
ما كل يوم ينال المرء ما طلبا
…
ولا يسوغه المقدور ما وهبا
الى آخر القصيدة ذكره ابن الشحنة فى روضة الناظر فى ملوك العرب.
أبو اسحاق بن شاقلا توفى سنة 369 هـ:
أبو اسحاق ابراهيم بن أحمد البغدادى البزار شيخ الحنابلة وتلميذ أبى بكر عبد العزيز كهلا فى رجب (169)، وكان صاحب حلقة للفتيا والأشغال بجامع المنصور.
أسد:
انظر أسد بن الفرات ج 1 ص 248 هـ
الشيخ اسماعيل:
انظر ج 8 ص 370.
أشهب:
انظر ج 1 ص 249.
أصبغ:
انظر ج 1 ص 249.
أسلم توفى سنة 80 هـ:
مولى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه مذكور فى المهذب فى أول القرامن وفى احياء الموات وفى مسألة كسر الترقوة من كتاب الديات وفى الجزية هو أبو خالد ويقال أبو زيد القريشى العدوى المدنى مولى عمر بن الخطاب رضى الله تعالى عنه من سبى اليمن هكذا قاله البخارى فى التاريخ وابن أبى حاتم وآخرون وحكى عن سعيد بن المسيب أنه قال هو حبشى قالوا بعث أبو بكر الصديق عمر رضى الله تعالى عنهما سنة احدى عشرة فأقام للناس الحج واشترى أسلم سمع أبا بكر الصديق وعمر وعثمان وأبا عبيدة ومعاذ أو ابن عمرو معاوية وأبا هريرة وحفصة رضى الله تعالى عنهم روى عنه ابنه زيد والقاسم ابن محمد ونافع وآخرون واتفق الحفاظ على توثيقه وروى له
البخارى ومسلم وحضر الجابية مع عمر وتوفى بالمدينة سنة 80 هـ قال أبو عبيد ابن سلام وقال البخارى صلى عليه مروان بن الحكم وهذا يخالف الأول لأن مروان بن الحكم مات سنة خمس وستين وكان معزولا عن المدينة قال البخارى فى التاريخ توفى أسلم وهو ابن مائة وأربع عشرة سنة.
أنس بن مالك:
انظر ج 1 ص 249.
ابن أيوب:
انظر ج 2 ص 237.
حرف الباء:
الباجى:
انظر ج 1 ص 250.
البدر القرافى:
انظر القرافى ج 1 ص 272.
البراء بن عازب:
انظر ج 2 ص 345.
ابن برى توفى سنة 582 هـ:
هو عبد الله بن برى بن عبد الجبار المقدس الأصل المصرى أبو محمد بن أبى الوحش من علماء العربية النابهين ولد ونشأ وتوفى بمصر وولى رياسة الديوان المصرى له الرد على ابن الخشاب انتصر فيه للحريرى وغلط الضعفاء من الفقهاء وشرح شواهد الايضاح نحو وحواش على صحاح الجوهرى وحواش على درة الغواص للحريرى.
ابن برى توفى سنة 730 هـ:
هو على بن محمد ابن الحسين الرباطى أبو الحسن المعروف بابن برى عالم بالقراءات من أهل تازة ولى رياسة ديوان الانشاء فيها من كتبه الدرر اللوامع فى أصل مقرأ الامام نافع أرجوزة فى القراءات لقيت من الذيوع فى شمالى أفريقية مثل ما لقى كتاب الأجرومية.
البرزلى:
انظر ج 5 ص 365.
ابن بشير:
انظر ج 4 ص 361.
البغوى:
انظر ج 2 ص 346.
أبو بكر:
انظر ج 3 ص 345.
بلال:
انظر ج 3 ص 338.
أم بلال:
أم بلال امرأة بلال ذكرها أبو موسى فقال أم بلال ثبت هلال المزينة روت عن النبى صلى الله عليه وسلم ضحوا بالجذع من الضأن فانه يجزئ.
بهرام:
انظر ج 5 ص 365.
حرف التاء:
الترمذى:
انظر ج 1 ص 251.
حرف الجيم:
جابر:
انظر ج 1 ص 252.
جابر بن زيد:
انظر ج 3 ص 339.
ابن جؤية:
هو ساعدة بن جؤية الطولى من بنى كعب بن كاهل من سعد هذيل شاعر من مخضرمى الجاهلية والاسلام أسلم وليست له صحبة قاله الآمدى شعره محشو بالغريب والمعانى الغامضة له ديوان شعر.
جبير بن مطعم:
انظر ج 1 ص 252.
أبو جعفر:
انظر ج 1 ص 263.
الفقيه أبو جعفر:
انظر ج 1 ص 253.
جمال الدين بن طاووس:
أبو الفضائل جمال الدين بن أحمد بن موسى بن جعفر العالم الفاضل الفقيه الورع المحدث صاحب التصانيف الكثيرة المتوفى سنة
673 هـ والمدفون بالحلة قال شيخنا فى المستدرك فى ذكر مشايخ آية الله العلامة الحلى السابع من مشايخ العلامة جمال الدين أبو الفضائل والمناقب والمكارم السيد الجليل أحمد بن السيد الزاهد سعد الدين أبى ابراهيم موسى بن جعفر وهو صاحب التصانيف الكثيرة البالغة الى حدود الثمانين التى منها كتاب البشرى فى الفقه فى ست مجلدات والملاذ فيه فى أربع مجلدات ولم يبق منها أثر لقلة الهمم سوى بعض الرسل كعين العبرة فى عين العترة وكلما أطلق فى مباحث الفقه والرجال بن طاووس فهو المراد منه.
جميل:
هو جميل بن صالح الأسدى ثقة وجه روى عن أبى عبد الله وأبى الحسن عليهما السلام ذكره أبو العباس فى كتاب الرجال له أصل روى عنه سماعة وأكثر ما يروى منه نسخة رواية الحسن بن محبوب أو محمد بن أبى عمير وقد رواه على بن جديد، وروى عنه الحسن بن محبوب ثلاث مرات فى باب ما أحل الله تعالى من النكاح وما حرم منه وروى عنه على ابن رئاب فى باب ما تجوز الصلاة فيه من اللباس وفى باب ما تجوز الصلاة فيه من أبواب الزيارات وفى باب الصلاة فى الكعبة وفوقها وروى عنه سعيد بن عبد الله فى باب حكم الجناية ورواية سعيد بن عبد الله عن جميل بن صالح مرسلة لبعد زمانهما كثيرا وروى عنه ابن أبى عمير فى باب الطلاق وفى باب الرضا بالقضاء وفى باب حكم المذى والودى وفى باب السنة فى القنوت فى صلاة الجمعة وروى عنه عمار ابن موسى الساباطى فى باب ما يحرم من النكاح من الرضاع وفى مقدار ما يحرم من النكاح من الرضاع وروى عنه القاسم ابن محمد الجوهرى فى باب كراهية السرف فى أواخر كتاب الزكاة.
جندب بن عبد الله:
جندب بن عبد الله بن سفيان البجلى العلقى أبو عبد الله وقد ينسب الى جده فيقال جندب بن سفيان سكن الكوفة ثم البصرة، قدمها مع مصعب بن الزبير وروى عنه أهل المصريين قلت وقد روى عنه من أهل الشام شهر بن حوشب فقال حدثنى بن جندب بن سفيان قال ابن السكن وأهل البصرة يقولون جندب بن عبد الله وأهل الكوفة يقولون جندب بن سفيان غير شريك وحده ويقال له جندب الخير وأنكره ابن الكلبى وقال البغوى يقال له جندب الخير وجندب الفاروق وجندب ابن أم جندب وقال ابن حبان هو جندب بن عبد الله بن سفيان، ومن قال ابن سفيان نسبه الى جده وقد قيل انه جندب بن خالد ابن سفيان والأول أصح وحكى الطبرانى نحو ذلك وفى الطبرانى من طريق أبى عمران الجونى قال قال لى جندب كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غلاما حزورا وفى صحيح مسلم من طريق صفوان بن محرز أن جندب بن عبد الله البجلى بعث الى عسعس بن سلامة زمن فتنة ابن الزبير قال أجمع لى نفرا من اخوانك وفى الطبرانى من طريق الحسن قال جلست الى جندب فى أمارة المصعب يعنى ابن الزبير.
الجيلى توفى سنة 452 هـ:
باى بن جعفر بن باى أبو منصور الجيلى الفقيه الشافعى وباى، بفتح الباء الموحدة وآخرها الحروف مشددة تفقه على الشيخ أبى حامد وكان من مدرس أصحاب الشيخ أبى حامد وحكى أنه لما آن أن يجلس فى الحلقة قيل للخليفة: كيف تغطى الحلقة من اسمه هذا فغيره وصيره عبد الله قال الخطيب: سمع الحديث من أبى الحسن بن الجندى - بضم الجيم - وأبى القاسم الصيدلانى وغيرهما، قال وكتبنا عنه وكان ثقة مات أول المحرم سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة.
الجيلى توفى سنة 417 هـ:
جعفر بن باى أو مسلم الجيلى أحد أصحاب الشيخ أبى حامد وهو والد الشيخ أبى منصور باى بن جعفر ابن باى، سمع الحديث من أبى بكر المقرى وابن بطة العكبرى، روى عنه الخطيب وقال مات سنة سبع عشرة وأربعمائة بقرية بزيدى بياء موحدة ثم زاى مكسورة ثم ياء مثناة من تحت ساكنة ثم ذال معجمة.
حرف الحاء:
ابن الحاجب:
انظر ج 1 ص 253.
ابن حارث:
انظر ج 5 ص 366.
ابن حبيب:
انظر ج 1 ص 253.
الحسن:
انظر ج 2 ص 349.
الحسن البصرى:
انظر ج 1 ص 254.
أبو الحسن الرضا:
انظر ج 2 ص 349.
الحسن بن زياد:
انظر ج 1 ص 254.
الفقيه حسن توفى سنة 1142 هـ:
هو الحسن ابن محمد بن سعيد المغربى فقيه زيدى يمانى من أهل صنعاء له حاشية على شرح القلائد للنجدى فى أصول الدين.
الحسن الصقيل:
الحسن بن زياد الصقيل عده الشيخ فى رجاله من أصحاب الباقر عليه السلام مرتين بالعنوان المذكور وأخرى بزيادة قوله أبو محمد الكوفى وعده فى باب أصحاب الصادق عليه السلام من رجاله تارة بعنوان الحسن بن زياد الصقيل الكوفى وأخرى بعنوان الحسن بن زياد الصقيل يكنى أبا الوليد مولى كوفى واماما فى موضعين من باب أصحاب الرضا عليه السلام من رجال الشيخ فهو الحسين مصغرا لا مكبرا نقل عن روضة الكافى أنه روى عن ابن مكان عن الحسن الصقيل عن الصادق عليه السلام أنه قال أن ولى على لا يأكل الا الحلال لأن صاحبه كان كذلك وأن ولى عثمان لا يبالى حلالا أصاب أم حراما لأن صاحبه كان كذلك، الحديث.
حمران:
حمران بن أعين الشيبانى أخو زرارة وقد وعد الشيخ الرجل من أصحاب الباقر عليه السلام قائلا حمران بن أعين الشيبانى مولاهم يكنى أبا الحسن وقيل أبو حمزة تابعى وأخرى من أصحاب الصادق عليه السلام قائلا حمران بن أعين الشيبانى مولى كوفى تابعى وعن الشيخ أيضا عده من الممدوحين ممن كان يختص ببعض الأئمة ويتولى له الأمر بمنزلة القوام وقال فى القسم الأول من الخلاصة حمران بن أعين الشيبانى مولى كوفى تابعى مشكور روى الكشى عن محمد بن الحسن عن أيوب بن نوح عن سعد العطار عن حمزة الزيات عن حمران ابن أعين عن أبى جعفر عليه السلام قال أنت من شيعتنا فى الدنيا والآخرة وروى انه من جوارى محمد بن على بن جعفر ابن محمد عليهم السلام وعن شهاب بن عبد ربه قال جرى ذكر حمران عند أبى عبد الله عليه السلام فقال مات والله مؤمنا وكان حمران من أكثر مشايخ الشيعة المفضلين الذين لا يشك فيهم وكان أحد حملة القرآن ومن بعده يذكر اسمه فى القراءات وكان مع ذلك عالما بالنحو واللغة.
حمزة بن حمران:
حمزة بن حمران بن أعين الشيبانى الكوفى عده الشيخ تارة بهذا العنوان من أصحاب الصادق عليه السلام وأخرى بعنوان حمزة بن حمران بن أعين كوفى من أصحاب الباقر عليه السلام وقال
فى الفهرست حمزة بن حمران له كتاب أخبرنا به عدة من أصحابنا عن أبى المفضل عن حميد بن زياد عن ابن سماعة عنه وقال النجاشى حمزة حمران بن أعين الشيبانى روى عن أبى عبد الله عليه السلام وأخوه أيضا عقبة بن حمران روى عنه عليه السلام له كتاب يرويه عدة من أصحابنا أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن أحمد البزار قال حدثنا أبو القاسم على بن حبش بن قونى قال حدثنا حميد بن زياد قرائه قال حدثنا القاسم بن اسماعيل قال حدثنا صفوان بن يحيى عن حمزة بكتابة قلت يستفاد من هذه الكلمات من حيث عدم الغمز فى مذهبه كونه اماميا فاذا انضم الى ذلك رواية صفوان وابن أبى عمير من أصحاب الاجماع عنه المشعرة بوثاقته وكذا رواية ابن بكير وغيره من جلة الا عنه وكون رواتبه سديدة مقبولة اندرج الرجل فى الحسان وقد نقل المولى الوحيد عن خاله عده ممدوحا لأن للصدوق اليه طريق وعن جده أن الحق أن رواياته سديدة ليس فيها ما يشتبه مع صحة طريقه يعنى الصدوق عن أبى عمير وهو من أهل الاجماع بل يمكن كونه مع حسنه كالصحيح بل صحيحا على الصحيح لتصحيح العلامة فى التذكرة والشهيد الثانى فى المسالك صريحا فى مسألة جواز شراء المماليك من ذى السيد عليها من باب بيع الحيوان وكفت بشهادتهما فى ذلك حجة بديعة.
أبو الحوارى:
انظر ج 9 ص 373.
الحلوانى:
انظر ج 1 ص 255 شمس الأئمة.
أبو الحوارى: انظر ج 9 ص 373.
حرف الدال:
أبو داود:
انظر ج 1 ص 257.
حرف الراء:
الربيع بن سبرة الجهنى:
هو الربيع بن سبرة التابعى رحمه الله تعالى مذكور فى المختصر فى باب المتعة وفى المهذب فى أول كتاب الصلاة وهو الربيع بن سبرة بن معبد الجهنى المدنى التابعى روى عن أبيه وعمر بن عبد العزيز وغيرهما وروى عنه ابناه عبد الملك وعبد العزيز والزهرى وآخرون قال أحمد بن عبد الله العجلى هو ثقة وروى له مسلم.
ربيعة:
انظر ج 1 ص 258.
الرجراجى توفى سنة 810 هـ:
أبو على عمر ابن محمد الرجراجى الفاسى الولى الزاهد والعالم العامل أخذ عن جماعة من مشيخة فاس منهم أبو عمر العبدرى وعنه جلة منهم ابن الخطيب القسنطينى توفى الى رحمة الله سنة 810 هـ وقبره معروف.
ابن رشد:
انظر ج 1 ص 258.
ابن الرفعة:
انظر ج 1 ص 259.
حرف الزاى:
ابن رزب:
انظر ج 9 ص 373.
الزركشى:
انظر ج 1 ص 259.
القاضى زيد:
انظر ج 1 ص 260.
الزعفرانى:
انظر ج 1 ص 259.
زفر:
انظر ج 1 ص 259.
أبو زكريا:
انظر ج 2 ص 352.
زيد بن ثابت:
انظر ج 1 ص 260.
حرف السين:
سبرة الجهنى:
سبرة بن معبد بن عوسجة بن حرملة بن سبرة الجهنى أبو ثرية بفتح المثلثة وكسر الراء وتشديد التحتانية ومصغر صحابى نزل المدينة وأقام بذى المروة روى عنه ابنه الربيع وذكر ابن سعد أنه شهد الخندق وما بعدها ومات فى خلافة معاوية وقد علق له البخارى وروى له مسلم وأصحاب السنن وعند مسلم وغيره من حديثه أنه خرج هو وصاحب له يوم الفتح فأصابا جارية من بنى عامر جميلة فأراد أن يستمتعا منها قالت فما تعطيانى فقال كل منا بردى قال فجعلت تنظر فترانى أشب وأجمل من صاحبى وترى برد صاحبى أجود من بردى قال فاختارتنى على صاحبى فكنت معها ثلاثا ثم أمرنا النبى صلى الله عليه وسلم أن نفارقهن وروى سيف فى الفتوح أنه كان رسول على لما ولى الخلافة بالمدينة الى معاوية يطلب منه بيعة أهل الشام.
أبو سته:
انظر ج 11 ص 378.
سحنون:
انظر ج 1 ص 261.
ابن سراج توفى سنة 489 هـ:
عبد الملك بن سراج بن عبد الله بن محمد بن سراج مولى بنى أمية أبو مروان، وزير، أديب من بيت علم ووقار فى قرطبة أطنب ابن بسام فى الثناء عليه وأشار الى تقدمه فى علوم اللغة، وأنه أحيا كتبا كثيرة كاد يفسدها جهل الرواة، واستدرك فيها أشياء من أوهام مؤلفيها أنفسهم ككتاب «البارع» لأبى على البغدادى، وشرح غريب الحديث للخطابى، ورد أبيات المعانى، للقتبى والبنات لأبى حنيفة وذكر مجموعة مما قاله أكابر شعراء عصره فى رثائه.
السرخس:
انظر ج 1 ص 561.
سعيد بن جبير:
انظر ج 1 ص 261.
سعيد بن عبد الله توفى سنة 300 هـ:
سعيد ابن عبد الله الأشعرى القمى، أبو القاسم فقيه امامى من أهل «قم» سافر كثيرا فى طلب الحديث من كتبه «مقالات الامامية» ومناقب رواة الحديث «ومقالب رواة الحديث نحو ألف ورقة، وفضل العرب، والرد على الغلاة» .
سعيد بن المسيب:
انظر ج 1 ص 261.
السكونى:
انظر ج 2 ص 353.
أم سلمة:
انظر ج 1 ص 261.
سلمة بن الأكوع:
انظر ج 9 ص 375.
حرف الشين:
ابن شاس:
انظر ج 2 ص 354.
شعبة:
انظر ج 1 ص 263.
الشيرازى:
انظر ج 1 ص 263.
حرف الصاد:
صالح بن الامام أحمد:
انظر ج 1 ص 264.
الصيمرى:
انظر ج 7 ص 393.
حرف الطاء:
الطحاوى:
انظر ج 1 ص 262.
حرف الظاء:
ظهير الدين:
انظر ج 7 ص 393.
حرف العين:
عائشة:
انظر ج 1 ص 265.
ابن عباد:
انظر ج 5 ص 372.
العبادى توفى سنة 458 هـ:
محمد بن أحمد ابن محمد بن عبد الله بن عباد الهروى الامام الجليل القاضى أبو عاصم العبادى الفقيه الشافعى صاحب الزيادات وزيادة الزيادات والمبسوط والهادى وأدب القضاء الذى شرحه أبو سعد الهروى فى كتابه الاشراف على غوامض الحكومات وله أيضا طبقات الفقهاء وكتاب الرد على القاضى السمعانى كان اماما جليلا حافظا للمذهب بحرا يتدفق بالعلم وكان معروفا بغموض العبادة وتعويص الكلام ضنة منه بالعلم وحبا لاستعمال الأذهان الثاقبة فيه ولد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة أخذ العلم عن أربعة: القاضى أبى منصور محمد ابن محمد الأزدى بهراة، والقاضى أبى عمر البسطامى والأستاذ أبى طاهر الزيادى وأبى اسحاق الاشعرايينى بنيسابور، قال القاضى أبو سعد الهروى لقد كان - يعنى أبا عاصم - أرفع أبناء عصره فى غزارة نكت الفقه والاحاطة بغرائبه عما دار أعلاهم فيه اسنادا قال وتغليق الكلام كان من عادته التى لم يصادف على غيرها مدة عمره قال والمحصلون وان أزروا عليه تغميض الكلام وتحدوا الايضاح عليه لكن جيلا من العلماء الأولين عمدوا على التغميض وفضلوه على الايضاح وكأنهم ضنوا بالمعانى التى هى الاغلاق النفيسة على غير أهلها ثم قال مع أن السبب الذى دعاه الى التغليق وحمله على التغميض أنه كان من المتلقنين على الامام أبى اسحاق الاسقرايينى ومن تصفح مصنفات أبى اسحاق لا سيما تجربة الافهام فى الفقه القاها على شدة الغموض والاغلاق، وأعلم أن الأستاذ أبا اسحاق أعدى الشيخ أبا عاصم بدائه وذهب به فى مذهب الايضاح عن سوائه، انتهى كلام أبى سعد، روى أبو عاصم عن أبى بكر أحمد ابن محمد بن ابراهيم بن سهل القراب وغيره وروى عنه اسماعيل بن أبى صالح المؤذن مات فى شوال سنة ثمان وخمسين وأربعمائة عن ثلاث وثمانين سنة.
عبادة بن الصامت:
انظر ج 2 ص 356.
ابن عباس:
انظر عبد الله ج 1 ص 267.
أبو العباس بن سريح:
انظر ج 7 ص 393.
أبو العباس بن القاصى:
انظر ج 4 ص 367.
عبد الله بن زرارة:
عبد الله بن زرارة بن أعين الشيبانى روى عن أبى عبد الله عليه السلام ثقة له كتاب عن على بن النعمان وأخذ عنه القاسم بن سليمان فى باب القضاء فى الديات عنه عبد الله بن بكير فى باب أن التى يتوفى عنها زوجها من أبواب العدد روى هذا الخبر بعينه عبد الله بن بكير عن عبيد الله بن زرارة فى باب عدد النساء الظاهر أنه الصواب بقرينة رواية ابن بكير عن عبيد الله من زرارة كثيرا واتحاد الخبر وعدم روايته عن عبد الله بن زرارة الا هنا والله أعلم.
عبد الله بن عباس:
انظر ج 1 ص 267
عبد الله بن مسعود:
انظر ج 1 ص 267
أبو عبد الله:
انظر ج 6 ص 387
أبو عبيدة:
انظر ج 5 ص 373
عبد الله بن عمر:
أنظر ج 1 ص 267
أبو عبد بن عبد السلام:
انظر ج 6 ص 387
عثمان:
أنظر ج 1 ص 268
عروة:
انظر ج 5 ص 373
عروة البارقى:
انظر ج 9 ص 379
عبد الرحمن بن القاسم:
انظر ج 1 ص 266
عبد الرازق:
انظر ج 2 ص 356
على بن جعفر:
انظر ج 10 ص 400
عكرمة:
انظر ج 1 ص 268
على خليل:
انظر ج 10 ص 400
علقمة:
انظر ج 2 ص 359
عمران بن الحصين:
انظر ج 2 ص 359
عمر:
أنظر ج 1 ص 269
ابن عمر:
انظر ج 1 ص 267
عمر بن سلمة الضمرى:
عبد الوهاب:
انظر ج 1 ص 267
حرف الغين:
ابنة غزوان:
هى برة بنت غزوان التى قال أبو هريرة رضى الله تعالى عنه قال كنت أجيرا لبرة بنت غزوان لنفقة رحلى وطعام بطنى فاذا ركبوا سبقت بهم واذا نزلوا خدمتهم فزوجنيها الله سبحانه وتعالى فأنا أركب واذا نزلت خدمت.
حرف الفاء:
الفارقى:
توفى سنة 492 هـ محمد بن الفرج بن ابراهيم بن على بن الحسن السلمى الشيخ أبو الغنائم الفارقى فقيه شافعى أحد الأئمة الرفعاء من تلامذة الشيخ أبى اسحاق الشيرازى قدم بغداد مع أبيه سنة نيف وأربعين وأربعمائة فتفقه على الشيخ وبرع فى المذهب وسمع الحديث من عبد العزيز الأزجى وأبى اسحاق البرمكى والحسن بن على الجوهرى والقاضى أبى الحسين بن المهتدى وغيرهم وعاد الى ديار بكر ثم قدم بعد حين ودرس ثم عاد فسكن جزيرة ابن عمر وحدث وروى عنه أبو الفتح بن البطى وكان فقيها زاهدا موصوفا بالعلم والدين توفى يوم الخميس مستهل شعبان سنة اثنين وتسعين وأربعمائة ووقع فى ترجمة تلميذه (ابن المدرك) من تاريخ شيخنا الذهبى أن أبا الغنائم مات سنة ثلاث وثمانين وهو وهم.
ابن الفضل:
انظر ج 8 ص 371
حرف القاف:
القابس:
انظر ج 7 ص 288
قتادة بن النعمان:
انظر ج 3 ص 353
ابن القاسم:
انظر ج 1 ص 271
القاضى:
انظر ج 2 ص 361
القدورى:
انظر ج 1 ص 272
قنبر:
هو غلام للامام على بن أبى طالب ورد ذكره فى حديث الأضحية حين قال على كرم الله تعالى وجهه لغلامه قنبر حين ضحى بكبشين يا قنبر خذ من كل واحد منهما بضعة فتصدق بهما بجلودهما وبرءوسهما.
حرف الكاف:
الكرخى:
انظر ج 1 ص 273
أم كرز:
أم كرز: الخزاعية ثم الكعبية قال ابن سعد الملكية أسلمت يوم الحديبية والنبى صلى الله عليه وسلم يقسم لحوم بدنه
فماتت ولها حديث فى العقيقة أخرجه أصحاب السنن الأربعة روى عنها ابن عباس وعطاء وطاووس ومجاهد وسباع ابن ثابت وعروة وغيرهم واختلف فى حديثها على عطاء فقيل عن قتادة عنه عن أبيه عن ابن عباس عنها وقيل عن ابن جزع وحمد ابن اسحاق وعمرو بن دينار ثلاثتهم عن عطاء عن قتيبة بن ميسرة بن أبى حبيب عنهما وقيل عن حجاج بن أرطاة عن عطاء عن عبيد بن عمير عنها وقيل عن حجاج عن عطاء عن ميسرة ابن أبى حبيب عنها وقيل عن أبى الزبير ومنصور بن زادان وقيس بن سعد ومطر الوراق أربعتهم عن عطاء بلا واسطة وزاد حماد بن سلمة عن قيس عن عطاء طاووس ومجاهد ثلاثتهم عن أم كرز ولم يذكر الواسطة وقيل عن قيس بن سعد عن أم عثمان بن خيثم عن أم كرز وقيل عن يزيد ابن أبى زياد وعن عطاء عن سبيعة بنت الحارث وقيل عن عبد الكريم بن أبى المخارق عن عطاء عن جابر وقيل عن محمد بن أبى حميد عن عطاء عن جابر وأقواها رواية ابن جريح ومن تابعه وصححهما ابن حبان ورواية حماد بن سلمة عند النسائى ورواية عبيد الله بن أبى يزيد عن سباع بن ثابت غنها ابن حبان ورواية حماد بن سلمة عند نحوه وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة (قلت) ووقع عند ابن اسحاق بن راهوية عن عبد الرازق عن ابن جريج بسنده فقال عن أم بنى كرز اللعبيين وكذا أخرجه ابن حيان من طريقه ويمكن الجمع بأنها كانت تكنى أم كرز وكان زوجها يسمى كرز أو المراد بن كرز بنو ولدها كرز كانوا ينسبون الى جدتهما هذه والله أعلم ولها حديث آخر من رواية عبد الله بن زيد عن سباع بن ثابت عن أم كرز قالت أتيت النبى صلى الله عليه وسلم وهو بالحديبية أسأله عن لحوم الهدى فسمعته يقول أقروا الطير على مصافها أخرجه النسائى بتمامه وأبو داود مختصرا وكذا الطحاوى وصححه ابن حيان وزاد بعضهم فى السند عن عبد الله ابن أبى يزيد عن أبيه وأخرج ابن ماجه بهذا السند عنها حديث «ذهبت النبوات وبقيت المبشرات» وصححه ابن حيان أيضا.
الكمال:
انظر ج 1 ص 273
الكنى:
انظر ج 6 ص 391
الفقيه الليث:
انظر ج 1 ص 274
حرف الميم:
ابن الماجشون:
انظر ج 2 ص 362
ابن ماجة:
انظر ج 1 ص 274
مجاهد:
انظر ج 3 ص 355
مارية:
انظر ج 8 ص 381
المازرى:
انظر ج 1 ص 274
ابن محبوب:
انظر ج 8 ص 381
محمد بن الحسن:
انظر ج 1 ص 275
محمد بن الحسن الصفار:
انظر ج 2 ص 355
أديب محمد أبا الحسن توفى سنة 1030 هـ هو محمد بن زين الدين الشهيد الثانى بن على الموسوى العاملى أديب من فقهاء الأمامية ولد فى جيع «بجبل عامل» ورحل الى كربلاء فتصدر للتدريس وتوفى بمكة له روضة الخواطر فى الأدب واستقصاء الاعتبار فى شرح الاستبصار فى الفقه، وشروح وحواس ورسائل فى الفقه والأصول وله شعر.
مالك:
انظر ج 1 ص 275
المشذالى:
توفى سنة 866 هـ: محمد بن القاسم بن محمد بن عبد الصمد أبو عبد الله
المشذالى مفتى بجاية «بالمغرب» وخطيبها نسبته الى مشذالة من قبائل زوادة ومولده ووفاته فى بجابة من كتبه تكملة حاشية الوانوغى على المدونة فى فقه المالكية «ومختصر البيان لابن رشد» والفتاوى.
امرؤ القيس توفى سنة 80 هـ:
هو امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندى من بنى آكل المرار أشهر شعراء العرب على الاطلاق يمانى الأصل مولده بنجد أو بمخلاف السكاسك باليمن اشتهر بلقبه واختلف المؤرخون فى اسمه فقيل جندج وقيل مليكه وقيل عدى وكان أبوه ملك أسد وغطفان وأمه أخت المهلهل الشاعر فلقنه المهلهل الشعر فقاله وهو غلام وجعل يشبب ويلهو ويعاشر صعاليك العرب فبلغ ذلك أباه فنهاه عن سيرته فلم ينته فأبعده الى دمون بحضر موت موطن آبائه وعشيرته وهو فى نحو العشرين من عمره وأقام زهاء خمس سنين ثم جعل يتنقل مع أصحابه فى أحياء العرب يشرب ويطرب ويغزو ويلهو الى أن ثار بنو أسد على أبيه وقتلوه فبلغ ذلك امرؤ القيس وهو جالس للشراب فقال رحم الله أبى ضيفنى صغيرا وحملنى دمه كبيرا لأصحو اليوم ولا سكر غدا اليوم خمر وغدا أمر ونهض من غده فلم يزل حتى ثأر لأبيه من بنى أسد وقال فى ذلك شعرا كثيرا وكانت حكومة فارس ساخطة على بنى آكل المرار «آباء امرؤ القيس» فأوعزت الى المنذر ملك العراق بطلب امرئ القيس فطلبه فابتعد وتفرق عنه أنصاره طاففى قبائل العرب حتى انتهى الى السمؤل فأجاره فمكث عنده مدة ثم رأى أن يستعين بالروم على الفرس فقدم الحارث بن أبى شمر الغسانى والى بادية الشام فسيره هذا الى قيصر الروم يوستتياس ويسمى فى القسطنطينية فوعد ومطله ثم والى أمره فلسطين البادية ولقبه فبلارق فرحل يريدها فلما كان بأنقرة ظهرت فى جسمه قروح فأقاله الى أن مات فى أنقرة وقد جمع بعض ما ينسب اليه من الشعر فى ديوان صغير وكثر الاختلاف فيما كان يدين به ولعل الصحيح أنه كان على المزركية وفى تاريخ ابن عساكر أن امرؤ القيس كان فى أعمال دمشق وان سقط اللوى والدخول وحومل وتوضح والمقراة الواردة فى مطلع معلقته أماكن معروفة بحوران ونواحيها وقال ابن قتيبة هو من أهل نجد والديار التى يصفها فى شعره كلها ديار بنى أسد وكشف لنا ابن بليهد فى صحيح الأخبار عن طائفة من الأماكن الوارد ذكرها فى شعره أين تقع وبماذا تسمى اليوم وكثيرا منها فى نجد ويعرف امرؤ القيس بالملك الضليل لاضطراب أمره طول حياته وذى القروح لما أصابه فى مرض موته وكتب الأدب مشحونة بأخباره وعنى معاصرونا بشعره وسيرته فكتب سليم الجندى حياة امرؤ القيس ومحمد أبو حديد الملك الضليل امرؤ القيس ومحمد هادى بن على الدفتر امرؤ القيس وأشعاره ومحمد صالح سمك أمير الشعراء فى العصر القديم ورئيف الخورى امرؤ القيس ومثله الفؤاد البستانى ولمحمد صبرى مثل ذلك.
مطرف:
انظر ج 2 ص 364
ابن مسعود:
انظر ج 1 ص 276
ابن المنذر:
انظر ج 1 ص 277
أبو منصور الماتريدى:
انظر ج 1 ص 274
الموفق انظر ابن قدامة:
انظر ج 1 ص 271
ابن المقرى:
انظر ج 5 ص 378
المؤيد بالله:
انظر ج 1 ص 275
موسى بن جعفر:
انظر ج 2 ص 380
حرف النون:
نافع مولى ابن عمر:
انظر ج 2 ص 358
النابغة الحبدى:
هو قيس بن عدس بن ربيعة الحبدى العامرى أبو يعلى شاعر مغلق
صحابى من المعمرين اشتهر فى الجاهلية وسمى النابغة لأنه أقام ثلاثين سنة لا يقول الشعر ثم نبغ فقاله وكان من هجر الأوثان ونهى عن الخمر قبل ظهور الاسلام ووفد على النبى صلى الله عليه وسلم فأسلم وأدرك صفين فشهدها مع على ثم سكن الكوفة فسيره معاوية الى أصبهان مع أحد ولاتها فمات فيها وقد كف بصره وجاوز المائة وأخباره كثيرة.
النسائى:
انظر ج 1 ص 279
حرف الهاء:
أم هلال:
أم هلال بنت هلال السلمية وقال أبو عمر المزنية ووهم قال روت حديث ضحوا بالجذع قلت أخرجه مسدد وأحمد قال حدثنا يحيى القطان عن محمد عن أبى يحيى الأسلمى عن أبيه عن أم بلال وكان أبوها مع النبى صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية قلت قال النبى صلى الله عليه وسلم ضحوا بالجذع من الضأن فانه جائز وأخرجه ابن السكن من رواية يحيى القطان وقال فى سياقه أم بلال امرأة من أسلم وقال ابن منده تابعه حاتم بن اسماعيل والقاسم بن الحكم عن محمد بن أبى يحيى ثم قال هو وابن السكن ورواه أبو ضمره عن محمد بن أبى يحيى فقال عن محمد بن أبى نجيح كذلك وذكرها كذلك العجلى فى ثقات التابعين.
أبو الهيثم:
توفى سنة 316 هـ: داوود بن الهيثم ابن اسحاق أبو سعد التنوخى الأبنارى فاضل من اللغويين النجاة من أهل الأبنار مولدا ووفاة له كتاب فى النحو على مذهب الكوفيين وكتاب «خلق الانسان» وشعر.
حرف الواو:
وابصة بن معبد:
انظر ج 2 ص 366
ابن وهب:
أنظر ج 10 ص 404
حرف الياء:
يعلى بن أمية:
انظر ج 3 ص 359
ابن يونس:
انظر ج 1 ص 281
يونس بن يعقوب:
أنظر ج 5 ص 379
يونس:
توفى سنة 429 هـ: هو يونس بن عبد الله ابن محمد بن مغيث أبو الوليد المعروف بابن الصفار قاض أندلسى من أهل قرطبة من متصوفة العلماء بالحديث كان قاضيا ببطليوس وأعمالها فخطيب بجامع الزهراء مع خطة الشورى وقلده الخليفة هشام ابن محمد المروانى القضاء بقرطبة مع الوزارة سنة 419 هـ ثم اقتصر على القضاء الى أن مات صنف كتبا منها المستوعب فى شرح الموطأ وفضائل المنقطعين الى الله عز وجل والتسلى عن الدنيا بتأميل خير الآخرة والابتهاج بحجية الله تعالى والتيسير والاختصاص والتقريب وفضائل المتهجدين وجميع مسائل ابن زرب وله نظم حسن فى الزهد وشابهه.
يونس المالكى:
توفى سنة 770 هـ: يونس المالكى شرف الدين صاحب الكنز المدفون والفلك المشحون المنسوب الى جلال الدين السيوطى والجوهر المصون كان من تلاميذ الذهبى المتوفى سنة 748 هـ.